قلت: يمكن أن يحمل كلامه على أن المراد بقوله: ما لا لم يحذف موصوف فعيل، أن يستعمل استعمال الأسماء غير جار على موصوف ظاهر ولا منوي لدليل، فحينئذ تلحقه التاء نحو: "رأيت قتيلة وأكيلة السبع". وقد أشار إلى هذا المعنى في شرح الكافية.
وقوله: "غالبا" إلى أنه قد تلحقه تاء الفرق حملا على الذي بمعنى فاعل، كقول العرب: صفة ذميمة، وخلة حميدة، فقد حمل كل منهما على الآخر.
ثم انتقل إلى ألف التأنيث فقال:
وألفُ التأنيثِ ذَاتُ قَصْرِ ... وذاتُ مدٍّ نحو أُنثى الغُرِّ
تقدم أن المقصورة أصل الممدودة وأنثى الغر غراء، ثم قال:
والاشتهارُ في مبانِي الأُولَى
يعني بالأولى: المقصورة، وذكر لها من الأبنية المشتهرة اثني عشر بناء، وهي ضربان: ضرب يختص بها، وضرب يشركها فيه الممدودة، وسأنبه على ذلك إن شاء الله تعالى.
الأولى: فُعْلَى نحو: أُرْبَى -للداهية- ولم ترد إلا اسما، وهو بناء مشترك، ومثال الممدود: خُشَشَاء -لعظم خلف الأذن- وعُشَرَاء.
الثاني: فُعْلَى، وهو مختص بالمقصورة، ويكون اسما غير مصدر كبُهْمَى1 ومصدرا كرجعي وصفة كطُولى، وأما قولهم بهماة فشاذ، وقيل: جعلت الألف للتكثير أو للإلحاق على من يثبت بناء فعلل، وما رواه ابن الأعرابي من صرف دنيا شاذ.
الثالث: فَعَلَى، وهو مشترك، فمثال المقصورة اسما بَرَدَى، وصفة كحَيَدَى، ومصدرا نحو مرطى2.
__________
1 اسم لنبت، يطلق على الواحد والجمع، أو واحدته بهماة، يقال: أبهمت الأرض: أثبتت البهمى.
2 لنهر بدمشق، وحيدى: يقال حمار حيدى؛ أي: يحيد عن ظله لنشاطه، ومرطى: مرطت الناقة: أي أسرعت.(3/1356)
ومثال الممدودة: قرماء وجنفاء -وهما موضعان- وابن دَاثَاء1، ولا يحفظ غيرها.
الرابع: إذا كان جمعا نحو: جرحى، أو مصدرا نحو: دعوى، أو صفة نحو: شبعى، فإن كان فعلى اسما لم يتعين كون ألفه للتأنيث، بل ألفه صالحة للتأنيث والإلحاق، ومما فيه وجهان: أَرْطَى وعلقى وتترى2.
الخامس: فُعَالَى، وهو مختص بالمقصورة نحو حبارى -لطائر- ولم يجئ صفة إلا جمعا نحو: سكارى، وزعم الزبيدي أنه جاء صفة مفردا، وحكى قولهم: جمل عُلادَى3.
السادس: فُعَّلَى، وهو مختص بالمقصور نحو قولهم: السُّمَّهَى -للباطل.
السابع: فِعَلَّى، وهو مختص بالمقصورة نحو: سبطرى ودفقى- وهما لضربين من المشي.
الثامن: فِعْلَى، وهو مختص بالمقصورة نحو: ذكرى.
تنبيه:
أطلق في قوله فِعلى، وكان ينبغي أن يفصل كما فصل في فَعْلَى؛ وذلك أن فِعلى -بكسر الفاء- إن كان مصدرا نحو: ذكرى، أو جمعا نحو: حجلى أو ظربى4 ولا ثالث لهما، فألفه للتأنيث، وإن لم يكن مصدرا ولا جمعا، لم يلزم كون ألفه للتأنيث، بل إن لم ينون في التنكير فهي للتأنيث نحو ضئزى -بالهمزة- وهي القسمة الجائرة، وإن نُون فألفه للإلحاق نحو: رجل كِيصَى -وهو المولع بالأكل وحده- وإن كان يُنون في لغة ففي ألفه وجهان نحو: ذفرى، والأكثر في ذفرى منع الصرف.
__________
1 وهي الأمة.
2 الأرطى: شجر ينبت في الرمل يدبغ به الأديم، والعلقى: نبت، والتترى: قال في القاموس: جاءوا تترى، وينون.
3 علادى: أي شديد.
4 حجلى: جمعا للحجل -بفتحتين- اسما لطائر، وظربى: جمعا لظربان -بفتح أوله وكسر ثانيه- وهي دويبة شبه الهرة منتنة الفسو.(3/1357)
التاسع: فِعِّيلَى، وهو مشترك، فالمقصورة نحو: حثيثى وهجيرى1 ولم يجئ إلا مصدرا، والممدودة: فخيراء وخصيصاء ومكناء2، وهذه الثلاثة تمد وتقصر ولا رابع لها، والكسائي يقيس على ما سمع من فعيلاء فيمد جميع الباب، وغيره يقصره على السماع.
والعاشر: فُعُلَّى، وهو مختص بالمقصورة نحو: "كفرى"، وهو وعاء الطلع بفتح الفاء وضمها، وحكى الفراء سلحفاة3، وظاهره أن ألف سلحفاة ليست للتأنيث إلا أن تجعل شاذا مثل بهماة، وحكى في التسهيل: سلحفاء -بالمد- وحكاه ابن القطاع4، فعلى هذا يكون من الأبنية المشتركة.
الحادي عشر: فُعَّيْلى، وهو مشترك، فالمقصورة نحو: خليطى5، والممدودة نحو قولهم: هو عالم بدخيلاته -أي: بباطن أمره- ولا يحفظ غيره.
الثاني عشر: فُعَّالى، وهو مختص بالمقصورة نحو: شقارى -وهو نبت.
وقوله:
...................... ... واعز لغير هذه استندارا
يعني: أن ما لم يذكره هنا من أبنية ألف التأنيث المقصورة مستندر، وفيه نظر. ثم شرع في ذكر أبنية الممدودة مقتصرا على الأوزان المشتهرة كما فعل في المقصورة، وجملة ما ذكره سبعة عشر وزنا، وهي أيضا ضربان: مختص بالممدود ومشترك، ويتبين بالتفصيل:
الأول: فَعْلاء، كيف أتى اسما كصحراء، أو مصدر كرغباء6، أو جمعا في المعنى كطرفاء، أو صفة أنثى أفعل كحمراء أو غيره كديمة هطلاء7، وهو قليل.
__________
1 حثيثى: مصدر للفعل: حث على الشيء إذا حض عليه، ولم يجئ إلا مصدرا. وهجيرى: للعادة.
2 فخيراء: للفخر، وخصيصاء: للاختصاص، ومكيناء: للتمكن.
3 دويبة معروفة.
4 هو علي بن جعفر بن محمد بن عبد الله المعروف بالقطاع. قال ياقوت: كان إمام وقته بمصر في علم العربية، ولد في العاشر من صفر سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة.
ومن مؤلفاته: أبنية الأسماء وحواشي الصحاح وغيرهما، ومات في صفر سنة خمس عشرة، وقيل: أربع عشرة وخمسمائة. ودفن بقرب ضريح الإمام الشافعي.
5 خليطى: للاختلاط.
6 رغباء: مصدر رغب إليه إذا أراد ما عنده.
7 أو غيره: أي: لغير أنثى أفعل. وديمة هطلاء: الديمة: المطر الذي ليس فيه رعد ولا برق، وهطلاء: متتباعة المطر.(3/1358)
الثاني والثالث والرابع: أفعلاء -بفتح العين وكسرها وضمها- وإليه أشار بقوله:
............ أفعلاء ... مثلث العين.......
ومثالها قولهم لليوم الرابع من أيام الأسبوع: أربَعاء وأربِعاء وأربُعاء -بفتح الباء وكسرها وضمها- وأفعلاء بفتح العين مشترك، ومثال المقصورة قولهم: أجفلى -لدعوة الجماعة.
الخامس: فَعْلَلاءُ، وهو مشترك، فالممدودة: عقرباء وحرملاء -لمكانين- ذكرهما سيبويه، والمقصورة: فرتنى -اسم امرأة- وقرقرى -اسم موضع- ولا يكون هذا الوزن إلا اسما مدا وقصرا.
السادس: فِعالاء، وهو مختص بالممدودة ومثاله قصاصاء -وهو القصاص- حكاه ابن دريد، ولا يحفظ غيره.
السابع: فُعْلُلاء، نحو: قعد القرفصاء ولم يجئ إلا اسما، وهو قليل، وحكى ابن القطاع أنه يقال: قعد القرفصى -بالقصر- فعلى هذا يكون مشتركا.
الثامن: فَاعُولاء، نحو: عاشوراء، وهو مشترك، ومثال المقصورة بادولى -وهو اسم موضع.
التاسع: فَاعِلاء، نحو: قاصعاء1، وهو مختص بالممدودة.
العاشر: فِعْلِياء، نحو: كبرياء، وهو مختص بالممدودة.
الحادي عشر: مَفْعولاء -نحو مشيوخاء- وهو جماعة الشيوخ، وهو مختص بالممدودة.
الثاني عشر: فَعالاء، نحو: براساء، يقال: ما أدرى أي البراساء هو، أي: أي الناس هو، وقد أثبت ابن القطاع فعالى مقصورا في ألفاظ؛ منها: خزازى -اسم جبل- فعلى هذا يكون مشتركا.
الثالث عشر: فعِيلاء، نحو: كثيراء، وهو مشترك. ومثال المقصورة: كثيرى2 أيضا.
الرابع عشر: فَعُولاء، نحو: دبوقاء، وحروراء3، وجعله في التسهيل من
__________
1 قاصعاء: لأحد بابي جحرة اليربوع.
2 كثيرى: اسم البزر.
3 دبوقاء: اسم للعذرة. وحروراء: اسم لموضع تنسب إليه الحرورية، وهم طائفة من الخوارج.(3/1359)
الأبنية المختصة بألف التأنيث المقصورة، وإلى ذلك ذهب ابن عصفور وابن القطاع إلى إثبات فعولى، وأورد من ذلك "عبد سنوطى" اسم أو لقب، وحضورى -موضع- وديوقى -للعذرة- ودقوقى -قرية بالبحرين- وقطورى -قبيلة في جرهم.
وفي شعر امرئ القيس1: عُقَابُ تَنُوفى.
وعلى هذا فهو مشترك، وهو الصحيح.
وقد أشار إلى هذه الأوزان الثلاثة بقوله:
ومطلق العين فعالا.... ... .....................
ويعني بالإطلاق: أن يحركها بالفتح مع الألف وبالضم مع الواو وبالكسر مع الياء.
__________
1 جزء بيت من الطويل.
وتمامه:
كأن دثارا حلقت بلبونه ... .... لا عقاب القواعل
اللغة: دثارا -بكسر الدال- اسم رجل كان راعيا لامرئ القيس، وهو دثار بن فقعس بن طريف أحد بني أسد، حلقت -بتضعيف اللام- ارتفعت، لبونه -بفتح اللام- الإبل ذوات اللبن، عقاب -بضم العين- طائر من الكواسر، تنوفى -بفتح التاء وضم النون- اسم موضع في جبال طيئ، ورواه أبو سعيد تنوف مثل رسول، ورواه أبو عبيدة تنوفِي -بكسر الفاء- ورواه أبو حاتم تنوفى -بفتح الفاء بعدها ألف مقصورة- القواعل: موضع مما يلي تنوفى.
المعنى: وصف هذا الشاعر راعي إبله وقد أغار أعداؤه عليها فتفرقت وشردت، فهو يقول: كأن عقابا قد طارت بهذه الإبل فصعدت بها فوق جبل تنوفى فلا يقدر على الوصول إليها لارتفاعه.
الإعراب: "كأن" حرف تشبيه ونصب "دثارا" اسم كأن منصوب بالفتحة "حلقت" فعل ماض والتاء للتأنيث "بلبونه" جار ومجرور متعلق بحلقت وضمير الغائب العائد إلى دثار مضاف إليه "عقاب" فاعل حلقت "تنوفى" مضاف إليه، وجملة حلقت في محل رفع خبر كأن "لا" حرف عطف "عقاب" معطوف على عقاب الأول "القواعل" مضاف إليه مجرور بالكسرة.
الشاهد: قوله: "تنوفى" على وزن فعولى.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 653/ 3، وفي باب عطف النسق، وابن هشام في عطف النسق.(3/1360)
الخامس عشر: فَعَلاء، نحو: جنفاء -اسم موضع- وهو مشترك كما تقدم في أبنية المقصورة.
السادس عشر: فِعَلاء، نحو: سِيَراء -وهو ثوب مخطط يعمل من القز- وهو مختص بالممدودة.
السابع عشر: فُعَلاء، نحو: عشراء1 ونفساء، وهو مشترك كما تقدم في المقصورة.
وقد أشار إلى هذه الثلاثة بقوله:
.............. وكذا ... مطلق فاء فَعَلاء أُخِذَا
والله أعلم.
__________
1 عشراء: للناقة المرضع.(3/1361)
المقصور والممدود:
المقصور: هو الاسم الذي حرف إعرابه ألف لازمة.
والممدود: هو الذي حرف إعرابه همزة قبلها ألف زائدة.
وكلاهما مقيس ومسموع، وقد أشار إلى ضابط المقصور القياسي بقوله:
إذا اسمٌ استوجَبَ من قبل الطرَفْ ... فَتْحًا وكان ذا نظيرٍ كالأَسَفْ
فَلِنَظِيره الْمُعَلِّ الآخِرِ ... ثُبوتُ قصرٍ بقياس ظاهِرِ
اعلم أن القصر والمد لا يكونان إلا في المعتل الآخر، فكل اسم معتل الآخر له نظير من الصحيح، يطرد فتح ما قبل آخره، فهو مقصور كقولك: جَوِيَ جَوّى، فإن نظيره من الصحيح: أسف أسفا، وهو يطرد فتح ما قبل آخره؛ لأن فَعِلَ اللازم قياس مصدره فعَل.
فقوله: "إذا اسم" يعني: من الصحيح، وقوله: "وكان ذا نظير" يعني: من المعتل، وقوله: "كالأسف" مثال للصحيح الذي استوجب من قبل الطرف فتحا.
فإن قلت: قوله: "استوجب" ليس بجيد؛ لأنه يقتضي أن شرط ذلك أن يلزم فتحه فلا يكفي غلبة الفتح، وليس كذلك، بل هي كافية، قال في التسهيل: كل المعتل الآخر فتح ما قبل آخر نظيره الصحيح لزوما أو غلبة فقصره مقيس. انتهى. فمثال ما فتح لزوما اسم مفعول ما زاد على الثلاثة، ومثال ما فتح غلبة مصدر فعل اللازم، فإنه قد جاء على فعالة نحو: شكس شكاسة، وعلى مفعول نحو: صهب صهوبة، وعلى فعل نحو: سكر سكرا.
قلت: معنى قوله: "استوجب" أنه استحق ذلك في القياس فيشمل القسمين، ألا ترى أن مصدر فعل اللازم يتوجب فتح ما قبل آخره في القياس، وإن كان السماع قد ورد في بعضه بخلاف ذلك، والذي يوضح لك أن هذا معنى كلامه تمثيله بالأسف للمستوجب الفتح، وهذا واضح.
كفِعَلْ وفُعَلْ في جَمْع مَا ... كفِعْلةٍ وفُعْلةٍ نحو الدُّمَى
هذان من أمثلة المقصور المقيس، ففعل جمع فعلة نحو: مرية ومرى، وفعل(3/1362)
جمع فُعلة نحو: دمية ودمى1، وإنما وجب قصرهما لأن نظيرهما من الصحيح قِرب جمع قِربة، وقُرب جمع قُربة، ثم شرع في بيان ضابط الممدود فقال:
وما استَحقَّ قبل آخر ألفْ ... فالمد في نظيره حَتْمًا عُرِفْ
يعني: أن الاسم الصحيح إذا استحق زيادة الألف قبل آخره، فإن نظيره المعتل واجب المد قياسا، فالمدود المقيس إذا كان معتل الآخر له نظيره في الصحيح يطرد زيادة الألف قبل آخره، وقوله: "استحق" يعني: في القياس سواء لزم ذلك كمصدر ما أوله همزة وصل كما سيذكر أو غلب ولم يلزم كمفعال صفة نحو: مهداء2، فإن نظيره من الصحيح مهذار، وقد جاء منه شيء على مفعل نحو: مدعس3.
وقوله:
كمصدر الفعل الذي قد بُدئا ... بهمز وصل كارْعَوَى وكارْتَأَى
هذا مما يجب مده قياسا؛ لأن نظيره من الصحيح تجب زيادة ألف قبل آخره، فتقول: ارعواء وارتياء -بالمد- لأن نظيرهما احمرار واقتدار، ثم قال:
والعادمُ النظير ذا قَصْرٍ وذَا ... مَدٍّ بنَقْلٍ كالحِجَا وكالحِذَا
يعني: أن ما كان معتل الآخر ولا نظير له من الصحيح يطرد فتح ما قبل آخره، أو زيادة ألف قبل آخره، فلا يؤخذ قصره ومده إلا من السماع.
فمن المقصور سماعا: الحجا -وهو العقل- ومن الممدود سماعا: الحذاء وهو النعل، وقد صنف الناس في ذلك كتبا فلا نطول بكثرة الأمثلة.
تنبيه:
كلامه مخصص كما قيل مما تقدم ذكره من ألفي التأنيث. ثم ختم الباب بالكلام على قصر الممدود ومد المقصور فقال:
وقَصْرُ ذي المد اضطرارا مُجْمَعُ ... عليه والعَكْسُ بخُلْفٍ يَقَعُ
قصر الممدود للضرورة يشبه صرف ما لا ينصرف، فلذلك أجمع على جوازه، ومد المقصور شبيه بمنع ما يستحق الصرف؛ فلذلك اختلف فيه فمنعه
__________
1 الدمية -بضم الدال- وهي الصورة من العاج ونحوه والصنم، والمراد بها هنا الصورة، وربما تستعار للذات الجميلة.
2 المهداء: المرأة الكثيرة الإهداء.
3 المدعس: الرمح الذي يطعن به.(3/1363)
جمهور البصريين مطلقا، وأجازه جمهور الكوفيين مطلقا، وفصل الفراء فأجاز مد ما لا موجب لقصره كالعنى، ومنع مد ما له موجب قصر كسكرى، والظاهر جوازه لوروده، كقول العجاج1:
والمرء يُبليه بِلاءَ السِّربالْ ... تَعاقُبُ الإهلالِ بعد الإهلالْ
وقول الآخر2:
يا لك من تَمْر ومن شِيشَاء ... يَنشَبُ في المسْعَل واللَّهاء
فمد اللهاء، وهي مقصورة.
__________
1 البيت من السريع.
اللغة: "يبليه" من بلي الثوب يَبْلَى إذا خَلَق ومعناه هنا يمتحنه "تعاقب الإهلال" أي: توارده، وهو من أهل الشهر إهلالا.
الإعراب: "المرء" مبتدأ، وخبره الجملة التي بعده وهي "يبليه" وهي جملة من الفعل والمفعول والفاعل هو قوله: "تعاقب" و"الإهلال" مضاف إليه "بلاء" منصوب على المصدرية و"السربال" مضاف إليه، والمعنى ييليه بلي كبلى السربال، وهو في الحقيقة منصوب بنزع الخافض والجملة صفة للمصدر المحذوف "بعد" ظرف "الإهلال" مضاف إليه.
الشاهد: قوله: "بلاء" حيث مد بلاء، وهو المقصور.
وإنما يصح الاستشهاد به إذا كان بكسر الباء وأما إذا فتحها فلا استشهاد.
مواضعه: ذكره الأشموني 31658، والمكودي ص161.
2 قائله: قال العيني: قائله أعرابي من أهل البادية، ونسبه أبو عبد الله البكري في اللآلئ لأبي المقدام الراجز، وهو من الرجز المسدس.
اللغة: "شيشاء" -بشينين أولاهما مكسورة بينهما ياء- وهو الشيص أي التمر الذي لم يشتد "ينشب" -بفتح الشين- يتعلق "المسعل" موضع السعال من الحلق "واللهاء" جمع لهاة كالحصى جمع حصاة مد للضرورة. واللهاة: لحمة مطبقة في أقصى سقف الحنك.
وقبله:
قد علمت أخت بني السعلاء ... وعلمت ذاك مع الجزاء
أن نعم مأكولا على الخواء ... .........................
الإعراب: "يا" حرف نداء وقصد به هنا التنبيه "لك" جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف، أي: لك شيء من تمر "من" للبيان وقيل: من زائدة وتمر مبتدأ ولك خبره مقدما، وفي زيادة من في الإثبات خلاف "ومن شيشاء" عطف عليه "ينشب" فعل مضارع والفاعل ضمير، والجملة في محل الجر على الوصفية "في المسعل" جار ومجرور "واللهاء" عطف عليه.
الشاهد: قوله: "اللهاء" حيث مده للضرورة.
مواضعه: ذكره الأشموني 31659، وابن الناظم، وابن عقيل 21329.(3/1364)
وقال طرفة1:
لها كَبدٌ ملساءُ ذاتُ أسِرَّة ... وكشحان لم ينقص طواءَهما الحبل
وممن وافق الكوفيين على جواز ذلك ابن ولاد وابن خروف، وزعما أن سيبويه استدل على جوازه في الشعر بقوله: وربما مدوا فقالوا منابير.
قال ابن ولاد: فزيادة الألف قبل آخر المقصور كزيادة هذه الياء، وأما قراءة طلحة: "يَكَادُ سَنَاء بَرْقِهِ"2 -بالمد- فشاذ؛ إذ لم تثبت لغة، ويمكن أن يكون أراد العلو لا الضوء.
فإن قلت: حُكي الإجماع على قصر الممدود، فليس كذلك؛ لأن مذهب الفراء منعه فيما له قياس يوجب مده نحو فعلاء أفعل.
قلت: هو مجمع على جوازه في الجملة وإن وقع الخلاف في بعض المواضع، والصحيح جوازه مطلقا.
ورد مذهب الفراء بقول الشاعر3:
وأنتِ لَوْ بَاكَرْتِ مشمولةً ... صَفْرَا كَلَونِ الفرس الأشْقَرِ
__________
1 قائله: هو طرفة بن العبد البكري، وهو من الطويل.
اللغة: "كبد" أي: بطن ووسط، ومنه كبد القوس، وهو مقبضها "ملساء" وهو تأنيث أملس، وهو اللين، من الملاسة، وهو ضد الخشونة "أسرة" أراد بها الخطوط التي تكون على البطن، كما يكون في الكف والجبهة واحدها سِرَ ر-بكسرالسين وفتح الراء- "كشحان" تثنية كشح، وهو ما بين الخاصرة إلى الضع الخلفي، وقال الأعلم: الكشحان ما انضمت عليه الأضلاع من الجنين "لم ينقص طواءهما" أراد أنها خميصة البطن ليست بمفاضة، وأصل الحبل: الامتلاء.
الإعراب: "لها" جار ومجرور خبر مقدم "كبد" مبتدأ مؤخر "ملساء" صفة لكبد "ذات" صفة بعد صفة "أسرة" مضاف إليه "وكشحان" عطف على قوله: كبد، أي: ولها كشحان "لم" حرف نفي وجزم وقلب "ينقص" فعل مضارع مجزوم بلم "طواءهما" مفعول به ومضاف إليه "الحبل" فاعل ينقص.
الشاهد: قوله: "طواءهما" حيث مد الطواء، والمعروف فيه القصر.
2 من الآية 43 من سورة النور.
3 قائله: هو الأقيشر، واسمه المغيرة بن عبد الله، وهو من الطويل.
اللغة: "لو باكرت" لو بادرت وأسرعت "مشمولة" أراد بها الخمر، إذا كانت باردة الطعم "صفرا" ويروى: صهباء "وأنت" وروي: فقلت. =(3/1365)
كيفية تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا:
تقدم حد المقصور والممدود، وإنما اقتصر عليهما لوضوح تثنية غيرهما وجمعه، قال في شرح الكافية: إذا قصدت تثنية اسم ولم يكن مقصورا ولا ممدودا فتح آخره ووصل بإحدى العلامتين المذكورتين في باب الإعراب.
آخِرَ مقصورٍ تُثَنِّي اجعلْهُ يَا ... إِنْ كَانَ عن ثلاثةٍ مرتَقِيَا
شمل الألف الرابعة نحو: معطى، والخامسة نحو: منتمى، والسادسة نحو: مستدعى، فتقول: معطيان ومنتميان ومستدعيان بقلب الألف ياء في جميع ذلك ولا نظر إلى أصلها، ثم قال:
كذا الذي اليا أصله نحو الفتى ... والجامدُ الذي أُميل كمتى
إذا وقعت ألف المقصور ثالثة فلها أربعة أقسام: منقلبة عن الياء نحو: الفتى، ومنقلبة عن واو نحو: العصا، وأصلية وهي: إذا ومتى، والمراد بها: كل ألف في حرف أو شبهه، ومجهولة الأصل نحو: الددا -وهو اللهو- فإن ألفه لا يُدرى هل هي عن ياء أو عن واو؟ لأن الألف في الثلاثي المعرب لا تكون إلا منقلبة عن أحدهما.
فأما المنقلبة عن الياء فتنقلب في التثنية ياء ردا إلى أصلها نحو قولك: فتيان، وأما المنقلبة عن الواو فتقلب واوا ردا إلى أصلها أيضا نحو قولك: عصوان.
وأما الأصلية والمجهولة ففيها ثلاثة مذاهب:
الأول: -وهو المشهور- أن يعتبر حالهما بالإمالة فإن أميلا ثنيا بالياء، نحو: بلى ومتى، فتقول: بليان ومتيان، وإن لم يمالا فبالواو نحو: على، وإذا مسمى بهما علوان وإذوان، وهذا مذهب سيبويه، وبه جزم هنا.
__________
= الإعراب: "فقلت" فعل وفاعل، عطف على قوله تقول في بيت سابق "لو" للشرط "باكرت" فعل وفاعل "مشمولة" مفعوله "صفرا" صفة لمشمولة "كلون" الكاف للتشبيه ولون مجرور بها "الفرس" مضاف إليه "الأشقر" صفة للفرس وجواب لو هو قوله: رحت وفي رجليك -في بيت بعده.
الشاهد: قوله: "صفرا" حيث قصرها وهي ممدودة.
مواضعه: ذكره الأشموني 658/ 3.(3/1366)
والثاني: أن ألفهما إن أميلت أو قلبت ياء في موضع ما ثنيت بالياء، وإلا فبالواو، وهذا اختيار ابن عصفور، وبه جزم في الكافية. فعلى هذا يثنى على وإلى ولدى بالياء لانقلاب ألفهن ياء مع الضمير، وعلى الأول يثنيان بالواو، والقولان عن الأخفش.
والثالث: أن الألف الأصلية والمجهولة يقلبان ياء مطلقا.
تنبيهان:
الأول: قوله: "جامد" يشمل الألفين، فإن الجامد هنا ما لم يعرف له اشتقاق، وقد عبر بعضهم عن الأصلية بالمجهولة.
والثاني: مثل في شرح التسهيل المجهولة بخسا -بمعنى فرد- ولقا بمعنى ملقى لا يعبأ به، ونوزع في المثالين، أما خسا فقال في المخصص يكتب في الألف من خساء مهموزا، وأما لقى فنص ابن جني على أن ألفه عن ياء وهو بمعنى ملقى فهو فعل بمعنى مفعول، والمعنى أنه لخساسته وكونه تافها يلقاه كل أحد فلا يأخذه.
وقوله:
في غَيْرِ ذا تُقْلَبُ واوا الألِفْ
الإشارة إلى الأنواع التي تقلب ألفها ياء وهي ما كانت ألفه رابعة فصاعدا أو ثالثة منقلبة عن ياء أو أصلية أو مجهولة وأميلت، وما عدا ذلك تقلب ألفه واوا، وهو نوعان؛ أحدهما: ما ألفه ثالثة منقلبة عن واو. والآخر: ما ألفه أصلية أو مجهولة ولم تمل، وتقدم تمثيل ذلك.
وقوله:
وأَوْلِهَا ما كان قَبْلُ قد أُلفْ
يعني: من العلامة المذكورة في باب الإعراب، ثم انتقل إلى الممدود فقال:
وما كصحراء بواو ثنيا
يعني: أن ما كانت همزته للتأنيث فإذا ثني تقلبها واوا فتقول في صحراء صحراوان، وكذلك ما أشبهه.
وقوله:
....................... ... ونحو علباء كساء وحياء
بواو أو همز............ ... .......................
يعني: أن ما همزته للإلحاق نحو علباء1 أو منقلبة عن أصل نحو كساء وحياء فهمزة كساء عن واو وأصله كساو، وهمزة حياء عن ياء وأصله حياي، فهذان النوعان يجوز في همزتهما وجهان: قلبهما واوا وتصحيحهما، فتقول عن الأول: علباوان وكساوان وحياوان، وعلى الثاني: علباءان وكساءان وحياءان.
__________
1 العلباء: اسم لبعض أعصاب صفة العنق.(3/1367)
فإن قلت: أي الوجهين أجود؟
قلت: ذكر المصنف وفاقا لبعضهم أن قلب التي للإلحاق أولى من تصحيحها والمنقلبة عن أصل بالعكس. ونص سيبويه والأخفش على أن إقرار الهمزة فيهما أحسن إلا أن سيبويه ذكر أن القلب في التي للإلحاق أكثر منه في المنقلبة عن أصل، مع اشتراكهما في القلة، وقوله:
.......... وغير ما ذكر ... صحح................
يعني: أن غير ما ذكر من أقسام الممدود تصحح همزته في التثنية، ويعني بذلك ما همزته أصلية نحو: قَرَّاء ووَضَّاء، فإنه لم يبقَ من أقسام الممدود غيره، فتقول فيهما: قراءان ووضاءان1.
والحاصل أن الممدود أربعة أقسام؛ لأن همزته إما أصلية أو مبدلة من أصل أو مبدلة من ياء الإلحاق أو مبدلة من ألف التأنيث، وقد عرفت أحكامها.
تنبيه:
قال الشارح: الممدود على أربعة أضرب؛ لأن همزته إما زائدة وإما أصلية، والزائدة إما للتأنيث نحو حمراء وصحراء وإما للإلحاق كعلباء وقوباء2، والأصلية إما بدل نحو كساء ورداء وحياء، وإما غير بدل نحو قراء ووضاء. انتهى. وفيه تجوُّز؛ لأن الهمزة في حمراء ونحوه ليست زائدة للتأنيث، بل مبدلة من الألف الزائدة للتأنيث عند الجمهور، وكذلك الهمزة في علباء ونحوه إنما هي مبدلة من الياء الزائدة للإلحاق، وتسمية همزة كساء ونحوه أصلية إنما هو باعتبار ما نشأت عنه. وقوله:
........................... ... ..... وما شذ على نقل قُصِرْ
يشير به إلى أن الذي يقاس عليه في تثنية المقصور والممدود هو ما سبق ذكره، وما ورد بخلافه فهو شاذ لا يقاس عليه.
أما الذي شذ في المقصور فثلاثة أشياء:
الأول: قولهم مِذْرَوان -وهما طرفا الألية- وقد يطلقان على جانب الرأس ونحوه، والقياس مِذْرَيان؛ لأن ألفه رابعة، وعلة تصحيحه أنه لم يستعملها مثنى،
__________
1 القراء: الناسك أي: المتعبد، والوضاء: الوضيء أي: الحسن الوجه.
2 القوباء: مرض جلدي معروف، يظهر على الجلد على شكل بقع بيضاء مستديرة صغيرة ثم تتسع.(3/1368)
قال أبو علي: التالي لا يفرد ألبتة، وحكى أبو عبيد عن أبي عمرو مذري مفردا، وحكي عن أبي عبيدة مذري ومذريان على القياس.
والثاني: حذف ألف المقصور خامسة فصاعدا لقولهم: خَوْزَلان وضَغْطَران في خوزلي1 وضغطري -وهو الأحمق- ولا يقاس على ذلك خلافا للكوفيين.
والثالث: قوله بعضهم: رضيان في رضى وقياسه رضوان؛ لأنه من ذوات الواو، وقاس الكسائي على ما ندر من ذلك، فأجاز تثنية نحو رضى وعلا من ذوات الواو المكسورة الأول والمضمومة بالياء.
وأما الذي شذ في الممدود فخمسة أشياء:
الأول: إقرار همزة التأنيث كقولهم: حمراءان.
والثاني: قلبها ياء نحو حمرايان. قال المصنف: وكلاهما نادر، انتهى. وحكى النحاس أن الكوفيين أجازوا فيها الإقرار، وحكى غيره أن قلبها ياء لغة فزارة.
والثالث: حذف الألف والهمزة من قاصعاء ونحوه، قالوا: قاصعان، وقاس عليه الكوفيون.
والرابع: قلب همزة كساء ونحوه ياء، وفي التسهيل: ولا يقاس عليه خلافا للكسائي. انتهى، ونقله أبوزيد لغة عن فزارة.
والخامس: قلب الأصلية واوا، قال في التسهيل: وربما قلبت قلبت الأصلية واوا. انتهى. وفي كلام بعضهم ما يقتضي أنه لم يسمع، وقال في شرح التسهيل: والحاصل أن المقيس عليه قلب المبدلة من ألف التأنيث واوا وسلامة الأصلية وإجازة وجهين في الملحقة مع ترجيح القلب، وإجازة وجهين في المبدلة من أصل مع ترجيح السلامة، وما سوى ذلك يحفظ ولا يقاس عليه إلا عند الكسائي، وقد تبين ذلك.
واحْذِفْ من المقصورِ في جَمْعٍ عَلَى ... حَدِّ المثنى ما به تَكَمَّلا
__________
1 الخوزلى: مشية فيها تثاقل وتبختر.(3/1369)
الجمع الذي على حد المثنى هو الجمع المذكر السالم، فإذا جمع الاسم هذا الجمع وكان مقصورا حذف لالتقاء الساكنين وأبقيت الفتحة التي كانت قبل الألف لتشعر بالألف المحذوفة، فتقول: جاء الأعلون ورأيت الأعلين، وقد أشار إلى إبقاء الفتحة، وعلة إبقائها بقوله:
والفتحَ أبقِ مُشْعِرًا بما حُذِفْ
وقد فهم من إطلاقه أنه لا فرق فيما ألفه زائدة وما ألفه غير زائدة، وهذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون فنقل عنهم أنهم أجازوا ضم ما قبل الياء مطلقا، ونقله المصنف عنهم في ذي الألف الزائدة نحو حبلى -مسمى به- قال في شرح التسهيل: فإن كان أعجميا نحو عيسى أجازوا فيه الوجهين؛ لاحتمال الزيادة وعدمها.
تنبيه:
ظاهر كلامه في التسهيل وشرحه أن الكوفيين يجزمون في ذي الألف الزائدة بما ذكر من الضم والكسر، وقال في شرح الكافية: وأجاز الكوفيون ضم ما قبل الواو وكسر ما قبل الياء في المقصور الذي ألفه زائدة، فظاهره أنهم يجيزون الوجهين، وهو الظاهر من نقل غيره.
فإن قلت: لم يذكر هنا حكم غير المقصور إذا جمع على حد المثنى.
قلت: قد تقدم أول الباب الاعتذار عن اقتصاره هنا على المقصور والممدود، ولما كان حكم همزة الممدود في جمع التصحيح كحكمها في التثنية لم يعد ذكره في الجمع إحالة على التثنية، وكان ينبغي أن ينبه على أن ياء المنقوص تحذف في الجمع على حد المثنى، ويضم ما قبل الواو ويكسر ما قبل الياء فتقول: "جاء القاضون ورأيت القاضين".
والحاصل أن حكم المجموع على حد المثنى في الصحة والتغيير كحكم المثنى إلا المقصور والمنقوص، فإن آخرهما يحذف.
ثم انتقل إلى الجمع بالألف والتاء فقال:
.................... ... وإِنْ جَمَعْتَهُ بتاءٍ وأَلِفْ
فالألفَ اقلِبْ قلبَها في التثنيهْ ... ..........................(3/1370)
الضمير في قوله: "وإن جمعته" للمقصور، ومعنى قوله: "قلبها في التثنية" أنها إن كانت رابعة فصاعدا قلبت ياء، وإن كانت ثالثة فعلى التفصيل المتقدم.
فإن قلت: ما حكم الممدود والمنقوص إذا جمعا بالألف والتاء؟ قلت: كحكمهما إذا ثنيا.
فالحاصل أن حكم المجموع بالألف والتاء كحكم المثنى مطلقا إلا في حذف تاء التأنيث مما هي فيه، كما سيأتي.
فإن قلت: لم ذكر حكم المقصور إذا جمع بالألف والتاء ولم يذكر حكم الممدود وكلاهما موافق للتثنية، فكان حقه أن يترك ذكرهما استغناء بما تقدم في التثنية أو يذكرهما إيضاحا؟
قلت: لما كان حكم الممدود في جمعي التصحيح واحدا لم يذكره استغناء بذكره في التثنية بخلاف المقصور فإنه خالف التثنية في أحد الجمعين ووافقهما في الآخر.
وقوله:
....................... ... وتاءَ ذي التا أَلزِمَنَّ تَنْحِيَهْ
يعني: أن تاء التأنيث تحذف عند تصحيح ما هي فيه؛ لئلا يجمع بين علامتي التأنيث، ويعامل الاسم بعد حذفها معاملة العاري منها فتقول في مسلمة: مسلمات، وإذا كان قبلها ألف قلبت على حد قلبها في التثنية، فتقول في فتاة: فتيات؛ لأنها عن ياء، وفي قطاة: قطوات؛ لأنها عن واو، وفي معطاة: معطيات؛ لأنها رابعة، وإذا كان قبلها همزة تلي ألفا زائدة صححت إذا كانت أصلية نحو قراءة وقراءات، وجاز فيها القلب والتصحيح إن كانت بدلا من أصل نحو نباءة فيقال: نباءات ونباوات، كما يفعل في التثنية.
والسالِمَ العَيْن الثلاثي اسمًا أنِلْ ... إتْباعَ عين فاءَه بما شُكِلْ
إنْ ساكن العين مؤنثا بَدَا ... مُختتما بالتاء أو مُجردَا
يعني: أن ما جمع بالألف والتاء وحاز الشروط المذكورة في هذين البيتين تتبع عينه فاءه في الحركة، فتفتح إن كانت الفاء مفتوحة وتضم إن كانت الفاء مضمومة وتكسر إن كانت الفاء مكسورة.(3/1371)
والشروط المذكورة خمسة، وأنا أذكرها على ترتيبها:
الأول: أن يكون سالم العين، واحترز به من نوعين: أحدهما المشددة نحو جَنة وجِنة وجُنة1 فليس فيه إلا التسكين. والآخر: ما عينه حرف علة، وهو ضربان: ضرب قبل حرف العلة فيه حركة تجانسه نحو تارة ودولة وديمة، فهذا يبقى على حاله، وذكر ابن الخباز في سورة الفتح ونسب إلى الوهم، وفي المصباح: هذيل تقول ديمات -بالفتح- في جميع الباب. وضرب قبل حرف العلة فيه فتحة نحو جَوْزة وبيضة، وهذا فيه لغتان: لغة هذيل الإتباع، ولغة غيرهم الإسكان، وسيأتي ذكره عند إشارة الناظم إليه.
الثاني: أن يكون ثلاثيا، واحترز به من الرباعي نحو جيأل -علم للضبع فإنه يبقى على حاله.
الثالث: أن يكون اسما، واحترز به من الصفة نحو ضخمة وجِلْفة2 وحلوة، فليس فيها إلا التسكين.
الرابع: أن يكون ساكن العين، واحترز به من متحرك العين، نحو شجرة ونِبقة وسمُرة، فإنه لا يغير.
الخامس: أن يكون مؤنثا، واحترز به من المذكر نحو بكر، فإنه لا يجمع بالألف والتاء فلا يكون الإتباع المذكور، ولا يشترط أن يكون فيه تاء التأنيث، فلذلك سوى بين المختتم بتاء التأنيث والمجرد منها، فمثال المختتم بالتاء جفنة وسدرة وغرفة، ومثال المجرد منها دعد وهند وجُمْل، فإذا جمعت هذه المثل ونحوها بالألف والتاء تبعت عينها فاءها لجمعها للشروط المذكورة فتقول: جفنات وسدرات وغرفات ودعدات وهندات وجملات.
تنبيه:
منع الفراء إتباع الكسرة إلا أن يسمع فيحفظ ولا يقاس عليه، وحجته أن فعلات تتضمن فعلا وهو وزن أهمل إلا ما ندر كإبل، ورد بأنه أخف من فعل، فإن تصرف أدى إلى استعماله فلا ينبغي أن يجتنب.
__________
1 الجنة: بفتح الجيم البستان، وبكسرها: الجنون والجن، وبضمها: الوقاية.
2 جلفة: بكسر الجيم -مؤنث جلف- وهو الرجل الجافي.(3/1372)
وقوله:
وسَكِّنْ التالي غيرَ الفتحِ أوْ ... خفِّفْهُ بالفتح فكُلًّا قد رَوَوْا
يعني: أنه يجوز في العين بعد الفاء المضمومة أو المكسورة وجهان مع الإتباع، وهما الإسكان والفتح، فاتضح بذلك أن في نحو سدرة وهند من مكسور الفاء وجمل وغرفة من مضموم الفاء ثلاث لغات: الإتباع والإسكان والفتح. وأما نحو جفنة ودعد فلا يجوز فيه إلا الإتباع، ولا يسكن إلا في الضرورة، وذكر في التسهيل أنه يجوز فيه الإسكان اختيارا لأمرين؛ أحدهما: اعتلال لامه نحو ظبيان، والآخر: شبه الصفة نحو أهل وأهلات، ولم يستثنِ أكثرهم هذين النوعين، والأول حكاه ابن جني عن قوم من العرب، فإذا صح النقل وجب قبوله.
تنبيهان:
الأول: أشار بقوله: "فكلا قد رووا" إلى ثبوت هذه اللغات نقلا عن العرب خلافا لمن زعم أن الفتح في نحو غرفات إنما هو على أنه جمع غرف، ورُدَّ بأن العدول إلى الفتح تخفيفا أسهل من ادعاء جمع الجمع، ورده السيرافي بقولهم: "ثلاث غُرَفات" -بالفتح.
الثاني: مذهب أبي علي والجماعة أن السكون في نحو غرفات تخفيف عن الضم وليس على الأصل، واستدل أبو علي بأن السكون لم يجئ في المفتوح على الأصل إلا نادرا في الشعر فلا يحمل عليه الشائع الكثير، وكذلك الفتح عندهم تخفيفا عن الضم، عدلوا عن الضم إليه، وذهب بعضهم إلى الفتح إتباع لما بعد، وان التسكين تسليم للمجموع، واستدل بقول سيبويه: ومن العرب من يدع العين ساكنة، فهذا دليل على أنه سكون الأصل، وظاهر قوله: "وسكن التالي الفتح أو خففه بالفتح" موافقة أبي علي والجماعة.
ومنعوا إِتْباع نحو ذروه ... وزبية................
يعني: أن العرب منعوا إتباع الكسرة فيما لامه واو، وإتباع الضمة فيما لامه ياء؛ لاستثقال الكسرة قبل الواو والضمة قبل الياء، ولا خلاف في ذلك.
وقوله:(3/1373)
..................... ... ..... وشذ كسر جروه
إشارة إلى قولهم: جِروات -بكسر الراء- حكاه يونس وهو في غاية الشذوذ؛ لما فيه من الكسر قبل الواو.
تنبيهات:
الأول: قد ظهر بهذا أن لإتباع الكسرة والضمة شرطا آخر غير الشروط السابقة.
الثاني: فهم من كلامه جواز الإسكان والفتح في نحو ذِرْوَة وزُبْيَة1؛ إذ لم يتعرض لمنع غير الإتباع.
الثالث: فهم أيضا من إطلاقه جواز اللغات الثلاث، في نحو خطوة ولحية، ومنع بعض البصريين الإتباع في نحو لحية؛ لأن فيه توالي الحركات مرتين قبل الياء قال ابن عصفور: كما لم يحفلوا باجتماع ضمتين والواو، كذلك لم يحفلوا باجتماع كسرتين والياء.
ونَادِرٌ أو ذو اضطرارٍ غير ما ... قَدَّمْتُه أو لأناس انْتَمَى
يعني: أن ما ورد من هذا الباب مخالفا لما تقدم فهو إما نادر، وإما ضرورة، وإما لغة قوم من العرب، فمن النادر قول بعضهم: كَهَلات -بالفتح2- وقياسه الإسكان؛ لأنه صفة، ولا يقاس عليه، خلافا لقطرب، ومنه قول جميع العرب: "عِيَرات" -بكسر العين وفتح الياء- جمع عير وهي الدابة التي يحمل عليها، والعير مؤنث، وذهب المبرد والزجاج إلى أنه "عَيرات" بفتح العين، قال المبرد: جمع عَيْر -وهو الحمار- وقال الزجاج: جمع عير، الذي في الكتف أو القدم3 وهو مؤنث، ومنه جروات كما تقدم.
__________
1 ذروة: بكسر الذال وضمها كما في القاموس، وهو أعلى الشيء.
وزبية: بضم الزاي وسكون الباء وفتح الياء، وهي حفرة الأسد.
2 كهلات: جمع كهلة، وهي التي جاوزت ثلاثين سنة.
3 وهو العظم الناتئ في وسط الكتف أو وسط القدم.(3/1374)
ومن الضرورة قوله1:
فتستريح النفسُ من زَفْراتِهَا
وقياسه الفتح.
ومن المنتمي إلى قوم من العرب فتح العين المعتلة بعد الفاء المفتوحة نحو: جوْزة وبيضة، فإنها لغة هذيل. قال شاعرهم2:
__________
1 قائله: لم أقف على اسم راجزه، وهو من الرجز.
وقبله:
عل صروف الدهر أو دولاتها
تدلننا اللمة من لماتها
اللغة: "عل" لغة في لعل "الدولات" -بضم الدال- جمع دولة في المال، وبالفتح في الحرب، وقيل: هما واحد "تدلننا" من الإدالة، وهي الغلبة "اللمة" بالفتح الشدة "زفراتها" -جمع زفر- وهي الشدة.
الإعراب: "عل" حرف من الحروف المشبهة بالفعل "صروف" اسم لعل "الدهر" مضاف إليه "أو" حرف عطف "دولاتها" عطف عليها "تدلننا" جملة من الفعل والفاعل والمفعول خبر لعل "اللمة" -بالنصب- مفعول ثان لتدلننا "من لماتها" جار ومجرور في محل نصب صفة لقوله اللمة تقديرها: اللمة الكائنة من لماتها "فتستريح" -بالنصب- فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء "النفس" فاعل "من زفراتها" جار ومجرور متعلق بنستريج.
الشاهد: قوله: "زفراتها" حيث سكن الفاء فيها لإقامة الوزن، والقياس تحريكها.
مواضعه: ذكره الأشموني 668/ 3، وابن الناظم، والسيوطي ص129، والمكودي ص164.
2 قائله: هو شاعر من هذيل يمدح جمله، وهو من الطويل.
وعجزه:
رفيق بمسح المنكبين سبوح
اللغة: "أخو بيضات" أي: صاحب بيضات وملازم لها وهو جمع بيضة "رائح" اسم فاعل من راح يروح رواحا، والرواح: السير وقت العشي، والمراد راجع إلى عشه "متأوب" اسم فاعل من تأوب، إذا جاء في أول الليل "رفيق بمسح" عليم بتحريكهما في السير "سبوح" حسن الجري.
المعنى: يمدح الشاعر الهذلي جمله فيقول: إن جملي في سرعة سيره كذكر النعام الذي له بيضات يحرص عليها. فهو يسعى ليلا ونهارا بسرعة ومهارة؛ ليصل إليها ويطمئن عليها.
الإعراب: "أخو" خبر لمبتدأ محذوف، أي: هو أخو "بيضات" مضاف إليه "رائح متأوب" صفتان لأخ وكذلك "رفيق وسبوح" ويجوز في سبوح أن تجعل خبرا ثانيا للمبتدأ.
الشاهد: قوله: "بيضات" حيث فتح العين إتباعا لحركة الفاء، والاسم ثلاثي معتل العين.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 668/ 3، وابن هشام 91/ 4، وابن الناظم، والمكودي ص164.(3/1375)
أخو بيضات رائح متأوب
وبلغتهم قرئ: {ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} 1، ومنه إسكان العين في نحو ظبية؛ لاعتلال لامه كما تقدم. والله أعلم.
__________
1 من الآية 58 من سورة النور.(3/1376)
جمع التكسير:
وهو الاسم الدال على أكثر من اثنين بتغيير ظاهر أو مقدر. وقسَّم المصنف التغيير إلى ستة أقسام؛ لأنه إما بزيادة نحو صِنْو وصنون1، أو بنقص كتخمة وتُخَم، أو تبديل شكل نحو أَسَد وأُسْد، أو بزيادة وتبديل شكل نحو رجل ورجال، أو بنقص وتبديل شكل نحو قضيب وقُضُب، أو بهن كغلام وغلمان.
واعترض بأنه لا تحرير فيه؛ لأن صنوان من زيادة وتبديل شكل، وتخم من نقص وتبديل شكل؛ لأن الحركات التي في الجمع غير الحركات التي في المفرد.
والتغيير المقدر في نحو فُلْك ودِلاص وهِجَان وشِمال للخِلْقة2 قيل: ولم يرد غير هذه الأربعة.
قلت: وليس كذلك، بل ذكر في شرح الكافية من ذلك قولهم: "رجل عِفْتَان" -وهو القوي الجافي- "ورجال عفتان"، وحكى ابن سيده "ناقة كِنَاز" و"نوق كناز"3 فتكون منها، ومذهب سيبويه أن فلكا وبابه جمع تكسير، فيقدر في ذلك زوال حركات المفرد وتبدلها بحركات مشعرة بالجمع، ففلك إذا كان مفردا كقُفْل، وإذا كان جمعا كبُدْن، وكذلك تقول في سائرها، ودعانا إلى ذلك أنهم قالوا في تثنيته فلكان، فعلم أنهم لم يقصدوا به ما قصدوا بجُنُب ونحوه مما اشترك فيه الواحد وغيره، حين قالوا: هذا جنب، وهذان جنب، وهؤلاء جُنُب، فالفارق عنده بين ما يقدر تغييره وما لا يقدر تغييره وجود التثنية وعدمها، وقال المصنف في باب أمثلة الجمع من التسهيل: والأصح كونه -يعني باب فلك- اسم جمع مستغنيا عن تقدير التغيير.
فإن قلت: يرد على حد جمع التكسير نحو: "جَفَنات، ومُصْطفيْن" فإن واحده قد تغير للجمع.
__________
1 صنو وصنوان: إذا خرج نخلتان أو ثلاث من أصل واحد فكل واحدة منهن صنو. والاثنان صنوان -بكسر النون- غير منون، والجمع صنوان بتحريك النون بحسب العامل منونة.
2 دلاص: أي براق، يقال: للواحد ولجمع من الدروع. وهجان: يقال للواحد والجمع من الإبل. والخلقة: أي الطبيعة.
3 كناز: أي: مكتنزة اللحم، ويستوي فيه المذكر والمؤنث.(3/1377)
قلت: ليست الجمعية مستفادة من فتح فاء جفنات وحذف ألف مصطفى، فإن تقدير السلامة فيها لا يخل بالجمعية.
وجمع التكسير على ضربين: ضرب للقلة، وضرب للكثرة.
فمدلول جمع القلة بطريق الحقيقة من ثلاثة إلى عشرة، ومدلول جمع الكثرة بطريق الحقيقة ما فوق العشرة إلى ما لا نهاية له، وبدأ بأبنية القلة فقال:
أَفْعِلَةٌ أفَعُلُ ثم فِعْلَهْ ... ثُمَّت أفعالٌ جموعُ قِلَّهْ
أمثلتها على الترتيب: أرغفة، أبحر، فتية، أجمال.
وقد فهم من هذا أن ما بقي من أبنية جمع التكسير فهو للكثرة، وليس من أبنية القلة فُعَل نحو ظُلَم، ولا فِعَل نحو نِعَم، ولا فِعَلة نحو قِرَدة خلافا للفراء، ولا فَعَلة نحو بَرَرة، خلافا لبعضهم، نقله عنه ابن الدهان، ولا أفعِلاء نحو أصدقاء خلافا لأبي زيد الأنصاري، نقله عنه أبو زكريا التبريزي، والصحيح أن هذه كلها من جموع الكثرة.
تنبيهات:
الأول: ذهب ابن السراج إلى أن فِعْلة اسم جمع، لا جمع تكسير، وشبهته أنه لم يطرد.
الثاني: يشارك أفعلة وأخواته في الدلالة على القلة جمع التصحيح للمذكر والمؤنث، ونقل ابن إياز عن ابن خروف: أنه قال في شرح الجمل: هو مشترك بينهما؛ وذلك لأنه مستعمل فيهما، والأصل الحقيقة، قال ابن إياز: واستضعفه بعض الأشياخ؛ لأن اللفظ إذا دار بين المجاز والاشتراك كان المجاز راجحا.
الثالث: إذا قُرِنَ جمع القلة بأل التي للاستغراق، أو أضيف إلى ما يدل على الكثرة انصرف بذلك إلى الكثرة كما في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} 1 وقد جمع الأمرين قول حسان2:
__________
1 من الآية 35 من سورة الأحزاب.
2 قائله: هو حسان بن ثابت الأنصاري، وهو من الطويل. =(3/1378)
لنا الْجَفناتُ الغر يَلْمعنَ في الضحى ... وأسيافنا يقْطُرن من نَجْدَة دمَا
وبعضُ ذي بكَثْرة وَضْعا يَفِي ... كأرْجُل والعكس جاء كالصُّفِي
قد يستغنى بوضع مثال القلة عن مثال الكثرة، كقوله في رِجْل: أرجُل، ولم يجمعوه على مثال كثرة، ونظيره عُنُق وأعناق، وفؤاد وأفئدة.
وقد يستغنى بوضع مثال الكثرة عن مثال القلة كقولهم في صَفَاة صُفِي1 ولم يجمعوه على مثال القلة، ونظيره قَلْب وقلوب ورجُل ورجال.
وقد يستغنى بأحدهما عن الآخر في الاستعمال لقرينة مجازا نحو: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 2. واعلم أن للكلام على جمع التكسير طريقتين:
الأولى: وهي طريق سيبويه وأكثر النحويين، أن يتكلم على بنية المفرد فيقال مثلا فَعْل يجمع في القلة على كذا وفي الكثرة على كذا.
والثانية: وهي طريق المصنف أن يتكلم على بنية الجمع فيقول مثلا أفعل يطرد في كذا ويحفظ في كذا.
ولما شرع في التفصيل على هذه الطريقة قال:
لفِعْلٍ اسمًا صَحَّ عينًا أفعُلُ ... وللرباعي اسما أيضا يُجعَلُ
__________
= اللغة: "الجفنات" جمع جفنة وهي القصعة "الغُر" -بضم الغين- جمع غراء وهي البيضاء "يلمعن" من لمع إذا أضاء ومن للبيان "من نجدة" أي: من شجاعة وشدة "دما" واحد وضع موضع الجمع لأنه جنس.
الإعراب: "لنا" جار ومجرور خبر مقدم "الجفنات" مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة "الغر" صفة للجفنات "يلمعن" جملة من الفعل والفاعل في محل نصب حال من الجفنات "في الضحى" جار ومجرور، وروي: بالضحى، فالباء ظرفية بمعنى في "وأسيافنا" أسياف مبتدأ ونا مضاف إليه "يقطرن" جملة من الفعل والفاعل في محل خبر المبتدأ "من نجدة" جار ومجرور، ومن للبيان والتبعيض.
الشاهد: قوله: "الجفنات" حيث جمعت بالألف والتاء في القلة، وأيضا "أسيافنا" فإن المراد بها التكثير، وقال الركني: القياس الجفان والسيوف.
مواضعه: ذكره الأشموني 671/ 3، والشاهد 594 في الخزانة، وابن يعيش 10/ 5، وسيبويه 181/ 2.
1 صفاة: الصخرة الملساء.
2 من الآية 228 من سورة البقرة.(3/1379)
يعني أن أفعُلا أحد جموع القلة يطرد في نوعين من المفردات:
الأول: ما كان على فَعْل بشرطين؛ أحدهما: أن يكون اسما، وأن يكون صحيح العين.
فشمل نحو: فَلْس وكَف ودَلْو وظَبْي ووَجْه، فتقول في هذه: أفْلُس وأَكف وأَدْل وأظب1 وأوجه.
واحترز بقوله: "اسما" من الصفة، فلا يجمع على أَفْعُل، وندر أعبد في عبد؛ لأنه صفة، وسهله غلبة الاسمية.
واحترز بقوله: "صح عينا" من معتل العين، فلا يجمع على أفعل إلا نادرا كقولهم: أعين وأثوب.
والثاني: ما كان رباعيا، بأربعة شروط: أن يكون اسما، وأن يكون بمدة ثالثة، وأن يكون مؤنثا، وأن يكون بلا علامة نحو: "عَنَاق"2 وذرِاع، وعُقاب، ويمين، فتقول فيها: أعنُق، وأذرُع، وأعقُب، وأيمُن.
فإن كان صفة نحو شجاع، أو بلا مدة نحو خِنْصَر، أو مذكرا نحو حمار، أو بعلامة التأنيث نحو سحابة لم يجمع على أفعُل، وندر من المذكر طِحَال وأطحُل، وغُراب وأغرُب، وعَتَاد وأعتُد، ونحوها.
وقد أشار إلى هذه الشروط بقوله:
إِنْ كان كالعنَاقِ والذِّراعِ في ... مدٍّ وتأنيثٍ وعَدِّ الأحرُفِ
تنبيهات:
الأول: فهم من تمثيله أن حركة الأول لا يشترط كونها فتحة أو غيرها لتمثيله بالمفتوح والمكسور.
__________
1 أدل وأظب: أصلهما أدلو وأظبي فقلبت ضمة اللام والباء كسرة والواو ياء وحذفت الياء الأصلية في أظبي والمنقبلة في أدلو على حد الحذف في قاض وغاز.
2 العناق: أنثى المعز والجمع أعنق وعنوق.(3/1380)
الثاني: فهم من إطلاقه "في مد" أن الألف وغيرها من أحرف المد في ذلك سواء.
الثالث: فائدة قوله: "وعد الأحرف" التنبيه على الشرط الرابع -وهو التعري من العلامة- ولولا التنبيه على هذا لم يكن له فائدة؛ لأنه صرح أولا بالرباعي.
وغيرُ ما أفعُلُ فيه مطَّرِدْ ... من الثلاثي اسمًا بأفعالٍ يَرِدْ
يعني: أن أفعالا يطرد في جمع اسم ثلاثي لم يطرد فيه أفعُل، وهو فَعْل الصحيح العين، فاندرج في ذلك فَعْل المعتل نحو ثوب وسيف، وغير فَعْل من أوزان الثلاثي، وهي فِعْل نحو حزب وأحزاب، وفُعْل نحو صُلْب وأصلاب1، وفَعَل نحو جَمَل وأجمال، وفَعِل نحو وعل وأوعال2، وفَعُل نحو عضد وأعضاد، وفُعُل عنق وأعناق، وفُعَل نحو رطب وأرطاب، وفِعِل نحو إبل وآبال، وفِعَل نحو ضِلَع وأضلاع.
وأما فَعْل الصحيح العين، وهو الذي يطرد فيه أفعل، فلا يجمع على أفعال إلا نادرا نحو: فَرْخ وأفراخ، وزَنْد وأزناد3، وسمع من ذلك شيء كثير، حتى لو قيل: ذهب ذاهب إلى اقتباسه، لذهب مذهبا حسنا، وذهب الفراء إلى أنه ينقاس فيما فاؤه واو نحو وهم وأوهام، أو همزة نحو ألف وآلاف ومذهب الجمهور أنه لا ينقاس فيهما ولا في غيرهما. وذكر في شرح الكافية أن أفعالا أكثر من أفعُل في فَعْل الذي فاؤه واو نحو: وقت وأوقات ووهم وأوهام، والمضاعف نحو: عم وأعمام وجد وأجداد، وذكر أن جمع الذي فاؤه واو على أفعل شاذ نحو: وجه وأوجه، وأن المضاعف لم يسمع فيه أفعل إلا نادرا.
قلت: وهذا يؤيد مذهب الفراء فيما فاؤه واو، بل يقتضي ألا يكون أفعل مطردا في هذين النوعين، وقد صرح في التسهيل بمخالفة الفراء.
وغالبًا أغناهُمُ فِعْلانُ ... في فُعَل كقولهم صِرْدَانُ
__________
1 الصُّلْب -بضم الصاد- كل ظهر له فقار، والغليظ الشديد.
2 الوَعِل -بفتح الواو وكسر العين- التيس الجبلي.
3 الزند: العود الأعلى الذي يقدح به النار. والزندة -بالهاء- العود الأسفل. والزند: موصل طرف الذراع في الكف.(3/1381)
يعني: أن الغالب في فُعَل أن يجمع على فِعْلان -بكسر الفاء- كقولهم في صُرَد: صِرْدان، وفي نُغَز: نِغْزان1، وقد جاء بعضه على أفعال نحو: رطب وأرطاب، وإليه أشار بقوله: "غالبا"، ونص في التسهيل على أن أفعالا فيه نادر.
قلت: فلا ينبغي أن يمثل به فيما يطرد فيه أفعال.
في اسمٍ مذكرٍ رباعيٍّ بِمَدّ ... ثالثٍ أفعِلَةُ عنهُمُ اطَّرَدْ
يعني: أن أفعلة يطرد في جمع اسم مذكر رباعي بمدة ثالثة نحو: طعام وأطعمة، ورغيف وأرغفة، وعمود وأعمدة، وقال المهاباذي2: وربما شذ شيء من هذا فلم يستعملوا فيه أفعلة قالوا: كتاب وكتب، ولم يقولوا: أكتبة. واحترز بالاسم من الصفة وبالمذكر من المؤنث، وبالرباعي من الثلاثي، وبالمدة الثالثة من العاري عنه، فلا يجمع شيء من ذلك على أفعلة، إلا ما ندر من قولهم: شحيح وأشِحَّة -وهو صفة- وعقاب وأعقبة -وهو مؤنث، وإنما قياسه أفعل- وقدح وأقدحة -وهو ثلاثي- وجائز وأجوزة -وليست مدته ثالثة- والجائز: الخشبة الممتدة في أعلى السقف.
والزَمْهُ في فَعَالٍ أو فِعَالِ ... مُصَاحِبي تضعيف أو إعلالِ
يعني: أن أفعل ملتزم في جمع فَعال -بفتح الفاء- وفِعال -بكسرها- مضاعفين نحو: بتات3 وأبتة، وزمام وأزمة، أو معتل اللام نحو: قَباء وأقبية، وإناء وآنية، فإن قلت قد شذ قولهم: عِنَان وعُنُن، وحَجَاج وحُجُج4، وقالوا في جمع سماء بمعنى المطر: سُمِيّ، والقياس: أسمية، وهو مسموع أيضا، فكان ينبغي أن يقول: "والزمه في غير شذوذ".
__________
1 النغز: طير كالعصفور أحمر اللون يسمى البلبل، والأنثى نغزة. والصرد: طائر ضخم الرأس يصطاد العصافير.
2 هو أحمد بن عبد الله المهاباذي الضرير. قال ياقوت: من تلاميذ عبد القاهر الجرجاني، له شرح اللمع.
3 بتات: متاع البيت، وأبتة: أصله أبتتة، فالتقى مثلان فنقلت حركة أولهما إلى الساكن قبله ثم أدغم أحد المثلين في الآخر، وكذا يقال في أزمة.
4 عِنَان -بكسر العين- ما يقاد به الفرس، وبفتحها السحاب.
وحجاج -بفتح الحاء وكسرها- العظم الذي ينبت عليه الحاجب.(3/1382)
قلت: وقد أشار إلى ذلك بعد بقوله:
ما لم يُضاعَفْ في الأعم ذو الألف
وسيأتي.
فُعْلٌ لنحو أحْمَر وحَمْرَا
من أمثلة جمع الكثرة فُعْل، وهو مطرد في أفل فعلاء، صفتين متقابلتين نحو أحمر وحمراء فتقول فيهما: حمر. ومنفردين لمانع في الخلقة، نحو رجل أكمر -للعظيم الكمرة1- وامرأة عفلاء2 فتقول فيهما: كُمْر وعُفْل، فإن كانا منفردين لمانع في الاستعمال خاصة نحو: رجل آلى3 وامرأة عجزاء4 ولم يقولوا: رجل أعجز ولا امرأة ألياء في أشهر اللغات؛ ففي اطراد فُعْل في هذا النوع خلاف. ونص في شرح الكافية على اطراده، وتبعه الشارح، ونص في التسهيل على أن فُعْلا فيه محفوظ.
فإن قلت: فما المفهوم من كلامه هنا؟
قلت: موافقة شرح الكافية؛ لأنه أحال على التمثيل بأحمر وحمراء، فكل ما شابهه في الوزن والوصف جمع جمعها، وإن خص كلامه بالمتقابلين لخصوصية المثال لم يستقم لخروج المنفردين لمانع، فتعين التعميم.
تنبيهان:
الأول: يجب كسر فاء هذا الجمع فيما عينه ياء نحو بيض؛ لما سيذكر في التصريف.
الثاني: يجوز في الضرورة ضم عين هذا الجمع بثلاثة شروط: صحة عينه، وصحة كلامه، وعدم التضعيف، كقوله5:
............................ ... وأنكرَتْنِي ذواتُ الأعين النُّجُلِ
__________
1 مانع خلقي بأن تكون خلقة المذكر أو المؤنث غير قابلة للوصف.
والأكمر: العظيم الكمرة وهي حشفة الذكر.
2 عفلاء: العفل: شيء يجتمع في قبل المرأة يشبه الأدرة للرجل، والأدرة: الخصية المنتفخة.
3 آلى: كبير الألية، والأصل أألى بهمزتين ثانيتهما ساكنة، فقلبت الهمزة الثانية ألفا، وكذا الياء لتحركها وانفتاح ما قبلها.
4 عجزاء: أي كبيرة العجز.
5 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط.
وصدره:
طوى الجديدان ما قد كنت أنشره =(3/1383)
وهو كثير، فإن اعتلت عينه نحو بيض وسود، أو لامه نحو عُمْي وعُشْو، أو كان مضاعفا نحو غُر جمع أغَرّ، لم يجز الضم.
..................... ... وفَعْلَةٌ جمعًا بنقلٍ يُدْرَى
هذا هو رابع جمع القلة، ولم يطرد في شيء من الأبنية، بل هو محفوظ في ستة أوزان: فَعيل نحو صبي وصبية، وفَعَل نحو فتى وفتية، وفَعْل نحو شيخ وشيخة، وفُعَال نحو غلام وغلمة، وفَعَال نحو غزال وغزلة، وفِعَل نحو ثِنَى وثنية على وزن عِدَى حكاه الفارسي، والثِّنى: هو الثاني في السيادة. فإن قلت: فما فائدة قوله: "وفعلة جمعا" وقد علم بذكره أولا أنه جمع؟
قلت: التعريض بقول ابن السراج؛ ولذلك لم يقل مثل هذا في غيره من جموع القلة؛ "إذ لا خلاف فيها"1.
تنبيه:
لو قدم قوله: "وفعلة جمعا بنقل يدرَى" على قوله: "فعل لنحو أحمر وحمرا" لتوالت جموع القلة.
وفَعُلٌ لاسم رُباعي بمد ... قد زِيدَ قبل لامٍ اعلالا فَقَدْ
ما لم يُضاعَفْ في الأعم ذُو الأَلِفْ ... ...............................
من أمثلة جمع الكثرة فعل، وهو مطرد في اسم رباعي بمد قبل لامه صحيح اللام، فإن كانت مدته ياء أو واوا ولم يشترط فيه غير ذلك نحو: قضيب وقُضُب، وعمود وعُمُد. فإن كانت ألفا اشترط فيه مع ذلك ألا يكون مضاعفا نحو: قَزَال وقُذُل2 وحِمَار وحُمُر.
__________
= اللغة: "الجديدان" الليل والنهار "الأعين" جمع عين "النجل" بضم النون جمع نجلاء من النجل وهو سعة شق العين، والرجل أنجل والعين نجلاء.
الإعراب: "طوى" فعل ماض "الجديدان" فاعل "ما" موصولة في محل نصب مفعول "قد" حرف تحقيق "كنت" كان واسمها "أنشره" جملة في محل نصب خبر كان، وجملة كان واسمها وخبرها لا محل لها صلة الموصول "أنكرتني" فعل ماض والتاء للتأنيث والنون للوقاية والياء مفعول "ذوات" فاعل "الأعين" مضاف إليه "النجل" صفة الأعين.
الشاهد: قوله: "النجل" فإنه حرك الجيم للضرورة، والقياس تسكينها.
مواضعه: ذكره الأشموني 677/ 3، والسيوطي في الهمع 175/ 2.
1 ب، ج.
2 القذال: جماع مؤخر الرأس، ومعقد العذار من الفرس خلف الناصية.(3/1384)
واحترز بالاسم من الصفة فإنها لا تجمع على فُعُل، وشذ في وصف على فَعال نحو: صَناع وصُنَع، وفِعال نحو: ناقة كِنَاز ونوق كُنُز، وذهب بعضهم إلى أنه قياس فيهما وبالرباعي من غيره، وشذ نحو: رهن ورهن ونَمِر ونُمُر، قال1:
فيها عيَايِيلُ أُسُودٍ ونُمُرْ
وقيل: يجوز أن يكون قصره من نمور ضرورة. وبالمد من العاري منها، وبصحة اللام من المعتلها نحو سقاء، فإنه لا يجمع على فُعُل، وسبب ذلك أنه لو جمع عليه لأدى إلى قلب الياء واوا فيصير إلى سُقُو، وقياسه حينئذ قلب الواو ياء والضمة كسرة فيصير إلى سُقِي، وهو بناء تنكبته العرب، وبعدم التضعيف في ذي الألف عن نحو: بتَات وزِمام، فإن قياسه أفعلة، وأشار بقوله: في الأعم، إلى شذوذ قولهم: عِنان وعُنُن وحِجاج وحُجُج، وفهم من تخصيص ذلك بذي الألف أن المضاعف من ذي الياء نحو سرير، وذي الواو نحو ذلول، يجمع على فعل نحو: سرير وسرر وذلول وذُلُل.
تنبيهات:
الأول: لا فرق في الاسم الرباعي الجامع للشروط بين أن يكون مذكرا كما مُثِّلَ، أو مؤنثا نحو: أتان وأُتن، وقَلوص وقُلص2، فكلاهما يطرد فيه فُعُل.
__________
1 قائله: أنشده سيبويه لحكيم بن معية الربعي من تميم يصف فتاة نبتت في موضع محفوف بالجبال والشجر، وهو من الرجز.
وقبله:
حفت بأطواد جبال وسمر ... في أشب الغيطان ملتف الحظر
اللغة: "حفت" أحيطت "بأطواد" جمع طود وأصله الجبل العالي، والمراد هنا الشديد الارتفاع "الحظر" الموضع الذي حوله شجر كالحظيرة "أشب" ملتف ومختلط "الغيطان" جمع غوط وهي الأرض المطمئنة الواسعة "عياييل" جمع عيل -واحد العيال- والمراد أشبال السباع.
الإعراب: "فيها" جار ومجرور خبر مقدم والضمير عائد إلى الغيطان "عياييل" مبتدأ مؤخر "أسود" بدل من عياييل أو بيان لها. وروي بالجر على الإضافة، ويكون من إضافة الصفة إلى الموصوف.
الشاهد: قوله: "نمر" جمع نمر على نمر، والقياس: نمور.
مواضعه: ذكره ابن هشام في شرح الألفية 112/ 4، وابن يعيش 18/ 5.
2 القلوص -بفتح القاف- الناقة الشابة.(3/1385)
الثاني: ما مدته ألف ثلاثة أقسام: مفتوح الأول، ومكسوره، ومضمومه.
أما الأول والثاني ففُعُل فيهما مطرد، وتقدم تمثيلهما، وأما الثالث فظاهر إطلاقه هنا اطراد فُعُل فيه، وصرح بذلك في شرح الكافية، فإنه مثل بقُراد وقُرُد، وكُراع وكُرُع في المطرد، وتبعه الشارح، وذكر في التسهيل أن فُعُلا نادر في فُعَال وهو الصحيح؛ فلا يقال في غراب: غُرُب، ولا في عُقاب: عُقُب.
وإذا قلنا باطراده فيشترط ألا يكون مضاعفا كما شرط ذلك في أخويه.
الثالث: يجب في غير الضرورة تسكين عين هذا الجمع إن كانت واوا نحو: سِوار وسور، ومن ضمها في الضرورة قوله1:
أغَرُّ الثنايا أحم اللِّثَاتِ ... يحسِّنُها سُوُكُ الإِسْحِلِ
قال الفراء: وربما قالوا: عون كرسل، فعلوا ذلك فرقا بين العوان والعانة، أي: بين جمعهما، والبصريون لا يجيزون ضم هذه الواو إلا في الشعر، ويجوز تسكين عينه إن لم تكن واوا نحو: قُذْل وحُمْر في قذل وحمر، وإن كانت ياء كسرت الفاء عند التسكين فتقول في سيال: سُيُل وسيل2، فإن كان مضاعفا لم يجز تسكينه، لما يؤدي إليه من إدغام، وندر قولهم: ذُباب وذُبُّ، والأصل: ذُبُب.
الرابع: اطرد عند تميم وبعض كلب فتح عين فعل المضاف تخفيفا فقيل في الاسم فقط، فلا يصح في ثياب جدد إلا الضم، وقيل: مطلقا في الاسم
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من المتقارب.
اللغة: "أغر" أبيض "الثنايا" جمع ثنية وهي الأسنان الأربعة التي يليها الرباعيات "أحم" من الحمة وهو لون بين الدهمة والكمتة "اللثات" جمع لثة، وهي اللحمة المركبة فيها الأسنان "يحسنها" يجملها "سوك" جمع سواك "الإسحل" -بكسر الهمزة- شجر يتخذ منه المساويك.
الإعراب: "أغر" مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي: هو أغر "الثنايا" مضاف إليه "أحم" خبر بعد خبر "اللثات" مضاف إليه "يحسنها" فعل مضارع والهاء مفعوله "سوك" فاعل "الإسحل" مضاف إليه.
الشاهد: قوله: "سوك" حيث ضم فيه الواو، والقياس: تسكينها.
مواضعه: ذكره الأشموني 669/ 3.
2 السيال: ضرب من الشجر له شوك.(3/1386)
والصفة، وإلى الأول ذهب ابن قتيبة وغيره من أئمة اللغة، واختاره ابن الصائغ، وإلى الثاني ذهب أبو الفتح والشلوبين.
الخامس: ذكر في الكافية والتسهيل أن فُعُلا طرد في نوعين: أحدهما المتقدم، والآخر فُعُول بمعنى فاعل نحو: صبور وصُبُر، فإن كان بمعنى مفعول لم يجمع على فُعُل نحو رَكوب، ولم يذكره هنا، فأوهم أنه غير مقيس، وليس كذلك.
..................... ... وفُعَلٌ جمعا لفُعلة عُرِف
ونحوِ كُبرى.......... ... ......................
من أمثلة جمع الكثرة فُعل، ويطرد في نوعين:
الأول: فُعْلة - اسما نحو: غُرفة وغُرَف، فإن كانت صفة نحو ضُحكة1 لم يجمع على فُعَل.
الثاني: الفُعْلَى - أنثى الأفعل نحو: الكُبَرى والكبر، فإن لم تكن أنثى الأفعل نحو بُهمَى ورُجعَى لم يجمع على فُعَل.
تنبيهات:
الأول: قوله: "ونحو" بالجر معطوف على فاعله، أي ولنحو.
الثاني: فهم من تمثيله بكبرى أن مراده أنثى الأفعل، احترازا من غيرها كما سبق.
الثالث: أخل هنا باشتراط الاسمية من فُعْلة، وهو شرط كما تقدم فلو قال: "فُعَل لفُعلة اسما عرف" لأجاد.
الرابع: اقتصر هنا وفي الكافية على هذين النوعين، أعني فعلة اسما والفُعلَى أثنى الأفعل، وقال في شرح الكافية بعد ذكرهما: وشذ فيما سوى ذلك، يعني فُعَلا، وزاد في التسهيل نوعا ثالثا وهو فُعُلَة اسما نحو: جُمُعة وجُمَع، فإن
__________
1 ضحكة -بضم فسكون- وهو من يُضحك منه كثيرا، وأما بضم ففتح فهو مَن يضحك كثيرا.(3/1387)
كان صفة نحو امرأة شُلُلة -وهي السريعة- لم يجمع على فُعَل. وتقدم رابع يطرد فيه فُعَل عند بعض تميم وكلب.
الخامس: اختلف في ثلاثة أنواع أخر؛ الأول: فُعْلى مصدرا نحو رُجْعى، والثاني: فَعْلة -بفتح الفاء- فيما ثانيه واو ساكنة نحو جَوْزَة، فقاسه الفراء في هذين النوعين فتقول: رُجَع وجُوَز كما قالوا في رؤيا ونوبة: رُؤًى ونُوَب. وغيره يجعل رُؤًى ونوب مما يحفظ ولا يقاس عليه. والثالث: فُعْل مؤنثا بغير تاء نحو جُمْل، فهذا يجمع على فُعَل قياسا عند المبرد، وغيره يقصره إن جاء على السماع. وقوله في الكافية: وجُمْل مثل بُرُمة في فُعَل - يقتضي موافقة المبرد.
............... ولفِعلَةٍ فعَلْ ... ..........................
من أمثلة جمع الكثرة فِعْلٌ، وهو مطرد في فعلة، قال في التسهيل: اسما تاما، نحو فرقة وفرق، واحترز بالاسم من الصفة كقولهم: صِغرَة وكِبرَة وعِجزَة في ألفاظ ذكرت في المخصص، وذكر أنها تكون هكذا للمفرد وللمثنى والمجموع، وبالتام من نحو رِقَة فإن أصله ورق، لكن حذفت فاؤه.
فإن قلت: فقد أخل هنا بالشرطين.
قلت: أما اشتراط الاسمية فإنه أخل به في فعلة كما أخل به في فعلة، ولو قال: لفعلة اسما، وجاء بعضه على فعل لأوضح.
وأما الثاني: فقد أجاب عنه بأن نحو رقة بعد الحذف لم يبقَ على وزن فعلة، وإنما ذلك باعتبار أصله.
فإن قلت: قد زعم بعض النحويين أن فعلة لم يجئ صفة فلعله إنما لم يعتد بالاسمية بناء على هذا كما تقدم.
قلت: تقييده بالاسمية في التسهيل يرد ذلك، وأيضا فقد ثبت ورود فعله صفة "فليس نفيه بصحيح"1.
فإن قلت: ما حكم فُعلة -بضم الفاء- إذا حذفت فاؤه؟
__________
1 ب، ج. وفي أبإسقاط فليس.(3/1388)
قلت: لم يشترط في التسهيل التمام إلا في فِعلة -بكسر الفاء- والقياس يقتضي تساويهما، فلعله إنما لم يذكر ذلك في فعلة -بضم الفاء- لأنه قليل جدا قالوا: في وصله صلة.
تنبيه:
قاس الفراء فِعَلا في فِعْلى اسما نحو: ذكرى وذِكَر، وفَعْلة يائي العين نحو: ضيعة وضِيَع، كما قاس فُعَلا في نحو: رُؤْيا ونَوْبة، وقاسه الفراء في نحو هند، كما قاس فُعَلا نحو جُمْل، ومذهب الجمهور أنه إن ورد لم يقس عليه هذه الأنواع، وقوله في الكافية: وهند مثل كِسْرةٍ في فِعَل.
يقتضي موافقة المبرد كما في نحو جمل "وقد يجيء جمعه على فُعَل" يعني أن فِعلة -بكسر الفاء- قد تجمع على فعل كقولهم: حِلية وحُلى، ولِحية ولِحى، وهو شاذ، وقال بعضهم: حِلى ولِحى -بالكسر- على القياس.
تنبيه:
كما ناب فُعَل عن فِعَل في حلية ولحية ناب فِعَل عن فُعَل في صورة وقوة قالوا: صِوَر وقِوى، بكسر أولهما شذوذا.
في نحو رامٍ ذُو اطراد فُعَلَه
من أمثلة جمع الكثير فُعلة -بضم الفاء- وهو مطرد في فاعل وصفا لمذكر عاقل معتل اللام نحو: رام ورُماة وقاض وقُضاة، وإلى هذه الشروط بقوله في التمثيل برام، فاحترز بفاعل من وصف على غير فاعل، وبالصفة من نحو واد، وبالمذكر من نحو رامية، وبالعاقل من نحو أسد ضارٍ1، وبالمعتل من نحو ضارب، فلا يجمع شيء من ذلك على فُعَلة، وشذ في صفة على غير فاعل نحو كمي وكماة، وفي فاعل اسما نحو بازٍ وبُزاة، وفيه شذوذ من وجه آخر؛ لأنه غير عاقل، وفي وصف على فاعل صحيح اللام قالوا: هادر وهُدَرَة -بالدال المهملة- وهو الرجل الذي لا يعتد به.
__________
1 ضار -بتخفيف الراء- من الضراوة لا بتشديدها من الضرر.(3/1389)
تنبيه:
اختلف النحويون في وزن رماة ونحوه، فذهب الجمهور إلى أنه فعلة، وهو مما انفرد به المعتل إلا ما ندر، أعني هدرة، وذهب الفراء إلى أن وزنه فعّل نحو شاهد وشهد بدليل مجيء بعض ذلك كقولهم: غُزّى جمع غاز والهاء فيه عوض من ذهاب التضعيف، وذهب بعضهم إلى أن وزنه فعلة -بالفتح- نحو حملة، وضمت فاؤه فرقا بين الصحيح والمعتل.
....................... ... وشاعَ نحوُ كاملٍ وكَمَلَهْ
ومن أمثلة جمع الكثرة فعلة -بفتح الفاء- وهو مطرد في فاعل وصفا لمذكر عاقل صحيح اللام نحو: كامِل وكَمَلة وبارّ وبَرَرَة، وأشار بالمثل أيضا إلى الشروط.
واحترز من غير فاعل ومن فاعل اسما أو مؤنثا أو غير عاقل أو معتل اللام، ولا يجمع شيء من ذلك على فعلة باطراد، وشذ في غير فاعل نحو: سيِّد وسادَة، وقل في غير العاقل نحو: ناعق ونَعَقَة -وهي الغربان.
تنبيه:
لو قال كذاك نحو: كامل وكملة، لكان أنصّ؛ لأن الشياع لا يلزم منه الاطراد.
فَعْلَى لوصفٍ كقتيلٍ وزَمِنْ ... وهالك ومَيِّت به قَمِنْ
من أمثلة جمع الكثرة فَعْلَى، وهو مطرد في وصف على فَعِيل بمعنى مفعول دال على هلك أو توجع، قال في شرح الكافية: أو تشتت نحو: قتيل وقتلى وجريح وجرحى وأسير وأسرى، ويُحمَل عليه ما أشبه في المعنى من فَعِل كزَمِن وزَمْنَى، وفاعل كهالك وهلكى، وفَيْعل كميت وموتى، وزاد في الكافية والتسهيل فعيل بمعنى فاعل كمريض ومَرْضى، وأَفْعَل كأحمق وحَمْقى، وفَعْلان كسكران وسَكْرَى، قال: وبه قرأ حمزة والكسائي: "وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى"1 قال: وما سوى ذلك محفوظ، كقولهم: كيس وكيسى، فإنه ليس فيه ذلك المعنى.
لفعلٍ اسما صَحَّ لامًا فِعَلَهْ ... والوضعُ في فَعْلِ وفِعْلٍ قَلَّلهْ
__________
1 من الآية 2 من سورة الحج.(3/1390)
من أمثلة جمع الكثرة فَعِلة، وهو لاسم صحيح اللام على فُعْل نحو: دُرْج ودِرَجة1 وكُوز وكِوزة، ودُب ودِبَبة، وعلى فعْل وفِعْل قليلا، فالأول نحو: غَرْد وغِردَة2 وزَوْج وزِوَجة، والثاني قِرْد وقِرَدة وحِسْل وحِسَلة وهو الضب، وهو محفوظ في هذين كما يحفظ في غيرهما نحو هادِر وهِدَرة.
واحترز بالاسم من الصفة، وبالصحيح اللام من المعتل نحوى مدى وظبى ونِحْي3 فإنه لا يجمع شيء من ذلك على فِعَلة، وندر في عِلْج عِلَجَة4 لأنه صفة.
وفُعَّلٌ لفاعل وفاعِلَهْ ... وصفَيْنِ نحوُ عاذِلٍ وعاذِلَهْ
من أمثلة جمع الكثرة فُعَّل، وهو مطرد في وصف صحيح اللام على فاعل وفاعلة نحو: عاذل وعذل، وعاذلة وعذل، واحترز بالوصفين من الاسمين نحو: حاجب العين، وجائزة البيت، ولا يجمعان على فعل.
من أمثلة جمع الكثرة فُعَّال وهو مثل فُعَّل في المذكر خاصة، أي: يطرد في وصف صحيح اللام على فاعل نحو: عاذل وعُذَّال، وندر في المؤنث كقوله5:
__________
1 درج -بضم الدال وسكون الراء- وهو وعاء المغازل.
2 غرد -بفتح الغين وسكون الراء- وهو نوع من الكمأة.
3 نحي -بكسر النون وسكون الحاء- وهو وعاء السمن.
4 علج -بكسر فسكون- الرجل من كفار العجم، وهو أيضا الشديد الغليظ.
5 قائله: هو عمير بن شييم -المعروف بالقطامي- وهو من البسيط.
اللغة: "أبصارهن" جمع بصر، والمراد العين مائلة متجهة "صداد" من الصد وهو الإعراض.
المعنى: إن عيون هؤلاء الغواني متجهة إلى الشبان، والحال أنهن لم يعرضن عني ولم ينسينني.
الإعراب: "أبصارهن" مبتدأ وضمير النسوة مضاف إليه "إلى الشبان" جار ومجرور متعلق بقوله مائلة "مائلة" خبر المبتدأ "وقد" حرف تحقيق "أراهن" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه والضمير البارز مفعول أول، "عني" جار ومجرور متعلق بقوله صداد وساغ تقديم معمول المضاف إليه على المضاف لأمرين؛ أولهما: أن المعمول جار ومجرور فيتوسع فيه، والثاني: أن المضاف يشبه حرف النفي، فكأنه ليس في الكلام إضافة "غير" مفعول ثان لأرى "صداد" مضاف إليه. =(3/1391)
أبصارُهن إلى الشبان مائلةٌ ... وقد أراهُن عني غير صُدَّادِ
وتأوله بعضهم على أن صداد في البيت جمع صاد، وجعل الضمير للأبصار؛ لأنه يقال: بصر صادّ، كما يقال: بصر حادّ.
تنبيه:
قال بعض النحويين: ينظر ما سمع من فعل وفعال في فاعل المذكور فيتبع فإن لم يسمع جمع تصحيحا، فإن فقد شروط التصحيح جمعت بأيهما شئت، وهذا خلاف المفهوم من كلام المصنف. وقوله: "وذان" الإشارة إلى فُعَّل وفُعَّال، يعني: أنهما ندرا في جمع فاعل المعتل اللام نحو: غاز وغُزَّى، فعلم أن شرط اطرادهما صحة اللام.
فَعْلٌ وفَعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا ... وقَلَّ فيما عينُه اليَا مِنْهُمَا
من أمثلة جمع الكثرة فِعَال، وهو مطرد في فعل وفعلة اسمين أو وصفين نحو: كعب وكعاب، وصعب وصعاب، وقصعة وقصاع، وخَدْلة وخدال1، بشرط ألا تكون عينهما ياء، فهم ذلك من قوله: "وقل فيما عينه اليا منهما".
ومن القليل: ضيف وضِياف.
تنبيه:
بقي شرط آخر وهو ألا يكون فاؤهما ياء، وندر قولهم: يِعار جمع يَعْر -وهو الجدي- وقد ذكر هذا في غير هذا الكتاب.
وفَعَلٌ أيضا له فِعَالُ ... ما لم يكن في لامه اعتلالُ
يعني: أن فعال أيضا يطرد في فَعَل نحو: جبل وجبال بثلاثة شروط:
__________
= الشاهد: قوله: "صداد" فإنه جمع صادة بدليل التأنيث في أبصارهن وأراهن وذلك نادر؛ لأن فعال جمع لفاعل لا لفاعلة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 684/ 3، وابن هشام 109/ 4. وابن عقيل 344/ 2.
1 خدلة: أي ممتلئة الساقين والذراعين.(3/1392)
الأول: ألا تكون لامه معتلة، احترازا من نحو فتى.
والثاني: ألا يكون مضعفا، احترازا من نحو طلل.
والثالث: أن يكون اسما لا صفة، ونص على الثاني بقوله: "أو يك مضعفا" وأما الثالث فقد ذكره في التسهيل "ومثل فَعَل ذو التا" يعني: أن فَعلة يجمع على فعال باطراد كفعل نحو: رقبة ورقاب، ويشترط فيه ما اشترط في فعل. والله أعلم. وقوله: "وفِعْلٌ مع فُعْل فاقبل" يعني: أن فعالا يطرد فيها أيضا نحو: قِدْح وقِدَاح ورُمْح ورِمَاح.
تنبيه:
يشترط في هذين الوزنين أن يكونا اسمين احترازا من نحو: جِلْف وجلوف1. ويشترط في ثانيهما ألا يكون واوي العين كحوت، ولا يائي اللام كمُدْي2.
وفي فَعِيلٍ وَصْفَ فاعلٍ وَرَدْ ... كذاك في أُنْثَاهُ أيضا اطَّرَدْ
يطرد فعال أيضا في فعيل بمعنى فاعل وفعيلة مؤنثة نحو ظريف وظريفة يجمعان على ظراف. واحترز من فعيل بمعنى مفعول ومؤنثه نحو: جريح وجريحة، فلا يقال فيهما: جِراح.
تنبيهات:
الأول: يشترط في فعيل بمعنى فاعل وأنثاه أن يكونا صحيحي اللام، ذكره في التسهيل.
الثاني: زعم العبدي3 أن فعالا يختص بجمع فعيلة المؤنث وهو خطأ، بل يشترط فيه المذكر والمؤنث.
__________
1 جلف: وهو الشاة المسلوخة بلا رأس ولا قوائم، ومنه الرجل الجافي في خلقه.
2 المدي: هو القفيز الشامي، وهو غير المد، وقياس جمعه: أمداء.
3 هو أحمد بن بكر بن أحمد العبدي أبو طالب، أحد أئمة النحاة المشهورين، قال ياقوت: كان نحويا لغويا قرأ على السيرافي والرماني والفارسي، وله شرح الإيضاح، شرح كتاب الجرمي، ومات يوم الخميس العاشر من شهر رمضان سنة ست وأربعمائة.(3/1393)
الثالث: قد اتضح بما تقدم أن فعالا مطرد في ثمانية أوزان:
فَعْل، وفَعْلة، وفَعَل، وفَعَلَة، وفِعْل، وفُعْل، وفَعِيل، وفَعِيلة - بالشروط المذكورة.
وشاع في وصف على فَعْلانا ... أو أنثييه...................
أي: كثر فِعال في وصف على فَعلان نحو: غضبان وغِضاب، وندمان ونِدام، أو على فعلى نحو: غضبى وغِضاب أيضا، أو على فعلانة نحو: ندمانة ونِدام، وهما أنثيا فعلان؛ لأن مؤنثه يكون على فعلى وفعلانة، وقوله: "أو على فعلانا" -بضم الفاء- نحو: خُمصان وخِماص1، وكذلك فعلانة أنثاء نحو: خُمصانة وخِماص أيضا، وإليها أشار بقوله:
........................ ... .......... أو على فعلانا
فهذه خمسة أوزان: فَعْلان، وفَعْلى، وفَعْلانة، وفُعْلان وفعلانة - كثر فيها فعال.
فإن قلت: فهل يطرد فيها؟
قلت: صرح في شرح الكافية بعدم الاطراد فيها فقال: وشاع دون اطراد، وظاهر التسهيل اطراده، وقوله:
ومثلُه فُعلانة والزمْه في ... نحو طويل وطويلة تَفِي
أي: التزم فعالا فيما عينه واو ولامه صحيحة من فعيل بمعنى فاعل وفعيلة أنثاه نحو طويل وطويلة، فنقول فيهما: طوال، ولم تجاوزه فيهما إلا إلى التصحيح2.
