تراجم رجال إسناد حديث عدد التكبيرات في الفطر والأضحى في الصلاة
قوله: [حدثنا قتيبة].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن لهيعة].
هو عبد الله بن لهيعة، صدوق خلط لما احترقت كتبه، وحديثه أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عقيل].
هو عقيل بن خالد بن عقيل المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(143/9)
حال حديث عدد التكبيرات في الفطر والأضحى في الصلاة
الحديث فيه ابن لهيعة وقد خلط، ولكنه جاء له شاهد -كما سيذكره- المصنف من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، لكن الألباني رحمه الله ذكر أن قتيبة سمع من ابن لهيعة قبل الاختلاط كما في المجلد السادس من السلسلة الصحيحة، وإذا كان قتيبة سمع منه قبل الاختلاط فالحديث صحيح ولا إشكال فيه.(143/10)
من أحكام صلاة العيد
الاستفتاح في صلاة العيد يكون بعد الانتهاء من السبع التكبيرات قبل القراءة، والتكبيرات لا تكون متوالية سرداً، وإنما يفصل المكبر بينها فصلاً يسيراً، وبعض العلماء يقولون: يسردها سرداً، ولا أعلم أن هناك ذكراً بين التكبيرات إذا لم يسردها، وهذه التكبيرات سنة، وإذا نسيها الإمام يسبح له المأمومون ليأتي بها، وما ثبت شيء في رفع اليدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكبيرات العيد.(143/11)
شرح حديث عدد التكبيرات في الفطر والأضحى في الصلاة من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن ابن شهاب بإسناده ومعناه، قال: سوى تكبيرتي الركوع].
أورد أبو داود حديث عائشة من طريق أخرى، وهو بمعنى الحديث السابق أنه يكبر سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية، وفيه زيادة [سوى تكبيرتي الركوع]، يعني أنها تكبيرات زوائد كما أشرت، وليست تكبيرة الإحرام ولا تكبيرة الركوع منها، وإنما هي سبع سوى تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع، وخمس سوى تكبيرة الانتقال إلى الركعة الثانية وتكبيرة الركوع في الركعة الثانية.
قوله: [حدثنا ابن السرح].
هو أحمد بن عمرو بن السرح، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أخبرنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن ابن لهيعة، ويقال: رواية عبد الله بن وهب وغيره من العبادلة عن ابن لهيعة مقبولة، وإذا كان قتيبة أيضاً سمع منه قبل الاختلاط فهذا أيضاً يقوي الحديث، ويدلنا على سلامة الإسناد، وأن وجود ابن لهيعة فيه لا يؤثر، وأيضاً له شواهد من غير هذا الطريق كما سيأتي.
[أخبرني ابن لهيعة عن خالد بن يزيد].
خالد بن يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب بإسناده ومعناه].
يعني: بإسناده إلى عائشة، وهو مثله في المعنى وليس في الألفاظ.(143/12)
شرح حديث (التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا المعتمر قال: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي يحدث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن ابن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما)].
أورد أبو داود حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الثانية، والقراءة بعدهما كلتيهما)] يعني في كل ركعة تكون القراءة بعد التكبير، وليس التكبير بعد القراءة، أي أن التكبيرات الزوائد في صلاة العيد تكون بين تكبيرة الإحرام وبين القراءة.(143/13)
تراجم رجال إسناد حديث (التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الثانية)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا المعتمر].
المعتمر هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي].
عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي صدوق يخطئ ويهم، أخرج حديثه الترمذي في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[عن عمرو بن شعيب].
عمرو بن شعيب صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
هو شعيب بن محمد، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وفي الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة.
[عن ابن عمرو].
هو عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وحديث عمرو بن شعيب مطابق لما جاء في حديث عائشة المتقدم من أن التكبيرات سبع في الأولى وخمس في الثانية، وهنا نص على الفطر ومثله الأضحى، والحديث الأول فيه الفطر والأضحى معاً.(143/14)
شرح حديث (كان يكبر في الفطر في الأولى سبعاً ثم يقرأ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا سليمان -يعني ابن حيان - عن أبي يعلى الطائفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر في الأولى سبعاً ثم يقرأ، ثم يكبر ثم يقوم فيكبر أربعاً ثم يقرأ ثم يركع).
قال أبو داود: رواه وكيع وابن المبارك قالا: سبعاً وخمساً].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو بن شعيب من طريق أخرى، وفيه أن التكبيرات في الأولى سبع ولكنها في الثانية أربع، ولكنه بعد ذلك ذكر رواية عبد الله بن المبارك ووكيع أنها سبع وخمس، يعني: كالرواية السابقة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن التكبيرات سبع في الأولى وخمس في الثانية، وعلى هذا فيكون المحفوظ الثابت هو الخمس؛ لأن هذه الطريق التي فيها الخمس جاءت من طريق وكيع ومن طريق عبد الله بن المبارك.(143/15)
تراجم رجال إسناد حديث (كان يكبر في الفطر في الأولى سبعاً ثم يقرأ)
قوله: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع].
أبو توبة الربيع بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا سليمان -يعني ابن حيان -].
سليمان بن حيان صدوق يخطئ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي يعلى الطائفي].
أبو يعلى الطائفي هو الذي مر ذكره في الإسناد السابق، وهنا ذكر بكنيته ونسبته، وفي الإسناد الأول ذكر باسمه عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي.
[عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده].
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهنا ذكر الجد، وهو عبد الله بن عمرو، وفي الرواية السابقة نص على اسم الجد وأنه عبد الله بن عمرو، وهنا لم ينص عليه، ولكنه يراد به عبد الله بن عمرو، وبذلك يكون متصلاً، ولو كان الجد المراد به محمد بن عبد الله لكان الحديث مرسلاً؛ لأن محمداً تابعي لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [قال أبو داود: ورواه وكيع وابن المبارك].
وكيع هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وعبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(143/16)
شرح حديث (كان يكبر أربعاً تكبيره على الجنازة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء وابن أبي زياد -المعنى قريب- قالا: حدثنا زيد -يعني ابن حباب - عن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن مكحول أنه قال: أخبرني أبو عائشة جليس لـ أبي هريرة: (أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى: كان يكبر أربعاً تكبيره على الجنائز، فقال حذيفة: صدق، فقال أبو موسى: كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت عليهم، قال أبو عائشة: وأنا حاضر سعيد بن العاص)].
أورد أبو داود رحمه الله هذا الأثر عن أبي موسى وعن حذيفة أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى: [(كان يكبر أربعاً تكبيره على الجنازة)]، يعني: مثل التكبيرات على الجنازة أي: أربع في العدد، فقال حذيفة: صدق، قال أبو موسى: وكنت أكبر بها في البصرة عندما كنت عليهم، أي: أميراً عليهم، قال أبو عائشة: كنت حاضراً سعيد بن العاص لما سأل هذا السؤال أبا موسى الأشعري وحذيفة، وهذا فيه أن التكبيرات تكون أربعاً في الأولى، وأربعاً في الثانية، لكن الحديث فيه أبو عائشة جليس أبي هريرة، وهو مقبول، وقد أخرج حديثه أبو داود، فهو غير ثابت، والثابت هو ما تقدم من أنها سبع في الأولى وخمس في الثانية، والألباني صحح هذا الحديث، ولا أدري بوجه هذا التصحيح!(143/17)
تراجم رجال إسناد حديث (كان يكبر أربعاً تكبيره على الجنازة)
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء].
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[وابن أبي زياد].
هو عبد الله بن الحكم بن أبي زياد، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[قال: المعنى قريب].
يعني: المعنى متقارب والألفاظ مختلفة.
[حدثنا زيد -يعني ابن حباب -].
زيد بن حباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الرحمن بن ثوبان].
هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وهو صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
هو ثابت بن ثوبان، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة [عن مكحول].
هو مكحول الشامي، ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي عائشة].
أبو عائشة مقبول، أخرج حديثه أبو داود.
[عن أبي موسى الأشعري وحذيفة].
أبو موسى الأشعري هو عبد الله بن قيس الأشعري، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وحذيفة ابن اليمان صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.(143/18)
حكم التكبير في أول خطبة العيد
خطبة العيد تشتمل على التكبير، لكن كونها تبدأ بعدد معين كما ذكر بعض أهل العلم أنه يكبر تسعاً في أول الخطبة لا أعلم له دليلاً.(143/19)
ما يقرأ في الأضحى والفطر(143/20)
شرح حديث قراءته صلى الله عليه وسلم في العيد بسورة (ق) والقمر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقرأ في الأضحى والفطر.
حدثنا القعنبي عن مالك عن ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي رضي الله عنه: ماذا كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر؟ قال: كان يقرأ فيهما: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ))].
أورد أبو داود هذه الترجمة [ما يقرأ في الأضحى والفطر] أي: ما يقرأ في الركعتين في صلاة العيدين، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي واقد الليثي رضي الله تعالى عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأله عما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بـ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) ولعل سؤال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أجل أن يتثبت ويتأكد، أو أنه حصل له نسيان فأراد أن يتحقق، وإلا فإن عمر رضي الله عنه كان ملازماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعرف أحواله ويعرف سنة الصلاة.
والحديث يدل على أن صلاة العيد يقرأ فيها بـ (ق) و (اقتربت الساعة وانشق القمر)، وسبق أن مر في باب ما يقرأ في الجمعة حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الجمعة والعيدين بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) قال: وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأ بهما) يعني: ربما وافق يوم عيد يوم جمعة فيقرأ في العيد بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) في الصباح في أول النهار، وفي وقت الجمعة يقرأ بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية).
وعلى هذا فقد جاءت السنة بأنه يقرأ في العيدين بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) كما في حديث النعمان، وفي الحديث الذي معنا أنه يقرأ فيهما بـ (ق) و (اقتربت الساعة وانشق القمر).
وهذا الحديث صورته صورة المرسل؛ لأن عبيد الله بن عبد الله متأخر ما أدرك عمر، ولكنه جاء من طريق أخرى ثابتة وصحيحة متصلاً، وليس صورته صورة المرسل كما هنا، وهنا يحكي عبيد الله بن عبد الله ما جرى بين عمر وأبي واقد وكأنه حاضر وصورته صورة المرسل، ولكنه جاء من طريق متصلة كما ذكر ذلك في عون المعبود، وذكر الطريق المتصلة التي فيها اتصال الحديث، وعلى هذا فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القراءة في العيدين بهاتين السورتين (ق) و (اقتربت)، وكذلك ثبتت القراءة في العيدين بسورتي (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية).(143/21)
تراجم رجال إسناد حديث قراءته صلى الله عليه وسلم في العيد بسورة (ق) والقمر
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ضمرة بن سعيد].
هو ضمرة بن سعيد المازني، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود].
هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي واقد الليثي].
أبو واقد الليثي رضي الله عنه هو الحارث بن مالك، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.(143/22)
الجلوس للخطبة(143/23)
شرح حديث (إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الجلوس للخطبة.
حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا الفضل بن موسى السيناني حدثنا ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن السائب رضي الله عنهما أنه قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، فلما قضى الصلاة قال: إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب).
قال أبو داود: هذا مرسل عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [باب الجلوس للخطبة] يعني: حكم جلوس المأمومين للخطبة، والحديث الذي أورده أبو داود يفيد الاستحباب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: [(فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب)]، وعلى هذا فالحضور للخطبة ليس بلازم، فمن أراد أن يحضر حضر، ومن أراد أن ينصرف بعد أن يصلي فله أن ينصرف، والمهم هو الصلاة، وبعض أهل العلم استدل بهذا على أن الخطبة في العيدين ليست بواجبة، وإنما هي مستحبة، وبعضهم قال: إن الترخيص لمن أراد أن يذهب لا يعني أنها لا تكون واجبة، لكن كون الرسول صلى الله عليه وسلم رخص فيها، وأن الإنسان له أن يجلس وله أن ينصرف يفيد أن الأمر واسع، وأن من أراد أن يجلس من المأمومين فله أن يجلس، ومن أراد أن ينصرف فله أن ينصرف.
ويدل على أن الخطبة غير متأكدة أن المأمومين يخيرون بين أن يجلسوا وبين أن ينصرفوا، وهذا يدل على عدم لزومها، وليست كالجمعة؛ لأن الجمعة من شرطها وجود الخطبتين، لكن كون العيد يشبه الجمعة من جهة أن من حضر العيد له أن يتخلف عن الجمعة إذا وافق يوم عيد يفيد أهمية الخطبة، وأن وجودها أمر مطلوب، والقول بالوجوب له وجه من جهة أن حضور العيد يغني عن الجمعة.(143/24)
تراجم رجال إسناد حديث (إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس)
قوله: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز].
محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الفضل بن موسى السيناني].
هو الفضل بن موسى السيناني المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عن ابن جريج عن عطاء].
ابن جريج مر ذكره، وعطاء هو ابن أبي رباح المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن السائب].
صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
قوله: [قال أبو داود: هذا مرسل عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم].
لكن في الإسناد عبد الله بن السائب رضي الله تعالى عنه، والألباني صحح الحديث في صحيح سنن الترمذي.(143/25)
الأسئلة(143/26)
حكم الإنصات في خطبة العيد
السؤال
هل يلزم في خطبتي العيد وخطبة الاستسقاء ما يلزم في خطبة الجمعة من الإنصات؟
الجواب
الذي يبدو أن بينها فرقاً، فخطبة الجمعة يلزم الإنسان أن يجلس لها، وغيرها لا يلزمه أن يجلس لها، لكن من جلس ليس له أن يتحدث وينشغل عن الخطبة، إما أن يجلس ساكتاً وإما أن ينصرف.(143/27)
حكم رفع المأمومين للصوت بالتكبير في صلاة العيد
السؤال
يحصل من الناس في صلاة العيد رفع الصوت في التكبير مع الإمام، في بداية الصلاة في السبع التكبيرات الأولى والخمس، وكذلك في الخطبة إذا بدأ في الخطبة بالتكبير يكبرون معه، فهل رفع الصوت هنا له وجه؟
الجواب
المأمومون لا يرفعون الصوت ولا يكبرون مع الإمام في الصلاة ولا في الخطبة، وإنما إذا كبر الإنسان يكبر بينه وبين نفسه.(143/28)
حكم التكبير الجماعي
السؤال
ما حكم التكبير الجماعي؟
الجواب
هذا خلاف السنة، ولم يثبت التكبير الجماعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشيخ حمود التويجري رحمه الله كتب رسالة خاصة في إنكار التكبير الجماعي، وأثبت أنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(143/29)
حكم إضافة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع تكبيرات يوم العيد
السؤال
ما حكم زيادة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأزواجه في تكبيرات يوم العيد؟
الجواب
المشروع أن يكبر كل إنسان على حدة، بدون أن يكون صوتاً جماعياً، والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم مطلوبة في غير هذا الموضع، فلا نعلم دليلاً يدل على أنها تضاف إلى التكبير، ولكن كون الإنسان يكبر ويكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين نفسه فهذا أمر مطلوب، لكن كونه يقرن ذلك بالتكبير لا نعلم شيئاً يدل عليه.(143/30)
صيغة التكبير في العيد
السؤال
ما هي صيغة التكبير في العيدين؟
الجواب
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، وكذلك الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، وقد جاء عن بعض السلف هذا، لكن ما نعلم فيه شيئاً ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان كيفيته.(143/31)
شرح سنن أبي داود [144]
يتعلق بصلاة العيد جملة من الأحكام الشرعية، ومنها أنه يسن للذاهب إليها أن يذهب من طريق ويرجع من أخرى ليحصل له شهادة الطريقين، ومنها أنه إذا لم يعلم الناس بيوم العيد إلا بعد الزوال فإنهم يخرجون من غدهم فيصلونها، كما أن من أحكامها أنها تصلى في المصلى ركعتين بغير نفل قبلها ولا بعدها ما لم يكن مطر، فإن كان مطر صليت في المسجد.(144/1)
الخروج إلى العيد في طريق والرجوع من آخر(144/2)
شرح حديث (أخذ يوم العيد في طريق ثم رجع في طريق آخر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الخروج إلى العيد في طريق ويرجع في طريق.
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الله -يعني ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم العيد في طريق ثم رجع في طريق آخر)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي الذهاب إلى العيد من طريق والرجوع من طريق، أي أنه يخالف الطريق، وأورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب من طريق ورجع من طريق) وقد ذكر في الحكمة من ذلك أمور كثيرة، وأقربها كون الطريقين يشهدان للإنسان: طريق الذهاب وطريق الإياب، والحديث في إسناده عبد الله بن عمر العمري المكبر، وهو ضعيف، ولكن الحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح بمعناه، فهذا يدل على أن الذي جاء من هذا الطريق ثابت.(144/3)
تراجم رجال إسناد حديث (أخذ يوم العيد في طريق ثم رجع في طريق آخر)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا عبد الله يعني ابن عمر].
عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المكبر أخو عبيد الله، وعبيد الله ثقة، وهذا ضعيف أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر].
هو الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(144/4)
إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد(144/5)
شرح حديث (أن ركباً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن جعفر بن أبي وحشية عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن ركباً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا أن يغدو إلى مصلاهم)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب: إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه خرج من الغد] وذلك إذا لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال؛ لأن صلاة العيد من طلوع الشمس إلى الزوال، فإذا خرج وقتها وجاء العلم بالعيد بعد ذلك فإنه يخرج من الغد، وتصلى صلاة العيد من الغد.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمومة أبي عمير بن أنس بن مالك قالوا: جاء ركب وأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر الناس أن يفطروا، وإذا أصبحوا أن يغدو إلى مصلاهم، أي: وإذا أصبحوا من الغد أن يغدو إلى مصلاهم ليصلوا صلاة العيد، فدل هذا على أن صلاة العيد إذا لم تصل في يوم العيد بعد ارتفاع الشمس إلى الزوال فإنها تصلى من الغد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء هذا الركب -وفي بعض الروايات أنه جاء آخر النهار- أمرهم أن يفطروا، وكانوا قد صاموا يوم الثلاثين من رمضان، فثبت أن الهلال رؤي البارحة فصار ذلك اليوم هو يوم العيد، ولكون الوقت الذي تصلى فيه صلاة العيد ذهب، فيؤتى بها من الغد كما فعل ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وهذا يدلنا على أن السنة أن صلاة العيد إذا لم تصل من بعد طلوع الشمس إلى الزوال، ولم يثبت العلم بها إلا بعد ذلك فإنهم يخرجون من الغد، ويصلون صلاة العيد كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو جاء الخبر في الضحى فإنهم يصلون.(144/6)
تراجم رجال إسناد حديث (أن ركباً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه الترمذي وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جعفر بن أبي وحشية].
هو جعفر بن إياس أبو بشر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عمير بن أنس].
أبو عمير بن أنس بن مالك ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن عمومة له من الأنصار].
هم من أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم من الأنصار، وقد روى ذلك عن جمع منهم ولم يسموا، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم المجهول فيهم في حكم المعلوم.(144/7)
شرح حديث: (كنت أغدو مع أصحاب رسول الله إلى المصلى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حمزة بن نصير حدثنا ابن أبي مريم حدثنا إبراهيم بن سويد أخبرني أنيس بن أبي يحيى أخبرني إسحاق بن سالم مولى نوفل بن عدي أخبرني بكر بن مبشر الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: (كنت أغدو مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يوم الفطر ويوم الأضحى فنسلك بطن بطحان، حتى نأتي المصلى فنصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نرجع من بطن بطحان إلى بيوتنا)].
أورد أبو داود حديث بكر بن مبشر رضي الله عنه أن الصحابة كانوا يخرجون من بطن بطحان لصلاة العيد ثم يعودون من نفس الطريق الذي ذهبوا منه، وهذا الحديث لا يناسب الترجمة التي هي: [إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد] وإنما يطابق الترجمة السابقة، وهي أنه إذا ذهب من طريق يعود من طريق، وهو لا يدل على تلك الترجمة، ولكن يدل على أن الإنسان له أن يذهب من طريق ويرجع من نفس طريقه دون أن يخالف الطريق، لكن الحديث غير ثابت؛ لأن فيه من هو ضعيف ومن هو مجهول، والثابت هو ما تقدم من أنه يخالف الطريق، وأنه يذهب من طريق ويرجع من طريق، وهذا سنة، ولو أن الإنسان ذهب من طريقه ورجع من طريقه فلا بأس بذلك، فالذهاب من طريق والرجوع من طريق أخرى ليس بواجب وإنما هو مستحب، إن فعله الإنسان أثيب وإن لم يفعله فلا شيء عليه.
وبطحان وادٍ في المدينة يقال له: بُطحان وبَطحان.
وهذا الحديث كأنه تأخر عن مكانه في الترجمة السابقة، ولعل ذلك من بعض النساخ.(144/8)
تراجم رجال إسناد حديث (كنت أغدو مع أصحاب رسول الله إلى المصلى)
قوله: [حدثنا حمزة بن نصير].
حمزة بن نصير مقبول أخرج له أبو داود.
[حدثنا ابن أبي مريم].
هو سعيد بن الحكم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إبراهيم بن سويد].
إبراهيم بن سويد ثقة، أخرج له الترمذي وأبو داود، وهذا غير إبراهيم بن سويد النخعي الذي هو في طبقة التابعين، بل هذا إبراهيم بن سويد آخر في طبقة متأخرة.
[أخبرني أنيس بن أبي يحيى].
أنيس بن أبي يحيى ثقة أخرج له أبو داود والترمذي.
[أخبرني إسحاق بن سالم مولى نوفل بن عدي].
إسحاق بن سالم مجهول الحال، أخرج حديثه أبو داود.
[أخبرني بكر بن مبشر الأنصاري].
بكر بن مبشر حديثه أخرجه أبو داود.
وهذا الحديث ضعيف.(144/9)
الصلاة بعد صلاة العيد(144/10)
شرح حديث (خرج رسول الله يوم فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الصلاة بعد صلاة العيد.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة حدثني عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقى خرصها وسخابها)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [باب: الصلاة بعد صلاة العيد] يعني: التنفل بعد صلاة العيد، وصلاة العيد ليس لها نافلة قبلها ولا بعدها، وإنما يأتي الإنسان المصلى ويصلي العيد، ولا يتنفل قبلها ولا بعدها، وأورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم عيد فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما، وهذا يدلنا على أنه لا سنة لصلاة العيد قبلها ولا بعدها، لكن إن صليت صلاة العيد في المسجد فلا بأس بصلاة الضحى بعدها، لكن لا تكون تابعة للعيد.
ثم ذهب صلى الله عليه وسلم وأتى النساء ووعظهن وأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها، والخرص هو الحلقة التي تعلق في الأذن أو القرط، والسخاب هو القلادة التي لا تكون من الجواهر، وإنما تكون من أشياء أخرى رخيصة وغير ثمينة.(144/11)
تراجم رجال إسناد حديث (خرج رسول الله يوم فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر عن شعبة].
حفص بن عمر وشعبة مر ذكرهما.
[حدثني عدي بن ثابت].
عدي بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، مر ذكره.(144/12)
الصلاة بالناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر(144/13)
شرح حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه يوم العيد في المسجد لمطر أصابهم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: يصلى بالناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر.
حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد، ح: وحدثنا الربيع بن سليمان حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا رجل من الفرويين -وسماه الربيع في حديثه عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة - سمع أبا يحيى عبيد الله التيمي يحدث عن أبي هريرة: (أنه أصابهم مطر في يوم عيد فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العيد في المسجد)].
أورد أبو داود رحمه الله (باب: يصلي بالناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر)، والسنة أنها تصلى في المصلى، ولا تكون في المسجد، وإذا كان يوم مطير فإنها تصلى في المسجد، هذا هو المقصود من الترجمة.
وأورد المصنف حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم العيد في يوم مطير في المسجد، أي: لم يتمكنوا من الخروج إلى المصلى، فصلى بهم في المسجد، والحديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا لم يحصل التمكن من الصلاة في المصلى فإنها تصلى في المسجد ولا تترك.(144/14)
تراجم رجال إسناد حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه يوم العيد في المسجد لمطر أصابهم
قوله: [حدثنا هشام بن عمار].
هشام بن عمار صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا الوليد].
هو الوليد بن مسلم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا الربيع بن سليمان].
هو الربيع بن سليمان الجيزي الأزدي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[حدثنا عبد الله بن يوسف].
هو عبد الله بن يوسف التنيسي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا الوليد بن مسلم عن رجل من الفرويين سماه الربيع عيسى بن عبد الأعلى].
عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة مجهول، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة.
[عن أبي يحيى عبيد الله التيمي].
أبو يحيى عبيد الله التيمي مقبول أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي والنسائي في مسند علي وابن ماجة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
والحديث فيه مجهول وفيه مقبول، والمقبول يعتمد حيث يتابع.(144/15)
الأسئلة(144/16)
الفرق بين صفتي المعية والقرب
السؤال
ما الفرق بين صفة المعية وصفة القرب بالنسبة لله جل وعلا؟
الجواب
هناك معية عامة ومعية خاصة، فالمعية الخاصة هي لأولياء الله المتقين، قال الله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128]، وقال: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40].
وهناك معية عامة، قال الله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة:7] فهو فوق عرشه وهو مع خلقه سبحانه وتعالى، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -وقاله أيضاً قبله أحد أئمة اللغة-: الله تعالى مع كونه عالياً هو قريب، ومع كونه قريباً هو عالٍ، فهو عال في دنوه، وقريب في علوه، وإذا نزل إلى السماء الدنيا فهو عال فوق العرش، فالله تعالى قريب وهو فوق العرش، ويوضح ذلك ما جاء عن ابن عباس أن السماوات والأرضين عند الله كالخردلة في كف أحدنا، ولله المثل الأعلى، فالله عز وجل فوق العرش، والسماوات والأرضون مثل الخردلة، وهو مع خلقه ليس مخالطاً لهم، والمعية لا تدل على المخالطة، ولا يلزم منها المخالطة، كما يقال: سرنا والقمر معنا، مع أن القمر في السماء، فكذلك الله مع عباده حقيقة، لكن لا يقال: هو مخالط لهم، فهو عال في قربه، وقريب في علوه.(144/17)
حكم قول (زارتنا البركة)
السؤال
عندما نقوم بزيارة بعض الأقرباء يقولون لنا: زارتنا البركة، فما الحكم؟
الجواب
إذا كان هذا دعاء بأن تزورهم البركة فلا بأس بذلك.(144/18)
حكم زكاة ديون التاجر إذا كانت أكثر من رأس المال
السؤال
شخص عنده خمسمائة ألف يتاجر بها، وله ديون مقدارها ستمائة ألف، فهل يخرج زكاة ما عنده أو يعتبرها من الدين؟ الشيخ: إذا حال الحول والمال عنده يزكيه، وإن وفى الناس له الدين قبل أن يحول الحول فإنه يزكيه، فالواجب على كل واحد أن يزكي ماله، هذا الدائن يزكي ماله، وهذا المدين يزكي ماله.(144/19)
المفاضلة بين الصف المتقدم المنقطع والمتأخر المتصل
السؤال
أيها أفضل: الصلاة في صف متقدم لكنه منقطع أم في صف متأخر لكنه متصل، مثل الصلاة في الصف الأول في المسجد النبوي حيث تقطع الأبواب الصف الأول والثاني والثالث، أما الصف الرابع فإنه متصل في المسجد القديم؟
الجواب
الذي يبدو أن الصف الأول أولى، ولو حصل فيه انقطاع في شيء لا بد منه.(144/20)
وجوب الاستمرار في الإحرام بالنسك
السؤال
شخص أراد الاعتمار عن أمه وهو في المدينة، فأحرم في منزله قبل أن يصل إلى الميقات، وهو مشارك في رحلة مجانية، وليس عنده ما يوصله إلى مكة غير هذه الحملة، وعندما فاتته الرحلة أراد أن يترك الإحرام حتى يجد رحلة أخرى، فهل يترك الإحرام؟
الجواب
ليس له ذلك، فإذا كان دخل في الإحرام فليس له أن يتخلى عنه، وأما إذا كان قصده أنه لبس لباس الإحرام، وتهيأ فقط، وسينوي الإحرام من الميقات فهذا يعتبر غير محرم، وله أن يخلع الإزار والرداء ويلبس ثيابه؛ لأنه لا يقال له: محرم.(144/21)
شرح سنن أبي داود [145]
إن الناس بحاجة إلى ربهم في كل وقت وحين، وقد شرع الله تعالى لعباده عبودية اللجوء إليه بطلب رحمته، ومن جملة ذلك لجوءهم إليه تعالى لطلب السقيا بعد الجدب، وهو من جملة الأحوال التي يظهر العباد فيها فقرهم وحاجتهم إلى ربهم، وقد حفت به جملة من الأحكام الشرعية التي تهدف إلى تحقيق هذه المسألة العظيمة.(145/1)
صلاة الاستسقاء(145/2)
شرح حديث (خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها: حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما، وحول رداءه ورفع يديه فدعا واستسقى واستقبل القبلة)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها] والمقصود بقوله: [بجماع] ما يجمع النصوص الواردة في صلاة الاستسقاء والتفاريع المتعلقة بها من كون أن فيها خطبة، وفيها صلاة، وفيها رفع يدين، وفيها تحويل رداء، وغيرها من الفروع التي بهذه الأبواب، ولهذا أورد أبو داود رحمه الله أبواباً قليلة، ولكن هذه الأبواب تدل على هذه الفروع التي أشار إليها، فجمع أحاديث الاستسقاء في مكان واحد وفرعها إلى أبواب، كما هو الشأن في الكتب الأخرى، ككتاب العيدين وكتاب الجمعة وغير ذلك؛ لأنه يأتي بالأبواب أو الموضوعات المتعلقة بالجمعة في مكان واحد ويفرعها في الأبواب المختلفة ثم يورد تحت كل باب الأحاديث التي تتعلق بتلك الترجمة التي يترجم لها.
وأورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، وأولها حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي، وهذا يدل على أن صلاة الاستسقاء يشرع الخروج لها إلى العراء؛ لأن النبي صلى عليه وسلم خرج بهم لأداء تلك الصلاة، فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما، فصلاة الاستسقاء يجهر فيها بالقراءة، وهي كالعيدين، بل جاء في بعض الأحاديث التي ستأتي أنه صلاها كما يصلي العيد، والعيد يجهر فيه بالقراءة، وكذلك الاستسقاء يجهر فيها بالقراءة، والصلوات التي تكون في النهار جامعة، وتكون إما أسبوعية كصلاة الجمعة، أو سنوية كصلاة العيدين أو على حسب المناسبات كصلاة الاستسقاء، كل هذه يجهر فيها بالقراءة، ودعا وحول رداءه صلى الله عليه وسلم، فجعل ما على الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، قيل: وذلك تفاؤل لتغير الحال من القحط إلى الجدب، ومن الضيق إلى الرخاء.
وقوله: [(ورفع يديه)] يدلنا على أن الدعاء في الاستسقاء ترفع فيه الأيدي، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما استسقى في خطبة الجمعة رفع يديه، ولم يكن يرفع يديه في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام، ولكنه لما استسقى في خطبة الجمعة رفع يديه، فدل هذا على أن دعاء الاستسقاء من المواضع التي ترفع فيه اليدان.
قوله: [(واستقبل القبلة)] يعني: بعدما خطب الناس تحول إلى القبلة، وحول رداءه ودعا، وجاء في بعض الأحاديث أن الناس حولوا أرديتهم تبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على أن تحويل الرداء ليس خاصاً بالإمام، بل هو للإمام ولغيره من الناس، وقد عرفنا فيما مضى أن الصحابة رضي الله عنه وأرضاهم لما كان صلى الله عليه وسلم يصلي بهم ثم جاءه جبريل وأخبره أن في نعليه شيئاً من الأذى خلع نعليه في الصلاة، فالصحابة خلعوا نعالهم اقتداء به صلى الله عليه وسلم، ولما فرغ من الصلاة سألهم: لماذا خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، وهكذا حول رداءه فحولوا أرديتهم اقتداء به صلى الله عليه وسلم.
والإمام في حال الخطبة يدعو وهو مستقبل الناس، ولكنه بعدما ينهي الخطبة يتحول إلى جهة القبلة في مكانه ويحول رداءه ويدعو، والناس أيضاً يحولون أرديتهم ويدعون.(145/3)
تراجم رجال إسناد حديث (خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين)
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي].
أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ثقة، أخرج حديثه أبو داود.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري، ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عباد بن تميم].
هو عباد بن تميم المازني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمه].
هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.(145/4)
شرح حديث (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فحول إلى الناس ظهره يدعو الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن السرح وسليمان بن داود قالا: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني ابن أبي ذئب ويونس عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني عباد بن تميم المازني أنه سمع عمه رضي الله عنه -وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقول: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي، فحول إلى الناس ظهره يدعو الله عز وجل.
قال سليمان بن داود: واستقبل القبلة وحول رداءه ثم صلى ركعتين.
قال ابن أبي ذئب: وقرأ فيهما.
زاد ابن السرح: يريد الجهر)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة ودعا وحول رداءه ورفع يديه.
قوله: [(خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فحول إلى الناس ظهره يدعو الله عز وجل)] كان هذا بعدما خطب.
قوله: [قال سليمان بن داود: واستقبل القبلة] سليمان بن داود هو أحد الشيخين لـ أبي داود في الحديث، قال: [واستقبل القبلة] يعني: حينما حول رداءه استقبل القبلة ودعا.
قوله: [ثم صلى ركعتين] أي أن الصلاة بعد الخطبة وبعد الدعاء، والرواية السابقة تفيد أن الصلاة كانت قبل؛ لأنه خرج فصلى بهم ثم خطب بهم، وسيأتي عن عبد الله بن عباس أنه صلى بعد الخطبة، وهذا يفيدنا أن الخطبة جاء ما يدل على أنها قبل وما يدل على أنها بعد، والأمر في ذلك واسع.
قوله: [قال ابن أبي ذئب: وقرأ فيهما.
وزاد ابن السرح: يريد الجهر].
يعني أنه جهر فيهما بالقراءة، وليس المراد مجرد القراءة ولو كانت سرية، وقد جاء التنصيص على الجهر في الرواية السابقة.(145/5)
تراجم رجال إسناد حديث (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فحول إلى الناس ظهره يدعو الله)
قوله: [حدثنا ابن السرح].
هو أحمد بن عمرو بن السرح، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[وسليمان بن داود].
هو سليمان بن داود المصري المهري أبو الربيع، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[أخبرنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني ابن أبي ذئب].
هو محمد بن الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ويونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب أخبرني عباد بن تميم عن عمه].
مر ذكر الثلاثة في الرواية السابقة.(145/6)
شرح حديث: (وحول رداءه فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عوف قال: قرأت في كتاب عمرو بن الحارث -يعني الحمصي - عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي عن محمد بن مسلم بهذا الحديث بإسناده لم يذكر الصلاة، قال: (وحول رداءه فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ثم دعا الله عز وجل)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني من طريق أخرى، وهو مختصر، وفيه أنه لم يذكر الصلاة، وإنما ذكر الدعاء وتحويل الرداء، وذكر أنه حول رداءه فجعل عطافه الأيمن على شقه الأيسر، وعطافه الأيسر على شقه الأيمن، والعطاف هو جانب الرداء، يعني أنه جعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين، ثم دعا الله عز وجل.(145/7)
تراجم رجال إسناد حديث: (وحول رداءه فعجل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر)
قوله: [حدثنا محمد بن عوف].
محمد بن عوف ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي في مسند علي.
[قال: قرأت في كتاب عمرو بن الحارث -يعني الحمصي-].
عمرو بن الحارث الحمصي مقبول أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود.
[عن عبد الله بن سالم].
عبد الله بن سالم ثقة، أخرج له الترمذي وأبو داود والنسائي.
[عن الزبيدي].
هو محمد بن الوليد الزبيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن محمد بن مسلم بهذا الحديث بإسناده].
محمد بن مسلم هو الزهري، وذكر هنا باسمه، وقبل ذلك ذكر بنسبته، وهو مشهور بنسبته الزهري، وبنسبته إلى جده شهاب، فكثيراً ما يقال: ابن شهاب، وكثيراً ما يقال: الزهري، ولكنه أحياناً يأتي باسمه فيقال: محمد بن مسلم.
وقول محمد بن عوف: [قرأت في كتاب عمرو بن الحارث] يعني أنه أخذه من كتابه، لكنه معلوم من رواية عبد الله بن زيد بن عاصم، وقد جاء عنه من طرق متعددة، والذي جاء في هذا الطريق موجود في تلك الطرق، وهذه وجادة، وقد تكون مناولة إذا أعطاه كتابه.(145/8)
شرح حديث (استسقى رسول الله وعليه خميصة له سوداء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز عن عمارة بن غزية عن عباد بن تميم أن عبد الله بن زيد قال: (استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خميصة له سوداء، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت قلبها على عاتقه)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني أن النبي عليه الصلاة والسلام كانت عليه خميصة سوداء، والخميصة هي رداء أو كساء مربع له أعلام في أطرافه، ولما أراد أن يقلبها ويجعل أسفلها أعلاها ثقلت عليه، فجعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين، وهذا يفيد أنه إذا كان الشيء متساوياً أسفله وأعلاه كالرداء فإنه يقلبه ويجعل أسفله أعلاه وأعلاه أسفله، وإلا فإنه يجعل ما على الشمال على اليمين، وذلك مثل الجبة والمشلح وما إلى ذلك.
والإنسان الذي ما عليه إلا شماغ يشرع له أن يحول الشماغ، ويجعل ما كان باطناً ظاهراً؛ لأن الشماغ والغترة مثل الرداء تماماً، وكذلك من كان لابساً طاقية -قلنسوة- يمكن له أن يقلبها.(145/9)
تراجم رجال إسناد حديث (استسقى رسول الله وعليه خميصة له سوداء)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد العزيز].
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمارة بن غزية].
عمارة بن غزية لا بأس به، أي: صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد].
هنا ذكر عمه باسمه، وفي الرواية السابقة قال: عن عمه، وهنا قال: عن عبد الله بن زيد، وهو عمه.(145/10)
شرح حديث (خرج رسول الله متبذلاً متواضعاً حتى أتى المصلى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا النفيلي وعثمان بن أبي شيبة نحوه، قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة قال: أخبرني أبي قال: أرسلني الوليد بن عتبة -قال عثمان: ابن عقبة - وكان أمير المدينة إلى ابن عباس رضي الله عنهما أسأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، فقال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذلاً متواضعاً متضرعاً حتى أتى المصلى -زاد عثمان: فرقى على المنبر، ثم اتفقا- ولم يخطب خطبكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد).
قال أبو داود: والإخبار للنفيلي والصواب ابن عتبة].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج متبذلاً، يعني: ليس لابساً أحسن الثياب ومتجملاً، وإنما لبس ألبسة مبتذلة ليست جميلة كما يكون بالنسبة للجمعة والعيدين، متواضعاً لله عز وجل، متضرعاً إليه، يعني: يضرع إليه ويسأله ويلح عليه في الدعاء.
قوله: [زاد عثمان فرقى على المنبر].
أي: شيخه الثاني، وقد جاء في بعض الروايات أنه أمر بمنبر فوضع.
قوله: [ولم يخطب خطبكم هذه] هذا لا ينفي أصل الخطبة، ولكنه ينفي النوع، فالنفي منصب على القيد دون المقيد؛ لأن القيد هو (هذه) يعني: على هذا النحو، ولم ينف أصل الخطبة، فالخطبة أصلها ثابت، والذي نفاه إنما هو الهيئة والكيفية والنوع الذي كانوا يفعلونه، ولعل ذلك نوع خاص يختلف عما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس فيه نفي الخطبة، ولكنه نفي للكيفية والهيئة والصفة التي كانت عليها خطبهم التي كانوا يخطبونها.
قوله: [ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير] يعني أنه خطب ولم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير ثم نزل.
قوله: [ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد] هذا يدلنا على أن صلاة الاستسقاء كصلاة العيد، ويدل -أيضاً- على أنه يكبر فيها كما يكبر في العيد، وبعض أهل العلم قال: تصلى بدون تكبير، لكن قول ابن عباس: [كما يصلي العيد] يدلنا على أنها تماثل العيد، والعيد فيه تكبيرات سبع في الأولى وخمس في الثانية، فيكبر فيها كما يكبر في العيد؛ لأن المشابهة تقتضي أن يكون المشبه مثل المشبه به، وصلاة العيد فيها تكبيرات فصلاة الاستسقاء يكون فيها تكبيرات.
هذا وليس لصلاة الاستسقاء سنة قبلية ولا بعدية، والظاهر أن الدعاء يكون وهم واقفون، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا واقفاً، والناس قلبوا أرديتهم ودعوا وقوفاً ولم يجلسوا.
ونفي الخطبة هنا مثل ما جاء في حديث الجمعة أنه ليس للحيطان ظل يستظل به، فلم ينف أصل الظل، وإنما نفي الظل الذي يتمكن الناس من الاستظلال به، فالنفي للقيد لا للمقيد، وهنا النفي للقيد لا للمقيد.(145/11)
تراجم رجال إسناد حديث (خرج رسول الله متبذلاً متواضعاً متضرعاً حتى أتى المصلى)
قوله: [حدثنا النفيلي].
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[وعثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[نحوه].
أي أن رواية عثمان بن أبي شيبة نحو رواية النفيلي.
[حدثنا حاتم بن إسماعيل].
حاتم بن إسماعيل صدوق يهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة].
هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة مقبول، أخرج له أصحاب السنن.
[أخبرني أبي] هو صدوق أخرج له أصحاب السنن.
[قال: أرسلني الوليد بن عتبة -وفي رواية ابن أبي شيبة: ابن عقبة -].
يعني: جعل بدل التاء قافاً، وهو الوليد بن عتبة كما قال أبو داود في الآخر: [والصواب ابن عتبة]، أي: كما قاله النفيلي، وليس ابن عقبة كما قاله عثمان بن أبي شيبة، والوليد بن عتبة بن أبي سفيان كان أميراً على المدينة لعمه معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
[إلى ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: والإخبار للنفيلي].
يعني: السياق إنما هو للنفيلي.(145/12)
وقت تحويل الرداء في الاستسقاء(145/13)
شرح حديث (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقي ولما أراد أن يدعو استقبل القبلة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في أي وقت يحول رداءه إذا استسقى؟ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان يعني ابن بلال عن يحيى عن أبي بكر بن محمد عن عباد بن تميم أن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أخبره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يستسقي، وأنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة ثم حول رداءه)].
أورد أبو داود هذه الترجمة [باب: في أي وقت يحول رداءه إذا استسقى؟] والمقصود من هذا أنه عندما ينتهي من الخطبة يستدبر الناس ويستقبل القبلة، وعند هذه الحال يحول رداءه، ثم يدعو بعد ذلك، والناس يحولون أرديتهم ويدعون بعد ذلك، فوقت تحويل الرداء عند استقبال القبلة عندما ينتهي الخطيب من الخطبة، ويكون مولياً للناس ظهره، فيقلب رداءه ويرفع يديه يدعو، وكذلك المأمومون يفعلون كما يفعل الإمام.(145/14)
تراجم رجال إسناد حديث (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقي ولما أراد أن يدعو استقبل القبلة)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة].
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا سليمان -يعني ابن بلال -].
سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بكر بن محمد].
هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد].
مر ذكرهما.(145/15)
شرح حديث (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عباد بن تميم يقول: سمعت عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه يقول: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة)].
أورد أبو داود حديث عباد بن تميم من طريق أخرى مختصرة، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي وحول رداءه حين استقبل القبلة، والمقصود منه أن تحويل الرداء يكون حينما ينتهي الإمام من الخطبة ويوليهم ظهره، فيستقبل القبلة ويحول رداءه في هذه الحال.(145/16)
تراجم رجال إسناد حديث (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر].
مالك هو ابن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمع عباد بن تميم عن عمه].
مر ذكرهما.(145/17)
الأسئلة(145/18)
حكم قول الإمام للمأمومين: حولوا أرديتكم
السؤال
هل يشرع للإمام أن يقول للمأمومين: حولوا أرديتكم؟
الجواب
لا أعلم شيئاً يمنعه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا والناس يرونه، وإذا كثر الناس وتباعدوا فلم ير بعضهم الإمام فكونه ينبههم على ذلك لا بأس به.(145/19)
حكم رفع اليدين في تكبيرات صلاة الاستسقاء
السؤال
ما حكم رفع اليدين في صلاة الاستسقاء؟
الجواب
لا نعلم شيئاً يدل عليه؛ لأن صلاة الاستسقاء كالعيدين، وما نعلم شيئاً يدل على رفع اليدين في الاستسقاء وكذلك في العيدين.(145/20)
خطبة الاستسقاء خطبة واحدة
السؤال
هل المشروع في صلاة الاستسقاء خطبة واحدة أو خطبتين؟
الجواب
خطبة واحدة.(145/21)
خطبة العيدين خطبتان لا خطبة
السؤال
هل خطبة العيدين خطبة واحدة أو خطبتان؟
الجواب
لا أعلم أحداً يقول: إنها خطبة واحدة، ولا يثبت الحديث في كونها خطبتين، لكن دليله القياس على الجمعة، ولا خلاف أعلمه بين العلماء أنها خطبتين.(145/22)
حكم صلاة الاستسقاء
السؤال
ما حكم صلاة الاستسقاء؟ وإذا أمر بها الإمام هل تخرج النساء في الاستسقاء؟
الجواب
صلاة الاستسقاء هي سنة، وليست واجبة أبداً، بل هي سنة مستحبة، ولو أمر بها الإمام فهي سنة، ولا يلزم أنها تكون واجبة، لكن الإمام هو الذي يأمر بها والناس يخرجون بناءً على أمر الإمام، كما في فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الذي وعدهم يوماً يخرجون فيه، لكنه لا أحد يقول بوجوبها.
وأما بالنسبة للنساء فلا أعلم شيئاً يمنع النساء من الخروج.(145/23)
حكم مرور الحائض من المسجد
السؤال
ما معنى قوله تعالى: {وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43]، وهل يجوز للحائض أن تعبر المسجد بلا جلوس بأن تدخل من باب وتخرج من الباب الآخر؟
الجواب
نعم إذا كان يؤمن التلويث، والآية جاءت في الجنب ولم تذكر الحائض، ولكنها تلحق بالجنب، فلها أن تدخل ولا تجلس إذا أمن من أن يخرج منها شيء.(145/24)
التفريق بين أفعال النبي التشريعية والجبلية
السؤال
حديث خلع الصحابة رضي الله عنهم نعالهم لما خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعله في الصلاة، وكذا تحويلهم أرديتهم في صلاة الاستسقاء لما حول رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه، وكذا لما حلق يوم الحديبية حلقوا رءوسهم، ولما واصل الصيام واصلوا، هل هذا كله يدل على أن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المجرد يدل على الوجوب والالتزام؟
الجواب
الله تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] وهو صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة، وأعماله هي تشريع لهم، وأما الأعمال الجبلية التي ليست للتشريع فإنها -كما هو معلوم- ليست من الأشياء التي الناس متعبدون بها، فالشيء الذي هو من أعمال الجبلة ليس من قبيل التشريع، مثل كون النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء من عرفة حاد وراح يقضي حاجته، فليس من السنة أن الإنسان إذا جاء في الطريق وليس عنده حاجه أنه يحيد من أجل أنه يقتدي بالرسول، مثلما فعل ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه، أقول: مثل هذا ليس من الأشياء التي يشرع فيها الاقتداء والاتباع.(145/25)
حكم الكلام بين خطبتي الجمعة
السؤال
ما حكم الكلام بين خطبتي الجمعة؟
الجواب
لا بأس به، ولكن السكوت وعدم الكلام لاشك في أنه أولى، لكن إذا كان هناك عادة فلا بأس به، لأن المنع جاء والإمام يخطب، أما بين الخطبتين فللإنسان أن يتكلم.(145/26)
حكم العدسات الطبية للنساء
السؤال
ما حكم العدسات الطبية للنساء؟
الجواب
إذا كان هناك حاجة إليها لكونها تقوي النظر وتعوض عن النظارة، ولا يترتب عليها ضرر العين فلا بأس بها.
وأما التجمل بها فقد يكون فيه شيء من ناحية أن الإنسان يتشبع بما لم يعط، أو يظهر نفسه بشيء ليس فيه، وأيضاً قد يترتب عليه ضرر للعين، فيكون في ذلك محذور آخر، وأما إذا كانت أشياء طبية بدل النظارات فهذا لا بأس به.(145/27)
حكم الدعاء للأمراء في الخطب
السؤال
هل صحيح أن الدعاء للأمرء في الخطب من البدع؟
الجواب
ليس بصحيح، فالأمراء هم أحق الناس بالدعاء وأولى الناس بالدعاء؛ لأن في صلاحهم صلاح الرعية والخير الكثير للرعية، والإمام أحمد كان يقول: لو كان لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان، والفضيل بن عياض كان يقول: لو كان لي دعة مستجابة لجعلتها للسلطان.
وذلك لأنه يريد صلاح الناس، والسلطان إذا كان صالحاً حصل الخير الكثير في صلاحه، فهم أولى من يدعى لهم.
والرسول صلى الله عليه وسلم نص عليهم في قوله: (الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: الله، ولكتابه، ولرسوله، والأئمة المسلمين وعامتهم) نص عليهم مع أنه لو قال: وللمسلمين دخلوا في هذا العموم؛ إذ يدخل فيه الرعاة والرعية، لكنه نص عليهم لعظم شأن صلاح الولاة، وأنَّه بصلاحهم يكون الخير الكثير.(145/28)
حكم الاحتجاج بمن قال فيه الحافظ ابن حجر: (مقبول)
السؤال
هل يحتج بمن قال فيه الحافظ: مقبول؟
الجواب
يحتج به عند المتابعة، أما إذا لم يتابع فإنه لا يحتج به.(145/29)
حكم من فاتته صلاة العيدين
السؤال
إذا فاتتنا ركعتا العيدين فكيف نفعل؟
الجواب
الذي يبدو أن الإنسان إذا أدرك صلاة العيد صلاها، وإذا لم يدركها فقد فاتته، وهذا على القول بأنها فرض كفاية، إذ حصلت تأديتها بالذين أدوها، وعلى القول بأنها فرض عين فإنها إن فاتته صلاها.(145/30)
حكم تأمين المأمومين على دعاء الإمام في الاستسقاء
السؤال
هل يشرع للإمام إذا استقبل القبلة بعد خطبة الأستسقاء ودعا أن يؤمن الناس على دعائه؟
الجواب
إذا كان مستقبلاً لهم وهو يخطب وهم يسمعون فيؤمنون على دعائه إذا دعا، وأما في حال استقباله القبلة فإنه يدعو وهم يدعون.(145/31)
حكم الاشتراك في الإنترنت
السؤال
ما حكم الاشتراك في الإنترنت؟
الجواب
الاشتراك في الإنترنت فيه خير وشر، فكون الإنسان يشترك في الذي يكون فيه نفع للمسلمين وخدمة للإسلام والمسلمين أمر ممكن على اعتبار أنه مأمون جانبه، مثل ذكره للبدع والكتب التي فيها خير وشر، فليس كل أحد يمكنه أن يستفيد منها وأن يخرج منها بفائدة؛ لأن الإنسان الذي ليس عنده قوة وليس عنده تمكن يلحقه في ذلك مضرة، والأمر مثلما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، حيث يقول: إن الذي سلم في علمه من علم الكلام اثنان: الإنسان الذي ما دخله أصلاً، والإنسان الذي دخله وكان متمكناً في علم الشريعة، ثم تمكن في علم الكلام وبين فساده وما فيه من المشروع.
والإنسان الذي دخل فيه ولم يكن متمكناً فهذا هو نصف المتكلم، وقد قال: يفسد الدنيا أربعة: نصف متكلم، ونصف فقيه، ونصف نحوي، ونصف طبيب.
هؤلاء هم الذين يفسدون الدنيا، فنصف المتكلم يفسد الأديان، حيث يتكلم في العقيدة بعلم الكلام، ونصف الطبيب يفسد الأبدان الذي هو المتطبب، ونصف النحوي يفسد اللسان، ونصف الفقيه يفسد البلدان، فمعناه أن الناس يعبدون الله أو يتعاملون بمعاملات ليست على هدى، بل مبنية على جهل وعدم علم.
فالاشتراك فيه من قبل الإنسان المتمكن الذي عنده قدرة وعنده أهلية، وسيستفيد منه ويترك الضرر، أو ينبه على الضرر لاشك في جوازه، وأما الذي ما عنده القدرة ولا عنده علم فسلامته خير له.(145/32)
الحكم إذا واعد الإمام الناس للاستسقاء ونزل المطر قبل أن يخرجوا
السؤال
إذا وعد الإمام الناس للاستسقاء ونزل المطر قبل أن يخرجوا فما الحكم؟
الجواب
إذا نزل المطر انتهى الأمر، فقد سقوا، فما دام أنه نزل المطر فإن الله تعالى حقق لهم ما يريدون بدون أن يستسقوا.
وأما قصة سليمان أنه خرج يستسقي، فالحديث فيه كلام، وقد ذكره الحافظ في البلوغ وقال: (رأى نملة مستلقية على ظهرها تقول: اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا فضلك.
فقال سليمان: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم).(145/33)
حكم خروج الناس للاستسقاء وقد مطر بعضهم
السؤال
إذا حدد أنه في اليوم الفلاني يكون استسقاء، ثم نزلت الأمطار على بعض المناطق، فهل يخرجون للاستسقاء؟
الجواب
يمكن للآخرين أن يخرجوا، فالجماعة الذين نزل عندهم المطر لولم يصلوا حصل المقصود، لكن إذا صلوا ودعوا لغيرهم كان ذلك حسناً.
وهو -أيضاً- بحاجة إلى المزيد من المطر، فيطلبون الله، لكن إذا كان هناك شيء كثير من الأمطار فيدعون بذهابها عنهم مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم حوالينا ولا علينا).(145/34)
معنى قوله تعالى: (وكان عرشه على الماء)
السؤال
ما المراد بقوله جل وعلا: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود:7] هل هو الماء الحقيقي؟
الجواب
نعم هو ماء حقيقي، قال تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود:7] أي: الماء الحقيقي، فالعرش كان موجوداً قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فقد قدر الله المقادير والخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرضه على الماء، فالماء كان موجوداً والعرش كان موجوداً.
فالمقصود بالماء الماء الذي يعرفه الناس وليس بشيء آخر لا يعرف.(145/35)
حكم سفر المرأة المعتدة إلى بيت أهلها
السؤال
المرأة التي في العدة هل يجوز لها أن تسافر من البلد الذي تقيم فيه وتذهب إلى مدينة أخرى يقيم فيها والدها وقرابتها؟
الجواب
نعم، إذا كان بقاؤها في البلد الذي مات فيه زوجها وليس عندها أحد، وتخشى على نفسها فلها أن تسافر وتعتد عند أهلها.(145/36)
حكم المصلي إذا كان حاملاً لطفل فبال عليه
السؤال
المصلي إذا كان حاملاً للطفل فبال عليه مذا يفعل؟ وهل صلاته باطلة؟
الجواب
إذا كان هذا البول الذي حصل على شيء يمكن نزعه كأن بال على غترته فإنه يؤخر غترته ويبقى في صلاته، وإن كان لا يمكن نزعه فعليه أن يقطع الصلاة ويذهب ليخلع ثيابه.(145/37)
الحق لا يخرج عن المذاهب الأربعة إلا ما ندر
السؤال
هل الحق يخرج عن المذاهب الأربعة؟
الجواب
المذاهب الأربعة -كما هو معلوم- إنما وجدت في القرن الثاني الهجري، وأول الأئمة الأربعة أبو حنيفة رحمة الله عليه، ولد سنة ثمانين، فالقرن الأول كان الناس فيه على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الأدلة وعلى اجتهادات العلماء.
ومعلوم أن مذاهب الأئمة الأربعة في غالب المسائل أو جل المسائل -إلا ما ندر- هي مع الدليل، لكن قد يوجد بعض المسائل التي يكون الأئمة الأربعة فيها على خلاف قول دل عليه الدليل، وهذا مثل مسألة جعل الطلاق الثلاث واحدة، فقد جاء حديث في صحيح مسلم أنه كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر الطلاق الثلاث يعتبر واحدة، والأئمة الأربعة على أنه يكون ثلاثاً، فهذه مسألة فيها دليل كما في صحيح مسلم على خلاف ما جاء عن الأئمة الأربعة، لكن جل المسائل -إلا ما ندر- لاشك أن الدليل فيها وأن الحق موجود في هذه المذاهب إما فيها كلها أو في واحد منها أو في اثنين منها.(145/38)
ضابط إطلاق الفسق على العاصي
السؤال
من المعلوم أن تكفير المعين لابد فيه من شروط تتوافر في الشخص، وموانع تنتفي عنه، ويقوم بذلك أهل العلم، فهل التفسيق يجري مجراه؟ بمعنى: إذا رأيت شخصاً عنده معاص هل يصح لي أن أطلق عليه وصف فاسق؟
الجواب
كما هو معلوم أن الكفر يتعلق بالاعتقاد، وهذا قد لا يتبين، لكن الفسق يكون ظاهراً، حيث يشاهده الناس يعمل الأعمال المحرمة، فهذا هو الفسق، وإذا لم يقل لمثل هذا: إنه فاسق فعلى من يطلق الفسق؟ ولكن قد يكون بعض الناس عنده جهل فينبه ويعلم، وبعض الناس يكون على علم ويكون أشد وأخطر من الذي يعصي وهو جاهل.
والشاعر يقول: إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم والحاصل أنه ليس كل شيء يقال له: فسق؛ لأن بعض الناس قد يطلق على شيء الفسق وليس فسقاً، لكن المقصود هو الشيء الواضح الذي هو محل إجماع واتفاق كشخص معروف بشرب الخمر وبالزنا فيقال له: فاسق.(145/39)
الحكم إذا كان الخطيب يتكلم بكلام يخالف السنة
السؤال
إذا كان الخطيب يتكلم بكلام يخالف الكتاب والسنة ومنهج السلف في خطبة الجمعة فهل يجب عليه السماع أو ماذا يفعل؟
الجواب
على الإنسان أن يجلس ويسمع الخطبة، ولكنه بعد ذلك ينبه الخطيب على أخطائه، وإذا كان هذا شأنه وأن كلامه ليس على استقامة وليس على منهج صحيح فإنه فإذا كان هناك مجال للتخلص منه بأن يرفع أمره إلى المسئولين فيستبدل من هو خير منه فهذا هو المطلوب، وإلا فالإنسان لا يحضر الصلاة عنده، ولكن يبحث عن مسجد آخر يصلي فيه الجمعة ولا يصلي وراء ذلك الشخص الذي هو غير مستقيم، وكلامه غير مستقيم، وخطبه قائمة على أمور منكرة.(145/40)
حكم المؤتم إذا جاء قبل نهاية صلاة الجنازة بتكبيرة
السؤال
ماذا أفعل إذا جئت قبل نهاية صلاة الجنازة بتكبيرة؟ هل أقضيها كلها أم أسلم مع الإمام؟ وكيف صفة القضاء؟
الجواب
إذا جئت وهو قد كبر التكبيرة الثالثة فادخل معه وادع للميت؛ لأن اشتغالك بقراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يفوت الدعاء، والمقصود من صلاة الجنازة هو الدعاء، وإنما جعلت قراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تمهيداً ووسيلة، ومن أسباب قبول الدعاء كونه يسبق بحمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في قصة الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ولم يحمد الله ولم يصل على النبي فقال: (عجل هذا).
فإذا كان ليس هناك مجال إلا للدعاء فقط ولو اشتغل بالفاتحة والصلاة على النبي فاته الدعاء فإنه يأتي بالدعاء؛ لأن الدعاء هو المقصود من صلاة الجنازة، وإذا سلم الإمام أو كبر التكبيرة الرابعة يكون هو أدرك واحدة، فيكبر الثالثة حال الدخول ثم يكبر معه الرابعة، ثم بعد ذلك بعدما يسلم الإمام يكبر التكبيرتين متواليتين، وإن دعا بينهما قال: اللهم اغفر له؛ لأن الجنازة ترفع، فلا يبقى متسع للإنسان ليقف ويدعو، فيكبر التكبيرات الباقية ويسلم، وهذا داخل تحت عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا).(145/41)
دعاء الاستسقاء بين الجهر والسرية
السؤال
هل الدعاء في الاستسقاء يكون جهراً أم سراً؟
الجواب
دعاء الإمام الذي في الخطبة يكون جهراً كما هو معلوم أن الخطيب يدعو وهم يؤمنون، وأما الدعاء الذي يكون بعد تحويل الأردية فإنه يكون سراً.(145/42)
شرح سنن أبي داود [146]
إن المتتبع لألفاظ الحديث ودقة العبارات يجد أن الصحابة كانوا شديدي الحرص على نقل كل الكيفيات والأفعال التي كان يعملها النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك نقلهم رضي الله عنهم لكيفية صلاة الاستسقاء، وماذا كان يعمل فيها، كالدعاء مثلاً ورفع اليدين حتى يرى بياض الإبطين، وأنه لم يصنع هذه الكيفية إلا في صلاة الاستسقاء وألفاظ الأدعية الواردة عنه صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك.(146/1)
ما جاء في رفع اليدين في الاستسقاء(146/2)
شرح حديث استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع اليدين في الاستسقاء.
حدثنا محمد بن سلمة المرادي أخبرنا ابن وهب عن حيوة وعمرو بن مالك عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عمير مولى بني آبي اللحم رضي الله عنهما: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء قائماً يدعو يستسقي رافعاً يديه قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [باب رفع اليدين في الاستسقاء] يعني: عندما يدعو في الاستسقاء فإنه يرفع يديه، والترجمة معقودة لبيان أن رفع اليدين في الاستسقاء ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد المواضع التي ورد فيها رفع اليدين؛ لأن رفع اليدين ثبت في مواضع عديدة منها في الاستسقاء.
وقد أورد أبو داود رحمة الله عليه حديث عمير مولى بني آبي اللحم [(أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء قائماً يدعو يستسقي رافعاً يديه قبل وجهه)].
فهذا فيه الدليل على ما ترجم له المصنف من حصول رفع اليدين في الاستسقاء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الاستسقاء وأنه يرفعهما قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه.
وهذا فيه المبالغة في رفع اليدين، وقد جاء في بعض الروايات أنه كان يرفعهما حتى يرى بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم من شدة رفعه ليديه في الدعاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وهو واضح الدلالة على ما ترجم له المصنف، وهو ثبوت رفع اليدين في الدعاء في الاستسقاء، وقوله: [عند أحجار الزيت] هو مكان في الحرة فيه حجارة سوداء كأنها طليت بالزيت لشدة سوادها.
قوله: [(قبل وجهه)].
يعني أنهما قبل وجهه، ما جاوز بهما رأسه، ومعناه أنه لا يرفعهما فوق رأسه.(146/3)
تراجم رجال إسناد حديث استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء)
قوله: [حدثنا محمد بن سلمة المرادي].
هو محمد بن سلمة المرادي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أخبرنا ابن وهب].
ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حيوة].
هو حيوة بن شريح المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وحيوة بن شريح اثنان: أحدهما مصري وهو في طبقة متقدمة يروي عنه ابن وهب، وحيوة بن شريح الحمصي، وهذا من شيوخ أبي داود في طبقة متأخرة.
[وعمرو بن مالك].
عمرو بن مالك لا بأس به، وهي بمعنى (صدوق) عند الحافظ ابن حجر، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن ابن الهاد].
ابن الهاد هو: يزيد بن عبد الله بن الهاد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إبراهيم].
هو محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمير مولى بني آبي اللحم].
عمير مولى بني آبي اللحم، صحابي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
وقوله: آبي اللحم هو اسم لصحابي هو عبد الله بن عبد الملك، وقد اختلف في اسمه، ولقبه آبي اللحم وقيل: إنه سمي آبي اللحم لأنه كان لا يأكل اللحم، وقيل: إنه كان لا يأكل ما ذبح على النصب، فقيل له: آبي اللحم، والذي يروي الحديث هنا عمير مولى آبي اللحم، وكذلك -أيضاً- يرويه آبي اللحم، فهو من رواية هذا ومن رواية هذا.(146/4)
شرح حديث (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن أبي خلف حدثنا محمد بن عبيد حدثنا مسعر عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي فقال: اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل.
قال: فأطبقت عليهم السماء)].
أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما قال: [(أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي)] والمقصود بالبواكي النساء، يعني: باكيات من الضيق والشدة، فاستسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: [(اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل)].
قوله: [فأطبقت عليهم السماء].
يعني: نزل المطر كثيراً غزيراً، فأجاب الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام، فحصل نزول المطر بغزارة وبكثرة.
والحديث ليس فيه دليل على رفع اليدين في الدعاء؛ لكن جاء في بعض الروايات: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يواكي) قيل: والمواكاة هي كونه يعتمد على يديه في الدعاء، وفي رفعها والابتهال إلى الله عز وجل في الدعاء.
فهذا يطابق الترجمة على هذه الرواية، لأنه قال: [رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يواكي] وفسرت المواكاة بأنها الاعتماد على اليدين في الرفع، يعني: أنه اعتمد عليهما يدعو وقد رفعهما ومدهما يسأل الله عز وجل الغيث.
قوله: [(اللهم اسقنا غيثاً)].
الغيث هو المطر، و (مغيثاً) قيل: معناه: معيناً يحصل لنا به العون والفائدة.
[(مريئاً)].
يعني: هنيئاً.
[(مريعاً)].
مريعاً قيل: معناه: ذا مراعة، أي: خصب، وفي رواية: (مربعاً) أي: ينبت الربيع.
قوله: [(نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل)].
قوله: (غير ضار) تأكيد لـ (نافعاً)، و (غير آجل) تأكيد لقوله: (عاجلاً).
وقد حصل ذلك عاجلاً، فقد أطبقت عليهما السماء كما جاء في الحديث، ونزل المطر بغزارة، وتحقق ما طلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من نزول الغيث.(146/5)
تراجم رجال إسناد حديث (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار)
قوله: [حدثنا ابن أبي خلف].
ابن أبي خلف هو محمد بن أحمد بن أبي خلف، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا محمد بن عبيد].
محمد بن عبيد هو محمد بن عبيد الطنافسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا في طبقة شيوخ أبي داود، وفي طبقة شيوخه اثنان: محمد بن عبيد بن حساب ومحمد بن عبيد المحاربي، فإذا جاء في طبقة شيوخه فيكون المراد إما محمد بن عبيد بن حساب وإما محمد بن عبيد المحاربي، وإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخه كما هنا فالمراد به الطنافسي، وهو من الطبقة الحادية عشرة وكانت وفاته سنة مائتين وأربعة.
ومعلوم أن هذه الطبقة لا يمكن أن تكون الطبقة العاشرة، وإنما هذا يكون من التاسعة، وفي الغالب أنه يكون من التاسعة، وطبقة شيوخ شيوخ أبي داود إما من كبار العاشرة أو من الحادية عشرة، وإلا فإن طبقة الذين توفوا سنة مائتين وأربعة قبل ولادة أبي داود أو في السنة التي ولد فيها أبو داود والتي ولد فيها مسلم بن الحجاج ومات فيها الشافعي هي مائتين وأربعة.
أي: أنه متقدم.
فذكر الطبقة الحادية عشرة هذه لاشك في أنه خطأ، فهو إما وهم من الحافظ أو من النساخ.
[حدثنا مسعر].
مسعر بن كدام ثقة، أخرج له أصحاب الكتاب الستة.
[عن يزيد الفقير].
هو يزيد بن صهيب الفقير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، والفقير هذا لقب وليس -كما يتبادر للذهن- من الفقر، وإنما كان يشكو فقار ظهره، فقيل له: الفقير.
[عن جابر بن عبد الله].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(146/6)
اختلاف النسخ في لفظ (بواك)
جاء في بعض النسخ (بوادٍ) وفي بعضها: (هوازل) من الهزل، فهذه الألفاظ ذكرها في عون المعبود، وفي نسخة أخرى (بواك)، وابن الأثير يصحح ما وقع في معالم السنن، وهو (يواكي) بالياء.
يقول ابن الأثير: والذي جاء في السنن على اختلاف نسخها ورواياتها وبواكٍ والصحيح ما ذكره الخطابي.
وهو الذي يطابق الترجمة.
وفي رواية البيهقي التي أتت: (هوازل)، ومعناه: أنهن نساء هوازل جمع هزيلة، وبواكي جمع باكية.
يقول الإمام الخطابي: ثبت الاستسقاء بما ذكره أبو داود بالأخطاء المتقدمة، وإنما وجهه وتأويله أنه كان بإزاء صلاة يريد أن يصليها، فدعا في أثناء خطبته بالسقيا، فاجتمعت له الصلاة والخطبة، فجازت عن استئناف الصلاة والخطبة، كما يطوف الرجل فيصادف الصلاة المفروضة عند فراغه من الطواف فيصليها فينوب عن ركعتي الطواف، وكما يقرأ السجدة في آخر الركعة فينوب الركوع عن السجود.
وما ذكره في شأن الجمعة ليس فيه إشكال؛ لأنه جاء حديث صحيح فيها، فقد جاء في الصحيحين أنَّ رجالً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا)، فدعا صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هذا هو المراد فلا إشكال.
وما ذكره في شأن ركعتي الطواف صحيح، فلو أن إنساناً طاف وصلى فريضة بعد الطواف فإنها تغني عن ركعتي الطواف، وكذا تحية المسجد إذا جاء الإنسان فصلى الفريضة فإنها تغني عن تحية المسجد، أي: أنه لا يجلس إلا وقد صلى.
وأما إذا قرأ آية السجدة ثم ركع فالذي يبدو أنه لا يغني عن السجود، أقول: مثل هذا يبدو أنه لا يغني عن السجود، ولكن السجود ليس بلازم؛ لأنه إن سجد فهذا هو الذي ينبغي، وإن لم يسجد فلا شيء عليه، لكن لا يقال: إن الركوع يغني عن السجود.(146/7)
شرح حديث (كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي أخبرنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه)].
هذا النفي الذي جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قيل: إنه منصب على الهيئة والكيفية، وهي كونه يبالغ في الرفع حتى يرى بياض الإبطين.
وليس المقصود منه أنه نفي الرفع مطلقاً، وبعض أهل العلم يقول: إنه يدل على النفي مطلقاً، ولكنه حكى عن الشيء الذي علمه وغيره قد علم غير ذلك فأظهره، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وهذا قد قيل في التوفيق بين ما جاء في نصوص كثيرة من رفع اليدين، وما جاء من النفي في حديث أنس، حيث قيل: إن هذا مبني على ما علمه أنس بن مالك رضي الله عنه، وغيره علم غير ذلك، فهو حدث بالشيء الذي علمه، فيكون قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مواضع كثيرة وأنس رضي الله عنه إنما علم هذا الذي هو في الاستسقاء.
وقد جاء في بعض الروايات في حديث علقه البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري: (أنه رفع يديه حتى رأى بياض إبطيه) يعني: في الدعاء في مناسبة من المناسبات.
وقال الحافظ ابن حجر: لعل المقصود من ذلك أنه رفعهما أكثر فيما يتعلق بالاستسقاء، أو أن أنساً رضي الله عنه إنما ذكر الشيء الذي علمه، وهو مدى الرفع على هذه الهيئة والكيفية في الاستسقاء.
وعلى هذا فإن الحديث لا يدل على نفي رفع اليدين في المواضع الأخرى التي هي غير الاستسقاء، وإنما يدل على نفي المبالغة أو الهيئة والكيفية التي هي كون بطني اليدين من جهة الأرض، بخلاف رفع اليدين في الدعاء في المواضع الأخرى، فإن بطني اليدين من جهة السماء، وليستا إلى الأرض، فإن هذا إنما ورد في الاستسقاء، وهو إما أن يكون بالنسبة للمبالغة في الرفع، أو أن المقصود به الهيئة التي هي كون اليدين بطناهما إلى الأرض، أو أن أنساً رضي الله عنه إنما نفى على حسب علمه وغيره علم ما لم يعلمه من المواضع المتعددة.
والإمام البخاري رحمه الله عقد ترجمة في كتاب الدعوات من صحيحه (باب رفع اليدين في الدعاء) والحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث ذكر جملة من الأحاديث الصحيحة التي لم يذكرها البخاري في هذا الباب، والتي هي في الصحيحين وفي السنن وفي غيرهما، وهي جملة عديدة من الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رفع اليدين.
وكذلك أيضاً النووي رحمه الله قال: إنه جمع أحاديث كثيرة تبلغ ثلاثين حديثاً فيها رفع اليدين وأوردها في كتابه المجموع في آخر صفة الصلاة، وذكر الحافظ ابن حجر أن المنذري جمع في ذلك جزءاً، يعني الأحاديث التي اشتملت على رفع اليدين.
ويكون الجمع بين الأحاديث أن المراد بنفي رفع اليدين هو الكيفية والهيئة، وذلك أنه رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه، وأنه لعله يقصد هذه الهيئة، لا أنه يقصد نفي أصل الدعاء، وإنما ينفي هذه الكيفية وهذه الهيئة، فهذه الكيفية -كما أورد البخاري - رفع فيها حتى رئي بياض الإبطين، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إن هذا فيه حجة على من قال: إن الأيدي لا ترفع حتى يرى بياض الإبطين إلا في هذا الموضع؛ لأنه قد جاء في غير هذا الموضع.(146/8)
تراجم رجال إسناد حديث (كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء)
[حدثنا نصر بن علي].
هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا يزيد بن زريع].
هو يزيد بن زريع البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد].
هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورفع اليدين في الدعاء له له ثلاث حالات: حالة ورد فيها رفع اليدين، فالحالة التي ورد فيها رفع اليدين ترفع الأيدي فيها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحالة الثانية: المواضع التي لم يرد فيها رفع اليدين، مثل خطبة الجمعة، كما جاء في حديث عمارة بن رؤيبة في كلامه على الأمير الذي كان يرفع يديه في الدعاء، وقد سبق أن مر بنا الحديث، وحكى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يزيد على أن يشير بأصبعه السبابة في حال خطبته، وما كان يرفع يديه، فهذا موضع لا ترفع فيه الأيدي، وكذلك بعد الصلوات المفروضة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الذي يصلي بالناس إماماً الصلوات كلها ولم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه بعد الصلوات يدعو.
الحالة الثالثة: ما عدا ما ذكر، فهذا الأمر فيه واسع: إن رفع فله ذلك، وإن لم يرفع فله ذلك.(146/9)
شرح حديث (مد النبي صلى الله عليه وسلم يديه وجعل بطنيهما مما يلي الأرض في الاستسقاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا عفان حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسقي هكذا -يعني: ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض- حتى رأيت بياض إبطيه)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسقي ويرفع يديه، ويجعل بطنيهما مما يلي الأرض، حتى رأى بياض إبطيه،) وهذا فيه زيادة على ما تقدم، وهو كون الأيدي بطونها إلى الأرض، فقد كان يرفع يديه -كما سبق أن مر- حتى يقابل وجهه، فلا يجاوز بهما رأسه، ولكن تكون بطناهما إلى الأرض، وهذا خاص بالاستسقاء، فلم يأت على هذه الهيئة وهذه الصورة إلا في الاستسقاء.
وبعض أهل العلم قال: إذا كان الدعاء لرفع ضرر فتكون بطونها إلى الأرض، وإذا كان لغير ذلك فتكون بطونها إلى السماء، لكن هذا غير مستقيم؛ لأنه ما جاء هذا إلا في الاستسقاء فقط، وليس كل دعاء لرفع ضرر يكون بهذه الطريقة، وإنما يقتصر على ما ورد به الدليل، وغير ذلك -سواءٌ أكان لرفع ضرر أم لتحصيل منفعة- إنما يكون بالهيئة المعروفة التي هي بجعل بطونها إلى السماء وظهورها إلى الأرض.(146/10)
تراجم رجال إسناد حديث (مد النبي صلى الله عليه وسلم يديه وجعل بطنيهما مما يلي الأرض في الاستسقاء)
قوله: [حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني].
الحسن بن محمد الزعفراني ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا عفان].
عفان هو: ابن مسلم الصفار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد هو: ابن سلمة بن دينار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وعفان يروي عن الحمادين، وسليمان بن حرب يروي أيضاً عن الحمادين.
وقد ذكر الحافظ المزي بعد ترجمة حماد بن زيد وحماد بن سلمة في تهذيب الكمال فصلاً يبين فيه تمييز حماد إذا أهمل، فقال: إن بعض الرواة إنما روى عن حماد بن سلمة، وبعضهم إنما روى عن حماد بن زيد، وبعضهم روى عن هذا وهذا.
وذكر أن عفان إذا روى عن حماد مهملاً فهو ابن سلمة، وإذا روى عن حماد بن زيد فإنه ينسبه، وعلى العكس من ذلك سليمان بن حرب، فإنه إذا ذكر حماد بن سلمة ينسبه، وإذا ذكر حماد بن زيد يهمله، فيكون حماد المقصود هنا هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا ثابت].
هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه وقد مر ذكره.(146/11)
شرح حديث (أخبرني من رأى النبي يدعو عند أحجار الزيت باسطاً كفيه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم قال: (أخبرني من رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند أحجار الزيت باسطاً كفيه)].
أورد أبو داود حديث محمد بن إبراهيم التيمي عمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند أحجار الزيت، وقد سبق أن مر أنه عمير مولى آبي اللحم كما ذكر ذلك الحافظ في التقريب.(146/12)
تراجم رجال إسناد حديث (أخبرني من رأى النبي يدعو عند أحجار الزيت باسطاً كفيه)
قوله [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد ربه بن سعيد].
هو عبد ربه بن سعيد الأنصاري، وهو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إبراهيم].
هو محمد بن إبراهيم التيمي، مر ذكره.(146/13)
شرح حديث (شكا الناس إلى رسول الله قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا خالد بن نزار قال: حدثني القاسم بن مبرور عن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] الرحمن الرحيم {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين، ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره وقلب -أو حول- رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله).
قال أبو داود: وهذا حديث غريب إسناده جيد، أهل المدينة يقرءون {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] وإن هذا الحديث حجة لهم].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، أي: تأخر المطر، وحصول القحط والجدب، فالرسول صلى الله عليه وسلم حدد لهم يوماً يخرجون فيه، ثم خرج حين بدا حاجب الشمس، أي أن خروجه كان عند ذلك الوقت، ولكن ليست صلاته في ذلك الوقت، وإنما كانت بعد ذلك، فلعل هذا ذكر بدء الخروج، وأنه عندما وصل كان وقت الصلاة قد حان.
ثم أمر بمنبر فأخرج، وهذا يدلنا على أن صلاة الاستسقاء يخطب فيها على منبر وعلى مكان مرتفع.
ثم كبر وحمد الله عز وجل وقال: [(إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم) يشير إلى قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] فقوله: (ادعوني) أمر وقوله: (أستجب لكم) وعد من الله عز وجل].
ثم قال: ({الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:2 - 4] لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته لنا قوةً وبلاغاً إلى حين)].
وقولها: [(ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه)].
أي: بقي رافعاً يديه في الدعاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وهذا الحديث فيه أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالتكبير والحمد لله عز وجل، ومخاطبتهم بأنهم شكوا جدب ديارهم، وتأخر المطر عن إبان نزوله، وأن الله عز وجل أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة، ثم إنه حمد الله وأثنى عليه، وبدأ بهذه الجمل الثلاث التي هي من أول سورة الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:2 - 4] وكان مما أتى به صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ملك) ولم يقل: (مالك) وهما قراءتان سبعيتان متواترتان: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] و {مالك يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4].
قولها: [(ثم حول إلى الناس ظهره)].
أي: بدل أن كان مستقبلهم يخطب حول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة، وبقي رافعاً يديه، وكان رافعاً يديه قبل ذلك وهو يخطب مستقبلهم، ثم تحول إلى جهة القبلة وحول رداءه ورفع يديه يدعو.
قولها: [(ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين)].
أي: بدل أن كان إلى جهة القبلة اتجه إلى جهة المأمومين، ونزل فصلى ركعتين، وهذا فيه أن الصلاة كانت بعد الخطبة.
وسبق أن مر بنا بعض الأحاديث الدالة على أنها قبل الخطبة وأنها بعد الخطبة.
قولها: [(فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله)].
أي: تحقق لهم ما أرادوا، واستجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم، فنزل السحاب، ولم يصل إلى مسجده صلى الله عليه وسلم إلا وقد نزل المطر، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرعتهم إلى الكن -أي: الأماكن التي يتقون بها المطر وهي البيوت- ضحك صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا مجدبين ويطلبون نزول الغيث، ولما نزل الغيث أسرعوا إلى الكن حتى يتقوا نزوله عليهم، وحتى يصلوا إلى أماكنهم ليستكنوا وليأووا إليها.
قولها: [فقال: (أشهد أن الله على كل شيء قدير)].
وذلك حيث كان القحط أولاً ثم نزل المطر بعد قليل، وبعد زمن وجيز من هذا الدعاء الذي دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث لم يصل إلى مسجده إلا وقد نزل المطر صلى الله عليه وسلم.
فشهد صلى الله عليه وسلم أن الله على كل شيء قدير، إذ هو الذي أنزل الغيث بعد الدعاء بهذه الفترة الوجيزة، وهذا من قدرة الله عز وجل، وهو على كل شيء قدير، وهذا عام لا استثناء فيه؛ لأن هذا من العمومات التي لا استثناء فيها؛ لأن هناك عام باقٍ على عمومه، وهناك عام يدخله التخصيص، وهذا لا يدخله تخصيص، فالله على كل شيء قدير، لا يستثنى من ذلك شيء.
ومثل ذلك أن الله بكل شيء عليم، فإنه لا يستثنى من ذلك شيء، ثم قال: [(وأشهد أني عبد الله ورسوله)] صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وقد ذكر وصفه بالعبودية والرسالة، وهذا يذكره صلى الله عليه وسلم كثيراً، كما جاء في التشهد: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، وقوله: (لا تطروني كما أطرت الناس عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) فهو عليه الصلاة والسلام عبد الله، ورسوله لا يكذب، بل يطاع ويتبع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [قال أبو داود: هذا حديث غريب].
الغرابة من جهة التفرد، وليس هذا تضعيفاً، ولهذا قال: [وإسناده جيد]، فهذا حديث غريب لأنه جاء من طريق واحد ولم يأت من طرق، والحديث باعتبار وصوله إلى أهل الحديث له أربع حالات: إما متواتر، وإما مشهور، وإما عزيز، وإما غريب، والمتواتر: هو الذي جاء من طرق كثيرة، والمشهور: هو الذي جاء من ثلاث فأكثر، والعزيز: ما جاء من طريقين، والغريب: ما جاء من طريق واحد.
ولكن إذا كان التفرد يحتمل فإنه يصح الحديث، كما في أول حديث في صحيح البخاري: (إنما الأعمال بالنيات) فإنه غريب لأنه ما جاء إلا عن عمر بن الخطاب، وعمر بن الخطاب لم يروه عنه إلا علقمة بن وقاص الليثي، ولم يروه عن علقمة بن وقاص الليثي إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولم يروه عن محمد بن إبراهيم التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم بعد ذلك كثر الرواة عن يحيى بن سعيد الأنصاري، فهو غريب إلى يحيى بن سعيد الأنصاري.
وكذلك آخر حديث في صحيح البخاري حديث أبي هريرة: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) فإنه من رواية أبي هريرة، ولم يروه عن أبي هريرة إلا أبو زرعة بن عمرو بن جرير، ولم يروه عن أبي زرعة إلا عمارة بن القعقاع، ولم يروه عن عمارة بن القعقاع إلا محمد بن الفضيل، فهو غريب، حيث جاء من طريق واحد.
والحافظ ابن حجر لما جاء عند حديث ابن عمر (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) قال: وهذا من غرائب الصحيح، وقد خلا منه مسند الإمام أحمد على سعته، يعني أنه من هذه الطريق لم يأت في مسند الإمام أحمد، وهو من المتفق عليه الذي هو حديث ابن عمر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) قال: هو من غرائب الصحيح.
يعني: جاء من طريق واحد في الصحيح.
ولفظ (وجيد) من الألفاظ التي تدل على أن الحديث مقبولاً ومحتجاً به.
قوله: [أهل المدينة يقرءون {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] وإن هذا الحديث حجة لهم].
يعني: هذا يدل على هذه القراءة، لكن القراءة متواترة؛ لأن قراءة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] و {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] كلتاهما سبعيتان.(146/14)
تراجم رجال إسناد حديث (شكا الناس إلى رسول الله قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى)
قوله: [حدثنا هارون بن سعيد الأيلي].
هارون بن سعيد الأيلي، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا خالد بن نزار].
هو خالد بن نزار، وهو صدوق يخطئ، أخرجه حديثه أبو داود والنسائي.
[قال: حدثني القاسم بن مبرور].
القاسم بن مبرور، صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن يونس].
يونس هو ابن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة].
هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين)].
يعني: قوة لنا، كما هو معلوم أن حصول المطر والغيث يحصل لهم به قوة ونشاط، ويحصل لهم به تمتع، [(وبلاغاً إلى حين)] يعني: شيئاً يتبلغون به إلى حين.(146/15)
شرح حديث (أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله فبينما هو يخطبنا يوم جمعة إذ قام رجل)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه ويونس بن عبيد عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يخطبنا يوم جمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله! هلك الكراع، هلك الشاء، فادع الله أن يسقينا.
فمد يديه ودعا، قال أنس: وإن السماء لمثل الزجاجة، فهاجت ريح، ثم أنشأت سحابة، ثم اجتمعت، ثم أرسلت السماء عزاليها، فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا، فلم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى، فقام إليه ذلك الرجل أو غيره فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت، فادع الله أن يحبسه.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: حوالينا ولا علينا، فنظرت إلى السحاب يتصدع حول المدينة كأنه إكليل)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة فجاء رجل وقال: هلك الكراع والشاء)، والكراع المراد به الخيل، والشاء: الغنم، قال: [(فادع الله أن يسقينا)] فرفع يديه صلى الله عليه وسلم يدعو، فنزل المطر وبقي نزوله حتى جاءت الجمعة الأخرى، والمطر ينزل عليهم، فحصل تضرر بنزول المطر وبكثرته حتى تهدمت بعض البيوت، فجاء رجل يوم الجمعة الثانية والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب -إما الذي سأل أولاً أو غيره- وقال: (يا رسول الله! تهدمت البيوت فادع الله أن يحبسه) أي: أن يحبس المطر، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم من كون الناس في الجمعة الماضية يسألون نزول المطر وفي هذه الجمعة يسألون حبسه.
والرسول صلى الله عليه وسلم لكمال أدبه ما سأل أن يحبس، ولكن قال: [(حوالينا ولا علينا)] فالمطر ينزل ويستفاد منه في البراري من النواحي التي هي قريبة من المدينة، ولكن النزول على البيوت هو الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذهب، فقال: (حوالينا ولا علينا) يعني: اللهم اجعله يكون حوالينا ولا يكون علينا.
وتصدع السحاب هو أنه تشقق وصار يتمزق حتى صار حول المدينة كالإكليل، وصار ما فوق المدينة صحو والسحاب حولها كالإكليل الذي يحيط بالرأس من جميع الجوانب ويكون أعلاه مكشوفاً، فصار السحاب حول المدينة كالدائرة المحيطة بها؛ لأن ما فوق البيوت تقشع، وما كان على النواحي المختلفة حول المدينة بقي، فصار كما طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(فمد يديه ودعا، قال أنس: وإن السماء لمثل الزجاجة)].
يعني: صافية نقية ما فيها شيء، فما هناك سحاب، فهو يصف السماء بحال ذلك الوقت الذي طُلِبَ فيه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو وهي صافية ليس فيها سحاب.
قوله: [(فاجتمعت ثم أرسلت السماء عزاليها)].
يعني أنه نزل المطر بغزارة وبكثرة كأفواه القرب، والعزالي: هي أفواه المزادات، والمزادة هي القربة الكبيرة التي تكون من قطعتين في زاد حتى تكبر، فيقال لها: مزادة، يعني: كأن أفواه المزادات قد فتحت، وإذا كانت أفواه المزادات مفتوحة يكون انصباب الماء منها بغزارة.
ولهذا عندما يشار إلى كثرة المطر يقال: (كأفواه القرب).
أي: كالقرب المفتوحة، فإنه ينزل منها الماء بغزارة.
قوله: [(فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا)].
معناه أن المطر نزل قبل أن يصلوا إلى بيوتهم، فكانوا يخوضون المطر في طريقهم من المسجد إلى بيوتهم.(146/16)
تراجم رجال إسناد حديث (أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله فبينما هو يخطبنا يوم جمعة إذ قام رجل)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا حماد بن زيد].
هو حماد بن زيد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد العزيز بن صهيب].
عبد العزيز بن صهيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
أنس رضي الله عنه قد مر ذكره.
وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى ما يكون عند أبي داود.
[ويونس بن عبيد].
هذه طريق أخرى عن حماد بن زيد، فـ حماد بن زيد له فيه طريقان: الطريق الأولى التي مرت، والطريق الثانية عن يونس بن عبيد.
ويونس بن عبيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت عن أنس بن مالك].
ثابت بن أسلم البناني مر ذكره، وأنس مر ذكره.(146/17)
شرح حديث (فرفع رسول الله يديه بحذاء وجهه فقال اللهم اسقنا)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس رضي الله عنه أنه سمعه يقول، فذكر نحو حديث عبد العزيز، قال: (فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه بحذاء وجهه فقال: اللهم اسقنا) وساق الحديث نحوه].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه من طريق أخرى: وهو نحو الأول وقريب منه.(146/18)
تراجم رجال إسناد حديث (فرفع رسول الله يديه بحذاء وجهه فقال اللهم اسقنا)
قوله: [حدثنا عيسى بن حماد].
هو عيسى بن حماد التجيبي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أخبرنا الليث].
هو الليث بن سعد المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد المقبري].
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر].
شريك بن عبد الله بن أبي نمر، صدوق يخطئ، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة، أي: أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فإنه أخرج له في الشمائل.
وشريك بن عبد الله بن أبي نمر هذا هو الذي روى حديث الإسراء الطويل، وهو الذي أورده البخاري في صحيحه، وكان فيه أغلاط وأخطاء ذكروها، ذكرها ابن كثير في تفسيره وذكرها الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث في كتاب التوحيد من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر في أغلاط متعددة، وهي من الأشياء التي في صحيح البخاري، ولا جواب عنها؛ لأن أكثر الانتقادات التي انتقدت على البخاري عليها جواب، وبعضها -وهو القليل- لا جواب عنه، ومنه هذه الأخطاء التي انفرد بها شريك، والتي أوردها البخاري في صحيحه من رواية شريك عن أنس.
وأما مسلم رحمه الله فإنه روى الحديث من طريق ثابت عن أنس، ثم رواه من طريق شريك ولكنه ما ساق لفظه، بل قال: (فزاد ونقص وقدم وأخر).
ولم يسق لفظه، والبخاري ساق لفظه وفيه أغلاط متعددة هي مما انتقد على البخاري.(146/19)
شرح حديث (اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول، ح: وحدثنا سهل بن صالح حدثنا علي بن قادم أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت) هذا لفظ حديث مالك].
مرت الأحاديث الكثيرة الدالة على أن الأيدي ترفع في الاستسقاء وفي خطبة الاستسقاء وكذلك في الدعاء عندما يتحول الإمام إلى القبلة ويدعو، وكذلك المأمومون يحولون أرديتهم كما يحول الإمام، ويدعون مستقبلي القبلة رافعي أيديهم، وكذلك تكون الأيدي بطونها إلى الأرض، ويبالغ في رفعها حتى تكون مقابل الوجه.
كل ذلك جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد أبو داود هذا الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال: [(اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت)].
قوله: [(اللهم اسق عبادك)] الذين هم الإنس، هؤلاء الذين هم عباد الله عز وجل.
قوله: [(وبهائمك)] الحيوانات والحشرات التي هي بحاجة إلى الماء.
قوله: [(وانشر رحمتك)] يعني: ابسطها.
قوله: [(وأحي بلدك الميت)] يعني: أحي الأرض بعد موتها، أحي هذا البلد الذي أصابه الموت والقحط والجدب بالخصب والغيث والبركة، وإخراج النبات من الأرض الذي فيه قوت الناس وقوامهم وحياتهم.
وهذا الحديث ورد فيه هذا الدعاء، ولكن ليس فيه ذكر رفع اليدين، فالترجمة معقودة لرفع اليدين، ولكنه ليس فيه ذكر رفع اليدين، ولكن الأحاديث المتقدمة الكثيرة العديدة دالة على ما ترجم له المصنف، وهو رفع اليدين في الدعاء في الاستسقاء.(146/20)
تراجم رجال إسناد حديث (اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، وأحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب].
عمرو بن شعيب، صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
وهذا مرسل؛ لأن عمرو بن شعيب هو الذي رفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الحقيقة منقطع؛ لأن عمراً متأخر، وجده الذي هو محمد أيضاً تابعي، فـ عمرو وشعيب ومحمد كل هؤلاء متأخرون عن زمن النبوة، فهو مرسل أو منقطع أو معضل، لكن الطريق الثانية التي فيها عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده موصولة.
[وحدثنا سهل بن صالح].
سهل بن صالح، صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا علي بن قادم].
علي بن قادم، صدوق أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[أخبرنا سفيان].
سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه].
يحيى بن سعيد وعمرو بن شعيب مر ذكرهما، وأبوه: شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وجزء القراءة، وأصحاب السنن.
[عن جده].
هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعبد الله بن عمرو ليس من السبعة ولكنه مكثر، ولم يصل إلى حد السبعة، وهو الذي قال عنه أبو هريرة رضي الله عنه: ليس هناك أحد أكثر حديثاً مني إلا عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب، ولكن مع هذا الذي قاله أبو هريرة فإن الذي حفظ من الأحاديث عن أبي هريرة كثير، بل هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق؛ إذ بلغت أحاديثه ما يزيد على خمسة آلاف حديث في الكتب الستة.
قوله: [هذا لفظ حديث مالك].
يعني: لفظ الطريق الأولى، فساقه على لفظ الطريق الأولى المرسلة.(146/21)
الأسئلة(146/22)
نصيحة للشباب الذين ينشغلون عن الدرس بالكلام
السؤال
بعض الطلاب بارك الله فيهم يتكلمون أثناء الدرس فيشغلوننا عن سماع حديث النبي صلى الله عليه وسلم فماذا يقول شيخنا حفظه الله مع العلم أنهم قد نبهوا ولكنهم لم يتركوا هذا الأمر؟
الجواب
أرجوا أن لا يكون ذلك صحيحاً، فمعلوم أن الحضور مع الانشغال عن الدرس يكون وجوده مثل عدمه، وإنما الحضور مع الانتباه والمتابعة هذا هو الذي ينفع الإنسان، وإذا كان الأمر يتعلق بسؤال عن شيء فيمكن أن يؤخر إلى ما بعد انتهاء الدرس، أعني: إذا كان الكلام من أجل استثبات أو من أجل التحقق من فائدة فيمكن للإنسان أن يؤجلها إلى ما بعد الدرس، وإن كان الاشتغال بالكلام في أمر آخر خارج عن الدرس فهذا مما لا يليق ولا ينبغي، وكون الإنسان يحضر ويستمع ويمكن غيره من الاستماع لاشك في أن هذا خير له ولغيره، وكونه ينشغل فإنه يضر نفسه ويتسبب في إضرار غيره.(146/23)
الحكم إذا أمر الوالي بصلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة
السؤال
إذا أمر الوالي بصلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة فهل يجاب إلى هذا؟
الجواب
نعم يجاب إذا حصل، وبعض أهل العلم قال: إنه ليس لها وقت معين، ولهذا حصل الاستسقاء في خطبة الجمعة، فإذا أمر الوالي فإنه يجاب لذلك؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على أن الصلاة تكون في وقت معين.(146/24)
حكم من اشترى عقاراً بماله ولم يخبر والده
السؤال
رجل اشترى عمارة بالتملك ووالده حي، ولم يستشره في شرائها، فهل من حقه أن يتملكها بدون رضا والده أم لابد من استشارة والده؟ وهل يشترك فيها الأولاد الباقون إذا رضي الوالد؟
الجواب
المال الذي اشتريت به العمارة إن كان للولد فالنقود للولد، والعمارة التي في مقابلها للولد، وإن كان من مال الوالد وكان الولد وكيلاً مطلقاً للوالد فله أن يبيع ويشتري كما يريد، ولكن الذي ينبغي هو الاستشارة والرجوع إليه، وكذلك لو كانت النقود له، فكونه يستشيره من أجل أن يطيب خاطره لا بأس بذلك.
وأما من حيث الحق والملك فإذا كان اشتراها بنقوده وماله الخاص فهي ماله، وإخوانه الآخرون لا يشتركون معه إلا إذا تبرع لهم أو أشركهم أو تنازل عن شيء من حقه لهم، فعند ذلك يمكن أن يشتركوا معه.
أما والمال ماله والنقود نقوده، واشتراها بنقوده فهي ملكه، وإن منح غيره أو تنازل عن شيء منها لغيره فله ذلك؛ لأن له أن يعطي من ماله ما يشاء.(146/25)
حكم مس المصحف والقراءة فيه من غير طهارة
السؤال
ما حكم مس المصحف والقراءة فيه بغير طهارة؟
الجواب
لا يجوز ذلك؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يمس القرآن إلا طاهر) وكذلك قول الله عز وجل: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:77 - 79]، أي: في السماء.
ولكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما نقله عنه ابن القيم في كتابه (التبيان في أقسام القرآن) - إن القرآن كما أنه في السماء لا يمسه إلا المطهرون فكذلك في الأرض ينبغي أن لا يمسه إلا المطهرون يعني: من طريق القياس والإلحاق.
لكن قد جاء في حديث في كتاب عمرو بن حزم: (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) فلا يجوز للإنسان أن يمس القرآن مباشرة إلا إذا كان طاهراً، أما إذا مسه مع حائل فلا بأس بذلك، كأن يكون معه قلم أو عود أو في يده كساء أو ما إلى ذلك لا بأس بذلك.(146/26)
حكم امرأة تريد لبس الحجاب وزوجها يمنعها
السؤال
نحن عندنا لكثرة التبرج والسفور بعض الأزواج لا يسمحون لزوجاتهم بلبس الحجاب حتى ولو أرادت الزوجة أن تفعل ذلك، فأختي تريد أن تلبس الحجاب وزوجها يمنعها من ذلك، وقد يؤدي إصرارها إلى الطلاق، فماذا تفعل علماً بأنها أنجبت منه تسعة أولاد؟
الجواب
طاعة الله مقدمة على طاعة المخلوقين، وهي إذا التزمت طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك يكون من أسباب تحصيل الخير لها، وتحصيل السعادة، ولاسيما وجود هذا العدد من الأولاد، وإنما هي تريد طاعة وتريد شيئاً فيه التقرب إلى الله عز وجل، وفيه بعد عن المحظور وعن الأمور المحرمة، فلعل ذلك يكون من أسباب الإبقاء والحرص عليها، لا أن يكون سبباً في طلاقها، لكن هذا من حيل الشيطان ومن الوساوس التي يأتي بها الشيطان، أعني كون الإنسان يخوف، ولاشك في أن هذا من جنس قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} [آل عمران:175].(146/27)
الهجر بعد إقامة الحجة
السؤال
إذا تبين لنا خطأ شخص ما، وأقمنا عليه الحجة وناقشناه وبينا له الحق فلم يقبل ذلك، وأصر على موقفه؛ فهجرناه، فهل لنا أن نخبر غيرنا لكي يهجره؟
الجواب
الهجر لا يصلح إلا إذا انبنت عليه مصلحة أو فائدة، أما إذا لم يترتب عليه فائدة ولا مصلحة فلا يصلح، ثم إنه ليس كل الناس يحصل منهم إقامة الحجة، فقد يكون بعضهم عنده شيء من الجهل.
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(146/28)
شرح سنن أبي داود [147]
جعل الله سبحانه وتعالى يرجعون ويتوبون إليه، ومن ذلك خسوف الشمس والقمر، وقد حدث هذا في عهد حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، فشرع لها صلاة الكسوف، وقد أطال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم القيام والركوع والسجود حتى غشي على بعض الصحابة من شدة طول القيام، والثابت المحفوظ عنه أنه صلاها ركعتين في كل ركعة ركوعان، وما عدا ذلك من الأحاديث الواردة في عدد الركوعات في صلاة الكسوف فهو إما شاذ أو ضعيف.(147/1)
صلاة الكسوف(147/2)
شرح حديث عائشة في إثبات مشروعية صلاة الكسوف
قال المصنف رحمه الله: [باب صلاة الكسوف.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير أخبرني من أصدق -وظننت أنه يريد عائشة - قال: (كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم قياماً شديداً: يقوم بالناس، ثم يركع، ثم يقوم، ثم يركع، ثم يقوم، ثم يركع، ثم يقوم، فركع ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات، يركع الثالثة ثم يسجد، حتى إن رجالاً يومئذ ليغشى عليهم مما قام بهم، حتى إن سجال الماء لتصب عليهم، يقول إذا ركع: الله أكبر، وإذا رفع: سمع الله لمن حمده، حتى تجلت الشمس، ثم قال: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله عز وجل يخوف بهما عباده، فإذا كسفا فافزعوا إلى الصلاة)].
الكسوف والخسوف قيل: هما بمعنى واحد، وهو: ذهاب ضوء الشمس والقمر كله أو بعضه، وقيل: إن الكسوف يطلق على كسوف الشمس، والخسوف على خسوف القمر، وقد جاء الحديث في إطلاق الكسوف عليهما في قوله [(لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)] فأضاف إلى الشمس والقمر لفظ الكسوف، وذكر أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب صلاة الكسوف] وذكر تحتها حديثاً واحداً، ثم ذكر بعد ذلك عدة أبواب وفيها تفاصيل صلاة الكسوف من ناحية عدد ركعاتها، ومن ناحية الجهر فيها، والصدقة وغير ذلك، وهذه الترجمة التي هي مطلقة وتحتها حديث واحد هي لإثبات صلاة الكسوف، ومشروعية صلاة الكسوف.
ثم تأتي بعد ذلك الأبواب التي فيها التفاصيل في صلاة الكسوف من كونها فيها أربعة ركوعات، وفيها جهر بالقراءة، وفيها صدقة، وفيها ركعتان، وهكذا، فهذه الترجمة معقودة لإثبات مشروعية صلاة الكسوف، وأنها ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأورد في ذلك أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها الذي قال فيه عبيد بن عمير: [حدثني من أصدق وظننته] والذي دون عبيد بن عمير قال: ظننته يريد عائشة أو يقصد أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد جاء في صحيح مسلم الحديث على هذا الوجه وفيه: [من أصدق].
وجاء من طريق أخرى عن عبيد بن عمير عن عائشة بالتنصيص على عائشة التي روى عنها عبيد بن عمير، جاء ذلك في صحيح مسلم، حيث قال: (عن عبيد بن عمير عن عائشة)، وجاء -كما هو هنا- عن عبيد أنه قال: [أخبرني من أصدق] وقال من دونه: وأحسبه أراد عائشة.(147/3)
صفة صلاة الكسوف التي روتها عائشة رضي الله عنها
قولها: [كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقام قياماً شديداً].
أي: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلاها عليه الصلاة والسلام وقام قياماً شديداً، أي: بعد ما كبر ودخل في الصلاة قام قياماً شديداً حيث أطال القيام والقراءة، ثم إنه ركع، ثم قام وقرأ، ثم ركع، ثم قام وقرأ، ثم ركع، فكان في الركعة الواحدة ثلاثة ركوعات وسجدتان.
إذاً: فالعدد ركعتان وسجدتان، وإنما الشيء الذي هو جديد ويختلف عما هو معروف في صلاة الكسوف أنه ذكر ثلاثة ركوعات في الركعة الواحدة وفي الركعتين ستة ركوعات مع أربع سجدات في الركعتين، فهذه هي الكيفية التي جاءت في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قولها: [(قياماً شديدا)].
أي: طويلاً.
قولها: [(يقوم في الناس، ثم يركع، ثم يقوم)].
أي: يقوم في الناس هذا القيام الشديد، ثم يقوم فيقرأ ويطيل، ثم يركع، ثم يقوم ويقرأ ويطيل ثم يركع، فتكون ثلاثة ركوعات، ثم يقوم، ثم يسجد سجدتين، ويفعل في الركعة الثانية مثلما فعل في الركعة الأولى، فتكون الصلاة ركعتين فيهما جميعاً ستة ركوعات وأربع سجدات، والركعة الواحدة فيها ثلاثة ركوعات وسجدتان، فهذه هي الصفة التي روتها عائشة رضي الله تعالى عنها.(147/4)
صفة صلاة الكسوف في الأحاديث الأخرى
هذا الحديث وغيره يدل على أن الشمس كسفت وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالناس الكسوف، وأنه قال: [(إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وإنما هما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة)] فهذه الكيفية التي جاءت في هذا الحديث هي من جملة الكيفيات التي جاءت، وهي في شأن صلاة واحدة، وكان ذلك يوم مات ابنه إبراهيم، وقد جاءت على أنحاء مختلفة، فبعضها شاذ وبعضها ضعيف، وبعضها ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي ثبتت فيه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف ركعتان كل ركعة فيها ركوعان وسجدتان، فمعنى هذا أن الركعة الواحدة فيها ركوعان وسجدتان، فهذا هو المحفوظ الذي جاء من حديث ابن عباس ومن حديث عبد الله بن عمر، ومن حديث جابر، وجاء عن عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق مختلفة، وفي الصحيحين وفي غيرهما أنها ركوعان في كل ركعة، وجاء ركوع واحد في ركعة، وجاء ثلاثة ركوعات في كل ركعة، وجاء أربعة ركوعات في كل ركعة، وجاء خمسة ركوعات في كل ركعة، هذه هي الهيئات التي جاءت، وهي إنما تختلف في الركوعات، وأما السجود فإنه سجدتان لا خلاف فيهما في الروايات كلها، ولكن الخلاف في الركوعات، فقد جاء أنه ركع ركوعاً واحداً، وجاء ركوعان، وجاء ثلاثة ركوعات، وجاء أربعة ركوعات، والثابت المحفوظ في الصحيحين وفي غيرهما أنهما ركوعان، وما سوى ذلك فهو إما شاذ وإما ضعيف، إما شاذ حيث يكون الإسناد صحيحاً، وإما ضعيف حيث يكون الإسناد فيه شيء من الضعف، وعلى هذا فإن الأحاديث جاءت في شأن صلاة واحدة كسفت فيها الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك يوم مات ابنه إبراهيم، فلم يتعدد الكسوف وإنما كان كسوفاً واحداً، وكل الروايات تحكي صلاةً واحدة، فيكون ما فيه الركوعان هو المحفوظ وما سوى ذلك إما شاذ وإما ضعيف.
وهذا الحديث الذي أورده أبو داود عن عائشة الذي معنا في الإسناد هو من قبيل الشاذ؛ لأن الروايات التي فيها الركوعان التي جاءت في الصحيحين وفي غيرها هي المحفوظة، فتكون هي المعتمدة والمعتبرة، وما سواها مما هو صحيح الإسناد يكون شاذاً، وما كان ضعيف الإسناد يكون ضعيفاً.
قوله صلى الله عليه وسلم في الشمس والقمر: [(لا ينكسفان لموت أحد)] هذا فيه إبطال لما كان معروفاً في الجاهلية، حيث كانوا يقولون: إن كسوف الشمس والقمر إنما يكون لموت العظماء.
فقال عليه الصلاة والسلام: [(إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)] لا لموت عظيم ولا لحياة عظيم [(وإنما هما آيتان من آيات الله، يخوف الله بهما عباده)] فكونهما يستفيد الناس بضوئهما ويطرأ عليهما هذا التغير يدل على تخويف العباد بذلك، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل يغير حال هذين النيرين المضيئين إلى أن يذهب ضوؤهما بالكلية أو يذهب بعضه، وذلك دال على قدرة الله عز وجل، وفي ذلك تخويف للناس، ولهذا أرشد عليه الصلاة والسلام إلى الفزع إلى الصلاة، وإلى الإتيان إلى الصلاة المشروعة التي ثبتت صفتها وكيفيتها عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا الشيء الذي يخوف الله به عباده بتغيير ضوء الشمس والقمر وتحولهما من الإضاءة إلى ذهابها كلياً أو جزئياً قد علم أنه يمكن أن يعرف بالحساب، كما جاء ذلك عن بعض أهل العلم مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن دقيق العيد، وإن علم ذلك أو أمكن معرفته بالحساب فإن ذلك لا ينافي التخويف، بل على الناس عندما يحصل ذلك أن يهرعوا إلى الصلاة وأن يؤدوا هذه السنة التي شرعها الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.(147/5)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صفة صلاة الكسوف
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا إسماعيل بن علية].
إسماعيل بن علية هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي، المشهور بـ ابن علية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء].
هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد بن عمير].
عبيد بن عمير قيل: له رؤية، وقيل: مجمع على ثقته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قوله: [أخبرني من أصدق] قد جاء في صحيح مسلم أنه عن عائشة، وفي هذا الإسناد قال الراوي: [وظننت أنه يريد عائشة] وكما ذكرت قد جاء التنصيص على ذلك في رواية في صحيح مسلم، كما جاءت أيضاً الرواية التي فيها الإبهام أيضاً في صحيح مسلم، ومن المعلوم أن الراوي إذا قال: (حدثني من أصدق) أو: (حدثني ثقة) فذلك لا يعتبر؛ لأنه قد يكون ثقة عنده وغير ثقة عند غيره، فذلك التوثيق بلفظ الإبهام لا ينفع، ولهذا لو لم يأت في صحيح مسلم التنصيص على عائشة لصار الإشكال قائماً، فيكون صورته صورة مرسل، لكنه قد جاء في رواية أخرى في صحيح مسلم فيها (عن عبيد بن عمير عن عائشة) وفيها ذكر هذا الحديث في كسوف الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.(147/6)
ما جاء أن صفة صلاة الكسوف أربع ركعات(147/7)
شرح حديث جابر في صفة صلاة الكسوف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: من قال أربع ركعات.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبد الملك حدثني عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في اليوم الذي مات فيه إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: إنما كسفت لموت إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ست ركعات في أربع سجدات، كبر، ثم قرأ فأطال القراءة، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه فقرأ دون القراءة الأولى، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه فقرأ القراءة الثالثة دون القراءة الثانية، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه فانحدر للسجود، فسجد سجدتين، ثم قام فركع ثلاث ركعات قبل أن يسجد ليس فيها ركعة إلا التي قبلها أطول من التي بعدها، إلا أن ركوعه نحوٌ من قيامه، قال: ثم تأخر في صلاته فتأخرت الصفوف معه، ثم تقدم فقام في مقامه وتقدم في الصفوف، فقضى الصلاة وقد طلعت الشمس، فقال: يا أيها الناس! إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لا ينكسفان لموت بشر، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى تنجلي) وساق بقية الحديث].(147/8)
شذوذ حديث جابر في صفة صلاة الكسوف
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي قوله: [من قال أربع ركعات] يعني أنها أربعة ركوعات، فالمقصود بالركعات الركوعات، وليس المقصود الركعة التي يدخل فيها السجود والقعود والقيام، وإنما المقصود بذلك الركوع، فيطلق على الركوع ركعة، تسمية للبعض باسم الكل، كما أنه يأتي في بعض الروايات (سجدة) ويراد بها الركعة تسميةً للجزء باسم الكل، فيقال للركعة: سجدة، ويقال للركوع: ركعة.
فقوله: [من قال أربع ركعات] يعني: أربعة ركوعات، وليس المقصود به الركعات التي فيها قيام وركوع وسجود وجلوس، فهذه يقال للواحدة منها: ركعة، وإنما الركوع الذي هو الانحطاط من القيام حيث يركع، فهذا هو المقصود بقوله: [أربع ركعات] وهذه الترجمة معقودة لبيان الأحاديث التي جاءت في أن صلاة الكسوف تكون أربع ركعات، أي: أربعة ركوعات، ولكنه ذكر غير ذلك، حيث ذكر هذا الحديث الأول الذي هو ستة ركوعات، وذكر بعد ذلك خمسة ركوعات، وأربعة ركوعات، وكذلك ذكر الركوع الواحد، كل ذلك ذكره في هذه الترجمة.
وأورد أبو داود رحمه الله أولاً حديث جابر من طريقين: الطريق الأولى هي مشابهة لطريق عائشة السابقة، التي فيها ستة ركوعات في ركعتين.
ثم أورد بعد ذلك حديث جابر من طريق أخرى، وفيه مطابقة الترجمة، أي: ركوعان في الركعة الواحدة، وأربعة ركوعات في الركعتين، وهذا هو المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحديث جابر هذا الذي أورده المصنف هنا هو شاذ أيضاً مثل حديث عائشة الذي تقدم، من جهة أن ذلك حكاية لصلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم، وإنما صلى صلاة واحدة، فالمعتبر هو ما تعددت فيه الطرق وكثر فيه الرواة، فرواية الأوثق تكون هي المحفوظة، ورواية الثقة التي خالف فيها من هو أوثق منه تكون شاذة، فالرواية الأولى لحديث جابر شاذة كرواية حديث عائشة المتقدمة؛ لأنها بمعناها، أي: ستة ركوعات في الركعتين، وفيها أن الناس قالوا: إن الشمس انكسفت لموت إبراهيم، وهذا على المعروف في الجاهلية، وهو أنها تنكسف لموت العظماء، فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس، ولما فرغ قال: [(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة)] فالحديث مثل الحديث المتقدم غير ثابت؛ لأنه شاذ ومخالف للروايات الصحيحة التي في الصحيحين وفي غيرهما من أن الركعة الواحدة في صلاة الكسوف التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ركوعان اثنان فقط، وليس ثلاثة ولا أكثر ولا أقل.(147/9)
تراجم رجال إسناد حديث جابر في صفة صلاة الكسوف
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن حنبل هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الملك].
هو عبد الملك بن أبي سليمان، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني عطاء].
هو عطاء بن أبي رباح، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(147/10)
عرض الجنة والنار على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف
وفي الحديث أنه قال: (تأخر فتأخر الناس، ثم تقدم فتقدم الناس) وهذا فيه إشارة إلى ما ورد في صحيح مسلم (أن النبي عليه الصلاة والسلام عرضت عليه الجنة والنار وهو يصلي بالناس صلاة الكسوف، فرأى الجنة ورأى عناقيد العنب متدلية، فمد يده ليأخذ عنقوداً ثم إنه ترك، وعرضت عليه النار فتأخر، ولما فرغ قالوا له: إنا رأيناك تقدمت كأنك تريد أن تتناول شيئاً، ورأيناك تأخرت، فقال: عرضت علي الجنة وعرضت علي النار، فحينما رأيتموني تقدمت تقدمت فمددت يدي لآخذ عنقوداً من العنب ثم تركت، قال عليه الصلاة والسلام: ولو أخذت منه لأكلتم ما بقيت الدنيا)، وهذا يدلنا على عظم شأن الجنة، وأن عنقوداً يكفي الناس إلى نهاية الدنيا لو أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله تعالى شاء أن تكون أمور الآخرة غيباً، وأن لا تأتي في الدنيا لأنه لو جاء نعيم الآخرة في الدنيا فأي ميزة للآخرة تكون على الدنيا؟! بل سيكون الغيب علانية، ويكون الغيب شهادة، ولكن الله تعالى شاء أن يكون الغيب غيباً، وأن لا ترى أمور الآخرة إلا في الآخرة، ومن ذلك رؤية الله عز وجل، فإن رؤية الله أكبر نعيم يكون لأهل الجنة، وقد شاء الله عز وجل أن لا يرى في الدنيا بل يرى في الآخرة، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) كما جاء في ذلك الحديث في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث فيه إشارة إلى التأخر، وليس فيه إشارة إلى التقدم لأجل التناول، وإنما فيه التأخر ثم الرجوع، ولما تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخر الناس، ولما تقدم تقدم الناس، وكان تأخره وتقدمه من أجل أنه عرضت عليه النار فتأخر، ولما ذهب عرضها تقدم، فتأخر الناس لتأخره، وتقدموا لتقدمه، فهذا فيه إشارة إلى ما ورد في صحيح مسلم من ذكر عرض الجنة والنار عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.(147/11)
شرح حديث (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن هشام حدثنا أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم سجد سجدتين، ثم قام فصنع نحواً من ذلك، فكان أربع ركعات وأربع سجدات) وساق الحديث].
أورد أبو داود هنا حديث جابر رضي الله عنه مرة أخرى، وهو مشتمل على أن الركعة الواحدة فيها ركوعان، وهذا هو المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته للكسوف يوم مات ابنه إبراهيم، فهذه الرواية في حديث جابر رضي الله تعالى عنه وأرضاه فيها بيان عدد الركوعات وأنها ركوعان في كل ركعة، وهذا هو الصحيح المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عن غير جابر من الصحابة، عن ابن عباس وغيره كما سيأتي.(147/12)
تراجم رجال إسناد حديث (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر)
قوله: [حدثنا مؤمل بن هشام].
مؤمل بن هشام ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[حدثنا إسماعيل].
إسماعيل هو ابن علية مر ذكره.
[عن هشام].
هشام هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو الزبير].
أبو الزبير يروي عنه هشام بن الدستوائي وهشام بن عروة، وهشام آخر ثالث.
وأبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله، مر ذكره.(147/13)
شرح حديث (خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب، ح: وحدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت (خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام فكبر وصف الناس وراءه، فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قام فاقترأ قراءة طويلةً هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات وانجلت الشمس قبل أن ينصرف)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وهو مثل حديث جابر رضي الله عنه فيه ركوعان في كل ركعة، لهذا قال: [أربع ركعات وأربع سجدات]، أي: أربعة ركوعات، فأطلق على الركوع ركعة، فحديث عائشة رضي الله عنها مثل حديث جابر الذي قبله، وهذا هو المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف يوم مات ابنه إبراهيم، وفيه التعبير بـ (خسفت الشمس) وهذا يدلنا على أن الخسوف والكسوف يطلق على الشمس والقمر، فيقال للشمس: خسفت وكسفت، وكذلك يقال للقمر، فيطلق الخسوف والكسوف على كل منهما.(147/14)
تراجم رجال إسناد حديث (خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قوله: [حدثنا ابن السرح].
ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح، ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود والنسائي، وابن ماجة.
[أخبرنا ابن وهب].
ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[(ح) وحدثنا محمد بن سلمة].
هو محمد بن سلمة المرادي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود والنسائي، وابن ماجة.
[حدثنا ابن وهب عن يونس].
ابن وهب مر ذكره، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عروة بن الزبير].
هو عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.(147/15)
شرح حديث ابن عباس في بيان أن صلاة الكسوف فيها ركوعان في كل ركعة
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: كان كثير بن عباس رضي الله عنه يحدث أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس، مثل حديث عروة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى ركعتين، في كل ركعة ركعتين)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل حديث جابر وعائشة المتقدمين، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكسوف ركعتين، في كل ركعة ركوعان، أي: ركوعان، فحديث ابن عباس هو مثل حديث عائشة المتقدم، وعلى هذا فالأحاديث الثلاثة -حديث جابر، وحديث عائشة، وحديث ابن عباس - كلها في أن الصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم حيث كسفت الشمس ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان.(147/16)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في بيان أن صلاة الكسوف فيها ركوعان
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
أحمد بن صالح هو المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عنبسة].
هو عنبسة بن خالد الأيلي، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود.
[حدثنا يونس عن ابن شهاب].
يونس هو ابن يزيد الأيلي، وابن شهاب مر ذكره.
[كان كثير بن عباس].
هو كثير بن عباس رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[أن عبد الله بن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(147/17)
شرح حديث (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن الفرات بن خالد أبو مسعود الرازي أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن أبي جعفر الرازي، قال أبو داود: وحدثت عن عمر بن شقيق حدثنا أبو جعفر الرازي -وهذا لفظه وهو أتم- عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بهم فقرأ بسورة من الطول، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم قام الثانية فقرأ سورة من الطول، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم جلس كما هو مستقبل القبلة يدعو حتى انجلى كسوفها).
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس صلى بالناس الكسوف ركعتين، في كل ركعة خمسة ركوعات، أي: عشرة ركوعات في الركعتين، وهذا هو أطول ما أورده أبو داود رحمه الله في عدد الركوعات في صلاة الكسوف، وهو خمسة ركوعات في الركعة الواحدة، وهو حديث ضعيف؛ لأنه من رواية أبي جعفر الرازي، ولو كان ثابتاً فإنه يكون شاذاً، ولكن الإسناد فيه ضعف.(147/18)
تراجم رجال إسناد حديث (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قوله: [حدثنا أحمد بن الفرات بن خالد أبو مسعود الرازي].
أحمد بن الفرات بن خالد أبو مسعود الرازي ثقة، أخرج له أبو داود.
[أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر].
هو صدوق، أخرج له أبو داود.
[عن أبيه].
أبوه صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود.
[عن أبي جعفر الرازي].
أبو جعفر الرازي، صدوق سيء الحفظ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
قوله: [قال أبو داود: وحدثت عن عمر بن شقيق].
هذا فيه انقطاع؛ لأن قوله [حدثت] معناه وجود واسطة، وعمر بن شقيق مقبول أخرج حديثه أبو داود.
[حدثنا أبو جعفر الرازي، وهذا لفظه وهو أتم].
أي: لفظ الطريق الثانية التي فيها الانقطاع بين أبي داود وبين عمر بن شقيق، وهذه الطريق أتم من الطريقة الأولى.
[عن الربيع بن أنس].
هو صدوق له أوهام، وأخرج له أصحاب السنن.
[عن أبي العالية].
أبو العالية هو رفيع بن مهران الرياحي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بن كعب].
هو أبي بن كعب رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(147/19)
شرح حديث ابن عباس في بيان أن صلاة الكسوف فيها أربعة ركوعات في كل ركعة
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه صلى في كسوف الشمس، فقرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم سجد، والأخرى مثلها)].
هذا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفيه أنه جعل في الركعة الواحدة أربعة ركوعات، بحيث قرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع حتى صارت أربعة ركوعات في الركعة الواحدة، وفعل في الركعة الثانية مثلها، وهذا الحديث فيه حبيب بن أبي ثابت يروي عن طاوس، وحبيب بن أبي ثابت مدلس، وقد روى بالعنعنة، ولكن الحديث جاء في صحيح مسلم، فهو إما شاذٌ وإما ضعيف، غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثابت إنما هو ركوعان في الركعة الواحدة.(147/20)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في بيان أن صلاة الكسوف فيها أربعة ركوعات في كل ركعة
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي، والنسائي.
[حدثنا يحيى عن سفيان].
يحيى القطان وسفيان الثوري قد مر ذكرهما.
[حدثنا حبيب بن أبي ثابت].
حبيب بن أبي ثابت ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن طاوس].
هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس قد مر ذكره.
وينبغي أن يعلم أن صلاة الكسوف سنة مؤكدة، وإذا قام بعد الركوع الأول فإنه يقرأ الفاتحة، ففي كل قيام يقرأ الفاتحة وسورة.(147/21)
شرح حديث سمرة بن جندب في بيان أن صلاة الكسوف ركعتان وفيها ركوعان
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الأسود بن قيس حدثني ثعلبة بن عباد العبدي من أهل البصرة أنه شهد خطبة يوماً لـ سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: قال سمرة (بينما أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا، حتى إذا كانت الشمس قيد رمحين أو ثلاثة في عين الناظر من الأفق اسودت حتى آضت كأنها تنومة، فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد، فوالله ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حدثاً، قال: فدفعنا فإذا هو بارز، فاستقدم فصلى فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتاً، قال: ثم ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتاً، ثم سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتاً، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، قال: فوافق تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية، قال: ثم سلم، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا الله، وشهد أنه عبده ورسوله) ثم ساق أحمد بن يونس خطبة النبي صلى الله عليه وسلم].
أورد أبو داود رحمه الله حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه في بيان صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف، وأنها ركعتان في كل ركعة ركوع واحد.
قوله: [بينما أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا].
الأغراض هي التي يرمى إليها.
قوله: [(وكانت الشمس قيد رمح أو رمحين)] يعني: مضى عليها هذا المقدار.
قوله: [(اسودت حتى آضت، كأنها تنومة)].
يعني: صارت كأنها تنومة، وهو شجر يميل إلى السواد، شجر لونه أغبر يميل إلى السواد، فصارت الشمس كأنها تنومة، يعني: ذهب ضوؤها.
قوله: [(فقال أحدنا لصاحبه انطلق بنا إلى المسجد، فوالله ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حدثاً)].
يعني: سيحصل منه شيء بهذا الذي حصل لها.
قوله: [(فدفعنا فإذا هو بارز)] قيل: إن هذا فيه تصحيف، وإنما هي (بأزز)، يعني: إذا به في جمع كثير.
فاستقدم صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وقد غص بالناس، فتقدم وصلى بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ركعتين في كل ركعة ركوع واحد.
قوله: [(فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتاً)].
هنا قال: [لا نسمع له صوتاً] يعني: كأنه أسر بالقراءة، ولكن ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة أنه جهر بالقراءة، فلعله جاء والناس كثيرون، ولعله كان في آخر الصفوف فلم يسمع القراءة، وإلا فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جهر بالقراءة كما في الصحيحين.
قال: [(ثم ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتاً، ثم سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قط، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، قال: فوافق تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية، قال: ثم سلم، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا الله، وأنه عبده ورسوله) ثم ساق أحمد بن يونس خطبة النبي صلى الله عليه وسلم].(147/22)
تراجم رجال إسناد حديث سمرة بن جندب في بيان أن صلاة الكسوف ركعتان وفيها ركوعان
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
هو أحمد بن عبد الله بن يونس بن قيس الكوفي التميمي اليربوعي، ثقة حافظ، من كبار العاشرة، مات سنة سبع وعشرين.
[حدثنا زهير].
هو زهير بن معاوية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأسود بن قيس].
الأسود بن قيس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني ثعلبة بن عباد العبدي].
ثعلبة بن عباد العبدي مقبول، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد) وأصحاب السنن الأربعة.
[عن سمرة بن جندب].
سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(147/23)
شرح حديث قبيصة الهلالي في صلاة الكسوف
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن قبيصة الهلالي رضي الله عنه قال: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فزعاً يجر ثوبه، وأنا معه يومئذ بالمدينة، فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام، ثم انصرف وانجلت، فقال: إنما هذه الآيات يخوف الله بها، فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه أنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف، فصلى ركعتين أطال فيهما القراء)، وما ذكر عدد الركوعات، وإنما قال: [(فصلى ركعتين)] فتكون هذه الرواية مخالفة للروايات التي فيها الركوعان وهي محفوظة، وإن كان فيها إجمال وليس فيها تفصيل فمحتمل، لكن المتبادر من قوله [(صلى ركعتين)] أنها كالصلوات المعتادة التي فيها ركوع واحد وسجدتان، فتكون شبيهة بالرواية التي سبق أن مرت أنه صلى صلاة ركع فيها ركوعاً واحداً، وسجد سجدتين.
قوله: [(إنما هذه الآيات يخوف الله بها، فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة)].
معناه أن الناس يصلون صلاة تشبه صلاة الفرد السابقة، وهذا مخالف للروايات الأخرى الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة صلاة الكسوف، والحديث تكلم فيه، وضعفه الألباني، ولعل ذلك من أجل أبي قلابة، لكونه مدلساً ويرسل، وهنا روى بالعنعنة، ثم إن هذه تخالف الروايات السابقة الثابتة في صفة صلاة الكسوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(147/24)
تراجم رجال إسناد حديث قبيصة الهلالي في صلاة الكسوف
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا وهيب].
هو وهيب بن خالد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة].
أبو قلابة هو: عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن قبيصة الهلالي].
قبيصة الهلالي هو قبيصة بن مخارق رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي.(147/25)
إسناد آخر لحديث قبيصة في الكسوف وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا ريحان بن سعيد حدثنا عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن هلال بن عامر أن قبيصة الهلالي رضي الله عنه حدثه أن الشمس كسفت، بمعنى حديث موسى، قال: حتى بدت النجوم].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه زيادة على ما تقدم، وهي قوله [(حتى بدت النجوم)] يعني: من شدة الظلام ظهرت النجوم في النهار، فالناس رأوا النجوم في النهار لأن الشمس ذهب ضوؤها.
قوله: [حدثنا أحمد بن إبراهيم].
هو أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة.
[حدثنا ريحان بن سعيد].
ريحان بن سعيد، صدوق، وربما أخطأ، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[حدثنا عباد بن منصور].
عباد بن منصور صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.
[عن أيوب، عن أبي قلابة، عن هلال بن عامر].
أيوب، مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[عن قبيصة الهلالي].
قبيصة الهلالي رضي الله عنه مر ذكره.(147/26)
شرح سنن أبي داود [148]
الكسوف حدث كوني يحصل بقدر الله عز وجل، وهو آية من الآيات الدالة على عظمة الله تعالى وقوته، وآية يخوف الله تعالى بها عباده، ولذا شرع الله لعباده أن يفزعوا فيه إلى الصلاة، وسن لهم أن يطيلوا القراءة فيها، وأن يكثروا من التضرع والذكر والاستغفار والعتق والصدقة حتى ينجلي ما بهم، وحال الخوف والرجوع إلى الله تعالى والإكثار من ذكره واستغفاره الحاصل في الكسوف هو الذي ينبغي أن يكون في غيره من الشدائد والزلازل والرياح والظلمات ونحوها.(148/1)
ما جاء في القراءة في صلاة الكسوف(148/2)
شرح أحاديث القراءة في صلاة الكسوف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القراءة في صلاة الكسوف.
حدثنا عبيد الله بن سعد حدثنا عمي حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني هشام بن عروة وعبد الله بن أبي سلمة وسليمان بن يسار كلهم قد حدثني عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بالناس، فقام فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ بسورة البقرة -وساق الحديث- ثم سجد سجدتين، ثم قام فأطال القراءة، فحزرت قراءته، فرأيت أنه قرأ بسورة آل عمران).
حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبي حدثنا الأوزاعي أخبرني الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ قراءة طويلة فجهر بها.
يعني: في صلاة الكسوف).
حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (خسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فقام قياماً طويلاً بنحو من سورة البقرة ثم ركع، وساق الحديث)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب القراءة في صلاة الكسوف]، أي: إثبات القراءة، وأن صلاة الكسوف يقرأ فيها قرآن، وقد سبق في الأحاديث التي مرت ما يدل على ذلك؛ لأن كل الأحاديث أو أكثرها التي مضت فيها إثبات القراءة، ولكن أبا داود رحمه الله عقد هذه الترجمة من أجل ذكر القراءة في الترجمة، والاستدلال عليها ببعض الأحاديث الدالة على ذلك، وإلا فإن الأحاديث التي تقدمت في صلاة الكسوف وأنها أربعة ركوعات في ركعتين مشتملة على القراءة، وهذه الأحاديث الثلاثة التي أوردها أبو داود الأول والثاني منها عن عائشة، والثالث عن ابن عباس رضي الله تعالى عن الجميع، وهي تدل على إثبات القراءة وعلى حصولها، وفي بعضها تنصيص على أنه جهر بها، وهو حديث عائشة الثاني، والحديث الأول والحديث الثالث في أحدهما: [(بنحو من سورة البقرة)] وفي الآخر: [(فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة البقرة)] ويمكن أن يقال: إنها حزرت القراءة؛ لأنها كانت بعيدة منه، وإلا فإنه يجهر، ولكن للبعد عنه لا يفهم الشيء الذي يقرؤه، وقدرت ذلك بنحو سورة البقرة، وقد سبق أن مر حديث سمرة الذي فيه أنه جاء سمرة أو أبي بن كعب فقال: (جئت والناس في أزز فصليت) وقال: (حزرت قراءته) لأنه كان بعيداً حيث جاء والمسجد مكتظ، وصلى الناس وهو في آخرهم، ومعناه أنه لم يتمكن من السماع، فكذلك عائشة رضي الله عنها لا تنافي بين ما جاء عنها من كونها حزرت، ومن كونه جهر؛ لأن الجهر موجود، لكنها لم تفهم ذلك لكونها بعيدة، ولكن فيه إثبات القراءة وإثبات الجهر.
إذاً: فصلاة الكسوف يجهر فيها، ومن أثبت حجة على من لم يثبت، وما جاء في الحديث الذي سبق: (ما سمعت له صوتاً) يحمل على أنه كان بعيداً، وإلا فإن حديث عائشة هذا فيه التنصيص على أنه جهر، وحديثها الأول لا ينفي أن يكون جهر، بل حزرها وتقديرها لقراءته يمكن أن يكون لكونها بعيدة، أو أن قراءته كانت متفرقة، وأنها قدرت مجموعها بهذا المقدار الذي هو نحو سورة البقرة، وكذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه الذي قال فيه: [(بنحو من سورة البقرة)] فيقال فيه: مثل ما يقال في حديث عائشة الأول الذي هو الحزر والتقدير، وأنه قريب من ذلك.(148/3)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة (كسفت الشمس على عهد رسول الله)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن سعد].
هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عمي].
عمه هو يعقوب بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي].
هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إسحاق].
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
[حدثني هشام بن عروة].
هو هشام بن عروة المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعبد الله بن أبي سلمة].
عبد الله بن أبي سلمة ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
[وسليمان بن يسار].
سليمان بن يسار، ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[كلهم قد حدثني عن عروة].
هو عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير من فقهاء المدينة السبعة، وهما من الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، لأن فقهاء المدينة السبعة منهم ستة متفق على عدهم، ومنهم: سليمان بن يسار، وعروة بن الزبير، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم بن عبد الله بن عمر، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
[عن عائشة].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والقائل: [كلهم قد حدثني] يبدو أنه سليمان بن يسار، أو هشام، فـ هشام يروي عن أبيه، وعبد الله بن أبي سلمة يروي عن سليمان عن عروة، فـ عبد الله هو المعطوف على هشام.
وعبد الله بن أبي سلمة يروي عن سليمان بن يسار عن عروة.
وقد سبق الكلام حول هشام الذي يروي عنه إسماعيل بن علية، وهو يروي عن أبي الزبير في الحديث الثاني من الأحاديث التي جاءت في [باب من قال أربع ركعات]، وهشام المقصود به: هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، يروي عن محمد بن تدرس الذي هو أبو الزبير، ويروي عنه إسماعيل؛ لأن إسماعيل بن علية يروي عن هشام بن حسان، وعن أيوب بن أبي تميمة، ولا يروي عن هشام بن عروة، ومحمد بن مسلم بن تدرس يروي عنه هشام بن عروة، وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وشخص آخر -أيضاً- يقال له هشام غير هشام بن حسان.
وكان الألباني رحمة الله عليه يصحح الحديث، وفيه هذا الشخص الذي هو مجهول أو مقبول، ولكن الألباني صححه بناءً على حديث عند الطحاوي شاهد له وهو قوي، فيقوى هذا الحديث مع ذلك الحديث، وقد ذكره الألباني رحمة الله عليه برقم ألفين وتسعمائة وسبعة وتسعين في السلسلة الصحيحة، وعلى هذا فيكون قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في تكبيرات صلاة الاستسقاء سبع في الأولى وخمس في الثانية، وجاء عنه -أيضاً- أربع تكبيرات في الأولى وأربع في الثانية، فيكون الأمر في ذلك واسعاً، وأي فعل منهما يكون صحيحاً، ولكن المشهور والأكثر والمعروف هو ذكر السبع والخمس، ولكن ما دام الحديث قد ثبت وصح فإن ذلك حق وهذا حق، وهو من اختلاف التنوع كما يقولون.(148/4)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صلاة الكسوف (أن رسول الله قرأ قراءة طويلة فجهر بها)
قوله: [حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد].
العباس بن الوليد بن مزيد صدوق أخرج له أبو داود، والنسائي.
[أخبرني أبي] أبوه ثقة.
[حدثنا الأوزاعي].
الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمر الأوزاعي، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني الزهري].
الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة].
عروة بن الزبير، وعائشة قد مر ذكرهما.(148/5)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس (خسفت الشمس فصلى رسول الله والناس معه)
قوله: [حدثنا القعنبي].
القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن أسلم].
زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن يسار].
عطاء بن يسار أيضاً ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويكون في هذه الأحاديث دليل على جواز التسميتين: خسوف الشمس، أو كسوف الشمس، ولا فرق بينهما، فالكسوف والخسوف بمعنى واحد، لأنه جاء ذكر الخسوف لهما، وجاء ذكر الكسوف لهما، وجاء ذكر الخسوف للقمر كما جاء في القرآن، وجاء -أيضاً- للشمس.(148/6)
ما جاء أنه ينادى في صلاة الكسوف بالصلاة(148/7)
شرح حديث عائشة (فنادى أن الصلاة جامعة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ينادي فيها بالصلاة.
حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا الوليد حدثنا عبد الرحمن بن نمر أنه سأل الزهري فقال الزهري: أخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كسفت الشمس فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فنادى أن: الصلاة جامعة).
أورد أبو داود رحمه الله [باب ينادي فيها بالصلاة] يعني: لا ينادى لها بأذان، وإنما ينادى لها بهذا اللفظ الذي هو: (الصلاة جامعة)، أو: (إن الصلاة جامعة)، فهذه هي الكيفية التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ينادى لصلاة الكسوف بها.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن الشمس كسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر منادياً ينادي أن: الصلاة جامعة، والنون في (أنِ) مكسورة، وهي توضيح وتفسير للمناداة، وفي بعض الروايات: (إن الصلاة جامعة)، والصلاة اسمها، وجامعة خبرها، وإذا كانت (أن) تفسيرية تكون الصلاة مبتدأ و (جامعة) خبر، فهذا يدل على أن الصلاة ينادى لها بهذه الصيغة وبهذا اللفظ، ولا يؤذن لها.(148/8)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة (فنادى أن الصلاة جامعة)
قوله: [حدثنا عمرو بن عثمان].
هو عمرو بن عثمان الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة.
[حدثنا الوليد].
هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن بن نمر].
عبد الرحمن بن نمر ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[أنه سأل الزهري فقال الزهري: أخبرني عروة عن عائشة].
الزهري وعروة وعائشة قد مر ذكرهم.(148/9)
ما جاء في الحث على الصدقة في الكسوف(148/10)
شرح حديث (الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصدقة فيها.
حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله عز وجل، وكبروا، وتصدقوا)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة [باب الصدقة فيها]، أي: عند الكسوف، وذلك لأن الصدقة من أسباب رفع البلاء والعذاب، ومن أسباب السلامة من عذاب النار؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، فالصدقة من أسباب السلامة من العذاب والشرور.
وأورد أبو داود حديث عائشة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله عز وجل وكبروا وتصدقوا)].
وقوله [(ادعوا)] الدعاء هو: العبادة، ومن ذلك الصلاة، فإما أن تكون الصلاة داخلة في (ادعوا)، أو أن الحديث فيه إجمال، وإنما فيه ذكر الدعاء، والتكبير، والصدقة، والصلاة.
وينبغي للناس أن يكبروا ويدعوا، لكن ليس تكبيراً جماعياً، ولا هو تكبير برفع الصوت، وإنما يكبرون مثلما يكبرون إذا جاءوا للعيد، فكل واحد يكبر على حدة.
وفيه دليل على أنه عند حصول الكسوف، وحصول هذا الأمر الذي يخوف الله به عباده يسارع العباد بالصدقة؛ لأنها من أسباب رفع البلاء ودفعه.(148/11)
تراجم رجال إسناد حديث (الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة].
قد مر ذكرهم جميعاً.(148/12)
ما جاء في الحث على العتق في الكسوف(148/13)
شرح حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالعتاقة في صلاة الكسوف)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب العتق فيها.
حدثنا زهير بن حرب حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة عن هشام عن فاطمة عن أسماء رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالعتاقة في صلاة الكسوف)].
أورد أبو داود [باب العتق فيها]، أي: في وقت الكسوف، وأورد حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالعتاقة فيها، أي: في حالة الكسوف، ولعل ذلك في الخطبة، وإلا فإن الصلاة نفسها ليس فيها كلام، وإنما المقصود المناسبة، والوعظ والتذكير الذي يكون بعدها، والذي ثبتت فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(148/14)
تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالعتاقة في صلاة الكسوف)
قوله: [حدثنا زهير بن حرب].
هو زهير بن حرب أبو خيثمة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا معاوية بن عمرو].
معاوية بن عمرو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زائدة].
هو زائدة بن قدامة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام عن فاطمة].
هشام هو ابن عروة، وفاطمة هي بنت المنذر بن الزبير، وهي بنت عمه وزوجته، فـ هشام بن عروة بن الزبير يروي عن زوجته فاطمة بنت المنذر بن الزبير، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[عن أسماء].
هي أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.(148/15)
من قال يركع ركعتين في الكسوف(148/16)
شرح حديث (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: يركع ركعتين.
حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثني الحارث بن عمير البصري عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين، ويسأل عنها حتى انجلت)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [من قال يركع ركعتين]، يعني أنه يصلي ركعتين في صلاة الكسوف، ثم ينظر هل انجلت أو لا ثم يأتي بركعتين، وهذا مخالف للروايات الأخرى التي فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلاها ركعتين في كل ركعة ركوعان، وهذا هو المحفوظ، وسبق أن عرفنا أن الأحاديث التي جاءت في صفة صلاة الكسوف منها ما فيه ركوع واحد، ومنها ما فيه ركوعان، ومنها ما فيه ثلاثة ركوعات، ومنها ما فيه أربعة ركوعات، ومنها ما فيه خمسة ركوعات، وأن المحفوظ هو ما فيه ركوعان، وأن ما سوى ذلك هو إما شاذ وإما ضعيف، فإن كان صحيح الإسناد فهو شاذ، وإن كان غير صحيح الإسناد فإنه يكون ضعيفاً أو منكراً، وهذا الحديث مخالف لتلك الرواية المحفوظة؛ لأن الأحاديث كلها في شأن صلاة واحدة، وهي الحالة التي انكسفت فيها الشمس، وإنما انكسفت مرة واحدة حينما مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالمحفوظ هو الرواية التي سبق أن مرت، والتي في الصحيحين، والتي جاءت عن أسماء وجابر وابن عباس وعبد الله بن عمرو وعدد من الصحابة، والروايات الأخرى هي إما شاذة وإما ضعيفة، وهذا الإسناد فيه ضعف، قيل: إن فيه انقطاعاً، وقيل: إن فيه اضطراباً، والألباني ضعف هذا الحديث، ولعل الانقطاع في رواية أبي قلابة؛ لأنه يرسل ويدلس، ثم إنه -كما ذكرت- مخالف لما ثبت مما هو محفوظ، وهو الركوعان في ركعة واحدة، وهذا فيه أن كل ركعة فيها ركوع واحد ولكن تكرر الركعات؛ لأنه يصلي ركعتين ثم يسأل عن الشمس هل تجلت أو لا ثم يصلي ركعتين وهكذا، والمحفوظ أنه صلى ركعتين وأن الشمس تجلت في آخر الركعة الثانية، وأنه لم تصل أكثر من ركعتين، لكن في كل ركعة ركوعان.(148/17)
تراجم رجال إسناد حديث (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين)
قوله: [حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني].
هو أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثني الحارث بن عمير البصري].
الحارث بن عمير البصري قال فيه الحافظ: وثقه الجمهور، وفي أحاديثه مناكير، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.
[عن أيوب السختياني].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة] هو عبد الله بن زيد الجرمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن النعمان بن بشير].
هو النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(148/18)
شرح حديث (انكسفت الشمس على عهد رسول الله)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكد يركع ثم ركع، فلم يكد يرفع ثم رفع، فلم يكد يسجد ثم سجد، فلم يكد يرفع ثم رفع، فلم يكد يسجد ثم سجد، فلم يكد يرفع ثم رفع، وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، ثم نفخ في آخر سجوده فقال: أف أف، ثم قال: رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم؟! ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون؟! ففرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته وقد أمحصت الشمس)، وساق الحديث].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وفيه أن الصلاة ركعتين، وأن كل ركعة فيها ركوع واحد، ولكنه كان يطيل القيام والركوع والسجود، لأنه قال: [(لم يكد)] ومعناه أنه يطول في الشيء الذي هو فيه من القيام والركوع، والقيام بعد الركوع، والسجود، كل ذلك يطيل فيه، وعبر عنه بقوله (لم يكد يفعل كذا) فقال: [لم يكد يركع]، [لم يكد يرفع]، [لم يكد يسجد] يعني بعد الرفع، وهكذا، فهو مطابق للترجمة من ناحية أنه يصلي ركعتين، وسبق في الترجمة التي هي أربع ركعات أن فيه ذكر الركعتين، وأن الركعة الواحدة فيها ركوع واحد، وهذا الحديث هو من ذلك، وهو مطابق لهذه الترجمة، وهو أن فيه ذكر الركعتين، ولكن ليس فيه ذكر ركعتين ركعتين، وإنما فيه ركعتان فقط، وأما الحديث الأول ففيه ذكر ركعتين ركعتين.
وفي هذا الحديث أمور أخرى، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ناشد ربه وسأل ربه فقال: [(ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم؟! ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون؟!)] وفيه أنه [(نفخ في آخر سجوده فقال: أف أف)] وبعد ذلك ساق بقية الحديث.
والحديث صححه الألباني وقال: إلا فيما يتعلق بالركوع، فإنه يكون في الركعة ركوعان، كما جاء في الصحيحين، ومعنى هذا أن الذي جاء في هذا الحديث من غير ذكر الركوع ثابت وموافق للأحاديث الأخرى، وما جاء من ذكر المناشدة يكون ثابتاً بهذا الحديث، ولكن الشيء الذي فيه مخالفة لما هو محفوظ هو أن الركعة الواحدة فيها ركوع واحد.
وقوله: [(أف أف)] يعني أنه خرج منه هذان الحرفان، وقالوا: إنه لا يكون كلاماً لو قال: أفٍ، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث.
قوله: [وقد أمحصت الشمس].
يعني: تجلت وذهب كسوفها وخسوفها، ومنه التمحيص من الذنوب، أي: التخلص منها.
يعني: تخلصت وسلمت من الكسوف.(148/19)
تراجم رجال إسناد حديث (انكسفت الشمس على عهد رسول الله)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد هو: ابن سلمة بن دينار البصري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عطاء بن السائب].
هو صدوق اختلط، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن، وهذا الحديث فيه الرواية عن حماد عن حماد بن سلمة، ولكن جاء في سنن النسائي رواية شعبة عن عطاء لهذا الحديث، وشعبة ممن سمع من عطاء بن السائب قبل الاختلاط.
[عن أبيه].
أبوه هو السائب بن مالك، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عمرو].
هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(148/20)
شرح حديث (فقرأ بسورتين وركع ركعتين)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا الجريري عن حيان بن عمير عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: (بينما أنا أترمى بأسهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كسفت الشمس، فنبذتهن وقلت: لأنظرن ما أحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم كسوف الشمس اليوم، فانتهيت إليه وهو رافع يديه يسبح ويحمد ويهلل ويدعو، حتى حسر عن الشمس، فقرأ بسورتين وركع ركعتين)].
أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه الذي فيه أنه كان يترمى بأسهم له، وأنها كسفت الشمس فذهب وقال: لأنظرن إلى ما يحصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند حصول هذا الكسوف، فجاء ورآه قائماً ماداً يديه يدعو ويحمد ويكبر.
قوله: [(حتى حسر عن الشمس)].
أي: زال كسوفها.
قوله: [(فقرأ بسورتين وركع ركعتين)].
قيل: إن الحديث لا يدل على أنه صلى ركعتين؛ لأنه لو كان المقصود به صلاة ركعتين لكان صلى ركعتين بعد انتهاء الكسوف؛ لأنه قال: [(حسر عن الشمس)] فليس معنى ذلك أنه صلى وابتدأ الصلاة بعد الانحسار، ولكنه مضت الركعة الأولى، وبقيت الركعة الثانية، وحصل انحسار الكسوف في الركعة الثانية، فقوله: [(فقرأ بسورتين وركع ركعتين)] معناه: ركع بركوعين، وهذا يتفق مع الروايات الأخرى التي فيها أنه حصل التجلي في الركعة الأخيرة، وأن الركعة الواحدة فيها ركوعان، وأيضاً يسلم به من الإشكال الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ الصلاة بعدما حصل التجلي، وإنما الصلاة قبل التجلي، ولكن الناس إذا صلوا ولم تتجل لا يعيدون الصلاة، وإنما يدعون ويستغفرون حتى ينكشف ما بهم.
وهذا هو التفسير المناسب الذي يطابق ما تقدم من الأحاديث، فالحديث هذا صحيح على أن المقصود من ذلك إنما كان حكاية عن الركعة الأولى، وأنه حصل الانحسار فأتى بالركعة الثانية بقراءة سورتين وحصول ركوعين، فقبل الركوع الأول سورة، وبعد الركوع الثاني سورة، وبعد الركوع الثالث القيام، ثم السجود، وعلى هذا لا يكون الحديث مطابقاً للترجمة، وهي: [باب من قال يركع ركعتين]؛ لأن المقصود بالركعتين هنا ركوعان، وأن الانحسار حصل في الركعة الثانية.(148/21)
تراجم رجال إسناد حديث (فقرأ بسورتين وركع ركعتين)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا بشر بن المفضل].
بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الجريري].
الجريري هو: سعيد بن إياس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حيان بن عمير].
حيان بن عمير ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن عبد الرحمن بن سمرة].
هو عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.(148/22)
الصلاة عند الظلمة ونحوها(148/23)
شرح حديث (إن كانت الريح لتشتد فنبادر المسجد مخافة القيامة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة عند الظلمة ونحوها.
حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة بن أبي رواد حدثني حرمي بن عمارة عن عبيد الله بن النضر قال: حدثني أبي قال: (كانت ظلمة على عهد أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: فأتيت أنساً فقلت: يا أبا حمزة! هل كان يصيبكم مثل هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله! إن كانت الريح لتشتد فنبادر المسجد مخافة القيامة)].
أورد أبو داود [باب الصلاة عند الظلمة ونحوها].
يعني حصول الظلام الذي يحصل بسبب الريح فيغطي الجو، فهذا هو المقصود من الترجمة، وأورد أبو داود هذا الأثر عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
قوله: [(فأتيت أنساً فقلت: يا أبا حمزة! هل كان يصيبكم مثل هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله! إن كانت الريح لتشتد فنبادر المسجد مخافة القيامة)].
يعني أنهم يبادرون إلى المسجد فيصلون فيه، وفي هذا قال: [الصلاة عند الظلمة] يعني: يذهبون إلى المسجد للصلاة فيه والحديث ضعيف؛ لأن فيه من هو مستور، فليس ثابتاً.(148/24)
تراجم رجال إسناد حديث (إن كانت الريح لتشتد فنبادر المسجد مخافة القيامة)
قوله: [حدثنا محمد عمرو بن جبلة بن أبي رواد].
محمد بن عمرو بن جبلة بن أبي رواد صدوق أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثني حرمي بن عمارة].
حرمي بن عمارة صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن عبيد الله بن النضر].
عبيد الله بن النضر لا بأس به، وهي بمعنى (صدوق)، أخرج له أبو داود.
[حدثني أبي].
هو النضر بن عبيد الله بن مطر القيسي، وهو مستور، وحديثه أخرجه أبو داود وحده.
وأنس هو: أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(148/25)
مشروعية القنوت إذا حصلت آيات أخرى غير الكسوف
وإذا حصل بركان أو زلزال أو حادث من الحوادث المتغيرة بقدر الله تعالى هل تشرع الصلاة مثل الكسوف؟ المشروع أنه يقنت قنوتاً، حيث يشرع القنوت في الأمور التي تحصل وفيها ضرر.
وقوله: [(إن كانت الريح لتشتد فنبادر مخافة القيامة)].
أي: يخشون أن تكون الساعة، لكن الساعة -كما هو معلوم- لا تأتي إلا بعد مقدمات، فلعل المراد بالقيامة هنا قيامتهم، كأن يحصل لهم عذاب، وليست القيامة التي تنتهي بها الدنيا، فهي لا تأتي إلا بعدما ينزل عيسى بن مريم، وبعد خروج يأجوج ومأجوج، وبعد ظهور أمور متعددة جاءت بها السنة، فالمقصود به قيامتهم هم، أي: يحصل لهم عذاب أو يحصل لهم شيء يصيبهم فتكون قيامتهم، ومعلوم أن من مات فقد قامت قيامته وجاءت ساعته؛ لأن الساعة التي يكون بها نهاية الدنيا إنما تكون على الناس الذين في آخر الدنيا، فمن كان حياً في آخر الدنيا فإنه يموت، فيستوي الأولون والآخرون بالموت، ثم تأتي النفخة الثانية فيحيا من كان في أول الدنيا ومن كان في نهاية الدنيا.(148/26)
السجود عند الآيات(148/27)
شرح حديث (إذا رأيتم آية فاسجدوا)
قال المصنف رحمه الله: [باب السجود عند الآيات.
حدثنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي حدثنا يحيى بن كثير حدثنا سلم بن جعفر عن الحكم بن أبان عن عكرمة قال: قيل لـ ابن عباس رضي الله عنهما: ماتت فلانة -بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم- فخر ساجداً، فقيل له: أتسجد هذه الساعة؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم آية فاسجدوا)، وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب السجود عند الآيات].
يعني: حصول الآيات.
ثم أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قيل له: [ماتت فلانة] وهي واحدة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهن وأرضاهن، [فخر ساجداً، فقيل له: أتسجد هذه الساعة؟] ولعل ذلك كان في وقت كراهة، أو أن المقصود حين بلغك الخبر بادرت، فكأنه قيل له: ما هو المستند عليه في ذلك؟ فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إذا رأيتم آية فاسجدوا)].
ثم قال: [وأي آية أعظم من ذهاب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!] وهذا يدلنا على تعظيم الصحابة لأزواج الرسول عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهن وأرضاهن، ومعرفة ثقتهن ومنزلتهن، وأنهن حليلات المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهن زوجاته في الدنيا والآخرة رضي الله عنهن وأرضاهن، ولهذا حرم على غيره الزواج بهن من بعده صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)، فهذا يدل على أن وجود أولئك الصحب الكرام وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن فيه سلامة، وفيه خير للناس، وفقدهم أو فقدهن فيه مضرة للناس، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم.
فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم.
فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم فيقال: هل فيكم من رأى من رأى من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم.
فيفتح لهم)، فذكر الطبقات الثلاث التي هي طبقة الصحابة، وطبقة التابعين، وطبقة أتباع التابعين الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).
وهذا يبين أن فقد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم -ولاسيما زوجاته رضي الله عنهن وأرضاهن- فقد لمن فيه الخير، ووجودهم كان أمنة لهذه الأمة، وإذا حصل بعد ذلك ذهابهم حصلت الفتن والشرور، وحصلت الأمور التي ليس لها حد، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ).
فقوله: [السجود عند الآيات] يحتمل أن يكون المقصود به السجود الذي هو مفرد السجود، ويحتمل أن يكون المراد به الصلاة، والصلاة يقال لها: سجود، فقوله: [(إذا رأيتم آية فاسجدوا)]، معناه: صلوا، والرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:153].
فالصلاة عند المصائب فيها تسلية، وفيها تهوين وتخفيف لوطأة الشيء، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول لـ بلال (أرحنا بها يا بلال)، وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، فهو من هذا القبيل، فقوله: [(إذا رأيتم آية فاسجدوا)]، يظهر أنه صلاة، ومنهم من قال: إنه سجود فقط، والذي فعله ابن عباس يدل عليه.
فقد يكون المقصود منه السجود فقط، وقد يكون المقصود منه الصلاة التي منها السجود، والله تعالى أعلم.(148/28)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا رأيتم آية فاسجدوا)
قوله: [حدثنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي].
محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا يحيى بن كثير].
هو يحيى بن كثير العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سلم بن جعفر].
سلم بن جعفر، صدوق أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن الحكم بن أبان].
الحكم بن أبان صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس مر ذكره.(148/29)
شرح سنن أبي داود [149]
من رحمة الله بعباده المؤمنين أن فرض عليهم الصلاة في الحضر أربعاً دون جمع أو قصر، وخففها عنهم في السفر مراعاة لأحوال المسافر، فجاز للمسافر أن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، وأن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، وهذه صدقة تصدق الله بها علينا، فلنقبل صدقة الله سبحانه وتعالى.(149/1)
صلاة المسافر(149/2)
شرح حديث (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [تفريع أبواب صلاة السفر.
باب صلاة المسافر.
حدثنا القعنبي عن مالك عن صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر)].(149/3)
تراجم رجال إسناد حديث (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين)
قوله: [حدثنا القعنبي].
القعنبي هو: عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح بن كيسان].
صالح بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة بن الزبير].
هو عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(149/4)
شرح حديث (صدقة تصدق الله بها عليكم)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: حدثنا يحيى عن ابن جريج، ح: وحدثنا خشيش -يعني ابن أصرم - حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن بابيه عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: قلت لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أرأيت إقصار الناس الصلاة وإنما قال تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء:101]، فقد ذهب ذلك اليوم؟! فقال: عجبت مما عجبت منه، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته)].
أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي فيه أن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال لـ عمر: كيف القصر وقد أمنا والله تعالى علق ذلك بالخوف؟ فكيف ذلك وقد ذهب الخوف والناس يقصرون في حال الأمان؟ فقال عمر رضي الله عنه: [عجبت مما عجبت منه] يعني: هذا الذي حصل لك حصل لي، وسألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته)، يعني: فاقصروا، ويكون ما جاء من ذكر الخوف في الآية محمولاً على الغالب أو جرى مجرى الغالب، وليس المقصود به القصر عليه وحده، هذا هو الذي يفهم من هذا الحديث؛ لأنه أتى به للدلالة على أن الآية إنما هي في قصر العدد والكمية وأنه بدل أن تكون الصلاة أربعاً تكون ثنتين.
وهذا هو الذي جاء في هذا الحديث عن عمر رضي الله عنه، وبعض أهل العلم قال: إن القصر الذي في الآية إنما هو قصر الكيفية، وهو خاص في حال الخوف، وذلك بأن تصلى على هيئة معينة، وعلى حالة مخصوصة، وعلى صفات معينة كما سيأتي في صلاة الخوف.
وكذلك -أيضاً- في كونها في حال شدة الخوف والقتال يصلي الناس على حسب أحوالهم راجلين وراكبين مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، فالصلاة تصلى في وقتها ولا تؤخر، ولكن قالوا: هذا قصر للكيفية، وليس قصراً للكمية، وقصر الكمية إنما ثبت في السنة ولم يثبت في القرآن، وإنما الذي جاء في القرآن هو قصر الكيفية، لكن هذا الذي جاء عن عمر رضي الله عنه في هذا الحديث دليل على أنه قصر للكمية، وأن ذكر الخوف في الآية إنما جرى مجرى الغالب، وليس الأمر مقصوراً عليه، وبعض أهل العلم -كما ذكرت- يقول: إن الآية إنما هي في قصر الكيفية وليست في قصر الكمية، والقصر في الكمية إنما جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الكثيرة التي جاءت من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام، حيث كان يقصر، وحيث كان يأتي عنه ذكر القصر، كما جاء في حديث ابن عباس: (فرضت صلاة السفر ركعتين، والحضر أربعاً، والجمعة ركعتين) يعني: تماماً غير قصر، فيكون إثبات قصر الكمية إنما جاء في السنة، وعلى كل فالآية اختلف فيها، والذي جاء في حديث عمر يدل على أنها كما تدل على قصر الكيفية تدل على قصر الكمية كذلك.(149/5)
تراجم رجال إسناد حديث (صدقة تصدق الله بها عليكم)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ومسدد].
مسدد هو: ابن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[قالا: حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
ابن جريج: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا خشيش -يعني: ابن أصرم -].
خشيش بن أصرم هو أبو عاصم، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار].
ابن جريج مر ذكره، وعبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن بابيه].
عبد الله بن بابيه -ويقال: ابن باباه - ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن يعلى بن أمية].
يعلى بن أمية رضي الله عنه هو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمر بن الخطاب].
هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(149/6)
منزلة السنة من القرآن
لاشك في أن السنة مستقلة، ولا يمكن أن يستغنى بالقرآن عن السنة، ومن آمن بالقرآن ولم يؤمن بالسنة فهو كافر بالقرآن والسنة؛ لأن السنة هي وحي من الله عز وجل، والله تعالى يقول: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4].
وهناك أمور معلومة من دين الإسلام بالضرورة، وما علمت إلا عن طريق السنة، ومن ذلك أعداد الصلوات، فليس في القرآن أعداد الصلوات بكون الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع، والفجر ثنتين، فهذا لا يوجد في القرآن وإنما هو موجود في السنة.
فالذي يقول: إنه يؤمن بالقرآن ولا يؤمن بالسنة كيف يصلي؟ وما هي الكيفية التي سيصلي بها في الصلوات الخمس المفروضة التي فرضها الله على العباد؟ إن هذا لا يوجد إلا في السنة، ولهذا فالسنة حجة قائمة بنفسها، وهي شقيقة القرآن، وكلها من الله عز وجل، كما قال عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4].
فليست من عند رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما هي من عند الله، والذي أوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن والسنة، إلا أن القرآن متعبد بتلاوته والعمل به، والسنة متعبد بالعمل بها ولم يتعبد بتلاوتها كما يتعبد بتلاوة القرآن، ومن حيث العمل كل منهما يجب العمل به، وهي شقيقة القرآن، ومن أنكر السنة فقد أنكر القرآن وكذب به، ولا سبيل إلى تنفيذ القرآن إلا عن طريق معرفة السنة.
والاستغناء بالقرآن عن السنة يؤدي إلى عدم الإتيان بالأمور الواجبة، فكيف يزكي الإنسان الزكاة؟ إذ ما عرفت مقاديرها وأنصبتها ومقدار ما يزكى إلا بالسنة، وهكذا الحج وتفاصيله وما إلى ذلك لا يعرف إلا بالسنة.
ولا تعرف كيفية الصلاة إلا عن طريق السنة، بل أعداد الركعات لا تعرف إلا بالسنة، وليست في القرآن، ولكن الصحابي في هذا الحديث فهم أن الآية جاء فيها التقييد بالخوف والناس يقصرون مع وجود الأمن، فـ عمر رضي الله عنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: إنها رخصة، يعني: ثبت بالسنة أن الناس يقصرون في حال الأمن كما يقصرون في حال الخوف، والقصر الذي جاء في القرآن محتمل لقصر العدد ولقصر الكيفية، والكيفية واضح القصر فيها بلا إشكال؛ لأن الآية إنما جاءت في الخوف، والآية التي بعدها في صيغة صلاة الخوف، وأن الخوف يصلى على هيئات معينة حيث خفف الله عز وجل عن الناس في الخوف، وكذلك -أيضاً- في حال شدة القتال فإن الناس يصلون ركباناً وراجلين، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، يومئون إيماءً، ولا يؤخرون الصلوات عن أوقاتها، فالسنة -كما هو معلوم- هي شقيقة القرآن ولا يستغنى عنها، ومن أنكر السنة فقد أنكر القرآن وكفر بالقرآن ولا يعتبر مسلماً.
وقد ألف في ذلك العلماء، وممن ألف في ذلك السيوطي رسالة قيمة أسماها: (مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة) وأتى بنقول كثيرة كلها تدل على حجية السنة، وعلى أنها مستقلة في بيان الأحكام، وأن القول بأنه لا يعول عليها وإنما يعول على القرآن قول في غاية السوء، ووصفه بأوصاف ذميمة في غاية السوء.(149/7)
إسناد آخر لحديث: (صدقة تصدق بها عليكم) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق ومحمد بن بكر قالا: أخبرنا ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن أبي عمار يحدث، فذكر نحوه، قال أبو داود: رواه أبو عاصم وحماد بن مسعدة كما رواه ابن بكر].
أورد الحديث من طريق أخرى، وأحال إلى الطريق السابقة فقال: (نحوه) يعني أنه نحوه في المعنى وليس متفقاً معه في الألفاظ؛ لأن كلمة (مثله) تعني المماثلة في اللفظ والمعنى، وكلمة (نحوه) تعني المماثلة والاتفاق في المعنى مع الاختلاف في الألفاظ.
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق].
مر ذكرهما.
[ومحمد بن بكر].
محمد بن بكر صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قالا: أخبرنا ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن أبي عمار].
ابن جريج وعبد الله بن أبي عمار مر ذكرهما، وهو مذكور هنا عبد الله بن أبي عمار، وصوابه الأول عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار كما قال الحافظ.
[قال: أبو داود رواه أبو عاصم وحماد بن مسعدة كما رواه ابن بكر].
أبو عاصم وهو: الضحاك بن مخلد النبيل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحماد بن مسعدة].
حماد بن مسعدة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[كما رواه ابن بكر].
أي: في الطريق السابقة، مع أن ابن بكر روى معه أيضاً عبد الرزاق، لكن لعل المصنف ذكر روايته وساق اللفظ عليه أو ساق الحديث على لفظه.
وهو في شيوخ شيوخه.(149/8)
متى يقصر المسافر(149/9)
شرح حديث (كان رسول الله إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ)
قال المصنف رحمه الله: [باب متى يقصر المسافر؟ حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن قصر الصلاة فقال أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ - شعبة شك- يصلي ركعتين)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة [باب متى يقصر المسافر؟] وهذه الترجمة يدخل تحتها ما هو السفر الذي إذا سافره يقصر فيه المسافر، وأيضاً متى يبدأ المسافر في القصر إذا سافر؟ فأورد حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ -شك شعبة - صلى ركعتين.
وفسر هذا الحديث بأن المقصود منه مسافة السفر، وأنه إذا سافر هذا المقدار كان يقصر عليه الصلاة والسلام.
ومن أهل العلم من فسر ذلك بأن المقصود: إذا سافر هذه المسافة فإنه يبدأ بالقصر؛ لأنه لم يكن يخرج بعدما يدخل الوقت، ولكنه بعد ما يصلي يسافر، فيمضي مدة قبل أن تأتي الصلاة الأخرى، فيكون البدء بعد مضي هذه المدة، لكن سيأتي في الحديث الذي بعد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ القصر بذي الحليفة، وذو الحليفة مكان قريب من المدينة، فلما سافر إلى مكة في حجة الوداع صلى الظهر في مسجده صلى الله عليه وسلم، ثم خرج وصلى العصر في ذي الحليفة ركعتين، فقالوا: إن المقصود بقوله: [ثلاثة فراسخ أو ثلاثة أميال] مسافة السفر، وليس المقصود به أنه لا يقصر إلا بعد أن يمشي ثلاثة فراسخ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قصر بعد أن وصل إلى ذي الحليفة، وهو مكان قريب من المدينة لا يقصر الإنسان إذا ذهب إليه، ولكنه يبدأ القصر منه؛ لأن الذهاب إليه ليست مسافة قصر، لكنه بدأ بالقصر منه لأنه خارج البنيان.
وقد اختلف أهل العلم في مسافة القصر، فمنهم من قال: ثلاث مراحل.
يعني: مسيرة ثلاث ليال، ومنهم من قال: مرحلتان.
يعني: مسيرة يومين قاصدين، وهذا قد جاء عن بعض الصحابة، فقد سئل عن القصر في الذهاب إلى عرفة فقال: لا، ولكن إذا ذهب إلى الطائف أو إلى جدة أو إلى عسفان فإنه يقصر، قالوا: وهذا مقداره مسافة اليومين القاصدين، أي: مسافة مرحلتين، ومنهم من قال بهذا المقدار الذي جاء في هذا الحديث، أي: ثلاثة فراسخ أو ثلاثة أميال، ومنهم من قال: أقل من ذلك، ومنهم من أناط الحكم بالسفر، وما يعتبر سفراً في العرف فإنه يحصل به قصر الصلاة، ولم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحديد أنه لا يقصر إلا في المسافة الفلانية، وأن من سافر هذا المقدار فهو الحد الفاصل، وقيل: يرجع إلى العرف، فما كان يعتبر سفراً بالعرف فهو الذي تناط وتعلق به الأحكام التي هي القصر والجمع والفطر، وكذلك لزوم المحرم بالنسبة للمرأة في السفر.
ومن المعلوم أن هذه الأقوال مختلفة، ولكن الاحتياط في الدين أمر مطلوب، ولا يصلح أن يقصر لمسافات قصيرة وقليلة؛ لأن الإنسان إذا صار إلى ذلك، وليس هناك تحديد ثابت يكون قد فرط، والاحتياط هو في كون القصر في السفر في مثل السفر بين مكة إلى الطائف أو إلى عسفان أو إلى جدة وما إلى ذلك، فهذا هو الذي يسمى سفراً، أما المسافات القصيرة فلا ينبغي القصر فيها، وعلى الإنسان أن يحتاط لدينه، ولا يأخذ بالشيء الذي فيه إشكال وليس فيه شيء واضح يدل عليه.(149/10)
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ)
قوله: [حدثنا محمد بن بشار].
هو محمد بن بشار الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن جعفر].
هو محمد بن جعفر الملقب بـ غندر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن يزيد الهنائي].
يحيى بن يزيد الهنائي مقبول، أخرج حديثه مسلم وأبو داود.
[سألت أنس بن مالك].
أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث فيه ذكر الفراسخ والأميال، والشك من شعبة أحد رواة الحديث، والفرسخ ثلاثة أميال، والثلاثة الفراسخ تسعة أميال.
والميل الآن يعتبر أكثر من الكيلو، لكن لا أدري كم مسافته بالضبط.(149/11)
شرح حديث (صليت مع رسول الله الظهر بالمدينة أربعاً)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا زهير بن حرب حدثنا ابن عيينة عن محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة سمعا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً والعصر بذي الحليفة ركعتين)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وأنه صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة في مسجده صلى الله عليه وسلم أربعاً، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين؛ لأنه مسافر إلى مكة في حجة الوداع، صلى في هذا المسجد أربع ركعات الظهر، ومشى بعد الظهر فصلى العصر بذي الحليفة ركعتين قصراً، فهذا يدلنا على أن البدء بالقصر إنما يكون عند الخروج من البلد، فيبدأ المسافر بالأخذ برخص السفر، ومادام في البلد فإنه لا يترخص؛ لأنه لا يقال له: مسافر حتى يخرج من البلد.
وكون الرسول صلى الله عليه وسلم قصر بذي الحليفة -وهي خارج المدينة- يدلنا على أن القصر إنما يكون إذا فارق الإنسان بلده الذي هو فيه وبدأ بالسفر، فإنه بذلك يحصل له الأخذ بأحكام السفر كالقصر والجمع والفطر وما يتعلق بذلك.
وإذا وصل العمران إلى ذي الحليفة فإنها تكون من المدينة فلا يقصر بها وإنما يقصر بعدما يتجاوز الإنسان العمران كله، فإذا وصل البنيان واتصل إلى منطقة ذي الحليفة صارت ذو الحليفة من المدينة، ومن المعلوم أن المدينة غير الحرم، فالحرم لا يزيد والمدينة يمكن أن تزيد، فالحرم محدد ومقدر وهو لا يزيد، وأما المدينة فيمكن أن تزيد وتخرج عن الحرم ويصير جزء منها خارج الحرم، فإذا وصل البنيان إلى أبيار علي وإلى ذي الحليفة فلا يجوز القصر بها، بل إذا تجاوز البنيان كله.(149/12)
تراجم رجال إسناد حديث (صليت مع رسول الله الظهر بالمدينة أربعاً)
قوله: [حدثنا زهير بن حرب].
هو زهير بن حرب أبو خيثمة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا ابن عيينة].
ابن عيينة هو: سفيان بن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن المنكدر].
محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وإبراهيم بن ميسرة].
إبراهيم بن ميسرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعا أنس بن مالك].
أنس رضي الله عنه قد مر ذكره.(149/13)
حكم الجمع أو القصر في مطار المدينة المنورة
مطار المدينة يعتبر اليوم خارج المدينة وليس في المدينة؛ لأن البنيان ما وصل إليه، وإذا كان السفر محققاً ولا إشكال فيه فيمكن للإنسان أن يقصر، لكن المشكلة أن السفر في الطائرة يمكن أنه يتأخر فيرجع المسافر؛ لأن السفر لا يكون محققاً مثل كون الإنسان يسافر بدابته أو بسيارته؛ لأن هذا أمر يرجع إليه، وأما الطائرة فأمرها يرجع إلى غيره، فالقصر يجوز، أقول: ما دام أن الإنسان خارج البلد والمطار خارج البلد فلا بأس بالقصر، والمطار الآن خارج المدينة والبنيان ما وصل إليه.
وإذا أراد المسافر السفر ودخل وقت الظهر وهو في المدينة فله أن يخرج ويجمع خارج المدينة.
ولو أذن المؤذن فذلك لا يضر؛ لأنه سافر بعد الأذان، ووجد منه السفر بعد الأذان، فليس من شرط السفر أن يكون قبل الأذان، وأنه لا تجري عليه الأحكام إلا إذا كان قبل الأذان، فالإنسان إذا وجد منه السفر ولو كان بعد الأذان فإنه تجري عليه أحكام السفر.(149/14)
الأذان في السفر(149/15)
شرح حديث (يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية)
قال المصنف رحمه الله: [باب: الأذان في السفر.
حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا عشانة المعافري حدثه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [الأذان في السفر] كما يكون في الحضر، والإنسان المسافر يؤذن، سواءٌ أكان في جماعة أم كان لوحده، ولذلك إذا أذن يحصل بأذانه ذكر الله، ويحصل بأذانه كونه لا يسمعه شيء إلا شهد له، وكذلك -أيضاً- يمكن أنه يسمعه أحدٌ من الناس فيعرف دخول الوقت بهذا الأذان، ويمكن أن يأتي إليه ويصلي معه، كل ذلك من فوائد حصول الأذان في السفر.
فالمسافر يؤذن ويقيم، سواءٌ أكان في جماعة أم كان واحداً.
وقد أورد أبو داود، حديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه الذي يدل على أذان الفرد إذا كان وحده في السفر، فإنه يؤذن ويصلي.
قوله: [(يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل)].
الشظية: قطعة من الجبل أو جزء منه أو ناحية من الجبل.
قوله: [(يؤذن بالصلاة ويصلي)].
يعني: يؤذن ويحصل منه الأذان والإقامة، وتحصل منه الصلاة.
قوله: [(فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة، يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة)].
هذا يدلنا على فضل هذه الأعمال في السفر، فالصلاة لا بد منها، والأذان كذلك، حيث يشرع للإنسان المسافر أن يؤذن ولو كان وحده، وهذا الأجر مركب على مجموع هذه الأمور، وكون الإنسان يؤذن ويقيم الصلاة يدل على أنه يخاف الله عز وجل، فالله تعالى يغفر له ذنوبه ويدخله الجنة جزاءً على ذلك العمل الصالح الذي عمله.
وفي الحديث إثبات صفة العجب لله عز وجل، وقد جاء ذلك في القرآن في إحدى القراءتين لقوله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات:12]، لأنه على قراءة (بل عجبتُ)، تكون من آيات الصفات، وعلى قراءة: ((بَلْ عَجِبْتَ)) لا تكون تكون آية صفة، فالعجب صفة ثابتة لله عز وجل في القرآن في إحدى القراءات المتواترة.
وكذلك -أيضاً- جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة، منها هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.(149/16)
تراجم رجال إسناد حديث (يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية)
قوله: [حدثنا هارون بن معروف].
هارون بن معروف ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود.
[حدثنا ابن وهب].
ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن الحارث].
هو عمرو بن الحارث المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن أبا عشانة المعافري حدثه].
أبو عشانة المعافري هو: حي بن يؤمن المصري، ثقة، أخرج البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن عقبة بن عامر].
عقبة بن عامر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(149/17)
المسافر يصلي وهو يشك في الوقت(149/18)
شرح حديث (كنا إذا كنا مع رسول الله في السفر فقلنا)
قال المصنف رحمه الله: [باب: المسافر يصلي وهو يشك في الوقت.
حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن المسحاج بن موسى قال: قلت لـ أنس بن مالك رضي الله عنه: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فقلنا زالت الشمس أو لم تزل صلى الظهر ثم ارتحل)].
أورد أبو داود هذه الترجمة [باب المسافر يصلي وهو يشك في الوقت].
ومن المعلوم أن الصلاة لابد من أن تكون في وقتها، فلا تصلى قبل وقتها ولا تؤخر عن وقتها، وإذا فات أو لم يحصل أداؤها في وقتها اضطراراً أو لأمر خارج عن إرادة الإنسان فإنه يقضيها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا نام أحدكم عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك).
وعلى هذا فالصلوات إنما تكون في أوقاتها، ولا يجوز تقديمها عن وقتها، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها إلا لضرورة بأن يكون الإنسان ناسياً أو نائماً، ولا يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة عن وقتها، ولا يجوز للإنسان أن يصلي وهو شاك في الوقت هل دخل أو لم يدخل، والحديث الذي أورده أبو داود من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه إنما حصل الشك فيه منهم وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرسول صلى الله عليه وسلم هو إمامهم، وهو الذي يصلي بهم، وهو إنما صلى في الوقت ولكن هم كانوا يظنون أن الوقت ما دخل، ولكنه قد دخل، فشك المأموم لا يؤثر؛ لأن الإمام هو المسئول عن الوقت، وهو الذي يؤدي الصلاة في الوقت، ويحصل منه أداء الصلاة في الوقت، فحصول الشك لا يؤثر، ويمكن أن يكون هذا الشك معناه المبادرة بعد دخول الوقت، وليس معنى ذلك أنهم صلوا قبل دخول الوقت، فيكون المقصود منه المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها، فمن حين دخول الوقت مباشرة صلوا مبادرين ولم يؤخروا الصلاة بعد دخول وقتها شيئاً، ويشبه هذا الحديث الذي جاء عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتي الفجر فأقول: هل قرأ فيهما بفاتحة الكتاب؟ أي: لتخفيفهما.
وكما هو معلوم أنه لا يشك في أنه يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ولا يظن بـ عائشة أنها تقول: (إنه ما قرأ)، ولكن ذلك إشارة إلى تقليلهما وتخفيفهما وعدم إطالتهما وأنه يخففهما كثيراً.
فقولها: (هل قرأ فاتحة الكتاب؟) معناه أنه خففهما كثيراً ولم يطولهما، فهذا من جنسه، ثم إن هذا إذا كان المقصود به الشك فهو إنما حصل من المأمومين أو من بعض المأمومين، والإمام هو الذي يحافظ على الوقت، ويعرف دخول الوقت، ويصلي بعد دخول الوقت، ولا يجوز إتيان الصلاة على وجه مشكوك فيه، بل لابد من تحقق دخول الوقت.(149/19)
تراجم رجال إسناد حديث (كنا إذا كنا مع رسول الله في السفر فقلْنا)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد مر ذكره.
[حدثنا أبو معاوية].
أبو معاوية هو: محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المسحاج بن موسى].
المسحاج بن موسى مقبول، أخرج له أبو داود.
[قلت لـ أنس بن مالك].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره.(149/20)
شرح حديث (كان رسول الله إذا نزل منزلاً لم يرتحل حتى يصلي الظهر)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني حمزة العائذي رجل من بني ضبة قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلاً لم يرتحل حتى يصلي الظهر، فقال له رجل: وإن كان بنصف النهار؟ قال: وإن كان بنصف النهار)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزلاً لم يرتحل حتى يصلي الظهر، والمقصود من ذلك إذا كان قريباً من وقت الظهر، وليس معنى ذلك أنه يواصل الجلوس والبقاء والمكث في هذا المكان حتى يصلي الظهر، فإذا كان الوقت بعيداً مثل الصباح أو نزل منزلاً بالليل فليس معناه أنه يستمر في الجلوس والمكث حتى يصلي الظهر، وإنما إذا نزل منزلاً وكان وقت الظهر قريباً فإنه ينتظر حتى يصلي الظهر ثم يرتحل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالمقصود من ذلك القرب من الوقت أو القرب من الظهر، وليس ذلك مطلقاً في أي وقت من الأوقات ينزل فيمكث حتى يجيء الظهر.
قوله: [(وإن كان بنصف النهار)].
هذه إشارة إلى المبادرة إلى الإتيان بالصلاة في أول وقتها.
ونصف النهار هو الزوال، وقد يختلف الوقت أيضاً، ولكن الصلاة لا تكون في حال الزوال ولا قبل الزوال.(149/21)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا نزل منزلاً لم يرتحل حتى يصلي الظهر)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني حمزة العائذي].
مسدد ويحيى وشعبة مر ذكرهم.
وحمزة العائذي صدوق أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن أنس].
أنس رضي الله عنه قد مر ذكره.(149/22)
الأسئلة(149/23)
حكم الاشتغال بالنظر إلى الكسوف وترك الصلاة
السؤال
إن من المشاهد الآن أن كثيراً من الناس إذا حصل الكسوف أو الخسوف يتمتعون بالنظر إلى ما يحصل للشمس والقمر، فمنهم من يستخدم بعض النظارات التي تقي -كما يقولون- من بعض أضرار هذا الأمر، وتجد الكثير من الناس ينظر إلى هذه الأشياء دون الصلاة، فما التعليق على ذلك؟
الجواب
أما كون الناس ينظرون دون أن يحصل لهم ضرر ليس هناك مانع يمنع منه، وقد كان الصحابة يذكرون كيفية الكسوف وأن الشمس حصل لها كذا، وأنها صارت في مكان كذا، فالنظر في الشمس إذا ما حصلت مضرة على الإنسان منه في عينيه فلا بأس بذلك، ولكن المشكل كونهم لا يصلون، هذا هو الذي ليس بسليم، وأما كون الناس يصلون فهذا هو السنة والمشروع، وكون الناس ينظرون ففي الغالب أن بعض الناس ينظر إلى هذا الكسوف كيف يكون؟ وماذا حصل للشمس؟ وهل ذهب ضوءها كله أو بعضه؟ فهذا شيء لا يوجد مانع يمنعه، لكن الذي ينبغي هو أن يحافظ على النظر، أن لا يعرض للخطر، والناس -كما هو معلوم- عندهم غريزة حب الاستطلاع.(149/24)
حكم دفع الرشوة لأجل الوصول إلى الحق
السؤال
إذا تعذر الحصول على حق إلا بدفع الرشوة فهل يجوز ذلك؟
الجواب
إذا كان الإنسان يستطيع أن يصل إلى حقه عن طريق رفع من امتنع من وصوله إليه فلا يجوز له أن يفعل أي شيء سوى إيقاف الظالم عند حده وعدم تمكينه من الظلم، وأما إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يصل إلى حقه إلا أن يدفع شيئاً، أو يتنازل عن شيء منه، أو يتخلص من المظلمة بأن يحصل على بعض حقه، فمعلوم أن نزول المظلوم عن بعض حقه ليحصل على بعضه أولى من كونه يضيعه كله من أوله إلى آخره، من أجل أن لا يدفع شيئاً من ذلك.
نعم لا يدفع إذا كان هناك سبيل إلى إنصاف الظالم من المظلوم، وأما إذا كان في بلد ليس فيه عدل -لاسيما إذا كان في بلاد كفار أو نحو ذلك- فإن الإنسان إذ نزل عن بعض ماله فلا بأس بذلك؛ لأن حصوله على بعض ماله أحسن من ضياع ماله كله عليه، ولهذا يوجد الصلح على إقرار، والصلح على إنكار في كتب الفقه، فالإنسان إذا ما حصل حقه كله فتحصيل بعضه أولى من ضياعه كله، فهو إما أن يحصله كله وإما أن يضيعه كله، فلا بأس أن يتنازل عن شيء منه أو يدفع شيئاً؛ لأن هذا ظلم، وهذا المظلوم لا يستطيع أن يحصل حقه إلا عن طريق ذلك.
فكونه يتنازل أو يعطي شيئاً من ماله لا يقال فيه: إن دفع رشوة من أجل أن يحصل حقاً لغيره.
إنما هذا تنازل عن بعض ماله أو دفع شيء من ماله ليحصل بعض ماله لئلا يضيع عليه ماله كله، وأما كون الإنسان يدفع شيئاً من أجل أن يغلب غيره أو من أجل أن يأخذ مال غيره أو من أجل أنه يتقدم على غيره أو من أجل أنه يحصل شيئاً يميز به على غيره فلا يجوز ذلك.
ولكن القضية محصورة في إنسان مظلوم ماله سيذهب كله فإذا دفع بعضه فلا بأس بذلك.(149/25)
عدد مرات النداء لصلاة الكسوف
السؤال
كم مرة ينادى: الصلاة جامعة؟
الجواب
لا نعلم فيه تحديداً، ولكنه يكرر حتى يسمع الناس.(149/26)
كيفية صلاة الليل والنهار
السؤال
النوافل التي قبل صلاة الظهر والعصر هل تصلى ركعتين ركعتين بينهما تسليمة، أم تصلى أربع ركعات؟
الجواب
الصلاة ركعتان ركعتان في الليل والنهار، إلا أن الليل الصلاة فيه جاء الوصل فيها، وجاء الفصل -وهو ركعتان- من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام، أما فعله فالذي ثبت في حديث ابن عباس أنه صلى ركعتين ركعتين وأوتر بواحدة لما بات عند خالته ميمونة.
وأما قوله فقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة أوترت له ما قد مضى).
وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان يصلي أربعاً ثم أربعاً ثم ثلاثاً، فجاء الفصل من قوله وفعله وجاء الوصل من فعله صلى الله عليه وسلم.(149/27)
حكم السلام بعد سجدة التلاوة
السؤال
هل يوجد سلام بعد سجدة التلاوة؟
الجواب
لا أعلم شيئاً يدل على هذا.(149/28)
حكم من أوصى ولده أن يحج عنه ولم يستطع
السؤال
رجل أوصى ولده قبل وفاته أن يحج عنه، والابن لا يستطيع الحج عن نفسه ولا عن أبيه، بسبب قوانين الحج المتعلقة بالسن والعمر للحجاج من خارج المملكة، فهل يجوز للابن أن يوكل من يستطيع الحج أن يحج عن أبيه، فإن كان ذلك يصح فما هي السنة فيما يتعلق بصيغة التوكيل والتلبية والنفقة؟
الجواب
الميت يحج عنه، وإذا كان الإنسان قادراً على أن يدفع مالاً لمن يحج عن والده فليفعل، ومعلوم أن النائب الذي يحج عن غيره ينوي عند الإحرام أن النسك إنما هو لفلان، ينوي بقلبه، وإن تلفظ بلسانه فقال: لبيك عمرة لفلان فلا بأس بذلك، ويكفي ما في القلب، أي: كون الإنسان ينوي بقلبه أن العمرة لفلان، وأن الحج لفلان، ثم بعد ذلك جميع الأعمال التي يعملها من حج أو عمرة هي للمحجوج عنه أو المعتمر عنه.
فمادام عنده قدرة مالية فإنه يدفع لغيره ممن يحج عن أبيه.(149/29)
حكم استخدام الطبل والدف مع الأناشيد
السؤال
هل يجوز استخدام الطبل والدف مع الأناشيد المسماة بالأناشيد الإسلامية، وذلك وقت العرس؟
الجواب
استعمال الطبول لا يصلح، وإنما الذي جاء في الصحيح الدف وليس هو الطبل الذي يكون مغطى من الجهتين، والدف يكون مكشوفاً من إحدى الجهتين، ويجوز استعماله للنساء فقط وأما الرجال فليس لهم أن يستعملوا الطبول ولا الدفوف.(149/30)
حكم قراءة الفاتحة عند قبر الرسول
السؤال
حملني أهلي أمانة في عنقي، وهي قراءة الفاتحة عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبليغ سلامهم إليه صلى الله عليه وسلم، فهل يلزمني أن أفعل ذلك؟
الجواب
ادع لهم، وكان المناسب أن تقول لهم لما قالوا لك ذلك: أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والملائكة تبلغه؛ لأنه جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام)،وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) يعني: بواسطة الملائكة تبلغه حيث كان الناس، ويمكنك أن تدعو لهم وإذا رجعت تخبرهم؛ بأن السنة هي أنكم تكثرون من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم والملائكة تبلغه.
وأما قراءة الفاتحة فإنه لا يقرأ الفاتحة لأحد، وإنما عليه الدعاء، هذا هو المشروع، فالإنسان يدعو لغيره، لكن لا يقرأ الفاتحة عن غيره في مكان أو في أي مكان.(149/31)
ثبوت استقبال الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم بالأناشيد
السؤال
هل ثبت أن الأنصار استقبلت الرسول صلى الله عليه وسلم بالأناشيد، ومنها قولهم: طلع البدر علينا؟
الجواب
هذا مشهور لكن لا أدري بثبوته، وإن كانوا قالوه فليس هو بأناشيد، كما ينشد اليوم بصوت واحد.(149/32)
كيفية صلاة النبي بالأنبياء في بيت المقدس
السؤال
يذكر في قصة الإسراء والمعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إماماً بالأنبياء ببيت المقدس قبل عروجه إلى السماء، ولم تفرض الصلاة بعد، فما هي صفة هذه الصلاة؟
الجواب
الثابت أنه بعد النزول وليس قبل النزول؛ لأنه قبل ذلك كان يسأل عنهم، ويعرف بهم، فلو كان ذلك حصل قبل فمعناه أنه عرفهم من قبل، والتعريف إنما حصل بعد المعراج.
وأما كيفية الصلاة فلا أعلم كيف كانت، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يتحنث ويتعبد في غار حراء قبل أن يبعث وقبل أن يرسل صلى الله عليه وسلم.
والله تعالى أعلم.(149/33)
معنى قول ابن حبان في المجروحين: فلان يخطئ كثيراً
السؤال
هل قول ابن حبان في المجروحين: يخطئ كثيراً، يعتبر جرحاً مفسراً أو مجملاً؟
الجواب
إنما يعرف ذلك بالرجوع إلى كتب التراجم وما قيل في الشخص من تجريح أو تعديل، والجرح قد يكون مجملاً وقد يكون مفسراً، ثم أيضاً كون هذا الجرح مقابل توثيق، أو أنه ليس هناك توثيق، فإذا كان هناك توثيق حتى فلكي يقدم الجرح على التعديل فإنه يحتاج إلى تفسيره، أما إذا كان التعديل موجوداً والجرح مجملاً فقد لا يعول عليه، وقد لا يكون كافياً.(149/34)
حكم مريض يستمر في غسل الكلى حتى يخرج وقت الصلاة
السؤال
شخص مريض يغسل الكلى يضطر للجلوس لغسيل الكلى مدة طويلة بحيث يخرج وقت الصلاة، فماذا يفعل؟
الجواب
يصلي على حسب الحالة التي هو فيها، ولا يؤخر الصلاة عن وقتها.(149/35)
حكم الحج لمن عليه دين
السؤال
رجل عليه ديون وقد طلع في قرعة الحج بعد سنين، فهل له أن يحج ثم يقضي دينه فيما بعد، مع العلم أنها حجة الإسلام؟
الجواب
يستأذن الدائنين ويحج.(149/36)
حكم سفر المرأة في الطائرة وحدها
السؤال
ما حكم سفر المرأة لوحدها بدون محرم في الطائرة خاصة إذا كانت مدة السفر يسيره، مثل أن تكون ساعتين؟
الجواب
سفر المرأة بدون محرم لا يجوز في طائرة ولا في سيارة ولا في باخرة، ولا في أي وسيلة نقل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، فقال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم).
حتى سفر الحج ليس لها أن تسافره إلا إذا وجد المحرم، ولا تكون قادرة على الحج إلا إذا وجد المحرم، ولو كانت عندها قدرة مالية وليس عندها محرم فليس لها أن تسافر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم).
ولو كان السفر في الطائرة، ولو كانت مدة السفر ساعة أو ساعتين، ولو كانت أقل من ذلك، ولو كانت فترة وجيزة، فالسفر إذا قطعته بالطائرة في فترة وجيزة فإنه يقال له: سفر ولا يخرج عن كونه سفراً.
وجاء في بعض الأحاديث اللفظ مطلقاً، ليس فيه ذكر ثلاثة أيام، ولعل المقصود أنه سئل عن ثلاثة أيام فأجاب، وسئل عن أقل وأكثر فأجاب، وجاء مطلقاً بدون تقييد.
فكل ما يقال له: سفر ليس للمرأة أن تقدم عليه إلا مع ذي محرم، وهو زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح.(149/37)
لزوم الوفاء بالوعد للأم
السؤال
أنا رجل أعمل بالمملكة، وكنت قد وعدت أمي بتذكرة للعمرة، لكن لما جئت تضررت من جراء البعد عن الزوجة، والزوجة كذلك متضررة، فهل أجعل هذه التذكرة للزوجة بدل أمي، أم ماذا أفعل، مع أن أمي قد تغضب من هذا؟
الجواب
لا يفعل، وإنما إذا تمكن يأتي بهما معاً، وإلا فليف بوعده لأمه.(149/38)
حكم طلاق الحائض
السؤال
هل يجوز طلاق الحائض إذا كانت في حيضتها الثالثة بعد طهرين لم يجامعها زوجها فيهما؟
الجواب
طلاق الحائض لا يجوز، ولكنه إذا حصل الطلاق وقع، ولكن عليه أن يراجعها كما جاء في حديث ابن عمر في قصة تطليق زوجته وهي حائض.(149/39)
حكم من فاته الركوع الأول من صلاة الكسوف
السؤال
من فاته الركوع الأول في صلاة الكسوف ماذا يفعل؟
الجواب
يقضي ركعة؛ لأن صلاة الكسوف إنما تدرك بإدراك ركوعيها، فإذا فاته الركوع الأول فإنه إذا سلم الإمام يقضي ركعة بركوعين.(149/40)
حكم من فاته المغرب وأدرك جماعة تصلي العشاء
السؤال
أخرت المغرب لكي أصليه مع العشاء، فعندما أردت الصلاة وجدت جماعة تصلي العشاء أربع ركعات، فهل أدخل معهم أو أصلى المغرب أولاً؟
الجواب
يدخل الإنسان معهم وإذا قاموا للرابعة يجلس، وإذا سلم الإمام يسلم معه، وهو بذلك يكون قد صلى المغرب، ثم يصلي العشاء بعد ذلك.(149/41)
شرح سنن أبي داود [150]
من رحمة الله بعباده أن خفف عنهم فرائض الصلاة في السفر، فقصرت الرباعية إلى ركعتين، وأبيح للمسافر أن يجمع بين الصلاتين، وقد وردت أحكام عدة في الجمع بين الصلوات في السفر، فلابد للمسلم من أن يعرفها ويفهمها؛ لأنه مطالب بأداء العبادات على مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.(150/1)
ما جاء في الجمع بين الصلاتين(150/2)
شرح حديث معاذ بن جبل في الجمع بين الصلاتين في السفر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجمع بين الصلاتين.
حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل رضي الله عنهما أخبرهم: (أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأخر الصلاة يوماً، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: باب الجمع بين الصلاتين، وأطلق ذلك، ولم يقل: (في السفر)، وإن كانت التراجم هي تتعلق بالسفر، حيث ترجم تفريع أبواب صلاة السفر، ولكنه أطلق الترجمة في قوله: الجمع بين الصلاتين؛ لأنه ذكر تحت هذه الترجمة الجمع في السفر وغير السفر، فلم يكن مقيداً ذلك بالسفر، وإنما أورد الأحاديث التي فيها الجمع في السفر والحضر.
والجمع بين الصلاتين في السفر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع تقديم وجمع تأخير إذا كان سائراً، فإنه كان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء إذا جد به السير، وأما إذا كان مقيماً وهو مسافر فإن الأولى له أن لا يجمع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان في حجة الوداع في الأبطح وفي منى يقصر ولا يجمع، يصلي كل صلاة في وقتها، ويقصر الرباعية ولا يجمع بينهما، فدل هذا على أن ترك الجمع أولى في حال إقامة المسافر، وكونه مستقراً ونازلاً.
وأما إذا كان سائراً وقد جد به السير فإنه يجمع، وقد كان عليه الصلاة والسلام إذا كان نازلاً إذا زاغت الشمس صلى الظهر والعصر، وإذا كان سائراً قبل أن تزيغ الشمس واصل سير حتى يأتي وقت العصر فينزل فيصلي الظهر والعصر جمعاً، أي: جمع تأخير.
وإذا كان نازلاً في السفر جاز له أن يجمع في حال إقامته وهو مسافر، أي: لم يكن الأمر أو مرتبطاً بأن يكون سائراً وجاداً به السير، ولكنه يجوز له ذلك إذا كان مقيماً، وإن كان الغالب على فعله صلى الله عليه وسلم هو القصر بدون الجمع، إلا أنه جاء عنه ما يدل على الجواز، فيدل على أن ذلك جائز، ولكن تركه أولى؛ لأن المعهود من فعله صلى الله عليه وسلم إنما هو القصر بدون جمع، كما حصل في مكة ومنى، فإنه كان يقصر ولا يجمع صلى الله عليه وسلم، ولكنه ثبت عنه أنه لما كان نازلاً في تبوك جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فدل هذا على جواز الجمع للمسافر في حالة إقامته، وأما إذا كان جاداً به السير فإن له أن يجمع إما جمع تقديم، وإما جمع تأخير.
وقد أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث تتعلق بالجمع بين الصلاتين في السفر، وأورد بعض الأحاديث عن ابن عباس المتعلقة بالجمع في الحضر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة ثمانياً وسبعاً، أي: الظهر والعصر ثمانياً، والمغرب والعشاء سبعاً، من غير خوف ولا مطر، ولما سئل ابن عباس قال: (أراد أن لا يحرج أمته)، فجاء الجمع في الحضر والسفر.
وأيضاً جاء الجمع في حق المريض، فإن له أن يجمع بين الصلاتين ولكن ليس له أن يقصر.
وأورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء)، وذلك في حال سيره، وأيضاً ذكر أنه لما كان نازلاً في تبوك أخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى بهم الظهر والعصر، يعني: جمع تأخير في وقت العصر، ثم دخل، أي: دخل مكانه الذي هو فيه ومنزله الذي كان فيه في تبوك، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً، فدل هذا على جواز الجمع للمسافر في حال سيره، وأنه يجمع، وإذا كان جد به السير فأولى له أن يجمع؛ لأن هذا أرفق به، وإذا كان نازلاً فالأولى أن لا يجمع، إلا أنه يجوز له الجمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه جمع في تبوك كما جاء في هذا الحديث؛ لأن قوله: (دخل) يعني: دخل منزله، (ثم خرج)، أي: خرج من منزله.(150/3)
تراجم رجال إسناد حديث معاذ بن جبل في الجمع بين الصلاتين في السفر
قوله: [حدثنا القعنبي].
القعنبي: عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وهو صاحب المذهب المشهور، أحاديثه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير المكي].
هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق يدلس، أخرج أحاديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الطفيل عامر].
أبو الطفيل هو: عامر بن واثلة، وهو صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معاذ بن جبل].
هو معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(150/4)
شرح حديث ابن عمر (أن النبي كان إذا عجل به أمر في سفر جمع بين هاتين الصلاتين)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا حماد حدثنا أيوب عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما استصرخ على صفية وهو بمكة، فسار حتى غربت الشمس وبدت النجوم فقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر في سفر جمع بين هاتين الصلاتين، فسار حتى غاب الشفق فنزل فجمع بينهما)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أنه كان استصرخ على صفية، أي: أنه أخبر بمرضها، وصفية هي زوجته، أي: صفية بنت أبي عبيد الثقفية أخت المختار بن أبي عبيد الذي ادعى النبوة، وقال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (يخرج في ثقيف كذاب ومبير) والكذاب هو: المختار بن أبي عبيد، والمبير هو الحجاج، كما قالت ذلك أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه لما حصل قتل ابنها في مكة وجاء إليها الحجاج فقالت: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنه يخرج في ثقيف كذاب ومبير) أما الكذاب فقد عرفناه، وأما المبير فلا أخاله إلا أنت.
والمبير هو المهلك الذي يحصل منه الظلم والجور.
فـ (استصرخ) يعني: جاءه خبر أو أعلم بمرضها، فسار، ولما جاء وقت صلاة المغرب واصل السفر حتى غاب الشفق ودخل وقت العشاء، فنزل وصلى المغرب والعشاء جمع تأخير، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر صنع مثل ذلك، يعني أنه كان إذ جاء وقت المغرب وهو سائر واصل حتى يأتي وقت العشاء، وإذا كان مقيماً قبل صلاة المغرب وجاء وقت المغرب وهو مقيم فإنه يصلي المغرب والعشاء ويمشي، ومعنى ذلك أنه بحصول الجمع تتباعد أوقات الصلوات بعضها عن بعض فيكون السير متصلاً، بمعنى أنه لو جمع بين المغرب والعشاء، وجمع بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر يمكن أن يواصل إلى قريب من نصف الليل، بحيث يكون قريباً من انتهاء وقت العشاء، فيجمع بينهما، فيكون السير متصلاً، وهذا إذا أراد ذلك، ولكن المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها حتى لا تعرض للتأخير عن وقتها هو الذي ينبغي.
فـ ابن عمر رضي الله عنه أخر صلاة المغرب حتى دخل وقت العشاء وهو مغيب الشفق فصلى المغرب والعشاء جمع تأخير، وحكى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا عجل به أمر، فدل هذا على الجمع للمسافر في حال جد السير به.(150/5)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر (أن النبي كان إذا عجل به أمر في سفر جمع بين هاتين الصلاتين)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود العتكي].
هو سليمان بن داود العتكي هو: أبو الربيع الزهراني، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد].
حماد، هو: ابن زيد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(150/6)
شرح حديث معاذ بن جبل في كيفية الجمع بين الصلاتين إذا ارتحل أو لم يرتحل
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني حدثنا المفضل بن فضالة والليث بن سعد عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإن يرتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن يرتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما)].
أورد أبو داود حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك كان إذا زاغت الشمس -يعني: زالت الشمس- قبل أن يرتحل فإنه يصلى الظهر والعصر في أول وقت الظهر جمع تقديم، ثم يرتحل، وإذا كان جاداً به السير، وجاء وقت الظهر وهو سائر، فإنه يؤخر الظهر حتى يجيء وقت العصر، بحيث يكون مواصلاً للسير، فيؤخر الصلاة إلى وقت العصر فيجمع بين الظهر والعصر، يعني أنه يجمع جمع تقديم وجمع تأخير، وهنا فيه جمع التقديم وجمع التأخير؛ لأنه إن كان نازلاً قبل أن تزيغ الشمس، وجاء وقت الزوال فإنه يصلي الظهر والعصر ثم يرتحل، وإذا كان سائراً قبل الزوال قبل أن تزيغ الشمس استمر على سيره وأخر الظهر حتى جاء وقت العصر فنزل وصلاهما جميعاً.
وكذلك المغرب والعشاء، فإذا كان نازلاً قبل غروب الشمس وغربت الشمس وهو نازل صلى المغرب والعشاء ومشى، وإن كان سائراً قبل المغرب وجاء وقت الغروب واصل السير حتى يدخل وقت العشاء، مثلما مر في حديث ابن عمر السابق أنه كان سائراً فجاء وقت المغرب وواصل حتى غاب الشفق ونزل وصلى، وحكى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحديث معاذ هذا يدل على الجمع بين الظهر والعصر تقديماً وتأخيراً، وكذلك بين المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً، وهذا في حال كونه سائراً.(150/7)
تراجم رجال إسناد حديث معاذ في كيفية الجمع بين الصلاتين إذا ارتحل أو لم يرتحل
قوله: [حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب].
هو يزيد بن خالد بن يزيد بن موهب الرملي الهمداني، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وهذا هو الذي ذكره أبو داود عن شيخه عبد الله بن يزيد بن موهب، فذكر نسبه وأطال في نسبه مقدار سطر، وكله يتعلق بشيخه، فالتلميذ له أن يذكر شيخه كما يريد، فيطول فيه حتى يأتي بنسبه ونسبته، وأحياناً يختصر؛ لأنه سيأتي في هذا الباب أنه ذكر هذا الشخص بقوله: ابن موهب، فاختصره، فله أن يذكر شيخه مطولاً، كما فعل في هذا الإسناد، وفي إسناد آخر في هذا الباب اكتفى بقوله: (حدثنا ابن موهب) فقط، فالتلميذ يذكر شيخه كما يريد، فإن شاء أن يطول طول وإن شاء أن يختصر اختصر، ولهذا إذا اختصر وجاء من بعده وأراد أن يوضح زاد، ولكن يأتي بكلمة حتى يتبين أن هذه الزيادة ليست من التلميذ وإنما هي ممن دون التلميذ.
[حدثنا المفضل بن فضالة].
هو المفضل بن فضالة المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[والليث بن سعد].
هو الليث بن سعد المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن سعد].
هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج أحاديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل].
قد مر ذكر الثلاثة.(150/8)
ذكر حديث ابن عباس في كيفية الجمع بين الصلاتين بنحو حديث معاذ وتراجم رجاله
[قال أبو داود: رواه هشام بن عروة عن حسين بن عبد الله عن كريب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحو حديث المفضل والليث].
أورد أبو داود هذه الطريق المعلقة، وأشار فيها إلى أن ابن عباس رواه نحو حديث المفضل والليث.
قوله: [رواه هشام بن عروة].
هشام بن عروة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حسين بن عبد الله].
حسين بن عبد الله، ضعيف أخرج له الترمذي وابن ماجة.
[عن كريب].
هو كريب مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(150/9)
شرح حديث (ما جمع رسول الله بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا قتيبة حدثنا عبد الله بن نافع عن أبي مودود عن سليمان بن أبي يحيى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة).
قال أبو داود: وهذا يروى عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفاً على ابن عمر أنه لم ير ابن عمر جمع بينهما قط إلا تلك الليلة، يعني ليلة استصرخ على صفية، وروي من حديث مكحول عن نافع أنه رأى ابن عمر فعل ذلك مرة أو مرتين].
قوله: [(ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة)].
هذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما حصل منه الجمع إلا مرة واحدة، ولكن هذا غير صحيح، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يجمع في السفر إلا مرة واحدة، وإنما هذا جاء عن ابن عمر موقوفاً عليه كما ذكر ذلك المصنف في الطريقين المعلقتين اللتين أشار إليهما، وفي إحداهما أنه مرة واحدة، والثانية أنه مرة أو مرتين.(150/10)
تراجم رجال إسناد حديث: (ما جمع رسول الله بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة)
قوله: [حدثنا قتيبة].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله بن نافع].
هو ثقة صحيح الكتاب، في حفظه لين، أخرج أحاديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي مودود].
أبو مودود، هو عبد العزيز بن أبي سليمان، وهو مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن سليمان بن أبي يحيى].
سليمان بن أبي يحيى، ليس به بأس، وهي: بمعنى (صدوق) عند الحافظ ابن حجر، وحديثه أخرجه أبو داود.
[عن ابن عمر].
ابن عمر مر ذكره.
وهذا الحديث فيه من هو مقبول، وهو يخالف ما عرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه كان يجمع في السفر، وقد جمع في تبوك كما سبق في حديث أنه خرج وصلى بهم الظهر والعصر، ثم دخل وخرج وصلى بهم المغرب والعشاء.
قوله: [قال أبو داود: وهذا يروى عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة مر ذكره.
[عن نافع عن ابن عمر موقوفاً على ابن عمر أنه لم ير ابن عمر جمع بينهما قط إلا تلك الليلة، يعني: ليلة استصرخ على صفية].
يعني القصة التي سبقت الإشارة إليها، وأنه كان سائراً حين غربت الشمس، فاستمر وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، فلما غاب الشفق نزل وصلى بهم، يعني أنه جمع تلك الليلة، لكن هذا يتعلق بـ ابن عمر، فهو موقوف عليه، لكن لا أدري ما صحته موقوفاً.
قوله: [وروي من حديث مكحول عن نافع أنه رأى ابن عمر فعل ذلك مرة أو مرتين].
قوله: (وروي) فيه إشارة إلى ضعف هذه الطريق، ولم يذكرها متصلة وإنما ذكرها معلقة.
ومكحول هو: الشامي، وهو ثقة أخرج أحاديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.(150/11)
شرح حديث ابن عباس في جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً، في غير خوف ولا سفر) قال مالك: أرى ذلك كان في مطر، قال أبو داود: ورواه حماد بن سلمة نحوه عن أبي الزبير، ورواه قرة بن خالد عن أبي الزبير قال: في سفرة سافرناها إلى تبوك].
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر)، وكان هذا في المدينة، وجاء في بعض الروايات: (من غير خوف ولا مطر) وكان هذا في المدينة، وستأتي طرق أخرى عن ابن عباس في ذلك، وأنه لما سئل قال: (أراد أن لا يحرج أمته)، فدل هذا على أنه إذا حصل أمر يقتضي ذلك الجمع في الحضر، وكان نادراً وليس معتاداً أنه لا بأس به، وبعض أهل العلم قال: إن ذلك يكون في المرض؛ لأنه غير الخوف والمطر والسفر، لكن تخصيصه بالمرض ليس له وجه، بل الأمر واسع كما قال ابن عباس: (أراد أن لا يحرج أمته)، فإذا حصل أمر اقتضى واستدعى ذلك في نادر الأحوال فإنه لا بأس به لهذا الحديث، وأما كونه يصير مألوفاً ومعتاداً فليس ذلك سائغ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما عرف عنه أنه فعل ذلك إلا مرة واحدة، كما جاء في حديث ابن عباس هذا، وقال: إنه إنما فعل ذلك يريد أن لا يحرج أمته صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (من غير خوف ولا سفر) هذان من مسوغات الجمع كما في الحديث.
فالخوف يسوغ الجمع، ويسوغ أموراً أخرى للصلاة كما هو معلوم خاصة، بل جاء في بعض الأحاديث أنها تصلى واحدة، وأنها تصلى على هيئات مختلفة.(150/12)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين االظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عباس].
قد مر ذكره.
قوله: [قال مالك: أرى ذلك كان في مطر].
يعني: في يوم مطير، ولكن قد جاءت الروايات عن ابن عباس وفيها التنصيص في نفي المطر: (من غير خوف ولا مطر).
قوله: [قال أبو داود: ورواه حماد بن سلمة نحوه عن أبي الزبير].
حماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
قوله: [ورواه قرة بن خالد عن أبي الزبير قال: في سفرة سافرناها إلى تبوك].
قرة بن خالد ذكر فيه أنه كان في سفر، وأن ذلك كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون هذا معناه غير ذلك الذي كان في المدينة.
وقرة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(150/13)
إسناد آخر الحديث: (جمع رسول الله بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، فقيل لـ ابن عباس رضي الله عنهما: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته).
].
هذا حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه ذكر الخوف والمطر، بخلاف الرواية السابقة التي فيها: (ولا سفر)، وقال فيها مالك: أرى ذلك كان في مطر.
فهذه الرواية تبين أنه ما كان في مطر، حيث قال: (من غير خوف ولا مطر).
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا أبو معاوية].
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش].
الأعمش هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حبيب بن أبي ثابت].
حبيب بن أبي ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير عن ابن عباس].
قد مر ذكرهما.(150/14)
دلالة الحديث على جواز الجمع عند المشقة والحرج
قوله: [أراد أن لا يحرج أمته].
هو هذا الذي أشرت إليه، أي أنه إذا حصل لهم أمر يقتضي ذلك فإنه يجوز لهم أن يجمعوا وأن لا يقعوا في الحرج والمشقة.
وقد يحصل أن الإنسان إذا جاء من سفر فدخل بيته، وهو لا يستطيع أن ينتظر العشاء للتعب من السفر فيجمع بين المغرب والعشاء وينام، فهل له ذلك وينطبق عليه هذا الحديث؟ والجواب أن الذي يبدو أن مثل هذا لا يصلح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله مرة واحدة، وهذا الأمر سيفعل دائماً، وبعض الناس الذين عندهم كسل في الصلاة قد يجدون ذلك سبيلاً لهم بأن يجمعوا.
وهناك الطبيب الجراح ينطبق عليه الحديث إذا كانت العملية تتطلب مواصلة المجارحة، وأن قطعه إياها للصلاة سيترتب عليه مضرة بالشخص المريض.(150/15)
شرح حديث (كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا محمد بن عبيد المحاربي حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن نافع وعبد الله بن واقد أن مؤذن ابن عمر قال: الصلاة، قال: سر، سر.
حتى إذا كان قبيل غيوب الشفق نزل فصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق وصلى العشاء، ثم قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت.
فسار في ذلك اليوم والليلة مسيرة ثلاث) قال أبو داود: رواه ابن جابر عن نافع نحو هذا بإسناده].
أورد أبو داود حديث ابن عمر الذي تقدم، وهو الذي فيه أنه استصرخ على صفية، ولكنه يختلف؛ لأن هذا ليس فيه جمع؛ لأنه صلى المغرب في وقتها وانتظر حتى غاب الشفق ثم صلى العشاء في وقتها، وهذا لا يقال له جمع، والقصة هي واحدة، والثابت هو الأول الذي فيه أنه أخر حتى غاب الشفق فتكون هذه الرواية غير محفوظة، والمحفوظ هو كونه جمع بينهما بعد مغيب الشفق كما تقدمت الرواية في ذلك، وهذا لا يقال له: جمع لكونه نزل ثم انتظر حتى غاب الشفق ثم صلى العشاء، فهذا ليس بجمع، بل كل صلاة صليت في وقتها؛ لأن المغرب إذا صليت في وقتها قبل دخول وقت العشاء، ثم صليت العشاء في وقتها بعد دخول وقتها فلا يقال له جمع، وإنما الذي فعله ابن عمر هو الجمع، وعلى هذا فالمحفوظ هو الرواية السابقة التي هي كونه جمع أو صلى الصلاتين المغرب والعشاء بعد مغيب الشفق.
قوله: [فسار في ذلك اليوم والليلة مسيرة ثلاث].
معناه أنه استعجل، فسار بسرعة، فقطع مسيرة ثلاثة أيام في يوم واحد.(150/16)
تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت)
قوله: [حدثنا محمد بن عبيد المحاربي].
محمد بن عبيد المحاربي صدوق، أخرج أحاديثه أبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا محمد بن فضيل].
هو محمد بن فضيل بن غزوان، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع وعبد الله بن واقد].
نافع مر ذكره، وعبد الله بن واقد مقبول، أخرج له مسلم وأبو داود وابن ماجة.
وابن عمر رضي الله تعالى عنهما قد مر ذكره.
قوله: [قال أبو داود: رواه ابن جابر عن نافع نحو هذا بإسناده].
ابن جابر هو: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(150/17)
إسناد آخر لحديث: (كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى عن ابن جابر بهذا المعنى].
[قال أبو داود: ورواه عبد الله بن العلاء عن نافع قال: حتى إذا كان عند ذهاب الشفق نزل فجمع بينهما].
أورد الإسناد وأشار إلى أنه بالمعنى المتقدم في الحديث السابق.
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي].
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عيسى].
عيسى هو: ابن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جابر].
ابن جابر هو: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الذي تقدم.
قوله: [ورواه عبد الله بن العلاء].
عبد الله بن العلاء ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن نافع].
نافع هو مولى ابن عمر، وقد تقدم.
ولا يستدل بحديث ابن عمر على الجمع الصوري؛ لأن الجمع الصوري -كما هو معلوم- فيه مشقة، ثم إنه لا يقال له: جمع؛ لأن كل صلاة أجريت في وقتها، فالجمع الصوري فيه مشقة؛ لأن تحديد الوقت الذي تصلي فيه الصلاة في آخر وقتها، وإذا انتهي منها مباشرة يدخل الوقت لتصلي الصلاة التي بعدها فيه مشقة، وهذا مثلما قال الخطابي أو غيره: إن هذا لا يعرفه الخواص فضلاً عن العوام.
ففيه مشقة وحرج، وبعض أهل العلم -وهم الحنفية- يقولون: لا يجمع إلا في عرفة ومزدلفة.(150/18)
شرح حديث: (صلى بنا رسول الله بالمدينة ثمانياً وسبعاً الظهر والعصر والمغرب والعشاء)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: حدثنا حماد بن زيد، ح وحدثنا عمرو بن عون أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثمانياً وسبعاً، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء) ولم يقل سليمان ومسدد (بنا) قال أبو داود: ورواه صالح مولى التوأمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (في غير مطر)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس، وهو الذي تقدم من طرق، وأورد هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في المدينة الظهر والعصر ثمانياً والمغرب والعشاء سبعاً، يعني: وكان ذلك في المدينة، وفي الطريق الأخرى قال: (في غير مطر) من طريق صالح مولى التوأمة كما مر في الرواية السابقة.
قوله: (ثمانياً وسبعاً الظهر والعصر والمغرب والعشاء) يعني: جمع بين الصلاتين بثماني ركعات الظهر والعصر، والمغرب والعشاء سبع ركعات، يعني: مرة واحدة.(150/19)
تراجم رجال إسناد حديث (صلى بنا رسول الله ثمانياً وسبعاً الظهر والعصر والمغرب والعشاء)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومسدد].
مسدد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا حماد بن زيد].
حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح: وحدثنا عمرو بن عون].
عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو عمرو بن عون بن أوس الواسطي.
[أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار].
حماد مر ذكره، وعمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، [عن جابر بن زيد].
جابر بن زيد هو أبو الشعثاء، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس مر ذكره.
قوله: [ولم يقل سليمان ومسدد: (بنا)].
أي أن كلمة: (صلى بنا) هي التي قالها عمرو بن عون، وأما الشيخان الأولان في الإسناد الأول فلم يقولا: (بنا)، وإنما كلمة (بنا) جاءت في الطريق الثانية.
قوله: [قال أبو داود: ورواه صالح مولى التوأمة عن ابن عباس].
صالح مولى التوأمة هو صالح بن نبهان، وهو صدوق اختلط، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.(150/20)
شرح حديث جابر (أن رسول الله غابت له الشمس بمكة فجمع بينهما بسرف)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا يحيى بن محمد الجاري حدثنا عبد العزيز بن محمد عن مالك عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غابت له الشمس بمكة فجمع بينهما بسرف)].
أورد حديث جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم غابت له الشمس بمكة فجمع بين المغرب والعشاء بسرف)، و (سرف) -كما جاء في الرواية الثانية المقطوعة- بينها وبين مكة ثمانية أميال، أي: قريب من ثلاثة فراسخ؛ لأن الفرسخ ثلاثة أميال، وهنا قال: [(فجمع بينهما بسرف)].
والحديث ضعفه الألباني، ولعل سبب ضعفه يحيى بن محمد الجاري، وكذلك أبو الزبير لكونه مدلساً، وقد روى بالعنعنة.(150/21)
تراجم رجال إسناد حديث جابر (أن رسول الله غابت له الشمس بمكة فجمع بينهما بسرف)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
هو أحمد بن صالح المصري، ثقة، أخرج أحاديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا يحيى بن محمد الجاري].
يحيى بن محمد الجاري صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عبد العزيز بن محمد].
عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك عن أبي الزبير عن جابر].
قد مر ذكرهم.
ويستدل بحديث جابر على أنه إذا دخل الوقت والإنسان له نية سفر أن يجمع دون قصر.
فالحديث يدل على هذا، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، ففي مذهب الإمام أحمد أنه إذا دخل وقت الصلاة، ثم سافر فإنه يصلي أربعاً؛ لأنه دخل الوقت فوجبت تامة فيصليها تامة، وعن أحمد رواية أخرى -وعليها الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة والشافعي ومالك - أنه يصليها قصراً؛ لأن الوقت موسع، فلا يلزم أن يصليها في أول الوقت، بل يصليها قصراً عندما يسافر، فهي مسألة خلافية بين أهل العلم، والحديث هذا لو صح فإنه يدل على القولين.
وكلهم يقولون: يجمع.
لكنه يصلي الظهر تامة؛ لأنها وجبت قبل سفره وإن نوى في قلبه، والعصر يقصرها، والذين يقولون: يقصرها يقصر عندهم الظهر والعصر جميعاً.(150/22)
شرح أثر هشام بن سعد (بينهما عشرة أميال) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا محمد بن هشام جار أحمد بن حنبل حدثنا جعفر بن عون عن هشام بن سعد قال: بينهما عشرة أميال، يعني: بين مكة وسرف].
هذه طريق مقطوعة، وهي متن ينتهي إلى من دون الصحابي، والمتن الذي ينتهي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع، والذي ينتهي إلى الصحابي يقال له: موقوف، والذي ينتهي إلى من دون الصحابي يقال له: مقطوع، وهذا فيه بيان المسافة، من هشام بن سعد.
قوله: [حدثنا محمد بن هشام جار أحمد].
محمد بن هشام ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا جعفر بن عون].
جعفر بن عون صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن سعد].
هشام بن سعد قد مر ذكره.(150/23)
شرح حديث ابن عمر (رأيت رسول الله إذا جد به السير صلى صلاتي هذه)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا عبد الملك بن شعيب حدثنا ابن وهب عن الليث قال: قال ربيعة: -يعني: كتب إليه- حدثني عبد الله بن دينار، قال: غابت الشمس وأنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فسرنا، فلما رأيناه قد أمسى قلنا: الصلاة.
فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم، ثم إنه نزل فصلى الصلاتين جميعاً، ثم قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير صلى صلاتي هذه.
يقول: يجمع بينهما بعد ليل)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر هذا، وهو أنه كان في سفر فجد به السير، ولما غاب الشفق نزل وصلى بهم، وجمع بين المغرب والعشاء، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت.
يعني: إذا كان قد جد السير.
وسبق أن مر أن الإنسان إذا كان سائراً قبل غروب الشمس فإنه له أن يواصل إلى مغيب الشفق حيث ينزل ويصلي المغرب والعشاء جمع تأخير، وأنه إذا كان نازلاً قبل غروب الشمس، ثم غربت الشمس وهو جالس فإنه يجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم، ثم يسير، وهكذا بالنسبة للظهر والعصر، وقد مرت جملة من الأحاديث في ذلك.
وحديث ابن عمر هذا هو الذي سبق أن مر في كونه استصرخ على صفية زوجته، وأنه سار وسافر مسرعاً وجد به السير، وأخر صلاة المغرب حتى دخل وقت العشاء وغاب الشفق، وجمع بين الصلاتين في أول وقت صلاة العشاء.(150/24)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر (رأيت رسول الله إذا جد به السير صلى صلاتي هذه)
قوله: [حدثنا عبد الملك بن شعيب].
عبد الملك بن شعيب، ثقة، أخرج أحاديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا ابن وهب].
ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الليث].
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال ربيعة].
هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[يعني: كتب إليه].
يعني أن رواية الليث عن ربيعة إنما كانت مكاتبة، فالرواية إنما هي عن طريق المكاتبة، والرواية عن طريق المكاتبة صحيحة، وهي من طرق التحمل، فعلها البخاري رحمه الله في صحيحه، فإنه في موضع من المواضع قال: (كتب إلي محمد بن بشار) وساق الإسناد، مع أن محمد بن بشار من شيوخه الذين أكثر من الرواية عنهم، وهو من صغار شيوخه كما عرفنا ذلك، فالمكاتبة طريقة صحيحة، والأخذ بها صحيح.
[حدثني عبد الله بن دينار].
عبد الله بن دينار، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما هو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم].
يعني أنها ظهرت النجوم، أو مالت النجوم، وحصل سيرها وانتقالها من مكان إلى مكان.(150/25)
أسانيد أخرى لجمع ابن عمر المغرب والعشاء بعد مغيب الشفق وتراجم رجالها
[قال أبو داود: رواه عاصم بن محمد عن أخيه عن سالم، ورواه ابن أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب أن الجمع بينهما من ابن عمر كان بعد غيوب الشفق].
معنى هذا أن هذه الطرق تقوي هذا الطريق، وأن هذا يخالف الطريق التي سبق أن مرت، والتي هي غير محفوظة، والتي فيها أنه نزل وصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق وصلى العشاء، وقد جاء من طرق متعددة -ومنها هذه الطرق، وكذلك الطرق السابقة- تدل على أن المحفوظ هو أنه إنما صلى بعد مغيب الشفق؛ لأن الصلاة بعد مغيب الشفق هي الجمع، وإنما يكون جمع الصلاتين في وقت إحداهما، أما إذا صلى المغرب في وقتها، وصلى العشاء في وقتها فهذا ليس بجمع في الحقيقة.
قوله: [قال أبو داود: ورواه عاصم بن محمد].
هو عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أخيه].
هو عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن سالم].
سالم هو: ابن عبد الله بن عمر، وهو ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ورواه ابن أبي نجيح].
ابن أبي نجيح هو: عبد الله بن أبي نجيح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب].
إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب ثقة، أخرج له النسائي.(150/26)
شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا قتيبة وابن موهب المعنى، قالا: حدثنا المفضل عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب صلى الله عليه وسلم) قال أبو داود: كان مفضل قاضي مصر، وكان مجاب الدعوة، وهو ابن فضالة].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر)].
يعني: إذا كان سائراً قبل الزوال واصل السير حتى يأتي وقت العصر، ثم نزل وجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم.
قوله: [(فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب)].
هذا فيه أنه صلى الظهر وحده، لكنه سبق أن مرت الروايات التي فيها أنه كان يصلي الظهر والعصر، أي: يجمع بينهما، وتلك الأدلة التي سبق أن مرت دالة على جمع التقديم، كما أنها دالة على جمع التأخير.(150/27)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر)
قوله: [حدثنا قتيبة].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وابن موهب].
هو يزيد بن خالد الذي سبق أن مر في هذا الباب أن أبا داود ذكر نسبه في سطر فقال: (يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني)، هذا كله ذكره في الرواية السابقة، وهنا قال: (ابن موهب)، وهو نفسه ذاك الذي مر، ولهذا -كما ذكرت- فإن التلميذ يذكر شيخه كما يريد، فأحياناً يطيل في نسبه، وأحياناً يختصر كما فعل هنا؛ لأنه هنا أتى بكلمتين فقط، وهناك ذكر هذا النسب الطويل، وهو ثقة، أخرج أحاديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة.
[حدثنا المفضل].
هو المفضل بن فضالة المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عقيل].
هو عقيل بن خالد المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنس بن مالك رضي الله عنه من صغار الصحابة، والزهري من صغار التابعين، ويروي عن أنس بن مالك وهو من صغار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [قال أبو داود: كان المفضل قاضي مصر، وكان مجاب الدعوة].
يعني: كان متولياً القضاء في مصر، وكان مجاب الدعوة، يعني: على حسب التجربة، حيث كان يدعو ويجاب، أو أنه يحصل منه الدعاء ويجاب، فيقال عنه: إنه مجاب الدعوة على اعتبار التجربة.(150/28)
إسناد آخر لحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيع الشمس) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب أخبرني جابر بن إسماعيل عن عقيل بهذا الحديث بإسناده، قال: (ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حتى يغيب الشفق).
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه أنه كان يؤخر حتى يجمع بينها وبين العشاء، وهذا مثل ما تقدم، يعني: وإذا كان مرتحلاً قبل أن تغرب الشمس سار حتى غاب الشفق ثم نزل وصلاهما.
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري].
هو سليمان بن داود المهري المصري، وهو ثقة، أخرج أحاديثه أبو داود والنسائي.
[حدثنا ابن وهب].
ابن وهب مر ذكره.
[أخبرني جابر بن إسماعيل].
جابر بن إسماعيل مقبول، أخرج أحاديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن عقيل بهذا الحديث بإسناده].(150/29)
شرح حديث معاذ بن جبل (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا قتيبة بن سعيد أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، فيصليهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب) قال أبو داود: ولم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده].
أورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر في أول وقت العصر، وإذا كان نازلاً قبل أن تزيغ الشمس وزاغت الشمس وهو نازل صلى الظهر والعصر ثم ارتحل, وكذلك في المغرب إذا كان سائراً قبل مغيب الشمس واصل حتى يأتي وقت العشاء فينزل ويصليهما جميعاً، وإذا كان نازلاً فإنه يصلي المغرب والعشاء في أول وقت المغرب ثم يسير، وهو مثل ما تقدم في الروايات المتقدمة يدل على جمع التأخير وجمع التقديم بالنسبة للظهر والعصر، والمغرب والعشاء.(150/30)
تراجم رجال إسناد حديث معاذ بن جبل (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
قتيبة مر ذكره.
[أخبرنا الليث].
والليث مر ذكره.
[عن يزيد بن أبي حبيب].
يزيد بن أبي حبيب مصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الطفيل عامر بن واثلة].
أبو الطفيل عامر بن واثلة صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معاذ بن جبل].
هو معاذ بن جبل رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قوله: [قال أبو داود: ولم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده].
يعني: بهذا التفصيل، وإلا فإنه قد روي في طرق متقدمة، لكن ليس فيه هذا التفصيل، وهذا التفصيل الذي فيه مطابق لما سبق أن مر في بعض الأحاديث، ولا يؤثر كون قتيبة تفرد عن الليث بهذا.(150/31)
شرح سنن أبي داود [151]
السفر محل للمشاق والمتاعب، ولذا كان صلى الله عليه وسلم يخفف فيه في القراءة في الفريضة، ويترك رواتب الصلوات غير راتبة الفجر والوتر، وكان صلى الله عليه وسلم يتنفل فيه على راحلته تنفلاً مطلقاً، غير أنه لم يكن يصلي عليها المكتوبة.(151/1)
ما جاء في قصر قراءة الصلاة في السفر(151/2)
شرح حديث البراء (خرجنا مع رسول الله في سفر فصلى بنا العشاء الآخرة)
قال المصنف رحمه الله: [باب قصر قراءة الصلاة في السفر.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بنا العشاء الآخرة، فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون)].
أورد أبو داود رحمه الله [باب قصر قراءة الصلاة في السفر]، يعني: تقليلها وعدم تطويلها كما يكون في الحضر، وذلك لما في السفر من المشقة، ولما فيه -أيضاً- من الحاجة إلى التخفيف، ومن أجل التمكن من مواصلة السير، فهذا هو المقصود من الترجمة [قصر قراءة الصلاة في السفر].
وأورد حديث البراء بن عازب رضي لله عنهما قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فصلى بنا العشاء، فقرأ بالتين والزيتون في إحدى الركعتين، ومعلوم أن (التين والزيتون) من قصار المفصل، وكان عليه الصلاة والسلام يقرأ في العشاء بما هو أطول من هذه السورة، ولكنه قرأ بها في السفر مع أنها من قصار المفصل، فهذا هو مقصود المصنف، أو وجه استدلال المصنف على هذه الترجمة، وهي: [قصر قراءة الصلاة في السفر].(151/3)
تراجم رجال إسناد البراء (خرجنا مع رسول الله في سفر فصلى بنا العشاء الآخرة)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج أحاديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عدي بن ثابت].
عدي بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن البراء].
البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما صحابي جليل، صحابي ابن صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد من الرباعيات، وهي أعلى ما يكون عند أبي داود، حيث يكون بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وهذا منها؛ لأنه ليس عنده شي من الثلاثيات، وأما سائر أصحاب الكتب الستة فـ البخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً مع المكرر، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجة عنده خمسة أحاديث ثلاثية وكلها بإسناد واحد وهو ضعيف، أما مسلم والنسائي فأعلى ما عندهما الرباعيات كـ أبي داود، وهذا الذي معنا في هذا الإسناد هو إسناد رباعي، وهو أعلى ما يكون عند أبي داود.(151/4)
ما جاء في التطوع في السفر(151/5)
شرح حديث البراء (صحبت رسول الله ثمانية عشر سفراً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التطوع في السفر.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن صفوان بن سليم عن أبي بسرة الغفاري عن البراء بن عازب الأنصاري رضي الله عنهما قال: (صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفراً، فما رأيته ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر)].
التطوع في السفر إما تطوع مطلق أو مقيد بالرواتب والنوافل التي تكون قبلها وبعدها كما كان ذلك في الحضر، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يتطوع التطوع المطلق، كما أنه ثبت عنه أنه كان يتطوع على الراحلة، وجاء في أحاديث كثيرة أنه كان يصلى على راحلته النوافل، ويتطوع على ذلك تطوعاً مطلقاً، وأما الرواتب فالذي ثبت والذي عرف مداومته عليه صلى الله عليه وسلم عليه منها إنما هو ركعتا الفجر والوتر، كما جاء ذلك عن عائشة رضي الله عنها: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحافظ على شيء في السفر محافظته على الوتر وركعتي الفجر) ولم يعرف عنه أنه كان يصلي الرواتب إلا ركعتي الفجر، فقد ثبت عنه أنه دوام عليهما صلى الله عليه وسلم مع الوتر.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث البراء بن عازب أنه سافر مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفراً، قال: [فما رأيته ترك ركعتين بعد إذا زاغت الشمس قبل الظهر].
ومعنى ذلك أنه كان يداوم على ركعتين قبل الظهر في السفر، لكن هذا الحديث غير صحيح وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده من هو متكلم فيه، فلا يكون ذلك ثابتاً، أي: مداومته على ركعتين قبل الظهر، ومعلوم أن الراتبة قبل الظهر أربع أو اثنتان، ولكن الأربع أكمل وأفضل، والذي عرف عنه مداومته عليه إنما هو ركعتا الفجر، وأما الظهر فلم يثبت عنه أنه داوم على ذلك، والحديث غير صحيح.(151/6)
تراجم رجال إسناد حديث البراء (صحبت رسول الله ثمانية عشر سفراً)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث].
مر ذكرهما.
[عن صفوان بن سليم].
صفوان بن سليم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بسرة الغفاري].
أبو بسرة الغفاري مقبول، أخرج حديثه أبو داود والترمذي.
[عن البراء بن عازب].
هو البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما.
، وقد مر ذكره.
وفي إسناد الحديث أبو بسرة الغفاري، وهو مقبول، والمقبول في اصطلاح الحافظ ابن حجر لا يعول على حديثه إلا إذ توبع أوجاء لحديثه شاهد.(151/7)
شرح حديث (صحبت رسول الله في السفر فلم يزد على ركعتين)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا القعنبي، قال حدثنا عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه قال: (صحبت ابن عمر في طريق، قال: فصلى بنا ركعتين، ثم أقبل فرأى ناساً قياماً، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون، قال: لو كنت مسبحاً أتممت صلاتي، يا ابن أخي! إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وصحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21])].
أورد أبو داود حديث حفص أنه صحب عبد الله بن عمر فصلى بهم، ثم انصرف فرأى قوماً يسبحون، أي: يتنفلون؛ لأن التسبيح هو التنفل، والسبحة هي النافلة، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قالوا: يسبحون، قال: لو كنت مسبحاً لأتممت صلاتي.
يعني: ما دام أن الصلاة المفروضة هي أربع ركعات ولكنها خففت إلى اثنتين، فلو كنت من المتنفلين لصليت الفرض أربعاً، لكني لا أفعل هذا ولا هذا، لا التنفل ولا الإتمام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هديه القصر، وكذلك -أيضاً- لم يكن يتنفل، أي: يأتي بالصلاة الراتبة التي تكون مع الفريضة، ولكن -كما هو معلوم- يستثنى من ذلك سنة الفجر، ولا وهنا ذكر الصلاة التي فيها قصر أنه كان يصليها ركعتين، وقال: لو كنت مسبحاً لأتممت، فهذا يفيد بأن التسبيح الذي هو التنفل لم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما ركعة الفجر فقد ثبتت السنة بها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من حديث عائشة مع الوتر في السفر، وأنه لم يكن يدعها في حضر ولا في سفر، ثم إنه أخبر عن الدليل في ذلك فقال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزد على ركعتين.
يعني أنه يصلي الفريضة الرباعية ركعتين، وما كان يصلي معها نافلة، هذا هو معنى كلامه.
يقول: وصحبت أبا بكر كذلك، وصحبت عمر كذلك، وصحبت عثمان كذلك.
وقوله: (وصحبت عثمان رضي الله عنه) يحمل على أنه في غير منى؛ لأنه قال: [حتى قبضه الله] يعني: حتى مات، فهو محمول على أنه في غير منى، وإلا فإنه في منى قد أتم رضي الله عنه، وقد قيل في تأويل إتمامه مما قيل فيه: إن الناس يحضرون في الموسم، ويحضر أناس كثيرون من جميع الأفاق، وقد يظنون أن الصلاة ركعتين مع أنها أربع، فلذا خشي عثمان أن يظن أنها ركعتان، ولكن السنن يمكن أن تبين -كما هو معلوم- بالأقوال، ويعرف الناس ذلك، وهذا حصل منه باجتهاد منه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ولهذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون وراءه ولا يتركون الصلاة وراءه، وهم يرون أنه فعل شيئاً السنة بخلافه، وهو القصر كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، وقد حصل ذلك باجتهاد منه رضي الله عنه وأرضاه.
فإذاً: قوله: [حتى قبضه الله] محمول على غير الصلاة في منى؛ لأنه قصر في منى بعد مضي ست سنوات من خلافته، ومدة خلافته اثنتا عشر سنة، وكانت مدة ست سنوات يصلي فيها ركعتين ركعتين، وبعد ذلك كان يتم رضي الله عنه، ثم قال ابن عمر: وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] يعني أنه كان يصلي ركعتين وما كان يتنفل.(151/8)
تراجم رجال إسناد حديث (صحبت رسول الله في السفر فلم يزد على ركعتين)
قوله: [حدثنا القعنبي].
القعنبي: عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب].
عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن أبيه].
هو حفص بن عاصم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
ابن عمر قد مر ذكره، وهذا -أيضاً- سند رباعي.(151/9)
جواز التنفل للزائرين في الحرم
زائرو الحرم لهم أن يتطوعوا فيه؛ لأن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفي المسجد النبوي بألف صلاة، وكون الإنسان يدرك هذه الصلاة ويحصل هذا الفضل، بحيث يصلي ما يشاء، وما أمكنه من النوافل وغيرها غنيمة لا تفوت.(151/10)
التطوع على الراحلة والوتر(151/11)
شرح حديث (كان رسول الله يسبح على الراحلة أي وجه توجه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التطوع على الراحلة والوتر.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة أي وجه توجه، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي المكتوبة عليها)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [التطوع على الراحلة والوتر]، والتطوع معناه التنفل، سواءٌ أكان وتراً أم غيره، فالتطوع المطلق والوتر كل ذلك يصح على الراحلة، وقد ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء ذلك عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر راحلته) والتسبيح: هو التنفل، أي: يصلي النافلة، ويومئ بالركوع والسجود، ويكون السجود أخفض من الركوع، ولكن جاءت السنة بأنه يدخل في الصلاة أولاً إلى جهة القبلة، ثم تتجه الراحلة إلى الوجهة التي يريدها، فيصلي النوافل وكذلك الوتر على راحلته، غير أنه لا يصلي المكتوبة، فإذا جاء وقت المكتوبة نزل وصلى، وأما النوافل -سواءٌ أكانت مطلقة أم وتراً- فإنه كان يصليها على الراحلة، فهذا يدلنا على جواز ذلك، وهذا يكون في السفر لا في الحضر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يفعل ذلك إلا في السفر، وما كان يفعل ذلك في الحضر.
والسيارة حكمها حكم الراحلة إلا إذا كان للصلاة تأثيرٌ على قيادته، فليس له أن يفعل ذلك؛ لأنه سيخل بالقيادة، ولأن سوق الناقة وركوبها ليس مثل قيادة السيارة، فالسيارة قد يترتب على الصلاة فيها خطر، فإذا كان سيترتب عليه خطر فلا يفعل، وليس بلازم أن يحرف السيارة إلى القبلة، وإنما يقف ويدخل في الصلاة متجهاً إلى القبلة ثم يركب السيارة وهي تسير في اتجاهها، وهذا الكلام كله خاص بالسفر، أما الحضر فليس فيه تنفل على الراحلة ولا على السيارة، وإنما ينزل بنفسه ويصلي في البيت، أو يصلي في المسجد.(151/12)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يسبح على الراحلة أي وجه توجه)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
أحمد بن صالح ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب].
ابن وهب مر ذكره.
[أخبرني يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
ابن شهاب مر ذكره.
[عن سالم].
سالم بن عبد الله مر ذكره.
[عن أبيه].
هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقد مر ذكره.(151/13)
شرح حديث أنس بن مالك في الصلاة على الراحلة في السفر
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا مسدد حدثنا ربعي بن عبد الله بن الجارود حدثني عمرو بن أبي الحجاج حدثني الجارود بن أبي سبرة حدثني أنس بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر، ثم صلى حيث وجهة ركابه)].
هذا الحديث يدل على جواز التنقل على الراحلة، وأيضاً يدل على أن الإنسان يستحب له أن يستقبل القبلة عند دخوله للصلاة.(151/14)
تراجم رجال إسناد حديث أنس بن مالك في الصلاة على الراحلة في السفر
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا ربعي بن عبد الله بن الجارود].
ربعي بن عبد الله بن الجارود صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود.
[حدثني عمرو بن أبي الحجاج].
عمرو بن أبي الحجاج ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثني الجارود بن أبي سبرة].
هو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأبو داود.
[حدثني أنس بن مالك].
أنس بن مالك رضي الله عنه قد مر ذكره.(151/15)
شرح حديث (رأيت رسول الله يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: [(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر)] وخيبر -كما هو معلوم- من جهة الشمال، والقبلة وراءه، فكان يتنفل على حمار.(151/16)
تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني].
القعنبي ومالك مر ذكرهما، وعمرو بن يحيى المازني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الحباب سعيد بن يسار].
أبو الحباب سعيد بن يسار، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
ابن عمر قد مر ذكره.(151/17)
طهارة عرق الحمار وحكم دبغ جلده
الحمار كما هو معلوم طاهر عرقه، ولو كان نجساً لاحتيج إلى غسل الثياب بعد الركوب عليه، وما كانت تغسل الثياب، وقد كان قبل ذلك يؤكل لحمه ثم حرم، إلا أن عرقه ليس بنجس؛ لأنهم كانوا يركبونه فتقع ثيابهم عليه وما كانوا يغسلونها.
ولكن لا يدبغ جلد الشيء الذي حرم أكله، وإنما الذي يدبغ هو جلد مأكول اللحم، والذي لا يؤكل لحمه لو ذبح فإنه لا يقال له: إنه زكي فضلاً عن أن يكون ميتة.(151/18)
شرح حديث جابر (فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، قال: فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق والسجود أخفض من الركوع)].
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه، وهو دال على التنفل على الراحلة، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في حاجة، أي: كان في سفر، فجاء إليه وهو يصلي على راحلته متجهاً نحو المشرق، والسجود أخفض من الركوع، يعني أنه يومئ في الركوع والسجود، وأن السجود أخفض من الركوع، فهذا من جملة الأحاديث الدالة على التنفل على الراحلة، وهو تنفل مطلق.(151/19)
تراجم رجال إسناد حديث (فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير].
هو أبوالزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.(151/20)
الفريضة على الراحلة من عذر(151/21)
شرح حديث (لم يرخص لهن في ذلك في شدة ولا رخاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الفريضة على الراحلة من عذر.
حدثنا محمود بن خالد حدثنا محمد بن شعيب عن النعمان بن المنذر عن عطاء بن أبي رباح أنه سأل عائشة رضي الله عنها: هل رخص للنساء أن يصلين على الدواب؟ قالت: (لم يرخص لهن في ذلك في شدة ولا رخاء) قال محمد: هذا في المكتوبة].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب: الفريضة على الراحلة من عذر]، وفي بعض النسخ: [من غير عذر].
وقد سبق أن مر بنا في الباب الذي قبل هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يتنفل على الراحلة، ويصلي الوتر، غير أنه لا يصلي المكتوبة، وجاء كذلك في بعض الأحاديث أنه كان إذا جاء وقت المكتوبة نزل فصلى، فكان لا يصلي على راحلته المكتوبة.
ثم أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألها عطاء: هل رخص للنساء أن يصلين على الدواب؟ قالت: [لم يرخص لهن في ذلك في شدة ولا رخاء].
تعني: في صلاة المكتوبة لم يرخص لهن أن يصلين على الرواحل، بل المسافر الراكب عندما يأتي وقت الصلاة ينزل ويصلي، سواء أكان رجلاً أم امرأة، ولعل السؤال الذي قد حصل بالنسبة للنساء لكون النساء كان حملهن في هوادج، ويكون في حملهن وإنزالهن مشقة، فقد يظن أنهن يعاملن معاملة خاصة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان ينزل جعل أمر النساء بخلاف ذلك؛ لأنهن يصعب نزولهن، والرجال قد يصلون والإبل سائرة، بخلاف النساء فإنهن لا بد من إنزالهن وبروك البعير وإخراجهن من الهودج الذي يكن فيه، ولعل هذا السبب الذي جعل عائشة تقول: [لم يرخص لهن في شدة ولا رخاء]، أي: أنها ما كانت تعرف أنه رخص لهن، وأنهن كن يصلين، لكن إذا كان هناك ضرورة ألجأت إلى ذلك كأن يكون هناك خوف على الإنسان، وكان نزولهم يلحق بهم ضرراً لو نزلوا فلهم أن يصلوا على الرواحل في حال الضرورة، وأما كونه من أجل المشقة ومن أجل السفر فإن المعروف من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يصلي المكتوبة إلا وقد نزل.(151/22)
تراجم رجال إسناد حديث (لم يرخص لهن في ذلك في شدة ولا رخاء)
قوله: [حدثنا محمود بن خالد].
هو محمود بن خالد الدمشقي، ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا محمد بن شعيب].
محمد بن شعيب صدوق صحيح الكتاب، أخرج له أصحاب السنن.
[عن النعمان بن المنذر].
النعمان بن المنذر صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن عطاء بن أبي رباح].
عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(151/23)
الأسئلة(151/24)
لزوم استحضار النية في جمع التأخير
السؤال
بالنسبة لجمع التأخير يذكر الفقهاء أنه لابد لمن أراد أن يجمع جمع تأخير من أن ينوي ذلك، وإلا وقع في الإثم، فما صحة هذا الكلام؟
الجواب
الإنسان عندما يأتي وقت الصلاة إما أن ينزل ويصلي، وإما أنه يؤخر؛ لأنه لابد في وقت الصلاة من كون الإنسان يستحضر الصلاة، وأنه جاء وقت الصلاة، فإذا كان يريد أن يصلي نزل، وإن كان يريد أن يواصل يواصل ولكنه يكون قد نوى بذلك التأخير.(151/25)
مقدار المدة التي تفصل بين الصلاتين لمن أراد الجمع
السؤال
كم مقدار المدة التي تفصل بين الصلاتين لمن أراد الجمع، خاصة في المطر، حيث يصلون المغرب ثم يتشاورن هل يجمعون أو لا؟
الجواب
التشاور ينبغي أن يكون قبل صلاة المغرب والفاصل اليسير لا يؤثر، لكن لا يوجد تنفل، فلا يسبح بينهما.(151/26)
حكم التفضيل بين علي ومعاوية
السؤال
هل يجوز أن نقول: أين الثرى من الثريا، وأين معاوية من علي رضي الله عنهما؟
الجواب
لا شك في أن علياً أفضل من معاوية، لكن لا يتنقص من معاوية، فذلك الكلام إذا كان المقصود به التنقص من معاوية فلا يجوز، وأما أن بينهما فرقاً فذلك ثابت، وأما قوله: (أين الثرى من الثريا) فإنه يقال للشيئين المتباعدين اللذين أحدهما في غاية العلو والآخر في غاية السفل، فيقال: أين الثرى من الثريا؟ لكن علياً ومعاوية رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعلي -بلا شك- أفضل من معاوية، بل هو أفضل من سائر الأمة ما عدا أبا بكر وعمر وعثمان، فهو خير من الصحابة جميعاً سوى هؤلاء الثلاثة الذين قبله، وهم أبو بكر وعمر وعثمان، فكونه أفضل من معاوية هذا ليس فيه إشكال، ولكن لا يتنقص معاوية ولا يحط من شأنه، ولا يجوز أن يذكر معاوية بما لا يليق.(151/27)
حكم الجمع للطلاب الذين يمنعون في المدرسة من الخروج للصلاة في وقتها
السؤال
هل يمكن الجمع في حال الدراسة في مدرسة تمنع الطلاب من الخروج إلى الصلاة فيفوت وقتها، وهذا يحدث كثيراً في بلادنا، حيث يمنعون الطلاب من الخروج من الساعة واحدة ونصف إلى المغرب؟
الجواب
لا يجوز أبداً أن يدرس الطالب في مدراس تمنعه من أداء الصلاة في وقتها، وإذا كان الوقت قد دخل فيمكن للطالب أن يصلي الظهر قبل دخوله المدرسة، ولكن العصر إذا كان سيخرج وقتها الاختياري فلا يجوز تأخيرها عن ذلك، وإذا كان الناس يلزمونه فليبحث عن مدرسة أخرى لا تلزمه بفعل هذا الأمر المنكر.(151/28)
معنى كلمة (وهو أحد البكائين)
السؤال
نقرأ في ترجمة بعض الصحابة: (وهو أحد البكاءين) فما مرادهم بذلك؟
الجواب
إذا كان الأمر صحيحاً فمعناه أنه كثير البكاء، مثل: أبي بكر رضي الله عنه كان كثير البكاء، فـ عائشة رضي الله عنها قالت عنه: (إنه لا يملك نفسه -تعني: إذا قام مقام الرسول صلى الله عليه وسلم- من البكاء).
فالمقصود بهذا اللفظ أنه كثير البكاء من خشية الله.(151/29)
مقدار الزكاة بالعملة السعودية
السؤال
ما هو مقدار نصاب الزكاة بالريال السعودي؟
الجواب
ستة وخمسون ريالاً من الفضة، فإذا كانت قيمة الريال الفضي عشرة ريالات من الورق فتصير خمسمائة وستين ريالاً، وإذا كان أكثر أو أقل فالمعتبر هو القيمة.(151/30)
شرح سنن أبي داود [152]
من حكمة الله سبحانه ورحمته بعباده أن فرض عليهم الصلوات بركعاتها وأوقاتها المحددة في الحضر، وخفف عنهم الصلاة ورفع عنهم الحرج في الجمع والقصر في وقت السفر لأجل التعب والمشقة؛ ولذا كان للقصر في السفر والجمع شروط وأحكام لابد من معرفتها وفقهها حتى يكون العبد على بينة من أمر دينه.(152/1)
متى يتم المسافر(152/2)
شرح حديث (فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين)
قال المصنف رحمه الله: [باب متى يتم المسافر؟ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد، (ح): وحدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا ابن علية وهذا لفظه -أخبرنا علي بن زيد عن أبي نضرة عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ويقول: يا أهل البلد! صلوا أربعاً فإنا قوم سفر)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب متى يتم المسافر؟] يعني: متى يتم المسافر صلاته إذا أقام ببلد في سفره مدة معينة، فمتى يقصر ومتى يتم؟ هذا هو المقصود من الترجمة.
والجواب هو أن جمهور العلماء ذهبوا إلى أن الإنسان إذا دخل بلداً وعند دخوله فيه عزم على أن يمكث أكثر من أربعة أيام فإنه يتم من حين دخوله ذلك البلد؛ لأن له حكم المقيمين، ولأن عناء السفر والحركة والانتقال كلها غير موجودة فيه، بل شأنه شأن الناس الآخرين، أما إذا مكث أربعة أيام فأقل فإنه يقصر في حدود هذه المدة، وما كان أكثر منها فإنه يتم كما عرفنا، وحجتهم في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لما دخل مكة في اليوم الرابع ضحى مكث فيها أربعة أيام: من ضحى يوم الأحد الذي هو الرابع إلى ضحى يوم الخميس الذي هو الثامن، في تلك السنة التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الوقوف في عرفة يوم الجمعة، فهذه إقامة محققة؛ لأنه جلس في هذا المكان ينتظر الحج فكان يقصر، فدل على أن ما كان مثل هذه المدة يقصر فيه، وما زاد عليها فإنه يتم فيه؛ لأن هذه هي المدة المتحققة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عزم على البقاء فيها، وإذا كان الإنسان دخل بلداً وله حاجة ولا يعلم متى تنتهي وهو يريد أن يقضي حاجته، وكلما مضى يوم لم تنقض حاجته فإنه يستمر في القصر؛ لأنه لم يعزم على المكث مدة أربعة أيام فأكثر، ولكنه يريد إذا انتهت حاجته أن يمشي، فإنه لا يعلم متى تنتهي حاجته، فهذا يقصر ولو طالت المدة، وعلى هذا فإن جمهور أهل العلم ذهبوا إلى ذلك الذي أشرت إليه، أي أنه إذا عزم على أن يمكث أربعة أيام فأكثر فإنه يتم، وإذا كان عنده العزم على أنه لا يقيم أربعة أيام، وإنما أقل من أربعة أيام فإنه يقصر، والرسول صلى الله عليه وسلم مكث بمكة أياماً أصحها أنها تسعة عشر يوماً؛ لأنه الذي جاء في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مكث تسعة عشر يوماً، وذلك من حديث ابن عباس، وليس هناك شيء يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل كان عازماً على أن يبقى هذه المدة، بخلاف الأربعة أيام التي قبل الحج، فإن العزم فيها محقق؛ لأنه ينتظر يوم الثامن حتى يذهب إلى منى ثم عرفة، فهذه إقامة محققة، بخلاف تلك الإقامة التي في مكة، فليس هناك شيء يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة عزم على أن يبقى هذه المدة، حتى يقال: إنه ما دام أنه قصر فيها كلها فمعناه أنه عازم على البقاء، وقد عرفنا أنه إذا لم يكن هناك تحديد للإنسان عند دخوله بل لم يحصل منه عزم على مدة معينة فإنه يقصر ولو طالت المدة، فيكون قصره صلى الله عليه وسلم في مكة تسعة عشر يوماً، وكذلك قصره في تبوك عشرين ليلة هو من هذا القبيل، وليس معناه أن هذه إقامة الإنسان الذي يريد أن يمكثها فيقصر، والتي يزيد عليها لا يقصر فيها؛ لأنه لا يوجد شيء يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم عزم على مكث هذه المدة عندما وصل إلى مكة أو عندما وصل إلى تبوك.
