تراجم رجال إسناد حديث تخيير النبي صلى الله عليه وسلم للجارية التي زوجها أبوها كرهاً
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن حسين بن محمد].
حسين بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا جرير بن حازم].
جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(241/16)
إسناد آخر لحديث تخيير النبي صلى الله عليه وسلم للجارية التي زوجها أبوها كرهاً وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا الحديث.
قال أبو داود: لم يذكر ابن عباس، وكذلك رواه الناس مرسلاً معروف].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى مرسلاً ليس فيه ذكر ابن عباس، وقال: إن جميع الروايات من غير هذه الطريق إنما هي بالإرسال.
ولكن قد علم أنه إذا تعارض الوصل والإرسال فإن الوصل يكون زيادة من ثقة، فتكون مقبولة ويقدم الوصل على الإرسال، فيكون الحديث ثابتاً ولا يؤثر كونه جاء من طرق أخرى مرسلاً.
وكلام أبي داود رحمه الله فيه إشارة إلى تضعيفه؛ لأنه قال: [وكذلك رواه الناس مرسلاً معروف].
لكن الحديث رجاله ثقات.
قوله: [حدثنا محمد بن عبيد].
هو محمد بن عبيد بن حساب، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد بن زيد].
هو حماد بن زيد بن درهم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب عن عكرمة].
وقد مر ذكرهما.(241/17)
استئمار الثيب في النكاح(241/18)
شرح حديث (الأيم أحق بنفسها من وليها)
قال رحمه الله تعالى: [باب في الثيب.
حدثنا أحمد بن يونس وعبد الله بن مسلمة قالا: أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها) وهذا لفظ القعنبي].
أورد أبو داود هذه الترجمة [باب في الثيب].
يعني أنها تستأمر، وأنها أحق بنفسها من جهة أنه لابد من إذنها، ويفهم منه أن البكر ليست كذلك، لكن هذه دلالة مفهوم، وقد جاءت الأحاديث الأخرى دالة على استئذانها وعلى استئمارها، فلا يترك المنطوق من أجل المفهوم، ولكن نص على الثيب بأنها أحق بنفسها لأنها قد حصل لها المعرفة وحصل لها العشرة مع الأزواج، فيكون استئذانها متعيناً.
لكن هذا لا ينفي أن تستأذن البكر التي يكفي في حقها أن تصمت، وأما الثيب فإنها تستأمر ولابد من النطق، وتلك تستأمر ولكن إن نطقت فذاك وإن لم تنطق فيكفي السكوت، والأيم هنا يراد بها الثيب؛ لأنها قوبلت بالبكر، مع أن (الأيم) يأتي لغير مزوجة مطلقاً، فكل من كانت غير مزوجة يقال لها: أيم.
لكن هنا يراد به خصوص الثيب.
قوله: [(الأيم أحق بنفسها من وليها)] يعني أنه لابد من استئذانها ولابد من أمرها وإذنها بذلك، وهذا يدل على أنه لابد من استئذانها كما جاء في الأحاديث الأخرى أنه لابد من نطقها، ولا دلالة فيه على أن البكر بخلاف ذلك؛ لأنها دلالة مفهوم، والمنطوق يُخالفه، ولا يعول على المفهوم وإنما يعول على المنطوق.
ثم -أيضاً- لا دلالة فيه على أن المرأة تتولى تزويج نفسها وأنها أحق من وليها بأن تزوج نفسها؛ لأن هذا مخالف للأحاديث الأخرى التي فيها أنه لابد من الولي وأنه الولي مشترط.(241/19)
تراجم رجال إسناد حديث (الأيم أحق بنفسها من وليها)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعبد الله بن مسلمة].
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[قالا: أخبرنا مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن الفضل].
عبد الله بن الفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع بن جبير].
هو نافع بن جبير بن مطعم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
وقد مر ذكره.
قوله: [وهذا لفظ القعنبي].
يعني أن هذا لفظ الشيخ الثاني؛ لأنه ساقه على لفظ الشيخ الثاني الذي هو عبد الله بن مسلمة القعنبي.(241/20)
شرح حديث (الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأمرها أبوها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل بإسناده ومعناه، قال: (الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأمرها أبوها).
قال أبو داود: (أبوها) ليس بمحفوظ].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه التعبير بالثيب بدل الأيم، حيث قال: (الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأمرها أبوها)].
وهذا فيه أن البكر يأتي معها الاستئمار ولكن لا يلزم في حقها ما يلزم في حق الثيب؛ فليس في حقها لازماً النطق بل يمكن أن تنطق ويمكن أن تسكت، وسكوتها كاف في إذنها.
ولفظ (أبوها) قال عنه أبو داود: [ليس بمحفوظ].
لكن جاء في صحيح مسلم (يستأمرها أبوها) وهذا يدل على ثبوته، وهو لا ينافي ما جاء في الروايات بأنها تستأذن؛ لأن كل الأولياء يستأذنونها، سواءٌ الأب أو غير الأب، حتى الأب يستأذنها، ولعل التنصيص على الأب على اعتبار أنه إذا كان يستأذنها فغيره من باب أولى.
فالرواية ثابتة وهي لا تنافي ما يأتي من الإطلاق في أنها تستأمر؛ لأن كلمة (تستأمر) لفظ عام يشمل الأب وغير الأب.
فمجيء استئمار البكر بدون أن يُنصَ على ذكر الأب لا ينافي رواية ذكر الأب؛ لأن الأب هو من جملة المستأمرين، فهو فرد من الأولياء، وكلمة (تستأمر) تدل على أن جميع الأولياء يستأمرون، وكلمة (أبوها) التي جاءت في بعض الروايات تدل على أن الاستئذان لازم، وأنه إذا كان أبوها يستأمرها فإن غيره من باب أولى.
فإذاً: لا تنافي بين رواية (تستأمر) وبين رواية (يستأمرها أبوها) ولا تعارض بينهما؛ لأنه في حال عدم ذكر الأب فالأولياء كلهم يستأمرون وفيهم الأب، وفي حالة ذكر الأب تكون الإشارة إلى أن الأب إذا كان يستأمر مع أنه أقرب الأولياء وأولى الأولياء فإن غيره يكون من باب أولى.(241/21)
تراجم رجال إسناد حديث (الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأمرها أبوها)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان بن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زياد بن سعد].
زياد بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن الفضل بإسناده ومعناه].
أي: بإسناده ومعناه الذي تقدم.(241/22)
شرح حديث (ليس للولي مع الثيب أمرٌ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن صالح بن كيسان عن نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأمر، وصمتها إقرارها)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(ليس للولي مع الثيب أمر).
يعني أن الأمر إنما هو إلى الثيب، وذلك لأنه لابد من أن تستأمر ولابد من نطقها.
قال: [(واليتيمة تستأمر، وصمتها إقرارها)].
وهو مثل ما تقدم.(241/23)
تراجم رجال إسناد حديث (ليس للولي مع الثيب أمر)
قوله: [الحسن بن علي].
هو الحسن بن علي الحلواني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح بن كيسان].
صالح بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع بن جبير].
نافع بن جبير وابن عباس مر ذكرهما.(241/24)
شرح حديث رد النبي صلى الله عليه وسلم نكاح من زوجها أبوها ثيباً كارهة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد الأنصاريين عن خنساء بنت خذام الأنصارية رضي الله عنها: (أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فرد نكاحها)].
أورد أبو داود حديث خنساء بنت خذام رضي الله عنها أن أباها زوجها وهي ثيب، وقد جاء في بعض الروايات: (وهي بكر) ولكن الرواية الثابتة في البخاري ألها ثيب، فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها.
أي: أن الثيب لابد في حقها من الاستئمار، وأنه لو حصل تزويجها بغير إذنها فإن الأمر إليها، فإن أرادت أن تمضيه وأن يبقى العقد على حاله ووافقت فلا بأس بذلك، وإن رفضت فإن نكاحها يرد.
والحكم كذلك في حق البكر.(241/25)
تراجم رجال إسناد حديث رد النبي صلى الله عليه وسلم نكاح من زوجها أبوها ثيباً كارهة
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك].
قد مر ذكرهما.
[عن عبد الرحمن بن القاسم].
عبد الرحمن بن القاسم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد الأنصاريين].
الأول هو عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري، قيل: ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
وهو من ثقات التابعين، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
وأخوه هو مجمع بن يزيد الأنصاري، وهو صحابي، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
وخنساء بنت خذام هي صحابية، أخرج حديثها البخاري وأبو داود والنسائي.(241/26)
الأسئلة(241/27)
حكم المدخول بها بعد عقد ليس فيه ولي
السؤال
إذا تزوجت امرأة بغير ولي ثم أنجبت أولاداً فما الحكم؟
الجواب
هو نكاح شبهة، ولا يقال إنه زنا.
وإنما هو نكاح شبهة، ولكن لابد من تجديد العقد عن طريق الولي بحضور شاهدين.(241/28)
ولاية السلطان على من ولدت من زنا
السؤال
المرأة التي ولدت من زنا هل السلطان يكون ولياً لها وما معنى السلطان هنا؟
الجواب
في الحديث (السلطان ولي من لا ولي له)، فالمرأة التي ولدت من زنا يكون وليها السلطان.
والسلطان هو ولي الأمر ومن ينوب عنه، مثل القضاة فإنهم هم الذين يرجع إليهم في ذلك.
والدول الكافرة إذا كان فيها مسلمون لهم مرجع يرجعون إليه فإنه يعتبر بمثابة السلطان؛ لأن الكفار لا ولاية لهم على المسلمين.(241/29)
التعبير في النصوص الشرعية باعتبار ما كان وما سيكون
السؤال
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تستأمر اليتيمة في نفسها) عبر فيه باليتم باعتبار ما كان، فهل يأتي في النصوص الشرعية التعبير باعتبار ما سيكون؟
الجواب
نعم يأتي ذلك في النصوص الشرعية، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)، فإنه أطلق أنه مات لأنه على وشك الموت، فأعطي معنى ما يقاربه أو ما يتصل به.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (المغرب وتر النهار)، مع أن صلاة المغرب في الليل وليست في النهار، ولكن لقربها من النهار ولاتصالها بالنهار قيل لها وتر النهار، وإلا فهي ليست في النهار، بل هي من صلوات الليل، ولذلك فهي من الصلوات الجهرية.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (شهرا عيد لا ينقصان)، مع أن العيد ليس في رمضان، وإنما هو في شوال، وأطلق الشهر وأضيف إليه وهو ليس منه؛ لأنه من شهر شوال، فهذا من جنس ما ذكر.(241/30)
حكم تزويج الأب ابنته غير البالغة دون استئذانها
السؤال
وردت الأحاديث في استئذان البكر إذا كانت بالغة، فإن كانت دون البلوغ فهل لأبيها أن يزوجها دون استئذانها؟
الجواب
بعض أهل العلم يقول بهذا إذا كان قد تقدم لها الكفؤ وخشي فواته، لكن ليس هناك شيء يدل على هذا إلا تزويج الرسول صلى الله عليه وسلم بـ عائشة رضي الله عنها، فإنه تزوجها وهي صغيرة دون البلوغ، ومعلوم أن تزويج أبي بكر للرسول صلى الله عليه وسلم غنيمة لا يماثلها غنيمة.
فبعض أهل العلم قال: إذا رأى الأب المصلحة في الزواج وعدم تفويت ذلك الكفؤ الذي تقدم لها فإنه يزوجها وهي صغيرة دون البلوغ.
لكن الذي يبدو ويظهر من النصوص أن الأبكار لا يزوجن إلا باستئذان.
وعلى كل حال فإنه إن زوجها فالتزويج صحيح، ولكن إذا اعترضت على ذلك فلها حق التخلص من الزوج.(241/31)
حكم استئمار الثيبات
السؤال
هل استئمار الثيبات شرط في صحة العقد؟
الجواب
ليس بشرط في صحة العقد، ولكنه أمر واجب ولازم، ولو حصل فإن الأمر يرجع إليهن، ولا يقال: إن العقد يبطل.
بل إذا وافقن وأقررن الذي قد حصل فإنه لا بأس بذلك، والذي يفعل التزويج من غير استئذان لاشك في أنه آثم؛ لأنه مخالف لهذه الأوامر.(241/32)
أثر طلاق المرأة بعد الخلوة بها دون جماع
السؤال
هل تعتبر المرأة ثيباً إذا طلقها زوجها قبل أن يدخل بها؟ وما حكم المرأة التي دخل بها زوجها ولم يجامعها وإنما أرخى الستر، فهل تعامل معاملة الثيب أم البكر؟
الجواب
المرأة إذا خلا بها زوجها وتمكن منها فإنها تستحق المهر كما هو معلوم، وتعامل معاملة الثيبات من ناحية الاستئذان وإن لم يجامعها، ولكنه حصل الاستمتاع والاتصال بالرجل، وقد يكون استمتع بها بغير الجماع.
فمثل هذه لا يقال لها بكر، بل تستأذن ولابد من نطقها.(241/33)
حكم تزويج البكر بدون استئذانها
السؤال
إذا زوجت البكر بدون استئذانها فهل يصح العقد؟
الجواب
يصح العقد، ولكنها إذا اعترضت فلها الخيار في أن تمضي العقد أو تبطله.(241/34)
حكم تزويج البنت بغير رضاها تعللاً برضاها بطول العشرة
السؤال
هناك من يزوج ابنته وهي غير راضية بالزوج، ويقول: سترضى مع مرور الزمن والمعاشرة.
فهل هذا الكلام صحيح؟
الجواب
ليس بصحيح، وليس له أن يزوجها إلا برضاها.(241/35)
حكم إرغام البنت على الزواج بمن فيه خير وصلاح
السؤال
إذا كان الأب يرى أن الرجل فيه خير وصلاح فأراد أن لا يفوت الخير على ابنته، فأرغمها على الزواج به لمعرفته بصلاحه وتقواه، فهل له ذلك؟
الجواب
الأصل أن التزويج يكون لمن كان كفؤاً ومرضياً، أما غير المرضي فلا يصلح أن يختار، ولكن لابد من أخذ رضاها.(241/36)
حكم الدعوة إلى الطعام عند حصول النعم
السؤال
رجل أنعم الله جلا وعلا عليه بنعمة فأراد أن يدعو إخوانه وزملاءه إلى الطعام شكراً لله، فهل يجوز هذا؟
الجواب
لا مانع من ذلك.(241/37)
حكم زواج الرجل دون إذن أبيه
السؤال
أريد أن أتزوج، ولكن والدي يريد أن يؤخر زواجي، فهل يجوز لي الزواج من غير استئذان والدي؟
الجواب
لك أن تتزوج، ولكن الأولى لك أن تجمع بين الأمرين: بأن تسترضيه وأن تقنعه، وإذا كنت قادراً على الزواج ومتمكناً من الزواج فلك أن تتزوج وإن لم يرض أبوك؛ لأنك صاحب الحق، وأنت الذي تحتاج إلى أن تعف نفسك وأن تبتعد عن الشيء الذي فيه مضرة لك، ولكن من الأولى والأفضل أن الإنسان يسعى لاسترضاء أبيه وإقناعه، ببيان المخاطر التي تترتب على عدم الزواج، وأن هذا يترتب عليه مفاسد، وأنه يعرض نفسه للحرام.(241/38)
حكم الحديث المتصل السند مع وجود صدوق له أوهام في رجاله
السؤال
ما حكم السند المتصل الذي فيه صدوق له أوهام وباقي رجاله ثقات؟
الجواب
يعتبر الحديث ثابتاً إذا كان الحديث ليس من أوهامه التي عدت عليه أنه أخطأ فيها.(241/39)
معنى (لا بأس به) عند الحافظ ابن حجر
السؤال
ما حكم السند الذي فيه صدوق أو قال عنه الحافظ: لا بأس به؟
الجواب
( لا بأس به) هي بمعنى (صدوق) عند الحافظ ابن حجر بلا فرق، وبعض العلماء يجعل (لا بأس به) تعادل (ثقة) وهذا مشهور عن يحيى بن معين؛ لأن (لا بأس به) عند يحيى بن معين توثيق، وهذا اصطلاح للإمام يحيى بن معين رحمة الله عليه.(241/40)
السن الذي تزوج فيه الفتاة
السؤال
هل هناك سن محدد شرعاً في زواج الفتاة؟
الجواب
ليس هناك سن محدد، وإنما إذا بلغت تزوج.(241/41)
الرد على القول بتخصيص حديث (الأيم أحق بنفسها) لعموم أحاديث اشتراط الولي
السؤال
لو قال قائل: إن الأحاديث التي ورد فيها اشتراط الولي عامة، وحديث (الأيم أحق بنفسها) خاص، فما الجواب؟
الجواب
الجواب أنه جاء في حق الأبكار نصوص خاصة وجاء في حق الثيبات -أيضاً- نصوص خاصة، فحديث الأيم الدلالة فيه دلالة مفهوم، والأحاديث الأخرى فيها دلالة منطوق، ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم.(241/42)
السن الذي تحجب فيه الفتاة عن الرجال
السؤال
ما هو السن الذي تحجب فيه الفتاة؟
الجواب
إذا صارت محلاً للشهوة ومحلاً للفتنة، والنساء في ذلك يتفاوتن.(241/43)
الحديث المسلسل بقراءة سورة الصف
السؤال
يقول شيخ الإسلام: إن صح مسلسل في الدنيا فهو المسلسل بقراءة سورة الصف.
فما هو الحديث المسلسل بقراءة سورة الصف، وأين يمكن أن نجده؟
الجواب
يمكن أن يرجع إلى تفسير ابن كثير في تفسير سورة الصف، أو إلى تفسير ابن جرير فإذا كان هناك شيء خاص بسورة الصف وبقراءتها فيرجع إلى كتب التفسير التي تعنى بالآثار، مثل تفسير ابن جرير وتفسير ابن كثير عند تفسير سورة الصف.(241/44)
محل رفع المصلي يديه عند قيامه من التشهد الأول
السؤال
رفع اليدين بعد التشهد الأول هل يفعله المصلي إذا كبر وهو جالس أم إذا اعتدل قائماً؟
الجواب
التكبير -كما هو معلوم- هو بين الركنين، بين الجلوس وبين القيام، فهو يكبر في حال كونه بين جلوسه وقيامه، ويكون ذلك عند نهايته في حال قيامه.(241/45)
المراد بسفيان الراوي عن معاوية بن هشام
السؤال
هل إذا روى معاوية بن هشام عن سفيان فهو الثوري؟
الجواب
هذا يعرف بمعرفة الشيوخ، فإذا كان معاوية بن هشام قد وجد في ترجمته أنه لا يروي عن سفيان بن عيينة فمعناه أنه إذا جاء يروي عن سفيان فالمقصود به الثوري.
وإذا كان يروي عن الاثنين يكون سفيان محتملاً، لكن الغالب أنه إذا كان متقدماً فهو الثوري فـ سفيان الثوري متقدم على سفيان بن عيينة، وإن كان سفيان بن عيينة -أيضاً- أدرك المتقدمين؛ لأنه عُمّر، وهو يروي عن الزهري، بل هو المشهور بالرواية عن الزهري، وسفيان الثوري لا يعرف بالرواية عن الزهري، مع أن الزهري متقدم وهو من صغار التابعين، ومع ذلك أدركه سفيان بن عيينة، وكانت وفاة سفيان بن عيينة بعد مائة وتسعين.(241/46)
تعليل تأخير مسلم زيادة (أبوها) في حديث استئمار البكر
السؤال
ذكر أبو داود في حديث استئذان البكر أن زيادة (أبوها) ليست محفوظة، والإمام مسلم قد ذكرها، فما رأيكم فيمن يقول: إن مسلماً أخر زيادة (أبوها) إلى آخر الباب يريد إعلالها؟
الجواب
القول بأنه أخرها إلى آخر الباب يريد إعلالها ليس بصحيح، بل هل ثابتة.
ثم إن إثباتها ليس فيه إشكال؛ لأن لفظة (تستأمر) يدخل فيها الأب وغير الأب، وذكر الأب للإشارة إلى أن الاستئمار لابد منه، فإذا كان الأب يستأمر فغيره من باب أولى، فلا تنافي بين هذه وهذه.
وقد أوضح هذا الحافظ ابن حجر في فتح الباري.(241/47)
ترجمة خطبة الجمعة ومتى تكون
السؤال
إذا كان هناك ترجمة لخطبة الجمعة فمتى تكون؟ هل تكون قبل الصلاة أم بعدها؟
الجواب
تكون بعدها، ولا تكون قبل الصلاة، فالخطبة معروف أنها قبل الصلاة.
وإذا كان الخطيب قد أعد الخطبة وأعطاها أحداً يترجمها إذا فرغ من الصلاة فلا بأس بذلك.
وإذا كان الخطيب متمكناً فيمكن أن يأتي بالترجمة بالعربية أولاً ثم يأتي بها بالترجمة أخيراً.
أما إذا كان الخطيب لا يعرف إلا العربية فالطريقة أنه يعطيها لشخص يترجمها وبعدما تنتهي الصلاة يأتي بالترجمة.
وإذا كان الخطيب يتكلم بجملة من الكلام ثم يسكت ليترجم المترجم بعده فهذا لا بأس به؛ لأن فيه تحقيقاً للمصلحة؛ لأنه إذا كان العجم يحضرون ثم يؤتى بكلام عربي لا يفهمونه فالمقصود من الجمعة لم يحصل.
ولا شك في أن الإتيان -في هذه الحالة- بالعربية وغير العربية هو الذي ينبغي وهو المطلوب، ولا يؤتى بها كلها بغير العربية.
إلا إذا كانوا كلهم عجماً ليس فيهم أحدٌ يفهم العربية فلا بأس؛ لأن المقصود من الخطبة الفهم، لكن إذا كان فيهم عرب وعجم فلابد من أن يستفيد هذا وهذا، ويبدأ بالأصل الذي هو العربية ويؤتى بعد ذلك بالترجمة.(241/48)
حكم الزواج بالمتوفى عنها زوجها قبل إتمام العدة
السؤال
مات رجل وترك زوجته فتزوجها أخوه الصغير قبل إتمام العدة ودخل بها، فماذا عليهما؟ وهل العقد باطل؟
الجواب
العقد لا يصح، وإذا كانا فعلاه على علم بالحكم فإنهما يؤدبان، وإذا كان عن جهل فإنه لابد من تجديد العقد، وكذلك لابد من تجديده إذا حصل مع علمهما بالحكم؛ لأن المرأة في حال عدتها لا يجوز عقد الزواج عليها، بل ولا يجوز التصريح بخطبتها، وأما التعريض فلا بأس به كما جاء في القرآن.(241/49)
وضوء من به سلس دائم
السؤال
من كان به سلسل دائم، هل يتوضأ إذا أحدث، أم عند دخول الوقت؟
الجواب
الذي عنده مرض دائم كسلس بول أو ريح فإنه يتوضأ عند دخول الوقت، فإذا دخل الوقت وأراد أن يذهب للصلاة فإنه يتوضأ، ولا يتوضأ قبل دخول الوقت.(241/50)
حكم وعد الأب غيره بتزويجه ابنته الصغيرة
السؤال
ما حكم وعد الأب للرجل بأن يزوجه ابنته الصغيرة؟
الجواب
هذه مواعيد، ولكن في المستقبل لابد من رضاها إذا بقوا على ذلك، ولابد أن يكون -أيضاً- كفؤاً لها.
فالأمر يتضح وقت طلب الزواج، فإذا كان أهلاً ورضيت به فلا بأس، وقد ينصرف عنها ويرغب عنها هو، وقد ترغب عنه هي فلا تريده.
وكون الأب قد وعد لا يصح اعتباره تزويجاً، وإنما هو وعد، وهذا يحصل من كثير من الناس ويلتزمون به ولو كان وعداً، وهذا لا يصح ولا يجوز إلا إذا كان برضاها وكان الزوج كفؤاً لها.
وبعض الجهال في البادية يحجر على ابنة عمه ويقول: لن يتزوجها إلا أنا، ومن تزوجها غيري سأفعل به وأفعل به، فهذه من العادات الجاهلية.
وشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه له من قديم الزمان رسالة باسم تحريم الشغار وغيره، وذكر فيها مسألة الشغار، وذكر فيها هذا التحجير الذي يكون في بعض الأعراف، حيث يحجر الرجل على بنت عمه فيقول: ابنة عمي هذه لا أحد يأخذها والذي سيأخذها سأقتله، وبين أن هذا من العادات السيئة الخبيثة التي لا يجوز إقرارها.(241/51)
حكم النكاح بغير تسمية المهر
السؤال
هل يجوز النكاح بغير أن يسمي شيئاً؟
الجواب
نعم يجوز، ولكن لا بد من أن يعين المهر، فلا يجوز النكاح بشرط أن لا صداق، ولكن كونه يعقد دون أن يسمي صداقاً يجوز، ثم يرجع في ذلك إلى مهر المثل.(241/52)
الجمع بين اختلاف الحديثين في طلب طارق بن المرقع ما جعله مهراً لابنته
السؤال
أخرج أبو داود في حديث أن طارق بن المرقع طلب رمحاً، وفي حديث آخر أنه طلب نعلين، فهل هما قضيتان أم أن هذا من الاضطراب؟
الجواب
يمكن أن يكون قد طلب الأمرين.
والحديث أن طارق بن المرقع جعل مهر ابنته التي ستولد رمحاً أو نعلين، فقد يقال: إن هذا يدل على أن المرأة كانت زهيدة عندهم.
والجواب أن الحديث غير ثابت، فوجوده مثل عدمه، ولكن يمكن أن يقال: إن ذلك ترغيب وحث ليحقق رغبته.(241/53)
توضيح لمبالغة الإمام البخاري في ثمن القلم حين انكسر قلمه
السؤال
يذكرون أن البخاري رحمه الله كان في مجلس علم فانكسر قلمه فقال: من يعطيني قلماً بكذا درهماً؟ فتناثرت عليه الأقلام، فما هو تفسير هذا؟
الجواب
هذا إذا ثبت فيمكن أن يكون المقصود منه اهتمامه بالوقت واشتغاله بالكتابة وأن لا يضيع عليه شيء من الوقت بدون كتابة؛ لأن الكتابة عندهم والعناية بالحديث كانت غالية الثمن، وليست رخيصة ولا سهلة، فالجلسة الواحدة عنده تساوي شيئاً كثيراً، فما أراد أن يفوت عليه العلم بسبب القلم الذي انكسر.(241/54)
شرح سنن أبي داود [242]
الكفاءة في الدين معتبرة في النكاح، وكذلك الكفاءة في الحرية، وأما الكفاءة في النسب والحرفة ونحو ذلك ففيها خلاف، والأحاديث تدل على أنها غير معتبرة.(242/1)
الكفاءة في الزواج(242/2)
شرح حديث (يا بني بياضة أنكحوا أبا هند)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الأكفاء.
حدثنا عبد الواحد بن غياث حدثنا حماد حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا هند رضي الله عنه حجم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في اليافوخ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا بني بياضة! أنكحوا أبا هند وانكحوا إليه)، وقال: (وإن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في الأكفاء].
أي: الأكفاء في النكاح، يعني كون الزوج يكون كفؤاً للزوجة وكذلك الزوجة، فالكفاءة هي كون كل من الزوجين كفؤاً للآخر، بحيث يكون هناك تكافؤ وتماثل بين الأزواج.
والكفؤ: هو المثيل والنظير، وجمعه: أكفاء، كما بوب المصنف، وبعض الناس قد يخطئ فيجمعه على (أَكِفَّاء) وهو خطأ؛ لأن أَكِفَّاء جمع كفيف، وإنما جمع كفؤ أكْفَاء.
فالكفؤ هو: المثيل والنظير والشبيه، ولهذا فقول الله عز وجل في سورة الإخلاص: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4] يعني: ليس له مثيل وليس له نظير؛ لأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] فالسورة الكريمة فيها إثبات الأحدية والصمدية، وتنزيه الله عز وجل عن الأصول والفروع والنظراء والأمثال، فتنزيهه عن الفروع في قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ} [الإخلاص:3] وتنزيهه عن الأصول في قوله تعالى: {وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3]، فلم يكن متفرعاً عن أحد ولم يكن أحد متفرعاً عنه، فهو منزه عن الأصول والفروع والنظراء والأمثال.(242/3)
الكفاءة المعتبرة شرعاً
فالكفؤ هو المثيل والشبيه أو المثيل والنظير.
والكفاءة في الدين لا شك أنها معتبرة، وقد اتفق عليها.
والحرية لا شك في أنها معتبرة كذلك، وقد جاء ما يدل على اعتبارها من جهة أن الحر لا يتزوج الأمة إلا إذا كان مضطراً، فيجوز الزواج بها اضطراراً ولا يجوز اختياراً؛ لقول الله عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:25]، أي: فليتزوج أمة؛ لكن هذا مقيد بعدم القدرة على تزوج الحرة، فالحرية معتبرة.
ولهذا جاء أن الزوج والزوجة إذا كانا من الأرقاء ثم عتقت الزوجة وبقي الزوج على رقه فإن الزوجة مخيرة، كما حصل لـ بريرة مع مغيث، فإنها لما عتقت خيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأشار عليها أن تبقى معه، وذلك لشدة تعلق مغيث بها.
فالمكافأة في الحرية جاء ما يدل عليها، وتتجاوز للحاجة وللضرورة كما جاء في سورة النساء في الآية الكريمة.(242/4)
الكفاءة في النسب وحكم اعتبارها في الزواج
ومن العلماء من أضاف الكفاءة في النسب، فالعربي يتزوج العربية، والأعجمي يتزوج الأعجمية، والمولى يتزوج المولاة، ولكن ليس هناك شيء يدل على ذلك، ولكن أكثر العلماء على اعتبار الكفاءة في الدين والحرية والنسب، وكذلك الصناعة كما سيأتي.
ولا أعلم دليلاً يدل على منع تزوج العربي بالأعجمية، ولكنه إذا كان هناك مفاسد وأضرار يمكن أن تنشأ عن هذا، بأن يحصل من القبيلة شيء من المخاوف التي تخشى فإنه لا يفعل ذلك؛ لأن دفع الضرر الأكبر مطلوب، فترك زواج شخص من امرأة أهون من حصول فتنة، وحين لا يخشى شيء من ذلك فإنه ليس هناك مانع يمنع، وقد جاء ما يدل على ذلك، أي: على أن ذلك سائغ.
ولكن -كما قلت- إذا كان هناك أضرار تترتب على ذلك فإنه يترك ذلك التزويج.
ومما ذكروه التكافؤ والتماثل في الصناعة، وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذه الأمور الأربعة التي هي الدين، والحرية، والنسب، والصناعة معتبرة.
والصناعة شأنها شأن النسب، فإذا لم يترتب على الزواج مع اختلاف الحرفة مضرة فإنه لا مانع يمنع من الزواج.
ولكن إذا كان سيترتب على ذلك مضرة من القبيلة التي لا يوجد فيها تلك الحرفة، كأن يكون هناك من يعمل في الفحم -مثلاً- ثم أتى ليتزوج من أناس يكرهون هذا وخشي حصول فتنة، فإنه لا يصار إلى ذلك؛ لأن هذا شيء فيه مضرة، ومعلوم أن حصول الضرر الأشد ينبغي أن يتخلص من الوصول إليه بارتكاب ما هو دونه، وذلك إذا كان سيؤدي إلى ما هو أشد وإلى ما هو أخطر كما هو الحال في النسب كما أشرت إليه آنفاً.(242/5)
متى تتجاوز الكفاءة في الحرية
وعلى هذا فإن الذي جاءت به النصوص هو الكفاءة في الدين، وكذلك الكفاءة في الحرية جاء ما يدل عليها، ولكن يجوز تجاوزها عند الاضطرار وعند الحاجة كما عرفنا في كون الحر يتزوج الأمة إذا لم يقدر على الحرة.
ويدل عليه كذلك أن الأمة إذا عتقت وزوجها باق على الرق فإنها تكون مخيرة.
والرقيق لا يتزوج الحرة ابتداءً، ولكن تمكن الاستدامة، وهذا من قبيل ما يجوز في الاستدامة ولا يجوز في الابتداء.
لكن كونه أعلى منها -أي أنه حر- فله أن يتزوج ابتداءً عند الضرورة حين لا يستطيع الزواج بالحرة التي هي مكافئة ومماثلة له.(242/6)
حكم تزويج أصحاب المهن الرديئة
وأورد أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ)، واليافوخ هو الذي يكون فيه مجتمع ملتقى مقدم الرأس مع مؤخره، ويكون رقيقاً حال الأشهر الأولى من الولادة، فإذا كبر المولود ضخم واشتد حتى يصير مثل بقية الرأس، ولكنه في حال الصغر عندما يولد المولود إذا لمسه الإنسان يجد شيئاً رقيقاً ليس مثل بقية الرأس، فهذا يقال له: اليافوخ.
فـ أبو هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المكان.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: [(يا بني بياضة! أنكحوا أبا هند وانكحوا إليه)].
يعني: زوجوه وتزوجوا منه.
وهذا محل الشاهد للترجمة؛ لأنه حجام، وهي مهنة ليست بشريفة، فليست من المهن الشريفة، بل هي من المهن الدنيئة، وذلك لأن لها علاقة بالدم، وكانوا فيما مضى يعتبرون الحجامة فيها شيء من عدم النظافة؛ لأنه يمص المحاجم، وقد يدخل الدم السيئ الفاسد إلى حلقه بسبب هذا المص، ولهذا جاء في الحديث: (أفطر الحاجم والمحجوم)؛ لأن الحاجم قد يفطر بسبب المص الذي قد يصل إلى حلقه.
ثم بعد ذلك استخدمت الآلات التي يحجم بها بدون مص، وعلى هذا يفطر المحجوم دون الحاجم.
فلما كانت الحجامة فيها مص وقد ينتقل إليه شيء من الدم الفاسد اعتبرت مهنته مهنة سيئة ومهنة رديئة.
لهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كسب الحجام خبيث) يعني: رديء، وليس معناه أنه محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم واعطى الحجام أجره، ولو كان حراماً لم يعطه، ولكن وصفه بأنه خبيث معناه أنه ليس من المكاسب الشريفة، بل من المكاسب الرديئة، كما قال الله عز وجل: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة:267] يعني الرديء، فقوله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [البقرة:267] يعني: رديء الطعام ورديء الأشياء.
فالخبث لا يطلق على المحرم فقط، بل قد يطلق على الشيء الرديء من الشيء المباح الذي لا حرمة فيه، ومنه قوله: (كسب الحجام خبيث)، ولا يلزم من ذلك أنه محرم؛ يقول ابن عباس: ولو كان حراماً لم يعطه.
إذاً قوله: (خبيث) أي: رديء.
وقوله صلى الله عليه وسلم: [(يا بني بياضة! أنكحوا أبا هند)] معناه أنه ليس من أنفسهم، وكأنه مولىً لهم؛ لأنه إذا كان مولى يقال له: مولاهم، وإذا كان منهم قيل: من أنفسهم.
مثلما قالوا في ترجمة البخاري ومسلم، حيث يقولون في مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري، ثم يقولون بعد القشيري: (من أنفسهم) أي أنه منهم، فنسبته إليهم نسبة أصل.
ولهذا يميز بين نسبة الأصل بأن يقال: (من أنفسهم) ونسبة الولاء بأن يقال: (مولاهم).
وفي ترجمة البخاري يقال: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه البخاري الجعفي، مولاهم.
أي: مولى الجعفيين، فنسبته إلى الجعفيين نسبة ولاء وليست نسبة أصل، وأما نسبة مسلم إلى القشيريين فهي نسبة أصل.(242/7)
التداوي بالحجامة وحكمه
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(وإن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة)].
يعني أن الحجامة هي من العلاج الذي تكون فيه فائدة وتترتب عليه مصلحة، وذلك لأن فيها إخراج دم فاسد، فيترتب على ذلك شفاء بإذن الله، وقد جاء في الحديث ما يتعلق بالعسل والحجامة، وكذلك الكي، وأنه يكون فيها شفاء بإذن الله عز وجل، فهذا فيه إرشاد إلى الحجامة لمن احتاج إليها علاجاً، ولكن لا يقال: إنها سنة وإن الإنسان يحتجم ولو لم يكن بحاجة إلى الحجامة.
فهذا علاج وتداوٍ، والتداوي يصار إليه عند الحاجة، ولا يتداوى من غير حاجة، فالذي يحتاج إلى الحجامة يحتجم، والذي لا حاجة له إلى الحجامة فليحمد الله على العافية.
وقوله: [(وإن كان في شيء)] ليس معنى ذلك التردد، وإنما هو إثبات؛ لأن هذا التعبير يكون في الإثبات كما يكون في التردد، ومعلوم أن كثيراً من الأدوية فيها شفاء، كما في الحديث: (ما أنزل الله من داء إلا وجعل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله)، ولكن هذا فيه بيان عظم نفعها وعظم الفائدة من ورائها، وذلك لما فيها من استخراج الدم الفاسد وحصول العلاج بذلك وحصول النفع بذلك.(242/8)
تراجم رجال إسناد حديث (يا بني بياضة أنكحوا أبا هند)
قوله: [حدثنا عبد الواحد بن غياث].
عبد الواحد بن غياث صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثنا حماد].
حماد هو ابن سلمة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
وقولهم: (حماد) هو من قبيل المهمل في علم المصطلح، حيث يذكر اسم الراوي ولا يذكر اسم أبيه فيلتبس بغيره، والالتباس يكون بين حماد بن زيد وحماد بن سلمة، وذلك يعرف بالشيوخ والتلاميذ، والمزي في تهذيب الكمال ذكر بعد ترجمة حماد بن سلمة فصلاً في ضوابط المراد بحماد إذا كان مهملاً هل هو ابن زيد أو ابن سلمة، وذلك بالتنصيص على بعض التلاميذ الذين إذا ذكروا كان حماد هو ابن زيد أو إذا ذكر آخرون كان حماد هو ابن سلمة، وهنا جاء مهملاً.
وعبد الواحد بن غياث روى عن الحمادين، روى عن حماد بن زيد وحماد بن سلمة، لكن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص هذا روى عنه حماد بن سلمة دون حماد بن زيد، فيكون المراد حماد بن سلمة.
[حدثنا محمد بن عمرو].
هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(242/9)
أسباب إكثار أبي هريرة رضي الله تعالى عنه من رواية الحديث
ومعلوم أن أبا هريرة إنما أسلم عام خيبر، وذلك في السنة السابعة، ومع ذلك فهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه، وما روي عن أحد من الصحابة مثلما روي عنه، وهو متأخر الإسلام؛ لأنه لم يسلم إلا عام خيبر في السنة السابعة، ويرجع إكثاره من الحديث إلى أمور: منها: أنه كان مقيماً في المدينة والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كثيرٌ منهم تفرقوا في البلدان، وانتقالهم إنما هو للدعوة إلى الله عز وجل وبيان شرائع الإسلام للناس وتعليم الناس، وليس خروجهم من المدينة رغبة عنها، وإنما كان لمصلحة رأوها، وهي كونهم يبذلون النفع، ولو تجمعوا في المدينة وبقوا فيها لما حصلت الفائدة للآخرين الذين هم في البلاد الأخرى، فكونهم ينتقلون إلى بلاد مختلفة هذا إلى البصرة وهذا إلى الكوفة وهذا إلى مصر وهذا إلى الشام وهذا إلى كذا فيه فائدة عظيمة، وهي نشر الإسلام، ونشر تعاليم الدين، وتبصير الناس بالحق والهدى.
فكان من أسباب إكثار أبي هريرة أنه كان مقيماً في المدينة، فكان يكثر الواردون إليها فيأخذون منه ويأخذ منهم، وإذا جاء أحد من الصحابة إلى المدينة أخذ منه، وإذا جاء إلى المدينة أناس من التابعين أو من الصحابة أخذوا عنه، فهذا من أسباب إكثاره.
ومن أسباب إكثاره أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بالحفظ، فكان يحفظ الحديث.
ومن أسبابه أنه من حين أسلم كان ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم، يأكل من طعامه، ويسير معه حيث سار، ويجلس معه حيث جلس، ويشاركه في طعامه، فكان ملازماً له، وكثير من الصحابة يذهبون للبيع والشراء ولمزارعهم وبساتينهم ولأشغالهم، وأما هو فاختار ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت هذه الملازمة سبباً في كثرة التحمل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحدث بالحديث وهو حاضر، وقد دعا له بأن يحفظ، والناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم وهو حاضر، فكان هذا من أسباب إكثاره رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
فلا غرابة في أن يكون أكثر الصحابة حديثاً مع تأخر إسلامه؛ لأن هذه الأسباب واضحة الدلالة على حصول إكثاره، وأنه لا يعاب بذلك، ولا يوصف بأمر يقدح فيه لكونه متأخراً وكون المهاجرين الأولين السابقين للإسلام روي عنهم من الحديث أقل مما روي عنه بكثير.(242/10)
تزويج من لم يولد(242/11)
شرح حديث ميمونة بنت كردم في تزويج من لم تولد
قال رحمه الله تعالى: [باب في تزويج من لم يولد حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن المثنى المعنى قالا: حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي من أهل الطائف حدثتني سارة بنت مقسم أنها سمعت ميمونة بنت كردم رضي الله عنها قالت: (خرجت مع أبي في حجة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدنا إليه أبي وهو على ناقة له، فوقف له واستمع منه، ومعه درة كدرة الكتاب، فسمعت الأعراب والناس وهم يقولون: الطبطبية، الطبطبية، الطبطبية.
فدنا إليه أبي فأخذ بقدمه فأقر له ووقف عليه واستمع منه، فقال: إني حضرت جيش عثران -قال ابن المثنى: جيش غثران- فقال طارق بن المرقع: من يعطيني رمحاً بثوابه؟ قلت: وما ثوابه؟ قال: أزوجه أول بنت تكون لي.
فأعطيته رمحي ثم غبت عنه حتى علمت أنه قد ولد له جارية وبلغت، ثم جئته فقلت له: أهلي جهزهن إلي، فحلف أن لا يفعل حتى أصدقه صداقاً جديداً غير الذي كان بيني وبينه، وحلفت لا أصدق غير الذي أعطيته، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وِبقَرْنِ أيِّ النساء هي اليوم؟ قال: قد رأت القتير! قال: أرى أن تتركها، قال: فراعني ذلك، ونظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما رأى ذلك مني قال: لا تأثم ولا يأثم صاحبك)].
قال أبو داود: والقتير: الشيب.
أورد أبو داود هذه الترجمه، وهي في تزويج من لم يولد، أي: تزويج من يكون عند التزويج غير مولود، أي: تزويج المعدوم الذي لم يوجد، وهذا -كما هو معلوم- غير جائز ولا يصح، وهو من جنس بيع المعدوم، فكل ذلك لا يجوز، فتزويج المعدوم غير جائز وبيع المعدوم غير جائز.
والحديث الذي أورده أبو داود في هذا ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه من هو مجهول، فلا يعتد به ولا يحتج به فلا حجة فيه، فهو غير ثابت، وأيضاً من حيث المعنى فيه تزويج لمعدوم، وتزويج المعدوم لا يصح فهو مثل بيع المعدوم.
وأورد أبو داود حديث ميمونة بنت كردم أنها قالت: [خرجت مع أبي في حجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدنا إليه أبي وهو على ناقة له، فوقف له واستمع منه ومعه درة كدرة الكتاب].
تخبر ميمونة بنت كردم أنها حجت مع الرسول صلى الله عليه وسلم هي وأبوها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه أبوها ودنا منه ومعه درة -والدرة هي السوط- كدرة الكتاب، أي: كالسوط أو العصا الذي يكون مع معلم الصبيان.
قالت: [فسمعت الأعراب والناس وهم يقولون: الطبطبية، الطبطبية، الطبطبية].
فسر هذا بأن الطبطبية يراد بها صوت المشي والحركة، وفسر بأنه صوت الدرة التي إذا حركت صار لها صوت.
قالت: [فدنا إليه أبي فأخذ بقدمه فأقر له ووقف عليه واستمع منه].
أي: أقر له بما أخبر به وبما دعا إليه وبما بينه صلى الله عليه وسلم.
قالت: [فقال: إني حضرت جيش عثران -قال ابن المثنى: جيش غثران-].
معنى هذا أن أبا داود له شيخان: أحدهما الحسن بن علي الحلواني قال: (عثران) بالعين المهملة، والثاني ابن المثنى قال: (غثران) بالغين المعجمة، فلما ساقه على لفظ الشيخ الأول الذي هو الحسن بن علي الحلواني وكان محمد بن المثنى لا يتفق معه في هذه اللفظة لأنها بالعين وإنما يرويها بالغين نبه على ذلك وقال: [وقال ابن المثنى: غثران].
قوله: [فقال طارق بن المرقع: من يعطيني رمحاً بثوابه؟ قلت: وما ثوابه؟ قال: أزوجه أول بنت تكون لي].
يعني أنهم كانوا في ذلك الجيش، فقال: من يعطيني رمحاً بثوابه؟ فقال: وما ثوابه؟ قال: أزوجه أول بنت تولد لي.
فأعطاه رمحه.
وكان هذا الجيش في الجاهلية قبل الإسلام.
قوله: [فأعطيته رمحي ثم غبت عنه حتى علمت أنه قد ولد له جارية وبلغت، ثم جئته فقلت له: أهلي جهزهن] يعني: غاب عنه مدة طويلة وجاءه بعد خمس عشرة سنة أو أكثر وقال: جهز لي أهلي؛ لأنه كان قد تزوجها قبل أن تولد.
فقال طارق: والله لا أفعل حتى تصدقني.
أي: صداقاً غير الرمح الذي أخذته في ذلك الوقت.
فحلف كردم أن لا يعطيه شيئاً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: [(وبقرن أي النساء هي اليوم؟)].
أي: كم سنها اليوم؟ لأن القرن هم الذين يكونون متقاربين في السن.
قال: [قد بلغت القتير] يعني: الشيب، أي: تقدمت بها السن.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(أرى أن تتركها)].
يقوله لهذا الذي يطالب بها ويريد أن تجهز له.
قوله: [قال: فراعني ذلك].
يعني: ظهر عليه التألم والتأثر لكون النبي صلى الله عليه وسلم أشار عليه بالترك فقال له: [(أرى أن تتركها)].
قوله: [ونظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأى ذلك مني قال: (لا تأثم ولا يأثم صاحبك)].
يعني أن الترك هو لئلا تأثم ولا يأثم صاحبك، لكون الزواج كان بمعدوم، وأيضاً حتى لا يترتب على ذلك مفاسد ومشاكل وأضرار وسوء اختلاف.
فكونه يتخلص من هذا الذي فيه ما فيه لا شك أن فيه السلامة.
وليس المراد بقوله: [(لا تأثم ولا يأثم صاحبك)] الحنث في اليمين؛ إذ اليمين أمرها يسهل بالتكفير، والذي يظهر أنه يقصد غير الحنث في اليمين وهو ما أشرنا إليه.
والحديث -كما هو معلوم- ضعيف، ومثل ذلك الزواج لا يصح ولا يجوز، وقد عرفنا فيما مضى أن المرأة لابد من أن تستأذن، ولابد من أن تأذن، إن كانت ثيباً فلابد من أن تنطق، وإن كانت بكراً فيكفي أن تصمت، وليس القضية قضية تزويج دون أن يكون للمرأة رأي فيها.(242/12)
تراجم رجال إسناد حديث ميمونة بنت كردم في تزويج من لم تولد
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
هو الحسن بن علي الحلواني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا النسائي.
[ومحمد بن المثنى].
هو محمد بن المثنى أبو موسى العنزي، الملقب بـ الزمن، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة بدون واسطة.
[حدثنا يزيد بن هارون].
هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي].
هو عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثتني سارة بنت مقسم].
سارة بنت مقسم مجهولة، أخرج لها أبو داود.
[سمعت ميمونة بنت كردم].
ميمونة بنت كردم صحابية، أخرج حديثها أبو داود وابن ماجة.(242/13)
شرح حديث ميمونة بنت كردم من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني إبراهيم بن ميسرة أن خالته أخبرته عن امرأة -قالت: هي مصدقة امرأة صدق- قالت: بينا أبي في غزاة في الجاهلية إذ رمضوا، فقال رجل: من يعطيني نعليه وأنكحه أول بنت تولد لي؟ فخلع أبي نعليه فألقاهما إليه، فولدت له جارية فبلغت.
وذكر نحوه لم يذكر قصة القتير].
أورد الحديث من طريق أخرى، ولكنه هنا أبهم المرأة التي تحكي القصة، وقال من روى عنها: [هي مصدقة امرأة صدق] أي: ذات صدق، فهي مبهمة ولكن وصفت بأنها مصدقة وذات صدق، وهي ميمونة بنت كردم التي مرت في الحديث السابق.
والحديث هنا يبين أن الغزاة إنما كانت في الجاهلية.
وفيه أن الشيء الذي حصل به الوعد غير الرمح، حيث ذكر أنهم رمضوا فقال: من يعطيني نعلين وأزوجه أول بنت تولد لي؟ فأعطاه نعليه.
فالذي ليس له نعلان تضره الرمضاء لشدة حرارتها، فقولها: [رمضوا] معناه: أصابهم شدة حرارة الرمضاء، ولهذا جاء في الحديث: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) يعني: حين تصيبها حرارة الشمس، والفصال هي أولاد الإبل، ومعناه شدة الضحى، يعني أن خير أوقات صلاة الضحى وأفضل أوقاتها في وقت شدة الحرارة وشدة الرمضاء، ومعلوم أن وقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال، ولكن أولاه وأفضله هو هذا الوقت، ومنه قول الشاعر: المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار(242/14)
تراجم رجال إسناد حديث ميمونة بنت كردم من طريق ثانية
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
هو أحمد بن صالح المصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جرير المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني إبراهيم بن ميسرة].
إبراهيم بن ميسرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن خالته أخبرته].
خالته هذه لا تعرف، فهي مجهولة، أخرج لها أبو داود، وهي مثل سارة التي مرت في الإسناد السابق.
فكل إسناد من الإسنادين به مجهول.
[عن امرأة قالت: هي مصدقة، امرأة صدق].
القائلة هي خالة إبراهيم بن ميسرة، يعني أنها تروي عن امرأة ذات صدق ولم تسمها، وقال الحافظ ابن حجر: هي ميمونة بنت كردم.(242/15)
شرح سنن أبي داود [243]
من الأمور التي تجب بالنكاح أن تعطى المرأة صداقها، وخير المهور أيسرها، ولم يرد في الشرع تحديد أقل المهر ولا أكثره؛ لكن جاء ما يدل على الإرشاد إلى التقليل منه، وأنه يجوز أن يكون عملاً يقوم به الزوج للمرأة كتعليم القرآن ونحوه.(243/1)
الصداق(243/2)
شرح حديث عائشة رضي الله عنها في إصداق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصداق.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثنا يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة أنه قال: (سألت عائشة رضي الله عنها عن صداق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قالت: ثنتا عشرة أوقية ونش.
فقلت: وما نش؟ قالت: نصف أوقية)].
أورد أبو داود رحمه الله [باب الصداق] يعني أن الصداق هو من الأمور التي لابد منها في الزواج، فلا يكون الزواج بدون صداق، وإنما يكون بصداق ولو كان قليلاً، مثل ما جاء في الحديث الذي سيأتي: (التمس ولو خاتماً من حديد).
ثم لم يجد ولا خاتماً من حديد، فزوجه إياها في مقابل عمل يعمله لها، وهو أن يعلمها شيئاً من القرآن فيكون صداقها؛ لأن تعليمها شيئاً من القرآن له مقابل، وكونه يؤدي لها عملاً له مقابل، فيكون ذلك صداقاً يقوم مقام النقود، إذ لا تحصل النقود إلا بالعمل.
فالصداق من الأمور التي لابد منها في الزواج وإن قل أو كثر، وإن لم يسم فإنه يرجع إلى مهر المثل، فإذا حصل الزواج بدون تعيين الصداق يصح العقد ولكن يرجع فيه إلى مهر المثل، وليس معناه أنه يصح بدون صداق، بل لا بد من صداق، فإن سمي في العقد وعند الاتفاق فهو الصداق المسمى، وإن لم يسم شيء فإنه يتعين صداق المثل.
والأصدقة المشروع فيها التسامح والتساهل وعدم المبالغة، وعدم تعريض الخاطبين للترك والرغبة عن المرأة، وتعريض البنات لأن يبقين بدون أزواج بسبب قصد الحصول على مبلغ كبير وعلى مال كثير، فإن الكفؤ إذا جاء وهو أهل لأن يزوج فلا يوقف التزويج على حصول صداق كثير أو مال كثير، فإن الكفؤ يعتبر غنيمة، ولا يرد الكفؤ من أجل المال ومن أجل كثرة المال؛ لأن الإعفاف وحصول الزوج الكفؤ هو المهم في الأمر.
وقد يترتب على صد الخطاب أن تبقى المرأة بدون زوج فتكبر وتتقدم بها السن ولا يتقدم لها من ترغب أن يتقدم لها، وتضطر إلى أن تتزوج بمن لا ترغبه، وتكون الفرصة قد فاتتها بسبب رغبة وليها في كثرة الصداق، أو رغبتها هي في كثرة المال، وما إلى ذلك.
فالصداق التيسير فيه والتسهيل وعدم المبالغة من الأمور المطلوبة؛ لأن فيه تسهيل أمر الزواج، وإعفاف الشباب والشابات لحصول استغناء بعضهم ببعض، حتى لا يتعرضوا للحرام ولا للأمور التي لا تسوغ.
وأورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: [(ثنتا عشرة أوقية ونش)].
والأوقية أربعون درهماً، فتكون الثنتا عشرة منها أربعمائة وثمانين درهماً، والنش نصف أوقية، فيكون عشرين درهماً، والنش اسم لنصف الأوقية، وهو عشرون درهماً، فيكون مجموع الاثنتي عشرة أوقية والنش معها خمسمائة درهم، هذا هو صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخبرت به عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهو دال على التيسير وعدم المبالغة.(243/3)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في إصداق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه
[حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي].
عبد الله بن محمد النفيلي، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد العزيز بن محمد].
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يزيد بن الهاد].
يزيد بن الهاد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إبراهيم].
هو محمد بن إبراهيم التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقد مر ذكره.
[سألت عائشة].
هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(243/4)
شرح حديث عمر في قدر صداق نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته
قال المصنف رجمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي العجفاء السلمي قال: خطبنا عمر رحمه الله ورضي الله عنه فقال: (ألا لا تغالوا بصدق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية)].
أورد أبو داود حديث عمر رضي الله عنه أنه خطب الناس وقال: لا تغالوا في مهور النساء، فلو كانت مكرمة أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشر أوقية.
والاثنتا عشرة أوقية أربعمائة وثمانون درهماً، والذي مر في حديث عائشة اثنتا عشر أوقية ونش، فهذا لا يدل على التعارض، إذ يمكن أن يكون ذكر الشيء التام بدون ذكر الكسر، فلا يقال: إن هذا مخالف لهذا؛ لأن عائشة تقول: خمسمائة، وهو يقول: أربعمائة وثمانون؛ فإنه قد يحذف الكسر، حيث يذكر الشيء التام الذي لا كسر فيه، فيكون هذا هو وجه التوفيق بين ما جاء عن عمر في هذا الحديث وما جاء عن عائشة في الحديث المتقدم، ومعلوم أن عائشة ذات خبرة، وعمر صاحب خبرة؛ لأن عائشة هي إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر هو والد زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو والد حفصة، فكل منهما صاحب خبرة.
والحديث يدل على عدم المغالاة في المهور، كما نهى عن ذلك عمر رضي الله عنه وأرضاه فقال: لا تغلوا في مهور النساء، ولو كانت مكرمة عند الله أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق واحدة من نسائه ولا أصدقت واحدة من بناته أكثر من ثنتي عشر أوقية.(243/5)
تراجم رجال إسناد حديث عمر في قدر صداق نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته
قوله: [حدثنا محمد بن عبيد].
هو محمد بن عبيد بن حساب، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد بن زيد].
هو حماد بن زيد بن درهم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد].
هو محمد بن سيرين، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي العجفاء السلمي].
هو هرم بن مسيك، وهو مقبول، أخرج له أصحاب السنن.
[خطبنا عمر].
هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل، ثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
والحديث وإن كان فيه من هو مقبول إلا أنه يتفق مع ما جاء في حديث عائشة، والفرق بينهما الكسر.(243/6)
شرح حديث إصداق النجاشي أم حبيبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حجاج بن أبي يعقوب الثقفي حدثنا معلى بن منصور حدثنا ابن المبارك حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن أم حبيبة رضي عنها أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف، وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع شرحبيل بن حسنة.
قال أبو داود: حسنة هي أمه].
أورد أبو داود حديث أم حبيبة رضي الله عنها -وهي رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين- أن النجاشي زوج الرسول صلى الله عليه وسلم إياها وأمهرها أربعة آلاف، أي: أربعة آلاف درهم، وبعث بها إليه مع شرحبيل بن حسنة.
قال أبو داود: [وحسنة هي أمه] يعني أن هذا الرجل منسوب إلى أمه، يعني: ليس اسم أبيه حسنة، وإنما هو اسم لأمه، ومعلوم أن كثيراً نسبوا إلى أمهاتهم لأنهم اشتهروا بذلك، مثل ابن علية، وكذلك ابن أم مكتوم، وكذلك أبي بن سلول، وعدد غيرهم.
قوله: [عن أم حبيبة أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة].
أم حبيبة كانت تحت عبيد الله بن جحش، وكان هاجر معها إلى الحبشة، فتنصر ومات نصرانياً - والعياذ بالله- وبقيت هناك، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرسل يخطبها، فزوجها النجاشي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصدقها -أي: النجاشي - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم.
وهذا لا يعارض ما تقدم؛ لأن هذا إنما حصل من النجاشي إكراماً للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يعارض ما جاء من أنه ما أصدق واحدة من نسائه فوق خمسمائة درهم، فـ النجاشي دفع ذلك إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ينافي ما جاء عن عمر رضي الله عنه مما تقدم؛ لأن هذا لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من النجاشي إكراماً للنبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه دليل على أن الصداق يمكن أن يدفعه غير الزوج، وأنه يمكن أن يتحمله غير الزوج، فليس بلازم أن يكون الزوج هو الذي يدفع الصداق، فيمكن أن يدفعه غيره لهذا الحديث الذي فيه أن النجاشي أصدقها أربعة آلاف درهم.
وفيه دليل على جواز الصداق ولو كان كثيراً، لكنه خلاف الأولى، فالتسامح فيه والتساهل أولى، وإذا دفع شيئاً كثيراً فإنه لا مانع منه ولا بأس به.
قوله: [وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة].
شرحبيل لم يكن محرماً لها، لكن بعث بها معه ضرورة.(243/7)
تراجم رجال إسناد حديث إصداق النجاشي أم حبيبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم
قوله: [حدثنا حجاج بن أبي يعقوب الثقفي].
هو حجاج بن أبي يعقوب الثقفي، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا معلى بن منصور].
معلى بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن المبارك].
هو عبد الله بن المبارك المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معمر].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة].
هو عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أم حبيبة].
هي أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.(243/8)
شرح حديث إصداق النجاشي أم حبيبة أربعة آلاف درهم من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع حدثنا علي بن الحسن بن شقيق عن المبارك عن يونس عن الزهري (أن النجاشي زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على صداق أربعة آلاف درهم، وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقبل)].
أورد الحديث من طريق أخرى مرسلاً في قصة زاوج أم حبيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على صداق أربعة آلاف درهم.
قال: [وكتب بذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقبل].
أي: كتب بذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقبل فيما يتعلق بالأربعة الآلاف، وهي موجودة في الرواية السابقة المتصلة، وهذه الرواية فيها زيادة: [فكتب بذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقبل].
يعني: كأن القبول حصل من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن كتب له بذلك، ولكن قيل: إنه صلى الله عليه وسلم أرسل عمرو بن أمية الضمري وكيلاً عنه في قبول الزواج، فكان النجاشي هو الذي زوجها، والذي قبل الزواج لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو عمرو بن أمية الضمري.(243/9)
تراجم رجال إسناد حديث إصداق النجاشي أم حبيبة أربعة آلاف درهم من طريق ثانية
قوله: [حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع].
محمد بن حاتم بن بزيع ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا علي بن الحسن بن شقيق].
علي بن الحسن بن شقيق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المبارك].
هذا سقط، والصواب: ابن المبارك، وقد مر ذكره.
[عن يونس] هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
مر ذكره.
والحديث مرسل؛ لأن الزهري من صغار التابعين، والمرسل هو الذي يذكر فيه التابعي شيئاً مضافاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى عهد النبوة، فإنه يكون فيه انقطاع، ولكن فيما يتعلق بالصداق ومقدار الصداق قد جاء في الرواية السابقة المتصلة الصحيحة.(243/10)
قلة المهر(243/11)
شرح حديث إصداق عبد الرحمن بن عوف امرأته وزن نواه من ذهب
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قلة المهر.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت البناني وحميد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وعليه ردع زعفران، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مهيم؟ فقال: يا رسول الله! تزوجت امرأة.
قال: ما أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب.
قال: أولم ولو بشاة)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب قلة المهر].
والمقصود من هذه الترجمة أن المهر سواءٌ أكان قليلاً أم كثيراً من أي شيء يتمول فإنه يكون معتبراً، ولا حد لأقله ولا حد لأكثره، والمغالاة في المهور غير سائغة؛ لما يترتب عليها من العراقيل التي تؤخر الزواج وتعرض الشباب والشابات للفتن بسبب عدم حصول الزواج.
والتيسير في الزواج وتسهيل أموره، وعدم المغالاة، وتزويج الكفؤ إذا جاء ولو لم يكن عنده مهر كبير هو المطلوب وهو الذي ينبغي، ولا حد لأقل المهر ولا حد لأكثره، ولكن المغالاة والإتيان بالأشياء التي تكون سبباً في تأخير الزواج لا تنبغي ولا تصلح.
وسبق أن مر بنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق أحداً من نسائه ولا أُصدقت امرأة من بناته أكثر من خمسمائة درهم، وسبق -أيضاً- أن النجاشي أصدق أم حبيبة أربعة آلاف درهم، وعرفنا فيما مضى أن هذا إنما هو من النجاشي إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأورد أبو داود هنا حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف ردعاً من زعفران فقال: [(مهيم؟)] يعني: ما هذا؟ فقال: تزوجت امرأة.
فقال: [(ماذا أصدقتها؟)] قال: وزن نواة من ذهب.
قال عليه الصلاة والسلام: [(أولم ولو بشاة)].
ومحل الشاهد قوله: [وزن نواة من ذهب].
والمقصود بالنواة مقدار قليل من الذهب، قيل: إنه يعادل خمسة دراهم.
فهذا فيه الإشارة إلى قلة المهر وأنه قليل وليس بكثير، وأن المهر يصح بكل ما يتمول ولو كان شيئاً يسيراً.(243/12)
المراد بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (مهيم)
وقوله: [وعليه ردع من زعفران] يعني: أثراً من زعفران.
والسؤال من النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون المراد به السؤال عن حاله وعن الشيء الجديد الذي حصل له، حيث قال: (مهيم؟) يعني: ما هذا؟ ومعنى هذا أن شيئاً جديداً حصل، وهو الزواج.
ومعلوم أن المهاجرين رضي الله عنهم وأرضاهم لما هاجروا إلى المدينة كانوا قد تركوا أموالهم وبلادهم، وخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرين لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الله عز وجل عن المهاجرين: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8]، فهم خرجوا لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا فهم مهاجرون وأنصار؛ لأنهم جمعوا بين الهجرة والنصرة، فكانوا أفضل من الأنصار؛ لأن الأنصار ليس عندهم إلا النصرة فقط، وأما المهاجرون فعندهم الهجرة والنصرة، فكانوا مقدمين على الأنصار في الفضل، والنبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه صاحب تجارة، وكان له معرفة بالتجارة فسأل عن السوق، فدل عليه فصار يبيع ويشتري حتى جمع مالاً وتزوج.
وقيل: إن قوله: [(مهيم؟)] إنكار لكون الزعفران عليه؛ لأنه جاء النهي عن تزعفر الرجال.
فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: [(مهيم)] إنكاراً عليه، فقال: إني تزوجت امرأة.
يعني: وهذا من طيبها علق بي ولست الذي فعله، وإنما هو من طيب المرأة الذي تتطيب به وهو سائغ في حقها فعلق بالرجل، فكان هذا فيه بيان أنه لم يكن حصل منه التزعفر أو الوقوع في الشيء الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما حصل علق به ذلك من امرأته.
وفي الحديث دليل على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من تفقد أصحابه، ومعرفة أحوالهم، وسؤالهم عما يجد وعما يحصل لهم، وقوله عليه الصلاة والسلام: [(أولم ولو بشاة)] فيه دليل على مشروعية الوليمة، وهي الطعام الذي يصنع بمناسبة الزواج، ولا يصلح فيه التكلف والمغالاة كما يحصل في هذا الزمان من المغالاة في ذلك؛ ولأن هذا من الأمور التي تُعيق الزواج؛ لأن ذلك في الغالب على حساب الزوج، وعلى كاهل الزوج، وقد يكون لا يستطيع؛ لأن المهر يكون كثيراً، والوليمة أيضاً يغالى بها، فيكون ذلك من العراقيل.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الوليمة وقال: (أولم ولو بشاة)، وقوله: (ولو بشاة) المقصود: أن هذا هو الحد الأدنى، ولكن هذا لا يعني أن ذلك متعين، وأنه لا يجزئ إلا شاة، فإنه يمكن أن تكون الوليمة بدون ذلك وبأقل من ذلك كما حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين زواجه من صفية، فإنه أولم بخبز وطعام ليس فيه لحم، فدل ذلك على أن التخفيف والتسهيل في ذلك مطلوب، وأن ذبح بهيمة الأنعام ليس من الأمور المتعينة.
وقوله: (أولم ولو بشاة) يعني: أن هذا هو المقدار الأدنى، فلو زاد الإنسان على ذلك شيئاً للحاجة من غير مغالاة ومن غير إضرار بالزوج وتحميله ما لا يتحمل فإنه لا بأس بذلك، ولكن المحذور هو المغالاة، والإكثار من الذبائح، وصنع الطعام ثم لا يؤكل، ثم بعض الناس قد يكون تصرفه فيه حسناً بأن يعطيه لمن هو محتاج إليه، ومن الناس من يلقيه في أماكن لا يستفيد منه فيها أحد، وقد يلقى في أماكن لا يصلح أن يلقى فيها، وفي ذلك عدم احترام النعمة، وعدم الاهتمام بها، وعدم الاكتراث لها.
والذبح في الوليمة لاشك أنه من الأمور المطلوبة والأمور المستحبة، وأما قضية أن يكون واجباً، وأنه لو حصل زواج بدون وليمة أنه يأثم، فلا أدري.(243/13)
تراجم رجال إسناد حديث إصداق عبد الرحمن بن عوف امرأته وزن نواه من ذهب
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ثابت البناني].
ثابت بن أسلم البناني البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحميد].
حميد بن أبي حميد الطويل البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد رجاله كلهم بصريون: موسى بن إسماعيل التبوذكي بصري وحماد بن زيد بصري وثابت وحميد بصريان وأنس بن مالك بصري، فهو مسلسل بالرواة البصريين.(243/14)
الفرق بين المهر والصداق
ولا فرق بين المهر والصداق، بل المهر هو الصداق.(243/15)
وقت الوليمة
والوليمة تكون عند النكاح، وسواء تقدمت عليه بيوم أو تأخرت عليه فلا محذور في ذلك.(243/16)
شرح حديث (من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقاً أو تمراً فقد استحل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسحاق بن جبرائيل البغدادي أخبرنا يزيد أخبرنا موسى بن مسلم بن رومان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقاً أو تمراً فقد استحل)].
أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: [(من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقاً أو تمراً فقد استحل)] أي: استحل النكاح واستحل البضع بهذا الصداق.
والمقصود منه تقليل الصداق؛ لأن الترجمة هي قلة الصداق.
وقد عرفنا أن الصداق يكون بكل ما يتمول ولو كان قليلاً، وأنه لا حد لأقله، فليس أقله سبعة دراهم ولا عشرة ولا خمسة ولا أربعين ولا خمسين ولا أقل ولا أكثر؛ لأنه ليس هناك تحديد، وقد جاء ما يدل على أنه قد يكون قليلاً، مثل: (التمس ولو خاتماً من حديد)، وسؤاله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف عن صداق امرأته فأخبره بأنه وزن نواة من ذهب، فكل ذلك شيء قليل ويدل على القلة، لكن التحديد الذي لا يجزئ ما دونه ليس عليه دليل.
وعلى هذا فالأمر في ذلك واسع، ولا تحديد ولا تقييد لأقله ولا لأكثره، مع أن المشروع هو عدم المغالاة وتيسير الزواج وتسهيله، وعدم وضع العراقيل التي تعوق وتحول دون حصوله.
ثم إن المهر لابد منه، ولكنه ليس شرطاً في العقد، فيمكن أن يحصل الزواج بدونه، وحينئذ يتعين مهر المثل، والمهم أن المرأة لابد لها من شيء تعطاه في مقابل استحلال فرجها.
وهنا يروي جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [(من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقاً أو تمراً فقد استحل)].
والسويق هو الدقيق، وقوله: [(فقد استحل)] أي: استحل البضع وحصل المهر بذلك، وملء الكفين ربع الصاع تقريباً، أي: مد.(243/17)
تراجم رجال إسناد حديث (من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقاً أو تمراً فقد استحل)
قوله: [حدثنا إسحاق بن جبرائيل البغدادي].
إسحاق بن جبرائيل البغدادي صدوق، أخرج له أبو داود.
[أخبرنا يزيد].
هو يزيد بن هارون الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا موسى بن مسلم بن رومان].
الصحيح: صالح بن مسلم بن رومان، فقد قال الحافظ ابن حجر: صوابه: صالح بن مسلم بن رومان.
فمعنى هذا أن قوله: [موسى بن مسلم] خطأ، والصواب أن اسمه صالح، وهو ضعيف، أخرج له أبو داود.
[عن أبي الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث في إسناده الرجل الضعيف الذي هو صالح بن مسلم بن رومان، فهو غير ثابت، ولكن من حيث مشروعية قلة الصداق فالأحاديث الأخرى دالة على ما دل عليه.(243/18)
إيراد حديث (من أعطى في صداق امرأة) موقوفاً على جابر وتراجم رجاله
[قال أبو داود: رواه عبد الرحمن بن مهدي عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه موقوفاً].
أورد المصنف طريقاً أخرى معلقة، حيث قال: [رواه عبد الرحمن بن مهدي عن صالح بن رومان] وهنا ذكره على الصواب، وهو صالح بن مسلم بن رومان، وهو الضعيف الذي مر.
والذي روى عنه هو عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقوله: [عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر موقوفاً].
معناه: أنه ليس بمرفوع، بل هو موقوف على جابر رضي الله تعالى عنه.(243/19)
شرح حديث (كنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نستمتع بالقبضة من الطعام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ورواه أبو عاصم عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى وسلم نستمتع بالقبضة من الطعام على معنى المتعة)].
أشار هنا إلى طريق أخرى عن جابر رضي الله عنه قال فيها: إنا كنا نستمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبضة من الطعام.
وهو مقدار قليل، أي: مثل الأكلة من الطعام.
وقوله: [على معنى المتعة] يعني متعة النساء التي كانت مباحة ثم حرمت، وهي التي تكون لمدة مؤقتة؛ لأن زواج المتعة هو الزواج المؤقت المتفق على مقداره وضرب أجل له، كيومين أو ثلاثة أو أسبوع أو شهر، فإذا انتهى الأجل انتهى الزواج.
وهذا كان مباحاً في الإسلام، ثم إنه حرم ومنع منه، والحديث هذا جاء في صحيح مسلم، وفيه زيادة (وفي عهد أبي بكر) وقوله: (في عهد أبي بكر) يفهم منه أن بعض الصحابة ما كان يعلم التحريم، وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى عرفوا التحريم جميعاً، وهو مثل ما جاء في حديث (كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن) مع أنه لا يوجد في القرآن، ولكن بعض الناس الذين ما عرفوا نسخ هذه التلاوة توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يقرءون هذا حتى عرفوا بأنه قد نسخ.
وكذلك الذين كانوا يستمتعون في عهد أبي بكر ما علموا الناسخ أو ما بلغهم الناسخ.(243/20)
تراجم رجال إسناد حديث (كنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نستمتع بالقبضة من الطعام)
قوله: [ورواه أبو عاصم].
هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر].
مر ذكرهم جميعاً.
[قال أبو داود: رواه ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر على معنى أبي عاصم].
ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقوله: [على معنى أبي عاصم].
أي: على معنى حديث أبي عاصم الذي تقدم، وهو [كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نستمتع بالقبضة من الطعام على معنى المتعة].
والحديث قد رواه صالح بن موسى مرة موقوفاً ومرة مرفوعاً، ولا يحكم على الحديث بالاضطراب لذلك؛ إذ إن صالح بن موسى ضعيف، فما أتى عن طريقه فهو ضعيف ولو لم يحصل منه اضطراب، إلا أن الحديث ثابت من الطريق الأخرى وهي طريق ابن جريج، وهي في صحيح مسلم.(243/21)
التزويج على العمل يعمل(243/22)
شرح حديث قصة الواهبة نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التزويج على العمل يعمل.
حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله! إني قد وهبت نفسي لك.
فقامت قياماً طويلاً، فقام رجل فقال: يا رسول الله! زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل عندك من شيء تصدقها إياه؟ فقال: ما عندي إلا إزاري هذا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنك إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك، فالتمس شيئاً.
قال: لا أجد شيئاً.
قال: فالتمس ولو خاتماً من حديد.
فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فهل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا لسور سماها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد زوجتكها بما معك من القرآن)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب في التزويج على العمل يعمل] فقد ذكر فيما مضى التزويج على المهر الذي هو مال يدفع للمرأة، وهنا في هذه الترجمة ترجم بحصول العمل الذي يعتبر في مقابلة مال؛ لأنه قد يكون الرجل ليس عنده مال ولكن عنده قدرة على أن يعمل عملاً.
فيكون عمله هذا صداقاً لها مقابل الأجرة التي كان سيعطاها.
وقد جاء في القرآن في قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع الرجل الصالح أنه قال: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص:27] فهو عقد على عمل.
وهنا في حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج هذا الرجل على أن يعلمها شيئاً من القرآن، أي: على عمل يقدمه لها وهو تعليمها شيئاً من القرآن، فدل هذا على أن المهر يمكن أن يكون عملاً وأن يكون منفعة بدلاً من كونه عيناً أو نقوداً.
فحديث سهل بن سعد موافق للترجمة من جهة أنه زوجه على عمل يعمله لها.(243/23)
معنى الباء في قوله: (زوجتكها بما معك من القرآن)
قوله: [(زوجتكها بما معك)] الباء هنا للمعاوضة وليست للسببية، أي: في مقابل ما معك من القرآن تعلمها إياه.
وليست الباء للسببية بمعنى أنه زوجه إكراماً له بغير صداق بسبب ما معه من القرآن؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لما كان هناك حاجة إلى أن يسأله التماس القليل قائلاً: [(وهل معك شيء من القرآن؟)].
فالمقصود أن هذه المنفعة يمكن أن تكون مهراً حيث لا يوجد المهر، فالذي يبدو هو أنه لا يصار إلى اتخاذ العمل مهراً إلا عند الحاجة، لأن المال هو المقدم فإذا كان الرجل معدماً فإنه يصار إلى العمل.
وفي الحديث دليل على تسهيل أمر الزواج وتسهيل الوصول إليه بأي طريق، فلو كان الرجل معدماً وليس عنده مال ولكنه عمل عملاً للزوجة فإنه يستحل به فرجها ولا تدفع له أجرة في مقابل عمله، بل هذا العمل في مقابل زواجه بها، فالباء في الحديث هي للمعاوضة، والمعنى أنه يعلمها شيئاً من القرآن عوضاً عن زواجه بها، وليست للسببية كما قال بعض أهل العلم: إنه زوجه إكراماً له.
يعني: بسبب ما معه من القرآن أكرمه فزوجه.
فالصداق لابد منه.(243/24)
الزواج بالهبة من الخصائص النبوية
قوله: [(أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله! إني قد وهبت نفسي لك)].
معناه: وهبت نفسها له ليتزوجها، والزواج بالهبة من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاء في القرآن: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50]، فدل على أن ذلك من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على ما كان عليه نساء الصحابة من الرغبة الشديدة والحرص على الاتصال بالرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن زواج الرسول بالمرأة شرف عظيم لها؛ لأنها تكون بذلك أماً للمؤمنين، وتحصل شرفاً لاتصالها بالنبي عليه الصلاة والسلام وكونها من أزواجه، وهذا هو الذي دعاها إلى أن تعمل هذا العمل وأن تقدم هذه الرغبة وأن تظهر هذه الرغبة وتعرض نفسها على الرسول صلى الله عليه وسلم واهبة نفسها له.
فالزواج بالهبة لا يكون إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، وغيره ليس له أن يتزوج إلا بصداق.(243/25)
جواز عرض المرأة على الرجل الصالح ليتزوجها وقلة المهر
ثم إن في الحديث جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح ليتزوجها، ولكن بمهر لا هبة، وكذلك يجوز عرض الرجل بنته على الرجل الصالح، كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه حيث عرض حفصة على أبي بكر وعثمان، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [فقامت قياماً طويلاً].
أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما رد عليها بشيء، بل سكت، ولما سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً قال رجل من الحاضرين: [يا رسول الله! زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة] وهذا من الأدب؛ لأنه قال: [إن لم تكن لك بها حاجة].
فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: [(هل عندك من شيء تصدقها إياه؟)] فقال: ما عندي إلا إزاري.
قال: [(إنك إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك)]، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من قلة ذات اليد وعدم الجدة، وأن الواحد منهم لا يجد الشيء اليسير.
ثم قال له: [التمس شيئاً فقال: لا أجد شيئاً، فقال له: [التمس ولو خاتماً من حديد]، يعني: ولو كان الملتمس خاتماً من حديد، أي: ولو كان شيئاً قليلاً.
فذهب الرجل فلم يجد شيئاً حتى خاتم الحديد، وهذا كله يدلنا على ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم من قلة ذات اليد، فكثير منهم لم يكونوا من أهل اليسار، وإنما كانوا من ذوي القلة.(243/26)
حكم التحلي بالحديد
وقد جاء ما يدل على أن الحديد لا يتحلى به، وأنه حلية أهل النار، فلعل قوله: [(التمس ولو خاتماً من حديد)] كان قبل التحريم، أو أنه بعد التحريم، ولكنه يمكن أن يحول إلى شيء آخر، ولا يستعمل حلية للرجال ولا للنساء.
وليس منه لبس الساعة في اليد، فالساعة فيها حديد، لكن ليس المقصود منها الزينة فحسب، بل يراد بها معرفة الوقت.
قوله: [فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فهل معك من القرآن شيء؟) قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا.
لسور سماها].
أي: سأله الرسول صلى الله عليه وسلم عن كونه معه شيء من القرآن فأخبره بأن معه سوراً، وعد تلك السور، فقال صلى الله عليه وسلم: [(قد زوجتكها بما معك من القرآن)] والباء -كما عرفنا- للمعاوضة، فجعل ما معه من القرآن على أن يعلمها إياه صداقاً لها، وليست للسببية بأن يكون الزواج بدون المهر إكراماً له لحفظه شيئاً من القرآن الكريم.(243/27)
تراجم رجال إسناد حديث قصة الواهبة نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حازم بن دينار].
هو سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهل بن سعد].
هو سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وكنيته أبو العباس، ويقال: إنه ليس في الصحابة من يكنى بأبي العباس سوى اثنين: أحدهما هذا، والثاني: عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، فكل منهما يقال له: أبو العباس.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد.
فهو من الأسانيد الرباعية التي هي أعلى ما يكون عند الإمام أبي داود؛ لأن أعلى إسناد عنده هو الرباعيات، وليس عنده ثلاثي، فالثلاثيات هي عند البخاري، وعدتها اثنان وعشرون حديثاً ليس بين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها إلا ثلاثة أشخاص، وعند الترمذي حديث واحد ثلاثي، وعند ابن ماجة خمسة أحاديث ثلاثية كلها بإسناد واحد وهو ضعيف.
وبقية الأئمة -الذين هم: مسلم وأبو داود والنسائي - أعلى ما عندهم الرباعيات، فبينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أربعة أشخاص، وهذا الذي معنا في هذا الإسناد هو من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(243/28)
شرح حديث الواهبة نفسها من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حفص بن عبد الله حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن الحجاج الباهلي عن عسل عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه نحو هذه القصة -لم يذكر الإزار والخاتم- فقال: [(ما تحفظ من القرآن؟ قال: سورة البقرة أو التي تليها.
قال: فقم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيها أنه سأله عما يحفظه فقال: سورة البقرة أو التي تليها.
يعني آل عمران فقال له: [(قم فعملها عشرين آية وهي امرأتك)].
وهذا فيه تسمية السورة المحفوظة، وفيه تحديد المقدار الذي يعلم من أجل الزواج، ولكن هذا الحديث الذي فيه التحديد غير ثابت؛ لأن في إسناده عسلاً وهو ضعيف.(243/29)
تراجم رجال إسناد حديث الواهبة نفسها من طريق ثانية
قوله: [حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله].
أحمد بن حفص بن عبد الله صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثني أبي حفص بن عبد الله].
حفص بن عبد الله صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثني إبراهيم بن طهمان].
إبراهيم بن طهمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحجاج بن الحجاج الباهلي].
الحجاج بن الحجاج الباهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن عسل].
هو عسل بن سفيان التميمي أبو قرة البصري، وهو ضعيف، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن عطاء بن أبي رباح].
هو عطاء بن أبي رباح المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(243/30)
شرح حديث الواهبة نفسها من طريق ثالثة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ثنا أبي ثنا محمد بن راشد عن مكحول.
نحو خبر سهل.
قال: وكان مكحول يقول: ليس ذلك لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن مكحول وقال: [نحو حديث سهل] يعني المتقدم قبل حديث أبي هريرة، وفيه [كان مكحول يقول: ليس ذلك لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم].
فإذا كان المقصود به هبة المرأة نفسها فإنه -كما قال- ليس ذلك لأحد بعد رسول الله.
وأما إذا كان المراد التزوج على العمل فإن ذلك ليس خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم في تزويجه الرجل بما معه من القرآن، بل يصح الزواج بالعمل حيث لا يمكن الحصول على المال، فكلام مكحول الذي ذكره هنا أنه ليس ذلك لأحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم فيه تفصيل: فإن كان يراد به الهبة فهذا صحيح، وإن كان يراد به الزواج على العمل فهذا ليس بصحيح.(243/31)
تراجم رجال إسناد حديث الواهبة نفسها من طريق ثالثة
قوله: [حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء].
هارون بن زيد بن أبي الزرقاء صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[ثنا أبي].
أبوه ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[ثنا محمد بن راشد].
محمد بن راشد صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن.
[عن مكحول].
هو مكحول الشامي، وهو ثقة كثير الإرسال، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.(243/32)
من تزوج ولم يسم صداقاً حتى مات(243/33)
شرح حديث قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن تزوج ولم يسم صداقاً حتى مات.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه (في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها الصداق فقال: لها الصداق كاملاً وعليها العدة ولها الميراث.
فقال معقل بن سنان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى به في بروع بنت واشق)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [باب فيمن تزوج ولم يسم صداقاً حتى مات].
والزواج بغير تسمية الصداق يصح، ولكنه يرجع في ذلك إلى مهر المثل، وإذا كان الشخص قد تزوج ومات ولم يفرض صداقاً فإن الحكم أنه يكون لها صداق المثل وعليها العدة ولها الميراث.
ومعنى مهر المثل أن ينظر إلى مهر قريباتها كأخواتها ونحوهن ممن تزوج في زمنها فتعطى مثلهن، ولا ينظر إلى مهر أمها وجدتها، لأن وقت زواجهما بعيد.
وأورد أبو داود حديثاً ذُكر فيه أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه سئل عن رجل تزوج ومات ولم يكن فرض لزوجته صداقاً ولم يدخل بها، فاجتهد ابن مسعود في المسألة وأفتى فقال: عليها العدة ولها الميراث ولها الصداق كاملاً.
قال ذلك باجتهاده.
وسيأتي في رواية بعد هذه أنهم اختلفوا عليه شهراً أو مرات، أي ترددوا عليه يريدون الحكم، ولم يكن يعمل نصاً حتى يحكم به ويبني عليه، ولكنه بعد أن كثر الترداد والقضية واقعة وهم بحاجة إلى حل وبحاجة إلى فتوى اجتهد.
فهذا يدل على الاجتهاد، لكن الاجتهاد حيث لا نص، وأما إذا كان النص موجوداً فإنه لا اجتهاد مع النص، وإنما الاجتهاد يكون مع عدم النص أو عدم معرفة المجتهد الذي استفتي بالنص.
فلما اجتهد عبد الله رضي الله تعالى عنه وأفتى قام معقل بن سنان وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق بما قضيت به.
يعني: بمثل ما قضيت به، فهذا الذي قضيت به هو الذي قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومعناه أن اجتهاد ابن مسعود رضي الله عنه وقع موافقاً للصواب، حيث وافق قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فدل هذا على أن المرأة إذا تزوجها إنسان ثم مات عنها ولم يدخل بها فإنه يكون عليها العدة -أي: عدة الوفاة- ولها الميراث ولها صداق المثل.
والحديث هنا هو حديث معقل بن سنان يروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(243/34)
تراجم رجال إسناد حديث قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي، وقد أخرج له النسائي في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا عبد الرحمن بن مهدي].
عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان الثوري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن فراس].
هو فراس بن يحيى، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي].
هو عامر بن شراحيل الشعبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسروق].
هو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله].
هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(243/35)
شرح حديث قضاء رسول الله في بروع بنت واشق من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون وابن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه، وساق عثمان مثله].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، حيث قال: [مثله] يعني أنه مطابق له في اللفظ والمعنى.
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون وابن مهدي عن سفيان].
هؤلاء جميعاً مر ذكرهم.
[عن منصور].
هو ابن المعتمر الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم].
هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علقمة].
هو علقمة بن قيس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله].
هو عبد الله بن مسعود، وقد مر ذكره.(243/36)
شرح حديث قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق من طريق ثالثة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن عمر ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس وأبي حسان عن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أتي في رجل -بهذا الخبر-، قال: فاختلفوا إليه شهراً -أو قال: مرات- قال: فإني أقول فيها: إن لها صداقاً كصداق نسائها لا وكس ولا شطط، وإن لها الميراث وعليها العدة، فإن يك صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان.
فقام ناس من أشجع فيهم الجراح وأبو سنان فقالوا: يا ابن مسعود! نحن نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضاها فينا في بروع بنت واشق -وإن زوجها هلال بن مرة الأشجعي - كما قضيت.
قال: ففرح عبد الله بن مسعود فرحاً شديداً حين وافق قضاؤه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود من طريق أخرى وفيه التفصيل في القصة، حيث ذكر فيه أن ابن مسعود رضي الله عنه كانوا يختلفون عليه شهراً، يترددون عليه وهو يؤخرهم حتى يجتهد ويبحث لعله يجد نصاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فلما رأى المدة طالت وهم بحاجة إلى أن ينفذوا الشيء الذي لابد من تنفيذه اجتهد وقال بعد اجتهاده: أقول فيها كذا، فإن يك صواباً فمن الله، وإن يك خطأً فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان من ذلك.
فقام جماعة من أشجع فيهم الجراح وأبو سنان فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بمثل ما قضيت في بروع بنت واشق.
ففرح فرحاً شديداً لموافقة قضائه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومثل هذه القصة ما حصل لـ عمر رضي الله عنه لما ذهب إلى الشام وكان وقع فيها الطاعون، فلقيه أمراء الأجناد وفيهم أبو عبيدة بن الجراح، فاختلف الصحابة رضي الله عنهم في المشورة عليه، فبعضهم أشار عليه بأن يدخل وبعضهم أشار عليه بأن يرجع، فالذين أشاروا عليه بالدخول قالوا: لقد جئت لغرض فامض إليه، ولا تفر من قدر الله.
والذين أشاروا عليه بالرجوع قالوا: لا تعرض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للموت.
أي: بسبب الطاعون.
فاستشار عمر رضي الله عنه المهاجرين والأنصار فاختلفوا كذلك، فبعد ذلك استقر رأيه على أن يرجع، فقال: إني مصبح على ظهر.
فقال له أبو عبيدة: تفر من قدر الله؟! قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نفر من قدر الله إلى قدر الله.
وكان عبد الرحمن بن عوف معهم ولكنه ما كان حاضراً وقت المشاورة، فلما علم بهذا الذي حصل قال: عندي علم فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها، وإذا وقع بأرض لستم فيها فلا تدخلوها) ففرح عمر رضي الله عنه بموافقة اجتهاده ما جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.(243/37)
تراجم رجال إسناد حديث قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق من طريق ثالثة
قوله: [حدثنا عبيد الله بن عمر].
هو عبيد الله بن عمر القواريري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع].
يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد بن أبي عروبة].
سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خلاس].
هو خلاس بن عمرو، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأبي حسان].
هو أبو حسان الأعرج، وهو مسلم بن عبد الله، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عتبة بن مسعود].
عبد الله بن عتبة بن مسعود، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ووثقه العجلي وغيره، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[أن عبد الله بن مسعود].
عبد الله بن مسعود قد مر ذكره.(243/38)
شرح حديث تزويج النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً بامرأة دون تسمية الصداق
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس الذهلي].
محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ومحمد بن المثنى].
هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[وعمر بن الخطاب].
عمر بن الخطاب السحبستاني القشيري، صدوق، أخرج له أبو داود وحده.
[قال محمد: حدثني أبو الأصبغ الجزري عبد العزيز بن يحيى].
محمد هو ابن المثنى، وأبو الأصبغ الجزري هو عبد العزيز بن يحيى، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا محمد بن سلمة].
هو محمد بن سلمة الحراني الباهلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي عبد الرحيم خالد بن أبي يزيد].
هو خالد بن أبي يزيد، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي.
[عن زيد بن أبي أنيسة].
هو زيد بن أبي أنيسة الجزري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن أبي حبيب].
يزيد بن أبي حبيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مرثد بن عبد الله].
مرثد بن عبد الله هو أبو الخير اليزني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عقبة بن عامر].
هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد بلغ عدد رجاله ثمانية، وهو إسناد طويل.(243/39)
زيادة (خير النكاح أيسره) في حديث التزويج دون تسمية صداق
[قال أبو داود: وزاد عمر بن الخطاب -وحديثه أتم- في أول هذا الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خير النكاح أيسره) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل ثم ساق الحديث].
ذكر هنا أن في أول الحديث عن عمر بن الخطاب الذي هو الشيخ الثالث لـ أبي داود [(خير النكاح أيسره)] يعني: ما كان بيسر وسهولة، بأن يكون بدون مغالاة وبدون حصول أمور تترتب على الزواج فيها مشقة وفيها تحميل الزوج ما لا يطيقه.(243/40)
تضعيف أبي داود لحديث التزويج دون تسمية صداق
[قال أبو داود: يخاف أن يكون هذا الحديث ملزقاً؛ لأن الأمر على غير هذا].
أي: يخاف أن يكون هذا الحديث ملحقاً؛ لأن الأمر كان على غير هذا، أي: فيما يتعلق بتصرف المريض بأن يخرج من ماله ويخص به بعض الورثة؛ فالأمر على غير ذلك.
وهذا -كما هو معلوم- عمل صحابي ليس مضافاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتصرف المريض ليس مطلقاً بحيث يتصرف في ماله عند الموت بأن يعطي أحداً ويحرم غيره، أو يعطي المال لبعض الورثة ويترك بعضهم ويحرمهم من الميراث؛ إذ إن الأمر على غير هذا.(243/41)
الأسئلة(243/42)
حكم تحديد المهور من قبل الولاة والحكام
السؤال
هل لولي أمر المسلمين أن يحدد المهر؟
الجواب
التحديد ما أعلم فيه شيئاً يدل عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما حدد، والخلفاء الراشدون ما حددوا، وما نعلم فيه تحديداً، ولكن الناس إذا اتفقوا على شيء ورأوا المصلحة في ذلك فلهم ذلك، أما أن يفرض عليهم وأن يلزموا بمقدار معين ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيه شيء، فالذي يظهر أنه لا يصح ذلك.(243/43)
حكم طلب الرجل من زوجته إعفاءه من المهر بعد الدخول
السؤال
هل يجوز للرجل أن يطلب من امرأته إعفاءه من المهر بعد الدخول عليها؟
الجواب
إذا طابت بذلك نفساً فلا بأس، كما قال الله عز وجل: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء:4]، أما إذا لم يكن هناك طيب نفس ولم يكن هناك اطمئنان إلى ذلك فلا يصح.(243/44)
حكم التضمخ بالزعفران
السؤال
هل النهي عن الزعفران في حق الرجال دون النساء أم نهي عنه الرجال والنساء جميعاً؟
الجواب
النهي للرجال فقط، والتزعفر هو كون الإنسان يتضمخ بالزعفران.(243/45)
شرح سنن أبي داود [244]
الزواج أحد الجوانب التي تناولها التشريع الإسلامي، وقد جعل الله عز وجل له من المكانة شيئاً عظيماً، فسن أن يبدأ فيه بخطبة الحاجة، وأوجب للمرأة الصداق عند الزواج، تكرمة لها ونحلة، إلا أنه قد يعقد الرجل الزواج بالمرأة دون تسمية الصداق، وقد بين الشرع أحكامه في مثل هذه الحالة، وإذا تزوج الرجل امرأة جديدة على امرأة عنده فعليه أن يبيت عندها ثلاثاً إذا كانت ثيباً وسبعاً إذا كانت بكراً.(244/1)
خطبة النكاح(244/2)
شرح حديث خطبة الحاجة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في خطبة النكاح.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في خطبة الحاجة في النكاح وغيره.
ح: وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري المعنى ثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطبة الحاجة: (إن الحمد لله نستعينه، ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:71]).
لم يقل محمد بن سليمان: إن].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في خطبة النكاح] أي: بين يديه وبين يدي عقده والمقصود بها هذا الذي جاء في الحديث من حمد الله عز وجل والاستعانة به واستغفاره والثناء عليه والتعوذ من شرور النفس، وأن من هدى الله فهو المهتدي، ومن يضلل فإنه لا هادي له.
وهذه الخطبة هي من الأمور المستحبة، فلو حصل النكاح بدونها فإنه يصح، ولكن الأولى أن يؤتى بها؛ لأن فيها ذكراً لله عز وجل وثناءً عليه، وتقديم العقد بحمد الله وبالثناء عليه لاشك في أنه من الأمور المهمة والأمور المفيدة، ولكنه ليس بفرض ولا واجب، ولكنه من الأمور المستحبة، ولو وجد العقد بدونه فإنه يصح، ولا يكون الإنسان بتركه قد ترك أمراً واجباً.
وقد وردت هذه الخطبة في الأحاديث بألفاظ مختلفة، منها ما هو أقل ومنها ما فيه زيادة.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه في خطبة الحاجة في النكاح وغيره بألفاظ قد جاء في بعض الروايات زيادات عليها، يعني مثل زيادة (نحمده) وكذلك زيادة (ومن سيئات أعمالنا) وهي ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هذه الرواية التي جاءت عند أبي داود ليس فيها ذلك الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كاملاً، وينبغي أن يؤتى به كاملاً، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ثم يؤتى بالآيات: آية في أول سورة النساء، وآية في وسط سورة آل عمران، وآية في آخر سورة الأحزاب.
ثم إن ما جاء في بعض الروايات من خطبة الحاجة في النكاح وغيره لا يعني أن كل خطبة من الخطب يستحب أن تبدأ بهذا اللفظ وحده وأن لا تبدأ بألفاظ أخرى، ولكن هذا يحمل على الغالب، وإلا فإنه قد جاء في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم البدء بغير ذلك، كما سبق أن مر بنا في كتاب الاستسقاء، فقد ورد فيه ذكر البدء (بالحمد لله رب العالمين)، وليس فيه ذكر هذا الذي جاء في هذا الحديث.
وعلى هذا فيكون الإكثار منه بناءً على الغالب، فهو الذي ينبغي قوله غالباً، ولكن لا يقال: إنه لا يؤتى بشيء سواه، وإنه اللفظ الذي يؤتى به فحسب.
وفي الحديث جاءت الأفعال المضارعة بنون الجمع في أولها إلا قوله: [(وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)] وذلك لأن الشهادة لا تصح إلا من قائلها ذاته، فلا يصح قولها عن الغير، أما العون المغفرة والعياذ بالله فيصح طلبها للنفس وللغير فلذلك أتى فيها بنون الجمع في أول المضارع.(244/3)
تراجم رجال إسناد حديث خطبة الحاجة
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عبيدة].
هو أبو عبيدة عبد الله بن مسعود، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ولكن لم يصح سماعه من أبيه.
[عن عبد الله بن مسعود].
هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ح: وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري المعنى].
قوله: [ح] هي للتحول من إسناد إلى إسناد.
ومحمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود.
وقوله: [المعنى].
يعني أن المعنى واحد وإن كانت الألفاظ مختلفة فيما جاء في الطريقين.
[ثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسرائيل].
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
أبو إسحاق قد مر ذكره.
[عن أبي الأحوص].
هو عوف بن مالك الجشمي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[وأبي عبيدة عن عبد الله].
أبو عبيدة وعبد الله قد مر ذكرهما في الإسناد السابق.
قوله: [قال: لم يقل محمد بن سليمان: إن].
أي: لم يقل محمد بن سليمان: (إن الحمد لله) وإنما قال: (الحمد لله نحمده ونستعينه).(244/4)
شرح حديث تعليم خطبة الحاجة من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار ثنا أبو عاصم ثنا عمران عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن ابن مسعود رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا تشهد ذكر نحوه، وقال بعد قوله: ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيها نحو الرواية السابقة، وفيها بعد قوله: (أشهد أن محمداً عبده ورسوله) زيادة [(أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً)] وهذه زيادة جاءت من هذه الطريق، وقد ضعفها الألباني، ولعل السبب في ذلك هو أحد الرواة الذين جاءوا في الإسناد، وهو عمران بن داود القطان، فإن فيه كلاماً كما قال المنذري.
وقوله: [(ومن يعصمها)] فيه الإتيان بالضمير (هما) العائد على الله جل جلاله وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومثله في الحديث (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) وقد جاء في حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لخطيب قوم (بئس خطيب القوم أنت) حين جمع بينهما، وحمل على أن الخطب الأصل فيها التفصيل لا الإجمال، فلذلك زجره.(244/5)
تراجم رجال إسناد حديث تعليم خطبة الحاجة من طريق أخرى
قوله: [حدثنا محمد بن بشار].
هو محمد بن بشار المقلب بـ بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ثنا أبو عاصم].
هو أبو عاصم النبيل، وهو الضحاك بن مخلد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ثنا عمران].
هو عمران بن داود القطان، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد ربه].
هو عبد ربه بن سعيد الأنصاري، أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عياض].
هو عمرو بن الأسود، حمصي سكن داريا، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن ابن مسعود].
هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقد مر ذكره.(244/6)
شرح حديث جواز ترك خطبة الحاجة في النكاح
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار ثنا بدل بن المحبر -وكنيته أبو المغير - ثنا شعبة عن العلاء ابن أخي شعيب الرازي عن إسماعيل بن إبراهيم عن رجل من بني سليم قال: خطبت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمامة بنت عبد المطلب فأنكحني من غير أن يتشهد].
أورد أبو داود حديث رجل من بني سليم مبهم أنه خطب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت عبد المطلب -يعني عمة النبي صلى الله عليه وسلم- فأنكحه ولم يتشهد.
ومعناه أنه ما ذكر الخطبة التي جاءت في حديث ابن مسعود، فيستدل به على أنه ليس بلازم أن يؤتى بالخطبة بين يدي عقد النكاح؛ لأنه هنا قال: ولم يتشهد.
لكن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من هو مجهول ومن هو مقبول.
ثم إنه قد اختلف في المرأة، وذكر الاختلاف البخاري في التاريخ الكبير، ففي بعض الروايات [خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عمته فأنكحني] وفي بعضها (ألا أنكحك أمامة بنت ربيعة بن الحارث؟).
وعلى كل حال فالحديث ضعيف وغير ثابت؛ لأن في إسناده من هو مجهول.(244/7)
تراجم رجال إسناد حديث جواز ترك خطبة الحاجة في النكاح
قوله: [حدثنا محمد بن بشار].
محمد بن بشار مر ذكره.
[ثنا بدل بن المحبر].
بدل بن المحبر ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن العلاء ابن أخي شعيب الرازي].
العلاء ابن أخي شعيب الرازي مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن إسماعيل بن إبراهيم].
إسماعيل بن إبراهيم مجهول، أخرج له أبو داود أيضاً.
[عن رجل من بني سليم].
هذا رجل مبهم، وهو من الصحابة، والإبهام في الصحابة لا يؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم، وإنما الجهالة تؤثر في غيرهم، فالإبهام في غيرهم يؤثر والإبهام في الصحابة لا يؤثر، بل يكفي أن يعرف أنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يسم.
وقد سماه الحافظ ابن حجر في المبهمات فقال: عباد بن شيبان السلمي.(244/8)
تزويج الصغار(244/9)
شرح حديث عائشة في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بها وهي بنت ست
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في تزويج الصغار.
حدثنا سليمان بن حرب وأبو كامل قالا: ثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنا بنت سبع سنين -قال سليمان: أو ست- ودخل بي وأنا بنت تسع)].
أورد أبو داود [باب في تزويج الصغار] يعني اللاتي لم يبلغن، وسبق أن مر أن الاستئذان يكون للبكر ويكون للثيب، وأن الثيب تنطق بما تريد والبكر يكفي أن تسكت وأن تصمت، ولا يلزم في حقها ما يلزم في حق الثيب من النطق، وهنا ذكر هذه الترجمة، وهي (تزويج الصغار) يعني اللاتي لم يبلغن.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن للولي -سواء أكان أباً أم غيره، ومن العلماء من يخص ذلك بالأب والجد- أن له إذا جاء كفؤ وخشي فواته عليها ورأى في تزويجها مصلحة لها أن يزوجها بدون استئذان؛ لأن الصغيرة ليست لها معرفة بالقبول والرد، ومن يصلح ومن لا يصلح.
ثم اختلفوا، فمنهم من قال: إن لها إذا بلغت أن تفسخ إذا لم ترد.
ومنهم من قال: ليس لها ذلك.
والذي يظهر -والله أعلم- أنه إذا حصل كفؤ وهي لم تبلغ وخيف فواته وكان في تزويجها به مصلحة لها فإن ذلك سائغ، لكن يبدو أنها إذا بلغت ولم تطب نفسها ولم ترض به فإن لها الخيار، ولكن التجويز لمراعاة حظها ولمراعاة مصلحتها في كونها لا تميز ولا تعرف من يصلح ومن لا يصلح، ووليها يرى أن هذا فيه مصلحة لها وأنه غنيمة لها.
وأورد أبو داود حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست أو سبع ودخل بها وهي ابنة تسع، وبعض العلماء قال: إن هذا السن -الذي هو التسع- يكون معه الإدراك ويكون معه البلوغ، فبعض النساء تدرك وتبلغ في هذا السن.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أن الشافعي رأى جدة عمرها إحدى وعشرون سنة، أي: أنها حملت لتسع وولدت لعشر، ثم حصل لبنتها مثل ما حصل لها، فلما ولدت بنتها صارت جدة وعمرها إحدى وعشرون.(244/10)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بها وهي بنت ست
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأبو كامل].
هو أبو كامل الجحدري فضيل بن حسين، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.
[ثنا حماد بن زيد].
هو حماد بن زيد البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(244/11)
المقام عند البكر(244/12)
شرح حديث إقامة النبي صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة بعد زواجه بها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المقام عند البكر.
حدثنا زهير بن حرب ثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني محمد بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثاً ثم قال: (ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي)].
أورد أبو داود رحمه الله: [باب في المقام عند البكر].
فالرجل قد يتزوج ثيباً أو بكراً، فالثيب يقيم عندها ثلاثة أيام أو ثلاث ليالٍ، والبكر يقيم عندها سبعاً، وإذا كان له أكثر من زوجة فإنه يقيم عند الثيب ثلاثاً ثم يقسم، وإذا كان تزوج بكراً يقيم عندها سبعاً ثم يبدأ بالقسمة بين الزوجات.
وجاء التفريق بين الثيبات والأبكار لأن البكر زواجها شيء جديد عليها، فهي بحاجة إلى زيادة مدة يكون بها الاستئناس والاطمئنان، بخلاف الثيب، فإنها قد تعودت وسبق لها الزواج، فجاءت الشريعة بتقليل المدة في حقها.
وقد أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها مكث عندها ثلاثاً وقال: [(إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي)] ومعناه أن حقها ثلاث، وأنه إذا تركها بعد الثلاث فإنه يقسم ويأتي إليها بعدما ينتهي دور الزوجات السابقات.
فإذا زاد على الثلاث وأتى بالسبع لها فإنه يسبع لسائر نسائه.
ولا شك أن الحظ والأولى لها أن يقيم عندها ثلاثاً ثم يرجع إليها بعد فترة قريبة، بخلاف ما إذا سبع لها، فإنه لا يأتيها إلا بعد مدة طويلة، فإذا كان عنده زوجتان فسيأتيها بعد أسبوعين، وإذا كان عنده ثلاث فسيأتيها بعد ثلاثة أسابيع، فكونه يقيم عندها ثلاثاً ثم يقسم لا شك أن هذا أولى لها من أن يسبع لها ثم تطول عليها المدة، فلا يرجع إليها إلا بعد مدة طويلة.
فهذا الحديث يدل على أن الثيب يقام عندها ثلاث، وفيه إشارة إلى أن البكر يقام عندها سبع، وأنه إن أعطى الثيب المدة التي حددت لها فإنه يقسم لنسائه بعدها، وإن زادها على الثلاث إلى السبع فإنه يسبع لنسائه ويرجع إليها بعد مدة طويلة.
وقوله: [(ليس بك على أهلك هوان)].
يعني: أنت عزيزة، أي: ليست هينة عند أهلها ولا عنده صلى الله عليه وسلم، ولكن الحكم هو هكذا، فإن أرادت أن تقف عند الثلاث فإنه يبدأ بالقسمة ويرجع إليها، ولكنه لا يقسم لهن ثلاثاً، فبعد أن يجلس عندها ثلاثاً يبدأ بالقسمة يوماً يوماً، لكنه إذا تجاوز الثلاث إلى السبع فإنه يسبع للنساء بالقسمة.(244/13)
تراجم رجال إسناد حديث إقامة النبي صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة بعد زواجه بها
قوله: [حدثنا زهير بن حرب].
هو زهير بن حرب أبو خيثمة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[ثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد البصري القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن أبي بكر].
هو محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الملك بن أبي بكر].
هو عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، فقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو الذي ذكره ابن القيم مع بقية الفقهاء السبعة في أول كتاب (إعلام الموقعين عن رب العالمين) وليس (أعلام الموقعين)؛ لأن (أعلام) جمع علم، والكتاب ليس كتاب تراجم حتى يكون عنوانه (أعلام الموقعين) وإنما هو إعلام وإخبار للمفتين والمخبرين عن الشرع والمفتين بأحكام الشريعة، أي: الذين يفتون ويكتبون الفتاوى في بيان أحكام الشريعة.
ففي أول الكتاب ذكر الفقهاء في الأقطار، فذكر أن المدينة فيها كذا وكذا، ومكة فيها كذا وكذا، من الصحابة كذا ومن التابعين كذا، ولما جاء عند ذكر المدينة ذكر جماعة من الفقهاء في عصر التابعين وذكر الفقهاء السبعة، وجعل السابع أبا بكر هذا الذي معنا، وذكر بيتين من الشعر يشمل الثاني منهما السبعة، حيث قال: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجه فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجه فهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وسعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد.
[عن أم سلمة].
هي أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية رضي الله عنها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
والإسناد فيه راويان قد يظن أنهما أخوان؛ لأن الأول محمد بن أبي بكر والثاني عبد الملك بن أبي بكر وقد يظن أن هذا يروي عن أخيه، بينما في الحقيقة الأول هو محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم والثاني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.(244/14)
التسبيع عند البكر ليس عذراً في ترك الجماعة
وهنا نشير إلى أن إقامة الزوج عند البكر سبعاً ليس فيه رخصة له بترك صلاة الجماعة كما هو مشتهر عند البعض، حيث يقيم عندها كالمحبوس فلا يخرج من باب الدار، وإنما المقصود من إعطائه هذا الحق أنه إذا كان متزوجاً لا يأتي إلى نسائه إلا بعد سبع، وكذلك حتى لو لم يكن عنده نساء فهذه المدة وهذا الأسبوع يجلس فيه عندها قبل أن يسافر أو يفارقها إلى مكان بعيد.(244/15)
شرح حديث إقامة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً عند صفية بعد زواجه بها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا وهب بن بقية وعثمان بن أبي شيبة عن هشيم عن حميد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صفية رضي الله عنها أقام عندها ثلاثا.
زاد عثمان: وكانت ثيبا).
وقال: حدثني هشيم قال: أخبرنا حميد قال: أخبرنا أنس].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله تعالى عنها -وكانت من سبي خيبر، وقد كان أعتقها وجعل عتقها صداقها صلى الله عليه وسلم - أقام عندها ثلاثاً، وهذا يدل على أن الثيب يقام عندها ثلاثاً، مثلما تقدم في حديث أم سلمة.
وهذا الحديث غير مطابق للترجمة، فليس فيه ذكر السبع ولا ذكر الأبكار، وإنما فيه ذكر المقام عند الثيب وأنه ثلاث، وهو موافق لما جاء في حديث أم سلمة من جهة التثليث في حق الثيب، وليس فيه ذكر التسبيع.
والحديث ذكره أبو داود من طريقين: الطريق الأولى بالعنعنة، والطريق الثانية بالتصريح بالتحديث، فـ هشيم من المدلسين، وفي الطريق الثانية التي هي طريق عثمان بن أبي شيبة صرح بالتحديث، حيث قال: [أخبرنا حميد].
قوله: [زاد عثمان: (وكانت ثيباً) وقال: حدثني هشيم قال: أخبرنا حميد قال: أخبرنا أنس].
يعني: قال عثمان بن أبي شيبة الذي هو شيخ أبي داود في الإسناد الثاني: [حدثني هشيم قال: أخبرنا حميد].
فـ هشيم مدلس، وهنا صرح بالتحديث، وأما رواية وهب بن بقية السابقة فـ هشيم يروي فيها بالعنعنة، فالطريق الثانية فيها زوال احتمال التدليس الذي يكون من هشيم؛ لأنه صرح بالتحديث في طريق عثمان بن أبي شيبة، وهشيم من المدلسين، ولهذا مثل به العراقي في الألفية حيث قال: وفي الصحيح عدة كـ الأعمش وكـ هشيم بعده وفتش فهذا هشيم بن بشير الواسطي هو من المدلسين وهو من رجال الصحيح، بل من رجال الكتب الستة.(244/16)
تراجم رجال إسناد حديث إقامة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً عند صفية بعد زواجه بها
قوله: [حدثنا وهب بن بقية].
هو وهب بن بقية الواسطي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[وعثمان بن أبي شيبة].
هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي، وقد أخرج له النسائي في عمل يوم والليلة.
[عن هشيم].
هو هشيم بن بشير الواسطي، ثقة مدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد].
هو حميد بن أبي حميد الطويل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(244/17)
شرح حديث أنس في مقام الرجل عند البكر والثيب بعد الزواج
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا هشيم وإسماعيل بن علية عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً.
ولو قلت: إنه رفعه لصدقت، ولكنه قال: السنة كذلك)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه [(إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً)] يعني: يقيم عند البكر سبعاً ثم يبدأ بالقسمة [(وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً) ثم يبدأ بالقسمة.
وهذا الحديث هو الذي يطابق الترجمة [باب المقام عند الأبكار] يعني أنه سبع، وفيه التفصيل بين الثيبات والأبكار بأن الثيب يقيم عندها ثلاثاً والبكر يقيم عندها سبعاً، ومعنى ذلك أنه يقيم عند البكر سبعاً وعند الثيب ثلاثاً ولا يذهب إلى غيرها من زوجاته في أيامها ليلاً أو نهارا ًإلا لزيارة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل.
وإذا تزوج بكراً على بكر في ليلة واحدة فإنه يقسم بينهما من الليلة الأولى.
قوله: [ولو قلت: إنه رفعه لصدقت].
يعني: لو قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصدقت، ولكنه لم يقل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما قال: [السنة كذلك] ومعلوم أن هذا من قبيل المرفوع حكماً مثل (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وبعض الروايات جاء فيها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا فيه المحافظة على الألفاظ مع بيان أن قوله: [السنة كذلك] يساوي (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأنه لا فرق بين المرفوع حكماً الذي هو (من السنة كذا) والمرفوع تصريحاً الذي هو (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا).
والقائل: [ولو قلت: إنه رفعه لصدقت، ولكنه قال: السنة كذلك] هو أبو قلابة، وهذا يبين لنا أن قول الصحابي: (من السنة) حكمه حكم الرفع.(244/18)
تراجم رجال إسناد حديث أنس في مقام الرجل عند البكر والثيب بعد الزواج
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا هشيم وإسماعيل بن علية].
ابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم ابن علية نسبة إلى أمه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خالد الحذاء].
هو خالد بن مهران الحذاء، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة].
هو عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
أنس بن مالك رضي الله عنه قد مر ذكره.(244/19)
الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً(244/20)
شرح حديث زواج علي بفاطمة رضي الله تعالى عنهما
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً.
حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني قال: حدثنا عبدة قال: حدثنا سعيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما تزوج علي فاطمة رضي الله عنهما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أعطها شيئاً.
قال: ما عندي شيء.
قال: أين درعك الحطمية؟)].
أورد أبو داود: [باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً] يعني: قبل أن ينقدها شيئاً من المهر.
وقد عرفنا أنه لا يلزم في العقد ذكر الصداق، وأنه يصح العقد بدون ذكر الصداق، ويمكن الدخول دون أن يدفع الصداق كله أو بعضه، ولا بأس بذلك، فإذا لم يكن هناك شيء مسمى تعين مهر المثل، فللإنسان أن يدخل بامرأته دون أن يكون المهر قد سلم، ولا بأس بذلك، ولكن كونه يدفع لها المهر كله أو بعضه لا شك أنه هو الأولى، وأما من حيث الصحة فإنه يصح أن يعقد عليها دون أن يسمى الصداق ويرجع في ذلك إلى مهر المثل، ويمكن أن يدخل بها قبل أن يحصل تسليمها الصداق.
وأورد حديث ابن عباس أنه قال: [(لما تزوج علي فاطمة قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أعطها شيئاً.
قال: ما عندي شيء.
قال: أين درعك الحطمية؟)].
أي: أعطها أياها.
ويحتمل أن يكون معنى قوله: [لما تزوج علي فاطمة] أنه عقد عليها ودخل بها، ويحتمل أن يكون معناه أنه عقد ولم يدخل بها.
ثم إن المهر واجب لابد منه في النكاح، لكن لا يلزم قبل النكاح وإن كان مستحباً إعطاؤها شيئاً منه أو كله قبل الدخول.
وقوله: [(ما عندي شيء)] يحتمل أن يكون المراد به أنه ليس عنده شيء أبداً، ويحتمل أنه لم يكن عنده شيء يذكر، وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم له عن درعه الحطمية بعد قوله: [(ما عندي شيء)] محمول على أن علياً ظن أن مثل الدرع لا يعطى مهراً، والدرع الحطمية ذات قيمة، فإذا ملكتها كانت مهراً لها.(244/21)
تراجم رجال إسناد حديث زواج علي بفاطمة رضي الله تعالى عنهما
قوله: [حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني].
إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا عبدة].
هو عبدة بن سليمان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد].
هو سعيد بن أبي عروبة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(244/22)
شرح حديث منع النبي صلى الله عليه وسلم علياً من الدخول بفاطمة قبل إصداقها درعه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا كثير بن عبيد الحمصي قال: حدثنا أبو حيوة عن شعيب -يعني ابن أبي حمزة - قال: حدثنا غيلان بن أنس قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أن علياً رضي الله عنه لما تزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنها أراد أن يدخل بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يعطيها شيئاً، فقال: يا رسول الله! ليس لي شيء.
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أعطها درعك.
فأعطاها درعه ثم دخل بها)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في قصة علي وزواجه من فاطمة رضي الله تعالى عنهما، وأنه لما أراد علي أن يدخل بها منعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئاً، [(فقال: يا رسول الله! ليس لي شيء.
فقال له: أعطها درعك)].
وهذا مثل الذي قبله، إلا أن هذا فيه ذكر المنع، وأنه منعه من أن يدخل بها إلا بعد أن يعطيها شيئاً.
والإسناد فيه غيلان بن أنس، وهو مقبول، وحديث المقبول لا يقبل إلا بالمتابعة.(244/23)
تراجم رجال إسناد حديث منع النبي صلى الله عليه وسلم علياً من الدخول بفاطمة قبل إصداقها درعه
قوله: [حدثنا كثير بن عبيد الحمصي].
كثير بن عبيد الحمصي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا أبو حيوة].
هو شريح بن يزيد الحضرمي الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن شعيب -يعني ابن أبي حمزة].
هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا غيلان بن أنس].
هو غيلان بن أنس أبو يزيد الدمشقي، وهو مقبول، أخرج له البخاري في رفع اليدين وأبو داود وابن ماجة.
[حدثني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان].
محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والحديث في أول إسناده أربعة شاميون ثلاثة منهم حمصيون والرابع دمشقي.(244/24)
إسناد آخر لحديث منع علي من الدخول بفاطمة قبل الصداق وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا كثير -يعني ابن عبيد - قال: حدثنا أبو حيوة عن شعيب عن غيلان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله].
في هذا الإسناد ذكر عكرمة وابن عباس، وقد مر ذكر تراجم رجاله جميعاً.(244/25)
شرح حديث عائشة في إدخال امرأة على زوجها قبل أن يصدقها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا شريك عن منصور عن طلحة عن خيثمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئاً) قال أبو داود: وخيثمة لم يسمع من عائشة].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئاً، ومعناه أنه ما قدم لها شيئاً من صداقها، وهذا فيه دليل على أنه يمكَّن من الدخول بدون أن يعطيها شيئاً، لكن الحديث غير صحيح؛ لأن فيه انقطاعاً بين خيثمة وعائشة.(244/26)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في إدخال امرأة على زوجها قبل أن يصدقها
قوله: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز].
محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شريك].
هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق، اختلط لما ولي القضاء، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن منصور].
هو منصور بن المعتمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن طلحة].
هو طلحة بن مصرف، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خيثمة].
هو خيثمة بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.(244/27)
الأسئلة(244/28)
حكم ترك تسمية المهر اكتفاءً بطلب الولي من الزوج تجهيز البيت وبذل الذهب
السؤال
في بلادنا عندما يخطب الرجل المرأة أول ما يتكلم معه فيه أهل المرأة هو الذهب والبيت، ولا يتكلمون في المهر أو الصداق، بل إن المهر يكتب في عقد الزواج فقط ولا تقبضه الزوجة ولا أهلها، فهل الذهب الذي يشتريه الزوج للزوجة يقوم مقام المهر؟
الجواب
إذا كان اتفق على أن ذلك هو المهر فهو المهر، فما يعطي الرجل المرأة من الذهب عند الزواج هو من جملة صداقها، سواء كان معه شيء أم لمن يكن معه شيء، فإذا كان هناك شيء يكتب عند العقد فهو صداق، وكل ما أعطيته من أجل الزواج فهو صداق.(244/29)
حكم مراجعة المطلقة الرجعية بعد مضي خمسة أشهر
السؤال
رجل طلق زوجته الطلقة الثانية وافترقا لمدة خمسة أشهر، ثم راجعها بدون عقد جديد، فهل هذا عمل صحيح؟
الجواب
هذا لا يجوز أبداً، إلا إذا روجعت في العدة، وهي ثلاث حيض، وبعض النساء قد تطول المدة عندها بين الحيضتين وقد تبلغ هذا المقدار، فالمرأة التي تحيض عدتها ثلاث حيض، فإذا كانت المراجعة في حدود الثلاث الحيض فإنها مراجعة صحيحة، وأما إذا انتهت الثلاث الحيض وخرجت من العدة فإنها تعتبر أجنبية عنه ويكون خاطباً من الخطاب يتقدم لخطبتها.
وأما إذا كانت المراجعة في العدة فهي زوجته، ولهذا لو مات أحدهما عن الآخر ورثه صاحبه ما دامت المرأة في العدة، وإذا خرجت من العدة صارت أجنبية، فإن أراد أن يرجع إليها يكون خاطباً من الخطاب.
وذلك مثل ما حصل في قصة معقل بن يسار الذي نزل فيه قوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوف} [البقرة:232] فإن زوج أخته طلقها ثم تركها حتى خرجت من العدة، فجاء يخطبها فأقسم أخوها على أن لا يزوجها إياه فنزلت الآية.
فإذا كانت المراجعة في داخل العدة فهي صحيحة، وإن كانت بعد العدة فإنه لا بد من عقد زواج.
فإذا صح أنه راجعها بعد انتهاء عدتها في تلك الخمسة الأشهر فإن نكاحهما نكاح شبهة وحينئذٍ يجب تجديد العقد.(244/30)
تابع الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً(244/31)
شرح حديث (أيما امرأت نكحت على صداق أو حباء أو عدة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن معمر قال: حدثنا محمد بن بكر البرساني قال: أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه، وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذا الحديث تحت ترجمة [باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً] وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه، وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته)].
والحديث يدل على أن ما كان قبل العقد وقبل الزواج أعطيته المرأة أو أعطي من أجلها، سواء أكان صداقاً أم حباءً -وهو المنحة أو العطية أو الهبة- أم عدة فإنه يكون لها، وما كان بعد عصمة النكاح فإنه يكون لمن أعطيه ولمن جعل له.
ومقتضى هذا الحديث أن كل ما دفع من أجل الزواج فإنه يكون لها ولو أعطي لغيرها أو خصص لغيرها، وما كان بعد ذلك -أي: بعد الزواج وبعد العقد- فإنه لمن جعل له، سواء أبوها أو أخوها أو أمها أو أي أحد من قرابتها؛ لأن ما حصل بعد ذلك فإنه يكون من الإكرام ومن الإحسان وليس مرتبطاً بالزواج لأنه حصل بعد الزواج، وما كان قبل الزواج فإنه يكون لها، سواء خصص لها أو لغيرها، فإنه يكون كله لها وليس لأحد منه شيء، هذا هو مقتضى هذا الحديث.
والحديث فيه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وهو مدلس، وقد جاء من طريقه بالعنعنة، فضعفه الشيخ الألباني رحمه الله من أجل تدليس ابن جريج ومن أجل عنعنته.
ويبقى المعنى أنه إذا اشترط الولي شيئاً لنفسه فإنه لا يجوز ذلك؛ لأنه يؤدي إلى العضل وإلى تفويت الزواج عليها بسبب العراقيل التي تكون في الطريق إليها من قبل ذلك الولي الذي يشترط لنفسه شيئاً.
أما إذا أعطي من غير اشتراط بل كان إكراماً فإنه لا بأس بذلك، سواء أكان قبل العقد أم بعده.
وأما الاشتراط فإنه لا يليق ولا يسوغ، واللائق بالرجل أن يحرص على تزويج موليته وتسهيل الزواج لها، وأن يحذر من وضع العراقيل التي تحول دون ذلك أو التي تبعد الخطاب وتبعد من يرغب في الزواج عن التقدم للمرأة إذا عرف منه الجشع والطمع، فيئول الأمر إلى أن تفوت الفرصة على موليته، وهذا ليس من النصح للمولية، بل النصح لها يكون بتمكينها من الزواج من الكفء الذي يتقدم لها ولا يسعى لتحصيل شيء منه، وإنما المهم في الأمر أن يسعى في إسعادها وفي راحتها وفي إعفافها وفي تمكينها من الزواج.
فالذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنه إذا أعطي وإذا أكرم بشيء فإن له ذلك، وإذا كان ذلك بشرط فإنه لا يسوغ له مثل هذا العمل، وهو لا يليق بذوي الأخلاق الكريمة والشيم والمروءة.
وإذا اشترط شيئاً فأعطيه فالذي يظهر أنه يكون للمرأة وأما ما يحصل من بعض الناس، حيث يدفع المهر في الظاهر للبنت ثم بعد ذلك يأخذه الأب أو الأخ فهذا غير صحيح، والواجب على الولي أن يدفع تلك الأمانة إلى المرأة ولا يبخس منها شيئاً، بل الذي ينبغي أن يزيد لها من ماله ويساعدها، لا أن يدفعه الجشع إلى أخذ حقها، وإن أخذ شيئاً منه فقد قال بعض أهل العلم بجواز ذلك لحديث (أنت ومالك لأبيك) قالوا: ويد الأب مبسوطة على مال ولده.
إلا أنه مع ذلك يكون اللائق به أن لا يأخذ من مال ابنته شيئاً.(244/32)
تراجم رجال إسناد حديث (أيما امرأت نكحت على صداق أو حباء أو عدة)
قوله: [حدثنا محمد بن معمر].
هو محمد بن معمر البحراني، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن بكر البرساني].
محمد بن بكر البرساني صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة مدلس، وهو علة هذا الإسناد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب].
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
هو شعيب بن محمد، وهو صدوق أيضاً، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة والأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن جده].
هو عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.
والإسناد إذا استقام إلى عمرو بن شعيب فإنه يكون حسناً؛ لأن عمراً صدوق وأبوه صدوق، ومن يكون بهذا الوصف يكون حديثه حسناً، فإذا استقام الحديث إلى عمرو بن شعيب ولم يبق إلا الراوية عن أبيه عن جده فإنه يكون من قبيل الحسن، وأما إذا كان هناك علة قبل ذلك فإن المعتبر تلك العلة، والعلة هنا تدليس ابن جريج الذي يروي عن عمرو بن شعيب، وشعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو ولا يروي عن أبيه محمد بن عبد الله؛ لأنه لو كانت الرواية عن محمد بن عبد الله لكان الحديث مرسلاً؛ لأن محمداً ليس بصحابي، ولكن ذكر الحافظ أنه صح سماع شعيب من جده عبد الله.
ولهذا يأتي في بعض الأحاديث وبعض الأسانيد (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو) فيحصل النص على الجد وأنه عبد الله، فيكون عبد الله بن عمرو هو جد أبي عمرو بن شعيب؛ لأنه جد شعيب وشعيب أبوه محمد، فـ عمرو يروي عن أبيه، وأما شعيب فإنه يروي عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، وليست روايته عن أبيه محمد.(244/33)
شرح سنن أبي داود [245]
من الأحكام الشرعية المتعلقة بالزواج التهنئة للمتزوج، وذلك باللفظ الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن من أحكامه ما يتعلق بالزواج بالحبلى من الزنى وما يترتب على ذلك، ومن أحكامه المهمة كذلك القسم بين الزوجات في حق من كان له أكثر من زوجة، فيقسم لهن في المبيت ويراعي حقوقهن في سفر وحضر، وليتق الله تعالى في ذلك.(245/1)
ما يقال للمتزوج(245/2)
شرح حديث الدعاء للمتزوج عند الزواج
قال المصنف رحمه الله تعالى [باب ما يقال للمتزوج: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد - عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال: بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب ما يقال للمتزوج] يعني: ما يفاتح به عند اللقاء به من الدعاء له عند الزواج، فإنه يدعى له بهذا الدعاء الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقوله: [(بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير)] هذا هو الذي يقال للمتزوج، وفي الجاهلية كانوا يقولون: بالرفاء والبنين.
