وقد اجتمع اللزوم والجمود في قولهم: "هذا خاتَمُك حديدًا" و"هذه "جُبَّتُك"1 خَزًّا" وهما من أمثلة سيبويه2.
وفصل بعضهم في الانتقال, فقال: الحال قسمان: مبينة ومؤكدة.
فالمبينة لا بد أن تكون منتقلة، أو مشبهة بالمنتقلة نحو: "خُلق زيد أشهل"؛ لأنه كان يمكن أن يخلق غير أشهل.
والمؤكدة: يجوز أن تكون غير منتقلة، أي: لازمة.
ثم قال:
ويكثر الجمود في سعر ... ... .................
اعلم أنه يكثر جمود الحال إذا كان مؤولا بالمشتق "تأويلا"3 غير متكلف, وذلك بأن يدل على سعر نحو: "بعته مُدَّا بكذا" أي: مسعرا.
أو مفاعلة نحو: "بعته يدًا بيد" أي: مناجزة، أو "تشبيه"4 نحو: "كر زيد أسدا" أي: مثل أسد، أو ترتيب نحو: "ادخلوا رجلا رجلا" أي: مرتين.
وفي نصب الثاني أقوال, والمختار أنه وما قبله منصوبان بالعامل "المتقدم"5؛ لأن مجموعهما هو الحال، ونظيرهما في الخبر: "الرمان حلوٌ حامضٌ" أو أصالة نحو: {قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} 6 أو فرعية نحو: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} 7 وهي حال مقدرة, أو تنويع: نحو: "هذا مالك ذهبًا"8.
__________
1 أ، جـ, وفي ب "حلتك".
2 قال سيبويه جـ1 ص198: "هذا خاتمك حديدا، ولا يحسن أن تجعله صفة فقد يكون الشيء حسنا إذا كان خبرا".
وقال في جـ1 ص274: " ... ويكون حالا, فالحال قولك: هذه جبتك خزا".
3 أ، جـ, وفي ب "تأويلا".
4 ب، جـ.
5 أ، ب, وفي جـ "المقدم".
6 من الآية 61 من سورة الإسراء. طينا: حال من منصوب خلقت المحذوف لا مِن "مَن"؛ لأن الحال قيد في عاملها، والطين ليس قيدا في "أسجد" لعدم مقارنته له، وقيل: منصوب على نزع الخافض, أي: من طين.
7 من الآية 149 من سورة الشعراء.
8 ذهبا" حال من مالك، والذهب نوع من المال.(2/694)
أو "طور"1 واقع فيه تفضيل: "هذا بُسْرًا أطيب منه رُطَبًا"2.
أو بنعت نحو: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} 3.
وقد اندرج كله تحت قوله:
.............. وفي ... مُبْدِي تأول بلا تكلف
فإن قلت: الدال على السعر مندرج في ذلك، وقد أفرده بالذكر.
قلت: هو من "باب"4 عطف العام على الخاص.
ثم قال:
والحال إن عُرِّف لفظا فاعتقد ... تنكيره معنى كوحدَكَ اجتهِد
لما كان الغالب اشتقاق الحال وتعريف صاحبه, التزم تنكيره "معنى"5 لئلا يتوهم كونه نعتا.
وقد يجيء على صورة المعرَّف بالأداة, فيحكم بزيادتها نحو: "ادخلوا الأولَ فالأولَ"6.
أو بالإضافة: فيحكم بأنه نكرة لم يتعرف بها نحو: "طلبته جَهْدِي وطاقتي" و"اجتهد وحدَكَ" أي: منفردا.
وإذا قلت في المتعدي: "ضربتُ زيدًا وحدَهُ" فمذهب سيبويه أنه حال من الفاعل, أي: ضربته في حال إيحادي له بالضرب.
وأجاز المبرد أن يكون حالا من المفعول.
ورجح مذهب سيبويه بأن وضع المصدر موضع اسم الفاعل أكثر.
__________
1 طور: أي حال.
2 "بسرا" حال من فاعل أطيب المستتر فيه, "رطبا" حال من الهاء في "منه".
3 من الآية 17 من سورة مريم. "بشرا" حال من فاعل تمثل, والاعتماد على الصفة وهي "سويا".
4 ب، جـ.
5 جـ.
6 أي: مترتبين، "الأول" حال من الواو في "ادخلوا", و"الأول" الثاني معطوف بالفاء.(2/695)
وعين "ابن طلحة كونه"1 حالا من المفعول. قال: لأنهم إذا أرادوا الفاعل قالوا: "مررت به وحدي"2 وفي وحده أقوال:
الأول: مذهب سيبويه3 أنه اسم موضوع موضع المصدر الموضوع موضع الحال، فوجد في موضع إيحاد، وإيحاد في موضع موحد.
الثاني: أنه مصدر أوحدته، وهو محذوف الزوائد، وإليه ذهب أبو الفتح.
الثالث: "أنه"4 مصدر لم يلفظ له بفعل.
وعلى هذين القولين, فهو مصدر في موضع الحال.
الرابع: ذهب يونس إلى أنه "منتصب"5 على الظرف؛ لقول العرب: "زيد وحدَهُ" والتقدير: زيد موضِعَ التفرد6.
وأجاز ابن هشام في قولهم: "زيد وحده" وجهين:
أحدهما: ما قاله يونس.
والآخر: أن يكون مصدرا بفعل مقدر هو الخبر, كما قالوا: "زيد إقبالا" أي: يقبل إقبالا.
وقد حكى الأصمعي7: "وَحَدَ يَحِدُ", فعلى هذا هو مصدر لفعل مستعمل8.
__________
1 أ، جـ, وفي "ابن طلحة, يتعين كونه".
2 أ، جـ, وفي ب "ضربته وحدي".
3 الكتاب جـ1 ص186.
4 أ، ب.
5 أ، جـ, وفي ب "منصوب".
6 راجع الأشموني 1/ 245.
7 هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي البصري، نسبة إلى جده أصمع، أحد أئمة اللغة والنحو، روى عن أبي عمرو بن العلاء وغيره، وكان يتمتع بحافظة جيدة. قدم بغداد في أيام الرشيد واتصل به وبالبرامكة، وله مصنفات كثيرة منها: كتاب الأضواء والقلب والإبدال، وغريب القرآن. مات سنة 215هـ.
8 وقد ارتضيتُ مذهب سيبويه بدليل: "وصحة: "مررت برجل وحده" -وبه مثل سيبويه- تدل على أنه حال من الفاعل، وأيضا فهو مصدر أو نائب المصدر. والمصادر في الغالب إنما تجيء أحوالا من الفاعل" ا. هـ. أشموني جـ1 ص244. وأقول: إن المفعول "برجل" وليس له مسوغ.(2/696)
تنبيه:
ما تقدم من اشتراط تنكير الحال هو مذهب الجمهور، وأجاز يونس والبغداديون أن يأتي معرفة، وقاسوا على نحو: "ادخلوا الأولَ فالأولَ".
وأجاز الكوفيون أن يأتي على صورة المعرفة، إذا كان فيها معنى الشرط وهي مع ذلك نكرة، وأجازوا: "عبدُ اللهِ المحسنَ أفضل منه المسيءَ"1.
ثم قال:
ومصدر منكَّر حالا يقع ... بكثرة كبغْتَةً زيدٌ طلع
من وقوع المصدر موقع الحال قوله تعالى: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} 2, {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} 3، وقولهم: "قتلته صبرًا"، و"اطلع زيد بغتةً" وهو كثير.
ومع كثرته فنقل إجماع الفريقين على قصره على السماع، وإن اختلفوا في التخريج إلا المبرد، فإنه أجاز القياس "فقيل"4، عنه مطلقا، وقيل: فيما هو نوع الفعل, نحو: "أتيته سُرْعَةً" وهو المشهور عنه5.
واستثني في التسهيل ثلاثة أنواع, لا يقتصر فيها على السماع6:
الأول: قولهم: "أنت الرجل علمًا", فيجوز "أن"7 تقول: "أنت الرجل أدبًا ونبلًا", والمعنى: الكامل في حال علم وأدب ونبل.
__________
1 فالمحسن والمسيء حالان، وصح مجيئهما بلفظ المعرفة لتأويلها بالشرط، إذ التقدير: عبد الله إذا أحسن أفضل منه إذا أساء.
2 من الآية 260 من سورة البقرة.
3 من الآية 56 من سورة الأعراف.
4 أ، ب، وفي جـ "ونقل".
5 وأرجح مذهب الجمهور في القصر على السماع؛ لأن الحال كالنعت والنعت لا يقع مصدرا إلا سماعا والحال كذلك. وقال السيوطي في الهمع 1/ 238: "وشذ المبرد فقال: يجوز القياس....".
6 قال في التسهيل ص109: "وفي غيره على السماع في نحو: "أنت الرجل علمًا" و"هو زهير شعرًا" و"أما علمًا فعالم"".
7 ب، جـ, وفي أ "أنك".(2/697)
وفي الارتشاف: ويحتمل عندي أن يكون تمييزا1.
الثاني: نحو: ""زيد"2 زهير شعرًا"3, قال في الارتشاف: والأظهر أن يكون تمييزا. هـ4.
الثالث: "أما علما فعالم"5, تقول ذلك لمن وصف عندك شخصا بعلم وغيره منكِرا عليه وصفه بغير العلم، والناصب لهذه الحال هو فعل الشرط المحذوف، وصاحب الحال هو المرفوع "به"6، والتقدير: مهما يُذكر إنسان في حال علم, فالذي وصفت عالم.
ويجوز أن يكون ناصبها ما بعد الفاء، وصاحبها الضمير المستكن فيه, وهي على هذا مؤكدة، والتقدير: مهما يَكُنْ من شيء, فالمذكور عالم في حال علم.
فلو كان ما بعد "الفاء لا يعمل" "فيما قبله"8 نحو: "أما علمًا فهو ذو علم", تعين أن يكون العامل فعل الشرط.
فلو كان المصدر التالي "أما" معرفا بأل فهو عند سيبويه مفعول له9. وذهب الأخفش إلى أن المنكر والمعرف كليهما بعد "أما" مفعول مطلق.
وذهب الكوفيون -على ما نقله ابن هشام- إلى أن القسمين مفعول به بفعل مقدر، والتقدير: مهما تذكر علما فالذي "وُصف"10 عالم.
__________
1 أن يكون تمييزا محولا عن الفاعل وهو ضمير الرجل بمعنى الكامل، والتقدير: أنت الكامل علما، أي: علمه.
2 أ, وفي ب، جـ "هو".
3 فشعرا بمعنى شاعرا, حال، والعامل فيه زهير لتأويله بمشتق، إذ معناه مجيد وصاحب الحال ضمير مستتر فيه.
4 راجع الارتشاف ص764.
5 أي: من كل تركيب وقع فيه الحال بعد "أما", في مقام قصد فيه الرد على من وصف شخصا بوصفين، وأنت تعتقد اتصافه بأحدهما دون الآخر.
6 أ.
7 ب، وفي أ، ج "الفاء -وصاحبا الضمير المستكن فيه وهي على هذا مؤكدة- لا يعمل".
8 أ، ب, وفي جـ "لا يعمل ما بعده فيما قبله".
9 راجع الكتاب جـ1 ص193.
10 ب، وفي جـ "وصفت".(2/698)
قال في شرح التسهيل: وهذا القول عندي أولى بالصواب، وأحق ما اعتمد عليه في الجواب.
تنبيهان:
الأول: مذهب سيبويه في المصدر موقع الحال أنه هو الحال.
وذهب الأخفش والمبرد إلى أنه مفعول مطلق, وعامله المحذوف هو الحال.
وذهب الكوفيون إلى أنه مفعول مطلق منصوب "بالفعل"1 قبله, وليس في موضع الحال.
وذهب بعضهم إلى أنها مصادر على حذف مضاف، فيقدر في: "أتيته رَكْضًا" إتيانه ركضا.
"وقيل: هي أحوال على حذف مضاف، أي: أتيته ذا ركض"2 وكذا سائرها3.
الثاني: في قوله:
ومصدر منكر حالا يقع ... بكثرة....
تنبيه على "أن"4 وقوع المصدر المعرفة حالا بقلة, وهو ضربان:
علم جنس: كقول العرب: "جاءت الخيل بَدَادِ" فيؤول بنكرة أي: متبددة.
وذو أداة كقوله:
فأرسلها العِرَاكَ ولم يذدها5 ... ......................
__________
1 أ، جـ، وفي ب "بالعامل".
2 ب، جـ.
3 راجع الأشموني 1/ 245، 246.
4 ب.
5 هذا صدر بيت للبيد بن ربيعة العامري يصف حمارا وحشيا أورد أتنه الماء للشرب.
وتمامه:
ولم يشفق على نَغَص الدِّخَال
وهو من قصيدة من الوافر.
الشرح: "العراك" -بكسر العين- ازدحام الإبل أو غيرها حين ورود الماء, "يذدها" من الذياد: يطردها, "يشفق" يرحم, "نغص" مصدر نغص الرجل -بكسر الغين- إذا لم يتم مراده، ونغص البعير: إذا لم يتم شربه, "الدخال" -بكسر الدال المهملة- أن يداخل بعيره الذي شرب مرة مع الإبل التي لم تشرب حتى يشرب معها، وذلك إذا كان البعير كريما أو شديد العطش أو ضعيفا. =(2/699)
فيؤول على زيادة "أل".
وفيه "وفي"1 نحوه ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنه مصدر في موضع الحال، وهو مذهب سيبويه2.
والثاني: أنه معمول لفعل مقدر, أي: تعترك العراكَ، وهو مذهب الفارسي.
والثالث: أنه معمول لحال محذوفة, أي: معتركة العراك.
وذهب ابن الطراوة إلى أن العراك نعت مصدر محذوف, وليس بحال.
أي: الإرسال العراك.
وأنشده ثعلب: "فأوردها العراك", وزعم أن العراك مفعول ثانٍ لأوردها، ونقل عن الكوفيين أن أرسلها مضمن معنى أوردها.
__________
= المعنى: يصف لبيد بهذا البيت حمار الوحش أنه أرسل الأُتُن إلى الماء مزدحمة ولم يُشفِق عليها من نغص الدخال، وهو تكدير الماء بورودها فيه مزدحمة لمداخلة بعضها بعضا.