وأورد أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أنه سافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الفتح -يعني: فتح مكة- فمكث في مكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين، يعني أنه يقصر الرباعية، وكان يقول لأهل مكة: أتموا يا أهل البلد؛ فإنا قوم سفر، يعني أن المسافرين يقصرون وأهل البلد ليس لهم أن يقصروا، بل عليهم أن يتموا؛ لأنهم مقيمون ومن أهل البلد، والقصر إنما هو للمسافر، وأهل البلد حاضرون مقيمون، فلا يجوز لهم القصر، وإنما يجب عليهم الإتمام.
وهذا الحديث -حديث عمران بن حصين رضي الله عنه- حديث ضعيف؛ لأن في إسناده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، وهو معارض لحديث ابن عباس الذي سيأتي أنه مكث تسعة عشر يوماً، وكان يقصر الصلاة، فالمدة التي مكثها رسول الله صلى الله عليه وسلم المحققة تسعة عشر يوماً، وما سوى هذا فهو إما رواية ضعيفة أو مرجوحة أو شاذة، وبعض أهل العلم قال: إن التوفيق بينها ممكن بأن يقال: إذا كان ثمانية عشر مكث فمعناه أنه حسب يوم الدخول، وإذا كان سبعة عشر فإنه لم يحسب يوم الدخول ويوم الخروج، بعض أهل العلم قال ذلك، ولكن الأرجح والواضح الذي دل عليه الدليل أنها تسعة عشر يوماً أقامها بمكة، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري، والحديث في إسناده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.
قوله: [(ويقول: يا أهل البلد)] يعني: يا أهل مكة، [(صلوا أربعاً فإن قوم سفر)] يعني: لستم مثلنا ولسنا مثلكم، فنحن نقصر لأننا مسافرون، وأنتم أهل بلد عليكم الإتمام ولا يجوز لكم القصر.
وهذا الكلام يمكن أن يقال بعد الصلاة، أي: بعد الفراغ من الصلاة، ويمكن أن يقال قبل الصلاة.
وفيه دلالة على ائتمام المقيم بالمسافر، فالمقيم يأتم بالمسافر، والمسافر يأتم بالمقيم والمسافر، والمقيم إذا ائتم بالمسافر فإنه يتم، وأما المسافر إذا ائتم بالمقيم فيجب عليه أن يتم كما سبق أن مر بنا في حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قيل له: (ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين وإذا صلى خلف إمام يتم؟ قال: تلك سنة محمد صلى الله عليه وسلم)، فالمسافر يأتم بالمقيم، والمقيم يأتم بالمسافر، ولكن المسافر إذا ائتم بالمقيم فإنه يصلي صلاة المقيم ولا يصلي صلاة المسافر، فلا يقصر، ولو أدرك الركعتين الأخيرتين فقط من الصلاة الرباعية فلا يقل: أنا مسافر ويكفيني هاتان الركعتان؛ لأنه ما دام صلى خلف مقيم فعليه أن يصلي صلاة مقيم، والعكس، فالمقيم إذا صلى خلف المسافر يقوم فيكمل ما بقي من صلاته.(152/3)
تراجم رجال إسناد حديث (فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد هو ابن سلمة بن دينار البصري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[(ح): وحدثنا إبراهيم بن موسى].
إبراهيم بن موسى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن علية].
ابن علية هو: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المشهور بـ ابن علية نسبة إلى أمه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وهذا لفظه].
أي: لفظ الطريق الثانية التي هي طريق إبراهيم بن موسى الرازي عن ابن علية.
[أخبرنا علي بن زيد].
علي بن زيد بن جدعان ضعيف، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن.
[عن أبي نضرة].
وهو المنذر بن مالك بن قطعة، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عمران بن حصين].
هو عمران بن حصين أبو نجيد رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(152/4)
حكم حساب يوم الدخول إلى البلد ويوم الخروج منه للمسافر
وإذا أقام المسافر أكثر من أربعة أيام فإنه يبدأ الحساب بيوم الدخول، فهو أول يوم بالنسبة للأربعة الأيام، ويوم الخروج يعتبر هو اليوم الرابع؛ لأن الأربعة التي حسبت والتي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم هي باعتبار يوم: الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء وفي الخميس خرج في الضحى إلى مكة، وخرج من مكة إلى منى قبل الزوال وصلى الظهر بمنى ركعتين.(152/5)
شرح حديث ابن عباس (أن رسول الله أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة -المعنى واحد- قالا: حدثنا حفص عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام سبعة عشر بمكة يقصر الصلاة) قال ابن عباس: ومن أقام سبع عشرة قصر، ومن أقام أكثر أتم.
قال أبو داود: قال عباد بن منصور: عن عكرمة عن ابن عباس قال: أقام تسع عشرة].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة سبع عشرة ليلة يقصر الصلاة، أو سبعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وجاء عنه أنه أقام تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وهي في صحيح البخاري.
وجاء عن حفص عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس أنه أقام بمكة سبع عشرة ليلة).
وهذا الإسناد صحيح، ولكنه مقابل للحديث الآخر الذي هو تسعة عشر يوماً، فيكون هو المحفوظ والأرجح ويكون هذا شاذاً، وبعض أهل العلم قال: إنه صحيح ومعتبر، ولكن من قال: سبعة عشر لم يحسب يوم الدخول ولا يوم الخروج، فينقص اثنان من التسعة عشر فيصير العدد سبعة عشر.(152/6)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس (أن رسول الله أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة)
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء].
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[قالا: حدثنا حفص بن غياث].
حفص بن غيات ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم].
هو عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(152/7)
شرح أثر ابن عباس (ومن أقام سبع عشرة قصر ومن أقام أكثر أتم)
قال أبو داود: [قال ابن عباس: ومن أقام سبع عشرة قصر ومن أقام أكثر أتم].
ابن عباس قال هذا الكلام (من أقام سبع عشرة قصر، ومن أقام أكثر أتم) بناء على هذا الحديث، لكن سبق أن عرفنا أن الجمهور قالوا: إن أكثر مدة هي التي تزيد على أربعة أيام، فيتم فيها إذا كان عزم على بقائها عند الدخول، ويكون ما جاء في فتح مكة وفي تبوك إنما هو شيء غير معزوم عليه عند الدخول، وما هناك شيء يفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعزم على أنه سيمكث هذه المدة عند الدخول، والمسافر إذا تمادى به المكث وهو ليس عنده عزم على البقاء عند الدخول فإنه يقصر ولو طالت المدة.(152/8)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس (ومن أقام سبع عشرة قصر ومن أقام أكثر أتم)
قوله: قال عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس].
عباد بن منصور صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن عكرمة عن ابن عباس].
قد مر ذكرهما.(152/9)
شرح حديث (أقام رسول الله بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس من طريق أخرى، وأنه أقام خمس عشرة يقصر الصلاة في مكة، وقد جاء عن ابن عباس تسعة عشر وجاء عنه سبعة عشر، وجاء عنه خمسة عشر، وأرجحها تسعة عشر.(152/10)
تراجم رجال إسناد حديث (أقام رسول الله بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة)
قوله: [حدثنا النفيلي].
النفيلي هو عبد الله بن محمد النفيلي، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا محمد بن سلمة].
هو محمد بن سلمة الباهلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن إسحاق].
هو محمد بن إسحاق بن يسار، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن الزهري].
الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن عبد الله].
هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس مر ذكره.(152/11)
إسناد الحديث إلى ابن إسحاق دون ابن عباس
[قال أبو داود: روى هذا الحديث عبدة بن سليمان وأحمد بن خالد الوهبي وسلمة بن الفضل عن أبي إسحاق لم يذكروه فيه ابن عباس].
الصحيح: (عن ابن إسحاق) وليس (أبي إسحاق)، وإنما تصحفت (ابن) وهو محمد بن إسحاق الذي مر في الإسناد، فإن (أبي) صحفت عن (ابن)، والتصحيف بين (ابن) و (أبي) ممكن لأنهما متقاربان في الرسم، وسبق أن عرفنا أن من أنواع علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع أن لا يظن التصحيف.
قوله: [روى هذا الحديث عبدة بن سليمان].
عبدة بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأحمد بن خالد الوهبي].
أحمد بن خالد الوهبي صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[وسلمة بن الفضل].
سلمة بن الفضل صدوق كثير الخطأ، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة في التفسير.
[عن ابن إسحاق لم يذكروا فيه ابن عباس].
يعني أنه مرسل.(152/12)
شرح حديث (أن رسول الله أقام بمكة سبع عشرة يصلي ركعتين)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا نصر بن علي أخبرني أبي حدثنا شريك عن ابن الأصبهاني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة سبع عشرة يصلي ركعتين)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة سبعة عشرة يصلي ركعتين، وهي كالرواية السابقة؛ لأنه قال: يقصر الصلاة، وهنا قال: [يصلي ركعتين].(152/13)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله أقام بمكة سبع عشرة يصلي ركعتين)
قوله: [حدثنا نصر بن علي].
هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني أبي].
هو علي بن نصر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شريك].
هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق كثير الخطأ، واختلط لما ولي القضاء، وأخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن الأصبهاني].
ابن الأصبهاني عبد الرحمن بن الأصبهاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة عن ابن عباس].
عكرمة وابن عباس قد مر ذكرهما.(152/14)
شرح حديث (خرجنا مع رسول الله من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ومسلم بن إبراهيم المعنى، قالا: حدثنا وهيب حدثنا يحيى بن أبي إسحاق عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، فقلنا: هل أقمتم بها شيئاً؟ قال: أقمنا بها عشراً)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني: في سفرة الحج- فكان يقصر حتى رجع إلى المدينة، قيل لـ أنس: كم أقمتم بها؟ قال: عشراً.
يعني: في مكة وما حولها، في المشاعر من حين دخل مكة في اليوم الرابع إلى أن خرج منها صبيحة أربع عشرة، فمدتها عشرة أيام، وكان يقصر.
إذاً: قول أنس رضي الله عنه [أقمنا بها عشراً] هي: أربع بمكة التي هي قبل الحج، ثم في منى يوم الثامن، ثم في عرفة يوم التاسع، ويوم العيد، ويوم إحد عشر واثنى عشر وثلاثة عشر في منى؛ لأنه صلى الله عليه وسلم تأخر ولم يتعجل، ورمى الجمرات في اليوم الثالث عشر، وانصرف قبل أن يصلي الظهر، فبعد أن زالت الشمس رمى الجمرات ثم انصرف وصلى الظهر بالأبطح، فالعشرة الأيام هذه التي في الحج لا علاقة لها بالفتح، وإنما هي متعلقة بالحج، والمقصود أربعة أيام بمكة، والأيام التي في المشاهد في منى وعرفة ومنى بعد الحج.(152/15)
تراجم رجال إسناد حديث (خرجنا مع رسول الله من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ومسلم بن إبراهيم].
موسى بن إسماعيل مر ذكره، ومسلم بن إبراهيم هو الفراهيدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[المعنى].
أي أنهما متفقان في المعنى مع اختلاف الألفاظ.
[حدثنا وهيب].
وهيب بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى بن أبي إسحاق].
يحيى بن أبي إسحاق صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(152/16)
شرح حديث (أن علياً كان إذا سافر سار بعدما تغرب الشمس حتى تكاد أن تظلم)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة وابن المثنى -وهذا لفظ ابن المثنى - قالا: حدثنا أبو أسامة.
قال ابن المثنى: قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده: (أن علياً رضي الله عنه كان إذا سافر سار بعدما تغرب الشمس حتى تكاد أن تظلم، ثم ينزل فيصلي المغرب، ثم يدعو بعشائه فيتعشى، ثم يصلي العشاء، ثم يرتحل ويقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع) قال عثمان: عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي].
أورد أبو داود رحمه الله حديثاً: أن علياً كان إذا سافر سار بعدما تغرب الشمس حتى تكاد أن تظلم، فينزل فيصلي المغرب، ثم يتعشى، ثم يصلي العشاء، ثم يرتحل، وهذا الحديث لا علاقة له بالترجمة، وهي [متى يتم المسافر؟] لأن هذا في السير وهذا يتعلق بالصلاة بدون جمع.
قال صاحب عون المعبود: يحتمل أن يكون هذا من أبي داود ذكره في آخر السفر.
يعني: ليكون مكملاً للأحاديث، أو أنه من النساخ، ومحله في الباب الذي سبق، وهو الجمع بين الصلاتين، وقد مرت أحاديث في هذا المعنى، وسبق أن مر حديث عن أحد الصحابة بمعناه أو قريباً منه، وهو كونه نزل ثم انتظر حتى غاب الشفق ثم صلى العشاء، وذاك -كما عرفنا- ليس جمعاً إذا صح بهذا اللفظ، إذ كل صلاة صليت في وقتها، يحتمل أن يكون ذلك بعد مغيب الشفق، وأن يكون صلى المغرب وتعشى بينه وبين العشاء، أو أنه صلى المغرب في وقتها، وتعشى ثم انتظر وقت العشاء ثم صلاها في وقتها، فلا يكون جمعاً.
ثم قال علي: [هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع].(152/17)
تراجم رجال إسناد حديث (أن علياً كان إذا سافر سار بعدما تغرب الشمس حتى تكاد أن تظلم)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة وابن المثنى].
عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، وابن المثنى هو محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب الزمن، ثقة، أخرجه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[وهذا لفظ ابن المثنى].
[قالا: حدثنا أبو أسامة].
هو أبو أسامة حماد بن أسامة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال ابن المثنى: قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب].
يعني أنه عبر بالإخبار لأنه سيأتي فيما بعد ليقول: [وقال عثمان عن عبد الله].
وهذا المقصود منه بيان الصيغة التي جاءت عن هذا وعن هذا، وإذا كان الشخص مدلساً تكون زيادة (أخبرني) فيها فائدة، وهي أنه لا مجال للتدليس فيه، لكن إذا كان الشخص غير معروف بالتدليس فإن (عن) بالنسبة له كالمتصل بمعنى: (سمعت) إنما الإشكال في (عن) إذا كان الشخص مدلساً، هذا هو الذي يصير فيه إشكال، وأما عنعنة غير المدلس فهي محمولة على احتمال الانقطاع، والمقصود هنا بيان الفرق بين عبارة محمد بن المثنى وعبارة عثمان، فـ ابن المثنى في الإسناد الذي جاء من طريقه قال: [أخبرني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب] وأما عثمان بن أبي شيبة فإن عبارته: [عن عبد الله بن محمد] فهذا عبر بـ (أخبرني) وهذا عبر بـ (عن).
وعبد الله بن محمد مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن أبيه].
هو محمد بن عمر، صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن جده].
هو عمر، ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[أن علياً].
هو علي رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
والحديث له حكم المرفوع؛ لأنه قال: [هكذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم].(152/18)
موقف أصحاب رسول الله من آل بيته
لا شك في أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - من الخلفاء الراشدين الأربعة وغيرهم- كانوا متصافين، وإذا حصل شيء من الاختلاف في أمر من الأمور فذلك لا يؤثر؛ لأن الشيء الذي يجمعهم هو نصرة الدين، وإذا كان هناك شيء في النفوس فهو لأمر طارئ من الأمور التي تجري بين الناس، كما يجري بين الإنسان وبين أهله وولده من تكدير الصفو، ولكنها لا تؤثر.
ويذكر أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عليه كان أولاده خمسة: واحد اسمه: حسن، والثاني: حسين، والثالث: علي، والرابع: عبد الله، والخامس: إبراهيم، وإبراهيم لم يعقب، والأربعة هم الذين أعقبوا، وثلاثة منهم سموا باسم علي وولديه، فواحد سمي باسم علي، والثاني باسم الحسن، والثالث باسم الحسين، وأكثر نسله إنما هو من الأربعة الذين منهم ثلاثة سموا بهذه الأسماء، والرابع هو عبد الله الذي أبوه سليمان بن عبد الله بن محمد، وأما الشيخ محمد بن إبراهيم وكذلك المفتي زيد علي الشيخ فهم ينتسبون إلى عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد.
فالذين يقولون بأنه يكره آل البيت هؤلاء يريدون أن يصدوا الناس عن الحق، وأن يبعدوهم عن الهدى، وإلا فإن أولاده جلهم سمي بأسماء آل البيت، وهم ثلاثة من الأولاد الأربعة المنجبين، والأولاد الخمسة كلهم سموا بأسماء آل البيت علي والحسن والحسين، فهذا يدل على محبته لآل البيت، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي أنهم يتولون أهل البيت ويحبونهم، وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف لا بالهوى والتعسف، وقدوة الناس في ذلك أبو بكر وعمر اللذين هم خير هذه الأمة.
أبو بكر جاء عنه في صحيح البخاري أثران ذكرهما البخاري في صحيحه: أحدهما أنه قال: (والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي) يعني: آل محمد أولى عنده أن يصلهم من آل أبي بكر.
هذا كلام أبي بكر في صحيح البخاري.
الأثر الثاني في صحيح البخاري يقول فيه: (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته) يعني وصيته في أهل بيته.
أما عمر رضي الله عنه فقد جاء عنه أنه قال للعباس يوم أسلم: إن إسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إسلامك.
هذا كلامه للعباس، فيقول: إسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب -الذي هو أبوه- لو أسلم، فهذا يدل على منزلة أهل البيت عند عمر رضي الله عنه.
ذكر الآثار الثلاثة ابن كثير، ذكر الأثرين عن أبي بكر والأثر عن عمر في تفسير سورة الشورى عند قول الله عز وجل: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23]؛ لأنه جاء حديث عن ابن عباس الذي في صحيح البخاري أن المقصود بالمودة في القربى أنه يخاطب أهل مكة الذين هم قريش، ويقول لهم ما معناه: إذا لم تنصروني فدعوني لما بيني وبينكم من القرابة أن أبلغ رسالة ربي.
قال ابن كثير: وليس المقصود بها أنهم علي وفاطمة وآل بيته؛ لأن هذا إنما حصل بمكة قبل أن يتزوج علي بـ فاطمة، وقبل أن يوجد الحسن والحسين؛ لأن ذلك الزواج ما حصل إلا في المدينة.
ثم إنه بعد ما ذكر أن الآية لا تدل على هذا جاء بأثر ابن عباس في صحيح البخاري أن المقصود به قريش، وذكر المعنى، قال: وقد جاءت النصوص في فضل أهل البيت واحترامهم وتوقيرهم، وجاء بكلام أبي بكر وعمر في صحيح البخاري، وأورد كذلك الأثر الذي ورد عن عمر في صحيح البخاري أنه لما حصل الجدب والقحط وخرج بالناس يستسقي طلب من العباس أن يدعو، وقال: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا)، يعني: طلبنا منه أن يدعو لنا فيدعو فتسقينا، (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قم يا عباس فادع الله) فما قال: نتوسل إليك بـ العباس، بل قال: (بعم نبينا) فذكر الصلة التي تربطه بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهي العمومة.
فهذان أثران عن عمر في بيان منزلة أهل البيت، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وقدوتهم وسلفهم في ذلك خير الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر رضي الله تعالى عنهما.(152/19)
شرح أثر أنس بن مالك (كان يجمع بينهما حين يغيب الشفق وتراجم رجاله)
[سمعت أبا داود يقول: وروى أسامة بن زيد عن حفص بن عبيد الله -يعني: ابن أنس بن مالك - أن أنساً رضي الله عنه كان يجمع بينهما حين يغيب الشفق، ويقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك.
ورواية الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله].
قوله: [سمعت أبا داود].
الذي يقول: (سمعت أبا داود) هو اللؤلؤي، الذي يروي الكتاب عن أبي داود.
قوله: [وروى أسامة بن زيد عن حفص بن عبيد الله].
أسامة بن زيد هو: الليثي، صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن حفص بن عبيد الله].
حفص بن عبيد الله، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود، وهذا الإسناد معلق، فلم يجعله في رجال أبي داود.
قوله: [أن أنساً كان يجمع بينهما حين يغيب الشفق، ويقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك].
يعني أنه بعدما ذكر هذا الأثر الذي جاء عن علي رضي الله عنه بهذا التفصيل الذي فيه احتمال الجمع واحتمال عدم الجمع ذكر الشيء الذي فيه التصريح بالجمع، وأنه كان بعد مغيب الشفق يجمع بينهما، وقد مرت الأحاديث العديدة في ذلك عن أنس وغيره في باب الجمع بين الصلاتين.
قوله: [ورواية الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله].
يعني: مثل هذا الذي هو بعد مغيب الشمس.(152/20)
إذا أقام بأرض العدو يقصر(152/21)
شرح حديث (أقام رسول الله بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: إذا أقام بأرض العدو يقصر.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة) قال أبو داود: غير معمر يرسله لا يسنده].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [باب: إذا أقام بأرض العدو يقصر] وهذا يدل على أن الإقامة في أرض العدو يقصر فيها ولو طالت المدة، لكن هذا إذا لم يكن هناك عزم على إقامة أكثر من أربعة أيام، فإذا لم يكن هناك عزم، ولا يعرف متى ينتهي ككونه يحاصر بلداً، وكل يوم يقول: لعلهم ينتهون فإنه يقصر ولو طالت المدة، مثل الذي حصل في فتح مكة؛ لأنه ليس هناك ذكر عزم على البقاء.
قوله: [(أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة)].
تبوك كانت أرضاً للعدو، وهي أول بلاد الشام؛ لأن كل المنطقة الشمالية من الأردن وفلسطين وسوريا تعتبر بلاد الشام، وكلها يقال لها: الشام، لكن التقسيم حصل بعد ذلك، حيث صار كل بلد منها له اسم.(152/22)
تراجم رجال إسناد حديث (أقام رسول الله بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي كثير].
يحيى بن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان].
محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان , وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: غير معمر يرسله لا يسنده].
ومعمر -كما في الإسناد متقدم- هو الذي أسنده.(152/23)
شرح سنن أبي داود [153]
الصلاة من أعظم شعائر الإسلام، ومن تمامها إقامتها جماعة، ولذلك لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة حتى في حالات الخوف والحرب، وقد وردت لصلاة الجماعة في الخوف كيفيات متعددة، وقد أورد أبو داود بعض هذه الكيفيات في سننه، مبيناً أنها تختلف باختلاف موقع العدو من موقع المسلمين.(153/1)
كيفية صلاة الخوف إذا كان العدو في جهة القبلة(153/2)
شرح حديث أبي عياش الزرقي في صفة صلاة الخوف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صلاة الخوف.
من رأى أن يصلي بهم وهم صفان فيكبر بهم جميعاً، ثم يركع بهم جميعاً، ثم يسجد الإمام والصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم، فإذا قاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين، وتقدم الصف الأخير إلى مقامهم، ثم يركع الإمام ويركعون جميعاً، ثم يسجد ويسجد الصف الذي يليه، والآخرون يحرسونهم، فإذا جلس الإمام والصف الذي يليه سجد الآخرون، ثم جلسوا جميعاً، ثم سلم عليهم جميعاً، قال أبو داود: هذا قول سفيان.
حدثنا سعيد بن منصور حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غرة! لقد أصبنا غفلة! لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة؛ فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر، فلما حضرت العصر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة والمشركون أمامه، فصف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم صف، وصف بعد ذلك الصف صف آخر، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذي يلونه، وقام الآخرون يحرسونهم، فلما صلى هؤلاء السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين، وتقدم الصف الأخير إلى مقام الصف الأول، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه، وقام الآخرون يحرسونهم، فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه سجد الآخرون، ثم جلسوا جميعاً فسلم عليهم جميعاً.
فصلاها بعسفان، وصلاها يوم بني سليم)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب صلاة الخوف.
أي: الخوف من العدو، وقد جاءت صلاة الخوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفات متعددة منها: ما إذا كان العدو في جهة القبلة، ومنها: ما إذا كان في غير جهة القبلة، وهذا الذي أورده المصنف أولاً في الباب إذا كان العدو في جهة القبلة، وأتى بالترجمة على وفق الحديث؛ لأنه في باب صلاة الخوف يذكر في الترجمة من قال بمقتضى ذلك، ويسرد مجمل الحديث أو أكثر الحديث فيها، ثم بعدما يذكر الترجمة المطولة التي فيها صفة صلاة الخوف يذكر الحديث بإسناده.
وهذه الترجمة فيما إذا كان في جهة القبلة، أي أنه قد يكون أخطر.
وهذا الحديث الذي أورده أبو داود عن أبي عياش الزرقي أنهم لما كانوا في عسفان، وكان على جيش المشركين خالد بن الوليد، أي: وذلك قبل أن يسلم، ثم بعد ذلك أسلم وحسن إسلامه، وجاهد في سبيل الله، وفتح الفتوحات رضي الله عنه وأرضاه.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لما صلوا الظهر قال الكفار: (أدركنا غرة) أي: هذه الصلاة التي يصلونها لو أننا انقضضنا عليهم فيها لتمكنا منهم، فنزلت آية الخوف، فإنه لما جاء العصر صلى بالناس صلاة الخوف بالطريقة التي تخالف ما يريده المشركون، وكان المشركون في جهة القبلة، فالرسول صلى الله عليه وسلم صف أصحابه صفين، ودخل في الصلاة بهم جميعاً، وقام وهم قائمون جميعاً، وركعوا جميعاً، ورفعوا جميعاً، ثم بعد ذلك سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد الصف الأول، والباقون الذين هم الصف الثاني واقفون يحرسونه، لأن العدو في جهة القبلة، فلما قام الرسول صلى الله عليه وسلم وقام الصف الأول سجد أهل الصف الثاني السجدتين ثم قاموا، فصاروا كلهم قائمين في الركعة الثانية، فتقدم أهل الصف الأخير وتأخر أهل الصف الأول، أي: الذين كانوا في الخلف تقدموا وصاروا في الصف الأول، والذين كانوا في الصف الأول تأخروا إلى الصف الثاني حتى يحصل لهم مثل ما حصل للأولين.
فالرسول صلى الله عليه وسلم صلى الركعة الثانية، وركع وركعوا جميعاً، ورفع ورفعوا جميعاً، وسجد وسجد معه الصف الأول الذي يليه وهو الذي كان آخراً في الركعة الأولى، ولما فرغوا من السجود جلسوا للتشهد، فنزل الذين في الصف الثاني وسجدوا السجدتين وجلسوا في التشهد، ثم سلم بهم صلى الله عليه وسلم جميعاً.
فهذه الهيئة حيث كان العدو في جهة القبلة، وفيها أداء الصلاة والقيام بالحراسة دون أن يقسم الناس إلى مجموعتين كما سيأتي في بعض صفات صلاة الخوف الأخرى، أعني إذا كان العدو في غير جهة القبلة.
فهذه صفة صلاة الخوف إذا كان العدو في جهة القبلة.(153/3)
تراجم رجال إسناد حديث أبي عياش الزرقي في صفة صلاة الخوف
قوله: [حدثنا سعيد بن منصور].
سعيد بن منصور، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا جرير بن عبد الحميد].
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
منصور بن المعتمر الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد].
مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عياش].
أبو عياش الزرقي، وهو صحابي، أخرج له أبو داود والنسائي.(153/4)
شرح حديث جابر في صفة صلاة الخوف وتراجم رجاله
[قال أبو داود: روى أيوب وهشام عن أبي الزبير عن جابر هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم].
قوله: [قال أبو داود: روى أيوب وهشام].
أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهشام يحتمل أن يكون هشام بن حسان أو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي؛ لأن كلاً منهما روى عن أبي الزبير.
وكل منهما ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير].
أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
جابر رضي الله عنه قد مر ذكره، وحديث جابر في صحيح مسلم.(153/5)
شرح حديث ابن عباس في صفة صلاة الخوف وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله: [وكذلك رواه داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس].
قوله: [رواه داود بن حصين].
وهو ثقة إلا في عكرمة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
وابن عباس مر ذكره.(153/6)
شرح حديث جابر في صفة صلاة الخوف من طريق أخرى وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكذلك عبد الملك عن عطاء عن جابر].
قوله: [وكذلك عبد الملك].
هو عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي صدوق له أوهام أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عطاء].
عطاء بن أبي رباح المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
جابر بن عبد الله مر ذكره.(153/7)
شرح حديث أبي موسى في صفة صلاة الخوف وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله: [وكذلك قتادة عن الحسن عن حطان عن أبي موسى فعله].
قوله: [وكذلك قتادة].
هو ابن دعامة السدوسي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن].
الحسن البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حطان].
حطان بن عبد الله، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي موسى].
أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه.(153/8)
مرسل مجاهد في صفة صلاة الخوف وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكذلك عكرمة بن خالد عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم].
قوله: [وكذلك عكرمة بن خالد].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مجاهد].
مجاهد بن جبر مر ذكره.
[عن النبي].
عن النبي يعني: مرسلاً.(153/9)
مرسل عروة بن الزبير في صفة صلاة الخوف وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكذلك هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول الثوري].
قوله: [هشام بن عروة عن أبيه].
هشام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وأبوه عروة بن الزبير ثقة من فقهاء المدينة السبعة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن النبي صلى الله عليه وسلم] وهو مرسل كالذي قبله.
[وهو قول الثوري].
يعني: الذي فيه هذه الصفة أو هذه الكيفية.(153/10)
الكيفية الثانية من كيفيات صلاة الخوف(153/11)
شرح حديث سهل بن أبي حثمة في صفة صلاة الخوف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: يقوم صف مع الإمام وصف وجاه العدو فيصلي بالذين يلونه ركعة ثم يقوم قائماً حتى يصلي الذين معه ركعة أخرى، ثم ينصرفون فيصفون وجاه العدو، وتجيء الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعة ويثبت جالساً فيتمون لأنفسهم ركعة أخرى، ثم يسلم بهم جميعاً.
حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في خوف فجعلهم خلفه صفين، فصلى بالذين يلونه ركعة، ثم قام، فلم يزل قائماً حتى صلى الذين خلفهم ركعة، ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم، فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة، ثم سلم).
هذه ترجمة في كيفية من الكيفيات التي جاءت بها صلاة الخوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبقت كيفية تتعلق بما إذا كان العدو في جهة القبلة، وهذه الكيفية فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة.
والترجمة واضحة أنه يجعلهم صفين، صفّاً تجاه العدو، وصفّاً معه، فيصلي بمن معه ركعة ثم يقوم للركعة الثانية ويثبت قائماً حتى يصلي الذين معه ركعة ثانية لأنفسهم، ثم ينصرفون، ويأتي الذين هم وجاه العدو فيصلي بهم ركعة ويثبت جالساً بعد أن ينهي الركعة، فيأتون بالركعة التي بقيت عليهم، ثم يسلم بهم جميعاً.
هكذا يقول المصنف، وكلامه واضح إلا في قوله: [ثم يسلم بهم جميعاً] لأن الحديث الذي أورده ليس فيه شيء يدل على هذا، وإنما الذين صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى وأتموا لأنفسهم سلموا وذهبوا، ثم هؤلاء الذين كانوا وجاه العدو إذا جاءوا فصلوا معه الركعة الثانية، فإنه يجلس للتشهد وهم يتمون لأنفسهم الركعة التي بقيت عليهم، ثم يسلم بهم، أي بالطائفة الثانية.
فالترجمة التي أوردها المصنف واضحة إلا في قوله: (ثم يسلم بهم جميعاً)؛ لأن الطائفة الأولى ذهبت بعد أن فرغت من صلاتها وانتهت، والطائفة الثانية هي التي بقيت معه حتى سلم، فسلم بها صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود رحمه الله حديث سهل بن أبي حثمة، وهو غير واضح المطابقة للترجمة، وذلك أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أصحابه صفين، فالطائفة الأولى معه، والطائفة الثانية وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائماً حتى صلى الذين خلفهم -أي: الطائفة الثانية- ركعة، ثم جاءوا، ثم صلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ولما بقي جالساً أتم الذين تخلفوا ركعة، ثم سلم صلى الله عليه وسلم، يعني: ثم سلم بهم.
فالحديث لا يطابق الترجمة، وقد قال صاحب عون المعبود: إن الطائفة الأولى لم يذكر قيامها بالركعة الثانية وأنها أتمت لأنفسها ركعة ثم ذهبت، لكن يبقى الإشكال وهو قوله: إن الرسول بقي حتى صلى الذين وراءهم ركعة، ثم صلى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم الركعة الباقية من صلاته، ولما جلس في التشهد صلى الذين تخلفوا ركعة، وعلى هذا إذا كان المقصود بها الطائفة الثانية فمعناه أنه حصل لها ثلاث ركعات، والطائفة الأولى ما حصل لها إلا ركعة، وقد قال صاحب عون المعبود: إن الركعة الثانية لم تذكر، ولعلها تركت أو لم تذكر اختصاراً.
لكن لو كان قوله: (فلم يزل قائماً حتى صلى الذين خلفهم ركعة) معناه: حتى صلى الذين خلفه -بدون ميم- لكانت هذه الركعة الثانية للطائفة الأولى، ثم الطائفة الثانية أدركت الركعة الثانية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد أن ثبت جالساً أتموا لأنفسهم، فعلى هذا يستقيم الكلام طبقاً للترجمة؛ وإذا كان الحديث أو اللفظ فيه شيء من الخطأ، وأن (خلفهم) صوابه: (خلفه) فإنه يستقيم أنه حصلت الركعة الثانية للأولين وأتموا، وأن الطائفة الثانية أدركوا الركعة الثانية مع الرسول صلى الله عليه وسلم وعندما جلس أتموا لأنفسهم وهو ينتظرهم جالساً ثم سلموا معه.
وإن كان المراد به أن الذين خلفهم صلوا لأنفسهم ركعة أولاً والرسول صلى الله عليه وسلم قائم، ثم صلوا الركعة الثانية معه صلى الله عليه وسلم، وكان المراد بـ (الذين تخلفوا) الذين صلوا الركعة الأولى ثم ذهبوا وجاه العدو، ثم جاءوا وصلوا الركعة الثانية والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، وأتموا لأنفسهم في حال جلوسه، ثم سلم بهم، فإنه يستقيم المعنى، إلا أنه لا يطابق الترجمة، وعلى هذا فالحديث غير واضح المطابقة للترجمة كما هو واضح بين.
فقوله: [عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في خوف فجعلهم خلفه صفين، فصلى بالذين يلونه ركعة)].
هذه الركعة الأولى مع الجماعة الأولى الذين هم يلون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(ثم قام فلم يزل قائماً حتى صلى الذين خلفهم ركعة)].
(الذين خلفهم) إذا كانوا هم الجماعة الذين هم في جهة العدو فالمعنى أنهم صلوا لأنفسهم ركعة والرسول صلى الله عليه وسلم قائم؛ فهذه معناها ركعة مضت لهم.
قوله: [(ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة)].
معناه: أن هذه أيضاً للذين كانوا خلفه من الصف الثاني.
قوله: [(ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة)].
ما المراد بالذين تخلفوا؟ إن أريد بهم الذين صاروا أهل الصف الأول، وأنهم ذهبوا ثم جاءوا وصلوا ركعة وسلم بهم جميعاً استقام الكلام، وقوله: (تخلفوا) يعني: أنهم رجعوا القهقرى.
وإن كان المقصود بالذين تخلفوا الذين كانوا وجاه العدو فتكون لهم ركعة ثالثة، وهذا لا يستقيم، ولو قيل كما قال صاحب عون المعبود: إن الجماعة الثانية ما ذكرت لهم الركعة وأنهم أتموا لأنفسهم فيبقى الإشكال أن هؤلاء عندهم ثلاث ركعات، فالحديث لا يطابق الترجمة.
ويمكن أن يقال كما هو ظاهر لفظ الحديث: إن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالجماعة الأولى ركعة ثم ذهبت، ثم جاءت الطائفة الثانية وصلت ركعة، والرسول صلى الله عليه وسلم قائم، فتكون هذه الركعة الأولى لهم، ثم الركعة الثانية لهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا جلسوا للتشهد يكونون قد صلوا ركعتين، والذين تخلفوا ورجعوا قد صلوا الركعة الأولى، فتكون هذه هي الركعة الأخيرة لهم، ويكون معناه: الطائفة الثانية عندها ركعة قبل الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعندها الركعة الثانية مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والطائفة الأولى الذين تخلفوا عندهم الركعة الأولى معه، ثم أتموا لأنفسهم والرسول صلى الله عليه وسلم جالس، ثم يسلم بهم جميعاً، فيستقيم هذا المعنى، لكن الترجمة التي ذكرها المصنف بالتفصيل لا تستقيم مع هذا الحديث.
والحديث لا أدري كيف لفظه؟ فليس بواضح؛ لأنه لو كان المقصود أن الجماعة الأولى صلت الركعة الأولى مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم صلت والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فمعناه أن صلاتهم تتخللها صلاة الطائفة الثانية، ثم يسلم بهم جميعاً، فيستقيم الحديث لكن لا يطابق الترجمة، لأن الترجمة واضحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالجماعة الأولى ركعة، وأتمت لنفسها وهو قائم، ثم الثانية جاءت وصلت مع الرسول صلى الله عليه وسلم الركعة الثانية، وأتمت لنفسها والرسول صلى الله عليه وسلم جالس، ثم سلم بالطائفة الثانية، هذا هو الذي يطابق الترجمة، ولا مطابقة بين الحديث والترجمة؛ لأن الحديث معناه ما سبق بيانه، والترجمة ليس فيها إشكال، هي واضحة ولكنها مطابقة للحديث الذي سيأتي عن صالح بن خوات من طريق يزيد بن رومان، لكن هذا الحديث هذا هو ظاهره، يعني: أن الطائفة الأولى صلت الركعة الأولى مع النبي صلى الله عليه وسلم، والطائفة الثانية صلت الركعة الأولى لها وحدها والرسول صلى الله عليه وسلم قائم، ثم صلت معه الركعة الثانية، ثم جلست حتى سلمت مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والطائفة الأولى صلت الركعة الثانية والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فتكون ركعتاها متباعدتين، ومعناه أنهم ذهبوا ولم يسلموا بل هم باقون في الصلاة، وجاءوا وصلوا ركعة ثانية والنبي صلى الله عليه وسلم جالس ثم سلم بهم جميعاً، فيستقيم هذا الكلام من ناحية التسليم؛ لكن لا يستقيم من ناحية أن الأولى أتمت لنفسها الركعة الثانية ثم جاءت الطائفة الثانية وصلت الركعة الأولى مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أتمت لنفسها والرسول صلى الله عليه وسلم جالس ثم سلم بهم، لا يستقيم هذا.
وعلى كل: الحديث بلفظه يستقيم إذا قيل: إن الطائفة الأولى صلت ركعتها الأخيرة عند التشهد، والطائفة الثانية صلت ركعتها الأولى لنفسها مستقلة، ثم صلت ركعتها الثانية مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو صوب قوله: (الذين خلفهم) إلى: (الذين خلفه) لاستقام معنى الحديث مع الترجمة، لكن يبقى الإشكال أنه بعد ذلك قال: ثم تقدموا وتأخر الذين قدامهم، وهذا لا يستقيم.
وهذا كله مبني على أن العدو ليس في جهة القبلة؛ لأن الترجمة هذه مبنية على أنه في غير جهة القبلة، ويمكن أن يستقيم إذا كان في جهة القبلة.(153/12)
تراجم رجال إسناد حديث سهل بن أبي حثمة في صفة صلاة الخوف
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ].
عبيد الله بن معاذ العنبري، ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي].
أبوه: معاذ بن معاذ العنبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن القاسم].
عبد الرحمن بن القاسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح].
صالح بن خوات، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهل بن أبي حثمة].
سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(153/13)
الكيفية الثالثة من كيفيات صلاة الخوف(153/14)
شرح حديث صفة صلاة الخوف يوم ذات الرقاع
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: إذا صلى ركعة وثبت قائماً أتموا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، ثم انصرفوا فكانوا وجاه العدو، واختلف في السلام.
حدثنا القعنبي عن مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: (أن طائفة صلت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم).
قال مالك: وحديث يزيد بن رومان أحب ما سمعت إلي].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: من قال إذا صلى ركعة وثبت قائماً أتموا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، ثم انصرفوا فكانوا وجاه العدو، واختلف في السلام.
قوله: [واختلف في السلام] يعني: بين الإمام والمأموم، وذلك أنه في هذا الحديث الطائفة الأولى سلمت لنفسها وانصرفت، والطائفة الثانية بقيت حتى سلمت وخرجت من الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيأتي في الترجمة أحاديث أخرى تختلف عن هذا فيما يتعلق بالسلام، وأن كل طائفة سلمت لنفسها والرسول صلى الله عليه وسلم سلم وحده، يعني: بحيث إن الطائفة الثانية قضوا ركعة بعد أن سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سلموا لأنفسهم، وقال: [واختلف في السلام]، ومعناه أن الطائفة الأولى في الحديث الأول سلمت وانصرفت، والحديث الثاني فيه أن الطائفة الثانية أيضاً لم تسلم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تقض ركعة والرسول صلى الله عليه وسلم جالس، وإنما قامت بعد أن سلم وأتت بركعة ثم سلمت، فصار الاختلاف في السلام بين الطائفتين وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث الذي أورده أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة وهو حديث من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يسم الرجل، ولكن قيل: إنه أبوه خوات بن جبير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يمكن أن يكون منه ذلك.
أما سهل بن أبي حثمة فقالوا: إنه صغير لا يمكن أن يكون صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة ذات الرقاع، ولكنه إذا كان عنه يكون مرسل صحابي، ومراسيل الصحابة كما هو معلوم حجة، فهو إما أن يكون أباه وهو الأقرب، وإما أن يكون سهل بن أبي حثمة وهو صحابي صغير لم يشهد تلك الصلاة، ولكنه يروي عمن شهد تلك الصلاة، ولكن يمكن أن يكون الأقرب أنه أبوه؛ لأنه جاء في بعض الروايات أنه يروي عن أبيه هذه الصلاة التي هي صلاة الخوف.(153/15)
تراجم رجال إسناد حديث صفة صلاة الخوف يوم ذات الرقاع
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن رومان].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم].
صالح مر ذكره.(153/16)
سبب اختيار الإمام مالك لرواية يزيد بن رومان عن خوات في صلاة الخوف
قوله: [قال مالك: وحديث يزيد بن رومان أحب ما سمعت إلي].
لأنه هو الذي فيه أن صلاة الطائفة الأولى كانت متصلة، وأنها فرغت من صلاتها وجاءت الطائفة الثانية وصلت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين صار في الركعة الثانية، ثم أتمت الركعة الثانية بالنسبة لها وهو جالس للتشهد، ثم سلمت معه، فتكون هذه الهيئة هي أخف الصلوات من حيث الحركات والذهاب والإياب وما إلى ذلك، ولهذا رجحها بعض أهل العلم كالإمام مالك وغيره واختاروها لأنها أقل الهيئات حركات في الصلاة.(153/17)
شرح حديث سهل بن أبي حثمة في صفة صلاة الخوف من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات الأنصاري أن سهل بن أبي حثمة الأنصاري رضي الله عنه حدثه: (أن صلاة الخوف أن يقوم الإمام وطائفة من أصحابه، وطائفة مواجهة العدو، فيركع الإمام ركعة ويسجد بالذين معه، ثم يقوم، فإذا استوى قائماً ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية، ثم سلموا وانصرفوا والإمام قائم، فكانوا وجاه العدو، ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون وراء الإمام فيركع بهم ويسجد بهم، ثم يسلم فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية، ثم يسلمون)] أورد أبو داود حديث سهل بن أبي حثمة من طريق أخرى، وفيه: أنه يصلي بالطائفة الأولى ركعة ويثبت قائماً، ويتمون لأنفسهم ويسلمون وينصرفون، ثم تأتي الطائفة الثانية فتصلي معه ركعة، ثم يسلم الإمام، وإذا سلم قاموا وقضوا الركعة التي بقيت عليهم وسلموا، فتكون مثل الطريقة السابقة التي قبلها إلا أن فيها أن الطائفة الثانية ما قضت الركعة الأولى الثانية لها إلا بعد سلام الإمام، وعلى هذا يكون اختلاف السلام بين الإمام والمأمومين جميعاً، فالطائفة الأولى سلمت والرسول صلى الله عليه وسلم قائم في الركعة الأولى، والطائفة الثانية سلمت بعد أن قضت الركعة الثانية وذلك بعد سلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذه الطريق كيفيتها تتفق مع ما جاء في الطريق الأولى إلا أنها تختلف معها في الطائفة الثانية، والطريق الأولى هي التي مرت عن يزيد بن رومان، وفيها أن الطائفة الثانية تصلي الركعة الثانية والنبي صلى الله عليه وسلم جالس للتشهد، ثم يسلمون مع النبي صلى الله عليه وسلم، أما هذه الطريق ففيها أن الطائفة الثانية تقضي الركعة التي عليها بعد سلام الإمام، فتكون كأنها مسبوقة، ثم تأتي بالركعة الثانية بعد سلام الإمام ثم تسلم لنفسها، وبذلك يكون الاختلاف في السلام بين الإمام والمأمومين جميعاً.
أما الحديث الأول فالاختلاف في السلام إنما هو بين الإمام وبين الطائفة الأولى التي سلمت ومشت، والطائفة الثانية سلمت معه.(153/18)
تراجم رجال إسناد حديث سهل بن أبي حثمة في صفة صلاة الخوف من طريق أخرى
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد].
القعنبي ومالك مر ذكرهما.
ويحيى بن سعيد الأنصاري المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن القاسم بن محمد].
القاسم بن محمد مر ذكره.
[عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة].
وقد مر ذكرهما.
[قال أبو داود: وأما رواية يحيى بن سعيد عن القاسم نحو رواية يزيد بن رومان إلا أنه خالفه في السلام].
يقول: إن رواية يحيى بن سعيد هذه الثانية متفقة مع رواية يزيد بن رومان إلا أنه خالفه في السلام كما مر.
[ورواية عبيد الله نحو رواية يحيى بن سعيد قال: ويثبت قائماً] ورواية عبيد الله التي مرت في الباب الأول نحو رواية يحيى بن سعيد، وهي ليست نحوها ولا تماثلها، قال: (ويثبت قائماً) ولكن ليس فيها أن الطائفة الأولى صلت بعد أن ثبت قائماً، فهي في الحقيقة ليست متفقة معها.(153/19)
الكيفية الرابعة من كيفيات صلاة الخوف(153/20)
شرح حديث أبي هريرة في صفة صلاة الخوف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: يكبرون جميعاً وإن كانوا مستدبري القبلة، ثم يصلي بمن معه ركعة ثم يأتون مصاف أصحابهم، ويجيء الآخرون فيركعون لأنفسهم ركعة، ثم يصلي بهم ركعة، ثم تقبل الطائفة التي كانت مقابل العدو فيصلون لأنفسهم ركعة والإمام قاعد، ثم يسلم بهم كلهم جميعاً.
حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو عبد الرحمن المقري حدثنا حيوة وابن لهيعة قالا: أخبرنا أبو الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة رضي الله عنه (هل صليت مع رسول صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ قال أبو هريرة: نعم.
قال مروان: متى؟ فقال أبو هريرة: عام غزوة نجد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة العصر، فقامت معه طائفة، وطائفة أخرى مقابل العدو وظهورهم إلى القبلة، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبروا جميعا الذين معه والذين مقابل العدو، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة واحدة وركعت الطائفة التي معه، ثم سجد فسجدت الطائفة التي تليه والآخرون قيام مقابلي العدو، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقامت الطائفة التي معه فذهبوا إلى العدو فقابلوهم، وأقبلت الطائفة التي كانت مقابلي العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم كما هو، ثم قاموا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى وركعوا معه، وسجد وسجدوا معه، ثم أقبلت الطائفة التي كانت مقابلي العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ومن كان معه، ثم كان السلام، وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا جميعاً، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولكل رجل من الطائفتين ركعة ركعة)].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي أن الجيش يكون مجموعتين: مجموعة وجاه العدو، ومجموعة خلف الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه يدخل في الصلاة فيدخلون معه جميعاً، يكبر معه الذين كانوا مستقبلي القبلة وراءه والذين كانوا مستدبريها في وجاه العدو، فيدخلون في الصلاة جميعاً ويكبرون، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي بالذين معه ركعة، وإذا فرغ منها وقام الذين معه ذهبوا إلى وجاه العدو، وجاء أولئك الذين كانوا مستدبري القبلة وصلوا لأنفسهم ركعة، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم في الركعة الثانية، ثم صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم الركعة الثانية، وإذا جلس للتشهد جاءت الطائفة الأولى التي ذهبت وقد بقي عليها ركعة وصلت تلك الركعة والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، ثم سلم بهم جميعاً، فهذه تشبه الطريقة الأولى التي مرت في حديث عبيد الله بن معاذ، لأن الطائفة الأولى في حديث أبي هريرة صلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ثم انصرفت، ثم جاءت الطائفة الثانية وصلت لنفسها ركعة والنبي صلى الله عليه وسلم قائم، ولما جاءت للركعة الثانية صلتها مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما جلس للتشهد جاءت الطائفة الأولى التي ذهبت وبقي عليها ركعة وصلت الركعة والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، ثم سلم بهم جميعاً.
وهذه الكيفية التي جاءت في حديث أبي هريرة قريبة من الكيفية التي جاءت في حديث سهل بن أبي حثمة التي مرت في الطريق الأولى التي فيها: أن الذين خلفهم صلوا ركعة ثانية ثم صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم الركعة الثانية، ثم جاء الذين تخلفوا وصلوا الركعة والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، ثم سلم بهم صلى الله عليه وسلم، فتكون الطائفة الأولى دخلت في الصلاة، فصلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ثم ذهبت وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالطائفة الثانية ركعة، ثم جاءوا وصلوا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فتكون الطائفة الأولى لها الركعة الأولى ولها إتمام الركعة في حال التشهد.
وقوله هنا: [في غزوة نجد] أي: في غزوة ذات الرقاع، وسميت بذات الرقاع؛ لأنهم احتاجوا إلى أن يلفوا على أرجلهم الخرق لتقيهم الأرض وما فيها من أحجار مؤذية، وقيل غير ذلك، وقد كانت قبل الحديبية وقبل خيبر، وقد قيل: إنها حصلت مرتين، فـ أبو هريرة ما أسلم إلا بعد خيبر، فتكون غزوة ثانية إلى نجد.(153/21)
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في صفة صلاة الخوف
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
الحسن بن علي الحلواني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا أبو أبي عبد الرحمن المقري].
هو عبد الله بن يزيد المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حيوة].
حيوة بن شريح المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وابن لهيعة].
هو عبد الله بن لهيعة، وهو صدوق، احترقت كتبه وساء حفظه، ولكنه هنا مقرون بشخص ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[أنه سمع عروة بن الزبير].
عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مروان بن الحكم].
مروان بن الحكم احتج به البخاري، قال عروة بن الزبير: مروان لا يتهم في الحديث، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(153/22)
شرح حديث أبي هريرة في صفة صلاة الخوف من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا سلمة حدثني محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن الأسود عن عروة بن الزبير عن أبي هريرة رضي عنه أنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجد حتى إذا كنا بذات الرقاع من نخل لقي جمعاً من غطفان) فذكر معناه ولفظه على غير لفظ حيوة، وقال فيه: حين ركع بمن معه وسجد قال: فلما قاموا مشوا القهقرى إلى مصاف أصحابهم ولم يذكر استدبار القبلة].
ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله؛ إلا أنه قال: إن الذين كانوا في الصف الأول رجعوا القهقرى ولم يذكر استدبار القبلة، ولكن الحديث كما هو معلوم وارد في حال كون العدو في غير جهة القبلة.(153/23)
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في صفة صلاة الخوف من طريق ثانية
قوله: [حدثنا محمد بن عمرو الرازي].
محمد بن عمرو الرازي، ثقة أخرج له مسلم وأبو داود وابن ماجة.
[حدثنا سلمة].
هو سلمة بن الفضل، وهو صدوق كثير الخطأ، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة في التفسير.
[حدثني محمد بن إسحاق] محمد بن إسحاق المدني، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن جعفر بن الزبير].
محمد بن جعفر بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومحمد بن الأسود].
إن كان محمداً أبا الأسود استقام، ويكون نفسه صاحب الطريق السابقة.
[عن عروة بن الزبير عن أبي هريرة].
عروة بن الزبير عن أبي هريرة وقد مر ذكرهما.
قوله: [فذكر معناه ولفظه على غير لفظ حيوة وقال فيه: حين ركع بمن معه وسجد قال: فلما قاموا مشوا القهقرى] يعني: الذين كانوا معه مشوا القهقرى إلى أن يكونوا وجاه العدو.(153/24)
شرح حديث عائشة في صفة صلاة الخوف
[قال أبو داود: وأما عبيد الله بن سعد فحدثنا قال: حدثنا عمي حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة رضي الله عنها حدثته بهذه القصة، قالت: (كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرت الطائفة الذين صفوا معه، ثم ركع فركعوا، ثم سجد فسجدوا، ثم رفع فرفعوا، ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، ثم سجدوا هم لأنفسهم الثانية، ثم قاموا فنكصوا على أعقابهم يمشون القهقرى حتى قاموا من ورائهم، وجاءت الطائفة الأخرى فقاموا فكبروا، ثم ركعوا لأنفسهم، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجدوا معه، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجدوا لأنفسهم الثانية، ثم قامت الطائفتان جميعاً فصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فركع فركعوا، ثم سجد فسجدوا جميعاً، ثم عاد فسجد الثانية وسجدوا معه سريعاً كأسرع الإسراع جاهداً لا يألون سراعاً، ثم سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شاركه الناس في الصلاة كلها)].
ثم أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها، وفيها صفة أخرى لصلاة الخوف، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أصحابه صفين، طائفة صلت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه فركع وركعوا، وسجد السجدة الأولى وسجدوا معه، ثم جلس وسجدوا السجدة الثانية لأنفسهم، ثم رجعوا القهقرى، وجاء الذين في مواجهة العدو وصلوا لأنفسهم ركعة، ولما وصلوا إلى السجود سجد النبي صلى الله عليه وسلم فسجدوا معه السجدة الثانية، هو يسجد الثانية وهم يسجدون الأولى، ثم بعد ذلك سجدوا لأنفسهم بعد أن سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءت الطائفة الأولى التي ذهبت وصلوا جميعاً مع الرسول صلى الله عليه وسلم الركعة الثانية بسرعة مخففين لها وسلم بهم صلى الله عليه وسلم.
فإذاً تكون الطائفة الأولى أدركت معه الركعة كلها إلا السجدة الثانية، والطائفة الثانية أدركت من الركعة الأولى السجدة الثانية، والطائفتان أدركتا الركعة الثانية بكمالها، ولكنه صلى الركعة الثانية بتخفيف، فهذه هي الكيفية التي جاءت في هذا الحديث.(153/25)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صفة صلاة الخوف
[قال أبو داود: وأما عبيد الله بن سعد فحدثنا].
معناه: أن الحديث جاء عن عائشة وجاء عن أبي هريرة، وحديثه هو من نفس الطريق التي جاءت عن عروة وعن محمد بن جعفر، وبين الصلاتين فرق شاسع.
وعبيد الله بن سعد هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عمي].
عمه يعقوب بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي].
أبوه إبراهيم بن سعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة].
وقد مر ذكرهم، وأما عائشة فهي أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(153/26)
الأسئلة(153/27)
حكم صلاة الفريضة على القطار والطائرة والباخرة
السؤال
هل من الضرورة في صلاة الفريضة كون الإنسان يسافر في القطار وهو لا يتوقف، وليس بإرادة الراكب, وقد يخرج الوقت وهو لا زال في القطار؟
الجواب
نعم، الطائرة والقطار والباخرة وغيرها من الوسائل إذا جاء الوقت والمرء راكب عليها فلا يؤخر الصلاة عن وقتها، وإذا كان المكان فيه متسع لأن يصلي مستقبل القبلة ويركع ويسجد فإنه يفعل؛ لأن صلاة الباخرة بإجماع العلماء سائغة، وكذلك مثلها هذه الوسائل التي قد يحصل خروج الوقت قبل توقفها، كالطائرة فإنها لا تنزل إلا بعد خروج الوقت، فالإنسان يصلي على حسب حاله، إذا كان يجد متسعاً لأن يركع ويسجد، وإن لم يجد متسعاً فإنه يصلي على حسب حاله، يقف ويكون مستقبل القبلة، ويصلي بالإيماء، أو إذا كانت مقاعد الطائرة متجهة إلى القبلة يصلي وهو جالس، وإذا كانت متجهة إلى غير القبلة فإنه يقف ويستقبل القبلة ويصلي بالإيماء ويكون السجود أخفض من الركوع، ولكن إذا وجد مكاناً يصلي فيه يركع ويسجد لم يجز له أن يعدل عن ذلك إلى غيره.(153/28)
حكم قراءة المؤتم للفاتحة قبل الإمام
السؤال
قراءة المأموم الفاتحة قبل الإمام هل يترتب عليها شيء سواء قرأها متعمداً أو ساهياً؟
الجواب
لا بأس أن يقرأ الفاتحة قبل الإمام.(153/29)
حكم الترتيب في كفارة اليمين
السؤال
من حلف يميناً ثم حنث فما هي كفارته حسب الأولوية؟
الجواب
الكفارة هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فهو مخير بين هذه الأمور، فإن عجز عنه انتقل إلى صيام ثلاثة أيام، كما جاء ذلك مبيناً في سورة المائدة.(153/30)
حكم الاضطجاع على البطن
السؤال
هل هناك حديث صحيح يدل على النهي عن الاضطجاع على البطن؟
الجواب
نعم، ورد حديث صحيح يدل على ذلك.(153/31)
فضل التنفل في الحرمين
السؤال
ذكرتم بارك الله فيكم أن التنفل في الحرمين غنيمة وفضل، وقد استذكر بعض الإخوان فقال: كيف والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة)؟
الجواب
معلوم أن الإنسان إذا جاء إلى الحرمين وصار في المسجد ولا سيما إذا دخل الروضة فإنه يصلي، ومعلوم أنه ليس ممنوعاً من الصيام أو الصلاة فله أن يصلي في الحرم وله أن يصلي في البيت، وكونه يصلي في المسجد وينتهز هذه الفرصة لا بأس بذلك، وإن صلى في البيت يحصل له أجر إن شاء الله.(153/32)
ما يدرك به المأموم الركوع
السؤال
إذا كبر المأموم وركع وقبل أن يطمئن راكعاً رفع الإمام، هل يكون قد أدرك الركعة؟
الجواب
لا يعتبر مدركاً للركعة حتى يكون مطمئناً في ركوعه قبل أن يسمع صوت الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، وإلا فاته الركوع.(153/33)
حكم شرب المداد الذي كتب به القرآن الكريم
السؤال
نحن في بلد نقرأ القرآن الكريم على لوح ونغسل هذا اللوح ونشرب الماء الذي غسلناه، فهل يجوز هذا الفعل؟
الجواب
من المعروف أن الكتابة تكون بمواد ليست مستساغة مثل الطباشير والأشياء الأخرى التي ليس لشربها وجه لاسيما إذا كان مضراً.
وقضية الكتابة والشرب بعض أهل العلم قال: إن الإنسان يمكن له أن يكتب القرآن في مداد مثل الزعفران وما إلى ذلك، ويشربه ويكون شبيهاً بالرقية أو مثل الرقية، هكذا قال بعض أهل العلم؛ لكن الأولى للإنسان أن لا يفعله، وإنما يفعل الرقية المشروعة التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(153/34)
شرح سنن أبي داود [154]
صلاة الخوف من الصلوات التي شرعها الله عز وجل رحمة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبأمته، فإذا وجد الخوف في الجهاد فإنها تشرع إقامة صلاة الخوف، ولها عدة كيفيات وصفات حسب أحوال الناس في المعركة، فيصلون بالكيفية التي تناسب مقامهم وحالهم، وتكون أقرب إلى سلامتهم.(154/1)
الكيفية الخامسة من كيفيات صلاة الخوف(154/2)
شرح حديث ابن عمر في بيان صفة صلاة الخوف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة، ثم يسلم فيقوم كل صف فيصلون لأنفسهم ركعة.
حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا فقاموا في مقام أولئك، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة أخرى، ثم سلم عليهم، ثم قام هؤلاء فقضوا ركعتهم، وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم)].
أورد أبو داود هذه الترجمة وفيها أنه يصلي بكل طائفة ركعة، ثم تصلي كل من الطائفة الأولى والثانية ركعة ركعة، يعني: أن الطائفة الأولى تصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعة وتذهب وهي في الصلاة، ثم تأتي الطائفة الثانية فتصلي معه ركعة، ثم يسلم بالطائفة الثانية، ثم تصلي كل من الطائفة الأولى والثانية ركعة ركعة، يعني: أنهم يقضون جميعاً بعد سلام الرسول صلى الله عليه وسلم الركعة الباقية، فهذه كيفية من كيفيات صلاة الخوف.(154/3)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في بيان صفة صلاة الخوف
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع].
يزيد بن زريع، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معمر].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
الزهري هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم].
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
[عن ابن عمر].
ابن عمر هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: وكذلك رواه نافع وخالد بن معدان عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم].
أي: وكذلك رواه نافع كرواية سالم، فرواه نافع وخالد بن معدان عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وخالد بن معدان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(154/4)
رواية ابن عباس لصلاة الخوف
[وكذلك قول مسروق ويوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما].
مسروق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ويوسف بن مهران].
يوسف بن مهران لين الحديث، أخرج له البخاري في الأدب المفرد والترمذي.
[عن ابن عباس].
ابن عباس هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(154/5)
فعل أبي موسى لصلاة الخوف على الصفة التي رواها ابن عمر
[وكذلك روى يونس عن الحسن عن أبي موسى أنه فعله].
قوله: [روى يونس].
يونس هو ابن عبيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن].
الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي موسى].
هو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أنه فعله].
أي من فعل أبي موسى.(154/6)
كلمة توجيهية في بيان أهمية صلاة الجماعة
هذه الكيفيات لصلاة الخوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوضح الأدلة الدالة على أن صلاة الجماعة واجبة؛ لأنها لو سقطت لسقطت في هذه الحالات في شدة الخوف، فلما حافظ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحافظ عليها المسلمون مع رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ دل ذلك على أن صلاة الجماعة واجبة، وأنه لا يسوغ للإنسان أن يتهاون بها، وأن يتساهل بها، بل هذا من أوضح الأدلة الدالة على ذلك، فكون الناس في خوف شديد ومع ذلك يصلون جماعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقسم أصحابه قسمين: قسم يصلون معه، وقسم في جهة العدو، ولو كانت صلاة الجماعة ليست واجبة لما حصل شيء من ذلك، ولما احتيج إلى شيء من ذلك، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب صلاة الجماعة، ومنها حديث الرجل الأعمى الذي جاء إليه وقال: إني شاسع الدار، وليس لي قائد يلائمني إلى المسجد، وطلب منه أن يرخص له أن يصلي في بيته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أتسمع النداء؟ قال: نعم.
قال: فأجب).
فإذا كان عليه الصلاة والسلام لم يرخص لرجل أعمى أن يتخلف عن الجماعة فكيف بمن يكون صحيحاً معافى سليم العينين والرجلين والأعضاء، متعه الله بالصحة والعافية، ثم يتهاون في الجماعة ويتكاسل في شهودها؟ وعدم ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل الأعمى في ترك الجماعة مع ضعفه، وطول المسافة بينه وبين المسجد، وعدم وجود قائد يلائمه؛ يدل على وجوب صلاة الجماعة.
ومما يدلنا على ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)، فكونه صلى الله عليه وسلم هم بتحريق بعض البيوت على أصحابها؛ لأنهم متخلفون عن صلاة الجماعة في الوقت الذي يصلي الناس فيه جماعة؛ دل أنهم متلبسون بمعصية، فهمه صلى الله عليه وسلم بهذه العقوبة الشديدة يدلنا على وجوب صلاة الجماعة، وهو إن لم يفعل لكن مجرد الهم واضح الدلالة، وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أنه لم يحرف بيوتهم لما فيها من النساء والذرية الذين لا تجب عليهم الجماعة، لكن كون النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا الكلام، ويهم بهذا الهم، دليل واضح على وجوب صلاة الجماعة.
ومما يدل على وجوبها أيضاً: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً) فبين عليه الصلاة والسلام أن الصلوات كلها ثقيلة على المنافقين، ولكن العشاء والفجر أثقلهما عليهم؛ لأن قوله: (أثقل) يدلنا على أن الصلاة كلها ثقيلة، ولكن هاتين الصلاتين أثقل، وذلك أن صلاة العشاء تكون في أول الليل حيث يكون الناس قد كدحوا في النهار وهم بحاجة إلى الراحة، فالذي لا يبالي بشأن الصلاة ينام بعد المغرب، ويأتي وقت العشاء وهو نائم، وكذلك وقت الفجر يكون في الوقت الذي يكون فيه التمكن في النوم، وطيب الفراش، والتلذذ بالنوم.
فالمنافقون لا تهمهم صلاة الجماعة، وإنما يهمهم مصالح أنفسهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً) ثم قال: (والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) لو كان في المسجد طعام يسير جداً لبادر هؤلاء المنافقون إلى المسجد من أجل أن يحصلوا نصيبهم من الدنيا؛ لأن همهم الدنيا وليس همهم الآخرة، ولما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على العكس من ذلك وعلى خلاف ذلك كان الواحد منهم يصيبه المرض ثم لا تسمح نفسه أن يصلي في بيته وهو معذور، بل يأتي يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يلقى الله غداً مؤمناً فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) من شدة المرض لا يستطيع أن يمشي بمفرده، بل يحتاج إلى من يعضده عن يمينه وشماله حتى يؤتى به إلى المسجد، فهذه أحوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما المنافقون فقد قال عنهم الرسول: (لو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً)، وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمون ما في صلاة الجماعة من الأجر؛ فيأتون إليها وهم مرض يهادون بين الرجال، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء اتهمناه.
يعني: بالنفاق، إذا وجدوا إنساناً لا يصلي العشاء ولا يأتي المسجد في صلاة العشاء يتهمونه بالنفاق، فهي علامة المنافقين.
كل هذه الأدلة تدلنا على وجوب صلاة الجماعة، وأن الإنسان يجب عليه أن يحافظ عليها وأن يحرص عليها.
ثم ما معنى المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح؟ قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح أي: تعالوا، هذا هو معنى الأذان، والمساجد بنيت لإقامة الصلاة جماعة، والمؤذن يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح من أجل أن يأتي الناس إلى المسجد للصلاة، لا من أجل أن يصلوا في بيوتهم.(154/7)
الأسئلة(154/8)
كيفية التوسل بالعمل الصالح
السؤال
كيف يتوسل الإنسان بالعمل الصالح؛ هل يتوسل بالعمل كله أو ببعضه؟
الجواب
يمكن أن يتوسل الإنسان بعمله كله أو بعضه، فيمكن أن يقول: اللهم بإيماني بنبيك واتباعي لنبيك؛ لأن الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم يشمل كل الأعمال، فهي إنما تكون باتباع النبي صلى الله عليه وسلم.(154/9)
الكيفية السادسة من كيفيات صلاة الخوف(154/10)
شرح حديث عبد الله بن مسعود في صفة صلاة الخوف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة ثم يسلم فيقوم الذين خلفه فيصلون ركعة، ثم يجيء الآخرون إلى مقام هؤلاء فيصلون ركعة.
حدثنا عمران بن ميسرة حدثنا ابن فضيل حدثنا خصيف عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فقاموا صفاً خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصف مستقبل العدو، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم جاء الآخرون فقاموا مقامهم، واستقبل هؤلاء العدو فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم سلم، فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، ثم ذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو، ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا)].
هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فيه بيان كيفية من كيفيات صلاة الخوف التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيفية هذه الصلاة أنه جعل الجيش مجموعتين صف وراءه يصلون، وصف وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا ووقفوا في وجه العدو، وجاءت المجموعة الثانية فصلى بهم الركعة الثانية ثم سلم، وبعدما سلم قضوا لأنفسهم -أي: المجموعة الثانية- فصارت الركعتان للطائفة الثانية متواليتان، ثم بعد أن سلمت المجموعة الثانية ذهبت إلى مصاف المجموعة الأولى، ثم رجعت الأولى وقضت لنفسها ركعة، فكان الذين صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم الركعة الأولى صلوا ما بقي عليهم آخراً بعدما فرغت المجموعة الثانية من ركعتيها، الركعة الأولى صلوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والركعة الثانية بعد سلام الرسول صلى الله عليه وسلم، والمجموعة الثانية ركعتاها متواليتان الأولى مع الرسول صلى الله عليه وسلم وهي الثانية للرسول صلى الله عليه وسلم، والثانية قضتها بعد سلام الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ذهبت هذه المجموعة وجاءت المجموعة الأولى التي صلت معه الركعة الأولى وأتمت ركعتها يعني: وكل من هاتين المجموعتين قضى لنفسه ركعة بعد سلام الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني: أنهم يصلون معه ركعة ويقضون ركعة، ولكن هذا القضاء المجموعة الثانية ركعتاها متواليتان، والمجموعة الأولى ركعتاها متفرقتان؛ لأنهم صلوا الركعة الأولى مع النبي صلى الله عليه وسلم، والركعة الثانية صلوها بعد أن فرغت المجموعة الثانية من ركعتيها، هذه هي الكيفية التي جاءت في حديث ابن مسعود، ولكن هذه الكيفية لم تصح لأن الراوي عن ابن مسعود ابنه أبو عبيدة وهو لم يسمع منه، فهو منقطع، فهذه الكيفية التي جاءت بهذا الإسناد غير صحيحة.(154/11)
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في صفة صلاة الخوف
قوله: [حدثنا عمران بن ميسرة].
عمران بن ميسرة ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود.
[حدثنا ابن فضيل].
ابن فضيل هو: محمد بن فضيل بن غزوان، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا خصيف].
خصيف هو ابن عبد الرحمن، وهو صدوق سيء الحفظ، أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبي عبيدة].
أبو عبيدة هو: ابن عبد الله بن مسعود، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن مسعود].
هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث فيه انقطاع، وفيه الكلام الذي في خصيف.(154/12)
شرح أثر خصيف في بيان بعض زيادات صلاة الخوف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا تميم بن المنتصر أخبرنا إسحاق -يعني: ابن يوسف عن شريك عن خصيف بإسناده ومعناه، قال: (فكبر نبي الله صلى الله عليه وسلم وكبر الصفان جميعاً)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن مسعود من طريق أخرى، وهو بمعناه، إلا أنه قال: كبرت الطائفتان مع النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً أي: الذين كانوا معه والذين كانوا وجاه العدو كبروا معاً، إلا أن الطائفة الثانية ذهبت والطائفة الأولى كبرت وهي وجاه العدو، ثم جاءت وصلت معه الركعة الثانية وأتمت لنفسها بعد سلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد تقدم حديث ابن عمر الذي فيه أنهم قضوا، ولكن ما فيه أنهم قضوا جميعاً، فيحتمل أن يكونوا صلوا جميعاً مع بعض في آن واحد، وفي هذه الحالة يبقى الإمام هو الذي يحرس، والاحتمال الثاني: أن المجموعة الأولى تصلي ثم تصلي المجموعة الأخرى.(154/13)
تراجم رجال إسناد أثر خصيف في بيان بعض زيادات صلاة الخوف
قوله: [حدثنا تميم بن المنتصر].
تميم بن المنتصر ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أخبرنا إسحاق يعني: ابن يوسف].
هو إسحاق بن يوسف الأزرق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شريك].
شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق، اختلط وساء حفظه لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن خصيف] خصيف مر ذكره.(154/14)
صلاة عبد الرحمن بن سمرة لصلاة الخوف بكيفية أخرى
[قال أبو داود: رواه الثوري بهذا المعنى عن خصيف، وصلى عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه هكذا إلا أن الطائفة التي صلى بهم ركعة ثم سلم مضوا إلى مقام أصحابهم، وجاء هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم رجعوا إلى مقام أولئك فصلوا لأنفسهم ركعة].
هذه الكيفية قريبة من الكيفية السابقة، إلا أن الكيفية السابقة فيها أن الطائفة الثانية ركعتاها متواليتان، وهذه الكيفية بخلاف ذلك؛ لأنه بعد ما سلم عبد الرحمن بن سمرة ذهبت الطائفة الثانية ووقفت مقام الذين ذهبوا أولاً، فرجعت الطائفة الأولى التي ذهبت وأتمت الركعة، ثم الطائفة الثانية أتمت بعدها، يعني: فتختلف هذه الطريقة عن الطريقة السابقة؛ لأن الطريقة السابقة الطائفة الثانية ركعتاها متواليتان، وهذا ما فيه توالي لا من الأولى ولا من الثانية؛ لأن الطائفة الأولى قضت أولاً، فبعدما سلم الإمام بالطائفة الثانية ذهبت الطائفة الثانية للحراسة وجاءت الأولى وصلت التمام، ثم بعد ذلك الطائفة الثانية صلت بعد الطائفة الأولى، فهذا هو الفرق بين هذه الطريقة والطريقة السابقة.
وهذه الطريقة هي نفسها التي جاءت عن ابن عمر؛ لأنه قال: هؤلاء وهؤلاء، ما قال: هؤلاء وأولئك، فهو يحتمل أن يكونوا قضوا جميعاً أو أن الأولين قضوا ثم الآخرون أو الآخرون ثم الأولون.
قوله: [(إلا أن الطائفة التي صلى بهم ركعة ثم سلم مضوا إلى مقام أصحابهم)]، يعني: ما أتموا كما حصل في الرواية السابقة التي قبلها، بل ذهبوا إلى مكان الذين صلوا الركعة الأولى وذهبوا للحراسة.
قوله: [(وجاء هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة ثم رجعوا)].
فهي تختلف عن الصفة التي قبلها، فييها أن الطائفة الثانية بعد أن سلم الرسول صلى الله عليه وسلم سلموا.(154/15)
تراجم رجال إسناد أثر عبد الرحمن بن سمرة في صلاة الخوف
[قال أبو داود: حدثنا بذلك مسلم بن إبراهيم حدثنا عبد الصمد بن حبيب قال: أخبرني أبي: أنهم غزوا مع عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه كابل فصلى بنا صلاة الخوف].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وعبد الصمد بن حبيب ضعفه الإمام أحمد، وقال ابن معين: لا بأس به، أخرج حديثه أبو داود.
وحبيب بن عبد الله بن سعد الأزدي مجهول، أخرج حديثه أبو داود.
عبد الرحمن بن سمرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث في إسناده حبيب بن عبد الله الذي هو والد عبد الصمد، وهو مجهول، فالإسناد ضعيف.
وهذه الرواية التي أوردها أبو داود هنا ذكر الإسناد بعد المتن على خلاف طريقته، وطريقته المألوفة أنه يقدم الإسناد على المتن، والبخاري رحمه الله أورد أثراً عن ابن عباس في أول تفسير سورة حم فصلت، أنه جاءه رجل وسأله عن أمور قال: إنها تشتبه علي في القرآن، فبعد أن ذكرها أجابه ابن عباس عنها، ثم بعد ذلك أورد البخاري الإسناد بعد أن ذكر الأثر عن ابن عباس عن المنهال عن سعيد عن ابن عباس، وذكر أثراً طويلاً، فيه أسئلة عن آيات مشتبهة، فما ظاهره فيه تعارض، فأجابه عنها ابن عباس، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وصنيع البخاري -يعني: في إيراد هذا الإسناد- على خلاف عادته، وصنيعه يشهد بأنه ليس على شرطه.
يعني: كونه قدم الأثر على الإسناد فهو ليس على شرطه، ثم قال: إن ابن خزيمة في صحيحه يفعل هذا في مواضع عديدة فيما ليس على شرطه، قال: وقد صرح ابن خزيمة في صحيحه بهذا الاصطلاح، وأن ما يورده بهذه الكيفية ليس على شرط صحيحه، وحرّج على من يغير هذه الصيغة المصطلح عليها إذا أخرج منه شيئاً على هذه الكيفية.
وأنا ذكرت هذه الفائدة في الفوائد المنتقاة رقم: مائتين وخمسة وثلاثين، وأذكر أن البخاري ذكر أثراً آخر في كتاب العلم وهو أثر علي: (حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟)، وبعد أن ساقه قال: حدثنا به فلان عن فلان إلى آخره، فجعل المتن أولاً والإسناد آخراً، وفي إسناده معروف بن خربوذ.(154/16)
شرح أثر عبد الرحمن بن سمرة في صلاة الخوف من طريق ثانية وتراجم رجاله(154/17)
الكيفية السابعة من كيفيات صلاة الخوف(154/18)
شرح أثر حذيفة بن اليمان في صلاة الخوف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعة ولا يقضون.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني الأشعث بن سليم عن الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم قال: (كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقام فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة رضي الله عنه: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا)].
أورد أبو داود حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في هذه الترجمة، وهي من قال: إنه يصلي بكل طائفة ركعة ولا يقضون، يعني: يصلي الإمام ركعتين، وكل طائفة تصلي ركعة واحدة فقط ولا تقضي الثانية كما مر في حديث ابن عمر، وحديث عبد الرحمن بن سمرة، وحديث ابن مسعود، فكلها فيها قضاء بعد سلام الإمام.
وهنا ذكر أنه لا قضاء على المأمومين، وإنما يكفيهم ركعة واحدة، فروى حذيفة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعلهم مجموعتين، فصلى بالمجموعة الأولى ركعة وسلمت معه وذهبت، وجاءت المجموعة الثانية وصلت معه ركعة وسلمت معه وذهبت يعني: ولم يقضوا الركعة الثانية، ومعناه أنه صلى ركعتين وهم ركعة واحدة، وما قضى الأولون ولا الآخرون، وهذه من صفات صلاة الخوف، وقد جاء في الحديث الذي سيأتي عن ابن عباس قال: صلاة الخوف ركعة، قالوا: هذا فيما إذا اشتد الخوف، ومنهم من يقول: هذه من صفات صلاة الخوف وإن لم يكن قد اشتد، وبعض أهل العلم يقول: إن عليهم القضاء، وهو صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة وقضوا، لكن قد جاء التنصيص على أنهم لم يقضوا، فعلى هذا لا يقال: إن الحديث فيه اختصار، وأنه ترك فيه ذكر قضاء الركعة الثانية، بل جاء التنصيص في الحديث على أنهم لم يقضوا كما تأتي في الروايات المتعددة، وعلى هذا فمن صفات صلاة الخوف ركعة واحدة لكل طائفة، وللإمام ركعتان.(154/19)
تراجم رجال إسناد أثر حذيفة بن اليمان في صلاة الخوف
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى].
يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني الأشعث بن سليم].
الأشعث بن سليم هو ابن أبي الشعثاء، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأسود بن هلال].
الأسود بن هلال ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[عن ثعلبة بن زهدم].
ثعلبة بن زهدم مختلف في صحبته، قيل: إنه تابعي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن حذيفة].
حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(154/20)
أثر ابن عباس في صلاة الخوف وتراجم رجال إسناده
[قال أبو داود: وكذا رواه عبيد الله بن عبد الله ومجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله].
قوله: (وكذا) يعني: كرواية كحديث حذيفة، فقد جاء عن ابن عباس، رواه عبيد الله بن عبد الله وهو ابن عتبة بن مسعود الثقفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، ومجاهد بن جابر المكي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(154/21)
أثر أبي هريرة في صلاة الخوف وتراجم رجال إسناده
[وعبد الله بن شقيق عن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم].
عبد الله بن شقيق العقيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
وأبو هريرة هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.(154/22)
أثر جابر في صلاة الخوف وتراجم رجال إسناده
[ويزيد الفقير وأبو موسى -قال أبو داود: رجل من التابعين ليس بالأشعري- جميعاً عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم].
يزيد الفقير هو يزيد بن صهيب الفقير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
والفقير ليس نسبة إلى الفقر وإنما نسبة إلى أنه كان يشكو فقار ظهره، فقيل له: الفقير.
وأبو موسى هو: علي بن رباح ويقال له: عُلي، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[وقال بعضهم: عن شعبة في حديث يزيد الفقير: (إنهم قضوا ركعة أخرى)].
لكن كل الرواة ما ذكروا أنهم قضوا، وإنما جاء التنصيص أنهم لم يقضوا في كثير من المواضع.(154/23)
أثر ابن عمر في صلاة الخوف وتراجم رجال إسناده
[وكذلك رواه سماك بن الوليد الحنفي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم].
سماك بن وليد الحنفي ليس به بأس، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
وابن عمر هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(154/24)
أثر زيد بن ثابت في صلاة الخوف
[وكذلك رواه زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فكانت للقوم ركعة ركعة وللنبي صلى الله عليه وسلم ركعتين)].
زيد بن ثابت صحابي جليل حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قوله: (فكانت للقوم ركعة ركعة، وللنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ركعتين)].
يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين، والطائفة الأولى صلت معه الركعة الأولى ثم سلمت، وجاءت الطائفة الثانية فصلت معه الركعة الثانية ثم سلمت معه ولم يقضوا.(154/25)
شرح حديث: (فرض الله عز وجل الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا مسدد وسعيد بن منصور قالا: حدثنا أبو عوانة عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض الله عز وجل الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (فرض الله عز وجل الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة).
ومحل الشاهد قوله: (وفي الخوف ركعة)، ومعناه: أنه يمكن أن تكون صلاة الخوف ركعة واحدة، قالوا: وذلك إذا اشتد القتال أو اشتد الخوف، فإنهم يصلون ركعة واحدة الإمام والمأمومون معه.
والحديث واضح الدلالة على ذلك، وقد مر حديث حذيفة وفيه: إن المأمومين صلوا ركعة واحدة، والرسول صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، لكن هذا يدل على أن الإمام له أيضاً أن يصلي بهم ركعة واحدة.
قوله: [(فرض الله الصلاة على لسان)].
يدل على أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو من الله عز وجل، وأن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من عنده، وإنما هو من عند الله، فالسنة مثل القرآن من الله، إلا أن القرآن متعبد بتلاوته والعمل به، والسنة متعبد بالعمل بها كالقرآن، ولا يفرق بين السنة والقرآن، ومن أنكر السنة فقد أنكر القرآن، ومن كفر بالسنة فقد كفر بالقرآن.
وفيه جواز أن يقال: على لسان، لقوله: (فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم)، وقد مر بنا نظير هذا: (فإن الله قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده).(154/26)
تراجم رجال إسناد حديث (فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً)
قوله: [حدثنا مسدد وسعيد بن منصور].
مسدد مر ذكره، وسعيد بن منصور، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قالا: حدثنا أبو عوانة].
أبو عوانة هو: وضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكير بن الأخنس].
بكير بن الأخنس ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن مجاهد عن ابن عباس].
مجاهد وابن عباس قد مر ذكرهما.(154/27)
من قال يصلي بكل طائفة ركعتين(154/28)
شرح حديث (صلى النبي في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين.
حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: (صلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خوف الظهر، فصف بعضهم خلفه، وبعضهم بإزاء العدو، فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم، ثم جاء أولئك فصلوا خلفه، فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً، ولأصحابه ركعتين ركعتين، وبذلك كان يفتي الحسن)].
أورد أبو داود هذه الكيفية، وهي كون الإمام يصلي بكل طائفة ركعتين ويسلم، فيكون عنده أربع ركعات، ثنتان فرض والأخيرتان نفل، يصلي بكل مجموعة ركعتين، فيكون الإمام عنده أربع: الركعتان الأولى فرض، والركعتان الأخيرتان مع المجموعة الثانية نفل.
وهذا من أوضح الأدلة على جواز صلاة المفترض خلق المتنفل، وحديث معاذ بن جبل الذي فيه أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، بعض أهل العلم يقولون: إن معاذاً كان يصلي مع النبي نافلة، ثم يذهب ويصلي بهم فريضة، ويقولون: المفترض يصلي خلف المفترض، ولا يصلي مفترض خلف متنفل، لكن هذا الحديث واضح الدلالة على جواز ذلك، وهو من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث صلى بالطائفة الأولى ركعتين ثم سلم، وهذا هو فرضه، ثم جاءت المجموعة الثانية فصلى بهم الركعتين الأخيرتين وكان متنفلاً وهم مفترضون، فهو واضح الدلالة على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل.
قوله: [(صلى النبي صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر، فصف بعضهم)] الظهر صلاة رباعية تقصر في السفر، فجعل بعضهم وجاه العدو، وبعضهم صلى بهم ركعتين وسلم، ثم بعد ذلك ذهب هؤلاء وصفوا مقام أولئك، وجاء الذين في اتجاه العدو وصلى بهم ركعتين وسلم، فصارت صلاته بالطائفة الثانية وهو متنفل وهم مفترضون.
والرسول صلى الله عليه وسلم جعلهم مجموعتين وهو إمامهم، فإذا فعل ذلك إمام الجيش أو أمير الجيش فهو الأولى، ويجوز أن يصلي بهم جميعاً.
[قال أبو داود: وكذلك في المغرب يكون للإمام ست ركعات، وللقوم ثلاث].
لأن الإمام يصلي المغرب مرتين.(154/29)
تراجم رجال إسناد حديث (صلى النبي في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ].
عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[قال: حدثنا أبي].
أبوه هو: معاذ بن معاذ العنبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأشعث].
هو: أشعث بن عبد الملك الحمراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن الحسن].
الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بكرة].
أبو بكرة نفيع بن الحارث، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(154/30)
أثر جابر بن عبد الله في صفة صلاة الخوف وتراجم رجال إسناده
[قال أبو داود: وكذلك رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك قال سليمان اليشكري: عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم].
قوله: [وكذلك رواه يحيى بن أبي كثير].
يحيى بن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
[عن جابر].
جابر بن عبد الله مر ذكره.
[وكذلك قال سليمان اليشكري].
سليمان اليشكري ثقة، أخرج له الترمذي وابن ماجة، وما ذُكر أبو داود فيمن أخرج له؛ لأن هذه الرواية من المعلقات.(154/31)
ما جاء في صلاة الطالب(154/32)
شرح حديث (بعثني رسول الله إلى خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عرنة وعرفات)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صلاة الطالب.
حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو حدثنا عبد الوارث حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر عن ابن عبد الله بن أنيس عن أبيه رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عرنة وعرفات فقال: اذهب فاقتله، قال: فرأيته وحضرت صلاة العصر فقلت: إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما أن أؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومىء إيماء نحوه، فلما دنوت منه قال لي: من أنت؟ قلت: رجل من العرب بلغني أنك تجمع لهذا الرجل فجئتك في ذاك، قال: إني لفي ذاك، فمشيت معه ساعة، حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب صلاة الطالب.
يعني: طالب العدو، الذي يطلب عدواً، و (أل) تغني عن المضاف إليه، فالطالب أي: طالب العدو.
ويأتي كثيراًَ التعبير بـ (ألـ) فتغني عن المضاف إليه، كما يقال: الفتح والبلوغ والنيل اختصاراً والمراد فتح الباري وبلوغ المرام، ونيل الأوطار، فـ (أل) تغني عن المضاف إليه.
فالطالب هنا أي: طالب العدو، فحذف المضاف إليه وهو العدو، وجاءت (أل) في الأول عوضاً عن المضاف إليه، والمقصود من يطلب عدواً.
والعلماء قالوا: إن الإنسان قد يكون طالباً وقد يكون مطلوباً، فإذا كان مطلوباً والعدو يطلبه ولو وقف يصلي تمكن منه وقضى عليه، فإنه يصلي على راحلته، ويصلي إيماء، ويصلي ماشياً كما قال الله: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة:239] يعني: هذا إذا كان مطلوباً.
وأما إذا كان طالباً فإنه ينزل ويصلي، إلا إذا حشيء أنه إذا انفرد عن أصحابه قد يلحق به العدو، فيصير هنا كأنه في حكم المطلوب؛ فله أن يصلي ماشياً أو راكباً، وأما إذا كان متمكناً من أن يصلي نازلاً، ولن يترتب على صلاته مضرةً عليه، فإنه ينزل يصلي، وهذا إذا كان طالباً.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن أنيس الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إن خالد بن سفيان الهذلي في عرنة أو عرفات فاذهب إليه فاقتله، وكان يجمع لقتال الرسول صلى الله عليه وسلم، فذهب إليه، ولما رآه قال: خشيت أنني إن أخرت الصلاة يكون بيني وبينه شيء يجعلني أؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها، فصار يصلي وهو في طريقه إليه يومئ إيماء وهو يمشي.
ولما وصل إليه قال له خالد: من أنت؟ قال: رجل من العرب، علمت أنك تجمع لهذا الرجل -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- فجئتك لهذا، يعني: وهذا كلام فيه تورية؛ لأنه يريد شيئاً، وذاك يريد شيئاً آخر، كأنه قال: جئت لأنصرك وأؤيدك، ففهم هذا منه ذلك، وهو يريد: جئتك من أجل أنك تؤلب عليه فأنا أريد أن أقتلك، فهذا هو الذي جاء من أجله، والرجل فهم منه أنه يريد أن يسير معه، وهو يريد أنه جاء ليقضي عليه؛ لأنه يجمع لقتال للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا من التورية في الكلام، فيكون المتكلم يريد شيئاً وغيره يفهم شيئاً آخر، وكلامه محتمل؛ لأنه لو قال: جئت أنصرك، لصار كاذباً، ولو قال: جئت أقاتلك لقاتله، ولكنه أتى بكلام مجمل يحتمل هذا ويحتمل هذا، وهذا من التورية في الكلام.
وقوله: إني لفي ذاك، يعني: إنني في شأني هذا أجمع لقتاله، فمشى معه، ولما تمكن منه ضربه بالسيف حتى برد، يعني: حتى مات.(154/33)
تراجم رجال إسناد حديث: (بعثني رسول الله إلى خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عرنة وعرفات)
قوله: [حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو].
أبو معمر عبد الله بن عمرو، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الوارث].
عبد الوارث بن سعيد العنبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن إسحاق].
محمد بن إسحاق المدني، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن جعفر].
محمد بن جعفر بن الزبير، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عبد الله بن أنيس].
هو غير مسمى هنا، قيل: إنه عبيد الله، وقيل: إنه ضمرة، وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود، وقد ذكره صاحب التقريب في الأبناء، فقال: ضمرة أو عمرو، وقال: إنه روى عن أبيه في ليلة القدر، وفي صلاة الخوف.
والألباني ذكر هذا في إرواء الغليل وقال: إن الحديث ضعيف لأجل ابن أنيس، وهو عبيد الله كما رواه البيهقي، وقال: عبيد الله، وهو مجهول.
قال: فالحديث ضعيف بسبب ذلك، وأما رواية محمد بن إسحاق بالعنعنة فقد صرح بالتحديث في مسند الإمام أحمد، يعني: موجودة بالتصريح بالتحديث، والقصة طويلة في مسند الإمام أحمد، ذكرها الألباني في الإرواء.
ولكن يبقى ابن عبد الله بن أنيس، وهو مجهول، فبسببه ضعف الحديث، وعبد الله بن أنيس صحابي أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
فهذا عبد الله بن أنيس الجهني.
مداخلة: الظاهر أنه عبد الله بن عبد الله كما ذكره المنذري، قال: كذا عبد الله بن عبد الله، وقد تحرف إلى عبيد الله.
لا، يوجد من أبناء عبد الله ويمكن عند المنذري تحرف إلى عبد الله بدل عبيد الله، وفي الغالب أن الاسم على اسم أبيه هذا ما جاء؛ لأنه ما هو من الأشياء المشتهرة والمنتشرة كثيرة، وكثيراً ما يأتي الاسم على اسم أبيه إذا مات وهو في بطن أمه، يعني: يسمى باسم أبيه.
وقد مر في سنن النسائي شخص كان مات وهو في بطن أمه فسمي باسم أبيه.(154/34)
فائدة
وهنا فائدة، في تحفة الأشراف قال: محمد بن جعفر بن الزبير وابن الأسود هو: محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، أقول: محمد بن الأسود لعله محمد بن عبد الرحمن بن نوفل أبي الأسود.
رقم الحديث: ألف ومائتان وواحد وأربعون، محمد بن الأسود في تحفة الأشراف: أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، يعني: بدل محمد بن الأسود، أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل.
في نفس الإسناد أوله قال: حدثنا محمد بن عمرو الرازي ضمن إشكالنا في الرموز الصواب: أنه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة.
كما في طبعة أبي الأشبال: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
وعلى ما راجعنا تهذيب الكمال وتهذيب التهذيب فيه: مسلم وأبو داود وابن ماجة.
والحافظ في تهذيب التهذيب، لكن أسقطوا رمز البخاري.
ثم إن هذا الرجل مختلف فيه ذكر الحافظ في تهذيب التهذيب عدداً من العلماء أنهم قالوا: إن هذا من شيوخ البخاري.(154/35)
الأسئلة(154/36)
كيفية تطبيق صلاة الخوف مع وجود الأسلحة المتطورة
السؤال
تغير الوضع اليوم فكيف نصلي صلاة الخوف مع تطور الأسلحة والمدافع الثقيلة والطائرات والصواريخ التي تفتك بالإمام وبالحراسة؟
الجواب
أقول: كون الناس ينزل بهم شيء مثل هذا لا علاقة لهم به، وإنما المهم أنهم بدل ما يكونون كلهم مشغولين، ولا يستطيعون أن يدافعوا لو نزل بهم شيء من ذلك أو مثلاً حتى الآن مثل الأسلحة فهناك صواريخ مضادة للصواريخ، ولو كانوا كلهم اشتغلوا عن الصواريخ المضادة إذا كانوا يصلون كلهم، لكن إذا كان بعضهم يصلي وبعضهم يحرس.
يعني: الحكم موجود وليس معناه: أنه انتهى.
وأما بالنسبة للكيفيات فهناك حديث صالح بن خوات الذي مر، فهذا هو أحسن الكيفيات، كونه يصلي ركعة ثم الطائفة الثانية تتم لنفسها، ثم تأتي الطائفة الثانية وتصلي معه ركعة، ثم تتم لنفسها وتسلم معه، يعني: هذه أحسن الكيفيات، وهذه كلها صحيحة، فالذي صح عنه هو صحيح.
وهذه الكيفيات كلها من اختلاف التنوع، يعني: كل الصفات منها صحيحة، الإنسان إذا أتى بأي شيء ثابت صح، لكن أقربها من ناحية عدم كثرة الذهاب والإياب وكذا هي رواية صالح بن خوات عمن صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف.(154/37)
كيفية تطبيق صلاة الخوف على صلاة المغرب
السؤال
كيف نطبق الصفات الماضية إذا أراد الإمام أن يصلي بهم صلاة المغرب؟
الجواب
المغرب لا تقصر، وإنما يؤتى بها على ما هي عليه.
والله ما أعرف التفاصيل، لكن إذا كان على الطريقة التي جاءت أحياناً مثل لو أنه كان صلى المغرب مجموعة يصلى بهم الإمام، ثم المجموعة الأخرى يصلون لأنفسهم فتكون المجموعتين كالحديث الذي قال: (يصلي بكل طائفة ركعتين)، إذا حصل مثل هذا فيكون فيه إمامان؛ لأن هذه قضية ذكرها أبو داود استنباطاً ولا يوجد فيها حديث.(154/38)
حكم الإخبار عن الله على سبيل الحكاية
السؤال
ما حكم من أخبر عن الله سبحانه وتعالى على سبيل الحكاية؟
الجواب
يعني: تقول: قال الله تعالى على لسان كذا، لكن الحكاية لا أدري هل جائز استعمالها أم فيها محذور أو كذا؟ لا أدري، ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي يذكر ما حصل منهم بكلامه سبحانه وتعالى، هو نفس الكلام، هذا كلام الله، والشيء الذي قالوه الله تعالى تكلم به، وكما هو معلوم هم ألسنتهم مختلفة، وهذا الكلام الذي جاءنا بلسان عربي مبين هو كلام الله سبحانه وتعالى.
لكن الذين يقولون حكاية هم يقولون: إن القرآن ليس هو كلام الله بل هو حكاية عن كلام الله؛ لأن كلامه سبحانه قائم بنفسه، وهذا حكاية أو عبارة، هذا غير هذا.(154/39)
شرح سنن أبي داود [155]
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس محافظة على السنن الرواتب، وحث على فعلها بقوله وفعله صلى الله عليه وسلم كما جاءت الأحاديث بذلك، ولم يكن على شيء من النوافل أشد تعهداً منه على ركعتي الفجر، وقد سن لنا أن نقرأ فيها بالكافرون وقل هو الله أحد إعلاناً لتوحيد الله تعالى والإخلاص له.(155/1)
أبواب التطوع وركعات السنة(155/2)
شرح أحاديث صلاة الرواتب
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تفريع أبواب التطوع وركعات السنة.
حدثنا محمد بن عيسى حدثنا ابن علية حدثنا داود بن أبي هند حدثني النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً بني له بهن بيت في الجنة)].
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم أخبرنا خالد، ح وحدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد -المعنى- عن عبد الله بن شقيق قال: (سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التطوع، فقالت: كان يصلي قبل الظهر أربعاً في بيتي، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي بهم العشاء، ثم يدخل بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماًَ، وليلاًَ طويلاً جالساً، فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين، ثم يخرج فيصلي بالناس صلاة الفجر صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد صلاة العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب تفريع أبواب التطوع وركعات السنة].
التطوع: هو النفل، وهو غير الفرائض، وقوله: [وركعات السنة] لعله يريد بذلك الركعات التي تكون تابعة للصلوات، والسنة لعله يريد بها السنة في اصطلاح الفقهاء، وهي التطوع أو الركعات المستحبة التي هي رواتب تابعة للصلوات.
والسنة تأتي على أربعة معانٍ: الأول: كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة، فكله سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: منهجه وطريقته، فما في القرآن وما في السنة كله سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهدي الرسول الذي جاء به صلى الله عليه وسلم؛ لأن القرآن من الله والسنة من الله، إلا أن السنة وحي غير متلو.
ومر معنا حديث ابن عباس: (فرض الله على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم الصلاة في السفر ركعتين، وفي الحضر أربعاً، وفي الخوف ركعة).
فقوله: (فرض الله على لسان نبيكم) يعني أن الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو من الله، فالسنة من الله، والقرآن من الله، والكل سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (فمن رغب عن سنتي فليس مني)، فالمقصود بسنة صلى الله عليه وسلم طريقته التي هي اتباع الكتاب والسنة، وهدي الكتاب والسنة، وهذا هو أعم المعاني التي يأتي بها لفظ السنة.
المعنى الثاني: فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له: سنة، ومن ذلك ما يذكره العلماء في شروح الحديث، وفي كتب الفقه، فعندما يأتون إلى مسألة من المسائل فإنهم يقولون: هذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والقياس أو المعنى، ثم يقولون: أما الكتاب فقول الله تعالى كذا، وأما السنة فقول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، وأما الإجماع فقد حكاه أهل الإجماع، وأما المعنى فكذا وكذا.
فإذا ذكرت السنة مع القرآن أو مع الكتاب فالمراد بها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والسنة بهذا المعنى تكون مرادفة للحديث، فالحديث والسنة هما بمعنى واحد، وهو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
المعنى الثالث: مقابل البدعة، فإذا قالوا: هذا سنة وهذا بدعة فمعناه أن هذا جاء وفقاً للسنة، ذاك جاء بدعة خلافاً للسنة.
ومن ذلك الكتب التي يؤلفها العلماء في عقيدة أهل السنة والجماعة باسم السنة، مثل: كتاب السنة لـ ابن أبي عاصم، والسنة لـ محمد بن نصر المروزي، والسنة لـ عبد الله بن الإمام أحمد، والسنة للالكائي، والمراد منها ما يعتقد طبقاً للسنة وخلافاً للبدعة.
والإمام أبو داود رحمه الله قد وضع في كتابه السنن اسم: (كتاب السنة)، وأورد فيه ما يقرب من مائة وخمسين حديثاً كلها في العقيدة، يعني: ما يعتقد وفقاً للسنة وخلافاً للبدعة.
المعنى الرابع: هو السنة باصطلاح الفقهاء، وهو المأمور به لا على سبيل الإيجاب، وإنما على سبيل الاستحباب، أي: ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، ويطلبه الشارع طلباً غير جازم، بخلاف الواجب، فإنه يثاب فاعله ويعاقب تاركه ويطلبه الشارع طلباً جازماً.
وعلى هذا فالسنة يراد بها المندوب والمستحب، فيقال: المسنون.
وإذا جاء في كتب الفقهاء (يسن) أو (المسنون) أو (سنة) أو (مندوب) أو (مستحب) فذلك كله بمعنى واحد.
وقوله هنا: [(وركعات السنة)] لعله يريد بذلك الركعات التي هي مستحبة، والتي هي من قبيل السنن التي ليست بواجبة، ولكن على الإنسان أن يحرص عليها.
وقد سبق أن مر الحديث الذي فيه: (إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله الصلاة) وفيه أنها إذا نقصت يقول الله تعالى: هل لعبدي من تطوع، فيكمل به صلاة الفرائض.
والتطوعات والسنن على الإنسان أن يحرص عليها؛ لأنها كالسياج للفرائض، والذي يتهاون بالسنن يتهاون بالفرائض، فمن سهل عليه التهاون بالسنن يسهل عليه التهاون بالفرائض، ومن حافظ على السنن فمن باب أولى أن يحافظ على الفرائض، والله تعالى يقول في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) الحديث.
ثم أورد أبو داود رحمه الله ثلاثة أحاديث: الأول عن أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وفيه: أن من حافظ على ثنتي عشر ركعة في كل يوم -أي: في اليوم والليلة- بني له بيت في الجنة.
والثاني حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه بيان تفصيل تلك الركعات، وأنها أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر.
فالتفصيل لهذه السنن الرواتب الثنتي عشرة موجود في حديث عائشة: أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر.
والثالث حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه المحافظة على عشر ركعات: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر.
وحديث أم حبيبة وحديث عائشة متفقان من ناحية العدد، وأن الراتبة تكون أربعاً قبل الظهر، بخلاف حديث ابن عمر، فإن فيه اثنتين قبل الظهر، ولا شك في أن الإتيان بالأكمل والأفضل الذي هو أربع هو الأولى، ومن أتى بالاثنتين فحسن ولا بأس بذلك.
ومن الأمور التي أذكرها عن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه -وكنت ذكرت هذا في المحاضرة التي ألقيتها عقب وفاته بخمسة أيام- أنني دخلت معه إلى المسجد النبوي، وبعد أن أذن للظهر وصففت بجواره صلى هو أربعاً، وأنا صليت ركعتين وجلست، وبعدما سلم التفت إلي وقال: أنت صليت ركعتين؟ قلت: نعم صليت ركعتين، قال: الأربع أحسن وأفضل؛ لأنها جاءت في حديث عائشة وأم حبيبة، وفي الزيادة خير.
يعني: فهي أولى وأفضل.
وهذا من نبله وفضله ونصحه رحمة الله عليه، فإنه ينبه على أمور فيها الكمال، وإن كان الإتيان بذلك موافقاً للسنة، إلا أن الذي جاءت به السنة هو أكمل وأفضل، وهو الأولى، فنبهني على ذلك رحمة الله عليه.
والحاصل أن الأفضل الإتيان بالأكمل، والذي جاء في حديث أم حبيبة وحديث عائشة لا شك هي أنه أكمل وأفضل، ومن أتى بركعتين فقد وافق السنة، ومعلوم أن الأصغر يدخل في الأكبر، إذا أتي بالأكبر فقد أتي بالأصغر، ولكن من أتى بالأصغر فقد ترك بالأكبر، بل من أتى بالأكبر هو الذي يحصل على الفضل والزيادة في الخير؛ لأن (أربع الركعات لا شك في أن الإتيان بها أفضل من الإتيان بركعتين.
وعلى هذا فإن هذه الأحاديث الثلاثة دلت على هذه الرواتب، وحديث أم حبيبة وعائشة متفقان على ذكر العدد، وهو الثنتي عشرة ركعة، وحديث أم حبيبة غير مفصل، وحديث عائشة مفصل، وفيه -أيضاً- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب كلها في بيته.
وفي حديث ابن عمر قال: [(وبعد المغرب ركعتين في بيته)].
وهذا يفيد أن ذلك في بيته، ولكن عائشة رضي الله عنها بينت أن تلك الرواتب كانت في البيت، فيكون هذا الذي جاء في حديث ابن عمر مثلما جاء في حديث عائشة، إلا أن ابن عمر نص على ذلك فيما يتعلق بالمغرب.
وعائشة -كما هو معلوم- هي أدرى وأعلم؛ لأنها تخبر أنه كان يصلي في بيته أربعاً، ثم يخرج، ثم يرجع ويصلي ركعتين، وكل راتبة من الرواتب كان يأتي بها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه في بيته كما جاء ذلك مبيناً عنها.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة)، فدل على فضل ذلك بقوله وفعله، حيث كان يصلي في بيته النوافل الرواتب، وأخبر في هذا الحديث بأفضليتها.(155/3)
كيفية صلاة الليل
قولها: [(وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر] أكثر ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ركعة في صلاة الليل مع الوتر، وأقل ما جاء عنه سبع ركعات، وقيل: أكثر ما جاء ثلاث عشرة ركعة.
وقيل: إن الثلاث عشرة هي إحدى عشرة، ولكن الثنتين إما أن يراد بهما الركعتان اللتان يصليهما وهو جالس من بعد الوتر، وقيل: إنهما ركعتان خفيفتان يبدأ بهما صلاة الليل، وقيل إنهما سنة العشاء، وقيل غير ذلك، وجاء عنه سبع، وهنا ذكرت تسعاً فيهن الوتر، وهذا في بعض أحواله، ولكن أقول: ما كان يزيد على إحدى عشرة كما جاء عن عائشة، ولكنه قد ينقص عنها إلى تسع وإلى سبع، ولم يأت عنه أقل من سبع.
وقولها: [(كان يصلي ليلاً طويلاً قائماً، وليلاً طويلاً جالساً فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد)].
معناه: أنه كان يصلي قائماً ويصلي جالساً، وإذا صلى عن قيام ركع عن قيام وسجد عن قيام، وإذا صلى عن جلوس ركع عن جلوس بالإيماء، وسجد بالإيماء عن جلوس.
وقد جاء -أيضاًَ-: أنه كان يقرأ من صلاة الليل شيئاً كثيراً وهو جالس، فإذا بقي قدر ثلاثين آية قام وقرأها وهو قائم ثم ركع، فيكون أول قيامه للركعة عن جلوس وهو الكثير، ثم بعد ذلك يقوم ويقرأ ثلاثين آية أو أربعين آية من الآيات التي كان أراد أن يقرأها ثم يركع ويسجد صلى الله عليه وسلم.
فهو كان إذا صلى قائماً ركع عن قيام، وإذا صلى جالساً ركع عن جلوس، ولكنه قد يصلي جالساً ثم يقوم كما جاءت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قولها: [(كان صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد صلاة العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين)] لم يذكر فيه الركعتين قبل صلاة الفجر، ومن المعلوم أنهما آكد الرواتب، وآكد السنن.(155/4)
تراجم رجال إسناد حديث (من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى].
محمد بن عيسى هو: ابن الطباع، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن علية].
ابن علية هو: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المشهور بـ ابن علية نسبة إلى أمه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا داود بن أبي هند].
داود بن أبي هند ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني النعمان بن سالم].
النعمان بن سالم، ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن أوس].
عمرو بن أوس، ثقة، وهو تابعي كبير أخرج له أصحاب الكتب الستة ومنهم البخاري ومسلم.
[عن عنبسة بن أبي سفيان].
عنبسة بن أبي سفيان، يقال: له رؤية، وقال أبو نعيم: اتفق الأئمة على أنه تابعي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أم حبيبة].
أم حبيبة، هي أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.(155/5)
تراجم رجال إسناد حديث (كان يصلي قبل الظهر أربعاً في بيتي)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشيم].
هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا خالد].
خالد هو: ابن مهران الحذاء، وهو لقبه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ح: وحدثنا مسدد].
(ح) للتحول من إسناد إلى إسناد، ومسدد هو: مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع].
يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا خالد].
هو خالد الحذاء.
[المعنى] يعني أن الطريقين متفقان في المعنى.
[عن عبد الله بن شقيق].
هو عبد الله بن شقيق العقيلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عائشة].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وقد حفظت الشيء الكثير من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما ما يتعلق بالأمور البيتية، مثل إخبارها في هذا الحديث بأنه كان يصلي النوافل كلها في بيتها.(155/6)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في بيان عدد الرواتب
قوله: [حدثنا القعنبي].
القعنبي هو: عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد من الرباعيات، وهي أعلى ما يكون عند أبي داود، ففيه القعنبي عن مالك وعن نافع عن ابن عمر، فبين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص.(155/7)
شرح حديث (كان لا يدع أربعاً قبل الظهر)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعاً قبل الظهر، وركعتين قبل صلاة الغداة)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة، وهو يتعلق بست من الاثني عشرة ركعة التي جاءت في حديثها.
فقولها: [(أن النبي كان لا يدع أربعاً قبل الظهر، وركعتين قبل صلاة الغداة)] يعني: في بيتها؛ لأنها تحكي عن الشيء الذي كان يجري في بيتها، وقد جاء ذلك مبيناً في الحديث الذي قبل هذا.
فهذا فيه دليل على ست ركعات من الاثنتي عشرة ركعة التي جاءت في حديثها السابق.(155/8)
تراجم رجال إسناد حديث (كان لا يدع أربعاً قبل الظهر)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى].
يحيى هو: ابن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر].
إبراهيم بن محمد بن المنتشر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة قد مر ذكرها.(155/9)
أهمية ركعتي الفجر(155/10)
شرح حديث (لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين قبل الصبح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ركعتي الفجر.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن جريج قال: حدثني عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين قبل الصبح)].
أورد أبو داود رحمه الله: [باب ركعتي الفجر].
فبعد أن أتى بالترجمة الأولى التي هي تحت الباب العام، وأتى بالرواتب التي تكون تابعة للصلوات، وأتى بالأحاديث التي تجمع عدداً منها كلها أو بعضها، وهي حديث أم حبيبة، وحديث عائشة، وحديث ابن عمر، أو تجمع بعضها الذي هو نصفها كما في حديث عائشة، بعد ذلك بدأ بتفريع الأبواب الخاصة بهذه الرواتب، وبدأ بركعتي الفجر؛ لأنهما آكد الرواتب وأهمها، وكان عليه الصلاة والسلام لا يتركهما في حضر ولا في سفر.
وأورد حديث عائشة رضي الله عنها [(أن النبي لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين قبل الصبح)].
أي: ما كان يتعاهد ويحافظ على شيء منها مثلما كان يحافظ على ركعتي الفجر.
وقد جاء في حديث -أيضاً- مثل هذا المعنى، وهو أنه لم يكن على شيء أشد محافظة منه على الوتر وعلى ركعتي الفجر، فكان لا يترك ذلك في حضر ولا في سفر، أعني الوتر وركعتي الفجر.(155/11)
تراجم رجال إسناد حديث (لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين قبل الصبح)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن جريج].
مسدد ويحيى مر ذكرهما، يحيى بن سعيد القطان وابن جريج هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثني عطاء].
هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد بن عمير].
عبيد بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
يقول الحافظ: ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قاله مسلم، وعده غيره في كبار التابعين.
وهو ثقة متفق على توثيقه، وإذا كان ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقال له: صحابي، وإنما الصحابي هو الذي لقي النبي صلى الله عليه وسلم ورآه النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو الصحابي، وأما مجرد الولادة في حياته، فإن المخضرمين قد ولدوا في حياته فإنه قد حصل الذين هم مولدون أدركوا الجاهلية والإسلام، لكن الذي ولد في حياته معناه أنه كان صغيراً.
[عن عائشة].
عائشة مر ذكرها.(155/12)
ما جاء في تخفيف ركعتي الفجر(155/13)
شرح حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين قبل صلاة الفجر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في تخفيفهما.
حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا زهير بن معاوية حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عبد الرحمن عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخفف الركعتين قبل صلاة الفجر حتى إنني لأقول: هل قرأ فيهما بأم القرآن؟)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب في تخفيفهما]؛ وقد أورد عدة تراجم تتعلق بركعتي الفجر: أولها: إثباتهما، وثانيها بيان أهميتهما، ثم تخفيفهما.
والمراد من تخفيفهما أنه لا يطولهما، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يخففهما، ودليل ذلك حديث عائشة، وما جاء من الأحاديث التي فيها القراءة وأنه يقرأ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) أو آيتين: آية في الركعة الأولى، وآية في الركعة الثانية، وكل هذا يدل على التخفيف، وكونه يقرأ فيهما بـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) أو بآية من سورة البقرة، وآية من سورة آل عمران، أو آيتين من سورة آل عمران كل ركعة يقرأ فيها آية، يدل على تخفيفهما.
وحديث عائشة الذي أورده أبو داود هنا يدل على التخفيف الشديد، بل تساءلت عائشة فقالت: [هل قرأ فيهما بأم القرآن؟] لشدة التخفيف، ولا يعني ذلك أنه لم يقرأ، بل كان يقرؤها (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، ولكن هذا إشارة إلى التخفيف، وإلى مقارنتهما بركعاته الأخرى، فليستا بشيء من ناحية مقدارهما، فهما خفيفتان جداً.
ويشبه هذا الحديث الذي سبق أن مر قريباً في قضية الشك في وقت الصلاة، إذ المقصود من ذلك أنه يصليها في أول الوقت، حتى إن بعض الناس قد يتردد في الوقت، هل دخل الوقت أو ما دخل؟ ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو إمام الناس، وهو الذي يحافظ على الوقت، وهو الذي يعرف دخول الوقت، ولكن بعض المأمومين لشدة المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها يتردد قائلاً: هل دخل الوقت أو لم يدخل؟ والعبرة بالإمام، فهو المسئول عن الوقت، وهو الذي يحافظ على الوقت وغيره تابع له.
فالحاصل أن ذاك معناه المبادرة وعدم التأخر في شيء بعد دخول الوقت، وهنا التخفيف الشديد.(155/14)
تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين قبل صلاة الفجر)
قوله: [حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني].
أحمد بن أبي شعيب الحراني هو: أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا زهير بن معاوية].
زهير بن معاوية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عبد الرحمن].
هو محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري المدني وهو: محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، ويقال: ابن محمد بدل عبد الله، ومنهم من ينسبه إلى جده لأمه فيقول: محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة.
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرة].
هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة، وهي مكثرة من الرواية عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
[عن عائشة].
عائشة قد مر ذكرها.(155/15)
شرح حديث قراءته صلى الله عليه وسلم بالكافرون وقل هو الله أحد في ركعتي الفجر
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا يحيى بن معين حدثنا مروان بن معاوية حدثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ))].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة [(أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر -يعني: بعد الفاتحة- بـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)]، وهذا دليل على تخفيفهما.
وهو داخل تحت الترجمة؛ لأنه قرأ فيهما هاتين السورتين القصيرتين.(155/16)
تراجم رجال إسناد حديث قراءته صلى الله عليه وسلم بالكافرون وقل هو الله أحد في ركعتي الفجر
قوله: [حدثنا يحيى بن معين].
يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا مروان بن معاوية].
هو مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يزيد بن كيسان].
يزيد بن كيسان صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي حازم].
هو أبو حازم سلمان الأشجعي، وفي هذه الطبقة شخصان يرويان عن أبي هريرة: أبو حازم سلمان الأشجعي وأبو حازم سلمة بن دينار، وهنا المراد سلمان الأشجعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
وسوؤة الكافرون يقال لها كذلك: سورة الإخلاص؛ لأنها كلها مشتملة على إخلاص العبادة لله وعلى التوحيد؛ إذ يقول الله تعالى فيها: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون:1 - 5] وكررت هذه الآية مرتين، ولهذا قيل للسورتين: سورتا الإخلاص، ويقال لـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ): سورة الإخلاص.
وجاء في أحاديث أخرى أنه كان يقرأ بهما.(155/17)
شرح حديث (لو أصبحت أكثر مما أصبحت لركعتهما وأحسنتهما)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو المغيرة حدثنا عبد الله بن العلاء حدثني أبو زيادة عبيد الله بن زيادة الكندي عن بلال رضي الله عنه أنه حدثه: (أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤذنه بصلاة الغداة، فشغلت عائشة رضي الله عنها بلالاً بأمر سألته عنه حتى فضحه الصبح فأصبح جداً، قال: فقام بلال فآذنه بالصلاة وتابع أذانه، فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما خرج صلى بالناس وأخبره أن عائشة شغلته بأمر سألته عنه حتى أصبح جداًَ، وأنه أبطأ عليه بالخروج فقال: إني كنت ركعت ركعتي الفجر، فقال: يا رسول الله! إنك أصبحت جداً قال: لو أصبحت أكثر مما أصبحت لركعتهما وأحسنتهما وأجملتهما)].
هذا الحديث يتعلق بركعتي الفجر، وفيه ذكر التخفيف؛ لأنه صلاهما خفيفتين بعدما أعلنه، وبعدما مضى جزء من الوقت بسبب أن عائشة رضي الله عنها كانت تسأل بلالاً عن شيء فحصل التأخر في إيذانه صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(عن بلال: أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤذنه بصلاة الغداة، فشغلت عائشة رضي الله عنها بلالاً بأمر)].
كان بلال رضي الله عنه إذا جاء وقت الإقامة جاء وآذن الرسول صلى الله عليه وسلم، فيخرج الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لما جاء قبل أن يؤذنه سألته عائشة عن شيء فانشغل به معها حتى مضى جزء من الوقت، وحتى فضحه الصبح، ومعناه أنه ظهر وبدا وخرج عن الوقت المعتاد الذي كان يصلي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(قال: فقام بلال فآذنه بالصلاة وتابع أذانه)].
يعني: بعدما فرغ من أمر عائشة وآذنه بالصلاة ذهب وتابع أذانه، ولعل المقصود به أنه أقام الصلاة.
قوله: [(فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما خرج صلى بالناس وأخبره أن عائشة شغلته بأمر سألته عنه حتى أصبح جداً)].
يعني: لما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخر، وكان يصلي ركعتين بعد أن يؤذنه فأخبره يعتذر عن التأخر الذي حصل عن العادة بأن عائشة شغلته.
قوله: [(وأنه أبطأ عليه بالخروج)].
يعني: بعد أن شغلته عائشة وقد أخبره ومضى شيء من الوقت أبطأ بالخروج، فقال له: إنك تأخرت وإنك صليت هاتين الركعتين بعد أن آذنتك وقد مضى شيء من الوقت، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: [(لو تأخرت أكثر من ذلك لصليتهما وأحسنتهما وأجملتهما)].
فدل هذا على تأكد هاتين الركعتين، وعلى أهميتهما، وعلى أن الإنسان يبدأ بهما ولو مضى شيء من الوقت، بل عند القضاء، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما طلعت عليه الشمس هو وأصحابه حين ناموا في مسيرهم في غزوة من الغزوات قاموا يصلون الركعتين قبل أن يصلوا الفجر.
لكن لو حصل التأخر حتى لم يبق إلا مقدار ركعة عن طلوع الشمس فإنه يأتي بالفرض ولا يشتغل بالنافلة فيخرج الوقت، ولكنه يقضي النافلة بعد ذلك.(155/18)
تراجم رجال إسناد حديث (لو أصبحت أكثر مما أصبحت لركعتهما وأحسنتهما)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن حنبل مر ذكره.
[حدثنا أبو المغيرة].
أبو المغيرة هو: عبد القدوس بن الحجاج وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله بن العلاء].
عبد الله بن العلاء ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثني أبو زيادة عبيد الله بن زيادة الكندي].
أبو زيادة عبيد الله بن زيادة الكندي ثقة، أخرج له أبو داود وحده.
[عن بلال].
هو بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بلال بن رباح رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث صحيح؛ لأن في ترجمة أبي زيادة أن روايته عن بلال مرسلة، لكنه هنا في الحديث صرح بالتحديث، وهذا يفيد بأنه سمع منه.(155/19)
شرح حديث (لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا مسدد حدثنا خالد حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن إسحاق المدني - عن ابن زيد عن ابن سيلان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(لا تدعوهما)]، أي: ركعتي الفجر [(ولو طردتكم الخيل)].
قيل في معنى قوله: [طردتكم الخيل] لو أن العدو لحقكم فصلوها على أي حال كنتم، فلا تتركوا هذه النافلة سواءٌ أكنتم راكبين أم غير راكبين.
وقيل: معناه: لو أنهم ارتحلوا، وحصل ذهاب الناس عنهم فإنهم لا يتساهلون في أمر هاتين الركعتين، لكن الإسناد غير صحيح، من جهة أن فيه ابن سيلان.(155/20)
تراجم رجال إسناد حديث (لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا خالد].
خالد هو: ابن عبد الله الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن إسحاق المدني -].
عبد الرحمن بن إسحاق صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن زيد].
هو محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن سيلان].
ابن سيلان قيل: هو عبد الله، وقيل: عبد ربه، وقيل: جابر، وهو مقبول، وقيل: إنه مجهول، أخرج له أبو داود وحده.
[عن أبي هريرة].
مر ذكره.(155/21)
شرح حديث قراءة رسول الله في ركعتي الفجر بآيتي البقرة وآل عمران
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عثمان بن حكيم أخبرني سعيد بن يسار عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن كثيراً مما كان يقرأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ركعتي الفجر بـ {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة:136] هذه الآية، قال: هذه في الركعة الأولى، وفي الركعة الآخرة بـ {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مسلمونَ} [آل عمران:52])].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يقرأ في ركعتي الفجر بهاتين الآيتين، الآية الأولى هي من سورة البقرة، وهي قوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة:136] الآية، والآية الثانية في سورة آل عمران: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران:64] الآية، تلك في الركعة الأولى، وهذه في الركعة الثانية، وهذا دليل واضح على تخفيفهما.(155/22)
تراجم رجال إسناد حديث قراءة رسول الله في ركعتي الفجر بآيتي البقرة وآل عمران
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي، وهو الذي قال عنه الإمام أحمد: إنه شيخ الإسلام.
وهو لقب عظيم، وتزكية كبيرة من الإمام أحمد لهذا الرجل الكبير العظيم رحمة الله على الجميع، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير حدثنا عثمان بن حكيم].
زهير بن معاوية مر ذكره، وعثمان بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرني سعيد بن يسار].
سعيد بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(155/23)
شرح حديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بآيتي سورة آل عمران في ركعتي الفجر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عثمان بن عمر -يعني ابن موسى - عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} [آل عمران:84] في الركعة الأولى، وفي الركعة الأخرى بهذه الآية: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:53]، أو {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة:119])، شك الدراوردي].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر بـ {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} [آل عمران:84] في سورة آل عمران، في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية يقرأ -أيضاً- الآية من سورة آل عمران: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:53] في الركعة الثانية، أو {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة:119]، وهذه الآية في سورة البقرة، والشك في آية سورة آل عمران وآية سورة البقرة إنما هو من الدراوردي، وهو عبد العزيز بن محمد أحد رجال الإسناد.
وقد ذكر الشيخ الألباني رحمه الله أن البيهقي رواه بذكر الآية الأولى فقط بدون ذكر الآية الثانية التي في سورة البقرة، أي أنه قرأ في الركعتين الآيتين من سورة آل عمران، بدون الشك، وهما: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:53] و {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} [آل عمران:84].(155/24)
تراجم رجال إسناد حديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بآيتي سورة آل عمران في ركعتي الفجر
قوله: [حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان].
هو محمد بن الصباح بن سفيان، وهو صدوق، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[حدثنا عبد العزيز بن محمد].
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عثمان بن عمر -يعني ابن موسى -].
هو عثمان بن عمر بن موسى، وهو مقبول أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود وابن ماجة.
[عن أبي الغيث].
هو: سالم أبو الغيث، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
مر ذكره.
وظاهر المسألة فيها خلاف سابق، وقد ورد في تحفة الأشراف والنكت الظراف كلام العلماء حول هذا الراوي.
فقد قال المزي في التحفة: وقد اختلف فيه على يحيى بن سعيد، ومنهم من رواه عنه عن محمد بن عبد الرحمن عن عمرة، ومنهم من رواه عنه عن محمد بن عبد الرحمن عن عمته عمرة كما قال شعبة وهم الأكثرون، وكلا القولين صواب، ومنهم من رواه عنه عن محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة، وهو وهم، وذكره أبو مسعود في ترجمة أبي الرجال عن أمه عمرة، ووهم في ذلك أيضاً، وتبعه الحميدي في الجمع بين الصحيحين على وهمه.
انتهى من الجزء الثاني عشر من تحفة الأشراف.