فهذه تهنئة أهل الجاهلية، وهذا هو الدعاء الذي كان في الجاهلية، ومعناه أن تحصل السعادة ويحصل الوئام والوفاق والسكون والهدوء، وكذلك يحصل البنون، ولكن جاء الإسلام بترك هذه التهنئة والإتيان بما هو خير منها، وهو [(بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير)]، فيدعي له بالبركة وأن يحصل الوئام والوفاق والجمع بينهما على خير، وهذا هو الذي يريده المتزوج؛ لأن كل خير يحصل بذلك يدخل في هذا العموم، سواء أكان بالبنين أم بغير البنين، فهو دعاء جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه الخير وفيه البركة.
وقوله: [(رفأ)] يعني: هنأه ودعا له، والرفء قيل: إن المقصود به السكون، أي: سكون روعه وحصول هدوئه، وأنه يحصل السكن بهذا الزواج.
والله تعالى قد امتن على العباد بالزواج ليسكن الأزواج إلى الزوجات فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21].
وقيل: إنه من الوئام والوفاق، مأخوذ من رفأ الثوب إذ لمَّ أطرافه، وإذا كان خرق فإنه يرفأ، بمعنى أنه يضم بعضه إلى بعض، فيكون فيه بدل التمزق رفؤه ووصل بعضه ببعض، فالزواج يراد به أن يكون فيه الوئام ويكون فيه الاجتماع على ما هو خير.
وينبغي أن يلتزم بهذا الدعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما التهنئة بحصول المال والأولاد ونحو ذلك فهي شبيهة بتهنئة أهل الجاهلية.
وهذه التهنئة تقال للرجل عند العقد وبعد العقد وبعد الزواج.(245/3)
تراجم رجال إسناد حديث الدعاء للمتزوج عند الزواج
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد -].
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهيل].
هو سهيل بن أبي صالح، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويروي البخاري عنه مقروناً بغيره.
[عن أبيه].
هو أبو صالح السمان، واسمه ذكوان، ولقبه السمان، ويقال: الزيات؛ لأنه كان يجلب السمن والزيت، فقيل له: السمان، وقيل له: الزيات، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(245/4)
الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى(245/5)
شرح حديث بصرة في زواجه بامرأة وجدها حبلى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى.
حدثنا مخلد بن خالد والحسن بن علي ومحمد بن أبي السري المعنى، قالوا: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار -قال ابن أبي السري: من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يقل من الأنصار: ثم اتفقوا- يقال له: بصرة رضي الله عنه قال: (تزوجت امرأة بكراً في سترها فدخلت عليها فإذا هي حبلى، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد عبد لك، فإذا ولدت -قال الحسن - فاجلدها.
وقال ابن أبي السري: فاجلدوها.
أو قال: فحدوها)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى] أي: ما الحكم؟ ومعلوم أن المرأة إذا كانت حبلى لا يجوز العقد عليها ولا يجوز وطؤها ما دام في بطنها حمل، فليس للإنسان أن يسقي ماءه زرع غيره، ولا يجوز له ذلك.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث رجل اسمه بصرة قال: [(تزوجت امرأة بكراً في سترها)].
ومعناه أنه تزوجها على أنها بكر لم تتزوج من قبل وما دخل عليها زوج، فوجدها حبلى، ومعلوم أن حمل البكر التي لم يسبق لها زواج هو من سفاح، ووطؤها مع وجود الحمل لا يجوز؛ لأنه سقي لزرع غيره ولو كان ذلك الحمل إنما حصل عن طريق الحرام، فإنه لا يجوز له، ولو عقد عليها وحصل منه الجماع فإنه يكون قد استحل فرجها فيكون لها الصداق بما استباح من فرجها.
وقد جاء في الحديث أيضاً أن الولد يكون عبداً له، ومعلوم أن ولد الزنا لا يكون عبداً لأحد، وإنما هو حر وليس عليه عبودية لأحد، ولكن إذا صح الحديث فيحمل على أنه يحسن إليه ويربيه ويتولى خدمته، فيكون بمثابة العبد، وأما كونه يكون مملوكاً رقيقاً له فإن ذلك لا يصح، والعلماء قد اتفقوا على أن ابن الزنا حر وليس عبداً لأحد.
قوله: [(فإذا ولدت قال الحسن: فاجلدها)].
كونه يجلدها ويتولى جلدها غير مستقيم؛ لأن الذي يتولى الجلد هو السلطان، والحدود يقيمها الولاة، فالحديث غير صحيح، وهو ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن ما جاء فيه لا يعول عليه، أما مسألة الصداق بكونه استحل فرجها فإن ذلك لا بأس به.(245/6)
تراجم رجال إسناد حديث بصرة في زواجه بامرأة وجدها حبلى
[حدثنا مخلد بن خالد].
مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[والحسن بن علي].
هو الحسن بن علي الحلواني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[ومحمد بن أبي السري].
هو محمد بن المتوكل، وهو صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود.
[المعنى].
أي أن رواية هؤلاء الثلاثة متفقة في المعنى مع اختلاف الألفاظ.
[قالوا: حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وهو ثقة مدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن صفوان بن سليم].
صفوان بن سليم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن المسيب].
سعيد بن المسيب تابعي ثقة، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بصرة].
بصرة صحابي، وقد أخرج حديثه أبو داود وحده.
والإسناد فيه ابن جريج، وهو مدلس، وقد جاء أنه رواه عن شخص آخر ضعيف بينه وبين صفوان، فالحديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل تدليس ابن جريج.(245/7)
طرق مرسلة لحديث بصرة وتراجم رجالها
[قال أبو داود: روى هذا الحديث قتادة عن سعيد بن يزيد عن ابن المسيب.
ورواه يحيى بن أبي كثير عن يزيد بن نعيم عن سعيد بن المسيب، وعطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب، أرسلوه كلهم، وفي حديث يحيى بن أبي كثير أن بصرة بن أكثم نكح امرأة.
وكلهم قال في حديثه: جعل الولد عبداً له].
هنا ذكر طرقاً أخرى كلها مرسلة، والمتصلة هي الطريق الأولى، ولكنها ضعيفة كما عرفنا، والإرسال علة أخرى، فالحديث ضعيف لا تقوم به الحجة.
قوله: [روى هذا الحديث قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن يزيد].
سعيد بن يزيد قال عنه أبو حاتم: شيخ لم يرو عنه إلا قتادة.
أخرج له النسائي.
[ورواه يحيى بن أبي كثير].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن نعيم].
يزيد بن نعيم مقبول، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[وعطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب].
عطاء الخرساني صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.(245/8)
الحكم على حديث بصرة وبيان وجه مخالفته للإجماع
قوله: [أرسلوه كلهم].
أي: ما رفعوه.
والإرسال في الحديث علة، والإسناد الأول المتصل فيه ضعف، فالحديث ضعيف من الجهتين: من جهة الإرسال ومن جهة التدليس، وفيه ضعيف في الطريق الأولى بين ابن جريج وبين شيخه صفوان بن سليم، والطرق الأخرى مرسلة، ومعلوم أن المرسل ليس بحجة، وإضافة التابعي شيئاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من قبيل المرسل.
قوله: [وفي حديث يحيى بن أبي كثير أن بصرة بن أكثم نكح امرأة.
وكلهم قال في حديثه: جعل الولد عبداً له].
أي: كلهم متفقون على هذه الرواية التي فيها جعل الولد عبداً له، ومعلوم أن هذا خلاف ما أُجمع عليه من أن ولد الزنا يكون حراً وليس هو بعبد لأحد.(245/9)
شرح حديث بصرة في نكاح الحبلى من طريق أخرى وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا علي -يعني ابن المبارك - عن يحيى عن يزيد بن نعيم عن سعيد بن المسيب أن رجلاً يقال له بصرة بن أكثم رضي الله عنه نكح امرأة.
فذكر معناه، زاد: وفرق بينهما.
وحديث ابن جريج أتم].
ثم أورد الحديث من طريق أخرى مرسلة؛ لأن سعيد بن المسيب يخبر أن رجلاً فعل كذا وكذا، وهو من قبيل المرسل كالطرق السابقة التي قبله.
قوله: [زاد: وفرق بينهما].
يعني أنه أبطل هذا النكاح وفرق بينهما، ومعلوم أن العقد على الحبلى لا يصح.
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى].
هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عثمان بن عمر].
عثمان بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا علي -يعني ابن المبارك -].
علي بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى].
هو يحيى بن أبي كثير، وقد مر ذكره.
[عن يزيد بن نعيم] , يزيد بن نعيم مقبول، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.(245/10)
الأسئلة(245/11)
حكم زواج الزاني بمن زنى بها بعد حملها
السؤال
رجل زنى بامرأة -نسأل الله العافية- وعندما علم أنها حبلى تزوج بها، فما حكم النكاح؟
الجواب
لا يصح ذلك، فلا يعقد على حامل، ولو كان العاقد عليها هو الزاني نفسه؛ ولو كان لأنه إذا تزوجها فمعناه أنه سينسب الولد إليه، ومعلوم أن الولد جاء من سفاح وما جاء من نكاح، فلا يجوز العقد عليها ولا يجوز التزوج بها وهي حامل، لكن يمكن أن يتزوج بها إذا وضعت، فيمكن للزاني أن يتزوج بالزانية، فبدلاً من أن يفعلوا ذلك بالحرام يفعلونه بالحلال، ويعف أحدهما الآخر.(245/12)
نسب ولد لزنا
السؤال
لمن ينسب ولد الزنا؟
الجواب
أولاد الزنا لا ينسبون لأحد، وإنما يذكر لهم نسب يناسب، بأن يقال -مثلاً: فلان ابن عبد الله أو ابن عبد الرحمن؛ إذ كل الخلق عباد الله تعالى.
فيذكر له نسب يتميز به، ولا ينسب إلى الزاني ولا إلى غير الزاني، فالزاني لا ينسب إليه الولد ولا يحصل على ولد بالزنا، وليس له إلا الحجر كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.(245/13)
حكم من وجد امرأته حبلى بعد الزواج فأراد سترها
السؤال
إذا وجد الرجل المرأة حبلى فأراد أن يسترها فهل له أن يمسكها؟
الجواب
لا يمسكها زوجها إذا وجدها حبلى؛ إذ لا يصح العقد على من كان في بطنها ولد، وليس للمرء أن يسقي ماءه زرع غيره، لكن لو كانت غير حامل بأن وجدها ثيباً بعد أن تزوجها فإن العقد يصح وله أن يجامعها؛ لأن هذا يختلف عن الذي قبله في كونه يسقي ماءه زرع غيره.(245/14)
القسم بين النساء(245/15)
شرح حديث (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في القسم بين النساء.
حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام حدثنا قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل).
أورد أبو داود رحمه الله [باب القسم بين النساء] أي: بين الزوجات، وذلك بأن يعدل بينهن في المبيت والنفقة والعشرة، وأما ما يكون في القلب فهذا لا يملكه الإنسان، وهو إلى الله عز وجل، لكن ليس له أن يميل إلى من يحبها ومن يودها، وإنما عليه أن يعدل في المبيت وفي النفقة في كل شيء يملكه أو يقدر عليه، أما ما يقوم في القلوب فإنه لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، ولكن على الإنسان أن لا يميل إلى واحدة عن واحدة، وإنما يعطي كل ذات حق حقها دون أن يسيء إلى واحدة من زوجاته.
فالقسم بين النساء يكون فيما يملكه الإنسان، وإذا كان في القلب ميل إلى إحداهما أو إلى إحداهن فإن الإنسان عليه أن يتقي الله عز وجل حتى لا يترتب على ذلك الميل أن يجحف في حق الباقيات وأن ينقصهن حقوقهن وأن يبخس شيئاً مما يقدر عليه في حقهن، بل عليه العدل بينهن والتسوية بينهن.
وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)] لأن الجزاء من جنس العمل، فهو يأتي يوم القيامة وشقه مائل لأنه مال في الدنيا إلى واحدة دون الثانية، وهذا في الشيء الذي يقدر عليه الإنسان فتصرف فيه تصرفاً لا يسوغ له، فإنه يأتي وشقه مائل.(245/16)
تراجم رجال إسناد حديث (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي].
هو هشام بن عبد الملك الطيالسي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا همام].
هو همام بن يحيى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة عن النضر بن أنس].
قتادة مر ذكره، والنضر بن أنس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بشير بن نهيك].
بشير بن نهيك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
قد مر ذكره رضي الله عنه.(245/17)
شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد الخطمي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم فيعدل ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) قال أبو داود: يعني القلب].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين النساء فيعدل بينهن ويقول: [(اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)].
وقوله: [قال أبو داود: يعني القلب] يعني: ما يكون في القلب من زيادة المودة لإحدى الزوجات على غيرها من الزوجات، فإن هذا لا يملكه إلا الله عز وجل، وهذا وإن كان موجوداً في قلوب الرجال إلا أن الواجب عليهم مع ذلك العدل، وأن يحذروا من أن يقعوا في الميل الذي يؤدي إلى بخس الحقوق وإلى الجور وعدم القسط والعدل.
والحديث أورده أبو داود بهذا الإسناد وهو إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، والشيخ الألباني رحمه الله جود إسناده في التعليق على المشكاة، وفي الإرواء ضعفه وقال: إنه من رواية حماد بن سلمة، وقد جاء من رواية حماد بن زيد وإسماعيل بن علية من طريق مرسلة، قال: وهذان مقدمان على حماد بن سلمة.
فيكون الحديث مرسلاً.
لكن القاعدة أنه إذا تعارض الوصل والإرسال وكان من وصل ثقةً، فإن الوصل زيادة من الثقة وهي مقبولة.
فالذي يظهر صحة الحديث وثبوته، ولا يؤثر كون بعض الرواة أرسلوه؛ لأنه ما دام قد جاء من طريق صحيحة مستقيمة مسنداً ومتصلاً فإنه يعتبر صحيحاً، وعلى القاعدة المشهورة عند المحدثين أنه إذا تعارض الوصل والإرسال فإن الوصل من الثقة مقدم؛ لأن مع الواصل زيادة ليست مع المرسل، وتكون مقبولة، وهي زيادة من ثقة.
وقد ذكر الحافظ في البلوغ أن ابن حبان والحاكم صححاه، وذكر أن الترمذي صحح إرساله، والحديث مستقيم لا إشكال فيه ولا خفاء في معناه.(245/18)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة].
هو عبد الله بن زيد الجرمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن يزيد الخطمي].
عبد الله بن يزيد الخطمي صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(245/19)
شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن أبي الزناد - عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (يا ابن أختي! كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة رضي الله عنها حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا رسول الله! يومي لـ عائشة: فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها.
قالت: نقول: في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها -أراه قال- {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} [النساء:128]).
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت لـ عروة بن الزبير يا ابن أختي.
وعروة بن الزبير بن العوام هو أخو عبد الله بن الزبير، وهي خالتهما.
قالت: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم)] أي: في القسم بين النساء في المبيت والمكث، كان يسوي بينهن، فالواحدة لها يومها وليلتها، وكان في اليوم الذي يكون عند واحدة يطوف على نسائه، فيدنو منهن ويتحدث إليهن من غير مسيس، أي: من غير أن يحصل جماع أو استمتاع، وإنما كان يؤنسهن ويدخل السرور عليهن ويتفقد أحوالهن، فكان نساؤه لا يفقدنه، بل يرينه في كل يوم، حتى يأتي إلى صاحبة النوبة فيستقر عندها ويعطيها ما تستحق في نوبتها صلى الله عليه وسلم.
فـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها بينت أنه كان يقسم بين نسائه، وأنه لم يكن يفضل بعضهن على بعض.
ولما أسنت سودة بنت زمعة رضي الله عنها -وكان النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها قبل الهجرة بعدما ماتت خديجة وهاجرت معه- فلما أسنت وفرقت -أي: خشيت- أن النبي صلى الله عليه وسلم يفارقها، أرادت أن تبقى في عصمته وأن تظفر بهذا الشرف والفضل الذي هو كونها أماً للمؤمنين وزوجة من زوجات سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أهب نوبتي لـ عائشة.
فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن المرأة إذا تنازلت عن حقها في القسم لواحدة من الزوجات فإن ذلك يصح، ولكن بشرط أن يقبل الزوج، وليس معنى ذلك أنها تهب نوبتها لمن لا يرتضيها الزوج ولا يريد أن يكون لها ذلك الحق الذي هو المبيت عندها ليلتين، وإنما يكون ذلك بالاتفاق، فهي تهب وهو يقبل.
فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يقسم لـ عائشة ليلتين.
فـ سودة بنت زمعة رضي الله عنها تنازلت عن حقها في مبيته عندها وقسمه صلى الله عليه وسلم، ولكنها بقيت في عصمته، وكان يؤنسها ويدخل عليها كما يدخل على سائر نسائه، ولكن الليلة التي تنازلت عنها لـ عائشة كان يعطيها لـ عائشة، فكان يقسم لـ عائشة ليلتين ولكل واحدة من زوجاته الباقيات ليلة واحدة صلى الله عليه وسلم.
قوله: [قالت نقول: في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها -أراه قال- {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} [النساء:128]].
أي: أن هذه الآية نزلت في مثل هذه الحال، وهي قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [النساء:128].
والمقصود من ذلك أن المرأة إذا خافت النشوز من زوجها وأرادت أن تبقى في عصمته وأن لا يطلقها فإنه يمكن أن تتفق معه على أن تتنازل عن حقها لغيرها وأن تبقى في عصمته.
ومعلوم أن هذه مصلحة وفائدة قد تختارها المرأة وتقدمها على أن تكون مطلقة، أو تكون ذات أولاد ثم يطلقها فتتزوج وتتشتت وتبتعد عن أولادها، فتتنازل عن حقها وترضى بأن تبقى في عصمته ولا يكون لها نصيب في القسم، ولا بأس بذلك.(245/20)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن أبي الزناد -].
عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن هشام بن عروة].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة قد مر ذكرها رضي الله تعالى عنها.(245/21)
شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن معين ومحمد بن عيسى المعنى، قالا: حدثنا عباد بن عباد عن عاصم عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا بعدما نزلت {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب:51] قالت معاذة: فقلت لها: ما كنت تقولين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالت: كنت أقول: إن كان ذلك إلي لم أؤثر أحداً على نفسي)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه بعدما نزل قول الله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب:51] كان يستأذنهن إذا كان في يوم الواحدة منهن، فقالت لها معاذة: ما كنت تقولين إذا استأذنك؟ قالت: كنت أقول: (إن كان ذلك إلي لم أؤثر أحداً على نفسي)].
أي أنها لا تؤثر برسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً على نفسها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
ولم يكن القسم واجباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان يقسم بينهن إحساناً منه وإكراماً لهن، والآية تدل على ذلك.(245/22)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا)
قوله: [حدثنا يحيى بن معين].
يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومحمد بن عيسى].
محمد بن عيسى أبو جعفر، وهو ابن الطباع، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[قالا: حدثنا عباد بن عباد].
عباد بن عباد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم].
هو عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معاذة].
هي معاذة العدوية، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة قد مر ذكرها رضي الله تعالى عنها.(245/23)
شرح حديث استئذان النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه في مكثه عند عائشة في مرضه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار قال: حدثني أبو عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى النساء -تعني في مرضه- فاجتمعن، فقال: إني لا أستطيع أن أدور بينكن، فإن رأيتن أن تأذنّ لي فأكون عند عائشة فعلتن.
فأذنَّ له)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أصابه المرض ولم يتمكن من الطواف على نسائه في بيوتهن والقسم بينهن استأذنهن في أن يبقى في بيت عائشة فأذنَّ له بذلك صلى الله عليه وسلم.
وكان من حقه صلى الله عليه وسلم أن يكون عند من يريد، ولكن هذا من كرمه ومن حسن عشرته لنسائه وإحسانه إليهن وتطييب نفوسهن رضي الله عنهن وأرضاهن، فأذنَّ له، فكان في بيت عائشة حتى توفي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه في بيتها.(245/24)
تراجم رجال إسناد حديث استئذان النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه في مكثه عند عائشة في مرضه
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار].
مرحوم بن عبد العزيز العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني أبو عمران الجوني].
هو عبد الملك بن حبيب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن بابنوس].
يزيد بن بابنوس مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي.
[عن عائشة].
عائشة قد مر ذكرها رضي الله تعالى عنها.(245/25)
شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة رضي الله عنها وهبت يومها لـ عائشة)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فالتي تخرج لها القرعة يسافر بها معه، وهذا يدل على مشروعية القرعة وأنها سائغة، ويدلنا على أن الإنسان إذا أراد سفراً لا يختار واحدة من نسائه ويسافر بها، وإنما يقرع بين نسائه، والتي تخرج لها القرعة يسافر بها، وإذا سافر بها معه فإنه لا يحسب تلك المدة التي في السفر للنساء الباقيات، بل إذا جاء يقسم بينهن، فكل واحدة يبيت عندها ليلة، ولا يحسب المدة التي كان فيها في السفر ثم يعطي كل واحدة مقدار هذه المدة.(245/26)
شرح سنن أبي داود [246]
للزواج في الإسلام حرمة عظيمة، وقد عظم الله حق الزوج على زوجته، كما عظم حق الزوجة على زوجها، وأوجب عليه نفقتها وكسوتها، فيجب على كل من الزوجين أن يحفظ حق الآخر كما أمره الله تعالى.(246/1)
حق الزوج على المرأة(246/2)
شرح حديث (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في حق الزوج على المرأة.
حدثنا عمرو بن عون أخبرنا إسحاق بن يوسف عن شريك عن حصين عن الشعبي عن قيس بن سعد قال: (أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول الله أحق أن يسجد له.
قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فأنت -يا رسول الله- أحق أن نسجد لك.
قال: أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ قال: قلت: لا.
قال: فلا تفعلوا، لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق)].
أورد الإمام أبو داود هنا [باب في حق الزوج على المرأة] يعني حق الزوج على زوجته، ثم ذكر بعد ذلك العكس، أي: حق الزوجة على زوجها.
وكل من الزوجين له على الآخر حقوق، وقد جاءت السنة ببيان ذلك، وقد بدأ المصنف رحمه الله بحق الزوج على امرأته، وهذا الحق هو أنها تسمع له وتطيع فيما هو له في غير معصية، وتقوم بشئون بيته وتربية أولاده في بيته والقرار في بيته وعدم الخروج إلا بإذنه، وغير ذلك من الأمور التي هي مطلوبة من النساء للرجال.
وقد بدأ أبو داود رحمه الله بحديث قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما الذي فيه بيان عظيم حق الزوج على زوجته، وأن الأمر عظيم؛ إذ بين صلى الله عليه وسلم أنه لو كان آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمر الزوجة أن تسجد لزوجها، وذلك لعظيم حقه عليها، وهذا يدلنا على عظم حق الزوج على الزوجة، وأن على الزوجة أن تحرص على تأدية ذلك الحق العظيم الذي بين النبي صلى الله عليه وسلم عظيم شأنه بأنه لو كان آمراً أحداً من البشر أن يسجد لأحد من البشر لأمر الزوجات أن يسجدن لأزواجهن، والسجود لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، ولكن هذا فيه بيان عظيم شأن حق الزوج على زوجته.
فـ قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما ذكر أنه جاء الحيرة -وهي بلدة من بلاد فارس- فرآهم يسجدون لمرزبان لهم، والمرزبان هو الزعيم والكبير والقائد والمرجع، فلما رأى أن هذا يكون من المخلوقين للمخلوق قال: أحق من يفعل ذلك معه من المخلوقين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بهذا الذي شاهده وبهذا الذي رآه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له: [(أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟)] قال: قلت: لا.
قال: [(فلا تفعلوا، لو كنت آمراً أحد أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن، لما جعل الله لهم عليهن من الحق)].
يعني: للرجال على النساء وللأزواج على الزوجات من الحق، أي: من عظيم الحق.
فذلك الحق عظيم، يدل على عظمه هذا الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر لا يكون؛ أنه لو كان سائغاً لكان الأولى والأحق به الزوج.
والحديث فيه هذه الجملة التي فيها [(أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟)] ولم تأت من غير هذا الطريق، وهذا الطريق فيه شريك بن عبد الله النخعي الكوفي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وساء حفظه لما ولي القضاء، فهي مما تفرد به ولم يتابع عليه، فتكون غير صحيحة.
وأما باقي الحديث فقد جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه.
وأما ما يفعله بعض الناس الجهلة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى المحبة والتعظيم فهو غير صحيح وغير جائز.
والمحبة تكون باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والسير على منهاجه واتباع سنته وعدم الخروج عليها وعدم مخالفتها، والنبي صلى الله عليه وسلم ما جاء عنه شيء يدل على ذلك، فتعظيمه يكون بمحبته واتباعه والسير على منهاجه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتصديق أخباره، وأن لا يعبد الله إلا وفقاً لما جاء به صلى الله عليه وسلم، هذا هو الذي يجب ويتعين، ولا يجوز تجاوز الحد بأن يصرف للرسول صلى الله عليه وسلم شيء لا يجوز صرفه له، مثل الركوع أو السجود أو الصلاة إلى قبره وما إلى ذلك، فكل ذلك غير سائغ وغير جائز.(246/3)
تراجم رجال إسناد حديث (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد)
قوله: [حدثنا عمرو بن عون].
عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا إسحاق بن يوسف].
هو إسحاق بن يوسف الأزرق، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شريك].
هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وساء حفظه لما ولي القضاء، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن حصين].
هو حصين بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي].
هو عامر بن شراحيل الشعبي، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قيس بن سعد].
هو قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومما يذكر عن قيس هذا رضي الله عنه أنه كان من أطول الرجال، وذكر الحافظ في الفتح أن رجلاً من الروم قال: إنه طويل وإنه يريد أن يطاول غيره، فقالوا لـ قيس رضي الله تعالى عنه في ذلك فأعطاهم سراويله ليلبسه ذلك الرومي، فلما لبسه صار أسفله في الأرض وأعلاه على أنفه.(246/4)
شرح حديث (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه بيان وجوب إجابة المرأة لزوجها إذا دعاها لحاجته إليها، وأن عليها أن تستجيب ولو كانت مشتغلة بعمل من الأعمال المهمة، فإن لم تجبه وبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح، وهذا يدلنا على عظم هذا الذنب؛ لأنه يلعن عليه، فدل ذلك على عظمه وعلى خطورته، وأن من حق الزوج على الزوجة أن تجيبه إذا دعاها لحاجته إليها، ولو كانت في حاجة مهمة فإنها تستجيب له وتلبي طلبه، وهذا يدلنا على عظم شأن حق الزوج على زوجته.
قوله: [(فلم تأته)] يعني: لم تجبه إلى طلبه [(فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة)] أي أن هذه الزوجة الممتنعة التي لم تلب الطلب لزوجها فبات وهو غضبان عليها فإن الملائكة تلعنها حتى تصبح.
وقوله: [(فبات غضبان)] قيد اللعن بهذا، أي: أما إذا لم يغضب عليها وإنما عذرها وتركها على ما هي عليه وما وجد منه غضب فإنها لا تستحق اللعن.
وإذا كانت المرأة حائضاً وكان بحاجة إلى الاستمتاع بها في غير الفرج فإن عليها أن تجيبه.(246/5)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه)
قوله: [حدثنا محمد بن عمرو الرازي].
محمد بن عمرو الرازي ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة.
[حدثنا جرير].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حازم].
هو سلمان الأشجعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(246/6)
حق المرأة على زوجها(246/7)
شرح حديث (ما حق زوجة أحدنا عليه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في حق المرأة على زوجها.
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد أخبرنا أبو قزعة الباهلي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت -أو: اكتسبت- ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت).
قال أبو داود: ولا تقبح: أن تقول: قبحك الله].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [باب في حق المرأة على زوجها] وهي عكس الترجمة السابقة في حق الزوج على المرأة، فهنا حق المرأة على الزوج.
وحق المرأة على الزوج أنه يطعمها ويكسوها ويعاشرها بالمعروف، هذا هو حق الزوجة على زوجها.
وأورد أبو داود حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: [ما حق زوجة أحدنا عليه].
وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الحرص على معرفة الأحكام والواجبات عليهم حتى يقوموا بتأديتها وحتى يقوموا بما هو مطلوب منهم فيها؛ لأنه سأل عما يجب للزوجات على الأزواج، حتى يقوم الأزواج بتأدية ذلك الحق الذي عليهم.
وهذا يدل على ما كانوا عليه من الحرص على معرفة ما هو واجب عليهم وما هو مطلوب منهم حتى يؤدوه ويقوموا بإيصاله إلى من يستحقه.
فبين له عليه الصلاة والسلام فقال: [(أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت -أو: اكتسبت- ولا تضرب الوجه)] يعني: إذا ضرب الضرب السائغ الذي هو مأذون له فيه فإنه لا يضرب الوجه، وذلك لأن الوجه فيه العينان وفيه الأنف وفيه الأذنان وفيه الفم واللسان، فيترتب على ذلك تعطيل شيء من هذه المنافع إذا حصل التعدي على المرأة بالضرب في وجهها.
ثم إن الوجه لا يضرب في جميع الأحوال، وذلك في حق الرجال وحق النساء، والحديث هو في معاملة الرجال للنساء، ولكنه يشمل غير النساء، كما في تأديب الأولاد ونحو ذلك، فيتقى الوجه لما يخشى أن يترتب على ضربه من تعطيل المنافع التي فيه.
وعليه فإنه يقال للاعبي الملاكمة: لا تضربوا الوجوه، فالنهي عام يشمل كل الأحوال، ومنها الأمور الرياضية.
وقد جاء في الحديث تعليل ذلك بأن الله تعالى خلق آدم على صورته، وهذا الحديث اختلف في تفسيره على أقوال، منها أن الضمير يرجع إلى الله، وأن المقصود منه أنه متكلم سميع بصير، وإن كان ما يضاف إلى الله عز وجل يختلف عما يضاف إلى المخلوقين.
وقيل: إن الضمير يرجع إلى آدم، وهو أنه خلق أول ما خلق على هيئته التي هو عليها طوله ستون ذراعاً، ولم يكن خلق على هيئة صغيرة وكبر شيئاً فشيئاً كما تنمو ذريته، وإنما خلق أول ما خلق وطوله ستون ذراعاً، كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمشهور عند علماء أهل السنة وعند أهل الحديث أن الضمير يرجع إلى الله، وأن الله عز وجل يوصف بأن له صورة، ولكن تلك الصورة هي على الوجه اللائق بكماله وجلاله، والله تعالى لا يشابه المخلوقين في صفاتهم، والمخلوقون لا يشابهون الله عز وجل في صفاته، بل صفات الباري تليق بكماله وجلاله، وصفات المخلوقين تليق بضعفهم وافتقارهم، والصورة هي الصفة.
[ولا تقبح] أي: بأن يخاطبها بما هو قبيح وبما هو غير لائق، ومن ذلك أن يقول: قبحك الله.
فإن التقبيح يدخل فيه (قبحك الله) ويدخل فيه كل وصف لا يليق ولو كان غير لفظ التقبيح.
قوله: [(ولا تهجر إلا في البيت)].
يعني: عندما يهجر الإنسان امرأته الهجر المشروع الذي يسوغ له فإنه لا يهجر إلا في البيت، وليس معنى ذلك أنه يهجر البيت فلا يأتي إليها في البيت، وإنما المعنى أنه يكون معها ولكنه يهجرها في المضجع، فلا يجامعها تأديباً لها إذا كان الأمر يقتضي ذلك.
وقوله: [(أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت)] ليس معناه أنه لا يطعمها إلا إذا طعم، ولا يلبسها إلا إذا لبس هو، بل المراد أنه كما يطعم نفسه ويلبس نفسه فإنه يطعمها ويكسوها، وليس بلازم أنه لا يكون ذلك إلا عندما يفعله هو، وإنما يقدم لها الشيء المطلوب منه الواجب لها عليه.
ومعلوم أنه غالباً ما يأكل أهل البيت في وقت واحد، فليس المعنى أنه لابد من أن يكون هذا مع هذا.
فالمهم أن يحصل لها الطعام وتقدم لها النفقة وتقدم لها الكسوة، أو تعطى النقود التي تشتري بها ما تحتاج إليه من الكسوة، فالمهم أن يكسوها ويطعمها.
وحد ذلك هو المعروف، فالنفقة بالمعروف، وكل بحسبه، كما قال الله عز وجل: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7].
والنفقة حق واجب على الزوج لزوجته حضر أو غاب، فإذا لم يجد الزوج في وقت فأنفقت المرأة على نفسها أو اقترضت لتنفق على نفسها فإن الزوج يلزم بدفع ما اقترضته أو ما أنفقته على نفسها.(246/8)
تراجم رجال إسناد حديث (ما حق زوجة أحدنا عليه)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا أبو قزعة الباهلي].
هو سويد بن حجير، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن حكيم بن معاوية].
حكيم بن معاوية صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
هو معاوية بن حيدة، صحابي أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.(246/9)
شرح حديث (نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن بشار حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا بهز بن حكيم حدثني أبي عن جدي رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! نساؤنا! ما نأتي منهن وما نذر؟ قال: ائت حرثك أنى شئت، وأطعمها إذا طعمت واكسها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه ولا تضرب) قال أبو داود: روى شعبة (تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت)].
أورد أبو داود حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر] يعني: كيف يكون الاستمتاع بهن؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أن الاستمتاع يكون في محل الحرث، وهو الفرج على أي حال وفي أي اتجاه، سواء كان من أمامها أم من ورائها، فالمهم أن يكون في محل الحرث، كما قال الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223] فبين صلى الله عليه وسلم أن الاستمتاع والانتفاع إنما يكون في محله، ولكنه ليس مقيداً بجهة معينة، بل على أي جهة وعلى أي حال ما دام أنه في الفرج.
قوله: [(وأطعمها إذا طعمت، واكسها إذا كتسيت، ولا تقبح الوجه، ولا تضرب)].
هذا مثل الذي قبله، فليس للرجل أن يضرب امرأته، وإذا احتاج إلى الضرب فإنه يضربها ضرباً غير مبرح، وذلك هو الذي جاء فيه الإذن بقوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34].
وقوله: [قال أبو داود: روى شعبة (تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت)].
هذه طريق ثانية للحديث، وفيها مثل ما في قبلها.(246/10)
تراجم رجال إسناد حديث (نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر)
قوله: [حدثنا ابن بشار].
هو محمد بن بشار، الملقب بـ بندار، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا بهز بن حكيم].
بهز بن حكيم صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[حدثني أبي عن جدي].
أبوه وجده قد مر ذكرهما، والحديث من رواية من روى عن أبيه عن جده.(246/11)
شرح حديث (أطعموهن مما تأكلون)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني أحمد بن يوسف المهلبي النيسابوري حدثنا عمر بن عبد الله بن رزين حدثنا سفيان بن حسين عن داود الوراق عن سعيد عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية القشيري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فقلت: (ما تقول في نسائنا؟ قال: أطعموهن مما تأكلون، واكسوهن مما تكتسون، ولا تضربوهن، ولا تقبحوهن)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله فيه ذكر الكسوة والإطعام والنهي عن الضرب وعن التقبيح.
ولكن -كما عرفنا- جاء في القرآن ما يدل على جواز الضرب، ولكن هذا الضرب إنما يكون على وجه لا يلحق ضرراً بالمرأة المضروبة، وإنما يحصل به المقصود ولا يحصل معه ضرر يعود عليها في جسمها بالعيب أو بالضرر.(246/12)
تراجم رجال إسناد حديث (أطعموهن مما تأكلون)
قوله: [أخبرني أحمد بن يوسف المهلبي النيسابوري].
أحمد بن يوسف المهلبي النيسابوري ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا عمر بن عبد الله بن رزين].
عمر بن عبد الله بن رزين صدوق له غرائب، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا سفيان بن حسين].
سفيان بن حسين وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن داود الوراق].
داود الوراق مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن سعيد].
هو سعيد بن حكيم، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
والرواية هنا فيها ثلاثة أوجه كما ذكر في عون المعبود، وجه أن سعيداً يروي عن أبيه عن جده، ووجه أنه يروي عن أخيه بهز عن أبيه عن جده، ووجه أن الرواية إنما هي عن بهز مباشرة عن أبيه عن جده.
وهذه الرواية هي مثل رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وكلتا الروايتين أصحابهما صدوقون، وعليه فإذا صح السند إلى بهز وعمرو فإن الحديث يكون حسناً.
على أن المنذري قد ذكر أن نسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مختلف فيها.(246/13)
ضرب النساء(246/14)
شرح حديث (فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في ضرب النساء.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن علي بن زيد عن أبي حرة الرقاشي عن عمه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع) قال حماد: يعني: النكاح].
أورد أبو داود: [باب في ضرب النساء] وضرب النساء جاء به القرآن، ولكنه على وجه لا يكون مؤثراً ولا يكون مبرحاً، وإنما يحصل به التأديب من غير مضرة، ولو أمكن أن يصار في التأديب إلى غير الضرب وأن تحصل معالجة الأمر بدونه فلا شك في أن ذلك أولى، ولكن إذا احتيج إليه فليكن على وجه لا يؤثر ولا يلحق ضرراً بالمرأة المضروبة.
وأورد أبو داود حديث أبي حرة عن عمه رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع)].
وقوله: [قال حماد: يعني النكاح].
أي أن الهجر في المضجع هو أن لا يجامعها، فينام معها في الفراش لكن لا يجامعها، والحديث يتعلق بالهجر ولا يتعلق بالضرب، ولكن سيأتي ما يتعلق بالضرب.(246/15)
تراجم رجال إسناد حديث (فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد عن علي بن زيد].
موسى بن إسماعيل وحماد مر ذكرهما وعلي بن زيد هو ابن جدعان، وهو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي حرة الرقاشي].
قيل: اسمه حنيفة.
وقيل: حكيم.
ثقة، أخرج له أبو داود.
[عن عمه].
قيل: اسمه حذيم بن حنيفة.
وقيل: عمر بن حمزة.
وهو صحابي له حديث واحد.(246/16)
شرح حديث (لا تضربوا إماء الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن أبي خلف وأحمد بن عمرو بن السرح قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله -قال ابن السرح: عبيد الله بن عبد الله - عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تضربوا إماء الله.
فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ذئرن النساء على أزواجهن.
فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم)].
أورد أبو داود حديث إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(لا تضربوا إماء الله)] فهذا نهي عن الضرب، فجاء عمر رضي الله عنه وقال: [(ذئرن النساء على أزواجهن)] ومعناه أنهن تجرأن عليهم وحصل منهن تطاول يحتجن معه إلى التأديب.
(فرخص النبي صلى الله عليه وسلم في ضربهن) وهذا يدل على أن الترخيص جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في القرآن {وَاضْرِبُوهُنَّ}.
وفي قوله: [ذأرن النساء] جمع بين الضمير والاسم الظاهر، وهي اللغة التي يسمونها (لغة أكلوني البراغيث) وقد جاء بها القرآن والحديث، وذلك في قول الله عز وجل: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواَ} [الأنبياء:3] وفي الحديث (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار) فهي لغة من اللغات.
قوله: [فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن].
معناه أنه بعد ما حصل الترخيص حصل الضرب، فجاء النساء إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون أزواجهن لحصول الضرب منهم، فقال صلى الله عليه وسلم في حق ضاربي زوجاتهم: [(ليس أولئك بخياركم)] يعني الذين يضربون النساء.
فالضرب وإن كان مرخصاً فيه إلا أنه لا ينبغي أن يصار إليه إلا للضرورة، وليس المعنى أنه حين وجدت الرخصة يتهاون بالضرب ويحصل إيذاؤهن بالضرب، وإنما يصار إلى الضرب عند الضرورة إليه، كالكي بالنسبة للعلاج لا يصار إليه إلا عند الضرورة وعند الحاجة.(246/17)
تراجم رجال إسناد حديث (لا تضربوا إماء الله)
قوله: [حدثنا أحمد بن أبي خلف وأحمد بن عمرو بن السرح].
أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قالا: حدثنا سفيان].
هو سفيان بن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عبد الله].
هو عبد الله بن عبد الله بن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[قال ابن السرح: عبيد الله بن عبد الله].
عبيد الله هو أخو عبد الله، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب].
إياس بن عبد الله بن أبي ذباب مختلف في صحبته، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.(246/18)
شرح حديث (لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا أبو عوانة عن داود بن عبد الله الأودي عن عبد الرحمن المسلي عن الأشعث بن قيس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته)].
أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته)] يعني أن له هذا الحق وأنه لا يعترض عليه، وقد يكون المعنى أنه لا يسأل عن الأسباب، إذ قد يكون الإفصاح عنها فيه حرج عليه.
ولكن الحديث غير ثابت؛ لأن فيه عبد الله المسلي، وهو مقبول، فالحديث غير صحيح، والضرب لا يصار إليه إلا عند الضرورة ومع حصوله يكون خفيفاً وسهلاً وغير مبرح.(246/19)
تراجم رجال إسناد حديث (لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته)
قوله: [حدثنا زهير بن حرب].
هو زهير بن حرب أبو خيثمة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا عبد الرحمن بن مهدي].
عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو عوانة].
هو الوضاح بن عبد الله اليشكري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن داود بن عبد الله الأودي].
داود بن عبد الله الأودي ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[عن عبد الرحمن المسلي].
عبد الرحمن المسلي مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن الأشعث بن قيس].
الأشعث بن قيس رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمر بن الخطاب].
هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(246/20)
شرح سنن أبي داود [247]
من الأحكام الشرعية المتعلقة بتصرفات المكلف ما يتعلق بنظره إلى الأجنبية؛ إذ قد حرم الشرع النظر إليها واعتبره زناً مكتوباً على ابن آدم، ولما كان المرء قد ينظر إلى الأجنبية فجأة دون قصد جعل الشرع الإثم مرفوعاً عنه فيها وحرم عليها ما سوى نظرة الفجأة، ومن الأحكام الشرعية في تصرفات المكلف تجاه المرأة ما يتعلق بالسبية حين تصير في يد من صارت نصيبه، وحيئذٍ فقد أباح الشرع له أن يملكها وأن يطأها بعد أن يستبرئها بحيضة، وبعد أن تضع إن كانت حاملاً ولا يجوز له وطؤها قبل ذلك.(247/1)
ما يؤمر به من غض البصر(247/2)
شرح حديث جرير رضي الله تعالى عنه في نظر الفجأة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يؤمر به من غض البصر.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة عن جرير رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نظرة الفجأة فقال: اصرف بصرك).
أورد أبو داود [باب ما يؤمر به من غض البصر].
وغض الأبصار مطلوب من الرجال والنساء، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] ثم قال في الآية التي بعدها: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31] فغض البصر مطلوب، فالرجال يغضون الأبصار عن النساء، والنساء يغضضن الأبصار عن الرجال.
وأورد أبو داود حديث جرير رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: (اصرف بصرك)، ومعناه أن الإنسان إذا وقع بصره على امرأة فجأة من غير اختيار فإنه لا يواصل ويستمر، وإنما عليه أن يصرف بصره ذلك الذي حصل اتفاقاً من غير قصد، وهو معذور فيه، وأما إذا أمعن النظر وداوم واستمر فإن هذا يكون مؤاخذاً عليه ومنهياً عنه.
وذكر النظر في كتاب النكاح لعله لكون النظر منه ما هو مشروع، وهو النظر إلى المخطوبة ومنه ما هو غير مشروع.(247/3)
تراجم رجال إسناد حديث جرير رضي الله تعالى عنه في نظر الفجأة
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
هو محمد بن كثير العبدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يونس بن عبيد].
يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن سعيد].
هو عمرو بن سعيد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي زرعة].
هو أبو زرعة بن عمرو بن جرير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جرير].
هو جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(247/4)
شرح حديث (لا تتبع النظرة النظرة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري أخبرنا شريك عن أبي ربيعة الإيادي عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لـ علي: يا علي! لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة)].
أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه، وهو يوضح قوله: (اصرف بصرك).
ومعنى الحديث أن النظرة الأولى التي حصلت من غير قصد ومن غير اختيار هو معذور فيها، ولا يواصل ويتبع النظرة النظرة؛ لأن الأولى حصلت وهو معذور فيها، وليست له التي تليها؛ لأنها تكون بقصد وذلك لا يسوغ، فالحديث الثاني يوضح الحديث الأول.(247/5)
تراجم رجال إسناد حديث (لا تتبع النظرة النظرة)
قوله: [حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري].
إسماعيل بن موسى الفزاري صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[أخبرنا شريك].
شريك مر ذكره.
[عن أبي ربيعة الإيادي].
قيل: اسمه عمر بن ربيعة، وهو مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن ابن بريدة].
هو عبد الله بن بريدة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(247/6)
شرح حديث (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنما ينظر إليها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنما ينظر إليها)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها)] والمباشرة هي المس واتصال الجسم بالجسم، بمعنى أنها تلمسها أو تضع يدها على جسمها لتدرك مدى نعومتها، فهذا هو المقصود من المباشرة؛ وذلك لأن هناك نظراً وهناك مباشرة، فالنظر يكون بإطلاق البصر إليها، وأما المباشرة فتكون بوضع اليد على جسمها لتعرف المرأة بالملامسة مدى نعومة الجسم، فليس للمرأة أن تفعل ذلك من أجل أن تصفها لزوجها أو تصفها لأحد من الناس كأنه ينظر إليها.
لكن إذا أرسل الرجل إحدى محارمه لتنظر إلى امرأة وتصفها له ليخطبها فذلك لا بأس به لأنه قد تعلق به غرض صحيح مشروع.(247/7)
تراجم رجال إسناد حديث (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنما ينظر إليها)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو عوانة].
قد مر ذكره.
[عن الأعمش].
الأعمش مر ذكره.
[عن أبي وائل].
هو شقيق بن سلمة الكوفي، ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن مسعود].
هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(247/8)
شرح حديث إتيان الرجل زوجته إن رأى امرأة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فدخل على زينب بنت جحش رضي الله عنها فقضى حاجته منها، ثم خرج إلى أصحابه فقال لهم: إن المرأة تقبل في صورة شيطان، فمن وجد من ذلك شيئاً فليأت أهله؛ فإنه يضمر ما في نفسه)].
أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى زينب أم المؤمنين فقضى حاجته منها ثم قال لأصحابه: [(إن المرأة تقبل في صورة شيطان، فمن وجد من ذلك شيئاً فليأت أهله؛ فإن ذلك يضمر ما في نفسه)].
ومعناه أن ذلك الذي معها هو موجود مع أهله، فيقضي حاجته مما أحل الله ولا يطلق بصره وينظر إلى ما حرم الله.
فإذا وجدت منه الشهوة ووجدت منه الرغبة لكونه رأى شيئاً -سواء بقصد أو بغير قصد- فالمشروع في حقه أن يقضي حاجته من أهله؛ لأنه بذلك يضمر ما في نفسه، أي أنه يحصل إضعاف الشهوة وإضعاف القوة التي فيه، هذا هو المقصود بالإضمار، فهو من الضمور الذي هو ضد القوة والنشاط.(247/9)
تراجم رجال إسناد حديث إتيان الرجل زوجته إن رأى امرأة
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
هو هشام الدستوائي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث من رباعيات أبي داود؛ لأن بين أبي داود فيه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص.(247/10)
شرح حديث (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبيد حدثنا ابن ثور عن معمر أخبرنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تُمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك ويكذبه)].
قول ابن عباس [ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم] المقصود باللمم صغائر الذنوب، يشير بذلك إلى قول الله عز وجل: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:32] يعني الذنوب التي هي صغائر، ومعلوم أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر، فـ ابن عباس رضي الله تعالى عنه يبين أن اللمم الذي جاء ذكره في القرآن الكريم يفسر بما جاء في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم [(إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة)].
قال صلى الله عليه وسلم: [(فزنا العينين النظر)]، فسمى مقدمة الزنا زنا وأطلق على المقدمة اسم النهاية، وذلك لأن النظر ومداومة إطلاق النظر قد يتبعه وقد يترتب عليه حصول الزنا.
قال: [(وزنا اللسان المنطق)] يعني الكلام، وذلك بأن يأتي بكلام فيه تعريض أو فيه تصريح أو ما إلى ذلك، فهو مقدمة ووسيلة إلى الزنا.
قال: [(والنفس تمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)]، فما يكون من الفرج هو النهاية، فإذا حصل الزنا -والعياذ بالله- فإنه يكون قد حصل التصديق لهذه المقدمات ولهذه الوسائل ولهذه البدايات، فصارت النهاية وقوع الجريمة ووقوع الضرر الكبير ووقوع الجرم العظيم الذي هو الزنا.
وقوله: [(أو يكذبه)] يعني: فلا يحصل شيء، وإنما تنتهي المسألة عند الصغائر، لكن الصغائر قد تلتحق بالكبائر، وذلك بكون الإنسان يداوم ويصر عليها، فإنها تضخم وتعظم حتى تلتحق بالكبائر، كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار.
فالكبيرة مع الاستغفار تتضاءل وتضمحل وتتلاشى، والصغيرة مع الإصرار تضخم وتعظم؛ لأن صاحبها ليس عنده اكتراث وليس عنده خوف من الله عز وجل، فهو مصر عليها ومداوم عليها، فقد تلتحق بالكبائر.
والصغائر يكفرها اجتناب الكبائر، كما في جاء في الحديث (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر).
وقوله: [(إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا)] الكتابة هنا كتابة قدرية؛ لأن الكتابة تكون شرعية وتكون قدرية كونية، والكتابة القدرية الكونية هي التي في اللوح المحفوظ، فما كتب الله في اللوح المحفوظ فإنه يقع، وما قدر الله أن يكون فإنه لابد من أن يكون، أما الكتابة الشرعية فمثل قول الله عز وجل: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] يعني: فرضنا وأوجبنا وحكمنا بأن النفس بالنفس، ولكن الكتابة المذكورة في الحديث كتابة قدرية.
والمقصود بقوله: [(ابن آدم)] فيه أقوال، والذي يظهر أن المقصود بذلك من كان كتب عليه ذلك، ولا يعني أن كل بني آدم كتب عليهم ذلك، فإن من عباد الله ومن خلق الله ومن أولياء الله من يعصمه الله عز وجل من ذلك، فالكتابة ليست على كل أحد، والعموم فيها ليس بمراد على الإطلاق؛ لأن من بني آدم رسل الله، ومنهم الصديقون، ومنهم أولياء الله عز وجل الذين يبتعدون ويحرصون على الابتعاد عن الصغائر فضلاً عن الكبائر، وعلى هذا فيكون المراد بابن آدم من حصل منه ذلك، أما من عصمه الله ومن وفقه الله فلم يكن من أهل الزنا فإنه لا يحصل منه ذلك، وليس مكتوباً عليه؛ لأن المكتوب لابد من أن يقع، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
وقد يقال: إذا كانت هذه الأمور مكتوبة على ابن آدم لا محالة فهل يحاسب على فعله؟
و
الجواب
نعم يحاسب على فعله؛ لأن كل شيء مكتوب على ابن آدم، فالكفر مكتوب على ابن آدم، والإسلام مكتوب على ابن آدم، وكل ما يقع ويحصل في الوجود لبني آدم مكتوب على ابن آدم، لكن لا يحصل ذلك الذي كتب عليه من غير اختياره ومن غير إرادته، وليس هو مجبوراً على ذلك، فالله كتب والعبد اكتسب، ولهذا يمدح ويذم، ولو كان الإنسان ليس له إرادة ولا مشيئة فكيف يمدح وكيف يذم وكيف يعاقب ويجازى على الإحسان إحساناً وعلى الإساءة عقوبة؟! ذلك لأن الإنسان له اكتساب في هذا من ناحية أنه مختار وعنده إرادة وعنده مشيئة، وأما كون الإنسان مجبوراً على أفعاله فهذا ليس بصحيح، فمذهب الجبرية باطل، ومذهب القدرية الذين يقولون: إن العباد يخلقون أفعالهم والله ما قدرها عليهم كذلك باطل، والحق وسط بين هؤلاء وهؤلاء، فالله تعالى قدر، وهو خالق كل شيء، وما قدره الله لابد له من أن يوجد، والعبد له إرادة ومشيئة واختيار، ولهذا يفرق بين الشيء الذي يكون من إرادة الإنسان والذي ليس من إرادة الإنسان، ولهذا يعرفون الفاعل في علم النحو فيقولون: اسم مرفوع يدل على من حصل منه الحدث أو قام به الحدث.
فالإنسان إذا قيل عنه: أكل وشرب فالأكل فعل للإنسان مضاف إليه، لكن الأكل والشرب الذي يحصل للإنسان قد قدره الله تعالى وكتبه، وما شاء الله كان، وكل شيء وقع ووجد عرفنا أنه مقدر؛ لأنه ما شاء الله كان، لكن هل يقع والإنسان مجبور عليه وليس له إرادة وليس له اختيار؟! لا، بل له إرادة وله اختيار وله مشيئة تدل على من حصل منه الحدث أو قام به الحدث، وقيام الحدث به ليس من فعله، كأن يقال: مرض فلان ومات فلان.
فالمرض ليس فعلاً له، بل هو شيء خارج عن إرادة الإنسان، وقولنا: (مات فلان) فلان فيه فاعل، وهو ما فعل الموت، ولكن قام به الموت، والله تعالى هو الذي خلقه فيه وأوجده.
ففرق بين (أكل وشرب) وبين (مرض) وفرق بين الذي يتصرف بأعضائه وبين من ترتعش يده، فالذي ترتعش يده ليس ذلك من فعله، وضربه وأكله وشربه من فعله، ففعله يستحق عليه العقوبة إذا كان سيئاً، وأما الشيء الذي ليس من فعله فلا يعاقب عليه الإنسان.
فإذا كان إنسان يضرب الناس ويؤذيهم فأتى إليه أحد ليؤاخذه على هذا فإنه إذا ضربه من أجل أن يمتنع لأنه قادر على ذلك فضربه عمل صحيح، لكن لا يؤتى إلى شخص ترتعش يده فيضرب ويقال له: أوقف حركة يدك.
لأن هذا ليس من فعل الإنسان، ولكن يوصف الإنسان بأنه مرتعش أو أن فيه وصف كذا وكذا.
فالشيء الذي ليس فيه للإنسان إرادة من مثل هذا القبيل.
فالجبرية يقولون: إن الإنسان ليس له إرادة، وإنه مثل الأشجار التي تحركها الرياح ومثل الريشة التي تطير في الهواء، فحركاته ليست باختياره.
وهذا جانب.
ويقابله جانب المعتزلة القائلين بخلق أفعال العباد، والذين يقولون: إن الله ما قدر أفعال العباد، وإن العباد هم الذين يخلقون أفعالهم.
ولهذا قيل: إنهم مجوس هذه الأمة.
والحق وسط، فالله تعالى خالق ومريد، وإذا أراد الشيء كان، والعبد مختار ومكتسب، فيمدح ويذم على ما يحصل منه من الكسب، ويثاب ويعاقب على ما يحصل منه من الكسب، ولكن لا تخرج مشيئته وإرادته عن مشيئة الله وإرادته، كما قال الله عز وجل: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29] ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله بعض أصحابه عن العمل هل هو فيما يستقبل أو في أمر قد فرغ منه أخبرهم أنه في أمر قد فرغ منه، قالوا: ففيم العمل؟! فقال: (اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، فأهل السعادة ييسرون لعمل السعادة، وأهل الشقاوة ييسرون لعمل أهل الشقاوة).(247/11)
تراجم رجال إسناد حديث (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبيد].
هو محمد بن عبيد بن حساب، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا ابن ثور].
هو محمد بن ثور الصنعاني، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن طاوس].
هو عبد الله بن طاوس بن كيسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو طاوس بن كيسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[مما قال أبو هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه، والحديث من رواية صحابي عن صحابي.(247/12)
شرح حديث (لكل ابن آدم حظه من الزنا)
قال رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لكل ابن آدم حظه من الزنا -بهذه القصة- قال: واليدان تزنيان، فزناهما البطش، والرجلان تزنيان فزناهما المشي، والفم يزني فزناه القبل)].
أورد أبو داود حديثاً بالمعنى الذي سبق في حديث أبي هريرة وفيه: [(واليدان تزنيان فزناهما البطش)] يعني التناول والمس وما إلى ذلك.
قال: [(والرجلان تزنيان، فزناهما المشي)].
يعني المشي إلى المعصية وإلى الفاحشة وإلى البحث عنها والسعي للوصول إليها.
فالعين تنظر، واليد تلمس وتمد، والرجل تمشي، واللسان يتكلم، وكل ذلك فيما يتعلق بالفاحشة، والنهاية الفرج، فإن وجد منه تصديق ذلك انتهت تلك إلى غاية سيئة، وإن لم تحصل تلك الغاية فإن الفرج يتخلف عن الوقوع في الفاحشة.
وتلك المقدمات إذا لم يصر الإنسان عليها ولم يسع إلى الفاحشة ولم يجتهد في الوصول إليها فإنها تكفر، وأما إذا كان الإنسان مصراً ينتهز الفرص التي تؤدي إلى الفاحشة ويتحينها حتى يقع فيها ولم يتركها إلا بسبب العجز عن الوصول إليها فإن تلك الأفعال التي يفعلها من كلام أو لمس أو مشي فإنه يؤاخذ بها؛ لأن هذه أعمال وحركات مقصودة ومتعمدة.(247/13)
تراجم رجال إسناد حديث (لكل ابن آدم حظه من الزنا)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد].
هو حماد بن سلمة، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سهيل بن أبي صالح].
سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والبخاري روى له مقروناً.
[عن أبيه].
هو أبو صالح السمان، اسمه ذكوان ولقبه السمان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وقد مر ذكره.(247/14)
شرح حديث (لكل ابن آدم حظه من الزنا) من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه القصة، قال: (والأذن زناها الاستماع)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وفيه زيادة أن الأذن زناها الاستماع، أي: الاستماع إلى ما يتعلق بالفاحشة.
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا الليث].
هو الليث بن سعد المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عجلان].
هو محمد بن عجلان المدني، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن القعقاع بن حكيم].
القعقاع بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي صالح عن أبي هريرة].
قد مر ذكرهما.(247/15)
وطء السبايا(247/16)
شرح حديث أبي سعيد الخدري في سبايا أوطاس
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في وطء السبايا.
حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث يوم حنين بعثاً إلى أوطاس، فلقوا عدوهم فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا، فكأن أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تحرجوا من غشيانهم من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله تعالى في ذلك {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:24] أي: فهن لهم حلال إذا انقضت عدتهن)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي وطأ السبايا، أي: المرأة المسبية، والمراد الكلام في وطئها وجماعها لمن تكون نصيبه من السبي ولمن تكون له، فإنه يطؤها بعد استبرائها، فإن كانت حاملاً فبوضع حملها، وإن كانت تحيض فبحيضة، وإن كانت لا تحيض فإنها تستبرأ مدة شهر، وقد جاءت الأحاديث في ذكر الحيض وفي ذكر الحمل، وجاء ذكر الوطء بعد انقضاء عدتها التي هي وضع الحمل أو حصول حيضة واحدة، وإذا كانت غير حامل ولا تحيض فإنها تستبرأ مدة شهر.
وأورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه لما كان يوم حنين وحصل الانتصار على الأعداء وطفروا بالسبايا كأن بعض الصحابة تحرجوا من وطئهن من أجل أنهن ذوات أزواج، ومن المعلوم أن ذوات الأزواج أبضاعهن لأزواجهن، ليس لأحد أن يطأهن، فهن محرمات، وقد حرم الله عز وجل نكاح المحصنة، والمحصنة تأتي بمعنى المتزوجة، كما أنها تأتي بمعنى العفيفة.
فلما تحرجوا أنزل الله عز وجل هذه الآية {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:24] أي أن ذوات الأزواج هن حرام عليكم، ويستثنى من ذلك ملك اليمين؛ لأن المرأة إذا سبيت وهي ذات زوج انفصل الزواج وانقطع، ولم يكن لزوجها حق فيها بعد أن سبيت، فبعد ذلك تعتد، فإذا كانت حاملاً فبالوضع، وإذا كانت تحيض فبحيضة حتى يتحقق من أنها سليمة من الحمل.
فقول الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:24] معناه: المتزوجات.
فالله تعالى قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ} [النساء:23] ثم قال في الآية بعدها: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:24] فالمحصنة ذات الزوج التي سبيت تنتهي علاقتها بزوجها ويكون لمن صارت نصيبه من السبي.
فملك اليمين مستثنى من تحريم ذوات الأزواج في قوله تعالى: ((وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ)) لأن المحرمات ذكرهن الله عز وجل في قوله: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ)) الآية وختم ذلك بقوله تعالى: ((وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ)) واستثني من ذلك ملك اليمين، فإنها توطأ وإن كانت ذات زوج؛ لأن علاقتها بزوجها انتهت بسبيها.(247/17)
تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري في سبايا أوطاس
قوله: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة].
هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري، ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع].
هو يزيد بن زريع، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد].
هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح أبي الخليل].
صالح أبو الخليل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي علقمة الهاشمي].
أبو علقمة الهاشمي ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي سعيد الخدري].
هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(247/18)
شرح حديث همه صلى الله عليه وسلم بلعن واطئ سبية حامل
قال رحمه الله تعالى: [حدثنا النفيلي حدثنا مسكين حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي الدرداء رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان في غزوة فرأى امرأة مجحا، فقال: لعل صاحبها ألم بها.
قالوا: نعم.
فقال: لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له؟! وكيف يستخدمه وهو لا يحل له؟!)].
أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، فرأى امرأة مجحاً، وهي الحامل التي قربت ولادتها، فقال: [(لعله ألم بها)] أي: لعل صاحبها ألم بها، يعني الذي هي نصيبه من السبي، قالوا: نعم.
أي أنه وطئها.
فقال صلى الله عليه وسلم: [(لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له؟! وكيف يستخدمه وهو لا يحل له؟!)] والمقصود من ذلك أن المسبية إذا كانت حاملاً لا توطأ حتى تلد، وإذا كانت حائلاً لا توطأ حتى تحيض حيضة فقال: (كيف يورثه وهو لا يحل له؟! وكيف يستخدمه وهو لا يحل له؟) وذلك إذا وطئها ومضى على الوطء أكثر من ستة أشهر -وهي أقل مدة الحمل- فقد يكون ذلك الحمل منه هو، وعلى ذلك كيف يكون ولده عبداً له فيستخدمه وهو لا يحل له؟! وإن كان ليس منه فكيف يورثه ويصير ولداً له؟! وقوله: [(لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره)] معناه أنه يدوم لعنه ويستمر لعنه ويستمر معه حتى يصل إلى قبره، وفيه دلالة على أن ذلك الفعل من الكبائر.(247/19)
تراجم رجال إسناد حديث هم النبي صلى الله عليه وسلم بلعن واطئ سبية حامل
قوله: [حدثنا النفيلي].
هو عبد الله بن محمد النفيلي، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا مسكين].
هو مسكين بن بكير الحواني، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له صحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن خمير].
يزيد ثقة، أخرج له أبو داود.
[عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير].
عبد الرحمن بن جبير بن نفير ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
هو جبير بن نفير، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي الدرداء].
واسمه عويمر رضي الله عنه، أخرج له صحاب الكتب الستة.(247/20)
شرح حديث (لا توطأ حامل حتى تضع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عون أخبرنا شريك عن قيس بن وهب عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه -ورفعه- أنه قال في سبايا أوطاس: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة)].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال في سبايا أوطاس: [(لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة) أي أن الذي تكون هي نصيبه من السبي لا يطؤها حتى تضع حملها، وإذا كانت غير ذات حمل وهي تحيض فلا توطأ حتى تحيض حيضة، وليس المقصود من ذلك أن لزوجها الأول حقاً وأن العدة من أجل زوجها، بل المقصود من ذلك الاطمئنان إلى براءة رحمها بأن ليس فيه حمل.
وأما الاستمتاع بالمسبية فيما دون الفرج قبل انقضاء المدة فالذي يبدو أنه لا بأس بذلك؛ لأن المحذور هو أن يحصل منه سقي زرع غيره، وكذلك يخشى أن يكون هناك حمل فيطؤها قبل أن تعتد أو قبل أن تحيض حيضة، فيكون هناك اشتباه في أنه منه أو من الأول، فمعنى ذلك أنه يطمئن إلى أن الحمل للأول فتترك حتى تلد، أو يعلم أنها ليست بذات حمل من الأول فتوطأ بعد استبراء، فالذي يبدو أن الاستمتاع بما دون الفرج دون أن يصل إلى فرجها شيء لا بأس به؛ لأن المنع هو من الوطء، وعلى كل فالحائض -كما هو معلوم- يجوز الاستمتاع بها دون الفرج.(247/21)
تراجم رجال إسناد حديث (لا توطأ حامل حتى تضع)
قوله: [حدثنا عمرو بن عون].
عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا شريك].
هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، ساء حفظه لأنه ولي القضاء، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن قيس بن وهب].
قيس بن وهب ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود وابن ماجة.
[عن أبي الوداك].
هو جبر بن نوف، صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا البخاري.
[عن أبي سعيد الخدري].
أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قد مر ذكره.
وقوله: [ورفعه] يعني أنه أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أو: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ لأن كلمة (رفعه) تعني أنه أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ المرفوع ما أضيف إلى النبي عليه الصلاة والسلام.(247/22)
شرح حديث النهي عن وطء الحامل من غير مالكها ووطء السبية قبل استبرائها وبيع المغنم قبل القسمة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق عن حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال: قام فينا خطيباً قال: أما إني لا أقول لكم إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم حنين، قال: (لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره -يعني إتيان الحبالى-، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم)].
أورد أبو داود حديث رويفع بن ثابت رضي الله تعالى عنه أنه خطب فقال: لا أقول إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فذكر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره)].
والمقصود من ذلك إتيان النساء الحبالى، وسواء أكان ذلك الحمل عن طريق زواج، كما يكون في المسبيات، أو كان عن طريق الزنا، فليس لأحد أن يطأ ذات حمل، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره، والمراد أن يطأ المرأة؛ لأن الولد الذي في بطنها لغيره، فماؤه الذي يضعه في فرجها هو بمثابة الماء الذي يسقى به الزرع.
وبعض أهل العلم قال: إن هذا يدل على أن الولد ينفعه الماء الذي يحصل للمرأة الموطوءة وفي بطنها حمل.
ومنهم من يقول: إن المقصود من ذلك كون مائه يقع على شيء ليس له، وليس بلازم أن يستفيد منه الجنين الذي في البطن بسبب الجماع الذي يحصل لأمه، فالمقصود من ذلك منع وطء ذات الحمل، ويكون ذلك بمثابة سقي زرع غيره، سواء انتفع الجنين بهذا الوطء أو لم ينتفع، فإنه يصدق عليه أنه سقى ماءه زرع غيره.
وقوله: [(يؤمن بالله واليوم الآخر)] ذكر الإيمان بالله وذكر الإيمان باليوم الآخر، وهما من أصول الإيمان الستة التي هي أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وذكر الإيمان بالله لأنه أساس الإيمان، وكل ما يؤمن به بعد الإيمان بالله تابع للإيمان بالله، ولهذا قال في ذكر أركان الإيمان: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) فما بعد الله عز وجل مضاف إليه، والذي لا يؤمن بالله لا يؤمن بالكتب ولا بالرسل، وذكر اليوم الآخر مع الإيمان بالله تذكيراً بالمعاد وتذكيراً بالثواب والعقاب، فإذا كان في أمر محمود فإنه يصير من باب الترغيب في العمل الصالح من أجل أن يحصل ثوابه، وإذا كان في أمر محرم فإنه يكون ترهيباً من ذلك العمل لئلا يحصل الجزاء عليه عذاباً وعقاباً، وهنا من باب التحذير، فمعناه أنه لا يجوز، وهنا تذكير له باليوم الآخر الذي هو يوم الجزاء، وأن الإنسان يعاقب على ما يحصل منه في الدار الآخرة.
قوله: [(ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها)].
هذا من الأمور التي يجيء فيها التحذير؛ فلا يحل للمرء أن يقع على سبية حتى يستبرئها، فإن كانت حاملاً فبوضع الحمل، وإن كانت غير حامل فبكونها تحيض حيضة.
وقوله: [(ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم)] أي: يقسم على الغانمين، وعند ذلك يبيع الشيء الذي يكون له.
وقوله: [قام فينا خطيباً] فاعل (قام) هو رويفع، والقائل هو حنش الصنعاني.(247/23)
تراجم رجال إسناد حديث النهي عن وطء الحامل من غير مالكها ووطء السبية قبل استبرائها وبيع المغنم قبل القسمة
قوله: [حدثنا النفيلي].
النفيلي قد مر ذكره.
هو محمد بن سلمة الباهلي الحراني، ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن إسحاق].
هو محمد بن إسحاق المدني، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني يزيد بن أبي حبيب].
هو يزيد بن أبي حبيب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي مرزوق].
هو أبو مرزوق المصري التجيبي، واسمه حبيب بن الشهيد، ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن حنش الصنعاني].
حنش الصنعاني أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن رويفع بن ثابت].
هو رويفع بن ثابت رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي والنسائي.(247/24)
شرح حديث استبراء المسبية وذكر الزيادات فيه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية عن ابن إسحاق بهذا الحديث قال: (حتى يستبرئها بحيضة) زاد فيه: (بحيضة) وهو وهم من أبي معاوية، وهو صحيح في حديث أبي سعيد رضي الله عنه، زاد: (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه) قال أبو داود: الحيضة ليست بمحفوظة، وهو وهم من أبي معاوية].
قوله: [بهذا الحديث].
أي: بهذا الحديث الذي تقدم.
وقوله: [(يستبرئها)] يدخل فيه ما إذا كانت حاملاً وما إذا كانت حائلاً، فإن كانت حاملاً فبوضع الحمل، وإن كانت حائلاً فبكونها تحيض حيضة.
وهنا زاد [بحيضة] وعلى هذا تخرج ذات الحمل، ويتعلق الأمر بغير الحامل، وهي الحائل، فهي التي تستبرأ إذاً بحيضة.
وذكر أبو داود هنا أن هذا غير محفوظ، وأن الوهم فيه من أبي معاوية الذي قال: [بحيضة]، وغيره قالوا: [(حتى يتسبرئها) فيشمل من كانت حاملاً ومن كانت حائلاً، وتقييده بحيضة يخرج منه من كانت ذات حمل، ويخرج كذلك التي لا تحيض إما لكبر السن أو لصغرها.
وقوله: [وهو صحيح في حديث أبي سعيد].
أي: صحيح ثابت كونها تستبرأ بحيضة، ولكن في حق غير الحامل.
وقوله: [زاد: (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه)].
يعني: إذا صارت هزيلة بسبب استخدامها وبسبب ركوبها ردها فيه، وهذا فيما إذا كان غير مضطر إليها، أما إذا كان مضطراً إلى ركوبها فإنه يجوز له ذلك.
قوله: [(ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه)].
الذي قبله يتعلق الركوب، فكذلك اللبس، أي: أن يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا بلي رده، وإذا كان مضطراً إلى ذلك فله ذلك، وإنما المنع فيما إذا كان غير مضطر.(247/25)
تراجم رجال إسناد حديث استبراء المسبية
[حدثنا سعيد بن منصور].
سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو معاوية].
هو محمد بن خازم الضرير، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن إسحاق بهذا الحديث].
ابن إسحاق مر ذكره.(247/26)
الأسئلة(247/27)
حكم نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي
السؤال
ما حكم نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي بغير شهوة؟
الجواب
لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل سواء بشهوة أو بغير شهوة، وأما ما ثبت عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بالحراب في المسجد فإن نظرها ذلك كان عن بعد ليس فيه تمييز، أي إنما هو سواد وحركات ليس فيها تمييز الأشخاص، بخلاف النظر إلى شخص ورؤية صفاته وما إلى ذلك.
وقد يحصل أنه يدخل على النساء رجل كفيف البصر ليعلمهن، كما قد يحصل ذلك في بعض الجامعات، وحينئذٍ يستفدن منه بدون النظر إليه؛ إذ ليس من لازم الاستفادة أن تنظر الطالبة إليه، بل تغض بصرها عنه وتسمع كلامه.(247/28)
ضابط الفرق بين المعصية الكبيرة والصغيرة
السؤال
ما الضابط الذي نفرق به بين الكبائر والصغائر؟
الجواب
الكبائر والصغائر ذكر في الفرق بينها أقوال، ولكن أقربها وأشهرها أن الكبيرة ما توعد عليها بلعنة أو غضب أو نار أو حبوط عمل أو نحو ذلك، وما لم يكن كذلك فإنه يكون من الصغائر.(247/29)
مرتبة جرم النظر إلى الأجنبية
السؤال
هل النظر إلى الأجنبية يعد من الصغائر؟
الجواب
نعم يعد من الصغائر، ويكفر باجتناب الزنا إذا تركه الإنسان خوفاً من الله عز وجل، وأما إذا ترك الزنا عجزاً ولعدم القدرة مع كونه يبذل الوسع ويتحين الفرص للوقوع في الجريمة، فإن عمله لا يكفره عدم فعل الزنا.(247/30)
شرح سنن أبي داود [248]
العشرة الزوجية يكتنفها كثير من الأحكام الشرعية المتعلقة بالمعاشرة والجماع، فإن الشرع قد جعل لهذا الأمر آداباً قويمة، فشرع للرجل أن يدعو عند إرادة جماع زوجته بالوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد جماعها فله أن يقضي حاجته من أي جهة منها مادام الوطء في الفرج، وحرم على الرجل أن يقضي حاجته منها في الفرج في زمن الحيض، فإن فعل فعليه أن يتصدق بدينار أو نصفه كفارة عن ذنبه.(248/1)
جامع النكاح(248/2)
شرح حديث ما يدعو به من تزوج امرأة أو اشترى خادماً أو بعيراً
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في جامع النكاح.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة وعبد الله بن سعيد قالا: حدثنا أبو خالد -يعني سليمان بن حيان - عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادماً فليقل: اللهم! إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلتها عليه.
وإذا اشترى بعيراً فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك).
قال أبو داود: زاد أبو سعيد: (ثم ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة في المرأة والخادم)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى [باب في جامع النكاح].
ويقصد بهذه الترجمة أموراً متفرقة في النكاح، لأن ما سيورده ليس في موضوع واحد أو في مسألة واحدة، وإنما هو في مسائل متفرقة وفي أمور متفرقة يجمعها أنها في النكاح.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادماً فليقل: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه)]، فهذا دعاء يدعى به في أول الزواج وعند شراء الدابة وعند شراء شراء خادم، أي: عبد مملوك، سواء أكان ذكراً أم أنثى، فإنه يدعو بهذا الدعاء، وقد جاء في رواية أحد شيخي أبو داود في هذا الإسناد -وهو أبو سعيد الأشج عبد الله بن سعيد - أنه يأخذ بناصية الزوجة والخادم أو الخادمة ويدعو بهذا الدعاء: (اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه).
فيكون الإنسان من البداية قد سأل الله من الشر، يسأله من خير هذه الزوجة أو خير هذه الأمة أو العبد وخير ما جبل عليه -أي: ما طبع عليه وجعل فيه من الصفات ومن الأخلاق- وتعوذ به من شر ما يتصف به وما جبل عليه من الأخلاق السيئة ومن الأمور المنكرة.
قال: [(وإذا اشترى بعيراً فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك)].
يعني: مثل الدعاء الذي دعا به بالنسبة للزوجة والعبد.
قوله: [زاد أبو سعيد: (ثم ليأخذ بناصيتها وليدعو بالبركة)].
هذا زيادة على ما تقدم، فقد تقدم أنه يدعو بالخير ويستعيذ من الشر، وهنا شيئان زيادة على ما تقدم، فزيادة أبي سعيد فيها وضع اليد على الناصية بالنسبة للزوجة والخادم أو العبد أو الأمة، وفيها -أيضاً- أن يدعو بالبركة.
وكذلك السيارة والسائق ونحوهما يدعى بالبركة فيهم ويسأل الله تعالى خيرهم ويستعاذ به من شرهم.(248/3)
تراجم رجال إسناد حديث ما يدعو به من تزوج امرأة أو اشترى خادماً أو بعيراً
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وإلا النسائي فإنه أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[وعبد الله بن سعيد].
هو عبد الله بن سعيد الأشج أبو سعيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو خالد -يعني سليمان بن حيان -].
هو سليمان حيان الأحمر، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عجلان].
هو محمد بن عجلان المدني، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، ويقال في ترجمة ابن عجلان: إن أمه حملت به أربع سنين.
[عن عمرو بن شعيب].
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
هو شعيب بن محمد، وهو صدوق أيضا، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن جده].
هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(248/4)
شرح حديث ما يدعو به المرء عند الجماع
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى حدثنا جرير عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو أن أحدكم إذا أرد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا وجنب الشيطان ما رزقتنا.
ثم قدر أن يكون بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشطان وجنب الشيطان ما رزقتنا.
ثم قدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً) وهذا يدل على مشروعية هذا الدعاء وعظيم شأنه، وأن الإنسان يدعو بهذا الدعاء ليظهر ما جاء فيه من سلامة الولد من الشيطان ومن أن يكون من أولياء الشياطين.
فالحديث يدل على مشروعية هذا الدعاء عند الجماع.
وقوله: [(لم يضره شيطان أبداً)] ليس المقصود به أنه لا سبيل للشيطان عليه، وأنه يكون معصوماً؛ فإن العصمة ليست لأحد بعد رسل الله الكرام عليهم الصلاة والسلام، وإنما المراد أنه يسلم من تسلطه عليه وكونه يصير من أوليائه، وإلا فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه يسلم منه في الجملة، أما أن يصير معصوماً؛ فإن هذا لا يكون لأحد بعد رسل الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم.(248/5)
تراجم رجال إسناد حديث ما يدعو به المرء عند الجماع
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى].
هو محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا جرير].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم بن أبي الجعد].
سالم بن أبي الجعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن كريب].
هو كريب مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(248/6)
شرح حديث (ملعون من أتى امرأة في دبرها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد عن وكيع عن سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ملعون من أتى امرأته في دبرها)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(ملعون من أتى امرأته في دبرها)] وهذا يدلنا على تحريم وطء النساء في أدبارهن، وعلى أنه من الكبائر؛ لأنه جاء اللعن عليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أحسن ما قيل في ضابط الكبيرة أنها ما كان عليه حد في الدنيا، أو توعد عليه بلعنة، أو غضب، أو نار، أو إحباط عمل، وما إلى ذلك من الأوصاف التي تدل على عظم الذنب وعلى شدة جرم ذلك الذنب.
فالحديث يدل على تحريم وطء النساء في أدبارهن وأنه من الكبائر؛ حيث ورد اللعن فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحديث في إسناده رجل مجهول، وهو الحارث بن مخلد، ولكن الحديث جاء من طريق أخرى عن عقبة بن عامر بإسناد حسن، فيكون هذا من شواهد الحديث، وعلى هذا فيكون الحديث ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(248/7)
تراجم رجال إسناد حديث (ملعون من أتى امرأة في دبرها)
قوله: [حدثنا هناد].
هو هناد بن السري أبو السري، ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
وهناد ممن وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه ابن السري وكنيته أبو السري، فوافقت كنيته اسم أبيه، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، فمن المهم في علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه إذا ذكر بكنيته وهو مشهور بنسبته فقد يظن أن هذا شخص آخر، فيظن أن فيه تصحيفاً، مثل هناد بن السري، فإذا قيل: هناد أبو السري فالذي لا يعرف أن كنيته أبو السري وهو يعرف أنه هناد بن السري يظن أن (ابن) صحفت إلى (أبو)، مع أن هذا صحيح وهذا صحيح، فإن قيل: هناد بن السري فصحيح، وإن قيل: هناد أبو السري فصحيح.
وقد يذكر الشخص -مثلاً- باسمه واسم أبيه، وقد يذكر بكنيته، فلا يتنبه لكون صاحب الكنية هو صاحب الاسم، وذلك مثل قولهم: عبد الله بن سعيد ثم يقولون: أبو سعيد.
فالذي لا يعرف يقول: ابن سعيد؛ لأنه عبد الله بن سعيد وهو أبو سعيد، وافقت كنيته اسم أبيه.
[عن وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهيل بن أبي صالح].
سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والبخاري إنما أخرج له مقروناً.
[عن الحارث بن مخلد].
الحارث بن مخلد مجهول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(248/8)
شرح حديث الإنكار على اليهود في زعمهم أن الجماع في الفرج من الوراء يجعل الولد أحول
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر أنه قال سمعت جابراً رضي الله عنه يقول: (إن اليهود يقولون: إذا جامع الرجل أهله في فرجها من ورائها كان ولده أحول.
فأنزل الله سبحانه وتعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223])].
أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن اليهود يقولون: إن الرجل إذا جامع امرأته في فرجها من ورائها فإن الولد يكون أحول.
فأنزل الله عز وجل الآية.
والحول هو أن يكون السواد في طرف العين لا في وسطها، فيكون إلى جهة اليمين أو جهة الشمال، جهة الأنف أو جهة الأذن، هذا هو الحول، فهم يقولون: إنه إذا أتاها في فرجها من ورائها فإن الولد يكون أحول.
فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223] يعني: من جميع الجهات، وذلك سائغ ومشروع، وما يزعمونه من أن الولد يكون أحول ليس بصحيح.(248/9)
تراجم رجال إسناد حديث الإنكار على اليهود في زعمهم أن الجماع في الفرج من الوراء يجعل الولد أحول
قوله: [حدثنا ابن بشار].
هو محمد بن بشار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن].
هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان الثوري، وقد مر ذكره.
[عن محمد بن المنكدر].
محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(248/10)
شرح حديث سبب نزول قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ حدثني محمد -يعني ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن ابن عمر رضي الله عنهما -والله يغفر له- أوهم، إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب، وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب ألا يأتوا النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً منكراً ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف، فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني.
حتى شري أمرهما، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223]) أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات.
يعني بذلك موضع الولد].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إن ابن عمر رضي الله عنه أوهم -والله تعالى يغفر له-، إنما كان هذا الحي من الأنصار، وكانوا مع اليهود في المدينة، وكانوا يعتقدون أن عندهم علماً لأنهم أهل كتاب، وكان اليهود يأتون النساء على حرف، أي: جنوبهن، فكانوا يفعلون مثلهم، ولما قدم المهاجرون وكانوا يأتون النساء في القبل من جميع الجهات، سواء أكن على جنوبهن أم مستلقيات أم على هيئة غير ذلك، ثم إنه تزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار، ولما أراد أن يجامعها على تلك الهيئة التي كانوا قد اعتادوها أنكرت عليه ذلك وأخبرته بالذي هم معتادون عليه، فأنزل الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223] يعني أنهم يأتونهن من جميع الجهات مقبلات ومدبرات ومستلقيات، بشرط أن يكون ذلك في الفرج، أي: في موضع الحرث الذي هو موضع زرع الولد، والذي يطلب منه الولد، فجاءت الآية مبينة ومقررة لما كان عليه المهاجرون من النكاح على جميع الأوجه ما دام أنه في الفرج وليس في الدبر.
وقوله: [أوهم ابن عمر] رضي الله عنهما لم يذكر فيه الشيء الذي حصل فيه الوهم، ولعله جاء عنه شيء على خلاف ما كان يعتقده ويعرفه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ولا يصح عنه أنه كان يقول بجواز وطء النساء في الأدبار.
وقوله: [حتى شري أمرهما] معناه: ذاع وانتشر.(248/11)
تراجم رجال إسناد حديث سبب نزول قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم)
قوله: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ].
عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن محمد -يعني ابن سلمة -].
هو محمد بن سلمة الباهلي الحراني، ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
يروي أبي داود؛ لأن أبا داود رحمه الله عن شيخين كل منهما يقال له: محمد بن سلمة، وأحدهما من شيوخه والثاني من شيوخ شيوخه، فالذي من شيوخه محمد بن سلمة المرادي المصري، فإذا جاء محمد بن سلمة غير منسوب وهو من شيوخ أبي داود فالمراد به المصري، وإذا جاء محمد بن سلمة غير منسوب وهو من شيوخ شيوخ أبي داود فالمراد به الحراني الباهلي؛ لأنه لا يروي عنه أبو داود مباشرة، بل يروي عنه بواسطة.
[عن محمد بن إسحاق].
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبان بن صالح].
أبان بن صالح ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن مجاهد].
هو مجاهد بن جبر المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس رضي الله عنهما قد مر ذكره.(248/12)
حكم إتيان الحائض ومباشرتها(248/13)
شرح حديث ما يباح من التعامل مع الحائض
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إتيان الحائض ومباشرتها: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فأنزل الله سبحانه وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222] إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح.
فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا ننكحهن في المحيض؟! فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرج فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فبعث في آثارهما فظننا أنه لم يجد عليهما)].
أورد أبو داود رحمه الله [باب في إتيان الحيض ومباشرتها] يعني جماعها، وذلك حرام لا يجوز، ومباشرتها في غير الفرج جائزة على قول بعض أهل العلم، وبعضهم يجعل المباشرة جائزة فيما فوق الإزار.
والحديث الذي أورده أبو داود هنا يدل على أن المباشرة تكون مطلقاً، سواء من فوق الإزار أو دونه، بشرط أن لا يكون هناك جماع في الفرج الذي هو محل الحيض ومحل الدم.
فالمقصود من الترجمة أن إتيان النساء وجماعهن لا يجوز في الحيض، وأما أن يستمتع بها فيما دون فرجها فذلك سائغ وجائز.
وأورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن اليهود كان عندهم تشدد وتعنت وغلو، وذلك أن المرأة فيهم كانت إذا حاضت أبعدوها عنهم، فلم يساكنوها ولم يجالسوها ولم يؤاكلوها، ولا تكون معهم حتى تطهر من الحيض، وهذا غلو.
ويقابل هذا فعل النصارى، فإنهم يجامعون الحائض، فاليهود في طرف والنصارى في طرف، فالنصارى يخالطونها، بل يجامعونها ولا يتركون شيئاً، ولا يفرقون بين كونها حائضاً أو غير حائض، واليهود يبتعدون عنها ولا يساكنونها ولا يجالسونها ولا يجامعونها، أي: لا يجتمعون بها أو يساكنونها، فالمقصود بالمجامعة هنا الاجتماع، وليس الجماع الذي هو الوطء.
فجاء الإسلام وسطاً بين هؤلاء وأولئك، وذلك أن الحائض تبقى مع الناس في البيوت فيؤاكلونها ويشاربونها، ويبيتون معها، ويستمتع بها الزوج في غير الفرج، فليس عندهم إفراط هؤلاء ولا تفريط أولئك، وإنما عندهم التوسط، وهذا من أمثلة وسطية هذه الأمة بين اليهود والنصارى.
وقوله: [(فأنزل الله سبحانه وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}) [البقرة:222] إلى آخر الآية].
يعني أن الدم الذي يكون في فروج النساء بسبب الحيض هو أذى نجس وقذر ومنتن، والأذى موجود فيه من وجوه متعددة، ولذلك قال تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222] يعني: في حال حيضهن اعتزلوا محل الحيض.
وليس المقصود بالاعتزال اعتزالهن مطلقاً كما تفعله اليهود، حيث إنهم يخرجونها من البيت ولا يساكنونها ولا يكونون معها.
وقوله: [فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح)].
أي: ساكنوهن وكونوا معهن في البيوت.
وقوله: (واصنعوا معهن كل شيء إلا النكاح)، أي أن الحائض تؤاكل وتشارب وتضاجع وتباشر، ولكن في غير الفرج، فيستمتع الزوج بها ويقضي حاجته منها في غير الفرج الذي هو محل النجاسة الموجودة بسبب الحيض.
قوله: (فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه).
يشيرون بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما وصفوه بالرسالة؛ لأنهم لا يؤمنون به صلى الله عليه وسلم، وهم -بلا شك- كافرون به وبعيسى وبموسى وبكل الرسل؛ لأن من كفر بنبي فقد كفر بجميع الأنبياء، كما جاء في القرآن، فقد قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105] وهم إنما كذبوا رسولهم نوحاً، فبتكذيبهم الواحد صاروا مكذبين لجميع الرسل، ومن كذب رسولاً واحداً كذب جميع الرسل، وإذا كانوا يقولون إنهم أتباع موسى فموسى هو الذي أخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم مكذبون لموسى عليه الصلاة والسلام.
فمن كذب نبياً من الأنبياء فهو كاليهود الذين لا يؤمنون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أو يقولون: هو نبي إلى العرب خاصة.
وهذا كذب وتكذيب؛ لأنه رسول للناس كافة، فهو تكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم وفي نفس الوقت هو تكذيب لموسى ولعيسى ولسائر الأنبياء.
قوله: (فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا.
أفلا ننكحهن في المحيض؟! فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما).
أي: جاء عباد بن بشر وأسيد بن حضير رضي الله عنهما فكلماه عن اليهود وقالا: أفلا ننكحهن في المحيض؟! فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: غضب.
فلما تمعر وجهه ظنوا أنه وجد عليهما وغضب وأن في نفسه عليهما شيئاً.
فخرج فاستقبلتهما هدية لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى الهدية جاءت بعث في أثرهما يطلبهما حتى يأخذا نصيبهما من هذه الهدية، فعند ذلك اعتقد الصحابة الذين كانوا عنده أنه ما وجد عليهما.
فقولهم أولاً: (ظننا) معناه: حسبنا.
وقولهم (ظننا) في المرة الثانية معناه اليقين، فالظن يأتي بمعنى الحسبان ويأتي بمعنى اليقين، {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:46] يعني: يعتقدون ويجزمون.
والمعنى أنه لما دعاهما وأراد أن يشاركاه في هذه الهدية وسقاهما من ذلك اللبن عرف الصحابة وتحققوا أنه لم يجد عليهما عليه الصلاة والسلام.
وعباد بن بشر وأسيد بن حضير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما اللذان حصلت لهما الكرامة التي جاءت في الحديث الصحيح أنهما خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، فكان معهما نور أمامهما يضيء لهما الطريق، ولما افترقا وذهب كل منهما إلى بيته انقسم ذلك النور إلى قسمين، فصار كل واحد منهما معه جزء من ذلك النور، وهذا ثابت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من كرامات الأولياء التي يثبتها أهل السنة والجماعة، فإنهم يصدقون بكرامات الأولياء ويثبتونها إذا وقعت لأولياء الله حقاً وإذا حصلت من وجه يصح، أما الأشياء التي تضاف إلى من تدعى لهم الولاية ويزعم بأنهم أولياء ويؤتى بأكاذيب ويؤتى بترهات وسخافات تضاف إليهم ويقال عنها إنها كرامات، فهذه من الأمور المنكرة.
وأهل السنة والجماعة يصدقون بكل ما ثبت من الكرامات لأولياء الله، مثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان على منهاجهم وعلى منوالهم، ولكنهم ينكرون الأشياء التي ليس لها أساس، والأشياء التي لا تليق ولا تصلح وهي مخالفة لدين الإسلام، بل قد يكون بعضها شركاً بالله عز وجل، ويعتقد أنها كرامة من الكرامات، كمن يزعم أن فلاناً ولي يستغاث به في حال شدة وفي حال كربة، ثم بعد ذلك يقول: إنه جاء إلى ذلك الولي، وإنه خلصه من هذه الشدة.
فهذا شرك بالله عز وجل، حيث يستغيث بغير الله، وهذا لا يعتبر كرامة، بل يعتبر ابتلاءً وامتحاناً.(248/14)
تراجم رجال إسناد حديث ما يباح من التعامل مع الحائض
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا ثابت البناني].
هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث من رباعيات أبي داود؛ فهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود، حيث يكون بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وهم هنا موسى بن إسماعيل وحماد بن سلمة وثابت البناني وأنس بن مالك.(248/15)
حكم إتيان الحائض بعد الطهر قبل الاغتسال
السؤال
هل يجوز إتيان المرأة الحائض بعد الطهر وقبل الاغتسال؟
الجواب
الذي يظهر أنه لا يجوز؛ لأن الله عز وجل يقول {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة:222] يعني يطهرن من الحيض {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة:222] يعني: إذا اغتسلن.
وذلك لأن بقية الأذى موجودة حتى يحصل الاغتسال فتزول آثار الأذى، ولذلك قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة:222] أي: يطهرن من الحيض، (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) بعد طهرهن {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة:222].(248/16)
شرح حديث عائشة (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن جابر بن صبح قال: سمعت خلاساً الهجري قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده، وإن أصاب -تعني ثوبه- منه شيء غسل مكانه ولم يعده، وصلى فيه)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: [(كنت أبيت أنا ورسول الله في الشعار الواحد)] أي: في ثوب واحد أو في غطاء واحد يغطي جسديهما فيتصل جسده بجسدها، والشعار هو الثوب الذي يلي الجسد، والدثار هو الثوب الذي وراءه، كما جاء ذكرهما في حق الأنصار في يوم حنين لما قالوا ما قالوا في كون الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى الغنائم للذين أسلموا قريباً ولم يعطهم شيئاً، فجمعهم الرسول صلى الله عليه وسلم وتكلم معهم بالكلام الذي أرضاهم وصار خيراً لهم مما فاتهم، وقال لهم: (الأنصار شعار والناس دثار) فالشعار هو الثوب الذي يلي الجسد، والدثار هو الذي يكون وراءه أو فوقه.
وهذا فيه بيان المخالفة لما كان عليه اليهود الذين لا يجامعونها -أي: يجتمعون معها في البيوت- ولا يضاجعونها، بل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكون وإياها في شعار واحد، وربما وقع على جسده عليه الصلاة والسلام شيء من الدم الذي يكون منها، وربما حصل لثوبه كذلك، وكان إذا حصل شيء من ذلك فإنه يغسل مكان الدم من جسده صلى الله عليه وسلم أو من ثوبه ثم يصلي فيه، وهذا يدلنا على أن الثوب إذا وقعت عليه النجاسة وكان محلها معلوماً فإنه يغسل الجزء الذي فيه النجاسة وحده ويكفي ذلك، ولهذا قالت عائشة: [غسل مكانه -تعني الثوب- ولم يعده] أي: ما تجاوز إلى غسل الباقي، ثم يصلي فيه.
فالنجاسة إذا كانت معلومة من الثوب فإنه يغسل ذلك الجزء الذي فيه النجاسة، لكن إذا تحقق أن في الثوب نجساً وجهل مكان النجاسة فعند ذلك يجب غسله كله؛ لأنه لن يحصل التحقق حينئذٍ من الطهارة إلا بغسله كله؛ لأنه لو غسل جزءاً منه فيمكن أن تكون النجاسة في جزء ثان، لكن حيث تحقق مكان النجاسة فإنه يكفي غسل مكان النجاسة، كما جاء ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
وقولها: [وأنا حائض طامث] الطامث هي الحائض، فهو تأكيد.(248/17)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن صبح].
جابر بن صبح صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[سمعت خلاساً الهجري].
هو خلاس بن عمرو الهجري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت عائشة رضي الله عنها].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(248/18)
شرح حديث (كان إذا أراد أن يباشر واحدة من نسائه أمرها أن تتزر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء ومسدد قالا: حدثنا حفص عن الشيباني عن عبد الله بن شداد عن خالته ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يباشر واحدة من نسائه أمرها أن تتزر ثم يباشرها)].
أورد أبو داود حديث ميمونة رضي الله تعالى عنها، وهو الذي استدل به بعض أهل العلم على أن المباشرة للحائض إنما تكون فوق الإزار وليست فيما تحت الإزار؛ وقد قال جماعة كثيرون من أهل العلم بمقتضى هذا الحديث، وبعضهم أخذ بمقتضى حديث أنس المتقدم في أنه يصنع كل شيء إلا النكاح.
ومن العلماء من رأى أن المباشرة تكون في جميع جسد المرأة غير محل الحرث، أي: يباشرها ويقضي حاجته منها بالمباشرة في غير محل الحرث؛ لأن قوله: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) معناه أنهم يباشرونهن ولا يمتنعون إلا من النكاح.(248/19)
تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا أراد أن يباشر واحدة من نسائه أمرها أن تتزر)
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء].
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومسدد].
مسدد مر ذكره.
[قالا: حدثنا حفص].
حفص هو ابن غياث، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشيباني].
الشيباني هو سليمان بن أبي سليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن شداد].
عبد الله بن شداد ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعده العجلي من كبار التابعين الثقات، أخرج له صحاب الكتب الستة.
[عن خالته ميمونة].
هي خالته ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.(248/20)
كفارة من أتى حائضاً(248/21)
شرح حديث: (يتصدق بدينار أو بنصف دينار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كفارة من أتى حائضاً.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة غيره عن سعيد حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: (يتصدق بدينار أو بنصف دينار)].
أورد أبو داود [باب في كفارة من أتى حائضاً].
يعني: ما هي الكفارة التي تجب عليه لتلافي ذلك الذنب الذي وقع فيه؟ فإتيان النساء في الحيض في فروجهن لا يجوز، ولهذا قال تعالى: ((قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)) [البقرة:222] يعني: اجتنبوا جماعهن في حال حيضهن، وذلك في الفروج.
فبعد أن أورد المصنف ما يدل على تحريم نكاح المرأة وهي حائض وأنه يفعل كل شيء إلا النكاح ذكر أن من عصى وحصل منه ذلك الأمر المحرم فإن عليه كفارة، وهذه الكفارة جاءت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: [(يتصدق بدينار أو بنصف دينار)] فهذه كفارة إتيان الحائض.
وقيل: إن التفاوت بين الدينار ونصفه هو أنه إذا كان في حال إقبال الدم وشدته وكثرته فإنه يتصدق بدينار، وإذا كان في حال إدباره وقلته فإنه يتصدق بنصف دينار.
وقيل: إن هذا لعله يكون في حال اليسار وعدم اليسار، وأنه إذا كان موسراً فإنه يتصدق بدينار، وإذا كان بخلاف ذلك يتصدق بنصفه، والحاصل أنه ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الكفارة، وأنه لا يجوز للإنسان أن يجامع امرأته في حال حيضها في فرجها، وإنما يستمتع بها في غير الفرج، وإذا حصل منه الجماع فإن عليه هذه الكفارة التي هي التصدق بدينار أو بنصف دينار.(248/22)
تراجم رجال إسناد حديث (يتصدق بدينار أو بنصف دينار)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة].
مسدد ويحيى مر ذكرهما، وشعبة هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[غيره عن سعيد].
قوله: [غيره] معناه أن يحيى حدثه عن غير شعبة عن سعيد، فمعناه أن عنده طريقين: طريقاً فيه شعبة وطريقاً فيه سعيد.
وسعيد يحتمل أنه ابن مرزبان وهو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد والترمذي وابن ماجة، ويحتمل أنه سعيد بن عامر الضبعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وعلى كل فالإسناد ثابت، لأنه جاء من طريق شعبة عن الحكم.
[حدثني الحكم].
هو الحكم بن عتيبة الكندي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الحميد بن عبد الرحمن].
عبد الحميد بن عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مقسم].
هو مقسم مولى ابن عباس، وهو صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره.(248/23)
شرح حديث: (إذا أصابها في الدم فدينار وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد السلام بن مطهر حدثنا جعفر -يعني ابن سليمان - عن علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إذا أصابها في الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار)].
أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن عباس، وفيه التفصيل، فإذا أصابها في الدم ففيه دينار، وإذا أصابها في انقطاعه ففيه نصف دينار، فالتفاوت هو في حال شدته وحال انتهائه، وبعض أهل العلم قال بهذا التفريق، والشيخ الألباني رحمه الله قال: إنه صحيح موقوفاً.(248/24)
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أصابها في الدم فدينار وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار)
قوله: [حدثنا عبد السلام بن مطهر].
عبد السلام بن مطهر صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود.
[حدثنا جعفر -يعني ابن سليمان -].
جعفر بن سليمان صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن علي بن الحكم البناني].
علي بن الحكم البناني ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن أبي الحسن الجزري].
أبو الحسن الجزري مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن مقسم عن ابن عباس].
مقسم وابن عباس قد مر ذكرهما.
والإسناد فيه هذا المجهول، ولا أعرف وجه تصحيح الألباني له.
فالشيخ الألباني رحمه الله يصحح الموقوف والمرفوع، إلا أنه قال: إن هذا صحيح موقوفاً.
لكن فيه أبو الحسن الجزري، وهو مجهول.
وقد أعل المنذري الحديث المرفوع بالاضطراب، ولكن مجيئه موقوفاً ومجيئه مرفوعاً لا يؤثر، والموقوف هنا وجدنا أنه غير مستقيم من حيث الإسناد، وأما المرفوع فهو مستقيم الإسناد.(248/25)
الأسئلة(248/26)
دلالة الكرامات الجارية لأهل البدع
السؤال
هل ما يحصل من الأمور الخارجة عن العادة لمن يأتي بالبدع الفعلية أو العقدية كالأشاعرة يكون لهم ذلك كرامات أم أنه استدراج؟
الجواب
إذا وقع ذلك لأحد فيه استقامة ولكن عنده شيء من الخطأ فيمكن أن يكون كرامة من الله عز وجل له، ولكن قد يروج لأهل البدع بسبب هذه الكرامات، بل قد تكون مختلقة وليس لها أساس من الصحة، فمثل هذه لا تعتبر كرامة، وإنما هي ابتلاء وامتحان، وقد تكون زوراً وكذباً.(248/27)
حكم من أنكر حصول الكرامات مطلقاً
السؤال
عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بالكرامات وحصولها لمن كان ولياً حقاً، فما حكم من أنكرها مطلقاً؟
الجواب
الذي ينكر الكرامات مطلقاً ماذا سيقول في الأحاديث الكثيرة التي جاءت بإثباتها، فالمعتزلة ينكرون الكرامات، ولكن الكرامات الثابتة التي جاءت بأسانيد صحيحة كيف تنكر؟! فهي في الأصل ثابتة بلا شك، والمعروف أن الذين أنكروها منهم المعتزلة.(248/28)
دعاء الجماع يكون من الزوجين
السؤال
ذكر الدعاء عند الجماع هل يكون من الرجل والمرأة أو من الرجل فقط؟
الجواب
الذي يبدو أنه يكون منهما جميعاً، فكل منهما يدعو.(248/29)
ابتداء عدة من تأخر عنها خبر وفاة زوجها
السؤال
إذا مات رجل عن زوجته ولم تعلم الزوجة بخبر وفاته إلا بعد شهر فمن متى تبدأ العدة؟
الجواب
العدة تبدأ من الوفاة، ولا تبدأ من العلم، بل قد تخرج من العدة ولا تعلم إلا بعد خروجها منها، فتكون قد خرجت من العدة؛ لأن المقصود بالعدة هو المدة التي تكون من وفاته إلى انتهاء العدة، فإن كانت حاملاً فبوضع الحمل، وإن كانت غير حامل فبأربعة أشهر وعشر، فقد لا يبلغها خبر وفاته إلا بعد مضي أربعة أشهر وعشر، وبذلك تكون قد خرجت من العدة، فالعدة لا تبدأ من العلم، إنما تبدأ من الوفاة.(248/30)
حكم الرقية في الماء ليشربه المريض
السؤال
ما حكم الرقية في الماء ليشربه المريض؟
الجواب
لا بأس بذلك، فالرقية في الماء أو في الأشياء الرطبة التي يعلق فيها الريق لا بأس بها.(248/31)
وجه الاستدلال على جواز السلم بمنع مباشرة المرأة المرأة لتنعتها لزوجها
السؤال
ورد في الحديث (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها) قال الخطابي: فيه دلالة على أن الحيوان قد يضبط بالصفة ضبط حصر وإحاطة، واستدلوا به على جواز السلم في الحيوان.
فما معنى هذا الكلام؟ وأين موضع الاستشهاد من الحديث؟
الجواب
أي أن الحديث (لا تباشر المرأة لتنعتها لزوجها كأنما يراها) معناه وصف الحيوان، فقد يوصف الحيوان وصفاً دقيقاً يجعل الإنسان كأنه يراه ويشاهده.(248/32)
الموقف تجاه تساهل العامة في النظر المحرم
السؤال
إذا سمع العامة من الناس أن النظر إلى النساء من الصغائر أدى ذلك إلى تساهلهم واستخفافهم، فهل لنا أن نقول: إن هذا ذنب كبير وعظيم درءاً لهذه المفسدة؟
الجواب
نقول: هذا ذنب من الذنوب.
ولكن لا نقول: إنه كبير وعظيم.
بل نقول: هذا ذنب من الذنوب التي على الإنسان أن يحذرها وأن يبتعد عنها؛ لأنه وسيلة إلى أمر خطير وإلى أمر عظيم.(248/33)
حكم معرفة براءة الرحم بواسطة الأجهزة الطبية
السؤال
هل معرفة براءة الرحم بواسطة الطب الحديث معتبرة شرعاً؟
الجواب
المعتبر ما جاء في الشرع، وهو وجود الحيضة، ولا تسلك مسالك أخرى غير ما جاء به الشرع، فالطريق المعتبر هو الاستبراء الذي جاء به الشرع، أما القيام بعمل التحاليل الطبية لمعرفة كونها حاملاً أو لا فغير صحيح، بل المعتبر هو ما جاء به الشرع.(248/34)
حكم وطء الإماء في هذا الزمن إن وجدن
السؤال
انتشر عند الكثير أن هناك إماء في بعض البلدان مثل موريتانيا، فهل يجوز الآن وطؤهن؟
الجواب
إذا كان أولئك الإماء تناسلهن متسلسل فوطؤهن مشروع، وأما إن كان تسلسل رقهن غير معلوم فالاحتياط عدم الاسترقاق في مثل هذا، لكن كون الإنسان عليه رقبة ويوجد مثل هذه العبودية ويسعى إلى تخليص صاحبها فإنه يحصل بذلك الكفارة؛ لأنه سعى في تخليصها، سواء أكان التخليص من رق شرعي أم من رق غير شرعي؛ لأنه قد يكون هناك رق غير شرعي، بأن يكون المرء منهوباً أو أخذ وغذي ثم استعبدوه.(248/35)
معنى زواج المسيار
السؤال
ما معنى زواج المسيار؟
الجواب
زواج المسيار هو أن الإنسان قد يكون عنده زوجة ويريد أن يتزوج امرأة أخرى سراً ولا يقسم لها في المبيت، بل يزورها زيارة في النهار ويخفي ذلك عن زوجته حتى لا تدري بأنه متزوج بأخرى، فيبيت عند زوجته كل ليلة ويتفق مع هذه أن يتزوجها على أن يأتي إليها في النهار ساعة أو ساعتين، والزواج -كما هو معلوم- مطلوب فيه أن يعلن وأن يشهر وألا يخفى.(248/36)
شرح سنن أبي داود [249]
من الأحكام الشرعية المتعلقة بالعشرة الزوجية: أحكام العزل عن المرأة حال الجماع، فقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة أن يعزلوا حين رغبوا في وطء الإماء، وكرهوا حصول الولد الذي يفوت به بيع الأمة، وكذب اليهود في زعمهم أن العزل موءودة صغرى، إذ إن ما قدره الله تعالى لابد من أن يكون، ولكن لا يجوز للرجل فعله مع زوجته الحرة إلا بإذنها، ولا مع زوجته الأمة إلا بإذن مواليها، ويجوز له فعله مع أمته بغير إذنها.
ومما يتعلق بالمعاشرة النهي عن تحدث الرجل أو المرأة بما جرى بينهما حال الجماع، فإن تلك الأمور أسرار لا يجوز إفشاؤها.(249/1)
ما جاء في العزل(249/2)
شرح حديث أبي سعيد في العزل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في العزل.
حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن قزعة عن أبي سعيد رضي الله عنه، ذكر ذلك عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم -يعني العزل- قال: (فلم يفعل أحدكم؟ -ولم يقل: فلا يفعل أحدكم- فإنه ليست من نفس مخلوقة إلا الله خالقها) قال أبو داود: قزعة مولى زياد].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى [باب ما جاء في العزل] والعزل هو العزل عن النساء، بحيث يجامع الإنسان المرأة، فإذا جاء وقت خروج المني ينزع ويفرغ خارج الفرج، فهذا هو العزل، وكانوا إذا حصلوا على السبي واشتهوا الوقاع يخافون أن تحمل الأمة بسبب الوقاع فتكون أم ولد، وحينئذ لا يتمكنون من بيعها، فكانوا يعزلون حتى لا يحصل الحمل الذي تصير به الأمة أم ولد تعتق بعد الموت.
والعزل جاء في السنة ما يدل على أنه سائغ وأنه لا بأس به، فقد ثبت في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن).
والعزل من الأمة لا بأس به، وأما من الحرة فإنه لا بد فيه من إذنها؛ لأن لها حق الجماع ولها الحق في تحصيل الولد، وكذلك الأمة المزوجة لا يعزل عنها إلا بإذن مواليها؛ لأن لهم الحق في ذلك، ولأن الولد يكون تابعاً للأم في الرق، فإذنهم معتبر في ذلك، وعلى هذا فأمة الرجل له أن يعزل عنها، والأمة المزوجة ليس لزوجها أن يعزل عنها إلا بإذن مواليها، لأن الولد منه يكون رقيقاً لهم، فلهم حق في الولد، وحينئذ فلا يعزل إلا بإذنهم، إلا إذا اشترط أن يكون الولد ليس لهم فله ما اشترط.
وأورد أبو داود هنا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم العزل فقال: [(فلم يفعل أحدكم؟)] ولم يقل: لا يفعل أحدكم ذلك.
ثم قال: [(فإنه ليست من نفس مخلوقة إلا الله خالقها)]، يعني: ما من نفس كتب الله عز وجل وقدر وقضى أنها توجد إلا ولا بد من أن توجد، فالشيء الذي قدره الله لا بد من أن يوجد، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وفي الحديث: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن العزل يراد من ورائه عدم الحمل، وإذا كان الله قدر أن يوجد الحمل فإنه يوجد ولو وجد العزل، وذلك بأن تنطلق قطرة مع حرصه على أن لا يخرج شيء فيكون منها الحمل، ولهذا جاء في صحيح مسلم (ليس من كل الماء يكون الولد) ومعناه أن الحمل لا يأتي من جميع المني، وإنما قطرة واحدة من المني ونقطة يسيرة يكون بها الحمل.
فإذاً: هذا الذي يعزل إذا كان الله أراد أن يوجد له الولد فإنه قد تنطلق منه قطرة يكون منها الولد ولو حصل منه العزل.(249/3)
تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في العزل
قوله: [حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني].
إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود.
[عن سفيان].
هو سفيان بن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي نجيح].
هو عبد الله بن أبي نجيح المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد].
هو مجاهد بن جبر المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قزعة].
هو قزعة مولى زياد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد].
هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بنسبته وكنيته، فكنيته أبو سعيد ونسبته الخدري، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(249/4)
شرح حديث تكذيب اليهود في أن العزل وأد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى أن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان حدثه أن رفاعة حدثه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إن لي جارية وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث أن العزل موءودة الصغرى.
قال: كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه)].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن لي جارية، وإني أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل.
أي أنه يعزل عنها لئلا تحمل، فيخشى أن تحمل؛ لأنها إذا حملت صارت أم ولد، فيفوت عليه بيعها أو التصرف فيها بالبيع، قال: وإن اليهود يقولون: إنها الموءودة الصغرى.
فقال صلى الله عليه وسلم: (كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه)].
يعني: إذا كان الله عز وجل أراد أن يخلقه فلا يستطيع أحد أن يصرف ما قدره الله عز وجل وأراده؛ لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، قال الشاعر: فما شئتَ كان وإن لم أشأ وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن فالشيء الذي قدر وكتب لا سبيل إلى رده، ولا يستطيع الإنسان أن يصرفه.
وقولهم: إنها الموءودة الصغرى معناه أنهم يقصدون بذلك أنه لما انعقد السبب -وهو الجماع الذي هو سبب وجود الولد- ثم إنه عزل من أجل عدم حصول الولد فإنه يكون كأنه قضى عليه بعد أن انعقد سببه، ولكن هذا ليس بصحيح؛ لأنه قد يوجد السبب ولا يوجد المسبب، والوأد إنما هو وأد البنت الحية، بأن يدفنها وهي حية ويتخلص منها، فهذه هي الموءودة التي كانوا يئدونها في الجاهلية، وذكرها القرآن في قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9] فالرسول صلى الله عليه وسلم كذبهم، وقال: إن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق الولد فإنه لا أحد يستطيع أن يصرف وأن يمنع وأن يحول بين وجود ذلك الشيء الذي قدره الله عز وجل؛ لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فكل شيء شاءه الله لا بد من وجوده، وكل شيء لم يشأه الله لا سبيل إلى وجوده.
وقوله: [(وأنا أريد ما يريد الرجال)] أي: من الوقاع والاستمتاع، ولا يريد الولد خشية أن تصير أم ولد فلا يتمكن من بيعها، وكذلك -أيضاً- يريد ما يريد الرجال من الاستفادة منها في بيعها إذا أراد، فهو يريدها من ناحية الاستمتاع ولا يريد ولداً يمنعه من البيع.(249/5)
تراجم رجال إسناد حديث تكذيب اليهود في أن العزل وأد
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبان].
أبان هو ابن يزيد العطار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان].
محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثه أن رفاعة].
رفاعة مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن أبي سعيد].
أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قد مر ذكره.
وكون رفاعة مقبولاً لا يؤثر، لأن الحديث بمعنى الأحاديث الأخرى.(249/6)
شرح حديث السؤال عن العزل في غزوة بني المصطلق
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز قال: دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، فجلست إليه فسألته عن العزل، فقال أبو سعيد: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبياً من سبي العرب، فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة، وأحببنا الفداء، فأردنا أن نعزل، ثم قلنا: نعزل ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله عن ذلك! فسألناه عن ذلك فقال: ما عليكم ألا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة)].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله في كونهم كانوا يعزلون من أجل أن لا تحمل المرأة، وهذا الفعل الذي فعلوه -وهو العزل- لا يكون صاداً وراداً لما قدر الله تعالى أن يكون؛ لأن الحمل قد يوجد مع العزل -كما ذكرنا- بانطلاق قطرة يسيرة يكون بها الحمل مع حرص الرجل أن لا تنطلق هذه القطرة منه ثم يخرج ما يخرج خارج الفرج، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس من كل الماء يكون الولد)، أي: فهذا الذي لا تريدونه إذا كان الله عز وجل قدره فإنه لا سبيل إلى صده ولا سبيل إلى رده.
قوله: [(فأصبنا سبياً من سبي العرب)] هذا يدل على أن العرب يسبون كما يسبى غيرهم.
قوله: [(فاشتهينا النساء)]، يعني الاستمتاع بهن [(واشتد علينا العزبة)] وهي عدم التمكن من الاستمتاع بالأهل، وذلك لأنهم مسافرون، ولكنهم حصلوا هذا السبي وقد اشتهوا.
قوله: [(وأحببنا الفداء)] يقصد بذلك أنهم أحبوا أن يأخذوا قيمة السبي إذا احتاجوا إلى ذلك، واستمتاعهم بهن يفضي إلى أن يحملن، وإذا حملن لا يتمكنون من البيع، فلا يحصلون القيمة التي تكون في مقابل بيعهن.
قوله: [(فسألناه عن ذلك فقال: ما عليكم ألا تفعلوا)].
يعني: فعلكم هذا الذي تفعلون من أجل أنه لا يحصل حمل لا يرد الشيء الذي قدره الله عز وجل؛ لأنه إذا قدر الله أن يكون فإنه لا بد من أن يكون.(249/7)
تراجم رجال إسناد حديث السؤال عن العزل في غزوة بني المصطلق
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الفقيه المحدث الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن].
ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن يحيى بن حبان].
محمد بن يحيى بن حبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن محيريز].
هو عبد الله بن محيريز، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد].
قد مر ذكره رضي الله تعالى عنه.(249/8)
شرح حديث (اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين حدثنا زهير عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: إن لي جارية أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل.
فقال: اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها.
قال: فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حملت.
قال: قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها)].
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار كان له جارية، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد الاستمتاع بها، وإني أخشى أن تحمل -وإذا حملت صارت أم ولد- فقال: [(اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها)] يعني: إن كان الله كتب أنه يوجد ولد فسيكون.
فما لبث إلا فترة من الزمان ثم جاء وقال: إنها حملت.
فقال له صلى الله عليه وسلم: إني قد أخبرتك أن ما قدره الله لا بد من أن يكون.
فهو دال على أن العزل جائز، وأن العزل لا يمنع حصول الولد، فقد يوجد الولد مع العزل، والشيء الذي قدر الله تعالى أن يكون لا بد من وجوده ولا بد من حصوله، وهو دليل على جواز العزل.
وكذلك يجوز للمرأة إذا كانت مضطرة إلى أن تعمل على تأخير الحمل لأمر يقتضي ذلك كأن تكون مريضة ويشق عليها الحمل، أو أن الحمل يتتابع عليها ولا تستطيع أن تقوم بتربية أبنائها، فإنها إذا كانت تلد في كل سنة فإنها تحتاج إلى أن تحمل هذا وتحمل هذا، فقد تلد مولوداً والذي قبله لا يستطيع المشي، فلا تستطيع أن تحملهم؛ فكونها تتخذ الشيء الذي يؤخر الحمل زمناً يسيراً ولا يقطعه حتى تتمكن من تربيتهم، أو أن تتابع الحمل يضرها في جسمها وفي صحتها؛ فلا بأس بذلك.
أقول: لا مانع من اتخاذ شيء يؤخر الحمل، والذي لا يجوز هو تحديده أو قطعه، وذلك بأن يقول: أنا أريد كذا وكذا ولداً وبعد ذلك لا أريد شيئاً، فيقطع النسل أو يعمل على قطعه، فهذا هو الذي لا يجوز، كما أنه لا يجوز منع الحمل باتخاذ الحبوب ونحوه خشية النفقة على الأولاد؛ لأن الله تعالى هو الذي يرزق، وقد يكون وجودهم سبباً في تحصيل الرزق من الله تعالى.(249/9)
تراجم رجال إسناد حديث (اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا الفضل بن دكين].
الفضل بن دكين هو أبو نعيم، مشهور بكنيته، ويأتي ذكره بكنيته أحياناً فيقال: أبو نعيم.
وأحياناً يأتي باسمه كما هنا، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير].
هو زهير بن معاوية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(249/10)
ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله(249/11)
شرح حديث أبي هريرة في النهي عن التحدث بما يكون بين الرجل وأهله
قال المصنف رحمه الله تعالى [باب ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله.
حدثنا مسدد حدثنا بشر حدثنا الجريري.
ح: وحدثنا مؤمل حدثنا إسماعيل.
ح: وحدثنا موسى حدثنا حماد كلهم عن الجريري عن أبي نضرة قال: حدثني شيخ من طفاوة قال: تثويت أبا هريرة رضي الله عنه بالمدينة، فلم أر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشد تشميراً ولا أقوم على ضيف منه، فبينما أنا عنده يوماً وهو على سرير له ومعه كيس فيه حصاً أو نوى وأسفل منه جارية له سوداء، وهو يسبح بها حتى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس فدفعته إليه، فقال: ألا أحدثك عني وعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قال: قلت: بلى.
قال: (بينا أنا أوعك في المسجد إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى دخل المسجد، فقال: من أحس الفتى الدوسي؟ -ثلاث مرات- فقال رجل: يا رسول الله! هو ذا يوعك في جانب المسجد.
فأقبل يمشي حتى انتهى إلي، فوضع يده علي فقال لي معروفاً، فنهضت فانطلقت، فانطلق يمشي حتى أتى مقامه الذي يصلي فيه، فأقبل عليهم ومعه صفان من رجال وصف من نساء -أو صفان من نساء وصف من رجال- فقال: إن نسَّاني الشيطان شيئاً من صلاتي فليسبح القوم وليصفق النساء.
قال: فصلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينس من صلاته شيئاً، فقال: مجالسكم مجالسكم -زاد موسى ها هنا: ثم حمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد.
ثم اتفقوا- ثم أقبل على الرجال فقال: هل منكم الرجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه وألقى عليه ستره واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم.
قال: ثم يجلس بعد ذلك فيقول فعلت كذا فعلت كذا! قال: فسكتوا.
قال: فأقبل على النساء فقال: هل منكن من تحدث؟ فسكتن، فجثت فتاة -قال مؤمل في حديثه: فتاة كعاب -على إحدى ركبتيها، وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليراها ويسمع كلامها فقالت: يا رسول الله! إنهم ليتحدثون وإنهن ليتحدثن.
فقال: هل تدرون ما مثل ذلك؟ فقال: إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطاناً في السكة فقضى منها حاجته والناس ينظرون إليه.
ألا وإن طيب الرجال ما ظهر ريحه ولم يظهر لونه، ألا إن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه.
قال أبو داود: ومن ها هنا حفظته عن مؤمل وموسى ألا لا يفضين رجل إلى رجل، ولا امرأة إلى امرأة، إلا إلى ولد أو والد) وذكر ثالثة فأنسيتها، وهو في حديث مسدد، ولكني لم أتقنه كما أحب، وقال موسى: حدثنا حماد عن الجريري عن أبي نضرة عن الطفاوي].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [باب ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله].
يعني كونه يتحدث بما يجري بينه وبين أهله عند الجماع.
هذا هو المقصود من الترجمة، فالإنسان لا يتحدث بما يجري بينه وبين أهله، ولا يخبر بما يرى منها ولا تخبر بما ترى منه، وإنما الواجب هو الإمساك عن ذلك وعدم التعرض له بأي حال من الأحوال.
وأورد أبو داود في هذه الترجمة حديثاً ضعيفاً فيه رجل مجهول، وهو الطفاوي، والحديث لا يحتج به، ولكن فيه بعض الأشياء جاءت في بعض الأحاديث الصحيحة، مثل مسألة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، ومسألة طيب النساء وطيب الرجال، فقد جاء ما يدل عليها، ولكن الحديث نفسه فيه هذا الرجل المجهول، فالشيء الذي لم يكن ثابتاً من وجوه أخرى غير هذا الحديث فإنه لا يعول عليه ولا يحتج به لحصول الجهالة في أحد رواته.
قوله: [تثويت أبا هريرة] أي: صرت ضيفاً عنده.
قوله: [فلم أر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشد تشميراً ولا أقوم على ضيف منه].
هذا إخبار عن المشاهدة والمعاينة لما صار ضيفاً عنده، فكان يراه مشمراً في العبادة وقائماً على إكرام الضيف وخدمته والسعي للإحسان إليه.
قوله: [فبينا أنا عنده يوماً وهو على سرير له ومعه كيس فيه حصاً أو نوى، وأسفل منه جارية له سوداء، وهو يسبح بها، حتى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس فدفعته إليه].
معناه أنه كان على سرير ومعه كيس فيه حصا، وكان يأخذ من هذا الكيس ويسبح ويرمي الحصا، ثم بعد ذلك رمى بالكيس إلى الجارية فجمعت الحصا وجعلته في الكيس وأعادته إليه ليسبح فيما بعد.
وكما هو معلوم فإنه ما ثبت شيء في السنة في التسبيح بالحصا أو التسبيح بالنوى أو ما إلى ذلك، وهذا الحديث -كما هو معلوم- ضعيف؛ لأنه ما جاء إلا بهذا الإسناد الضعيف، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يدل على التسبيح بالحصا لا من فعله ولا من إقراره صلى الله عليه وسلم، فهذا الذي جاء في الحديث لا يحتج به؛ لأن الحديث ضعيف.
وأما السبحة فإنّ التسبيح بها مثل التسبيح بالحصا، وما جاء شيء يدل عليه، فمن أهل العلم من يقول: إنها بدعة.
وأقل أحوالها أن يقال: إنها خلاف الأولى.
فلا ينبغي للإنسان أن يستعملها، وإنما يسبح بأصابعه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسبح بأصابعه.
ثم إن في استعمال السبحة محذوراً من جهة أخرى، وهو أن الإنسان تكون في يده السبحة، فقد يحركها ساهياً لاهياً، فمن يراه يظن أنه يسبح، فيكون محموداً بما لم يفعل، فاللائق بالمسلم أن لا يستعمل ذلك، وإنما يسبح بما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسبح به.
ومن الآثار التي وردت في التسبيح بالحصا أثر عبد الله بن مسعود الذي فيه أنه دخل المسجد يوماً من الأيام ووجد أناساً متحلقين وفي أيديهم حصا، وفيهم رجل يقول: سبحوا مائة، هللوا مائة، كبروا مائة.
فيسبحون ويهللون، فوقف على رءوسهم وقال: إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أنكم مفتتحو باب ضلالة.
فقالوا: سبحان الله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير.
أي إن قصدنا في هذا العمل طيب، فقال: وكم من مريد للخير لم يصبه! فهذا أثر ثابت عن عبد الله بن مسعود، أنكر عليهم هذا الفعل، وهو كونهم يسبحون تسبيحاً جماعياً بالحصا، وكل ذلك خلاف السنة، وقال: إن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعلوه، فإما أنكم أحسن منهم، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة.
وقد فهموا أنه لا يمكن أن يكونوا خيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبقيت الثانية، وهي أنهم مفتتحو باب ضلالة، فعند ذلك قالوا: سبحان الله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير.
فقال: وكم من مريد للخير لم يصبه.
ثم قال: عدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء.
وكون الإنسان يفعل هذا الفعل ليحصي ذكره بهذه الطريقة ليس بصحيح، فالله عز وجل يحصي ولا تخفى عليه خافية، والإنسان إذا سبح بدون حصا وبدون أن يعد بشيء لا يشرع لا يضيع أجره عند الله عز وجل، فليسبح ما شاء بدون أن يعد، والله تعالى يأجره على تسبيحه وتهليله وذكره لله سبحانه وتعالى.
قوله: [(فقال: ألا أحدثك عني وعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟! قال: قلت: بلى.
قال: بينا أنا أوعك في المسجد إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخل المسجد، فقال: من أحس الفتى الدوسي؟ ثلاث مرات، فقال رجل: يا رسول الله! هو ذا يوعك في جانب المسجد.
فأقبل يمشي حتى انتهى إلي، فوضع يده علي فقال لي معروفا، فنهضت، فانطلق يمشي حتى أتى مقامه الذي يصلي فيه)].
أي أن أبا هريرة رضي الله عنه قال لضيفه الطفاوي الذي هو مجهول: ألا أحدثك حديثاً بما كان عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: بلى.
فقال: إني كنت في المسجد أوعك، أي: كان فيه ألم ومرض، فكان يوعك بسبب هذا المرض، فالنبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى المسجد فقال: من أحس الفتى الدوسي؟ يعني أبا هريرة، فهو يسأل عنه، وكان المسجد فيه جماعة، فقال له رجل: هو ذاك يوعك.
فقصده النبي صلى الله عليه وسلم وذهب إليه حتى جاء إليه فوضع يده عليه وقال معروفاً، أي: قال له قولاً معروفاً، ثم إنه انطلق ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاء إلى مقامه الذي يصلي فيه.
قوله: [فأقبل عليهم ومعه صفان من رجال وصف من نساء، أو صفان من نساء وصف من رجال].