الإعراب: "فأرسلها" فعل ماض وفاعله ضمير مستتر، والضمير البارز المتصل مفعول, "العراك" حال, "ولم" الواو عاطفة, ولم حرف نفي وجزم وقلب, "يذدها" فعل مضارع مجزوم بلم والفاعل ضمير مستتر فيه وها مفعول، والجملة معطوفة على جملة فأرسلها, "ولم" الواو عاطفة كذلك، ولم حرف نفي وجزم وقلب, "يشفق" فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون, "على" حرف جر, "نغص" مجرور بعلى والجار والمجرور متعلق بيشفق, "الدخال" مضاف إليه مجرور بالكسرة.
الشاهد: في قوله: "العراك" حيث وقع حالا مع كونه معرفة -والحال لا يكون إلا نكرة- وإنما ساغ ذلك لأنه مؤول بالنكرة، أي: أرسلها معتركة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن عقيل 1/ 354، وابن هشام 1/ 81, والسندوبي, والأصطهناوي, وذكره ابن يعيش في شرح المفصل 2/ 62, والشاهد رقم 524 في خزانة الأدب، وسيبويه جـ1 ص187، والمقتضب 3/ 227.
1 أ، ب.
2 وأميل إلى مذهب سيبويه. قال الأعلم الشنتمري في "أرسلها العراك": ".... وهو مصدر في موضع الحال والحال لا يكون معرفة، وجاز هذا؛ لأنه مصدر والفعل يعمل في المصدر معرفة ونكرة....".(2/700)
ثم انتقل إلى صاحب الحال فقال:
ولم يُنَكَّر غالبا ذو الحال
وذلك لشبهه بالمبتدأ.
وأشار بقوله: "غالبا" إلى أنه "قد"1 ينكر في المواضع الآتية قليلا2، حكاه سيبويه، وجعله مقيسا بغير شرط، وإن كان الاتباع أقوى.
والقياس قول يونس والخليل، خلافا لمن قال: لا يجوز في غير الموصوف إلا سماعا ما لم يتقدم.
وقوله: إن لم يتأخر.
يعني: عن الحال نحو: "هذا قائمًا رجلٌ" مثّل به سيبويه3.
وأما نحو: "فيها قائمًا رجل" فيظهر من كلام سيبويه4 أن ذا الحال هو المبتدأ "لا"5 الضمير المستكن في الخبر كما ذهب إليه قوم.
قال في شرح التسهيل: وقول سيبويه هو الصحيح؛ لأن الحال خبر في المعنى, "فجعله"6 لأظهر الاسمين أولى من جعله لأغمضهما، وهذا يستقيم لو تساويا في التعريف.
وزعم ابن خروف أن الخبر إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا "لا يضمر"7 فيه عند سيبويه والفراء إلا إذا تأخر.
__________
1 أ، ب.
2 وذلك مثل قولهم: "مررت بماء قعدةَ رجل", وقولهم: "عليه مائة بيضًا". وأجاز سيبويه: "فيها رجل قائما", وفي الحديث: "وعلي وراءه رجال قيامًا" وذلك قليل. ا. هـ. أشموني جـ1 ص248.
وقال الشيخ الخضري جـ1 ص216: "وهو مَقِيس عند سيبويه؛ لأن الحال إنما دخلت لتقييد العامل، فلا معنى لاشتراط المسوغ في صاحبها. وقصره الخليل ويونس على السماع" ا. هـ.
3 قال سيبويه جـ1 ص276: "وذلك قولك: هذا قائما رجل".
4 قال سيبويه جـ1 ص276: ".... وفيها قائما رجل؛ لما لم يجز أن توصف الصفة بالاسم, وقبح أن تقول: فيها قائم, فتضع الصفة موضع الاسم.....".
5 أ، ب, جـ "ألا".
6 ب، جـ, وفي أ "لجعله".
7 أ, وفي ب، ج "ضمير".(2/701)
وقوله: أو يُخَصَّص.
يعني: بإضافة نحو: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} 1.
أو وصف نحو: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} 2, خلافا لمن شرط وصفين، ولو قيل: إن الحال من الضمير "في الوصف"3 لكان أولى.
وقوله: أو يَبِنْ، أي: يظهر من بعد نفي.
كقوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} 4, خلافا للزمخشري في جعله الجملة صفة "قرية"5.
"أو مضاهيه" يعني: مشابهة للنفي وهو النهي, كقوله:
لا يركَنَنْ أحد إلى الإحجام ... يوم الوَغَى متخوفا لحِمَام6
__________
1 من الآية 10 من سورة فصلت. سواء حال من أربعة لاختصاصها بالإضافة إلى أيام.
2 من الآية 4 من سورة الدخان. "أمرا" حال من "أمر" الأول لوصفه بحكيم, وهذا هو رأي الناظم وابنه وتبعهما المرادي، وقيل: إن "أمرا" منصوب بأخص محذوفا, أو مفعول لأجله، أو حال من "كل" أو من فاعل أنزلنا, "أو مفعوله", وهو رأي ابن هشام، ونفى رأي الناظم وابنه.
أقول: لأنه لا يتوافر شرط مجيء الحال منه, مع أنه مضاف إليه.
3 ب، جـ.
4 من الآية 4 من سورة الحجر. {لَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} جملة في موضع الحال من "قرية" وصح مجيء الحال من النكرة؛ لتقدم النفي عليها، ولا يصح كون الجملة صفة لقرية، خلافا للزمخشري؛ لأن الواو لا تفصل بين الصفة والموصوف، وأيضا وجود "إلا" مانع من ذلك، إذ لا يعترض بإلا بين الصفة والموصوف. ا. هـ ابن عقيل -1 / 359- ولا عبرة بمخالفة الزمخشري؛ لأن الواو من المسوِّغات كما في التسهيل.
5 أ، جـ, وفي ب "لقرية".
6 البيت: قائله: قطري بن الفجاءة التميمي -أبو نعامة الخارجي- وكان من الشجعان المشاهير. قتل سنة تسع وسبعين للهجرة، قتله عسكر الحجاج من جهة عبد الملك بن مروان الأموي، وهو من الكامل.
الشرح: "لا يركن" من ركن إلى الشيء يركن, من باب نصر ينصر؛ إذا مال إليه, "الإحجام" -بكسر الهمزة- "التأخر والإعراض", "الوغى" الحرب، "متخوفا" الخائف شيئا بعد شيء.
"لحمام" بكسر الحاء: الموت. =(2/702)
والاستفهام كقوله:
يا صاحِ هل حُمَّ عيش باقيا فترى ... لنفسك العذر في إبعادها الأملا1
__________
= المعنى: لا ينبغي لأحد أن يميل عن الإعراض عن اقتحام الحرب, ويركن إلى التولي متخوفا من الموت.
الإعراب: "لا" ناهية, "يركنن" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة, "أحد" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة, "إلى" حرف جر, "الإحجام" مجرور بإلى والجار والمجرور متعلق بيركن, "يوم" ظرف متعلق بيركن, "الوغى" مضاف إليه, "متخوفا" حال من أحد منصوب بالفتحة, "لحمام" جار ومجرور متعلق بمتخوف.
الشاهد: في "متخوفا", حيث وقع حالا من النكرة وهي قوله: "أحد", والذي سوّغ ذلك وقوع النكرة بعد النهي.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص134، وابن هشام 2/ 85, وابن عقيل 1/ 360, والسندوبي, وداود, والأصطهناوي، والمكودي ص75, والأشموني 1/ 247, وذكره السيوطي في همع الهوامع 1/ 240.
1 البيت: قال العيني: قائله رجل من طيئ لم يعلم اسمه. وبحثت فلم أعثر على قائله, وهو من البسيط.
الشرح: أصله: يا صاحبي، مرخم بحذف آخره وهو الباء، واكتفى بالكثرة للدلالة على ياء المتكلم, "حم" فعل ماض مبني للمجهول -بضم الحاء وتشديد الميم- أي: قدر، "باقيا" أصل الباقي: الذي لا يفنى ولا يزول, "العذر" -بضم فسكون- هو كل ما تذكره لتقطع عنك ألسنة العتاب واللوم, "الأملا" ترقب الشيء وانتظاره.
المعنى: يستفهم استفهاما إنكاريا عما إذا كان قد قضى لأحد من الناس قبل المخاطب أن تدوم له الدنيا, أو يعيش فيها عيشة مستقرة لا يشوبها كدر, فيكون ذلك عذرا لمخاطبه في أن يتكالب على حطام الدنيا الفاني.
الإعراب: "يا" حرف نداء, "صاح" منادى مرخم, "هل" حرف استفهام, "حم" فعل ماض مبني للمجهول, "عيش" نائب فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة, "باقيا" حال من العيش منصوب بالفتحة, "فترى" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه, "لنفسك" جار ومجرور متعلق بترى وهو المفعول الثاني قدم على الأول, "العذر" مفعول أول لترى منصوب بالفتحة, "في" حرف جر, "إبعادها" مجرور بفي والجار والمجرور متعلق بالعذر وها مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله, "الأملا" مفعول للمصدر.
الشاهد: في "باقيا", حيث وقع حالا من نكرة، وهي قوله: "عيش". والذي سوَّغ مجيء الحال منها وقوعها بعد الاستفهام.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص134، وابن عقيل 1/ 3559، وابن هشام 2/ 87، وداود, والسندوبي، والمكودي ص75, والأصطهناوي، والأشموني/ 1/ 247، والسيوطي ص66, وأيضا ذكره في همع الهوامع 1/ 240.(2/703)
ومثّل النهي بقوله:
......... كلا
يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا
فهذه ستة مسوغات على التفصيل.
وزاد في التسهيل ثلاثة1:
أحدها: أن تكون الحال جملة "مقرونة"2 بالواو نحو: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ} 3؛ لأن الواو رفعت توهم النعتية.
والثاني: أن يكون الوصف به على خلاف الأصل, نحو: "هذا خاتم حديدًا".
والثالث: اشتراك المعرفة مع النكرة في الحال, نحو: "هؤلاء ناسٌ وعبدُ اللهِ منطلقينَ", وقد جعل سيبويه لهذه المسألة بابا4.
ثم قال:
وسَبْق حالٍ ما بحرف جُر قد ... أبوا ولا أمنعه فقد ورد
صاحب الحال مرفوع ومنصوب ومجرور.
"فتقديمها"5 على المرفوع والمنصوب جائز عند البصريين ما لم "يمنعه مانع"6 كالحصر، ومنع الكوفيون تقديمها على المرفوع الظاهر.
فقيل: عنهم مطلقا، وقيل: إن تقدمت على رافعه.
ومنعوا تقديمها على المنصوب الظاهر أيضا، فقيل: مطلقا, وقيل: إن لم تكن فعلا.
وأما المجرور: فإن كان بإضافة لم يجز تقديم الحال عليه "عند أكثر النحويين"7.
__________
1 قال في التسهيل ص109: ".... أو تكن جملة مقرونة بالواو, أو يكن الوصف به على خلاف الأصل, أو يشاركه فيه معرفة".
2 ب، ج.
3 من الآية 259 من سورة البقرة.
4 قال سيبويه جـ1 ص258: "هذا باب ما غلبت فيه المعرفة النكرة ... وتقول: هؤلاء ناس وعبد الله منطلقينَ, إذا خلطتهم".
5 أ، جـ, وفي ب "فتقدمها".
6 أ، جـ, وفي ب "يمنع من ذلك مانع".
7 أ، جـ, وفي ب، جـ "بإجماع".(2/704)
قال في شرح التسهيل: "فإن كانت الإضافة غير محضة جاز كقولك: "هذا شارب السويق ملتوتًا الآن أو غدا"1, وإن كان مجرورا بحرف لم يجز تقديم الحال عليه عند أكثر النحويين"2.
وقال المصنف: الصحيح الجواز لثبوته سماعا3، ولضعف دليل المنع إلا أن تقديمه ضعيف مع جوازه.
وفصل الكوفيون؛ فقالوا: إن كان المجرور ضميرا نحو: "مررتُ ضاحكةً بها"4, أو كانت الحال فعلا نحو: "مررتُ تضحكُ بهند" جاز، وإلا امتنع5.
واستدل المصنف بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} 6, وبأبيات ظاهرة فيما ادعاه7.
فإن قلت: أطلق "المصنف"8 في قوله: "بحرف".
وينبغي أن يقيد بغير الزائد؛ لأنه موضع الخلاف.
قلت: العذر له, إن الزائد لا يقيد به؛ فلذلك أهمل التنبيه عليه لوضوحه9.
فإن قلت: على ماذا يعود الضمير في قوله: "أبوا"؟
__________
1 "ملتوتا" حال من السويق، "شارب" اسم فاعل عامل في الحال النصب. هذا, ويشترط أن يكون المضاف مما يعمل عمل الفعل، كالمصدر، واسم الفاعل, ونحوهما.
2 ب، جـ.
3 من ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} وأبيات منها رقم 7.
4 أ "مررت ضاحكة بك". ب "مررت ضاحكا بك". ج "مررت بهند ضاحك بك".
5 راجع الأشموني 1/ 240.
6 من الآية 28 من سورة سبأ.
7 منها:
لئن كان برد الماء هيمانَ صاديًا ... إليَّ حبيبا إنها لحبيب
فـ "هيمان" و"صاديا" حالان من الضمير المجرور بإلى، وهو الباء.
ومنها:
فإن تَكُ أذواد أُصبن ونسوة ... فلن يذهبوا فَرْغًا بقتل حِبَال
"فرغا" حال من "قتل".
8 جـ.
9 مثال الزائد: "ما جاء راكبًا من رجل".(2/705)
قلت: ظاهره أنه عائد على جميع النحويين ولا يصح حمله على ذلك؛ لأن منهم من أجاز، وقد نقل الجواز عن الفارسي, وابن كيسان، وابن برهان1, على أن "ابن"2 الأنباري "ذكر"3 الإجماع على المنع, فتعين صرف الضمير إلى الأكثر.
فإن قلت: قوله: "ولا أمنعه" يوهم انفراده بجوازه.
قلت: لا يلزم من قوله: "أمنعه" انفراده.
والمراد "و"4 لا أمنعه, وفاقا لمن أجاز؛ لأنه قد نقل الخلاف في غير هذا الموضع.
فإن قلت: قوله: "فقد وَرَد" دعوى لم يقُم عليها دليل، إذ لم يرد نص بذلك لأن الآية التي استدل بها، والأبيات محتملة للتأويل5.