قال الحافظ في النكت الظراف: أخرجه الطحاوي من طريق معاوية بن صالح عن يحيى بن سعيد عن محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة، فهذا سلف أبي مسعود الذي تبعه عليه الحميدي.(155/25)
الأسئلة(155/26)
حكم المسافر ينوي الإقامة في المدينة خمسة أيام
السؤال
جئت إلى المدينة من الجنوب، وأريد أن أقيم بالمدينة خمسة أيام، فهل أقصر الصلاة؟
الجواب
ما دمت عازماً على أن تقيم خمسة أيام فليس لك أن تقصر، بل عليك أن تتم.(155/27)
حكم الدعاء بغير العربية في الصلوات المكتوبة
السؤال
هل يجوز الدعاء في الصلوات المكتوبة بغير العربية؟
الجواب
الإنسان عليه أن يتعلم الأمور المطلوبة التي هي واجبات باللغة العربية، ويعرف معناها، وعليه -أيضاً- أن يتعلم الأدعية الشرعية التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يتمكن من ذلك فله أن يدعو بلغته.(155/28)
حكم الصور التي لا تظهر فيها ملامح الوجه
السؤال
ما حكم الصور التي فيها أشخاص دون أن يكون الوجه ظاهراً، مثل صور الحرم المكي أو المدني التي فيها جماهير المصلين دون أن تظهر فيها ملامح الوجوه؟
الجواب
التصوير كله لا يسوغ ولا يجوز، لكن إذا كانت صوراً صغيرة، ولا يظهر فيها إلا الأشكال والألوان للبعد فهذا أخف، ولكن ترك ذلك مطلقاً هو الذي ينبغي.(155/29)
حكم وفاء المتخرجين بالعهد المأخوذ عليهم ليقوموا بالتدريس بعد تخرجهم
السؤال
كنا ندرس في المعهد الثانوي في غير هذا البلد، وبعد تخرجنا من المعهد التحقنا بالجامعة الإسلامية، ولكن قبل ذهابنا إلى الجامعة أخذ المعهد منا تعهداً وهو إلزامنا بالتدريس لمدة سنتين، فهل علينا أن نفي بهذا التعهد بعد تخرجنا من الجامعة علماً بأن مدير المعهد له أخطاء وزلات في المنهج؟
الجواب
إذا أمكن أن تحققوا ذلك فافعلوا، لاسيما إذا كان هو الذي سعى لكم في الوصول إلى الجامعة، وابذلوا ما تستطيعون لتصحيح أخطائه، وجعل المعهد يسير على الاستقامة.(155/30)
حكم سب الله ولعن الدين عند الغضب
السؤال
يوجد في بلادنا كثير من الناس إذا غضب يسب الله، ويلعن الدين، فما حكم من يسب الدين في حالة الغضب؟
الجواب
نسأل الله العافية، فسب الدين كفر وردة عن الإسلام والعياذ بالله! وهذا الإنسان لا يجد شيئاً يسبه عندما يغضب إلا الله عز وجل فهذا هو الخذلان.(155/31)
حكم من عنده مال لشخص لم يعد يراه
السؤال
وجدت بائعاً يبيع في الطريق نظارات، فأخذت منه نظارتين وقلت له: أذهب إلى الفندق وآتيك بالثمن، فلما رجعت إليه لم أجده، فكيف أصنع بهاتين النظارتين؟
الجواب
اسع واحرص على أن تبحث عنه، فإن وجدته وإلا فتصدق بقيمتهما عنه.(155/32)
نقد كتاب (توحيد المسلمين في الصيام والإفطار) للغماري
السؤال
هناك كتاب جديد يباع في السوق وموضوعه: (توحيد المسلمين في الصيام والإفطار) لمؤلفه: أحمد بن صديق الغماري يطعن فيه في معاوية رضي الله عنه وبعض الصحابة، فنرجو التنبيه عليه؛ لأن هذا الرجل معروف بأنه يدس السم في العسل، والكتاب منتشر؟
الجواب
نعم أعرف هذا عنه، وأنا قد رأيت الكتاب، ورأيت الكلام الذي في الكتاب على معاوية، فهو كلام سيئ في غاية السوء والعياذ بالله، حيث يقول: إن حديث ابن عباس الذي فيه قصة كريب أنه لم يعمل بعمل أهل الشام؛ لأنه عمل معاوية ومن معه، فهذا هو الذي جعلهم لا يأخذون به، وإلا فإن الأخذ متعين على حسب ما قرره في كتابه، ولكنه جعل العلة والسبب -والعياذ الله- في ذلك أن ابن عباس لا يعتبر رؤية معاوية ورؤية أهل الشام، فهو من أجل ذلك قال: نحن نكمل بناء على أنه ما اعتبر رؤية معاوية، وهذا كلام سيئ سخيف، والرجل عنده أخطاء كبيرة أعظم من هذا.(155/33)
حكم صلاة الخوف في الحضر
السؤال
هل صلاة الخوف تقصر حتى في الحضر؟
الجواب
ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري فائدة حول هذا الموضوع، وقال: إن صلاة الخوف تؤدى في الحضر كما تؤدى في السفر، وقد ذكرتها في الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى، ذكرت هذه الفائدة عن الحافظ ابن حجر، وهي أن صلاة الخوف تؤدى في الحضر كما تؤدى في السفر قصراً.
قال: والدليل على ذلك أن الآية أطلقت، حيث يقول تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء:102] وهو يشمل الحضر والسفر، فالآية عمومها يدل على أن الحكم يشمل الحضر والسفر.(155/34)
السنن المستحبة في شهر شعبان
السؤال
هل هناك من سنن تؤدى في شهر شعبان؟
الجواب
المعروف في شهر شعبان أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكثر فيه من الصيام، وجاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في شهر شعبان وفي شهر محرم، فهذان الشهران أكثر ما يصام فيهما، وأكثر ما كان يصوم الرسول صلى الله عليه وسلم في شعبان، هذا هو الذي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما ليلة النصف من شعبان فتخصيصها بالصيام وتخصيص الليل بالقيام لم يثبت في ذلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ثبت الصيام لكونه يكثر منه، أما أن يقصد يوماً معيناً كيوم النصف من شعبان ويخصه بالصيام فهذا من الأمور المبتدعة والمحدثة.(155/35)
حكم استئجار سائق يشرب الدخان
السؤال
عندي سائق يشرب الدخان، فهل أبقيه عندي أم أتركه؟ وهل الراتب الذي أسلمه له يعتبر مساعدة له على فعل هذا المنكر؟
الجواب
كونك تستأجره وتعطيه نقوداً وهو يفعل المنكر أو يشرب الدخان لا تعتبر به مسئولاً، ولكن كونك تصطحب إنساناً سليماً من الشرور هو الذي ينبغي لك، بحيث لا يكون صاحبك ومرافقك.
والحمد لله، فالذين لا يشربون الدخان كثيرون، وللإنسان أن يختار منهم شخصاً.(155/36)
حكم الاستنجاء من خروج الريح
السؤال
من خرج منه ريح هل يستنجي ويتوضأ أم يعيد الوضوء بدون استنجاء؟
الجواب
الريح ليس فيها استنجاء.(155/37)
كيفية صلاة راتبة الظهر
السؤال
في الحديث: (كان يصلي قبل الظهر أربعاً في بيته)، فهل يجوز أن تصلى الأربع بسلام واحد؟
الجواب
الذي يبدو أن الصلاة ثنتين ثنتين.(155/38)
شرح سنن أبي داود [156]
حفت الصلوات بجملة من الرواتب التي يزيد بها الأجر ويكمل بها نقص الصلاة، ومن جملة هذه الرواتب ركعتا الفجر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما في بيته ويضطجع بعدهما، وأقر من فاتتاه على صلاتهما بعد الفجر، ومن الرواتب صلاة أربع ركعات قبل الظهر، ويجوز للمرء أن يصلي بعدها أربعاً، ومن فعل حرمه الله على النار.(156/1)
ما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر(156/2)
شرح حديث (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاضطجاع بعدها.
حدثنا مسدد وأبو كامل وعبيد الله بن عمر بن ميسرة قالوا: حدثنا عبد الواحد حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه).
فقال له مروان بن الحكم: أما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه؟ قال عبيد الله في حديثه قال: لا، قال: فبلغ ذلك ابن عمر رضي الله عنهما فقال: أكثر أبو هريرة على نفسه.
قال: فقيل لـ ابن عمر: هل تنكر شيئاً مما يقول؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجبنا، قال: فبلغ ذلك أبا هريرة قال: فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [باب الاضطجاع بعدها] أي: بعد ركعتي الفجر.
والاضطجاع بعد ركعتي الفجر على الشق الأيمن جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله، وأنه يضطجع على شقه الأيمن بعد أن يصلي ركعتين، وقد قيل في حكمة ذلك: إن المقصود به الفصل بين النفل والفرض، وقيل: إن المقصود به كونه يتهجد في الليل، فيكون في اضطجاعه شيء من الراحة بعد أن يصلي ركعتين قبل أن يصلي الفجر.
وقد جاء في ذلك حديث عن أبي هريرة بدأ به المصنف، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه)، وهذا يدل على ما دل عليه فعله صلى الله عليه وسلم، لكن بعض أهل العلم قال: إن هذا يكون في حق من يصلي في البيت، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، وكان ابن عمر إذا رأى أحداً يفعل ذلك في المسجد يحصبه، أي: يرميه بالحصباء، وذلك أن الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو في البيت، قالوا: ومن الحكمة من كونه كان يتهجد في الليل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وجاء عنه أنه كان يترك ذلك في بعض الأحيان، كما جاء في بعض الأحاديث عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فبعض أهل العلم قال: إنه مشروع ومستحب، لاسيما إذا كان الفعل ممن يصلي بالليل، ويقوم بالليل، فإنه يفعل كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون ذلك في البيت إذا كان صلى الركعتين في البيت كما كان صلى الله عليه وسلم يصليهما، وكان يضطجع هذا الاضطجاع في كثير من الأحيان، وفي بعض الأحيان كان لا يضطجع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
فأورد أبو داود رحمه الله جملة من الأحاديث، أولها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: [(إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه)، فقال له مروان بن الحكم: [أما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه؟].
وكأن هذا السؤال فيه الإشارة إلى الفصل، وأن المقصود بالركعتين الفصل بين النافلة والفريضة، وأنه إذا صلى الركعتين في البيت ومشى فإن هذا فصل، قال: ألا يجزيه ذلك؟ فقال: أبو هريرة: لا يجزيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، يعني: يصلي ركعتين في بيته ويضطجع ثم يمشي.
فالذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الاضطجاع، وحديث أبي هريرة بعض أهل العلم تكلم فيه من جهة عبد الواحد بن زياد، ومن جهة أن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة، لكن عبد الواحد بن زياد يحتمل تفرده ولا يضعف الحديث به، ولكن الحديث يحمل على من صلى في البيت النافلة، فإنه يضطجع، وأما من يأتي إلى المسجد ويصلي في المسجد ثم يضطجع فليس هناك شيء يدل على فعله، وهديه صلى الله عليه وسلم الذي كان يفعله هو أنه كان يفعل ذلك في البيت.
قوله: [فبلغ ذلك ابن عمر فقال: أكثر أبو هريرة على نفسه].
يعني بذلك هذا الحديث الذي حدث به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: [أكثر أبو هريرة على نفسه] يعني: أكثر من رواية الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما قال هذا قيل له: [أتنكر شيئاً مما قال؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجبنا].
يعني: اجترأ وكان يروي الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبنا فكثر حديثه وقل حديثنا بالنسبة لحديثه، ولما بلغ ذلك أبا هريرة رضي الله عنه قال: ما ذنبي إذا كنت قد حفظت وهم قد نسوا.
وأبو هريرة رضي الله عنه -كما هو معلوم- هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، مع أنه لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا فترة وجيزة، وكان إسلامه عام خبير، في السنة السابعة، ولكن هذه الكثرة التي قد حصلت لها أسباب: أولاً: كونه كان ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه، وكان غيره من الصحابة يذهبون إلى أعمالهم، ويذهبون إلى تجارتهم وإلى بساتينهم، فيحضرون ويغيبون عن مجلسه صلى الله عليه وسلم.
وأما أبو هريرة رضي الله عنه فقد كان ملازماً لمجلسه، بل يصحبه في ذهابه وإيابه، وأكله وشربه، وكان فقيراً، وكان يتبعه من أجل الاستفادة منه، ومن أجل أن يحصل القوت، وملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم جعلته يتحمل الشيء الكثير، ولو كانت المدة وجيزة بالنسبة لغيره ممن كان أسلم قديماً ولم ينقل عنه الحديث مثلما نقل عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، فكان ذلك من أسباب حفظه وكونه يحفظ، مع أنه ما كان يكتب، ولكن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم له كانت من أسباب حفظه الحديث، وهذا الذي كان يحصله لملازمته النبي صلى الله عليه وسلم، وكان حافظاً رضي الله عنه وأرضاه.
الأمر الثالث: أنه كان في المدينة، بخلاف غيره من الصحابة، فإن كثيراً منهم تفرقوا في الآفاق والبلاد، ومن المعلوم أن المدينة يرد إليها الناس، ويصدرون عنها، ويأتون إليها من كل جهة، ومن المعلوم أن من كان في المدينة من الصحابة كان من يأتي من خارجها يحرص على اللقاء به، وأخذ ما عنده، وإذا كان صحابياً وعنده أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث بها أبا هريرة، فيأخذون منه، ويعطونه، فكان ذلك من أسباب كثرة حديثه رضي الله عنه وأرضاه.(156/3)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[وأبو كامل].
أبو كامل هو: الفضيل بن حسين الجحدري، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.
[وعبيد الله بن عمر بن ميسرة].
عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[قالوا: حدثنا عبد الواحد].
هو عبد الواحد بن زياد، وهو ثقة، وفي حديثه عن الأعمش وحده مقال، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث هو من روايته عن الأعمش.
[حدثنا الأعمش].
الأعمش هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح].
هو أبو صالح ذكوان السمان مشهور بكنيته واسمه ذكوان، ولقبه السمان، كان يجلب الزيت والسمن فقيل له: السمان، ويقال له: الزيات، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن أبي هريرة، وعن الصحابة أجمعين.(156/4)
شرح حديث (كان رسول الله إذا قضى صلاته من آخر الليل نظر فإن كنت مستيقظة حدثني)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا يحيى بن حكيم حدثنا بشر بن عمر حدثنا مالك بن أنس عن سالم أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته من آخر الليل نظر فإن كنت مستيقظة حدثني، وإن كنت نائمة أيقظني وصلى الركعتين، ثم اضطجع حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه بصلاة الصبح، فيصلي ركعتين خفيفتين، ثم يخرج إلى الصلاة)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قضى صلاته من الليل فإن كانت مستيقظة حدثها، أي: تحدث معها وتكلم معها، وإن كانت نائمة أيقظها، أي: لتصلي الوتر، وتصلي صلاتها في آخر الليل، والتي آخرها الوتر، ثم صلى ركعتين واضطجع حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه فيصلي ركعتين، ثم يخرج، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان يصلي ركعتين، أي: الفجر، ثم يضطجع بعدها، وإذا جاءه المؤذن خرج؛ لأنه كان يصلي ويضطجع قبل أن يأتيه المؤذن، وإذا جاء المؤذن خرج؛ لأنه قد حصل منه الاثنان: الركعتان، والاضطجاع بعدهما.
وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان يضطجع بعد الركعتين اللتين في آخر صلاته من الليل، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس، وقد جاء في الأذان الأول أنه يستيقظ النائم ويرجع القائم، فالقائم الذي كان يتهجد يستريح استعجالاً لصلاة الفجر، والذي كان نائماً يقوم حتى يصلي وتره، ويتسحر إن كان يريد أن يصوم، حتى إذا جاء الأذان الثاني يكون قد فرغ من وتره وسحوره، وقد جاء في الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يضطجع بعد ركعتي الفجر، وجاء في بعضها -كما سيأتي- أنه كان إذا صلى ركعتين إن وجدها قائمة حدثها وإلا اضطجع.(156/5)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا قضى صلاته من آخر الليل نظر فإن كنت مستيقظه حدثني)
قوله: [حدثنا يحيى بن حكيم].
يحيى بن حكيم ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا بشر بن عمر].
بشر بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا مالك بن أنس].
هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم أبي النضر].
سالم أبي النضر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
هو أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(156/6)
شرح حديث (كان النبي إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت نائمة اضطجع وإن كنت مستيقظة حدثني)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عمن حدثه - ابن أبي عتاب أو غيره - عن أبي سلمة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت نائمة اضطجع، وإن كنت مستيقظة حدثني)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها، وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى ركعتي الفجر فإن كانت مستيقظة حدثها وإلا اضطجع.
وهذا يفيد أنه كان يترك الاضطجاع في بعض الأحيان؛ لأنه إن كانت مستيقظة حدثها وإلا اضطجع، وهذا فيه الاضطجاع بعد ركعتي الفجر منه صلى الله عليه وسلم، ويفيد هذا الحديث بأنه كان في بعض الأحيان وليس دائماً.(156/7)
تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت نائمة اضطجع وإن كنت مستيقظة حدثني)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا سفيان].
وسفيان هو: ابن عيينة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زياد بن سعد].
زياد بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عمن حدثه - ابن أبي عتاب - أو غيره].
يعني: لا يدرى من الذي حدثه، هل هو ابن أبي عتاب أو غير ابن أبي عتاب؟ ومعناه أنه غير جازم بالشخص الذي حدثه به، لا يدرى هل هو هذا أو هذا، ومن المعلوم أن الأمر إذا دار بين شخصين أحدهما معروف والثاني غير معروف، وأنه يحتمل هذا وهذا فإنه لا يعتمد عليه، ولا يعول عليه، لكن الحديث جاء في صحيح البخاري بهذا اللفظ، فهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ابن أبي عتاب هو زيد، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي سلمة قال: قالت عائشة].
أبو سلمة وعائشة قد مر ذكرهما.(156/8)
شرح حديث (خرجت مع النبي لصلاة الصبح فكان لا يمر برجل إلا ناداه بالصلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عباس العنبري وزياد بن يحيى قالا: حدثنا سهل بن حماد عن أبي مكين حدثنا أبو الفضل -رجل من الأنصار- عن مسلم بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه قال: (خرجت مع النبي صلى الله عليه وعلى وسلم لصلاة الصبح، فكان لا يمر برجل إلا ناداه بالصلاة أو حركه برجله).
قال زياد بن يحيى: قال: حدثنا أبو الفضيل].
أورد أبو داود حديث أبي بكرة رضي الله عنه: (أنه خرج مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الصبح فكان لا يمر برجل إلا ناداه) يعني: ليصلي -أو حركه برجله-يعني: ليوقظه، والحديث فيه هذا الرجل المجهول الذي هو أبو الفضل رجل من الأنصار، فهو غير صحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن كون الإنسان ينبه النائم، ويوقظه للصلاة إذا رآه نائماً هذا أمر مطلوب، ولكن هذا الحديث بهذا الإسناد غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(156/9)
تراجم رجال إسناد حديث (خرجت مع النبي لصلاة الصبح فكان لا يمر برجل إلا ناداه بالصلاة)
قوله: [حدثنا عباس العنبري].
عباس هو: ابن عبد العظيم العنبري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[وزياد بن يحيى].
زياد بن يحيى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قالا: حدثنا سهل بن حماد].
سهل بن حماد، صدوق، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي مكين].
أبو مكين هو: نوح بن ربيعة، صدوق أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي الفضل رجل من الأنصار].
أبو الفضل مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[عن مسلم بن أبي بكرة].
مسلم بن أبي بكرة، صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أبيه].
أبوه هو: أبو بكرة نفيع بن الحارث رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قوله: [قال زياد بن يحيى: قال: حدثنا أبو الفضيل].
زياد هو شيخ أبي داود الثاني، قال: [حدثنا أبو الفضيل]، يعني الرجل من الأنصار، فبدل أن يقول: أبو الفضل، قال: أبو الفضيل، وهو مجهول، سواء أكان أبا الفضل أم أبا الفضيل.(156/10)
إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر(156/11)
شرح حديث (جاء رجل والنبي يصلي الصبح فصلى الركعتين ثم دخل مع النبي في الصلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر.
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن عاصم عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: (جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح، فصلى الركعتين، ثم دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فلما انصرف قال: يا فلان! أيتهما صلاتك: التي صليت وحدك أو التي صليت معنا؟!)].
أورد أبو داود [باب: إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر]، يعني: ماذا يصنع؟
و
الجواب
أنه يدخل مع الإمام ولا يصلي ركعتي الفجر، بل يصليهما بعد ذلك، كما جاءت في ذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسيأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي بعد الفجر فسأله فقال: إنه لم يصل الركعتين.
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقره على صنيعه، فدل ذلك على جواز الإتيان بركعتي الفجر بعد الصلاة، فيقضيهما بعد الصلاة ولو كان ذلك وقت نهي؛ لأنه ورد استثناؤهما بهذا الدليل، وعلى هذا فالإنسان إذا دخل والإمام يصلي فإنه يدخل معه في الصلاة، ولا يجوز له أن يصلي والإمام يصلي، فلا يتشاغل بالنفل عن الفرض، بل يدخل في الفرض ويشتغل به، وقد جاءت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي أورده أبو داود حديث عبد الله بن سرجس رضي الله عنه أنه جاء رجل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح، فصلى ركعتين، ثم دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وصلى معه صلاة الفجر، ثم إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(يا فلان! أيتهما صلاتك؟!) أي: الركعتان اللتان صليتهما وحدك أو التي صليت معنا، وهذا إنكار عليه؛ لأن الإنسان عندما يكون الإمام في الصلاة ليس له أن يتشاغل عن الفرض بالنفل.
وقد نقل الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه في فتح الباري عن بعض الأكابر أنه قال: من شغله الفرض عن النفل فهو معذور، ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور.
يعني: من اشتغل بالنوافل عن الفرائض فهو مغرور، والذي تشغله الفرائض عن النوافل هو معذور؛ لأنه مشغول بالشيء الأهم والواجب، والشيء المتعين، والله تعالى يقول في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) الحديث.
فالتشاغل بالنفل عن الفرض بأن يكون الإمام يصلي ثم يأتي من لم يصل النافلة فيتشاغل بها عن الفريضة مما أنكره الرسول صلى الله عليه وسلم على من فعله.
وثبت عنه في الحديث الذي سيأتي أنه قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة).
وبقي مسألة، وهي: إذا كان الإنسان قد بدأ بالنافلة قبل الإقامة، وأقيمت الصلاة وهو يصلي النافلة، فماذا يصنع؟ هل يقطعها ويدخل مع الإمام استناداً إلى ما جاء في أحاديث الباب، أو أنه يتمها خفيفة؟!
و
الجواب
إذا كان الإنسان في آخرها فيتمها خفيفة ويدخل مع الإمام، ويدرك الصلاة، ويمكن أنه في حال الإقامة ينتهي ويدخل مع الإمام في الصلاة، وإن كان في أولها فعليه أن يقطعها، ولا يتشاغل بالفرض عن النفل.(156/12)
تراجم رجال إسناد حديث (جاء رجل والنبي يصلي الصبح فصلى الركعتين ثم دخل مع النبي في الصلاة)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن زيد].
هو حماد بن زيد بن درهم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم].
هو عاصم بن سليمان الأحول، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن سرجس].
هو عبد الله بن سرجس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن.
وهذا رباعي من الرباعيات، فهو من أعلى ما يكون من الأسانيد عند أبي داود؛ لأن أعلى الأسانيد عند أبي داود الرباعيات.(156/13)
شرح حديث (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)
[حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا حماد بن سلمة، ح: وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن ورقاء، ح: وحدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج، ح: وحدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون عن حماد بن زيد عن أيوب، ح: وحدثنا محمد بن المتوكل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا زكريا بن إسحاق، كلهم عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة).
يعني: ليس للإنسان أن يشتغل بنفل بعد أن تقام الصلاة إلا بالصلاة المكتوبة، ومن كان داخلاً في الصلاة قبل الإقامة إذا كان في آخرها فإنه يتمها ويسلم ويلحق بالإمام، وإن كان في أولها فعليه أن يقطعها ويدخل مع الإمام في الصلاة من أولها، ولا يفوت على نفسه شيئاً بسبب تشاغله بالنفل.(156/14)
من فاتته ركعتا الفجر متى يقضيهما؟(156/15)
شرح حديث (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي بعد صلاة الصبح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: من فاتته متى يقضيها؟ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير عن سعد بن سعيد حدثني محمد بن إبراهيم عن قيس بن عمرو رضي الله عنه قال: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الصبح ركعتان! فقال الرجل: إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم)].
أورد أبو داود حديث قيس بن عمرو رضي الله عنه أن رجلاً رآه النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد الفجر، فقال له: [(صلاة الصبح ركعتان)] وفي بعض الأحاديث: (أصلاة الفجر أربعاً؟) ومعناه أنه صلى الفجر أربعاً، فقال: [إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما] يعني الركعتين اللتين قبل الفجر ما صلاهما قبل الصلاة، قال: فأنا أقضيهما، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي أنه أقره على ذلك.
فدل هذا على أن ركعتي الفجر إذا لم يتمكن الإنسان من الإتيان بهما قبل الصلاة فإنه يدخل مع الإمام، ولا يتشاغل بهما والإمام يصلي، بل يدخل مع الإمام، وإذا فرغ أتى بالركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم قصد هذا الرجل سكت ولم ينكر عليه، وهذا إقرار منه صلى الله عليه وسلم، وهو لا يقر على باطل، والسنة هي قوله وفعله وتقريره؛ لأن السنة إنما تؤخذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل والتقرير، وهذا من التقرير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سكت وهو لا يسكت على باطل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وعلى هذا فيكون قضاء الركعتين بعد الفجر سائغ، وإن كان جاء النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى طلوع الشمس، إلا أن هذا استثني بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(156/16)
تراجم رجال إسناد حديث (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي بعد صلاة الصبح)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا عبد الله بن نمير].
ابن نمير هو: عبد الله بن نمير، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن سعيد].
هو سعد بن سعيد الأنصاري وهو صدوق سيئ الحفظ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني محمد بن إبراهيم].
هو محمد بن إبراهيم التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قيس بن عمرو].
قيس بن عمرو رضي الله عنه هو جد سعد بن سعيد، وأخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة.(156/17)
شرح حديث (صلاة الصبح ركعتان) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حامد بن يحيى البلخي قال سفيان بن عيينة: كان عطاء بن أبي رباح يحدث بهذا الحديث عن سعد بن سعيد.
قال أبو داود: وروى عبد ربه ويحيى ابنا سعيد هذا الحديث مرسلاً أن جدهم زيداً صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة].
كلمة (زيد) هذه التي جاءت في الحديث غير صحيحة؛ لأن جدهم هو قيس، وهو الذي مر في الإسناد السابق، وفي بعض النسخ (جدهم) بدون ذكر (زيد)، فتكون على الصواب، فجدهم هو قيس؛ لأن جدهم قيساً هو راو في الإسناد، وهؤلاء الثلاثة إخوة، أعني: سعد بن سعيد ويحيى بن سعيد وعبد ربه بن سعيد.
ويحيى بن سعيد الأنصاري المدني مشهور، وهو كثير الراوية، ويروي عنه الإمام مالك كثيراً، وعبد ربه أيضاً ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
فكلمة (زيد) هذه وهم أو خطأ، وبعض النسخ ليس فيها ذكر زيد، وإنما جدهم، وجدهم هو قيس بن عمرو.
والحديث صحيح ثابت، وذاك وإن كان فيه كلام -أعني سعد بن سعيد - إلا أن الروايات الأخرى تؤيد ذلك.
وقوله: [حدثنا حامد بن يحيى البلخي].
حامد بن يحيى البلخي ثقة أخرج له أبو داود.
[قال: قال سفيان بن عيينة].
سفيان بن عيينة مر ذكره.
[كان عطاء بن أبي رباح يحدث بهذا الحديث عن سعد بن سعيد].
عطاء بن أبي رباح، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وسعد بن سعيد هو الذي مر في الإسناد السابق.
قوله: [قال أبو داود: وروى عبد ربه ويحيى ابنا سعيد هذا الحديث مرسلاً].
يعني: هذا الحديث مرسل وليس عن قيس بن عمرو، فهو مضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع حذف الواسطة، لكن مجموع هذه الروايات يشد بعضها بعضاً، ويكون الحديث ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعبد ربه بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب، ويحيى بن سعيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
فهذا الإسناد مرسل، والإسناد الأول مرسل مثله، لأن محمد بن إبراهيم لم يسمع من قيس.
والحديث صححه الشيخ ناصر، وأظن أن بعض المعاصرين ألف رسالة خاصة في هذا الحديث.(156/18)
الأربع قبل الظهر وبعدها(156/19)
شرح حديث (من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرم على النار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأربع قبل الظهر وبعدها.
حدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا محمد بن شعيب عن النعمان عن مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان قال: قالت أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرم على النار).
قال أبو داود: رواه العلاء بن الحارث وسليمان بن موسى عن مكحول بإسناده مثله].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب الأربع قبل الظهر وبعدها] يعني الأربع الركعات قبل الظهر وبعدها، وسبق أن مر معنا أن قبل الظهر أربعاً وبعدها ثنتين في حديث أم حبيبة المتقدم الذي جاء مجملاً، وحديث عائشة الذي جاء مفصلاً.
وهذه الترجمة فيها الأربع الركعات قبل الظهر وبعدها، وقد جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك في أن الأربع أكمل من الثنتين، والإنسان إذا أتى بأربع بعد الظهر فهو أفضل، وإذا حافظ على الثنتين اللتين بعد الظهر مع الأربع التي قبل الظهر، والتي جاءت في حديث أم حبيبة وحديث عائشة وحديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم فإنه يكون أتى بتلك الرواتب التي من حافظ عليها بني له بيت في الجنة، كما جاء في حديث أم حبيبة المتقدم، وهنا فيه أن من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرم على النار، فهذا يدل على فضل هذه الركعات قبل الظهر وبعدها.(156/20)
تراجم رجال إسناد حديث (من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرم على النار)
قوله: [حدثنا مؤمل بن الفضل].
مؤمل بن الفضل صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا محمد بن شعيب].
محمد بن شعيب صدوق أخرج له أصحاب السنن.
[عن النعمان].
هو النعمان بن المنذر، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن مكحول].
مكحول هو: الشامي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عنبسة بن أبي سفيان].
عنبسة بن أبي سفيان قيل: له رؤية.
وقيل: هو تابعي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أم حبيبة].
هي أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنها وعن أبي سفيان وعن الصحابة أجمعين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قوله: [قال أبو داود: رواه العلاء بن الحارث وسليمان بن موسى عن مكحول بإسناده مثله].
العلاء بن الحارث، صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
وسليمان بن موسى صدوق، أخرج له مسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
ومكحول مر ذكره.(156/21)
شرح حديث (أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت عبيدة يحدث عن إبراهيم عن ابن منجاب عن قرثع عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء).
قال أبو داود: بلغني عن يحيى بن سعيد القطان قال: لو حدثت عن عبيدة بشيء لحدثت عنه بهذا الحديث.
قال أبو داود: عبيدة ضعيف.
قال أبو داود: ابن منجاب هو سهم].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء)].
وهذا يدل على صلاة أربع قبل الظهر، وفيه أنه ليس فيهن تسليم، ومعناه أنها متصلة ليس هناك تسليم فيها في الوسط، بل في آخرها، لكن الأحاديث جاءت في أن الصلاة ركعتين ركعتين، والحديث فيه هذا الرجل المتكلم فيه، والألباني حسن هذا الحديث، ولا أدري ما هو وجه التحسين؛ لأن الرجل الذي في الإسناد ضعيف، وقد اختلط، وهو عبيدة بن معتب.
فإذا كان هناك شواهد، أو شيء يعتمد عليه غير هذا الطريق فيكون لذلك وجه، ولو صح الحديث فإن الأولى أن يؤتى بالرواتب والنوافل ركعتين ركعتين، ويجوز أن يؤتى بها مسرودة إذا صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد صحح الشيخ ناصر رحمه الله الحديث بلفظ: (أربع ركعات بعد الزوال قبل الظهر ليس بينهن تسليم يعدلن بصلاة السحر).
وهو في السلسلة الصحيحة المجلد الثالث.
وإذا صح الحديث فيجوز أن تسرد وعدم السرد أولى.
كما أن صلاة الليل مثنى مثنى ويجوز الجمع لأربع على حدة، وأربع على حدة، وثلاث على حدة، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجوز الوصل والفصل، ولكن الفصل أولى من الوصل.
وإذا قلنا بالوصل فهل يتشهد تشهداً أوسط؟
الجواب
الذي يبدو أنه لا يتشهد، حتى لا تصير كأنها ظهر؛ لأن الإنسان إذا فعل هذا فكأنه صلى الظهر.(156/22)
تراجم رجال إسناد حديث (أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء)
قوله: [حدثنا ابن المثنى].
هو محمد بن المثنى الزمن أبو موسى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة].
محمد بن جعفر غندر مر ذكره، وشعبة مر ذكره.
[قال: سمعت عبيدة].
عبيدة بن معتب ضعيف اختلط، وحديثه أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن إبراهيم].
إبراهيم هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن منجاب].
ابن منجاب هو: سهم بن منجاب، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[عن قرثع].
قرثع صدوق أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي أيوب].
أبو أيوب الأنصاري هو خالد بن زيد رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قوله: [قال أبو داود: بلغني عن يحيى بن سعيد القطان قال: لو حدثت عن عبيدة بشيء لحدثت عنه بهذا الحديث].
قال أبو داود: [بلغني] لأن يحيى بن سعيد من طبقة شيوخ شيوخه؛ لأنه يروي عنه بواسطة، فهو لم يذكر الذي حدثه بذلك، ولكنه ذكره بلاغاً وحذف الواسطة، حيث قال: [بلغني عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال: لو حدثت عن عبيدة بشيء لحدثت عنه بهذا الحديث]، ومعناه أنه لا يحدث بشيء عن عبيدة، ولو حدث لحدث بهذا الحديث.
قوله: [قال أبو داود: عبيدة ضعيف].
أي أن أبا داود ضعف الرجل، والرجل ذكره في التقريب أنه ضعيف، وقال: إنه أيضاً اختلط.
قوله: [قال أبو داود: ابن منجاب هو سهم].
يعني: ذكر اسمه؛ لأنه جاء في الإسناد بدون ذكر اسمه، بل بنسبته، فقال: هو سهم.(156/23)
الأسئلة(156/24)
حكم تقسيم الكذب إلى أبيض وأسود
السؤال
هل هناك كذبة بيضاء وكذبة سوداء؟
الجواب
الكذب لا يجوز إلا في الأمور التي أبيح فيها، وبعض أهل العلم قال: إن ذلك أيضاً من قبيل المعاريض، ومن الأشياء التي يكون فيها التورية.(156/25)
حكم تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة
السؤال
هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟
الجواب
الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بدعة ضلالة)، فكيف تقسم البدعة إلى حسنة وسيئة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كل بدعة ضلالة) ولفظ (كل) من صيغ العموم.(156/26)
حكم التنفل في أوقات الكراهة
السؤال
جئنا زائرين إلى المسجد النبوي فصلينا بعد العصر أو بعد الفجر، فما الحكم؟
الجواب
لا يجوز للإنسان أن يتنفل بعد الفجر وبعد العصر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس).(156/27)
حكم من انتقض وضوءه في التشهد الأخير وهو إمام
السؤال
إمام انتقض وضوؤه في حالة التشهد الأخير وخلفه أكثر من عشرة صفوف، فماذا يصنع؟
الجواب
يقطع الصلاة ثم يتوضأ ويستأنف.(156/28)
حكم العقيقة عن السقط
السؤال
الولد إذا بلغ أربعة أشهر في بطن أمه ثم مات سقطاً، فهل يعق عنه ويسمى؟
الجواب
ما دام أنه ولد ميتاً فكيف يسمى؟! وأما مسألة العقيقة فإنه إذا صلي عليه فلو عق عنه لا شك في أن ذلك خير.(156/29)
حكم النفي في قوله (فلا صلاة إلا المكتوبة)
السؤال
قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)، هل النفي هنا للصحة أو للكمال؟
الجواب
النفي هنا خبر بمعنى النهي؛ ومعناه: لا تصلوا وقد أقيمت الصلاة.
فهو خبر بمعنى النهي، ولا يجوز للإنسان أن يتشاغل بالنفل عن الفرض.(156/30)
شرح سنن أبي داود [157]
الصلاة شأنها عظيم، ولذا شرع للمصلي أن يصلي بين يدي الفروض نوافل تعينه على الخشوع في الفروض، وصلاة العصر من جملة الصلوات التي شرع للمصلي أن يصلي قبلها، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة لمن صلى قبلها أربعاً، وتختص هذه الصلاة بمنع التنفل بعدها إلا بذات سبب من النوافل، ومثلها صلاة الفجر إلا أن تفوت المصلي ركعتاها فؤديهما بعد الفريضة.(157/1)
ما جاء في الصلاة قبل العصر(157/2)
شرح حديث ابن عمر وعلي في فضل الصلاة قبل العصر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة قبل العصر.
حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن مهران القرشي حدثني جدي أبو المثنى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً).
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وعلى وسلم كان يصلي قبل العصر ركعتين)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب الصلاة قبل العصر]، والعصر ليس لها سنة راتبة قبلية كما للظهر؛ لأن الظهر لها سنة راتبة قبلية، وهي أربع كما جاء في حديث عائشة وأم حبيبة أو اثنتان كما جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما.
فصلاة العصر ليس قبلها سنة راتبة كالظهر، وكل الصلوات ليس لها سنة راتبة قبلها إلا الفجر والظهر، فالفجر راتبتها قبلها ركعتان والظهر أربع ركعات، والعصر ليس لها سنة راتبة، ولكن ورد في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحث على صلاة أربع ركعات.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً)]، وجاء عن علي رضي الله عنه كما في الحديث الذي بعد هذا: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر ركعتين)]، لكن جاء عن علي رضي الله عنه الصلاة أربع ركعات كما جاء في حديث ابن عمر، فيكون كل واحد منهما مقوياً للآخر.
فحديث عبد الله بن عمر حسن، وحديث علي رضي الله عنه الذي أورده المصنف هو بلفظ ركعتين، لكن جاء عن علي نفسه -كما في مسند الإمام أحمد - أربع ركعات، وعلى هذا يكون مثل ما جاء في حديث ابن عمر، ويكون متفقاً معه، وكون الإنسان يصلي ركعتين لا بأس بذلك كما قال ذلك بعض أهل العلم، ولكن الأربع أكمل وأفضل، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحمة لمن يصلي قبل العصر أربعاً، كما في حديث ابن عمر هذا الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: [(رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً)].
ويدل -أيضاً- على الصلاة قبل العصر وغير العصر -أعني: بين الأذان والإقامة - الحديث الذي سيأتي، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) ثم قال: (لمن شاء)، فهذا كله يدلنا على مشروعية الصلاة قبل العصر، ولكنها ليست سنة متأكدة، وليست راتبة كالرواتب الاثنتي عشرة التي جاءت في حديث عائشة وحديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنهما.(157/3)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر وعلي في فضل الصلاة قبل العصر
قوله: [حدثنا أحمد بن إبراهيم].
أحمد بن إبراهيم هو: الدورقي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[حدثنا أبو داود].
أبو داود هو: سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا محمد بن مهران القرشي].
محمد بن مهران هو محمد بن إبراهيم بن مهران، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثني جدي أبو المثنى].
أبو المثنى هو: مسلم بن المثنى -ويقال: ابن مهران بن المثنى - الكوفي، وهو ثقة أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن ابن عمر].
ابن عمر هو: عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم بن ضمرة].
عاصم بن ضمرة صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن علي].
هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
ويأتي في بعض النسخ: (عليه السلام)، أو (كرم الله وجهه)، وهذه الألفاظ التي تضاف إليه, أو تضاف إلى فاطمة، أو إلى الحسن والحسين رضي الله تعالى عن الجميع هي من عمل النساخ، كما قال ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، قال: إنه يأتي عند ذكر علي وعند ذكر الحسن والحسين أن يقال: (عليه السلام) أو يقال: (كرم الله وجهه)، ويقال للباقين: (عليه السلام)، ولكن هذا من عمل النساخ، وليس من عمل المصنفين والمؤلفين، وإنما هو من عمل نساخ الكتب، فعندما يأتي ذكر الشخص يكتب عنده: (عليه السلام)، أو يكتب عند علي: كرم الله وجهه.
ولا شك في أن معاملة الصحابة معاملة واحدة، والدعاء لهم بالترضي هو الذي درج عليه السلف، والذي اشتهر عن السلف، فالأولى أن يقال: (رضي الله عنه)، وهذا هو الذي ينبغي.
وأما تخصيصه أو تخصيص غيره بأشياء يخص بها دون غيره فليس من هدي السلف.(157/4)
ما جاء في الصلاة بعد العصر(157/5)
شرح حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم راتبة الظهر بعد العصر
قال المصنف رحمه الله: [باب الصلاة بعد العصر.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن كريب مولى ابن عباس: (أن عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة رضي الله عنهم أرسلوه إلى عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعاً، وسلها عن الركعتين بعد العصر، وقل: إنا أخبرنا أنك تصلينهما، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما.
فدخلت عليها فبلغتها ما أرسلوني به فقالت: سل أم سلمة، فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى أم سلمة رضي الله عنها بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة، فقالت أم سلمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما ثم رأيته يصليهما، أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ثم دخل وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما، فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه فقولي له: تقول أم سلمة: يا رسول الله! أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما! فإن أشار بيده فاستأخري عنه.
قالت: ففعلت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه، فلما انصرف قال: يا بنت أبي أمية! سألت عن الركعتين بعد العصر؟ إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [الصلاة بعد العصر]، وقد جاءت الأحاديث في الصلاة بعد العصر، منها ما هو نهي مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس).
ومنها هذا الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن الركعتين بعد العصر، وكان يصليهما، وجاء كذلك في هذه الترجمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة)، وقد جاءت الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أوجه مختلفة، فمن أهل العلم من قال بأن النهي -وهو النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الفجر- يصار إليه، ولا يؤتى بالنوافل بعد أن تصلى العصر إلا التي لها أسباب، كصلاة الجنازة والكسوف، وكتحية المسجد عند بعض أهل العلم.
وبعض أهل العلم يقول: وكذلك الرواتب إذا فاتت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)، وبعض أهل العلم قال: إذا نسي الإنسان راتبة الظهر بعد الظهر فإنه يصليهما بعد العصر.
ولكن كون الإنسان لا يصلي بعد العصر أخذاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)، ولا يصلي إلا ذوات الأسباب هو الذي ينبغي؛ لأن الإنسان إذا لم يصل فإن أكثر ما في الأمر أنه ترك أمراً هو سنة ليس عليه إذا تركه شيء، ولكنه إذا فعل فإنه يكون متعرضاً للوقوع في النهي الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس).
وحديث أم سلمة هذا الذي أورده المصنف فيه أن ثلاثة هم: ابن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر أرسلوا كريباً مولى ابن عباس إلى عائشة وطلبوا منه أن يقرأ عليها السلام، ويقول لها: إنه بلغنا أنك تصلين ركعتين بعد العصر وقد نهى عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلوه إليها فجاء إليها، فقالت: سلوا أم سلمة.
وهذا يدلنا على رجوع الصحابة إلى أمهات المؤمنين في كثير من المسائل، ورجوع الصحابة بعضهم إلى بعض، وسؤال بعضهم بعضاً في المسائل العلمية، والاستفتاء ومعرفة الأحكام الشرعية.
ثم إن كون عائشة أرسلت إلى أم سلمة يدلنا على أن المسئول إذا كان يعلم أن أحداً عنده علم في مسألة أحال عليه، فإن هذا من الخلق الطيب، ومن الأدب الحسن، وإحالة العلماء من بعضهم على بعض أمر معروف.
وفي الحديث أن الرسول -وهو كريب - لما أرسل إلى عائشة فأحالت عائشة إلى أم سلمة لم يذهب إلى أم سلمة رأساً بل رجع إليهم وأخبرهم، وهذا من أدب الرسول الذي يرسل بشيء، أو يرسل برسالة، وهو أنه لا يتصرف إلا وفقاً لما يرسله به المرسل، وبما يكلفه به المرسل، ذلك أن كريباً رحمة الله عليه لم يذهب إلى أم سلمة ويسألها؛ لأنهم ما أرسلوه إلى أم سلمة، بل أرسلوه إلى عائشة، لأنها كانت تصلي هاتين الركعتين، فجاء إليهم وأخبرهم، فأرسلوه إلى أم سلمة.
فهذا أدب من آداب الذي يرسل في حاجة، وهو أنه يلتزم بالشيء الذي أرسل به، ولا يتصرف في شيء أكثر من ذلك إلا إذا جعل إليه ذلك، وأن عليه أن يبلغ الذي أرسله خبر من أرسله إليه، ثم بعد ذلك ينفذ ما يكلف به مرة أخرى إذا صار هناك رغبة في السؤال.
فلما ذهب الرسول إلى أم سلمة قالت: [(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما ثم رأيته يصليهما)].
أي: كان ينهى الإنسان عن أن يصلي بعد العصر، ثم رأته يصليهما، ولما علمت النهي ورأت منه شيئاً يخالف النهي أرسلت جارية إليه وهو يصلي، وكان عندها نسوة، فقالت للجارية: اذهبي إليه وهو يصلي، فقولي له: تقول أم سلمة: إنك كنت تنهى عن الركعتين وأنت تصليهما، فإن أشار بيده إليك فارجعي، أي: يكفي هذا الأمر، ومعنى هذا أنه إذ خوطب في الصلاة بهذا الأمر وأشار، فإنه سيبلغ وسيخبر بالحكم الشرعي بعدما ينتهي من صلاته، فذهبت وكلمته، وهذا يدلنا على أن المصلي يمكن أن يكلم في الحاجة، وله أن يجيب بالإشارة كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أشار إليها بيده صلى الله عليه وسلم، فدل على أن مثل الإشارة لحاجة لا بأس به في الصلاة، وأن المصلي له أن يشير في صلاته بجواب يفهم عنه.
وقد سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تأخر عند بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، وجاء وقد دخل أبو بكر في الصلاة وكان في أولها، فدخل الرسول صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلى الصف الأول، فصار الناس يصفقون التفت أبو بكر وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه أن: مكانك وهو يصلي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل في الصلاة خلف أبي بكر فأشار إليه أن: مكانك، فهذا يدل على جواز الإشارة للمصلي، وكان أيضاً يشير بالسلام، يعني: يرد السلام بالإشارة وهو يصلي، فدل ذلك على أن مثل ذلك سائغ في الصلاة وأنه لا محذور فيه ولا بأس به.
ولما فرغ من صلاته صلى الله عليه وسلم أخبر أم سلمة بأن هاتين الركعتين هما الركعتان اللتان بعد الظهر، أي: السنة الراتبة التي كانت بعد الظهر، وأنه جاءه جماعة من وفد عبد القيس فشغلوه عنهما، فلم يتمكن منهما إلا بعد أن صلى العصر، وكان عليه الصلاة والسلام من هديه أنه إذا فعل شيئاً داوم عليه، فكان يداوم على هاتين الصلاتين بعد العصر.
وعلى هذا فالنهي قد جاء عن الصلاة بعد العصر، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم من فعله ما يدل على الجواز، ومن أهل العلم من قال: إن قصد التنفل لا يسوغ؛ لأن هذا الحديث يرشد إليه، وأما السنة الراتبة إذا كانت قد فاتت فإن بعض أهل العلم قال: إنه لا بأس بأدائها بعد العصر من ذوات الأسباب، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعلها، ولم يأت عنه النهي، لكن جاء عن أم سلمة رضي الله عنها في بعض الأحاديث: (أو نقضيهما إذا فاتتا؟ -تعني: في هذا الوقت-؟ فقال: لا) وهذه الزيادة ذكرها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه في تعليقه على فتح الباري، وذكر أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يصلى بعد العصر.(157/6)
تراجم رجال إسناد حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم راتبة الظهر بعد العصر
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
هو أحمد بن صالح المصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عبد الله بن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عمرو بن الحارث].
هو عمرو بن الحارث المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكير بن الأشج].
هو بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن كريب مولى ابن عباس].
كريب مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أم سلمة].
الحديث هو عن أم سلمة؛ لأن ابن عباس وعبد الرحمن بن أزهر ويوسف بن مخرمة وعائشة إنما جاءوا في أثناء الكلام، وهؤلاء الثلاثة سائلون، وعائشة مسئولة، ولكنها أحالت إلى أم سلمة، فـ كريب يروي عن أم سلمة، فالإسناد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن كريب عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها، وأم سلمة هي: هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.(157/7)
من رخص في صلاة الركعتين بعد العصر إذا كانت الشمس مرتفعة(157/8)
شرح حديث (نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن منصور عن هلال بن يساف عن وهب بن الأجدع عن علي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة]، يعني الركعتين بعد العصر؛ لأن الترجمة الأولى في النهي عن الصلاة بعد العصر مطلقاً، وهنا قال: [من رخص فيهما] يعني: في الركعتين اللتين سبق أن مر ذكرهما في الحديث السابق، وهما ركعتا الراتبة المقضية التي هي سنة الظهر البعدية التي لم يتمكن الإنسان من صلاتها في وقتها، يعني: من رخص فيهما ما دامت الشمس مرتفعة.
وأورد المصنف حديث علي رضي الله عنه قال: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر إلا أن تكون الشمس مرتفعة، وهذا لفظ عام ليس خاصاً بهاتين الصلاتين، ولكن الأخذ بالأحاديث التي وردت في الصحيحين وفي غيرهما من النهي عن الصلاة بعد العصر مطلقاً حتى تغرب الشمس هو الأولى، والإنسان لو ترك التنفل بعد العصر فأكثر ما في الأمر أنه ترك أمراً مستحباً، لكنه إذا صلى بعد العصر فقد يقع في أمر محرم، فكونه يسلم من الوقوع في أمر محرم ولا يفعل الشيء الذي إذا تركه لا يؤاخذ عليه أولى من أن يتنفل ويصلي بعد العصر إلى أن تكون الشمس صفراء وتقرب من الغروب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه النهي من بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، ومن طلوع الفجر إلى أن تطلع الشمس، ولكن النهي يتأكد عند طلوعها وعند غروبها، بل جاءت الأحاديث تدل على أنه عند الطلوع وقيام قائم الظهيرة والغروب ينهى حتى عن دفن الجنائز، فالأولى للإنسان أن لا يتنفل بعد العصر، وإن جاء عن بعض أهل العلم الترخيص في ذلك، واستدلوا بمثل هذا الحديث على ذلك، لكن الاحتياط والأولى هو عدم الصلاة في ذلك الوقت.(157/9)
تراجم رجال إسناد حديث (نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة عن منصور].
شعبة بن الحجاج الواسطي مر ذكره، ومنصور هو: ابن المعتمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هلال بن يساف].
هلال بن يساف ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن وهب بن الأجدع].
وهب بن الأجدع ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن علي].
علي رضي الله عنه قد مر ذكره.(157/10)
شرح حديث (كان رسول الله يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر)].
أورد رحمه الله حديث علي رضي الله عنه: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر)].
فقوله: [(إلا الفجر والعصر)] هذا الاستثناء مخالف لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي ركعتين بعد العصر، فهو كان يصلي ركعتين بعد العصر، لكنه كان يمنع من ذلك، حيث قال: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس).
وأما فعله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عنه أنه كان يصلي الركعتين بعد العصر، كما جاء في حديث أم سلمة الذي مر، وثبت أنه كان ينهى عنهما، وسئل عن صلاته مع نهيه فأجاب بأن هذه راتبة الظهر، وأنه شغل عنها فقضاها، وكان عليه الصلاة والسلام يداوم على الشيء إذا فعله، فكان لا يدع ركعتين بعد العصر، فهذا الحديث مخالف للأحاديث الثابتة الدالة على أنه كان يصلي بعد العصر.
وأما عائشة رضي الله عنها فإنها بصلاتهما قد فعلت ما هو خاص به صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: لم تفهم أن هذا كان خاصاً به صلى الله عليه وسلم، وهو المداومة على الركعتين بعد العصر.
وأما قضاء الفوائت فمنهم من قال: إنه ليس خاصاً به، وإنه يمكن أن تقضى الفوائت التي هي النوافل، لكن كون هذا من السنن المهجورة ليس هذا بواضح، بل السنة أنه لا يصلى بعد العصر حتى تغرب الشمس.(157/11)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
محمد بن كثير هو: العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي].
قد مر ذكر الثلاثة.(157/12)
شرح حديث (لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان حدثنا قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: شهد عندي رجال مرضيون فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه -وأرضاهم عندي عمر - أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (لاصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس)].
أورد حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: [شهد عندي رجال مرضيون فيهم عمر بن الخطاب وأرضاهم عندي عمر] ومعناه أنه ينقل هذا عن عدد، ولكن أرضى هؤلاء وأفضلهم عمر رضي الله عنه، فهو أفضل هؤلاء الذين تلقى وأخذ عنهم ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول: [شهد عندي رجال مرضيون فيهم عمر بن الخطاب وأرضاهم عمر - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس).(157/13)
تراجم رجال إسناد حديث (لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان].
مسلم بن إبراهيم مر ذكره، وأبان هو: أبان بن يزيد العطار، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي العالية].
هو رفيع بن مهران الرياحي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(157/14)
شرح حديث (أي الليل أسمع؟)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الربيع بن نافع حدثنا محمد بن المهاجر عن العباس بن سالم عن أبي سلام عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنهما أنه قال: (قلت: يارسول الله! أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح، ثم أقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قيد رمح أو رمحين، فإنها تطلع بين قرني شيطان، ويصلي لها الكفار، ثم صل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعدل الرمح ظله، ثم أقصر فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها، فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة حتى تصلي العصر، ثم أقصر حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار.
وقص حديثاً طويلاً، قال العباس: هكذا حدثني أبو سلام عن أبي أمامة، إلا أن أخطىء شيئاً لا أريده فأستغفر الله وأتوب إليه)].
أورد أبو داود حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه.
قوله: [(أي الليل أسمع؟)].
يعني: أي ساعات الليل أرجى للإجابة، وأسمع في إجابة الدعاء، وهذا من جنس قول: (سمع الله لمن حمده) بمعنى: استجاب، فـ (سمع الله لمن حمده) يعني: استجاب الله لمن حمده، فمعنى (أسمع) أي: أقرب إجابة للدعاء.
قال: [(جوف الليل الآخر)] وقيل: إن هذا هو السدس الخامس؛ لأن الليل ستة أسداس.
وهذا معناه أنه يقوم في أول الليل ثم ينام، ثم يقوم في جوف الليل، ثم بعد ذلك يستريح في السدس الأخير من الليل فقال: [(جوف الليل الآخر)].
ومعناه أنه في آخر الليل ويكون في الثلث الآخر، في أوله؛ لأنه في آخره يستريح حتى يستعد المتهجد الذي يصلي في الليل لصلاة الفجر.
وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، ومعناه أنَّ الثلث الذي كان يتهجد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم هو بعد نصف الليل؛ لأنه يستريح في آخر الليل حتى يتهيأ لصلاة الصبح.
قوله: [(أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، فصل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة)].
معنى [(فصل ما شئت)] أي: في ذلك الوقت، [(فإن الصلاة مشهودة مكتوبة)] يعني: تشهدها الملائكة وتكتبها، فهي تكتب الأعمال الصالحة.
قوله: [(حتى تصلي الصبح ثم أقصر حتى تطلع الشمس)].
من المعلوم أنه بعدما يحصل أذان الصبح يصلى ركعتين خفيفتين كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فقد كان لا يصلي بعد طلوع الفجر إلا ركعتين خفيفتين.
قوله: [(ثم أقصر عن الصلاة)] يعني: بعد صلاة الفجر، [(حتى تطلع الشمس وترتفع قيد رمح أو رمحين ثم صل فإن الصلاة مشهودة مكتوبة)] يعني: في الضحى من ارتفاع الشمس إلى قرب الزوال، فإذا قرب الزوال يمتنع الإنسان عن الصلاة حتى تزول الشمس.
قوله: [(حتى يعدل الرمح ظله، ثم أقصر فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها)].
معنى [(حتى يعدل الرمح ظله)] أي: حتى يقرب الزوال [(ثم أقصر)] حتى يحصل الزوال، لأن الشيء الواقف ظله ينحسر شيئاً فشيئاً حتى يقرب منه، فيكون من أصله، بحيث تكون الشمس فوقه، فلا يكون له ظل من جهة الغرب؛ لأن الشمس توسطت في السماء، وهذا إذا كان في الصيف، وإن كان في الشتاء فإن الظل يذهب إلى جهة الشمال؛ لأن الشمس تكون جنوباً، فيذهب الظل إلى جهة الشمال، وإذا حصل الزوال تكون على الرأس، فيكون الظل قد انحسر من جهة الغرب، ثم يبدأ في الاتجاه إلى جهة الشرق حيث تزول الشمس إلى جهة الغرب، فإذا زالت الشمس فعند ذلك للإنسان أن يصلي، وعند قيام الشمس الذي هو استواؤها يمتنع عن الصلاة؛ لأن جهنم تسجر وتفتح أبوابها كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(وإذا زاغت الشمس فصل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة حتى تصلي العصر ثم أقصر حتى تغرب الشمس)].
أي: إذا صليت العصر أقصر عن الصلاة وامتنع حتى تغرب الشمس، وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث للنهي عن الصلاة بعد العصر؛ لأن الحديث يتعلق بالصلاة بعد العصر.
قوله: [(فإنها تغرب بين قرني شيطان ويصلي لها الكفار)].
أي: فيجب الامتناع من الصلاة في ذلك الوقت.
قوله: [(وقص حديثاً طويلاً)].
يعني: لم يسقه أبو داود هنا.
قوله: [قال العباس: هكذا حدثني أبو سلام عن أبي أمامة].
العباس أحد رجال الإسناد، يقول: هكذا حدثني أبو سلام عن أبي أمامة.
قوله: [(إلا أن أخطئ شيئاً لا أريده فأستغفر الله وأتوب إليه)].
يعني: إذا حصل منه خطأ غير مقصود فإنه يستغفر الله عز وجل من ذلك.(157/15)
تراجم رجال إسناد حديث (أي الليل أسمع؟)
قوله: [حدثنا الربيع بن نافع].
الربيع بن نافع ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا محمد بن المهاجر].
محمد بن المهاجر ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن العباس بن سالم].
العباس بن سالم ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي سلام].
أبو سلام هو ممطور الحبشي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي أمامة].
هو أبو أمامة الباهلي، وهو صحابي رضي الله عنه، واسمه: صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن عبسة].
هو عمرو بن عبسة رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن.(157/16)
شرح حديث (لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا وهيب حدثنا قدامة بن موسى عن أيوب بن حصين عن أبي علقمة عن يسار مولى ابن عمر رضي الله قال: رآني ابن عمر رضي الله عنهما وأنا أصلي بعد طلوع الفجر فقال: يا يسار! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة، فقال: (ليبلغ شاهدكم غائبكم، لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين)].
أورد أبو داود حديث يسار مولى ابن عمر قال: [رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر فقال: يا يسار! إن خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فقال: ليبلغ شاهدكم غائبكم: لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين)].
وهذا الحديث لا علاقة له بالترجمة؛ لأن الترجمة تتعلق بالصلاة بعد العصر في الترخيص بالركعتين بعد صلاة العصر، وهذا إنما يتعلق بصلاة الفجر، وقوله: [رآني وأنا أصلي بعد طلوع الفجر] لعل المقصود من ذلك أنه كان يكرر الصلاة، فأخبره بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين)].
يعني: بعد طلوع الفجر، وهذا الذي جاء في هذا الحديث جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح أنه مسلم (كان لا يصلي الفجر إلا ركعتين خفيفتين) وهما ركعتا الفجر.(157/17)
تراجم رجال إسناد حديث (لاتصلوا بعد الفجر إلا سجدتين)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا وهيب].
مسلم بن إبراهيم مر ذكره، ووهيب بن خالد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا قدامة بن موسى].
قدامة بن موسى، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أيوب بن حصين].
هو محمد بن حصين التميمي، وسماه بعضهم أيوب، وهو مجهول أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة].
[عن أبي علقمة].
أبو علقمة هو الفارسي المصري، ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن يسار مولى ابن عمر].
يسار مولى ابن عمر، ثقة أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن ابن عمر].
ابن عمر رضي الله عنهما، قد مر ذكره.(157/18)
شرح حديث (ما من يوم يأتي على النبي إلا صلى بعد العصر ركعتين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود ومسروق قالا: نشهد على عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما من يوم يأتي على النبي صلى الله عليه وسلم إلا صلى بعد العصر ركعتين)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: [(ما من يوم يأتي على النبي صلى الله عليه وسلم إلا وصلى بعد العصر ركعتين)] أي: أنه كان يداوم على هاتين الركعتين، وهاتان الركعتان هما اللتان شغل عنهما، وهما سنة الظهر البعدية، فقضاهما ثم داوم عليهما بعد ذلك.(157/19)
تراجم رجال إسناد حديث (ما من يوم يأتي على النبي إلا صلى بعد العصر ركعتين)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود ومسروق].
حفص بن عمر وشعبة مر ذكرهما، والأسود هو: ابن يزيد بن قيس النخعي، ثقة مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ومسروق].
مسروق هو: ابن الأجدع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة رضي الله عنها مر ذكرها.(157/20)
شرح حديث عائشة (أن رسول الله كان يصلي بعد العصر وينهى عنها)
قول المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن سعد حدثنا عمي حدثنا أبي عن ابن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان مولى عائشة أنها حدثته: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها، ويواصل وينهى عن الوصال)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها)] أي: يصلي بعد العصر وينهى عن الصلاة بعد العصر، (ويواصل وينهى عن الوصال) أي: وكان يواصل في الصيام وينهى عن الوصال، فقد ثبت في الصحيحين أنهم قالوا: (يا رسول الله! إنك تواصل! قال: إني لست كهيئتكم، إنني يطعمني ربي ويسقيني).
فهذا فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر، وكان ينهى ذلك، وهو مطابق لما جاء عن أم سلمة رضي الله عنها الذي هو أول حديث في الباب الذي قبل هذا.
قوله: [(ويواصل وينهى عن الوصال)].
ذلك شفقة منه بأمته صلى الله عليه وسلم، لأنهم لا يطيقون مثلما يطيق صلى الله عليه وسلم، ولما ألحوا عليه واصل بهم ثلاثة أيام، ثم رأوا الهلال فقال: (لو تأخر الشهر لزدتكم، كالمنكل لهم).
والدلالة على الخصوصية كونه جاء في بعض الأحاديث أنه ينهى عنها، وجاء أنه صلاهما، وجاء -أيضاً- في حديث أم سلمة قالت: (أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا).
والذي أشرت إليه أن الشيخ ابن باز رحمة الله عليه ذكره في تعليقه على فتح الباري حديث أم سلمة.(157/21)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة (أن رسول الله كان يصلي بعد العصر وينهى عنها)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن سعد].
هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عمي].
هو يعقوب بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي].
أبوه هو إبراهيم بن سعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن إسحاق].
ابن إسحاق هو: محمد بن إسحاق، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن عمرو بن عطاء].
محمد بن عمرو بن عطاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ذكوان مولى عائشة].
ذكوان مولى عائشة ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[عن عائشة].
عائشة قد مر ذكرها.(157/22)
شرح سنن أبي داود [158]
لقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على كل خير، ومن جملة ما حثنا عليه من أعمال الخير نوافل الصلوات، ومنها الصلاة بين كل أذان وإقامة، وخص المغرب بأمره صلى الله عليه وسلم بصلاة ركعتين بين أذانها وإقامتها وليست براتبة لها، وحثنا على صلاة الضحى وفعلها صلى الله عليه وسلم بنفسه، وبين لنا أن صلاتها ركعتين صدقة يتصدق بها الإنسان عن نفسه وكفاية يحوزها العبد من ربه جل جلاله.(158/1)
الصلاة قبل المغرب(158/2)
شرح حديث (صلوا قبل المغرب ركعتين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة قبل المغرب حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن الحسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال: صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء خشية أن يتخذها الناس سنة)].
أورد أبو داود رحمه الله: [باب الصلاة قبل المغرب]، يعني أن الصلاة قبل المغرب سائغة ومستحبة، ولكنها ليست راتبة، فالرواتب التي جاءت بها الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي اثنتا عشرة ركعة.
وأورد أبو داود حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال: صلوا قبل المغرب لمن شاء خشية أن يتخذها الناس سنة)].
يعني: لئلا يتخذها الناس سنة ويعتقد أن هذا شيء ثابت ومستقر، وأن هذه الصلاة كغيرها من الرواتب التي يحافظ ويداوم عليها، فدل ذلك على مشروعية الصلاة قبل المغرب بعد أذان المغرب وقبل صلاة المغرب، فيشرع للإنسان أن يصلي ركعتين لهذا الحديث، وللحديث الآخر: (بين كل أذانين صلاة) الذي ليس خاصاً بالمغرب، بل يشمل المغرب والعصر والعشاء وكل الصلوات، فبين كل أذان وإقامة صلاة، لكن منها سنن راتبة كسنة الفجر والظهر، ومنها سنن غير راتبة كالتي تكون قبل العصر، والتي تكون قبل المغرب، والتي تكون قبل العشاء، كلها تدخل تحت قوله: (بين كل أذانين صلاة) وأما بالنسبة للمغرب بخصوصها ففيها هذا الحديث الذي هو: (صلوا قبل المغرب).(158/3)
تراجم رجال إسناد حديث (صلوا قبل المغرب ركعتين)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن عمر].
هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري، ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا عبد الوارث بن سعيد].
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسين المعلم].
هو حسين بن ذكوان المعلم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن بريدة].
هو عبد الله بن بريدة بن حصيب رضي الله عنه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله المزني].
عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(158/4)
شرح حديث (صليت الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزاز أخبرنا سعيد بن سليمان حدثنا منصور بن أبي الأسود عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (صليت الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: قلت لـ أنس: أرآكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم رآنا فلم يأمرنا ولم ينهنا)].
أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه قال: [(صليت الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقيل له: أرآكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم رآنا فلم يأمرنا ولم ينهنا)].
يعني: سكت، ومعلوم أن سكوت النبي صلى الله عليه وسلم إقرار، فهذا يؤيد ما جاء في الحديث السابق من الصلاة قبل المغرب.(158/5)
تراجم رجال إسناد حديث (صليت الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله)
قوله: [حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزاز].
محمد بن عبد الرحيم البزاز هو الملقب بـ: صاعقة، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[أخبرنا سعيد بن سليمان].
سعيد بن سليمان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور بن أبي الأسود].
منصور بن أبي الأسود صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن المختار بن فلفل].
المختار بن فلفل صدوق له أوهام أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أنس بن مالك].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(158/6)
شرح حديث (بين كل أذانين صلاة)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا ابن علية عن الجريري عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة لمن شاء)].
سبق أن حصل البدء بترجمة الصلاة قبل المغرب، ومر بعض الأحاديث في ذلك، ومنها حديث أنس الذي فيه أنهم كانوا يصلون في زمنه صلى الله عليه وسلم، وكان يراهم فلا يأمرهم ولا ينهاهم، أي: يقرهم على ذلك، وأورد أبو داود رحمه الله هنا حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة لمن شاء)] والمقصود بالأذانين: الأذان والإقامة؛ لأن الإقامة يقال لها أذان لأنها إعلام بالقيام إلى الصلاة، والأذان: إعلام بدخول الوقت، ودعوة الناس إلى الحضور إلى المساجد بقول: (حي على الصلاة حي على الفلاح) والإقامة إعلام بالقيام للصلاة، وأن الناس يقومون لها، أي: الذين هم حاضرون.
ولذا قيل: إن كلاً منهما يقال له: أذان، وبعض أهل العلم يقول: إنه تغليب، يعني أن الإقامة قيل لها أذان تغليباً، فغلب الأذان فأتي بلفظه فقيل: (أذانان)، كما يقال: العمران والقمران، وما إلى ذلك من الأشياء التي يؤتى بها مثناة، ويغلب أحد الشيئين فيهما على الآخر، لكن الأذان والإقامة ليسا من هذا القبيل؛ لأن كل واحد منهما يعتبر أذاناً، إلا أن هذا أذان إعلام بدخول الوقت، وهذا إعلام بالقيام إلى الصلاة.
وقوله: [(صلاة)] مطلق، ولكن أقل ما يتنفل به ركعتان.
وإذا حصلت زيادة على ذلك فلا بأس، وأما بالنسبة للفجر فلا يصلى قبلها إلا ركعتان خفيفتان، ولا يتطوع ويؤتى بنوافل، فقوله صلى الله عليه وسلم: [(بين كل أذانين صلاة)] يدل على أن كل صلاة من الصلوات الخمس يصلى بين أذانها وإقامتها، إلا أن الظهر ورد فيه أربع، وهي راتبة، والفجر ورد قبلها ركعتان، وأما العصر والمغرب والعشاء فلم يأت شيء يدل على الرواتب فيها، ولكن ورد ما يدل على فضل الصلاة قبل العصر، كقوله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً).
وهذا الحديث أيضاً يدل على ذلك، وهو قوله صلى الله عليه وسلم [(بين كل أذانين صلاة)].
وكذلك بعد المغرب ورد أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرهم على ذلك، وقبل العشاء يدخل تحت عموم هذا الحديث الذي هو قوله: [(بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة لمن شاء)].
فثلاث من الصلوات -وهن العصر والمغرب والعشاء- يصلى بين أذانها وإقامتها، لكن ذلك ليس من الرواتب، وإنما الرواتب هي قبل الفجر ركعتان، وقبل الظهر أربع ركعات.
وقد يقال: هل يستفاد من هذا الحديث أن يردد خلف المقيم؟
و
الجواب
الإقامة يقال عندها مثلما يقال عند الأذان، وليس هذا الحديث هو الدليل على هذا، وإنما الدليل قوله: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن)؛ لأن هذا نداء وأذان، والإنسان يقول كما يقول المؤذن، إلا عند: (حي على الصلاة حي على الفلاح) فإنه يقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وأما حديث: (أقامها الله وأدامها).
فهو حديث ضعيف لا تقوم به حجة، وليس بثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي هو ثابت هو قوله: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) والنداء هو إعلام بالقيام إلى الصلاة، فيقال فيه مثلما يقول المؤذن.(158/7)
تراجم رجال إسناد حديث (بين كل أذانين صلاة)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي].
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا ابن علية].
ابن علية هو: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المشهور بـ ابن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الجريري].
الجريري هو: سعيد بن إياس الجريري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن بريدة].
هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن مغفل].
هو عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(158/8)
شرح حديث (ما رأيت أحداً على عهد رسول الله يصليهما)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي شعيب عن طاوس قال: سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن الركعتين قبل المغرب، فقال: (ما رأيت أحداً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما.
ورخص في الركعتين بعد العصر) قال أبو داود: سمعت يحيى بن معين يقول: هو شعيب.
يعني: وهم شعبة في اسمه].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: [(ما رأيت أحداً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما)].
أي: الركعتين قبل المغرب [(ورخص في الركعتين بعد العصر)].
فهذا الحديث يخالف الأحاديث السابقة قبله؛ لأن الأحاديث السابقة كلها تدل على إثبات الصلاة قبل صلاة المغرب وبعد الأذان كحديث أنس بن مالك، وكذلك حديث عبد الله بن مغفل (صلوا قبل المغرب) وفيه التنصيص على صلاة المغرب، والحديث الثاني الذي فيه: (بين كل أذانين صلاة) ومن ذلك ما بين الإقامة والأذان في المغرب، فتلك الأحاديث دالة على ثبوت الصلاة، وأنس رضي الله عنه يقول: كنا نصلي والرسول صلى الله عليه وسلم يرانا فلم يأمرنا ولم ينهنا.
يعني أنه أقرهم على ذلك، وعلى هذا فحديث عبد الله بن مغفل فيه أمر بالصلاة قبل المغرب وخصوصاً في قوله: (صلوا قبل المغرب) ثم قال: (لمن شاء) وهذا خاص بالمغرب، وعموماً في قوله: (بين كل أذانين صلاة).
لأنه يشمل المغرب وغير المغرب.
فهذا الحديث بخلاف ذلك، فهو ضعيف لا يحتج به؛ لأنه مخالف لما تقدمه من أحاديث، وإسناده فيه أبو شعيب الذي قيل: هو شعيب، وبعض أهل العلم قال: لا يعرفان، وبعضهم قال: إن شعيباً هو بياع الطيالسة، وهو لا بأس به، لكن لو كان الإسناد صحيحاً وثابتاً وليس فيه أي إشكال فإنه يكون شاذاً، أي: مخالف لروايات الثقات الذين رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على الصلاة بين الأذان والإقامة قبل صلاة المغرب.(158/9)
تراجم رجال إسناد حديث (ما رأيت أحداً على عهد رسول الله يصليهما)
قوله: [حدثنا محمد بن بشار].
هو محمد بن بشار الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا محمد بن جعفر].
هو محمد بن جعفر البصري الملقب: غندر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي شعيب].
هو أبو شعيب، وقيل: هو شعيب بياع الطيالسة، وهو لا بأس به، وهي بمعنى (صدوق) عند الحافظ ابن حجر، وحديثه أخرجه أبو داود.
وبعض أهل العلم قال: إن أبا شعيب وشعيب لا يعرفان.
[عن طاوس].
هو: ابن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سئل ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(158/10)
ما جاء في صلاة الضحى(158/11)
شرح حديث (يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صلاة الضحى.
حدثنا أحمد بن منيع عن عباد بن عباد، ح: وحدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد -المعنى- عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة: تسليمه على من لقي صدقة، وأمره بالمعروف صدقة، ونهيه عن المنكر صدقة، وإماطته الأذى عن الطريق صدقة، وبضعة أهله صدقة، ويجزىء من ذلك كله ركعتان من الضحى)].
أورد أبو داود رحمه الله: [باب صلاة الضحى] أي: الصلاة في الضحى، وصلاة الضحى سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحاديث كثيرة أورد أبو داود رحمه الله في هذا الباب جملة منها، وهناك أحاديث لم يذكرها أبو داود تدل على ما دلت عليه الأحاديث التي أوردها أبو داود، ومنها ما هو في الصحيحين، ومنها ما هو في أحدهما، ومما لم يذكره أبو داود في هذا الباب حديث أبي هريرة المتفق على صحته: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام).
وحديث أبي الدرداء في صحيح مسلم قال: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد).
فهذان حديثان أحدهما في الصحيحين عن أبي هريرة وقد عبر أبو هريرة فيه بقوله: (خليلي).
والآخر في صحيح مسلم عن أبي الدرداء، وقد عبر فيه أبو الدرداء بقوله: (حبيبي صلى الله عليه وسلم).
وقد أورد أبو داود جملة من الأحاديث الدالة على فضل صلاة الضحى، وعلى الترغيب فيها، والحث عليها، ومنها حديث أبي ذر الذي أورده المصنف أولاً، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: [(يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة)] والسلامى: هي المفاصل والأعضاء التي تتحرك وتلين وتنهصر عندما يتحرك الإنسان، هذه هي السلامى، وقيل: المراد بها سلامى اليدين والرجلين، وهي المفاصل، وقيل: إنها تشمل ما هو أعم من ذلك، وهو جسم الإنسان كله، وقد جاء في بعض الأحاديث أن جسم الإنسان فيه ثلاثمائة وستون مفصلاً، وهذه عليها صدقة، وهذه الصدقة أنواع: منها ما هو صدقة من الإنسان على نفسه، ومنها ما هو صدقة منه على نفسه وغيره، فكون الإنسان يصلي صدقة منه على نفسه؛ لأن الصلاة نفعها مقصور على الإنسان، وليس متعدياً، وهناك صدقات يحصل تعدي النفع بها، كأن يسلم الإنسان على غيره، فهذه صدقة متعدية؛ لأنه يتصدق على نفسه وعلى غيره؛ لأن السلام دعاء، ويتطلب جواباً وهو دعاء.
فكون الإنسان يسلم على غيره هو صدقة منه على نفسه وعلى غيره؛ لأنهما يحصلان أجراً، والذي يبدأ بالسلام أفضل والذي يسلم عليه -أيضاً- يدعى له وهو يجيب بالدعاء، فهي صدقة متعدية.
قوله: [(تسليمه على من لقي صدقة، وأمره بالمعروف صدقة)].
هذا فيه أن الإنسان يسلم على من لقي ممن يعرف ومن لا يعرف، فقوله: [(من لقي)] عام، يشمل من يعرف ومن لا يعرف، وليس السلام خاصاً بالمعرفة، وإنما هو على من يعرف ومن لا يعرف، ولهذا قال: [(من لقي)]، وقد جاء في الحديث: (وأن تسلم على من عرفت ومن لم تعرف) يعني أنه للعامة وليس لأحد أن يميز ويخص به.
قوله: [(أمره بالمعروف صدقة ونهيه عن المنكر صدقة)].
وذلك حين تأمر غيرك بمعروف فتدله على خير، وتحذره من شر، تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، فهي صدقة منك عليه، وهي صدقة منك على نفسك أيضاً؛ لأن الإنسان يؤجر على أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
وسواءٌ استجيب له أو لم يستجب فهو مأجور، فإذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقد حصل أجراً، لكن المأمور إن حصل أنه انتفع واستفاد فإنه يحصل أيضاً أجراً، فكون الإنسان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هو صدقة منه على نفسه وعلى غيره.
[(وإماطته الأذى عن الطريق صدقة)].
أي: كون الإنسان يجد شيئاً في الطريق يؤذي الناس -سواءٌ المشاة أو السيارات-، أو يجد شيئاً يسبب الانزلاق إذا وطئ عليه، فيحصل بذلك ضرر فيرفعه فإماطته الأذى عن الطريق صدقة، والأذى هو أي شيء يؤذي الناس من شوك أو زجاج أو حديد أو حصى أو قشر موز أو غير ذلك من الأشياء التي يحصل بسببها أذى.
قوله: [(وبضعة أهله صدقة)].
يعني: كون الإنسان يجامع أهله صدقة منه على نفسه وعلى غيره؛ لأنه يعف نفسه ويعف أهله، ويتصدق على نفسه وعلى غيره.
قوله: [(ويجزئ من ذلك كله ركعتان من الضحى)].
يعني: إذا فعل في كل يوم هاتين الركعتين من الضحى فإنهما تجزئان عن هذه الصدقة التي هي على الأعضاء، وذلك: أن الإنسان إذا ركع الركعتين تتحرك أعضاؤه ومفاصله، فيكون بذلك قد تصدق على نفسه بهذه الصلاة، وهذا يدلنا على فضل هذه الصلاة؛ لأنها تعتبر مجزئة عن هذه الصدقة التي هي على كل سلامى من جسم الإنسان في كل يوم من الأيام.(158/12)
تراجم رجال إسناد حديث (يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة)
قوله: [حدثنا أحمد بن منيع].
أحمد بن منيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عباد بن عباد].
هو عباد بن عباد بن حبيب الأزدي وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح: وحدثنا مسدد].
هو: ابن مسرهد البصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا حماد بن زيد].
هو حماد بن زيد بن درهم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن واصل].
هو: واصل مولى أبي عيينة، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن يحيى بن عقيل].
يحيى بن عقيل صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن يحيى بن يعمر].
يحيى بن يعمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي ذر].
هو أبو ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(158/13)
وقت صلاة الضحى
ويبدأ وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال، كل هذا وقت صلاة الضحى، ولكن أفضل وقتها إذا اشتدت حرارة الشمس، كما جاء في الحديث: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) والمقصود بذلك صلاة الضحى.
قوله: [قال أبو داود: وحديث عباد أتم، ولم يذكر مسدد الأمر والنهي، زاد في حديثه: وقال كذا وكذا، وزاد ابن منيع في حديثه: (قالوا: يا رسول الله! أحدنا يقضي شهوته وتكون له صدقة؟ قال: أرأيت لو وضعها في غير حلها ألم يكن يأثم؟!)].
أي: قال: أبو داود رحمه الله: إن حديث عباد أتم، يعني أن الطريق الأولى أتم من الطريق الثانية، ولم يذكر الزيادة التي عند مسدد في الطريق الثانية، وإنما قال: [زاد في حديثه: وقال كذا وكذا] وأبهمها، ثم رجع إلى أحمد بن منيع وذكر الزيادة، وقال: إن مسدداً لم يذكر الأمر والنهي، يعني: لم يذكر قوله: [(وأمره بالمعروف صدقة، ونهيه عن المنكر صدقة)].
ولم يذكر الزيادة التي زادها وأبهمها، وزاد في حديث ابن منيع أنه قال: [(قالوا: يا رسول الله! أحدنا يقضي شهوته وتكون له صدقة؟)] أي حين قال: [(وبضعة أهله صدقة)].
قالوا: [(أحدثنا يقضي شهوته)] لأنه تحصل له هذه الفائدة، فهذا الذي يحصل له يكون له به صدقة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: [(أرأيت لو وضعها في غير حلها ألم يكن يأثم؟!)] يعني: فكما أنه إذا وضعها في حرام يأثم فكذلك إذا وضعها في حلال فإنه يؤجر ويثاب، وهذا من كرم الله عز وجل وإحسانه وفضله على عباده، وذلك أن الأمور التي يتعاطاها الإنسان إذا نوى بها الخير واستحضر ما فيها وما يحصل بها من المنفعة، وأنه يقضي وطره ويعف نفسه، أو يقيت عياله وينفق عليهم مع كونه ينوي ويحتسب الأجر عند الله عز وجل يحصل له الثواب على ذلك، وإن كان شيئاً واجباً عليه لابد له منه، ولا محيد له عنه، فالأعمال والأمور التي تكون لازمة للإنسان عندما يستحضر النية فيها فإنه يؤجر على ذلك.
وبعض الناس تجده لا يفكر في هذه المعاني، ولا يفكر في هذه الأشياء، وكأنه تخلص من واجب، وقد يكون يشعر بثقل عندما يؤدي هذا الواجب، فمثل هذا لا يحصل الأجر، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى).(158/14)
شرح حديث (يصبح على كل سلامى من أحدكم في كل يوم صدقة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الدؤلي قال: بينما نحن عند أبي ذر رضي الله عنه قال: (يصبح على كل سلامى من أحدكم في كل يوم صدقة، فله بكل صلاة صدقة، وصيام صدقة، وحج صدقة، وتسبيح صدقة، وتكبير صدقة، وتحميد صدقة، فعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الأعمال الصالحة، ثم قال: يجزىء أحدكم من ذلك ركعتا الضحى)].
أورد أبو داود حديث أبي ذر من طريق أخرى، وفيه الشاهد للترجمة، وهو قوله: [(يجزىء أحدكم من ذلك ركعتا الضحى)] يعني أنهما تجزئان عن الصدقات عن السلامى التي هي أعضاء الإنسان، والرسول صلى الله عليه وسلم عد أعمالاً كثيرة يحصل بها أجر وثواب، وهي صدقة من الإنسان إما على نفسه وإما على نفسه وعلى غيره، أي: إما نفع قاصر عليه، أو نفع متعد.
قوله: [بينما نحن عند أبي ذر قال: [(يصبح على كل سلامى من أحدكم في كل يوم صدقة، فله بكل صلاة صدقة)].
أي أن كل صلاة يصليها الإنسان هي صدقة منه على نفسه، سواء الفرض أو النفل.
قوله: [(وصيام صدقة، وحج صدقة، وتسبيح صدقة)].
التسبيح هو كون الإنسان يقول: (سبحان الله)، فهي صدقة منه على نفسه.
قوله: [(وتكبير صدقة)] أي: قول: (الله أكبر).
[(وتحميد صدقة)] أي: قول: الحمد لله.
قوله: [(فعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الأعمال الصالحة، ثم قال: يجزىء أحدكم من ذلك ركعتا الضحى)].
يعني: فيما يتعلق بالصدقات التي على السلامى.
والصدقة -كما هو معلوم- هي: إحسان من الإنسان على نفسه وعلى غيره، وكون الإنسان يأتي بهذه الأمور مما كان قاصراً على نفسه وليس متعدياً هو صدقة منه على نفسه، وما كان متعدياً فصدقة منه على نفسه وعلى غيره.(158/15)
تراجم رجال إسناد حديث (يصبح على كل سلامى من أحدكم في كل يوم صدقة)
قوله: [حدثنا وهب بن بقية].
وهب بن بقية هو: الواسطي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[أخبرنا خالد].
هو: خالد بن عبد الله الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر].
واصل، ويحيى بن عقيل، ويحيى بن يعمر قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
[عن أبي الأسود الدؤلي].
هو: ظالم بن عمرو، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي ذر].
أبو ذر مر ذكره.(158/16)
شرح حديث (من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيراً غفر له خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر)].
قوله: [(من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح)].
معناه: جلس من بعد صلاة الفجر إلى أن يصلي صلاة الضحى.
قوله: [(غفر له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)] أي: غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر.
وهذا الحديث يدل على فضل صلاة الضحى، وعلى فضل الجلوس بعد الفجر إلى ذلك الوقت، ثم أداء صلاة الضحى؛ لأن الحديث يدل على صلاة الضحى وعلى غيرها، لكن الحديث غير صحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيه رجل ضعيف، ورجل -أيضاً- ضعيف في رواية تلميذ عنه، وهما زبان بن فائد وسهل بن معاذ، فهذان ضعيفان، فالحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نعم.(158/17)
تراجم رجال إسناد حديث (من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى)
قوله: [حدثنا محمد بن سلمة المرادي].
هو محمد بن سلمة المرادي المصري، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن وهب].
ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أيوب].
يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زبان بن فائد].
زبان بن فائد ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني].
سهل بن معاذ بن أنس الجهني لا بأس به إلا في رواية زبان عنه، وهذا الحديث من رواية زبان عنه، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
والمعهود أنه يضعف الراوي بالرواية عن بعض شيوخه، وهنا حصل العكس، حيث ضعف سهل بن معاذ في رواية زبان عنه، ومعناه أن الرواية التي تأتي عنه من طريق هذا الرجل ضعيفة ولا تستقيم.
[عن أبيه].
هو: معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه، صحابي أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.(158/18)
شرح حديث (صلاة في إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا الهيثم بن حميد عن يحيى بن الحارث عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين)].
أورد أبو داود حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(صلاة في إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين)].
ومعناه أنها يصعد بها، وأنها ترفع وتكون في عليين، وأنها تكون مقبولة، حيث تكون الصلاة قد أديت كما ينبغي، ويكون ما بين الصلاتين لا لغو فيه، وإنما فيه كلام طيب، والحديث سبق أن مر بأطول من هذا فيما مضى.(158/19)
تراجم رجال إسناد حديث (صلاة في إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين
قوله: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع].
أبو توبة الربيع بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا الهيثم بن حميد].
الهيثم بن حميد، صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن يحيى بن الحارث].
يحيى بن الحارث، ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[عن القاسم بن عبد الرحمن].
القاسم بن عبد الرحمن، صدوق يغرب كثيراً، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن أبي أمامة].
هو صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(158/20)
مناسبة الحديث للباب
لا تظهر مناسبة الحديث للباب تماماً، إلا أنَّه في شأن صلاة بعد صلاة لا يحصل بينها لغو تكتب في عليين، ومن ذلك صلاة الفجر وصلاة الضحى، فإن هذه صلاة في إثر صلاة ولا لغو بينهما.
فهذا من جملة ما يدخل تحت عموم الحديث؛ لأن الحديث ليس خاصاً بصلاة معينة، وإنما هو في صلاة في إثر صلاة، يعني: سواءٌ أكانت فريضة بعد فريضة، أم كانت نافلتين بينهما فراغ، كل ذلك صلاة في إثر صلاة، حيث لا يكون بينهما لغو.
وقوله: [(كتاب في عليين)].
أي: مكتوب في عليين، تكتبه الملائكة وترفعه إلى الله عز وجل؛ لأن الأعمال الصالحة ترفع إلى الله عز وجل.(158/21)
شرح حديث (يا ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات في أول نهارك أكفك آخره)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن كثير بن مرة أبي شجرة عن نعيم بن همار رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يقول الله عز وجل: يا ابن آدم! لا تعجزني من أربع ركعات في أول نهارك أكفك آخره)].
أورد أبو داود حديث نعيم بن همار رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(يقول الله عز وجل -وهذا حديث قدسي-: يا ابن آدم! لا تعجزني من أربع ركعات في أول نهارك أكفك آخره)].
وكلمة (لا تعجزني) قيل: معناها: لا يفوتك هذا الشيء، ولا تترك أن تتقرب إلي به، فإذا عملت ذلك في أول النهار أكفك آخره، وإيراد المصنف للحديث هنا يدل على أن الأربع الركعات هي صلاة الضحى، وبعض أهل العلم يقول: إنها صلاة الفجر والركعتان قبلها، على اعتبار أن النهار الشرعي يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهو كذلك في اللغة، وعند بعض أهل اللغة أنه يبدأ من طلوع الشمس إلى غروبها، فإذا كان من طلوع الشمس فمعناه أن أول النهار صلاة الضحى.
والأقرب أن أول النهار من طلوع الفجر الذي يكون به الصيام، وصيام النهار إنما يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وعلى كل حال فصلاة الضحى لا شك في أن فضلها عظيم، وركعتا الفجر النافلة وصلاة الفجر كل منهما شأنه عظيم، والإنسان إذا أتى بركعتي الفجر وصلاة الفجر وأتى بركعتي الضحى فهو على خير عظيم بلا شك.(158/22)
تراجم رجال إسناد حديث (يا ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات في أول نهارك أكفك آخره)
قوله: [حدثنا داود بن رشيد].
داود بن رشيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا الوليد].
هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن عبد العزيز].
هو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن مكحول].
هو: الشامي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن كثير بن مرة أبي شجرة].
كثير بن مرة أبو شجرة ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن نعيم بن همار].
هو نعيم بن همار رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي.
وهذا الحديث يشهد له حديث: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فانظر -يا ابن آدم- لا يطلبنك الله من ذمته بشيء).(158/23)
شرح حديث صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح سبحة الضحى ثماني ركعات
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السرح قالا: حدثنا ابن وهب حدثني عياض بن عبد الله عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثماني ركعات، يسلم من كل ركعتين) قال أحمد بن صالح: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح سبحة الضحى) فذكر مثله.
قال ابن السرح: إن أم هانئ قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولم يذكر سبحة الضحى، بمعناه].
أورد أبو داود حديث أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها أخت علي بن أبي طالب أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى سبحة الضحى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين، وهذا فيه تنصيص على أن هذه الثمان هي صلاة الضحى، وبعض أهل العلم يقول: الذي جاء في الصحيحين لم يذكر فيه أنها سبحة الضحى، ولكن هي صلاة في ذلك الوقت، وهي ضحى، وقيل: إنها من أجل شكر الله عز وجل على الفتح الذي حصل له، وقيل: إنها سبحة الضحى، ولهذا قال بعض أهل العلم: إنها تكون ثمان ركعات لصلاة الضحى، وأقلها ركعتان، وتكون نهايتها ثمان، ولكن ليس هناك شيء يدل على التحديد للنهاية، وذكر سبحة الضحى لم يأت في الصحيحين، وإنما جاء في هذا الإسناد وفي هذا الحديث، والألباني ضعف هذا الحديث، ولعله من أجل ما فيه من ذكر سبحة الضحى، وإلا فإن الثمان الركعات ثابتة في الصحيحين، لكن بدون تسميتها بأنها سنة الضحى.(158/24)
تراجم رجال إسناد حديث صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح سبحة الضحى ثماني ركعات
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
أحمد بن صالح ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[وأحمد بن عمرو بن السرح].
أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن ابن وهب عن عياض بن عبد الله].
ابن وهب مر ذكره.
وعياض بن عبد الله فيه لين، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن مخرمة بن سليمان].
مخرمة بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن كريب مولى ابن عباس].
كريب مولى ابن عباس ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أم هانئ بنت أبي طالب].
هي أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قوله: قال أحمد بن صالح [(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح صلى سبحة الضحى)] فذكر مثله، وقال ابن السرح: إن أم هانئ قالت: [(دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولم يذكر سبحة الضحى، بمعناه].
يعني: هذا هو الفرق بينهما، فأحد الشيخين ذكر سبحة الضحى والثاني ما ذكرها.(158/25)
شرح حديث (ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى قال: ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ، فإنها ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة اغتسل في بيتها، وصلى ثماني ركعات، فلم يره أحد صلاهن بعد].
أورد أبو داود حديث أم هانئ، يقول عنها ابن أبي ليلى: ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى غير أم هانئ].
يعني أنه صلى، لكن هل هي صلاة الضحى؟ إذ ليس هناك شيء واضح يدل عليها، والعلماء قالوا: إنها هي صلاة الضحى.
فأورد أبو داود حديث أم هانئ رضي الله عنها فيما يرويه ابن أبي ليلى، حيث قال: ما أخبرنا أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى إلا أم هانئ، فقد أخبرت بأن النبي عليه الصلاة والسلام يوم الفتح اغتسل في بيتها، وصلى ثماني ركعات، فلم يره أحد بعد ذلك يصلي هذه الصلاة.
فمن أهل العلم من قال: إن هذه الركعات كانت شكراً لله عز وجل على فتح مكة، ومنهم من قال: إن المقصود بها صلاة الضحى؛ لأنها وقعت في الضحى، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن أكثر حدٍ لها ثمان ركعات، وأقل شيء اثنتان، والتوسط أربع وست، وحديث أم هانئ في كونه صلى في بيتها عام الفتح ثمان ركعات متفق عليه، ولكن هل هي للضحى أو أنها شكر لله عز وجل على الفتح؟ فمن العلماء من قال بهذا، ومنهم من قال بهذا، وهذا من جملة الأدلة الدالة على مشروعية صلاة الضحى.(158/26)
تراجم رجال إسناد حديث (ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن مرة].
عمرو بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ليلى].
ابن أبي ليلى هو عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(158/27)
شرح حديث (هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا الجريري عن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة رضي الله عنها: (هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ فقالت: لا، إلا أن يجيء من مغيبه.
قلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بين السورتين؟ قالت من المفصل)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: [(هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ فقالت لا، إلا أن يجيء من مغيبه)] أي: من سفر، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا جاء من سفر يأتي إلى المسجد، وكان يأتي في الضحى ويدخل المسجد ويصلي فيه ركعتين، ثم يستقبل الناس صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وجاء هذا -أيضاً- عن غير عائشة كما في حديث جابر لما قدموا من تبوك، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وصلى فيه ركعتين، وجاءه الناس يسلمون عليه صلى الله عليه وسلم.
فكان يستقبل الناس بعد صلاة الركعتين، فتروي عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء من سفر أو جاء من غيبة فإنه يقصد المسجد أول شيء ويصلي فيه، وهذا من السنن المهجورة، أعني كون الإنسان عندما يأتي من سفر يقصد المسجد ويصلي فيه، فهو من السنن المهجورة التي هجرها الناس ولا يفعلونها، فمن يأتي من سفر منهم يذهب إلى بيته رأساً ولا يقصد المسجد، فـ عائشة رضي الله عنها تروي أنه كان إذا جاء من سفر يصلي ركعتين في الضحى، وكان يأتي ضحىً عليه الصلاة والسلام.
وسئلت [هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بين السورتين؟] أي: في ركعة واحدة، فقالت: من المفصل.
أي أنه في سور المفصل كان يجمع بين السورتين ويقرؤهما في ركعة واحدة، ولا بأس بذلك، وهو أن الإنسان يقرأ سورتين في ركعة واحدة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقرن بين السورتين من المفصل، أما السور الطوال فما كان يقرن بينها في الفرائض، ولكنه كان يقرن بين السورتين من المفصل في ركعة واحدة، فهذا يدلنا على جواز ذلك، ومما يدل عليه قصة الرجل الذي كان يقرأ ويختم بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] وبذلك كان يجمع بين السورتين.(158/28)
تراجم رجال إسناد حديث (هل كان رسول الله يصلي الضحى؟)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع].
هو يزيد بن زريع البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الجريري].
الجريري هو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن شقيق].
هو عبد الله بن شقيق العقيلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عائشة].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وقد روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما في الأمور التي لا يطلع عليها إلا النساء، وقد كثر حديثها رضي الله عنها وأرضاها، ولم ترو امرأة من النساء مثلما روت عائشة رضي الله عنها، والذين عرفوا بكثرة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم هم سبعة أشخاص: ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة الواحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.(158/29)
شرح حديث (ما سبح رسول الله سبحة الضحى قط وإني لأسبحها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: (ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ما سبح سبحة الضحى، قالت: [وإني لأسبحها] أي: أنها تصليها، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يعمل العمل ولكنه يتركه خشية أن يفعله الناس اقتداء به صلى الله عليه وسلم فيفرض عليهم، فيكون في ذلك مشقة عليهم، وذلك مثلما جاء في رمضان في قيام الليل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بهم بعض الليالي، ولكنه ترك الصلاة خشية أن تفرض عليهم، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكملت الشريعة، ولم يأت فيها فرض قيام الليل الذي هو التراويح أعاد ذلك عمر رضي الله عنه وأتى به، وجمع الناس لصلاة التراويح، وذلك لأن الذي خشيه الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى؛ لأنه لا تشريع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فكانت عائشة رضي الله عنها تخبر بأنه كان يحب أن يعمل الشيء ولكنه يتركه خشية أن يعمله الناس اتباعاً له واقتداء به فيفرض عليهم، ولعل السبب في ذلك أن صلاة الضحى تكون في وقت فيه تباعد بين الصلوات؛ لأن أطول وقت هو من بعد طلوع الشمس إلى الزوال، وهذه الفترة ليس فيها إلا صلاة الضحى، فكان هناك وقت طويل، فلعل الرسول صلى الله عليه وسلم خشي أن يفرض عليهم ذلك في هذا الوقت الذي فيه تباعد بين الوقتين، يعني: بخلاف الأوقات الأخرى المتقاربة كالوقت بين الظهر والعصر، فالوقت بينهما قريب، وفيه نوافل قبل العصر وبعد الظهر، وبعد العصر وقت قصير إلى المغرب، وقبل المغرب هناك نافلة، وبعدها نافلة، وبعد العشاء نافلة، وفيه قيام الليل، وبعد طلوع الفجر صلاة ركعتي الفجر، ولكن الوقت الطويل الذي ليس فيه شيء إلا صلاة الضحى هو هذا الذي يكون بعد طلوع الشمس إلى الزوال، فكان عليه الصلاة والسلام يفعل صلاة الضحى أحياناً كما حصل في عام الفتح، وكما كان يحصل منه صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر.
فـ عائشة تخبر رضي الله عنها بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يعمل الشيء، ولكنه يدعه خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم، وهذا من شفقته على أمته، وحرصه عليها، ومحبته لسلامتها من كل ما فيه عنت عليها ومشقة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد وصفه الله بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه.(158/30)
تراجم رجال إسناد حديث (ما سبح رسول الله سبحة الضحى قط وإني لأسبحها)
قوله: [حدثنا القعنبي].
القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، منسوب إلى جده قعنب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة بن الزبير].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وخالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قد مر ذكرها في الحديث الذي قبل هذا.(158/31)
شرح حديث قعوده صلى الله عليه وسلم في مصلاه الذي يصلي فيه الغداة حتى تطلع الشمس
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن نفيل وأحمد بن يونس قالا: حدثنا زهير حدثنا سماك قال: قلت لـ جابر بن سمرة رضي الله عنهما: (أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم كثيراً، فكان لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الغداة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام صلى الله عليه وسلم)].
أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه، وقد أورده في باب صلاة الضحى ولم يأت فيه ذكر صلاة الضحى، إلا أن قوله: إنه كان يجلس في مصلاه حتى تطلع الشمس وترتفع ثم يقوم يعني أنه يقوم فيصلي، وهذا هو وجه إيراد الحديث في الترجمة التي هي صلاة الضحى، فمعناه أنه يقوم إلى الصلاة فيصلي صلى الله عليه وسلم.(158/32)
تراجم رجال إسناد حديث قعوده صلى الله عليه وسلم في مصلاه الذي يصلى فيه حتى تطلع الشمس
قوله: [حدثنا ابن نفيل].
هو: عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[وأحمد بن يونس].
هو أحمد بن يونس الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قالا: حدثنا زهير].
هو زهير بن معاوية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سماك].
هو سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[قلت لـ جابر بن سمرة].
هو جابر بن سمرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(158/33)
الفرق بين صلاة الإشراق وصلاة الضحى
قد يقال: هل هناك فرق بين صلاة الإشراق وصلاة الضحى؟
و
الجواب
بعض أهل العلم يقول: إن هناك فرقاً، فالذي من عادته أنه يصلي الضحى فإنه يصليها بين ارتفاع الشمس إلى الزوال، وبعض أهل العلم يقول: إن الذي يجلس في مصلاه إلى أن ترتفع الشمس ثم يصلي، فصلاته هذه تصلح لأن تكون صلاة إشراق تابعة للجلوس الذي قبلها، وتصلح لأن تكون هي صلاة الضحى؛ لأنها واقعة في وقت صلاة الضحى، ولهذا أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن سمرة في باب صلاة الضحى؛ لأن فيه أنه يجلس إلى أن ترتفع الشمس ثم يقوم، أي: يقوم للصلاة فيصلي.
ومن قعد بعد الفجر يذكر الله حتى تطلع الشمس فنوى أن تكون صلاته صلاة الإشراق وصلاة الضحى فهل يصلح ذلك؟
و
الجواب
نعم؛ لأن الصلوات -كما هو معلوم- تتداخل، والعمل الواحد قد يقصد به شيئان، مثل تحية المسجد والسنة الراتبة، فإنه يدخل بعضها في بعض، وكذلك ركعتي الطواف، فالإنسان إذا طاف وصلى ركعتين فهما ركعتا الطواف وتحية المسجد.(158/34)
الأسئلة(158/35)
المراد بالمصلى في قوله (من قعد في مصلاه)
السؤال
قوله: (من قعد في مصلاه) ما المراد بالمصلى؟ وهل يعم كل المسجد؟
الجواب
المراد المكان الذي يصلي فيه، والذي يبدو أنه لا بأس بأن ينتقل الإنسان إلى مكان آخر.(158/36)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث (لا يقول إلا خيراً)
السؤال
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقول إلا خيراً)؟!
الجواب
معناه أنه فيما بين ذلك لا يقول إلا خيراً، إما قراءة قرآن، وإما تعليم، وإما ذكر، وإما أمر بالمعروف ونهي عن منكر وغير ذلك، فهذه الفترة التي بين صلاة الصبح وبين صلاة الضحى لا يقول فيها إلا خيراً، وعلى كل فالحديث غير ثابت.(158/37)
ما يحمل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)
السؤال
قوله صلى الله عليه وسلم في بعض الذنوب (غفر له ما تقدم من خطاياه) وكذلك (وإن كانت مثل زبد البحر) هل يعم كل الذنوب؟
الجواب
الكبائر لا يكفرها إلا التوبة، فالإنسان إذا عمل عملاً صالحاً وهو مصر على الكبيرة لا يقال: إنها تكفر تلك الكبيرة لأنه عمل العمل الصالح؛ إذ الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة، كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر).
ومعناه: إذا كانت الكبيرة لم تجتنب أو كان مصراً عليها فإنه لا يحصل معها التكفير، والله تعالى يقول: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:31]، لكن إذا وجد العمل مع التوبة الصادقة من جميع الذنوب فإنه يحصل ذلك، ولكن التوبة هي المعتبرة، أما إذا وجد العمل الصالح مع عدم التوبة، بل مع الإصرار على الذنب، وكان الإنسان يفكر في الذنب متى يحصله وكان مشغول البال به، متعلقاً قلبه بالمعصية، ويتحين الفرص لينقض عليها، ثم عمل عملاً صالحاً فإنه لا يقال: إن هذا العمل الصالح يقضي على الكبائر التي اقترفها؛ لأنه ما تاب منها، بل إن الصغائر إذا حصل إصرار عليها تعظم حتى تلتحق بالكبائر، والكبائر إذا حصل ندم عليها وخجل من الله عز وجل من فعلها فإنها تتضاءل وتضمحل وتتلاشى، ولهذا يقول عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار.
فالكبيرة مع الاستغفار لا تبقى كبيرة، بل تتلاشى وتضمحل وتتضاءل، والصغيرة مع الإصرار لا تبقى صغيرة، بل تضخم وتعظم، بعكس الكبيرة التي تتضاءل بسبب الاستغفار والندم، فهذه تضخم بسبب الإصرار، فكون الإنسان يصر على المعصية، ولا يفكر في تركها، ولا يندم على فعلها يجعلها تضخم، وتكبر حتى تلتحق بالكبائر.(158/38)
حكم الوصال في الصيام
السؤال
هل الوصال محرم أو مكروه؟
الجواب
الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنه، لكن قد جاء وثبت عنه صلى الله عليه وسلم الإذن بالمواصلة إلى السحر لمن يقدر عليه، حيث قال: (من أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر).
يعني: بصوم يوماً وليلة، لا أن يصوم يومين وليلة أو أكثر، وإنما أكثر شيء يوم وليلة، هكذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح، والمواصلة لا شك في أن فيها مشقة، وعلى الإنسان أن لا يفعل الشيء الذي فيه مشقة.(158/39)
حكم صلاة راتبة الظهر الرباعية بتسليمة واحدة
السؤال
في مختصر الشمائل المحمدية يقول الشيخ في شأن حديث (أربع قبل الظهر ليس بينهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء): قلت: قد أعله أبو داود بأن فيه عبيدة بن معتب، وهو ضعيف، لكن له طريق أخرى يتقوى بها، ولذلك خرجته في صحيح أبي داود وذكرت فيه بعض طرقه.
وفي السنن النهارية يقول الشيخ: من فقه الحديث أن السنة في السنن الرباعية النهارية أن تصلى بتسليمة واحدة، ولا يسلم بين الركعتين، وقد فهم بعضهم من قوله: (يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المؤمنين).
أنه يعني تسليم التحلل من الصلاة، ورده الشيخ علي القارئ في شرح الشمائل.
وسئل سماحة الشيخ ابن باز رحمة الله عليه: هل تجوز صلاة الأربع قبل الظهر ولو لم أنو إلا بعد الدخول في الصلاة، وأيهما أفضل التشهد بينهما كالظهر أم الوصل بدون تشهد فما تعليقكم على ذلك؟ فأجاب رحمه الله: يصلي كل ركعتين على حدة، ثم يسلم منهما، والأصل في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى).
رواه الخمسة بإسناد جيد، فهذا الحديث يدل على أن المستحب في صلاة تطوع الليل والنهار أن تكون مثنى مثنى، إلا ما خصه الدليل، فإن صلاها أربعاً جميعاً فلا حرج؛ لإطلاق بعض الأحاديث الواردة في ذلك.
الجواب
أقول: جمعاً بين الدليلين يكون الأولى هو صلاة ركعتين ركعتين، وإن جمعهما -كما جاء في بعض الأحاديث- فجائز.(158/40)
حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مصحوبة باستغاثات شركية
السؤال
ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: اللهم رب محمد صلى الله عليه وسلم، نحن عباد محمد صلى الله عليه وسلم، وأخرى بلفظ: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد قد ضاقت حيلتي أدركني يا رسول الله؟!
الجواب
محمد هو عبد لله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله).
وفي التشهد: أشهد (أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) فهو عبد لا يُعبد، ورسول لا يكذب، بل يطاع ويتبع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وأما قول (اللهم صل وسلم على سيدنا محمد قد ضاقت حيلتي أدركني يا رسول الله!) فإن الله تعالى يقول: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62] يعني: لا أحد يجيب المضطر إلا الله عز وجل، فالإنسان إذا خرج عن الجادة واتبع هواه ولم يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يقع في الشرك وهو لا يشعر، والعياذ بالله!(158/41)
خطر المعصية في الأماكن المقدسة
السؤال
هل المعاصي التي تقع في المدينة النبوية تعتبر من الإحداث في المدينة؟
الجواب
المعاصي في الأماكن المقدسة لا شك في أن لها خطراً، وهي أخطر من الأماكن التي هي غير مقدسة، فالمعصية خطيرة إذا وقعت في أي مكان، لكن إذا وقعت في المكان المقدس فإن الأمر يكون أعظم، كما أن الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لها فضل ألف صلاة، والصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وهذا يدل على أن الحسنة في تلك الأماكن لها وزن، ولها شأن كبير، والسيئة لها خطر كبير، فالمعاصي في مكة والمدينة ليست كالمعاصي في الأماكن الأخرى، فهذه أخطر وأشد، من يعصي الله في الحرم ليس كمن يعصيه بعيداً عن الحرم.(158/42)
حكم قضاء الأربع الركعات قبل الظهر بعد صلاة فريضة الظهر
السؤال
من لم يصل أربعاً قبل الظهر هل يجوز له أن يقضيها بعد المكتوبة؟
الجواب
يقضيها، لكن بعدما يأتي بالسنة البعدية.(158/43)
وقت صلاة الضحى
السؤال
متى يبدأ وقت صلاة الضحى؟
الجواب
وقت صلاة الضحى يبدأ من ارتفاع الشمس إلى الزوال، كل هذا وقت صلاة الضحى.(158/44)
شرح سنن أبي داود [159]
لصلاة النوافل كيفيات معهودة وأخرى غير معهودة، أما المعهودة منها فصلاة الليل والنهار، وذلك أن صلاة النهار مثنى مثنى، ويجوز فيها أن تصلى أربعاً بتسليم واحد مع أن الأولى صلاتها اثنتين اثنتين، وأما صلاة الليل فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وقوله أنها تصلى ركعتين ركعتين كما تصلى أربعاً بتسليم واحد، وأما غير المعهود من الكيفيات في صلاة النافلة فكيفية صلاة التسبيح التي وردت بهيئتها المذكورة، وهي مخالفة للمعهود من أمر الصلاة.(159/1)
ما جاء في صلاة النهار(159/2)
شرح حديث (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في صلاة النهار.
حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن علي بن عبد الله البارقي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)].
أورد أبو داود [باب: في صلاة النهار]، يعني: هل تصلى اثنتين اثنتين أو تصلى أربعاً مقرونة مسرودة؟ فهذا هو المقصود بالترجمة، أي: كيف تصلى صلاة النهار؟ وخص النهار دون الليل لأن الليل له أبواب تخصه تتعلق بقيام الليل، وفيها كيفية صلاة الليل، وأنها تكون متصلة ومنفصلة، تكون اثنتين اثنتين، وتكون أربعاً أربعاً وثلاثاً، لكن الترجمة معقودة لصلاة النهار، وأنها تصلى كما تصلى صلاة الليل مثنى مثنى، ويجوز أن تجمع الركعات مع بعض كما جاء في بعض الأحاديث، وكما يدل عليه إطلاق الأربع، ولكن الإتيان بها مفصولة اثنتين اثنتين أولى، وذلك لسهولتها ولتمكن الإنسان من أن يقضي حاجته بينها، أو يطلب شيئاً هو بحاجة إليه، وإن جمع وقرن بينها وصلى الأربع فلا بأس بذلك، لكن الإتيان بها اثنتين اثنتين هو الأولى.
وصلاة الليل تكون مفصولة اثنتين اثنتين، وتكون موصولة أربعاً أربعاً، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الوصل والفصل، وقد جاء من قوله صلى الله عليه وسلم الفصل في قوله: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى).
وعلى هذا فالأولى والأفضل في صلاة الليل والنهار أن تكون مثنى مثنى كما جاء في حديث الباب، وكما جاء في حديث صلاة الليل السابق.(159/3)
تراجم رجال إسناد حديث (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)
قوله: [حدثنا عمرو بن مرزوق].
عمرو بن مرزوق ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود.
[أخبرنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، مر ذكره.
[عن يعلى بن عطاء].
يعلى بن عطاء ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن علي بن عبد الله البارقي].
علي بن عبد الله البارقي صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(159/4)
شرح حديث (الصلاة مثنى مثنى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن المثنى حدثنا معاذ بن معاذ حدثنا شعبة حدثني عبد ربه بن سعيد عن أنس بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع عن عبد الله بن الحارث عن المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصلاة مثنى مثنى، أن تشهد في كل ركعتين، وأن تبأس وتمسكن وتقنع بيديك وتقول: اللهم اللهم، فمن لم يفعل ذلك فهي خداج) سئل أبو داود عن صلاة الليل مثنى قال: إن شئت مثنى، وإن شئت أربعاً].
أورد أبو داود حديث المطلب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(الصلاة مثنى مثنى)] وهذا مطلق، أي: ليس خاصاً بالنهار، فهو يشمل النهار والليل.
قوله: [(وأن تشهد في كل ركعتين)].
يعني أنه يتشهد في كل ركعتين ويسلم.
قوله: [(وأن تبأس وتمسكن)].
يعني: تظهر البؤس والفاقة والمسكنة والفقر إلى الله عز وجل.
قوله: [(وتقنع بيديك)].
يعني: ترفع يديك تدعو الله عز وجل وتقول اللهم أعطني كذا، اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، فهو أتى بالدعاء ولم يذكر الذي يدعى به، ولكن الإنسان يدعو ويسأل الله عز وجل؛ لأن (اللهم) معناه أنه يدعو قائلاً: اللهم أعطني كذا، اللهم اغفر لي كذا، اللهم حقق لي كذا، اللهم يسر لي كذا.
قوله: [(فمن لم يفعل ذلك فهي خداج)].
يعني: الصلاة التي ليست كذلك هي خداج، أي أنها ناقصة، لكن الحديث ضعيف فيه عبد الله بن نافع بن العمياء، وهو مجهول، والإسناد قيل: إن فيه أخطاء من شعبة راوي الحديث، وأن المحفوظ الصحيح هو أن عبد ربه بن سعيد يروي عن عمران بن أبي أنس بدل أنس بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع عن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بدل عبد الله بن الحارث، وكذلك ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب يروي عن الفضل بن عباس، والحديث -كما هو معلوم- يدور على عبد الله بن نافع بن العمياء، وهو مجهول، والحديث غير صحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(159/5)
تراجم رجال إسناد حديث (الصلاة مثنى مثنى)
قوله: [حدثنا ابن المثنى].
هو: محمد بن مثنى أبو موسى الملقب بـ الزمن، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معاذ بن معاذ].
معاذ بن معاذ ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة حدثني عبد ربه بن سعيد].
شعبة مر ذكره، وعبد ربه بن سعيد هو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن أبي أنس].
أنس بن أبي أنس قيل: هو عمران بن أبي أنس، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله نافع].
هو عبد الله بن نافع بن العمياء، وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن الحارث].
عبد الله بن الحارث هو: ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كما قال الليث.
وعبد الله بن الحارث بن عبد المطلب قيل: له رؤية، وقيل: أجمعوا على ثقته.
والمحفوظ أنه ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وربيعة بن الحارث يروي عن الفضل بن العباس بدل المطلب.
كما جاءت الرواية عن الليث وعلى كل فالحديث غير صحيح، سواءٌ أكان بسبب الاضطراب أم بسبب عبد الله بن نافع الذي جاء في السند.
فالذي يروي عن عمران بن أبي أنس هو عبد ربه، وعمران بن أبي أنس يروي عن عبد الله بن نافع وعبد الله بن نافع يروي عن عبد الله بن الحارث.
[عن المطلب].
المطلب قيل: هو عبد المطلب، وعلى رواية الليث بدل المطلب الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهما، والمطلب صحابي، أخرج له أصحاب السنن، وهو المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.(159/6)
ما ورد في كيفية صلاة الليل وصلاة النهار
قوله: [سئل أبو داود عن صلاة الليل مثنى قال: إن شئت مثنى، وإن شئت أربعاً].
أي أن الأحاديث في صلاة النهار، وسيذكر الأحاديث في صلاة الليل، لكنه هنا بالمناسبة ذكر ما يتعلق بالليل، حيث سئل أبو داود عن صلاة الليل فقال: [إن شئت مثنى، وإن شئت أربعاً] يعني: لك أن تفصل، ولك أن تصل، وقد جاء الفصل والوصل في صلاة الليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله، ففعله أنه صلى ركعتين ركعتين كما جاء في حديث ابن عباس لما بات عند خالته ميمونة، وجاء عنه الوصل في حديث عائشة: (كان يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم ثلاثاً).
فهذا فيه الوصل والفصل، وقد جاء الفصل من قوله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحده توله ما قد صلى) وما أظن أنه جاء فيها الجلوس بدون سلام.
وسيعقب المصنف أبواباً لذكر صلاة الليل.
وبالنسبة لصلاة النهار جاء في بعض الأحاديث أنه يصليها ويسلم على الملائكة المقربين، وعلى كل عبد صالح، ومعناه أنه بين الركعتين يتشهد ويسلم.(159/7)
ما جاء في صلاة التسبيح(159/8)
حديث صلاة التسبيح موقوفاً على عبد الله بن عمرو وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله: [باب صلاة التسبيح.
حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري حدثنا موسى بن عبد العزيز حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: يا عباس! يا عماه! ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟ ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته، عشر خصال، أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشراً، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً، ثم تهوي ساجداً فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة)].
أورد أبو داود رحمه هذا الباب، وهو [باب صلاة التسبيح]، وقيل لهذه الصلاة: صلاة التسبيح لكثرة ما فيها من التسبيح، وكون التسبيح يكون في القيام والركوع والرفع من الركوع، وفي السجود وبين السجدتين، بل وبعد السجدة الثانية.
وأورد أبو داود رحمه الله الحديث من طرق أولها حديث عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه العباس [(يا عباس! يا عماه! ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟ ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته)].
ثم قال: تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، وبعدما تنتهي من القراءة في الركعة الأولى تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمس عشر مرة وأنت قائم، ثم تركع وتقول ذلك عشر مرات وأنت راكع، ثم تقوم من الركوع وتقوله عشر مرات وأنت قائم بعد الركوع وقبل السجود، ثم تسجد وتقوله في السجدة الأولى عشر مرات، ثم تقوم من السجدة الأولى وتجلس بين السجدتين وتقوله عشر مرات، ثم تسجد الثانية وتقوله عشر مرات، ثم ترفع من السجدة الثانية وتقوله عشر مرات وأنت جالس، أي: في جلسة الاستراحة، بحيث تكون طويلة، ويكون فيها عشر تسبيحات عشر مرات، فيكون مجموع ذلك خمساً وسبعين في كل ركعة، القيام فيه خمس عشرة، والركوع والرفع منه، والسجدة الأولى وبين السجدتين، والسجدة الثانية، وبعد السجدة الثانية في كل تلك الأصول عشر مرات، فيكون العدد خمساً وسبعين تسبيحة.
فإذا فعلت ذلك في كل الركعات الأربع فمعناه أنه يكون عدد ذلك ثلاثمائة، أي: قول (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر).
ثم قال: [(إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، وإن لم تفعل ففي كل جمعة)] يعني: في كل أسبوع؛ لأن الأسبوع يقال له جمعة، [(فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة)].
فهذا هو الحديث الذي أورده أبو داود في صلاة التسبيح، وقد اختلف العلماء في صلاة التسبيح فمنهم من اعتبرها، وصحح حديثها وفعلها، ومنهم من ضعف أحاديثها وأنكرها وقال: إنها غير صحيحة، وهي شاذة مخالفة للصلوات الأخرى، وفيها أمور غريبة تختلف عن غيرها من الصلوات الأخرى.
ثم إن العشر الخصال لم يأت توضيحها وبيانها، ومعلوم أن العشر الخصال هي أعمال إذا عملها الإنسان يحصل على ذلك أجراً، فمن الذين شرحوا الحديث قالوا: إن العشر ترجع إلى العشر الكلمات التي هي: أوله وآخره، خطؤه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته، قديمه وحديثه، فهذه هي العشر، وهذه لا يستقيم أن تكون هي العشر الخصال التي حث عليها؛ لأن هذا يقال له: جزاء وليس هو خصالاً تفعل، وإنما هو ثواب.
ومن أهل العلم من فسر الحديث فقال: إن المقصود بالعشر العشر التسبيحات والتحميدات والتكبيرات والتهليلات التي جاءت في ستة أحوال بالنسبة للركعة الواحدة، فقيل لها: عشر خصال، وهذا -في الحقيقة- غير واضح، فالعشر الخصال غير معروفة، وغير موجودة في الحديث، فليس فيه إلا أربع ركعات، وفيه خصال تتكرر في كل ركعة عشر مرات، فلا يصلح أن يقال: إن هذه هي العشر الخصال، فهذا لا يستقيم، ثم إنَّ فيه التنصيص على أن الإنسان إذا فعل ذلك في عمره مرة واحدة يكفر عنه الذنوب الكبيرة والصغيرة، وهذا مخالف لما جاء في الأحاديث الصحيحة، كقوله صلى الله عليه وسلم (الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).
فهذا يدلنا على أن هذه الأعمال العظيمة إذا فعلها الإنسان فإن مجرد فعله لها لا يكفر عنه الكبائر، وإنما يكفر الصغائر، والله تعالى يقول: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:31].
ثم إن في متنه من الإشكال كونه بين كل ركعة وركعة يجلس حتى يقول: سبحان الله والحمد لله عشر مرات.
ثم أيضاً فيه هذا العدد الذي يحتاج إلى عد والإنسان يصلي، حيث يقول ذلك وهو قائم، وفي كل ركوع ورفع وسجود، وبين السجدتين، وبعد السجدة الثانية في جلسة الاستراحة يكون هذا الدعاء، وهي مخالفة لجميع الصلوات في هيئتها، فهي غريبة، وفيها هذا الثواب الذي فيه تكفير الصغائر والكبائر، مع أن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة، وقد جاء أنّ الأعمال التي تفعل في كل سنة مثل صيام رمضان، وكذلك الجمعة في كل أسبوع والفرائض لا تكفر إلا الصغائر، فهذا المتن فيه غرابة.
وبعض أهل العلم -كما قلت- صححه، وعمل بما فيه، لكن لم يعرف عن الصحابة أنهم عملوا بهذا، وإنما جاء عن بعض التابعين، ولم يأت عن الأئمة الأربعة أيضاً أنهم فعلوا ذلك، وإنما جاء عن بعض أتباع الأئمة الأربعة، وقد جاء عن بعض المحدثين أنهم ضعفوا تلك الأحاديث، ومنهم العقيلي وابن خزيمة حيث قال: إن صح الخبر فإن في النفس منه شيئاً فعلق العمل به على صحته وقال: في النفس منه شيء، وكذلك أيضاً جاء عن ابن تيمية وعن المزي، وكذلك النووي في المجموع ضعف الأحاديث الواردة في ذلك وقال: إنها لا تثبت ولا يعمل بها، وكذلك الحافظ ابن حجر جاء عنه في بعض الكتب أنه تكلم فيها وجاء عنه أنه صححها، وجاء عن جماعة من أهل العلم أنهم صححوها، وبعض التابعين ومن بعدهم من بعض أصحاب المذاهب الأربعة فعلوها، لكنها -كما هو معلوم- غريبة، وفي ألفاظها نكارة، وهي فيها التنصيص على أن هذا العمل الذي يفعل في العمر مرة واحدة يكفر أول الذنوب وآخر الذنوب، والصغير والكبير.
وقد عرفنا أن ما هو أعظم من صلاة التسبيح لا يحصل به تكفير الكبائر، كقوله صلى الله عليه وسلم: (الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).
أما هذا فيكفر الذنب أوله وآخره، صغيره وكبيره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، سره وعلانيته، وهذا إخبار بحصول هذا الثواب الذي يخالف ما هو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعمال أجل وأعظم، في عمل يتكرر كل سنة وهو صيام رمضان، وعمل يتكرر كل أسبوع، وهو صلاة الجمعة، ومع ذلك لا تكفر الكبائر به، والأحاديث التي ورد فيها تكفير الذنوب مقيدة باجتناب الكبائر، والأحاديث يحمل بعضها على بعض.
وعلى هذا: فالذي يظهر أن صلاة التسبيح لا ينبغي أن يعمل بها، ولا أن تفعل، ومن فعلها من الأئمة فإنه استند على ما جاء في بعض الروايات، لكن الإشكال موجود في المتن، وبعض الرجال تكلم فيهم، والله تعالى أعلم.(159/9)
تراجم رجال إسناد حديث صلاة التسبيح
قوله: [حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري].
عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة.
[حدثنا موسى بن عبد العزيز].
موسى بن عبد العزيز صدوق سيئ الحفظ، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأبو داود وابن ماجة.
[حدثنا الحكم بن أبان].
الحكم بن أبان صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(159/10)
شرح حديث تعليم النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو صلاة التسبيح
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سفيان الأبلي حدثنا حبان بن هلال أبو حبيب حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء قال: حدثني رجل كانت له صحبة -يرون أنه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما- قال: (قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ائتني غدا أحبوك وأثيبك وأعطيك، حتى ظننت أنه يعطيني عطية، قال: إذا زال النهار فقم فصل أربع ركعات، فذكر نحوه، قال: ثم ترفع رأسك -يعني: من السجدة الثانية- فاستو جالساً ولا تقم حتى تسبح عشراً، وتحمد عشراً، وتكبر عشراً، وتهلل عشراًَ، ثم تصنع ذلك في الأربع الركعات، فإنك لو كنت أعظم أهل الأرض ذنباً غفر لك بذلك، قلت: فإن لم أستطع أن أصليها تلك الساعة؟ قال: صلها من الليل والنهار).
قال أبو داود: وحبان بن هلال خال هلال الرئي].
أورد أبو داود حديث رجل من الصحابة يرون أنه عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: [(ائتني غداً أحبوك وأثيبك وأعطيك)] قال: [حتى ظننت أنه يعطيني عطية]، ولما جاء إليه ذكر له صلاة التسبيح، وفيه أنه جعل الأربع الركعات بعد الزوال، وهذا فيه بيان أنها قبل صلاة الظهر بعد الزوال، وفيه التنصيص -أيضاً- على الأمر الذي فيه إشكال من الإشكالات، وهو أن جلسة الاستراحة يمكث فيها حتى يأتي بـ (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) عشر مرات، وهذا مخالف لجميع الصلوات، وهو كون الإنسان يجلس للاستراحة ويأتي فيها بدعاء وهي قصيرة وثابتة في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس فيها شيء من الدعاء لقصرها، وإنما هي جلسة خفيفة يقوم الإنسان منها للركعة الثانية.
وهذا فيه أنه يجلس حتى يفرغ من قوله: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله) والله أكبر عشر مرات.
ثم قال: [(فإنك لو كنت أعظم أهل الأرض ذنباً غفر لك بذلك)].