معناه أن معه رجالاً ونساء، صفان من رجال وصف من نساء أو العكس، شك من الراوي.
قوله: [(فقال: إن نساني الشيطان شيئاً من صلاتي فليسبح القوم وليصفق النساء)].
وهنا قابل بين القوم وبين النساء، فيكون المقصود بالقوم الرجال، وهذا كما جاء في القرآن في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} [الحجرات:11] فمقابلة القوم بالنساء تدل على أن المقصود بهم الرجال، وهنا في الحديث ذكر القوم في مقابلة النساء، فإذاً: يكون المقصود بهم الرجال.
فـ (القوم) قد يراد بهم الرجال دون النساء إذا قوبلوا بالنساء، ويأتي ذكر القوم ويراد بهم مجموع الرجال والنساء، وهذا كثير في القرآن، ومنه قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} [البقرة:54]، وقومه الرجال والنساء.
قوله: [(فليسبح القوم وليصفق النساء)].
التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى، وإنما كان التسبيح للرجال والتصفيق للنساء لئلا يحصل الافتتان بأصواتهن، فيكون شأنهن عند التنبيه التصفيق، والرجال يسبحون فيقولون: سبحان الله.
وهذا من الأحكام التي يفرق بها بين الرجال والنساء، والأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا إذا جاءت نصوص تميز بين الرجال والنساء بأن الرحال يفعلون كذا وال(249/12)
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في النهي عن التحدث بما يكون بين الرجل وأهله
قوله: [وقال موسى: حدثنا حماد عن الجريري عن أبي نضرة عن الطفاوي].
يعني أن الإسناد الذي فيه موسى بن إسماعيل -وهو الطريق الثالث من الطرق الثلاث- ما قال فيه: شيخ من طفاوة.
وإنما قال: الطفاوي فهذا هو الفرق بين الإسنادين؛ لأن الشيخين الأولين قالا: شيخ من طفاوة.
وأما موسى بن إسماعيل فإنه قال: الطفاوي.
نسبة إلى طفاوة.
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا بشر].
هو بشر بن المفضل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الجريري].
هو سعيد بن إياس الجريري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح: وحدثنا مؤمل].
هو مؤمل بن هشام اليشكري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا إسماعيل].
هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـ ابن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح: وحدثنا موسى].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وقد مر ذكره.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[كلهم عن الجريري عن أبي نضرة].
الجريري هو سعيد بن إياس، وأبو نضرة هو المنذر بن مالك بن قطعة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني شيخ من طفاوة].
هذا الطفاوي مجهول لا يعرف(249/13)
الأسئلة(249/14)
حكم تطيب الرجل من طيب امرأته
السؤال
هل يجوز للرجل أن يتطيب من طيب امرأته؟
الجواب
يجوز، ولا يعد تشبهاً بالنساء، ولا شك أن طيب الرجال هو الذي ينبغي للرجل أن يستعمله.(249/15)
حكم الائتمام بالمسبوق
السؤال
هل تصح إمامة المسبوق؟
الجواب
يصح ذلك، فما دام أنه وجد المسبوق يصلي ودخل معه ووافق على أن يكون إماماً له وما رده، فلا بأس بذلك.(249/16)
حكم استعمال الحناء للنساء والرجال
السؤال
هل يدخل في طيب النساء الحناء، فإن النساء يفعلنه في بلادنا في أرجلهن وأيديهن، فهل هو مما ظهر لونه وخفي ريحه؟
الجواب
الحناء ليس من الطيب، بل يتجمل به في الأيدي والأرجل، وتستعمله النساء فقط ولا يستعمله الرجال، وهو لا يستعمل للطيب، وإنما يستعمل للتجمل من ناحية اللون، والرجال يمكن لهم أن يستعملوه إذا كان يحتاجونه علاجاً.
وقد يقال: إذا كان الحناء من أمور النساء فكيف يجوز للرجال أن يغيروا الشيب به؟!
و
الجواب
أن النساء يستعملنه من أجل التجمل به في أيديهن وأرجلهن، وأما كونه يغير الشيب بالحناء والكتم فهذا لا بأس به، لأنه ليس كالتجمل الذي هو من خصائص النساء.(249/17)
حكم التنفل عند الإقامة
السؤال
إذا كنت أصلي تحية المسجد فأقيمت الصلاة وأنا أصلي السنة، فمتى يجب علي قطعها ومتى لا يجب؟
الجواب
إذا كان المرء في أول صلاته النافلة فإنه يقطعها، وإذا كان في آخرها فإنه يتمها، والذي يبدو أن الركعة هي الحد الفاصل، فإذا جاوز الركعة الأولى فإنه يكون في آخرها، وأما إذا كان في الركعة الأولى فيقطعها.(249/18)
حكم وطء سبايا جهاد الدفع في هذا العصر
السؤال
المجاهدون في الشيشان إذا حصلوا على غنائم وكان من ضمن تلك الغنائم النساء، فهل يعتبرن سبايا فيجوز وطؤهن إذا استبرئن بحيضة؟
الجواب
لا جهاد فيه سبي في هذا الزمان؛ لأن الجهاد الذي فيه السبي هو في وقت كون المسلمين أقوياء يذهبون إلى الكفار ليدعوهم إلى الدخول في الدين، وإذا لم يدخلوا فإنهم يأخذون منهم الجزية، وإذا لم يدفعوا الجزية قاتلوهم وسبوا نساءهم.
وأما في هذا الزمان فالقوة للكفار على المسلمين، فالكفار أقوى من المسلمين، فهم الذين يستطيعون أن يأخذوا من شاءوا من المسلمات، فالضرر على المسلمين لا على الكفار.(249/19)
حكم من ينوي القصر مؤتماً بمقيم
السؤال
رجل صلى مأموماً ونوى القصر ولكن الإمام أتم، فما حكمه؟
الجواب
ما دام أنه مسافر صلى خلف إمام أتم فإنه يجب عليه أن يتم، ولا يجوز له أن يقصر ولو كان قد نوى القصر، وتغيير النية هنا لا يؤثر.(249/20)
شرح سنن أبي داود [250]
الطلاق حل لعقدة النكاح القائمة بين الزوجين، ولا ينبغي أن يصار إليه إلا إذا كان قد تعذر دوام العشرة بين الزوجين، ولا يجوز لامرئ أن يفسد امرأة على زوجها لتكرهه بقصد الزواج بها أو غيره، كما لا يجوز لامرأة أن تفسد رجلاً على زوجته فتطلب منه إن أراد الزواج بها طلاق أختها، وللطلاق في الشرع أحكام عظيمة غير ما ذكر، ومن ذلك ما يتعلق بطلاق السنة الجائز وطلاق البدعة الذي لا يجوز.(250/1)
حكم تخبيب المرأة على زوجها(250/2)
شرح حديث (ليس منا من خبب امرأة على زوجها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الطلاق.
تفريع أبواب الطلاق.
باب فيمن خبب امرأة على زوجها.
حدثنا الحسن بن علي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا عمار بن رزيق عن عبد الله بن عيسى عن عكرمة عن يحيى بن يعمر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده)].
لما فرغ الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى من كتاب النكاح أعقبه بكتاب الطلاق.
والطلاق: اسم مصدر بمعنى التطليق، كالسلام والكلام، فالسلام اسم مصدر، والمصدر هو التسليم، والكلام اسم مصدر، والمصدر هو التكليم، والطلاق اسم مصدر، والمصدر هو التطليق.
والطلاق في اللغة: حل الوثاق.
وفي الشرع: حل عقدة النكاح.
فهو جزء من جزئيات المعنى اللغوي؛ لأن المعنى اللغوي يكون واسعاً، والمعنى الشرعي يكون جزءاً من جزئياته، فالمعنى اللغوي له أي وثاق، وأما في الشرع فهو حل وثاق مخصوص، وهو عقدة النكاح، أي: إنهاء عقد النكاح بالطلاق.
وكثيراً ما تكون المعاني الشرعية جزئيات من جزئيات المعاني اللغوية، بحيث يكون المعنى اللغوي واسعاً والمعنى الشرعي يكون جزءاً من جزئياته كما هنا، وكما في الصوم، فإن الصوم في اللغة الإمساك، فأي إمساك يقال له صوم.
وأما في الشرع فهو إمساك مخصوص عن الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
والحج في اللغة: القصد، أي قصد، وفي الشرع قصد مخصوص، وهو قصد الكعبة البيت العتيق للإتيان بأفعال مخصوصة.
والعمرة في اللغة: الزيارة، أي زيارة، وفي الاصطلاح زيارة البيت للطواف به والسعي بين الصفا والمروة.
وأورد أبو داود هنا [باب فيمن خبب امرأة على زوجها].
وقال قبله: [تفريع أبواب الطلاق] فأشار إلى الأبواب المختلفة التي تدخل تحت كتاب الطلاق، وبدأ بمن خبب امرأة على زوجها، يعني حكمه وأنه محرم لا يسوغ ولا يجوز.
والتخبيب هو إفساد المرأة على زوجها، بأن يسعى إلى أن يفسد ما في قلبها حتى يكون الفراق، ولهذا قدمه في أول الطلاق؛ لأن من أسباب الطلاق تخبيب المرأة على زوجها حتى تتمرد عليه وتسعى إلى التخلص منه بسبب هذا الإفساد.
وأورد هنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده)] وتخبيب العبد على سيده هو -كذلك- إفساده على سيده حتى يسعى للتخلص منه.
وقوله: [(ليس منا)] يدل على تحريمه وأنه من الأمور المحرمة، وأن من يفعل ذلك فقد عرض نفسه لأن يكون من أهل هذا الوصف، لكن لا يعني ذلك أنه ليس من المسلمين، بل هو مسلم، ولكنه ليس على المنهج الصحيح وعلى الطريق الصحيح، بل هو عاص ومخالف(250/3)
تراجم رجال إسناد حديث (ليس منا من خبب امرأة على زوجها)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
هو الحسن بن علي الحلواني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا زيد بن الحباب].
زيد بن الحباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عمار بن رزيق].
عمار بن رزيق لا بأس به، وهذه اللفظة تعادل كلمة (صدوق)، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عيسى].
عبد الله بن عيسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن يعمر].
يحيى بن يعمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(250/4)
حكم سؤال المرأة زوجها طلاق امرأة له(250/5)
شرح حديث (لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المرأة تسأل زوجها طلاق امرأة له.
حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما قدر لها)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [باب في المرأة تسأل زوجها طلاق امرأة له] أي أن ذلك لا يجوز.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ ما في صحفتها ولتنكح، فإنها لها ما قدر لها)].
وهذا جاء في المرأة عندما تخطب والخاطب عنده زوجة، فهي تطلب منه أن يطلقها لتستفرغ ما في صحفتها، ومعناه أن هذه المخطوبة التي يريد أن يعقد عليها تشترط عليه أن يطلق المرأة السابقة التي قبلها لتستأثر به وتكفأ ما في صحفتها، وكأن تلك المرأة عندها طعام في صحفة فأفسدت عليها واستأثرت به وأضافته إلى صحفتها واختصت به.
ثم قال: [(ولتنكح)] يعني أنها إذا خطبت والرجل عنده زوجه سابقة فلا تشترط طلاق تلك، ولها أن تنكح فتقدم على الزواج إذا كان عندها رغبة فيه، ولكن لا تقيد ذلك بطلاق المرأة الأخرى؛ فالشيء الذي كتبه الله لها من الرزق لا بد من أن يأتيها، وأما كونها تسعى إلى التفريق بين رجل وامرأته وتشتغل بذلك فغير صحيح، بل إما أن تقبل وإما أن ترفض.
ولكن إذا كان الرجل أهلاً وكان كفؤاً فالذي ينبغي أنها لا تفوته، ولهذا قال: [(فلتنكح، فإنما لها ما قدر لها)] ويحتمل أن يكون معنى (ولتنكح) أي: هذا الرجل، ولها ما كتب لها، أو يكون المعنى أنها لا تشترط هذا الشرط وترفضه وتنكح غيره، والذي قدر الله عز وجل أن يكون لها فإنه لا بد من أن يصلها؛ لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.(250/6)
تراجم رجال إسناد حديث (لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد].
هو عبد الله بن ذكوان المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو الزناد لقب وليس كنية، وكنيته أبو عبد الرحمن، فلقبه على صيغة الكنية.
[عن الأعرج].
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره.(250/7)
كراهية الطلاق(250/8)
شرح حديث (ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية الطلاق.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا معرف عن محارب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق)].
أورد أبو داود هذه الترجمة [باب في كراهية الطلاق].
يعني أن الطلاق إنما يصار إليه عند الحاجة، فليس هو من الأمور المحبوبة المرغوبة، وإنما يحل عندما تكون هناك حاجة إلى حل تلك العقدة، فهو شيءٌ يترتب عليه فراق، وذلك الفراق قد يكون فيه مصلحة وقد يكون فيه مضرة، يكون فيه مصلحة إذا كان الوئام والوفاق لم يتم، وكان الشقاق موجوداً والمشاكل كثيرة، فالطلاق يكون في هذه الحالة مرغوباً مفيداً وتكون فيه مصلحة، وأما إذا كان الوئام موجوداً والمودة موجودة والمرأة ما حصل منها شيء يقتضي الطلاق فإنه لا يكون مرغوباً ولا يكون محبوباً، وهذا هو الذي فيه الكراهية.
وأورد أبو داود هنا حديث محارب بن دثار رحمة الله عليه [(ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق)].
وهذا -كما هو معلوم- إنما هو فيما إذا كان من غير أمر يقتضيه، أما إذا كان لأمر يقتضيه فإنه يكون متعيناً وتكون المصلحة فيه ويكون هو المطلوب؛ لأن البقاء على مشاكل وأمور قد تضر الإنسان في دينه ودنياه لا يصلح، فالطلاق هنا يكون خيراً ويكون محبوباً، ولكنه إذا كان يترتب عليه أضرار من غير أسباب يقتضيها ذلك الطلاق فإن هذا هو الذي يوصف بأنه غير محبوب وأنه مبغوض.(250/9)
تراجم رجال إسناد حديث (ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له، أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معرف].
هو معرف بن واصل، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[عن محارب].
هو محارب بن دثار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث مرسل.(250/10)
شرح حديث (أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن خالد عن معرف بن واصل عن محارب بن دثار عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق)].
أورد أبو داود الحديث عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [(أبغض الحلال إلى الله الطلاق)] وهو بمعنى ما تقدم من أنه إذا كان من غير أمر يقتضيه ومن غير حاجة، أما إذا كان هناك حاجة إليه وهناك أمر يقتضيه فإن المصلحة فيه، وليست في غيره؛ لأن البقاء على شقاق وعلى خلاف وعلى تنافر قلوب وعلى كلام سيء من الطرفين غير صحيح، والمصلحة في التخلص منه، ويكون بذلك محبوباً وليس مبغوضاً.
وقد يستشكل ما ورد في الحديث من كون الله تعالى يحل شيئاً يبغضه.
والجواب أنه قد يكون الشيء محبوباً باعتبار مبغوضاً باعتبار، فالطلاق يكون محبوباً باعتبار أن فيه التخلص من المشاكل وعدم الوئام، ويكون مبغوضاَ إذا كان لغير أمر يقتضيه وترتب على ذلك الانفصال بين شخصين بينهما الوئام والمودة، ثم حصل من ذلك ضرر على الزوجة بترك زوجها لها من غير أمر يقتضي ذلك.
فاجتماع البغض والمحبة في الشيء وارد باعتبارين، ومثاله كذلك صاحب الكبيرة، فهو محبوب مبغوض، محبوب باعتبار ما عنده من الإيمان، مبغوض باعتبار ما عنده من الفسوق والعصيان، ولهذا فأهل السنة والجماعة يقولون عن مرتكب الكبيرة: مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، يحب على ما عنده من الإيمان ويبغض على ما عنده من الفسوق والعصيان.
فاجتمع فيه المحبة والبغض، ويدل لاجتماعهما بيت الشعر الذي يتحدث عن الشيب، فالشيب إذا نظر إلى ما قبله -وهو الشباب- صار غير مرغوب فيه وصار مبغوضاً، ولكنه إذا نظر إلى ما بعده -وهو الموت- صار محبوباً، يقول الشاعر الشيب كره وكره أن نفارقه فاعجب لشيء على البغضاء محبوب وقد يقال أيضاً: ألا يعارض هذا الحديث ما تقرر عند السلف من أن الإرادة الشرعية يحبها الله تعالى، فكيف يريد الله عز وجل الطلاق شرعاً وهو يبغضه؟! والجواب عن ذلك أنه عند وجود مقتضيه يكون مأموراً به ومرغباً فيه، بل قد يكون واجباً، وعند عدم وجود شيء يقتضيه يكون غير محبوب.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن الطلاق قد يكون حراماً، وذلك إذا كان طلاقاً بدعياً، بأن يكون في الحيض، أو يكون ثلاثاً، أو يكون في طهر جامعها فيه، فإنه هنا لا يجوز.
ويكون واجباً إذا لم يتم الوئام والوفاق، ثم بعث حكمان فرأيا أن المصلحة في الطلاق وعدم البقاء، فعند ذلك يتعين الطلاق ويكون واجباً.
وهذه الطريق الثانية فيها أن محارب بن دثار يضيفه إلى عبد الله بن عمر ويرفعه عبد الله بن عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الطريق الأولى قال محارب: [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم] فهو من قبيل المرسل؛ لأن قول التابعي: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا) هو من قبيل المرسل، وهذا في اصطلاح المحدثين، وأما في اصطلاح الفقهاء -وكذلك أيضاً في اصطلاح المحدثين أحياناً- فالمرسل يطلق على المنقطع، ولهذا يقولون في شخص متقدم أو متأخر: يرسل كثيراً.
أي: يضيف إلى من فوق شيخه.
فيكون تعريف المرسل بهذا أوسع من التعريف المشهور عند المحدثين الذي يراد به ما إذا قال التابعي -سواءٌ أكان صغيراً أم كبيراً-: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
وإنما كان المرسل غير معتمد وغير محتج به عند المحدثين لأن المحذوف يمكن أن يكون صحابياً، ويمكن أن يكون تابعياً، وعلى احتمال كونه تابعياً فإنه يحتمل أن يكون ثقة وأن يكون ضعيفاً، فمن أجل هذا اعتبروه من قبيل المردود، وليس من قبيل المقبول المحتج به للاحتمال.
أما لو كان المرسل سقط فيه صحابي فقط فهذا لا يؤثر؛ لأن جهالة الصحابة لا تؤثر، وإنما الإشكال في احتمال غيرهم.
ولهذا فمن عرفه بأنه ما سقط منه صحابي لم يصب في هذا التعريف، كما قال صاحب البيقونية: (ومرسل منه الصحابي سقط) فهذا التعريف غير صحيح؛ لأنه لو كان الذي سقط منه صحابياً فليس في ذلك إشكال، وإنما الإشكال في احتمال سقوط غيره من التابعين؛ لأنه يمكن أن يكون صحابياً أو تابعياً، وعلى فرض أنه تابعي فيحتمل أن يكون ثقة أو ضعيفاً، فيأتي الإشكال من جهة احتمال الضعف.
والإسناد الذي أورده أبو داود هنا رجاله محتج بهم، ومن العلماء من صحح الحديث، مثل الحاكم، ومنهم من أعله بالإرسال ورجح المرسل الأول الذي ذكره أبو داود عن محارب بن دثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً ذكر أن في رواته محمد بن خالد قد اضطرب فيه، فرواه على عدة أوجه، والاضطراب يمكن أن يكون مؤثراً، أما قضية الإرسال فمن المعلوم أن من العلماء من قال: إن الوصل زيادة من ثقة، فتكون مقبولة.
وعلى هذا فيكون الحديث لا بأس به.
أما إذا كان الاضطراب الذي ذكر عن محمد بن خالد الذي هو أحد رواته مؤثراً يقدح فيه فإنه يكون على ذلك ضعيفاً، وقد ضعفه بعض أهل العلم، مثل الشيخ الألباني رحمه الله، فإنه ضعف هذا الحديث من أجل الإرسال، وقال: إن الذين أرسلوه أوثق من الذي وصله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.(250/11)
تراجم رجال إسناد حديث (أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق)
قوله: [حدثنا كثير بن عبيد].
هو كثير بن عبيد الحمصي، وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا محمد بن خالد].
محمد بن خالد صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن معرف بن واصل عن محارب بن دثار] قد مر ذكرهما.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس وجابر وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع، وهم الذين يقول فيهم السيوطي في الألفية.
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر كـ الخدري وجابر وزوجة النبي(250/12)
طلاق السنة(250/13)
شرح حديث طلاق ابن عمر زوجته في حيضها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في طلاق السنة.
حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله سبحانه أن تطلق لها النساء)].
أورد أبو داود رحمه الله [باب في طلاق السنة] أي: الطلاق الذي يكون موافقاً للسنة وليس طلاق بدعة، فالمقصود بالسنة هنا مقابل البدعة؛ لأن السنة تأتي لمعانٍ، منها أنها تأتي بمعنى الشرع كله، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني) فالمراد من سنته هنا ما جاء به من الكتاب والسنة، أي أن من رغب عن الكتاب والسنة، أو عما جاء في الكتاب والسنة، أو عن شيء مما جاء في الكتاب والسنة فإنه مذموم، وهذا أوسع معنى للسنة.
ويليه إطلاق السنة على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة، ومن ذلك قول العلماء من محدثين وفقهاء عندما يأتون إلى مسألة من المسائل يقررونها فيحصرون الأدلة إجمالاً أولاً فيقولون: هذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والقياس، أما الكتاب فكذا، وأما السنة فكذا، وأما الإجماع فكذا، وأما القياس فكذا.
فعطف السنة على الكتاب هنا يراد به خصوص الحديث.
المعنى الثالث: أن السنة مقابل البدعة، وهذا الذي معنا هو من هذا القبيل، فقوله: [باب في طلاق السنة] أي: الذي ليس على بدعة، والذي هو موافق لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومجانب ومخالف للبدعة.
وهناك إطلاق رابع للسنة في اصطلاح الفقهاء، وهو أن السنة تعني المستحب والمندوب، وهو المأمور به لا على سبيل الإيجاب، وإنما على سبيل الاستحباب، فهذا يقال له سنة.
فإذا قال الفقهاء: يسن كذا فإنهم يقصدون أنه من الأمور المستحبة.
وأما معنى ما جاء في هذه الترجمة فهو السنة التي هي في مقابل البدعة.
وطلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته في طهر لم يجامعها فيه طلقة واحدة، فقولنا: في طهر يخرج به الحيض، فلا يطلق في الحيض؛ لأن الطلاق في الحيض طلاق بدعة، وقولنا: لم يجامعها فيه يخرج به الطهر الذي جامعها فيه، فإنه لا يطلق في الطهر الذي جامعها فيه وإنما يطلق في طهر لم يجامعها فيه؛ لأنه إذا جامعها فيه فيمكن أن يكون هناك ولد يترتب على ذلك، ولكن كونه يطلقها حاملاً أو حائلاً هذا هو طلاق السنة.
وقولنا: طلقة واحدة خرج به أن يطلقها ثلاثاً أو أكثر، وإنما يطلق طلقة واحدة إذا أراد أن يطلق، فيقول: طلقت زوجتي طلقة واحدة.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمر في قصة طلاقه لزوجته، وأنه طلقها وهي حائض، وأن أباه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر: [(مره فليراجعها)] يعني: أخبره بأن يراجعها، والمراد بالمراجعة أنه يعيدها إليه بالمراجعة، فتكون الطلقة التي حصلت في حال الحيض معتبرة، وتكون معدودة ومحسوبة عليه من طلقاته الثلاث، فيكون قد أمضى واحدة، ثم يتركها حتى تطهر من ذلك الحيض ثم تحيض مرة ثانية ثم تطهر فيطلقها في ذلك الطهر الذي جاء بعد الحيضة الثانية التي حصل فيها الطلاق البدعي.
لكن ابن القيم رحمه الله في (تهذيب السنن) أطال الكلام في أنه لا تحسب التطليقة التي في الحيض، وأن الذي يحسب هو ما كان في حال الطهر، وقوى ذلك وأطال فيه الكلام في تهذيب سنن أبي داود.
والقول بكون الطلاق لا يقع في الحيض قال به قليلون، وبه يفتي الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى، وقد ذهبوا إلى أن قوله: [(مره فليراجعها)] ليس المراد فيه بالمراجعة الرجعة المعروفة التي هي إعادة المطلقة، وإنما المراد به كونها تبقى عنده ولا يتركها.
والقول المشهور عن العلماء هو أن الطلاق يقع، وأن عليه أن يراجع، على خلاف في كون المراجعة واجبة أو مستحبة.
وقوله: [(ثم إن شاء أمسك)] يعني: إن شاء أبقاها في عصمته وبقيت زوجة له، وإن شاء طلق في ذلك الطهر الذي لم يجامعها فيه بعد الحيضة الثانية، وقد جاء في بعض الأحاديث التي سيذكرها المصنف أنه يراجعها بعد الحيضة التي حصل فيها الطلاق، ثم بعد ذلك يطلقها إذا بدا له، أي: بعد انقضاء الحيض في طهر لم يجامعها فيه، أما إذا جامعها في الطهر -أي طهر- فإنه لا يطلقها.
والحكمة من منع الطلاق في طهر مسها فيه أنها قد تحمل منه في ذلك الطهر، وأما منعه في حال الحيض فلم يظهر لي وجه الحكمة فيه.
وقوله: [(وإن شاء طلق قبل أن يمس)].
معناه أنه يطلقها في الطهر بدون مسيس، أما إذا وجد المسيس فإنه لا يطلقها، بل يبقيها حتى يأتي طهر لم يجامعها فيه، فيكون الطلاق إما في حال الحمل المتحقق أو في حال كونه متحققاً من عدم حملها بأن كانت تحيض ثم طلقها في طهر لم يجامعها فيه متحققاً عدم حملها.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر عمر رضي الله عنه بأن يأمر عبد الله بن عمر، ومعنى ذلك أنه يبلغه؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: [(مره فليراجعها)] المقصود به إبلاغه بأن يراجعها وبيان أن هذا هو الحكم الشرعي، وهو أن المطلق في حال الحيض عليه أن يراجع.
واختلف في هذا الأمر هل هو للاستحباب أو للإيجاب؟ فمن العلماء من قال بوجوبه، ومنهم من قال باستحبابه، بمعنى أنه لو ترك حتى مضى بعد ذلك وقت وخرجت من العدة فليس هناك مجال للمراجعة؛ إذ المراجعة إنما تكون في حال العدة، فإذا جاء الطهر الذي يلي الحيض فإنه يمسكها فيه، ثم تأتي الحيضة الثانية، ثم يأتي الطهر الذي بعدها، ثم بعد ذلك إن شاء أمسكها وأبقاها زوجة له وتكون قد مضى من تطليقاتها طلقة واحدة، وإن شاء طلقها في طهر لم يجامعها فيه فتكون طلقة ثانية.
ومن العلماء من قال: إن التطليق إنما يكون في الطهر الأول بعد الحيضة التي حصل فيها الطلاق؛ لأنه جاء في روايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها أبو داود أنه يطلقها بعد طهرها من تلك الحيضة التي حصل التطليق فيها.
وبعض الروايات -كما في الرواية التي معنا- فيها أنه لا يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي حصل فيها الطلاق، وإنما يكون في الطهر الذي يكون بعد الحيضة الثانية، قالوا: وهذه زيادة من ثقة، فتكون مقبولة ويعول عليها، بمعنى أن الطلاق إنما يكون بعد الطهر من الحيضة الثانية.
قالوا: وإنما شرع أن يكون الطلاق بعد حيضة ثانية لأن ذلك قد يكون فيه وقت متسع للإنسان لأن يراجع ويفكر في أمره، فقد يرى أن المصلحة له في أن تبقى الزوجية على ما كانت عليه، فيجامعها ويكون هناك رغبة في الاستمرار ورغبة في الوئام، فيكون في ذلك مصلحة، بخلاف ما إذا شرع له بأن يطلقها بعد الحيضة الأولى فإنه لا يكون هناك متسع للمراجعة ولتدارك ما قد يندم عليه.
قوله: [(فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء)] يعني: مستقبلات العدة.
بمعنى أن العدة تبدأ من الطلاق، والطلاق يكون في طهر لم يجامعها فيه، فلا يكون في الحيض ولا يكون في طهر جامعها فيه، وإنما في طهر لم يجامعها فيه، وفي حال التطليق في الحيض فإنه يراجعها، ثم يكون بعده طهر، ثم يأتي بعده حيض، ثم التطليق يكون في الطهر بعد ذلك الحيض الثاني، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء، أي أنهن يطلقن مستقبلات لعدتهن، ويكون ذلك بتطليقهن في طهر لم يجامعن فيه، وأن يكون ذلك طلقة واحدة.(250/14)
تراجم رجال إسناد حديث طلاق ابن عمر زوجته في حيضها
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع].
القعنبي مر ذكره، ومالك مر ذكره، ونافع هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود التي هي الأسانيد العالية عنده، فأعلى ما يكون عند أبي داود من الأسانيد الرباعيات، وهذا منها، وهو القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر.(250/15)
شرح حديث طلاق ابن عمر زوجته في حيضها من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن نافع (أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق امرأة له وهي حائض تطليقة) بمعنى حديث مالك].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنه طلقها تطليقة واحدة وهي حائض، فالتطليقة الواحدة هي طلاق سنة، ولكن تطليقها في الحيض ليس طلاق سنة.
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث].
هو الليث بن سعد المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع أن ابن عمر].
ونافع وابن عمر قد مر ذكرهما.
وهذا الإسناد -أيضاً- رباعي مثل الذي قبله.(250/16)
شرح حديث طلاق ابن عمر زوجته وهي حائض من طريق ثالثة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مره فليراجعها، ثم ليطلقها إذا طهرت أو وهي حامل)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق سالم عن أبيه، وهو أنه طلقها في حال حيضها، وأن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بأن يأمره بأن يراجعها، ثم إذا طهرت يطلقها وهي طاهر أو وهي حامل.
أي: يطلقها في طهر لم يجامعها فيه أو وهي حامل قد تحقق حملها، أي: إما أن تكون حاملاً تحقق فيها حمل الولد أو حائلاً تحقق فيها عدم الحمل.
وهذا هو طلاق السنة، أن يطلق طلقة واحدة والمرأة حامل أو في طهر لم يجامعها فيه.(250/17)
تراجم رجال إسناد حديث طلاق ابن عمر زوجته من طريق ثالثة
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة].
محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سالم].
هو سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] هو عبد الله بن عمر، وقد مر ذكره.(250/18)
شرح حديث طلاق ابن عمر زوجته من طريق رابعة وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتغيض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: (مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر، ثم إن شاء طلقها طاهراً قبل أن يمس، فذلك الطلاق للعدة كما أمر الله عز وجل)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنه من طريق أخرى، وهي مثل الطريق الأولى التي بدأ بها المصنف، أعني كونها تطلق بعد الطهر من حيضة ثانية غير الحيضة التي حصل فيها الطلاق، قيل: وفي قوله [تغيض رسول الله صلى الله عليه وسلم] إشارة إلى أن الطلاق في الحيض كان معروفاً عندهم أنه لا يجوز.
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
هو أحمد بن صالح المصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عنبسة].
هو عنبسة بن خالد الأيلي، وهو صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود.
[حدثنا يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم عن أبيه].
سالم وأبوه قد مر ذكرهما.(250/19)
شرح حديث بيان ابن عمر عدد تطليقه لزوجته
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين أخبرني يونس بن جبير أنه سأل ابن عمر رضي الله عنهما فقال: كم طلقت امرأتك؟ فقال: واحدة].
أورد حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه سئل: [كم طلقت امرأتك؟ فقال: واحدة.
] وهذا يدل على أنه طلقها طلقة واحدة، وقد سبق أن مر في الطريق الثانية التي ذكرها أبو داود أنه طلقها تطليقة واحدة.
وإنكار النبي صلى الله عليه وسلم وتغيضه -كما مر ذكره- لكونه طلق في الحيض لا لأنه طلق تطليقة، ومعلوم أن أكثر من تطليقة ليس سنة، ولو كان ابن عمر طلق ثلاثاً وفي الحيض فإنه يكون بذلك قد فعل محذورين.(250/20)
تراجم رجال إسناد حديث بيان ابن عمر عدد تطليقه لزوجته
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
هو الحسن بن علي الحلواني، وقد مر ذكره.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة [عن ابن سيرين].
هو محمد بن سيرين، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس بن جبير].
يونس بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
ابن عمر رضي الله عنهما قد مر ذكره.(250/21)
شرح حديث بيان ابن عمر اعتداده بطلقة زوجته في الحيض
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي قال حدثنا يزيد -يعني ابن إبراهيم - عن محمد بن سيرين حدثني يونس بن جبير قال: سألت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
قال: قلت: رجل طلق امرأته وهي حائض؟ قال: أتعرف عبد الله بن عمر؟ قلت: نعم.
قال: فإن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأله فقال: (مره فليراجعها، ثم ليطلقها في قبل عدتها) قال: قلت: فيعتد بها؟ قال: فمه، أرأيت إن عجز واستحمق؟!].
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من طريق أخرى في قصة تطليقه لامرأته وهي حائض، فقد سأله سائل عن رجل طلق امرأته وهي حائض، فقال: [أتعرف عبد الله بن عمر] يريد من ذلك أن الجواب عنده وأنه صاحب القصة وأن هذا قد حصل له، وأنه قد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيها، هذا هو المقصود من قوله: [أتعرف عبد الله بن عمر؟] يعني: أتعرفني؟ فأخبره بأن الذي سألت عنه قد حصل لي، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أفتى بكذا وكذا وقال كذا وكذا.
فهو يتحدث عن نفسه على سبيل الغيبة.
وقوله: [فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم] فيه جواز تسمية الأب باسمه دون قول (أبي) وهذا إذا لم يكن المقصود به الاستهانة به ونحو ذلك، فإن قصد الاستهانة فذلك لا يجوز، مع أن التعبير بقول المرء (أبي) هو الأولى.
قوله: [(مره فليراجعها، ثم ليطلقها في قبل عدتها)] يعني: مستقبلة عدتها، وذلك في طهر لم يجامعها فيه، وقد جاء تفسير ذلك في الروايات السابقة أنه يكون بعد الطهر من الحيضة الثانية بعد الحيضة التي حصل الطلاق فيها.
قال: [قلت: فيعتد بها؟ قال: فمه، أرأيت إن عجز واستحمق؟!] قوله: [فيعتد بها] يعني: بالطلقة أو التطليقة.
وقوله: [أرأيت إن عجز واستحمق] قيل: معنى هذا أن الإنسان لو عجز عن رفض فلم يأت به لا لكونه لا يقدر عليه؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولكن المقصود هنا العجز الذي هو عدم الجد وعدم الفعل للشيء المطلوب منه، أو استحمق فركب رأسه، فإنه حينئذٍ إن لم يفعل ذلك الفعل المأمور به ألا يؤاخذ؟! ويفهم من هذا أن ابن عمر حسبها تطليقة.(250/22)
تراجم رجال إسناد حديث بيان ابن عمر اعتداده بطلقة زوجته في الحيض
قوله: [حدثنا القعنبي] القعنبي مر ذكره.
[حدثنا يزيد -يعني ابن إبراهيم -] يزيد بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن سيرين حدثني يونس بن جبير قال: سألت عبد الله بن عمر].
هؤلاء قد مر ذكرهم جميعاً.(250/23)
شرح حديث (كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاً)
قال رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل ابن عمر رضي الله عنهما وأبو الزبير يسمع قال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا؟ قال: طلق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض.
قال عبد الله: فردها علي ولم يرها شيئاً.
قال: وقال (إذا طهرت فليطلق أو ليمسك، قال ابن عمر: وقرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1])].
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من طريق أخرى، وفيه أن ابن عمر سئل عن رجل طلق امرأته وهي حائض، فأخبر أنه طلق امرأته وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرها شيئاً، وأمره بعد ذلك بأن يطلقها في قبل عدتها، أي: مستقبلة عدتها.
وهذا اللفظ يفيد أنه لم ير تلك الطلقة شيئاً، لكن يمكن أن يوفق بينه وبين ما جاء في الرواية الأخرى من كونها حسبت عليه تطليقة بأنه لم ير ذلك شيئاً باتاً كما قال بعض أهل العلم، أي أنه كان طلاقاً فيه رجعة وفيه إمكان التدارك.(250/24)
تراجم رجال إسناد حديث (كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاًَ)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق] قد مرَّ ذكرهما.
[أخبرنا ابن جريج] هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني أبو الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل ابن عمر].
عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره.(250/25)
بيان رواة ذكر التطليق بعد الحيض الذي وقع فيه الطلاق
[قال أبو داود: روى هذا الحديث عن ابن عمر يونس بن جبير وأنس بن سيرين وسعيد بن جبير وزيد بن أسلم وأبو الزبير ومنصور عن أبي وائل، معناهم كلهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك].
هذه إشارة إلى الروايات التي فيها أن التطليق إنما هو بعد طهرها من الحيض الذي وقع فيه الطلاق، وأنَّه ليس هناك حيضة ثانية وطهر بعدها، وإنما يطلق في طهرها من الحيض الذي وقع فيه الطلاق، وهؤلاء هم الذين رووا عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالمراجعة بعد طهرها من الحيض الذي حصل فيه الطلاق، ثم ذكر الذين رووا أنه يكون بعد حيضة ثانية.(250/26)
بيان رواة ذكر التطليق في الطهر بعد الحيضة الثانية
قال: [وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن عن سالم عن ابن عمر.
وأما رواية الزهري عن سالم ونافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك].
هذه هي الرواية الثانية، وهي التي قال عنها الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): إنها زيادة من ثقة، فتكون مقبولة.
بمعنى أن الطلاق يكون بعد الحيضة الثانية، وأنه يكون في ذلك متسع للمراجعة ومراجعة النفس، وقد يتبين له أن الاستمرار خير من المبادرة إلى الطلاق.(250/27)
بيان وهم أبي الزبير في عدم الاعتداد بطلقة الحيض
قال: [وروي عن عطاء الخراساني عن الحسن عن ابن عمر نحو رواية نافع والزهري، والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير].
أي أن الأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير، حيث قال: [فردها علي ولم يرها شيئاً] لأنها كلها على أنه أمر بالمراجعة وأنها احتسبت، وهي على خلاف ما ذكره أبو الزبير.(250/28)
تراجم رجال روايات حديث ابن عمر
قوله: [روى هذا الحديث عن ابن عمر يونس بن جبير] ابن عمر ويونس بن جبير مر ذكرهما.
[وأنس بن سيرين].
أنس بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وسعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وزيد بن أسلم].
زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأبو الزبير].
أبو الزبير مر ذكره.
[ومنصور].
هو منصور بن المعتمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي وائل].
هو شقيق بن سلمة الكوفي، ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي وائل.
[وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن عن سالم عن ابن عمر].
محمد بن عبد الرحمن هو مولى آل طلحة الذي مر ذكره، وسالم وابن عمر مر ذكرهما كذلك.
[وأما رواية الزهري عن سالم ونافع عن ابن عمر].
مر ذكرهم جميعاً.
[وروي عن عطاء الخراساني].
عطاء الخراساني صدوق يهم كثيراً، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن الحسن].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر نحو رواية نافع والزهري، والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير].
يعني: في أنها احتسبت وأنه أمر بالمراجعة وأما أبو الزبير فروى أنه لم يرها شيئاً، ولكن بعض أهل العلم قال: يمكن أن يوفق بينها بأنه لم ير ذلك شيئاً باتاً، وأما أنه طلاق فيه مراجعة فقد أخبر به صلى الله عليه وسلم.(250/29)
شرح سنن أبي داود [251]
للطلاق أحكام كثيرة فصلتها الشريعة، وهذه الأحكام مبنية على العدل والرحمة والإحسان والحكمة، ومن هذه الأحكام ما يتعلق بطلاق العبد، والطلاق قبل النكاح، والطلاق على غلط، وطلاق الهازل.(251/1)
الرجل يراجع ولا يشهد(251/2)
شرح حديث: (أشهد على طلاقها وعلى رجعتها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يراجع ولا يشهد.
حدثنا بشر بن هلال أن جعفر بن سليمان حدثهم عن يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله أن عمران بن حصين رضي الله عنهما سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال: (طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى [باب الرجل يراجع ولا يشهد] أي: ما حكم ذلك؟ حكم ذلك أنه صحيح، ولكن يشهد الإنسان فيما بعد، وليس بلازم أن يكون الإشهاد عند المراجعة؛ لأن المراجعة قد تكون بالجماع، فإذا طلق زوجته ثم جامعها في عدتها فقد حصلت الرجعة، والإشهاد يكون فيما بعد؛ إذ لا تتوقف المراجعة على الإشهاد، بل المراجعة تحصل بدون إشهاد، ولكن عليه أن يشهد.
وقد سبق أن مر في حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها وما جاء فيه أنه يشهد، وقد أورد أبو داود رحمه الله في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أنه سئل عن ذلك فقال: [(طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد)] أي: لا تعد إلى مثل هذا العمل، فهذا يدل على أن الإشهاد يمكن أن يتدارك، وأنه لا يلزم أن يكون عند الطلاق ولا عند الرجعة، بل قد يطلق ثم يشهد، ويراجع ثم يشهد، وقد تكون المراجعة بالجماع؛ لأن جماع الرجل امرأته المطلقة وهي في حال عدتها مراجعة لها، وقد تكون باللفظ، لكن الإشهاد مطلوب؛ وذلك حتى يعلم أن الطلاق انتهى بالرجعة، وكذلك الطلاق.
وقد جاء الأمر بالإشهاد في القرآن الكريم، وقد قال بوجوبه بعض أهل العلم، ولكن ليس لازماً أن يكون عند الطلاق، بل إذا طلق فطلاقه معتبر، وعليه أن يشهد بعد ذلك.(251/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (أشهد على طلاقها وعلى رجعتها)
قوله: [حدثنا بشر بن هلال].
بشر بن هلال ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[أن جعفر بن سليمان حدثهم].
جعفر بن سليمان صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن يزيد الرشك].
هو يزيد بن أبي يزيد لقبه الرشك، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مطرف بن عبد الله].
هو مطرف بن عبد الله بن الشخير، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن عمران بن حصين].
هو عمران بن حصين أبو نجيد رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(251/4)
سنة طلاق العبد(251/5)
شرح حديث ابن عباس في طلاق المملوك
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في سنة طلاق العبد.
حدثنا زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا علي بن المبارك حدثني يحيى بن أبي كثير أن عمر بن معتب أخبره أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس رضي الله عنهما في مملوك كانت تحته مملوكة فطلقها تطليقتين، ثم عتق بعد ذلك هل يصلح له أن يخطبها؟ قال: (نعم.
قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [باب في سنة طلاق العبد].
أي: كيف يطلق العبد؟ وما هي السنة في حقه؟ وكم هي التطليقات التي تكون له؟ فالتطليقات التي تكون للعبد اثنتان؛ لأنه ليس كالحر، وقد جاء في القرآن فيما يتعلق بالحد أن على العبيد نصف ما على الأحرار من العقوبة، فكذلك فيما يتعلق بعدد تطليقات العبد يكون على النصف من الحر، وجبروا النصف فصارت له من التطليقات اثنتين، وكذلك الأقراء بالنسبة للأمة حيضتان مع جبر الكسر.
والحديث الذي أورده أبو داود فيما يتعلق بطلاق العبد ضعيف، ولكن جاء عن بعض الصحابة -مثل عمر وابنه رضي الله تعالى عنهما- أن العبد له تطليقتان، وذلك مبني على ما جاء في العقوبة أنها على النصف.
وأورد أبو داود هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه استفتاه رجل في أن عبداً طلق زوجته المملوكة تطليقتين، ثم إنهما عتقا بعد ذلك، فهل يصلح له أن يخطبها؟ فقال: [(نعم.
قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم)] ومعناه أنه يصير له ثلاث تطليقات فيكون قد أمضى ثنتين ثم يضيف إليها الثالثة.
والحديث غير ثابت؛ لأن فيه من هو ضعيف، ولكن الشيء الذي هو معتبر وعليه العلماء أن له تطليقتين وأن الأمة عدتها حيضتان.(251/6)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في طلاق المملوك
قوله: [حدثنا زهير بن حرب].
هو زهير بن حرب أبو خيثمة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا علي بن المبارك].
علي بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني يحيى بن أبي كثير].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنَّ عمر بن معتب].
عمر بن معتب ضعيف، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أن أبا حسن مولى بني نوفل].
أبو الحسن مولى بني نوفل مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أنه استفتى ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(251/7)
شرح حديث فتوى ابن عباس في طلاق المملوك من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا علي بإسناده ومعناه بلا إخبار، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (بقيت لك واحدة، قضى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)].
هذه طريق أخرى فيها توضيح ما في الرواية السابقة التي فيها أن له أن يخطبها، وهذا فيه تصريح بأنه بقي له واحدة.
فالإسناد هو نفس الإسناد من عند علي بن المبارك ومن بعده، إلا أنه يختلف عن الذي قبله أنه ليس فيه إخبار؛ لأن الإسناد الذي قبله يقول فيه علي بن المبارك: [أخبرنا يحيى بن كثير] فهنا روى بالعنعنة، وفيه هذه الزيادة التي هي [بقيت لك واحدة] والمقبول والضعيف موجودان في هذا الإسناد كما أنهما موجودان في الإسناد الأول؛ لأنه قال: [بإسناده ومعناه].(251/8)
تراجم رجال إسناد حديث فتوى ابن عباس في طلاق المملوك من طريق ثانية
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى].
هو محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب بـ الزمن، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عثمان بن عمر].
عثمان بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا علي بإسناده ومعناه].
علي هو ابن المبارك، ومعنى قوله: [بإسناده] أي: بالإسناد بعد علي [ومعناه] أي: معنى المتن.
إلا أن الإسناد في هذه الطريق الثانية جاء بالعنعنة في رواية علي عن يحيى بن أبي كثير، والرواية السابقة هي بالإخبار.(251/9)
إنكار علي بن المبارك على أبي الحسن روايته عن ابن عباس في طلاق المملوك
[قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل قال: قال عبد الرزاق: قال ابن المبارك لـ معمر: من أبو الحسن هذا؟! لقد تحمل صخرة عظيمة].
قوله: [لقد تحمل صخرة عظيمة] يعني أنه أتى بشيء عظيم انفرد به، وهو كون العبد إذا طلق طلقتين ثم عتق فقد بقيت له واحدة، وهذا المقصود منه الإنكار، وبيان أن هذا شيء منكر، ومعلوم أن أبا الحسن مقبول، والذي قبله ضعيف، فكل منهما يعل به الحديث.
[قال أبو داود: أبو الحسن هذا روى عنه الزهري، قال الزهري: وكان من الفقهاء، روى الزهري عن أبي الحسن أحاديث].
هذا فيه إشارة إلى أن أبا الحسن له رواية، وقال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، والمقبول هو الذي يعتبر حديثه عند المتابعة والاعتضاد، والحديث فيه علة أخرى، وهي الشخص الذي يروي عن أبي الحسن، فهو ضعيف وليس بحجة.(251/10)
حكم العمل بفتوى ابن عباس في طلاق المملوك
[قال أبو داود: أبو الحسن معروف، وليس العمل على هذا الحديث].
أي: ليس العمل على هذا الحديث الذي قال علي بن المبارك عن راويه: [لقد تحمل صخرة عظيمة] يعني أنه أتى بشيء عظيم، وأتى بشيء انفرد به، والعمل ليس عليه، وإنما على أن العبد له تطليقتان، وأنه بعد تطليقتين لا بد من أن تنكح زوجاً بعده ولا تحل له إلا بعد ذلك، وأما الحر فهو الذي له ثلاث تطليقات وتحل له بعد الثلاث إذا تزوجها زوج زواج رغبة ثم طلقها، فالعبد تعود إليه بعد تطليقتين بعد أن تنكح زوجاً غيره، والحر بعد ثلاث بعد أن تنكح زوجاً غيره.(251/11)
شرح حديث: (طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن مسعود حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن مظاهر عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (طلاق الأمة تطليقتان، وقرؤها حيضتان)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(طلاق الأمة تطليقتان، وقرؤها حيضتان)].
يعني أنها تطلق تطليقتين، والعدة حيضتان، ويجبر الكسر، وذلك أنها على النصف من طلاق الحرة وعدتها، فكان الأصل هو طلقة ونصف، وفي العدة قرء ونصف، ثم جبر الكسر في الطلاق وفي العدة فصار طلاقها طلقتين، وعدتها حيضتين.
قال العلماء: إن الحكم في الطلاق مناط بالرجال، فالعبد له تطليقتان والحر له ثلاث، ولا ينظر بعد ذلك إلى النساء، والحكم في العدة مناط بالنساء، ولا ينظر إلى حق الأزواج، فالنظر بالنسبة للطلاق هو للرجال، وذلك أن الرجل إذا كان حراً فإنه يطلق ثلاث طلقات، سواءً كان عنده حرة أم أمة، والعبد يطلق تطليقتين، وفي العدة ينظر إلى المرأة ولا ينظر إلى الزوج، سواء أكان الزوج حراً أم عبداً، فالأمة تعتد بحيضتين، سواء طلقها حرٌ أم عبد، والحرة تعتد بثلاث حيض.(251/12)
تراجم رجال إسناد حديث: (طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان)
قوله: [حدثنا محمد بن مسعود].
محمد بن مسعود ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا أبو عاصم].
هو أبو عاصم النبيل، وهو الضحاك بن مخلد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مظاهر].
مظاهر ضعيف، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن القاسم بن محمد].
هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(251/13)
شرح حديث: (طلاق الأمة تطليقتان) من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو عاصم: حدثني مظاهر حدثني القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله، إلا أنه قال: (وعدتها حيضتان).
قال أبو داود: وهو حديث مجهول].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو بمعنى الأول، إلا أنه قال: [(وعدتها حيضتان)].
قوله: [قال أبو داود: وهو حديث مجهول].
أي أنه حديث لا يصح؛ لأن فيه ذلك الرجل الضعيف.
وهذا الحديث معلق؛ لقوله: [قال أبو عاصم].
والحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن العمل على ما جاء عن الصحابة كـ عمر وابن عمر، وهو مبني على التنصيف في الحدود.(251/14)
الطلاق قبل النكاح(251/15)
شرح حديث: (لا طلاق إلا فيما تملك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الطلاق قبل النكاح.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام.
ح وحدثنا ابن الصباح حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد قالا: حدثنا مطر الوراق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك) زاد ابن الصباح (ولا وفاء نذر إلا فيما تملك)].
أورد أبو داود [باب في الطلاق قبل النكاح] يعني: ما حكمه؟ أي أنه لا يعتبر الطلاق قبل النكاح، وإنما يعتبر الطلاق بعد النكاح، بعد أن يكون قد عقد على المرأة، فعند ذلك يتمكن من تطليقها؛ لأنه زوج، أما قبل ذلك فإن كونه يطلق أجنبية لا علاقة له بها، أو يعلق الطلاق على الزواج، بحيث يقول: إن تزوجتها فهي طالق.
أو: إذا تزوجتها فهي طالق فذلك لا يعتبر؛ لأنه تطليق قبل الزواج، والله عز وجل يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب:49] فالطلاق يكون بعد الزواج ولا يكون قبله، فإذا وجد بأن طلق أجنبية ثم عقد عليها، أو علق النكاح على زواج امرأة فطلقها قبل أن يعقد عليها فإن ذلك لا يعتبر، فهذا هو المقصود من هذه الترجمة.
وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا طلاق إلا فيما تملك).
يعني: لمن هي زوجة له، وقبل أن تكون زوجة لا يقع الطلاق؛ لأنه طلاق في غير محله، فوجوده مثل عدمه، فالطلاق يكون بعد النكاح ولا يكون قبله، سواء أكان منجزاً أم معلقاً، منجزاً بأن يقول: طلقت فلانة.
وهي أجنبية، أو يقول: إن تزوجت فلانة فهي طالق، وإيقاع الطلاق في أجنبية إيقاع في غير محله، وإنما إيقاع الطلاق يكون بعد أن يملك عصمتها بعقد النكاح، فعند ذلك يطلق.
قوله: [(ولا عتق إلا فيما تملك)] الإنسان لا يصح أن يعتق عبداً أو أمة إلا إذا كان في ملكه، أما إذا قال: عبد فلان حُر -وهو لا يملكه- فهذا عتق باطل، وكذلك أن يقول مثلاً: إذا اشتريتُ كذا فهو حر.
لا يقع هذا العتق.
قوله: [(ولا بيع إلا فيما تملك)] يعني: لا يبيع الإنسان إلا شيئاً يملكه، فلا يصح له أن يبيع هذه السلعة وهو لا يملكها، كأن تكون السلعة لشخص من الناس لا علاقة له به، أو له به علاقة ولكن ليس له حق في التصرف والتملك في ماله، مثل الأب يأخذ شيئاً ثم يبيعه لولده، فلا يصح هذا البيع؛ لأن البيع يصح إذا كان الإنسان مالكاً لما يبيعه، أي: بعد أن يكون الإنسان مالكاً يكون بائعاً، أما أن يكون بائعاً قبل أن يكون مالكاً فهذا لا يصح.
قوله: [زاد ابن الصباح: (ولا وفاء نذر إلا فيما تملك)].
لأن من نذر أن كذا لوجه الله، وهو ملك لشخص آخر وهو لا يملكه، فلا يُوفَّى به، ولا ينعقد أصلاً، فلا تلزمه الكفارة؛ لأنه نذر في غير محله، كأن يقول: نذرتُ أن بيت فلان وقف، أو أنه لوجه الله.
لكن الفقهاء يقولون: نذر المعصية عليه كفارة يمين، لكن مثل هذا شيء لا يملكه الإنسان؛ أما كونه ينذر نذراً قد يملكه ولكن فيه معصية فيمكن أن يصير عليه كفارة يمين.(251/16)
تراجم رجال إسناد حديث: (لا طلاق إلا فيما تملك)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا ابن الصباح].
عبد الله بن الصباح، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد].
عبد العزيز بن عبد الصمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قالا: حدثنا مطر الوراق].
مطر الوراق صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن شعيب].
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
هو شعيب بن محمد، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وفي جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن جده].
وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(251/17)
شرح حديث: (من حلف على معصية فلا يمين له ومن حلف على قطيعة رحم فلا يمين له)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب بإسناده ومعناه: زاد: (من حلف على معصية فلا يمين له، ومن حلف على قطيعة رحم فلا يمين له)].
أورد المصنف حديث عمرو بن شعيب من طريق أخرى مع زيادة وهي: [(من حلف على معصية فلا يمين له، ومن حلف على قطيعة رحم فلا يمين له)] يعني: لا يعول عليها؛ لكن بعض أهل العلم قال: فيها كفارة يمين، على أنها يمين، وكون الإنسان يحلف على شيء ويرى أن غيره خيراً منه يكفِّر عن يمينه ويأتي الذي هو خير، ومن حلف على معصية، أو على قطيعة رحم، كمن يحلف أنه لا يكلم فلاناً وما إلى ذلك، فإنه يكفِّر عن يمينه ويكلمه.(251/18)
تراجم رجال إسناد حديث: (من حلف على معصية فلا يمين له ومن حلف على قطيعة رحم فلا يمين له)
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء].
هو: محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا أبو أسامة].
هو: أبو أسامة حماد بن أسامة البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الوليد بن كثير].
الوليد بن كثير، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عبد الرحمن بن الحارث].
عبد الرحمن بن الحارث المخزومي، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن شعيب بإسناده ومعناه].
أي: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد مر ذكرهم.(251/19)
بيان أنواع الحلف على فعل المعصية
قال الخطابي رحمه الله: هذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون أراد به اليمين المطلقة من الأيمان، فيكون معنى قوله: (لا يمين له) أي: لا يبر في يمينه؛ ولكنه يحنث ويكفِّر، كما روي أنه قال: [(من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفِّر عن يمينه)].
والوجه الآخر: أن يكون أراد به النذر الذي مخرجه مخرج اليمين، كقوله: إن فعلتُ كذا فلله علي أن أذبح ولدي، فإن هذه يمين باطلة، لا يلزم الوفاء بها، ولا يلزمه فيها كفارة ولا فدية.
وأيضاً: مثل الذي نذر أن يبيع بيت فلان أو أن بيت فلان لوجه الله؛ لأنها لغو، وشيء في غير محله، ولا يملكه الإنسان.
وقول الخطابي: كقوله: إن فعلتُ كذا فلله علي أن أذبح ولدي.
هذه معناها: على اعتبار أنه يمين؛ ولكنه ليس بلفظ اليمين، مثل تعليق الطلاق، وعليَّ الطلاق، قالوا: إنه يكون بمعنى اليمين، وهو ليس لفظ اليمين وإنما هو بمعنى اليمين.
وأيضاً لو قال: والله لأذبحن ولدي، كذلك أيضاً هذا غير منعقد، ولا كفارة فيه.
وأما إذا حلف على معصية فلا يفعل؛ لكن يكفِّر، وأما كونه يحلف على أن يقتل ولده، فليس له ذلك؛ لأن منطوق الحديث: [(من حلف على معصية فلا يمين له)] أي: ليست يميناً معتبرة، ولا قيمة لها، وأما النذر فكفارته كفارة يمين كما في الحديث.(251/20)
شرح حديث: (ولا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى ذكره)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في هذا الخبر، زاد: (ولا نذر إلا فيما ابتُغي به وجه الله تعالى ذكره)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه زيادة: [(ولا نذر إلا فيما ابتُغي به وجه الله تعالى ذكره)]، فالنذر يكون مقبولاً عند الله إذا ابتغي به وجه الله، وألا يكون في معصية.(251/21)
تراجم رجال إسناد حديث: (ولا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى ذكره)
قوله: [حدثنا ابن السرح].
هو أحمد بن عمرو بن السرح، ثقة، أخرج أحاديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن عبد الله بن سالم].
يحيى بن عبد الله بن سالم، صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده].
وقد مر ذكرهم في السند السابق.(251/22)
الطلاق على غلط(251/23)
شرح حديث: (لا طلاق ولا عتاق في غلاق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الطلاق على غلط.
حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري أن يعقوب بن إبراهيم حدثهم قال: حدثنا أبي عن ابن إسحاق عن ثور بن يزيد الحمصي عن محمد بن عبيد بن أبي صالح الذي كان يسكن إيليا، قال: خرجت مع عدي بن عدي الكندي، حتى قدمنا مكة فبعثني إلى صفية بنت شيبة رضي الله عنها، وكانت قد حفظت من عائشة قالت: سمعت عائشة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا طلاق ولا عتاق في غلاق)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بقوله: [باب الطلاق على غلط].
وقيل: إن في بعض التراجم (على غيظ)، أي: بدل غلط يكون (الغيظ)، وأبو داود رحمه الله ذكر أن الغلاق الذي جاء في الحديث معناه: الغضب، وفُسر بأن المقصود به الإكراه؛ لأن المكرَه انغلق عليه أمره فلا يتمكن إلا من التسليم والاضطرار إلى أن يقول الشيء الذي طُلب منه أن يقوله وهو مكره، فإنه لا يقع الطلاق، وكذلك أيضاً على قول أبي داود: أظنه في الغضب يعني: أن الغضبان ينغلق عليه أمره، فقد يفقد وعيه ويصدر منه الكلام من غير شعور، فلا يقع طلاقه بهذا.
والحاصل: أن الغلط فسر بأنه الإكراه، وفي بعض النسخ: الغيظ بدل الغلط، ويكون المقصود به: الغضب، كما فسره أبو داود في الحديث.
فإذا كان الرجل مكرهاً على الطلاق فإنه لا يقع طلاقه حيث أكره؛ لأنه مُلجأ ومضطر إلى أن يفوه بالطلاق من غير اختيار.
وكذلك على القول الثاني: قال بعض أهل العلم: طلاق الغضبان إذا كان بحيث يفقد وعيه ولا يبقى عقله معه لشدة الغضب؛ فإنه يكون بمثابة المعتوه المجنون الذي لا يقع طلاقه.
[قال أبو داود: والغلاق أظنه في الغضب] أنه في حال غضبه، والمراد بالغضب الذي يفقد منه الشعور، ويكون بمثابة المجنون والمعتوه.
فهذا فيما إذا فسر الغلاق بأنه الغضب الشديد الذي لا يكون للإنسان معه شعور، أما إذا كان الإنسان شعوره معه فإنه يقع طلاقه؛ لأنه لو كان الأمر كذلك فلن يقع طلاق أبداً؛ لأن الطلاق غالباً لا يحصل إلا في حال غضب وفي حال التنافر، فهناك غضب يكون معه فقد الشعور نهائياً، وهناك شيء يكون ما فقد شعوره، وهذا على تفسير الحديث بالغيظ والغضب، وأبو داود لم يجزم بالتفسير، بل قال: [أظنه في الغضب].(251/24)
تراجم رجال إسناد حديث: (لا طلاق ولا عتاق في غلاق)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري].
عبيد الله بن سعد الزهري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن يعقوب بن إبراهيم].
يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه: إبراهيم بن سعد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن إسحاق].
محمد بن إسحاق المدني، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ثور بن يزيد الحمصي].
وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن محمد بن عبيد بن أبي صالح].
محمد بن عبيد بن أبي صالح، ضعيف، أخرج له أبو داود، وهو عند ابن ماجة بغير هذا الاسم مع أنه نفس الرجل، لكن لم يذكره باسم محمد بن عبيد إلا أبو داود فقط.
[الذي كان يسكن إيليا].
أي: في بيت المقدس.
[قال: خرجت مع عدي بن عدي الكندي، حتى قدمنا مكة فبعثني إلى صفية بنت شيبة].
صفية بنت شيبة لها رؤية، أخرج لها أصحاب الكتب.
[وكانت قد حفظت عن عائشة].
أي: عن عائشة أم المؤمنين، وقد مر ذكرها.
والحديث فيه هذا الرجل الضعيف؛ لكن الألباني حسَّنه لشواهد ذكَرها.(251/25)
الأسئلة(251/26)
قياس السكر على الغضب في الطلاق
السؤال
هل يقاس السكران على الغضبان في عدم الاعتداد بطلاقه؟
الجواب
هو مثله، فإن عقله ليس معه، وبعض العلماء يقولون: ما دام أن السكران جنى على عقله بنفسه، فيعاقب بنقيض فعله، ولا يرخص له كما يرخص للمغلق.(251/27)
الطلاق على الهزل(251/28)
شرح حديث: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الطلاق على الهزل.
حدثنا القعنبي حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن ابن ماهك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة)].
قوله: [باب في الطلاق على الهزل] يعني: كون الإنسان يطلق ثم يقول: إنه هازل يضحك، وإنه ليس جاداً في طلاقه، أو يقول: إنما أردت أن أمزح، وما إلى ذلك، فلا يعتبر مزاحه؛ لأن هذه الثلاث جدهن جد، وهزلهن جد، فيعتبر ويقع الطلاق، ولو كان لا يقع لأمكن كل أحد قد طلق زوجته أن يقول: أنا كنتُ أمزح، ولكن هذا اللفظ الذي هو صريح الطلاق إذا أتى به فإنه يعتبر معناه، ولو قال: إنه هازل؛ فإن هزله جده.
قوله: [(ثلاث جدهن جد وهزلهن جد)] فسواء كان الإنسان يقصدهن ويكون متعمداً جاداً، أو يقولها هازلاً مازحاً أو ما إلى ذلك، فإنها تكون جداً ويعتبر مقتضاها، فلا يصلح التساهل والتهاون بهذا بهزل ومزح وما إلى ذلك.
قوله: [(النكاح والطلاق والرجعة)] وبعض العلماء يلحق العتق بهذه الثلاث، ولا يصح في ذلك حديث، قال في عون المعبود: (قال أبو بكر المعافري: روي فيه: (والعتق)، ولم يصح شيء منه، فإن كان أراد ليس منه شيء على شرط الصحيح فلا كلام، وإن أراد أنه ضعيف ففيه نظر، فإنه يحسَّن كما قال الترمذي)، أي: أن الترمذي قال عن هذا الحديث: حديث حسن غريب، وحسنه الألباني بشواهد ذكرها.(251/29)
تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو: عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة.
[حدثنا عبد العزيز يعني: ابن محمد].
هو: عبد العزيز بن محمد الدراوردي، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن حبيب].
عبد الرحمن بن حبيب، لين الحديث، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عطاء بن أبي رباح].
هو عطاء بن أبي رباح المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن ماهك].
هو يوسف بن ماهك، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(251/30)
الأسئلة(251/31)
معنى الهزل في النكاح
السؤال
كيف يكون الهزل في النكاح؟
الجواب
مثل أن يعقد لرجل على ابنته ويقول: إننا نلعب أو نمزح، وما نقصد النكاح!(251/32)
معنى كلمة (لين الحديث) عند المحدثين
السؤال
ماذا تقابل كلمة (لين الحديث)؟
الجواب
( لين الحديث) هي: أقل من المقبول، والحافظ ابن حجر في التقريب إذا قال: مقبول يعني: إن اعتضد، وإلا فلين الحديث.(251/33)
اعتبار وقوع الطلاق البدعي
السؤال
رجل طلق امرأته ثم راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، ثم طلقها الثالثة في حيض أو في طهر جامعها فيه، فما الحكم؟
الجواب
الطلاق يقع وإن كان بدعياً، وليس بعد الثالثة مراجعة؛ لأن الطلاق في الحيض تصح الرجعة فيه إذا لم تكن الطلقة الثالثة، فإذا بقي له شيء فليراجع، وأما إذا كانت هذه هي الطلقة الثالثة فليس بعدها مراجعة.(251/34)
حكم استخدام إبر منع الحمل للرجال
السؤال
ما حكم استخدام الإبر لمنع الحمل للرجل بدلاً من المرأة؛ حيث إن الحمل أصبح يضر بصحتها؟
الجواب
تستعمل المرأة الشيء الذي يمنع الحمل مؤقتاً، أما الرجل فإنه إذا استعمل شيئاً فقد يُلحق به ضرراً ويقطع نسله.(251/35)
حكم أخذ ما دون القبضة من اللحية
السؤال
قال لي أحد الإخوة: إن أخذ ما زاد عن القبضة من اللحية جائز، وقال: إن دليله هو الإجماع؛ حيث ثبت أن ابن عمر فعل هذا ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فيكون إجماعاً سكوتياً! فما قولكم؟
الجواب
ليس بصحيح، والإجماع السكوتي ليس بمعتبر، ولو اعتُبر لكانت كل مسألة وجد فيها قول قائل، ولم يوجد أحد أنكر عليه؛ صارت إجماعاً سكوتياً، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ثبت عنه ولا جاء عنه شيء يدل على أنه كان يأخذ من لحيته شيئاً، وهو القدوة والأسوة عليه الصلاة والسلام، فلا يأخذ الإنسان شيئاً من لحيته اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يأتِ عنه شيء يدل على ذلك، وكونه جاء عن بعض الصحابة فليس هذا بإجماع، ولا يقال: إجماع سكوتي، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأتِ عنه شيء في هذا، فعلى الإنسان أن يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا يشتغل بمثل هذه الشبهات.(251/36)
حكم إمساك الطعام باليدين معاً عند الأكل
السؤال
هل يجوز أن يمسَك اللحم باليدين أو لا بد باليمين فقط؟
الجواب
يمسك باليمين، وإذا كان أحد يأكل معه فإنه يستعين به على القطع بأن يمسك هذا ويمسك هذا، وإذا كان ما عنده أحد والأمر يتطلب أن يمسك باليد الثانية فلا بأس بذلك.(251/37)
حكم الزواج بنية الطلاق
السؤال
ما حكم الزواج بنية الطلاق؟
الجواب
الزواج بنية الطلاق قال به جماعة من أهل العلم؛ ولكن الذي يظهر لي أنه لا يليق بالرجل أن يفعله؛ لأن الإنسان لا يرضاه لموليته، فلا ينبغي له أن يفعله مع غيره، وكون الإنسان لا يرضاه لبنته وأخته فعليه ألا يفعله مع بنات الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ضمن حديث طويل: (فمن أحب أن يزحزَح عن النار ويدخَل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ولياتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) أي: يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به.(251/38)
حكم إشهاد النساء على مسائل النكاح والطلاق
السؤال
في الإشهاد على الرجعة أو الطلاق، إذا أشهد الرجل امرأة على ذلك هل يصح أو لا بد أن يشهد ذكراً؟
الجواب
في مسائل النكاح وما شابهها يشهد الرجال ولا يشهد النساء.(251/39)
رأي المحدثين في عمر بن معتب
السؤال
يلاحظ في كلام الأئمة على حديث ابن عباس في طلاق العبد أن الحمل كان على أبي الحسن مع أن عمر بن معتب هو الذي رواه عنه، وهو ضعيف كما ذكرتم، فهل يُفهم من كلامهم أنهم يوثقون عمر بن معتب؟
الجواب
لا يُفهم ذلك، وإذا نصوا على شخص أنه علة الحديث فهذا لا يدل على أنهم لا يعتبرون العلة الثانية.(251/40)
حكم طلاق الرجل لزوجته بسبب مطالبتها له بذلك دون رغبة منه بالطلاق
السؤال
إذا طلبت المرأة من زوجها أن يطلقها وهو غير راضٍ ومكره، وفي نهاية الأمر طلقها وهو لا يزال كارهاً، فهل يقع الطلاق؟
الجواب
هذا ليس إكراهاً وإن كان كارهاً، فالكاره غير المكره، المكره هو الذي يُلجأ، مثل: أن يُسجن أو يُضرب أو يُحبس أو يُقيد أو يُهدد، هذا هو المكره، وأما الكاره فالإنسان قد يطلق وهو كاره.(251/41)
حكم الصلاة جماعة في المسجد الخاص بالكلية
السؤال
نحن في الجامعة نخرج من المحاضرة الساعة الخامسة وقد صُلي في مسجد الجامعة، فنصلي في مصلى الكلية وهو لا يُصلى فيه الصلوات الخمس، وقد سمعتُ سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله يقول: من كان عمله يمنعه من صلاة الجماعة فليترك العمل، فما رأيكم؟
الجواب
لا حرج في هذا، وكلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله لا يدل على خلاف هذا؛ لأن المقصود أن الجماعة لا تترك، وإذا كان طلاب الكلية وأساتذتها سيصلون جماعة في مسجدهم الخاص بهم فلا يدخل في هذا، وإنما يدخل في هذا الناس الذين يشتغلون في أعمال، ثم يستمرون في أعمالهم والصلاة يُنادى لها، ثم لا يأتون للصلاة، وأما هؤلاء فهم سيصلون جماعة في مسجد خاص بهم.(251/42)
حكم من قال: إن تارك الصلاة لا يكفر
السؤال
من قال: إن تارك الصلاة لا يكفر، فهل هذا القائل أخرج العمل من مسمى الإيمان فكان قوله موافقاً لقول المرجئة؟
الجواب
لا، ليس هذا بصحيح؛ لأن الذين يقولون بأن تارك الصلاة لا يكفر هم كثيرون من أهل العلم، وفيهم الذين يقولون: إن العمل جزء من الإيمان، فلا يعتبر من قال ذلك مُرجئاً؛ لأنهم رأوا أنه لا يكفر لأدلة رأوها ولفهم فهموه، فليس كل من قال: تارك الصلاة لا يكفر -وهو قول أكثر أهل العلم- يكون مرجئاً وعليه تنبني الدندنة الموجودة الآن برمي الشيخ الألباني رحمه الله بأنه يرى فكر الإرجاء لقوله بعدم التكفير! وهذا من الغلط، ولو كان هذا صحيحاً لكان كل الذين قالوا من المتقدمين بأن تارك الصلاة لا يكفر هم من المرجئة! وهذا لا يمكن أن يكون أبداً.(251/43)
اشتراط رجلين للإشهاد على الرجعة
السؤال
الإشهاد على الرجعة وعلى الطلاق هل يكفي فيه رجل واحد أم لا بد من رجلين؟
الجواب
لابد من رجلين.(251/44)
حكم قول الرجل لامرأته (يا أختي) أو (يا أمي)
السؤال
هل يجوز للرجل أن يقول لامرأته: (يا أختي) أو (يا أمي)؟
الجواب
ليس له أن يقول ذلك.(251/45)
حكم رواية ابن لهيعة ودرجة توثيقه
السؤال
رواية العبادلة عن ابن لهيعة، هل هي مقبولة؟ وهل ابن لهيعة حقاً سيئ الحفظ من الأصل؟
الجواب
لا، ليس سيئ الحفظ، بل هو صدوق، وساء حفظه لما احترقت كتبه، ورواية العبادلة وقتيبة عنه قبل احتراق الكتب رواية معتبرة، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى ترجمة ابن لهيعة.(251/46)
حكم مراجعة المرأة خلال العدة مع عدم رضاها
السؤال
إذا طلق الرجل زوجته ثم راجعها وهي لا ترضى بذلك، فما الحكم؟ وهل يشترط رضاها؟
الجواب
لا يشترط رضاها؛ لأنها ما دامت في العدة فهي زوجه، فله أن يراجعها ولو لم ترضَ.(251/47)
كيفية الترديد مع المؤذن عند قوله: (الصلاة خير من النوم)
السؤال
إذا قال المؤذن: (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر، فهل أردد معه هذه العبارة؟
الجواب
إذا قال المؤذن: (الصلاة خير من النوم) يقول السامع: (الصلاة خير من النوم)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ويستثنى من ذلك (حي على الصلاة) و (حي على الفلاح)؛ لأنه يقال عندهما: لا حول ولا قوة إلا بالله، وما عدا ذلك فإنه على عمومه وعلى إطلاقه، وبعض أهل العلم يقول: يقول السامع: (صدقتَ وبررتَ) وهذا ما ثبت فيه شيء؛ ولكن الثابت هو عموم الحديث لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) فكل شيء يقال مثلما يقول المؤذن إلا الشيء الذي ورد أنه لا يقال مثله، وهو (حي على الصلاة) (حي على الفلاح).(251/48)
حكم الذهاب لتوصيل المحارم من المدارس وقت صلاة الظهر
السؤال
خروج الطالبات يكون وقت إقامة الصلاة، فهل هناك حل لمن يذهب لأخذ محارمه في وقت الإقامة؟
الجواب
الذي ينبغي لمثل هذا أن يتفق معهن أنهن ينتظرن مقدار الصلاة، ولا يخرجن إلا بعدما يصلي، ما دام أن الصلاة مقامة، ومقدار الصلاة لا يبلغ وقتاً طويلاً يؤثر عليهن، فينتظرن ويأتيهن بعد الصلاة، ويكون بذلك قد جمع مصلحته ومصلحتهن.(251/49)
حكم الطلاق قبل النكاح
السؤال
إذا طلق الرجل قبل النكاح كقوله: إذا تزوج بها فهي طالق، فهل يجوز له الزواج بعد هذا؟
الجواب
يجوز الزواج، ولا يحصل الطلاق.(251/50)
حكم الصلاة جماعة في السكن الجماعي وترك الجماعة في المسجد
السؤال
ما حكم الذين يجلسون في السكن ولا يأتون لصلاة الجماعة في المسجد، وهم يصلون جماعة في مسكنهم؟
الجواب
نعم، هم آثمون ومستحقون للعقوبة؛ لأن صلاة الجماعة تكون في المسجد وليست في البيوت، والبيوت لا تتخذ أماكن للجماعة، إنما الجماعة في المكان الذي يقال فيه: (حي على الصلاة) (حي على الفلاح) أي: تعالوا صلوا، ولم يقل: صلوا في بيوتكم جماعة، والرسول لما قال: (لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر بحطب فيحتطب، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) ما قال: إلا إذا كانوا يصلون جماعة!(251/51)
كتاب مدارك النظر
السؤال
يقال: إن كتاب مدارك النظر لم يُقرأ عليك كاملاً!
الجواب
ما قرئ علي؛ لكني قرأته من أوله إلى آخره مرتين.(251/52)
شرح سنن أبي داود [252]
لقد جعل الله تعالى لكل شيء قدراً، فجعل الطلاق بيد الرجل؛ لأنه أكمل عقلاً من المرأة، ولم يترك له الأمر هملاً، بل جعل للطلاق حداً معيناً، وهو انتهاء العلاقة الزوجية بعد الطلقة الثالثة، ورفع الإسلام عن المرأة ظلم الجاهلية، فلم يجعل الطلاق تعليقاً لها، بل جعل له مدة محدودة، ولها أن تطالب بالطلاق إن رأت ظلماً، أو لم تستطع العيش مع زوجها لسوء عشرته، وعلى المسلم أن يتقي الله في امرأته فلا يظلمها بطلاق دونما سبب معتبر، وكذلك المرأة لا يحق لها المطالبة بالطلاق دون سبب معتبر شرعاً وعقلاً.(252/1)
نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث(252/2)
شرح أثر ابن عباس في نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث.
حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثني علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة:228] الآية، وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثاً، فنُسخ ذلك وقال: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229]].
قوله: [باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث].
أي: بعد استيفاء الطلقات الثلاث، فإنه لا مراجعة، فإنه قد نسخ، واستقر الأمر على أن التطليقات ثلاث، وإذا وجدت الثالثة فليس هناك مراجعة، وإنما تحل له بعد أن تنكح زوجاً غيره.
أورد أبو داود رحمه الله أثر ابن عباس في تفسير الآية، وأنهم كانوا يراجعون وليس هناك تحديد حتى أنزل الله عز وجل: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ) فنسخت المراجعة بعد الثلاث، وأما قبل الثلاث فإنه لا يزال الحكم مستمراً، ولهذا قال: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة:229] أي: مرتان، يكون فيهما المراجعة والإمساك بمعروف {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229].
فقوله: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ) أي: الطلاق الذي تمكن معه المراجعة: مرتان، أي: طلقتان تملك معهما المراجعة، وبعد الثالثة لا مراجعة، بل حتى تنكح زوجاً غيره.
وقد اختلف العلماء في معنى كلمة (قروء) فمنهم من رجح أنه بمعنى: الأطهار، ومنهم من رجح أنه: الحيض، وهو من الأضداد، حيث يطلق على الطُهر وعلى الحيض، والذي يبدو أنه هنا بمعنى: الحيض.
وعلى هذا: فالحديث واضح لما ترجم له المصنف من أنه قبل ذلك كانوا يطلقون ويراجعون وليس هناك تحديد ولا تقييد بعدد، وبعد أن نزلت الآية اقتصر الحكم على أن المراجعة تكون في طلقتين؛ إذا طلق الأولى يراجع، وإذا طلق الثانية يراجع، وإذا طلق الثالثة فليس له أن يراجع، وليس له أن يتزوجها إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره زواج رغبة وليس زواج تحليل.(252/3)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد المروزي].
هو: أحمد بن محمد بن ثابت بن شبويه، وهو ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثني علي بن حسين بن واقد].
علي بن حسين بن واقد صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
وهو حسين بن واقد، ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن يزيد النحوي].
وهو: يزيد بن أبي سعيد النحوي، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن عكرمة].
عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، أحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(252/4)
شرح حديث ركانة في الطلاق ثلاثاً
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني بعض بني أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: (طلق عبد يزيد -أبو ركانة وإخوته- أم ركانة، ونكح امرأة من مزينة فجاءت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة -لشعرة أخذتها من رأسها- ففرق بيني وبينه، فأخذت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمية، فدعا بـ ركانة وإخوته، ثم قال لجلسائه: أترون فلاناً يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد وفلاناً يشبه منه كذا وكذا؟ قالوا: نعم.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لـ عبد يزيد: طلقها، ففعل، ثم قال: راجع امرأتك أم ركانة وإخوته، قال: إني طلقتها ثلاثاً يا رسول الله! قال: قد علمت، راجعها، وتلا: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1])].
في الحديث: [أن عبد يزيد أبا ركانة طلق زوجته ثلاثاً ونكح امرأة من مزينة، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إنه ليس معه إلا مثل هذا] تشير إلى أنه ليس له قدرة الرجال، وأنها لا تستفيد منه شيئاً؛ فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أبناءه وإخوته، وقال للحاضرين: [(أترون هذا يشبه هذا؟ أو هذا يشبه هذا؟)] يعني: أنهم يشبهون أباهم، وأنه رجل له القدرة على إتيان النساء وتحبيلهن، لكن هذا لا يمنع أن يكون فيما بعد أصيب بعقم أو عنة تمنعه من تحبيل النساء حسب ادعاء امرأته المزنية، وقد يكون ادعاؤها باطلاً، وأن الرجل لا زال قادراً على إتيان النساء وتحبيلهن، وأن أبناءه وإخوته من الرجال الذين عندهم القدرة على إتيان النساء وتحبيلهن، والله أعلم.
[فقالوا: نعم.
فقال: (طلقها) -أي: طلق هذه الزوجة المشتكية- ثم قال: (انكح زوجتك) -يعني: أم ركانة - فقال: إني طلقتها ثلاثاً، قال: (قد علمتُ، راجعها) وتلا: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1]].
هذا الحديث يدل على أن التطليقات الثلاث إذا وقعت بلفظ واحد فإنها تعتبر واحدة، وأن له حق المراجعة، والحديث يدل على هذا؛ لأن النبي قال: [(راجعها)]، وقد قال: [إني طلقتها ثلاثاً] يعني: بلفظ واحد، فدل هذا على أن المطلق ثلاثاً إذا طلق بلفظ الثلاث فله حق المراجعة، وأكثر أهل العلم على أنه ليس له حق المراجعة؛ ولكن جاء هذا الحديث وكذلك ما جاء عن ابن عباس من الحديث الذي رواه مسلم، وسيأتي عند المصنف: أنه كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر وشيء من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، ثم إن عمر قال: إن الناس قد استعجلوا في شيء فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم؟ فأمضاه عليهم، فدل ذلك على اعتبار الطلاق الثلاث واحدة إذا كانت بلفظ واحد، ومراد الفقهاء: الطلاق الثلاث بلفظ واحد هو أن يقول: أنتِ طالق ثلاثاً، أما إذا كرر فإن كان يريد التأسيس فإن كل واحدة مستقلة، وإن كان يريد التأكيد بالذي بعد الأولى فإنها تكون طلقة واحدة، والخلاف غير واقع في الأولى، وأما الثانية فمن أهل العلم من قال: إنه إذا قال: أنت طالق طالق طالق، فإنها تكون واحدة؛ لأن المبتدأ واحد والخبر واحد والباقي تأكيد، وأما إذا قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق فمنهم من يقول: إن كل واحدة مستقلة في مبتدئها وخبرها، فتعتبر ثلاثاً ولا تعتبر واحدة.
قوله: [(فقالت: ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة، لشعرة أخذتها من رأسها)].
فعلى احتمال أن شعرها كان مكشوفاً فإن هذا كان قبل نزول آية الحجاب وقد يكون شعرها غير مكشوفاً وإنما كانت قد أخذت هذه الشعرة من رأسها ووضعتها في يدها، والله أعلم.(252/5)
تراجم رجال إسناد حديث ركانة في الطلاق ثلاثاً
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
هو أحمد بن صالح المصري، ثقة، أخرج له البخاري ومسلم والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني بعض بني أبي رافع].
لا أدري من هو؛ لأن أبا رافع له عدد من الأولاد، وهو مبهم، وكأنه الفضل بن عبيد الله بن أبي رافع، وهو مقبول، أخرج له النسائي، وهنا أخرج له أبو داود بسند متصل، وهذا احتمال أن يكون الفضل، وما هو جزم؛ ولكن إذا كان هو فرواية أبي داود موجودة كـ النسائي.
[عن عكرمة عن ابن عباس].
عكرمة وابن عباس قد مر ذكرهما.(252/6)
شرح حديث ركانة في الطلاق ثلاثاً من طريق ثانية
[قال أبو داود: وحديث نافع بن عجير وعبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده أن ركانة طلق امرأته البتة، فردها إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصح؛ لأن ولد الرجل وأهله أعلم به، إن ركانة إنما طلق امرأته البتة فجعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحدة].
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وهو معلق: أن ركانة كان قد طلق امرأته البتة.
يقول: [فردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم] وهنا في اللفظ الثاني: [طلق امرأته البتة، فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم واحدة].
أي: أتى بلفظ (البتة)، فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم واحدة، ويحتمِل أن يكون المراد بـ (البتة) أي: ثلاثاً؛ لأن (ثلاثاً) هي التي فيها نهاية الطلاق؛ ولكن اعتبرت واحدة، والنبي صلى الله عليه وسلم ردها عليه.
وعلى هذا يكون الحديث الأول التطليق من أبيه، وفي الحديث الثاني أن التطليق من ركانة نفسه الذي هو أحد أولاد عبد يزيد؛ لكن الإسناد الثاني فيه ضعفاء.(252/7)
تراجم رجال إسناد حديث ركانة في الطلاق ثلاثاً من طريق ثانية
قوله: [وحديث نافع بن عجير].
نافع بن عجير: قيل: له صحبة، وذكره ابن حبان وغيره في التابعين، أخرج له أبو داود.
[وعبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة].
وعبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة لين الحديث، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبيه].
هو علي، وهو مستور، بمعنى: مجهول الحال، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن جده].
جده يزيد، وهو مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي.
وكلا الروايتين ضعيفة، حيث إن عبد الله بن علي بن يزيد لين، وأبوه مستور، وجده مجهول، لكن أبا داود ذكر أن هذا الإسناد أصح، وعلل ذلك بقوله: [لأن ولد الرجل وأهله أعلم به].(252/8)
شرح أثر ابن عباس في اعتبار طلاق الثلاث
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن عبد الله بن كثير عن مجاهد أنه قال: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما، فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثاً، قال: فسكت حتى ظننتُ أنه رادها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول: يا ابن عباس! يا ابن عباس! وإن الله قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجَاً} [الطلاق:2]، وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجاً، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، وإن الله قال: (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ)].
أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفيه: أن الرجل كان قد طلق امرأته ثلاثاً، فقال له: (إنك لم تتق الله، فلم أجد لك مخرجاً، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، وإن الله قال: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] قيل: هذه قراءة لـ ابن عباس وهي شاذة، أي: قوله: {فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] ومعناها: في أول عدتهن، أو مستقبلات عدتهن، أي: في بدايتها، ثم تحصى العدة بعد الطلاق.
وهذا الأثر عن ابن عباس على خلاف ما تقدم عنه وما سيأتي؛ لأنه أفتى -كما في هذه الرواية- أنها تكون ثلاثاً وأنه أمضاها على ذلك، وجاء عنه أيضاً أن الثلاث واحدة، كما مر وكما سيأتي في الحديث.
إذاً: جاء عن ابن عباس قولان متعارضان: قول يوافق الحديث ويطابقه، وهو أن الثلاث تعتبر واحدة.
وقول يخالف ما جاء في الحديث، وهو ما جاء في هذه الرواية أنه أمضى الثلاث وجعلها بائنة.
والمعول عليه ما جاء من روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن (الثلاث تكون واحدة)، وعلى هذا فيكون ما جاء في هذا الأثر من رأيه، وأنه رأي رآه، وأن الحديث جاء من روايته بأن (الثلاث تكون واحدة)، و (العبرة بما رواه الراوي لا بما رآه) كما يقول المحدّثون، من أن المحدّث إذا جاء رأيه وجاءت روايته فإن المعتبر روايته وليس رأيه، بل قد جاء في بعض الروايات عنه ما يدل على أنه يرى أن الثلاث واحدة، وعلى هذا فجاء من روايته أن الثلاث واحدة وجاء من رأيه كذلك، وجاء أيضاً من رأيه ثلاثاً كما جاء هنا، فيكون المعول عليه: ما جاء عنه من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء من رأيه أيضاً ما يوافقها.
وقوله: [الحموقة] أي: الحماقة وسرعة الغضب.(252/9)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في اعتبار طلاق الثلاث
قوله: [حدثنا حميد بن مسعدة].
هو حميد بن مسعدة البصري، صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا إسماعيل].
وهو ابن علية، واسمه إسماعيل بن إبراهيم المشهور بـ ابن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن كثير].
عبد الله بن كثير صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد].
هو مجاهد بن جبر المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
وقد مر ذكره.(252/10)
إسناد ثان لأثر ابن عباس في اعتبار طلاق الثلاث وتراجم رجاله
[قال أبو داود: روى هذا الحديث حميد الأعرج وغيره عن مجاهد عن ابن عباس].
قوله: [روى هذا الحديث] أي: الذي تقدم قبل هذا، وقد مر بإسناده، وهو أثر وليس حديثاً.
[حميد الأعرج وغيره].
وحميد بن قيس الأعرج ليس به بأس، أي: صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وغيره عن مجاهد عن ابن عباس].
مجاهد وابن عباس مر ذكرهما.(252/11)
إسناد ثالث لأثر ابن عباس في اعتبار طلاق الثلاث وتراجم رجاله
[قال أبو داود: ورواه شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس].
قوله: [ورواه شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، وُصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن مرة].
هو عمرو بن مرة الهمداني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
وقد مر ذكره.(252/12)
إسناد رابع لأثر ابن عباس في اعتبار طلاق الثلاث وتراجم رجاله.
[قال أبو داود: وأيوب وابن جريج جميعاً عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس].
وأيوب وابن جريج وقد مر ذكرهما.
وعكرمة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.(252/13)
إسناد خامس لأثر ابن عباس في اعتبار طلاق الثلاث وتراجم رجاله.
[قال أبو داود: وابن جريج عن عبد الحميد بن رافع عن عطاء عن ابن عباس].
ابن جريج مر ذكره.
[عن عبد الحميد بن رافع].
كأنه -والله أعلم- ليس له رواية متصلة عند أصحاب الكتب، ورواية أبي داود له معلقة، ويوجد تعليق لـ محمد عوامة يقول فيه: ترجم له البخاري في التاريخ الكبير.
[عن عطاء].
وهو عطاء بن أبي رباح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(252/14)
إسناد سادس لأثر ابن عباس في اعتبار طلاق الثلاث وتراجم رجاله.
[قال أبو داود: ورواه الأعمش عن مالك بن الحارث عن ابن عباس].
[الأعمش] هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك بن الحارث].
مالك بن الحارث، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي.(252/15)
إسناد سابع لأثر ابن عباس في اعتبار طلاق الثلاث وتراجم رجاله.
[قال أبو داود: وابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس].
ابن جريج: مر ذكره، وعمرو بن دينار: ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قال أبو داود: [كلهم قالوا في الطلاق الثلاث: إنه أجازها، قال: وبانت منك، نحو حديث إسماعيل عن أيوب عن عبد الله بن كثير].
أي: هؤلاء كلهم قالوا مثلما جاء في الرواية السابقة عن إسماعيل عن أيوب عن عبد الله بن كثير.
قوله: [إنه أجازها] أي: أمضاها، واعتبر الثلاث ثلاثاً، وكما هو معلوم أن هذا من رأي ابن عباس.(252/16)
شرح أثر ابن عباس: (إذا قال أنت طالق ثلاثاً بفم واحد فهي واحدة) وتراجم رجاله
[قال أبو داود: وروى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس: إذا قال: أنتِ طالق ثلاثاً بفم واحد فهي واحدة].
هذه رواية أخرى تقابل الرواية السابقة، وهي أنه إذا قال: أنت طالق بفم واحد -أي: بلفظ واحد- فهي واحدة، وهذا خلاف الرواية السابقة؛ لأن الرواية السابقة فيها: (أنه أمضاها ثلاثاً).
وهذه الرواية الأخيرة توافق ما جاء في الحديث عن ابن عباس أن (الثلاث تكون واحدة) كما في حديث عبد يزيد الأول، والثاني الذي سيأتي عن أبي الصهباء الذي رواه مسلم في صحيحه.
قوله: [وروى حماد بن زيد].
هو حماد بن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس].
وقد مر ذكرهم.(252/17)
إسناد آخر لأثر ابن عباس: (إذا قال أنتِ طالق ثلاثاً بفمٍ واحد فهي واحدة) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ورواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة هذا قوله لم يذكر ابن عباس وجعله قول عكرمة].
قوله: [ورواه إسماعيل بن إبراهيم] أي: ابن علية الذي روى الأثر المتصل السابق.
[عن أيوب عن عكرمة هذا قوله] أي: قول عكرمة.
وهذا مقطوع؛ لأنه انتهى إلى التابعي.(252/18)
شرح أثر ابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص أنهم سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثاً.
[قال أبو داود: وصار قول ابن عباس رضي الله عنهما فيما حدثنا أحمد بن صالح ومحمد بن يحيى وهذا حديث أحمد قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس أن ابن عباس وأبا هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثاً، فكلهم قالوا: لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره].
أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن عباس، وهو متفق مع ما تقدم من القول بأنه أجاز الثلاث وأمضاها على من طلق ثلاثاً، فكان متفقاً مع ما تقدم من رأيه في أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد تكون ثلاثاً، مع أنه في هذه الرواية يوجد تفصيل في قضية البكر وغير البكر وأن كل ذلك يعتبر ثلاثاً، وأنها تُمضى ثلاثاً ولم تعتبر واحدة، وإذا كان هذا في البكر فإن الثيب من باب أولى.(252/19)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص أنهم سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثاً.
قوله: [وصار قول ابن عباس فيما حدثنا أحمد بن صالح ومحمد بن يحيى].
أحمد بن صالح مر ذكره.
ومحمد بن يحيى هو: الذهلي، ثقة، أخرج أحاديثه البخاري وأصحاب السنن.
[وهذا حديث أحمد].
أحمد أي: الشيخ الأول.
[عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري].
عبد الرزاق ومعمر مر ذكرهما.
والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان].
محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان: ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إياس].
محمد بن إياس ثقة، أخرج أحاديثه البخاري تعليقاً وأبو داود.
[أن ابن عباس وأبا هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص].
وهؤلاء الصحابة من المكثرين في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(252/20)
إسناد آخر لأثر ابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص أنهم سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثاً، وتراجم رجاله
[قال أبو داود: روى مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن الأشج عن معاوية بن أبي عياش أنه شهد هذه القصة حين جاء محمد بن إياس بن البكير إلى ابن الزبير وعاصم بن عمر فسألهما عن ذلك فقالا: اذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة رضي الله عنها، ثم ساق هذا الخبر].
قوله: [روى مالك].
هو مالك بن أنس: إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكير بن الأشج].
بكير بن الأشج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معاوية بن أبي عياش].
معاوية بن أبي عياش لم يُترجم له.(252/21)
شرح أثر ابن عباس: (أن الطلاق الثلاث تبين من زوجها مدخولاً بها وغير مدخول بها
[قال أبو داود: وقول ابن عباس هو أن الطلاق الثلاث تبين من زوجها مدخولاً بها وغير مدخول بها، لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، هذا مثل خبر الصرف، قال فيه: ثم إنه رجع عنه، يعني: ابن عباس].
قوله: [هذا مثل خبر الصرف]، المقصود بالصرف، أي: الربا، وهو بيع الدراهم بالدراهم، والذهب بالذهب، وكذلك بيع التمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، فهو كان يرى أن ذلك جائز مع عدم التماثل، وكان يقول: إنما الربا في النسيئة، وأما ربا الفضل فكان لا يقول به؛ ولكن لما بلغه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه رجع وقال به، وقال: أستغفر الله وأتوب إليه، يعني: مما كان يقوله قبل أن يبلغه حديث أبي سعيد، وهو أن (التمر بالتمر والبر بالبر مثلاً بمثل) أي: أن الزيادة ربا، فكان آخر الأمرين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يرى أن الربا يكون في الفضل كما يكون في النسيئة، وكان ذلك الأمر متقدماً، ولعل هذا التمثيل الذي ذكره أبو داود معناه أنه كان يقول بأن الثلاث تكون بها بائنة، وأنه بعد ذلك صار إلى ما دل عليه الحديث، وهو أن (الثلاث تكون واحدة).(252/22)
شرح أثر ابن عباس: (كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن غير واحد عن طاوس أن رجلاً يقال له: أبو الصهباء كان كثير السؤال لـ ابن عباس رضي الله عنهما قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر رضي الله عنهما؟ قال ابن عباس: بلى.
كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر، فلما رأى الناسَ قد تتابعوا فيها قال: أجيزوهن عليهم].
أورد أبو داود أثر ابن عباس أنه قال له أبو الصهباء: [أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم].
فأضاف الحديث إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أن المرأة إذا كانت غير مدخول بها وقد طلقها ثلاثاً جعلوها واحدة، يعني: في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر.
قوله: [فلما رأى الناسَ قد تتابعوا].
أي: أنهم تساهلوا في هذا.
قوله: [قال: أجيزوهن عليهم].
يعني: أمضاه عليهم ثلاثاً، وهذا فيه تخصيص غير المدخول بها.
والحديث في إسناده من هو مبهم؛ حيث إنه قال: [عن أيوب عن غير واحد]، وقد ضعف الألباني هذا الأثر، ولعله بسبب هذا الإبهام في السند.(252/23)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس (كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة)
قوله: [حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان].
محمد بن عبد الملك بن مروان، صدوق، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[حدثنا أبو النعمان].
هو محمد بن الفضل السدوسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن زيد عن أيوب].
مر ذكرهما.
[عن غير واحد].
وهم غير معروفين حيث لم يُذكروا بأسمائهم.
[عن طاوس].
هو طاوس بن كيسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
وقد مر ذكره.(252/24)
إسناد آخر لأثر ابن عباس: (كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه أن أبا الصهباء قال لـ ابن عباس رضي الله عنهما: أتعلم أنما كانت الثلاث تُجعل واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وثلاثاً من إمارة عمر رضي الله عنهما؟ قال ابن عباس: نعم].
أورد المصنف حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الثلاث كانت واحدة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر، سأله قال: أتعلم كذا؟ قال: نعم.
وفي صحيح مسلم هذا الحديث بلفظ: (إن الطلاق الثلاث كان واحدة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر، فلما كان عهد عمر قال: إن الناس استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم؟ فأمضاه عليهم) أي: فأمضى الثلاث عليهم، فهذا الحديث قد رواه مسلم في صحيحه، وهو واضح الدلالة على أن الثلاث بلفظ واحد تكون واحدة.
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن طاوس].
ابن طاوس هو: عبد الله بن طاوس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه عن ابن عباس].
وقد مر ذكرهما.(252/25)
خلاصة مسألة الطلاق بالثلاث بلفظ واحد
فيما يتعلق بمسألة التطليقات الثلاث، فإن كل ما مر في هذا الباب إنما هو حديث عن ابن عباس في قصة عبد يزيد أبي ركانة، وفيه أن الثلاث تكون واحدة، وكذلك أيضاً أثر ابن عباس الأخير الذي فيه أن الثلاث تكون واحدة، وما بين ذلك آثار عن ابن عباس وعن غيره في أن الثلاث تُمضى أو أنها تكون واحدة.
وابن عباس رضي الله عنه جاء عنه أن رأيه أنها تُمضى، وجاء عنه من رأيه أنها تكون واحدة، وجاءت الرواية عنه أن الثلاث واحدة في الحديث الأخير الذي رواه مسلم والذي سأله أبو الصهباء وقال: (هل تعلم أنه كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر الطلاق الثلاث واحدة؟ قال: نعم)، فهذا يدل على أن الذي ثبت في الحديث وبه ثبتت الروايات مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد تكون واحدة، وقد جاء عن ابن عباس الإفتاء بهذا وبهذا، ولعل الأول الذي كان إمضاؤها ثلاثاً كان أولاً، وأنه رجع عنه كما في مسألة الصرف.
وأما اجتهاد عمر رضي الله عنه فإنه رأى تأديب الناس لكيلا يتهاونون في ذلك، ورأى المصلحة في ذلك رضي الله عنه وأرضاه.
والعلماء مختلفون في هذا الزمان: منهم من يفتي بأن الثلاث تعتبر ثلاثاً، ومنهم من يفتي بأن الثلاث تعتبر واحدة، والذي يطابق الحديث هو: أن الثلاث تكون واحدة.
ولو أن المفتي وقع في منطقة أو في بيئة وحصل فيها مثلما حصل في عهد عمر رضي الله عنه من أنهم يكثرون من الطلاق ويتساهلون فيه، فلا نقول: يمضيه عليهم ثلاثاً دون رويّة، بل ينظر فيما يراه، ويتحرى المصلحة، والأخذ بما دل عليه الدليل أولى.(252/26)
شرح سنن أبي داود [253]
من أكثر المسائل التي يسألها المستفتون مسائل الطلاق، فينبغي لطالب العلم إتقانها، والاجتهاد في معرفة الراجح مما وقع الخلاف فيها، مثل مسألة الرجوع إلى نية المتلفظ بالطلاق، وطلاق البتة، وحكم قول الرجل لامرأته: أمرك بيدك، وغير ذلك.(253/1)
فيما عني به الطلاق والنيات(253/2)
شرح حديث: (إنما الأعمال بالنيات)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيما عُني به الطلاق والنيات.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثني يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)].
قوله: [باب فيما عُني به الطلاق والنيات] يعني: أن المعتبر هو النية، وهذا عند كنايات الطلاق، وأما صريح الطلاق فإنه يعتبر لفظه، أي: إذا طلق بلفظ الطلاق فإنه يعتبر مطلقاً، وأما إذا كان بلفظ الكناية فإن هذا ينظر إلى نيته، إن كان يريد الطلاق فإنه يكون طلاقاً وإن كان لا يريد الطلاق فإنه لا يكون طلاقاً ما دام أنه محتمِل لهذا ولهذا، فالمعتبر النية.
والطلاق الصريح: مثل أن يقول الرجل لزوجته: (أنت طالق)، وأما الكناية فمثل قوله: (الحقي بأهلك) وما شابهها، وسيأتي في حديث كعب بن مالك أنه قال لامرأته: (الحقي بأهلك) وهو ليس طلاقاً؛ لأنه لم ينوِ ذلك.
وهذا حديث عمر رضي الله عنه المشهور الذي هو أول حديث افتتح به البخاري صحيحه، وهو: [(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)] وبعض أهل العلم تابع البخاري في ذلك فافتتحوا كتبهم الحديثية بهذا الحديث؛ لأنه يدل على أن كل شيء تابع للنية، وأنه مبني على النية، وأن المعتبر النيات.
قوله في الحديث: [(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى)] هذا هو محل الشاهد للترجمة، فإنه إذا قال لفظاً وكان محتمِلاً لأن يكون طلاقاً وأن يكون غير طلاق فالمعتبر نيته: إن كان أراد طلاقاً فيكون طلاقاً، وإن كان لم يرد ذلك فإنه لا يكون طلاقاً، والمعتبر نيته.
قوله: [(فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله -يعني: نية وقصداً- فهجرته إلى الله ورسوله)] أجراً وثواباً؛ لأنه اتحد الشرط والجزاء، والفرق بينهما: أن الأول على اعتبار والثاني على اعتبار؛ لأن الشرط متفق مع الجزاء؛ ولكن هذا له حال وهذا له حال، ولا يقال: إنه شيء متكرر لا تترتب عليه ثمرة.
قوله: [(ومن كانت هجرته لدنيا)] أي: من أجل دنيا، والهجرة كانت من بلد الشرك من أجل الدنيا لا من أجل الله، فمن فعل ذلك لأجل الدنيا [(فهجرته إلى ما هاجر إليه)].(253/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (إنما الأعمال بالنيات)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني يحيى بن سعيد].
يحيى بن سعيد الأنصاري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إبراهيم].
محمد بن إبراهيم التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علقمة بن وقاص الليثي].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سمعت عمر بن الخطاب].
أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه.(253/4)
حديث: (إنما الأعمال بالنيات) من غرائب الصحيح
هذا الحديث فيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، واحد من كبارهم، والثاني من أوساطهم، والثالث من صغارهم، فـ علقمة بن وقاص الليثي من كبار التابعين، ومحمد بن إبراهيم التيمي من أوساط التابعين، ويحيى بن سعيد الأنصاري من صغار التابعين، فهؤلاء ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وقد جاء عن عمر من هذه الطريق إلى يحيى بن سعيد، وهو فرد، ثم إنه كثر الآخذون عن يحيى بن سعيد حتى قيل: إنهم بلغوا سبعين شخصاً، وأما من يحيى بن سعيد فما فوق فهو فرد وهو غريب، ولهذا فهو من غرائب الصحيح، أي: عندما يأتي الحديث من طريق واحد فقط يقال له: غريب؛ لأن الغريب هو ما جاء من طريق واحد، ومعلوم أن الغريب إذا كان من طريق واحد والذين جاءوا فيه يحتمَل تفردهم وكانوا ثقات فإنه معتبر وحجة، وأما إذا جاء الحديث من طريق واحد وفيهم من لا يحتمَل تفرده فإنه لا يُحتج به، وإما إذا كانوا ثقات فإن روايتهم معتبرة، وهذا الحديث الذي هو أول حديث في صحيح البخاري هو من هذا القبيل، وكذلك آخر حديث في صحيح البخاري الذي هو: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن) هو أيضاً غريب من غرائب الصحيح، ففاتحة كتاب البخاري حديث غريب، وخاتمته حديث غريب؛ ولهذا لما روى الترمذي رحمه الله حديث: كلمتان حبيبتان قال: حديث حسن صحيح غريب، أي: لأنه جاء من طريق واحد.(253/5)
شرح حديث: (فقلت لامرأتي الحقي بأهلك حتى يقضي الله سبحانه في هذا الأمر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وسليمان بن داود قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب -وكان قائد كعب من بنيه حين عمي- قال: سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه، فساق قصته في تبوك قال: (حتى إذا مضت أربعون من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، قال: فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا.
بل اعتزلها فلا تقربنها، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله سبحانه في هذا الأمر)].
أورد أبو داود حديث كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة تخلفه في غزوة تبوك وتوبة الله عليه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هجره خمسين ليلة، وأنه بعدما مضى أربعون يوماً أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه يأمره بأن يعتزل زوجته، ولما أبلغه الخبر قال: أطلقها أم ماذا؟ -يعني: هذا الاعتزال هل هو تطليق أو غير تطليق؟ - فقال: لا.
بل اعتزلها ولا تقربنها، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك حتى يقضي الله سبحانه في هذا الأمر.
ومحل الشاهد هو قوله: (الحقي بأهلك) لأن هذا من كنايات الطلاق، والمعتبر فيه النية، فإذا قال لزوجه: (الحقي بأهلك) إن كان يريد طلاقاً وقع طلاقاً، وإن كان لا يريد فإنه لا يقع، كما حصل لـ كعب بن مالك رضي الله عنه فإنه قال: الحقي بأهلك حتى يقضي الله في هذا الأمر، فالمعتبر هو النية في كنايات الطلاق.(253/6)
تراجم رجال إسناد حديث: (فقلت لامرأتي الحقي بأهلك حتى يقضي الله سبحانه في هذا الأمر)
قوله: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح].
أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[وسليمان بن داود].
سليمان بن داود المصري، ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا ابن وهب].
عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يونس].
يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب].
ابن شهاب مر ذكره، وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
وأبوه عبد الله ثقة، ويقال: له رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
وكعب بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(253/7)
الأسئلة(253/8)
حكم قول الرجل لامرأته: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق)
السؤال
إذا قال الرجل لامرأته: (أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق) فهل هذا يعتبر واحدة أم ثلاث؟
الجواب
والله ما أدري ما هو الراجح في هذا، لكن بعض أهل العلم يقول: إنها تكون واحدة إذا كان ما بعد الأولى تأكيداً، ومنهم من يقول: إن كل واحدة تعتبر تأسيساً فيكون الطلاق ثلاثاً، والراجح في هذه المسألة لم يتضح لي فيه شيء.(253/9)
حكم الإشهاد في الطلاق
السؤال
قول عمران بن حصين: (طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة) فالإشهاد في الطلاق والرجعة هل هو واجب أم مستحب؟
الجواب
كون الإنسان يحرص على ألا يحصل منه هذا ولا هذا إلا بالإشهاد لا شك أن هذا هو الواضح الذي لا إشكال فيه، لكن الطلاق ينعقد بدون الإشهاد؛ لأنه لو طلق وليس عنده أحد فإنه معتبر؛ ولكنه يُشهد فيما بعد، ولو راجع وليس عنده أحد يُشهد، بل إنه قد تكون المراجعة بأن يطأها، فإنه يكون بذلك مراجعاً لها؛ ولكن عليه أن يُشهد بعد ذلك؛ لكن ما يتضح لي كونه واجباً أو مستحباً، لا أدري؛ وأما كونه يقع الطلاق بدون إشهاد فإنه يقع، والرجعة تقع بدون إشهاد أيضاً.(253/10)
الفرق بين قول الرجل لزوجته: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق) وقوله: (أنت طالق طالق طالق)
السؤال
هل قول الرجل: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق) مثل: (أنت طالق طالق طالق)؟
الجواب
الثانية التي هي: (أنت طالق طالق طالق) أقرب من: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق)؛ لأن الأولى لاحتمال التأكيد أقرب؛ لأن المبتدأ واحد (أنت) والخبر مكرر: (طالق طالق طالق)، فتكون الكلمة الأولى هي الخبر والثانية والثالثة مؤكدة، بخلاف الثلاث عندما تكون بلفظ آخر التي هي: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق)، فإن احتمال التكرار فيها قائم.
وفي قول الرجل: (أنت طالق طالق طالق) كونه يُسأل عن نيته فهذا له وجه، والاحتمال قوي، على اعتبار أن المبتدأ واحد والكلمة الأولى هي (أنت) و (طالق) هي الخبر والباقي تأكيد؛ لأنها جملة واحدة، والثنتان الأخيرتان مؤكدتان للأولى، وأما: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق) فكل واحدة منها مبتدأ وخبر، فهي محتمِلة للتأكيد ومحتمِلة لغير التأكيد، وليست كالجملة الأولى، ولا يتضح لي شيء في كونها تنعقد ثلاث طلقات أو واحدة، أي فيما يتعلق بـ (أنت طالق أنت طالق أنت طالق).(253/11)
سبب تقريظ كتاب مدارك النظر
السؤال
يُذكر أنه لم يُقرأ عليكم كتاب مدارك النظر فكيف قرَّظتموه؟
الجواب
مدارك النظر أنا قرأته بنفسي، ولم يُقرأ علي، بل قرأته مرتين، وعرفت ما فيه، وكتبتُ ما كتبت بعد قراءته مرتين.(253/12)
الخيار(253/13)
شرح حديث عائشة: (خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعدّ ذلك شيئاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الخيار.
حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خيَّرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاخترناه فلم يعد ذلك شيئاً)].
قوله رحمه الله تعالى: [باب في الخيار]، المقصود بالخيار: التخيير، أي: أن الرجل يخير امرأته بين أن تبقى في عصمته أو لا تبقى وأن يفارقها، وإذا لم تختر الفراق وإنما بقيت مع زوجها واختارت البقاء فإنه لا يترتب على ذلك شيء، ولا يعتبر طلاقاً، وإنما حصل التخيير لها فاختارت البقاء، وأما إذا اختارت الفراق فهذا اختلف فيه العلماء: منهم من قال: يكون له حق المراجعة، ومنهم من يقول: يعتبر فراقاً نهائياً ولا مراجعة فيه.
وفي حال اختيار البقاء مع الزوج فإنه لا يترتب على ذلك شيء، والنبي صلى الله عليه وسلم لما خير نساءه بعد أن نزلت عليه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحَاً جَمِيلَاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرَاً عَظِيمَاً} [الأحزاب:28 - 29] واخترن البقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لم يعدّ ذلك شيئاً، أي: لم يكن طلاقاً.
وقد أورد أبو داود حديث عائشة: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم خير نساءه ولم يعد ذلك شيئاً)] أي: أن الأمر بقي على ما هو عليه، ولم يترتب على ذلك شيء، وهذا واضح؛ لأنهن اخترن البقاء، والمرأة إذا اختارت البقاء فلا يترتب على ذلك شيء، وإنما الكلام فيما إذا اختارت الفراق هل يكون للرجل حق الرجعة في ذلك أو أنها تبين منه وليس له حق الرجعة؟ هذا هو محل الخلاف بين أهل العلم.(253/14)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعدّ ذلك شيئاً)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو عوانة].
أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الضحى].
مسلم بن صبيح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسروق].
مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عُرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(253/15)
أمرك بيدكِ(253/16)
شرح حديث أبي هريرة: (أمرك بيدك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أمركِ بيدكِ.
حدثنا الحسن بن علي حدثنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد قال: قلت لـ أيوب: هل تعلم أحداً قال بقول الحسن في (أمركِ بيدكِ)؟ قال: لا، إلا شيء حدثناه قتادة عن كثير مولى ابن سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنحوه، قال أيوب: فقدم علينا كثير فسألته فقال: ما حدثت بهذا قط، فذكرته لـ قتادة فقال: بلى؛ ولكنه نسي.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن الحسن في (أمركِ بيدكِ) قال: ثلاث].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب قول الرجل لزوجته: (أمركِ بيدكِ)، أي: ما حكمه؟ فجمهور أهل العلم قالوا: يكون الطلاق ثلاثاً إذا اختارته كما جاء عن عدد من الصحابة، وجاء عن عدد من التابعين منهم الحسن.
ومنهم من قال: إنه يكون واحدة.
وقد أورد أبو داود رحمه الله الأثر عن الحسن، وكذلك الحديث الذي ساقه أبو داود مرفوعاً وفيه: أنه يكون ثلاثاً، وإيراد أبي داود للأثر إنما كان متأخراً عن ذكر الحديث والسؤال الذي حول قول الحسن، فيبدو أن الحديث فيه اختصار في الأول، أو أن الأثر متقدم عن تأخير، والاختصار قوله: هل تعلم أحداً قال بقول الحسن في (أمركِ بيدكِ)؟ قال: لا].
يعني: أنه ثلاث، فإما أن يكون فيه اختصار أو أن الأثر المقطوع الذي جاء في الآخر متقدم؛ لأنه عقَّبه بقوله: بمعناه، ولم يُذكر الأصل حتى يُعرف المعنى، وهو إما أن يكون فيه اختصار وأنه سقط منه ذكر (أمركِ بيدكِ) ثلاث، أو أن الأثر الذي فيه أنه قال: ثلاث متقدم، فيأتي بعد ذلك الاستفهام والسؤال والجواب.
قوله: [بنحوه] الأصل المحال عليه غير موجود، فهو إما أن يكون الأصل فيه: [هل تعلم أحداً قال بقول الحسن في (أمركِ بيدكِ) أنه ثلاث؟] فيكون ساقطاً منه (أنه ثلاث)، أو أن الأثر الذي ساقه بإسناده مقطوعاً إلى الحسن [أنه ثلاث] يكون متقدماً، وعلى هذا يكون المعنى واضحاً، أي: من جهة أن اللفظ الذي أحيل إليه بقوله: [بنحوه] قد عُرف.
والأثر عن الحسن متصل إليه وهو مقطوع، والمقطوع هو: المتن الذي انتهى إسناده إلى التابعي أو من دونه، فيقال له: مقطوع، وهو غير المنقطع؛ لأن المقطوع من صفات المتون, وأما المنقطع فهو من صفات الأسانيد، فيقال: الإسناد المنقطع، وأما هذا المتن فهو مقطوع، أي: إسناده انتهى إلى التابعي؛ لأنه إذا انتهى إلى التابعي يقال له: مقطوع، وإذا انتهى إلى الصحابي يقال له: موقوف، وإذا انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع.
فهذا الأثر المقطوع الذي جاء عن الحسن إما أن يكون متقدماً ويكون الكلام ليس فيه حذف ولا اختصار، وإما أن يكون على ما هو عليه متأخر؛ ولكن فيه حذف وفيه اختصار؛ لأن الإحالة بقوله: [بنحوه] لا تستقيم إلا إذا عُرف لفظ المتن المحال إليه بقوله: [بنحوه].
والحديث الذي أورده فيه علتان: إحداهما: فيه رجل مقبول وهو: كثير مولى ابن سمرة.
العلة الثانية: أن كثيراً قال: [ما حدثت بهذا]، فهو أنكر، والمعروف عند المحدثين أن الراوي إذا أضيف إليه شيء ثم أنكره فإنه يكون قدحاً فيه، أما إذا قال: لا أدري فإنه لا يؤثر في الرواية.
وعلى هذا فليس ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الإسناد؛ ولكنه جاء عن عدد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم مثلما قال الحسن: إن (أمركِ بيدكِ) ثلاث.(253/17)
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (أمرك بيدك)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
الحسن بن علي الحلواني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد بن زيد].
حماد بن زيد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: قلت لـ أيوب].
أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن].
الحسن بن أبي الحسن البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثناه قتادة].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن كثير مولى ابن سمرة].
كثير مولى ابن سمرة، مقبول، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[عن أبي سلمة].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه.
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
هشام الدستوائي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
قتادة مر ذكره.
[عن الحسن].
الحسن مر ذكره.(253/18)
حكم قول: (أمركِ بيدكِ)
إذا قال الرجل لزوجته: (أمركِ بيدكِ) فإن لها أن تطلق نفسها ثلاث طلقات، بمعنى أنها تبين؛ لأنه جعل الأمر إليها، وهذا يعني أنه طلقها ثلاث طلقات لا رجعة فيها، وعلى قول من يقول: إنها طلقة واحدة فيكون له رجعة فيها إذا اختارت نفسها وكانت طلقة واحدة، ومذهب الحسن وكثير من الصحابة أنه لا رجعة فيها إذا اختارت نفسها.
وهذا الحديث مروي في سنن النسائي والترمذي، ولم يجزم فيهما كثير بالنفي كما جزم عند أبي داود هنا.
على كل حال: العلة موجودة وهي الراوي كثير، فإنه مقبول، وهذا كافٍ ولو لم يأت بالجزم، وهذه قاعدة فيمن حدث ونسي، أنه إذا جزم وأنكر فإنه لا يعتبر الأثر مروياً عنه، وأما إن قال: لا أدري فإن الرواية صحيحة؛ لأن هذا نسي، وهذا لا يعد نوعاً من أنوع الحديث أي: من حدث ونسي.
وتخرج المرأة نفسها من عصمة الرجل بجعل الأمر إليها، فإذا جعل الأمر إليها واختارت نفسها، فهذا معناه: أنها قد بانت منه.
ولها أن تطلق نفسها عندما يجعل الأمر إليها بقولها: (اخترت نفسي) أو (لا سبيل له إلي) فإذا قالت مثل هذا الكلام ثلاثاً، فلا رجعة له عليها، وأكثر العلماء على هذا.(253/19)
ألبتة(253/20)
شرح حديث: (أن ركانة طلق امرأته ألبتة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في ألبتة.
[حدثنا ابن السرح وإبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور في آخرين قالوا: حدثنا محمد بن إدريس الشافعي حدثني عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد بن ركانة أن ركانة بن عبد يزيد رضي الله عنه طلق امرأته سهيمة ألبتة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: والله ما أردتُ إلا واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (والله ما أردتَ إلا واحدة؟) فقال ركانة: والله ما أردتُ إلا واحدة، فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فطلقها الثانية في زمان عمر، والثالثة في زمان عثمان رضي الله تعالى عنهما.
قال أبو داود أوله: لفظ إبراهيم وآخره لفظ ابن السرح].
قوله رحمه الله: [باب في طلاق البتة] أي: أن يقول: أنتِ طالق ألبتة أو بتةً، أو بتّ طلاقها، وقيل: إن معنى ألبتة: ثلاثاً، أي: أنه طلقها ثلاثاً أو أنه أبتّ طلاقها، أي قطع صلته بها نهائياً.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث ركانة وقد سبق أن مر عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها عليه، وأنه اعتبر الثلاث واحدة؛ ولكن الحديث ليس ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي ثبت حديث ابن عباس الذي فيه: (كان طلاق الثلاث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وفي صدر من خلافة عمر واحدة)، وأما حديث ركانة هذا فإنه غير ثابت.(253/21)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن ركانة طلق امرأته ألبتة)
قوله: [حدثنا ابن السرح].
أحمد بن عمرو بن السرح، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[وإبراهيم بن خالد الكلبي].
إبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور، ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[في آخرين].
يعني: معهم غيرهم.
[حدثنا محمد بن إدريس الشافعي].
محمد بن إدريس الشافعي هو الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[حدثني عمي محمد بن علي بن شافع].
محمد بن علي بن شافع، قال الحافظ في التقريب: وثقه الشافعي، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي.
[عن عبد الله بن علي بن السائب].
عبد الله بن علي بن السائب مستور -أي: مجهول الحال-، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[عن نافع بن عجير].
نافع بن عجير قيل: له صحبة، وذكره ابن حبان في التابعين، وبعض العلماء قال: مجهول؛ لأن الصحبة لم تثبت له؛ ولهذا عبر الحافظ ابن حجر بقوله: قيل: له صحبة، وذكر صاحب عون المعبود أن ابن القيم ذكر في الزاد أنه مجهول، والإسناد فيه أيضاً من هو دونه، وهو عبد الله بن علي بن السائب الذي سبق ذكره.
ونافع بن عجير أخرج له أبو داود.
[أن ركانة بن عبد يزيد].
ركانة سبق أن مر أنه صحابي، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[قال أبو داود أوله لفظ إبراهيم وآخره لفظ ابن السرح].
يعني: شيخيه؛ لأن أبا داود له فيه شيخان: أحدهما: أبو ثور.
والثاني: ابن السرح.
فقوله: [أوله لفظ إبراهيم وآخره لفظ ابن السرح] يعني: ما ساقه على لفظ واحد منهما، وإنما جعل أوله على لفظ شيخ وآخره على لفظ شيخ آخر من شيخيه.(253/22)
شرح حديث: (أن ركانة طلق امرأته ألبتة) من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يونس النسائي أن عبد الله بن الزبير حدثهم عن محمد بن إدريس حدثني عمي محمد بن علي عن ابن السائب عن نافع بن عجير عن ركانة بن عبد يزيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الحديث].
قوله: [حدثنا محمد بن يونس النسائي].
محمد بن يونس النسائي ثقة، أخرج حديثه أبو داود.
[أن عبد الله بن الزبير حدثهم].
عبد الله بن الزبير وهو عبد الله بن الزبير المكي الحميدي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم في المقدمة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[عن محمد بن إدريس حدثني عمي محمد بن علي عن ابن السائب عن نافع بن عجير عن ركانة].
وقد مر ذكرهم جميعاً، وفيهم الشخص الذي هو مستور -وهو ابن السائب - وقال عنه: ابن السائب؛ نسبه إلى جده.
واسم عبد يزيد لا يجوز؛ لأنه لا تضاف العبودية إلا لله عز وجل، يقول ابن حزم: أجمع العلماء على تحريم كل اسم معبَّد لغير الله حاشا عبد المطلب.(253/23)
شرح حديث: (أن ركانة طلق امرأته ألبتة) من طريق ثالثة وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا جرير بن حازم عن الزبير بن سعيد عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه طلق امرأته ألبتة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما أردتَ؟) قال: واحدة، قال: (آلله!) قال: آلله، قال: (هو على ما أردتَ)].
أورد أبو داود نفس الحديث من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.
قوله: [حدثنا سليمان بن داود العتكي].
سليمان بن داود العتكي هو أبو الربيع الزهراني، ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا جرير بن حازم].
جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزبير بن سعيد].
الزبير بن سعيد لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة].
عبد الله هذا أيضاً لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
وبعده أبوه: مستور، أخرج له أبو داود.
ويزيد -الذي هو جد عبد الله - مجهول.
[قال أبو داود: وهذا أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته ثلاثاً؛ لأنهم أهل بيته وهم أعلم به، وحديث ابن جريج رواه عن بعض بني أبي رافع عن عكرمة عن ابن عباس].
سبق أن مر أن حديث ابن جريج هو الذي صح، وهو مطابق لحديث ابن عباس في أن الثلاث واحدة.
وأما قول أبي داود هذا ففيه هؤلاء المجاهيل الضعفاء الذين في إسناده، وتصريح أبي داود بأنه أصح لا يعني أنه يكون صحيحاً؛ لأن كلمة (أصح) إذا أضيفت إلى شيء آخر تعني: أنه أمثل من غيره، فلا يعني تصحيحه، وهذا مثلما يقال للمريضين: هذا أصح من فلان، وكل منهما مريض، يعني: أن هذا أحسن حالاً من هذا، فلا يعني بهذا التصحيح وإنما يعني تقديمه على غيره، وأما من حيث الإسناد فحديث ابن جريج هو الذي سبق أن عرفنا أنه ثابت، وأن الألباني صححه وذكر له شواهد.
وكلام أبي داود يفيد ترجيح هذا، لكنه ليس بصحيح، ذاك هو الصحيح، وهذا ليس بصحيح.
والفرق بينهما: أن هذا الصحابي غير الصحابي -أي: صاحب القصة هذا غير صاحب القصة ذاك- لأن هنا ركانة هو الذي طلق، وفي الحديث المتقدم أن المطلق عبد يزيد.
فهنا أبو داود يرجح أنه ركانة، وقوله: [وهذا أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته ثلاثاً] أي: أن الأصح أن ركانة هو الذي طلق امرأته، وليس عبد يزيد الذي جاء في رواية ابن جريج وإن كانت رواية ابن جريج هي الأصح.(253/24)
الفرق بين (ألبتة) و (أمرك بيدك)
إذا قال رجل لامرأته: (أنت طالق ألبتة)، فهو مثل: (أمركِ بيدكِ)، إلا إذا كان المقصود بـ (ألبتة) أنها (ثلاثاً) وأنه عبر عن (ثلاثاً) بكلمة (ألبتة) فإن الحكم أن الثلاث واحدة.
ولا يُحتاج إلى التحليف، مثل: أن يُستحلف الرجل، أو يُطلب منه اليمين هل أراد بـ (ألبتة) ثلاثاً أم واحدة، كما جاء في هذه الرواية؛ لأنها ضعيفة.(253/25)
الوسوسة بالطلاق(253/26)
شرح حديث: (إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الوسوسة بالطلاق.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها)].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي قوله: [باب في الوسوسة بالطلاق] يعني: أن الإنسان تحدثه نفسه بالطلاق، ويقع في باله أنه طلق وهو لم يحصل منه التلفظ بالطلاق فإنه لا يعتبر شيئاً؛ لأن حديث النفس لا يقال له: كلام، وقد تجاوز الله عنه، وقد يقع في ذهن الإنسان أمور سيئة وخطيرة ولا تؤثر عليه، كما جاء في الحديث: [(إنه يجد أحدنا ما يتعاظم أن يذكره، قال: أوجدتم ذلك؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان)] أي: عندما يجد الإنسان في ذهنه شيئاً يعظُم في نفسه ويكرهه ويصعب عليه أن يتلفظ به، فهذا الذي وقع في نفسه وفي خاطره هو حديث النفس لا يعتبر شيئاً.
فإذا وقع في باله أنه طلق زوجته أو نوى أنه يطلق زوجته في قلبه فإنه لا يعتبر مطلقاً إلا إذا تكلم، كما جاء في هذا الحديث: [(إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها)] ومعناه: أن حديث النفس الذي ينقدح في ذهن الإنسان وتحدثه نفسه به ولم يتلفظ به فإنه لا يترتب عليه شيء، وهذا في أمور كثيرة: في النكاح وفي الطلاق وفي العتاق وفي الهبة والعطية، وفي النذر أيضاً، فلو نذر في نفسه أنه سيفعل كذا وكذا ولم يتلفظ فليس عليه شيء، فإنه مجرد حديث نفس لا يترتب عليه شيء، وإنما العبرة بالقول أو الفعل.
قوله: [(إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به)].