وبفُعُول فَعِل نحو كَبِدْ ... يُخَصُّ غالبا........
من أمثلة الكثرة فُعُول، وهو مطرد في اسم على فَعِل نحو: كبد وكُبُود ونمر ونُمُور، ولم يجاوزوا فُعُولا في جمع فعل إلى غيره من جموع الكثرة غالبا، وإلى هذا أشار بقوله: "يخص غالبا".
وأشار بقوله: "غالبا" إلى أنه قد يجمع على غير فُعُول نادرا، نحو: نَمِر ونُمُر،
__________
1 الخمصة: الجوعة، وخمص البط -مثلثة- خلا، ورجل خمصان وخميص الحشا: ضامر البطن، وهي خمصانة، والجمع خماص.
2 نحو: طويلين وطويلات.(3/1394)
ولم يجمع فعل على فعال استغناء بفعول، وقال الشارح: ولا يكادون يجاوزون في الكثرة جمع فعل على فعول إلى جمعه على فعال، فإن جاء منه شيء عد نادرا، فيه نظر؛ لأن تخصيصه بقوله إلى فعال يقتضي أنهم قد يجاوزونه إلى غير فعال، وكلام الناظم يقتضي أنهم لم يجاوزوه، غالبا لا إلى فعال ولا إلى غيره، وقوله: "وإن جاء منه بشيء"، يقتضي أنه لم يقف على شيء منه، وقد سمع نمار في نمر، وأشار إليه في التسهيل.
.......................... ... .............. كذاك يطرد
في فَعْل اسما مطلق الفا..... ... .........................
يعني: أن فُعُولا أيضا يطرد في فَعْل -بفتح الفاء- نحو: كعب وكعوب، وكسرها نحو: حِمل وحمول، وضمها نحو: جُند وجنود، بشرط أن يكون اسما، فإن كانت أوصافا نحو: صعب وجِلْف وحُلو، لم يجمع على فعول، إلا ما شذ كضيف وضُيُوف.
تنبيهات:
الأول: اطراد فُعول في فَعْل مشروط بألا تكون عينه واوا كحوض وشذ فُووج في فَوْج، ومشروط في فُعْل بألا تكون عينه واوا أيضا كحوت، وألا يكون مضاعفا نحو: خُف وشذ وحُص وحُصُوص1.
الثاني: صرح المصنف بأن فعالا وفعلولا مقيسان في هذه الأوزان الثلاثة بشروطها.
وقال بعض النحويين: فعل يجمع في الكثرة على فعال وفعول، وهو في ذلك على ثلاثة أضرب:
ضرب يجتمعان فيه نحو: كعب وكعاب وكعوب، وضرب ينفرد به فعال نحو: كلب وكلاب دون كلوب، وضرب ينفرد به فعول وهو: فلس وفلوس دون فلاس. وقال غيره: فعول وفعال كثرا في جمع فعل الصحيح العين فعلى أيهما جمعته العرب اتبع، فإن لم يحفظ منها واحد نظر في بقية أبنية الجموع فإن جمع على واحد منها أو أكثر اتبع، فإن لم يوجد جمع على أي منهما على التخيير، قال
__________
1 والحص: هو الورس، ويقال له: الزعفران.(3/1395)
بعض المتأخرين: وينبغي أن تعلم أن أكثر الجموع سماعي، لكن منها ما يغلب فيذكر الغالب ليحمل عليه ما لم يسمع جمعه.
الثالث: قال في التسهيل: وقد تلحقهما التاء، يعني فعالا وفعولا نحو: فحالة وفحولة، وهو قليل لا يطرد. وذكر في التسهيل أيضا أن من أمثلة اسم الجمع فعالة نحو: جمل وجمالة، قيل: وقد ذكر أولا أن فعالا تحلقه التاء فيكون جمالة جمع تكسير لا اسم جمع. وقوله: "وفَعَلْ لَهُ" من تتمة الكلام على فعول نحو: أَسَد وأُسُود وشَجَن وشُجُون.
فإن قلت: فهل يطرد جمعه على فعول؟
قلت: ذكره في التسهيل مع ما يقاس فيه فُعُول، لكن بشرطين: أن يكون اسما، وألا يكون مضاعفا، أما نحو طُلول في طلل فمقصور على السماع. وقال في الكافية: وفي فعل يقل، وصرح في شرحها بأنه يقتصر فيه على السماع، وفي الارتشاف بعد ذكره فيما يطرد فيه فعول، وقيل: يقتصر فيه على السماع، وبه جزم الشارح.
فإن قلت: فما المفهوم من قوله: "وفعل له"؟
قلت: ظاهره أنه مقيس، وفاقا لظاهر التسهيل، فإنه ذكره عقيب المطرد، ولم يصرح بعد اطراده، وأيضا فإنه لم يذكر في هذا النظم غالبا إلا المطرد، وقد شذ فعول في غير فعل نحو: شاهد وشهود وصال وصُليّ، ولم يتعرض لذكر ذلك، فظهر أن مراده ذكر المطرد، وقال الشارح: ويحفظ فعول في فعل ولذلك قال: وفعل أيضا له فعول، ولم يقيده باطراد، فعلم أنه محفوظ فيه. انتهى. وفيه نظر؛ لأن مثل هذه العبارة إنما استعملها الناظم فيما هو مطرد كقوله: وفعل أيضا له فعال.
فإذا قلت: فما إعراب قوله: "وفعل له" على هذا؟
قلت: يحتمل وجهين؛ أحدهما: أن يكون فعل مبتدأ، وله خبر مبتدأ محذوف تقديره: له فعول، والضمير عائد على فعل، والجملة خبر الأول، وهذا ظاهر تقدير الشارح. والثاني: أن يكون فعل مبتدأ، وله خبره، والضمير لفُعُول أي: فَعل لفُعُول، يعني أنه من المفردات التي تجمع على فعول.(3/1396)
فإن قلت: فهلا جعلت قوله: وفعل معطوفا على قوله: في فعل، فيكون نصا في اطراد فعول فيه، فيكون قوله: له، ابتداء كلام يتعلق بما بعده، والضمر لفعل، أي: لفعل وللفعال فعلان، فيؤخذ منه أن فعلا جمع على فعلان.
قلت: أما جمع فعل على فعلان فثابت في الصحيح والمعتل نحو خرب وخربان -وهو ذكر الحبارى- وفتى وفتيان، وأخ وإخوان، وتاج وتيجان، وهو مطرد في واوي العين، صرح بذلك في شرح الكافية قال: وقد يجمع عليه الصحيح العين نحو خرب، فظاهره أنه لا يطرد في الصحيح العين، فلو جعل قوله: له، ابتداء كلام لاقتضى اطراد جمع فعل على فعلان في الواوي العين وغيره. وقوله: بعد "وشاع" في قاع وحوت، يدل على أن اطراده مخصوص بنحو قاع من الواوي العين.
فإن قلت: يحتمل أن يكون أراد أن فعلانا مطرد في فعل مطلقا، ولا ينافي ذلك ما ذكر من شياعه في قاع ونحوه، لاحتمال أن يكون في قاع ونحوه أكثر منه في غيره مع اطراده في النوعين، ويدل على صحة هذا قوله في التسهيل: ومنها فعلان لاسم على فعل أو فعال أو فعل مطلقا، أو فعل واوي العين فلم يعتد بواوي العين إلا فعلا، وقال: في فعل مطلقا.
قلت: هذا احتمال يبعده ظاهر اللفظ، والله أعلم.
وقوله:
........................ ... ... وللفُعال فِعْلان حَصَلْ
يعني: أن من أمثلة جمع الكثرة فِعْلان -بكسر الفاء- وهو مطرد في اسم على فُعال نحو: غراب وغربان، وغلام وغلمان، وتقدم أول الباب التنبيه على اطراده في فُعَل نحو: صُرَد وصِرْدَان.
وشاع في حُوت وقاع مع ما ... ضاهاهما وقَلَّ في غيرهما
يعني: أن فِعْلان كثر فيما عينه واو من فُعْل وفعل فالأول نحو: حوت وحيتان ونون ونينان1 والثاني نحو: قاع وقيعان، وتاج وتيجان.
__________
1 النون: هو الحوت.(3/1397)
قلت: وصرح في شرح الكافية باطراده فيما عينه واو من الوزنين، ثم أشار بقوله: وقل في غيرهما، إلى أنه قد ورد فعلان في غير ما ذكر قليلا كقولهم: خَرَب وخِرْبان، وتاج وتيجان، وأخ وإخوان، وغزال وغزلان، وصِوَار وصِيران -والصِّوار: قطيع بقر الوحش- وظَلِيم وظِلْمان -والظليم ذَكَر النعام- وخروف وخرفان، وحائط وحيطان، وقِنْو وقِنْوَان1.
قال الشارح بعد ذكر هذه المثل: فهذه وأمثالها أسماء تحفظ ولا يقاس عليها.
قلت: وفيه تصريح بأن فعلان في نحو خرب لا يقاس عليه، وهو ظاهر كلامه في شرح الكافية كما سبق ذكره، وتقدم ما ذكره في التسهيل. والله أعلم.
وفَعْلا اسما وفَعيلا وفَعَلْ ... غير مُعَلِّ العين فُعْلان شَمِلْ
من أمثلة الكثرة فُعْلان -بضم الفاء- وهو مقيس في اسم على فَعْل نحو: بطن وبطنان وظهر وظهران وسقف وسقفان، أو فعيل نحو: قضيب وقضبان ورغيف ورغفان، أو فَعَل -صحيح العين- نحو: ذكر وذُكرن وجمل وجُمْلان.
تنبيهات:
الأول: قال في شرح الكافية: إن فعلان يطرد فيما كان من الأسماء الجامدة والجارية مجراها على فعل، ومثل الجارية مجراها بعبدان جمع عبد.
الثاني: ذكر الشارح في أمثلة فَعَل جَذَع وجُذعان2. وذكر في التسهيل أن فعلان يحفظ في جذع ولا يقاس عليه لأنه صفة.
الثالث: ظاهر كلامه أن فُعلانا شاذ في غير ما ذكر، وقال في التسهيل: ومنها فُعْلان لاسم على فَعيل أو فَعَل صحيح العين أو فَعْل أو فِعل، فزاد فِعْلا نحو: ذئب وذؤبان، وقال في شرح الكافية: إن فُعلانا في فِعْل قليل.
ولكريم وبخيل فُعَلا ... كذا لما ضاهاهما قد جُعِلا
__________
1 القنو -بالكسر والضم- والقنا -بالكسر والفتح- الكياسة، جمعه أقناء وقنوان وقنيان، مثلثين.
2 الجذع: الشاب الحدث، وقيل: الثنى من المعز -وهي بهاء- والجمع: جذاع وجذعان.(3/1398)
ومن أمثلة جمع الكثرة فعلاء، وهو مقيس في فعيل صفة لمذكر عاقل بمعنى فاعل غير مضاف ولا معتل اللام، نحو: كريم وكرماء وبخيل وبخلاء.
فإن قلت: هل لذكر المثالين فائدة؟
قلت: التنبيه على استواء وصف المدح والذم في ذلك.
تنبيهات:
الأول: قيد فعيلا المذكور في شرح الكافية بأن يكون بمعنى فاعل، واحترز بذلك من فعيل بمعنى مفعول، فإنه لا يجمع على فعلاء إلا نادرا كقولهم: دفين ودُفناء وسجين وسجناء، وقال في التسهيل: ومنها فُعَلاء لمذكر عاقل بمعنى فاعل أو مُفْعِل أو مُفاعِل فزاد مفعلا نحو فعيل سميع بمعنى مسمع، ومفاعلا نحو جليس بمعنى مجالس، فيقال فيهما: سمعاء وجلساء، فينبغي أن يحمل قوله في شرح الكافية بمعنى فاعل على أن المراد بمعنى اسم الفاعل مطلقا؛ ليشمل الثلاثي وغيره.
والثاني: يحتمل قوله: "كذا لما ضاهاهما" وجهين؛ أحدهما: أن المراد ما شابه كريما وبخيلا في الوزن بالشروط المذكورة، نحو: ظريف وشريف، وأراد بذلك التنصيص على تعميم الحكم.
والآخر: أن يكون المراد ما شابه كريما وبخيلا في المعنى، وبهذا جزم الشارح، قال: وكثر فيما دل على المدح كعاقل وعقلاء وصالح وصلحاء وشاعر وشعراء، وإلا هذا أشار بقوله: لما ضاهاهما.
يعني: أن نحو عاقل وصالح وشاعر مشابه لنحو بخيل وكريم في الدلالة على معنى هو الغريزة، فهو كالنائب عن فعيل، فلهذا جرى مجراه. انتهى.
قلت: ما ذكره الشارح هو معنى قوله في الكافية:
وكفعيل ذا اجمَعَنّ فاعِلا ... في قصد مدح نحو جَمْعي عاقِلا
وظاهر كلامه اطراد ذلك، إلا أن فهم ذلك من قوله هنا: كذا لما ضاهاهما. غير واضح؛ لأنه لم يخصه بفاعل، فيوهم أن كل وصف دل على مدح "أو ذم"1 يجمع على فعلاء، وليس كذلك.
__________
1 ب، ج.(3/1399)
ثم اعلم أن في اقتصار الشارح تبعا للكافية على فاعل وعلى معنى المدح نظرا؛ لأنه ذكر في التسهيل أنه حمل على فعيل المذكور ما دل على سجية حمد أو ذم من فعال أو فاعل، فزاد فعالا ولم يقتصر على المدح ومثَّل فقال: شجاع وشجعاء وبعاد وبعداء، وذكر في الكافية أن ذلك في فعال مقصور على السماع، فعلى هذا لا ينبغي أن يذكر مع فاعل.
ونابَ عنه أَفْعِلاءُ في المُعَلّ ... لاما ومُضْعَف وغير ذاك قَلّ
من أمثلة جمع الكثرة أَفْعِلاء، وهو ينوب عن فُعَلاء في المضاعف والمعتل اللام من فعيل المتقدم ذكره، فالمضاعف نحو: شديد وأشداء وخليل وأخلاء، والمعتل نحو: غني وأغنياء وولي وأولياء، استغنوا به عن فعلاء في هذين النوعين لما فيه من الثقل إلا ما ندر في المعتل كقولهم: سَرِيّ وسُرَوَاء، وتقي وتُقَواء، وسَخِي وسخواء، وأشار بقوله: وغير ذاك قل، إلى ورود أفعلاء في غير المضعف والمعتل قليلا نحو: نصيب وأنصباء وصديق وأصدقاء وهَيِّن وأَهْوِنَاء، ونحو ذلك.
فواعِل لفَوْعَل وفاعلِ ... وفاعِلاء مع نحو كاهِلِ
وحائض وصاهل وفاعِلهْ ... ......................
من أمثلة جمع الكثرة: فواعل، وهو مطرد في هذه الأنواع السبعة:
أولها: فوعل، نحو: جوهر وجواهر.
وثانيها: فاعَل -بفتح العين- نحو: طابَع وطوابع.
وثالثها: فاعلاء، نحو: قاصعاء وقواصع1.
ورابعها: فاعِل اسما علما أو غير علم، نحو: كاهل وكواهل2 وخاتم وخواتم.
وخامسها: فاعِل صفة مؤنث، نحو: حائض وحوائض.
وسادسها: فاعِل صفة مذكر غير عاقل، نحو: صاهل وصواهل.
__________
1 قاصعاء: هو جحر اليربوع يقع فيه أي: يدخل.
2 كاهل: هو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق وهو الثلث الأعلى وفيه ست فقرات.(3/1400)
وسابعها: فَاعِلة مطلقا، نحو: ضاربة وضوارب وفاطمة وفواطم وناصية ونواصٍ.
تنبيهات:
الأول: زاد في الكافية نوعا ثامنا وهو فَوْعَلَة نحو: صومعة وصوامع.
الثاني: ذكر في التسهيل ضابطا لهذه الأنواع، قال: فواعل لغير فاعل الموصوف به مذكر عاقل مما ثانيه ألف زائدة أو واو غير ملحقة بخماسي، واحترز بقوله: غير ملحقة بخماسي، من نحو خَوَرْنق1، فإنك تقول في جمعه: خرانق، بحذف الواو.
الثالث: نص سيبويه على اطراد فواعل في فاعل صفة لمذكر غير عاقل كما تقدم نحو: "نجوم طوالع وجبال شوامخ"، قال في شرح الكافية: وغلط كثير من المتأخرين فحكم على مثل هذا بالشذوذ، وإنما الشاذ جمع فاعل صفة لمذكر عاقل على فواعل نحو: فارس وفوارس، وإلى هذا أشار بقوله: وشذ في الفارس مع ما ماثله.
والذي ماثله نحو: نَواكِس وهوالك وغوائب وشواهد، وكلها في صفات المذكر العاقل، قيل: ويحسنه في فوارس أمن اللبس؛ لاختصاص معناه بالمذكر، فإنه لا يقال: امرأة فارسة، وأما هوالك فورد في مثل قالوا: هالك في الهوالك، ونواكس وغوائب وردا في الشعر.
تنبيهان:
الأول: تأول بعضهم ما ورد من ذلك على أنه صفة لطوائف فيكون على القياس، فيقدر في قولهم: هالك في الهوالك في الطوائف الهوالك، قيل: وهو ممكن إن لم يقولوا: رجال هوالك.
الثاني: قال في الارتشاف: وذكر المبرد أنه الأصل وأنه جائز شائع في
__________
1 الخورنق: هو قصر النعمان الأكبر، والواو فيه لإلحاقه بسفرجل.(3/1401)
الشعر، قلت: يعني أنه جائز في الشعر لا مطلقا كما نقل غيره، وقال في الارتشاف: وأجاز الأصمعي أن تجمع هذه الصفة جمع الاسم بالحمل عليه.
وبفَعَائِل اجمَعنْ فَعَالهْ ... وشِبْهَه ذا تاء أو مُزَالَهْ
ومن أمثلة جمع الكثرة: فعائل، وهو لكل رباعي مؤنث بمدة قبل آخره مختوما بالتاء أو مجردا منها، وإلى هذا الضابط أشار بقوله: "وشبهه" فاندرج فيه خمسة أوزان بالتاء وخمسة بلا تاء، فالتي بالتاء فَعَالَة نحو: سحابة وسحائب، وفِعالة نحو: رسالة ورسائل، وفُعَالة نحو: ذؤابة وذوائب1، وفَعُولة نحو: حمولة وحمائل، وفَعِيلة نحو: صحيفة وصحائف.
والتي بلا تاء فِعال نحو: شِمال وشمائل، وفَعال نحو: شَمال وشمائل2، وفُعال نحو: عُقاب وعقائب، وفَعُول نحو: عجوز وعجائز، وفَعِيل نحو: سعيد -علم امرأة- قال في شرح الكافية: وأما فعائل جمع فعيل من هذا القبيل فلم يأتِ اسم جنس فيما أعلم، لكنه بمقتضى القياس يكون لعلم مؤنث كسعائد جمع سعيد -اسم امرأة.
تنبيهات:
الأول: شرط هذه المثل المجردة من التاء أن تكون مؤنثة، فلو كانت مذكرة لم تجمع على فعائل إلا نادرا، كقولهم: جَزُور وجَزَائر، وسماء وسمائي3، قال4:
__________
1 الذؤابة -بضم الذال مهموز- الضفير من الشعر إذا كانت مرسلة، فإن كانت ملوية فهي عقيصة، والذؤابة أيضا: طرف العمامة، وطرف السوط.
2 شمال: بكسر الشين: مقابل اليمين، وبفتحها: ريح تهب من ناحية القطب.
3 الجزور: قال في القاموس: الجزور البعير، أو خاص بالناقة المجزورة، وقال في المصباح: الجزور من الإبل خاصة يقع على الذكر والأنثى. وسماء: بمعنى المطر.
4 قائله: هو أمية بن الصلت، وهو من الطويل.
وصدره:
له ما رأت عين البصير وفوقه
اللغة: "سماء الإله" أراد به العرش.
الإعراب: "له" جار ومجرور خبر مقدم وضميره لربنا "ما" موصولة مبتدأ مؤخر، وتقديم الخبر للحصر، أي: الذي رأته الأعين ملك لربنا ليس لأحد شيء منه، وجملة رأت عين البصير صلة الموصول "فوقه" ظرف خبر مقدم والضمير عائد لما الموصولة "سماء" مبتدأ =(3/1402)
....................... ... سماءُ الإلهِ فوق سبع سمائِيَا
ووَصيد ووصَائِد1.
الثاني: قال في التسهيل: ولفُعولة وفَعالة وفِعالة وفُعالة أسماء، فشرط الاسمية في غير فعيلة وأخل باشتراطها هنا، وأما فعيلة فشرط فيها ألا تكون بمعنى مفعولة احترازا من جريحة وقتيلة ونحوهما، فلا يقال: جرائح ولا قتائل، وشذ قولهم: ذبيحة وذبائح ونحوهما.
الثالث: ظاهر اطراد فعائل في هذه الأوزان الخمسة مختومة التاء ومجردة منها كما هو ظاهر الكافية، وقال في التسهيل -بعد ذكر فُعولة وفَعالة وفِعالة وفُعالة: وإن خلون من التاء حفظ فيهن وأحقهن به فعول. انتهى.
وأما فعيل فلم يذكره في التسهيل؛ لأنه لم يحفظ فيه فعائل كما تقدم، وهذا يدل على أن فعائل غير مطرد في هذه الأوزان المجردة وتبعه في الارتشاف.
الرابع: ذكر في التسهيل أن فعائل أيضا لنحو جُرائض وقَرِيثاء وبَرَاكاء وجَلُولاء وحُبَارى وحَزَابية2 أن حذف ما زيد بعد لاميهما، يعني حبارى وحزابية، واحترز من أن يحذف أول الزائدين فيجمعا حينئذ على الفعالى فتقول: إن حذفت ما بعد اللام حبائر، وحزائب، وإن حذفت الأولى حباريّ وحزابيّ.
__________
= مؤخر "الإله" مضاف إليه "فوق سبع سمائيا" حال من الضمير المستتر في فوقه، ومن رفع سماء الإله بالظرف قبله كان فوق سبع سمائيا حالا من سماء الإله.
الشاهد: قوله: "سمائيا" فقد جمع على فعائل.
مواضعه: ذكره سيبويه 59/ 2، والشاهد 36 في الخزانة.
1 الوصيد: يطلق على معان ذكرها القاموس منها: فناء البيت، وعتبته، وبيت كالحظيرة من الحجارة، وكهف أصحاب الكهف، والذي يختن مرتين.
2 الجرائض -بجيم مضمومة وهمزة مكسورة- وهو العظيم البطن، والقريثاء -بقاف مفتوحة فراء مكسورة- التمر والبسر الجديدان، والبركاء -بفتح الباء والراء- الثبات في الحرب، والجلولاء -بفتح الجيم وضم اللام- قرية بناحية فارس، الحبارى -بضم الحاء وتخفيف الباء- طائر يقع على الذكر والأنثى، والحزابية -بحاء مفتوحة- هو الغليظ إلى القصر.(3/1403)
وبالفَعاَلِي والفَعَالَى جُمِعَا ... صَحْرَاء والعَذْرَاء والقَيْسَ اتْبَعَا
من أمثلة جمع الكثرة: الفَعَالِي -بالكسر- والفَعَالَى -بالفتح- ولهما اشتراك وانفراد، فيشتركان في أنواع:
الأول: أن يكونا فَعْلاء اسما نحو: صحراء وصحارٍ وصحارى.
والثاني: فَعْلَى اسما نحو: عَلْقَى وعلاقٍ وعَلاقَى1.
والثالث: فِعْلَى اسما نحو: ذِفْرَى وذَفَارٍ وذَفَارَى2.
والرابع: فُعْلَى وصفا لأنثى أفعل نحو: حُبْلَى وحبالٍ وحبالَى.
الخامس: فَعْلَاء نحو: عذراء قالوا عذارٍ وعذارَى.
وظاهر قوله: "والقيس اتبعا" أن فعالِي وفعالَى مقيسان في نحو عذراء كما أنهما مقيسان في نحو صحراء، ويؤيد ذلك قوله في شرح الكافية: وكذلك ما أشبههما، ثم يحتمل أن يريد بنحو عذراء ما كان على فعلاء صفة مطلقا أو صفة خاصة بالمؤنث، وهذا أقرب، وقال الشارح: ويشترك فعالِي وفعالَى فيما كان على فعلاء اسما نحو صحراء أو صفة نحو عذراء، فسوى بينهما ولم يقيد الصفة، ثم الظاهر بعد هذا ما ذكره في التسهيل وهو أن فعالى يحفظ في نحو عذراء وأن الفعالى يشاركه فيه فاتضح أنهما غير مقيسين في فعلاء صفة، ويشتركان أيضا في جمع مَهْرِيّ قالوا: مهارٍ ومهارَى، ولا يقاس عليهما، وسوى في التسهيل بين عذراء ومهري، وينفرد فعالِي -بالكسر- بنحو: حذرية وسعلاوة وعرقوة والمأقي3
__________
1 علقى -بفتح العين والقاف- اسم نبت.
2 ذِفرى -بكسر الذال وسكون الفاء- الموضع الذي يعرق من قفا البعير خلف الأذن وألفه للإلحاق بدرهم.
3 حذرية -بكسر الحاء والراء وإسكان الذال- وهي القطعة الغليظة من الأرض. سعلاة -بكسر السين وسكون العين- قال في القاموس: السعلاوة والسعلاء -بكسرهما- الغول أو ساحرة الجن. عرقوة -بفتح العين وسكون الراء وضم القاف- وهي الخشبة المعترضة على رأس الدلو. المأقي -بفتح الميم وسكون الهمزة وكسر القاف- وهو طرف العين مما يلي الأنف ويقال له: الموق والماق، وأما طرفها مما يلي الصدغ فاللحاظ.(3/1404)
وربما حذف أول زائديه من نحو: حَبَنْطَى وعَفَرنَى وعَدَوْلَى وقَهَوْبَاة وبُلَهْنِية وقلنسوة وحبارى1. وندر في أهل وعشرين وليلة وكيكة، وهي البيضة. وينفرد فعالَى -بالفتح- بوصف على فَعْلان أو فَعْلى نحو: سكران وسكرى وغضبان وغضبى فتقول: سكارى وغضابى، ولا تقول: سكاري وغضابي -بالكسر- وورد محفوظا في ألفاظ أخر نحو: حبط وحباطى.
واعلم أن جمع فعلان وفعلى على فعالى -بضم الفاء- راجع على فعالى -بفتحها.
تنبيهات:
الأول: إنما لم يذكر هنا ما تنفرد به فَعَالى من نحو حذرية وما بعدها؛ لأنه يستفاد من قوله: "وبفَعَالِل وشبهه انطقا" وسيأتي بيانه، ولكنه أخل بفُعالى -بضم الفاء- فلم يذكره.
الثاني: قالوا في جمع صحراء وعذراء: صحارِيّ وعذارِيّ أيضا -بالتشديد- فصار لكل منهما ثلاثة جموع فعالي وفعالَى وفعالِيّ.
الثالث: اعلم أن فعاليّ -بالتشديد- هو الأصل في جمع صحراء ونحوها، وإن كان محفوظا لا يقاس عليه، وإنما يجيء غالبا في الشعر، وإنما قلنا: إنه الأصل لأنك إذا جمعت صحراء أدخلت بين الحاء والراء ألفا وكسرت الراء، كما تكسر ما بعد ألف الجمع في كل موضع نحو مساجد، فتنقلب الألف التي بعد الراء ياء؛ لانكسار ما قبلها، وتنقلب الثانية التي للتأنيث أيضا ياء ثم تدغم الأولى فيها، ثم
__________
1 حبنطى -بفتح الحاء والطاء وسكون النون- وهو العظيم البطن.
عفرنى -بفتح العين والفاء والنون وسكون الراء- وهو الأسد.
عدولى -بفتح العين والدال واللام وسكون الواو- وهي قرية بالبحرين.
قهوباة -بفتح القاف والهاء وسكون الواو- وهي سهم صغير، وأول زائديه الواو.
بلهنية -بضم الباء وفتح اللام وسكون الهاء- من العيش، أي: في سعة، وأول زائديه النون.
قلنسوة -بفتح القاف واللام وسكون النون وضم السين- ما يلبس على الرأس، وزيد فيه النون والواو ليلتحق بقمدحوة، وأول زائديه النون.(3/1405)
إنهم آثروا التخفيف فحذفوا إحدى الياءين، فمن حذف الثانية قال الصحارِي -بالكسر- ومن حذف الأولى قال الصحارَى -بالفتح- وإنما فتح الراء وقلب الياء ألفا لتسلم من الحذف عند التنوين، والله أعلم.
واجعَلْ فَعَاليّ لغير ذي نَسَبْ ... جُدِّدَ كالكرسي تَتْبَعِ العربْ
من أمثلة جمع الكثرة: فعاليّ وهو لثلاثي، ساكن العين، مزيد، آخره ياء مشددة لغير تجديد نسب، نحو: كرسيّ وكراسيّ وبرديّ وبراديّ، واحترز بقوله: "لغير ذي نسب جدد" من نحو بصري، فلا يقال: بصاريّ، وعلامة النسب المتجدد جواز سقوط الياء وبقاء الدلالة على معنى مشعور به قبل سقوطها.
تنبيهات:
الأول: قد تكون الياء في الأصل للنسب الحقيقي ثم يكثر استعمال ما هي فيه حتى يصير منسيا أو كالمنسي، فيعامل الاسم معاملة ما ليس منسوبا كقولهم: مَهْرِيّ مهاريّ، وأصله البعير المنسوب إلى مَهْرَة قبيلة من قبائل اليمن، ثم كثر استعماله حتى صار اسما للنجيب من الإبل.
الثاني: ذكر في التسهيل أن هذا الجمع أيضا لنحو علباء وقوباء وحَوْلايا1 ويحفظ في نحو صحراء وعذراء وإنسان وظَرِبان2.
قلت: أما صحراء وعذراء فقالوا فيهما: صحاري وعذاري -بالتشديد- وتقدم التنبيه على أنه الأصل مع أنه لا يقاس عليه، وأما إنسان وظربان، فقالوا فيهما: أناسي وظرابي، وأصلهما أناسين وظرابين والياء فيهما بدل من النون. وزعم ابن عصفور: أن هذا البدل في أناسي لازم، ورد بأن العرب قالت أناسين على الأصل، قال الشاعر3:
__________
1 حولايا -بفتح الحاء وسكون الواو- اسم موضع، وقال في القاموس: قرية من عمل النهروان.
2 ظربان -على وزن قطران- دويبة منتنة الريح، قيل: تشبه الهر، وقيل: تشبه القرد، وقيل: تشبه الكلب.
3 قائله: لم أقف على اسم قائله، يسلي شخصا مصابا بأهله نازحا عن داره ووطنه وقدم على قوم أحسنوا إليه غاية الإحسان حتى كأنه اجتمع بأهله في وطنه- وهو من البسيط. =(3/1406)
أهلا بأهل وبيتًا مثل بيتِكم ... وبالأنَاسِين إبدالِ الأَنَاسِين
قال في التذييل والتكميل: ولو ذهب ذاهب إلى أن الياء في أناسي ليست بدلا وأن أناسي جمع إنسي، وأناسين جمع إنسان، لكان قد ذهب إلى قول حسن واستراح من دعوى البدل؛ إذ العرب تقول: إنسي في معنى إنسان، قال الشاعر1:
ولست لإِنْسيٍّ ولكن لَمِلأَكٍ ... تَنَزَّلَ من جو السماء يَصُوبُ
فكما قالوا بختي وقمري وبخاتي2 وقماري كذلك قالوا: إنسى وأناسي. انتهى.
قلت: الحامل لأهل التصريف على جعل أناسي جمع إنسان لا جمع إنسي أن ياءه للنسب، فليست كياء كرسي، قال في شرح الكافية: ولو كان أناسي جمع إنسى لقيل في جمع جني: جناني، وفي جمع تركي: تراكي. انتهى. ويُحكى في
__________
= الإعراب: "أهلا" منصوب بفعل محذوف تقديره: أتيت أهلا "بأهل" الباء للمقابلة.
والمعنى: أتيت أهلا عوض أهلك "وبيتا" عطف على أهلا، أي وأتيت بيتا مثل بيتكم، أي عوضه "وبالأناسين" عطف على قوله بأهل، والمعنى: وعوضت بالأناسين "إبدال" يجوز بالجر على أنه صفة للأناسين الأول، وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هم إبدال -والجر أظهر- "الأناسين" مضاف إليه. والإبدال جمع بدل وأراد به العوض، وأراد بالأناسين الأول الأناسين الذين قدم عندهم، وبالثاني الأناسين الذين فقدهم وأصيب بهم.
الشاهد: قوله: "وبالأناسين" فإنه جمع إنسان ويبدل من النون الياء فيقال: أناسي.
1 قائله: هو رجل من عبد القيس يمدح به النعمان بن المنذر. وقيل: قائله: أبو وجزة يمدح به عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، وقيل: قائله: علقمة بن عبدة، وهو من الطويل.
اللغة: "لملأك" -بالهمزة- أخرجه الشاعر عن الأصل؛ لأن أصل ملك ملاك، حذفت الهمزة للتخفيف. "يصوب" ينزل.
الإعراب: "ولست" الواو عاطفة على بيت قبله "ولست" ليس فعل ماض ناقص واسمها وخبرها محذوف. تقديره: لست معزوا لإنسي، وحرف الجر يتعلق بالمحذوف "ولكن" للاستدراك "لملأك" يتعلق بمحذوف تقديره: ولكن أنت معزو لملاك "تنزل" جملة من الفعل والفاعل وقعت صفة لملأك "من جو" يتعلق به "السماء" مضاف إليه "يصوب" جملة وقعت حالا من ملاك.
الشاهد: قوله: "لإنسي" فهي بمعنى إنسان.
مواضعه: ذكره سيبويه 379/ 2.
2 البخاتي جمع بختي -ككرسي- قال في اللسان: البخت والبختية دخيل في العربية أعجمي معرب، وهي الإبل الخراسانية تنتج من عربية وفالج وبعضهم يقول: إن البخت عربي.(3/1407)
جمع إنسان أيضا أناسية بتعويض تاء التأنيث من الياء المحذوفة كما قالوا في زنادقة، وحكى أهل التصريف أيضا إبدال نون الأولى ياء في الإفراد والجمع فقالوا: إنسان وجمعه أناسين، وأما ظرابي فذكر بعض أهل التصريف أن الإبدال فيه لازم، وليس كذلك؛ لأن من العرب من يقول: ظرابين على الأصل. ذكره في شرح الكافية، وحكى أبو القاسم السعدي وغيره أنه يقال: ظرباء لغة من ظربان، قيل: فيحتمل أن يكون ظرابي جمعا لظرباء وتكون الياء بدلا من همزة التأنيث كما قالوا في "جمع"1 صحراء: صحاري.
الثالث: هذا آخر ما ذكره في هذا النظم من أمثلة تكسير الثلاثي المجرد والمزيد فيه غير الملحق والشبيه به، وجملتها أحد وعشرون بناء.
فعل كخمر، فعل كقُذَل، وفعل كغرَف، وفعل كفرق، وفعلة كرماة، وفعلة ككملة، وفعلى كقتلى، وفعلة كدِرَجَة، وفعل كعُذَّل، وفعال كعُذَّال، وفعال ككعاب، وفعول ككبود، وفعلان كغلمان، وفعلان كظهران، وفعلاء نحو كرماء، وأفعلاء نحو أولياء، وفواعل كخواتم، وفعائل كرسائل، وفعالى كصحارى، وفعاليّ ككراسيّ.
وزاد في الكافية ثلاثة أبنية: فُعالى، وفَعِيل، وفُعال، أما فُعالى فنحو سكارى وهو لوصف على فَعْلان وفَعْلى، وتقدم ذكره، وأنه يرجع إلى فعالَى -بفتح الفاء- في هذين الوصفين.
وأما فعيل وفُعَال -بضم الفاء- نحو عبيد وظُؤَار -جمع ظئر2- ففيهما خلاف ذكر بعضهم أنهما اسما جمع على الصحيح، وقال في التسهيل: الأصح أنهما مثالا تكسير لا اسما جمع فإن ذكر فعيل فهو اسم جمع، وقال في شرح الكافية: وما كان على وزن فعيل فهو جمع إن أُنِّث كعبيد وحمير واسم جمع إن ذكر ككليب وحجيج.
قلت: ففي فعال قولان متقابلان، وفي فعيل قولان: أحدهما أنه اسم جمع مطلقا. والثاني التفصيل.
__________
1 أ، ب.
2 ظئر -بكسر الظاء وسكون الهمزة- الناقة تعطف على غير ولدها، ومنه قيل للمرأة الحاضنة: ولد غيرها ظئر، وللرجل الحاضن: ولد غيره ظئر.(3/1408)
وفي كلام بعضهم ما يقتضي أنه جمع تكسير مطلقا، قال ابن الخباز: قد كسروا على فعيل ثلاثة أبنية: فعل كعبد وعبيد وكلب وكليب ورهن ورهين، وفعل كبقر وبقير، وفعل كضرس وضريس، وهو قليل؛ لأنه أشبه بالآحاد. انتهى، فلم يفرق بين عبيد وكليب كما ترى، وكذا قال في الصحاح، والعبد خلاف الحر والجمع عبيد مثل كلب وكليب وهو جمع عزيز، وذكر في الكافية أيضا من جموع التكسير فعلى ولم يسمع منه إلا لفظان حجلى جمع حجل، وظربى جمع ظربان، قال: ومذهبو ابن السراج أنه اسم جمع، وقال الأصمعي: الحجلى لغة في الحجل1. وذهب الأخفش إلى أن نحو ركب وصحب جمع تكسير، مذهب سيبويه أنه اسم جمع وهو الصحيح؛ لأنه يصغر على لفظه وذهب الفراء إلى أنه كل ما له واحد موافق في أصل اللفظ نحو ثمر وثمار جمع تكسير، وليس بشيء.
وبفَعَالل وشِبْهِهِ انْطِقَا ... في جَمْعِ ما فَوْقَ الثلاثةِ ارْتَقَى
من أمثلة جمع الكثرة وشبهه، والمراد يشبه ما يماثله في العدة والهيئة، وإن خالفه في الوزن، نحو: مفاعل وفياعل، أما فعالل فيجمع عليه كل ما زادت أصوله على ثلاثة، وما شبهه فيجمع عليه كل ثلاثي مزيد إلا ما أخرجه بقوله: من غير ما مضى.
وهو باب كُبْرى وسُكْرى، وأحمر وحمراء، ورامٍ وكامل ونحوها؛ لأن هذه قد استقر تكسيرها على ما تقدم بيانه.
تنبيه:
شمل قوله: "ما فوق الثلاثة" الرباعي وما زاد عليه، أما الرباعي فإن كان مجردا جمع على فعالل نحو: جعفر وجعافر وبرثن وبراثن2، وإن كان بزيادة جمع على شبه فعالل سواء كانت الزيادة للإلحاق نحو: صَيْرَف وصيارِف وعلقى وعلاق3، أم لغيره نحو: أَصْبَع وأصابع ومسجد ومساجد، ما لم يكن مما تقدم استثناؤه.
__________
1 الحجل -بفتح الحاء والجيم- طائر معروف.
2 برثن -بضم الباء والثاء وسكون الراء- قال في القاموس: الكف مع الأصابع ومخلب الأسد.
3 صيرف: هو المحال من الأمور.(3/1409)
وأما الخماسي فهو أيضا إما مجرد وإما بزيادة، فإن كان مجردا فقد نبه عليه بقوله:
........... ومن خماسي ... جُرِّد الآخر انْفِ بالقياس
إذا أريد جمع الخماسي المجرد حذف آخره؛ ليتوصل بذلك إلى بناء فعائل، فتقول في سفرجل: سفارج، ثم إن كان رابعه شبها بالزائد جاز حذفه وإبقاء الخامس كما نبه عليه بقوله:
والرابع الشبيه بالمزيد قد ... يُحذف دون ما به تم العدد
يجوز حذف الرابع إذا كان شبيها بالمزيد لفظا أو مخرجا، فالأول نحو خدرنق1؛ لأن النون من حروف الزيادة، والثاني نحو فرزدق2؛ لأن الدال من مخرج التاء وهي من حروف الزيادة، فلك أن تقول فيهما: خدارق وفرازق -بحذف النون والدال- ولك أن تقول: خدارن وفرازد بحذف الخامس كما تقدم وهو الأجود، وهذا مذهب سيبويه، وقال المبرد: لا يحذف في مثل هذا إلا الخامس، وخوارق وفرازق غلط.
تنبيهان:
الأول: أجاز الكوفيون والأخفش حذف الثالث، كأنهم رأوا حذف الثالث أسهل؛ لأن ألف الجمع تحل محله.
الثاني: منع ابن ولاد تكسير الخماسي ألبتة، وقال سيبويه: لا يكسرونها إلا على استكراه، وقال في التسهيل: ويغني غالبا التصحيح عن تكسير الخماسي الأصول، وأما الخماسي بزيادة فإنه يحذف زائده آخرا كان أو غير آخر نحو: سِبَطْرَى وسباطر وفَدَوْكَس وفداكس3، ما لم يكن الزائد من الخمسة حرف لين قبل
__________
1 الخدرنق: العنكبوت، وقالوا: خرونق، والصواب الأول.
2 فرزدق: اسم جنس جمعي لفرزدقة، وهي القطعة من العجين.
3 سبطرى: مشية فيها تبختر، واسبطر: اضطجع وامتد، والإبل أسرعت، والبلاد استقامت. فدوكس -بفتح الفاء والدال والكاف وسكون الواو- وهو الأسد والرجل الشديد.(3/1410)
الآخر، فإنه لا يحذف بل يجمع على مفاعيل ونحوه، نحو: عصفور وعصافير وقرطاس وقراطيس وقنديل وقناديل، وهذا مفهوم من قوله:
وزائدَ العادي الرابعي احذفْه ما ... لم يكُ لينا إثره اللذ خَتَمَا
فإن قلت: فهم من استثنائه حرف اللين أنه لا يحذف، ولكن من أين يفهم أن واو عصفور وألف قرطاس ونحوها يقلبان ياء؟
قلت: هذا مفهوم من قاعدة مذكورة في التصريف لا يحتاج هنا إلى النص عليها.
تنبيهان:
الأول: شمل قوله: "وزائد العادي الرباعي" نحو: قَبَعْثَرَى1 مما أصوله خمسة، فهذا ونحوه إذا جمع حذف حرفان الزائد وخامس الأصول؛ فتقول فيه: قباعث.
الثاني: شمل قوله: "لينا" ما قبله حركة مجانسة كما مر تمثيله، وما قبله حركة غير مجانسة نحو: غُرْنَيْق وفردوس2، فتقول فيهما: غرانيق وفراديس، وخرج منه كَنَهْوَر3 مما يحرك فيه حرف العلة، فإنه لا يقلب ياء، بل حذف فتقول: كناهر.
والسين والتا من كمُسْتَدْعٍ أَزِلْ ... إذ بِبِنَا الجمع بَقَاهُما مُخِل
اعلم أن الاسم إذا كان فيه من الزوائد ما يخل بقاؤه بمثالي الجمع -أعني فعالل وفعاليل- توصل إليهما بحذفه، فإن تأتي أحد المثالين بحذف بعض وإبقاء بعض أبقى ما له مزية في المعنى أو في اللفظ، فلذلك تقول في جمع مستدع: مداع -بحذف السين والتاء معا- لأن بقاءهما يخل ببنية الجمع، وأبقيت الميم لأن لها مزية عليهما لكونها تزاد لمعنى يخص الأسماء، وكذلك تقول في منطلق
__________
1 القبعثرى: العظيم الشديد، والأنثى قبعثراة.
2 غرنيق -بضم الغين وسكون الراء وفتح النون- طير من طيور الماء طويل العنق. وفردوس: بستان.
3 كنهور: كسفرجل، المتراكم من السحاب والضخم من الرجال.(3/1411)
ومغتلم: مطالق ومغالم، فتؤثر الميم بالبقاء على النون والتاء، لما تقدم، وإلى هذا أشار بقوله: والميم أَوْلَى من سواه بالبَقَا، فشمل قوله: "من سواه" صورتين:
إحداهما: وفاقية وهي أن يكون ثاني الزائدين غير ملحق، كنون منطلق وتاء مغتلم.
والأخرى: خلافية وهي أن يكون الزائد ملحقا نحو: مُقْعَنْسس1، فمذهب سيبويه فيه وفي نحوه إبقاء الميم فتقول: مقاعس، ومذهب المبرد إبقاء الملحق فتقول: قعاسس، ورجح مذهب سيبويه بأن الميم مصدره وهي لمعنى يخص الاسم فكانت أولى بالبقاء.
تنبيه:
لا يعني بالأولوية هنا رجحان أحد الأمرين مع جوازهما؛ لأن إبقاء الميم فيما ذكر متعين؛ لكونه أولى فلا يعدل عنه. قوله: والهمز واليا مثله إن سبقا، يعني: أن الهمزة والياء مثل الميم في كونهما أولى بالبقاء إذا تصدرا نحو: أَلَنْدَد ويَلَنْدَد2 فتقول في جمعهما: أَلادّ ويلادّ، بحذف النون وإبقاء الهمزة والياء؛ لتصدرهما ولأنهما في موضع يقعان فيه دالين على معنى بخلاف النون فإنهما في موضع لا تدل فيه على معنى أصلا، وإنما أدغم ألاد ويلاد في الجمع رجوعا إلى القياس.
تنبيه:
تقدم أن المزية تكون في المعنى وفي اللفظ، وما تقدم من إبقاء الميم والهمزة والياء في المثل السابقة من المزية المعنوية ولها أمثلة أخر لا يحتمل ذكرها هذا المختصر، ومثال المزية اللفظية كقولك في جمع استخراج تخاريج؛ لأن له نظيرا وهي تماثيل، فلا تقول: سخاريج؛ لأن سفاعيل عدوم، وكذلك مثله مرمريس3
__________
1 مقعنسس: أي متأخر إلى خلف من القعس وهو خروج الصدر ودخول الظهر عند الحدب.
2 ألندد ويلندد: كلاهما بمعنى الخصم الشديد الخصومة كالألد.
3 مرمريس: من أوصاف الداهية، يقال: مرمريس أي: شديد، والمرمريس: الأملس أيضا، ووزنه فعفعيل.(3/1412)
فتقول فيه: مراريس -بحذف الميم وإقباء الراء- لأن ذلك لا يجهل معه كون الاسم ثلاثيا في الأصل، فلو حذفت الراء وأبقيت الميم فقلت: مراميس، لأوهم أنه كون الكلمة رباعية، وكذلك مثله حطائط1، فإن الهمزة فيه أولى بالبقاء من الألف لتحركها ولشبهها بحرف أصلي؛ لأن زيادتها وسطا شاذة، بخلاف الألف، ويونس يؤثر الألف بالبقاء؛ لأنها أبعد من آخر الاسم فتنقلب همزة فتقول: حطائط، على القولين، والتقدير مختلف، ومسائل هذا الفصل كثيرة، فلنكتفِ بما ذكرناه، ومن المزية أيضا ما أشار إليه بقوله:
والياءَ لا الواوَ احذفْ إن جَمَعْتَ ما ... كحَيْزَبُون فهو حُكْمٌ حُتِمَا
ما يجب إيثاره بالبقاء واو حيزبون وعَيْطموس2 ونحوهما، فإن تكسيرهما حزابين وعطاميس، حذفت الياء وأبقيت الواو فانقلبت ياء لانكسار ما قبلهما، وإنما أوثرت الواو في ذلك بالبقاء؛ لأن الياء إذا حذفت أغنى حذفها عن حذف الواو، ولبقائها رابعة قبل الآخر، فيفعل بها ما فعل بواو عصفور، ولو حذفت الواو أولا لم يغنِ حذفها عن الياء؛ لأن بقاء الياء مفوت لصيغة الجمع.
وخَيِّرُوا في زائدَيْ سَرَنْدَى ... وكل ما ضاهاه كالعَلَنْدَى
زائدا سرندى3 هما النون والألف، فإن حذفت النون قلت: سراد، وإن حذفت الألف قلت: سراند، وكذلك نظائره نحو: العلندى4 والحبنطى العفرنى، وإنما خيروا في هذين الزائدين لثبوت التكافؤ بينهما؛ إذ لا مزية لأحدهما على الآخر.
والحاصل أنه إن كان لأحد الزائدين مزية أبقى، فإن ثبت التكافؤ فالحاذف مخير. وهذه مسائل أختم بها باب الجمع:
__________
1 حطائط: الصغير، كأنه حط عن مرتبة العظيم.
2 الحيزبون: المرأة العجوز، وفي زوائد: الياء والواو والنون، العيطموس: التامة الخلق من الإبل والمرأة الجميلة أو الحسنة الطويلة التارة العاقر.
3 السرندى: السريع في أموره أو الشديد.
4 العلندى: البعير الضخم والغليظ من كل شيء ونوع من شجر العضاة له شوك، واحده بهاء والجمع علاند.(3/1413)
الأولى: يجوز تعويض ياء قبل الطرف مما حذف "منه"1 أصل زائد، فتقول في سفرجل ومنطلق: سفاريج ومطاليق، وقد ذكر هذا أول التصغير، وسيأتي.
الثانية: أجاز الكوفيون زيادة الياء في مماثل مفاعل وحذفها من مماثل مفاعيل، فيجيزون في جعافر جعافير، وفي عصافير عصافر، وهذا عندهم جائز في الكلام، وجعلوا من الأول: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} 2 ومن الثاني: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} 3 ووافقهم في التسهيل على جواز الأمرين، واستثنى فواعل فلا يقال فيه: فواعيل، إلا شذوذا كقولهم4:
.......................... ... سوابيغ بيض لا يُخرِّقها النبل
ووافقهم الجرمي على زيادة الياء قياسا في نحو: طوابيق وخواتيم5، وكل ما يجمع على فعائل، وقال أبو حاتم في نحو: أمنية وأثفية6: كل ما جاء من هذا
__________
1 أ.
2 من الآية 15 من سورة القيامة.
3 من الآية 59 من سورة الأنعام.
4 قائله: وهو زهير بن أبي سلمى، وهو من الطويل.
وصدره:
عليا أسود ضاريات لبوسهم
اللغة: "عليها" أي: على الخيل "أسود" جمع أسد "ضاريات" جمع ضارية، من ضرى إذا اجترأ "سوابيغ" كوامل "بيض" صقيلة "النبل" السهم.
الإعراب: "عليها" جار ومجرور خبر مقدم "أسود" مبتدأ مؤخر "ضاريات" صفة "لبوسهم" مبتدأ ومضاف إليه "سوابيغ" خبر المبتدأ "بيض صفته "لا يخرقها" لا نافية ويخرق فعل مضارع وها مفعول به "النبل" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، والجملة صفة لسوابيغ.
الشاهد: قوله: "سوابيغ" والقياس سوابغ -بدون الياء.
مواضعه: ذكره الأشموني 703/ 3، وذكره السيوطي في الهمع 182/ 2.
5 طوابيق: جمع طابق -بفتح الباء وكسرها- وهو العضو من أعضاء الإنسان كاليد والرجل، ويجمع على طوابق، وقد جاء الجمع شذوذا طوابيق، وخواتيم: نوع من الحلي، وهو أيضا ما يوضع على الطين ويختم به الكتاب.
6 أثفية -بضم الهمزة وسكون الثاء وكسر الفاء- وهي حجر يوضع عليه القِدْر، وهي ثلاثة أحجار.(3/1414)
النوع واحده مشدد، ففي جمعه التشديد والتخفيف كأثافي، وقال الأخفش: هذا كما يقال في جمع مفتاح مفاتح ومفاتيح، وقال النحاس: الحذف في المعتل أكثر، ومذهب البصريين أن زيادة الياء في مثل "مفاعل وحذفها من مثال"1 مفاعيل لا يجوز إلا للضرورة.
الثالثة: قد ورد في جمع التكسير ما يشبه تصغير الترخيم، وأشار إليه في التسهيل بقوله: وربما قدر تجريد المزيد فيه فعومل معاملة المجرد، ومثال ذلك قولهم في ظريف وخبيث: ظروف وخبوث، قال الجرمي والفارسي: كسروه على حذف الزيادة، وهو مذهب المبرد، وكان يقول فيه: جمع الترخيم، ومذهب الخليل وسيبويه أنه مما جمع على غير واحده المستعمل كملاميح، وأجاز السيرافي أن يكون اسم جمع.
الرابعة: قال في التسهيل: يُجمع اسم الجمع وجمع التكسير غير الموازن مفاعل أو مفاعيل أو فعلة أو فعلة لما يثنيان له جمع شبيهيهما من مثل الآحاد. انتهى. فمن جمع اسم الجمع قوم وأقوام، وظاهر كلام سيبويه أنه لا ينقاس، ومن جمع الجمع عقبان وعقابين كما تقول سرحان وسراحين2، ومعنى قوله: "لما يثنيان له" للمعنى الذي يثنيان له، يعني أن الداعي إلى جمعهما هو الداعي إلى تثنيتهما، وظاهر كلامه جواز ذلك في جمع الكثرة وجمع القلة ونقل غيره أن جمع الكثرة لا يقاس عليه باتفاق.
واختلف في جمع القلة فقيل: يقاس عليه، وهو مذهب الأكثرين، وقيل: لا ينقاس ولا يجمع من الجموع إلا ما جمعوا، وهو مذهب الجرمي، واختيار ابن عصفور، وبه فسر الفارسي كلام سيبويه.
الخامسة: اختلف في أصائل فقيل: هو جمع جمع جمع؛ لأنه جمع آصال وآصال جمع أصل وأصل جمع أصيل، قاله ابن الشجري، ورده ابن الخشاب وهو خليق بالرد وقيل: هو جمع جمع، لأنه جمع آصال وآصال جمع أصل وأصل مفرد
__________
1 أ، ب.
2 السرحان: الذئب، وقيل: الأسد بلغة هذيل.(3/1415)
لا جمع له. وقيل: إن آصالا جمع أصيل كيمين وأيمان وأصائل جمع أصيلة كسفينة وسفائن ذكره ابن الباذش وقاله أيضا أبو الحسين بن فارس1، وقال ابن الخشاب: أصائل مفرده أصيل مثل أفيل وأفائل والأفيل الصغير من أولاد الإبل، وعلى هذين القولين فليس بجمع جمع.
السادسة: في الفرق بين الجمع واسم الجمع واسم الجنس، وإنما أخرته إلى هذا الموضع؛ لأن معرفته متوقفة على معرفة أمثلة التكسير، والفرق بين هذة الثلاثة من وجهين: أحدهما معنوي، والآخر لفظي.
أما المعنوي: فقال الشارح في صدر الشرح: الاسم الدال على أكثر من اثنين بشهادة التأمل، إما أن يكون موضوعا للآحاد المجتمعة دالا عليها دلالة تكرار الواحد بالعطف، وإما أن يكون موضوعا لمجموع الآحاد دالا عليها دلالة المفرد على جملة أجزاء مسماه، وإما أن يكون موضوعا للحقيقة ملغى فيه اعتبار الفردية؛ إلا أن الواحد ينتفي بنفيه، فالموضوع للآحاد المجتمعة هو الجمع سواء كان له من لفظه واحد مستعمل كرجال وأسود، أو لم يكن كأبابيل2 والموضوع لمجموع الآحاد، وهو اسم الجمع، سواء كان له واحد من لفظه كركب وصحب، أو لم يكن كرهط وقوم، والموضوع للحقيقة بالمعنى المذكور هو اسم الجنس، وهو غالب فيما يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة وعكسه كمأة وجبأة. انتهى. يعني: أن الكمأ والجبأ للواحد، والكمأة والجبأة للجنس، وهذا قليل، وبعضه يقول كمأة وللجنس كمء على القياس. وقوله: وهو غالب يفرق بينه وبين واحده بالتاء، يشير إلى أن اسم الجنس لا ينحصر في ذلك؛ لأنه قد يفرق بينه وبين واحده بياء النسب نحو: روم ورومي وزنج وزنجي.
__________
1 هو أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد أبو الحسين اللغوي القزويني كان نحويا على طريقة الكوفيين، سمع أباه وعلي بن إبراهيم بن سلمة، وقرأ عليه البديع الهمذاني، وكان كريما جوادا، وله مقدمة في النحو، واختلاف النحويين وغيرهما. قال الذهبي: مات سنة خمس وتسعين وثلاثمائة.
2 أبابيل: بمعنى فرق.(3/1416)
واعلم أن فيما عرف به اسم الجنس نظرا؛ لأن مقتضاه صحة إطلاق تمر ونحوه على القليل والكثير كالعسل والماء؛ لأن الواحد إنما ينتفي بنفيه إذا كان صادقا عليه، وقد صرح بذلك الشيخ أبو عمرو في شرحه لكافيته، والمفهوم من كلام النحويين أن اسم الجنس الذي يفرق بينه وبين واحده بتاء التأنيث نحو: جَوْز ونخل1 وكلم، لا يطلق على أقل من ثلاثة، وإنما يقال ذلك في نحو ضرب من المصادر، فإنه صالح للقليل والكثير، وإذا قيل ضربة فالتاء للتنصيص على الوحدة، وأما غير المصادر فلا يقال فيها ذلك، وقد صرح المصنف بذلك قال في شرح التسهيل: الكلم اسم جنس جمعي كالنبق واللبن، وأقل ما يتناول ثلاث كلمات، بل يقتضي قوله في التسهيل: تكسير الواحد الممتاز بالتاء محفوظ استغناء بتجريده في الكثرة وبتصحيحه في القلة، أن تمرا ونحوه لما فوق العشرة حتى قيل ناقض كلامه الأول.
وأما اللفظي فاعلم أن الاسم الدال على أكثر من اثنين إن لم يكن له واحد من لفظه فإما أن يكون على وزن خاص بالجمع أو غالب فيه أو لا؛ فإن كان على وزن خاص بالجمع نحو عبابيد، أو غالب فيه نحو أعراب، فهو جمع واحد مقدر، وإلا فهو اسم جمع نحو رهط وإبل.
وإنما قلنا: إن أعرابا على وزن غالب؛ لأن أفعالا وزن نادر في المفردات كقولهم: "برمة أعشار"2 هذا مذهب بعض النحويين، وأكثرهم يرى أن أفعالا وزن خاص بالجمع، ويجعل قولهم: "برمة أعشار" من وصف المفرد بالجمع، ولذلك لم يذكر في الكافية غير الخاص بالجمع، وليس الأعراب جمع عرب؛ لأن العرب يعم الحاضرين والبادين، والأعراب يخص البادين، خلافا لمن زعم أنه جمعه، وإن كان له واحد من لفظه فإما أن يوافقه في أصل اللفظ دون الهيئة أو فيهما، فإن وافقه فيهما وثنى فهو جمع يقدر تغييره نحو فلك، فإن لم يثن فليس بجمع نحو جنب، والمصدر إذا وصف به وإن وافقه في أصل اللفظ دون الهيئة، فإما أن يميز من واحده بنزع ياء النسب نحو روم أو بتاء التأنيث ولم يلتزم تأنيثه نحو تمر أو لا، فإن ميز بما ذكر ولم يلتزم تأنيثه فهو اسم جنس، وإن التزم تأنيثه فهو جمع نحو
__________
1 جوز: الجوز -بفتح الجيم وسكون الواو- المفازة التي يتيه فيها السالك.
2 البرمة: قد من حجارة، وبرمة أعشار إذا كانت عظيمة لا يحملها إلا عشرة، وقيل: إذا كانت مكسرة على عشر قطع.(3/1417)
تُخَم وتهم، حكم سيبويه بجمعيتهما؛ لأن العرب التزمت تأنيثهما، فإن الغالب على "اسم الجنس"1 الممتاز واحده بالتاء. التذكير، وقال ابن سيده: التذكير والتأنيث سواء في الاستعمال والكثرة. وإن لم يكن كذلك، فإما أن يوافق أوزان الجموع الماضية أولا، فإن وافقها فهو جمع، ما لم يساو الواحد في التذكير والنسب إليه دون قبح فيكون اسم جمع، فلذلك حكم على غزى بأنه اسم جمع لغاز؛ لأنه ساوى الواحد في التذكير، بخلاف كليب، فإنه جمع لأنه مؤنث، وحكم أيضا على ركاب بأنه اسم جمع لركوبة؛ لأنهم نسبوا إليه فقالوا: ركابي، والجموع لا ينسب إليها إلا إذا غلبت أو أهمل واحدها.
وإنما قلنا: دون قبح؛ لأن الجمع قد يساوي الواحد فيما ذكر بقبح فيقال: الرجال قام، وإن خالف أوزان الجمع الماضية فهو اسم جمع نحو صحب وركب؛ لأن فعلا ليس من أبنية الجمع، خلافا لأبي الحسن.
والحاصل أن اسم الجنس هو ما يتميز واحده الياء أو بالتاء ولم يلتزم تأنيثه واسم الجمع ما لا واحد له من لفظه وليس على وزن خاص بالجمع ولا غالب فيه، أو له واحد ولكنه مخالف لأوزان الجمع، أو غير مخالف ولكنه مساو للواحدة دون قبح في التذكير والنسب، وإذا عرفا عرف الجمع بمعرفتهما. والله أعلم.
__________
1 أ، ب.(3/1418)
التصغير:
إنما ذكره بعد التكسير "لأنهما"1 -كما قال سيبويه- من وادٍ واحد، فلنذكر فوائده وعلاماته وشروط المصغر.
أما فوائده عند البصريين "فثلاثة"2: التقليل، والتقريب، والتحقير.
فالتحقير: إما لذات الشيء نحو حجير أي: حجر صغير، وإما لشأنه نحو رجيل.
والقليل: لكمية الشيء "نحو"3 دريهمات، والتقريب: إما لزمان الشيء نحو بعيد العصر، وإما لمكانه نحو دوين السماء، وإما لمنزلته نحو صُدِّيقي.
وزاد الكوفيون في فوائده التعظيم، كقول لبيد4:
........................ ... دُوَيْهَية تَصْفَرُّ منها الأناملُ
أي: الموت.
وأجيب بأن الداهية إذا كانت عظيمة كانت سريعة الوصول، فالتصغير لتقليل المدة، أو بأن المراد أن أصغر الأشياء قد يفسد الأمور العظام.
__________
1 أ، ب، وفي ج "لأنه".
2 أ، ب.
3 أ، ج.
4 قائله: هو لبيد بن ربيعة بن عامر العامري، وهو من الطويل.
وصدره:
وكل أناس سوف تدخل بينهم
اللغة: "دويهية" تصغير داهية، ويروى في مكانه "خويخة" وهو مصغر خوخة -بفتح فسكون- وهو الباب الصغير، أي: أنه سينفتح عليهم باب يدخل إليهم منه الشر، وإذا مات الإنسان أو قتل اصفرت أنامله واسودت أظافره، وقيل: المراد من الأنامل الأظافر، فإن صفرتها لا تكون إلا بالموت.
الإعراب: "كل" مبتدأ "أناس" مضاف إليه "سوف" هنا للتحقيق والتأكيد "تدخل" فعل مضارع "بينهم" متعلق بتدخل "دويهية" فاعل تدخل والجملة في محل رفع خبر المبتدأ "تصفر" فعل مضارع "منها" متعلق بالفعل "الأنامل" فاعل تصفر، الجملة في محل رفع صفة لدويهية.
الشاهد: قوله: "دويهية" حيث إن التصغير هنا للتعظيم عند الكوفيين.
مواضعه: ذكره الشجري في أماليه 25/ 2، 49/ 2، وابن الأنباري في الإنصاف 139، وابن يعيش 114/ 5، 561/ 2 في الخزانة، 85 في شرح شواهد الشافية، 185/ 2 همع الهوامع، 706/ 3 شرح الأشموني.(3/1419)
وأما علامته فهي: الياء، وإنما جعلوها ياء؛ لأن أَوْلَى الحروف بالزيادة حروف المد واللين، فالألف قد استبد بها الجمع فعدلوا إلى الياء؛ لأنها أقرب إلى الألف، وزعم بعض الكوفيين وصاحب الغرة: أن الألف قد تجعل علامة التصغير، واستدلوا بقول العرب في: هدهد، هداهد، يعنون التصغير، وفي دابة وشابة، دوابة وشوابة. ورد بأن الهداهد لغة في الهدهد، وأما دوابة وشوابة فألفهما بدل من ياء التصغير والأصل دويبة وشويبة؛ لأن ياء التصغير قد تجعل ألفا إذا وليها حرف مشدد.
وأما شروط المصغر فأربعة:
الأول: أن يكون اسما فلا يصغر الفعل ولا الحرف؛ لأن التصغير وصف في المعنى وشذ تصغير فعل التعجب، وفي كونه مقيسا خلاف تقدم في بابه.
الثاني: أن يكون غير متوغل في شبه الحرف، فلا تصغر المضمرات ولا مَنْ وكيف ونحوها. وشذ تصغير بعض أسماء الإشارة والموصولات، وسيأتي.
والثالث: أن يكون قابلا للتصغير فلا يصغر نحو كبير وجسيم، ولا الأسماء المعظمة شرعا، وفي أسماء شهور السنة وأيام الأسبوع قولان، والمنع مذهب سيبويه.
والرابع: أن يكون خاليا من صيغ التصغير وشبهها، فإنه لا يصغر نحو كميت1.
فُعَيلا اجعل الثلاثي إذا ... صغرته نحو قُذَيٍّ في قَذَا
فُعَيْعِل مع فُعَيْعِيل لما ... فاق كجَعْل درهم دُريهما
أبنية التصغير ثلاثة: فُعيل وفُعيعِل وفُعيعيل، ففعيل للثلاثي مطلقا نحو: قذي في تصغير قذى، وفليس في تصغير فلس، وفعيعل وفعيعيل لما زاد على الثلاثة.
أما فعيعل فللرباعي نحو: دريهم في درهم، وجعيفر في جعفر، وللخماسي المجرد إذا حذف آخره ولم يعوض نحو: فريزد في فرزدق.
__________
1 الكميت من الخيل: هو الفرس الذي تضرب حمرته إلى سواد.(3/1420)
وأما فعيعيل فللخماسي ولما فوقه أيضا، إذا كان قبل آخره حرف لين نحو عصيفير، أو حذف منه وعوض نحو فريزيد "ولما فوقه أيضا"1.
تنبيهات:
الأول: هذه الأوزان الثلاثة من وضع الخليل -رحمه الله- فقيل له: لم بنيت المصغر على هذه الأمثلة؟ فقال: وجدت معاملة الناس على فلس ودرهم ودينار.
والثاني: وزن المصغر بهذه "الأوزان"2 اصطلاح خاص بهذا الباب، اعتبر فيه مجرد اللفظ تقريبا، وكراهة لتكثير الأبنية، وليس بجار على مصطلح التصريف.
ألا ترى أن وزن أُحيمد ومُكيرم وسفيرج في التصغير فعيعل، ووزنها التصريفي أفيعل ومفيعل وفعيلل.
الثالث: فهم من قوله: "فعيلا اجعل الثلاثي" أن في الثلاثي إذا صغر ثلاثة أعمال: ضم أوله وفتح ثانيه وإلحاق ياء ساكنة بعده.
وفهم من قوله: "فعيعل مع فعيعيل لما.... فاق...." أن ما فوق الثلاثة يشارك الثلاثي في الأعمال الثلاثة ويزيد "عليه" 3 رابعا وهو كسر ما بعد الياء إلا "فيما"4 سيستثنيه.
الرابع: هذه الكيفية المذكورة إنما هي في المتمكن، وأما غير المتمكن فإنه يخالفه في بعضها، وسيأتي آخر الباب.
الخامس: ذكروا لضم أول المصغر عللا أكثرها ظاهر الضعف، منها أنهم لما فتحوا في التكسير أول الرباعي والخماسي لم يبقَ إلا الكسر والضم، فكان الضم أولى لمكان الياء. قال معناه السيرافي. وفتحوا ثانيه لأن ياء التصغير وألف التكسير في نحو مفاعل متقابلان فحمل ما قبل الياء على ما قبل الألف.
__________
1 أ، ب.
2 في ج "الأمثلة".
3 أ، ب.
4 أ، ب.(3/1421)
السادس: قال بعضهم: ضم أول المصغر وفتح ثانيه إنما هو فيما ليس كذلك نحو صرد1 أو تقول: الضمة والفتحة في المكبر غير الضمة والفتحة في المصغر كما في فلك ونحوه.
وجزم ابن إياز بالثاني فقال: لو كان أول المكبر مضموما كغراب وغلام ثم صغرته لحكم بأن الضمة في التصغير غيرها في التكبير، وقال بعضهم في نحو زبرج2 مما قبل آخره مكسورا إذا صغر لا يغير، قال: ولو قيل: إن الكسرة في التصغير غيرها في التكبير لكان وجها.
السابع: لو كان المكبر على هيئة المصغر كمبيطر ومهيمن3 ونحوهما من أسماء الفاعلين، فقال بعضهم: إن تصغيرها يكون بالتقدير، وظاهر التسهيل أن مثل هذا لا يصغر؛ لأنه شرط في المصغر خلوه من صيغ التصغير وشبهها.
وما به لمنتهى الجمع وصِلْ ... به إلى أمثلة التصغير صِلْ
يعني: أنه يتوصل إلى بناء فعيعل وفعيعيل فيما زاد على أربعة أحرف "بما يتوصل به إلى منتهى الجمع"4 يعني: بناء مفاعل ومفاعيل "وللحاذف"5 هنا -من ترجيح وتخيير- ما له في التكسير فتقول في تصغير فرزدق فريزد بحذف الخامس، أو فريزق بحذف الرابع؛ لأنه يشبه الزائد، وتقول في منطلق: مطيلق بحذف النون وإبقاء الميم؛ لأنه لها مزية كما تقدم، وتقول في استخراج تخيريج -بحذف السين؛ لأن التاء أولى بالبقاء لما سبق، وتقول في حيزبون6: حُزيبين بحذف الياء وإبقاء الواو مقلوبة ياء لما مر، وتقول في علندى7: عليند أو عليد؛ إذ لا مزية لأحد زائديه على الآخر، وقد تقدم بيان ذلك في التكسير فأغنى عن إعادته.
__________
1 الصرد -بضم ففتح- طائر ضخم الرأس يصطاد العصافير، وبياض في ظهر الفرس من أثر الدبر.
2 الزبرج: الزينة من وشي أو جوهر، وقيل: الذهب، وقيل: السحاب الرقيق.
3 المهيمن: اسم فاعل هيمن إذا كان رقيبا على الشيء.
4 ب، ج، وفي أ "بما يوصل به فيه إلى منتهى الجمع".
5 أ، وفي ب، ج "وللحادق".
6 الحيزبون: المرأة العجوز.
7 العلندى -بالفتح- الغليظ من كل شيء، وربما قيل: جمل علندى -بالضم.(3/1422)
تنبيه:
يستثنى من ذلك هاء التأنيث، وألفه الممدودة، وياء النسب، والألف والنون بعد أربعة أحرف فصاعدا، فإنهن لا يحذفن في التصغير، ولا يعتد بهن كما سيأتي.
وجائز تعويض يا قبل الطرف ... إن كان بعض الاسم فيهما انحذف
يعني: أنه يجوز أن يعوض مما حذف في التكسير والتصغير ياء قبل الآخر، وسواء في ذلك ما حذف منه أصل نحو سفرجل فتقول في جمعه: سفارج، وإن عوضت قلت: سفاريج، وفي التصغير: سفيرج، وإن عوضت قلت: سفيريج.
وما حذف منه زائد نحو منطلق فتقول في جمعه: مطالق ومطاليق، وفي تصغيره مطيلق على الوجهين.
وعلم من قوله: "جائز" أن التعويض لا يلزم.
تنبيه:
قال في التسهيل: وجائز أن يعوض مما حذف ياء ساكنة قبل الآخر، ما لم يستحقها لغير تعويض، واحترز بقوله: "لغير تعويض" من نحو لفاغيز جمع لُغيَّزى، فإنه حذفت ألفه ولم يحتج إلى تعويض، لثبوت يائه التي كانت في المفرد.
وحائد عن القياس كل ما ... خالف في البابين حكما رُسِمَا
مما خولف "به"1 القياس في التصغير نحو قولهم في المغرب: مغيربان، كأنه تصغير مغربان، وفي العشاء: عُشَيَّان، كأنه تصغير عَشِيَّان، وفي عشية: عشيشية، كأنه تصغير عشاة، وفي إنسان: أنيسيان، كأنه تصغير: أنسيان، وفيه خلاف. مذهب البصريين أنه فعلان من الأنس، وقال الشيباني: فعلان أيضا، لكن من الإيناس بمعنى الإبصار، وقال معظم الكوفيين: إنه أفعلان من النسيان فهو على الأولين من
__________
1 أ، ج وفي ب "فيه".(3/1423)
هذا النوع، وفي بنون: أبينون، كأنه تصغير أبنين، وفي ليلة: لييلية، كأنه تصغير ليلاه، وفي رجل: رويجل، كأنه تصغير راجل، وفي صبية وغلمة: أصيبية وأغيلمة، كأنهما تصغير أفعلة، فهذه الألفاظ ما استغنى فيها بتصغير مهمل عن تصغير مستعمل "وقد سمع في بعضها القياس أيضا"1 قالوا في صبية: صبيّة على القياس. أنشد سيبويه2:
صُبَيَّة على الدخان رُمْكَا ... ما إن عدا أصغرهم أنْ زكَّا
يقال: زك زكيكا إذا دب، قال المبرد: والصواب: ما إن عدا أكبرهم.
ومما خولف به القياس في التكسير قولهم: رهط وأراهط، وباطل وأباطيل، وحديث وأحاديث، وكراع وأكارع، وعروض وأعاريض، وقطيع وأقاطيع3.
فهذه جموع لواحد مهمل استغنى به عن جمع المستعمل، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وذهب بعض النحويين إلى أنها جموع للمنطوق به على غير قياس، وذهب ابن جني إلى أن اللفظ يغير إلى هيئة أخرى ثم يجمع، فيرى في
__________
1 أ، ج.
2 قائله: هو رؤبة بن العجاج، وهو من الرجز.
اللغة: "رمكا" -بضم الراء وسكون الميم- جمع أرمك والرمكة لون كلون الرماد "عدا" جاوز "أن زكا" ويروى: قد زكا. يصف رؤبة بهذا: صبية صغارا قد اغبروا وتشعثوا لشدة الزمان وكلب الشتاء والبرد.
الإعراب: "صبية" منصوب بفعل مقدر تقديره: ترك صبية "على الدخان" حال "رمكا" صفة لصبية "ما" النفي "إن" زائدة "عدا" فعل ماض "أصغرهم" فاعل ومضاف إليه "أن" مصدرية "زكا" فعل ماض والألف للإطلاق والفاعل ضمير، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول عدا.
الشاهد: قوله: "صبية" حيث صغرت على لفظها، والأكثر في كلامهم أصيبية.
مواضعه: ذكره سيبويه 139/ 2، والمقتضب 212، والمخصص 31/ 1.
3 الرهط: قوم الرجل وقبيلته ويطلق على الجماعة من ثلاثة إلى عشرة أو من سبعة إلى عشرة بشرط أن يكونوا كلهم رجالا.
والكراع: هو مستدق الساق، وفي نسخة ب: "كراع وأكاريع".
والعروض: آخر تفعيلة من الشرط الأول من بيت الشعر.(3/1424)
أباطيل أن الاسم غير إلى إبطيل أبطول ثم جمع، وذهب المبرد إلى أن أراهط جمع أرهط وأباطيل جمع إبطال مصدر أبطل واستغنى به عن جمع الاسم، وأعاريض تكسير إعراض مصدر أعرض.
وذهب الفراء إلى أن أحاديث جمع أحدوثة بمعنى حديث، وقال ابن خروف: إن أحدوثة إنما تستعمل في المصائب والدواهي لا في معنى الحديث الذي يتحدث به، وعد بعضهم من هذا النوع قولهم: أظافير في جمع ظفر، وليال في جمع ليلة، وليستا منه، بل هما مما استغنى فيه بجمع واحد مستعمل قليلا؛ لأنهم قالوا "أظفور وليلاه، وإن كان الأشهر ليلية وظفرا، قلت: وكذا لا ينبغي أن يعد قولهم"1 في التصغير لييلية مما استغنى فيه بتصغير مهمل.
لتلو يا التصغير من قبل علم ... تأنيث أو مدته الفتح انحتم
كذلك مامدة أفعال سبق ... أو مد سكران وما به التحق
اعلم أن ما بعد ياء التصغير إن كان حرف إعراب جرى بوجوه الإعراب: على مقتضى العوامل نحو زبيد، وإن لم يكن حرف إعراب وجب كسره كما كسر ما بعد ألف التكسير إلا خمسة أشياء:
الأول: ما قبل علامة التأنيث وهي التاء والألف نحو: طلحة وسكرى، فتقول فيهما: طليحة وسكيرى -بالفتح- لوجوب فتح ما قبل تاء التأنيث، ومحافظة على بقاء الألف.
ويعني بقوله: "من قبل علم" ما كان متصلا كما مثل، فلو انفصل من الياء كسر نحو دُحَيْرِجة.
الثاني: ما قبل مدة التأنيث وهي الألف التي قبل الهمزة في حمراء ونحوه، فإنها ليست علامة للتأنيث عند جمهور البصريين، وإنما العلامة عندهم الألف التي انقلبت همزة، وقد تقدم بيان ذلك في التأنيث والتذكير، فتقول في تصغير حمراء: حُميراء -بالفتح- محافظة على سلامة الألف.
__________
1 ب، ج.(3/1425)
فإن قلت: فلعله أراد بعلم التأنيث التاء وحدها، وبالمدة الألفين المقصورة والممدودة.
قلت: لا يصح ذلك؛ لأن المقصورة علم تأنيث أيضا فتخصيصه بالتاء لا وجه له، وإنما عطفت المدة المذكورة على علم التأنيث؛ لعدم اندراجها فيه فهو كقوله في التسهيل: أو ألف التأنيث أو الألف قبلها.
فإن قلت: قوله في شرح الكافية: فإن اتصل بما ولي الياء علامة تأنيث فتح، كتُميرة وحُبيلى وحُميراء، يقتضي أن المدة في حمراء مندرجة في قوله: "علامة تأنيث"؛ ولذلك اقتصر في الكافية على قوله: لتأنيث علم.
قلت: يجوز في ذلك، والتحقيق ما تقدم.
والثاني: ما قبل ألف أفعال نحو أجمال فتقول فيه: أجيمال؛ محافظة على بقاء الألف "التي"1 للجمع.
تنبيه:
أطلق الناظم أفعالا، ولم يقيده بأن يكون جمعا، فشمل المفرد، وفي بعض نسخ التسهيل: "أو ألف أفعال جمعا أو مفردا" فمثال الجمع ما ذكر، وأما المفرد فلا يتصور تمثيله على قول الأكثرين، إلا ما سمي به من الجمع؛ لأن أفعالا عندهم لم يثبت في المفردات. قال سيبويه: إذا حقرت أفعالا اسم رجل قلت: أفيعال كما تحقرها قبل أن تكون اسما، فتحقير أفعال كتحقير عطشان، فرقوا بينها وبين أفعال؛ لأنه لا يكون إلا واحدا، ولا يكون أفعال إلا جمعا. انتهى.
وقد أثبت بعض النحويين أفعالا في المفردات، وجعل منه قولهم: برمة أعشار، وثوب أخلاق وأسمال2، وهو عند الأكثرين من وصف المفرد بالجمع، وتصغيره أفيعال كما سبق.
__________
1 أ.
2 عطف مرادف يقال: سمل الثوب سمولا خلق فهو ثوب أسمال. اهـ قاموس. ويقال: ثوب أسمال، ويقال: ثوب أخلاق، إذا كان قد صار مزقا.(3/1426)
فإن قلت: إذا فرعنا على مذهب من أثبته في المفردات، فهل يصغر على أفيعال أو على أفيعيل؟
قلت: مقتضى إطلاق الناظم وقوله في التسهيل: جمعا أو مفردا أنه يصغر على أفيعال -بالفتح.
ومقتضى قول من قال من النحويين: "أو أفعال جمعا" كأبي موسى وابن الحاجب أنه يصغر على أفيعيل -بالكسر.
وقال بعض شراح تصريف ابن الحاجب: قيد بقوله: "جمعا" احترازا عما ليس بجمع نحو أعشار، فإن تصغيره أعيشير. انتهى.
وقال الشارح: "أو ألف أفعال جمعا، وعلى هذا نبه بقوله سبق". انتهى. فقيد. وحمل كلام الناظم على التقييد، وكأنه جعل "سبق" قيدا لأفعال، أي ألف أفعال السابق في باب التكسير، وهو الجمع، أما تقييده فتتبع فيه أبا موسى ومن وافقه. وقال الشلوبين مشيرا إلى قول أبي موسى: هذا خطأ؛ لأن سيبويه قال: إذا حقرت أفعالا اسم رجل قلت: أفيعال كما تحقرها قبل أن تكون اسما، وأما حمل كلام الناظم على التقييد، فلا يستقيم؛ لأن قوله: "سبق" ليس حالا من أفعال فيكون مقيدا به، بل هو صلة ما، ومدة مفعول لسبق تقدم عليه، والتقدير: كذلك ما سبق مدة أفعال، وأيضا فإن الناظم أطلق في غير هذا الكتاب، بل صرح بالتعميم في بعض نسخ التسهيل. فعلى هذا يحمل كلامه. والله أعلم.
الرابع: ما قبل ألف سكران ونحوه مما آخره ألف ونون زائدتان لم يعلم جمع ما هما فيه على فعالين دون شذوذ؛ ولهذا أحال الناظم على سكران، فيقال فيه سكيران؛ لأ، هم لم يقولوا في جمعه سكارين، وكذلك ما كان مثله نحو غضبان وعطشان، فإن جمع على فعالين دون شذوذ صغر على فعلين نحو سرحان وسريحين1، فإنه جمع على سراحين، وإن كان جمعه على فعالين شاذا لم يلتفت
__________
1 سرحان: الذئب، وقيل: الأسد بلغة هذيل.(3/1427)
إليه، بل يصغر على فعيلان، مثال ذلك: غرثان1 وإنسان، فإنهم قالوا: جمعهما غراثين وأناسين على جهة الشذوذ، فإن صغرا قيل فيهما: غريثان وأنيسان.
وإذا ورد ما آخره ألف ونون مزيدتان، لم يعرف هل تقلب العرب ألفه ياء أو لا؟ حمل على باب سكران؛ لأنه أكثر.
الخامس: ما كان قبل اسم منزل منزلة تاء التأنيث، والمراد به عجز المركب نحو بعلبك، فتقول فيه: بعيلبك، ولم يذكره هنا.
وألف التأنيث حيث مدا ... وتاؤه منفصلين عدا
كذا المزيد آخرا للنسب ... وعجز المضاف والمركب
وهكذا زيادتا فَعْلانا ... من بعد أربع كزَعْفَرانا
وقَدِّر انفصالا ما دل على ... تثنية أو جمع تصحيح جلا
يعني: أنه لا يعتد في التصغير بهذه الأشياء الثمانية؛ لأنها تعد منفصلة، أي: تنزل منزلة كلمة مستقلة.
ومعنى عدم الاعتداد بها أن ما قبلها يصغر غير متمم بها.
الأول: ألف التأنيث الممدود نحو راهطاء.
الثاني: تاء التأنيث نحو حنظلة.
الثالث: ياء النسب نحو عبقري2.
الرابع: عجز المضاف المركب نحو عبد شمس.
الخامس: عجز المركب، يعني: غير المضاف المتقدم ذكره نحو بعلبك.
السادس: الألف والنون الزائدتان بعد أربعة أحرف فصاعدا، نحو زعفران
__________
1 غرثان -بفتح الغين فراء ساكنة- وجمعه غراثى كسكارى من غرث كفرح جاع. اهـ قاموس.
2 عبقري: نسبة إلى عبقر، تزعم العرب أنه اسم بلد الجن فينسبون إليه كل شيء عجيب.(3/1428)
وعبوثران1، واحترز من أن يكونا بعد ثلاثة نحو سكران وسرحان، وقد تقدم حكمها.
السابع: علامة التثنية نحو مسلمين.
الثامن: علامة جمع التصحيح نحو مسلمين ومسلمات.
فهذا لا يعتد بها فتقول في تصغيرها رويهطاء وحنيظلة وعبيقرى وعبيد شمس وبعيلبك وزعيفران وعبيثران ومسيلمان ومسيلمين ومسيلمات، فيقدر تمام بنية التصغير قبل الألف والتاء، وكذا سائرها.
تنبيهات:
الأول: هذا تقييد لإطلاق قوله: "وما به لمنتهى الجمع وصل" وقد تقدم التنبيه عليه.
الثاني: ليست الألف الممدودة عند سيبويه كتاء التأنيث في عدم الاعتداد بها من كل وجه؛ لأن مذهبه في نحو جلولاء وبراكاء وقريثاء2 -مما ثالثه حرف مد- حذف الواو والألف والياء، فتقول في تصغيرها: جليلاء وبريكاء وقريثاء بالتخفيف بخلاف نحو فروقة3 فإنه يقول في تصغيرها فريقة بالتشديد، ولا يحذف، فقد ظهر أن الألف عنده يعتد بها من هذا الوجه، بخلاف التاء. ومذهب المبرد إبقاء الواو والألف والياء في جلولاء وأخويه، فيقول في تصغيرها: جليلاء وبركاء وقريثاء، بالإدغام مسويا بين ألف التأنيث وتائه.
وحجة سيبويه أن لألف التأنيث الممدودة شبها بهاء التأنيث وشبها بالألف المقصورة، واعتبار الشبهين أَوْلَى من إلغاء أحدهما، وقد اعتبر الشبه بالهاء من قبل
__________
1 عبوثران: اسم نبت.
2 جلولاء -بفتح أوله وضم ثانيه- ناحية من نواحي سواد العراق في طريق خراسان بينهما وبين خائفين سبعة فراسخ، وجلولاء أيضا: مدينة مشهورة بإفريقيا بينها وبين القيروان أربعة وعشرون ميلا.
والبراكاء: شدة القتال.
والقريثاء: ضرب من التمر أسود.
3 فروقة: تقول رجل فروقة، وامرأة فروقة، ورجل فرق، إذا كان شديد الفزع.(3/1429)
مشاركة الألف الممدودة لها في عدم السقوط وتقدير الانفصال بوجه ما فلا غنى عن اعتبار الشبه بالألف المقصورة في عدم ثبوت الواو في جلولاء ونحوها، فإنها كألف حبارى الأولى، وسقوطها في التصغير متعين عند بقاء ألف التأنيث، فكذا يتعين سقوط الواو المذكورة ونحوها في التصغير.
واعلم أن تسوية الناظم هنا بين ألف التأنيث الممدودة وتائه تقتضي موافقة المبرد. ولكنه صحح في غير هذا النظم مذهب سيبويه.
الثالث: اختلف أيضا في نحو "ثلاثين" علما أو غير علم، وفي نحو "جدارين، وظريفين، وظريفات" أعلاما، فمذهب سيبويه الحذف فتقول: ثُليْثون -بالتخفيف- لأن زيادته غير طارئة على لفظ مجرد، فعومل معاملة جلولاء، وكذا يفعل بما جعل علما مما فيه علامة التثنية وجمع التصحيح، نص على جميع ذلك.
ومذهب المبرد إبقاء حرف المد في ذلك والإدغام كما يفعل في جلولاء واتفقا في نحو: "ظريفين، وظريفات" إذا لم يجعلن أعلاما على التشديد، ولم يذكر هنا هذا التفصيل.
وألف التأنيث ذو القصر متى ... زاد على أربعة لن يَثْبُتَا
ألف التأنيث المقصورة أبعد عن تقدير الانفصال من الممدودة لعدم إمكان استقلال النطق بها، فلذلك تحذف في التصغير خامسة فصاعدا، فإن بقاءها يخرج البناء عن مثال فعيعيل كقولك في قرقرى ولغيزى: فريقر ولغيغز1. فإن كانت خامسة وقبلها مدة زائدة جاز حذف المدة وإبقاء ألف التأنيث وجاز عكسه، وإلى هذا أشار بقوله:
وعند تصغير حُبارى خَيِّر ... بين الْحُبيرى فادْرِ والحبير
فإن حذفت المدة قلت: الحبيرى، وإن حذفت ألف التأنيث قلت: الحبير، بقلب المدة ياء ثم تدغم ياء التصغير فيها.
__________
1 قرقرى: اسم موضع، واللغيزى -بضم أوله وتشديد ثانيه مفتوحا- مثل اللغز -كقفل وكرطب وكجبل- وهو ما عمي من الكلام وأخفي المراد منه.(3/1430)
واردد لأصل ثانيا لينا قُلب ... فقيمة صير قُويمة تُصب
اعلم أن الثاني يرد إلى أصله في التصغير بشرطين:
الأول: أن يكون لينا، والثاني: أن يكون بدل غير همزة تلي همزة، فاندرج في ذلك ثلاثة أنواع:
أولها: ما كان لينا منقلبا عن لين نحو باب وميزان وقيمة وناب وموقن، فتقول في تصغير باب بويب؛ لأن ألفه عن واو، وفي ميزان مويزين؛ لأن ياءه عن واو، وكذلك تقول في قيمة قويمة وديمة دويمة؛ لأن الياء فيهما منقبلة عن واو، وفي ناب -وهو السن- نييب؛ لأن ألفه عن ياء، وفي موقن مييقن؛ لأن واوه عن ياء، وإنا رد الثاني في ذلك إلى أصله لزوال سبب انقلابه.
وثانيها: ما كان لينا مبدلا من حرف صحيح غير همزة نحو: دينار وقيراط، فإن أصلهما دنار وقراط1 والياء فيهما بدل من أول المثلين، فتقول في تصغيرهما: دنينير وقريريط؛ لزوال سبب الإبدال.
وثالثها: ما كان لينا مبدلا من همزة لا تلي همزة نحو ذيب فإن أصله الهمزة، والياء فيه بدل من الهمزة، فإذا صغرته قلت: ذؤيب -بالهمزة- رجوعا إلى أصله؛ لأن قلب الهمزة ياء إنما لانكسار ما قبلها.
وخرج بالشرط الأول ما ليس بلين، فإنه لا يرد إلى أصله ولو كان مبدلا من لين فتقول في قائم قويئم -بالهمزة- وفي متعد متيعد خلافا للزجاج في متعد، فإنه يرده إلى أصله، فيقول فيه: مويعد، والأول مذهب سيبويه، وهو الصحيح؛ لأنه إذا قيل فيه مويعد أوهم أن مكبره موعد، أو موعد، ومتيعد لا إبهام فيه.
وخرج بالشرط الثاني ما كان لينا مبدلا من همزة تلي همزة كألف آدم وياء أيمة فإنهما لا يردان إلى أصلهما، أما آدم فتقلب ألفه واوا، وأما أيمة فيصغر على لفظه.
__________
1 بدليل جمعهما على دنانير وقراريط.(3/1431)
تنبيهات:
الأول: ضابط هذا الفصل إنما أبدل لعلة ما لا تزول بالتصغير "فإنه لا يرد إلى أصله"1 وما أبدل لعله تزول بالتصغير رد إلى أصله.
الثاني: ظهر بما ذكرناه أن قوله في شرح الكافية "وهو -يعني الرد- مشروط بكون الحرف حرف لين مبدلا من لين" غير محرر، بل ينبغي أن يقول "مبدلا من غير همزة تلي همزة" كما ذكر في التسهيل.
الثالث: ظاهر قوله: "لينا قلب" أن مراده قلب عن لين، كما قال في الكافية:
واردُدْ لأصل ثانيا أُبدلَ من ... ذي اللين عينا فهو بالرد قَمِنْ
وذلك لأن القلب في اصطلاح أهل التصريف لا يطلق على إبدال حرف لين من حرف صحيح، ولا عكسه، بل على إبدال حرف علة من حرف علة آخر، وإذا كان كذلك فمفهومه يوهم اشتراط كونه مبدلا من لين، صرح به في شرح الكافية.
فإن قلت: فلعل مراده بالقلب هنا مطلق الإبدال، فيشمل ما كان مبدلا من لين وما كان مبدلا من غيره.
قلت: إذا حمل على هذا ورد عليه "ما كان بدلا من همزة تلي همزة"2 فإنه لم يستثنه.
الرابع: أجاز الكوفيون في نحو ناب مما ألفه ياء نويب بالواو، وأجازوا أيضا إبدال الياء في نحو شيخ واوا، ووافقهم في التسهيل على جوازه فيهما جوازا مرجوحا، ويؤيده أنه سمع في بيضة بويضة، وهو عند البصريين شاذ.