وهذا أخف من الذي تقدم؛ لأن الذي تقدم فيه الأول والآخر، والصغير والكبير، وفيه أن الكبائر تكفر بفعل صلاة تحصل في السنة مرة واحدة.
قوله: [(قلت: فإن لم أستطع أن أصليها تلك الساعة؟ قال: صلها من الليل والنهار)].
يعني: افعلها في أي ساعة من ليل أو نهار، ومعناه الأمر في ذلك واسع، وليست خاصةً بما بعد الزوال وقبل صلاة الظهر.(159/11)
تراجم رجال إسناد حديث تعليم النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو صلاة التسبيح
قوله: [حدثنا محمد بن سفيان الأبلي].
محمد بن سفيان الأبلي صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثنا حبان بن هلال أبو حبيب].
حبان بن هلال أبو حبيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا مهدي بن ميمون].
مهدي بن ميمون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عمرو بن مالك].
عمرو بن مالك صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) وأصحاب السنن.
[عن أبي الجوزاء].
هو أوس بن عبد الله الربيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثني رجل كانت له صحبة يرون أنه عبد الله بن عمر].
أي: أبا الجوزاء قال: إنه له صحبة، وقوله: [يرون أنه عبد الله بن عمر] أي: الذين أخذوا عن أبي الجوزاء يرون أنه: عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمرو بن العاص هو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [قال أبو داود: حبان بن هلال خال هلال الرئي].
حبان بن هلال هو من رجال الكتب الستة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، ولكن هذا فيه إشارة إلى صلته بذلك الرجل الذي هو هلال الرئي.(159/12)
إسناد وقف حديث صلاة التسبيح على عبد الله بن عمرو بن العاص وتراجم رجاله
[قال أبو داود: رواه المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو موقوفاً].
أي: جاء عن أبي الجوزاء أنه موقوف على عبد الله بن عمرو.
قوله: [رواه المستمر بن الريان].
المستمر بن الريان ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو].
وأبو الجوزاء وعبد الله بن عمرو قد مر ذكرهما.(159/13)
إسناد آخر معلق لصلاة التسبيح وتراجم رجاله
[ورواه روح بن مسيب وجعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قوله].
ثم أورد طريقاً أخرى معلقة أنه من قول ابن عباس أيضاً.
قوله: [ورواه روح بن المسيب].
روح بن المسيب هو: روح بن المسيب الكليبي أبو رجاء، اختلف العلماء فيه، فـ ابن معين قال: صويلح، وأبو حاتم قال: صالح ليس بالقوي، وابن عدي قال: أحاديثه غير محفوظة، وابن حبان قال: يروي الموضوعات عن الثقات لا تحل الرواية عنه، والبزار قال: ثقة.
وليس هو من رجال الكتب الستة.
وترجمته موجودة في اللسان؛ لأن الميزان يترجم لأصحاب الكتب ولغيرهم، واللسان لا يترجم إلا لغير أصحاب الكتب الستة، ولهذا فإن الإنسان إذا كان عنده تهذيب التهذيب ولسان الميزان فمعنى ذلك أن الرجال غير الرجال، فلا تكرر بين الكتابين؛ لأن الرجال غير الرجال، فلا يأتي في لسان الميزان شخص جاء في تهذيب التهذيب، ولا يأتي في تهذيب التهذيب شخص جاء في لسان الميزان، بل هؤلاء مستقلون وهؤلاء مستقلون، لا ازدواجية ولا تكرر، ومن عنده الكتابان فعنده سفران في رجال لا تكرر بينهم.
[وجعفر بن سليمان].
جعفر بن سليمان صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس].
قد مرَّ ذكرهم.
قوله: [قوله].
أي: من قوله، ويمكن أن يكون له حكم الرفع، لكن فيه غرابة، وهو مخالف لبقية الأحاديث والسنن.
وبعض أهل العلم قال: إن أصح شيء فيها هو حديث عكرمة عن ابن عباس.
قوله: [وقال في حديث روح: فقال: حديث النبي صلى الله عليه وسلم].
يعني أنه مرفوع، وليس موقوفاً.(159/14)
إسناد آخر لحديث صلاة التسبيح وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا محمد بن مهاجر عن عروة بن رويم قال: حدثني الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لـ جعفر بهذا الحديث، فذكر نحوه، قال في السجدة الثانية من الركعة الأولى كما قال في حديث مهدي بن ميمون].
أورد أبو داود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـ جعفر مثلما مر في الحديث السابق.
قوله: [قال في السجدة الثانية من الركعة الأولى كما قال في حديث مهدي بن ميمون].
يعني: أن الروايات كلها في السجدة الثانية الكلام فيها واحد.
قوله: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع].
الربيع بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا محمد بن مهاجر].
محمد بن مهاجر ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عروة بن رويم].
عروة بن رويم صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قال: حدثني الأنصاري].
الأنصاري مجهول لا يعرف.
[أن رسول الله قال لـ جعفر].
هو جعفر بن أبي طالب، والحديث ليس عن جعفر وإنما هو عن الأنصاري.(159/15)
شرح سنن أبي داود [160]
حين يقبل الليل بظلامه يجد المؤمن لذة عيشه في صلاته بين يدي ربه، فيشرع في أداء ركعتي المغرب في بيته، فإذا صلى العشاء عاد فصلى راتبتها في بيته، ثم يترقب الهزيع الأخير من الليل ليتبتل بين يدي مولاه جل جلاله مناجياً وداعياً وذاكراً، ولأنها ساعات غنيمة فقد جعل الشرع قائمها مع أهله في بيته من الذاكرين الله تعالى، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لموقظ زوجته ساعتها ولموقظة زوجها بالرحمة، وأعظم به من فضل!(160/1)
ركعتا المغرب أين تصليان؟(160/2)
شرح حديث (هذه صلاة البيوت)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ركعتي المغرب أين تصليان.
حدثنا أبو بكر بن أبي الأسود قال: حدثني أبو مطرف محمد بن أبي الوزير حدثنا محمد بن موسى الفطري عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى مسجد بني عبد الأشهل فصلى فيه المغرب، فلما قضوا صلاتهم رآهم يسبحون بعدها فقال: هذه صلاة البيوت)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى [باب: ركعتي المغرب أين تصليان] وهما الركعتان اللتان تكونان بعد المغرب، ومن المعلوم أن الركعات التي هي رواتب اثنتا عشرة ركعة كما سبق بذلك الحديث عن أم حبيبة وعن عائشة رضي الله تعالى عنهن وعن الصحابة أجمعين، وهي أربع قبل الظهر، واثنتان بعدها، واثنتان بعد المغرب، واثنتان بعد العشاء، واثنتان قبل الفجر، وهذه الترجمة في الركعتين اللتين بعد المغرب أين تصليان؟ والجواب أنهما تصليان في البيوت، ويجوز أن تصلى هذه الراتبة في المساجد ولا بأس بذلك، ولكن الأولى هو صلاتها في البيوت لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة).
ولكونه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصلوات رجع إلى بيته وصلى ركعتين بعد المغرب، وكذلك الركعتان بعد الظهر كما جاء بذلك الحديث عن عائشة الذي فيه التفصيل لسنن الرواتب الاثنتي عشرة، والذي بينت فيه عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها جميعاً في البيوت.
وأورد أبو داود رحمه الله في هذه الترجمة حديث كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد بني عبد الأشهل، ولما صلى رأى أناساً يسبحون بعد الصلاة، أي: يتنفلون؛ لأن التسبيح المراد به التنفل، ويقال للنافلة: سبحة، ويقال للذي يتنفل: يسبح، وقد مرت أحاديث عديدة فيها التعبير بهذه العبارة التي هي إطلاق النافلة على السبحة.
قوله: [(فلما قضوا صلاتهم رآهم يسبحون بعدها فقال: هذه صلاة البيوت)].
يعني أن الصلاة التي هي النافلة الأفضل أن تكون في البيوت، ولا يعني ذلك أنها لا تجوز في المساجد، ولكن الأفضل والأولى أن تكون في البيوت؛ لأن الأجر يكون أعظم، والثواب يكون أكبر، وسبق أن مر بنا الحديث في سنن أبي داود في أن صلاة النافلة أو التطوع في البيت أفضل من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن الإنسان إذا تمكن من الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه أراد أن يصلي في بيته بعدما تنتهي الصلاة فذلك أعظم أجراً، وإن صلاها في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإنها تكون بألف صلاة، ولكنه لو صلاها في بيته تكون أكثر من ذلك وأعظم، لهذا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة).
والحديث في إسناده ضعف، وهناك من تكلم فيه، ولكن معناه صحيح؛ لأنه جاءت الأحاديث الكثيرة على وفقه وعلى مقتضاه، من ناحية الأحاديث التي هي حكاية فعله، كما سبق أن مر في حديث عائشة، ومن ناحية التشريع العام للناس، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة).(160/3)
تراجم رجال إسناد حديث (هذه صلاة البيوت)
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي الأسود].
أبو بكر بن أبي الأسود هو: عبد الله بن محمد، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي.
[حدثني أبو مطرف محمد بن أبي الوزير].
هو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا محمد بن موسى الفطري].
محمد بن موسى الفطري صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة].
سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبيه].
هو إسحاق بن كعب بن عجرة، وهو مجهول الحال، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن جده].
هو كعب بن عجرة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والإسناد ضعيف، ولكن الشواهد تدل على صلاة الركعتين في البيت، وحديث: (صلاة المرء في البيت أفضل إلا المكتوبة).
يدل على جوازها في المساجد، وإنما الصلاة في البيوت أفضل.(160/4)
شرح حديث (كان رسول الله يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حسين بن عبد الرحمن الجرجرائي حدثنا طلق بن غنام حدثنا يعقوب بن عبد الله عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد، ومعناه أنه كان يصلي ركعتي المغرب في المسجد، وأنه يطيلهما، وهذا مخالف لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من أنه كان يصلي النوافل في البيت كما في حديث عائشة وحديث ابن عمر، فإنهما يدلان على أنه كان يصلي ركعتي المغرب بعد المغرب في بيته صلى الله عليه وسلم، وكذلك بقية السنن الرواتب، كما جاء في حديث عائشة أنه كان يصليها في البيت، سواءٌ أكانت قبل الصلاة كالأربع قبل الظهر والاثنتين قبل الفجر، أم بعد الصلاة كالاثنتين بعد المغرب والاثنتين بعد العشاء، والاثنتين بعد الظهر، فإنه كان يصلي ذلك في البيت، وهذا الحديث يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد، وأنه أطال القراءة حتى تفرق أهل المسجد، أي: انتهوا من المسجد وخرجوا وهو يصلي، وهذا يخالف ما جاء في الأحاديث الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم من أنه كان يصلي في بيته، وأيضاً لا يطيل الصلاة، وإنما كان يقرأ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) في الركعتين بعد المغرب.
فالحديث لا يصح ولا يستقيم مع تلك الأحاديث الأخرى، وفي إسناده من هو متكلم فيه.(160/5)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب)
قوله: [حدثنا حسين بن عبد الرحمن الجرجرائي].
حسين بن عبد الرحمن الجرجرائي مقبول، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا طلق بن غنام].
طلق بن غنام، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا يعقوب بن عبد الله].
يعقوب بن عبد الله، صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن جعفر بن أبي المغيرة].
جعفر بن أبي المغيرة، صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث فيه حسين بن عبد الرحمن الجرجرائي الذي هو شيخ أبي داود، وفيه أيضاً الذي يروي عن سعيد بن جبير وهو جعفر بن أبي المغيرة، وفي روايته عن سعيد بن جبير كلام.
قوله: [قال أبو داود: رواه نصر المجدر عن يعقوب القمي وأسنده مثله].
نصر المجدر صدوق أخرج له أبو داود.
[عن يعقوب القمي وأسنده مثله].
يعني أنه في الإسناد مثل الذي قبله.
قوله: [قال أبو داود: حدثناه محمد بن عيسى بن الطباع حدثنا نصر المجدر عن يعقوب مثله].
أي: أشار إلى هذا التعليق الذي أشار إليه، ومحمد بن عيسى الطباع هو ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل، والنسائي وابن ماجة.(160/6)
إسناد آخر لحديث إطالة رسول الله صلى الله عليه وسلم القراءة في راتبة المغرب وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس وسليمان بن داود العتكي قالا: حدثنا يعقوب عن جعفر عن سعيد بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه مرسلاً].
أورد الحديث أبو داود من طريق أخرى، وفيه نفس الإسناد في آخره، إلا أنه مرسل من طريق سعيد بن جبير يضيفه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن التابعي إذا أسند الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: مرسل.
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
هو أحمد بن يونس الكوفي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[وسليمان بن داود العتكي].
هو: أبو الربيع الزهراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[قالا: حدثنا يعقوب عن جعفر عن سعيد بن جبير].
وجعفر وسعيد بن جبير مر ذكرهم.
[عن النبي صلى الله عليه وسلم].
يعني أنه مرسل، وليس بمتصل.
قوله: [قال أبو داود: سمعت محمد بن حميد يقول: سمعت يعقوب يقول: كل شيء حدثتكم عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو مسند عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم].
محمد بن حميد هو الرازي، ضعيف، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
ويعقوب هو: القمي الذي مر في الأسانيد السابقة.
وجعفر بن أبي المغيرة وسعيد بن جبير مر ذكرهما(160/7)
ما جاء في الصلاة بعد العشاء(160/8)
شرح حديث (ما صلى رسول الله العشاء قط فدخل علي إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة بعد العشاء.
حدثنا محمد بن رافع حدثنا زيد بن الحباب العكلي حدثنا مالك بن مغول حدثني مقاتل بن بشير العجلي عن شريح بن هانئ عن عائشة رضي الله عنها قال: سألتها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط فدخل علي إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات، ولقد مطرنا مرة بالليل فطرحنا له نطعاً، فكأني أنظر إلى ثقب فيه ينبع الماء منه، وما رأيته متقياً الأرض بشىء من ثيابه قط)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [الصلاة بعد العشاء] أي: النافلة بعد العشاء، وسبق أن مر أن العشاء يكون بعدها ركعتان وهي من جملة العشر الركعات التي جاءت في حديث ابن عمر، ومن جملة الاثنتي عشرة التي جاءت في حديث عائشة وأم حبيبة، وهي من السنن الرواتب، وهذا ثابت عن جماعة من الصحابة كما عرفنا عن عائشة وأم حبيبة وابن عمر.
وقد أورد أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة هذا الحديث عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعدما يصلي العشاء يأتي إلى بيتها، ويصلي أربعاً ستاً.
قولها: [(ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط فدخل علي إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات)].
هذا يخالف تلك الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله ومن قوله، وهي أن من حافظ على اثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة، وحديث عائشة الذي فيه التفصيل، وحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه، ففيه أنه كان يصلي في بيته ركعتين بعد العشاء، فهذا مخالف لها، وهذا فيه أنها ما رأته قط دخل عليها إلا وصلى أربعاً أو ستاً، فبعض أهل العلم قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا أحياناً وهذا أحياناً، وأحياناً يصلي أربعاً، وأحياناً ستاً، لكن الحديث غير صحيح، والثابت هو الركعتان بعد العشاء، وهي من السنن الراتبة.
قولها: [(ولقد مطرنا مرة بالليل فطرحنا له نطعاً، فكأني أنظر إلى ثقب فيه ينبع الماء منه وما رأيته متقياً الأرض بشيء من ثيابه قط)].
النطع: هو الفراش أو الوقاء الذي تتقى به الأرض ويكون من جلد، فقولها: [(فطرحنا له نطعاً)] أي: فراشاً أو شيئاً يصلي عليه أو يجلس عليه من جلد، وكان به ثقب، أي: ذلك النطع، وكان الماء يخرج من ذلك الثقب؛ لأن الماء موجود في الأرض، والرسول صلى الله عليه وسلم كان على هذا النطع، وفيه ثقب، فكان يخرج الماء من ذلك الثقب.
قولها: [(وما رأيته متقياً الأرض بشيء من ثيابه)] أي أنه ما كان يتقي الأرض بشيء من ثيابه لأجل الماء، وقد جاءت الأحاديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يصلي بالناس ليلة واحد وعشرين من رمضان ومطر الناس، ونزل المطر حتى صار في مصلاه عليه الصلاة والسلام انصرف من الصلاة وعلى وجهه أثر الماء والطين.
وهذا الذي ذكرته عائشة يدل على حفظها وإتقانها لهذا الشيء؛ لأنهم يقولون: الشيء إذا كانت له قصة فإنه يدل على حفظ صاحبه له؛ لأن الراوي حفظ الحديث وحفظ الشيء الذي لابس الحديث.
مثل قول ابن عمر: (وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على منكبي، وقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) ومعناه أنه يتذكر الهيئة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدثه، وهو أنه قد وضع يده على كتفه، فكونه يحفظ الحالة التي يكون عليها التحديث يدل على الحفظ، والحديث -كما ذكرت- غير صحيح وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثابت عنه هو كونه كان يصلي ركعتين بعد العشاء في بيته.(160/9)
تراجم رجال إسناد حديث (ما صلى رسول الله العشاء قط فدخل علي إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات)
قوله: [حدثنا محمد بن رافع].
هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن زيد بن الحباب العكلي].
زيد بن الحباب العكلي، صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا مالك بن مغول].
مالك بن مغول ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني مقاتل بن بشير العجلي].
مقاتل بن بشير العجلي مقبول، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[عن شريح بن هانئ].
شريح بن هانئ ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عائشة] هي عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي إسناد الحديث مقاتل بن بشير العجلي، وهو مقبول كما قال الحافظ، أي أنه يحتج بحديثه عند المتابعة.(160/10)
نسخ قيام الليل والتيسير فيه(160/11)
شرح أثر ابن عباس في نسخ قيام الليل والتيسير فيه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أبواب قيام الليل.
باب نسخ قيام الليل والتيسير فيه.
حدثنا أحمد بن محمد المروزي ابن شبويه قال: حدثني علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في المزمل: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل:2] نسختها الآية التي فيها {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل:20] و {نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل:6] أوله، وكانت صلاتهم لأول الليل، يقول: هو أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله: (وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6] هو أجدر أن يفقه في القرآن، وقوله: {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل:7] يقول: فراغاً طويلا].
أورد أبو داود أبواب قيام الليل، وبدأ بترجمة نسخ قيام الليل، يعني نسخ الوجوب، وأنه كان أولاً على الوجوب، وعلى القيام بنصفه، أو أنقص منه، أو أزيد من النصف، وكان ذلك في مكة عندما نزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:1 - 4].
وبعد سنة نزلت الآية التي في آخر سورة المزمل، فكان في ذلك التيسير والتخفيف على الناس، فكان الأمر في ذلك واسعاً، فللإنسان أن يصلي ما تيسر له وما أمكنه، وليس الأمر كما كان من قبل من قيام وقت طويل، ولهذا قال: ((فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ)) يعني أنهم يصلون ويقرءون ما تيسر من القرآن في صلاتهم، فعبر عن الصلاة بالقراءة، وأن الأمر في ذلك واسع بحمد الله، ولهذا أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن عباس الذي فيه أن ما كان في أول سورة المزمل نسخ بما جاء في آخرها.
ثم أتى بالكلمات التي جاءت في قيام الليل، وفي سورة المزمل فقال: [(ناشئة الليل) أوله]، والمقصود أنهم كانوا يأتون بذلك في أول الليل لئلا يغلبهم النوم فيخرج الفجر قبل أن يأتوا بالشيء المطلوب منهم، فكانوا يفعلون ذلك في أول الليل، فناشئة الليل هي أول الليل.
قوله: [يقول: هو أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ].
يعني أن الإنسان إذا صلى في أول الليل فإنه يكون قد أتى بالشيء المفروض عليه، وتمكن من الإتيان به، بخلاف ما إذا نام، فإنه قد لا يستيقظ إلا وقد ذهب الليل أو ذهب أكثر الليل، ولا يتمكن من أداء المطلوب منه، ولهذا فإنهم قد كانوا يحتاطون بأن يصلوا في أول الليل بعد صلاة العشاء، وينامون بعد ذلك، لئلا يحصل لهم النوم عن الصلاة، وبعد أن نسخ قيام الليل جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن الإنسان يصلي وتره قبل أن ينام، كما جاء في أحاديث عديدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إذا كان الإنسان لا يطمئن أو لا يعلم بأنه سيقوم آخر الليل، أما إذا كان من عادته أنه يقوم آخر الليل فإن كونه يوتر في آخر الليل ويصلي صلاة من الليل في آخره أفضل.
ولكن من لم يحصل منه الاطمئنان إلى أنه سيقوم آخر الليل، فإنه لا ينام إلا وقد صلى، كما جاء في حديث أبي هريرة المتفق على صحته: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام) وكذلك في حديث أبي الدرداء في صحيح مسلم: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد)، فهذا في حق من كان لا يطمئن إلى أنه سيقوم آخر الليل، أما من يقوم آخر الليل فإن الأولى له أن يصلي آخر الليل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى).
قوله: [وقوله: {وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6] هو أجدر أن يفقه في القرآن].
يعني: أجدر بأن يفقه ويتأمل في القرآن، وأن يتدبر في القرآن، حيث يكون مشتغلاً بالصلاة وبالعبادة في وقت يكون فيه الهدوء والنوم من كثير من الناس، فإنه يكون ذلك أحرى وأجدر بأن يتأمل الإنسان ويتدبر كتاب الله عز وجل.
قوله: [وقوله: ((إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا)) يقول: فراغاً طويلاً].
قيل: المقصود به الفراغ، وهو أن الإنسان يكون عنده وقت لأن يعمل وينام، وأن يحصل ما يريد، وقيل: إنه يتصرف في أشغاله في النهار، وفي الليل يتمكن من قيام الليل والإتيان بصلاة الليل.(160/12)
تراجم رجال أثر ابن عباس في نسخ قيام الليل والتيسير فيه
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد المروزي بن شبويه].
أحمد بن محمد المروزي بن شبويه، ثقة، أخرج له أبو داود.
[قال: حدثني علي بن حسين].
هو علي بن الحسين بن واقد، وهو صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم في المقدمة، وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
أبوه هو حسين بن واقد، وهو ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن يزيد النحوي].
يزيد النحوي، ثقة أخرج له البخاري في الأدب وأصحاب السنن.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس قد مر ذكره.(160/13)
شرح حديث (لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن محمد -يعني: المروزي - حدثنا وكيع عن مسعر عن سماك الحنفي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أولها وآخرها سنة)].
أورد أبو داود أثر ابن عباس رضي الله عنه أنه لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون كما يقومون في شهر رمضان، حتى نزل آخرها، أي: آخر السورة، فكانوا لا يفعلون ذلك القيام الذي كانوا يفعلونه كما يفعلونه في رمضان؛ لأن الله خفف عنهم ويسر وقال: ((فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ))، فصار في ذلك تيسير وتخفيف على الناس، وكان بين نزول أولها ونزول آخرها سنة.(160/14)
تراجم رجال إسناد حديث (لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان)
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد -يعني المروزي - حدثنا وكيع].
أحمد بن محمد المروزي مر ذكره في الإسناد السابق، ووكيع هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر].
هو مسعر بن كدام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك الحنفي].
هو سماك بن الوليد الحنفي، ليس به بأس، وهي بمعنى (صدوق)، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن عباس].
ابن عباس قد مر ذكره.(160/15)
ما جاء في قيام الليل(160/16)
شرح حديث (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قيام الليل حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [قيام الليل]، وأورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(يقعد الشيطان على قافية أحدكم ثلاث عقد، يضرب مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلت عقدة، وإذا صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس)].
قوله: [(فأصبح نشيطاً طيب النفس)].
أي: يكون طيباً النفس ونشيطاً لأنه قام للعبادة، ولأنه أنس بالعبادة، فيكون عنده طيب النفس، وعنده الارتياح والنشاط، وإذا بقي في منامه ولم يحصل شيء من ذلك فإنه لا يقوم كذلك القيام، بل يقوم خبيث النفس كسلان.(160/17)
تراجم رجال إسناد حديث (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد].
هو: عبد الله بن ذكوان المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج].
هو: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(160/18)
ما يحمل عليه حديث (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام)
قال بعض أهل العلم: إن ذلك يحمل على صلاة الفجر، وبعضهم قال: إنه يحمل على صلاة الليل، وأبو داود أورده في صلاة الليل، ومعلوم أنه قد جاء في الحديث أن من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله، لكن هناك فرق بين الإنسان الذي قام من الليل وصلى وهو منشرح الصدر ونفسه طيبة، والإنسان الذي ما قام إلا عند الأذان، وإن كان يقوم للصلاة وعنده نشاط، إلا أن ذاك أكمل منه وأحسن.(160/19)
شرح حديث (لا تدع قيام الليل فإن رسول الله كان لا يدعه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير قال: سمعت عبد الله بن أبي قيس يقول: قالت عائشة رضي الله عنها: (لا تدع قيام الليل؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعداً)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت لـ عبد الله بن أبي قيس: [(لا تدع قيام الليل؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعداً)] صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن مر بنا أن للإنسان أن يصلي النافلة قاعداً، لكن أجره يكون نصف أجر صلاة القائم، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه إذا صلى قاعداً فله الأجر كاملاً، كما سبق أن مر معنا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما قال له عبد الله بن عمرو: (إنك تقول: إن صلاة القاعد على نصف صلاة القائم وأراك تصلي قاعداً؟ قال: إني لست كهيئتكم) فدل هذا على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه إذا صلى قاعداً فإنه يكون له الأجر كاملاً.(160/20)
تراجم رجال إسناد حديث (لا تدع قيام الليل فإن رسول الله كان لا يدعه)
قوله: [حدثنا محمد بن بشار].
هو محمد بن بشار الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو داود].
هو سليمان بن داود الطيالسي، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن خمير].
يزيد بن خمير، صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[قال: سمعت عبد الله بن أبي قيس].
عبد الله بن أبي قيس، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عائشة].
عائشة قد مر ذكرها.(160/21)
شرح حديث (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن بشار حدثنا يحيى حدثنا ابن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء)].
يعني: إن كان غلبها النوم، وطاب لها الفراش نضح في وجهها الماء حتى يذهب عنها النوم، وهذا من التعاون على البر والتقوى، وعلى العكس من ذلك الرجل، حيث قال صلى الله عليه وسلم: [(رحم الله امرأة قامت من الليل، فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)].(160/22)
تراجم رجال إسناد حديث (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته)
قوله: [حدثنا ابن بشار حدثنا يحيى].
ابن بشار مر ذكره، ويحيى هو: يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن عجلان].
ابن عجلان هو: محمد بن عجلان المدني، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن القعقاع].
هو القعقاع بن حكيم، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي صالح].
هو أبو صالح ذكوان السمان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] أبو هريرة قد مر ذكره.(160/23)
شرح حديث (إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن كثير حدثنا سفيان عن مسعر عن علي بن الأقمر، ح: وحدثنا محمد بن حاتم بن بزيع حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن الأعمش عن علي بن الأقمر -المعنى- عن الأغر عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا -أو صلى- ركعتين جميعاً كتبا في الذاكرين والذاكرات) ولم يرفعه ابن كثير، ولا ذكر أبا هريرة، جعله كلام أبي سعيد].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إذا أيقظ الرجل أهله وصليا -أو صلى- ركعتين جميعاً كتبا في الذاكرين والذاكرات)] يعني: كتب هو في الذاكرين وهي في الذاكرات، وقوله: [(صليا)] يعني: صليا جميعاً، أو صلى وحده وهي صلت وحدها، المهم أن توجد صلاة، سواء صليا جماعة أو فرادى، فإذا فعلا ذلك كتبا في الذاكرين والذاكرات، وهذا تفسير لقول الله عز وجل: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35] في سورة الأحزاب.
ومن المعلوم أن الصلاة ذكر، وقراءة القرآن ذكر، وهي مشتملة على الذكر لأنها مستندة على القرآن ودعاء وذكر الله عز وجل.(160/24)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا)
قوله: [حدثنا ابن كثير].
هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
سفيان هو: الثوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر عن علي بن الأقمر].
مسعر مر ذكره، وعلي بن الأقمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح: وحدثنا محمد بن حاتم بن بزيع].
محمد بن حاتم بن بزيع، ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا عبيد الله بن موسى].
عبيد الله بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شيبان].
هو شيبان بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علي بن الأقمر].
علي بن الأقمر مر ذكره.
[المعنى] أي: أن الطريقين متفقان في المعنى.
[عن الأغر].
هو: أبو مسلم المدني، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي سعيد].
هو: سعد بن مالك بن سنان الخدري، صحابي اشتهر بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو هريرة قد مر ذكره.
قوله: [ولم يرفعه ابن كثير].
يعني صاحب الطريقة الأولى، وهو محمد بن كثير.
[ولا ذكر أبا هريرة، جعله من كلام أبي سعيد].
أي: جعله موقوفاً عليه، وأما محمد بن بزيع فهو عنده مسند مرفوع.
قوله: [قال أبو داود: رواه ابن مهدي عن سفيان قال: وأراه ذكر أبا هريرة].
عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وسفيان هو الثوري.
[قال: وأراه ذكر أبا هريرة].
يعني: في هذا الإسناد.
[قال أبو داود: وحديث سفيان موقوف].
يعني: في الطريق الأولى عن أبي سعيد.(160/25)
ما جاء في النعاس في الصلاة(160/26)
شرح حديث (إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النعاس في الصلاة.
حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنه زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه)].
أورد أبو داود [باب النعاس في الصلاة] يعني: ماذا يفعل الإنسان إذا حصل له النعاس في الصلاة؟! وأورده في أبواب قيام الليل؛ لأن هذا هو الوقت الذي ترك فيه النوم والفراش، وحصل الإقبال على الصلاة، فقد يصيب الإنسان نوم، وقد يحصل له النعاس وهو في الصلاة، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى أن الإنسان ينام، وأنه إذا استمر يصلي فإنه قد يذهب يستغفر فيسب نفسه، بحيث يأتي بكلام ليس بطيب بسبب النوم والنعاس؛ لأنه لا ينظر فيما يقول كما ينبغي، بخلاف المستيقظ الذي ليس عنده شيء من النوم، فإنه يعقل تماماً ما يقوله وما يتلفظ به، اللهم إلا أن يكون شيء يحصل عن سبق اللسان، وإلا فإن النائم قد يحصل له بسبب النوم الإتيان بشيء لا ينبغي، وهذا بالنسبة لصلاة الليل، وأما بالنسبة للصلوات المفروضة فلا يجوز للإنسان أن يعرضها للنعاس وأن لا يأتي بها كما هو مشروع، وإنما عليه أن يأخذ نصيبه من النوم قبل أن يأتي وقتها، ولا يتهاون بها ثم تكون مثل الفجر، بحيث يسهر الليل، ثم لا يقوم يصلي الفجر، حتى تطلع الشمس، ثم بعد ذلك يصلي، فهذا لا يجوز، بل الإنسان عليه أن يرتب نفسه على أساس أن يكون في وقت الصلاة نشيطاً، وأنه يؤدي الصلاة كما ينبغي وكما شرع الله عز وجل، وأورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه)].
قوله: [(إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم)] يعني: يأخذ نصيبه من النوم.
[(فإن أحدكم إذا ذهب يستغفر لعله يسب نفسه)] يعني: لعله يحصل منه شيء يضره، وهو أن يسب نفسه، بمعنى أنه يخلط ويأتي بشيء خلاف مقصوده بسب غلبة النوم له، فعليه أن يرقد.(160/27)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة].
القعنبي ومالك مر ذكرهما، وهشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه هو عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة قد مر ذكرها.(160/28)
شرح حديث (إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إذا قام أحدكم من الليل يصلي فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع)].
قوله: [(استعجم القرآن على لسانه)] معناه أنه يصيبه الناس فلا ينطق بالقرآن كما ينبغي بسبب النوم، فيكون لسانه لا ينطق بالقرآن، للثقل الذي فيه بسبب النوم، وهذا هو معنى الاستعجام.
[(فليضطجع)] يعني: ينام حتى يأخذ نصيبه من النوم وبعد ذلك يقوم يصلي، وهذا -كما هو معلوم- في صلاة الليل.(160/29)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن همام بن منبه].
هو همام بن منبه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة قد مر ذكره.(160/30)
شرح حديث (دخل رسول الله المسجد وحبل ممدود بين ساريتين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زياد بن أيوب وهارون بن عباد الأزدي أن إسماعيل بن إبراهيم حدثهم قال: حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وحبل ممدود بين ساريتين فقال: ما هذا الحبل؟ فقيل: يا رسول الله! هذه حمنة بنت جحش تصلي، فإذا أعيت تعلقت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتصل ما أطاقت، فإذا أعيت فلتجلس.
قال زياد فقال: ما هذا؟ فقالوا: لـ زينب تصلي، فإذا كسلت أو فترت أمسكت به.
فقال: حلوه.
فقال: ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل أو فتر فليقعد)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فوجد حبلاً ممدوداً بين عمودين فقال: ما هذا؟ فقالوا: لـ حمنة، وأورد رواية في آخر الحديث أنهم قالوا: لـ زينب، والصحيح أنها زينب وليست حمنة فرواية زياد بن أيوب مرجحة، والحديث متفق عليه.
فقالوا: إنها تصلي، وإذا حصل لها التعب والكسل تمسكت واستعانت به على القيام، فأرشدها صلى الله عليه وسلم وأرشد الناس إلى أنهم يصلون ما يقدرون عليه، وإذا حصل الكسل وعدم النشاط يصلون قاعدين، فإذا لم يستطع العبد أن يصليها وهو قائم فليصلها وهو جالس، وأجره على النصف من صلاة القائم كما ثبت بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر صلى الله عليه وسلم بحل الحبل وإخراجه، وأرشد إلى عدم استعماله، وأن الإنسان يصلي نشاطه وإذا حصل له تعب وكسل فإنه يصلي قاعداً، ويركع بالإيماء ويسجد على الأرض.(160/31)
تراجم رجال إسناد حديث (دخل رسول الله المسجد وحبل ممدود بين ساريتين)
قوله: [حدثنا زياد بن أيوب].
زياد بن أيوب ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[وهارون بن عباد الأزدي].
هارون بن عباد الأزدي مقبول، أخرج له أبو داود.
[أن إسماعيل بن إبراهيم حدثهم].
إسماعيل بن إبراهيم هو: ابن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد العزيز].
هو عبد العزيز بن صهيب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(160/32)
الأسئلة(160/33)
حكم الوكيل يبيع السلعة زيادة على الثمن المحدد له
السؤال
إذا أعطى شخص آخر بضاعة ليبيعها له بثمن معين، فباعها له بثمن غير الثمن المحدد، بزيادة فائدة تكون له، فهل يجوز هذا البيع؟
الجواب
ليس للإنسان أن يتصرف بشيء لم يجعل إليه، وإذا كان وكله وحدد له أجرة في مقابل عمله فإنه يستحق الأجرة، وإلا فإن البيع وثمن المبيع إنما هو للمالك بزيادته، ويكون لذلك أجرة المثل إذا لم يكن هناك تحديد.(160/34)
حكم المحرم يربط رجله بخيط لأجل عرق يؤلمه
السؤال
شخص يريد أن يحرم، وهو بحاجة إلى خيط أو نحوه يربطه على رجله لأجل أن يضغط على العرق الذي يؤلمه، فهل يجوز له ذلك؟
الجواب
لا يؤثر هذا الفعل، ولا بأس باستعماله.(160/35)
حكم لبس ثياب الإحرام في الفندق قبل المرور من الميقات
السؤال
هل يمكن أن ألبس ثياب الإحرام في الفندق، أم لا بد من أن أفعل ذلك في الميقات؟
الجواب
يمكن أن تفعل ذلك في الفندق، فتغتسل وتتجهز للإحرام، وتلبس الإزار والرداء وأنت في الفندق وتذهب في السيارة أو الطائرة وأنت على لباس الإحرام بإزار ورداء، وإذا كنت في السيارة ووصلت إلى الميقات، فإن شئت أن تنزل وتصلي في المسجد فلك ذلك، وتحرم بعد ذلك، وإن شئت أن تنوي وتلبي وأنت في السيارة فلك ذلك.(160/36)
حكم الإحرام بعمرة أخرى من التنعيم عن القريب المتوفى
السؤال
أتيت لأداء عمرة، ووالدتي متوفية، فهل يجوز بعد أداء عمرتي أن أقوم بالإحرام من التنعيم بمكة لأداء عمرة عن والدتي المتوفاة أم لا يجوز الإحرام من التنعيم؟
الجواب
الذي ينبغي أنك تجعل هذه العمرة لنفسك أو لوالدتك، وأما التنعيم فلا تأت منه بعمرة، بل العمرة المشروعة المستحبة المأمور بها هي التي يأتي بها الإنسان من خارج مكة من الميقات، وتقول: لبيك اللهم عمرة، فإذا كنت قد اعتمرت لنفسك فلك أن تعتمر عن أمك في هذه السفرة.(160/37)
حكم قطرات الأنف في نهار رمضان
السؤال
أنا أشكو من مرض في أنفي، فأعمل قطرات كل يوم في الليل والنهار وأحس بالقطرة في حلقي، فما هو حكم صومي في رمضان؟
الجواب
الإنسان لا يستعمل السعوط في نهار رمضان؛ لأن السعوط والوجور كل ذلك يحصل به الإفطار، وقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، فالصائم لا يبالغ في الاستنشاق لأنه قد يصل إلى حلقه، ومن أراد أن يقطر في أنفه شيئاً يصل إلى حلقه وهو صائم فليجعل في الليل ولا يجعله في النهار.(160/38)
حكم الاستنجاء بماء زمزم
السؤال
ماء زمزم هل يستنجى به؟
الجواب
ماء زمزم يستنجى به، ويغتسل به، كل ذلك ممكن، وقد ذكروا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رجع من عرفة، وكان في طريقه إلى مزدلفة نزل وحاد عن الطريق وقضى حاجته، واستعمل ماءً للاستنجاء قيل: إنه من ماء زمزم، فلا بأس بذلك.(160/39)
حكم إعطاء الرجل جزءاً من أملاكه لزوجته مع وجود الأولاد
السؤال
هل يجوز أن يكتب الرجل جزءاً من أملاكه لزوجته على أساس أن يؤمنها من مخاطر الدنيا، وإن صح ذلك فما هي حدود ما يكتبه الرجل لزوجته وعنده خمسة أولاد؟
الجواب
إذا أراد أن يعطيها فله أن يعطيها شيئاً في حياته، وأما كونه يجعل ذلك بعد الوفاة فإنه لا يجوز؛ لأنه لا وصية لوارث، وإن أعطاها شيئاً في حياته فله ذلك.(160/40)
حكم تصرف المرأة المتزوجة في راتبها
السؤال
ما حكم راتب المرأة المتزوجة في الإنفاق منه على أهلها، وهل لها فيه حرية التصرف؟
الجواب
نعم، تتصرف في مالها من راتب أو غير راتب، وإذا كان بينها وبين زوجها اتفاق عند الزواج أو عند دخولها المدرسة للتدريس على اعتبار أنه يكون له شيء من راتبها، واتفقا على ذلك فلا بأس به لكونه مكنها وفوت شيئاً من المصالح على نفسه وعلى غيره بسبب ذلك، فإذا حصل اتفاق على شيء فيعتبر الاتفاق، وإلا فإن الأصل أن مالها -سواءٌ أكان راتباً أم غير راتب- تتصرف فيه كيفما تشاء.(160/41)
حكم استخدام المسبحة
السؤال
ما حكم المسبحة؟
الجواب
الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يستعمل المسبحة، وإنما كان يسبح بأصابعه، والله تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] هذا من ناحية.
وهناك ناحية أخرى، وهي كون الإنسان يستعمل المسبحة وهو أحياناً يكون لاهياً ويحركها وهو مشغول، فيظن به أنه يسبح، مع أنه لا يسبح، فيضاف إليه شيء ليس متصفاً به، فيكون ممن يحمد بما لم يفعل، فتركها والابتعاد عنها هو الذي ينبغي للإنسان، والرسول صلى الله عليه وسلم وهو خير الناس، وهو القدوة والأسوة صلى الله عليه وسلم ما كان يستعمل المسبحة ولا كان يسبح إلا بأصابعه صلى الله عليه وسلم.(160/42)
كيفية الزيارة للمدينة المنورة
السؤال
ما هي كيفية الزيارة للمدينة المنورة؟
الجواب
إذا جاء المسلم إلى المدينة المباركة فإنه يشرع له خمسة أمور: الأول: أن يصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: أن يصلي في مسجد قباء.
ثالثاً: أن يزور قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
الرابع: أن يزور البقيع.
الخامس: أن يزور شهداء أحد.(160/43)
شرح سنن أبي داود [161]
لقد فتح الله تعالى لعباده أبواب رحمته الواسعة ليدخلوها بأنواع القرب وأعمال البر، وإن مما تستجلب به رحمة الله تعالى من أعمال البر صلاة الليل، حيث يغمر الكون السكون عقب صلاة المغرب فيقوم العبد يراوح بين قدميه تبتلاً لربه جل جلاله، أو يلهج لسانه بذكر الله وقراءة القرآن، مع انتظاره ساعات الليل الآخر ليحظى فيها بمكابدة الظلمات بعد راحة البدن، بحرص عظيم يورثه كتابة الأجر له لو نام ففاته ذلك الحظ، ويدعوه إلى قضائه بعد فجره ليكتب له أجر عمله في ليلته.(161/1)
ما جاء فيمن نام عن حزبه(161/2)
شرح حديث (من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من نام عن حزبه.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو صفوان عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان، ح: وحدثنا سليمان بن داود ومحمد بن سلمة المرادي قالا: حدثنا ابن وهب -المعنى- عن يونس عن ابن شهاب أن السائب بن يزيد وعبيد الله أخبراه أن عبد الرحمن بن عبد -قالا عن ابن وهب: ابن عبد القاري - قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل)].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب من نام عن حزبه]، أي: ماذا يصنع؟ والمراد بحزبه القرآن الذي التزم به، أو حدده لنفسه بأن يقرأه كل ليلة، وقيل: إن المقصود بذلك ما كان يقرؤه في صلاته من الليل، ومعناه أنه يصلي صلوات ويقرأ فيها مقداراً من القرآن، هذا هو الحزب، وإذا كان المقصود بذلك قراءة القرآن فإنه يقرأ حزبه بعد طلوع الفجر إلى وقت الظهر؛ لأن قراءة القرآن تكون في كل وقت، وأما الصلاة، وكونه يقرأ فيها فإنها لا تكون بعد الفجر إلى طلوع الشمس، وإنما تكون في الضحى إلى الزوال، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم -كما ثبت في صحيح مسلم - أنه كان إذا مرض أو حصل له شيء يمنعه من صلاة الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة قضاءً لصلاته في الليل، وكان من عادته أن يصلي إحدى عشرة ركعة، فيجعلها اثنتي عشرة ركعة لئلا يكون الوتر بالنهار، فيأتي بمقدار الصلاة ويزيدها ركعة حتى تكون في النهار شفعاً ولا تكون وتراً.
وعلى هذا فيحتمل أن يكون الحزب قراءة القرآن من غير صلاة، ويحتمل أن يكون قراءة القرآن داخل الصلاة، وأنه يصلي صلوات وركعات معلومة يقرأ فيها مقداراً معيناً من القرآن يلتزم به في كل ليلة، فإذا نام عن ذلك أو عن بعضه فإنه يأتي به بعد صلاة الفجر إلى صلاة الظهر.(161/3)
تراجم رجال إسناد حديث (من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو صفوان عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان].
أبو صفوان عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة.
[ح وحدثنا سليمان بن داود].
هو: المهري المصري، ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[ومحمد بن سلمة المرادي].
هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن وهب].
هو: عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[المعنى].
أي أن الطريقين متفقتان في المعنى.
[عن يونس بن يزيد الأيلي].
هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن السائب بن يزيد].
السائب بن يزيد صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعبيد الله].
هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو ثقة، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبراه أن عبد الرحمن بن عبد].
هو عبد الرحمن بن عبد القاري و (عبد) غير مضافة إلى (القاري)، و (عبد) منونة، قيل: له رؤية، وقيل: ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قالا عن ابن وهب: ابن عبد القاري].
أي أن سليمان بن داود ومحمد بن سلمة المرادي قالا في روايتهما عن ابن وهب في: عن ابن عبد القاري، أي: عبد الرحمن بن عبد القاري.
أي أنه في الطريق الثانية ما ذكر اسم عبد الرحمن، ولكن ذكرت نسبته إلى أبيه، وذكرت نسبته القاري -بالياء المشددة- نسبة إلى قبيلة.
[قال: سمعت عمر بن الخطاب].
عمر بن الخطاب هو أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(161/4)
من نوى القيام فنام(161/5)
شرح حديث (ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من نوى القيام فنام حدثنا القعنبي عن مالك عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن جبير عن رجل عنده رضيٍّ أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة)].
أورد أبو داود رحمه الله [باب من نوى القيام فنام].
يعني: غلبه النوم وكان ينوي القيام، أي: ومن عادته أنه يقوم، ولكنه حصل له أنه غلبه النوم، فإن الله يكتب له أجر قيامه ذلك الذي كان يعمله في الحالات التي لم ينم فيها، فيكتب الله له أجر قيامه، ويكون نومه عليه صدقة، أي أنه استفاد من الأجر كالأجر الذي كان يحصله لو صلى، وهذا النوم الذي حصل له يكون صدقة عليه، فيكون قد استفاد الأجر والنوم، وهذا -كما هو معلوم- في حق من كان حريصاً على الصلاة، وكان ملازماً لها ولكنه حصل له في بعض الأحيان أن غلبه النوم، فإن الله تعالى يثيبه ويأجره مثلما كان يأجره وهو مستيقظ يصلي لم يحصل له نوم، وهذا من فضل الله وكرمه وإحسانه.
ومعلوم أن الإنسان حين ينوي الخير ويقصده ويعزم عليه ولا يتمكن منه فإن الله يأجره على ذلك.
وأما الحديث الذي يروى ويذكر بلفظ: (نية المؤمن خير من عمله) فهو غير صحيح، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في غزوة تبوك: (إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر) يعني أنهم مجاهدون بنياتهم، وصاروا في حكم المجاهدين، ولهذا قالوا: يكون الجهاد باللسان، وبالمال، وبالنفس، وبالنية.
وهذا من فضل الله عز وجل وكرمه وإحسانه، وهو أنه يثيب المؤمن على نيته وعلى قصده.(161/6)
تراجم رجال إسناد حديث (ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن المنكدر].
محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن رجل عنده رضيٍّ].
يعني: يوثقه ويثني عليه، وقد جاء في سنن النسائي أنه الأسود بن يزيد النخعي الكوفي، وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(161/7)
أي الليل أفضل(161/8)
شرح حديث (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: أي الليل أفضل حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [أي الليل أفضل؟] يعني: ليصلى ويدعى فيه.
والجواب أن من كان يتمكن من القيام ويستيقظ فإن صلاته في آخر الليل أفضل من صلاته في أول الليل، وإذا كان لا يتمكن من الاستيقاظ فإن الأولى في حقه والأفضل أن يصلي في أول الليل؛ لئلا يفوت على نفسه صلاة الليل، فإذا كان ليس من عادته أنه يستيقظ في آخر الليل فليصل أول الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه هذا وهذا، والرسول صلى الله عليه وسلم من كل الليل قد أوتر، من أوله ووسطه وآخره، وكل ذلك سائغ وجائز، ولكن الناس فيهم من يستيقظ آخر الليل، فالأفضل في حقه أن يصلي آخر الليل، وفيهم من لا يتحقق بأنه يستيقظ آخر الليل، فهذا الأولى في حقه أن يصلي في أول الليل، كما جاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام).
وكذلك وصيته لـ أبي الدرداء حيث قال: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد) رواه مسلم.
إذاً: المسألة فيها تفصيل، فآخر الليل أفضل لمن تمكن منه، ومن لم يتمكن منه فإنه لا يفوت على نفسه أول الليل؛ لأنه إذا كان يفوت على نفسه آخر الليل ولم يصل أول الليل فإنه يذهب عليه الليل دون أن يعمل شيئاً، فكونه يأتي بوتره وصلاته في الليل، ولا يعرضها للفوات، هو الذي ينبغي.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟ من يسألني فأعطيه؟).
وهذا يدل على أن آخر الليل والثلث الأخير من الليل هو وقت نزول الله عز وجل، وهذا من صفات الله عز وجل، وهو أنه ينزل نزولاً يليق بكماله وجلاله دون المشابهة لخلقه، ودون تكييف، بل كما يليق به سبحانه وتعالى.
ومعلوم أن ذاته لا يعلم كنهها، وصفاته لا يعلم كنهها، فالعباد لا يعرفون كنه ذات الله عز وجل، وكذلك لا يعرفون كنه صفاته، ولهذا فإن مذهب السلف في هذا الباب هو أن أحاديث الصفات تذكر كما وردت من غير تكييف لها، ومن غير تشبيه لله بخلقه، ومن غير تعطيل أو تأويل أو تحريف، بل على حد قول الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] فأثبت السمع والبصر بقوله: ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ))، ونفى المشابهة بقوله: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) فهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة.
والنزول لا نعرف كنهه كما أن الذات لا نعرف كنهها، ومن القواعد في هذا الباب أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أننا نثبت لله ذاتاً لا تشبه الذوات فنحن نثبت له صفات لا تشبه الصفات، بل صفات الباري كما يليق بكماله وجلاله، وصفات المخلوقين تليق بضعفهم وافتقارهم، ولا يشبه المخلوق الخالق في شيء من صفاته، والله تعالى لا يشبه أحداً من خلقه في صفاتهم، بل صفات الباري تليق بكماله وجلاله، وصفات المخلوقين تليق بضعفهم وافتقارهم.
فلا تكييف ولا تشبيه، ولا تعطيل ولا تحريف، ولكن إثبات مع التنزيه؛ لقول الله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)).(161/9)
تراجم رجال إسناد حديث (ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
القعنبي ومالك وابن شهاب مر ذكرهم.
وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عبد الله الأغر].
هو: سلمان الأغر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(161/10)
وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل(161/11)
شرح حديث (إن كان رسول الله ليوقظه الله عز وجل بالليل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل.
حدثنا حسين بن يزيد الكوفي حدثنا حفص عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوقظه الله عز وجل بالليل، فما يجيء السحر حتى يفرغ من حزبه)].
أورد أبو داود [باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل].
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل السحر، فإذا جاء وقت السحر يكون قد فرغ من حزبه ومن صلاته صلى الله عليه وسلم، ويستريح بعد ذلك، وكان ينام أول الليل، ويستيقظ في الثلث الأخير، فيكون في السدس الخامس من الأسداس، ويبقى السدس الأخير الذي هو السحر يستريح فيه ويستعد للصلاة صلى الله عليه وسلم، فكانت صلاته في الثلث الأخير، ولكنها ليست متصلة بطلوع الفجر، وإنما تنتهي قبل حصول السحر، ولهذا جاء أن الأذان الأول يوقظ النائم ويرجع القائم، فالقائم يستريح، والنائم يستيقظ حتى يستعد للصلاة، وحتى يصلي وتره، وحتى يستعد للصيام بأن يستحر إذا كان يريد أن يصوم.
تقول عائشة رضي الله عنها: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوقظه الله عز وجل بالليل، فيما يجيء السحر حتى يفرغ من حزبه).
قولها: [(حتى يفرغ من حزبه)] أي: من صلاته وقراءته صلى الله عليه وسلم، تعني أن المقدار الذي يقرؤه من القرآن الذي يكون في الصلاة لا يأتي وقت السحر إلا وقد فرغ منه صلى الله عليه وسلم.
والذي جاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد في رمضان ولا غير رمضان على إحدى عشرة ركعة صلى الله عليه وسلم.(161/12)
تراجم رجال إسناد حديث (إن كان رسول الله ليوقظه الله عز وجل بالليل)
قوله: [حدثنا حسين بن يزيد الكوفي].
حسين بن يزيد الكوفي لين الحديث، أخرج له أبو داود والترمذي.
[حدثنا حفص].
هو: ابن غياث، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة].
هشام بن عروة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه هو عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة رضي الله عنها قد مر ذكرها.(161/13)
شرح حديث (كان إذا سمع الصراخ قام فصلى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى قال: حدثنا أبو الأحوص، ح: وحدثنا هناد عن أبي الأحوص -وهذا حديث إبراهيم - عن أشعث عن أبيه عن مسروق قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لها: أي حينٍ كان يصلي؟ قالت: (كان إذا سمع الصراخ قام فصلى)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها وقد سألها مسروق عن الوقت الذي يقوم فيه النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان إذا سمع الصراخ قام فصلى) وجاء في مسلم وغيره (الصارخ) بدل الصراخ، والمراد بالصارخ الديك، أي: أذان وصوت الديك، وكانت الديكة في الغالب تصيح ويحصل منها الصياح بعد نصف الليل عندما يجيء النصف الثاني، وهذا معناه أن نصف الليل الأول كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام فيه، ولكنه كان في بعض الأحيان يوتر من أول الليل، كما جاء عن عائشة أنه من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أوله ووسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر، وفعله صلى الله عليه وسلم ليبن أن الكل جائز وسائغ، ولكن كونه في آخر الليل لمن تمكن منه أولى وأفضل.
والديك إذا حصل منه ذلك فلكونه يرى ملكاً، والحمار ينهق إذا رأى شيطاناً، كما جاء ذلك في صحيح البخاري.(161/14)
تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا سمع الصراخ قام فصلى)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى].
إبراهيم بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو الأحوص].
هو سلام بن سليم الحنفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح: وحدثنا هناد].
هو: ابن السري، ثقة، أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أشعث].
هو: ابن سليم أبو الشعثاء، ثقة، أخرج له أصحاب الستة.
[عن أبيه].
هو سليم بن الأسود أبو الشعثاء، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسروق].
هو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة قد مرّ ذكرها.(161/15)
شرح حديث (ما ألفاه السحر عندي إلا نائماً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو توبة عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ألفاه السحر عندي إلا نائماً، تعني النبي صلى الله عليه وسلم)].
أورد أبو داود حديث عائشة أنها قالت: [(ما ألفاه السحر عندي إلا نائماً)] ومعناه أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاته قبل أن يجيء السحر كما سبق في الحديث الذي مر، بحيث لا يأتي السحر إلا وقد أنهى حزبه، أي أنه كان في السحر يستريح استعداداً لصلاة الفجر صلى الله عليه وسلم، فهذا مثل الحديث المتقدم.(161/16)
تراجم رجال إسناد حديث (ما ألفاه السحر عندي إلا نائماً)
قوله: [حدثنا أبو توبة].
هو أبو توبة الربيع بن نافع، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن إبراهيم بن سعد].
إبراهيم بن سعد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو: سعد بن إبراهيم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة عن عائشة].
أبو سلمة وعائشة مر ذكرهما.(161/17)
شرح حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى حدثنا يحيى بن زكريا عن عكرمة بن عمار عن محمد بن عبد الله الدؤلي عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة عن حذيفة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى)].
أورد أبو داود حديث حذيفة رضي الله عنه [(كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى)] وهذا أعم من صلاة الليل، فهو أعم من الترجمة؛ لأنه لا يختص بصلاة الليل.
قوهل: [(كان إذا حزبه أمر صلى)] يعني: فزع إلى الصلاة صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الصلاة فيها الأنس بالله عز وجل، ومناجاته، والتسلية عن الشيء الذي أحزنه وحزبه وأهمه، فكان يفزع إلى الصلاة صلى الله عليه وسلم، ولا شك في أن الصلاة في الليل هي خير الصلاة بعد الفريضة.(161/18)
تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى].
هو محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا يحيى بن زكريا].
هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة بن عمار].
عكرمة بن عمار صدوق يغلط، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن عبد الله الدؤلي].
محمد بن عبد الله الدؤلي، مقبول أخرج حديثه أبو داود.
[عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة].
عبد العزيز ابن أخي حذيفة وثقه ابن حبان، وذكره بعضهم في الصحابة، أخرج له أبو داود.
[عن حذيفة].
هو حذيفة بن اليمان، الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(161/19)
شرح حديث (فأعني على نفسك بكثرة السجود)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عمار حدثنا الهقل بن زياد السكسكي حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال: سمعت ربيعة بن كعب الأسلمي يقول: (كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آتيه بوضوئه وبحاجته فقال: سلني؟ فقلت: مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود)].
أورد أبو داود حديث ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه أنه كان يبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ويخدمه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (سلني؟ فقال: مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك)، يعني: هذا هو الذي أريد، قال: [(فأعني على نفسك بكثرة السجود)] ومعناه: اشتغل واجتهد في العبادة والصلاة.
ولا شك في أن الوقت الذي فيه الإتيان بالصلاة على وجه أكمل هو الليل، والحديث يشمل الصلاة في الليل وغير الليل، ولا يختص بالليل، ولكن الصلاة في الليل لها فضيلة ومزية، ولهذا أورده أبو داود رحمة الله عليه فيما يتعلق بصلاة الليل، ولكنه لا يختص بذلك، بل يمكن أن الإنسان يصلي في الضحى، ويصلي بعد الظهر وبعد المغرب، وفي كل الأوقات التي تجوز الصلاة فيها.
والمراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: [(أعني على نفسك بكثرة السجود)] كثرة الصلاة، وليس المقصود السجود بدون صلاة، وإنما يصلي؛ لأن الصلاة يطلق عليها سجود، ويقال للركعة: سجدة، كما في قوله تعالى: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق:40] يعني: أدبار الصلوات.
فالسجود المقصود به الصلاة، وليس المقصود به خصوص السجود، وهو كون الإنسان يسجد بدون صلاة؛ لأن التطوع والتنفل لا يكون بأقل من ركعتين، إلا الوتر فإنه يكون ركعة واحدة، وأما السجود وحده فلا يكون إلا في سجود الشكر أو التلاوة، أي: السجود بدون ركوع وبدون قيام.
قوله: [(فقال: سلني، فقلت: مرافقتك في الجنة)].
هذا هو الذي يريده، فهو يريد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع له وأن يدعو له، أو يخبر عنه بأنه من أهل الجنة مرافق له، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: [(أعني على نفسك بكثرة السجود)]؛ لأن هذا مما يعين على تحقيق مطلوبك وبغيتك.
وهذا -كما هو معلوم- له ولغيره؛ لأنه لو كان شهد له أو أعطاه ما يخصه لم يكن للناس شيء، فغيره له أن يعمل بمثل هذا العمل، ويكثر الصلاة، وهذا من أسباب دخول الجنة.
قوله: [(مرافقتك في الجنة)].
الذي يبدو أن يكون معه في الجنة، وليس بلازم أن يكون في منزلته صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان معه في الجنة فقد ظفر بالخير العظيم، المهم أن يكون الإنسان في الجنة، وأما كونه تكون له منزلة النبي صلى الله عليه وسلم فمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم تخصه، وليس معنى ذلك أن الناس لا يرون النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، بل يرونه ويراهم، ولكن ليست منزلته منزلتهم، كما أنهم مع تفاوت الدرجات يرى بعضهم بعضاً.(161/20)
تراجم رجال إسناد حديث (فأعني على نفسك بكثرة السجود)
قوله: [حدثنا هشام بن عمار].
هشام بن عمار صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا الهقل بن زياد السكسكي].
الهقل بن زياد السكسسكي، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا الأوزاعي].
هو: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي كثير].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
أبو سلمة قد مر ذكره.
[سمعت ربيعة بن كعب الأسلمي].
ربيعة بن كعب الأسلمي هو صحابي، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.(161/21)
شرح حديث: (كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء يصلون)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه في هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:16] قال: كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء يصلون، وكان الحسن يقول: قيام الليل].
أورد أبو داود هذا الأثر عن أنس بن مالك رضي الله عنه في تفسير هذه الآية، وهي قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} قال: (كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء يصلون).
يعني أنهم يصلون الليل قبل العشاء وبعدها، ومعنى ذلك أنهم كانوا مستيقظين منتبهين في ذلك الوقت، لا ينامون ويعرضون صلاة العشاء للضياع والتأخر كما هو شأن المنافقين الذين ينامون ولا يصلون العشاء ولا يحضرون، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر) ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها؛ لأن النوم قبلها يؤدي إلى ضياعها وتأخيرها، وخروجها عن وقتها، والتساهل فيها، وإذا كان الإنسان مستيقظاً فإنه يكون مصلياً في ذلك الوقت، ويكون في نفس الوقت متمكناً من أداء صلاة العشاء، فقد جاء عن بعض السلف كـ أنس وغيره من التابعين أنهم قالوا في قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} إن ذلك ما بين صلاة المغرب والعشاء.
كما جاء في هذا الأثر، وجاء أنها صلاة الليل، وهنا قال الحسن: هو قيام الليل، وليس معنى ذلك أن فعلهم هذا يكون قبل العشاء فقط؛ لأن الوتر لا يؤتى به إلا بعد العشاء.
نعم إذا جمع بين الصلاتين المغرب والعشاء جمع تقديم فله أن يصلي ما شاء ويوتر ولو لم يدخل وقت العشاء؛ لأن العشاء بها فحل الإتيان بالوتر والإتيان بصلاة الليل كاملة، بحيث يصلي الإنسان وينام وقد أتى بوتره وصلاته.
قوله: [وكان الحسن يقول: قيام الليل].
يعني أن الصلاة في قوله: ((تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ)) المقصود بها قيام الليل.(161/22)
تراجم رجال إسناد حديث: (كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء يصلون)
قوله: [حدثنا أبو كامل].
هو أبو كامل الجحدري الفضيل بن حسين، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع].
يزيد بن زريع، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد].
هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(161/23)
شرح أثر أنس في تفسير: (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه في قوله عز وجل: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:17] قال: كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء، زاد في حديث يحيى: وكذلك ((تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ))].
أورد أبو داود هذا الأثر عن أنس، وهو مثل الذي قبله في قوله: ((تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ))، وفيه الزيادة في قوله: ((كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)) أنهم كانوا يصلون بين المغرب والعشاء، والكلام فيه كالذي قبله.(161/24)
تراجم رجال إسناد أثر أنس في تفسير: (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون)
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى].
هو أبو موسى الزمن العنزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وابن أبي عدي].
هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد].
سعيد وقتادة وأنس قد مر ذكرهم.(161/25)
افتتاح صلاة الليل بركعتين(161/26)
شرح حديث (إذا قام أحدكم من الليل فليصل ركعتين خفيفتين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب افتتاح صلاة الليل بركعتين.
حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة حدثنا سليمان بن حيان عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم من الليل فليصل ركعتين خفيفتين)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب افتتاح صلاة الليل بركعتين].
وصلاة الليل هي بعد سنة العشاء؛ لأن سنة العشاء راتبة متعلقة بالعشاء ومرتبطة بها، وصلاة الليل بعد ذلك، والترجمة فيها أن صلاة الليل تفتتح بركعتين خفيفتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، وقيل: إن هاتين الركعتين يكون بهما التوفيق بين ما روي من كونه صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة، وكونه كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، فمن العلماء من قال: هما الركعان الخفيفتان قبل صلاة الليل، فعلى قول إنها إحدى عشر يكون المعنى أنه ما حسبت الركعتان، وعلى أنها ثلاث عشرة تكون قد حسبت الركعتان.
وقيل: إن المقصود بالركعتين الفارقتين بين الإحدى عشرة والثلاث عشرة هما اللتان كان يأتي بهما النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس بعد الوتر، وقيل: ركعتا الفجر، وقيل: هما سنة الوضوء، والمعروف عنه صلى الله عليه وسلم ما قالت عائشة من أنه ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، فثلاث عشرة يجمع بينها وبين إحدى عشرة بمثل هذه الأقوال التي أشرت إليها، وقد قالها بعض أهل العلم.(161/27)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا قام أحدكم من الليل فليصل ركعتين خفيفتين)
قوله: [حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة حدثنا سليمان بن حيان].
الربيع بن نافع مر ذكره، وسليمان بن حيان هو أبو خالد الأحمر، صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن حسان].
هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن سيرين].
محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة قد مر ذكره.(161/28)
إسناد آخر لحديث: (إذا قام أحدكم من الليل فليصل ركعتين خفيفتين) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد حدثنا إبراهيم -يعني ابن خالد - عن رباح بن زيد عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إذا) بمعناه، زاد: (ثم ليطول بعد ما شاء)].
أورد أبو داود هذا الحديث، ولكنه موقوف على أبي هريرة.
قوله: (قال: إذا بمعناه).
أي: مثل ما تقدم، فهو إحالة على الرواية السابقة، وزاد: [(ثم ليطول بعد ما شاء)] يعني: بعد الركعتين الخفيفتين يطول ما شاء.
قوله: [حدثنا مخلد بن خالد].
مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا إبراهيم -يعني ابن خالد].
إبراهيم بن خالد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن رباح بن زيد].
رباح بن زيد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن سيرين عن أبي هريرة].
ابن سيرين وأبو هريرة مر ذكرهما.(161/29)
ذكر من وقف الحديث على أبي هريرة وذكر تراجمهم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو داود: روى هذا الحديث حماد بن سلمة وزهير بن معاوية وجماعة عن هشام عن محمد أوقفوه على أبي هريرة، وكذلك رواه أيوب وابن عون أوقفوه على أبي هريرة، ورواه ابن عون عن محمد قال فيهما تجوز].
هذا الحديث مثل الذي قبله موقوف على أبي هريرة.
قوله: (روى هذا الحديث حماد بن سلمة).
حماد بن سلمة أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[وزهير بن معاوية وجماعة].
زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام عن محمد].
هشام بن حسان ومحمد بن سيرين قد مر ذكرهما.
[وكذلك رواه أيوب وابن عون أوقفوه على أبي هريرة].
أيوب مر ذكره، وابن عون هو عبد الله بن عون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ورواه ابن عون عن محمد قال: فيهما تجوز].
فيهما تجوز يعني: بدل قوله: [خفيفتين]، قال: [فيهما تجوز]، وهذا يدل على أنهما ركعتان خفيفتان.(161/30)
شرح حديث (أي الأعمال أفضل؟ قال طول القيام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن حنبل -يعني أحمد - حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج: أخبرني عثمان بن أبي سليمان عن علي الأزدي عن عبيد بن عمير عن عبد الله بن حبشي الخثعمي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: طول القيام)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن حبشي الخثعمي [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: طول القيام)]، وورد في بعض الروايات: (أي الصلاة أفضل؟) وهذا هو الذي يوافق الجواب؛ لأن المقصود به طول القيام وقراءة القرآن في الصلاة.(161/31)
تراجم رجال إسناد حديث (أي الأعمال أفضل؟ قال طول القيام)
قوله: [حدثنا ابن حنبل -يعني أحمد -].
هو أحمد بن حنبل الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حجاج].
هو حجاج بن محمد المصيصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عثمان بن أبي سليمان].
هو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[عن علي الأزدي].
هو علي بن عبد الله البارقي الأزدي، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبيد بن عمير].
عبيد بن عمير، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن حبشي الخثعمي].
عبد الله بن حبشي الخثعمي صحابي أخرج حديثه أبو داود والنسائي.(161/32)
شرح سنن أبي داود [162]
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة الليل مثنى مثنى حتى إذا قرب خشي طلوع الفجر صلى ركعة توتر له ما قد صلى، وأرشد إلى رفع الصوت بقدر معين يسمعه من في الحجرة، وإذا كان العبد يصلي في المسجد فلا يرفع صوته إذا كان يحصل به أذية للآخرين، وأما إذا لم يؤذ أحداً وهناك من يستمع له ويستفيد من قراءته فلا بأس برفع الصوت.(162/1)
صلاة الليل مثنى مثنى(162/2)
شرح حديث (صلاة الليل مثنى مثنى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صلاة الليل مثنى مثنى.
حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب صلاة الليل مثنى مثنى، يعني: أنها تؤدى ركعتين ركعتين، وهذا هو الأفضل والأولى؛ لأنه هو الذي ثبت من فعله وقوله صلى الله عليه وسلم، أما قوله فهو هذا: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر له ما قد صلى)، وأما فعله فقد ثبت عن ابن عباس أنه لما صلى صلى الله عليه وسلم عند خالته ميمونة أنه يسلم من كل ركعتين حتى صلى عشر ركعات، يسلم من كل ركعتين، ثم أوتر بواحدة صلى الله عليه وسلم.
فالفصل في صلاة الليل ركعتين ركعتين ثابت من قوله وفعله، وأما الوصل فهو ثابت من فعله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث عائشة (كان يصلي أربعاً لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً) فهذا يدل على الوصل، ولكن الفصل أولى من الوصل، لأنه كما عرفنا ثابت من قوله وفعله، وهذا ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم فقط، وقد مر بنا صلاة النهار أنها تكون مثنى مثنى كما جاء في حديث: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) وأنه يجوز أن تصلى أربعاً يعني: موصولة بدون فصل، كما دلت على ذلك بعض الأحاديث، ولكن الفصل أولى من الوصل في صلاة الليل وفي صلاة النهار.
قوله: [(فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة)].
يعني: معناه: أنه يصلي ركعتين ركعتين، وهذا يدلنا على أن صلاة الليل الأمر فيها واسع، وأنه لا يلزم التقيد بعشر ركعات، أو إحدى عشر ركعة كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن فعل الرسول هو الأولى والأفضل، ولكن الزيادة على ذلك جائزة وسائغة لهذا الحديث: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى).
فهذا يدل على أن الأمر فيها واسع، وأن الإنسان له أن يزيد على إحدى عشرة ركعة، وأنه إذا استمر في ركعتين ركعتين وخشي طلوع الفجر فإنه يأتي بركعة قبل أن يطلع الفجر توتر له ما قد صلى، يعني: الأشفاع التي قبلها تكون وتراً بهذه الركعة.(162/3)
تراجم رجال إسناد حديث (صلاة الليل مثنى مثنى)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك].
القعنبي ومالك مر ذكرهما.
[عن نافع].
نافع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[وعبد الله بن دينار].
عبد الله بن دينار، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(162/4)
ما جاء في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل(162/5)
شرح حديث (كانت قراءة النبي على قدر ما يسمعه من في الحجرة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل.
حدثنا محمد بن جعفر الوركاني حدثنا ابن أبي الزناد عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم على قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني: باب رفع الصوت في القراءة في صلاة الليل، هذا الباب يتعلق برفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، إذا كان هناك أحد يستفيد من القراءة، أو يستمع إلى القراءة، أو أنه ليس هناك أحد يتأذى بالقراءة فإنه يرفع الصوت.
وأما إذا كان هناك أحد يتأذى بالقراءة فإنه يخفض الصوت، معنى هذا: أن الجهر حيث لا يكون هناك ضرر وأذى وأن هناك منفعة، والخفض حيث يكون هناك الضرر كمن يكون نائماً، ورفع الصوت يقلقله يعني: يمنعه من النوم، أو غير ذلك من الأمور التي يحصل برفع الصوت فيها شيء من الأذى، فإن فيه التفصيل الذي أشرت إليه.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم كانت على قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت، قيل: إن الحجرة أخص من البيت، وأن البيت أعم، وأن البيت يشمل الحجرة وغير الحجرة إذا كان البيت له رده أو له فضاء، فكل ما تحيط به الجدران يقال له: بيت، وتكون الحجر في الداخل فهذا فيه أن قراءته ليست مرتفعة جداً، بمعنى: أنها على قدر من يكون في الحجرة وهو في البيت، أي: في المكان المتصل به سواء كان مغطىً أو مكشوفاً، فتكون على هذا المقدار، يعني: أنه لا يرفع الصوت بها كثيراً، ولا يخفض كثيراً، وإنما يكون على قدر المصلحة والحاجة، ودفع المضرة.(162/6)
تراجم رجال إسناد حديث (كانت قراءة النبي على قدر ما يسمعه من في الحجرة)
[حدثنا محمد بن جعفر الوركاني].
محمد بن جعفر الوركاني، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا ابن أبي الزناد].
عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان، أبو الزناد هو: عبد الله بن ذكوان، وأبو الزناد لقب وليس بكنية، اشتهر به عبد الله بن ذكوان، وكنيته أبو عبد الرحمن يكنى بابنه هذا الذي معنا في الإسناد ابن أبي الزناد، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب].
عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة].
عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(162/7)
شرح حديث (كانت قراءة النبي بالليل يرفع طوراً ويخفض طوراً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بكار بن الريان حدثنا عبد الله بن المبارك عن عمران بن زائدة عن أبيه عن أبي خالد الوالبي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل يرفع طوراً ويخفض طوراً) قال أبو داود: أبو خالد الوالبي: اسمه هرمز].
وهذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه يفيد أن قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم بالليل لها أحوال، فأحياناً يرفع الصوت، وأحياناً يخفض، وهذا على حسب المصلحة والحاجة، حيث تكون المصلحة في الرفع رفع، وحيث تكون المصلحة في الخفض خفض صلى الله عليه وسلم.(162/8)
تراجم رجال إسناد حديث (كانت قراءة النبي بالليل يرفع طوراً ويخفض طوراً)
قوله: [حدثنا محمد بن بكار بن الريان].
محمد بن بكار بن الريان، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا عبد الله بن المبارك المروزي].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمران بن زائدة].
عمران بن زائدة، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبيه].
وهو مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي خالد الوالبي].
أبو خالد الوالبي واسمه: هرمز، وهو مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(162/9)
شرح حديث (أن النبي خرج ليلة فإذا هو بأبي بكر يخفض من صوته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت البناني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ح وحدثنا الحسن بن الصباح حدثنا يحيى بن إسحاق أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلة فإذا هو بـ أبي بكر رضي الله عنه يصلي يخفض من صوته، قال: ومر بـ عمر بن الخطاب وهو يصلي رافعاً صوته قال: فلما اجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا بكر! مررت بك وأنت تصلي تخفض صوتك قال: قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله! قال: وقال لـ عمر: مررت بك وأنت تصلي رافعاً صوتك قال: فقال: يا رسول الله! أوقظ الوسنان، وأطرد الشيطان -زاد الحسن في حديثه- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر! ارفع من صوتك شيئاً وقال لـ عمر: اخفض من صوتك شيئاً)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بـ أبي بكر وهو يقرأ خافضاً صوته، ومر بـ عمر وهو يقرأ رافعاً صوته، فقال لكل منهما بعد ذلك: مررت بك وأنت تخفض صوتك، فقال أبو بكر: قد أسمعت من ناجيت، وهو الله يعني: الله سبحانه وتعالى يسمع قراءته وهو يصلي، وقراءته يسمعها من يناجيه وهو الله سبحانه وتعالى، وقال لـ عمر: (مررت بك وأنت رافعاً صوتك) فقال: أوقظ الوسنان، يعني: النائم، وأطرد الشيطان، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بأن يرفع من صوته، وأمر عمر بأن يخفض من صوته فيكون متوسطاً يعني: بين الرفع الشديد، وبين الخفض الشديد، وإنما بالتوسط بين هذا وهذا.(162/10)
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي خرج ليلة فإذا هو بأبي بكر يخفض من صوته)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد بن سلمة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ثابت البناني].
ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مرسل، ثم بعد ذلك الطريقة الثانية متصلة.
[ح وحدثنا الحسن بن الصباح].
الحسن بن الصباح وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى بن إسحاق].
يحيى بن إسحاق، وهو صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح].
حماد بن سلمة مر ذكره، وثابت البناني مر ذكره.
وعبد الله بن رباح هو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي قتادة].
أبو قتادة الأنصاري الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه، صحابي جليل، وحديثه أخرج له أصحاب الكتب الستة.(162/11)
خصوصية الجهر بصلاة الليل
وهذا خاص بصلاة الليل أنه يجهر فيها، وأما صلاة النهار فهي سرية، ما يجهر فيها بالقراءة، وإن أسمع نفسه فلا بأس، كونه يسمع نفسه ما فيه بأس، وهذا هو الذي يحصل منه الإنسان أنه يسمع نفسه، يعني: ما يكون الصوت يذهب بعيداً، وإنما كونه يسمع نفسه هذا هو الإسرار.
والمخافتة هي: مثل صلاة الظهر والعصر، كل الصلوات النهارية تكون سرية، لا جهر فيها، وصلاة الليل هي الجهرية، سواء كانت فرضاً أو نفلاً.(162/12)
شرح حديث (أن النبي خرج ليلة فإذا هو بأبي بكر يخفض من صوته) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو حصين بن يحيى الرازي حدثنا أسباط بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة لم يذكر فقال لـ أبي بكر: ارفع من صوتك شيئاً ولـ عمر: اخفض شيئاً، زاد: وقد سمعتك يا بلال وأنت تقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة قال: كلام طيب يجمع الله تعالى بعضه إلى بعض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم قد أصاب].
أورد أبو داود طريقاً أخرى وفيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال لـ عمر ولا لـ أبي بكر مثل ما قال في الطريقة السابقة: ارفع واخفض، وفيها زيادة أن بلالاً: كان يقرأ من سورة ومن سورة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كلام طيب يجمع الله بعضه إلى بعض.
يعني: وإن كانت آيات من سورتين أو ليس من سورة، فكل ذلك سائغ وجائز، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: كلكم مصيب، يعني: فعل أبي بكر وعمر وبلال، يعني: ذاك في كونه يخفض صوته، وهذا في كونه يرفع صوته، وهذا في كونه يقرأ من سورة ومن سورة، آيات من سورة وآيات من سورة في ركعة واحدة، وليس معنى ذلك أنه يقطع الكلام في الركعة الواحدة يعني: يقفز من آية إلى آية مثلاً في السورة الواحدة، ولكن هذا فيما يظهر باعتبار الركعات، حيث أنه يقرأ آيات من سورة في ركعات، ثم آيات من سورة في ركعة.
ولا بأس بذلك إذا كان الإنسان هذا حفظه، وهو يعني يقرأ من حفظه، ولا يتأتى ذلك إلا بأن يجمع، بأن ينتقل من سورة إلى سورة إذا كان ما يحفظها كلها، وإنما يحفظ بعضها، فلا بأس ذلك.
وأما التكرار فلا يصلح على الإطلاق، كون الإنسان يكرر آيات معينة إذا كان ما عنده إلا هذه الآيات وهذا الحفظ فيمكن، ولكن كونه عنده شيء من القرآن يحفظه، فيقرأ بدون تكرار.
وإن كان التكرار قد جاء كما سبق أن مر بنا في سورة: {إِذَا زُلْزِلَتِ} [الزلزلة:1] كونه إذا قرئت في الركعتين في الفجر.(162/13)
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي خرج ليلة فإذا هو بأبي بكر يخفض من صوته) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا أبو حصين بن يحيى الرازي].
أبو حصين بن يحيى الرازي قيل: اسمه عبد الله، ثقة أخرج له أبو داود.
[حدثنا أسباط بن محمد].
أسباط بن محمد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب.
[عن محمد بن عمرو].
محمد بن عمرو بن علقة بن وقاص الليثي، صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة قد مر ذكره.(162/14)
شرح حديث (يرحم الله فلاناً كأيٍ من آية أذكرنيها الليلة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن رجلاً قام من الليل فقرأ فرفع صوته بالقرآن، فلما أصبح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله فلاناً كأي من آية أذكرنيها الليلة كنت قد أسقطتها).
قال أبو داود: رواه هارون النحوي عن حماد بن سلمة في سورة آل عمران في الحروف: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ} [آل عمران:146]].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع قارئاً يقرأ من الليل، فقال: يرحم الله فلاناً يعني: ذلك القارئ، لقد أذكرني آية كنت أسقطتها، يعني: نسيتها، كانت ذهبت عنه نسياناً، فلما قرأها تنبه لها وتذكرها صلى الله عليه وسلم، وقال: (كأي من آية أذكرنيها الليلة كنت قد أسقطتها).
وكونها من آل عمران ليس فيها: كأي من آية وهي: ((َكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ)) لكن التي هي كأيٍ من آية هي في سورة يوسف، وأما سورة آل عمران ((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ)) فإذا كان المقصود بها جزء من آية، فهذه في يوسف، وأما إن كان المقصود: وكأيٍ من آية أذكرنيها، يعني: ليست مجرورة بمن، هذا يناسب ويصلح مع ما جاء من التفسير، من أنها في بعض الروايات من سورة آل عمران، ((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ)) ويكون قوله: (وكأيٍ من) هي المقصورة ولا تدخل في الجملة كلمة (آية).
وكأي بمعنى: كثير، ولكن المقصود هنا الإشارة إلى الآية التي حصل إسقاطها، وهي هذه الآية في سورة آل عمران، هذه التي تجاوزها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما سمع القارئ تذكرها، لكن قوله: (كأي من آية) جملة واحدة فهذه ليست في آل عمران، وإنما هي آية في سورة يوسف، وإنما يستقيم المعنى إذا كان المقصود بالآية الإشارة إلى الآية التي نسيت، وكلمة (آية) إشارة إلى التي نسيت وتذكرها، يستقيم الكلام بهذا على أنها: وكأي من نبي، من سورة آل عمران: ((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ)) وليس المقصود بكلمة: (آية) بها: أنها جزء من الآية؛ لأنه لا يستقيم، لأن أول سورة آل عمران ليس فيها وكأي من آية، وإنما هذه في سورة يوسف، فلعل المقصود (وكأي من) هذه إشارة للآية التي نسيت، ثم قال: آية كنت أسقطتها، أي: أنه نسيها صلى الله عليه وسلم.
وهذا من فوائد رفع الصوت بالقراءة، يعني: حيث يستمع لقراءته، ويستفاد من قراءته يرفع صوته.
وأما إذا كان يتضرر بقراءته فإنه لا يجهر.
لو أتينا بمعناها اللغوي هنا، كأي يعني: كثير من الآيات أذكرنيها فلان، والدليل على ذلك رواية مسلم: (سمع رجلاً يقرأ من الليل، فقال: يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت قد أسقطتها من سورة كذا وكذا).
فهذا هو الجواب الصحيح ما دام أنه في صحيح مسلم هذا الشيء، يعني: معناه: أن فيه عدة آيات، وعلى هذا يكون (وكأي من آية)، معناه: آيات، لكن الآن هو أشار في الرواية الثانية إلى أنها آية من آل عمران.
[قال أبو داود: روى هارون النحوي عن حماد بن سلمة في سورة آل عمران، في الحروف: ((َكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ))].
يعني: معناه: كأن هذه هي التي نسيت.(162/15)
تراجم رجال إسناد حديث (يرحم الله فلاناً كأيٍ من آية أذكرنيها الليلة)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن هشام بن عروة].
موسى بن إسماعيل وحماد مر ذكرهما وهشام بن عروة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة].
عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(162/16)
فوائد متفرقة من حديث (يرحم الله فلاناً كأيٍ من آية أذكرنيها الليلة)
وفيه الدعاء إلى من حصل منه إحسان إلى غيره، يعني: الإنسان إذا أحسن إليه أحد فإنه يدعو له؛ لأنه قال: (يرحم الله فلاناً) وأيضاً ما كان يقصده، ولا يدري أنه كان يستمع له، فاستفاد من قراءته ودعا له، هذا فيه دليل على أن من استفاد من أحد شيئاً يدعو له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لهذا الرجل الذي أذكره ذلك الذي نسيه صلى الله عليه وسلم.
وهذا يفيدنا أن القرآن العظيم يحتاج إلى عناية وتعاهد، إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رسول الله حصل منه في مرة من المرات أو في بعض الأحوال أنه نسي شيئاً من الآيات، فمعنى هذا أن التعاهد والعناية أمر لا بد منه.
[قال أبو داود: رواه هارون النحوي عن حماد بن سلمة].
هارون النحوي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة.(162/17)
شرح حديث (ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن إسماعيل بن أمية عن أبي سلمة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: (اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال: في الصلاة)].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الذي يبين أنه إذا كان فيه تأذٍ في رفع الصوت بالقراءة فإنه لا يفعل، وإنما تحصل القراءة ورفع الصوت فيما إذا كان لا يتأذى بجهره أحد، ولا يتأذى برفع الصوت أحد، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان معتكفاً، فسمعهم يقرءون رافعي أصواتهم، فكشف الستر وقال: (إن كل منكم يناجي).
(ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً) يعني: بالتشويش؛ لأن الصوت إذا ارتفع يشوش بعضهم على بعض مثل ما يحصل للإنسان، يعني: الإنسان إذا كان يقرأ ويرفع صوته وهناك أناس يقرءون فإنه يشوش عليهم فلا يتمكنوا من القراءة، ولكن إذا كانوا كلهم خافضين للأصوات، وكل يتمكن من القراءة ولا يشوش أحد على أحد.
قوله: [أو قال: في الصلاة].
يعني: في القراءة أو الصلاة، سواء كان الإنسان يقرأ في الصلاة، أو خارج الصلاة كل ذلك لا يرفع الصوت إذا كان يتأذى أحد، سواء كان يصلي فلا يرفع صوته بالقراءة، أو كان يقرأ بدون صلاة، لا يرفع صوته بالقراءة حيث يتأذى بجهره أحد.(162/18)
تراجم رجال إسناد حديث (ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
الحسن بن علي الحلواني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
معمر بن راشد الأزدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسماعيل بن أمية].
إسماعيل بن أمية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة عن أبي سعيد].
أبو سلمة مر ذكره، وأبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري مشهور بكنيته ونسبته، وهو من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(162/19)
شرح حديث (الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة الحضرمي عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة)].
أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه: (الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة)، ومن المعلوم أن الإسرار بالصدقة في بعض الأحيان يكون فيه فائدة أولى من الجهر، والجهر بالصدقة يكون أولى من الإسرار، فإذا كان الجهر بالصدقة وإظهارها يترتب عليه مصلحة، وهي أنه يقتدى به في الخير فهذا الجهر أولى، يعني: على نيته، وإذا كان ليس هناك مصلحة في إظهارها فإن الإسرار يكون أولى، والجهر بالقرآن إذا كان هناك أحد ينتفع منه، ويستفيد أو يستمع لقراءته، ولا يتأذى بقراءته أحد، فهذا أفضل من هذه الناحية.(162/20)
تراجم رجال إسناد حديث (الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا إسماعيل بن عياش].
إسماعيل بن عياش، وهو صدوق في روايته عن أهل بلده، وهذا من روايته عن أهل بلده؛ لأن بحير بن سعد من أهل بلده.
أخرج له البخاري في رفع اليدين، وأصحاب السنن.
[عن بحير بن سعد].
بحير بن سعد الحمصي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
[عن خالد بن معدان].
خالد بن معدان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن كثير بن مرة الحضرمي].
كثير بن مرة الحضرمي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن عقبة بن عامر الجهني].
عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرج له أصحاب الكتب الستة.(162/21)
شرح سنن أبي داود [163]
أمر الله رسوله أمراً خاصاً بالتهجد من الليل عسى أن يبعثه الله مقاماً محموداً، وأمر الله المؤمنين أيضاً أن يصلوا في الليل ما تيسر منه، فالصلاة في الليل أشد وطئاً وأقوم قيلاً، ولها فضائل وفوائد شتى.
وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي من الليل إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة، يطيل فيها القراءة والركوع والسجود، وهذا العدد بهذه الكيفية خير صفة لقيام الليل، ويجوز تكثير عدد الركعات وتخفيف القراءة والركوع والسجود.(163/1)
ما جاء في صلاة الليل(163/2)
شرح حديث (كان رسول الله يصلي من الليل عشر ركعات ويوتر بسجدة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في صلاة الليل.
حدثنا ابن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن حنظلة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل عشر ركعات، ويوتر بسجدة، ويسجد سجدتي الفجر، فذلك ثلاث عشرة ركعة)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي باب في صلاة الليل، يعني: في بيان مقدارها وكيفيتها وأورد فيه عدة أحاديث، وهي أحاديث كثيرة، أولها حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل عشر ركعات، هذا ذكره مجملاً، يعني: لا يدل على أنها متصلة، ولا يدل على أنها منفصلة، لكن جاء في بعض الروايات ما يدل على أنها متصلة، كما جاء في حديث ابن عباس، وهذا محتمل بأن تكون متصلة وبأن تكون منفصلة، ولكن الفصل أولى من الوصل، وقد جاء عنه أنه كان يصلي أربعاً ويصلي أربعاً، ويصلي ثلاثاً، وجاء عنه أنه كان يصلي اثنتين اثنتين اثنتين ويوتر بواحدة.
قوله: [(ويوتر بسجدة)] يعني: بركعة، لأن الركعة يقال لها سجدة.
قوله: [(ويسجد سجدتي الفجر)] يعني: ركعتي الفجر.
قوله: [(فذلك ثلاث عشرة ركعة)] يعني: هذا أحد التفسيرات التي فيها بيان الفرق بين إحدى عشرة وبين ثلاث عشرة، وأن المعروف من عادته الكثيرة التي أكثر من غيرها أنه يصلي إحدى عشرة ركعة، ولكنه قد يزيد وقد ينقص، قد ينقص إلى سبع، ولم ينقص عن سبع صلى الله عليه وسلم، ووصل إلى ثلاث عشرة، لكن هذه الثنتان اللتان فوق الإحدى عشر، فمنهم من قال: إنها ركعتا الفجر كما جاء في حديث عائشة هذا.
ومنهم من قال: إن الركعتين هما اللتان كان يصليهما وهو جالس بعد الوتر، وهذا في بعض الأحيان وليس دائماً، وقيل: إن المقصود بذلك الركعتين اللتين كان يبدأ بهما صلاته، وهي الخفيفة.
وقيل: إن المراد بذلك ركعتا العشاء التي تكون بعد العشاء، وحديث عائشة هذا فيه بيان أن هاتين الركعتين هما ركعتا الفجر، ومعنى هذا: أن هذا لا يختلف مع ما جاء عنها من أنها إحدى عشرة ركعة؛ لأنها بينت أن الوصول إلى ثلاث عشرة ركعة إنما كان بركعتي الفجر.(163/3)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصلي من الليل عشر ركعات ويوتر بسجدة)
قوله: [حدثنا ابن المثنى].
محمد بن المثنى الزمن أبو موسى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن أبي عدي].
وهو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حنظلة].
حنظلة بن أبي سفيان الجمحي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن القاسم بن محمد].
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة قد مر ذكرها.(163/4)
شرح حديث (أن رسول الله كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ منها اضطجع على شقه الأيمن)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، يعني: واحدة يصليها على حدة تكون هي الوتر تشفع له ما مضى، فإذا فرغ اضطجع على شقه الأيمن، وهذا يكون بعد فراغه من صلاة الوتر، وقبل أن يأتي وقت الفجر , معنى هذا أن هذا الاضطجاع كان للاستراحة؛ لأنه بعد العمل الذي عمله والصلاة التي صلاها يستريح حتى ينشط لصلاة الفجر، وكما جاء في الحديث أن الأذان الأول لإرجاع القائم وإيقاظ النائم، وإرجاع القائم أي: حتى يستريح، وإيقاظ النائم حتى يصلي الوتر لا يفوته، ولأجل أن يتسحر إذا كان يريد أن يصوم.(163/5)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك].
وهو: عبد الله بن مسلمة بن قعنب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
ومالك بن أنس، إمام دار الهجرة الإمام المشهور، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة بن الزبير].
عروة بن الزبير وعائشة قد مر ذكرهما.(163/6)
شرح حديث (كان رسول الله يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى أن ينصدع الفجر إحدى عشرة ركعة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ونصر بن عاصم وهذا لفظه قالا: حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي وقال نصر: عن ابن أبي ذئب والأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى أن ينصدع الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ثنتين، ويوتر بواحدة، ويمكث في سجوده قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، فإذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى أن ينصدع الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل اثنتين يعني: يفصل كل ركعتين على حدة، والركعة الأخيرة وحدها التي يحصل الإيثار العددي بها، كون العدد يكون بها وتراً هي الحادية عشرة، فهذه هي كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم، أنه كان يصلي ركعتين ركعتين، وجملة ذلك إحدى عشرة ركعة.
وهذا يحتمل أن يكون المقصود: أن يفرغ من صلاة العشاء وسنتها، ومعنى هذا أنها تكون غير الإحدى عشر، التي هي الركعتان لصلاة العشاء الراتبة، والمقصود من ذلك قيام الليل، وتكون الصلاة المتعلقة بالعشاء التي هي سنتها لا علاقة لها بقيام الليل.
فقد كان يصلي ركعتين في بيته بعدما ينصرف من الصلاة، ويصلي إحدى عشرة ركعة من الليل، كما جاء في حديث ابن عباس لما نام عند خالته ميمونة، واستيقظ رسول الله فقام وصلى إحدى عشرة ركعة.
فهذا معناه: أنه يطيل القراءة والركوع والسجود، وبينت عائشة مقدار سجوده أنه قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية، وهذا معناه: أنه يطيل السجود، والقراءة كذلك مطالة لأنه ما أطال السجود إلا لما صارت القراءة مطولة.
قوله: [(فإذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين)].
(فإذا سكت المؤذن بالأولى) المقصود به الأذان الثاني هنا؛ لأنه يعتبر أول بالنسبة للإقامة قام وصلى ركعتي الفجر واضطجع حتى يأتيه المؤذن ليؤذنه بحضور وقت الصلاة، ليخرج ويقيم الصلاة بلال، فقوله: (حتى يسكت المؤذن بالأولى) يعني: بعدما يفرغ من الأذان، وهذا فيه أن الإنسان إذا سمع الأذان يجيب، وبعدما يفرغ الأذان يقوم، ويأتي بركعتي الفجر، والأذان هو الأذان الثاني قيل له: أول بالنسبة للإقامة كما سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه الأذان، والذي زاده عثمان يقال له الأذان الثالث، فيكون ثالثاً على اعتبار الإقامة، وهذا من هذا القبيل.
قوله: [(قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن)].
حتى يأتيه المؤذن ليؤذنه بحضور وقت الصلاة.(163/7)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى أن ينصدع الفجر إحدى عشرة ركعة)
قوله: [حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم].
عبد الرحمن بن إبراهيم هو الملقب دحيم، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[ونصر بن عاصم].
نصر بن عاصم، وهو لين الحديث أخرج له أبو داود.
يعني: لفظه الثاني.
[قالا: حدثنا الوليد].
الوليد بن مسلم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأوزاعي].
وهو: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وقال نصر: عن ابن أبي ذئب والأوزاعي].
يعني: ابن نصر يروي عن اثنين: ابن أبي ذئب والأوزاعي، ودحيم يروي عنه، لكن قوله: وهذا لفظه مع أن نصر بن عاصم هو الأخير.
يعني: فكأنه ساقه على لفظ نصر بن عاصم، ولكنه بعد ذلك قال: نصر بن عاصم، يعني: أن هذا اللفظ سياق دحيم، لكن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور.
لكن قول أبي داود وقال نصر: عن ابن أبي ذئب والأوزاعي، يعني: يشكل على قوله: وهذا لفظه، ويبدوا أن السياق لـ دحيم، وليس سياق لقوله: وقال نصر: فلان وفلان، لأن دحيم ما عنده ابن أبي ذئب، ونصر هو الذي عنده راويان: ابن أبي ذئب والأوزاعي.
ويمكن أيضاً أن يكون خاصاً بالمتن، يعني: أن المتن يقصد به لفظ نصر بن عاصم، لكن غالباً أن قول: (هذا لفظه) أن السياق يكون لأقرب مذكور.
[ابن أبي ذئب].
محمد بن أبي عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن عروة عن عائشة].
هؤلاء قد مر ذكرهم.(163/8)
شرح حديث (كان رسول الله يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى أن ينصدع الفجر) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب أخبرني ابن أبي ذئب وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد أن ابن شهاب أخبرهم بإسناده ومعناه قال: (ويوتر بواحدة، ويسجد سجدة قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر) وساق معناه قال: وبعضهم يزيد على بعض].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.(163/9)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى أن ينصدع الفجر) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري].
سليمان بن داود المهري المصري، ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا ابن وهب].
عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني ابن أبي ذئب وعمرو بن الحارث].
ابن أبي ذئب مر ذكره، وعمرو بن الحارث هو المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ويونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب بإسناده ومعناه قال: وبعضهم يزيد على بعض].
يعني: الثلاثة الذين هم: يونس وعمرو بن الحارث وابن أبي ذئب.(163/10)
شرح حديث (كان رسول الله يصلي من الليل ثلاث عشر ركعة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بخمس لا يجلس في شيء من الخمس حتى يجلس في الآخرة فيسلم)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرها، ثم يسلم، ومعنى هذا: أن الوتر الأمر فيه واسع سواء أوتر من خمس، أو أوتر من ثلاث، أو أوتر من واحدة، والأولى هو الوتر من واحدة، وهو الذي كونه يصلي ركعتين ركعتين ويوتر بواحدة، هذا هو الأولى الذي ثبت من قوله وفعله صلى الله عليه وسلم.
فقوله: (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر له ما قد صلى).
وفعله: ما جاء في حديث عائشة الذي مر، وكذلك ما جاء في حديث ابن عباس لما نام عند خالته ميمونة، فإن فيه أنه صلى ركعتين ركعتين ثم أوتر، وهنا قال: ثلاث عشرة، والأحاديث التي مرت إحدى عشرة، فيعني: يمكن أن يحمل على أن الركعتين اللتين هما الفرق بين إحدى عشرة وثلاث عشرة أنها إما ركعتا العشاء أو الركعتان الخفيفتان اللتان تبدأ بهما صلاة الليل.(163/11)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل عن وهيب].
موسى بن إسماعيل مر ذكره، ووهيب بن خالد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة].
وقد مر ذكرهم.
[قال أبو داود: رواه ابن نمير عن هشام نحوه].
ابن نمير هو: عبد الله بن نمير، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(163/12)
شرح حديث (كان رسول الله يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، وإذا سمع النداء في الصبح صلى ركعتين خفيفتين، وهما ركعتا الفجر.
فهذا مثل الذي قبله أنها ثلاث عشرة ركعة.(163/13)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة].
وكلهم قد مر ذكرهم.(163/14)
شرح سنن أبي داود [164]
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل على أحوال مختلفة وصفات متعددة، فقد كان يوتر من أول الليل وأوسطه وآخره، وكان يجهر أحياناً ويسر أحياناً، وكان يصلي قائماً وقاعداً، وكان يوتر بركعة أو بثلاث متصلة أو بخمس متصلة أو بسبع متصلة أو بتسع متصلة، وأكثر وتره كان بثلاث منفصلة.(164/1)
تابع ما جاء في صلاة الليل(164/2)
شرح حديث (أن نبي الله كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل ومسلم بن إبراهيم قالا: حدثنا أبان عن يحيى عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، كان يصلي ثماني ركعات، ويوتر بركعة، ثم يصلي) قال مسلم: بعد الوتر، ثم اتفقا (ركعتين وهو قاعد، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ويصلي بين أذان الفجر والإقامة ركعتين)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها أنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمانياً، ثم يأتي بركعة يوتر بها، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، يعني: يجلس، ثم إذا أراد أن يركع قام، معناه: أنه يقرأ وهو جالس، ثم يقوم ويقرأ بعد ذلك، ثم يركع ويصلي ركعتين بعد طلوع الفجر، فيكون مجموعه ثلاث عشرة ركعة، معناه أنها تسع، ثم بعدها ركعتان وهو جالس، ثم يضاف إلى ذلك ركعتان بعد طلوع الفجر الثاني اللتين هما ركعتا الفجر، فهذه صفة من الصفات التي جاءت عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
وأكثر ما جاء عنها أنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً، ثم أربعاً، ثم ثلاثاً، وأحياناً يصلي ثنتين ثنتين، ويوتر بواحدة، وجاء عنه الزيادة على إحدى عشرة ركعة، فتكون إما ركعتا الفجر قد حسبت كما جاء في هذا الحديث، وكما مر في حديث قبل ذلك، وإما ركعتان خفيفتان تبدأ بهما الصلاة، فتكون هما المكملة للعدد ثلاث عشرة أو الركعتان اللتان بعد صلاة الوتر، وهذا لا يكون باستمرار وإنما يكون في بعض الأحيان.
الحاصل أن صلاته صلى الله عليه وسلم جاءت على أوجه متعددة، ولكن مجموع ما صلاه عليه الصلاة والسلام لا ينقص عن سبع في أي ليلة من الليالي ولا يزيد على ثلاث عشرة، وقد عرفنا أن هذا لا يدل على التقييد بهذا، بل الأمر في ذلك واسع، فلو أراد إنسان أن يزيد على إحدى عشرة فإنه لا بأس بذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر له ما قد صلى).
فهذا يبين لنا أن الأمر واسع، ولكن الأخذ أو الإتيان بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا شك أنه هو الأولى، ولكن الإنسان إذا وجد إماماً يصلي بأكثر من ثلاث عشرة، فلا يتأخر عنه في شيء من الصلاة، وإنما ينبغي له أن يصلي معه جميع الصلوات التي يصليها حتى ينصرف الناس، وحتى تنتهي صلاة التراويح أو صلاة قيام رمضان، ولا يقول الإنسان: أنا أصلي إحدى عشرة ركعة ولا أزيد؛ لأنه ما جاء شيء يدل على عدم الزيادة، ووجوب الالتزام بهذا العدد، بل الأمر في ذلك واسع.
وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) يدل على ذلك، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة)، فالزيادة على ذلك لا بأس بها، ولا مانع منها، وهي زيادة خير، والزيادة في الصلاة فيها أجر وثواب، ولا سيما وأن الصلاة في هذا المسجد المبارك بألف صلاة، أي صلاة فيه بألف صلاة، فلا يليق بالإنسان الناصح لنفسه أن يفوت على نفسه شيئاً من هذا الخير، وألا يصلي مع الجماعة أو لا يكمل الصلاة مع الجماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد على إحدى عشرة ركعة، لكنه ما منع الزيادة على إحدى عشرة ركعة، ولا جاء عنه ما يدل على المنع، بل جاء شيء يدل على الزيادة.
قوله: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة)].
هذا إجمالها أولاً، ثم يأتي تفصيلها.
قوله: [(كان يصلي ثماني ركعات، ويوتر بركعة، ثم يصلي) قال مسلم: (بعد الوتر) ثم اتفقا (ركعتين وهو قاعد)].
يعني: مسلم الذي هو أحد الشيخين.
قوله: [فإذا أراد أن يركع قام فركع ويصلي بين أذان الفجر والإقامة ركعتين].
ذكرتها إجمالاً وذكرتها تفصيلاً.
ومعناه: أنها حسبت سنة الفجر من قيام الليل، مع أن صلاة الفجر كما هو معلوم هي في النهار وليست في الليل؛ لأن اليوم يبدأ يبدأ بطلوع الفجر، فهي صلاة الفجر من النهار، وإن كانت في غلس إلا أنها في النهار؛ لأن النهار يبدأ بطلوع الفجر، كما أن صلاة المغرب بالليل وليست بالنهار؛ لأنها تكون بعد غروب الشمس، والليل إنما يبدأ بغروب الشمس، وينتهي الليل بطلوع الفجر.
وقد سبق أن عرفنا أن الإمام أبا داود رحمه الله -وهذا من فقهه وهو قليل في كتابه- يذكر شيئاً من الفقه وقد مر بنا أنه قال: إذا كان الإنسان عليه جنابة ثم اغتسل للجنابة بعد طلوع الفجر فإنه يغنيه عن غسل الجمعة؛ لأنه حصل بالنهار، يعني: حصل في نهار الجمعة.(164/3)
تراجم رجال إسناد حديث (أن نبي الله كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قالا: حدثنا أبان].
أبان بن يزيد العطار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن يحيى عن أبي سلمة].
وهو: يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي من أوعية السنة وحفظتها، ومن السبعة الأشخاص الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(164/4)
شرح حديث (ما كان رسول الله يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه أخبره أنه سأل عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً، قالت عائشة رضي الله عنها فقلت: يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ قال: يا عائشة! إن عيني تنامان ولا ينام قلبي)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها وفيها: بيان صفة من صفات أو كيفية من كيفيات صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، وأنه لما سئلت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة).
ثم بينت ذلك بقوله: (يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً)، معناه: تصير أربع وأربع وثلاث، المجموع إحدى عشرة ركعة، فقالت عائشة رضي الله عنها: (يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ قال: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي) صلى الله عليه وسلم، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام.(164/5)
تراجم رجال إسناد حديث (ما كان رسول الله يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة)
قوله: [حدثنا القعنبي].
عبد الله بن مسلمة بن قعنب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن أبي سعيد المقبري].
سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة عن عائشة].
أبو سلمة وعائشة قد مر ذكرهما.
السؤال
قولها: (يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن, ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) ألا يدل هذا على أنه ليس المراد السرد أربعاً وإنما تشابهن بالحسن والطول؟
الجواب
يمكن وهو محتمل أنه كان لا يسردهن، ولكنه جاء السرد وعدم الفصل في أحاديث واضحة يعني: لا يجلس إلا في آخرها.
لكن بالنسبة لهذه محتمل أن يكون يأتي بها ثنتين ثنتين، فقد تكون متساوية، وقد تكون متفاوته، وقد تكون أربعاً متصلة، وأربعاً متصلة، وقد تكون ثنتين ثنتين، ثم ثنتين ثنتين، يعني: يكون هذا في بيان الحسن والطول، فالاحتمال موجود في هذا وفي هذا، لكن الوصل ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث أنه لا يجلس إلا في آخرها.
السؤال
إمام عادته في صلاة التراويح يصلي ركعتين ويسلم فسها وقام إلى الثالثة، هل له أن يتم أربعاً أو يرجع؟
الجواب
لا، له أن يرجع، أقول: إذا كان قد قام وبدأ بالركعة الثالثة فله أن يواصل ويصلي أربعاً، وينبغي له أن يسجد للسهو؛ لأن الذي حصل منه سهو لكونه قام إلى الثالثة، وما تعمد لذلك، أما إذا كان متعمداً لذلك فإنه يجوز ولكنه لا يسجد للسهو.(164/6)
شرح حديث عائشة الطويل في بيان مراحل قيام الليل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا همام حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام قال: (طلقت امرأتي، فأتيت المدينة لأبيع عقاراً كان لي بها، فأشتري به السلاح وأغزو، فلقيت نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: قد أراد نفر منا ستة أن يفعلوا ذلك فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]، فأتيت ابن عباس رضي الله عنهما فسألته عن وتر النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أدلك على أعلم الناس بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأت عائشة رضي الله عنها، فأتيتها، فاستتبعت حكيم بن أفلح فأبى، فناشدته فانطلق معي، فاستأذنا على عائشة رضي الله عنها، فقالت: من هذا؟ قال: حكيم بن أفلح، قالت: ومن معك؟ قال: سعد بن هشام، قالت: هشام بن عامر الذي قتل يوم أحد؟ قال: قلت: نعم، قالت: نعم المرء كان عامر، قال: قلت: يا أم المؤمنين! حدثيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ألست تقرأ القرآن؟ فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن، قال: قلت: حدثيني عن قيام الليل؟ قالت: ألست تقرأ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل:1]؟ قال: قلت: بلى، قالت: فإن أول هذه السورة نزلت، فقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت أقدامهم، وحبس خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم نزل آخرها فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة.
قال: قلت: حدثيني عن وتر النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان يوتر بثمان ركعات لا يجلس إلا في الثامنة، ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى لا يجلس إلا في الثامنة والتاسعة، ولا يسلم إلا في التاسعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني! فلما أسن وأخذ اللحم أوتر بسبع ركعات لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في السابعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فتلك هي تسع ركعات يا بني! ولم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة يتمها إلى الصباح، ولم يقرأ القرآن في ليلة قط، ولم يصم شهراً يتمه غير رمضان، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها، وكان إذا غلبته عيناه من الليل بنوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، قال: فأتيت ابن عباس فحدثته فقال: هذا والله هو الحديث، ولو كنت أكلمها لأتيتها حتى أشافهها به مشافهة قال: قلت لو علمت أنك لا تكلمها ما حدثتك)].
أخرج أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها هذا الطويل الذي مشتمل على ما يتعلق بصلاة الليل وعلى الوتر وعلى مسائل عديدة اشتمل عليها هذا الحديث.
والحديث فيه أن سعد بن هشام طلق زوجته، يعني: يريد أن يتفرغ للجهاد، ويتخلى عن زوجته؛ ليكون ما عنده إلا الجهاد، فقدم المدينة ليبيع عقاراً له ويستفيد من ذلك العقار في جهاده، فلقي نفراً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا له: لا تفعل، فإن نفراً منا أرادوا ما أردت وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]، فهو عليه الصلاة والسلام مبق على أهله، ويصلي وينام، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء، ولا يتخلى عن ذلك من أجل التفرغ للعبادة والجهاد في سبيل الله، وإنما يمكن أن يجمع بين هذا وهذا، فلما أخبروه بذلك أراد أن يسأل عن مسائل من العلم وعن شيء من أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى ابن عباس ليسأله عن وتر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هل أدلك على من هو أعلم بذلك؟ اذهب إلى عائشة، فذهب إلى حكيم بن أفلح وطلب منه أن يصحبه، فأبى، فألح عليه فمشى معه إلى عائشة، ولما استأذنوا أخبر حكيم عن نفسه، قالت: ومن معك؟ قال: سعد بن هشام، قالت: هشام بن عامر؟ قال: نعم، ثم إنه سألها عدة أسئلة أولها.
قوله: [(قال: قلت يا أم المؤمنين! حدثيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أما تقرأ القرآن؟ كان خلقه القرآن)].
يعني: أن كل ما في القرآن من أخلاق وآداب وأعمال هو خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يمتثل بكل ما جاء في القرآن، وكل ما جاء في كتاب الله عز وجل يطبقه وينفذه، فهذا هو خلق رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا بينت عائشة في هذا الحديث أن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن، يتخلق بأخلاقه، ويتأدب بآدابه، ويعمل بما فيه، فيمتثل كل ما أمر به، وينتهي عن كل ما نهي عنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
فهذا خلقه الذي أثنى الله عز وجل عليه فيه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، فهذا الخلق العظيم الذي تخلق به الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرت عائشة بأنه تطبيقه للقرآن وتنفيذه له، وتأدبه بآداب القرآن، وعمله بما جاء في القرآن.
قوله: [(قال: قلت: حدثيني عن قيام الليل؟ قالت: ألست تقرأ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل:1]؟ قال: بلى، قالت: فإن أول هذه السورة نزلت، فقام أصحاب رسول الله حتى انتفخت أقدامهم، وحبس خاتمتها في السماء اثني عشر شهراً، ثم نزل آخرها فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة)].
وقوله: (حبس آخرها في السماء) يعني: أنها لم تنزل من الله عز وجل إلا بعد سنة، والمقصود بالسماء: العلو، يعني: ما جاءت من الله من السماء إلا بعد مضي سنة، والله عز وجل في السماء كما قال: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16]، يعني: في العلو فوق المخلوقات، وكلما علا فهو سماء، ولا يكون السماء مقيداً بالسماوات المبنية، بل ما بعد السماوات المبنية، وما بعد العرش، وما فوق العرش كله يقال له: سماء، وليس فوق العرش إلا الله سبحانه وتعالى، والله تعالى في السماء فوق العرش، ولا يكون في داخل السماوات؛ لأن الله أجل وأعظم وأكبر من أن يحيط به شيء من مخلوقاته، ولكنه فوق عرشه في السماء يعني: في العلو.
ولهذا الجارية التي سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أين الله؟ قالت: في السماء)، يعني: في العلو، الله سبحانه وتعالى في العلو فوق العرش.
قوله: [(قال: قلت: حدثيني عن وتر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كانت يوتر بثمان ركعات لا يجلس إلا في الثامنة، ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى، لا يجلس إلا في الثامنة والتاسعة، ولا يسلم إلا في التاسعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني! فلما أسن وأخذ اللحم أوتر بسبع ركعات لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في السابعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فتلك تسع ركعات يا بني!)].
ثم سألها -أي: سعد بن هشام - عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بشيء من بعض أحواله عليه الصلاة والسلام؛ لأن أحواله عديدة، وقد أخبرت في أحاديث عديدة بإحدى عشر وبثلاث عشرة وبتسع، فأخبرته هنا بأنه كان يصلي ثمانية لا يجلس إلا في آخرها، وإذا جلس في آخرها لا يسلم، ولكنه يقوم للتاسعة، ثم يجلس بعدها ويتشهد ثم يسلم، يعني: يصلي ثمان ركعات، ولا يسلم إلا بعد التاسعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فتكون بذلك كملت الإحدى عشر، ولما أسن وتقدمت به السن وكبر صلى الله عليه وسلم كان يصلي سبعاً وستاً، وستة، يعني: يصلي ستاً يجلس بعد السادسة، ثم يقوم للسابعة، ويجلس بعدها ويسلم.
وهذا هو أقل ما حفظ عنه صلى الله عليه وسلم الذي هو سبع، وكان ذلك في آخر أمره كما أشارت إلى ذلك عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها بهذا الحديث.
قوله: [(ولم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة يتمها إلى الصباح)].
يعني: معناه يصلي الليل كله ما فعل ذلك ولا ليلة واحدة، كونه يصلي الليل من أوله إلى آخره ما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل جاء عنه لما ذكر له الذين أرادوا أن يتعبدوا، وأن يعتزلوا النساء، وأن يصوموا ولا يفطروا وكذا، قال: (أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له، أما أني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
فهو لم يصل ليلة حتى الصباح، يعني: ما صلى الليل كله من أوله إلى آخره، ولا قرأ القرآن.
قوله: [(ولم يقرأ القرآن في ليلة قط)].
يعني: ما واصل القراءة في الليل حتى يتم القرآن سواء كان ذلك في صلاة أو في غير صلاة، ما حصل أنه أتم القرآن في ليلة قط.
قوله: [(ولم يصم شهراً يتمه غير رمضان)] ولم يصم شهراً يتمه غير رمضان، ولكن أكثر ما كان يصوم في شعبان، ولكنه لم يصم شهراً كاملاً إلا رمضان صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [(وكان إذا صلى صلاة داوم عليه)].
ومن ذلك ركعتا الظهر اللتان قضاهما بعد العصر، ثم داوم عليهما، وهذا من شواهد هذا الكلام الذي قالته عائشة، يعني: تلك الصلاة التي كان يصلي وداوم عليها صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(وكان إذا غلبته عيناه من الليل بنوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة)].
وكان إذا غلبته عيناه في نوم من الليل أو حصل له مرض كما جاء في بعض الأحاديث صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة؛ لأن الضحى يصلي ثنتي عشرة ركعة، يعني: الإحدى عشر ويضيف إليها ركعة حتى تكون شفعاً، ولا تكون وتراً في النهار، مقدار الذي يصلى يؤتى به، ولكنه يؤتى به مع إضافة ركعة يشفع بها العدد الذي هو إحدى عشر؛ لأن الوتر لا يكون في النهار وإنما يكون في الليل، ولكنه يمكن أن يقضى ويتدارك، وأن الإنسان يحافظ عليه، وإذا فاته يقضيه، ولكنه إذا قضاه لا يقضيه على هيئته(164/7)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة الطويل في بيان مراحل قيام الليل
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا همام].
همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا قتادة].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زرارة بن أوفى].
زرارة بن أوفى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن هشام].
سعد بن هشام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة قد مر ذكرها.(164/8)
حديث عائشة الطويل في بيان مراحل قيام الليل من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد عن قتادة بإسناده نحوه قال: (يصلي ثمان ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيجلس فيذكر الله عز وجل، ثم يدعو، ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم، ثم يصلي ركعة، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني! فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم أوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم بمعناه إلى: مشافهةً)].
أورد أبو داود حديث سعد بن هشام من طريق أخرى، وفيه بيان الكيفية تختلف عن الكيفية السابقة، والكيفية السابقة أنه يصلي ثمانياً ثم يجلس ويدعو ويقوم للتاسعة، ولا يسلم إلا بعد التاسعة، وهذا فيه أنه سلم بعد الثامنة، وفيه أنه صلى ركعتين ثم سلم ثم صلى ركعة، فصارت ثمانية مع بعض بسلام واحد وركعة بسلام واحد.
وهذه هيئة أخرى وكيفية أخرى من كيفيات الصلاة، صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(يصلي ثمان ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة فيجلس فيذكر الله عز وجل، ثم يدعو ثم يسلم تسليماً يسمعنا)].
يعني: يذكر الله في التشهد، يتشهد ويدعو.
قوله: [(ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعدما يسلم)].
فجعل الركعتين اللتين كانتا بعد الوتر أنه أتى بهما قبل الوتر.
وهذه الكيفية مخالفة لما سبق، لكن الطرق كلها صحيحة، وصلاة الليل كما هو معلوم أكثر طرقها صحيحة، ولكن كونها قصة واحدة ورواية واحدة يمكن أن يكون بعضها فيه شيء، لاسيما والمعروف منه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي ركعتين وهو جالس بعد السلام من الوتر.
وهذه يمكن أن تكون شاذة، ولكن إسنادها صحيح وإذا جاءت كيفيات أخرى غير هذه الكيفية في غير هذا الحديث فلا تكون شاذة، يعني: يكون لها شواهد ولها شيء، وإنما الإشكال كونه يحكى عن قصة واحدة وعن حديث واحد هذا هو الذي فيه الإشكال.
قوله: [ثم يصلي ركعة فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني! فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم أوتر بسبع، وصلى ركعتين وهو جالس بعدما يسلم].
فلما أسن وأخذه اللحم صلى وأوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس بعد.
قوله: [بمعناه إلى: مشافهة].
يعني: معنى الحديث إلى آخره، أظن في بعض النسخ قالوا: إليّ، أظن في وقولها: (يا بني) معناه: الكبير يقول لمن هو دونه: يا بني! وهي أيضاً أم المؤمنين، يقولون لها: يا أماه! وهي تقول: يا بني! والكبير يقول للصغير: يا بني! مثل ما جاء في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أنس: يا بني!).
وكذلك الصغير يقول للكبير: يا عم! كما جاء في بعض الأحاديث، كذلك في قصة الصحابيين من الأنصار اللذين كانا في غزوة بدر، وكان أحدهما عن يمين عبد الرحمن بن عوف والثاني عن يساره، فالتفت إليه واحد منهما وقال: يا عم! أتعرف أبا جهل؟ إلى آخره، فالصغير يقول للكبير: يا عم! والكبير يقول للصغير: يا بني! قوله: [إلى: مشابهة] يعني: إلى آخره، أي: هذا الحديث الطويل بمعناه؛ لأنه أتى ببعضه والذي أراد أن يأتي به وهو المتعلق بالوتر والترجمة هو الباقي أحال عليه بالمعنى إلى آخره.(164/9)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة الطويل في بيان مراحل قيام الليل من طريق ثانية
قوله: [حدثنا محمد بن بشار].
محمد بن بشار هو الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل وشيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى بن سعيد].
يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد عن قتادة بإسناده نحوه].
سعيد هو: ابن أبي عروبة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقتادة مر ذكره.(164/10)
حديث عائشة الطويل في بيان مراحل قيام الليل من طريق ثالثة وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر حدثنا سعيد بهذا الحديث قال: يسلم تسليماً يسمعنا، كما قال يحيى بن سعيد].
أورد طريقاً أخرى وقال فيها: (يسلم تسليماً يسمعنا)، يعني: أنه يسمعهم تسليمه، ومعناه: أنه يجهر بالتسليم.
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا محمد بن بشر].
محمد بن بشر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد بهذا الحديث].
سعيد قد مر ذكره.(164/11)
حديث عائشة الطويل في بيان مراحل قيام الليل من طريق رابعة وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد بهذا الحديث، قال ابن بشار: بنحو حديث يحيى بن سعيد إلا أنه قال: ويسلم تسليمة يسمعنا].
وهو مثل ما قال له، قال: تسليمة يسمعنا، وهذا لا ينفي أن يكون هناك غير التسليم وهنا تسليمتان، وإنما معناه يحمل على أنهم يسمعون تسليمة واحدة.
قوله: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي].
وهو: محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد].
سعيد هو: ابن أبي عروبة مر ذكره.
[قال ابن بشار: بنحو حديث يحيى بن سعيد إلا أنه قال: ويسلم تسليمة يسمعنا].
لكن هذا لا يدل على أنها تسليمة واحدة، فلعله كان يسر بتسليمة، ويجهر بتسليمة.(164/12)
شرح سنن أبي داود [165]
ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما يقصان علينا أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في بيته من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، ويخبران عن كيفية طهوره وسواكه وصلاته من الليل، ونومه واضطجاعه صلى الله عليه وسلم، فهذا هو ليله، وهذا هو دأبه صلى الله عليه وسلم.(165/1)
تابع ما جاء في صلاة الليل(165/2)
شرح حديث: (كان يصلي صلاة العشاء في جماعة ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن حسين الدرهمي حدثنا ابن أبي عدي عن بهز بن حكيم حدثنا زرارة بن أوفى أن عائشة رضي الله عنها سُئلت عن صلاة رسول الله في جوف الليل فقالت: (كان يصلي صلاة العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات، ثم يأوي إلى فراشه وينام وطهوره مغطى عند رأسه، وسواكه موضوع؛ حتى يبعثه الله ساعته التي يبعثه من الليل فيتسوك ويسبغ الوضوء، ثم يقوم إلى مصلاه فيصلي ثمان ركعات يقرأ فيهن بأم الكتاب، وسورة من القرآن وما شاء الله، ولا يقعد في شيء منها حتى يقعد في الثامنة، ولا يسلم، ويقرأ في التاسعة ثم يقعد، فيدعو بما شاء الله أن يدعوه، ويسأله ويرغب إليه، ويسلم تسليمة واحدة شديدة يكاد يوقظ أهل البيت من شدة تسليمه، ثم يقرأ وهو قاعد بأم الكتاب، ويركع وهو قاعد، ثم يقرأ الثانية فيركع ويسجد وهو قاعد، ثم يدعو ما شاء الله أن يدعو، ثم يسلم وينصرف، فلم تزل تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدَّن، فنقص من التسع ثنتين، فجعلها إلى الست والسبع، وركعتيه وهو قاعد حتى قبض على ذلك صلى الله عليه وسلم)].
قوله: [(كان يصلي صلاة العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات، ثم يأوي إلى فراشه وينام)].
أي: كان يصلي صلاة العشاء في جماعة، ثم يأتي إلى أهله ويصلي أربع ركعات، ثم ينام، وهذا فيه بيان أن سنة العشاء أربع، لكن المحفوظ والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي جاء عن عائشة وعن غيرها أنها ركعتان، فمن العلماء من قال: إن هذا ليس بمحفوظ بل هو شاذ، والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنها ركعتان، ومن أهل العلم من قال: إن هذا يدل على الجواز، يعني: أنه يشرع أن يصلي ركعتين أو يصلي أربعاً، وكل ذلك سائغ، لكن الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي ركعتين بعد العشاء، وهي الرواتب التي جاءت في بعض الأحاديث، وقد بينتها عائشة رضي الله عنها بالتفصيل، وذكرت ركعتين بعد العشاء، فالسنة أن يصلي الإنسان بعد العشاء ركعتين، ثم بعد ذلك يصلي قيام الليل.
قوله: [(ثم يأوي إلى فراشه وينام وطهوره مغطى عند رأسه، وسواكه موضوع حتى يبعثه الله ساعته التي يبعثه من الليل)].
يعني: كان ينام عليه الصلاة والسلام وطهوره عنده، وسواكه عنده، والطَّهور -بفتح الطاء- هو الماء الذي يتوضأ به، والطُّهور بالضم: هو فعل الوضوء، يقال: الوُضوء والوَضوء، والطُّهور والطَّهور، والسُّحور والسَّحور، والوُجور والوَجور كل هذه الكلمات الفتح فيها يراد به الشيء الذي يُفعل والذي يُعمل، والضم فيها يراد به الفعل، فهنا قال: والطَّهوره عنده، يعني: الماء الذي يتطهر به مغطىً عنده، والحديث الذي فيه: (الطُّهور شطر الإيمان) هو بالضم، أي: الفعل الذي هو الوضوء.
قوله: (حتى يبعثه الله ساعته التي يبعثه) يعني: يبعثه من نومه، وذلك أن النوم أخو الموت أو شبيه بالموت، ولهذا جاء في القرآن: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:42] أي: يتوفاها، فهنا ذكر البعث من النوم لأنه مثل الحياة بعد الموت، وقد جاء في الحديث (النوم أخو الموت).
قوله: [(فيتسوك ويسبغ الوضوء ويقوم إلى مصلاه فيصلي ثماني ركعات يقرأ فيهن بأم الكتاب وسورة من القرآن وما شاء الله، ولا يقعد في شيء منها حتى يقعد في الثامنة ولا يسلم، ويقرأ في التاسعة ثم يقعد، فيدعو بما شاء الله أن يدعوه، ويسأله ويرغب إليه، ويسلم تسليمة واحدة شديدة، يكاد يوقظ أهل البيت من شدة تسليمه)].
هذا مثل ما تقدم، إلا أن فيه رفع صوته بالتسليم، وأنه يكاد يوقظ أهل بيته منها، ولكن هذا لا يعني أنها تسليمة واحدة، وإنما رفع الصوت يكون في تسليمة واحدة.
قوله: [(ثم يقرأ وهو قاعد بأم الكتاب، ويركع وهو قاعد، ثم يقرأ الثانية فيركع ويسجد وهو قاعد، ثم يدعو ما شاء الله أن يدعو، ثم يسلم وينصرف، فلم تزل تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدَّن، فنقص من التسع ثنتين)].
يعني: كان يصلي تسع، وبعدها يصلي ركعتين وهو جالس، ولما كبر صلى الله عليه وسلم نقص من التسع ثنتين، فكان يوتر بسبع، وقد مر في الحديث: (أنه كان يجلس بعد السادسة ويذكر الله عز وجل، ثم يقوم للسابعة، ثم يجلس بعدها ويذكر الله عز وجل، ثم يسلم).
قوله: [(فجعلها إلى الست والسبع)].
يعني: الست التي هي الشفع، والوتر الذي هو السابعة الذي يوتر بها الست.(165/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (كان يصلي صلاة العشاء في جماعة ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات)
قوله: [حدثنا علي بن حسين الدرهمي].
علي بن حسين الدرهمي، هو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا ابن أبي عدي عن بهز بن حكيم].
ابن أبي عدي مر ذكره، وبهز بن حكيم صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[حدثنا زرارة بن أوفى أن عائشة].
زرارة بن أوفى وعائشة قد مر ذكرها.