هذا مرادف للفظ الذي سيأتي، وهو قوله: [(وبما حدثت به أنفسها)]، والذي ورد في صحيح البخاري: [(إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل)]، فالحديثان لهما نفس المعنى، فـ[(ما لم تتكلم أو تعمل)] و [(بما حدثت به أنفسها)] كلمتان مترادفتان.
والعمل تدخل فيه الكتابة؛ فهي من جنس القول والعمل، فإذا كتب طلاق زوجته فإنها تطلق منه بالكتابة؛ لأنه عمل، وهذا قال به جمهور العلماء على أن الكتابة عمل وأنها يحصل بها الطلاق.
وإذا تكلم الزوج بالطلاق ونطق وقال: (طلقت زوجتي) بينه وبين نفسه، فهو طلاق؛ لأنه قال: [(ما لم تتكلم)] والكلام قد حصل، وسواءً سمعت الزوجة أو لم تسمع، وإسماعُها ليس بلازم.(253/27)
تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى].
الذين تقدموا مر ذكرهم، وزرارة بن أوفى ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(253/28)
الرجل يقول لامرأته يا أختي(253/29)
شرح حديث: (أن رجلاً قال لامرأته يا أُخية)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يقول لامرأته: يا أختي.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ح وحدثنا أبو كامل قال: حدثنا عبد الواحد وخالد الطحان المعنى كلهم عن خالد عن أبي تميمة الهجيمي أن رجلاً قال لامرأته: (يا أخية!) فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أختك هي؟!) فكره ذلك ونهى عنه].
قوله رحمه الله: [باب في الرجل يقول لامرأته: يا أختي] يعني: أن ذلك لا يجوز؛ لأن هذا مظنة التحريم ومظنة الظهار، والشيء الذي فيه ريبة على المسلم أن يبتعد عنه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
قوله: [(فكره ذلك ونهى عنه)] يعني: كره أن يقول الرجل لزوجته: يا أختي، ونهى عن ذلك؛ لأن هذا اللفظ فيه احتمال أمر خطير وعظيم وهو الظهار، وهي أنها تكون كأخته فتكون حراماً عليه، فهو مظنة التحريم، فكرهه ونهى عنه.
والحديث مرسل.(253/30)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رجلاً قال لامرأته يا أُخية)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو ابن سلمة البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ح وحدثنا أبو كامل].
وهو: الفضيل بن حسين، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا عبد الواحد].
عبد الواحد بن زياد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وخالد الطحان].
خالد بن عبد الله الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[المعنى كلهم عن خالد].
أي: روايتهم متفقة بالمعنى، كلهم يروون عن خالد، وهو ابن مهران المشهور بـ الحذاء، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي تميمة الهجيمي].
هو: ظريف بن مجالد، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.(253/31)
حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول لامرأته: يا أخية) من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن إبراهيم البزاز حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد السلام -يعني: ابن حرب - عن خالد الحذاء عن أبي تميمة عن رجل من قومه (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول لامرأته: (يا أخية!) فنهاه)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو متصل مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل من الصحابة [(أنه سمع رجلاً يقول لزوجته: يا أخية! فنهاه)] أي: فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وهذا مثل الذي قبله، إذ إن فيه النهي عن مثل هذا القول ومثل هذا اللفظ، ولو قالت المرأة لزوجها: يا أخي لا يكون هذا مظنة الظهار، لكن الأولى ألا تقول هذا لزوجها، ولو قال الزوج لغير زوجته: يا أخية أو يا أختي فلا بأس.
قوله: [حدثنا محمد بن إبراهيم البزاز].
محمد بن إبراهيم البزاز، ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا أبو نعيم].
أبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد السلام يعني ابن حرب].
عبد السلام بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خالد الحذاء عن أبي تميمة].
خالد الحذاء مر ذكره، وأبو تميمة مر ذكره.
[عن رجل من قومه].
قيل: هو أبو جري الهجيمي، واسمه: جابر بن سليم أو سليم بن جابر، فهو مختَلفٌ في اسمه، وهو صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي والنسائي.
وفي هذا الإسناد ذكر الواسطة، وهناك في الإسناد السابق أرسل، والواسطة رجل من قومه، وهو من الصحابة.(253/32)
الاختلاف في إرسال ورفع الحديث الذي فيه: (سمع رجلاً يقول لامرأته: يا أخية) وتراجم رجال الإسناد
[قال أبو داود: ورواه عبد العزيز بن المختار عن خالد عن أبي عثمان عن أبي تميمة عن النبي صلى الله عليه وسلم].
وهذه طريق أخرى مرسلة: عبد العزيز بن المختار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خالد عن أبي عثمان].
هو خالد الحذاء.
[عن أبي عثمان].
هو: عبد الرحمن بن مُل أو مَل أو مِل النهدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
فهو هنا رواه أبو عثمان النهدي.
[ورواه شعبة عن خالد عن رجل عن أبي تميمة عن النبي صلى الله عليه وسلم].
وهنا يوجد إبهام، ويحتمَل أن يكون هو أبو عثمان النهدي هذا.
وشعبة هو: شعبة بن الحجاج الواسطي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(253/33)
شرح حديث: (إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاثاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب حدثنا هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لم يكذب قط إلا ثلاثاً: ثنتان في ذات الله تعالى، قوله: {إِنِّي سَقِيْمٌ} [الصافات:89] وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيْرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء:63]، وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة إذ نزل منزلاً فأتي الجبار فقيل له: إنه نزل ههنا رجل معه امرأة هي أحسن الناس، قال: فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: إنها أختي، فلما رجع إليها قال: إن هذا سألني عنك فأنبأته أنك أختي وأنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك وإنك أختي في كتاب الله، فلا تكذبيني عنده) وساق الحديث].
قوله: [(إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يكذب إلا ثلاث كذبات)] وكل هذا الثلاث فيها تورية، وفيها مجال لمعانٍ أخرى غير أن يكون الإنسان كاذباً؛ ولكن في الظاهر حسب ما يفهم السامع هي كذب، ولكنه في الحقيقة ليس بكذب.
قوله: [(ثنتان في ذات الله عز وجل: إحداهما: قوله: {إِنِّي سَقِيْمٌ} [الصافات:89])] يعني: أنه مريض، فيه سقم، وقيل: هذا محمول على أن قلبه فيه تألم وفيه تعب من فعلهم وصنيعهم وكونهم يعبدون الأوثان، فقلبه فيه السقم، من جهة التعب والتألم، وهو حقيقة، وكونه مريض أو متعب أو لا يستطيع الذهاب، هذا احتمال، وهذا هو الذي فهموه، وفيه معنىً آخر وهو أن قلبه سقيم متألم متأثر لصنيعهم ولفعلهم وكونهم يعبدون الأوثان ويعبدون هذه الأحجار التي لا تملك شيئاً لنفسها فضلاً عن غيرها.
قوله: [(وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيْرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء:63])] وهذا من باب الإلزام في المناظرة، يعني: إذا كان هذا معبودكم وأنتم ترجون منه النفع فإذاً: هو الذي فعل هذا، أي إذا كان كذلك فهو الذي فعل هذا، وهو لا يفعل هذا؛ لأنه جماد، ولا يدفع الضر عن نفسه ولا عن غيره، ولا يفيد نفسه ولا يفيد غيره.
قوله: [(في ذات الله عز وجل)] أي من أجل الله جل وعلا، وحتى الثالثة فهي من أجل الله عز وجل؛ لأنها لدفع الضرر عن زوجته، وهي في ذات الله؛ ولكن لما كانت الثنتان متمحضتين في أن ذلك لله وأما هذه ففيها شيء من حظ النفس وفيها شيء يتعلق بمصلحته وفائدته لكونها زوجته؛ قال عن الاثنتين أنهما [(في ذات الله)] وإن كانت الثلاث كلها في ذات الله من جهة أنه يريد بالثالثة أن يحمي زوجته وأن يحفظ زوجته وأن يدافع عن زوجته وأن يخلص زوجته من أن يقع لها شر أو بلاء، فهذه في ذات الله عز وجل، وهذه كلها تورية.
قوله: [(إن هذا سألني عنك فأنبأته أنك أختي، وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك، وإنك أختي في كتاب الله)]، لعل المقصود بذلك في ذلك المكان، وإلا فإنه في غير ذلك المكان يوجد مسلمون كثير، ومنهم لوط، كما قال تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت:26] وكان في زمانه، فيحمل على أنه في ذلك المكان ليس هناك مسلم سواه وإياها.
والمقصود أن قوله: [(إنها أختي)] فيه التورية للتخلص من الشر الذي قد يحصل له، والتورية عند الحاجة إليها سائغة.
وهذا يأتي كثيراً في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يمزح صلى الله عليه وسلم ولا يقول في مزحه إلا حقاً، ومن ذلك قصة المرأة التي قال لها: [(لا يدخل الجنة عجوز)]، فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد أنها لا تدخل الجنة وهي عجوز، وإنما تدخل وقد عاد إليها شبابها، وهي فهمت أنها لا تدخل الجنة، فتألمت، ثم بعد ذلك بيَّن أنهن يدخلن وهن شابات، فهذه تورية.
والجمع بين هذا الحديث والذي قبله: أن هذا للضرورة، وهو تورية وليس فيه احتمال بالمعنى الباطل، وهو ما قاله إلا للحاجة، ما قاله اختياراً وإنما قاله مضطراً، ولهذا قال لها ما أراد؛ لأنه شيء جديد وليس بشيء مألوف عنده أنه يخاطبها ويقول لها: يا أختي، أو يتكلم معها بـ (أختي)، ما قال إلا هذه المرة، ومع ذلك بيّن لها.(253/34)
تراجم رجال إسناد حديث: (إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاثاً)
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى].
هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بـ الزمن، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الوهاب].
هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
هو هشام بن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد].
هو: ابن سيرين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه، وقد مر ذكره.(253/35)
طريق أخرى لحديث: (إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاثاً) وتراجم رجاله
[قال أبو داود: روى هذا الخبر شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه].
ذكر المصنف طريقاً أخرى معلقة رواها شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد].
وهو عبد الله بن ذكوان المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج].
وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
رضي الله عنه، وقد مر ذكره.(253/36)
الأسئلة(253/37)
معنى قوله في ذات الله
السؤال
قوله: [(في ذات الله)] هل الذات صفة تثبَت لله تعالى؟
الجواب
قوله: [(في ذات الله)] يعني: من أجل الله، والذات يقولون عنها: هي ذات كذا وذات كذا، أي: أن الذات هي التي توصف بالصفات، ويقولون في قواعد أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات: الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات فكما أن لله ذاتاً لا تشبه الذوات فله صفات تتصف بها ذاته لا تشبه الصفات.
فقوله: [(في ذات الله)] يعني: من أجل الله.(253/38)
حكم إطلاق كلمة الذات على الله
السؤال
إطلاق كلمة الذات على الله هل هي سائغة أو أنها تخصص في الرد فقط على أهل البدع؟
الجواب
هي سائغة؛ لأن الصفات توصف بها الذات؛ ولكن أصلها أنهم يقولون: ذات كذا وذات كذا، فقيل: الذات، (الألف واللام) عوض عن المضاف إليه.
وليس معنى ذات الله: الذات، وإنما تضاف إليها الصفات مثل أن نقول: ذات علم ذات سمع ذات بصر ذات كذا.
وقول الصحابي خبيب: (وذلك في ذات الإله) من جنس (في ذات الله) الذي في الحديث، أي: من أجل الله، وإطلاقها سائغ بهذا المعنى، والمقصود بها الذات التي توصف بالصفات دون الصفات التي هي مضافة إليها؛ لأن وجود ذات مجردة من جميع الصفات غير ممكن إطلاقاً.(253/39)
سبب قول إبراهيم: (إنها أختي)
السؤال
لماذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يقل: (إنها زوجتي)؟
الجواب
لعل السبب في هذا أن الجبار يغار من إبراهيم لأن عنده زوجة أحسن من زوجته.(253/40)
مشروعية الصلاة والسلام على جميع الأنبياء
السؤال
هل يجوز الصلاة والسلام على الأنبياء، مثلما هنا: (عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم)؟
الجواب
أي نعم، يُصلى ويُسلم على الأنبياء، لكن كونه يلزم ذلك مثلما يكون للنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا ما نعلم شيئاً يدل عليه؛ لكن يُصلى ويُسلم على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.(253/41)
الفرق بين التورية والمعاريض
السؤال
ما الفرق بين التورية والمعاريض؟
الجواب
التورية: هي نفس المعاريض، وفي الأثر: (إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب) والمعاريض هي نفس التورية.(253/42)
الفرق بين التورية والتقية
السؤال
هل التورية هي نفس التقية؟
الجواب
لا، التقية قد تكون تورية من أجل التقية، ومن أجل أن يتقي شراً.(253/43)
الإكثار من التورية دون حاجة
السؤال
يلاحظ الإكثار من التورية حيث أصبح كثير من طلبة العلم يستخدمونها في كثير من الأحايين فما نصيحتكم؟
الجواب
لا يصلح، بل تستعمل للحاجة، أما بدون حاجة فلا يصلح استعمالها.(253/44)
حكم قول الرجل لزوجته: (أم المؤمنين)
السؤال
ما حكم قول الرجل لزوجته: أم المؤمنين؟
الجواب
هذا لا يصلح، فأمهات المؤمنين هُن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم.(253/45)
حكم قول الرجل لزوجته: (يا أختي) أو (يا أمي) على سبيل التوقير والاحترام
السؤال
ينقل عن ابن القيم في حاشية عون المعبود أنه قال: وفيه دليل على أن من قال لامرأته: إنها أختي أو أمي على سبيل الكرامة والتوقير لا يكون مظاهراً، فكيف ذلك؟
الجواب
لا يكون مظاهراً؛ ولكن الأولى أن اللفظ المحتمِل يُترك، وإلا هو لا يكون مظاهراً بمجرد أنه يقول هذا الكلام؛ لكن لأنهم قالوا: هذا مظنة التعريض، واللفظ الذي فيه احتمال يُبتعد عنه؛ لكن مجرد قوله هذا لا يصيره مظاهراً وهو يريد التوقير.
ومن التورية التي لا تحتمل معنى خاطئاً ما جاء في الصحيح في قصة أم سليم مع أبي طلحة في الولد الذي مات، وجاء أبوه وسأل عنه فقالت: إنه أسكن ما كان، وتقصد أنه مات، ولكنها أظهرت له كلاماً فهم منه أنه مستريح وأن حالته أحسن، وهي مورِّية بهذا، فما قالت له كذباً، وإنما قالت كلاماً يفهم منه المخاطب شيئاً وهي تريد شيئاً آخر، أي: كان ثائر النفَس فسكن، ففهم منها أنه هدأ، وهي تقصد أنه انقطع نفَسُه بالموت، فهذه هي التورية.
وفيما يتعلق بالألفاظ المحتمِلة جاء في القرآن النهي عن ذلك كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا} [البقرة:104]؛ لأن لفظ (راعنا) فيه إشكال وفيه احتمال أمر آخر ليس طيباً، فالأولى أن يُترك ويُعدل إلى لفظ لا يحتمِل.(253/46)
حكم نفي المحدث عن نفسه أنه حدث بالحديث
السؤال
مسألة من حدث ونسي، إذا كان مقبولاً ثم يأتي من هو أوثق منه فيؤكد أنه حدث به ولكنه نسي ذلك، ألا يعتبر قولُ مَن هو أوثق؟
الجواب
ما دام الشخص الذي يضاف إليه الكلام هو حدث، ثم نفى ذلك عن نفسه، فإن الطريق واحد والنتيجة واحدة؛ لكن العلة التي ليس فيها إشكال كونه مقبولاً.(253/47)
حكم اشتراط العصمة للمرأة في عقد النكاح
السؤال
هل يصح اشتراط المرأة في العقد أن تكون العصمة لها؟
الجواب
لا يجوز اشتراط هذا، فهو شرط باطل، أما قوله: (أمرك بيدكِ) فهذا يكون بنية طلاق، وليس معناه أن العصمة تكون بيد المرأة.(253/48)
حكم قول الرجل لامرأته: (أمركِ بيدكِ) أو (لكِ الخيار)
السؤال
قول الرجل لامرأته: (لك الخيار) أو (أمركِ بيدكِ) هل هذا من صريح الطلاق أو من الكنايات؟
الجواب
هذا ليس فيه تصريح بشيء من كلامه، وإنما تفويضها وإعطاؤها هذا الحق لتختار نفسها عند التخيير أو (أمركِ بيدكِ) أنها تختار الخلاص منه، فهذا كما هو معلوم من التفويض وجعل الأمر إلى الغير.(253/49)
حكم استمرار تخيير الزوج لامرأته بقوله: (أمركِ بيدكِ)
السؤال
إذا خير الزوج امرأته هل يبطل خيارها إذا قامت من المجلس قياساً على البيع؟
الجواب
كثير من العلماء قال هذا كما ذكره صاحب عون المعبود، وبعضهم قال: إن لها الخيار إلى أن يطأها أو يحصل طلاق أو فسخ، دون أن يحصل منها تنفيذ ما جُعل إليها؛ ولكن قال في عون المعبود: أكثر العلماء على أن هذا الحق لها في المجلس، وليس شيئاً مستمراً دائماً وأبداً.(253/50)
حكم التسمية بعبد المطلب، ورأي ابن حزم في ذلك
السؤال
ما وجه استثناء ابن حزم اسم عبد المطلب من الأسماء التي فيها العبودية لغير الله؟
الجواب
لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه من اسمه عبد المطلب ولم يغير اسمه، كما هو الحال في بعض قرابته، فإن فيهم من اسمه عبد المطلب فلم يغيره اسمه وغير الأسماء التي كانت معبدة لغير الله.(253/51)
شرح سنن أبي داود [254]
كان الظهار من ألفاظ الطلاق في الجاهلية، فجاء الشرع بتحريمه وإبطاله، وجعل الكفارة المغلظة على من تلفظ به، وأحكامه كثيرة قد بينها الله في كتابه ورسوله عليه الصلاة والسلام في سنته، وفصل ذلك الفقهاء رحمهم الله تعالى.(254/1)
الظهار(254/2)
شرح حديث: (خفت أن أصيب من امرأتي شيئاً يتايع بي حتى أصبح، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الظهار.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء المعنى قالا: حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء -قال ابن العلاء: ابن علقمة بن عياش - عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر رضي الله عنه -قال ابن العلاء: البياضي - أنه قال: (كنت امرأً أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئاً يتايع بي حتى أصبح، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء، فلم ألبث أن نزوت عليها، فلما أصبحت خرجت إلى قومي، فأخبرتهم الخبر، وقلت: امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قالوا: لا والله، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخبرته، فقال: أنت بذاك يا سلمة؟! قلت: أنا بذاك يا رسول الله، مرتين، وأنا صابر لأمر الله، فاحكم في ما أراك الله، قال: حرر رقبة، قلت: والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها، وضربت صفحة رقبتي، قال: فصُم شهرين متتابعين، قال: وهل أصبتُ الذي أصبتُ إلا من الصيام! قال: فأطعم وسقاً من تمر بين ستين مسكيناً، قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين ما لنا طعام، قال: فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك، فأطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر، وكل أنت وعيالك بقيتها، فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم السعة وحسن الرأي، وقد أمرني أو أمر لي بصدقتكم).
زاد ابن العلاء: قال ابن إدريس: (بياضة): بطن من بني زريق].
قوله رحمه الله تعالى: [باب في الظهار]، الظهار: هو أن يقول الرجل لزوجته: (أنتِ عليّ كظهر أمي) أي: كما أن أمه حرام عليه فإن زوجته تكون كذلك، وقيل: إن الظهار أخذٌ من الظهر وإضافته إلى الظهر، فقد كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، يظاهرون من نسائهم ويعبرون بالظهر ويقولون: أنت علي كظهر أمي، وكان يعتبر في الجاهلية طلاقاً، فجاء الإسلام فحرم ذلك، ووصفه بأنه منكر من القول وزور، وأن على من فعله كفارة، وأنه لا يعتبر طلاقاً، وهو لا يقيد بلفظ: (أنت علي كظهر أمي)، بل أي لفظ يؤدي هذا المعنى فإنه يكون ظهاراً، ولكنه أطلق عليه (ظهار) إضافة إلى الظهر، فكان ذلك من أجل بعض أحواله، وإلا فإنه لا يكون مقتصراً على تعليق ذلك بالظهر، وأن يقول: (أنتِ علي كظهر أمي).
وأورد أبو داود حديث سلمة بن صخر البياضي رضي الله عنه، وأنه كان شديد الرغبة في النساء، وأنه لما دخل رمضان ظاهر من امرأته مدة شهر رمضان، وهو يريد من ذلك أن يلزم نفسه بعدم قربانها وعدم الاتصال بها في الليل، لئلا يؤدي ذلك إلى أن يتصل بالنهار فيكون فعل ذلك في النهار، وكان منه أن حصل منه الجماع، فكان بذلك قد حصل منه الوقاع قبل أن تمضي المدة التي حددها، وهي مضي شهر رمضان، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي حصل له، فكرر عليه بقوله: [(أنت بذاك؟!] يعني: أنت الذي وقعت بذاك؟! -مُنكراً عليه- فقال: [(أنا بذاك يا رسول الله مرتين، وأنا صابر لأمر الله عز وجل)] فقال له: [(اعتق رقبة)] فقال: إنه لا يجد ولا يملك شيئاً إلا رقبته، وضرب بيده على صفحة عنقه، إلخ الحديث.
وفي هذا الحديث دليل على أن الظهار تجب فيه الكفارة على هذا الترتيب المذكور في الحديث، وقد جاء ذلك في أول سورة المجادلة.
وفيه دليل أيضاً على أن التأقيت في الظهار وتحديد زمن معين له بأن يقول: أنت علي كظهر أمي إلى نهاية شهر رمضان أو إلى الليل أو إلى بعد يومين أو أكثر؛ أن ذلك يقع، وأنه يكون ظهاراً، وأن عليه أن يمتنع في تلك المدة التي حددها، والظهار قد يكون مطلقاً وليس مقيداً، كأن يقول: أنتِ علي كظهر أمي، ويطلق، كل ذلك يكون ظهاراً؛ ولكنه إذا كان مؤقتاً وصبر إلى نهاية المدة ولم يحصل منه جماع فيها فإن جمهور العلماء على أنه لا يكون عليه شيء؛ لأن التحريم حصل منه في مدة محددة وفي مدة معينة ولم يحصل منه شيء فيها، وأما إن حصل منه الوقاع فيها فإنه تكون عليه الكفارة كهذا الذي حصل لـ سلمة بن صخر رضي الله عنه؛ لأنه وقع منه الجماع في تلك المدة التي حددها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب عليه الكفارة.
قوله: [(يتايع بي حتى أصبح)] يعني: أنه يحصل منه في الليل ثم يواصل حتى يدخل عليه النهار، فيكون مجامعاً في النهار، وإلا فإن المجامعة في الليل جاء القرآن بجوازها، قال الله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة:187]، وهو يخشى أنه يحصل منه الوصال والاستمرار في تلك المدة التي قد أبيحت له حتى يفعل ذلك بالنهار.
والذي يظهر لي أن هذه القصة بعد أن أحل الله الجماع في ليل رمضان؛ لأن سلمة كان يخشى فقط أن يستمر جماعه من الليل حتى يدخل النهار.
قوله: [(فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء، فلم ألبث أن نزوت عليها)].
نزا عليها أي: جامعها.
وقوله: [(فبينا هي تخدمني ذات ليلة)].
من المعلوم أن المرأة هي التي تتولى شئون البيت، والرجل لا يقوم بشئون البيت، وإنما عليه السعي لتحصيل الرزق والإنفاق عليها، وهي التي تقوم بالطبخ، وهي التي تقوم بما يلزم للزوج، فالخدمة لازمة لها.
قوله: [(فلما أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر، وقلت: امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قالوا: لا والله، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فقال: أنت بذاك يا سلمة؟! قلت: أنا بذاك يا رسول الله، مرتين)].
(أنت بذاك؟!) يعني: أنت الذي وقعت بهذا؟! وأنت الذي تلبست بهذا؟! فكرر ذلك عليه، وفي كل ذلك يجيب بأنه وقع بهذا وأنه تلبس به.
قوله: [(قال: حرر رقبة)] هذا يدل على الإطلاق في الرقبة، وأن أي رقبة يكون بها الكفارة، سواءً كانت صغيرة أو كبيرة أو على أي صفة كانت، ولو كان فيها عيب، إلا أن يكون زمِناً، أي: لا يستطيع الحراك، أو فيه مرض دائم لا يستطيع معه الحراك؛ فإن هذا لا يحصل به الكفارة؛ لأنه لا يستفيد من وراء تلك الحرية شيئاً، بل هو بحاجة إلى غيره، وبحاجة إلى من يعوله، وهو لا يعول أحداً، وأيضاً فيه إطلاق الكفارة كما جاء أيضاً مطلقاً في القرآن، وأنها ليست موصوفة بالمؤمنة، وقد جاء وصف الرقبة بأنها مؤمنة في كفارة القتل، فيكون المقصود بالرقبة هي المؤمنة التي يكون التكفير بها، ولا تكون مطلقة بحيث يكون الإعتاق لكافر أو لرقبة كافرة وإنما يكون لرقبة مؤمنة.
قوله: [(قلت: والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها، وضربت صفحة رقبتي، قال: فصم شهرين متتابعين، قال: وهل أصبتُ الذي أصبتُ إلا من الصيام!)].
لعل هذه القصة كانت بعد قصة خولة بنت ثعلبة التي نزلت بشأنها سورة المجادلة، والتي جاءت أحكام الظهار في أول السورة، فتكون هذه القصة بعدها؛ لأن هذه ليس فيها ذكر سبب نزول، وإنما سبب النزول جاء في قصة خولة التي هي المجادِلة، فيكون الحكم موجوداً، والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن له ما جاء في القرآن، وليس فيه اجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما فيه إخبار بما جاء في القرآن.
قوله: [(قال: فأطعم وسقاً من تمر بين ستين مسكيناً، قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين ما لنا طعام)].
يعني: جائعين ما لنا طعام، ولم نأكل شيئاً، فليس عندنا شيء ندفعه كفارة لإطعام ستين مسكيناً.
والوسق: ستون صاعاً كما مر في الزكاة: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) والخمسة أوسق: ثلاثمائة صاع، التي هي النصاب في الزكاة، وعلى هذا فيكون لكل مسكين صاع، ولكن كفارة الجماع في نهار رمضان جاء أنها خمسة عشر صاعاً، لكل مسكين مُد؛ لأن الصاع: أربعة أمداد، فيكون لكل مسكين مُد، وبعض أهل العلم قال: يكون لكل مسكين صاع أخذاً بهذا الحديث، وبعضهم قال: يخرج ثلاثين صاعاً، لكل مسكين نصف صاع، وبعضهم قال: يخرج خمسة عشر صاعاً لكل مسكين مُد.
والحديث الذي معنا حسن من جهة بعض الأحاديث الأخرى، وإلا فإن في سنده محمد بن إسحاق، وهو مدلس، وقد روى بالعنعنة، وفيه أيضاً سليمان بن يسار وهو لم يدرك سلمة بن صخر.
والذي يبدو أن الإطعام لا يكون صاعاً؛ لأن هذا شيء كثير، وإنما يبدو أنه مد؛ لأن هذا هو الذي ثبت في كفارة الظهار في رمضان، وهو الذي جاء من طريق صحيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن فيه خمسة عشر صاعاً، لكن أكثر الكفارات نصف صاع؛ لأنه جاء فيها تنصيص، وهذه أيضاً جاء فيها: خمسة عشر صاعاً في كفارة الظهار في رمضان، أي: لكل مسكين مُد.
[(قال: فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك، فأطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر، وكل أنت وعيالك بقيتها، فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم السعة وحسن الرأي، وقد أمرني أو أمر لي بصدقتكم).
قال ابن العلاء: قال ابن إدريس: (بياضة): بطن من بني زريق].
ومعنى أنه قال: هو البياضي في أول السند، أي: محمد بن العلاء أبو كريب قال في روايته: البياضي زيادة على رواية عثمان بن أبي شيبة، حيث ذكر فيها: سلمة بن صخر فقط، ومحمد بن العلاء زاد: البياضي، ثم بعد ذلك بيّن أن (بياضة) بطن من بني زريق، وقد ذهب إليهم سلمة وهم قومه، والرسول صلى الله عليه وسلم أحاله عليهم ليعطوه زكاتهم.(254/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (خفت أن أصيب من امرأتي شيئاً يتايع بي حتى أصبح، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فإنه أخرج له في (عمل اليوم والليلة).
[ومحمد بن العلاء].
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[المعنى] يعني: الرواية متفقة بالمعنى مع الاختلاف في الألفاظ.
[عن ابن إدريس].
هو عبد الله بن إدريس الأودي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إسحاق].
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق يدلس، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن عمرو بن عطاء].
محمد بن عمرو بن عطاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وقال ابن العلاء: ابن علقمة بن عياش].
يعني: محمد بن العلاء زاد في نسبه وقال: محمد بن عمرو بن عطاء بن علقمة بن عياش، هكذا قال محمد بن العلاء، وأما عثمان بن أبي شيبة فإنه قال: محمد بن عمرو بن عطاء فقط.
[عن سليمان بن يسار].
سليمان بن يسار ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سلمة بن صخر].
سلمة بن صخر صحابي، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[قال محمد بن العلاء: البياضي].
الإضافة: إلى سلمة بن صخر.(254/4)
شرح حديث: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن معمر بن عبد الله بن حنظلة عن يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة رضي الله عنها أنها قالت: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت رضي الله عنه فجئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشكو إليه، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجادلني فيه ويقول: اتقي الله فإنه ابن عمك، فما برحت حتى نزل القرآن: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1] إلى الفرض، فقال: يُعتق رقبة، قالت: لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين، قالت: يا رسول الله! إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكيناً، قالت: ما عنده من شيء يتصدق به، قالت: فأُتي ساعتئذٍ بعرق من تمر، قلت: يا رسول الله! فإني أعينه بعرق آخر، قال: قد أحسنتِ، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً وارجعي إلى ابن عمك) قال: والعرق ستون صاعاً.
قال أبو داود في هذا: إنها كفّرت عنه من غير أن تستأمره.
قال أبو داود: وهذا أخو عبادة بن الصامت رضي الله عنه].
أورد المصنف حديث خويلة بنت مالك بن ثعلبة وهي التي نزلت في قصتها سورة المجادلة، وآيات الظهار، وبيان الفرض الذي فيها، وهو الكفارة: يُفرض عتق رقبة، ثم إذا لم يجد فيصوم شهرين متتابعين، وإذا لم يستطع يطعم ستين مسكيناً.
فامرأة أوس بن الصامت -وهو أخو عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهما- جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته أنه ظاهر منها، فنزلت عند ذلك أول سورة المجادلة، فأخبرته أنه لا يستطيع أن يعتق رقبة، وأنه أيضاً لا يستطيع الصوم؛ لأنه شيخ كبير، وأنه كذلك لا يستطيع أن يطعم ستين مسكيناً؛ لأنه لا يملك شيئاً.
فجيء النبي صلى الله عليه وسلم بعرق أو مكتل فأعطاه إياها فقالت: إنها أيضاً تعينه بعرق آخر فقال: أحسنتِ؛ لأنها ستُخرج ذلك عنه، وبعد ذلك تذهب إليه ويعودان على ما كانا عليه، وأنه لا يجوز لهما الالتقاء وأن يحصل منهما التماسُّ إلا بعد أن تحصل الكفارة، وأن تنفذ الكفارة كما جاء في القرآن: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:3] يعني: أنه لا يتم الرجوع إلى النكاح وإلى الاستمتاع فيما بينهما إلا بعد أن توجد الكفارة.
قوله: [عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة].
هي: خولة، ويقال: خويلة، ويأتي ذكرها خولة أو خويلة تصغير خولة، أي: تأتي بالتكبير وبالتصغير.
قوله: [قالت: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجادلني فيه)].
أي: تشكو الذي حصل منه، وأن بينهما العشرة طويلة ومع ذلك حصل منه هذا الشيء، وكان الظهار موجوداً عندهم في الجاهلية، وكانوا يعدونه طلاقاً كما ذكرتُ آنفاً، والإسلام لم يعتبره طلاقاً، وإنما أوجب فيه كفارة، ثم يعودان إلى ما كانا عليه قبل الظهار.
أما في الجاهلية فقد كانوا يطلقون ثم يراجعون، وهكذا يستمرون إلى غير نهاية، فكأنها فهمت أنه مثلما كان في الجاهلية قد حصل الطلاق، ولذلك جاءت تشتكي.
قالت: [(ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجادلني فيه ويقول: اتقي الله فإنه ابن عمك، فما برحت حتى نزل القرآن: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1] إلى الفرض)] قولها: (إلى الفرض) أي: الذي فرضه الله عز وجل، وهي الكفارة: عتق رقبة، فإن لم يجد فيصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فيطعم ستين مسكيناً.
قوله: [(فقال: يُعتق رقبة، قالت: لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين، قالت: يا رسول الله! إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكيناً، قالت: ما عنده من شيء يتصدق به، قالت: فأُتي ساعتئذٍ بعرق من تمر)].
العرق هو: المكتل.
قوله: [(قلت: يا رسول الله! فإني أعينه بعرق آخر)].
الظاهر أن ذاك العرق ما يكفي الستين مسكيناً؛ لأنها قالت: ستعينه بمثله.
قوله: [(قال: قد أحسنتِ، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً، وارجعي إلى ابن عمك) قال: والعرق ستون صاعاً].
قوله: [والعرق ستون صاعاً]: هذه جملة تفسيرية خارجة عن الحديث، ولذلك فإن الشيخ الألباني رحمه الله ذكر أن الحديث حسن إلا هذه الجملة.
قوله: [قال أبو داود في هذا أنها كفّرت عنه من غير أن تستأمره].
أي: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاها هذا المقدار وهي أضافت مثله، لكن كونها لم تستأمره لا يُجزم به؛ لأنه يجوز أنها تكون أخبرته وأنها أعلمته، لأنها قالت: تعينه بعرق آخر، فهذا معناه أن الكفارة لازمة له، ويحتمِل -كما قال أبو داود - أنها فعلت هذا من غير أن تستأمره، ويحتمل أيضاً أنها قد أبلغته ولكنها هي التي تولت المهمة وراجعت وحصلت من النبي صلى الله عليه وسلم ما حصلت، وأضافت إليه ما أضافت.
[قال أبو داود: وهذا أخو عبادة بن الصامت].
هذا توضيح لهذا الرجل الذي هو أوس بن الصامت، فهو أخو عبادة بن الصامت الصحابي المشهور صاحب الأحاديث الكثيرة الذي يأتي ذكره كثيراً في الأحاديث.(254/5)
تراجم رجال إسناد حديث: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
هو الحسن بن علي الحلواني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا يحيى بن آدم].
هو يحيى بن آدم الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن معمر بن عبد الله بن حنظلة].
الاثنان عبد الله بن إدريس ومحمد بن إسحاق مرّ ذكرهما، ومعمر بن عبد الله بن حنظلة مقبول، أخرج حديثه أبو داود.
[عن يوسف بن عبد الله بن سلام].
يوسف بن عبد الله بن سلام صحابي صغير، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن، وأبوه عبد الله بن سلام هو الصحابي المشهور.
[عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة].
خويلة بنت مالك بن ثعلبة صحابية، خرَّج حديثها أبو داود.(254/6)
الفرق بين كفارة الظهار المؤقت وغير المؤقت وحكم من لم يستطع الإتيان بالكفارة
جاءت المرأة تشتكي ولم يأت زوجها أوس بن الصامت رضي الله عنه على اعتبار أنها هي التي شعرت بأنه يلحقها الضرر بهذا الفراق، وأيضاً يمكن أن يكون هو استحيا؛ لأنه هو الذي حصل منه الأمر الذي ترتب عليه الكفارة.
والكفارة تلزم بحصول الظهار ولو لم يحصل جماع في تلك المدة، فالجماع لا يكون إلا بعد الكفارة، وفي قصة سلمة بن صخر حصل منه الجماع قبل مضي المدة التي حددها لنفسه فلزمته الكفارة، والتماسُّ بينهما -الذي هو الجماع والاستمتاع- لا يكون إلا بعد أداء الكفارة؛ ولكن إذا كانت المدة محددة بأن يقول: (أنت علي كظهر أمي) إلى الليل، ثم لم يقربها حتى جاء الليل فهذا لا يلزمه شيء، ولكن لو جامع قبل انتهاء المدة المحددة لزمته الكفارة، مثلما حصل لـ سلمة بن صخر، فإنه لزمه؛ لأنه حصل منه الجماع قبل انتهاء المدة، لكن إذا كان الظهار مطلقاً فإنه لا جماع ولا التقاء بينهما بالاستمتاع إلا بعد التكفير، كما قال الله عز وجل: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:3].
وإن جامع المظاهر قبل أن يكفر فلا تلزمه كفارة أخرى؛ لأن سلمة بن صخر الذي مرت قصته جامع قبل انتهاء المدة ولم تلزمه كفارة ثانية فوق كفارة الظهار، وهذه الكفارة مثل كفارة من جامع في نهار رمضان.
ومن لم يجد هذه الثلاث الكفارات فلا تسقط عنه الكفارة، وإنما تبقى ديناً في ذمته كسائر الحقوق التي تلزم الناس، وآخر شيء الإطعام، فيلزمه على الترتيب حيث كان قادراً، وإذا كان وقت اللزوم لا يستطيع هذا ولا هذا ولا هذا فإن الكفارة لازمة في ذمته.(254/7)
إسناد آخر لحديث خويلة: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني حدثنا محمد بن سلمة عن ابن إسحاق بهذا الإسناد نحوه، إلا أنه قال: والعَرَق: مكتل يسع ثلاثين صاعاً.
قال أبو داود: وهذا أصح من حديث يحيى بن آدم].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه تفسير العَرَق بأنه مكتل يسع ثلاثين صاعاً، أي: بخلاف الحديث الذي قبله، فإن فيه ستين صاعاً، ويظهر أن أبا داود يرجح هذه الرواية على التي قبلها.
قوله: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني].
عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا محمد بن سلمة].
وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن إسحاق بهذا الإسناد].
ابن إسحاق مر ذكره وذكر من فوقه.(254/8)
شرح أثر أبي سلمة بن عبد الرحمن: (العرق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعاً) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: يعني بالعرق: زنبيلاً يأخذ خمسة عشر صاعاً].
أورد المصنف هذا الأثر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وهو أن العرق زنبيل يسع خمسة عشر صاعاً، وهذا موقوف أو مقطوع ينتهي إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن، وإسناده صحيح.
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبان].
أبان هو: ابن يزيد العطار، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(254/9)
شرح حديث: (كله أنت وأهلك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار بهذا الخبر قال: (فأُتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتمر فأعطاه إياه، وهو قريب من خمسة عشر صاعاً، قال: تصدق بهذا، قال: يا رسول الله! على أفقر مني ومن أهلي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كله أنت وأهلك)].
أورد أبو داود الحديث، وفيه: أنه أعطاه فرقاً يسع قريباً من خمسة عشر صاعاً، وقال: (تصدق به، قال: يا رسول الله! على أفقر مني ومن أهلي؟ قال: كله أنت وأهلك)، وهذا لا يدل على سقوط الكفارة، وإنما يدل على أنه فقير محتاج وأنه أعطي هذا المقدار لا لأنه أخذه كفارة يتصدق به على نفسه؛ لأن كفارة الإنسان لا تكون عليه وإنما تكون لغيره، وهو أعطاه لفقره، ومعلوم أن الكفارة بقيت في ذمته إلى أن يحصل له اليسار والجدَة، فهذا الذي أعطاه إياه لا يعتبر كفارة، وإنما لما أخبر بأنه محتاج فبدلاً من أن يعطيه لغيره وهو أحوج ما يكون إليه أعطاه إياه ليستفيد منه لا لأنه كفارة؛ لأن الكفارة تكون منه لغيره، والكفارة باقية في ذمته.(254/10)
تراجم رجال إسناد حديث: (كله أنت وأهلك)
قوله: [حدثنا ابن السرح].
هو أحمد بن عمرو بن السرح، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن لهيعة وعمرو بن الحارث].
هو: عبد الله بن لهيعة المصري، وهو صدوق ساء حفظه لما احترقت كتبه، ورواية العبادلة عنه كانت قبل اختلاطه بعد احتراق كتبه، وهذه الرواية هي من هذا القبيل؛ لأن الراوي عنه هو أحد العبادلة الأربعة عبد الله بن وهب، ثم أيضاً لم ينفرد بهذه الرواية بل معه عمرو بن الحارث المصري فيها، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكير بن الأشج].
هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن يسار].
هو سليمان بن يسار، وقد مر ذكره.(254/11)
شرح حديث أوس أن النبي أعطاه خمسة عشر صاعاً
[قال أبو داود: قرأت على محمد بن وزير المصري قلت له: حدثكم بشر بن بكر حدثنا الأوزاعي حدثنا عطاء عن أوس أخي عبادة بن الصامت رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه خمسة عشر صاعاً من شعير إطعامَ ستين مسكيناً.
قال أبو داود: وعطاء لم يدرك أوساً وهو من أهل بدر قديم الموت، والحديث مرسل، وإنما رووه عن الأوزاعي عن عطاء أن أوساً].
أوس بن الصامت هو زوج خولة بنت ثعلبة التي مر ذكرها، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه خمسة عشر صاعاً لإطعام ستين مسكيناً، فيكون لكل مسكين مُد، وهذا المقدار هو الذي يتفق مع كفارة المجامعة في نهار رمضان.
وقوله: [قرأت على محمد بن وزير المصري قلت: حدثكم فلان]، هذه الصيغة قليلة الوجود في سنن أبي داود، أي: أن يقول: حدثكم فلان عن فلان عن فلان عن فلان كذا، وهي تأتي في صحيح مسلم كثيراً، وتأتي عند النسائي أيضاً كثيراً، ولها حالتان عند المحدثين: إحداهما: في آخر الحديث يقول: حدثكم فلان عن فلان عن فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، فأقر به.
أي: جواب الاستفهام في قوله: حدثكم.
وأحياناً لا يأتي ذكر (أقر به) ولكنه يكون مقراً به، ويتركون ذلك على سبيل الاختصار، وهذا ليس فيه: (قال: نعم) أو (فأقر به) أي: في آخر الإسناد، وهذا -كما سبق- قليل عند أبي داود.(254/12)
تراجم رجال إسناد حديث أوس أن النبي أعطاه خمسة عشر صاعاً
[قال أبو داود: قرأت على محمد بن وزير المصري].
محمد بن وزير المصري مقبول، أخرج له أبو داود.
[حدثكم بشر بن بكر].
بشر بن بكر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا الأوزاعي].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عطاء].
هو ابن أبي رباح، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أوس].
هو أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت، صحابي، أخرج حديثه أبو داود.(254/13)
الفرق بين الحديث المرسل في اصطلاح الفقهاء والحديث المرسل عند المحدثين
[قال أبو داود: وعطاء لم يدرك أوساً وهو من أهل بدر قديم الموت، والحديث مرسل، وإنما رووه عن الأوزاعي عن عطاء أن أوساً].
المرسل هنا هو بالمعنى العام الذي هو مشهور باصطلاح الفقهاء، حيث إن الحديث المرسل في اصطلاح الفقهاء: أن يروي شخص عن آخر لم يدركه في أي مكان من السند، فيقال له: عند الفقهاء إرسال.
وأما المرسل في اصطلاح المحدثين: هو: قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فيكون الانقطاع هو سقوط الراوي الذي فوق التابعي، فالمرسل عند الفقهاء أوسع من الاصطلاح المشهور عند المحدثين.
والمصنف ذكر المرسل هنا بالمعنى العام عند الفقهاء الذي هو كون الراوي يروي عمن لم يدركه فيقال له: مرسل، ولذا يقال: فلان يرسل.(254/14)
شرح حديث: (أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت فكان إذا اشتد لممه ظاهر من امرأته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن هشام بن عروة (أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت رضي الله عنهما، وكان رجلاً به لمم، فكان إذا اشتد لممه ظاهر من امرأته، فأنزل الله تعالى فيه كفارة الظهار)].
أورد المصنف قصة أوس بن الصامت، وذكر هنا أن زوجته جميلة، وقد مر أن زوجته خولة أو خويلة، ولعلها ذُكرت هنا بوصف من أوصافها، وهناك ذكرت باسمها، وإلا فإن القصة واحدة.
قوله: [(وكان رجلاً به لمم)].
قيل: إن المقصود باللمم: الحاجة إلى النساء، وقيل: اللمم: الغضب والانفعال، وأنه إذا أصابه ذلك ظاهر منها، والذي يظهر أن هذا هو المعنى الصحيح أي: أنه يغضب وأنه يظاهر منها؛ لأنها قد أخبرت أنه شيخ كبير، فهو لم يحصل له مثلما حصل لـ سلمة بن صخر الذي يقول: إن عنده ما ليس عند غيره من الحاجة إلى النساء، فالذي يظهر أن اللمم هنا: أنه إذا حصل له غضب أو انفعال ظاهر من زوجته.(254/15)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت فكان إذا اشتد لممه ظاهر من امرأته)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد عن هشام بن عروة].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والحديث فيه انقطاع، فهو مرسل.(254/16)
إسناد آخر لحديث: (أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت فكان إذا اشتد لممه ظاهر من امرأته) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا محمد بن الفضل حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها مثله].
قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله].
هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا محمد بن الفضل].
هو: أبو النعمان عارم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة].
هو عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عُرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(254/17)
شرح أثر عكرمة: (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يُكفّر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني حدثنا سفيان حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفر، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: رأيت بياض ساقها في القمر، قال: فاعتزلها حتى تكفر عنك)].
هذا الأثر مرسل عن عكرمة، ويبدو أنه يتعلق بقصة سلمة بن صخر الذي واقع امرأته قبل أن يكفر، وكان سبب ذلك أنه رأى بياض ساقها في القمر فواقعها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره باعتزالها حتى يكفر، وهذا دليل على أنه لا تلزمه كفارة أخرى بسبب الوطء قبل انتهاء مدة الظهار، والواجب على من ظاهر أن يعتزل امرأته حتى يكفر، حتى ولو كان معدماً لا يستطيع أن يكفر فإنه يصبر حتى يجد الكفارة؛ لأن الله قال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:3].(254/18)
تراجم رجال إسناد أثر عكرمة: (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يُكفّر)
قوله: [حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني].
إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا سفيان].
هو ابن عيينة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الحكم بن أبان].
الحكم بن أبان صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(254/19)
إسناد آخر لأثر عكرمة: (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يُكفّر) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الزعفراني قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن الحكم بن أبان عن عكرمة (أن رجلاً ظاهر من امرأته فرأى بريق ساقها في القمر، فوقع عليها فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمره أن يكفر)].
هذا مثل الذي قبله.
قوله: [حدثنا الزعفراني].
هو الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[عن سفيان بن عيينة عن الحكم بن أبان عن عكرمة].
قد مر ذكرهم.(254/20)
إسناد ثالث لأثر عكرمة: (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يُكفّر) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زياد بن أيوب حدثنا إسماعيل حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه، ولم يذكر الساق].
أورد المصنف الحديث متصلاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ولم يُذكر الساق]، ويقصد بالساق أي: أن الذي دفعه إلى ذلك أنه رأى ساقها فأعجبه فوقع عليها.
قوله: [حدثنا زياد بن أيوب].
زياد بن أيوب ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا إسماعيل].
إسماعيل بن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس].
مر ذكرهم إلا ابن عباس، وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وواحد من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(254/21)
إسناد رابع لأثر عكرمة: (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يُكفّر) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو كامل أن عبد العزيز بن المختار حدثهم حدثنا خالد حدثني محدث عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنحو حديث سفيان].
أورد المصنف الحديث هنا من طريق أخرى، وأحال إلى حديث سفيان بن عيينة المتقدم.
قوله: [حدثنا أبو كامل].
هو أبو كامل الجحدري الفضيل بن حسين، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.
[أن عبد العزيز بن المختار حدثهم].
عبد العزيز بن المختار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا خالد].
هو: ابن مهران الحذاء، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني محدث].
هو مبهم، حيث لم يُسمّه.
[عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم].
أي: أنه مرسل.(254/22)
إسناد خامس لأثر عكرمة: (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يُكفّر) وتراجم رجاله
[قال أبو داود: وسمعت محمد بن عيسى يحدث به حدثنا المعتمر قال: سمعت الحكم بن أبان يحدث بهذا الحديث، ولم يذكر ابن عباس، قال: عن عكرمة].
أورد المصنف الحديث هنا من طريق أخرى، وهو كذلك منتهٍ إلى عكرمة، فهو من قبيل المرسل.
[قال أبو داود: وسمعت محمد بن عيسى].
محمد بن عيسى هو: الطباع، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا المعتمر].
هو المعتمر بن سليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(254/23)
إسناد سادس لأثر عكرمة: (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يُكفّر) وتراجم رجاله
[قال أبو داود: كتب إلي الحسين بن حريث قال: أخبرنا الفضل بن موسى عن معمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما بمعناه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم].
أورد المصنف الحديث هنا من طريق أخرى مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بمعنى ما تقدم.
[قال أبو داود: كتب إلي الحسين بن حريث].
هو الحسين بن حريث المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[أخبرنا الفضل بن موسى].
هو الفضل بن موسى المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس].
قد مر ذكرهم.(254/24)
الأسئلة(254/25)
ألفاظ الظهار
السؤال
ما هي ألفاظ الظهار؟
الجواب
ألفاظ الظهار: كأن يقول: (أنتِ علي كظهر أمي) أو (كبطن أمي) أو (كأمي) أو أي لفظ يدل على هذا المعنى، ومثل ذلك محارمه، مثل: (كظهر أختي) أو (حرام علي كأختي) أو كأي امرأة من محارمه فإنه كذلك ظهار، ولا يختص الحكم بالأم، ولا يختص بعضو معين لمحارمه كالظهر أو نحوه، فلو ذكر أي شيء من جسم المرأة مثل: ظهرها أو بطنها أو ما إلى ذلك فإنه يقع الظهار.(254/26)
حكم مظاهرة المرأة لزوجها
السؤال
هل يجوز للمرأة أن تظاهِر من زوجها؟
الجواب
المرأة لا تطلِّق ولا تظاهِر، فليس لها طلاق ولا مظاهرة.(254/27)
حكم الظهار
السؤال
هل يُفهم من هذه الأحاديث أن الظهار جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على سلمة ولا على أوس؟
الجواب
كيف لم ينكر؟! أما قال: (أنت بهذا؟! أنت بهذا؟!) يكرر عليه؟! وهذا إنكار، وقد جاء في القرآن أنه منكر من القول وزور، وهو محرم، فكيف يقال: إنه جائز؟!(254/28)
كيفية إطعام ستين مسكيناً
السؤال
بالنسبة للإطعام هل يجوز أن نجمع ستين مسكيناً ونطبخ لهم طعاماً ونعطيهم؟
الجواب
يجوز، لكن كونه يعطيهم شيئاً من الطعام يستفيدون منه أولى، وإن جمعهم وأطعمهم فإنه يجزئه.(254/29)
حكم إعطاء ستين صاعاً لستة مساكين أو نحوهم
السؤال
ما الحكم إذا أعطى ستة مساكين كل مسكين عشرة آصُع؟
الجواب
هذه المسألة اختلف فيها العلماء: منهم من قال: يتعين أن يستوعب ستين مسكيناً، بمعنى: أنه لا بد أن تكون هذه الصدقة توزَّع على ستين شخصاً.
ومنهم من قال: إنه يجوز أن يطعم عشرة مساكين ست مرات، فيكون كأنه أطعم ستين مسكيناً.
والقول الأول عزاه في عون المعبود إلى مالك والشافعي، والقول الثاني عزاه إلى أبي حنيفة، وبلا شك أنه إذا أطعم ستين مسكيناً بدون أن تكون الكفارة متكررة مع بعض المساكين فهو أولى، لكن إذا لم يتيسر تحصيل ستين مسكيناً فإنه لا بأس أن يطعم جماعة من المساكين بعدد ما يكون به استيعاب الكفارة.(254/30)
مقدار المدّ بالكيلو
السؤال
ذكرتم أنه يخرج مُدَّاً لكل مسكين، فما مقدار المُدّ بالكيلو؟
الجواب
الصاع هو: ثلاثة كيلوات، والصاع أربعة أمداد، فالمدّ ربع الصاع، إذاً: المد أقل من كيلو.(254/31)
حكم من مات وعليه كفارة
السؤال
إذا مات الإنسان وعليه كفارة فهل يمكن أن يكفر عنه غيره؟
الجواب
نعم، يمكن أن يتولاها غيره في الحياة وبعد الموت، وبعد الموت لا تعتبر لازمة على الورثة، ولكنها مجزئة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ولا يلزمه، ولكنه إذا صام عنه فإنه يكون أدى ما عليه.(254/32)
حكم من مات وعليه مخالفات مرورية
السؤال
ما حكم من مات وعليه مخالفات مرورية، هل تعتبر ديناً؟
الجواب
يُرجع في هذا إلى المرور.(254/33)
حكم من جعل ديدنه غيبة ولي الأمر
السؤال
هل يصدق على من جعل ديدنه غيبة ولي الأمر في المجالس أنه خالع للبيعة؟
الجواب
لا شك أن هذا العمل من الأعمال السيئة التي فيها تنفير القلوب وإيجاد الوحشة، وهذا لا يسوغ، ولكن لا يقال: إن هذا فيه خلع للبيعة، وإنما هذا عمل منكر وعمل لا يسوغ، ويمكن أن يؤدي إلى الخلع للبيعة من ناحية تنفير القلوب وحصول التشويش وتأليب الناس؛ فتحصل الفتن بسبب ذلك.(254/34)
حكم استمتاع المظاهر من زوجته بدون جماع
السؤال
ما حكم استمتاع المظاهر من زوجته بغير الجماع؟
الجواب
اختلف العلماء في هذا: منهم من قال: إن التماسَّ إنما يكون بالجماع.
ومنهم من قال: إنه يكون بكل استمتاع.
والذي يظهر أنه ليس له أن يستمتع منها أي استمتاع حتى يكفِّر.(254/35)
الضابط في عدم القدرة على الصيام
السؤال
ما هو الضابط في عدم قدرة الرجل على الصيام بحيث ينتقل إلى الكفارة التي هي الإطعام؟ وهل هو كبر السن؟
الجواب
لا شك أن كبر السن من الأسباب، كما قالت المجادلة عن زوجها: إنه كبير السن كما في حديث خولة، ومنها: أن يكون فيه مرض لا يستطيع معه الصيام.(254/36)
حكم اتخاذ وليمة العرس بمقام إطعام ستين مسكيناً
السؤال
هل يستطيع إنسان في وليمة عرسه أن ينوي بها أنها كفارة لستين مسكيناً؟
الجواب
ليس له ذلك، والذين حضروا كثير منهم ليسوا مساكين، بل حتى ولو كانوا مساكين فما يصح أن تكون الوليمة هي الكفارة؛ لأن الوليمة سبب للعرس، وأما الكفارة فهذه جزاء عن الخلل الذي حصل منه.(254/37)
حكم من لم يصبر عن الجماع فعدل عن صيام شهرين متتابعين إلى إطعام ستين مسكيناً
السؤال
هل تعتبر قلة الصبر عن الجماع عذر في الانتقال إلى الإطعام بدل صيام شهرين؟
الجواب
نعم يعتبر، إذا كان لا يستطيع وليس له قدره على كبح شهوته، مثلما جاء في قصة سلمة.(254/38)
حكم نظر الخاطب إلى صورة المخطوبة
السؤال
هل يجوز نظر الخاطب إلى صورة المخطوبة إذا تعذر عليه أن ينظر إليها بعينه؟
الجواب
ليس للمخطوبة أن تصور نفسها، وليس لها أن تدفع الصورة إلى من يخطبها، بل إن تيسر له أن يراها سواء كان عن طريق المشاهدة -مع التستر ولا يبدو إلا وجهها ويداها- أو عن طريق النظر إليها من شباك أو من فتحة باب أو ما إلى ذلك، وأما قضية التصوير ودفع الصور فهذا لا يصلح ولا يليق، بل يُخشى أن يحتفظ الخاطب بالصورة ويخرج منها نسخاً وتُنشر، وهذا لا يصلح ولا يجوز.(254/39)
حكم التحديث بما يقع بين الزوجين
السؤال
هل في حديث سلمة دلالة على جواز التحدث بما يقع بين الزوجين؟
الجواب
الذي حصل أنه أخبر وهو يبحث عن الحكم لأنه مستفتٍ؛ لكن ليس فيه ذكر كيفية الجماع وكيفية الاستمتاع وما إلى ذلك، وإنما ذكر الذي حصل له، وليس فيه التحدث بما حصل بين الزوجين، والحديث ليس فيه شيء من هذا، وإنما فيه أنه رآها وأعجبته ووقع عليها، وقد كان ظاهر منها مدة شهر.
وأما قوله: إنه لا يصبر على ما يصبر غيره، وإن عنده قوة، فهذا فيه بيان السبب الذي جعله يقدم على ما أقدم عليه، وهذا من باب الاعتذار بأنه شديد الشهوة، وليس فيه التحدث عن كيفية جماعه، وإنما هو يخبر عن حاله مستفتياً وأنه لم يصبر هذه المدة التي ظاهر منها، وهي مدة شهر رمضان.(254/40)
موقف أهل السنة من الأشاعرة
السؤال
هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة؟
الجواب
ليسوا من أهل السنة والجماعة؛ ولكنهم أقرب من غيرهم إلى أهل السنة والجماعة، وإلا فأهل السنة والجماعة هم الذين كانوا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومعلوم أن عقيدة الأشاعرة لا يعرفها الصحابة، ولم تكن وجدت في زمن الصحابة، وإنما نبتت بعد الصحابة، فهل يعقل أن يكون هذا خيراً فات الصحابة وادُّخر لمن جاء بعدهم؟! لا يعقل، فالصحابة هم أولى الناس بكل خير، وهم أسرع الناس إلى كل خير، وهم أحرص الناس على كل خير.
فعقيدة الأشاعرة عقيدة نابتة، وخير هذه الأمة لا يعرفونها، والعقيدة التي فيها الفلاح: هي التي كان عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال مالك: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها، وقال: ما لم يكن ديناً في زمن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإنه لا يكون ديناً إلى قيام الساعة.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) وعقيدتهم لم تأتِ عن الرسول ولا عن الخلفاء الراشدين، وقال: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي).(254/41)
شرح سنن أبي داود [255]
كما جعل الله للزوج مخرجاً بالطلاق إن أبغض زوجته فقد جعل للمرأة مخرجاً بالخلع إن أبغضت زوجها، فتعطيه مالاً تفتدي نفسها به، وتخرج من عصمته، وعليها العدة بحيضة، ثم لها أن تتزوج من شاءت، وهذا الحكم من محاسن الشريعة، وفيه تظهر رحمة الشريعة بالمرأة.(255/1)
الخُلع(255/2)
شرح حديث: (أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير ما بأس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الخلع.
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة)].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الخلع]، الخلع هو: إنهاء عقد الزواج على عوض تدفعه المرأة للزوج لتتخلص منه بهذا المال الذي تدفعه إليه.
وقد أورد المصنف حديث ثوبان رضي الله عنه: [(أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة)]، وهذا يدل على أنه لا يجوز للمرأة أن تسأل الطلاق إلا لأمر يقتضيه ويُحتاج إليه، أما أن تسأله من غير بأس ومن غير أمر يقتضيه ففيه هذا الوعيد الشديد الذي يدلنا على تحريمه وأنه لا يسوغ، وهو يدل على أن الطلاق ليس بمحبوب ولا مرغوب، وقد سبق حديث: (إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، وهذا يبين أن الطلاق إنما يُصار إليه للحاجة، وأن المرأة إذا سألت الطلاق من غير الحاجة فهي متوعَّدة بهذا الوعيد الشديد.
وذكره هنا في باب الخلع؛ لأن الخلع هو من قبل المرأة التي ترغب الخلاص من زوجها، وتدفع له شيئاً مقابل تخلصها منه، إما أن تدفع له مثل الذي دفعه أو أقل أو أكثر حسب ما يتفقان عليه، إلا أنه لا ينبغي ولا يليق للزوج أن يأخذ من زوجته أكثر من المهر الذي أعطاها إياه.
ولا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها إلا إذا كان لسبب من الأسباب المعتبرة، ككونها تبغضه أو أنه يعاملها معاملة سيئة فهذا من الأسباب التي تجعل المرأة تطلب الطلاق، أما مع الوئام والاتفاق وليس هناك شيء يقتضيه ففيه هذا الوعيد الشديد الذي جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(حرام عليها رائحة الجنة)] قيل: إن المقصود بذلك أن هذا من أحاديث الوعيد التي يجب أن يخافها الناس وأن يرهبوا مما جاء فيها من الوعيد.
ومن العلماء من قال: إن المقصود بذلك أنه في وقت دون وقت، بمعنى: أنه ليس حرام عليها الجنة دائماً وأبداً، وإنما لا يحصل لها ذلك كما يحصل لمن يدخل الجنة من أول وهلة، فإنها وإن دخلت النار إذا شاء الله أن تدخل النار فلا بد أن تخرج من النار وتدخل الجنة، ولا يبقى في النار إلا الكفار الذين هم أهلها، والذين لا سبيل لهم إلى الخروج منها، ولا سبيل لهم إلى دخول الجنة.
وليس هناك دليل يدل على أن الزوج يدخل في هذا الوعيد إذا طلق زوجته من غير حاجة، لكنه لا ينبغي ولا يليق وعليه أن يتقي الله عز وجل.(255/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير ما بأس)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو ابن زيد بن درهم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء حماد غير منسوب يروي عنه سليمان بن حرب فالمراد به حماد بن زيد، كما أن موسى بن إسماعيل إذا جاء عن حماد غير منسوب فالمراد به حماد بن سلمة، ويُعرف تعيين أحدهما عند إهماله بمعرفة التلاميذ؛ لأن كلاً منهم اختص بتلاميذ، فعند إهماله وعدم تسمية نسبته يُعرف بتلميذه أنه فلان بن فلان.
والمزي رحمه الله تعالى في تهذيب الكمال عقب ترجمة حماد بن سلمة -التي هي بعد ترجمة حماد بن زيد مباشرة- ذكر فصلاً بين فيه من يكون عند الإبهام وأنه يُعرف بالتلاميذ، إذا روى فلان أو فلان أو فلان عن حماد فهو فلان، وإذا روى فلان أو فلان أو فلان عن حماد فهو فلان، فذكر أشياء فيها تعيين أحد الحمَّادين.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة].
هو عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي أسماء].
هو عمرو بن مرفد الرحبي، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ثوبان].
ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.(255/4)
شرح حديث: (لا أنا ولا ثابت بن قيس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية (أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنهما، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى وسلم: من هذه؟ فقالت: أنا حبيبة بنت سهل، قال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس -لزوجها-، فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هذه حبيبة بنت سهل، وذكرَتْ ما شاء الله أن تذكر، وقالت حبيبة: يا رسول الله! كل ما أعطاني عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لـ ثابت بن قيس: خذ منها، فأخذ منها وجلست هي في أهلها)].
أورد المصنف حديث حبيبة بنت سهل رضي الله تعالى عنها، وكانت تحت ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، وثابت بن قيس بن شماس هو صاحب القصة في سبب نزول قول الله عز وجل: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2] فقد وكان جهوري الصوت، فخشي أن يكون ممن نزلت فيه هذه الآية، فجلس في بيته يبكي، وفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأل عنه، سعد بن معاذ، فقال: أنا آتيك بخبره، فذهب إليه، فأخبره ثابت بالسبب الذي جعله ينعزل في بيته، فجاء سعد بن معاذ وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: (إنه من أهل الجنة) فهو ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
قوله: [(قال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس)] تعني: لا نجتمع، لا أنا ولا هو ولا نبقى على ما كنا عليه، أي: تريد الخلاص منه وتريد فراقه.
فلما جاء زوجها ثابت بن قيس بن شماس قالت ما شاء الله أن تقول مما في نفسها، ومما قالته: كل الذي أعطاني عندي، أي: الذي أعطاها من المهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [(خذ منها، وجلست هي في أهلها) وهذا يدل على أن المختلعة ليس لها نفقة؛ لأنها جلست في بيت أهلها، فلا نفقة لها ولا سكن بعد أن انتهى عقد الزواج الذي بينهما بالفسخ الذي قد حصل على خلاف بين أهل العلم: هل الخلع يكون فسخاً أو يكون طلاقاً؟ ولكن الأدلة واضحة في أنه فسخ وليس بطلاق، والفسخ بينونة، وإن أرادوا الرجعة فيكون بينهما زواج جديد؛ لأن العقد الأول قد انتهى بالفسخ.
والطلاق -كما هو معلوم- له عدة، والفسخ تستبرأ بحيضة فقط حتى يُعلم براءة رحمها، مثل المسبية التي تُستبرأ بحيضة، وأما إذا كان طلقها طلاقاً فهذه يكون عليها عدة وهي ثلاث حيض إذا كانت تحيض.
قوله: [(وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى الصبح، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس)].
أي: في صلاة الفجر، والغلس أي: الظلام.
وإذا كان الخلع بدون عوض فلا يسمى خلعاً؛ لأنه لا يوجد خلع بدون عوض، بل لا بد من العوض.
وإذا أراد الزوج أن يراجع زوجته المختلعة فليس له مراجعة، وإنما يحتاج إلى عقد للزواج.
وللزوج أن يرفض طلب زوجته في الخلع، إلا إذا كانت لا تستطيع العيش معه لسوء عشرة، ورأوا الأمر ما استقام، فكما قال الله عز وجل: {فَابْعَثُوا حَكَمَاً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمَاً مِنْ أَهْلِهَا} [النساء:35].
فإن كانت المختلعة حاملاً فعدتها وضع الحمل.(255/5)
تراجم رجال إسناد حديث: (لا أنا ولا ثابت بن قيس)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله من مسلمة بن قعنب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهور من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرة بنت عبد الرحمن].
عمرة بنت عبد الرحمن ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[عن حبيبة بنت سهل].
حبيبة بنت سهل رضي الله عنها، أخرج حديثها أبو داود والنسائي.(255/6)
شرح حديث: (خذ بعض مالها وفارقها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن معمر حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو حدثنا أبو عمرو السدوسي المديني عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها (أن حبيبة بنت سهل رضي الله عنها كانت عند ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، فضربها فكسر بعضها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الصبح فاشتكته إليه، فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثابتاً، فقال: خذ بعض مالها وفارقها، فقال: ويصلح ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم، قال: فإني أصدقتُها حديقتين وهما بيدها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: خذهما وفارقها، ففعل)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في قصة حبيبة بنت سهل وزوجها ثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنهما، وفيه: أنها جاءت بعد صلاة الصبح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه بيان السبب الذي جعلها تأتي وتشتكي، وهو أنه ضربها وكسر بعضها، وجاء في بعض الروايات (أنه كسر يدها)، فهذا هو السبب، ولعله حصل في الليل فبادرت بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم من منزله إلى الصلاة، وجاءت إليه تشتكي زوجها ثابت بن قيس بن شماس، ففي هذا بيان السبب الذي جعلها تأتي في هذا الوقت في الغلس وفي الظلام، حيث أرادت أن تبادر بالشكوى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقرب وقت ممكن، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذ بعض مالها، فقال: وَيصلح ذلك؟ -يعني: هل يصلح أن آخذ منها شيئاً؟ - فقال: نعم، فقال: إني أصدقتها حديقتين وهما عندها، قال: خذهما وفارقها)، فهذا فيه تعيين المهر الذي أصدقها إياه وأنه حديقتان، ويدل على أنه أخذ الحديقتين، وقوله: (خذ بعض مالها) يعني بذلك بعض ما بيدها؛ لأن الحديقتين هما بعض ما بيدها؛ ولكن الشيء الذي دفعه وسلمه إياها هو الحديقتان، فأخذهما.
وقد جاءت في بعض الروايات أن زوجة ثابت كانت تريد مفارقته لدمامته، لكن هذا الحديث فيه أن السبب هو معاملته، حيث إنه ضربها وكسر يدها، وإن كانت أسباب اجتمع بعضها إلى بعض؛ لكن لا أدري عن ثبوت كونه كان دميماً.
والحديث لا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر ضرب ثابت لزوجته، فعدم الذكر لا يدل على عدم الإنكار.(255/7)
تراجم رجال إسناد حديث: (خذ بعض مالها وفارقها)
قوله: [حدثنا محمد بن معمر].
هو محمد بن معمر البحراني، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب.
[حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو].
هو أبو عامر عبد الملك بن عمرو، وهو العقدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو عمرو السدوسي المديني].
هو سعيد بن سلمة بن أبي حسام، وإلا فهو مجهول، وسعيد بن سلمة صدوق صحيح الكتاب، يخطئ من حفظه، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.
[عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرة عن عائشة].
عمرة قد مر ذكرها، وعائشة هي: أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من السبعة الذين عُرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(255/8)
شرح حديث: (أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزاز حدثنا علي بن بحر القطان حدثنا هشام بن يوسف عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن ابن عباس (أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدتها حيضة).
قال أبو داود: وهذا الحديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلاً].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن حبيبة بنت سهل اختلعت من زوجها فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة واحدة، ولم يجعل عدتها ثلاثة قروء، فهذا يدل على أنه فسخ وليس بطلاق؛ لأن الطلاق تكون فيه العدة ثلاثة أقراء.(255/9)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة)
قوله: [حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزاز].
محمد بن عبد الرحيم البزاز هو الملقب بـ صاعقة، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا علي بن بحر القطان].
علي بن بحر القطان ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي.
[حدثنا هشام بن يوسف].
هشام بن يوسف ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن معمر].
هو ابن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن مسلم].
عمرو بن مسلم صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن عكرمة عن ابن عباس].
عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(255/10)
الاختلاف في رفع الحديث السابق وإرساله
[قال أبو داود: وهذا الحديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً].
أورد المصنف إشارة إلى طريق أخرى فيها إرسال عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر ابن عباس.
وعبد الرزاق هو ابن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(255/11)
شرح أثر ابن عمر: (عدة المختلعة حيضة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: عدة المختلعة حيضة].
أورد المصنف الأثر عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: عدة المختلعة حيضة، وهو مطابق لما جاء في حديث ابن عباس المتقدم من أن عدتها حيضة واحدة.(255/12)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عمر (عدة المختلعة حيضة)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر].
نافع هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(255/13)
شرح سنن أبي داود [256]
من المسائل المتعلقة بالرقيق: حكم المملوكة إذا عتقت وهي تحت حر أو عبد، وقد اختلف الفقهاء في ذلك لاختلاف الروايات الواردة في قصة بريرة عندما عتقت، ففي بعضها أن زوجها كان حراً، وفي بعضها أنه كان عبداً.(256/1)
المملوكة تعتق وهي تحت حر أو عبد(256/2)
شرح حديث: (يا بريرة اتقي الله فإنه زوجك وأبو ولدك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المملوكة تعتَق وهي تحت حر أو عبد.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن مغيثاً كان عبداً فقال: يا رسول الله! اشفع لي إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بريرة! اتقي الله فإنه زوجك وأبو ولدك، فقالت: يا رسول الله! أتأمرني بذلك؟ قال: لا، إنما أنا شافع، فكأن دموعه تسيل على خده، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس رضي الله عنه: ألا تعجب من حب مغيث بريرة وبغضها إياه؟!)].
قوله: [باب في المملوكة تعتَق وهي تحت حر أو عبد] يعني: الزوجة الأمة يحصل لها عتق وزوجها حر أو عبد، فإن كان زوجها حراً فإنها تساوت معه في الحرية؛ لأنها ارتفعت من حالتها الناقصة إلى أن صارت مساوية له، وعلى هذا لا تخيير لها؛ لأن كل ما في الأمر أنها انتقلت من كونها أمة إلى كونها حرة، فصارت حرة تحت حر، فليس لها خيار في التخلص من زوجها، أو ترك زوجها، وإنما هي باقية على الزوجية؛ لأنها صارت مساوية، أما إذا كانت أمة تحت عبد كقصة بريرة فإنها تخيَّر: إن أرادت تستمر معه استمرت، وإن أرادت الفراق فإن لها ذلك، وهذا في استدامة النكاح، وإلا فإن ابتداء عقد جديد لا يجوز، إذ ليس للعبد أن يتزوج بالحرة؛ لأن الزوج يجب أن يكون أعلى من المرأة ليكون قواماً عليها، ولا يكون ناقصاً بالعبودية وهي عندها الحرية، فلا يجوز ابتداءً عقد الزواج، وهذه من صور القاعدة المشهورة: (يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء) مثل الطيب في الإحرام: فالإنسان لا يتطيب وهو محرم، ولكن الطيب الذي كان موجوداً قبل الإحرام يستديمه، ولا بأس بذلك، وكذلك إذا أذن المؤذن في رمضان والإنسان يشرب فإنه يواصل؛ لأنه يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء، لكن ليس له أن يشرب بعدما يسمع المؤذن، ولكن إذا أذن وهو يشرب فله أن يكمل الشرب، وهكذا ليس للعبد أن يعقد على الحرة، ولكن الأمة إذا عتقت فصارت حرة وزوجها لا يزال في العبودية فإن لها أن تبقى معه ولها أن تتركه، وإذا بقيت معه فهو من قبيل: (يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء).
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن بريرة -وهي مولاة عائشة - كانت تحت زوجها مغيث، فلما أُعتقت خيّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت الفراق، وكان مغيث شديد الحب لها وهي شديدة البغض له، فطلب مغيث من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع له إلى بريرة بأن توافق على أن يبقى العقد مستمراً بينهما، فأبت وقالت: (أتأمرني؟ قال: لا، إنما أنا شافع) وهذا يدل على أن الأصل في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه للوجوب، وأنه لا سبيل إلى معارضته وإلى تركه، كما قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرَاً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، فلم تقبل؛ لأن المسألة كانت شفاعةً فقط وليس أمراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم تقبل؛ وذلك لشدة بغضها له، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس: (ألا تعجب من شدة حبه لها وبغضها إياه؟!) وكانت دموعه تسيل على خديه بسبب هذا الفراق الذي قد حصل.
والمسألة التي أشرنا إليها أن العبد ليس له أن يتزوج الأمة يقابلها أن الحر له يتزوج الأمة، عند الضرورة للآية الكريمة: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء:25]، فدلت على أنه عند الضرورة له أن يتزوج الأمة؛ ولكنها إذا أعتقت فإنها تكون مساوية له في الحرية، فلا يترتب على ذلك شيء وليس لها خيار.(256/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (يا بريرة اتقي الله فإنه زوجك وأبو ولدك)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد هو ابن سلمة، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن خالد الحذاء].
هو خالد بن مهران الحذاء، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والحذاء لقب اشتهر به، وقيل له: الحذاء؛ لأنه كان يجلس عند الحذَّائين، ولم يكن يبيع الأحذية ولا يصنع الأحذية، والمتبادَر إلى الذهن أنه كان يصنع الأحذية أو يبيعها، وليس هناك شيء من هذا، وإنما كان يجلس عند الحذَّائين فقيل له: الحذاء، وقيل: إنه كان يقول للحذَّاء: احذُ على كذا، يعني: على شيء يُرسم، يعني: اقطع أو اعمل نعلاً على هذا القياس أو هذا المقاس.
فهذه النسبة لا تتبادر إلى الذهن، إذ لا يتبادر إلى الذهن أنه كان يجلس عند الحذَّائين وإنما المتبادَر إلى الذهن أنه إما كان يصنع الأحذية وإما كان يبيع الأحذية، وليس الأمر كذلك كما سبق.
[عن عكرمة عن ابن عباس].
قد مر ذكرهما.(256/4)
شرح أثر ابن عباس: (أن زوج بريرة كان عبداً أسود يسمى مغيثاً فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن زوج بريرة كان عبداً أسود يسمى مغيثاً، فخيرها -يعني: النبي صلى الله عليه وآله وسلم- وأمرها أن تعتد)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس: [(أن زوج بريرة كان عبداً أسود يسمى مغيثاً، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد)].
أي: لما اختارت الفراق أمرها أن تعتد بحيضة، وقد سبق أن مر الحديث في ذلك عن ابن عباس والأثر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهذا دليل واضح على أنه كان عبداً؛ لأنه ذكر كونه عبداً وذكر وصفه وذكر أنه يسمى مغيثاً، فهذا يدل على أنه كان عبداً وليس حراً كما في بعض الروايات التي ستأتي، وبعض أهل العلم يقول: كان حراً، والصحيح أنه كان عبداً.
قوله: [وأمرها أن تعتد] هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم: منهم من قال: إنها لا تعتد إلا بحيضة لاستبراء رحمها.
ومنهم من قال: إنها تعتد بثلاثة أقراء.(256/5)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (أن زوج بريرة كان عبداً أسود يسمى مغيثاً فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وإلا النسائي فإن إخراجه له في (عمل اليوم والليلة) وليس في السنن.
[حدثنا عفان].
هو عفان بن مسلم الصفار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا همام].
هو همام بن يحيى العوذي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة عن ابن عباس].
وقد مر ذكرهما.(256/6)
أقوال أهل العلم في اعتداد المخلوعة
الحديث السابق أخرجه البخاري مختصراً، وأخرجه بمعناه الترمذي وابن ماجة في الطلاق، باب خيار الأمة إذا أعتقت، بلفظ (أُمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض)، وأخرجه النسائي، وأخرجه كذلك الدارقطني زاد فيه: (أن تعتد عدة الحرة)].
لكن ابن القيم في تهذيب السنن.
أشار إلى تقوية أنها تعتد بحيضة.
وهذا يدل على أنه فسخ فتعتد حيضة، ومن قال: إن حكمه حكم الطلاق فتعتد بثلاث حيض، والعلماء اختلفوا هل تخيير الحرة التي تحت العبد طلاق أو فسخ؟ فكان الخلاف في كونها تعتد عدة المطلقة أو عدة المفسوخة المختلعة.
يقول ابن القيم: (ويبعد أن تكون الثلاث حيض محفوظة، فإن مذهب عائشة رضي الله عنها أن الأقراء: الأطهار، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المختلعة أن تستبرئ بحيضة كما تقدم، فهذه أولى، ولأن الأقراء الثلاث إنما جُعلت في حق المطلقة ليطول زمن الرجعة، فيتمكن زوجها من رجعتها متى شاء، ثم أُجري الطلاق كله مجرىً واحداً، وطرد هذا أن المزني بها تستبرئ بحيضة، وهذا نص عليه أحمد، وبالجملة فالأمر بالتربص ثلاثة قروء إنما هو للمطلقة، والمعتقة إذا فسخت فهي بالمختلعة والأمة المستبرأة أشبه، إذ المقصود براءة رحمها، فالاستدلال على تعدد الأقراء في حقها بالآية غير صحيح؛ لأنها ليست مطلقة، ولو كانت مطلقة لثبت لزوجها عليها الرجعة).
وقبل ذلك يقول ابن القيم: (وروى ابن ماجة في سننه قال: أخبرنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض) وهذا مع أنه إسناد الصحيحين فلم يروه أحد من أهل الكتب الستة إلا ابن ماجة).
انتهى كلام ابن القيم.
أقول: إذا انفرد ابن ماجة فيه فيكفي.(256/7)
شرح أثر عائشة في قصة بريرة: (كان زوجها عبداً فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان حراً لم يخيرها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة قالت (كان زوجها عبداً فخيرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاختارت نفسها، ولو كان حراً لم يخيرها)].
أورد المصنف حديث عائشة رضي الله عنها أنه كان عبداً، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خيرها (فاختارت نفسها، ولو كان حراً لم يخيرها) يعني: لو كان حراً وكانت زوجته أمة ثم عتقت لم يخيرها؛ لأنه يكون مساوياً لها، حيث كان هو حر وهي أمة، فلما أعتقت صارت حرة فتساوى هو وإياها، فليس لها حينئذٍ تخيير.
وكلمة (ولو كان حراً لم يخيرها) قيل: هذا مُدرج.(256/8)
تراجم رجال إسناد أثر عائشة في قصة بريرة: (كان زوجها عبداً فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان حراً لم يخيرها)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة].
هو هشام بن عروة بن الزبير، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة رضي الله عنها: وقد مر ذكرها.(256/9)
شرح أثر عائشة: (أن بريرة خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زوجها عبداً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي والوليد بن عقبة عن زائدة عن سماك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها (أن بريرة خيرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان زوجها عبداً)].
أورد المصنف هذا الحديث من طريق أخرى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة أي: لما أعتقت، قالت: (وكان زوجها عبداً).
فهذه الأحاديث عن عائشة تدل على أن زوج بريرة كان عبداً، وهي كانت أمة ولكنها حصل لها العتق فصارت حرة، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها صارت أعلى منه في المنزلة والدرجة، حيث إنه عبد وهي حرة.(256/10)
تراجم رجال إسناد أثر عائشة: (أن بريرة خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زوجها عبداً)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي].
هو حسين بن علي الجعفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[والوليد بن عقبة].
الوليد بن عقبة صدوق، أخرج له أبو داود.
[عن زائدة].
هو زائدة بن قدامة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك].
هو سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الرحمن بن القاسم].
عبد الرحمن بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة رضي الله عنها قد مر ذكرها.(256/11)
من قال كان زوج بريرة حراً(256/12)
شرح أثر عائشة: (أن زوج بريرة كان حراً حيث أُعتقت)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: كان حراً.
حدثنا ابن كثير أخبرنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها (أن زوج بريرة كان حراً حين أعتقت، وأنها خُيرت فقالت: ما أحب أن أكون معه وأن لي كذا وكذا)].
قوله: [باب من قال: كان حراً] يعني: من قال: إن زوج بريرة كان حراً؛ لأن الذي مضى يدل على أنه كان عبداً، وهنا قال: [من قال: كان حراً].
وأورد حديث الأسود عن عائشة (أن زوج بريرة كان حراً حين أُعتقت، وأنها خُيرت فقالت: ما أحب أن أكون معه وأن لي كذا وكذا، أي: أنها عازمة على عدم الرجوع إليه وعدم البقاء في عصمته، وهذا اللفظ: (كان حراً) قيل: إنه مُدرج، أدرجه الأسود، ثم الذين رووا عن عائشة (أنه كان عبداً) كانوا ألصق بـ عائشة من الأسود؛ لأن عروة ابن أختها، والقاسم ابن أخيها، فروايتهما عن عائشة (أنه كان عبداً) مقدمة على رواية الأسود: (أنه كان حراً)، ثم أيضاً قيل: إن هذا اللفظ الزائد مدرج من كلام الأسود.
فإذاً: لا معارضة بين النصوص التي دلت على أنه كان عبداً.
ثم إنه لو كان حراً ثم أُعتقت هي فتكون قد ساوته فلا تُخير؛ لأنها كانت أقل منه درجة فارتفعت إلى أن كانت مثله؛ لكن التخيير حصل لكونها كانت مثله نازلة ثم ارتفعت عنه، وصارت لها الحرية وهو باقٍ في العبودية، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم.(256/13)
تراجم رجال إسناد أثر عائشة: (أن زوج بريرة كان حراً حيث أُعتقت)
قوله: [حدثنا ابن كثير].
هو محمد بن كثير العبدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
هو ابن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
هو منصور بن المعتمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم].
هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة فقيه مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهو الذي ذكر ابن القيم في زاد المعاد أنه اشتهر عنه التعبير بعبارة (ما لا نفس له سائلة، لم ينجس الماء إذا مات فيه) قال ابن القيم: (أول من عبر بهذه العبارة: إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده)، وهذه القاعدة مأخوذة من حديث الذباب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد من وقع الذباب في إنائه أن يغمسه في الماء أو في الإناء؛ لأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء) فهو عندما يقع ينزل الداء ويُرفع الشفاء، فإذا غُمس الجناح الذي فيه الشفاء قابل الذي فيه الداء فجاء الشفاء، قالوا: ويحتمِل أن يكون الماء حاراً فإن غمس فيه مات، فدل هذا على عدم نجاسته.
وما لا نفس له سائلة مثل الجراد ليس فيه دم، ولا ينجس الماء إذا مات فيه الذباب أو غيره مما لا دم فيه، وكذلك الجراد لا ينجس الماء إذا مات فيه، فعبر إبراهيم النخعي بهذه العبارة.
على أن ابن القيم في كتاب (الروح) لما جاء عند الكلام على النفس والفرق بينها وبين الروح، قال: إن النفس تأتي بمعنى الدم، ثم قال: وفي الحديث: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه)! فهذا يعارض ما جاء في (زاد المعاد في هدي خير العباد) من أن (أول من عبر بهذه العبارة: إبراهيم النخعي)، وهذا يُستدل به على أن تأليفه للروح كان في زمن متقدم، ولهذا فإن فيه منامات وأشياء غريبة يذكرها ابن القيم، وهذا يُشعر بأن تأليفه لكتاب (الروح) كان في زمن متقدم.
[عن الأسود].
هو ابن زيد بن قيس النخعي، ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة رضي الله عنها قد مر ذكرها.(256/14)
الأسئلة(256/15)
حكم إرث المرأة المختلعة من زوجها أثناء العدة
السؤال
إذا اختلعت المرأة من زوجها، وتوفي زوجها المخالع لها أثناء العدة هل ترثه؟
الجواب
لا يوجد توارث.(256/16)
حكم الكلام في الأمور الغيبية بغير علم
السؤال
قرأنا كلاماً لشخص يسمى: أحمد الكبيسي يقول فيه: [إن الروح جسم أثيري أزلي، وأن الموتى يتعارفون في القبور، وأن الإنسان إذا دفن فإنه يبقى يعرف حال أهله إلى يوم القيامة] فما رأيكم في هذا الكلام؟
الجواب
هذه أمور غيب، وأمور الغيب لا يقال فيها إلا بالدليل، وما نعلم شيئاً يدل على هذا، ثم قوله: أزلي، يعني أنه قديم لا بداية له! وهذا غلط، إذ كيف تكون الروح أزلية وهي مخلوقة؟! وقوله: [وأن الموتى يتعارفون في القبور، وأن الإنسان إذا دفن فإنه يبقى يعرف حال أهله إلى يوم القيامة].
هذا ليس بصحيح، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فيردون على الحوض فأقول: أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدري، فكيف بغيره من الناس؟!(256/17)
عدم صحة مجيء الميت في المنام مذكراً أهله أو معاتباً
السؤال
من الشبه: أن هناك رؤى لبعض الموتى يعاتبون أهليهم ببعض الأفعال السيئة، أو مثلاً إذا جاء عيد الأضحى ولم يضح الولد فربما يرى رؤيا، فيقول: جاء ليوبخني على شيء لم أفعله، وأنا رأيت أبي في المنام يقول: يا ولدي لماذا لم تفعل كذا؟ أو يعاتبني على فعل معين، فما قولكم في هذا؟
الجواب
ما دام أنه قال في الحديث: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) فهذا يدل على أنه لا أحد من الموتى يعلم ما يكون في الدنيا.
وأما أن أهل القبور يتزاورون فهذه أمور غيبية ما أعلم شيئاً يدل عليها، وما معنى كونهم يتزاورون؟! هل يخرجون من قبورهم؟! لا أحد يخرج من القبر إلا عند البعث والنشور، ورسول الله أول من ينشق عنه القبر كما قال: (وأنا أول من ينشق عنه القبر)، وفي حديث منكر ونكير: (هذا مضجعك حتى يبعثك الله) فالأرواح ليست كالأجساد، كما جاء في الحديث: (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) فأمر الأرواح يختلف عن الأجساد، وأما أن الأرواح هي التي تتزاور فالله أعلم، وهذه أمور غيبية لا تقال إلا بدليل، وإلا فالسكوت أسلم.(256/18)
حكم من رضع من امرأة ليلة كاملة
السؤال
أرضعتني خالتي فسألتها: هل أكملت خمس رضعات؟ فقالت: أظن ذلك، وقالت: إنها أرضعتني ليلة كاملة، فهل تعتبر أماً لي في الرضاعة؟
الجواب
الأصل هو عدم الرضاع إلا إذا تحققت الخمس الرضعات فأكثر، وإذا لم يحصل ذلك فالأصل هو عدمه حتى يتحقق وجود الخمس، فإذا كانت متحققة فنعم، وأما إذا كانت غير متحققة فلا يعتبر؛ لكن قد يأتي وقت من الأوقات يتبين أنها تحققت، فيكون الإشكال في التخلص أو فك الزواج إن كان قد حصل من إحدى بناتها.(256/19)
حكم دفع شيء للزوج بعد أن يطلق ليصبح الطلاق خلعاً
السؤال
هذان سؤالان متقاربان: يقول الأول: بعض النساء في مجتمعنا إذا طُلقت دفعت شيئاً بعد الطلاق، واعتبرته خلعاً حتى تعتد بحيضة وتتزوج من آخر.
والثاني يقول: زميل لنا طلق زوجته، فلما سمعت الزوجة وأمها خبر الطلاق قامت أم الزوجة ودفعت للزوج شيئاً من المال، واعتبرته خلعاً حتى لا يبقى للزوج حق الرجعة.
فهل يعتبر هذا خلعاً بعد الطلاق؟
الجواب
هذا ليس خلعاً، وإنما الخلع يكون قبل أن يوجد طلاق.(256/20)
حتى متى يكون لها الخيار؟(256/21)
شرح حديث: (إن قَربكِ فلا خيار لكِ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب حتى متى يكون لها الخيار؟ حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثني محمد -يعني: ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر وعن أبان بن صالح عن مجاهد وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها (أن بريرة أعتقت وهي عند مغيث رضي الله عنه عبدٌ لآل أبي أحمد، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال لها: إن قَرِبَك فلا خيار لك)].
يقول الإمام أبو داود رحمه الله: [باب حتى متى يكون لها الخيار؟] أي: الأمة التي كانت هي وزوجها مملوكين، فأُعتقت هي وبقي زوجها في العبودية فإنها تخير، فهل يكون لها الخيار دائماً وأبداً، بحيث إنها متى أرادت الخيار يكون لها الخيار أم أنه يكون لها الخيار في وقت ويسقط فيما بعد؟ الأظهر في هذه المسألة: أن لها الخيار ما لم تمكنه من نفسها، فإذا مكنته من نفسها فهي راضية بالبقاء معه، فيسقط خيارها، وليس لها هذا الحق دائماً باستمرار، فإنها حين تمكنه من نفسها تكون قد رضيت بالوضع الذي كان عليه، فيسقط حقها فيما بعد، مثل السلعة التي تباع وهي معيبة، فإن المشتري إذا رضي بالعيب فإن البيع يثبت، وإن رد ولم يرضَ بالعيب وكان ذلك العيب مما تُرد به السلعة فإنها تُردّ.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم خيرها وأنها اختارت نفسها، وقال: (إن قَربكِ فلا خيار لكِ) يعني: إن حصل منه الجماع، وحصل التمكين له، فإنه لا خيار لها؛ لأنها تكون بذلك أسقطت حقها.
هذا هو الذي يدل عليه الحديث، فمقتضى الحديث أنها إن مكنته من نفسها فإنها تكون بذلك قد سقط خيارها؛ لأنها لم تختر نفسها.
والحديث ضعفه الألباني من أجل عنعنة محمد بن إسحاق الراوي في الإسناد؛ لأنه روى بالعنعنة، وهو صدوق مدلس، فإذا روى بالعنعنة فإن ذلك يكون علة في الرواية؛ لكن من حيث الحكم فيما يبدو ويظهر أن مقتضاه هو الأولى، وأن هذا من جنس الرضا بالسلعة المعيبة، فإنه لا يكون للإنسان الرد متى شاء، وإنما يكون الرد أول ما يعلم بالعيب، فإن رضي أن تبقى عنده، وأن يمضي البيع ولو كانت السلعة معيبة، فإنه يسقط حقه في رد تلك السلعة.(256/22)
تراجم رجال إسناد حديث: (إن قربكِ فلا خيار لكِ)
قوله: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني].
عبد العزيز بن يحيى الحراني صدوق ربما وَهِم، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثني محمد يعني: ابن سلمة].
محمد بن سلمة الباهلي الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن إسحاق].
محمد بن إسحاق بن يسار المدني، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي جعفر].
محمد بن علي الباقر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعن أبان بن صالح].
أبان بن صالح ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن مجاهد].
مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعن هشام بن عروة].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصدبق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عُرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الحديث في إسناده محمد بن إسحاق، وله فيه ثلاثة شيوخ، وكلهم يروي عنهم بالعنعنة، والشيخان الأولان له وهما: أبو جعفر وأبان بن صالح يروون عن مجاهد ومجاهد يرويه مرسلاً، يقول: حصل كذا وكذا -بهذه الصيغة- وليس فيه ذكر عائشة، وأما الطريق الثالث: وهو هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فهذا متصل بهذا الإسناد.(256/23)
في المملوكين يعتقان معاً هل تخير امرأته؟(256/24)
شرح أثر عائشة: (أنها أرادت أن تعتق مملوكين لها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المملوكين يعتقان معاً: هل تخير امرأته؟ حدثنا زهير بن حرب ونصر بن علي قال زهير: حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها (أنها أرادت أن تعتق مملوكين لها زوج قال: فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فأمرها أن تبدأ بالرجل قبل المرأة).
قال نصر: أخبرني أبو علي الحنفي عن عبيد الله].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب في المملوكين يعتقان معاً: هل تخير امرأته؟] يعني مملوكان: زوج وزوجة، وهما من الأرقاء، أُعتقا معاً، فلا تخير المرأة؛ لأن التساوي قد حصل، حيث كانوا سوياً في العبودية والرق ثم صاروا كذلك في الحرية، ولم يتقدم أحدهما على الآخر، فلم يتقدم الزوج على الزوجة، ولا إعتاق الزوجة على الزوج، وإنما حصل العتاق مع بعض على حدٍ سواء، ومن غير تقدم أحدهما على الآخر، وفي هذه الحالة لا خيار؛ لأنهما كانا متساويين في الرق فصارا متساويين في الحرية، فالزواج يبقى على ما هو عليه وليس هناك خيار للمرأة.
قوله: [عن عائشة رضي الله عنها (أنها أرادت أن تعتق مملوكين لها زوج)].
أي: أن أحدهما ذكر والثاني أنثى، وهما زوجان.
قوله: [(فسأَلَتِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فأمرها أن تبدأ بالرجل قبل المرأة)].
وذلك لأن الرجل إذا بدئ به ثم أعتقت المرأة تكون قد ساوته في الحرية، ولا يكون الأمر كما في قصة بريرة مع زوجها مغيث؛ لأنها لو أُعتقت هي قبل زوجها فيكون لها الخيار، ولكن إذا عتق هو قبلها ثم عتقت بعده ساوته في الحرية ولم يكن لها خيار.(256/25)
تراجم رجال إسناد أثر عائشة (أنها أرادت أن تعتق مملوكين لها)
قوله: [حدثنا زهير بن حرب].
هو زهير بن حرب أبو خيثمة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[ونصر بن علي].
هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال زهير: حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد].
يعني: هذا على لفظ زهير، وأما لفظ نصر فهو: [أخبرنا أبو علي الحنفي] وأبو علي الحنفي هو عبيد الله بن عبد المجيد، هذا ذكره باسمه واسم أبيه، وهذا ذكره بكنيته، وعبيد الله بن عبد المجيد هو أبو علي الحنفي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب].
عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب ليس بالقوي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن القاسم].
هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.
والحديث ضعفه الألباني، ولعله من أجل عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب.
[قال نصر: أخبرني أبو علي الحنفي عن عبيد الله].
هناك شيئان: الشيء الأول: أن زهيراً ذكر شيخه باسمه واسم أبيه، وأنه عن شيخه قال: حدثنا.
الشيء الثاني: نصر بن علي الجهضمي قال: أخبرني أبو علي الحنفي، وهو عبيد الله بن عبد المجيد، وقال: عن عبيد الله، فروى بالعنعنة، أي: بالتعبير بـ (عن)، وأما زهير بن حرب فراويته بـ (حدثنا)، وهذا هو المقصود من ذكر الرواية الثانية.
ومعرفة الكُنَى للمحدثين من أنواع علوم الحديث، وفائدة ذلك ألا يظن الشخص الواحد شخصين إذا ذكر باسمه مرة وذكر بكنيته مرة، فقد يظن أن هذا غير هذا، فالذي لا يعرف أن أبا علي الحنفي هو عبيد الله بن عبد المجيد؛ فإنه لن يعرف أن الرجل هو نفسه باسمه أو بكنيته، فلو جاء الإسناد الأول بلفظ: عبيد الله بن عبد المجيد، وجاء الإسناد الآخر بلفظ: أبي علي الحنفي؛ فإنه يظن أن هذا شخص وهذا شخص آخر، مع أنه شخص واحد.(256/26)
شرح سنن أبي داود [257]
من مسائل النكاح التي فصلها أهل العلم مسألة إذا أسلم أحد الزوجين، ومتى ترد المرأة إلى زوجها إذا أسلم بعدها، ومسألة من أسلم وتحته أختان، أو كان متزوجاً بأكثر من أربع نسوة، وكل هذه المسائل جاءت فيها أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.(257/1)
إذا أسلم أحد الزوجين(257/2)
شرح حديث: (إنها قد كانت أسلمت معي فردها عليّ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا أسلم أحد الزوجين.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رجلاً جاء مسلماً على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم جاءت امرأته مسلمة بعده، فقال: يا رسول الله! إنها قد كانت أسلمت معي فردها علي)].
قوله: [(فردها علي)] أو (فردها عليه) كما في الروايات الأخرى، حيث أخبر بأنها أسلمت معه وأنها عالمة بإسلامه وأنها تزوجت، فالنبي صلى الله عليه وسلم ردها عليه، وهذا يعني أن زواجها بالرجل الثاني غير صحيح؛ لأنها تزوجت وهي ذات زوج، ومعلوم أن من المحرمات: المحصنات من النساء كما قال الله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:23] إلى قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:24] أي: ذوات الأزواج، فلا يجوز الزواج بهن.
وفي هذا الحديث أنها كانت عالمة بإسلام زوجها ومع ذلك تزوجت، فالنبي صلى الله عليه وسلم ردها عليه.
أما إذا أسلم أحد الزوجين وبقي الآخر كافراً فإن البقاء والاستمرار على الزوجية السابقة لا يكون؛ لأن نكاح الكافر للمسلمة غير جائز، ونكاح المسلمة للكافر غير جائز، ليس للكافر أن يتزوج المسلمة ولا المسلمة أن تتزوج الكافر؛ ولكن إذا أسلما معاً فالزوجية باقية على ما هي عليه، وإن أسلمت الزوجة ثم أسلم زوجها بعدها وهي في عدتها فهي زوجته، وإن خرجت من العدة فلها أن تتزوج من المسلمين من شاءت، وإن أرادت أن تنتظر حتى يسلم زوجها ثم يبقيان على زواجهما فإن لها ذلك.
والحديث الذي أورده أبو داود فيه: أن رجلاً أسلم، وأن زوجته أسلمت معه، ولكنها تزوجت، فالرسول صلى الله عليه وسلم ردها عليه؛ لأن الزوجية باقية بين الزوجين إذا أسلما معاً، وإذا أسلم في حال العدة أيضاً فليس لها أن تتزوج، ولكن لها أن تتزوج بعد خروجها من العدة، وإن أرادت أن تنتظر بعد خروجها من العدة لعل زوجها يسلم ثم يبقيان على زواجهما فإنه لا بأس بذلك.(257/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (إنها قد كانت أسلمت معي فردها عليّ)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وإلا النسائي فإنه لم يخرج له في السنن بل في (عمل اليوم والليلة).
[حدثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسرائيل].
هو ابن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك].
هو سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عكرمة].
عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عباس].
الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وسماك بن حرب روايته عن عكرمة مضطربة، وهذه من روايته عن عكرمة، ولهذا ضعّف الحديث الألباني، ولكن معنى الحديث صحيح؛ ولكنه من حيث الإسناد فيه رواية سماك بن حرب عن عكرمة، وروايته عنه خاصة مضطربة، وهو صدوق إلا في روايته عن عكرمة فإنها مضطربة.(257/4)
شرح حديث: (فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها الآخر وردها إلى زوجها الأول) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي أخبرني أبو أحمد عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أسلمت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتزوجت فجاء زوجها إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله! إني قد كنت أسلمت وعلمت بإسلامي، فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها الآخر وردها إلى زوجها الأول)].
أرجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لها إلى زوجها الأول؛ لأن عقدها مع زوجها الأول باقٍ على ما هو عليه، وهكذا إذا أسلم الزوجان فإن عقدهما باقٍ، ولا عبرة بكيفية وقوعه أو صحته عند الزواج، إلا إذا كان على هيئة لا تجوز في الإسلام، كمن جمع بين المرأة وعمتها أو تزوج بأكثر من أربع، فهذا يتم تعديله وفق الشرع الإسلامي.
قوله: [حدثنا نصر بن علي أخبرني أبو أحمد].
أبو أحمد هو الزبيري محمد بن عبد الله بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس].
قد مر ذكرهم جميعاً.(257/5)
إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها(257/6)
شرح أثر ابن عباس: (رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها؟ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة ح وحدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا سلمة يعني: ابن الفضل ح وحدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد المعنى، كلهم عن ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (رد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول لم يحدث شيئاً.
قال محمد بن عمرو في حديثه: بعد ست سنين.
وقال الحسن بن علي: بعد سنتين)].
قوله: [إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها].
سبق فيما مضى أن المرأة إذا أسلم زوجها وهي في العدة فإن الزوجية باقية، وإذا خرجت من العدة وهو لم يسلم فإن لها أن تتزوج أو أن تنتظر ولو طالت المدة بعد خروجها من العدة، ما دام أنها ترغب في زوجها وأن تبقى في عصمته وأن تكون زوجة له، وأرادت أن تنتظر لعله يسلم، فلها ذلك، والدليل على ذلك قصة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكونها بقيت حتى أسلم زوجها وردها عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأول لم يحدث شيئاً، أي: ما ردها بعقد جديد ولا بزواج جديد ومهر، وإنما أبقى الزواج على ما هو عليه، فدل هذا على أن المرأة إذا خرجت من عدتها لها أن تنتظر زوجها الكافر لعله يسلم ويبقيان على زواجهما كما حصل لـ زينب رضي الله عنها.
وأورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسلم أبو العاص بن الربيع ردها عليه بالنكاح الأول، ولم يحدث شيئاً، وقد كان هناك فترة طويلة بين إسلام زينب وبين إسلام زوجها، وذكر في الحديث أنه بعد ست سنين وفي بعض الروايات أنه بعد سنتين، وهذه الزيادة ضعفها الألباني التي فيها الست سنين والسنتين، والذي يبدو أنه ليس هناك حدّ، وأنها إذا أرادت أن تنتظر ولو طالت المدة.(257/7)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي].
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا محمد بن سلمة].
محمد بن سلمة مر ذكره.
[قال: ح وحدثنا محمد بن عمرو الرازي].
محمد بن عمرو الرازي ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة.
[حدثنا سلمة يعني: ابن الفضل].
سلمة بن الفضل صدوق كثير الخطأ، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة في التفسير.
[ح وحدثنا الحسن بن علي].
هو الحسن بن علي الحلواني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا يزيد].
هو يزيد بن هارون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[كلهم عن ابن إسحاق عن داود بن الحصين].
ابن إسحاق مر ذكره، وداود بن الحصين ثقة إلا في عكرمة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة عن ابن عباس].
عكرمة وابن عباس قد مر ذكرهما.
وهنا الرواية عن عكرمة وهو ثقة إلا فيه؛ ولكن الحديث له شواهد فهو صحيح، وقد صححه الألباني.(257/8)
في من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان(257/9)
شرح حديث: (أسلمت وعندي ثمان نسوة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان.
حدثنا مسدد حدثنا هشيم ح وحدثنا وهب بن بقية أخبرنا هشيم عن ابن أبي ليلى عن حميضة بن الشمردل عن الحارث بن قيس رضي الله عنه، قال مسدد: ابن عميرة وقال وهب: الأسدي، قال: (أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اختر منهن أربعاً)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب فيمن أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان] يعني: ما الحكم؟ الحكم هو: أنه يختار أربعاً ويفارق الباقيات، والأمر يرجع إلى اختياره، فقد يختار الأخيرات وقد يختار من أولهن ومن آخرهن، ولا يكون الأمر مبنياً على أن الأُوَل هُن اللاتي يكنّ معه، ومن كان بعدهن هن اللاتي يتركن، بل الأمر راجع إليه وإلى اختياره، وكذلك من تحته أختان فإنه يختار واحدة منهما ويطلق الثانية؛ لأنه لا يجمع بين الأختين، وسواءً اختار الأولى التي تزوجها أولاً أو الثانية التي تزوجها آخراً فإن الأمر يرجع إليه، وأكثر العلماء على هذا، وهو أن الاختيار إنما يرجع إلى الزوج كما هو مقتضى الحديث.
وبعض أهل العلم قال: إن الحكم أن يختار الأربع الأول، أو الأخت الأولى التي تزوجها، والأخيرات هن اللاتي يتم فراقهن.
ومقتضى الحديث: أن الأمر يرجع إليه في أن يختار، وسواء اختار من الأول أو من الأخيرات، أو من الأول ومن الأخيرات معاً، أو اختار من الأختين الأولى التي تزوجها أولاً أو التي تزوجها ثانياً.(257/10)
تراجم رجال إسناد حديث: (أسلمت وعندي ثمان نسوة)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا هشيم].
هو هشيم بن بشير الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا وهب بن بقية].
وهب بن بقية الواسطي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[أخبرنا هشيم عن ابن أبي ليلى].
هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو صدوق سيئ الحفظ جداً، أخرج له أصحاب السنن.
[عن حميضة بن الشمردل].
حميضة بن الشمردل مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن الحارث بن قيس].
الحارث بن قيس أو قيس بن الحارث، وهو صحابي، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة.
[قال مسدد: ابن عميرة، وقال وهب الأسدي].
الحديث حسنه الألباني أو صححه، ونحوه حديث آخر، وهو: حديث غيلان الثقفي، والقرآن قد جاء بهذا: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3] يعني: اثنتين أو ثلاث أو أربع، ثم ليس هناك زيادة عليه.(257/11)
إسناد ثان لحديث: (أسلمت وعندي ثمان نسوة) وتراجم رجاله
[قال أبو داود: وحدثنا به أحمد بن إبراهيم حدثنا هشيم بهذا الحديث فقال: قيس بن الحارث مكان الحارث بن قيس، قال أحمد بن إبراهيم: هذا هو الصواب، يعني: قيس بن الحارث].
هذا طريق آخر فيه: قيس بن الحارث وهو الأقرب إلى الصواب.
قوله: [وحدثنا به أحمد بن إبراهيم].
هو أحمد بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[حدثنا هشيم].
[قال أحمد بن إبراهيم: هذا الصواب يعني: قيس بن الحارث].(257/12)
إسناد ثالث لحديث: (أسلمت وعندي ثمان نسوة) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا بكر بن عبد الرحمن قاضي الكوفة عن عيسى بن المختار عن ابن أبي ليلى عن حميضة بن الشمردل عن قيس بن الحارث رضي الله عنه بمعناه].
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وفيه حميضة وابن أبي ليلى، والاثنان متكلم فيهما.
قوله: [حدثنا أحمد بن إبراهيم عن بكر بن عبد الرحمن قاضي الكوفة].
بكر بن عبد الرحمن قاضي الكوفة ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن عيسى بن المختار].
عيسى بن المختار ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن ابن أبي ليلى عن حميضة بن الشمردل عن قيس بن الحارث].
هذا فيه أنه قيس بن الحارث، وهذا إسناد أحمد بن إبراهيم.(257/13)
شرح حديث: (يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن معين حدثنا وهب بن جرير عن أبيه قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي وهب الجيشاني عن الضحاك بن فيروز عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (قلت: يا رسول الله! إني أسلمت وتحتي أختان.
قال: طلق أيتهما شئت)].
أورد المصنف حديث فيروز الديلمي رضي الله عنه أنه كان أسلم وتحته أختان، وأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (طلق أيتهما شئت) يعني: ابق على واحدة وطلق الثانية، فواحدة تبقى على زواجها والثانية تطلق؛ لأنه لا يجوز الجمع بين الأختين في الإسلام، وقول الله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء:23] أي: الشيء الذي كان موجوداً في الجاهلية وقد فعلوه ومضى وانتهى لا إثم عليهم فيه، أما أن يبقي في الإسلام على أختان تحت رجل واحد فلا يجوز، لأنه أمر محرم شرعاً.(257/14)
تراجم رجال إسناد حديث: (يا رسول الله إني إسلمت وتحتي أختان)
قوله: [حدثنا يحيى بن معين].
يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا وهب بن جرير].
هو وهب بن جرير بن حازم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت يحيى بن أيوب].
هو يحيى بن أيوب الغافقي، صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن أبي حبيب].
يزيد بن أبي حبيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي وهب الجيشاني].
أبو وهب الجيشاني اسمه: الديلم، ابن هوشع، وهو مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن الضحاك بن فيروز].
الضحاك بن فيروز مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبيه].
أي: فيروز الديلمي، وهو صحابي، أخرج له أصحاب السنن.(257/15)
إذا أسلم أحد الأبوين مع من يكون الولد(257/16)
شرح حديث: (وأقعد الصبية بينهما ثم قال ادعواها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا أسلم أحد الأبوين مع من يكون الولد.
حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى حدثنا عبد الحميد بن جعفر أخبرني أبي عن جدي رافع بن سنان رضي الله عنه (أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم، فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: ابنتي وهي فطيم أو شبهه، وقال رافع: ابنتي.
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اقعد ناحية، وقال لها: اقعدي ناحية، قال: وأقعد الصبية بينهما ثم قال: ادعواها، فمالت الصبية إلى أمها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم اهدها، فمالت الصبية إلى أبيها فأخذها)].
قوله: [باب إذا أسلم أحد الأبوين مع من يكون الولد؟].
أي: إذا أسلم أحد الأبوين ولهما ولد مع من يكون ذلك الولد؟ هل يكون مع أمه أو مع أبيه أو يكون مع من أسلم منهما؟
الجواب
أنه يكون مع من أسلم منهما؛ لأن الإسلام مقدم على غيره، وكونه يلحق بالمسلم حتى يكون مسلماً ويبقى على الإسلام أولى من أن يلحق بكافر فيلحقه بالكفر وينشئه على الكفر، كما جاء في الحديث: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه) فهما ينقلانه عن الفطرة بدعوتهما الباطلة إلى الكفر والعياذ بالله.
فالحكم أنه إذا أسلم أحد الزوجين وبينهما ابن فإنه يكون تابعاً للمسلم منهما، إن كان المسلم هو الأب لحق به، وإن كان المسلم هي الأم لحق بها، ولا يلحق بالكافر.
أورد أبو داود حديث رافع بن سنان رضي الله عنه: أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم، وكانت بينهما صبية في حال الفطام، فجعل كلاً من الأبوين في ناحية، وجعل الصبية بينهما، وطلب منهما أن يدعواها، فمالت إلى أمها، فقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم اهدها) فمالت إلى أبيها، فدل هذا على أن من أسلم من الأبوين فهو الذي يلحق به ابنه، سواءً كان الأم أو الأب، ويُقدم الإسلام على غيره ليكون ذلك الصبي مسلماً ولا يكون كافراً.
والنبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا التخيير للصبية من أجل أن ينظر من تلحق به، ولكنه سأل الله عز وجل أن يهديها فهداها، فدل هذا على أن الابن يتبع المسلم ولا يتبع الكافر؛ لأنه لو كان المقصود أنه يكون مع أي منهما لترك الأمر على ما هو عليه؛ لكنه دعا لها بالهداية وهي صبية صغيرة لا تعقل، فوفقها الله عز وجل بأن تلحق بأبيها، فدل هذا على أن جانب الإسلام مرجح على غيره وأن الإلحاق به أولى من الإلحاق بغيره، ليحصل لهذا الطفل الإسلام ولا يحصل له الكفر بتنشئة ذلك الكافر له وتهويده أو تنصيره له إن كان ذلك الكافر يهودياً أو نصرانياً.(257/17)
تراجم رجال إسناد حديث: (وأقعد الصبية بينهما ثم قال ادعواها)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي].
إبراهيم بن موسى الرازي مر ذكره.
[أخبرنا عيسى].
عيسى هو: ابن يونس بن أبي إسحاق، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الحميد بن جعفر].
عبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرني أبي].
هو: جعفر بن عبد الله، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن جدي رافع بن سنان].
جده رافع بن سنان صحابي، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة.(257/18)
الأسئلة(257/19)
عدة الأمة
السؤال
عند ذكر الأمة كم تعتد، جاء في سنن ابن ماجة أنها تعتد بثلاث حيض، وفي إرواء الغليل نجد أن الشيخ الألباني رحمه الله تعالى قد صححه في الجزء السابع، قال: قالت عائشة: (أُمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض) قال الألباني: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن محمد وهو ثقة، قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله موثقون، رواه البزار في مسنده وقال: لا نعلم رواه هكذا إلا أبو معشر، فعلى صحة هذا الإسناد هل يقال: الأرجح اعتداد الأمة بثلاث حيضات؟
الجواب
ما دام أن الإسناد صحيح، فيمكن القول بأنها تعتد ثلاث حيضات.(257/20)
سبب التفريق بين حبيبة بنت سهل وزوجها ثابت بن قيس
السؤال
جاء في باب الخلع أن حبيبة بنت سهل رضي الله عنها أرادت أن تختلع من ثابت بن قيس لكونها اشتكته بأنه ضربها، وجاء ذكر دمامة الخلق، وراجعنا ضعيف ابن ماجة للشيخ الألباني رحمه الله تعالى فأورد الحديث عن عبد الله بن عمرو قال: (كانت حبيبة بنت سهل تحت ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنهما، وكان رجلاً دميماً، فقالت: يا رسول الله! لولا مخافة الله إذا دخل علي لبصقت في وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم.
قال: فردت عليه الحديقة.
قال: ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) فهل طلبت الطلاق بسبب دمامته؟
الجواب
الحديث هذا ضعيف ولا يحتج به، وما جاء في سنن أبي داود من أنه كسر يدها وجاءت من الفجر أرجح من كونها اشتكته لدمامته، ومما يدل على ذلك: أنها جاءت في أقرب فرصة ممكنة بعد طلوع الصبح وذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وجاءت تشتكيه بسبب أنه ضربها وكسر يدها.(257/21)
حكم صلاة الجنازة والصفوف ليست مكتملة
السؤال
ما حكم صلاة الجنازة والصفوف الأولى ليست مكتملة؟
الجواب
إن كانت الصلاة قد شرع فيها الإمام بعد صلاة الفريضة، ولا زال هناك أناس يتمون صلاة الفريضة، فلم يتيسر للناس إتمام الصفوف الأولى فلا بأس، وإن كان بإمكانهم إتمام الصفوف الأولى فتخلفوا فصلاتهم ليست باطلة، لكنهم آثمون؛ لعدم وصلهم الصفوف؛ لحديث: (إن تقدمت فأتموا بي، وليأتم منكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)، وهكذا في صلاة الفريضة.(257/22)
حكم الخلع ولم يكن مهر الزوجة إلا شيء من القرآن أو نحوه
السؤال
مَن تزوج وكان الصداق تعليم القرآن، فكيف يخالع؟
الجواب
لا يلزم أن تعطي المرأة زوجها نفس المهر الذي أعطاها، كتعليم القرآن، فيجوز أن تعطيه الذي أعطاها أو أكثر منه، وكونه في حدود ما أعطاها أولى، ومعنى هذا: أنها تعطيه شيئاً من المال، وليس بلازم أن يكون نفس المهر.(257/23)
حكم الزواج بالنصرانية
السؤال
إذا أسلم الرجل وكان قبل الإسلام على النصرانية وزوجته نصرانية كذلك، وهي باقية على النصرانية فهل يبقى العقد؟
الجواب
نعم، العقد يبقى؛ لأن الزواج بالنصرانية ابتداء جائز.(257/24)
حكم النفقة على من تزوج أكثر من أربع قبل إسلامه ثم طلق ما زاد عن الأربع
السؤال
الذي كان متزوجاً ثمان ثم فارق أربعاً، هل يكون ذلك طلاقاً ولهن نفقة؟
الجواب
في حديث هاتين الأختين قال له: (طلق) يعني: طلق واحدة منهما، فليست قضية مفارقة، بل تطليق.(257/25)
حكم اعتداد الكافرة
السؤال
إذا أسلم الرجل وبقيت المرأة كافرة وفارقها، فهل تلزمها العدة؟
الجواب
كما هو معلوم أن المرأة النصرانية إذا تزوجها مسلم وهي كافرة فإنها تعتد.(257/26)
شرح سنن أبي داود [258]
لقد حفظ الله عز وجل الأنساب، وصان الأعراض، وزكى الأنفس بالأحكام الشرعية الواردة في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية، ومن ذلك إذا رأى الرجل رجلاً وقع على امرأته أن يلاعنها، ويفرق بينهما، وينتفي الولد منه إذا نفاه، ويلحق الولد بأمه، وهذه الأحكام تترتب على لعان الزوجين، أما إذا اعترفت المرأة فإنه يقام عليها حد الزنا، وقد حرم الله المساعاة بين السيد وأمته، وذلك بأن يرسلها لتزني وتدفع له الضرائب، ومن أكرهت من الإماء فإن الله غفور رحيم.(258/1)
اللعان(258/2)
شرح حديث (يا رسول الله أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في اللعان.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمر بن أشقر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي فقال له: (يا عاصم! أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم! رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك، فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال له: يا عاصم! ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال عاصم: لم تأتني بخير؛ قد كره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسألة التي سألته عنها، فقال عويمر: والله! لا أنتهي حتى أسأله عنها، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو وسط الناس فقال: يا رسول الله! أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد أنزل فيك وفي صاحبتك قرآن، فاذهب فأت بها.
قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها عويمر ثلاثاً قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم).
قال ابن شهاب: فكانت تلك سنة المتلاعنين].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باباً في اللعان]، واللعان مأخوذ من اللعن، وذلك أن الذي يقذف زوجته بالزنا ولم يكن عنده شهود يشهدون على ذلك فإنه يصير إلى الملاعنة، وذلك بأن يشهد على نفسه {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور:6 - 7]، ثم بعد ذلك تشهد المرأة {أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:8 - 9].
فسمي لعاناً لاشتماله على اللعن.
والرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه عدة أحاديث في قضية اللعان، وبعد اللعان يتم التفريق بين الزوجين تفريقاً أبدياً، وتحرم عليه الزوجة أبداً بعد التلاعن، ولا سبيل له إلى الزواج بها مرة أخرى بعد ذلك فهو من التحريم المؤبد، وهو تحريم لا محرمية فيه بخلاف غيره من التحريم المؤبد فإن فيه المحرمية، فمحرم المرأة الذي يكون محرماً لها في السفر والذي يحق له النظر إليها والدخول عليها يقال له: محرم المرأة، وهو زوجها -أي: ما دامت زوجة له- أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح، وأما إذا حصل طلاق فإن تلك المحرمية التي كانت بسبب الزواج تذهب وتنتهي؛ لأن الحكم أنيط بالزوجية، فإذا كانت الزوجية موجودة فإن المحرمية قائمة، وإذا انتهت هذه الزوجية فإنه يكون أجنبياً منها.
وأما من تحرم عليه على التأبيد لنسب ككونه أباً أو ابناً أو أخاً أو ما إلى ذلك، أو بسبب كرضاع ومصاهرة بشرط أن يكون الرضاع والمصاهرة قد أبيحا شرعاً، فيخرج بالمباح تحريم زواج الملاعن بالملاعنة على وجه التأبيد؛ لأنها مُحرمة عليه أبداً، ومع ذلك لا يكون محرماً لها، وهذا هو المقصود من قول الفقهاء: بنسب أو سبب مباح؛ لأن تحريم المتلاعنين إنما هو بسبب ليس بالمباح، فقد صير إليه بسبب القذف الذي حصل.
وقد أورد أبو داود حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه في قصة عويمر العجلاني رضي الله عنه، فقد جاء إلى عاصم بن عدي رضي الله عنه وطلب منه أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي يجد مع امرأته رجلاً أيقتله فيقتل أم يسكت على أمر عظيم؟ فذهب عاصم بن عدي رضي الله عنه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسأله هذا السؤال، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المسائل وعابها، أي: المسائل التي هي من هذا القبيل، وهي أن يخبر الإنسان عن زوجته بشيء مما يُستحيا منه، فكره الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المسائل وعابها، وهذه الكراهية إنما تكون في الشيء الذي لم يقع والناس في عافية منه، وأما إذا وقع الشيء وسئل عنه فإن ذلك لا بأس به؛ لأن السؤال سيكون حينئذ في أمر قد حصل ولا بد من معرفة الحكم فيه، وأما إذا كان السؤال في شيء فيه عنت وفيه مشقة، كقصة الرجل الذي سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، قال: أفي كل عام يا رسول الله؟) فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم، ولو قُلت: نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم).
فقوله: (فكره المسائل وعابها) أي: التي من هذا القبيل، إذ لا ينبغي للإنسان أن يسأل عن الأشياء التي لم تقع، ولكن الإنسان إذا ابتلي بشيء فليسأل عنه ليعرف الحكم الشرعي.
فرجع عاصم إلى بيته، فجاء عويمر وسأله عن جواب النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بأن ذلك كبر عليه وأنه أمر عظيم، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كره المسائل وعابها، فحلف أن يذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويسأله بنفسه، فذهب إليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أنزل فيك وفي صاحبتك قرآناً، اذهب فأت بها، قال سهل: فتلاعنا، وأنا مع الناس)، وعندما حصل التلاعن بادر عويمر وقال: (كذبتُ عليها إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم).
وهذا الفعل منه وليس من النبي صلى الله عليه وسلم، والفرقة تكون بالملاعنة ولا يحتاج الأمر إلى طلاق، وإنما هذا من عويمر رضي الله عنه؛ ليبين أنه صادق فيما قال، وأنه ما كذب عليها، وأنه إن أمسكها وقد كذب عليها فهذا أمر خطير، فبادر إلى تطليقها ثلاثاً والرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمره بذلك، فدل هذا على أن هذا الطلاق إنما هو من عويمر، وإلا فالفراق يحصل بالملاعنة دون حاجة إلى طلاق، ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.(258/3)
تراجم رجال إسناد حديث (يا رسول الله أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
وهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن سهل بن سعد].
هو سهل بن سعد الساعدي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود، وهي الرباعيات، حيث إن بين أبي داود ورسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص وهم: القعنبي ومالك والزهري وسهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.(258/4)
شرح حديث سهل بن سعد في اللعان من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى حدثني محمد -يعني: ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق حدثني عباس بن سهل عن أبيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عاصم بن عدي رضي الله عنه: أمسك المرأة عندك حتى تلد)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنها كانت حاملاً وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عاصم: (أمسك المرأة عندك حتى تلد)، وهذا بعدما حصلت الملاعنة، وهذا يدل على أن المرأة الملاعنة بعد اللعان لا سكنى لها ولا نفقة على زوجها الذي لاعنها، وأنها تذهب منه، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عاصم: (أمسك المرأة عندك حتى تلد)؛ لأنها ما دامت حاملاً فلا سبيل إلى زواجها، وزوجها الأول لا سبيل لها إلى الرجوع إليه؛ لأنها حرمت عليه على التأبيد.
وقوله لـ عاصم: (أمسك المرأة عندك حتى تلد)؛ لأن عويمراً وزوجته عاصم بن عدي بينهم قرابة، وأما تخصيص عاصم بإمساكها، فقد يكون محرماً من محارمها أو قريبها، والله أعلم.(258/5)
تراجم رجال إسناد حديث سهل بن سعد في اللعان من طريق أخرى
قوله: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى].
عبد العزيز بن يحيى صدوق ربما وَهِمَ، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثني محمد يعني: ابن سلمة].
هو محمد بن سلمة الحراني الباهلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن إسحاق].
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، وهو مدلس وقد صرح بالتحديث هنا.
[حدثني عباس بن سهل].
وهو عباس بن سهل الساعدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[عن أبيه].
وهو سهل الساعدي، وقد مرّ ذكره.
ومما يقال: إن الصحابة ليس فيهم من يُكَنّى بأبي العباس إلا سهل بن سعد وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهما، فهما اللذان عُرِفا بالتكنية بأبي العباس، وعباس الذي في هذا الإسناد هو عباس بن سهل الذي يكنّى به أبوه سهل بن سعد.(258/6)
شرح حديث سهل بن سعد (ثم خرجت حاملاً فكان الولد يدعى إلى أمه) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي قال: (حضرت لعانهما عند النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة، وساق الحديث، قال فيه: ثم خَرَجَتْ حاملاً فكان الولد يدعى إلى أمه)].
أورد أبو داود حديث سهل بن سعد أنه حضر اللعان وعمره خمس عشرة سنة، وأنها خرجت حاملاً، وأن الولد كان يُنسب إلى أمه؛ لأن الأمومة محققة، فهي التي ولدته، وأما زوج أمه فقد فإنه نفاه باللعان، فانتفى عنه بلعانه فلا يكون منسوباً إليه، بل ينسب إلى أمه.
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
هو أحمد بن صالح المصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب].
وهو: عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب عن سهل بن سعد].
وقد مر ذكرهما.(258/7)
شرح حديث (أبصروها فإن جاءت به أدعج العينين عظيم الإليتين فلا أراه إلا قد صدق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن جعفر الوركاني أخبرنا إبراهيم -يعني: ابن سعد - عن الزهري عن سهل بن سعد في خبر المتلاعنين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبصروها فإن جاءت به أدعج العينين، عظيم الإليتين، فلا أراه إلا قد صدق، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذباً.
قال: فجاءت به على النعت المكروه)].
قوله: [(أبصروها فإن جاءت به أدعج العينين، عظيم الإليتين فلا أراه إلا قد صدق)] أي: إذا كان أدعج العينين، عظيم الإليتين، فيكون شبيهاً بالمتهم الذي اتهمه بالزنا بامرأته، وإن أتت به: [(أحيمر كأنه وَحْرة)] والوحرة: هي دويبة تلصق بالأرض، ولونها قريب من لون التراب.
قوله: [(فلا أراه إلا كاذباً)] أي: إذا أتت به على هذا الوصف الذي يشبه عويمر فيكون كاذباً عليها، وإن أتت به على ذلك الوصف الذي يشبه الرجل الذي اتهمت به: [(فلا أراه إلا صادقاً).
قوله: [(فجاءت به على النعت المكروه)]، أي: أنه على صورة ذلك الرجل الذي اتهمت فيه: أدعج العينين، سابغ الإليتين.(258/8)
تراجم رجال إسناد حديث (أبصروها فإن جاءت به أدعج العينين، عظيم الإليتين فلا أراد إلا صادقاً)
قوله: [حدثنا محمد بن جعفر الوركاني].
محمد بن جعفر الوركاني ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[أخبرنا إبراهيم يعني: ابن سعد].
إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن سهل بن سعد].
الزهري وسهل بن سعد قد مر ذكرهما.(258/9)
إسناد آخر لحديث (أبصروها فإن جاءت به أدعج العينين) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد الدمشقي حدثنا الفريابي عن الأوزاعي عن الزهري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما بهذا الخبر، قال: (فكان يدعى -يعنى: الولد- لأمه)].