قلت: ظاهرها يدل على دعواه، والاحتمال في بعضها بعيد جدا، ولا عدول عن الظاهر مع مساعدة القياس، فليس هذا موضع الكلام على الآية, ولا على الأبيات6.
__________
1 هو عبد الواحد بن علي بن عمر بن إسحاق بن إبراهيم بن برهان -بفتح الباء- أبو القاسم الأسدي النحوي, صاحب العربية واللغة والتاريخ وأيام العرب. قرأ على عبد السلام البصري، وكان أول أمره منجِّمًا، فصار نحويا, وكان في أخلاقه شراسة على من يقرأ عليه. ولما عاد الوزير عميد الدين إلى بغداد استحضره فأعجبه كلامه, فعرض عليه مالًا فلم يقبله، فأعطاه مصحفا بخط ابن البواب وعكازة حملت إليه من الروم, فأخذهما.
مات في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وأربعمائة.
2 ب، جـ.
3 أ، جـ, وفي ب "نقل".
4 ب، جـ.
5 قال الأشموني 1/ 249: "والحق أن جواز ذلك مخصوص بالشعر، وحمل الآية على أن "كافة" حال من الكاف, والتاء للمبالغة لا للتأنيث" ا. هـ.
6 أخلص من هذه الخلافات بإجمال أعجبني في كتاب الهمع للسيوطي جـ1 ص241، نصه: "الأصل في الحال التأخير عن صاحبها كالخبر، ويجوز تقديمها عليه كما يجوز فيه سواء كان مرفوعا، كقوله:
فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الغمام وديمة تهمي
أو منصوبا، كقوله:
....... ... وصلت ولم أصرم مسبين أسرتي
أو مجرورا بحرف زائد نحو: "ما جاء عاقلًا من أحد" و"كفى معينًا بزيد", أو أصلي نحو: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} . =(2/706)
ثم قال:
ولا تُجِزْ حالا من المضاف له ... إلا إذا اقتضى المضاف عمله
أو كان جزء ما له أُضيفا ... أو مثل جزئه فلا تَحيفا
حاصل هذين البيتين أنه لا يجوز الحال من المضاف إليه, إلا في ثلاثة مواضع:
الأول: إذا كان المضاف عاملا في الحال، نحو: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} 1, فهذا جائز. قال في شرح الكافية: بلا خلاف2 هـ.
والثاني: أن يكون المضاف جزء المضاف إليه, نحو: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} 3 "فإن إخوانا حال من الضمير المخفوض بالإضافة"4.
الثالث: أن يكون مثل جزء المضاف إليه في صحة الاستغناء عنه "به"5, نحو: {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} 6.
فلو لم يكن أحد هذه الثلاثة لم يجز، قال في شرح التسهيل: بلا خلاف،
__________
= هذا هو الأصح في الجميع.
أما المجرور بالإضافة فلا يجوز تقديم الحال عليه "كعرفت قيام هند مسرعةً" فلا يقدم مسرعة على هند؛ لئلا يفصل بين المضاف والمضاف إليه، ولا على قيام الذي هو المضاف؛ لأن نسبة المضاف إليه من المضاف كنسبة الصلة من الموصول، فلا يقدم عليه شيء من معمولاته.
وسواء كانت الإضافة محضة كالمثال, أم غير محضة نحو: هذا شارب السويق ملتوتًا الآن أو غدا".
كما قال ابن هشام في الجامع: "إنه الأصح".
1 من الآية 48 من سورة المائدة. "جميعا" حال من "كُمْ", و"مرجع" مصدر ميمي بمعنى الرجوع, عامل في الحال النصب.
2 قال في شرح الكافية, ورقة 28: "إذا كان المضاف عاملا فيها "كاعتكافي صائمًا بلا خلاف"".
3 من الآية 47 من سورة الحجر.
4 ب.
5 أ، جـ.
6 من الآية 95 من سورة آل عمران. "حنيفا" حال من "إبراهيم", و"الملة" كالبعض منه؛ ولذا يصح حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، فيقال: اتبع إبراهيم.(2/707)
نحو: "ضربت غلام هند جالسة"، وحكى غيره عن "بعض"1 البصريين إجازته2.
ونُوزِع المصنف في إجازة الحال من المضاف إليه، إذا كان المضاف جزأَهُ أو كجزئه؛ لأنه ما استدل به لا حجة فيه؛ لاحتمال كون "إخوانا" منصوبا على المدح, و"حنيفا" حال من ملة، وذكر على معنى الدين3.
فإن قلت: عَلَامَ يعود الضمير في قوله: "عمله"؟
قلت: على الحال, أي: إلا إذا اقتضى المضاف نصب الحال.
ثم قال:
والحال إن يُنصَب بفعل صُرِّفا ... أو صفة أشبهت المصرَّفا
فجائز تقديمة كمسرعًا ... ذا راحل، ومخلصًا زيد دعا
يجوز تقديم الحال على عاملها، إذا كان فعلا متصرفا نحو: "مخلصا زيد دعا"4, خلافا للجرمي في منع تقديمها عليه5, وللأخفش في نحو: "راكبًا زيد جاء" لبعدها عن العامل وهو كمثال المصنف، ولبعضهم في منع تقديم المؤكدة.
ومنع المغاربة تقديم الجملة الحالية المصدرة بالواو, نحو: والشمسُ طالعةٌ جاء زيدٌ".
ونص ابن "أصبغ"6 على أنه لا يمتنع عند الجمهور.
__________
1 ب، جـ.
2 هو الفارسي، ونقله عن أبي السعادات بن الشجري في أماليه.
3 هو من كلام أبي حيان: " ... قال: وإنما لم يجُز الحال من المضاف إليه لما تقرر أن العامل في الحال هو العامل في صاحبها، وعامل المضاف إليه اللام أو الإضافة، وكلاهما لا يصلح أن يعمل في الحال" ا. هـ. السيوطي في الهمع جـ1 ص240.
4 قياسًا على المفعول به والظرف، والفرق بينه وبين التمييز أن الحال يقتضيها الفعل بوجه، فتقدمت كما تقدم سائر الفضلات. وقد ورد به السماع، قال تعالى: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ....} ا. هـ. السيوطي في الهمع جـ1 ص242.
وارتضيتُ هذا المذهب لقوة دليله. قال السيوطي: "وهو الأصح, وعليهما الجمهور".
5 تشبيهًا بالتمييز.
6 هو قاسم بن أصبغ بن محمد بن يوسف بن ناصح بن عطاء البياني القرطبي, أبو محمد مولى الوليد بن عبد الملك بن مروان، وُلد يوم الاثنين لعشرين خلت من ذي الحجة سنة 247 سبع وأربعين ومائتين. =(2/708)
أو صفة تشبه الفعل المتصرف، بقبول علامات الفرعية كاسمي الفاعل والمفعول, والصفة المشبهة نحو: "مسرعًا ذا راحلٌ".
ونص سيبويه على جواز تقديمها على الفعل واسم الفاعل ونحوه, واحتُرز بقوله: "صُرِّفا" من غير المتصرف نحو: "ما أحسنَ هندًا متجردة".
فلا يجوز تقديمها عليه "لضعفه"1.
وبقوله: "أشبهت المصرفا" من أفعل التفضيل، فإنه لا يقبل علامات الفرعية مطلقا.
فجعل موافقا "للجوامد من"2 منع تقديم الحال عليه، ما لم يتوسط بين حالين كما سيذكر.
تنبيه: جواز تقديم الحال على العامل المتصرف مشروط بعدم المانع، كوقوعه صلة "أل" أو حرف مصدري.
ثم قال:
وعامل ضُمِّن معنى الفعل لا ... حروفه، مؤخَّرا لن يعملا
كتلك ليت وكأن.... ... ..............
لا يجوز تقديم الحال على عاملها إذا كان جامدا ضمن معنى المشتق، وذلك أنواع:
الأول: الإشارة نحو: "تلك".
والثاني: حرف التمني نحو: "ليت".
والثالث: حرف التشبيه نحو: "كأَنَّ".
والرابع: حرف الترجي، وهو: "لَعَلَّ".
والخامس: حرف التنبيه نحو: "هَا".
__________
= ومن تصانيفه: كتاب أحكام القرآن، والناسخ والمنسوخ، وغرائب مالك, وغير ذلك. مات ليلة السبت لأربع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة 340 أربعين وثلاثمائة.
1 ب، جـ, وفي أ "لضعفها".
2 أ، جـ, وفي ب "للجامد في".(2/709)
والسادس: "أما" في نحو: "أما علمًا فعالمٌ".
السابع: الاستفهام المقصود به التعظيم نحو:
............. ... يا جارتا ما أنتِ جارَهْ1
وأجاز الفارسي فيه الحال والتمييز.
الثامن: الجنس المقصود به الكمال نحو: ""هو"2 الرجل علمًا".
التاسع: "المشبه"3 نحو: "هو زهير شعرًا".
ونص المصنف على أن جميع هذه تعمل في الحال, خلافا للسهيلي في اسم الإشارة4 وله، ولابن أبي العافية5 في حرف التنبيه6, ولبعضهم في "كأن", ووفاقا للزمخشري وابن عصفور في ليت و"لعل".
__________
1 نصف بيت للأعمش أبي بصير ميمون بن قيس.
وصدره:
بانت لتحزُننا عفاره
وقيل: هو العجز, كما في ديوانه.
الشرح: "بانت" فارقت, "لتحزننا" تقول: حزنه يحزنه مثل نصره ينصره؛ إذا أورثه الحزن، ومنه قوله تعالى: {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} , "عفارة" اسم امرأة, "جارتا" مضاف لياء المتكلم المنقلبة ألفا كيا غلاما, "ما" للاستفهام التعظيمي مبتدأ, "وأنت" خبره.
الإعراب: "يا" حرف نداء, "جارتا" منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المنقلبة ألفا وجارة مضاف وياء مضاف إليه, "ما" اسم استفهام مبتدأ, "أنت" ضمير منفصل خبر المبتدأ, "جاره" تمييز نسبة غير محوّل منصوب بالفتحة الظاهرة وسكنه للوقف, وقيل: حال من أنت منصوب بالفتحة الظاهرة.
الشاهد: في "جاره", يجوز أن تكون حالا في موضع نصب، والعامل فيها معنى الكلام أي: كرمت جاره.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن عقيل 1/ 376، وابن هشام في المغني 2/ 19, وأيضا ذكره في شذور الذهب ص229, والشاهد رقم 218 من خزانة الأدب، والسيوطي في شرحه للألفية ص70, والأشموني 2/ 252, وابن الناظم ص38.
2 أ, ج, وفي ب "هذا".
3 أ, ج, وفي ب "المشبه به".
4 لأنه غير مشتق من لفظ الإشارة ولا من غيرها. والعامل في "هذا زيد قائمًا" انظر مقدرة دل عليها الإشارة أ. هـ. همع 1/ 244.
5 هو محمد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن خليفة بن أبي العافية، قال ابن الزبير: كان شيخا فقيها أديبا عارفا بالعربية واللغة ذاكرا لها، كاتبا مجيدا شاعرا، وقرأ بمرسية، وانتقل إلى غرناطة وسكن بها وبمالقة وأخذ عنه أهلها. ولد سنة ست وخمسمائة, ومات بغرناطة سنة 583 ثلاث وثمانين وخمسمائة.
6 لأن "ها" حرف، ومعنى الحروف لا يعمل في الظروف والأحوال ا. هـ. همع 1/ 344.(2/710)
وصحّح بعضهم1 أن "ليت" و"لعل" وباقي الحروف لا تعمل إلا "كأنّ" وكاف التشبيه2.
وتقدم بيان العامل في الحال بعد "أما" ونسبة العمل إلى "أما" مجاز. وقد اندرج تحت قوله:
وعامل ضُمِّن معنى الفعل لا ... حروفه.......
نوع عاشر: وهو الظرف وشبهه، إذا ضُمنا الاستقرار, فإنهما يعملان في الحال نحو: "زيد في الدار قائمًا".
وللحال في هذا ثلاثة أحوال:
تأخر، ولا إشكال في جوازه.
وتقدم على الجملة نحو: "قائمًا زيدٌ في الدار" "وهو"3 لا يجوز4, قال في شرح الكافية: بإجماع تبعا لابن ظاهر.
وأجاز الأخفش في قولهم: "فداء لك أبي وأمي" أن يكون فداء حالا، والعامل "فيه"5 لك.
وأجاز ابن برهان "التقديم"6 إن كانت الحال ظرفا, قال في قوله تعالى: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} 7 "هنالك" ظرف في موضع الحال, و"الولاية" مبتدأ والخبر "لله", وهو عامل في "هنالك"8.
وتوسط, وله صورتان:
__________
1 هو أبو حيان.
2 أرجح مذهب المصنف, فالعامل المعنوي في قوة اللفظي ما لم يحدث تغيير في الجملة.
3 أ، جـ, وفي ب "وهذا".
4 وإليه أميل، قال في الهمع: "وهو الأصح" 1/ 242.
5 أ، جـ.
6 ب، أ، جـ "التقدم".
7 من الآية 44 من سورة الكهف.
8 راجع الأشموني 1/ 262.(2/711)
إحداهما: أن تكون بين الخبر المقدم والمبتدأ المؤخر نحو: "في الدار قائما زيد", ولا خلاف في جوازها.
والأخرى: بالعكس, وهي المشار إليها بقوله:
نحو: سعيدٌ مستقرًّا في هَجَرْ
وفيها مذاهب:
المنع مطلقا، وبه قال جمهور البصريين.
والجواز مطلقا، وإليه ذهب الفراء والأخفش في أحد قوليه.
والجواز بقوة إن "كانت"1 الحال ظرفا أو حرف جر، ويضعف إن كانت غيرهما وهو مذهب في التسهيل2.
والجواز إن كانت من مضمر, نحو: "أنت قائما في الدار" وهو مذهب الكوفيين. فهذه أربعة مذاهب.
وقوله: "ندر" ظاهره "مما"3 لا يقاس عليه. وصرح الشارح بذلك4 فقال: و"ما"5 جاء منه مسموعا حفظ, "ولا يقاس"6 عليه هـ. وهو خلاف ما ذهب إليه في التسهيل.
واستدل المجيز بقراءة من قرأ: "والسمواتُ مطوياتٍ بيمينه"7.
__________
1 أ، جـ, وفي ب "كان".