قال المنذري: ورواية زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة هي المحفوظة، وعندي في سماع زرارة من عائشة نظر، فإن أبا حاتم الرازي قال: سمع زرارة من عمران بن حصين، ومن أبي هريرة، ومن ابن عباس، وظاهر هذا أنه لم يسمع عنده من عائشة والله أعلم.
لكن هذا الحديث له شواهد، والألباني صحح هذه الروايات وإن كانت قصة واحدة وفيها اختلاف، وإذا نظرت إلى هذه الأحاديث المتكررة تجد بعضها يشبه بعضاً، من ناحية أنها سبع وبعدها ثنتان، أو تسع وبعدها ثنتان، وهكذا كثير من الأحاديث على هذا النهج، وإنما الإشكال في الخلاف في القصة الواحدة.(165/4)
حديث: (كان يصلي صلاة العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا بهز بن حكيم، فذكر هذا الحديث بإسناده.
قال: (يصلي العشاء ثم يأوي إلى فراشه) لم يذكر الأربع ركعات، وساق الحديث، وقال فيه: (فيصلي ثماني ركعات يسوي بينهن في القراءة والركوع والسجود، ولا يجلس في شيء منهن إلا في الثامنة، فإنه كان يجلس ثم يقوم ولا يسلم فيه، فيصلي ركعة يوتر بها، ثم يسلم تسليمة يرفع بها صوته حتى يوقظنا) ثم ساق معناه].
هذا الحديث مثل الذي قبله.
قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله].
هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا يزيد بن هارون].
يزيد بن هارون الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا بهز بن حكيم].
بهز بن حكيم مر ذكره.(165/5)
حديث: (كان يصلي بالناس العشاء ثم يرجع إلى أهله فيصلي أربعاً) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا مروان -يعني: ابن معاوية - عن بهز حدثنا زرارة بن أوفى عن عائشة أم المؤمنين أنها سئلت عن صلاة رسول الله فقالت: (كان يصلي بالناس العشاء، ثم يرجع إلى أهله فيصلي أربعاً، ثم يأوي إلى فراشه) ثم ساق الحديث بطوله ولم يذكر: (يسوي بينهن في القراءة والركوع والسجود)، ولم يذكر في التسليم: (حتى يوقظنا)].
قوله: [حدثنا عمرو بن عثمان].
هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار القرشي مولاهم أبو حفص الحمصي، صدوق، من العاشرة، مات سنة خمسين ومائتين.
[حدثنا مروان يعني: ابن معاوية].
مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بهز حدثنا زرارة بن أوفى عن عائشة].
بهز وزرارة وعائشة قد مر ذكرهم.(165/6)
حديث: (كان يصلي صلاة العشاء في جماعة ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد -يعني: ابن سلمة - عن بهز بن حكيم عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث، وليس في تمام حديثهم].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وقال في آخره: وليس في تمام حديثهم.
وهذا يحتمل أن يكون المراد به كما قال صاحب عون المعبود: أي: ليس في جيد حديثهم، أي: أشار إلى ثلاثة وهم: يزيد بن هارون وحماد بن سلمة وابن أبي عدي، فهؤلاء الثلاثة قال: إنه ليس في جيد حديثهم، ويحتمل أن يكون المقصود بقوله: وليس في تمام حديثهم: أن يكون هذا الذي جاء في الأخير ليس تاماً مثل الأحاديث التي قبله أو التي مرت، يعني: ليس مثل الأحاديث التي تقدمت بالتمام؛ لأن التمام يراد به تمام الحديث أو نقصانه، يقال: هذا الحديث أما تفسير قوله: ليس في تمام حديثهم أي: ليس في جيد حديثهم، وجعل تمام بمعنى: جيد، فهذا فيه نظر؛ لأن التمام غالباً يؤتى به للحديث من كونه تاماً، وكون بعضه أتم من بعض، وأوفى من بعض، فيحتمل -والله أعلم- أن يكون المقصود بقوله: وليس في تمام حديثهم يعني: أنه ليس تاماً مثل الطرق التي قبله.
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل مر ذكره.
[حدثنا حماد].
حماد بن سلمة، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن بهز بن حكيم عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة].
وقد مر ذكرهم.(165/7)
شرح حديث: (أن رسول الله كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر بتسع) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى -يعني: ابن إسماعيل - حدثنا حماد -يعني: ابن سلمة - عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر بتسع، أو كما قالت، ويصلي ركعتين وهو جالس، وركعتي الفجر بين الأذان والإقامة)].
أورد أبو داود حديث عائشة وفيه: أنها ثلاث عشرة ركعة، يعني: يوتر بتسع ويصلي ركعتين وهو جالس، ثم ركعتين بين الأذان والإقامة، وهذا مثل ما تقدم قريباً.
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد يعني: ابن سلمة عن محمد بن عمرو].
موسى بن إسماعيل وحماد مر ذكرهما، ومحمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة].
أبو سلمة بن عبد الرحمن وعائشة قد مر ذكرهما.(165/8)
شرح حديث: (أن رسول الله كان يوتر بتسع ركعات ثم أوتر بسبع ركعات) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع ركعات، ثم أوتر بسبع ركعات، وركع ركعتين وهو جالس بعد الوتر يقرأ فيهما، فإذا أراد أن يركع قام فركع ثم سجد)].
هذا مثل الذي مر معنا.
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم].
موسى بن إسماعيل وحماد ومحمد بن عمرو مر ذكرهم، ومحمد بن إبراهيم هو: التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علقمة بن وقاص].
علقمة بن وقاص الليثي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو جد محمد بن عمرو الذي يروي عن محمد بن إبراهيم.
[عن عائشة].
عائشة وقد مر ذكرها.(165/9)
صلاة الركعتين بعد الوتر
[قال أبو داود: روى الحديثين خالد بن عبد الله الواسطي عن محمد بن عمرو مثله، قال فيه: قال علقمة بن وقاص: يا أمتاه! كيف كان يصلي الركعتين؟ فذكر معناه].
روى الحديثين يعني: المتقدمين قبل هذا.
قوله: [عن خالد بن عبد الله الواسطي].
خالد بن عبد الله الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عمرو مثله قال فيه: قال علقمة بن وقاص: يا أمتاه!].
معناه: أن علقمة بن وقاص هو الذي سألها وقال: يا أمتاه! أخبريني عن كذا وكذا.(165/10)
شرح حديث: (أن رسول الله كان يصلي بالناس صلاة العشاء ثم يأوي إلى فراشه فينام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا وهب بن بقية عن خالد ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا هشام عن الحسن عن سعد بن هشام قال: قدمت المدينة فدخلت على عائشة فقلت: أخبريني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس صلاة العشاء، ثم يأوي إلى فراشه فينام، فإذا كان جوف الليل قام إلى حاجته وإلى طهوره فتوضأ، ثم دخل المسجد فصلى ثماني ركعات يخيل إليّ أنه يسوي بينهن في القراءة والركوع والسجود، ثم يوتر بركعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يضع جنبه، فربما جاء بلال فآذنه بالصلاة ثم يغفي، وربما شككت أغفي أو لا، حتى يؤذنه بالصلاة، فكانت تلك صلاته حتى أسن ولحم، فذكرت من لحمه ما شاء الله) وساق الحديث].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها وهو يشبه حديثها الطويل الذي سبق أن مر، إلا أنه لم يذكر فيه صلاة سنة العشاء، وإنما ذكر أنه كان يأوي إلى فراشه بعد صلاة العشاء فينام، وما ذكر الأربع الركعات، لكنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد صلاة العشاء كما جاء عن عائشة في الحديث المتقدم.
قوله: [(ثم يأوي إلى فراشه، فينام فإذا كان جوف الليل قام إلى حاجته وإلى طهوره، فتوضأ ثم دخل المسجد فصلى)].
المسجد يعني: المصلى، والمسجد الذي في البيت هو مكان صلاته.
قوله: [(يخيل إليّ أنه يسوي بينهن في القراءة والركوع والسجود)].
سبق أن مر شيء يشبه هذا من حديثها.
قوله: [(ثم يوتر بركعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يضع جنبه، وربما جاء بلال فآذنه بالصلاة، ثم يغفي وربما شككت أغفي أو لا، حتى يؤذنه بالصلاة)].
معناه: أنه بعدما يصلي الوتر يضع جنبه فيستريح، وقد سبق أن مر بنا أنه كان يضطجع مرتين، مرة بعد الوتر فيستريح في السحر، ومرة بعد أن يأتي بركعتي الفجر.
وهنا إشكال في قوله: آذنه؛ لأن معنى يؤذنه أي: يؤذنه بالإقامة، لأن المؤذن يؤذن بدون إيذان، فـ بلال كان يؤذن إذا جاء الوقت، ولكنه لا يقيم إلا بعد إيذانه، فهنا فيه إشارة إلى أنه آذنه مرتين، وهذا غير واضح؛ لأن بلالاً ما كان يستأذنه في الأذان، وإنما كان يؤذنه بالإقامة، حتى يقيم الصلاة ويأتي ويصلي بالناس صلى الله عليه وسلم، وأما الأذان فإنه يؤذن إذا جاء الوقت، ولا أدري وجه ذكر هذا الإيذان.(165/11)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يصلي بالناس صلاة العشاء ثم يأوي إلى فراشه فينام)
قوله: [حدثنا وهب بن بقية].
وهب بن بقية الواسطي، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود والنسائي.
[عن خالد].
هو ابن عبد الله الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا ابن المثنى].
هو: محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بـ الزمن، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الأعلى].
عبد الأعلى هو: ابن عبد الأعلى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
هو: ابن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن].
الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن هشام].
سعد بن هشام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي من أوعية السنة وحفظتها، ومن السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: وإنما كررت هذا الحديث؛ لأنهم اضطربوا فيه.
ثم قال أبو داود: أصحابنا لا يرون الركعتين بعد الوتر].
هذا الكلام في بعض النسخ، والركعتان بعد الوتر جاءت في أحاديث عديدة، من طرق مختلفة، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يداوم عليها، وإنما فعلها في بعض الأحيان، وإذا فعلت في بعض الأحيان فلا بأس بذلك، وإذا تركت ولم يؤت بها فلا بأس بذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مداوماً عليها.(165/12)
شرح حديث: (رقد ابن عباس عند النبي فرآه استيقظ فتسوك وتوضأ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى حدثنا هشيم أخبرنا حصين عن حبيب بن أبي ثابت ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن حصين عن حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه رقد عند النبي صلى الله عليه وسلم فرآه استيقظ فتسوك وتوضأ وهو يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران:190]، حتى ختم السورة، ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات بست ركعات، كل ذلك يستاك ثم يتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر).
قال عثمان: (بثلاث ركعات فأتاه المؤذن فخرج إلى الصلاة).
وقال ابن عيسى: (ثم أوتر فأتاه بلال فآذنه بالصلاة حين طلع الفجر، فصلى ركعتي الفجر، ثم خرج إلى الصلاة -ثم اتفقا- وهو يقول: اللهم اجعل في قلبي نوراً، واجعل في لساني نوراً، واجعل في سمعي نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل خلفي نوراً، وأمامي نوراً، واجعل من فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهم وأعظم لي نوراً)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله عنهما في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وذلك أنه رقد عند النبي صلى الله عليه وسلم في بيت خالته ميمونة، يريد من وراء ذلك أن يعرف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل، فرقد عند خالته ميمونة، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم قام واستاك وتوضأ، ثم صلى ركعتين، ثم بعد ذلك نام، ثم استيقظ وصلى ركعتين، ثم نام واستيقظ وصلى ركعتين، ثلاث مرات، يعني: يصلي ركعتين، ثم ينام، ثم يصلي ركعتين، ثم ينام، ثم يصلي ركعتين، فهذه ست ركعات، ثم بعد ذلك يصلي ثلاثاً، فيكون أوتر بتسع، ثم صلى ركعتين بعد الوتر، ثم بعد ذلك رقد حتى يؤذنه بلال بالصلاة.
قوله: [قال عثمان: (بثلاث ركعات، فأتاه المؤذن فخرج إلى الصلاة) وقال ابن عيسى: (ثم أوتر فأتاه بلال فآذنه بالصلاة حين طلع الفجر، فصلى ركعتي الفجر)].
يعني: أوتر بثلاث، وبعد ذلك آذنه المؤذن بالصلاة، فصلى ركعتين بعدما طلع الفجر، وبعدما حصل الأذان خرج إلى الصلاة وهو يقول هذا الدعاء: (اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، وأمامي نوراً، وخلفي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، وفوقي نوراً، وتحتي نوراً، اللهم وأعظم لي نوراً).
هذا النور الذي دعا به يشمل النور الحسي الذي يكون يوم القيامة، ويشمل النور المعنوي الذي يكون في هذه الحياة الدنيا، وهو أن يكون على هدى وبصيرة، وأن يسير إلى الله عز وجل على نور وهدى واستقامة، قد أخرج من الظلمات إلى النور بالحق والهدى.
وهذا الدعاء جاء في الخروج إلى صلاة الفجر، لكن الذي يبدو أنه يمكن أن يكون أيضاً في غيرها، ولهذا يذكرونه في الخروج إلى جميع الصلوات، وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في أول آداب المشي إلى الصلاة أنه يدعى به عند الخروج إلى الصلاة.(165/13)
تراجم رجال إسناد حديث: (رقد ابن عباس عند النبي فرآه استيقظ فتسوك وتوضأ)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى].
محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا هشيم].
هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا حصين].
حصين بن عبد الرحمن السلمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حبيب بن أبي ثابت].
حبيب بن أبي ثابت، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن محمد بن فضيل].
محمد بن فضيل بن غزوان، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حصين عن حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس].
حصين وحبيب بن أبي ثابت مر ذكرهما ومحمد بن علي بن عبد الله بن عباس ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
أبوه ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن عباس].
هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(165/14)
حديث: (رقد ابن عباس عند النبي فرآه استيقظ فتسوك وتوضأ) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن حصين نحوه قال: (وأعظم لي نوراً)].
أورد المصنف طريقاً أخرى وقال: نحوه إلا أنه قال: (وأعظم لي نوراً)، ولم يقل: (اللهم وأعظم لي نوراً) يعني: ليس فيه لفظ: (اللهم)، أما الطريق السابق ففيه لفظ: (اللهم)، وهذا الطريق فهو بدونها.
قوله: [حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن حصين].
كل هؤلاء مر ذكرهم.(165/15)
حديث: (رقد ابن عباس عند النبي فرآه استيقظ فتسوك وتوضأ) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
[قال أبو داود: وكذلك قال أبو خالد الدالاني عن حبيب في هذا، وكذلك قال في هذا الحديث، وقال سلمة بن كهيل: عن أبي رشدين عن ابن عباس].
يعني: هذه الطرق التي ذكرها فيها مثل الطريق الأخيرة التي فيها أنه قال: (وأعظم لي نوراً)، وليس فيها: (اللهم وأعظم لي نوراً).
قوله: [وكذلك قال أبو خالد الدالاني].
أبو خالد الدالاني صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له أصحاب السنن.
[عن حبيب].
حبيب بن أبي ثابت مر ذكره.
[وقال سلمة بن كهيل: عن أبي رشدين عن ابن عباس].
سلمة بن كهيل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وأبو رشدين هو كريب مولى ابن عباس ذكر هنا بكنيته، وكثيراً ما يذكر باسمه، وذكره بكنيته قليل نادر، وهذا منه، فـ أبو رشدين هو كريب مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ومعرفة الألقاب والكنى من الأمور المهمة في معرفة علوم الحديث، وذلك أن الشخص إذا لم يعرف الكنى ولم يعرف الألقاب قد يظن الشخص الواحد شخصين؛ لأن من لا يعرف أن كريباً كنيته أبو رشدين إذا قرأ أبا رشدين في موضع آخر قد يظن أنه شخص آخر، ولكنه إذا عرف أن كريباً كنيته أبو رشدين لن يلتبس عليه الأمر، وسواء جاء باسمه أو جاء بكنيته، فالأمر يكون واضحاً لا خفاء فيه ولا إشكال.
[عن ابن عباس].
مر ذكره.(165/16)
شرح حديث الفضل بن عباس: (بت ليلة عند النبي لأنظر كيف يصلي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم حدثنا زهير بن محمد عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن كريب عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما قال: (بت ليلة عند النبي صلى الله عليه وسلم لأنظر كيف يصلي؟!! فقام فتوضأ وصلى ركعتين، قيامه مثل ركوعه، وركوعه مثل سجوده، ثم نام، ثم استيقظ فتوضأ واستن، ثم قرأ بخمس آيات من آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [آل عمران:190]، فلم يزل يفعل هذا حتى صلى عشر ركعات، ثم قام فصلى سجدة واحدة، فأوتر بها، ونادى المنادي عند ذلك فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما سكت المؤذن فصلى سجدتين خفيفتين، ثم جلس حتى صلى الصبح)].
أورد أبو داود هذا الحديث عن الفضل بن عباس، وليس بمعروف أن الفضل بن عباس نام عند خالته ميمونة، وإنما المعروف والثابت الذي جاء في أحاديث كثيرة من طرق متعددة أنه عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهذه الطريق فيها الفضل بن عباس، وهي تشتمل على صفة من صفات صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم في الليل، ولكن لم يثبت ذلك عن الفضل بن عباس؛ لأن الإسناد فيه انقطاع بين كريب وبين الفضل بن عباس؛ لأنه لم يدركه، فيكون منقطعاً، فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الثابت في صفة صلاة الليل حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
والفضل هو أكبر أولاد العباس، وبه يكنى، وكذلك أم أولاد العباس لبابة بنت الحارث الهلالية كنيتها أم الفضل مثل كنية العباس؛ لأن أكبر أولادهما هو الفضل بن عباس، وعبد الله بن عباس أصغر منه، وقد أدركه كريب، وأما الفضل بن عباس الذي هو الأكبر فإنه لم يدركه كريب كما ذكر ذلك أهل العلم.
قوله: [(فتوضأ واستن)].
يعني: استاك، أي: دلك أسنانه بالسواك.
قوله: [(ثم قرأ بخمس آيات من آل عمران)].
قرأ بخمس آيات من أول قوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران:190]، وهذه مرت في حديث ابن عباس، وفيه إلى آخر السورة، يعني: من هذه الآية إلى نهاية السورة.
قوله: [(ولم يزل يفعل هذا حتى صلى عشر ركعات)].
يعني: صلى ركعتين، ثم بعد ذلك حصل منه الاستنان، ثم استمر على ذلك حتى صلى عشر ركعات، يعني: ثنتين ثنتين ثنتين، وبينهما الاستنان وقراءة هذه الآيات، ثم قام وصلى ركعة واحدة أوتر بها، ثم طلع الفجر وآذنه بلال فصلى ركعتين ثم خرج، فصلى بالناس صلى الله عليه وسلم.(165/17)
تراجم رجال إسناد حديث الفضل بن عباس: (بت ليلة عند النبي لأنظر كيف يصلي)
قوله: [حدثنا محمد بن بشار].
[محمد بن بشار هو الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو عاصم].
هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير بن محمد].
زهير بن محمد الخراساني، أخرج له أصحاب الكتب الستة، قال ابن حجر: رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، وضعف بسببها.
وهذا الحديث ليس من رواية أهل الشام عنه؛ لأن أبا عاصم النبيل الذي يروي عنه في هذا الإسناد بصري.
[عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر].
شريك بن عبد الله بن أبي نمر صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[عن كريب عن الفضل بن عباس].
كريب مر ذكره، والفضل بن عباس هو: الفضل بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أكبر أولاد العباس، وأمه أم الفضل، وهو الذي أردفه النبي صلى الله عليه وسلم من المزدلفة إلى منى، والنبي صلى الله عليه وسلم أردف اثنين في حجة الوداع: أردف من عرفة إلى مزدلفة أسامة بن زيد، ومن مزدلفة إلى منى الفضل بن عباس، وقد أردف عليه الصلاة والسلام كثيرين، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أن ابن مندة جمع الذين أردفهم النبي صلى الله عليه وسلم خلفه فبلغوا ثلاثين شخصاً، ومنهم الفضل بن عباس هذا، وكان ذلك في سيره من مزدلفة إلى منى صلى الله عليه وسلم، والفضل بن عباس أخرج له أصحاب الكتب الستة.(165/18)
شدة إتقان أبي داود وورعه وأمانته في نقل الأحاديث
[قال أبو داود: خفي عليّ من ابن بشار بعضه].
يعني: بعض الحديث، والمقصود أن الذي خفي عليه ما ذكره، وإنما ذكر الشيء الذي ما خفي عليه.(165/19)
شرح حديث ابن عباس: (بت عند خالتي ميمونة فجاء رسول الله بعدما أمسى فقال: أصلى الغلام؟ قالوا: نعم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا محمد بن قيس الأسدي عن الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (بت عند خالتي ميمونة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما أمسى فقال: أصلى الغلام؟ قالوا: نعم، فاضطجع حتى إذا مضى من الليل ما شاء الله، قام فتوضأ ثم صلى سبعاً أو خمساً أوتر بهن لم يسلم إلا في آخرهن)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مختصراً، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بسبع أو خمس لم يجلس إلا في آخرهن، وهذا شك، ويحتمل أن يكون سبعاً وأن يكون خمساً، والمقصود بذلك الخمس الأخيرة أو السبع الأخيرة، والأقرب أن تكون خمساً، فالمعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوتر بخمس، كما جاء في الأحاديث المتعددة، ومعنى ذلك أن الخمس تكون مع بعض مسرودة في الآخر، وكونه يأتي سبعاً مسرودة في الآخر بعد أن يأتي بالركعات التي قبل لا يعرف، ولكنه جاء أنه يصلي سبعاً فقط، يجلس بعد السادسة، ثم يقوم للسابعة، ثم يسلم، وهذا أقل شيء صلاه صلى الله عليه وسلم من الليل.
إذاً: المقصود هنا هو الوتر، وهو ما يؤتى به في آخر صلاة الليل، والمطابق للروايات هو الخمس، وهذا مشكوك فيه هل قال: كذا أو كذا، فتكون الخمس هي الأقرب والأظهر؛ لأنها جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة أنه كان يوتر بخمس يسبقها أربع وأربع أو غير ذلك كما مر في عدد من الأحاديث.(165/20)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (بت عند خالتي ميمونة)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن وكيع].
عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، ووكيع هو: ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن قيس الأسدي].
محمد بن قيس الأسدي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي.
[عن الحكم بن عتيبة].
الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس مر ذكره.(165/21)
شرح حديث ابن عباس: (بت عند خالتي ميمونة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم جاء فصلى أربعاً، ثم نام، ثم قام يصلي فقمت عن يساره، فأدراني فأقامني عن يمينه، فصلى خمساً، ثم نام حتى سمعت غطيطه أو خطيطه، ثم قام فصلى ركعتين، ثم خرج فصلى الغداة)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل بيته صلى أربعاً، وبعض أهل العلم قال: إنها سنة العشاء، ومعلوم أن سنة العشاء ركعتان كما ثبت ذلك عن عائشة وغيرها، فيحتمل -والله أعلم- أنها من صلاة الليل، ثم قام وصلى خمساً التي هي الوتر، وهي التي مرت في الطريق السابقة بالشك: سبعاً أو خمساً، وهنا قال: صلى خمساً.
قوله: [(فقمت عن يساره فأدارني فأقامني عن يمينه)].
يعني: أن ابن عباس قام وصلى عن يساره، فأداره النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه.
وفي هذا دليل على أن موقف المأموم الواحد عن يمين الإمام، وأنه إذا جاء أحد وصلى عن يسار الإمام فإنه يديره إلى جهة اليمين، وأن مثل هذه الحركة لا تؤثر لا من الإمام ولا من المأموم، فكون الإمام يضع يده عليه ويديره، وكونه يستدير ويتحول من اليسار إلى اليمين لا بأس بذلك، وليس في هذا تأثير على الصلاة، وفيه أيضاً دليل على ائتمام المتنفل بالمتنفل.
قوله: [(ثم نام حتى سمعت غطيطه أو خطيطه)].
يعني: الصوت الذي يخرج من النائم.
قوله: [(ثم قام فصلى ركعتين، ثم خرج فصلى الغداة)].
صلى ركعتي الفجر وصلى الغداة، ويحتمل أن يكون الحديث الذي مر فيه اختصار، وأن هناك شيئاً غير الأربع والخمس؛ لأن بعض الأحاديث يذكر فيها اتصالاً، كما سيأتي أنه ما ذكر الوتر في بعض الأحاديث، يعني: ذكر قيام الليل وركعات قيام الليل، ولم يذكر الوتر.
والقصة تحتمل أن تكون واحدة أو متعددة، وهي إن كانت واحدة فالأحاديث لابد أن يرجح بعضها على بعض، ويكون أرجحها هو المحفوظ وغيره يكون شاذاً، ويحتمل أيضاً أن تكون مع كونها واحدة وتختلف الروايات أن يكون لها شواهد، فتكون غير شاذة من أجل الشواهد، وإذا كانت القصة متكررة فالأمر في ذلك واضح بلا إشكال.(165/22)
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث فصلى النبي العشاء ثم جاء فصلى أربعاً)
قوله: [حدثنا ابن المثنى حدثنا ابن أبي عدي].
ابن المثنى مر ذكره، وابن أبي عدي هو: محمد بن إبراهيم ابن أبي عدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس].
الحكم وسعيد بن جبير وابن عباس مر ذكرهم.(165/23)
شرح سنن أبي داود [166]
وردت عدة كيفيات لصلاة الليل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فتارة كان يصلي ركعتين ركعتين إلى ست أو ثمان ويختم بركعة، وتارة يختم بثلاث متصلة، وتارة بخمس متصلة، وكان آخر عهده وأقل صلاته سبع ركعات، وما زاد عن ثلاث عشرة ركعة، والأمر في ذلك واسع بحسب نشاط العبد واجتهاده ورغبته في العبادة.(166/1)
تابع باب ما جاء في صلاة الليل(166/2)
شرح حديث (قام فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثماني ركعات)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عبد المجيد عن يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير أن ابن عباس رضي الله عنهما حدثه في هذه القصة، قال: (قام فصلى ركعتين ركعتين، حتى صلى ثماني ركعات، ثم أوتر بخمس ولم يجلس بينهن)].
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وأنه صلى ركعتين ركعتين حتى بلغ ثمان ركعات، ثم أوتر بخمس فلم يجلس بينهن، فصارت ثلاثة عشر، وهذا يؤيد ما تقدم من ترجيح رواية خمس على سبع، وأن المقصود بذلك خمس قبلها شيء، وليست خمساً مستقلة ومنفردة؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في الليل أقل من سبع ركعات، وعلى هذا فتكون الخمس التي جاءت في الحديث المتقدم والتي حصل فيها الشك من الراوي بين السبع والخمس أن المقصود من ذلك خمس قبلها شيء، وهذا الحديث فيه ثنتين ثنتين ثنتين ثنتين -أربع مرات- ثم يأتي بالخمس ولا يجلس إلا في آخرها، فصار المجموع ثلاثة عشر.(166/3)
تراجم رجال إسناد حديث (قام فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثماني ركعات)
قوله: [حدثنا قتيبة].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد العزيز بن محمد].
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد المجيد].
هو عبد المجيد بن سهيل، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[عن يحيى بن عباد].
يحيى بن عباد، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سعيد بن جبير عن ابن عباس].
سعيد بن جبير وابن عباس مر ذكرهما.(166/4)
شرح حديث (كان رسول الله يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتيه قبل الصبح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثني محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتيه قبل الصبح، يصلي ستاً مثنى مثنى، ويوتر بخمس لا يقعد بينهن إلا في آخرهن)].
بعدما أنهى أبو داود رحمه الله أحاديث عائشة أتى بأحاديث ابن عباس من طرق مختلفة، ثم عاد إلى أحاديث عائشة وأتى بجملة منها، ثم سيعود بعد ذلك إلى أحاديث ابن عباس، وأورد هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها، وهو مثل حديث ابن عباس المتقدم قبل هذا، إلا أن فيه أنه صلى ثمان ركعات، وهنا صلى ست ركعات، وأوتر بخمس يعني: هنا ذكر ست ركعات، وفي الحديث المتقدم ثمان ركعات، فتكون الخمس مع الست إحدى عشر، ومع ركعتي الفجر تكون ثلاث عشرة ركعة، فيصلي ثنتين ثنتين ثنتين ثم خمساً لا يجلس إلا في آخرها.(166/5)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتيه قبل الصبح)
قوله: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني].
عبد العزيز بن يحيى الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثني محمد بن سلمة].
هو محمد بن سلمة الباهلي، وهو ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن إسحاق].
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن جعفر بن الزبير].
محمد بن جعفر بن الزبير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة بن الزبير عن عائشة].
عروة بن الزبير ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(166/6)
شرح حديث (أن النبي كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أنها أخبرته: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر)].
وهذا الحديث مثل الذي قبله، إلا أن ذاك فيه تفصيل، وهذا ليس فيه تفصيل.
(ثلاث عشرة بركعتي الفجر)، يعني: إحدى عشر بدون ركعتي الفجر.(166/7)
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر)
قوله: [حدثنا قتيبة عن الليث].
قتيبة مر ذكره، والليث بن سعد المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن أبي حبيب].
هو يزيد بن أبي حبيب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عراك بن مالك].
عراك بن مالك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة عن عائشة].
عروة وعائشة قد مر ذكرهما.(166/8)
شرح حديث (أن رسول الله صلى العشاء ثم صلى ثماني ركعات قائماً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي وجعفر بن مسافر أن عبد الله بن يزيد المقرئ أخبرهما عن سعيد بن أبي أيوب عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العشاء، ثم صلى ثماني ركعات قائماً، وركعتين بين الأذانين، ولم يكن يدعهما).
قال جعفر بن مسافر في حديثه: (وركعتين جالساً بين الأذانين) زاد: جالساً].
أورد أبو داود حديث عائشة وليس فيه ذكر الوتر؛ لأنه ما ذكر الوتر، وإنما ذكر ثمان ركعات، وذكر الركعتين اللتين كان يصليهما وهو جالس، وليسا بين الأذانين يعني: بين الأذان والإقامة، وإنما الركعتان اللتان تكون بعد صلاته في الوتر.
قوله: [(بين الأذانين)] يقول عنها الشيخ الألباني رحمة الله عليه: ذكر الأذانين غير صحيح؛ لأن التي كان يصليها بعد ذلك وهو جالس هي الركعتان التابعة لصلاة الليل، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر وهو جالس، بل كان يصليهما -وهما خفيفتان جداً- وهو قائم صلى الله عليه وسلم.
وقلنا: إنه ما ذكر الوتر، والوتر هو ركعة أو أكثر، إما ثلاث وإما واحدة، إذا كان ثلاث ركعات تكون صلاة الليل إحدى عشر، وإذا كان واحدة تكون تسعاً، فيمكن أن يكون المقصود بذلك الوتر، وحديث عائشة الذي مر أنه ذكرها ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر، ويكون الشذوذ في كلمة (جالساً) قد يكون محتملاً ما ذكرته.(166/9)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله صلى العشاء ثم صلى ثماني ركعات قائماً)
قوله: [حدثنا نصر بن علي].
هو نصر بن علي الجهضمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وجعفر بن مسافر].
جعفر بن مسافر صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أن عبد الله بن يزيد المقرئ].
عبد الله بن يزيد المقرئ ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن أبي أيوب].
سعيد بن أبي أيوب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جعفر بن ربيعة].
جعفر بن ربيعة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عراك بن مالك عن أبي سلمة].
عراك بن مالك مر ذكره وأبو سلمة هو: ابن عبد الرحمن بن عوف، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة قد مر ذكرها.(166/10)
شرح حديث (كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح ومحمد بن سلمة المرادي قالا: حدثنا ابن وهب عن معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس قال: قلت لـ عائشة رضي الله عنها: (في كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت: كان يوتر بأربع وثلاث وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقص من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة)].
أورد المصنف حديث عائشة أنها سئلت: بكم كان يصلي من الليل مختوماً بالوتر؟ فقالت: كان يوتر بأربع وثلاث، والثلاث متصلة، ويحتمل أن تكون منفصلة ثنتان وواحدة، والأقرب أنها متصلة، وأما الأربع فلا تحتمل الاتصال، بل هي منفصلة.
قوله: [(وست وثلاث)] وكذلك الست تكون متصلة ومنفصلة.
[(وثمان وثلاث، وعشر وثلاث)] فلم يكن يصلي بأقل من سبع الذي هو أربع وثلاث، ولم يكن يصلي بأكثر من ثلاث عشرة التي هي عشر وثلاث.
هذا الحديث مشتمل على بيان أحوال صلاته صلى الله عليه وسلم من الليل، وأنها تكون سبعاً، وهي أقل شيء، وتكون تسعاً، وتكون أربع ركعات وثلاثاً، وست ركعات وثلاثاً، وثمان ركعات وثلاثاً، وتكون إحدى عشرة ركعة، وتكون ثلاث عشرة ركعة.
يعني: كان يصلي سبعاً وهذه أقل شيء، ويصلي تسعاً، ويصلي إحدى عشرة ركعة، ويصلي ثلاث عشرة ركعة، وهذه أكثرها، فما كان يزيد على ثلاث عشرة ركعة، وما كان ينقص عن سبع ركعات.
والحديث فيه ذكر هذه الأحوال التي هي سبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة.
وهل يصح إطلاق الوتر على مجموع قيام الليل؟ نعم يطلق عليه الوتر، ولكن الأقرب في الوتر أنه لا يؤتى به إلا خاتماً للصلاة سواء كانت ثلاثاً أو خمساً أو واحدة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة واحدة توتر له ما قد صلى)، فلا شك أن العدد يكون وتراً بها بدل ما كان شفعاً، فيطلق الوتر على صلاة الليل كلها، ويطلق على آخر شيء من الصلاة: ركعة أو ثلاث أو خمس.(166/11)
تراجم رجال إسناد حديث (كان يوتر بأربع وثلاث وست وثلاث)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] أحمد بن صالح ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[ومحمد بن سلمة المرادي].
هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن معاوية بن صالح].
معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن أبي قيس].
عبد الله بن أبي قيس ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عائشة].
عائشة رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.
[قال أبو داود: زاد أحمد بن صالح: (ولم يكن يوتر بركعتين قبل الفجر، قلت: ما يوتر؟ قالت: لم يكن يدع ذلك) ولم يذكر أحمد: وست وثلاث].
الكلام الأخير الذي قاله أبو داود غير واضح المعنى.
قال: ولم يذكر أحمد بن صالح - وهو شيخه الأول- وست وثلاث.
يعني: وإنما ذكر (بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث).
قوله: (وزاد أحمد بن صالح: (ولم يكن يوتر ركعتين قبل الفجر) في بعض النسخ لا يوجد لفظ (ركعتين) وإنما الوارد: (ولم يكن يوتر قبل الفجر)، وفي بعض النسخ: (لم يكن يوتر بركعتين قبل الفجر) بحرف الباء.
فيمكن والله أعلم أن يكون كذلك، لكن الركعتين هي التي أتت بالإشكال، فيمكن أن يكون هذا هو المقصود يعني: أن وتره لا يصل إلى السحر الذي هو قبيل الأذان، وإنما ينتهي قبل ذلك بمدة، كما أتى في أحاديث مرت بنا في هذا الباب، أنه كان يأتي السحر وقد انتهى من صلاته، وأنه يرقد ليستريح.(166/12)
شرح حديث (كان يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل، ثم إنه صلى إحدى عشرة ركعة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن منصور بن عبد الرحمن عن أبي إسحاق الهمداني عن الأسود بن يزيد أنه دخل على عائشة رضي الله عنها فسألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فقالت: (كان يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل، ثم إنه صلى إحدى عشرة ركعة وترك ركعتين، ثم قبض صلى الله عليه وسلم حين قبض وهو يصلي من الليل تسع ركعات، وكان آخر صلاته من الليل الوتر)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل، ثم إنه نقص ركعتين وصلى إحدى عشرة ركعة وترك ركعتين، ثم قبض صلى الله عليه وسلم حين قبض وهو يصلي من الليل تسع ركعات، وكان آخر صلاته من الليل الوتر).
المعروف أنه لما مرض وكبر كان يصلي سبع ركعات -هو أقل شيء حفظ عنه صلى الله عليه وسلم- وكان آخر شيء يصليه الوتر، وهذا فيه بيان أن الوتر يطلق على الركعة الأخيرة، أو على الثلاث مجتمعة، أو على الخمس مجتمعة، وكل صحيح، إن أريد به الركعة المنفردة على أساس أنها وتر أو الثلاث تكون وتراً، أو الخمس تكون وتراً، وإن أريد به العدد الذي هو متصل وجاء بركعة بعدها، فإنه يكون وتراً بها، كما جاء في حديث: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)، وقوله في الحديث الآخر: (ثم يأتي بركعة توتر له ما مضى).
فالعدد الشفع إذا أضيف إليه ركعة صار وتراً، والست إذا أضيفت لها واحدة صارت وتراً، والثمان إذا أضيفت لها واحدة صارت وتراً، والعشر كذلك، وهكذا.
والحديث ضعفه الألباني، ولا أدري ما وجه تضعيفه، وقد جاء فيه أن التسع هي التي كان قبض وهو يفعلها، ولكن سبق أن مر في بعض الأحاديث أنه كان يصلي سبعاً لما مرض صلى الله عليه وسلم.(166/13)
تراجم رجال إسناد حديث (كان يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل ثم إنه صلى إحدى عشرة ركعة)
قوله: [حدثنا مؤمل بن هشام].
مؤمل بن هشام، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا إسماعيل بن إبراهيم].
إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور بن عبد الرحمن].
منصور بن عبد الرحمن صدوق يهم، أخرج له مسلم وأبو داود.
[عن أبي إسحاق الهمداني].
أبو إسحاق الهمداني هو السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأسود بن يزيد].
هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة رضي الله عنها مر ذكرها.
قضية كيف يكون آخر شيء تسع وقد ثبت عنه سبع، وتضعيف الشيخ الألباني؟ هذا يدل عليه فعل الإمام مسلم رحمه الله، حيث أنه لم يخرجه بتمامه، وإنما أخرج: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل حتى يكون آخر صلاته وتراً).(166/14)
شرح حديث (سألت ابن عباس كيف كانت صلاة رسول الله بالليل؟)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن مخرمة بن سليمان أن كريباً مولى ابن عباس أخبره قال: (سألت ابن عباس رضي الله عنهما: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالليل؟ قال: بت عنده ليلة وهو عند ميمونة رضي الله عنها، فنام حتى إذا ذهب ثلث الليل أو نصفه استيقظ، فقام إلى شن فيه ماء، فتوضأ وتوضأت معه، ثم قام فقمت إلى جنبه على يساره، فجعلني على يمينه، ثم وضع يده على رأسي كأنه يمس أذني، كأنه يوقظني، فصلى ركعتين خفيفتين قد قرأ فيهما بأم القرآن في كل ركعة، ثم سلم، ثم صلى حتى صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر، ثم نام، فأتاه بلال فقال: الصلاة يا رسول الله! فقام فركع ركعتين ثم صلى للناس)].
مرت جملة من الأحاديث في باب صلاة الليل من طرق مختلفة عن عائشة، وعن ابن عباس، وهذه الطريق التي أوردها المصنف هنا هي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو أنه سأله كريب عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل، فقال: بت عن ميمونة أي: خالته أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، فلما مضى ثلث الليل أو نصفه قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه، وأتى إلى شن معلق، والشن: هو القربة القديمة، وتوضأ منها، ثم دخل في الصلاة، فجاء ابن عباس رضي الله عنهما وصف إلى يساره، فأقامه عن يمينه، وجعل يلمس أذنه ورأسه كأنه يوقظه من النعاس الذي قد يكون به، فصلى ركعتين، ثم صلى ركعتين ركعتين حتى صلى إحدى عشرة ركعة، وبعد ذلك نام حتى جاءه المؤذن وقال له: الصلاة، فصلى ركعتين، ثم خرج إلى الناس فصلى بهم صلى الله عليه وسلم.
هذه كيفية من كيفيات صلاة الليل، وهو أنه صلى ركعتين ركعتين حتى أكمل إحدى عشرة أو ثلاث عشرة إذا كانت الركعتان الخفيفتان محسوبة، وإذا كانت غير محسوبة فتكون إحدى عشرة ركعة، وقد جاء إحدى عشرة وثلاث عشرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي مبيت ابن عباس رضي الله عنهما عند خالته ميمونة ليعرف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل دليل على فضله ونبله، وحرص الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على معرفة السنن، ومعرفة أفعال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حتى الأمور المتعلقة بالبيت.
ثم أيضاً يدل على أن المأموم ليس له أن يصف عن يسار الإمام إذا كان واحداً، وأنه إن صف عن يساره أداره عن يمينه من ورائه، وأيضاً فيه دليل على ائتمام المتنفل بالمنتفل، ودليل على أنه لا يلزم النية في الإمامة أن تكون من أول الصلاة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام دخل في الصلاة على أنه سيصلي وحده منفرداً، وفي أثناء ذلك دخل معه ابن عباس، فدل هذا على أنه لا يلزم في الإمامة أن تكون النية موجودة فيها من أول الصلاة، بل عندما يوجد الائتمام تحصل الإمامة كما حصل من ابن عباس رضي الله عنهما، فإنه بعدما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة جاء وصف عن يساره، فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولكنه أداره عن يمينه، وذلك لبيان أن موقف المأموم الواحد يكون عن يمين الإمام ولا يكون عن يساره.(166/15)
تراجم رجال إسناد حديث (سألت ابن عباس كيف كانت صلاة رسول الله بالليل؟)
قوله: [قال: حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث].
هو عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثني أبي].
أبوه هو شعيب بن الليث، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن جدي].
جده: الليث بن سعد المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خالد بن يزيد].
خالد بن يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن أبي هلال].
صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مخرمة بن سليمان].
مخرمة بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن كريباً مولى ابن عباس].
كريب مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(166/16)
شرح حديث (بت عند خالتي ميمونة فقام النبي ليصلي من الليل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نوح بن حبيب ويحيى بن موسى قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس، عن عكرمة بن خالد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بت عند خالتي ميمونة رضي الله عنها فقام النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي من الليل، فصلى ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر، حزرت قيامه في كل ركعة بقدر: (يا أيها المزمل)، لم يقل نوح: منها ركعة الفجر)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثلاث عشرة ركعة، منها ركعتا الفجر، معناه: أنها تصير إحدى عشرة ركعة، وبلغت ثلاث عشرة بركعتي الفجر، وهذا في قول بعض الرواة، وإلا فأحد الشيخين لم يقل فيها ركعتي الفجر، يعني: أنها ثلاثة عشر كلها ولم ينص فيها على ركعتي الفجر، ويمكن أن تكون فيها ركعتا الفجر، ويمكن أن تكون كلها دون ركعتي الفجر.
وقد سبق عدة أوجه لصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم في الليل، وفيها ذكر ركعتي الفجر، وعدها مع الركعات الثلاثة عشر، وفيها عدم ذكرها، وذكر ركعتين وهو قاعد بعد الوتر، وفيه صفات أخرى مر ذكرها.(166/17)
تراجم رجال إسناد حديث (بت عند خالتي ميمونة فقام النبي ليصلي من الليل)
قوله: [حدثنا نوح بن حبيب].
نوح بن حبيب ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[ويحيى بن موسى].
يحيى بن موسى ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن طاوس].
ابن طاوس هو عبد الله بن طاوس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة بن خالد].
عكرمة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن ابن عباس].
وقد مر ذكره.(166/18)
شرح حديث (لأرمقن صلاة رسول الله الليلة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن عبد الله بن قيس بن مخرمة أخبره عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أنه قال: (لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة، قال: فتوسدت عتبته أو فسطاطه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه في بيان صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل، وأنها ثلاثة عشر ركعة: ركعتين ركعتين والركعة الأخيرة هي الوتر، يوتر بها العدد الماضي، فيكون مجموع ما صلاه صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة، اثنتا عشرة ركعة في ستة تشهدات وتسليمات، وركعة واحدة ختم بها صلاته من الليل فصارت وتراً.
وفيه أن زيد بن خالد قال: (لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل) وهذا يدل على نبل الصحابة وفضلهم، وحرصهم على معرفة السنن، فقال: (فتوسدت عتبته أو فسطاطه) وهذا يحتمل أن يكون خارج الحجرة، والفسطاط: هو الخيمة الكبيرة، فكان أن صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين خفيفتين، ثم ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، يعني: أكد وصفها ذلك ثلاث مرات، ثم ركعتين دونهما، وهكذا حتى بلغ مجموع ما صلاه من الصلوات اثنتا عشرة ركعة في ستة تشهدات وتسليمات، ثم أتى بالركعة، فكان مجموع ذلك ثلاث عشرة ركعة، وهذا هو أكثر ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عرفنا أن أقل ما جاء عنه هو سبع، وأن أكثر ما جاء عنه هو إحدى عشرة ركعة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.(166/19)
تراجم رجال إسناد حديث (لأرمقن صلاة رسول الله الليلة)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وأحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن أبي بكر].
هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن عبد الله بن قيس بن مخرمة].
عبد الله بن قيس بن مخرمة ثقة مخضرم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن زيد بن خالد الجهني].
زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(166/20)
شرح حديث (فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس (أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها، وهي خالته، قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي، قال عبد الله: فقمت فصنعت مثلما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي، فأخذ في أذني يفتلها، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين -قال القعنبي: ست مرات- ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح)].
أورد المؤلف حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم من بعض الطرق عنه: أنه صلى ثلاث عشرة ركعة اثنتان اثنتان اثنتان ست مرات، وركعة أوتر بها ما مضى، وذلك مطابق لما جاء في حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه.
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس].
مر ذكرهم جميعاً.(166/21)
الأسئلة(166/22)
حكم صلاة الركعتين بعد الوتر
السؤال
الركعتان بعد الوتر اللتان كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس، هل هما سنة يعمل بها؟
الجواب
الرسول صلى الله عليه وسلم ما داوم عليهما، وإنما فعلهما في بعض الأحيان، فلو أن أحداً فعلهما اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان فلا بأس ذلك.(166/23)
حكم صلاة الليل جالساً
السؤال
هل يصلي جالساً وهو قادر على القيام؟
الجواب
إي نعم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم جاء في بعض الروايات أنه كان يبتدئ الصالة جالساً ثم يقوم، والرسول صلى الله عليه وسلم إذا صلى جالساً فله الأجر كاملاً، وأما غيره فأجره على النصف، فإذا فعل ذلك في بعض الأحيان لا بأس بذلك، وإن فعله قائماً لا شك أنه أولى وأكمل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لو صلى جالساً حصل على الأجر كاملاً، وأما الإنسان فأجره على النصف من الصلاة، كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث.(166/24)
الجمع بين صلاة النبي لركعتين بعد الوتر وبين أمره
السؤال
فعله للركعتين بعد الوتر يعارض قوله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) فكيف يجمع بينهما؟
الجواب
لا تعارض بينهما؛ ولو أن الإنسان فعل هذا في بعض الأحيان اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان لا بأس بذلك.
ومثل ذلك لو أوتر الإنسان ولكنه قام بعد ذلك وصلى، لكنه لا يوتر ثانية، ولا يقال: إنه إذا حصل منه الوتر فيمنع من الصلاة بعدها، بل إذا احتاج إلى أن يصلي يصلي، كالذي صلى أول الليل يخشى ألا يقوم، ثم قام آخر الليل، لا يقال له: لا تصل، بل يصلي ما شاء ولكنه لا يوتر ثانية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا وتران في ليلة).(166/25)
حال حديث (إذا كانت ليلة النصف من شعبان نزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا)
السؤال
ورد حديث في ليلة النصف من شعبان: (إذا كانت ليلة النصف من شعبان نزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا، فيغفر لكل إنسان إلا مشرك أو مشاحن) وقد صححه جمع من أهل العلم، ومنهم الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة رحمه الله، فهل في هذا الحديث مزية لهذه الليلة من حيث زيادة الذكر والاستغفار والتضرع إلى الله في آخر الليل؟
الجواب
يوجد كثير من أهل العلم لم يصححوا هذا الحديث، وضعفوا كل الأحاديث التي وردت فيما يتعلق بليلة النصف من شعبان، واليوم سواء كان ليلاً أو نهاراً ليس له مزية، وليس للإنسان أن يخص ليلة النصف من شعبان بشيء؛ لأنه لم تثبت بذلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الإنسان يبحث عن السنن ويتبعها، ولا يشغل نفسه بأفعال ذكرها أهل العلم ضمن الأمور المحدثة المنكرة، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة والأسوة، وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم هم خير الناس وأسبقهم إلى كل خير، ولو كان خيراً لسبقوا إليه.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل: من يا رسول الله؟ فقال: هم من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، فالواجب على المسلم أن يكون متبعاً وأن يحذر من البدع، ولشيخنا عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه رسالة كتبها عن ليلة النصف من شعبان مع رسائل أخرى ثلاث أطلق عليها اسم: التحذير من البدعة.
والألباني لم يصحح الحديث وإنما حسن إسناده، ولفظه غير اللفظ الذي ذكرت، فلفظه: (إن الله ليطلع على عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر لكل إنسان إلا مشرك أو مشاحن) وليس فيه ذكر النزول.(166/26)
حكم شراء الأطعمة التي صنعت لمناسبة ليالي النصف من شعبان
السؤال
في أيام النصف من شعبان تباع أكلات مخصصة لهذه الأيام، فهل يجوز شراء مثل هذه الأطعمة وأكلها؟!
الجواب
لا يجوز شراء مثل هذه الأشياء، فهذا فيه تشجيع لأهل البدع وتأييد لهم، بل يجب التحذير والتنبيه على أن ليلة النصف من شعبان ويوم النصف من شعبان لا يخصص بشيء؛ لأن هذا من الأمور المحدثة والمنكرة، والإنسان لا يعين على إظهار البدع وإحيائها، بل عليه أن ينبه على ذلك وأن يحذر منه.(166/27)
حكم الصلاة في الحرم إحدى عشرة ركعة بعد الإمام ثم ينصرف المأموم
السؤال
جاء الحديث عن عائشة رضي الله عنها بأن صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بالليل كانت إحدى عشرة ركعة، وجاء في حديث آخر: (من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)، فكيف نفعل بصلاة التراويح هنا في الحرم، هل نصلي مع الإمام ثلاثةً وعشرين ركعة كاملة حتى ينصرف، أم نصلي إحدى عشرة ونخرج من الصلاة، أرجو التوفيق بين الحديثين؟
الجواب
الرسول صلى الله عليه وسلم ما منع من الزيادة، وهذا الحديث حكاية لفعله صلى الله عليه وسلم، وأما الزيادة فلا يوجد دليل يدل على المنع منها، بل فيه ما يدل على الجواز، وهو حديث: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى) يعني: تصلي ثنتين ثنتين ثنتين وإذا خشيت طلوع الفجر ائت بركعة توتر ما مضى، فهذا يدل على أن الأمر في ذلك واسع، والإنسان عندما يصلي وراء إمام يصلي ثلاثاً وعشرين أو ثلاثين أو أقل أو أكثر فإنه يتابع الإمام، ويكون بذلك حقق ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)، وكون الإنسان يصلي مع الإمام الأول ثم ينصرف لا يقال: إن الإمام قد انصرف، بل الناس يصلون ولم ينصرفوا، والإمام لم ينصرف، وإنما تحول من كونه إماماً إلى كونه مأموم، حتى يعقبه الآخر بالقراءة، ويكون هذا يبدأ بنشاط، وذاك يمكن يكون قد تعب، فيكون في ذلك مصلحة.
وليس معنى ذلك أن الصلاة تنتهي بانتهاء صلاة الإمام الأول، فهو ما انصرف وذهب إلى بيته، وإنما تحول من كونه إماماً إلى كونه وراء الإمام.
ثم لو فرضنا أن هذه العشرين ركعة صار فيها لكل ركعتين إمام، هل يصلي ركعتين مع الأول وينصرف؟! أولاً: الإمام ما انصرف، إنما تحول الإمام إلى كونه مأموماً فهذا للمصلحة، فأنت تصلي مع الناس وتستمر ولا تنصرف إلا إذا انصرف الإمام فهذا خير لك، ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على منع الزيادة إلا هذا الحديث، لكن ما قال: لا تزيدوا.
فلا شك أن فعله صلى الله عليه وسلم هو الأولى، لكن إذا صليت وراء إمام يصلي أكثر فلا تنصرف قبل انصرافه، بل كن معه وذلك خير لك.(166/28)
حكم الاشتراك في مطعم الجامعة بدفع القيمة مقدماً
السؤال
نحن طلاب في الجامعة نشترك في المطعم وندفع لهم النقود مقدماً، ويعطوننا (البونات) حتى نهاية الشهر، وقد يفقد (البون)، وقد يغيب الطالب، فهل هذا داخل في بيع الغرر؟
الجواب
لا أبداً، كيف يكون داخلاً في بيع الغرر؟! لأن هذا شيء المصلحة تدعو إليه، وهو من تهيئة الطعام، فهم أعطوك على اعتبار أنك ستحضر وأنهم سيصنعون لك طعاماً، فإذا غبت عنه فمعناه أنه ضاع على حسابك، فكونك غبت عنه لحاجة أو أنك دعيت أو عزمت على دعوة فتخلفت، يعني: هم يصنعون الطعام بعدد الأوراق التي صرفت، فهذا ليس من الغرر، بل هذا فيه فائدة ومصلحة ولا غرر فيه، وليس معناه أنهم ربحوا، لا، فالطعام موجود، فإذا تخلفت عنه فلا غرر في ذلك، ولا محظور.(166/29)
حكم المكوث في المملكة بدون إقامة
السؤال
سمعنا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] فهل طاعة أولي الأمر متعلقة بطاعة الله ورسوله؟ ولا يكون العبد مطيعاً لله وللرسول إذا عصى أولي الأمر؟ إن كان كذلك فنحن متخلفون هنا في المدينة، فهل هذا التخلف فيه معصية لأولي الأمر؟ وأيضاً نحن نعمل ونكسب مالاً فما حكم هذا المال إن كنا عصاة لأولي الأمر؛ لأن ولي الأمر لا يرضى بذلك، وهل لغيرنا أن يساعدنا من حيث الإيجار والمعيشة وما حكم ذلك، فنرجو منكم أن تفتونا مأجورين فنحن في حيرة؟
الجواب
على الإنسان ألا يذل نفسه، وألا يوقع نفسه في أمر لا يصلح أن يقع فيه، وإذا كان لا يسمح له بأن يبقى فعليه أن يرجع، أو يبحث عن الإقامة والبقاء بطريق سائغ لا محظور فيه، ولا يترتب عليه ضرر به، هذا هو الذي ينبغي للإنسان، وطاعة ولي الأمر هي من طاعة الله ورسوله ما لم يأمر بمعصية، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني)، ثم ما فائدة الأمير إذا كان يأمر ولا يطاع، فإذا أمر بشيء ليس فيه معصية، بل هو أمر مباح وسائغ ولا معصية فيه فإن على الإنسان أن يسمع ويطيع.
والإنسان الذي دخل هذه البلاد وليس عنده شيء يمكنه من الإقامة فعليه ألا يعرض نفسه للإهانة وألا يتخلف، فعليه أن ينصرف أو يسعى لأن يحصل الإقامة بطريق يسلم فيها، ولا يرتب على نفسه شيء من الضرر أو يتسبب في أن يلحق بنفسه شيئاً من الضرر والإهانة.(166/30)
مقدار ما يعق به عن المولود ذكراً أو أنثى
السؤال
هل تصح العقيقة عن التوأمين بكبش واحد كبير، أم لا بد من كبشين، والتوأمان من الإناث؟
الجواب
كل جارية لها شاة، وكل ذكر له شاتان، فالتوأمان إذا كانا ذكرين فيعق عنهم بأربع شياه، وإذا كان التوأمان إناثاً فيعق بشاتين، وإذا كانا ذكراً وأنثى فثلاث شياه، ثنتان للذكر وواحدة للأنثى.(166/31)
مس المرأة ينقض الوضوء
السؤال
هل مس المرأة ينقض الوضوء؟
الجواب
مس المرأة لا ينقض الوضوء إلا إذا حصل بسب المس خروج شيء نجس فإنه ينتقض الوضوء، وأما إذا كان في غير ذلك فإنه لا ينتقض الوضوء.(166/32)
حكم جهر المرأة في صلاتها بالليل
السؤال
هل الأفضل للمرأة وهي تصلي بالليل في بيتها أن ترفع صوتها وتجهر بالقراءة، أم تسر بالقراءة وكذلك في الصلوات المفروضة الجهرية؟
الجواب
لها أن تجهر إذا لم يسمعها أحد ليس من محارمها، أو لا يتأذى بها أحد من أهل بيتها، فإذا كان لا يتأذى أحد من أهل بيتها من جهرها فلا بأس بذلك.(166/33)
بطلان وصية الشيخ أحمد حامل مفاتيح الحرم
السؤال
هذه وصية الشيخ أحمد حامل مفاتيح الحرم، وهي مشهورة، ولا زال الناس يروجونها الآن؟
الجواب
لا شك أن الباطل له أنصار، وله أناس يعتنون به، ولا يهتمون بالسنن، وهذا من الضلال والإضلال؛ لأن الإنسان كونه يضل بنفسه هذه مصيبة، ولكن أعظم من ذلك مصيبة أن يضل ويُضِل مع ذلك، والواجب هو معرفة الحق والرجوع إلى أهل العلم، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتم الله شريعته، فليست في نقص يحتاج إلى أن يعرف عن طريق رؤيا، والرؤى والمنامات لا يعول عليها، وإنما ما جاء منها مطابقاً للحق فهو حق؛ لأن الحق معروف بدونها، وأما أن يأتي شيء فيه مخالفة للحق ومخالفة لما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإن هذا باطل.
وكما يروج الباطل ينبغي أن يروج الحق، والشيخ ابن باز رحمة الله عليه قد كتب في ذلك رسالة قيمة مفيدة مطبوعة مع ثلاث رسائل بعنوان: التحذير من البدع، فينبغي كلما حصل إظهار هذا الأمر المنكر أن يظهر هذا الحق، وأن ينشر في مقابله الحق بعد نشر الباطل، حتى يظهر الحق لمن قد يخفى عليه.
وبعض الناس بسبب جهله قد ينطلي عليه مثل هذا الكذب الذي جاء في هذه الوصية المنسوبة إلى أحمد خادم الحجرة، ورسالة الشيخ عبد العزيز بن باز قيمة ومفيدة، وواضحة جلية.(166/34)
معنى حديث (ولم يكن يوتر بركعتين قبل الفجر)
السؤال
ألا يكون معنى زيادة أحمد بن صالح التي فيها: (ولم يكن يوتر بركعتين قبل الفجر) أي: الركعتين بعد الوتر اللتين يصليهما وهو جالس؟
الجواب
لم يكن يدع ذلك، أي: هاتان الركعتان اللتان لم يكن يدعهما، وهما ركعتا الفجر، وأما الركعتان اللتان قبل الوتر فكان يدعهما، ولعل المقصود به: أن ركعتي الفجر كانت تحسب في بعض الأحاديث مع صلاة الليل، وعليه فقد كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الفجر، ومعنى: (لم يدعهما) أنه كان محافظاً عليهما أي: ركعتي الفجر، وأنها محسوبة، فالعبارة ما زالت فيها خطأ، أعني: (لم يكن يوتر).(166/35)
حكم الصلاة خلف المبتدع ومن تزوج بسبع نسوة
السؤال
ما حكم الصلاة خلف الإمام المبتدع، والإمام المتزوج بسبع نسوة، وهو يعلم حرمة ذلك؟
الجواب
كيف يليق بمسلم أن يتجاوز الأربع التي حددت والتي لا زيادة عليها، بل إن العلماء قالوا: إن من أراد خامسة وعنده أربع ليس له أن يتزوج بدلاً من واحدة إلا بعدما تخرج الأولى من العدة، حتى لا يكون قد جمع خمساً في عصمته لأن الرجعية زوجة، فكيف يكون ذلك؟! هذا من الغريب! وإذا كان مستحلاً لهذا فهو كافر، وإذا كان غير مستحل فهو عاصٍ ومخطئ خطأ كبيراً، ويستحق العقوبة إذا كان هناك من يطبق الأحكام الشرعية.
ثم ألا ينصح هذا الشخص؟! ألا يبين له إذا كان الأمر كما قيل؟! فما أدري عن صحة الكلام، والله أعلم.(166/36)
حكم التلفظ بالنية في الاعتكاف
السؤال
ما حكم قول القائل: نويت سنة الاعتكاف، وهل يجوز كتابتها على الحائط داخل المسجد؟
الجواب
التلفظ بالنية في جميع الأعمال من البدع ما عدا الحج، فإنه يمكن أن يتلفظ الإنسان بما نوى، فيقول: لبيك حجاً! لبيك عمرة وحجا! وكل ما سوى ذلك فهو من البدع المحدثة، سواء كتب على الجدار أو تلفظ به، فهو يكتب على الجدار حتى يذكر الداخل بأن يأتي بهذه البدعة.(166/37)
حكم لعب الأطفال المجسمة
السؤال
ما حكم إعطاء العروسة التي هي لعبة الأطفال للأطفال؟
الجواب
هذه العرائس التي هي على شكل الآدميين هي من الصور المحرمة، وليست من قبيل ما كان معروفاً عن عائشة رضي الله عنها؛ لأن المعروف عن عائشة شيء ليس من هذا القبيل، بل كان عندها أعواداً تلفها بخرق ويكون بعضها معترضاً، وبعضها مستقيماً، فهذه ليست صورة، وأما العرائس فهي صور حقيقية مجسمة، فلا يجوز تعاطي ذلك، وإنما الذي يجوز مثلما حصل لـ عائشة شيء من خرق وأعواد، أما شيء آخر يكون على هيئة وشكل الآدمي أو على شكل مجسم للآدمي سواء كان صغيراً أو كبيراً، فذلك لا يجوز.(166/38)
شرح سنن أبي داود [167]
(اكلفوا من العمل ما تطيقون) ما أخصرها من عبارة نبوية تجمع أطراف الموضوع، وتحث على عدم الإفراط والتفريط في جميع أنواع الطاعات، وإذا ضمت إليها عبارة (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) عُلمت حقيقة العبارة الأولى.(167/1)
ما يؤمر به من القصد في الصلاة(167/2)
شرح حديث (اكلفوا من العمل ما تطيقون)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، وكان إذا عمل عملاً أثبته)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة، والقصد: هو التوسط والاعتدال، وعدم الإفراط والتفريط، بحيث أن الإنسان لا يكون يقدم على العبادة في وقت من الأوقات فيكثر، ثم يهمل بعد ذلك، بل عليه أن يكون على قصد واعتدال، وأن يكون له صلاة يداوم عليها ولو كانت قليلة، لأن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن العمل القليل الذي يداوم عليه الإنسان خير من الكثير الذي ينقطع عنه الإنسان.
ويقولون: (قليل تداوم عليه خير من كثير تنقطع عنه) وذلك أن الإنسان إذا داوم على الشيء ولو كان قليلاً يكون مستمراً على عبادة، وعلى صلة بالله عز وجل، وإذا وافاه الأجل يوافيه وهو على حالة طيبة؛ لأنه مشتغل بالعبادة باستمرار، ولكنه إذا كان يقدم ويكثر من العبادة في أوقات، ثم يهمل في أوقات قد يأتيه الموت في وقت الإهمال، فلا يكون مثل هذا الذي يداوم على العمل وإن كان قليلاً، ولهذا يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، فقوله سبحانه وتعالى: (وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) معناه: داوموا على الإسلام حتى إذا وافاكم الأجل يوافيكم وأنتم عليه، والإنسان لا يعرف متى يموت حتى يحسن حاله عند الموت، بل الموت يأتي فجأة، ولكن الإنسان إذا داوم على العبادة والفرائض، وداوم على شيء ولو كان قليلاً من النوافل فإن هذا هو الأولى، ولهذا قيل لـ بشر الحافي: إن أناساً يجتهدون في رمضان، فإذا خرج تركوا، فقال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان.
الله عز وجل يعبد في كل وقت وفي كل حين، فالإنسان يداوم على الشيء ولو كان قليلاً أولى من الإكثار من العبادة في وقت، ثم الإهمال بعد ذلك، ولهذا أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اكلفوا من الأعمال ما تطيقون)، يعني: اعملوا الشيء الذي تطيقونه ولو كان قليلاً، فإن القليل المداوم عليه فائدته عظيمة، وصلة الإنسان بربه وثيقة، (فإن الله لا يمل حتى تملوا)، ففسر قوله: (فإن الله لا يمل حتى تملوا) بتفسيرات لعل من أقربها: أن الله لا يمل حتى لو مللتم، وقيل في معناه: أنه لا يمل من الثواب حتى تملوا من الأجر، وقد ورد في ذلك حديث ضعيف ذكره ابن جرير وأورده ابن كثير في تفسيره لسورة المزمل نقلاً عن ابن جرير، ولكنه حديث ضعيف، الذي فيه التنصيص على ذكر الثواب والعمل، ويبدو والله أعلم أن المقصود منه: أن الله لا يمل ولو حصل منكم الملل، حتى إن مللتم هو لا يمل.
(فإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) ما كان مداوماً عليه ولو كان قليلاً؛ لأننا عرفنا الفائدة من وراء ديمة العمل، واستمرار العمر، ودوام العمل، وهو أن الإنسان على صلة بالله مستمرة، ولو كانت تلك العبادة قليلة التي هي النوافل، (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) فكان إذا عمل شيئاً أثبته، يعني: داوم عليه، كان عليه الصلاة والسلام يحب أن يداوم على الشيء الذي عمله، لأنه كان إذا عمل شيئاً أثبته، وقد عرفنا فيما مضى قريباً أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل عن ركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر، ثم داوم عليهما، أي: على أنه يصلي ركعتين بعد العصر، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم.(167/3)
تراجم رجال إسناد حديث (اكلفوا من العمل ما تطيقون)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث عن ابن عجلان].
الليث هو: ابن سعد، ابن عجلان هو: محمد بن عجلان المدني، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سعيد المقبري].
سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(167/4)
شرح حديث (فإني أنام وأصلي وأصوم وأفطر وأنكح النساء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن سعد حدثنا عمي حدثنا أبي عن ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان بن مظعون رضي الله عنه فجاءه، فقال: يا عثمان! أرغبت عن سنتي؟ قال: لا والله يا رسول الله! ولكن سنتك أطلب، قال: فإني أنام وأصلي، وأصوم وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، فصم وأفطر، وصل ونم)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عن (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان بن مظعون رضي الله عنه، وكان أراد التبتل والانقطاع للعبادة، فقال له: يا عثمان! أرغبت عن سنتي؟) والسنة هي الطريقة التي عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن طريقته الكتاب والسنة، أي: العمل بمقتضى الكتاب والسنة، هذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا فيما مضى أن السنة تطلق على أربعة إطلاقات، إطلاقاً عاماً وهو هذا، السنة بمعنى: الطريقة، وتشمل الكتاب والسنة.
وقال: (لا والله يا رسول الله! بل سنتك أطلب)، يعني: أنا أريد اتباع سنتك، قال: (أما إني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقاً، ولضيفك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، فصم وأفطر، وصل ونم) فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى ألا يشدد على نفسه في العبادة، بل يكون معتدلاً متوسطاً، يكون على قصد، فيصلي وينام، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء، ويعطي كل ذي حق حقه، ويعطي أهله حقوقهم، ونفسه حقها، وضيفه حقه، ويعطي كل ذي حق حقه، ولا يشتغل عن العبادة بالحقوق، بل يجمع بينها وبين غيرها، وذلك بالاعتدال والتوسط فيها، هذا هو الذي به يكون الإنسان متمكناً من أن يأتي بها، ويأتي بغيرها معاً، وأما إذا اشتغل بها وحدها فإنه يقصر، أو يؤثر ذلك في تقصيره، أو عدم إتيانه بالأمور المطلوبة لأهله ولضيفه ولنفسه.
قوله: [(وإن لضيفك عليك حقاً)].
يعني: إذا كان صائماً باستمرار فالضيف يحتاج إلى مؤاكلته ومؤانسته يعني: أشياء مطلوبة، وهذا من إكرام الضيف، فإذا كان مشتغلاً بالصيام معناه أن الضيف يأتي ويأكل وحده وهو لا يأكل معه، وأما إذا كان يصوم ويفطر فإنه يتمكن من إكرام الضيف بالأكل معه ومؤانسته، وإدخال السرور عليه، ألا يأكل ضيفه وحده وهو بعيد عنه أو مختف عنه، وإنما يأكل معه ويؤانسه، ويدخل السرور عليه.(167/5)
تراجم رجال إسناد حديث (فإني أنام وأصلي وأصوم وأفطر وأنكح النساء)
قال: [حدثنا عبيد الله بن سعد].
عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عمه].
عمه يعقوب بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي].
أبوه سعد بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن إسحاق].
ابن إسحاق هو: محمد بن إسحاق المدني، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن هشام بن عروة].
هشام بن عروة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه: عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين وقد مر ذكرها.(167/6)
شرح حديث (كان كل عمله ديمة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال: سألت عائشة: كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل كان يخص شيئاً من الأيام؟ قالت: لا، كان كل عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع؟!].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها، عن علقمة أنه سألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يخص شيئاً من الأيام، يعني معناه: أنه يخص شيئاً دون شيء، أو أنه يجتهد في أوقات، فقال: قالت: (كان عمله ديمة)، يعني: يداوم على العمل، (وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع؟) وهذا فيه إشارة إلى أن المداومة على العمل مطلوبة، لكن المداومة التي فيها قصد واقتصاد، وليس فيها تكلف وتشديد على النفس؛ لأن هذا يؤدي إلى الضعف، ويؤدي إلى الانقطاع عن العبادة، ولكن القليل الذي يداوم عليه الإنسان هذا هو الذي يستمر عليه الإنسان، ويبقى مع الإنسان، ويكون الإنسان معه نشيطاً.
وأما التشديد على النفس فهذا يؤدي إلى الترك، وإلى الضعف، وإلى الفتور، وإلى كون الإنسان لا يؤدي الحقوق الأخرى التي تكون عليه لغيره.(167/7)
تراجم رجال إسناد حديث (كان كل عمله ديمة)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن جرير].
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
منصور بن المعتمر الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم].
إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علقمة].
علقمة وهو: ابن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين، وقد مر ذكرها، والرجال كلهم كوفيون إلا عائشة.(167/8)
ما جاء في قيام شهر رمضان(167/9)
شرح حديث (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه…)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تفريع أبواب شهر رمضان.
باب في قيام شهر رمضان.
حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن المتوكل قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال الحسن في حديثه: ومالك بن أنس عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنه)].
أورد أبو داود رحمه الله تفريع أبواب شهر رمضان، والمقصود من ذلك كما هو معلوم ذكر الأبواب المتعلقة بقيام شهر رمضان، وما يتعلق في ذلك من ليلة القدر، وأورد أبو داود ترجمة: باب قيام رمضان، أورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، يعني: أنه كان يرغبهم ولكنه لم يعزم عليهم، يعني: لم يوجبه عليهم، وإنما كان مرغباً لهم، يرغبهم فيه، وكان صلى الله عليه وسلم يخشى أن يفرض عليه، ولهذا صلى بهم بعض الليالي ثم ترك، وبين أنه ترك خشية أن يفترض عليهم.
ولكنه بعد ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهى زمن التشريع، وبقيت الشريعة مستقرة، فليس هناك وحي ينزل من السماء على أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى الوحي بوفاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد كملت الشريعة، واستقرت الأحكام، وقد علم أن صلاة الليل مرغب فيها، فرجع الناس إليها في عهد عمر؛ لأن المحذور قد زاد، وهو خشية الفرض، فرجعوا إلى إظهاره، وإلى الإتيان به جماعة، فجمع عمر الناس على ذلك بعد مضي صدر من خلافته، فهو مندوب ومستحب ومرغب فيه، وهو من الصلوات النوافل التي تشرع لها الجماعة، والإنسان يحرص على أن يصلي تلك الصلاة جماعة مع المسلمين في المساجد؛ لأنها صلاة تشرع لها الجماعة، ففعلها في المساجد أولى من فعلها في البيوت؛ لأنها تشرع لها الجماعة، فكان الحكم أن الندب موجود، والترغيب موجود، والذي يخشاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فقد، بكونه توفي عليه الصلاة والسلام ولم يفرض.
فإذاً: أعاد عمر رضي الله عنه الناس إلى ذلك الذي فعله بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صلى بهم ليالي، ولكنه تركه خشية أن يفرض، فرجع الناس إلى ما كانوا عليه في زمن النبوة.
إذاً: فالتراويح، أو صلاة الليل، أو قيام الليل جماعة في المساجد سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغب فيها، وفعلها بالناس عدة ليالي، وتركها خشية أن تفرض، وبعد ذلك أعيد الناس إلى ما كانوا فعلوه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].
(إيماناً) تصديقاً بما جاء عن الله وبأمر الله، وبوعد الله، (واحتساباً) أي: احتساب الأجر عند الله، يعني: فعل ذلك محتسباً مخلصاً في قصده، يرجو ثواب ربه على ذلك العمل الذي شرعه الله عز وجل، فجزاؤه على ذلك أن يغفر له ما تقدم من ذنبه، وهذا يكون بالنسبة للصغائر، وأما الكبائر فإن تطهيرها يحتاج إلى توبة منها، وندم عليها، وعزيمة على ألا يعود إليها، وأما الصغائر فإنها تكفر بالأعمال الصالحة التي منها قيام رمضان.
وجاء في بعض الروايات: (ما تأخر) لكن ما صح في ذلك شيء، لكن الذي جاء في الصحيح وفي غيره هو هذا الذي معنا: (ما تقدم).(167/10)
تراجم رجال إسناد حديث (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[ومحمد بن المتوكل].
ومحمد بن المتوكل، صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود.
[قالا حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر].
عبد الرزاق ومعمر قد مر ذكرهما.
[قال الحسن في حديثه: ومالك بن أنس].
قال الحسن في حديثه يعني: الشيخ الأول، ومالك بن أنس يعني: بالإضافة إلى معمر، وأما محمد بن المتوكل فهو يروي عن معمر وحده، ومعنى هذا أن أبا داود له شيخان أحدهما يروي في إسناده عنه عن شيخين، يعني: اتفقا على معمر وانفرد الحسن بـ مالك بن أنس، ومالك بن أنس مر ذكره.
[عن الزهري].
الزهري هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة عن أبي هريرة].
أبو سلمة مر ذكره، وأبو هريرة هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.(167/11)
رواية حديث (من قام رمضان) من طريق أخرى
[قال أبو داود: وكذا رواه عقيل ويونس وأبو أويس: (من قام رمضان)].
يعني: مثلما رواه في الإسناد المتقدم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً)، خاص بذكر القيام، يعني: هؤلاء الثلاثة رووه كما رواه الذين رووه في الإسناد المتقدم: (من قام رمضان) وليس معه ذكر الصيام.
[وروى عقيل: (من صام رمضان وقامه)].
يعني: جمع بين الصيام والقيام، معناه أن عقيلاً جاء عنه القيام وحده، وجاء أيضاً عن غيره، وعقيل جاء عنه أيضاً الجمع بين الصيام والقيام، يعني: (من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً).
قوله: [وكذا رواه عقيل].
عقيل هو: عقيل بن خالد بن عقيل المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ويونس].
يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأبو أويس].
أبو أويس هو: عبد الله بن عبد الله بن أويس، وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.(167/12)
شرح حديث (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد وابن أبي خلف المعنى قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى: وفيه: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتسباباً غفر له ما تقدم من ذنبه)،وليلة القدر هي ليلة من ليالي رمضان، وقد جاء ذلك في الصيام، وجاء ذلك في القيام، وجاء ذلك في ليلة القدر، وهو أن من فعل تلك الأشياء إيمانا ًواحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.(167/13)
تراجم رجال إسناد حديث (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)
قوله: [حدثنا مخلد بن خالد].
مخلد بن خالد، هو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[وابن أبي خلف].
ابن أبي خلف هو: محمد بن أحمد بن أبي خلف، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[قالا: حدثنا سفيان عن الزهري].
سفيان هو: ابن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والزهري مر ذكره.
[عن أبي سلمة عن أبي هريرة].
أبو سلمة وأبو هريرة قد مر ذكرهما.
[قال أبو داود: وكذا رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة].
يعني: لما تقدم من ذكر الصيام وليلة القدر، ويحيى بن أبي كثير هو اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ومحمد بن عمرو هو: ابن وقاص الليثي، صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.(167/14)
شرح حديث (أن النبي صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم، وذلك في رمضان)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في ليلة من ليالي رمضان يعني: في آخر الشهر في العشر الأواخر، فصلى وصلى أناس بصلاته، ثم في الليلة التي تليها علم بعض الناس فكثروا فصلى بهم، ولما جاء في الليلة الثالثة لم يخرج عليهم، وقد اكتظ المسجد؛ لأن الذين صلوا حضروا وأخبروا من لم يصل، فكثر الناس، فلم يخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك أخبرهم قال: إني علمت مكانكم، ولكني خشيت أن يفرض عليكم -يعني: قيام رمضان- فهذا يبين لنا السبب الذي من أجله لم يواصل بهم صلى الله عليه وسلم الصلاة؛ خشية أن يفرض عليهم، وهذا من رحمته بأمته وشفقته عليها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد وصفه الله بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة].
وقد مر ذكرهم جميعاً.(167/15)
شرح حديث (أيها الناس أما والله ما بت ليلتي هذه بحمد الله غافلاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد بن السري حدثنا عبدة عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان الناس يصلون في المسجد في رمضان أوزاعاً، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربت له حصيراً فصلى عليه، بهذه القصة قالت فيه: قال -تعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم-: أيها الناس! أما والله ما بت ليلتي هذه بحمد الله غافلاً، ولا خفي علي مكانكم)].
أورد أبو داود حديث عائشة من طريق أخرى، وهو أنه أمر عائشة بأن تضرب له حصيراً، فصلى وصلى الناس بصلاته، يعني: في الليلة الأولى، ثم الليلة الثانية، وفي الثالثة لم يخرج عليهم، ولما أصبح قال: (أما والله ما بت ليلتي هذه بحمد الله غافلاً، ولا خفي علي مكانكم) يعني: بل هو مستيقظ وعلى علم، ولكنه لم يفعل، لم يخرج عليهم ليصلي بهم كما صلى بهم في الليلتين الماضيتين؛ خشية أن يفترض عليهم قيام رمضان، فيكون في ذلك مشقة عليهم، فأراد أن يكون من قبيل المندوب، وألا يكون من قبيل الواجب عليهم، فحقق ما أراده صلى الله عليه وسلم، والشيء الذي خشيه لم يحصل؛ لأنه توفي عليه الصلاة والسلام ولم يفرض عليهم قيام رمضان، فبقي الندب على ما هو عليه.(167/16)
تراجم رجال إسناد حديث (أيها الناس أما والله ما بت ليلتي هذه بحمد الله غافلاً)
قوله: [حدثنا هناد بن السري].
هناد بن السري، ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عبدة].
عبدة بن سليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عمرو].
محمد بن عمرو هو: ابن وقاص الليثي الذي مر ذكره، عن محمد بن إبراهيم هو التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة عن عائشة].
أبو سلمة وعائشة قد مر ذكرهما.(167/17)
شرح حديث (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع أخبرنا داود بن أبي هند عن الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر، حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا، حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله! لو نفلتنا قيام هذه الليلة، قال: فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، قال: فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر).
].
أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل بهم في رمضان، صام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، ولم يصل بهم في الشهر لا في عشره الأول، ولا في العشر الأوسط، فلما جاءت العشر الأواخر، وبقي سبع من الشهر خرج وصلى بهم، ثم لم يخرج في الليلة التي بعدها.
قوله: [(فلما كانت السادسة لم يقم بنا)].
يعني: في الليلة السابعة قام بهم يعني: التي هي الأولى من السبع، ثم في الليلة السادسة وهي التي بعدها ليلة خمسة وعشرين ما قام بهم، ولما جاءت الليلة الخامسة قام بهم.
قوله: [(حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله! لو نفلتنا قيام هذه الليلة)].
يعني: لو صليت بنا بقية الليلة، يعني: نصلي نافلة كما صليناها، فيكون الليل كله صلاة، فقال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) فهذا يدلنا على أن الإنسان يؤدي الجماعة مع الإمام، ويصلي مع الناس حتى تنتهي الصلاة، ثم يكون بذلك حصل على قيام ليلة كاملة كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(فلما كانت الرابعة لم يقم)].
فلما كانت الرابعة التي بقيت.
قوله: [(فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا)].
فلما جاءت الليلة الثالثة ليلة سبع وعشرين أو ليلة ثمان وعشرين، وتكون ليلة سبع وعشرين إذا كان الشهر ناقصاً، أو ليلة ثمان وعشرين إذا كان الشهر كاملاً، فجمع أهله ونساءه والناس فصلى بهم حتى خشي أن يفوتهم الفلاح وهو السحور، يعني معناه: أنه وصل إلى وقت السحور، وخشوا أن يفوتهم السحور لمواصلة الصلاة.
[(ثم لم يقم بنا بقية الشهر)].
يعني: الليالي التي بقيت لم يصل بهم صلى الله عليه وسلم.
وهذه القصة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الليالي الثلاث الأخيرة غير القصة التي في حديث عائشة؛ لأن هناك صلى بهم ليلتين فاجتمعوا في الثالثة فلم يقم، بينما هنا صلى بهم ثلاث ليال، وهي آخر الشهر، والذي يبدو أنهما حادثة واحدة، ولكن التفصيل فيه فرق، يمكن هنا صلى ثلاث ليال في حديث أبي ذر، وحديث عائشة صلى ليلتين، فالذي يبدو أن القصة واحدة، ولكن أبو ذر ذكر ما ذكر، وعائشة ذكرت ما ذكرت.(167/18)
تراجم رجال إسناد حديث (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)
قوله: [قال: حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه أبو داود والبخاري والترمذي والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع].
يزيد بن زريع، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن داود بن أبي هند].
داود بن أبي هند، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن الوليد بن عبد الرحمن].
الوليد بن عبد الرحمن، ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن جبير بن نفير].
عن جبير بن نفير، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي ذر].
أبو ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(167/19)
حكمة تسمية السحور بالفلاح
مداخلة: لماذا يسمى السحور الفلاح؟
الجواب
هم يقولون: الفلاح: هو البقاء، والسحور يقال له: فلاح؛ لأنه يبقي الإنسان على قوته ونشاطه في حال الصيام، بخلاف ما إذا كان غير متسحر أو واصل بدون سحور، فإنه لا يحصل معه القيام بالصيام على سلامة، وعلى قوة ونشاط.(167/20)
شرح حديث (أن النبي كان إذا دخل العشر أحيا الليل، وشد المئزر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي وداود بن أمية أن سفيان أخبرهم عن أبي يعفور وقال داود بن أمية: عن ابن عبيد بن نسطاس عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحيا الليل، وشد المئزر، وأيقظ أهله)، قال أبو داود: وأبو يعفور اسمه عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس].
أورد أبو داود حديث عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد المئزر) أحيا ليله يعني: بالصلاة، وأيقظ أهله يعني: للصلاة، وقيل: إن المقصود بإيقاظ أهله يوصي من يوقظهم؛ لأنه يكون معتكفاً صلى الله عليه وسلم.
وشد المئزر قيل: إن المقصود بذلك هو الابتعاد عن النساء وغشيانهن، وقيل: إن المقصود بذلك إشارة إلى التشمير والجد في العمل والاجتهاد فيه، وذلك في العشر الأواخر.(167/21)
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان إذا دخل العشر أحيا الليل وشد المئزر)
[حدثنا نصر بن علي].
نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وداود بن أمية].
داود بن أمية، وهو ثقة، أخرج له أبو داود.
[أن سفيان أخبرهم].
سفيان وهو: ابن عيينة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي يعفور].
أبو يعفور وهو: عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب.
[عن أبي الضحى].
أبو الضحى مسلم بن صبيح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسروق].
مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة وقد مر ذكرها.(167/22)
شرح حديث (أصابوا ونعم ما أصابوا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني مسلم بن خالد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أناس يصلون في ناحية المسجد، فقال: ما هؤلاء؟ فقيل: هؤلاء ناس ليس معهم قرآن، وأبي بن كعب رضي الله عنه يصلي، وهم يصلون بصلاته، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أصابوا ونعم ما صنعوا!).
قال أبو داود: ليس هذا الحديث بالقوي، مسلم بن خالد ضعيف.
].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان فوجد أناساً يصلون خلف أبي بن كعب، فقال: ما هذا، فقيل: أناس ليس معهم قرآن: يصلون، فقال: (أصابوا ونعم ما صنعوا)، فهذا يدل على أن صلاة التراويح كانت موجودة في زمنه صلى الله عليه وسلم، لكن الحديث غير صحيح، بل الرسول عليه الصلاة والسلام صلى بهم وترك ذلك خشية أن يفرض عليهم، وأما كونهم يصلون والرسول صلى الله عليه وسلم أقرهم فلم يثبت ذلك، والحديث ضعفه أبو داود نفسه.(167/23)
تراجم رجال إسناد حديث (أصابوا ونعم ما صنعوا)
قوله: [حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني].
أحمد بن سعيد الهمداني، هو صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثنا عبد الله بن وهب].
عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني مسلم بن خالد].
مسلم بن خالد، وهو صدوق كثير الأوهام، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن العلاء بن عبد الرحمن].
العلاء بن عبد الرحمن، صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
أبوه: عبد الرحمن بن يعقوب، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة قد مر ذكره، والذي فيه هو مسلم بن خالد الذي هو كثير الأوهام.(167/24)
الأسئلة(167/25)
الجمع بين صلاة التراويح جماعة مع ورود الأحاديث في أفضلية صلاة المرء في بيته
السؤال
كيف يكون الجمع بين صلاة التراويح جماعة في المسجد أفضل مع الأحاديث الواردة في أفضلية صلاة النوافل في البيت؟
الجواب
الأشياء التي تشرع لها الجماعة هي أولى من الصلاة في البيت، وأما الأشياء التي لا تشرع لها الجماعة فالبيت أفضل.(167/26)
تحريم التصوير
السؤال
هل علة تحريم الصورة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي خشية أن يعبدها الناس، فإذا زالت الخشية فهل الصورة لا تزال محرمة؟
الجواب
التصوير محرم سواء خشي عبادته أم لم تخش، ولكنه إذا خشي عبادته أشد وأخطر، وإلا فالتصوير محرم سواء خشي أن يعبد أو لم يخش أن يعبد، كل ذلك محرم لا يجوز.(167/27)
معنى قول ابن القيم إن اللوم إذا ارتفع صح الاحتجاج بالقدر إلخ
السؤال
ما المراد من قول ابن القيم رحمه الله: إن اللوم إذا ارتفع صح الاحتجاج بالقدر، وإذا كان اللوم واقعاً فالاحتجاج بالقدر باطل؟
الجواب
لا أدري أيش معنى هذا الكلام! ولكن قصة موسى وآدم هي المعروفة التي ذكر فيها اللوم قال: أتلومني على أمر قد كتبه الله علي، وهو إنما احتج على المصيبة، ولم يحتج على الأصل الذي هو القدر، وإنما المصيبة التي حصلت للناس في إخراج أبيهم من الجنة، فالقدر يحتج به على المصائب، لا على المعائب، وأما العبارة هذه فلا أدري هل حقيقتها عند ابن القيم؟! ولكن ابن القيم شرح حديث احتجاج آدم وموسى في شفاء العليل، وأخرج له باباً خاصاً لعله الباب الرابع من أبواب هذا الكتاب الذي هو مشتمل على ثلاثين باباً كلها تتعلق بالقدر، وكان مما تكلم فيه وأفرده هذا الحديث.(167/28)
أنواع الكفر
السؤال
هل يكون الكفر بالاعتقاد فقط، أم يكون بالاعتقاد والقول والفعل أيضاً؟
الجواب
هو كما هو معلوم العمل والقول مع الاعتقاد لا شك أنه كفر، ولكن القول إذا كان ما قصده الإنسان، وإنما حصل منه سبق لسان، وكذلك العمل إذا حصل نسياناً أو سهواً من غير قصد، فلا يكون كفراً، ولكن حيث يوجد العمل ويوجد القول، ويكون معه الاعتقاد هذا هو الكفر، وإلا فإنه قد يوجد الفعل بدون اعتقاد، ويوجد القول بدون اعتقاد، بسبق اللسان، مثل ذاك الذي قال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح).
الجواب
والمرجئة يرون أن الاعتقاد إنما هو الاعتقاد بالقلب، والتصديق يكون بالقلب، والأعمال ليست داخلة في الإيمان، وكذلك القول، وإنما العبرة بالتصديق، وهؤلاء هم الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وعلى عكسهم الخوارج الذين قالوا: إن مرتكبي الكبيرة خرجوا من الإيمان، ودخلوا في الكفر، والمعتزلة الذين قالوا: خرجوا من الإيمان ولم يدخلوا في الكفر، وهم في منزلة بين منزلتين، مع اتفاقهم جميعاً على أن مرتكب الكبيرة خالد مخلد في النار، فهؤلاء أفرطوا وهؤلاء فرطوا، المرجئة فرطوا إذ جعلوا أي عمل من الأعمال، وأي معصية من المعاصي، فإنها لا تضر صاحبها، بل المؤمن بقلبه مؤمن كامل الإيمان، وهذا تفريط وإهمال وتضييع وتسيب، وعلى عكس ذلك التشدد والمجاوزة للحد، وهو القول بخلود مرتكبي الكبيرة في النار، أو القول بكفره، وأنه ليس من المسلمين، أو أنه خرج من الإسلام، فهذا هو الغلو والتشدد.
والتوسط لأهل السنة والجماعة، فيقولون عن مرتكب الكبيرة: إنه مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، حصل منه الإيمان، وحصلت منه المعصية، فهو ناقص الإيمان، مؤمن عنده أصل الإيمان ولم يفقد الإيمان، فهم لا يعطونه الإيمان الكامل كما تعطيه إياه المرجئة، ولا يسلبونه أصل الإيمان كما تسلبه إياه الخوارج والمعتزلة، بل هم يقولون: مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، لا يعطونه الإيمان الكامل كما تعطيه المرجئة، ولا يسلبونه الإيمان من أصله كما تسلبه الخوارج والمعتزلة.
ويقولون: يجتمع في الإيمان محبة وبغض وعداوة، فيجتمعان في الإنسان، فيكون المؤمن العاصي أو الفاسق يحب على ما عنده من الإيمان، ويبغض على ما عنده من الفسق والعصيان، ونظير ذلك البيت الذي يقول فيه الشاعر: الشيب كره وكره أن أفارقه فاعجب لشيء على البغضاء محبوب فالشيب إذا نظر فيه إلى الشباب ما صار مرغوباً، ولكن إذا نظر إلى ما بعده وهو الموت صار مرغوباً فيه، فيقول الشاعر: الشيب كره وكره أن أفارقه.
كره بالنسبة للشباب؛ لأن الشباب أحب وأنسب، ولكنه إذا نظر إلى الموت وراءه صار محبوباً.
قال: وكره أن أفارقه.
يعني: بالموت.
ثم قال: فاعجب لشيء على البغضاء محبوب مبغوض باعتبار، ومحبوب باعتبار.(167/29)
حكم موظف يعمل على بعد مائة وثلاثين كيلو من محل إقامته
السؤال
أنا موظف أعمل على بعد مائة وثلاثين كيلو من المدينة، فهل يجوز لي أن أقصر وأجمع الظهر مع العصر، مع العلم أني إذا وصلت المدينة فإن العصر يؤذن وأنا في المدينة؟
الجواب
أقول: ما دام أنك تصل المدينة قبل العصر فينبغي لك أن تقصر ولا تجمع، وإذا وصلت المدينة تصلي مع الناس.(167/30)
حكم وصل شعبان مع رمضان بالصيام
السؤال
بعض الناس يكثرون الصيام في شعبان، ويصلونه أحياناً مع رمضان، ولكن لا يصومون شعبان كاملاً، هل هذا الفعل صحيح؟
الجواب
لا، ليس بصحيح، ليس لهم أن يصوموا آخر شعبان، وإنما يصوموا من أوله ويتركوا من آخره، يعني: الإنسان الذي يصوم من أجل أن يحتاط لرمضان هذا لا يجوز، فإذا صام نصفه الأول وأضاف إليه من النصف الثاني لا بأس، وكونه يترك الصيام من الأول ثم يصوم إلى نهاية الشهر ليس للإنسان؛ لأن هذا لا يدخل تحت قوله: (إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه) الذي هو الإثنين والخميس، بحيث يوافق الثلاثين لا بأس، وأما كون الإنسان يعتاد أن يصوم آخر الشهر للاحتياط لرمضان فليس له ذلك.(167/31)
شرح سنن أبي داود [168]
جعل الله تعالى لعباده المؤمنين مواسم للخير ما يتنافسون فيها على رضوان الله سبحانه، ومن ذلك ليلة القدر، وقد جاءت الأحاديث مختلفة في تحديد ليلتها مما أدى إلى اختلاف العلماء في ذلك.(168/1)
ما جاء في ليلة القدر(168/2)
شرح حديث: (والله إنها لفي رمضان ليلة سبع وعشرين لا يستثني)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في ليلة القدر.
حدثنا سليمان بن حرب ومسدد المعنى قالا: حدثنا حماد بن زيد عن عاصم عن زر قال: قلت لـ أبي بن كعب رضي الله عنه: أخبرني عن ليلة القدر يا أبا المنذر! فإن صاحبنا سئل عنها فقال: من يقم الحول يصبها، فقال: رحم الله أبا عبد الرحمن، والله لقد علم أنها في رمضان -زاد مسدد: ولكن كره أن يتكلوا، أو أحب ألا يتكلوا، ثم اتفقا- والله إنها لفي رمضان ليلة سبع وعشرين لا يستثني، قلت: يا أبا المنذر! أنى علمت ذلك؟ قال: بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لـ زر: ما الآية؟ قال: تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست ليس لها شعاع حتى ترتفع].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في ليلة القدر].
بعد ما ذكر ما يتعلق بقيام رمضان ومنه ليلة القدر أخرجها في باب خاص لعظم شأنها، ولما ورد فيها من النصوص، وقد جاءت نصوص تتعلق بها، فأورد جملة من النصوص في هذا الباب.
وليلة القدر جاء عظم شأنها في القرآن الكريم، وأنزل الله فيها سورة تتلى في كتاب الله عز وجل فقال: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:1 - 5]، وهي ليلة مباركة التي قال الله عز وجل: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان:3].
أورد أبو داود حديث أبي بن كعب رضي الله عنه الذي فيه أنها في رمضان، وأنها ليلة (27) من الشهر، وبين رضي الله عنه العلامة التي أرشدهم إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أن الشمس في صبيحتها لا شعاع لها.
قوله: [عن زر أنه قال: قلت لـ أبي بن كعب: أخبرني عن ليلة القدر يا أبا المنذر، فإن صاحبنا سئل عنها فقال: من يقم الحول يصبها].
قال زر بن حبيش رحمة الله عليه لـ أبي بن كعب: يا أبا المنذر! أخبرني عن ليلة القدر، فإن صاحبنا -أي: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه- سئل عنها فقال: من يقم الحول يصبها.
يعني: من يكون مواصلاً على قيام الليل في جميع أيام السنة فإنه يوافقها ويصيبها؛ لأنها في السنة، فقال أبي رضي الله عنه: رحم الله أبا عبد الرحمن كره أن يعرفوها ويتكلوا عليها ويتركوا العمل في غيرها، فأراد أن يكون عملهم في طول السنة، وفي جميع الليالي؛ لأن العمل الدائم والمستمر فيه الخير الكثير، وفيه موافقة هذه الليلة المباركة.
لكن الأمر الذي لا شك فيه أنها في رمضان وفي العشر الأواخر منه، ولهذا أخبر أبي رضي الله عنه بعدما ترحم على أبي عبد الرحمن وبين أن السبب الذي جعله يقول هذا الكلام، هو: جعل الناس يجتهدون في العبادة طول العام، وفي جميع ليالي السنة، وكل يصلي لنفسه، ولذلك يوافق ليلة القدر، وقال: إن أبا عبد الرحمن يعلم أنها في رمضان.
[والله لقد علم أنها في رمضان، ولكن كره أن يتكلوا أو أحب ألا يتكلوا].
شك من الراوي.
يقول أبي: إن عبد الله بن مسعود يعلم أنها في رمضان، ولكن ما الذي دفعه إلى أن قال: من يقم السنة يدركها؟ هذا كلام صحيح، فهو لم يقل: إنها تكون في جميع أيام السنة ومنها رمضان ومنها العشر الأواخر، فمن تحصل منه المداومة على العمل في جميع الليالي فإنه لا بد وأن يدركها، يحصلها، يمر عليها.
(ولكن كره أن يتكلوا) معناه: أنهم ربما يتكاسلوا ولا يشتغلوا في جميع الليالي، وإذا جاءت تلك الليلة اجتهدوا فيها وتركوا ما سواها، ولعل هذا هو السر الذي من أجله لم يأت تحديدها بليلة معينة من العشر الأواخر، لكنها في جميع العشر الأواخر، والإنسان إذا اجتهد في العشر الأواخر فإنه يحصلها.
قوله: [والله إنها لفي رمضان ليلة سبع وعشرين لا يستثني].
يقول ذلك أبي ولا يستثني، يعني: لا يقول: إن شاء الله، والاستثناء هو قول: إن شاء الله في اليمين، يعني: أنه متحقق من أنها في ليلة سبع وعشرين.
قوله: [قلت: يا أبا المنذر! أنّى علمت ذلك؟ قال: بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لـ زر: ما الآية؟ قال: تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست ليس لها شعاع حتى ترتفع].
فسئل أبي رضي الله عنه عن الآية أو العلامة التي يستدل بها عليها، فقال: تكون الشمس في صبيحتها كالطست لا شعاع لها، معناه: أنه يمكن رؤيتها كلها ليس فيها الشعاع الذي ينبعث منها، وإنما تكون ظاهرة بارزة للناس، فلا يكون هناك الشعاع الذي يسترسل منها، ويمتد منها كالخيوط، وإنما تكون كالطست مستديرة ترى جميع أطرافها وأجزائها دون أن يكون هناك شعاع يمنع من رؤية هيئتها وشكلها.
ولعله عرف عن النبي صلى الله عليه وسلم العلامة وجربها، أو نظر في الليالي فوجدها كذلك، ولهذا فإن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين، ولا شك أنها أرجى الليالي وأقربها، ولكن لا يقطع بذلك؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم نصوص عديدة تدل على ليالي أخرى، وقد وقعت في زمنه صلى الله عليه وسلم في ليلة واحد وعشرين، ولهذا يظهر والله أعلم أنها ليست ثابتة مستقرة في ليلة في جميع السنين؛ لأنها حصلت فعلاً في ليلة واحد وعشرين في زمنه صلى الله عليه وسلم، وجاءت نصوص أخرى عنه: (التمسوها في السبع الأواخر) والسبع الأواخر ليست فيها ليلة واحد وعشرين، ومعنى هذا: أن ليلة القدر تكون في سبع وعشرين لكن لا يقطع بذلك ولا يجزم به.
ويمكن أن تكون في الأشفاع والأوتار؛ ففي بعض الأحاديث أنها تكون في التسع الباقية، إذا ذهبت ليلة واحد وعشرين جاءت ليلة اثنين وعشرين وهي شفع، فهي تكون في العشر الأواخر ولكنها تكون في الأوتار أرجى، وفي ليلة سبع وعشرين أرجى من غيرها.(168/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (والله إنها لفي رمضان ليلة سبع وعشرين لا يستثني)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومسدد].
مسدد ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[المعنى قالا: حدثنا حماد بن زيد].
هو حماد بن زيد بن درهم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم].
هو عاصم بن بهدلة ابن أبي النجود، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن زر].
هو زر بن حبيش ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بن كعب].
أبي بن كعب رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(168/4)
شرح حديث: (أو القابلة يريد ليلة ثلاث وعشرين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي حدثنا أبي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عباد بن إسحاق عن محمد بن مسلم الزهري عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس، عن أبيه رضي الله عنه قال: (كنت في مجلس بني سلمة وأنا أصغرهم، فقالوا: من يسأل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، وذلك صبيحة إحدى وعشرين من رمضان، فخرجت فوافيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب، ثم قمت بباب بيته فمر بي، فقال: ادخل، فدخلت، فأوتي بعشائه فرآني أكف عنه من قلته، فلما فرغ قال: ناولني نعلي، فقام وقمت معه، فقال: كأن لك حاجة، قلت: أجل، أرسلني إليك رهط من بني سلمة يسألونك عن ليلة القدر، فقال: كم الليلة؟ فقلت: اثنتان وعشرون، قال: هي الليلة، ثم رجع فقال: أو القابلة.
يريد ليلة ثلاث وعشرين)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه: أن بني سلمة اجتمعوا وهو معهم وهو أصغرهم، فقالوا: من يسأل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، فذهب إليه ووقف عند بابه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ادخل، فطلب العشاء وأوتي به، ورآه يكف عن الأكل لقلته -الذي هو للنبي صلى الله عليه وسلم- ثم قال له: ناولني نعلي، فناوله إياهما وخرج، قال: كأن لك حاجة، قال: نعم، أرسلني رهط من بني سلمة يسألون عن ليلة القدر، فقال: أي ليلة هذه؟ فقال: اثنتان وعشرون، وكان ذلك في يوم واحد وعشرين أو في المغرب ليلة اثنين وعشرين، فقال: هي هذه الليلة، ثم قال: أو التي بعدها.
يعني: ليلة ثلاث وعشرين، فهذا الحديث يدل على أن ليلة القدر تكون إما في ليلة اثنان وعشرون وإما في ثلاث وعشرون تتحرى في هذه الليالي.(168/5)
تراجم رجال إسناد حديث: (أو القابلة يريد ليلة ثلاث وعشرين)
قوله: [حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي].
أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي صدوق، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي].
وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا إبراهيم بن طهمان].
إبراهيم بن طهمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عباد بن إسحاق].
عباد بن إسحاق هو عبد الرحمن بن إسحاق يقال له: عباد وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
(عن محمد بن مسلم الزهري].
محمد بن مسلم الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس].
ضمرة بن عبد الله بن أنيس مقبول، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[عن عبد الله بن أنيس].
عبد الله بن أنيس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
يقول في الذخائر: نسبه إلى أبي داود فقط، ونسبه المنذري إلى للنسائي أيضاً، وجاءت زيادة عند المنذري يقول: قال أبو داود: هذا حديث غريب، ويروى عنه أنه قال: لم يرو الزهري عن ضمرة غير هذا الحديث.(168/6)
شرح حديث عبد الله بن أنيس: (انزل ليلة ثلاث وعشرين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير أخبرنا محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن إبراهيم عن ابن عبد الله بن أنيس الجهني عن أبيه رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! إن لي بادية أكون فيها وأنا أصلي فيها بحمد الله، فمرني بليلة أنزلها إلى هذا المسجد؟ فقال: انزل ليلة ثلاث وعشرين، فقلت لابنه: كيف كان أبوك يصنع؟ قال: كان يدخل المسجد إذا صلى العصر، فلا يخرج منه لحاجة حتى يصلي الصبح، فإذا صلى الصبح وجد دابته على باب المسجد فجلس عليها فلحق بباديته).
يمكن أن يكون المقصود بـ: (لحاجة) يعني: من الحاجات غير الضرورية، أما الحاجات الضرورية فلابد من الخروج لها، كأن يقضي حاجته، ولكن المقصود الحاجة التي يستغنى عنها أو يمكن تأخيرها، أو الصبر عنها.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه وفيه: أنه كان ببادية، وأنه كان يصلي بحمد لله، ويريد ليلة من ليالي رمضان أن ينزل يصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له: (انزل ليلة ثلاث وعشرين)، فلما كانت الليلة جاء فدخل بعد عصر اثنين وعشرين، ولم يخرج إلا صبيحة ثلاث وعشرين، وهذا فيه دلالة على أن هذه الليلة هي من الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر.(168/7)
تراجم رجال إسناد حديث (انزل ليلة ثلاث وعشرين)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير].
هو زهير بن معاوية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا محمد بن إسحاق].
هو محمد بن إسحاق المدني، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا محمد بن إبراهيم].
هو محمد بن إبراهيم التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عبد الله بن أنيس الجهني عن أبيه].
ابن عبد الله هو ضمرة الذي مر في الإسناد السابق، وقد مر ذكرهما.(168/8)
شرح حديث: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب أخبرنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، في تاسعة تبقى، وفي سابعة تبقى، وفي خامسة تبقى).
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، في تاسعة تبقى)، يعني: ليلة اثنين وعشرين تاسعة؛ لأنه إذا مضى واحد وعشرون بقي تسع، تصير اثنين وعشرين.
(في خامسة تبقى).
أي: ليلة خمس وعشرين، وهذا على احتمال التمام للشهر، يعني: على أن الشهر تام تكون ليلة اثنين وعشرين هي التاسعة، وعلى احتمال أن الشهر تسع وعشرون فليلة واحد وعشرين هي التاسعة.
(في سابعة تبقى).
ليلة واحد وعشرين وليلة اثنين وعشرين، وكذلك سابعة تبقى تكون ليلة ثلاث وعشرين، وأربع وعشرين.
(في خامسة تبقى).
على اعتبار أن الشهر كامل تكون ليلة خمسة وعشرين، وإذا كان ناقصاً تكون ليلة أربع وعشرين، معناها: تصير هذه الأيام متصلة، واحد وعشرون، اثنان وعشرون، ثلاث وعشرون، أربع وعشرون، خمس وعشرون، كلها محتملة على اعتبار التمام والكمال.(168/9)
تراجم رجال إسناد حديث: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا وهيب].
هو وهيب بن خالد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(168/10)
من قال ليلة إحدى وعشرين(168/11)
شرح حديث: (كان رسول الله يعتكف العشر الأوسط من رمضان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن قال: ليلة إحدى وعشرين.
حدثنا القعنبي عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعتكف العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عاماً حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه، قال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر، قال أبو سعيد: فمطرت السماء من تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فوكف المسجد، فقال أبو سعيد: فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين)].
أورد أبو داود من روى أنها ليلة إحدى وعشرين، يعني: أن ليلة القدر تكون في ليلة إحدى وعشرين، وأورد حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأوسط من رمضان يتحرى ليلة القدر، فلما جاءت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه قال: (من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، فإني رأيت هذه الليلة وأنسيتها، وقد رأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر) يعني: في العشر الأواخر هي أرجى من غيرها.
ثم قال أبو سعيد: حصل مطر في ليلة واحد وعشرين، وخد السقف وكان من الجريد، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، ولما انصرف وإذا على جبهته أثر الماء والطين، فتحققت رؤياه بأنه سيسجد في صبيحتها في ماء وطين في صبيحة تلك الليلة التي هي ليلة واحد وعشرين، وحصلت في تلك السنة فعلاً كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول قال: (التمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر) يعني: العشر الأواخر، وليلة واحد وعشرين هي من الأوتار.
وهذه الرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويلها مطابق للرؤيا؛ وأنه سوف يسجد في ماء وطين، وصار يسجد في ماء وطين في صبيحتها، والرؤيا تأتي في التعبير مطابقة للمرئي، وتأتي على صورة المثال، وعلى ضرب الأمثلة، وقد جاء في قصة صاحبي يوسف عليه الصلاة والسلام الذي في السجن أن أحدهما رأى أنه يعصر خمراً، والثاني: رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه، وكان تأويل ذلك أن أحدهما يعصر خمراً، يعني: التأويل مطابق للرؤيا، وأما الآخر فهو ليس مطابقاًَ بل هو من ضرب المثال، وأنه يقتل ويصلب، فتأكل الطير من رأسه، الحاصل أن ما جاء في حديث أبي سعيد شاهد لكون الرؤيا تأتي مطابقة للمرئي.(168/12)
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يعتكف العشر الأوسط من رمضان)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام الفقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن عبد الله بن الهاد].
يزيد بن عبد الله بن الهاد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
محمد بن إبراهيم التيمي مر ذكره، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري].
هو سعد بن مالك بن سنان الخدري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(168/13)
شرح حديث: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان والتمسوها في التاسعة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى أخبرنا سعيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، والتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة).
قال: قلت: يا أبا سعيد! إنكم أعلم بالعدد منا، قال: أجل، قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها التاسعة، وإذا مضى ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة، وإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة.
قال أبو داود: لا أدري أخفي علي منه شيء أم لا.
].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه: التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر، والتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة، فسأله عن المراد بالتاسعة والسابعة؟ فقال: (إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها هي التاسعة، هذا على اعتبار كمال الشهر، وإذا مضى ثلاث وعشرون فالتي تليها هي السابعة.
قوله: [(التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، والتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة قال: قلت: يا أبا سعيد! إنكم أعلم بالعدد منا، قال: أجل، قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها التاسعة، وإذا مضى ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة، وإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة)].
وهذا فيه بيان المراد بالتاسعة والسابعة والخامسة، وأن ذلك باعتبار كمال الشهر.
[قال أبو داود: لا أدري أخفي علي منه شيء أم لا].
ولكن المقصود منه: خفي شيء زائد عما ذكره، وهذه شبيهة بعبارة مرت قريباً لـ أبي داود الذي قال: خفي علي بعضه.(168/14)
تراجم رجال إسناد حديث: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان والتمسوها في التاسعة)
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى].
محمد بن المثنى هو أبو موسى العنزي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الأعلى].
عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سعيد عن أبي نضرة].
يحتمل أن يكون سعيد بن أبي عروبة وسعيد بن إياس الجريري، وكل منهما ثقة، وكل منهما أخرج له أصحاب الكتب الستة، وعبد الأعلى يروي عن الاثنين، وهما يرويان عن أبي نضرة.
وأبو نضرة هو المنذر بن مالك بن قطعة، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي سعيد].
أبو سعيد مر ذكره.
يقول: سعيد الذي يروي عن أبي نضرة هو الجريري وليس ابن أبي عروبة؛ لأن ابن أبي عروبة يروي عن أبي نضرة بواسطة قتادة وفي تهذيب الكمال ذكر الاثنين يرويان عن أبي نضرة.(168/15)
من روى أنها ليلة سبع عشرة(168/16)
شرح حديث: (اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من روى أنها ليلة سبع عشرة.
حدثنا حكيم بن سيف الرقي أخبرنا عبيد الله -يعني: ابن عمرو - عن زيد -يعني: ابن أبي أنيسة - عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، ثم سكت)].
أورد أبو داود من روى أنها ليلة سبع عشرة من رمضان، ومعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان كما مر في الحديث، وأنه لما جاءت ليلة واحد وعشرين قال: (من اعتكف فليعتكف العشر الأواخر، والتمسوها في العشر الأواخر، وفي كل وتر) فدل هذا على أن ليلة القدر في العشر الأواخر، وعلى هذا فالحديث الذي ورد مخالف للأحاديث الكثيرة الدالة على أنها في العشر الأواخر، ولا يصح أن يكون قبل أن يحصل له العلم أنها في العشر الأواخر، لكن الحديث متكلم فيه من حيث الثبوت، وذلك من أجل بعض الرواة فيه، ومنهم أبو إسحاق، ومنهم أيضاً شيخ أبي داود الذي تكلم فيه، فـ الحافظ قال عنه في التقريب: صدوق.(168/17)
تراجم رجال إسناد حديث: (اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان)
قوله: [حدثنا حكيم بن سيف الرقي].
حكيم بن سيف الرقي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي، تكلم فيه بعض العلماء بالتضعيف.
[أخبرنا عبيد الله يعني: ابن عمرو].
عبيد الله بن عمرو الرقي ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد يعني: ابن أبي أنيسة].
زيد بن أبي أنيسة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
أبو إسحاق وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، ولكنه يدلس، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ولعل التضعيف لهذه العلة.
[عن عبد الرحمن بن الأسود].
هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو الأسود بن يزيد بن قيس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن مسعود].
هو: عبد الله بن مسعود الهذلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(168/18)
من روى بالسبع الأواخر(168/19)
شرح حديث: (تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من روى بالسبع الأواخر.
حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر)].
أورد أبو داود رحمه الله باباً في من روى أن ليلة القدر في السبع الأواخر، وأورد حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر) من رمضان، يعني: في ثلاث وعشرين فما فوقها.
(تحروا) معناه: اجتهدوا في العبادة طالبين ليلة القدر، وذلك في السبع الأواخر، ومعناه: أنهم يتعبدون ويقومون الليالي يتحرونها ويرجونها ليصادفوها ويوافقوها، ويكون ذلك في السبع الأواخر.
وهل يلزم أن يعرف الشخص هذه الليلة حتى يحصل ويدرك هذا الأجر؟ الذي يبدو أنه لا يلزم، لكن من أتى بالعشر الأواخر فإنه يحصلها وإن لم يعرفها، إذا اجتهد فيها كلها يرجى له خير، وإن اجتهد في بعضها وترك بعضها يمكن أن تكون في المتروك.(168/20)
تراجم رجال إسناد حديث: (تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن دينار].
القعنبي ومالك مر ذكرهما، وعبد الله بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
ابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود لأنه سند رباعي.(168/21)
من قال سبع وعشرين(168/22)
شرح حديث: (ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال سبع وعشرين.
حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي أخبرنا شعبة عن قتادة أنه سمع مطرفاً عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر قال: (ليلة القدر ليلة سبع وعشرين).
].
أورد أبو داود باب من قال: سبع وعشرين.
أورد حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) وهذا يدل على أن هذه الليلة هي أرجى الليالي، وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه كان يحلف على أنها ليلة سبع وعشرين.
قوله: [حدثنا: عبيد الله بن معاذ].
عبيد الله بن معاذ ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي].
هو معاذ بن معاذ العنبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مطرف].
هو مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معاوية بن أبي سفيان].
معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(168/23)
من قال هي في كل رمضان(168/24)
شرح حديث: (هي في كل رمضان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: هي في كل رمضان.
حدثنا حميد بن زنجويه النسائي أخبرنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير أخبرنا موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر فقال: هي في كل رمضان).
قال أبو داود: رواه سفيان وشعبة عن أبي إسحاق موقوفاً على ابن عمر لم يرفعاه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم].
أورد أبو داود هذه الترجمة فقال: [هي في كل رمضان]، يعني: في جميع لياليه، من أول ليلة إلى آخر ليلة، وأورد حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً وموقوفاً، أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عنها قال: (هي في كل رمضان)، وأنها تطلب في أي ليلة من ليالي رمضان، لكن الأحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالتماسها وتحريها في العشر الأواخر، وكان اعتكف العشر الأوسط، ثم اعتكف العشر الأواخر يتحراها، وقال: (التمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر) فدل ذلك على أنها في العشر الأواخر، وليست في العشر الأول، ولا في العشر الأوسط.
وقد جاء الحديث عن ابن عمر موقوفاً ومرفوعاً، والشيخ الألباني صحح الحديث على أنه موقوف على ابن عمر رضي الله تعالى عنه، وعلى هذا فإن الأحاديث التي جاءت أنها في العشر الأواخر سواء محددة ليلة من الليالي أو تدل على الالتماس في جميع الليالي، كل ذلك يدل على انحصارها في العشر الأواخر، وأنها لا تكون في العشر الأوسط ولا في العشر الأول.
ولو صح الحديث مرفوعاً فيحمل على أنه قبل أن يُعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر.
ولا يستقيم أن يحمل الحديث على أن ليلة القدر كانت في سنة فيها شهر رمضان أو أنها كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم زالت بموته صلى الله عليه وسلم؛ لأن المقصود أنهم يسألون عن ليلة القدر، وأنها تطلب في كل رمضان، فمعناه في كل الشهر، وليس معناه: أن مقصود ذلك في الرمضانات القادمة، وأنها محددة في زمنه وتنتهي.
والمقصود ظاهر من الحديث فمعناه: التمسوها من العشر في كل رمضان، وليس المقصود التمسوها في كامل رمضان والمراد كونهم يبحثون عنها ليتعبدوا الله تعالى فيها، هذا هو السؤال، وليس المقصود أنهم يشكون أنها انتهت، وأنها لا توجد بعد حياته صلى الله عليه وسلم.
الحافظ ابن حجر أورد أربعين قولاً في فتح الباري في تحديد ليلة القدر.
والعجيب هو ممن أخرج ليلة القدر عن رمضان، وقال: إنها ليلة أخرى في غير شهر رمضان.(168/25)
تراجم رجال إسناد حديث (هي في كل رمضان)
قوله: [حدثنا حميد بن زنجويه النسائي].
حميد بن زنجويه النسائي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا سعيد بن أبي مريم].
سعيد بن أبي مريم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير].
محمد بن جعفر بن أبي كثير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا موسى بن عقبة].
موسى بن عقبة المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
أبو إسحاق هو السبيعي مر ذكره.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر].
عبد الله بن عمر مر ذكره.
[قال أبو داود: رواه سفيان وشعبة عن أبي إسحاق موقوفاً على ابن عمر].
يعني: من قوله، وسفيان هو الثوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وشعبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكل منهما وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث.(168/26)
الأسئلة(168/27)
حكم من اعتكف أقل من عشرة أيام
السؤال
هل يلزم الاعتكاف عشرة أيام كاملة، أم يجوز أن يعتكف يوماً أو يومين؟
الجواب
يمكن للإنسان أن يعتكف يوماً أو يومين، لكن الأفضل والأكمل أن يعتكف العشر الأواخر كلها.(168/28)
حكم من اعتكف خمسة أيام في مكة والباقية في المدينة
السؤال
سأعتكف خمسة أيام في مكة وخمسة أيام في المدينة، هل يجوز؟
الجواب
لا نعلم شيئاً يمنع من ذلك، وكونه يعتكف خمسة أيام ثم ينتقل ويعتكف لا بأس؛ لأن كل واحد منهما هو على سبيل الاستقلال، فكونه يجمع بينهما لا بأس.(168/29)
كيفية الجمع بين الروايات الواردة في ليلة القدر
السؤال
كيف نجمع بين هذه الروايات الواردة في تحديد ليلة القدر؟
الجواب
نجمع بينها بأن الإنسان يصلي العشر الأواخر كلها، ويجتهد فيها، وبذلك يحصلها إن شاء الله.
والأحاديث كلها وردت، والنتيجة أنها تدل على أنها أخفيت، وأن الناس يجتهدون في تلك الليالي من أجل أن يحصلوها، لا أن يأتوا إلى ليلة معينة ويهملوا ما سواها، والأحاديث قالها الرسول صلى الله عليه وسلم في مناسبات وأحوال مختلفة، فما كان صحيحاً يدل على مقتضاه، ولكن كونها أخفيت في العشر، وأن الإنسان يحرص على أن يأتي بالعبادة في العشر حتى يدرك هذه الليلة، هذا هو الذي ينبغي أن يسير عليه الإنسان، ولو حصلت ليلة معينة لاتكل الناس عليها، واجتهدوا فيها، وأهملوا ما سواها.
كما أنها قلنا إنها متنقلة، يعني: كونها ليلة واحد وعشرين حصل، والرسول جاء عنه أن أرجاها ليلة سبع وعشرين، وجاء عنه: (التمسوها في السبع الأواخر في التاسعة والخامسة والسابعة) كل هذا خارج عن الواحد والعشرين، والمؤكد أنها حصلت في ليلة واحد وعشرين في زمنه صلى الله عليه وسلم في سنة من السنوات كما جاء في حديث أبي سعيد، فالتنقل هو الأظهر فيها.(168/30)
حكم الاستدلال بعدد آيات سورة القدر على أنها ليلة سبع وعشرين
السؤال
من اللطائف أن ليلة القدر تكررت ثلاث مرات في سورة القدر، ومجموع حروفها تسعة، فثلاثة في تسعة يساوي سبعة وعشرين، وكذلك أن عدد كلماتها ثلاثون، وكلمة (هي) من قوله: (سلام هي) توافق العدد السابع والعشرين من كلمات السورة، فما رأيكم في هذا؟
الجواب
ذكروا هذا الكلام، لكن هذا عندما تكون ليلة سبع وعشرين يرجحونها، وأنها أرجى الليالي، لكن هذه لا تدل على شيء.(168/31)
أفضلية العمرة ليلة سبع وعشرين
السؤال
هل العمرة في ليلة سبع وعشرين أفضل من غيرها؟
الجواب
لا توجد أفضلية إلا من ناحية أنها أرجى أن تكون ليلة القدر.(168/32)
أعظم عبادة تعمل ليلة القدر
السؤال
ما هي أعظم عبادة أعملها في ليلة القدر؟
الجواب
لا يوجد إلا كون الإنسان يصلي ويقرأ القرآن، ويذكر الله عز وجل، وهذه العبادات التي تحيا بها الليالي، قراءة القرآن، والصلاة، وذكر الله سبحانه وتعالى.(168/33)
حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة
السؤال
هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؟
الجواب
نعم يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة، والحديث الذي ورد في هذا لا يدل على النفي في غيرها، ولكن هذا يدل على أفضليته فيها، وأنه لا اعتكاف كاملاً، فهو من قبيل الحصر الإضافي، وليس حصراً حقيقياً، مثل: (إنما الربا في النسيئة) ومع وجود ربا الفضل وهو غير النسيئة، والمقصود بذلك الربا الأشد والأخطر.
فإذاً: هذا حصر إضافي، وليس حصراً حقيقياً، بمعنى: أنه لا يتعداها، ولكن هذا يرجع إلى الفضل والأفضلية والتميز، والله تعالى ذكر: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187].(168/34)
حكم العمل في تسليك أسلاك الدشوش
السؤال
أقوم بتجهيز مشغل الكهرباء، ويطلب بعض الناس تسليك أسلاك الدش في جميع الغرف، وأنا أرفض ذلك؛ لأنه حرام، فما تقولون؟
الجواب
يجب عليه ألا يعمل هذا التسليك؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان.(168/35)
حكم من نذر ألا يعمل معصية ثم عملها
السؤال
نذرت نذراً على ألا آتي معصية وحددتها بعينها، محاولاً مجاهدة نفسي عن الهوى، فما حكم فعلي هذا إذا وقعت مني هذه المعصية؟
الجواب
الإنسان يجب عليه أن يبتعد عن المعاصي، وإذا نذر ألا يفعل فيكون ذلك أيضاً أشد وألزم؛ لأنه ألزم نفسه وعاهد الله عز وجل ونذر لله أنه لا يفعل ذلك الشيء، وإذا وقعت منه المعصية، وحصل منه عدم التنفيذ فعليه أن يجاهد نفسه، وأن يصدق في قصده ونيته، ولكن عليه أن يكفر كفارة يمين؛ لأن النذر كفارته كفارة يمين إذا لم ينفذه، أو حصل منه المخالفة للشيء الذي نذره.(168/36)
حكم لبس الحزام أثناء الإحرام
السؤال
ما حكم لبس الحزام أثناء الإحرام مع أن فيه مخيطاً؟
الجواب
لا بأس بذلك ولو كان مخيطاً؛ لأن المخيط الممنوع هو الذي يكون على هيئة الإنسان، مثل القميص والسراويل وغير ذلك، وأما كونه يستعمل الحزام ولو كان مخيطاً أو نعالاً فيها خياطة، كل ذلك لا بأس به.(168/37)
حكم الدعوة السرية فيما يتعلق بالقضايا السياسية
السؤال
هل يصح قول من يقول بجواز الدعوة السرية فيما يتعلق بالقضايا السياسية لضعف المسلمين، واحتج بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم السرية في أول بعثته؟
الجواب
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو إلى التوحيد، وقد أرسل بهذه الرسالة وهو يؤديها، وأما من يقوم بدعوة سرية لسياسة لحصول ضرر أو ما إلى ذلك فهذا لا يجوز لا سراً ولا جهراً.(168/38)
حكم صلاة الوتر بعد المغرب أو بعد أذان الفجر
السؤال
هل يجوز للرجل أن يصلي الوتر بعد صلاة المغرب أو بعد أذان الفجر؟
الجواب
الوتر يكون من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.
هذا محل الوتر، ومن فاته أمكنه أن يقضيه في الضحى، ويضيف إليه ركعة؛ لئلا يكون وتراً في النهار.(168/39)
ألفاظ التوثيق والتجريح متفاوتة
السؤال
هل هناك فرق بين الصيغ التالية: صدوق، صدوق يهم، صدوق له أوهام، صدوق يخطئ، صدوق كثير الخطأ، صدوق ربما أخطأ؟
الجواب
نعم فهي متفاوته: صدوق.