أورد المصنف هذا الحديث من طريق أخرى، وفيه: أن الولد كان يدعى لأمه؛ لأنه قد انتفي من جهة الزوج باللعان.
قوله: [حدثنا محمود بن خالد الدمشقي].
محمود بن خالد الدمشقي، ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا الفريابي].
هو محمد بن يوسف الفريابي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأوزاعي].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمر، فقيه الشام ومحدثها، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن سهل بن سعد].
الزهري وسهل بن سعد قد مر ذكرهما.(258/10)
شرح حديث سهل بن سعد في قصة عويمر (فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب عن عياض بن عبد الله الفهري وغيره عن ابن شهاب عن سهل بن سعد في هذا الخبر قال: (فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ما صُنع عند النبي صلى الله عليه وسلم سنة)].
أورد أبو داود حديث سهل بن سعد رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه ما في الرواية الأولى من أنه قال: (إن أمسكتها كذبت عليها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك) أي: أنه من عنده.
وقوله: [(فأنفذه الرسول صلى الله عليه وسلم)]، ليس المقصود أنه أنفذ الطلاق وإنما أنفذ الفراق الذي تم بحصول التلاعن بينهما، والتطليق الذي جاء في غير محله إنما هو من عويمر رضي الله عنه؛ من أجل أن يبرر موقفه ويبرئ ساحته، وأنه صادق فيما يقول، وأنها كاذبة فيما تزعمه من صدقها.
والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه تطليقه بالثلاث في مجلس واحد؛ لأنه في غير محله، ولأن الرجل أراد أن يبادر هو بالتخلص والبراءة منها لإثبات صدقة، ولعله لم يكن يعلم أن التلاعن يحصل به الفراق دون الحاجة إلى طلاق.(258/11)
تراجم رجال إسناد حديث سهل بن سعد في قصة عويمر (فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قوله: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح].
أحمد بن عمرو بن السرح، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عياض بن عبد الله الفهري].
عياض بن عبد الله الفهري فيه لين، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[وغيره].
أي: أن هذه الرواية جاءت عن عياض بن عبد الله وغيره.
[عن ابن شهاب عن سهل بن سعد].
وقد مر ذكرهما.
قوله: [قال سهل: (حضرت هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبداً)].
أي: لا يجتمعان بعد تلاعنهما أبداً، أي: أن التحريم يكون على التأبيد، فلا سبيل له إلى أن يتزوجها بأي حال من الأحوال.(258/12)
شرح حديث سهل بن سعد في قصة عويمر (ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تلاعنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد ووهب بن بيان وأحمد بن عمرو بن السرح وعمرو بن عثمان قالوا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سهل بن سعد، قال مسدد: (شهدت المتلاعنين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة، ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تلاعنا) وتم حديث مسدد.
وقال الآخرون: (إنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين، فقال الرجل: كذبت عليها يا رسول الله! إن أمسكتها، لم يقل بعضهم: عليها)].
أورد أبو داود حديث سهل بن سعد من طريق أخرى عن أربعة من شيوخه، أولهم: مسدد، فذكر لفظ الحديث على رواية مسدد إلى قوله: [(حين تلاعنا)] وذكر رواية الشيوخ الآخرين الثلاثة بعد مسدد أنهم قالوا: (إنه شهد)، بصيغة الغائب والإخبار عنه أنه شهد، وفي رواية مسدد قال: [(شهدت)].(258/13)
تراجم رجال إسناد حديث سهل بن سعد في قصة عويمر (ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تلاعنا)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[ووهب بن بيان].
وهب بن بيان ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[وأحمد بن عمرو بن السرح وعمرو بن عثمان].
أحمد بن عمرو بن السرح مر ذكره، وعمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قالوا: حدثنا سفيان].
(قالوا) أي: جميعاً، (حدثنا سفيان) وهو: ابن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن سهل بن سعد].
وقد مر ذكرهما.
قوله: [قال أبو داود: لم يتابع ابن عيينة أحد على أنه فرق بين المتلاعنين].
أي: لم يتابع ابن عيينة أحد على ذلك في رواية الزهري، لكن قد تابعه الزبيدي في رواية ذلك عن الزهري.
وقد صحح هذا الحديث الشيخ الألباني رحمه الله، إلا أنه لم يذكر رواية مسدد، ورواية مسدد متفقة مع الروايات الأخرى.(258/14)
شرح حديث سهل بن سعد في قصة عويمر (فكان ابنها يدعى إليها، ثم جرت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا فليح عن الزهري عن سهل بن سعد في هذا الحديث: (وكانت حاملاً فأنكر حملها، فكان ابنها يدعى إليها، ثم جرت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض الله عز وجل لها)].
أورد أبو داود هذا الحديث من طريق أخرى، وفيه: أنه يُنسب إليها ابنها، وأنه يرثها وترثه؛ لأنه منسوب إليها.
قوله: [حدثنا سليمان بن داود العتكي].
هو أبو الربيع الزهراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[عن فليح].
هو فليح بن سليمان، وهو صدوق كثير الخطأ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن سهل بن سعد].
وقد مرّ ذكرهما.(258/15)
شرح حديث ابن مسعود (فتلاعنا، فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (إنا لَلَيْلة جمعة في المسجد إذ دخل رجل من الأنصار في المسجد فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم به جلدتموه أو قَتَل قتلتموه، فإن سَكَتَ سَكَتَ على غيظ، والله لأسألن عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم به جلدتموه، أو قتل قتلتموه، أو سكت سكت على غيظ، فقال: اللهم افتح! وجعل يدعو, فنزلت آية اللعان: ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ)) [النور:6] هذه الآية، فابتلي به ذلك الرجل من بين الناس، فجاء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا، فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، ثم لعن الخامسة عليه إن كان من الكاذبين، قال: فذهبت لتلتعن فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: مه! فأبت، ففعلت، فلما أدبرا قال: لعلها أن تجيء به أسود جعداً، فجاءت به أسود جعداً)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، والطرق التي مضت كلها عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، وهذه الطريق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه جاء رجل من الأنصار إلى جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن الرجل لو وجد مع أهله رجلاً فإذا قتله قتلوه، وإذا سكت سكت على غيظ، وحلف أنه سيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله وقال: اللهم افتح! ثم إن الله تعالى أنزل في الأنصاري وفي صاحبته قرآناً، فدعاهما رسول الله فتلاعنا عنده، فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، ثم لعن الخامسة، أي: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
قوله: [(فابتلي به ذلك الرجل من بين الناس)]، وهناك مقولة بعض أهل العلم وهي: (البلاء موكل بالمنطق)! وهذا من الأمثلة، ولعل الرجل سأل وهو لم يحصل له شيء فابتلي بذلك، وهذه المقولة مفادها: أن على الإنسان أن يحذر من أن يظن الظنون السيئة، أو يحصل منه أشياء قد يبتلى بها، كما حصل لهذا الرجل الذي سأل عن هذا السؤال فابتلي به.
ولما فرغ زوجها من اللعان جاءت لتأتي بشهاداتها بأنه من الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، فقال لها صلى الله عليه وسلم: [(مه!)]، يريد منها أن تتريث وألا تستعجل، وأن تخبر بالحقيقة.
قوله: [(فأبت)].
أي: أبت أن تترك الملاعنة.
قوله: [(ففعلت)]، أي: فعلت الملاعنة.
[(فلما أدبرا قال: لعلها أن تجيء به أسود جعداً، فجاءت به أسود جعداً)].
أي: جعد الشعر وليس سبط الشعر، والسبط هو: المسترسل، والجعد: ليس مسترسلاً وإنما فيه انكماش وتجعد.
قوله: [(فجاءت به أسود جعداً)].
أي: مشابهاً للرجل الذي اتهمت به.(258/16)
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود (فتلاعنا، فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي؛ فإنه أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا جرير].
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم].
إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علقمة].
علقمة بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن مسعود].
عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(258/17)
شرح حديث ابن عباس (أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي أخبرنا هشام بن حسان حدثني عكرمة عن ابن عباس (أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ شريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: البينة أو حَدٌّ في ظهرك، قال: يا رسول الله! إذا رأى أحدنا رجلاً على امرأته يلتمس البينّة؟! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: البينة وإلا فحد في ظهرك، فقال هلال: والذي بعثك بالحق نبياً إني لصادق، ولينزلن الله في أمري ما يبرئ به ظهري من الحد, فنزلت: ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ)) [النور:6] فقرأ حتى بلغ: ((مِنَ الصَّادِقِينَ)) [النور:9]، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهما فجاءا، فقام هلال بن أمية فشهد والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب؟! ثم قامت فشهدت، فلما كان عند الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين قالوا لها: إنها موجبة، قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها سترجع، فقالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الإليتين، خدلج الساقين فهو لـ شريك بن سحماء، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما في قصة أخرى حصلت لـ هلال بن أمية رضي الله عنه، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك.
قوله: [(قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم)].
أي: قذفها بالزنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة أو حد في ظهرك) أي: إما أن تقيم البينة وتسلم من الحد، أو أنك تُجلد حدّ القذف وهو ثمانون جلدة.
فحلف إنه لصادق، ولينزلنّ الله ما يبرئ ساحته ويثبت أنه صادق فيما قال، فأنزل الله عز وجل الآيات التي في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَؤاْ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:6 - 9] فدعا بهما فتلاعنا.
قوله: [(الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما من تائب)].
أي: عرض عليهما التوبة وألا يُقدِمَا على هذه الملاعنة، فأراد أن يتبين الأمر بدون ذلك؛ ولكنهما استمرا على ذلك، وكان هلال صادقاً فيما قال.
قوله: [(إن جاءت به أكحل العينين، سابغ الإليتين، خدلج الساقين، فهو لـ شريك بن سحماء)، وهو الذي اتُّهمت به، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [(لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن)].
أي: لولا ما مضى من الحكم باللعان وهو من كتاب الله، لكان له معها شأن آخر، يعني: أنها هي الكاذبة فيما قالت، وهو صادق فيما قال.
قوله: [(أكحل العينين)] أي: شدة سواد في شدة بياض.
[(سابغ الإليتين)] أي: كبير الإليتين.
[(خدلج الساقين)] أي: غليظ الساقين.(258/18)
تراجم رجال حديث ابن عباس (أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء)
قوله: [حدثنا محمد بن بشار].
هو الملقّب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن أبي عدي].
هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا هشام بن حسان].
هشام بن حسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عكرمة].
هو عكرمة مولى بن عباس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: وهذا مما تفرد به أهل المدينة: حديث ابن بشار حديث هلال].
أي: أن حديث ابن عباس تفرد به أهل المدينة، وقوله: (حديث ابن بشار) وهو شيخ أبي داود (حديث هلال) أي: قصة ملاعنته لزوجته.(258/19)
سبب نزول قوله تعالى (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) الآيات
وبعض الناس قد يستشكل هذه الرواية حيث أنه سبق أن الآيات نزلت في عويمر وبعض العلماء يذكر أن الآيات نزلت في هلال، فقيل في سبب نزول قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ} [النور:6] الآيات، قولان: الأول: أنها نزلت في قصة هلال بن أمية، وأن قصة عويمر وقعت بعد نزولها، وقوله في الحديث: [(قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآناً)] يعني: قد نزل فيما مضى، وليس معناه: أن الآيات نزلت في قصته ابتداءً، بل سبق أن أُنزل، والإشارة في النزول إلى شيء سابق وليس إلى شيء جديد.
الثاني: أن قصة هلال وعويمر وقعتا في وقت متقارب، بحيث جاء هلال وسأل، وحصل منه ما حصل، وجاء عويمر وحصل منه ما حصل، ونزل القرآن في بيان الحكم لكل من القصتين.(258/20)
شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً حين أمر المتلاعنين أن يتلاعنا أن يضع يده على فيه عند الخامسة ويقول إنها موجبة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد الشعيري حدثنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً حين أمر المتلاعنين أن يتلاعنا أن يضع يده على فيه عند الخامسة ويقول: إنها موجبة)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس بهذا الإسناد.
قوله: [(أمر رجلاً أن يضع يده على فيه)] أي: لكي يمنعه من أن يأتي بالشهادة الخامسة.
قوله: [(عند الخامسة)] أي: عند الشهادة الخامسة.
قوله: [(إنها موجبة)] أي: أنه إذا قالها فإنه يحصل له العذاب واللعنة إن كان كاذباً، فأمره أن يضع يده على فيه من أجل أن يبين له أنه إذا كان كاذباً فإنه يمسك ولا يأتي بها؛ لأنه إن قالها كاذباً فإنه يكون قد حصل منه تمام اللعان فيستحق بذلك العذاب واللعنة من الله.(258/21)
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي أمر رجلاً حين أمر المتلاعنين أن يتلاعنا أن يضع يده على فيه عند الخامسة ويقول إنها موجبة)
قوله: [حدثنا مخلد بن خالد الشعيري].
مخلد بن خالد الشعيري ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان بن عيينة، وقد مر ذكره.
[عن عاصم بن كليب].
عاصم بن كليب صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
وهو كليب بن شهاب، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن.
[عن ابن عباس].
ابن عباس قد مر ذكره.(258/22)
شرح حديث ابن عباس في الملاعنة من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون حدثنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال: (جاء هلال بن أمية -وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم- فجاء من أرضه عشياً فوجد عند أهله رجلاً، فرأى بعينه وسمع بأذنه، فلم يُهجْه حتى أصبح، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني جئت أهلي عشاءً فوجدت عندهم رجلاً، فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه، فنزلت: ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ)) [النور:6] الآيتين كلتيهما، فسُرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر يا هلال! قد جعل الله عز وجل لك فرجاً ومخرجاً، قال هلال: قد كنت أرجو ذلك من ربي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلوا إليها، فجاءت، فتلا عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرهما، وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا.
فقال هلال: والله لقد صدقت عليها، فقالت: قد كذب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاعنوا بينهما، فقيل لـ هلال: اشهد، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، فلما كانت الخامسة قيل له: يا هلال! اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فقال: والله! لا يعذبني الله عليها كما لم يُجلِدني عليها، فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم قيل لها: اشهدي، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، فلما كانت الخامسة قيل لها: اتقي الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فتلكأت ساعة ثم قالت: والله لا أفضح قومي! فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقضى ألا يدعى ولدها لأب، ولا تُرمى ولا يُرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد، وقضى ألّا بيت لها عليه ولا قوت؛ من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها، وقال: إن جاءت به أُصيهِب أُريصِح أثُيبِج، حمْشَ الساقين، فهو لـ هلال، وإن جاءت به أورق، جعداً، جُمالياً، خَدَلجَّ الساقين، سابغ الإليتين، فهو للذي رَميت به، فجاءت به أورق، جعداً، جُمالياً، خدلجّ الساقين، سابغ الإليتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا الأيمان لكان لي ولها شأن.
قال عكرمة: فكان بعد ذلك أميراً على مصر وما يدعى لأب)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة هلال بن أمية وقذفه لامرأته بالزنا وتلاعنهما، وهو مشتمل على أمور متفقة مع ما مضى في الروايات، ومنفرد في أمور.
قوله: [(جاء هلال بن أمية -وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم- فجاء من أرضه عشياً فوجد عند أهله رجلاً، فرأى بعينه وسمع بأذنه، فلم يهجه حتى أصبح)].
قوله: (لم يهجه) ليس معنى ذلك أنه لم يحرك ساكناً وأنه تركه، وإنما المقصود أنه ما قتله وما حصل منه ضرب أو تعذيب له، وليس معنى ذلك أنه بات عندهم، فهذا لا يكون ولا يتصور، فلا شك أنه قد ذهب ولم يبق، وكذلك أيضاً لم يحصل منه أن جاء في الليل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر، وإنما انتظر حتى أصبح، فجاء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو الذي يُفهم من قوله: (فلم يهجه).
قوله: [(ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني جئت أهلي عشاءً فوجدت عندهم رجلاً فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما جاء به واشتد عليه)].
لأن هذا أمر عظيم وشيء خطير، فحصول مثل هذا الأمر المنكر وهذه الفاحشة العظيمة هذا أمر مؤلم للنفس، ومكدّر للخاطر.
قوله: [(فنزلت: ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ)) الآيتين كلتيهما)].
أي: نزلت الآيتين في هذه المناسبة.
قوله: [(فسُرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبشر يا هلال قد جعل الله عز وجل لك فرجاً ومخرجاً)].
وهذا يدل على أن نزول هذه الآيات إنما كان عند حدوث هذه القصة؛ لأن قوله: [(فسُرّي) أي: ذهب عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما حصل له من الشدة عند نزول الوحي عليه، فهذا يؤكد أن آية الملاعنة إنما نزلت في قصة هلال وليس في قصة عويمر.
قوله: [(فلما كانت الخامسة قيل له: يا هلال! اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فقال: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يُجلدني عليها)].
أي: لا يعذبني عليها في الآخرة كما لم يجلدني الجلد الحاصل بسبب القذف، أي: أنه قد برئ ولم يحصل له الجلد من أجل كونه اتهمها بالزنا؛ لأنه صادق وأنزل الله تعالى فيه قرآناً.
وأما من قال: يُجلدني عليها: مأخوذ من الجَلَد والصبر، فهذا بعيد عن سياق الحديث، بل يبدو أنه من الجَلْد الذي هو عقوبة القذف.
قوله: (تلكأت) أي: توقفت، وظنوا أنها سوف تترك الملاعنة، ولكنها قالت: (لا أفضح قومي سائر اليوم) أي: لا أفضح أهلي في المستقبل.
قوله: [(ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقضى: ألا يدعى ولدها لأب)].
أي: لا يُدعى الولد للذي لاعن؛ لأنه نفاه باللعان، ولا يدعى للزاني؛ لأن الزاني لا ينسب له ولد، ولا يضاف إليه ولد، وليس له إلا الحجر، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) والفراش هنا قد نُفي بالملاعنة، فكان ينسب إلى أمه.
قوله: [(ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد)].
أي: ليس لأحد بعد ذلك أن يرميها بالزنا، ولا يرمي ولدها بأن يقول: ولد زنا؛ لأنه قد حصل الحكم الشرعي في حقهما.
قوله: [(وقضى ألا بيت لها عليه ولا قوت)].
أي: ليس لها سُكنى ولا نفقة.
قوله: [(من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها)].
لأن اللعان ليس كالطلاق الذي يمكن فيه التراجع بينهما، وكذلك ليست متوفى عنها فتكون ذات علاقة بزوجها.
قوله: [(وقال: إن جاءت به أُصيْهِب)].
وهو الذي فيه شقرة، وأُصِيهب: تصغير أصهب.
قوله: [(أُريصح)].
تصغير: أرصح، وهو خفيف الإليتين، ضد قوله: (سابغ الإليتين)، أُبدلت السين منه صاداً.
قوله: [(أُثيبج)].
تصغير: أثيج، وهو الناتئ الثَبَج، والثبج: ما بين الكاهل ووسط الظهر.
قوله: [(حَمش الساقين)].
أي: دقيق الساقين.
قوله: [(وإن جاءت به أورق)].
أورق: أي: فيه سُمره، أو شبه لون الرماد، وهو مثل لون الحمامة الورقاء.
قوله: [(أورق، جعداً، جُمالياً خدلّج الساقين، سابغ الإليتين)].
الجعد: هو جعد الشعر، فليس سبط الشعر، وإنما في شعره انكماش، وليس فيه امتداد واسترسال.
جُمالياً: نسبة للجمال، يعني: في الضخامة.
قوله: [(خدلج الساقين)].
أي: غليظ الساقين، وهو ضد (حمش) وهو: دقيق الساقين.
قوله: [(فهو للذي رُميت به)] وهو شريك بن سحماء.
قوله: [(فجاءت به أورق، جعداً، جمالياً، خدلج الساقين، سابغ الإليتين)].
أي: جاءت به على النعت المكروه.
قوله: [(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا الأيمان لكان لي ولها شأن)].
يقصد: الشهادات، وأطلق عليها: إيماناً لأن فيها تأكيداً وشهادة بالله، حيث إن كل واحد من المتلاعبين يقول: أشهد بالله كذا، فهذه الشهادات شبهت بالأيمان لأنها تأكيد بالقسم.
قوله: [(قال عكرمة: فكان بعد ذلك أميراً على مصر)].
أي: مصر من الأمصار، أو أنه على البلد المعروف باسم: مصر.
قوله: [(وما يدعى لأب)].
يعني: ليس له أب ينسب إليه، وإنما ينسب إلى أمه، ويمكن أيضاً أن يوضع له نسب، ويكون هذا النسب الذي وضع له مطابقاً للواقع مثل أن يقال: فلان بن عبد الله، أو فلان بن عبد الرحمن؛ لأن الكل عباد للرحمن، والكل عبيد لله، فيكون في هذا تورية.(258/23)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في الملاعنة من طريق أخرى
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
هو الحسن بن علي الحلواني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[عن يزيد بن هارون].
يزيد بن هارون الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عباد بن منصور].
عباد بن منصور صدوق رُمي بالقدر، وتغير بأخرة، وكان يدلس وقد روى بالعنعنة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
وقد ضعف الإمام الألباني هذا الحديث، ولعله ضعفه من أجل هذا الراوي.
[عن عكرمة عن ابن عباس].
عكرمة وابن عباس قد مر ذكرهما.(258/24)
شرح حديث (لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة قال: سمع عمرو سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: (حسابكما على الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها، قال: يا رسول الله! مالي! قال: لا مال لك؛ إن كنت صدقت عليها فبما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك)].
قوله: [(حسابكما على الله؛ أحدكما كاذب)].
أي: أنه ذكرهما بالحساب وما يجري في الآخرة، وأحدهما كاذب ولابد، وفي الرواية الأخرى: (فهل منكما من تائب)، فقد دعاهما إلى التوبة والإنابة.
قوله: [(لا سبيل لك عليها)].
أي: أن الفرقة قد حصلت، وأنها دائمة ومستمرة.
قوله: [(قال: يا رسول الله! مالي!)].
وهذا عندما قال له: (لا سبيل لك عليها) وأن الفراق قد حصل (قال: يا رسول الله! مالي!) يعني: أين مصير مالي الذي دفعته لها؟! وكيف يذهب؟! فقال له: (لا مال لك، إن كنت صادقاً فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك) يعني: إن كنت كذبت عليها فذلك من باب أولى ألا تستحقه؛ وإن كنت صادقاً فأنت لا تستحقه؛ لأنه بما استحللت من فرجها.
وهذا الحديث يدل على أن الزوج لا يرجع على الزوجة الملاعن منها بشيء من المهر، وإنما يكون المهر لها بما استحل من فرجها، قالوا: وهذا إنما يكون في المدخول بها؛ لأنه قال: (بما استحللت من فرجها)، وأما إن كان غير مدخول بها وحصلت الفرقة فإنه يكون له النصف؛ لأنه لم يستمتع بها.
قال بعض أهل العلم: إنه يكون له النصف؛ لأنها تشبه المطلقة قبل الدخول بها وقد فرض لها، فيكون المهر على التنصيف.(258/25)
تراجم رجال إسناد حديث (لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الإمام المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان بن عيينة].
سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سمع عمرو].
وهو: عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(258/26)
شرح حديث (الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير قال: قلت لـ ابن عمر رضي الله عنهما: رجل قذف امرأته، قال: (فرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان وقال: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟! يرددها ثلاث مرات، فأبيا، ففرق بينهما)].
قوله: [(فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان)].
أي: بين عويمر العجلاني وزوجته، وقال: (أَخَوَي) تغليباً لجانب الذكر على الأنثى، وإلا فإن الذي معه أنثى، فغلّب المذكر على المؤنث، وهما من بني عجلان، ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(وقال: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟)] أي: أن أحدكما كاذب، والله تعالى يعلم الكاذب منكما، (فهل منكما تائب؟) أي: هل منكما من يتوب إلى الله عز وجل مما قد حصل منه؟ فهي تتوب من كونها تلبست بالزنا، وهو يتوب من كونه قذفها بالزنا، فإن تاب أحدهما فإن اللعان يسقط؛ لأن اللعان جاء بناءً على أنه رماها وهي أنكرت ذلك وليس عنده شهود.
قوله: [(يرددها ثلاث مرات، فأبيا ففرق بينهما)].
أي: أبيا أن يرجعا، فهو أبى أن يرجع عن الدعوى التي ادعاها، وهي أبت أن تقر أو تترك الملاعنة على اعتبار أنها قد حصل منها ذلك الذي ادعى عليها، ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقة دائمة مستمرة.(258/27)
تراجم رجال إسناد حديث (الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟)
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا إسماعيل].
أحمد بن محمد بن حنبل مرّ ذكره وإسماعيل هو: ابن إبراهيم بن مقسم، المشهور بـ ابن علية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أيوب].
هو: أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير قال: قلت لـ ابن عمر].
وقد مر ذكرهما.(258/28)
شرح حديث ابن عمر في الملاعنة من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر: (أن رجلاً لاعن امرأته في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وألحق الولد بالمرأة) قال أبو داود: الذي تفرد به مالك: قوله: (وألحق الولد بالمرأة)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى.
قوله: [(أن رجلاً لاعن امرأته في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتفى من ولدها)].
أي: نفى الولد وزعم أنه ليس منه، وإنما هو من زنا.
قوله: [(ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وألحق الولد بالمرأة)].
أي: ولم يلحقه بالأب؛ بسبب اللعان الذي نفى به الولد، وحصلت الحرمة والفرقة المستمرة، وألحقه بأمه فهو ينسب إليها، وقد تقدم في عدة روايات إلحاقه بأمه؛ لأن بنّوته لأمه محققة، وأما بنوته لأبيه فإنه قد أنكرها، وزعم أن الولد ليس منه وإنما هو من غيره.(258/29)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في الملاعنة من طريق أخرى
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
وقد مرّ ذكره.
وهذا من الرباعيات التي هي أعلى ما يكون عند أبي داود، حيث يوجد بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أربعة أشخاص: القعنبي ومالك ونافع وابن عمر.
[قال أبو داود: الذي تفرد به مالك: قوله: (وألحق الولد بالمرأة)].
هذه الرواية جاءت من طرق متعددة، فقد سبق أن مر بنا أنه ألحق الولد بالمرأة ولم يلحقه بالرجل الذي نفاه عن نفسه بادعاء أنه ليس منه وتم ذلك بالملاعنة.(258/30)
شرح حديث سهل بن سعد في قصة المتلاعنين (وأنكر حملها فكان ابنها يدعى إليها)، وتراجم رجاله
[وقال يونس عن الزهري عن سهل بن سعد رضي الله عنهما في حديث اللعان: (وأنكر حملها، فكان ابنها يُدعى إليها)].
أي: أن الرجل أنكر حمل امرأته، فكان ولدها بعد التلاعن يُدعى وينسب إليها لا إلى الرجل.
قوله: [وقال يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهل بن سعد].
سهل بن سعد الساعدي صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(258/31)
الأسئلة(258/32)
حكم من وجد مع امرأته رجلاً فقتله
السؤال
ما الحكم لو وجد الرجل مع امرأته رجلاً فقتله؟
الجواب
إذا كان هناك بينة فإنه يكون على صواب، وأما إن لم يكن هناك بينة فإنه يقتل به؛ لأنه لو كان الأمر كذلك فكل واحد من الناس يمكن أن يقول: إنه وجد كذا وكذا من غير أن يكون له بينة، فيؤدي ذلك إلى أن كل من أراد أن يتخلص من إنسان أو أن يقتل شخصاً يدعي عليه بمثل هذه الدعوى.(258/33)
وقوع الملاعنة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
هل حصلت الملاعنة بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
لا أدري؛ لكنها لا بد أن تحصل؛ لأن الأحكام الشرعية أحكام تُطبق على كل من وقع في مثل هذا الأمر، ولا أعرف حادثة وقعت بعينها، وأما حدوثه فهذا لا شك فيه.(258/34)
عدّة المرأة بعد التلاعن
السؤال
هل للمرأة عدة بعد التلاعن؟ وما هو مقدار العدة؟
الجواب
معلوم أنها لا علاقة لها بالزوج، وأن الزوج هو الذي اتهمها، ولكن نقول: إنها لا تتزوج إلا بعد أن يستبرئ رحمها وذلك بأن تكون حاملاً فتلد، أو تستبرأ بحيضة، وليس لها عدة ثلاثة قروء وما إلى ذلك، وإنما المقصود هو استبراؤها من الزنى إذا كان الزوج هو الصادق، فليست براءة الرحم من أجله هو وإنما من أجل غيره.(258/35)
العمل إذا عُلم أن فلاناً من الناس قد زنا
السؤال
إذا علم من زنى بامرأة هل يقام عليه الحد؟
الجواب
إذا ثبت عليه الزنا فإنه يقام الحد، وثبوت الزنا عليه إما أن يكون باعترافه أو بأربعة شهود.(258/36)
إذا شك في الولد(258/37)
شرح حديث (وهذا عسى أن يكون نزعه عرق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا شك في الولد.
حدثنا ابن أبي خلف حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بني فزارة فقال: إن امرأتي جاءت بولد أسود، فقال: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حُمر، قال: فهل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لَوُرْقاً.
قال: فأنّى تُراه؟ قال: عسى أن يكون نَزَعَه عِرْق، قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عرق)].
قوله: [باب إذا شك في الولد] أي: من شك أن يكون الولد منه وتردد في ذلك، ولم يحصل القذف، ولم تحصل الملاعنة، أي: لا عبرة بهذا الشك، والولد للفراش ولو كان هناك تفاوت واختلاف في اللون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الولد للفراش)، فما دام أنه ولد على فراشه فهو له، بل لو حصل زنا والعياذ بالله فإنه يغلب جانب الفراش ولا ينظر إلى الزاني ولو كان هناك شبه به، كما في قصة عبد بن زمعة فالنبي صلى الله عليه وسلم ألحقه بالفراش، فالحكم في الأصل للفراش، ولا يتخلص الزوج من الولد إلا بالملاعنة بعد أن يكون قد قذفها بالزنا قذفاً صريحاً، فتتم الملاعنة، ثم ينتفي الولد منه ويكون تبعاً لأمه كما جاءت الأحاديث السابقة في اللعان.
قوله: [(إن امرأتي ولدت غلاماً أسود)] أي: أن لون الولد يخالف لون أبيه ولون أمه، فشكّ فيه ولم ينكره، ولم يقل: إنها زانية، وإنما أشكل عليه وجود لون يغاير لون الأبوين، فالولد أسود وهم بِيض، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقاً) أي: هي مجموعة وليس واحداً فقط، يعني: فيها وُرْق، (قال: فأنى تراه؟) أي: من أين جاءت هذه الورقة إلى هذه الإبل الحُمْر مع أن فحلها واحد؟ (قال: عسى أن يكون نزعه عرق) يعني: أنه شيء قديم، (قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عرق) أي: وولدك هذا لعل في أجداده أو جداته من لونه هذا اللون الأسود، فنزعه ذلك العرق الذي هو أصل من أصوله.
وهذا فيه دليل على إثبات القياس وأنه حجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاس شيئاً على شيء، والقياس من الأدلة الشرعية، ويُصار إليه عند عدم وجود النص الصريح في المسألة، وهو إلحاق فرع بأصل في حكم لجامع بينهما، وهو معتبر شرعاً، وقد جاءت فيه أدلة كثيرة ومنها هذا الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قاس هذا الولد الأسود الذي جاء من أبوين أبيضين على الإبل التي فحلها واحد وتكون حُمراً، ويأتي فيها من هو أورق، والأورق: هو الذي فيه سواد، أي: أنه يشبه لون الرماد، ولهذا يقال للحمامة: ورقاء، إذا كان لونها هذا اللون، فقاس النبي صلى الله عليه وسلم هذا على هذا، وهذا دليل على أن القياس حجة كما سبق.(258/38)
تراجم رجال إسناد حديث (وهذا عسى أن يكون نزعه عرق)
[حدثنا ابن أبي خلف].
هو أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي خلف، وهو ثقة، أخرج له أبو داود.
وقد سبق أن مر بنا شخص اسمه: محمد بن أحمد بن محمد بن أبي خلف، وهذا هو الأب، وابن أبي خلف يحتمل أن يكون الابن أو الأب، وما دام أنهما ثقتان فأي واحد منهم لا يؤثر سواءً كان هذا أو هذا، لكن في شيوخه: أحمد بن محمد، وفيهم أيضاً: محمد بن أحمد.
فـ: أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد ثقة أخرج له أبو داود، وذاك أخرج له مسلم وأبو داود، وكلاهما من العاشرة.
والحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة؛ وهذا يدلنا على أن الراوي هو: محمد بن أحمد بن محمد بن أبي خلف، وليس أحمد بن محمد، لأن هذا الراوي أحمد بن محمد ليس له إلا حديث واحد رواه أبو داود، وكل منهما يروي عن سفيان بن عيينة.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة].
الزهري مر ذكره، وسعيد بن المسيب أحد الفقهاء السبعة في عصر التابعين، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(258/39)
شرح حديث (وهذا عسى أن يكون نزعه عرق) من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري بإسناده ومعناه قال: (وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه)].
ثم أورد هذا الحديث وفيه: أنه يعرض بأن ينفيه، أي: كأنه شاك فيه.
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري بإسناده ومعناه].
وقد مر ذكره.(258/40)
شرح حديث (وهذا عسى أن يكون نزعه عرق) من طريق ثالثة وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدت غلاماً أسود وإني أنكره، فذكر معناه)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة وقال هنا: (أعرابي)، وهناك قال: (من بني فزارة)، ولا تنافي بينهما، فيكون هذا وهذا.
قوله: [(إن امرأتي ولدت غلاماً أسود وإني أنكره)] ليس المقصود من (أنكره) أنه ينفيه ويتهمها بالزنا، ولكن معناه أنه في شك واستغراب أو استنكار في هذا التباين الذي بينهما، فهو أسود وهما أبيضان.
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: أخبرني يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب عن أبي سلمة].
أبو سلمة هو: ابن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.(258/41)
ما جاء في التغليظ في الانتفاء(258/42)
شرح حديث: (وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التغليظ في الانتفاء.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - عن ابن الهاد عن عبد الله بن يونس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية المتلاعنين: (أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه، وفضحه على رءوس الأولين والآخرين)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب التغليظ في الانتفاء، يعني: نفي الأب لولده وهو يعلم أنه له، وهذا أمر خطير وعظيم، وقد ورد في ذلك تغليظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيما يتعلق بالانتفاء من الولد بعد نزول آية المتلاعنين: (أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء الحديث).
قوله: [(ولن يدخلها الله جنته)] هذا فيه تغليظ لفعل المرأة، هذا وهو أن تزني ثم تلحق بالقوم ولداً ليس منهم، فيكون بينهم التوارث والمحرمية وغير ذلك ذلك، مع أن الواقع بخلاف هذا، فهو ولد زنا وليس منهم، فهذا فيه بيان تغليظ الزنا وخطورته، وأن فيه اختلاط الأنساب، وإضافة من ليس من القوم إليهم.
ثم ذكر ما يتعلق بحق الرجل، وهو الذي يطابق الترجمة، وهو قوله: (وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه، وفضحه على رءوس الأولين والآخرين).
قوله: (وهو ينظر إليه) يعني: كون الرجل ينظر إلى ولده وهو يعرفه، ويتحقق من أنه ولده ومع ذلك يجحده، أو ولده ينظر إليه وهو بحاجة إلى شفقته ورأفته ومع ذلك يتخلص منه بنفيه وادعاء أنه ليس منه.
قوله: [(احتجب الله منه، وفضحه على رءوس الأولين والآخرين)].
يعني: فضحه على رءوس الأشهاد يوم القيامة، وهذا فيه تغليظ شديد، فهو لا يرى الله عز وجل، (وفضحه على رءوس الخلائق يوم القيامة) يعني: أن الخلق يشهدون فضيحته.
وهذا الحديث غير صحيح؛ لأن في إسناده من هو مجهول، فالحديث لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(258/43)
تراجم رجال إسناد حديث (وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو يعني: ابن الحارث].
أحمد بن صالح وابن وهب مر ذكرهما، وعمرو بن الحارث المصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن الهاد].
هو: عبد الله بن يزيد بن الهاد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن يونس].
عبد الله بن يونس مجهول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن سعيد المقبري].
سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.(258/44)
شرح سنن أبي داود [259]
كانت الأمة في الجاهلية يرسلها سيدها لتزني وتأتي له بالضريبة والمقابل من ذلك، فجاء الشرع ناهياً عن هذه الخصلة الذميمة، والفعلة الأثيمة.
وإذا وطأ الأمة جمع من السادة أو غيرهم فقد وضع الشرع القواعد والضوابط في كيفية نسبة الولد إلى أحدهم، فشرع الأخذ بالقيافة، فإذا نسب القافة الولد إلى أي الواطئين فإنه ينسب إليه، وكذلك شرع القرعة إذا لم تستطع القافة أن تلحقه بأحد الواطئين.(259/1)
ما جاء في ادعاء ولد الزنا(259/2)
شرح حديث (لا مساعاة في الإسلام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في ادعاء ولد الزنا.
حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا معتمر عن سلم -يعني: ابن أبي الذيال - قال: حدثني بعض أصحابنا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا مساعاة في الإسلام، من ساعى في الجاهلية فقد لحق بعصبته، ومن ادعى ولداً من غير رشدة فلا يرث ولا يورث)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب ادعاء ولد الزنا، وادعاء ولد الزنا لا يجوز في الإسلام، ولا يلحق ولد الزنا بالزاني، والأمر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر).
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا مساعاة في الإسلام)، والمساعاة هي: الزنا، وقد كانت الأمة في الجاهلية إذا كان عليها شيء لسيدها فإنه يرسلها لتزني وتأتي له بالخراج والضريبة أو الشيء الذي اتفق معها على أنها تأتيه به، وكانوا يُكرهونهن على ذلك، كما جاء في القرآن: {وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:33] يعني: غفور رحيم لهن وليس للذين أكرهوهن، فالله تعالى غفور رحيم للمكرهات، فكانت الأمة يرسلها سيدها لتجمع له، وكانت تفعل الفاحشة وتأخذ العوض على ذلك.
قوله: [(من ساعى في الجاهلية فقد لحق بعصبته)] أي: أن الأنساب التي كانت في الجاهلية لا يقرها الإسلام، فإن الإسلام اعتبرها وكل من انتسب إلى أحد فإنه بقي على ما كان عليه، مع أن أنكحة الجاهلية فيها ما هو سائغ وفيها ما ليس بسائغ، فما حصل في الجاهلية بقي على ما هو عليه، ولكن بعد الإسلام يمنع من كل نكاح لا يجوز شرعاً.
قوله: [(ومن ادعى ولداً من غير رشدة فلا يرث ولا يورث)].
أي: من جعله في الإسلام ولداً وهو من الزنا فإنه لا يرث ولا يورث، وأما إذا كان هذا شيئاً حصل في الجاهلية ومضى في الجاهلية فتبقى أنساب الجاهلية وما حصل في الجاهلية على ما هي عليه.(259/3)
تراجم رجال إسناد حديث (لا مساعاة في الإسلام)
قوله: [حدثنا يعقوب بن إبراهيم].
هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[عن معتمر].
هو معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سلم يعني ابن أبي الذيال].
وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأبو داود.
[عن بعض أصحابنا].
هذا مبهم غير معروف، فيضعف به الحديث.
[عن سعيد بن جبير عن ابن عباس].
مر ذكرهما، والحديث غير صحيح من أجل هذا المبهم في الإسناد.(259/4)
شرح حديث ابن عمرو في الاستلحاق
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا محمد بن راشد ح وحدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن راشد -وهو أشبع- عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضى أن كل مُسْتَلْحَق استُلْحِق بعد أبيه الذي يدعى له ادعاه ورثته، فقضى أن كل من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه، وليس له مما قسم قبله من الميراث شيء، وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه، ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره، وإن كان من أمة لم يملكها، أو من حرة عاهر بها، فإنه لا يلحق به ولا يرث، وإن كان الذي يدعى له هو ادعاه فهو ولد زنية من حرة كان أو أمة)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: [(إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن كل مستلحق استلحق بعد أبيه الذي يدعى له ادعاه ورثته)].
أي: إذا كان من أمة يطؤها أبوهم وكان ذلك ممكناً أن يكون من أبيهم، وادعى أخوته أنه لهم، وأنه ولد أمة أبيهم؛ فيكون أخاً لهم، وهذا إذا لم يكن أبوهم قد أنكره، فيلحق في النسب به، ويكون أخاً لهم، ولكن إذا سبق أن قسم شيء من تركة أبيهم فإنه لا نصيب له فيه، وإنما له نصيب مما لم يقسم؛ وذلك لأن ثبوت النسب ما حصل إلا بالاستلحاق، وأما قبل ذلك فلم يثبت نسبه، فما قسم قبل استلحاقه فإنه لا يكون له نصيب فيه، وما بقي من مال مورثهم لم يقسم فإنه يأخذ نصيبه منه على أنه واحد من الأبناء.
قوله: [(فقضى أن كل من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه، وليس له مما قسم قبله من الميراث شيء، وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه، ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره)].
أي: إذا استلحقوه وادعوا أنه أخوهم وكان أبوهم قد أنكره فإن هذا الاستلحاق لا يصلح ما دام أنه قد أنكر أنه منه.
قوله: [(وإن كان من أمة لم يملكها، أو من حرة عاهر بها؛ فإنه لا يلحق به ولا يرث)] أي: إذا وطئ مملوكة غيره، أو من حرة زنى بها، فإنه لا يلحق به ولا توارث بينهما؛ لأنه ليس ولده، بل هو ولد زنا، ولا توارث بين الزاني وبين الولد الذي جاء عن طريق الزنا.
قوله: [(وإن كان الذي يدعى له هو ادعاه فهو ولد زنية من حرة كان أو أمة)].
ولو كان الذي ينسب إليه هو الذي ادعاه فهو ولد زنية سواءً كان من حرة أو من أمة.(259/5)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمرو في الاستلحاق
قوله: [حدثنا شيبان بن فروخ].
شيبان بن فروخ صدوق يهم، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا محمد بن راشد].
محمد بن راشد المكحولي وهو صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن.
[ح وحدثنا الحسن بن علي].
هو الحسن بن علي الحلواني، وقد مر ذكره.
[حدثنا يزيد بن هارون].
يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن راشد].
محمد بن راشد تقدم، وهذا الإسناد الثاني أنزل من الإسناد الأول.
قوله: [وهو أشبع].
أي: أتم، فهذا المتن الذي هو من الطريق الثانية: من طريق الحسن بن علي عن يزيد بن هارون عن محمد بن راشد أتم من متن الإسناد الأول الذي هو من طريق شيبان بن فروخ عن محمد بن راشد.
[عن سليمان بن موسى].
سليمان بن موسى وهو صدوق، أخرج له مسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن شعيب].
عمرو بن شعيب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو وهو أيضاً صدوق، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و (جزء القراءة) وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عمرو].
هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث حسن.(259/6)
شرح حديث عبد الله بن عمرو في الاستلحاق من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد حدثنا أبي عن محمد بن راشد بإسناده ومعناه، زاد: (وهو ولد زنا لأهل أُمّه من كانوا حرة أو أمة، وذلك فيما استلحق في أول الإسلام، فما اقتُسِم من مال قبل الإسلام فقد مضى)].
قوله: [(وهو ولد زنا لأهل أمة من كانوا)].
أي: أنه يضاف إلى الزانية ولا يضاف إلى الزاني.
قوله: [حدثنا محمود بن خالد].
هو محمود بن خالد بن يزيد الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبيه].
هو خالد بن يزيد وهو مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن محمد بن راشد بإسناده ومعناه].
محمد بن راشد تقدم ذكره.(259/7)
ما جاء في القافة(259/8)
شرح حديث (ألم تري أن مجززاً المدلجي رأى زيداً وأسامة فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في القافة.
حدثنا مسدد وعثمان بن أبي شيبة المعنى وابن السرح قالوا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال مسدد وابن السرح: يوماً مسروراً، وقال عثمان: تعرف أسارير وجهه، فقال: أي عائشة! ألم تري أن مجززاً المدلجي رأى زيداً وأسامة رضي الله عنهما قد غطيا رءوسهما بقطيفة وبدت أقدامها فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض).
قال أبو داود: كان أسامة أسود، وكان زيد أبيض].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في القافة، والقافة: جمع قائف، وهم الذين يعرفون الشبه بين الناس، فعندهم فراسة وخبرة في ذلك، ويوجد في بعض القبائل العربية من يكون عنده حذق وفطنة وانتباه لمعرفة الأشباه، فكان يقال لهم: القافة.
وأورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوماً وهو مسرور تبرق أسارير وجهه عليه الصلاة والسلام، فقال: (أي عائشة! ألم تري أن مجززاً المدلجي نظر إلى أقدام زيد وأسامة وقد غطيا رءوسهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض)، وكان زيد أبيض وابنه أسامة أسود، وكان الناس يتكلمون في هذا الفرق بين الأب والابن، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكره ذلك الكلام، ولكنه لما رأى هذا القائف الذي رأى أقدامهما بادية ورءوسهما مغطاة بالقطيفة وقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض -يعني: أن هذا من هذا- فرح صلى الله عليه وسلم وسر لهذا الكلام الذي قاله القائف، وهذا دليل على اعتبار علم القيافة وقول القائف؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر ذلك وسُرّ به، وهو صلوات الله وسلامه وبركاته عليه لا يسر بباطل، فهذا إذا يدل على اعتبار القيافة، فإذا حصل اشتباه ولم يكن هناك قرينة فإن الأمر يعرض على القافة، فمن قالت: إنه يشبه فلاناً فإنه يلحق به، فإذا كان هناك مثلاً وطء من عدد وصار الولد محتملاً أن يكون من هذا أو من هذا أو من هذا، فإنهم يعرضون على القافة ومن قدمته القافة فإن الولد ينسب إليه.
وهذا فيما لو أن رجالاً كانوا مالكين لأمة ووطئوها في طهر واحد فحملت، ولا يجوز لهم أن يطئوها جميعاً، ولكن لو حصل أنهم وطئوها جميعاً وجاءت بولد فإنه يعرض على القافة، وإذا قالوا: إنه يشبه فلاناً يلحق به؛ لأن هذا مرجح، وسيأتي فيما بعد حديث فيه: أن ثلاثة وطئوا امرأة -يعني: مملوكة لهم- في طهر واحد وأن علياً رضي الله عنه أقرع بينهم، وألزم الذي خرجت له القرعة أن يدفع لصاحبيه ثلثي الدية -أي: ثلثي القيمة- لكن القيافة مقدمة على القرعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبر القيافة وأقرها، فإذا ميز القائف من يكون له الشبه وأنه يكون منه ومن سلالته فإنه يلحق به.(259/9)
تراجم رجال إسناد حديث (ألم تري أن مجززاً المدلجي رأى زيداً وأسامة فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[وعثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فإنه لم يخرج له في السنن وإنما أخرج له في (عمل اليوم والليلة).
[وابن السرح].
هو أحمد بن عمرو بن السرح، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قالوا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة].
سفيان هو ابن عيينة، والزهري مر ذكره، وعروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(259/10)
طريق ثانية لحديث عائشة في قصة زيد وابنه أسامة، وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب بإسناده ومعناه، قال: قالت: (دخل علي مسروراً تبرق أسارير وجهه)].
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وفيه: أنها قالت: (دخل علي مسروراً تبرق أسارير وجهه) يعني: من شدة الفرح، وأسارير الوجه هي ما يكون في الجبهة.
[قال أبو داود: و (أسارير وجهه) لم يحفظه ابن عيينة قال أبو داود: (أسارير وجهه) هو تدليس من ابن عيينة لم يسمعه من الزهري إنما سمع الأسارير من غير الزهري، قال: والأسارير في حديث الليث وغيره].
يعني: أن ابن عيينة لم يسمع من الزهري قوله: (أسارير وجهه)، وابن عيينة مدلس ولكنه لا يدلس إلا عن الثقات فقط ولا يدلس عن غيرهم، فإذا حذف أحداً فإنه يكون ثقة؛ لأنه لا يحذف إلا الثقات.
وقوله: (تبرق أسارير وجهه) هذا ثابت من حديث الليث، وهو في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: وسمعت أحمد بن صالح يقول: كان أسامة رضي الله عنه أسود شديد السواد مثل القار، وكان زيد رضي الله عنه أبيض مثل القطن].
ثم هذا فيه توضيح سواد هذا وبياض هذا، وأن هذا مثل القار لشدة سواده، وهذا مثل القطن لشدة بياضه، ولهذا استغرب الناس هذا الشكل وهذا التباين بين الولد والابن.
قوله: [حدثنا قتيبة].
قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث].
الليث ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
ابن شهاب قد مر ذكره.(259/11)
الأسئلة(259/12)
حكم الرحلة إلى مدائن صالح
السؤال
ما حكم الرحلة إلى مدائن صالح؟
الجواب
أنا أرى أنه لا ينبغي أن يذهب إلى مدائن صالح، ولا أن تقصد بالزيارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بها أسرع، فالأولى الإنسان لا يذهب إليها؛ لأن الرسول لما مر بها أسرع، فكيف يتعمد الإنسان أن يذهب إليها، ويتجول ويبقى فيها؟!(259/13)
حكم ملاعنة المرأة زوجها
السؤال
إذا رأت المرأةُ امرأةً أجنبية مع زوجها فهل لها أن تلاعنه؟
الجواب
المرأة لا تلاعن، وإنما تطلب الخلاص والفكاك منه، هذا إذا كانت متحققة من أنه زانٍ.(259/14)
حكم مظاهرة المرأة من زوجها
السؤال
هل يصح للمرأة أن تظاهر من زوجها؟ وهل يلزمها كفارة؟
الجواب
لا يصح أن تظاهر منه؛ لأن الظهار للرجل، ولا يلزمها شيء.(259/15)
انتفاء الصدق عن أحد المتلاعنين
السؤال
هل يجوز أن يكون كلا المتلاعنين صادقين بنفس الأمر؟
الجواب
لا يكونان صادقين، فأحدهما صادق والآخر كاذب، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟).(259/16)
حكم الكلام في الصحابة
السؤال
هل النصوص الواردة فيما وقع يبن الصحابة رضي الله عنهم صحيحة، فقد يستغلها أعداء الدين فيطعنون في عدالة الصحابة، وبالتالي هل نترضى عن هؤلاء رضي الله عنهم أجمعين؟
الجواب
لشيخ الإسلام ابن تيمية في آخر العقيدة الواسطية كلام جميل جداً في حق الصحابة، حيث يقول: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نسب إليهم من شيء فإن كان صحيحاً فهناك أعذار لهم، فقد يكونون تابوا منه، أو تحصل لهم شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فهم أحق الناس بشفاعته؛ لأنهم أصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وذكر كلاماً جميلاً جداً في آخر العقيدة الواسطية.(259/17)
بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب
السؤال
حديث: (الله يعلم أن أحدكما كاذب) ألا يدل هذا دلالة قاطعة على خطأ من يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب؟
الجواب
لا شك أن هذا من جملة الأدلة التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، فالغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل، وقد جاءت نصوص كثيرة تدل على أنه عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب، فالغيب من خصائص الله، كما قال عز وجل: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65]، والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم من الغيوب ما أطلعه الله عليه، وأما الشيء الذي لم يطلعه الله عليه فلا يعلمه، فهو من خصائص الله سبحانه وتعالى، ومن الأدلة أيضاً الحديث الذي فيه: (إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بشيء من ذلك فإنما أقطع له قطعة من نار، فإن شاء فليأخذها وإن شاء فليدعها)، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أنه يحكم بالظاهر، فهم يختصمون لديه ولعل بعضهم أن يكون ألحن بحجته، فقد يقضي للشخص بغير حقه، ولو كان يعلم الغيب فإنه بمجرد أن يأتي إليه الخصمان يقول لهما: الحق لفلان دون فلان.
وأيضاً قصة العِقد الذي فقدته عائشة رضي الله تعالى عنها حين كانوا في سفر، فمكث الرسول صلى الله عليه وسلم ومكث الناس معه يبحثون عنه، وأرسل أناساً يبحثون عنه، ثم بعد ذلك لما جاء الصباح ولم يجدوه وقد انتهى الماء أنزل الله آية التيمم فتيمموا وصلوا، ولما أرادوا الانطلاق أثاروا الجمل وإذا العقد تحت الجمل، فلو كان عليه السلام يعلم الغيب لعلم مكان العقد، ولقال: انظروه تحت الجمل، أو استخرجوه من تحت الجمل، فهو صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وإنما يعلم من الغيب ما أطلعه الله عليه، وأما ما أخفاه الله عنه فلا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وهذا الحديث من جملة الأدلة الكثيرة التي تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب.(259/18)
حكم إثبات صفة الاحتجاب لله
السؤال
هل نثبت لله صفة الاحتجاب؟
الجواب
جاء في الحديث: (حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، والله عز وجل قال: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] يعني: محجوبون عن رؤية الله، فيخبر عن الله بأن حجابه النور، وأنه لو كشف لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، لكن لا يقال: إن من صفاته الاحتجاب.(259/19)
حكم الإتيان بدعاء الركوب على السلم الكهربائي ونحوه
السؤال
هل من السنة قراءة أذكار الركوب على أي شيء يُركب مثل السلم الكهربائي؟
الجواب
دعاء السفر من أوله إلى آخره لا يكون إلا في السفر، ولكن كون الإنسان عندما يركب السلم الكهربائي يتذكر تسخير الله عز وجل ذلك ويقول: (سبحان الذي سخر لنا هذا) فلا بأس بذلك، لكن أدعية السفر هذه لا تكون إلا في السفر.
وقد جاء في القرآن هذا اللفظ بهذه الإشارة التي تصلح لكل شيء: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} [الزخرف:13]، وهذا بعدما سمى المركوب وقال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف:13] وهذا يدخل فيه السفن ويدخل فيه أي شيء يركب، فالله تعالى هو الذي سخره، فإذا قال الإنسان مثل هذا فلا بأس به.(259/20)
حكم تجديد العقد لمن كان لا يصلي ثم صلى
السؤال
امرأة تزوجت وعمرها خمس عشر سنة من رجل لا يصلي، وهي أيضاً كانت تترك الصلاة أحياناً وذلك بسبب الجهل، والآن بعد أن تجاوزت الخمسين من عمرها وقد هداهما الله وأصبحا يصليان، فهل يعاد العقد؟
الجواب
إذا كانوا لا يصلون ثم صلوا فيما بعد فإن العقد يعاد ويجدد.(259/21)
حكم الزواج بعمة الزوجة أو خالتها
السؤال
هل تحل لي عمة زوجتي أو خالتها أن أتزوجها؟
الجواب
نعم تحل لك بدون جمع بينها وبين زوجتك، لأن الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها ممنوع، وأما إذا تركت أو ماتت زوجتك فلك أن تتزوج عمتها أو خالتها، وإذا طلقتها لتأخذ عمتها أو خالتها لا يحل لك إلا بعد أن تخرج المطلقة من عدتها؛ لأن المطلقة الرجعية هي زوجته حتى تنتهي عدتها، فلو تزوجها في حال عدتها فإنه يكون قد جمع بين المرأة وعمتها، أو بين المرأة وخالتها.
فالحاصل أنه لا يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها، وإذا تزوج هذه بعد وفاة هذه أو بعد خروج هذه من العدة فلا بأس بذلك.(259/22)
من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد(259/23)
شرح حديث زيد بن أرقم في قصة إقراع علي بن أبي طالب بين ثلاثة من أهل اليمن في ولد اختصموا فيه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن الأجلح عن الشعبي عن عبد الله بن الخليل عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من اليمن فقال: إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا علياً رضي الله عنه يختصمون إليه في ولد، وقد وقعوا على امرأة في طهر واحد، فقال لاثنين منهما: طيبا بالولد لهذا، فغليا، ثم قال لاثنين: طيبا بالولد لهذا، فغليا، ثم قال لاثنين: طيبا بالولد لهذا، فغليا، فقال: أنتم شركاء متشاكسون، إني مقرع بينكم فمن قرع فله الولد، وعليه لصاحبيه ثلثا الدية، فأقرع بينهم فجعله لمن قرع، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أضراسه أو نواجذه)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة: باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد، أي: أن القرعة يفصل بها بين المتنازعين في الولد، ويتصور ذلك -كما جاء في الحديث- إذا وطأ ثلاثة أشخاص مملوكة لهم في طهر واحد، وهذا لا يجوز، أعني: أن يطئوها جميعاً، بل يطؤها واحد منهم، ولكن قد حصل هذا وهي ملك يمين لهم، وجاء من هذا الوطء في هذا الطهر ولد، فجاء في هذا الحديث عن علي أنه أقرع بينهم، فضحك الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك، وهو صلوات الله وسلامه وبركاته عليه لا يضحك من الباطل، أي: أنه أقر ذلك، وأن القرعة هي التي يفصل بها بين هؤلاء الذين تنازعوا في ذلك الولد، فكل واحد منهم يدعيه، فقد وطئوها جميعاً في طهر واحد، وقد طلب من كل منهم أن يتنازل عن مطالبته وعن حقه إلى شخص منهم، وذلك بأن يتنازل اثنان منهم لواحد، ثم اثنين وهكذا حتى يدور عليهم، فأبوا كلهم وتمسك كل بحقه ويريد الولد، فقال علي رضي الله عنه: أنتم شركاء متشاكسون، وإني مقرع بينكم فمن خرجت له القرعة كان له الولد، وليدفع للآخرين ثلثي الدية، أي: ثلثي القيمة؛ لأن الأمة ليس لها دية وإنما لها قيمة، فأقرع بينهم، فخرجت القرعة لواحد منهم فأعطاه الولد، وألزمه بأن يدفع لهما ثلثي القيمة، وفي هذا دليل على أنه لا يلحق الابن بأكثر من أب.
وقد سبق أن مر عند الكلام على العزل أنه قد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من كل المني يكون الولد) أي: أنه إنما يكون من قطرة، فهو يتخلق من قطرة من مني واحد منهم، وقال ذلك في بيان أن العزل لا يرد شيئاً إذا كان الله قد قدر أن يوجد ولد، فقد تنطلق قطرة ويكون منها الولد؛ لأنه ليس من كل الماء الحمل يكون الولد.
إذاً: فالولد يخلق من ماء واحد ولا ينسب إلى أكثر من أب.
ثم إن علياً رضي الله تعالى عنه وأرضاه قال لاثنين منهم: (طيبا به للآخر فغليا) يعني: أبيا وارتفعت أصواتهما وامتنعا من ذلك، يعني: صاحا في الامتناع والإباء، ومنه غلى القدر إذا ظهر صوت الغليان.
وقوله: (طيبا) يعني: أنه يترك ذلك عن طيب نفس، وعن انشراح صدر، ولكن النتيجة أن كلاً منهما امتنع حتى آل الأمر إلى الإقراع، فمن حصلت له القرعة فهو الذي ينسب إليه الولد، ويلزمه ثلثا القيمة لشريكيه، وقد جاء في مسند الحميدي أنه قال: (فغرمه للآخرين ثلثي القيمة)، أي: غرمه ثلثي قيمة الجارية، ويكون هنا عبر عن القيمة بالدية؛ لأن الأمة ليس لها دية ولكن لها قيمة؛ لأنها كالسلعة يرتفع سعرها وينخفض، ويكثر ويقل.
فحكم علي رضي الله عنه بهذا، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن القرعة معتبرة في إلحاق الولد في مثل هذه الصورة، ولكن الذي يبدو ويظهر أن القائف ينظر إليهم ويلحقه بواحد منهم، وهذا هو الأقرب إذا أمكن، فإن لم يمكن فإنه يصار إلى القرعة؛ لأن القرعة إنما هي تمييز بين المتساويين أيهم يكون له النصيب، وأما القافة فإن بها يحصل ترجيح جانب على جانب من حيث الشبه، فتكون أقوى من القرعة، فإذا حصلت مثل هذه الصورة فأنه يرجع للقافة، فإن ألحقته بأحد فإن هذا يكون مرجحاً، وإن لم يحصل شيء من ذلك أو لم يكن هنالك قافة فإنه يصار إلى القرعة.
وقد جاءت القرعة في أمور متعددة، فجاءت في قضية السفر: كما سبق أن مر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يسافر أقرع بين نسائه، فمن خرجت القرعة لها فإنه يخرج بها، ويحسب لصاحباتها مثل المدة التي خرجت فيها تلك المرأة معه، كما سبق أن ذكرنا ذلك، وكذلك جاءت القرعة في أمور كثيرة ومتعددة، وجاءت في القرآن في قصة يونس عليه الصلاة والسلام: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات:141].(259/24)
تراجم رجال إسناد حديث زيد بن أرقم في قصة إقراع علي بن ابي طالب بين ثلاثة من أهل اليمن في ولد اختصموا فيه
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأجلح].
هو الأجلح بن عبد الله الكندي صدوق، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.
[عن الشعبي].
هو عامر بن شراحيل الشعبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن الخليل].
عبد الله بن الخليل مقبول، أخرج حديثه أصحاب السنن.
[عن زيد بن أرقم].
زيد بن أرقم رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(259/25)
شرح حديث زيد بن أرقم في قصة إقراع علي بن أبي طالب بين ثلاثة من أهل اليمن في ولد اختصموا فيه من طريق ثانية وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا خشيش بن أصرم حدثنا عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن صالح الهمداني عن الشعبي عن عبد خير عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (أتي علي رضي الله عنه بثلاثة وهو باليمن وقعوا على امرأة في طهر واحد، فسأل اثنين: أتقران لهذا بالولد؟ قالا: لا، حتى سألهم جميعاً، فجعل كلما سأل اثنين قالا: لا، فأقرع بينهم، فألحق الولد بالذي صارت عليه القرعة، وجعل عليه ثلثي الدية، قال: فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه)].
أورد أبو داود الحديث السابق من طريق أخرى، وهو مثل الذي تقدم.
قوله: [حدثنا خشيش بن أصرم].
خشيش بن أصرم ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا الثوري].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح الهمداني].
هو صالح بن حي الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي عن عبد خير].
الشعبي مر ذكره، وعبد خير هو الكندي، ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب السنن.
[عن زيد بن أرقم].
مر ذكره.(259/26)
شرح حديث زيد بن أرقم في قصة إقراع علي بن أبي طالب بين ثلاثة من أهل اليمن في ولد اختصموا فيه من طريق ثالثة، وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن سلمة أنه سمع الشعبي عن الخليل أو ابن الخليل قال: أتي علي بن أبي طالب رضي الله عنه في امرأة ولدت من ثلاثة نحوه، لم يذكر اليمن ولا النبي صلى الله عليه وسلم، ولا قوله: طيبا بالولد].
ذكر المصنف الحديث من طريق ثالثة، وهو مثل الذي قبله إلا أنه مرسل.
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ].
هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي].
هو معاذ بن معاذ العنبري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سلمة].
هو سلمة بن كهيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع الشعبي عن الخليل أو ابن الخليل].
الشعبي قد مر ذكره.
والخليل أو ابن الخليل هو عبد الله بن الخليل الذي سبق أن مر ذكره.(259/27)
شرح سنن أبي داود [260]
من الضوابط التي وضعها الشرع لانضباط الحياة الاجتماعية في الأمور الزوجية والعائلية أنه اعتمد أقوال القافة في معرفة من أبو الولد، كما أنه نسب ولد الزنا إلى أمه، حتى لا تختلط الأنساب، وإذا حصل نزاع على الولد بين الأب والأم فإنه ينظر إلى أصلحهما، أو يخير الولد بين أبيه وأمه إذا كان مميزاً، فإن لم يكن مميزاً فإنه يعطى لأمه، وهي أحق به ما لم تنكح.(260/1)
وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية(260/2)
شرح أثر عائشة في ذكر أنواع الأنكحة في الجاهلية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة بن خالد قال: حدثني يونس بن يزيد قال: قال محمد بن مسلم بن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته: أن النكاح كان في الجاهلية على أربعة أنحاء، فكان منها نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليته فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إن أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع، ونكاح آخر يجتمع الرهط دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومر ليالٍ بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت، وهو ابنك يا فلان! فتسمي من أحبت منهم باسمه، فيلحق به ولدها، ونكاح رابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها، وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات يكنّ علماً لمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت فوضعت حملها جُمعوا لها، ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاطه، ودُعي ابنه، لا يمتنع من ذلك، فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم هدم نكاح أهل الجاهلية كله إلا نكاح أهل الإسلام اليوم].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب في وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية.
وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن نكاح الجاهلية كان على أربعة أنحاء، أي: على أربعة وجوه وأقسام: أحدها: النكاح الذي عليه المسلمون اليوم والذي جاء به الإسلام، وهو: أن الرجل يأتي إلى الرجل ويخطب موليته منه ويصدقها ثم ينكحها إياه، وهذا هو النكاح الشرعي الذي جاء به الإسلام، وهذا مما كان في الجاهلية وأقره الإسلام، وهذا هو النكاح الصحيح الشرعي.
الثاني: وهو أن الرجل إذا كان له امرأة ثم طمثت -يعني: حاضت- لا يقربها بعد الحيض، ويطلب منها أن تستبضع من شخص يكون معروفاً بالشهامة، أو معروفاً بعلو المنزلة فيجامعها، فإذا حملت وتحقق حملها بعد ذلك إن شاء أن يطأها هو وإلا تركها، ثم ينسب الولد إليه، أي: إلى زوجها، وهذا النكاح يسمى: نكاح الاستبضاع.
الثالث: أن المرأة الزانية يأتيها الرهط دون العشرة فيدخلون عليها ويجامعونها في طهر واحد، فإذا حملت فإنها تدعو هؤلاء بعد أن تلد ثم تخبرهم بالذي حصل منهم وتقول: الولد لك يا فلان! أي: تعين واحداً منهم فيأخذه ويصير ابناً له بذلك، أي: أنه ابنه من الزنا.
والرابع: أن البغايا كنّ ينصبن رايات على بيوتهن يدعون الرجال إلى أنفسهن، وكل من أراد دخل، ويعرف الذين دخلوا عليها وحصل منهم جماع لها وهم كثيرون، ثم بعدما تلد يدعون ويعرض الولد على القافة، فينظر فيهم القائف ويلحقه بواحد منهم، فيستلحقه ويكون ابناً له بذلك، فجاء الإسلام وهدم كل ما كان في الجاهلية إلا النكاح الذي عليه الناس اليوم، وهو القسم الأول من هذه الأقسام الأربعة.
وقوله: (فالتاطه) يعني: لصق به وأخذه.(260/3)
تراجم رجال إسناد أثر عائشة في ذكر أنواع الأنكحة في الجاهلية
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عنبسة بن خالد].
هو عنبسة بن خالد الأيلي، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري وأبو داود.
[حدثني يونس بن يزيد].
هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: قال محمد بن مسلم بن شهاب].
محمد بن مسلم بن شهاب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عروة بن الزبير].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن عائشة].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(260/4)
الولد للفراش(260/5)
شرح حديث (الولد للفراش وللعاهر الحجر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الولد للفراش.
حدثنا سعيد بن منصور ومسدد قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابن أمة زمعة، فقال سعد: أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة أن أنظر إلى ابن أمة زمعة فأقبضه فإنه ابنه، وقال عبد بن زمعة: أخي ابن أمة أبي ولد على فراش أبي، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شبهاً بيناً بـ عتبة فقال: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة!).
زاد مسدد في حديثه وقال: (هو أخوك يا عبد!)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب الولد للفراش، والمقصود بكون الولد للفراش: أن المرأة إذا كانت فراشاً لرجل -سواءً كان زوجها أو سيدها- فولدت من زنا، أو وطء بشبهة، أو نحو ذلك فإن الولد يكون لصاحب الفراش، فيلحق به وينسب إليه، سواءً كان صاحب الفراش زوجاً أو سيداً، أي: أن تكون فراشه أمة له يملكها، فهذا هو المقصود بالولد للفراش، فيغلب جانب الزوجية أو جانب التسري، أي: يغلب جانب الوطء الشرعي والوطء بحق.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها: أن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه وعبد بن زمعة أخو سودة بنت زمعة اختصما في الولد الذي ولدته أمة زمعة، فقال سعد: إن أخي عتبة عهد به إلي وقال: إذا ذهبت إلى مكة فانظر إلى ولد أمة زمعة فاقبضه فإنه ولدي.
يعني: أنه وطئها زناً، وكانوا في الجاهلية يلحقون الولد بالزاني.
وقال عبد بن زمعة: إنه ابن أمة أبي ولد على فراش أبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر)، وأعطاه لـ عبد بن زمعة وقال: (هو أخوك يا عبد!)، فالحقه بصاحب الفراش وقال: (للعاهر الحجر)، والعاهر هو: الزاني، والحجر معناه: أن له الخيبة وله التراب، وقيل: إن المقصود بقوله: (وللعاهر الحجر) أنه يرجم بالحجارة، وقيل: ليس المقصود به الرمي بالحجارة؛ لأنه ليس كل زانٍ يرمى بالحجارة، فالذي يرمى بالحجارة هو الثيب المحصن، وأما من كان بكراً فإنه لا يرمى بالحجارة وإنما يجلد مائة جلدة ويغرَّب كما جاء بذلك الكتاب والسنة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم ألحقه بالفراش، ولما رأى شبهاً بيّناً بـ عتبة قال لـ سودة: (احتجبي منه)، أي: أنه لما غلب جانب الفراش معناه أنه سيكون ابناً لزمعة، وهذا يعني أنه سيكون أخاً لـ سودة بنت زمعة، ولما رأى شبهه بيناً بـ عتبة قال لها: (احتجبي منه).
وهذا يفيد تقسيم الحكم إلى قسمين: ما يتعلق بإلحاق النسب، وإلى المحرمية، فبالنسبة للنسب فإنه يلحق بالفراش، وأما جانب المحرمية فلا يكون محرماً بسبب الشبهة وقوة الشبه الذي كان لـ عتبة بن أبي وقاص.(260/6)
تراجم رجال إسناد حديث (الولد للفراش وللعاهر الحجر)
قوله: [حدثنا سعيد بن منصور].
سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومسدد].
مسدد مر ذكره.
[قالا: سفيان].
هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن عروة عن عائشة].
الزهري وعروة وعائشة قد مر ذكرهم.(260/7)
شرح حديث (الولد للفراش) من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زهير بن حرب حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: (قام رجل فقال: يا رسول الله! إن فلاناً ابني؛ عاهرت بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش، وللعاهر الحجر)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن فلاناً ابني؛ عاهرت بأمه في الجاهلية) يعني: أنه زنى بأمه في الجاهلية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا دِعوة في الإسلام) أي: لا إلحاق ولا استلحاق ولد بما حصل من أعمال الجاهلية المحرمة كالزنا، فهذا هو المقصود بالدِعوة، وهي بكسر الدال.
وقوله: (ذهب أمر الجاهلية) يعني: أُبطل وأُلغي، والحكم هو: الولد للفراش وللعاهر الحجر.(260/8)
تراجم رجال إسناد حديث (الولد للفراش) من طريق ثانية
قوله: [حدثنا زهير بن حرب].
هو زهير بن حرب أبو خيثمة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا يزيد بن هارون].
يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا حسين المعلم].
هو حسين بن ذكوان المعلم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب].
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، صدوق، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
هو شعيب بن محمد، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في (الأدب المفرد) و (جزء القراءة) وأصحاب السنن.
[عن جده].
جده هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(260/9)
شرح حديث (الولد للفراش) من طريق ثالثة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا مهدي بن ميمون أبو يحيى حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رباح قال: زوجني أهلي أمة لهم رومية، فوقعت عليها فولدت غلاماً أسود مثلي فسميته عبد الله، ثم وقعت عليها فولدت غلاماً أسود مثلي فسميته عبيد الله، ثم طبن لها غلام لأهلي رومي يقال له: يوحنة، فراطنها بلسانه، فولدت غلاماً كأنه وزغة من الوزغات، فقلت لها: ما هذا؟ فقالت: هذا ليوحنة، فرفعنا إلى عثمان -أحسبه قال مهدي - قال: فسألهما فاعترفا، فقال لهما: أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الولد للفراش)، وأحسبه قال: فجلدها وجلده، وكانا مملوكين].
أورد أبو داود هذا الحديث عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه: أن رجلاً يقال له: رباح كان مملوكاً فتزوج بأمة، وأنه وطئها فولدت له غلاماً أسود مثله، فسماه عبد الله، ثم وطئها فولدت له غلاماً أسود مثله فسماه عبيد الله، ثم إن عبداً رومياً طبن لها، أي: أنه خدعها وأفسدها، أو أنه راودها عن نفسها حتى وقع عليها، فولدت غلاماً كأنه وزغة من الوزغات، أي: أن لونه يختلف عن لون رباح فـ رباح هذا كان أسود، فولدت له غلاماً يشبه الرومي الذي وطئها، وهو الذي يقال له: يوحنة، فرفعوا الأمر إلى عثمان رضي الله عنه وأرضاه، فقال: إني أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش) وجلده وجلدها، وكانا مملوكين، أي: جلدهما نصف الحد الذي يكون على المؤمنين والمؤمنات.
وقوله: (أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) المقصود به بيان أن عنده في ذلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه رباحاً هذا وهو مجهول، وهو صاحب القصة، لكن كون الولد للفراش وللعاهر الحجر هذا ثابت في أحاديث أخرى، وكون المملوكين يجلدان الحد هذا ثابت أيضاً.(260/10)
تراجم رجال إسناد حديث (الولد للفراش) من طريق ثالثة
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا مهدي بن ميمون أبو يحيى].
مهدي بن ميمون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب].
محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن بن سعد].
الحسن بن سعد ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن رباح].
رباح مجهول، أخرج له أبو داود.
[عن عثمان].
هو عثمان بن عفان، وهو أمير المؤمنين، وثالث الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، وصاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(260/11)
أحق الناس بالولد(260/12)
شرح حديث (أنتِ أحق به ما لم تنكحي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من أحق بالولد؟ حدثنا محمود بن خالد السلمي حدثنا الوليد عن أبي عمرو -يعني: الأوزاعي - قال: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن ابني هذا كان بطني له وعاءً، وثديي له سقاءً، وحجري له حواءً، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنت أحق به ما لم تنكحي)].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب من أحق بالولد؟ يعني: من أحق بحضانته وأخذه ليكون معه، هل هو الأب أو الأم؟ أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إن ابني هذا كان بطني له وعاءً، تعني: لما كان حملاً، فإنه كان يحويه، قالت: وثديي له سقاءً، تعني: أنها ترضعه منه، قالت: وحجري له حواءً، تعني: أنها تضعه عليه وتحويه به، وهذه الأمور تتميز بها الأم عن الأب، فهما يشتركان أن كل واحد منهما حصلت منه الولادة، فهذا والد وهذه والدة إلا أن الأم اختصت بهذه الأمور.
ثم ذكرت أن زوجها طلقها وأنه يريد أن ينتزع ابنها منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتِ أحق به ما لم تنكحي)، أي: أنت أولى منه به ما لم تنكحي، فإذا نكحتِ وتزوجتِ فإنه يكون أحق به، أي: أن الأحقية لا تكون لها بعد أن تتزوج.(260/13)
تراجم رجال إسناد حديث (أنتِ أحق به ما لم تنكحي)
قوله: [حدثنا محمود بن خالد السلمي].
هو محمود بن خالد السلمي الدمشقي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا الوليد].
هو الوليد بن مسلم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عمرو].
هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي هو فقيه الشام ومحدثها، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو].
وهذا فيه نص على أن الجد هو عبد الله، وليس محمد بن عبد الله؛ لأنه لو كان محمد بن عبد الله الذي هو والد شعيب لكان الحديث مرسلاً؛ لأنه تابعي وليس بصحابي، ولكن شعيباً روى عن جده عبد الله، وقد صح سماعه منه فيكون الحديث متصلاً، وقد سبق أن مرت هذه الترجمة.(260/14)
شرح حديث (هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا عبد الرزاق وأبو عاصم عن ابن جريج قال: أخبرني زياد عن هلال بن أسامة أن أبا ميمونة سلمى مولى من أهل المدينة رجل صدق قال: بينما أنا جالس مع أبي هريرة رضي الله عنه جاءته امرأة فارسية معها ابن لها فادعياه، وقد طلقها زوجها، فقالت: يا أبا هريرة! -ورطنت له بالفارسية- زوجي يريد أن يذهب بابني، فقال أبو هريرة: استهما عليه -ورطن لها بذلك- فجاء زوجها فقال: من يحاقني في ولدي؟ فقال أبو هريرة: اللهم! إني لا أقول هذا إلا أني سمعت امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا قاعد عنده فقالت: يا رسول الله! إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة، وقد نفعني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استهما عليه)، فقال زوجها: من يحاقني في ولدي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا أبوكَ وهذه أمكَ فخذ بيد أيهما شئت)، فأخذ بيد أمه فانطلقت به].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة أن امرأة فارسية جاءت إلى أبي هريرة وقالت: إن زوجها يريد أن يأخذ ابنها، أي: أن الزوج يريده والزوجة تريده، فقال لهما: (استهما عليه)، فقال الزوج: من يحاقني في ابني؟ يعني: من ينازعني فيه فأنا أولى به، فروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جاءته امرأة وقالت مثل هذا، فقال لهما: (استهما عليه)، فقال الزوج: من يحاقني في ابني؟ وكان قد سقاها من بئر أبي عنبة، أي: أنه قد كبر واحتاجت إليه، وكان يفيدها، وأنه قد تجاوز سن التمييز، فخير الابن بين أبيه وأمه فاختار أمه، فذهبت به.
وهذا الحديث يدل على الاستهام إذا وافقوا واتفقوا عليه ورضوا بأن يأخذه من تخرج له القرعة؛ لأن الحق لهما لا يعدوهما، فإذا اتفقا عليه فلا بأس بذلك، وإذا لم يحصل اتفاق على ذلك فإنه يخير بين أبيه وأمه، لكن ينبغي أن يعلم أن مثل هذا التخيير ومثل هذا الاستهام إنما يكون فيما إذا كان كل من الأب والأم فيه سلامة، وأن وجوده عند أي واحد منهما يكون في صالحه، وأما إذا عرف أن أحدهما سيئ وأنه ليس أهلاً لأن يكون معه، وأن الثاني أولى فإنه يلحق بمن كان أولى؛ لئلا يضيع مع من كان سيئاً، وأما إذا كان في زمن الحضانة فأمه أولى به؛ لأنها هي التي تقوم بإرضاعه، والصبر عليه، وتحمل المشاق في سبيل تنشئته وراحته.
ولعل أبا هريرة كان يعرف كلمات يسيرة في الفارسية.(260/15)
تراجم رجال إسناد حديث (هذا أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا عبد الرزاق وأبو عاصم].
أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: أخبرني زياد].
وهو زياد بن سعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هلال بن أسامة].
هلال بن أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن أبا ميمونة سلمى].
أبو ميمونة سلمى، ويقال: سليم، ويقال: سلمان ويقال غير ذلك وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[قال: بينما أنا جالس مع أبي هريرة].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(260/16)
الجمع بين حديث (هذا أبوك وهذه أمك) وحديث (أنت أحق به ما لم تنكحي)
والجمع بين هذا الحديث وحديث: (أنت أحق به ما لم تنكحي) أن يقال: لعل الأول كان، طفلاً رضيعاً دون التمييز، وأما هذا فإنه كبير، ولهذا قال: (سقاها من بئر أبي عنبة)، وعلى هذا فالذي يظهر أن حد التخيير هو التمييز.(260/17)
شرح حديث علي في قصة حضانة ابنة حمزة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا العباس بن عبد العظيم حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن نافع بن عجير عن أبيه عن علي رضي الله عنهما قال: خرج زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى مكة فقدم بابنة حمزة فقال جعفر رضي الله عنه: أنا آخذها أنا أحق بها؛ ابنة عمي وعندي خالتها، وإنما الخالة أم، فقال علي رضي الله عنه: أنا أحق بها؛ ابنة عمي وعندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أحق بها، فقال زيد: أنا أحق بها، أنا خرجت إليها وسافرت وقدمت بها، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثاً قال: (وأما الجارية فأقضي بها لـ جعفر تكون مع خالتها؛ وإنما الخالة أم)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث زيد بن حارثة رضي الله عنه أنه ذهب بابنة حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأن عبد الله بن جعفر طلبها وقال: إن خالتها عندي، وخالتها هي أسماء بنت عميس، وقال علي: أنا أحق بها ابنة عمي، وابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي، وقال زيد: أنا جئت بها، وكل واحد يريد أن تكون حضانتها عنده، فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم لـ جعفر؛ لأن زوجته هي خالتها، وقال: (الخالة بمنزلة الأم)، وهذا يدلنا على أن الخالة هي الأولى بالحضانة بعد الأم؛ لقربها منها، وكذلك أم المرأة أيضاً هي من أولى الناس بحضانتها.(260/18)
تراجم رجال إسناد حديث علي في قصة حضانة ابنة حمزة
قوله: [حدثنا العباس بن عبد العظيم].
هو العباس بن عبد العظيم العنبري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد الملك بن عمرو].
هو عبد الملك بن عمرو أبو عامر العقدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد العزيز بن محمد].
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن الهاد].
يزيد بن الهاد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إبراهيم].
هو محمد بن إبراهيم التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع بن عجير].
نافع بن عجير قيل: له صحبة، وذكره ابن حبان وغيره في التابعين، أخرج له أبو داود.
[عن أبيه].
أبوه هو عجير بن يزيد بن هاشم، وهو صحابي أخرج له أبو داود.
[عن علي].
هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة فرضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(260/19)
شرح حديث علي في قصة حضانة ابنة حمزة من طريق ثانية وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى حدثنا سفيان عن أبي فروة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى بهذا الخبر وليس بتمامه، قال: وقضى بها لـ جعفر، وقال: (إن خالتها عنده)].
أورد المصنف رحمه الله تعالى الحديث من طريق أخرى، وهي مثل الذي قبله.
[قوله: حدثنا محمد بن عيسى].
هو محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان بن عيينة، وقد مر ذكره.
[عن أبي فروة].
هو الهمداني.
وعبد الرحمن بن أبي ليلى روى عنه أبو فروة الهمداني وأبو فروة الجهني، وفي ترجمة ابن عيينة من شيوخه أبو فروة الهمداني، وأبو فروة الهمداني أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
والثاني صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(260/20)
طريق ثالثة لحديث علي في قصة حضانة ابنة حمزة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عباد بن موسى أن إسماعيل بن جعفر حدثهم عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ وهبيرة عن علي رضي الله عنه قال: لما خرجنا من مكة تبعتنا بنت حمزة تنادي: يا عم! يا عم! فتناولها علي فأخذ بيدها وقال: دونكِ بنت عمك فحملتها، فقص الخبر، قال: وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال: (الخالة بمنزلة الأم)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهي مثل السابقة، وفي الحديث السابق: أن زيد بن حارثة خرج إلى مكة فقدم بابنة حمزة، وهنا في الحديث هذا قال علي رضي الله عنه: لما خرجنا من مكة تبعتنا بنت حمزة تنادي: يا عم! يا عم! فتناولها علي.
فيمكن أن يجمع بينهما: بأن هذا أتى بها فصارت تنادي تقول: يا عم! يا عم! فتناولها وأعطاها لـ فاطمة وقال: دونك ابنة عمك، فاختصموا فيها، فالرسول صلى الله عليه وسلم قضى بها لـ جعفر؛ وقال: (الخالة بمنزلة الأم)، وخالتها هي أسماء بنت عميس زوجة جعفر بن أبي طالب، وهذا كان بعد مقتل حمزة رضي الله عنه، ويحتمل أن هذا وقع عند فتح مكة.
والأقرب هو ما ذكره عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في كتابه (مختصر السيرة النبوية) أن هذا وقع عند الخروج من مكة بعد عمرة القضاء.(260/21)
تراجم رجال إسناد الطريق الثالثة لحديث علي في حضانة ابنة حمزة
قوله: [حدثنا عباد بن موسى].
هو عباد بن موسى الختلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[أن إسماعيل بن جعفر حدثهم].
إسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسرائيل].
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هانئ].
هو هانئ بن هانئ، وهو مستور، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.
[وهبيرة].
هو هبيرة بن يريم، وهو لا بأس به، وذلك بمعنى صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن علي].
علي رضي الله عنه قد مر ذكره.(260/22)
الأسئلة(260/23)
معنى الاستبضاع
السؤال
ما معنى الاستبضاع؟
الجواب
الاستبضاع هو الجماع، ولذا قال: (كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه) يعني: تذهب إليه لكي يجامعها، وهو مأخوذ من البضع.(260/24)
مناسبة ذكر أبي داود لهذه الأبواب في كتاب الطلاق
السؤال
ما مناسبة إيراد الإمام أبي داود لهذه الأبواب في كتاب الطلاق وحقها أن تذكر في كتاب النكاح؟
الجواب
كأنه جاء بكل ما يتعلق بمسائل الطلاق والنكاح، ثم في آخر كتاب الطلاق ذكر أشياء تترتب على النكاح وعلى الطلاق.(260/25)
سبب أمر النبي سودة بالاحتجاب من ابن أمة زمعة
السؤال
لماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم سودة رضي الله عنها أن تحتجب عن ابن أمة زمعة وهو يعتبر أخوها؟
الجواب
لأن فيه احتمالَ عدم كونه لزمعة لقوة الشبه بـ عتبة بن أبي وقاص أخي سعد بن أبي وقاص، فألحقه بالفراش حفظاً للأنساب؛ ولأن الحكم للفراش وإن وجد الشبه في غير صاحب الفراش، لكن حيث إن المسألة فيها شبهة فقد جاء بهذا الحكم، فيثبت النسب ويثبت الإلحاق ويتبعض الحكم كما قال ابن القيم، ومعنى: يتبعض الحكم: أن القسم الأول منه هو: إلحاق النسب، وهذا أمر مطلوب وفيه مصلحة عدم ضياع الأنساب، والقسم الثاني منه هو: الاحتياط من أجل الشبه، فلا يكون محْرماً.(260/26)
حكم استعمال الوسائل الطبية الحديثة لمعرفة من هو أبو الولد
السؤال
هل يجوز استعمال الوسائل الطبية الحديثة لمعرفة لمن هو الولد بحيث إنها تحدد ذلك بدقة متناهية وهي أقوى من قضية القيافة؟
الجواب
لا أدري عن صحة هذا الكلام من حيث كونها تحدد من يكون له الولد برقة متناهية، لكن القيافة طريق شرعي معروف، وإذا عرف في الطب شيء يحصل به التحقق فسيكون من جنس القافة ويمكن أن يحكم به، لكن لابد من صحة حصول ذلك.(260/27)
جواز ملك الأمة لأكثر من واحد
السؤال
كيف تكون الأمة مملوكة لثلاثة نفر في وقت واحد؟
الجواب
لا شيء يجعل هذا غريباً، فيمكن إذا مات أبوهم أن يرثوها منه، فكلهم يصير له نصيب منها، أو إنهم اشتروها كلهم جميعاً ودفعوا ثمنها مشتركين فيه، ولهذا قال عز وجل: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} [الزمر:29].(260/28)
حكم التصرف في أم الولد
السؤال
ما معنى قول علي رضي الله عنه للرجل: (يدفع ثلثي الدية) هل معنى ذلك أن الأمة أصبحت حرة؟
الجواب
لا؛ وإنما صارت أم ولد، ويدفع الدية لأنه أفسدها عليهم بإيلادها، وضيع حقوقهم عليها بإيلادها، فلا يمكن أن تباع بعد أن ولدت، فلما صارت أم ولد صارت له وتعتق بعد موته، وبهذا يكون قد فوت عليهم التصرف فيها، ولذا ألزمه لهما بدفع ثلثي القيمة حتى يأخذا نصيبهما؛ لأنها الآن لا سبيل إلى بيعها ولا التصرف فيها، فاختص بها هذا، فصارت أم ولده تعتق بعد موته، وهؤلاء الذين فوت عليهم ملكهم إياها ألزم هو بثلثي القيمة؛ لكل واحد له ثلث.(260/29)
بيان متى تكون القرعة
السؤال
هل القرعة مشروعة مطلقاً في الأشياء التي يتنازع فيها جماعة؟
الجواب
القرعة ليست مشروعة في كل شيء، فهناك أشياء يفصل فيها بشيء أقوى من القرعة وقبل القرعة، والقرعة إنما تكون في الأشياء التي تكون متساوية ويراد أن يميز بعضها من بعض، فالقرعة إذاً فيها تفصيل وليست في كل شيء.(260/30)
حكم تجاوز الميقات والإحرام من ميقات آخر
السؤال
نوينا أداء العمرة ونحن مقيمون بالمدينة، ولكن أحرمنا من جدة وأدينا العمرة، فهل علينا شيء، علماً أننا لا نعرف هل ذلك من محظورات الإحرام أم لا؟
الجواب
إذا كان هؤلاء عازمين على العمرة وهم في المدينة، وذهابهم من المدينة إلى مكة إنما هو للعمرة ولكنهم ذهبوا إلى جدة وأحرموا منها فعليهم فدية؛ لأنهم تجاوزوا الميقات، وأما إن كانوا ذهبوا من المدينة ولم يكونوا يريدون عمرة، ولما كانوا في جدة طرأ عليهم أن يعتمروا فيحرمون من جدة ولا شيء عليهم.(260/31)
بيان نوع الأمر في قوله عليه الصلاة والسلام (احتجبي عنه يا سودة!)
السؤال
قوله صلى الله عليه وسلم: (احتجبي عنه يا سودة!)، هل هو للوجوب أو للاستحباب من باب التنزه عن الشبه؟
الجواب
الذي يظهر أنه للوجوب.(260/32)
حكم النية في العمرة عن الصبي
السؤال
رجل يريد العمرة ومعه صبي غير مميز، فهل يجوز للرجل أن ينوي عن هذا الصبي؟ وهل عليه أن يطوف مرة ثانية؟ وهل يجوز النية لشخصين في آنٍ واحد؟
الجواب
إذا كان صغيراً فينوي عنه، ويعمل له جميع الأعمال، فيطوف ويسعى به، ويقصر له، وهو يطوف وهذا يطوف، وإذا كان محمولاً فينوي أنه طائف وينوي أن هذا أيضاً طائف، ولا يحتاج أن يطوف به مرة ثم يطوف لنفسه مرة أخرى، بل كل منهما يعتبر قد دار حول الكعبة إلا أن هذا حامل وهذا محمول، فإذا نوى عن نفسه أنه طائف ونوى عن محموله أنه طائف فكل منهما طائف.(260/33)
اغتفار مسألة الطهارة للصبي الذي يُعتمر به
السؤال
هل تغتفر الطهارة في الصبي إذا اعتمر به؟ الجوب: لا شك أنها تغتفر، ولابد في أول الأمر أن يكون طاهر الثياب ويبعد عن النجاسة، وإذا حصل له شيء كما هو شأن الأطفال الصغار فإنه يغتفر.(260/34)
حكم منع أقارب الزوج زوجته المطلقة من رؤية أبنائها
السؤال
هل لأقارب الزوج الذي طلق زوجته وتزوجت بعده أن يمنعوها من رؤية أبنائها؟
الجواب
ليس لهم ذلك.(260/35)
تقديم الوالد صاحب الدين في الحضانة
السؤال
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن وضع الولد بعد طلاق الأم، فأجاب بأنه يوضع حيث الدين عند أيهما كان، فما رأيكم في هذا الكلام؟
الجواب
هذا الجواب صحيح، فإذا كانوا صالحين ومستقيمين فإنه يخير بينهما، وأما إذا كان أحدهما سيئاً وبقاؤه عنده يلحق به مضرة فإنه يكون عند الأصلح منها.(260/36)
شرح سنن أبي داود [261]
من الأمور المهمة التي ينبغي على المسلم المتزوج معرفتها أحكام الطلاق والعدد، سواء عدة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها، وما يتبع ذلك من أحكام كالنفقة والسكنى وما إلى ذلك.(261/1)
عدة المطلقة(261/2)
شرح حديث أسماء بنت يزيد في قصة طلاقها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في عدة المطلقة.
حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني حدثنا يحيى بن صالح حدثنا إسماعيل بن عياش قال: حدثني عمرو بن مهاجر عن أبيه عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية رضي الله عنها أنها طُلّقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن للمطلقة عدة، فأنزل الله عز وجل حين طلقت أسماء بالعدة للطلاق، فكانت أول من أنزلت فيها العدة للمطلقات].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة: باب عدة المطلقة، وعدة المطلقة إن كانت ذات حمل أن تضع الحمل، وإن كانت ممن تحيض فثلاثة أقراء، وإن كانت صغيرة أو آيسة فثلاثة أشهر، والصغيرة هي التي لم تصل إلى سن المحيض، واليائسة هي التي تجاوزت سن المحيض وانقطع عنها الحيض.
وإن كانت المرأة معقوداً عليها ولم يدخل زوجها بها فطلقت قبل المسيس فإنها لا عدة لها.
وقد ذُكرت عِدد اللاتي يحضن في سورة البقرة، وذكرت الآيسة والصغيرة وذوات الحمل في سورة الطلاق، وذكرت التي عقد عليها ولم يمسها وأنها لا عدة لها في سورة الأحزاب.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله تعالى عنها أنها طلقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن للمطلقات عدة فأنزل الله حين طلقت أسماء بالعدة للطلاق.
يعني: أنها نزل القرآ، فيها مبيناً العدة للمطلقة، وقد ذكرنا عدد المطلقات سابقاً.
وقوله: (فكانت أول من أنزلت فيها العدة للمطلقات) يعني: أن هذه المرأة طلقت فنزل القرآن في بيان عدة المطلقات.(261/3)
تراجم رجال إسناد حديث أسماء بنت يزيد في قصة طلاقها
قوله: [حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني].
سليمان بن عبد الحميد البهراني صدوق أخرج له أبو داود.
[حدثنا يحيى بن صالح].
يحيى بن صالح صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا إسماعيل بن عياش].
إسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن الشاميين، وهو مخلط عن غيرهم، وهنا يروي عن شامي، وهو شامي، أخرج له البخاري في (رفع اليدين) وأصحاب السنن.
[قال: حدثني عمرو بن مهاجر].
عمرو بن مهاجر الشامي ثقة، أخرج له البخاري في (رفع اليدين) وأبو داود وابن ماجة.
[عن أبيه].
أبوه هو المهاجر بن أبي مسلم الأنصاري مقبول، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأبو داود وابن ماجة.
[عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية].
أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله تعالى عنها صحابية، وحديثها أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.(261/4)
ما جاء في نسخ ما استثني به من عدة المطلقات(261/5)
أثر ابن عباس في استثناء المطلقات قبل المسيس من العدة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في نسخ ما استثني به من عدة المطلقات.
حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثني علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، وقال: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق:4]، فنسخ من ذلك وقال: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49]].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب في نسخ ما استثني به من عدة المطلقات، وقد وردت عدد النساء في القرآن، فالمطلقة عدتها ثلاثة أقراء؛ لقوله عز وجل: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، والحامل عدتها وضع الحمل؛ لقوله عز وجل: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4]، والتي أيست أو تجاوزت أو كانت صغيرة عدتها ثلاثة أشهر؛ لقوله عز وجل: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4] أي: فعدتهن ثلاثة أشهر، فحذف المبتدأ والخبر، فقوله: ((وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ))، أي: الصغيرات، أي: فعدتهن كالآيسات ثلاثة أشهر، وهذا من الأمثلة التي يمثلون بها لحذف المبتدأ والخبر، فقوله: ((وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)) يعني: فعدتهن ثلاثة أشهر.
فهذه الآيات بينت أن النساء لهن هذه العدد، لكن استثني من ذلك بعض النساء اللاتي لا عدة لهن وأخرجن من هذا التحديد للعدد، وذلك في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49] أي: أنه لا عدة عليهن، فهذا مما استثني من العدد، أي: أنه لا عدة للمطلقة قبل المسيس بل تكون بائنة بمجرد الطلاق، فلا عدة لها ولا رجعة عليها إلا أن يتزوجها من جديد، وهذا مثل المرأة إذا خرجت من العدة فإن زوجها الأول يتزوجها من جديد إذا لم تكن طلقت جميع طلقاتها، فله أن يراجعها في العدة إذا كان مدخولاً بها، وله أن يتزوجها بعد العدة بعقد، وأما التي طلقت قبل المسيس فإنها تبين بمجرد الطلاق؛ لأنه لا عدة لها، وإذا أراد أن يتزوجها فإنه يعقد عليها من جديد.
وقوله: (فنسخ من ذلك) يعني: مما تقدم من الأشياء التي فيها عدد، وهذا لا يسمى نسخاً وإنما هو استثناء، أي: أن المطلقات لهن عدد وهذا النوع لا عدة له، فهذا الذي ليس له عدة استثني مما ذكر أن له عدة.(261/6)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في استثناء المطلقات قبل المسيس من العدة
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي].
أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثني علي بن حسين].
هو علي بن حسين بن واقد صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
أبوه هو حسين بن واقد ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن يزيد النحوي].
هو يزيد بن أبي سعيد النحوي ثقة، أخرج حديثه البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(261/7)
ما جاء في المراجعة(261/8)
شرح حديث (أن رسول الله طلق حفصة ثم راجعها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المراجعة.
حدثنا سهل بن محمد بن الزبير العسكري حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن صالح بن صالح عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في المراجعة، أي: مراجعة الزوجة التي يكون طلاقها رجعياً، وهي التي طلقت طلقة واحدة أو طلقتين، فإذا كانت الثالثة فإنه لا رجعة له فيها، ولهذا قال الله عز وجل: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] أي: الطلاق الذي فيه رجعة مرتان: أولى وثانية، {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230]، أي: إن طلقها الثانية، فقوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] أي: الطلاق الذي فيه رجعة، فإذا طلق الأولى فله أن يراجع، ثم إن طلق الثانية فله أن يراجع، فإن طلق الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
فالمراجعة سائغة ومشروعة في العدة، فإن خرجت من العدة فإنه يكون خاطباً من الخطاب، وهذا في من تكون رجعية، أما من تكون بائنة أو تكون ليس لها عدة كالتي طلقت قبل المسيس فإن هذه لا رجعة فيها، وإنما يكون العقد من جديد والبائن لا تحل إلا بعد زوج.
وأورد أبو داود حديث عمر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة رضي الله عنها ثم راجعها)، والمقصود هو قوله: (ثم راجعها).(261/9)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله طلق حفصة ثم راجعها)
قوله: [حدثنا سهل بن محمد بن الزبير العسكري].
سهل بن محمد بن الزبير العسكري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة].
يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح بن صالح].
هو صالح بن صالح بن حي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سلمة بن كهيل].
سلمة بن كهيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس قد مر ذكره.
[عن عمر].
عمر رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(261/10)
نفقة المبتوتة(261/11)
شرح حديث فاطمة بنت قيس: (ليس لكِ عليه نفقة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في نفقة المبتوتة.
حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطته، فقال: والله! ما لك علينا من شيء.
فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال لها: (ليس لك عليه نفقة)، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: (إن تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي في بيت ابن أم مكتوم؛ فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، وإذا حللت فآذنيني، قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم رضي الله عنهما خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد، قالت: فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة بن زيد)، فنكحته، فجعل الله تعالى فيه خيراً كثيراً، واغتبطت به].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب نفقة المبتوتة، أي: التي طلقت طلاقاً بائناً وليس طلاقاً رجعياً، وأما المطلقة طلاقاً رجعياً فهي زوجة تجب لها النفقة، ولو مات أحدهما فإنهما يتوارثان ما دامت في العدة؛ لأنها زوجة من الزوجات، وله أن يجامعها، ولو جامعها فإن ذلك يكون رجعة لها، وعلى هذا فالنفقة والسكنى واجبتان لها، وأما المبتوتة فهي بخلاف ذلك؛ لأنه لا سبيل إلى الاستفادة منها ولا إلى الرجوع إليها، وأما المطلقة طلاقاً رجعياً فإنها زوجته ما دامت في العدة، فينفق عليها ويسكنها، ويمكن أن يرجع إليها، وأن يعود الأمر على ما عليه قبل الطلاق؛ وأما المطلقة طلاقاً بائناً فإنها لا سكنى لها ولا نفقة، كما جاء ذلك في حديث فاطمة بنت قيس هذا الذي بدأ به المصنف، حيث ذكر الأحاديث الواردة في قصة طلاق أبي عمرو بن حفص لها وأنه طلقها البتة وذلك آخر ثلاث تطليقات، أي: أنه طلقها مرة ثم مرة، ثم بقيت لها الثالثة فطلقها إياها فبانت منه، فالمطلقة طلاقاً بائناً لا نفقة لها ولا سكنى، وفي ذلك خلاف بين أهل العلم: فمنهم من قال: لا نفقة لها ولا سكنى، كما جاء في حديث فاطمة هذا.
ومنهم من قال: لها السكنى ولها النفقة، ويستدلون بعموم قوله: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ} [الطلاق:6]، وقالوا: إنها تجب لها النفقة؛ لأنها محبوسة عليه لأجل العدة.
ومنهم من قال: تجب لها السكنى دون النفقة؛ لأن السكنى جاء التنصيص عليها في القرآن بقوله: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ} [الطلاق:6]، وأما النفقة فلم يأت التنصيص عليها.
وأرجح الأقوال الثلاثة: أنها لا سكنى لها ولا نفقة، كما جاء ذلك موضحاً في حديث فاطمة بنت قيس الذي جاء من طرق متعددة، وهذه الطريق التي أوردها المصنف هي أول هذه الطرق.
قوله: [عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة].
البتة جاء تفسيرها بأنها آخر ثلاث تطليقات، إذاً: فقد بانت منه؛ لأنه بت طلاقها، بمعنى: أنها انتهت الصلة والعلاقة بها، وأنه لا سبيل له إلى الرجوع إليها إلا أن تتزوج ويطلقها زوجها أو يموت عنها، كما جاء ذلك في القرآن.
وقوله: [وهو غائب] يعني: أرسل لها بالطلاق.
وقوله: [فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطته].
يعني: لم ترض به؛ إما لكونه من نوع رديء من الطعام، أو لكونه قليلاً، فسخطته ولم يعجبها، وكأنها لم ترض به ولم توافق عليه، فقال لها: إنه ليس لكِ علينا نفقة، أي: وإنما هذا من باب الإحسان، وإلا فإنه لا نفقة لك، فلما قال لها ذلك ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [فقال: والله! ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال لها: (ليس لكِ عليه نفقة)]، فكأن وكيله هذا كان على علم بأن المطلقة البائن ليس لها نفقة، فجاءت الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبرته، فقال: (ليس لكِ عليه نفقة)؛ لأنه لا سبيل له إليها، إذاً فلا نفقة لها عليه، وأما إذا كانت حاملاً فالنفقة ليست لها وإنما هي للحمل.
قوله: [وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك].
وهذا يبين أنه ليس لها سكنى، وأم شريك هي امرأة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه قال: (إنه يغشاها أصحابي) يعني: يأتي إليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، (ولكن اعتدي في بيت ابن أم مكتوم؛ فإنه أعمى، تضعين ثيابك) أي: ولا يبصرك، فالمبصر ليس له أن ينظر إلى المرأة، والمرأة لا تنظر إليه، فلا ينظر الرجل إلى المرأة ولا تنظر المرأة إلى الرجل، كما قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30]، وقال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31]، فكلٌّ مأمور بغض البصر، ولكن الذي يبصر قد يقع بصره فجأة من غير قصد منه، وأما الأعمى فإنه لا يرى ولا يحصل منه شيء، ولذا قال: (فإنه أعمى تضعين ثيابك) يعني: فلا يراك.
قوله: [(وإذا حللت فآذنيني)].
يعني: إذا انتهيتِ من العدة فأخبريني؛ لكي يكون عندي علم بانتهائك من العدة، ومعلوم أن المطلقة في حال عدتها لا يحل لها الزواج، وإنما يكون زواجها بعد فراغها من العدة، سوءاً كانت بائنة أو رجعية، إلا أن الرجعية -كما عرفنا- ما زالت زوجة، وأما البائنة فتعتبر أجنبية.
وفي هذا التعريض بالنكاح، لكن ليس له صلى الله عليه وسلم وإنما لغيره، فهو لم يردها لنفسه وإنما كان يريدها صلى الله عليه وسلم لـ أسامة بن زيد، وقد جاء في بعض الروايات: (لا تفوتيني بنفسك) وهذا تعريض أوضح من قوله: (آذنيني) يعني: أخبريني.
قوله: [قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم رضي الله عنهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد)].
ثم إنها لما انتهت عدتها وحلت للأزواج آذنته، وأخبرته أيضاً أن معاوية بن أبي سفيان وأبا الجهم خطباها، أي: أن كل واحد منهما خطبها، فقد لا يكون أحدهما علم بفعل الآخر وقد يكون علم ولكنه لم يعلم أنها قبلته، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: (أما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه) وفسر ذلك بأنه كثير الأسفار، أو أنه ضراب للنساء، وقد جاء في بعض الروايات الصحيحة أنه ضراب للنساء.
وقوله: (وأما معاوية فصعلوك لا مال له) يعني: أنه فقير ليس عنده مال، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر هذين بالأمر الذي يهمها معرفته منهما، وهذه من النصيحة والمشورة والإخبار عن الشخص بما فيه عند الاستشارة فيه، ولا يكون هذا من الغيبة، وإنما هذا من النصيحة، فإذا كان للحاجة فلا يعتبر من الغيبة وإن كانوا يكرهون ذكرهم بهذا الشيء، فالغيبة هي: ذكرك أخاك بما يكره، ولكن ليس كل ذكر بما يكره يكون غيبة، فالكلام في جرح الرواة وجرح الشهود هو من النصيحة وليس من الغيبة، وكذلك المستشار في مصاهرة أو من أجل معاملة في تجارة، أو في مجاورة أو غير ذلك يذكر بما فيه.
وفيه أيضاً دليل على أنه لا يلزم أنه يبحث عن حسناته فتذكر كما يسمونه في هذا العصر بالموازنة بين الحسنات والسيئات، وأنه لا تذكر سيئات الإنسان إلا مع ذكر حسناته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل عن معاوية: إنه كاتب الوحي، وإنه كذا وكذا، ولم يمدحه بذكر صفاته الحسنة، وإنما ذكر الشيء الذي يهمها، وهو ما يتعلق بكونه خطبها ويريد أن يتزوجها، فذكر لها أن فيه هذا الوصف وهو: كونه صعلوكاً لا مال له.
ثم إنه أرشدها أن تنكح أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما، وكان أسامة أسود، فكرهته لذلك ولم يعجبها، فأعاد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك فقبلت، ثم بعد ذلك اغتبطت به وأعجبها وارتاحت معه في هذا النكاح الذي أشار به عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.(261/12)
تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت قيس: (ليس لكِ عليه نفقة)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان].
عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن فاطمة بنت قيس].
فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها صحابية، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.(261/13)
شرح حديث فاطمة بنت قيس: (ليس لكِ عليه نفقة) من طريق ثانية وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان بن يزيد العطار حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها حدثته أن أبا حفص بن المغيرة طلقها ثلاثاً، وساق الحديث فيه، وأن خالد بن الوليد رضي الله عنه ونفراً من بني مخزوم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله! إن أبا حفص بن المغيرة رضي الله عنه طلق امرأته ثلاثاً، وإنه ترك لها نفقة يسيرة، فقال: (لا نفقة لها)، وساق الحديث، وحديث مالك أتم].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أن الذي قبله أتم، وذكر هنا أيضاً محل الشاهد للترجمة أنها لا نفقة لها، يعني: للمطلقة المبتوتة البائن.
وقوله هنا: (طلقها ثلاثاً) توضحه الرواية الأخرى التي فيها أنه استنفد الطلقات الثلاث، وليس معنى ذلك أنه طلقها الثلاثة في مجلس واحد مرة واحدة، وإنما طلقها واحدة ثم واحدة وهذه هي الأخيرة.
إذاً: فقوله: (طلقها ثلاثاً) يعني: أنه وجد منه ثلاث تطليقات، وقد بانت بالأخيرة منها.
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبان بن يزيد العطار].
أبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
وبمناسبة ذكر أبان بن يزيد العطار فإن المحدثين رحمة الله عليهم رواياتهم مبنية على الأسانيد حتى في الأخبار والأمور التي يكون فيها التوثيق والتجريح؛ فالحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح ذكر أبان بن يزيد العطار وأنه ممن تكلم فيه من رجال البخاري، وطريقته أنه يأتي في مقدمة الباب بالذين تكلم فيهم ويبين الاعتذار عنهم فيما أضيف إليهم من قدح، وذلك إما لكون البخاري تجنب ذلك القدح، أو أنه لم يثبت عنده، فلما جاء إلى ترجمة أبان بن يزيد ذكر أن أحد العلماء تكلم وقدح فيه، فذكر الحافظ ابن حجر أن الإسناد إليه فيه رجل ضعيف.
إذاً: فلا يثبت تضعيفه لـ أبان؛ لأن الإسناد إليه لم يثبت ففيه رجل ضعيف، وهذا يدل على عنايتهم حتى في هذه الأمور التي هي في التوثيق والتعديل.
[حدثنا يحيى بن أبي كثير].
يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس].
أبو سلمة بن عبد الرحمن وفاطمة بنت قيس قد مر ذكرهما.(261/14)
شرح حديث فاطمة بنت قيس: (ليس لكِ عليه نفقة) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد حدثنا أبو عمرو عن يحيى حدثني أبو سلمة حدثتني فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص المخزومي رضي الله عنهما طلقها ثلاثاً وساق الحديث، وخبر خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليست لها نفقة ولا مسكن)، قال فيه: وأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبقيني بنفسي)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه ذكر أنها لا نفقة لها ولا مسكن.
وهذه الرواية فيها إضافة السكنى إلى النفقة، وأنها ليس لها لا هذه ولا هذه، وفيه التعريض في قوله: (لا تسبقيني بنفسك) يعني: لا تقدمين على شيء دون أن يكون عندي خبر، كأن تقدمين على زواج، أو تعطين أحداً الموافقة، فلا تعطي الموافقة لأحد حتى تؤذنيني.
قوله: [حدثنا محمود بن خالد].
هو محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا الوليد].
هو الوليد بن مسلم الدمشقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو عمرو].
هو أبو عمرو هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكنيته توافق اسم أبيه، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدته: ألا يظن التصحيف؛ لأنه لو قيل: عبد الرحمن أبو عمرو فقد يظن من لا يعرف أن كنيته أبو عمرو ويعرف أنه ابن عمرو أن (أبو) مصحفة عن ابن، فإذا قيل: عبد الرحمن بن عمرو فهو صحيح، وإذا قيل: عبد الرحمن أبو عمرو فهو صحيح؛ لأن الكنية موافقة لاسم الأب، وهنا قال: أبو عمرو بكنيته فقط، وهو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي فقيه ومحدث الشام رحمة الله عليه.
[عن يحيى حدثني أبو سلمة حدثتني فاطمة بنت قيس].
هؤلاء قد مر ذكرهم.(261/15)
شرح حديث فاطمة بنت قيس: (ليس لكِ عليه نفقة) من طريق رابعة وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد أن إسماعيل بن جعفر حدثهم قال: حدثنا محمد بن عمرو عن يحيى عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: كنت عند رجل من بني مخزوم فطلقني ألبتة، ثم ساق نحو حديث مالك، قال فيه: (ولا تفوتيني بنفسك)].
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وفيه التعريض أيضاً بقوله: (لا تفوتيني بنفسك)، وهذا من جنس قوله: (لا تسبقيني بنفسك)، فهذا فيه إشارة إلى أنه سيشير عليها بشيء يتعلق بزواجها.
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن إسماعيل بن جعفر حدثهم].
إسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن عمرو].
هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس].
يحيى هو ابن أبي كثير، وأبو سلمة وفاطمة بنت قيس قد مر ذكرهما.(261/16)
شرح طرق ومتابعات لحديث فاطمة بنت قيس: (ليس لكِ عليه نفقة) وتراجم رجالها
[قال أبو داود: وكذلك رواه الشعبي والبهي وعطاء عن عبد الرحمن بن عاصم وأبي بكر بن أبي الجهم كلهم عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثاً].
يعني: أن هؤلاء أيضاً رووا الحديث كما تقدم، وفيه أنه طلقها ثلاثاً، ولكن كما هو معلوم أن من روى (ثلاثاً) فمعناه: أنه وجدت التطليقات الثلاث، وليس معنى ذلك أنها وجدت دفعة واحدة، وإنما وجدت في أوقات متفرقة، وآخر تطليقة حصلت بانت بها، فقد جاء ذلك موضحاً في بعض الروايات أنه طلقها طلقة واحدة وقد سبقها طلقتان، فمن قال: (ثلاثاً) فإنه يقصد بذلك أنه استنفد الثلاث الطلقات، ولم يبق شيء له بحيث يكون هناك مجال للمراجعة، فقد حصلت البينونة.
قوله: [كذلك رواه الشعبي].
هو عامر بن شراحيل الشعبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[والبهي].
هو عبد الله بن يسار صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
[وعطاء].
هو عطاء بن أبي رباح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن عاصم].
عبد الرحمن بن عاصم مقبول، أخرج له النسائي، ولم يذكر أبو داود فيمن أخرج له؛ لأنه معلق هنا، وأما النسائي فروى له متصلاً، فالشخص الذي لم يرو له أبو داود إلا معلقاً لا يرمز له أصحاب تراجم الرجال كصاحب التهذيب ومن وراءه، وإنما يذكرون من روى عنه متصلاً.
[وأبو بكر بن أبي الجهم].
أبو بكر بن أبي الجهم ثقة، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة.
[كلهم عن فاطمة بنت قيس].
فاطمة بنت قيس تقدم ذكرها.
وهذا يعني: أن هؤلاء الأربعة وهم: الشعبي والبهي وعبد الرحمن بن عاصم وأبو بكر بن جهم رووا هذا الحديث عن فاطمة بنت قيس.(261/17)
شرح حديث فاطمة بنت قيس: (ليس لكِ عليه نفقة) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: (أن زوجها طلقها ثلاثاً فلم يجعل لها النبي صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى)].
أورد أبو داود حديث فاطمة بنت قيس من طريق أخرى، وهو من رواية الشعبي التي أشار إليها سابقاً معلقة، فذكرها هنا موصولة، وفيها: أنه طلقها ثلاثاً، وأن النبي صلى الله لم يجعل لها سكنى ولا نفقة؛ لأنه لا نفقة للمبتوتة ولا سكنى.(261/18)
تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت قيس: (ليس لكِ عليه نفقة) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سلمة بن كهيل عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس].
وكل هؤلاء قد مر ذكرهم.(261/19)
شرح حديث فاطمة بنت قيس: (أن أبا حفص بن المغيرة طلقها آخر ثلاث تطليقات)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يزيد بن خالد الرملي حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنها أخبرته أنها كانت عند أبي حفص بن المغيرة وأن أبا حفص بن المغيرة طلقها آخر ثلاث تطليقات، فزعمت أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتته في خروجها من بيتها، فأمرها أن تنتقل إلى ابن أم مكتوم الأعمى.
فأبى مروان أن يصدق حديث فاطمة في خروج المطلقة من بيتها، قال عروة: وأنكرت عائشة رضي الله عنها على فاطمة بنت قيس].
أورد أبو داود حديث فاطمة بنت قيس من طريق أخرى، وفيه التوضيح والتصريح بأن الطلقة التي حصلت كانت الثالثة، وأنها قد سبقتها طلقتان، إذاً: فما تقدم من أنها البتة معناه: أنه استنفد ما عنده من الطلاق، وهكذا ما تقدم أيضاً من ذكر أنه طلقها ثلاثاً، أي: أن الثلاث كلها قد مضت، وأن هذه الأخيرة هي المتممة لها، وهي التي لا سبيل له إليها إلا بعد زوج.
فالإجمال الذي في الروايات السابقة من ذكر الثلاث التطليقات بيانه: أنها كانت متفرقة، وهذه هي آخرها التي بها بانت منه.
وقوله: (فأبى مروان -أي: ابن الحكم - أن يصدق حديث فاطمة في خروج المطلقة -أي: المبتوتة- من بيتها)؛ وذلك استناداً إلى ما جاء في القرآن في قوله تعالى: {وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق:1]، وأنهن يبقين عند أزواجهن، وأن لهن السكنى، وفاطمة رضي الله عنها لما قيل لها ذلك قالت: إن الله عز وجل قال: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:1] وأي شيء يحدث بعد الثلاث؟ يعني: أن ذاك إنما هو في الرجعيات.
قوله: [وأنكرت عائشة رضي الله عنها على فاطمة بنت قيس].
وأنكرت أيضاً عائشة على فاطمة بنت قيس هذا الذي قالته؛ وذلك استناداً إلى ما جاء في القرآن، لكن كما هو معلوم أن رواية فاطمة بنت قيس أنه لا سكنى لها ولا نفقة هي المعتبرة؛ لأنها ثابتة بالأسانيد الصحيحة المتصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يتبين أن المبتوتة لا سكنى لها ولا نفقة، وأن السكنى والنفقة التي جاءت في القرآن إنما هي لمن كانت رجعية.
وقوله: (فزعمت) قد تأتي زعم للخبر المحقق، فليست للكذب أو للوهم دائماً، فقد جاءت كثيراً في السنة للخبر المحقق، كقوله: (زعم رسولك أنك قلت كذا، آلله أخبر كذا؟) فيأتي كثيراً التعبير بمثل هذه العبارة والمقصود بها الخبر المحقق.(261/20)
تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت قيس: (أن أبا حفص بن المغيرة طلقها آخر ثلاث تطليقات)
قوله: [حدثنا يزيد بن خالد الرملي].
يزيد بن خالد الرملي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا الليث].
هو الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عقيل].
هو عقيل بن خالد بن عقيل المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس].
أبو سلمة وفاطمة بنت قيس قد مر ذكرهما.(261/21)
متابعة للزهري في حديث فاطمة بنت قيس: (أن أبا حفص بن المغيرة طلقها آخر ثلاث تطليقات)
[قال أبو داود: وكذلك رواه صالح بن كيسان وابن جريج وشعيب بن أبي حمزة كلهم عن الزهري].
صالح بن كيسان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وشعيب بن أبي حمزة].
شعيب بن أبي حمزة الحمصي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[كلهم عن الزهري].
هو محمد بن مسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود: شعيب بن أبي حمزة، واسم أبي حمزة: دينار وهو مولى زياد].
هذا توضيح لـ شعيب بن أبي حمزة وأن أباه الذي اشتهر بكنيته اسمه دينار، فهو شعيب بن دينار، ولكن أباه اشتهر بالكنية وهي أبو حمزة فاشتهر ابنه بـ شعيب بن أبي حمزة.(261/22)
شرح حديث فاطمة بنت قيس: (لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله قال: أرسل مروان إلى فاطمة رضي الله عنها فسألها، فأخبرته أنها كانت عند أبي حفص رضي الله عنه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أَمَّرَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه -يعني: على بعض اليمن- فخرج معه زوجها، فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها، وأمر عياش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام أن ينفقا عليها، فقالا: والله! ما لها نفقة إلا أن تكون حاملاً، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً)، واستأذنته في الانتقال فأذن لها، فقالت: أين أنتقل يا رسول الله؟! قال: (عند ابن أم مكتوم)، وكان أعمى تضع ثيابها عنده ولا يبصرها، فلم تزل هناك حتى مضت عدتها، فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة.
فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره بذلك، فقال مروان: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة فسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها، فقالت فاطمة حين بلغها ذلك: بيني وبينكم كتاب الله، قال الله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] حتى: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:1]، قالت: فأي أمر يحدث بعد الثلاث؟].
أورد أبو داود حديث فاطمة بنت قيس من طريق أخرى، وفيه أن مروان بن الحكم أمير المدينة لـ معاوية بن أبي سفيان -وكان هذا قبل أن يلي الخلافة فيما بعد- أرسل قبيصة إلى فاطمة فسألها، فأخبرته أنها كانت عند أبي حفص وكان النبي صلى الله عليه وسلم أَمَّرَ علي بن أبي طالب على بعض اليمن فخرج معه زوجها، وهذا فيه توضيح أن زوجها خرج إلى اليمن وأنه كان مع علي رضي الله عنه حيث أمره الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض جهات اليمن، وأنها بقي لها طلقة واحدة فطلقها هذه الطلقة الباقية، وهذا يوضح أيضاً ما تقدم من أن أبا حفص بن عمرو زوج فاطمة بنت قيس طلقها طلقات متفرقة، وأن هذه الطلقة التي بانت منه بها هي الأخيرة.
وقوله: [وأمر عياش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام أن ينفقا عليها، فقالا: (والله! ما لها نفقة إلا أن تكون حاملاً)].
وهذا هو الذي سبق أن مر أنه أعطاها شعيراً وسخطته، وهنا قال: ليس لها نفقة إلا أن تكون حاملاً، أي: أن النفقة إنما تكون من أجل الحمل وليس من أجلها هي؛ لأنها لا صلة لها به فقد بانت منه.
وقوله: [فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً، واستأذنته في الانتقال فأذن لها، فقالت: أين أنتقل يا رسول الله؟! قال: عند ابن أم مكتوم، وكان أعمى تضع ثيابها عنده ولا يبصرها، فلم تزل هناك حتى مضت عدتها، فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة) فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره بذلك، فقال مروان: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة فسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها].
سماع الحديث من امرأة عمدة وحجة، وكثير من الأحاديث جاءت عن كثير من النساء ولا سيما عائشة رضي الله عنها، فإن عائشة من أوعية العلم والسنة، وقد حفظت الشيء الكثير، وانفراد المرأة بشيء لا يستهان به، والفهم الذي فهم من القرآن لا يعارضه؛ لأن ما جاء في القرآن يكون محمولاً على الرجعية، وما جاء في قصة فاطمة إنما يكون للمبتوتة والبائنة، ثم أيضاً إن فاطمة رضي الله عنها تخبر عن شيء حصل لها لا مصلحة لها فيه، فالمصلحة لها إنما هي في أن يكون لها نفقة وسكنى، فهي هنا تخبر بشيء لا حظ لها فيه، ولكن هذا هو الواقع الذي حصل لها.
وقوله: [فقالت فاطمة حين بلغها ذلك: بيني وبينكم كتاب الله، قال الله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1]، حتى {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:1]، قالت: فأي أمر يحدث بعد الثلاث؟].
تعني: أن الذي جاء في القرآن من أنها لا تخرج إنما هو في حق من كانت رجعية، وذلك في قوله عز وجل: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق:1]، قالت: وأي شيء يحدثه الله بعد الثلاث؟ تعني: بعد البينونة وبت الطلاق وانتهائه، وبعض أهل العلم يقول: إن هذا هو معنى هذه الآية، وبعضهم يقول: إن قوله تعالى: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق:1] أي: حكماً من الأحكام يتعلق بذلك.(261/23)
تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت قيس: (لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً)
قوله: [حدثنا مخلد بن خالد].
هو مخلد بن خالد الشعيري ثقة أخرج مسلم وأبو داود.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن عبيد الله].
الزهري مر ذكره، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال: أرسل مروان إلى فاطمة].
فاطمة بنت قيس مر ذكرها.(261/24)
طرق ومتابعات لحديث فاطمة بنت قيس: (لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً) وتراجم رجال أسانيدها
[قال أبو داود: وكذلك رواه يونس عن الزهري، وأما الزبيدي فروى الحديثين جميعاً: حديث عبيد الله بمعنى معمر، وحديث أبي سلمة بمعنى عقيل.
ورواه محمد بن إسحاق عن الزهري: أن قبيصة بن ذؤيب حدثه بمعنىً دل على خبر عبيد الله بن عبد الله حين قال: فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره بذلك].
أورد أبو داود رحمه الله طرقاً أخرى أو إشار إلى طرق أخرى لحديث فاطمة بنت قيس.
قوله: [وكذلك رواه يونس عن الزهري].
يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأما الزبيدي فروى الحديثين].
الزبيدي هو محمد بن الوليد الحمصي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
قوله: [حديث عبيد الله بمعنى معمر، وحديث أبي سلمة بمعنى عقيل، ورواه محمد بن إسحاق].
هو محمد بن إسحاق بن يسار المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن الزهري أن قبيصة بن ذؤيب].
قبيصة بن ذؤيب صحابي له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(261/25)
شرح سنن أبي داود [262]
اختلف أهل العلم من الصحابة وغيرهم في المبتوتة هل على زوجها السكنى والنفقة أم لا؟ فذهبت طائفة إلى وجوب السكنى والنفقة على الزوج، وأنكرت طائفة ومنهم عمر رضي الله عنه ذلك، وتأولوا ما جاء في ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أهمية الفقه والتفقه في دين الله سبحانه، فمن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.(262/1)
ما جاء فيمن أنكر ذلك على فاطمة بنت قيس(262/2)
شرح أثر عمر (ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من أنكر ذلك على فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.
حدثنا نصر بن علي أخبرني أبو أحمد حدثنا عمار بن زريق عن أبي إسحاق قال: كنت في المسجد الجامع مع الأسود فقال: أتت فاطمة بنت قيس عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: (ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري أحفظت ذلك أم لا؟)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب من أنكر ذلك على فاطمة، يعني: روايتها أن المطلقة المبتوتة لا سكنى لها ولا نفقة، وقد سبق أن مر أن ممن أنكر ذلك أيضاً على فاطمة عائشة وكذلك مروان بن الحكم، وسيذكرهم هنا، وذكر قبل ذلك عمر رضي الله عنه.
قوله: [عن أبي إسحاق قال: كنت في المسجد الجامع مع الأسود فقال: أتت فاطمة بنت قيس عمر بن الخطاب فقال: (ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري أحفظت ذلك أم لا؟)].
وقول عمر رضي الله عنه: (كتاب ربنا) يعني: ما جاء في القرآن في قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ} [الطلاق:6] أي: وهي من المطلقات، إذاً: فلها السكنى، وكان عمر رضي الله عنه ينقل عنه أن لها السكنى والنفقة معاً، والمسألة خلافية، فعدد من الصحابة منهم ابن عباس قالوا: إنها لا سكنى لها ولا نفقة، كما جاء في حديث فاطمة، وعمر رضي الله عنه وغيره قالوا: لها السكنى والنفقة، والقول الثالث: أن لها السكنى دون النفقة، وقد ذكرنا أن الصحيح هو ما دل عليه حديث فاطمة بنت قيس: من أنها لا سكنى لها ولا نفقة.
وقوله: (وسنة نبينا) قال بعض أهل العلم: إن هذا غير محفوظ ولا ثابت؛ لأنه لم يأت شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن لها النفقة، بل الذي جاءت به السنة أنها لا نفقة لها، وقد جاء في بعض الروايات: أنه إنما تكون النفقة لمن تكون لها رجعة، وأما المبتوتة والبائنة فهذه لا سبيل للمطلَّق إليها، إذاً: فلا سكنى لها ولا نفقة.
ويمكن أن يحمل قوله: (سنة نبينا) على الطريقة، أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم طريقته القرآن، فقد جاءت سنته وفقاً لما جاء في القرآن.
فيمكن أن يقال: إن المقصود بالسنة: الطريقة، وتكون من جنس قوله: (من رغب عن سنتي فليس مني)، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم موافقة لما جاء في القرآن، فقد قالت عائشة: (كان خلقه القرآن)، فكل ما هو في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو سنة؛ لأن السنة لها أربعة إطلاقات: الأول: تأتي السنة ويراد بها الكتاب والسنة، فكل ما جاء في الكتاب والسنة فهو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: طريقته، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (فمن رغب عن سنتي فليس مني)؛، فليس المقصود بقوله (سنتي) ما جاء في الحديث فقط، بل ما جاء في الكتاب والسنة جميعاً.