وقوله: "وشذ في عيد عييد" وجه شذوذه أنهم صغروه على لفظه، ولم يردوه إلى أصله، وقياسه عويد؛ لأنه من عاد يعود، فلم يردوا الياء إلى الأصل.
قال الشارح: حملا على قولهم: في جمعه أعياد.
__________
1 أ، وفي ب، ج "لم يرد إلى أصله".
2 ب، ج وفي أ "ما كان بدل تلي همزة".(3/1432)
قلت: وقال غيره: فيه نظر؛ لأنهم قالوا: جمعوه على أعياد فرقا بينه وبين جمع عود فينبغي أن يقال: وصغروه على عييد فرقا بينه وبين تصغير عود، ولا حاجة إلى جعل أحدهما محمولا على الآخر.
وقوله:
..................... وحُتم ... للجمع من ذا ما لتصغير عُلم
يعني: يجب لجمع التكسير من رد الثاني إلى أصله ما وجب للتصغير، كقولك في باب وناب وميزان أبواب وموازين، إلا ما شذ كأعياد وقوله1:
حِمى لا يحل الدهر إلا بإذننا
ولا نسأل الأقوام عقد المياثق
يريد: المواثق.
والألف الثان المزيد يُجعل ... واوا كذا ما الأصل فيه يُجهل
الألف إذا كانت ثانية فلها خمسة أقسام:
الأول: مبدل من ياء كناب.
والثاني: مبدل من واو كباب.
والثالث: مجهول الأصل كعاج وصاب2.
والرابع: زائد كضارب.
والخامس: مبدل من همزة كآدم.
فأما الأولان فتقدم أنهما يردان إلى الأصل، وأما الثالث والرابع فينقلبان واوا، وإليهما أشار بقوله في البيت، فيقال: عويج وصويب وضويرب.
__________
1 قائله: هو عياض بن أم درة، وهو من الطويل.
اللغة: "حمى" الحمى -بكسر الحاء- هو الموضع الذي يحميه الإمام ولا يقربه أحد، من حمى المكان وأحماه "لا يحل" من الإحلال.
الإعراب: "حمى" خبر مبتدأ محذوف أي: حمانا حمى أو نحو ذلك مما يناسب المقام "لا يحل" على صيغة المجهول جملة من الفعل ونائب الفاعل في موضع الرفع على أنه صفة لحمى "الدهر" منصوب على الظرفية "إلا" أداة استثناء "بإذننا" متعلق بالفعل "لا نسأل" لا نافية ونسأل فعل مضارع والفاعل ضمير والجملة عطف على ما قبلها "الأقوام" مفعول به "عقد" مفعول ثان "المياثق" مضاف إليه.
الشاهد: قوله: "عقد المياثق" فإن القياس فيه المواثق؛ لأنه جمع ميثاق.
2 صاب: اسم شجر مر، واحدته صابة، وقيل: هي عصارة الصبر.(3/1433)
وأما الخامس: فينقلب واوا أيضا نحو أويدم، ولم ينبه عليه.
واعلم أن حكم التكسير في إبدال الثاني كحكم التصغير؛ فتقول: ضوارب وأوادم.
وكمل المنقوص في التصغير ما ... لم يَحْوِ غير التاء ثالثا كَمَا
المنقوص هنا هو العام، وهو ما حذف منه أصل الخاص، وهو ما حرف إعرابه ياء لازمة قبلها كسرة.
فإذا صغر المنقوص المذكور كمل بأن يرد ما حذف منه إن كان على حرفين نحو "خذ" مسمى به -وثبة ويد- فتقول فيها: أخيذ وثييبة ويدية -برد فاء الأول وعين الثاني ولام الثالث.
وإن كان على ثلاثة والثالث تاء التأنيث لم يعتد بها، ويكمل أيضا كما يكمل الثنائي، نحو عدة وسنة، فتقول فيهما: وعيدة وسنيهة أو سنية، برد فاء الأول ولام الثاني.
فإن قلت: فهل ورد من هذا النوع محذوف العين؟
قلت: لا أعرف لذلك مثالا إلا لفظا واحدا فيه خلاف وهو ثبة، ذهب الزجاج إلى أنها محذوفة العين من ثاب يثوب، وذهب غيره إلى أنها محذوفة اللام من ثبيت إذا جمعت، وهو الأولى.
وهذا الخلاف إنما في الثبة التي هي مجتمع الماء من وسط الحوض.
وأما الثبة التي هي الجماعة من الناس، فهي من محذوفة اللام، لا أعرف في ذلك خلافا.
وإن كان للمنقوص ثالث غير الياء لم يرد إليه ما حذف؛ لعدم الحاجة إليه؛ لأن بنية فعيل تتأتى بدونه؛ فتقول في هار وشاك وميت1: هوير، وشويك، ومييت، وإلى هذا أشار بقوله:
__________
1 هار وشاك: اعلم أن أصلهما هاور وشاوك، فحذفت الواو على غير القياس فوزنهما فال، وكان القياس قلبهما همزة، وقد جاءوا على القياس أيضا فقيل: هائر وشائك بوزن فاعل. ... صبان.(3/1434)
.................. ما ... لم يحو غير التاء ثالثا ...
ففهم منه أنه إن حوى ثالثا غير التاء لم يرد إليه المحذوف، وإن كان الثالث هو التاء لم يعتد بها ورد إليه.
تنبيهات:
الأول: شذ قول بعض العرب في هار هوير -برد المحذوف- ولا يقاس عليه، خلافا لأبي عمرو، ونقل أيضا عن يونس والمازني إلا أن أبا عمرو ويونس يردان الهمزة في خير وشر، والمازني لا يردها فيهما.
الثاني: إنما قال: "غير التاء"، ولم يقل: غير الهاء، ليشمل تاء بنت وأخت؛ فإنها لا يعتد بها أيضا، بل يقال: بنية وأخية -برد المحذوف.
الثالث: يعني بقوله: "ثالثا" ما زاد على حرفين، ولو كان أولا أو وسطا، فالأول كقولك في تصغير يرى1: يُري، فلا يرد اعتدادا بحرف المضارعة، وأجاز أبو عمرو والمازني الرد؛ فيقولان: يُريْ. ويونس يرد ولا ينون على أصل مذهبه في يعيل2 ونحوه، ويقدم مثال الوسط.
فإن قلت: كان ينبغي أن يقول: ما لم يحو غير التاء أو همزة الوصل؛ لأن همزة الوصل لا يعتد بها أيضا، بل يرد المحذوف فيما هي فيه.
قلت: لا يحتاج إلى ذلك، فإن ما فيه همزة الوصل إذا صغر حذفت فيبقى على حرفين لا ثالث لهما نحو: اسم وابن، تقولم في تصغيرهما: سمي وبني، بحذف همزة الوصل استغناء عنها بتحريك الأول.
وقوله: "كما" أشار إلى الثنائي وضعا يكمل أيضا في التصغير توصلا إلى بناء فعيل إلا أن هذا النوع لم يعلم له ثالث، فيرد بخلاف النوع السابق.
وأجاز في الكافية والتسهيل في الثنائي وضعا وجهين:
أحدهما: أن يكمل بحرف علة، فتقول في عن وهل -مسمى بهما- عني وهلي.
__________
1 يرى مسمى به.
2 يعيل: تصغير يعلى.(3/1435)
والآخر: أن يجعل من قبيل المضاعف، فتقول فيهما: عنين وهليل، وصرح في التسهيل بأن الأول أولى، وبه جزم الشارح.
فإن قلت: إذا كمل بحرف علة فهل يكمل بياء أو بواو؟
قلت: خير بعضهم فقال: واو أو ياء، وظاهر كلام المصنف أنه ياء "لأنه"1 شبهه بدم، ونص الأبدي على أنه ياء، وهو الأظهر.
تنبيهان:
الأول: لا يظهر لهذين الوجهين أثر لفظي في نحو "ما" الاسمية والحرفية إذا سمي بهما، فإنك تقول على التقديرين: مُوَى، وهو واضح.
الثاني: في قوله "كما" نظر؛ لأنه أراد التمثيل، فليس بجيد؛ لأن ما ونحوه من الثنائي وضعا، ليس من قبيل المنقوص فكيف يمثل به، وإن أراد التنظير، فليس نظير المنقوص إلا في مطلق التكميل؛ لأن المنقوص يرد إليه ما حذف منه، وهذا لم يعلم له محذوف، فلا يؤخذ إذ ذاك من كلامه إلا أن نحو "ما" يكمل كما يكمل المنقوص، ولا يدرى بما يكمل، والله أعلم.
ومَنْ بترخيم يُصغر اكتفى ... بالأصل كالعُطَيف يَعني المِعْطَفَا
من التصغير نوع يسمى تصغير الترخيم، وهو تصغير الاسم بتجريده من الزوائد، فإن كانت أصوله ثلاثة صغر على فعيل، وإن كانت أصوله أربعة صغر على فعيعل فتقول في معطف: عطيف، وفي أزهر: زهير، وفي حمدان وحامد ومحمود وأحمد: حميد، وتقول في قرطاس وعصفور: قريطس وعصيفر.
تنبيهات:
الأول: إذا كان المصغر تصغير الترخيم ثلاثي الأصول، ومسماه مؤنث، لحقته التاء، فتقول في غلاب وسعاد وحبلى: غليبة وسعيدة وحبيلة.
__________
1 أ، ج.(3/1436)
الثاني: إذا صغرت نحو حائض وطالق من الأوصاف الخاصة بالمؤنث تصغير الترخيم، قلت: حييض وطليق؛ لأنها في الأصل صفة لمذكر.
الثالث: شذ في تصغير إبراهيم وإسماعيل بريه وسميع، فحذفوا من كل منهما أصلين وزائدين؛ لأن الهمزة فيهما والميم واللام أصول، أما الميم واللام فباتفاق، وأما الهمزة ففيها خلاف: مذهب المبرد أنها أصلية، ومذهب سيبويه أنها زائدة، وينبغي عليهما تصغير الاسمين لغير ترخيم، فقال المبرد: أبيريه، وقال سيبويه: بريهيم وسميعيل، وهو الصحيح الذي سمعه أبو زيد وغيره من العرب، وعلى هذا ينبغي جمعها؛ فقال الخليل وسيبويه: براهيم وسماعيل، وعلى مذهب المبرد أباريه وأساميع، وحكى الكوفيون براهم وسماعل بغير ياء، وبراهمة وسماعلة، والهاء بدل من الياء.
وقال بعضهم: أباره وأسامع، وأجاز ثعلب براه كما يقال في تصغيره بريه، والوجه أن يجمعا جمع سلامة، فيقال: إبراهيمون وإسماعيلون.
الرابع: لا يختص تصغير الترخيم بالأعلام، خلافا للفراء وثعلب، وقيل: وللكوفيين، بدليل قول العرب: "يجري بليق ويذم"1 تصغير أبلق، ومن كلامهم: "جاء بأم الربيق على أريق"2. قال الأصمعي: تزعم العرب أنه من قول رجل رأى الغول على جمل أورق، فقلبت الواو في التصغير همزة.
وأما قولهم: "عرف حميق جمله"3 فلا حجة فيه؛ لاحتمال أن يكون تصغير حمق.
واختم بتا التأنيث ما صَغَّرْتَ مِنْ ... مؤنث عارٍ ثلاثي كَسِنّ
__________
1 بليق: اسم فرس كان يسبق، ومع ذلك يعاب. مجمع الأمثال للميداني 4659.
2 قال أبو عبيد: أم الربيق: الداهية، وأصله من الحيات، وأما أريق: فأصله وريق تصغير أورق مرخما، وهو الجمل الذي لونه لون الرماد. مجمع الأمثال للميداني 888.
3 أي: عرف هذا القدر وإن كان أحمق، ويروى "عرف حميقا جمله" أي: أن جمله عرفه فاجترأ عليه، يضرب في الإفراط في مؤانسة الناس، ويقال: معناه عرف قدره ويقال: يضرب لمن يستضعف إنسانا ويولع به فلا يزال يؤذيه ويظلمه. مجمع الأمثال للميداني 2414.(3/1437)
تلحق تاء التأنيث في تصغير الاسم المؤنث بلا علامة إذا كان ثلاثيا في الأصل أو في الحال أو في المآل.
فالأول: نحو يد فإنه ثلاثي في الأصل، فتقول في تصغيره: يدية.
والثاني: نحو سن ودار، فتقول في تصغيرهما: سنينة ودويرة.
والثالث: نوعان:
أحدهما: ما كان رباعيا بمدة قبل لام معتلة، فإنه إذا صغر تلحقه التاء نحو سماء وسمية؛ وذلك لأن الأصل فيه سمييي -بثلاث ياءات- الأولى ياء التصغير، والثانية بدل المدة، والثالثة: بدل لام الكلمة، فحذفت إحدى الياءين على القياس المقرر في هذا الباب، فبقي الاسم ثلاثيا، فلحقته التاء كما تلحق الثلاثي المجرد.
والآخر: ما صغر تصغير الترخيم مما أصوله ثلاثة، وقد تقدم بيانه.
ثم استثنى من هذا الضابط نوعين لا تلحقهما التاء، وأشار إلى الأول منهما بقوله:
ما لم يكن بالتا يُرى ذا لَبْس ... كشجر وبقر وخَمْس
يعني: أن التاء لا تلحق اسم الجنس الذي يتميز من واحده بنزع التاء نحو شجر وبقر فتقول في تصغيرهما: شجير وبقير؛ إذ لو قلت في تصغيرهما شجيرة وبقيرة؛ لالتبس بتصغير شجرة وبقرة، ولا تلحق أيضا بضعا وعشرا وما دونهما من عدد المؤنث، بل يقال: بضيع وعشير؛ إذ لو قيل: بضيعة وعشيرة؛ لتوهم أن ذلك عدد مذكر، ثم أشار إليه الثاني بقوله: وشذ ترك دون لبس.
يعني: شذ ترك التاء دون لبس، في ألفاظ مخصوصة لا يقاس عليها، وهي: ذود، وشول1 وناب -للمسن من الإبل- وحرب وفرس وقوس ودرع -للحديد- وعرس وضحى ونعل ونَصَف2، وبعض العرب يذكر الحرب والدرع
__________
1 الذود: من ثلاثة أبعرة إلى عشرة، وقيل: غير ذلك.
الشول: وهي من الإبل ما أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فجف لبنها.
2 عرس -بالكسر- امرأة الرجل ورجلها، ولبؤة الأسد، وبالضم وبضمتين طعام الوليمة. اهـ قاموس. والمناسب هنا الكسر.
وعرب: خلاف العجم.
ونصف: هي المرأة المتوسطة بين الصغر والكبر.(3/1438)
والعرس، فلا يكون من هذا القبيل، وبعضهم ألحق التاء في عرس وقوس، فقال: عريسة وقويسة.
تنبيهات:
الأول: لم يتعرض في الكافية والتسهيل إلى اسثناء النوع الأول أعني: نحو شجر وخمس.
الثاني: كان ينبغي أن يستثني نوعا آخر وهو طالق من أوصاف المؤنث، إذا صغر تصغير الترخيم، وقد تقدم التنبيه عليه.
الثالث: لا اعتبار في العلم بما نقل عنه من تذكير وتأنيث، بل تقول في رمح -علم امرأة- رميحة، وفي عين -علم رجل- عيين، خلافا لابن الأنباري في اعتبار الأصل، فتقول في الأول: رميح، وفي الثاني: عيينة، واستدل بقولهم: عيينة بن حصن ونحوه، وأجيب بأن ذلك مما نقل مصغرا.
الرابع: إذا سميت مؤنثا ببنت وأخت حذفت هذه التاء ثم صغرت وألحقت تاء التأنيث فتقول: بنية وأخية، وإذا سميت بهما مذكرا لم تلحق التاء، فتقول: بني وأخي.
وقوله:
................ وندر ... لحاق تا فيما ثلاثيا كَثر
أي: ندر لحاق التاء في تصغير ما زاد على ثلاثة، وذلك قولهم في وراء: وريئة -بالهمزة- وفي أمام: أميمة، وفي قدام: قديديمة.
وقوله: "كثر" بمعنى فاقه في الكثرة و"ثلاثيا" مفعوله تقدم عليه.
تنبيه:
أجاز أبو عمرو أن يقال في تصغير جبارى ولغيزى1: حبيرة ولغيغيزة، فيجاء
__________
1 الحبارى -بضم أوله وتخفيف ثانيه- طائر يقع على الذكر والأنثى، والواحد والجمع، وهو على شكل الأوزة.(3/1439)
بتاء عوضا من الألف المحذوفة، وظاهر التسهيل موافقته، فإنه قال: ولا تلحق التاء دون شذوذ غير ما ذكر، إلا ما حذفت منه ألف التأنيث خامسة أو سادسة.
وصغروا شذوذا الذي والتي ... وذا مع الفروع منها تا وتِي
التصغير من جملة التصريف في الاسم، فحقه ألا يدخل غير المتمكن، إلا أن أسماء الإشارة والموصولات شابهت المتمكن؛ لكونها توصف ويوصف بها، فلذلك استبيح تصغير بعضها، لكن على وجه خولف به تصغير المتمكن، فترك أولها على ما كان عليه قبل التصغير، وعوض منه ضمة ألف مزيدة في الآخر، ووافقت المتمكن في زيادة ياء ثالثة ساكنة بعد فتحة، فقيل في الذي والتي: اللذيا واللتيا، وفي تثنيتهما: اللذيان واللتيان، وأما الجمع فقال سيبويه في جمع الذي اللذيون رفعا واللذيين جرا ونصبا -بالضم قبل الواو والكسر قبل الياء- وقال الأخفش: اللذيون واللذيين -بالفتح- كالمقصور.
ومنشأ الخلاف من التثنية، فسيبويه يقول: حذفت ألف اللذيا في التثنية تخفيفا وفرقا بين المتمكن وغيره، والأخفش يقول: حذفت لالتقاء الساكنين.
قال بعضه: ولم ينقل عن العرب ما يستند إليه في جمع الذي.
قالوا في جمع التي: اللتيات، وهو جمع للتيا تصغير التي، ولم يذكر سيبويه من الموصولات التي صغرت غير اللذيا واللتيا وتثنيتهما وجمعهما. وقال في التسهيل: واللتيات واللوايتا في اللاتي، واللويا واللويون في اللائي واللائين، فزاد تصغير اللاتي واللائين. وظاهر كلامه أن اللتيات. واللويتا كلاهما تصغير اللاتي، أما اللويتا فصحيح، ذكره الأخفش. وأما اللتيات فإنما هو جمع اللتيا كما سبق، فتجوز في جعله تصغير اللاتي. ومذهب سيبويه أن اللاتي لا يصغر استغناء بجمع اللتيا، وأجاز الأخفش أيضا اللويا في اللاي غير مهموز، وأجاز غيره اللويا في اللائي، وقال في اللائين: اللويئون.
قيل: والصحيح أنه لا يجوز تصغير اللاتي ولا اللواتي، وهذا مذهب سيبويه.(3/1440)
وصغروا من أسماء الإشارة ذا وتا، فقالوا: ذيا وتيا، وفي التثنية: ذيان وتيان، وقالوا في أولى بالقصر: أوليا، وفي أولاء بالمد: أولياء، ولم يصغروا منها غير ذلك.
تنبيهات:
الأول: لأسماء الإشارة في التصغير من التثنية والخطاب ما لها في التكسير.
الثاني: أن اصل ذيا وتيا ذييا وتييا، بثلاث ياءات، الأولى عين الكلمة، والثانية للتصغير، والثالثة لام الكلمة، فاستثقلوا ذلك مع زيادة الألف آخره فحذفت الياء؛ لأن ياء التصغير لمعنى فلا تحذف، ولأن الثالثة لو حذفت لزم فتح ياء التصغير لأجل الألف.
فإن قلت: ما الداعي إلى هذا التقدير؟
قلت: الداعي إليه المحافظة على ما استقر لياء التصغير من كونها لا تلحق إلا ثالثة.
الثالث: ما ذكر من التقدير إنما يستقيم على قول البصريين أن ذا ثلاثي في الوضع وأن ألفه عن ياء، وعين الكلمة محذوفة، وهي ياء أيضا.
وذهب بعضهم إلى أن عينه واو فتكون من باب طويت، وقد قيل: إن هذه الألف هي العين واللام هي المحذوفة.
وأما على مذهب الكوفيين والسهيلي فلا يستقيم؛ لأن الألف عندهم زائدة، وهو مما وضع على حرف واحد.
وذهب قوم منهم السيرافي إلى أن ذا ثنائي في الوضع، والتقدير السابق فيه يمكن، لأن يكمل في التصغير كما تقدم في ماء.
الرابع: ذكروا أن الألف في آخر هذه الأسماء عوض من ضم أولها. قيل: ويرده ما حكي من ضم لام اللذيا واللتيا، وذكر في التسهيل أن الضم لغة.
الخامس: زيادة الألف في أُليّا -بالقصر- ظاهرة؛ لأن ألفه أبدلت ياء وأدغمت ياء التصغير فيها.(3/1441)
وأما أُليّاء -بالمد- فمذهب المبرد أن الألف المزيدة ألحقت قبل الهمزة لئلا يصير الممدود مقصورا، فالياء الأولى للتصغير والثانية منقلبة عن ألف أولاء، والألف التي قبل الهمزة هي المزيدة. ومذهب الزجاج أن الألف زيدت آخرا كما في أخواته، لكنه يرى أن أصل همزة أولاء ألف، فزيدت الياء ثالثة وقلبت الألف التي بعدها وأعيدت الهمزة إلى أصلها وزيدت ألف العوض آخرا.
واعلم أن في همزة أولاء ثلاثة مذهب:
أحدها: أنها عن ياء وهو مذهب المبرد.
والثاني: أن أصلها ألف وهو مذهب الزجاج.
والثالث: أنها أصلية غير مبدلة من شيء "يل إلا"1 مما فاؤه همزة ولامه همزة وهو مذهب الفارسي وقد تقدمت "هذه المذاهب في باب اسم الإشارة"2.
فإن قلت: كيف زعموا أن الألف المزيدة في ألياء وأليا للعوض وأولها مضموم؟
قلت: الضمة فيهما ليست المجتلبة للتصغير، بل هي الموجودة في حل التكبير.
السادس: اعلم أن قول الناظم: وصغروا شذوذا ... ، البيت معترض من ثلاثة أوجه:
أولها: أنه لم يبين الكيفية، بل ظاهره أن تصغيرها كتصغير المتمكن.
وثانيها: أن قوله: "مع الفروع" ليس على عمومه؛ لأنهم لم يصغروا جميع الفروع.
وثالثها: أن قوله: "منها تا وتِي" يوهم أن تِي صغر كما صغرتا، وقد نصوا على أنهم لم يصغروا من ألفاظ المؤنث إلا تا، وهو المفهوم من التسهيل، فإنه قال: لا يصغر من غير المتمكن إلا ذا والذي وفروعهما الآتي ذكره، ولم يذكر من ألفاظ المؤنث غير تا.
__________
1 أ، ج وفي ب "كأولياء وألياء وأليا".
2 أ، ج.(3/1442)
النسب:
هذا الأعرف في ترجمته، وقال سيبويه: باب الإضافة.
ويحدث بالنسب ثلاثة تغييرات:
الأول: لفظي، وهو ثلاثة أشياء: إلحاق ياء مشددة آخر المنسوب إليه وكسر ما قبلها، ونقل إعرابه إليها.
والثاني: معنوي، وهو صيرورته اسما لما لم يكن له.
والثالث: حكمي، وهو معاملته معاملة الصفة المشبهة في رفعه المضمر والظاهر باطراد.
وقد أشار إلى التغيير اللفظي بقوله:
ياء كيا الكرسي زادوا للنسب ... وكل ما تليه كسره وجب
يعني: أنهم إذا قصدوا نسبة شيء إلى شيء زادوا آخر المنسوب إليه ياء مشددة "كيا الكرسي" مكسورا ما قبلها كقولك في النسب إلى زيد: زيدي، ولم ينص على أن إعرابه ينقل إليها لوضوحه.
ثم إنه قد ينضم إلى هذه التغييرات في بعض الأسماء تغيير آخر أو أكثر، فمن ذلك ما أشار إليه بقوله:
ومثله مما حواه احذِفْ وتا ... تأنيث أو مدته لا تُثْبِتَا
يعني: أنه يحذف لياء النسب كل ياء تماثلها في كونها مشددة بعد ثلاثة أحرف فصاعدا وتجعل ياء النسب مكانها، كقولك في شافعي: شافعي، وفي مرمي: مرمي.
يقدر حذف الأولى وجعل ياء النسب في موضعها.
فإن قلت: فهل يظهر لهذا التقدير أثر لفظي؟
قلت: يظهر أثره في نحو بخاتي جمع بختي -إذا سمي به- ثم نسب إليه، فإنك تقول: هذا بَخَاتِي1 مصروفا، وكان قبل النسب غير مصروف.
__________
1 بخاتي: جمع بختي ككرسي، قال في اللسان: "البخت والبختية دخيل في العربية أعجمي معرب، وهي الإبل الخراسانية تنتج من عربية وفالج، وبعضهم يقول: إن البخت عربي، وفي الحديث: "فأتي بسارق قد سرق بختية" والبختية: الأنثى من الجمال البخت، وهي جمال طوال الأعناق ... ".(3/1443)
تنبيه:
لا فرق في ذلك بين ما ياءاه زائدتان كشافعي، وبين ما إحدى ياءيه أصلية كمرمي "هذا هو الأفصح، وفصل بعض العرب، فقال في المرمي: مرموي؛ لأن ثاني ياء به أصلية، وسيأتي"1.
وقوله: "تا تأنيث" يعني: أنها تحذف أيضا لياء النسب، فيقال في النسب إلى مكة: مكي؛ لئلا يجمعوا بين علامتي تأنيث في نحو: امرأة مكية.
وقول العامة: درهم خليفتي -لحن.
وقوله: "أو مدته" يعني: أن ألف التأنيث المقصورة، وهي إما رابعة أو خامسة فصاعدا، فإن كانت خامسة فصاعدا حذفت وجها واحدا، كقولك في حبارى: حُباري، وفي قبعثرى: قُبعثري2، وإن كانت رابعة في اسم ثانية متحرك حذفت كالخامسة كقولك في جَمَزَى: جَمَزِي3، وإن كان ثانيه ساكنا فوجهان: قلبها واوا وحذفها.
وقد أشار إليها بقوله:
وإن تكن تربع ذا ثان سَكَنْ ... فقلبها واوا وحذفها حَسَنْ
مثال ذلك حبلى، فتقول على الأول: حبلوي، وعلى الثاني: حبلي.
تنبيهات:
الأول: يجوز مع القلب أن يفصل بينها وبين اللام بألف زائدة تشبيها بالممدود.
الثاني: ليس في كلام الناظم ترجيح أحد الوجهين على الآخر، وليسا على حد سواء، بل الحذف هو المختار، وقد صرح به في غير هذا النظم.
__________
1 أ، ج.
2 القبعثري: الجمل الضخم، والفصيل المهزول، ودابة تكون في البحر، والعظيم الشديد.
3 الجمزى -بفتح الجيم والميم والزاي- السريع.(3/1444)
الثالث: شذوا في بني الحبلى من الأنصار، فقالوا: الحبَلى -بفتح الباء.
لشبهها الملحق والأصلي ما ... لها.......................
يعني: أن الألف الرابعة إذا كانت للإلحاق نحو علقى، أو منقلبة عن أصل نحو ملهى، فلها ما لألف التأنيث من نحو حبلى من القلب والحذف، فتقول: علقوى وملهوى وعلقى وملهى.
فأشار بقوله:
......................... ... .... وللأصلى قلب يُعتمى
إلى ترجيح القلب في المنقلبة عن أصل، فملهوى أفصح من ملهى، يقال: اعتماده يعتميه، إذا اختاره، واعتامه يعتامه أيضا.
قال طرفة1:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ... عقيلة مال الفاحش المتشدد
تنبيهات:
الأول: أراد بالأصلي المنقلب عن أصل واو أو ياء؛ لأن الألف لا تكون أصلا غير منقلبة إلا في حرف وشبهه.
الثاني: تخصيص الأصلي بترجيح القلب يوهم أن ألف الإلحاق ليست كذلك، بل تكون كألف التأنيث في ترجيح الحذف؛ لأنه مقتضى قوله: "ما لها"، وقد صرح في الكافية وشرحها بأن القلب في ألف الإلحاق الرابعة أجود من
__________
1 قائله: هو طرفة بن العبد، وهو من الطويل.
اللغة: "يعتام" يختار يقال: اعتامه واعتماه أي: اختاره "عقيلة" عقيلة كل شيء خياره وأنفسه "الفاحش" السيئ الخلق "المتشدد" البخيل الممسك.
وإنما جعل الموت يختار كرام الناس ويصطفي خيار المال، وإن كان لا يخص شيئا دون شيء في الحقيقة؛ لأن فقد الكريم وفقد خيار المال أشهر وأعرف من غيره، فكأنه لشهرته لم يكن غيره، ولا حدث شيء سواه.
الإعراب: "أرى" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه "الموت" مفعول به "يعتام" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه "الكرام" مفعول به "ويصطفي" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه "عقيلة" مفعول به "مال" مضاف إليه "الفاحش" مضاف إليه "المتشدد" صفة.
الشاهد: قوله: "يعتام" فإنه يقال فيه: يعتمى أيضا.
مواضعه: ذكره الأشموني 627/ 3.(3/1445)
الحذف كالأصيلة، لكن ذكر أن الحذف في ألف الإلحاق أشبه من الحذف في الأصلية؛ لأن ألف الإلحاق شبيهة بألف حبلى في الزيادة.
الثالث: لم يذكر سيبويه في ألف الإلحاق والمنقلبة عن أصل غير الوجهين المذكورين، وزاد أبو زيد في ألف الإلحاق ثالثا وهو الفصل بالألف كما في حبلاوي، وحكي في أرطى أرطاوي، وأجازه السيرافي في الأصلية، فتقول: ملهاوي.
والألف الجائز أربعا أَزِلْ ... ......................
إذا كانت ألف المقصور خامسة فصاعدا حذفت مطلقا سواء كانت أصلية أو كانت للتأنيث أو للتكثير نحو: مستدعى، وقرقرى، وقبعثرى، فتقول: مستدعيّ، وقرقريّ، وقبعثريّ.
تنبيهان:
الأول: إذا كانت الألف المنقلبة عن أصل خامسة بعد حرف مشدد نحو معلَّى. فمذهب سيبويه والجمهور الحذف، وهو مفهوم من إطلاق الناظم، ومذهب يونس جعله كملهى، فيجيز فيه القلب وهو ضعيف، وشبهته أن المضعف بإدغام في حكم حرف واحد فكأنها رابعة.
الثاني: قد ظهر مما تقدم أن قولهم: مصطفوي خطأ، والصواب: مصطفى "وتقرير"1 النسب إلى المقصور أن تقول: إن كانت ألفه خامسة فصاعدا حذفت مطلقا خلافا ليونس في نحو معلى، وإن كانت رابعة، وهي ثلاثة أقسام: ألف تأنيث، وألف إلحاق، وأصلية. فألف التأنيث إن كان ثاني ما هي فيه متحركا حذفت، وإن كان ساكنا "ففيه"2 ثلاثة أوجه: الحذف. والقلب بلا فصل. والقلب مع الفصل، وأجودها الأول ثم الثاني ثم الثالث.
وألف الإلحاق فيها الأوجه الثلاثة، وأجودها على رأي القلب.
__________
1 وفي النسخ "تقريب" وأغلب ظني أنها محرفة عن تقرير.
2 ب، وفي أ، ج "ففيها".(3/1446)
والأصلية: فيها وجهان، وعلى رأي السيرافي ثلاثة، أجودها القلب إلا أن الحذف في الملحقة أشبه منه في الأصلية.
وإن كانت ثالثة قلبت واوا مطلقا كقولك في فتى وعصا: فتوي وعصوي.
فإن قلت: لم يصرح في النظم بحكم الألف الثالثة فمن أين يؤخذ؟
قلت: لما بين ما يحذف، علم أن ما عداه لا يحذف، بل يقلب.
وقوله:
.............................. ... كذاك يا المنقوص خامسا عزل
يعني: أن المنقوص إذا نسب إليه حذفت ياؤه إن كانت خامسة فصاعدا، فتقول في معتد ومستعل: معتدي ومستعلي.
تنبيه:
إذا نسبت إلى محيي اسم فاعل حيا يحيى، حذفت الياء الأخيرة لأنها خامسة فتصير: محييي -بأربع ياءات- فيجوز فيه وجهان:
أحدهما: أن تعامله معاملة قصي فتقول فيه: محوي كما تقول: قصوي، وسيأتي بيانه.
والآخر: ألا تغيره ويغتفر الجمع بين أربع ياءات، فتقول: محييي.
وقول ابن الحاجب: "وباب محيي جاء على محوي ومحييي كأمييي"1. وفي التنظير نظر؛ لأن أمييا شاذ، وأما محييي فهو وجه قوي.
قال مبرمان: سألت أبا العباس: هل يجوز أن يحذف من محيي ياء لاجتماع الياءات؟ فقال: لا؛ لأن محييا جاء على فعله، واللام تعتل كما تعتل كما تعتل في الفعل. قال: والاختيار عندي محييي؛ لأني لا أجمع حذفا بعد حذف.
ومن قال: محوي، يجب عليه مهيمي، وهذا هو الذي ذكره سيبويه. انتهى.
__________
1 هذا قول ابن الحاجب، وفي النسخة: ".... كأموي وأميي".(3/1447)
والحذف في اليا رابعا أحق من ... قَلْب وحتم قلب ثالث يَعِنّ
يعني: إذا نسب إلى المنقوص فإن كانت ياؤه خامسة فصاعدا حذفت كما تقدم.
وإن كانت رابعة فالأجود حذفها أيضا، فتقول في النسب إلى قاض: قاضيّ. وقد تقلب واوا بعد فتح ما قبلها، فيقال: قاضويّ، وعليه أنشدوا1:
فكيف لنا بالشرب إن لم يكن لنا ... دراهم عند الحانويّ ولا نقد
جعل اسم الموضع حانية، ونسب إليه. السيرافي: والمعروف في الموضع الذي يباع فيه الخمر حانة -بلا ياء.
فإن قلت: هل يطرد هذا الوجه؟
قلت: ظاهر كلام المصنف اطراده، وذكر غيره أن القلب عند سيبويه من شواذ تغيير النسب. قيل: ولم يسمع إلا في هذا البيت.
وإن كانت ثالثة قلبت واوا مطلقا، فتقول في فتى وعصا: فتوي وعصوي، وإنما قلبت واوا في فتى، وإن كان أصله الياء لئلا تجتمع الكسرة، والياءات.
__________
1 قائله: هو الفرزدق، وقيل: هو لأعرابي، وقيل: لذي الرمة، وهو من الطويل.
اللغة: "دراهم" ويروى: دنانير، ويروى: دنانيق.
الإعراب: "كيف" للتعجب هاهنا، وإن كان فيه معنى الاستفهام "لنا" جار ومجرور خبر مبتدأ محذوف تقديره: وكيف لنا التلذذ بالشرب "بالشرب" متعلق بالمقدر "إن" للشرط "لم" حرف نفي وحزم وقلب "يكن" مجزوم بلم وهو من كان الناقصة "لنا" جار ومجرور خبر مقدم ليكن "دراهم" اسم كان مرفوع بالضمة الظاهرة، والجملة في محل جزم فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام السابق "عند" منصوب على الظرفية "الحانوي" مضاف إليه "ولا نقد" عطف على قوله دراهم.
الشاهد: قوله: "الحانوي" فإنه نسبه إلى الحانية تقديرا، وقلبت الياء واوا كما في النسبة إلى القاضي قاضوي.
وقال سيبويه: والوجه الحاني؛ لأنه منسوب إلى الحانة، وهي بيت الخمار.
مواضعه: ذكره الأشموني 728/ 3، وسيبويه 71/ 2، وابن يعيش 151/ 5، والمحتسب لابن جني 134/ 1، وابن الناظم.(3/1448)
وقوله:
وأَوْل ذا القلب انفتاحا..... ... ..........................
يعني: أن ياء المنقوص إذا قلبت واوا فتح ما قبلها كما تقدم تمثيله.
واعلم أن فتح ما قبل الياء سابق على ما قبلها، وذلك أنه إذا أريد النسب إلى شج1 ونحوه، فتحت عينه كما تفتح عين نمر، وسيأتي.
فإذا انفتحت قلبت الياء ألفا لتحريكها وانفتاح ما قبلها، فيصير شجى مثل فتى، تقلب ألفه واوا كما قلبت ألف فتى.
فقد ظهر بهذا أن الياء لم تبدل واوا إلا بواسطة.
فإن قلت: فما وجه فتح العين في قاض عند من قال: قاضوي، ونظيره من الصحيح لا تفتح عينه.
قلت: هو نظير فتح لام تغلب عند بعض العرب، قال ذلك بعض النحويين.
وقوله:
................ وفَعِل ... وفُعِل عينهما افتح وفِعْل
يعني: أن المنسوب إليه إذا كان ثلاثيا مكسور العين فتحت عينه في النسب، سواء كان مفتوح الأول كنمر، أو مكسور الأول كإبل، أو مضموم الأول كدُئل2، فتقول في النسب إليها: نمري، وإبلي ودؤلي.
فإن قلت: هل الفتح في ذلك على سبيل الوجوب أو على سبيل الجواز؟
قلت: بل على سبيل الوجوب، وقد نص على ذلك في شرح الكافية.
وأما قوله في التسهيل: وتفتح غالبا عين الثلاثي المكسورة. فإنما أشار بقوله: غالبا إلى شذوذ قولهم في بنى الصعق: صعقي3 -بكسر الفاء والعين- وذلك أنهم كسروا الفاء إتباعا للعين، ثم استصحبوا ذلك بعد النسب شذوذا.
__________
1 شج: أي: حزين.
2 الدئل: أما العلم فو الدئل بن بكر بن كنانة. وأما الجنس فهو دويبة كالثعلب.
3 الصعق -بفتح الصاد وكسر العين، وبعضهم يقوله بكسرتين- وهو صفة مشبهة ومعناه المغشي عليه.(3/1449)
قال الشيخ أبو حيان: فتح العين في ذلك واجب لا نعلم فيه خلافا إلا ما ذكره طاهر القزويني في مقدمة له من أن ذلك على سبيل الجواز.
تنبيهات:
الأول: لو سميت ببعد فالقياس في النسب إليه بعدي -بفتح العين.
الثاني: لو سميت بيزر مخفف يزأر، بالنقل فيه وجهان.
الثالث: فهم من اقتصاره على الثلاثي أن ما زاد على الثلاثة مما قبل آخره كسرة لا يغير، فاندرج في ذلك ثلاث صور:
الأولى: ما كان على خمسة أحرف نحو جحمرش1.
والثانية: ما كان أربعة أحرف متحركات نحو جنَدل2.
والثالثة: ما كان أربعة وثانيه ساكن نحو تغلب.
فالأولان لا يغيران، وأما الثالث ففيه وجهان أعرفهما أنه لا يغير، والآخر أنه يفتح، وقد سمع الفتح مع الكسرة في: تغلبي ويحصبي ويثربي، وفي القياس عليه خلاف، وذهب المبرد وابن السراج والرماني ومن وافقهم إلى أنه جائز مطرد، وهو عند الخليل وسيبويه شاذ.
وفي شرح الصفار ما ملخصه: أن الجمهور قالوا: يجوز الوجهان، وأن أبا عمرو قال: الفتح شاذ، وظاهر كلام الخليل وسيبويه ما تقدم.
وقد ظهر بهذا أن قول الشارح: "وإن كانت الكسرة مسبوقة بأكثر من حرف جاز الوجهان" ليس بجيد؛ لشموله الصور الثلاث، وإنما الوجهان في نحو تغلب.
وقيل في المرميّ مرمويّ ... واخْتِير في استعمالهم مرميّ
__________
1 الجحمرش -بفتح الجيم وسكون الحاء وفتح الميم وكسر الراء- هي العجوز الكبيرة والمرأة السمجة.
2 الجندل -بضم الجيم وفتحها وفتح النون وكسر الدال- وهو الموضع الذي تجتمع فيه الحجارة.(3/1450)
قد تقدم عند قوله: "ومثله مما حواه احذف" أنه لا فرق عند أكثر العرب بين ما ياءاه زائدتان، وبين ما إحدى ياءيه أصلية.
ونبه هنا على أن من العرب من يفرق بين النوعين فيوافق في الأول على الحذف فيقول في النسب إلى شافعي: شافعي، وأما النوع الثاني فلا يحذف ياءيه، بل يحذف الزائدة منهما ويقلب الأصلية واوا، فيقول في النسب إلى مرمي: مرموي.
فإن قلت: هل يقاس على مرمي وما أشبهه؟
قلت: صرح الشارح بأنه لغة، قال: وهذه قليلة، والمختار خلافها، وهو ظاهر كلامه في شرح الكافية. وفي الارتشاف: وشذ في مرمي مرموي.
فإن قلت: هذا البيت متعلق بقوله: ومثله مما حواه احذف. فهلا قدمه كما فعل في الكافية؟
قلت: لعل سبب تأخيره هذا ارتباط الأبيات السابقة، فكل منها أخذ بحجز تاليه، فلم يلق به غير التأخير، وليس كذلك في الكافية.
ونحو حَي فتح ثانيه يَجب ... واردده واوا إن يكن عنه قُلب
إذا نسب إلى ما آخره ياء مشددة، فإما أن تكون مسبوقة بحرف، أو بحرفين، أو بثلاثة فصاعدا، فإن كانت مسبوقة بحرف لم يحذف من الاسم شيء عند النسب، ولكن يفتح ثانيه ويعامل معاملة المقصور الثلاثي، فإن كان ثانيه ياء في الأصل لم تزد على ذلك، كقولك في حي: حيوي، فتحت ثانيه فقلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم قلبتها واوا لأجل ياء النسب، وإن كان ثانيه في الأصل واوا رددته إلى أصله، فتقول في طي: طووي؛ لأنه من طويت. وإن كانت مسبوقة بحرفين فسيأتي حكمها، وإن كانت مسبوقة بثلاثة فأكثر فقد تقدم حكمها.
وعَلَمُ التثنية احذِفْ للنسَبْ ... ومثل ذا في جمع تصحيح وَجَبْ(3/1451)
يحذف من المنسوب إليه أيضا ما فيه من علامة تثنية وجمع تصحيح كقولك في من اسمه: مسلمان أو مسلمون أو مسلمات: مسلمي، واثنان وعشرون ونحوهما من الشبيه بالمثنى والمجموع كذلك، فتقول فيهما: اثني وثنوي وعشري، وتقول في أولات: أولي.
تنبيه:
هذا الحذف إنما هو على لغة من يعرب المثنى والمجموع الذي على حده بالحرفين.
وأما من أجرى المثنى مجرى حمدان، والجمع مجرى غسلين، فإنه لا يحذف، فتقول في اسمه: زيدان، على الأول: زيدي، وعلى الثاني: زيداني، وفي نصيبين، على الأول: نصيبي، وعلى الثاني: نصيبيني.
وثالث من نحو طيِّب حُذف ... وشذ طائي مقولا بالأَلِفْ
إذا وقع قبل الحرف المكسور لأجل ياء النسب ياء مكسورة مدغم فيها أخرى، حذفت المكسورة كقولك في طيب: طيبي، وفي ميت: ميتي.
فإن كانت الياء مفردة نحو مغيل، أو مشددة مفتوحة نحو هَبَيَّخ1، أو فصل بينها وبين المكسور نحو مهيم -تصغير مهيام مفعال من هام- لم تحذف، بل يقال في النسب إلى هذه: مغيلي، وهبيخي، ومهيمي، لنقص النقل بعدم الإدغام، وبالفتح والفصل.
وقوله: "وشذ طائي" يعني: أن قياسه طيئي2 كطيي، ولكن تركوا فيه القياس فقالوا: طائي بإبدال الياء ألفا.
تنبيهات:
الأول: ذكروا أن المحذوف من طائي الياء الثانية، فإن الأولى قلبت ألفا.
__________
1 الهبيخ: كسفرجل، الرجل الذي لا خير فيه، والأحمق المسترخي، والهبيخ في لغة حمير: الغلام الممتلئ. والهبيخة: الجارية التارة الممتلئة بلغتهم أيضا.
2 بسكون الياء.(3/1452)
وقال بعض المتأخرين: فيه نظر؛ لأن هذا الانقلاب لا يتعلق بهذا الباب، ومقتضى هذا الباب حذف الياء الثانية، وقد حذفت. قال: فوجه شذوذه أن يقال: حذفت الياء الأولى الساكنة وقلبت الثانية المتحركة ألفا، فطائي شاذ من حيث حذف الأولى، والقياس حذف الثانية.
واعترض بأنه لو كان كذلك لم يكن القلب شاذا، وقد ذكر شذوذه في الإعلال، فالوجه أنهم حذفوا الثانية كما ذكرنا أولا، ولكن لما كان "هذا"1 القلب مختصا بحال النسب ذكروا شذوذه فيه.
الثاني: قال أبو سعيد في كتابه المستوفي: وتقول في أيم: أيمي؛ لأنك لو حذفت الياء المتحركة لم يبقَ ما يدل عليها، قيل: وليس بتعليل واضح، ولو علل بالالتباس بالنسب إلى أيم لكان حسنا، وإطلاق سيبويه والنحاة يدل على أنه لا فرق بين نحو سيد وأيم.
الثالث: لا فرق بين سيد ونحوه، وبين غزيل ونحوه -تصغير غزال- في الحذف فتقول: غزيلي. نص على ذلك غير واحد، وإن كان سيبويه لم يمثل إلا بغير المصغر.
وفَعَلِي في فَعِيلَة التُزمْ ... وفُعَلِي في فُعِيلة حُتِمْ
مثال فعيلة حنيفة، فإذا نسبت إليها حذفت تاؤها وياؤها، وفتحت عينها، فيقال: حنفي، ومثال فُعيلة: جهينة، فإذا نسب إليها حذفت تاؤها وياؤها أيضا فتقول: جهني.
تنبيهات:
الأول: قوله: "التزم وحتم" ويعني: فيما لم يشذ، ويشذ من فعيلة سليقى في سليقة وسليمى في سليمة الأزد، وعميرى في عميرة كلب، والسليقى الذي يتكلم بأصل طبيعته معربا، قال الشاعر2:
__________
1 أ، ج.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.
اللغة: "بنحوي" أي: منسوب إلى النحو "يلوك" من لكت الشي في فمي إذا علكته =(3/1453)
ولست بنحوي يلوك لسانه ... ولكن سُلَيْقِي أقول فأعرب
وأشذ من ذلك قولهم: عبدي وجذمي، في بني عبيدة وجذيمة.
لأن ما تقدم رجوع إلى أصل مرفوض، وأما الضم فلا وجه له.
وشذ من فعيلة رديني في ردينة وحزيني في حزينة -وهو من أسماء البصرة.
الثاني: لو سمي باسم شذت العرب في النسب إليه لم ينسب إليه إلا على ما يقتضيه القياس.
الثالث: ما ذكر من أنه يقال في فعيلة فعليّ، وفي فعيلة فعلي له شرطان:
الأول: عدم التضعيف، والثاني: ألا تعتل العين، واللام صحيحة. وسيأتي التنبيه على هذين الشرطين.
وألحقُوا معل لام عَرِيَا ... من المثالين بما التا أُولِيَا
يعني: بالمثالين فعيلة وفعيلة، فإذا عريا من التاء وصارا على فعيل وفعيل، وقصد النسب إليهما، فإما أن يكونا معتلي اللام أو صحيحي اللام.
فإن كانا معتلي اللام ألحقا بفَعيلة وفُعيلة في حذف الياء وفتح ما قبلها إن كان مكسورة فيقال في عدي وقصي: عدوي وقصوي. كما يقال في غنية وأمية: غنوي وأموي.
__________
= "سليقي" نسبة إلى السليقة: وهي الطبيعة. يقال: فلان يتكلم بالسليقة أي: بطبيعته لا عن تعلم. "فأعرب" فأبين.
الإعراب: "لست" ليس فعل ماض ناقص والتاء اسمه "بنحوي" الباء حرف جر زائد ونحوي خبر ليس "يلوك" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه "لسانه" مفعول به والهاء مضاف إليه، والجملة في محل جر صفة "ولكن" للاستدراك "سليقي" خبر مبتدأ محذوف، أي: ولكن أنا سليقي "أقول" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه "فأعرب" الفاء عاطفة وأعرب فعل مضارع والفاعل ضمير والجملة عطف على جملة أقول، والجملتان كاشفتان معنى سليقي.
الشاهد: "سليقي" فإن القياس فيه سلقي -بدون ياء- لأنه نسبة إلى السليقة وهي الطبيعة، وفي النسبة إليه تحذف الياء والهاء كما في حنيفة حنفي.
مواضعه: ذكره الأشموني 732/ 3، وفي شرح الشافعية 28/ 2.(3/1454)
فإن قلت: هل إلحاق عدي وقصي بما ختم بالتاء واجب أم جائز؟
قلت: صرح في الكافية بأن ذلك واجب، وصرح به الشارح أيضا، وذكر بعضهم فيهما وجهين: الحذف والإثبات، ولم يذكر سيبويه في عدي إلا الحذف. وذكر فيه الفارسي: وجهي عدي، ونقل عن يونس: الإثبات في عدي فتقول: عَدِيِّيّ.
تنبيه:
استثنى بعضهم من فعيل ما كان نحو كُسي تصغير كساء، فإن النسب إليه كُسَيِّيّ -بياءين مشددتين- قال: ولا يجوز غيره، وأجاز بعض النحويين كُسَوِي. وإن كانا صحيحي اللام فالمطرد فيهما عدم الحذف كقولهم في عَقيل وعُقيل: عَقيلي وعُقيلي، هذا مذهب سيبويه، وهو مفهوم قوله: "معل لام". وذهب المبرد إلى جواز الحذف فيهما، فالوجهان عنده مطردان قياسا على ما سمع من ذلك، وهو قولهم: قرشي وهذلي وصبري في بني صبير، وفقمي في بني فقيم كنانة، وأما فقيم دارم فلم يشذوا فيه، وملحي في مليح خزاعة، وأما مليح سعد فلم يشذوا فيه، وقومي في قويم، وسلمي في سليم، وقالوا في ثقيف: ثقفي.
ووافق السيرافي المبرد وقال: الحذف في هذا خارج عن الشذوذ، وهو كثير جدا في لغة أهل الحجاز، قيل: وتسوية المبرد بين فعيل وفعيل ليست بجيدة؛ إذ سمع الحذف في فعيل كثيرا، ولم يسمع في فعيل إلا في ثقيف، فلو فرق بينهما لكان أسعد بالنظر.
وتَمموا ما كان كالطويله ... وهكذا ما كان كالجليله
يعني: أن ما كان من فَعيلة وفُعيلة معتل العين صحيح اللام، نحو: طويلة1 ونويرة2، أو مضاعفا نحو: جليلة وقُديدة، فإنه ينسب إليه على لفظه متمما، فتقول: طويلي ونويري، وجليلي وقديدي؛ فرارا من تحريك حرف العلة في المعتل، ومن اجتماع المثلين في المضاعف.
__________
1 الطويلة: في القاموس: أن الطويلة اسم لروضة مخصوصة.
2 والنويرة: في القاموس: أن نورة اسم لناحية في مصر.(3/1455)
تنبيهات:
الأول: من هذا البيت يؤخذ الشرطان المشار إليهما فيما مضى.
الثاني: الشرطان معتبران في فُعيلة وفَعيلة كليهما، ولا أثر لخصوصية المثال.
الثالث: لم يذكر الشارح في فعيلة -بضم الفاء- إلا شرطا واحدا، وهو عدم التضعيف، وقال في فعيلة -بالفتح- إن لم يكن معتل العين، ولا مضاعفا، فأخل فعيلى بشرط. وأطلق في قوله: إن لم يكن معتل العين، وكان ينبغي أن يقول: صحيح اللام؛ لأن الشرط عدم مجموع الأمرين؛ ليحترز بذلك من نحو طوية وحيية، فإنه يقال فيهما: طووي وحيوي.
الرابع: لم يذكر الناظم هنا فعولة نحو شنوءة1 والنسب إليها فعلي كالنسب إلى حنيفة فيقال: شنئي -بالشرطين المذكورين- هذا مذهب سيبويه، وذهب المبرد والأخفش إلى أن النسب "إلى"2 ذلك على لفظه، فيقال في حمولة: حمولي.
وذهب ابن الطراوة إلى أنك تحذف الواو وتترك ما قبلها مضموما، فتقول: حملي.
والصحيح مذهب سيبويه؛ لورود السماع في شئوءة، وفي الغرة: نسبة هذا المذهب إلى سيبويه والأخفش، وهو وهم.
فإن قلت: كيف جعل سيبويه ذلك قياسا، ولم يرد غير هذه اللفظة؟
قلت: لأنه لم يرد ما يخالفها، وهذا معنى قول بعضهم؛ لأنها جميع ما سمع، فإن اعتلت عين فعولة نحو قوولة، أو كان مضاعفا نحو ضرورة لم تحذف منه الواو، وفعولة المعتل اللام نحو عدوة كشنوءة في حذف الواو، فتقول: عدوي، خلافا للمبرد، أنه يقول عدوي على لفظه، وتقدم أن مذهبه في شنوءة كذلك.
__________
1 شنوءة: حي من اليمن، سميت كذلك لشنآن بينهم.
2 أ، ج، وفي ب "وفي".(3/1456)
وأما فعول -بغير تاء- فينسب إليه على لفظه باتفاق، فتقول في سلول وعدو: سلولي وعدوي.
وهمز ذي مد يُنال في النسب ... ما كان في تثنية له انتسب
حكم الهمزة الممدودة في النسب كحكمها في التثنية، فإن كانت للتأنيث قلبت واوا، كقولك في حمراء: حمراوي. وإن كانت أصيلة سلمت، كقولك في قراء: قراءان1، فتقول في النسب إليه: قرائي، وإن كانت بدلا من أصل أو للإلحاق فوجهان، كقولك في كساء وعلباء2: كساءان وعلباءان، وإن شئت: كساوان وعلباوان. "فتقول في النسب إليهما: كسائي وعلبائي وكساوي وعلباوي"3.
تنبيهات:
الأول: مقتضى كلامه هنا أن الأصلية تتعين سلامتها، وصرح بذلك الشارح، فقال: وإن كانت أصلا غير بدل وجب أن تسلم، وذكر في التسهيل فيها الوجهين، وقال: أجودهما التصحيح.
الثاني: قال في شرح الكافية: ما شذ في التثنية نحو كسايين، فلا يقاس عليه على النسب.
وانْسُب لصدر جملة وصدر ما ... رُكب مزجا................
المركب أربعة أقسام: إسنادي، وشبيه به، ومزجي، وإضافي.
أما الإسنادي والشبيه به فينسب إلى صدره، مثال الإسنادي تأبط شرا فتقول فيه: تأبطي.
ومثال الشبيه به لولا وحيثما -مسمى بهما- فتقول فيهما: لوي بالتخفيف وحيي، وقياس النسب إلى كنت: كوني، برد الواو لزوال سبب حذفها، وقالوا:
__________
1 القراء -بضم القاف وتشديد الراء مع المد- المتنسك.
2 العلباء: عصب عنق البعير.
3 أ.(3/1457)
كنتي، وكنتني -بزيادة نون- وكلاهما شاذ، وأجاز الجرمي النسب الثاني فتقول: شري، في تأبط شرا.
تنبيه:
قوله: "وانسب لصدر جملة" أجود من قوله في التسهيل: "ويحذف لها -يعني ياء النسب- عجز المركب" لأنه لا يقتصر في الحذف على العجز، بل يحذف ما زاد على الصدر، فلو سميت بخرج اليوم زبد، قلت: خرجي.
وأما المزجي ففي النسب إليه خمسة أوجه:
الأول: مقيس اتفاقا، وهو النسب إلى صدره، فتقول في بعلبك: بعلي، وكذا حكم خمسة عشر، فتقول: خمسي.
الثاني: أن ينسب إلى عجزه، فتقول: بكي، وهذا الوجه أجازه الجرمي ولا يجيزه غيره، ولم يسمع إلى العجز مقتصرا عليه.
الثالث: أن ينسب إليهما معا مزالا تركيبهما، فتقول: بعلي، بكي، وهذا أجازه قوم منهم أبو حاتم1 قياسا على قول الشاعر2:
تزوجتها رامية هرمزية ... .....................
__________
1 هو سهل بن محمد بن عثمان بن القاسم أبو حاتم السجستاني من ساكني البصرة، كان إماما في علوم القرآن واللغة والشعر. قرأ كتاب سيبويه على الأخفش مرتين وصنف إعراب القرآن، والمقصور والممدود، والإدغام، وغير ذلك.
توفي سنة خمسين أو خمس وخمسين أو أربعة وخمسين أو ثمان وأربعين ومائتين.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.
وعجزه:
................................. ... بفضل الذي أعطى الأمير من الرزق
الإعراب: "تزوجتها" فعل وفاعل ومفعول، والضمير في تزوجتها يرجع إلى امرأته "رامية هرمزية" نصب على الحال "بفضل" جار ومجرور متعلق بقوله تزوجتها "الذي" مضاف إليه "أعطى" فعل ماض "الأمير" فاعل والجملة لا محل لها صلة الموصوف "من الرزق" جار ومجرور متعلق بأعطى.
الشاهد: قوله: "رامية هرمزية" فإنه نسبة إلى "رام هرمز" بلدة من نواحي خوزستان، فالشاعر نسب إلى المركب المزجي بإلحاق ياء النسب بكل جزء من جزأيه.
مواضعه: ذكره الأشموني 736/ 3، وشرح الشافية 72/ 2، والمقرب لابن عصفور 83.(3/1458)
وظاهركلام أبي الحسن في الأوسط موافقته.
الرابع: أن ينسب إلى مجموع المركب فقالوا: بعلبكي.
الخامس: أن يبنى من جزأي المركب اسم على فعلل وينسب إليه، قالوا في حضرموت: حضرمي. وهذان الوجهان شاذان يقتصر فيهما على ما سمع لا نعلم في ذلك خلافا.
وأما الإضافي فقد نبه عليه بقوله:
........................... ... ............... ولثمان تَمما
إضافة مبدوءة بابن أو ابْ ... أو ماله التعريف بالثاني وجب
فيما سوى هذا انسبن للأول ... ما لم يُخف لَبْسٌ كعبد الأشهل
وحاصله أن المركب تركيب إضافة ينسب إلى عجزه في أربعة مواضع:
الأول: ما كان مبدوءا بابن، نحو ابن الزبير، فتقول: زبيري.
الثاني: ما كان كنية وإليه الإشارة بقوله "أو اب" فتقول في أبي بكر: بكري.
الثالث: "ما تعرف"1 صدره بعجزه، ومثله الشارح بغلام زيد، فتقول: زيدي.
الرابع: ما يخاف اللبس من حذف عجزه كعبد الأشهل وعبد مناف، فتقول فيهما: أشهلي ومنافي.
وما سوى هذه المواضع ينسب فيه للصدر كقولك في امرئ القيس: امرئي ومرئي.
تنبيهات:
الأول: ظاهر كلامه في الكافية وشرحها أن المبدوء بابن من قبيل ما تعرف به الأول بالثاني. قال في شرحها: وإذا كان الذي ينسب إليه مضافا وكان معرفا صدره بعجزه، أو كان كنية حذف صدره ونسب إلى عجزه، كقولك في ابن
__________
1 أ، وفي ب، ج "ما كان تعرف".(3/1459)
الزبير: زبيري، وفي أبي بكر: بكري، انتهى. وكذا قال الشارح، إلا أنه زاد في المثل غلام زيد، وعلى هذا فقول الناظم: "أو ما له التعريف بالثاني" عن عطف العام على الخاص؛ لاندراج المصدر بابن فيه.
وفي تمثيل الشارح بغلام زيد نظر؛ لأنهم يعنون بالمضاف هنا ما كان علما غالبا لا مثل غلام زيد، فإنه ليس لمجموعه معنى مفرد ينسب إليه، بل يجوز أن ينسب إلى غلام وإلى زيد، ويكون ذلك من قبيل النسب إلى المفرد لا إلى المضاف، وإن أراد غلام زيد مجعولا علما فليس من قبيل ما تعرف فيه الأول بالثاني، بل هو من قبيل ما ينسب إلى صدره ما لم يخف لبس. والله أعلم.
والثاني: شذ بناء فعلل، من جزأي الإضافي منسوبا إليه، كما شذ ذلك في المركب المزجي، والمحفوظ من ذلك: تيملي، وعبدري، ومرقسي، وعبقسي، وعبشمي، في تيم اللات، وعبد الدار، وامرئ القيس بن حجر الكندي، وعبد القيس، وعبد شمس.
واجبُرْ برد اللام ما منه حُذف ... جوازا إن لم يك رده أُلف
في جمعي التصحيح أو في التثنيه ... وحق مجبور بهذي تَوْفِيَه
إذا نسب إلى الثلاثي المحذوف، لم يخل من أن يكون محذوف الفاء أو العين أو اللام.
فإن كان محذوف الفاء أو العين، فسيأتي.
وإن كان محذوف اللام فإما أن يجبر في التثنية كأب وأخ، أو في الجمع بالألف والتاء كعضة وسنة، أو لا، فإن جبر فيهما وجب جبره في النسب فتقول: أبوي وأخوي وعضوي وسنوي أو عضهي وسنهي على الخلاف في المحذوف، فهذا ونحوه يجب جبره؛ لأن جبر في التثنية والجمع بالألف والتاء كقولك: أبوان وأخوان، وعضوات وسنوات، أو عضهات وسنهات على الوجهين، وإن لم يجبر في التثنية ولا في الجمع بالألف والتاء لم يجب جبره في النسب بل يجوز فيه الأمران نحو: حر وغد وشفة وثبة، فيجوز في النسب إليها: حري وغدي وشفي وثبي -بالحذف- وحرحي، وعدوي، وشفهي، وثبوي -بالرد- والمحذوف من الحر الحاء، ومن غد الواو، ومن شفة الهاء، ومن ثبة الياء.(3/1460)
تنبيهات:
الأول: ما ذكرته واضح فهمه من كلام الناظم، إلا أن ذكره لجمعي التصحيح فيه نظر؛ إذ لا تظهر فائدة لذكر جمع التصحيح المذكر، وقد اقتصر في التسهيل على الجمع بالألف والتاء.
والثاني: أطلق في قوله:
جوازا إن لم يك رده أُلف
وهو مقيد بألا تكون العين معتلة، فإن كانت عينه معتلة وجب جبره كما ذكره في الكافية والتسهيل، وإن لم يجبر في التثنية وجمع التصحيح، احترازا من نحو شاة، وذي بمعنى صاحب، فتقول في شاة: شاهي، وعلى أصل الأخفش: شوهي، وقد حكي أنه رجع عنه وسيأتي بيانه، وفي ذي: ذووي اتفاقا؛ لأن وزنه عند الأخفش فعل كمذهب سيبويه.
الثالث: إذا نسب إلى يد ودم جاز الوجهان عند من يقول: يدان ودمان، ووجب الرد عند من يقول: يديان ودميان.
الرابع: إذا نسب إلى ما حذفت لامه وعوض منها همزة الوصل جاز أن يجبر وتحذف الهمزة، وألا يجبر وتستصحب، فتقول في ابن واسم: بنوي وسموي، على الأول، وابني واسمي على الثاني.
الخامس: مذهب سيبويه وأكثر النحويين أن المجبور تفتح عينه وإن كان أصله السكون. وذهب الأخفش إلى تسكين ما أصله السكون، فتقول في يد ودم وغد وحر -على مذهب الجمهور: يدوي، ودموي، وغدوي، وحرحي بالفتح، وعلى مذهب الأخفش: يدي، ودميي، وغدوي، وحرحي -بالسكون- لأنه أصل العين في هذه الكلمات، والصحيح مذهب سيبويه، وبه ورد السماع قالوا في غد: غدوي، وحكي عن أبي الحسن أنه رجع في الأوسط إلى مذهب سيبويه، وذكره سماعا عن العرب.
وبأخ أختا وبابن بنتا ... ألحِقْ ويونس أَبَى حَذْف التا(3/1461)
اختلف في النسب إلى أخت وبنت. قال الخليل وسيبويه كالنسب إلى أخ وابن - بحذف التاء ويرد المحذوف، تقول: أخوى وبنوى، كما تقول في المذكر، وقال يونس: ينسب إليهما على لفظهما ولا تحذف التاء، فتقول: أختي وبنتي، لأن التاء فيهما للإلحاق.
والزمه الخليل أن ينسب إلى هنت ومنت - بإثبات التاء، وهو يقول به، وله أن يفرق بأن التاء فيهما لا تلزم، بخلاف بنت وأخت، لأن التاء في هنت في الوصل خاصة وفي منت في الوقف خاصة.
تنبيهات:
الأول: حكم نظائر أخت وبنت حكمهما وهي: ثنتان، وكلتا، وذيت، وكيت، فالنسب إليها عند سيبويه كالنسب إلى مذكراتها، فتقول: ثنوى، وكلوى، وذيوى، وكيوى، وعلى مذهب يونس تقول: ثنتى، وكلتى أو كلتوى، وذيتى، وكيتى.
وذكر بعضهم في النسب إلى كلتا على مذهب يونس: كلتى وكلتوى وكلتاوى كالنسب إلى حبلى بالوجه الثلاثة.
الثاني: ذهب الأخفش في أخت وبنت ونظائرهما إلى مذهب ثالث، وهو حذف التاء وإقرار ما قبلها على سكونه وما قبل الساكن على حركته، فتقول: أخوى وبنوى وكلوى وثنوى، وقياس مذهبه في كيت وذيت - إذا رد المحذوف - أن ينسب إليهما كما ينسب إلى حي، فتقول: كيوى وذيوى.
الثالث: قد اتضح مما سبق أن أختا وبنتاً حذفت لامهما، لأن النحويين ذكروهما فيما حذفت لامه، فالتاء إذن فيهما عوض من اللام المحذوفة، وإنما حذفت في النسب على مذهب سيبويه لما فيها من الإشعار بالتأنيث، وإن لم تكن متمحضة للتأنيث. وظاهر مذهب سيبويه أن تاء كلتا كتاء بنت وأخت، وأن الألف للتأنيث، وعلى هذا ينبني ما سبق، وذهب الجرمي إلى ان التاء زائدة، والألف لام الكلمة، ووزنه فِعْتَل، وهو ضعيف، لأن التاء لا تزاد وسطاً، فإذا نسب إليه على مذهبه قلت: كلتوى: وقيل: إن التاء بدل من الواو، والأصل كلوى. فإذا نسب إليه على هذا القول قلت: كلتى، هكذا ذكر بعضهم.(3/1462)
والمشهور في النقل عن جمهور البصريين أن التاء في كلتا بدل من الواو التي هي لام الكلمة ووزنها فعلى، وصرح ابن الحاجب في شرح المفصل بأن اصل كلتا عند سيبويه كلوي، ووزنه فعلى أبدلت الواو إشعارا بالتأنث تاء، وإذا كان هذا مذهب سيبويه والجمهور فالذي ينبغي أن يقال في النسب إليه: كلتي، كما تقدم عن بعضهم، وأيضا فلا ينبغي على هذا القول أن يعد فيما حذفت لامه؛ لأن ما أبدلت لامه لا يقال فيه: محذوف اللام في الاصطلاح، والإلزام أن يقال في نحو "ماء" محذوف اللام، والذي يظهر من مذهب سيبويه ومَن وافقه أن لام كلتا محذوفة كلام أخت وبنت، والتاء في الثلاثة عوض من اللام المحذوفة كما قدمته أولا، ولا يمتنع أن يقال: هي بدل من الواو، إذا قصد هذا المعنى، كما قال بعض النحويين في تاء بنت وأخت: إنها بدل من لام الكلمة، وأما إن أريد البدل الاصطلاحي فلا؛ لأن بين الإبدال والتعويض فرقا يذكر في موضعه.
الرابع: النسب إلى ابنة ابنتي وبنوي كالنسب إلى ابن اتفاقا؛ إذ التاء فيها ليست عوضا كتاء بنت.
وضاعِفِ الثاني من ثنائي ... ثانيه ذو لين كلا ولائي
إذا نسب إلى الثنائي وضعا، فإن كان ثانيه حرفا صحيحا جاز فيه التضعيف وعدمه، فتقول في كم: كَمِيّ، وكَمِّىّ، وإن كان ثانيه حرف لين ضعف بمثله إن كان ياء أو واوا فتقول في كي ولو: كيوي ولووي؛ لأن كي لما ضعف صار مثل حي، ولو لما ضعف صار مثل الدو1، وإن كان ألفا ضوعفت وأبدل مضعفها همزة، فتقول فيمن اسمه لا: لائي، وإن شئت أبدلت الهمزة واوا، فقلت: لاوي.
تنبيه:
إذا نسب إلى اللات -اسم الصنم- قلت: لائي، ولاوي، كما ينسب إلى
__________
1 الدو -بفتح الدال وتشديد الواو- وهو الفلاة الواسعة، وقيل: الأرض المستوية، وفي القاموس: أنه أيضا اسم بلد، وفي المعجم أنه اسم أرض بعينها.(3/1463)
لا؛ لأن تاءه تحذف ولا يدرى ما لامه فعومل عاملة لا، هذا مذهب سيبويه. ومن زعم أن لامه هاء، وأن أصله ليه قال: لاهي، كما تقول: شاهي.
وإن يكن كشِيَة ما الفا عَدِمْ ... فجبره وفتح عينه التُزم
تقدم الكلام على محذوف اللام، وذكر في هذا البيت محذوف الفاء، ولا يخلو محذوف الفاء من أن تكون لامه صحيحة كعدة أو معتلة كشية1، فإن كانت صحيحة لم يجبر فتقول في النسب إلى عدة: عدي، وإن كان معتل اللام جبر برد فائه، فتقول في شية وشوي، على مذهب سيبويه؛ لأنه لا يرد العين إلى أصلها من السكون، بل يفتح العين مطلقا ويعامله معاملة المقصور، وتقول على مذهب أبي الحسن: وشيي -برد أصله- وجزم هنا بمذهب سيبويه.
فإن قلت: فمن أين يؤخذ من كلامه اشتراط اعتلال اللام؟
قلت: من قوله: "كشية".
تنبيه:
بقي من المحذوف قسم ثالث لم يبين حكمه، وهو محذوف العين، فتقول: المحذوف العين إن كانت لامه صحيحة لم يجبر، كقولك في: سه ومذ -مسمى بهما- سهي ومذي، كذا أطلق كثير من النحويين، وليس كذلك، وهو مقيد بألا يكون من المضاعف، نحو: رب -المخففة- بحذف الباء الأولى- إذا سمي بها ونسب إليها، فإنه يقال: ربي -برد المحذوف- نص عليه سيبويه، ولا يعرف فيه خلافا، وإن كانت لامه معتلة نحو المري ويري -مسمى بهما- جبر، فتقول فيهما: المرئي واليرئي -برد المحذوف.
والواحد اذكر ناسبا للجمع ... إن لم يشابه واحدا بالوضع
1 الشية: العلامة، وكل لون يخالف معظم اللون -من الفرس وغيره- وأصل شية: وشي، حذفت الواو ونقلت حركتها إلى الشين وزيدت تاء التأنيث عوضا عن الواو المحذوفة.(3/1464)
الجمع ثلاثة أقسام: قسم أهمل واحده كعباديد1، وقسم له واحد شاذ كملامح فإن واحده لمحة، وقسم له واحد قياسي.
فالأول: ينسب إليه بلفظه فتقول: عباديدي.
"والثاني فيه خلاف؛ ذهب أبو زيد إلى أنه كالأول فنيسب إلى لفظه، فتقول: ملامحي"2.
وحكي أن العرب قالت في المحاسن: محاسني، وغيره ينسب إلى واحده، وإن كان شاذا، فيقول في النسب إلى ملامح: لمحي.
والثالث: إذا غلب نسب إلى لفظه فتقول في الأنصار والأبناء، وهم قوم من أبناء فارس: أنصاري وأبنائي، وإن لم يغلب نسب إلى واحده، فتقول في فرائض وكتب وقلانس: فرضي وكتابي وقلنسي، وقول الناس: فرائضي وكتبي وقلانسي -خطأ، وقد أجاز ذلك قوم، وذهبوا في قمري إلى أنه منسوب إلى الجمع من قولهم: طيور قمر، وكذا دبسي منسوب عندهم إلى طيور دبس، وهو عند غيرهم منسوب إلى القمرة -وهي البياض- وإلى الدبسة، ويحتمل أن يكونا مما بني على ياء مشددة نحو كرسي.
هذا "التقسيم"3 في الجمع الباقي على جمعيته، فإن سمي به نسب إلى لفظه؛ لأنه صار واحدا، كقولك في كتاب وأنمار ومدائن ومعافر: كلابي وأنماري ومعافري.
وقد يرد الجمع المسمى به إلى الواحد إن أمن اللبس، ومثال ذلك الفراهيد -علم على بطن من أسد- فقالوا: الفراهيدي على اللفظ، والفرهودي نسبا إلى واحده لأمن اللبس؛ إذ ليس لنا قبيلة تسمى بالفرهود.
فإن قلت: إن كلام الناظم هنا لا يفي بهذا التفصيل؟
قلت: قوله: "إن لم يشابه واحدا" يمكن أن يجعل شاملا لثلاثة أنواع:
__________
1 العباديد: الفرق من الناس والخيل الذاهبون في كل وجه.
2 أ.
3 أ، ج، وفي ب "الحكم".(3/1465)
أولها: نحو أنمار مما جعل علما.
والثاني: نحو أنصار مما غلب فصار كالعلم.
والثالث: نحو عباديد مما أهمل واحده؛ لأنه بسبب إهمال واحده شابه نحو قوم ورهط مما لا واحد له، وإذا كان كلامه شاملا لهذه الثلاثة فهو وافٍ بالمطلوب؛ لأن حاصله حينئذ أن الجمع لا ينسب إلى لفظه، بل إلى واحده إلا في ثلاثة مواضع، وهو صحيح.
تنبيه:
إذا نسب إلى نحو تمرات وأرضين وسنين باقية على جمعيتها قيل: تمري، وأرضي، وسنهي أو سنوي، على الخلاف في لامه، وإذا نسب إليها أعلاما التزم فتح العين في الأولين، وكسر الفاء في الثالث.
ومع فاعِل وفَعَّال فَعِل ... في نسب أغن عن اليا فقُبِلْ
يستغنى عن ياء النسب بصوغ فاعل إن قصد صاحب الشيء، كقولهم: لابن وتامر أي: صاحب لبن وتمر، وبفعّال إن قصد الاحتراف، كقولهم: بزّاز وعطّار، وقد يقوم أحدهما مقام الآخر، فمن قيام فاعل مقام فعال قولهم: حائك في معنى حواك؛ لأنه من الحرف؛ ومن عكسه قول امرئ القيس1:
__________
1 قائله: هو امرؤ القيس الكندي يصف رجلا بلغة أنه توعده، وهو من الطويل.
اللغة: "فيطعنني" بضم العين من باب نصر، وقيل: بفتحها "بنبال" بصاحب نبل، وهي السهام العربية ولا واحد لها من لفظها "النابل" الذي يبري السهام.
المعنى: أن هذا الشخص الذي يتوعدني لا أبالي به؛ لأنه ليس من أهل السلاح والحرب.
الإعراب: "ليس" فعل ماض ناقص واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو "بذي" الباء حرف زائد وذي خبر ليس "رمح" مضاف إليه "فيطعنني" الفاء فاء السببية ويطعن فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه والنون للوقاية وياء المتكلم مفعول به ليطعن "به" متعلق بيطعن "وليس" الواو عاطفة وليس فعل ماض ناقص واسمه ضمير مستتر فيه "بذي" الباء حرف جر زائد، وذي خبر ليس "سيف" مضاف إليه "وليس" فعل ماض ناقص واسمه ضمير مستتر فيه "بنبال" الباء حرف جر زائد ونبال خبر ليس.
الشاهد: قوله: "بنبال" حيث استعمل في الدلالة على النسبة إلى ما أخذ منه وهو النبل.
مواضعه: ذكره الأشموني 745/ 3، وابن هشام 17/ 4، وابن الناظم، وسيبويه 92/ 2، وابن يعيش 14/ 6، والمقتضب 162/ 3.(3/1466)
وليس بذي رمح فيطعنني به ... وليس بذي سيف وليس بنبال
أي: وليس بذي نبل.
قال المصنف: وعلى هذا حمل المحققون قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} 1.
أي: بذي ظلم.
وقد يؤتى بياء النسب في بعض ذلك، قالوا لبياع العطر ولبياع البتوت -وهي الأكسية- عطار وعطري، وبتات وبتي.
وقد يستغنى عن ياء النسب بفَعِل بمعنى صاحب كذا، كقولهم: رجل طَعِم ولَبِس وعَمِل بمعنى ذي طعام وذي لباس وذي عمل، أنشد سيبويه2:
لست بلَيْليّ ولكني نَهِر ... .....................
أي: عامل بالنهار.
__________
1 من الآية 46 من سورة فصلت.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الرجز.
وعجزه:
........................ ... لا أدلج الليل ولكن أبتكر
اللغة: "بليلي" منسوب إلى الليل، أي: لا أعمل فيه "نهر" أي: أعمل بالنهار "أدلج الليل" أسير فيه والدلج: السير من آخر الليل "أبتكر" أدرك النهار من أوله.
المعنى: أنه لا يستطيع العمل بالليل، ولكنه يزاول عمله بالنهار، ولا يسير بالليل، إنما يقوم مبكرا ليدرك النهار من أوله حيث النشاط، وقد يكون المراد: أنه ليس من اللصوص الذين يزاولون عملهم بالليل وفي الظلام -بعيدين عن أعين الرقباء- ولكنه ممن يكدحون بالنهار لجلب رزقهم.
الإعراب: "لست" ليس واسمها "بليلي" الباء حرف جر زائد وليلي خبر ليس "ولكني" حرف استدراك والياء اسمه "نَهِر" خبر لكن "لا" نافية "أدلج" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه "الليل" منصوب على الظرفية "ولكن" حرف استدراك "أبتكر" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه.
الشاهد: قوله: "نَهِر" حيث جاء على بناء فَعِل -بفتح فكسر- وهو يريد النسب.
مواضعه: ذكره الأشموني 745/ 3، وابن هشام 178/ 4، وابن عقيل 377/ 2، وابن الناظم، وسيبويه 91/ 2.(3/1467)
تنبيهان:
الأول: قد يستغنى أيضا عن ياء النسب بمفعال، كقولهم: امرأة معطار -أي: ذات عطر- ومفعيل. كقولهم: ناقة محضير، أي: ذات حضر، وهو الجري.
الثاني: هذه الأبنية غير مقيسة، وإن كان بعضها كثيرا، هذا مذهب سيبويه. قال: لا يقال لصاحب الدقيق دقاق، ولا لصحاب الفاكهة فكاه، ولا لصاحب البر برار، ولا لصاحب الشعير شعار، والمبرد يقيس هذا.
وغير ما أسلفته مقررا ... على الذي يُنقل منه اقُتصرا
يعني: أن ما جاء من النسب مخالفا للأقيسة المتقدم ذكرها، فهو شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، وبعضه أشذ من بعض، فمن قولهم في النسب في البصرة: بِصري -بكسر الباء- وإلى الدهر: دُهري -بضم الدال- وإلى مرو: مروزي، وإلى الري: رازي.
ومن ذلك قولهم: عميري من عميرة كلب، وقد تقدمت أمثلة منه أثناء الباب.(3/1468)
الوقف:
هو قطع النطق عند آخر الكلمة، والمراد هنا الاختياري، وهو غير الذي يكون استثباتا وإنكارا وتذكرا وترنما، وغالبه يلزمه تغييرات، وترجع إلى سبعة أشياء: السكون، والروم، والإشمام، والإبدال، والزيادة، والحذف، والنقل، وهذه الأوجه مختلفة في الحسن والمحل، وسيأتي مفصلة إن شاء الله تعالى.
تنوينا إثر فتح اجعل ألفا ... وقفا وتلو غير فتح احذفا
في الوقف على المنون ثلاث لغات:
الأولى: وهي الفصحى، أن يوقف عليه بإبدال تنوينه ألفا إن كان بعد فتحة، وبحذفه إن كان بعد ضمة أو كسرة، كقولك: رأيت زيدَا، وهذا زيدْ، ومررت بزيدْ.
والثانية: أن يوقف عليه بحذف التنوين وسكون الآخر مطلقا، وذكر ذلك أبو الحسن وقطرب وأبو عبيد والكوفيون، ونسبها المصنف إلى ربيعة.
قال في الإفصاح: والجماعة يرون أن هذا مما جاء في الشعر، ولا يجوز في الكلام.
والثالثة: أن يوقف عليه بإبدال التنوين ألفا بعد الفتحة، وواوا بعد الضمة، وياء بعد الكسرة، ونسبها المصنف إلى الأزد، وقيده غيره بأزد السراة.
وزع أبو عثمان أنها لغة قوم من أهل اليمن ليسوا فصحاء واقتصر هنا على الفصحاء.
تنبيهات:
الأول: شمل قوله: "إثر فتح" فتحة الإعراب، نحو: رأيت زيدا، وفتحة البناء نحو: أيها وويها، فكلا النوعين يبدل تنوينه ألفا على المشهور.
الثاني: يستثنى من المنون المنصوب ما كان مؤنثا بالتاء "نحو قائمة"1؛ فإن تنوينه لا يبدل بل يحذف، وهذا لغة من يقف بالهاء وهي الشهيرة، وأما من وقف
__________
1 ب.(3/1469)
بالتاء فبعضهم يجريها مجرى سائر الحروف، فيبدل التنوين ألفا؛ فيقول: رأيت قائمتا، وأكثر أهل هذه اللغة يسكنها لا غير.
الثالث: المقصور المنون يوقف عليه بالألف، نحو: رأيت فتى، وفي هذه الألف ثلاثة مذاهب:
الأول: أنها بدل من التنوين في الأحوال الثلاث، واستصحب حذف الألف المنقلبة وصلا ووقفا، وهو مذهب أبي الحسن والفراء والمازني، وهو المفهوم من كلام الناظم هنا؛ لأنه تنوين بعد فتحة.
والثاني: أنها الألف المنقلبة في الأحوال الثلاث، وأن التنوين حذف؛ فلما حذف عاد الألف، وهو مروي عن أبي عمرو والكسائي والكوفيين، وإليه ذهب "ابن كيسان والسيرافي، ونقله ابن الباذش عن سيبويه والخليل، وإليه ذهب"1 المصنف في الكافية، قال في شرحها: ويقوي هذا المذهب ثبوت الرواية بإمالة الألف وقفا والاعتداد بها رويا وبدل التنوين غير صالح لذلك. انتهى.
ومثال الاعتداد بها رويا قول الشاعر2:
__________
1 أ، ج.
2 قائله: هو الشماخ، واسمه معقل بن ضرار، وهو من الرجز.
وتمامه:
وخيره لطارق إذا أتى
ورب..............
صادف زادا وحديثا ما اشتهى
اللغة: "إنك يابن جعفر" يخاطب به عبد الله بن جعفر محمد الصادق رضي الله عنه "سرى" أي: ليلا؛ لأن السرى لا يكون إلا ليلا.
الإعراب: "إنك" إن حرف توكيد ونصب والكاف اسمها "يا" حرف نداء "بن" منادى "جعفر" مضاف إليه ويابن جعفر جملة ندائية معترضة "نعم" فعل ماض لإنشاء المدح "الفتى" فاعل مرفوع بالضمة المقدرة والجملة في محل رفع خبر إن "ورب" حرف جر شبيه بالزائد "ضيف" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد "طرق" فعل ماض والفاعل ضمير "الحي" مفعول به والجملة في محل رفع خبر المبتدأ "سرى" موضع ظرف واسم الزمان محذوف معه وهو كقولك: جئتك قدم الحاج أي: وقت قدوم الحاج.
الشاهد: قوله "سرى" فإنه منون وهو مقصور والمقصور والمنون يوقف عليه بالألف نحو: رأيت فتى.
مواضعه: ذكره الأشموني 749/ 3، وشرح الشافية 238/ 2، وابن يعيش 76/ 9.(3/1470)
إنك يابن جعفر نعم الفتى ... .......................
إلى قوله:
ورب ضيف طرق الحي سُرى ... ............................
والثالث: اعتباره بالصحيح؛ فالألف في النصب بدل من التنوين، وفي الرفع والجر بدل من لام الكلمة، وهذا مذهب سيبويه فيما نقله أكثرهم.
قيل: وهو مذهب معظم النحويين، وإليه ذهب أبو علي في غير التذكرة، وذهب في التذكرة إلى موافقة المازني.
واحذف لوقف في سوى اضطرار ... صلة غير الفتح في الإضمار
إذا وقف على هاء الضمير الموصولة حذفت صلتها إن كانت مضمومة أو مكسورة نحو: لَهْ وبِهْ، تحذف الواو والياء وتقف على الهاء ساكنة، وإن كانت مفتوحة نحو رأيتها وقف على الألف ولم تحذف.
واحترز بقوله: "في سوى اضطرار" من وقوع ذلك في الشعر، وإنما يكون ذلك آخر الأبيات، وذكر في التسهيل: أنه قد يحذف ألف ضمير الغائبة منقولا فتحة إلى ما قبله، اختيارا، كقول بعض طيئ: "والكرامة ذات أكرمكم الله بهْ" يريد: بها1، واستشكل قوله: "اختيارا" فإنه يقتضي جواز القياس عليه، وهو قليل.
وأشْبَهَتْ إذًا منونا نُصب ... فألفا في الوقف نونها قُلب
اختلف في الوقف على إذًا، فذهب الجمهور "إلى"2 أنه يوقف عليها بالألف لشبهها بالمنون المنصوب، وذهب بعضهم إلى أنه يوقف عليها بالنون لأنها بمنزلة أن، ونقل عن المازني والمبرد، واختلف النحويون أيضا في رسمها على ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنها تكتب بالألف؛ لأنها يوقف عليها بالألف، قيل: وهو الأكثر، وكذلك رسمت في المصحف، ونسب هذا القول إلى المازني، وهو مخالف لما نقل عنه أولا.
__________
1 فحذف الألف ونقل حركة الهاء إلى الباء.
2 ب، ج.(3/1471)
والثاني: أنها تكتب بالنون، قيل: وإليه ذهب المبرد والأكثرون، وعن المبرد: اشتهى أن أكوي يد من يكتب إذن بالألف؛ لأنها مثل أن ولن، ولا يدخل التنوين في الحروف.
والثالث: التفصيل، فإن ألغيت كتب بالألف لضعفها، وإن أعملت كتبت بالنون لقوتها، قاله الفراء. وقال ابن عصفور: الصحيح كتبها بالنون "لأنها يوقف عليها عنده بالنون"1 وللفرق بينها وبين إذا الظرفية، ولا إشكال أن من وقف عليها بالنون يكتبها بالنون.
وينبغي أن يكون هذا الخلاف مفرعا على قول من يقف بالألف.
فإن قلت: إذا فرعت على الوقف بالألف فالقياس أن تكتب بالألف؛ لأن الأصل في كل كلمة أن تكتب بصورة لفظها بتقدير الابتداء بها والوقف عليها، فلا وجه لقول من يكتبها بالنون، ويقف "عليها"2 بالألف.
قلت: بل له وجه ظاهر وهو التفرقة بينها وبين إذا الظرفية، ألا ترى أن نون التوكيد الخفيفة تبدل بعد الفتحة ألفا بغير خلاف.
وقد فصلوا في رسمها فقالوا: تكتب بالألف إن لم تلبس نحو "لنسفعا"3 وبالنون إن التبست نحو: اضربن ولا تضربن؛ إذ لو كتبت بالألف في مثل هذا لالتبست بألف الاثنين.
وحذف يا المنقوص ذي التنوين ما ... لم يُنصب أولى من ثبوت فاعلما
إذا وقف على المنقوص المنون، فإن كان منصوبا أبدل من تنوينه ألف نحو رأيت قاضيا، وإن كان غير منصوب فالمختار الوقف عليه بالحذف، ويجوز الوقف برد الياء، وبه قرأ ابن كثير في بعض المواضع، كقوله تعالى: "وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادي"4.
__________
1 أ، ج.
2 ب.
3 من الآية 15 من سورة العلق.
4 من الآية 7 من سورة الرعد.(3/1472)
وكل هذا ظاهر من البيت، وأما غير المنون فسيأتي.
تنبيهات:
الأول: في هذا البيت إطلاق يقيده تاليه.
الثاني: فهم من قوله: "ما لم ينصب" أن المنصوب المنون لا حذف فيه؛ لأن ياءه تحصنت بألف التنوين، وحكى الأبدي: أن من العرب من يقف عليها بحذف التنوين، وعلى ذلك بنَى المتنبي قوله1:
ألا أذن فيما أذكرت ناسي ... .........................
الثالث: لم يختلفوا في أن الحذف من المنون غير المنصوب أكثر ولكن اختلفوا في الأقيس.
فقال الفارسي: الحذف لأن فيه عدم الاعتداد بالعارض، وقال بعضهم: الإثبات قياسا على ألف المقصور.
وغير ذي التنوني بالعكس وفي ... نحو مُر لزوم رد اليا اقتُفِي
يعني: أن المنقوص غير المنون يجوز فيه الوجهان، ولكن المختار فيه الإثبات بعكس المنون، فالأجود أن يقال: هذا القاضي ومررت بالقاضي، وقد يقال: هذا القاض ومررت بالقاض، هذا مفهوم كلامه، وهو غير محرر، وتحرير ذلك أن يقال: المنقوص غير المنون أربعة أنواع:
الأول: ما سقط تنوينه لدخول أل، فهذا إن كان منصوبا فهو كالصحيح نحو: رأيت القاضي فيوقف عليه بإثبات الياء قولان واحدا، وينبغي لمن قدر فتحة
__________
1 قائله: هو أحمد بن الحسين المتنبي، وكان سيف الدولة بن حمدان يشرب فأذن المؤذن فوضع سيف الدول القدح من يده، وقال المتنبي هذا البيت والذي بعده.
وتمامه:
........................ ... ولا لينت قلبا وهو قاسي
ولا شغل الأمير عن المعالي ... ولا عن حق خالقه بكاسي
وهما من الوافر.
الإعراب: "ألا" كلمة للتنبيه "أذن" جملة من الفعل والفاعل المستتر "فما" الفاء لربط الجواب وما نافية "أذكرت" فعل وفاعل "ناسي" مفعول به لأذكرت.
الشاهد: قوله: "ناسي" لأن القياس فيه ناسيا، وهذا للتمثيل، وإلا فالمتنبي لا يحتج به.(3/1473)
الياء بالنصب أن يقف بالوجهين، وإن كان مرفوعا نحو: هذا القاضي، أو مجرورا نحو: مررت بالقاضي، ففيه الوجهان، والمختار الإثبات، كما ذكر، وليس الحذف مخصوصا بالضرورة خلاف لبعضهم.
والثاني: ما سقط تنوينه للنداء نحو: "يا قاض" فالخيل يختار فيه الإثبات، ويونس يختار فيه الحذف، ورجح سيبويه مذهب يونس؛ لأن النداء محل حذف.
ورجح غيره مذهب الخليل؛ لأن الحذف مجاز، ولم يكثر فيرجح بالكثرة.
والثالث: ما سقط تنوينه لمنع الصرف نحو: "رأيت جواريَ" نصبا، فيوقف عليه بإثبات الياء، كما تقدم في المنصوب.
والرابع: ما سقط تنوينه للإضافة نحو: "قاضي مكة" فإذا وقف عليه جاز فيه الوجهان الجائزان في المنون، قالوا: لأنه لما زالت الإضافة بالوقف عليه عاد إليه ما ذهب بسببها وهو التنوين، فجاز فيه ما جاز في المنون.
وبنوا على ذلك فرعا، وهو أن ما سقط نونه للإضافة، إذا وقف عليه ردت نونه نحو: هؤلاء قاضو زيد، فإذا وقفت قلت: قاضون لزوال سبب حذفها.
فأما وقف القراء على قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} 1 بحذف النون، فاتباع الرسم.
قلت: وفي هذا نظر.
وقد علم مما تقدم أن كلام الناظم معترض من وجهين:
أحدهما: أن عبارته شاملة لهذه الأنواع الأربعة، وليس حكمها واحدا.
والآخر: أنه لم يستثن المنصوب وهو متعين الإثبات، كما ذكر ذلك في الكافية.