2 قال في التسهيل ص111: ".... جاز على الأصح توسط الحال بقوة إن كانت ظرفا, أو حرف جر، ويضعف إن كانت غير ذلك".
3 أ، جـ.
4 قال الشارح ص138: "وما جاء منه مسموعا يحفظ ولا يقاس عليه. ومن شواهده قول الشاعر:
رهط ابن كوز محقبي أدراعهم ... فيهم ورهط ربيعة بن حذار
5 أ، جـ, وفي ب "من".
6 ب, وفي أ، جـ "ولم يقس".
7 من الآية 67 من سورة الزمر "بنصب" "مطويات", وصاحب هذه القراءة هو الحسن، الإمام أبو سعيد الحسن بن الحسن البصري, "مطويات" حال متوسطة بين عاملها الظرفي الواقع خبرا وهو "بيمينه" وبين مبتدئه وهو "السموات", وصاحب الحال الضمير في الخبر.(2/712)
"وقول"1 ابن عباس2: نزلت عليه الآية ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- متواريًا بمكة. وبأبيات منها قول النابغة3:
رهط ابن كوز مُحْقِبي أدراعهم ... فيهم ورهط ربيعة بن حُذَار4
وتأويل المانع5 وليس هذا موضع بسطه. ثم قال:
__________
1 أ، جـ, وفي ب "بقول".
2 هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم, بحر التفسير وحبر الأمة، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين, عرض القرآن على أبي بن كعب وزيد بن ثابت، وقيل: إنه قرأ على عليّ بن أبي طالب، وتوفي بالطائف، وقد كُفَّ بصره سنة ثمانٍ وستين, وصلى عليه محمد بن الحنفية.
3 راجع الأشموني 1/ 252.
4 البيت للنابغة الذبياني, من قصيدة من الكامل يخاطب بها زرعة بن عمرو.
الشرح: "رهط الرجل: قومه، والرهط: ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة. قال تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} ، ابن كوز -بضم الكاف- هو يزيد بن حذيفة بن كوز، وقال الجوهري: اسم رجل من بني ضبة, "محقبي" من أحقب زاده خلفه على راحلته، إذا جعله وراء حقيبة.
الإعراب: "رهط" مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة, "ابن" مضاف إليه, و"كوز" مضاف إليه, "محقبي" حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور الواقع خبرا وهو قوله: "فيهم" الآتي, منصوب بالياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم وهو مضاف و"أدراعهم" مضاف إليه وضمير الغيبة مضاف إليه, "فيهم" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ, "ورهط" الواو حرف عطف, ورهط معطوف على المبتدأ وهو مضاف, و"ربيعة" مضاف إليه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة, "بن" نعت لربيعة مجرور بالكسرة وهو مضاف, و"حذار" مضاف إليه.
الشاهد: في "محقبي أدراعهم" حيث وقع حالا من الضمير المجرور وهو قوله: "فيهم", وهذا شاذ لا يقاس عليه. وقد قال بعضهم: إن محقبي أدراعهم نصب على المدح, فحينئذ لا شاهد فيه, ولا حكم بالشذوذ.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص138, والسندوبي, والأشموني 37.
5 وقد ارتضيتُ مذهب جمهور النحويين؛ وذلك لضعف العامل، وما ورد فهو متأول. فالآية تخرج على ما يأتي: "أن السموات عطف على الضمير المستتر في قبضته؛ لأنها بمعنى مقبوضة, ومطويات حال من السموات، وبيمينه ظرف متعلق بمطويات, والفصل المشروط للعطف على الضمير المستتر موجود هنا بقوله: يوم القيامة" ا. هـ. صبان جـ2 ص140.
والآية قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} . والبيت ضرورة.
ومثال ابن مالك: سعيد مستقرًّا في هجر. "مستقرا" حال مؤكدة.(2/713)
ونحو:
زيد مفردًا أنفع من ... عمرو مُعَانًا مستجازٌ لن يَهِن
لما كان لأفعل التفضيل مزية على الجامد بتضمن حروف الفعل رجع عليه فاغتفر "توسطه"1 بين حالين نحو: "زيد مفردًا أنفع من عمرو معانًا"2؛ فمفردا حال من الضمير المستكن في "أنفع" و"معانا" حال من "عمرو", والعامل فيهما "أنفع" على المختار، وهو سيبويه والمازني وطائفة3.
ثم قال:
والحال قد يجيء ذا تعدُّد ... لمفرد -فاعلم- وغير مفرد
فهاتان صورتان:
مثال الأولى: "جاء زيدٌ راكبًا مسرعًا", فهما حالان من "زيد" خلافا لابن عصفور في منعه تعدد الحال في هذا النحو, ما لم يكن العامل أفعل التفضيل.
ونقل المنع عن الفارسي وجماعة؛ "فمسرعا" في المثال عندهم نعت لراكب, أو حال من الضمير في "راكب".
__________
1 ب، جـ, وفي أ "بتوسط".
2 كان القياس وجوب تأخير الحالين على أفعل, لكنهم اغتفروا تقدم الحال الفاضلة؛ فرقا بين المفضل والمفضل عليه، إذ لو أخرا لحصل اللبس.
3 وزعم السيرافي أن المنصوبين في ذلك ونحوه, خبران لكان مضمرة مع إذا في المعنى, وإذا في الاستقبال.
والتقدير: "زيد إذا كان قائمًا أحسن منه إذا كان قاعدا، وزيد إذا كان مفردًا أنفع من عمرو إذا كان معانا" ففيه تكلف إضمار ستة أشياء: إذا وكان واسمها أولا، وثانيا يلزم عليه إعمال أفعل النصب في إذا مع تقدمها عليه, فيقع في مثل ما فر منه. ا. هـ. ابن عقيل والخضري 1/ 219. وقد ارتضيتُ مذهب سيبويه؛ لأن السيرافي رجع عن رأيه وقال: هما حالان "والذي في التصريح وشرح الجامع عن السيرافي أنها تامة والمنصوبان حالان من فاعلها, ونسب في شرح الجامع نقصانها لبعض المغاربة" ا. هـ. الخضري جـ1 ص218.(2/714)
والثانية: قد يكون بجمع نحو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} 1, وقد تكون بتفريق، وله طريقان:
إحداهما: أن تولي كل حال صاحبه نحو: "لقيت مصعدا زيدا منحدرا" "ولا إشكال فيها"2.
"والأخرى: أن تؤخرهما نحو: "لقيت زيدا مصعدا منحدرا"3"4.
فإن لم تكن قرينة تعين, جعل الأولى للثاني "والثانية"5 للأول، لتتصل إحداهما "بصاحبه"6 خلافا لمن عكس.
وإن وجدت قرينة عمل بها، نحو:
خرجت بها أمشي تجر وراءنا7 ... ..................
__________
1 من الآية 33 من سورة إبراهيم. دائبين: يدأبان في سيرهما وإنارتهما وإصلاح ما يصلحانه من المكونات, والأصل: دائبة ودائبا.
2 أ، جـ5.
3 "مصعدا" حال من "زيد", "منحدرا" حال من التاء.
4 أ، جـ, وفي ب "الثانية: ألا يولي كل حال صاحبه".
5 أ، جـ، وفي ب "والثاني".
6 ب.
7 هذا صدر بيت من كلام امرئ القيس بن حجر الكندي, من معلقته المشهورة من الطويل.
وعجزه:
على أثريْنا ذيل مِرْط مُرَحَّل
الشرح: المرط -بكسر الميم وسكون الراء- كساء من خز أو صوف، "المرحل" -بالحاء المهملة- الذي فيه علم, أي: خطوط.
المعنى: أخرجت محبوبتي من خِدْرها في حال كوني ماشيا, وهي تجر على أثري قدمي وقدميها ذيل مرط؛ لتخفي الأثر عن القافلة قصدا للستر.
الإعراب: "خرجت" فعل وفاعل, "بها" متعلق بخرج, "أمشي" فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا، والجملة في محل نصب حال من تاء المتكلم في خرجت, "تجر" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي, والجملة في محل نصب حال من ضمير الغائبة في بها, "على" حرف جر, "أثرينا" مجرور بعلى وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه مثنى, ونا مضاف إليه, "ذيل" مفعول به لتجر, منصوب بالفتحة الظاهرة, "مرط" مضاف إليه, "مرحل" نعت لمرط مجرور بالكسرة الظاهرة. الشاهد: في "أمشي" "تجر", فجملة أمشي في محل نصب حال من تاء المتكلم في "خرجت", وجملة "تجر" في محل نصب حال من "هاء" الغائبة في "بها", وقد جاء بالحالين على نفس ترتيب صاحبهما, معتمدا في ذلك على قيام القرينة, وذلك من قِبَل أن قوله: "أمشي" مذكر، وقوله: "تجر" مؤنث، وقد علم أن الحال يلزم أن يطابق صاحبه.
مواضعه: ذكره ابن هشام في شرحه للألفية 2/ 98, والسيوطي في همع الهوامع 1/ 244.(2/715)
ثم قال:
وعامل الحال بها قد أكدا
الحال نوعان:
مُبَيِّنة ومؤكدة خلافا للفراء والمبرد والسهيلي في إنكار المؤكدة1.
ثم المؤكدة ضربان:
مؤكدة لعاملها، ومؤكدة لمضمون الجملة.
المؤكدة لعاملها: قد توافقه معنى لا لفظا، وهو الغالب نحو: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} 2.
وقد توافقه معنى ولفظا، وهو قليل، كقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} 3, والمؤكدة لمضمون جملة: شرطها أن تدل على معنى لازم أو شبيه باللازم في تقدم العلم به بعد جملة جزآها معرفتان جامدان جمودا محضا نحو قوله:
أنا ابن دارةَ معروفًا بها نَسَبِي4 ... ...................
__________
1 وقالوا: "لا تكون مؤكدة, بل هي مبينة أبدا؛ لأن الكلام لا يخلو عند ذكرها من فائدة" ا. هـ. 1/ 219.
2 من الآية 36 من سورة العنكبوت.
3 من الآية 79 من سورة النساء.
4 صدر بيت قائله: سالم بن دارة اليربوعي، وهو من قصيدة يهجو بها فزارة, من البسيط, وعجزه:
وهل بدارة يا للناس من عار
وذكر البيت في نسخة ب.
الشرح: "دارة" -بالدال والراء المهملتين- اسم أم الشاعر، وقال أبو رياش: هو لقب جده, واسمه يربوع.
المعنى: أنا ابن هذه المرأة ونسبي معروف بها, وليس فيها من المعرَّة ما يوجب القدح في النسب أو الطعن في الشرف.
الإعراب: "أنا" مبتدأ ضمير منفصل, "ابن" خبر, "دارة" مضاف إليه, "معروفا" حال منصوب بالفتحة الظاهرة, "بها" جار ومجرور متعلق بمعروف, "نسبي" نائب فاعل لمعروف =(2/716)
فإن قلت: أطلق في قوله: "وإن تُؤَكِّد جملة" ولم يشترط تعريف جزأيها ولا جمودها، قلت: أما اشتراط التعريف فقد يفهم من تسميتها مؤكدة؛ لأنها إنما تؤكد شيئا قد عرف.
وأما اشتراط الجمود, فمن قوله: "وإن تؤكد جملة".
لأنه إذا كان أحد الجزأين مشتقا أو في حكمه كان عاملا فيها، وكانت مؤكدة لعاملها لا لمضمون جملة.
ولذلك جعل في شرح التسهيل قولهم: "زيد أبوك عطوفًا" و"هو الحق بَيِّنًا" من قِبَل المؤكدة لعاملها، "وهي"1 موافقة معنى لا لفظا.
قال: لأن "الأب والحق" صالحان للعمل.
وقوله: فمضمر عاملها.
يعني: بعد الجملة وتقديره: "أحقه وأعرفه" إن كان المخبر عنه غير "أنا", وإن كان أنا فالتقدير: "أحق أو أعرف أو اعرفني".
وكون عاملها مقدرا هو الصحيح2 وهو مذهب سيبويه, خلافا للزجاج في جعله عاملها هو الخبر مؤولا بمسمى.
وخلافا لابن خروف في جعله عاملها هو المبتدأ مضمنا تنبيها.
فإن قلت: "هل"3 إضمار عاملها واجب أو جائز4؟
__________
= لأنه اسم مفعول, "وهل" استفهام إنكاري, "بدارة" جار ومجرور متعلق بمحذوف مقدم, "من" زائدة, "عار" مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد, "يا للناس" يا للنداء واللام للاستغاثة, وهذا اعتراض بين المبتدأ والخبر.
الشاهد: في "معروفا", فإنه حال أكدت مضمون الجملة التي قبلها, والتقدير: أحق معروفا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص140, وابن عقيل 1/ 369، والسندوبي، وداود، والأشموني 1/ 252، وسيبويه جـ1 ص257، والسيوطي ص68.
1 أ, وفي ب، جـ "هو".
2 وقد ارتضيته لما في المذهبين الآخرين من تكلف. قال السيوطي في الهمع جـ1 ص245:
"ولظهور تكلف القولين, كان الراجح الأول".
3 ب.
4 أ، جـ, وفي ب "هذا العامل في هذه الحال جائز أم واجب".(2/717)
قلت: بل واجب، ويؤخذ ذلك من جزمه بالإضمار.
وقوله: ولفظها يُؤخَّر يعني: أنه لا يجوز تقديمها على الجملة، ولا على أحد جزأيها لشبهها بالتوكيد، ولأنهم تجوّزوا حذف عاملها، فلا يضم إليه تجوز آخر بالتقديم.
فإن قلت: قد تقدم أن الحال نوعان: مبينة ومؤكدة.
وقد ذكر النحويون أنواعا أُخَر، وهي المستصحبة نحو: "هذا زيدٌ راكبًا"، والمحكية نحو: "رأيت زيدا أمس ضاحكًا"، والمقدرة نحو: "مررت برجل معه صقرٌ صائدًا به غدا"1, والموطئة نحو: {لِسَانًا عَرَبِيًّا} 2.
قلت: لا تستخرج هذه عن النوعين السابقين.
ولما كان أصل الحال الإفراد, نبه على أنها قد تكون جملة بقوله:
وموضع الحال تجيء جمله
ولوقوع الجملة مواقع الحال, شرطان:
أحدهما: أن تكون خبرية. فإن وقعت طلبية قدر القول كما في النعت, كقول أبي الدرداء3: "وجدت الناس أخبر تَقله"4 أي: "مقولا"5 فيهم: أخبر تقله، وفي البسيط جوز الفراء وقوع الأمر ونحوه حالا.