ليس معها شيء هذه أعلاها، ثم صدوق يضاف إليها: يهم، أو له أوهام، أو يخطئ، أو كثير الأخطاء، فكلمة: صدوق إذا جاءت ليس مضافاً إليها شيء هي أعلى من غيرها، وأما إذا أضيف إليها شيء فيتفاوت، (ربما وهم) هذا يدل على الوهم النادر، أو (صدوق يهم)، أسوأ من صدوق ربما وهم، و (صدوق كثير الخطأ) هذه عبارة شديدة، أي: أن خطأه كثير، وهذه أنزل من غيرها من الصيغ التي ذكرت.(168/40)
حكم تقديم صلاة الجمعة عن وقت صلاة الظهر
السؤال
هل يجوز تقديم صلاة الجمعة عن وقت صلاة الظهر؟
الجواب
نعم يجوز، صلاة الجمعة يمكن أن يؤتى بها قبل الزوال، وصلاة الظهر لا يؤتى بها إلا بعد الزوال، والأولى ألا يؤتى بالجمعة إلا بعد الزوال.(168/41)
حكم من صدم طفلاً خطأً ولم يستطع الصيام لكبر سنه
السؤال
رجل صدم طفلاً خطأ ودفع ديته، ولم يستطع الصيام لكبر سنه، فماذا يلزم عليه الآن، هل عليه الإطعام؟
الجواب
الإطعام لا يأتي في قضية القتل؛ لأن الله ما ذكر إلا العتق، ومن لم يستطع صام شهرين متتابعين، ولم يذكر الإطعام، فالأمر دائر بين العتق والإطعام، العتق أولا ً إذا قدر عليه، وإذا لم يستطع فإنه ينتقل إلى صيام الشهرين المتتابعين، وإذا كان استطاع بماله أن يبحث ويجد من يكون رقيقاً ويشتريه ويعتقه حصل بذلك المطلوب، وإذا لم يستطع فالواجب دين في ذمته، فأقول: إذا كان يصوم رمضان يصوم شهرين متتابعين، فمن يستطيع أن يصوم شهر رمضان يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين، وإذا مات وعليه صوم الكفارة يمكن لغيره أن يصوم عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه).(168/42)
أفضلية الاعتكاف في مكة على المدينة
السؤال
أيهما أفضل الاعتكاف في مكة أو في المدينة؟
الجواب
لا شك أن المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوي، والاعتكاف هناك لا شك أنه أفضل من الاعتكاف هنا؛ لأن الصلاة هناك بمائة ألف صلاة، والصلاة هنا بألف صلاة.(168/43)
حكم زكاة الحلي
السؤال
الحلي التي تلبسه المرأة هل فيه زكاة؟
الجواب
فيه خلاف بين أهل العلم، والأظهر أن فيه زكاة؛ لعموم الأدلة الدالة على زكاة الذهب والفضة؛ ولأنه وردت أدلة خاصة تدل على الزكاة فيها، وهو حديث المسكتين التي قال: (تؤدين زكاة هذا؟) فورد ذكر الزكاة عنه في النصوص العامة وكذلك الأحاديث الخاصة، فأقرب الأقوال وأولاها هو القول بوجوب الزكاة في حلي النساء.(168/44)
حكم من أقسم على إتيان طاعة معينة ثم تركها
السؤال
شخص كان إيمانه مرتفعاً في يوم من الأيام، فأقسم على أن يواظب على طاعة معينة ولا يتركها، ثم ضعف إيمانه، وترك تلك الطاعة نهائياً فماذا عليه؟
الجواب
الواجب على الإنسان أن يكون صادقاً في قوله، ومحسناً في قصده، وإذا ألزم نفسه بشيء هو لازم له في الشرع، فذلك تأكيد وزيادة في اللزوم، وإذا أقسم ولم يحصل أنه وفّى بيمينه فعليه أن يكفر عن اليمين التي ما وفى بها وحنث فيها.(168/45)
الاعتكاف
السؤال
هل يجوز للشخص أن ينوي اعتكاف الليالي فقط أو النهار فقط، أو يجب عليه أن يعتكف يوماً بليلته؟
الجواب
الأظهر هو أن يعتكف يوماً بليلته؛ لأن هذا هو الذي جاء في حديث عمر، نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له صلى الله عليه وسلم: (أوف بنذرك) وجاء في بعض الروايات: (يوم)، وجمع بينها بأنها يوم وليلة، وحيث ذكر اليوم معناه: ومعه ليلته.(168/46)
شرح سنن أبي داود [169]
أنزل الله تعالى القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وتعبدنا بتلاوته، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى قراءته في وقت أكثره شهر وأقله ثلاثة أيام، وذكر أنه لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث، ولقراءة القرآن فضل عظيم بينته أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.(169/1)
في كم يقرأ القرآن(169/2)
شرح حديث عبد الله بن عمرو (اقرأ القرآن في شهر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله.
باب في كم يقرأ القرآن.
حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل قالا: أخبرنا أبان عن يحيى عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (اقرأ القرآن في شهر، قال: إني أجد قوة، قال: اقرأ في عشرين، قال: إني أجد قوة، قال: اقرأ في خمس عشرة، قال: إني أجد قوة، قال: اقرأ في عشر، قال: إني أجد قوة، قال: اقرأ في سبع ولا تزيدن على ذلك)، قال أبو داود: وحديث مسلم أتم].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله.
(قراءة القرآن) أي: ما يقرأ منه، ومتى يختم، وفي كم يوم يختمه الإنسان، هذا فيما يتعلق بقراءة القرآن.
(وتحزيبه): أي: من يقرأ القرآن يقسمه إلى أحزاب، بحيث يكون له في كل يوم حزب ومقدار معين يحرص على قراءته.
وترتيله أن يقرأه مرتلاً، لا هذاً وبسرعة شديدة، وإنما بترتيل، كما قال الله عز وجل: {وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4] دون أن يكون مسرعاً سرعة يحصل بها إخلال، أو يحصل بها نقص في القراءة.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (اقرأ القرآن في كل شهر -أي: في كل يوم جزءاً- فقال: إني أجد قوة، قال: اقرأه في عشرين، قال: إني أجد قوة، قال: اقرأه في خمس عشرة، قال: إني أجد قوة، قال: اقرأه في عشر، قال: إني أجد قوة، قال: اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك)، أي: ولا تزد على ذلك من ناحية النقص في الأيام، لا من حيث الزيادة في الأيام، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرشده أولاً أن يقرأه في شهر، ثم كل مرة يقول: أجد قوة، حتى وصل إلى سبع، والمعنى: أنه لا يقرؤه في أقل من سبعة أيام.
لكن جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أنه يقرؤه في ثلاثة أيام، وهذا أقل مقدار جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأيام التي يقرأ فيها القرآن أنها ثلاث، بحيث يقرأ في كل يوم عشرة أجزاء ويختمه في ثلاث، لكن كونه يختمه في سبعة أيام، أي: في كل أسبوع مرة، هذا فيه تسهيل عليه، بخلاف ما لو كان في ثلاث فقد يكون فيه مشقة.
وقد جاء عن الصحابة أنهم كانوا يحزبون القرآن على سبعة أحزاب كل حزب في يوم، ويختمون القرآن في سبعة أيام، وسيأتي الحديث في ذلك، والحاصل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما إلى أن يقرأ القرآن في سبع، بحيث يختم القرآن في كل أسبوع، وهذا خير كثير إذا حصلت المداومة والاستمرار على ذلك، بحيث يقرأ في كل يوم أربعة أجزاء وشيئاً.
وقوله: [(اقرأ القرآن في شهر)].
هذا هو الحد الذي لا ينبغي للإنسان أن يفوته أو يحصل منه التهاون والتساهل في أن يقرأه في أكثر من ذلك، نسأل الله عز وجل أن يعيننا على كل خير؛ فعلى الإنسان ألا يجعل ختم القرآن في رمضان فقط، وإنما يختمه في رمضان وغير رمضان، ولكن في رمضان يكون أكثر، أما أن يقصر ذلك على رمضان ولا يقرأ القرآن إلا في رمضان، فلا شك أن هذا عمل غير جيد، فقد جاء عن بشر الحافي أنه قيل له: إن أناساً يجتهدون في رمضان، فإذا خرج رمضان تركوا، فقال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان.(169/3)
تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو (اقرأ القرآن في شهر)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وموسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قالا: أخبرنا أبان].
هو أبان بن يزيد العطار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن يحيى].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إبراهيم].
هو محمد بن إبراهيم التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمرو].
هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهو من عبّاد الصحابة، ولهذا كثير من الأحاديث التي جاءت في قراءة القرآن وكذلك في صيام التطوع هي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما.
[قال أبو داود: وحديث مسلم أتم].
وهو شيخه الأول؛ لأنه ذكر شيخين: موسى بن إسماعيل التبوذكي، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثم قال: وحديث مسلم أتم.(169/4)
شرح حديث عبد الله بن عمرو (قال لي رسول الله: صم من كل شهر ثلاثة أيام واقرأ القرآن في شهر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب أخبرنا حماد عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: صم من كل شهر ثلاثة أيام، واقرأ القرآن في شهر، فناقصني وناقصته، فقال لي: صم يوماً وأفطر يوماً)، قال عطاء: واختلفنا عن أبي، فقال بعضنا: سبعة أيام، وقال بعضنا: خمساً.
].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صم من كل شهر ثلاثة أيام، واقرأ القرآن في شهر قال: فناقصني وناقصته)، يعني: أنه أخبره بأنه يجد قوة، ويريد منه أن ينقص في هذا المقدار من الزمان، فكان ينقص شيئاً فشيئاً، حتى قال: (فناقصني وناقصته فقال: صم يوماً وأفطر يوماً) كان يطلب الزيادة على ذلك حتى وصل إلى أن يصوم يوماً ويفطر يوماً بحيث يصوم خمسة عشر يوماً من الشهر، ويفطر خمسة عشر يوماً من الشهر، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد منه أن يبقى على الحد الأقل وهو يطلب منه الزيادة على ذلك.
قوله: [قال عطاء: واختلفنا عن أبي فقال بعضنا: سبعة أيام، وقال بعضنا: خمساً].
يعني: غيره خالفه في الرواية عن أبيه، فقال بعضهم: خمساً، وقال بعضهم: سبعاً، أي: أن يختم القرآن في سبع؛ لأنه قال له: في شهر، ثم نزل إما إلى سبع وإما إلى خمس، ولكن الذي جاء في الرواية السابقة وفي غيرها من الروايات أنه يقرؤه في سبع، ولا يزيد على ذلك، ومعناه: أنه يختم القرآن في أسبوع، لكن كما قلت: جاء أيضاً ما يدل على أنه يختمه في ثلاثة أيام، وهي أقل من الخمس والسبع.(169/5)
تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو (قال لي رسول الله: صم من كل شهر ثلاثة أيام واقرأ القرآن في شهر)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا حماد].
هو حماد بن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن السائب].
عطاء بن السائب صدوق اختلط، وحماد بن زيد ممن روى عنه قبل الاختلاط، فاختلاطه لا يؤثر، وأخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
أبوه هو السائب بن مالك، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عمرو].
هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا.(169/6)
شرح حديث عبد الله بن عمرو (يا رسول الله! في كم أقرأ القرآن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الصمد أخبرنا همام أخبرنا قتادة عن يزيد بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (يا رسول الله! في كم أقرأ القرآن؟ قال: في شهر، قال: إني أقوى من ذلك، ردد الكلام محمد بن المثنى العنزي، وتناقصه حتى قال: اقرأه في سبع، قال: إني أقوى من ذلك، قال: لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو الذي فيه أنه سأله في كم يوم يقرأ القرآن؟ فقال: في شهر، فناقصه، يعني: طلب منه أن يحدد له شيئاً أقل من هذا، حتى وصل إلى سبعة أيام قال: (اقرأه في سبع، قال: إني أقوى من ذلك، قال: لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث).
وهذا يدل على أنه يقرأ في ثلاث، ولكن السبع أولى؛ لأن فيها رفقاً بالنفس، وفيها أيضاً إمكان المحافظة على ذلك؛ لأنه عندما يوزع على أيام الأسبوع ويكون لكل يوم نصيب، فيختمه في أسبوع، من الجمعة إلى الجمعة، ومن الخميس إلى الخميس، يكون في ذلك سهولة ويسر، واعتدال وتوسط، وعدم مشقة، ولكنه يمكن أن يقرأه في ثلاث، ولكن لا ينقص عن ثلاث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث)، أي: أن ذلك يؤدي إلى السرعة التي لا يتأمل معها الإنسان ولا يتدبر ولا يتفكر في معاني آيات الله عز وجل.(169/7)
تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو (يا رسول الله! في كم أقرأ القرآن)
قوله: [حدثنا ابن المثنى].
هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الصمد].
هو عبد الصمد بن عبد الوارث، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا همام].
هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن عبد الله].
هو يزيد بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمرو].
هو عبد الله بن عمرو بن العاص وقد مر ذكره.
قوله: [ردد الكلام محمد بن المثنى العنزي].
هو محمد بن المثنى فهو مشهور بكنيته، ولهذا في تهذيب التهذيب في تلاميذ الشيوخ بدلاً ما يقول في كثير من الأحيان: محمد بن المثنى يقول: أبو موسى، وهذا معناه: أنه مشهور بكنيته.(169/8)
شرح حديث عبد الله بن عمرو (اقرأ القرآن في شهر قال إن بي قوة، قال اقرأه في ثلاث)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان خال عيسى بن شاذان أخبرنا أبو داود أخبرنا الحريش بن سليم عن طلحة بن مصرف عن خيثمة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ القرآن في شهر، قال: إن بي قوة، قال: اقرأه في ثلاث).
قال أبو علي: سمعت أبا داود يقول: سمعت أحمد -يعني ابن حنبل - يقول: عيسى بن شاذان كيس].
أورد حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وفيه اختصار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (اقرأ القرآن في شهر)، ثم ذكر في الآخر أنه يقرؤه في ثلاث، وهذا مطابق لما تقدم: (لا يفقه القرآن من يقرؤه في أقل من ثلاث) فهذا هو الحد الأدنى، ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم في إخباره لـ عبد الله بن عمرو بن العاص بعد سؤاله ومراجعته أنه أنقصه عن ثلاث، بل قال: (لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث).
والحديث فيه اختصار، فليس فيه أنزله من ثلاثين إلى ثلاث، وإنما فيه تدرج، ولكن هذا أقل شيء.(169/9)
تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو (اقرأ القرآن في شهر، قال إن بي قوة، قال اقرأه في ثلاث)
قوله: [حدثنا محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان خال عيسى بن شاذان].
محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان مقبول، أخرج حديثه أبو داود.
[أخبرنا أبو داود].
هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري معلقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا الحريش بن سليم].
الحريش بن سليم مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن طلحة بن مصرف].
طلحة بن مصرف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خيثمة].
هو خيثمة بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمرو].
عبد الله بن عمرو قد مر ذكره.
والحديث ألفاظه موجودة في الأحاديث التي مرت، فكونه فيه مقبولان لا يؤثر.
[قال أبو علي: سمعت أبا داود يقول: سمعت أحمد -يعني ابن حنبل - يقول: عيسى بن شاذان كيس].
أبو علي هو اللؤلؤي الذي يروي عن أبي داود، قال: سمعت أبا داود يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول عن عيسى بن شاذان: إنه كيس، وعيسى بن شاذان ليس من رجال الإسناد، وإنما جاء عرضاً هكذا، فهو ابن أخت محمد بن حفص شيخ أبي داود، فهو ليس من رجال الإسناد، وقول أحمد بن حنبل فيه: إنه كيس، هو توثيق بلا شك.(169/10)
تحزيب القرآن(169/11)
شرح حديث (قرأت جزءاً من القرآن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تحزيب القرآن.
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس أخبرنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أيوب عن ابن الهاد قال: سألني نافع بن جبير بن مطعم فقال لي: (في كم تقرأ القرآن؟ فقلت: ما أحزبه، فقال لي نافع: لا تقل: ما أحزبه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قرأت جزءاً من القرآن، قال: حسبت أنه ذكره عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه)].
أورد أبو داود هذه الترجمة باب تحزيب القرآن، أي: جعله على أحزاب وأقسام يقرأ الإنسان في كل يوم حزباً، وكما أشرت أنه روي عن الصحابة أنهم كانوا يحزبون القرآن سبعة أحزاب، بحيث يختمونه في كل أسبوع، فيجعلون البقرة والنساء وآل عمران حزباً، كما سيأتي في أثر عن أوس بن حذيفة قال: سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن؟ فقالوا: ثلاثاً، وخمساً، وسبعاً، وتسعاً، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده، وأوله (ق)، على اعتبار أن سورة الفاتحة غير محسوبة، وإذا حسبت سورة الفاتحة يصير أول المفصل سورة الحجرات.
وعلى القول الثاني أن سورة الفاتحة لا تحسب، وأنه يحسب من البقرة، فيبدأ حزب المفصل من (ق)، ولهذا نجد في بعض الطبعات القديمة للمصحف أن السور التي هي بدء الحزب يكون لها شكل معين في رسم الصفحة الأولى، مثل الإسراء والصافات و (ق) مثلاً، توضع علامات على هذه الأحزاب السبعة التي جاءت في أثر أوس بن حذيفة الذي سيأتي.
قوله: [(سألني نافع بن جبير بن مطعم، فقال لي: في كم تقرأ القرآن؟ فقلت: ما أُحِّزبه)].
يعني: في كم تقرأ القرآن؟ وهل لك حزب معين تلتزم به؟ قال: ما أحزبه.
أي أنه ما كان يقرأ بأحزاب، وإنما يقرأ من غير أن يحدد.
قوله: [قال: لا تقل: ما أحزبه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (قرأت جزءاً من القرآن)].
وهو مقدار من القرآن.
قوله: [(حسبت أنه ذكره عن المغيرة بن شعبة)].
أي: حسبت أنه ذكر الحديث عن المغيرة بن شعبة، فهذا شك في إضافته إلى ذلك الصحابي.
وقوله: (لا تقل: ما أحزبه).
نهاه عن عدم التحزيب؛ لأن القرآن يقسم أقساماً وأجزاءً وأحزاباً.(169/12)
تراجم رجال إسناد حديث (قرأت جزءاً من القرآن)
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس].
هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[أخبرنا ابن أبي مريم].
هو سعيد بن الحكم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا يحيى بن أيوب].
يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن الهاد].
هو يزيد بن عبد الله بن الهاد، مثل: يزيد بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سألني نافع بن جبير بن مطعم].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المغيرة بن شعبة].
وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(169/13)
شرح حديث (قدمنا على رسول الله في وفد ثقيف)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد أخبرنا قران بن تمام (ح) وحدثنا عبد الله بن سعيد أخبرنا أبو خالد وهذا لفظه، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى عن عثمان بن عبد الله بن أوس عن جده رضي الله عنه، قال عبد الله بن سعيد في حديثه: أوس بن حذيفة قال: (قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، قال: فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وأنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني مالك في قبة له، قال مسدد: وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ثقيف، قال: كان كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا، وقال أبو سعيد: قائماً على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام، وأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه من قريش، ثم يقول: لا سواء، كنا مستضعفين مستذلين، قال مسدد: بمكة، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم، ندال عليهم ويدالون علينا، فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلنا: لقد أبطأت عنا الليلة، قال: إنه طرأ عليّ جزئي من القرآن، فكرهت أن أجيء حتى أتمه، قال أوس: سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كيف يحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده) قال أبو داود: وحديث أبي سعيد أتم].
أورد أبو داود حديث أوس بن حذيفة، وفي أوله قال: (قدمنا على رسول صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة، ونزل بني مالك في قبة كانت للرسول صلى الله عليه وسلم.
قال مسدد: وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقيف).
يعني: أوس بن حذيفة.
قوله: [قال: (كان كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا)].
يعني: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيهم كل ليلة بعد العشاء يحدثهم، ويكون واقفاً حتى يطول القيام ويراوح بين رجليه، أي: يعتمد على هذه تارة، ويعتمد على هذه تارة، وكان يحدثهم بما جرى لهم بمكة من الإيذاء، وأنهم بعد ما هاجر إلى المدينة صارت الحرب بينهم وبين أهل مكة سجالاً، يدال عليهم ويدالون عليه.
قوله: [(فلما كان ليلة من الليالي أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه)].
أي: أبطأ عن المجيء الذي كانوا ألفوه واعتادوه منه، فسألوه، فقال: (إنه طرأ عليّ جزئي من القرآن) أي: المقدار الذي كان يقرؤه في اليوم وكان قد شغل عنه، فأراد أن يتداركه فتأخر عنهم؛ لأنه كان يقرأ جزأه من القرآن، أي: المقدار الذي خصصه لقراءته في كل يوم.
ثم قال أوس: (سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاثاً، وخمساً، وسبعاً، وتسعاً، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده) أي: ثلاث سور من القرآن حزب، فإن حسبت الفاتحة صارت الفاتحة والبقرة وآل عمران، وإن بدئ البدء من البقرة صارت البقرة وآل عمران والنساء، ثم خمساً، وسبعاً، وتسعاً، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، ثم بعد ذلك يكون الوقوف على الحجرات أو على (ق)، فإن حسبت الفاتحة صار الحزب المفصل الذي هو الحزب السابع يبدأ من الحجرات، وإن لم تحسب الفاتحة وبدئ من البقرة فإن الحزب يبدأ بـ (ق)، وبذلك يكون القرآن سبعة أحزاب، وقد قسموا القرآن هكذا حتى يقرءوه كل أسبوع مرة.
والحديث ضعفه الألباني لأن فيه من هو مقبول، وفي المتن أيضاً نكارة، وهو كون الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي ويقف حتى يتعب من الوقوف، ويراوح بين رجليه وهم جلوس يحدثهم، فكيف يقف الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الوقوف الطويل وهم جالسون، ويحدثهم ويتكلم معهم، ولا شك أن إتيان الضيوف وإيناسهم شيء طيب، ولكن كونه بهذه الهيئة وبهذه الكيفية يبدو أن فيه نكارة، فاللائق والمناسب أن يكون جالساً، حتى يستريح هو وهم أيضاً؛ لأنه عندما يكون واقفاً وهم جالسون لا يرتاحون مع ذلك، فاللفظ فيه غرابة ونكارة.
والتحزيب هذا ليس ببعيد؛ لأنه ما دام الحد الذي حدده الرسول صلى الله عليه وسلم سبعة أيام، وهو من أحرص الناس على كل خير، وكونهم يحافظون على قراءة القرآن، وجعلوه أحزاباً يحافظون عليها، ويستمرون عليها، ليس ببعيد، لكنه من ناحية الإسناد فيه ما فيه، ومن ناحية المتن أيضاً فيه النكاية التي أشرت إليها.(169/14)
تراجم رجال إسناد حديث (قدمنا على رسول الله في وفد ثقيف)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[أخبرنا قران بن تمام].
قران بن تمام صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[ح وحدثنا عبد الله بن سعيد].
هو عبد الله بن سعيد أبو سعيد الأشج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا أبو خالد].
هو سليمان بن حيان، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى].
عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى صدوق يخطئ ويهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل، والنسائي وابن ماجة.
[عن عثمان بن عبد الله بن أوس].
عثمان بن عبد الله بن أوس مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن جده].
جده هو أوس، وهو صحابي، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قال عبد الله بن سعيد في حديثه: أوس بن حذيفة].
أي: قال: عن جده أوس بن حذيفة.
[قال أبو داود: وحديث أبي سعيد أتم].
أي: الشيخ الثاني، وهو عبد الله بن سعيد الأشج؛ لأنه ذكره في الأول باسمه، وذكره في الآخر بكنيته أبي سعيد.(169/15)
شرح حديث (لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المنهال الضرير أخبرنا يزيد بن زريع أخبرنا سعيد عن قتادة عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عبد الله -يعني ابن عمرو - رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)، وهذا يدل على أن الثلاث هي الحد الأدنى، وأنه لا ينقص عنها، وأنه من نقص عنها فإنه لا يفقه القرآن ولا يتدبره؛ لأن ذلك لا يتأتى بسرعة شديدة.(169/16)
تراجم رجال إسناد حديث (لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)
قوله: [حدثنا محمد بن المنهال الضرير].
محمد بن المنهال الضرير ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[أخبرنا يزيد بن زريع].
يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سعيد عن قتادة].
هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقتادة هو قتادة بن دعامة السدوسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير].
أبو العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمرو].
عبد الله بن عمرو قد مر ذكره.(169/17)
شرح حديث عبد الله بن عمرو (أنه سأل النبي في كم يقرأ القرآن؟ قال في أربعين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نوح بن حبيب أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في كم يقرأ القرآن؟ قال: في أربعين يوماً، ثم قال: في شهر، ثم قال: في عشرين، ثم قال: في خمس عشرة، ثم قال: في عشر، ثم قال: في سبع، لم ينزل من سبع)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في كم يقرأ القرآن؟ قال: في أربعين، ثم قال: في شهر، ثم نزل حتى وصل إلى سبع ولم ينزل عن سبع، يعني: أنه لم ينقصه عن سبع، لكن قد جاء في بعض الأحاديث المتقدمة أنه نزل إلى ثلاث، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث)، وهي تشبه العبارة التي جاءت في أول الحديث (ولا تزد على ذلك) يعني: في النقصان، وليس معناه أنه لا يزيد في الأيام؛ لأن الأيام مرخص له أن يزيد فيها، فله أن يقرأ في عشر ليال، أو خمس عشرة ليلة أو عشرين ليلة، ولكن المقصود أنه لا يزيد على ذلك، بحيث يقرؤه في أقل من سبعة أيام.
وقد قال الألباني: إنه صحيح، إلا قوله: (لم ينزل من سبع)؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ثلاث، ومعنى: (لم ينزل من سبع) مثل: (لا تزد على ذلك) في أول حديث، وهذا إرشاد إلى الأولى، ثم بعد ذلك نقصه إلى ثلاث، فدل على أن الثلاث يمكن أن ينزل إليها، ويمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قال له ذلك في أوقات مختلفة، وأن المفاوضة حصلت في أوقات مختلفة.(169/18)
تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو (أنه سأل النبي في كم يقرأ القرآن؟ قال في أربعين)
قوله: [حدثنا نوح بن حبيب].
نوح بن حبيب ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر].
عبد الرزاق مر ذكره، ومعمر هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك بن الفضل].
سماك بن الفضل ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن وهب بن منبه].
وهب بن منبه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة ففي التفسير.
[عن عبد الله بن عمرو].
عبد الله بن عمرو قد مر ذكره.(169/19)
شرح حديث ابن مسعود أنه أتاه رجل فقال له: إني أقرأ المفصل في ركعة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عباد بن موسى أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود قالا: أتى ابن مسعود رجل فقال: (إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: أهذاً كهذ الشعر، ونثراً كنثر الدقل؟! لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة، النجم والرحمن في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت ونون في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، والمدثر والمزمل في ركعة، وهل أتى ولا أقسم بيوم القيامة في ركعة، وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة).
قال أبو داود: هذا تأليف ابن مسعود رحمه الله].
أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، أنه قال له رجل: إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: أهذاً كهذ الشعر ونثراً كنثر الدقل؟! يعني: بسرعة شديدة وفائقة كهذ الشعر ونثر الدقل، والدقل هو التمر الذي يتساقط ويختلط بعضه ببعض لتساقطه، ثم قال: لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر في ركعة، ثم ذكر جملة من السور، وكل سورة تكون نظيرة لسورة.
والحديث في الصحيحين، لكن بدون ذكر تفصيلات هذه السور، وإنما فيه ذكر النظائر التي كان الرسول يقرأ بها، لكن تفاصيلها خارج الصحيحين.
وقد صححه الألباني بدون سرد السور، والحديث متفق عليه بدون سرد السور.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرحه لهذا الحديث: ولا خلاف بين العلماء أن قراءة القرآن بغير ترتيل جائزة، وأنه بالترتيل أحسن وأفضل.
[قال أبو داود: وهذا تأليف ابن مسعود].
أي: ترتيب هذه السور هي هكذا في مصحف ابن مسعود.
وترتيب السور فيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه باجتهاد الصحابة، ولهذا يقولون: تجوز قراءة هذه قبل هذه، ومنهم من قال: إنه بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن هذا هو الذي حصل في العرضة الأخيرة، أي: بينه وبين جبريل في آخر شهر من شهور رمضان التي عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في السنة العاشرة، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في أدب المشي إلى الصلاة يقول: إن جمهور العلماء على أنه بالاجتهاد، قال: وترتيب الآيات واجب لأنه بالنص، وترتيب السور بالاجتهاد لا بالنص في قول جمهور العلماء، ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة في كتابتها.
وهذا الفعل من ابن مسعود يقوي هذا القول، فإن مصحفه يخالف ترتيب المصحف الموجود.(169/20)
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود أنه أتاه رجل فقال له: إني أقرأ المفصل في ركعة
قوله: [حدثنا عباد بن موسى].
عباد بن موسى ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[أخبرنا إسماعيل بن جعفر].
إسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسرائيل].
إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علقمة].
هو علقمة بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[والأسود].
وهو: الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن مسعود].
عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث فيه أبو إسحاق السبيعي، وهو مدلس، لكن الحديث بدون سرد السور في الصحيحين.(169/21)
شرح حديث (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر أخبرنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال: سألت أبا مسعود رضي الله عنه وهو يطوف بالبيت، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه).
].
أورد أبو داود حديث أبي مسعود رضي الله عنه أنه سأله عبد الرحمن بن يزيد وهو يطوف بالبيت، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه).
والآيتان من آخر سورة البقرة هي قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة:285] هذه الآية والتي بعدها.
وقوله: (كفتاه) يمكن أن يقال: كفتاه عن غيرهما، أو كفتاه السوء؛ لأن فيهما وقاية وحفظاً، ولا مانع من إرادة هذه المعاني كلها، بأن تكون كفتاه عن غيرهما، لأهميتهما وعظم شأنهما، وأيضاً تقيه وتكفيه الشر والسوء.
وأيضاً ذكروا أن من معاني (كفتاه) أي: كفتاه عن قيام الليل.
لكن الإنسان لا يتكل على بعض النصوص التي يراها، ثم يتساهل ويتهاون، بل ينبغي أن يفرح بهذا الخير ويعمل الخير.
وفيه جواز الكلام في الطواف والسؤال في مسائل العلم وما إلى ذلك؛ لأن عبد الرحمن بن يزيد سأل أبا مسعود وهو يطوف بالبيت فأجابه، فدل على أن الكلام والسؤال والتساؤل في مسائل العلم لا بأس به في الطواف.
قوله: [(في ليلة)] لا يوجد تحديد، والليلة كما هو معلوم تبدأ بالغروب وتنتهي بطلوع الفجر.(169/22)
تراجم رجال إسناد حديث (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[أخبرنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
هو: منصور بن المعتمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم].
هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن يزيد].
هو عبد الرحمن بن يزيد النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي مسعود].
هو أبو مسعود عقبة بن عامر الأنصاري البدري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وكلمة (كفتاه) لها معان عدة، فقيل: (كفتاه) أي: من قيام الليل، وقيل: من الشيطان، وقيل: من الآفات، ويحتمل من الجميع، قال في النهاية: أي: أغنتاه عن قيام الليل، وقيل: أراد أنهما أقل ما يجزئ من القراءة في قيام الليل، وقيل: تكفيان السوء وتقيان من المكروه.
قاله السيوطي.
وعلى كلٍ: كل هذه المعاني صحيحة، لكن مسألة قيام الليل والتهاون به من أجل هذا لا ينبغي؛ لأن قيام الليل جاء في أصرح من هذا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله)، ومعناه بالجمع بينهما، لا أن صلاة الصبح تعادل الليل كله، وإنما هذه تعدل النصف الأول، وهذه تعدل النصف الأخير.
فالذي يبدو أن المراد أن الإنسان إذا قرأ هذا المقدار في ليلة من الليالي، فإنه يكفيه، لكن لا يكفيه عن قراءة القرآن، كما أن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] كونها تعدل ثلث القرآن فالإنسان لا يقرأها ثلاث مرات ويقول: لقد قرأت القرآن.(169/23)
شرح حديث: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرنا عمرو أن أبا سوية حدثه أنه سمع ابن حجيرة يخبر عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين) قال أبو داود: ابن حجيرة الأصغر: عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة].
أورد أبو داود رحمه الله أحاديث عديدة تتعلق بتحزيب القرآن وتجزئته، وهذا الحديث حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين)، وهذا في قيام الليل؛ لأن قوله: (من قام) أي: صلى وقرأ هذا المقدار من الآيات.
وقوله: (من القانتين) كلمة القنوت تأتي بعدة تفسيرات، فتأتي بمعنى: السكوت، وبمعنى: طول القيام، وبمعنى: الدعاء، ويأتي بمعانٍ أخرى، وهنا يحتمل أن يكون المراد بالقانتين الذين يحصل منهم طول القيام في صلاة الليل، ويحتمل غير ذلك.
قوله: [(ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين)] أي: الذين يحصلون على الأجر العظيم، والأجور الكبيرة الواسعة؛ لأن المقنطرين نسبة للقنطار، أو ما يزن القناطير أو يماثلها في كثرتها، وهذا كناية عن عظم الأجر والثواب.(169/24)
تراجم رجال إسناد حديث: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
أحمد بن صالح ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب] هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عمرو] هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن أبا سوية حدثه] عبيد بن سوية، وهو صدوق أخرج له أبو داود.
[أنه سمع ابن حجيرة].
هو عبد الرحمن بن حجيرة الأكبر، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عمرو بن العاص].
وهو صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
[قال أبو داود: ابن حجيرة الأصغر: عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة].
لكن الذي معنا في الإسناد هو الأكبر وليس الأصغر، والأصغر ليس له رواية إلا عند النسائي في عمل اليوم والليلة، وله عنده حديث واحد، والذي خرج له مسلم وأصحاب السنن هو أبوه عبد الرحمن بن حجيرة الذي يقال له: الأكبر، فلا أدري هذا البيان من أبي داود لـ ابن حجيرة على اعتبار تمييز الأصغر من الأكبر، وأن الأصغر هو فلان، ومعناه أن الأكبر هو أبوه، أو أنه وهم منه، وأنه يريد أن يوضح الذي في الإسناد، بل ما ذكر الذي في الإسناد، ولكنه ذكر ابنه الذي هو عبد الله بن عبد الرحمن.
فالحاصل أن هذا الذي نسبه أبو داود ليس هو الذي في الإسناد، بل الذي في الإسناد أبوه، وكل منهما يقال له: ابن حجيرة، ويميز بينهما بأن يقال: ابن حجيرة الأكبر وابن حجيرة الأصغر، فالذي معنا في الإسناد هو ابن حجيرة الأكبر.
والحافظ ابن حجر ذكر أنه أراد أن يميز بينهما.(169/25)
شرح حديث: (أتى رجل إلى رسول الله فقال: أقرئني يا رسول الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن موسى البلخي وهارون بن عبد الله قالا: أخبرنا عبد الله بن يزيد أخبرنا سعيد بن أبي أيوب حدثني عياش بن عباس القتباني عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أقرئني يا رسول الله! فقال: اقرأ ثلاثاً من ذوات (الر)، فقال: كبرت سني، واشتد قلبي، وغلظ لساني، قال: فاقرأ ثلاثاً من ذوات (حم)، فقال مثل مقالته، فقال: اقرأ ثلاثاً من المسبحات، فقال مثل مقالته، فقال الرجل: يا رسول الله! أقرئني سورة جامعة، فأقرأه النبي صلى الله عليه وسلم (إذا زلزلت الأرض) حتى فرغ منها، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبداً، ثم أدبر الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أفلح الرويجل مرتين)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أقرئني يا رسول الله! فقال: اقرأ ثلاثاً من ذوات (الر) قال: قد كبرت سني، واشتد قلبي، وغلظ لساني) يعني: تقدم بي السن، فما أستطيع أن أحفظ كما أريد وكما أبغي، (واشتد قلبي) يعني: حصل له ما حصل من عدم القوة والضبط والحفظ؛ لكبر سنه.
(وغلظ لساني) يعني: ثقل فصار لا يستطيع أن يقرأ وأن يتمكن من القراءة كما لو كان صغيراً.
(فقال: اقرأ ثلاثاً من ذوات حم) نزل معه إلى أن يقرأ ثلاثاً من ذوات (حم)، ومعلوم أن في هذه السور ما هو أقصر من ذوات (الر)، وأقصر السور في الحواميم سورة الدخان، (فقال: مثل مقالته) يعني: كبر سني إلى آخره، (فقال: اقرأ ثلاثاً من المسبحات)، وهي التي بدأت بسبح سبح لله ويسبح لله، فقال مثل ما قال.
ثم قال الرجل: (أقرئني سورة جامعة، فأقرأه: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1] حتى فرغ منها)، وهي جامعة لقوله في آخرها: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} -[الزلزلة:7 - 8]، وهي التي لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر الأهلية هل فيها زكاة؟ فقال: (لا أجد فيها إلا هذه الآية ما أنزل علي فيها هذه الآية الفاذة الجامعة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} [الزلزلة:7 - 8])، أي: أن من يعمل الخير ولو كان قليلاً يسيراً يجده أمامه، ومن يعمل الشر سواء كان قليلاً أو كثيراً يجده أمامه، وهذا الذي جاء في هذه الآية مثل ما جاء في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
قوله:).
(فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد عليها) يعني: لا أزيد على العمل بما جاء فيها، والذي جاء فيها أنه يعمل الخير ويترك الشر، هذا هو ما اشتملت عليه هذه السورة في نهايتها من هذا الكلام الجامع الذي يدخل تحته كل خير وكل شر، وأن من قدم خيراً وجده أمامه، ومن قدم شراً وجده أمامه، والله عز وجل لا يضيع عنده شيء، ولا يعاقب إنساناً إلا بذنبه ولا يؤاخذه إلا بجريرته.
فقال عليه الصلاة والسلام: (أفلح الرويجل) يعني: إذا صدق فيما قال من أنه يسعمل بما في هذه السورة الجامعة.
وقوله: (الرويجل) قيل: هو تصغير رجل، ولكنه على خلاف القياس؛ لأن القياس أن الرجل يصغر على رجيل، وإنما الذي يصغر على رويجل هو الراجل، وهو الماشي وهو ضد الراكب، قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة:239] يعني: راكبين أو ماشين على أرجلهم، وقيل: إنه تصغير راجل، وأن المقصود به هذا الرجل الذي ذهب يمشي، فقوله: (أفلح الرويجل) أي: الذي ذهب يمشي.
وعليه فإن كان المقصود به تصغير رجل فهو تصغير على خلاف القياس، وإن كان المراد به تصغير راجل الذي هو الماشي فهو على القياس.(169/26)
تراجم رجال إسناد حديث (أتى رجل إلى رسول الله فقال: أقرئني يا رسول الله)
قوله: [حدثنا يحيى بن موسى البلخي].
يحيى بن موسى البلخي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[وهارون بن عبد الله] هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[قالا: أخبرنا عبد الله بن يزيد] هو عبد الله بن يزيد المقري المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سعيد بن أبي أيوب] هو سعيد بن أبي أيوب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عياش بن عباس القتباني] عياش بن عباس القتباني ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عيسى بن هلال الصدفي] عيسى بن هلال الصدفي، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن عبد الله بن عمرو] عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما وقد مر ذكره.
والحديث ضعفه الألباني، ولا أدري ما وجه تضعيفه، والإسناد كما هو واضح كله ثقات، وفيهم من هو صدوق، وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال: إنه صحيح.(169/27)
الأسئلة(169/28)
ما جاء عن بعض السلف أنه كان يختم القرآن في اليوم مرتين
السؤال
كيف يجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقرءوا القرآن في أقل من ثلاث) وبين ما نقل عن السلف خاصة في رمضان وفي العشر الأواخر من الاجتهاد في قراءة القرآن، مثلما يذكر عن الشافعي أنه كان يختم القرآن في اليوم الواحد مرتين؟
الجواب
هذه الأشياء التي فيها مبالغات لا أدري ما صحتها، ومعلوم أن قراءة القرآن بالتدبر والتأمل لا يمكن أن تحصل في ذلك، والذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي ينبغي أن يحرص عليه، لا سيما وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث).(169/29)
حكم لبس البنطلون
السؤال
ماذا تقولون عن لبس البنطلون في هذه البلاد؟
الجواب
على المسلم بل هو أن يلبس لباس المسلمين في كل مكان، في هذه البلاد وفي غير هذه البلاد، والبنطلون ليس من لباس المسلمين، بل هو لباس الكفار، ولكن بعض المسلمين قلدوهم فيه وتابعوهم.(169/30)
حكم بطاقة التهنئة بيوم العيد
السؤال
ما حكم بطاقة التهنئة بيوم العيد؟
الجواب
التهنئة بيوم العيد سائغة، وقد جاء ما يدل على ذلك، وكونه يكتب تهنئة أيضاً لا بأس بذلك، ولا نعلم شيئاً يمنع منه، وقد ذكرت في الفوائد المنتقاة في آخرها أثراً: أن الصحابة كانوا إذا لقي بعضهم بعضاً يوم العيد قال بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم، وقد ذكره الحافظ ابن حجر وأظنه قال: وإسناده إسناد الصحيح، وقد أشرت إليه في آخر الفوائد المنتقاة في الفوائد المتفرقة في القسم الأخير.(169/31)
جواز زواج الرجل بربيبة أبيه
السؤال
تزوج رجل وله أولاد بامرأة لها بنات، فهل أولادهما بينهم محرمية؟
الجواب
بنات زوجة أبيهم من رجل آخر يعتبرن أجنبيات، وهن يعتبرن ربيبات له، فلهم أن يتزوجوا بهن؛ لأن بعضهم عن بعض أجانب، وليسوا محارم لهن؛ بل يجوز لهم أن يتزوجوا منهن.(169/32)
حكم الاقتصار على سورة الفاتحة في الصلاة
السؤال
هل يجوز قراءة سورة الفاتحة دون غيرها في كل ركعة في صلاة النافلة؟
الجواب
الواجب هو سورة الفاتحة، وما زاد على ذلك فهو سنة، والإنسان عليه أن يحرص على أن يأتي بالسنن، ويقرأ ما تيسر من القرآن بعدها.(169/33)
حكم قراءة الإخلاص والمعوذتين بعد الفجر والمغرب ثلاث مرات
السؤال
هل من السنة أن تقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات بعد صلاة العصر؟
الجواب
تقرأ ثلاث مرات بعد صلاة المغرب والفجر، أما في العصر والأوقات الأخرى فتقرأ مرة واحدة.(169/34)
درجة الحديث الذي في سنده صدوق له أوهام أو صدوق سيئ الحفظ
السؤال
ما درجة الحديث الذي في سنده صدوق له أوهام، أو صدوق سيء الحفظ؟
الجواب
غالباً يصححونه أو يحسنونه إذا لم يكن ذلك الشيء الذي رواه مما أخذ عليه؛ لأن أوهامه أحياناً تكون محصورة، فإذا كان الوهم من ذلك الشخص في هذا الحديث فإنه يضعف، ويكون هذا هو الذي عيب عليه، وأما إذا كان الحديث ليس مما أخذ عليه، ولا يعتبر من أوهامه فلا يؤثر ذلك.(169/35)
معنى حديث (إن الإيمان ليئرز إلى المدينة كما تئرز الحية إلى جحرها)
السؤال
ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليئرز إلى المدينة كما تئرز الحية إلى جحرها)؟
الجواب
معناه: أن المسلمين يأوون ويأتون إليها، ويحرصون على الإتيان إليها، كما تحرص الحية على الذهاب إلى جحرها.(169/36)
من عبارات الشيخ في حب الصحابة
السؤال
نود منكم أن تذكروا لنا الكلمة التي ذكرتموها في آخر كتاب المهدي حول حبكم للصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب
الكلمة التي قلتها هي أنني قلت: من أحب أعمالي إليّ وأرجاها لي عند ربي حبي الجم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبغضي الشديد لمن يبغضهم، وأرجو الله عز وجل وأسأله بحبي إياهم أن يزيدهم فضلاً على فضلهم، وأن يزيد من لم يرعو عن غيه من شانئهم ذلاً وهواناً وخذلاناً.(169/37)
حكم المأموم إذا ترك ركناً من أركان الصلاة
السؤال
هل يتحمل الإمام عن المأموم ركناً من أركان الصلاة؟
الجواب
لا يتحمل، الركن لا بد منه، فإذا كان الإنسان قد فاته ركن من الأركان بأن ترك الركوع أو السجود فعليه أن يقوم ويقضي ويأتي بركعة بعد ذلك، ولا يتحمل الإمام شيئاً لا بد منه كالأركان.(169/38)
إذا قرأ الإمام آية سجدة فركع وسجد المأمومون
السؤال
قرأ الإمام آية سجدة ثم ركع ولم يسجد، ولكن المأمومين سجدوا حتى سمعوا قول الإمام: سمع الله لمن حمده، فما الحكم؟
الجواب
هؤلاء يمكن أن يتداركوا؛ لأنهم إذا سمعوا الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، قاموا وركعوا، وقالوا: سبحان ربي العظيم، ثم رفعوا ولحقوا بالإمام، فيمكنهم ذلك.(169/39)
الصعق والإغماء عند سماع آيات القرآن
السؤال
ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يصعقون عند سماع القرآن، فهل هذا صحيح؟
الجواب
بعض السلف حصل له ذلك، ومنهم زرارة بن أوفى الذي يأتي في الأسانيد، فقد ذكر ابن كثير في تفسيره أنه قرأ قوله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} [المدثر:8 - 9] وكان يصلي بالناس وكان أمير البصرة، فخر مغشياً عليه، ثم مات رضي الله عنه وأرضاه، لكن هذا الأمر ليس تكلفاً، بل هو شيء يأتي من الله عز وجل، وبعض الناس يتكلفون شيئاً وهو يخالف ما في بواطنهم، مثل البكاء والتباكي، فالبكاء أن يبكي من غير اختياره، وأما التباكي فهو أ، يتكلف البكاء.
وهذا الكلام يقال في المتكلفين الذين يتمايلون ويتساقطون، وهو: إذا كانوا صادقين فليكونوا فوق جدار ويفعلو هذا الفعل؛ لأنهم سوف يقعون ويموتون، وهم لا يريدون الموت.(169/40)
ما جاء في عدد الآي(169/41)
شرح حديث (سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها
قال المصنف رحمه الله: [باب في عدد الآي.
حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة أخبرنا قتادة عن عباس الجشمي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها حتى يغفر له، تبارك الذي بيده الملك)].
أورد أبو داود باباً في عدد الآي، وأورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سورة من القرآن ثلاثون آية -أي: آياتها ثلاثون- تشفع لصاحبها حتى يغفر له (تبارك الذي بيده الملك)) فهي ثلاثون آية، وفي هذا دليل على أن البسملة ليست من السورة؛ لأنها ثلاثون آية بدونها، إلا على قول من يقول إنها جزء من الآية، فتكون جزءاً من الآية التي بعدها فتكون متصلة بها.
والمشهور والمعروف أن البسملة آية مستقلة من القرآن يؤتى بها للفصل بين السور، وليست آية من السور، وإنما هي بعض آية في سورة النمل قال تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:30]، وأما التي تأتي في أوائل السور فهي آية من القرآن يؤتى بها للفصل بين السور، وليست آية من كل سورة.
قوله: [(تشفع لصاحبها حتى يغفر له)].
المقصود بذلك أن قراءته لها هي التي تشفع له حتى يغفر له.(169/42)
تراجم رجال إسناد حديث (سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها)
قوله: [حدثنا عمرو بن مرزوق] عمرو بن مرزوق ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود.
[أخبرنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عباس الجشمي] عباس الجشمي مقبول، أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبي هريرة] هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
والحديث صحيح صححه جماعة من أهل العلم، وهذه السورة من السور التي ثبت في فضلها هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكثير من السور التي جاء في ذكرها فضائل لم يثبت فيها شيء، وإنما ثبت في سور ومنها سورة الملك، فهذا الحديث دال على فضلها، وأنها تشفع لصاحبها يوم القيامة، أي: للذي يقرؤها.
وممن صحح الحديث الألباني وغيره صححه، ولا أدري هل له أسانيد، أو أن الشخص الذي تكلم فيه -الذي هو مقبول- الكلام فيه غير مسلم.(169/43)
شرح سنن أبي داود [170]
لقد سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود عند قراءة السجدة في أي سورة من القرآن، وعدد هذه السجدات كما ورد خمس عشرة سجدة؛ لكن منها ما هو متفق عليه بين العلماء، ومنها ما هو مختلف فيه.(170/1)
تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن(170/2)
شرح حديث: (أن رسول الله أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن.
حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن البرقي حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا نافع بن يزيد عن الحارث بن سعيد العتقي عن عبد الله بن منين من بني عبد كلال عن عمرو بن العاص رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان).
قال أبو داود: روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (إحدى عشرة سجدة).
وإسناده واه].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب تفريع أبواب السجود] أي: سجود التلاوة، وكم سجدة في القرآن، يعني: كم عدد السجدات في القرآن التي يسجد بها، والتي إذا بلغها الإنسان وهو يقرأ القرآن سجد بها، و (أل) هنا عوض عن المضاف إليه، أي: بدلاً من أن يقول سجود التلاوة، قال: السجود.
وكم سجدة في القرآن، أي: كم سجدات في القرآن؟ أجمع العلماء على أنه ليس في القرآن أكثر من خمس عشرة سجدة، ذكر ابن حزم في مراتب الإجماع -والذي علق عليه ابن تيمية وتتبعه في بعض الأشياء، وهذا من المواضع التي حكى فيها الإجماع- على أنه ليس في القرآن أكثر من خمس عشرة سجدة.
ثم هذه السجدات الخمس عشرة عشر منها لا خلاف بين أهل العلم فيه، وخمس هي محل خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه يسجد فيها كلها، والمختلف فيها الصحيح فيها ثبوت السجود فيها، وبهذا يكون القول الراجح أن الخمس عشرة سجدة التي أجمع على أنه ليس هناك شيء أكثر منها أنها محل سجود للتلاوة.
والخمس التي هي محل خلاف هي: سجدات المفصل الثلاث، وسجدة (ص)، والسجدة الثانية من الحج، وأما ما سواها وهي العشر الباقية فمتفق عليها، والغالب على السجدات التي هي محل إجماع أن السجود فيها جاء على سبيل الإخبار، وأكثر السجدات المختلف فيها جاءت بصيغة الأمر: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم:62]، {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19]، وفي الحج: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج:77].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان، وهذه الخمس التي ذكرها عمرو رضي الله عنه أربع منها هي محل خلاف، والأولى من سجدتي الحج هذه باتفاق العلماء، ويضاف إلى الأربع التي جاءت في كلام عمرو بن العاص رضي الله عنه سجدة (ص)، فإنها أيضاً من محل الخلاف.(170/3)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن)
قوله: [حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن البرقي].
هو محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن البرقي وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا ابن أبي مريم].
ابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا نافع بن يزيد].
نافع بن يزيد، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن الحارث بن سعيد العتقي].
الحارث بن سعيد العتقي، وهو مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن عبد الله بن منين].
عبد الله بن منين وثقه يعقوب بن سفيان، وبعض أهل العلم تكلم في هذا الحديث بسبب عبد الله بن منين هذا، وقد أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن عمرو بن العاص].
عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل المشهور، وهو من دهاة العرب، وهو الذي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم على جيش ذات السلاسل، وعند ذلك سأل الرسول صلى الله عليه وسلم: من أحب الناس إليك، فذكر أشخاصاً ولم يذكره، فسكت بعد ذلك رضي الله عنه، وكأنه فهم أن هذا التأمير يدل على تقديم وتفضيل، ولكن يكفيه شرفاً وفضلاً أنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وأما من يقول: إنه من المنافقين فقد آذى نفسه بمثل هذا الكلام لما تكلم في عمرو بن العاص وفي غيره من الصحابة، وهذا من الكلام الساقط الذي لا يليق لا ينبغي أن يتفوه به وأن يتكلم به، ومع الأسف الشديد أن سيد قطب هو الذي قال: إن عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان من المنافقين.(170/4)
رواية أن عدد السجدات إحدى عشرة سجدة
[قال أبو داود: روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إحدى عشرة سجدة) وإسناده واه].
ثم أشار أبو داود رحمه الله إلى حديث روي عن أبي الدرداء، وأن القرآن فيه إحدى عشرة سجدة، قال: وإسناده واهٍ.
معناه: ضعيف شديد الضعف، فلا حجة به ولا قيمة له، وإنما السجدات هي خمس عشرة، وليست إحدى عشرة.
وأبو الدرداء هو عويمر بن زيد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(170/5)
شرح حديث: (يا رسول الله أفي الحج سجدتان؟ قال نعم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة أن مشرح بن هاعان أبا المصعب حدثه أن عقبة بن عامر رضي الله عنه حدثه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! أفي سورة الحج سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما).
].
أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أفي الحج سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما)، كأن هذا السؤال فيه إشارة إلى السجدة المختلف فيها؛ لأن سؤاله معناه: أن واحدة معروفة وهو يريد أن يتحقق من الثانية، فقال: (أفي الحج سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما)، وهذا يدل على تأكد السجود، ولكن قوله: (فلا يقرأهما) يمكن أن يُحمل -والله أعلم- على أن الإنسان لا يقرأهما في الصلاة؛ حتى لا يحتاج إلى سجود، وأما كونه يقرأهما في غير الصلاة فهذا أمر مطلوب أن الإنسان يقرأ القرآن كله، ولكن كونه يختارهما ثم لا يسجد فيهما أنه لا يناسب، أو أن المقصود منه بيان عظم شأن السجود، وأنه لا ينبغي أن يتهاون فيه، ويدل الحديث على تأكده وجوبه عند من يقول بوجوبه، وإن كان المشهور عند جمهور العلماء أن سجود التلاوة كله سنة، وليس بواجب، وأن من سجد قد أصاب، ومن لم يسجد فلا شيء عليه كما جاء ذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه.(170/6)
تراجم رجال إسناد حديث (يا رسول الله أفي الحج سجدتان؟ قال نعم)
قوله: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح].
أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أخبرنا ابن وهب].
ابن وهب مر ذكره.
[أخبرني ابن لهيعة].
ابن لهيعة هو عبد الله بن لهيعة المصري، وهو صدوق احترقت كتبه، وراوية العبادلة عنه ومنهم عبد الله بن وهب أعدل وأثبت من غيرها، وحديثه أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[أن مشرح بن هاعان أبا المصعب حدثه].
مشرح بن هاعان مقبول، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[أن عقبة بن عامر].
عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث ذكره الألباني في ضعيف السنن، ولكنه أحال على المشكاة، وذكر في المشكاة تصحيحه، وقال: إنه عند أبي داود من رواية عبد الله بن وهب، وبذلك تكون روايته مستقيمة، فالحديث صحيح.
هكذا قال.
بقي الكلام في مشرح أو أنه عنده شواهد أخرى، لكنه ما أشار إلى الشواهد، وإنما أشار إلى رواية عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة.
والترمذي والمنذري تكلموا في مشرح هذا.(170/7)
من لم ير السجود في المفصل(170/8)
شرح حديث: (أن رسول الله لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من لم ير السجود في المفصل.
حدثنا محمد بن رافع حدثنا أزهر بن القاسم قال محمد: رأيته بمكة حدثنا أبو قدامة عن مطر الوراق عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة).
].
أورد أبو داود باباًَ في من لم ير السجود في المفصل، يعني: في سجدات المفصل، وسجدات المفصل ثلاث، هي: النجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ؛ لأن المفصل يبدأ من (ق)، أو من الحجرات ويقال له: مفصل؛ لأن سوره كثيرة، وفصلت تفصيلاً، وصار عددها كبيراً، ويشتمل المفصل على أكبر مقدار من السور؛ لأن الذي قبل المفصل محصور.
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة، وهذا ليس بثابت ولا صحيح، بل الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في حديث أبي هريرة أنه صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه سجد في سورة إذا السماء انشقت وفي اقرأ وكل منهما مفصل، وأبو هريرة إنما أسلم عام خيبر، فإسلامه متأخر، وكونه صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم وسجد معه فيه الإثبات.
إذاً: فهذا الحديث غير صحيح، وفي إسناده من هو متكلم فيه، والثابت خلافه، وهو: حصول السجود من رسول الله صلى الله عليه وسلم في سجدات المفصل.(170/9)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة)
قوله: [حدثنا محمد بن رافع] هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا أزهر بن القاسم].
أزهر بن القاسم صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
قال محمد: رأيته بمكة.
يعني: محمد بن رافع وكأنه أخذ الحديث عنه لما رآه بمكة.
[حدثنا أبو قدامة].
أبو قدامة هو الحارث بن عبيد، وهو صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والترمذي.
[عن مطر الوراق] مطر الوراق صدوق كثير الخطأ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عكرمة].
عكرمة، وهو مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فالحديث فيه هذان الشخصان المتكلم فيهما، وهما: مطر الوراق الذي هو كثير الخطأ، أبو قدامة وهو صدوق، ولو صح الحديث فإنه نفي من ابن عباس عما علمه، وغيره علم خلاف ما علم، والمثبت مقدم على النافي، حتى لو صح الحديث، فالتوفيق ممكن بأن يقال: إن هذا مثبت وهذا نافي، وهذا نفى على حسب علمه؛ لأنه ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وأبو هريرة فعل ذلك مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأبو هريرة إسلامه متأخر، وقد حصل منه إثبات السجود خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.(170/10)
شرح حديث: (قرأت على رسول الله النجم فلم يسجد فيها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد بن السري حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها)].
أورد أبو داود حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، أنه قرأ على الرسول صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد فيها، والحديث صحيح، وقوله: (لم يسجد فيها) لعله لم يفعل ذلك ليبين أنه جائز، وقد جاء عنه السجود، أو أنه لم يفعل ذلك؛ لأن زيداً هو القارئ، والسامع إنما يسجد تبعاً للقارئ لا يسجد وحده، ولهذا قال أبو داود في الحديث الذي بعده: (كان زيد الإمام فلم يسجد فيها)؛ لأن زيداً هو الإمام، يعني: هو الذي كان يقرأ.(170/11)
تراجم رجال إسناد حديث: (قرأت على رسول الله النجم فلم يسجد فيها)
قوله: [حدثنا هناد بن السري].
هو هناد بن السري أبو السري، ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ذئب].
ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن عبد الله بن قسيط].
يزيد بن عبد الله بن قسيط ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن يسار].
عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن ثابت].
زيد بن ثابت رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(170/12)
شرح حديث: (قرأت على رسول الله النجم فلم يسجد) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب حدثنا أبو صخر عن ابن قسيط عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال أبو داود: كان زيد الإمام فلم يسجد فيها].
أبو صخر هو حميد بن زياد، وهو صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في مسند علي وابن ماجة.
[عن ابن قسيط عن خارجة بن زيد بن ثابت].
ابن قسيط هو الذي مر ذكره في الإسناد السابق، ونسبه إلى جده.
وخارجة بن زيد بن ثابت هو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو من المتفق على عدهم من الفقهاء السبعة، وهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير بن العوام فهؤلاء ستة متفق على عدهم، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ذكره ابن القيم في أول كتابه: إعلام الموقعين، عندما ذكر جملة من المفتين في المدن المختلفة، وعندما جاء إلى المدينة ذكر أن فيها سبعة فقهاء من فقهاء عصر التابعين السبعة، ذكرهم وذكر السابع منهم أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وذكر بيتين من الشعر البيت الثاني يجمع السبعة، وسابعهم أبو بكر فقال الشعر الذي ذكره: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة خارجة هذا هو الذي معنا خارجة بن زيد، وهذا جناس في البلاغة؛ لأن الأول: روايتهم ليست خارجة، وفي الآخر قال خارجة هو خارجة بن زيد بن ثابت.(170/13)
من رأى فيها السجود(170/14)
شرح حديث (أن رسول الله قرأ سورة النجم فسجد فيها)
قال المصنف رحمه الله: [باب من رأى فيها السجود.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد فيها، وما بقي أحد من القوم إلا سجد، فأخذ رجل من القوم كفاً من حصى أو تراب فرفعه إلى وجهه وقال: يكفيني هذا: قال عبد الله: فلقد رأيته بعد ذلك قتل كافراً).
].
أورد أبو داود: [باب من رأى فيها السجود]، يعني: بسجدات المفصل، وأورد حديث عبد الله بن مسعود في السجود في سورة النجم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قرأ السورة وسجد، وسجد معه المسلمون والكفار، حتى أن واحداً منهم أخذ كفاً من تراب، ووضعه أو سجد عليه وقال: هذا يكفي، قال عبد الله بن مسعود: فرأيته قتل كافراً يوم بدرٍ، يعني: بسبب هذا الاستكبار الذي حصل منه وعدم السجود على الأرض، حيث أخذ تراباً ورفعه إلى رأسه وجعله على جبهته، فالحاصل: هذا فيه إثبات السجود في النجم.(170/15)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قرأ سورة النجم فسجد فيها)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
شعبة مر ذكره.
[عن أبي إسحاق] هو أبو إسحاق السبيعي وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأسود].
هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله] هو عبد الله بن مسعود الهدلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(170/16)
السجود في إذا السماء انشقت واقرأ(170/17)
شرح حديث: سجدنا مع رسول الله في (إذا السماء انشقت) و (اقرأ باسم ربك الذي خلق)
قال المصنف رحمه الله: [باب السجود في إذا السماء انشقت واقرأ.
حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن أيوب بن موسى عن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في: (إذا السماء انشقت) (واقرأ باسم ربك الذي خلق)).
قال أبو داود: أسلم أبو هريرة رضي الله عنه سنة ست عام خيبر، وهذا السجود من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخر فعله.
].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب السجود في (إذا السماء انشقت) و (اقرأ)]، وهذا التفصيل ما أدري ما وجهه عند أبي داود رحمه الله؛ لأنه ذكر المفصل، ومن لم ير السجود، ثم قال: [من رأى فيها السجود] ومعلوم أن: النجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ كلها في المفصل، ولو اقتصر على الترجمة السابقة وهي: [من رأى فيها السجود] وهي عكس الترجمة السابقة [من لم ير السجود]، لكان ذلك كافياً، ولكنه نص على الترجمة في: إذا السماء انشقت، واقرأ، وأورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في: (إذا السماء أنشقت) و (اقرأ باسم ربك الذي خلق)) وكان هذا في آخر الأمر، كما بين أبو داود، أن إسلام أبي هريرة كان في زمان خيبر، ولم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد خيبر.
إذاً: فهو من آخر أمره صلى الله عليه وسلم.(170/18)
تراجم رجال إسناد حديث: سجدنا مع رسول الله في (إذا السماء انشقت) و (اقرأ باسم ربك الذي خلق)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا سفيان].
سفيان وهو ابن عيينة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب بن موسى].
أيوب بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن ميناء] عطاء بن ميناء صدوق، أخرج له أصحاب الكتب.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة مر ذكره.(170/19)
شرح حديث: (سجدت بها خلف أبي القاسم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه)
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا مسدد حدثنا المعتمر قال: سمعت أبي حدثنا بكر عن أبي رافع قال: صليت مع أبي هريرة رضي الله عنه العتمة، فقرأ: (إذا السماء انشقت) فسجد، فقلت: ما هذه السجدة؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه.
].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن أبا رافع الصائغ صلى خلفه فقرأ بسورة: (إذا السماء انشقت) وسجد بها، فقلت له: ما هذه السجدة؟ قال: (سجدت بها خلف أبى القاسم صلى الله عليه وسلم، فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه).
يعني: سوف أستمر على ذلك حتى نهاية حياتي.
[(فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه)].
يعني: حتى يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار الآخرة، أو يلقى الله عز وجل بأن يموت، لكن الذي يبدو أن الضمير يرجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم، يعني: هو ذكر أنه صلى خلفه فلا يزال كذلك حتى يلقاه، يعني: حتى يموت.(170/20)
تراجم رجال إسناد حديث: (سجدت بها خلف أبي القاسم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا المعتمر].
المعتمر هو ابن سليمان بن طرخان التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سمعت أبي].
أبوه هو سليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا بكر] هو بكر بن عبد الله المزني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي رافع] هو أبو رافع الصائغ، وهو نفيع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.(170/21)
الأسئلة(170/22)
حكم الطهارة لسجود التلاوة
السؤال
هل يشترط لسجود التلاوة الطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة؟
الجواب
تشترط له الطهارة، بل يمكن للإنسان أن يسجد وهو على غير طهارة.
وأما استقبال القبلة: فيستقبل القبلة، وأما الطهارة فلا تشترط؛ لأن الإنسان يقرأ القرآن في جميع أحواله ما لم يكن جنباًً، وإذا جاءت سجدة سجد سواء كان على طهارة أو على غير طهارة.
وأما ستر العورة فكما هو معلوم أنها مطلوبة دائماً وأبداً، ولاشك أن الإنسان عندما يسجد لله عز وجل ويكون على تلك الهيئة الحسنة لابد أن يكون متجملاً متستراً فلا يصلح أن يسجد وهو غير ساتر للعورة.
أقول: دائماً يجب على أن الإنسان أن يستر عورته، ولاشك أن كون الإنسان يسجد لله عز وجل ويدعو وهو مستقبل القبلة عليه أن يكون على تلك الهيئة الحسنة، ولا يصلح أن يسجد وهو غير ساتر للعورة.(170/23)
حكم سجود التلاوة عند الاستماع إلى المذياع
السؤال
ما حكم سجود التلاوة إذا سمع آية السجدة من الإذاعة أو المسجل فهل تجوز السجدة؟
الجواب
ليس للإنسان أن يسجد؛ لأن السامع تبعاً للقارئ، والقارئ إذا كان عند الإنسان وسجد يسجد معه، وأما إذا لم يكن عنده وكان بعيداً مثل الإذاعة وسجد فلا يسجد معه.(170/24)
حكم الإنصات للقراءة من المذياع
السؤال
ما حكم الإنصات للقراءة من المذياع أو الشريط؟
الجواب
هذا شيء طيب، وأمر مطلوب، فإذا فتح القرآن عليه أن يستمع أو يغلقه، ما يجعل القرآن يقرأ ويشتغل عنه بالكلام، بل إما استماع وإما إغلاق.(170/25)
حكم التهنئة يوم العيد بغير اللغة العربية
السؤال
ما حكم التهنئة يوم العيد بغير اللغة العربية؟
الجواب
الشخص الذي لغته غير عربية يمكن أنه يهنئ بلغته.(170/26)
حكم التعزية في المقبرة لأهل الميت
السؤال
ما رأيك في التعزية في المقبرة لأهل الميت؟
الجواب
التعزية في المقبرة سائغة، كونه يلتقي بمن يلتقي به من أقارب الميت أو من غيرهم ممن يعزى فيعزيه في المقبرة، أو الشارع، أو المسجد، أو البيت، وفي كل مكان؛ لأن التعزية ليس لها مكان معين، بل يعزي في المقبرة والشارع والبيت، والمسجد، وأي مكان يلقى فيه من يريد تعزيته يعزيه عند أول لقاء يتم بينهما.(170/27)
نصيحة لمن يقرأ ظلال القرآن لسيد قطب
السؤال
ما نصيحتكم لنا في قراءة تفسير الظلال؟
الجواب
تفسير الظلال للشيخ سيد قطب رحمه الله فيه خلط بين الغث والسمين، وهو من الكتاب في الحقيقة وليس من العلماء، والعلم لا يحصل من مثل هذا الكتاب، بل يمكن للإنسان أن يبتلى بشيء مما في الكتاب، أو يحصل له شيء مما فيه خطورة بسبب ما هو موجود في الكتاب من الأمور التي لا تليق ولا تنبغي.
والإنسان لا يتسع عمره لأن يقرأ كل شيء، وهناك كتب سليمة، وفائدتها كبيرة، وهي كتب علمية، وأصحابها من أهل العلم الذين يعول عليهم سواء في المتقدمين أو المتأخرين، فكون الإنسان يقرأ في مثل تفسير ابن جرير، وتفسير ابن كثير، وتفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي من المعاصرين يجد فيها الخير الكثير، ويجد كلام العلماء، ويجد نفَسَ العلم والعلماء، لا سيما مثل تفسير ابن سعدي رحمه الله، فهو تفسير نفيس مع وجازته، عباراته واضحة سلسة، وفيه استنباطات دقيقة، وهو كتاب يصلح للخواص والعوام، لو قرئ على العوام في المساجد حصلوا منه الفوائد وعرفوا معاني القرآن، ولو اطلع عليه الخواص لوجدوا فيه العلم ودقة الاستنباط، فإن الرجل أعطي فهماً في كتاب الله عز وجل، ووفق للاعتناء به، فمن يقرأ كتبه وتفسيره يجد العلم الغزير، ويجد كلام العالم، ولهجة العالم التي هي واضحة وجلية.
وأما كتاب سيد قطب فإن فيه ما فيه، فعلى الإنسان أن يشتغل بما هو خير، وبما هو مأمون الجانب، وبما يأمن على نفسه العواقب منه من كتب نافعة، وأما مثل هذا الكتاب الذي فيه تخليط، وفيه جموح فكري، وإرخاء القلم بأن يكتب أموراً لا تنبغي ولا تصلح، كالكلام في بعض الأنبياء، بأن يقول عن موسى: إنه عصبي، ويقول عن عثمان رضي الله عنه في بعض كتبه: إن خلافته فجوة، وهذا حط من شأن عثمان، وأنه في خلافته أدركته الشيخوخة، وأنها فجوة.
هذا كلام ساقط لا يصلح ولا يليق، بل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه حصل في زمنه الخير الكثير، وحصلت الفتوحات، وكان إلى نهاية حياته في عقله وفهمه وعلمه، ما حصل عنده شيء يجعل مثل هذا الشخص يقول: إنه أدركته الشيخوخة، وأن خلافته كانت فجوة.
هذا كلام ساقط خدمة لأعداء الإسلام والمسلمين الذين يريدون أن يأخذوا ممن ينتسب إلى السنة شيئاً يستدلون به على أهل السنة.
والحاصل: أن مثل هذا الكتاب لا ينبغي أن يشتغل به، وإنما يشتغل بما هو مأمون الجانب، وبما فيه السلامة، وبما فيه العلم، والكتاب الذي يخرج بنتيجة وبسلامة، يخرج الإنسان منه بعلم وبسلامة، أما كتاب سيد قطب فإنه لا يحصل فيه علماً، وقد يخرج منه ببلاء.
وأما طعنه في عمرو بن العاص رضي الله عنه، فهو موجود في كتاب شخصيات إسلامية.
تكلم عن عمرو بن العاص ومعاوية قال: إنهم أصحاب غش ونفاق.
هذا معاوية بن أبي سفيان كاتب الوحي عنده غش، فمعناه: أنه يدخل في القرآن شيئاً ليس منه، وهو كاتب الوحي، والرسول ائتمنه على كتابة الوحي! نعوذ بالله من الخذلان! وأبو زرعة الرازي يقول: من ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، والكتاب حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يريدون أن يجرحوا شهدونا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة.(170/28)
شرح سنن أبي داود [171]
إذا قرأ القارئ للقرآن آية فيها سجدة تلاوة فيسن له أن يسجد، وإذا كان يستمع لقراءته أحد سن له أن يسجد، وسجود التلاوة مستحب في كل سجدات التلاوة في القرآن، ويدعو بالدعاء الوارد فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم.(171/1)
ما جاء في السجود في (ص)(171/2)
شرح حديث: (ليس (ص) من عزائم السجود)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السجود في (ص).
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ليس (ص) من عزائم السجود، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها).
].
ذكر رحمه الله فيما مضى عدة أحاديث تتعلق بالسجود في بعض سجدات القرآن، مثل سجدات المفصل، وسجدتي الحج، وذكرت فيما مضى أن العلماء أجمعوا على أنه ليس في القرآن أكثر من خمس عشرة سجدة، وذكرت أن عشراً من تلك السجدات أو تلك المواضع مجمع عليها بين العلماء، وأن خمساً فيها خلاف، والخمس التي فيها خلاف هي الثلاث التي في المفصل، وسجدة (ص)، والسجدة الثانية من الحج، وقد مر حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: أفي الحج سجدتان؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما)، والحديث فيه عبد الله بن لهيعة.
وأضيف أن الحاكم في المستدرك لما ذكر الحديث من طريق ابن لهيعة قال: وقد صح عن عمر وابنه وابن مسعود وأبي موسى وأبي الدرداء واثنين من الصحابة -نسيتهما- ثم ذكر أسانيده إلى هؤلاء السبعة، فقد جاء عن سبعة من الصحابة أنهم كانوا يسجدون في سجدتي في الحج، كما ذكر ذلك الحاكم في المستدرك.
والباب الذي معنا فيه السجود في (ص)، وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليست (ص) من عزائم السجود)، يعني: ليس السجود في (ص) من عزائم السجود، (وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها)، فهذا فيه أنها من المواضع أو من السجدات التي سجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن في الحديث أنها ليست من عزائم السجود، وكأن السجدات بعضها متأكد، وبعضها دون ذلك، وكلها يسجد فيها؛ لأن ابن عباس لما قال هذا عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: رأيته يسجد فيها، فدل ذلك على أنها من مواضع السجود، وأنه يسجد فيها، وهي من الأماكن التي اختلف فيها العلماء، فمنهم من قال: يسجد فيها، ومنهم من قال: لا يسجد فيها، ولكن حيث سجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما جاء في هذا الحديث وفي غيره- فإن السجود فيها سنة، ويستحب للقارئ أن يسجد في هذا الموضع من مواضع السجود.(171/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (ليس (ص) من عزائم السجود)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا وهيب].
هو وهيب بن خالد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(171/4)
شرح حديث: (قرأ رسول الله وهو على المنبر (ص) فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - عن ابن أبي هلال عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر (ص)، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود، فنزل فسجد، وسجدوا)].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة (ص) وهو على المنبر، فلما جاء عند السجدة نزل من المنبر وسجد، وسجد الناس معه صلى الله عليه وسلم، ثم إنه قرأها مرة أخرى فرآهم تشزنوا، أي: تهيأوا واستعدوا واحفوفزوا لأن يسجدوا؛ لأنهم قد عرفوا السجدة قبل ذلك؛ لأنه كان على المنبر ونزل وسجد، وهذه المرة هو على المنبر أيضاً، فعلى العادة التي يعرفونها وأخذوها عنه صلى الله عليه وسلم تهيئوا لأن يفعلوا مثل ما فعلوا في المرة السابقة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: (إنها توبة نبي، وإنني رأيتكم تشزنتم للسجود فنزل وسجد)، فهذا يدل على ما دل عليه الحديث الذي قبله، وأنها ليست من عزائم السجود، ولكن السجود فيها سنة، وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يُسجد فيها، وأنها إذا تركت في بعض الأحيان فلا بأس بذلك؛ لأنها ليست واجبة، وكذلك سجدات القرآن كلها ليست بواجبة، من سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، كما جاء ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
فالحديث أيضاً يدل على ما دل عليه الحديث السابق من أن (ص) فيها سجدة، وأن الإنسان يشرع له أن يسجد فيها عندما يأتي إليها، وإن لم يسجد فلا حرج عليه ولا بأس بذلك.(171/5)
تراجم رجال إسناد حديث: (قرأ رسول الله وهو على المنبر (ص) فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
أحمد بن صالح ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب].
ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث -].
عمرو بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي هلال].
ابن أبي هلال هو سعيد بن أبي هلال، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عياض بن عبد الله].
هو عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري].
هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(171/6)
في الرجل يسمع السجدة وهو راكب في غير الصلاة(171/7)
شرح حديث: (أن رسول الله قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب في غير الصلاة.
حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ عام الفتح سجدة، فسجد الناس كلهم: منهم الراكب، والساجد في الأرض، حتى إن الراكب ليسجد على يده).
].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب]، الراكب عندما يكون قارئاً للقرآن فإنه يسجد، ويكون سجوده بالإيماء وهو على راحلته؛ لأن سجود التلاوة منوط بالتلاوة، فإذا جاءت سجدة وأراد أن يسجد فله أن يسجد، وإن لم يسجد فلا شيء عليه، وإن سجد وهو راكب فلا بأس بذلك، ولكنه إذا كان يقود سيارة فليس له أن يسجد إلا إذا كان متمكناً ومطمئناً إلى عدم إخلاله بقيادة السيارة، وهو متيقظ ومتنبه للطريق، ولا يعمل عملاً تترتب عليه مضره له ولغيره، لا يجوز له ذلك، وهي كما عرفنا مستحبة، من فعلها فقد أصاب، ومن لم يفعلها فلا إثم عليه، كما جاء ذلك عن عمر رضي الله عنه.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس معه منهم الراكب والساجد في الأرض، حتى إن الراكب ليسجد على يده)، معناه: أنه يجعل يده على السرج فيسجد عليها حتى تتمكن جبهته منها.
والحديث في إسناده مصعب بن ثابت، وهو لين الحديث، لا يحتج به، فالحديث لا يصح، ولكن كون الإنسان يسجد وهو راكب لا بأس بذلك، لكن إذا كان يقود سيارة لابد من أن يطمئن إلى عدم ترتب ضرر على ذلك، وإذا كان راكباً بعيراً فإنه يسجد بالإيماء، وإن لم يسجد لا حرج عليه.(171/8)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم)
قوله: [حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر].
محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر ثقة أخرج له أبي داود وابن ماجة.
[حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد -].
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير].
مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير لين الحديث، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(171/9)
شرح حديث: (كان رسول الله يقرأ علينا السورة فيسجد ونسجد معه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد ح وحدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا ابن نمير المعنى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة -قال ابن نمير: في غير الصلاة، ثم اتفقا- فيسجد ونسجد معه، حتى لا يجد أحدنا مكاناً لموضع جبهته).
].
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن ويكون عنده أصحابه، فيسجد ويسجدون معه، يعني: كانوا جالسين ومتحلقين حوله، ثم عندما يسجد يسجدون، فيكون المكان ضيقاً لا يستوعب السجود كما ينبغي، قال: (فيسجد ونسجد معه، حتى إن الواحد لا يجد مكاناً ليضع فيه جبهته)؛ لأنهم كانوا متقاربين، وعندما تحولوا إلى السجود لم يتسع المقام لهم كما كان يتسع لهم في حال الجلوس.
وهذا يدل على سجود التلاوة، وعلى أن المستمع يسجد كما يسجد التالي، ولكن المستمع يسجد تبعاً للقارئ؛ لأنه إمامهم، فإذا سجد يسجدون معه، وإن لم يسجد لا يسجدون.(171/10)
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقرأ علينا السورة فيسجد ونسجد معه)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني].
هو أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا ابن نمير].
هو عبد الله بن نمير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن ابن عمر].
نافع وابن عمر مر ذكرهما.(171/11)
شرح حديث: (كان رسول الله يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه).
قال عبد الرزاق: وكان الثوري يعجبه هذا الحديث.
قال أبو داود: يعجبه لأنه كبر.
].
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن، ويكبر عندما يسجد ويسجدون معه، وهذا مثل الذي قبله أنه كان يسجد ويسجدون معه، وفيه زيادة التكبير، فما سوى التكبير موجود في الحديث الذي قبله.
هذا الحديث في إسناده عبد الله بن عمر المكبر، وهو أخو عبيد الله بن عمر الذي مر ذكره في الإسناد السابق، والمصغر عبيد الله، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأما المكبر فهو ضعيف أخرج له مسلم مقروناً بأخيه عبيد الله ولم يرو له منفرداً، وأخرج له أصحاب السنن، وأخوه ثقة متفق على ثقته رحمه الله، وأما هو فهو ضعيف.
إذاً: الحديث بهذا الإسناد لا يصح، لكن الحاكم أخرجه من طريق عبيد الله، وفيه ذكر التكبير، ذكر هذا الحافظ ابن حجر في التلخيص، وتبعه بعض أهل العلم، ولكن ذكر الشيخ الألباني رحمه الله أن المستدرك ليس فيه ذكر التكبير، وإنما فيه ذكر السجود، وأن الصنعاني والشوكاني وغيرهما من العلماء تابعوا الحافظ على ذكر التكبير، وعلى هذا إذا لم يكن إلا هذا الحديث الذي هو حديث ابن عمر الذي فيه عبد الله بن عمر المكبر، فالتكبير لا يكون ثابتاً، لكن لعل الحافظ ابن حجر اطلع على نسخة فيها ذكر التكبير، والطبعة الموجودة من المستدرك فيها أخطاء كثيرة، فينبغي أن يُرجع إلى مخطوطات المستدرك ليتحقق من وجود ذكر التكبير أو عدم وجوده، فإن الحافظ ابن حجر قال ذلك عن اطلاع وعلم، وإن كانت خالية وليس فيها ذكر التكبير فيكون ذلك وهماً منه، وعلى هذا فالأمر غير متبين حتى ينظر في النسخ المخطوطة للمستدرك.
وإذا لم يكن ذلك ثابتاً في المستدرك ولا في غيره فإن الأصل هو عدم التكبير حتى يأتي ما يدل عليه، وجمهور أهل العلم على القول بالتكبير عند السجود.
ومن أهل العلم من قال: إن سجود التلاوة صلاة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، وعلى هذا فبعض أهل العلم يستدل بهذا الحديث، لكن كون سجود التلاوة صلاة ليس محل اتفاق، بل فيه خلاف؛ لأن من أهل العلم من قال: يصح أن يسجد على غير طهارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن على كل أحواله، والصحابة يكونون مجتمعين معه، ويسجد ويسجدون معه، ولا يلزم أن يكونوا كلهم متطهرين، فقد يكون بعضهم غير متطهر، لا سيما المجامع التي تجمع الناس، والأماكن التي يسجدون فيها حتى لا يجد أحد مكاناً يضع جبهته فيه لكثرتهم، قالوا: فهذا يفيد أن اشتراط الطهارة في سجود التلاوة ليس بلازم.
ومثل ذلك سجود الشكر؛ لأن سجود الشكر يحصل عند الخبر المفاجئ، وقد يكون الإنسان غير متطهر فيسجد لله شكراً.
وبعض أهل العلم استدل بحديث: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، واستحب أيضاً أن يسلم منه، لكن كثير من العلماء ما ذكروا التسليم، وإنما ذكروا التكبير فقط.
أما إذا كان الإنسان في الصلاة فالأمر في ذلك واضح، يكبر عند السجود، ويكبر عند القيام؛ لعموم ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم (أنه كان يكبر في كل خفض ورفع في الصلاة)، وهذا من الخفض والرفع في الصلاة، ولكن الشأن في خارج الصلاة، فهذا هو الذي يحتاج إلى أن يتحقق فيه من نسخ المستدرك.
فعلى فرضية أنه إذا ثبت هذا الحديث فيؤخذ به لثبوته، وأما القيام فلم يثبت فيه شيء فلا يكبر، لكن بعض أهل العلم يقول: يكبر عند السجود، ويكبر عند القيام، ويتشهد ويسلم، وبعضهم يقول: يسلم بلا تشهد.(171/12)
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه)
قوله: [حدثنا أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي].
أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي ثقة، أخرج له أبو داود.
[أخبرنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عبد الله بن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر المكبر وهو ضعيف، أخرج له مسلم مقروناً بأخيه عبيد الله وأصحاب السنن.
[عن نافع عن ابن عمر].
نافع وابن عمر مر ذكرهما.
[قال عبد الرزاق: وكان الثوري يعجبه هذا الحديث].
يعني: من أجل أن فيه ذكر التكبير، كما قال: أبو داود.
والألباني ذكر الحديث في إرواء الغليل، وذكره عنه الشيخ عبد العزيز السدحان وله رسالة قيمة بعنوان: التبيان في سجدات القرآن، يعني: أتى بالأحاديث والآثار التي وردت فيما يتعلق بالسجدات، وذكر عن الشيخ عبد العريز بن باز رحمه الله أنه كان يقول بالتكبير عند السجود، وأنه جاء في إسناد جيد، وأنه أحاله على الحاكم، ولعله تبع ابن حجر، ثم قال: إن الحافظ في التلخيص ذكر كذا، وذكر الشيخ الألباني في إرواء الغليل أن الشوكاني والصنعاني تابعوا ابن حجر، والحديث ليس فيه ذكر التكبير عند المستدرك، وإنما فيه ذكر السجود، وأنهم سجدوا معه صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر التكبير.
فأنا أقول: الأمر يحتاج إلى معرفة ذكر التكبير في الكتب المخطوطة للمستدرك، حتى يعرف هل الحافظ ابن حجر استند على شيء، أو أنه وهم منه لا سيما والمستدرك المطبوع فيه خطأ كثير.(171/13)
ما يقول إذا سجد(171/14)
شرح حديث: (كان رسول الله يقول في سجود القرآن بالليل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقول إذا سجد.
حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل حدثنا خالد الحذاء عن رجل عن أبي العالية عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن بالليل، يقول في السجدة مراراً: سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته).
].
أورد أبو داود باب ما يقول إذا سجد في التلاوة، وأورد حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن بالليل -يعني: إذا سجد وهو يتلو القرآن في صلاة الليل- (سجد وجهي لله الذي خلقه، وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته) ويقول ذلك مراراً.
فهذا الحديث يدل على أنه يؤتى بهذا الذكر في سجود التلاوة، ويؤتى كذلك أيضاً بدعاء السجود الذي هو ذكر السجود: سبحان ربي الأعلى، ولكن يأتي مع هذا بهذا الذكر الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [(وشق سمعه وبصره)] أضاف ذلك إلى الوجه؛ لأنه متصل به، وإلا فإن: (الأذنان من الرأس)، كما جاء ذلك في الحديث، وذلك باعتبار المسح، فهما ممسوحان لا مغسولان، فقوله هنا: (وشق سمعه وبصره) يعني: ذكر السمع مضافاً إلى الوجه، ولعل ذلك لاتصاله به وقربه منه، ثم الرأس يطلق على ما فوق العنق، ويطلق على غير الوجه الذي يمسح عليه مثل قوله: (وحلق رأسه) يعني: يحلق شعر رأسه.(171/15)
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يقول في سجود القرآن بالليل)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا إسماعيل].
هو ابن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا خالد الحذاء].
هو خالد بن مهران الحذاء، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن رجل عن أبي العالية].
وهو هنا غير مذكور، ولكنه جاء عند الترمذي عن خالد عن أبي العالية، وقال: صحيح، وعلى هذا فالرجل هنا مبهم، ولكنه جاء متصلاً عن خالد الحذاء إلى أبي العالية، والحديث صحيح.
[عن أبي العالية].
أبو العالية هو رفيع الرياحي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(171/16)
ما جاء فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح(171/17)
شرح حديث: (إني صليت خلف رسول الله ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس)
قال المصنف رحمه الله: [باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح.
حدثنا عبد الله بن الصباح العطار حدثنا أبو بحر حدثنا ثابت بن عمارة حدثنا أبو تميمة الهجيمي قال: (لما بعثنا الركب -قال أبو داود: يعني: إلى المدينة- قال: كنت أقص بعد صلاة الصبح فأسجد، فنهاني ابن عمر رضي الله عنهما فلم أنته ثلاث مرار، ثم عاد فقال: إني صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس)].
أورد أبو داود باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح، يعني: بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس، هل يسجد أو لا يسجد.
وأورد فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه نهى أبا تميمة الذي كان يقص بعد صلاة الصبح، يعني: يعظ الناس ويأتي بشيء من القرآن، وإذا جاء عند سجدة سجد، فنهاه عبد الله بن عمر، ثم أخبره أنه قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس) معناه: أنهم ما كانوا يصلون وما كانوا يسجدون إلا بعد طلوع الشمس، وعلى هذا يكون السجود صلاة، وأنه لا يصلى بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ومن يقول: إن هذا من ذوات الأسباب يسجد، ومن يقول: إنها ليست بصلاة وإنما هي سجدة يأتي بها الإنسان وهو على غير طهارة فلا يكون لها أحكام الصلاة.
والحديث ضعيف لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه أبو بحر وهو ضعيف.(171/18)
تراجم رجال إسناد حديث: (صليت خلف رسول الله ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس)
قوله: [حدثنا عبد الله بن الصباح العطار].
عبد الله بن الصباح العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا أبو بحر].
هو عبد الرحمن بن عثمان، وهو ضعيف، أخرج له أبي داود وابن ماجة.
[حدثنا ثابت بن عمارة].
ثابت بن عمارة صدوق فيه لين، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو تميمة الهجيمي].
أبو تميمة الهجيمي هو طريف بن مجالد، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عمر.
رضي الله تعالى عنهما وقد مر ذكره.(171/19)
الأسئلة(171/20)
تضعيف الألباني لحديث: (فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما) وتحسينه له
السؤال
ذكر الحافظ رحمه الله الحديث الذي مر معنا في سجدتي سورة الحج، (فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما) قال الحافظ رحمه الله: وسنده ضعيف.
والألباني ضعفه في ضعيف سنن أبي داود وأحال على المشكاة، وكتاب بلوغ المرام معنا بتحقيق سمير أمين الزهيري، يقول في تعليقه: إن الحديث ضعيف، وحاول شعيب الأرناؤوط تقوية الحديث، ثم قال: ومثله أيضاً فعل شيخنا في المشكاة، لكنه عاد فضعفه في ضعيف السنن، ومن يدري لعل شعيباً ضل عن تقليده للشيخ في رأيه الأول، إذ ضعيف السنن طبع بعد المراسيل بسنوات.
وكلام شعيب في المراسيل لـ أبي داود الذي حققه، لكن أتانا الأخ بتعليق آخر قال: الشيخ الألباني في طبعة جديدة لسنن أبي داود قال عنه: حسن، ولا يوجد في هذه الطبعة الجديدة ضعيف، (ص:388).
والطبعة الجديدة هي: صحيح سنن أبي داود وضعيف سنن أبي داود فيقول في الطبعة الجديدة: حسن.
الجواب
على كل: أنا قلت لكم: إن الحاكم لما ذكر الحديث هذا الذي فيه عبد الله بن لهيعة الذي فيه السجدتان في الحج، قال: وقد صح عن عمر وابنه وكذا وكذا، وذكر سبعة من الصحابة، ثم ذكر أسانيده إليهم، معناه: أن هذا تأييد لما جاء لمعنى الحديث، وأن سجدتي الحج يسجد فيهما، وأنا كما قلت لكم الذي أعرف أن السجدة الأولى في الحج هي من العشر التي هي محل إجماع بين أهل العلم، وإنما الخلاف في الثانية فقط.
الحديث يضعف بسبب ابن لهيعة، ولا يكفي أن أحد العبادلة روى عنه؛ لأنه تفرد برفعه، وأن الصحيح فيه الإرسال أو الوقف.
أيضاً: لأن فيه مشرح بن هاعان وهو يخطئ ويخالف، قال ابن حبان في المجروحين: يروي عن عقبة بن عامر أحاديث مناكير لا يتابع عليها، والصواب في أمره ترك ما انفرد من الروايات والاعتبار بما وافق الثقات.
على كلٍ: السجدة الأولى لا نعلم فيها خلافاً، وهي من السجدتين اللتين جاءتا في حديث ابن لهيعة، والسجدة الثانية هي التي فيها الخلاف، وفعل سبعة من الصحابة كما ذكر ذلك عنهم في المستدرك، وقال: إنه صح عنهم وذكر أسانيده إليهم يدل على أنه يسجد في هذين السجدتين.(171/21)
طعونات سيد قطب في معاوية وعثمان وعمرو بن العاص وغيرهم
السؤال
يقول سيد قطب في كتب وشخصيات في صفحة (242) في السطر الرابع، يقول: (إن معاوية وزميله عمرو لم يغلبا علياً -رضي الله عنهم أجمعين- لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب، ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع، وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة، والنفاق والرشوة، وشراء الذمم، لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل، فلا عجب ينجحان ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح) فما تعليقكم؟
الجواب
عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة معروفة، ومن أصول أهل السنة الكف عما شجر بين الصحابة، حتى في العقائد المختصرة مثل مقدمة ابن أبي زيد وغيرها من الرسائل المختصرة جداً التي هي من أخصر المختصرات فيها هذه العبارة، ففي الطحاوية لما تكلم في هذا الموضوع قال: والفتن التي كانت في أيامه -يعني: أمير المؤمنين علي رضي الله عنه- قد صان الله منها أيدينا؛ فنسأله أن يصون عنها ألسنتنا.
قد صان الله منها أيدينا لأننا ما كنا في زمانه حتى يحصل منا شيء باليد، بقي عندنا الألسنة فنسأل الله أن يصونها.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وأفئدتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول أبو المظفر السمعاني كما نقل عن الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إن القدح في أحد من الصحابة علامة على خذلان فاعله، وهو بدعة وضلالة.
ويقول أبو زرعة الرازي كما ذكره الخطيب البغدادي في الكفاية: إذا رأيتم أحداً ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق، وذلك أن الكتاب والرسول حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة.
هذا هو كلام السلف، وهذه هي عقيدتهم، أما مثل هذا الكلام فمن قاله فقد آذى نفسه، وجلب لها الضرر، وكما يقول أهل اللغة: كم من كلمة قالت لصاحبها: دعني.
ولكنها انفلتت منه ولم يسلم منها، بل يتحمل مغبتها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من يضمن لي ما بين رجليه ولحييه أضمن له الجنة)، فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يذكروا بالجميل اللائق بهم، وأن يترضى عنهم، ويستغفر لهم، ويبحث عن المخارج الحسنة فيما جرى بينهم، وعلى الإنسان أن يتمسك بعقيدة أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول الله، وهي الكف عما شجر بينهم.
وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر العقيدة الواسطية الذي أشرت إلى مبتدئه وهو قوله: من أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ما نقل عنهم من أخبار فيها الصحيح وفيها الكذب، والصحيح منه هم فيه معذورون: إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، والمجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر واحد.
هو الكلام النزيه الجميل! أما غير ذلك -والعياذ بالله- فهو كلام تقشعر منه الأبدان، وتشمئز له النفوس، ولا يليق ولا ينبغي، ولو صدر من غير أهل السنة ومن المبتعدين ممن هو بعيد عن السنة من الرافضة وغير الرافضة لكان هذا يقال: هذا كلامهم، لكن كيف يقال هذا كلام من ينتمي إلى السنة، ومن هو من أهل السنة وليس من الرافضة؟! وفي كتاب: العدالة الاجتماعية في الإسلام يقول في صفحة (207) السطر السابع من أسفل: (فلما جاء الأمويون وصارت الخلافة الإسلامية ملكاً عضوضاً في بني أمية لم يكن ذلك من وحي الإسلام، إنما كان من وحي الجاهلية الذي أطفأ إشراقه الروح الإسلامية).
في فضل معاوية بن أبي سفيان قال شارح الطحاوية: وأول ملوك المسلمين معاوية، وهو خير ملوك المسلمين؛ لأنه صحابي، والصحابة أفضل من غيرهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فهو أول وخير ملوك المسلمين، ثم النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر خليفة)، وقد كان أمر الناس ماضياً في زمن معاوية وزمن الخلفاء من بعده في بني أمية، ووصلت الفتوحات الإسلامية إلى المحيط الأطلسي، عقبة بن نافع يصل إلى المحيط الأطلسي مرسل من بني أمية، والرسول قال: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما ولي فيهم اثنا عشر خليفة)، وفيهم معاوية رضي الله عنه، ووصل محمد بن مسلم الثقفي إلى السند وإلى أماكن بعيدة من الشرق، واتسعت رقعة الإسلام وامتدت إلى الشرق والغرب.
وقد قال شارح الطحاوية: أول ملوك المسلمين معاوية، وهو خير ملوك المسلمين.
وقال في صفحة (214): (هذا التصور لحقيقة الحكم قد تغير شيئاً ما دون شك على عهد عثمان وإن بقي في سياج الإسلام، لقد أدركت الخلافة عثمان وهو شيخ كبير، ومن ورائه مروان بن الحكم يصرف الأمر بكثير من الانحراف عن الإسلام، كما أن طبيعة عثمان الرخية، وحدبه الشديد على أهله قد ساهم كلاهما في صدور تصرفات أنكرها الكثيرون من الصحابة ممن حوله، وكانت لها معقبات كثيرة، وآثار في الفتنة التي عانى الإسلام منها كثيراً، منح عثمان من بيت المال زوج بنته الحارث بن الحكم يوم عرفة مائتي ألف درهم، فلما أصبح الصباح جاءه زيد بن أرقم خازن مال المسلمين وقد بدا في وجهه الحزن، وترقرقت في عينه الدموع، فسأله أن يعفيه من عمله، ولما علم منه السبب وعرف أنه عطيته لصهره من مال المسلمين، قال مستغرباً: أتبكي يا ابن أرقم أن وصلت رحمي؟ فرد الرجل الذي يستشعر روح الإسلام المرهف: لا يا أمير المؤمنين! ولكن أبكي لأني أظنك أخذت هذا المال عوضاً عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله، والله لو أعطيته مائة درهم لكان كثيراً، فغضب عثمان على الرجل الذي لا يطيق ضميره هذه التوسعة من مال المسلمين على أقارب خليفة المسلمين، وقال له: ألق بالمفاتيح يا ابن أرقم فإنا سنجد غيرك).
الشيخ: عثمان بن عفان رضي الله عنه هو ثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وفضائله جمة، ومناقبه كثيرة، وليس كل ما ينسب إليه يصح، وما صح فهو فيه معذور، وهو من الذين أمرنا باتباع سنتهم، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور)، فـ عثمان كونه يقول: أدركته الخلافة وهو شيخ كبير.
معناه: أنه ما عنده قوة على القيام بأعباء الملك، وأنه حصلت منه تصرفات ليست طيبة، فهذا كلام لا يصلح ولا يليق أن يتكلم به إنسان ناصح لنفسه، وحريص على سلامتها.
ويقول في صفحة (234) من نفس الكتاب: العدالة الاجتماعية في الإسلام: (ونحن نميل إلى اعتبار خلافة علي رضي الله عنه امتداداً -هنا ترضى على علي، وعثمان لا، لا حول ولا قوة إلا بالله- طبيعياً لخلافة الشيخين قبله، وأن عهد عثمان الذي تحكم فيه مروان كان فجوة بينهما، لذلك نتابع الحديث عن عهد علي، ثم نعود للحديث عن الحالة في أيام عثمان).
يقول بعض أهل العلم: من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، ومعنى هذا: أن الصحابة رضي الله عنهم اختاروه وقدموه، وأن علياً معناه: أنه كان أولى منه بالخلافة، وأن عهده فجوة، وأن خلافة علي امتداد لـ أبي بكر وعمر، ومعنى هذا: عثمان ليس كذلك، هذا كلام في غاية السوء والعياذ بالله.
قال أحمد الخليلي الإباضي الخارجي مفتي سلطنة عمان في شريط له بعنوان: الفتنة: (لسنا نحن الذين فقط نتكلم في عثمان، بل تكلم فيه أهل السنة، وذكر منهم سيد قطب والمودودي).
أقول: هذه حجة من غير أهل السنة على أهل السنة.
على كلٍ أنا أقول: ما الفرق بين مثل هذا الكلام، وقراءة مثل هذا الكلام، وقراءة مثل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر العقيدة الواسطية، وكلام العلماء النزيه النظيف في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لاشك أن من يقرأ لأولئك يكون على الجادة، ويمتلئ قلبه بمحبة الصحابة، وأن الإنسان الذي يغتر بمثل سيد قطب إذا رأى مثل هذا الكلام يمكن أن يؤثر فيه، وأن يحصل له الانحراف مثل ما حصل لـ سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا العاقل الناصح لنفسه لا يقرأ مثل هذا، وإنما يقرأ للعلماء الذين هم على الجادة، وكلامهم مستقيم، ونظيف، ونزيه في الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
عثمان بن عفان رضي الله عنه يتكلم فيه!! معاوية رضي الله عنه وأرضاه يتكلم فيه!! ويقال مثل هذا الكلام في هذين الصحابيين بل قاله في عمرو بن العاص رضي الله تعالى عن الجميع؟! إن الإنسان الناصح لنفسه لا يغتر بمثل هذا الكلام، ولا ينبغي أن يقرأ لمثل هذا الكاتب؛ لأنه يتأذى ويتضرر، ولكنه إذا قرأ لمثل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة وغيره، وقرأ لـ ابن القيم وغيرهم من أهل السنة الذين يكتبون بأقلام سليمة، وألسنة نظيفة(171/22)
حكم استخدام بطاقة التهنئة في أعياد المسلمين
السؤال
بعض النصارى يستعملون بطاقة التهنئة في أعيادهم، فهل نحن إذا استخدمنا هذه البطاقة في العيد يعتبر من التشبه؟
الجواب
لا أبداً، كون الإنسان يكتب رسالة أو يعمل بطاقة فيرسلها في رسالة يهنئ أخاه لا بأس بذلك.(171/23)
السؤال عن مكان قبر إبراهيم
السؤال
هل صحيح ما يروى أن قبر إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام موجود في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل في فلسطين؟
الجواب
المعروف أنه ليس هناك أحد يعلم قبره على التحقيق إلا قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أما غيره من الأنبياء فلا يعرف مكان قبره قطعاً، لا يقطع لأحد لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن قبره في المكان الذي دفن فيه صلى الله عليه وسلم، أما غيره من الأنبياء فليس هناك أحد يعرف قبره، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى.(171/24)
حكم غسل الأسلحة بماء ممزوج بزهور معينة في يوم معين
السؤال
من عادة أهل الشرك عندنا أنهم يغسلون أسلحتهم كالسيف مثلاً في يوم معين، وبماء ممزوج بزهور معينة، فذات يوم فعل ذلك أحد أئمة المساجد، فلما أنكر عليه ذلك، قال: أنا لا أعتقد أن هذا السلاح ينفع ويضر إلا بإذن الله تعالى، فهل قول هذا الإمام يبرر فعله؟
الجواب
لا، لا يبرر فعله، وكونه يخصص يوماً معيناً وبماء معين أو بكذا لا نعلم لهذا وجهاً.(171/25)
منهج الشيخ ربيع المدخلي في الرد على سيد قطب
السؤال
البعض يقولون: إن منهج الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله في الرد على سيد قطب باطل؛ لأنه لم يذكر حسناته، وإنما ذكر المطاعن فقط، فما رأيكم؟
الجواب
قضية القائلين بأنه لابد من ذكر الحسنات مع ذكر السيئات ليست ضرورية، فمن من يريد أن يحذر من شيء هل يبحث عن حسنات ذلك الذي يحذر منه؟ الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءته المرأة التي تستشيره في معاوية وفي أبي الجهم ماذا قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل قال لها: معاوية كاتب الوحي، وهو كذا وهو كذا وهو كذا، وهو صعلوك لا مال له؟ أو قال: (أما معاوية فصعلوك لا مال له)؛ لأن هذا يتعلق بالزواج، (وأما أبو الجهم فلا يدع العصا عن عاتقه)، ومن المعلوم أن القضية هي قضية تحذير، والتحذير يتطلب بيان الأشياء التي يكون الناس على علم بها حتى يحذروا مثل هذا الكاتب، ولو كان عنده حسنات وعنده هذه السيئات هل يصلح أن الإنسان يقرأ كتاباً فيه هذا الخلط، وفيه الغث والسمين؟ التحذير من مثل هذه الكتابات ومن هذه المؤلفات التي يخرج الإنسان منها بمضرة، ولا يخرج منها بفائدة محققة هذا هو الذي ينبغي، ومعلوم أن كثيراً من العلماء المتقدمين والمتأخرين عندما يردون على شخص يذكرون الأمور التي يجب أن يحذر منها، وأما ما عنده من الصفات الطيبة، والحسنة فهذه له، ولكن الناس يحذرون من الضرر، ومن الخطر الذي يكون في الكتب.(171/26)
دعاء سجود الشكر
السؤال
ما هو دعاء سجود الشكر؟
الجواب
لا أعلم له دعاء خاصاً، ولكن الإنسان يشكر الله عز وجل على ما حصل من النعمة.(171/27)
حكم قضاء سجدة التلاوة
السؤال
إذا قرأت آية السجدة ولم أتمكن من السجود وذلك لعذر، فهل أقضيها بعد ذلك؟
الجواب
لا، ما تقضى، وإنما تستحب عند قراءة السجدة.(171/28)
حكم تعلم مادة علم النفس وأصول الدعوة
السؤال
بعض الطلاب يهملون مادة: علم النفس وأصول الدعوة، ويقولون: إن الصحابة كانوا لا يتعلمون تلك المادتين؟
الجواب
الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم عندهم طب النفوس وطب القلوب رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم أعلم الناس بمداخل النفوس، وكيف يربون، وقد رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل خير فيما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، يعني: الصحابة ما تعلموا هذه الأشياء الجديدة التي جاءت بعدهم، فهم سبقوا إلى كل خير، وسلموا من كل شر، فالخير الذي عند الناس هو موجود عندهم، والشر الذي عند الناس هم سلموا منه، فما كان هناك من خير فهم إليه أسبق، وما كان هناك من شر فهم منه أسلم، وقد حل بغيرهم وحصل لهم، مثل العقائد المنحرفة التي جاءت فيما بعد هم سلموا منها، والله تعالى ابتلى بها أناساً جاءوا بعدهم، فهذه العقائد ما كان يعرفها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكذلك مثل هذه الأشياء التي تتعلق بعلم النفس وليس لها أساس من الكتاب والسنة، يعني: هم أسلم الناس منها، وهم قائمون ومتمكنون مما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم سواء في تهذيب النفوس وعلاجها، وفي ما يصلح القلوب، وفيما يعرف به الحق من الباطل، فهم أسبق الناس إلى ذلك، وهم أعرف الناس بذلك، والصحابة ما كان عندهم هذه الأشياء الجديدة التي هم سلموا منها، وفيها حق وباطل، فما كان من حق فهم إليه أسبق، وما كان من باطل فهم منه أسلم.(171/29)
حكم كراهية المدرس الحالق للحية أو المسبل للثوب
السؤال
إذا وجدت في الفصل أستاذاً حالقاً للحية أو مسبلاً للثوب تذهب الرغبة في الاستفادة منه، فهل هذا الموقف صحيح؟
الجواب
الإنسان ينصح من يرتكب المعصية حتى ولو كان أستاذاً؛ لأن من الخير للأساتذة أن يستفيدوا من التلاميذ، كما أن التلاميذ قد يتضررون بالأساتذة، فإذا حصل النفع من الأصغر للأكبر لاشك أن هذا شيء عظيم؛ لأن الأكبر إذا استفاد ممن هو دونه حصل بملاحظته وبتنبيهه الخير الكثير لذلك الذي هو يعتبر مدرساً ويعتبر متبوعاً في تدريسه.
فعليك أن تنصحه، وإذا كان متمكناً بعلمه والعلم لا علاقة له بالعقيدة، أو أمور الدين، وإنما يتعلق بفن من الفنون التي هو متمكن منها، فاستفد مما عنده من الخير، وابغض الشيء الذي عنده مما هو معصية ومخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.(171/30)
شرح سنن أبي داود [172]
الوتر سنة مستحبة، وهو من آكد السنن التي لم يكن يتركها النبي صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر مع راتبة الفجر، وأقله ركعة، ويقرأ في ركعاته الثلاث الأخيرة بسورة الأعلى والكافرون والإخلاص.(172/1)
ما جاء في استحباب الوتر(172/2)
شرح حديث: (يا أهل القرآن أوتروا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تفريع أبواب الوتر.
باب استحباب الوتر.
حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى عن زكريا عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أهل القرآن! أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر).
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو حفص الأبار عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، زاد: (فقال أعرابي: ما تقول؟ فقال: ليس لك ولا لأصحابك)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [تفريع أبواب الوتر].
والوتر قيل: هو الركعة التي تختم بها صلاة الليل، أو الركعات التي هي وتر تختم بها صلاة الليل، وقيل: إن المقصود بذلك صلاة الليل وما يختم به من ركعة أو أكثر، فإن ذلك كله يقال له وتر.
والوتر: هو ضد الشفع، أي: الفرد، ومعنى هذا: أن الإنسان يصلي الوتر ركعة واحدة، وهي أقل شيء، ويمكن أن يكون ثلاثاً سواء كانت مسرودة أو ركعتين، ثم يتشهد ويسلم، ثم يأتي بركعة ويتشهد ويسلم، وهذا هو الأولى، أو يأتي بأكثر من ذلك متصلاً أو منفصلاً يعني: ثنتين ثنتين، وركعة في الآخر، أو تكون مجتمعة ويسلم في آخرها، فكل هذا يقال له وتر.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يا أهل القرآن! أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر)، وقد ذكر أبو داود رحمه الله هذا الحديث تحت ترجمة: [باب استحباب الوتر]؛ لأنه لما ذكر تفريع أبواب الوتر بدأ بترجمة استحباب الوتر.
والمقصود من الترجمة هو: أن الوتر ليس بفرض ولا حتم، ولكنه مستحب، بل هو من آكد السنن والنوافل؛ لأن النوافل آكدها الوتر وركعتا الفجر، وقد كان عليه الصلاة والسلام لا يترك الوتر ولا ركعتي الفجر لا في حضر ولا في سفر، وثبت عنه أنه ما كان يحافظ على شيء من النوافل في الحضر والسفر إلا على ركعتي الفجر والوتر، فهو من آكد النوافل وأهمها، ولكنه ليس بفرض وإنما مستحب، ولهذا قال في الترجمة: [باب استحباب الوتر].
ويأتي المصنف بعدة أحاديث يستدل بها على هذا، ومنها هذا الحديث، وهو قوله: (يا أهل القرآن! أوتروا؛ فإن الله وتر يحب الوتر) ووجه إيراد المصنف لهذا الحديث تحت هذه الترجمة من جهة أنه خص أهل القرآن بقوله: (يا أهل القرآن! أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر) فكونه يخاطب أهل القرآن بهذا فهو يدل على أنه ليس بفرض؛ لأنه لو كان فرضاً لكان لازماً للجميع.
والأدلة الواضحة على استحبابه ستأتي، ومنها: الأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس صلوات فرضهن الله)، وكذلك حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن، قال: (أخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)، وكان هذا متأخراً، فهذا يدل على أن المفترض هو الخمس الصلوات، وما زاد عليها فهو نفل، وكذلك حديث طلحة أنه جاء رجل إلى رسول الله وسأله فقال: (خمس صلوات فرضهن الله في كل يوم وليلة؟ قال: هل عليّ غيرها؟ قال لا، إلا أن تطوع)، فهذا يدل على أن الوتر داخل تحت التطوع.
إذاً: فهو من الأعمال المستحبة، ولكنه من آكد المستحبات والنوافل.
والوتر مستحب في حق الجميع، يعني: في أهل القرآن وغير أهل القرآن، فالمسلم يوتر ويصلي الوتر، لكن لماذا خص أهل القرآن؟ لأن أهل القرآن يصلون الليل، ويقرءون القرآن في صلواتهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أن يختموا، وأن صلاتهم في الليل بوتر، فلذلك قال: (يا أهل القرآن! أوتروا؛ فإن الله وتر يحب الوتر)، لكن لا يعني هذا أن غير أهل القرآن لا يوترون؛ فإن الوتر مستحب في حق كل أحد، وهو من النوافل المؤكدة والمستحبة.
ثم قال: (فإن الله وتر يحب الوتر) ومعنى وتر أي: فرد واحد ليس معه أحد، فهو واحد في ذاته وأسمائه وصفاته، وواحد في ألوهيته وربوبيته، فهو وتر وهو أحد، والله تعالى يحب الوتر، ولهذا جاء في السنة والشريعة الإيتار في أمور كثيرة، بمعنى: أنه يأتي بها عدداً فردياً.
جاء ذلك في مواضيع وأحاديث كثيرة فيها التنبيه على الإتيان بالشيء وتراً سواء كان فيما يتعلق بأكل تمرات وتراً قبل الذهاب لعيد الفطر، أو كان في الاستنجاء، فالإنسان يستنجي وتراً ولا يأتي بالأحجار شفعاً، أو الطواف فإنه وتر، وكذلك الوضوء يكون واحدة واثنتين وثلاث، فيختم الوضوء بوتر ولا يتجاوزه بمعنى: أنه لا يغسل الرابعة، فالوتر جاء ذكره في أمور كثيرة وعديدة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله وتر يحب الوتر).
وهذا الحديث يدل على أن الوتر من أسماء الله عز وجل، وأنه يحب مقتضى هذا الاسم الذي هو الوتر، وفيه إثبات المحبة لله عز وجل، وهي على وجه يليق بكماله وجلاله كسائر الصفات؛ لأن الصفات كلها طريقتها واحدة، تثبت على وجه يليق بجلاله وكماله دون أن يكون فيها تشبيه، ودون أن يكون فيها تعطيل، بل إثبات مع التنزيه، والإثبات ينافي التعطيل، والتنزيه ينافي التمثيل والتشبيه، على حد قول الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] فأثبت السمع والبصر، ونفى المشابهة، فالصفات كلها على هذا النحو وعلى هذه الطريقة.
ثم ذكر حديث ابن مسعود وهو بمعناه: (قال أعرابي: ما تقول؟ قال: ليس لك وأصحابك)، يعني: ليست لك وأمثالك من الأعراب؛ لأن هذا خطاب لأهل القرآن الذين يقرءون القرآن في الليل وأمروا بالإيتار، لكن كما هو معلوم صلاة الوتر مطلوبة في حق كل أحد، ولكن قوله: (ليست لك ولأصحابك) يعني: لا يراد به أن غير أهل القرآن لا يحصل منهم الوتر، بل الوتر مطلوب في حق كل أحد، ولهذا أبو هريرة قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام)، وكذلك أبو الدرداء في صحيح مسلم يقول: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد)، فالوتر ليس خاصاً بأحد دون أحد، مثل ركعتي الفجر، وركعات الظهر والمغرب والعشاء، فهذه رواتب ونوافل مستحبة ومطلوبة في حق كل أحد، ولكن قوله: (ليست لك ولأصحابك) المقصود بذلك: كونه ليس من أهل القرآن الذين يشتغلون بصلاة الليل وقراءة القرآن، وأقل شيء ركعة يصليها الإنسان بعد أن يؤدي سنة العشاء ركعتين، والوتر مطلوب من كل أحد سواء بركعة أو بثلاث أو بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة أو بثلاث عشرة، كل ذلك سائغ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يصلي بأقل من سبع، وما كان يصلي بأكثر من ثلاث عشرة، وأكثر ما كان يفعل إحدى عشرة ركعة صلى الله عليه وسلم.(172/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (يا أهل القرآن أوتروا)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى].
إبراهيم بن موسى هو الرازي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عيسى].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زكريا].
هو زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم].
هو عاصم بن ضمرة، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن علي].
هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو السبطين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(172/4)
تراجم رجال إسناد حديث (يا أهل القرآن أوتروا) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا أبو حفص الأبار].
واسمه: عمر بن عبد الرحمن، وهو صدوق، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن مرة].
عمرو بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عبيدة].
هو ابن عبد الله بن مسعود، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله].
هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه، الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والإسناد فيه أبو عبيدة وهو لم يسمع من أبيه، وهو منقطع، والألباني صححه، ولعل له شواهد، وإلا فالإسناد ليس متصلاً.
والذي يبدو من هذا الخطاب: (يا أهل القرآن) أن الأعرابي ليس من أهل القرآن، لكن الوتر كما هو معلوم هو مستحب في حق الجميع، ومعلوم أن أهل القرآن يحصل منهم في الوتر وفي غير صلاة الليل ما لا يحصل من غيرهم ممن لا يحفظ القرآن أو لا يقرأ القرآن، لكن الوتر يحصل بركعة واحدة، ويمكن أن يحصل بثلاث، ويقرأ فيها ما تيسر مما يحفظه العوام.(172/5)
شرح حديث: (إن الله عز وجل أمدكم بصلاة وهي خير لكم من حمر النعم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي وقتيبة بن سعيد المعنى قالا: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن راشد الزوفي عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي عن خارجة بن حذافة قال أبو الوليد: العدوي قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله عز وجل أمدكم بصلاة، وهي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر، فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر).
].
أورد أبو داود رحمه الله حديث خارجة بن حذافة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله أمدكم بصلاة، وهي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر ما بين العشاء إلى طلوع الفجر) ووجه إيراد الحديث تحت ترجمة: [استحباب الوتر] قوله: (أمدكم) لأنه ما قال فرض عليكم أو وجب عليكم، والإمداد قيل: هو الزيادة، يعني: زادكم صلاة في تطوعكم وتنفلكم.
(وهي خير من حمر النعم) وهي الإبل التي هي أنفس المال عند العرب، ويأتي ذكرها في ذكر الشيء النفيس من المال، وقد جاء في حديث قصة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لـ علي لما أعطاه الراية يوم خيبر، حيث قال: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) فكانت تذكر حمر النعم لأنها من أنفس الأموال عندهم؛ وهي أنفس الأموال عند العرب.
فقوله: (أمدكم) هذا هو وجه إيراد المصنف للحديث تحت هذه الترجمة؛ لأنها تدل على أنه ليس بفرض، وإنما هو أمدهم الله بها وأعطاهم إياها، وفيه فضل عظيم، وأنه خير لهم من أنفس أموالهم التي هي حمر النعم.
ثم بين ذلك بقوله: (هي الوتر).
ثم قال: (وهي ما بين العشاء وطلوع الفجر)؛ يعني: الوتر، من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، بعد أن يؤتى بصلاة العشاء، فمن بعد أدائها إلى صلاة الفجر هذا كله وقت الوتر، حتى لو جمعت العشاء مع المغرب جمع تقديم فإن الوتر يأتي بعد صلاة العشاء ولو كانت مقدمة ومجموعة مع المغرب في أول وقت المغرب؛ لأنها بعد العشاء، وصلاة الليل تبدأ بعد العشاء.
والحديث في إسناده عبد الله بن راشد الزوفي وهو متكلم فيه، وكذلك أيضاً سماعه من شيخه، وكذلك شيخه من خارجة بن حذافة، لكن هذا الشخص هو علة الحديث.
أما قوله: (ما بين العشاء إلى طلوع الفجر) فقد جاء ما يدل عليه، وأن هذا هو وقت الوتر، وقد جاء في الحديث: (صلاة الليل مثنى مثنى)، وصلاة الليل تبدأ بعد العشاء (فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى)، فهذا يبين أن وقت صلاة الوتر هو هذا الوقت: من بعد العشاء إلى طلوع الفجر، والنبي صلى الله عليه وسلم من كل الليل قد أوتر، أوتر من أوله وأوسطه وآخره، وانتهى وتره إلى السحر صلى الله عليه وسلم، فهذه الجملة جاء ما يدل عليها، وأما ذكر هذه الفضيلة ففيها هذا الضعف.(172/6)
تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله عز وجل أمدكم بصلاة وهي خير لكم من حمر النعم)
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي].
هو هشام بن عبد الملك الطيالسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وقتيبة بن سعيد].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان: قرية من قرى بلخ من بلاد خراسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[المعنى].
يعني: أن رواية أبو الوليد الطيالسي وقتيبة بن سعيد متفقة في المعنى، وليست الألفاظ واحدة، وهذه عبارة يستعملها أبو داود كثيراً، فبعد ما يذكر الأسانيد يشير إلى أن الروايات متفقة في المعنى، وإن اختلفت في الألفاظ.
[حدثنا الليث].
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن أبي حبيب].
هو يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن راشد الزوفي].
هو عبد الله بن راشد الزوفي مستور، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي].
عبد الله بن أبي مرة الزوفي، صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن خارجة بن حذافة].
خارجة بن حذافة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
وهؤلاء الثلاثة الذين هم عبد الله بن راشد وعبد الله بن أبي مرة وخارجة بن حذافة ليس لهم في الكتب الثلاثة التي هي سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة إلا هذا الحديث الواحد، يعني: هؤلاء الثلاثة لا يأتي ذكرهم إلا في هذا الموضع؛ لأنهم ليس لهم رواية في الكتب الأخرى، وإنما روايتهم عند أبي داود والترمذي وابن ماجة، وليس لهم عند هؤلاء الثلاثة الأئمة في كتبهم إلا هذا الحديث الواحد، فإذاً: لا يتكرر ذكر هؤلاء الثلاثة في هذه الكتب إلا في هذا الموضع.
[قال أبو الوليد: العدوي].
يعني: هو خارجة بن حذافة العدوي؛ لأن له شيخين أبو الوليد وقتيبة، فـ قتيبة وقف عند قوله: خارجة بن حذافة وما أضاف إليها شيئاً، وأما أبو الوليد فزاد وقال: خارجة بن حذافة العدوي، معناه: أن شيخه الأول عندما جاء ذكر خارجة قال: خارجة بن حذافة العدوي، ولهذا قال: [قال أبو الوليد: العدوي] يعني: هذا يبين الفرق بين رواية أبي الوليد وبين رواية قتيبة، وأن أبا الوليد أتى بهذه الإضافة وهي النسب، وقتيبة لم يذكر هذه الإضافة.(172/7)
وقت قضاء صلاة الوتر
يمكن أن يقضى الوتر بعد طلوع الشمس وارتفاعها، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا لم يصل صلاته أو ورده من الليل فإنه يصلي من النهار اثنتي عشرة ركعة؛ لأنه كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فيصلي اثنتا عشرة ركعة حتى لا يكون وتراً في النهار، ولكن مقدار الصلاة أتى به بزيادة ركعة حتى لا يكون قد أوتر بالنهار، فيقضى الوتر شفعاً لمن فاته، وذلك ضحى، فإذا كان يصلي واحدة فإنه يصلي ثنتين، وإذا كان يصلي ثلاثاً فإنه يصلي أربعاً، وإذا كان يصلي خمساً فإنه يصلي ستاً، وإذا كان يصلي سبعاً فإنه يصلي ثمان، وإذا كان يصلي تسعاً فإنه يصلي عشراً، وإذا كان يصلي إحدى عشر فإنه يصلي اثنتي عشرة ركعة، كما كان عليه الصلاة والسلام يفعل، فإنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة، ولكنه يصلي من الضحى قضاءً اثنتي عشرة ركعة، ولا يؤتى بالوتر بين أذان الفجر والإقامة.(172/8)
ما جاء فيمن لم يوتر(172/9)
شرح حديث (الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن لم يوتر.
حدثنا ابن المثنى حدثنا أبو إسحاق الطالقاني حدثنا الفضل بن موسى عن عبيد الله بن عبد الله العتكي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا)].
أورد بعد ذلك أبو داود هذه الترجمة: [فيمن لم يوتر]، يعني: ما حكمه؟ أو ماذا عليه؟ فأورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا)، لكن هذا الحديث ليس بصحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في بعض الأحاديث: (الوتر حق)، ولكن يحمل على أن المقصود به: حق ليس بلازم أو ليس بواجب وأنه متأكد؛ لأنه قد جاء ما يدل على أن الوتر ليس بفرض كما سبق في الحديث الذي أورده المصنف، وكما سيأتي في الأحاديث التي فيها: (خمس صلوات فرضهن الله في اليوم والليلة قال: هل عليّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع)، وحديث معاذ: (فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)، لا يوجد شيء أكثر من هذا، والباقي تطوع، فالوتر ليس بفرض.
وهنا قال: (الوتر حق ومن لم يوتر فليس منا)، وهذا يدل على وجوبه ولزومه، لكن الحديث غير صحيح وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(172/10)
تراجم رجال إسناد حديث (الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا)
قوله: [حدثنا ابن المثنى].
هو محمد بن المثنى العنزي الملقب بـ الزمن، وكنيته أبو موسى، وهو مشهور بكنيته؛ لأنه أحياناً عندما يذكر الحافظ ابن حجر تلاميذه أو الذين رووا عنه، أو يذكر تلاميذ شخص، فيقول: أبو موسى لا يقول: محمد بن المثنى؛ لأنه مشهور بكنيته، فقد يبحث الإنسان عن محمد بن المثنى في تلاميذ شخص هل هو من تلاميذه، فلا يجد محمد بن المثنى، وإنما يجد أبا موسى فقط، فهذا هو محمد بن المثنى المشهور بكنيته، وأيضاً لقبه الزمن، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا أبو إسحاق الطالقاني].
هو إبراهيم بن إسحاق، وهو صدوق يغرب، أخرج له مسلم في المقدمة وأبو داود والترمذي، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، لأنه إبراهيم بن إسحاق وهو أبو إسحاق، وهو ابن إسحاق، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث: (معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه) وفائدة معرفة هذا النوع: ألا يظن التصحيف؛ لأنه لو قيل: ابن إسحاق، أو إبراهيم أبو إسحاق فكله كلام صحيح؛ هو إبراهيم أبو إسحاق وهو إبراهيم بن إسحاق؛ لأن أباه اسمه إسحاق، فهو منسوب، فنسبته ابن إسحاق، وكنيته أبو إسحاق، فإن جاء (أبو) فهو صحيح، وإن جاء (ابن) فهو صحيح.
فهذا يحصل به التخلص من احتمال أو ظن التصحيف لمن عرف ذلك، فإن قيل: إبراهيم بن إسحاق فهو صحيح، وإن قيل: إبراهيم أبي إسحاق فهو صحيح؛ لأنه ممن وافقت كنيته اسم أبيه.
[حدثنا الفضل بن موسى].
الفضل بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن عبد الله العتكي].
عبيد الله بن عبد الله العتكي هو أبو المنيب، وهو صدوق يخطئ، وقد ضعف الحديث به، يعني: بهذا الشخص الذي هو عبيد الله بن عبد الله العتكي، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن عبد الله بن بريدة].
هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو بريدة بن الحصيب رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(172/11)
شرح حديث (خمس صلوات كتبهن الله على العباد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز أن رجلاً من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلاً في الشام يدعى أبا محمد يقول: إن الوتر واجب، قال المخدجي: فرحت إلى عبادة بن الصامت رضي الله عنه فأخبرته، فقال عبادة: كذب أبو محمد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة)].
أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أنه قيل له: إن أبا محمد -رجل في الشام- قال: إن الوتر واجب، فقال: كذب أبو محمد، ومعنى كذب هنا: أخطأ؛ لأنه يأتي في بعض الأحاديث لفظ (كذب) بمعنى: أخطأ، وليس معنى ذلك الكذب الذي هو ضد الصدق، وإنما هو الخطأ ضد الصواب، والمقصود بذلك أنه حصل منه شيء على خلاف الصواب، لا سيما وهو قاله باجتهاد، ومعلوم أن الكذب الذي هو ضد الصدق لا يقال في حق هذا، وإنما يقال في الخبر، وإنما هذا قاله باجتهاده، فقال: كذب أبو محمد، يعني: أخطأ، فهو ضد الصواب، وجاء في أحاديث ذكر (كذب) بمعنى: أخطأ وهذا منها.
قوله: [(خمس صلوات كتبهن الله على العباد)].
والوتر ليس من الخمس الصلوات، إذاً: هو زائد على المفروض.
قوله: [(فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة)].
وكلمة: (استخفافاً) متعلقة بالتضييع، بأن يضيعها استخفافاً، وأما إذا حصل منه شيء خطأ وليس استخفافاً فهو يخالف ذلك، وإنما هنا قيده بالاستخفاف الذي معناه: الاستهانة.
قوله: [(ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة)].
وهذا يستدل به الذين يقولون بأن من ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً ليس بكافر، لكن يمكن أن يُحمل على أن المقصود بقوله: (يأتي بهن) يعني: على التمام والكمال أو كما هو مطلوب، لا أنه تارك لهن أصلاً ولا يسجد لله ولا يركع، وإنما هو تارك للصلاة نهائياً، يعني: ليس هذا من هذا القبيل؛ لأنه جاءت أحاديث تدل على كفر تارك الصلاة، وهذا يمكن أن يحمل على أن المقصود به أنه لم يأت بها كما هو مطلوب منه، وإنما عنده تقصير، فهذا التقصير وهذا النقص الذي منه أمره إلى الله عز وجل.
فالمقصود منه: أنها خمس صلوات والوتر ليس منها.
إذاً: هو شيء ليس بفرض ولا بواجب.(172/12)
تراجم رجال إسناد حديث: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، وهو من صغار التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن يحيى بن حبان].
محمد بن يحيى بن حبان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن محيريز].
هو عبد الله بن محيريز، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المخدجي رجل من بني كنانة].