وقوله:
.................... وفي ... نحو مر لزوم رد اليا اقتُفِي
يشير به إلى أن ما كان من المنقوص محذوف العين نحو مر اسم فاعل من
__________
1 من الآية 1 من سورة المائدة.(3/1474)
أرأى1 يرأى أصله مرأى2 فأعل إعلال قاض، وحذف عينه وهي الهمزة بعد نقل حركتها، فإذا وقف عليها لزم رد الياء "جبرا للكلمة"3 لأنها لو حذفت لزم بقاء الاسم على أصل واحد في حالة الوصل أيضا.
قلت: لا يمكن إثباتها وصلا لما يلزم من الجمع بين ساكنين بخلاف الوقف، مع أن في بقاء التنوين وصلا جبرا للكلمة.
تنبيه:
الموقوف عليه إما ساكن وإما متحرك؛ فالساكن إن لم يكن له صورة في الخط حذف كصلة الضمير إلا تنوين المنصوب كما سبق، وإن كانت له صورة في الخط ترك على حاله، ولم يغير إلا نون إذن وياء المنقوص، وقد تقدم حكمهما.
وأما نون التوكيد الخفيفة فتقدمت في بابها.
وقد فهم من هذا أن المقصور غير المنون إذا وقف عليه لم تحذف ألفه ولم يغير.
وشذ حذفها للضرورة في قوله4:
__________
1 هذا هو الأصل غير المستعمل في هذا الفعل، والمستعمل هو أرى يُرى بضم ياء المضارعة.
2 على وزن مفعل.
3 ب.
4 قائله: هو لبيد بن ربيعة يصف فيه مقاما فاخرت فيه قبائل ربيعة قبيلة من مضر، وهو من الرمل.
وصدره:
وقبيل من لكيز شاهد
اللغة: "قبيل" أي: قبيلة "من لكيز" -بضم اللام وفتح الكاف- وهو لكيز بن أفصى بن عبد القيس "شاهد" ويروى حاضر "رهط مرجوم" قال أبو عبيد بذلك لأنه فاخر رجلا عند النعمان، فقال له النعمان: رجمك بالشرف، فسمي مرجوما، واسمه لبيد.
الإعراب: "قبيل" مبتدأ "من لكيز" جار مجرور صفته، أي: قبيل كائن من لكيز "شاهد" خبر المبتدأ "رهط مرجوم" -بالرفع- بدل من قبيل أو عطف بيان "ورهط ابن المعل" عطف عليه.
الشاهد: قوله: "ابن المعل" حيث حذف الألف المقصورة في الوقف ضرورة.
مواضعه: ذكره سيبويه 291/ 2، وشرح الشافية 285/ 2.(3/1475)
........................... ... رهط مرجوم ورهط ابن المعل
يريد: المعلى، وبعض العرب يقلبون الألف الموقوف عليها ياء فيقولون: أفعى وعصى وهي لغة فزارة وناس من قيس، وبعضهم يقلبها واوا فيقولون: هذا أفعو وعصو وهي لغة بعض طيئ، وبعضهم يقلبها همزة فيقولون: هذا أفعاء وعصاء، وليس من لغة هؤلاء التخفيف، قال سيبويه: وكذلك كل ألف في آخر الاسم، وزعم الخليل أن بعضهم قال: رأيت رجلا فيهمز، وكذلك هو يضربها، وقد توصل ألف هنا وأولى وكل مبني آخره بهاء السكت، وأما قلب الألف هاء في قوله1:
................... ... من هاهنا ومن هُنَهْ
فشاذ.
ولما ذكر الناظم حكم الوقف على ما ينبغي ذكره من الساكن أخذ بذكر المتحرك، فقال:
وغيرها التأنيث من مُحرك ... سَكِّنْه أو قِفْ رائم التحرك
في الوقف على المتحرك خمسة أوجه: الإسكان، والروم، والإشمام، والتضعيف، والنقل، ولكل منها علامة.
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الرجز.
وقبله:
قد وردت من أمكنة
وبعده:
إن لم أروها فمه
اللغة: "قد وردت" أي: الإبل، والورود: الوصول إلى الماء من غير دخول فيه وقد يكون دخولا "أمكنه" جمع مكان.
الإعراب: "قد" حرف تحقيق "وردت" فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر تقديره هي "من" حرف جر "أمكنه" جار ومجرور متعلق بالفعل "من هاهنا ومن هنه" بدل من أمكنه.
الشاهد: قوله: "هنه" وأصلها هنا، فقلب الألف هاء.
مواضعه: ذكره في شرح الشافية 479/ 4، وابن يعيش في 138/ 3، 6/ 4، 81/ 9، 43/ 10، وهمع الهوامع 78/ 1، 157/ 2.(3/1476)
فعلامة السكون خ فوق الحرف، هكذا جعلها سيبويه، والمراد خف أو خفيف، وجعلها بعض الكُتاب دائرة؛ لأن الدائرة صفر، وهو الذي لا شيء فيه من العدد، وجعلها بعضهم دالا.
وعلامة الروم: خط بين يدي الحرف، وهذه صورته /.
وعلامة الإشمام: نقطة بين يدي الحرف، وهذه صورته *.
وعلامة التضعيف: شين فوق الحرف، وهذه صورته شـ.
فإن كان المتحرك هاء التأنيث لم يوقف عليها إلا بالإسكان، وليس لها نصيب في غيره، وإن كان غيرها جاز أن يوقف عليه بالإسكان، وهو الأصل، وبالروم مطلقا، أعني في الحركات الثلاث، ويحتاج في الفتحة إلى رياضة لخفة الفتحة؛ ولذلك لم يجزه أكثر القراء في المفتوح، ووافقهم أبو حاتم.
قال في شرح الكافية: وهي عبارة عن إخفاء الصوت بالحركة، ويجوز الإشمام والتضعيف والنقل، لكن بالشروط الآتية، وقد أشار إلى الإشمام بقوله: "أو أشمم الضمة" الإشمام هو الإشارة بالشفتين إلى الحركة دون صوت، ولا يكون إلا في الضمة؛ لأن إشمام الكسرة والفتحة تسوية لهيئة الشفة.
وقد روي الإشمام عن بعض القراء في الجر، وهو محمول على الروم؛ لأن بعض الكوفيين يسمى الروم إشماما، ولا مشاحة في الاصطلاح، ثم أشار إلى التضعيف بقوله:
............ أو قف مُضْعفا ... ما ليس همزا أو عليلا إن قَفَا
مُحركا................... ... ...........................
التضعيف تشديد الحرف الموقوف عليه، كقولك: هذا فرجّ -بالتشديد- وذكر له شروطا ثلاثة:
أولها: ألا يكون همزة، احترازا من نحو: بناء، فلا يجوز تضعيفه؛ لأن العرب اجتنبت إدغام الهمزة ما لم تكن عينا.
وثانيها: ألا يكون عليلا نحو: سرو وبقي، فلا يجوز تضعيفه.
وثالثها: أن يكون بعد متحرك، احترازا من نحو: بكر، فلا يجوز تضعيفه.(3/1477)
وزيد شرط رابع، وهو ألا يكون منصوبا في أشهر اللغات. وأما قوله1:
لقد خشيتُ أن أرى جدبا ... ........................
فضرورة.
قلت: وقد لا يحتاج إلى هذا الشرط؛ لأن المنصوب المنون إذا أبدل تنوينه ألفا، لم يكن الحرف الذي قبل الألف موقوفا عليه. بل الموقوف عليه إنما هو الألف، والكلام في أحكام الموقوف عليه.
تنبيه:
لم يؤثر الوقف بالتضعيف عن أحد من القراء إلا عن عاصم، فعنه أنه وقف على قوله تعالى: "مستطر"2 في القمر -بالتشديد- والله أعلم.
ثم أشار إلى النقل بقوله:
........ وحركات انقلا ... لساكن تحريكه لن يُحظلا
النقل: تحويل حركة "الحرف"3 إلى الساكن قبلها، وذكر له ثلاثة شروط:
__________
1 قائله: هو رؤبة بن العجاج، وقيل: لغيره، وهو من الرجز.
وتمامه:
مثل الحريق وافق القصبا
اللغة: "جدبا" -بتشديد الباء- وهو نقيض الخصب، والجدب: هو القحط بانقطاع المطر "الحريق" أراد: النار المشتعلة "القصبا" كل نبات يكون ساقه أنابيب وكعوبا.
الإعراب: "لقد" اللام للتأكيد وقد حرف تحقيق "خشيت" فعل وفاعل "أن أرى" في محل النصب على المفعولية، وأرى هنا تنصب مفعولا واحدا؛ لأنها بصرية "جدبا" مفعول أرى وفاعلها ضمير مستتر فيه "مثل" على رواية الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي: هو مثل "الحريق" مضاف إليه "وافق" فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه "القصبا" مفعول به، وجملة الفعل الماضي وفاعله ومفعوله في محل جر صفة للحريق أو في محل نصب حال منه؛ وذلك لأنه اسم مقترن بأل الجنسية.
الشاهد: قوله: "جدبّا" حيث ضعف آخرها للوقف ثم حركها ضرورة.
مواضعه: ذكره الأشموني 761/ 3، وابن هشام 199/ 4، وشرح الشافية 319/ 2، وسيبويه 282/ 2.
2 من الآية 53 من سورة القمر.
3 ب "الهمزة".(3/1478)
الأول: أن يكون الساكن لا يمتنع تحريكه، احترازا من أن يكون ألفا نحو دار، فإن الألف لا تقبل الحركة.
واعترض بأن ذلك يقتضي جواز نقل الحركة إلى الواو والياء، وليس كذلك، بل لا يجوز النقل إليهما، وإن كانا حرفي لين؛ لاستثقال الحركة عليهما.
فالأول أن يقال: شرطه أن يكون حرف علة.
قلت: لا يرد هذا عليه؛ لأن قوله: "لن يحظلا" لا يختص بالمتعذر، بل المراد: الساكن لن يمتنع تحريكه إما لتعذره كالألف أو لغير ذلك، فيشمل الواو والياء ويشمل الحرف المدغم نحو الجد، فإنه يمتنع تحريكه؛ لأن تحريكه يلزم منه فكه، وهو ممتنع في غير الضرورة.
والثاني: ألا تكون الحركة فتحة على غير همزة عند البصريين، وإلى هذا أشار بقوله:
ونقل فتح من سوى المهموز لا ... يراه بصري وكوف نقلا
لا يجوز عند البصريين نقل الفتحة من غير همزة، فلا يقال: رأيت البكر؛ لأن المفتوح إن كان منونا لزم من النقل فيه حذف ألف التنوين، وحمل عليه غير المنون.
وقيل: لأنهم لو نقلوا في الوقف وسكنوا في الوصل، لكان ذلك كأنه إسكان فعل -المفتوح- وهو لا يجوز وليس بظاهر، وأجاز الكوفيون نقل الفتحة من غير همزة.
فيقولون: رأيت البكر، ونقل الجرمي أنه أجاز ذلك، وعن الأخفش أنه أجاز ذلك في المنون على لغة من قال: رأيت عمرو.
وأشار بقوله: "من سوى المهموز" إلى أن المهموز يجوز نقل حركته، وإن كانت فتحة.
فتقول: رأيت الخبأ والردأ والبطأ، في: رأيت الخبء والردء والبطء1. وإنما
__________
1 الخبء -بفتح الخاء وسكون الباء- ما خبئ. والردء -بكسر الراء وسكون الدال- العون. والبطء: ضد السرعة.(3/1479)
اغتفر ذلك في الهمزة لثقلها، وإذا سكن ما قبل الهمزة الساكنة كان النطق بها أصعب.
الثالث: ألا يوجب عدم النظير في غير المهموز، وإلى هذا أشار بقوله:
والنقل إن يُعدم نظير ممتنع ... وذاك في المهموز ليس يمتنع
فعلم بذلك أنه لا يجوز نقل ضمة مسبوقة بكسرة ولا كسرة مسبوقة بضمة، فلا يجوز النقل في نحو "هذا بشر" لما يلزم من بناء فعل، وهو مفقود، ولا في نحو: "انتفعت بقفل" لما يلزم من بناء فعل وهو مهمل في الأسماء أو نادر، هذا في غير المهموز.
أما المهموز فيجوز فيه النقل، وإن أدى إلى عدم النظير لما تقدم التنبيه عليه من استثقال الهمزة، فتقول: هذا ردء ومررت بكفء.
تنبيهات:
الأول: لجواز النقل شرط رابع، وهو أن يكون المنقول منه صحيحا، فلا ينقل من نحو غزو.
الثاني: إذا نقلت حركة الهمزة حذفها الحجازيون واقفين على حامل حركتها كما يوقف عليه مستبدا بها؛ فيقولون: "هذا الخب" بالإسكان والروم والإشمام، وغير ذلك بشروطه، وأما غير الحجازيين فلا يحذفها، بل منهم من يثبتها ساكنة، نحو: "هذا البُطؤ، ورأيت البُطَأ، ومررت بالبطئ"، ومنهم من يبدلها بمجانس الحركة المنقولة؛ فيقول: "هذا البطو، ورأيت البطا، ومررت بالبطي".
وبعض بني تميم يفرون من هذا النقل الموقع في عدم النظير إلى الإتباع1 فيقولون: هذا ردئ مع كفؤ، وبعضهم يتبع ويبدل الهمزة بعد الإتباع، فيقولون: هذا ردي مع كفو.
وقد تبدل الهمزة بمجانس حركتها بعد سكون باق فتقول: هذا البطو، ومررت بالبطي.
__________
1 أي: إتباع العين للفاء.(3/1480)
وأما في النصب فيلزم فتح ما قبلها، وقد يبدلونها كذلك بعد حركة، فيقولون: هذا الكلو مررت بالكلي، وأهل الحجاز يقولون: "الكلا" في الأحوال كلها.
الثالث: الذي يظهر في حركة النقل أنها الحركة التي في الحرف الأخير نقلت إلى الساكن، ونص على ذلك قوم من النحويين، وقال أبو البقاء العكبري: لا يريدون أنها حركة إعراب صيرت على ما قبل الحرف؛ إذ الإعراب لا يكون قبل الطرف، إنما يريدون أنها مثلها.
الرابع: نقل في الكافية وغيرها أن الوقف بالنقل إلى متحرك لغة لخمية، وأنشد1:
من يأتمر للخير فيما قصده ... تُحمد مساعيه ويعلم رشده
فنقل حركة الهاء إلى الدال، وهي متحركة، قيل: ويحتمل أن يكون أصله قصدوه، بواو الجمع حملا على معنى من، ثم حذف الواو اكتفاء بالضمة كقوله2:
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الرجز.
اللغة: "يأتمر" يباشر "مساعيه" -جمع مسعى- بمعنى السعي "الرشد" -بفتحتين- التهدي إلى طريق الصواب.
الإعراب: "من" شرطية "يأتمر" فعل مضارع فعل الشرط والفاعل ضمير مستتر فيه "للخبر" جار ومجرور متعلق بقوله يأتمر "فيما" في حرف جر وما موصولة "قصده" جملة لا محل لها صلة الموصول "تحمد" فعل مضارع مبني للمجهول جواب الشرط "مساعيه" نائب فاعل والهاء مضاف إليه "ويعلم" الواو عاطفة على تحمد، ويعلم فعل مضارع مبني للمجهول "رشده" نائب فاعل والهاء مضاف إليه.
الشاهد: قوله: "قصده" بضم الدال فإنه في الأصل بالفتح؛ لأنه ماض من القصد، ولكنه لما وقف عليه نقل حركة الهاء إلى الدال وهي متحركة.
مواضعه: ذكره الأشموني 753/ 3، وهمع الهوامع 208/ 2.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الوافر.
وعجزه:
وكان مع الأطباء الأساة
اللغة: "الأطباء" جمع طبيب "الأساة" -بضم الهمزة- جمع آس، وهو الجراح. قال الجوهري: الآسي: الطبيب، والجمع أساة مثل رام ورماة. =(3/1481)
فلو أن الأطبا كان حولي ... .......................
فإن كان مستنده في إثبات هذه اللغة هذا البيت، فلا حجة فيه.
الخامس: لم يؤثر الوقف بالنقل عن أحد من القراء إلا ما روي عن أبي عمرو أنه وقف على قوله: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} 1 -بكسر الباء.
وفي الوقف تا تأنيث الاسم ها جُعل ... إن لم يكن بساكن صح وُصل
واحترز بالتأنيث من تاء لغيره، فإنها لا تغير، وشذ قول بعضهم: قعدنا على الفراه، وبالاسم من تاء الفعل "نحو قامت"2 فإنها لا تغير، وبعدم الاتصال بساكن صحيح من تاء بنت وأخت ونحوهما فإنها لا تغير.
وشمل كلامه ما قبله متحرك نحو رحمة، وما قبله ساكن غير صحيح، ولا يكون إلا ألفا نحو الحياة، والأعرف في هذين إبدال التاء هاء في الوقف.
وإنما جعل حكم الألف حكم المتحرك؛ لأنها منقلبة عن حرف متحرك.
وقل ذا في جمع تصحيح وما ... ضاهَى وغير ذين بالعكس انتمى
أي: وقل جعل التاء هاء في جمع تصحيح المؤنث نحو الهندات، وما ضاهاه، مما جمل عليه كالبنات والأخوات وأولات.
__________
= الإعراب: "فلو" الفاء عاطفة، ولو للشرط "أن" حرف توكيد ونصب "الأطبا" اسم أن "كان" بضم النون في موضع خبر أن، وأصله كانوا فحذفت الواو وبقيت الضمة دليلا عليها "حولي" ظرف ومضاف إليه في موضع خبر كان "وكان" فعل ماض ناقص "مع" ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم لكان "الأطباء" مضاف إليه "الأساة" اسم كان، وجملة كان عطف على ما قبلها وأن في أول البيت وما دخلت عليه في محل رفع على الفاعلية؛ لأن التقدير: ولو ثبت أن الأطباء، وجواب لو في بيت بعده: إذا ما أذهبوا ...
الشاهد: قوله: "كانُ" بضم النون فأصله كانوا حولي فحذفت الواو اكتفاء بضمة النون.
مواضعه: ذكره ابن يعيش 80/ 9.
1 من الآية 3 من سورة العصر.
2 ب، ج.(3/1482)
فالأعرف في ذلك سلامة التاء، وقد سمع إبدالها في قول بعضهم: "دفن البناه من المكرماه" 1 و"كيف بالإخوة والأخواه؟ ".
قال في شرح الكافية: وأشرت بقولي: وما ضاهاه -إلى هيهات، وأولات، فإنه يوقف عليهما بالتاء كثيرا وبالهاء قليلا.
تنبيهات:
الأول: نقل بعضهم أن الوقف على جمع التصحيح والملحق به بالهاء لغة طيئ، وقال في الإفصاح: شاذ لا يقاس عليه.
الثاني: إذا سمي بهيهات على لغة من أبدل فهي كطلحة تمنع من الصرف للعلمية والتأنيث. وإذا سمي به على لغة من لم يبدل فهي كعرفات يجري فيها وجوه جمع المؤنث السالم إذا سمي به.
وقوله: "وغير ذين بالعكس" إشارة إلى جمع التصحيح ومضاهيه، يعني: أن غيرهما يقل فيه سلامة التاء بعكسهما سواء كان مفردا كمسلمة، أو جمع تكسير كغلمة، ومن إقرارها تاء قول بعضهم: يأهل سورة البقرتْ، فقال مجيب: ما أحفظ منها ولا آيتْ.
وأكثر من وقف بالتاء يسكنها ولو كانت منونة منصوبة، وتقدم هذا أول الباب، وعلى هذه اللغة رسمت مواضع من القرآن، وهي معروفة.
وقِفْ بها السكت على الفِعْل المعل ... بحذف آخر كأَعْطِ من سأل
من "خواص"2 الوقف، زيادة هاء السكت، وأكثر ما تزاد بعد شيئين:
أحدهما: الفعل المعل المحذوف الآخر جزما نحو: "لم يعطه" أو وقفا نحو: "أعطه".
__________
1 يريد: البنات من المكرمات، وهذا التعبير يوهم أنه ليس بحديث، وقد روى الطبراني عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما عزي بابنته رقية قال: "الحمد لله" وذكره.
2 أ، ج، وفي ب "عوارض".(3/1483)
والثاني: "ما" الاستفهامية إذا جرت بحرف نحو "على مه" أو باسم نحو "اقتضاء مه".
ولحاقها لكل من هذين النوعين واجب وجائز؛ أما الفعل المحذوف الآخر فقد نبه عليه بقوله:
وليس حتما في سوى ما كع أو ... كيع مجزوما فراعِ ما رَعَوْا
يعني: أن الوقف بها السكت على الفعل المعل بحذف الآخر ليس واجبا في غير ما بقي على حرف واحد أو حرفين أحدهما زائد:
فالأول: نحو "عِهْ" أمر من وَعَى يَعِي، ونحو "رَهْ" أمر من رأى يرى.
والثاني: "لم يَعِهْ، ولم يَرَهْ"؛ لأن حرف المضارعة زائد، فزيادة هاء السكت في ذلك واجبة؛ لبقائه على أصل واحد.
فإن قلت: مقتضى تمثيله أن ذلك إنما يجب في المحذوف الفاء نحو: عِ ويع.
قلت: محذوف العين كمحذوف الفاء في ذلك؛ لأن العلة واحدة، وإنما أراد بالتمثيل التنبيه على ما بقي على حرف واحد أو حرفين أحدهما زائد كما سبق.
فإن قلت: فهل تجب زيادة الهاء في قولهم: تقي يتقى في معنى اتقى يتقي "لأن تقي"1 محذوف الفاء؛ لأن أصله أوتقى يوتقى؟
قلت: ظاهر التسهيل الوجوب؛ لأنه جعل الضابط أن تحذف فاؤه أو عينه، ويتقي محذوف الفاء، وظاهر قوله في شرح الكافية: ويجب إلحاق هذه الهاء في الوقف على ما كان من الأفعال على حرف واحد أو حرفين؛ أحدهما: زائد لأن زيادة الهاء لا تجب في نحو لا يتق؛ لأنه على ثلاثة أحرف، ولكن الأمر يندرج في كلامه؛ لأنه على حرفين؛ أحدهما زائد.
وقال الشيخ أبو حيان: لم نجد لأحد من النحويين نصا على الوقوف على هذه الكلمة، والذي يقتضيه النظر عندي أن يكون الوقف بالهاء اختيارا لا
__________
1 ب، ج.(3/1484)
وجوبا؛ لأنه وإن حذفت فاؤه، فإن تاء الافتعال لازمة للفعل، وهذا الحذف عرض شاذ، وليس بمطرد فلا يلتفت إليه.
وما في الاستفهام إن جُرت حُذف ... ألفها............................
واحترز بالاستفهامية عن الموصولة والشرطية نحو: "مررت بما مررت به وبما تفرح أفرح" فإنهما "لا تحذف"1 ألفهما.
وزعم المبرد: أن حذف ألف ما الموصولة ليس لغة، ونقله أبو زيد أيضا، وقال أبو الحسن في الأوسط: وزعم أبو زيد أن كثيرا من العرب يقولون: "سلْ عمَّ شئت" كأنهم حذفوا لكثرة استعمالهم إياه.
وشمل قوله: "إن جرت" أن تجر بالحرف نحو: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} 2 أو بالاسم نحو: "قراءة م تقرأ" وقوله: "حذف ألفها" يعني وجوبا، وسبب الحذف إرادة التفرقة بينها وبين الموصولة والشرطية، وكانت أولى بالحذف لاستقلالها بخلاف الشرطية، فإنه متعلقة بما بعدها، وبخلاف الموصولة فإنها والصلة اسم واحد.
وقوله:
وأولها الهاء إن تقف
يعني: جوازا، إن جرت بحرف نحو "عمه" ووجوبا إن جرت باسم نحو "اقتضاء مه"؛ ولهذا قال:
وليس حتما في سوى ما انحفضا ... باسم كقولك اقتضاء م اقتضى
أي: وليس إيلاؤها الهاء واجبا في سوى المجرورة بالاسم، وقد مثله، وعلة ذلك أن الجار الحرفي كالجزء؛ لاتصاله بها لفظا وخطا، بخلاف الاسم؛ فوجب إلحاق الهاء للمجرورة بالاسم لبقائها على حرف واحد.
فإن قلت: قد علم أن اتصال الهاء بالمجرورة بالحرف ليس بواجب، فهل هو راجح أو مرجوح؟
قلت: نقل النحويون أنه راجح، قالوا: وهو الأفصح والأكثر، وإنما وقف أكثر القراء بغير هاء إتباعا للرسم.
__________
1 ب، ج وفي أ "لا يحذفان".
2 الآية 1 من سورة النبأ.(3/1485)
تنبيهات:
الأول: فهم من قوله: "إن جرت" أن المرفوعة والمنصوبة لا تحذف ألفها في غير ضرورة كقوله1:
ألام تقول الناعيات ألامه ... ألا فاندبا أهل الندى والكرامه
الثاني: أهمل المصنف من شروط حذف ألفها ألا تركب مع ذا، فإن ركبت معه لم تحذف الألف نحو: "على ماذا تلومونني"، وقد أشار إليه في التسهيل.
الثالث: قد ثبتت ألف ما الاستفهامية المجرورة غير المركبة في الضرورة، كقول الشاعر2:
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.
اللغة: "الناعيات" الناعي: الذي يأتي بخبر الميت "الندى" أراد به الفضل والعطاء، وفي بعض النسخ "الناعيان" -بالمثنى- وهو الأنسب.
الإعراب: "ألام" ألا للتنبيه "م" أصلها ما، وهو في محل الرفع على الابتداء، واعلم أنه لا ضرورة في حذف الألف هاهنا؛ لأن إبقاءها لا يضر بالوزن "تقول" فعل مضارع "الناعيات" فاعل والجملة في محل رفع خبر المبتدأ "ألامه" ألا للتنبيه وما استفهامية منصوبة بتقول "ألام" للتنبيه "فاندبا" فعل وفاعل "أهل" مفعول به "الندى" مضاف إليه "والكرامة" عطف عليه.
الشاهد: قوله: "ألامه" فإن الألف قد حذفت في ما الاستفهامية مع أنها غير مجرورة للضرورة، إلا أنه أراد التصريع، فلم يمكن ذلك إلا بإدخال هاء السكت في آخرها.
مواضعه: ذكره الأشموني 758/ 4، وهمع الهوامع 217/ 2.
2 قائله: هو حسان بن ثابت، وهو من الوافر.
اللغة: "كخنزير" تعريض بكفره أو بقبح منظره؛ فلذلك خص الخنزير لأنه مسيخ قبيح المنظر سمج الخلق أكال العذرات "تمرغ في رماد" تتميم لذمه لأنه يدلك حلقه بالشجر ثم يأتي بالطين فيتلطخ به وكلما تساقطت منه عاد إليه.
الإعراب: "على ما قام" على للتعليل ما استفهامية، أي: لأجل أي شيء يشتمني. قال ابن جني: لفظة "قام" هاهنا زائدة، والتقدير: على ما يشتمني لئيم، وقال ابن يسعون: وليس كذلك عندي؛ لأنها تقتضي النهوض بالشتم "يشتمني" فعل مضارع والنون للوقاية والياء مفعول "لئيم" فاعل "كخنزير" الكاف للتشبيه وخنزير مجرور به "تمرغ" فعل ماض والفاعل ضمير مستتر فيه والجملة في محل الجر صفة لخنزير "في رماد" جار ومجرور متعلق بتمرغ.
الشاهد: قوله: "على ما قام" حيث أثبت ألف ما الاستفهامية المجرورة للضرورة.
مواضعه: ذكره الأشموني 758/ 3، وهمع الهوامع 217/ 2، وأمالي ابن الشجري 233/ 1، وابن يعيش 9/ 4، وفي الخزانة 537/ 2، وشرح الشافية 297/ 2.(3/1486)
على ما قام يشتمني لئيم ... كخنزير تمرغ في رماد
وحكاه الرزمخشري في كشافه لغة، وحمل عليه قوم من المفسرين قوله تعالى:
{قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} 1.
قالوا: معناه: بأي شيء غفر لي ربي.
قال ابن هشام: وهذا قول مرغوب عنه؛ لأن النحويين على خلافه.
الرابع: قد ورد تسكين ميمها في الضرورة مجرورة بحرف كقوله2:
يا أسديا لِمْ أكلتَه لِمَهْ؟ ... .....................
ووصل ذي الهاء أَجز بكل ما ... حُرك تحريك بناء لزما
اعلم أن هاء السكت لا تتصل بحركة إعراب ولا شبيهة بها؛ فلذلك لا تلحق اسم "لا" ولا المنادى المضموم، ولا ما بني لقطعه عن الإضافة كقبل وبعد،
__________
1 من الآيتين 26، 27 من سورة يس.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الرجز.
وبعده:
لو خافك الله عليه حرمه
توضيح: ذكر بعض الفضلاء أن الضمير المنصوب في قوله "لم أكلته" يرجع إلى الكلب يعني: كلبا أكله هذا الإنسان فقال: لو خافك الله، فأجاز على الله سبحانه الخوف تعالى الله عن ذلك، وهذا على عادة الجهلاء من العرب.
ومنهم من خرجه تخريجا حسنا يسلم هذا الشاعر من الغلطة، وهو أنه يخاطب الفقعسي بقوله: يافقعسي لم أكلته لمه. ثم عدل عن خطابه إلى خطاب الله تعالى على عادة لهم في ذلك مشهورة فقال: لو خافك الله، وأراد: يا الله، فحذف حرف النداء، كما في قوله تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} أي: يا يوسف، والمعنى: لو خافك يا الله على نفسه من أن تعاقبه على جرمه لحرم هذا المأكول الذي حرمته ولم يقربه، وضمير الهاء في عليه يرجع إلى الفقعسي كما يقال: أخاف فلانا على نفسي، وضمير الهاء في حرمه يرجع إلى المأكول، فالضميران مختلفان، وباختلافهما يتم المعنى الذي قصده. اهـ شرح الشواهد للعيني. و"أسديا" الأسدي: المنسوب إلى بني أسد، الفقعسي: منسوب إلى بني فقعس، والإعراب ظاهر.
والشاهد: قوله: "لم أكلته" حيث جاءت ميم لم ساكنة، وأصلها لما، وهي الاستفهامية دخل عليها حرف الجر، فحذف الألف ثم سكنت الميم ضرورة.
مواضعه: ذكره الأشموني 759/ 3، والإنصاف 299.(3/1487)
ولا العدد المركب نحو خمسة عشر؛ لأن حركات هذه الأشياء مشابهة لحركة الإعراب في أنها عارضة.
ألا ترى أنها حدثت لوجود الأسباب وأنها تنتفي عند عدمها، فبذلك شابهت حركة الإعراب.
وأما الفعل الماضي فحركته لازمة ليست كحركات هذه الأشياء.
وفي اتصال هاء السكت به ثلاثة أقوال:
الأول: المنع مطلقا، وهو مذهب سيبويه والجمهور واختيار المصنف.
والثاني: الجواز مطلقا؛ لأنها لازمة.
والثالث: أنها تلحقه إذا لم يخف لبس نحو "قعده" إلا إذا خيف لبس نحو ضربة، والصحيح الأول؛ لأن حركته وإن كانت لازمة فهي شبيهة بحركة الإعراب؛ لأن الماضي إنما بني على حركة لشبهه بالمضارع المعرب في وجوه مذكورة في موضوعها.
وشذ اتصال الهاء بعل في قوله1:
__________
1 قائله: هو أبو ثروان، وهو من الرجز.
اللغة: "لا أظلله" أي: لا أظلل فيه وقد حذف حرف الجر واتصل الفعل بالضمير بنفسه "أرمض" من رمضت قدمه: إذا احترقت بالرمضاء، وهي الأرض الشديدة الحرارة "أضحى" أتعرض.
المعنى: رب يوم يمر علي لا أنعم فيه بشيء يظللني أعاني ألم الرمضاء في قدمي وحر الشمس وقت الضحى على رأسي.
الإعراب: "يا" حرف تنبيه أو للنداء والمنادى محذوف "رب" حرف جر شبيه بالزائد "يوم" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة "لي" جار ومجرور صفة ليوم "لا" نافية "أظلله" مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل أنا والهاء مفعول ثان أو مجرور على نزع الخافض "من" جارة "تحت" ظرف مبني على الضم لقطعه عن الإضافة "عله" مبني على الضم وألحقت به هاء السكت شذوذا؛ لأنه غير مبني بناء دائما.
الشاهد: قوله: "من عله" حيث لحقت هاء السكت لفظ "عل" وهي مبنية بناء عارضا، وذلك شاذ.
مواضعه: ذكره الأشموني 67/ 3، وابن هشام 197/ 4، وابن الناظم.(3/1488)
يا رُب يوم لي لا أظلله ... أمرض من تحت واضحى من عَلُهْ
ووجه شذوذه أن حركته "حركة بناء"1 عارضة؛ لقطعه عن الإضافة، فهي كقبل وبعد، وإلى هذا أشار بقوله:
ووصلها بغر تحريك بنا ... أُديم شذ..............
فحركة عل غير حركة بناء مدام، بل حركة بناء غير مدام، وقوله: "في المدام استحسنا" يعني: أن وصل هاء السكت بحركة البناء المدام -أي الملتزم- جائز مستحسن، كفتحة هو وهي، فيقال في الوقف عليها: هوه وهيه، وقد قرئ بذلك.
فإن قلت: هذا البيت معترض من وجهين:
أحدهما: أن قوله:
وصلها بغير تحريك بنا ... أديم.................
يقتضي أن وصلها بحركة الإعراب قد شذ أيضا؛ لأن قوله:
...... بغير تحريك بنا ... أديم.................
يشمل نوعين:
أحدهما: تحريك البناء غير المدام.
والثاني: تحريك الإعراب.
والوجه الآخر: أن قوله: "في المداد استحسنا" يقتضي موافقة من أجاز اتصالها بحركة الماضي؛ لأنها من التحريك المدام.
قلت: أما الأول فليس بلازم، وأما الثاني فظاهر اللزوم، وقد استثناه في الكافية فقال:
ووصل ذي الهاء أجز بكل ما ... حُرك تحريك بناء لزما
ما لم يكن ذلك فعلا ماضيا
وربما أُعطي لفظ الوصل ما ... للوقف نثرا وفشا منتظما
مثال إعطاء الوصل حكم الوقف نثرا قراءة غير حمزة والكسائي: {لَمْ يَتَسَنَّهْ
__________
1 ب.(3/1489)
وَانْظُرْ} 1 {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ} 2 ومنه قول بعض طيئ: "هذه حبلو يا فتى" لأنه يبدل هذه الألف واوا في الوقف، فأجرى الوصل مجراه، ومثال ذلك في النظم قول الراجز3:
مثل الحريق وافق القصبّا
فشدد الباء مع وصلها بحرف الإطلاق، ومثله في الشعر كثير، ومنه4:
أتوا ناري فقلت: منون أنتم؟ ... ...........................
وقد تقدم في الحكاية.
__________
1 من الآية 259 من سورة البقرة.
2 من الآية 90 من سورة الأنعام.
3 مضى شرحه في هذا الباب عند قوله: ولقد خشيت أن أرى جدبا.
والشاهد: قوله: "القصبا" حيث شدد الباء مع وصلها بحرف الإطلاق.
4 مضى هذا البيت في باب الحكاية.
والشاهد هنا: "منون أنتم" حيث ألحق الواو والنون بهما في الوصل.(3/1490)
الإمالة:
إما الألف أن تنحو بها نحو الياء، ومن لازم ذلك أن ينحى بالفتحة قبلها نحو الكسرة، والنظر في فائدتها، وحكمها، ومحلها، وأصحابها، وأسبابها.
أما فائدتها: فاعلم أن الغرض الأصلي من الإمالة هو التناسب، وقد ترد الإمالة للتنبيه على أصل أو غيره، مما سيأتي ذكره.
وأما حكمها: فإنها وجه جائز، ولغة لبعض العرب.
وسببها مجوز لها لا موجب، فلذلك يجوز فتح كل ممال.
وأما محلها: فالأسماء المتمكنة والأفعال، هذا هو الغالب، وسيأتي التنبيه على ما أميل من غير ذلك.
وأما أصحابها: فتميم وقيس وأسد وعامة أهل نجد، وأما الحجازيون فلغتهم الفتح إلا في مواضع قليلة.
وأما أسبابها فقسمان: لفظي ومعنوي، فاللفظى: الياء والكسرة، والمعنوي: الدلالة على ياء أو كسرة.
وجملة أسباب إمالة الألف -على ما ذكره المصنف- ستة:
الأول: انقلابها عن الياء، الثاني: مآلها إلى الياء، الثالث: كونها بدل عين ما يقال فيه فلت، الرابع: ياء قبلها أو بعدها، الخامس: كسرة قبلها أو بعدها، السادس: التناسب.
تنبيه:
هذه الأسباب كلها راجعة إلى الياء والكسرة، واختلف في أيهما أقوى، فذهب الأكثرون إلى أن الكسرة أقوى من الياء، وأدعى إلى الإمالة، وهو ظاهر كلام سيبويه، فإنه قال في الياء: لأنها بمنزلة الكسرة، فجعل الكسرة أصلا، وذهب ابن السراج إلى أن الياء أقوى من الكسرة، والأول أظهر لوجهين:
أحدهما: أن اللسان يتسفل بها أكثر من تسفله بالياء.(3/1491)
والثاني: أن سيبويه ذكر أن أهل الحجاز يميلون الألف للكسرة، وذكر في الياء أن أهل الحجاز وكثيرا من العرب لا يميلون للياء، فدل هذا من جهة النقل أن الكسرة أقوى.
واعلم أن عبارات المصنفين اختلفت في ذكر أسباب الإمالة، وليس بينهم في ذلك كبير اختلاف، والغرض هنا شرح كلام الناظم.
الألف المبدل من يا في طرف ... أَمِلْ......................
هذا هو السبب الأول، وهو أن يكون الألف بدلا من ياء، وهي على طرف كلمة، وسواء في ذلك الاسم مرمى والفعل نحو رمى وشمل قوله: "من ياء" المبدل من ياء أصلية كالمثالين والمبدل من ياء منقبلة عن واو نحو ملهى وأعطى، واحترز بقوله: "في طرف" من الكائنة عينا، وسيأتي حكمها.
............................. ... ..... كذا الواقع منه اليا خَلَفْ
دون مزيد أو شذوذ......... ... .............................
هذا هو السبب الثاني، وهو أن تكون الألف صائرة إلى الياء دون زيادة ولا شذوذ، وذلك نحو حبلى ومعزى، وكل ما آخره ألف تأنيث مقصورة، فإنها تمال لأنها تئول إلى الياء في التثنية والجمع، فأشبهت الألف المنقبلة عن الياء.
واحترز بقوله: "أو شذوذ" من قلب الألف ياء في الإضافة إلى ياء المتكلم في لغة هذيل، فإنهم يقولون في عصا وقفا: عُصيّ وقُفيّ، ومن قلب الألف ياء في الوقف عند بعض طيئ نحو: عَصَيْ وقَفَيْ، فلا تسوغ الإمالة لأجل ذلك.
واحترز بقوله: "دون مزيد" من رجوع الألف إلى الياء بسبب زيادة كقولهم في تصغير قفا: قُفَى، وفي تكسيره: قُفِيّ، فلا يمال قفا لذلك.
تنبيهات:
الأول: هذا السبب الثاني هو أيضا في الألف الواقع طرفا كالأول.
الثاني: قد علم مما تقدم أن نحو قفا وعصا من الاسم الثلاثي لا يمال؛ لأن ألفه عن واو لا يئول إلى الياء إلا في شذوذ أو بزيادة، وقد سمعت إمالة العشا مصدر الأعشى -وهو الذي لا يبصر ليلا ويبصر نهارا- والمكا -بالفتح- وهو جحر(3/1492)
الثعلب والأرنب، والكبا -بالكسر- الكناسة، وهذه من ذوات الواو، لقولهم: "ناقة عشواء" وقولهم: "المكو والمكوة" بمعنى المكا، وقولهم: "كبوت البيت" إذا كنسته. وهذه الألفاظ الثلاثة مقصورة.
فإن قلت: "فلعل إمالة "الكبا" لأجل الكسرة، فلا تكون شاذة"1.
قلت: الكسرة لا تؤثر في المنقبلة عن الواو.
والثالث: يجوز إمالة الألف في نحو: "دعا وغزا" من الفعل الثلاثي وإن كانت عن واو؛ لأنها تئول إلى الياء في نحو: "دعى وغزى" من المبني للمفعول. وبهذا ظهرالفرق بين الاسم الثلاثي والفعل الثلاثي إذا كانت ألفهما عن واو، وما ذكره نص عليه الفارسي وغيره من النحويين، وظاهر كلام سيبويه التسوية في الثلاثي بين بنات الواو وبنات الياء، فيجيز الإمالة في ذوات الواو في الأسماء والأفعال، والمشهور ما تقدم.
وقوله:
...................... ولما ... تليه ها التأنيث ما الها عدما
يعني: أن للألف التي قبل هاء التأنيث في نحو "مرماة وفتاة" -من الإمالة، لكونها منقبلة عن الياء- ما للألف المتطرفة؛ لأن هاء التأنيث غير معتد بها، فالألف قبلها متطرفة تقديرا.
وهكذا بدل عين الفعل إن ... يؤل إلى فلت كماضي خف ودن
هذا هو السبب الثالث، وهو أن تكون الألف بدلا من عين فعل تكسر فاؤه حين يسند إلى تاء الضمير واويا كان كخاف أو يائيا كدان، فإنك تقول فيهما: خفت ودنت -بحذف عين الكلمة- فيصيران في اللفظ على وزن فِلت، والأصل فعلت، فحذفت العين وحركت الفاء بحركتها.
فإن قلت: أما خاف فعينه مكسورة؛ لأن أصله خوف، وأما دان وطاب ونحوهما، فأصل عينهما الفتح، فكيف يقال: حركت الفاء بحركتها؟
__________
1 أ، ج.(3/1493)
قلت: يقدر تحويلهما إلى فعل -بكسر العين- ثم تنتقل الحركة، هذا مذهب كثير من النحويين، وبعضهم يقول لما حذفت العين حركت الفاء بكسرة مجتلبة للدلالة على أن العين ياء، ولبيان ذلك موضع غير هذا.
واحترز بقوله: "إن بؤل إلى فلت" من نحو: طال وقال، فإنه لا يئول إلى فلت -بالكسر- وإنما يئول إلى فلت -بالضم- في قولك: طلت وقلت. والحاصل أن الألف التي هي عين الفعل تمال إن كانت عن ياء نحو دان أو عن واو مكسورة نحو خاف، فإن كانت عن واو مضمومة نحو طال أو مفتوحة نحو قام لم تمل.
تنبيهات:
الأول: اختلف في سبب إمالة نحو طاب وخاف، قال السيرافي وغيره: إنها للكسرة العارضة في فاء الكلمة؛ ولذلك جعل السيرافي من أسباب الإمالة كسرة تعرض في بعض الأحوال، وهو ظاهر كلام الفارسي، قال: وأمالوا "خاف وطاب" مع المستعلى طلبا للكسر في خفت، وقال ابن هشام الخضراوي: الأولى إن الإمالة في "طاب" لأن الألف فيه منقلبة عن ياء، وفي "خاف" لأن العين مكسورة، أرادوا الدلالة على الياء والكسرة.
الثاني: نقل عن بعض الحجازيين إمالة نحو "خاف وطاب" وفقا لبني تميم، وعامتهم يفرقون بين ذوات الواو نحو "خاف" فلا يميلون، وبين ذوات الياء نحو "طاب" فيميلون.
الثالث: مفهوم قوله: "وهكذا بدل عين الفعل" أن بدل عين الاسم لا تمال؛ لكونها منقبلة عن الياء، وصرح بعضهم بشذوذ إمالة الألف المنقلبة عن ياء عينا في اسم ثلاثي، كقولهم: هذا عاب وناب -بالإمالة- وهو ظاهر كلام سيبويه، وقال صاحب المفصل: والمتوسطة إن كانت في فعل يقال فيه فعلت كطاب وخاف أميلت ولم ينظر إلى ما انقلبت عنه، وإن كانت في اسم نظر إلى ذلك فقيل ناب ولم يقل باب، وهذا يقتضي أن إمالة نحو ناب فيما عينه ياء جائزة إلا أنه ذكر بعد ذلك فيما شذ عن القياس إمالة عاب وألفه عن ياء، قال ابن يعيش: عاب بمعنى العيب، ويقع في بعض النسخ غاب -بالمعجمة- وألفه أيضا عن ياء.(3/1494)
كذاك تالي الياء والفصل اغتُفر ... بحرف أو مع ها كجيبها أدر
هذا هو السبب الرابع، وهو وقوع الياء قبل الألف أو بعدها، فإن كان قبل الألف فشرطها أن تكون متصلة بها كقولك: "سيال" وهو شجر له شوك، أو منفصلة بحرف نحو: "شيبان" أو بحرفين ثانيهما هاء كقولك: "جيبها أدر" فلو كانت مفصولة بحرفين ليس أحدهما هاء أو بأكثر من حرفين امتنعت الإمالة.
تنبيهات:
الأول: إنما اغتفر الفصل بالهاء لخفائها.
الثاني: قال في التسهيل: "أو حرفين ثانيهما هاء" وقال هنا: "أو مع ها" فلم يقيد بكون الهاء ثانية، وكذلك فعل في الكافية.
الثالثة: أطلق قوله: "أو مع ها" وقيده غيره بألا يكون قبل الهاء ضمة نحو: "هذا جيبها" فإنه لا يجوز فيه الإمالة.
الرابع: الإمالة للياء المشددة في نحو "بيَّاع" أقوى منها في نحو "سيال" والإمالة للياء الساكنة في نحو "شيبان" أقوى منها في نحو "حيوان".
الخامس: قد سبق أن من أسباب الإمالة وقوع الياء قبل الألف أو بعدها، ولم يذكر هنا إمالة الألف لياء بعدها، وذكرها في الكافية والتسهيل وشرطها إذا وقعت بعد الألف أن تكون متصلة نحو "بايع" ولم يذكر سيبويه إمالة الألف للياء بعدها، وذكرها ابن الدهان وغيره.
كذاك ما يليه كسر أو يلي ... تالي كسر أو سكون قد وَلِي
كسرا وفصل الها كلا فصل يُعد ... فدر هماك من يمله لم يُصد
هذا هو السبب الخامس، وهو وقوع كسرة بعد ألف أو قبلها، فإن كانت بعدها فشرطها أن يليها نحو مساجد، وإن كانت قبلها فشرطها أن تكون منفصلة بحرف نحو عماد، أو بحرفين أولهما ساكن نحو "شملال"1، أو بحرفين
__________
1 الشملال: الناقة الخفيفة.(3/1495)
متحركين أحدهما هاء نحو "يريد أن يضربها" أو بحرف ساكن بعده متحركان أحدهما هاء نحو "درهماك".
فكل هذا تجوز إمالته، فلو فصل غير ذلك لم تجز الإمالة.
فإن قلت: من أين تؤخذ إمالة نحو "أن يضربها"؟
قلت: من قوله: "وفصل الها كلا فصل" بل إمالته أولى من إمالة درهماك.
تنبيهات:
الأول: قوله: "أو سكون" معطوف على قوله: "كسر" والمعنى: أو يلي تالي سكون قد ولي كسرا نحو "شملال".
الثاني: فلم يذكر في الكافية إمالة نحو "درهماك" وذكر إمالة نحو "أن يضربها" "وذكر سيبويه إمالة نحو أن يضربها"1 عن أناس كثير من العرب، وقال صاحب المفصل: وأما قولهم يريد أن ينزعها ويضربها، فشاذ، والذي سوغه أن الهاء خفية فلم يعتد بها.
الثالث: أطلق في قوله: "وفصل الها كلا فصل" وقيده غيره بألا ينضم ما قبلها احترازا من نحو "هو يضربها" فإنه لا يمال، وتقدم مثل هذا في الياء.
ولما فرغ من ذكر الغالب من أسباب الإمالة شرع في ذكر موانعها فقال:
وحرف الاستعلا يكف مظهرا ... من كسر أو يا وكذا تكف را
مواقع الإمالة ثمانية أحرف منها سبعة تسمى أحرف الاستعلاء، ويجمعها: قظ خص ضغط.
والثامن: الراء غير المكسورة، فهذه الثمانية تمنع إمالة الألف وتكف سببها إذا كان كسرة ظاهرة على تفصيل يأتي.
وعلة ذلك أن السبعة الأولى تستعلى إلى الحنك فلم تمل الألف معها طلبا للمجانسة.
__________
1 أ، ب.(3/1496)
وأما الراء فشبهت بالمستعلية؛ لأنها مكررة.
فإن قلت: أطلق في قوله: "وكذا تكف را" ولم يقيده بغير المكسورة.
قلت: قد علم التقييد بذلك من قوله بعد:
وكف مستعل ورا ينكف ... بكسر را..............
فإن قلت: ما إعراب قوله "مظهرا"؟
قلت: هو مفعول يكف، أي: وحرف الاستعلاء يكف السبب المظهر من الكسرة والياء لا المنوي، فلا يمنع حرف الاستعلاء إمالة الألف في نحو "هذا قاض" في الوقف ولا "هذا ماض"؛ لأن أصله ماضض، ولا إمالة باب خاف وطاب وطغى؛ لأن ما أميل للدلالة على شيء لا يمنعه حرف الاستعلاء.
تنبيه:
وقوله: "أو يا" تصريح بأن حرف الاستعلاء والراء غير المكسورة تمنع الإمالة إن كان سببها ياء ظاهرة، وقد صرح بذلك في الكافية والتسهيل ولم يمثله. وقول الزمخشري: إن حرف الاستعلاء في غير باب خاف وطاب وطغى مانع من الإمالة، ظاهر في موافقته، وقال ابن حيان: لم نجد ذلك في الياء؛ وإنما يمنع مع الكسرة فقط.
إن كان ما يكف بعد متصل ... أو بعد حرف أو بحرفين فصل
اعلم أن المانع المشار إليه، أعني حرف الاستعلاء والراء تمنع متأخرا عن الألف ومتقدما عليها، فإن تأخر فشرطه أن يكون متصلا نحو "فاقد وباخل وناصح" أو منفصلا بحرف نحو "منافق ونافخ وناشط" أو بحرفين نحو "مواثيق ومنافيخ ومواعيظ" فهذه ثلاثة أنواع تمنع إمالتها.
وأما المتصل أو المنفصل بحرف فقال سيبويه: لا يمليها أحد إلا من لا يؤخذ بلغته.
وأما المنفصل بحرفين فنقل سيبويه إمالته عن قوم من العرب لتراخي المانع. قال سيبويه: وهي لغة قليلة، وجزم المبرد بالمنع في ذلك، وهو محجوج بنقل سيبويه.(3/1497)
وقد فهم مما سبق أن حرف الاستعلاء أو الراء، لو فصل بأكثر من حرفين لم يمنع الإمالة.
وفي بعض نسخ التسهيل الموثوق بها: "وربما غلب المتأخر رابعا" ومثال ذلك: "يريد أن يضربها بسوط" فبعض العرب يغلب في ذلك حرف الاستعلاء وإن بعد، وإن تقدم المانع على الألف فقد أشار إليه بقوله:
كذا إذا قُدم ما لم ينكسر ... أو يسكن إثر الكسر كالمطواع مر
يعني: أن حرف الاستعلاء والراء غير المكسورة إذا تقدما على الألف منعا الإمالة "بشرط أن يكون المانع غير مكسور أو ساكنا بعد كسر، فلا يجوز الإمالة"1 في نحو "طالب وصالح وغالب" بخلاف نحو "طلاب وغلاب" ونحو "إصلاح ومطواع" فإن ذلك تجوز إمالته؛ لأن حرف الاستعلاء إذا كان مكسورا أو ساكنا بعد كسر لا يمنع الإمالة.
تنبيهان:
الأول: من أصحاب الإمالة من يمنع الإمالة في نحو مطواع لأجل حرف الاستعلاء، ذكره سيبويه، ولم يذكر في المكسور خلافا.
الثاني: ظاهر قوله: "كذا إذا قدم" أنه يمنع، ولو فصل عن الألف، والذي ذكره سيبويه وغيره أن ذلك إذا كانت الألف تليه نحو قاعد وصالح.
وكف مستعل وار ينكف ... بكسر را كغراما لا أجفو
إذا وقعت الراء المكسورة بعد الألف كفت مانع الإمالة، سواء كان حرف استعلاء نحو: {عَلَى أَبْصَارِهِمْ} 2 أو راء غير مكسورة نحو: {دَارُ الْقَرَارِ} 3.
هذا ونحوه تجوز إمالته ولا أثر فيه لحرف الاستعلاء ولا للراء غير المكسورة؛ لأن الراء المكسورة غلبت المانع، فلم يبقَ لها أثر.
__________
1 ب، ج.
2 من الآية 7 من سورة البقرة.
3 من الآية 39 من سورة غافر.(3/1498)
تنبيه:
من هنا علم أن شرط كون الراء مانعة من الإمالة أن تكون غير مكسورة، فيؤخذ منه إمالة نحو {إِلَى حِمَارِكَ} بطريق الأولى؛ لأنه إذا أميل نحو: أبصارهم، وغارم، ودار القرار؛ مع وجود المقتضي لمنع الإمالة، فإمالة نحو حمارك مما لا مقتضى فيه للمنع أولى.
"ولا تمل لسبب لم يتصل" يعني: أن سبب الإمالة لا يؤثر إذا لم يتصل، يعني: إذا كان من كلمة أخرى فلا يمال ألف "سابور" للياء قبلها في قولك: "رأيت يدي سابور" لأنها منفصلة، وكذلك لو قلت1:
ها إن تا عذرة.........
لم تمل ألف "ها" لكسرة إن؛ لأنها من كلمة أخرى.
والحاصل أن شرط تأثير سبب الإمالة أن يكون من الكلمة التي فيها الألف.
__________
1 قائله: هو النابغة الذبياني، وهو من البسيط.
وتمامه:
........ إن لم تكن نفعت ... فإن صاحبها قد تاه في البلد
اللغة "العذرة" -بكسر العين- العذر، وبضمها البكارة، وروي: "فإن صاحبها مشارك النكد" "صاحبها" أي: صاحب العذرة ويعني بها نفسه "تاه" ضل عن الطريق "البلد" الأثر والأرض، وقيل هنا بمعنى المفازة، فإن تحير فيالمفازة يهلك، وروي: ها إن ذي عذرة.
المعنى: إن لم تقبل عذري وترضى عليَّ فإني أختل حتى أني أضل في البلدة التي أنا فيها من عظيم الدهشة.
الإعراب: "ها" للتنبيه "تاء" اسم إشارة بمعنى هذه مبتدأ "عذرة" خبر المبتدأ "إن" شرطية "لم" حرف نفي "تكن" فعل مضارع مجزوم من كان الناقصة وهي فعل الشرط واسمها ضمير مستتر فيه "نفعت" فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير والجملة في محل نصب خبر تكن "فإن" الفاء واقعة في جواب الشرط وإن حرف توكيد ونصب "صاحبها" اسم إن وها مضاف إليه "قد" حرف تحقيق "تاه" فعل ماض والفاعل ضمير والجملة في محل رفع خبر إن "في البلد" جار ومجرور متعلق بتاه.
الشاهد: قوله: "ها إن" على أن ألف ها في البيت لا تجوز إمالتها؛ لأنها من كلمة والكسر من كلمة.
مواضعه: ذكره الأشموني 772/ 3، وابن يعيش 113/ 8، والخزانة 478/ 2، 487/ 3، وشرح الشافية 80/ 4.(3/1499)
تنبيهان:
الأول: يستثنى من ذلك ألف "ها" التي هي ضمير المؤنثة في نحو "لم يضربها، وأدر جيبها"، فإنها قد أميلت، وسببا منفصل. أعني: من كلمة أخرى.
الثاني: ذكر غير المصنف أن الكسرة إذا كانت منفصلة عن الألف فإنها قد تمال الألف لها، وإن كانت أضعف من الكسرة التي معها في الكلمة، قال سيبويه: وسمعناهم يقولون: "لزيد مال" فأمالوا للكسرة، فشبهوه بالكلمة الواحدة، وليس كلام المصنف على عمومه.
والكف قد يوجبه ما ينفصل
يعني: أن سبب المنع قد يؤثر وهو منفصل، أي: ولو كان من كلمة أخرى نحو: "يريد أن يضربها قبل" فلا تمال الألف لأن القاف بعدها، وهي مانعة من الإمالة، ولو انفصلت.
فإن قلت: لم أثر المانع منفصلا، ولم يؤثر سبب الإمالة منفصلا؟
قلت: لأن الفتح -أعني ترك الإمالة- أصل، فيصار إليه لأدنى سبب، ولا يخرج عنه إلا لسبب محقق.
تنبيهان:
الأول: فهم من قوله: "قد يوجبه" أن ذلك ليس عند كل العرب، فإن من العرب من لا يعتد بحرف الاستعلاء إذا ولي الألف من كلمة أخرى فيميل، إلا أن الإمالة في المنفصل نحو: "مررت بمال ملق" أقوى منها في المتصل نحو "بمال قاسم".
الثاني: قال في شرح الكافية: إن سبب الإمالة لا يؤثر إلا متصلا، وإن سبب المنع قد يؤثر منفصلا، فيقال: "أتى أحمد" بالإمالة, "أتى قاسم" بترك الإمالة، وتبعه الشارح في هذه العبارة، وفي التمثيل بأتى في قاسم نظر؛ فإن متقضاه أن حرف الاستعلاء يمنع إمالة الألف المنقلبة عن ياء، وليس كذلك.
وقد أمالوا لتناسب بلا ... داع سواه كعمادا وتلا(3/1500)
هذا هو السبب السادس من أسباب الإمالة، وهو التناسب، وعبر بعضهم عنه بقوله: الإمالة للإمالة، وعبر عنه آخرون بقولهم: الإمالة لمجاورة الممال؛ وإنما آخره لضعفه بالنسبة إلى الأسباب المتقدمة.
ثم إن إمالة الألف للتناسب لها صورتان، إحداهما: أن تمال لمجاورة ألف ممالة كإمالة ثاني الألفين في نحو: رأيت عمادا.
والأخرى: أن تمال لكونها آخر مجاور ما أميل آخره، كإمالة ألف "تلا" من قوله تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} 1 فأميلت ألف تلاها ليشاكل اللفظ بها اللفظ بما بعدها.
وإلى هذا أشار بقوله "تلا" ومثل هذا شرح الكافية بإمالة ألفي {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} 2 ليشاكل التلفظ بهما بما بعدها.
فإن قلت: في تمثيله بتلا وضحى نظر، فإن ألفهما تجوز إمالتها لسبب غير التناسب؛ لأنها تئول إلى الياء إذا بني الفعل للمفعول، وقد تقدم بيانه، وإنما ينبغي تمثيل هذا النوع بما لا سبب لإمالته غير التناسب.
قلت: السبب المقتضي لإمالة نحو دعا مما ألفه عن واو لم تعتبره القراء؛ ولذلك لم يميلوا هذا النوع حيث وقع، وإنما أمالوا منه ما جاور الممال، فلما أمالوا "تلاها" ونحوه وليس عادتهم إمالة ذلك، علم أن الداعي إلى إمالته عندهم إنما هو التناسب.
تنبيه:
استفيد من تمثيله فائدتان:
إحداهما: التنبيه على صورتي الإمالة للتناسب كما سبق.
والآخرى: أن الألف قد تمال لمناسبة الألف قبلها نحو "عمادا" فإن الألف الثانية أميلت لمناسبة الأولى "وقد تمال لمناسبة ألف بعدها"3 كإمالة ألف "تلالها" لمناسبة ما بعده مما ألفه عن ياء أعني "جلاها ويغشاها".
__________
1 من الآية 2 من سورة الشمس.
2 الآيتان: 1، 2 من سورة الضحى.
3 ب، ج.(3/1501)
فإن قلت: فلا جعلت إمالة "ألف"1 تلاها لمناسبة ما قبله أعني: ضحاها؟
قلت: ألف ضحاها عن واو، وإنما أميل لمناسبة ما بعده أيضا.
فإن قلت: هي يقاس على إمالة الألف الثانية في "عمادا" لمناسبة الأولى؟
قلت: ظاهر كلام سيبويه أنه يقاس عليه، فإنه قال: وقالوا مغزانا في قول من قال: "عمادا" فأمالهما جميعا، وذا قياس. انتهى.
ولا تُمل ما لم ينل تمكنا ... دون سماع غير ها وغير نا
الإمالة من خواص الأفعال والأسماء المتمكنة؛ فلذلك لا تطرد إمالة غير المتمكن، نحو إذا وما، إلا ها ونا، نحو: "مر بها ونظر إليها، ومر بنا ونظر إلينا" فهذان تطرد إمالتهما؛ لكثرة استعمالهما.
وأشار بقوله: "دون سماع" إلى ما سمعت إمالته من الاسم غير المتمكن، وهو "ذا" الإشارية، و"متى" و"أنى" وقد أميل من الحروف: بلى، ويا في النداء، ولا في قولهم: "إما لا" لأن هذه الأحرف نابت عن الجمل، فصار لها بذلك مزية على غيرها، وحكى قطرب إمالة "لا" في الجواب؛ لكونها مستقلة، ومنع سيبويه ومن وافقه إمالة "حتى، وحكى ابن مقسم2 الإمالة فيها عن بعض أهل نجد وأكثر أهل اليمن، وحكيت إمالتها عن حمزة والكسائي.
تنبيهات:
الأول: لا تمنع الإمالة فيما عرض بناؤه نحو "يا فتى" و"يا حبلى" لأن الأصل في ذلك الإعراب.
__________
1 ب.
2 هو محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم النحوي. قال ياقوت: ولد سنة 265 وسمع أبا مسلم وثعلبا ويحيى بن محمد بن صاعد، وكان ثقة من أعرف الناس بالقراءات وأحفظهم لنحو الكوفيين، وله: كتاب في النحو كبير، المقصور والممدود، المذكر والمؤنث، الوقف والابتداء وغيرها ذلك، ومات لثمان خلون من ربيع الآخر سنة 354، وقيل: سنة 353هـ.(3/1502)
الثاني: لا إشكال في جواز إمالة الفعل الماضي وإن كان مبنيا، قال المبرد: وإمالة عسى جيدة.
فإن قلت: قد يورد على كلام الناظم الفعل الماضي فإنه يطلق عليه غير متمكن كما قيل.
قلت: إن سلم أنه يطلق عليه غير متمكن، فلوضوحه لم يذكره، وأيضا فقد تقدم أول الباب ذكر الإمالة فيه.
فإن قلت: قول صاحب المفصل: والأسماء غير المتمكنة يمال منها المستقل بنفسه نحو: ذا ومتى وأنى، ولا يمال ما ليس بمستقل نحو: ما الاستفهامية أو الشرطية أو الموصولة ... ونحو إذا، يقتضي أن إمالة ذات ومتى وأنى غير شاذ.
قلت: لا إشكال في أن الإمالة في ذلك شاذة؛ لأن الألف في غير المتمكن أصل غير منقلبة ولا سبب لإمالتها، وكأنه أراد الإشارة إلى المعنى الذي لحظه من أمالها من العرب وهو الاستقلال، وإن كان ذلك مما لا يجعل سببا يقاس عليه.
والفتح قبل كسر راء في طرف ... أمل كللأيسر مِلْ تُكْفَ الكُلَفْ
اعلم أن الفتحة قد تمال كما تمال الألف؛ لأن الغرض من الإمالة مشاكلة الأصوات وتقريب بعضها من بعض، وذلك موجود في الحركة كما أنه موجود في الحرف، ولإمالة الفتحة سببان:
الأول: أن تكون قبل راء مكسورة نحو قوله تعالى: {تَرْمِي بِشَرَرٍ} 1 و {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} 2 ومل للأيسر، فإمالة ذلك ونحوه مطرد.
تنبيهات:
الأول: فهم من قوله "والفتح" أن المال في ذلك الفتح، لا المفتوح. وقول سيبويه: "أمالوا المفتوح" فيه تجوز.
__________
1 من الآية 32 من سورة المرسلات.
2 من الآية 95 من سورة النساء.(3/1503)
الثاني: لا فرق بين أن تكون الفتحة في حرف استعلاء نحو من البقر، أو في راء نحو بشرر، أو في غيرهما نحو من الكبر.
الثالث: فهم من قوله: "قبل كسر راء" أن الفتحة لا تمال لكسرة راء قبلها نحو رمم، وقد نص غيره على ذلك.
الرابع: شرط أن شرط أن تكون الفتحة قبل راء، وظاهره أن مراده أن تكون متصلة كما مثل، فعلى هذا لو فصل بينهما لم تمل، وليس ذلك على إطلاقه، بل فيه تفصيل، وهو أن الفاصل بين الفتحة والراء إن كان مكسورا أو ساكنا غير ياء فهو مغتفر، وإن كان غير ذلك يمنع الإمالة؛ فتمال الفتحة في نحو "أشر" وفي نحو "عمرو" لا في نحو بجير، نص على ذلك سيبويه، ونبه عليه المصنف في بعض نسخ التسهيل.
الخامس: شرط أن تكون الراء في طرف، وفي بعض نسخ التسهيل: أن تكون لاما، وليس اشتراط ذلك بصحيح؛ لأن سيبويه قد ذكر إمالة فتحة الطاء في قولهم: "رأيت خبط1 رياح" وذكر غيره أنه يجوز إمالة فتحة العين في نحو "العرد"2 والراء في ذلك ليست بلام، ولعله إنما خص الطرف لكثرة ذلك فيه.
السادس: أطلق في قوله: "أمل" فعلم أن الإمالة في ذلك جائزة وصلا ووقفا، بخلاف إمالة الفتحة للسبب الآتي، فإنها خاصة بالوقف.
السابع: أهمل من شروط إمالة الفتحة لكسرة الراء شرطين غير ما ذكر:
أحدهما: ألا تكون على ياء، فلا تمال فتحة الياء في نحو "من الغير" نص على ذلك سيبويه.
وذكره في بعض نسخ التسهيل.
والآخر: ألا يكون بعد الراء حرف استعلاء نحو "من الشرق" فإنه مانع من الإمالة، نص على ذلك سيبويه أيضا.
__________
1 الخبط بفتحتين: ورق العضاة من الطلح ونحوه، يضرب بالعصا ليتناثر ثم تعلف به الإبل.
2 العرد: الشديد من كل شيء.(3/1504)
فإن قلت: فهل يشترط ألا يتقدم على الفتحة حرف استعلاء؟
قلت: لا؛ لأن الراء المكسورة تغلب المستعلى إذا وقع قبلها، فيمال نحو "من الضرر".
الثامن: قد ظهر بما ذكرناه أن كلام الناظم في إمالة الفتحة لكسرة الراء غير محرر، وتحريره أن يقال: تمال كل فتحة في غير ياء قبل راء مكسورة متصلة بها أو مفصولة بمكسور أو ساكن غير ياء، وليس بعد الراء حرف استعلاء.
التاسع: منع سيبويه إمالة الألف في نحو "من المحاذر" إذا أميلت فتحة الذال، قال: ولا تقوى على إمالة الألف، أي: ولا تقوى إمالة الفتحة على إمالة الألف قبلها. أمال هنا ألف "المحاذر" لأجل إمالة فتحة الذال، وضعف ما ذهب إليه ابن خروف بأن الإمالة للإمالة من الأسباب الضعيفة، فينبغي ألا ينقاس شيء منها إلا في المسموع، وهو إمالة الألف، لأجل إمالة الألف قبلها أو بعدها.
كذا الذي تليه ها التأنيث في ... وقف إذا ما كان غير ألف
هذا هو السبب الثاني من سببي إمالة الفتحة، فتمال كل فتحة تليها هاء التأنيث، إلا أن إمالتها مخصوصة بالوقف، وبذلك قرأ الكسائي في إحدى الروايتين عنه، والرواية الأخرى أنه أمال إذا كان قبل الهاء أحد خمسة عشر حرفا، يجمعها قولك: فجئت زينب لذود شمس. وفصل في أربعة يجمعها قولك: أكهر1. فأمال فتحتها إذا كان قبلها كسرة أو ياء ساكنة على ما هو معروف في كتب القرءات.
تنبيهات:
الأول: قوله: "كذا الذي تليه ها التأنيث" يعني به أن فتحة الذي تليه هاء التأنيث تمال، لا الحرف الذي تليه هاء التأنيث، وقد تجوز من عبر عن ذلك بإمالة هاء التأنيث.
__________
1 قال في القاموس: الكهر: القهر والانتهار والضحك واستقبالك إنسانا بوجه عابس تهاونا.(3/1505)
الثاني: إنما قال: "ها التأنيث" ولم يقل: تا التأنيث؛ لتخرج التاء التي لم تقلب ها، فإن الفتحة لا تمال قبلها.
الثالث: لا فرق في هاء التأنيث بين أن تكون لمعنى التأنيث أو لغير ذلك، كالمبالغة نحو "علامة" فإن الإمالة جائزة في جميع ذلك؛ لأن هاء المبالغة هي هاء التأنيث.
الرابع: خرج بقوله: "ها التأنيث" ها السكت نحو {كِتَابِيَهْ} 1 فلا تمال الفتحة قبلها، هذا هو الصحيح، وذهب ثعلب وابن الأنباري إلى جواز الإمالة فيما قبلها، وقرأ به أبو مزاحم الخاقاني في قراءة الكسائي.
الخامس: استثنى المصنف مما "كان"2 قبل هاء التأنيث الألف، فإنها لا تصح إمالتها نحو: الصلاة والحياة.
فإن قلت: لم يكن لاسثنائه الألف حاجة؛ لأن كلامه في إمالة الفتحة لا في إمالة الحرف، فلم تندرج الألف في قوله: "كذا الذي تليه ها التأنيث" لأن مراده الفتحة فلم يشمل كلامه إلا كل مفتوح.
قلت: هو كذلك، ولكن نبه على منع إمالة الألف لئلا يتوهم أن بهاء التأنيث تسوغ إمالة الألف كما سوغت إمالة الفتحة.
فإن قلت: ما وجه إمالة الفتحة قبل هاء التأنيث؟
قلت: ذكر سيبويه أن سبب ذلك شبه الهاء بالألف، فأميل ما قبلها كما يمال ما قبل الألف، ولم يبين سيبويه بأي ألف شبهت، والظاهر أنها شبهت بألف التأنيث.
__________
1 من الآية 25 من سورة الحاقة.
2 أ.(3/1506)
خاتمة لباب الإمالة:
ذكر بعضهم لإمالة الألف سببين غير ما سبق:
أحدهما: الفرق بين الاسم والحرف، وذلك في "را" وما أشبهها من فواتح السور. قال سبيويه:
وقالوا: را ويا وتا، يعني بالإمالة؛ لأنها أسماء ما يلفظ به، فليست كإلى وما ولا وغيرها من الحروف المبنية على السكون، وحروف التهجي التي في أوائل السور إن كان في آخرها ألف فمنهم من يفتح ومنهم من يميل، وإن كان في وسطها ألف نحو كاف وصاد، فلا خلاف في الفتح.
والآخر: كثرة الاستعمال، وذلك إمالتهم "الحجاج" علما في الرفع والنصب، وكذلك "العجاج" في الرفع والنصب، وذكره بعض النحويين، وإمالة "الناس" في الرفع والنصب.
قال ابن برهان في آخر شرح اللمع: روى عبد الله بن داود عن أبي عمرو بن العلاء إمالة "الناس" في جميع القرآن مرفوعا ومنصوبا ومجرورا.
واعلم أن الإمالة لهذين السببين شاذة لا يقاس عليها، بل يقتصر في ذلك على ما سمع. والله أعلم.(3/1507)
التصريف:
اعلم أن علم النحو مشتمل على نوعين؛ أحدهما: علم الإعراب، والآخر: علم التصريف، وذلك أن علم النحو مشتمل على أحكام الكلم العربية، وتلك الأحكام نوعان: إفرادية وتركيبية، فالإفرادية هي علم التصريف، والتركيبية هي علم الإعراب؛ ولذلك يقال في حد علم النحو: علم يُعرف به أحكام الكلم العربية إفرادا وتركيبا.
فإن قلت: الأحكام التركيبية نوعان: إعرابي وغير إعرابي، فكيف أطلق على جميعها علم الإعراب؟
قلت: أطلق على النوعين علم الإعراب تغليبا، ثم إن المسمى بعلم التصريف وهي الأحكام الإفرادية تنقسم إلى قسمين:
أحدهما: جعل الكلمة على صيغ مختلفة، لضروب من المعاني كالتصغير والتكسير واسم الفاعل واسم المفعول، وهذا القسم جرت عادة كثير من المصنفين بذكره قبل التصريف كما فعل الناظم وهي في الحقيقة من التصريف.
والآخر: تغيير الكلمة لغير طارئ عليها، ولكن لغرض آخر، وتنحصر في الزيادة والحذف والإبدال والقلب والنقل والإدغام، وهذا القسم هو المقصود هنا بقولهم: التصريف.
وقد عرف التصريف في الكافية بقوله: تغيير بنية لمعنى قصدا.
فإن قلت: هذا التعريف لا يشمل قسمي التصريف، وإنما شمل الأول أعني: تغيير الكلمة لمعنى.
قلت: المراد بقوله لمعنى ما ذكره في شرحها؛ إذ قال: التصريف تحويل الكلمة من بنيتها إلى غيرها لغرض لفظى أو معنوي، فهو إذن شامل للنوعين، وقد حده في التسهيل بقوله: التصريف علم يتعلق ببنية الكلمة، وما لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال، وشبه ذلك.
وقال الشارح: تصريف الكلمة هو تغيير بنيتها بحسب ما يعرض لها من المعنى، كتغيير المفرد إلى التثنية والجمع، وتغيير المصدر إلى بناء الفعل واسمي(3/1508)
الفاعل والمفعول، ولهذا التغيير أحكام كالصحة والإعلال، ومعرفة تلك الأحكام وما يتعلق بها تسمى علم التصريف، فالتصريف إذن: هو العلم بأحكام بنية الكلمة بما لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وشبه ذلك.
حرف وشبهه من الصرف بَرِي ... وما سواهما بتصريف حَرِي
لا حَظَّ في التصريف للحروف ولا للأسماء غير المتمكنة ولا للأفعال الجامدة، أعني: ليس وعسى ونحوهما، وإنما يكون التصريف في الأسماء المتمكنة والأفعال المتصرفة، وهو المراد بقوله: "وما سواهما بتصريف حري" أي: حقيق.
فإن قلت: مقتضى قوله: "وما سواهما" أن التصريف يدخل الأفعال مطلقا؛ إذ لم يستثن الجامدة.
قلت: قد يمكن إدراجها في شبه الحرف، فإن ليس وعسى ونحوهما شابها الحروف في الجمود.
فإن قلت: قد دخل التصريف في بعض الأسماء التي تشبه الحرف نحو ذا والذي، فإنهما قد صغرا، وقد جاء الحذف في سوف وإن، وجاء الحذف والإبدال في لعل.
قلت: هذا كله شاذ، يوقف على ما سمع منه.
فإن قلت: قد اتضح أن الذي يقبل التصريف من الكلم نوعان: الأسماء المتمكنة والأفعال المتصرفة، فأيهما له الأصالة فيه؟
قلت: الأفعال لكثرة تغيرها ولظهور الاشتقاق فيها.
وليس أدنى من ثلاثي يرى ... قابل تصريف سوى ما غُيرا
يعني: أن ما كان على حرف واحد أو حرفين فإنه لا يقبل التصريف، إلا أن يكون ثلاثيا في الأصل وقد غير بالحذف، فإن ذلك لا يخرجه عن قبول التصريف.
وقد فهم من ذلك أمران؛ أحدهما: أن الاسم المتمكن والفعل لا ينقصان في أصل الوضع عن ثلاثة أحرف؛ لأنهما يقبلان التصريف، وما يقبل التصريف لا يكون في أصل الوضع على حرف واحد، ولا على حرفين.(3/1509)
والآخر: أن الاسم والفعل قد ينقصان عن الثلاثة بالحذف، أما الاسم فإنه قد يرد على حرفين، بحذف لامه نحو يد، أو عينه نحو سه أو فائه نحو عدة، وقد يرد على حرف واحد نحو "م الله" عند من يجعله محذوفا من "ايمن الله" وكقول بعض العرب: شربت ما، وهذا قليل، وأما الفعل فإنه قد يرد على حرفين نحو قل وبع وسل، وقد يرد على حرف واحد نحو "ع كلامي، وق نفسك" وذلك فيما أعلت فاؤه ولامه، فيحذفان في الأمر.
ومنتهى اسم خمسٌ ان تجردا ... وإن يُزد فيه فما سبعا عدا
الاسم ينقسم إلى مجرد من الزوائد، وإلى مزيد فيه.
فالمجرد ثلاثة أنواع: ثلاثي ورباعي وخماسي، فلا ينقص عن الثلاث؛ لأن الثلاثي أعدل الأبنية لتوسطه بين الخفة والثقل؛ لانقسامه على المراتب الثلاث: المبتدأ والمنتهى والوسط بالسوية، ولأن المبدوء به لا يكون إلا متحركا والموقوف عليه ساكن فلا بد من حرف يفصل بينهما لتنافيهما في الصفة.
فإن قلت: ذلك الفاصل إن كان متحركا نافَى الموقوف عليه، وإن كان ساكنا نافَى المبدوء به.
قلت: قد أجيب عن ذلك بأنه لما جاز عليه الأمران لم يتحقق التنافي ولا يزيد على الخمسة؛ لأمرين:
أحدهما: أنهم جعلوا زيادته على قدر نقصانه.
والآخر: أنه لو وضع على ستة لتوهم أنه كلمتان.
فإن قلت: قد تقدم أن الثلاثي أعدل الأبنية فلم عدلوا عنه إلى الرباعي والخماسي؟
قلت: للتوسع بكثرة الأبنية.
وأما المزيد: فيبلغ بالزيادة سبعة أحرف ولا يتجاوزها إلا بهاء التأنيث أو زيادتي التثنية أو التصحيح أو النسب.
فإن قلت: فكيف قال: "فما سبعا عدا" ولم يستثن هاء التأنيث وما ذكر معها؟
قلت: هذه زوائد، وقد علم أنها غير معتد بها؛ لكونها مقدرة الانفصال.(3/1510)
تنبيهات:
الأول: إنما يبلغ المزيد بالزيادة سبعة أحرف إذا كان ثلاثي الأصول نحو "أشهيباب" مصدر اشهابَّ1 أو رباعي الأصول نحو "احرنجام" مصدر احرنجمت الإبل؛ أي: اجتمعت. وأما الخماسي الأصول، فإنه لا يزاد فيه غير حرف مد قبل الآخر أو بعده مجردا أو مشفوعا بها التأنيث نحو "عضرفوط" وهو ذكر العظاءة2 وقبعثرى وهو البعير3.
ومثال المشفوع بهاء التأنيث قبعثراة وندر قرعبلانة4؛ لأنه زيد فيه حرفان وأحدهما نون، وقيل: إنه لم يسمع إلا من كتاب العين فلا يلتفت إليه، والقرعبلانة دويبة عريضة عظيمة البطن.
الثاني: ذكر بعضهم أنه زيد في الخماسي حرفا مد قبل الآخر نحو "مغناطيس" قيل: فإن صح وكان عربيا كان ناقصا، لقولهم: إنه لا يزاد فيه إلا حرف مد قبل الآخر.
قلت: إن صح وكان عربيا جعل نادرا كما ندر زيادة حرفين بعد الآخر في "قرعبلانة".
وقد حكاه ابن القطاع، أعني: مغناطيس.
الثالث: اعلم أن حروف الهجاء تذكر وتؤنث، فباعتبار تذكيرها تثبت التاء في عددها، وباعتبار تأنيثها تسقط التاء من عددها، فلذلك قال: "فما سبعا عدا".
__________
1 اشهاب -بتشديد الباء- إذا صار أشهب من الشهبة بضم الشين، وهو بياض يخالطه سواد.
2 عبارة القاموس: العضرفوط العذفوط أو ذكر العظام أو هو دواب الجن وركائبهم، والجمع عضارف وعضرفوطات. اهـ. وقال في محل آخر: العذفوط -بالضم- دويبة بيضاء ناعمة تشبه بها أصابع الجواري. اهـ. وفي محل آخر: العظاية دويبة كسام أبرص والجمع عظاء. اهـ.
3 أي: البعير الذي كثر شعره وعظم خلقه.
4 القرعبلانة: دويبة عريضة عظيمة البطن.(3/1511)
وغير آخر الثلاثي افتح وضم ... واكسر وزد تسكين ثانيه تَعم
تقدم أن المجرد ثلاثي ورباعي وخماسي، فالثلاثي تقتضي القسمة العقلية أن تكون أبنيته اثني عشر بناء؛ لأن أوله يقبل الحركات الثلاث ولا يقبل السكون؛ إذ لا يمكن الابتداء بساكن، وثانيه يقبل الحركات الثلاث والسكون أيضا. والحاصل من ضرب ثلاثة في أربعة اثنا عشر.
وأما الآخر فلا عبرة به في وزن الكلمة، فإنه حرف الإعراب؛ فلذلك قال: "وغير آخر الثلاثي" فعزى إلى غير آخره، وهو أوله وثانيه الحركات الثلاث، بلا تقييد. فعلم أن ذلك يكون فيهما بتوافق وتخالف، فللتوافق ثلاثة أوزان، والمخالف ستة أوزان، ثم قال: "وزد تسكين ثانيه تعم" أي: وزد على تلك الأبنية التسعة ما سكن ثانيه تعم، وأوله مفتوح أو مكسور أو مضموم، يعم القسمة الممكنة في الثلاثي، وهي اثنا عشر بناء، منها عشرة مستعملة وواحد مهمل، وواحد نادر، وقد أشار إليهما بقوله:
وفعل أُهمل والعكس يَقِل ... لقصدهم تخصيص فِعْل بفُعِلْ
أهمل من أبنية الثلاثي فِعُل -بكسر الفاء وضم العين- لاستثقالهم الانتقال من كسر إلى ضم، وأما قراءة بعضهم: "وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحِبُكِ"1 بكسر الحاء وضم الباء، فوجهت على تقدير صحتها بوجهين:
أحدهما: أن ذلك من تداخل اللغتين في جزأي الكلمة؛ لأنه يقال: حُبُك -بضم الحاء والباء- وحِبِك -بكسرهما- فركب القارئ منهما هذه القراءة، قال ابن جني: أراد أن يقرأ بكسر الحاء والباء، فبعد نطقه بالحاء مكسورة مال إلى القراءة المشهورة، فنطق بالباء مضمومة، قال في شرح الكافية: وهذا التوجيه لو اعترف به من عزيت هذه القراءة له لدل على عدم الضبط ورداءة التلاوة، ومن هذا شأنه لا يعتمد على ما سمع منه، لإمكان عروض ذلك له.
__________
1 الآية 7 من سورة الذاريات.(3/1512)
والآخر: أن يكون كسر الحاء إتباعا لكسر تاء ذات، ولم يعتد باللام الساكنة؛ لأن الساكن حاجز غير حصين، قيل: وهو أحسن.
وقوله: "والعكس" يعني به بناء فَعِل -بضم الفاء وكسر العين- وهذا الوزن فيه خلاف، ذهب قوم إلى أنه مهمل؛ لاستثقال الانتقال من ضم إلى كسر وإن كان أخف من عكسه.
وذهب قوم إلى أنه مستعمل، لكنه قليل، وهو الظاهر، وقد جاء منه الدئل، وهو اسم دويبة سميت بها قبيلة من كنانة، وأنشد الأخفش لكعب بن مالك1:
جاءوا بجيش لو قيس معرسه ... ما كان إلا كمعرس الدئل
والرئم: اسم جنس للاست، والوعل: لغة في الوعل، حكاه الخليل، فثبت بهذه الألفاظ أنه ليس بمهمل.
وقوله: "لقصدهم تخصيص فعل بفعل" يعني: أن بناء فعل إنما قل في الأسماء؛ لأنهم قصدوا تخصيص الفعل به للدلالة على ما لم يسم فاعله، ولو أهمل لثقله لم يستعمل في الأفعال، وقال أبو الفتح نصر بن أبي الفنون2: أما دئل
__________
1 قائله: هو كعب بن مالك الأنصاري يصف جيش أبي سفيان حين غزا المدينة، بالقلة والحقارة، وهو من المنسرح.
اللغة: "لو قيس" أي: لو قدر "معرسه" -بضم الميم وسكون العين وفتح الراء- وهو المنزل الذي ينزل به الجيش "الدئل" -بضم الدال وكسر الهمزة- دويبة صغيرة شبيهة بابن عرس.
المعنى: لو قدر مكانهم عند تعريسهم كان كمكان الدئل عند تعريسها.
الإعراب: "جاءوا" فعل ماض والواو فاعل "بجيش" جار ومجرور متعلق بالفعل "لو" شرط "قيس" فعل ماض والواو فاعل "معرسه" نائب فاعل، فالجملة فعل للشرط "ما كان" ما نافية كان فعل ماض واسمها ضمير "كمعرس" جار ومجرور خبر كان في محل نصب "الدئل" مضاف إليه.
الشاهد: قوله: "الدئل" فإنه بضم الدال وكسر الهمزة، فذهب جماعة إلى أن هذا الوزن مستعمل واحتجوا به وخالفهم الجمهور إلى أن هذا مهمل وهو نادر.
مواضعه: ذكره الأشموني 782/ 3، وابن يعيش 30/ 1، وشرح شواهد الشافية ص12.
2 هو نصر بن محمد بن المظفر بن عبد الله بن أبي الفنون الموصلي الأصل البغدادي النحوي اللغوي، ولد سنة خمسين وخمسمائة، وله رسالة في الضاد والظاء بديعة. روى عنه الزكي المنذري، ومات بمصر ليلة الأحد مستهل المحرم سنة ثلاثين وستمائة. اهـ.(3/1513)
ورئم، فقد عده قوم من النحويين قسما حادي عشر لأوزان الثلاثي، وإنما هي عند النحويين عشرة، انتهى.
وقد أجاب القائلون بإهمال هذا الوزن عن الدئل والرئم بجوابين:
أحدهما: أنهما من الشاذ، فلا يثبت بهما وزن، قلت: وفيه نظر؛ لأن سيبويه أثبت بناء فعل بلفظ واحد وهو إبل، وسيأتي ذكره.
والآخر: أنهما منقولان من الفعل، واعترض بأن ذلك ممكن في الدئل؛ لأنه علم قبيلة بخلاف الرئم فإنه اسم جنس، والنقل لا يكون إلا في الأعلام.
قلت: ذهب السيرافي إلى أن النقل يجيء في أسماء الأجناس كما جاء في الأعلام.
قال: ومنه تنوط اسم لطائر يعلق عشه ويلصقه ضربا من الإلصاق بديعا فسمي بالفعل، انتهى. ولا وجه للتفرقة بين الدئل والرئم؛ لأن الدئل في الأصل اسم جنس لدويبة ثم نقل إلى القبيلة.
تنبيه:
قد فهم من هذا البيت أن ما عدا هذين "الوزنين"1 مستعمل ليس بمهمل ولا نادر، وهي عشرة أوزان:
أولها: فَعْل، ويكون اسما نحو فلس، وصفة نحو سهل.
وثانيها: فَعَل، ويكون اسما نحو فرس، وصفة نحو بطل.
وثالثها: فَعِل، ويكون اسما نحو كبد، وصفة نحو حذر.
ورابعها: فَعُل، ويكون اسما نحو عضد، وصفة نحو يقظ.
وخامسها فِعْل: ويكون اسما نحو عدل، وصفة نحو نكس.
وسادسها: فِعَل، ويكون اسما نحو عنب، قال سيبويه: ولا نعلمه جاء صفة إلا في حرف معتل يوصف به الجمع وهو قولهم: عدي، وقال غيره: لم يأتِ من الصفات على فعل إلا زيم -بمعنى متفرق- وعدى اسم جمع. وقال
__________
1 ب، ج.(3/1514)
السيرافي: استدرك على سيبويه قيما في قراءة من قرأ: "دِينًا قِيَمَا"1 ولعله يقول: إنه مصدر بمعنى القيام. انتهى. واستدرك بعض النحاة على سيبويه ألفاظا أخر؛ وهي سِوًى في قوله تعالى: "مَكَانًا سِوًى"2. ورجل رِضًى، وماء رِوًى، وماء صِرًى، وسبي طِيَبَة3، ومنهم من تأولها.
وسابعها: فِعِل، ويكون اسما نحو إبل، وصفة نحو أتان بلز -وهي السمينة- ولم يذكر سيبويه من هذا الوزن غير إبل، وأما بلز "فحكاه الأخفش مخفف الزاي، وحكاه سيبويه مشدد الزاي، قيل: فيحتمل أن يكون"4 ما حكاه الأخفش مخففا من المشدد، فلا يكون بناء أصليا، قال بعضهم: ولا ثالث لهذين اللفظين.
قلت: وزاد بعضهم: حبرة5 ولا أفعل ذلك أبد الأبد، وعيل -اسم بلد- ووتد وإطل ومشط ودبس وإثر، لغة في الوتد والإطل والمشط والدبس والأثر، وزاد غيره حِبِك لغة في الحُبُك، وقد تقدم.
وجاء في الصفات أيضا: أتان إِبد، وأمة إِبد أي: ولود.
قال ثعلب: لم يأتِ من الصفات على فِعِل إلا حرفان امرأة إِبِد أي: ولود، وأتان بِلِز أي: ضخمة، وأما قوله6:
__________
1 من الآية 161 من سورة الأنعام.
2 من الآية 58 من سورة طه.
3 رِوًى أي: كثير مرو، ويقال: رواء كسماء.
صرى أي: طال مكثه.
سبي طيبة: في المصباح سبيت العدو سبيا والاسم السباء مثل كتاب والقصر لغة.
وفي القاموس: السبي ما يسبَى، وطيبة بوزن عنبة -نالوه بلا غدر ونقض عهد- وفيه الشاهد.
4 ب، ج.
5 حبرة أي: قلح -بقاف فلام فحاء- وهو الأسنان.
6 قائله: لم أقف على اسم راجزه.
اللغة: "اصطفاقا" الاصطفاق: الرقص "بنو عجل" قبيلة تنسب إلى عجل بن لجيم بن صعب.
الإعراب: "علمها" فعل ماض والهاء مفعول أول "إخواننا" فاعل ونا مضاف إليه "بنو عجل" بدل أو عطف بيان وعجل مضاف إليه "شرب" منصوب على أنه مفعول ثان لعلم "النبيذ" مضاف إليه "واصطفاقا" عطف على شرب النبيذ "بالرجل" يتعلق به. الشاهد: قوله: "عجل" و"بالرجل" حيث حرك الجيم فيهما للضرورة.
مواضعه: ذكره الأشموني 784/ 3، ونوادر أبي زيد ص30، والخصائص لابن جني 335/ 2، والإنصاف لابن الأنباري ص434.(3/1515)
عَلَّمها إخواننا بنو عجل ... شرب النبيذ واصطفاقا بالرجل
ونحوه، فهو من النقل للوقف، أو من الإتباع، فليس بأصل، وقد قيل في إطل: إنه من الإتباع.
وثامنها: فُعْل، ويكون اسما نحو قفل، وصفة نحو حلو.
وتاسعها: فُعَل، ويكون اسما نحو صرد، وصفة نحو حطم.
وعاشرها: فُعُل، ويكون اسما نحو عنق، صفة وهو قليل، والمحفوظ منه نحو جنب وشُلُل، وناقة سُرُح، أي: سريعة.
وافتح وضم واكسر الثاني من
فعل ثلاثي وزد نحو ضُمن
الفعل ينقسم إلى مجرد ومزيد، فالمجرد ثلاثي ورباعي، ولا يكون خماسيا، فالثلاثي ثلاثة أبنية؛ لأنه لا يكون إلا مفتوح الأول، وثانيه يكون مفتوحا ومكسورا ومضموما، ولا يكون إلا ساكنا؛ لئلا يلزم التقاء الساكنين عند اتصال الضمير المرفوع.
الأول: فَعَل، ويكون متعديا نحو ضرب، ولازما نحو ذهب، ويرد لمعانٍ كثيرة، ويختص بباب المغالبة، وقد يجيء فَعَل مطاوعا لفعل، بالفتح فيهما، وقال1:
قد جبر الدينَ الإلهُ فجَبَر
والثاني: فَعِل، ويكون متعديا نحو شرب ولازما نحو فرح، ولزومه أكثر من تعديه؛ ولذلك غلب في النعوت اللازمة والأعراض، وقد يطاوع فَعَل -بالفتح- نحو خدعه فخدع.