__________
1 أي: مقدرا ذلك.
2 من الآية 12 من سورة الأحقاف.
3 أبو الدرداء اسمه: عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري، وقيل: اسمه عامر، وعويمر لقب. صحابي جليل أول مشاهده أحد، وكان عابدا. مات في آخر خلافة عثمان، وقيل: عاش بعد ذلك.
4 وهو: أن "أخبر تقله" صفة للناس مع أنها طلبية, وهي مؤولة بمقولا فيهم: أخبر تقله، وظاهره أنه شعر، وليس كذلك، إنما هو مَثَل ضرب في ذم الناس وسوء معاشرتهم. والهاء في "تقله" للسكت بعد العائد، أعني: أن أصله: "أخبر الناس تقلهم" ثم حذف الهاء والميم، ثم أدخل هاء الوقف، وتكون الجملة في موضع النصب بوجدت, أي: وجدت الأمر كذلك.
قال أبو عبيد: "جاءنا الحديث عن أبي الدرداء الأنصاري -رضي الله عنه- قال: أخرج الكلام على لفظ الأمر ومعناه الخبر، يريد: أنك إذا خبرتهم قليتهم". ا. هـ. مجمع الأمثال للميداني 2/ 363 رقم 4357.
5 ب، جـ, وفي أ "منقولا".(2/718)
والآخر: ألا تكون مفتتحة بدليل استقبال "كلن وحرف التنفيس". ثم مثّل فقال:
كجاء زيد وهو ناوٍ رحله
وهذا مثال مجمع على جوازه, ثم شرع في التفصيل فقال:
وذات بدء بمضارع ثبت ... حوت ضمير ومن الواو خلت
يعني: أن الجملة الحالية إذا صدرت بمضارع مثبت, وجب حينئذ اشتمالها على ضمير صاحب الحال، وخلوها من الواو نحو: "جاء زيد يضحك", ولا يجوز: "ويضحك"؛ لأن المضارع مشابه للاسم, فلا تدخل عليه الواو كما لا تدخل على الاسم.
تنبيه:
ويشترط في خلوه من الواو مع الإثبات شرط آخر, وهو أن يعرى من "قد" -ذكره في التسهيل1- فإن قرن بها:
قال الشارح: لزمته الواو نحو: {وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} 2.
ثم قال:
وذات واو بعدها انْوِ مبتدا ... له المضارع اجعَلَنَّ مسندا
يعني: أن الجملة المصدرة بالمضارع المثبت العاري من "قد" إذا وردت بالواو نوى3 الأصح بعدها، أي: بعد الواو، مبتدأ، وجعل المضارع خبرا عنه؛ لتصير جملة اسمية كقولهم: "قمتُ وأصكُّ عينَهُ" أي: وأنا أصك4.
ثم قال:
وجملة الحال سوى ما قُدِّما ... بواو أو بمضمر أو بهما
الذي قدم هو الجملة الفعلية المصدرة "بالفعل"5 المضارع المثبت ""وسوى
__________
1 قال في التسهيل ص112: ".... بمضارع مثبت عارٍ من قد".
2 من الآية 5 من سورة الصف, وراجع الشارح ص141.
3 في الأصل: ونوى, والسابق يقتضي حذف الواو.
4 قال الشارح ص141: "حكاه الأصمعي تقديره: قمت, وأنا أصك عينيه".
5 ب.(2/719)
ما" يشمل"1 الجملة الاسمية، مثبتة أو منفية، والفعلية المصدرة بالمضارع المنفي, وبالماضي مثبتا ومنفيا.
ومقتضى قوله:
بواو أو بمضمر أو بهما
جاز الأوجه الثلاثة في ذلك كله، وليس على إطلاقه فلا بد من بيانه. أما الجملة الاسمية، فإن كانت مؤكدة لزم فيها الضمير، والخلو من الواو نحو: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} 2 وكذا إن عطفت على حال كقوله تعالى: {بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} 3 وإن كانت غير مؤكدة، ولا معطوفة جازت الأوجه الثلاثة.
إلا أن الأكثر مجيئها بالواو مع الضمير، وأقل منه انفراد الواو، وأقل منه انفراد الضمير. وليس انفراد الضمير مع قلته بنادر خلافا للزمخشري، وقبله الفراء بل هو فصيح4.
وجعل في الكشاف5 قوله تعالى6: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} 7 {لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} 8 في موضع النصب على الحال.
__________
1 أ, أي: سوى ما قدم, وفي ب، جـ "وسواها يشمل".
2 من الآية 2 من سورة البقرة. لا ريب فيه جملة وقعت حالا مؤكدة لمضمون الجملة قبلها، وتمتنع الواو؛ لأن المؤكد عين المؤكد، فلو قرن بالواو لزم عطف الشيء على نفسه صورة.
3 من الآية 4 من سورة الأعراف. جملة "هم قائلون" حال معطوفة على "بياتا", والرابط الضمير، ولا يقال: "وهم" كراهة اجتماع حرفي عطف صورة, "قائلون" من القيلولة وهي نصف النهار.
4 قال الزمخشري والفراء: انفراد الضمير وحده في الاسمية يأتي نادرا شاذا وليس بشيء, بل ورد في الفصيح انفراده.
"قال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا} .
ثم راحوا عبق المسك بهم ... يلحفون الأرض هداب الأزر
وقوله:
ولولا جنان الليل ما آب عامر ... إلى جعفر سرباله لم يمزق
ا. هـ. أشموني 1/ 258.
5 هو كتاب في تفسير القرآن الكريم للإمام محمود بن عمر الزمخشري, واسمه: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل.
6 ب.
7 من الآية 36 من سورة البقرة, أي: متعادين, 1/ 96 كشاف.
8 من الآية 41 من سورة الرعد, لا معقب: لا راد له, 2/ 116 كشاف.(2/720)
وأما المصدَّرة بالمضارع المنفي، فإن كان النافي "لا" فهو كالمثبت في لزوم الضمير, والتجرد عن الواو.
فإن ورد بالواو قدر المبتدأ على الأصح، كقراءة ابن ذكوان1: "فاستقيما ولا تَتَّبِعَانِ"2 "نص"3 على ذلك في التسهيل4.
وقول الشارح5: "وقد تجيء بالضمير واو" هـ, ظاهره عدم التأويل.
وإن كان النافي غير "لا"6 جاءت الأوجه الثلاثة، والمسموع من ذلك: "لم ولما وما", والقياس يقتضي "إلحاق"7 إن "بما"8، وأما "لن" فلا مدخل لها هنا.
وذكر في التسهيل9 أن المضارع المنفي "بما" لا تغني فيه الواو عن الضمير, وفي كلام غيره التمثيل "بجاء زيد, وما تطلع الشمس".
وأما المصدرة بالماضي المثبت، فإن كان تاليا "لإلا" نحو: {إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} 10.
__________
1 هو: عبد الله بن أحمد بن بشر بن ذكوان, الإمام الراوي الثقة شيخ الإقراء بالشام. ولد يوم عاشوراء سنة ثلاث وسبعين ومائة، أخذ القراءة عن أيوب بن تميم وخلفه في القيام بالقراءة في دمشق. ألف كتاب أقسام القرآن وجوابها وما وجب على قارئ القرآن. توفي يوم الاثنين لليلتين بقيتا من شوال, وقيل: لسبع خلون منه سنة اثنتين وأربعين ومائتين.
2 من الآية 89 من سورة يونس. هذه القراءة بتخفيف النون على أنها نون الرفع, فلا نافية لا ناهية، والتقدير: وأنتما لا تتبعان.
3 ب، جـ.
4 قال في التسهيل ص113: "وقد تصحب الواو المضارع والمثبت, عاريا من قد أو المنفي بلا, فيجعل الأصح خبر مبتدأ مقدر".
5 الشارح ص141 من شرحه للألفية.
6 ب, وفي أ، جـ "ها".
7 أ، جـ.
8 أ، جـ, وفي ب "وما".
9 راجع التسهيل ص112.
10 من الآية 11 من سورة الحجر. جملة: "كانوا به يستهزئون" حال من الهاء في "يأتيهم", وإنما امتنعت الواو؛ لأن ما بعد "إلا" مفرد حكما, وأجاز بعضهم اقترانه بالواو تمسكا بقوله:
نعم امرأ هرم لم تعر نائبة ... إلا وكان لمرتاع بها وزرا
قياسا على الاسمية الواقعة بعد "إلا" نحو: {وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} .(2/721)
أو متلوًّا "بأو" نحو:
#كن للخليل نصيرا جارَ أو عَدَلا1 ... ..............................
أو أصله الشرط نحو: "لأضربَنَّ زيدا ذَهَبَ أو مَكَثَ"2, لزم الضمير والخلو عن الواو، وامتنع دخول قد.
وقوله:
متى يأتِ هذا الموت لا يُلْفِ حاجة ... لنفسي إلا قد قضيتُ قضاءَهَا3
نادر.
__________
1 صدر بيت من البسيط. قال العيني: لم أقف على اسم قائله، والظاهر أنه من كلام المحدثين. وبحثت فلم أعثر على قائله.
وعجزه:
ولا تشحَّ عليه جاد أو بخلا
الشرح: "للخليل" أي: الصاحب والصديق, و"النصير" فعيل بمعنى فاعل, "جار" من الجور، وهو خلاف العدل، "الشح" البخل, "جاد" من الجود -بالضم- وهو الكرم.
المعنى: انصر صاحبك في كل الأحوال, سواء جار في حقك أو عدل، ولا تبخل عليه بشيء, سواء بخل في حقك أو جاد.
الإعراب: "كن" فعل أمر ناقص واسمه ضمير مستتر فيه تقديره: أنت, "للخليل" جار ومجرور متعلق بنصير, "نصيرا" خبر كان منصوب بالفتحة الظاهرة, "جار" فعل ماضٍ وفاعله ضمير مستتر يعود إلى الخليل, "أو" حرف عطف, "عدلا" فعل ماض والفاعل ضمير مستتر يعود إلى الخليل, "ولا" الواو عاطفة ولا ناهية, "تشح" فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه السكون وحرك للتخلص من التقاء السكونين, والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت, "عليه" متعلق بتشح, "جاد" فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو, "أو" حرف عطف, "بخلا" فعل ماض وفاعله ضمير مستتر تقديره هو, والألف للإطلاق.
الشاهد: في "جار", حيث وقع حالا وهو ماضٍ ولم يجئ معها "قد" أو الواو لكون الماضي قد عطف عليه "بأو".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص142, والسندوبي، وداود، والأشموني 1/ 257.
2 جملة "ذهب" حال من زيد، وتمتنع الواو؛ لأنها في تقديره فعل الشرط, إذ المعنى: إن ذهب وإن مكث، وفعل الشرط لا يقترن بالواو, فكذا المقدر به.
3 قائله: قيس بن الخطيم، وهو من قصيدة هائية من الطويل.
الشرح: "متى يأت" إشارة إلى ما تصوره حاضرا لمعرفته بإدراكه لا محالة، ويجوز أن يكون لدوام استقباله, أشار إليه على وجه التقريب. "لا يلف" من ألفى, إذا وجد. قال تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} أي: وجدا، وفي شرح الشواهد للعيني "لا تلف", ورواية الأشموني: "لم يلف". إلا قضيت قضاءها، أي: فرغت منها لقضائي لأمثالها. =(2/722)
"أو"1 كانت الحال مؤكدة, نحو: "أبو بكر الخليفة قد علمه الناس" تركت الواو أيضا.
وإن كان غير ذلك, جازت الأوجه الثلاثة.
فإن انفرد الواو, لزمته "قد" نحو:
فجئت وقد نَضَّت لنوم ثيابها2 ... ..........................
__________
= الإعراب: "متى" اسم شرط جازم يجزم فعليه وهو ظرف زمان, "يأت" فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بحذف الياء, "هذا" فاعل يأت, "الموت" بدل من هذا أو عطف بيان أو نعت, "لا" حرف نفي, "يلف" فعل مضارع مبني للمعلوم جواب الشرط مجزوم بحذف الياء والفاعل ضمير مستتر فيه, ويروى بالبناء للمجهول, "حاجة" بالنصب على أنها مفعول يُلْفِ وبالرفع نائب فاعل لتُلْفَ, "لنفس" اللام حرف جر والنفس مجرور بها وياء المتكلم مضاف إليه والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لحاجة, "إلا" أداة استثناء ملغاة, "قد" حرف تحقيق, "قضيت" فعل وفاعل, "قضاءها" مفعول به وضمير الغائبة مضاف إليه.
الشاهد: في "قضيت قضاءَهَا", فإنها جملة وقعت حالا مصدرة بكلمة "قد", وفيها الضمير يرجع إلى ذي الحال، وقد علم أن الجملة الفعلية الماضية المثبتة التالية "لإلا" إذا وقعت حالا لا بد أن يكون فيها ضمير، وأن تكون خالية عن الواو, وعن كلمة "قد".
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 1/ 259.
1 أ، جـ, وفي ب "إن".
2 صدر بيت من الطويل, قائله: امرؤ القيس الكندي من معلقته المشهورة, وتمامه:
لدى السِّتْر إلا لِبْسَة المُتَفَضِّل
الشرح: "نَضَّتْ" ألقتْ وخلعتْ، "لدى الستر" عند الستار، "لبسة" -بكسر اللام- وهي هيئة اللباس، "المتفضل" المتوشح بثوبه, أو لابس الثوب الواحد.
المعنى: أتيت إلى المحبوبة وقد ألقت ثيابها للنوم، ولم يبق عليها سوى ثوب واحد تتوشح به. يشير بهذا إلى أنها وليدة نعمة.
الإعراب: "جئت" فعل ماض وتاء المتكلم فاعله, "وقد" الواو حرف عطف وقد حرف تحقيق, "نضت" فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر فيه, "لنوم" جار ومجرور متعلق بنض, "ثيابها" مفعول به لنض وضمير الغائبة مضاف إليه, "لدى" ظرف مكان وهو مضاف, و"الستر" مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة, "إلا" حرف استثناء, "لبسة" منصوب على الاستثناء, "المتفضل" مضاف إليه مجرور بالكسرة.