والإطلاق الثاني: أن السنة يراد بها الحديث خاصة دون القرآن، وهذا من أمثلته ما يذكره شراح الحديث وكذلك الفقهاء عندما يجملون الأدلة على المسألة المعينة ثم يفصلونها فيما بعد، فيقولون: وهذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، فأما الكتاب فقول الله تعالى كذا، وأما السنة فقول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، وأما الإجماع فقد حكى فلان الإجماع على كذا، وأما المعقول فالمعنى كذا وكذا.
فحيث عطفت السنة على الكتاب فإنه يراد بها خصوص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
والإطلاق الثالث: أن السنة يراد بها ما يقابل البدعة، كأن يقال: هذه سنة وهذه بدعة، ويقال: هذا سني وهذا بدعي، فما يقابل البدعة يقال له: السنة، ومنه المؤلفات التي ألفها العلماء المتقدمون في العقيدة باسم السنة، مثل السنة لـ ابن أبي عاصم، والسنة لـ محمد بن نصر المروزي، والسنة لللاكائي، والسنة للطبراني، والسنة لـ عبد الله ابن الإمام أحمد، وغيرها من المؤلفات التي هي باسم السنة، والمراد بها: ما يعتقد طبقاً للسنة ومجانباً البدعة، وكذلك أبو داود رحمة الله عليه له كتاب في كتاب السنن اسمه: (كتاب السنة)، وهو في العقيدة، وأورد فيه مائة وخمسين حديثاً تقريباً كلها في العقيدة، فالمقصود بالسنة العقيدة أو ما يعتقد طبقاً للسنة.
والإطلاق الرابع في اصطلاح الفقهاء: أن السنة يراد بها المندوب أو المستحب، فعندما يأتي في كتب الفقه: يسن كذا، ويندب كذا، ويستحب كذا -وهي بمعنى واحد- أي: أنه ليس بركن ولا واجب، فما لم يكن ركناً ولا واجباً يقال له: سنة، ويقال له: مستحب، ويقال له: مندوب، وهو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، وهو ما يطلبه الشارع طلباً غير جازم، فما كان هكذا فإنه يقال له: السنة، وهذا في اصطلاح الفقهاء.
إذاً: فقول عمر رضي الله عنه: (كتاب ربنا وسنة نبينا) يمكن أن يقال: المقصود بالسنة طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما يشمل الكتاب والسنة.(262/3)
تراجم رجال إسناد أثر عمر (ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة)
قوله: [حدثنا نصر بن علي].
هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو أحمد].
هو أبو أحمد الزبيري محمد بن عبد الله بن الزبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عمار بن زريق].
عمار بن زريق لا بأس به، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي إسحاق].
هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: كنت في المسجد الجامع مع الأسود].
الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمر].
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(262/4)
شرح أثر عائشة (إن فاطمة بنت قيس كانت في مكان وحش …)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود حدثنا ابن وهب قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لقد عابت ذلك عائشة رضي الله عنها أشد العيب -يعني: حديث فاطمة بنت قيس - وقالت: إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها، فلذلك رخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم].
ذكر المصنف رحمه الله تعالى عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكرت على فاطمة ذلك وقالت: إنما كان خروجها من أجل أنها كانت في مكان وحش، أي: في مكان غير مأمون، فمن أجل ذلك خرجت من بيت زوجها، وإلا فإن لها سكنى، فهذا هو الذي يقتضيه كلام عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
ومعلوم أن فاطمة رضي الله عنها أخبرت بخبرها وبالشيء الذي جرى لها، وكانت تقول: أي شيء يحدثه الله بعد الثلاث؟! تعني: أن ما جاء في القرآن مطابق لما جاء عنها، وأنه إنما هو في الرجعية التي تعتبر زوجة، وقد ذكرنا فيما مضى: أن الصحيح هو ما دل عليه حديث فاطمة بنت قيس: أنه لا سكنى للمطلقة المبتوتة ولا نفقة.
والكلام الذي قالته عائشة من التعليل لذلك غير واضح، وما جاء عن فاطمة بنت قيس هو أوضح وأبين، والتعويل على رواية الراوي أولى لاسيما وأنها عندما ذكر لها ما ذكر من الاعتراض عليها قالت: بيني وبينكم كتاب الله، ثم قالت: وأي شيء يحدثه الله بعد الثلاث؟(262/5)
تراجم رجال إسناد أثر عائشة (إن فاطمة كانت في مكان وحش)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود].
هو سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد].
عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
وأبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان، وأبو الزناد لقب كما سبق أن ذكرنا، وهو يكنى بـ أبي عبد الرحمن، أي: يكنى بابنه الذي جاء في هذا الإسناد؛ فـ أبو الزناد كنيته: أبو عبد الرحمن ولقبه: أبو الزناد واسمه: عبد الله بن ذكوان.
[عن هشام بن عروة].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، وهو من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: لقد عابت ذلك عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(262/6)
شرح أثر عائشة (أما إنه لا خير لها في ذلك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عروة بن الزبير أنه قيل لـ عائشة رضي الله عنها: ألم تري إلى قول فاطمة؟ قالت: (أما إنه لا خير لها في ذلك)].
أورد أبو داود الأثر السابق من طريق أخرى، وفيه أن عائشة رضي الله عنها قيل لها: ألم تري إلى قول فاطمة؟ أي: أن المطلقة المبتوتة لا سكنى لها ولا نفقة، فقالت: (أما إنه لا خير لها في ذلك) أي: أن تذكر شيئاً قد جاء القرآن بخلافه، وهذا كما فهمت عائشة رضي الله عنها وأرضاها، تعني: أنه كان الأولى لها ألا تفعل ذلك، ولكن لا تنافي بين ما جاء في القرآن وما جاء في قول فاطمة بنت قيس رضي الله عنها؛ لأن فاطمة هي صاحبة القصة، وقد أفنت بذلك وأخذت بفتواها، وهذه الفتوى التي أخبرت بها لا حظ لها فيها؛ لأنها تتعلق بشيء لا مصلحة لها فيه، وإنما تخبر بالذي حصل، فحظها أن يكون لها سكنى ونفقة، وهي تخبر بأنه: لا سكنى لها ولا نفقة، والقرآن إنما هو في الرجعية التي للزوج حق الرجوع إليها، وأما المطلقة فإنه لا سبيل إليها، وقد جاء في بعض الروايات الصحيحة: (إنما النفقة والسكنى لمن له الرجوع إليها، أو لمن للزوج سبيل إليها).
فهذا يدل على أن النفقة والسكنى تكون من أجل أن لها صلة بالزوج، وأما المطلقة المبتوتة فإنها لا صلة لها، فقوله: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ} [الطلاق:6] إنما هو في الرجعيات، وكذلك يكون في المطلقات طلاقاً بائناً إذا كن حوامل، وقد جاء في نفس حديث فاطمة رضي الله عنها: (إلا أن تكوني حاملاً)، وهذا يدل على أن المطلقة المبتوتة لا نفقة لها ولا سكنى.(262/7)
تراجم رجال إسناد أثر عائشة (أما إنه لا خير لها في ذلك)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
هو محمد بن كثير العبدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن القاسم].
عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة بن الزبير أنه قيل لـ عائشة].
عروة وعائشة مر ذكرهما.(262/8)
شرح أثر سليمان بن يسار في خروج فاطمة أنه قال (إنما كان ذلك من سوء الخلق)، وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن زيد حدثنا أبي عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار في خروج فاطمة رضي الله عنها قال: (إنما كان ذلك من سوء الخلق)].
أورد المصنف هذا الأثر عن سليمان بن يسار وفيه أنه قال: (إنما كان ذلك من سوء الخلق) يعني: أنها كانت لَسِنَة، كما سيأتي في بعض الروايات، أي: أنها كانت لسنة وكان بينها وبين أحمائها وحشة وسوء تفاهم فلذلك أخرجوها، وهكذا فهم أو ظن، ولكن الصحيح كما جاء عنها رضي الله تعالى عنها وأرضاها من التصريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس لك سكنى ولا نفقة).
قوله: [حدثنا هارون بن زيد].
هو هارون بن زيد بن أبي الزرقاء صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي].
أبوه ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن سفيان عن يحيى بن سعيد].
سفيان مر ذكره، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن يسار].
سليمان بن يسار المدني ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(262/9)
شرح أثر عائشة في إنكارها خروج المبتوتة من بيت زوجها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد وسليمان بن يسار أنه سمعهما يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم البتة، فانتقلها عبد الرحمن، فأرسلت عائشة رضي الله عنها إلى مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فقالت له: (اتق الله واردد المرأة إلى بيتها)، فقال مروان في حديث سليمان: إن عبد الرحمن غلبني، وقال مروان في حديث القاسم: أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس؟ فقالت عائشة: (لا يضرك ألا تذكر حديث فاطمة)، فقال مروان: إن كان بك الشر فحسبك ما كان بين هذين من الشر].
أورد أبو داود أثر عائشة رضي الله عنها أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق زوجته ابنة عبد الرحمن بن الحكم، وعبد الرحمن بن الحكم هو أخو مروان بن الحكم، وبت طلاقها، وأن أباها عبد الرحمن أخرجها ونقلها من بيت زوجها إلى بيته أو إلى بيت آخر، فقالت عائشة لـ مروان: اتق الله وارجع المرأة إلى بيت زوجها، تعني: لأن لها السكنى، فقال مروان: إن عبد الرحمن غلبني، يعني: لم يوافق على إرجاعها؛ لأنه أبوها، وقيل المقصود: إنه غلبه بالحجة، وفي هذا إشارة إلى أن مروان رجع عن قوله فيما مضى بأن المطلقة لا سكنى لها ولا نفقة، وأن ذلك إنما يكون إذا كان هناك مانع يمنع وإلا فإن الأصل أن لها السكنى والنفقة، فقالت عائشة رضي الله عنها عندما ذكرها بقصة فاطمة بنت قيس قالت: (لا يضرك ألا تذكر حديث فاطمة) تعني: أنه لا يعول على حديث فاطمة، وإنما يعول على القرآن كما فهمت رضي الله عنها وأرضاها، فقال: إن كان بك الشر فحسبك ما كان بين هذين من الشر.
يعني: إن كان مرادك الشر الذي حصل من فاطمة بينها وبين أحمائها فحسبك ما جرى بين هذين من الشر، يعني: بين يحيى وبين زوجته ابنة عبد الرحمن، ومراده: إن كان المراد ما يتعلق بقصة فاطمة بنت قيس أن هناك شراً بينها وبين أحمائها وأنها انتقلت بسبب ذلك فحسبك الذي جرى بين هذين، فقد جرى بينهم مثل الذي جرى بين أولئك.(262/10)
تراجم رجال إسناد أثر عائشة في إنكارها خروج المبتوتة من بيت زوجها
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس الإمام المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد].
يحيى بن سعيد الأنصاري مر ذكره.
[عن القاسم بن محمد وسليمان بن يسار].
القاسم بن محمد وسليمان بن يسار هما من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وقد مر ذكرهما.(262/11)
شرح أثر سعيد بن المسيب في إنكار حديث فاطمة بنت قيس في عدم السكنى والنفقة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا جعفر بن برقان حدثنا ميمون بن مهران قال: قدمت المدينة فدفعت إلى سعيد بن المسيب فقلت: فاطمة بنت قيس طلقت فخرجت من بيتها؟ فقال سعيد: تلك امرأة فتنت الناس؛ إنها كانت لسنة فوضعت على يدي ابن أم مكتوم الأعمى].
أورد أبو داود هذا الأثر عن سعيد بن المسيب أنه ذكر له قصة فاطمة بنت قيس فقال: إنها فتنت الناس، وإنها كانت لسنة، وإنها وضعت عند عبد الله بن أم مكتوم حتى تنتهي من عدتها، وهذا فيه إشارة إلى ما تقدم من سوء التفاهم الذي حصل بينها وبين أحمائها أهل زوجها، وأنها إنما خرجت لذلك، وأن المرأة المبتوتة لها سكنى ونفقة، ولكن هذا كله لا يعني شيئاً مع تصريح فاطمة بالحكم الذي حكم عليها به، وهو شيء لا حظ لها فيه، وهي ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناظر عليه، وتقول: بيني وبينكم كتاب الله، أي شيء يحدثه الله بعد الثلاث؟ وقوله: [فدفعت إلى سعيد].
يعني: أنه أحيل إلى سعيد.(262/12)
تراجم رجال إسناد أثر سعيد بن المسيب في إنكار حديث فاطمة بنت قيس في عدم السكنى والنفقة
قوله: [حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس].
أحمد بن عبد الله بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير].
هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا جعفر بن برقان].
جعفر بن برقان صدوق يهم في حديث الزهري، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا ميمون بن مهران].
ميمون بن مهران ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
[قال: قدمت المدينة فدفعت إلى سعيد بن المسيب].
سعيد بن المسيب ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.(262/13)
الأسئلة(262/14)
الفرق بين التثبت ورد خبر الآحاد
السؤال
هل في إنكار عمر رضي الله عنه وعائشة ومروان حديث فاطمة بنت قيس هل في هذا حجة لمن ينكر خبر الآحاد؟
الجواب
ليس في هذا حجة، وعمر رضي الله عنه -كما هو معلوم- كان يستثبت، وله في ذلك قصص مشهورة معروفة، مثل قصته مع أبي موسى الأشعري في الاستئذان، فقد استأذن ثلاثاً ورجع، فأنكر عليه عمر ذلك وقال: ائتني بشاهد، يقصد بذلك الاستثبات.(262/15)
عدة المطلقة المبتوتة
السؤال
ما هي عدة المطلقة المبتوتة؟
الجواب
عدتها مثل عدة المطلقة الرجعية، فالمطلقات عدتهن واحدة.(262/16)
صلة عياش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام بأبي حفص بن المغيرة
السؤال
ما صلة عياش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام بـ أبي حفص بن المغيرة؟
الجواب
هما من جماعته من بني مخزوم.(262/17)
ميراث المبتوتة
السؤال
هل ترث المرأة المبتوتة إذا كانت في العدة إذا مات زوجها؟
الجواب
يقولون: إذا طلقها في مرض موته المخوف وكان قصده حرمانها من الميراث فإنها ترث، ويعامل بنقيض قصده، وأما إذا لم يكن كذلك فإنه لا توارث بينهما.(262/18)
حكم نظر المرأة إلى الرجل
السؤال
هل يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل؛ فإن فاطمة بنت قيس كانت تنظر إلى ابن أم مكتوم؟
الجواب
هذا ليس فيه دليل، وقد أمر القرآن النساء بغض البصر، كما قال عز وجل: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31]، وهكذا الرجال مأمورون بأن يغضوا من أبصارهم سواءً كانوا مبصرين أو غير مبصرين، فالمرأة لا تنظر إلى الرجل، وليس في سكنى فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم دليل على أنها تنظر إليه، والمقصود من ذلك أنه لا يستطيع النظر إليها ولو كانت على هيئة فيها شيء من التبذل، فإنه لا سبيل للأعمى إلى أن ينظر إليها، ولهذا قال: (تضعين ثيابك) يعني: فلا يراك، وأما الإنسان الذي يرى فقد يقع نظره فجأة من غير قصد، وأما هذا فلا سبيل له إلى ذلك بقصد أو بدون قصد.(262/19)
أثر المعاصي والذنوب
السؤال
هل هذه الأمراض التي نزلت بهذه الأمة هي بسبب المعاصي والذنوب؟
الجواب
لا شك أن كل بلاء وشر فإنما سببه المعاصي والذنوب، كما قال عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، وقال: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر:45]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11] يعني: أن الله عز وجل لا يغير ما بقوم من شدة ومن بأس ونحو ذلك حتى يغيروا ما بأنفسهم، أي: بأن يستقيموا على طاعة الله.(262/20)
سبب اختلاف روايات الحديث
السؤال
كيف تختلف روايات وألفاظ الحديث الواحد والقصة واحدة؟
الجواب
كل راوٍ يروي على حسب ما تحمل، وقد يكون هناك رواية بالمعنى، أي: أن الراوي حفظ المعنى ولم يتقن اللفظ فرواه بالمعنى، وهذا شأن الرواية بالمعنى، فالإنسان قد لا يتقن اللفظ ولكنه يعرف المعنى تماماً فيعبر عنه بعبارة من عند نفسه، فهذه هي الرواية بالمعنى، وبسببها يحصل اختلاف الروايات.(262/21)
شرح سنن أبي داود [263]
يجوز للمرأة المبتوتة أن تخرج في حال عدتها بالليل دون النهار لحاجتها، وهل لها السكنى والنفقة أو لا؟ اختلف العلماء في ذلك، وقد وردت أحاديث وآثار في هذا وفي هذا، وقال بكلا القولين جماعات من أهل العلم، فعلى المسلم الذي تواجهه هذه المسألة أن يتحرى القول الراجح فيها.
ولا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على الزوج أربعة أشهر وعشراً.(263/1)
ما جاء في المبتوتة تخرج بالنهار(263/2)
شرح حديث (اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المبتوتة تخرج بالنهار.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: طُلقت خالتي ثلاثاً، فخرجت تجد نخلاً لها فلقيها رجل فنهاها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال لها: (اخرجي فجدي نخلك، لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيراً)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في المبتوتة تخرج بالنهار، أي: أن المطلقة المبتوتة في حال عدتها تخرج في النهار دون الليل، وأورد في ذلك حديث جابر رضي الله عنه أن خالته طلقت ثلاثاً، وأنها جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تستفتيه في الخروج نهاراً من أجل جداد نخلها، والجداد هو: قطع التمر، فقال لها الرسول: (اخرجي إلى نخلك؛ لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيراً) وهذا يدل على جواز الخروج للمطلقة المبتوتة في النهار دون الليل، وأما المطلقة الرجعية -كما هو معلوم- فهي زوجة تكون في بيت زوجها كحالتها قبل أن يحصل لها الطلاق، أي: أنها لا تخرج إلا بإذنه، وأما المطلقة المبتوتة فلا علاقة له بها، فشرع لها أن تخرج في النهار دون الليل.(263/3)
تراجم رجال إسناد حديث (اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى بن سعيد].
يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح المكي، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: أخبرنا أبو الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(263/4)
التفريق بين الليل والنهار في خروج المبتوتة أثناء عدتها
والتفرقة بين الليل والنهار إنما هو لأن الخروج في النهار أسهل وأوضح والناس بحاجة إلى الخروج فيه، لاسيما في مثل هذا العمل الذي لا يكون إلا بالنهار وهو الجداد، وقد جاء في القرآن ما يدل على ذلك، كما في قصة أصحاب الجنة الذين قال الله عز وجل عنهم: {إذ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ} [القلم:17 - 19]، ولهذا كره بعض أهل العلم الحصاد والجداد بالليل؛ لأنه لا يكون هناك مجال للمساكين أن يأتوا ويعطوا شيئاً من ذلك، فالخروج في النهار أسهل من الخروج في الليل.
فالمعتدة المبتوتة يلزمها البقاء في البيت كالمعتدة في الوفاة، ولا تخرج إلا بالنهار، هذا هو مقتضى حديث جابر هذا.(263/5)
نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بما فرض لها من الميراث(263/6)
شرح أثر ابن عباس في نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بآية المواريث
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بما فرض لها من الميراث.
حدثنا أحمد بن محمد المروزي قال: حدثني علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: ({وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة:240]، فنسخ ذلك بآية الميراث بما فرض لهن من الربع والثمن، ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشراً)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بما فرض لها من الميراث، والمتاع: هو أن يصير لها نفقة وأن تعطى شيئاً مدة عدتها، فنسخ ذلك بما جعل لها من الميراث؛ لأن الميت إذا مات فإنه بمجرد موته ينتقل المال إلى الورثة وهي من جملتهم، فهي تنفق على نفسها من ميراثها، ولا ينفق عليها من رأس المال، وإنما كلٌّ له حقه، وحقها من الميراث هو الربع أو الثمن، فتنفق على نفسها من ذلك، والمتاع الذي كان يوصى به من أنه ينفق عليها منه طيلة عدتها نسخ بآية المواريث، كما أن الاعتداد بالحول الكامل جاء نسخه بالاعتداد بأربعة أشهر وعشر، وهذا مما جاء فيه الناسخ متقدماً على المنسوخ في الذكر وفي التلاوة؛ لأن آية: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234]، متقدمة على آية: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة:240]، فنسخ الله ذلك بآية الميراث.
وقوله: (بما فرض لهن من الربع والثمن) يعني: أن الزوجات فرض لهن الربع والثمن ينفقن على أنفسهن منه، ولا يلزم أن ينفق عليهن من رأس المال مدة العدة.
وقوله: (ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشراً)، أي: نسخ كونها تعتد حولاً كاملاً إلى أن تكون العدة أربعة أشهر وعشراً فقط.
والمتوفى عنها زوجها لا نفقة لها ولا سكنى إلا إذا كانت مثلاً في بيت زوجها فتعتد في بيت زوجها، ولا يستأجر لها من رأس المال، فحيث يكون له بيت وهي ساكنة فيه فإنها تمكث فيه أربعة أشهر وعشراً.(263/7)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بآية المواريث
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد المروزي].
هو أحمد بن محمد بن ثابت المروزي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود.
[قال: حدثني علي بن الحسين بن واقد].
علي بن الحسين بن واقد صدوق يهم، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
أبوه هو حسين بن واقد، وهو ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن يزيد النحوي].
هو يزيد بن أبي سعيد النحوي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(263/8)
إحداد المتوفى عنها زوجها(263/9)
شرح حديث: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إحداد المتوفى عنها زوجها.
حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنهما أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة: قالت زينب: دخلت على أم حبيبة رضي الله عنها حين توفي أبوها أبو سفيان رضي الله عنه فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله! ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً).
قالت زينب: ودخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه ثم قالت: والله! ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً).
قالت زينب: وسمعت أمي - أم سلمة رضي الله عنها- تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما هي أربعة أشهر وعشراً، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول)، قال حميد: فقلت لـ زينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة -حمار أو شاة أو طائر- فتفتض به، فقلَّما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع بعدُ ما شاءت من طيب أو غيره.
قال أبو داود: الحفش: بيت صغير].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب إحداد المتوفى عنها زوجها، وإحداد المرأة هو: امتناعها من الطيب ومن الزينة في مدة العدة، وزمن العدة هو أربعة أشهر وعشر إذا كانت حائلاً -أي: غير حامل- ووضع الحمل إذا كانت حاملاً سواء طالت المدة أم قصرت، وإن كانت غير حامل فإنها تعتد بأربعة أشهر وعشر.
وأورد أبو داود حديث زينب بنت أبي سلمة رضي الله تعالى وفيه أن حميد بن نافع يروي عن زينب بنت أبي سلمة أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة، قالت زينب: دخلت على أم حبيبة حين توفي أبوها أبو سفيان فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله! ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً).
فهذا هو الحديث الأول من الأحاديث الثلاثة التي حدثت بها زينب بنت أبي سلمة رضي الله تعالى عنها، وفِيه: أن أم حبيبة تفعل هذا الفعل ليس من أجل أنها ترغب في أن تستعمل الطيب، وإنما من أجل أن تبتعد عن الشيء الذي فيه مخالفة لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الإحداد والامتناع من الطيب، فهي تقصد بذلك تنفيذ وتطبيق السنة، وأنها لا تكون محدة وممتنعة من الزينة والطيب من أجل ميت غير الزوج؛ لأن الزوج هو الذي يحد عليه أربعة أشهر وعشراً، فتمتنع المرأة من الزينة ومن الطيب فيها، وأما غيره فليس لها أن تزيد على الثلاثة أيام التي هي أيام الحزن والمصيبة التي حلت بأهل الميت.
وقوله: (تؤمن بالله واليوم الآخر) ذكر فيه الإيمان بالله عز وجل لأنه هو الأساس، وذكر الإيمان باليوم الآخر لأنه يوم الجزاء والحساب.
وفيه: التنبيه على امتثال الأوامر واجتناب النواهي، فالإنسان أمامه ثواب وعقاب، فيستعد لذلك اليوم من امتثال الأوامر واجتناب النواهي، لذلك نصّ على الإيمان باليوم الآخر مع الإيمان بالله، والإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر هما من أصول الإيمان الستة وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره فقوله: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) هذا فيما يتعلق بالنواهي، ويأتي أيضاً في الترغيب: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)، فذكر اليوم الآخر من أجل الترغيب ومن أجل تحصيل الثواب، ويذكر في الترهيب من أجل الحذر من العقاب.
وفيه: بيان أن العدة هي أربعة أشهر وعشر، وأن الإحداد إنما يكون أيضاً في العدة، ومن المعلوم أن العدة والإحداد إنما يبدأان من الوفاة، فلو لم تعلم المرأة بوفاة زوجها إلا بعد أن تمضي مدة من العدة فإنها تعتد الباقي، ولو لم يأت الخبر إلا بعد أربعة أشهر وعشر فإنها تكون قد مضت عدتها ولا يلزمها أن تأتي بعدة جديدة، فالعدة هي أربعة أشهر وعشر من وفاة الزوج سواء عُلم بذلك أو لم يعلم، وإذا كان قد مضى بعض الوقت فإنها تعتد الباقي، أي: تجلس المرأة الباقي وتمتنع من الطيب والزينة في الباقي، ولو خرجت من العدة قبل أن تعلم بوفاة الزوج فإن العدة تكون قد انتهت ومضت.
وقوله: [قالت زينب: ودخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه، ثم قالت: والله! ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)].
فهذا الحديث كما أنه جاء عن أم حبيبة فقد جاء أيضاً عن زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، إذاً فقد جاء عن اثنتين من أمهات المؤمنين.
وقولها: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر) هذا فيه بيان أنه قاله على المنبر، وهذا يدل على إعلان السنن وتبيينها على المنابر وفي الخطب كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.
وقوله: [قالت زينب: وسمعت أمي أم سلمة تقول: (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هي أربعة أشهر وعشر)].
وسبب منعها من الاكتحال أن الكحل من الزينة وعليها أن تجتنب الزينة، فإذا كان هناك علاج بغير الزينة فلا بأس به، فالمحذور هو أن تعالجها بشيء من الزينة كالكحل، فدل هذا على أن المرأة تجتنب الزينة ولو كان ذلك لحاجة ولأمر يقتضيه.
ثم قال: (إنما هي أربعة أشهر وعشر) يعني: أنها مدة قصيرة بالنسبة لما كان عليه أهل الجاهلية، فإنهن كن في الجاهلية يمكثن سنة كاملة وهنّ بحال سيئة من الابتعاد عن الزينة والابتعاد عن النظافة، فلا تأخذ المعتدة شعراً، ولا تقلم ظفراً سنة كاملة، فتكون على هيئة كريهة وقبيحة، وأما الأربعة أشهر والعشر فإنها مدة قليلة يقللها صلى الله عليه وسلم بالنسبة لما كان في الجاهلية.
وقوله: [(وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول)].
قيل: إن المقصود بذلك: أنها كانت إذا مضى الحول وقد بقيت على هذه الهيئة الكريهة، وصبرت على هذا الأذى وهذه المشقة فإنها ترمي بالبعرة، وهذا معناه: أن هذه المدة التي قطعتها من أجل الوفاء للزوج لا تساوي هذه البعرة التي ترمي بها، وأنه شيء يسير، أي: أن هذا الذي عملته من المكث هذه المدة الطويلة في مسكن ضيق مظلم صغير لا يساوي شيئاً في جانب حق الزوج والوفاء به، وأن البقاء هذه المدة على هذه الهيئة لا يساوي هذه البعرة، وأن المدة التي مضت سهلة عليها كهذه البعرة التي ترمي بها بيدها.
وقوله: [قال حميد: فقلت لـ زينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة -حمار أو شاة أو طائر- فتفتض به فقلَّما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع بعد، ما شاءت من طيب أو غيره].
الحفش: هو مكان ضيق تجلس فيه ولا تخرج ولا تمس طيباً ولا تأخذ شعراً، ولا تقلم أظفاراً، وتكون في ذلك المكان أيضاً في حر وفي عرق، وتبقى هذه المدة الطويلة فتكون مثل الجيفة، فإذا مضى الحول أُعطيتْ طائراً أو حماراً أو شاة فقلَّما تفتض بشيء إلا مات؛ أي: بسبب نتن رائحتها، ومعنى تفتض به: أي: تدلك به جسدها، فلشدة النتن الذي كان على جسدها خلال هذه السنة من أولها إلى آخرها فإنها لو أخذت طائراً حياً ودلكت به جسدها فإنه يموت من شدة هذه الرائحة، وهذا واضح بالنسبة للطائر، وأما بالنسبة للحمار وللشاة فلعل المقصود به أنها لو فعلت ذلك برأسه فإنه يموت؛ لشدة الرائحة الكريهة.(263/10)
تراجم رجال إسناد حديث: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر].
عبد الله بن أبي بكر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد بن نافع].
حميد بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زينب بنت أبي سلمة].
زينب بنت أبي سلمة ربيبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قالت: دخلت على أم حبيبة].
هي أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة، وكذلك زينب بنت جحش رضي الله عنها حديثها عند أصحاب الكتب الستة.
وكذلك أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها، وحديثها أيضاً عند أصحاب الكتب الستة.(263/11)
ما جاء في المتوفى عنها تنتقل(263/12)
شرح حديث: (امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المتوفى عنها تنتقل.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة: أن الفريعة بنت مالك بن سنان -وهي أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما- أخبرتها: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي؛ فإني لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم، قالت: فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي فدعيت له فقال: كيف قلت؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي، قالت: فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله)، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً، قالت: فلما كان عثمان بن عفان رضي الله عنه أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته، فاتبعه وقضى به].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في المتوفى عنها تنتقل، يعني: من بيت زوجها إلى أهلها أو إلى مكان آخر، يعني: هل لها ذلك أو ليس لها ذلك؟ وأورد أبو داود حديث الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما: أن زوجها كان له أعبد وأنهم أبقوا -أي: هربوا- فلحقهم، فلما أدركهم قتلوه في مكان يقال له: القدوم، هو قريب من المدينة، وأنها جاءت تستأذن في الانتقال إلى أهلها، فأذن لها صلى الله عليه وسلم، ولما كانت في الحجرة أو في المسجد دعاها فقال: ماذا قلت؟ فأعادت الذي قالت، ثم قال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، يعني: امكثي في البيت الذي كنت فيه امكثي فيه حتى يبلغ الكتاب أجله، أي: حتى تمضي الأربعة أشهر والعشر التي هي مدة العدة، أو وضع الحمل إذا كانت المرأة المتوفى عنها حاملاً، وهذا يدل على أنها لا تنتقل وأنها تبقى في بيت زوجها أو المكان الذي هي فيه مع زوجها، ولكن إذا كان هناك مصلحة في الانتقال أو كان هناك خوف عليها من البقاء في ذلك المكان كأن يكون موحشاً أو أنه غير مأمون فلها أن تنتقل، وإلا فإن الأصل أنها لا تنتقل، وإنما تعتد في بيت زوجها.
وقولها: [قالت: فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته، فاتبعه وقضى به].
يعني: لما كانت خلافة عثمان بعث إليها فحدثته بالحديث فاتبعه وقضى به، أي: أنه كان يفتي بأن المرأة تعتد في بيت زوجها عدة الوفاة.(263/13)
تراجم رجال إسناد حديث: (امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله)
[حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة].
سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة].
عمته زينب بنت كعب بن عجرة مقبولة، ويقال: لها صحبة، أخرج لها أصحاب السنن.
[أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري].
الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد الخدري صحابية، أخرج حديثها أصحاب السنن.(263/14)
ما جاء فيمن رأى التحول(263/15)
أثر ابن عباس: (نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من رأى التحول.
حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا موسى بن مسعود حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح قال: قال عطاء: قال ابن عباس رضي الله عنهما: نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت، وهو قول الله تعالى: ((غَيْرَ إِخْرَاجٍ))، قال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت؛ لقول الله تعالى: ((فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ)).
قال عطاء: ثم جاء الميراث فنسخ السكنى، تعتد حيث شاءت].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب من رأى التحول، يعني: أنها تتحول من مكان إلى مكان.
ثم أورد أثر ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن هذه الآية: ((مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ)) نُسخت، فنُسخ الأجل بالحول إلى أربعة أشهر وعشر، ونُسخ المتاع وكذلك السُكنى إذا كان هناك استئجار وتحمل مال بالميراث الذي شرعه الله للمرأة المتوفى عنها.
ولكن إذا كان له بيت وهي ساكنة فيه فإن عليها أن تبقى فيه، كما جاء في حديث الفريعة الذي فيه: أنه أمرها أن تعتد في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله.
وعلى هذا فالذي نسخ هو الحول، وكذلك نسخ وجوب السُكنى، بمعنى: أنه لا يتحمل أحد شيئاً من أجل إسكانها، ولا يستأجر لها مكاناً إذا لم يكن له مكان يسكن فيه، وأيضاً من حيث المتاع -وهو الإنفاق عليها مدة العدة- فإنه لا نفقة لها؛ لأنها تنفق على نفسها من نصيبها من الميراث.
قوله: [(إن شاءت اعتدت في بيت أهله وسكنت في وصيتها)]، يعني: قوله: ((وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ))، أي: الذي أوصى لها فيه، وهذا قتد نسخ.
فإن شاءت بقيت في المكان الذي أوصى لها فيه، وإن شاءت خرجت لقوله: {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ} [البقرة:240]، وهذا إن كان له بيت تسكن فيه فإنها تبقى في مكانها، وأما إن لم يكن له بيت فليس على ورثته أن يستأجروا لها مكاناً تسكن فيه، وإنما تستأجر هي من ميراثها.(263/16)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت)
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا موسى بن مسعود].
أحمد بن محمد المروزي مرّ ذكره، وموسى بن مسعود صدوق سيئ الحفظ، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[حدثنا شبل].
هو شبل بن عباد المكي، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[عن ابن أبي نجيح].
هو عبد الله بن أبي نجيح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال عطاء].
هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال ابن عباس].
ابن عباس قد مرّ ذكره.(263/17)
الأسئلة(263/18)
معنى وصل الصفوف وقطعها
السؤال
قال صلى الله عليه وسلم: (من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة لتصلي على الذين يصلون الصفوف)، كيف يكون الوصل؟ وكيف يكون القطع؟
الجواب
يكون الوصل بإتمام الصف الأول فالأول بحيث لا ينشأ الصف الثاني إلا إذا اكتمل الأول، ولا ينشأ الصف الثالث إلا إذا اكتمل الثاني، ولا ينشأ الصف الرابع إلا إذا اكتمل الثالث وهكذا.
ويكون وصل الصفوف أيضاً بالتقارب والتراصّ في الصفوف وألا يكون فيها فُرَج، ويكون التراصّ والتقارب إلى جهة الإمام، ولا يكون إلى أحد طرفي الصف وإنما يتجه الناس إلى جهة الإمام، فإذا كانوا من جهة اليمين تراصّوا وتقاربوا إلى جهة اليسار، وإذا كانوا في يسار الصف فإنهم يتراصون إلى جهة اليمين، أي: إلى جهة الإمام.
فوصل الصفوف يكون بملء الصفوف والتقارب وعدم وجود فُرَج، وكذلك يتحاذون بلا تقدم ولا تأخر.
وقطع الصفوف هو: عدم وصلها وعدم المبالاة بذلك.(263/19)
حكم عقد الدروس قبل خطبة الجمعة
السؤال
في إحدى الدول العربية تفرض وزارة الشئون الدينية على الخطباء إقامة درس قبل خطبتي الجمعة، مع اعتقاد أولئك الخطباء عدم جواز ذلك للنهي الوارد فيه، فهل يجوز إقامة ذلك الدرس من باب مصلحة الإمامة والخطابة في تلك المساجد لنشر السنة والتوحيد فيها، وعدم تركها لأهل الأهواء؟
الجواب
جاء النهي عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، وإذا كان الأمر كما ذكر السائل وأنه يترتب على عدم التنفيذ الحيلولة بينه وبين الصلاة والخطبة والإمامة، وأن الأمر يئول إلى أن يصل إلى مثل هذه المهمات من فيهم شر ومن لا خير فيهم، فيمكن للإنسان أن يفعل من ذلك شيئاً يسيراً وفي وقت يسير جداً، مثل أن يستغرق خمس دقائق أو قريباً من ذلك من أجل تلك المصلحة؛ لأن مثل هذا الوقت أو مثل هذه الفترة القصيرة يحصل بها الإبقاء على هذه المصلحة العظيمة، وفي نفس الوقت لم يَطل ذلك الوقت الذي يحصل به الانشغال عن الصلاة والاستعداد والتهيؤ لها، والاشتغال بقراءة القرآن وبالصلاة، حيث يصلي الإنسان ما شاء قبل الخطبة كما في الحديث الوارد في ذلك، فلا بأس بفعل ذلك إذا كان الوقت يسير جداً.(263/20)
حكم من سبّ الله عز وجل
السؤال
هل الرجل الجاهل الذي يسب الله عز وجل نكفره ابتداءً كالعالم بحكم السب، أم أننا لا نكفره حتى نقيم عليه الحجة وبيان المحجة؟
الجواب
كيف تقام الحجة على سب الله؟! وكيف يقال: إن هذا يجوز أو لا يجوز؟! فسبّ الله ليس فيه جهل، فمن سب الله عز وجل فهو كافر، إلا إذا كان سَبْقَ لسان دون قصد فهو معذور، وأما أن يتلفظ الإنسان ويتفوّه بسب الله عز وجل فليس له حجة، فهذا أمر لا يجوز وليس هناك أحد عنده شك أن سبّ الله لا يجوز.(263/21)
حكم التكفير بدون إقامة الحجة
السؤال
هل هذا القول صحيح: نحن نُكفّر مطلقاً دون إقامة الحجج؟
الجواب
من الذي يُكَفّر مطلقاً دون إقامة الحجج؟! فهناك أمور خفية يمكن أن تقام فيها الحجة، وهناك أمور ليست خفية كالسبّ الذي ذكرناه، فهذا كيف تقام فيه الحجة؟ فإن هذا لا يجوز، أعني: أن يسب الإنسان الله عز وجل الذي خَلَقَه.(263/22)
نقصان العمل لا ينفي وجود أصل الإيمان
السؤال
بعض الناس يقول: إن العمل ركن في مسمى الإيمان، فالذين لا يأتون بكل الأعمال ليسوا بمسلمين ولا يصلى عليهم، ما صحة هذا الزعم؟
الجواب
هذا قول باطل؛ لأن الأعمال ليست كلها فرائض، بل فيها سنن، واعتقاد الإنسان أنه لابد أن يأتي بالسنن والأعمال الصالحة كلها، وإن لم يأت بها فإنه يكون كافراً أو غير مؤمن هذا قول باطل؛ لأن الأعمال ليست كلها على حد سواء، بل هي متفاوته، ففيها قسم يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، وهي السنن والمستحبات.(263/23)
علاقة العمل بالإيمان
السؤال
نريد التفصيل في العمل: هل هو شرط كمال، أو شرط صحة، أو ركن في مسمى الإيمان؟
الجواب
الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، ولكنها متفاوتة، ففيها أمور متحتمة وفيها أمور مستحبة، والأعمال يزيد بها الإيمان وينقص بنقصانها، فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ومعلوم أن هذه الزيادة التي تحصل تكون بالواجبات وبالمستحبات، والتفاوت يكون بذلك، والأعمال ليست على حد سواء، ففيها نوع إذا ذهب لا يذهب الإيمان معه، وفيها نوع إذا ذهب فإنه يذهب معه الإيمان، فالأعمال مثل جسم الإنسان، حيث إن في جسم الإنسان شيء إذا قطع مات معه الإنسان، وهناك شيء إذا قطع يبقى الإنسان حياً.(263/24)
حكم تارك الصلاة
السؤال
هناك من يقول: لا شيء من الأعمال يكفر به الإنسان إذا تركه حتى الصلاة إذا كان مقراً بها، ويكون إيمانه ناقصاً، وهو مستوجب للعقاب، فهل هذا من قول أهل السنة؟
الجواب
تارك للصلاة تهاوناً وكسلاً فيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال بكفره، ومنهم من قال بعدم كفره، والذين قالوا بعدم كفره يقولون: إنه مستحق للوعيد، وإنه على خطر، ولا يقال: إنهم من أهل الإرجاء؛ لأن القائلين بالإرجاء يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فبدعة الإرجاء فيها تحلل من الدين ومن التكاليف؛ لأن عندهم أنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وعندهم أن الناس كلهم على حد سواء في الإيمان، فلا فرق بين أتقى الناس وأفجر الناس، فما دام أنهم مسلمون فكلهم سواء في الإيمان؛ لأن الإيمان عندهم هو ما يكون في القلب فقط، فالقائلون من العلماء بأن تارك الصلاة لا يكفر كثيرون قديماً وحديثاً فلا يقال: إنهم مرجئة أو إنهم من أهل الإرجاء.(263/25)
حكم إقامة جماعتين في مسجد
السؤال
تأخرت عن صلاة المغرب ولم أدرك صلاة الجماعة مع الإمام فصليت مع الجماعة الثانية، فأنكر علي أحد الإخوة وقال: إنه من المتيقن أن في الجهة المقابلة من المسجد توجد جماعة أخرى، ولكني لم أرها، فهل يجوز أن أصلي مع الجماعة الثانية حيث لم أشاهد الجماعة الأخرى؟
الجواب
أنت معذور ولا شك في ذلك، وإذا كان المسجد كبيراً مثل المسجد النبوي ودخل إنسان من الباب الغربي وهناك جماعة عند الباب الشرقي فما يدريه أن هناك جماعة؟ لكنه إذا رأى جماعة فإنه يذهب إليها، وإذا لم ير فله أن يصلي مع غيره جماعة.
وإذا دخل مثلاً من الجهة الشرقية ووجد جماعة فيصلي معهم ولا يلزمه أنه يذهب إلى أقصى المسجد لا إلى الجهة الغربية ولا إلى الجهة الشمالية ولا إلى الجهة الشرقية، وإلا فمعناه أنه لن يصلي، بل سيبقى يطوف بالمسجد ويدور عليه جميعاً من أوله إلى آخره يفتش عن جماعة حتى يجيء العشاء وهو لم يحصل ولم يصل المغرب.(263/26)
تحول المبتوتة من بيت زوجها
السؤال
جاء في صحيح مسلم عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: قلت يا رسول الله! إن زوجي طلقني ثلاثاً وأخاف أن يقتحم علي، فأمرها فتحولت، ففي هذا الحديث ذكر سبب التحول؟
الجواب
لكن جاء في الحديث أنه قال: (لا سكنى لك ولا نفقة)، جاء هذا عنها في روايات متعددة، وهذا الذي حصل هو شيء آخر، فمع كونها لا سكنى لها ولا نفقة حصل لها ما يخاف عليها منه، ومجرد إخبارها بأن الرسول قال: (لا سكنى لك ولا نفقة) كافٍ في تحولها.(263/27)
حكم قسمة الميراث قبل انتهاء العدة
السؤال
هل يجوز قسمة الميراث قبل انتهاء العدة؟
الجواب
نعم يجوز؛ لأنه يستحق بمجرد الوفاة، فيمكن قسمة الميراث وكل يأخذ نصيبه سواء المعتدة أو غيرها.(263/28)
حكم تنكيس الأعلام
السؤال
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ)، هل يدخل في هذا النهي ما يحصل من تنكيس الأعلام؟
الجواب
تنكيس الأعلام من الأمور المحدثة فلا يجوز، ومثل هذه أمور محدثة مبتدعة.(263/29)
الأمور التي يكون فيها الإحداد
السؤال
بماذا يكون الإحداد في الوفاة؟
الجواب
يكون الإحداد بترك الزينة والطيب وترك الخروج أيضاً إلا للضرورة.(263/30)
بيان ممن يكون الإحداد
السؤال
هل يكون الإحداد على كل من توفي عنها زوجها سواء كانت مدخولاً بها أو غير مدخول؟
الجواب
نعم، كل من توفي عنها زوجها مدخولاً بها أو غير مدخول فإنها تحد، وقد سبق أن مر قصة المرأة التي قال عنها عليه الصلاة والسلام: (عليها العدة، ولها الميراث، ولها مهر المثل).(263/31)
حكم اعتداد الأمة
السؤال
هل على الأمة عدة؟
الجواب
الإماء ليس عليهن عدد، فإذا مات سيدها فلا عدة عليها؛ لأن الاعتداد إنما هو للزوجات فقط.(263/32)
عموم حديث: (بريق بعضنا، وتربة أرضنا)
السؤال
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (بريق بعضنا، وتربة أرضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا)، هل هذا التراب خاص بتربة معينة؟
الجواب
الذي يبدو أنه عام، وأنه يقال في كل مكان.(263/33)
حكم لبس الحزام المخيط للمحرم
السؤال
هل يجوز للمريض الذي يلبس على وسطه حزاماً به خيط أن يقوم بأداء العمرة دون أن يخلع هذا الحزام؟
الجواب
الحزام ليس فيه بأس سواءً لبسه أولاً أو لبسه في الآخر، فوجود الحزام ولو كان مخيطاً لا يؤثر، فللإنسان أن يستعمله فإنه لا يؤثر على الإحرام.(263/34)
بيان كيف تعمل الحائض إذا أرادت أن تعتمر
السؤال
ماذا تفعل المرأة إن كانت على حال حيض قبل أداء العمرة، أو خافت أن تسافر لأداء العمرة فتحيض بعد السفر؟
الجواب
إذا كانت المرأة تعرف أن سفرهم غالباً أو عادة سيكون قبل انتهاء حيضها فإنها لا تدخل في العمرة، وإن كانت تعلم بأن خروجها أو انتهاء عادتها قبل وقت سفرهم فإنها تدخل في الإحرام، وإذا وصلوا مكة تبقى في سكنها ولا تدخل المسجد، فإذا طهرت تغتسل وتدخل وتطوف.(263/35)
حكم لبس المعتدة اللباس الأبيض
السؤال
هل ورد في السنة لبس المعتدة التي مات عنها زوجها اللباس الأبيض طيلة هذه المدة؟
الجواب
لا نعلم شيئاً في هذا، والشيء الذي يمنع هو الزينة، فالأولى ألا تفعله المرأة.(263/36)
حكم تسريح المعتدة شعرها
السؤال
هل تسريح المعتدة شعرها يعد من الزينة؟
الجواب
لا، ليس من الزينة؛ لأنها لو بقيت بدون أن تسرح شعرها فستكون على حالة تشبه أحوال النساء في الجاهلية.(263/37)
حكم استعمال المعتدة الصابون المعطر وحكم تقليم أظفارها
السؤال
هل اغتسال المعتدة بصابون معطر من الزينة؟ وهل تقلم أظفارها؟
الجواب
لا تستعمل الطيب، واغتسالها بالصابون لا بأس به لكن تستعمل شيئاً لا طيب فيه، وتقليم الأظفار ليس فيه بأس، فلها أن تقلم أظفارها.(263/38)
حكم بيع الأشياء الموقوفة
السؤال
رأيت أحد الباعة يبيع كتاباً مكتوباً عليه: وقف لله تعالى، فهل يجوز له ذلك؟
الجواب
لا يجوز بيع ما هو موقوف، فالذي كتب عليه (وقف) لا يجوز بيعه، وإنما للإنسان أن يستفيد منه، وإذا استغنى عنه فإنه يعطيه غيره بدون بيع.(263/39)
حكم الاستناد على المصاحف
السؤال
هل يجوز أن يستند الإنسان على المصاحف؟
الجواب
لا يجوز الاستناد على المصاحف.(263/40)
شرح سنن أبي داود [264]
من الأمور الشرعية التي يجب معرفتها -وخاصة على النساء- مسائل العدد والطلاق، فمعرفة هذه المسائل مهمة؛ حتى لا يقع الرجل أو المرأة في الحرام وفيما لا يحل؛ فإن مسائل الزواج إذا لم يتحر فيها قد يقع فيها محاذير عظيمة، لذا يجب معرفتها حتى لا يقع الإنسان فيها.(264/1)
ما تجتنبه المعتدة في عدتها(264/2)
شرح حديث أم عطية (لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيما تجتنبه المعتدة في عدتها.
حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان قال: حدثني هشام بن حسان ح وحدثنا عبد الله بن الجراح القهستاني عن عبد الله -يعني: ابن بكر السهمي - عن هشام -وهذا لفظ ابن الجراح - عن حفصة عن أم عطية رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيباً إلا أدنى طهرتها إذا طهرت من محيضها بنبذة من قسط أو أظفار).
قال يعقوب مكان عصب: (إلا مغسولاً)، وزاد يعقوب: (ولا تختضب)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: باب فيما تجتنبه المعتدة في عدتها، وقد ذكرنا فيما مضى أن الإحداد هو الامتناع من الزينة والطيب، فالمرأة المعتدة للوفاة تجتنب الطيب، وتجتنب استعمال الزينة في الثياب وغيرها، ولا تلبس ثياب الزينة سواءً كانت مصبوغة أو غير مصبوغة، وإنما تلبس لباساً لا زينة فيه، ولا تتجمل، ولا تتطيب، ولا تكتحل ولا تختضب، فكل هذه الأمور التي هي زينة تجتنبها المرأة المعتدة للوفاة.
وأورد أبو داود حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت أكثر من ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)، وقد سبق أن مر هذا الحديث عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها، وعن زينب بنت جحش، وعن أم حبيبة كل منهما جاء عنها مثل ما جاء في حديث أم عطية: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد أكثر من ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً).
وذكرنا فيما مضى أن قوله: (أربعة أشهر وعشراً) إنما هو لغير الحامل، وأما الحامل فإن انتهاء عدتها يكون بوضع الحمل، وأجلها هو وضع الحمل طالت المدة أم قصرت، وأما غير الحامل فسواء كانت ممن تحيض أو كانت صغيرة أو آيسة، أو كانت مدخولاً بها أو غير مدخولاً بها فكل واحدة منهن تعتد أربعة أشهر وعشراً.
وقوله: (ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب)، يعني: أنه مصبوغ للزينة، وقوله: (إلا ثوب عصب) قيل: هو الذي جمعت خيوطه قبل أن ينسج وحزمت وصبغت ثم بعد ذلك نسجت، يعني: أنه لم يصبغ وهو منسوج فيكون مصبوغاً للزينة، وإنما صبغت خيوطه قبل أن ينسج، وقد ربط وحزم وصبغ محزوماً مربوطاً ثم فك الحزام ونسج، فمثل ذلك مستثنى؛ لأن الصبغ لم يكن بعد النسيج ولم يفعل للزينة، وإنما فعل في أول الأمر بحيث كانت خيوطه مصبوغة.
قوله: (ولا تكتحل)، لأن الاكتحال زينة، وقد سبق أن مر في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن امرأة جاءت تسأل عن بنتها توفي زوجها فقالت: إنها اشتكت عينها أفنكحلها؟ قال: (لا)، ثم ذكر قصة المرأة في الجاهلية وأنها كانت تمكث المدة الطويلة، وأن الإسلام إنما جاء بأربعة أشهر وعشر) وهي قليلة.
قوله: (ولا تمس طيباً إلا أدنى طهرتها) يعني: إذا جاء طهرها من الحيض فإنها تستعمل نوعاً من الطيب تضعه في مكان النتن حتى يذهب أثر الرائحة المنتنة، وإلا فإنها لا تتطيب، وهذا مستثنى من منع استعمالها للطيب، ويكون قوله: (طيباً) مخصوصاً وليس أي طيب تستعمله المرأة في هذه الحال.
قوله: (بنبذة من قسط أو أظفار) يعني: بشيء يسير من قسط أو أظفار، والمقصود بذلك: نوع من الطيب معروف عندهم.
[قال يعقوب مكان عصب: (إلا مغسولاً).
يعقوب هو شيخ أبي داود الأول، وهو: يعقوب بن إبراهيم الدورقي.
وقوله: [وزاد يعقوب: (ولا تختضب)].
يعني: أن يعقوب زاد على الشيخ الثاني قوله: (ولا تختضب)، وهذا فيه النهي عن الخضاب؛ لأن الخضاب زينة وجمال تتجمل المرأة به.(264/3)
تراجم رجال إسناد حديث أم عطية (لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج)
قوله: [حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي].
يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فقد رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري؛ لأنه توفي سنة (252هـ)، ومثله محمد بن بشار ومحمد بن المثنى فهؤلاء الثلاثة من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهم من صغار شيوخ البخاري، وكانت وفاتهم جميعاً في سنة واحدة قبل وفاته بأربع سنوات.
[حدثنا يحيى بن أبي بكير].
يحيى بن أبي بكير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إبراهيم بن طهمان].
إبراهيم بن طهمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثني هشام بن حسان].
هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا عبد الله بن الجراح القهستاني].
لفظة (ح) للتحول من إسناد إلى إسناد، وعبد الله بن الجراح القهستاني صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند مالك وابن ماجة.
[عن عبد الله يعني: ابن بكر السهمي].
عبد الله بن بكر السهمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام، وهذا لفظ ابن الجراح].
يعني: عبد الله بن الجراح الذي في الإسناد الثاني، والإسناد الأول أنزل من الإسناد الثاني؛ لأن أبا داود بينه وبين هشام بن حسان ثلاثة أشخاص، وفي الإسناد الثاني بينه وبينه شخصان اثنان، والغالب أن الإسناد العالي يذكر أولاً، ثم يذكر الإسناد النازل، ولكنه هنا عكس القضية، ولعل السبب في ذلك أن الإسناد النازل فيه شخص متكلم فيه وهو: عبد الله بن الجراح وهو شيخه، وأما رجال الإسناد الأول: يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن يحيى بن أبي بكير عن إبراهيم بن طهمان فكل هؤلاء ثقات خرج لهم أصحاب الكتب الستة.
إذاً: ففي النازل قوة؛ فأحياناً يقدم النزول على العلو لقوة في النازل ولضعف في العالي، أو لشيء من الكلام في العالي، ولهذا يقول -أظنه السيوطي -: وربما يعرض للمفوق ما يجعله مساوياً أو قدما يعني: أن النازل قد يعرض له شيء يجعله مقدماً، كأن يكون الرجال كلهم ثقات، والعالي يكون فيه شيء من الضعف.
[عن حفصة].
حفصة بنت سيرين ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[عن أم عطية].
أم عطية هي نسيبة بنت كعب رضي الله تعالى عنها صحابية، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.(264/4)
شرح حديث (لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج) من طريق أخرى وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله ومالك بن عبد الواحد المسمعي قالا: حدثنا يزيد بن هارون عن هشام عن حفصة عن أم عطية رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، وليس في تمام حديثهما.
قال المسمعي: قال يزيد: ولا أعلمه إلا قال فيه: (ولا تختضب)، وزاد فيه هارون: (ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب)].
أورد أبو داود حديث أم عطية من طريق أخرى وأحال على الرواية السابقة فقال: بهذا الحديث وليس بمثل حديثهما، يعني: ليس مماثلاً له تماماً؛ لأن قوله: (بهذا الحديث) قد يفهم منه أنه مساوٍ له، ولكنه قال: وليس في تمام حديثهما، يعني: أنه ليس مطابقاً له تماماً.
وقوله: [قال المسمعي: قال يزيد: ولا أعلمه إلا قال فيه: (ولا تختضب)].
يزيد هو ابن هارون شيخ المسمعي هذا، قال: ولا أعلمه إلا قال: (ولا تختضب)، يعني: أن هذه زيادة من جهة المسمعي، وهناك زيادة من جهة يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهنا قال: (لا أعلمه إلا قال) وكأن المسألة فيها شك وليس فيها جزم من جهة المسمعي.
وقوله: [وزاد فيه هارون: (ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب)].
هارون هو شيخه الأول، وهو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وروايته هذه مثل رواية الشيخ الثاني في الإسناد الأول الذي قال: (إلا ثوب عصب)، يعني: أنه استثنى ثوب عصب.
قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله].
هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ومالك بن عبد الواحد المسمعي].
مالك بن عبد الواحد المسمعي ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[قالا: حدثنا يزيد بن هارون].
يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام عن حفصة عن أم عطية].
هشام وحفصة وأم عطية قد مر ذكرهم في الإسناد السابق.(264/5)
شرح حديث أم سلمة (المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زهير بن حرب حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان قال: حدثني بديل عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة رضي الله عنهما زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل)].
أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها في بيان أمور تجتنبها المحدة وهي: أنها لا تلبس المعصفر من الثياب، وهو الذي صبغ بالعصفر، ولا الممشق: وهو الذي صبغ بصبغ يقال له: المشق أو الممشق.
وقوله: (ولا الحلي) يعني: لا تلبس الحلي ولا تلبس الزينة.
وقوله: (ولا تختضب) يعني: لا تختضب بالحناء في اليدين أو الرجلين.
وقوله: (ولا تكتحل) الكحل قد مرت روايات متعددة فيه؛ ونهي عنه لأنه زينة.(264/6)
تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة (المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب)
قوله: [حدثنا زهير بن حرب].
زهير بن حرب أبو خيثمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان قال: حدثني بديل].
يحيى بن أبي بكير وإبراهيم بن طهمان مر ذكرهما، وبديل هو ابن ميسرة، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن الحسن بن مسلم].
الحسن بن مسلم بن يناق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن صفية بنت شيبة].
صفية بنت شيبة لها رؤية، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أم سلمة].
هي هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.(264/7)
شرح حديث أم سلمة في نهي النبي لها عن الكحل والطيب والحناء والصبر حال عدتها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني مخرمة عن أبيه قال: سمعت المغيرة بن الضحاك يقول: أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها: أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء -قال أحمد: الصواب: بكحل الجلاء- فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة رضي الله عنها فسألتها عن كحل الجلاء، فقالت: لا تكتحلي به إلا من أمر لابد منه يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار، ثم قالت عند ذلك أم سلمة: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبراً فقال: ما هذا يا أم سلمة؟! فقلت: إنما هو صبر يا رسول الله! ليس فيه طيب، قال: إنه يشب الوجه، فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار، ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب، قالت: قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟! قال: بالسدر تغلفين به رأسك)].
أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها وفيه: أن المغيرة بن الضحاك قال: أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها: أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء، والجلاء قيل: هو الأثمد الذي يجلو العينين ويجملهما، وقد سبق أن مر الحديث الذي فيه المنع من ذلك، وفيه: أن امرأة جاءت وقالت: إن ابنتها مات زوجها وأنها تشتكي عينها أفنكحلها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (لا، ثم قال: إنما هي أربعة أشهر وعشر)، ثم ذكر العمل الذي كانوا يعملونه في الجاهلية من أن المرأة كانت تمكث سنة كاملة في حالة سيئة، وأن الإسلام جاء بأمر يسير وشيء سهل ومدة تعتبر ثلث المدة التي كانت في الجاهلية تقريباً.
وهذا الحديث فيه أنها تستعمل الكحل إذا كان في أمر لابد منه، وأنها تضعه بالليل وتمسحه بالنهار، وكذلك ما ذكرته أم سلمة عن استعمالها للصبر في عينيها عندما مات أبو سلمة وهي في عدتها منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه يشب الوجه) يعني: أنه يجمل ويظهر الوجه بمظهر حسن، وأمرها بأن تفعله بالليل وتمسحه بالنهار.
ولكن هذا الحديث مخالف للحديث الذي مر وهو صحيح فقد منعها فيه من الاكتحال، وأيضاً هذا الحديث في إسناده مجهولان ومقبول، إذاً فهو ليس بحجة ولا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أم سلمة؛ لأن الإسناد إليها فيه هاتان المجهولتان والرجل المقبول الذي دونهما، والمقبول لا يحتج به إلا إذا وجد من يعضده، ولو وُجد من يعضد هذا فإنه لا حجة فيه؛ لأن الإسناد فيه هاتان المرأتان المجهولتان، إذاً فالحديث غير صحيح فلا يعارض الحديث الذي سبق أن تقدم في أن المرأة لا تكتحل، وأنها إنما كانت تريد أن تفعل ذلك للعلاج في أمر لابد منه، ولهذا قالت: اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال: (لا).(264/8)
تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في نهي النبي لها عن الكحل والطيب والحناء والصبر حال عدتها
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني مخرمة].
هو مخرمة بن بكير، وهو صدوق، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأبو داود والنسائي.
[عن أبيه].
أبوه هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سمعت المغيرة بن الضحاك].
المغيرة بن الضحاك مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[يقول: أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها].
أم حكيم بنت أسيد مجهولة، أخرج لها أبو داود والنسائي، وكذلك أمها مجهولة، أخرج لها أبو داود.
[عن أم سلمة].
أم سلمة مر ذكرها.(264/9)
عدة الحامل(264/10)
شرح حديث سبيعة الأسلمية في عدة الحامل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في عدة الحامل.
حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية رضي الله عنها فيسألها عن حديثها وعما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استفتته، فكتب عمر بن عبد الله إلى عبد الله بن عتبة يخبره أن سبيعة أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة -وهو من بني عامر بن لؤي، وهو ممن شهد بدراً- فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك -رجل من بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراك متجملة؛ لعلك ترتجين النكاح؟ إنك والله! ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي.
قال ابن شهاب: ولا أرى بأساً أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في عدة الحامل، والأربعة الأشهر والعشر التي مرت هي في عدة الحوائل اللاتي هن غير حوامل، سواءً كانت الواحدة منهن آيسة من الحيض بأن تجاوزت سن المحيض أو أنها لم تبلغ سن المحيض لصغرها، وسواء كانت مدخولاً بها، أو غير مدخولاً بها فإن هؤلاء يعتددن بأربعة أشهر وعشر.
أما الحوامل فإن عدتهن تختلف عن عدة الحوائل؛ وذلك بأن عدتهن وضع الحمل طالت المدة أو قصرت، فقد تكون ساعة وقد تكون ثلاث سنين، وذلك إذا بقي الحمل هذه المدة الطويلة، فقد وجد في بعض الرواة من مكث في بطن أمه ثلاث سنين، كما ذكروا ذلك في ترجمة محمد بن عجلان المدني.
فالحاصل: أن الحامل عدتها وضع الحمل طالت المدة أو قصرت، فقد تكون ساعة واحدة وقد تكون ثلاث سنين، فالمعتبر هو وضع الحمل، أي: أن انتهاء العدة يكون بوضع الحمل، وإذا كانت في النفاس فلها أن تتزوج كما ذكره المصنف عن الزهري؛ لأنها ليست في العدة، والزواج يكون بعد العدة؛ إلا أنها لا يقربها زوجها؛ لأن النفساء مثل الحائض لا تجامع.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث سبيعة الأسلمية رضي الله عنها أن زوجها توفي، وزوجها هو سعد بن خولة رضي الله عنه توفي في حجة الوداع، وذكرت أنها ما لبثت حتى ولدت، أي: أنها ولدت بعده بوقت يسير، وأنها لما تعلت -يعني: انتهت- من نفاسها وطهرت تجملت، فجاءها أبو سلمة بن بعكك وقال: لعلك تريدين النكاح؟ لست بفاعلة حتى تمضي عليك أربعة أشهر وعشر.
وقال بعض العلماء: إنها تعتد أكثر الأجلين، فإن بلغت مدة الحمل أربعة أشهر وعشراً فإنها تكون متفقة مع المدة، وإن زادت فإنها تنتظر حتى تضع، ومعنى هذا: أنها لو وضعت قبل أن تبلغ أربعة أشهر وعشراً فإنها تنتظر حتى تكمل أربعة أشهر وعشراً، ولكن حديث سبيعة الأسلمية هذا واضح الدلالة في أن النبي صلى الله عليه وسلم أفتاها بأنها قد خرجت من عدتها بوضع الحمل، وأن لها أن تنكح إذا أرادت ولو لم تبلغ أربعة أشهر وعشراً؛ لأن الأربعة الأشهر والعشر هذه إنما تكون للحوائل دون الحوامل، وأما الحوامل فعدتهن وضع الحمل طالت المدة أو قصرت.(264/11)
تراجم رجال إسناد حديث سبيعة الأسلمية في عدة الحامل
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري].
سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا ابن وهب].
ابن وهب مر ذكره.
[أخبرني يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة].
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين الذين يأتي ذكرهم كثيراً فيقال: الفقهاء السبعة، أو قال به الفقهاء السبعة، أو هذه المسألة قال بها الفقهاء السبعة، وهذا يغني عن عدهم وسردهم، ومنهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري].
عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري مقبول، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية].
سبيعة الأسلمية رضي الله تعالى عنها صحابية، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.(264/12)
العمل بالمكاتبة عند المحدثين
هذا الحديث فيه العمل بالكتابة والمكاتبة، وهذا شيء معروف عند المحدثين، وهي من طرق التحمل والأداء، وكيفية ذلك أن يكتب الواحد إلى الآخر بالحكم أو بالحديث، وقد سبق أن مرت قصة وراد كاتب المغيرة الذي كتب إلى معاوية في قصة الذكر بعد السلام من الصلاة، ففيها الكتابة، وهذا أيضاً فيه الكتابة، وهي تأتي في أعلى الأسانيد وفي أوساط الأسانيد وفي أول الأسانيد، وسبق أن مر إسناد قال فيه أبو داود: كتب إلي فلان، وهو أحد شيوخه، والبخاري أيضاً له في صحيحه موضع واحد عن محمد بن بشار قال فيه: كتب إلي محمد بن بشار، وهو من صغار شيوخه، فالمكاتبة طريق من الطرق التي يعول عليها في تحمل وأداء الحديث.(264/13)
شرح أثر ابن مسعود (من شاء لاعنته، لأنزلت سورة النساء القصرى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء، قال عثمان: حدثنا وقال ابن العلاء: أخبرنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه قال: (من شاء لاعنته، لأنزلت سورة النساء القصرى بعد الأربعة الأشهر وعشر)].
أورد أبو داود هذا الأثر عن عبد الله بن مسعود قال: من شاء لاعنته، يعني: باهلته، وهذا معناه أنه متوثق ومطمئن إلى الشيء الذي يتكلم فيه، وأن نزول سورة النساء القصرى -وهي سورة الطلاق- بعد الأربعة أشهر وعشر، يعني: كما هو في سورة البقرة، وجاء في سورة الطلاق: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4]، فقال: إن هذه متأخرة عن هذه، وليس هذا نسخاً وإنما هو تخصيص.
ثم أيضاً الواضح الجلي أن سورة الطلاق فيها علامة طلاق وليس فيها عدة وفاة، والذي في سورة البقرة هي عدة وفاة، وأما سورة الطلاق فليس فيها ذكر شيء عن الوفاة، وإنما هي كلها في المطلقات، لكن الأمر الواضح في الدلالة على أن المتوفى عنها زوجها تعتد بوضع الحمل إذا كانت حاملاً هو حديث سبيعة الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو العمدة وهو الذي يعول عليه، وأما ذاك فهو محتمل؛ لأنه جاء عن طريق القياس والإلحاق، وأما هذا فهو نص في عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملاً، والنبي صلى الله عليه وسلم أفتاها بأنها قد انتهت عدتها بوضع حملها، وأن لها أن تنكح إذا شاءت.(264/14)
تراجم رجال إسناد أثر ابن مسعود (من شاء لاعنته، لأنزلت سورة النساء القصرى)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فإنه أخرج له في عمل اليوم والليلة ولم يخرج له في السنن.
[ومحمد بن العلاء].
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال عثمان: حدثنا، وقال ابن العلاء: أخبرنا أبو معاوية].
أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش].
هو الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسلم].
هو مسلم بن صبيح أبو الضحى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسروق].
هو مسروق بن الأجدع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله].
هو عبد الله بن مسعود الهذلي صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(264/15)
الفرق بين حدثنا وأخبرنا
قوله: (قال عثمان: حدثنا، وقال ابن العلاء: أخبرنا) هذا من القليل عند أبي داود أو من النادر عند أبي داود، أعني: أن يذكر الفرق بين الروايات فيما إذا كانت بالتحديث أو بالإخبار، نعم قد يذكر كثيراً الفرق بين (عن) و (حدثنا وأخبرنا)، لأن الرواية بالعنعنة والرواية بالتحديث بينهما فرق كبير، فيقول: قال فلان كذا، وقال فلان كذا، لكن كونه يقول: قال فلان: حدثنا، وقال فلان: أخبرنا فهذا قل أن يذكره، والغالب أن حدثنا يستعملونها فيما سمع من لفظ الشيخ، فإذا كان الشيخ يقرأ وهم يسمعون فإنهم يستعملون حدثنا، وإذا كان يُقرأ عليه وهو يسمع وهم يسمعون فإنهم يعبرون عنه بأخبرنا.
ومن العلماء من لا يفرق بين (حدثنا) و (أخبرنا) بل يجعل التعبير واحداً، فيستعمل حدثنا أو أخبرنا في هذا وفي هذا، لكن من العلماء من يفرق بين (حدثنا) و (أخبرنا)، والذي يستعمل هذا التفريق بكثرة هو الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه، فإنه كثيراً ما يقول: قال فلان: حدثنا، وقال فلان: أخبرنا، والإمام مسلم رحمة الله عليه عنده عناية تامة في سوق الأسانيد والمتون بألفاظها والمحافظة على الألفاظ، وعدم الاشتغال بالرواية بالمعنى بالنسبة للمتون.
والحافظ ابن حجر في ترجمته في (تهذيب التهذيب) قال: حصل للإمام مسلم حظ عظيم مفرط في هذا؛ بحيث إنه يحافظ على ألفاظ الأحاديث ولا يشتغل بالرواية بالمعنى، وذكر أعمالاً تميز بها في صحيحه فقال: إنه حصل له حظ عظيم مفرط في صحيحه في المحافظة على الألفاظ وسياقها في أسانيدها ومتونها، وبيان كون هذا يعبر بكذا وهذا يعبر بكذا.(264/16)
باب في عدة أم الولد(264/17)
شرح حديث عمرو بن العاص (لا تلبسوا علينا سنة نبينا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في عدة أم الولد.
حدثنا قتيبة بن سعيد أن محمد بن جعفر حدثهم ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن مطر عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: لا تلبسوا علينا سنة -قال ابن المثنى - سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشر) يعني: أم الولد].
ثم أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب عدة أم الولد، وأم الولد هي: الأمة التي وطأها سيدها وحملت منه وولدت، فإذا ولدت فإنها تكون أم ولد ليس له أن يبيعها، وإنما تبقى في ملكه وبعد موته تعتق، ولهذا احتاج الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في بعض الغزوات إلى العزل فكان الواحد منهم يعزل عن الأمة؛ لأنه يخشى أنها تحمل؛ لأنها إذا حملت صارت أم ولد فلا يتمكن من بيعها والتصرف فيها، فتبقى معه ولكنها أمة، ولا تصير حرة إلا بعد وفاته، أي: أنها تعتق بعد وفاته، وقد قال بعض أهل العلم بمقتضى ما جاء في حديث عمرو بن العاص هذا الذي فيه: (سنة نبينا: عدة أم الولد أربعة أشهر وعشر).
وقال بعض أهل العلم: إن هذا إنما يكون فيما لو أعتقها وجعل عتقها صداقها فإنها تكون زوجة، وأما ما دام أنها ليست بزوجة له فإنها من الإماء، والنص الذي جاء في القرآن في قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة:234] إنما هو في عدة الأزواج وليس في الإماء.
وقال بعض أهل العلم قال: إن عدتها حيضة واحدة يستبرأ بها رحمها؛ لأنها ليست زوجة، والاعتداد بأربعة أشهر وعشر إنما هو للزوجات كما جاء في القرآن.
فالحديث فيه أن عدتها -أي: أم الولد- أربعة أشهر وعشر، ولكن قيل: إن هذا فيما لو أعتقها وجعل عتقها صداقها وهي أم ولده فإنها بذلك تكون من الزوجات، وعند ذلك تكون عدتها عدة غيرها من الزوجات، وأما إذا كانت من الإماء وليست من الزوجات فإن عدتها ليست عدة الزوجات، وإذا أرادت أن تتزوج فإنها تستبرئ بحيضة بعد وفاة سيدها؛ لاستبراء رحمها.(264/18)
تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن العاص (لا تلبسوا علينا سنة نبينا)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أن محمد بن جعفر حدثهم].
محمد بن جعفر غندر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا ابن المثنى].
هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب: الزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الأعلى].
هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد].
هو سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مطر].
مطر الوراق صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن رجاء بن حيوة].
رجاء بن حيوة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن قبيصة بن ذؤيب].
قبيصة بن ذؤيب الخزاعي المدني له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن العاص].
عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه صحابي مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(264/19)
المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح زوجاً غيره(264/20)
شرح حديث (لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح زوجاً غيره.
حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته -يعني: ثلاثاً- فتزوجت زوجاً غيره فدخل بها، ثم طلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الأول؟ قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها)].
أورد أبو داود باب المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح زوجا ًغيره، أي: ويطلقها، ويكون ذلك النكاح نكاح رغبة لا نكاح تحليل، فعند ذلك يحل لزوجها الأول أن يرجع إليها بثلاث تطليقات يستأنفها؛ لأنه استنفذ ثلاث تطليقات فلا تحل له إلا بعد زوج، فإذا رجع إليها بعد أن يتوفى عنها الزوج الثاني أو يطلقها وتخرج من العدة ويكون الزواج زواج رغبة وليس زواج تحليل تحل له، أي: أنها لا تحل للأول إلا بعد أن يطلقها أو يموت عنها زوجها الثاني الذي ذاقت عسيلته وذاق عسيلتها، وذوق العسيلة قالوا: إنما يكون بالاستمتاع بها بالجماع في الفرج الذي يكون معه إيجاب الغسل، والذي يكون فيه الحد، هذا هو المقصود بذوق العسيلة، ومنهم من قال: إنه المني، يعني: حصول الإنزال، لكن الحد يمكن أن يكون من غير إنزال، فما دام أنه أولج وحصل منه الإيلاج والجماع فإنه يحصل الحد بذلك، والله تعالى يقول: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] يعني: إن طلقها الطلقة الثالثة فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، ويطلقها ذلك الزوج الثاني.(264/21)
تراجم رجال إسناد حديث (لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم].
أبو معاوية والأعمش قد مر ذكرهما، وإبراهيم هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأسود].
الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(264/22)
ما جاء في تعظيم الزنا(264/23)
شرح حديث (يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ قال: أن تزاني حليلة جارك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في تعظيم الزنا.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن منصور عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قال: فقلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يأكل معك، قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك، قال: وأنزل الله تعالى تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان:68] الآية)].
أورد أبو داود باب تعظيم الزنا، يعني: بيان خطورته؛ لأن فيه إفساد الفراش، وفيه اختلاط الأنساب، ويلحق بالزوج من ليس من أولاده، ففيه أمور خطيرة وسيئة تترتب على ذلك، فهو أمر خطير وعظيم وليس بالأمر الهين.
وأورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك)، وهذا هو أعظم ذنب، فأظلم الظلم وأبطل الباطل وأعظم الذنوب الشرك بالله عز وجل، وهو أن يعبد العبد مع الله غيره وأن يشرك مع الله غيره بالعبادة، وهنا في هذه الجملة قال صلى الله عليه وسلم: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك)، فأشار إلى الخلق؛ لأن الخالق هو الذي يجب أن يعبد، وكيف يعبد الإنسان مع الله من كان مخلوقاً كائناً بعد أن لم يكن؟! فالمخلوق كان معدوماً فأوجده الله، والعبادة إنما تكون للخالق وحده لا شريك له.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك) فيه تنبيه إلى سوء وفساد عقول الذين يشركون مع الله غيره مع أنه هو الخالق وحده لا شريك له، كما أنه المتفرد بالخلق والإيجاد، فهو الذي يجب أن يفرد بالعبادة وحده لا شريك له.
ولهذا فإن كون الإقرار بأن الله هو الخالق الرزاق المحيي المميت هذا مما أقر به الكفار الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ذلك لم يدخلهم في الإسلام ولم ينفعهم؛ لأنهم لم يفردوا العبادة لله عز وجل، ولم يخصوا الله عز وجل بالعبادة التي هي مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، والتي هي معنى لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى.
فالكفار الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مقرين بتوحيد الربوبية، وأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت، ولكنهم كانوا غير مقرين بالألوهية، ولهذا يقولون كما حكى الله عز وجل عنهم: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] أي: أنهم يجعلون مع الله آلهة أخرى، ويعبدون مع الله مخلوقات كانت بعد أن لم تكن، والعبادة لا تكون مقبولة عند الله إلا إذا كانت خالصة لله، ومطابقة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن فقد شرط الإخلاص وحصل الشرك ردت على صاحبها ولو كان العمل الذي أتي به حسناً ومطابقاً للسنة، فإنه يرد لكونه أشرك مع الله فيه غيره، وكذلك لو أن العمل كان خالصاً لله ولكنه مبني على بدعة وعلى مخالفة السنة فإنه يكون مردوداً على صحابه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وهذه الرواية متفق عليها، وفي لفظ لـ مسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني: فهو مردود عليه.
فلابد من الإخلاص ولابد من المتابعة، فتجريد الإخلاص لله وحده هو مقتضى: (أشهد أن لا إله إلا الله)، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم هو مقتضى: (أشهد أن محمد رسول الله)، فالشهادتان متلازمتان لابد منهما ولا تكفي واحدة عن الأخرى، وكذلك مقتضى الشهادتين: إخلاص العبادة لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لابد منهما جميعاً، وإذا اختل أحد هذين الشرطين فإن العمل يكون مردوداً على صاحبه وغير مقبول عند الله عز وجل.
ثم إنه يأتي كثيراً في القرآن تقرير توحيد الربوبية، وليس المقصود من تقريره إثباته على أحد ينكره، بل الذين خوطبوا بذلك هم أناس مقرون به، وهم كفار قريش الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا مقرين بتوحيد الربوبية، ولكنه يقرر ذلك من أجل الإلزام بتوحيد الألوهية، ولهذا يقولون: توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، ومعنى مستلزم: أن من أقر بأن الله خالق رازق يلزمه أن يعبد الله وحده، ولهذا قال في الحديث: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك)، وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، أي: أن الذي يعبد الله وحده ويخصه بالعبادة لا يمكن أن ينكر أن يكون الله هو الخالق والرازق وحده، بل هو مقر بهذا ضمناً، فتوحيد الألوهية إذا وجد فإن توحيد الربوبية موجود، وتوحيد الربوبية قد يوجد ولا يوجد توحيد الألوهية كما هو شأن الكفار الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا يأتي في القرآن كثيراً تقرير توحيد الربوبية للإلزام بتوحيد الألوهية، كما قال الله عز وجل: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} [النمل:60]، هذا السياق كله من أجل: {أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل:60]، {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا} [النمل:61]، أتُي بهذا كله من أجل ((أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ))، أي: هل الذي يتفرد ويستقل بهذا ولا يشاركه أحد يجعل معه آلهة؟ فأين العقول؟ وكيف تضيع العقول؟ وكيف تعبد آلهة كانت بعد أن لم تكون؟ فالآلهة التي عبدها الكفار كانت عدماً فأوجدها الله، ثم مع هذا يجعل لها نصيب من العبادة! بل العبادة يجب أن تكون للذي استقل، وانفرد بالخلق والإيجاد، فكما أن الله عز وجل هو المتفرد بالخلق والإيجاد فيجب أن يفرد بالعبادة، ولهذا يأتي كثيراً في القرآن تقرير هذا المعنى، والمقصود منه الإلزام لهؤلاء؛ لأن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية.
فقوله: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك) هذا تنبيه وإشارة إلى أن الخالق هو الذي يجب أن يفرد بالعبادة وحده لا شريك له.
وقوله: (أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك)، فقد كانوا يقتلون أولادهم خشية الفقر، والله عز وجل يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء:31]، وهذا في سورة الإسراء، وقال في سورة الأنعام: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام:151]، ففي سورة الإسراء قال: ((خَشْيَةَ إِمْلاقٍ)) يعني: أن الفقر متوقع وليس بواقع، ولهذا قدم الأولاد فقال: ((نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ)) فالأولاد قد يكونون سبباً في رزق الوالد، فقدم الأولاد على الوالدين للإشارة إلى أن الأولاد قد يكونون سبباً في رزق الوالدين.
وفي سورة الأنعام قال عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام:151] يعني: من الفقر، فلما كان الفقر واقعاً قدم الوالدين على الأولاد فقال: ((نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)).
قوله: (قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك)، فالزنا خطير، ولكنه إذا كان مع حليلة الجار فإنه يكون أسوء وأسوء؛ لأن الجار له حق، وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)، وجاءت أحاديث كثيرة في إكرام الجار والنهي عن إيذائه، فإذا كان الزنا في حد ذاته أمر خطير وأمر عظيم فإنه إذا كان مع حليلة الجار يكون أسوأ وأسوأ، ويكون أشد وأعظم.
وقوله: (وأنزل الله تصديق ذلك -أي: تصديق نبيه- فقال: ((وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ)))، وهذه الآية فيها نفس الترتيب الذي جاء في الحديث.
وقوله: (تصديق ذلك) لا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ويتكلم من عند نفسه، وأن كلامه ليس من عند الله، لا، فالحديث والسنة من عند الله، والقرآن من عند الله، فالكل من عند الله، كما قال عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4]، وقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على أن السنة وحي من الله، كما في الحديث الصحيح الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يغفر للشهيد كل شيء) ثم قال: (إلا الدين سارني به جبريل آنفاً)، يعني: أن هذا الاستثناء جاء به جبريل منبهاً ومبيناً أنه يستثنى الدين، فالسنة وحي من الله عز وجل، والحديث قد يكون في القرآن ما يطابقه، كما جاء عن بعض السلف عند قوله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار)، جاء أنه قال: إن هذا الحديث تأملته فوجدت مصداقه في كتاب الله، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود:17] يعني: أن هذا الحكم تطابق عليه القرآن والسنة، وليس معنى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي بشيء ليس من عند الله، بل كل ما يأتي به الرسول صلى الله عليه(264/24)
تراجم رجال إسناد حديث (يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ قال: أن تزاني حليلة جارك)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
منصور بن المعتمر الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي وائل].
هو شقيق بن سلمة مشهور بكنيته، وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شرحبيل].
عمرو بن شرحبيل ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن عبد الله].
عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قد مر ذكره.(264/25)
الأسئلة(264/26)
حكم دعاء الأبناء على والدهم الظالم لأمهم
السؤال
ما حكم دعاء الأبناء على والدهم بحجة أنه ظلم أمهم الكفيفة؛ حيث يقول لها: هؤلاء أولادك أولاد زنا وليسوا بأولادي، فيشتمها ويضربها، فهم يدعون عليه، فهل يعتبر هذا من العقوق ومن كبائر الذنوب؟
الجواب
هذا الذي يقوله من سوء الخلق ومن الكلام القبيح، وبدل أن يأتوا بشيء فيه سب له أو دعاء عليه عليهم أن ينصحوه، وبذلك يكونون قد بروا به حيث أحسنوا إليه بأن يبتعد عن هذا الكلام القبيح الذي يقوله والذي يتسبب في كونهم يدعون عليه، فالأولى في حقهم ألا يدعوا عليه، وإنما ينصحونه ويدعون الله له أن يوفقه، وأن يهديه، وأن يجنبه سوء الخلق، وأن يجعله على خلق حسن.(264/27)
حكم استبدال الذهب بذهب أقل مع دفع الفارق نقداً
السؤال
اشتريت ذهباً وتبين أن مقاسه ليس صحيحاً لمن اشتريته له، ثم استبدلته بذهب أصغر منه وأرجع لي الباقي للفرق بين السعرين نقداً، فما الحكم؟
الجواب
هذا معناه أنه استقاله البيعة السابقة، ثم اشترى شيئاً آخر أصغر، فيبدو أنه لا بأس بهذا؛ لأن هذا استقاله البيعة ثم اشترى منه شيئاً جديداً، ودفع إلى المشتري المبلغ الزائد.(264/28)
حكم أخذ الولي من مال اليتيم
السؤال
هل يجوز للولي أن يأخذ من مال اليتيم إذا كان مضطراً بالمعروف؟ وهل يرد المال الذي أخذه إذا أيسرت في حالته المادية؟
الجواب
ولي اليتيم كما جاء في القرآن يأكل بالمعروف في مقابل قيامه بالمحافظة عليه، ولكنه يحسن إليه ويحفظ ماله، والأولى ألا يأخذ شيئاً، ولكن إذا أكل بالمعروف في مقابل عمله وكان ذلك باعتدال وعدم زيادة، فلا بأس بذلك كما جاء في القرآن.
وإذا أيسر لا يرده؛ لأن هذا في مقابل عمله، وأما إذا اقترض منه شيئاً فيرده.(264/29)
عدة الأمة
السؤال
أليست عدة الإماء على النصف من عدة الحرائر؟
الجواب
هذا في الإماء المزوجات، وأما الإماء المملوكات فليس عليهن عدة وإنما عليهن استبراء الرحم فقط، والمزوجات هن اللاتي يكون عليهن عدة كما سبق أن مر في كلام بعض أهل العلم، فالطلاق ينظر فيه إلى الرجال ولا ينظر إلى النساء، والعدد ينظر فيها إلى النساء ولا ينظر إلى الرجال.(264/30)
عدة أم الولد
السؤال
ما الذي ترجحونه في عدة أم الولد؟
الجواب
الذي يظهر أن عدتها حيضة؛ لأنه ليس هناك نص يدل على أنها أكثر من ذلك؛ والآية التي جاءت في العدد إنما هي في الزوجات وهذه ليست زوجة، إلا إذا صارت زوجة باعتبار المعنى الذي أشرت إليه، وقد قاله بعض أهل العلم أنه إذا أعتقها وجعل عتقها صداقها فإنها تكون أم ولد إذا مات عنها.(264/31)
شرح سنن أبي داود [265]
الصيام ركن من أركان الإسلام، ولا يتم إسلام المرء إلا به، ومن جحده كان كافراً، والصيام سهل ويسير على من يسره الله عليه، وإذا حصلت معه مشقة فقد أباح الشرع معها الفطر والقضاء على من يستطيع القضاء، والفدية على من لا يستطيع القضاء.(265/1)
مبدأ فرض الصيام(265/2)
شرح حديث ابن عباس: (فكان الناس إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الصوم.
باب مبدأ فرض الصيام.
حدثنا أحمد بن محمد بن شبويه حدثني علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183]، فكان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة، فاختان رجل نفسه، فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يفطر، فأراد الله عز وجل أن يجعل ذلك يسراً لمن بقي ورخصة ومنفعة، فقال سبحانه: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ} [البقرة:187] الآية، وكان هذا مما نفع الله به الناس ورخّص لهم ويسّر].
أخّر أبو داود رحمه الله كتاب الصوم عن النكاح وعن الطلاق وعن اللقطة، والمعروف من عمل المصنفين أن العبادات -ومنها الصوم- تكون متتابعة في البداية، ثم بعدها تأتي المعاملات التي منها النكاح والطلاق وغير ذلك، وهذا الترتيب على خلاف ما هو مألوف ومعروف من تقديم العبادات على المعاملات.
والصوم في اللغة: الإمساك، فأيّ إمساك يقال له: صوم.
وفي الشرع: هو إمساك مخصوص عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
هذا هو الصوم الشرعي، وعلى هذا فإن الصوم الشرعي جزء من جزئيات المعنى اللغوي للصوم؛ لأن المعنى اللغوي واسع يدخل فيه أيّ إمساك، وأما الصوم الشرعي فهو إمساك مخصوص، وكثيراً ما تكون المعاني الشرعية أجزاءً من المعاني اللغوية.
ومثله في هذا الحج، فالحج لغة: القصد، أيّ قصد، وفي الشرع: هو قصد مكة؛ لأداء أعمال مخصوصة.
والعمرة لغة: الزيارة، أيّ زيارة، وفي الشرع: هي زيارة البيت العتيق للطواف والسعي فيه.
وهكذا نجد أن المعاني اللغوية تكون واسعة، والمعاني الشرعية أجزاء من تلك المعاني الواسعة.
قوله: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183]، وكان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حُرم عليهم الطعام والشراب والنساء، وصاموا إلى القابلة) أي: كان الناس لما نزل قول الله عز وجل الذي فيه فرض الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] يحرم عليهم الطعام والشراب والنساء بعد صلاة العشاء، وهذه الآية لا تعني المماثلة في مقدار الصيام، وإنما تعني أنه فُرِضَ عليكم كما فُرض على من قبلكم، وإن كان هناك فرق بين ما فرض عليكم وما فرض على من قبلكم، فالذين قبلنا كان عندهم صيام ونحن عندنا صيام، لكن ليس معنى ذلك أن صيامنا مثل صيامهم تماماً، وأن المقدار الذي فرض علينا هو نفسه الذي فرض عليهم، وإنما المقصود: المماثلة في الجملة لا في التفاصيل والجزئيات؛ حيث شُرع لهم صيام وشُرع لنا صيام.
وكان المسلمون في أول الأمر إذا صلى أحدهم العتمة -أي: العشاء- ثم نام، فإنه لا يحل له أن يأكل شيئاً، ولا أن يجامع أهله، بل يستمر من ذلك الوقت إلى الليلة الآتية صائماً، فيجمع بين صيام الليل والنهار، وكان فيهم من يشتهي أهله بعدما يقوم من النوم، فأنزل الله عز وجل بعد ذلك الرخصة، وأن الامتناع من الأكل والشرب والجماع إنما هو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وأما الليل فيجوز لهم فيه أن يأكلوا ما شاءوا سواء ناموا أم لم يناموا، ويجوز لهم أن يجامعوا سواء حصل منهم النوم أم لم يحصل، فذلك جائز في الليل سواء كان في أوله، أو وسطه، أو آخره، وسواء حصل النوم أو لم يحصل النوم، فالأمر في ذلك واسع، وهو رخصة من الله عز وجل، ونسخ الله ذلك التحريم بقوله: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة:187] الآية.
قوله: (إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء) أي: إذا صلوا العشاء وناموا كما جاء ذلك مبيناً في الروايات الأخرى، وأما بدون نوم فإنه لا يحرم عليهم شيء.
قوله: (فاختان رجل نفسه، فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يفطر) أي: ظلم نفسه، وأقدم على الشيء الذي مُنع منه.(265/3)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (فكان الناس إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء)
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن شبويه].
هو أحمد بن محمد بن شبويه المروزي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثني علي بن حسين بن واقد].
علي بن حسين بن واقد صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
وهو حسين بن واقد، وهو ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن يزيد النحوي].
هو يزيد بن أبي سعيد النحوي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(265/4)
شرح حديث (كان الرجل إذا صام فنام لم يأكل إلى مثلها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي بن نصر الجهضمي أخبرنا أبو أحمد أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال: (كان الرجل إذا صام فنام لم يأكل إلى مثلها، وإن صرمة بن قيس الأنصاري رضي الله عنه أتى امرأته وكان صائماً فقال: عندِك شيء؟ قالت: لا، لعلي أذهب فأطلب لك شيئاً، فذهبت وغلبته عينه، فجاءت فقالت: خيبةً لك، فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه، وكان يعمل يومه في أرضه، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة:187]، قرأ إلى قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187])].
أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (كان الرجل إذا صام ونام لم يأكل إلى مثلها) يعني: أنه إذا نام في الليل بعد أن يفطر عند الغروب فإنه لا يأكل إلى الغد، أي: أنه يصل الليل بالنهار كما سبقت الإشارة إليه في الحديث السابق، وكان صرمة بن قيس يعمل في أرض له، فأتى امرأته وكان صائماً فلم يجد عندها شيئاً، فذهبت تبحث له عن طعام، فرجعت وقد نام، فأنزل الله عز وجل الآية التي رخص الله تعالى لهم فيها بأن يأكلوا ويشربوا وأن يجامعوا إلى طلوع الفجر، وأنه لا حرج عليهم في ذلك، فهي رخصة وتيسير من الله سبحانه وتعالى.(265/5)
تراجم رجال إسناد حديث (كان الرجل إذا صام فنام لم يأكل إلى مثلها)
قوله: [حدثنا نصر بن علي بن نصر الجهضمي].
هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا أبو أحمد].
هو أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا إسرائيل].
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(265/6)
نسخ قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية)(265/7)
شرح حديث نسخ قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب نسخ قوله تعالى: ((وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ)).
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر -يعني ابن مضر - عن عمرو بن الحارث عن بكير عن يزيد مولى سلمة عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (لما نزلت هذه الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184] كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي فعل حتى نزلت هذه الآية التي بعدها فنسختها)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب نسخ قول الله عز وجل: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184]، والمقصود من ذلك: أن الصوم لما شرع في أول الأمر كان على التخيير، فمن أراد أن يصوم صام، ومن أراد ألا يصوم ويطعم عن كل يوم مسكين فعل، وبعد ذلك نسخ هذا الحكم وجاء الإلزام بالصيام، ولم يعد هناك تخيير بين الصوم والفدية، فمن كان مستطيعاً فعليه أن يصوم وليس له أن يتحول عن الصيام إلى غيره، ومن كان غير مستطيع لكونه مريضاً أو مسافراً فعدة من أيام أخر، أي: يصوم أياماً أخر بدل هذه التي لم يصمها من الشهر.
وقوله: ((فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ))، يعني: أنه يقضي إذا أفطر لعذر، أما لغير عذر فلا يجوز له أن يفطر، وليس له أن يتحول من الصيام إلى الفدية، بل ليس هناك إلا الصيام، وإنما كان التخيير بين الصيام وبين ترك الصيام والفدية في أول الأمر، ثم نسخ بالآية التي بعدها وهي قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185]، حتى قال: ((فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)).
وقوله: ((فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)) فيها دلالة على أنه إذا كان الشهر ناقصاً فإن الذي يقضي إنما يقضي على عدة الشهر ولا يقضي شهراً كاملاً، أي: يقضي مثل الأداء، وحيث كان الشهر ناقصاً فإن القضاء يكون تسعة وعشرين، لقوله تعالى: ((وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)) أي: يصوم عدة الأيام التي صامها الناس قضاءً في أيام أخر، فالحكم الذي كان موجوداً أول الأمر من التخيير نسخ وصار الإلزام بالصيام.(265/8)
تراجم رجال إسناد حديث نسخ قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا بكر يعني: ابن مضر].
بكر بن مضر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن عمرو بن الحارث].
عمرو بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكير].
هو بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد مولى سلمة].
هو يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سلمة بن الأكوع].
سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(265/9)
شرح أثر ابن عباس في بيان نسخ الفدية والإلزام بالصيام
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن محمد حدثني علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184]، فكان من شاء منهم أن يفتدي بطعام مسكين افتدى وتم له صومه، فقال عز وجل: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:184]، وقال: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185]].
وهذا الأثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه هو مثل ما تقدم أنه كان في أول الأمر من شاء أن يفتدي افتدى، ومن شاء أن يصوم صام، وأنه بعد ذلك جاء الإلزام بالصيام وعدم التخيير.(265/10)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في بيان نسخ الفدية والإلزام بالصيام
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد حدثني علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس].
قد مر رجال هذا الإسناد في الإسناد الأول.(265/11)
من قال بإثبات الفدية للشيخ والحبلى(265/12)
شرح أثر ابن عباس في الفدية: (أثبتت للحبلى والمرضع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: هي مثبَتَة للشيخ والحبلى.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا قتادة أن عكرمة حدثه أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أثبتت للحبلى والمرضع)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة بعنوان: من قال: هي مثبتة للشيخ والحبلى، أي الآية: ((وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ)) يعني: أنها مثبتة غير منسوخة، وأن المقصود بها الشيخ الكبير والحبلى، فهم يفطرون ويفدون، فالشيخ الكبير يفطر ويفدي ولا يلزمه صيام، وأما الحبلى فإنها تفطر وتقضي، وعليها مع القضاء فدية أيضاً؛ لأنها أفطرت لمصلحة غيرها، وهو الجنين الذي تخاف عليه من قصور الغذاء وقلة الغذاء بالصيام.
فالمقصود بالترجمة أن الآية غير منسوخة، ولكن المقصود بها الشيخ الكبير، فإن له أن يترك الصيام ويفدي؛ لأنه لا يستطيع، وكذلك الحبلى، إلا أن الحبلى كما هو معلوم لا تترك الصيام من حيث القضاء؛ لأنها قادرة على القضاء، وأما الشيخ الكبير فإنه لا يقدر؛ لأن الزمان بالنسبة له واحد، فلا يستطيع القضاء لهرمه وكبره، وكلما تقدمت به السن كلما ازداد ضعفاً وعدم قدرة.
وقوله: (أثبتت للحبلى والمرضع) يعني: أنها لم تنسخ وأن الحكم باقٍ.
وقوله: ((يُطِيقُونَهُ)) أي: يشق عليهم، وفي بعض القراءات: (يطوَّقونه)، يعني: يشق عليهم، أي: يتكلفونه.(265/13)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في الفدية: (أثبتت للحبلى المرضع)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبان].
هو أبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن عكرمة حدثه أن ابن عباس].
عكرمة وابن عباس مر ذكرهما.(265/14)
شرح أثر ابن عباس في تفسير قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن عروة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: ({وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184]، قال: كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكيناً مقدار نصف صاع، والحبلى والمرضع إذا خافتا -قال أبو داود: يعني: على أولادهما- أفطرتا وأطعمتا)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه ما تقدم من أن المرأة الكبيرة والشيخ الكبير يفديان بدل الصيام؛ لأنهما لا يستطيعان الصيام، وهو كذلك في حق الحبلى والمرضع إذا خافتا على ولديهما فإنهما يفطران ويفديان مع القضاء.(265/15)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في تفسير قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)
قوله: [حدثنا ابن المثنى].
هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب الزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن أبي عدي].
هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد].
هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
قتادة مر ذكره.
[عن عروة].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس قد مر ذكره.(265/16)
شرح سنن أبي داود [266]
لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة في ذلك الوقت كانت أمة أمية لا تحسب ولا تكتب، وهذا في غالبها، وإلا فهناك قلة من المؤمنين كانوا يعرفون الكتابة والحساب، وبيّن أن الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوماً، وقد يكون ثلاثين يوماً.(266/1)
الشهر يكون تسعاً وعشرين(266/2)
شرح حديث: (إنّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الشهر يكون تسعاً وعشرين.
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن الأسود بن قيس عن سعيد بن عمرو -يعني: ابن سعيد بن العاص - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، وخنس سليمان أصبعه في الثالثة، يعني: تسعاً وعشرين وثلاثين].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب الشهر يكون تسعاً وعشرين، والمقصود من هذا: بيان أن الشهر لا يكون ثلاثين دائماً وإنما يكون ثلاثين ويكون تسعاً وعشرين، فلا ينقص الشهر العربي عن تسعة وعشرين ولا يزيد عن ثلاثين، فهو إما هكذا وإما هكذا.
وأورد أبو داود حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، وأشار بيديه العشر ثلاث مرات وخنس إصبعاً في الثالثة، يعني: تسعة وعشرين، وجاء أيضاً أنه فعل ذلك مرتين، فمرة يكون ثلاثين ومرة يكون تسعة وعشرين، فإنه قال: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، وبهذا يصير ثلاثين بدون قبض إصبع، ثم قال: (ويكون هكذا وهكذا وهكذا، وقبض إصبعاً) يعني: أنه يكون تسعة وعشرين.
وقوله: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) الأمية: نسبة إلى الأميين، والمقصود بذلك كثير منهم، ولا يعني ذلك أنه لا توجد الكتابة والقراءة فيهم، بل كانت ففيهم ولكن بقلة، والحكم هنا الغالب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك لا يقرأ ولا يكتب صلى الله عليه وسلم، وقد جاء بهذا القرآن الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لم يستطيعوا، وهو من عند الله عز وجل، وكونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب هذا من أوضح الأدلة على أنه أتى بالقرآن من عند الله عز وجل، ولهذا يقول الله وجل: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48]، أي: لو أنه كان قارئاً كاتباً فيمكن أن يأتي به من عند نفسه، لكنه كان لا يقرأ ولا يكتب صلى الله عليه وسلم.
ثم إن الله عز وجل جعل الأمور والعبادات مبنية على أمور مشاهدة ومعاينة لا يختص بها الحاذق والفطن، وإنما الكل يعرفها، فالعبادات أنيطت بأمور مشاهدة ومعاينة، فالصلاة أنيطت بطلوع الشمس وغروبها وزوالها، ومغيب الشفق وهكذا، فالحضري والبدوي يعرف ذلك، وكذلك الصيام يعرف بأنه يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويكون برؤية الهلال، وكل هذه الأمور تشاهد وتعاين ولا تتوقف على حساب ولا على خلق ولا على فطنة.(266/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأسود بن قيس].
الأسود بن قيس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن عمرو يعني: ابن سعيد بن العاص].
هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(266/4)
شرح حديث: (الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا حماد حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين)، قال: فكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا كان شعبان تسعاً وعشرين نظر له فإن رؤي فذاك، وإن لم ير ولم يَحُل دون منظره سحاب ولا قترة أصبح مفطراً، فإن حال دون منظره سحاب أو قترة أصبح صائماً، قال: فكان ابن عمر يفطر مع الناس، ولا يأخذ بهذا الحساب].
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهر تسع وعشرون) يعني: أحياناً ولا يكون دائماً تسعة وعشرين، وإنما يكون تسعة وعشرين ويكون ثلاثين، فأحياناً كذا وأحياناً كذا، ولهذا ينظر الهلال به، فإن رئي ليلة الثلاثين فالشهر تسعة وعشرون وإلا فتكمل العدة.
وقوله: (الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه) يعني: لا تصوموا رمضان حتى تروا هلال رمضان، ولا تفطروا حتى تروا هلال شوال، وهذا معناه أن الأمر منوط برؤية الهلال لا بالحساب، فينظر ليلة الثلاثين من شعبان فإن رئي الهلال صام الناس وإن لم يروه أكملوا عدة شعبان، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً)، وهذا يبين أنه إن رؤي ليلة الثلاثين صار الشهر ناقصاً، وإن لم يُرَ أُكمل الشهر، كاملاً ثم يصبح الناس صائمين بعد الثلاثين؛ لإكمال العدة، فالشهر لا يزيد عن ثلاثين كما أنه لا ينقص عن تسع وعشرين.
وقوله: (فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين) يعني: إن غم عليكم فاعتبروه ثلاثين، وأكلموا عدة شهر شعبان، وكذلك رمضان، فإن رئي الهلال سواء هلال رمضان أو هلال شعبان ليلة الثلاثين اعتبر الشهر ناقصاً، وإن لم يُرَ تُكمل العدة ويكون الشهر كاملاً.
وقوله: [وكان ابن عمر إذا كان شعبان تسعاً وعشرين نُظر له، فإن رئي فذاك وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قترة أصبح مفطراً، فإن حال دون منظره سحاب أو قترة أصبح صائماً، قال: فكان ابن عمر يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب].
يعني: أن ابن عمر كان يحتاط لرمضان في أوله فيما إذا كان هناك غيم وقتر يمنع من رؤية الهلال، فكان يأمر أن ينظر له الهلال، فإذا كان الجو صحواً ولم ير الهلال فإنه يكمل العدة؛ لأنه لم ير الهلال والجو صحو، وإن كان هناك احتمال أن يكون الهلال موجوداً ولكنه حال دونه الغيم أو القتر فإنه يصبح صائماً، ولكنه في آخر الشهر يفطر مع الناس، ولا يحسب هذا الحساب، بمعنى: أنه يكمل ثلاثين وبعد ذلك يفطر ولو كانت العدة ما كملت، وإنما كان يفعل ذلك احتياطاً، لكن الحديث واضح في أنه إذا غم الهلال على الناس فإنهم يحسبونه ثلاثين ما دام أنهم لم يروا الهلال سواء كان الجو صحواً أو كان غائماً فإنهم يكملون العدة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين).
إذاً فـ ابن عمر وبعض أهل العلم يقولون: إنه يصام إذا هناك غيم في السماء في ليلة الشك، ولكن قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) يدل على أنه لا يصام، وأن الناس يكملون العدة سواء كان الجو صحواً ولم يروا الهلال، أو كان غيماً لا سبيل لهم فيه إلى رؤية الهلال.(266/5)
تراجم رجال إسناد حديث: (الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود العتكي].
هو سليمان بن داود العتكي أبو الربيع الزهراني، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن زيد بن درهم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء حماد غير منسوب وروى عنه سليمان بن داود العتكي أبو الربيع الزهراني فالمقصود به حماد بن زيد، فإنه يأتي حماد غير منسوب كثيراً وهو محتمل أن يكون ابن زيد ويحتمل أن يكون ابن سلمة، ومعرفة ذلك تكون بمعرفة التلاميذ، فمثلاً: سليمان بن داود لا يروي إلا عن حماد بن زيد، وسليمان بن حرب لا يروي إلا عن حماد بن زيد، وموسى بن إسماعيل التبوذكي لا يروي إلا عن حماد بن سلمة وهكذا.
[حدثنا أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قد مر ذكره.(266/6)
شرح أثر عمر بن عبد العزيز في بيان متى يبدأ صيام رمضان
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا عبد الوهاب حدثني أيوب قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل البصرة: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، زاد: وإن أحسن ما يقدر له أنا إذا رأينا هلال شعبان لكذا وكذا فالصوم إن شاء الله لكذا وكذا إلا أن يروا الهلال قبل ذلك].
أورد أبو داود هذا الحديث المرسل عن عمر بن عبد العزيز، ولكنه مطابق لما جاء في الأحاديث الصحيحة عن ابن عمر وعن غيره.
وقوله: (بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو حديث ابن عمر) يعني: نحو حديث ابن عمر الذي تقدم.
وقوله: [وزاد: وإن أحسن ما يقدر له أنا إذا رأينا هلال شعبان لكذا وكذا فالصوم إن شاء الله لكذا وكذا، إلا أن تروا الهلال قبل ذلك].
يعني: أن تكمل العدة، إلا أن يروا الهلال قبل ذلك فإن الشهر يكون تسعة وعشرين، وعلى ذلك يكون ناقصاً.(266/7)
تراجم رجال إسناد أثر عمر بن عبد العزيز في بيان متى يبدأ صيام رمضان
قوله: [حدثنا حميد بن مسعدة].
حميد بن مسعدة صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد الوهاب].
هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني أيوب قال: كتب عمر بن عبد العزيز].
أيوب قد مر ذكره.
وعمر بن عبد العزيز هو الخليفة المشهور، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.(266/8)
شرح حديث: (لما صمنا مع النبي تسعاً وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن منيع عن ابن أبي زائدة عن عيسى بن دينار عن أبيه عن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: (لما صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعاً وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين)].
أورد أبو داود هذا الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه أنهم صاموا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين وصاموا تسعة وعشرين، أي: أنهم صاموا أشهراً ناقصة وأشهراً كاملة، وأن الأشهر الناقصة كانت أكثر من الكاملة، وقد صام النبي صلى الله عليه وسلم صام تسعة رمضانات؛ لأن رمضان شرع في السنة الثانية من الهجرة، فصام الرسول الله صلى الله عليه وسلم من السنة الثانية إلى السنة العاشرة، فأكثر هذه الأشهر كما جاء في حديث ابن مسعود كانت ناقصة، أي: أنها كانت تسعة وعشرين.(266/9)
تراجم رجال إسناد حديث: (لما صمنا مع النبي تسعاً وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين)
قوله: [حدثنا أحمد بن منيع].
أحمد بن منيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي زائدة].
هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عيسى بن دينار].
عيسى بن دينار ثقة، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) وأبو داود والترمذي.
[عن أبيه].
أبوه هو دينار، وهو مقبول، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) وأبو داود والترمذي.
[عن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار].
عمرو بن الحارث بن أبي ضرار رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن مسعود].
ابن مسعود رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(266/10)
شرح حديث: (شهرا عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد أن يزيد بن زريع حدثهم قال: حدثنا خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شهرا عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة)].
أورد أبو داود حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شهرا عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة)، وقوله: (شهرا عيد)، يعني: أن كلاً منهما له عيد، فهناك عيد الفطر وعيد الأضحى، فعيد الفطر هو في شوال، فالعيد ليس من شهر رمضان، وإنما هو من الشهر الذي يليه، فقيل لرمضان: شهر عيد وإن كان العيد ليس منه لأنه مقارب له ومتصل به، وهذا كما جاء: (المغرب وتر النهار)، مع أن صلاة المغرب في أول الليل ولكنها متصلة بالنهار، فقيل لها: وتر النهار لقرب أدائها أو وقتها من النهار، فكذلك عيد الفطر هو قريب من شهر الصيام؛ لأنه متصل به مباشرة، فهو أول يوم من شوال، ولهذا نسب العيد إلى الفطر فقيل: عيد الفطر، أي: الفطر من رمضان.
وعيد الأضحى هو الذي يكون فيه نحر الأضاحي تقرباً إلى الله عز وجل.
وقوله: (شهرا عيد لا ينقصان)، قيل: إنهما يكونان كاملين، وهذا يكون في بعض الأحوال، وقيل: إن معنى ذلك أنهما لا ينقصان في الأجر وإن حصل نقصان في العدد، فالناس إذا صاموا تسعاً وعشرين يحصلون الأجر كاملاً، ولا يقال: إنه لو كان ثلاثين يصير أكثر أجراً وإذا كان تسعة وعشرين يصير أقل أجراً، بل الأجر يكون كاملاً سواءً صام الإنسان تسعة وعشرين أو ثلاثين، فهو شهر كامل سواءً كان تسعة وعشرين أو ثلاثين.(266/11)
تراجم رجال إسناد حديث: (شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[أن يزيد بن زريع حدثهم].
يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثنا خالد الحذاء].
خالد بن مهران الحذاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن أبي بكرة].
عبد الرحمن بن أبي بكرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه هو أبو بكرة نفيع بن الحارث رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.(266/12)
إذا أخطأ القوم الهلال(266/13)
شرح حديث: (وفطركم يوم تفطرون)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا أخطأ القوم الهلال.
حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد في حديث أيوب عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة رضي الله عنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه قال: (وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون، وكل عرفة موقف، وكل منىً منحر، وكل فجاج مكة منحر، وكل جمع موقف)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب إذا أخطأ القوم الهلال، يعني: إذا حصل خطأ بأن كان الهلال موجوداً وهم لم يعرفوا أنه طلع، ففاتهم شيء من الشهر، وكذلك إذا حصل نقص فيه فصاموا يوماً ليس من الشهر، فإن صيامهم معتبر، فالصوم يوم يصوم الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، وكذلك الحج لو أنهم أخطئوا في الهلال ووقفوا بعرفة في غير يوم عرفة فإن وقوفهم صحيح وحجهم صحيح، ولا يقال: إن عليهم أن يقضوا؛ لأن الحج يوم يحج الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، والصوم يوم يصوم الناس، فحصول الخطأ الذي جاء عن اجتهاد لا يؤثر ولا يكون عملهم جميعاً غير صواب، وليس عليهم أن يقضوا، فحجهم صحيح وكذلك صيامهم صحيح.
وقوله: (وكل عرفة موقف) يعني: لا يظن أن الموقف هو المكان الذي وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، بل أي مكان من عرفة حصل فيه الوقوف فإنه يصح الوقوف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وقفت ههنا وعرفة كلها موقف) يعني: ليس مكان وقوفه هو محل الوقوف فقط، وإنما عرفة كلها مكان للوقوف.
وقوله: (وكل منى منحر)، فالرسول نحر في مكان معين من منى، وهذا لا يعني أن النحر لا يكون إلا في هذا المكان، بل إذا حصل النحر في أي مكان من منى فقد حصل النحر؛ لأن منى كلها منحر، ولا يقتصر الأمر على المكان الذي نحر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من منى.
وقوله: (وكل فجاج مكة منحر)، أي: كما أن منى كلها منحر فمكة كلها منحر، فنحر الهدي يكون في منى ويكون في مكة، ولكن كونه في منى هو الأولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بمنى، وكون النحر يكون بمكة هو الأصل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وفجاج مكة منحر).
وقوله: (وكل جمْع موقف)، فالرسول صلى الله عليه وسلم وقف في مزدلفة في مكان معين، وليس الأمر مقتصراً على مكان وقوفه صلى الله عليه وسلم، بل كل جمع موقف، وأي مكان من جمع -وهو مزدلفة- بات فيه الإنسان ووقف فيه فإن ذلك صحيح ولا ضير عليه في ذلك ولا نقص.(266/14)
تراجم رجال إسناد حديث: (وفطركم يوم تفطرون)
قوله: [حدثنا محمد بن عبيد].
محمد بن عبيد بن حساب ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد].
حماد هو ابن زيد.
[في حديث أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وقد مر ذكره.
[عن محمد بن المنكدر].
محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.(266/15)
الأسئلة(266/16)
حكم تغطية الرأس في الصلاة
السؤال
هل هناك حديث يدل على أن تغطية الرأس في الصلاة من السنة؟
الجواب
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يغطي رأسه بالعمامة، ولكن كون تغطية الرأس شرطاً لا أعلم شيئاً يدل عليه.
ومعلوم أن هذا في غير الإحرام؛ لأن الإحرام لابد فيه من كشف الرأس.(266/17)
حكم تخصيص أول جمعة من رجب بأعمال صالحة
السؤال
ما حكم من يخصص أول جمعة من رجب بعمل صالح وصوم وعمرة؟
الجواب
هذا من البدع المحدثة في الدين، وهذه هي التي يسمونها صلاة الرغائب، وهي لا صحة لها.(266/18)
حكم الجهر بالذكر بعد كل صلاة
السؤال
هل الجهر بالذكر بعد كل صلاة مفروضة سنة؟
الجواب
نعم هو سنة، فقد جاء ذلك في حديث ابن عباس.(266/19)
حكم حجز مكان في حلقة العلم في المسجد
السؤال
هل يجوز لي أن أضع الكرسي في الحلقة قبل الصلاة لأحجز المكان؟
الجواب
لا يناسب للإنسان أن يفعل هذا؛ لأن معنى هذا أن الأرض تفرش بالكراسي.(266/20)
أهمية الحرص على إدراك الصلاة في المسجد الحرام أو المسجد النبوي
السؤال
هل الأفضل أن أدرك تكبيرة الإحرام في مسجد حينا أو أن تفوتني ركعة أو ركعتان وأصلي في المسجد الحرام أو المسجد النبوي؟
الجواب
إذا كان الإنسان يريد أن يصلي في المسجد الحرام أو المسجد النبوي فعليه أن يذهب مبكراً؛ حتى يدرك الفضيلة من أولها، وأما أن يعود نفسه على التأخر ثم يفوته شيء من الصلاة فهذا لا ينبغي.(266/21)
عدة الأمة الآيسة
السؤال
إذا طلقت الأمة وكانت آيسة فما عدتها؟
الجواب
عدتها شهران.(266/22)
الحكم على حديث: (من أتى مسجدي ليعلِّم أو يتعلم كان كأجر المجاهد)
السؤال
ما صحة الحديث: (من أتى مسجدي ليعلِّم أو يتعلم كان كأجر المجاهد)؟
الجواب
هذا الحديث ثابت، وهو إما صحيح أو حسن.(266/23)
سبب تأخير أبي داود لكتاب الصيام على كتاب النكاح
السؤال
هل يصح أن يقال: إن سبب تأخير أبي داود لكتاب الصيام عن كتاب النكاح وما يتبعه هو ملاحظته لحديث: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم)، حيث جاء الصيام بعد النكاح؟
الجواب
لا يبدو أن هذا هو السبب، فقد جاء في الحديث: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيته الحرام)، فجاءت هذه الأركان في حديث واحد وكلها عبادات، وإنما ذكر الصوم من أجل العلاج لمن لا يستطيع النكاح، وليس المقصود صيام رمضان.(266/24)
كيفية قضاء الحامل
السؤال
امرأة عليها صيام شهر رمضان وهي حامل وربما تضع في رمضان الثاني، فهل يكفي أن تعطي فدية بدلاً عن الصوم؟
الجواب
الصوم لازم لها، ولا تكفي الفدية عن الصيام في حقها، وإنما تقضي فيما بعد.(266/25)
حكم حلف الرجل على خبر كذب فيه على زوجته
السؤال
رجل فتح درجاً في البيت لزوجته خشية وجود حاجة فيه لا ترضي الله، ولما سألته زوجته عن ذلك حلف لها أنه لم يفتحه؛ خشية حصول المشاكل بينهما، فما الحكم؟
الجواب
لا يحلف لها أنه لم يفتحه، وإنما يعتذر بعذر آخر، أو يذكر لها أنه فتحه لأمر من الأمور الأخرى، وأما أن يحلف وهو كاذب فهذا لا يصلح.(266/26)
بيان من يجوز له وطء الأمة
السؤال
متى يكون وطء الأمة للسيد؟ وهل لغيره من الرجال أن يطأها بإذن سيدها؟
الجواب
للسيد أن يطأها فهي مملوكته وسريته، وأما غيره فلا يجوز له إلا عن طريق الزواج، وأما أن يعطيها أحداً، أو أن يرخص لأحد أن يطأها فليس له ذلك، وإنما يكون وطؤها بملك اليمين أو بالتزويج؛ لقوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:6 - 7].(266/27)
ضابط حقوق المرأة على نفسها في الصيام حتى تفطر
السؤال
ما هو الضابط في خوف المرأة على نفسها، فقد تقول المرأة: إنها خائفة على نفسها، وهي خائفة على ولدها؟ يكون خوفها على نفسها إذا كانت مريضة، أو كان عندها أمر يخصها، وقد تكون صحيحة سليمة ولكنها تخشى النقص على ولدها، فإذا خافت على نفسها فلا تطعم؛ لأنها مثل المريض والمسافر يقضي وليس عليه إطعام، وأما إذا كان الخوف على غيرها فهذا هو الذي فيه الإطعام.(266/28)
عدم ثبوت كتابة النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية
السؤال
هل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب في صلح الحديبية؟
الجواب
لا، لم يرد.(266/29)
كيفية إثبات عدد إيام الشهور
السؤال
إثبات عدد أيام الشهور هل يكون برؤية الهلال كشهر رمضان أم يكون بالحساب؟
الجواب
غير رمضان من حيث الثبوت الشرعي لا يكون إلا من طريق الهلال، وأما بالنسبة فيما يتعارف عليه الناس فالأمر في ذلك واسع، أي: أنه قد يكون تسعة وعشرين أو ثلاثين، لكن من حيث العدة لا يكون إلا عن طريق الهلال، فالاحتياط أن يكون الشهر كاملاً، إلا في شيء يثبت به الهلال مثل رمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة؛ فإن هذه الأشهر يعمل على إثباتها شرعاً؛ من أجل الإحكام الشرعية المتصلة بها وهي: الصيام والحج، وأما إذا كان في أثناء السنة فإنك تجد عند الناس كثير من التقاويم، وتجد هذا ناقصاً وهذا كاملاً.(266/30)
كيفية صيام أهل البلدان مع اختلاف المطالع
السؤال
في قضية اختلاف المطالع نجد أن بعض البلدان تصوم وبعض البلدان لا تصوم، وبعض البلدان تفطر للعيد وبعضها لا تفطر، فمن نتبع؟ وبمن نقتدي؟
الجواب
الأولى أن يكون الناس متحدين في الصيام، ولكن حيث لا يتم ذلك ولا يتيسر ذلك فإن كل بلد عليهم أن يرجعوا إلى علمائهم، فإذا رأى علماؤهم أنهم يتابعون بلداً تابعوا، وإذا رأوا أنهم يتمسكون أو يتقيدون برؤيتهم فإن لهم ذلك، ولا ينبغي أن يكون أهل البلد الواحد مختلفين، بل ينبغي أن يكونوا متفقين، فإن وافقوا غيرهم جميعاً فذاك، وإن رأوا أنهم يكون لهم رؤيتهم فلهم ذلك.(266/31)
حكم استخدام المنظار للمساعدة على رؤية الهلال
السؤال
ما حكم استخدام المنظار للمساعدة على رؤية الهلال؟
الجواب
استخدام المنظار من أجل تحديد المكان والجهة حتى ينظر إلى الهلال في جهة معينة لا بأس به.(266/32)
حكم من صام رمضان أكثر من ثلاثين يوماً بسبب سفره من بلد إلى آخر
السؤال
سافرت إلى إحدى الدول خارج المملكة في شهر رمضان فزاد علي يوم في الصيام؛ بسبب فارق التوقيت، فصمت واحداً وثلاثين يوماً، فما الحكم؟
الجواب
ليس للإنسان أن يصوم أكثر من ثلاثين؛ لأن الصيام لا يكون إلا ثلاثين، فلا يزيد عن ثلاثين ولا ينقص عن تسعة وعشرين، فعليه أن يفطر ثم يعيّد مع الناس الذين تأخر عيدهم.(266/33)
ثبوت هلال شهر رمضان بشاهد واحد
السؤال
هل يثبت هلال رمضان بشاهد واحد وكذلك شوال؟
الجواب
شهر رمضان يثبت بالواحد؛ لأنه جاء ما يدل عليه، وأما شوال فقد ذُكر أنه لابد من شاهدين، وأنا لا أذكر ما هو الدليل على هذا.(266/34)
حكم اعتبار الحساب الفلكي في الصيام
السؤال
هل من البدعة اعتبار الصيام بالحساب الفلكي؟
الجواب
لاشك أن هذا خلاف السنة، فالسنة أن الصيام يكون بالرؤية، فالتعويل على غير ذلك مخالف للسنة.(266/35)
شرح سنن أبي داود [267]
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتاط ويتحفظ في شهر شعبان ما لا يتحفظ في غيره، فكان يهتم بحساب هذا الشهر عند دخوله وخروجه حتى يعلم متى يدخل رمضان، فإذا ظهر هلال رمضان أصبح صائماً، وإذا لم يظهر أكمل عدة شعبان ثلاثين، وكذلك في آخر رمضان، إذا ظهر هلال شوال أصبح مفطراً وإلا أكمل عدة رمضان ثلاثين.(267/1)
إذا أغمي الشهر(267/2)
شرح حديث: (كان رسول الله يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا أغمي الشهر.
حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي حدثني معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب إذا أغمي الشهر، أي: إذا كان هناك غيم أو قتر يحول دون رؤيته، فالذي ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إن لم يرُ هلال رمضان فتكمل عدة شعبان ثلاثين، وإن كانت العدة لرمضان فيكمل رمضان ثلاثين، وإن رئي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان أصبح الناس صائمين، ويكون ذلك أول يوم من رمضان، وإذا رئي هلال شوال ليلة الثلاثين من رمضان أصبح الناس مفطرين، وهذا هو الحكم الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره) يعني: أنه كان يجتهد ويعتني بمعرفة دخوله ما لا يعتني بغيره من الشهور الأخرى التي ليست كرمضان أو ذي الحجة؛ لأن ذا الحجة يعتنى بمعرفته من أجل الحج، ورمضان يعتنى بمعرفته من أجل الصيام، ولكن شهر شعبان كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتني فيه بمعرفة دخوله؛ من أجل أن يحسب الحساب حتى يعرف يوم الثلاثين، فإذا ثبت دخول شعبان في ليلة معينة فإنه سيبحث عن هلال رمضان في ليلة الثلاثين.
فقوله: (يتحفظ) أي: أنه يعتني ويحرص ويجتهد لمعرفة وثبوت دخوله من أجل العدة والحساب؛ لأنه إذا لم يعرف دخول الشهر فلن يعرف الحساب، ولن يعرف الثلاثين، ولكن إذا عُرف أنه دخل في الليلة الفلانية فإن الناس يعدون إلى التسعة والعشرين، وإذا جاءت ليلة الثلاثين بحثوا عن الهلال فيها، فإن رأوه أصبحوا صائمين وإلا أكملوا العدة.
وقوله: (ثم يصوم لرؤية رمضان) يعني: إذا رؤي ليلة الثلاثين من شعبان وثبت دخول الشهر صارت من رمضان وليست من شعبان، ويصير شعبان تسعة وعشرين.
وقوله: (فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام) يعني: إن غم هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان وكان الهلال لا يرى من الغيم والقتر فتكمل العدة ثلاثين، ثم بعد ذلك يصبح الإنسان صائماً بعد الثلاثين؛ لأنه لم يثبت هلال شعبان، فإذا جاءت ليلة الثلاثين من شعبان يبحث عن الهلال إن كان الجو صحواً فإن رؤي وإلا أكملوا العدة، وإن كان غيماً ولا مجال للبحث عن الهلال فإنهم يكملون العدة كما لو كان صحواً ولم يروه، وعلى هذا فالاجتهاد والعناية تكون بدخول شعبان؛ من أجل الحساب لرمضان حتى تعرف ليلة الثلاثين، فإذا دخل -مثلاً- في يوم الجمعة فتصير الجمعة تسعة وعشرين؛ لأن الشهر إذا دخل في يوم ينخصم به إذا كان ناقصاً غير كامل فاليوم الذي يدخل فيه الشهر يوافق ثمانية من الشهر، ويوافق خمسة عشر من الشهر، ويوافق اثنين وعشرين من الشهر، ويوافق تسعة وعشرين من الشهر، فإذا دخل الشهر في يوم الجمعة يبحث عن الهلال ليلة السبت، ولا يبحث عنه ليلة الجمعة؛ لأن الجمعة تعتبر تسعة وعشرين، ولكن ليلة السبت هي ليلة الثلاثين، فيبحث عن الهلال إن كان صحواً، وإذا لم يوجد أصبح الناس مفطرين؛ لأنه لم يرُ الهلال، وإن كان غيم فإنهم يكملون العدة.(267/3)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي].
عبد الرحمن بن مهدي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني معاوية بن صالح].
هو معاوية بن صالح بن حدير صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن أبي قيس].
عبد الله بن أبي قيس ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
[قال: سمعت عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(267/4)
شرح حديث: (لا تقدَّموا الشهر حتى تروا الهلال)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا جرير بن عبد الحميد الضبي عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة)].
أورد أبو داود حديث حذيفة رضي الله عنه: (لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة).
وقوله: (حتى تروا الهلال) يعني: لا تتقدموه بصيام حتى تكملوا عدة شعبان ثلاثين ليلة، وبعد ذلك يجب أن تصبحوا صائمين بعد إكمال الثلاثين؛ لأنه إذا ثبت دخول شعبان في ليلة وكملت الثلاثين فبعدها يكون الصيام؛ لأن الشهر لا يزيد عن ثلاثين ولا ينقص عن تسعة وعشرين.
قوله: (أو تروا الهلال) يعني: قبل إكمال العدة ثلاثين، فإذا مضت تسعة وعشرون ورأيتم الهلال في ليلة تسعة وعشرين فصوموا، ويصير شهر شعبان ناقصاً وليس بكامل، وإن لم تروا الهلال فتكملون العدة ولا تسبقون شهر رمضان بصيام من أجل الاحتياط لرمضان، فليس لكم ذلك، بل تكملون العدة أو ترون الهلال ليلة الثلاثين.
وقوله: (ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة) يعني: إذا كملت عدة شعبان ثلاثين صمتم اليوم الذي بعد الثلاثين، أو رؤي الهلال ليلة ثلاثين صمتم ذلك اليوم وصار شعبان تسعة وعشرين، ثم بعد ذلك تحسبون من هذا اليوم الذي دخل فيه رمضان، فلا تفطروا حتى تكملوا العدة أو تروا الهلال؛ فإن كملت العدة لأنكم لم تروا الهلال فأفطروا بعد يوم ثلاثين، وإن رؤي الهلال ليلة الثلاثين فمعنى ذلك أن شهر رمضان صار تسعة وعشرين فتصبحون مفطرين.