__________
1 قائله: هو العجاج، وهو من الرجز.
الإعراب: "قد" حرف تحقيق "جبر" فعل ماض "الدين" مفعول به "الإله" فاعل "فجبر" الفاء عاطفة وجبر فعل ماض والفاعل ضمير مستتر.
الشاهد: قوله: "جبر" على وزن فعل وهو مطاوع لفعل.
مواضعه: ذكره الأشموني 784/ 3، والخصائص لابن جني 263/ 2.(3/1516)
والثالث: فَعُل نحو ظرف، ولا يكون متعديا إلا بتضمين أو تحويل، فالتضمين نحو: "رحبتكم الدار" وقول علي: "إن بشرا قد طلع اليمن" بتضمين الأول معنى وسع، والثاني معنى بلغ، وقيل: الأصل رحبت بكم؛ فحذف الخافض توسعا، والتحويل نحو سدته، فإن أصله سودته -بفتح العين- ثم حول إلى فعُل -بضم العين- ونقلت الضمة إلى فائه عند حذف العين.
فإن قلت: فما فائدة التحويل؟
قلت: فائدته الإعلام بأنه واوي العين؛ إذ لو لم يحول إلى فعل وحذفت عينه لالتقاء الساكنين عند انقلابها ألفا لالتبس الواوى باليائي، هذا مذهب قوم منهم الكسائي، وإليه ذهب في التسهيل، وقال ابن الحاجب:
وأما باب سدته، فالصحيح أن الضم لبيان بنات الواو، لا للنقل.
ولا يرد فَعُل إلا لمعنى مطبوع عليه من هو قائم به، نحو كرم ولؤم، أو المطبوع نحو فقه وخطب، أو شبهه نحو خبث، شبه بنجس؛ ولذلك كان لازما لخصوص معناه بالفاعل.
وقوله: "وزد نحو ضمن" يعني: أن بناء ما لم يسم فاعله بناء أصلي من أبنية المجرد فحقه أن يذكر مع الأصول، فتكون أبنية الثلاثي المجرد أربعة.
وإلى كون صيغة ما لم يسم فاعله أصلا ذهب المبرد وابن الطراوة والكوفيون، ونقله في شرح الكافية عن سيبويه والمازني، وذهب البصريون إلى أنها فرع مغيرة عن صيغة الفاعل، ونقله غير المصنف عن سيبويه، وهو أظهر القولين، وقد ذهب إليه المصنف في باب الفاعل من الكافية وشرحها.
تنبيهات:
الأول: لما لم يتعرض لبيان حركة فاء الفعل فهم أنها غير مختلفة، وأنها فتحة؛ لأن الفتح أخف من الضم والكسر، فاعتباره أقرب.
الثاني: ما جاء "من الأفعال مكسور الأول أو ساكن الثاني"1 فليس بأصل، بل هو مغير عن الأصل، نحو: شَهِد وشِهِد وشِهْد.
__________
1 أ، ج.(3/1517)
الثالث: قال في شرح الكافية: جرت عادة النحويين ألا يذكروا في أبنية الفعل المجرد فعل الأمر، ولا فعل ما لم يسم فاعله، مع أن فعل الأمر أصل في نفسه اشتق من المصدر ابتداء كاشتقاق الماضي والمضارع منه. ومذهب سيبويه والمازني أن فعل ما لم يسم فاعله أصل أيضا، فكان ينبغي على هذا إذا عدت صيغ الفعل المجرد من الزيادة أن يذكر للرباعي ثلاث صيغ: صيغة للماضي المصوغ للفاعل كدحرج، وصيغة له مصوغا للمفعول كدحرج، وصيغة للأمر كدحرج، إلا أنهم استغنوا بالماضي الرباعي المصوغ للفاعل عن الآخرين لجريانها على سنن مطرد، ولا يلزم من ذلك انتفاء أصالتهما كما يلزم من الاستدلال على المصادر المطردة بأفعالها انتفاء أصالتها. قلت: أما صيغة المفعول فتقدم ذكر الخلاف فيها، وأما "صيغة"1 فعل الأمر، فذهب البصريون أنها أصل، وأن قسمة الأفعال ثلاثية، ومذهب الكوفيين: أن الأمر مقتطع من المضارع، فإذن تكون القسمة عندهم ثنائية.
ومنتهاه أربع إن جُردا ... وإن يُزَدْ فيه فما ستا عَدَا
لما كان الفعل أكثر تصرفا من الاسم لم يحتمل من عدة الحروف ما احتمله الاسم، فلهذا لم يجاوز المجرد منه أربعة أحرف، ولا المزيد ستة أحرف.
وللرباعي المجرد بناء واحد، وهو فعلل، ويكون متعديا نحو دحرج ولازما نحو دربخ -بمعنى ذل- قال الشارح: له ثلاثة أبنية، واحد للماضي المبني للفاعل نحو دحرج، وواحد للماضي المبني للمفعول نحو دحرج، وواحد للأمر نحو دحرج.
قلت: قد تقدم أن عادة النحويين الاقتصار على بناء واحد، وهو الماضي المبني للفاعل لما سبق ذكره.
وأما المزيد: فإن كان ثلاثي الأصول، فإنه يبلغ بالزيادة أربعة نحو أكرم وخمسة نحو اقتدر وستة نحو استخرج، وإن كان رباعي الأصول، فإن يبلغ بالزيادة خمسة نحو تدحرج وستة نحو احرنجم.
__________
1 أ، ج.(3/1518)
تنبيهات:
الأول: قال في التسهيل: وإن كان فعلا لم يتجاوز ستة إلا بحرف التنفيس أو تاء التأنيث أو نون التوكيد. ولو استغني عن هذا الاستثناء -كما فعل هنا- لكان أجود.
الثاني: لم يتعرض الناظم لذكر أوزان المزيد من الأسماء والأفعال؛ لكثرتها ولأنه سيذكر ما به يعرف الزائد.
أما الأسماء فقد بلغت بالزيادة -من قول سيبويه- ثلثمائة بناء وثمانية أبنية، وزاد الزبيدي عليه نيفا على الثمانين، إلا أن منها ما يصح، ومنها ما لا يصح.
وأما الأفعال فللمزيد فيه من ثلاثيها خمسة وعشرون بناء مشهورة، وأبنية أخر غير مشهورة، وفي بعضها خلاف.
وللمزيد من رباعيها ثلاثة أبنية: تَفَعْلَل نحو تدحرج، وافعنْلَل نحو احرنجم، وافعلَلَّ نحو اقشعر، وهي لازمة. واختلف في هذا الثالث، فقيل: هو بناء مقتضب، وقيل: هو ملحق باحرنجم، زادوا فيه الهمزة، وأدغموا الأخير فوزنه الآن افعلل، ويدل على إلحاقه باحرنجم مجيء مصدره كمصدره.
وزاد بعضهم في مزيد الرباعي بناء رابعا.
وما جاء على افعلل نحو اجرَمَّز1 قال في الارتشاف: ويظهر لي أنه مزيد من الثلاثي غير الملحق والمماثل لاسم مجرد.
لاسم مجرد رباع فَعْلَل ... وفِعْلِل وفِعْلَل وفُعْلُل
ذكروا للرباعي المجرد ستة أبنية:
الأول: فَعْلَل -بفتح الأول والثالث- ويكون اسما نحو جعفر -وهو النهر الصغير- وصفة نحو سهلب وشجعم، والسهلب: الطويل، والشجعم: الجريء، وقد قيل: إن الهاء في سهلب والميم في شجعم زائدتان، وجاء بالتاء عجوز شهربة، وشهبرة -للكبيرة- وبهنكة -للضخمة الحسنة.
__________
1 في القاموس: اجرمز: انقبض واجتمع بعضه إلى بعض.(3/1519)
الثاني: فِعْلِل -بكسر الأول والثالث- ويكون اسما نحو زبرج، وهو السحاب الرقيق، وقيل: السحاب الأحمر، وهو من أسماء الذهب أيضا، وصفة نحو خرمل، قال الجرمي: الخرمل -بالكسر- المرأة الحمقاء مثل الخذعل.
الثالث: فِعْلَل -بكسر الأول وفتح الثالث- ويكون اسما نحو درهم، وصفة نحو هبلع -للأكول.
الرابع: فُعْلُل -بضم الأول والثالث- ويكون اسما نحو برثن وهو واحد براثن السباع، وهو كالمخلب من الطير، وصفة نحو جرشع -للعظيم من الجمال، ويقال للطويل.
الخامس: فِعَل -بكسر الأول وفتح الثاني- ويكون اسما نحو قمطر -وهو وعاء الكتب- وفِطَحْل -قيل: وهو اسم لزمن خروج نوح عليه السلام من السفينة، قال الجوهري: الفطحل على وزن الهزبر من لم يخلق بعد1، قال الجرمي: سألت أبا عبيدة عنه قال: الأعراب تقول: هو زمن كانت الحجارة فيه رطبة- وأنشد العجاج2:
وقد أتاه زمن الفطحل ... والصخر مُبتل كطين الوحل
وصفة نحو سبطر -للطويل.
السادس: فُعْلَل -بضم الأول وفتح الثالث- ويكون اسما نحو جخدب -لذكر الجراد- وصفة نحو جرشع بمعنى جُرْشُع بالضم3.
__________
1 نص كلام الجوهري: الفطحل على وزن الهزبر زمن لم يخلق الناس فيه بعد.
2 قائله: قال المرادي: العجاج، قال العيني: وهو غير صحيح، وإنما قاله رؤبة، وهو من الرجز.
اللغة: "الفطحل" مثال هزبر -زمن لم يخلق فيه الناس.
الإعراب: "قد" حرف تحقيق "أتاه" فعل ماض وفاعله والهاء مفعوله "زمن" ظرف "الفطحل" مضاف إليه "والصخر" الواو للحال والصخر مبتدأ "مبتل" خبر المبتدأ "كطين" متعلق به "الوحل" مضاف إليه.
الشاهد: قوله: "الفطحل" فإن وزنه فِعَلّ -بكسر الفاء وفتح العين وتشديد اللام.
مواضعه: ذكره الأشموني 789/ 3، والكامل للمبرد 248.
3 الجرشع: العظيم من الجمال، ويقال: الطويل.(3/1520)
تنبيهات:
الأول: مذهب البصريين غير الأخفش أن هذا البناء السادس ليس ببناء أصلي، بل هو فرع على فُعْلُل -بالضم- فتح تخفيفا؛ لأن جميع ما سمع فيه الفتح سمع فيه الضم نحو جخدب وطحلب وبرقع1 في الأسماء، وجرشع في الصفات، ويقال للمخلب: برثن، ولشجر في البادية عرفط؛ ولكساء مخطط برجد، ولم يسمع فيها فُعْلَل -بالفتح- وذهب الكوفيون والأخفش إلى أنه بناء أصلي؛ واستدلوا لذلك بأمرين:
أحدهما: أن الأخفش قال: جؤذر2، ولم يحك فيه ضم الذال، فدل على أنه غير مخفف، وهذا مردود، فإن الضم منقول في جؤذر أيضا، وزعم الفراء أن الفتح في جؤذر أكثر، وقال الزبيدي: إن الضم في جميع ما ورد منه أفصح.
والآخر: أنهم قد ألحقوا به، فقالوا: عُنْدَد، يقال: ما لي عن ذلك عندد، أي: بد، وقالوا: عاطت الناقة عُوطَطا إذا اشتهت الفحل، وقالوا: سودد فجاءوا بهذه الأمثلة مفكوكة، وليست من الأمثلة التي استثنى فيها فك المثلين لغير الإلحاق، فوجب أن يكون للإلحاق، وأجاب الشارح: بأنا لا نسلم أن فك الإدغام للإلحاق بنحو: جخدب، وإنما هو لأن فعللا من الأبنية المختصة بالأسماء، فقياسه الفك كما في جدد وظلل. وإن سلمنا أنه للإلحاق فلا نسلم أنه لا يلحق إلا بالأصول، فإنه قد ألحق بالمزيد فيه فقالوا: اقعنسس3 فألحقوه باحرنجم، فكما ألحق بالفرع بالزيادة، فكذا يلحق بالفرع بالتخفيف.
الثاني: ظاهر كلام الناظم هنا موافقة الأخفش والكوفيين على إثبات أصالة فعلل، وقال في التسهيل: وتفريغ فعلل على فعلل أظهر من أصالته.
الثالث: قال بعضهم في ثبوت فِعْلَل -بكسر الأول وفتح الثالث- بحث؛ لأن دِرْهَما معربا وهِبْلَع يحتمل زيادة الهاء.
__________
1 الطحلب: خضرة تعلو الماء إذا طال مكثه، والبرقع: نقاب المرأة وما يستر به وجه الدابة.
2 الجؤذر -بفتح الذال- ولد البقرة الوحشية.
3 اقعنسس: فهو مقعنسس، والمقعنسس: الشديد، والمتأخر أيضا.(3/1521)
قلت: إنما يتم هذا إذا لم يكن لهذا الوزن مثال يثبت به غير هذين المثالين، وليس كذلك، بل قد ذكروا له أمثلة غيرهما منها هجرع؛ ويحتمل أيضا زيادة الهاء، وزئبر1 وقلعم -لجبل بعينه- وقال الجرمي: هو من أسماء الرجال. وقال الزبيدي: القلعم -الشيخ المسن، ويقال: القعلم الطويل- فجعله صفة، وذكر الجوهري قلحم -بالقاف والحاء المهملة وقال: القلحم المسن، قال: وقد ذكرناه في باب الحاء؛ لأن الميم زائدة.
فإن قلت: قد قال الأصمعي: ليس في الكلام فعلل إلا درهم وهجرع فحصر.
قلت: قد زاد غيره ما تقدم ذكره.
فإن قلت: وعلى تقدير ثبوت هذا الوزن فتمثيله بدرهم ليس بجيد؛ إذ الوزن لا يثبت بالمعرب.
قلت: ذكر بعضهم أن الأسماء الأعجمية على ثلاثة أقسام:
قسم "غيرته"2 العرب وألحقته بكلامها، فحكم أبنيته في اعتبار الأصلي والزائد والوزن حكم أبنية الأسماء العربية "الوضع"3 كدرهم.
وقسم "غيرته"4 ولم تلحقه بأبنية كلامها، فلا تعتبر فيه ما اعتبر فيما قبله نحو آخر، وقسم تركوه غير مغير فما ألحقوه بأبنية كلامهم عد منها نحو خُرَّم5 ألحقوه بسُلَّم، وما لم يلحقوه "بأبنية كلامهم"6 لم يعد منها نحو خراسان لا يثبت فيه فعالان.
__________
1 الزئبر: هو ما يعلو الثوب الجديد.
2 أ، ج، وفي ب "عربته".
3 أ، ج.
4 أ، ب.
5 خرم: اقتطع واستأصل، وخرم الخرزة فتخرمت فصمها.
6 أ، ج.(3/1522)
الرابع: زاد بعضهم في أبنية الرباعي ثلاثة أوزان: وهي فِعْلُل -بكسر الأول وضم الثالث- وحكى ابن جني أنه يقال لجوز القطن الفاسد: خرفع، ويقال أيضا لزئبر الثوب: زئبر، وللضئبل وهو من أسماء الداهية: ضئبل، وفُعَلّ -بضم الأول وفتح الثاني- نحو: خبعث ودلمز، وفَعلِل -بفتح الأول وكسر الثالث- نحو طحربة1.
ولم يثبت الجمهور هذه الأوزان، وما صح نقله منها فهو عندهم شاذ، وقد ذكر الأول من هذه الثلاثة في الكافية فقال: وربما استعمل أيضا فِعلُل، والمشهور في الزئبر والضئبل كسر الأول والثالث.
قال في الصحاح: وربما جاء بضم الباء فيهما، قال ثعلب: لا نعلم في الكلام فعلل، فإن كان هذان الحرفان مسموعين -بضم الباء- فهما من النوادر.
وقال ابن كيسان: هذا إذا جاء على هذا المثال شهد للهمزة بأنها زائدة. وإذا وقعت حروف الزيادة في الكلمة جاز أن تخرج على بناء الأصول.
الخامس: قد علم بالاستقراء أن الرباعي لا بد من إسكان ثانيه أو ثالثه، ولا يتوالى أربع حركات في كلمة، فمن ثم لم يثبت فُعْلُل بقولهم عرتن -وهو نبت يصبغ به، بل جعل فرعا على فعنلل لقولهم فيه: عرنتن، فحذفت نونه وترك على حاله، ولافُعَلِل بقولهم عُلَبِط2؛ بل جعل فرعا على فعالل؛ لأن ما جاء على فُعَلِل يجوز فيه فعالل، ولا فَعَلِل بقولهم جندل، بل جعله البصريون فرعا على فعالل، وأصله جنادل، وجعله الفراء وأبو علي فعليل، واصله جنديل.
واختاره المصنف؛ لأن جَنَدِلا مفرد، فتفريعه على المفرد أولى، وقد أورد بعضهم هذه الأوزان على أنها من الأبنية الأصول، وليست محذوفة، وليس بصحيح لما سبق.
__________
1 الخبعث: اسم للضخم، وقيل: الشديد العظيم الخلق.
والدلمز: اسم للصلب الشديد. والطحربة: القطعة من الغيم.
2 الضخم من الرجال، وناقة علبطة أي: عظيمة.(3/1523)
.......... وإن علا ... فمع فَعَلَّل حوى فَعْلَلِلا
كذا فعلِّل وفعلَل..... ... ....................
يعني: أن الاسم الخماسي المجرد، وهو المراد بقوله: "إن علا" أي: جاوز الأربعة، له أربعة أبنية:
الأول: فَعَلَّل -بفتح الأول والثاني والرابع- ويكون اسما نحو سفرجل، وصفة نحو شمردل -للطويل.
الثاني: فَعْلَلِل -بفتح الأول والثالث وكسر الرابع- قالوا: لم يجيء إلا صفة نحو جحمرش -للعظيمة من الأفاعي- وقال السيرافي: هي العجوز المسنة، وقَهْبَلِس -للمرأة العظيمة- وقيل: لحشفة الذكر، فيكون اسما.
الثالث: فُعَلِّل -بضم الأول وفتح الثاني وكسر الرابع- ويكون اسما نحو خُبَعْثِن -للأسد- وخُزَعْبِل -للباطل، وللأحاديث المستطرفة- وصفة نحو قذعمل -للبعير الضخم.
الرابع: فِعْلَلّ -بكسر الأول وفتح الثالث- ويكون اسما نحو قرطعب -وهو الشيء الحقير- وصفة نحو جِرْدَحْل -وهو الضخم من الإبل.
تنبيه:
زاد ابن السراج في أوزان الخماسي فُعْلَلِل نحو هندلع -اسم بقلة- ولم يثبته سيبويه، والصحيح أن نونه زائدة لأوجه:
أحدها: أنه يلزم من تقدير أصالتها عدم النظير.
الثاني: أن كُرَاعا1 حكي في الهندلع -كسر الهاء- فلو كان أصلية لزم كون الخماسي على ستة أمثلة، فكان يفوت تفضيل الرباعي عليه، وهو مطلوب.
__________
1 هو علي بن حسن الهنائي المعروف بكراع النمل -بضم الكاف- أبو الحسن النحوي اللغوي. من أهل مصر أخذ عن البصريين وكان نحويا كوفيا صنف: المنضد في اللغة، المجرد مختصره، أمثلة غريب اللغة، وغير ذلك.(3/1524)
الثالث: أنه يلزم على قوله أصالة نون كنهبل1؛ لأن زيادتها لم تثبت، إلا لأن الحكم بأصالتها موقع في وزن لا نظير له مع أن نون هندلع ساكنة ثانية، فأشبهت نون عنبر وحنظل ونحوهما ولا يكاد يوجد نظير كنهبل في زيادة نون ثانية متحركة، فالحكم على نون هندلع بالزيادة أولى.
وزاد غيره للخماسي أوزانا أخر لم يثبتها الأكثرون لندورها، واحتمال بعضها الزيادة فلا نطول.
وقوله:
...................... وما ... غاير للزيد أو النقص انتمى
يعني: أن ما جاء من الأسماء المتمكنة على غير الأمثلة المذكورة فهو منسوب إلى الزيادة فيه نحو خزعبيل، وجميع أبنية المزيد، أو إلى النقص منه وهو ضربان: ضرب نقص منه أصل نحو يد ودم، وضرب نقص منه زائد نحو جندل وعلبط، وأصلهما: جنادل وعلابط، وقد سبق بيان ذلك.
تنبيه:
كان ينبغي أن يقول: "وما غاير للزيد أو النقص أو الندور" لأن مثل طحربة مغاير للأوزان المذكورة، ولم ينتمِ إلى الزيادة ولا النقص، ولكنه نادر، قال في التسهيل: وما خرج عن هذه المثل فشاذ، أو مزيد فيه، أو محذوفة منه، أو شبه الحرف، أو مركب، أو أعجمي.
والحرف إن يلزم فأصل والذي ... لا يلزم الزائد مثل تا احتُذِي
لما ذكر أن أبنية الأسماء والأفعال ضربان: مجرد ومزيد فيه، أشار هنا إلى ما يتميز به الأصل عن الزائد، فذكر أن علامة الأصل أن يلزم تصاريف الكلمة، ولا يحذف شيء منها. وأن علامة الزائدة، ألا يلزم تصاريف الكلمة، بل يحذف من بعض التصاريف.
ومثل الزائد بتاء احتذي؛ لأنها تحذف من بعض التصاريف، ولا تلزم، تقول: حذا حذوه، فيعلم بسقوط التاء من حذا، أن التاء في
__________
1 الكنهبل -بفتح الباء وضمها- شجر عظام وهو من العضاة.(3/1525)
احتذى زائدة ويقال: احتذى به، أي: اقتدى به، ويقال أيضا: احتذى أي: انتعل، قال1:
كل الحذاء يَحْتَذِي الحافي الوَقِعْ
والحذاء: النعل.
فإن قلت: تعريف الأصلي بأنه ما يلزم تصاريف الكلمة، غير جامع لخروج ما يسقط من بعض التصاريف، وهو أصل كواو يعد، وغير مانع لدخول ما يلزم، وهو زائد، فلا يصح حذا، ولا يصح علامة أيضا؛ لأن شرط العلامة الاطراد، وذلك يعرف أيضا أن تعريف الزائد بما لا يلزم لا يصح.
قلت: الأصل إذا سقط لعلة فهو مقدر الوجود بخلاف الزائد، والزائد إذا لزم فهو مقدر السقوط؛ ولذلك يقال: الزائد ما هو ساقط في أصل الوضع تحقيقا أو تقديرا، وقد دعت الحاجة هنا إلى ثلاث مسائل:
الأولى: في ذكر حروف الزيادة.
اعلم أن الزائد نوعان:
أحدهما: أن يكون تكرير أصل لإلحاق أو غيره، فلا يختص بأحرف الزيادة وهو إما تكرير عين نحو قطَّع، أو لام نحو جَلْبَبَ أو فاء وعين مع مباينة اللام نحو مَرْمَرِيس2 وهو قليل، أو عين ولام مع مباينة الفاء نحو صَمَحْمَح3.
__________
1 قائله: هو المقدام واسمه جساس بن قطيب، وهو من الرجز.
اللغة: "الحذاء" بمعنى بمعنى الاحتذاء، وبمعنى النعل "الوقع" وقع اشتكى لحم قدمه من غلظ الأرض والحجارة.
الإعراب: "كل" مفعول مطلق إن جعل الحذاء مصدرا من الاحتذاء، ومفعول به إن جعل بمعنى النعل، وهو الأقرب "الحذاء" مضاف إليه "يحتذي" فعل مضارع "الحافي" فاعل "الوقع" صفة.
الشاهد: قوله: "يحتذي" بمعنى ينتعل.
مواضعه: ذكره الأشموني 893/ 3.
2 المرمريس: يقال: رجل مرمريس إذا كان داهيا عاقلا معالجا للأمور.
3 الصمحمح: كسفرجل الشديد القوي، والأنثى صمحمحة.(3/1526)
والآخر: ألا يكون تكرير أصل، فهذا لا يكون إلا أحد الأحرف العشرة المجموعة في "أمان وتسهيل" وقد جمعت في تراكيب أخر لا فائدة في التطويل بذكرها، ومعنى تسميتها حروف الزيادة أنه لا يزاد لغير تكرير إلا منها، وليس المراد أنها تكون زائدة أبدا؛ لأنها قد تكون أصلا، وذلك واضح، وأسقط المبرد من حروف الزيادة الهاء، وسيأتي الرد عليه.
الثانية: في ذكر فوائد الزيادة، وهي ستة:
أولها: الإلحاق نحو شَمْلَل1.
وثانيها: بيان معنى كحروف المضارعة.
وثالثها: المد نحو كتاب.
ورابعها: الإمكان نحو همزة الوصل.
وخامسها: التعويض كتاء زنادقة؛ لأنها عوض من الياء في زناديق.
وسادسها: التكثير نحو ألف قَبَعْثَرى.
الثالثة: في ذكر أدلة الزيادة، وهي تسعة:
أولها: سقوط الحرف من أصل، كسقوط ألف من ضارب في أصله أعني المصدر، وهذا الدليل هو الذي يسميه أهل التصريف الاشتقاق، والاشتقاق ضربان أكبر وأصغر.
فالأكبر: هو عقد تراكيب الكلمة كيفما قلبتها على معنى واحد، كعقد تراكيب "ق ول" على معنى الخفة والسرعة، وعقد تراكيب "ك ل م" على معنى الشدة والقوة، ولم يقل به إلا أبو الفتح، وكان أبو علي يأنس به في بعض المواضع.
والأصغر: هو إنشاء مركب من مادة عليها وعلى معناه كأحمر والحمرة، وهذا هو المعتبر في التصريف، ولا يقبل قول من أنكره.
__________
1 شملل: أي أسرع، وأيضا بمعنى أخذ من النخل بعد لقاطه ما يبقى من ثمره.(3/1527)
ثانيها: سقوط من فرع، كسقوط ألف كتاب في جمعه على كتب، وهذا يسمى بالتصريف، وهو شبيه بالاشتقاق، والفرق أن الاشتقاق استدلال بالفرع والتصريف استدلال بالأصل1.
وثالثها: سقوطه من نظيره كسقوط ياء أيطل في إطل، والأيطل: الخاصرة.
وشرط الاستدلال بسقوط الحرف في أصل أو فرع أو نظير على زيادته أن يكون سقوطه لغير علة، فإن كان سقوطه لعلة، كسقوط واو وعد في يعد أو في عدة، لم يكن دليلا على الزيادة.
ورابعها: كون الحرف مع عدم الاشتقاق في موضع يلزم فيه زيادته مع الاشتقاق، وذلك كالنون إذا وقعت ثالثة ساكنة غير مدغمة وبعدها حرفان نحو عصنصر2، فإن النون فيه محكوم بزيادتها مع أنه لا يعرف له اشتقاق؛ لأن نونه في موضع لا تكون فيه مع الاشتقاق إلا زائدة نحو جَحَنْفَل من الجَحْفَلة، وهي لذي الحافر كالشَّفَة للإنسان، والجحنفل: العظيم الشفة.
وخامسها: كونه مع عدم الاشتقاق في موضع يكثر فيه زيادته مع الاشتقاق، كالهمزة إذا وقعت أولا وبعدها ثلاثة أحرف، فإنها يحكم عليها بالزيادة وإن لم يعلم الاشتقاق، فإنها قد كثرت زيادتها إذا وقعت كذلك فيما علم اشتقاقه، وذلك نحو إِفْكِل، يحكم بزيادة همزته حملا على ما عرف اشتقاقه نحو أحمر، والإِفْكِل: الرعدة.
وسادسها: اختصاصه بموضع لا يقع فيه إلا حرف من حروف الزيادة، كالنون من كنتأو3 ونحوه "فإنها زائدة إذ لا يقع موضعها ما لا يصلح للزيادة"4، فلا يوجد مثل سِرْدَأَوْ.
وسابعها: لزوم عدم النظير بتقدير الأصالة في تلك الكلمة نحو تَتْفُل -بفتح التاء وضم الفاء- ولد الثعلب، فإن تاءه زائدة؛ لأنها لو جعلت أصلا، لكان وزنه فعلل، وهو مفقود.
__________
1 وفي "استدلال بالأصل والتصريف استدلال بالفرع".
2 عصنصر: اسم جبل.
3 الكنتأو: الجمل الشديد والعظيم اللحية.
4 أ، ب.(3/1528)
وثامنها: لزوم عدم النظير بتقدير الأصالة في نظير الكلمة التي ذلك الحرف منها نحو تتفل على لغة من ضم التاء والفاء، فإن تاءه أيضا زائدة على هذه اللغة وإن لم يلزم من تقدير أصالتها عدم النظير، فإنها لو جعلت أصلا كان وزنه فعلل نحو برثن وهو موجود، ولكن يلزم عدم النظير في نظيرها أعني: لغة الفتح، فلما ثبتت زيادة التاء في لغة الفتح حكم بزيادتها في لغة الضم أيضا؛ إذ الأصل اتحاد المادة.
وتاسعها: دلالة الحرف على معنى كحروف المضارعة وألف اسم الفاعل ونحو ذلك.
وزاد بعضهم في الدلائل عاشرا، وهو: الدخول في أوسع البابين نحو كنَهْبُل -بضم الباء- فإن وزنه على تقدير أصالة نون فَعلُّل1 وهو مفقود، وعلى تقدير زيادتها فَعَنْلُل، وهو مفقود أيضا، ولكن حكم بزيادتها دخولا في أوسع البابين؛ لأن باب المزيد أوسع.
قلت: وهذا مندرج في السابع؛ لأنه إذا عدم النظير على تقدير الأصالة حكم بالزيادة سواء وجد النظير على تقدير الزيادة أو لم يوجد.
بضمن فِعْل قابل الأصول في ... وزن وزائد بلفظه اكتُفِي
اصطلح أهل التصريف على أن يزنوا بالفاء والعين واللام، فيقابل أول الأصول بالفاء، وثانيها بالعين، وثالثها باللام، فيقال في وزن فلس فعل وفي ضرب فعل، ويسوى بين الوزن والموزون في الحركة والسكون.
وأما الزائد فيعبر عنه بلفظه كقولك في وزن أحمر أفعل فيعبر عن الهمزة بلفظها؛ لأنها زائدة، ويستثنى من الزوائد نوعان لا يعبر عنهما بلفظهما:
أحدهما: المبدل من تاء الافتعال، فإنه يعبر عنه بالتاء التي هي أصله، كقولك في وزن اصطبر: افتعل؛ وذلك لأن المقتضي للإبدال في الموزون غير موجود في الوزن فرجع إلى أصله، وما قيل من أن ذلك لدفع الثقل، ليس بشيء.
والآخر: المكرر لإلحاق أو لغيره، فإنه يقابل به الأصل، وسيأتي بيانه.
__________
1 كسفرجل بضم الجيم.(3/1529)
وضاعف اللام إذا أصل بَقِي ... كراء جعفر وقاف فُسْتُقِ
إذا كان الموزون رباعيا أو خماسيا، قوبل الرابع بلام ثانية، والخامس بلام ثالثة، كقولك في وزن جعفر فعلل، وفي وزن فستق فُعلُل، وكقولك في وزن سفرجل فَعلَّل، وفي وزن قُدَعْمِل فعلل.
وإن يك الزائد ضعف أصل ... فاجعل له في الوزن ما للأصل
إذا كان الزائد ضعف أصل قوبل بما يقابل به ذلك الأصل، فإن كان ضعف الفاء قوبل بالفاء، وإن كان ضعف العين قوبل بالعين، وإن كان ضعف اللام قوبل باللام، فتقول في وزن اغدودن1 افعوعل، وفي وزن جلبب فَعْلَل، وهذا يقيد قوله: وزائد بلفظه اكتفي. وحاصل ما ذكر في الوزن أنه يعبر عن أول الأصول بالفاء وعن ثانيها بالعين وعن ثالثها ورابعها وخامسها باللام، وعن الزائد بلفظه إلا المبدل من تاء الافتعال، فإنه يقابل بأصله وإلا المكرر فإنه يقابل بمثل ما يقابل به الأصل.
ثم اعلم أن الزائد إن لم يكن من حروف "أمان وتسهيل" فهو تكرير، ولا إشكال كالباء من جلبب. وإن كان منها فقد يكون تكريرا، وقد يكون غير تكرير، بل تكون صورته صورة المكرر، ولكن دل دليل على أنه لم يقصد به تكرير، فيقابل في الوزن بلفظه نحو "سَمْنَان" -هو ماء لبني ربيعة- فوزنه فعلال لا فعلان؛ لأن فعلالا بناء نادر.
تنبيهات:
الأول: فائدة هذا الوزن التوصل إلى الإعلام بالأصلي والزائد باختصار.
ألا ترى أنك إذا سئلت عن وزن أحمر فقلت: أفعل، علم من ذلك زيادة الهمزة، وأصالة ما عداها.
الثاني: المعتبر في الوزن ما استحقه الموزون من الشكل قبل التغيير؛ فلذلك يقال في وزن رد ومرد فَعَل ومَفْعَل؛ لأن أصلهما رَدَد ومَرْدَد.
__________
1 اغدودن: يقال: اغدودن الشعر إذا طال، واغدودن النبت إذا اخضرَّ.(3/1530)
الثالث: لما كان الغرض من الوزن التنبيه على الأصول والزوائد، وعلى ترتيبها قلبت الزنة إذا وقع في الموزون قلب، كقولك في وزن آدُر: أعفُل؛ لأنه أصل أدور ثم قدمت العين على الفاء؛ ولذلك لو كان في الموزون حذف وزن باعتبار ما صار إليه بعد الحذف، في قاض: فاع؛ وفي عدة: علة، إذا أريد بيان الأصل في المقلوب والمحذوف1.
فيقال: أصله كذا ثم أعل.
الرابع: حكى بعضهم في تمثيل البدل في نحو كساء قولين قال: منهم من يقابله بلفظه، ومنهم من يقابله بأصله، فمثال كساء فعاء أو فعال.
الخامس: ما ذكر من التعبير عن الرابع والخامس باللام هو مذهب البصريين، وهو المعتمد، وللكوفيين في ذلك خلاف، واضطراب لا حاجة إلى التطويل به.
السادس: ما ذكره من أن الزائد إذا كان تكريرا يقابل بما يقابل به الأصل هو الصحيح، وبه قال الأكثرون، وذهب بعضهم إلى أن الزائد يقابل بلفظه مطلقا، ولو كان مكررا، فيقال في وزن جلبب: فعلب.
واحكم بتأصيل حروف سِمْسم ... ونحوه والخلف في كَلَمْلَم
إذا تكرر حرفان ولا أصل للكلمة غيرهما، فإن لم يفهم المعنى بسقوط الثالث عمتهما الأصالة نحو سمسم فوزنه فِعْلِل؛ لأن أصالة اثنين متيقنة ولا بد من ثالث مكمل لأصوله، وليس أحد الباقين أولى من الآخر، فحكم بأصالتهما، وظاهر كلام المصنف أن هذا القسم لا خلاف فيه، وفي كلام بعضهم ما يوهمه، وقد حكي عن الخليل وعن بعض الكوفيين أن وزنه فعفل تكررت فاؤه، وهو بعيد.
وإن فهم المعنى بسقوط ثالثة نحو لَمْلَم -وهو أمر من لملمت- بمعنى لممت، ففيه ثلاثة مذاهب:
__________
1 ب، ج. وفي أ "الموزون".(3/1531)
الأول: مذهب البصريين إلا الزجاج أن حروفه كلها محكوم بأصالتها كالنوع الأول فوزن لملم فعلل، ولا فرق عندهم بين ما يفهم المعنى عند سقوط ثالثه وما لا يفهم.
الثاني: مذهب الزجاج أن الصالح للسقوط زائد فتكون اللام الثانية من لملم زائدة.
والثالث: مذهب الكوفيين أن الصالح للسقوط أبدل من تضعيف العين، فأصل لملم على قوله لمم، فاستثقل توالي ثلاثة أمثال، فأبدل من إحداهما حرف يماثل الفاء، ورد مذهب الكوفيين، بأنهم قالوا في مصدره: فعللة، ولو كان مضاعفا في الأصل لجاء على التفعيل، واختار الشارح مذهب الكوفيين.
فإن تكرر حرفان وللكلمة أصل غيرهما، حكم فيه بزيادة الضعفين نحو: صمحمح ومرمريس.
وفي تعيين الزائد في نحو ذلك خلاف. وذكر في التسهيل: أنه حكم بزيادة ثاني المتماثلات.
وثالثها: في نحو صمحمح -يعني: الحاء الأولى والميم الثانية- وبزيادة ثالثها ورابعها في نحو مرمريس يعني "الميم والراء التي تليها"1. واستدل بعضهم على زيادة الحاء الأولى في صمحمح والميم الثانية في مرمريس بحذفهما في التصغير حيث قال: صميمح ومريريس، ونقل عن الكوفيين في صمحمح أن وزنه فعلل، وأصله صمحح، أبدلوا الوسطى ميما.
فألف أكثر من أصلين ... صاحب زائدة بغير مَيْنِ
شرح الناظم في بيان ما تطرد زيادته من الحروف العشرة، فذكر أن الألف إذا صحب أكثر من "أصلين"2 فهو زائد كألف كتاب وسرداح3، وعلة ذلك أن أكثر ما وقع فيه الألف كذلك دل الاشتقاق على زيادته، فحمل عليه ما سواه.
__________
1 أ، وفي ب، ج "الميم الثالثة والراء الرابعة".
2 ب، ج. وفي أ "حرفين".
3 سرداح -بكسر أوله- الناقة الطويلة.(3/1532)
وقد فهم من قوله: "أكثر من أصلين" أنه إذا صحب أصلين فقط لم يكن زائدا، بل إن كان في فعل أو في اسم متمكن، فهو بدل من أصل، إما ياء نحو رحا، أو واو نحو عصا.
ولا تكون الألف أصلا إلا في حرف أو شبهه.
ونزيد هذا الموضع بيانا فنقول: للألف ثلاثة أحوال:
أولها: أن تكون مصاحبة لأصلين فقط، فيتعين الحكم بعدم زيادتها كما ذكر.
وثانيها: أن تكون مصاحبة لأكثر من أصلين، فيتعين الحكم بزيادتها، لما تقدم، إلا في نحو عاعى وضوضى1 من مضاعف الرباعي، فإنها فيه بدل من أصل لا زائدة.
وثالثها: أن تكون مصاحبة لأصلين والثالث يحتمل الأصالة والزيادة، فإن قدرت أصالته فالألف زائدة، وإن قدرت زيادته فالألف غير زائدة.
فإن قلت: فما المحكوم به عند الاحتمال؟
قلت: إن كان ذلك المحتمل همزة مصدرة أو ميما مصدرة أو نونا ثالثة ساكنة في الخماسي حكم عليه بالزيادة، وعلى الألف بأنها منقلبة عن أصل نحو: أفعى وموسى وعقنقى2، إن وجد في كلامهم ما لم يدل دليل على أصالة هذه الأحرف، وزيادة الألف نحو أرطى فيمن قال: أديم مأروط3.
وإن كان المحتمل غير هذه الثلاثة حكمنا بأصالته وزيادة الألف، كما ذكروا.
وقال في التسهيل: وتترجح زيادة ما صدر من ياء أو همزة أو ميم على زيادة ما بعده من حرف لين، فسوى بين الياء والهمزة والميم في ذلك.
__________
1 عاعى -بعينين مهملتين- أي: زجر الضأن، وضوضى: بضاضين، قال في القاموس في باب الهمزة: الضاضاء، والضوضاء: أصوات الناس في الحرب، ورجل مضوِّض مصوت.
2 عقنقى: لم أجده في القاموس؛ لأنه قال إن وجد في كلامهم.
3 أي: مدبوغ بالأرطى، والأرطى: شجر ينبت في الرمل.(3/1533)
ثم اعلم أن الألف لا تزاد أولا؛ لامتناع الابتداء بها، وتزاد في الاسم ثانية نحو ضارب، وثالثة نحو كتاب، ورابعة نحو حبلى، وخامسة نحو انطلاق، وسادسة نحو قبعثرى، وسابعة نحو أربعاوى.
وتزاد في الفعل ثانية نحو قاتل، وثالثة نحو تغافل، ورابعة نحو سلقى، وخامسة نحو اجأوى، وسادسة نحو اغرندى1.
والياء كذا والواو إن لم يقعا ... كما هما في يُؤْيُؤ ووَعْوَعَا
يعني: أن الياء والواو مثل الألف في أن كلا منهما إذا صحب أكثر من أصلين، حكم بزيادته إلا الثنائي المكرر نحو يؤيؤ -لطائر ذي مخلب- قال الجوهري: شبه الباشق، والجمع البآبئ، ووعوع: إذا صوت.
فهذا النوع يحكم فيه بأصالة حروفه كلها كما حكم بأصالة حروف سمسم.
والتقسيم السابق في الألف يأتي هنا أيضا، فنقول الياء والواو لهما ثلاثة أحوال:
فإن صحبا أصلين فقط فهما أصلان، وإن صحبا ثلاثة فصاعدا مقطوعا بأصالتها فهما زائدان، إلا في الثنائي المكرر كما تقدم، وإن صحبا أصلين وثالثا محتملا، فإن كان همزة أو ميما مصدرتين حكم بزيادتهما وأصالة الياء والواو، نحو أيدع ومزود2 إلا أن يدل دليل على أصالة "الميم والهمزة"3 وإن كان غيرهما حكم بأصالته وزيادة الياء والواو ما لم يدل دليل على خلاف ذلك.
ثم إن الياء تزاد في الاسم أولى نحو يَلْمَع، وثانية نحو ضَيْغَم، وثالثة نحو
__________
1 سلقى: في القاموس: سلق فلانا طعنه كسلقاه.
أجأوى: في الصحاح: الجؤوة حمرة تضرب إلى سواد، وفي القاموس: أنه يقال: جؤوة كحمرة وجؤة كثبة وجأى كجوى والفعل جيء الفرس وجأى واجأوى والنعت أجوى وجأواه.
اغرندي: أي علا.
2 أيدع -بفتح الهمزة وسكون الياء وفتح الدال- له معانٍ منها الزعفران، ومزود: المزود كمنبر، وعاء الزاد وهو طعام المسافر.
3 أ، وفي ب، ج "الياء والواو".(3/1534)
قضيب، ورابعة نحو حذرية، وخامسة نحو سُلَحْفية، قيل: وسادسة نحو مغناطيس، وسابعة نحو خُنْزُوانية1.
وتزاد في الفعل أولى نحو يضرب، وثانية نحو بيطر، وثالثة عند من أثبت فَعْيَل في أبنية الأفعال نحو رَهْيَأ، ورابعة نحو قلسيت، وخامسة نحو تَقَلْسَيْتُ، وسادسة نحو اسْلَنْقَيْتُ2.
والواو تزاد ثانية نحو كوثر، وثالثة نحو عجوز، ورابعة نحو عَرْقُوة، وخامسة نحو قلنسوة، وسادسة نحو أَرْبَعَاوِي، وتزاد في الفعل ثانية نحو حوقل، وثالثة نحو جَهْوَر، ورابعة نحو اغْدَوْدَنَ3.
ومذهب الجمهور أن الواو لا تزاد أولا، قيل: لثقلها، وقيل: لأنها إن زيدت مضمومة اطرد همزها، أو مكسورة فكذلك، وإن كان همز المكسورة أقل، أو مفتوحة فيتطرق إليها الهمز؛ لأن الاسم يضم أوله في التصغير، والفعل يضم أوله عند بنائه للمفعول؛ فلما كانت زيادتها أولا تؤدي إلى قلبها همزة رفضوه؛ لأن قلبها همزة قد يوقع في اللبس، وزعم قوم أن واو "وَرَنْتَل" -وهو الشر- زائدة على الندور، وهو ضعيف؛ إذ لا نظير لذلك، ولأنه يؤدي إلى بناء وَفَنْعَل، وهومفقود، والصحيح أن الواو أصلية.
__________
1 يلمع: هو السراب.
حذرية -بكسر الحاء وسكون الذال وكسر الراء- القطعة الغليظة من الأرض، سلحفية -بضم السين وفتح اللام وسكون الحاء وكسر الفاء- حيوان معروف، خنزوانية -بضم الخاء وسكون النون وضم الزاي- التكبر.
2 رهيأ: في القاموس: الرهيأة بمعان منها الضعف والتواني وفساد الرأي. قلسيت: يقال: قلسيته فتقلس أي: ألبسته القلنسوة فلبسها.
اسلنقيت: أي: نمت على ظهري.
3 عرقوة -بفتح العين وسكون الراء وضم القاف- إحدى خشبتي الدلو اللتين على فمه كالصليب.
أربعاوي -بضم الهمزة- في القاموس: قعدة المتربع.
جهور: أي رفع صوته.(3/1535)
واختلف في لامه؛ فقال الفارسي: زائدة، وإليه ذهب المصنف، وقال غيره: أصلية، ووزنه على هذين القولين فعنلل؛ لأن اللام الأخيرة على الأول منهما زائدة، وعلى الثاني أصلية.
تنبيهان:
الأول: قد اتضح أن الواو والياء بينهما فرق، وهو أن الواو لا تزاد أولا بخلاف الياء.
الثاني: إذا تصدرت "الياء"1 وبعدها ثلاثة أصول، فهي زائدة كما سبق نحو يلمع، وإذا تصدرت وبعدها أربعة أصول فهي أصل كالياء في يستعور -وهو شجر يتسوك بعيدانه- ووزنه فعللول كعضرفوط، هذا هو الصحيح؛ لأن الاشتقاق لم يدل على الزيادة في مثله إلا في المضارع نحو يدحرج، فإن زيادته فيه معلومة.
وهكذا همز وميم سَبقا ... ثلاثة تأصيلها تحققا
الهمزة والميم متساويتان في أن كلا منهما إذا تصدر وبعده ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها فهو زائد نحو أحمد وإفكل ومكرم؛ لدلالة الاشتقاق في أكثر الصور على الزيادة، فحمل عليه ما سواه.
فإن قلت: فقد حكم سيبويه وأكثر النحويين على ميم "مَرْجَل" بأنها أصل مع أن بعدها ثلاثة أصول، وهكذا ميم مُغْفُور -وهو ضرب من الكمأة- وقد ذهب كثير إلى أن ميم "مِرْعزّى"2 أصل فلم يطرد هذا القانون.
قلت: هو مطرد ما لم يعارضه دليل على الأصالة من اشتقاق أو نحوه، فيحكم بمقتضى الدليل.
__________
1 أ، ج.
2 المرجل -بكسر الميم وسكون الراء وفتح الجيم- المشط والقدر من الحجارة والنحاس.
والمرعزى -بكسر الميم وسكون الراء وكسر العين وتشديد الزاي- فإن خففتها مددت، وقد تفتح الميم: الزغب الذي تحت شعر العنز.(3/1536)
كما عارض في مرجل ثبوت ميمه في التصريف، كقولهم: "مَرْجَل الحائك الثوب" إذا نسجه مُوَشًّى بوَشْيٍ يقال له: المراجل، قال ابن خروف: المرجل ثوب يعمل بدارات كالمراجل وهي: قدور النحاس.
وقد ذهب أبو العلاء المعري إلى زيادة ميم مِرْجل اعتمادا على ذلك الأصل، وجعل ثبوتها في التصريف كثبوت ميم تَمَسْكَنَ من المسكنة، وتَمَنْدَلَ من المنديل، وتَمَدْرَعَ إذا لبس المدرعة، والميم فيها زائدة، ولا حجة له في ذلك؛ لأن الأكثر في هذا تَسَكَّنَ وتندَّل وتدرع، قال أبو عثمان: هو كلام أكثر العرب.
وأما مُغْفُور، فعن سيبويه فيه قولان: أحدهما: أن الميم زائدة، والآخر: أنها أصل؛ لقولهم: "ذهبوا يَتَمَغْفَرُون" أي: يجمعون المغفور، وهو ضرب من الكمأة.
وأما مِرْعِزَّى، فذهب سيبويه إلى أن ميمه زائدة، وذهب قوم منهم الناظم إلى أنها أصل؛ لقولهم: "كساء مُمَرْعَز" دون مُرَعَّز.
وألزم المصنف سيبويه أن يوافق على الأصالة في مِرْعِزِيٍّ أو يخالف في الجميع.
تنبيهات:
الأول: فهم من قوله "سبقا" أنهما لا يحكم بزيادتهما متوسطتين ولا متأخرتين إلا بدليل، ويستثنى من ذلك الهمزة المتأخرة بعد الألف وقبلها أكثر من أصلين، فإنها تطرد زيادتها، وسيأتي.
ومثال ما حكم فيه بزيادة الهمزة، وهي غير مصدرة شَمْأَل واحْبَنْطَأ1.
ومثال ما حكم فيه بزيادة الميم، وهي غير مصدرة دلامص وزرقم2.
أما شمأل، فالدليل على زيادة همزتها سقوطها في بعض لغاتها، وفيها عشر لغات:
شَمْأل، وشَأْمل -بتقديم الهمزة على الميم- وشَمَال -على وزن قَذَال- وشَمُول -بفتح الشين- وشَمَل -بفتح الشين والميم- وشَمْل -بإسكان الميم-
__________
1 احبنطأ: انتفخ بطنه.
2 الزرقم -بضم الزاي وسكون الراء وضم القاف- الشديدة الزرقة.(3/1537)
وشَمْيَل -على وزن فَيْعَل- وشِمَال -على وزن كتاب- وشَمِيل -بفتح الشين وكسر الميم- وشَمْأَلّ -بتشديد اللام- واستدل ابن عصفور وغيره على زيادة همزة شمأل بقولهم: "شملت الريح" إذا هبت شمالا، واعترض بأنه يحتمل أن يكون أصله شمألت فنقل، فلا يصح الاستدلال به.
وأما احبنطأ، فالدليل على زيادة ميمها سقوطها في الْحَبَط1، والظاهر أن وزن احبنطأ افعنلأ، وزعم بعضهم أنه افعنلى كاسرندى، والهمزة فيه بدل من الألف.
قال: لأن افعنلأ بناء مفقود.
وأما دلامص، فالدليل على زيادة ميمها سقوطها في قولهم: "دِرْع دلامص".
يقال: دلامص ودُمالص ودُلمص ودُمْلص ودُلاص -وهو الشيء البراق- وذهب أبو عثمان إلى أن الميم في دلامص وأخواته أصل، وإن وافقت دلاصا في المعنى، فهي عنده من باب سبط وسِبَطر2.
وأما زُرْقُم، فالدليل على زيادة ميمه واضح؛ لأن من الزرقة، والزرقم هو الأزرق.
والثاني: فهم من قوله: "ثلاثة" أنهما إذا سبقا أصلين فقط نحو أمر ومنع، أو أربعة أصولا نحو اصطبل ومرزجوش3، فلا يحكم بزيادتهما بل يحكم بأصالتهما.
أما إذا سبقا أصلين فقط فتكميلا لأقل الأبنية، وأما إذا سبقا أربعة، فإن الاشتقاق لم يدل على الزيادة في نحو ذلك إلا في فعل أو محمول عليه نحو ادحرج ومدحرج، فوزن اسطبل فعلَلّ، وزن مرزجوش فعللول.
__________
1 الحبط -بفتحتين- وهو أن تأكل الماشية فتكثر حتى تنتفخ لذلك بطونها ولا يخرج عنها ما فيها.
2 السبطرة -كهزبر- الشهم الماضي، وهو الطويل أيضا، والسبط: الطويل، وهما من المرادفات المتفقة في معظم الحروف.
3 المرزجوش: نبت.(3/1538)
وقياس إبراهيم وإسماعيل أن تكون همزتهما أصلية لو كانا عربيين؛ ولذلك رد أبو العباس على سيبويه قوله على تصغيرهما: بريهيم وسميعيل، وتقدم ذلك في باب التصغير.
الثالث: فهم من قوله: "تأصيلها تحققا" أنهما إذا سبقا ثلاثة لم يتحقق تأصيل جميعها، بل كان في أحدها احتمال، لا يقدم على الحكم بزيادتهما إلا بدليل.
وهذا فيه نظر؛ لأن الهمزة والميم إذا سبقا ثلاثة أحرف أحدها يحتمل الأصالة والزيادة، حكم بزيادة الهمزة والميم وبأصالة ذلك المحتمل إلا بدليل؛ ولذلك حكم بزيادة همزة أفعى وأبين وإجاص، وميم موسى ومِزْود ومِجَن1. وفي مجن عن سيبويه قولان: والأصح أن ميمه زائدة، فإذا دل دليل على أصالة الهمزة والميم، وزيادة ذلك المحتمل حكم بمقتضاه، كما حكم بأصالة أرطى فيمن قال: أديم مأروط، وهمزة أولق -وهو الجنون- فيمن قال: ألق فهو مألوق، وبأصالة ميم مهدد2 وزيادة أحد المثلين؛ إذ لو كانت ميمه زائدة لكان مَفْعَلا، فكان يجب إدغامه، وكذلك ميم مأجج3 أصل لما ذكر، وأجاز السيرافي في مأجج ومهدد أن تكون الميم زائدة ويكون فكهما شاذا، وما ذكره الشارح من أن في قوله: "تأصيلها تحققا" تنبيها على أصالة همزة أولق وميم مَهْدَد، مبني على ذلك المفهوم.
الرابع: تزاد الهمزة في الاسم أولى كأحمر، وثانية كأشمل، وثالثة كشمأل، ورابعة كحطائط وهو القصير، وخامسة كحمراء، وسادسة كحروراء، وسابعة كعاشوراء، وثامنة كبربيطياء4.
والميم تزاد أولى كمرحب، وثانية كدُملص، وثالثة كدُلَمص، ورابعة كزُرْقُم، وخامسة كضُبَارِم؛ لأنه من الضبر وهو في شدة الخلق، وذهب ابن عصفور إلى أنها في ضبارم أصلية، قال في الصحاح: الضبارم -بالضم- الشديد الخلق من الأسد.
__________
1 مجن -بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون- الترس.
2 مهدد: اسم امرأة.
3 مأجج: اسم موضع.
4 حروراء: موضع بالعراق.
بربيطياء: في القاموس: البربيطياء -بالكسر- النبات.(3/1539)
كذاك همز آخِر بعد أَلِفْ ... أكثر من حرفين لفظُها رَدِفْ
أي: كذلك يحكم باطراد زيادة الهمزة إذا وقعت آخرا بعد ألف، قبل تلك الألف أكثر من حرفين، نحو: حمراء وعلباء وقُرْفُصاء1، فلو كان قبل الألف حرفان فقط نحو كساء ورداء، أو حرف واحد نحو ماء وداء، فالهمزة بدل أصل، أو أصل لا زائدة.
ولو وقعت الهمزة آخرا وليست بعد ألف حكم بأصالتها إلا بدليل كما تقدم في احبنطأ.
تنبيه:
مقتضى قوله: "أكثر من حرفين" أن الهمزة يحكم بزيادتها في ذلك، سواء قطع بأصالة الحروف التي قبل الألف كلها أم قطع بأصالة الحرفين، واحتمل الثالث، وليس كذلك؛ لأن ما آخره همزة بعد ألف بينها وبين الفاء حرف مشدد نحو سُلّاء وحوَّاء، أو حرفان أحدهما لين نحو زِيزَاء وقُوباء2، فإنه محتمل لأصالة الهمزة وزيادة أحد المثلين، أو اللين، وللعكس، فإن جعلت الهمزة أصلية كان سُلاء فُعّالاء وحواء فَعّالا من الحواية، وإن جعلت زائدة كان سلاء فُعلاء، وحواء فَعلاء من الحوة؛ فإن تأيد أحد الاحتمالين بدليل حكم به وألغي الآخر؛ ولذلك حكم على حواء بأن همزته زائدة إذا لم يصرف، وبأنها أصل إذا صرف نحو حواء للذي يعاني الحيات.
والأولى في سلاء أن تكون همزته أصلا؛ لأن فُعَّالا في النبات أكثر من فعلاء، فلو قال الناظم: "أكثر من أصلين" لكان أجود.
والنون في الآخر كالهمز وفي ... نحو غضنفر أصالة كُفِي
__________
1 القرفصاء -بضم القاف والفاء- ضرب من القعود يمد ويقصر.
2 سلاء -بضم السين وتشديد اللام- شوك النخل.
زيزاء: الأرض الغليظة.
قوباء -بضم القاف- الذي يظهر في الجسد ويخرج عليه وهو داء معروف يتقشر ويتسع يعالج ويداوي بالريق.(3/1540)
اعلم أن النون يُحكم بزيادتها في خمسة مواضع:
الأول: أن تقع آخرا بعد ألف زائدة قبلها أكثر من أصلين، كما تقدم في الهمزة؛ فلذلك شبهها بالهمزة نحو: ندمان وزعفران، فإن كان قبلها حرفان نحو: زمان ومكان، فهي أصلية.
فإن قلت: الناظم قد جعل النون في الآخر كالهمز، وتقدم أن كلامه في الهمزة ليس على إطلاقه، بل يستثنى منه نحو سلاء وقوباء، فإن فيه احتمالا، فهل يجري ذلك في النون؟
قلت: أما على قول أكثر النحويين فلا؛ لأنهم يحكمون بزيادة النون في أمثال حسَّان وعقيان1، إلا أن يدل دليل على أصالتها، بدلالة منع صرف حسان على زيادة نونه في قول الشاعر2:
ألا مَن مُبلغٌ حسانَ عني ... مغلغلة تدب إلى عكاظ
أما على ما ذهب إليه في التسهيل والكافية من أن النون في ذلك كالهمزة في تساوي الاحتمالين، فلا يلغي أحدهما إلا بدليل، فينبغي أن يقيد إطلاقه هنا بذلك، وهذا مذهب لبعض المتقدمين، وذهب الجمهور إلى أن النون لا يشترط في الحكم بزيادتها في ذلك إلا شرطان:
__________
1 العقيان: الذهب الخالص، قيل: هو ما ينبت نباتا وليس مما يحصل من الحجارة. اهـ الجوهري.
2 قائله: هو أمية بن خلف الخزاعي يهجو حسان بن ثابت الأنصاري، وهو من الوافر.
اللغة: "مغلغلة" -بضم الميم- يقال: رسالة مغلغلة إذا كانت محمولة من بلد إلى بلد "تدب" من دب على الأرض يدب دبيبا "عكاظ" -بضم العين- سوق من أسواق الجاهلية.
الإعراب: "ألا" للتنبيه "من" استفهامية في محل رفع مبتدأ "مبلغ" خبره "حسان" منصوب على المفعولية "عني" جار ومجرور متعلق بمبلغ "مغلغلة" مفعول مبلغ أيضا "تدب" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه "إلى عكاظ" جار ومجرور متعلق بالفعل، والجملة في محل نصب صفة لقوله مغلغلة.
الشاهد: قوله: "حسان" حيث منعه من الصرف الدال على زيادة نونه.
مواضعه: ذكره الأشموني 807/ 3، وابن يعيش 563/ 4.(3/1541)
أحدهما: أن يكون قبل الألف أكثر من حرفين، والآخر: ألا يكون من باب جنجاب1.
فإن قلت: قد أخل الناظم بهذا الشرط الثاني.
قلت: قد ذكر قبل هذا ما يرشد إليه وهو قوله: "واحكم بتأصيل حروف سمسم" وزاد بعضهم لزيادة النون شرطا آخر، وهو ألا تكون في اسم مضموم الأول مضعف الثاني اسما لنبات نحو رمان، فإنها في ذلك أصل؛ لأن فعالا في أسماء النبات أكثر من فعلان، وإلى هذا ذهب في الكافية حيث قال:
فعل عن الفعلان والفعلاء ... في النبت للفعال كالسلاء
ورد بأن زيادة الألف والنون آخرا أكثر من مجيء النبات على فعال، ومذهب سيبويه والخليل: أن نون رمان زائدة، قال سيبويه: وسألته -أي الخليل- عن الرمان إذا سمي به، فقال: لا أصرفه في المعرفة، وأحمله على الأكثر، إذا لم يكن له معنى يعرف به.
وقال الأخفش: نونه أصلية مثل قراص وحماض؛ لأن فعالا أكثر من فعلان، يعني النبات، والصحيح أنها أصلية، لا لكونه اسم نبات، بل لثبوتها في الاشتقاق.
قالوا: مرمنة -للبقعة الكثيرة الرمان- ولو كانت النون زائدة لقالوا: مرمة.
والموضع الثاني: أن تقع ساكنة غير مدغمة وبعدها حرفان نحو غضنفر وهو الأسد.
فالنون في هذا ونحوه مطرد زيادتها لثلاثة أوجه:
أحدها: أن كل ما عرف له اشتقاق أو تصريف وجدت فيه زائدة فحمل غيره عليه.
__________
1 جنجان -بكسر الجيم الأولى وأصله جنجن كسمسم- قال في القاموس الجناجن: عظام الصدر، الواحد جنجن وجنجنة -بكسرهما ويفتحان.(3/1542)
وثانيها: أن النون في ذلك واقعة موقع ما تيقنت زيادته كياء سَمَيْدَع وواو فدوكس1.
وثالثها: أنها تعاقب حرف اللين غالبا، كقولهم للغليظ الكفين: شَرَنْبَث وشَرَابِث، وللضخم جَرَنْفَش، ولضرب من النبت عرنقصان وعريقصان.
وقد اشتمل هذا الضابط على قيود ننبه عليها، فقولنا: "ثالثة" احترازا من أن تقع ثانية فإنه لا يحكم بزيادتها متحركة كانت أو ساكنة في غير ما سيأتي، إلا بدليل، ما حكم بزيادة نون كنهبل للزوم عدم النظير، وبزيادة نون حَنْظَل كقولهم: "حظلت الإبل".
وقولنا: "ساكنة" احترازا من المتحركة، فإنها لا يحكم بزيادتها إلا بدليل، وقد زيدت ثالثة متحركة، في ألفاظ قليلة منها: غرنيق وقعنب وخرنوب2 على احتمال في بعضها.
وقولنا: "غير مدغمة" احترازا من نحو عجنس3 تعارضت فيه زيادة النون مع زيادة التضعيف، فغلب التضعيف لأنه الأكثر، وجعل وزنه فعلل كعدبس4.
قال الشيخ أبو حيان: والذي أذهب إليه أن النونين زائدتان ووزنه فعنل، والدليل على ذلك أنا وجدنا النونين مزيدتين فيما عرف له اشتقاق نحو ضفنط وزونك5.
__________
1 السميدع: السيد الكريم الموطأ الأكناف والشجاع والذئب والخفيف في حوائجه.
والفدوكس -بفتح الفاء والدال- الأسد والرجل الشديد.
2 الغرنيق -بضم الغين وسكون الراء- طير من طيور الماء، ويطلق على غير ذلك، والقعنب: اسم رجل.
والخرنوب -بضم الخاء، لغة في الخروب- وهو نبت معروف. اهـ صحاح.
3 العجنس -بفتح العين والجيم وتشديد النون- الجمل الضخم الشديد.
4 العدبس -بفتح العين والدال وتشديد الباء- الشديد من الإبل وغيرها.
5 ضفنط -بفتح الضاد والفاء وتشديد النون- من الضفاطة: وهي الجهل وضعف الرأي وضخامة البطن.
زونك -بفتح الزاي والواو وتشديد النون- من الزوك: مشي الغراب وتحريك المنكبين في المشي والتبختر.(3/1543)
ألا ترى أنه من الضفاطة والزوك، فيحمل ما لا يعرف له اشتقاق على ذلك.
وقولنا: "وبعدها حرفان" احترازا من أن يكون بعدها حرف واحد أو أكثر من حرفين فلا يحكم عليها بالزيادة إلا بدليل، كما حكم بزيادة نون عرند1 للزوم وعدم النظير.
وزاد ابن جني مع هذه الشروط شرطا آخر، وهو أن يكون مما لا يمكن فيه التضعيف.
احترازا من أن يكون بعدها حرف واحد نحو حزنزق2 فإن نونه عنده محتملة، فلا يقضى عليها بالأصالة ولا بالزيادة إلا بدليل.
ورده ابن عصفور وقال: الصحيح أنها في ذلك زائدة، ولبسط الكلام على ذلك موضع غير هذا.
الموضع الثالث: الانفعال وفروعه كالانطلاق.
الموضع الرابع: الافعنلال وفروعه كالاحرنجام.
الموضع الخامس: المضارع نحو نضرب.
تنبيهات:
الأول: إنما لم يذكر الناظم هذه المواضع الثلاثة هنا مع أن زيادة النون فيا مطردة؛ لوضوح أمرها.
الثاني: اعلم أن النون تزاد على وجهين:
أحدهما: أن تزاد في بنية الكلم بحيث لو حذفت اختل معناها كما تقدم.
والآخر: أن تزاد بعد تمام الكلمة كالتنوين ونون التثنية والجمع وعلامة الرفع في الأمثلة الخمسة ونون الوقاية ونون التوكيد.
والذي ينبغي أن يذكر في حروف الزيادة هو النوع الأول، وقد يذكر الثاني تنبيها على أن النون تزاد على الوجهين.
__________
1 العرند -بفتح العين وسكون الراء وفتح النون- لأنه من قولهم: شيء عرد أي: صلب.
2 كذا بالأصل، وفي نسخة ب "حزنزن".(3/1544)
الثالث: اعلم أن النون تزاد أولى نحو نضرب، وثانية نحو حنظل، وثالثة نحو غضنفر، ورابعة نحو رعشن، وخامسة نحو عثمان، وسادسة نحو زعفران، وسابعة نحو عبوثران1.
والتاء في التأنيث والمضارعهْ ... ونحو الاستفعال والمطاوعهْ
ذكر أن التاء تطرد زيادتها في التأنيث نحو قائمة، وكذا في الفعل نحو قامت، وفي المضارعة نحو تقوم، وفي الاستفعال وفروعه نحو الاستخراج واستخرج فهو مستخرج، وفي المطاوعة لثلاثي نحو تعلم تعلما، أو الرباعي نحو تدحرج تدحرجا.
فإن قلت: قد اطردت زيادة التاء في التفاعل نحو التغافل، وفي الافتعال نحو الاقتدار وفروعهما، وفي التفعيل والتفعال نحو الترديد والترداد، دون فروعهما؛ لأن فروعهما لا تاء فيها.
ولم يذكر الناظم هذه الأربعة.
قلت: قد يمكن إدراكها في قوله: "ونحو الاستفعال" أي: ونحوه من المصادر التي زيدت فيها ولا يختص بهذا الوزن.
وزيدت التاء أيضا في أنت وفروعه على المشهور2، ولا يقضى بزيادتها في غير ما ذكر إلا بدليل.
واعلم أن التاء تزاد أولا وحشوا وآخرا، فأما زيادتها أولا فمنه مطرد وقد تقدم، ومنه مقصور على السماع كزيادتها في تنضب وتتفل3.
__________
1 عبوثران -بفتح العين وسكون الواو وفتح المثلثة وضمها- بنات طيب الرائحة. ورعشن: يقال: رجل رعشن للذي يرتعش، وجمل رعشن لاهتزازه في السير.
2 هذا المشهور، هو أن الضمير من "أنت" هو أن التاء حرف دال على تأنيث المخاطب المفرد أو المثنى أو الجمع، ويقابله قولان آخران؛ أولهما: أن الضمير هو التاء، وأن حرف عماد كما قيل في "إياك" ونحوه، وثانيهما: أن الضمير هو مجموع أن والتاء.
3 التنضب: شجر له شوك قصار وليس من شجر الشواهق.
والتتفل -بفتح التاء الأولى وسكون الثانية وضم الفاء، أو بضمتين بينهما سكون، أو بكسر أوله وفتح ثالثه، أو بفتح الأول والثالث أو بكسرهما- الثعلب، وقيل: ولده.(3/1545)
وأما زيادتها آخرا فكذلك منه مطرد وقد تقدم، ومنه مقصور على السماع كالتاء في رغبوت ورحموت وملكوت وعنكبوت. ومذهب سيبويه أن نون عنكبوت أصل وهو رباعي، وذهب بعض النحويين إلى أنه ثلاثي ونونه زائدة.
وأما زيادتها حشوا فلا تطرد إلا في الاستفعال والافتعال وفروعهما، وقد زيدت حشوا في ألفاظ قليلة، ولقلة زيادتها حشوا ذهب الأكثر إلى أصالتها في يستعور، وإلى كونها بدلا من الواو في كلتا.
والهاء وقفا كلمه ولم تره ... واللام في الإشارة المشتهره
لم تطرد زيادة الهاء إلا في الوقف على ما الاستفهامية مجرورة نحو "لِمَهْ" وعلى الفعل المحذوف اللام جزما أو وقفا، وعلى كل مبني على حركة لازمة إلا ما تقدم اسثناؤه في باب الوقف.
وهي واجبة في بعض ذلك، وجائزة في بعضه، وقد تقدم في بابه، فلا حاجة لإعادته.
تنبيهات:
الأول: أنكر المبرد زيادة الهاء ولم يعدها من حروف الزيادة، وأورد عليه زيادتها في الوقف، وأجيب بأنها حرف معنى كالتنوين وباء الجر، فلا وجه لعدها في حروف الزيادة؛ لأنها إنما تلحق لبيان الحركة، ولو عدت لزم عد الشين التي تلحق في الوقف لبيان الضمير عند العرب نحو "أكرمتكِش". والصحيح أنها من حروف الزيادة، وإن كانت زيادتها قليلة، والدليل على ذلك قولهم: أمَّهات، وقول بعضهم: أمهة، قال الراجز1:
__________
1 قائله: هو قصي بن كلاب بن مرة أحد أجداد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو من الرجز.
اللغة: "أمهتي" أي: أمي "خندف" -بكسر الخاء والدال وسكون النون- وهي أم مدركة زوجة إلياس واسمها ليلى بنت حلوان، واشتقاق خندف من الخندفة وهو مشي فيه سرعة وتقارب خطا. وعن الخليل أن الخندفة مشية كالهرولة للنساء خاصة دون الرجال "وإلياس" هو ابن مضر بن نزار.
الإعراب: "أمهتي" مبتدأ "خندف" خبره "وإلياس" الواو عاطفة وإلياس مبتدأ "أبي" خبره. الشاهد: قوله: "أمهتي" حيث ظهر فيه الهاء وهو على أصل؛ وذلك لأن أصل أم أمهة؛ ولذلك يجمع على أمهات.
مواضعه: ذكر في المحتسب لابن جني 223/ 2، وابن يعيش 3، 4/ 10، وشرح الشافية ص301، وهمع الهوامع 23/ 1.(3/1546)
أمهتي خندف وإلياس أبي
فالهاء في أمهات وأمهة زائدة؛ لسقوطها في قولهم: أم بينة الأمومة.
وأجيب بجواز أصالتها، ويكون أمهة فُعَّلَة نحو أبهة، وقد أجاز ذلك ابن السراج، ويقويه حكاية صاحب العين: تأمهت أما، بمعنى اتخذت أما، ثم حذفت الهاء فبقي أم، ووزنه فُع، أو تكون أمْهة وأم من باب سَبِط وسِبْطَر، وضعف هذا الجواب بأنه على خلاف الظاهر، وأن حكاية صابح العين تأمهت لا يحتج بها؛ لأن في كتاب العين اضطرابا لا يخفى، وكان الفارسي يعرض عنه، ويرد على المبرد أيضا قولهم: "أهراق" فالهاء فيه زائدة لسقوطها في أراق إراقة، قالوا: ولا جواب عنه إلا دعوى الغلط ممن قاله؛ لأنه لما أبدل الهمزة في هراق توهم أنها فاء1، فأدخل الهمزة عليها فأسكنت.
وقال الخليل: هي زائدة في هِرْكَوْلة، وهي العظيمة الوركين، لأنها تَرْكُل في مشيتها.
وقال أبو الحسن: إنها زائدة في هِبْلَع -وهو الأكوع- وهِجْرَع -وهو الطويل2- لأن الأول من البلع، والثاني من الجرع -وهو المكان السهل- وما قاله في هبلع أقرب.
وذهب بعضهم إلى أنها زائدة في سَهْلَب3، وذكروا ألفاظا أخر لا نطول بها لعدم شهرتها.
الثاني: تبين مما تقدم أن ذكر هاء السكت في حروف الزيادة -كما فعل المصنف- ليس بجيد.
__________
1 أي: فاء الكلمة.
2 وهما عنده هفلع.
3 السهلب: الطويل.(3/1547)
واللام في الإشارة المشتهرهْ
لم تطرد زيادة اللام إلا في أسماء الإشارة نحو ذلك وتلك، وزيادة هذه اللام، قيل: لتوكيد الإشارة، وقيل: للدلالة على البعد.
تنبيه:
زيادة اللام على ضربين:
أحدهما: أن تزاد في الكلمة مبنية عليها كزيادتها في فَيْشَلَة -وهي رأس الذكر- وفَحْجَل -وهو المتباعد الفخذين- وهَيْقَل -وهو ذكر النعام- وعَبْدَل -بمعنى عبد- لسقوطها في قولهم: فَيْشَة وأفحج وهيق وعبد، وأجاز ابن جني في فيشلة وهيقل أصالة اللام، ويكون مادتين، ونقل عن أبي الحسن أن لام عبدل أصل. وهو مركب من عبد الله كما قالوا: عبشمي، وقال في الأوسط: واللام تزاد في عبدل وحده وجمعه عبادلة.
قيل: فيكون للأخفش قولان.
والضرب الثاني لزيادة اللام: أن تزاد لمعنى لم تُبنَ الكلمة عليها، وهي لام الإشارة، وهذا لا يعني أن يذكر هنا. كما تقدم في هاء السكت.
تنبيه:
ذكر في النظم تسعة من حروف الزيادة ولم يذكر السين، وهي تزاد باطراد مع التاء في الاستفعال وفروعه.
قيل: وبعد كاف المؤنثة نحو أكرمتكس -وهي الكسكسة- وليس بجيد؛ لأنها لم تزد في بنية الكلمة، ويلزم من عد سين الكسكسة أن يعد شين الكشكشة، ولا تطرد زيادتها فيما سوى ذلك بل يحفظ كسين قدموس -بمعنى قديم- وسين أسطاع -بقطع الهمزة، وضم أول المضارع- فإن أصله أطاع يطيع، والسين زائدة، هذا مذهب البصريين، والعذر للمصنف أن السين لا تطرد زيادتها إلا في موضع واحد، وقد مثل به في زيادة التاء؛ إذ قال: "ونحو الاستفعال" فكأنه اكتفى بذلك.
وامنع زيادة بلا قد ثبت ... إن لم تُبيِّن حجة كحَظِلَتْ(3/1548)
أي: متى وقع شيء من هذه الحروف العشرة خاليا عما قيدت به زيادته، فهو أصل ولا يقبل دعوى زيادته إلا بدليل، كسقوط نون حنظل في قولهم: "حظلت الإبل" إذا تأذت من أكل الحنظل؛ فلذلك حكم بزيادتها مع أنها قد خلت من قيد الزيادة، أعني: كونها "زائدة"1 ثالثة، وقد تقدمت أمثلة كثيرة مما حكم فيه بالزيادة لدليل مع خلوه من قيد الزيادة، فلتراجع. والله أعلم.
__________
1 أ.(3/1549)
فصل في زيادة همزة الوصل:
مناسبة هذا الفصل لما قبله: أنه من تتمة الكلام على زيادة الهمزة، وهو مشتمل على مقصدين:
الأول: تعريف همزة الوصل لتمتاز عن همزة القطع.
والثاني: بيان أحكامها.
أما تعريفها، فله طريقان: أحدهما بالرسم، والآخر بالحصر، وقد أشار إلى رسمها بقوله:
للوصل همزة سابق لا يَثْبُتْ ... إلا إذا ابتُدِي به كاسْتَثْبِتُوا
وحاصله: أن همزة الوصل هي كل همزة تسقط وصلا وتثبت ابتداء، وهمزة القطع هي كل همزة تثبت وصلا وابتداء، وقد اشتمل كلامه على فوائد:
الأولى: أن همزة الوصل وضعت أولا همزة؛ لقوله: "للوصل همز" هذا هو الصحيح، وقيل: يحتمل أن يكون أصلها الألف، ألا ترى "إلى"1 ثبوتها ألفا في نحو: "آلرجل؟ " في الاستفهام لما لم يضطر إلى الحركة.
الثانية: أن همزة الوصل لا تكون إلا سابقة؛ لأنه إنما جيء بها وصلة إلى الابتداء بالساكن؛ إذ الابتداء به متعذر.
الثالثة: أن إثبات همزة الوصل في الدرج لا يجوز إلا في ضرورة شعر، كقوله2:
__________
1 ب.
2 قائله: هو قيس بن الخطيم، وهو من الطويل.
وتمامه:
بنث وتكثير الوشاة قمين
اللغة: "بنث" -بالباء الجارة وفتح النون وتشديد الثاء- من نث الحديث ينثُّه بالضم نثًّا إذا أفشاه "قمين" أي: خليق بذلك وحري. ويُروى: بنت وإفشاء الحديث قمين.
الإعراب: "إذا" للشرط "جاوز" فعل ماض "الاثنين" مفعول به "سر" فاعل جاوز، والجملة وقعت فعل الشرط "فإنه" الفاء واقعة في جواب الشرط وإن واسمها وهو الضمير الراجع إلى السر "قمين" خبر إن "بنث" يتعلق به "وتكثير" عطف عليه "الوشاة" مضاف إليه.
الشاهد: قوله: "الإثنين" حيث أثبت همزة الوصل في الدرج للضرورة.
مواضعه: ذكره السيوطي في الهمع 11/ 2، وابن يعيش 19، 137/ 9، وشرح شواهد الشافية ص183.(3/1550)
إذا جاوك الإثنين سر فإنه ... ........................
وكثر ذلك في أوائل أنصاف الأبيات كقوله1:
لا نَسَبَ اليوم ولا خُلة ... اتسع الخرق على الراقع
تنبيه:
اختلف في تسميتها همزة الوصل مع أنها تسقط في الوصل، فقيل: أضيفت إلى الوصل اتساعا، وقيل: لأنها تسقط في الدرج فتصل ما بعدها إلى ما قبلها، بخلاف همزة القطع، وقيل: لأنها يتوصل بها إلى النطق بالساكن.
ثم أشار إلى حصر مواضعها، وهي ستة أنواع:
الأول: الفعل الخماسي والسداسي، وإليهما أشار بقوله:
__________
1 قائله: هو أنس بن العباس بن مرداس، وقيل: لأبي عامر جد العباس بن مرداس، وهو من السريع.
اللغة: "الراقع" الذي يصلح موضع الفساد من الثوب "ولا خلة" -بضم الخاء- أي ولا صداقة.
المعنى: يقول الشاعر: لا نسب ولا قرابة اليوم بيننا وقد تفاقم الأمر بحيث لا يُرجى خلاصه فهو كالخرق الواسع في الثوب لا يقبل رقع الراقع.
وروى أبو علي القالي: استع الخرق على الراتق.
الإعراب: "لا" نافية للجنس "نسب" اسمها مبني على الفتح في محل نصب "اليوم" ظرف متعلق بمحذوف خبرها "ولا" الواو عاطفة، ولا زائدة لتأكيد النفي "خلة" معطوف على نسب بالنظر إلى محل اسم "لا" الذي هو النصب "اتسع" فعل ماض "الخرق" فاعل "على الراقع" جار ومجرور متعلق بقوله اتسع.
الشاهد: قوله: "اتسع" حيث أثبت فيه همزة الوصل في الدرج للضرورة.
مواضعه: ذكره ابن عقيل 229/ 2، وابن الناظم وابن هشام في "لا" النافية للجنس، والأشموني، والسيوطي في شرح الألفية ص40، وفي الهمع 144، 221/ 2، وسيبويه 349/ 1، وابن يعيش 101، 113/ 2، 138/ 9.(3/1551)
وهو لفعل ماضٍ احتوى على ... أكثر من أربعة نحو انْجَلَى
فكل همزة افتتح بها فعل ماض زائد على أربعة أحرف، فهي همزة وصل نحو: انجلى وانطلق واستخرج.
الثاني: فعل الأمر من كل فعل زائد على ثلاث نحو: انجلى وانطلق واستخرج1.
وإليه الإشارة: بقوله: "والأمر".
الثالث: مصدر الفعل الزائد على أربعة أحرف نحو: الانطلاق والاستخراج، وإليه الإشارة بقوله: "والمصدر" وقوله: "منه" قيد للأمر والمصدر كليهما.
الرابع: الأمر من كل فعل ثلاثي يسكن ثاني مضارعه لفظا، وإليه الإشارة بقوله:
.......................... وكذا ... أمر الثلاثي كاخشَ وامضِ وانفذا
فإن تحرك ثاني مضارعه لفظا لم يحتج إلى همزة الوصل ولو سكن تقديرا، كقولك في الأمر من يقوم: قُم، ومن يعد: عِد، ومن يرد: رد، ويستثنى من ذلك: خذ وكل مر، فإنها يسكن ثاني مضارعها لفظا، والأكثر في الأمر منها حذف الفاء والاستغناء عن همزة الوصل.
فإن قلت: أطلق في قوله: "أمر الثلاثي".
قلت: كأنه اكتفى بتقييد الأمثلة، وقد مثل بما سكن ثاني مضارعه، وإنما مثل بثلاثة أفعال؛ ليمثل بمفتوح العين ومكسورها ومضمومها.
الخامس: عشرة أسماء غير "مصادر"2 وقد ذكرها في قوله:
وفي اسم است ابن ابنم سُمع
واثنين وامرئ وتأنيث تَبِعْ
فهذه تسعة لأن قوله "وتأنيث" يعني به ابنة واثنتين وامرأة، والعاشر "ايمن" المذكور أول البيت الآتي، ونبه بقوله: "سمع" على أن افتتاح هذه الأسماء العشرة
__________
1 أ.
2 أ، ج.(3/1552)
بهمزة الوصل غير مقيس، وإنما طريقه السماع؛ وذلك أن الفعل لأصالته في التصريف استأثر بأمور منها:
بناء بعض أمثلته على السكون1، فإذا اتفق الابتداء بها زادوا همزة الوصل للإمكان ثم حملت مصادر تلك الأفعال على أفعالها في إسكان أولها، واجتلاب الهمزة.
وهذه الأسماء العشرة ليست جارية على أفعال، فكان مقتضى القياس أن تُبنَى أوائلها على الحركة، ويستغنى فيها عن همزة الوصل.
فإن قلت: فما وجه إسكان أوائلها حتى احتيج إلى همزة الوصل؟
قلت: قال بعض النحويين: لأنها أسماء معتلة سقطت أواخرها للاعتلال، وكثر استعمالها فسكن أوائلها لتكون همزة الوصل عوضا مما أسقط منها. انتهى.
وقد دعت الحاجة هنا إلى الكلام على هذه الأسماء.
أما "اسم": فأصله سمو كقنو كذا قال سيبويه، وقيل: أصله سمو كقفل، فحذفت لامه تخفيفا، وسكن أوله لما مر، وقيل: نقل سكون الميم إلى السين، وهو عند البصريين مشتق من السمو، وعند الكوفيين من الوسم، ولكنه قُلب، فأخرت فاؤه فجعلت بعد اللام، وجاءت تصاريفه على ذلك، والخلاف في هذه المسألة شهير، فلا نطول به.
وأما "است": فأصله سَتَه -بفتح الفاء والعين- ودليل تحريك العين جمعه على أفعال، ودليل فتحها أن المفتوح العين أكثر، فلا يعدل عنه لغير دليل، ودليل فتح فائه قولهم: سَه -بفتح الفاء- حين حذفوا العين، وفيه ثلاث لغات: است وسه وست.
وأما "ابن": فأصله بنو، ودليل فتح فائه قولهم في جمعه: بنون، وفي النسب بنوي -بفتحها- ودليل فتح عينه جمعه على أفعال.
فإن قلت: ما الدليل على أن لامه واو؟
__________
1 أي: بناء أوائل بعض أمثلته.(3/1553)
قلت: ذكروا لذلك ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الغالب على ما حذفت لامه الواو دون الياء.
الثاني: أنهم قالوا: البنوة، واعترض بأن البنوة لا دليل فيها؛ لأنهم قالوا: الفتوة، ولام فتى ياء.
الثالث: أنهم قالوا في مؤنثه: بنت، فأبدلوا التاء من لامها، وإبدال التاء من الواو أكثر من إبدالها من الياء.
وذهب بعضهم إلى أن لام ابن ياء، واشتقه من بنى يبني.
وأما "ابنم": فهو ابن زيدت فيه الميم للمبالغة، كما زيدت في زرقم، قال الشاعر1:
وهل لي أم غيرها إن ذكرتُها؟ ... أبَى الله إلا أن أكون لها ابنما
وأما "اثنان": فأصله ثنيان؛ لأنه من ثنيت، فحذفت لامه، وسكن أوله، وجيء بهمزة الوصل.
وأما "امرؤ": فهو اسم تام لم يحذف منه شيء، إلا أنه لما كان يجوز تخفيف همزته بنقل حركتها إلى الساكن قبلها مع الألف واللام نحو المرء أعلوه لذلك، ولكثرة استعماله.
__________
1 قائله: هو المتلمس واسمه جرير بن عبد المسيح، وهو من الطويل.
اللغة: "أبي الله" أي: منع ألا أكون إلا ابنا لها.
الإعراب: "وهل" الواو للعطف وهل للاستفهام "لي" جار ومجرور خبر مقدم "أم" مبتدأ مؤخر "غيرها" صفة لأم "إن" شرطية "ذكرتها" فعل وفاعل ومفعول والجملة في محل جزم فعل الشرط، والجواب محذوف دل عليه الكلام السابق "أبَى" فعل ماض "الله" فاعل "أن" مصدرية "أكون" فعل مضارع ناقص منصوب بأن واسمها ضمير، والتقدير: إلا كوني ابنا لها، لأمي "ابنما" منصوب لأنه خبر أكون.
الشاهد: قوله: "ابنما" فإن أصله ابن زيدت فيه الميم للمبالغة كما زيدت في زرقم وشجعم.
مواضعه: ذكره الأشموني 816/ 2، وابن يعيش 133/ 9، والمقتضب للمبرد 93/ 2، والخصائص لابن جني 58/ 1، 182/ 2.(3/1554)
وأما تأنيث ابن واثنين وامرئ، فالكلام عليها كالكلام على مذكراتها، والتاء في ابنة واثنتين للتأنيث كالتاء في امرأة، بخلاف التاء في بنت وثنتين، فالتاء فيهما بدل من لام الكلمة؛ إذ لو كانت للتأنيث لم يسكن ما قبلها، ويؤيد ذلك قول سيبويه: لو سميت بهما رجلا لصرفتهما، يعني: بنتا وأختا.
فإن قيل: فإذن نفهم من الكلمة التأنيث؟
قلت: أجاب ابن يعيش في شرح المفصل بأن التأنيث مستفاد من نفس الصيغة، ونقلها من بناء إلى آخر.
وذلك أن أصل بنت بنو فنقلوه إلى فعل ألحقوه بجذع بالتاء، كما ألحقوا أختا بالتاء بقفل فصارت الصيغة علما للتأنيث؛ إذ كان هذا علما اختص بالتأنيث.
وأما "ايمن": فهو اسم مشتق من اليُمْن، وهو مخصوص بالقسم وهمزته قطع وصل، هذا مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أنها همزة قطع، وهو عندهم جمع يمين، ورد مذهبهم بثلاثة أوجه:
أحدها: أنه لو كان جمعا لم تصح كسرة همزته، وقد سمع كسرها.
الثاني: أنه قد سمع حذف همزته نثرا في قول عروة بن الزبير: ليمنُك لئن ابتليت لقد عافيت.
والثالث: أنه لو كان جمعا لم يتصرف فيه بحذف بعضه؛ لأن ذلك في الجموع غير معروف، وفيه اثنتا عشرة لغة، جمعها ابن مالك رحمه الله في بيتين، وهما:
همز ايمُ وايمُن فافتح واكسر أو إم قُل ... أو قل مُ أو مُنُ بالتثليث قد شُكلا
وايمُن اختم به، والله كلا أضِف ... إليه في قسَم تستوف ما نُقِلا
السادس: همزة حرف التعريف وهي امشار إليها بقوله: "همزة أل كذا" وشمل قوله: "همز أل" حرف التعريف والموصولة والزائدة، ومذهب الخليل أن همزة أل همزة قطع وصلت لكثرة الاستعمال، وهو اختيار المصنف في غير هذا الموضع، وهمزة أم التي هي بدل من أل في لغة أهل اليمن همزة وصل أيضا. فهذا تمام المقصد الأول، وأما المقصد الثاني فيشتمل على مسائل:(3/1555)
الأولى: اختلف في همزة الوصل هل أصلها السكوت أو الحركة؟ فقيل: اجتلبت ساكنة ثم حركت بالكسر الذي يجب لالتقاء الساكنين، وإليه ذهب الفارسي واختاره الشلوبين، وقيل: اجتلبت متحركة، وهو قول سيبويه، وهو الظاهر.
الثانية: اعلم أن همزة الوصل تفتح في موضعين في حرف التعريف وايمن، وقد ذكر كسرها في ايمن، وتضم في غيرهما، قيل: ضمة أصلية موجودة أو مقدرة بالموجودة نحو "اسكن" والمقدرة نحو: اغزي يا هند، فإن أصله اغزوي، وذكر الشارح في نحو اغزي مما عرض إبدال ضمة ثالثه كسرة وجهين: الضم والكسر، قال: والضم هو المختار، وحكى ابن جني كسر الهمزة في نحو اخرج مما ضمته لازمة وهي لغة رديئة، ويشم الضم قبل الضمة المشمة في نحو اختير وانقيد على لغة الإشمام، وتكسر فيما سوى ذلك.
الثالثة: مذهب البصريين أن أصل حركة همزة الوصل أن تكون كسرة، وإنما فتحت في بعض المواضع تخفيفا، وضمن إتباعا، وذهب الكوفيون إلى أنها كسرت في نحو اضرب تبعا لثالث الفعل، وضمت في نحو "اسكن" تبعا لثالث الفعل أيضا، ورد عليهم أنه ينبغي أن تفتح في نحو اعلم، وأجيب بأنها لو فتحت فيما ثالثه مفتوح لالتبس الأمر بالخبر.
الرابعة: قد علم أن همزة الوصل إنما جيء بها للتوصل إلى الابتداء بالساكن، فإذا تحرك ذلك الساكن استغني عنها، نحو استتر، إذا قصد إدغام تاء الافتعال فيما بعدها نقلت حركتها إلى الفاء فقيل: ستر1، إلا أن لام التعريف إذا
__________
1 يلتبس هذا الماضي بعد النقل وحذف همزة الوصل بقولك: "ستر" مضعف العين، والفرق بينهما من ثلاثة أوجه:
الأول: أن هذا الماضي المحذوف همزة وصله وزنه افتعل، والآخر: وزنه فعل -بتشديد العين.
والثاني: أن مضارع هذا الماضي يَستر -بفتح ياء المضارعة كيستتر الذي هو أصله- ومضارع الآخر يُستر -بضم ياء المضارعة كيقتل، بتشديد التاء مكسورة.
والثالث: أن مصدر هذا الماضي المحذوف همزة الوصل ستارا ومصدر المضعف العين تستير مثل تقتيل.(3/1556)
نقلت حركة الهمزة إليها في نحو الأحمر، فالأرجح إثبات الهمزة، فتقول: "ألحمر".
فإن قلت: فما الفرق بينه وبين ستر؟
قلت: النقل للإدغام، أكثر من النقل لغير الإدغام.
الخامسة: إذا دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل، حذفت همزة الوصل للاستغناء عنها إن كانت مكسورة أو مضمومة، المكسورة نحو: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} 1 أصله اصطفى بهمزة وصل مكسورة، فلما دخلت همزة الاستفهام حذفت همزة الوصل، والمضمومة نحو قولك: "أضطر الرجل؟ " أصله اضطر بهمزة مضمومة، فلما دخلت همزة الاستفهام حذفت أيضا، وإن كانت مفتوحة لم تحذف بل تبدل ألفا، أو تسهل بين الهمزة والألف، وقد قرئ بالوجهين في مواضع من القرآن نحو: {الذَّاكِرِينَ} 2، ومن التسهيل قول الشاعر3:
أألحق إن دار الرباب تباعدت ... أو انبتَّ حبل أن قلبك طائرُ
__________
1 الآية 153 من سورة الصافات.
2 من الآية 143 من سورة الأنعام.
3 قائله: هو حسان بن يسار التغلبي، وقيل: لعمرو بن أبي ربيعة، وهو من الطويل.
اللغة: "الرباب" اسم امرأة "تباعدت" صارت بعيدة عنك "انبت" انقطع "حبل" معروف ويراد به هنا: العهد وأسباب المودة والصلة.