الشاهد: في قوله: "وقد نضت", فإنها جملة ماضية مثبتة وقعت حالا بالواو؛ فلذلك لزمها دخول "قد". =(2/723)
وإن انفرد الضمير أو اجتمعا, جاز إثبات "قد" وحذفها فهي أربع صور, وترتيبها في الكثرة: "جاء زيد وقد قام أبوه" ثم: "جاء زيد قام أبوه" ثم: "جاء زيد قد قام أبوه" ثم: "جاء زيد وقام أبوه"1.
وجعل الشارح الثالثة أقل من الرابعة، وهو خلاف ما في التسهيل2.
وذهب قوم؛ منهم الفراء، والمبرد، وأبو علي، إلى3 اشتراط "قد" مع الماضي ظاهرة أو مقدرة4، والمختار أنه لا يحتاج إلى تقدير؛ لكثرة ما ورد من ذلك5.
وأما المصدرة بالماضي المنفي, فيجوز فيها الأوجه الثلاثة.
وقد تركت تمثيل "أكثر"6 هذه المسائل لوضوحها, وخشية الإطالة.
ثم قال:
والحال قد يُحذَف ما فيها عَمِل ... وبعض ما يُحذَف ذكره حُظِل
يعني: أن عامل الحال قد يحذف، وحذفه على ضربين: جائز وواجب. فالجائز: ما حذف لحضور معناه كقولك للراحل: "راشدًا مهديًّا"7, أو لتقدم ذكره من استفهام أو غيره كقولك: راكبا, لمن قال: كيف جئتَ؟
__________
1 وجعل الأشموني الثانية هي الرابعة.
2 راجع الأشموني 1/ 259.
3 في الأصل "إلى أن اشتراط", والسياق يقتضي حذف أن.
4 لأنها تقربه إلى الزمن الحاضر, فتشعر بمقارنة زمن الحال لزمن عاملها، ولولاها لتوهم مُضِيّ زمن الحال بالنسبة إلى زمن عاملها, فتفوت المقارنة. ا. هـ.
صبان جـ2 ص147, نقلا عن الدماميني.
5 من ذلك قوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} , و {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ، قَالُوا} , و {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا} صبان 2/ 147.
6 أ، جـ.
7 يستثنى من الجائز ما إذا كان العامل ظرفا أو مجرورا أو اسم إشارة, فلا يجوز حذفه لضعفه، فهم أو لم يفهم.(2/724)
الواجب: إذا جرت مثلا كقولهم:
"حَظِيِّين بَنَاتٍ صَلِفِينَ كَنَّاتٍ"1 أي: عرفتهم.
أو بينت ازدياد ثمن أو غيره شيئا فشيئا, مقرونة بالفاء أو بثم, نحو: "بعته بدرهم فصاعدا" أي: فذهب الثمن صاعدا.
أو نابت عن خبر نحو: "ضربي زيدًا قائمًا"2, أو وقعت بدلا من اللفظ بالفعل نحو: "أتميميا مرة وقيسيا أخرى؟ "3.
وإلى هذه المواضع أشار بقوله:
وبعض ما يحذف ذكره حظل
"أي: منع"4 "والله أعلم"5.
__________
1 الحظي: الذي له حظوة ومكانة عند صاحبه. يقال: حظي فلان عند الأمير, إذا وجد له منزلة ورتبة، والصلف ضده, وأصل الصلف قلة الخير، يقال: امرأة صلفة: إذا لم تحظَ عند زوجها.
والكنة: امرأة الابن وامرأة الأخ أيضا، ونصب "حظيين وصلفين" على إضمار فعل, كأنه قال: وجدوا وأصبحوا، ونصب "بنات وكنات" على التمييز كما تقول: راحوا كريمين آباء حسنين وجوها. وهذا مَثَل يضرب في أمر يعسر بعضه ويتيسر وجود بعضه. ا. هـ. مجمع الأمثال للميداني 1/ 209 رقم 1113.
وقال ابن الناظم: نصب "بنات وكنات" على الحال.
2 مما فيه الحال سادّة مسد الخبر، فلا يجوز ذكر الخبر لئلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض.
3 أي: أتوجد، وأتتحول، وحذف العامل وجوبا؛ لأنها بدل من اللفظ بالفعل ولا يجمع بين البدل والمبدل منه. وقيل: تميميا وقيسيا مفعول مطلق على حذف مضاف, أي: أتتخلق خلق تميمي مرة......؟
4 جـ.
5 أ، جـ.(2/725)
التمييز:
قال:
اسم بمعنى "مِنْ" مبين نكرة ... .........................
"اسم" جنس، و"بمعنى من" يخرج ما سوى التمييز، والمشبه بالمفعول نحو: "الحسن الوجه", واسم "لا" التبرئة نحو: "لا رجل", ونحو: "ذنبا"، من:
أستغفر الله ذنبا1.... ... ..........................
فكل ذلك "مشارك"2 التمييز في أنه على معنى "من".
"ومبين" يخرج اسم "لا" والمنصوب "باستغفرت"، و"نكرة" يخرج المشبه.
__________
1 هذا جزء من بيت من البسيط. قال العيني: أقول: هذا من أبيات الكتاب ولم ينسب فيه إلى أحد. وبحثت فلم أعثر على قائله.
وتمامه:
...... لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل
الشرح: "أستغفر" أطلب المغفرة، فالسين والتاء للطلب, "ذنبا" الذنب: الجريمة والإثم، "لست محصيه" الإحصاء: منتهى العدد، واشتقاقه من الحصا، وأصله: أنهم كانوا يضعون المعدود على الحصا، "الوجه" القصد والتوجه، ويروى: "إليه القصد والقبل".
المعنى: أطلب المغفرة من الله لذنوبي الكثيرة، فإنه المقصود في كل شيء.
الإعراب: "أستغفر" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة وفاعله ضمير مستتر تقديره أنا, "الله" منصوب على التعظيم, "ذنبا" مفعول ثانٍ لأستغفر منصوب بالفتحة الظاهرة, "لست" فعل ماض ناقص وتاء المتكلم اسمه, "محصيه" محصي خبر ليس وضمير الغائب مضاف إليه, "رب" بدل من لفظ الجلالة, "العباد" مضاف إليه, "إليه" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم, "الوجه" مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة, "والعمل" معطوف عليه.
الشاهد: في "ذنبا" لا يصلح كونه تمييزا، وإن كانت على معنى "من" فإنه ليس تمييزا؛ لكونه غير مبين لإبهام اسم مجمل الحقيقة قد ذكر قبله، ولا هو مبين لنسبة في جملة مذكورة من قبله. وقال جماعة من النحاة: إن قوله: "ذنبا" منصوب على نزع الخافض الذي هو "من", إذا ضمن أستغفر معنى: أستَتِيب.
وقيل: إنه مفعول به ثانٍ لأستغفر.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص143، وابن هشام 2/ 108، والأشموني 1/ 262، وسيبويه في كتابه جـ1 ص17.
2 أ، جـ, وفي ب "يشارك".(2/726)
وذهب الكوفيون وابن الطراوة إلى جواز تعريف التمييز1, وما أوهم ذلك مؤول عند البصريين.
ثم ذكر حكمه فقال:
............ ... يُنصَب تمييزا بما قد فسره
وفهم من قوله: "بما قد فسره" أن عامل التمييز هو المميز, وهو ما قبله من المبهمات المفتقرة إليه، وأقول: التمييز نوعان:
الأول: تمييز مفرد، وهو: ما رفع إبهام اسم قبله مجمل الحقيقة, نحو: "رطل "سمنا"2 و"عشرين درهما"".
ولا خلاف أن العامل في هذا النوع "هو"3 مميزه كما ذكر.
والثاني: تمييز الجملة، وهو ما رفع إبهام نسبة في جملة أو "شبهها"4.
وعامل هذا النوع عند سيبويه5 والمازني والمبرد ومن وافقهم هو الفعل، وما جرى مجراه من مصدر ووصف واسم فعل، نحو: "طاب زيدٌ نفسًا" و"عجبتُ من طيب زيد نفسًا" و"زيد طيبٌ نفسًا" و"سرعان ذا إهالةً"6. وذهب قوم إلى أن
__________
1 متمسكين بقول رشيد اليشكري:
رأيتك لما أن عرفت وجوهنا ... صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو
وهو مؤول عند البصريين على زيادة "أل" كما زِيدت في: باعد أم العمرو عن أسيرها ا. هـ. تصريح الشيخ خالد 1/ 394, فالبصريون يشترطون تنكير التمييز, والكوفيون جوزوا التعريف.
2 أ، ب, وفي ب "زيتا".
3 أ.
4 أ، ب, وفي جـ "بدلها".
5 وقد ارتضيت مذهب سيبويه ومن وافقه؛ فقد ورد في أشعار العرب ما يثبت أن العامل هو الفعل.
قال الشاعر:
أنفسًا تطيب بنيل المنى ... وداعي المَنُون ينادي جهارا
أتهجر ليلى بالفِرَاق حبيبها ... وما كان نفسًا بالفراق تطيب
وقوله:
ضيعت حزمي في إبعادي الأملا ... وما ارعويت وشيبًا رأسي اشتعلا
فالعامل هنا الفعل: تطيب، تطيب، اشتعل.
قال الأشموني جـ1 ص266: ".... مجيء عامل التمييز الذي هو فعل متصرف.......".
6 "سرعان" بتثليث السين والبناء على الفتح: اسم فعل ماض، أي: سرع، وذا فاعل، وإهالة تمييز محول عن الفاعل, أي: إخافة وإفزاعا، ويجوز جعله بمعنى اسم الفاعل حالا. =(2/727)
العامل فيه هو الجملة التي انتصب عن تمامها, لا الفعل وما جرى مجراه، واختاره ابن عصفور، ونسبه إلى المحققين.
فإن قلت: ظاهر قوله: "بما فسره" يقتضي موافقة من جعل العامل في هذا النوع هو الجملة؛ لأن التمييز لم يفسر "الفعل"1 ولا جرى مجراه.
قلت: لا يصح حمل كلامه على ذلك؛ لنصه في غير هذا الموضع على أن عامله الفعل، وقد صرح بذلك آخر الباب2.
فإن قلت: فكيف يندرج الفعل في قوله: "بما فَسَّره"؟
قلت: لما كان التمييز قد رفع إبهام نسبة إلى فاعله أو مفعوله, فكأنه رفع الإبهام عنه, "فاندرج"3 بهذا الاعتبار4.
ثم "مَثَّل"5 تمييز المفرد فقال:
كشبرٍ أرضًا وقفيز بُرًّا ... ومَنَوَيْنِ عسلًا وتمرا
المفرد الذي يفسره التمييز، إما مقدار وهو المسموع, نحو:
"شبرٌ أرضًا", والمكيل نحو: "قفيزٌ بُرًّا".
والموزون نحو: "منوين عسلًا"6.
__________
= قال في مجمع الأمثال للميداني جـ1 ص336 رقم 1798: "سرعان بمعنى سرع, نقلت فتحة العين إلى النون فبني عليها.... وسرعان ثلاث لغات: فتح الفاء وضمها وكسرها.... وأصل المثل أن رجلا كانت له نعجة عجفاء وكان رغامها يسيل من منخريها لهزالها, فقيل له: ما هذا الذي يسيل؟ فقال: ودكها، فقال السائل: سرعان ذا إهالة، نصب إهالة على الحال، وذا إشارة إلى الرغام، أي: سرع هذا الرغام حال كونه إهالة، ويجوز أن يحمل على التمييز على تقدير نقل الفعل مثل قولهم: تصبَّب زيدٌ عرقًا" ا. هـ.
1 أ، ب, وفي جـ "العامل".
2 وهو قول ابن مالك:
وعامل التمييز قدم مطلقا ... والفعل ذو التصريف نزرا اسبقا
3 أ، جـ, وفي ب "فيندرج".
4 راجع الأشموني 1/ 262.
5 ب، جـ, وفي أ "فسر".
6 القفيز من المكيل: ثمانية مكاكيك، والمكوك: مكيال يسع صاعا ونصف صاع، أو نصف رطل إلى ثماني أواقٍ كما في القاموس. ومن الأرض 144 ذراعا وليس مرادا هنا.
"المنا كعصا: رطلان, وتثنيته منوان، وجمعه أمناء".(2/728)
والموزون نحو: "خمسة عشر رطلا" وجعله بعضهم من المقادير.
أو مفهم "غيرية"1 نحو: لنا غيرُها إبلًا.
أو مثلية نحو: لنا أمثالها شاء.
أو تعجب نحو: "الله دره فارسًا"2.
وإنما اقتصر في "هذا"3 البيت على التمثيل بالمقدار؛ لكثرة انتصاب التمييز عنه.
ثم قال:
وبعد ذي وشبهها اجرُرْه إذا ... أضفتها كمد حنطة غِذَا
"الإشارة بذي إلى المثل السابقة ونحوها؛ كل ما دل على مساحة أو كيل أو وزن، فيجوز في ذلك "جره"4 بإضافة المميز إليه، فتقول: "شبر أرض وقفيز بر ومنوا عسل", وقد مثل بقوله: كمد حنطة غذا"5.
ثم قال:
والنصب بعد ما أُضيف وجبا ... إن كان مثل "ملء" الأرض ذهبا
يعني: أن جواز جر التمييز بالإضافة مشروط بخلو التمييز من إضافته إلى غير التمييز.
فإن أضيف إلى غيره6 وجب النصب نحو: {مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} 7.
__________
1 ب، جـ, وفي أ "غيره".
2 "فارسا" تمييز لبيان جنس المتعجب منه في النسبة. والدر في الأصل مصدر: در اللبن, إذا كثر. والمراد به في المثال: اللبن الذي أرضعته من ثدي أمه وأضيف إلى الله تشريفا, أو هو كناية عن فعل الممدوح.
والمعنى: ما أعجب هذا اللبن الذي نشأ وتغذى مثل هذا المولود الكامل في الفروسية، أو ما أعجب فعله.
3 ب.
4 أ، ب, وفي جـ "تمييزه".
5 أ، جـ.
6 أي: إلى غير التمييز ولو تقديرا.
7 من الآية 91 من سورة آل عمران.(2/729)
فإن قلت: ما فائدة الشروط في قوله: "إن كان"؟
قلت: التنبيه على أن تمييز المضاف له حالتان:
إحداهما: ألا يصح إغناؤه عن المضاف إليه، فهذا يجب نصبه كالمثال المذكور، إذ لو قيل فيه: "ملء ذهب" لم يستقم المعنى.