اسمه أبو رفيع، وهو مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن عبادة بن الصامت].
عبادة بن الصامت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(172/13)
ما جاء في عدد ركعات الوتر(172/14)
شرح حديث: (والوتر ركعة من آخر الليل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كم الوتر.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رجلاً من أهل البادية سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال بأصبعيه: هكذا مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل)].
أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة: [كم الوتر؟] يعني: كم مقداره؟ ومعلوم أن مقداره أقله ركعة واحدة، لو أن إنساناً صلى العشاء وأتى بسنة العشاء ركعتين، ثم أتى بواحدة فهذا أقله، ولكن كونه يزيد ويأتي بأكثر فهذا هو الذي ينبغي، ولكن أقله ركعة، ويمكن أن يكون ثلاثاً، أو خمساً أو سبعاً أو تسعاً أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة أو أكثر من ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان ينقص عن سبع ولا يزيد عن ثلاث عشرة ركعة، وأكثر ما جاء عنه إحدى عشرة صلى الله عليه وسلم.
والوتر يطلق كما أسلفت على الركعة الواحدة إذا أتي بها وحدها أو أتي بها بعد ركعات قبلها، كما يطلق على الثلاث لخروجها مع بعض ولكن ليس كالمغرب، وإنما هي مسرودة سرداً دون تشهد أوسط، أو كذلك سبعاً أو تسعاً أو خمساً كل ذلك يقال له وتر.
أورد فيه أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن رجلاً من أهل البادية سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال بأصبعيه هكذا مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل)، يعني: كون الإنسان يصلي ما شاء من الليل ثنتين ثنتين، ثم بعد ذلك يأتي بركعة في آخر الليل، سواء كانت متصلة بهذه الركعات أو أنه أخرها، فهذا هو الوتر، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: (ركعة توتر له ما مضى)؛ لأن ما مضى شفع، فإذا جاءت هذه الركعة جعلت ما تقدم من الركعات وتراً.
والحديث كما هو واضح يدل على أن الوتر هو في حق الجميع، أما قوله: (يا أهل القرآن) فهو يدل مع هذا الحديث على أن الكل يستحب له أن يوتر؛ لأن هذا أعرابي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، (فقال بأصبعيه: هكذا ثنتين ثنتين، والوتر ركعة من آخر الليل).
قوله: (من آخر الليل) كما هو معلوم إذا كان الإنسان يثق من نفسه أنه يقوم آخر الليل فإنه يؤخر الوتر إلى آخر الليل, وأما إذا كان لا يثق من نفسه أنه يقوم آخر الليل فليوتر قبل أن ينام، كما جاءت بذلك الوصية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة المتفق عليه، وحديث أبي الدرداء الذي أخرجه مسلم: (وأن أوتر قبل أن أنام)، فإذا كان الإنسان يعرف من نفسه أنه سيقوم آخر الليل فليؤخر الوتر إلى آخر الليل، وإن كان لا يعلم فإنه يوتر في أول الليل، ولا يتركه بحيث يطل عليه الفجر وهو لم يوتر، لكنه إن أوتر في أول الليل وهو لم يثق من نفسه أن يقوم آخر الليل، ثم قام، فله أن يصلي ما شاء، لكن لا يوتر مرة ثانية؛ لأن الوتر لا يؤتى به مرتين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وتران في ليلة).(172/15)
تراجم رجال إسناد حديث: (والوتر ركعة من آخر الليل)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا همام].
هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن شقيق].
هو عبد الله بن شقيق العقيلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(172/16)
شرح حديث: (الوتر حق على كل مسلم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الرحمن بن المبارك حدثني قريش بن حيان العجلي حدثنا بكر بن وائل عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الوتر حق على كل مسلم)، وقوله: (حق) ليس معناه الحق الذي هو الواجب، وإنما هو الحق المتأكد.
وقوله: [(على كل مسلم)] يبين لنا أن هذا مطلوب من الجميع، ولكن قوله هناك: (يا أهل القرآن) ليس المقصود به أن غيرهم لا يوتر، وإنما مطلوب منهم أن يوتروا، وأن يختموا صلاتهم بوتر؛ لأنهم هم الذين يشتغلون بصلاة الليل، ويقرءون فيها، فأمروا بأن يوتروا، وأمره لهم بالإيتار لا يدل على أن غيرهم لا يوتر، لأن هذا الحديث يقول: (الوتر حق على كل مسلم)، يعني: حق متأكد وليس بحق واجب، وإنما هو مندوب، وهو من آكد النوافل هو وركعة الفجر.
قوله: [(فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل)].
متصلة أو منفصلة، لكن كونها ثنتين ثنتين ويأتي بركعة هو الأولى.
[(ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل)].
يعني: إما مسرودة مع بعض، أو يصلي ثنتين ثم يتشهد ويسلم، ثم يأتي بركعة ويتشهد ويسلم، والفصل أولى من الوصل؛ لأن الفصل ثبت من قوله وفعله صلى الله عليه وسلم.
[(ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل)].
يعني: بعد ركعتي العشاء يأتي بركعة واحدة فقط ليس معها شيء، فإن ذلك كاف، وهو أقل الوتر وأدناه.(172/17)
تراجم رجال إسناد حديث (الوتر حق على كل مسلم)
قوله: [حدثنا عبد الرحمن بن المبارك].
عبد الرحمن بن المبارك ثقة، أخرج له أبو داود والبخاري والنسائي.
[حدثني قريش بن حيان العجلي].
قريش بن حيان العجلي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود.
[حدثنا بكر بن وائل].
بكر بن وائل صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن يزيد الليثي].
عطاء بن يزيد الليثي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي أيوب الأنصاري].
أبو أيوب الأنصاري مشهور بكنيته، واسمه: خالد بن زيد رضي الله عنه صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.(172/18)
ما جاء فيما يقرأ في الوتر(172/19)
شرح حديث: (كان رسول الله يوتر بسبح اسم ربك الأعلى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقرأ في الوتر.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو حفص الأبار ح وحدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا محمد بن أنس وهذا لفظه عن الأعمش عن طلحة وزبيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل للذين كفروا، والله الواحد الصمد).
أورد أبو داود رحمه الله تعالى ما يقرأ في الوتر، يعني: بعد الفاتحة؛ لأن الفاتحة لا بد منها في كل ركعة، وأورد فيه حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، وهو: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل للذين كفروا) والمقصود بها: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1]، وقد جاء عند النسائي: يعني (قل للذين كفروا) والمقصود بها: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1].
((والله الواحد الصمد)) يعني: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:1 - 2] فهذه الثلاث السور يؤتى بها في هذه الركعات الثلاث التي هي آخر صلاة الليل، ويأتي بها مسرودة لا يجلس بعد الثانية، أو يأتي بها بتشهدين، أي: يصلي ثنتين ثم يتشهد ويسلم، ثم واحدة ثم يتشهد ويسلم، وهذا هو الأولى، وهو الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً في روايات، وجاء أيضاً من قوله: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى).
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل للذين كفروا)، يعني: الركعات الأخيرة من صلاة الليل، يأتي بهذه الثلاث الركعات ويقرأ بهذه الثلاث السور، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1]، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1]، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1].
ولفظ (كان) يدل على المداومة، لكن كما سبق أن أسلفت أنها قد تأتي لغير المداومة، مثل ما جاء في حديث عائشة: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت)، وهو ما حج إلا مرة واحدة عليه الصلاة والسلام، وعبرت بقولها: (كنت).(172/20)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يوتر بسبح اسم ربك الأعلى)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو حفص الأبار ح وحدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا محمد بن أنس].
عثمان بن أبي شيبة وأبو حفص الأبار وإبراهيم بن موسى مر ذكرهم، ومحمد بن أنس صدوق يغرب أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود.
[وهذا لفظه].
أي: لفظ محمد بن أنس الذي هو الطريق الثاني.
[عن الأعمش].
الأعمش مر ذكره.
[عن طلحة وزبيد].
هو طلحة بن مصرف اليامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وزبيد بن الحارث اليامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى].
سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عبد الرحمن بن أبزى وهو صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بن كعب].
أبي بن كعب رضي الله عنه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.(172/21)
شرح حديث: (كان رسول الله يوتر بسبح اسم ربك الأعلى) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن أبي شعيب حدثنا محمد بن سلمة حدثنا خصيف عن عبد العزيز بن جريج قال: سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فذكر معناه، قال: (وفي الثالثة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، والمعوذتين)].
أورد أبو داود حديث عائشة قال عبد العزيز بن جريج: سألت عائشة: بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعني: بأي شيء كان يقرأ في الوتر.
(فذكر معناه) يعني: معنى ما تقدم من {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1]، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1]، وبعد ذلك قال: بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] والمعوذتين، أي: مع بعض يجمعها في ركعة واحدة يسردها.
والحديث فيه كلام من جهة خصيف، ابن جريج فهذا لم يسمع من عائشة، وأن ذكر السماع خطأ من خصيف، ولكن الشيخ الألباني رحمه الله ذكر الحديث في صفة صلاة النبي من طرق عند الحاكم وغيره، وأنه ربما كان قرأ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَبحَدٌ} [الإخلاص:1] وربما أضاف إليها المعوذتين، وذكر الحديث بسند غير هذا الذي عند أبي داود.(172/22)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يوتر بسبح اسم ربك الأعلى) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا أحمد بن أبي شعيب].
هو أحمد بن عبد الله الحراني، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا محمد بن سلمة].
هو الحراني، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا خصيف].
هو صدوق سيئ الحفظ خلط بآخره، أخرج له أصحاب السنن.
[عن عبد العزيز بن جريج].
عبد العزيز بن جريج، هو والد ابن جريج المشهور عبد الملك بن جريج وهو لين، وقال العجلي: لم يسمع من عائشة، وأخطأ خصيف لما صرح بسماعه، أخرج له أصحاب السنن.
يعني: في هذا الحديث الذي قال: (سألت عائشة) معناه: أنه سمعه لأنه سألها، ولكن هذا خطأ، والحديث كما قلت ذكر الألباني أنه خرجه جماعة، ومنهم الحاكم، ولم يذكر رواية أبي داود هذه، لكنها موافقة لتلك الروايات التي أشار إليها، فهي وإن كان فيها ضعف إلا أنها بإضافتها إلى غيرها تدل على صحة ذلك، وأنه يؤتى بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] وحدها، ويؤتى بها ومعها المعوذتان.
[عن عائشة].
أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق، وهي من حفظة السنة وأوعيتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(172/23)
الأسئلة(172/24)
حكم من ينفصل عن الإمام في التراويح في صلاة الوتر
السؤال
يحدث في رمضان في نهاية صلاة التراويح عندما يبدأ الإمام بالوتر أن ينفصل أقوام ولا يصلون معنا، ويقولون: في مذهبنا لا بد أن نصلي ثلاثاً متصلة، وإمامكم يصلي ركعتين ثم واحدة، فهل هذا وارد في المذاهب؟ وهل يحق لهم أن ينفصلوا عن الإمام؟
الجواب
لا يحق لهم أن ينفصلوا عن الإمام، فالإنسان يصلي مع الإمام حتى ينتهي، والأئمة رحمة الله عليهم لا يتصور في حقهم أن بعضهم لا يصلي وراء بعض، وأن بعضهم يترك الصلاة وراء بعض، ولكن هذا شأن المتعصبين، وإلا فإن منهج الأئمة أن بعضهم يصلي وراء بعض، ولا يترك الصلاة وراءه لأنه يخالفه في الطريقة.
ثم أيضاً هذه الصلاة التي يصلونها كالمغرب جاء في الحديث ما يدل على النهي عن هذا، أي: التشبيه بصلاة المغرب؛ فقد جاء ما يدل على النهي عنها، فالانفصال عن الإمام غير سائغ، وهو من التفرد المذموم الذي لا يصلح، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة)، فكونه يستمر معه حتى ينصرف، ويصلي معه تلك الصلاة لا شك أن هذا هو اللائق بالمسلم الناصح لنفسه.(172/25)
حكم أخذ السجاد أو الثوب إذا ترك في الحرم
السؤال
ما حكم أخذ السجادة أو الثوب الذي تركه صاحبه في المسجد الحرام المكي إما نسياناً أو قصداً -والله أعلم- لأنه إن لم تؤخذ هذه السجادة سترمى في المزبلة؟
الجواب
لا أدري عن قضية أن كونها ترمى، لكن لو أنها إذا كانت لها أهمية ولها قيمة يمكن أن الإنسان يعطيها الجهة التي يمكن أن تعطيها لمن يستحقها، وأما كون الإنسان يجد شيئاً ويأخذه فيمكن أن الإنسان يتسرع ويأخذ وما لم يتركه صاحبه، لكن إذا كان مضى عليه وقت ورآه فهذا يمكن أن يعطيه لمن يكون مسئولاً عن تلك الودائع والأشياء التي يمكن أن تعطى لصاحبها، ولا ينبغي له أن يأخذه.(172/26)
حكم لبس البنطلونات الواسعة
السؤال
في بلادنا يلبسون البنطلونات، وبعض الإخوة الملتزمين يلبسون مثلها، ولكنهم يوسعونها قليلاً، حيث تخرج عن كونها ضيقة وواصفة للعورة، ولكن لا تبلغ الوسع الذي يكون كما في سراويل الأتراك، فما حكم استعمال مثل هذه البنطلونات؟
الجواب
والله إذا كان ولابد من لبسها، فاستعمال البنطلونات الواسعة أولى، وهو الذي ينبغي؛ لأن استعمال البنطلونات الضيقة التي تحجم العورة محرم، ولذا فلبس هذه البنطلونات فيه سعة، إذا لم يكن هناك سبيل أو لا يستطيع أن يلبس لباساً إسلامياً مناسباً.
وهل لبس الثوب في مثل هذه الدولة يعتبر من لباس الشهرة؟
الجواب
لا أبداً، ما دام أنه لباساً إسلامياً، فكونه يظهر بهذا المظهر ويبين للناس أن هذا هو مظهر الإسلام، فهذا شيء طيب.(172/27)
المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أهل القرآن أوتروا)
السؤال
ما المقصود بقوله: (يا أهل القرآن) هم الذين يحفظونه فقط؟
الجواب
يبدو أنهم هم الذين يحفظونه ويقرءونه في صلاتهم؛ لأنهم هم الذين يقرءون القرآن في صلاتهم من الليل.(172/28)
حكم القراءة من المصحف في صلاة الليل
السؤال
إذا كان الشخص لا يحفظ من القرآن إلا القليل فهل له أن يحمل المصحف ليقرأ منه، مع وجود التدبر والتفكر في الآيات في قيام الليل؟
الجواب
من يحفظ شيئاً كثيراً من القرآن لا ينبغي أن يستعمل المصحف؛ لأن المصحف فيه شغل ومشغلة، يعني: حمل وتفتيش وتنزيل، ولا يتمكن الإنسان من وضع يديه على صدره التي هي سنة في الصلاة، لكن الإنسان إذا كان مضطراً إلى ذلك بأن يكون إماماً ويصلي بالناس تراويح، ولا يحفظ القرآن فله أن يقرأ من المصحف؛ لما جاء في صحيح البخاري أن مولى لـ عائشة كان يؤمها ويقرأ من المصحف في رمضان، فعند الحاجة لا بأس بذلك، أما كون الإنسان يستعمله في الليل وهو يقرأ، وهو متمكن من قراءة شيء كثير من القرآن، فلا ينبغي له أن يشغل نفسه يحمل المصحف وتنزيله وتفتيشه وفتحه وإغلاقه.(172/29)
حكم من ترك الوتر
السؤال
هل يأثم من ترك الوتر؟
الجواب
التساهل في النوافل قد يؤدي إلى التساهل في الفرائض، والنوافل هي كالسياج والوقاية للفرائض، وأيضاً إذا حصل نقص في الفرائض فإن النوافل تكملها كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سئل عن الذي لا يصلي الوتر فقال: إنه رجل سوء.
فلا يليق بالمسلم أن يتهاون في الرواتب، ولا سيما آكدها وأهمها الذي هو الوتر وركعتا الفجر؛ لأن التساهل في النوافل يؤدي إلى التساهل في الفرائض.(172/30)
حكم من قام آخر الليل وقد أوتر أوله
السؤال
إذا صلى المصلي الوتر في أول الليل، هل له أن يصلي بعده قيام الليل؟
الجواب
الإنسان الذي يعرف أنه سيقوم آخر الليل لا يوتر إلا آخر الليل، والذي يعرف أنه لا يقوم آخر الليل يوتر من أول الليل، لكن إن قام فإنه يصلي ما شاء ولا يوتر مرة ثانية.(172/31)
حكم صلاة الليل
السؤال
جاء في صحيح البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أحد الناس يعذب، فقيل له: ذاك الذي ينام بالليل عن القرآن ولا يعمل به في النهار، وقد آتاه الله القرآن) فإذا ضم هذا الحديث وحديث الباب ألا يدل على وجوب صلاة الليل لحامل القرآن؟
الجواب
صلاة الليل ليست واجبة، كانت واجبة في أول الأمر ذلك، كما جاء في أول سورة المزمل ثم آخرها نسخ أولها، فهو ليس بواجب، ولكن كون الإنسان يصلي الوتر ويأتي به فهذا من الأمور المستحبة.(172/32)
حكم من زاد وضوءه على ثلاث غسلات
السؤال
قال لي شخص: إن الإنسان إذا زاد على ثلاث غسلات في الوضوء فإن وضوءه باطل، فهل هذا صحيح؟
الجواب
ليس بصحيح، وليس بباطل، ولكنه يأثم لأنه حصل منه المخالفة، وعرض نفسه للوعيد الذي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الشيء، ولكن الوضوء يصح، ولا يقال: إنه باطل.(172/33)
حكم الصلاة في ساحة تحيط بها القبور وبينهما سور
السؤال
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يصلى بين القبور، فهل تجوز الصلاة في ساحة بعيدة عن القبور، لكن سور المقبرة محاط بها؟
الجواب
إذا كان يحيط بها سور المقبرة فسواء فيها قبور أو لا فكله لا يصلى فيه؛ لأنها مقبرة، وكل ما كان داخل سور المقبرة يقال له: مقبرة، حتى ولو كان خالياً مهيأ لحفر القبور التي تحتاج إليها، يعني: المقبرة كما هو معلوم فيها فضاء يحفر فيه قبور، فليس للإنسان أن يصلي في هذا الفضاء؛ لأنه يقال: صلى في المقبرة.(172/34)
شرح سنن أبي داود [173]
صلاة الوتر من السنن المؤكدة، وقد اختلف العلماء في مشروعية القنوت فيها لاختلافهم في صحة الآثارة الواردة في ذلك، كما أوضحها الشيخ في هذه المادة.(173/1)
ما جاء في القنوت في الوتر(173/2)
شرح حديث (اللهم اهدني فيمن هديت)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القنوت في الوتر.
حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن جواس الحنفي قالا: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء قال: قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر، قال ابن جواس: في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب القنوت في الوتر.
والمراد به الدعاء في الوتر، فهذا هو المراد بالقنوت، والقنوت يكون في الوتر، يعني: في صلاة الليل في آخرها الذي هو آخر ركعة من الركعات التي تختم بها صلاة الليل، ويكون في الصلوات ولكن في النوازل، وسيأتي عند أبي داود رحمه الله تعالى ما يتعلق بالقنوت في الصلوات، والكلام هنا إنما هو في القنوت الذي هو الدعاء في الوتر.
والقنوت يطلق على عدة معانٍ ومنها: الدعاء، كما أنه يطلق على القيام، وعلى السكوت، وعلى معانٍ كثيرة.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما الذي يقول فيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم علمه كلمات يقولهن في الوتر، وفي بعض الروايات: (قنوت الوتر)، وهي رواية أحد شيخي أبي داود وهو ابن جواس فقال: في قنوت الوتر.
أي: في دعاء الوتر، وهذه الكلمات هي: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت) إلى آخر الدعاء، الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم سبطه الحسن بن علي ليدعو به في وتره.
فهذا يدلنا على مشروعية الدعاء في الوتر، وأن هذا الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى ما يقال، وخير ما يقال؛ لأنه تعليم الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.
وهو دعاء عظيم مشتمل على دعاء لله عز وجل، وسؤال منه أموراً عظيمة، ومطالب كبيرة، ومشتمل على ثناء على الله عز وجل في آخره.
قوله: [(اللهم اهدني فيمن هديت)] (اللهم) معناه: يا ألله، فحذفت ياء النداء وعوض عنها الميم المشددة في الآخر بعد لفظ الجلالة، ولهذا يقولون: لا يجمع بين العوض والمعوض، فلا يقال: يا اللهم؛ لأن الميم المشددة عوضاً عن ياء، فلا يجمع بينها إلا في ضرورة الشعر، كما يقول ابن مالك رحمه الله تعالى في الألفية: والأكثر اللهم بالتعويض وشذ يا اللهم في قريض يعني: في الشعر، والأكثر (اللهم) بالتعويض دون الياء؛ لأنه حصل التعويض عن ياء النداء بالميم المشددة بعد الله.
(اللهم اهدني فيمن هديت) سؤال الهداية هو أعظم المطالب، ولهذا جاء في سورة الفاتحة اشتمالها على طلب الهداية إلى الصراط المستقيم في كل ركعة من ركعات الصلاة، يسأل الإنسان ربه الهداية إلى الصراط المستقيم، وهو أعظم وخير مطلوب.
وطلب الهداية من الله عز وجل يشتمل على أمرين: على التثبيت على ما هو حاصل من الهداية، وعلى طلب المزيد من الهداية، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:17].
(اللهم اهدني فيمن هديت) أي: اهدني واجعلني من المهديين في جملة من هديتهم، كما ذكر الله عن نبيه سليمان عليه الصلاة والسلام حيث قال: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل:19] يعني: في جملة عبادك الصالحين.
قوله: [(وعافني فيمن عافيت)].
طلب المعافاة، وهي الوقاية من كل سوء ومن كل شر، في جملة من عافيته، وحصل له منك المعافاة.
قوله: [(وتولني فيمن توليت)].
يعني: فيمن كنت وليه وموفقه ومسدده.
قوله: [(وبارك لي فيما أعطيت)].
يعني: أنزل البركة واجعلها فيما أعطيتني إياه من كل خير، ومن كل شيء سار، ومن كل ما هو نافع، سواء كان صحة وعافية، أو مالاً، أو علماً، أو ولداً، أو هدىً، كل ما أعطاه الله إياه يسأله أن يبارك له فيه، وأن يجعل فيه البركة.
قوله: [(وقني برحمتك شر ما قضيت)].
يعني: يسأله أن يقيه من الشرور والأخطار، ومن الأضرار التي تنزل، وكل ذلك نراه بقضاء الله وقدره، السبب والمسبب كله بقضاء الله وقدره، ولهذا جاء في الحديث: (ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر)، ومعنى قوله: (لا يرد القدر إلا الدعاء) ليس معنى ذلك أن الذي كتب في اللوح المحفوظ يغير ويبدل؛ لأن كل ما كتب في اللوح المحفوظ فإنه لابد من وقوعه، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22]، {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة:51]، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] فكل شيء مقدر لابد من وقوعه، ولكن الله عز وجل قدر الأسباب والمسببات، فجعل أن الإنسان يحصل له شر، ولكنه قدر سبباً يمنعه من ذلك الشر، فقدر السبب وقدر المسبب، فليس معنى ذلك أن الإنسان كتب عليه مصائب ثم ترفع، ولكن الله قدر أن تكون مصائب ولكنها ترفع بالدعاء، فالسبب مقدر، والمسبب مقدر.
وكذلك صلة الرحم تزيد في العمر، وليس معنى ذلك: أن الإنسان له عمر محدد، وأنه يغير الأجل الذي كتبه الله فيكون الإنسان غيّر الأجل بسبب أنه وصل رحمه، بل الله عز وجل قدر أنه يطول عمره، وقدر أن يكون ذلك بسبب فعل يحصل وهو البر وصلة الرحم، يعني: قدر السبب والمسبب، فالسبب مقدر، والمسبب مقدر، المقصود من الحديث (ولا يرد القدر إلا الدعاء) يعني: أن الله تعالى قدر السبب والمسبب، وجعل المسبب يسلم منه ويتخلص منه بحصول السبب الذي قدره الله وقضاه، والذي شاءه الله وأراده، أي: أن كلاً من السبب والمسبب قد شاءه الله وأراده، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
قوله: [(فإنك تقضي ولا يقضى عليك)].
الله تعالى يقضي كوناً وقدراً، ويقضي شرعاً وديناً، ولا راد لقضائه وقدره، ولا راد لحكمه وتشريعه سبحانه وتعالى.
قوله: [(وإنه لا يذل من واليت)].
يعني: من والاه الله عز وجل فإن له العزة، وليست له الذلة.
قوله: [(ولا يعز من عاديت)].
يعني: من كان عدواً لله فإنه لا يعز، وليس له العزة الحقيقية، وإن وجد شيء من حصول حظوظ دنيوية أو حصول شيء من الغلبة، إلا أن هذا ليس أمراً حقيقياً، بل العز الحقيقي هو عز الطاعة، والعز من الله عز وجل بالطاعة، وما يترتب على الطاعة.
قوله: [(تباركت ربنا وتعاليت)].
هذه لا تقال إلا لله سبحانه وتعالى، فهو الذي تبارك، وهو الذي تعالى، وكل بركة فهي منه سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى هو المِبارك وعبده المُبَارك، والبركة من الله عز وجل، وهو الذي تبارك، وهو الذي تعالى فلا يقال لغيره: تبارك، ولا يقال لغيره: تعالى.
(اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني برحمتك شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، فإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت) تسع جمل جاءت في هذا الحديث الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم سبطه الحسن بن علي، وأوله دعاء، وآخره ثناء؛ لأن (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني برحمتك شر ما قضيت) هذه الخمس كلها دعاء، (فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت) هذا ثناء، خمس جمل دعاء، وأربع جمل في الآخر هي ثناء على الله سبحانه وتعالى.(173/3)
تراجم رجال إسناد حديث (اللهم اهدني فيمن هديت)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
وهو: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأحمد بن جواس الحنفي].
أحمد بن جواس الحنفي، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[قالا: حدثنا أبو الأحوص].
وهو: سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
وهو: عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بريد بن أبي مريم].
وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن أبي الحوراء].
وهو: ربيعة بن شيبان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[عن الحسن بن علي].
الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربع.(173/4)
مسألة الزيادة على القنوت الوارد
ولا بأس بأن يزاد على هذا الدعاء، فقد جاء في بعض الأحاديث زيادة كما سيأتي ذكر ذلك مثل حديث: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) فهذا أيضاً جاء في القنوت.
وكون الإنسان يدعو بأدعية من أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم التي هي جوامع هو الأولى، وهو الذي ينبغي.
وأما رفع اليدين في قنوت الوتر فقد جاء عن بعض الصحابة مثل أبي هريرة، وأما في قنوت النوازل فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه، فترفع الأيدي في قنوت النوازل وفي الوتر؛ لأنه جاء عن بعض الصحابة مثل أبي هريرة رضي الله عنه.(173/5)
شرح حديث (اللهم اهدني فيمن هديت) من طريق أخرى وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد بن النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق بإسناده ومعناه قال في آخره: قال: هذا يقول في الوتر في القنوت، ولم يذكر أقولهن في الوتر.
].
أورد الحديث من طريق أخرى، وليس فيه: (أقولهن) ولكن فيه (هذا يقول) يعني: في القنوت في الوتر، وهو مثل الذي قبله بمعناه وبلفظه، إلا في هذا اللفظ.
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي].
عبد الله بن محمد النفيلي، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا زهير].
زهير بن معاوية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو إسحاق بإسناده ومعناه].
مر ذكر أبي إسحاق ومن فوقه.
[قال أبو داود: أبو الحوراء ربيعة بن شيبان].
وهذا فيه من أبي داود تسمية لصاحب هذه الكنية التي جاءت في الإسناد، وهو الذي يروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب في الإسنادين.(173/6)
شرح حديث (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن هشام بن عمرو الفزاري عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتر: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)].
أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) فهو دليل على أنه يؤتى بهذا الدعاء في الوتر، ويكون في آخره.
وجاء في حديث أنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في ختام الوتر، ولكن الحديث ضعيف، ولكن جاء عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أنه يؤتى بآخر الوتر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء بها ابتداء بناء على ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فإن ذلك حسن، وإلا فإن الحديث في ذلك غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث الذي ذكره المصنف سبق أن جاء في دعاء السجود، وذكرت أن ابن القيم رحمه الله عقد له باباً من أبواب كتاب: (شفاء العليل فيما جاء في القضاء والقدر والحكمة والتعليل) وهو من خير الكتب التي ألفت في القضاء والقدر، واشتمل على ثلاثين باباً، ومن جملة الأبواب الثلاثين باب في ذكر هذا الحديث، وشرحه شرحاً نفيساً جميلاً في ذلك الباب.
قوله: [(في آخر وتره)] يعني: في آخر القنوت.(173/7)
تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد بن سلمة؛ لأنه إذا جاء موسى بن إسماعيل يروي عن حماد غير منسوب فالمراد به ابن سلمة، وقد يأتي ذكر حماد غير منسوب ويراد به حماد بن زيد، ويعرف ذلك بالتلاميذ، فإذا روى موسى بن إسماعيل عن حماد غير منسوب، فالمراد به حماد بن سلمة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن هشام بن عمرو الفزاري].
هشام بن عمرو الفزاري، مقبول، أخرج له أصحاب السنن.
[عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام].
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، يقول الحافظ: له رؤية، وكان من كبار ثقاة التابعين، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن.
[عن علي بن أبي طالب].
علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، والحديث فيه هذا الرجل المقبول الذي قيل: إنه لم يرو عنه إلا حماد بن سلمة، والحديث صححه الألباني في صحيح السنن.(173/8)
شرح حديث (أن رسول الله قنت في الوتر قبل الركوع)
[قال أبو داود: هشام أقدم شيخ لـ حماد، وبلغني عن يحيى بن معين أنه قال: لم يرو عنه غير حماد بن سلمة].
يعني: عن هشام بن عمرو الفزاري.
[قال أبو داود: روى عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه عن أبي بن كعب رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت -يعني: في الوتر- قبل الركوع)].
أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث الذي رواه معلقاً ولم يروه مسنداً، وفيه أن أبي بن كعب ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركوع، ففيه إثبات شيئين: كون النبي صلى الله عليه وسلم قنت، وأنه كان قنوته قبل الركوع، وقنوت النبي صلى الله عليه وسلم من فعله.
وذكر الشيخ الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يأت عن أحد من الصحابة شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم يتعلق بكونه قنت في الوتر إلا عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه.
وهنا أيضاً قال: إنه قنت قبل الركوع، وقد جاء في بعض الأحاديث عند البيهقي أنه قنت بعد الركوع، وذكر ذلك صاحب عون المعبود، وقال: إنه -يعني: القنوت بعد الركوع- يتأيد بفعل أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فإنهما كانا يقنتان بعد الركوع.
وعلى كل فالقنوت بعد الركوع وقبل الركوع كله سائغ وكله جائز، وكله ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأيضاً جاء عن أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما القنوت بعد الركوع.
والحديث أورده أبو داود معلقاً وذكر كلاماً كثيراً حوله، وهذا الكلام يشعر بأنه غير صحيح عند أبي داود أو إن فيه ما فيه، ولكن الحديث صححه الألباني وقال: إنه صحيح، وذكر أنه لم يأت الوتر إلا عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما، وفي هذه الرواية أنه صلى الله عليه وسلم قنت وأن ذلك قبل الركوع.(173/9)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله قنت في الوتر قبل الركوع)
[قال أبو داود: روى عيسى بن يونس].
عيسى بن يونس لم يدركه أبو داود، فهو من طبقة شيوخ شيوخه، وقد مر قريباً حديث يروي فيه أبو داود عنه بواسطة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن أبي عروبة].
سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وسعيد بن أبي عروبة مشهور بالرواية عن قتادة.
[عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه].
سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وأبوه عبد الرحمن بن أبزى صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بن كعب].
أبي بن كعب رضي الله عنه صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(173/10)
طرق متابعات لحديث (أن رسول الله قنت في الوتر قبل الركوع) وتراجم رجال أسانيدها
[قال أبو داود: روى عيسى بن يونس هذا الحديث أيضاً عن فطر بن خليفة عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله].
أورد أبو داود طريقاً أخرى للحديث وفيها فطر بن خليفة، وفطر بن خليفة صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن زبيد].
هو زبيد بن الحارث اليامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب].
هؤلاء قد مر ذكرهم.
قال رحمه الله: [وروي عن حفص بن غياث عن مسعر عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه عن أبي بن كعب رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركوع)].
أورد أبو داود أيضاً طريقاً أخرى معلقة للحديث، وأتى بها بقوله: (روي).
قوله: [عن حفص بن غياث].
حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر].
هو مسعر بن كدام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بن كعب].
هؤلاء قد مر ذكرهم.
[قال أبو داود: وحديث سعيد عن قتادة رواه يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر القنوت ولا ذكر أبياً].
ذكر أبو داود طريقاً أخرى تنتهي إلى عبد الرحمن بن أبزى وليس فيها ذكر القنوت ولا ذكر أبي بن كعب الصحابي الذي جاء في الطريقين السابقتين.
قوله: [وحديث سعيد عن قتادة رواه يزيد بن زريع].
يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد عن قتادة عن عزرة].
هو عزرة بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم].
سعيد وأبوه قد مر ذكرهما.
قال رحمه الله: [وكذلك رواه عبد الأعلى ومحمد بن بشر العبدي وسماعه بالكوفة مع عيسى بن يونس، ولم يذكروا القنوت].
يعني: أن هذه الرواية مثل الرواية السابقة الأخيرة ليس فيها ذكر القنوت.
قوله: [وكذلك رواه عبد الأعلى].
هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومحمد بن بشر العبدي].
محمد بن بشر العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وسماعه بالكوفة مع عيسى بن يونس].
يعني: أنه سمع عيسى بن يونس الذي جاء من طريقه ذكر أبي بن كعب وفيه أنه قنت قبل الركوع، وهذا ليس فيه ذكر القنوت.
قال رحمه الله: [وقد رواه أيضاً هشام الدستوائي وشعبة عن قتادة ولم يذكرا القنوت].
يعني: أنه رواه هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وشعبة بن الحجاج الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة ولكنهما لم يذكرا القنوت.
[قال أبو داود: وحديث زبيد رواه سليمان الأعمش وشعبة وعبد الملك بن أبي سليمان وجرير بن حازم كلهم عن زبيد لم يذكر أحد منهم القنوت إلا ما روي عن حفص بن غياث عن مسعر عن زبيد فإنه قال في حديثه: (إنه قنت قبل الركوع)].
قوله: [وحديث زبيد رواه سليمان الأعمش].
سليمان الأعمش هو سليمان بن مهران الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وشعبة].
شعبة مر ذكره.
[وعبد الملك بن أبي سليمان].
هو عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[وجرير بن حازم].
جرير بن حازم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[كلهم عن زبيد لم يذكر أحد منهم القنوت].
كلام أبي داود هذا يبدو منه أنه يرى عدم ثبوت القنوت؛ لأنه هو الذي ذكر هذا معلقاً ولم يذكره مسنداً في الأصل، ثم جاء بتلك الروايات التي تخالف هذه الرواية.
قوله: [لم يذكر أحد منهم القنوت إلا ما روي عن حفص بن غياث عن مسعر عن زبيد فإنه قال في حديثه: إنه قنت قبل الركوع].
يعني: أنه أثبت القنوت.
[قال أبو داود: وليس هو بالمشهور من حديث حفص؛ نخاف أن يكون عن حفص عن غير مسعر.
قال أبو داود: ويروى أن أبياً رضي الله عنه كان يقنت في النصف من شهر رمضان].
يعني: أنه لم يكن يفعل ذلك دائماً، وهذا كأن فيه شيئاً من جهة الرواية؛ لأنه كان لا يفعله دائماً.(173/11)
شرح أثر (أن أبي بن كعب كان يقنت في النصف الآخر من رمضان) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا محمد بن بكر أخبرنا هشام عن محمد عن بعض أصحابه: (أن أبي بن كعب رضي الله عنه أمهم -يعني: في شهر رمضان- وكان يقنت في النصف الآخر من رمضان)].
وهذا فيه الذي أشار إليه من أن أبياً كان يقنت في النصف الأخير من رمضان، ولكن الإسناد فيه مبهم.
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل].
أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن بكر].
محمد بن بكر هو البرساني، وهو صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام].
هشام هو ابن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد].
هو محمد بن سيرين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بعض أصحابه أن أبي بن كعب أمهم].
أبي بن كعب تقدم ذكره.(173/12)
شرح أثر (أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا شجاع بن مخلد حدثنا هشيم قال: أخبرنا يونس بن عبيد عن الحسن: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع الناس على أبي بن كعب رضي الله عنه فكان يصلي لهم عشرين ليلة، ولا يقنت بهم إلا في النصف الباقي، فإذا كانت العشر الأواخر تخلف فصلى في بيته، فكانوا يقولون: أبق أبي).
قال أبو داود: وهذا يدل على أن الذي ذُكر في القنوت ليس بشيء، وهذان الحديثان يدلان على ضعف حديث أبي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر)].
كل الكلام الذي تقدم توهين للحديث الذي تقدم عند أبي داود، وقد صرح به في الآخر.
وهذا الأثر فيه أن أبياً كان يقنت في النصف الأخير، وأنه ذهب وتركهم في العشر الأواخر، لكن هذا الأثر غير ثابت؛ لأنه منقطع؛ لأن الحسن قال: (إن عمر بن الخطاب) والحسن ولد قبل وفاة عمر بسنتين أو بثلاث، فهو منقطع.(173/13)
تراجم رجال إسناد أثر (أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب)
قوله: [حدثنا شجاع بن مخلد].
شجاع بن مخلد صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود وابن ماجة.
[حدثنا هشيم].
هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا يونس بن عبيد].
يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(173/14)
حكم المداومة على القنوت في الوتر
قال الشيخ الألباني رحمه الله: إنه يقنت أحياناً، قال: وإنما قلت: إنه يقنت أحياناً؛ لأنه لم يأت القنوت إلا عن أبي بن كعب، ولم يأت عن أحد من الصحابة، ولو أنه كان يداوم على ذلك لجاء ذكره عن الصحابة أو عن بعض الصحابة، فكونه جاء عن أبي وحده يدل على أنه لم تكن هناك مداومة عليه، وأنه كان يترك في بعض الأحيان.(173/15)
الدعاء بعد الوتر(173/16)
شرح حديث الدعاء بعد الوتر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الدعاء بعد الوتر.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن أبي عبيدة حدثنا أبي عن الأعمش عن طلحة اليامي عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم في الوتر قال: سبحان الملك القدوس)].
الدعاء بعد الوتر يكون بعد الفراغ من آخر الوتر بعدما يسلم، وكلمة الدعاء هنا فيها تجوز؛ لأنه ليس فيه دعاء وإنما فيه ثناء وذكر لله عز وجل.
قوله: (سبحان الملك القدوس)] هذا ليس دعاء وإنما هو ثناء على الله عز وجل.
فقوله: [في الدعاء] لو قال: الذكر بعد الوتر لكان أوضح؛ لأنه ليس فيه دعاء إلا أن يقال عن الذكر: دعاء عبادة؛ لأن الإنسان عندما يثني على الله عز وجل فهو عبادة لله سبحانه وتعالى.
وسبق أن مر عند أبي داود أنه بوب للدعاء في السجود وللذكر في السجود، وبهذا يكون هناك ذكر وهناك دعاء، فالدعاء سؤال وطلب، والذكر هو ثناء على الله سبحانه وتعالى.
فهو يقول: بعد فراغه من الوتر وبعدما يسلم من ركعة الوتر: (سبحان الملك القدوس)].
وهذا الذكر ورد تكراره وأنه كان يرفع في الأخيرة يمد بها.
قوله: [(القدوس)].
القدوس من أسماء الله عز وجل، وهو الغاية في التنزيه عن كل ما لا يليق بالله سبحانه وتعالى؛ وهو من الأسماء التي فيها التنزيه لله سبحانه وتعالى.
فمقدس يعني منزه.(173/17)
تراجم رجال إسناد حديث الدعاء بعد الوتر
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا محمد بن أبي عبيدة].
هو محمد بن أبي عبيدة بن معن المسعودي وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا أبي].
أبوه أيضاً ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن الأعمش].
هو سليمان بن مهران مر ذكره.
[عن طلحة اليامي].
هو طلحة بن مصرف اليامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ذر].
هو ذر بن عبد الله وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي].
وقد مر ذكرهم.(173/18)
شرح حديث: (من نام عن وتره أو نسيه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عوف حدثنا عثمان بن سعيد عن أبي غسان محمد بن مطرف المدني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره)].
قوله: (من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره)] هذا الحديث لا علاقة له بالترجمة في الدعاء بعد الوتر؛ لأن هذا ليس فيه دعاء ولا علاقة له بالدعاء، وقد قال صاحب عون المعبود: لعل له ترجمة خاصة وأنها قد سقطت بين الباب السابق وبين هذا الحديث.
إذاً: قد يكون له ترجمة تخصه؛ لأنه لا علاقة له بالترجمة السابقة وهي الدعاء بعد الوتر.
هذا الحديث يدل على قضاء الوتر إذا ذكره، ولفظه عام يدل على أنه مثل الصلوات الخمس كما جاء في الحديث: (من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها) لكن جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان إذا أصابه مرض أو لم يتمكن من صلاته بالليل صلى من الضحى ثنتي عشرة ركعة)، وذلك لأنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة بالليل فإذا لم يتمكن كان يصلي ثنتي عشرة ركعة، والحديث في صحيح مسلم وفي غيره.
ومعنى ذلك أنه يأتي بها مشفوعة حتى لا يكون وتراً بالنهار، فيأتي بالمقدار الذي كان يصليه بالليل مع زيادة ركعة يشفع بها ركعة الوتر.(173/19)
تراجم رجال إسناد حديث: (من نام عن وتره أو نسيه)
قوله: [حدثنا محمد بن عوف].
محمد بن عوف ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي.
[حدثنا عثمان بن سعيد].
هو عثمان بن سعيد بن كثير أبو عمرو -الذي يأتي ذكره في الأسانيد عن عمرو بن عثمان عن أبيه- وهو حمصي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي غسان محمد بن مطرف المدني].
عن أبو غسان محمد بن مطرف المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن أسلم].
زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن يسار].
عطاء بن يسار ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد].
أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري مشهور بكنيته أبو سعيد وبنسبته الخدري، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث عام، لكن كون النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في هذا الوقت، فهذا يدل على أنه هو الذي ينبغي أن يفعل به.(173/20)
شرح سنن أبي داود [174]
جاء في الأحاديث النبوية ما يتعلق بمشروعية الدعاء بعد السلام من الوتر، وكذلك بالوتر قبل النوم، هذا لمن خاف ألا يقوم من آخر الليل، وإلا فإن الوتر في آخر الليل هو الأفضل والأكمل، وفيها تحديد وقت الوتر، وأنه يكون في أول الليل ووسطه وآخره، أما مسألة نقض الوتر فقد اختلف العلماء في جواز نقض الوتر أو عدمه.(174/1)
ما جاء في الوتر قبل النوم(174/2)
شرح حديث أبي هريرة (أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن في سفر ولا حضر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الوتر قبل النوم.
حدثنا ابن المثنى حدثنا أبو داود حدثنا أبان بن يزيد عن قتادة عن أبي سعيد من أزد شنوءة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بثلاث لا أدعهن في سفر ولا حضر: ركعتي الضحى، وصوم ثلاثة أيام من الشهر، وألا أنام إلا على وتر)].
كون الإنسان يأتي بوتره قبل أن ينام هذا فيه تفصيل: فإذا كان الإنسان لا يثق أن يقوم آخر الليل فلا ينام إلا وقد أوتر، وأما إذا كان يثق من قيام آخر الليل فيكون وتره في آخر الليل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً).
وقوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر له ما قد صلى).
والوتر يكون في أول الليل ووسطه وآخره، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه أوتر من أول الليل ووسطه وآخره وانتهى وتره إلى السحر)، وأنه مات صلى الله عليه وسلم وكان يوتر في آخر الليل.
إذاً: من وثق بأنه يقوم آخر الليل فليجعل وتره في آخر الليل، ومن لم يكن كذلك فليوتر قبل أن ينام؛ لئلا يعرض وتره للفوات بأن يغلبه النوم فلا يستيقظ إلا بعد أن ينتهي وقت الوتر الذي هو طلوع الفجر.
قوله: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن في سفر ولا حضر: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أنام على وتر)] يعني: أنه يوتر قبل أن ينام، والحديث ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة، لكن ليس فيه ذكر الحضر والسفر، وإنما ثبت عن أبي هريرة في صحيح البخاري ومسلم أنه قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام) وهذا يدل على الاهتمام والعناية بهذه الأمور الثلاثة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بها.
وقول أبي هريرة: [خليلي] لا ينافي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً)؛ لأن هذا من أبي هريرة وليس من الرسول صلى الله عليه وسلم، والمنفي هو كون النبي صلى الله عليه وسلم يتخذ خليلاً، والمثبت هنا كون أبي هريرة اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم خليله، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يتخذ أبا هريرة خليلاً حتى يقال إن فيه معارضة، وغاية ما في الأمر أن أبا هريرة قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم خليلي).
قوله: (ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام)، رواية الصحيحين ليس فيها ذكر الحضر والسفر، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يترك الوتر لا في الحضر ولا في السفر، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه كان يصوم ويفطر في السفر، ولكن حيث وجدت المشقة فالفطر أفضل، وحيث لم توجد فإنه لا بأس بالصيام.
وركعتا الضحى جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة في حديث أم هانئ: (أنه صلى ثمان ركعات وذلك ضحى) فيحتمل أن تكون هي صلاة الضحى ويحتمل أن تكون شكراً لله عز وجل على الفتح الذي حصل له، وهو فتح مكة.(174/3)
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة (أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن في سفر ولا حضر)
قوله: [حدثنا ابن المثنى].
هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بـ الزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو داود].
هو سليمان بن داود الطيالسي ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا أبان بن يزيد].
هو أبان بن يزيد العطار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن قتادة عن أبي سعيد من أزد شنوءة].
أبو سعيد من أزد شنوءة وهو مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
وهذا الرجل الذي جاء في الإسناد وهو مقبول لا يؤثر؛ لأن الحديث جاء في الصحيحين من رواية أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة فالحديث صحيح.(174/4)
شرح حديث أبي الدرداء (أوصاني خليلي بثلاث)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا أبو اليمان عن صفوان بن عمرو عن أبي إدريس السكوني عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن لشيء: أوصاني بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وألا أنام إلا على وتر، وبسبحة الضحى في الحضر والسفر)].
حديث أبي الدرداء مثل حديث أبي هريرة في ذكر الثلاث، وفيه أيضاً ما في حديث أبي هريرة أن سبحة الضحى في الحضر والسفر، لكن الحديث الذي ورد في صحيح مسلم ليس فيه ذكر الحضر والسفر، بل فيه قوله: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث) وذكر الثلاث.
وهذا مثل حديث أبي هريرة ويدل على ما دل عليه حديث أبي هريرة، وهي التوصية بهذه الثلاث.(174/5)
تراجم رجال إسناد حديث أبي الدرداء (أوصاني خليلي بثلاث)
قوله: [حدثنا عبد الوهاب بن نجدة].
عبد الوهاب بن نجدة ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا أبو اليمان].
هو الحكم بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صفوان بن عمرو].
صفوان بن عمرو وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي إدريس السكوني].
أبو إدريس السكوني مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن جبير بن نفير].
جبير بن نفير وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي الدرداء].
هو عويمر بن زيد رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(174/6)
شرح حديث سؤال أبي بكر وعمر متى يوتران
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف حدثنا أبو زكريا يحيى بن إسحاق السيلحيني حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لـ أبي بكر رضي الله عنه: (متى توتر؟ قال: أوتر من أول الليل، وقال لـ عمر رضي الله عنه: متى توتر؟ قال: آخر الليل، فقال لـ أبي بكر: أخذ هذا بالحزم، وقال لـ عمر: أخذ هذا بالقوة)].
عرفنا في الحديثين السابقين أن للإنسان في الوتر حالتين: إن كان يثق من نفسه أن يقوم آخر الليل فإنه يوتر آخر الليل، وإن كان لا يثق من نفسه أن يقوم آخر الليل فعليه أن يوتر قبل أن ينام.
إذاً الذي تقتضيه الأدلة وتدل عليه أن الإنسان يكون على هاتين الحالتين، وقد مرت جملة من الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تتعلق بالوتر قبل النوم، ومنها حديث أبي هريرة السابق: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث وذكر منها: وأن أوتر قبل أنام).
قوله: عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي بكر: متى توتر؟ فقال: في أول الليل، وقال لـ عمر: متى توتر؟ فقال: في آخر الليل، فقال عليه الصلاة والسلام في حق أبي بكر: (أخذ هذا بالحزم) وقال في حق عمر: (أخذ هذا بالقوة) أي: أن كلاً منهما ممدوح ومحمود على فعله.
وقوله: (أخذ هذا بالحزم) يعني: ضبط الأمور والحذر من فوات الشيء ومن عدم الإتيان بالمطلوب وهو الوتر؛ لأن الإنسان إذا أوتر قبل أن ينام فقد اطمأن إلى أنه أدى ما هو مطلوب منه.
ومعلوم أن الوتر يكون في أول الليل ووسطه وآخره، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أوتر من أول الليل ووسطه وآخره، فكل ذلك سائغ، وكل ذلك جاءت به السنة.
قوله: (أخذ هذا بالقوة) والقوة هي النشاط.
إذاً: الذي أخذ بالحزم والذي أخذ بالقوة كل منهما محمود.
والحديث يدلنا أيضاً على أن الوتر يكون أول الليل ويكون آخره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر هذا وأقر هذا، وكان صلى الله عليه وسلم يوتر من أول الليل ومن وسطه ومن آخره.(174/7)
تراجم رجال إسناد حديث سؤال أبي بكر وعمر متى يوتران
قوله: [حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف].
محمد بن أحمد بن أبي خلف ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود.
[حدثنا أبو زكريا يحيى بن إسحاق].
أبو زكريا يحيى بن إسحاق وهو صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا حماد بن سلمة].
حماد بن سلمة وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ثابت].
هو ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن رباح].
عبد الله بن رباح وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي قتادة].
هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(174/8)
الأسئلة(174/9)
حكم التغني بالدعاء في الوتر وترتيله
السؤال
ما حكم التغني بالدعاء في الوتر وترتيله مثل القرآن وأحكام التجويد فيه؟
الجواب
مسألة التجويد والتغني بالدعاء في الوتر كالقرآن، نقول: يؤتى به بدون تغن وبدون تجويد.(174/10)
حكم التتابع في صيام الست من شوال
السؤال
هل يجوز أن تصام الست من شوال على فترات متقطعة، أم يجب أن تكون متتالية؟
الجواب
الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال) فاللفظ عام يشمل شوال كله، سواء كانت متصلة أو متفرقة، ولكن المبادرة أولى؛ لأن فيها مسارعة إلى الخير، ولأن فيها الأخذ بالحزم، والإنسان إذا بادر بصيامها لا يعرض تلك الأيام للذهاب، بخلاف ما لو أخرها فقد تأتي عوارض ومشاغل فتمنع الإنسان من صيامها لاسيما إذا كان في آخر الشهر، لكنه إذا بادر يكون قد أدى هذا الأمر المستحب.
وهذا فيما إذا لم يكن عليه صوم من رمضان، أما إذا كان عليه صوم من رمضان فإنه يبادر إلى قضاء ما عليه ولا يأتي بالنوافل قبل أداء ما عليه من الفرض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال)، والذي عليه صيام من رمضان لا يقال: صام رمضان؛ لأن ذمته لا زالت مشغولة بشيء من رمضان.
ثم أيضاً صيام الفرض دين على الإنسان، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (دين الله أحق أن يقضى) فكونه يبادر إلى قضاء الدين قبل أن يشتغل بالنوافل هذا أمر مطلوب، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري قال: قال بعض الأكابر: من شغله الفرض عن النفل فهو معذور، ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور.
يعني: المغرور من يترك ما أوجب الله عليه ويأتي بشيء لم يوجبه الله عليه.(174/11)
حكم الصلاة خلف قبر النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور، ألا يدخل في ذلك الصفوف التي خلف قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
تعمد الصلاة خلف قبره صلى الله عليه وسلم سواء في الصف أو بدون صف لا يجوز، وكون الإنسان لا يدري هل هو وراء القبر أو لا لا يؤثر، ولكن المحذور هو أن يتعمد الصلاة خلف القبر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها).
فتعمد استقبال القبر مثل الذين يذهبون إلى المكان الذي يسمونه دكة الأخوات فيجلسون عليه ويتركون الصفوف الأول ويأتون مبكرين، فهؤلاء بلا شك متعمدون للوقوع فيما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كانوا يعلمون ذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها).(174/12)
حكم القنوت قبل الركوع بدعاء الختم في الركعتين اللتين قبل ركعة الوتر
السؤال
ما حكم القنوت قبل الركوع بدعاء الختم وذلك في الركعتين قبل الوتر، ثم يقوم للثالثة وهي الوتر فيقنت قنوت الوتر، فيكون هناك دعاء ختم ودعاء قنوت وتر؟
الجواب
القنوت قبل الركوع وبعده كل ذلك سائغ، وسواء حصل فيه ختم إذا كان قبل الركوع أو حصل ختم القنوت قبل الركوع وبعده فكله سائغ، لكن أن يأتي بدعاء قبل الركوع ودعاء بعده، فلا نعلم لدعاء الختم شيئاً يدل عليه، ولكن بعض العلماء يجيزه ومنهم شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه؛ لأنه يرى أن دعاء ختم القرآن لا بأس به، ويذكر أن مما يدل عليه ما جاء في قصة أبي بكر رضي الله عنه حيث رفع يديه وهو قائم عندما قال له صلى الله عليه وسلم: (مكانك) لما أراد أن يتأخر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء وهو يصلي بالناس، وكان لا يريد أن يكون إماماً للنبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يتأخر فقال له صلى الله عليه وسلم: (مكانك! فرفع يديه وقال: اللهم لك الحمد) قال: فهذا من جملة ما يدل على مثل هذا؛ لكن نحن لا نعلم فيه دليلاً خاصاً يدل على ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عن بعض العلماء فعله وجوازه.
إذاً: إذا حضر الإنسان دعاء الختم فعليه أن يصلي وراء من يختم ولا يتخلف عن الصلاة عنه، ولو كان يرى أن ذلك غير سائغ أو غير ثابت؛ لأن الموافقة في مسائل الخلاف أمر مطلوب.
بل هناك شيء أعظم من هذا وهو أن بعضهم يرى أن هذا ينقض الوضوء وهذا لا ينقض الوضوء ويصلي هذا وراء هذا؛ لأنه لا يسوغ التفرق ولا تسوغ المخالفة.(174/13)
حكم الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وسؤال الوسيلة له من المؤذن
السؤال
هل للمؤذن إذا أكمل الأذان أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل الله له الوسيلة والفضيلة مثل المستمع؟
الجواب
نعم له ذلك، لكن لا يكون بالمكبر، ولا بصوت الأذان، وإنما بينه وبين نفسه مثل الناس، فالأذان لا يزاد عليه شيء ولا يؤتى بشيء يرفع معه، وإنما يؤتى بألفاظ الأذان وحدها دون أن يضاف إليها شيء، لكنه يقول ذلك بينه وبين نفسه كغيره.(174/14)
حكم جهر المأموم بالتأمين
السؤال
هل يجهر المأموم بالتأمين بعد الفاتحة، أم يكفي الإسرار به؟
الجواب
للمأموم أن يجهر بالتأمين.(174/15)
حكم الهجر وضوابطه
السؤال
بعض الإخوان في بلدنا هجر شخصاً لكونه يتعامل مع بعض المؤسسات التي عليها ملاحظات في المنهج، فهل هذا الهجر صحيح، وبعضهم يستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله).
الجواب
الهجر لا ينبغي أن يكون إلا لأمر يقتضيه، ثم مع وجود الأمر الذي يقتضيه إنما يكون حيث يترتب عليه فائدة ويترتب عليه مصلحة، وهي انتفاع المهجور بهجر الهاجر، أما إذا كان لا يترتب عليه مصلحة فالأولى عدم هجره وكثرة توجيهه وإرشاده وتكرار نصحه ولعله يستفيد من ذلك.(174/16)
حكم صوم من دخل إلى جوفه شيء بدون اختياره
السؤال
رجل أدخل المسواك في فمه فدخلت شعرة من شعرات السواك إلى جوفه بغير قصد فحاول إخراجها فلم يستطع، فهل يبطل صومه؟
الجواب
لا يبطل صومه؛ لأن الشيء الذي دخل من غير اختياره لا يضره.(174/17)
الفرق بين لبس الإحرام ونية التلبس بالنسك
السؤال
يقول: أردنا أن نذهب إلى العمرة ولبسنا لباس الإحرام في منازلنا في المدينة، ولكن لم نلب فكنا نظن أن السيارة ستقف في الميقات، ولكن تجاوزت ونحن لا نشعر، فهل يكفي لباسنا في المنزل أو علينا شيء آخر؟
الجواب
لا يكفي لباس الإحرام؛ لأن الإحرام ليس هو النية، إنما النية تكون عند الميقات ولو وجدت النية قبل الميقات صح، والإحرام إنما يكون بالنية لا بمجرد لبس اللباس، وكون الإنسان يلبس اللباس ويتهيأ للإحرام هذا استعداد للإحرام وليس إحراماً، فلا يكفي ذلك، بل لابد من النية سواء عند الميقات أو قبل الميقات؛ لأنه لو وجدت النية قبل الميقات صح ذلك.(174/18)
حكم خروج المذي أثناء الصوم
السؤال
هل خروج المذي يفسد الصوم؟
الجواب
خروج المذي لا يفسد الصوم.(174/19)
ما جاء في وقت الوتر(174/20)
شرح حديث متى كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في وقت الوتر.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال: قلت لـ عائشة رضي الله عنها: (متى كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قالت: كل ذلك قد فعل، أوتر أول الليل ووسطه وآخره، ولكن انتهى وتره حين مات إلى السحر)].
يعني: وقت الوتر يكون من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر هذا وقت الوتر.
قوله: [(متى كان يوتر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كل ذلك قد فعل، أوتر أول الليل ووسطه وآخره، ولكن انتهى وتره حين مات إلى السحر)] أي: أنه كان يوتر من أول الليل ومن وسطه ومن آخره، ولكنه في آخر حياته صلى الله عليه وسلم وقرب وفاته كان يوتر في السحر، أي: آخر الليل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وهذا يدلنا على أن الوتر يكون في الليل كله، بعد صلاة العشاء أول الليل، ومن وسطه، وآخره.(174/21)
تراجم رجال إسناد حديث متى كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
هو أحمد بن عبد الله بن يونس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو بكر بن عياش].
أبو بكر بن عياش وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسلم].
هو مسلم بن صبيح أبو الضحى وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسروق].
هو مسروق بن الأجدع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: قلت لـ عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(174/22)
شرح حديث: (بادروا الصبح بالوتر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن أبي زائدة حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (بادروا الصبح بالوتر)].
قوله: (بادروا الصبح بالوتر)] يعني: بادروا بالوتر قبل أن يأتي الصبح وأنتم لم توتروا؛ لأنه إذا طلع الصبح انتهى وقت الوتر.
وهذا يدل على أن وقت الوتر يكون في آخر الليل، كما أنه يكون في أوله وفي وسطه.(174/23)
تراجم رجال إسناد حديث: (بادروا الصبح بالوتر)
قوله: [حدثنا هارون بن معروف].
هارون بن معروف ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود.
[حدثنا ابن أبي زائدة].
هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عبيد الله بن عمر].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.(174/24)
شرح حديث (سألت عائشة عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد عن معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس قال: (سألت عائشة رضي الله عنها عن وتر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالت: ربما أوتر أول الليل، وربما أوتر من آخره، قلت: كيف كانت قراءته، أكان يسر بالقراءة أم يجهر؟ قالت: كل ذلك كان يفعل، ربما أسر وربما جهر، وربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام).
قال أبو داود: وقال غير قتيبة: تعني في الجنابة].
قوله: [(سألت عائشة عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ربما أوتر من أول الليل، وربما أوتر من آخره)] أي: أنه يوتر من أول الليل أحياناً، ويوتر من آخره أحياناً، وسبق حديثها الذي فيه أنه أوتر من أوله ووسطه وآخره، وأنه انتهى وتره إلى السحر في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على أن وقت الوتر يكون في أول الليل ويكون في آخره.
قوله: [(قلت: كيف كانت قراءته، أكان يسر بالقراءة أم يجهر؟ فقالت: ربما أسر وربما جهر)] أي: أنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر أحياناً ويسر أحياناً، وهذا على حسب الفائدة والمصلحة، فإن الذي يصلي بالليل يمكن أن يكون جهره في بعض الأحيان أنشط، وذلك حيث لا يتأذى بجهره أحد، ويمكن أن يطيل الإنسان القراءة ويتعب فيحتاج إلى الإسرار، وأيضاً قد يكون حوله من يتأذى بجهره فيسر، فالحاصل أنه يراعى في ذلك المصلحة، فيجهر في صلاة الليل ولكنه إذا اقتضى الأمر الإسرار فإنه يسر، وإلا فإن صلاة الليل يجهر بها، ولهذا أسر النبي صلى الله عليه وسلم وجهر.
قولها: [(وربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام)].
أي: أنه يغتسل من الجنابة أحياناً وينام، وأحياناً يتوضأ وينام دون أن يغتسل.(174/25)
تراجم رجال إسناد حديث (سألت عائشة عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث بن سعد].
هو الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معاوية بن صالح].
معاوية بن صالح وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن أبي قيس].
عبد الله بن أبي قيس وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[قال: سألت عائشة].
عائشة قد مر ذكرها.(174/26)
ذكر الوضوء أو الاغتسال من الجنابة قبل النوم عن غير قتيبة
[قال أبو داود: وقال غير قتيبة: تعني في الجنابة].
يعني: أنه ذكر الاغتسال والوضوء ولم يذكر الجنابة في رواية قتيبة، وفي رواية غير قتيبة ذكر أنه اغتسل ونام أو توضأ ونام حيث تكون عليه جنابة.
لكن جاء ما يدل على أنه يرخص للجنب أن ينام من غير وضوء ولا اغتسال.(174/27)
شرح حديث (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبيد الله حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)].
قوله: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)] يعني: أن الوتر يكون في آخر الليل كما يكون في أوله، وتختم به صلاة الليل، وهو مثل ما جاء في الحديث: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى).(174/28)
تراجم رجال إسناد حديث (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله حدثني نافع عن ابن عمر].
عبيد الله ونافع وابن عمر قد مر ذكرهم.(174/29)
ما جاء في نقض الوتر(174/30)
شرح حديث (لا وتران في ليلة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في نقض الوتر: حدثنا مسدد حدثنا ملازم بن عمرو حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق قال: زارنا طلق بن علي رضي الله عنه في يوم من رمضان وأمسى عندنا وأفطر، ثم قام بنا الليلة وأوتر بنا، ثم انحدر إلى مسجده فصلى بأصحابه، حتى إذا بقي الوتر قدم رجلاً فقال: أوتر بأصحابك.
فإني سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا وتران في ليلة)].
قوله: [باب في نقض الوتر] المقصود بنقض الوتر كون الإنسان إذا أوتر في أول الليل ثم قام في آخر الليل فإنه يأتي بركعة مفردة يضمها إلى الركعة السابقة التي ختم بها صلاته الأولى، فيكون بفعله هذا كأنه نقض الوتر الأول؛ لأنه جاء بركعة متأخرة أضيفت إليه وضمت إليه فصار بذلك كأن الوتر لم يوجد.
هذا هو المراد بنقض الوتر، وقد قال به بعض أهل العلم، ولكن جمهورهم على خلافه، وأبو داود رحمه الله لما أورد هذه الترجمة أورد الحديث الذي يدل على خلافه، في أنه لا يجوز نقض الوتر، لكن لو صلى الإنسان أول الليل وأوتر ثم بدا له أن يصلي بعد ذلك فإنه يصلي ولا يوتر.
ومما يدل على ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض الأحيان بعدما يوتر يصلي ركعتين وهو جالس، وهذا فيه دلالة على أن الصلاة بعد الوتر جائزة.
إذاً: أبو داود لم يأت بشيء يدل على هذه الترجمة بل أتى بشيء يدل على خلافها، وهو أنه لا ينقض الوتر؛ لأن هذا النقض إنما هو تكرار للوتر، فالقول بأن هذا نقض للوتر ليس بواضح.
قوله: [أن طلق بن علي اليمامي رضي الله عنه جاء إلى جماعة وفيهم ابنه علي بن طلق وأفطر عندهم وصلى بهم وأوتر، ثم انحدر إلى قومه وصلى بهم، ولما بقي الوتر قدم واحداً من أصحابه وقال: أوتر بأصحابك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا وتران في ليلة] يعني: أنه لا يريد أن يوتر لأنه قد أوتر، وهذا يدلنا على أن الإنسان إذا أوتر في أول الليل أو في أثناء الليل ثم قام في آخر الليل فله أن يصلي ما شاء من النوافل شفعاً، ولكنه لا يوتر مرة أخرى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا وتران في ليلة) يعني: أن الليلة الواحدة ليس فيها وتران بل فيها وتر واحد.(174/31)
تراجم رجال إسناد حديث (لا وتران في ليلة)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا ملازم بن عمرو].
هو ملازم بن عمرو اليمامي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا عبد الله بن بدر].
هو عبد الله بن بدر اليمامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
[عن قيس بن طلق].
هو قيس بن طلق بن علي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
[عن طلق بن علي].
هو طلق بن علي اليمامي وهو صحابي، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
وهذا الإسناد فيه أربعة كلهم يماميون وكلهم أخرج لهم أصحاب الكتب الأربعة، وهم: ملازم وعبد الله بن بدر وقيس بن طلق وطلق بن علي.
والله تعالى أعلم.(174/32)
القنوت في الصلوات(174/33)
شرح حديث أبي هريرة في القنوت في الظهر والعشاء والصبح
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب القنوت في الصلوات: حدثنا داود بن أمية حدثنا معاذ -يعني ابن هشام - حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: والله لأقربن لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الصبح، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين].
هذه الترجمة: [باب القنوت في الصلوات] أي: القنوت في النوازل وليس القنوت في الوتر؛ لأنه انتهى ما يتعلق بالوتر والقنوت فيه، فبدأ بما يتعلق بالقنوت في الصلوات المفروضة، والقنوت في الصلوات المفروضة إنما يكون في النوازل وذلك في الصلوات الخمس كلها، وليس القنوت خاصاً بصلاة دون صلاة، بل هو ثابت في جميع الصلوات.
قوله: [لأقربن لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر وصلاة العشاء وصلاة الصبح، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين] هذا يدل على أن القنوت في الصلوات سائغ، ولكنه إنما يكون في النوازل لا يكون دائماً وأبداً، ولا يكون في صلاة دون صلاة، وإنما يكون في جميع الصلوات، ومنها الجمعة لأنها بدل الظهر.
والنوازل هي المصائب أو البلاء الذي ينزل بالمسلمين والخطر الذي يحدق بالمسلمين.
وإذا قنت في صلاة سرية فإنه يجهر به.(174/34)
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في القنوت في الظهر والعشاء والصبح
قوله: [حدثنا داود بن أمية].
داود بن أمية ثقة أخرج له أبو داود وحده.
[حدثنا معاذ يعني ابن هشام].
هو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني أبي].
أبوه هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي كثير].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.(174/35)
صفة الدعاء في النوازل للمؤمنين والدعاء على الكافرين
قوله: [فيدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين].
الدعاء يكون على حسب النازلة وعلى حسب ما يتعلق بها، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو لأناس ويدعو على أناس -كما سيأتي- بأسمائهم، فلقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو لأناس من المستضعفين ويدعو على أناس من الكفار الذين يؤذونهم.
أما اللعن العام كما هو معلوم فسائغ؛ وذلك لقوله تعالى: {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]، {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] يعني: أن اللعن بالوصف جاء في القرآن والسنة.(174/36)
شرح حديث القنوت في الصبح والمغرب
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد ومسلم بن إبراهيم وحفص بن عمر ح وحدثنا ابن معاذ حدثني أبي قالوا كلهم: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن البراء رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقنت في صلاة الصبح -زاد ابن معاذ -: وصلاة المغرب)].
قوله: [إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقنت في صلاة الصبح وصلاة المغرب] هذا مثل الذي قبله إلا أنه هناك ذكر الظهر والعشاء والفجر، وهنا ذكر الفجر والمغرب، فتكون الأربع الصلوات ذكرت في هذين الحديثين.(174/37)
تراجم رجال إسناد حديث القنوت في الصبح والمغرب
قوله: [حدثنا أبو الوليد].
هو هشام بن عبد الملك الطيالسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومسلم بن إبراهيم].
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحفص بن عمر].
هو حفص بن عمر بن سخبرة وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[ح وحدثنا ابن معاذ].
هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثني أبي].
أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قالوا كلهم].
أي: الأربعة الذين هم: أبو الوليد الطيالسي ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي وحفص بن عمر ومعاذ بن معاذ العنبري هؤلاء الأربعة قالوا: حدثنا شعبة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن مرة].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ليلى].
هو عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن البراء].
هو البراء بن عازب رضي الله عنهما وهو صحابي ابن صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.(174/38)
شرح حديث القنوت في صلاة العتمة شهراً
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة العتمة شهراً يقول في قنوته: اللهم نج الوليد بن الوليد، اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف، قال أبو هريرة: وأصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فلم يدع لهم، فذكرت ذلك له فقال: وما تراهم قدموا؟)].
قوله: (قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة شهراً)].
صلاة العتمة هي العشاء، وهذا يوافق حديثه المتقدم أنه قنت في الظهر والعشاء والفجر، وهذا فيه أنه قنت شهراً يدعو لأناس وعلى أناس، يدعو للوليد بن الوليد وسلمة بن هشام ثم عطف عليهم لفظاً عاماً حيث دعا للمستضعفين من المسلمين؛ لأن هؤلاء مستضعفون، فسمى من سمى وعم بعد ذلك بحيث يشملهم ويشمل غيرهم.
وهذا فيه دليل على أن الدعاء لشخص أو لأشخاص بأسمائهم لا يؤثر في الصلاة وأنه لا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماهم فلان بن فلان، وكذلك الدعاء على أناس بأسمائهم لا بأس به.
قوله: [(اللهم نج الوليد بن الوليد، اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين)].
يعني: أنه صلى الله عليه وسلم دعا لهؤلاء المستضعفين بأن ينجيهم الله ويخلصهم من أعدائهم الذين يؤذونهم في سبيل الله عز وجل.
قوله: (اللهم اشدد وطأتك على مضر)] أي: اللهم اشدد وطأتك على مضر الذين يؤذون هؤلاء المستضعفين.
قوله: [(واجعلها عليهم سنين كسني يوسف)].
أي: قحطاً وجدباً كالسنين الشداد السبع التي جاءت في قصة يوسف والرؤيا التي رآها الملك، والمقصود بذلك أن ينزل فيهم من البلاء ومن الشدة ما يضعفهم ويجعلهم لا يتمكنون من إيذاء المسلمين المستضعفين الذين كانوا يؤذنونهم في سبيل الله عز وجل.
قوله: [(قال أبو هريرة: وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يدع لهم، فذكرت ذلك له فقال: وما تراهم قدموا؟)].
يعني: أن أبا هريرة رضي الله عنه أصبح يوماً ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو كعادته فذكر ذلك له، فذكر له عليه الصلاة والسلام أنهم قد قدموا وخلصهم الله من أعدائهم.(174/39)
تراجم رجال إسناد حديث القنوت في صلاة العتمة شهراً
قوله: [حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم].
عبد الرحمن بن إبراهيم لقبه دحيم وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا الوليد].
هو الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأوزاعي].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة].
وقد مر ذكر الثلاثة.(174/40)
شرح حديث القنوت في جميع الصلوات شهراً
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي حدثنا ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة، يدعو على أحياء من بني سليم: على رعل وذكوان وعصية، ويؤمِّن من خلفه)].
قوله: [(قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس شهراً متتابعاً)] يعني: ظل شهراً كاملاً يقنت في الصلوات الخمس على قبائل من بني سليم.
قوله: [(على رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه)] يعني: أنه يجهر بالدعاء ومن وراءه يؤمن، وهذا فيه الدلالة على الجهر بالقنوت، وأن الذين وراء الإمام يؤمنون على دعائه الذي يدعو به، وفيه دليل على القنوت في جميع الصلوات.
وقنوت النوازل ثبت فيه رفع اليدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما قنوت الوتر فلم يأت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء فيما أعلم، ولكنه جاء عن بعض الصحابة مثل أبي هريرة.(174/41)
تراجم رجال إسناد القنوت في جميع الصلوات شهراً
قوله: [حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي].
عبد الله بن معاوية الجمحي ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[حدثنا ثابت بن يزيد].
ثابت بن يزيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هلال بن خباب].
هلال بن خباب صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(174/42)
اختلاف قصة حديث أبي هريرة وحديث ابن عباس
إن حديث أبي هريرة الأول وحديث ابن عباس هذا يدلان على أن قصتهما مختلفة، لأن في الحديث الأول أنه كان يدعو للمستضعفين وعلى مضر، أما في الثاني فكان يدعو على قبائل من سليم، وهؤلاء غير هؤلاء.
أما التقييد بشهر في الحديث الأول والثاني فلا يعني أن تقيد به جميع النوازل، ولكن إذا ارتفعت النازلة ولو بوقت يسير ترك الدعاء، كما جاء في قصة أبي هريرة أنه قنت شهراً ثم أصبح لم يدع؛ وذلك لأن الذين كان يدعو لهم قدموا.
والقيد هنا لبيان الواقع الذي قد حصل.(174/43)
معنى قوله (في دبر كل صلاة)
قوله: [في دبر كل صلاة].
يعني: في آخرها، وذلك في الركعة الأخيرة؛ لأن دبر الشيء هو آخره أو ما يلي آخره، وأدبار الصلوات هي أواخرها وما يلي أواخرها، ولهذا يأتي التعبير بالدبر فيما هو داخل الصلاة في آخرها وفيما هو بعدها، مثل ما جاء في الحديث: (تكبرون وتهللون وتسبحون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين) أي بعد الصلاة، فيقال له: دبر، وفي هذا الحديث الذي معنا قال: [دبر كل صلاة] يعني: في آخر ركعة منها بعد الركوع.(174/44)
شرح حديث (هل قنت رسول الله في صلاة الصبح؟ فقال نعم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن محمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل: (قنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الصبح؟ فقال: نعم، فقيل له: قبل الركوع، أو بعد الركوع؟ قال: بعد الركوع، قال مسدد: بيسير)].
قوله: [(سئل: هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ فقال: نعم، فقيل له: قبل الركوع أو بعد الركوع؟ قال: بعده بيسير)].
جاء في صحيح البخاري: (يسيراً) يعني: أنه قنت قليلاً بعد الركوع، ومفهومه: أنه قنت كثيراً قبل الركوع.
وكلمة: (يسير) المراد بها القنوت بعد الركوع.
حديث ابن عباس يدل على أن القنوت بعد الركوع، وحديث أنس يدل على أنه يكون قبل الركوع وبعد الركوع؛ لأن قوله: (يسيراً) يفهم منه ذلك، وقد جاء مصرحاً عنه أنه لما قيل له: (إنك تقول: إنه بعد الركوع، قال: كذب فلان) كما في صحيح البخاري.
وكون القنوت بعد الركوع كان يسيراً قليلاً والأكثر قبل الركوع، هذا الذي يفهم من حديث أنس، لكن حديث ابن عباس أنه قنت شهراً متتابعاً، وهذا على حسب علم أنس، لكن رواية البخاري: (قنت يسيراً) وضحت قول أنس (بيسير).
والقنوت قبل الركوع أو بعده جائز، وكذلك في الوتر، إلا أن أكثر الروايات جاءت في أن القنوت بعد الركوع، وهناك الروايات جاءت قبل الركوع كما في الوتر، ولكنه جاء عند البيهقي من طريق شخص يقال له: أبو بكر بن شيبة -وهو من رجال البخاري - أنه قبل الركوع، وأنه بعد الركوع في الوتر.
قال في عون المعبود: مما يقويه ويدل عليه فعل الخلفاء الراشدين الأربعة فإنهم كانوا يقنتون بعد الركوع.
وأنا كنت أفهم أن معنى قوله: (بيسير) أنه كان يسكت قليلاً بعد الركوع حتى يقول: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ثم يدعو، لكن لما رأيت في البخاري قوله: (قنت يسيراً بعد الركوع)، وشرحها الحافظ ابن حجر بقوله: يفهم منه أنه كان يقنت كثيراً قبل الركوع، تبين لي المقصود من ذلك.(174/45)
تراجم رجال إسناد حديث (هل قنت رسول الله في صلاة الصبح؟ قال نعم)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومسدد].
مسدد مر ذكره.
[قالا: حدثنا حماد].
هو حماد بن زيد وهو ثقة، إذا جاء سليمان بن حرب ومسدد كل منهما يروي عن حماد غير منسوب فالمراد به حماد بن زيد.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد].
هو محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.(174/46)
شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً ثم تركه) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا حماد بن سلمة عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قنت شهراً ثم تركه)].
قوله: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً ثم تركه)] سبق أن مر أنه تركه لحصول المقصود، ففي حديث أبي هريرة: (أنهم قدموا).
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا حماد بن سلمة].
مر ذكرهما.
[عن أنس بن سيرين].
أنس بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
أنس بن مالك مر ذكره.
وأعلى الأسانيد عند أبي داود الرباعيات وهذا منها.(174/47)
شرح حديث (فلما رفع رأسه من الركعة الثانية قام هنية) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا بشر بن مفضل حدثنا يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين قال: حدثني من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة (فلما رفع رأسه من الركعة الثانية قام هنية)].
قوله: [(فلما رفع رأسه من الركعة الثانية قام هنية)].
لعل المراد بهذا أنه قام هنية ليقنت.
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا بشر بن مفضل].
بشر بن مفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يونس بن عبيد].
مر ذكره.
[عن محمد بن سيرين].
مر ذكره.
قوله: [عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم].
مذكور في المبهمات أنه أنس بن مالك.(174/48)
فضل التطوع في البيت(174/49)
شرح حديث (احتجر رسول الله في المسجد حجرة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضل التطوع في البيت.
حدثنا هارون بن عبد الله البزاز حدثنا مكي بن إبراهيم حدثنا عبد الله -يعني: ابن سعيد بن أبي هند - عن أبي النضر عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: (احتجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد حجرة، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج من الليل فيصلي فيها، قال: فصلوا معه بصلاته -يعني رجالاً- وكانوا يأتونه كل ليلة، حتى إذا كان ليلة من الليالي لم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتنحنحوا ورفعوا أصواتهم، وحصبوا بابه، قال: فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مغضباً فقال: يا أيها الناس! ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أن ستكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة)].
قوله: [باب في فضل صلاة التطوع في البيت] وردت أحاديث كثيرة تدل على أن صلاة النافلة في البيوت أفضل من صلاتها في المساجد؛ وذلك لأن البيوت لها نصيب من الصلاة، وأيضاً لأن الصلاة في البيوت أبعد عن الرياء؛ لأن فيها إخفاء العمل، ولا يحصل ذلك إلا في البيت بخلاف المسجد.
إذاً: جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في أحاديث عديدة بفضل الصلاة في البيت وأنها أفضل من الصلاة في المسجد إلا المكتوبة؛ لأن صلاة الجماعة واجبة ولا يجوز للإنسان أن يتخلف عنها، ولهذا قال: [(إلا المكتوبة)].
واستثنى العلماء من النوافل ما تشرع لها الجماعة غير المكتوبة مثل: الكسوف، والعيدين، والاستسقاء، وغيرها، ومثل: التراويح أيضاً فإنها تشرع لها الجماعة في رمضان، وكون الإنسان يأتي ويصلي مع الناس صلاة التراويح أولى من كونه يصلي في بيته.
قوله: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجر حجرة)] يعني: أنه اتخذ مكاناً في المسجد وجعل فيه حصيراً كما جاء في بعض الروايات الصحيحة، وصلى فيها فجاء الناس وصلوا بصلاته، وبعد ذلك تتابعوا، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج عليهم ذات ليلة وقد اجتمعوا وكثروا، فظنوا أنه نائم فجعلوا يتنحنحون ويرفعون أصواتهم حتى يسمعوه، وأيضاً حصبوا الباب، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم مجيئهم، ولكنه عليه الصلاة والسلام كما وصفه الله: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] خشي أن يفرض عليهم قيام رمضان.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أن يصلوا في بيوتهم، وألا يأتوا إلى المسجد، وأن صلاتهم في البيوت أفضل من صلاتهم في المسجد، وأخبر بأن الذي منعه من ذلك أنه خشي أن تفرض عليهم، وأنه ما خفي عليه مكانهم، ولا خفي عليه مجيئهم، ولم يكن نائماً بل كان مستيقظاً، وهذا من شفقته ومن رأفته بأمته عليه الصلاة والسلام.
ولكنه لما توفي عليه الصلاة والسلام، وانتهى التشريع، واستقرت الأحكام، علم بأن ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام من الصلاة في رمضان جماعة مستحبة، وأنه ما ترك الاستمرار فيها إلا خشية أن تفرض على الأمة، وقد زال ذلك المحذور بوفاته صلى الله عليه وسلم، فعند ذلك أعاد عمر رضي الله عنه الناس إلى هذه السنة التي هي الإتيان بصلاة قيام الليل في رمضان جماعة في المسجد.(174/50)
تراجم رجال إسناد حديث (احتجر رسول الله في المسجد حجرة)
قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله البزاز].
هو هارون بن عبد الله البزاز الحمال وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا مكي بن إبراهيم].
مكي بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله -يعني ابن سعيد بن أبي هند -].
هو عبد الله بن سعيد بن أبي هند وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي النضر].
أبو النضر سالم المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بسر بن سعيد].
بسر بن سعيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن ثابت].
زيد بن ثابت رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(174/51)
شرح حديث (اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله أخبرنا نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبوراً)].
قوله: [(اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم)] يعني: اجعلوا لها نصيباً من الصلاة؛ ليحصل فيها الخير والبركة بسبب هذه العبادة، وأيضاً فيه البعد عن الرياء.
قوله: [(ولا تتخذوها قبوراً)] يعني: لا تجعلوها مثل المقابر؛ لأن المقابر لا يصلى فيها، وليست مكاناً للصلاة، فلا تجعلوا البيوت كذلك بحيث لا يصلى فيها، بل يكون لها نصيب من الصلاة.
إذاً: قوله: [(اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً)] معناه: لا تجعلوها شبيهة بالمقابر التي هي ليست أماكن للصلاة، والتي منع من الصلاة فيها، بل الصلاة في البيوت مطلوبة ومرغب فيها، وهي أفضل من الصلاة في المساجد بالنسبة للنوافل.
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله أخبرنا نافع عن ابن عمر].
كل هؤلاء مر ذكرهم.(174/52)
الأسئلة(174/53)
حكم الصلاة خلف من يقنت في الصلوات في غير النوازل
السؤال
بعض الأئمة في المذاهب يرون القنوت في الفجر، فهذا سائل يقول: في بلادنا نحن على مذهب الإمام مالك والأئمة يقنتون كل يوم في صلاة المغرب، فهل نصلي معهم؟
الجواب
نعم يصلي الإنسان وراء من يقنت في الصلوات ولو لم يكن ذلك في النوازل، ولا يترك الصلاة وراءهم، فالمسائل الخلافية لا تمنع المسلم من أن يصلي وراء أخيه المسلم من أجل أنه خالفه في مسألة من المسائل، لاسيما في المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها العلماء.
إذاً: يصلي الرجل خلف غيره ولو كان يخالفه ولا يترك الصلاة وراءه؛ لأنه فعل فعلاً يرى أن الحق بخلافه، وكما ذكرت مراراً وتكراراً أن هناك مسائل خلافية عظيمة، فمنهم من يقول: هذا ينقض الوضوء وهذا لا ينقض الوضوء، ومع ذلك يصلي هذا خلف هذا، فإذا صليت وراء إنسان يقنت في الفجر أو في غيره بناءً على مذهب من المذاهب فلا بأس بذلك ولا تترك الصلاة، لكن إذا كنت أنت الإمام فلا تفعل الشيء الذي لم تثبت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(174/54)
وجه أفضلية صلاة النافلة في البيت على صلاتها في الحرمين
السؤال
هل صلاة النافلة في البيت أفضل من تأديتها في الحرمين؟
الجواب
الإنسان الذي يصلي في المسجد النبوي ثم يذهب ويصلي في بيته النافلة أفضل من صلاته في المسجد النبوي، وقد مر بنا حديث في هذا وفيه: (أفضل من صلاته في المسجد) وهو عند أبي داود، ولكن هذا في حق من يتمكن من الصلاة في المسجد النبوي ولكنه يؤخر الراتبة ويصليها في البيت، أما من لا يصلي في المسجد النبوي، وإنما يصلي في مسجد من مساجد المدينة ثم هو يصلي في بيته، لا يقال: إنه صلاته أفضل من الصلاة في المسجد النبوي؛ لأنه لم يصل الفريضة في المسجد النبوي ولم يتمكن من النافلة فيه، ولكنه أخرها إلى مكان جاءت السنة بأنه أفضل، فهي أفضل من المسجد الذي صلى فيه الفريضة، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج ويصلي بالناس في مسجده وإذا فرغ من الصلاة انصرف إلى بيته وصلى الراتبة التي بعد الصلاة في بيته عليه الصلاة والسلام.(174/55)
شرح سنن أبي داود [175]
لقد فتح الله تعالى لعباده أبواب رحمته الواسعة بترغيبهم في بعض الأعمال الفاضلة التي يعظم للمرء أجرها، ومن جملة هذه الأعمال طول القيام والقراءة في الصلاة، وصلاة المرء في جوف الليل مع أهله، والإكثار من قراءة القرآن الكريم، والاجتماع لمدارسته وتلاوته، كل ذلك يعود أجره العظيم على عامله، وبشر العاملين.(175/1)
طول القيام(175/2)
شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: طول القيام.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج: حدثني عثمان بن أبي سليمان عن علي الأزدي عن عبيد بن عمير عن عبد الله بن حبشي الخثعمي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: طول القيام.
قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل.
قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر ما حرم الله عليه.
قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بماله ونفسه.
قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: من أهريق دمه وعقر جواده)].
قوله: [باب طول القيام] أي: طول القيام في الصلاة، وهذا فيما يتعلق بصلاة الليل والإطالة فيها وقراءة القرآن فيها؛ لأنه مع طول القيام تطول القراءة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في صلاة الليل يطيل كما جاء في بعض الأحاديث: (أنه قرأ البقرة والنساء وآل عمران).
قوله: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: طول القيام)].
وجاء في بعض الروايات: (أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القيام)، وهذا هو الذي يناسب المقام؛ لأن هذا التفضيل إنما هو لبعض أجزاء الصلاة، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث.
إذاً: صلاة الليل يطال فيها القيام، خاصة إذا كان الإنسان يصلي وحده، فإنه يطول ما شاء ويكثر من قراءة القرآن.(175/3)
معنى جهد المقل
قوله: [(قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل)] يعني كون الإنسان ينفق على قدر طاقته وعلى قدر وسعه، فمن كان عنده شيء قليل وجاد به فهذا من خير الصدقة، وجاء -أيضاً- في بعض الأحاديث: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) يعني أنه يكثر من الإنفاق لكثرة المال ووجود المال، فهو ينفق منه كثيراً، وكل منهما له فضل يخصه وعلى قدره، فمن أنفق عن قلة وجاد وآثر وليس عنده إلا الشيء القليل فلا شك في أن عمله هذا من أفضل الأعمال، ويدل على غنى النفس، ومن كان عنده المال الكثير وأنفق وأكثر من الإنفاق فهو على خير، وهو من أفضل الأعمال.(175/4)
معنى هجر ما حرم الله
قوله: [(قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر ما حرم الله عليه)].
يعني أن كون الإنسان يهجر المحرمات ويبتعد عنها خير عظيم، وهذه هجرة عظيمة، وقد جاء في بعض الأحاديث: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) يعني: هذا هو المهاجر حقاً، أو هذه هي الهجرة حقاً.
كذلك لو تمكن الإنسان من أن يترك بلد الشرك إلى بلد الإسلام فإن هذا من هجر ما نهى الله عنه وإذا كان لا يتمكن من أداء الشعائر وأداء القربات فإنه ينتقل، ومن المعلوم أن جهاد النفس ومجاهدة النفس والهجرة التي هي ترك المعاصي تابع لها، وجهاد الأعداء إنما يكون تابعاً لجهاد النفس، ومن لم يجاهد نفسه فإنه لا يجاهد الأعداء كما ينبغي، وإن وجد منه الجهاد ووجد منه النكاية بالعدو، ومعلوم أن من يقدم على الجهاد في سبيل الله عز وجل إنما يكون ذلك نتيجة لمجاهدة نفسه.(175/5)
معنى جهاد المشركين بالمال والنفس
قوله: [(قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بماله ونفسه)].
يعني: بذل النفس والنفيس في سبيل مقاتلة المشركين، ومعلوم أن مجاهدة المشركين إنما تكون بعد مجاهدة النفس؛ لأن من لا يجاهد نفسه لا يحصل منه مجاهدة المشركين على الوجه الذي ينبغي، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لما سئل: (الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) يعني: من كان قصده إعزاز الإسلام ونصرة المسلمين، وإذلال الشرك والمشركين فهو في سبيل الله، وهذا إنما يكون بعد مجاهدة النفس، ولا يتمكن من الجهاد كما ينبغي إلا بمجاهدة النفس، وقد يوجد القتال والنكاية بالعدو وغير ذلك، كما في قصة الرجل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر)، وكان قد أثنى عليه الصحابة وقالوا: إنه عمل كذا وعمل كذا، وإنه حصل منه ما حصل من النكاية بالأعداء، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (هو من أهل النار)، فتبعه أحد الصحابة لينظر ما وراءه، فوجده قد أصيب بجرح في يده فجزع فوضع أصل السيف على الأرض وذبابته على صدره وتحامل عليه فقتل نفسه، فيأتي الرجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ويخبرهم بالذي قد حصل، فيقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر).
لكن هذا على خلاف الأصل، ومن النادر والقليل، ولكن الجهاد الذي يكون فيه نكاية بالعدو إنما يكون بعد مجاهدة النفس؛ لأن جهاد غير النفس تابع لجهاد النفس.(175/6)
إهراق الدم وعقر الجواد في سبيل الله عز وجل
قوله: [(قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: من أهريق دمه وعقر جواده)].
يعني: من قتل في سبيل الله وعقر جواده بأن أصيب في نفسه وفي مركوبه فهذا أشرف القتل وأفضله.(175/7)
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حجاج].
هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: قال ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عثمان بن أبي سليمان].
عثمان بن أبي سليمان ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[عن علي الأزدي].
هو علي بن عبد الله البارقي الأزدي، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبيد بن عمير].
عبيد بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن حبشي الخثعمي].
عبد الله بن حبشي الخثعمي رضي الله عنه صحابي، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.(175/8)
الفرق بين إطالة القيام والقراءة وإطالة السجود وفضلها
إطالة القراءة القيام لا شك في أنها عظيمة وكذلك إطالة السجود، فإنه يطال ويكثر فيه من الدعاء، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، وقال: (أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم) لكن إطالة القيام تكون أكثر من إطالة السجود.(175/9)
الحث على قيام الليل(175/10)
شرح حديث (رحم الله رجلاً قام من الليل)
قال الصنف رحمه الله تعالى: [باب الحث على قيام الليل.
حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى عن ابن عجلان حدثنا القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)].
قوله: [باب الحث على قيام الليل] يعني الحث على قيام الليل والترغيب فيه، والتعاون بين الزوجين على ذلك، وحث الرجل لمحارمه يلحق بذلك، وهو من التعاون على البر والتقوى والتعاون على الخير، ومن الترغيب في الخير، ومن مجاهدة النفس، ومن مساعدة بعض أهل البيت لبعض.
قوله: [(رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت -أي: ما استجابت له- نضح في وجهها الماء)] يعني: نضح في وجهها الماء حتى يذهب عنها النوم، وحتى تفعل هذا الشيء الذي أراده منها، وهو الصلاة بالليل.
وقوله: [(رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)] أي أن من كان منهما أنشط في العبادة وأسرع إلى القيام فإنه يحرص على إفادة الآخر، سواءٌ الرجل أو المرأة، الزوج أو الزوجة، وإذا ما حصلت الاستجابة بالكلام فينضح أحدهما الماء على وجه الآخر من أجل أن يذهب عنه النوم ويهب ويقوم، وهذا من التعاون على البر والتقوى.
ووجه إيراد هذا الحديث تحت هذه الترجمة أن فيه حثاً على قيام الليل، وكون أحد الزوجين يقوم ويصلي ويحرص على أن يقوم رفيقه وصاحبه فيصلي معه، ففيه حث على قيام الليل.(175/11)
تراجم رجال إسناد حديث (رحم الله رجلاً قام من الليل)
قوله: [حدثنا محمد بن بشار].
هو محمد بن بشار البصري الملقب بـ بندار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عجلان].
هو محمد بن عجلان، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا القعقاع بن حكيم].
القعقاع بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي صالح].
هو: ذكوان السمان الزيات، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
ونضح الماء على ظاهره، لكن يكون برفق، ولا يكون بشدة وبغلظة، ولا يصب المرء ماء كثيراً يزعج، وإنما ينضح بشيءٍ يسير، حتى يجعل صاحبه يقوم من فراشه.(175/12)
شرح حديث (من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن الأعمش عن علي بن الأقمر عن الأغر أبي مسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعاً كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات)].
قوله: [(من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات)] أي: سواءٌ أكان إماماً وهي مأمومة، أم صلى كل واحد منهما بمفرده، فالمهم أن توجد الصلاة منهما جميعاً، إما عن طريق الجماعة أو عن طريق انفراد كل واحد منهما بصلاته.
قوله: [(كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات)] يعني: هذا فيه تفسير لما جاء في القرآن في قوله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35] فهذه الآية فيها ذكر عشرة أصناف من الرجال والنساء، وآخرهم الذاكرون الله كثيراً والذاكرات، فالسنة تفسر كتاب الله عز وجل.
فكون الزوجين يقومان في الليل ويصليان والناس نيام يدل على أنهما ليسا من الغافلين، بل من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.
ويدخل فيه الرجل مع محارمه من النساء، والمرأة مع محارمها من الرجال، فكون الرجل يوقظ زوجته ويوقظ بناته، أو البنت توقظ أمها أو أباها لا بأس به.(175/13)
تراجم رجال إسناد حديث (من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته)
قوله: [حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع].
محمد بن حاتم بن بزيع ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا عبيد الله بن موسى].
عبيد الله بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شيبان].
هو شيبان بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علي بن الأقمر].
علي بن الأقمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأغر أبي مسلم].
الأغر أبو مسلم ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة].
أبو سعيد هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأبو هريرة مر ذكره.(175/14)
ثواب قراءة القرآن(175/15)
شرح حديث (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في ثواب قراءة القرآن.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)].
قوله: [باب: في ثواب قراءة القرآن] يعني: عظم أجرها وجزيل ثوابها عند الله عز وجل.
قوله: [(خيركم من تعلم القرآن وعلمه)] يعني: خيركم وأفضلكم من عمل بالقرآن تعلماً وتعليماً على الوجه الذي ينبغي، بأن يتعلم القرآن ويتدبر ما فيه، وأن يستنبط ما فيه ويعمل به، وكذلك بعد أن يتعلم القرآن يعلمه لغيره، فيكون مستفيداً مفيداً وعالماً معلماً.
وقد قال ابن الأعرابي -كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري-: لا يكون الرجل ربانياً حتى يكون عالماً عاملاً معلماً، فيتعلم القرآن ويتعلم أحكامه ويعلم ذلك.
ومما يتبع ذلك تعلم العلوم الأخرى التي يحتاج إليها في معرفة القرآن، وفي معرفة الأحكام، وكذلك السنة التي تشرح القرآن وتفسره وتدل عليه؛ لأن خير ما يفسر به القرآن القرآن، وكذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالله تعالى في كتابه آيات تفسر آيات أخرى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته يفسر الآيات ويبين المراد منها ويشرحها، ثم بعد ذلك يفسر القرآن بأقوال الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم وعلى منوالهم.
فهذا حديث عظيم يدل على فضل العناية بالقرآن حفظاً وتعلماً وتعليماً وتلاوة وعملاً، وفيه الجمع بين الإفادة والاستفادة، كونه يتعلم ليستفيد ويعلم ليفيد، فيكون نفعه ليس قاصراً، بل متعد، فهو ينتفع وينفع، ويستفيد ويفيد، ويهتدي ويهدي، ويَرْشُد ويُرشِد.
قوله: [(خيركم من تعلم القرآن وعلمه)].
يعني: خير الناس من تعلم القرآن وعلمه، والخيرية على إطلاقها.
ولا يوجد تعارض بين تعلم القرآن وبين الجهاد في سبيل الله؛ لأنه يمكن أن يتعلم الإنسان القرآن في أوقات ويجاهد في أوقات، ويجمع بينهما، وكل منهما عمل عظيم، ولكن الجهاد وكل الأعمال إنما تعرف عن طريق القرآن وعن طريق السنة التي هي شارحة القرآن ودالة على القرآن؛ لأن الأعمال الصحيحة إنما تكون مبنية على علم، والعلم إنما يكون من الكتاب والسنة، يقول الله عز وجل: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:3] يعني: آمنوا عن علم وبصيرة {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3].
وإذا كان هناك حلقات علم فيها تجويد القرآن وقراءته فيمكن الإنسان أن يتفق مع شخص عنده قدرة في القراءة ليحضر عنده في أوقات محددة وأوقات معينة؛ حتى يتقن القراءة ويجيدها، ولكن لا تكون المداومة والملازمة إلا بالاشتغال بعلم الكتاب والسنة والعلوم التي تخدمهما وتوضحهما وتبينهما؛ لأن هذه تحتاج إلى مداومة وإلى استمرار، وإلى إنفاق الأوقات والساعات في تحصيل تلك العلوم التي لابد منها.(175/16)
تراجم رجال إسناد حديث (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علقمة بن مرثد].
علقمة بن مرثد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن عبيدة].
سعد بن عبيدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عبد الرحمن].
هو أبو عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عثمان].
هو عثمان بن عفان أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، ذو النورين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(175/17)
شرح حديث (من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجاً يوم القيامة ضوؤ أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم، فما ظنكم بالذي عمل بهذا؟)].
قوله: [(من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجاً يوم القيامة ضوؤ أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم)] يعني أن ذلك التاج أحسن إضاءة من ضوء الشمس لو كانت في البيوت.
قوله: [(فما ظنكم بالذي عمل بهذا)].
يعني: إذا كان هذا الفضل العظيم يكون لوالديه فلا شك في أن من عمل به يكون أعظم أجراً وفضلاً من والديه، ويحصل له أعظم مما يحصل لوالديه.
والحديث ضعيف؛ لأن فيه ز زباناً وهو ضعيف، أما شيخه سهل فلا بأس به إلا في رواية زبان عنه فإنها ضعيفة، وعلى هذا فالحديث ضعيف لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(175/18)
تراجم رجال إسناد حديث (من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجاً)
قوله: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح].
هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أخبرنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يحيى بن أيوب].
هو يحيى بن أيوب الغافقي المصري، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زبان بن فائد].
زبان بن فائد ضعيف، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن سهل بن معاذ الجهني].
سهل بن معاذ لا بأس به إلا في رواية زبان عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبيه].
أبوه هو معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي وابن ماجة.(175/19)
المراد بقوله (من قرأ القرآن)
هذا الحديث على فرض صحته يحتمل أن يكون المراد منه أن يحفظه، ويحتمل مجرد القراءة، لكن الذي يتمكن من قراءته تماماً هو من يحفظه؛ لأن من يحفظه يقرؤه راكباً وماشياً ونائماً وفي جميع الأحوال، بخلاف الذي لا يحفظه، فإنه لا يتمكن من قراءته إلا في بعض الأحوال، وذلك عندما يكون هناك ضوء، وعندما يكون معه المصحف، وعندما يكون جالساً متفرغاً، أما من يكون حافظاً للقرآن فإنه يقرأ على وضوء وبغير وضوء وراكباً وماشياً، فقراءة القرآن في حقه أمرها واسع.(175/20)
شرح حديث (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام وهمام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه وهو يشتد عليه فله أجران)].
قوله: [(الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه وهو يشتد عليه)] يعني: يشق عليه كما جاء في بعض الروايات: (وهو عليه شاق).
قوله: [(له أجران)] يعني: الذي يقرأ وهو عليه شاق يحصل على أجرين، وأعظم منه الذي هو ماهر به، وهو الذي يقرؤه بسهولة ويسر، ويكثر من قراءته.
وقوله: [(مع السفرة الكرام البررة)] يدل على علو منزلته وأنه يكون معهم، والسفرة هم الملائكة، فمعيته معهم أنه يذكر في الملأ الأعلى مع هؤلاء الأخيار ومع هؤلاء الأطهار، فثوابه عظيم ولا حد لثوابه، وإذا كان الذي يقرؤه وهو عليه شاق له أجران فكيف بالذي هو ماهر به ويقرؤه بسهولة ويسر، ويكثر من قراءته وفهمه وتدبره وتعلمه وتعليمه؟!(175/21)
تراجم رجال إسناد حديث (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وهمام].
هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زرارة بن أوفى].
زرارة بن أوفى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن هشام].
سعد بن هشام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد فيه هشام وهمام وقتادة وزرارة بن أوفى وسعد بن هشام، وكلهم أخرج لهم أصحاب الكتب الستة، والحديث نفسه اتفق أصحاب الكتب الستة على إخراجه، فقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.(175/22)
عدم دلالة الحديث على عدم وجوب التجويد
هذا الحديث بعينه لا يدل على عدم وجوب التجويد والتجويد لا يجب ويدل على هذا حديث ابن مسعود الذي قال فيه: (أهذاً كهذّ الشعر ونثراً كنثر الدقل؟!! لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأن النظائر سورتين في ركعة) إلى آخر الحديث الصحيح.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: لا خلاف بين أهل العلم في أن قراءته بدون ترتيل قراءة شاذة، ولكنها بالترتيل أفضل وأولى.(175/23)
شرح حديث (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)].
هذا الذي ذكره أبو داود هنا هو جزء من حديث أورده مسلم في صحيحه، وأوله: (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
وهذا الحديث من جملة أحاديث الأربعين النووية التي اختارها الإمام النووي، والأربعون النووية هي من جوامع كلم الرسول صلى الله عليه وسلم، والحافظ ابن رجب رحمة الله عليه أضاف إليها ثمانية أحاديث؛ لأن النووي أتى باثنين وأربعين فسميت بالأربعين تغليباً وليست تحديداً، بل هناك حديثان زائدان على الأربعين، وابن رجب أتى بثمانية هي من جوامع الكلم منها: (ألحقوا الفرائض بأهلها)، ومنها: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، وأحاديث أخرى جامعة، وشرحها في كتاب نفيس سماه: (جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم) وهذا الكتاب من أنفس الكتب، وهو كتاب مليء بآثار السلف وكلام السلف في معنى الأحاديث.
والحديث الذي أورده هنا حديث عظيم، والجملة التي أوردها تتعلق بالقرآن.
قوله: [(ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله)] بيوت الله هي المساجد، قيل: ويلحق بها دور العلم والأماكن التي تخصص للعلم ونشر العلم.
قوله: [(ويتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم)] يعني: يقرءون كتاب الله، سواءٌ أكانت هذه القراءة بأن يقوم شخص ويقرأ ويفسر أو غيره يفسر، أم أنهم يجتمعون بحيث يقرأ واحد منهم مقداراً من القرآن ويستمع الباقون، ويكون هناك شخص يصوب قراءته ويبين ما عليه من ملاحظات، كل ذلك يدخل تحت التدارس، وكذلك تأملُ ما فيه ومعرفةُ ما فيه وتدبرُ ما فيه.
قوله: [(إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة)] يعني أن الملائكة تحضر مجالس العلم ومجالس الذكر.
قوله: [(وذكرهم الله فيمن عنده)] يعني: يذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة في الملأ الأعلى.
إذاً: فالملائكة تحف بهم والله تعالى يذكرهم عند الملائكة المقربين، وهذا من أعظم الثواب وحصول الرضا من الله سبحانه وتعالى.(175/24)
ارتباط القرآن بالسنة والعقيدة وسائر الأحكام
ودروس الفقه والعقيدة والحديث لها نصيب من هذا الفضل؛ إذ معلوم أن القرآن فيه العقيدة وفيه الفقه، وفيه القصص، وفيه الأحكام المختلفة، كل ذلك موجود في القرآن، ومما هو معلوم أيضاً أن القرآن لا يستغنى به عن السنة، ولا يقتصر به عن السنة، بل لابد من القرآن ولابد من السنة، ومن استغنى بالقرآن عن السنة فإنه ترك الحق وأعرض عن الحق، ومن أنكر السنة ولم يأخذ بما فيها فإنه منكر للقرآن؛ لأن القرآن يقول الله تعالى فيه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، ولهذا قالت المرأة لـ ابن مسعود لما قال: (لعن الله النامصة والمتنمصة، وما لي لا ألعن من لعنه الله في كتاب الله؟) قالت: إني قرأت المصحف ما وجدت فيه: (لعن الله النامصة والمتنمصة) فقال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]).
وكيف يتعبد الإنسان بالقرآن دون السنة، والسنة هي التي بينت القرآن؟! فكيف عرف الناس مقدار الزكاة؟ وما هو النصاب في الزكاة؟ إن ذلك لا يوجد في القرآن، فالقرآن جاء فيه ذكر الزكاة إجمالاً، ولكن تفاصيلها وبيان مقاديرها وأنواعها ومقدار الزكاة في كل الأنواع جاء بيانه في السنة، فالذي لا يأخذ بالسنة كيف يؤدي الزكاة؟! بل كيف يصلي؟! إذ ليس في القرآن أن صلاة الظهر أربع ركعات، والفجر ركعتان، والعشاء أربع.
إذاً: من ينكر السنة منكر للقرآن، ومن كذب بالسنة فقد كذب القرآن، وهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر.(175/25)
تراجم رجال إسناد حديث (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا أبو معاوية].
هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة].(175/26)
حكم قراءة القرآن جماعة ووجه الاستدلال بالحديث
إن قراءة القرآن على صوت واحد وباجتماع على القراءة ليس فيه تدبر، وإنما فيه متابعة الآخرين حتى لا يسبقهم ولا يتأخر عنهم.
فكل واحد يلاحظ أن يكون مع الآخر، كما يحصل في بعض البلاد حيث يجتمعون ثم يقرءون بصوت واحد، فتراهم يهذونه هذاً كهذ الشعر، فهذا الفعل لا يدخل تحت هذا الحديث وما جاء فيه؛ لأن فعلهم هذا ليس فيه تدارس.
أما استدلال من يفعلون ذلك بكلمة (يتلون) فهذه الكلمة لا تدل على ذلك، أما تعليم الصغار فليس به بأس، أعني كون الإنسان يقرأ عليهم وهم يقولون مثله، إذا لم يتمكن من أن يقرأ كل واحد على حدة؛ لأنه قد لا يتيسر ذلك دائماً.(175/27)
شرح حديث (أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب حدثنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق، فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين بغير إثم بالله عز وجل ولا قطع رحم؟ قالوا: كلنا يا رسول الله قال: فلأن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وإن ثلاث فثلاث، مثل أعدادهن من الإبل)].
قوله: [(أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق؟)] هما واديان بالمدينة، ولعلهما مكان لاجتماع الإبل.
قوله: [(فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين)] الكوماء هي العظيمة السنام، أما الزهراء فهي التي تميل إلى البياض من كثرة السمن.
قوله: [(بغير إثم بالله عز وجل ولا قطع رحم؟)].
يعني كونه يحصل عليهما من غير أن يكون عن طريق سرقة، أو عن طريق غصب، أو ما إلى ذلك من أخذ المال بغير حق، وكذلك كونه يحصل عليهما من غير شحناء بينه وبين القرابة، ومن غير قطيعة الرحم.
قوله: [(قالوا: كلنا يا رسول الله!)].
يعني: كلنا نرغب ذلك.
قوله: [(قال: فلأن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وإن ثلاث فثلاث، مثل أعداءهن من الإبل)].
يعني: من تعلم آية فهي خير من ناقة، ومن تعلم آيتين فهي خير من ناقتين كوماوين، وكذلك كلما زاد من آية فهي خير من الزيادة التي تماثلها.
يعني: من تعلم ثلاث آيات كن خيراً من ثلاث نوق، وأربع خير من أربع، وعشر خير من عشر، وهكذا، وهذا فيه دليل على فضل تعلم القرآن والعناية بالقرآن.(175/28)
تراجم رجال إسناد حديث (أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري].
هو سليمان بن داود المهري المصري، ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا ابن وهب حدثنا موسى بن علي بن رباح].
ابن وهب مر ذكره، أما موسى بن علي بن رباح فهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
أبوه هو علي بن رباح، ويقال له: عُلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
فكل منهما أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن، إلا أن الابن صدوق ربما أخطأ والأب ثقة.
[عن عقبة بن عامر الجهني].
هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(175/29)
تعريف الصفة وحقيقة وجودها الآن
قوله: [(ونحن في الصفة)].
الصفة هي مكان في المسجد كان يجتمع فيه فقراء الصحابة الذين لا مأوى لهم ولا مسكن، ويقال لهم: أضياف الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطف عليهم ويحسن إليهم.
والصفة ليست موجودة الآن، وليست هي الدكة التي اشتهرت عند العوام؛ لأنه لا يوجد شيء أقول: ما فيه شيء يدل عليها، وهذا المكان الذي يقال له: الدكة ويعمد إليه ناس يتبركون به يقال في شأنه وشأنهم: هؤلاء يجنون على أنفسهم بمخالفة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها).(175/30)
الأسئلة(175/31)
بيان موقع وادي العقيق وبطحان في المدينة
السؤال
أين يقع بطحان والعقيق اليوم؟
الجواب
العقيق هو الوادي الذي في غرب المدينة، والذي هو دون الجامعة الإسلامية، وهو -بلا شك- من الحرم، وما وراءه محتمل.
وأما بطحان فهو واد كان في وسط المدينة غرب المسجد النبوي قريباً منه، والآن وضع فيه سد فصار السيل لا يأتي من ذلك الطريق الذي هو الوادي الذي يقال له: وادي بطحان.(175/32)
مقارنة بين تعلم الآيات وتعلم الحديث من حيث الأجر
السؤال
هل تعلم الحديث مثل تعلم آية أو آيتين من حيث الأجر؟
الجواب
الله أعلم، لكن لا شك في أن تعلم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وتعليمه فيه خير كثير، لكن الحديث ورد في الآيتين.
السؤال
قوله: (فيتعلم آيتين) هل المراد به تعلم القراءة، أو المراد الحفظ، أو التعلم المعنوي؟
الجواب
المراد منه أن يقرأهما ويحسن قراءتهما ويتعلم معانيهما، كما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم: (يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم).(175/33)
اقتراح بتخصيص وقت لتدارس آيات من القرآن
السؤال
هذه الأحاديث التي قرأناها في فضل القرآن تشجعنا على أن نطرح اقتراحاً على فضيلتكم وهو أن تخصصوا لنا يوماً واحداً لنتدارس ولو آية من كتاب الله حتى نحصل على هذا الفضل العظيم، فنجمع بين الكتاب والسنة؟
الجواب
توزيع الأيام على دروس أخرى لا يمكننا من أن نقطع شوطاً كبيراً في شرح هذه الكتب التي نحن بحاجة إلى الاطلاع عليها وإلى إكمالها، وهي الكتب الستة التي بدأنا بها، والإنسان يمكن أن يحصل ذلك بمتابعته لبعض الدروس التي تكون في الإذاعة، وهي وبعضها في أشرطة، وبعضها منقول إلى كتب يمكن للإنسان أن يطلع عليها، مثل: درس الشيخ ابن عثيمين حفظه الله الذي في الإذاعة، وهو (من أحكام القرآن) فهو درس عظيم، وفوائده عظيمة وجمة، وهو يأتي في الأسبوع مرتين: في الساعة السادسة والنصف من صباح يوم السبت ويوم الثلاثاء، فإذا تابع الإنسان ذلك فإنه يكون بذلك قد حصل خيراً كثيراً.
ثم إنه قد طبع ما يتعلق بالجزء الأول من القرآن في مجلد، والشيخ الآن في الدرس الذي يلقيه في الإذاعة في أول سورة آل عمران.
وبذلك يحصل المرء الفائدة في درس القرآن، ونحن نبقى على ما نحن عليه فيما يتعلق بالحديث؛ حتى نتمكن من أن نقطع شوطاً كبيراً في شرح هذه الكتب.(175/34)
شرح سنن أبي داود [176]
تتميز بعض سور القرآن الكريم ببعض الخصائص الدالة على فضلها على ما سواها من السور، ومن تلك السور سورة الفاتحة، فهي سورة عظيمة، إذ هي السبع المثاني والقرآن العظيم، ومن تلك السور سورة (قل هو الله أحد) فإنها تعدل ثلث القرآن من جهة المعنى، ومن تلك السور أيضاً المعوذتان، فقد ورد ما يدل على فضلهما، وإذا كان لبعض السور نصيب من الفضل على غيرها فإن لبعض الآيات كذلك فضلاً على غيرها، فقد جاءت الأدلة ببيان فضل آية الكرسي ومنزلتها، وهي أعظم آية في القرآن الكريم.(176/1)
فضل فاتحة الكتاب(176/2)
شرح حديث (الحمد لله رب العالمين أم القرآن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فاتحة الكتاب: حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا عيسى بن يونس حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني)].
قوله: [باب فاتحة الكتاب] أي: ما جاء في فضلها وبيان عظم شأنها وعظيم منزلتها.
قوله صلى الله عليه وسلم: [(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أم الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني)].
هذا الحديث يدل على عظم شأن الفاتحة، وأنها يقال لها: أم القرآن، ويقال لها: أم الكتاب، ويقال لها: السبع المثاني.
قوله: [(والسبع المثاني)] أي: كونها تثنى في القراءة وتكرر قراءتها في الصلوات؛ لأنها في كل ركعات الصلاة تجب قراءتها، فقيل لها: السبع المثاني، وهي سبع باعتبار أنها سبع آيات، وإحدى الآيات هي البسملة على أحد الأقوال، وهو أنها جزء من سورة الفاتحة، وعلى الأقوال الأخرى التي منها أنها آية ولكنها ليست من الفاتحة ولا من غيرها تكون الآية الأخيرة آيتين، فقوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] آية، وقوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] آية، ويدل على هذا القول الحديث القدسي الذي يقول الله عز وجل فيه: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] قال: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي، وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل) فقوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) هو لله، وقوله: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) هو للمخلوق، وعلى هذا تكون الآية الوسطى هي: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فيكون بعدها ثلاث آيات وقبلها ثلاث آيات، وعلى أن البسملة هي الآية الأولى تكون الآية الوسطى التي تتوسط السبع هي: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] فالفاتحة يقال لها: السبع المثاني؛ لأنها تثنى في القراءة وتعاد في القراءة وتكرر في القراءة، وسيأتي أن (السبع المثاني) لفظ يطلق على سور أخرى من القرآن.(176/3)
تراجم رجال إسناد حديث (الحمد لله رب العالمين أم القرآن)
قوله: [حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني].
أحمد بن أبي شعيب الحراني ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عيسى بن يونس].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن أبي ذئب].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المقبري].
هو أبو سعيد المقبري أو سعيد بن أبي سعيد المقبري كل منهما يقال له: المقبري، فكل منهما ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(176/4)
شرح حديث (لأعلمنك أعظم سورة في القرآن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا خالد حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن قال: سمعت حفص بن عاصم يحدث عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر به وهو يصلي فدعاه، قال: فصليت ثم أتيته، قال: فقال: ما منعك أن تجيبني؟ قال: كنت أصلي، قال: ألم يقل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24]؟! لأعلمنك أعظم سورة من القرآن -أو في القرآن، شك خالد - قبل أن أخرج من المسجد، قال: قلت: يا رسول الله! قولك، قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] وهي السبع المثاني التي أوتيت والقرآن العظيم)].
قوله: [(قال: قلت: قولك)] يعني: القول الذي قلت، وهو أنك ستخبرني وتعلمني بأعظم سورة في كتاب الله قبل خروجك من المسجد، فقال عليه الصلاة والسلام: [(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وهي السبع المثاني التي أوتيت والقرآن العظيم)]، وفي بعض الروايات: (هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)، وهذا يدل على عظم سورة الفاتحة، وأنها أعظم سورة في كتاب الله، ولهذا شرعت قراءتها في الصلاة، بل قراءتها في الصلاة لازمة في كل ركعة من الركعات، وهي ركن من أركان الصلاة، وتثنى في الصلوات وتعاد وتكرر، فلهذا قيل لها: السبع المثاني.
وكذلك القرآن العظيم يراد به الفاتحة، وأطلق الاسم العام على بعض القرآن، فهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيه صلى الله عليه وسلم، ففيه إطلاق الكل على البعض، وهذا فيه دليل على أن الفاتحة يقال لها: السبع المثاني تفسيراً لقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر:87].
وهناك قول آخر هو: أن السبع المثاني يراد بها السبع الطوال، وهي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والسورة السابعة قيل: هي براءة، وقيل: هي الأنفال، وقيل: براءة والأنفال مع بعضهما.(176/5)
تراجم رجال إسناد حديث (لأعلمنك أعظم سورة في القرآن)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ].
هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا خالد].
هو خالد بن الحارث، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خبيب بن عبد الرحمن].
خبيب بن عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت حفص بن عاصم].
حفص بن عاصم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد بن المعلى].
هو أبو سعيد بن المعلى رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.(176/6)
الأسئلة(176/7)
حكم قطع صلاة النافلة لإجابة الوالدين أو أحدهما
السؤال
ألا يدل هذا الحديث على جواز قطع النافلة بسبب حصول ما هو واجب، مثل من دعاه والده أو والدته؟
الجواب
لا يدل هذا على هذا؛ لأن الحديث يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم ويدل على إجابة النبي عليه الصلاة والسلام، وأما إذا والده أو والدته دعاه فإنه إذا لم يكن هناك أمر ضروري يقتضي قطع الصلاة فإنه يتمها خفيفة ويجيب والده أو والدته.(176/8)
الحكمة من تسمية الفاتحة بأم القرآن وأم الكتاب
السؤال
ما الحكمة من تسمية الفاتحة بأم القرآن وأم الكتاب؟
الجواب
كأن المقصود بذلك أنها في مقدمة القرآن أو الكتاب، وكأنها هي التي تؤم، والذي وراءها تابع لها، أو أنها هي كالأصل وغيرها تابع لها، فيحتمل الأمر أن يكون كذلك والله أعلم.
وكذلك هناك احتمال آخر، وهو كونها اشتملت على أنواع التوحيد الذي أرسل الله الرسل من أجله وأنزل الكتب من أجله؛ لأنها كلها توحيد من أولها إلى آخرها كما سبق أن عرفنا ذلك، فقوله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] فيه توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، بل في الآية الأولى منها أنواع التوحيد الثلاثة، فقوله: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ)) هذا توحيد الإلهية؛ لأن إضافة الحمد إلى الله هو من توحيد الإلهية.
وقوله: ((رَبِّ الْعَالَمِينَ)) فيه توحيد الربوبية، وكذلك فيه توحيد الأسماء والصفات؛ لأن من أسماء الله الرب، فأنواع التوحيد الثلاثة كلها موجودة فيها.(176/9)
الفاتحة من السبع المثاني الطول(176/10)
شرح حديث (أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً من المثاني الطول)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال هي من الطول: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أوتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعاً من المثاني الطول، وأوتي موسى عليه السلام ستاً، فلما ألقى الألواح رفعت ثنتان وبقي أربع)].
قوله: [(باب من قال هي من الطول)] كلمة (هي) يحتمل أن ترجع إلى الفاتحة، ولكن هذا يشكل؛ لأنها ليست من الطول؛ لأن الطول هي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة، أما الفاتحة فهي من السور القصيرة وليست من الطول، ويحتمل أن يكون المراد بكلمة (هي) أي: السبع المثاني التي جاءت في الأحاديث السابقة، وهذا هو الذي يناسب، فيقال: السبع المثاني تطلق على الفاتحة؛ لأنها تثنى في الصلاة، وتطلق على السبع الطول التي هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والسابعة هي على الأقوال التي أشرت إليها، فمنهم من قال: الأنفال والتوبة هما سابعة السبع الطوال، ومنهم من قال: التوبة وحدها، ومنهم من قال: الأنفال وحدها، فالمناسب أن يكون الضمير راجعاً إلى السبع المثاني التي جاءت في الأحاديث السابقة، وأنها كما فسرت بأن السبع المثاني يراد بها الفاتحة، وأيضاً يراد بها السبع الطول، ولا تنافي؛ لأن سورة الفاتحة يقال لها: مثاني لأنها تثنى فيها القراءة، ويقال للسبع الطول: مثاني لأنها تثنى فيها القصص والأحكام، ولا تنافي بين ذلك، فكل من القولين حق وله وجه.
وقد قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر:87]: إن هذا مثل إطلاق أول مسجد أسس على التقوى على مسجد قباء وعلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الآية نزلت في مسجد قباء، ولما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى أشار إلى مسجده؛ لأن كلاً منهما أسس على التقوى من أول يوم، فمسجد قباء يقال: إنه أسس على التقوى من أول يوم، وكذلك مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له ذلك، وكذلك الفاتحة يقال لها: السبع المثاني؛ لأنها سبع آيات تثنى في الصلاة، ويقال -أيضاً- للسبع الطول: إنها السبع المثاني التي تثنى فيها القصص والأحكام.
فكلمة (هي) يحتمل أن تكون راجعة للفاتحة، ولكن هذا مشكل ولا يستقيم، ويحتمل أن تكون راجعة للسبع المثاني.
قوله: [أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً من المثاني الطول] ذكر الطول هنا يدل على أن المقصود بها سور طول، والطول: جمع طولى، كالكبر: جمع كبرى، يعني: سورة طولى بالنسبة لغيرها.
قوله: [وأوتي موسى ستاً، فلما ألقى الألواح رفعت اثنتان] يعني: رفع مما أنزل في التوراة اثنتان، ولعل المقصود بقوله: [رفع] أنه نسخ مثلما تنسخ التلاوة والحكم بالنسبة للقرآن الكريم.(176/11)
تراجم رجال إسناد حديث (أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً من المثاني الطول)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا جرير].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسلم البطين].
هو مسلم بن عمران البطين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد الصحابة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(176/12)
ما جاء في آية الكرسي(176/13)
شرح حديث (أي آية معك من كتاب الله أعظم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في آية الكرسي: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد بن إياس عن أبي السليل عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أبا المنذر! أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أبا المنذر! أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] قال: فضرب في صدري وقال: ليهن لك -يا أبا المنذر - العلم)].
قوله: [باب ما جاء في آية الكرسي] هي قوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] يعني: في بيان فضلها وعظم شأنها.
قوله: [(يا أبا المنذر!] هذه كنية أبي بن كعب.
قوله: [(أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أبا المنذر! أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]، قال: فضرب في صدري وقال: ليهن لك -يا أبا المنذر العلم -)]، وفي بعض الروايات: (ليهنك العلم أبا المنذر) أي: أقر النبي صلى الله عليه وسلم أبياً على ذلك وشهد بعلمه، وأنه قد وفق للصواب وسدد في الجواب، وكأنه لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بقوله: الله ورسوله أعلم، فلما أعاد عليه السؤال فكأنه عزم عليه أن يخبره بما عنده وبما يعلم عن أعظم آية، فعند ذلك أجاب بأنها آية الكرسي، فأقره النبي عليه الصلاة والسلام وقال: [(ليهنك العلم أبا المنذر)، أو ليهن لك- أبا المنذر العلم -)] وهذا يدل على فضل أبي رضي الله عنه، وعلى علمه وفقهه، وهو من أعلم الناس بالقرآن رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
وقد ورد في فضل آية الكرسي أحاديث أخرى، كأحاديث قراءتها عند النوم بعد الصلوات.
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى].
هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الأعلى].
هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد بن إياس].
هو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي السليل].
هو ضريب بن نقير، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن رباح الأنصاري].
عبد الله بن رباح الأنصاري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بن كعب].
هو أبي بن كعب الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وجاء في فضل أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة (لَمْ يَكُنِ)، فقرأها عليه، قال أبي: وسماني الله لك؟ قال: نعم، فبكى أبي رضي الله عنه)، وهو دال على فضله رضي الله عنه وأرضاه.(176/14)
تراجم رجال إسناد حديث (أي آية معك من كتاب الله أعظيم)
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى].
هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الأعلى].
هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد بن إياس].
هو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي السليل].
هو ضريب بن نقير، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن رباح الأنصاري].
عبد الله بن رباح الأنصاري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بن كعب].
هو أبي بن كعب الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وجاء في فضل أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة (لَمْ يَكُنِ)، فقرأها عليه، قال أبي: وسماني الله لك؟ قال: نعم، فبكى أبي رضي الله عنه)، وهو دال على فضله رضي الله عنه وأرضاه.(176/15)
الأسئلة(176/16)
حكم قول: الله ورسوله أعلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
قول أبي رضي الله عنه: (الله ورسوله أعلم)، هل يمكن أن يقال الآن؟
الجواب
لا يقال الآن هذا، وإنما يقال: الله أعلم؛ لأنه يقال للرسول صلى الله عليه وسلم عندما يسأل هو: الله ورسوله أعلم، أو يحصل منه الجواب إذا كرر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث، أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فإنه عندما يسأل الإنسان أي سؤال يقول: الله أعلم.(176/17)