المعنى: أخبرني وأصدقني إذا تباعدت عنك دار الرباب أو انقطع ما بينكما من أواصر الألفة والمحبة وعهد الإخاء، هل الحق أن قلبك يطير معها، ويذهب عقلك حزنا عليها؟ وكنى بذلك عن شدة اضطرابه وخفقانه.
الإعراب: "أألحق" الهمزة الأولى للاستفهام، والثانية أداة التعريف، والحق منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف خبر مقدم "إن" شرطية "دار" فاعل لفعل محذوف هو فعل الشرط يفسره تباعدت "الرباب" مضاف إليه وجواب الشرط محذوف يدل عليه سياق الكلام "تباعدت" فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير والجملة لا محل لها من الإعراب مفسرة "أو" حرف عطف "انبت" فعل ماض "حبل" فاعل "أن" حرف توكيد ونصب "قلبك" اسمها وضمير المخاطب مضاف إليه "طائر" خبر أن مرفوع بالضمة الظاهرة، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر، والتقدير: أفي الحق طيران قلبك.
الشاهد: قوله: "أألحق" حيث نطق الشاعر بهمزة أل في هذه الكلمة بين الألف والهمزة مع القصر، وهذا هو التسهيل وهو القليل.
مواضعه: ذكره الأشموني 818/ 3، وابن هشام في شرح الألفية 244/ 4، وابن عقيل 406/ 2، وابن الناظم، وسيبويه 468/ 1.(3/1557)
والإبدال هو أرجح الوجهين.
فإن قلت: لم أبدلت أو سهلت، وكان القياس أن تحذف كما حذفت المضمومة والمكسورة؟
قلت: إنما ترك مقتضى القياس في المفتوحة؛ لأن حذفها يوقع في التباس الاستفهام بالخبر لاتحاد حركتها وحركة همزة الاستفهام، وإلى ذلك أشار بقوله:
................... ويُبدل ... مدا في الاستفهام أو يُسهل
فإن قلت: فهل يجري الوجهان في همزة ايمن كقولك: آيمن الله يمينك؟
قلت: نعم؛ لأن العلة واحدة، وقد نصوا على ذلك، إلا أن قوله: "ويبدل" قد يوهم اختصاصه بهمزة أل؛ لأن الظاهر أن الضمير في "يبدل" يعود عليه، وكذلك يوهمه كلام الكافية، بل هو كالتصريح بذلك.
واعلم أن الكلام على هذه المسائل يستدعي بسطا، ولكنني أضربت عنه خشية الإطالة. والله أعلم.(3/1558)
الجزء السادس:
الإبدال:
الغرض من هذا الباب بيان الحروف التي تُبدل من غيرها إبدالا شائعا لغير إدغام، فإن الإبدال للإدغام لا ينظر فيه في هذا الباب.
ويُحتاج هنا إلى ثلاث مسائل:
الأول: في الفرق بين الإبدال والتعويض: والفرق بينهما أن البدل لا يكون إلا في موضع المبدل منه، كهاء هرقت ونحوه، والعوض يكون في غير "موضع"1 المعوض منه كتاء عِدَة، وهمزة ابن، وياء سُفَيْرج، ولا يقال في هذا بدل إلا تجوزا مع قلته.
والثانية: في الفرق بين الإبدال والقلب: والفرق بينهما أن القلب يختص بحروف العلة والإبدال يكون فيها وفي الحروف الصحيحة، فالإبدال أعم، والقلب أخص، قال بعضهم: البدل على ضربين: بدل هو إقامة حرف مقام "حرف"2 غيره نحو تاء تُخمة وتكأة3، وبدل هو قلب الحرف نفسه إلى لفظ غيره على معنى إحالته إليه، وهذا إنما يكون في حروف العلة وفي الهمزة أيضا؛ لمقارنتها إياها وكثرة تغييرها، وذلك نحو قام، أصله قوَم، فالألف واو في الأصل، وموسر أصله ياء وراس أصل الألف الهمزة، وإنما لينت لنبرتها فاستحالت ألفا، فكل قلب بدل، وليس كل بدل قلبا.
وقال بعضهم: الفرق بين الإبدال والقلب أن البدل وضع شيء مكان غيره على تقدير إزالة الأول، والقلب هو تصيير الشيء على غير الصورة التي كان عليها من غير إزالة؛ ولذلك جعل مثل قال وباع قلبا؛ لأن حروف العلة تقارب بعضها بعضا؛ إذ هي من جنس واحد فسهل انقلاب بعضها إلى بعض، وجعل مثل اتعد ونحوه إبدالا؛ لتباين حروف الصحة من حروف العلة، فتقول على هذا
__________
1 أ، ب.
2 أ، ب.
3 التخمة -بضم ففتح- الثقل الذي يصيبك من الطعام، وتاؤه مبدلة من الواو.
والتكأة: العصا، وما يتكأ عليه، والرجل الكثير الاتكاء، وأصله وكأة -بدليل توكأت.(3/1561)
في اتَّعد وأمثاله أنه كان في الأصل اوتعد، فحذفت الواو وأبدل منها التاء، إلا أن الواو انقلبت تاء.
وأما قام وأمثاله فيقدر أنه كان في الأصل قوَم، ثم استحالت الواو ألفا، لا أنها حذفت وجعل مكانها الألف.
قلت: وعلى هذا فليس بينهما عموم ولا خصوص.
والثالثة: في حصر حروف البدل: اعلم أن الإبدال للإدغام، يكون في جميع حروف المعجم إلا الألف، وأما الإبدال لغير الإدغام فيكون في اثنين وعشرين حرفا، وقد جمعها في التسهيل قال: يجمع حروف البدل الشائع لغير إدغام قولك: "لجد صُرف شَكِس آمن طيّ ثوب عزَّته".
وباقي حروف المعجم لا تبدل وهي: الحاء والخاء والذال والظاء والضاد والغين والقاف، إلا أن قوله: "الشائع" يفهم أن البدل قد يكون في غيرها على سبيل الشذوذ، ومن ذلك قراءة الأعمش: "فَشَرِّذْ بِهِمْ"1 بالذال المعجمة. وخرجها ابن جني على أن تكون الذال بدلا من الدال كما قالوا: لحم خَرَاذِل وخَرَادِل2، والمعنى الجامع لهما أنهما مَجْهُوَران ومتقاربان، وخرجها الزمخشري على القلب بتقديم اللام على العين، كقولهم: "شَذَرَ مَذَرَ"، وقد عد كثير من أهل التصريف حروف الإبدال اثني عشر حرفا وجمعوها في تراكيب كثيرة منها: "طال يوم أنجدته" وأسقط بعضهم اللام، وعدها أحد عشر، وجمعها في قوله: "أجد طويت منها" وزاد بعضهم الصاد والزاي، وعدها أربعة عشر، وجمعها في قوله: "أنصت يوم زل طاه جد" وعدها الزمخشري ثلاثة عشر، وجمعها في قوله: "استنجده يوم طال" وقال ابن الحاجب: وهو وهم؛ لأنه أسقط الصاد والزاي وهما من حروف الإبدال، كقولهم: زِرَاط وزَقْر، في صراط وصقر، وزاد السين وليست من حروف الإبدال، فإن أورد "اسمع" ورد "اذّكر واظّلم"؛ لأنه من باب الإدغام، لا من باب الإبدال المجرد.
__________
1 من الآية 57 من سورة الأنفال.
2 في القاموس: خردل اللحم قطع أعضاءه وافرة، أو قطعه وفرقه، وخرذل اللحم: لغة في خردل.(3/1562)
قال ابن الخباز: وتتبعتها في كتبهم فلم تجاوز خمسة عشرة، وجمعها في قوله: استنجده يوم صال زط.
قلت: لا طريق إلى حصرها إلى الاستقراء، وقد تقدم أنها اثنان وعشرون "حرفا"1.
وإنما يذكر في هذا الباب ما هو ضروري، وقال في التسهيل: والضروري في التصريف هجاء "طويت دائما" وهي ثمانية حروف.
وقال هنا: "أحرف الإبدال هدأت موطيا" فزاد الهاء كما في الكافية، وهدأت بمعنى سكنت، وموطيا اسم فاعل من أوطأت الرحل إذا جعلته وطيئا، إلا أنه خفف همزته بإبدالها ياء؛ لانفتاحها وانكسار ما قبلها، وإنما اقتصر على هذه التسعة؛ لأنها التي لا يستغنى عن ذكرها في التصريف، وما عدا هذه التسعة فإبداله إما شاذ كقولهم في: "أصيلان" أصيلال2، وإما لغة قليلة كإبدال الجيم من الياء المشددة في الوقف. قال في شرح الكافية: وهذا النوع من الإبدال جدير بأن يذكر في كتب اللغة، لا في كتب التصريف، وإنما ينبغي أن يُعد في الإبدال التصريفي ما لو لم يُبدل أوقع في الخطأ أو مخالفة الأكثر؛ فالموقع في الخطأ كقولك في مال: مَوَل، والموقع في مخالفة الأكثر، كقولك في سقَّاءة: سقَّايَة.
تنبيه:
يعرف الإبدال بالرجوع في بعض التصاريف إلى المبدل منه لزوما أو غلبة.
الأول: نحو جَدَف، فإن فاءه بدل من ثاء جَدَث؛ لأنهم قالوا في الجمع أجداث، بالثاء فقط3.
والثاني: نحو "أفْلَط" أي: أفلت، فإن طاءه بدل من التاء؛ لأن التاء أغلب فيه في الاستعمال، فإن لم يثبت ذلك في ذي استعمالين فهو من أصلين، نحو:
__________
1 أ، ب.
2 أصيلان: تصغير أصلان جميع أصيل، وهو الوقت بعد العصر إلى المغرب.
3 الجدث: القبر، وجمعه: أَجْدُث وأجداث.(3/1563)
أرَّخَ وورَّخَ، لا تقول: إن الهمزة بدل من الواو؛ لأن جميع تصاريف الكلمة جاءت بالوجهين. وقال ابن الحاجب: يعرف البدل بكثرة اشتقاقه كتُراث، فإن أمثلة اشتقاقه: وَرِث ووَارِث ومَوْرُوث1.
وبقلة استعماله كقولهم: "الثَّعالِي" في الثعالب، و"الأراني" في الأرانب، وأنشد سيبويه2:
لها أشاريرُ من لحم تُتَمِّرُه ... من الثعالي ووخزٌ من أرانيها
قال ابن جني: ويحتمل أن يكون الثعالي جمع ثُعالة ثم قلب؛ فيكون كقولهم: "شَرَاعي" في "شرائع"، والذي قاله سيبويه أولى؛ ليكون كأرانيها، وأيضا فإن ثُعالة اسم جنس وجمع أسماء الأجناس ضعيف.
يعني بقوله اسم جنس: علم جنس.
وبكونه فرعا والحرف زائد كضويرب تصغير ضارب؛ لأنه لما علم الأصل علم أن هذه الواو مبدلة من الألف.
__________
1 التراث: كغراب المال الموروث، أصله وراث، استثقلوا الواو المضمومة في أول الكلمة فأبدلوها تاء إبدالا غير قياسي.
2 قائله: هو أبو كاهل النمر بن تولب اليشكري، يصف فرخة عقاب تسمى غبة كانت لبني يشكر -وهي بالغين المعجمة وفتح الباء المشددة- وهو من البسيط.
اللغة: "لها" الضمير يرجع إلى الفرخة "أشارير" قطع قديد من اللحم "تتمره" من تمرت اللحم، والتمر -بالتاء- إذا جففتهما "وخز" شيء قليل.
الإعراب: "لها" جار ومجرور خبر مقدم "أشارير" مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة "من لحم" جار ومجرور ومن بيانية "تتمره" فعل والفاعل ضمير مستتر فيه والهاء مفعول به، والضمير يرجع إلى اللحم، والجملة في محل جر صفة لحم "من الثعالي" جار ومجرور في محل رفع صفة لقوله أشارير "ووخز" عطف على أشارير "من أرانيها" جار ومجرور في محل رفع صفة لقوله ووخز.
الشاهد: قوله: "الثعالي وأرانيها" فإن أصلهما من الثعالب، ومن أرانبها جمع أرنب، فأبدلت الباء الموحدة فيهما ياء.
مواضعه: ذكره الأشموني 824/ 3، وابن يعيش 24/ 10، والهمع 181/ 1، وسيبويه 344/ 1.(3/1564)
وبكونه فرعا وهو أصل كُمَويْه، فإنه تصغير ماء، فلما صغر على مُوَيْه علم أن الهمزة مبدلة من هاء.
وبلزوم بناء مجهول نحو "هَرَاق" يحكم بأن أصله أراق؛ لأنه لو لم يكن كذلك لوجب أن يكون وزنه هَفَعل، وهو بناء مجهول.
فإن قلت: قد علم أن حروف البدل هي التي تبدل من غيرها، فما الحروف التي تبدل هذه منها؟
قلت: ستعرف بالتفصيل الذي يذكره الناظم بقوله:
....................... ... فأبدل الهمزة من واو ويا
آخرا إثر ألف زيد.... ... ......................
شروع في ذلك التفصيل:
فالهمزة تبدل كثيرا من الواو والياء والألف، وقليلا من الهاء والعين، ولم يذكرهما في النظم لقلتهما. فمثال إبدالها من الهاء ماء، أصله ماه لقولهم في الجمع: أمواه، وفي التصغير: مويه، ومثال إبدالها من العين قولهم: "أُباب بحر" في "عُباب بحر"، وذهب بعضهم إلى أن الهمزة في هذا أصل من أب بمعنى تهيأ؛ لأن البحر يتهيأ لما يزجر به، وإلى هذا ذهب ابن جني.
وأما إبدالها من حروف اللين فمنه جائز ومنه واجب ومنه شاذ.
فمن الواجب إبدال الهمزة من كل واو أياء تطرفت بعد ألف زائدة نحو كساء ورداء أصلهما كساو ورداي، فأبدلت الواو في الأول والياء في الثاني لما ذكر.
وقد فهم من اشتراط التطرف أنهما إذا لم يتطرفا لا يبدلان همزة نحو: تعاون وتبايَن.
ومن اشتراط زيادة الألف، أنهما لو تطرفا بعد ألف غير زائدة لم يبدلا؛ لئلا يتوالَى إعلالان نحو: "واو، وآي".(3/1565)
تنبيهات:
الأول: هذا الإبدال مستصحب مع هاء التأنيث العارضة نحو: "بَنَّاء وبناءة" فإن كانت هاء التأنيث غير عارضة امتنع الإبدال نحو: "هداية، وسقاية، وعلاوة، وعداوة"؛ لأن الكلمة بُنيت على التاء، أي: أنها لم تُبْنَ على مذكر، قال في التسهيل: وربما صح مع العارضة وأبدل مع اللازمة، فالأول كقولهم في المثل: "اسْقِ رَقَاشِ فإنها سقَّاية"1 لأنه لما كان مثلا -والأمثال لا تغير- أشبه ما بُني على هاء التأنيث، ومنهم من يقول: "فإنها سَقّاءة" -بالهمز- كحاله في غير المثل، والثاني كقولهم: "صَلاءَة" في صلاية2.
الثاني: حكم علامة التثنية حكم هاء التأنيث في استصحاب هذا الإبدال ما لم تبن الكلمة على التثنية، وذلك قولهم: "عَقَلْتُه بِثَنَايَيْن" وهما طرفا العقال.
الثالث: قد اعترض ضابط الإبدال المذكور بأنه يرد عليه مثل "غَاوِي" في النسب3 إذا رخمته على لغة من لا ينوي، فإنك تقول: "يا غَاوُ" -بضم الواو- من غير إبدال، مع اندراجه في الضابط المذكور، وإنما لم يبدل لوجهين:
أحدهما: أنه قد أعل بحذف لامه، ولم يجمع فيه بين إعلالين.
والثاني: أنه لما رخم على هذه اللغة شابه ما لا يعل نحو واو، وإصلاح الضابط أن يقال: من واو أو ياء هي لام الكلمة، أو ملحق بها.
الرابع: اختلف في كيفية هذا الإبدال، فقيل: أبدلت الياء والواو همزة، وهو ظاهر كلام المصنف، وقال حُذَّاق أهل التصريف: أبدل من الواو والياء ألف ثم أبدلت الألف همزة، وذلك أنه لما قيل: كساو ورِدَاي، تحركت الواو والياء بعد
__________
1 هذا مثل يضرب للمحسن أي: أحسن إليه لإحسانه.
وسقاية بفتح السين وتشديد القاف، ويروى: سقا بلا ياء وهاء، وعليه فلا شاهد فيه.
2 الصلاية -بفتح الصاد وتخفيف اللام- قال في القاموس: الصلاية ويهمز الجبهة.
3 ظاهره أن قوله: "في النسب" قيد في الكلام، وليس الأمر على هذا الظاهر، فإن "غاويا" إذا نودي بعد صيرورته علما ورخم، قيل فيه ذلك على لغة من ينتظر على أن الواو في "يا غاو" ليست متطرفة، بل هي حشو، وذلك لأن الحذف عارض، والمحذوف مراعى.(3/1566)
فتحة، ولا حاجز بينهما إلا الألف الزائدة وليست بحاجز حصين لسكونها وزيادتها، وانضم إلى ذلك أنهما في محل التغيير وهو الطرف، فقلبا ألفا -حملا على باب عصا ورحا- فالتقى ساكنان، فقلبت الألف الثانية همزة؛ لأنها من مخرج الألف.
الخامس: ليس هذا الإبدال مخصوصا بالواو والياء، فإن الألف تشاركهما فيه، فإذا تطرفت الألف بعد ألف زائدة وجب قلبها همزة نحو: "صحراء" مما ألفه للتأنيث، فإن الهمزة في هذا النوع بدل من ألف مجتلبة للتأنيث كاجتلاب ألف "سكرى" لكن ألف سكرى غير مسبوقة بالألف فسلمت، وألف صحراء مسبوقة بألف فحركت فرارا من التقاء الساكنين، فانقلبت همزة لأنها من مخرجها، وقوله في الكافية:
من حرف لين آخر بعد ألف
مزيدٍ ابدل همزة وذا ألف
أعم لشموله الأحرف الثلاثة:
وقوله:
..................... وفي ... فاعل ما أعل عينا ذا اقتُفي
ذا إشارة إلى إبدال الواو والياء همزة، واقتفي: أي اتبع.
هذا موضع ثانٍ يجب فيه إبدال الياء والواو همزة، وهو كل واو وياء وقعت عينا لاسم فاعل أعلت في فعله نحو: "قائل، وبائع" أصلهما: قاول وبايع؛ ولكنهم أعلوه حملا على فعله.
قال في شرح الكافية: فأبدلت الهمزة من الواو والياء في اسم الفاعل، كما أبدلت الألف منهما في الفعل حيث قالوا: قال وباع، واحترز بقوله: "أُعل عينا" من نحو: عور وصيد، فاسم الفاعل منهما: عاور وصايد، بالواو والياء، ولا يبدلان لصحتهما في الفعل جريا في الصحة مجرى واحدا كما جريا في الإعلال مجرى واحدا.(3/1567)
تنبيهات:
الأول: هذا الإبدال جار فيما كان على فاعل وفاعلة، ولم يكن اسم فاعل، كقولهم: "جائز" وهو البستان، قال 1:
صَعْدَةٌ نَابِتَةُ في جائزٍ.. أَيْنَمَا الريحُ تُميِّلها تَملْ
وكقولهم: "جائزة" - وهي خشبة تجعل في وسط السقف، وكلام الناظم هنا وفي الكافية لا يشمل ذلك، وقد نبه عليه في التسهيل.
الثاني: اختلف في هذا الإبدال، فقيل: أبدلت الواو والياء همزة، كما قال المصنف، وقيل: بل قلبتا الفا، ثم أبدلت الألف همزة، كما تقدم في نحو كساء ورداء وكسرت الهمزة على أصل التقاء الساكنين، وبهذا قال أكثرهم. وقال المبرد: أدخلت ألف فاعل فبل الألف المنقلبة في قال وباع وأشباههما، فالتقى ألفان وهما ساكنان، فحركت العين لأن أصلها الحركة، والألف إذا تحركت صارت همزة.
الثالث: يكتب نحو: "قائل، وبائع" بالياء على حكم التخفيف، لأن قياس الهمزة في ذلك ان تُسَهَّل بين الهمزة والياء. فلذلك كتبت ياء، وأما إبدال الهمزة في ذلك ياء محضة فنصوا على انه لحن وكذلك تصحيح الياء في "بائع" ولو جاز تصحيح الياء في بائع لجاز تصحيح الواو في "قائل".
__________
1 قائله هو كعب بن جعيل - يصف امرأة شبه قدمها بالقناة - وهو من الرمل-.
اللغة: "صعدة" بفتح الصاد - هي القناة التي تنبت مستوية فلا تحتاج إلى تقويم ولا تثقيف.
ويقولون امرأة صعدة اي مستقيمة القامة مستوية على التشبيه بالقناة كما يشبهونها بغصن البان وبالخيزران.
المعنى: شبه امراة - ذكرها في بيت سابق - بقناة مستوية لدنة قد نبتت في مكان مطمئن الوسط مرتفع الجوانب والريح تعبث بها وتميلها وهي تميل مع الريح.
الإعراب: "صعدة" خبر مبتدأ محذوف، أي هي صعدة، "نابتة" صفة لصعدة، "في جائز" جار ومجرور متعلق بنابتة "أينما" اسم شرط جازم يجزم فعلين، وهو مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية المكانية، وما زائدة، "الريح" فاعل لفعل محذوف يقع فعلاً للشرط يفسره ما بعده، "تميلها" جملته لا محل لها مفسرة للفعل المحذوف، "تمل" فعل مضارع جواب الشرط، مجزوم بالسكون، وفيه ضمير مستتر فاعل.
الشاهد: قوله "جائز" فإنه على وزن فاعل - اسم للبستان - وليس باسم فاعل فيجوز فيه إبدال الياء همزة كما يجوز في فاعل الذي هو اسم فاعل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية الأشموني 827/3، وابن عقيل 273/2 وابن الناظم.(3/1568)
قال ابن الخباز: وقد أولعت بذلك العامة واللحان من القراء، وكذلك قالوا في همزة الجمع نحو رسائل وكتائب وحلائب جمع رسالة وكتيبة وحلوبة إلا أن في الترشيح ما نصه عجائز وقبائل، بالهمزة ولا تحرك الياء؛ لأنه لا أصل لها في الحركة. وقد يجوز تخفيف الهمزة في هذا كله، وقلبها ياء أجازه أبو إسحاق الزجاج. وتخفيف الهمزة قياس مطرد في هذا وشبهه، انتهى.
فإن قلت: إنه نقل عن حمزة أنه يقف في مثل ذلك بالياء.
قلت: لأن حمزة يأخذ باتباع رسم المصحف الكريم في تخفيف الهمز، على أن المختار أن يؤخذ لحمزة في ذلك بالتسهيل بين بين، فإن الرسم لا يخالفه.
فإن قلت: فهل يجوز نقط الياء التي هي صورة الهمزة في بائع وقائل؟
قلت: لا وجه لنقطها؛ لأن صورة الهمزة لا تنقط إلا حيث يكون قياس تخفيفها البدل كما إذا انفتحت وانكسر ما قبلها نحو "منير"، فإنها إذا كتبت على نبة الإبدال نقطت.
وقال المطرزي1: نقط الياء من قائل وبائع عامي. قل: ومر بي في بعض تصانيف أبي الفتح بن جني أن أبا علي الفارسي دخل على واحد من المتَّسمين بالعلم، فإذا بين يديه جزء مكتوب فيه "قائل" منقوط بنقطتين من تحت، فقال أبو علي لذلك الشيخ: هذا خط مَن؟ فقال: خطي، فالتفت إلى صاحبه، وقال: قد أضعنا خطواتنا في زيارة مثله، وخرج من ساعته.
والمد زِيدَ ثالثا في الواحد ... همزا يُرى في مثل كالقلائد
هذا موضع ثالث يجب إبدال حرف المد همزة، وهو كل مدة ثالثة زائدة فإنها تبدل همزة، إذا جمع ما هي فيه على مثال مَفاعل نحو "قلائد"، وصحائف، وعجائز" فالهمزة فيهن بدل من ألف قلادة وياء صحيفة وواو عجوز، وشمل
__________
1 هو ناصر بن عبد السيد بن علي بن المطرز أبو الفتح النحوي المشهور بالمطرزي. من أهل خوارزم. قرأ على الزمخشري والموفق أخطب خوارزم، وبرع في النحو واللغة والفقه على مذهب الحنفية، ولد في رجب سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وصنف شرح المقامات، ومختصر المصباح في النحو، والمغرب في شرح المعرب، وغير ذلك، ومات بخوارزم في يوم الثلاثاء حادي عشرين جُمادى الأولى سنة عشر وستمائة.(3/1569)
قوله: "المد" الألف والواو والياء، واحترز به "من"1 نحو: "قسورة وقساور"2 لأن الواو فيه ليست حرف مد، واحترز بقوله: "زِيدَ" من أن تكون المدة غير زائدة فإن الإبدال لا يجوز نحو: "مفازة ومفاوز، ومسيرة ومساير، ومثوبة ومثاوب" فإن سمع في شيء منه الإبدال لم يقس عليه كمصائب ومنائر، والأصل فيهما مصاوب ومناور، وقد نطق بهذا الأصل فيهما، وشذ الهمز أيضا في "معائش" وروي عن نافع، والمشهور عنه الياء، وقوله في نحو: "كالقلائد" أي: في كل جمع على مثال قلائد في الحركات والسكنات وعدد الحروف.
كذا ثاني ليِّنين اكْتَنَفَا ... مدَّ مفاعل كجمع نَيِّفَا
هذا موضع رابع يجب فيه إبدال الياء والواو همزة إذا وقعت ألف التكسير بين حرفي علة وجب إبدال ثانيهما همزة بشرط ألا يفصل من الطرف، فاندرج في هذا الضابط ثلاث صور:
أحدها: أن يكونا واوين نحو: "أوَّل" فتقول في جمعه: أوائل، بإبدال الواو الثانية همزة، وهذا باتفاق.
والثانية: أن يكونا ياءين نحو: نيف3 فتقول في جمعه: نيائف بالهمز.
والثالثة: أن يكون أحدهما ياء والآخر واوا نحو: سيِّد وصائد، فتقول في جمعهما: سيائد وصوائد -بالهمز- والأصل: سياود وصوايد، هذا مذهب سيبويه والخليل ومن وافقهما، وذهب الأخفش إلى أن الهمزة في الواوين "فقط، ولا يهمز في الياءين، ولا في الواو مع الياء فيقول: نيايف وصوائد وسياود -على الأصل- وشبهته أن الإبدال في الواوين"4 إنما كان لثقلهما؛ ولأن لذلك نظيرا، وهو اجتماع الواوين أول كلمة، وأما إذا اجتمعت الياءان أو الياء والواو فلا إبدال،
__________
1 ب، ج وفي أ "عن".
2 القسورة: الأسد، ويقال فيه: قسور -بلا تاء.
3 النيف: هو الزيادة على العقد من ناف ينيف.
4 ب، ج.(3/1570)
لأنه إذا التقت الياءان أو الياء والواو أول كلمة فلا همزة نحو: "يَيَنٍ، ويَوِمٍ -اسم موضع"1.
واحتج أيضا بقول العرب في جمع "ضَيْوَن -وهو ذكر السنانير- ضيَاوِن من غير همزة، والصحيح ما ذهب إليه سيبويه للقياس والسماع، أما القياس فلأن الإبدال في نحو: "أوائل" إنما هو بالحمل على كساء ورداء، لشبهه به من جهة قربه من الطرف "وفي رداء وكساء لا فرق بين الياء والواو فكذلك هنا"2. وأما السماع فحكى أبو زيد في سيِّقة سيائق بالهمز -وهي فيعلة من ساق يسوق- وحكى الجوهري في تاج اللغة جيِّد وجيائد، وحكى أبو عثمان عن الأصمعي في جمع عيل عيائل -بالهمز.
وأما ضياون فشاذ مع أنه لما صح في واحده صح في الجمع فقالوا: ضياون كما قالوا ضَيْون، وكان قياسه ضَيِّن.
فإن قلت: فهل يقاس على ضياون ما شابهه في صحة واحده إذا وجد؟
قلت: قد ذهب إلى ذلك ناس، والصحيح أنه لا يقاس عليه.
تنبيهات:
الأول: شمل قوله: "لينين" الواوين والياءين والواو والياء، فعلم أنه موافق لسيبويه.
الثاني: فهم من قوله: "مد مفاعل" اشتراط اتصال المد بالطرف، فلو فصل بمدة ظاهرة نحو طواويس أو مقدرة كقول الراجز3:
__________
1 اسم موضع، هذا راجع إلى "يين" -بفتح كل من الياءين- وهو اسم قرية باليمن، واسم وادٍ بين ضاحك وضويحك، وأما "يوم" فهو -بفتح الياء وكسر الواو- وصف من لفظ اليوم، يقولون: يوم أيوم، ويوم -بزنة فرح- كما يقولون: ليل أليل وشعر شاعر، وما أشبه ذلك.
2 ب، ج.
3 قائله: هو جندل بن المثنى -يصف الدهر وما لقيه منه حيث كَبِرَتْ سنه وانحنت عظامه، وأصابت الأقذاء عينه- وهو من الرجز.
وصدره:
حنى عظامي وأراه ثائري =(3/1571)
.................... ... وكَحَّل العنين بالعوَاوِرِ
يريد: العواوير؛ لأنه جمع عُوَّار -وهو الرمد- فحذف الياء ضرورة، فهذا مفصول عن الطرف تقديرا ولو اضطر شاعر ففصل بمدة زائدة في مثال مفاعل لم يتعد بها ووجبت الهمزة كقوله1:
..................... ... فيها عيائيلُ أُسودٌ ونَمُرْ
وهو عكس عواور.
الثالث: لا يختص هذا الإبدال بتالي ألف الجمع، بل لو بنيت من القول مثل عُوَارض قلت: "قُوائل" بالهمز، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وخالف الأخفش والزجاج فذهبا إلى منع الإبدال في المفرد لخفته بخلاف الجمع.
فإن قلت: فكان ينبغي للناظم أن ينبه على هذا.
قلت: قوله: "مد مفاعل" شامل له فإنه لم يقيده بالجمعية.
__________
= اللغة: "حنى" قوس "ثاثري" قاتلي، والثأر: الدم والطلب به والجمع: أثآر وآثار، وثأر به: طلب دمه وقتل قاتله "كحل العينين" وضع فيها الكحل تزيينا لها "العواور" جمع عوار -وهو اللحم ينزع من العين- وسائل يؤخذ من شجر ويجفف ويوضع في العين، ويروى: ثاغري بدل ثاثري.
وقد جعل الشاعر ما فعله الدهر بعينه من الأذى والوجع -كحلا على طريق المجاز.
الإعراب: "حنى" فعل ماض وفاعله الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الدهر "عظامي" مفعول به والياء مضاف إليه "وأراه" أرى تنصب مفعولين والفاعل ضمير مستتر والأول الهاء والثاني ثاثري "وكحل" فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه يعود على الدهر "العينين" مفعول به "بالعواور" جار ومجرور متعلق بكحل.
الشاهد: قوله: "العواور" فإن أصله العواوير.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرح الألفية 829/ 3، وابن هشام 252/ 4 وابن الناظم، وسيبويه 374/ 2.
1 مضى شرحه في جمع التكسير.
والشاهد فيه قوله: "عيائيل" حيث وجبت الهمزة وفصل بمدة زائدة.(3/1572)
الرابع: زاد في التسهيل لإبدال ثاني اللينين في ذلك شطرا آخر، وهو ألا يكون بدلا من همزة، احترز من نحو زوايا، وذلك أن ثاني اللينين فيه كان همزة ثم أبدل ياء، وقد بين ذلك بقوله:
وافتح ورُدَّ الهمز يا فيما أُعِلْ ... لاما وفي مثل هَرَاوة جُعِلْ
الألف واللام في الهمز للعهد، والمراد الهمز المبدل مما بعد ألف الجمع المشاكل مفاعل في النوعين، أعني ما استحق الهمز لكونه مدا مزيدا في الواحد، وما استحق الهمز لكونه ثاني لينين اكتنفا مد مفاعل، فيجب في هذين النوعين إذا اعتلت لامهما أن يخففا بإبدال كسرة الهمزة فتحة، ثم بإبدالها ياء فيما لامه ياء أو واو أو همزة لم تسلم في الواحد، مثل ما لامه ياء نحو هدية وهدايا، ومثال ما لامه واو لم تسلم في الواحد مطية ومطايا، ومثال ما لامه همزة نحو خطيئة وخطايا، والأصل في جميع ذلك أن تجمع على فعائل بالهمز نحو صحيفة وصحائف، والأصل في هدايا هدايي بإبدال مدة الواحد همزة مكسورة فاستثقل ذلك فخفف بإبدال الكسرة فتحة فصار هدائي، ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار هداءا، فاستثقل وقوع همزة عارضة في جمع بين ألفين وهي من مخرج الألف، فكان ذلك كتوالي ثلاث ألفات فأبدلت الهمزة ياء فصار هدايا، والعمل في مطايا كالعمل في هدايا.
وأما خطايا ونحوه مما لامه همزة فأصله خطائئ -بهمزتين- الأولى مبدلة من مدة الواحد والثانية لام الكلمة فوجب إبدال الثانية ياء لاجتماع همزتين، ثم فتحت الأولى ثم قلبت الثانية ألفا ثم أبدلت الأولى ياء كما سبق في هدايا، هذا مذهب سيبويه وجمهور البصريين، وذهب الخليل إلى أن مدة الواحد لا تبدل في هذا همزة لئلا يلزم اجتماع همزتين، بل يقلب بتقديم الهمزة على الياء فيصير خطائي، ثم يعل كما تقدم، واعترض بأن القياس قلب الياء همزة.
وإذا اجتمع همزتان عمل فيهما على ما يقتضيه الأصول، ويدل على صحة مذهب سيبويه قول بعض العرب: "اللهم اغفر لي خطائئي" -بهمزتين- على الأصل، وهو شاذ، وهذه الأمثلة من النوع الأول، أعني: باب قلائد.(3/1573)
والنوع الثاني مثاله زاوية وزوايا، أصله زوائي، بإبدال الواو همزة؛ لكونها ثاني لينين اكتنفا مد مفاعل، ثم خفف بالفتح فصار زواءي، ثم قلبت الياء ألفا فصار زواءا، ثم قلبت الهمزة ياء على نحو ما تقدم في هدايا.
فإن قلت: لم يشمل كلام الناظم نحو خطيئة مما لامه همزة، فإنه خص ذلك بما أعل.
قلت: قال الشارح: حروف العلة الواو والياء والألف والهمزة، فأدرجها في كلامه، وحكى النحويون في الهمزة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها حرف صحيح، والثاني: أنها حرف علة، وإليه ذهب الفارسي، والثالث: أنها شبيهة بحرف العلة.
وقوله في نحو: "هراوة جعل واوا" يعني: أن المجموع على مثال مفاعل إذا كانت لامه واوا لم تعل في الواحد بل سلمت فيه كواو هراوة، جعل موضع الهمزة المذكورة في جمعه واو، فيقال: هَرَاوَى، والأصل هَرَائِؤ، بقلب ألف هراوة همزة، ثم خفف بالفتح فصار هراءو، ثم قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار هراءا، فكرهوا ألفين بينهما همزة لما سبق، فأبدلوا الهمزة واوا طلبا للتشاكل؛ لأن الواو ظهرت في واحده رابعة بعد ألف، فقصد مشاكلة الجمع لواحده.
تنبيهات:
الأول: شذ إقرار الهمزة فيما لامه ياء إجراء للمعتل مجرى الصحيح في قوله:
فما زالت أقدامنا في مقامنا ... ثلاثتنا حتى أُزيروا المنائيا1
__________
1 قائله: هو عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان أمير المسلمين يوم بدر فقطعت رجله ومات بالصفراء، وهو من الطويل.
اللغة: "ثلاثتنا" أراد بها نفسه وعليا وحمزة رضي الله عنهم "أزيروا" -بضم الهمزة وكسر الزاي- من مجهول أزار من زار زيارة "المنائيا" -جمع منية- وهي الموت. =(3/1574)
وشذ إقرارها فيما لامه همزة، وقد تقدم.
الثاني: شذ إبدال الهمزة واوا في قولهم: "هداوَى"؛ لأن لامه ياء، وفي مطاوَى؛ لأن لامه واو أعلت في الواحد، وأجاز الأخفش القياس على هداوَى، وهو ضعيف؛ إذ لم ينقل منه إلا هذه اللفظة.
الثالث: مذهب الكوفيين أن هذه الجموع كلها على وزن فَعالَى صحت الواو في هداوَى كما صحت في المفرد، وأعلت في مطايا كما أعلت في المفرد، وهدايا على وزن الأصل، وأما خطايا فجاء على خطية بالإبدال والإدغام، وإنما ذهب البصريون إلى أنها فعائل حملا للمعتل على الصحيح، ويدل على صحة مذهب البصريين قوله: حتى أزيروا المنائيا. ونقل بعضم عن الخليل أن وزنها فعالى كقول الكوفيين، قلت: وليس موافقا لهم من كل وجه؛ لأن الألف عندهم للتأنيث، وعنده بدل من المدة المؤخرة، وتقدم بيان مذهبه.
واوا وهمزا أول الواوين رُد ... في بدء غير شبه ووُفِي الأشُد
يعني: أن كل كلمة اجتمع في أولها واوان، فإن أولاهما يجب إبدالها همزة بشرطين:
الأول: ألا تكون الثانية بدلا من ألف فاعل نحو: ووفي وووري.
والثاني: ألا تكون بدلا من همزة كالووُلَى مخفف الوُؤْلى أنثى الأوأْل1 أي: الإلجاء، فمثال ما يجب إبدالها لوجود الشرطين قولك: في جمع واصلة أواصل
__________
= الإعراب: "فما زالت" من أخوات كان، وروي: فما برحت "أقدامنا" اسمها ونا مضاف إليه "في مقامنا" جار ومجرور في محل نصب خبر زال "ثلاثتنا" بدل من "نا" في مقامنا "حتى" للغاية بمعنى إلى يعني "إلى أن أزيروا المنائيا" "أزيروا" مبني للمجهول والضمير فيه مفعول ناب عن الفاعل "المنائيا" مفعول ثانٍ.
الشاهد: قوله: "المنائيا" حيث أثبت فيه حرف العلة في الموضع الذي يجب حذفه فيه في سعة الكلام، إجراء للمعتل مجرى الصحيح، والوجه أن يقول المنايا.
مواضعه: ذكره الأشموني 831/ 3، وابن الناظم.
1 قال الأشموني: هو أفعل تفضيل من وأل إذا لجأ.(3/1575)
والأصل: وواصل، بواوين أولاهما فاء الكلمة والثانية بدل من ألف واصلة؛ لأنها كألف ضاربة فلا بد من إبدالها، فاجتمع واوان في الأول، فأبدلت الأولى همزة وكذلك أُوَيصل تصغر واصل، وأصله وويصل، والأول جمع الأولى أصله وُوَل ولو بنيت من الوعد على مثال كوكب قلت: أوعد، فإن كانت الثانية بدلا من ألف فاعل أو من همزة لم يجب الإبدال، ولكنه جائز.
تنبيهان:
الأول: لم يذكر هنا الشرط الثاني، وذكرهما في الكافية، إلا أن عبارته في الشرط الأول غير وافية بالمراد؛ لأنه شرط ألا تكون الثانية بدلا من ألف فاعل، وذلك يوهم أنها لو كانت مدة زائدة وليست بدلا من ألف فاعل وجب الإبدال، وليس كذلك، فتحرير العبارة أن يقال: ألا تكون الثانية مدة غير أصلية كما في التسهيل، ليندرج في ذلك ثلاث صور:
الأولى: ووري فإنها مبدلة من زائد.
والثانية: أن تبنى من الوعد مثال فوعل ثم ترده إلى ما لم يسلم فاعله.
والثالثة: أن تبنى من الوعد مثال طُومار1، فيقال: ووُعاد.
فهذه الصور الثلاث لا يجب فيها الإبدال بل يجوز، وخالف قوم في الثالثة فأوجبوا الإبدال لاجتماع الواوين، وكون الثانية غير مبدلة من زائد؛ فإن الضمة التي قبلها غير عارضة، وإلى هذا ذهب ابن عصفور، واختار المصنف -رحمه الله- القول بجواز الوجهين؛ لأن الثانية وإن كان مدها غير متجدد، لكنها مدة زائدة، فلم تخلُ عن الشبه بالألف المنقلبة.
الثانية: زاد في التسهيل لوجوب الإبدال شرطا آخر، وهو أن يكون اتصال الواوين عارضا يحذف همزة فاصلة، مثال ذلك أن تبني افعوعل من الوأي، فتقول: إيأوأي، وأصله: اوْأوْأيَ، فقلبت الواو الأولى ياء لسكونها بعد كسرة، وقلبت الياء الآخرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فإذا نقلت حركة الهمزة الأولى إلى الياء
__________
1 الطومار: الصحيفة.(3/1576)
الساكنة حذفت همزة الوصل للاستغناء عنها، ورجعت الياء إلى أصلها وهو الواو، لزوال موجب قلبها، فتصير الكلمة إلى وَوْأَي، فقد اجتمع واوان أول الكلمة، ولا يجب الإبدال، ولكن يجوز الوجهان، وكذلك لو نقلت حركة الهمزة الثانية إلى الواو فصارت "وَوَا" جاز الوجهان وفاقا للفارسي، قيل: وذهب غيره إلى وجوب الإبدال في ذلك سواء نقلت الثانية أو لم تنقل.
ومدًّا ابدل ثاني الهمزين من ... كملة أن يسكن كآثر وائتمن
الهمزة حرف مستقل في النطق بها عسر فإذا اجتمعت أخرى في كلمة كان النطق بها أعسر فيجب إذ ذاك التخفيف في غير ندور.
فإذا اجتمع الهمزتان في كلمة فلها ثلاثة أحوال:
الأولى: أن تتحرك الأولى وتسكن الثانية، والثاني: عكسه، والثالث: أن تتحركا معا، وأما الرابع: وهو أن يسكنا معا فمتعذر، فإذا تحركت الأولى وسكنت الثانية، وجب في غير ندور إبدال الثانية حرف مد يجانس حركة ما قبلها، فتبدل بعد الفتحة ألفا نحو آثر، وواوا بعد الضمة نحو أُوثر، وياء بعد الكسرة نحو إيثار، وأما قراءة من قرأ: "إئلافهم ... "1 -بتحقيق الهمزتين ابتداء- فنادر، وأما نحو: "أُأْتمن زيد" فلا يجب فيه الإبدال؛ لأن الأولى للاستفهام والثانية فاء الفعل، فليستا من كلمة واحدة.
وإذا سكنت الأولى وتحركت الثانية أبدلت الثانية ياء إن كانت موضع اللام، وصححت إن كانت موضع العين، فالأولى كبناء قمطر من قرأ، فإنك تقول: قِرَأْي، والأصل: قِرأْأ، فالتقى همزتان فوجب إبدال الثانية ياء؛ لأنها موضع اللام، والثاني نحو سأآل ولأآل، صحت الهمزة لأنها في موضع العين، وأدغمت الأولى فلا إبدال في مثل هذا ألبتة؛ لأن الهمزتين في موضع العين المضاعف.
فإن قلت: قد أهمل الناظم بيان هذا القسم.
__________
1 من الآية 2 سورة قريش.(3/1577)
قلت: أما نحو سأآل مما الهمزتان منه في موضع العين فترك ذكره؛ لأنه لا إبدال فيه، وأما نحو قمطر مما همزتاه في موضع لام الكلمة فقد يؤخذ من قوله:
.................. ... ما لم يكن لفظا أتم
فذاك ياء مطلقا ... .............
وسيأتي، وقد أشار الشارح إلى ذلك.
فإن قلت: فإن وقعت الهمزتان في موضع لام الكلمة ولم تكن الثانية طرفا، أتصحح ثانيتهما أم تبدل ياء.
قلت: بل تبدل ياء لأنها لو صححت لزم الإدغام، وقد أجمعت العرب على ترك إدغام الهمزتين في كلمة إذا كانتا عينين نحو سآال، فإذا بنيت من قرأ سفرجل قلت قرأيا، وأصله قرأأأ -بثلاث همزات- فأبدلت الثانية ياء لأنها موضع اللام وصحت الأولى والثانية.
وإن كانت الهمزتان متحركتين فإما أن تكون ثانيتهما موضع اللام أو لا، فهذان ضربان؛ فأما الأول منهما فسيأتي بيانه، وأما الثاني فله تسعة أنواع؛ لأن الثانية إما مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، وعلى كل من هذه الأحوال الثلاث فالأولى إما مفتوحة أو مكسورة أومضمومة، فهذه تسعة؛ منها أربعة تبدل ياء، وهي المفتوحة بعد كسرة والمكسورة بعد فتحة أو كسرة أو ضمة، وخمسة تبدل واوا، وهي المفتوحة بعد فتحة أو ضمة، والمضمومة بعد فتحة أو كسرة أو ضمة، وستعرف ذلك بالتفصيل، ويتضح بالتمثيل، وقد بين حكم المفتوحة بقوله:
إن يُفتح إثر ضم أو فتح قُلب ... واوا وياء إثر كسر ينقلب
فعلم من هذا البيت حكم ثلاثة أنواع:
الأول: المفتوحة بعد ضم نحو: "أُوَيدِم" تصغير آدم، أصله أأيدم -بهمزتين- فأبدلت الثانية واوا لانضمام ما قبلها.(3/1578)
فإن قلت: فلعل الواو في أويدم بدل من الألف في آدم لا من الهمزة، فتكون كالواو في خويتم تصغير خاتم، فلا يصح التمثيل به.
قلت: هذا وجه وقع في كلام بعضهم، قال صاحب اللباب: إذا صغرت آدم أو جمعته أبدلت الألف واوا فقلت: أويدم وأوادم كما تقول في ضارب: ضويرب وضوارب، انتهى. والراجح ما تقدم من أن الواو بدل من الهمزة؛ لأن المقتضي لإبدالها ألفا في آدم زال في التصغير وفي الجمع.
والثاني: المفتوحة بعد فتح نحو: "أوادم" جمع آدم، وأصله أآدم -بهمزتين- فأبدلت الثانية واوا لكونها مفتوحة بعد فتح.
فإن قلت: لمساواتها لها في الخفة والخفاء، بخلاف الياء.
تنبيه:
ذهب المازني إلى إبدال الهمزة في هذا النوع ياء، فتقول في أفعل التفضيل من أنَّ زيد: أيَنُّ من عمرو، وعلى مذهب الجمهور تقول: هو أوَنّ من عمرو.
فإن قلت: كيف يصنع بأوادم جمع آدم؟
قلت: جعل الواو فيه بدلا من الألف المبدلة من الهمزة في آدم؛ لأنه صار بمنزلة خاتم.
والثالث: المفتوحة بعد كسر نحو إيَمّ وهو مثال إصبع -بكسر الهمزة وفتح الياء- من أم، أصله أأمم، فنقلت فتحة الميم إلى الهمزة توصلا إلى الإدغام فصار أأم، فأبدلت الهمزة الثانية ياء؛ لانكسار ما قبلها، ثم بين حكم المكسورة بقوله: "ذو الكسر مطلقا" يعني: أن المكسورة تبدل ياء مطلقا، فشمل ثلاثة أنواع:
الأول: المكسورة بعد فتح نحو أئمة جمع إمام، أصله أأممة على وزن أفعلة، فنقلت كسرة الميم إلى الهمزة توصلا إلى الإدغام فصار أأئمة ثم أبدلت الثانية ياء لانكسارها.
والثاني: المكسورة بعد كسر نحو إيم، وهو مثال إثمد من أم أصله أأمم، فنقل وأدغم أأمّ، فأبدلت الثانية ياء لانكسارها وانكسار ما قبلها.(3/1579)
والثالث: المكسورة بعد ضمة نحو أين مضارع أأننته إذا جعلته يئن، أصله أأنن، فنقلت كسرة النون إلى الهمزة وأدغم ثم أبدلت الثانية ياء لأنها تجانس حركتها.
ثم بيَّن حكم المضمومة بقوله:
............. كذا وما يضم ... واوا أصر..................
يعني: أن المضمومة تبدل واوا مطلقا، فشمل ثلاثة أنواع أيضا:
الأول: المضمومة بعد فتح نحو أَوُبّ جمع أبّ -وهو المرعى- أصله أَأْبُب على وزن أفعل، فنقلت حركة عينه إلى فائه توصلا إلى الإدغام فصار أأب، ثم خفف بإبدال الثانية واوا؛ لأنها تجانس حركتها.
والثانية: المضمومة بعد كسر نحو إِومّ -وهو مثال إصبع- بكسر الهمزة وضم الباء، من أم أصله أأمم، فنقلت الميم إلى الهمزة وأدغم ثم أبدل الثانية واوا لانضمامها.
والثالث: المضمومة بعد ضم نحو "أُوُمّ" -وهو مثال أصبع- بضم الهمزة والياء، من أم أصله أأمم، فنقلت ضمة الميم وأدغم كما تقدم، ثم أبدلت الثانية واوا، لانضمامها وانضمام ما قبلها.
تنبيه:
خالف الأخفش في نوعين من هذه التسعة؛ أحدهما: المكسورة بعد ضم فأبدلها واوا. والآخر: المضمومة بعد كسرة، فأبدلها ياء فيقول في مضارع أننته: أون، وفي مثال إصبع من أم إيم، فيدير الهمزة في هذين النوعين بحركة ما قبلهما، وغيره يديرهما بحركتهما، وهو الصحيح.
وأما الضرب الأول من ضربي اجتماع الهمزتين "المتحركتين"1وهو أن يكون ثانيهما موضع اللام، فقد أشار المصنف إليه بقوله:
ما لم يكمن لفظا أَتَمّ ... ...................
................... ... فذاك ياء مطلقا جَا
__________
1 أ، ج.(3/1580)
يعني: أن ثاني الهمزتين إذا كان متطرفا وجب إبداله ياء سواء كان قبله فتح أو كسر أو ضم، ولا يجوز إبداله واوا؛ لأن الواو الأخيرة لو كانت أصلية ووليت كسرة أو ضمة لقلبت ياء ثالثة فصاعدا، وكذا تقلب رابعة فصاعدا بعد الفتحة، فلو أبدلت الهمزة الأخيرة واوا فيما نحن بصدده لأبدلت بعد ذلك ياء فتعينت الياء.
وقوله:
.................. وأَؤُمْ ... ونحوه وجهين في ثانيه أُمّ
يشير إلى أنه لا يجب إبدال الهمزة الثانية فيما أول همزتيه للمضارعة نحو أؤم، مضارع أم، بل يجوز فيه وجهان: الإبدال والتحقيق، فإن شئت قلت: أوم، وإن شئت قلت أؤم -بالتحقيق- وكذلك تقول في مضارع أنّ: أيِنّ بإبدالها ياء لانكسارها، وإن شئت قلت: أئِن -بالتحقيق- "لكون"1 الأولى للمضارعة وعلة ذلك شبه همزة المضارعة بهمزة الاستفهام لمعاقبتها النون والتاء والياء.
تنبيه:
قد فهم من هذا أن الإبدال فيما أولى همزتيه لغير المضارعة واجب في غير ندور كما سبق. قال في الكافية:
وما أتى على خلاف ما مضى ... فاحفظ وكُن عن القياس مُعرِضا
قال في شرحها: أشار بقوله: وما أتى على خلاف ما مضى، إلى "أئمة" بالتحقيق، وهي قراءة ابن عامر والكوفيين، وإلى قول بعض العرب: "اللهم اغفر ليس خطائئي" بهمزتين محققتين، ونحو ذلك، وقال في التسهيل: وتحقيق غير الساكنة مع الاتصال لغة، وهو مخالف لما في الكافية، وقال في إيجاز التعريف: ما لم يشذ التحقيق، وظاهره موافقة الكافية، وقوله:
وياء اقلب ألفا كسرا تلا ... أو ياء تصغير..........
يعني: أن الألف يجب قلبها ياء في موضعين:
__________
1 ب، ج.(3/1581)
أحدهما: أن يعرض كسر ما قبلها، كقوله في جمع مصباح: مصابيح، وفي تصغيره: مُصَيْبيح؛ لأنه لما كسر ما قبلها للجمع والتصغير، لم يمكن سلامتها لتعذر النطق بالألف بعد غير فتحة فردت إلى حرف يجانس حركة ما قبلها فصارت ياء.
والثاني: أن يقع قبلها ياء التصغير كقولك في تصغير غزال: غُزَيِّل؛ لأن ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة، فلم يمكن النطق بالألف بعدها، فقلبت ياء مكسورة، ثم أدغمت ياء التصغير فيها. وقوله "بواو ذا افعلا" يعني: أنه يفعل "بالواو"1 الواقعة آخرا ما يفعل بالألف من إبدالها ياء؛ لكسر ما قبلها، أو لوقوعها بعد ياء التصغير.
فالأول: نحو رَضِيَ وغُزِيَ، أصلهما رَضِوَ وغُزِوَ، ولأنهما من الرضوان والغزو فقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها، وكونها آخرا؛ لأنها بالتأخير تتعرض لسكون الوقف، وإذا سكنت تعذرت سلامتها، فعوملت بما يقتضيه السكون من وجوب إبدالها ياء توصلا إلى الخفة وتناسب اللفظ، ومن ثم لم تتأثر الواو بالكسرة وهي غير متطرفة كعِوَض وعِوَج، إلا إذا كان مع الكسرة ما يعضدها كحِيَاض وسِيَاط.
والثاني: كقولك في تصغير جَرْوٍ: جُرَيٌّ، وأصله جُرَيْوٌ، فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون، وفقد المانع من الإعلال، فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار جُرَيّ.
قال الشارح: وليس هذا النوع بمقصود له في قوله: "بواو ذا افعلا في آخر" إنما مقصوده التنبيه على النوع الأول؛ لأن قلب الواو ياء، لاجتماعها مع الياء، وسبق إحداهما بالسكون لا يختص بالواو المتطرفة ولا بما سبقها ياء التصغير على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
قلت: هذا صحيح؛ ولذلك قال في التسهيل: تُبدل الألف ياء لوقوعها إثر كسرة أو ياء التصغير، وكذا الواو الواقعة إثر كسرة متطرفة، انتهى، فاقتصر في الواو على ذكر الكسرة. "وقوله: "أو قبل تا التأنيث" مثاله "شَجِيَة" أصله شَجِوَة؛
__________
1 أ، ج.(3/1582)
لأنه من الشجو، ففعل بالواو قبل تاء التأنيث ما فعل بها متطرفة؛ لأن تاء التأنيث في حكم الانفصال"1. وقوله: "أو زيادتَيْ فَعْلان" مثاله "شَجِيان" وهو مثال ظربان، من الشجو، أصله شجوان، فقلبت الواو ياء؛ لأن الألف والنون في حكم الانفصال أيضا مثل تاء التأنيث. وقوله:
............................ ... ............... ذا أيضا رأوا
في مصدر المعتل عينا والفعل ... منه صحيح غالبا..........
يعني: أن الإعلال المذكور يجب للواو الواقعة عينا لمصدر فعل معتل العين بشرط أن يكون بعدها ألف نحو صام صياما، أصله صوَام، لكنه لما أعلت عينه في الفعل استثقل بقاؤها في المصدر بعد كسرة، وقبل حرف يشبه الياء، فاعتل بقلبها ياء -حملا للمصدر على فعله- واحترز "بالمعتل عينا" من المصحح نحو لاوَذَ لواذا2؛ لأن مصدره لا يعل. والأولى أن يقال في مصدر المعل عينا؛ لأن نحو لاوذ يطلق عليه معتل؛ إذ كل ما عينه حرف علة، فهو معتل وإن لم يعل.
فإن قلت: فمن أين يؤخذ اشتراط الألف؟
قلت: من قوله: "والفعل منه صحيح غالبا نحو الحِوَل" يعني: أن ما جاء على فِعَل من مصدر الفعل المعل العين، فالغالب فيه التصحيح نحو حال حِوَلا وعاد المريض عِوَاد، قال في شرح الكافية: ونبه بتصحيح ما وزنه فِعَل على أن إعلال المصدر المذكور مشروط بوجود الألف فيه حتى يكون على فِعَال.
قلت: وفي تخصيصه بفِعَال نظر؛ فإن الإعلال المذكور لا يختص به، وقد مثل الشارح بانقاد انقيادا، والأصل انقوادا، فأعل لما سبق ذكره.
تنبيهان:
الأول: ندر التصحيح في فِعَال مصدرا قالوا: "نار نِوَارا" أي: نفر "وكان حقه الإعلال"3.
__________
1 أ، ب.
2 لاوذ القوم لواذا وملاوذة -لاذ بعضهم ببعض، ولاذ به- لجأ إليه وعاذ به.
3 أ، ج، وفي ب "وإن كان حقه الإعلال".(3/1583)
قال في شرح الكافية: ولا نظير له.
الثاني: قال في التسهيل: وقد يصحح ما حقه الإعلال من فِعَل مصدرا أو جمعا وفِعَال مصدرا.
فسوى بين فعل وفعال في أن حقهما الإعلال، وهو يخالف ما تقدم من أن الغالب في فِعَل التصحيح.
وجَمْعُ ذي عين أُعل أو سكن ... فاحكم بذا الإعلال فيه حيثُ عَن
إذا وقعت الواو مكسورا ما قبلها وهي عين جمع أعلت في واحد أو سكنت وجب قلبها ياء بشرط وقوع الألف بعد الواو.
فالأول: نحو ديار أصله دِوَار، لكن لما انكسر ما قبل الواو في الجمع، وكانت في الإفراد معلة بقلبها ألفا، ضعفت فسلطت الكسرة عليها، وقوَّى تسلطها وجود الألف.
والثاني: نحو ثياب أصله ثواب، ولكن لما انكسر ما قبل الواو في الجمع، وكانت في الإفراد ساكنة ضعفت أيضا، فتسلطت الكسرة عليها وقوَّى تسلطها وجود الألف.
فإن قلت: من أين يؤخذ اشتراط الألف؟
قلت: من قوله:
وصححوا فِعَلَة وفي فِعَلْ ... وجهان والإعلالُ أَوْلَى كالحِيَل
بيان ذلك أن كل واو مكسور ما قبلها هي عين لجمع أعلت في واحده أو سكنت، لا تخلو من أن يكون بعدها ألف أو لا، فإن لم يكن بعدها ألف لم تقع إلا في وزنين:
أحدهما: فِعَلة، والآخر: فِعَل، وقد بين حكمهما في هذا البيت، فعلم أن وجوب الإعلال إنما هو في غيرهما وهو فعال.
والحاصل أن الجمع المذكور ثلاثة أقسام: قسم يجب إعلاله وهو فِعَال نحو: ديار وثياب.(3/1584)
وقسم يتعين تصحيحه، وهو فِعَلة نحو عَوْد وعِوَدة، وكُوز وكِوَزة، وقسم يجوز فيه وجهان، والإعلال أولى وهو فِعَل نحو: حاجة وحِوَج وحيلة وحيل، وإنما وجب التصحيح في فِعَلة؛ لأنها لما عدمت الألف قل عمل اللسان فخفف النطق بالواو بعد الكسرة، وصحت، ولم يجز إعلالها؛ لأنه انضم إلى عدم الألف تحصن الواو ببعدها عن الطرف بسبب هاء التأنيث. وأما فِعَل فجاز فيه التصحيح نظرا إلى عدم الألف والإعلال نظرا إلى أنها لقربها من الطرف قد ضعفت وثقل فيها التصحيح فأعلت.
تنبيهات:
الأول: فهم من قوله: "وجمع ذي عين" أن المفرد لا يعل نحو خِوَان1 إلا المصدر فقد تقدم ذكره، وشذ قولهم في "الصَّوان، والصَّوار"2: صِيان وصِيار.
الثاني: احترز بقوله: "أُعل أو سكن" من طويل وطِوَال، فإن الواو لم تعل فيه ولم تسكن، وندر قوله3:
....................... ... وأن أعزَّاء الرجال طِيَالُها
__________
1 الخوان: ككتاب وغراب، قال في القاموس: ما يؤكل عليه الطعام.
2 الصوان: صوان الثوب وصيانة مثلثين: ما يصان فيه. اهـ قاموس.
والصوار: ككتاب وغراب: قطيع من البقر. اهـ قاموس.
3 قائله: هو أنيف بن زبان النبهائي الطائي، وهو من الطويل.
وصدره:
تبين لي أن القماءة ذلة
اللغة: "القماءة" قصر القامة من قمؤ الرجل إذا ذل وصغر "ذلة" ضعة وهوان "أعزاء" من العزة، وهي القوة والمنعة، ضد الذلة "طيالها" جمع طويل وأصله طوال.
المعنى: ظهر لي بعد التجربة والممارسة أن قصر القامة في الإنسان دليل الضعة والمذلة، وأن الرجال الأعزاء المهابون هم الفارعون طوال القامة.
الإعراب: "تبين" فعل ماض "لي" جر ومجرور متعلق به "أن" حرف توكيد ونصب "القماءة" اسم أن "ذلة" خبر أن، وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع فاعل تبين "وأن" الواو حرف عطف، وأن حرف توكيد ونصب "أعزاء" اسم أن وهو مضاف و"الرجال" مضاف إليه "طيالها" خبر أن ومضاف إليه. الشاهد: قوله: "طيالها" فإن الأصل: طوالها؛ لأنه جمع طويل فقلبت لواو ياء لانكسار ما قبلها، وكان القياس ألا تقلب ياء في الجمع؛ لأن الواو فيها متحركة في المفرد فهي قوية بالحركة ولم تقلب فيه، فقلبها شاذ.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية الأشموني 844/ 3، وابن هشام 269/ 4، وابن يعيش 88/ 10.(3/1585)
وأما جواد وجياد، فيحتمل أن يكون من الاستغناء بجمع جيِّد.
الثالث: زاد في التسهيل لوجود الإعلال شرطا آخر وهو: صحة اللام احترازا من نحو جِوَاء في جمع جو، ورِوَاء في جمع ريَّان1، فإنه يصحح لئلا يجتمع إعلالان، إبدال العين ياء واللام همزة.
الرابع: جعل في التسهيل اشتراط الألف في وجوب الإعلال مخصوصا بما سكنت الواو في واحده.
فقال ما نصه: أو عين جمع لواحد معتل العين مطلقا أو ساكنها إن وليها في الجمع ألف وصحت اللام. انتهى. ومقتضاه أن الإعلال يجب في فعلة وفعل إذا أعلت عين واحدهما نحو تارة وتير، وقيمة وقيم، ويكون قوله: "وصححوا فِعَلة وفي فِعَل.... وجهان" مخصوصان بما سكنت عين واحده نحو زوج وزِوَجة، ويكون نحو حاجة وحِوَج نادرا، ويدل على ذلك أيضا قوله: فيه، وقد يصحح ما حقه الإعلال من فعل مصدرا أو جمعا.
الخامس: شذ إعلال فِعَلة في قولهم: "ثور وثِيَرة" والقياس: ثِورَة، كما قالوا: عود وعِوَدة، وعن المبرد قالوا ذلك للفرق بين ثور الحيوان، وثور قطعة من الأقط فقالوا في ذلك: ثِيَرة، وفي هذا: ثِوَرة، وقيل: جمعوه على فِعْلة -بسكون العين- فقلبت الواو ياء لسكونها، ثم حركت وبقيت الياء، وقيل: قالت العرب: ثورة
__________
1 الجو: هو الفضاء بين السماء والأرض، واسم لمواضع كثيرة.
وريان: أي مرتو بالماء، ضد عطشان، وريان: أصله رويان، اجتع فيه الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء.(3/1586)
وثيران، فقلبوا الواو فيهما وأجروا الجمع مجرى واحدا، وذهب ابن السراج والمبرد فيما حكى عنهما المصنف أن ثِيَرة مقصورة من فِعَالة وأصله ثِيَارة كحجارة، فقلبت الواو ياء لأجل الألف، فلما قصروه بقيت الياء منبهة على الأصل.
الواو لاما بعد فتح يا انقَلَب ... كالْمُعْطيان يُرْضَيَان.........
يجب إبدال الواو ياء إذا تطرفت بعد فتحة رابعة فصاعدا؛ لأن ما هي فيه إذ ذاك لا يعدم نظيرا يستحق الإعلال، سواء كانت في اسم كقولك: "المعطيان" فإن أصله المعطوان، فقلبت الواو ياء حملا لاسم المفعول على اسم الفاعل، أم فعل كقولك: "يُرضيان" أصله يرْضَوَان؛ لأنه من الرِّضوان، فقلبت الواو ياء حملا لبناء المفعول على بناء الفاعل، وكذلك حملوا الماضي على المضارع فقالوا: "أعطيت" وأصله أعطوْت، حملا على يعطي.
تنبيه:
هذا الإعلال مستصحب مع هاء التأنيث نحو: "الْمُعْطَاة" وقوله: "والواو لاما" يشمله.
وقوله:
.......................... ... .................. ووَجَبْ
إبدال واو بعد ضم من ألِفْ ... ..........................
يعني: أنه يجب إبدال الألف واوا إذا انضم ما قبلها، مثاله ضويرب تصغير ضارب، وبويع تصغير بائع مبنيا للمفعول.
وقوله: "ويا كموقن بذا لها اعتُرف" يعني: أنه يجب إبدال الياء الساكنة المفردة في غير جمع واوا إذا انضم ما قبلها نحو مُوقِن أصله مُيْقن؛ لأنه من أيقن، فقلبت الياء واوا لانضمام ما قبلها، واحترز بالساكنة من المتحرك نحو: "هُيام"1 فإنها تحصنت بحركتها، فلا تقلب إلا فيما سيأتي بيانه.
__________
1 الهيام -بضم الهاء وتخفيف الياء- يطلق على العطش الشديد، وعلى اختلال العقل من العشق، وعلى ما يأخذ الإبل فتهيم في الأرض ولا ترعى.(3/1587)
واحترز بالمفردة من المدغمة نحو: "حُيَّض"1 فإنها لا تقلب لتحصنها بالإدغام.
واحترز بغير الجمع من أن تكون في جمع؛ فإنها لا تقلب واوا، بل تبدل الضمة قبلها كسرة فتصح الياء، وإلى هذا أشار بقوله:
ويُكسر المضموم في جمع كما ... يقال هيم عند جمع أهيما
أصل هيم: هُيْم -بضم الهاء- لأنه جمع أهيم، فهو نظير حمر جمع أحمر، فخفف بإبدال ضمة فائه كسرة لتصح الياء، وإنما لم تبدل ياؤه واوا كما فعل في المفرد؛ لأن الجمع أثقل من المفرد، فكان أحق بمزيد التخفيف، فعدل عن إبدال عينه واوا؛ لأنها أثقل من الياء.
تنبيهات:
الأول: سمع في جمع عائِط عيط على القياس2 وعُوط بقلب الياء واوا -وهو شاذ- حكاه أو عبيدة.
الثاني: كان ينبغي أن يستثنى أيضا فُعْلَى صفة نحو الكُوسَى أنثى الأكيس، فإنها ذات وجهين عنده، وقد ذكرها آخر الفصل.
الثالث: حاصل ما ذكر المصنف أن الياء الساكنة المفردة إذا انضم ما قبلها، فإما أن تكون في جمع أو في فعلى صفة أو في مفرد غير فُعْلَى الصفة، فإن كانت في جمع أبدلت الضمة كسرة وصحت الياء، وإن كانت في فعلى جاز الوجهان، وسيأتي الكلام عليها، وإن كانت في مفرد غير فعلى الصفة قلبت الياء واوا، وهذا يشمل نوعين:
أحدهما: ما الياء فيه فاء الكلمة نحن موقن، فلا إشكال في إبدال يائه واوا.
والآخر: ما الياء فيه عين الكلمة، وهذا فيه خلاف، مذهب سيبويه والخليل إبدال الضمة فيه كسرة كما فُعل في الجمع، ومذهب الأخفش إقرار الضمة وقلب الياء واوا، وكلام المصنف يوافقه، فإذا بنيت من البياض نحو بُرْد قلت على
__________
1 الحيض -بتشديد الياء- جمع حائض.
2 العائط: الناقة التي لا تحمل.(3/1588)
مذهبهما بُيْض، وعلى مذهب الأخفش بُوض؛ ولذلك كان "ديك" عندها محتملا لأن يكون فُعْلا وأن يكون فِعْلا، ويتعين عنده أن يكون فِعْلا بالكسر، وإذا بنيت مَفْعُلة من العيش قلت على مذهبهما: معيشة، وعلى مذهبه: مَعُوشة؛ ولذلك كانت معيشة عندهما محتملة أن تكون مَفعُلة ومَفعِلة، ويتعين عنده أن تكون مَفْعِلة.
واستدل لسيبويه بأوجه:
أحدهما: قول العرب: "أَعْيسُ بَيِّنُ العِيسة" فالعيسة1 مصدر كالحُمْرة.
والثاني: قولهم: مبيع، أصله مبيوع، فنقلت الضمة إلى الباء ثم كسرت لتصح الياء، وسيأتي بيان ذلك.
والثالث: أن العين حكم لها بحكم اللام فأبدلت الضمة لأجلها كما أبدلت لأجل اللام. واستدل الأخفش بأوجه:
أحدها: قول العرب مضوفة لما يحذر منه، وهي من ضاف يضيف، إذا أشفق عليه وحذر، قال الشاعر2:
كنت إذا جارِي دعا لِمَضُوفَة ... أشمِّرُ حتى يبلغ الساقَ مئزرِي
__________
1 العيسة: بياض يخالطه شقرة. اهـ قاموس.
2 قائله: هو أبو جندب الهذلي، وهو من الطويل.
اللغة: "لمضوفة" ما ينزل به من حوادث الدهر ونوائب الزمان "حتى يبلغ الساق" روي: حتى ينصف الساق "مئزري" كناية عن شدة قيامه واهتمامه في نصرة جاره عند حلول النوائب.
المعنى: إذا دعاني جاري لهذا الأمر شمرت عن ساقي وقمت في نصرته.
الإعراب: "وكنت" الواو للعطف وكان فعل ماض ناقص والتاء اسمها، وجملة "أشمر" خبر كان، وجعل الجوهري كان زائدة هاهنا، قال: لأنه يخبر عن حاله وليس يخبر بكنت عما مضى من فعله، وليس كذلك لأنه لا تقع زائدة أولا إذا رفعت الاسم ونصبت الخبر "إذا" ظرف "جاري" فاعل بفعل محذوف والياء مضاف إليه يفسر الفعل بالظاهر، والتقدير: إذا دعا جاري، ومفعول دعا محذوف تقديره: دعاني "لمضوفة" جار ومجرور متعلق بدعا "حتى" للغاية وأن بعدها مضمرة "يبلغ" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى "الساق" مفعول به "مئزري" فاعل يبلغ والياء مضاف إليه.
الشاهد: قوله: "مضوفة" فإن القياس فيه مضيفة.
مواضعه: ذكره الأشموني 484/ 3، وابن يعيش 81/ 10.(3/1589)
والثاني: أن المفرد لا يقاس على الجمع؛ لأنا وجدنا الجمع يقلب فيه ما لا يقلب في المفرد، ألا ترى أن الواوين المتطرفتين يقلبان ياءين في الجمع نحو: "جُثيّ" جمع جاثٍ، ولا يقلبان في المفرد نحو "عتو" مصدر عَتَا.
والثالث: أن الجمع أثقل من المفرد فهو أدعى إلى التخفيف.
وصحح أكثرهم مذهب سيبويه وأجابوا عن الأول من أدلة الأخفش بوجهين:
أحدهما: أن مضوفة شاذ، فلا تُبنى عليه القواعد.
والآخر: أن أبا بكر الزبيدي ذكره في مختصر العين من ذوات الواو، وذكر أضاف إذا أشفق رباعيا، ومن روى ضاف يضيف فهو قليل. وعن الثاني والثالث بأنهما قياس معارض للنص، لا يلتفت إليه.
وواوا إثر الضم رد اليا متى ... أُلفي لام فِعْل أو من قبل تا
كتاء بان من رَمَى كمَقْدُرَه ... كذا إذا كسَبُعَان صيَّره
تبدل الياء المتحركة بعد الضمة واوا إذا كانت لام فعل نحو: "قَضُوَ الرجل ورَمُوَ" وهذا مختص بفعل التعجب، ولم يجئ مثل ذلك في فعل متصرف إلا ما ندر من قولهم: "نَهُوَ الرجل فهو نهيّ" إذا كان كامل النُّهْيَة، وهو العقل.
أو كانت لام اسم مبني على التأنيث بالتاء كمرْمُوَة مثال مَقْدُرة من رمى، فلو كانت التاء عارضة بأن يقدر بناء الكلمة على التذكير ثم يعرض لحاق التاء وجب إبدال الضمة كسرة، وتصحيح الياء كما يجب ذلك مع التجريد، وذلك نحو توان الأصل فيه تَوَاني، فأبدلت الضمة كسرة فصار توانيا، لكنه خفف بإبدال ضمته كسرة لأنه ليس في الأسماء المتمكنة ما آخره واو قبلها ضمة لازمة، فإذا لحقته التاء قلت: تَوَانِية؛ لأنها عارضة فلا اعتداد بها.(3/1590)
فإن قلت: من أين يعلم أن مراده غير العارضة؟
قلت: من تقييده بنحو مقدرة وقوله: "كذا إذا كسبعان صيره" يعني: أنه يجب إبدال الياء بعد الضمة واوا قبل زيادتي فعلان كبناء مثل سُبعان من الرمي، وهو اسم موضع فتقول فيه: رَمُوَان، وأصله رَمُيَان، قلبت الياء واوا وسلمت الضمة؛ لأن الألف والنون لا يكونان أضعف حالا من التاء اللازمة في التحصن من الطرف.
وإن تكن عينا لفُعْلَى وصفا ... فذاك بالوجهين عنهم يُلْفَى
أي: وإن تكن الياء المضموم ما قبلها عينا لفُعْلَى وصفا جاز فيها وجهان:
أحدهما: إبدال الضمة كسرة فتصح الياء، والآخر: إبقاء الضمة فتقلب الياء واوا، فتقول في أنثى الأكيس والأضيق: الكيسى والضيقى، على الأول، والكوسى والضوقى على الثاني، قال الشارح: ترديدا بين حمله على مذكره تارة وبين رعاية الزنة أخرى.
تنبيهان:
الأول: فهم من قوله: وصفا، أن فعلى إذا كانت اسما تقلب ياؤها واوا نحو: طوبى، وهو اسم مصدر من الطيب، وقد قرئ: "طيبى لهم ... "1 وهو قليل.
الثاني: كلام الناظم هنا مخالف لكلام سيبويه ومن تبعه من أهل التصريف من وجهين؛ أحدهما: أنه جاز في فعلى وصفا وجهين وهم جزموا بأحدهما، فقالوا: تقلب ياء فعلى اسما واوا كطوبى والكوسى وهما من الطيب والكيس ولا تقلب في الصفة، ولكن يكسر ما قبلها فتسلم الياء نحو: "مشية حيكى" يقال: حاك في مشيته يحيك حيكانا إذا حرك منكبيه، و"قِسْمَةٌ ضِيَزَى"2 أي: جائزة، من قولهم: ضازه حقه يضيزه إذا بخسه وجار عليه فيه، والأصل ضيزى وحيكى بالضم؛ لأن ليس في الصفات فعلى -بالكسر- وفي فعلى -بالضم- فأبدلوا من
__________
1 من الآية 29 من سورة الرعد.
2 من الآية 22 من سورة النجم.(3/1591)
الضمة كسرة لتصح الياء على حد فعلهم في بُيْض فرقا بين الاسم والصفة، قال بعضهم: ولم يأتِ من الصفات غير هذين يعني: حيكى وضيزى، والآخر: أنهم ذكروا أنثى الأفعل في باب الأسماء فحكموا لها بحكم الأسماء أعني: إقرار الضمة وقلب الياء واوا، وظاهر كلام سيبويه أنه لا يجوز فيها غير ذلك، وذكرها المصنف في باب الصفات، وأجاز فيها الوجهين، ونص على أن الوجهين في ذلك مسموعان من العرب، وقال الشلوبين: لم يجئ من هذا مقلوبا إلا فعلى أنثى أفعل، ولم يجئ اسما ولا صفة دونها، وهذا كله قياس من النحويين جعلوه نظير فعلى وهو عكسه. انتهى. وكأنه لم يعتد بطوبى أو رآه تأنيث الأطيب.(3/1592)
فصل "إذا اعتلت لام فَعْلَى":
من لام فَعْلَى اسما أتى الواو بَدَلْ ... ياء كتقْوَى غالبا جَا ذَا البَدَلْ
إذا اعتلت لام فعلى -بفتح الفاء- فتارة تكون لامها واوا، وتارة تكون ياء. فإن كانت واوا سلمت في الاسم كالدعوى وفي الصفة نحو نشوى1، فلم يفرقوا في ذوات الواو بين الاسم والصفة، وإن كانت ياء سلمت في الصفة نحو خَزْيا وصَدْيا، وقلبت واوا في الاسم كالتقوى والفتوى والبقوى2 فرقا بين الاسم والصفة، وأوثر بهذا الإعلال "لأنه أخف"3، فكان أحمل، وأكثر النحويين يجعلون هذا مطردا، وقال بعضهم: شذ من ذلك لفظة واحدة وهي قولهم: "طَغْيا" لولد البقر فجاءت بالياء، وكان القياس طغوا -بالواو- وزاد في شرح الكافية لفظتين، قال فيه: وإنما قال "غالبا" احترازا من الرَّيَّا بمعنى الرائحة والطغيا وهو ولد البقرة الوحشية، وسعيا اسم موضع، انتهى. والذي ذكره سيبويه وغيره من النحويين أن الريا صفة وليس بشاذ والأصل رائحة ريا أي: مملوءة طيبا.
تنبيه:
ما ذكره الناظم هنا وفي شرح الكافية موافق لمذهب سيبويه وأكثر النحويين، أعني في كون إبدال الياء واوا في فَعْلى الاسم مطردا، وإقرار الياء فيها شاذ، وعكس في التسهيل فقال: وشذ إبدال الواو من الياء لاما لفعلى اسما، وقال أيضا في بعض تصانيفه: من شواذ الإعلال إبدال الواو من الياء في فعلى اسما كالنشوى والتقوى والعنوى4 والفتوى، والأصل فيهن الياء.
__________
1 نشوى: بلد بأذربيجان.
2 البقوى: من الإبقاء وهي الرحمة والرعاية.
3 أ، ج.
4 العنوى: في النسخ رسم هذا المثال ولم أجد له ذكرا في القاموس، ولا في المصباح ولا في غيرهما، والذي في كتب اللغة: والعنوة بتاء التأنيث، وفسرت بالقهر والمودة.(3/1593)
ثم قال:
وأكثر النحويين يجعلون هذا مطردا، وألحقوا بالأربعة المذكورة: الشَّرْوَى والطغوى واللقوى والدعوى1 زاعمين أن أصلها الياء، والأولى عندي جعل هذه الأواخر من الواو سدا لباب التكثير من الشذوذ، ثم قال: ومما يبين أن إبدال يائها واوا شاذ تصحيح الريا وهي الرائحة، والطغيا وهي ولد البقرة الوحشية تفتح طاؤها وتضم، وسعيا اسم موضع.
فهذه الثلاثة الجائية على الأصل والتجنب للشذوذ أولى بالقياس عليها، انتهى.
وتعقب احتجاجه بهذه الثلاثة، أما "ريا" فقد جعلها سيبويه صفة قال: ولو كانت اسما لقلت رَوَّى، وأما "طغيا" فلا دليل فيه؛ لأنه قد نقل فيه ضم الطاء، فمن فتح أقر الياء استصحابا للغة الضم، وأما "سعيا" فهو علم ويحتمل أن يكون منقولا من صفة كخزيا وصديا.
بالعكس جاء لام فُعْلَى وصفا ... وكون قُصْوَى نادرا لا يَخْفَى
إذا اعتلت لام فُعْلَى -بضم الفاء- فتارة تكون لامها ياء، وتارة تكون واوا؛ فإن كانت ياء سلمت في الاسم نحو الفتيا، وفي الصفة نحو القصيا تأنيث الأقصى، فلم يفرقوا من ذوات الياء بين الاسم والصفة، كما لم يفرقوا في فعلى -بالفتح- من ذوات الواو كما سبق، وإن كان واوا سلمت في الاسم نحو حُزْوَى -اسم موضع- وقلبت ياء في الصفة نحو الدنيا والعليا، فهذا معنى قوله: "بالعكس".
وشذ من ذلك كالقُصْوَى في لغة غير تميم، وأما تميم فيقولون: "القُصْيَا" على القياس، وشذ أيضا "الْحَلْوَى" عند الجميع.
__________
1 الشروى: بمعنى مثل يقال لك شرواه أي: مثله.
والطغوى: بمعنى الطغيان.
واللقوى: كذا في النسخ -بالقاف- ولم أجد له ذكرا في القاموس وغيره، والذي فيه اللغوى -بالغين- بمعنى اللغو، وهو ما لا يعتد به من كلام أو غيره.(3/1594)
تنبيه:
ما ذكره المصنف من أن لام فُعْلَى إذاكانت واوا تبدل ياء في الصفة وتسلم في الاسم مخالف لقول أهل التصريف، فإنهم يقولون: إن فُعْلَى إذا كانت لامها واوا تقلب في الاسم دون الصفة ويجعلون "حُزْوَى" شاذا، وقال المصنف في بعض كتبه: النحويون يقولون: هذا الإعلال مخصوص بالاسم ثم لا يمثلون إلا بصفة محضة أو بالدنيا، والاسمية فيها عارضة، ويزعمون أن تصحيح حزوى شاذ كتصحيح "حَيْوَة"، وهذا قول لا دليل على صحته، وما قلته مؤيد بالدليل وموافق لقول أئمة اللغة.
حكى الأزهري عن الفراء وابن السكيت أنهما قالا: ما كان من النعوت مثل الدنيا والعليا فإنه بالياء، فإنهم يستثقلون الواو مع ضمة أوله، وليس فيه اختلاف، إلا أن أهل الحجاز أظهروا الواو في القصوى، وبنو تميم قالوا: القصيا. انتهى.
وأما قول ابن الحاجب بخلاف الصفة كالغُزْوى يعني تأنيث الأغزَى، قال ابن المصنف: هو تمثيل من عنده، وليس معه نقل، والقياس أن يقال: الغزيا كما يقال العليا.(3/1595)
فصل "إذا اجتمعت الواو والياء وسكن ما قبلها":
إن يَسْكُنِ السابقُ من واو وَيَا ... واتصلا ومن عُرُوض عَريَا
فياءً الواوَ اقلبنَّ مُدْغِما ... وشذَّ معطى غير ما قد رُسِمَا
حاصل هذا الفصل أن الواو والياء إذا اجتمعا وسكن سابقهما وجب إبدال الواو ياء ثم الإدغام، وذلك مشروط بشروط:
الأول: أن يتصلا، أعني: أن يكون في كلمة واحدة، فلو كانا في كلمتين نحو: "فويوسفُ" وهذا "فويزيد" لم يجز الإبدال والإدغام.
الثاني: أن يكون سكون السابق أصليا، فلو كان عارضا نحو قَوْى مخفف قوى لم تبدل ولم تدغم.
الثالث: ألا يكون الساكن بدلا غير لازم نحو رُويَة مخفف رُؤْية، فلا يبدل لعروضه، وحكى الكسائي الإدغام في رويا إذا خففت، وسمع من يقرأ: "إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّيَّا تَعْبُرُونَ"1.
فإن كانت بدلا لازما نحو ايّم وهومثال أُبْلُم من الأيمة أصله أؤيم، فأبدلت الهمزة الثانية واوا؛ لانضمام التي قبلها فصار أويم، وهذا بدل لازم فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار أيم، وهذان الشرطان مأخوذان من قوله: "ومن عروض عريا" أي: من عروض ذات أو من عروض سكون.
فمثال ما اجتمعت فيه الشروط سيّد وأصله سَيْوِد؛ لأنه فيعل من ساد يسود، ومرمي أصله مرموي؛ لأنه مفعول من رمى يرمي، فأبدلت الواو فيهما ياء ثم أدغمت أولى الياءين في الأخرى.
تنبيهات:
الأول: لوجوب الإبدال في هذا النوع شرط رابع لم ينبه عليه هنا، وهو ألا يكون الثاني واوا تحركت لفظا في إفراد وتكسير غير لازم بعد ياء التصغير نحو جدول، فلك في تصغيره وجهان:
__________
1 من الآية 43 من سورة يوسف.(3/1596)
أحدهما: جُدَيِّل بالإبدال والإدغام على القياس، وهو الأرجح.
والآخر: جُدَيْول -بالتصحيح.
وقوله: "وشذ معطى غير ما قد رسما" يشمل ثلاثة أضرب:
أحدها: ما أبدل وأدغم ولم يستوفِ الشروط كقولهم في الرؤيا: ريّا، وقد قرأ بعضهم: "إن كنتم للريَّا تعبرون"، وحكى الفراء في روية مخفف رؤية ريّة -بالإدغام- وقال في شرح الكافية: وحكى بعضهم اطرادهم على لغة، وقاس بعضهم عارض السكون على عارض البدلية فقال: في قوى مخفف قوى في -بالإدغام- وهو ضعيف.
الثاني: ما صحح مع استيفاء الشروط كقولهم للسِّنَّور ضَيْوَن، وعوى الكلب عَوْية، ويوم أَيْوَم1.
والثالث: ما أبدل فيه الياء واوا وأدغمت الواو في الواو كقولهم: عوى الكلب عَوَّة، وهو نَهو عن المنكر.
من واو أو ياء بتحريك أصل ... ألفًا ابدل بعد فتح متصل
يجب إبدال كل ياء أو واو تحركت بعد فتح ألفا بشروط:
الأول: أن يكون التحريك أصليا، احترازا من أن يكون عارضا نحو جَيَل وتَوَم مخففي جَيْئَل وتَوْءَم.
والثاني: أن يكون الفتح متصلا احترازا من أن يكون منفصلا بحرف نحو زاي وواو، فإن الألف فاصلة، أو يكون من كلمة أخرى نحو إن يزيد ومق، فإنه لا يؤثر.
والثالث: أن يكون اتصاله أصليا احترازا من نحو بناء مثل عُلَبِط2 من الرمي أو الغزو فتقول فيه: رُمِيٍ وغُزَوٍ -منقوصا- ولا تقلب الواو والياء ألفا؛ لأن اتصال
__________
1 أيوم: أي: كثير الشدة.
2 العلبط -بضم العين وفتح اللام وكسر الموحدة- الضخم.(3/1597)
الفتحة بها عارض بسبب حذف الألف؛ إذ الأصل رُمَايِي وغُزَاوِي؛ لأن علبطا أصله علابط.
فإن قلت: لا يؤخذ هذا الشرط من النظم.
قلت: بل من قوله: "متصل" فإن هذا منفصل تقديرا واتصاله عارض، فيكون المعنى بعد فتح متصل لفظا وتقديرا، فهذه الشروط لا بد من اعتبارها في الإعلال المذكور، ولا يشترط معها في إعلال اللام إلا شرط واحد وهو ألا يتصل بها ألف ولا ياء مشددة، وأما العين فيشترط في إعلالها مع هذه الشروط الثلاثة شروط آخر.
أولها: ألا يسكن ما بعدها، وثانيها: ألا يكون ما هي فيه فعلا على فعل ذا أفعل أو متصرفا منه، وثالثها: ألا يكون ما هي فيه فعلا واويا على افتعل بمعنى تفاعل أو مصرفا منه، ورابعها: ألا يعل ما وليها، وخامسها: ألا يكون ما هي فيها اسما مختوما بزيادة تختص بالأسماء، وسادسها: ألا تكون هي بدلا من حرف لا يعل، وسيأتي الكلام على هذه الشروط مفصلا إن شاء الله تعالى.
فمثال ما يعل لاستيفاء الشروط وهي لام رمى ودعا أصلهما رمي ودعو، فقلبت الياء والواو ألفا لما تقدم.
ومثال ذلك وهو عين باع وقال: أصلهما بيع وقول، فقلبت الياء والواو ألفا لذلك، وقد أشار إلى أول هذه الشروط الستة بقوله:
إن حُرك التالي وإن سُكن كف ... إعلال غير اللام..............
يعني: أن إعلال الياء والواو بالإعلال المذكور إذا كانا غير مشروط بأن يتحرك تاليهما كما مثلنا به، فإن سكن تاليهما منع الإعلال وكفه مطلقا نحو بيان وغيور وطويل وخَوَرْنَق، وأما اللام فقد بين حكمها بقوله:
....................... ... .......... وهي لا يكف
إعلالها بساكن غير ألف ... أو ياء التشديد فيها فيها قد أُلف(3/1598)
لما كانت اللام محل التغيير لم يكف إعلالها الساكن كما كف إعلال العين ما لم تكن ألفا أو ياء مشددة فإنهما يكفان إعلالها دون غيرهما من السواكن، فالألف نحو رَمَيَا وغَزَوَا، والياء المشددة نحو عَلويّ؛ لأنهم لو أعلوا قبل الألف لاجتمع ساكنان، فيحذف أحدهما فيصير اللفظ رمى وغزا، فلا يُدرى للمثنى هو أم للمفرد.
وأما: رحيان وعصوان، فمحمول عليه لأنه من باب، وأما نحو علويّ، فلا تبدل واوه ألفا لأنها في موضع تبدل فيه الألف واوا، فإن ولي اللام غير الألف والياء المشددة من السواكن أعلت نحو يَخْشَوْن أصله يخشيون، فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فالتقى ساكنان فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، وكذلك تقول في جمع عصا -مسمى به- قام عَصَوْن، والأصل عَصَوُون، ففعل به ما ذكر في يخشون، وعلى هذا لو بنيت من الرمي مثل عنكبوت قلت رَمْيَوْت والأصل رَمْيَيُوت ثم قلب وحذف لملاقاة الساكن وسهل ذلك أمن اللبس إذ ليس في الكلام فَعْلَوْت، وذهب بعضهم إلى تصحيح هذا؛ لكون ما هي فيه واحدا، ثم أشار إلى ثانيها بقوله:
وصحَّ عينُ فَعَل وفَعِلا ... ذا أفْعَل كأَغْيَد وأَحْوَلا
ما كان من الأفعال على فَعَل وعينه ياء أو واو واسم فاعله على أفعل لزم تصحيحه حملا على افعلّ لموافقته له في المعنى؛ لأن فعل من هذا النوع مختص بالألوان والخلق نحو غيد فهو أغيد1 وحول فهو أحول، ومصدر فعل هذا محمول عليه في التصحيح أيضا نحو غيد غيدا وحول حولا.
واحترز بقوله: "ذا أفعل" من نحو خاف ونحوه فإن وزنه فَعِل، ولكن فاعله متزن بفاعل، ثم أشار إلى ثالثها بقوله:
وإن يَبِنْ تَفَاعُلٌ من افْتَعَلْ ... والعينُ واو سَلِمَتْ ولم تُعَل
__________
1 الأغيد: الناعم البدن، ويقال في الأنثى: غيداء وغادة.(3/1599)
إذا كان افتعل واوي العين بمعنى تفاعل صح حملا على تفاعل؛ لكونه بمعناه نحو اجْتَوَرُوا وازدرجوا بمعنى تجاوروا وتزاوجوا، واحترز بقوله: "وإن يَبِن تفاعل من افتعل" من أن يكون افتعل لا يدل على التفاعل، وهو الاشتراك في الفاعلية والمفعولية، فإنه يجب إعلاله مطلقا نحو اختان بمعنى خان واجتاز بمعنى جاز، واحترز بقوله: "والعين واو" من أن تكون عينه ياء فإنه يجب إعلاله.
ولو كان دالا على التفاعل، نحو: امتازوا وابتاعوا واستافوا1 أي: تضاربوا بالسيوف؛ لأن الياء أشبه بالألف من الواو، فكانت أحق بالإعلال منها، ثم أشار إلى رابعها بقوله:
وإِنْ لحرفين ذا الإعلال اسْتُحق ... صُحِّح أول وعكس قد يَحِق
إذا اجتمع في الكلمة حرفا علة واوان أو ياءان أو ياء وواو، وكل منهما مستحق لأن يقلب ألفا لتحركه وانفتاح ما قبله، فلا بد من تصحيح أحدهما لئلا يجتمع إعلالان والآخر أحق بالإعلال، فاجتماع الواوين كالحوى مصدر حَوِيَ إذا اسودّ، ويدل على أن ألف الحوى منقلبة عن واو قولهم في مثناه: حووان، وفي جمع أحوى: حُوّ، وفي مؤنثه: حواء، فأصل الحوى حوو، فكل واحدة من الواوين تستحق الانقلاب، فإن قلبناهما لالتقى ألفان فيجب حذف أحدهما لالتقاء الساكنين، ثم حذف الآخر لملاقاة التنوين فيبقى اسم متمكن على حرف واحد، وذلك ممتنع، وما أفضى إلى الممتنع ممتنع، فلما امتنع إعلالهما معا وجب إعلال أحدهما، وكان الثاني أحق بذلك لأن الطرف محل التغيير والعين متحضنة بوقوعها حشوا واجتماع الياءين كالحيا للغيث، وأصله حيي، فأعلت الياء الثانية لما تقدم، واجتماع الواو والياء كالهوى، أصله هَوَي، فأعلت الياء على ما ذكر في الحوى.