والأخرى: ألا يصح إغناؤه عنه, فيجوز جره بالإضافة؛ لأن حذف "المضاف إليه"1 غير ممتنع نحو: "زيد أشجعُ الناسِ رجلًا"2 فلك في هذا أن تقول: "هو أشجعُ رجلٍ".
فإن قلت: كيف جعل النصب بعد المضاف المذكور واجبا, وقد ذكر "بعده3 جواز جره "بمن"؟
قلت: يعني "بشرط"4 خلوه من "مِنْ" وذلك مفهوم من قوله: "إن كان مثل ملء الأرض ذهبًا" أي: "إن"5 كان كالمثال المذكور في امتناع إغنائه عن المضاف إليه وفي تجرده من "مِنْ".
فإن قلت: لم يذكر هنا حكم تمييز العدد.
قلت: لأن له بابا يذكر فيه.
ثم انتقل إلى بيان موضعين من تمييز الجملة فقال:
والفاعل المعنى انصبن بأفعلا ... مُفضِّلا كأنت أعلى منزلا
النكرة الواقعة بعد أفعل التفضيل نوعان:
أحدهما: فاعل في المعنى وهو السببي, وعلامته أن يصلح للفاعلية عند
__________
1 ب, وفي أ "غير المصنف", وفي جـ "لمضاف".
2 لتعذر إضافة "أفعل مرتين" ونصب "رجل" مع تخلف شرط النصب؛ لأن رجلا لا يصلح أن يكون فاعلا في المعنى.
3 أ، وفي ب، ج "بعد".
4 ب، ج, وفي أ "بشروط".
5 ب، جـ.(2/730)
جعل أفعل "التفضيل"1 فعلا، نحو: "أنت أعلى منزلًا", فإنه يصلح لذلك فتقول: "علا منزلك" فهذا النوع ينصب على التمييز.
والآخر: أن يكون فاعلا في المعنى، وهو ما أفعل التفضيل بعضه، وعلامته أن "يحسن"2 وضع بعض موضع "أفعل"3 ويضاف إلى جمع قائم مقام النكرة نحو: "أنت أفضلُ فقيهٍ", فإنه يحسن فيه ذلك فتقول: "أنت بعضُ الفقهاء".
فهذا النوع يجب جره بالإضافة، إلا أن يكون أفعل التفضيل مضافا إلى غيره، فينصب نحو: "أنت أكرمُ الناس رجلًا".
ثم قال:
وبعد كل ما اقتضى تعجبا ... ميز "كأكرِمْ بأبي بكر أبا
يعني: أنه يجوز انتصاب التمييز بعد كل ما دل على تعجب نحو: "أكرم بأبي بكر أبا"4, "وما أكرمه أبا"، وغير ذلك من الصيغ الدالة على التعجب نحو: "لله دره فارسا".
قال في شرح الكافية: والمراد بأبي بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي عن أبي بكر صاحبه5.
ولما كان كل منصوب على التمييز فيه معنى "من" وبعضه يصلح لمباشرتها وبعضه لا يصلح, بين ذلك بقوله:
واجرُرْ بمِنْ إن شئت غير ذي العدد ... والفاعل المعنى كطب نفسًا تفد
أي: يجوز في كل تمييز أن يجر "بمن" إلا تمييز العدد، وما كان فاعلا في المعنى، فإنهما لا يجران "بمن" فلا يجوز "عندي عشرون من درهم"، ولا "طاب زيد من نفس", ويجوز فيما سواهما نحو: "عندي قفيز من بُرٍّ".
فإن قلت: هذا الضابط غير مستقيم من أوجه:
__________
1 ب.
2 أ، جـ, وفي ب "يصلح".
3 أ، جـ, وفي ب "التفضيل".
4 أ، جـ.
5 راجع شرح الكافية, ورقة 51.(2/731)
الأول: أن تمييز العدد لا يمتنع جره "بمن" مطلقا, "لكن"1 يشترط أن يجمع نحو: "عندي عشرون من الدراهم".
الثاني: أنه أطلق فيما هو فاعل في المعنى, وهو مقيد.
قال الشارح2: لا يجوز جره "بمن" إلا في تعجب أو شبهه.
قولهم: "لله دره من فارس".
وقال الشاعر:
................... ... فنِعْمَ المرءُ من رجل تَهَامي3
__________
1 أ، جـ, وفي ب "بل".
2 الشارح في شرحه للألفية ص145.
3 عجز بيت من الوافر. قال العيني: قائله أبو بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب الليثي, وشعوب أم الأسود هذا. وقال ابن دريد: قائله بجير بن عبد الله.
وصدره:
تخيره فلم يعدل سواه
الشرح: "تخيره" اختاره واصطفاه, "لم يعدل" يمل, "تهام" نسبة إلى تهامة, وهو بفتح التاء وتطلق على مكة، وعلى أرض معروفة في بلاد العرب، وكان من حقه أن يقول: "تهامي" -بكسر التاء وتشديد ياء النسب- قياسا على أمثاله كما تقول: عراقيّ، وحجازيّ، ولكنهم خصوا هذه الكلمة عند النسب إليها بحذف إحدى ياءي النسب وفتحوا أوله عوضا عن هذه الياء المحذوفة.
وقبل هذا البيت:
فدعني أصطبح يا بكر إني ... رأيت الموت نَقَّب عن هشام
المعنى: أن الموت اختار هشاما فلم يحد عنه إلى غيره، وهو نعم الرجل من تهامة.
الإعراب: "تخيره" فعل ماض وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو وضمير الغائب مفعول به, "فلم" الفاء عاطفة، لم نافية جازمة, "يعدل" فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون والفاعل ضمير مستتر تقديره هو, "سواه" مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على الألف وضمير الغائب مضاف إليه, "فنعم" الفاء العاطفة، نعم فعل ماض لإنشاء المدح, "المراء" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة, "من" حرف جر زائد, "رجل" تمييز لفاعل نعم منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد, "تهام" نعت لرجل.
الشاهد: في "رجل" فإنه تمييز وهو فاعل في المعنى، لكنه لما كان غير محول عن الفاعل جاز فيه جره "بمن".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص145, وابن هشام 2/ 113، والأشموني 1/ 265.(2/732)
الثالث: أن إجازته جر غير هذين النوعين "بمن"1 ليس على إطلاقه, بل يستثنى من ذلك ما كان "منقولا"2 من الفعل نحو: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} 3, "فلا يجوز جره بمن"4.
قلت:
أما الأول فلا يرد؛ لأن تمييز العدد متى جمع لم يبق تمييزا اصطلاحيا، فإن شرطه الإفراد.
وأما الثاني فهو على إطلاقه، ولا نسلم صحة استثناء الشارح5؛ لأن التمييز في نحو: "لله دره فارسًا" و"نعم المرء من رجل تهامي" تمييز مفرد لا تمييز جملة, "والمنقول عن الفاعل لا يكون إلا تمييز جملة"6.
ويلزم الشارح جواز الجر بمن في نحو: "زيد أحسن "به"7 وجهًا"؛ لأنه في تعجب, وقد نص غير المصنف على منعه.
وأما الثالث فالظاهر وروده، ولا يقال: لعل المصنف ممن لا يثبت المنقول "عن"8 المفعول كالشلوبين، فإن المصنف أثبته في شرح التسهيل9.
__________
1 أ، جـ.
2 أ، ب, وفي جـ "مفعولا".
3 من الآية 12 من سورة القمر. نسبة فجرنا إلى الأرض مبهمة, وعيونا مبين لذلك الإبهام، والأصل: فجرنا عيون الأرض.
4 أ، جـ.
5 قال الشارح ص145:
"يجوز في كل ما ينصب على التمييز أن يجر بمِنْ ظاهرة إلا تمييز العدد والفاعل في المعنى، أما تمييز العدد نحو: "أحد عشر رجلا" فلا يجوز جره بمن في شيء منه.
وأما الفاعل في المعنى نحو: "طاب زيد نفسا" و"هو حسن وجها" فلا يجوز جره بمن إلا في تعجب أو شبهه, تقول: "لله دره من فارس"".
6 أ، جـ.
7 ب.
8 أ، جـ, وفي ب "من".
9 الذي أثبت المنقول من المفعول ابن عصفور وابن مالك. قال السيوطي في الهمع، جـ1 ص251: "وتارة من المفعول نحو: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} ، والأصل: وفجرنا عيون الأرض، هذا مذهب المتأخرين, وبه قال ابن عصفور وابن مالك.
وقال الآمدي: هذا القسم لم يذكره النحويون، وإنما الثابت كونه منقولا من الفاعل أو المفعول الذي لم يسم فاعله.
وقال الشلوبين: عيونا في الآية نصب على الحال المقدرة لا التمييز، ولم يثبت كون التمييز منقولا من المفعول، فينبغي ألا يقال به....".(2/733)
فإن قلت: ما معنى "من" الداخلة على التمييز؟
قلت: هي للتبعيض1.
وقال الشلوبين: يجوز أن تكون بعد المقادير وما أشبهها زائدة عند سيبويه، كما زيدت: "ما جاءني من رجل"، قال: "إلا أن المشهور من مذهب النحويين -ما عدا الأخفش- أنها لا تزاد إلا في غير الواجب"2.
قال في الارتشاف3: ويدل على صحة ذلك -يعني الزيادة- أنه عطف على موضعها نصبا4, قال الحطيئة:
طافت أمامة بالرُّكبان آونة ... يا حسنه مِن قَوَامٍ ومنتقبا5
قال:
وعامل التمييز قدم مطلقا ... والفعل ذو التصريف نَزْرا سُبِقا
__________
1 وصححه ابن عصفور.
2 أ، ب، وفي جـ "الموجب".
3 ارتشاف الضرب لأبي حيان ص789.
4 راجع الأشموني 1/ 265.
5 قائله الحطيئة واسمه جرول. قال الجوهري: جرول لقب الحطيئة العبسي الشاعر. وهي أول قصيدة بائية من البسيط.
الشرح: "طافت" من طيف الخيال وهو مجيئه في النوم، "أمامة" -بضم الهمزة وتخفيف الميم- اسم امرأة, "الركبان" جمع راكب، والركب: أصحاب الإبل في السفر دون الدواب، وهم العشرة فما فوقها, "آونة" بالمد أي: مرة وتارة، قال الجوهري: الأوان: الحين، والآونة جمعه مثل زمان وأزمنة, "قوام" بكسر القاف من قوام الرجل وهو قامته وحسن طوله، "المنتقب" -بفتح القاف- موضع النقاب.
المعنى: يا حسن قوامها ويا حسن منتقبها، يريد: ما أحسن ذلك منها.
الإعراب: "طافت" فعل ماض والتاء للتأنيث, "أمامة" فاعل طاف مرفوع بالضمة الظاهرة, "بالركبان" جار ومجرور متعلق بطاف, "آونة" ظرف زمان منصوب بطاف وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة, "يا" حرف نداء, "حسنه" منادى منصوب بالفتحة الظاهرة وهو مضاف وضمير الغائب مضاف إليه, "من" حرف جر زائد, "قوام" تمييز منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد, "ومنتقبا" الواو عاطفة ومنتقبا معطوف على قوام. =(2/734)
عامل التمييز إن لم يكن فعلا متصرفا, لم يجز التمييز عليه, قال المصنف بإجماع.
وأما قوله:
ونارنا لم يُرَ نارًا مثلُها1 ... ......................
فضرورة، وتأوله بعضهم على أن الرؤية علمية، ونارا مفعول ثانٍ. وإن كان فعلا متصرفا, فذهب سيبويه والفراء وأكثر البصريين والكوفيين إلى منع تقديمه عليه, وذكروا لمنع تقديمه عللا2.
__________
1 هذا صدر بيت. قال العيني: هذا رجز لم يعلم قائله. وبحثت فلم أعثر له على قائل. وعجزه:
قد علمت ذاك مَعَدّ كلها
الشرح: "معد" -بفتح الميم- وهو أبو العرب -معد بن عدنان- وكان سيبويه يقول: الميم من نفس الكلمة؛ لقولهم: تمعدد لقلة تمفعل في الكلام وقد خُولف فيه.
الإعراب: "نارنا" نار مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة وضمير المتكلم مضاف إليه, "لم" حرف نفي وجزم وقلب, "ير" فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الألف, "نارا" تمييز لمثلها, "مثلها" نائب فاعل ير، وضمير الغائبة مضاف إليه, "قد" حرف تحقيق, "علمت" فعل ماض والتاء للتأنيث, "ذاك" اسم إشارة مفعول به لعلم والكاف حرف خطاب, "معد" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة, "كلها" توكيد لمعد وضمير الغائبة مضاف إليه.
الشاهد: في "نارا" فإنه تمييز تقدم على عامله الاسم الجامد وهو مثلها؛ لأنه تمييز مفرد، وهو خاص بالضرورة، وقد يقال: إن هذا لا دليل فيه على جواز تقديم التمييز على عامله إذا كان اسما جامدا؛ وذلك لجواز أن تكون الرؤية من رؤية القلب, فيكون حينئذ "مثلها" مفعولا أول ناب عن الفاعل، ونارا مفعولا ثانيا. ا. هـ. العيني.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص146، وداود، والأشموني 1/ 266.
2 قال سيبويه والجمهور: إن التمييز لا يجوز تقديمه على عامله مطلقا؛ لأنه كالنعت في الإيضاح، والنعت لا يتقدم على عامله فكذلك ما أشبهه. وأيضا فالغالب في التمييز المنصوب بفعل متصرف أن يكون فاعلا في الأصل, فلا يغير عما كان يستحقه من وجوب التأخير. ا. هـ. تصريح الشيخ خالد 1/ 400 بتصرف.(2/735)
وذهب الكسائي والجرمي والمبرد إلى جواز "ذلك"1, ووافقهم المصنف لورود السماع به2 كقوله:
أنفسًا تطيب بنيل المنى ... وداعي المنون ينادي جهارا3؟
وأبيات أخر4.
فإن قلت: ظاهر قوله: "نزرا سبقا" أنه قليل, فلا يقاس عليه.
__________
1 أ، جـ.