فالكلام الذي يقال في نهاية شهر رمضان كالكلام الذي يقال في نهاية شهر شعبان، إلا أن شهر شعبان نهي عن تقدم الصيام فيه من أجل رمضان، فالصيام يكون للرؤية أو لإكمال العدة، والإفطار يكون لإكمال العدة أو للرؤية.(267/5)
تراجم رجال إسناد حديث: (لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال)
قوله: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز].
محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا جرير بن عبد الحميد الضبي].
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور بن المعتمر].
هو منصور بن المعتمر الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ربعي بن حراش].
ربعي بن حراش ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حذيفة].
حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، هو صحابي بن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(267/6)
طريق أخرى لحديث: (لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال)
[قال أبو داود: ورواه سفيان وغيره عن منصور عن ربعي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لم يسم حذيفة].
ذكر أبو داود للحديث إسناداً آخر معلقاً، وقال: إن ربعي قال: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يسم حذيفة، يعني: كالإسناد الأول، ولكنه لم يسم حذيفة، وعدم تسميته له لا يؤثر؛ لأنه ما دام قيل: إنه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسواءً عرف أو لم يعرف فلا يضر، وقد يكون حذيفة؛ لأنه هو الذي جاء في الإسناد، فيكون أبهمه في موضع وسماه في موضع، ولا يعتبر هذا من قبيل المرسل، وإنما هو من قبيل المتصل، ولكنه في الإسناد الأول ذكر الصحابي باسمه وفي الإسناد الثاني لم يذكره، ولكنه ذكر أنه من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، والجهالة في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لا تؤثر، فإن كان المقصود به حذيفة فالإسنادان صحابيهما واحد، وإن كان صحابياً آخر فيكون حديثاً آخر.
وقوله: [قال أبو داود: ورواه سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي ثقة فقيه وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
منصور قد مر ذكره.
[عن ربعي].
ربعي قد مر ذكره.(267/7)
إن غمّ عليكم فصوموا ثلاثين(267/8)
شرح حديث: (فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين.
حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا حسين عن زائدة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم، ولا تصوموا حتى تروه، ثم صوموا حتى تروه، فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين، ثم أفطروا والشهر تسع وعشرون)].
أورد أبو داود باب من قال: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين، يعني: إذا غم عليكم هلال شوال فصوموا ثلاثين، أي: أكملوا عدة رمضان، وهذا معناه: أنه في حال الغيم والقترة في ليلة الثلاثين فالناس يكملون العدة ويعتبر الشهر ثلاثين ليلة.
وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (لا تتقدموا رمضان بصيام يوم أو يومين إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم) يعني: إذا كان من عادة الإنسان أنه يصوم يوماً ويفطر يوماً ثم صادف أن اليوم الذي يصومه هو يوم الثلاثين فله أن يصوم، فإن كان من عادته أن يصوم الخميس أو الإثنين وكان الخميس يوم ثلاثين فله أن يصوم؛ لأن هذا شيء لا علاقة له بالاحتياط للشهر، وإنما هذا شيء معتاد ومستمر عليه، فهو يصوم الإثنين والخميس من كل شهر، فوافق أن يوم الثلاثين أو يوم التسعة والعشرين كان يوم الإثنين أو الخميس فإنه يصوم ذلك اليوم؛ لأن هذا شيء قد اعتاده وواظب عليه.
وقوله: (ولا تصوموا حتى تروه) أي: لا تصوموا رمضان حتى تروا هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان أو تكملوا العدة، كما سبق أن ذكرنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحفظ لشعبان ثم يكمل العدة إلا أن يرى الهلال قبل إكمال العدة.
وقوله: (ثم صوموا حتى تروه) أي: ثم صوموا بعد ثبوت دخول شهر رمضان ليلة الثلاثين من شعبان، أو أكملوا عدة شعبان؛ فإذا لم تروا الهلال أو غم عليكم الهلال ليلة الثلاثين فابدءوا بالصيام، ثم واصلوا إلى ليلة الثلاثين، فإن رؤي الهلال ليلة الثلاثين من رمضان فأفطروا، وإن لم ير فأكملوا العدة ثلاثين ثم أصبحوا مفطرين.
وقوله: (فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين ثم أفطروا)، وهذا بالنسبة لآخر شهر رمضان، فإن غم هلال شوال بأن حصل سحاب أو غيم غطى وحجب الهلال فإنكم تكملون العدة ثلاثين، ثم تصبحون مفطرين.
وقوله: (والشهر تسع وعشرون) يعني: في بعض الأحوال وليس دائماً، فقد يكون تسعة وعشرين وقد يكون ثلاثين.(267/9)
طرق أخرى لحديث: (فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين) وتراجم رجال أسانيدها
[قال أبو داود: رواه حاتم بن أبي صغيرة وشعبة والحسن بن صالح عن سماك بمعناه لم يقولوا: (ثم أفطروا)].
ذكر أبو داود الحديث من طرق أخرى، وهو بمعنى الحديث المتقدم، لم يقولوا: (فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين ثم أفطروا).
يعني: أن كلمة: (ثم أفطروا) لم تأت في الرواية الثانية، فهو يكون الصيام في أول الشهر، ويكون الإفطار في آخر الشهر، أي: أفطروا لهلال شوال وصوموا لهلال رمضان، ومعنى هذا: أن ذكر الإفطار الذي يعتبر في نهاية الشهر لم يأت في الرواية الثانية، وعلى هذا فإن النتيجة بالنسبة لأول الشهر وآخر الشهر تكون واحدة وهي: أنه يكون الصيام ويكون الإفطار، فإن رؤي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان صام الناس، وإن لم يروه أكملوا العدة وصاموا بعد ذلك، فدخول شهر رمضان يكون إما برؤية الناس الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، ويكون شعبان ناقصاً، أو أنهم لم يروا الهلال وأكملوا العدة وصاموا بعد إكمال الثلاثين، وبعد ذلك يفطرون إذا رأوا الهلال ليلة الثلاثين، وإن غم عليهم أكملوا العدة ثلاثين ثم أفطروا.
قوله: [رواه حاتم بن أبي صغيرة].
حاتم بن أبي صغيرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وشعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[والحسن بن صالح].
هو الحسن بن صالح بن صالح بن حي ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سماك بمعناه].
سماك مر ذكره.
[قال أبو داود: وهو حاتم بن مسلم بن أبي صغيرة، وأبو صغيرة زوج أمه].
هذا تعريف لـ حاتم الذي ذكر بكنية أبيه في قوله: ابن أبي صغيرة، وهنا قال: إنه ابن مسلم وأبو صغيرة زوج أمه.(267/10)
ما جاء في التقدم(267/11)
شرح حديث: (أن رسول الله قال لرجل: هل صمت من شعبان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التقدم.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن مطرف عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، وسعيد الجريري عن أبي العلاء عن مطرف عن عمران بن حصين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: هل صمت من شهر شعبان شيئاً؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت فصم يوماً)، وقال أحدهما: (يومين)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في التقدم، يعني: تقدم رمضان بالصيام، وهذه الترجمة تخالف ما تقدم من أنه لا يتقدم رمضان بيوم أو يومين، فذلك فيه نهي وهذا فيه الجواز، والتوفيق بين ما مضى وبين ما هنا أن ذلك التقدم إنما يكون في حق من كان ناذراً صيام آخر الشهر، أو كانت له عادة، كمن يصوم يوماً ويفطر يوماً، أو يصوم يوم الإثنين والخميس، فإنه يصوم عادته التي هو مستمر عليها، وليس صيامه من أجل الاحتياط في رمضان.
وقوله: (فصم يوماً أو يومين) جاء في بعض الروايات أنه قال: (من سرر الشهر)، وسرر الشهر هو: آخره، وبهذا تتضح المخالفة لما تقدم، وإلا لو كان أي يوم من شعبان من أوله أو من وسطه فهذا ليس فيه إشكال، وإنما الإشكال في آخره، فقد جاء في بعض الروايات التنصيص على سرر الشهر، وسرر الشهر هو: آخر الشهر على القول الصحيح، فيحمل هذا على من كانت له عادة وترك تلك العادة ظناً أن ذلك لا يصلح ولا يجوز؛ فإنه يستمر على عادته ويقضي ذلك الذي فاته أو ذلك الذي تركه ظناً منه أنه لا يصام ما دام أن فيه تقدماً لرمضان بيوم أو يومين، ويأتي بدل ذلك الذي تركه وهو معتاده أو أنه ناذر له وظن أنه لا يجوز فإن عليه أن يأتي بقضائه في شوال.(267/12)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قال لرجل: هل صمت من شعبان)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وفي الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا ثابت].
هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مطرف].
هو مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمران بن حصين].
عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[وسعيد الجريري].
هو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي العلاء].
هو أبو العلاء بن يزيد بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مطرف عن عمران بن حصين].
مطرف وعمران بن حصين مر ذكرهما.
وسعيد الجريري إذا كان معطوفاً على ثابت فالإسناد الثاني أنزل، وإذا كان معطوفاً على حماد فهما مستويان.(267/13)
شرح حديث: (صوموا الشهر وسره)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي من كتابه حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن العلاء عن أبي الأزهر المغيرة بن فروة قال: قام معاوية رضي الله عنه في الناس بدير مسحل الذي على باب حمص فقال: أيها الناس! إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا، وأنا متقدم بالصيام فمن أحب أن يفعله فليفعله، قال: فقام إليه مالك بن هبيرة السبئي فقال: يا معاوية! أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم شيء من رأيك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صوموا الشهر وسره)].
أورد أبو داود عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه: (أنه قام في الناس في دير مسحل الذي على باب حمص) وهذا مكان خاطب الناس وحدثهم فيه، وقال: (أيها الناس! إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا وأنا متقدم بالصيام)، يعني: هلال شعبان، وقوله: (يوم كذا وكذا وإني متقدم بالصيام) يعني: في نهاية شعبان، وهذا فيه ما دلت عليه الترجمة من التقدم، وهذا فيه مخالفة لما سبق أن مر من النهي عن التقدم.
وقوله: (إنّا رأينا الهلال يوم كذا وكذا) يعني: هلال شعبان، وهذا فيه أنهم كانوا يحسبون الحساب من أول الشهر.
وقوله: (وإني متقدم) يعني: متقدم بالصيام قبل رمضان.
قوله: (فمن أحب أن يفعله فليفعله) يعني: من أحب أن يصوم مثل ما أصوم فليفعل ذلك، فقال له مالك بن هبيرة السبئي: أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من رأيك؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صوموا الشهر وسره).
قيل: إن المقصود بقوله: (الشهر) يعني: أول الشهر؛ لأنه يطلق على الهلال شهر، وهذا معناه: أنهم يصومون أول شعبان.
وقوله: (وسره) فسر بأنه آخره، وقد جاء التفسير بأنه وسطه، وجاء التفسير بأنه أوله، ولكن الصحيح أن المقصود بالسر أو السرر: آخر الشهر، فيقال لآخره: السرر، ويقال له: السر، ويقال للأيام الأخيرة من الشهر: أيام الاستسرار؛ لأن القمر يستسر فيها، أي: يختفي فيها، ويقال للأيام التي في وسط الشهر: ليالي الإبدار، وهي ليالي أيام البيض؛ لأن القمر يكون فيها بدراً متكاملاً، وفي آخر الشهر يختفي ويستسر، وغالباً ما يكون الكسوف للقمر في ليالي الإبدار، ويكون كسوف الشمس في آخر الشهر في أيام الاستسرار، وقد يكون في غير ذلك لكن هذا هو الغالب، وأيام الاستسرار هي الأيام التي في آخر الشهر: يوم (28، 29، 30)، وليالي الإبدار هي: (13، 14، 15) وهي أيام البيض، وقيل لها أيام البيض لأن لياليها بيض، فإن إضاءة القمر فيها واضحة وعامة.
قول معاوية رضي الله عنه: (صوموا الشهر وسره) أي: أول الشهر وآخره، لكن كما هو معلوم أن النهي قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في التقدم، وهذا فيه التجويز، وقد جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بعض الأحاديث لرجل: (صمت من سرر الشهر؟ قال: لا، قال: صم من شوال)، ويكون ذلك -كما أسلفنا- محمولاً على ما إذا كان من عادته ثم تركه خشية أنه لا يجوز.
وحديث معاوية رضي الله عنه هذا ذكر الألباني أنه ذكره في ضعيف سنن أبي داود، ولكنه ذكر في (صحيح الجامع) أنه حسن، وعزاه إلى صحيح سنن أبي داود، وذكر أنه صحيح، ففيه تناقض بين ما جاء في ضعيف السنن الموجود بأيدينا وبين ما في (صحيح الجامع) وإحالته إلى صحيح أبي داود، ولعله يقصد بصحيح أبي داود المؤلف الكبير الذي فيه استيفاء التخريج والطرق والشواهد، وهو بخلاف هذه الطبعة الموجودة التي ليس فيها إلا مجرد الإشارة إلى أن هذا صحيح أو ضعيف، فإن كان ضعيفاً فلا إشكال، ولا يعارض ما تقدم، وإن كان صحيحاً فهو مثل ما جاء في قصة الرجل الذي قال: (صمت من سرر شعبان قال: لا، قال: فإذا أفطرت رمضان فصم يومين)، ويكون ذلك محمولاً على من كان له عادة، وهذا حتى يتفق مع الأحاديث التي فيها النهي عن التقدم.
ثم أيضاً لو لم يكن هناك هذا فإن الاحتياط هو عدم الصيام؛ لأن الأخذ بالنهي أولى من الأخذ بالرخصة والإذن، فالإنسان إذا لم يصم أكثر ما في الأمر أنه ترك سنة ولم يترك واجباً، فلا يلحقه إثم، ولكنه إذا صام وقد جاء النهي فإنه يكون متعرضاً للإثم، فعلى الإنسان ألا يتعرض للإثم في سبيل أن يفعل شيئاً هو سنة، وقد جاء عن عمار أنه قال: (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) يعني: في قوله: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين).(267/14)
تراجم رجال إسناد حديث: (صوموا الشهر وسره)
[حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي من كتابه].
إبراهيم بن العلاء الزبيدي مستقيم الحديث إلا في حديث واحد، أخرج حديثه أبو داود.
[حدثنا الوليد بن مسلم].
هو الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله بن العلاء].
عبد الله بن العلاء أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن أبي الأزهر المغيرة بن فروة].
أبو الأزهر المغيرة بن فروة مقبول، أخرج له أبو داود.
[قال: قام معاوية].
هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أمير المؤمنين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(267/15)
شرح أثر الأوزاعي في تفسير سر الشهر، وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي في هذا الحديث قال: قال الوليد: سمعت أبا عمرو -يعني: الأوزاعي - يقول: سرّه: أوله.
].
لما ذكر الحديث السابق الذي فيه أن معاوية رضي الله عنه قال: (صوموا الشهر وسره) ذكر أثراً عن الأوزاعي أنه قال: (سر الشهر: أوله)، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه يكون مكرراً مع قوله: (صوموا الشهر وسره)؛ لأن المقصود بالشهر أوله، فيكون قوله: (صوموا الشهر وسره) مكرراً، فالتفسير هذا غير صحيح.
قوله: [حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي].
سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي صدوق يخطئ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[قال: قال الوليد].
الوليد قد مر ذكره.
[سمعت أبا عمرو يعني: الأوزاعي].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وهو ثقة فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(267/16)
شرح أثر سعيد بن عبد العزيز في تفسير سر الشهر، وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عبد الواحد قال: حدثنا أبو مسهر قال: كان سعيد -يعني: ابن عبد العزيز - يقول: سرّه: أوله.
].
ذكر المصنف أثراً آخراً عن سعيد بن عبد العزيز الدمشقي أنه قال: سره: أوله، وهو مثل ما تقدم عن الأوزاعي.
قوله: [حدثنا أحمد بن عبد الواحد].
أحمد بن عبد الواحد صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا أبو مسهر].
أبو مسهر هو عبد الأعلى بن مسهر، وقد وافقت كنيته اسم أبيه، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: كان سعيد يعني: ابن عبد العزيز].
سعيد بن عبد العزيز الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد)، ومسلم وأصحاب السنن.(267/17)
ذكر بعض الأقوال في تفسير سر الشهر
[قال أبو داود: وقال بعضهم: سره: وسطه، وقالوا: آخره].
يعني: إنه فسر بهذا وبهذا، ولكن الأقرب: أن السر هو الآخر، وهو السَّرر والاستسرار، وكلها تكون في الآخر، وإن كان في وسط الشهر فهي أيام البيض، وهي -كما هو معلوم- في وسط الشهر، وقد جاء في بعض الروايات: (سرّة الشهر)، والسرة هي الوسط.(267/18)
شرح سنن أبي داود [268]
دخول شهر رمضان يكون برؤية هلاله، أو بإتمام عدة شهر شعبان ثلاثين يوماً، ومما ينبغي معرفته أنه لا يجوز تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا لمن كان له صوم معتاد؛ وذلك حتى لا يدخل في رمضان ما ليس منه.(268/1)
إذا رئي الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة(268/2)
شرح أثر ابن عباس في استقلال أهل كل بلد برؤيتهم
قال رحمه الله تعالى: [باب إذا رؤي الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إسماعيل -يعني: ابن جعفر - أخبرني محمد بن أبي حرملة أخبرني كريب أن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها بعثته إلى معاوية رضي الله عنه بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، فاستهل رمضان وأنا بالشام، فرأينا الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ قلت: رأيته ليلة الجمعة، قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية، قال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصومه حتى نكمل الثلاثين أو نراه، فقلت: أفلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
].
أورد أبو داود باب إذا رئي الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة، يعني: ما الحكم؟ هل يلزمهم أن يصوموا تبعاً لهم؟ أو أنهم يعتمدون على رؤيتهم، ويبحثون عن الهلال، فإن وجدوه مثلهم صاموا مثلهم، وإلا فإنهم يعتمدون على رؤيتهم؟ هذا هو المقصود بالترجمة.
والخلاف في هذه المسألة مشهور، فكثير من أهل العلم قالوا: إنه إذا رئي الهلال في بلد فإنه يلزم الناس جميعاً أن يصوموا، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته) خطاب لعموم المسلمين، وبعض أهل العلم يرى -كما جاء عن ابن عباس هنا في الحديث الذي ذكره المصنف- أنه يكون لهم رؤيتهم، حيث قال: (هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهذا يدل أنه فهم من قوله: (صوموا لرؤيته) أن كل أهل بلد لهم رؤيتهم، وإلى هذا يشير قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه حين قال: (هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فالخلاف إنما هو في فهم النص هل هو خطاب لعموم الناس، أو أنه خطاب لكل أهل قطر وجهة أن يستقلوا برؤيتهم؟ والذي يظهر في مثل هذا أن المسلمين لو اجتمعوا واتحدوا في صيامهم فلاشك أن هذا هو الأولى، ولكن إذا لم يحصل ولم يتأت ذلك فإن كل بلد يعولون على ما يفتيهم به علماؤهم، فإن وافقوا أهل بلد معين تابعوهم في ذلك، وإن رأوا أنهم يستقلون برؤيتهم فلهم ذلك.
وقوله: (أن كريباًًًً -وهو مولى ابن عباس - ذهب إلى الشام لحاجة لـ أم الفضل بنت الحارث الهلالية، وهي امرأة العباس وأخت ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وعن الصحابة أجمعين، فقضى حاجته ثم رجع، وحصل أنه رئي هلال رمضان ليلة الجمعة، وقال: رأيته ورآه الناس، فلما رجع وأخبر ابن عباس بذلك قال: (أرأيته؟ قال: نعم رأيته ورآه الناس، فقال: نكمل العدة ولا نفطر حتى نراه، فقال: ألا تكتفي برؤية معاوية وأهل الشام، فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: في قوله: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)، وعلى هذا فالاستدلال محتمل، فليس بواضح في أن هناك نصاً على أن كل أهل بلد لهم رؤيتهم، والمسألة خلافية بين أهل العلم، والأولى فيها ما أشرت إليه، والله تعالى أعلم.(268/3)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في استقلال أهل كل بلد برؤيتهم
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إسماعيل يعني: ابن جعفر].
موسى بن إسماعيل مر ذكره، وإسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني محمد بن أبي حرملة].
محمد بن أبي حرملة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[أخبرني كريب].
كريب مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وابن عباس مر ذكره.
ومقتضى قول ابن عباس هذا يدل على أن المطالع تختلف على اختلاف الأماكن.(268/4)
شرح أثر الحسن البصري في إلزام أهل بلد بالصيام إذا رأى الهلال أهل بلد آخر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثني أبي حدثنا الأشعث عن الحسن في رجل كان بمصر من الأمصار فصام يوم الإثنين، وشهد رجلان أنهما رأيا الهلال ليلة الأحد، فقال: لا يقضي ذلك اليوم الرجل ولا أهل مصره، إلا أن يعلموا أن أهل مصر من أمصار المسلمين قد صاموا يوم الأحد فيقضونه].
أورد أبو داود هذا الأثر عن الحسن بن أبي الحسن البصري، وهذا فيه أن رؤية أهل أي بلد تلزم البلاد الأخرى أن تكون مثلهم؛ لأنه لما سئل عن رجل كان بمصر من الأمصار فصام يوم الإثنين -يعني: أنه صام يوم الإثنين وصام أهل ذلك القطر يوم الإثنين- ثم شهد رجلان أنهما رأيا الهلال ليلة الأحد- يعني: أنه فاتهم يوم بناءً على رؤية هذين- فقال الحسن: إن كان أهل قطر من الأقطار صاموا يوم الأحد فيلزم هؤلاء أن يقضوا يوم الأحد، وإلا فإنه لا يلزمهم.
وهذا هو قول الحسن رحمة الله عليه، وإلا فإن الأمر مثل ما ذكرت: إذا رأى الهلال من يثبت به الشهر سواء أن كان واحداً في أول الشهر أو اثنين في آخر الشهر كما سيأتي فإن المعتبر هو الثبوت، ولو تبين أن الناس أصبحوا ولم يبلغهم الخبر إلا في النهار فإنهم يمسكون بقية اليوم، ويقضونه فيما بعد.(268/5)
تراجم رجال إسناد أثر الحسن البصري في إلزام أهل بلد بالصيام إذا رأى الهلال أهل بلد آخر
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ].
عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي].
هو معاذ بن معاذ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأشعث].
هو الأشعث بن عبد الملك الحمراني، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن الحسن].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(268/6)
كراهية صيام يوم الشك(268/7)
شرح أثر عمار: (من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كراهية صوم يوم الشك.
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس عن أبي إسحاق عن صلة قال: كنا عند عمار رضي الله عنه في اليوم الذي يشك فيه، فأتي بشاة فتنحى بعض القوم، فقال عمار: (من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب كراهية الصوم يوم الشك، ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، وهو اليوم الذي يحتمل أن يكون من رمضان ويحتمل أن يكون من شعبان، ولم يُر الهلال.
إذاً: فيكون من شعبان؛ بناءً على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من إكمال العدة، فهذا هو الحكم سواء كان الجو صحواً ولم يروا الهلال، أو كان غيماً ولا سبيل إلى رؤية الهلال، فإنهم يكملون العدة، ومن صام ذلك اليوم احتياطاً لرمضان فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.
أما إذا كان صيامه إياه لعادة كان قد اعتادها كمن اعتاد صيام الإثنين والخميس، أو صيام يوم وإفطار يوم، فإنه لا يدخل في ذلك، لأن نهي الرسول صلى الله عليه وسلم مقيد بقوله: (إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه)، يعني: أنه ليس نهياً عاماً، بل استثني منه من كان له عادة، فإن ذلك لا يؤثر على صيام العادة، وإنما المحذور هو الصيام للاحتياط لرمضان.(268/8)
تراجم رجال إسناد أثر عمار: (من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)
قوله: [حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير].
محمد بن عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو خالد الأحمر].
أبو خالد الأحمر هو سليمان بن حيان، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن قيس].
عمرو بن قيس ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي إسحاق].
أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صلة].
هو صلة بن زفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: كنا عند عمار].
عمار بن ياسر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(268/9)
الأسئلة(268/10)
حكم ربط صيام المسلمين بصيام أهل مكة
السؤال
رأيت كتاباً عنوانه ومضمونه يحث المسلمين على الصيام مع أهل مكة، فهل هذا كلام صحيح؟
الجواب
قلت سابقاً: إن الأولى أن يصوم المسلمون صوماً واحداً، فإذا رأى علماء أهل بلد أنهم يتابعون أي بلد فلهم ذلك، وإن رأوا أنهم يستقلون برؤيتهم فلهم ذلك.(268/11)
حكم الصلاة في ثوب النوم
السؤال
ما حكم الصلاة في ثوب النوم؟
الجواب
إذا كان طاهراً وليس فيه شيء من الأذى فلا بأس بذلك، ولكن كون الإنسان يكون لباسه جيداً وحسناً في الصلاة لا سيما إذا ذهب إلى المسجد هو الأولى، وبعض الناس يذهب إلى المسجد بهيئة سيئة لا يقابل بها الضيوف الذين يأتون إليه، وهذا لا يليق، وإنما يتجمل الإنسان إذا أراد الصلاة؛ لقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] أي: عند كل صلاة، فكون الإنسان يتجمل ويكون على هيئة حسنة هذا هو الذي ينبغي، وأما من حيث الجواز فالصلاة في أي شيء طاهر جائزة، ولكن كونه لا يقابل الضيوف بلباس معين ثم يهون عليه أن يذهب به إلى المسجد فهذا ليس جيداً.(268/12)
حكم تخصيص شهر رجب بميزات خاصة
السؤال
هل لشهر رجب ميزة خاصة كالصيام، أو الاحتفال فيه بحادثة الإسراء والمعراج، أو بعمرة رجبية؟
الجواب
ليس لشهر رجب شيء يخصه إلا أنه من الأشهر الحرم، والأشهر الحرم أربعة: واحد في وسط السنة وهو رجب، وثلاثة في آخرها، وهي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، فهي ثلاثة مسرودة شهر الحج، وشهر قبله، وشهر بعده، وشهر في وسط السنة منفرد ومستقل ليس متصلاً بالأشهر الأخرى من الحرم وهو شهر رجب، فهذه هي الأشهر الأربعة الحرم.
وكونه يخص بصيام أو بقيام أو بعمل خاص ليس هناك شيء يدل على ذلك، وأما قصة الإسراء والمعراج فليس هناك شيء يدل على ثبوتها في ليلة معينة بعينها، ولو ثبت شيء من ذلك فليس لأحد أن يخصها بشيء؛ لأن التخصيص بالعبادة يتوقف على الدليل، ولا دليل يدل على شيء من ذلك.(268/13)
حكم إفطار الحامل والمرضع
السؤال
ما المرجح في مسألة الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أو على نفسيهما؟
الجواب
الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما فإنهما يفطران ويقضيان ولا يفديان؛ لأنهما من جنس المريض والمسافر، فالمريض يفطر ويقضي وليس عليه فدية، والمسافر يفطر ويقضي وليس عليه فدية، وأما إذا خافتا على ولديهما فإنهما يقضيان ويفديان؛ لأن إفطارهما لمصلحة غيرهما لا لمصلحتهما.(268/14)
الفرق بين الأمة المطلقة وأم الولد في العدة
السؤال
الأمة المطلقة تعتد بشهرين، وأم الولد ذكرتم أنها تعتد بحيضة واحدة، فما الفرق؟
الجواب
تلك زوجة وهذه أمة، فالمقصود بالأمة هنا الأمة المزوجة، وأما أم الولد فهي أمة فإنه يطؤها لكونها سرية وليست زوجة له، ولكنه لما أولدها لم يكن له أن يبيعها أو أن يتصرف فيها، وتبقى أمة حتى يموت، وإذا مات تعتق بعد موته، وتستبرأ بحيضة.
والأمة المطلقة الآيسة تعتد بشهرين، والتي هي ذات حيض تعتد بحيضتين.(268/15)
حكم نسبة الرجل إلى زوج أمه
السؤال
حاتم بن أبي صغيرة قال أبو داود: إن أبا صغيرة زوج أمه، يعني: أنه ليس أباً له، فكيف ينسب إليه وقد جاء النهي عن ذلك؟
الجواب
يمكن أنه اشتهر بذلك، وهذا كما جاء عن بعض الصحابة أنهم اشتهروا بنسبتهم إلى أشخاص آخرين، مثل المقداد بن الأسود.(268/16)
حكم من صام في بلد وسافر إلى بلد آخر فأفطر قبل إتمامه صيام شهر
السؤال
إذا صام شخص في بلد وسافر إلى بلد آخر أفطر أهله قبل البلد الذي صام فيه، فهل يفطر معهم أم يصوم علماً أنه في هذه الحالة يكون قد صام ثمانية وعشرين يوماً؟
الجواب
ليس للإنسان أن يصوم ثمانية وعشرين يوماً، ولكن إذا عيدوا يعيد معهم ويقضي يوماً.(268/17)
حكم صيام آخر شعبان
السؤال
شخص عادته قبل شعبان صيام الإثنين والخميس فقط، ولما دخل شعبان أكثر من الصيام فيه كما هو السنة، حتى إنه لم يفطر من أوله إلا يوماً أو يومين، فإذا كان اليوم الأخير من شعبان غير يوم الإثنين والخميس هل يصومه باعتبار عادته في شعبان، أو لا يصومه باعتبار عادته قبل شعبان؟
الجواب
يسرد الصوم الشهر كاملاً، ولا يصح أنه يصوم آخر الشهر، وإنما يمكن أن يصوم أوله ويفطر، وقد جاء في الحديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، وهذا فيما إذا كان الإنسان لم يبدأ الصيام إلا بعد، وأما من صام من أول الشهر فيمكن أن يصوم من آخره، ولكن كونه يترك آخر الشهر أولى من تركه أول الشهر.(268/18)
لا يجوز العمل بالحساب في الصيام والفطر
السؤال
إذا اختلف علماء البلد بأن كان بعضهم يعمل برؤية الهلال، والبعض الآخر بالحساب، والبعض الثالث يتبعون بلاد الحرمين، فما العمل؟
الجواب
أولاً العمل بالحساب لا يجوز، وأما العمل بالرؤية والعمل بالمتابعة فإنه سائغ، والمعتبر هم العلماء الذين يرجع إليهم ويعول عليهم، وغيرهم يكون تبعاً لهم.(268/19)
الرجوع إلى القاضي في تقدير أجرة الناظر على الوقف إذا اختلفت العملة والزمن
السؤال
رجل أوقف أرضاً قبل مائة وخمسين سنة، وجعل للناظر عليها أجرة شهرية مقدارها عشرون قرشاً، وفي ذاك الوقت كان القرش له قيمته، ولكن الآن في الوقت الحاضر اختلف الأمر فما العمل؟ وكم يجعل للناظر؟
الجواب
يُرجع إلى القاضي فيقدر الشيء الذي يراه.(268/20)
حكم زواج الرجل بامرأة رابعة قبل انتهاء عدة مطلقته الأولى
السؤال
رجل تحته أربع نسوة فطلق واحدة منهن، وأثناء عدتها نكح امرأة جديدة، فما الحكم؟
الجواب
لا يجوز ذلك حتى تخرج المطلقة من العدة؛ لأنه يكون بذلك قد جمع بين خمس نسوة، فالمطلقة زوجة له ما دامت في العدة، وبذلك يكون قد جمع بين خمس، فالعقد غير صحيح، وإن كان متعمداً وعالماً فإنه يستحق العقوبة، وتجديد العقد لابد منه؛ لأنه وقع في وقت لا يجوز فيه إيقاعه؛ والإنسان بذلك يكون قد جمع بين خمس نسوة في وقت واحد؛ لأن المطلقة طلاقاً رجعياً لا تزال في عصمته حتى تخرج من العدة، ولهذا لا يجوز للإنسان أن ينكح بدلاً منها إلا بعد أن تخرج المطلقة من العدة؛ لئلا يكون جامعاً بين خمس نسوة.
والمطلقة البائنة أيضاً عليها عدة، والذي يبدو أن الإنسان لا يتزوج إلا بعد إكمال العدة.(268/21)
حكم الحج عن المتهاون بالصلاة
السؤال
رجل متهاون بالصلاة، فأحياناً يصلي وأحياناً لا يصلي، ثم مات، فهل يجوز أن أحج له؛ لأن ورثته طلبوا مني ذلك؟
الجواب
لا تحج عنه.(268/22)
حكم رفع الإصبع بين السجدتين
السؤال
هل ورد حديث برفع الإصبع بين السجدتين؟
الجواب
لا أعلم شيئاً يدل على هذا، ولم يثبت شيء إلا في التشهد، وأما بين السجدتين فليس فيه إلا وضع اليدين على الفخذين بدون قبض للخنصر والبنصر وتحليق الإبهام على الوسطى كما في التشهد، والهيئة بين السجدتين هي وضع اليدين جميعاً على الفخذين.(268/23)
شرح سنن أبي داود [269]
لا يجوز تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا من كان يصوم صوماً فليصمه، ومثله من أراد أن يصوم شهر شعبان كاملاً فله ذلك، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصومه، أما من لم يرد أن يصومه كاملاً فلا يصم بعد انتصافه، وفي بعض هذه الأحكام خلاف بين أهل العلم رحمهم الله.(269/1)
ما جاء فيمن يصل شعبان برمضان(269/2)
شرح حديث: (لا تقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن يصل شعبان برمضان.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين، إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك الصوم)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: [باب فيمن يصل شعبان برمضان] أي: أنه يصوم اليوم الذي قبل رمضان، وهو آخر يوم من شعبان، فيكون شعبان متصلاً برمضان، وإذا كان للإنسان صوم قد اعتاده كصوم يوم الإثنين والخميس ووافق يوم الخميس أو الإثنين آخر يوم من شعبان فإن هذا سائغ ومشروع، وقد جاء ما يدل عليه.
وأما إذا كان المقصود بالصيام أن يحتاط لرمضان فهذا لا يجوز، وهو الذي ورد فيه النهي في أول الحديث: (لا تقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين) يعني: أن هناك منعاً وهناك جوازاً، فالمنع هو في حق من يريد أن يتخير ذلك اليوم ويصومه احتياطاً لرمضان، والجواز لمن يصومه لكونه موافقاً لعادة اعتادها كصيام يوم الإثنين والخميس.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقدموا صوم رمضان بيوم أو يومين إلا أن يكون صوم يصومه رجل) يعني: إلا أن يوجد صوم يصومه رجل (فليصم ذلك الصوم) يعني: أن يكون ذلك عادة للإنسان، كصيام الإثنين والخميس فإنه يصوم ذلك الصوم.
إذاً: وصل شعبان برمضان إذا وافق عادة اعتادها الإنسان وهي صيام الإثنين والخميس، أو نذر نذره الإنسان فإنه يصوم ذلك اليوم، وأما إن كان يفعله من أجل رمضان واحتياطاً لرمضان فإن ذلك لا يجوز، وهو الذي دل عليه النهي في أول الحديث، فالحديث فيه نهي وفيه استثناء من النهي.
ثم إن ذكر الرجل في الحديث لا مفهوم له، فالمرأة إذا كان من عادتها أن تصوم الإثنين والخميس فلها أن تصوم آخر يوم من شعبان، أي أن ذكر الرجل لا يعني أن المرأة بخلاف الرجل في هذا الحكم، فإن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا ما جاءت به النصوص الشرعية من تمييز الرجال عن النساء والنساء عن الرجال، فإذا جاء أن النساء يكون لهن كذا ويكون حكمهن كذا والرجال حكمهم كذا، فهذا هو الذي يكون فيه الفرق بين الرجال والنساء، وأما حيث لا يوجد ما يدل على التفريق فإن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، وذكر الرجال في الأحاديث أو التنصيص عليهم في بعض الأحاديث مع أن الأمر لا يختص بهم إنما هو لأن الخطاب في الغالب يكون مع الرجال، ومن ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء)، فكذلك الحكم إذا كان المتاع عند امرأة قد أفلست.(269/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (لا تقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي كثير].
يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.(269/4)
شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن توبة العنبري عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان)].
أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان) وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان يصوم أكثره، وأنه ما كان يستكمل شهراً إلا رمضان، وعلى هذا فما جاء في حديث أم سلمة هذا إنما هو إشارة إلى الغالب، وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم شهراً كاملاً إلا رمضان، وغير ذلك ما كان يصومه كاملاً، ولكن بعض الأشهر كان يصوم أكثره مثل شعبان، فإن أكثره وغالبيته كان يصومه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (وكان يصله برمضان) يعني: أنه كان أحياناً يكون صيامه في نهاية الشهر، فيكون واصلاً له برمضان، وهذا على القول بأنه استكمله، ولكن الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصم شهراً كاملاً إلا رمضان، وعلى هذا فليس من السنة صيام شعبان كله، بل السنة صيام أكثره.(269/5)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن جعفر].
محمد بن جعفر الملقب غندر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن توبة العنبري].
توبة العنبري ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[عن محمد بن إبراهيم].
محمد بن إبراهيم التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة عن أم سلمة].
أبو سلمة قد مر ذكره، وأم سلمة هي هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.(269/6)
كراهية وصل شعبان برمضان(269/7)
شرح حديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية ذلك.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز بن محمد قال: قدم عباد بن كثير المدينة فمال إلى مجلس العلاء فأخذ بيده فأقامه، ثم قال: اللهم إن هذا يحدث عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، فقال العلاء اللهم إن أبي حدثني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك].
أورد أبو داود باب كراهية ذلك، يعني: كراهية وصل شعبان برمضان، وأنه يصوم شيئاً من شعبان متصلاً برمضان.
وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) وهذا المقصود منه: أن الإنسان لا يتعمد أن يكون صيامه في آخر الشهر، ولا يصوم من أول الشهر، ولكنه يتعمد أن يصوم آخر الشهر حتى يكون متصلاً بالشهر، وأما إذا صام من أول الشهر فإن له أن يصوم بعد نصف شعبان، ولكن كونه يتعمد أنه لا يصوم إلا بعد نصف شعبان فهذا هو الذي جاء فيه النهي، ولعل ذلك لما فيه من الاحتياط لرمضان، بحيث إن الإنسان يصوم ويواصل إلى نهاية الشهر، أو أن المقصود من ذلك أن الإنسان إذا لم يصم من أول الشهر فإنه لا يصوم من وسط الشهر، حتى يكون بذلك مستعداً للصيام، وعنده شيء من الاستجمام من أجل صيام رمضان.
وعلى هذا فالحديث يدل على النهي عن الصيام في آخر الشهر، ولكن المقصود منه تعمد أن يصوم آخره، وأما إذا كان قد صام نصفه الأول وأضاف إليه شيئاً كثيراً من النصف الثاني فهذا لا بأس به؛ لأن هذا هو الذي كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث إنه كان يصوم أكثر شهر شعبان.
وقوله: (قدم عباد بن كثير المدينة فمال إلى مجلس العلاء فأخذ بيده فأقامه) يعني: أقامه من المجلس، ولعل ذلك لحاجة أن يتكلم معه، ثم قال: (اللهم إن العلاء يحدث عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف رمضان فلا تصوموا)، فقال العلاء: اللهم إن أبي حدثني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك) يعني: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا انتصف شهر شعبان فلا تصوموا).(269/8)
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد العزيز بن محمد].
عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: قدم عباد بن كثير المدينة فمال إلى مجلس العلاء].
عباد بن كثير متروك، والعلاء بن عبد الرحمن الحرقي الجهني صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[قال: إن هذا يحدث عن أبيه].
أبوه عبد الرحمن ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة قد مر ذكره.
وعباد بن كثير متروك، ولكن الرواية هي عن العلاء مباشرة؛ لأنه قال: (اللهم إن أبي حدثني) وكان هذا الذي ذكر عن عباد أنه قال ما قال هو الذي سمع العلاء يحدث عن أبيه، فصار وجود عباد بن كثير لا علاقة له بالإسناد، ولا يؤثر في الإسناد شيئاً.(269/9)
طرق أخرى لحديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) وتراجم رجال أسانيدها
[قال أبو داود: رواه الثوري، وشبل بن العلاء، وأبو عميس، وزهير بن محمد، عن العلاء.
].
ذكر المصنف طرقاً أخرى للحديث فقال: رواه الثوري وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وشبل بن العلاء].
شبل بن العلاء لم نجد له ترجمة في التهذيب والتقريب، وكأنه ليس من رجال أصحاب الكتب الستة، ولكنه هنا عند أبي داود في المعلقات، وأصحاب المؤلفات الذين ألفوا في الرجال لا يذكرون من كان في المعلقات، إلا أن يكون له رواية عن بقية أصحاب الكتب الستة غير أبي داود عن طريق الاتصال وليس في التعليق، فإنهم يذكرون ذلك، وهذا له ترجمة في لسان الميزان.(269/10)
كتابا لسان الميزان وميزان الاعتدال
وبالمناسبة لسان الميزان هذا كتاب يعتبر إضافة إلى الكتب التي ألفت في رجال الكتب الستة، بمعنى: أن الذين يوجدون في لسان الميزان لا يوجدون في كتاب تهذيب الكمال والكتب التي تفرعت عنه، وهذا يعني أن فيه إضافة رجال إلى رجال، فرجل من رجال الكتب الستة لا يبحث عنه في لسان الميزان؛ لأن الذين في لسان الميزان كلهم خارجون عن رجال الكتب الستة، وعلى هذا فإذا كان الإنسان عنده تهذيب التهذيب أو تهذيب الكمال، وعنده لسان الميزان فيعلم أنه لا تكرر أو ازدواجية فيما بينهما بحيث إنه يأتي هنا ويأتي هنا، بل من كان من رجال أصحاب الكتب الستة فإنه يكون موجوداً في تهذيب الكمال وما تفرع عنه، وما لم يكن من رجال الكتب الستة فإنه يكون في لسان الميزان، وأما الميزان ففيه من رجال الكتب الستة، وفيه من غيرهم؛ لأن الذهبي رحمه الله في الميزان ذكر رجالاً ثقات ليدافع عنهم، ولينكر على من قدح فيهم، فمقصوده من إيرادهم هو الدفاع عنهم والذب عنهم، والإنكار على من ذكرهم في كتب الضعفاء أو قدح فيهم لأمر من الأمور التي لا يستحق أن يقدح بها.
وله عبارات شديدة على من ينتقد أو يتكلم في بعض الرواة، فمن عباراته الشديدة أنه لما جاء عند ترجمة عبد الرحمن بن أبي حاتم، وهو حافظ ابن حافظ وإمام ابن إمام، وهو صاحب الجرح والتعديل، وله كتاب الرد على الجهمية -ولكن لا نعلم له وجوداً- وكان الحافظ ابن حجر ينقل عنه في فتح الباري، وهو فاضل ومحدث وإمام، ومع هذا أورده الذهبي في كتاب الميزان من أجل أن أبا الفضل السليماني ذكره في كتاب الضعفاء، فقال: أورده أبو الفضل السليماني في الضعفاء فبئس ما صنع! يعني: من أن عبد الرحمن بن أبي حاتم يستحق أن يذكر في الضعفاء، وما ذكروا عنه شيئاً إلا أنه ممن يقول بتفضيل علي على عثمان، وهذه مسألة لا يبدع من يقول بها.
أي أن مسألة التفضيل بين علي وعثمان لا يبدع بما، وإن كان المشهور الذي استقر عليه أهل السنة أن عثمان مقدم على علي، كما جاء عن ابن عمر أنه قال: (كنا نخير والرسول صلى الله عليه وسلم حي فنقول: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان) ولكن جاء عن بعض أهل السنة مثل عبد الرحمن بن أبي حاتم، وعبد الرزاق، وابن جرير، والأعمش، وعدد قليل من العلماء أنهم يفضلون علياً على عثمان.
هذا فيما يتعلق بالفضل، وأما بالنسبة للخلافة فلا يقدحون في خلافة عثمان، ولا يرون أن علياً مقدم على عثمان، ولهذا قال بعض أهل العلم: من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار؛ لأنهم قدموا عثمان، وهو الأحق بالخلافة، ورأيهم هو الذي يجب أن يتابع، ولكن من ناحية الفضل قد يولى المفضول مع وجود الفاضل، فالشيء الذي تكلم في عبد الرحمن بن أبي حاتم من أجله هو تقديم علي على عثمان، وهذه لا تؤثر ولا يبدع من قال بها، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر العقيدة الواسطية، وإنما يبدع من يرى أنه أحق منه بالخلافة؛ لأن هذا اعتراض على اتفاق الصحابة، ومخالفة للصحابة، والصحابة هم أدرى وهم أعلم وهم الذين يعول على كلامهم بذلك رضي الله عنهم وأرضاهم.
وكذلك عندما ترجم لـ علي بن المديني، فإنه ذكر عن العقيلي أنه ذكره في الضعفاء، وتكلم فيه واشتد في الكلام عليه، ودافع عن ابن المديني وقال: إن البخاري يقول: ما استصغرت نفسي إلا عند علي بن المديني، ثم يقول: أما لك عقل يا عقيلي! تتكلم في علي بن المديني؟! وعلي بن المديني هو الإمام الذي يقول فيه الإمام البخاري كذا وكذا، وذكر عبارات قوية في دفاعه عنه.
أما ابن حجر رحمة الله عليه فاصطلاحه في كتاب اللسان أن كل رجل له ذكر في الكتب الستة لا يتعرض له، واللسان كما هو معلوم زمنه متأخر، يعني: أنه يذكر تراجم رواة إلى زمانه وإلى قريب من زمانه، فيذكر رجالاً من القرن السادس والسابع، ولهذا يمكن البحث عن الرجال المتأخرين في مثل اللسان، وفي مثل الميزان، ولا يبحث عنهم في تهذيب الكمال؛ لأن تهذيب الكمال خاص برجال الكتب الستة، وآخر أصحاب الكتب الستة موتاً هو النسائي؛ إذ توفي سنة (303هـ)، فالرجال الذين في سنن النسائي لعل آخرهم يكون موته في أوائل القرن الرابع، أو منتصف القرن الرابع، وبعد ذلك لا يبحث عن الرجل في مثل هذه الكتب، ولكن يبحث عنه في اللسان وفي الميزان، وإذا ما وجد للرجل ترجمة في التهذيب وغيره فيمكن أن يبحث عنه في اللسان.(269/11)
تابع تراجم رجال إسناد طرق حديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)
قوله: [وأبو عميس].
أبو عميس هو عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وزهير بن محمد].
زهير بن محمد ثقة، ورواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وما دام أنه خرج له أصحاب الكتب الستة فهو لا يكون ضعيفاً، وإنما معناه: أنه قدح فيه، ولكن لا يعني ذلك أنه يكون ضعيفاً؛ لأنه خرج له أصحاب الكتب الستة ومنهم البخاري ومسلم.
[عن العلاء].
العلاء مر ذكره.(269/12)
إعلال عبد الرحمن بن مهدي لحديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)
[قال أبو داود: كان عبد الرحمن لا يحدث به، قلت لـ أحمد: لمَ؟ قال: لأنه كان عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان، وقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه.
قال أبو داود: وليس هذا عندي خلافه، ولم يجئ به غير العلاء عن أبيه].
أورد أبو داود قوله: (وكان عبد الرحمن لا يحدث به، قلت لـ أحمد: لمَ؟ قال: لأنه كان عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان، وقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه).
ثم قال أبو داود: (قال أحمد: ولم يكن عبد الرحمن يحدث به).
يعني: لم يكن يحدث عبد الرحمن بن مهدي بهذا الحديث، قال: (لأنه كان عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم يصل شعبان برمضان)، وهذا فيه أن شعبان لا يوصل برمضان؛ لأنه قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموه)، فهو عنده يخالف ذلك، لكن كما ذكرنا أنه يوفق بين هذا وبين الأحاديث التي وردت في الوصل، بأنه يجوز فيما إذا كان للإنسان عادة أو نذر، أما أن يتعمد أنه يصوم يوم الشك، أو اليوم الذي قبله فهذا جاء النهي فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: هناك وصل وعدم وصل، وصل في أمر جاء ما يدل عليه، ومنع من الوصل في أمر جاء ما يدل عليه.
وقوله: (لأنه كان عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان، وقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه) يعني: خلاف ما جاء في هذا الحديث أنه يصل.
(قال أبو داود: وليس هذا عندي خلافه، ولم يجئ به غير العلاء عن أبيه) يعني: أنه ما جاء إلا من رواية العلاء عن أبيه، ولكن رواية العلاء عن أبيه يحتج بها ويعول عليها، والأحاديث يمكن أن يجمع بينها على اعتبار أن الإنسان لا يصوم إلا في آخر شعبان من أجل رمضان، وأما إذا كان صيامه من أجل عادة واتصل بشهر رمضان فهذا جاء في السنة ما يدل عليه.(269/13)
شرح سنن أبي داود [270]
يثبت شهر رمضان بشهادة عدلين أو عدل واحد، ويثبت شهر شوال بشهادة عدلين، وعلى هذا دلت الأحاديث، وبعض العلماء قال: يثبت شوال بشهادة عدل واحد، وما دلت عليه الأحاديث هو الذي يعمل به ويعول عليه.(270/1)
ما جاء في شهادة رجلين على رؤية هلال شوال(270/2)
شرح حديث: (عهد إلينا رسول الله أن ننسك للرؤية)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال.
حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز أنبأنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد عن أبي مالك الأشجعي حدثنا حسين بن الحارث الجدلي من جديلة قيس، أن أمير مكة خطب ثم قال: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما، فسألت الحسين بن الحارث: من أمير مكة؟ قال: لا أدري، ثم لقيني بعد، فقال: هو الحارث بن حاطب أخو محمد بن حاطب، ثم قال الأمير: إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني، وشهد هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأومأ بيده إلى رجل، قال الحسين: فقلت لشيخ إلى جنبي: من هذا الذي أومأ إليه الأمير؟ قال: هذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وصدق، كان أعلم بالله منه، فقال: بذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم].
أورد أبو داود باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال، والمقصود من هذه الترجمة بيان أن هلال شوال يعتمد فيه على قول رجلين وشهادة رجلين، وهذا قول أكثر أهل العلم، ومنهم من رأى خلاف ذلك، وأنه لا فرق بين رمضان وشوال، وأنه يكفي في الرؤية واحد، ولكن أكثر العلماء على القول الأول أنه لابد فيه من شهادة رجلين، وأنه يعول فيه على شهادة رجلين.
وأورد حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وفيه: قال الحسين بن الحارث الجدلي من جديلة قيس: إن أمير مكة خطب ثم قال: (عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما).
وقوله: (أن ننسك للرؤية) يعني: رؤية هلال ذي الحجة، يعني: أن ننسك نسك الحج، ونذبح الأضاحي، ونصلي عيد الأضحى أو أن ثبوت عيد الأضحى وثبوت الحج إنما يكون بشهادة رجلين، يعني: إن شهد بذلك شاهدا عدل.
وقوله: (فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما) يعني: نحن لم نره، ولكن إذا شهد عندنا شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما، وأتينا بالنسك الذي هو الحج، والأنساك هي: الأضاحي والهدايا يوم عيد الأضحى وما بعده ونأتي بالحج أيضاً بناءً على هذه الشهادة، والحديث يتعلق بشهر ذي الحجة، وأورده أبو داود في شهر شوال؛ لأن ذاك فيه إثبات الحج، وإثبات عيد الأضحى، وهذا فيه إثبات عيد الفطر، فكل منهما فيه إثبات عيد، شهر شوال فيه أثبات عيد، وشهر ذي الحجة فيه إثبات عيد، فألحق هلال شوال بهلال ذي الحجة، وأورد أبو داود الحديث هنا للتشابه والتماثل بين الشهرين؛ لأن هذا فيه إثبات عيد وهذا فيه إثبات عيد.
وقوله: (فسألت الحسين بن الحارث: من أمير مكة؟ قال: لا أدري، ثم لقيني بعد فقال: هو الحارث بن حاطب) يعني: أن أبا مالك الأشجعي قال: سألت حسين بن الحارث: من أمير مكة؟ فقال: لا أدري، وبعد مدة لقيه وقال: هو فلان، يعني: سماه، وكان مما قاله الأمير: إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني، وشهد هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأومأ بيده إلى رجل) يعني: شهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الذي قلته، وأومأ إلى رجل، فقال: من الرجل؟ قال: عبد الله بن عمر، فقال عبد الله بن عمر: (بذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: أننا نثبت الشهر بشهادة رجلين.(270/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (عهد إلينا رسول الله أن ننسك للرؤية)
قوله: [حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز].
محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز الملقب صاعقة، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[أنبأنا سعيد بن سليمان].
سعيد بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عباد].
عباد بن العوام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي مالك الأشجعي].
أبو مالك الأشجعي هو سعد بن طارق ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا حسين بن الحارث الجدلي].
حسين بن الحارث الجدلي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
قوله: (من جديلة قيس) يعني: أنه جدلي نسبة إلى جديلة قيس، وهي قبيلة من العرب.
وأمير مكة هو الحارث بن حاطب، ولكن الرواية هي عن عبد الله بن عمر؛ لأنه أومأ وبعد ذلك حدث وقال بهذا أمرنا رسول الله، فهو مروي عنه وعن عبد الله بن عمر.
إذاً: الحديث مروي عن صحابيين، عن الحارث وهو صحابي صغير أخرج له أبو داود والنسائي، وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(270/4)
شرح حديث: (اختلف الناس في آخر يوم من رمضان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد وخلف بن هشام المقرئ قالا: حدثنا أبو عوانة عن منصور عن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اختلف الناس في آخر يوم من رمضان، فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله وسلم بالله لأهل الهلال أمسٍ عشيةً، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا، زاد خلف في حديثه: وأن يغدوا إلى مصلاهم)].
أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه اختلف الناس في آخر يوم من رمضان وأصبحوا صائمين في ذلك اليوم، وبعد ذلك جاء أعرابيان وشهدا أنه أهلّ هلال رمضان البارحة عشية، يعني: أنهما رأياه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن يفطروا وأن يغدوا إلى مصلاهم، يعني: من الغد، فدل هذا على اعتبار شهادة الرجلين في خروج شهر رمضان.
وفيه أيضاً أنه إذا لم يحصل الإتيان بصلاة العيد بنفس اليوم إذا عُلم به متأخراً، فإنهم يأتون بها من الغد في نفس الوقت، وهذا يكون فيما إذا كان الخبر بعد الزوال، أما إذا كان قبل الزوال فإنه يمكنهم أن يأتوا بصلاة العيد في نفس اليوم الذي بلغهم الخبر.(270/5)
تراجم رجال إسناد حديث: (اختلف الناس في آخر يوم من رمضان)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[وخلف بن هشام المقرئ].
خلف بن هشام المقرئ ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا أبو عوانة].
أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
منصور بن المعتمر الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ربعي بن حراش].
ربعي بن حراش ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن رجل من أصحاب النبي].
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المجهول فيهم في حكم المعلوم؛ لأن جهالة الصحابة لا تؤثر.(270/6)
ما جاء في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان(270/7)
شرح حديث: (جاء أعرابي إلى النبي فقال إني رأيت الهلال)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان.
حدثنا محمد بن بكار بن الريان حدثنا الوليد يعني: ابن أبي ثور -ح وحدثنا الحسن بن علي حدثنا الحسين -يعني: الجعفي - عن زائدة المعنى عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال، قال الحسن في حديثه: يعني: هلال رمضان، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم.
قال: يا بلال! أذن في الناس فليصوموا غداً)].
أورد أبو داود باب شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان، يعني: أنه يكفي فيه شهادة رجل واحد.
وأورد أبو داود فيه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أنه جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنه رأى الهلال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، قال: يا بلال! أذن في الناس فليصوموا غداً) وهذا فيه اعتبار شهادة الواحد، واعتبار الإخبار عن دخول الشهر بواحد، لكن الحديث من رواية سماك عن عكرمة، ورواية سماك عن عكرمة فيها اضطراب، لكنه قد جاءت بعض الأحاديث الأخرى تدل على ما دل عليه هذا الحديث، ومن ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما الذي فيه أنه رآه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر ذلك وأمر الناس بالصيام.
وعلى هذا فإن الراجح أنه يقبل الواحد.(270/8)
تراجم رجال إسناد حديث: (جاء أعرابي إلى النبي فقال إني رأيت الهلال)
قوله: [حدثنا محمد بن بكار بن الريان].
محمد بن بكار بن الريان ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا الوليد يعني: ابن أبي ثور].
الوليد هو ابن عبد الله ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
لكن كما هو معلوم لم ينفرد، فهناك طريق آخر المعول عليه.
[ح وحدثنا الحسن بن علي].
الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا الحسين يعني: الجعفي].
الحسين بن علي الجعفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والوليد الذي في الطريق الأولى ضعيف، فالمعول على الطريق الثانية، والطريق الأولى هي مساعدة تنفع ولا تضر؛ لأن التعويل على غيرها وليس عليها، وأما لو حصل الانفراد فإن من يكون ضعيفاً لا يعول على حديثه.
[عن زائدة].
زائدة بن قدامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[المعنى: عن سماك].
سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، وروايته عن عكرمة مضطربة.
[عن عكرمة].
عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(270/9)
شرح حديث: (أنهم شكوا في هلال رمضان مرة فأرادوا ألا يقوموا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن عكرمة: (أنهم شكوا في هلال رمضان مرة، فأرادوا ألا يقوموا ولا يصوموا، فجاء أعرابي من الحرة فشهد أنه رأى الهلال، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: نعم، وشهد أنه رأى الهلال، فأمر بلالاً فنادى بالناس أن يقوموا وأن يصوموا)].
أورد أبو داود الحديث المتقدم من طريق أخرى، وهي مثل التي قبلها إلا أن فيها ذكر القيام، والقيام المقصود به التراويح، أو صلاة قيام رمضان، يعني: قيام تلك الليلة التي دخل فيها الشهر؛ لأن ليلة اليوم تسبقه، فالناس يصلون التراويح قبل أن يصوموا في أول رمضان؛ لأن البدء يكون بالليل، والنهار تابع له.(270/10)
تراجم رجال إسناد حديث: (أنهم شكوا في هلال رمضان مرة فأرادوا ألا يقوموا)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد هو ابن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سماك بن حرب عن عكرمة].
سماك وعكرمة قد مر ذكرهما.
وعكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا مرسل.
[قال أبو داود: رواه جماعة عن سماك عن عكرمة مرسلاً، ولم يذكر القيام أحد إلا حماد بن سلمة].
يعني: لم يذكر القيام إلا حماد بن سلمة في الطريق الأولى التي ذكرها المصنف، فالطريق الأولى التي ذكرها المصنف بإسنادها ومتنها هي التي فيها ذكر القيام، وهذه الرواية فيها اضطراب؛ لأنها من رواية سماك عن عكرمة وسماك مضطرب في روايته عن عكرمة.(270/11)
شرح حديث ابن عمر: (تراءى الناس الهلال)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي وأنا لحديثه أتقن قالا: حدثنا مروان -هو ابن محمد - عن عبد الله بن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه وأمر الناس بصيامه)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر الذي فيه أن الناس تراءوا الهلال وأنه رآه ولم يره أحد معه، وأنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بأنه رآه، فصام وأمر الناس بصيامه، فدل هذا على اعتبار شهادة الواحد بدخول الشهر؛ لهذا الحديث الذي جاء عن ابن عمر، وهو حديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(270/12)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (تراءى الناس الهلال)
قوله: [حدثنا محمود بن خالد].
محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي].
عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي هو الدارمي صاحب المسند الإمام المشهور، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي.
[وأنا لحديثه أتقن].
أي: حديث الشيخ الثاني عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي الدارمي.
ومسند الدارمي يقال له: مسند، ويقال له: سنن الدارمي، وكتاب الدارمي من العلماء من عده الكتاب السادس بدل سنن ابن ماجة؛ لأن الكتاب السادس فيه ثلاثة أقوال: الأول: أن كتاب ابن ماجة هو سادس الكتب الستة، والقول الثاني: أن الموطأ هو سادس الكتب الستة، والقول الثالث: أن سنن الدارمي أو مسند الدارمي هو سادس الكتب الستة، لكن الذي اشتهر والذي عمل عليه أصحاب كتب الرجال هو سنن ابن ماجة؛ وذلك لكثرة زياداته على الكتب الخمسة، فإن فيه أحاديث كثيرة زائدة تبلغ أكثر من ألف حديث، وقد جمع البوصيري زيادات ابن ماجة، فمن أجل كثرة زياداته من الأحاديث اعتبروه السادس، وإلا فإن هناك قولاً: أن الموطأ لعلوه هو السادس، وأن مسند الدارمي كذلك أيضاً لعلوه هو السادس في قول آخر؛ لأن فيه خمسة عشر حديثاً من الأحاديث الثلاثيات؛ وهذا يعني أن عنده علواً في الإسناد.
[حدثنا مروان هو ابن محمد].
مروان بن محمد بن حسان الأسدي الطاطري ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن وهب].
عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن عبد الله بن سالم].
يحيى بن عبد الله بن سالم صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن أبي بكر بن نافع].
أبو بكر بن نافع يقال: اسمه عمر، وهو ابن نافع مولى ابن عمر، وهو صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في مسند مالك.
[عن أبيه].
أبوه نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
ابن عمر قد مر ذكره.(270/13)
شرح سنن أبي داود [271]
السحور من السنن المستحبة في الصيام، وهو فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، والتسحر بالتمر أحسن من غيره، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.(271/1)
ما جاء في توكيد السحور(271/2)
شرح حديث (إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في توكيد السحور.
حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن عُلّي بن رباح عن أبيه عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر)].
أورد أبو داود رحمه الله باب توكيد السحور، يعني: تأكده وأنه يحرص عليه ويؤتى به، وقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على ذلك في الصحيحين وفي غيرهما.
والسُحور بالضم المقصود به: الفعل، والسَحور بالفتح المقصود به: الطعام الذي يؤكل، ولهذا نظائر، أي: ما كان بالفتح يراد به الشيء الذي يستعمل، وما كان بالضم يراد به نفس الاستعمال، كالطهور، والوضوء، والوجور، والسعوط، وغيرها، فالسَحور هو: اسم للطعام الذي يؤكل في السحر، والسُحور هو: نفس الأكل، والسَعوط هو الشيء الذي يوضع في الأنف، يعني: نفس الدواء الذي يوضع في الأنف، والسُعوط هو نفس الفعل، يعني: كونه يضع الدواء في الأنف.
وأورد أبو داود حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) وهذا فيه توكيد السحور؛ لأن فيه مخالفة لأهل الكتاب، وأن هذا مما يتميز به المسلمون عن أهل الكتاب، وقيل: إن أهل الكتاب -كما جاء عن المسلمين في أول الأمر- كان الواحد منهم إذا نام ثم استيقظ فإنه لا يأكل شيئاً ويواصل إلى النهار الثاني حتى يأتي وقت الإفطار، وكان المسلمون كذلك في أول الأمر كما سبق أن مر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ثم إن الله تعالى خفف ويسر على المسلمين فنسخ ذلك الذي كان شرع أولاً وكان على المسلمين فيه مشقة، وأذن لهم أن يأكلوا ويشربوا ويجامعوا إلى طلوع الفجر، فالسحور مع كونه فيه بركة -كما جاءت بذلك الأحاديث- فيه مخالفة لأهل الكتاب.(271/3)
تراجم رجال إسناد حديث (إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن المبارك].
مسدد مر ذكره، وعبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن موسى بن عُلّي بن رباح].
موسى بن عُلّي بن رباح صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
عُلّي بن رباح ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص].
اسمه عبد الرحمن بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن العاص].
عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه صحابي مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(271/4)
ما جاء فيمن سمى السحور الغداء(271/5)
شرح حديث العرباض (هلم إلى الغداء المبارك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من سمى السحور الغداء.
حدثنا عمرو بن محمد الناقد حدثنا حماد بن خالد الخياط حدثنا معاوية بن صالح عن يونس بن سيف عن الحارث بن زياد عن أبي رهم عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور في رمضان فقال: هلم إلى الغداء المبارك)].
أورد أبو داود باب من سمى السحور الغداء المبارك، والمقصود من هذه الترجمة أن السحور يقال له: غداء، وإنما قيل له: غداء؛ لأنه متصل بالغداة، يعني: أن أول النهار متصل به وقريب منه، ولهذا يقال لصلاة الفجر: صلاة الغداة، والغداء يكون قبل الزوال؛ لأن الغداء يكون في وقت الغداة، ووقت الغداة هو قبل الزوال، وما بعد الزوال يقال له: عشاء؛ لأنه من العشي؛ فالعشي يبدأ بالزوال والغداة تكون قبل الزوال.
وقيل للسحور: غداء؛ لأنه بمثابة الغداء؛ ولأنه متصل بالغداة.
وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء عنهم في بعض الأحاديث الصحيحة أنهم قالوا: (ما كنا نقيل ولا نتغدى يوم الجمعة إلا بعد الجمعة)؛ لأنهم كانوا يبكرون بالصلاة، وأما قبل ذلك فكانوا يقيلون ويتغدون قبل الزوال؛ لأن عندهم وجبتين وليس ثلاث وجبات كما عندنا الآن: فطور وغداء وعشاء، والغداء والعشاء عندنا كله في العشي، فصار الغداء عشاءً والعشاء عشاءً؛ لأنهما واقعان في العشي، يعني: بعد الزوال، فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يبكرون إلى الصلاة، ولذا قالوا: (ما كنا نقيل ولا نتغدى يوم الجمعة إلا بعد الصلاة) وقبل ذلك كانوا يقيلون ويتغدون قبل الصلاة وقبل الزوال.
أورد أبو داود حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور وقال: هلم إلى الغداء المبارك) وهذا مثل ما جاء: (تسحروا فإن في السحور بركة) فهنا في هذا الحديث قال: (مبارك)، وقال في الحديث الآخر: (بركة).(271/6)
تراجم رجال إسناد حديث العرباض (هلم إلى الغداء المبارك)
قوله: [حدثنا عمرو بن محمد الناقد].
عمرو بن محمد الناقد ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد بن خالد الخياط].
حماد بن خالد الخياط ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا معاوية بن صالح].
معاوية بن صالح بن حدير صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن يونس بن سيف].
يونس بن سيف مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن الحارث بن زياد].
الحارث بن زياد لين الحديث، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن أبي رهم].
أبو رهم هو أحزاب بن أسيد، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن العرباض بن سارية].
العرباض بن سارية رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن.
والإسناد فيه هذا الذي هو لين الحديث، والحديث صححه الألباني أو حسنه، ولعل ذلك إما لشواهد أو لأن الذي فيه مطابق لقوله: (تسحروا فإن في السحور بركة).(271/7)
شرح حديث (نعم سحور المؤمن التمر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمر بن الحسن بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن أبي الوزير أبو مطرف قال: حدثنا محمد بن موسى عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعم سحور المؤمن التمر)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة: (نعم سحور المؤمن التمر)، وهذا مطابقته للترجمة ليست واضحة؛ لأنه ليس فيه ذكر الغداء، فإن المصنف أورد الترجمة بعنوان: باب من سمى السحور الغداء، وعلى هذا فالحديث ليس فيه مطابقة للترجمة، ولكن فيه مدح التسحر بالتمر، حيث قال: (نعم السحور التمر)، والتمر كان قوتاً معتاداً، وقد جاء في الصحيح: (بيت لا تمر فيه جياع أهله)؛ لأن التمر كان طعاماً رئيسياً عندهم، وهذا يدل على أن التسحر بالتمر ممدوح؛ لأن (نعم) هذه من صيغ المدح كما هو معلوم.(271/8)
تراجم رجال إسناد حديث (نعم سحور المؤمن التمر)
قوله: [حدثنا عمر بن الحسن بن إبراهيم].
عمر بن الحسن بن إبراهيم وهم والصواب: محمد بن الحسن بن إبراهيم، هذا هو الصواب كما قال ذلك المزي وغيره، وهو صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا محمد بن أبي الوزير أبو مطرف].
محمد بن أبي الوزير ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[قال: حدثنا محمد بن موسى].
محمد بن موسى صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن سعيد المقبري].
سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره.(271/9)
وقت السحور(271/10)
شرح حديث (لا يمنعن من سحوركم أذان بلال)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب وقت السُحور.
حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عبد الله بن سوادة القشيري عن أبيه قال: سمعت سمرة بن جندب رضي الله عنه يخطب ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعن من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق الذي هكذا حتى يستطير)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب في وقت السحور، يعني: وقت الأكل الذي يأكله الإنسان ليتقوى به على الصيام، ووقته قبل طلوع الفجر، وإذا طلع الفجر فإنه يمسك، وإذا كان المؤذن يعتني بالوقت ومعرفته فإنه يعول على أذانه، ومن المعلوم أن الأحكام الشرعية أنيطت بأمور طبيعية يعرفها الخاص والعام والحضري والبدوي، ولم تكن الأوقات الشرعية مبنية على أمور فيها خفاء وغموض ولا يعرفها إلا من عنده ذكاء وفطنة، وإنما هي مبنية على أمور مشاهدة معاينة، فطلوع الفجر يكون عنده الإمساك، ويكون عنده أداء صلاة الفجر، فإذا طلع الفجر وجب الإمساك عن الأكل والشرب وجاء وقت صلاة الفجر، وإذا جاء وقت الغروب أقبل الليل من المشرق وذهب النهار من المغرب، وإذا غربت الشمس جاء وقت الإفطار، فالصيام يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وكذلك الصلوات أيضاً مبنية على أمور مشاهدة، فبعد طلوع الفجر يبدأ وقت الفجر إلى طلوع الشمس، والظهر يبدأ من الزوال إلى أن يكون ظل الشيء مثله، وبعده مباشرة يبدأ وقت العصر إلى أن يكون ظل الشيء مثليه، وهذا في الوقت الاختياري، والوقت الاضطراري يكون إلى غروب الشمس، والمغرب يبدأ بغروب الشمس، والعشاء يبدأ بمغيب الشفق الأحمر، وهذه أمور مشاهدة معاينة، والشهر يعرف دخوله وخروجه برؤية الهلال، فهي أمور مشاهدة معاينة ليس فيها غموض وليس فيها شيء يحتاج إلى ذكاء وإلى فطنة، فوقت السحور يكون في وقت السحر آخر الليل، وإذا طلع الفجر يمسك عن الأكل والشرب ويأتي وقت أداء صلاة الفجر، وإذا كان الإنسان يشاهد ذلك في برية فإنه يعمل به، وإذا كان في مدينة أو في بلد والمؤذن يعتني بضبط الوقت وحفظ الوقت فإنه يعول على أذانه.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه كان يخطب ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه بيان السنن وإعلانها على المنابر، وبيان الأحكام الشرعية في الخطب، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كانوا يفعلون، فـ سمرة يقول في خطبته: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمنعن من سحوركم أذان بلال) أي: لأنه يؤذن بليل قبل طلوع الفجر الذي يحرم الأكل، بل كلوا واشربوا؛ لأن المؤذن الذي يؤذن الأذان الأول يؤذن في آخر الليل قبل طلوع الفجر، وذلك ليوقظ النائم ويرجع القائم، القائم أي: الذي كان يقوم الليل يستريح ويأخذ شيئاً من الراحة لينشط لصلاة الفجر، والذي يكون نائماً يستيقظ ليوتر إذا كان لم يوتر، وليتسحر إذا كان يريد أن يصوم، وليغتسل إذا كان عليه جنابة.
وقوله: (ولا بياض الأفق الذي هكذا) يعني: الذي يسمونه الفجر الكاذب الذي يظهر مستطيلاً ولا يأتي معترضاً، وإنما هو مستطيل ممتد، فهذا الفجر الذي يظهر في الأفق مستطيلاً لا يمنع من الأكل والشرب حتى يأتي الفجر الذي يأتي عرضاً مع الأفق، ويتزايد شيئاً فشيئاً حتى تطلع الشمس، هذا هو الذي إذا وجد يكون عنده الإمساك، الذي يأتي عرضاً لا الذي يأتي طولاً.
قوله: (ولا بياض الأفق الذي هكذا) فيه إشارة إلى أنه مستطيل وأنه ممتد في السماء ليس على جهة العرض.
وقوله: (حتى يستطير) يعني: حتى يأتي عرضاً وذاك يذهب وينتهي، وأما الذي يأتي عرضاً فإنه يزيد شيئاً فشيئاً حتى تطلع الشمس.(271/11)
تراجم رجال إسناد حديث (لا يمنعن من سحوركم أذان بلال)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا حماد بن زيد].
حماد بن زيد بن درهم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن سوادة القشيري].
عبد الله بن سوادة القشيري ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
سوادة القشيري صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[قال: سمعت سمرة بن جندب].
سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(271/12)
شرح حديث (لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن التيمي ح وحدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو قال: ينادي ليرجع قائمكم وينتبه نائمكم، وليس الفجر أن يقول -يعني: الفجر- هكذا) قال مسدد: وجمع يحيى كفيه (حتى يقول هكذا) ومد يحيى بأصبعيه السبابتين.
أورد أبو داود حديث ابن مسعود وهو بمعنى حديث سمرة المتقدم، وفيه: (لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره) يعني: أن له أن يأكل بعدما يؤذن بلال الأذان الأول الذي يكون في الليل قبل طلوع الفجر والذي يكون لغرض إيقاظ النائم وإرجاع القائم حتى يرجع إلى الراحة.
وقوله: (فإنه يؤذن أو قال: ينادي ليرجع قائمكم وينتبه نائمكم، وليس الفجر أن يقول هكذا) هذا هو مثل ما تقدم في حديث سمرة، والفجر الحقيقي ليس هو الفجر المستطيل في الأفق وإنما هو الفجر المعترض في الأفق، فالمستطيل في الأفق الذي يكون فيه اختلاط بياض بسواد وهو ممتد في الأفق لا يمنع من الأكل والشرب.
وقوله: (وليس الفجر أن يقول هكذا) فيه إشارة إلى امتداده، وإنما الفجر يكون بالعرض.
وقوله: (ليرجع قائمكم) يعني: يرجع قائمكم للراحة؛ لأنه يشتغل بالصلاة، فإذا جاء قرب صلاة الفجر يستريح.(271/13)
تراجم رجال إسناد حديث (لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى].
مسدد مر ذكره، ويحيى هو ابن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن التيمي].
التيمي هو سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا أحمد بن يونس].
ح للتحول من إسناد إلى إسناد، وأحمد بن عبد الله بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير].
زهير هو ابن معاوية، ثقة أخرج له أصحاب الكتب.
[حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان].
سليمان التيمي هناك قال: عن التيمي فذكره بنسبته فقط، وهنا في الطريق الثانية ذكره باسمه ونسبته، وأبو عثمان هو النهدي وهو عبد الرحمن بن مُل أو مَل أو مِل مثلث الميم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن مسعود].
عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وقوله: [ومد يحيى بأصبعيه السبابتين].
يعني: إما أن الأصبعين متصلتان ويشير إليهن باليسار أو أنه فرق بينهما وأشار إلى جهة اليمين والشمال.(271/14)
شرح حديث (كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى حدثنا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن النعمان قال: حدثني قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر).
قال أبو داود: هذا مما تفرد به أهل اليمامة].
أورد أبو داود حديث طلق بن علي اليمامي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يهيدنكم -يعني: لا يمنعنكم- الساطع المصعد) يعني: الذي يمتد في الأفق مستطيلاً، وهو الذي يسمونه الفجر الكاذب، والمراد: لا يمنعنكم من الأكل والشرب.
وقوله: (حتى يعترض) يعني: حتى يعترض لكم الأحمر في الأفق، والأحمر هو الفجر الصادق، وقيل له: أحمر لأنه أول ما يخرج يكون فيه لون ليس بواضح من حيث البياض والخفاء، وقيل: إن الأحمر يراد به الأبيض، وقيل: إن الأحمر يطلق على الأبيض.
يقال الأسود والأحمر يعني الأسود والأبيض.
وقوله: (يهيدنكم) يعني: يمنعنكم، مثل ما تقدم.
وتسميته بالساطع لأنه أول شيء يطلع، فأول شيء يطلع هو الفجر الكاذب.(271/15)
تراجم رجال إسناد حديث (كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى].
محمد بن عيسى الطباع ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ملازم بن عمرو].
ملازم بن عمرو اليمامي صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن عبد الله بن النعمان].
عبد الله بن النعمان اليمامي مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي.
[قال: حدثني قيس بن طلق].
قيس بن طلق صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبيه].
أبوه طلق بن علي رضي الله عنه، أخرج له أصحاب السنن.
قال أبو داود: (وهذا مما تفرد به أهل اليمامة) يعني: أنه مسلسل باليماميين؛ لأن فيه أربعة يماميين والخامس الذي هو محمد بن الطباع بغدادي، والباقون من أهل اليمامة.
والحديث فيه هذا المقبول، ولكن ما تقدم كله شاهد له؛ لأنه بمعناه.(271/16)
شرح حديث عدي بن حاتم (لما نزلت هذه الآية (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض))
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا حصين بن نمير ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس المعنى عن حصين عن الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: (لما نزلت هذه الآية: ((حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ)) [البقرة:187] قال: أخذت عقالاً أبيض وعقالاً أسود فوضعتهما تحت وسادتي، فنظرت فلم أتبين، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فضحك فقال: إن وسادك إذاً لعريض طويل، إنما هو الليل والنهار) وقال عثمان: (إنما هو سواد الليل وبياض النهار)].
أورد أبو داود حديث عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه أنه لما نزل قول الله عز وجل: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] ظن أن الخيط الأسود والخيط الأبيض خيوطاً، فأخذ عقالين: واحداً أسود وواحداً أبيض وجعلهما تحت وسادته، وجعل ينظر إليهما حتى يتبين له الأسود من الأبيض، فجاء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (إن وسادك إذاً لطويل عريض) وفسر هذا بأن المقصود به: أن نومك كثير، وقيل: إن أكلك كثير، على اعتبار أنه يأكل حتى يحصل أنه يرى الفرق بين الخيطين الأبيض والأسود، وقيل: معناه: إذا كنت غطيت الشيء الذي ذكره الله عز وجل بوسادك -مع أن الذي ذكره الله إنما هو الأفق وبياض النهار وسواد الليل- إذاً وسادك الذي يغطي الأفق عريض.
وفرض الصيام كان في أول الهجرة وكان ذلك في السنة الثانية، وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة رمضانات، وعدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه كان متأخر الإسلام، فيحمل قوله: (لما نزلت الآية) يعني: لما قرأ الآية أو بعدما أسلم وبلغته الآية وعلم الآية فهم منها هذا الفهم، وليس معنى ذلك أن نزولها كان متأخراً؛ لأن إسلام عدي بن حاتم كان متأخراً، والآية نزلت في وقت متقدم.
فإذاً: يحمل ذلك على علمه بها ووصولها إليه وقراءته إياها، وأنه لما أسلم وبدأ يصوم، وقرأ الآية فهمها هذا الفهم وعند ذلك جاء وسأل النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره وقال له ما قال صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.(271/17)
تراجم رجال إسناد حديث عدي بن حاتم لما نزلت الآية (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا حصين بن نمير].
مسدد مر ذكره، وحصين بن نمير لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فإنه أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا ابن إدريس].
عبد الله بن إدريس الأودي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حصين].
حصين هو ابن عبد الرحمن السلمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي].
عامر بن شراحيل الشعبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عدي بن حاتم].
عدي بن حاتم رضي الله عنه صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(271/18)
أهمية معرفة دخول الفجر
الأصل هو بقاء الليل، ولكن الإنسان لا يهمل ويفرط، ويكون في مكان لا يتبين فيه الصبح أو لا يسمع فيه الأذان فيسمح لنفسه أن يأكل ويشرب فليحتاط، وفي هذا الزمان الاحتياط موجود والمعرفة موجودة بمعرفة الساعات ومعرفة الأذان الذي يكون على كذا والفجر يطرأ على كذا، فالإنسان ليس له أن يتهاون، ولكن لو أنه ظل يأكل وتبين له أنه طلع الفجر فإنه يتم صومه، والأصل هو بقاء الليل، ولكنه قد يكون في مكان يخفى فيه النور ثم يأكل أو يتهاون أو لا ينظر إلى الساعة التي فيها معرفة الوقت، فهذا من الإهمال والتفريط، وإلا فالأصل بقاء الليل.(271/19)
تفسير الخطابي لقوله (وسادك إذاً لعريض)
قال الخطابي: إن من معاني: (وسادك إذاً لعريض) أن العرب تقول: فلان عريض القفا، إذا كانت فيه غباوة وغفلة.
وهذا مما قاله العرب، لكن لا يليق هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يقول عن صاحبه: إنه غبي وإنه كذا وكذا، فالذي يبدو أنه بعيد أن يكون مراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن صاحبه غبي وأنه كذا.(271/20)
الرجل يسمع النداء والإناء على يده(271/21)
شرح حديث (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يسمع النداء والإناء على يده.
حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في الرجل يسمع النداء والإناء على يده، يعني: يسمع أذان الصبح والإناء على يده، أي: ماذا يصنع؟ هل يشرب ويكمل الشرب أو ينزع ويترك؟
و
الجواب
أنه إذا كان المؤذن الذي يؤذن يعتمد عليه في معرفة الوقت فإن الإنسان إذا كان قد بدأ يشرب فإنه يكمل الشرب، ولكنه لا يبدأ بعد الأذان، وكونه عندما يسمع الأذان يبادر ويذهب ليشرب لا يجوز له ذلك؛ لأن الأذان حصل بعد دخول الوقت، وإذا دخل وقت الفجر فإنه يمنع الأكل ويبيح الصلاة، أي: صلاة الفجر؛ لأنه جاء وقتها، والأكل ذهب وقته في حق من يريد أن يصوم.
فمن أذن المؤذن وهو يشرب فإنه يكمل الشرب، وإذا كان لم يبدأ فإنه لا يجوز له، وهذه المسألة من ضمن المسائل التي يقال فيها: يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء، يعني: أن الإنسان لا يجوز له أن يبدأ الشرب، ولكنه إذا كان قد بدأ يكمل، وليس معناه أن الذي في فمه يقذفه ولا يشرب، بل يبلع الذي في فمه ويكمل أيضاً؛ لأن الذي جاء عنه التحديد جاء عنه استثناء هذه الحالة، فيجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء.
وقول المصنف: (باب في الرجل) كلمة الرجل هذه لا مفهوم لها، فكذلك المرأة.
ثم أيضاً لا يجوز أن يفهم من هذا أنه يمكن للإنسان أن يضع على يده كأساً ثم ينتظر الأذان، وإذا سمع الأذان بدأ يشرب، فهذا لا يجوز، بل يشرب ويقضي حاجته قبل ما يسمع الأذان، لكن إن بدأ يشرب وأذن المؤذن وقد بدأ فإنه يكمل وإن لم يبدأ فإنه لا يفعل.
وإذا لم يكفه الكأس فليس له أن يأخذ كأساً ثانياً، لأنه قال: (حتى يقضي حاجته منه) يعني: من الكأس الذي في يده.
وإذا كان يشرب شراباً مثل الماء فلا بأس، وأما الطعام كما هو معلوم فلا.(271/22)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا سمع النداء والإناء على يده)
قوله: [حدثنا عبد الأعلى بن حماد].
عبد الأعلى بن حماد النرسي لا بأس به، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد].
حماد هو ابن سلمة ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن عمرو].
محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحماد هنا غير منسوب فيحتمل أن يكون ابن سلمة ويحتمل أن يكون ابن زيد، وفي ترجمة عبد الأعلى بن حماد ذكروا أنه يروي عن الحمادين: حماد بن زيد وحماد بن سلمة، لكن في ترجمة محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص ذكروا أن الذي يروي عنه هو ابن سلمة فقط، فإذاً: يكون هو ابن سلمة؛ لأن محمد بن عمرو شيخ لـ حماد بن سلمة، وأما عبد الأعلى فهو تلميذ للاثنين.
حماد بن زيد وحماد بن سلمة، فإذاً: يكون حماد هو ابن سلمة.
[عن أبي سلمة].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه وأرضاه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.(271/23)
شرح سنن أبي داود [272]
يستحب للصائم تعجيل الفطر وتأخير السحور، وأن يكون فطره على رطبات، فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء، فإنه طهور.(272/1)
وقت فطر الصائم(272/2)
شرح حديث (إذا جاء الليل من ههنا وذهب النهار من ههنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب وقت فطر الصائم.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع حدثنا هشام ح وحدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن هشام المعنى، قال هشام بن عروة عن أبيه عن عاصم بن عمر عن أبيه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء الليل من ههنا وذهب النهار من -زاد مسدد: وغابت الشمس- فقد أفطر الصائم)].
بعدما ذكر أبو داود باب وقت إفطار الصائم، يعني: الوقت الذي ينتهي فيه السحور ويمسك الإنسان عن السحور ذكر الوقت الذي يبدأ فيه الأكل عند الإفطار، وهو بغروب الشمس، كما جاء في القرآن وكما جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء الليل من ههنا -أي: المشرق- وذهب النهار من ههنا -أي: المغرب- فقد أفطر الصائم) زاد أحد شيخي أبي داود وهو مسدد: (وغربت الشمس) يعني: أنه ذهب النهار وجاء الليل والشمس قد حصل غروبها فإنه عند ذلك يأتي وقت الإفطار، وهذا أمر مشاهد ومعاين يعرفه الخاص والعام الحضري والبدوي وكل يعرف ذلك، وهذا من تيسير الشريعة وأحكامها وأنها مبنية على اليسر وعلى شيء يفهمه الخاص والعام.
وقوله: (فقد أفطر الصائم) يعني: جاء وقت فطره، فإذا كان عنده طعام فإنه يأكل، وإذا لم يكن عنده طعام فإنه ينوي الإفطار.(272/3)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا جاء الليل من ههنا وذهب النهار من ههنا)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا وكيع].
وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود].
عبد الله بن داود الخريبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا مسلماً.
[عن هشام المعنى قال هشام بن عروة عن أبيه].
هشام بن عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم بن عمر].
عاصم بن عمر ثقة، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن أبيه].
أبوه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة فرضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(272/4)
حكم الوصال إلى السحر
قوله: (فقد أفطر الصائم) يعني: جاء وقت الإفطار، وأبيح له أن يأكل، وإذا لم يوجد شيء من الأكل ينوي الإفطار وينوي أنه انتهى صومه وأنه لا يزيد على ذلك صوماً.
ومن أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر، فإذا كان أراد أن يواصل فقد جاء في الحديث الصحيح تجويز الوصال إلى السحر، وذلك في قوله: (فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر)؛ والخطابي يقول: وفيه دليل على بطلان الوصال.
ولعله يقصد الوصال المطلق الذي يوصل فيه بين الليل والنهار الذي بعده، أو أنه يرى أنه لا يواصل في الليل، ولكن الحديث جاء في الصحيح وفيه: (من أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر).
وقول العامة: إذا لم يجد الإنسان ما يفطر عليه يمص أصبعه هذا ليس له أساس.(272/5)
شرح حديث (انزل فاجدح لنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد حدثنا سليمان الشيباني قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه يقول: (سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم، فلما غربت الشمس قال: يا بلال! انزل فاجدح لنا.
قال: يا رسول الله! لو أمسيت.
قال: انزل فاجدح لنا.
قال: يا رسول الله! إن عليك نهاراً.
قال: انزل فاجدح لنا.
فنزل فجدح، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم.
وأشار بأصبعه قبل المشرق)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وهو صائم، فلما غربت الشمس قال لـ بلال: انزل فاجدح لنا) والجدح هو: خلط السويق بالماء؛ وذلك بأن يحرك بالمجدح، والمجدح هو: عود يحرك به الشيء الذي يوضع في الماء حتى يلين وحتى يستساغ شربه.
وقوله: (لو أمسيت) يعني: كأنه فهم أن الإفطار يكون عندما يذهب هذا الضياء الذي يكون بعد الشمس، فالرسول أمره مرة ثانية بأن ينزل فقال: (إن عليك نهاراً) وكأنه فهم أن النهار هو الضياء الموجود بعد الشمس، فقال: (انزل) فنزل ففعل، وشرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقبل الليل من ههنا -وأشار بيده إلى المشرق- فقد أفطر الصائم) وهذا مثل الذي قبله.(272/6)
تراجم رجال إسناد حديث (انزل فاجدح لنا)
قوله: [حدثنا مسدد عن عبد الواحد].
عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سليمان الشيباني].
سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى].
عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد رباعي، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود.(272/7)
ما يستحب من تعجيل الفطر(272/8)
شرح حديث (لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يستحب من تعجيل الفطر.
حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن محمد -يعني: ابن عمرو - عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون)].
أورد أبو داود باب ما يستحب من تعجيل الفطر.
يعني: أنه يستحب تعجيل الإفطار بعد تحقق الغروب، والسحور يستحب تأخيره إلى طلوع الفجر.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة مرفوعاً: (لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون) فأرشدهم إلى أنهم يفعلون ما فيه مصلحة لهم، وهي أنهم يأخذون بالشيء الذي شرع لهم، وفي نفس الوقت أيضاً يخالفون اليهود والنصارى الذين جاءت السنة بمخالفتهم في أمور كثيرة، فتعجيل الإفطار فيه مصلحة وهي عدم إنهاك النفس وعدم إتعابها وعدم المشقة عليها بطول المكث في الصيام الذي يكون عليها معه مشقة، وأيضاً فيه المخالفة لليهود والنصارى، ومحل الشاهد من ذلك قوله: (لا يزال الدين ظاهراً)].
وفسر قوله: (ظاهراً) بأنه غالب، وفسر بأنه قوي، وفسر بتفسيرات متقاربة، والمقصود بذلك: كون المسلمين يتمسكون بدينهم ويأخذون بشرائع دينهم، فهذا يدل على قوة إيمانهم وعلى قوة يقينهم، وأيضاً في ذلك مخالفة لأعدائهم اليهود والنصارى.(272/9)
تراجم رجال إسناد حديث (لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر)
قوله: [حدثنا وهب بن بقية].
وهب بن بقية الواسطي ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن خالد].
خالد هو ابن عبد الله الواسطي الطحان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد -يعني: ابن عمرو - عن أبي سلمة عن أبي هريرة].
محمد بن عمرو وأبو سلمة وأبو هريرة قد مر ذكرهم.(272/10)
شرح حديث عائشة في تعجيل رسول الله الإفطار والصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي عطية قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها أنا ومسروق فقلنا: يا أم المؤمنين! رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قالت: أيهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قلنا: عبد الله.
قالت: كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه دخل عليها أبو عطية ومسروق بن الأجدع وقالا لها: (رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة والثاني يؤخر الصلاة ويؤخر الإفطار، فقالت: أيهما يعجل الصلاة والإفطار؟ قالا: عبد الله -يعني: ابن مسعود - فقالت: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) فهذا يدل على ما ترجم له المصنف من استحباب تعجيل الإفطار؛ لأن هذا هو الذي كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الرجل الثاني فهو أبو موسى الأشعري، كما جاء ذلك في صحيح مسلم، فـ عبد الله بن مسعود هو الذي كان يعجل وأبو موسى الأشعري هو الذي كان يؤخر.(272/11)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في تعجيل رسول الله الإفطار والصلاة
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية].
أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمارة بن عمير].
عمارة بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عطية].
أبو عطية هو مالك بن عامر الوادعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة، ومسروق بن الأجدع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: دخلت على عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(272/12)
ما يفطَر عليه(272/13)
شرح حديث (إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يفطر عليه.
حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر عمها رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء؛ فإن الماء طهور)].
أورد أبو داود باب ما يفطر عليه، يعني: الأكل الذي يأكله الإنسان أول ما يأكله عند انتهاء صومه، وقد جاء في السنة أنه يفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى التمر، فإن لم يجد فعلى الماء.
وقد أورد أبو داود حديث سلمان بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى، الماء فإنه طهور)، وهنا ذكر التمر وذكر الماء، وفي الحديث الذي بعده ذكر الرطب ثم التمر ثم الماء، ولعل ذكر التمر والاقتصار عليه دون الرطب إنما هو لأن الرطب لا يأتي في كل وقت وإنما يأتي في وقت الثمرة، وأما التمر فإنه موجود في السنة كلها، فذكره والاقتصار عليه إنما هو لأنه هو الدائم عند الناس في أيام السنة كلها، بخلاف الرطب فإنه لا يكون عندهم إلا في وقت معين، إذ إنه لم يكن يوجد عندهم إلا في وقت الثمرة، وهذا يدل على أن التمر أو الرطب أحسن شيء يأكله الإنسان عند إفطاره، ليدخل إلى جوفه ذلك الشيء الحلو، وقد مر في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مدح التمر فقال: (نعم السحور التمر).
وقد جاءت السنة بالتحنيك بالتمر، فالمولود أول شيء يدخل إلى جوفه هو التمر، وذلك بأن يمضغ ثم يدلك به حنكه حتى يكون أول شيء يدخل إلى جوفه هو حلاوة التمر.
وقوله: (فإن الماء طهور) هذا مدح له، وبيان أنه موصوف بهذا الوصف الطيب، والماء من نعم الله عز وجل، وقد قال الله تعالى في القرآن: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان:48].(272/14)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد عن عاصم الأحول].
عاصم بن سليمان الأحول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حفصة بنت سيرين].
حفصة بنت سيرين ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[عن الرباب].
الرباب مقبولة، أخرج لها البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن سلمان بن عامر].
سلمان بن عامر رضي الله عنه هو عم الرباب، وهو صحابي أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
والحديث ضعفه الألباني من أجل الرباب؛ لأنها مقبولة، ولكن الحديث الذي بعده هو بمعناه، وليس فيه إلا زيادة أنه طهور، وليس فيه ذكر الرطب، وعدم ذكر الرطب في هذا الحديث يدل عليه ذكره في الحديث الآخر، فإذا كانت الثلاثة موجودة فيبدأ بالرطب ثم التمر، فإذا كان الرطب موجوداً فيبدأ به، وإن لم يكن موجوداً ينتقل إلى التمر، والتمر يكون موجوداً في طول السنة، والرطب لا يوجد إلا في وقت الثمرة، فإن لم يوجد التمر ينتقل إلى الماء.
فهذا الحديث وإن كان فيه كلام إلا أن الحديث الآخر يدل عليه.(272/15)
شرح حديث (كان رسول الله يفطر على رطبات)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا ثابت البناني أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء)].
أورد أبو داود حديث أنس، وفيه بيان ما كان يفطر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يفطر على رطبات، فإن لم يجد أفطر على تمرات، وإلا حسا حسوات من ماء، وكان ذلك قبل أن يصلي، يعني: أنه لا يؤخر الإفطار إلى بعد الصلاة؛ لأن هذا فيه موافقة لليهود والنصارى، وإنما عليه أن يبادر بالإفطار بعد تحقق الغروب.
وقوله: (حسا حسوات) يعني: أنه شرب عدة مرات، لكن ليس معنى ذلك أنه يكثر الشرب؛ لأن كلمة (تمرات) وكلمة (رطبات) تشير إلى القلة أو التقليل، والحسوات هي بمعناها، يعني: أنه يمكن أنه كان يشرب ثلاثة أنفاس، يعني: أنه يقسم شربه على ثلاثة أنفاس.(272/16)
ترجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يفطر على رطبات)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا جعفر بن سليمان].
جعفر بن سليمان صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا ثابت البناني].
ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع أنس بن مالك].
أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(272/17)
القول عند الإفطار(272/18)
شرح حديث (كان رسول إذا أفطر قال ذهب الظمأ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القول عند الإفطار.
حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى أبو محمد حدثنا علي بن الحسن أخبرني الحسين بن واقد حدثنا مروان -يعني: ابن سالم المقفع - قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف، وقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله)].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب القول عند الإفطار، أي: الشيء الذي يقوله عند إفطاره.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) والظمأ هو: العطش الذي كان موجوداً من قبل بسبب الصيام، وهو يذهب بشرب الماء.
وقوله: (وابتلت العروق) يعني: التي كانت قد يبست بسبب الإمساك والامتناع عن الأكل والشرب.
وقوله: (وثبت الأجر إن شاء الله) يعني: أن العمل الصالح قد تم وانتهى، وأن الأجر قد حصل، وهذا ليس دعاءً وإنما هو إخبار؛ لأن الجمل قبله كلها إخبار.
وقوله: (إن شاء الله) يعني: حتى لا يكون الإنسان جازماً بالشيء، وليس الأمر كما تقوله المعتزلة من أن الجزاء إنما هو عوض عن العمل وأنه ليس هناك فضل، بل الفضل لله عز وجل في الجزاء على الأعمال، وليست القضية قضية معاوضة بين الله عز وجل والناس، بل الله متفضل عليهم بالأجر والثواب كما أنه هو المتفضل عليهم بالعمل الذي كان سبباً في الأجر والثواب، فالله عز وجل تفضل عليهم بالتوفيق للعمل وتفضل عليهم بالجزاء على العمل، فلله الفضل أولاً وآخراً على التوفيق للأعمال الصالحة، وعلى حصول الأعمال الصالحة.
وقد جاء في الحديث: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه)، ففرحته عند فطره لأنه أتم العبادة؛ فهو يفرح لأنه أتى بشيء مشروع تعبده الله تعالى به يرجو ثوابه، وفرحته عند لقاء ربه حيث يجد ثواب الله عز وجل على ذلك العمل الذي عمله لله عز وجل.
فيقال: (إن شاء الله) للتبرك بذكر الله عز وجل، وقال بعض أهل العلم: إن هذا فيه إشارة إلى أن الأمر كله إلى الله عز وجل، وأنه كله بيد الله سبحانه وتعالى، وليست القضية قضية معاوضة بين الله تعالى وخلقه كما تقوله المعتزلة، وأن دخول الجنة إنما هو عوض عن العمل الصالح، بل الله تعالى هو المتفضل بالأعمال الصالحة وبالتوفيق لها، ثم إنه سبحانه هو المتفضل بالثواب علها.
وقوله: [رأيت ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف].
وأورد أبو داود عن ابن عمر أنه كان يقبض بكفه على لحيته فيقطع ما زاد على الكف، يعني: ما زاد على القبضة، وهذا فعل ابن عمر رضي الله عنه ثابت عنه، ولكن الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يأخذ من لحيته شيئاً، فالأخذ بما علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المتعين، وأما ابن عمر رضي الله عنه فلا يؤخذ بقوله ولا يعول على فعله، وإنما يعول على ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أنه كان لا يأخذ في لحيته شيئاً.
وقوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) يعني: إنه كان إذا أفطر قال هذا الكلام.(272/19)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا أفطر قال ذهب الظمأ)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى أبو محمد].
عبد الله بن محمد بن يحيى أبو محمد الطرسوسي المعروف بـ الضعيف، ولقب الضعيف لهزاله ونحولة جسمه وكثرة عبادته، هذا هو وجه تلقيبه بـ الضعيف، وليس ما قد يتبادر إلى الذهن من أنه ضعيف في الرواية؛ لأن هناك نسباً تأتي قد لا تتبادر إلى الذهن، وقد يتبادر إلى الذهن غيرها، مثل لقب هذا: الضعيف؛ فإنه قد يفهم منه -لاسيما إذا كان الكلام في الرجال وحول الرجال- أنه ضعيف من حيث الرواية، وإنما هو ضعيف من حيث الجسم، ومثله راوٍ آخر يلقب الضال؛ لأنه ضل في طريق مكة وضاع، فصار يلقب الضال، وقد يتبادر إلى الذهن أنه من الضلال الذي هو ضد الهدى، وإنما ضل الطريق فقيل له: الضال، ومثل ذلك خالد الحذاء، فقد يتبادر إلى الذهن أنه كان يصنع الأحذية ويبيعها، وهو إنما كان يجلس عند الحذائين، وكذلك يزيد الفقير الذي قد يظن أنه فقير من جهة المال، وإنما كان يشكو فقار ظهره فقيل له: الفقير، فهي نسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن.
وعبد الله بن محمد بن يحيى أبو محمد الملقب الضعيف هو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا علي بن الحسن].
علي بن الحسن بن شقيق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني الحسين بن واقد].
الحسين بن واقد ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا مروان يعني: ابن سالم المقفع].
مروان بن سالم المقفع مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[قال: رأيت ابن عمر].
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره.(272/20)
شرح حديث (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا هشيم عن حصين عن معاذ بن زهرة أنه بلغه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت)].
أورد أبو داود هذا الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) وهذا الحديث مرسل؛ لأنه قال: بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كذا، فلم يذكر الواسطة، وعلى هذا فهو غير صحيح، ولكن الإنسان إذا دعا بهذا الدعاء أو بغيره من الأدعية التي لا يعتقد أنها سنة ولا يعتبر أنها ثابتة ولا يعتقد أنه حين يقولها يأتي بسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يعتقد أنه يدعو بدعاء يرجو من الله تعالى قبوله عند أداء هذه العبادة، ويسأل الله تعالى له المغفرة فلا بأس بذلك، ولكن كونه يقول: هذه سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز ذلك إلا بعد ثبوتها عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا لم يثبت؛ لأنه جاء من طريق مرسلة غير ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(272/21)
تراجم رجال إسناد حديث (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا هشيم].
هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حصين عن معاذ بن زهرة].
حصين هو ابن عبد الرحمن مر ذكره، ومعاذ بن زهرة مقبول، أخرج له أبو داود.
فمع كونه أرسله والواسطة محذوفة فالمرسل أيضاً مقبول يحتاج إلى متابعة، ولو كان ثقة فعلة الإرسال والانقطاع موجودة.(272/22)
الفطر قبل غروب الشمس(272/23)
شرح حديث أسماء (أفطرنا يوماً في رمضان في غيم في عهد رسول الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الفطر قبل غروب الشمس.
حدثنا هارون بن عبد الله ومحمد بن العلاء المعنى قالا: حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (أفطرنا يوماً في رمضان في غيم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس) قال أبو أسامة: قلت لـ هشام: أُمروا بالقضاء؟ قال: وبد من ذلك؟!].
أورد أبو داود باب الفطر قبل غروب الشمس، يعني: إذا حصل الإفطار قبل غروب الشمس ثم تبين أن الغروب ليس بصحيح وأنه لم يقع بعد غروب الشمس؛ وأن ما وقع من الفطر كان قبل غروبها، فهل يتعين القضاء أو أنه لا قضاء؟ جمهور العلماء على أن عليه أن يقضي، وبعضهم قال بأنه لا يقضي قياساً على الناسي.
وأورد أبو داود حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس، يعني: ظهرت الشمس وتبين أنها لم تغرب، وأنهم أفطروا في النهار، فقال أبو أسامة الذي يروي عن هشام: وهل قضوا؟ قال: وهل بد من القضاء؟! يعني: أنه لابد من القضاء، لأنهم حصل منهم الإفطار في وقت لا يجوز لهم الإفطار، وهذا لا يشبه الناسي؛ لأن الناسي غير مكلف أما هذا فهو مكلف، يعني: أن بإمكانه أن ينتظر وأن يحتاط، وبدلاً من أن يستعجل ينتظر، وبدلاً من أن يتقدم يتأخر، فجمهور أهل العلم على أن من أفطر قبل غروب الشمس فعليه القضاء، وبعضهم قال: إنه لا قضاء عليه قياساً على النسيان.
والصحيح أن عليه أن يقضي إذا حصل منه ذلك.(272/24)
تراجم رجال إسناد حديث أسماء (أفطرنا يوماً في رمضان في غيم في عهد رسول الله)
قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله].
هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ومحمد بن العلاء].
محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قالا: حدثنا أبو أسامة].
أبو أسامة حماد بن أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر].
هشام بن عروة ثقة مر ذكره، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير ابنة عم هشام، وهي زوجته، وهشام يروي عن زوجته فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام، وهي ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[عن أسماء بنت أبي بكر].
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها وعن الصحابة أجمعين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.(272/25)
الأسئلة(272/26)
الإتيان بدعاء (ذهب الظمأ) في الصيف وغيره
السؤال
حديث: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) هل هذا الإخبار خاص بمن حصل له ذلك في حال الصيف، أم يقوله الذي صام وإن لم يشعر بجفاف عروق ولا ظمأ؟
الجواب
الذي يبدو أنه يقال مطلقاً؛ لأن الظمأ يوجد ولكنه يتفاوت.
وهذا الذكر يقال قبل الإفطار أو بعده، والأمر في هذا واسع.(272/27)
وجه ذكر فعل ابن عمر في أخذه من لحيته في كتاب الصيام
السؤال
ما هو الارتباط بين قول مروان بن سالم المقفع: رأيت ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف، وذكر الدعاء الذي يقال عند الإفطار في حديث واحد؟
الجواب
كأنه ذكر حديثين عنه، أحدهما يتعلق بفعله والآخر يتعلق بالصيام.(272/28)
حكم أخذ الإعانات من الحكومات الكافرة
السؤال
أنا مسلم أقيم بفرنسا، والحكومة الفرنسية تمنح إعانات للمقيمين كالمنح العائلية ومنحة البطالة وغيرها، فهل يجوز لنا أخذ هذه الإعانات؟
الجواب
إذا كان الإنسان محتاجاً فيجوز له أن يأخذ.(272/29)
حكم الاعتماد على التوقيت في طلوع الفجر وغروب الشمس
السؤال
الآن أذان الفجر وأذان المغرب إنما هما مبنيان على التوقيت وليس على طلوع الفجر ولا على غروب الشمس، فهل لنا الاعتماد على ذلك في الصيام؟
الجواب
المؤذنون ليسوا على حد سواء، ففيهم الذين يجتهدون ويعتنون، وفيهم الذين ليس عندهم الدقة ولا العناية التامة، وقد يكون الفرق بين التوقيت والواقع شيئاً يسيراً، فمثلاً بعد غروب الشمس يتأخرون عن الأذان دقائق للاحتياط.
والناس يصلون الفجر بعد دخول وقت الفجر؛ لأن الصلاة تكون بعد الأذان بخمس وعشرين دقيقة أو بعشرين دقيقة، لكن ينبغي تحري الأذان وقت طلوع الفجر؛ لأن النساء يصلين بمجرد سماع الأذان.(272/30)
مقدار الوقت بين الأذان الأول والأذان الثاني في الفجر
السؤال
كم الوقت بين الأذان الأول والأذان الثاني في الفجر؟
الجواب
لا أعلم تحديد ذلك بالضبط، ولكن لابد أن يكون وقتاً كافياً لأن يصلي الإنسان وتره إذا كان قد استيقظ وهو لم يصل، أو يكفيه إذا كان يريد أن يتسحر، فالوقت الكافي يمكن أن يكون في حدود الساعة أو قريباً من الساعة، ومثل هذا الوقت وقت طيب.(272/31)
معنى قول ابن عمر (تراءى الناس الهلال)
السؤال
في حديث ابن عمر قال: (تراءى الناس الهلال) والظاهر من الحديث أنها ليست شهادة واحدة؛ لأن الناس رأوه، فما هو معنى الحديث؟
الجواب
الناس لم يروه، وإنما رآه ابن عمر فقط، وكونهم كانوا يتراءونه معناه: أن الكل كانوا يبحثون عنه ولكن ما كل من ينظر يحصله، ولا كل من يبحث عنه يحصله، وكثير من الناس ينظرون في السماء ولا يحصلونه، لكن ابن عمر حصله.(272/32)
حكم طاعة الوالدين في طلاق الزوجة
السؤال
أنا شاب متزوج من امرأة طيبة، ولي من الزواج بها خمس سنوات، ولم تنجب، وأريد علاجها، ووالدي ووالدتي يصرون على الزواج بأخرى، وأنا رافض، هل علي ذنب لأني لم أطلع والدي؟
الجواب
أنت أدرى بنفسك وأعلم بنفسك، فإذا كان عندك قدرة على الزواج ورأيت أنك تتزوج وأن المصلحة لك في أن تتزوج لعلك أن تحصل أولاداً فافعل، وكونها طيبة احتفظ بها، ولعل التي تأتي تكون أيضاً طيبة، وهذه لعلها تنجب والتي تأتي أيضاً تنجب، ولا يُدرى هل ذلك منك أو منها، ولا يدرى هل العيب فيك أو فيها، فكونك تعالج أو هي تعالج أو من يعرف فيه العيب يعالج يفعل ولا بأس، فإن كان عندك قدرة على الزواج من الثانية ويمكنك ذلك فافعل.(272/33)
حكم الاستمناء
السؤال
ما حكم من استمنى وهو صائم؟ الجواب من فعل هذا فقد فعل -والعياذ بالله- أمراً محرماً؛ لأن الاستمناء حرام في جميع الأحوال، ولكنه في الصيام يكون أشد وأعظم، والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:5 - 7] وهذا مما وراء ذلك؛ لأن (وراء ذلك) لفظ عام يشمل كل شيء غير الزوجة وغير ملك اليمين.(272/34)
شرح سنن أبي داود [273]
شرع للصائم تعجيل الفطر وتأخير السحور، ونهي عن الوصال تخفيفاً وتيسيراً، كما نهي عن الغيبة وقول الزور، وعن الفحش والجهل حتى يصون صومه من الآثام، وسن له الاستياك زيادة في التطهير.(273/1)
الوصال(273/2)
شرح حديث (أن رسول الله نهى عن الوصال)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الوصال.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟! قال: إني لست كهيئتكم؛ إني أطعم وأسقى)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان باب في الوصال أي: في حكمه، والوصال هو: أن يصل الصائم الليل بالنهار فيصوم اليومين لا يأكل بينهما شيئاً، هذا هو الوصال، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وكان يواصل عليه الصلاة والسلام.
أورد أبو داود حديث ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: إنك تواصل.
قال: إني لست كهيئتكم؛ إني أطعم وأسقى).
فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يواصل، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يواصلون اقتداءً به، فنهاهم عن الوصال، ولما نهاهم عن شيء هو يفعله صلى الله عليه وسلم ذكّروه بفعله وأنهم إنما يفعلون ذلك اقتداءً به صلى الله عليه وسلم، فقال: (إني لست كهيئتكم) أي: هناك فرق بيني وبينكم وهو أني أطعم وأسقى.
وفسر كونه يطعم ويسقى بتفسيرين: أحدهما: أن يكون على حقيقته، وأنه يطعم ويسقى حقيقة، ولكنه ليس كالذي يحصل في الدنيا من كونه يأكل ويشرب وهو صائم، ولكنه كما جاء في بعض الأحاديث: (أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني) يعني: يحصل له شيء في النوم فيحصل له ذلك حقيقة.
وقيل: إن المقصود من ذلك أنه يعطى قوة الآكل والشارب وكأنه لم يترك الأكل والشرب لما أعطاه الله عز وجل من القوة، فيكون هذا هو الفرق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونهيه إياهم عن الوصال هو من شفقته عليهم صلى الله عليه وسلم، وهو كما وصفه الله عز وجل في كتابه العزيز: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128].
وقد جاء في بعض الروايات: أنه لما رآهم راغبين بأن يفعلوا كما فعل وقد بين لهم الفرق بينه وبينهم واصل بهم في آخر الشهر وقال: (لو تأخر الهلال لزدتكم كالمنكل لهم) يعني: يريد أن يوقفهم بالفعل على ما يلحقهم من الضرر بسبب الوصال، وكون النبي صلى الله عليه وسلم يواصل هو ليس كمثلهم؛ لأن له ميزة عليهم، وهي أنه يطعم ويسقى صلى الله عليه وسلم، فيكون وصاله بهم بعد أن ألحوا بأن يفعلوا كما فعل صلى الله عليه وسلم تنكيلاً لهم؛ فإنه واصل بهم وقال: (لو تأخر الشهر لزدتكم كالمنكل لهم) يعني: أنه فعل هذا تنكيلاً بهم، وهذا يشبه ما يحصل في المشاهدة من أنه إذا كان الطفل يريد أنه يأتي إلى ويحاول أن يقع فيها فيأخذ وليه بطرف إصبعه ويلمسه شيئاً حاراً حتى يقف على الضرر، وحتى يعرف الضرر فيتركه ويبتعد عنه، فجاء النهي عن الوصال، ولكنه جاء ما يدل على جوازه إلى السحر، كما جاء في صحيح البخاري وفي غيره وكذلك سيأتي عند أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام قال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر) يعني: يوماً وليلة فقط من طلوع الفجر إلى أن يأتي وقت السحر، بحيث يتسحر فيصوم الليل والنهار، مع أن ترك الوصال هو الأولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل) ومعنى هذا: أن الترك هو الأولى، بل قد جاءت السنة بالترغيب في تأخير السحور وتعجيل الفطر وذلك للإبقاء عليهم، وفي ذلك الشفقة عليهم والرأفة بهم والرحمة بهم من الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.(273/3)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله نهى عن الوصال)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي].
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
مالك بن أنس الإمام الفقيه المحدث أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود، وهي من أعلى ما يكون عند أبي داود؛ لأن في الإسناد بين أبي داود ورسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص أو أربع وسائط.(273/4)
شرح حديث (لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد أن بكر بن مضر حدثهم عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر، قالوا: فإنك تواصل؟ قال: إني لست كهيئتكم؛ إن لي مطعماً يطعمني وساقياً يسقيني)].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو بمعنى حديث ابن عمر المتقدم يعني: نهى عن الوصال وقالوا له: إنك تواصل؟ فقال: (إني لست كهيئتكم) وفيه زيادة: (فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر) يعني: من أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر فقط، بحيث إنه يأكل في وقت السحر ليتقوى على الصيام المستقبل، يعني: ليس لأنه لو واصل حتى طلوع الفجر يكون قد واصل اليومين والليلة، ولكن كونه يواصل إلى السحر فيأكل سحوراً، ويتقوى على الصيام المستقبل، فهذا جائز، ولكن تركه أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال: وقال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل) فمعناه: من أراد فليواصل إلى كذا، وتركه أولى لكون الإنسان يصوم النهار فقط من طلوع الشمس إلى غروبها، هذا هو الأولى بدون وصال، وإن واصل فليكن إلى السحر فقط، وليس أكثر من ذلك، والراجح في النهي عن الوصال أنه للتحريم.(273/5)
تراجم رجال إسناد حديث (لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكر بن مضر].
بكر بن مضر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجة.
[عن ابن الهاد].
ابن الهاد هو: يزيد بن عبد الله بن الهاد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن خباب].
عبد الله بن خباب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري].
وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري، مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس وجابر وعائشة أم المؤمنين، ستة رجال وامرأة واحدة، رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.(273/6)
ما جاء في تحريم الغيبة على الصائم(273/7)
شرح حديث أبي هريرة (من لم يدع قول الزور والعمل به)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الغيبة للصائم.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) قال أحمد: فهمت إسناده من ابن أبي ذئب، وأفهمني الحديث رجل إلى جنبه أراه ابن أخيه].
أورد أبو داود باباً في الغيبة، يعني: كونها تحصل من الصائم، وهل تؤثر على صومه؟ الغيبة محرمة في جميع الأوقات، ولكن عندما يكون الإنسان متلبساً بعبادة يكون الأمر أشد وأعظم، وإلا فإن الغيبة محرمة دائماً وأبداً إلا ما استثني منها فيما يتعلق بنصيحة ومشورة وجرح الرواة والشهود، وما إلى ذلك من الأمور التي هي سائغة، وإلا فإن الأصل هو تحريمها دائماً وأبداً، ولكن إيرادها والتنصيص عليها في الصيام يدل على خطورتها أكثر وأشد؛ لأن المتلبس بالعبادة حصول المعصية منه أعظم من حصولها من غير متلبس بها، وكذلك كون الأمور المحرمة تحصل في بعض الأزمنة والأمكنة الفاضلة لا شك أنها أخطر وأشد من فعلها في أزمنة وأمكنة أخرى، ليست ذات ميزة وفضل وشرف على غيرها من الأزمان أو الأمكنة.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) الله عز وجل ليس بحاجة إلى العباد وإلى طاعاتهم، لا تنفعه طاعات المطيعين، ولا تضره معاصي العاصين، بل هو النافع الضار، وإنما تنفع الطاعة أصحابها، وتضر المعاصي أصحابها، فالضرر يعود عليهم، والله تعالى ليس له حاجة في أعمالهم، ولا تضره معاصيهم، وإنما هو النافع الضار سبحانه وتعالى.
قوله: [(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)].
معنى هذا أنه صام وترك الأكل والشرب وهي من الأشياء المباحة، إلا أنه حيل بينه وبينها من أجل الصيام، ولم يترك الشيء المحرم الذي لا يجوز له لا في الصيام ولا في غير الصيام مثل الغيبة، وهذا فيه بيان خطورة المعاصي، وأنها تنقص الأجر وتضعفه، وقد تكون سبباً في حرمان الأجر، ولكن لا يعني ذلك أن من حصل منه غيبة أنه يعتبر قد أفطر، وفسد صومه، وأن عليه أن يقضي يوماً آخر؛ وإنما عليه أن يستغفر الله عز وجل ويتوب مما حصل منه من الغيبة.(273/8)
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة (من لم يدع قول الزور والعمل به)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
أحمد بن عبد الله بن يونس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن أبي ذئب].
هو محمد بن الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المقبري].
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
وهو أيضاً ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
[قال أحمد: فهمت إسناده من ابن أبي ذئب، وأفهمني الحديث رجل إلى جنبه أراه ابن أخيه].
يعني: أحمد بن يونس الذي في أول الإسناد، وهو شيخ أبي داود، قال: (فهمت إسناده من ابن أبي ذئب) الذي هو شيخه، قال: وأفهمني الحديث يعني المتن رجل إلى جنبه.
قوله: [أراه ابن أخيه].
يعني: ابن أخي ابن أبي ذئب، وهذا يفيد بأنه فهم الإسناد وضبطه من ابن أبي ذئب، ولكن كأن هناك شيئاً جعله لا يضبط المتن تماماً من ابن أبي ذئب، إما لبعده أو لأمر من الأمور، أو عارض من العوارض، ولكنه ثبته له ونبهه عليه، أو بين له نفس المتن شخص إلى جنبه.(273/9)
شرح حديث أبي هريرة (الصيام جنة)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (الصيام جنة، فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم! إني صائم!)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصوم جنة) يعني: وقاية، كالجنة التي تكون على المجاهد من بيضة تكون على رأسه أو ترس يتقي به السيوف والسهام، والصوم جنة قيل: من النار، وقيل: من المعاصي، وكل منهما مراد، فالصوم من أسباب السلامة من عذاب النار، وأيضاً فيه سلامة من المعاصي؛ لأن الإنسان مع توسعه في الأكل والشرب تكون عنده القوة والنشاط الذي قد يدفعه إلى الرغبة في أمر محرم، ولكنه إذا صام فإن ذلك يضعف قوته وشهوته فيكون ذلك من أسباب الوقاية من المعاصي، قال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود الذي سبق أن مر: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، فهو جنة من المعاصي، ووقاية من النار، وكل منهما يحصل في الصوم، فالصوم من أسباب دخول الجنة، بل إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون، ولا يدخل منه أحد غيرهم، وقيل له الريان -أي: ما قيل له الصيام- مع أن غيره من الأبواب الأخرى تسمى بالأعمال كباب الصلاة وباب الصدقة وذلك أن من عطش نفسه في الدنيا فإنه يحصل له رِيٌّ في الآخرة، فيدخل من باب يقال له الريان لا يحصل معه عطش.
قوله: [(فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث)].
يعني: لا يحصل منه الفسق والفاحش من القول، فالرفث: يراد به الفاحش من القول، كما أنه يراد به الجماع، قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة:187] يعني: جماع النساء {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ} [البقرة:197]، يعني: لا جماع ولا إتيان بقول فاحش، وكذلك هنا: (لا يرفث) المقصود به الفاحش من القول.
ومن المعلوم أن الجماع أيضاً من الأشياء الممنوعة في حال الصيام.
قوله: (ولا يجهل) معناه: لا يحصل منه اعتداء أو جهل على أحد، يعني: فعلاً ليس بمحمود وإنما هو من قبيل الجهل المذموم الذي يذم صاحبه؛ ولذلك جاء في الدعاء في الخروج من المنزل: (أو أجهل أو يجهل علي) معناه أن يحصل منه اعتداء على أحد أو اعتداء من أحد عليه، ظلم منه لأحد أو ظلم أحد له.
قوله: [(فإن امرؤ قاتله أو شاتمه)].
يعني: حصل منه مسابة ومشاتمه، (فليقل: إني صائم!) وقوله: (إني صائم) قيل: إنه يقولها في نفسه حتى يذكر نفسه بالعبادة التي تكون من أسباب امتناعه من أن يقابل ذلك الذي سابه وشاتمه، أو أنه يقولها بلسانه من أجل أن يسمع ذلك الشخص حتى يعدل هو عن المسابة ويتركها، ويحتمل بأن يكون كل منهما مراداً، ويكون المقصود من ذلك تذكيره نفسه وتذكيره غيره، تذكيره في فسه بأنه صائم، والصائم ينبغي له أن يصون لسانه أكثر مما يصون غيره من المفطرين، وأيضاً يذكر غيره ممن هو يشاتمه أنه في عبادة ومتلبس بها، فيكون ذلك من أسباب كونه يقلع ويترك الاستمرار في المسابة والمشاتمة.(273/10)
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة (الصيام جنة)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن أبي الزناد].
عبد الله بن مسلمة ومالك مر ذكرهما، وأبو الزناد: هو عبد الله بن ذكوان المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج].
الأعرج هو: عبد الرحمن بن هرمز، لقبه الأعرج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة قد مر ذكره.(273/11)
ما جاء في السواك للصائم(273/12)
شرح حديث: (رأيت رسول الله يستاك وهو صائم)
قال المصنف رحمه الله: [باب السواك للصائم: حدثنا محمد بن الصباح حدثنا شريك (ح) وحدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستاك وهو صائم) زاد مسدد: (ما لا أعد ولا أحصي)].
ثم أورد أبو داود باب السوك أي: للصائم؛ لأن الترجمة في باب الصيام، وهل الصائم يستاك أو لا يستاك؟ بعض أهل العلم ذهب إلى أنه يستاك في جميع أوقات الصيام في الصباح والمساء، ويستدلون على ذلك بالأحاديث المطلقة التي جاءت في الحث على السواك، ويدخل فيها حال الصيام وغير الصيام؛ لأنه ما جاء شيء يدل على إخراج حال الصيام، فالأحاديث المطلقة دالة على الاستياك للصائم، وأنه لا مانع من الاستياك للصائم؛ لأن الأحاديث التي وردت في ذلك مطلقة، لاسيما وبعضها يقيد ذلك بكل صلاة كقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) فيشمل حال الصيام وغير الصيام.
وبعض أهل العلم قال: إنه إذا كان آخر النهار فإنه لا يستاك؛ لأنه يذهب الخلوف الذي يكون في فم الصائم والذي هو من آثار ترك الأكل والشرب، فتتصاعد أبخرة من الجوف رائحتها ليست طيبة، وقد جاء في الحديث أن شأنها عظيم عند الله عز وجل، وأنها أطيب عند الله من ريح المسك، فقالوا: إن هذا يذهب الخلوف الذي هذا شأنه.
وهذا التعليل غير صحيح؛ لأن الحديث جاء بلفظ عام ويدخل في ذلك صلاة العصر؛ لأنها من جملة الصلوات وصلاة العصر هي في العشي؛ ولهذا ترجم النسائي رحمه الله فقال: باب السواك في العشي للصائم، وأورد حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) يعني: صلاة العصر تكون في العشي، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر أمر استحباب بالسواك عند كل صلاة، وأنه لم يمنعه من الأمر -أمر إيجاب- إلا خشية المشقة على أصحابه صلى الله عليه وسلم، فـ النسائي رحمه الله من دقة فهمه واستنباطه ترجم هذه الترجمة: باب السواك بالعشي للصائم، استناداً إلى حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وصلاة العصر هي من العشي داخلة في آخر النهار.
إذاً: هذا يشمل الحالات قبل الزوال وبعد الزوال، وكون السنة جاءت في ذلك لا يقال إنه يذهب الخلوف؛ لأنه وإن حصلت رائحة طيبة في الفم إلا أن الأبخرة تتصاعد، والخلوف يصير موجوداً، وليس معناه أنه زال الخلوف والرائحة التي تظهر من الجوف، وإنما هذا تطييب للفم، وقد جاء عند النسائي رحمه الله حديث: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب).
أورد أبو داود حديث عامر بن ربيعة أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم) -زاد أحد الرواة: ما لا أحصي يعني: كثيراً، فهذا فيه التنصيص على السواك للصائم، لكن الحديث ضعيف، والذي ورد هو الأحاديث المطلقة ومن بينها الحديث الذي أشرت إليه وهو: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) فيشمل الصائم وغير الصائم.(273/13)
تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله يستاك وهو صائم)
قوله: [حدثنا محمد بن الصباح].
محمد بن الصباح البزاز، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شريك].
شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق كثير الخطأ، ساء حفظه لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[(ح) وحدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى].
يحيى: هو ابن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
سفيان وهو الثوري: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم بن عبيد الله].
عاصم بن عبيد الله هو ضعيف، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عامر بن ربيعة].
عبد الله بن عامر بن ربيعة وهو ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ووثقه العجلي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
عامر بن ربيعة وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.(273/14)
ما جاء في الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق(273/15)
شرح حديث (رأيت النبي أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر)
قال المصنف رحمه الله: [باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال: تقووا لعدوكم، وصام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) قال أبو بكر قال الذي حدثني: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالعرج يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر)].
ثم أورد أبو داود باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق.
يعني: ما حكم ذلك؟ فكون الإنسان يصب على نفسه الماء ويتبرد لا بأس بذلك، وقد جاء ما يدل عليه، وأما المبالغة في الاستنشاق فلا يبالغ في الاستنشاق وهو صائم؛ لأنه استثنى حالة الصيام من المبالغة في الاستنشاق؛ فالإنسان لا يبالغ؛ لأن مبالغته قد تؤدي إلى أن يذهب إلى جوفه شيء بسبب هذه المبالغة، ولكنه يستنشق بدون مبالغة، والصائم يصب على نفسه الماء من أجل التبرد ومن أجل تخفيف الحر والعطش عليه، وكذلك يتمضمض ولكنه يبالغ عندما يتوضأ في الاستنشاق إلا في حال الصيام، فإنه منهي عنه.
أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في غزوة الفتح.
قوله: [(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر، وقال: تقووا لعدوكم)].
فهم سافروا في رمضان إلى مكة لفتحها، وأمرهم بالإفطار ليتقووا بذلك على جهاد العدو؛ لأنهم إذا كانوا صائمين يحصل لهم ضعف بسبب الصيام، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بالإفطار ليتقووا، ويكون عندهم قوة ونشاط بسبب الأكل والشرب على عدوهم، وصام صلى الله عليه وسلم، وكان يصب على رأسه الماء من الحر أو العطش -شك من الراوي- فهذا يدل على جواز صب الماء من الصائم على نفسه من أجل الحر، ومن أجل تخفيف الحرارة التي عليه بسبب بالبرودة التي تكون على جسمه من الماء البارد، وأما الاستنشاق فإنه يبالغ فيه إذا لم يكن صائماً، أما إذا كان صائماً فإنه لا يبالغ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً).
قوله: [العرج].
العرج: مكان معروف عندهم.(273/16)
تراجم رجال إسناد حديث (رأيت النبي أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سمي مولى أبي بكر].
سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بكر بن عبد الرحمن].
أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وأبو بكر بن عبد الرحمن هذا أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، الذين هم أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، هؤلاء الثلاثة مختلف في عدهم في الفقهاء السبعة على ثلاثة أقوال في السابع منهم، ومن عداهم فإنه متفق على عده وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وخارجة بن زيد بن ثابت وعروة بن الزبير بن العوام والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وسليمان بن يسار وسعيد بن المسيب.
[عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم].
لا أعرف عنه شيئاً، وجهالة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لا تؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم.(273/17)
شرح حديث (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثني يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)].
أورد أبو داود حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فهذا يدل على أن الصائم لا يبالغ في الاستنشاق؛ لئلا يعرض نفسه لإدخال شيء إلى جوفه بسبب هذه المبالغة: (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) وهذا يدلنا على وجوب الاستنشاق؛ لأنه لو كان غير واجب ما كان هناك حاجة إلى الأمر به، وأن الإنسان يبالغ فيه إلا في حالة الصيام.
وكذلك القطرة في الأنف لا تجوز حال الصيام؛ لأنها تصل إلى الجوف مثل الماء، والقطرة في العين لا بأس بها.(273/18)
تراجم رجال إسناد حديث (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
قتيبة بن سعيد مر ذكره.
[حدثني يحيى بن سليم].
يحيى بن سليم، وهو صدوق سيء الحفظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسماعيل بن كثير].
إسماعيل بن كثير، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن عاصم بن لقيط بن صبرة].
عاصم بن لقيط بن صبرة، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن أبيه لقيط بن صبرة].
وهو صحابي أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن، الثلاثة هؤلاء كلهم أخرج لهم البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.(273/19)
شرح سنن أبي داود [274]
وردت أحاديث مختلفة في الاحتجام للصائم، وقد بين العلماء الصحيح منها والضعيف، فيجب على المسلم أن يتعلم الأحكام المتعلقة بذلك حتى يعبد الله على بصيرة.(274/1)
ما جاء في الصائم يحتجم(274/2)
شرح حديث ثوبان (أفطر الحاجم والمحجوم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الصائم يحتجم.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن هشام (ح) وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا حسن بن موسى حدثنا شيبان جميعاً عن يحيى عن أبي قلابة عن أبي أسماء -يعني: الرحبي - عن ثوبان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفطر الحاجم والمحجوم)].
ثم أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في الصائم يحتجم أي: للصائم هل يحتجم أو لا يحتجم؟ ووردت الأحاديث في ذلك في الإفطار بها وفي فعلها، وأحاديث الإفطار بها هي الأرجح والأولى، والأخذ بها هو الأولى؛ لأن أحاديث الإفطار صريحة وواضحة في الإفطار، وأما الأحاديث الأخرى فهي محتملة.
ثم أيضاً هي باقية على الأصل وأحاديث الإفطار ناقلة عن الأصل كما قال ذلك ابن القيم رحمه الله، والناقل أولى من المبقي على الأصل.
أورد أبو داود حديث ثوبان؛ لأنه بدأ بأحاديث الإفطار كونها تفطر، فأورد حديث ثوبان وهو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) يعني: حيث حجم أو حصلت الحجامة في النهار وفي حال الصيام فإن الحاجم والمحجوم كل منهما قد أفطر، المحجوم لكونه خرج منه ذلك الدم الذي يكون سبباً في ضعفه، والحاجم: لأنهم كانوا فيما مضى يمصون المحجم بأفواههم، فقد يدخل بسبب هذا المص شيء من الدم إلى حلقه، وهو إن لم يكن متحققاً إلا أنه مظنة؛ ولهذا جاء أن النوم ينقض الوضوء؛ لأنه مظنة النقض، أي: مظنة أن يخرج منه ريح وهو نائم لا يدري عنها، وكذلك المص مظنة.
أما إذا كانت الحجامة بدون مص فإنه يفطر المحجوم دون الحاجم، كما حصل اليوم فيما بعد من وجود حجامة بدون أن يمص المحاجم، ويصل إلى جوفه شيء، فليس هناك شيء يتعلق به من حيث كونه مظنة الإفطار، وإنما الذي حصلت له الحجامة هو المحجوم، فقوله صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) أي: على ما كان معهوداً عندهم من أن الحاجم يمص المحاجم بفمه، وأن ذلك مظنة دخول شيء إلى جوفه من الدم الذي في المحاجم.(274/3)
تراجم رجال إسناد حديث ثوبان (أفطر الحاجم والمحجوم)
قوله: [حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن هشام.
مسدد ويحيى مر ذكرهما وهشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[(ح) وحدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن حنبل وهو الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حسن بن موسى].
حسن بن موسى الأشيب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شيبان].
شيبان بن عبد الرحمن النحوي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[جميعاً عن يحيى].
يحيى هو ابن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة].
أبو قلابة: هو عبد الله بن زيد الجرمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي أسماء يعني: الرحبي].
وهو عمرو بن مرثد، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ثوبان].
ثوبان، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[قال شيبان في حديثه: قال: أخبرني أبو قلابة أن أبا أسماء الرحبي حدثه أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم].
يظهر والله أعلم أنه أراد التصريح؛ لأنه هنا قال شيبان قال: أخبرني أبو قلابة أن أبا أسماء الرحبي حدثه أن ثوبان أخبره.
فهو نفس الإسناد، لكنه ساقه على سياق هشام بن أبي عبد الله الدستوائي أولاً، وذكر بعد ذلك تصريح شيبان بسماع يحيى بن أبي كثير من أبي قلابة، لأنه مدلس فهنا صرح بالسماع.(274/4)
شرح حديث شداد بن أوس (أفطر الحاجم والمحجوم)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا حسن بن موسى حدثنا شيبان عن يحيى قال: حدثني أبو قلابة الجرمي أنه أخبره أن شداد بن أوس بينما هو يمشي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فذكر نحوه].
أورد حديثاً آخر عن شداد بن أوس رضي الله عنه وهو مثل حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، يعني: وجد رجلاً يحجم لآخر فقال: (أفطر الحاجم والمحجوم) مثل الذي قبله.(274/5)
تراجم رجال إسناد حديث شداد بن أوس (أفطر الحاجم والمحجوم)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
مر ذكره.
[حدثنا عن حسن بن موسى حدثنا شيبان عن يحيى قال: حدثني أبو قلابة الجرمي أنه أخبر أن شداد بن أوس].
قد مر ذكرهم، وشداد بن أوس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(274/6)
شرح طريق أخرى لحديث شداد بن أوس (أفطر الحاجم والمحجوم)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم، وهو آخذ بيدي لثمان عشرة خلت من رمضان فقال: أفطر الحاجم والمحجوم)].
ثم أورد حديث شداد بن أوس من طريق أخرى، وفيه قوله: [(أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل بالبقيع وهو يحتجم وهو آخذ بيدي)].
يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم آخذ بيد شداد بن أوس، والرجل أتى عليه وهو يحتجم، وكان ذلك في رمضان.
قوله: [لثمان ثمان عشرة] وهذا يدل على ضبط ما أخذه وما رواه؛ لأنه ذكر الهيئة التي كان عليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر الزمان والمكان، فهذا يدل على الضبط، وأنه قد ضبط الشيء الذي يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أفطر الحاجم والمحجوم).(274/7)
تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث شداد بن أوس (أفطر الحاجم والمحجوم)
قوله: [قال حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا وهيب].
وهيب بن خالد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أيوب].
أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة عن أبي الأشعث].
أبو قلابة مر ذكره، وأبو الأشعث هو شراحيل بن آده.
ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن شداد بن أوس].
شداد بن أوس قد مر ذكره.
[قال أبو داود: روى خالد الحذاء عن أبي قلابة بإسناد أيوب مثله].
يعني: بإسناد أيوب هذا الأخير الذي مر، وهو الطريق الأخيرة من هذه الطرق.
وقوله: (مثله) أي: ما يطابقه في اللفظ والمعنى.
فإن كلمة (مثل) تعني المماثلة باللفظ والمعنى، وكلمة (نحوه) تعني المماثلة بالمعنى مع الاختلاف في اللفظ.
وقوله: [خالد الحذاء].
هو خالد الحذاء: خالد بن مهران الحذاء، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(274/8)
شرح حديث ثوبان (أفطر الحاجم والمحجوم) من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن بكر وعبد الرزاق (ح) وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل -يعني: ابن إبراهيم - عن ابن جريج قال: أخبرني مكحول أن شيخاً من الحي -قال عثمان في حديثه: مصدق- أخبره أن ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبره أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أفطر الحاجم والمحجوم)].
ثم أورد حديث ثوبان رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم في الطريق الأولى وما بعدها: (أفطر الحاجم والمحجوم).(274/9)
تراجم رجال إسناد حديث ثوبان (أفطر الحاجم والمحجوم) من طريق ثانية
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن بكر].
أحمد بن حنبل مر ذكره، ومحمد بن بكر هو البرساني، صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[(ح) وحدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا إسماعيل يعني: ابن إبراهيم].
هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، المشهور بـ ابن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
ابن جريج: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: أخبرني مكحول].
وهو الشامي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[أن شيخاً من الحي].
ذكر الحافظ في المبهمات أنه يقال: إنه أبو أسماء، وسيأتي من طريق أخرى من طريق بعده وفيه التصريح برواية مكحول عن أبي أسماء.
[عن ثوبان].
ثوبان مر ذكره.(274/10)
شرح حديث ثوبان (أفطر الحاجم والمحجوم) من طريق ثالثة وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد حدثنا مروان حدثنا الهيثم بن حميد أخبرنا العلاء بن الحارث عن مكحول عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أفطر الحاجم والمحجوم)].
ثم ذكر الحديث من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.
قوله: [حدثنا محمود بن خالد].
محمود بن خالد الدمشقي، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا مروان].
مروان بن محمد وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا الهيثم بن حميد].
الهيثم بن حميد، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[أخبرنا العلاء بن الحارث].
العلاء بن الحارث، وهو صدوق أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن مكحول عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان].
وقد مر ذكرهم.(274/11)
رواية ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول لحديث (أفطر الحاجم والمحجوم)
[قال أبو داود: ورواه ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول بإسناده مثله].
ابن ثوبان وهو: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن مكحول].
مكحول مر معنا.(274/12)
حكم تحليل الدم للصائم
وتحليل الدم هو من نوع الحجامة إذا كان الدم كثيراً، وكذلك التشريط هو منها؛ لأن المجرى واحد.
وإذا كان التحليل يسيراً لم يضر كمعرفة فصيلة الدم.(274/13)
الرخصة في الحجامة للصائم(274/14)
شرح حديث (أن رسول الله احتجم وهو صائم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرخصة في ذلك.
حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احتجم وهو صائم)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب الرخصة في ذلك يعني: في الحجامة للصائم، وبعض أهل العلم أخذ بالأحاديث التي جاءت في الرخصة وقال: إنه لا بأس بها، وإنه مرخص فيها، وبعضهم قال: إن أحاديث النهي مقدمة عليها، وأنها يحصل بها الإفطار، وهذا لا يوجد فيه تنصيص، وإنما فيه أنه حصل أنه احتجم، لكن هل ترتب على ذلك إفطار أم لا؟ ثم أيضاً قالوا: إن هذا مبقٍ على الأصل، وهو الحل والإباحة، وذاك ناقل عن الأصل إلى التحريم، وهو الإفطار فيقدم.
فأورد أبو داود حديث ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم) وهذا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس فيه دليل على أنه لا يحصل به الإفطار؛ لأن الحديث السابق نص في الإفطار، وأما قوله: (احتجم هو صائم) فلا يوجد فيه شيء يدل على أنه ما أفطر، وإنما حصل أنه احتجم، لكن هل أفطر أو ما أفطر؟ لا يزال الأمر فيه خفاء.
ثم أيضاً: هذا كما قال ابن القيم: باق على الأصل، وذاك ناقل عن الأصل، والناقل أولى من المبقي.
والأحاديث وردت على أربع حالات، فورد النهي عن الحجامة وهو صائم، وورد أنه احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم، وورد أنه احتجم وهو محرم وصائم، أربع حالات، منها: ثلاث حالات صحيحة، وحالة غير صحيحة، وأنه احتجم وهو محرم وصائم.(274/15)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله احتجم وهو صائم)
قوله: [حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو].
أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الوارث].
عبد الوارث بن سعيد العنبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب عن عكرمة].
أيوب مر ذكره، عن عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: رواه وهيب بن خالد عن أيوب بإسناده مثله].
ووهيب بن خالد وأيوب مر ذكرهما.
قال: [وجعفر بن ربيعة وهشام -يعني: ابن حسان - عن عكرمة عن ابن عباس مثله].
وجعفر بن ربيعة هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهشام بن حسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(274/16)
شرح حديث (أن رسول الله احتجم وهو صائم محرم)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احتجم وهو صائم محرم)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم) يعني: أنه جمع الحالتين: الصيام والإحرام، وهذه الرواية ضعيفة.(274/17)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله احتجم وهو صائم محرم)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن أبي زياد].
يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن مقسم].
مقسم مولى ابن عباس وهو صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن ابن عباس].
ابن عباس وقد مر ذكره.(274/18)
شرح حديث (أن رسول الله نهى عن الحجامة والمواصلة)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن عبد الرحمن بن عابس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الحجامة والمواصلة، ولم يحرمهما إبقاءً على أصحابه، فقيل له: يا رسول الله! إنك تواصل إلى السحر، فقال: إني أواصل إلى السحر وربي يطعمني ويسقيني)].
أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة).
قوله: [(نهى عن الحجامة)] يعني: للصائم، [(والمواصلة)] في حق الصائم.
قوله: [(ولم يحرمهما إبقاءً على أصحابه)].
يعني: هكذا فهم الصحابي، ولكنه جاء عنه قوله: (أفطر الحاجم والمحجوم) وهذا يدل على أنه يحصل الفطر، ومن اضطر إلى ذلك فإنه يباح له أن يحتجم بالنهار، ولكنه يفطر، ولكن كونه يحتجم ولا يحصل له الإفطار هذا هو الذي فيه الإشكال.
قوله: [(فقيل له: يا رسول الله! إنك تواصل إلى السحر؟ فقال: إني أواصل إلى السحر وربي يطعمني ويسقيني)].
وقد جاء أنه يواصل الأيام، وأنه واصل بهم أياماً في آخر الشهر، وقال: (لو تأخر الشهر لزدتكم) كالمنكل لهم، وهنا يدل على أنه كان يواصل إلى السحر، ولكنه جاء عنه الترخيص في المواصلة إلى السحر كما في صحيح البخاري وفي غيره كما مر آنفاً.(274/19)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله نهى عن الحجامة والمواصلة)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي].
أحمد بن حنبل مر ذكره، وعبد الرحمن بن مهدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
سفيان هو الثوري مر ذكره.
[عن عبد الرحمن بن عابس].
عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
عبد الرحمن بن أبي ليلى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(274/20)
شرح حديث (ما كنا ندع الحجامة للصائم إلا كراهية الجهد)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان -يعني: ابن المغيرة - عن ثابت قال: قال أنس رضي الله عنه: (ما كنا ندع الحجامة للصائم إلا كراهية الجهد)].
يعني: كراهية المشقة التي تحصل بسبب إخراج الدم منه، وهذا دليل على ما ترجم له المصنف من الترخيص في ذلك، وهذا كما فهمه أنس رضي الله عنه، وقد جاء عن عدد من الصحابة وأظن أنساً واحداً منهم أنهم كانوا يحتجمون بالليل ويتجنبون الحجامة في النهار، حيث ذكره في الحاشية قال: وروي عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يحتجمون ليلاً منهم ابن عمر وأبو موسى الأشعري وأنس بن مالك.(274/21)
تراجم رجال إسناد حديث (ما كنا ندع الحجامة للصائم إلا كراهية الجهد)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن سليمان يعني: ابن المغيرة].
عبد الله بن مسلمة مر ذكره، وسليمان بن المغيرة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت].
ثابت بن أسلم البناني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(274/22)
دلالة أحاديث الحجامة على الإفطار بكل ما يخرج من الشخص وهو صائم
ثم أحاديث الحجامة التي مرت، والتي فيها حصول الإفطار بالحجامة، فيها دليل على أن الإفطار يكون بما يخرج كما يكون بما يدخل؛ لأن الحجامة هي إخراج دم، فالإفطار يكون بالداخل كالأكل والشرب، ويكون بالخارج كالدم الذي يخرج سواء عن طريق الحجامة أو عن طريق الفصد أو عن طريق التشريط، وكذلك التقيؤ وكذلك يفطر الشخص بإخراج المني؛ لأن الفطر يحصل بما يخرج.(274/23)
الأسئلة(274/24)
حكم من ترك أعمال الجوارح مع تلفظه بالشهادتين
السؤال
من ترك أعمال الجوارح مع تلفظه بالشهادتين ووجود أصل الإيمان القلبي، هل يكفر أو لا يكفر؟
الجواب
معلوم أن من أعمال الجوارح الصلاة، ومن يتركها فإنه يكون كافراً.(274/25)
العمل جزء من الإيمان
السؤال
هل العمل شرط صحة أم شرط كمال في الإيمان؟
الجواب
العمل هو جزء من الإيمان، ولكن هذا الجزء يتفاوت من حيث القوة والضعف، يعني: يوجد فيه شيء تركه لا يترتب عليه مضرة لاسيما إذا كان من المستحبات، ويوجد فيه شيء تركه يترتب عليه المضرة ويترتب على تركه الكفر.(274/26)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم (يطعمني ويسقيني)
السؤال
هل جاء في معنى: (يطعمني ويسقيني) أن يعطى العلم الشرعي؟
الجواب
العلم الشرعي لا دخل له في قوة الجسم؟ وإنما الكلام في القدرة على الصيام، وهذا ما أتى ولا أظنه يأتي، والعلم الشرعي ما أتانا إلا منه صلى الله عليه وسلم، ولكن المعنى: أعطاه قوة الآكل الشارب.(274/27)
حكم من أفطر في جدة على أذان الحرم
السؤال
رجل كان في جدة وكان صائماً في رمضان، فلما سمع أذان الحرم المكي في التلفاز أفطر، وما زال لم يؤذن في جدة إلا بعد دقيقة، فهل صيامه صحيح؟
الجواب
صيامه صحيح، لأن الفرق يسير جداً.(274/28)
حكم من نوى الوصال إلى السحر ثم أفطر
السؤال
من نوى أن يواصل إلى السحر، فهل يجوز له أن يفطر قبل السحر؟
الجواب
يجوز له؛ لأنه ليس بواجب؛ وهذا شيء راجع إليه، إن أراد يواصل واصل، وإن أراد أن يفطر أفطر، والأولى له ألا يواصل، بل يعجل الفطر عند غروب الشمس.(274/29)
مقدار وقت السحور لمن أراد الوصال
السؤال
كم يكون وقت السحور قبل الصبح للذي يريد الوصال؟
الجواب
لا يوجد تحديد، لكن وقته مقدار ما يأكل ويشبع من الطعام.(274/30)
أفضلية ترك العمل بالوصال
السؤال
هل ترك الوصال إلى السحر مطلقاً أفضل أم العمل به في بعض الأحيان إعمالاً بالسنة التي جاءت به عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
ترك العمل به أحسن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، وقال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل) يعني: من كان مواصلاً فليفعل كذا وكذا، وليس بسنة، وليس معناه أنه يسن للناس أن يواصلوا إلى السحر، وإنما يجوز لهم أن يواصلوا، ولا شك أنه يثاب على ذلك إن شاء الله.(274/31)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم (إني أطعم وأسقى)
السؤال
ما هو الراجح في قوله: (إني لست كهيئتكم، إني أطعم وأسقى) على الحقيقة؟
الجواب
هو محتمل، وكل من المعنيين اللذين ذكرها العلماء يحصل به المقصود، والله تعالى أعلم بالواقع.
فقيل إنه يعطى القوة بما يكون بينه وبين ربه من المناجاة والدعاء، أي أن اشتغاله بعبادة الله عز وجل تجعل عنده قوة، وتجعله لا يفكر في الأكل والشرب، وهذا هو الذي أشار إليه ابن القيم في أبيات ذكرها على سبيل التمثيل: لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتليهيها عن الزاد(274/32)
الجهر بقول (إني صائم) للحاجة لا يدخل في الرياء
السؤال
هل الجهر بقول: (إني صائم) يدخل في الرياء إن كان الصوم تطوعاً؟
الجواب
لا يدخل في الرياء؛ لأن هذا مأذون به شرعاً، وفيه مصلحة وفائدة له ولغيره.(274/33)
حكم استخدام فرشاة الأسنان للصائم
السؤال
هل تقاس الفرشاة بمعجون الأسنان على السواك للصائم؟
الجواب
الأولى للإنسان ألا يفعلها، وإن فعلها ولم يصل إلى جوفه شيء فلا بأس.(274/34)
حكم بلع الصائم الريق المخلوط ببقايا السواك
السؤال
هل يجوز ابتلاع ما يبقى في الفم من طعم السواك الرطب؟
الجواب
إذا كان هناك المقصود به الريق، فالريق يبلعه الإنسان، وأما إذا كان فيه حبيبات أو قطع، فالإنسان لا يبلعها وإنما يلقيها.(274/35)
حكم أكل المفطر من موائد الصائمين في الحرم
السؤال
هل يجوز الإفطار لغير الصائم في مأدبة الصائمين في شهر رمضان وغير رمضان، الموضوعة في الحرم؟
الجواب
هذا الأكل مبذول لمن يفطر سواء كان محتاجاً أو غير محتاج، وأما كون الإنسان غير صائم ثم يأتي يأكل، فهذا غير طيب، أولاً: لأنه يزاحم الصائمين، الأمر الثاني: لأنه يوهم الناس أنه صائم وليس بصائم، فيكون ممن يحمد بما لم يفعل.(274/36)
الجمع بين قوله (إني أطعم وأسقى) وبين فعله أنه صب على نفسه الماء من العطش وهو صائم
السؤال
جاء أنه صلى الله عليه وسلم صب على نفسه الماء لأجل العطش، وقد سبق أنه قال: (إني أطعم وأسقى) فكيف الجمع بينهما؟
الجواب
لا توجد منافاة؛ لأن ذاك الحديث كان في الوصال، وأما هذا فكان في شدة حر، وكان يصب على نفسه، فلا تنافي بين هذا وهذا.(274/37)
أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالإفطار لأجل الغزو لا السفر
السؤال
أمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالإفطار عام الفتح، هل كان لكونهم في سفر أم لكونهم ذهبوا في الغزو؟
الجواب
لكونهم ذهبوا للغزو، وأما الصوم في السفر فجائز، فيجوز للإنسان أن يصوم في السفر ويجوز له أن يفطر، وهذا إذا كان يترتب عليه مشقة فالفطر أولى، وإذا كان لا يترتب عليه مشقة فالصيام أولى؛ لأنه إبقاء على الوقت وتخلص من الدين أن يقع في ذمته، لأنه قد ينشغل عنه، وقد يترتب عليه تأخيره، فيبادر بالصيام ما دام أنه ليس عليه فيه مشقة.(274/38)
شرح سنن أبي داود [275]
وردت السنة النبوية بأمور لا تضر الصيام كالاحتلام والقيء من غير عمد والقبلة ما لم ينزل وغير ذلك، وما ورد من الفطر بالاكتحال فضعيف، وأما التقبيل مع مص اللسان فلا يصح كما أوضحه الأئمة.(275/1)
ما جاء في الصائم يحتلم نهاراً في شهر رمضان(275/2)
شرح حديث (لا يفطر من قاء ولا من احتلم)
قال المصنف رحمه الله: [باب في الصائم يحتلم نهاراً في شهر رمضان.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن زيد بن أسلم عن رجل من أصحابه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يفطر من قاء، ولا من احتلم، ولا من احتجم)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في الصائم يحتلم نهاراً في شهر رمضان.
الاحتلام: هو ما يحصل في النوم من استمتاع يخرج بسببه ماء فيجب معه الغسل، وهو ليس داخلاً تحت اختيار الإنسان، وليس مكلفاً فيه؛ لأن هذا خارج عن إرادته، ولا شأن له فيه؛ ولهذا فإنه لا دخل له في الصيام ولا يؤثر فيه؛ لأنه ما فعل شيئاً يوجب الإفطار، وإنما هذا شيء خارج عن إرادته فلا تأثير له على صيامه.
قوله: [(لا يفطر من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم)].
محل الشاهد منه قوله: (احتلم) وأما: (قاء) ففيه تفصيل، فإن كان قيؤه عن إرادته ومشيئته فإنه يفطر، وإن ذرعه القيء وليس له دخل فيه فإنه لا يفطر، وأما: (من احتجم) فقد سبق أن عرفنا الخلاف في ذلك، وأن القول الصحيح هو أنه يحصل به الإفطار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم)(275/3)
تراجم رجال إسناد حديث (لا يفطر من قاء ولا من احتلم)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
محمد بن كثير العبدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
سفيان هو الثوري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن أسلم].
زيد بن أسلم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن رجل من أصحابه].
وهذا مبهم، وهذا هو سبب ضعف الحديث، فالحديث ضعيف؛ لأن فيه رجلاً مبهماً، والمبهم غير معروف، فلا يكون الإسناد صحيحاً، ولا يكون الحديث صحيحاً؛ لوجود هذا الضعف الذي فيه، وهو ذكر الرجل المبهم، بل لو عرف وسمي وجهلت حاله فإنه لا يحتج به، وهنا غير مذكور الاسم ولا يعرف من هو.
[عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم].
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تؤثر فيهم الجهالة، وإنما تؤثر في غيرهم؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم رضي الله عنهم وأرضاهم، وأما غيرهم فلابد من معرفة حاله ومعرفة ثقته وعدالته أو ضعفه أو أنه يحتج به أو لا يحتج به، وأما الصحابة رضي الله عنهم فكلهم عدول، والمجهول فيهم في حكم المعلوم.(275/4)
ما جاء في الكحل عند النوم للصائم(275/5)
شرح حديث (أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الكحل عند النوم للصائم.
حدثنا النفيلي حدثنا علي بن ثابت حدثني عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم، وقال: ليتقه الصائم)].
أورد أبو داود باباً في الاكتحال فقال: باب في الكحل عند النوم للصائم.
والاكتحال عند النوم ليس فيه إشكال؛ لأن اكتحال الإنسان عندما ينام في الليل ليس واقعاً في وقت الصيام، ولكن الكلام في الاكتحال في الصيام، ولا بأس به، والحديث الذي ورد في هذا ضعيف لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيه رجل مجهول، فالاكتحال سائغ وجائز، ولا بأس به، وقد جاء عن بعض الصحابة أنهم لا يرون بذلك بأساً، وليس هناك شيء يدل على المنع منه، وعلى أنه يحصل به الإفطار، فالصحيح أنه لا يحصل به إفطار وأنه لا مانع منه.(275/6)
تراجم رجال إسناد حديث (أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم)
قوله: [حدثنا النفيلي].
النفيلي: عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا علي بن ثابت].
علي بن ثابت، وهو صدوق ربما أخطأ أخرج له أبو داود والترمذي.
[حدثني عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة].
عبد الرحمن بن النعمان بن معبد، وهو صدوق ربما غلط، أخرج له أبو داود.
[عن أبيه].
وهو مجهول أخرج له أبو داود.
[عن جده].
جده معبد (صحابي) رضي الله عنه وهو صحابي أخرج له أبو داود.
[قال أبو داود: قال لي يحيى بن معين: هو حديث منكر، يعني: حديث الكحل].
وهذا تضعيف للحديث.(275/7)
شرح حديث أنس (أنه كان يكتحل وهو صائم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا وهب بن بقية أخبرنا أبو معاوية عن عتبة أبي معاذ عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك: أنه كان يكتحل وهو صائم].
أورد أبو داود هذا الأثر عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه كان يكتحل وهو صائم، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ممن فعل ذلك وهو صائم، أي: أنه لم ير بالكحل بأساً في حق الصائم، وأن للإنسان أن يكتحل وهو صائم، ولا يؤثر ذلك على صومه.(275/8)
تراجم رجال إسناد حديث أنس (أنه كان يكتحل وهو صائم)
قوله: [حدثنا وهب بن بقية].
وهب بن بقية الواسطي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
[أخبرنا أبو معاوية].
هو: محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عتبة أبي معاذ].
عتبة أبي معاذ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس].
عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(275/9)
شرح أثر إبراهيم النخعي أنه كان يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي ويحيى بن موسى البلخي قالا: حدثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش قال: ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم، وكان إبراهيم يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر].
أورد أبو داود عن الأعمش أنه قال: ما علمت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم، يعني: أنه لا بأس به، وكان إبراهيم -يعني: النخعي - يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر.
فهذه كلها آثار عن بعض الصحابة والتابعين، لأن الأعمش من صغار التابعين، وهو يقول: ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل، يعني: فكأن هذا شيء مشهور ومعروف عندهم، وأن كثيرين يرون أنه لا بأس بالكحل للصائم، وإبراهيم النخعي هو من الفقهاء المعروفين.(275/10)
تراجم رجال إسناد أثر إبراهيم النخعي أنه كان يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر
قوله: [حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي].
محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[ويحيى بن موسى البلخي].
يحيى بن موسى البلخي، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى بن عيسى].
يحيى بن عيسى، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن الأعمش].
الأعمش هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وإبراهيم هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(275/11)
الصائم يستقيء عامداً(275/12)
شرح حديث (من ذرعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصائم يستقيئ عامداً.
حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من ذرعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء، وإن استقاء فليقض)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب الصائم يستقيئ عامداً.
يعني: ما حكم ذلك؟ والحكم أن عليه القضاء، وأما إذا كان غير عامد فإنه لا قضاء عليه؛ لأن هذا شيء خارج عن إرادته، فما كان بفعله وكسبه وإرادته ومشيئته فإنه يكون مؤثراً ويكون قد أفطر به، وإذا كان من غير اختياره ومشيئته بل حصل من غير قصده، فإنه ليس عليه قضاء.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه) يعني: من حصل له القيء من غير فعله ولا تسببه فإنه لا قضاء عليه؛ لأن هذا خارج عن إرادته.
قوله: [(وإن استقاء فليقض)].
يعني: طلب القيء، فالألف والسين والتاء تدل على الطلب، فمعناه: أنه طلب القيء وعالجه وجذبه، فإنه عليه القضاء، وهذا من الأدلة الدالة على أن الإفطار يكون بما يخرج -مثلما مر بنا في الحجامة- كما أنه يكون بما يدخل، وهذا من الإفطار بما يخرج؛ لأن القيء خروج من الفم، فمتعمده يكون عليه القضاء.(275/13)
تراجم رجال إسناد حديث (من ذرعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عيسى بن يونس].
عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن حسان].
هشام بن حسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن سيرين].
محمد بن سيرين، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
[قال أبو داود: رواه أيضاً حفص بن غياث عن هشام مثله].
حفص بن غياث، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهشام هو هشام بن حسان [مثله] يعني: مثل الذي تقدم.(275/14)
شرح حديث (أن رسول الله قاء فأفطر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو حدثنا عبد الوارث حدثنا الحسين عن يحيى حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يعيش بن الوليد بن هشام أن أباه حدثه قال: حدثني معدان بن طلحة أن أبا الدرداء رضي الله عنه حدثه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاء فأفطر، فلقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد دمشق فقلت: إن أبا الدرداء حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاء فأفطر قال: صدق، وأنا صببت له وضوءه صلى الله عليه وآله وسلم)].
أورد أبو داود حديث أبي الدرداء وحديث ثوبان رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر) يعني: بسبب القيء والمقصود بذلك التعمد؛ لأنه سبق أنه قال: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء) وهنا قال: إنه قاء، يعني: يمكن أن فعله لأمر احتاج إلى دفعه، أو جعله يفعل ذلك، فأفطر بسبب القيء؛ لأنه فعل ذلك عمداً، ولا يحمل على أنه حصل من غير اختياره؛ لأنه سبق أن جاء النص عنه صلى الله عليه وسلم، بأن من ذرعه القيء فإنه لا قضاء عليه، وإنما الكلام في كونه متعمداً ومقصوداً، وذلك لحاجة ولأمر دعاه أن يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم وهو يدل على حصول الإفطار بالقيء، إذا تعمد الإنسان ذلك، والترجمة التي عقدها المصنف هي في فعل ذلك عامداً، فأورد الحديث من فعله، وأورد حديثاً آخر من قوله، وأن القيء عمداً يحصل به الإفطار.
قوله: [فلقيت ثوبان].
معنى هذا أنه حدث عن أبي الدرداء وعن ثوبان، فهو عن صحابيين، هما أبو الدرداء وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وأنا صببت عليه وضوءه).
وهذا الحديث فيه الإشارة إلى نقض الوضوء بالقيء، قال: (وأنا صببت عليه وضوءه) يعني: بسبب القيء.(275/15)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله قاء فأفطر)
قوله: [حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو].
أبو معمر: هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الوارث].
عبد الوراث بن سعيد العنبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الحسين].
الحسين بن ذكوان المعلم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى].
يحيى بن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي].
عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يعيش بن الوليد بن هشام].
يعيش بن الوليد بن هشام، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[أن أباه حدثه].
أبو: ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[قال: حدثني معدان بن طلحة].
معدان بن طلحة، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي الدرداء].
عويمر بن زيد، واختلف في اسم أبيه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وعن ثوبان أيضاً، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.(275/16)
القبلة للصائم(275/17)
شرح حديث (كان رسول الله يقبل وهو صائم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القبلة للصائم.
حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود وعلقمة عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملك لإربه)].
أورد أبو داود باب القبلة للصائم، يعني: أنها سائغة وجائزة ولا بأس بها، ولكن الإنسان إذا كان يعلم أن التقبيل يؤدي إلى أنه ينزل فإنه يجب عليه أن يبتعد عنه، وأما إذا كان يعلم أنها لا تؤثر عليه، وأنها لا تجعله ينزل فإن ذلك سائغ وجائز، ولو حصل مذي فإن المذي لا يؤثر، وإنما يؤثر خروج المني، والمسألة تتبع كون الإنسان يعلم من نفسه أنه لا يترتب على ذلك إنزال، فلا بأس بها، وإذا كان يعلم أنه يترتب على ذلك الإنزال فإنه لا يجوز له.
وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أنه كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، وكان أملك لإربه) صلى الله عليه وسلم.
قولها: [(أملك لإربه)] فيه إشارة إلى أن الإنسان الذي لا يملك إربه وهو الذي يحصل منه إنزال بسبب التقبيل أو اللمس الذي هو المباشرة، فليس له أن يفعل ذلك، وإذا كان يعلم من نفسه أنه لا يؤثر ذلك عليه فلا بأس بها.
قولها: [(ويباشر وهو صائم)] المقصود بذلك اللمس، يعني: أن تمس البشرة البشرة، فهذا يقال له: المباشرة.(275/18)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يقبل وهو صائم)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية].
مسدد وأبو معاوية مر ذكرهما.
[عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود وعلقمة].
الأعمش وإبراهيم مر ذكرهما، والأسود: هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وعلقمة هو ابن قيس، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(275/19)
شرح حديث (كان النبي يقبل في شهر الصوم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا أبو الأحوص عن زياد بن علاقة عن عمرو بن ميمون عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبل في شهر الصوم)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أنه كان يقبل في شهر الصوم) وهذا فيه التنصيص على أن ذلك في الفرض، والحديث الأول يدل على العموم يعني: يشمل الفرض والنفل، ولكن هذا فيه تنصيص على الفرض، ولو لم يأت التنصيص على الفرض فإن اللفظ العام يشمل الفرض والنفل، ولكن هذا فيه زيادة تعيين الفرض، وأنه كان يقبل في شهر الصوم، يعني: وهو صائم؛ لأن التقبيل والجماع في الليل ليس فيه إشكال، وإنما الشأن في النهار الذي هو محل الصيام، فالحديث دليل على أن القبلة تجوز للصائم ولو كان في فرض، إذا كان يعلم من نفسه أن ذلك لا يترتب عليه إنزال.(275/20)
تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي يقبل في شهر الصوم)
قوله: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع].
أبو توبة: الربيع بن نافع الحلبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
وأبو توبة هذا هو الذي جاء عنه الكلمة المشهورة في حق معاوية رضي الله عنه أنه قال: معاوية ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن اجترأ عليه اجترأ على ما وراءه.
يعني من اجترأ عليه فإنه يجترئ على غيره من الصحابة.
[حدثنا أبو الأحوص].
أبو الأحوص: سلام بن سليم الحنفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زياد بن علاقة].
زياد بن علاقة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة].
[عن عمرو بن ميمون].
عمرو بن ميمون، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة رضي الله عنها مر ذكرها.(275/21)
شرح حديث (كان رسول الله يقبلني وهو صائم وأنا صائمة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله -يعني: ابن عثمان القرشي - عن عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم وأنا صائمة)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، وهي صائمة، يعني: كل منهما صائم، وهذا كما هو معلوم يحمل أيضاً على ما إذا كان يملك نفسه، وهي أيضاً يعلم أنها تملك نفسها، وأنه لا يحصل منها شيء بسبب هذا التقبيل.(275/22)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يقبلني وهو صائم وأنا صائمة)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن سعد بن إبراهيم].
محمد بن كثير وسفيان مر ذكرهما، وسعد هو سعد بن إبراهيم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن طلحة بن عبد الله].
طلحة بن عبد الله، هو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[عن عائشة].
عائشة رضي الله عنها وقد مر ذكرها.(275/23)
شرح حديث (أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا الليث (ح) وحدثنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله عن عبد الملك بن سعيد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (هششت، فقبلت وأنا صائم فقلت: يا رسول الله! صنعت اليوم أمرًا عظيماً، قبلت وأنا صائم قال: أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟ قال عيسى بن حماد في حديثه: قلت: لا بأس به، ثم اتفقا، قال: فمه؟)].
أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: هششت وأنا صائم فقبلت، وهششت معناه: أنه حصل له ارتياح وميل إلى هذا، فقبل وهو صائم، ولكنه ما كان يعرف الحكم وكأنه استعظم ذلك، ورأى أنه فعل أمراً عظيماً، فجاء يستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أرأيت لو مضمضت وأنت صائم؟) يعني: كون الإنسان يمضمض وهو صائم لا بأس به.
قال: فمه؟ يعني: أن هذا مثل هذا، وهذا فيه دليل على إثبات القياس؛ لأنه قاس كونه يقبل وهو صائم -والتقبيل من مقدمات الجماع- على المضمضمة وهو صائم وهي مقدمة الشرب، فكما أن هذا لا يؤثر فإن هذا لا يؤثر، والقياس هو إلحاق فرع بأصل في حكم لجامع بينهما، إلحاق فرع وهو التقبيل بأصل وهو المضمضمة، في حكم وهو عدم ترتب شيء على المضمضة من أنها تفطر، وكذلك التقبيل الذي هو وسيلة الجماع لا يفطر، يعني: لجامع بينهما، وهو أن كلاً منهما مقدمة لما هو مفطر، فاتفقا في الحكم، فهذا فيه دليل على إثبات القياس، وسبق أن مر بنا قريباً قصة الرجل الذي ولدت امرأته غلاماً أسود، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما لونها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق، قال: إن فيها ورقاً، قال: فماذا ترى؟ قال: لعله نزعه عرق، قال: وأيضاً هذا لعله نزعه عرق) فهذا أيضاً من أدلة إثبات القياس.(275/24)
تراجم رجال إسناد حديث (أرأيت لو مضمضت وأنت صائم)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
أحمد بن عبد الله بن يونس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث].
الليث بن سعد المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا عيسى بن حماد].
عيسى بن حماد التجيبي، الملقب زغبة، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود، والنسائي وابن ماجة.
[أخبرنا الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله].
الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الملك بن سعيد].
عبد الملك بن سعيد، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن جابر بن عبد الله].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال عمر بن الخطاب].
رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه.(275/25)
الصائم يبلع الريق(275/26)
حديث (أن النبي كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصائم يبلع الريق.
حدثنا محمد بن عيسى حدثنا محمد بن دينار حدثنا سعد بن أوس العبدي عن مصدع أبي يحيى عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب الصائم يبلع الريق.
كون الصائم يبلع ريقه لا بأس به؛ لأن الإنسان كلما اجتمع الريق في فمه لا يتفل، وإنما يبلع، ولكن كونه يبلع ريق غيره فهذا إدخال شيء أجنبي إلى جوفه؛ لأنه ريق غيره، فكونه يبتلعه معناه أنه جذب شيئاً من الخارج ليس بريقه، فهذا يؤثر.
وأورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أنه كان يقبل وهو صائم) وهذا ليس فيه إشكال؛ لأن الأحاديث التي مرت كلها تدل عليه، فهذه الجملة ثابتة بالأحاديث الأخرى، لكن جملة مص الريق: (كان يمص لسانها) معناه: أن ريقها موجود في لسانها يمصه، فهذا غير ثابت وغير صحيح، فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جاء من طريق غير صحيح، فيكون الحديث ليس فيه دليل على أن الصائم يمص ريق غيره أو يبلع ريق غيره، أو أنه يأتي بشيء من الخارج يبتلعه.
لكن بلع الريق من الإنسان نفسه لا بأس به، وهذا شيء لا بد منه، فبعض الناس يمكث مدة صيامه وهو يتفل، وهذا ليس بصحيح، ولكن المقصود ريق غيره؛ لأنه مثل الماء، فلو أدخل إلى فمه ماء وابتلعه فهو كما لو مص ريق غيره وابتلعه؛ لأنه فيه إدخال شيء من الخارج، فالجملة ليس فيها شيء يدل على الجواز؛ لأن الحديث غير صحيح، وأما الجملة الأولى فهي متفقة مع الأحاديث الأخرى، وثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(275/27)
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى].
محمد بن عيسى هو الطباع، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا محمد بن دينار].
محمد بن دينار، وهو صدوق سيء الحفظ، أخرج له أبو داود والترمذي.
[حدثنا سعد بن أوس العبدي].
سعد بن أوس العبدي، وهو صدوق له أغاليط، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي.
وهذان هما اللذان تكلموا على الحديث وضعفوه بسببهما، ولكن فيه أيضاً شخص آخر وهو مصدع العبدي، وهو مقبول، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
ومقبول، يعني: أنه يحتج به إذا توبع، وهنا ما في متابعة على مسألة مص اللسان.
[عن عائشة].
عائشة رضي الله عنها وقد مر ذكرها.
[قال ابن الأعرابي: بلغني عن أبي داود أنه قال: هذا الإسناد ليس بصحيح].
ابن الأعرابي هو من الراواة للسنن، قال: بلغني عن أبي داود أنه قال: هذا الإسناد ليس بصحيح.
يعني: أنه قدح في الإسناد، والعلة فيه هؤلاء الثلاثة الذين هم سعد بن أوس ومحمد بن دينار، ومصدع، هؤلاء الثلاثة هم الذين فيهم الكلام.(275/28)
شرح سنن أبي داود [276]
ما فرض الله سبحانه وتعالى من فرض إلا وجعل له آداباً ومستحبات ومحظورات بينها في كتابه الكريم، وعلمها النبي صلى الله عليه وسلم أمته، ومن ذلك فريضة الصيام التي فرضت على كل الأمم، فلها آداب وسنن ومحظورات، فينبغي معرفتها حتى يكون المرء على بينة من دينه.(276/1)
كراهية المباشرة للشاب(276/2)
شرح حديث ترخيص النبي في المباشرة للشيخ دون الشاب
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كراهيته للشاب.
حدثنا نصر بن علي حدثنا أبو أحمد -يعني: الزبيري - أخبرنا إسرائيل عن أبي العنبس عن الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فسأله فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب)].
قال أبو داود: باب كراهيته للشاب، يعني: التقبيل والمباشرة التي هي اللمس، وكراهيته للشاب إذا كان يؤثر عليه، فإن حصل إنزال فإنه يفطر به، وإن لم يحصل إنزال فإنه لا يفطر به.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له، وسأله آخر فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، وإذا الذي نهاه شاب) وهذا هو المقصود من قول أبي داود: كراهية المباشرة للشاب؛ لأنه هو الذي يكون عرضة لأن يفسد صيامه، وعلى كل فإن حصل بسبب المباشرة إنزال من شيخ أو شاب فإنه يفسد صيامه، وإن لم يحصل فإنه لا يفسد، ولكن من يعلم من نفسه أن ذلك يؤثر عليه فإنه يبتعد، ومن يعلم من نفسه أن ذلك لا يؤثر عليه فلا بأس.(276/3)
تراجم رجال إسناد حديث ترخيص النبي في المباشرة للشيخ دون الشاب
قوله: [حدثنا نصر بن علي].
نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو أحمد يعني: الزبيري].
أبو أحمد الزبيري هو: محمد بن عبد الله بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا إسرائيل].
إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي العنبس].
أبو العنبس الكوفي مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن الأغر].
الأغر: وهو أبو مسلم الأغر، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة رضي الله عنه وقد مر ذكره.
والحديث صححه الألباني، ويمكن أن ذلك لشواهده، وإلا فإن فيه هذا الرجل المقبول الذي هو أبو العنبس.(276/4)
من أصبح جنباً في شهر رمضان(276/5)
شرح حديث (كان رسول الله يصبح جنباً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن أصبح جنباً في شهر رمضان.
حدثنا القعنبي عن مالك ح وحدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهما قالتا: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصبح جنباً، قال عبد الله الأذرمي في حديثه: في رمضان من جماع غير احتلام، ثم يصوم).
قال أبو داود: وما أقل من يقول هذه الكلمة، يعني: (يصبح جنباً في رمضان) وإنما الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصبح جنباً وهو صائم)].
أورد أبو داود باباً فيمن أصبح جنباً في شهر رمضان.
يعني: فعليه أن يغتسل من الجنابة ويصوم، ولا تؤثر الجنابة على الصيام، كون الإنسان يجامع في الليل ثم ينام، ثم يطلع عليه الفجر وهو لم يغتسل فإنه يصوم صوماً صحيحاً ويغتسل، وكونه يصبح جنباً لا يؤثر ذلك على صيامه؛ لأن الذي عليه الاغتسال، والجنابة ما حصلت منه في الصيام، وإنما حصلت في الليل في وقت جوازها وكونها سائغة، ولكن تأخر الغسل، فتأخر الغسل لا يفسد الصيام، ومثل ذلك المرأة لو أنها طهرت من الحيض أو النفاس في الليل ولم تغتسل، فلها أن تصوم، وذلك لا يفسد صيامها، فإن المقصود هو انقطاع الدم، يعني: كونه انقطع الدم وكونها طهرت، وبقي التطهر، فالحكم منوط بطهرها يعني: معناه أن لها أن تصوم، وكونه بقي عليها التطهر فذلك لا يمنع من صيامها، فهي مثل مسألة الجنب، يعني: أن الحائض والنفساء إذا طهرتا وتأخر الاغتسال إلى ما بعد طلوع الفجر فإن ذلك لا يؤثر على الصيام، بل تصوم وتغتسل وقد بيتت النية في الصيام من قبل؛ لأنها قد طهرت وصارت أهلاً للصيام، وإنما أكثر ما في الأمر أنها نامت واستيقظت بعد طلوع الفجر، فهي كالذي أجنب ونام ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر، فإن صومه صحيح، وكذلك الحائض والنفساء صومهما يكون صحيحاً.
وقد ورد حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً فيصوم).
فقوله: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً) قال عبد الله الأذرمي في حديثه: (في رمضان من جماع غير احتلام ثم يصوم)].
فالحديث: (من جماع غير احتلام فيصوم) وقال أحد شيوخ أبي داود وهو الأذرمي: (في شهر رمضان) وأكثر الذين رووا الحديث أو الحديثين عن أم سلمة وعائشة ما ذكروا شهر رمضان، والحكم واحد، ولكن كونه جاء في بعض الروايات التنصيص على شهر رمضان أيضاً فإنه يدل على ذلك، ولو لم يأت هذا التنصيص فإن الحكم واحد؛ لأن الحكم يشمل رمضان وغير رمضان.
قوله: [(كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصبح جنباً) قال عبد الله الأذرمي في حديثه: (في رمضان)].
معناه أنه يأتي وقت الصباح ويدخل الفجر وهو جنب، فيغتسل ويصوم، ولا يؤثر ذلك على الصيام، وقال: من غير احتلام.
قوله: [(من جماع)].
يعني: من جماع أهله، وليس احتلاماً، واختلف في احتلام الأنبياء هل يحتلمون أو لا يحتلمون؟ فقال بعض العلماء بعدمه؛ لأنه من تلاعب الشيطان، والشيطان لا يتلاعب بالأنبياء صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم.
ومنهم من قال: إن الاحتلام يمكن أن يحصل بدون تلاعب الشيطان، وإنه يكون قوة في الإنسان فتظهر وتخرج في النوم، وعلى هذا، يقولون بجوازه في حق الأنبياء، يعني: مادام أنه لا يتعلق بتلاعب الشيطان فإنه يقع من الأنبياء، أما كون الاحتلام يكون من تلاعب الشيطان فهذا لا يكون للأنبياء؛ لأن الأنبياء لا يتلاعب بهم الشيطان، والخلاف ذكره النووي بين العلماء وأن منهم من قال بهذا، ومنهم من قال بهذا.
قوله: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً) قال النووي: وفيه دليل لمن يقول بجواز الاحتلام على الأنبياء، وفيه خلاف الأشهر امتناعه، قالوا: لأنه من تلاعب الشيطان وهم منزهون عنه، فالمراد: (يصبح جنباً) من جماع، ولا يجنب من احتلام لامتناعه منه.
فالذي رجح أنهم لا يحتلمون، قال: الأشهر امتناعه.(276/6)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصبح جنباً)
قوله: [حدثنا القعنبي].
القعنبي: عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
مالك بن أنس، إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي].
عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك].
عبد الرحمن بن مهدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ومالك مر ذكره.
[عن عبد ربه بن سعيد].
عبد ربه بن سعيد وهو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بكر بن عبد الرحمن].
أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة وأم سلمة].
عائشة رضي الله عنها، وأم سلمة هي هند بنت أبي أمية أم المؤمنين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.(276/7)
شرح حديث (وأنا أصبح جنباً وأنا أريد الصيام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة -يعني: القعنبي - عن مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري عن أبي يونس مولى عائشة عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو واقف على الباب: يا رسول الله! إني أصبح جنباً وأنا أريد الصيام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وأنا أصبح جنباً وأنا أريد الصيام، فأغتسل وأصوم، فقال الرجل: يا رسول الله! إنك لست مثلنا، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتبع)].
ثم أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن جلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إني أصبح جنباً وأنا أريد الصيام؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا أصبح جنباً وأنا أريد الصيام، فأغتسل وأصوم، فقال الرجل: إنك لست مثلنا، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وكأن غضبه عليه الصلاة والسلام لكونه فيه إشارة إلى التشدد في العبادة، وأن الرسول تميز عليهم بذلك.
وهذا من جنس قصة الثلاثة الذين تقالوا أعمالهم وقالوا: رسول الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: فأنا أصوم ولا أفطر، وقال آخر: أقوم الليل ولا أنام، وقال آخر: لا أتزوج النساء، فلما بلغه ذلك صلى الله عليه وسلم قال: (أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) فإذاً كان فيه شيء من التشديد على النفس، وشيء من تكليف النفس؛ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (إني أرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتبع) يعني: بما أفعل وبما آتي؛ صلى الله عليه وسلم.(276/8)
تراجم رجال إسناد حديث (وأنا أصبح جنباً وأنا أريد الصيام)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة يعني: القعنبي عن مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري].
عبد الله بن مسلمة ومالك مر ذكرهما، وعبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي يونس مولى عائشة].
أبو يونس مولى عائشة، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي].
[عن عائشة].
عائشة رضي الله عنها وقد مر ذكرها.(276/9)
الأسئلة(276/10)
حكم قراءة المأموم للفاتحة في الصلاة الجهرية
السؤال
هل يجب على من يصلي في الجماعة أن يقرأ الفاتحة، علماً بأن الصلاة جهرية؟
الجواب
في ذلك خلاف بين أهل العلم، وفيه ثلاثة أقوال: منهم من قال: إنه يقرؤها في السرية والجهرية، ومنهم من قال: إنه يقرؤها في السرية دون الجهرية، ومنهم من قال: لا يقرؤها لا في السرية ولا في الجهرية، والإمام يتحمل، والأرجح هو أنه يقرؤها في السرية والجهرية، والدليل على ذلك الحديث الذي فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه بعد ما صلى: (ما لي أنازع القراءة؟! لعلكم تقرءون وراء إمامكم، لا تقرءوا إلا بفاتحة الكتاب) فدل هذا على أن فاتحة الكتاب تقرأ، وأن غيرها لا يقرأ.(276/11)
الاكتفاء بشهادة رجل واحد في رؤية هلال رمضان
السؤال
أورد الشيخ الألباني حديثاً فيه: (فإن شهد شاهدان مسلمان، فصوموا وأفطروا) رواه أحمد والنسائي، وقال الشيخ عنه في إرواء الغليل: صحيح، فهل في هذا الحديث دليل على أنه يجب في دخول شهر رمضان شاهدان؟
الجواب
كما هو معلوم أنه جاء ما يدل على أنه يكفي شاهد واحد، وحديث ابن عمر الذي قال: (تراءى الناس الهلال، فرأيته، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالصيام) يدل على أن الصوم يثبت برؤية الشاهد الواحد.(276/12)
خال أبي الزوج لا يكون محرماً لزوجته
السؤال
هل خال أبي يكون محرماً لزوجتي؟
الجواب
خاله هو نفسه لا يكون محرماً لزوجته، وهو أقرب، فكيف بخال أبيه!(276/13)
حكم رفع الحدث في الوضوء بنية التجديد
السؤال
إذا توضأ الرجل يريد بوضوئه التجديد، أي: أنه مسنون، وهو يعلم أنه أحدث قبل ذلك، فهل هذا يرفع الحدث؟
الجواب
ليس هذا تجديداً للوضوء، وإنما التجديد أن يتوضأ الإنسان وهو على طهارة، فإذا توضأ وهو يظن أنه على طهارة، ثم بعد ذلك تبين أنه قد نقض الوضوء في الأول، فهذه هي التي يمكن أن يسأل عنها، وليس عندي فيها جواب.(276/14)
حديث (أول من تسعر بهم النار) لا يدل على أنهم مشركون
السؤال
هل حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة يدل على أنهم مشركون شركاً أكبر فهم مخلدون في النار؟
الجواب
لا يدل على ذلك، وإنما يدل على أن العالم الذي لم يعمل بعلمه قد عصى على بصيرة، وعلى بينه والشاعر يقول: إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم فلا يدل على الشرك، ولا على الكفر، وإنما يدل على خطورة الذنب.(276/15)
حكم العتيرة في رجب
السؤال
من المعلوم المقرر عند أهل العلم أن شهر رجب شهر لا يتميز عن بقية الشهور الأخرى، إلا أنه شهر حرام، وقد وقفت في صحيح الجامع الصغير على حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (العتيرة حق) برقم أربعة آلاف ومائة واثنين وعشرين، وقال عنه الألباني رحمه الله تعالى: حسن، ثم علق رحمه الله في الهامش فقال: هي ذبيحة تذبح في رجب، وهي مشروعة، ولكنها ليست واجبة، فما هو توجيهكم وفقكم الله؟
الجواب
أقول: جاءت أحاديث صحيحة مثل: (لا فرع ولا عتيرة) أي: أنها نفت، فأنا لا أتذكر، لكن يمكن أن ينظر في الأحاديث التي فيها نفي العتيرة، وما قاله أهل العلم فيها.(276/16)
حكم الاكتحال بميل الذهب أو الفضة
السؤال
هل يجوز للرجل أن يكتحل بميل من فضة أو ذهب؟
الجواب
ليس للإنسان أن يستعمل الذهب والفضة.(276/17)
حكم الإهداءات التي توضع بين يدي بعض المؤلفات
السؤال
ما حكم الإهداءات التي توضع بين يدي بعض المؤلفات؟
الجواب
قضية الإهداء الذي هو إهداء ثواب العمل وما إلى ذلك، هذا لا نعلم عنه شيئاً يدل عليه، وأما قضية كونه يقصد به شخصاً معيناً بعينه أو أشخاصاً يقصد نصحهم لا بأس بذلك، إذا كان المقصود به النصح، يعني: أن تكون هذه هدية إلى كل مسلم، وهذا مهدى للشباب يعني: نصائح لا بأس بها، أما كونه يرجى الثواب فالذي يظهر أنه لا يصلح؛ لأنه لا يستعمل الإهداء إلا فيما ورد فيه النص، مثل الصدقة والدعاء يعني: كون الإنسان هو الذي ورد أنه ينفع الميت، وأما قضية إهداء إلى فلان أو إلى روح فلان وما إلى ذلك، فهذا لا يصلح.(276/18)
حكم الاكتحال في نهار رمضان
السؤال
هل يجوز للشخص أن يكتحل في نهار رمضان؟
الجواب
قلنا: إنه لا بأس بذلك مطلقاً في رمضان أو غيره.
الأصل جواز الاكتحال إلا أن يأتي شيء يمنع منه، وقد مر بنا أن بعض الصحابة مثل أنس كان يكتحل وهو صائم، وكذلك بعض التابعين كانوا يكتحلون وهم صائمون.(276/19)
غسل الجنابة يجزئ عن غسل الجمعة
السؤال
هل غسل الجنابة يجزئ عن غسل الجمعة على القول بوجوب غسل الجمعة؟
الجواب
غسل الجنابة يجزئ عن غسل الجمعة، ولكن الذي فيه رفع الحدث هو الذي يجب أن يكون المقصود، وأن يكون هو المنوي، مثل طواف الإفاضة والوداع، إذا أخر طواف الإفاضة إلى حين السفر فهو يغني عن الوداع، وإذا اغتسل عن جنابة في يوم جمعة أجزأه عن غسل الجمعة.(276/20)
غسل التبرد أو التنظف لا يكفي لرفع الحدث الأصغر
السؤال
إذا اغتسل للتبرد أو التنظف هل يكفي في رفع الحدث الأصغر؟
الجواب
الحدث الأصغر كما هو معلوم يكون رفعه بكون الإنسان يتوضأ ويرتب أعضاء الوضوء، فلا يكفي أن ينغمس في الماء وينوي.(276/21)
الفرق بين المبهم والمجهول
السؤال
ما الفرق بين المبهم والمجهول؟
الجواب
المبهم: هو الذي ما ذكر شيء يدل على اسمه، وإنما قيل: (رجل أو امرأة) فهذا مبهم، والمجهول يذكر اسمه واسم أبيه، ولكنه ما روى عنه إلا واحد فيصير مجهول العين، أو إنه روى عنه جماعة ولم يوثق، فهو مجهول الحال.
فالمجهول معروف اسمه واسم أبيه، والمبهم لا يذكر اسمه، وإنما يقال: رجل أو امرأة.(276/22)
حكم القطرة في أذن الصائم
السؤال
ما حكم القطرة في الأذن للصائم؟
الجواب
لا بأس بها.(276/23)
حكم دخول الحرم لمن خرج منها الدم بعد طهرها بأسبوع
السؤال
زوجتي طهرت من النفاس، وبعد الطهر بأسبوع خرج منها الدم، هل ذلك يمنعها من دخول الحرم والصلاة والجماع؟
الجواب
إذا كان في حدود الأربعين فإنه يمنعها، وأما إذا كان فوق الأربعين فلا يؤثر.(276/24)
لا تخليد في الدنيا لأحد
السؤال
هل الرسول صلى الله عليه وسلم خير بين أن يخلد في الدنيا وله الجنة، وبين الرفيق الأعلى فاختار الرفيق الأعلى؟
الجواب
لا أعلم، والله تعالى يقول: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء:34] فكيف يخير بالبقاء في الدنيا؟!(276/25)
شرح سنن أبي داود [277]
لقد عظم الله عز وجل من شأن شهر رمضان، ورفع من قدر الصيام فيه، وجعل من ارتكب محظوراً في نهاره آثماً، ومن ذلك جماع الرجل امرأته، فغلظ فيه الكفارة للردع والزجر عن ذلك، وكفارة الجماع في نهار رمضان هي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، كما جاء ذلك في الأحاديث.(277/1)
كفارة من أتى أهله في رمضان(277/2)
شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كفارة من أتى أهله في رمضان.
حدثنا مسدد ومحمد بن عيسى المعنى قالا: حدثنا سفيان قال مسدد قال: حدثنا الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أتى رجل النبي صلى الله عليه وآله سلم فقال، هلكت! فقال: ما شأنك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: فهل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: اجلس، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال: تصدق به، فقال: يا رسول الله! ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى بدت ثناياه، قال: فأطعمه إياهم) وقال مسدد في موضع آخر: (أنيابه).
ذكر أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب كفارة من أتى أهله في نهار رمضان، فمن جامع أهله في نهار رمضان فإنه يفسد صيامه، وعليه أن يكمله، وألا يأكل بعد كونه أفسده، وأن يقضي يوماً مكانه، وأن يستغفر الله عز وجل ويتوب، ويأتي بكفارة، وهي التي جاء ذكرها في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي أورده المصنف هنا، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد انتقل إلى صيام شهرين متتابعين، فإن لم يجد أطعم ستين مسكيناً.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! هلكت، فالرسول صلى الله عليه وسلم سأله عن هذا الذي قال إنه هلك به، فقال: إنه وقع على أهله في نهار رمضان، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: اجلس فجلس، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق فيه طعام، وقال: خذه وتصدق به) يعني: أده كفارة عنك، فقال: ليس هناك بين لابتي المدينة من هو أفقر منا، وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه؛ لأنه جاء في أول الأمر يقول: إنه هلك، وإنه يبحث عن الخلاص، ولما ذكر له الخلاص على الترتيب وانتهى إلى الطعام، وقال: إنه لا يجد شيئاً، ثم أتي بطعام وأعطي إياه ليتصدق به؛ قال: نحن أولى به، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال (خذه فكله).
وهذا يدلنا على أن من جامع في نهار رمضان تجب عليه كفارة، وما ورد في الحديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كله) لا يدل على سقوط الكفارة، بل الكفارة لازمة في ذمته، ودين عليه إذا أيسر، فإنه يفعل ما يمكنه من الثلاثة الأول: إن قدر على الأول الذي هو العتق فلا ينتقل إلى الصيام، وإن عجز عنه انتقل إلى صيام شهرين متتابعين، وإن عجز عنه انتقل إلى إطعام ستين مسكيناً، وكون النبي صلى الله عليه وسلم أذن له بأن يأكله، وأن يستفيد منه أهله لا يدل على أن الكفارة سقطت عنه، بل الكفارة دين في ذمته، ومتى أيسر فعليه أن يأتي بها، ولكن كونه غير مستطيع في الوقت الحاضر، وهو بحاجة إلى الطعام، وأنه أولى من غيره، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي أعطاه إياه ليتصدق به كفارةً عنه، سأله أن يأكله هو وأهله، فأذن له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذنه له لا يدل على سقوطها، وإنما يدل على تأخيرها، وأنها دين في ذمته متى استطاع أن يؤدي ذلك الدين فإنه يؤديه.
وقوله: (هلكت) يشعر بأنه فعل أمراً عظيماً، وقال: إنه هلك بهذا الفعل، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبره بما هو واجب عليه من الكفارة، ولكن عليه القضاء والكفارة، ويستغفر الله عز وجل مما قد حصل، ولا يعود الإنسان إلى هذا العمل.
ثم إن المرأة إذا كانت مطاوعة فإنه يلزمها الكفارة مثل ما يلزم الرجل، وأما إن كانت مكرهة ومن غير إرادتها، فإنه يفسد صيامها وعليها قضاؤه، وليس عليها شيء من الكفارة.(277/3)
تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان
[حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[ومحمد بن عيسى].
محمد بن عيسى هو الطباع، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[المعنى قالا: حدثنا سفيان].
المعنى: أي: أن هذين الشيخين روايتهم متفقة بالمعنى.
ومحمد بن عيسى الطباع ومسدد يرويان عن سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال مسدد: قال: حدثنا الزهري].
أي: قال مسدد في حديثه: قال سفيان بن عيينة حدثنا الزهري.
والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد بن عبد الرحمن].
حميد بن عبد الرحمن بن عوف، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
قوله: [(فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت ثناياه) قال مسدد: (أنيابه)].
يعني: أن مسدداً قال: (أنيابه) ومحمد بن عيسى قال: (ثناياه).(277/4)
شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الحديث بمعناه، زاد الزهري: وإنما كان هذا رخصةً له خاصة، فلو أن رجلاً فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير].
أورد أبو داود هذا الكلام عن الزهري أن هذا رخصة له خاصة، ولو فعل أحد بعد ذلك لم يكن له بد من التكفير، وكلام الزهري هذا يدل على أنها سقطت عنه، وأنها رخصة له، ولكن ليس هذا بواضح؛ لأنه يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أذن له بأن يأكل هذا الطعام؛ لأنه بحاجة ماسة إليه، ولا يعني ذلك أن ما في ذمته قد برئ، وأنها سقطت عنه، فإن الكفارة لازمة له.
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
الحسن بن علي الحلواني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري بهذا الحديث بمعناه].
يعني: بمعنى الحديث الذي تقدم.(277/5)
شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق ثالثة
[قال أبو داود: رواه الليث بن سعد والأوزاعي ومنصور بن المعتمر وعراك بن مالك على معنى ابن عيينة زاد فيه الأوزاعي: (واستغفر الله)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى ولكنها معلقة، وأشار إلى أنها مثل طريق ابن عيينة، وهي الطريق الأولى التي يرويها مسدد ومحمد بن عيسى، وفيها زيادة عند الأوزاعي أنه قال: (واستغفر الله)، يعني: من الذنب الذي قد حصل، وهو كون الإنسان حصل منه الإفطار في نهار رمضان بسبب الجماع.(277/6)
تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق ثالثة
قوله: [قال أبو داود رواه الليث بن سعد].
الليث بن سعد المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[والأوزاعي].
الأوزاعي: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومنصور بن المعتمر].
منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعراك بن مالك على معنى ابن عيينة].
عراك بن مالك، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[زاد فيه الأوزاعي: (واستغفر الله)].
يعني: على ما ذكر معه أنه قال: (واستغفر الله).(277/7)
شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق رابعة
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا ابن أبي فديك حدثنا هشام بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله سلم أفطر في رمضان بهذا الحديث قال: فأتي بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعاً وقال فيه: كله أنت وأهل بيتك، وصم يوماً واستغفر الله)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه: أنه أمره بقضاء يوم بدل اليوم الذي أفطره، وأنه أيضاً يستغفر الله عز وجل، وهذه قد مرت عند الأوزاعي في بعض ألفاظه وبعض الروايات.
وفيه أنه قال له: (كله أنت وأهلك) وهذا فيه اختصار؛ لأنه ما قال له: كله أنت وأهلك من أول الأمر، وإنما أعطاه إياه ليتصدق به كفارةً عنه، ولما أخبره بأنه في حاجة إلى الطعام هو وأهل بيته، قال: كله.
وفيه أنه قال: خمسة عشر صاعاً، يعني: العرق فيه خمسة عشر صاعاً، وأن هذا معناه أنه يكون على مقدار المد، يعني: أنه إذا كان يعطى للستين مسكيناً يكون لكل واحد مد.
قوله: [(وصم يوماً، واستغفر الله)].
يعني: صم يوماً مكانه، أي: مكان اليوم الذي أفطر فيه، واستغفر الله مما حصل من الذنب الذي هو الإفطار في نهار رمضان.
وهل صيام الشهرين تكفي أم يصوم واحداً وستين يوماً؟ لا تكفي، وإنما يصوم يوماً قضاء، وستين يوماً كفارة، وبعض أهل العلم قال: إذا كفر بالصيام يكفي شهرين، يعني: لا يلزمه القضاء، وإن كفر بالإطعام والعتق فإنه يصوم، ولكن الذي يبدو أن الكفارة مستقلة وأن القضاء واجب.(277/8)
تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق رابعة
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة].
عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
ابن شهاب مر ذكره.
[عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة].
وحميد مر ذكره وأبو هريرة مر ذكره.(277/9)
شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق خامسة
[قال أبو داود: ورواه ابن جريج عن الزهري على لفظ مالك: (أن رجلاً أفطر) وقال فيه: (أو تعتق رقبة، أو تصوم شهرين، أو تطعم ستين مسكيناً)].
ثم ذكر طريقاً أخرى وقال: إنها على لفظ مالك وهي الطريق الأخيرة التي قال: (أفطر) كما جاء عن مالك وقال له: كذا أو كذا، يعني: تعتق رقبة أو تصوم شهرين، أو تطعم ستين مسكيناً.
[قال أبو داود: رواه ابن جريج].
ابن جريج: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(277/10)
شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق سادسة
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا ابن أبي فديك حدثنا هشام بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله سلم أفطر في رمضان بهذا الحديث قال: فأتي بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعاً وقال فيه: كله أنت وأهل بيتك، وصم يوماً واستغفر الله)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه: أنه أمره بقضاء يوم بدل اليوم الذي أفطره، وأنه أيضاً يستغفر الله عز وجل، وهذه قد مرت عند الأوزاعي في بعض ألفاظه وبعض الروايات.
وفيه أنه قال له: (كله أنت وأهلك) وهذا فيه اختصار؛ لأنه ما قال له: كله أنت وأهلك من أول الأمر، وإنما أعطاه إياه ليتصدق به كفارةً عنه، ولما أخبره بأنه في حاجة إلى الطعام هو وأهل بيته، قال: كله.
وفيه أنه قال: خمسة عشر صاعاً، يعني: العرق فيه خمسة عشر صاعاً، وأن هذا معناه أنه يكون على مقدار المد، يعني: أنه إذا كان يعطى للستين مسكيناً يكون لكل واحد مد.
قوله: [(وصم يوماً، واستغفر الله)].
يعني: صم يوماً مكانه، أي: مكان اليوم الذي أفطر فيه، واستغفر الله مما حصل من الذنب الذي هو الإفطار في نهار رمضان.
وهل صيام الشهرين تكفي أم يصوم واحداً وستين يوماً؟ لا تكفي، وإنما يصوم يوماً قضاء، وستين يوماً كفارة، وبعض أهل العلم قال: إذا كفر بالصيام يكفي شهرين، يعني: لا يلزمه القضاء، وإن كفر بالإطعام والعتق فإنه يصوم، ولكن الذي يبدو أن الكفارة مستقلة وأن القضاء واجب.(277/11)
تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق سادسة
قوله: [حدثنا جعفر بن مسافر].
جعفر بن مسافر، صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن أبي فديك].
ابن أبي فديك: هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام بن سعد].
وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
ابن شهاب مر ذكره.
وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.(277/12)
شرح حديث عائشة في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه أن محمد بن جعفر بن الزبير حدثه أن عباد بن عبد الله بن الزبير حدثه أنه سمع عائشة ر ضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقول: (أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد في رمضان، فقال: يا رسول الله! احترقت، فسأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما شأنه؟ قال: أصبت أهلي، قال: تصدق، قال: والله ما لي شيء ولا أقدر عليه، قال: اجلس، فجلس فبينما هو على ذلك أقبل رجل يسوق حماراً عليه طعام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أين المحترق آنفاً؟، فقام الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تصدق بهذا، فقال: يا رسول الله! أعلى غيرنا؟ فوالله إنا لجياع ما لنا شيء، قال: كلو)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وهو بمعنى ما تقدم، إلا أنه قال: (احترقت) معناه: أنه أصابه هذا الكرب وهذه المصيبة، وأنه أهلك نفسه، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما شأنه) قال: وقعت على أهلي في نهار رمضان، قال: (تصدق) قال: ما عندنا شيء، وهذا فيه اختصار؛ لأن الصدقة هي آخر شيء، أو آخر أحوال الكفارة.
قوله: [(فبينما هو على ذلك، أقبل رجل يسوق حماراً عليه طعام، فقال رسول الله: أين المحترق آنفاً؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله! فقال: خذه وتصدق به، فقال: على أفقر منا) ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كله، هو مثل حديث أبي هريرة المتقدم.(277/13)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري].
سليمان بن داود المهري المصري، ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[أخبرنا ابن وهب].
عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عمرو بن الحارث].
عمرو بن الحارث المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه].
عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن محمد بن جعفر بن الزبير حدثه].
محمد بن جعفر بن الزبير، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن عباد بن عبد الله بن الزبير].
عباد بن عبد الله بن الزبير، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(277/14)
شرح حديث عائشة في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عوف حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا ابن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عباد بن عبد الله عن عائشة رضي الله عنها بهذه القصة قال: (فأتي بعرق فيه عشرون صاعاً)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بعرق فيه عشرون صاعاً، يعني: في الرواية الأولى قال: (حمار عليه طعام)، وهنا قال: (عرق فيه عشرون صاعاً) وهذا فيه التنصيص على العشرين صاعاً، وفي الحديث الأول حديث أبي هريرة خمسة عشر صاعاً، والألباني ضعف هذه الرواية أو هذا الحديث، لكن لا أدري ما وجه التضعيف لهذا الحديث الذي فيه ذكر العشرين صاعاً.(277/15)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق ثانية
قوله: [حدثنا محمد بن عوف].
محمد بن عوف، ثقة أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي.
[حدثنا سعيد بن أبي مريم].
سعيد بن أبي مريم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن أبي الزناد].
عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن عبد الرحمن بن الحارث].
عبد الرحمن بن الحارث، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عباد بن عبد الله عن عائشة].
مر ذكرهم.(277/16)
مقدار كفارة الصيام وكيفية توزيعها
ذكرت في المرأة إذا جامعها زوجها أنها إن كانت مطاوعة فعليها كفارة؛ لأنها مختارة، ومقدمة على ما أقدم عليه الرجل، وإن كانت مكرهة فلا كفارة عليها، وإنما عليها القضاء.
وبالنسبة للكفارة ذكر في الحديث أنها خمسة عشر صاعاً، يعني: أنه لكل مسكين مد؛ لأن الصاع مقداره أربعة أمداد، فإذا قسمنا خمسة عشر صاعاً على ستين يصير لكل مسكين مد.
وبعض أهل العلم قال: إنه نصف صاع، كبعض الكفارات الأخرى، كفدية الحلق في الحج فهي إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع.
ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه هذا المقدار الذي هو خمسة عشر صاعاً على اعتبار أنه هو الذي جاء، لكن كونه يعطيه إياه ويقول: تصدق به، معناه أنه هو الكفارة، ويكون لكل مسكين مد.
ومقدار الصاع اليوم ثلاثة كيلو غرامات، فيكون ربع الصاع أقل من الكيلو.(277/17)
شرح سنن أبي داود [278]
صوم رمضان ركن من أركان الإسلام، ولذا ورد التغليظ الشديد على من أفطر يوماً منه عمداً لغير عذر، وأنه لا يجزيه ولو صام الدهر.(278/1)
التغليظ فيمن أفطر عمداً(278/2)
شرح حديث التغليظ على من أفطر عامداً
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التغليظ فيمن أفطر عمداً.
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة ح وحدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن ابن مطوس عن أبيه قال ابن كثير: عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله له، لم يقض عنه صيام الدهر)].
أورد أبو داود باب التغليظ فيمن أفطر عمداً يعني: أن ألإفطار عمداً في نهار رمضان أمره خطير، وهو أمر ليس بالهين، والمقصود منه غلظ هذا الذنب وشدته، والتحذير منه، والترهيب منه، وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة.
فقوله: [(من أفطر يوماً من رمضان، في غير رخصة رخصها الله له، لم يقض عنه صيام الدهر)].
يعني: كالمرض والسفر.
(لم يقضه صيام الدهر) ولو صامه، يعني: أنه لا يغني عنه صيام الدهر.
والحديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن من أفطر يوماً من رمضان إن كان بالجماع فعليه القضاء والكفارة، وإن كان في غير الجماع فعليه القضاء ويستغفر الله عز وجل، وقد فعل أمراً خطيراً وعظيماً، والحديث غير ثابت؛ لوجود من هو لين الحديث ومن هو مجهول، وأيضاً من هو مدلس، ففيه علل متعددة.(278/3)
تراجم رجال إسناد حديث التغليظ على من أفطر عامداً
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا محمد بن كثير].
محمد بن كثير العبدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت].
شعبة مر ذكره.
وحبيب بن أبي ثابت، ثقة يدلس ويرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمارة بن عمير].
عمارة بن عمير، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن مطوس].
ابن مطوس وهو لين الحديث، أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبيه].
وأبوه مجهول أخرج له أصحاب السنن.
[وقال ابن كثير: عن أبي المطوس عن أبيه].
في الطريق الأولى قال: عن ابن مطوس عن أبيه، وهنا قال: أبو المطوس عن أبيه، ثم أيضاً مما قيل فيه عدم سماع أبيه من أبي هريرة أو الشك في سماع أبيه من أبي هريرة، هو مجهول، وروايته عن أبي هريرة غير محققة، وابنه الذي هو ابن مطوس أو ابن المطوس لين الحديث، فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(278/4)
شرح حديث التغليظ على من أفطر عامداً من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثني يحيى بن سعيد عن سفيان قال: حدثني حبيب عن عمارة عن ابن المطوس قال: فلقيت ابن المطوس فحدثني عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل حديث ابن كثير وسليمان].
ثم أورد طريقاً أخرى أحال فيها على الطريق السابقة، التي هي طريق شيخيه محمد بن كثير وسليمان بن حرب، وقال: إنها مثلها.
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني يحيى بن سعيد].
يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
سفيان وهو الثوري مر ذكره.
[حدثني حبيب عن عمارة عن ابن المطوس عن أبيه عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهم جميعاً.
[قال أبو داود: واختلف على سفيان وشعبة عنهما ابن المطوس وأبو المطوس].
يعني جاء قيل ابن المطوس وأبو المطوس، يعني قيل هذا وقيل هذا، ففيه اختلاف، هل هو ابن المطوس أو أبو المطوس.(278/5)
من أكل ناسياً في نهار رمضان(278/6)
شرح حديث (الله أطعمك وسقاك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من أكل ناسياً.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب وحبيب وهشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني أكلت وشربت ناسياً وأنا صائم فقال: الله أطعمك وسقاك)].
أورد أبو داود باب من أكل ناسياً، أي: فإنه يكمل صيامه ولا قضاء عليه، وقد أطعمه الله وسقاه، وهو لم يكن متعمداً، وإنما كان نسياناً، فهو معذور في ذلك، ولا يفسد صيامه، وصيامه صحيح، وهل يقضي أم لا؟ أورد أبو داود حديث أبي هريرة: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنه أكل وشرب ناسياً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (الله أطعمك وسقاك) يعني: أنه لم يذكر له شيئاً، لا كفارة ولا قضاء، فدل على أنه معذور، وأن أكله وشربه ناسياً لا شيء عليه فيه، وصيامه صحيح ولا قضاء عليه.
وإذا رأيت من يأكل أو يشرب فذكره بالصيام، ولا تتركه؛ لأن هذا من التنبيه على الصيام وحرمته.(278/7)
تراجم رجال إسناد حديث (الله أطعمك وسقاك)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد بن سلمة، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أيوب].
أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحبيب].
حبيب بن الشهيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وهشام].
هشام بن حسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن سيرين].
محمد بن سيرين، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة رضي الله عنه وقد مر ذكره.(278/8)
تأخير قضاء رمضان(278/9)
شرح أثر عائشة (إن كان ليكون علي الصوم من رمضان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تأخير قضاء رمضان.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول: إن كان ليكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه حتى يأتي شعبان].
أورد أبو داود باب تأخير قضاء رمضان.
قضاء رمضان تستحب المبادرة إليه، ولكنه لا يجب على الفور، وإنما هو على التراخي، ولكن المبادرة به مستحبة؛ لأن الدين إذا أخر ولم يبادر به فإنه قد يثقل على النفس، وقد يحصل نسيانه وقد يأتي رمضان وهو ما فعله، فينبغي للإنسان ويستحب له أن يبادر.
وأورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فلا أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، أي: لمكان انشغالها برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكونها تؤخر إلى شعبان يدل على أنه لا يؤخر عن شعبان، ولا يتجاوز رمضان الثاني، إلا إذا كان من ضرورة فللإنسان تأخيره إذا كان هناك ضرورة دعت إلى ذلك، أما من حيث الاختيار فلا يؤخر عن شعبان إلى ما بعد رمضان الثاني، وإنما عليه التخلص منه قبل أن يأتي الفرض الثاني، وعليه أداء ذلك الواجب قبل أن يأتي الفرض الثاني الذي هو شهر رمضان الآتي.
وعائشة رضي الله عنها وأرضاها كانت تؤخر القضاء إلى شعبان، إما لقربه من رمضان، أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر الصيام في شعبان، وفي حالة إكثاره الصيام هي أيضاً تصوم؛ لأنه كان يصوم أكثر الشهر صلى الله عليه وسلم، فتكون عائشة تجد لها فرصة لكون رمضان قرب، ولكون الرسول صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم في شعبان، فدل هذا على التأخير، وأنه سائغ، وأن المبادرة إليه مستحبة.(278/10)
تراجم رجال إسناد أثر عائشة (إن كان ليكون علي الصوم من رمضان)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد].
عبد الله بن مسلمة ومالك مر ذكرهما.
ويحيى بن سعيد هو الأنصاري المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع عائشة].
أبو سلمة بن عبد الرحمن وعائشة مر ذكرهما.(278/11)
ما جاء فيمن مات وعليه صيام(278/12)
شرح حديث (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن مات وعليه صيام.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)].
أورد أبو داود رحمه الله باب من مات وعليه صيام.
يعني: هل يقضى عنه أو لا يقضى عنه؟ من مات وعليه صيام من رمضان بسبب المرض، ولكن استمر معه المرض ولم يتمكن من القضاء، فإنه لا قضاء عليه؛ لأنه ما تمكن، وإن كان متمكناً من القضاء، بمعنى: أنه أفطر في رمضان لأنه مريض، ولكنه شفي بعد رمضان ولم يقض، ثم مات بعد ذلك فهذا هو الذي يقضى عنه، ويدخل تحت حديث عائشة.
فقوله: [(من مات وعليه صيام)] يعني: معناه صيام واجب، وسواء كان هذا الواجب بأصل الشرع كشهر رمضان، أو واجب بإيجاب الإنسان ذلك على نفسه بالنذر، فإنه يصام عنه، لعموم الحديث.
وبعض أهل العلم قال: إنه لا يصام لا القضاء ولا رمضان.
وبعضهم قال: يصوم النذر دون رمضان يعني: الشيء الذي أوجبه على نفسه يصام عنه، والشيء الذي أوجبه الله تعالى عليه بأصل الشرع لا يقضى عنه.
ولكن عموم الحديث -وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) - يدل على أن صيام الولي يكون لمن مات وعليه صيام أي: واجب، والصيام الواجب يدخل فيه رمضان ويدخل فيه النذر.
قوله: [(وليه)].
يعني: قريبه.
وإن صام عنه صاحبه فالذي يبدو أنه لا بأس، وإنما ذكر الولي من أجل أنه هو الذي يشفق عليه، وهو الذي يعنى به، وهو الذي يمكن أن يحصل ذلك منه، ولو صام عنه غيره جاز.(278/13)
تراجم رجال إسناد حديث (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
أحمد بن صالح المصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب].
ابن وهب مر ذكره.
[أخبرني عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر].
عمرو بن الحارث مر ذكره.
وعبيد الله بن أبي جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة].
محمد بن جعفر بن الزبير مر ذكره.
وعروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة قد مر ذكرها.
[قال أبو داود: هذا في النذر، وهو قول أحمد بن حنبل] 0 يعني: أن أبا داود يرى أنه في النذر، وهو قول أحمد بن حنبل الذي فرق بين النذر وبين صيام الواجب بأصل الشرع وهو رمضان، ومعناه أنه قيده بالنذر، ولكن عمومه يشمل النذر وغير النذر.(278/14)
شرح أثر ابن عباس (إذا مرض الرجل في رمضان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصم أطعم عنه، ولم يكن عليه قضاء، وإن كان عليه نذر قضى عنه وليه].
ثم أورد هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (إذا مرض الرجل في رمضان، ثم مات ولم يصم أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء).
ذكر الرجل هنا لا مفهوم له، كما قد عرفنا أن النساء كالرجال، ولكن يأتي ذكر الرجال لأن الغالب أن الخطاب معهم، وإلا فإن المرأة مثل الرجل إذا مرضت.
قوله: [في رمضان، ثم مات ولم يصم أطعم عنه].
يعني: عن كل يوم مسكيناً، [ولم يكن عليه قضاء].
قوله: [وإن كان عليه نذر قضى عنه وليه].
يعني: مذهب ابن عباس رضي الله عنه أن قضاء الولي إنما يكون في حق من كان عليه صوم نذر، أما من أفطر في رمضان وكان مريضاً فإنه يطعم عنه، وليس عليه قضاء، ومعلوم أنه سبق أن عرفنا أنه: إذا كان المرض في رمضان واستمر معه حتى مات فإنه لا قضاء عليه، وليس عليه كفارة؛ لأن الله تعالى قال: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]، وهو لم يتمكن أن يصوم؛ لأنه استمر معه المرض حتى مات، وإن كان تمكن من القضاء ولكنه لم يفعل، فإن عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) يشفع له فيما يبدو، والله تعالى أعلم.(278/15)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس (إذا مرض الرجل في رمضان)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن أبي حصين].
محمد بن كثير مر ذكره.
وسفيان هو الثوري مر ذكره.
وأبو حصين هو عثمان بن عاصم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(278/16)
الأسئلة(278/17)
الراجح في مسألة من مات وعليه صيام
السؤال
ما هو الراجح في مسألة من مات وعليه صيام؟
الجواب
الراجح فيها يبدو والله أعلم أن من مات وعليه صيام سواء كان صوم فرض الذي هو رمضان، أو شيء أوجبه على نفسه كالنذر أنه يصوم عنه وليه، وبعض أهل العلم فرق بين النذر وصيام رمضان، فرأى أنه يقضى عنه في النذر دون رمضان، وبعضهم قال: لا يقضى عنه لا نذر ولا رمضان، ولكن عموم الحديث يدل على أنه يشمل الاثنين.(278/18)
حكم توزيع صيام الميت على أقاربه
السؤال
لو كان هذا الميت عليه عدد من الأيام فعدد من الأولياء تقاسموا الأيام وصاموا يوماً واحداً؟
الجواب
يصح، وقد ذكر هذا البخاري في صحيحه في أول باب نقله عن بعض العلماء، أنه لو كان عليه ثلاثون يوماً فاتفق ثلاثون من أهله أن كل واحد يصوم أجزأ، ولكن هذا يستثنى منه ما إذا كان الشيء فيه اشتراط التتابع فإنه لا يجوز فيه هذا الشيء، ولكن لكونه مثل رمضان فتقوم مجموعة من أقاربه فيصوم كل واحد يوماً فإن ذلك يصح، لكن لا يصلح اجتماعهم في شيء يشترط فيه التتابع كالكفارة.
والبخاري ذكر هذا في صحيحه عن بعض السلف في أول ترجمة باب أنهم اتفقوا وصاموا يوماً واحداً.(278/19)
حكم من أفطر في نهار رمضان ثم جامع أهله
السؤال
لو أن شخصاً أفطر ثم جامع أهله في نهار رمضان فهل تجب عليه الكفارة؟
الجواب
أقول: يجب عليه ولو كان قد أفطر؛ لأن مثل هذا يمكن أنه يريد هذا الشيء، فيذهب يفطر حتى يسلم من الكفارة؛ لأن حرمة الشهر لكونه أكل ولكونه جامع، كل ذلك فيه انتهاك للحرمة.(278/20)
ضابط الانتقال من العتق إلى الصيام إلى الإطعام في الكفارة
السؤال
ما هو الضابط في الانتقال من العتق إلى الصيام إلى الإطعام في الكفارة؟
الجواب
مثل ما جاء في الحديث شخص لا يقدر على عتق رقبة وليس عنده قيمتها حتى يشتريها، فيتحول إلى الصيام، وإذا كان يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين يجب عليه ذلك، ولا يجوز له أن ينتقل إلى الذي وراءه إلا إذا كان لا يستطيع، أما إن كان مستطيعاً تعين عليه الصيام.
قد يقول شخص: أنا لا أستطيع أن أصوم شهرين، لأن مدتها طويلة علي، ولا أقدر عليها، فيريد أن ينتقل إلى الإطعام، فما هو الضابط الذي نستطيع أن نقول به؟
و
الجواب
أن كونه لا يصبر مثلاً عن النساء مثل ما جاء في بعض الروايات قال: وهل حصل لي هذا الفعل إلا من الصيام؟ يعني: فكونه شخصاً لا يستطيع أن يصبر في الليل ولا في النهار، هذا هو الذي يمكن أن يتحول.(278/21)
حكم الاستمناء في نهار رمضان
السؤال
هل الاستمناء في نهار رمضان مثل الجماع في وجوب الكفارة؟
الجواب
ليس فيه كفارة، ولكنه يفسد صيامه وعليه القضاء ويأثم به؛ لأنه فعل أمراً محرماً لو كان في غير رمضان، فإذا كان في رمضان يكون الأمر أخطر وأخطر، ولكن ليس عليه كفارة، وإنما عليه القضاء، والكفارة إنما تجب على المجامع كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(278/22)
حكم من جامع أهله ثم سمع أذان الفجر فنزع
السؤال
شخص جامع أهله يظن أنه بقي شيء من الوقت في الليل، فسمع الأذان فامتنع من فعله وترك، فهل عليه شيء من الكفارة؟
الجواب
ليس عليه شيء إذا جامع في الليل، وإذا أذن وهو في الجماع ونزع فليس عليه شيء.(278/23)
شرح سنن أبي داود [279]
أمر الله عز وجل بفريضة الصيام في الحضر، وخير المرء في السفر، وجعل الشارع الأمر معلقاً بمشقة المسافر وعدمها، فإن كانت المشقة حاصلة فالفطر للمسافر أولى، وإن لم توجد مشقة فالصوم أولى له؛ لأن المبادرة إلى إبراء الذمة أولى من التراخي فيها.(279/1)
الصوم في السفر(279/2)
شرح حديث (صم إن شئت وأفطر إن شئت)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصوم في السفر.
حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: (أن حمزة الأسلمي سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني رجل أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ قال: صم إن شئت، وأفطر إن شئت)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب الصوم في السفر] أي: حكمه، والصوم في السفر سواء كان فرضاً أو نفلاً يسوغ ويسوغ الفطر، لكن أيهما أولى؟ قال بعض أهل العلم: إن الصيام أولى، وقال بعضهم: الفطر أولى، وقال بعضهم: إن هذا يرجع إلى المشقة وعدم المشقة، فإذا كان يشق الصوم عليه فإن الفطر أولى له، وإن كان لا يشق عليه فالصوم أولى له، وهذا القول فيما يبدو هو الأولى والأظهر؛ لأن الأولى للإنسان في حال مشقته أن يفطر حتى يسلم من المشقة ومن الضرر، وإذا لم يكن هناك مشقة وكان الصيام عليه سهلاً، فكون الإنسان يؤدي الواجب عليه لاسيما في شهر رمضان فهو أولى حتى يحمل نفسه ديناً، ويكون قد أدى الواجب عن نفسه في وقته، وحيث لا مشقة فإن هذا يكون هو الأولى.
وعلى هذا فإن للإنسان في السفر أن يفطر وله أن يصوم سوء كان فرضاً أو نفلاً، ولكن الأولى يرجع إلى المشقة وعدمها، فإن كان يناله مشقة ويلحقه ضرر فالأولى في حقه الإفطار، وإن كان لا يلحقه شيء من ذلك فإن الأولى في حقه الصيام.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن حمزة الأسلمي رضي الله جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إني أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر) وهذا يدل على أن الأمر في ذلك واسع، وله أن يصوم وله أن يفطر، أي: هو مخير بين هذا وهذا، ولكن الأولى في حقه ما ذكرناه.
قوله: [(أسرد الصوم)].
يعني: يكثر من الصوم، والمقصود بهذا صوم النافلة؛ لأن النوافل هي التي يمكن للإنسان أن يقوم بها، وأما بالنسبة للفرض فإنه لازم لكل أحد، وإذا كان لم يصم في سفر فإنه يصوم أياماً أخر عوضاً عنها وبدلاً منها.
ولا يفهم منه صيام الدهر؛ لأن المراد من السرد الإكثار منه، ولا يعني ذلك أنه يصوم الدهر كله؛ لأن صوم الدهر قد ورد ما يدل على النهي عنه.(279/3)
تراجم رجال إسناد حديث (صم إن شئت وأفطر إن شئت)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومسدد].
مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عن حماد].
وهو حماد بن زيد؛ لأنه إذا جاء حماد غير منسوب ويروي عنه سليمان بن حرب، ويروي عنه مسدد فالمراد به: حماد بن زيد، وإذا جاء حماد غير منسوب ويروي عنه موسى بن إسماعيل فالمراد حماد بن سلمة، وهكذا.
وهناك كما سبق أن أسلفت فصل ذكره المزي في تهذيب الكمال بعد ترجمة حماد بن سلمة وحماد بن زيد؛ لأن الترجمتين متجاورتين، وبعد ترجمة حماد بن سلمة ذكر فصلاً بيّن فيه من يكون حماد إذا أبهم، وذكر عدداً من التلاميذ، إذا روى فلان أو فلان عن فلان فهو حماد بن زيد، وإذا روى فلان أو فلان عن فلان فهو حماد بن سلمة.
وهنا حماد غير منسوب، وهذا يقال له في علم المصطلح المهمل، أي: الذي لم ينسب وهو يحتمل شخصين أو أكثر، كما في حماد يحتمل حماد بن زيد وحماد بن سلمة، ومعروف أن سليمان بن حرب وكذلك مسدد إنما يرويان عن حماد بن زيد.
[عن هشام بن عروة].
هشام بن عروة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس وجابر وأم المؤمنين عائشة، هؤلاء هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.(279/4)
شرح حديث (أي ذلك شئت يا حمزة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن عبد المجيد المدني قال: سمعت حمزة بن محمد بن حمزة الأسلمي يذكر أن أباه أخبره عن جده رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه، وإنه ربما صادفني هذا الشهر -يعني رمضان- وأنا أجد القوة وأنا شاب، فأجد بأن أصوم يا رسول الله أهون علي من أن أؤخره فيكون ديناً، أفأصوم يا رسول الله أعظم لأجري أو أفطر؟ قال: أي ذلك شئت يا حمزة)].
أورد أبو داود حديث حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله بالخيار بين أن يصوم وأن يفطر، وهذا الحديث فيه تنصيص على أنه شهر الصوم.
قال: إنه يجد قدرة ويريد ألا يحمل نفسه ديناً، وهو يقدر على الصيام، فقال: (أي ذلك شئت) يعني: إن شئت أن تصوم فصم، وإن شئت أن تفطر فأفطر، وهذا مثل ما جاء في حديث عائشة في قصته، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر) وهو يدل على التخيير، ولكن كما قلت في التفصيل الذي أشرت إليه آنفاً: إن كان لا يجد مشقة ولا يصيبه تعب ومضرة فالأولى في حقه الصيام، حتى يكون قد أدى الواجب في وقته ولم يحمل نفسه ديناً، وإن كان عليه مشقة في ذلك فالأولى في حقه أن يفطر؛ لأنها رخصة رخص الله تعالى له بها، فإذا كان هناك مشقة فلا يقدم على شيء عليه فيه مشقة، وإنما يأتي بالرخصة التي رخص الله تعالى له بها بأن يفطر ويصوم عدة ما أفطر من أيام أخر.
قوله: [عن حمزة قال: (قلت: يا رسول الله! إني صاحب ظهر)].
يعني: صاحب مركوب يعني: دواب.
(أعالجه) يعني: أستعمله وأكريه.
قوله: [(أسافر عليه وأكريه)].
يعني: أحياناً يسافر عليه لنفسه، وأحياناً يكريه.
قوله: [(وإنه ربما صادفني هذا الشهر -يعني رمضان- وأنا أجد القوة وأنا شاب، وأجد بأن أصوم يا رسول الله أهون علي من أن أؤخره فيكون ديناً أفأصوم يا رسول الله! أعظم لأجري أو أفطر؟ قال: أي ذلك شئت يا حمزة)].
أي ذلك شئت: يعني: لك هذا ولك هذا، لك أن تصوم ولك أن تفطر، وهو كالتخيير الذي جاء عن عائشة في قصة حمزة هذا، والإسناد ضعيف، ولكنه من حيث اللفظ مطابق لما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها في قصته من التخيير، فهو من حيث الإسناد ضعيف، ولكنه صحيح من حيث المعنى، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها بالطريق الصحيحة الثابتة المتقدمة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خيره، وعائشة تحكي التخيير له، وهو يحكي التخيير لنفسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.(279/5)
تراجم رجال إسناد حديث (أي ذلك شئت يا حمزة)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي].
عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا محمد بن عبد المجيد المدني].
وهو مقبول، أخرج له أبو داود.
[سمعت حمزة بن محمد بن حمزة الأسلمي].
حمزة بن محمد بن حمزة الأسلمي، وهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود.
[يذكر أن أباه].
وهو مقبول، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والنسائي.
[عن جده].
جده حمزة بن عمرو رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.(279/6)
شرح حديث ابن عباس في إفطار النبي عندما بلغ عسفان
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة إلى مكة حتى بلغ عسفان، ثم دعا بإناء فرفعه إلى فيه ليريه الناس، وذلك في رمضان، فكان ابن عباس يقول: قد صام النبي صلى الله عليه وسلم وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة في رمضان، وكان ذلك في عام الفتح، فكان صائماً، ولما بلغ عسفان دعا بإناء والناس يرونه، فشرب صلى الله عليه وسلم وأفطر، في أثناء اليوم حتى يعلم الناس بأنه مفطر، وكان ذلك في عام الفتح، وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أن يفطروا ليتقووا على العدو لما قربوا من مكة، ولما وصلوا إلى مكة أو قاربوها أمرهم بأن يفطروا ليتقووا على العدو كما سيأتي، وهنا أفطر ليراه الناس وحتى يتابعوه ويقتدوا به صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا أنه صام وأفطر وهو مسافر؛ لأنه كان أولاً صائماً ثم أفطر للسفر، ففيه أنه صام قبل أن يصل إلى عسفان، وأفطر بعدما وصل إلى عسفان.
فكان ابن عباس رضي الله عنه يقول: (قد صام النبي صلى الله عليه وسلم وأفطر، فمن شاء صام ومن شاء أفطر) لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام أولاً ثم أفطر آخراً، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر، يعني: للإنسان أن يصوم، وله أن يفطر.(279/7)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في إفطار النبي عندما بلغ عسفان
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة].
مسدد مر ذكره.
أبو عوانة هو وضاح بن عبد الله اليشكري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
منصور بن المعتمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد].
مجاهد بن جبر المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن طاوس].
طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، أحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام -وهم: عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير - وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(279/8)
شرح حديث (سافرنا مع رسول الله في رمضان فصام بعضنا وأفطر بعضنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة عن حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه قال (سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان فصام بعضنا وأفطر بعضنا، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فصام بعضنا وأفطر بعضنا، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم)، يعني: أن الأمر واسع، وأن كل واحد له أن يصوم وله أن يفطر، وما عاب من صام على من أفطر، ولا عاب من أفطر على من صام، فدل هذا على أن الأمر واسع في السفر، فللإنسان أن يصوم وله أن يفطر، ولكن التفصيل الذي أشرت إليه هو المناسب.(279/9)
تراجم رجال إسناد حديث (سافرنا مع رسول الله في رمضان فصام بعضنا وأفطر بعضنا)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
أحمد بن عبد الله بن يونس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زائدة].
زائدة بن قدامة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد الطويل].
حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود التي هي أعلى الأسانيد عنده؛ لأن بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أربعة أشخاص.
ولا أتذكر أنزل إسناد عند أبي داود، وسبق أن مر بنا إسناد فيه تسعة أشخاص، وهو في باب الصائم يستقيء عامداً.
وهو حديث: حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو حدثنا عبد الوارث حدثنا الحسن عن يحيى قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يعيش بن الوليد بن هشام أن أباه حدثه قال: حدثني معدان بن طلحة أن أبا الدرداء حدثه.
فهذا سند فيه تسعة أشخاص.(279/10)
شرح حديث (خرجنا مع النبي في رمضان عام الفتح فكان رسول الله يصوم ونصوم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح ووهب بن بيان المعنى قالا: حدثنا ابن وهب قال: حدثني معاوية عن ربيعة بن يزيد أنه حدثه عن قزعة قال: أتيت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو يفتي الناس، وهم مكبون عليه، فانتظرت خلوته، فلما خلا سألته عن صيام رمضان في السفر، فقال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان عام الفتح، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم ونصوم، حتى بلغ منزلاً من المنازل فقال: إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأصبحنا منا الصائم ومنا المفطر، قال: ثم سرنا فنزلنا منزلاً فقال: إنكم تصبحون عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا، فكانت عزيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال أبو سعيد: ثم لقد رأيتني أصوم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل ذلك وبعد ذلك].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سأله قزعة عن الصوم في السفر، فأجابه بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه من المسالك التي يسلكها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في الفتوى، فكانوا إذا سئلوا عن شيء أجابوا بالحديث، وفيه الجواب مشتملاً على الدليل، وقد يجيب ثم يذكر الحديث، ولكن الغالب أنه يأتي بالأثر، وأحياناً يأتي بالحديث الطويل المشتمل على جملة معينة محددة من الحديث الطويل هي محل الشاهد، ولكنه يسوق الحديث بأكمله من أجل الجملة التي فيه، ومن ذلك حديث جبريل المشهور وهو أول حديث في صحيح مسلم؛ أن ابن عمر رضي الله عنه جاءه أناس من البصرة وأخبروه أنه خرج في بلدهم أناس يتكلمون في القدر، فـ عبد الله بن عمر تبرأ منهم ثم ساق الحديث عن أبيه وأتى بحديث جبريل الطويل المشتمل على محل الشاهد، فكانوا رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم إذا سئلوا أجابوا بالأثر.
قوله: [أتيت أبا سعيد الخدري، وهو يفتي الناس، وهم مكبون عليه].
أي وهو يفتي الناس وهم مكبون عليه يستفتون، يعني: أنهم كثيرون.
قوله: [فانتظرت خلوته].
يعني: تحين الفرصة حتى يخف عنده الزحام والناس مكبون عليه، فجاءه وسأله عن الصوم في السفر.
قوله: [فلما خلا سألته عن صيام رمضان في السفر، فقال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان عام الفتح، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم ونصوم، حتى بلغ منزلاً من المنازل فقال: إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم)].
هنا قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في رمضان عام الفتح، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ويصومون معه، ولما كانوا في الطريق قال: (إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم).
هذا إرشاد وإيماء إلى أن يفطروا، وليس فيه عزيمة، لأنه ما أمرهم، ولكنه أرشد إلى أن هذا أقوى لهم، فلما دنوا من عدوهم قال: (إنكم تصبحون عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت عزيمة) معناه الأمر الأخير عزيمة، وأما الأمر الأول ففيه إرشاد؛ لأنه قال: (الفطر أقوى لكم) وفي الأخير قال: (أفطروا) لأنه قبل ذلك كان بينه وبين العدو مسافة، فكونهم يفطرون حتى يكون عندهم شيء من القوة أولى، ولكنهم بعد أن وصلوا إلى العدو وصاروا مصبحين له، أمرهم أن يفطروا حتى يكونوا على قوة ليتمكنوا مما يريدون، هذه هي العزيمة التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو سعيد: [ثم لقد رأيتني أصوم مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وبعد ذلك].
فدل على أن الصوم في السفر بابه واسع.(279/11)
تراجم رجال إسناد حديث (خرجنا مع النبي في رمضان عام الفتح فكان رسول الله يصوم ونصوم)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
أحمد بن صالح المصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[ووهب بن بيان].
وهب بن بيان الواسطي، ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا ابن وهب].
عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني معاوية].
معاوية بن صالح، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ربيعة بن يزيد].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قزعة].
قزعة بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري].
وهو سعد بن مالك بن سنان رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(279/12)
اختيار الفطر(279/13)
شرح حديث (ليس من البر الصيام في السفر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اختيار الفطر.
حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن -يعني: ابن سعد بن زرارة - عن محمد بن عمرو بن حسن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يظلل عليه والزحام عليه، فقال: ليس من البر الصيام في السفر)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب اختيار الفطر يعني: كون الفطر أولى، ومعلوم أن الفطر يكون أولى فيما إذا كان هناك مشقة، وهو يختار في هذه الحالة، ولا شك أنه أولى وأفضل من كون الإنسان يتحمل مشقة ويتعب نفسه، والله تعالى قد يسر له ورخص وسهل، فيأخذ برخصة الله ولا يتعب نفسه ويحملها ما يشق عليها، وما يكون عليها فيه عنت ومشقة.
أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فرأى رجلاً يظلل عليه، فقال: (ما هذا؟ قالوا: صائم، قال: ليس من البر الصيام في السفر) أي: الصوم الذي يؤدي إلى هذه الحال، وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم صام في السفر، وأصحابه صاموا معه في السفر، ولكن المقصود أنه ليس من البر الصيام الذي يؤدي بالإنسان إلى المشقة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لما سأل، قالوا له: إنه صائم، يعني: أن هذا الذي حصل له بسبب الصيام؛ فقال عليه الصلاة والسلام: (ليس من البر الصيام في السفر).(279/14)
تراجم رجال إسناد حديث (ليس من البر الصيام في السفر)
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي].
أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عبد الرحمن يعني: ابن سعد بن زرارة].
محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عمرو بن حسن].
محمد بن عمرو بن حسن بن علي، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[عن جابر بن عبد الله].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا فقد مر بنا من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الدرس عائشة وابن عباس وأنس وأبو سعيد وجابر، بقي منهم ابن عمر وأبو هريرة.(279/15)
شرح حديث (إن الله وضع شطر الصلاة والصوم عن المسافر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا أبو هلال الراسبي حدثنا ابن سوادة القشيري عن أنس بن مالك رضي الله عنه رجل من بني عبد الله بن كعب إخوة بني قشير قال: (أغارت علينا خيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانتهيت، أو قال: فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يأكل، فقال: اجلس فأصب من طعامنا هذا، فقلت: إني صائم، قال: اجلس أحدثك عن الصلاة وعن الصيام، إن الله تعالى وضع شطر الصلاة -أو نصف الصلاة- والصوم عن المسافر، وعن المرضع أو الحبلى، والله لقد قالهما جميعاً أو أحدهما قال: فتلهفت نفسي ألا أكون أكلت من طعام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك من بني عبد الله بن كعب، وهو صحابي ليس له إلا هذا الحديث الواحد، وهو يوافق أنس بن مالك الصحابي المشهور أبو حمزة خادم النبي صلى الله عليه وسلم باسمه واسم أبيه، والمشهور بـ أنس بن مالك هو الصحابي خادم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا إنما جاء في هذا الحديث الواحد، وليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث الواحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(أغارت علينا خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهيت أو قال: فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يأكل فقال: اجلس فأصب من طعامنا هذا، قلت: إني صائم، قال: اجلس أحدثك عن الصلاة وعن الصيام، إن الله وضع شطر الصلاة أو نصف الصلاة)].
يعني: شك الراوي هل قال: شطر الصلاة أو قال: نصف الصلاة، والمقصود من ذلك الصلاة الرباعية، فتقصر من أربع إلى ركعتين.
قوله: [(والصوم)].
يعني: أنه وضع الإلزام بالصوم في حال السفر، فللمسافر أن يفطر ثم يصوم أياماً أخر، وهذه أمور كلها فيها تخفيف، ولكن هي متفاوتة في نوع التخفيف، فهذه الصلاة الرباعية خففت إلى ثنتين، وبدلاً من أن يلزم المسافر بالصيام رخص له أن يفطر، وأن يقضي أياماً أخر بدل الأيام التي أفطرها، وهذا نوع من التخفيف؛ لأنه لو ألزم بالصيام لصار عليه مشقة ومضرة، ولكنه رخص له أن يفطر ويقضي أياماً أخر بدلاً من الأيام التي أفطرها.
قوله: [(وعن المرضع أو الحبلى)].
هذا شك من الراوي قال: (والله لقد قالهما جميعاً أو أحدهما) يعني: قال: المرضع والحبلى أو قال: المرضع أو الحبلى، والمرضع رخص لها أن تفطر من أجل ولدها، وكذلك الحامل تفطر من أجل ولدها، ولكنهما تقضيان وتطعمان؛ لأن الإفطار من أجل غيرهما، أما لو كان الإفطار من أجل مرضهما أو ضعفهما، فإنه ليس عليهما إلا القضاء بدون إطعام، ولكن إذا كان الإفطار من أجل مصلحة الغير فإنهما يفطران ويقضيان ويطعمان عن كل يوم مسكيناً.
فكما وضع عن المسافر الصوم في الحال، وأنه يقضي أياماً أخر، فكذلك المرضع والحامل، ولكنهما تقضيان في أيام أخر، وإذا كان الترخيص لهما من أجل مصلحة جنينهما فعليهما الكفارة وهي إطعام مسكين مع القضاء.
قوله: [فتلهفت نفسي ألا أكون أكلت من طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم].
يعني: كأنه تألم وتأثر بذلك، وتمنى أنه أكل.(279/16)
تراجم رجال إسناد حديث (إن الله وضع شطر الصلاة والصوم عن المسافر)
قوله: [حدثنا شيبان بن فروخ].
شيبان بن فروخ صدوق يهم، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبو هلال الراسبي].
أبو هلال الراسبي هو محمد بن سليم، صدوق فيه لين، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[حدثنا ابن سوادة القشيري].
هو عبد الله بن سوادة القشيري ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أنس بن مالك].
هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج له أصحاب السنن، وليس له إلا هذا الحديث الواحد.(279/17)
من اختار الصيام(279/18)
شرح حديث (خرجنا مع رسول الله في بعض غزواته في حر شديد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من اختار الصيام.
حدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد حدثنا سعيد بن عبد العزيز حدثني إسماعيل بن عبيد الله قال: حدثتني أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بعض غزواته في حر شديد، حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه -أو كفه على رأسه- من شدة الحر، ما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعبد الله بن رواحة)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب من اختار الصيام.
يعني: الترجمة السابقة فيمن اختار الفطر، وهنا من اختار الصيام، وأورد حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان في حر شديد، وكان الواحد منهم يضع يده على رأسه من شدة الحر، قال: (وليس فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة) رضي الله عنه، ومحل الشاهد من هذا كون النبي صلى الله عليه وسلم قد صام وصام عبد الله بن رواحة في السفر.
وفيه أنه حصل لهم مشقة من شدة الحر، وأنه كان في يوم حر شديد، ولكن أكثرهم مفطر، ولكن فيهم من صام وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة.
فإذاً: دل هذا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم اختار الصيام، وكذلك عبد الله بن رواحة معه، فهذا فيه دلالة على ما ترجمه المصنف، ولكن الأمر كما سبق أن أسلفت يرجع إلى المصلحة، فإذا كان هناك مضرة ومشقة فالفطر أولى، وإن لم يكن هناك مشقة فالصيام أولى.(279/19)
تراجم رجال إسناد حديث (خرجنا مع رسول الله في بعض غزواته في حر شديد)
قوله: [حدثنا مؤمل بن الفضل].
مؤمل بن الفضل، هو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا الوليد].
الوليد بن مسلم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد بن عبد العزيز].
سعيد بن عبد العزيز الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني إسماعيل بن عبيد الله].
إسماعيل بن عبيد الله، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن أم الدرداء].
أم الدرداء وهي الصغرى، وهي تابعية ثقة، اسمها هجيمة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
وأما أم الدرداء الصحابية واسمها خيرة فليس لها رواية في الكتب الستة، وإنما التي لها رواية هي الصغرى، وقد خرج حديثها أصحاب الكتب الستة، وهذه تابعية ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة، وكل منهما يقال لها: أم الدرداء، وهما زوجتان لـ أبي الدرداء.
[عن أبي الدرداء].
وهو عويمر بن زيد رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(279/20)
شرح حديث (من كانت له حمولة تأوي إلى شبع)
قال المصنف رحمه تعالى: [حدثنا حامد بن يحيى حدثنا هاشم بن قاسم ح وحدثنا عقبة بن مكرم حدثنا أبو قتيبة المعنى قالا: حدثنا عبد الصمد بن حبيب بن عبد الله الأزدي قال: حدثني حبيب بن عبد الله قال: سمعت سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي يحدث عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كانت له حمولة تأوي إلى شبع فليصم رمضان حيث أدركه)].
أورد أبو داود حديث سلمة بن المحبق رضي الله عنه: (من كانت له حمولة) أي: مركوب، وهو الذي يحمل عليه كالبعير والحمار.
تأوي أي: تأوي به أو توصله.
إلى شبع: إلى مكان فيه شبع ورفاهية واستمتاع.
قوله: [(فليصم رمضان حيث أدركه)].
يعني: لو كان ذلك في السفر، وهذا من أجل الترجمة: باب من اختار الصيام؛ لأنه أرشده إلى الصيام، فإنه يصوم الشهر حيث أدركه، ومعناه أنه يفضل الصيام، لكن الحديث ضعيف، وفي إسناده من هو متكلم فيه.
وكون الإنسان مخير بين الصوم في السفر هذا واضح، ولكن الشأن هنا في الاستدلال على اختيار الصيام وتقديم الصيام على الإفطار، وأنه يكون أولى من الإفطار يعني: هذا الحديث مما يدل عليه.(279/21)
تراجم رجال إسناد حديث (من كانت له حمولة تأوي إلى شبع)
قوله: [حدثنا حامد بن يحيى].
وهو ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا هاشم بن قاسم].
هاشم بن القاسم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا عقبة بن مكرم].
عقبة بن مكرم، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[حدثنا أبو قتيبة].
هو سلم بن قتيبة وهو صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
وكنيته توافق اسم أبيه؛ لأنه أبو قتيبة، واسمه: سلم بن قتيبة، ومن أنواع علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة ذلك ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر (أبي) بدل (ابن)، لو جاء سلم أبي قتيبة، فالذي لا يدري أن كنيته أبو قتيبة يظن أن (ابن) صحفت وصارت (أبي)، لكن من عرف أن كنيته توافق اسم أبيه، إن قيل: سلم بن قتيبة فهو صحيح، وإن قيل: سلم أبي قتيبة فهو صحيح.
وهذا هو الذي سبق أن ذكرت الكلمة التي قالها فيه يحيى بن سعيد القطان، أعني: في توهينه له، وهي عبارة مشهورة عند العوام في هذا الزمان، قال يحيى بن سعيد القطان: ليس من جمال المحامل، معناه: أنه ليس ذلك الذي يشبه جمال المحامل، أي: الذي يحمل ويستفاد منه.
[حدثنا عبد الصمد بن حبيب بن عبد الله الأزدي].
عبد الصمد بن حبيب بن عبد الله الأزدي، ضعفه أحمد، وقال ابن معين: لا بأس به، أخرج له أبو داود.
وكلمة: (لا بأس به) عند يحيى بن معين توثيق، فهي تعادل ثقة.
وذكره البخاري حيث قال: ذاهب الحديث، أو قال: منكر الحديث، فأقول: فيه كلام شديد.
وقال أبو جعفر العقيلي: لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، يعني: هذا الحديث.
[حدثني حبيب بن عبد الله].
حبيب بن عبد الله مجهول، أخرج له أبو داود.
[سمعت سنان بن سلمة بن المحبق].
سنان بن سلمة بن المحبق، له رؤية، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[يحدث عن أبيه].
أبوه سلمة بن المحبق رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
وعلى هذا ففيه هذا المجهول، وفيه هذا الذي تكلم فيه، ضعفه أحمد وقال البخاري: منكر، وقال: إنه ذاهب الحديث، وقال العقيلي: لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به.(279/22)
شرح حديث (من أدركه رمضان في السفر) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن المهاجر حدثنا عبد الصمد -يعني: ابن عبد الوارث - حدثنا عبد الصمد بن حبيب قال: حدثني أبي عن سنان بن سلمة عن سلمة بن المحبق رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أدركه رمضان في السفر) فذكر معناه].
ثم أورد الحديث من طريق أخرى، ولكنه ذكر أوله وأشار إلى باقيه، قال: (من أدرك رمضان في السفر) فذكر معناه، أي: فذكر معنى الرواية السابقة.
قوله: [حدثنا نصر بن المهاجر].
نصر بن المهاجر ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا عبد الصمد يعني: ابن عبد الوارث].
عبد الصمد بن عبد الوارث، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الصمد بن حبيب قال: حدثني أبي عن سنان بن سلمة عن سلمة بن المحبق].
وقد مر ذكرهم جميعاً في الإسناد السابق.(279/23)
شرح سنن أبي داود [280]
إن الله تبارك وتعالى بين لنا في كتابه وعن طريق رسوله صلى الله عليه وسلم أحكاماً وأوامر ونواهي لا يستطيع المرء المسلم الباحث عن الحق الخروج منها؛ لأنه مستسلم لهذا الدين والشرع بكل كيانه، وقد أمر الله تعالى بالرجوع إلى أهل العلم في السؤال عن المشكلات والمبهمات التي قد لا يعلمها إلا العلماء الراسخون في العلم فقال: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، وبين أيدينا مجموعة من هذه الأسئلة والفتاوى القيمة والمليئة بالفائدة.(280/1)
معنى وضع شطر الصلاة والصيام عن المسافر والحامل والمرضع
السؤال
استشكل حديث أنس بن مالك القشيري الكعبي: (إن الله تعالى وضع شطر الصلاة أو نصف الصلاة والصوم عن المسافر وعن المرضع أو الحبلى) فهل المرضع والحبلى لهما دخل في وضع شطر الصلاة؟
الجواب
شطر الصلاة هو تابع للمسافر؛ لأن الصلاة خاصة بالمسافر؛ لأنه قال: (وضع عن المسافر) ثم ذكر: الصوم، فلهما دخل في الصوم وليس لهما دخل في الصلاة؛ لأن المرضع أو الحبلى ليس لهما دخل في الصلاة، وإنما هذه أمور تذكر وأحكامها مختلفة، فيكون للمسافر القصر والإفطار، وأما المرضع والحامل فلهما الإفطار فقط، وأما الصلاة فلا دخل لهما فيها، بل كل من كان له رمق في الحياة فإنه يصلي الصلاة في وقتها، على حسب طاقته وقدرته، ولكن المريض له أن يجمع، وليس له أن يقصر.(280/2)
الإكباب على العلماء سنة قديمة
السؤال
في حديث أبي سعيد الذي فيه قزعة قال: أتيت أبا سعيد الخدري وهو يفتي الناس، وهم مكبون عليه، فهل الإكباب على العلماء واستفتاؤهم سنة قديمة؟
الجواب
نعم.(280/3)
حكم من لم يجد الهدي فأخر الصوم إلى شعبان
السؤال
ما حكم من أخر صيام سبعة أيام لمن لم يجد الهدي إلى شهر شعبان؟
الجواب
المبادرة مطلوبة، يعني: كون الإنسان يؤدي الصيام حيث قال تعالى: {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة:196] وهي دين عليه، لكنه ليس من المتعين عليه أنه يصوم من وقت ما يصل، فلو حصل التأخير فهي دين في ذمته، فإذا أتى به في شعبان أو في أي وقت من السنة فقد أدى ما عليه، ولا ينبغي له أن يؤخر، لكنه إن أخر فعليه أن يقضي؛ لأن حصول التأخير لا يسقط الدين الذي في الذمة.(280/4)
حكم تأخير البيان عن وقت الحاجة في حديث المجامع أهله في نهار رمضان
السؤال
ذكرتم بأن الكفارة لا تسقط عن المجامع في نهار رمضان، فالأخ يقول: ألا يكون هذا من تأخير البيان عن وقت الحاجة، أعني أن الكفارة لا تسقط عن الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان، وأن تبقى ديناً في ذمته ولا يخبره النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
ليس فيه تأخير بيان؛ البيان موجود حيث قال: ألا تستطيع كذا؟ ألا تستطيع كذا؟ وبعد ذلك قال: (خذه وتصدق به) فقال: أنا أحوج، فأخذه وأكله وما تصدق.
إذاً: الدين موجود في الذمة، وما حصل التأخير؛ لأن الكلام الذي قد حصل يدل على لزومه، وكونه معسراً لا يدل على سقوطه، والإنسان إذا كان عليه دين فقد قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] ولا يقال: إنه يسقط، وهذا عليه دين فلا يسقط، ما من شيء يدل على سقوطه، بل يدل على ثبوته في الذمة، وهذا الرجل أعطي شيئاً ليتصدق به ويؤدي الدين الذي عليه، ثم قال: إنه أحوج الناس إليه، فبقي الدين في ذمته.
وأما الكفارة على المرأة المطاوعة فما جاء شيء ينفيها أو يثبتها، لكن من أفطر في نهار رمضان بالجماع فعليه كفارة، فهو إذا كان قد أخبر عن نفسه أنه أفطر أعطي الجواب، وأما هي فما جاءت لتستفتي، وما عرفنا مجيئها، لكن كونها حصل منها ارتكاب محظور، فأيضاً يكون عليها كفارة.(280/5)
حكم قضاء دين الميت
السؤال
إذا كان الميت عليه دين، فهل يجب على أبنائه أن يقضوا دين أبيهم؟
الجواب
لا يجب عليهم، ولكن يستحب لهم.(280/6)
حكم المسابقات الجارية في الأسواق
السؤال
سائل يسأل عن المسابقات الموجودة الآن في الأسواق، وهي أن تشتري مثلاً علبة البيبسي أو نحوها، ثم تأخذ الورقة عليها، فتكتب الاسم ومعلومات عن عنوانك، ثم ترسلها للشركة، وبعد فترة يجري السحب، فتكون الجائزة للفائز؟
الجواب
الأولى للشخص أن يبتعد عن هذا الشيء ولا يشغل نفسه فيه.(280/7)
حديث حمزة الأسلمي لا يدل على سرد الصيام
السؤال
في حديث عائشة رضي الله عنها قول حمزة الأسلمي رضي الله عنه: (إني رجل أسرد الصوم) هل هذا الحديث يدل على سرد الصوم في أيام معدودة كشهر أو نحو ذلك؟
الجواب
يمكن أن يكون مثلاً في شهر، أو يمكن أنه يصوم يوماً ويفطر يوماً؛ لأن قضية السرد لا تعني أنه مواصل، فقد يصوم شهراً وقد يصوم مثلاً نصف شهر، ثم نصف شهر في أوقات متفرقة، فيقال له: إنه سرد الصوم.(280/8)
حكم الفطر لمن سافر من المدينة إلى مكة
السؤال
هل يجوز لي أن أفطر وأنا أسافر من المدينة إلى مكة في هذا العصر، والوقت لا يستغرق إلا خمس ساعات فقط؟
الجواب
الفطر جائز، ولكن الأولى لك ألا تفطر.(280/9)
حكم المظاهرات السلمية الاحتجاجية
السؤال
نادى بعض الناس بإجراء مظاهرات لتأييد الإخوة في فلسطين، وأن هذه المظاهرات لا يوجد ما يمنع منها إذا كانت سلمية، فما قولكم حفظكم الله؟
الجواب
أقول: المظاهرات من السفه.(280/10)
حديث حمزة بن عمرو الأسلمي لا يدل على تفضيل الفطر في السفر
السؤال
جاء في صحيح مسلم عن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال: (يا رسول الله! إني أجد في قوة على الصيام في السفر، فهل علي جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه)، أليس في هذا الحديث إشارة إلى تفضيل الفطر في السفر مطلقاً؛ لقوله: (رخصة)؟
الجواب
معلوم أن الفطر رخصة، وذلك في حق الإنسان الذي يحتاج ويضطر إليها، فإنه يأتي بها من ناحية الأولوية، وأما إذا كان غير مضطر إليها مثل المسافر في هذا الزمان، حيث يسافر ساعات ويكون في مكان مرتاح فيه، في سيارة مكيفة، وقد ينام هذه الساعات، أو يذهب إلى مكة وليس هناك مشقة، لأنه ليس بينه وبين الإنسان الذي هو جالس في غرفة أي فرق، إلا أنه يقال: إن هذا يجوز له أن يفطر؛ لأنه مسافر، والترخيص يكون في السفر ولو لم يجد مشقة، ولكن الأولى للإنسان أن يصوم حيث لا مشقة.(280/11)
أحوال الأخذ بالرخصة
السؤال
الفطر رخصة، والله جل وعلا يحب أن تؤتى رخصه، والإشكال في أنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) فالفطر من الرخص، فلماذا لا يكون الفطر هو الأولى؛ لكونه رخصة من الله، والله يحب أن تؤتى رخصه؟
الجواب
الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي قال: إنها رخصة، وهو الذي صام وأفطر، فدل على أن الأمر في ذلك واسع، ولكن إذا كان فيه مشقة فإن الأولى الإتيان بالرخصة، أو كان الإنسان يرغب عن الرخصة فيجب عليه أن يفطر؛ حتى لا يحصل منه هذا الشيء المحظور وهو الرغبة عن الرخصة، وإذا كان يشق عليه الصوم فعليه أن يفطر.
وإن كان ما رغب عن رخصة، ولكنه وجد من نفسه نشاطاً وقوة، ويريد أن يؤدي الدين الذي عليه في الحال، فإن الأولى في حقه أن يصوم، والرسول صلى الله عليه وسلم حصل منه هذا وهذا، ويكون الأخذ بالرخصة متعيناً فيما إذا كان مثل ما جاء: (ليس من البر الصيام في السفر) يعني: في مثل هذه الحالة المعينة الأخذ بالرخصة هو المتعين.(280/12)
حكم من يقول: اللهم إني وكلتك بمن ظلمني فاغفر لهم إن شئت أو عذبهم إن شئت
السؤال
هل يجوز للإنسان أن يقول في دعائه: اللهم إني وكلتك بمن ظلمني، فاغفر لهم إن شئت أو عذبهم إن شئت؟
الجواب
سبحان الله! ألا يصفح عنهم ويسامحهم ويحصل له أجر.(280/13)
حكم من ترك السنن بنية الإقامة أربعة أيام
السؤال
يقول: إنه مسافر نوى الإقامة ثلاثة أيام، فلم يصل السنن التي يسن تركها في السفر، فزادت إقامته إلى أربعة أيام أخرى، فهل يستمر في ترك السنن؟
الجواب
إذا كان في حدود أربعة أيام فإنه يعتبر مسافراً له أن يفطر، ولا تلزمه السنن الرواتب، وأما الوتر وركعتا الفجر فهذه متعينة لا يتركها الإنسان دائماً وأبداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يتركها لا في الحضر ولا في السفر.(280/14)
حديث: (ليس من البر الصيام في السفر) لا يصح على لغة حمير
السؤال
حديث: (ليس من البر الصيام في السفر) هل صح على لغة حمير: (ليس من امبر امصيام في امسفر)؟
الجواب
الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم بلغة قريش، أي: بهذه اللغة التي تكلم بها، ولكن كونهم ينطقون بها بلغتهم فيقولون: (ليس من امبر امصيام في امسفر) فيجعلون بدل الألف واللام ميماً، فهذه لغتهم، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تكلم به هو لغة قريش، ولا نعلم أنه تكلم بلغة حمير، لكن هذا يذكرونه تمثيلاً للغة حمير.(280/15)