__________
1 بمعنى: تمايزوا وتبايعوا وتسايفوا.(3/1600)
وهكذا يفعل في كل ما جاء من هذا النوع إلا ما شذ من نحو غاية وأصله غَيَيَة، فأعلت الياء الأولى وصحت الثانية، وسهل ذلك كون الثانية لم تقع طرفا، ومثل غاية في ذلك ثَاية، وهي حجارة صغار يضعها الراعي عند متاعه فيثوى عندها، وطاية وهي السطح والدكان أيضا، وكذلك آية عند الخليل أصلها أيية، فأعلت العين شذوذا، وفي آية خمسة مذاهب غير مذهب الخليل ذكرتها في غير هذا الموضع، وإلى غاية وأخواتها أشار بقوله: "وعكس قد يحق"، ثم أشار إلى خامسها بقوله:
وعينُ ما آخره قد زِيدَ ما ... يخص الاسم واجبٌ أن يَسْلَما
لما كان الإعلال فرعا والفعل فرع كان أحق به من الاسم؛ ولهذا إذا كان آخر الاسم زيادة تختص بالأسماء وجب سلامة عينه إذاكانت واوا أو ياء تحركتا وانفتح ما قبلهما؛ لأنه بتلك الزيادة بعد شبهه بما هو الأصل في الإعلال، وذلك نحو: جَوَلان وسَيَلان، فإنهما قد ختما بزيادة تختص بالأسماء، وهي الألف والنون فصحت عينهما لذلك، وما جاء من هذا النوع معلا عد شاذا نحو: داران وماهان1 وقياسهما دَوَران ومَوَهان، وخالف المبرد في هذا فزعم أن الإعلال هو القياس، وعليه جاء داران وماهان، والصحيح الأول، وهو مذهب سيبويه.
تنبيهات:
الأول: زيادة تاء التأنيث غير معتبرة في التصحيح؛ لأنها لا تخرجه عن صورة فعل؛ لأن تاء التأنيث تلحق الماضي، فلا يثبت بلحاقها مباينة في نحو: قَالَة وبَاعَة، وأما الْحَوَكَة فتصحيحه شاذ باتفاق.
__________
1 قيل: إن داران وماهان أعجميان؛ فلا يحسن عدهما فيما شذ.(3/1601)
الثاني: اختلف في ألف التأنيث المقصورة في نحو صَوَرَى -وهو اسم ماء- فذهب المازني إلى أنها مانعة من الإعلال؛ لاختصاصها بالاسم.
وذهب الأخفش إلى أنها لا تمنع الإعلال؛ لأنها لا تخرجه عن شبه الفعل؛ لأنها في اللفظ بمنزلة ألف فَعَلا، فتصحيح صَوَرَى عند المازني مقيس، وعند الأخفش شاذ لا يقاس عليه؛ فلو بني مثلها من القول لقيل على رأي المازني: قَوَلَى، وعلى رأي الأخفش: قَالَا، وقد اضطرب اختيار الناظم في هذه المسألة، فاختار في التسهيل مذهب الأخفش، وفي بعض كتبه مذهب المازني، وبه جزم الشارح، واعلم أن ما ذهب إليه المازني هو مذهب سيبويه.
الثالث: لم ينبه الناظم هنا على الشرط السادس، وهو ألا تكون العين بدلا من حرف لا يُعل وقد ذكره في التسهيل، واحترز به عن قولهم في شجرة: شَيَرة، فلم يعلوا لأن الياء بدل من الجيم، قال الشاعر1:
إذا لم يكن فيكن ظل ولا جنى ... فأبعدكن الله من شَيَرات
الرابع: قال في الكافية:
وقد يكف سبب الإعلال أن ... يُناب عن حرف بتصحيح قَمِن
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.
اللغة: "ولا جنى" -بفتح الجيم- وهو ما يجتنى من الشجر "فأبعدكن الله" أي: لعنكن الله، يقال: أبعده الله أي: لعنه.
والخطاب للأشجار التي ليس لها ظل ولا ثمر.
والإعراب: "إذا" للشرط "لم" حرف نفي وجزم وقلب، وجملة "لم يكن فيكن ظل" وقعت فعل الشرط وظل مرفوع لأنه اسم كان وفيكن مقدما خبره "ولا جنى" عطف على "ظل" "فأبعدكن الله" الفاء واقعة في جواب الشرط، وأبعدكن الله جملة من الفعل والفاعل والمفعول جوابا للشرط.
الشاهد: قوله: "شيرات" فإن الياء فيه بدل من الجيم؛ لأن أصله شجرات.
مواضعه: ذكره الأشموني 859/ 3.(3/1602)
فهذا شامل لنوعين:
أحدهما: ما هو بدل من حرف لا يعل نحو: شيرة في شجرة، وقد تقدم.
والثاني: ما هو حال محل حرف لا يعل، وإن لم يكن بدلا نحو: أيس بمعنى يئس، فيضعون الهمزة موضع الياء، والياء موضع الهمزة، ويصححون الياء، وإن تحركت وانفتح ما قبلها؛ لأنها وقعت موقع الهمزة، والهمزة لو كانت في موضعها لم تبدل، فعوملت الياء معاملتها لوقوعها موقعها، هكذا قال في شرح الكافية.
وهذا النوع الثاني لم يخرج بشيء من الشروط الستة المتقدمة، فيكون هذا شرطا سابعا.
وذكر بعضهم: أن أيس إنما لم يعل لعروض اتصال الفتحة به؛ لأن الياء فاء الكلمة، فهي في نية التقديم والهمزة قبلها في نية التأخير، وعلى هذا فيستغنى عن هذا الشرط بما سبق من اشتراط أصالة اتصال الفتحة.
الخامس: ذكر ابن بابشاذ لهذا الإعلال شرطا آخر، وهو ألا يكون التصحيح للتنبيه على الأصل المرفوض، قال: واحترز من مثل الخونة والحوكة. انتهى، وهو غير محتاج إليه؛ لأن هذا مما شذ مع استيفائه الشروط، ومثل ذلك في الشذوذ قولهم: رَوَح وغَيَب جمع رائح وغائب، وعِفَوة جمع عِفُوْ -وهو الجحش- قال الشارح: لأن تاء التأنيث غير مختصة بالأسماء، يعني: في عفوة.
وقبل با اقلب ميما النون إذا ... كان مسكنا كمن بت انبذا
في النطق بالنون الساكنة قبل الباء عسر؛ لاختلاف مخرجيهما مع مباينة لين النون وغنتها لشدة الباء، فذلك وجب إبدالها قبل الباء ميما؛ لأنها من مخرج الباء ومثل النون في الغنة، ولا فرق في ذلك بين المنفصلة والمتصلة، وقد جمعها في قوله:
"كمن بت انبذا" أي: من قطعك فألقه عن بالك واطرحه. وألف "انبذا" بدل من نون التوكيد الخفيفة.(3/1603)
تنبيهات:
الأول: عبر بعضهم عن إبدال النون ميما بالقلب كما فعل الناظم، والأولى أن يعبر بالإبدال؛ لأن القلب في الاصطلاح إنما يكون في حروف العلة غالبا، وتقدم بيان ذلك.
الثاني: نقل أبو علي بن أبي الأحوص أحد تلاميذ الشلوبين عن الفراء أن النون الساكنة تخفى عند الباء، ولا يحمل على ظاهره، فإن ذلك شيء لم ينقله أحد من النحويين عن العرب، وإنما يحمل على أنه تجوز، فسمي الإبدال هنا إخفاء.
الثالث: قد تبدل النون ميما ساكنة ومتحركة دون باء، وذلك شاذ، فالساكنة كقولهم في حنظل: حَمظل، وأمْغَرَت الشاة أنغرت1، والمتحركة كقولهم في بنان: بنام، قال رؤبة2:
يا هَاَل ذات المنطق التمتام ... وكفك المخضب البنام
__________
1 إذا خرج لبنها كالمغرة.
2 قائله: هو رؤبة بن العجاج، وهو من الرجز.
اللغة: "هال" اسم امرأة، منادى مرخم "هالة" منقول من هالة القمر، وهي الدائرة المحيطة به "التمتام" من التمتمة، وهي تكرير التاء والميم "المخضب" الذي جعل في الخضاب "البنام" المراد: البنان، وهي أطراف الأصابع، والواحدة بنانة ويقال: بنان مخضب؛ لأن كل جمع يفرق بينه وبين واحده بالهاء -يوحد ويذكر.
المعنى: ينادي المسماة "هالة" ويصفها بأن في نطقها تمتمة وأطراف أصابعها مخضبة.
الإعراب: "يا" حرف نداء "هال" منادى مبني على ضم الحرف المحذوف لأجل الترخيم في محل نصب "ذات" نعت لهال باعتبار محله منصوب بالفتحة الظاهرة، وذات مضاف "والمنطق" مضاف إليه "التمتام" نعت للمنطق مجرور بالكسرة الظاهرة "وكفك" الواو حرف عطف، كف: معطوف على المنطق، وهو مضاف وكاف المخاطبة مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر "المخضب" نعت للكف "البنام" مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.
الشاهد: قوله: "البنام" حيث أبدل الميم من النون شذوذا؛ لتحركها وعدم وجود الباء بعدها.
مواضعه: ذكره الأشموني 860/ 2، وابن هشام 296/ 4، وابن يعيش 33/ 10.(3/1604)
فصل "إذا كانت عين الفعل واوا أو ياء وقبلهما ساكن صحيح":
لساكن صح انقل التحريك من ... ذي لين آت عين فِعْل كأَبِنْ
إذا كانت عين الفعل واوا أو ياء وقبلهما ساكن صحيح وجب نقل حركة العين إليه، لاستثقالها على حرف العلة، نحو: "يقوم ويبين" والأصل: يَقْوُم ويَبْيِن -بضم الواو وكسر الياء- فنقلت حركة الواو والياء إلى الساكن قبلهما؛ أعني: القاف في يقوم والباء في يبين فسكنت الواو والياء.
ثم اعلم أنه إذا نقلت حركة العين إلى الساكن قبلها؛ فتارة تكون العين مجانسة "للحركة المنقولة، وتارة تكون غير متجانسة"1.
"فإن كانت مجانسة"2 لها لم تغير بأكثر من تسكينها بعد النقل، وذلك بأن تكون الحركة ضمة والعين واوا، أو كسرة والعين ياء، وقد تقدم تمثيلها بيقوم ويبين.
وإن كانت غير متجانسة لها أبدلت حرفا يجانس الحركة، فإن كانت الحركة فتحة والعين واوا أو ياء أبدلت العين ألفا نحو أقام وأبان، أصلهما أقوَم وأبيَن، فلما نقلت الفتحة إلى الساكن بقيت العين غير مجانسة لها، فقلبت ألفا.
وإذا كانت الحركة كسرة والعين واوا نقلت الكسرة، ثم قلبت الواو ياء لتجانس الكسرة نحو يُقِيم أصله يُقْوِمُ، ففعل به ما ذكر، ولهذا النقل شروط:
الأول: أن يكون الساكن المنقول إليه صحيحا، فإن كان حرف علة لم ينقل إليه نحو: قَاوَل وبَايَع وعَوَّق وبَيَّن، وكذا الهمزة لا ينقل إليها نحو: يَأْيَس مضارع أيس؛ لأنها معرضة للإعلال بقلبها ألفا، نص على ذلك في التسهيل.
فإن قلت: لم يستثن الهمزة هنا؟
قلت: الهمزة قد عدها المصنف من حروف العلة؛ فقد خرجت بقوله: "صح".
__________
1 ب.
2 ب.(3/1605)
الثاني: ألا يكون الفعل فعل تعجب، نحو: ما أبْيَن الشيء وأقومه، وأبين به وأقوم به، حملوه على نظيره من الأسماء في الوزن والدلالة على المزية، وهو أفعل التفضيل.
الثالث: ألا يكون من المضاعف اللام، نحو: ابيضَّ واسودَّ، وإنما لم يعُلوا هذا النوع لئلا يلتبس مثال بمثال، وذلك أن ابيض لو أعلت عينه بالإعلال المذكور، لقيل فيه: بَاضَّ، وكان يظن أنه فاعل من البضاضة، وهي نعومة البَشَرة، وذلك خلاف المراد فوجب صون اللفظ مما يؤدي إليه.
الرابع: ألا يكون في المعتل اللام، نحو أهْوَى، فلا يدخله النقل لئلا يتوالى إعلالان، وإلى هذه الشروط الثلاثة أشار بقوله:
ما لم يكن فِعْل تعجب ولا ... كابيض أو أهوى بلام عُلِّلا
وزاد في التسهيل شرطا آخر، وهو ألا يكون موافقا لفعل الذي بمعنى افعَلّ نحو: يعْوَر ويَصيد مضارعا عَوِرَ وصيد، وكذا ما تصرف منه نحو: أعوره الله، وكأنه استغنى عن ذكره هنا بذكره في الفصل السابق في قوله: "وصح عين فَعَل وفَعِلا.... ذا أَفعَل" فإن العلة واحدة.
ومثل فِعْل في ذا الإعلال اسم ... ضَاهى مضارعا وفيه وَسْم
يعني: أن الاسم المضاهي للمضارع -وهو الموافق له في عدد الحروف والحركات- يشارك الفعل في وجوب الإعلال بالنقل المذكور، وبشرط أن يكون فيه وسم يمتاز به عن الفعل، فاندرج في ذلك نوعان:
أحدهما: ما وافق المضارع في وزنه دون زيادته كمقام، فإنه موافق للفعل في وزنه وفيه زيادة تنبئ عن أنه ليس من قبيل الأفعال وهي الميم؛ فأعل، وكذلك نحو مُقيم ومُبين ولو بنيت من البيع مَفْعَلة -بالفتح- قلت: مباعة، أو مَفْعِلة -بالكسر- قلت: مَبِيعة، أو مَفْعُلة -بالضم- فعلى مذهب سيبويه تقول: مَبِيعة أيضا، وعلى مذهب الأخفش تقول: مَبُوعة. وسبق ذكر مذهبهما.(3/1606)
والآخر: ما وافق المضارع في زيادته دون وزنه، كبناء مثل تحلئ من البيع فتقول فيه تبيع بالإعلال المذكور لكونه موافقا للفعل في عد حروفه وحركاته وزيادته إلا في وزنه؛ لأن تفعلا -بكسر التاء- ليس من الأبنية المخصوصة بالأسماء، وإذا بنيت من البيع مثل تُرْتُب1 قلت: تُبِيع على مذهب سيبويه، وتُبوع على مذهب الأخفش؛ لأن تفعلا -بضم التاء- ليس من أوزان الأفعال، بل هو من الأوزان المخصوصة بالأسماء كتفعل -بكسر التاء.
وأما ما شابه المضارع في وزنه وزيادته معا، فيجب تصحيحه نحو ابيض واسود وأطول منه وأبين، ولو بنيت من البيع مثل تضرب أو تقتل قلت: تَبِيع بالتصحيح لموافقته للفعل في الأمرين معا.
والحاصل أنه لا يعل الاسم المشابه للفعل حركة وسكونا إلا إذا خالفه في حركة نحو تبيع مثال تحلئ من البيع أو زيادة في أوله نحو مقام.
فإن قلت: ولِمَ كان ذلك؟
قلت: لأنه إذا شابه الفعل من كل وجه وأعل توهم كونه فعلا فوجب تصحيحه لئلا يلتبس بالفعل.
فإن قلت: ينتقض هذا بنحو: يزيد وتزيد -علمين- فإنهما أُعلا مع موافقة الفعل في الأمرين.
قلت: هذان ونحوهما مما نقل من الفعل بعد الإعلال، لا أنه أعل بعد تقديره اسما.
ومن ذلك: أبان عند من لم يصرفه، فإنه وزنه أفعل أعل في حال الفعلية ثم سمي به، وأما من صرفه فهو عنده فعال، وليس من هذا الباب.
وبهذا تعلم أن استدلال بعضهم على أنه فعال بأنه لو كان أفعل لم يعل؛ لأنه من قبيل الأسماء ضعيف؛ لأنه كيزيد ونحوه مما نقل بعد الإعلال.
__________
1 الترتب -بتاءين مضمومتين وتفتح الثانية- الشيء المقيم الثابت.(3/1607)
تنبيه:
ما تقدم من إعلال نحو تبيع مثال تحلئ؛ لكونه خالف المضارع بكسر أوله هو مذهب النحويين كافة إلا المبرد فإنه يصحح ذلك ونحوه؛ لأنه ليس مبنيا على فعل، فتقول تبيع -بالتصحيح- وتقول في مثل ترتب من القول تقول -بالتصحيح أيضا- وكذلك يشترط في إعلال نحو مقام مناسبة الفعل، وتقول: إن مقاما ومباعا ونحوهما مما خالف الفعل بزيادته، وإنما اعتلت لأنها مصار لفعل أو اسم مكان، لا لأنها على وزن الفعل، ومدين ومريم ومَكْوَرة، عنده وارد على القياس؛ إذ لا فعل لها فتحمل عليه وهي عند غيره مما شذ من الإعلال، والصحيح مذهب الجمهور، ويدل على فساد ما ذهب إليه إعلال عين معيشة ومثوبة وليسا بمصدرين ولا اسمي مكان، إنما هما اسمان لما يعاش به من خير أو شر:
ومِفْعَلٌ صُحِّحَ كالمِفْعَالِ
كان حق مفعل أن يعل لأنه على وزن تعلم، وزيادته خاصة بالأسماء أعني الميم، فكان فيه موافقة الفعل من وجه ومخالفته من وجه، وذلك يقتضي إعلاله، لكنه صحح لشبهه لفظا ومعنى بما يستحق التصحيح وهو مفعال؛ لأنه غير موازن للفعل لأجل الألف التي قبل لامه، أما شبهه به لفظا فواضح، وأما شبهه به معنى فلأن كلا منهما يكون آلة كمِخْيط ومكيال، وصفة مقصودا بها المبالغة كمهمز ومحضار، فسوى بينهما في التصحيح، وإلى سبب تصحيح مفعل أشار بقوله: "كالمفعال" فعلة تصحيحه عنده شبهه بمفعال، وقد صرح بذلك في غير هذا النظم، وقد ذكر كثير من أهل التصريف أن علة تصحيحه كونه مقصورا من مفعال، فهو هو غير أنه قصد.
....................... ... وألف الإِفْعَال واسْتِفْعَال
أَزِلْ لذا الإعلال والتاء االزم عِوَضْ ... وحذفها بالنقل ربما عَرَضْ
إذا كان المصدر على إفعال أو استفعال، مما أعلت عينه، حمل على فعله في الإعلال فتنقل حركة عينه إلى فائه، ثم تقلب ألفا لتجانس الفتحة، فيلتقي ألفان، فتحذف إحداهما لالتقاء الساكنين، ثم تعوض عنها تاء التأنيث، وذلك نحو: إقامة(3/1608)
واستقامة، أصلهما: إِقْوَام واستقوام، فنقلت فتحة الواو إلى القاف، ثم قلبت الواو ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها، فالتقى ألفان الأولى بدل العين والثانية ألف إفعال واستفعال فوجب حذف إحداهما.
واختلف النحويون أيتهما المحذوفة؟ فذهب الخليل وسيبويه إلى أن المحذوفة ألف إفعال واستفعال؛ لأنها الزائدة، ولقربها من الطرف، ولأن الاستثقال بها حصل، وإلى هذا ذهب الناظم؛ ولذلك قال: "وألف الإفعال واستفعال.... أزل ... ".
وذهب الأخفش والفراء إلى أن المحذوفة بدل عين الكلمة، والأول أظهر، ولما حذفت الألف عوض عنها تاء التأنيث فقيل: إقامة واستقامة.
وأشار بقوله: "وحذفها بالنقل ربما عرض" إلى أن هذه التاء التي جعلت عوضا قد تحذف، فيقتصر في ذلك على ما سمع، ولا يقاس عليه، كقولهم: أراء إراء واستقام استقاما، قال الشارح: ويكثر ذلك مع الإضافة كقوله تعالى: {وَإِقَامَ الصَّلاةِ} فهذا على حد قوله1:
.............................. ... وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا
__________
1 قائله: هو أبو أمية الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، وهو من البيسط.
وصدره:
إن الخليط أجدوا البين فانجردوا
اللغة: "الخليط" المخالط الذي يخالط المرء في جميع أموره "البين" الفراق "أجدوا البين" أحدثوا الفراق وجعلوه أمرا جديدا "انجردوا" بعدوا واندفعوا، ويروى: انصرموا؛ أي: انقطعوا ببعدهم عنا.
المعنى: يجرد الشاعر من نفسه شخصا يخاطبه ويقول له: إن أصحابك وأصدقاءك الذين عاشروك، قد أحدثوا بينك وبينهم فرقة، وبعدوا عنك وأخلفوا ما كانوا قد وعدوك به وعاهدوك عليه، من دوام الألفة وطول عهد القرب والمودة.
الإعراب: "إن" حرف توكيد ونصب "الخليط" اسم إن "أجدوا" فعل ماض، وواو الجماعة فاعله "البين" مفعول به لأجدوا، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله في محل رفع خبر إن "فانجردوا" الفاء عاطفة. انجرد: فعل ماض وواو الجماعة فاعله "وأخلفوك" الواو عاطفة أخلف فعل ماض وواو الجماعة فاعله وكاف الخطاب مفعول أول مبني على الفتح في محل نصب "عد" مفعول ثانٍ "الأمر" مضاف إليه "الذي" اسم موصول نعت للأمر "وعدوا" فعل ماض وفاعله، والجملة لا محل لها صلة الموصول، والعائد محذوف: الأمر الذي وعدوه.
الشاهد: قوله: "عد الأمر" حيث حذفوا التاء عند الإضافة شذوذا؛ لأن أصله "عدة".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن هشام 309/ 4، وابن الناظم.(3/1609)
وقال في شرح الكافية: وامتنع حذفها إلا بسماع كقوله تعالى: {وَإِقَامَ الصَّلاةِ} 1 قلت: وتقدم مذهب الفراء في باب الإضافة، قيل: وحَسَّن حذف التاء في الآية مقارنته لقوله تعالى بعد: {وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} 2.
تنبيه:
قد ورد تصحيح إفعال واستفعال وفروعهما في ألفاظ: منها أَعْوَل إعوالا، وأغيمت السماء إغياما، واستحوذ استحواذا، واستغيل الصبي استغيالا3، وهذا عند جمهور النحويين شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، وذهب أبو زيد إلى أن ذلك لغة يقاس عليها، وحكى الجوهري عنه أنه حكي عن العرب تصحيح أفعل واستفعل تصحيحا مطردا في الباب كله، وقال الجوهري في موضع آخر: تصحيح هذه الأشياء لغة فصيحة صحيحة، وذهب في التسهيل إلى مذهب ثالث، وهو أن التصحيح مطرد فيما أهمل ثلاثيه، كاستنوق استنواقا، لا فيما له ثلاثي نحو استقام.
وما لإفعال من الحذف ومن ... نقل فمفعول به أيضا قمن
نحو مبيع ومصون وندر ... تصحيح ذي الواو وفي ذي الياء اشتهر
إذا بني مفعول من ثلاثي معتل العين فعل به ما فعل بإفعال واستفعال من نقل حركة عينه وحذف مدته، فإذا بني مفعول من قال وباع فقيل: مقول ومبيع، والأصل: مقوول ومبيوع، فنقلت حركة الواو والياء إلى الساكن قبلهما، فالتقى ساكنان الأول عين الكلمة والثاني واو مفعول الزائدة فوجب حذف إحداهما، واختلف في أيهما حذف، فذهب الخليل وسيبويه إلى أن المحذوف واو مفعول؛ لزيادتها ولقربها من الطرف، وذهب الأخفش إلى أن المحذوف عين الكلمة؛ لأن واو مفعول لمعنى، ولأن الساكنين إذا التقيا في كلمة حذف الأول.
__________
1 من الآية 73 من سورة الأنبياء، ومن الآية 37 من سورة النور.
2 من الآية 37 من سورة النور.
3 أعول إعوالا: يطلق بمعنى رفع صوته بالبكاء، وبمعنى كثر عياله، وأغيمت السماء: أي: صارت ذات غيم أي سحاب، واستحوذ: أي غلب، واستغيل الصبي: أي: شرب الغيل -بفتح الغين وسكون الياء- وهو اللبن الذي ترضعه المرأة ولدها وهي تؤتى أو وهي حامل.(3/1610)
فأما ذوات الواو نحو مقول، فليس فيها عمل غير ذلك؛ لأنه لما حذفت منه إحدى الواوين بقي مقول على لفظه.
وأما ذوات الياء نحو مبيع فإنه لما حذفت واوه على رأي سيبويه بقي مبيع بياء ساكنة بعد ضمة، فجعلت الضمة المنقولة كسرة لتصح الياء، وأما على رأي الأخفش فإنه لما حذفت ياؤه كسرت الفاء وقلبت الواو ياء، فرقا بين ذوات الواو وذوات الياء.
قيل: وقد خالف الأخفش أصله في هذا، فإن أصله أن الفاء إذا ضُمت وبعدها ياء أصلية باقية قلبها واوا لانضمام ما قبلها إلا في الجمع نحو بيض، وقد قلب هاهنا الضمة كسرة مراعاة للعين التي هي ياء مع حذفها، ومراعاتها موجودة أجدر.
فإن قلت: هل يظهر لخلاف الشيخين في المحذوف ثمرة لفظية؟
قلت: نعم. قال أبو الفتح: سألني أبو علي عن تخفيف مَسُوء فقلت: أما على قول أبي الحسن فأقول: رأيت مَسُوًّا، كما تقول في مقروء: مَقْرُو؛ لأنها عنده واو مفعول، وأما على مذهب سبيويه فيقال: رأيت مَسوًا كما تقول في خَبْء: خَبٌ، فنحرك الواو لأنها في مذهبه العين، فقال لي أبو علي: كذلك هو.
وقوله: "وندر تصحيح ذي الواو" أشار به إلى قول بعض العرب: ثوب مصوون، ومسك مدووف1، وفي القياس على ذلك خلاف منعه الجمهور وأجازه المبرد في أحد قوليه، وذكر الجوهري: أن بعض النحويين يقيس الإتمام في الواو، وأنه لغة لبعض العرب، وقال الأستاذ أبو علي: حكي ذلك عن الكتاب وقاس عليه.
وقوله: "وفي ذي الياء اشتهر" يعني: أن التصحيح في ذوات الياء كثير مشتهر
__________
1 ثوب مصوون: أي: محفوظ، من صان يصون، مسك مدووف: أي: مبلول أو مسحوق.(3/1611)
بخلاف الواو، وذلك لثقل الواو وخفة الياء، ومثال ذلك في الياء كقولهم: "خُذه مَطيُوبة به نفسًا"1.
وقال شاعر2:
كأنها تفاحة مطيوبة
وتصحح ذوات الياء لغة تميمة حكاها المازني وغيره، وقال علقمة وهو تميمي3:
............................ ... يوم الرَّذاذ عليه الدجن مغيوم
قال سيبويه: وبعض العرب يخرجه عن الأصل فيقول: مخيوط ومبيوع، ولا نعلمهم أتموا في الواو لأنها أثقل، وخالف أبو العباس في تصريفه فقال: إنا أجازوا رد مبيع إلى أصله في الضرورة ولم يجعله لغة.
وصحح المفعول من نحو عدا ... وأعلل إن لم تتحرَّ الأجودا
__________
1 مطيوبة: اسم مفعول طابه يقال: طابه أي طيبه، والصواب مطيوبة به نفس، برفع نفس على النيابة عن الفاعل، أو مطيوبا به نفسا بالتذكير وإنابة الضمير في مطيوبا العائد على فاعل خذ عن الفاعل. اهـ صبان.
2 قائله: لم أعثر على قائله، ولم أقف على تمامه، وهو شاعر من بني تميم يصف الخمر، والضمير في كأنها يعود إلى الخمر التي يصفها الشاعر.
الإعراب: "كأنها" كأن حرف تشبيه ونصب وضمير الغائبة اسمها "تفاحة" خبر كأن مرفوع بالضمة الظاهرة "مطيوبة" نعت لتفاحة مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد: قوله: "مطيوبة" فقد جاء على الأصل والقياس أن يقال: مطيبة كمبيعة.
مواضعه: ذكره الأشموني 866/ 3، وابن هشام 305/ 4، وابن الناظم.
3 قائله: هو علقمة بن عبدة، وهو من البسيط.
وصدره:
حتى تذكر بيضات وهيجه
اللغة: "البيضات" جمع بيضة "هيجه" من التهيج، هاج إذا ثار "الرذاذ" المطر الخفيف "الدجن" إلباس الغيم السماء "مغيوم" من الغيم وهو السحاب.
الإعراب: "حتى" للغاية "تذكر" جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير الذي يرجع إلى الظليم وهو ذكر النعامة "بيضات" مفعوله "وهيجه" فعل ماض والهاء مفعوله وهي الضمير المنصوب الراجع إلى الظليم "يوم" فاعل "الرذاذ" مضاف إليه "عليه" جار ومجرور خبر مقدم "الدجن" مبتدأ مؤخر، والجملة صفة ليوم "مغيوم" صفة أخرى ليوم.
الشاهد: قوله: "مغيوم" فإنه جاء على أصله بدون الإعلال، والقياس فيه مغيم.
مواضعه: ذكره الأشموني 866/ 3، وابن الناظم، والمكودي ص201.(3/1612)
إذا بني المفعول من فعل معتل اللام لم يخل من أن تكون لامه ياء أو واوا. فإن كانت ياء وجب إعلاله بالإبدال والإدغام وتحويل الضمة كسرة نحو مرمي والأصل مرموي، فقلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون وأدغمت في لام الكلمة، وكسرت الميم لتصح الياء.
وإن كانت واوا فهي على ثلاثة أقسام: قسم يجب إعلاله، وقسم يختار إعلاله، وقسم يختار تصحيحه.
فالذي يجب إعلاله هو ما عينه واو، فإذا بنيت اسم المفعول من نحو قَويَ قلت: مَقْوِي، والأصل: مَقْوُووٌ، فاستثقل اجتماع ثلاث واوات في الطرف مع الضمة، فقلبت الأخيرة ياء ثم قلبت المتوسطة ياء؛ لأنه قد اجتمع ياء وواو، وسبقت إحداهما بالسكون، ثم قلبت الضمة كسرة لأجل الياء، وأدغمت الياء في الياء فقيل: مَقْويّ.
والذي يختار إعلاله هو ما كان فعله على فعل -بكسر العين- كمرضي، فهذا فيه الإعلال والتصحيح، والإعلال أولى؛ لأن فعله قد قلبت فيه الواو ياء في حالة بنائه للفاعل وفي حالة بنائه للمفعول، فكان إجراء اسم المفعول على الفعل في الإعلال أولى من مخالفته له؛ ولهذا جاء الإعلال في القرآن دون التصحيح، قال تعالى: {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} 1 ولم يقل: مَرْضُوَّة مع كونه من الرضوان. وقال بعضهم: "مَرْضُوّة" وهو قليل، هذا ما ذكره المصنف؛ أعني: ترجيح الإعلال على التصحيح في نحو مَرْضِيّ، وذكر غيره أن التصحيح في ذلك هو القياس وأن الإعلال فيه شاذ، وصرح بعض المغاربة بعد اطراد الإعلال فيه "وظاهر كلام سيبويه اطراده قال: والوجه في هذا النحو الواو، والأخرى عربية كثيرة"2.
والذي يختار تصحيحه هو ما كان من فعل وليست عينه واوا، ولا هو على فعل -بكسر العين- كالمفعول من نحو عدا، فيجوز فيه التصحيح حملا على فعل
__________
1 الآية 28 من سورة الفجر.
2 أ.(3/1613)
الفاعل فتقول: مَعْدُوٌّ، فتصححه كما صح فعل الفاعل، ويجوز فيه الإعلال حملا على فعل المفعول فتقول: مَعْدِيّ، فتعله كما أعل فعل المفعول، والتصحيح أولى؛ لأن الحمل على فعل الفاعل أولى.
ويُروى بالوجهين قول الشاعر1:
وقجد عَلِمَتْ عِرْسِي مُليكة أنني ... أنا الليث مَعْديًّا عليه وعاديا
وأنشده المازني: "مَعْدُوًّا" بالتصحيح، وأنشده غيره بالإعلال.
تنبيهات:
الأول: لم يذكر الناظم في هذا البيت إلا هذا القسم الأخير؛ أعني: ما يترجح فيه التصحيح، وأحال على المثال فخرج بقوله: "من نحو عدا" ما عينه واو نحو قوي، فإن المفعول منه يجب إعلاله، وما هو على فعل نحو رضي، فإن المفعول منه يترجح إعلاله عند المصنف.
فإن قلت: لم ترك هنا ذكر المفعول مما لامه ياء نحو رمى؟
قلت: لأن حكمه قد تقدم بيانه.
الثاني: ظاهر كلامه أن الإعلال مطرد في نحو معدي، وإن كان التصحيح أجود، وقال بعض النحويين: إن الإعلال فيه شاذ لا يطرد.
__________
1 قائله: هو عبد يغوث الحارثي، وهو من الكامل.
اللغة: "عرسي" عرس الرجل: امرأته، ووقع في رواية الزمخشري: مغريا عليه وغاريا.
المعنى: قد علمت زوجتي أني بمنزلة الأسد، فمن ظلمني فإنما ظلم الأسد، فلا بد أني أهلكه.
الإعراب: "وقد" الواو للعطف وقد حرف تحقيق "علمت" فعل ماض والتاء للتأنيث "عرسي" فاعل والياء مضاف إليه "مليكة" -بضم الميم- عطف بيان أو بدل من عرسي "أنني" حرف توكيد ونصب والياء اسمها "الليث" خبرها و"أنا" ضمير منفصل فلا موضع له، وأن مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي علمت "معديا" حال من الليث "وعاديا" عطف عليه، والعامل في معديا ما في أن من معنى ثبت وتحقق.
الشاهد: قوله: "معديا" حيث جاء على الإعلال فإن أصله معدو.
مواضعه: ذكره الأشموني 867/ 3، وابن يعيش 110/ 10، وسيبويه 382/ 2.(3/1614)
الثالث: اختلف في تعليل إعلال الواو في هذا النوع، فقيل: إنه أعل حملا على فعل المفعول، وهو قول الفراء وتبعه المصنف، وقيل: أعل تشبيها بباب أدل؛ وذلك لأن الواو الأولى ساكنة زائدة خفيفة بالإدغام فلم يعتد بها حاجزا، فصارت الواو التي هي لام الكلمة كأنها وليت الضمة، وقلبت ياء على حد قلبها في أدل، قال الزمخشري: كما فعلوا في الكساء نحو فعلهم في العصا، واعترض تعليل الفراء بوجوب القلب في المصدر، نحو عَتَا عَتِيًّا، والمصدر ليس بمبني على فعل المفعول.
كذاك ذا وجهين جا الفعُول من ... ذي الواو لام جمع أو فرد يعن
إذا كان الفُعُول مما لامه واو ولم يخل من أن يكون جمعا أو مفردا، فإن كان جمعا فقد جاء فيه الإعلال والتصحيح، إلا أن الإعلال أكثر نحو عصِي ودلِي جمع عصى ودلو، وأصلهما: عُصُووٌ ودُلُووٌ، فأبدلت الواو الأخيرة ياء حملا على باب أدل وأعطيت الواو التي قبلها ما استقر لمثلها من إبدال وإدغام.
وقد ورد بالتصحيح ألفاظ، وهي أُبوٌّ جمع أب وأُخو جمع أخ، ونُحو جمع نحو، وحكي عن بعضهم: إنكم لتنظرون في نُحُوٍّ كثيرة، ونُجُوٌّ جمع نجو -بالجيم- وهوالسحاب الذي هراق ماءه، وقال ابن سيده: ولم يسمع فيه إلا الإعلال، ونُهُو جمع نهو، وذكر من ذلك بنو جمع ابن، وقنو جمع قنا على خلاف في لامهما، ومذهب سيبويه أنها ياء، وقول ابن عصفور: شذ من هذا الجمع لفظان وهما نجو في جمع نجو، وقنو في جمع قنا، يوهم أنه لم يشذ غيرهما، وليس كذلك.
فإن كان مفردا فقد جاء فيه أيضا الإعلال والتصحيح إلا أن التصحيح أكثر نحو: علا علوًّا ونما نموًّا، وقد جاء بالتصحيح قولهم: عتا الشيخ عتيا، أي: كَبِرَ، وقسا قسيا، أي: قسوة.
فإن قلت: ظاهر كلام الناظم التسوية بين فعول المفرد وفعول الجمع في الوجهين وليسا بسواء؛ لأن الإعلال في الجمع أكثر، والتصحيح في المفرد أكثر.
قلت: سوى بينهما في مجيء الوجهين في كل منهما، ولم يسو بين الوجهين في الكثرة، وقد صرح بتفاوتهما في غير هذا الكتاب، قال في الكافية:(3/1615)
ورُجِّح الإعلال في الجمع وفي
مفرد التصحيحٌ أولى ما قُفِي
فإن قلت: لِمَ كان الإعلال في الجمع أرجح والتصحيح في المفرد أرجح؟
قلت: لثقل الجمع وخفة المفرد.
تنبيهان:
الأول: لا إشكال في اطراد الإعلال في الجمع والتصحيح في المفرد، وأما تصحيح الجمع فمذهب الجمهور أنه لا يقاس عليه، وإلى هذا ذهب في التسهيل قال: ولا يقاس عليه خلافا للفراء، انتهى. وضعف مذهب الفراء بقلة ما ورد من ذلك، وأما إعلال المفرد فظاهر التسهيل اطراده، والذي ذكره غير أنه شاذ لا يطرد.
الثاني: ما تقدم في فُعول من التصحيح مشروط بألا يكون من باب قَوِيَ، فلو بني من القوة فعول لزم أن يفعل به ما فعل بمفعول من القوة، وقد تقدم.
وشاع نحو نُيَّم في نُوَّم ... ونحو نُيَّام شذوذه نُمِي
يعني: أنه قد كثر في فعَّل جمع فاعل الذي عينه واو الإعلال، فيقال في نُوَّم جمع نائم: نُيَّم، وفي صُوَّم جمع صائم: صُيَّم، وفي جُوَّع جمع جائع: جُيَّع قال1:
........................ ... عَجَّلْتُ طبختَه لقوم جُيَّع
__________
1 قائله: هو الحاردة واسمه قطبة، وهو من الكامل.
وصدره:
ومُعرص تغلي المراجل تحته
اللغة: "معرص" -بضم الميم وفتح العين والراء مشددة، بزنة اسم المفعول من مضعف العين- وهو اللحم الذي وضع في العرصة، وهي الفناء بين الدور ليجف "المراجل" القدور، واحده مرجل بزنة منبر.
الإعراب: "ومعرص" الواو واو رب معرص مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبية بالزائد وهو مبتدأ "تغلي" فعل مضارع "المراجل" فاعله والجملة صفة لمعرص "تحته" ظرف والهاء مضاف إليه "عجلت" فعل وفاعل "طبخته" مفعول به والهاء مضاف إليه والجملة خبر معرص "لقوم" جار ومجرور متعلق بعجل "جيع" صفة.
الشاهد: قوله: "جيع" فإن أصله جُوع؛ لأنه من الأجوف الواوي فأبدلت الياء من الواو وهو جمع جائع.
مواضعه: ذكره الأشموني 870/ 3.(3/1616)
ووجه ذلك أن العين شُبهت باللام لقربها من الطرف، فأعلت كما تعل اللام فقلبت الواو الأخيرة ياء "ثم قلبت الواو الأولى ياء"1، وأدغمت الياء في الياء، والتصحيح في ذلك هو الأصل، وأما فُعَّال -بالمد- نحو: صوام وقوام، فالتصحيح فيه متعين لبعد عينه عن الطرف بسبب زيادة الألف.
وقد شذ الإعلال في لفظ واحد لا يقاس عليه وهو نُيام جمع نائم. قال الشاعر2:
ألا طرقتنا مية بنة منذر ... فما أرق النُّيَّام إلا كلامها
تنبيهان:
الأول: قوله: "وشاع" يفيد الكثرة وليس بنص على اطراده، وقد نص غيره من النحويين على أنه مطرد، ولاطراده شرط لم يذكره المصنف، وهو ألا يكون معتل اللام نحو شاو وشُوَّى، فهذا لا يجوز إعلاله كراهة لتوالي الإعلال.
والثاني: يجوز في فاء فُعَّل المعل العين الضم والكسر، والضم هو الوجه الأَوْلَى.
__________
1 أ، ج.
2 قائله: هو أبو الغمر الكلابي، ويقال له: أبو النجم، وهو من الطويل.
اللغة: "طرقتنا" زارتنا ليلا "مية" اسم امرأة "أرق" أسهر وأذهب النوم من الأعين "النيام" جمع نائم -اسم فاعل من نام ينام نوما.
المعنا: أن هذه المرأة زراتهم بالليل، وقد نام القوم، فأرقهم حديثها وأطار النوم من أعينهم كلامها العذب، حتى قضوا ليلهم أيقاظا ساهرين.
الإعراب: "ألا" أداة تنبيه "طرقتنا" فعل ماض والتاء علامة التأنيث وضمير المتكلم مفعول به "مية" فاعل "ابنة" نعت "منذر" مضاف إليه "فما" الفاء عاطفة وما نافية "أرق" فعل ماض "النيام" مفعول به لأرق "إلا" أداة حصر "كلامها" فاعل أرق، والضمير مضاف إليه.
الشاهد: قوله: "النيام" فإن أصله النوام، ونيام جمع نائم والهمزة في المنفرد منقلبة عن واو.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 780/ 3، وابن هشام 278/ 4، وابن عقيل 429/ 2، وابن الناظم، والمكودي ص202، وابن يعيش 93/ 10.(3/1617)
فصل: "إذا كان فاء الافتعال حرف لين":
ذو اللين فا تا في افتعال أبدلا ... وشذ في ذي الهمز نحو ائتكلا
إذا كان فاء الافتعال حرف لين -أعني واوًا أو ياءً- وجب في اللغة الفصحى إبدالها تاء في الافتعال وفروعه، أعني الفعل واسمى الفاعل والمفعول.
مثال ذلك في الواو: اتّعد يتّعدا اتّعادًا فهو متعد، ومثاله في الياء: اتّسر يتّسر اتّسارًا فهو متّسر.
وإنما أبدلوا الفاء في ذلك تاء؛ لأنهم لو أقروها لتلاعبت بها حركات ما قبلها فكانت تكون بعد الكسرة ياء، وبعد الفتحة ألفًا، وبعد الضمة واوًا، فلما رأوا مصيرها إلى تغيرها لتغير أحوال ما قبلها أبدلوا منها حرفا جلدًا لا يتغير لما قبله، وهو التاء، وهو أقرب الزوائد من الفم إلى الواو، وليوافق ما بعده فيدغم فيه.
تنبيهات:
الأول: قال بعض النحويين البدل في اتّعد، إنما هو من الياء؛ لأن الواو لا تثبت مع الكسرة في اتّعاد وفي اتّعد وحمل المضارع واسم الفاعل واسم المفعول منه على الماضي والمصدر.
الثاني: قوله "ذو اللين" يشمل الواو والياء كما تقدم، وأما الألف فلا مدخل لها في ذلك؛ لأنها لا تكون فاء ولا عينًا ولا لامًا.
الثالث: من هل الحجاز قوم يتركوا هذا الإبدال، ويجعلون فاء الكلمة على حسب الحركات قبلها، فيقولون: ايتَعَد ياتَعِد فهو مُوتَعِد، وايتَسَر ياتَسِر فهو مُوتَسِر.
الرابع: حكى الجرمي أن من العرب من يقول ائتسر وائتعد -بالهمز- وهو غريب. وقوله: "وشذ في ذي الهمز" أي: وشذ إبدال فاء الافتعال تاء فيما أصله الهمزة والقياس فيه ألا يبدل، وذلك نحو ايتكل ياتكل ايتكالًا؛ لأنه افتعل من الأكل، ففاء الكلمة همزة ولكنها خففت بإبدالها حرف لين لاجتماعها مع الهمزة(3/1618)
التي قبلها فأقرت على ما يقتضيه التصريف، ولم تبدل لأنها ليست بأصل، وإنما هي بدل من همزة، والهمزة لا تدغم، فينبغي أن يكون بدلها كذلك، وأيضًا فلأن إبدالها وهي بدل من الفاء يؤدي إلى توالي إعلالين وشذ إبدال الياء والواو في هذا تاء، كقول بعضهم اتزر، أي: لبس الإزار، فالتاء في هذا بدل من الياء المبدلة من الهمزة "وقال بعضهم: اؤتُمِن اتَّمِن، فالتاء في هذا بدل من الواو المبدلة من الهمزة" واللغة الفصيحة في ذلك عدم الإبدال.
تنبيهات:
الأول: قوله "وشذ" يقتضي أن الإبدال في ذي الهمز ليس بلغة فلا يصح القياس عليه، وهذا هو المعروف، وحكى عن البغداديين أنهم أجازوا الإبدال في ذي الهمزة، وحكوا من ذلك ألفاظًا وهي: اتَّزر واتَّمن، من الإزار والأمانة، واتَّهل من الأهل، ومنه عندهم اتَّخذ من الأخذ، وقال بعضهم: هي لغة رديئة متنازع في صحة نقلها، قال أبو علي: هذا خطأ في الرواية، فإن صحت فإنما سمعت من قوم غير فصحاء لا ينبغي أن يؤخذ بلغتهم، ولم يحك هذا سيبويه، ولا الأئمة المتقدمون العارفون بالصيغة وتحري النقل.
قلت: وفي الحديث "وإن كان قصيرًا فليتزر به" كذا الجميع رواه الموطأ بالإبدال والإدغام، وفي حديث عائشة رضي الله عنها "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني إذا حضت أن أتزر" -بالإدغام.
فإن قلت: فما يصنع أبو علي بقولهم: اتخذ وهو من الأخذ؟.
قلت: خرجه على أن تاءه الأولى أصلية؛ لأن العرب قالت: تخذ بمعنى اتخذ، قال الله تعالى: {لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} 1 وأنشد2:د
وقد تخذت رجلي لدى جنب غرزها ... نسيفًا كأُفْحُوصِ القطاةِ الْمُطَرِّق
__________
1 من الآية 77 من سورة الكهف.
2 قائله: هو الممزق العبدي -واسمه شاس بن نهار العبد -وهو من الطويل.
اللغة: "تخذت" بمعنى اتخذت "لدى جنب" ويروى إلى جنب "غرزها" الغرز -بفتح الغين وسكون الراء- ركاب الرجل من جلد، وإذا كان من خشب أو حديد فهو ركاب =(3/1619)
ونازع الزجاجي في وجود مادة تَخِذَ، وزعم أن أصله اتخذ، وحذف، وصحح ما ذهب إليه الفارسي بما حكاه أبو زيد من قولهم: تَخِذَ يتخذ تَخَذًا، وذهب بعض المتأخرين إلى أن اتّخذ مما أبدلت فاؤه تاء على اللغة الفصحى؛ لأن فيه لغة وهي وخذ بالواو، وهذه اللغة وإن كانت قليلة إلا أن بناءه عليها أحسن؛ لأنهم نصوا على أن اتّمن لغة رديئة.
الثاني: ظاهر تمثيله بائتكل -أنه مما سمع فيه الإبدال شذوذًا، ويحتمل أن يريد أن الإبدال سمع فيما هو من جنسه، وإن كان لم يسمع فيه، ونص الشارح على هذا قال: ولا يريد أنه يقال في افتعل من الأكل ايتكل.
قلت: وفي كلام بعضهم ما يدل على أنه مسموع.
طا تا افتعال رد إثر مطبق ... ......................
يعني أنه إذا بنى الافتعال وفروعه مما فاؤه أحد الحروف المطبقة -وهي الصاد والضاد والطاء والظاء- وجب إبدال تائه طاء، كقولك في بناء افتعل من طعن وظلم وصبر وضرب، اطعنوا واظلموا واصطبروا، واضطرب، والأصل في ذلك اطتعنوا واظتلموا واصتبروا واضترب، ولكن استثقل اجتماع التاء مع الحرف المطبق لما بينهما من تقارب المخرج وتباين الصفة إذا التاء مهموسة مستقلة، والمطبق مجهور مستعل، فأبدل من التاء حرف استعلاء من مخرجها وهو الطاء.
__________
="نسيفًا" بفتح النون وكسر السين -أثر ركض الرجل بجنبي البعير إذا انحسر عنه الوبر "كأفحوص" -بضم الهمزة وسكون الفاء وضم الحاء، مجثم القطاة، أي: مبيتها؛ سمي بذلك لأنها تفحصه، "القطاة" طائر مشهور "المطرق" -بضم الميم وفتح الطاء وتشديد الراء المكسورة، من طرقت القطاة إذا حَانَ خروج بيضها.
الإعراب: "وقد" للتحقيق "تخذت" فعل ماضٍ "رجلي" فاعل والياء مضاف إليه "لدى" منصوب على الظرف "جنب" مضاف إليه وأيضًا جنب مضاف إلى غرزها "نسيفًا" مفعول تخذت "كأفحوص" الكاف للتشبيه والأفحوص مجرور بها "القطاة" مضاف إليه "المطرق" صفة للقطاة.
وإنما ذكره مع أن القطاة مؤنث؛ لأنه لا يقال ذلك في غير القطاة على رأي أبي عبيد، وأما على رأي غيره فيكون على إرادة النسبة، والتقدير: ذات التطريق، وأما على رواية من رواه بفتح الراء فيكون صفة للأفحوص بمعنى المعدل.
الشاهد: قوله: "تخذت" فإن أصله أتخذت.(3/1620)
تنبيه:
إذا أبدلت الياء طاء بعد الطاء وجب الإدغام لاجتماع المثلين، وإذا أبدلت بعد الظاء في نحو اظَّلم ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: البيان فيقال اضطلم، والثاني: إدغام الظاء في الطاء فتقول اطلَّم بطاد مشددة، والثالث: أن تجعل موضع الطاء ظاء معجمة ثم تدغم فيقال اظّلم.
وينشد بالأوجه الثلاثة قول زهير1:
هو الجواد الذي يعطيك نائله ... عفوًا ويظلم أحيانًا فيظطَلِم
وإذا أبدلت بعد الصاد ففيه وجهان: البيان فيقال اصطبروا، والإدغام بقلب الثاني إلى الأول فيقال: اصبروا -بصاد مشددة. قال سيبويه: وحدثنا هارون أن بعضهم قرأ: "أَنْ يُصَّلحَا"2 يريد أن يصطلحَا.
__________
1 قائله: هو زهير بن أبي سلمى في مدح هرم بن سنان -وهو من البسيط.
اللغة: "نائله" النائل: العطاء "فيظلم" يقبل الظلم ويحتمله لكن لا ضعفًا ولا استكانة.
المعنى: أن هرمًا هو الجواد الذي يجزل لك العطاء بسهولة من غير منٍّ ولا إبطاء ويحمله الناس مغارمهم فيتحملها ويقبل القيام بها تفضلًا منه -لا ضعفًا ولا خوفًا.
الإعراب: "هو" ضمير منفصل مبتدأ "الجواد" خبره "الذي" صفة للجواد "يعطيك" فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل وفاعله ضمير مستتر وكاف الخطاب مفعول أول "نائله" مفعول ثانٍ ليعطي وضمير الغائب مضاف إليه، وجملة يعطي وفاعله ومفعوليه لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، "عفوا" مفعول مطلق عامله يعطي وأصله صفة لمصدر محذوف وتقدير الكلام: إعطاء عفوًا "ويظلم" الواو حرف عطف "يظلم" فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه "أحيانًا" ظرف زمان منصوب بيظلم "فيظطلم" الفاء حرف عطف ويظطلم معطوف بالفاء على يظلم المبني للمجهول.
الشاهد: قوله "فيظطلم" أصله فيظتلم ثم قلبت تاء الافتعال طاء فصار يظطلم ويجوز قلب المعجمة طاء وإدغامهما فيصير يطلم وروي الأوجه الثلاثة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية الأشموني 873/ 3، وابن هشام 294/ 4، وسيبويه 421/ 2.
2 من الآية 128 من سورة النساء.(3/1621)
وإذا أبدلت بعد الضاد فتلاثة أوجه: البيان والإدغام بوجهيه، فيقال اضطجع واضجع واطجع، وهذا الثالث، قال ابن هشام الخضراوي: هو نادر شاذ، وقد استثقل بعضهم اجتماع الضاد والطاء لما بينهما من التقارب، فقلب الضاد لامًا فقال: الطجع، وبالأوجه الأربعة ينشد قوله1:
..................... ... مال إلى أرطاة حقق فالطجع
...................... ... في ادَّان وازدد وادَّكر دالًا بقي
يعني أنه إذا بنى الافتعال مما فاؤه دال نحو دَانَ، أو زاي نحو زاد، أو ذال نحو ذكر، وجب إبدال تائه دالًا فيقال: ادّان وازداد، وادَّكر، والأصل: ادتان، وازتاد، واذتكر، فاستثقل مجيء التاء بعد هذه الأحرف، فأبدلت دالًا.
تنبيهات:
الأول: إذا أبدلت تاء الافتعال دالًا بعد الدال وجب الإدغام، لاجتماع المثلين، فليس في ادَّان إلا وجه واحد.
وإذا أبدلت دالًا بعد الزاي فوجهان: الإظهار والإدغام بقلب الثاني إلى الأول فيقال: ازّجَّر، ولا يجوز العكس؛ لأن الزاي لا تدغم فيما ليس من
__________
1 قائله: هو منظور بن حية الأسدي -يصف ذئبًا- وهو من الرجز.
وصدره:
لما رأى أن لادعه ولا شبع ... .......................
اللغة: "دعه" الدعة: الراحة وسعة العيش "مال" انحاز وركز "أرطأة" واحدة الأرطي، وهو شجر من شجر الرمل له ثمر كالعناب "حقف" هو ما اعوج وانحنى من الرمل والجمع أحقاف "الطجع" اتكأ على الأرض.
المعنى: أن هذا الذئب لما رأى أنه لم يجد راحة من التعب، ولم يشع بأكل ركن إلى شجر من الأرطي في منحنى، واتكأ على جنبه ليستريح.
الإعراب: "لما" شرطية "رأى" فعل الشرط وفاعله يعود على الذئب "أن" مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن "دعه" اسم لا وخبرها محذوف "مال" فعل ماضٍ جواب الشرط والفاعل ضمير يعود إلى الذئب "إلى أرطاة" متعلق بمال "حقف" مضاف إليه "فالطجع" الفاء عاطفة والطجع فعل ماضٍ وفاعله ضمير مستتر.
الشاهد: قوله "فالطجع" وأصله اضتجع قلبت التاء طاء ثم الضاد لامًا.
مواضعه: ذكره الأشموني 873/ 3، وابن هشام 247/ 4، وابن يعيش 46/ 10.(3/1622)
مخرجها وإذا أبدلت دالًا بعد الذال فثلاثة أوجه: الإظهار، والإدغام بوجهيه فيقال: ازدكر، وادكر، واذكر، بذال معجمة.
الثاني: مقتضى اقتصار النظم على إبدال تاء الافتعال طاء بعد الأحرف الأربعة المذكورة، ودالًا بعد الثلاثة أنها تقر بعد سائر الحروف ولا تبدل، وقد ذكر في التسهيل أنها تبدل ثاء بعد الثاء فيقال: أثرد -بثاء مثلثة- وهو افتعل من ثرد أو تدغم فيها الثاء فيقال: اترد -بتاء مثناة، وقال سيبويه: والبيان عندي جيد -يعني الإظهار، فيقال اثترد، ولم يذكر المصنف هذا الوجه، وذكر في التسهيل أيضًا أنها قد تبدل دالًَا بعد الجيم كقولهم في: اجتمعوا: اجدمعوا، وفي احتز: اجدز، قال الشاعر1:
فقلت لصاحبي: لا تحبسانا ... بنزع أصوله واجدزّ شِيحًا
وهذا لا يقاس عليه، وظاهر كلام المصنف في بعض كتبه أنه لغة لبعض العرب، فإن صح أنه لغة جاز القياس عليه.
وهذا آخر ما ذكره الناظم من باب الإبدال وما يتعلق به من أوجه الإعلال.
وقد علم مما ذكره أن الهمزة تبدل من ثلاثة أحرف وهي: الألف والواو والياء.
__________
1 قائله: قال الجوهري يزيد بن الطثرية، وقال ابن بري: قاله: مضرس بن ربعي. وهو من الوافر.
اللغة: "لا تحبسنا" من الحبس، ورواية الجوهري: لا تحبسانا ثم قال: وربما خاطبت العرب الواحد بلفظ الاثنين يعني: لا تحبسنا عن شي اللحم بأن تقلع أصول الشجر، بل خذ ما تيسر من قضبانه وعيدانه، وأسرع لنا في الشي.
والضمير في أصوله يجرع إلى الكلأ "اجدز" أصله اجتز من جزرت الصوف "شِيحًا" -بكسر الشين- نبت مشهور.
الإعراب: "فقلت" قال فعل وفاعل "لصاحبي" جار ومجرور متعلق بالفعل "لا تحبسنا" مفعول القول "بنزع" جار ومجرور متعلق به "أصوله" مضاف إليه "اجدز" أمر من جز يجز وفاعله ضمير مستتر فيه "شِيحًا" مفعوله.
الشاهد: قوله: "اجدز" فإن أصله اجتز فقلبت التاء دالًا.
مواضعه: ذكره الأشموني 784/ 3، وابن يعيش 49/ 10.(3/1623)
والياء تبدل من ثلاثة أحرف، هي: الهمزة والألف والواو.
والواو تبدل من ثلاثة أحرف، وهي: الهمزة والألف والياء.
والألف تبدل من ثلاثة أحرف، وهي الهمزة والواو والياء.
والميم تبدل من النون، والتاء تبدل من حرفين وهما: الواو والياء.
والطاء تبدل من التاء، والدال تبدل من الباء، على ما سبق ذكره من التفصيل.
وقد تبدل بعض هذه الحروف من غير ما ذكر، وإنما قصد هنا ذكر الضروري، ولذلك لم يتكلم على إبدال الهاء مع أنه ذكرها في حروف البدل؛ لأن ذكر الهاء ليس بضروري؛ ولهذا قال في التسهيل: والضروري في التصريف هجاء "طويت دائمًا" وأسقط الهاء، وقد تقدم أول الباب الإعلام بأن حروف الإبدال الشائع اثنان وعشرون حرفًا، وهي المجموعة في قوله: "لجدٍّ صَرْفُ شَكس آمن طيَّ ثوب عزَّتِه" وأن الإبدال قد وقع في غيرها أيضًا، ولكنه ليس بشائع، وقد رأيت أن أذيل ما سبق ذكره باستيفاء الكلام على إبدال جميع الحروف على سبيل الإيجاز مرتبًا للحروف على ترتيبها في المخارج، فأقول وبالله التوفيق:
الهمزة، أبدلت من سبعة أحرف، وهي الألف، والياء، والواو، والهاء، والعين، والغين، والخاء، أما إبدالها من أحرف اللين فمنه مطرد كإبدال الهمزة من الألف في حمراء ومن الواو في كساء ومن الياء في رداء، وقد تقدم بيانه مستوفًى.
ومنه غير مطرد كإبدال الهمزة من الألف في الخاتم والعالم، وفي الواو في إشاح واحد، خلافًا للمازني في إشاح فإن إبدال الهمزة من الواو فيه مطرد عنده ومن الياء في قولهم: قطع الله أديه، في أسنانه ألل -أي: يلل وهي قصر الأسنان العليا، وقيل: انعطافها إلى داخل الفم.
وأما إبدالها من الهاء وما بعدها فمقصور على السماع، فمثال إبدالها من الهاء قوله: ماء وأصله ماه، ومن العين قولهم: أباب بحر والأصل عباب بحر، ومن الخاء قولهم: صَرَأ. أي صرخ، حكاه الأخفش عن الخليل، ومن الغين(3/1624)
قولهم: رَأْنَة بمعنى رَغْنَة حكاه النضر بن شميل1 عن الخليل، وإبدالها من هذين الحرفين غريب جدًّا.
الألف: أبدلت من أربعة أحرف، وهي الياء نحو باع، والواو نحو قال، والهمزة نحو كاس في كأس، والنون الخفيفة نحو {لَنَسْفَعًا} 2.
والهاء أبدلت من خمسة أحرف، وهي: الهمزة نحو هياك في إياك وهو كثير، والألف كقوله من ها هنا ومن هُنْة أي من هنا، والواو في حرفين محتملين: أحدهما هنية تصغير هنة أصله هنيوة، ويحتمل أن تكون الهاء مبدلة من الياء المبدلة من الواو، والآخر: قولهم: يا هناء عند أبي الفتح، وفيه أقوال مشهورة، والياء في هذه وهنية على أحد الوجهين، والتاء في طلحة في الوقف على مذهب البصريين، وإبدال الهاء في جميع ذلك غير مطرد إلا في نحو طلحة.
العين: أبدلت من حرفين: الحاء في قولهم: ضَبَعَ بمعنى ضبح والهمزة في نحو "عَنَّ زيدًا قائم" أعني أن زيدًا قائم، وهي عنعنة تميم.
والغين: أبدلت من حرفين لخاء كقولهم: "غَطَر بيديه يغطر" بمعنى خطر يخطر حكاه ابن جني، والعين كقولهم: لَغَنَّ في لَعَنَّ.
الحاء: أبدلت من العين قالوا: "ربح" في ربع، وذلك قليل.
الخاء: أبدلت من حرف واحد، وهو الغين في قولهم: "الأخنّ" يريدون الأغنّ3 فقد وقع التكافؤ بينهما، وذلك في غاية القلة.
القاف -أبدلت من حرف واحد وهو الكاف كقولهم: وقنة في وكنة الطائر- وهي مأواه من الجبل، حكاه الخليل.
__________
1 هو النضر بن شميل بن حرشة بن كلثوم. أخذ عن الخليل والعرب، وأقام بالبادية أربعين سنة، وكان أحد الأعلام وله من رواية الأثر والسنن والأخبار منزلة، وصف غريب الحديث، والشمس والقمر، وخلق العرش، والمدخل في كتاب العين. مات سنة ثلاثة وقيل: أربع ومائتين.
2 من الآية 15 من سورة العلق.
3 الأغن: الذي يخرج صوته من خيشومه.(3/1625)
والكاف -أبدلت من حرفين: القاف في قولهم "عربي كحّ" أي: قحّ، وفسر الأصمعي القح فقال: وهو الخالص من اللؤم، وإبدال الكاف من القاف أكثر من عكسه والتاء في قول الراجز1:
يا ابن الزبير طالما عَصَيْكَا ... .......................
أي: عصيت. أنشده أبو علي.
الجيم -أبدلت من الياء مخففة ومشددة، والأكثر كون الياء المبدل منها الجيم مشددة أو مسبوقة بعين، وهي عجعجة قضاعة.
الشين: أبدلت من ثلاثة أحرف: كاف المؤنث في نحو أكرمتك قالوا:
اكرمتش، والجيم، قالوا مدمش في مدمج قال2:
إذ ذاك إذ حبل الوصال مدمش
أي: مدمج، والسين قالوا: جعشوش في جعسوس، وهو القميء الذليل، يجمع بالمهملة دون المعجمة، وبذلك علم الإبدال.
__________
1 قائله: هو راجز من حمير -وهو من الرجز.
وتمامه: وطالما عنيتنا إليكا. لنضربن بسيفنا قفيكا.
وأراد بابن الزبير -عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.
الإعراب: "يا" حرف نداء "ابن" منادى منصوب "الزبير" مضاف إليه "طالما" فعل ماضٍ وما كافة عن طلب الفعل أو مصدرية وهي وما دخلت عليه فاعل أي: طال عصيانك "عصيكا" عصى فعل ماض والكاف المنقلبة عن التاء فاعل.
الشاهد: قوله "عصيكا" فإن أصله عصيت، فأبدلت الكاف من التاء؛ لأنها أختها في الهمس.
مواضعه: ذكره الأشموني 823/ 3، وشواهد المغني ص153.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله -وهو من الرجز.
اللغة: "حبل الوصال" رابطته "مدمش" مثل مدمج وزنًا ومعنى، أي: موثق متين.
الإعراب: "إذا" ظرف "ذاك" مبتدأ والخبر محذوف تقديره حاصل والجملة من المبتدأ والخبر أضيف إليها إذ "إذ" ظرف "حبل" مبتدأ "الوصال" مضاف إليه "مدمش" خبره، والجملة مضاف إليها إذ.
الشاهد: قوله: "مدمش" حيث أبدل الشين فيه من الجيم؛ لأن أصله مدمج.
مواضعه: ذكره الأشموني 878/ 3.(3/1626)
الياء: وهي أوسع حروف الإبدال، ذكروا أنها أبدلت من ثمانية عشر حرفًا: وهي: الألف نحو دنينير في تصغير دينار، والواو نحو أعزيت وما يتصرف منه، والهمزة نحو بير في بئر، والهاء نحو دهديت في دهدهت، والسين في سادي وخامي ودساها وأصلها سادس وخامس ودسسها، والباء في الأراني والثعالي، والأصل الأرانب والثعالب، والراء في قيراط وشيراز عند بعضهم، والنون في أناسي وظرابي جمع إنسان وظربان وفي تظنيت وهو من الظن، والصاد في قصَّيت أظفاري والضاد في قولهم"1:
....................... ... تقضِّي البازِي إذا البازِي كَسَرْ
واللام في أمليت وأصله أمللت، والميم في ائتميت وأصله ائتممت، والعين في ضفادي أي ضفادع، والدال في تصدية2، والتاء في ايتصلت، والثاء في الثالي أي: الثالث، والجيم في دياجي، وشيرة في شجرة، والكاف في مكاكي3.
__________
1 قائله: هو العجاج يمدح به عمر بن عبد الله بن معمر -وهو من الرجز.
وصدره:
إذا الكرام ابتدروا البالغ بدر ... ..........................
اللغة: "الباغ" المراد به هنا الشرف والكرام "بدر" أسرع والضمير في بدر يرجع إلى الممدوح "تقضي البازي" في القاموس: انقض الطائر هوى ليقع.
الإعراب: "إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان "الكرام" فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده "ابتدروا" فعل وفاعل "الباغ" مفعول به "بدر" فعل ماضٍ جواب الشرط والفاعل ضمير مستتر "تقضي" مفعول مطلق "البازي" فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده "كسر" فعل ماضٍ والفاعل ضمير مستتر فيه.
الشاهد: قوله: "تقضي البازي" إذ أصله تقضّض البازي. فاجتمع ثلاث ضادات فأبدلوا من إحداهن ياء.
مواضعه: ذكره الأشموني 879/ 3، والهمع 157/ 2.
2 التصدية: التصفيق والصوت.
3 مكاكي، والأصل مكاكيك، وهو مكيال.(3/1627)
والصاد: أبدلت من اللام في قولهم: رجل جصد -أي: جلد.
اللام -أبدلت من حرفين- وهما النون في أصيلان والضاد في الطجع بمعنى اضطجع.
والراء -أبدلت من اللام في قولهم: نثرة- بمعنى نثلة، ورعل بمعنى لعل.
النون: أبدلت من ثلاثة أحرف: وهي اللام كقولهم لعن في لعل "ونابن فعلت كذا" في لا بل فعلت كذا، والميم كقولهم للحية: أيم وأين -بالنون والميم- حكاه الأصمعي، وقالوا: أسود قاتم وقاتن، والهمزة كقوله في النسبة إلى صنعاء وبهراء صنعاني وبهراني، وحكى الفراء: حنان في حناء، وهو الذي يخضب به.
الطاء: أبدلت من حرفين: التاء في الافتعال بعد حروف الإطباق، وقد تقدم ذكره، والدال حكى يعقوب عن الأصمعي "قط الحرف" ومده والإبعاط في الإبعاد.
والدال: أبدلت من أربعة أحرف: وهي التاء في الافتعال بعد الدال والذال والزاى والجيم في نحو اجدمعوا. والطاء كقولهم: المردى في المرطى وهو حيث يمرط الشعر حول السرة، والذال في قولهم: ذكر في جمع ذكرة.
التاء: أبدلت من ستة أحرف وهي: الطاء في فستاط والأصل فسطاط كقولهم في الجمع: فساطيط دون فساتيط، والدال في قولهم: "ناقة تربوط" والأصل دربوط، أي: مذللة؛ لأنه من الدربة، والواو في "تراث وتُجاه" ونحوهما، والياء في ثنتين وكيت وذيت، والصاد في لصت والسين في ست1.
__________
1 ست: والأصل سدس لقولهم سديسة ثم أبدلت الدال تاء وأدغمت.(3/1628)
قال في التسهيل: وربما أبدلت من هاء السكت، ومثاله ما تأوله بعضهم في قوله1:
العَاطِفُونَةَ حين ما من عَاطِفٍ ... ..........................
أنه أراد العاطفونه -بهاء السكت، ثم أبدلها تاء وحركها للضرورة، ومثله بعضه بنحو "جنت ونعمت" لأنه جعل الهاء أصلًا.
الصاد: أبدلت من السين في نحو "صراط".
والزاى: أبدلت من السين نحو يزدل في يسدل، والصاد نحو يزدق في يصدق.
والسين: أبدلت من ثلاثة أحرف: التاء في استخذ على أحد الوجهين وأصله اتخذ، والشين في نحو مشدود قالوا: مسدود، واللام في "استقطه" أي: التقطه، وهو في غاية الشذوذ.
الظاء -لم أجد في إبدالها شيئًا.
__________
1 قائله: أبو وجزة السعدي، مدح بها آل الزبير بن العوام. وهو من الكامل.
وتمامه:
...................... ... نعم الذَّرَا في النائبات لنا هم
اللغة: "الذَّرَا" بالفتح، كل ما استتر به. يقال: أنا في ظل فلان وفي ذراه أي: في كنفه وستره "النائبات" شدائد الدهر وحوادثه.
الإعراب: "تحين" ظرف للعاطفون والتاء زائدة أو أنها متصلة بما قبلها على أنها هاء السكت، وعلى هذين القولين ما نافية وحين مضافة إلى الجملة المنفية فإن من زائدة "عاطف" مبتدأ خبره محذوف. أي: يوجد ونحوه، أو أنها بقية لات وحين خبرها واسمها محذوف، وفيه غرابة حيث يحذف العامل ويبقى منه حرف واحد. وهو مع ذلك عامل، وهذا لا نظير له "نعم" فعل ماضٍ لإنشاء المدح "الذَّرَا" فاعل "في النائبات" جار ومجرور "لنا" جار ومجرور "هم" مخصوص بالمدح.
الشاهد: قوله: "العطفون تحين" حيث أبدل هاء السكت تاء.
مواضعه: ذكره السيوطي في الهمع 126/ 1، والشاهد 281 في الخزانة.(3/1629)
الذال: أبدلت من الدال في قراءة من قرأ "فَشَرِّذْ بِهِمْ"1 بالمعجمة، وفيه احتمال، ومن الثاء في قولهم: "تلعذم الرجل" أي: تلعثم، إذا أبطأ في الجواب.
الثاء: أبدلت من الفاء في مغثور وأصله مغفور، ومن الذال في قولهم في الجذوة من النار: جثوة.
الفاء: أبدلت من الثاء في قولهم: "قام زيد فُمَّ عمرو" أي: ثم عمرو، حكاه يعقوب. وقولهم: "فوم" بمعنى ثوب، ومن الباء في قولهم "خذه بإفانه" أي بإبانه.
الباء: أبدلت من الميم في قولهم: "با اسمك؟ " يريدون: ما اسمك؟ وهي لغة بني مازن، ومن الفاء قولهم: "البسكل" في الفسكل2.
الميم: أبدلت من أربعة أحرف وهي: الواو في فم عند أكثرهم، والنون في نحو عمبر، والبنام في البنان، ومن الباء في قولهم: "ما زلت راتِمًا على هذا" أي: راتبًا، أي: مقيمًا، ويدل على البدل أنهم قالوا: رتب ولم يقولوا رتم، واللام التي للتعريف في لغة حمير.
الواو: أبدلت من ثلاثة أحرف: الألف نحو ضويرب تصغير ضارب والياء نحو موقن، والهمزة نحو مومن. والله أعلم.
__________
1 من الآية 57 من سورة الأنفال.
2 الفسكل: -بزنة قنفد أو زبرج- الفرس الذي يجيء في السباق آخر الخيل.(3/1630)
فصل: في الإعلال بالحذف
فا أمرٍ أو مُضَارِعٍ منْ كَوَعَدْ ... احذف وفي كعدة ذاك اطرد
اعلم أن الحذف وجه من وجوه الإعلال، وهو ضربان: مقيس، وشاذ.
فالمقيس هو الذي تعرض لذكره في هذا الفصل، وهو ثلاثة أنواع:
الأول: حذف الواو من مضارع ثلاثي فاؤه واو استثقالًا، لوقوعها ساكنة بين ياء مفتوحة وكسرة لازمه، كقولك في مضارع وعَد يَعد والأل يَوْعِد، وحذفت الواو لما ذكر، وحمل على ذي الياء أخواته، نحو أعد ونعد وتعد، والأمر نحو عد، المصدر الكائن على فعل -بكسر الفاء وسكون العين- نحو عدة فإن أصله وعد على وزن فعل، فحذفت فاؤه حملًا على المضارع، وحركت عينه بحركة الفاء وهي الكسرة؛ ليكون بقاء كسرة الفاء دليلًا عليها، وعوضوا منها تاء التأنيث؛ ولذلك لا يجتمعان. وتعويض التاء هنا لازم، وقد أجاز بعض النحوين حذفها للإضافة مستدلًا بقول الشاعر1:
وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا
يعني عدة الأمر، وهو مذهب الفراء، وخرجه بعضهم على أن عدا جمع عدوة أي: ناحية، وأخلفوك نواحي الأمر الذي وعدوا.
تنبيهات:
الأول: فهم من قوله "من كوعد" أن حذف الواو المذكورة مشروط بشروط:
أولها: أن تكون الياء مفتوحة؛ فلا تحذف من يوعد مضارع أوعد، ولا من يوعد -مبنيًّا للمفعول، إلا ما شذ من قولهم: "يدع، ويذر"2 في لغة.
__________
1 قد مر هذا البيت موضحًا.
2 هما مضارعان مبنيان للمجهول، وشذوذهما من جهتين؛ لأن ياء المضارعة مضمومة وما بعد الواو المحذوفة مفتوحة، والواو لا تحذف في القياس إلا أن تقع بين ياء مفتوحة وكسرة.(3/1631)
وثانيها: أن تكون عين الفعل مكسورة، فلو كانت مفتوحة نحو يوجل أو مضمومة نحو يوضُؤُ لم تحذف الواو، إلا ما شذ من قول بعضهم يجد. قال الشاعر1:
لو شئتِ قد نقَعَ الفؤاد بشَرْبَةٍ ... تَدَعُ الصوادي لا يجدن غَلِيلًا
وهي لغة عامرية.
فإن قلت: قد جاء الحذف فيما عينه مفتوحة كيقع ويسع.
قلت: ما يقع فإن ماضيه وقع -بالفتح- فقياس مضارعه يفعل -بالكسر- فعدل عن القياس، ففتحت عينه لأجل حرف الحلق فكان الكسر فيه مقدرًا، فحذفت الواو منه لذلك، وأما يسع فماضيه وسع -بالكسر- فقياس مضارعه الفتح فيقال: يوسع لكنه لما حذفت الواو منه دلّ ذلك على أنه كان مما يجيء على يفعل -بالكسر- نحو ومق يمق. وإلى هذا أشار في التسهيل بقوله: بين ياء مفتوحة وكسرة ظاهرة كيعد أو مقدرة كيقع ويسع، إلا أن في جعلها مقدرة تجوزًا.
وثالثها: أن يكون ذلك في فعل، فلو كان في اسم لم تحذف الواو؛ لأن الحذف في الفعل إنما كان لاستثقال ذلك في ثقيل بخلاف الاسم، فعلى هذا تقول في مثال يقطين من وعد: يوعيد.
__________
1 قائله: هو جرير بن عطية الخطفي -وهو من الكامل.
اللغة: "شئت" خطاب لأمامة المذكورة في البيت الثاني "تقع" -بالنون والقاف والعين المهملة -من نقعت بالماء إذا رويت "الصوادي" جمع صادية- وهي العطشى "غليلا" -بمعنى الغلة- وهي حرارة العطش.
الإعراب: "لو" للشرط "شئت" فعل وفاعل، جملة وقعت فعل الشرط "قد" حرف تحقيق "نقع" فعل ماض "الفؤاد" فاعل والجملة وقعت جواب الشرط، ووقوع جواب لو بكلمة قد -نادر- "بشرية" جار ومجرور متعلق بقوله: نقع "تدع" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه يعود إلى الشربة "الصوادي" مفعول به، والجملة في محل جر صفة لشربة "لا يجدن" بمعنى لا يصبن، ولهذا اقتصر على مفعول واحد وهو "غليلًا" والجملة في محل نصب حال من الصوادي.
الشاهد: قوله: "لا يجدن" -بضم الجيم- فإنه لغة بني عامر.
مواضعه: ذكره الأشموني 885/ 3، وابن يعيش 60/ 10.(3/1632)
الثاني: فهم من قوله: "كعدة" أن حذف الواو من فعلة المشار إليها مشروط بشرطين:
أحدهما: أن تكون مصدرًا كعدة، فلو كانت غير مصدرية لم تحذف واوها، إلا ما شذ، وذلك قولهم: رقة -للفضة- وحشة للأرض الموحشة، ولدة1، وفيها احتمال وهو أن تكون مصدرًا وصف به، ذكره الشلوبين.
وقوله: في التسهيل: وربما أعل بذا الإعلال أسماء كرقة وصفات كلدة، فيه نظر؛ لأن مقتضاه وجود أقل الجمع من النوعين، أما الأسماء فقد وجد رقة، وحشة، وجهة، عند من جعلها أسماء، وأما الصفات فلا يحفظ فيها غير لدة، وقد أنكر سيبويه مجيء صفة على حرفين.
وثانيهما: ألا تكون لبيان الهيئة، نحو الوعدة والوقفة، المقصود بهما الهيئة، فإنه لا يحذف منهما، وقد احترز عن هذا في الكافية بقوله: والفعلة الأصل احذف.
الثالث: قد ورد إتمام فعلة -المصدر المذكور- وهو شاذّ، قالوا: وتره وترًا ووترة2 -بكسر الواو- وحكاه أبو علي في أماليه، وقال الجرمي: ومن العرب من يخرجه على الأصل، فيقول: وعدة، ووثبة ووجهة.
قلت: أما وجهة فذهب المازني والمبرد والفارسي إلى أنه اسم للمكان المتوجه إليه، فعلى هذا لا شذوذ في إثبات واوه؛ لأنه ليس بمصدر، وذهب قوم إلى أنه مصدر، وهو الذي يظهر من كلام سيبويه، ونسب إلى المازني أيضًا، وعلى هذا فإثبات الواو فيه شاذ، قال بعضهم: والمسوغ لإثباتها فيه دون غيره من المصادر أنه مصدر غير جار على فعله، إذ لا يحفظ وَجَهَ يَجِهُ، فلما فقد مضارعه لم يحذف منه، إذ لا موجب لحذفها إلا حمله على مضارعه، ولا مضارع والفعل المستعمل
__________
1 لدة: بمعنى: ترب.
2 وتره: يقال: وترت العدو أفردته، والصلاة جعلتها وترًا وزيدًا حقه نقصته إياه، والكل من باب وعد. كذا في المصباح.(3/1633)
منه تَوَجَّه واتَّجه، والمصدر عليه التَّوَجُّهُ، فحذفت زوائده: وقيل: وجهة، ورجح الشلوبين القول بأنه مصدر، وقال: لأن وِجْهَة وَجِهَة -بمعنى واحد، ولا يمكن أن يقال في جهة أنها اسم للمكان، إذ لا يبقى للحذف وجه.
الرابع: فهم من تخصيص هذا الحذف بما فاؤه واو، أن ما فاؤه ياء لاحظ له في هذا الحذف، إلا ما شذ من قول بعضهم يئس وهو مضارع يئس، وأصله ييئس، فحذف الياء، وشذ أيضًا يئس مضارع ييس، ثم انتقل إلى النوع الثاني فقال:
وَحَذْفُ هَمْزِ أَفْعَلَ استمرَّ فِي ... مُضارِعٍ وَبِنْيَتَي مُتَّصِفِ
مما اطرد حذفه أفعَلَ من مضارعه، واسمي فاعله ومفعوله، وإليهما الإشارة بقوله: "وبنيتي متصف" فتقول: أكرَم يُكرِم فهو مُكرِم ومُكرَم، وكان حق أفعل أن يجيء مضارعه على يؤفعل بزيادة حرف المضارعة على أول الماضي كما فعل في غيره من الأمثلة نحو: ضارب يضارب، وتعلم يتعلم، إلا أنه لما كان من حروف المضارعة همزة المتكلم حذفت همزة أفعل معها، لئلا يجتمع همزتان في كلمة واحدة، حمل على ذي الهمزة أخواته واسما الفاعل والمفعول.
تنبيهان:
فإنه أهل لأن يؤكرما
الأول: لا يجوز إثبات هذه الهمزة على الأصل إلا في ضرورة أو كلمة مستندرة، فمن إثباتها في الضرورة قوله1:
__________
1 قائله: أبو حيان الفقعسي -ولم نقف له على تكملة.
وهو نصف بيت من الرجز أو بيت من مشطوره.
اللغة: "أهل" مستحق وذو أهلة "يؤكرم" أراد يكرم، وهو بالبناء للمجهول.
الإعراب: "إنه" إن حرف توكيد ونصب والضمير اسمها في محل نصب "أهل" خبر إن مرفوع بالضمة الظاهرة "لأن" اللام للتعليل وأن حرف مصدري ونصب "يؤكرما" فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن المصدرية، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بأهل. الشاهد: قوله "يؤكرم" حيث أثبتت الهمزة، ولم تحذف تخفيفًا لضرورة الشعر والقياس حذفها.
مواضعها: ذكره من شراح الألفية الأشموني 887/ 3، وابن هشام 307/ 4، الهمع 218/ 2.(3/1634)
وأنشد سيبويه1:
وصاليات ككما يؤثفين
قال: وإنما هي أثفيت، ووزن أثفيت على هذا أفعلت، والهمزة زائدة، وقال السيرافي: لا حجة فيه لاحتمال أصالة الهمزة فتكون أثفيت فعليت كسلقيت، وقد أجاز سيبويه في همزة أثفيت الأصالة والزيادة.
والكلمة المستندرة قولهم "أرض مؤرنية" -بكسر النون- أي: كثرة الأرانب. وقولهم "كساء مؤنب" إذا خلط صوفه بوبر الأرانب، هذا على القول بزيادة همزة أرنب، وهو الأظهر.
الثاني: لو أبدلت همزة أفعل هاء، كقولهم في أرق: هراق أو عينًا كقولهم في أنهل الإبل -عَنْهَل، لم تحذف لعدم مقتضى الحذف، فتقول: هراق يهريق فهو
__________
1 قائله: هو خطام المجاشعي -وهو من الرجز المسدس.
اللغة: "وصاليات" جمع صالية من صلى النار -بالكسر- يصلي صليا، إذا احترق بها، قال تعالى: "هم أولى بها صليّا"، أراد أثافي صاليات يعني مسودات من أثار النار.
"يؤثفين" من أثفيت القدر جعلت لها أثافي، ويقال: ثفيت القدر تثفيه أي: وضعتها على الأثافي وأثفيتها، والأثافي جمع أثفية القدر وزنها أفعولة.
الأعراب: "وصاليات" عطف على قوله "غير حطام ورماد" قبله. أي: وغير صاليات وهي صفة موصوفها محذوف أي: وأثافي صاليات "ككما" الكاف الأولى حرف جر والثانية اسم لدخول حرف الجر عليها وما مصدرية والتقدير: كإثفائها. قال ابن يسعون: هذا التقدير عند من جعل الهمزة زائدة يعني: في يؤثفين، وأما من جعل الهمزة أصلًا فالتقدير: كإثفائها؛ لأنها كالسلقاة في مصدر سلقيت؛ لأنه كالدحرجة، ومن قال دحراجًا قال: إثفاء فوزنه الآن فعلال وفي الوجه الأول إفعال كالإحرام.
الشاهد: قوله: "يؤثفين" فإن الهمزة فيه يجوز أن تكون زائدة جاءت على القياس المرفوض.
مواضعه: ذكره سيبويه 331/ 2، وشواهد المغني ص172، والشاهد 135 الخزانة.(3/1635)
مهريق ومهراق، وعنهل الإبل يعنهلها، فهو معنهل وهي معنهلة أي مهملة، ثم انتقل إلى النوع الثالث.
ظلت وظلت في ظللت استعملا ... وقرن في اقررن وقرن نقلا
قال في شرح الكافية: كل فاعل مضاعف على وزن فعل فإنه في إسناده إلى تاء الضمير ونونه يستعمل على ثلاثة أوجه؛ تامًّا نحو ظللت، ومحذوف اللام مفتوح الفاء ظلت، ومحذوف اللام مكسورة الفاء نحو ظلت. انتهى.
وقد فهم من قوله فوائد:
الأولى: أن هذا الحذف مطرد في كل فعل مضاعف على فعل. وإلى هذا ذهب الشلوبين وصرح سيبويه بأنه شاذّ، وأنه لم يرد إلا في لفظين من الثلاثي وهما: ظلت ومست، في ظللت ومسست، وفي لفظ ثالث من الزوائد على الثلاثة، وهو: أحست في أحسست، وممن ذهب إلى عدم اطراده ابن عصفور، وحكى في التسهيل: أن الحذف لغة سليم، وبذلك يُردّ على ابن عصفور.
الثانية: مقتضى قوله على فعل، اختصاص هذا الحذف بمكسور العين، وقد عمم في التسهيل فشمل المفتوح والمكسور، وقد حكى ابن الأنباري: الحذف في لفظه من المفتوح، وهو: همت في هممت.
الثالثة: مقتضى قوله: على فعل أيضًا اختصاص ذلك بالثلاثي، وكلامه في التسهيل يشمل الزائد على ثلاثة، وتقدم تمثيله بأحست.
الرابع صرح بأن المحذوف في ظَلْت وظِلت لام الكلمة، وصرح في التسهيل بأن المحذوف العين، وهو ظاهر كلام سيبويه.
فإن قلت: ما وجه فتح الفاء وكسرها؟
قلت: وجه فتحها إبقاء حركتها؛ لأنها مفتوحة في الأصل، ووجه كسرها نقل حركة العين إليها، وذكر أبو الفتوح: أن كسر الظاء من ظلت لغة أهل الحجاز، وفتحها لغة بني تميم، وقوله: "وقِرْنَ في اقْرِرنَ".(3/1636)
يعني: أن هذا الحذف قد جاء في الأمر أيضًا بشرط أن تكون عينه مكسورة، وقرأ أكثر القراء: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} 1 وهو من قررت بالمكان أقر به، بالفتح في الماضي والكسر في المستقبل، فلما أمر منه اجتمع مثلان أولهما مكسور، فحسن الحذف كما فعل بالماضي.
فإن قلت: فهل يطرد الأمر؟
قلت: قال في الكافية: وقرن في اقررن وقس معتضدا.
وذكر غيره أن ذلك لا يطرد، وهو ظاهر التسهيل فإنه قال: وربما أفعل ذلك بالأمر والمضارع، وزاد فيه المضارع ومثاله يقرن في يقررن، وذكر ذلك في شرح الكافية قال: وكذا يستعمل في نحو يقررن واقررن فيقال فيهما: يقرن وقرن، لكن فتح الفاء في هذين وشبههما غير جائز، انتهى.
وقال الشارح: الضابط في هذا النحو أن المضارع على يفعل إذا كان مضاعفًا سكن الآخر، ولاتصاله بنون الإناث فجاز تخفيفه بحذف عينه ونقل حركتها إلى الفاء، وكذلك الأمر منه تقول في يقررن يقرن وفي اقررن قرن، وقوله: "وقرن نقلا" يعني: بفتح القاف، وهو قراءة نافع وعاصم، وهو أمر من قررن بالمكان أقر به -بكسر الماضي وفتح المضارع، وهي لغة فصيحة ثابتة لا يقبل قول من أنكرها، فلما أمر منه اجتمع مثلان أولهما مفتوح، ففعل به من حذف عينه ما فعل بأحست وهو نادر لا يقاس عليه؛ لأن هذا الحذف إنما هو للمكسور.
تنبيهات:
الأول: ذهب بعضهم إلى أن قرن -على قراءة الكسر- مر من الوقار، يقال: وقر يقر، فيكون قرن محذوف الفاء مثل عدن، ورجح الأول لتتوافق القراءتان، وذهب بعضهم إلى أن قرن، على قراءة الفتح، أمر من قار يقار.
الثاني: أجاز في الكافية وشرحها إلحاق المضموم العين بالمكسور، فأجاز في اغضضن أن يقال: غُضْنَ، واحتج بأن فك المضموم أثقل من فك المكسورة، وإذا كان فك المفتوح قد فر منه إلى الحذف في قرن -المفتوح القاف- ففعل ذلك بالمضموم أحق بالجواز، قال: ولم أره منقولًا.
__________
1 من الآية 33 من سورة الأحزاب.(3/1637)
فصل: في الإدغام
يعني: الإدغام اللائق بالتصريف كما قيده في الكافية.
والإدغام. لغة: الإدخال، والإدغام -بالتشديد- افتعال منه، وهي عبارة سيبويه.
وقال ابن يعيش: الإدغام -بالتشديد- من ألفاظ البصريين، والإدغام -بالتخفيف- من ألفاظ الكوفيين.
وحده اصطلاحًا: أن تأتي بحرفين ساكن ومتحرك من خرج واحد بلا فصل، ويكون في المثلين وفي المتقاربين، وفي كلمة وفي كلمتين، وهو باب مُتَّسع.
واقتصر الناظم في هذا الفصل على ذكر إدغام المثلين المحركين في كلمة.
ولا بد من تتميم الفائدة باستيفاء الكلام على إدغام المثلين.
فأقول: إذا التقى المثلان، فالتقاؤهما على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: أن يسكن أولهما ويتحرك ثانيهما نحو "اضرب بكرًا" فهذا يجب إدغامه بثلاثة شروط:
أولها: ألا يكون أول المثلين هاء سكت، فإنه لا يدغم لأن الوقف على الهاء منوي، وقد روي عن ورش إدغام {مَالِيَهْ، هَلَكَ} 1 وهو ضعيف من جهة القياس.
وثانيها: ألا يكون همزة منفصلة عن الفاء نحو "إكلأ أحمد" فإن الإدغام في ذلك رديء، بل يلزم تحفيف إحداهما، فلو كانت الهمزة متصلة بالفاء وجب الإدغام نحو سآل.
__________
1 من الآيتين 28، 29، من سورة الحاقة.(3/1638)
وثالثها: ألا يكون مدة في آخر أو مبدلة من غيرها دون لزوم، فإن كان مدة في آخر لم تدغم نحو: يعطي ياسر، ويغزو واقد، لئلا يذهب المد بالإدغام، فإن لم يكن في آخر وجب الإدغام نحو مغزو أصله مغزوو على وزن مفعول، واغتفر ذهاب المد في هذه لقوة الإدغام فيه، وإن كانت مبدلة من غيرها دون لزوم لم يجب الإدغام، بل يجوز إن لم يلبس نحو {أَثَاثًا وَرِئْيًا} 1 في وقف حمزة، وممتنع إن ألبس نحو قوول بناء ما لم يسم فاعله من قاول؛ لأنه لو أدغم لالتبس بفعل فإن كانت المدة مبدلة من غيرها إبدالًا لازمًا وجب الإدغام نحو أوب وهو مثال أبلم من الأوب أصله أأوب، فقلب ثاني الهمزتين واوًا لسكونها بعد ضمة، ثم أدغم وجوبًا للزوم الإبدال.
الضرب الثاني: أن يتحرك أولهما ويسكن ثانيهما فهذا لا يجوز فيه إدغام؛ لأن من شرط الإدغام تحرك المدغم فيه، ومثال ذلك في كلمة ضللت، وفي كلمتين: رسول الحسن.
الضرب الثالث: أن يتحركا، فإن كان من كلمتين جاز الإدغام بشرطين:
أحدهما: ألا يكونا همزتين نحو: "قرأ آية" فإن الإدغام في الهمزتين رديء.
والآخر: ألا يكون الحرف الذي قبلها ساكنًا غير لين نحو: "شهر رمضان" فإن هذا لا يجوز إدغامه عند جمهور البصريين، وقد روي عن أبي عمر إدغام ذلك، وتأولوه على إخفاء الحركة، وأجاز الفراء إدغامه.
وإن كانا من كلمة واحدة فهو الذي تعرض الناظم لبيانه في قوله:
أول مثلين محركين في ... كلمةٍ ادغم...........
"فأمر بإدغام أول المثلين المحركين"2 فشمل ذلك الأفعال نحو رد وظن ولب، أصلها ردد وظنن ولبب، والأسماء نحو صب وضب، أصلهما فعل، بالكسر، فالإدغام في ذلك واجب بستة شروط:
__________
1 من الآية 74 من سورة مريم.
2 أ، جـ.(3/1639)
الأول: ألا يتصدرا نحو "ددن"1 فمثل ذلك لا يجوز إدغامه، لتعذر الابتداء بالساكن، قال المصنف في بعض كتبه: إلا أن يكون أولهما تاء المضارعة فقد تدغم بعد مدة أو حركة نحو {وَلَا تَيَمَّمُوا} 2 {تَكَادُ تَمَيَّزُ} 3 انتهى.
ويجوز أيضًا الإدغام في الفعل الماضي إذا اجتمع فيه تاءان، والثانية أصلية نحو تتابع، ويؤتى بهمزة الوصل فيقال: اتّابَع، ولم يذكر هنا هذا الشرط وقد ذكر في الكافية وغيرها.
الثاني: ألا يكون ماهما فيه اسما على فعل نحو صفف4 أو فعل نحو ذُلُل -جمع ذلول- أو فعل نحو كلل -جمع كلة، أو فعل نحو لبب، فكل ذلك لا يجوز إدغامه. وإلى هذا أشار بقوله: "لا كَمِثْلِ صُفف. وذلل وكلل ولبب".
فإن قلت: ما علة منع إدغام هذه الأمثلة؟.
قلت: أما الثلاثة الأولى فلأنها مخالفة للأفعال في الوزن، والإدغام فرع في الإظهار، فخص بالفعل لفرعيته، وتبع الفعل ما وازنه من الأسماء دون ما لم يوازن. وأما الرابع: فإنه موازن للفعل، ولكنه لم يدغم لخفته، وليكون منبّهًا على فرعية الإدغام في الأسماء، حيث أدغم موازنه في الأفعال نحو رَدَّ فيعلم بذلك ضعف سبب الإدغام فيه وقوته في الفعل.
واعلم أنه يمتنع الإدغام أيضًا فيما وازن أحد هذه الأمثلة بصدره لا بجملته نحو: خُشَشَاء -لعظم خلف الأذن- فإنه موازن بصدره لفعل نحو صفف، ونحو: رددان، وهو مثال سلطان من الرد، فإنه موازن بصدره لفعل نحو ذلك، ونحو: حببة جمع حب فإنه موازن بصدره لفعل نحو: كلل، ونحو: الدَّجَجَان مصدر دَجَّ
__________
1 الددن: بدالين مهملتين، وهو اللعب، ويقال فيه ددى كفتى ودد كدم.
2 من الآية 267 من سورة البقرة.
3 من الآية 8 من سورة الملك.
4 صفف -جمع صفة- والصفة: الظلة كالسقيفة.(3/1640)
بمعنى دَبّ، فإنه موازن بصدره لفعل نحو: لبب، ولو بنيت من الرد مصل غطفان قلت: رددان -بالفك- هذا مذهب الخليل وسيبويه، وخالف الأخفش فقال: ردان -بالإدغام- ووجه أن الألف والنون بزيادتهما التزم تحريم الدال التي تليهما، فثقل توالي الفتحتين، فأدغم تخفيفًا وصار في ذلك نظير الفعل في الثقل نحو رد، بل هو أولى بالإدغام من الفعل؛ لأن حركة الدال الأخيرة في الفعل ليست بلازمة والصحيح ما ذهب إليه الخليل وسيبويه لأنه هو الذي ورد به السماع.
فإن قلت: كان ينبغي أن يستثنى مثالًا خامسًا يمتنع فيه الإدغام وهو فعل نحو إبل؛ لكونه مخالفًا لأوزان الأفعال.
فلو بنيت من الرد مثل إبل قلت: رِدِد، بالفك، قلت: العذر له في عدم استثنائه أنه بناء لم يكثر في الكلام، ولم يسمع في المضاعف، وقد استثناه في بعض نسخ التسهيل.
واعمل أن أوزان الثلاثي التي مكن فيها اجتماع مثلين متحركين لا تزيد على تسعة، وقد سبق ذكر خمسة منها، وبقيت أربعة، منها واحد مهمل فلا كلام فيه، وهو فعل -بكسر الفاء وضم العين- وثلاثة مستعملة وهي: فعل نحو كتف، وفعل نحو عضد، وفعل نحو دئل.
فإذا بنيت من الرد مثل كتف أو عضد قلت: رد -بالإدغام- لأنهما موافقان لوزن الفعل، وليسا في خفة فعل نحو لبب، هذا مذهب الجمهور، وخالف ابن كيسان فقال: رَدِدٌ ورَدُدٌ بالفك.
وإذا بنيت من الرد مثل دئُِل قلت: ردُِد -بالفك- ومن رأى أن فعل أصل في الفعل ينبغي أن يدغم، وقياس مذهب ابن كيسان الفك، بل هو في هذا أولى.
والثالث: ألا يتصل بأول المثلين مدغم فيه، وإليه أشار بقوله: "ولا كَجُسَّس" وهو جمع جاس، فإن فيه مثلين متحركين ولم يدغم أولهما في الثاني؛ لأن قبلهما مثل آخر مدغمًا في أول المتحركين، فلو أدغم المدغم فيه التقى الساكنان وبطل الإدغام السابق.(3/1641)
الرابع: ألا يعرض تحريك ثانيهما، وإليه الإشارة بقوله: "ولا كأخصص أبي" فهذا فيه مثلان متحركان ولم يدغم؛ لأن حركة الثاني عارضة، إذ هي حركة النقل والأصل اخصص -بالإسكان- فنقلت حركة الهمزة إلى الساكن فلم يعتد بها، لعروضها.
والخامس: ألا يكون ما هما فيه ملحقًا بغيره، وإليه الإشارة بقوله: "ولا كهيلل" وذلك نوعان؛ أحدهما: ما حصل فيه الإلحاق بزائد قبل المثلين نحو "هيلل" إذا قال لا إله إلا الله؛ لأن لامي هيلل متحركان في كلمة ولا سبيل إلى إدغام أولهما في الثاني، لأن قبلهما مزيدًا للإلحاق بدحرجة وهو الياء فامتنع الإدغام لئلا تفوت "المماثلة"1.
والآخر: ما حصل فيه الإلحاق بأحد المثلين نحو جلبب؛ لأن إحدى باءيه مزيدة للإلحاق بدحرجة فامتنع الإدغام، لاستلزامه فوات ما قصد من الإلحاق.
والسادس: ألا يكون مما شذت العرب في فكه اخيارًا، وهي ألفاظ محفوظة لا يقاس عليها، وإلى هذا أشار بقوله:
....... وَشَذَّ في أَلِلْ ... وَنَحْوِهِ فَكُّ بِنقْلِ فَقُبِلْ
وهذه الألفاظ "ألل السقاء" إذا تغيرت رائحته، والأسنان إذا فسدت، والأذن إذا رقت، و"دبب الإنسان" إذا نبت الشعر في جبينه، و"صكك الفرس" إذا اصطكت عرقوباه، و"صببت الأرض" "إذا كثر ضبابها"، و"قطط الشعر" إذا اشتدت جعودته و"لَحِحَتِ العين أو لخِخَت" إذا التصقت بالرمص و"مِشَشَت الدابة" إذا شخص في وظيفها حجم دون صلابة العظم، و"عززت الناقة" إذا ضاق إحليلها وهي مجرى لبنها، فشذوذ ترك الإدغام في هذه كشذوذ ترك الإعلال في نحو القَودَ ونحوه.
__________
1 وفي أ، ج "المقابلة".(3/1642)
وقد شذ الإظهار أيضًا في كلمات من الأسماء منها قولهم: "رجلٌ ضَفِفُ الحال"1 و"مُحَبَب" وحكى أبو زيد "طعام قضض" إذا كان فيه يُبس، ولا يجوز القياس على شيء من هذه المفكوكات، وما ورد من ذلك في الشعر عد من الضرورات كقول أبي النجم2:
الحمد لله العلي الأجلل ... .....................
وَحَييِ افكُك وادَّغِم دُونَ حذر ... كذاك نحو تتجلى واستتر
يعني أن الفك والإدغام جائزان في هذه المواضع الثلاثة:
الأول: ما عينه ولامه ياءان لازم تحريكهما نحو "حي" و"عي"، فمن أدغم نظر إلى أنهما مثلان في كلمة وحركة ثانيهما لازمة، وحق ذلك الإدغام لاندراجه في الضابط المتقدم، ومن أظهر نظر إلى أن اجتماع المثلين في باب حَيَى كالعارض لكونه مختصا بالماضي دون المضارع والأمر، والعارض لا يعتد به غالبًا.
__________
1 ضفف: بوزن كنف من الضفف فتحتين، وهو الضيق والشدة والحاجة.
2 قائله: هو أبو النجم العلي -واسمه الفضل بن قدامة -وهو من الرجز.
وعجزه:
...................... ... الواسع الفضل الوهوب المجزل
اللغة: "العلي" صفة من العلو -بمعنى علو الشأن وسموه "الأجلل" الأجل الأعظم "الواسع الفضل" الكثير العطاء والإحسان. "الوهوب" صيغة مبالغة من الهبة، أي العظيم الهبات "المجزل" اسم فاعل من أجزل العطاء إذا أكثر منه.
المعنى: يحمد الله سبحانه وتعالى وهو الرفيع الشأن الأعظم من كل شيء الذي عم فضله وعطاؤه الجم جميع المخلوقات.
الإعراب: "الحمد" مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة "لله" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ "العلي"، "الأجلل" نعتان لاسم الجلالة "الواسع" نعت ثالث "الفضل" مضاف إليه "الوهوب" نعت رابع لاسم الجلالة "المجزل" نعت خامس له.
الشاهد: قوله: "الأجلل" حيث لم يدغم، والقياس فيه الأجل، بالإدغام ولكن الضرورة الشعرية ألجأته لذلك.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية الأشموني 893/ 3، وابن هشام 320/ 4، والسيوطي ص52.(3/1643)
فإن قلت: أي الوجهين أكثر في كلامهم؟.
قلت: الفك، نص على ذلك النحويون وكلاهما "فصيح"1.
وقرأ بهما في التواتر، ولعل الناظم قدم الفك لكثرته.
تنبيه:
لو كانت حركة الياء الثانية عارضة نحو "لن يَحييَ، ورأيت مُحْيِيًا".
لم يجز الإدغام، وأما قوله2:
وكأنها بين النساء سبيكة ... تمشي بسدة بيتها فَتُعِيُّ
فشاذ لا يقاس عليه، وأجازه الفراء.
الثاني: نحو تتجلى، قال الشارح: كل ما فيه تاءان مثل تتأنى تتجلى فهذا قياسه الفك لتصدر المثلين، ومنهم من يدغم فيسكن أوله ويدخل همزة الوصل فيقول: تجلى، وقال في شرح الكافية: إذا أدغمت فيما اجتمع في أوله تاءان زدت همزة وصل تتوصل بها إلى النطق بالتاء المسكنة للإدغام فقلت في تتجلى اتّجلى، انتهى.
وفي هذا نظر؛ لأن تتجلى فعل مضارع، واجتلاب همزة الوصل لا يكون في المضارع، والذي ذكره غيره من النحويين أن الفعل المفتتح بتاءين إن كان ماضيًا نحو تتبع وتتابع، جاز فيه الإدغام واجتلاب همزة الوصل.
__________
1 أ، ج وفي ب "صحيح".
2 قائله: لم أقف على اسم قائله -وهو من الكامل.
اللغة: "سبيكة" قطعة مستطيلة من فضة "سدة البيت" -بضم السين- بابه.
المعنى: شبه محبوبته بالسبيكة وهي القطعة من الفضة وغيرها. إذا استطالت.
الإعراب: "وكأنها" كأن للتشبيه تنصب الاسم وترفع الخبر، وها اسمها "بين" ظرف "النساء" مضاف إليه "سبيكة" خبر كأن مرفوع بالضمة الظاهرة "تمشي" فعل مضارع فاعله ضمير مستتر فيه "بسدة" جار ومجرور متعلق بتمشي "بيتها" مضاف إليه وبيت مضاف وها مضاف إليه "فتعي" الفاء عاطفة وتعي فعل مضارع والفاعل ضمير.
الشاهد: قوله: "فتعي" حيث أدغم اعتدادًا بالحركة العارضة لأجل الروي.
مواضعه: ذكره الأشموني 893/ 3، والهمع 153/ 1.(3/1644)
فيقال: اتَّبَّعَ واتّابَعَ، وإن كان مضارعًا نحو تتذكر لم يجز فيه الإدغام إن ابتدئ به، لما يلزم من اجتلاب الهمزة وهي لا تكون في المضارع، بل يجوز تخفيفه بحذف إحدى التاءين، وسيأتي، وإن وصل بما قبله جاز إدغامه بعد متحرك أو لين نحو: "تكاد تميز" "ولا تيمموا" لعدم الاحتياج في ذلك إلا اجتلاب همزة الوصل، والله أعلم.
الثالث: نحو استتر، وهو كل فعل على افتعل اجتمع فيه تاءان، فهو أيضًا يجوز فيه الفك، وهو قياسه، لبناء ما قبل المثلين على السكون، ويجوز فيه الإدغام بعد نقل حركة أول المثلين إلى الساكن، فتقول: ستر يستر ستار.
تنبيهات:
الأول اعلم أن الإدغام في استتر ونحوه يوجب طرح همزة الوصل من أوله لتحرك الساكن بحركة النقل، فلذلك قيل فيه ستر.
الثاني: إذا أوثر الإدغام صار اللفظ به كلفظ ستر الذي وزنه فعل -بتضعيف العين- ولكن يمتازان بالمضارع والمصدر؛ لأنك تقول في مضارع الذي أصله افتعل يستر -بفتح أوله- وأصله يستتر، فنقل وأدغم. وتقول في مضارع الذي وزنه فعّل يسَتّر -بضم أوله، وتقول في مصدر الذي أصله افتعل: ستارًا، وأصله استتارًا، فلما أريد الإدغام نقلت الحركة فطرحت الهمزة، وتقول في مصدر الذي وزنه فعل تستيرًا على وزن تفعيل.
الثالث: يجوز في استتر ونَحوه إذا أدغم وجه آخر، وهو أن يقال: ستر -بكسر فائه- على أصل الساكنين، وذلك أن الفاء ساكنة وحين "قصد"1 الإدغام سكنت التاء الأولى، فالتقى ساكنان فكسر أولهما على أصل التقاء الساكنين، ويجوز على هذه اللغة كسرة التاء إتباعًا لفاء الكلمة فتقول: ستر وقتل والمضارع واسم الفاعل واسم المفعول مبنية على ذلك إلا أن اسم الفاعل يشبته بلفظ اسم المفعول على لغة من كسر التاء إتباعًا، فيصير مشتركًا كمختار، ويتوقف على قرينة.
__________
1 ب.(3/1645)
الرابع: ما ذكر في هذا البيت كالمستثنى من الضابط المتقدم، فإن حي مندرج فيه فكان حقه الإدغام على سبيل اللزوم فاستثناه ليعلم أنه ذو وجهين، وكذلك استتر، وأما نحو تتجلى فلم يندرج في الضابط المتقدم لتصدر المثلين فيه. والله أعلم.
وما بتاءين ابْتُدِي قد يُقتصر ... فيه عَلَى تَا كَتَبَيَّنُ العِبر
إذا اجتمع في أول الفعل المضارع تاءان جاز حذف أحدهما نحو "تبين العبر" وأصله تتبين الأولى تاء المضارع والثانية تاء تفعل، وعلة الحذف أنه لما ثقل عليهم اجتماع المثلين، ولم يكن سبيل إلى الإدغام لما يؤدي إليه من اجتلاب همزة الوصل، وهي لا تكون في المضارع، عدلوا إلى التخفيف بحذف إحدى التاءين.
تنبيهات:
الأول: هذا الحذف كثير جدًّا، ومنه في القرآن مواضع كثيرة نحو: {لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ} 1 {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ} 2.
الثاني: أبهم في قوله: أحدهما فمذهب سيبويه والبصريين أن المحذوف التاء الثانية؛ لأن الاستثقال بها حصل، ولأن الأولى دالة على المضارعة، وقد صرح بذلك في التسهيل فقال: والمحذوفة هي الثانية لا الأولى خلافًا لهشام يعني: أن مذهب هشام أن المحذوفة هي الأولى، ونقله غيره عن الكوفيين.
الثالث: أطل في قوله: "وما بتاءين ابتدي" وهذا إنما هو في المضارع؛ لأنه الذي يتعذر فيه الإدغام، وأما الماضي فيه تتابع، فلا يتعذر فيه الإدغام.
الرابع: ما ذكر من تعذر الإدغام في المضارع، إنما هو في الابتداء لا في الوصل كما سبق بيانه في الكلام على نحو تتجلى.
الخامس: قوله في شرح الكافية: قد يقال في مثل تتعلم استثقالًا لتوالي المثلين متحركين وللإدغام المحوج إلى زيادة همزة الوصل، قد يوهم أن الإدغام في
__________
1 من الآية 105 من سورة هود.
2 من الآية 4 من سورة القدر.(3/1646)
ذلك جائز، وإن كان مستثقلًا كما يجوز إبقاء المثلين متحركين في ذلك، وكذلك قول الشارح هربًا، إما من توالي مثلين متحركين وإما من إدغام محوج إلى زيادة "همزة"1 الوصل، وقد صرح في التسهيل بما يدفع هذا التوهم فقال: وقد يحذف تخفيفًا المتعذر إدغامه لسكونه الثاني "كاستخذ" في الأظهر أو لاستثقاله بتصدر المدغم كتنزل.
السادس: قد يفعل هذا التخفيف بالحذف فيما تصر فيه نونان، ومن ذلك ما حكاه أبو الفتح من قراءة بعضهم: {وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} 2 قال في شرح الكافية: في هذه القراءة دليل على أن المحذوفة من تاءي تتنزل حين قال: "تنزل" إنما هي الثانية؛ لأن المحذوفة من نوني "نزل" في القراءة المذكورة إنما هي الثانية.
قال الشارح: ومنه على الأظهر قوله تعالى: "وكذلك نُجِّي المؤمنين"3 في قراءاة ابن عامر وعاصم، أصله نُنَجِّي، ولذلك سكن آخره.
وَفُكّ حيثُ مُدْغَمٌ فِيهِ سَكَنْ ... لِكَونِهِ بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ
إذا سكن آخر الفعل المدغم فيه لاتصاله بضمير الرفع وجب الفك؛ لأن ثاني المثلين قد سكن فتعذر الإدغام، والمراد بضمير الرفع تاء الضمير ونا ونون الإناث نحو رددت، ورددنا، ورددن، وقد مثل بقوله: "نحو حللت ما حللته".
تنبيه:
فك الإدغام في ذلك واجب عند جمهور العرب، قال في التسهيل: والإدغام قبل الضمير لُغيّة، قال سيبويه: وزعم الخليل أن ناسًا من بكر بن وائل يقولون ردَّنَا ومَرَّنَا ورَدَّت، وهذه لغة ضعيفة، كأنهم قدروا الإدغام قبل دخول النون والتاء، وأبقوا اللفظ على حاله، وحكى بعض الكوفيين في ردّن ردن -يزيد نونًا ساكنة قبل نون الإناث ويدغمها فيها؛ لأن نون الإناث لا يكون ما قبلها إلا ساكنًا، وحكى بعضهم في ردّت ردّات، وهي في غاية الشذوذ، ووجهه أن هذه التاء لا يكون ما قبلها إلا ساكنًا، وحافظ على بقاء الإدغام فزاد ألفًا قبلها.
__________
1 ب، وفي أ، جـ "ألف".
2 من الآية 25 من سورة الفرقان.
3 من الآية 88 من سورة الأنبياء.(3/1647)
............... وفي ... جَزْمٍ وشِبْهِ الْجَزْمِ تَخْييرٌ قُفِي
يعني: أن المدغم فيه إذا سكن جزمًا أو وقفًا، وهو المراد بشبه الجزم، جاز فيه الفك والإدغام نحو لم يحلل ولم يحل، واحلل وحل، والفك لغة أهل الحجاز، والإدغام لغة بني تميم، وقيل: لغة غير أهل الحجاز، وإنما أدغم بنو تيم اعتدادًا بتحرك الساكن في بعض الأحوال نحو: اردد القوم ولم يردد القوم.
تنبيهات:
الأول: إنما جعل سكون الأمر في نحو احلل يشبه الجزم؛ لأن الأمر يعامل آخره معاملة المضارع المجزوم.
الثاني: يعني بالتخيير استواء الوجهين في الجواز، فالمتكلم متخير في اتباع أيهما شاء، وليس المراد استواؤهما في الفصاحة؛ لأن الفك لغة أهل الحجاز وبها جاء القرآن غالبا كقوله تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ} 1 {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي} 2 {وَلَا تَمْنُنْ} 3 {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} 4 وجاء على لغة تميم قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكوفيين {مَنْ يَرْتَدَّ} 5 في المائدة وقراءة السبعة {وَمَنْ يُشَاقِّ} 6.
الثالث: إذا أدغم في الأمر على لغة تميم وجب طرح همزة الوصل، لعدم الاحتياج إليها، وحكى الكسائي أنه سمع في الأمر من عبد القيس أرد وأغض وأمر، بهمزة الوصل، ولم يحك ذلك أحد من البصريين.
الرابع: إذا اتصل بالمدغم فيه واو جمع، نحو ردوا، أو ياء مخاطبة نحو ردي، أو نون تأكيد نحو ردن، أدغم الحجازيون وغيرهم من العرب، كذا قالواه، وعللوه أن الفعل حينئذ مبني على هذه العلامة فليس تحريكه بعارض.
__________
1 من الآية 120 من سورة آل عمران.
2 من الآية 81 من سورة طه.
3 من الآية 6 من سورة المدثر.
4 من الآية 19 من سورة لقمان.
5 من الآية 54 من سورة المائدة.
6 من الآية 4 من سورة الحشر.(3/1648)
الخامس: التزم المدغمون فتح المدغم فيه قبل هاء غائبة نحو: "رُدّها ولم يَرُدّها" والتزموا ضمة قبل هاء غائب نحو "رده ولم يرده" قالوا: لأن الهاء خفية، فلم يعتد بوجودها، فكأن الدال قد وليها الألف والواو نحو "ردا وردوا" وحكى الكوفيون "ردها" -بالضم والكسر، ورده -بالكسر والفتح- وذلك في المضموم الفاء، وذكر ثعلب الأوجه الثلاثة قبل هاء الغائب، وغلط في تجويزه الفتح، وأما الكسر فالصحيح أنه لغة، سمع الأخفش من ناس بني عقيل: مدة وعضة، والتزم أكثرهم بالكسر قبل ساكن فقالوا: "رد القوم" بالكسر؛ لأنها حركة التقاء الساكنين في الأصل، ومنهم من فتح وهم بنو أسد قال1:
فَغُضَّ الطَرفَ إِنَّكَ مِن نُمَيرٍ ... فَلا كَعباً بَلَغتَ وَلا كِلابا
وأما الضم فقال في التسهيل: ولا يضم قبل ساكن بل يكسر وقد يفتح انتهى.
وحكى ابن جني الضم أيضًا، وهو قليل.
فإن لم يتصل بالفعل هاء الغائبة أو هاء الغائب أو الساكن، ففيه ثلاث لغات: الفتح مطلقًا نحو رد وفر وعض، وهي لغة أسد وناس غيرهم، والكسر
__________
1 قائله: هو جرير الشاعر الأموي من قصيدة يهجو فيها عبيد بن حصين المعروف بالراعي النميري -وهو من الوافر.
اللغة: "غض الطرف" أي: أغمضه وانظر إلى الأرض: والطرف: البصر "نمير" قبيلة -فرع من قيس عيلان، أبوهم نمير بن عامر، ومنهم الراعي النميري.
المعنى: طأطئ بصرك واعرف قدرك، وابتعد عن مباراة الكرام ومجاراتهم، فإن من قبيلة نمير التي لم ترق إلى مصاف القبائل العظيمة.
الإعراب: "غض" فعل أمر وفعله ضمير مستتر فيه "الطرف" مفعول به لغض "إنك" إن حرف توكيد ونصب وضمير المخاطب في محل نصب اسمها "من" حرف جر "نمير" مجرور بمن والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر إن "فلا" الفاء عاطفة لا: نافية "كعبًا" مفعول به لبلغت مقدم عليه "بلغت" فعل ماضٍ وتاء المخاطب فاعله "ولا" الواو حرف عطف ولا زائدة لتأكيد النفي "كلابًا" معطوف على قوله "كعبًا" منصوب بالفتحة الظاهرة.
الشاهد: قوله: "غُضّ" حيث جاء بالإدغام، ويروى بضم الضاد وفتحها وكسرها فالضم على الإتباع لضم الغين -والفتح للتخفيف- والكسر على الأصل في التخلص من الساكنين.
مواضعه: ذكره الأشموني 897/ 3، وابن هشام 317/ 4، والهمع 227/ 2، وسيبويه 160/ 2.(3/1649)
مطلقًا نحو رُدِّ وفِرّ وعَضِّ، وهي لغة كعب ونمير، والإتباع لحركة الفاء نحو رُدُّ وفِرِّ وعضِّ، وهذا أكثر "في كلامهم"1.
لما ذكر جواز الفك والإدغام في المجزوم وشبهه وهو الأمر استدرك بيان حكم أفعل في التعجب فقال:
وَفُّك أفعِل في التَّعَجُّب التُزِمْ ... والتُزِمَ الإدْغَامُ أيضًا فِي هَلُمّ
فإنه قد التزم الجميع فكه. قال في شرح الكافية: مفكوك بإجماع.
قلت: كأنه يعني إجماع لعرب، فإن إدغامه غير مسموع في كلامهم وإنما المسموع الفك كقوله2:
وَقالَ نَبِيُّ المُسْلِمِينَ تَقَدَّموا ... وَأحْبِبْ إِلَينا أَن نَكونَ المُقَدَّما
وإن أراد إجماع النحويين فليس كذلك؛ لأن بعض النحويين حكى عن الكسائي إجازة إدغامه، وأما هلم فإدغامه لازم بإجماع.
تنبيهات:
الأول: اختلف العرب في "هلُمّ" فهي عند الحجازيين اسم فعل بمعنى أحضر أو أقبل، وهي عند بني تميم فعل أمر لا يتصرف ملتزم إدغامه، وإنما ذكر هنا باعتبار فعليتها، وقد استعمل لها مضارعًا من قيل له هلم فقال: لا أهلم.
الثاني: التزموا أيضًا فتح "ميم هلم"3 وحكى الجرمي فيه الفتح والكسر عند بعض بني تميم، "وإذا اتصل بهاء غائب نحو: هلمه لم يضم بل يفتح وكذا يفتح أيضا إذا اتصل به ساكن نحو هلم الرجل"4.
__________
1 ب، ج.
2 تقدم هذا البيت في باب التعجب.
الشاهد: قوله: "أحبب" حيث لم يدغم مع الموجب.
3 ب، ج وفي "هلم" -بإسقاط- ميم.
4 أ، ج.(3/1650)
"الثالث: تكون هلّم عند بني تميم"1 فعلا اتصلت بها الضمائر المرفوعة البارزة، وأكدت بنون التوكيد فيقال: هلما وهلموا وهلمي -بضم الميم قبل الواو وتكسر قبل الياء، فإذا اتصل بها نون الإناث فالقياس هَلْمُمْنَ، وزعم الفراء: أن الصواب هلمَّنّ -بفتح الميم، وزيادة نون ساكنة بعدها وقاية لتفح الميم، ثم تدغم النون الساكنة في نون الضمير، وحكي عن أبي عمرو أنه سمع من العرب هلمين يا نسوة -بكسر الميم مشددة وزيادة ساكنة بعدها قبل نون الإناث، وحكى عن بعضهم هلمن -بضم الميم- وهو شاذ، وعلى لغة بني تميم بني أبو الطيب قوله2:
قَصَدْنَا لَه قَصْدَ الْحَبِيبِ لِقَاؤُهُ ... إِلَيْنَا وَقُلْنَا للسيوفِ هَلُمَّنَا
فأكدها بالنون الشديدة.
الرابع: ذهب بعض النحويين إلى أن "هلم" في لغة تميم اسم غلب فيه جانب الفعلية واستدل بالتزامهم فتح ميمها والإدغام، ولو كانت فعلًا لجرت مجرى رد في جواز الضم والكسر والإظهار، وأجيب بأن التزام أحد الجائزين لا يخرجها عن الفعلية، والتزام أحد الجائزين في كلامهم كثير.
الخامس: نقل بعض النحويين الإجماع على أن "هلم" مركبة، قلت: وفي البسيط: ومنهم من يقول ليست مركبة.
وفي كيفية التركيب خلاف، قال البصريون: مركبة من "ها" التنبيه ومن "لم" التي هي فعل أمر من قولهم: "لم الله شعثه" أي: جمعه، كأنه قيل: اجمع نفسك إلينا فحذفت ألفها تخفيفًا، ونظرًا إلى أن أصل لام "لم" السكون.
__________
1 أ، ج.
2 وهو من الطويل.
الإعراب: "قصدنا" فعل وفاعل "له" جار ومجرور متعلق بالفعل "قصد" مفعول مطلق "الحبيب" مضاف إليه "لقاءه" مفعول لأجله ومضاف إليه "إلينا" جار ومجرور. "وقلنا" فعل وفاعل "للسيوف" جار ومجرور.
"هلمنا" فعل أمر على لغة تميم والفاعل ضمير مستتر فيه والنون للتوكيد.
الشاهد: قوله: "هلمنا": حيث اتصلت به نون التوكيد.(3/1651)
وقال الخليل: ركبا قبل الإدغام، فحذفت الهمزة للدرج، إذا كانت همزة وصل وحذفت الألف لالتقاء الساكنين، ثم نقلت حركة الميم الأول إلى اللام، وأدغمت، وقال الفراء: مركبة من "هل" التي للزجر، و"أم" بمعنى اقصد، فخففت الهمزة بإلقاء حركتها إلى الساكن قبلها فصار "هلم" ونسب بعضهم هذا القول إلى الكوفيين، وقول البصريين أقرب إلى الصواب. والله سبحانه أعلم.
ولما أنهى الكلام على ما قصد في فصل الإدغام وهو آخر ما يذكر فيه التصريف قال على سبيل التعريف:
وَمَا بِجَمْعِهِ عُنِيتُ قَد كَمَلْ ... نَظْمًا عَلَى جُلِّ الْمُهِمّات اشْتَمَلْ
أَحْصَى مِن الكَافِية الخُلَاصَهْ ... كَمَا اقْتَضَى غِنىً لا خَصَاصَهْ
فأخبر بانتهاء ما قصد جمعه في هذا النظم، واشتماله على أعظم المهمات من هذا العلم، يقال: "عُنِيَ بكذا" أي اهتم به، والأفصح بناؤه للمفعول وبناؤه للفاعل لُغيّة حكاها في اليواقيت، وأنشد عليها:
عانِ بَأخْراهَا طويلُ الشُّغْلِ
ثم ختم الكلام بحمد الله والصلاة على نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقال:
فَأَحْمَدُ الله مُصَلِيًا عَلَى ... مُحَمّد خَيْر نَبِي أُرْسِلَا
وآله الغُرِّ الكِرَامِ البرَرَه ... وَصَحْبِهِ الْمنْتَخَبِينَ الْخِيَرَهْ
تم الكتاب بعناية الملك الوهاب، والحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام، المرسلين وعلى آهل والصحابة أجمعين.(3/1652)
الفهارس
محتويات المجلد الثالث:
الصفحة الموضوع
1101 الجزء الرابع
1103 أسماء لازمت النداء
1110 الاستغاثة
1120 الندبة
1126 الترخيم
1150 الاختصاص
1153 التحذير والإغراء
1159 أسماء الأفعال والأصوات
1170 نونا التوكيد
1189 ما لا ينصرف
1228 إعراب الفعل
1265 عوامل الجزم
1295 فصل "لو"
1305 فصل "أما، ولولا، ولوما"
1311 الإخبار بالذي والألف واللام
1318 العدد(3/1653)
الصفحة الموضوع
1327 تمييز المركب
1335 كم، وكأين، وكذا
1346 الحكاية
1351 الجزء الخامس
1353 التأنيث
1362 المقصور والممدود
1366 كيفية تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا
1377 جمع التكسير
1419 التصغير
1443 النسب
1469 الوقف
1491 الإمالة
1508 التصريف
1550 فصل في زيادة همزة الوصل
1559 الجزء السادس
1561 الإبدال
1593 فصل "إذا اعتلت لام فَعْلى"
1596 فصل "إذا اجتمعت الواو والياء وسكن ما قبلهما"(3/1654)
الصفحة الموضوع
1605 فصل "إذا كانت عين الفعل واوا أو ياء وقبلهما ساكن صحيح"
1618 فصل "إذا كان فاء الافتعال حرف لين"
1631 فصل في الإعلال بالحذف
1638 فصل في الإدغام
1653 محتويات المجلد الثالث(3/1655)
فهرست الأبيات والشواهد:
الصفحة الشاهد
"حرف الهمزة":
503 من له شولا فإلى إئلائها............................
531 وأعلم أن تسليما وتركا للا متشابهان ولا سواء
655 لا أقعد الجبن عن الهيجاء ولو توالت زمر الأعداء
690 حشى رهط النبي فإن منهم بحورا لا يكدرها الدلاء
773 ربما ضربة بسيف صقيل بين بصرى وطعنه نجلاء
778 بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
916 نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت رد التحية نطقا أو إيماء
983 فلا والله ولا يلفي لما بي ولا للما بهم أبدا دواء
1120 فواكبدا من حب من لا يحبني ومن عبرات ما لهن فناء
1364 يا لك من تمر ومن شيشاء ينشب في المسعل واللهاء
1402 له ما رأت عين البصير فوقه سماء الإله فوق سبع سمائيا
"حرف الباء":
277 أقلي اللوم عاذل والعتابن وقولي أن أصبت لقد أصابن
332 منا الذي هو ما إن طر شاربه والعانسون ومنا المرد والشيب
342 ما أنت باليقظان ناظره إذا نسيت بما تهواه ذكر العواقب(3/1657)
353 فما سودتني عامر عن وراثة أبى الله أن أسمو بأم ولا أب
391 أبلغ هذيلا وأبلغ من يبلغها عني حديثا وبعض القول تكذيب
391 بأن ذا الكلب عمرا خيرهم حسبا ببطن شريان يعوي حوله الذيب
475 فأما القتال لا قتال لديكم ولكن سيرا في عراض المواكب
508 فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة بمغني فتيلا عن سواد بن قارب
516 عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب
546 إن الشباب الذي مجد عواقبه فيه ناذ ولا لذات للشيب
561 كذا أدبت حتى صار من خلقي أني رأيت ملاك الشيمة الأدب
566 بأي كتاب أم بأية سنة ترى حبهم عارا علي وتحسب
631 أتاني فلم أسرر به حين جاءني كتاب بأعلى القنتين عجيب
650 على حين ألهي الناس جل أمورهم فندلا زريق المال ندل الثعالب
734 طافت أمامة بالركبان آونة يا حسنة من قوام ما ومنتقبا
744 خلى الذنابات شمالا كثبا وأم أو عال كها أو أقربا
771 فلئن صرت لا تحير جوابا لبما قد ترى وأنت خطيب
812 فلئن لقيتك خاليين لتعلمن أبى وأيك فارس الأحزاب
814 صريع غوان راقهن ورقنه لدن شب حتى شاب شود الذوائب
831 نجوت وقد بل المرادي سيفه من ابن أبي شيخ الأباطح طالب
842 يحايى به الجلد الذي هو حازم بضربة كفيه الملا نفس راكب
881 سبتني الفتاة البضة المتجرد الـ لطيفة كشحه وما خلت أن أسبى(3/1658)
941 كأن صغرى وكبرى من فقاقعها حصباء در على أض من الذهب
942 فقالت لنا: أهلا وسهلا وزودت جنى النحل بل ما زودت منه أطيب
958 فوافيناهم منا بجمع كأسد الغاب مردان وشيب
971 يمت بقربى الزينيين كليهما إليك وقربى خالد وحبيب
998 كهز الردينى تحت العجاج جرى في الأنانيب ثم اضطرب
1026 فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا فاذهب فما بك والأيام من عجب
1040 لمياء في شفتها حوة لعس وفي اللثات وفي أنيابها شنب
1093 تقول ابنتي لا رأتني شاحبا كأنك فينا يا أبات غريب
1110 ألا يا قوم للعجب العجيب وللغافلات تعرض للأريب
1115 يبكيك ناء بعيد الدار مغترب يا للكهول وللشبان العجب
1130 كليني لِهمٍّ يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب
1155 فإياك إياك المراء فإنه إلى الشر دعاء وللشر جالب
1172 تالله لا يحمدن المرء مجتنبا فعل الكرام ولو فاق الورى حسبا
1270 فلا تستطل مني بقائي ومدتي ولكن يكن للخير منك نصيب
1272 ظننت فقيرا ذا غنى ثم نلته فلم ذا رجاء ألقه غير واهب
1407 ولست لأنسى ولكن لملأك تنزل من جو السماء يصوب
1454 ولست بنحويّ يلوك لسانه ولكن سليقى أقول فأعرب
1649 فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا(3/1659)
"حرف التاء":
264 يحدو بها كل فتى هيات وهن نحو البيت عامدات
415 حنت نوار ولات هنا حنت وبدا الذي كانت نوار أجنت
436 فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويت
522 ألا عمر ولى مستطاع رجوعه فيرأب ما أثأت يد الغفلات
602 ليت وهل ينفع شيئا ليت ليت شباب بوع فاشتريت
778 ألا رجل جزاه الله خيرا يدل على محصلة تبيت
1043 وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ورجل رمى فيها الزمان فشلت
1054 يا أبجر بن أبجر يا أنتا أنت الذي طلقت عاما جعتا
1175ربما أوفيت في علم ترفعن ثوبي شمالات
1180 ليت شعري واشعرن إذا ما قربوها منشورة ودعيت
1602 إذا لم يكن فيكن ظل ولا جنى فأبعدكن الله من شيرات
"حرف الجيم":
287 يا صاح ما هاج العيون الذرفن من طلل كالأتحمى أنهجن
758 شربن بماء البحر ثم ترفعت متى لجج خضر لهن نئيج
896 ولم أرَ شيئا بعد ليلى ألذه ولا منظرا أروى به فأعيج
1035 يا رب بيضاء من العواهج أم صبي قد حبا أو دارج
1048 متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا ونارا تأججا
1069 لا هُم كنت قبلت حجتج فلا يزال شامج يأتيك بج(3/1660)
1202 يحدو ثماني مولعا بلقاحها حتى هممن بزيفة الإرتاج
"حرف الحاء":
290، 1170 دامن سعدك إن رحمت متيما لولاك لم يك للصبابة جائحا
388 وما أدري وظني كل ظن أمسلمني إلى قومي شراحي
442 وإن من النسوان من هي روضة تهيج الرياض قبلها وتصوح
517 رسم عفا من بعدما قد امحى قد كان من طول البلى أن يمصحا
590 إن السماحة والمروءة ضمنا قبرا بمرو على الطريق الواضح
784 يا بؤس للحرب التي وضعت أراهط فاستراحوا
790 أقام ببغداد العراق وشوقه لأهل دمشق الشام شوق مبرح
876 وأما أنا من رزء وإن جل جازع ولا بسرور بعد موتك فارح
953 أبحت حمى تهامة بعد نجد وما شيء حميت بمستباح
1115 يا لعطافنا والرياح وأبي الحشرج الفتى النفَّاح
1158 أخاك أخاك إن من لا أخا له كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح
1158 لجديرون بالوفاء إذا قا ل أخو النجدة السلاح السلاح
1316 فكأنما نظروا إلى قمر أو حيث علق قوسه قزح
1376 أخو بيضات رائح متأدب رفيق بمسح المنكبين سيوح
1623 فقلت لصاحبي لا تحبسانا بنزع أصوله واجدر شيحا(3/1661)
"حرف الخاء":
511 وحلت سواد القلب لا أنا باغيا سواها ولا في حبها متراخيا
"حرف الدال":
279 أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قدن
290 أريت إن جاءت به أملودا أقائلن أحضروا الشهودا
327 في كلت رجليها سلامى واحده كلتاهما مقرونة بزائده
335 دعاني من نجد فإن سنينه لعبن بنا وشيبتنا مردا
348 وعرق الفرزدق شر العروق خبيث الثرى كأبي الأزند
351 ألم تأتيك والأنباء تنمى بما لاقت لبون بني زياد
354 إذا قلت على القلب يسلو قبضت هواجس لا تنفك تغريه بالوجد
370 فآليت لا أنفك أحذو قصيدة تكون وإياها بها مثلا بعدي
376 لوجهك في الإحسان بسط ومهجة أنالهماه قفو أكرم والد
381 فقلت أعيراني القدوم لعلني أخط بها قبرا لأبيض ماجد
385 قدني من نصر الخبيبين قدى ليس الإمام بالشحيح الملحد
395 نبئت أخوالي بني يزيد ظلما علينا لهم فديد
412 رأيت بني غبراء لا ينكرونني ولا أهل هذاك الطراف الممدد
425 وإن الذي حانت بلفج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
446 من القوم الرسول الله منهم لهم دانت رقاب بني معد
499 فنافذ هداجون حول بيوتهم بما كان إياهم عطية عودا(3/1662)
538 شك يمينك إن قتلت لمسلما حلت عليك عقوبة المتعمد
640 إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب جهارا فكن للغيب أحفظ للود
648 ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وبت كما بات السليم مسهدا؟
748 فلا والله لا يلقى أناس فتى حتاك يابن أبا يزيد
821 يا من رأى عارضا أسر به بين ذارعي وجبهة الأسد
858 أتاني أنهم مزقون عرضي جحاش الكرملين لها فديد
911 نعم الفتى المرى أنت إذا هم حضروا لدى الحجرات نار الموقد
915 تزود مثل زاد أبيك فينا فنعم الزاد زاد أبيك زادا
999 إن من ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده
1066 فما كعب بن مامة وابن سعدى بأجود منك يا عمر الجوادا
يابن أمي ويا شقيق نفسي أنت خلفتني لدهر شديد
1114 يا لقومي ويا لأمثال قومي لا ناس عتوهم في ازدياد
1137 تمناني ليقتلى لقيط أعام لك بن صعصعة بن سعد
1222 وذكرت لبن المحلق شربة والخيل تعدوني الصعيد بزاد
1237 أن تقرآن على أسماء ويحكما مني السلام وأن لا تشعر أحدا
1287 متى تؤخذوا قسرا بظنة عامر ولا ينج إلا في الصفاد يزيد
1296 سرينا إليهم في جموع كأنها جبال شرورى لو تعان فتنهدا
1303 لو يسمعون كما سمعت حديثها خروا لعزة ركعا وسجودا
1338 كم دون مية موماة يهال لها إذا تيممها الخريت ذو الجلد(3/1663)
1344 عد النفس نعمى بعد بؤساك ذاكرا كذا وكذا لطفا به نُسي الجهد
1392 أبصارهن إلى الشبان مائلة وقد أراهن عني غير صداد
1445 أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد
1448 فكيف لنا بالشرب إن لم يكن لنا دراهم عند الحانوي ولا نقد
1609 إن الخليط أجدو البين فانجردوا وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا
"حرف الراء":
280 أحار بن عمرو كأنى خمرن ويعدو على المرء ما يأتمرن
359 وما نبالي إذا ما كنت جارتنا ألا يجاورنا إلاك ديار
360 أعوذ برب العرش من فئة بغت علي فمالي عوض إلاه ناصر
367 بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت إياهم الأرض في دهر الدهارير
373 تغربت عنها كارها فتركتها كان فواقيها أمرّ من الصبر
403 أنا اقتسمنا خطئينا بيننا فحملت برة واحتملت فجار
413 ياما أمليح غزلانا شدن لنا من هؤليائكن الضال والسمر
417 أليس أميري في الأمور بأنتما بما لستما أهل الخيانة والغدر
427 فما آباؤنا بأمن منه علينا اللاء قد مهدوا الحجورا
453 ما الله موليك فضل فاحمدنه به فما لدى غيره نفع ولا ضرر
454 ما المستفز الهوى محمود عواقبه ولو أتيح له صفو بلا كدر
465 ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
466 رأيتك لما أن عرفت وجوهنا صدت وطبت يا قيس عن عمرو(3/1664)
493 ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى ولا زال منهلا بحرعائك القطر
498 ببذل وحلم ساد في قومه الفتى وكونك إياه عليك يسير
516 فأبت إلى فهم وما كدت آئبا وكم مثلها فارقت وهي تصفر
549 فلا أب وابنا مثل مروان وابنه إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا
550 ألا طعان ألا فرسان عادية إلا نجشؤكم حول التنانير
713 رهط ابن كرز محقبي أدراعهم فيهم ورهط ربيعة بن حذار
716 أنا ابن دارة معروفا بهما نسبي وهل بدارة يا للناس من عار؟
736 أنفسا تطيب بنيل المنى وداعي المنون ينادي جهارا
741 ربما الجامل المؤبل فيهم وعناجيج بينهن المهارا
746 فأجمل وأحسن في أسيرك إنه ضعيف ولم يأسر كإياك آسر
765 هون عليك فإن الأمور بكف الإله مقاديرها
767 ما زال مذ عقدت يداه إزاره فيما فأدرك خمسة الأشبار
780 ما لمحب جلد أن يهجرا ولا حبيب رأفة فيجبرا
790 إلى الحوال ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
801 دعوت لما نابني سورا فلبى فلبى يدي مسور
811 كلا الضيفن المشنوء والضيف نائل لدى المنى والأمن في اليسر والعسر
814 وتذكر نعماه لدن أنت يافع إلى أنت ذو فودين أبيض كالنسر
719 أكل امرئ تحسبين امرأ ونارا توقد بالليل نارا
826 هما خطتا إما أسار ومنة وإما دم والقتل بالحر أجدر(3/1665)
831 وفاق كعب يجبر منقذ لك من تعجيل تهلكة والخلد في سقرا
832 بأي تراهم الأرضين حلوا أألدبران أم عسفوا الكفارا
855 ضروب بنصل السيف سوق سمانها إذا عدموا زادا فإنك عاقر
856 فتاتان أما منهما فشبيهة هلالا وأخرى منهما تشبه البدرا
857 حذر أمورا لا تضير وآمن ما ليس منجيه من الأقدار
877 من صديق أو أخي ثقة أو عدو شاحط دارا
878 حسن الوجه طلقه أنت في السلـ ـم وفي الحرب كالح مكفهر
882 فعجتها قبل الأخيار منزلة والطيبي كل ما التاثت به الأزر
882 أسيلات أبدان دقاق خصورها وثيرات ما التفت عليه المآزر
883 أزور امرأ جما نوال أعده لمن أمه مستكفيا أزمة الدهر
891 فذلك إن يلق المنية يلقها حميدا وإن يستغن يوما فأجدر
907 بئس قوم الله قوم طرقوا فقروا جارهم لحما وحر
924 إن ابن عبد الله نعـ ـم أخو الندى وابن العشيرة
935 ولفوك أصيب لو بذلت لنا من ماء موهبة على خمر
937 ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر
966 لكم مسجدا الله المزوران والحصى لكم قبصه من بين أثري وأقترا
970 كم قد ذكرتك لو أجرى بذكركم يا أشبه الناس كل الناس بالقمر
981 وقلن على الفردوس أول مشرب أجل جيران إن كانت أبيحت دعاثره
1006 سواء عليك النفر أم بت ليلة بأهل القباب من عمير بن عامر(3/1666)
1010 جاء الخلافة أو كانت له قدرا كما أتى ربه موسى على قدر
1014 يا ليتنا أمنا شالت نعامتها إيما إلى جنة إيما إلى نار
1016 وقد كذبتك نفسك فأكذبنها فإن جزعا وإن إجمال صبر
1031 أعمرو بن هند ما ترى رأي صرمة لها سبب ترعى به الماء والشجر
1067 فيا الغلامان اللذان فرا إيا كما أن تعقبانا شرا
1070 كحلفة من أبي رياح يسمعها لا هم الكبار
1081 يا تيم تيم عدي لا أبا لكم لا يلقينكم في سوأة عمر
1103 وقد رابني قولها يا هناه ويحك ألحقت شرا بشر
1120 حملت أمرا عظيما فاصطبرت له وقمت فيه بأمر الله يا عمرا
1128 جاري لا تستنكري عذيري سيرى واشفافي على بعيري
1136 خذو حظكم يا آل عكرم واذكروا أواصرنا والرحم بالغيب تذكر
1146 لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره طريف بن مال ليلة الجوع والخصر
1187 خلافا لقولي من فيالة رأيه كما قيل قبل اليوم خالف تذكرا
1220 ومر دهر على وبار فهلكت جهرة وبار
1226 وأتها أحيمر كأخي السهم بعضب فقال كوني عقيرا
1233 وطرفك إما جئتنا فاحبسنه كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر
1239 لا تتركني فهيم شطيرا إني إذن أهلك أو أطيرا
1273 لولا فوارس من ذهب وأسرتهم يوم الصليفاء لم يوفون بالجار
1274 في أي يوم من الموت أفر أيوم لم يقدر أم يوم قدر(3/1667)
1296 فلو نبش المقابر عن كليب فيخبر بالذنائب أي زير
1296 بيوم الشعثمين لقر عينا وكيف لقاء من تحت القبور؟
1365 وأنت لو باكرت مشمولة صفرا كلون الفرس الأشقر
1467 لست بليلى ولكني نهر لا أدلج الليل ولكن أبتكر
1558 أألحق إن دار الرباب تباعدت أو انبت حبل أن قلبك طائر
1572 حي عظامي وأراه ثاثري وكحل العينين بالعواور
1572 حفت بأطوار جبال وسمر فيها عيائيل أسود ونمر
1589 وكنت إذا جاري دعا لمضوفة أشمر حتى مبلغ السائق مئزري
1627 إذا الكرام ابتدروا الباغ بدر تقضي البازي إذ البازي كسر
"حرف الزاي":
104 يأيها الجاهل ذوي التنزي لا توعدني حية بالنكز
1296 فلو نبش المقابر عن كليب فيخبر بالذنائب أي زير
1296 بيوم الشعثمين لقر عينا وكيف لقاء من تحت القبور؟
1365 وأنت لو باكرت مشمولة صفرا كلون الفرس الأشقر
1467 لست بليلى ولكني نهر لا أدلج الليل ولكن أبتكر
1558 أألحق إن دار الرباب تباعدت أو انبت حبل أن قلبك طائر
1572 حي عظامي وأراه ثاثري وكحل العينين بالعواور
1572 حفت بأطوار جبال وسمر فيها عيائيل أسود ونمر
1589 وكنت إذا جاري دعا لمضوفة أشمر حتى مبلغ السائق مئزري
1627 إذا الكرام ابتدروا الباغ بدر تقضي البازي إذ البازي كسر
"حرف الزاي":
104 يأيها الجاهل ذوي التنزي لا توعدني حية بالنكز
"حرف السين":
378 عندي قومي كعديد الطيس إذ ذهب القوم الكرام ليسي
632، 979 فأين إلى أين النجاة ببغلتي أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس
752 عينت ليلة فما زلت حتى نصفها راجيا فعدت يئوسا
832 معاود جرأة وقت الهوادي أشم كأنه رجل عبوس
924 إذا أرسلوني عند تقدير حاجة أمارس فيها كنت نعم الممارس
1055 هذي برزت لنا فهجت رسيسا ثم انثنيت وما شفيت نسيسا
378 عندي قومي كعديد الطيس
إذ ذهب القوم الكرام ليسي
632، 979 فأين إلى أين النجاة ببغلتي
أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس
752 عينت ليلة فما زلت حتى
نصفها راجيا فعدت يئوسا
832 معاود جرأة وقت الهوادي
أشم كأنه رجل عبوس
924 إذا أرسلوني عند تقدير حاجة
أمارس فيها كنت نعم الممارس
1055 هذي برزت لنا فهجت رسيسا
ثم انثنيت وما شفيت نسيسا(3/1668)
1219 لقد رأيت عجبا مذ أمسا عجائزا مثل السعالي خمسا
"حرف الشين":
1092 يا أبت لا زلت فينا فإنما لنا أمل في العيش ما دمت عائشا
1626...................... إذ ذاك إذ حبل الوصال مدمش
"حرف الصاد":
1136 يا عبد هل تذكرني ساعة في موكب أو رائدا للقنيص
"حرف الضاد":
687 داينت أروى والديون تقضي فمطلت بعضا وأدت بعضا
"حرف الطاء":
775 فحورت قد لهوت بهن عين نواعم في المروط وفي الرباط
956 حتى إذا جن الظلام واختلط جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط
"حرف الظاء":
1541 ألا من مبلغ حسان عني مغلغلة تدب على عكاظ
"حرف العين":
351 هجوت زيان ثم جئت معتذرا من هجو زيان لم تهجو ولم تدع
371 إن وجدت الصديق حقا لإيا ك فمرني فلن أكون مطيعا
373 فلا تطمع أبيت اللعن فيها ومنعكها بشيء يستطاع
414 وإذا الأمور تشابهت وتعاظمت فهناك تعترفون أين المفزع
443 فيا رب أنت الله في كل موطن وأنت الذي في رحمة الله أطمع(3/1669)
447 من لا يزال شاكرا على المعه فهو حر بعيشه ذات سعه
519 سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظما وقد كربت أعناقها أن تقطعا
560 فغيرت بعدهم بعيش ناصب وإخال أني لاحق مستتبع
623، 781 إذا قيل: أي الناس شر قبيلة؟ أشارت كليب بالأكف الأصابع
630 لقد علمت أولى المغيرة أنني لقيت فلم أنكل عن الضرب مسمعا
738 إذا أنت لم تنفع فضر فإنما يراد الفتى كيما يضر وينفع
763 على عن يميني مرت الطير سنحا وكيف سنوح واليمين تطيع
768 وما زلت محمولا على ضغينة ومضطلع الأضغان مذ أنا يافع
779 ألا يا قوم كل ماحم واقع وللطير مجرى والجنون مصارع
803 أما ترى حيث صهيل طالعا نجما يضيء كالشهاب لامعا
807 على حين عاتبت المشيب على الصبا فقلت: ألما أصح والشيب وازع
843 قد جربوه فما زالت تجاربهم أبا قدامة إلا المجد والفنعا
949 أبيت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع
964 وقد كنت في الحرب ذا تدرأ فلم أعط شيئا ولم أمنع
974 يا ليتني كنت صبيا مرضعا تحملني الذلفاء حولا أكتعا
991 أنا ابن التارك البكري بشر عليه الطير ترقبه وقوعا
1045 ذريني إن أمرك لن يطاعا وما ألفيتني حلمي مضاعا
1084 أطوف ما أطوف ثم آوي إلى أما ويرويني النقيع(3/1670)
1089 يابنة عما لا تلومي واهجعي لا يخرق اللوم حجاب مسمعي
1109 أطوي ما أطوف ثم آوي إلى بيت قعيدته لكاع
1226 إني مقسم ما ملكت فجاعل جرما لآخرتي ودنيا تنفع
1227 وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع
1133 قفي قبل التفرق يا ضباعا ولا يك موقف منك الوداعا
1179 نبتم نبات الخيرزاني في الونى متى يأتك الخير ينفعا
1182 لا تتبعن لوعة إثري ولا هلعا ولا تقاسن بعدي الهم والجزعا
1232 أردت لكيما أن تطير بقربتي فتتركها شنا ببيداء بلقع
1616 ومعرض تغلي المراجل تحته عجلت طبخته لقوم جيع
1622 لما رأى أن لا دعه ولا شبع مال إلى أرطأ حقف فألطجع
"حرف الفاء":
291 يا ليت شعري عنكم حنيفا أشاهرن بعدنا السيوفا
822 ومن قبل نادى كل مولى قرابة فما عطفت مولى عليه العواطف
827 تسقي امتياحا ندى المسواك ريقتها كما تضمن ماء المزنة الرصف
936 نحن بغرس الودى أعلمنا منا بركض الجياد في السدف
954 كأن حفيف النبل من فوق عجسها عوازب نحل أخطأ الغار مطنف
1179 من نثقفن منهم فليس بآيب أبدا وقتل بني قتيبة شافي
1202 عليه من اللؤم سروالة فليس يرق لمستعطف
1254 وما قام منا قائم من ندينا فينطق إلا بالتي هي أعرف(3/1671)
"حرف القاف":
280 وقائم الأعماق خاوي المخترقن مشتبه الأعلام لماع الخفقن
343 أأن شممت من نجد بريقا تألقا تبيت بليل أم أرمد اعتاد أو لقا
352 إذا العجوز غضبت فطلق ولا ترضاها ولا تملق
476 وإنسان عيني يحسر الماء تارة فيبدو وتارات يجم فيغرق
510 تعز فلا شيء على الأرض باقيا ولا وزر مما قضى الله واقيا
518 يوشك من فر من منيته في بعض غراته يوافقها
534 وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق
539 فلو أنك يوم الرخاء سألتني طلاقك لم أبخل وأنت صديق
915 والتغلبيون بئس الفحل فحلهم فحلا وأمهم زلاء منطيق
1059 أدارا بجزوى هجت للعين عبرة فماء الهوى يرفض أو يترقرق
1134 أحار من يدر قد وليت ولاية فكن جردا فيها تخون وتسرق
1134 يا أرط إنك فاعل ما قلته والمرء يستحي إذا لم يصدق
1167 تذر الجماجم ضاحيا هاماتها بله الأكت كأنها لم تخلق
1433 حمى لا يحل الدهر إلا بإذننا ولا نسأل الأقوام عقد المياثق
1458 تزوجتها رامية هرمزية بفضل الذي أعطى الأمير من الرزق
1619 وقد تخذت رجلي لدى جنب غرزها نسيفا كأفحوص القطاة المطرق
"حرف الكاف":
557 فقلت أجرني أبا خالد وإلا فهيني أمرا هالكا(3/1672)
1092 تقول بنتي قد أنى أناكا يا أبت علك أو عساكا
1424 صبية على الدخان رمكا ما إن عدا أصغرهم أن زكا
1626 يابن الزبير طالما عصيكا وطالما عنيتتا إليكا
"حرف اللام":
284، 445 ما أنت بالحكم الترضى حكومته ولا الأصل ولا ذي الرأي والجدل
343 رأيت الوليد بن اليزيد مباركا شديدا بأعباء الخلافة كاهله
348 فيوما يوافين الهوى غير ماض ويوما ترى منهن غولا تغول
353 ما أقدر الله أن يدني على شحط من داره الحزن ممن داره صول
368 أنا الذائد الحامي الذمار وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
368 بنصركم نحن كنتم ظافرين وقد أغرى العدا بكم استسلامكم فشلا
369 فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب لعلك تهديك القرون الأوائل
380 كمنية جابر إذا قال ليتي أصادفه وأتلف جل مالي
387 ألا إنني سقيت أسود حالكا ألا بجلى من الشراب ألا بجل
388 وليس الموافيني ليرفد خائبا فإن له أضعاف ما كان أملا
420 أبني كليب إن عمى اللذا قتلا الملوك وفككا الأغلالا
423 وتبلى الألى يستلئمون على الألى تراهن يوم الروع كالحدأ القبل
424 أبى الله للشم الألاء كأنهم سيوف أجاد القين يوما صقالها
431 ربما تكره النفوس من الأمر له فرجة كحل العقال
449 إذا ما لقيت بني مالك فسلم على أيهم أفضل(3/1673)
461 عجل لنا هذا وألحقنا بذا الـ ـشحم إنا قد مللناه بجل
462 يا خليلي اربعا واستخبرا الـ ـمنزل الدارس عن حي حلال
462 مثل سحق البرد عفى بعدك القطر مغناه وتأويب الشمال
483 فيا رب هل إلا بك النصر يرتجى عليهم وهل إلا عليك المعول؟
483 خالي لأنت ومن جرير خاله نيل العلا ويكرم الأخوالا
486 يذيب الرعب منه كل عضب فلولا الغمد يمسكه لسالا
494 سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم فليس سواء عالم وجهول
501 أنت تكون ماجد نبيل إذا تهب شمأل بليل
502 لا يأمن الدهر ذو بغي ولو ملكا جنوده ضاق عنها السهل والجبل
509 وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أشجع القوم أعجل
513 إن المرء ميتا بانقضاء حياته ولكن بأن يُبغى عليه فيخذلا
539 في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يخفى وينتعل
540 علموا أن يؤملون فجادوا قبل أن يسألوا بأعظم سؤل
551 ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد إذ لاقى الذي لاقاه أمثالي
565 أراهم رفقتي حتى إذا ما تجافى الليل انخزل انخزالا
629 عهدت مغيثا مغنيا من أجرته فلم أتخذ إلا فناءك موئلا
632 ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليل من المال
639 جفوني ولم أجف الأخلاء إنني لغير جميل من خليلي مهمل
663 لا يحسبنك أثوابي فقد جمعت هذا ردائي مطويا وسربالا(3/1674)
689 رأيت ما حاشا قريشا فإنا نحن أفضلهم فعالا
692 كائن دعيت إلى بأساء داهمة فما انبعثت بمزءود ولا وكل
699 فأرسلها العراك ولم يذدها ولم يشفق على نغص الدخال
703 يا صاح هل حم عيش باقيا فترى لنفسك العذر في إبعادها الأملا
715 خرجت بها أمشي تجر وراءنا على أثرينا ذيل مرط مرحل
722 كن للخيل نصيرا جاد أو عدلا ولا تشح عليه جاد أو بخلا
723 فجئت وقد نضت لنوم ثيابها لدى الستر إلا لبسة المتفضل
726 أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل
745 وإذا الحرب شمرت لم تكن كي حين تدعو الكماة فيها نزال
747 لئن كان من لأبرح طارقا وإن يك إنسا ما كها الإنس تفعل
747 ولا ترى بعلا ولا حلائلا كه ولا كهن إلا حاظلا
763 فقلت للركب لما أن علا بهم من عين يمين الحبيا نظرة قبل
764 دع عنك نهبا صيح في حجراته ولكن حديثا ما حديث الرواحل
765 غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها تصل وعن فيض بزيزاء مجهل
787 إن وجدي بك الشديد أراني عاذر فيك من عهدت عذولا
793 الود أنت المستحقة صفوه مني وإن لم أرج منك نوالا
804 إذا ربدة من حيث ما نفحت له أتاه برياها خليل يواصله
808 ألم تعلمي يا عمرك الله أنني كريم على حين الكرام قليل
810 إن للخير وللشر مدى وكلا ذلك وجه وقبل(3/1675)
824 فرشني بخير لا أكونن ومدحتي كناحت يوما صخرة بعسيل
828 كما خط الكتاب بكف يوما يهودي يقارب أو يزيل
829 أنجب أيام والداه به إذ نجلاه فنعم ما نجلا
840 ضعيف التكاية أعداءه يخال الفرار يراخي الأجل
850 أنا ورجالك قتل امرئ من العز في حبك اعتاض ذلا
854 أخا الحرب لباسا إليها جلالها وليس بولاج الخوالف أعقلا
900 أقيم بدار الحزم ما دام حزمها وأحر إذا حالت بأن أتحولا
904 فنعم ابن أخت القوم غير مكذب زهير حساما مفردا من حمائل
932 فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها وحب بها مقتولة حين تقتل
979 فتلك ولاة السوء قد طال ملكهم وحتام حتام العناء المطول
1024 قلت إذ أقبلت وزهر تهادى كعناج الفلا تعسفن رملا
1033 فهل لك أو من والد لك قبلنا يوشج أولاد العشار ويفصل
1039 كأني غداة البين يوم تحملوا لدى سمرات الحي ناقف حنظل
1046 بكم قريش كفينا كل معضلة وأم نهج الهدى من كان ضليلا
1076 أيهذان كلا زادكما ودعاني واغلا فيمن وغل
1086 ذريني إنما خطئي وصوبي علي وإنما أهلكت مال
1108 تضل منه إبلي في بالهوجل من لجة أمك فلافا عن فل
1116 فيا لك من ليل كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل
1127 أفاطم مهلا بعض هذا التدلل وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي(3/1676)
1138 كلما نادى مناد منهم يا لتيم الله قلنا يا لمال
1178 فلا الجارة الدنيا لها تلحينها ولا الضيف فيها إن أناخ محمول
1250 ليس العطاء من الفضول سماحة حتى تجود وما لديك قليل
1364 والمرء يبليه بلاء السربال تعاقب الإهلال بعد الإهلال
1365 لها كبد ملساء ذات أسرة وكشحان لم ينقص طواءهما الحبل
1383 طوى الجديان ما قد كنت أنشره وأنكرتني ذوات الأعين النجل
1386 أغر الثنايا أحم اللثاث يحسنها سلوك الإسحل
1414 عليها أسود ضاريات لبوسهم سوابيغ بيض لا يخرقها النبل
1419 وكل أناس سوف تدخل بينهم دويهبة تصفر منها الأنامل
1467 ولس بذي رمح فيطعنني به وليس بذي سيف وليس بنبال
1568 صعدة نابتة في جائز أينما الريح تميل تمل
1632 لو شئت قد تقع الفؤاد بشرية تدع الصوادي لا يجدي غليلا
1643 الحمد لله العلي الأجلل الواسع الفضل الوهوب المجزل
"حرف الميم":
282 سلام الله يا مطر عليها وليس عليك يا مطر السلام
317 بأبه اقتدى عدي في الكرم ومن يشابه أبَه فما ظلم
322 كالحوت لا يلهيه في شيء يلهمه يصبح ظمآن وفي البحر فمه
354 فعوضني عنها غناي ولم تكن تساوى عنزي غير خمس دراهم
398 وبايعت أقواما وفيت بعهدهم وببه قد بايعته غير نادم(3/1677)
421 هما اللتا لو ولدت تميم لقيل فخر لهم صميم
455 في المعقب البغي أهل البغي ما ينهي أمرا حازما أن يسأما
494 لا طيب للعيش ما دامت منغصة لذاته بادكار الموت والهرم
504 فإن لم تك المرآة أبدت وسامة فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم
515 أكثرت في العذل ملحا دائما لا تكثرن إني عسيت صائما
525 أتقول إنك بالحياة ممتع وقد استبحت دم امرئ مستسلم
537 وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا إذا أنه عبد القفا واللهازم
542 ويوما توافينا بوجهه مقسم كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم
556 فلا تعدد المولى شريكك في الغني ولكنما المولى شريكك في العدم
562 ولقد علمت لتأتيني منيتي إن المنايا لا تطيش سهامها
567 ولقد نزلت فلا تظني غيره مني بمنزلة المحب المكرم
605 يغضي حياء ويغضي من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم
702 لا يركن أحد إلى الإحجام يوم الوغى متخوفا لحمام
732 تخيره فلم يعدل سواه فنعم المرء من رجل تهام
772 لعمرك أنني وأبا حميد كما النشوان والرجل الحليم
774 وننصر مولانا ونعلم أنه كما الناس مجروم عليه وجارم
794 إذا بعض السنين تعرقتنا كفى الأيتام فقد أبي اليتيم
794 وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم
795 مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم(3/1678)
795 جادت عليه كل عين ثرة فتركن كل حديقة كالدرهم
807 لأجتذبن منهن قلبي تحلما على حين يستصبين كل حليم
817 فساغ لي الشراب وكنت قبلا أكاد أغص بالمال الحميم
829 هما أخوا في الحرب من لا أخاله إذا خاف يوما نبوءة فدعاهما
830 نرى أسهما للموت تصمي ولا تنمي ولا ترعوى من نقص أهواؤنا العزم
855 شم مهاوين أبدان الجزور مخا ميص العشيات لا خور ولا قزم
874 ما الراحم القلب ظلاما وإن ظلما ولا الكريم بمناع وإن حرما
889، 900 وقال نبي المسلمين تقدموا وأحبب إلينا أن تكون المقدما
889 جزى الله عنا والجزاء بفضله ربيعة خيرا ما أعف وأكرما
906 نياف القرط غراء الثنايا وريد للنساء ونعم نيم
910 لعمري وما عمري على بهين لبئس الفتى المدعو بالليل حاتم
917 تخيره فلم يعدل سواه فنعم المرء من رجل تهامي
940 إذا غاب عنكم أسود العين كنتم كراما وأنتم ما أقام ألائم
960 قد سالم الحيات منه القدما الأفعوان والشجاع الشجعما
965 لو قلت ما في قومها تيثم يفضلها حسب وميسم
980 فرت يهود وأسلمت جيرانها صمى لما فعلت يهود صمام
983 إن إن الكريم يحلم ما لم يرين من أجاره أضيما
984 لي شعري هل ثم هل آتينهم أم يحولن دون ذاك الحمام
986 لا ينسك الأسى تأسيا فما ما من حمام أحد مستعصما(3/1679)
1017 سقته الرواعد من صيف وإن من خريف فلن يعدما
1044 أوعدني بالسجن والأداهم رجلي فرجلي سثنة المناسم
1049 أقول له ارحل لا تقيمن عندنا وإلا فكن في السر والجهر مسلما
1055 إذا هملت عيني لها قال صاحبي بمثلك هذا لوعة وغرام
1069 إني إذا ما حدث ألما أقول يا اللهم يا اللهما
1090 كن لي لا على يابن عما نعيش عزيزين ونكف الهما
1147 ألا أضحت حبالكم رماما وأضحت منك شاسعة أمام
1148................... وما عهدي كعهدك يا أماما
1162 ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها قبل الفوارس ويك عنترة أقدم
1174 قليلا به ما يحمدنك وارث إذا نال مما كنت تجمع مغنما
1176 يحسبه الجاهل ما لم يعلما شيخا على كرسيه معمما
1230 كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم
1248 ولولا رجال من رزام أعزة وآل سبيع أو أسوءك علقما
1271 احفظ وديعتك التي استودعتها يوم الأعازب إن وصلت وإن لم
1279 وإن أتاه خليل يوم سغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم
1286 فطلقها فلست لها بكفء وإلا يعل مفرفك الحسام
1328 فيها اثنتان وأربعون حلوبة سودا كخافية الغاربة الأسحم
1379 لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
1554 وهل لي أم غيرها إذ ذكرتها أبى الله إلا أن أكون لها ابنما(3/1680)
1604 يا هال ذات المنطق التمتام وكفك المخضب البنام
1612 حتى تذكرت بيضاء وهيجه يوم الرذاذ عليه الدجن مغيوم
1621 هو الجواد الذي يعطيك نائله عفوا ويظلم أحيانا فيظطلم
1629 العاطفونه حين ما من عاطف نعم الذرا في النائبات لناهم
1634.................. فإنه أهل لأن يؤكرما
"حرف النون":
281 قال بنات العم يا سلمى وإنن كان فقيرا معدما قالت وإنن
337 عرفنا جعفرا وبني أبيه وأنكرنا زعانف آخرين
337 وماذا يدري الشعراء مني وقد جاوزت حد الأربعين
338 أعرف منها الجيد والعينانا ومنخرين أشبها طبيانا
370 بك أو بي استعان فليل أما أنا وأنت ما ابتغى المستعين
374 لا ترج أو تخش غير الله إن أذى واقيكه الله لا ينفك مأمونا
379 تراه كالثغام يعل مسكا يسوء الفاليات إذا فليني
383 أيها السائل عنهم وعني لست من قيس ولا قيس مني
430 ألا رب من تغتشه لك ناصح ومؤتمن بالغيب غير أمين
431 فكفى بنا فضلا على من غيرنا حب النبي محمدا إيانا
432 ونعم مزكا من ضاقت مذاهبه ونعم من هو في سر وإعلان
437 فإما كرام موسرون لقيتهم فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا
439 دعي ماذا علمت سأتقيه ولكن بالمغيب نبئيني(3/1681)
440 نحن الألى فاجمع جمو عك ثم وجههم إينا
459 ومن حسد يجور على قومي وأي الدهر ذو لم يحسدوني
471 غير مأسوف على زمن ينقضي بالهم والحزن
489 خير اقترابي من المولى حليف رضا وشر بعدي عنه وهو غضبان
492 صاح شمر ولا تزل ذاكر المو ت فنسيانه ضلال مبين
512 إن هو مستوليا على أحد إلا على أضعف المجانين
537 أنا ابن أباة الضيم من آل مالك وإن مالك كانت كرام المعادن
541 ووجه مشرق النحر كأن ثدياه حقان
569 أجهالا تقول بني لؤي لعمري أبيك أم متجاهلنا
754 وليت لي بهم قوما إذا ركبوا شنو الإغارة فرسانا وركبانا
760 لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب عني ولا أنت دياني فتحزوني
769 قفا نبك من ذكري حبيب وعرفان ورسم عفت آياته منذ أزمان
788 إنا محيوك يا سلمى فحيينا وإن سقيت كرام الناس فاسقينا
791 أبا لموت الذي لا بد أني ملاق لا أباك تخوفيني
802 لقلت لبيه لمن يدعوني.........................
825 لأنت معتاد في الهيجا مصايرة يصلي بهما كل من عاداك نيرانا
906 فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم وصاحب الركب عثمان بن عفانا
914 ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا(3/1682)
948 ولقد أمر على اللئيم يسبني فأعف ثم أقول لا يعنيني
984 حتى تراها وكأن كأن أعناقها مشددات بقرن
1015 فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني
1015 وإلا فاطرحني واتخذني عدوا أتقيك وتتقيني
1050 إلى الله أشكو بالمدينة حاجة وبالشام أخرى كيف يلتقيان؟
1085 ولست براجع ما فات مني بلهف ولا بليت ولا لو أني
1117 لا للرجال ذوي الألباب من نفر لا يبرح السفه المردي لهم دينا
1117 يا لا أناس أبوا إلا مثابرة على التوغل في بغي وعدوان
1118 يا يزيدا الأمل نيل عز وغنى بعد فاقة وهون
1164 يقلن وقد تلاحقت المطايا كذاك القول إن عليم عينا
1165 رويد بني شيبان بعد وعيدكم تلاقوا غدا خيلي على تفوان
1171 وأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
1213 أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني
1283 من يفعل الحسنات الله يشكرها والشر بالشر عند الله مثلان
1407 أهلا بأهل وبيتا مثل بيتكم وبالأناسين إبدال الأناسين
1432 واردد لأصل ثانيا أبدل من ذي اللين عينا فهو بالرد قمن
1635................ وصاليا ككما يؤثقين
1651 قصدنا له قصد الحبيب لقاره إلينا وقلنا للسيوف هلمنا(3/1683)
"حرف الهاء":
318 إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها
356 باعد أم العمرو من أسيرها حراس أبواب على قصورها
397 لأنكحن ببه جارية خدبة مكرمة محبة تحب أهل الكعبة
590 فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها
591 فإنما تريني ولي لمة فإن الحوادث أودى بها
620 ويوما شهدناه سليما وعامرا قليلا سوى الطعن النهال نوافله
634 قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنى غريمها
636 بعكاظ يعشي الناظرين إذا هم لمحوا شعاعه
667، 1030 علفتها تبنا وماء باردا حتى شتتت همالة عيناها
672 ما لك من شيخك إلا عمله إلا رسيمه وإلا رمله
682 لذ بقيس حين يأبى غيره تلفه بحرا مضيضا خيره
710 باتت لتحزننا عفاره يا جارتا ما أنت جاره
722 متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة لنفسي إلا قد قضيت قضاءها
735 ونارنا لم ير نارا مثلها قد علمت ذاك معد كلها
743 واه رأيت وشيكا صدع أعظمه وربه عطبا أنقذت من عطبه
759 إذا رضيت على بنو قشر لعمر الله أعجبني رضاها
774 بل بلد ملء الفجاج قتمه لا يشترى كتانه وجهرمه
776 رسم دار وقفت في طلله كدت أقضي الحياة من جلله(3/1684)
789 فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنه سيرضيكما منها سنام وغاربه
851 فما طعم راح في الزجاج مدامة ترقرق في الأيدي كميت عصيرها
905..................... فنعم أخو الهيجا ونعم شهابها
918 وقائله نعم الفتى أنت من فتى إذا المرضع العوجاء جال بريمها
980 لك الله على ذاك والله الله لك الله
1002 ألى الصحيفة كي يخفف رحله والزاد حتى نعله ألقاها
1016 تهاض بدار قد تقادم عهدها وإما بأموا ألم خيالها
1029 دعائي إليها القلب إني لآمره سميع فما أدري أرشد طلابها
1121 تبكيهم أسماء معيولة وتقول سلمى وارزيتيه
1174 إذا مات منهم سيد سرق ابنه ومن عضة ما ينبتن شكيرها
1185 لا تهين الفقير علك أن تركع يوما والدهر قد رفعه
1231 فأرقدت ناري كي ليبصر ضوؤها وأخرجت كلبي وهي في البيت داخله
1269 قلت لبواب لديه دارها تيذن فإني حموها وجارها
1481 من يأتمر للخير فيما قصده تحمد مساعيه ويعلم رشده
1564 لها أشارير من لحم تتمره من الثعالي ووخز من أرانيها
1617 ألا طرقتنا مية بنة منذر فما أرق النوم إلا كلامها
.................. كأنها تفاحة مطيوبه(3/1685)
"حرف الواو":
325 كلاهما حين جد الجرى بينهما قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي
394 على أطرقا باليات الخيام إلا الثمام وإلا العصى
528 أو تحلفي بربك العلي أني أبو ذيالك الصبى
544 لا هيثم الليلة للمطى ولا فتى مثل ابن خيبرى
613، 775 وليل كموج البحر أرخى سدوله عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي
762 ورحنا بكا ابن الماء يجنب وسطنا تصوب فيه العين طورا ويرتقي
788 علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم بأبيض ماض الشفرتين يماني
796 رؤية الفكر ما يئول به الأمر معين على اجتناب التواني
868 وهي تنزى دلوها تنزيا كما تنزى شهلة صبيا
945 ولست مقرا للرجال ظلامة أبى ذا عمى الأكرمان وخاليا
1061 أيا راكبا إما عرضت فبلغن نداماي من نجران ألا تلاقيا
1225 قد عجبت مني ومن يعيليا لما رأتني خلفا مقلوليا
1574 فما زالت أقدمنا في مقامنا ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا
1614 وقد علمت عرسي ملكيه أنني أنا الليث معديا عليه وعاديا
1644 وكأنها بين النساء سبيكة تمشي بسد بيتها فتعي
"حرف الياء":
1112 فيا شوق ما أبقى ويا لي من النوى
1147 إن ابن حارث إن أشتق لرؤيته أو أمتدحه فإن الناس قد علموا(3/1686)
مراجع الكتاب:
أولا: مراجع المخطوطات:
الرقم اسم المرجع اسم المؤلف
1 ارتشاف الضرب من لسان العرب مودع تحت رقم 28 بدار الكتب المصرية/ أبو حيان
2 بلوغ الأرب بشرح شذور الذهب لابن هشام مودع بدار الكتب المصرية تحت رقم 889/ أبو يحيى زكريا الأنصاري
3 تعليق الوفائد على تسهيل الفوائد مودع بمكتبة الأزهر برقم 1057/ بدر الدين الدماميني
4 تحفة الغريب في الكلام على مغني اللبيب مودع بمكتبة الأزهر برقم 971/ بدر الدين الدماميني
5 حاشية على التصريح بمضون التوضيح مودع بمكتبة الأزهر برقم 851/ عبد الله الدنوشري
6 شرح ألفية ابن مالك مودع بالمكتبة التيمورية بدار الكتب المصرية برقم 205/ أحمد الاصطهناوي
7 شرح ألفية بن مالك مودع بمكتبة الأزهر برقم 2779/ داود بن داود أبو يحيى(3/1687)
8 شرح ألفية ابن مالك مودع بمكتبة الأزهر برقم 1478 ودار الكتب/ أبو إسحق الشاطبي
رقم 4 ش/ شمس الدين الهواري
9 شرح ألفية ابن مالك مودع بدار الكتب المصرية رقم 1111/ المختار بن بون
10 شرح ألفية بن مالك مودع بدار الكتب المصرية رقم 33 ش
11 شرح وتسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك مودع بدار الكتب المصرية برقم 13620653063/ ابن أم قاسم
12 شرح الكافية الشافية مودع بمكتبة الأزهر رقم 768-5591/ ابن مالك
13 فتح الرب المالك بشرح ألفية ابن مالك مودع بمكتبة الأزهر برقم 2322/ محمد بن قاسم الغزي
14 فتح الخالق المالك في حل ألفاظ ألفية ابن مالك مودع بمكتبة الأزهر برقم 91/ محمد الشربيني المعروف بالخطيب(3/1688)
15 الكواكب السنية مودع بدار الكتب المصرية برقم 885/ عبد الله بن حسين الأدكاوي
16 المنح الوفية بشرح الخلاصة الألفية مودع بمكتبة الأزهر برقم 827/ أحمد السندوبي
ثانيا: مراجع المطبوعات:
17 أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، تعليق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد/ ابن هشام
18 الأشباه والنظائر/ جلال الدين السيوطي
19 الإنصاف/ ابن الأنباري
20 الأعلام/ خير الدين الزركلي
21 بغية الوعاة "طبقات اللغويين والنحاة"/ جلال الدين السيوطي
22 البدر الطالع بمحاسن ما بعد القرن السابع/ محمد الشوكاني
23 البهجة المرضية في شرح الألفية/ جلال الدين السيوطي
24 تراجم رجال القرنين السادس والسابع المعروف بالذيل على الروضتين/ أبو شامة المقدسي
25 تاريخ آداب اللغة العربية/ جورج زيدان
26 تاريخ مصر المعروف "ببدائع الزهور في وقائع الدهور" طبع بمطبعة بولاق/ ابن إياس(3/1689)
27 تمرين الطلاب في صناعة الإعراب/ خالد الأزهري
28 تاريخ مصر في عهد المماليك إلى نهاية حكم إسماعيل - تعريب أحمد شكري/ المستر جورج بانج
29 تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد - تحقيق محمد كامل بركات/ ابن مالك
30 التصريح بمضمون التوضيح/ خالد الأزهري
31 حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة/ جلال الدين السيوطي
32 حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق/ عبد الرازق البيطار
33 حاشية الصبان على الأشموني/ الصبان
34 حاشية على الأشموني/ أبو عبد الله بن سعيد
35 حاشية على الأشموني/ محمد الأمير
36 حاشية على مغني اللبيب/ محمد بن عرفة الدسوقي
37 حاشية على مغني اللبيب/ محمد بن أبي بكر الدسوقي
38 حاشية على مغني اللبيب/ تقي الدين الشمني
39 حاشية على شرح ابن عقيل/ محمد الخضري
40 حاشية على شرح التصريح بمضمون التوضيح/ يس العليمي(3/1690)
41 حاشية على مجيب الندا للفاكهي/ يس العليمي
42 حاشية على قطر الندى وبل الصدى لابن هشام/ أحمد السجاعي
43 حاشية على شرح الأزهرية للشيخ خالد/ حسن العطار
44 حاشية على شرح الشيخ خالد على متن الآجرومية/ محمد أبو النجا
45 الحماسة/ أبو تمام
46 خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب بهامشه/ عبد القادر البغدادي
47 شرح الشواهد الكبرى للعيني الطبعة الأولى بمطبعة بولاق
48 خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر/ المحبي
49 الخصائص/ ابن جني
50 الخطط التوفيقية/ علي مبارك
51 الخطط المقريزية/ المقريزي
52 دائرة المعارف الإسلامية/ بروكلمان
53 الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة - تحقيق محمد سيد جاد الحق/ ابن حجر العسقلاني
54 الدرر اللوامع/ أحمد الشنقيطي
55 روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات/ محمد الخوانساري(3/1691)
56 شرح ألفية ابن مالك المسمى "منهج السالك إلى ألفية ابن مالك"
57 شذور الذهب/ ابن هشام
58 شذور الذهب في أخبار من ذهب/ ابن العماد الحنبلي
59 شرح ألفية ابن مالك/ ابن الناظم بدر الدين
60 شرح ألفية ابن مالك/ ابن عقيل
61 شرح ألفية ابن مالك/ عبد الرحمن المكودي
62 شرح ألفية ابن مالك/ ابن هشام
63 شرح المفصل/ موفق الدين ابن يعيش
64 شرح شواهد مغني اللبيب/ جلال الدين السيوطي
65 الصحاح -طبع بمطبعة بولاق/ الجوهري
66 طبقات الحنابلة/ ابن أبي يعلى
67 طبقات الشافعية/ تقي الدين السبكي
68 عصر سلاطين المماليك/ محمود رزق سليم
69 غاية النهاية في طبقات القراء/ شمس الدين بن الجزري
70 فتح الجليل على شرح ابن عقيل - على ألفية ابن مالك/ أحمد السجاعي
71 فوات الوفيات/ محمد بن شاكر الكتبي
72 الفوائد البهية في طبقات الحنفية/ الكلينوي(3/1692)
73 الفواكه الجنية/ أحمد الفاكهي
74 قطر الندى وبل الصدى/ ابن هشام
75 كشف الظنون/ حاجي خليفة
76 الكافية/ ابن الحاجب
77 الكتاب/ سيبويه
78 الكشاف/ الزمخشري
79 الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة - تحقيق جبرائيل جبور - طبع بيروت سنة 1945م/ نجم الدين الغزي
80 لسان العرب - طبع بولاق/ ابن منظور
81 مغني اللبيب/ ابن هشام
82 معجم المؤلفين/ عمر رضا كحالة
83 معجم البلدان/ ياقوت الحموي
84 معجم الألفاظ والأعلام القرآنية أحمد الفاكهي/ محمد إسماعيل إبراهيم
85 ملحق البدر الطالع بمحاسن ما بعد القرن التاسع/ محمد بن علي الشوكاني
86 منار السالك إلى أوضح المسالك - تعليق الشيخ النجار وغيره/ ابن هشام
87 المقتضب/ المبرِّد(3/1693)
88 مجمع الأمثال/ أبو الفضل الميداني
89 نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة/ الشيخ محمد الطنطاوي
90 النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة/ أبو المحاسن تغري
91 همع الهوامع على شرح الجوامع/ جلال الدين السيوطي
92 وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان/ شمس الدين بن خلكان(3/1694)
المحتويات:
الصفحة الموضوع
3 المقدمة
9 القسم الأول "الدراسة": التعريف بالمرادي المعروف بابن أم قاسم
الباب الأول
الفصل الأول
9 العصر المملوكي
11 مصر في عهد المماليك
12 انتقال الحكم من الأيوبيين إلى المماليك
12 دولتا المماليك
13 حضارة مصر في عهد المماليك
15 الحركة العلمية "انتقال النشاط إلى مصر والقاهرة"
16 عوام نشاط الحركة العلمية
20 نتائج نشاط الحركة العلمية
21 المؤلفات
23 مؤلفات عربية(3/1695)
الفصل الثاني
27 نُبْذَة عن مصر
29 مصر
30 النحو والنحاة في عصر المماليك
32 المعاصرون للمرادي المعروف بابن أم قاسم
الباب الثاني
43 الفصل الأول
45 صاحب الألفية
48 ألفية ابن مالك
الفصل الثاني
61 التعريف بالمرادي
63 المرادي المعروف بابن أم قاسم
71 الفصل الثالث
73 شيوخ ابن أم قاسم
85 تلاميذ المرادي المعروف بابن أم قاسم
90 مؤلفاته
117 الفصل الرابع
119 الناقلون عن المرادي(3/1696)
الباب الثالث
181 الفصل الأول
183 أضواء على الشرح
196 الاعتراضات الواردة على الناظم
201 نقله عن شيخه أبي حيان
204 نقله عن سيبويه
207 مدى اعتماده على ابن الناظم في شرحه للألفية
الفصل الثاني
213 اعتماد المرادي على السماع
216 ميوله للبصريين
218 مخالفته لآراء النحاة
221 الفصل الثالث
223 شواهده
229 اعتماده على القرآن الكريم
230 شرح اللغويات
233 الفصل الرابع
235 موقفه من ألفية ابن مالك وألفية ابن معط
239 رغبته في توضيح المسائل النحوية
242 مسائل: الظاهر من تعبير المرادي وتعبير النحاة أنه انفرد بها
247 مذهبه النحوي(3/1697)
249 القسم الثاني: تحقيق شرح ألفية ابن مالك للمرادي
251 مقدمة المحقق
251 وصف المخطوط
256 منهج التحقيق
259 الجزء الأول
261 مقدمة الألفية
267 الكلام وما يتألف منه
296 المعرب والمبني
356 النكرة والمعرفة
358 الضمير
390 العلم
405 اسم الإشارة
416 الموصول
460 المعرفة بأداة التعريف
470 المبتدأ والخبر
492 كان وأخواتها(3/1698)
506 ما، لا، لات، إن، المشبهات بليس
515 أفعال المقاربة
523 إنوأخواتها
544 لاالتي لنفي الجنس
555 ظن وأخواتها
571 أعلم وأرى
575 محتويات المجلد الأول
581 الجزء الثاني
583 الفاعل
598 النائب عن الفاعل
611 اشتغال العامل عن المعمول
620 تعدي الفعل ولزومه
629 التنازع في العمل
644 المفعول المطلق
654 المفعول له
657 المفعول فيه وهو المسمى ظرفا
663 المفعول معه
669 الاستثناء(3/1699)
692 الحال
726 التمييز
738 حروف الجر
782 الإضافة
834 المضاف إلى ياء المتكلم
837 الجزء الثالث
839 إعمال المصدر
849 إعمال اسم الفاعل
862 أبنية المصادر
869 أبنية اسما الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهات
873 الصفة المشبهة اسم الفاعل
885 التعجب
902 نعم وبئس وما جرى مجراهما
33 أفعل التفضيل
945 النعت
967 التوكيد
988 العطف(3/1700)
993 عطف للنسق
1036 البدل
1051 النداء
1072 "فصل" في تابع المنادى
1083 المنادى المضاف إلى ياء المتكلم
1101 الجزء الرابع
1103 أسماء لازمت النداء
1110 الاستغاثة
1120 الندبة
1126 الترخيم
1150 الاختصاص
1153 التحذير والإغراء
1159 أسماء الأفعال والأصوات
1170 نونا التوكيد
1189 ما لا ينصرف
1228 إعراب الفعل
1265 عوامل الجزم(3/1701)
1305 فصل "أما، ولولا، ولوما"
1311 الإخبار بالذي والألف واللام
1318 العدد
1327 تمييز المركب
1325 كم، وكأين، وكذا
1346 الحكاية
1351 الجزء الخامس
1353 التأنيث
1362 المقصور والممدود
1366 كيفية تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا
1377 جمع التكسير
1419 التصغير
1443 النسب
1469 الوقف
1491 الإمالة
1508 التصريف
1550 فصل في زيادة همزة الوصل(3/1702)
1559 الجزء السادس
1561 الإبدال
1593 فصل "إذا اعتلت لام فَعْلى"
1596 فصل "إذا اجتمعت الواو والياء وسكن ما قبلهما"
1605 فصل "إذا كانت عين الفعل واوا أو ياء وقبلهما ساكن صحيح"
1618 فصل "إذا كان فاء الافتعال حرف لين"
1631 فصل في الإعلال بالحذف
1638 فصل في الإدغام
1653 محتويات المجلد الثالث
1657 فهرست الأبيات والشواهد
1687 مراجع الكتاب
1687 أولا: مراجع المخطوطات
1689 ثانيا: مراجع المطبوعات(3/1703)