2 والقياس أيضا. "وأما القياس فإن التمييز -وهو منصوب- كالمفعول به وسائر الفضلات، وكلهن يجوز تقديمهن على العامل إذا كان فعلا متصرفا" ا. هـ. تصريح الشيخ خالد 1/ 400 بتصرف.
3 هذا البيت لم يتعرض العيني لقائله، وقيل: نسبوا هذا الشاهد لرجل من طيئ، ولم يسموه. وبحثت فلم أعثر على قائله, وهو من المتقارب.
الشرح: "تطيب" أي: تطمئن, "نيل المنى" إدراك المأمول، ونيل مصدر: "نال الشيء يناله نيلا ومنالا" إذا حصل عليه, "والمنى" بضم الميم -جمع منية- والمنية -بضم فسكون- اسم لما يتمناه الإنسان ويرغب فيه، "المنون" الموت. قال الفراء: المنون: مؤنث وتكون واحدة وجمعا.
المعنى: كيف تستلذّ نفس الظفر بما تتمناه، والموت يطلبها أكيدا؟
الإعراب: "أنفسا" الهمزة حرف استفهام توبيخي, نفسا تمييز تقدم على العامل وهو قوله: تطيب, "تطيب" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت, "بنيل" الباء حرف جر، نيل مجرور بالباء والجار والمجرور متعلق بقوله: تطيب, "المنى" مضاف إليه, "وداعي" الواو للحال، داعي مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الياء, "المنون" مضاف إليه, "ينادي" فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ, "جهارا" مفعول مطلق عامله ينادي وأصله صفة لمصدر محذوف والتقدير: ينادي نداء جهارا.
الشاهد: في "نفسًا", فإنه نصب على التمييز وقد قدم على عامله وهو "تطيب"؛ لأنه فعل متصرف، وهذا نادر عند سيبويه والجمهور وموضع قياس عند الكسائي ومن تبعه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: السندوبي، وداود، والمكودي ص80, والأشموني 1/ 266، والسيوطي ص70, وابن هشام 2/ 115, وأيضا ذكره في مغني اللبيب 2/ 190.
4 منها قول المجنون، وقيل: أعشى همدان، وقيل: المخبل السعدي:
أتهجر ليلى بالفراق حبيبها ... وما كان نفسًا بالفراق تطيب
وقول الآخر:
ضيعت حزمي في إبعادي الأملا ... وما ارعويت وشيبًا رأسي اشتعلا(2/736)
قلت: "لا يلزم من قلته ألا يقاس عليه"1, بل هو عنده مَقِيس وفاقا لمن ذكروا.
ورُدَّ عليه "أن"2 ما ذكره من أن التمييز قد يسبق الفعل المتصرف، ليس على إطلاقه؛ إذ لنا فعل متصرف ولا يسبقه التمييز بإجماع، وهو "كفى" في نحو: "كفى "بزيد"3 ناصرًا" "فلا يجوز تقديم "ناصرا" على "كفى" وإن كان فعلا متصرفا؛ لأنه بمعنى فعل غير متصرف، وهو فعل التعجب، فمعنى قولك: "كفى بزيد ناصرًا" ما أنصره رجلًا4"5, وهو عند المصنف منتصب عن تمام الجملة.
__________
1 أ، جـ.
2 أ، جـ, وفي ب "بان".
3 أ، ب, وفي جـ "بربك".
4 ب.
5 والحق مع سيبويه، فهذا وغيره: أن تقديم التمييز مخل بالغرض السابق من التأخير بخلاف غيره من الفضلات, والبيت وغيره ضرورة. ا. هـ. صبان عن الدماميني 2/ 154 بتصرف.(2/737)
حروف الجر:
قال:
هاك حروف الجر وهي من إلى ... حتى خلا حاشا عدا في عن على
مذ منذ رب اللام كي واو وتا ... والكاف والبا ولعل ومتى
هذه عشرون حرفا مشتركة في جر الاسم ولكل منها تفصيل يأتي، إلا "خلا، وحاشا، وعدا" فإن حكمها تقدم في الاستثناء.
وإلا "كي، ولعل، ومتى"؛ لغرابة الجر بهن.
أما "كي" فتجر ثلاثة أشياء:
الأول: "ما" الاستفهامية "كقولهم"1 في السؤال عن "علة"2 الشيء: كَيْمَهْ؟ بمعنى: لِمَهْ؟
الثاني: "أن" المصدرية مع صلتها في نحو: "جئت كي تفعل"3 في أحد الوجهين4.
الثالث5: "ما" المصدرية مع صلتها في قوله:
................ ... يراد الفتى كَيْمَا يضر وينفع6
وهو نادر.
__________
1 أ، جـ.
2 أ، جـ.
3 أ، جـ, وفي ب مثّل بقوله: كقولك: كي أن تغر وتخدعا.
4 قال الأشموني جـ2 ص283: "إذا قدرت أن بعدها، فإن والفعل في تأويل مصدر مجرور بها ويدل على أن بعدها ظهورها في الضرورة كقوله:
فقالت أكل الناس أصبحت مانحا ... لسانك كَيْمَا أن تغر وتخدعا
والأولى أن تقدر "كي" مصدرية, فتقدر اللام قبلها، بدليل كثرة ظهورها معها، نحو: "لكيلا تأسوا" ا. هـ.
5 جعل الثاني "أن" المصدرية، والثالث "ما" المصدرية، ترتيب أ، جـ, وفي الثاني "ما" والثالث "أن".
6 قيل: إن قائله هو النابغة الذبياني، وقيل: الجعدي، والأصح أن قائله قيس بن الخطيم، كذا ذكره البحتري في حماسته. =(2/738)
وأما "لعل" فتجر في لغة عقيل ثابتة "الأول ومحذوفته"1 ومفتوحة الآخر "و"2 مكسورته3, خلافا لمن أنكر الجر بها4.
وأما "متى" "فتجر"5 في لغة هذيل بمعنى من6, ومن كلامهم: "أخرجها متى كُمِّه" أي: من كمه.
__________
وصدر البيت:
إذا أنت لم تنفع فضُر فإنما
وهو من الطويل.
المعنى: إذا لم تستطع نفع من يستحق النفع فضر من يستوجب الإيذاء, فإن المرء لا يقصد منه إلا أحد هذين.
الإعراب: "إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان, "أنت" فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده, "لم" حرف نفي وجزم وقلب, "تنفع" فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت, "فضر" الفاء واقعة في جواب إذا، ضر فعل أمر مبني على السكون وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين وللتخفيف, "فإنما" الفاء للتعليل, إنما حرف دال على الحصر, "يراد" فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة الظاهرة, "الفتى" نائب فاعل يراد مرفوع بضمة مقدرة على الألف, "كيما" كي: حرف تعليل وجر، ما حرف مصدري, "يضر" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو, "وينفع" الواو عاطفة، ينفع فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة وفاعله ضمير مستتر تقديره هو.
الشاهد: في دخول "ما" المصدرية على "كي" وهو نادر، وهو تخريج الأخفش، وهي عند غيره كافة لكي عن عمل النصب في الفعل المضارع، والفعل مؤول بالمصدر على القولين بواسطة "ما" على الأول، وبواسطة "كي" على الثاني.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص147، وابن هشام 2/ 120، والأشموني 2/ 283، والمكودي ص81، وداود، والسندوبي.
1 أ، جـ, وفي ب "اللام الأولى ومحذوفه".
2 أ، جـ، وفي ب "أو".
3 فهذه أربع لغات يجوز الجر فيها, ولا يجوز في غيرها من بقية لغات "لعل". صبان 2/ 156.
ومثال الجر قول الشاعر:
لعل أبي المغوار منك قريب
4 قال السيوطي في همع الهوامع: "منهم الفارسي, وتأول البيت على أن الأصل: لعله لأبي المغوار جوابه قريب؛ فحذف موصوف قريب وضمير الشأن ولام لعل الثانية تخفيفا, وأدغم في لام الجر, ومن ثم كانت مكسورة. ومن فتح فهو على لغة "المال لزيد" وهذا تكلف كثير مردود بنقل الأئمة" ا. هـ. 2/ 23، وأميل إلى الجر؛ لعدم التكلفة كما قال السيوطي.
5 أ، جـ.
6 أي: الابتدائية.(2/739)
تنبيه:
عد بعضهم من حروف الجر "ها" التنبيه، وهمزة الاستفهام, وهمزة القطع إذا جعلت عوضا من حروف الجر في القسم1.
قال في التسهيل2: وليس في الجر في التعويض بالعوض، خلافا للأخفش ومن وافقه ا. هـ. وذهب الزجاج والرماني إلى أن ايمُن في القسم حرف جر وشذَّا في ذلك.
"وعد"3 بعضهم منها الميم "مثلثة"4 في القسم نحو5: مَُِ الله، وجعلها في التسهيل بقية "أامُن".
قال: وليست6 بدلا من الواو، ولا أصلها "من" خلافا لمن زعم ذلك. "وذكر"7 الفراء أن "لات" "قد"8 تجر الزمان، وقرئ: "ولات حِينِ مناص"9 بالجر.
وزعم الأخفش أن "بَلْهَ" حرف جر بمعنى "مِنْ", والصحيح أنها اسم10. وذهب سيبويه11 إلى أن "لولا" حرف جر إذا وليها ضمير متصل نحو: لولاك ولولاي "ولولاه"12.
__________
1 راجع الأشموني 2/ 285.
2 التسهيل ص151, القسم.
3 أ، جـ, وفي ب "وعده".
4 أ، ب.
5 ب، وفي أ "نحو ما الله", ونحو سقط في جـ.
6 أ، جـ، وفي ب "قال فيه: وم مثلثة وليست".
7 أ، جـ. وفي ب "ذهب".
8 أ، جـ.
9 من الآية 3 من سورة ص.
10 أي: مصدر أو اسم فعل أو بمعنى كيف، صبان جـ2 ص157.
11 قال سيبويه جـ1 ص288: "وذلك لولاك ولولاي, إذا أضمرت الاسم فيه جر ... ".
12 جـ.(2/740)
ومذهب الأخفش والكوفيين، أن الضمير بعدها مرفوع الموضع, استعير ضمير الجر للرفع1.
ثم قال:
بالظاهر اخصُصْ منذُ مذُ وحتى ... والكاف والواو ورُبَّ والتا
حروف الجر نوعان: نوع يجر الظاهر فقط، ونوع يجر الظاهر والمضمر.
فالأول: هو الأحرف المذكورة في هذا البيت، ولعل وكي ومتى.
والثاني: ما عداها.
وقوله: واخصص بمذ ومنذ وَقْتًا, "يعني: أن مذ ومنذ لا يجران إلا الزمان, وسيأتي الكلام عليهما"2.
وقوله: وبرُبَّ مُنَكَّرا.
يعني أن "رب" لا تجر إلا نكرة, وسيأتي دخولها على الضمير.
وأجاز بعضهم أن تجر المعرف بأل، وأنشد:
ربما الجامل المؤبل3..... ... ....................
بخفض الجامل وصفته
__________
1 قال الأشموني 2/ 258 نقلا عن التسهيل: وزعم المبرد أن هذا التركيب فاسد لم يرد على لسان العرب, وهو محجوج بثبوت ذلك منهم كقوله:
أتطمع فينا من أراق دماءنا ... ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن
وقوله:
وكم موطن لولاي طحت كما هَوَى ... بأجرامه من قلة النيق منهوي
2 أ، جـ.
3 جزء من بيت, قائله أبو دؤاد الإيادي أحد بني برد بن أفصى من إياد, وتمامه:
........ فيهم ... وعناجيج بينهن المهار
وهو من الخفيف.
الشرح: "الجامل" -بالجيم- اسم جمع للإبل لا واحد له من لفظه، وقيل: القطيع من الإبل مع راعيها, "المؤبل" -بضم الميم وفتح الهمزة والباء المشددة- المعد للقنية, "عناجيج" جمع عنجوج -بزنة عصفور- وهي الخيل الطويلة الأعناق, "المهار" -بكسر الميم- جمع مهر وهو ولد الفرس, والأنثى مهرة. =(2/741)
فإن صحت الرواية, حمل على زيادة "أل".
وشذ "رب أبيه" و"رب أخيه" و"رب أمه"1.
واختلف في معنى "رب", فقيل: للتقليل، وقيل: للتكثير، ونسب كل منهما2 إلى سيبويه.
وقيل: تكون "لهما"3, وقيل4: حرف إثبات لم يوضع لتقليل ولا لتكثير5, وفي التسهيل: وللتقليل بها نادر. هـ6.
وقوله: "والتاء لله ورب".
يعني: أن التاء مختصة باسم الله, نحو: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} 7.
__________
= المعنى: يصف نفسه بالكرم, وأنه لا يبخل على من معه بأحسن ما عنده من الإبل المتخذة للقنية والخيل الجياد التي بينها أولاد.
الإعراب: "ربما" رب: حرف تقليل وجر, ما: زائدة كافة, "الجامل" مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة, "المؤبل" صفة مرفوعة بالضمة الظاهرة, "فيهم" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ, "وعناجيج" الواو عاطفة، عناجيج مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة وخبره محذوف يدل على ما قبله, والتقدير: وعناجيج فيهم, "بينهن" ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم والضمير مضاف إليه, "المهار" مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة، والجملة من المبتدأ والخبر في محل رفع صفة لقوله: "عناجيج" وهي التي سوَّغت الابتداء بالنكرة.
الشاهد: في "ربما الجامل" حيث دخلت رب المكفوفة بما على الجملة الاسمية وهو نادر.
قال العيني: ولأجل هذا قال أبو علي: يجب أن تقدر "ما" اسما مجرورا على معنى شيء والجامل خبر لمبتدأ محذوف وتكون الجملة صفة لما، والتقدير: رب شيء هو الجامل المؤبل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص153، وابن هشام 2/ 161، وابن عقيل 2/ 25, والأشموني 2/ 298, وداود, والسيوطي ص73, وفي همعه 2/ 26.
1 بهذا يستقيم الكلام، وفي أ، ب "واحد أمه", وفي جـ "وجد أمه".
2 "كل واحد منهما" في ب.
3 جـ, وفي أ، ب "لها".
4 أ، ب, وفي جـ "هو".
5 ب, وفي أ، جـ "تكثير".
6 التسهيل ص147.
7 من الآية 85 من سورة يوسف.(2/742)
وحكى الأخفش دخولها على الرب, قالوا: "تربِّ الكعبة", وقالوا أيضا: "تالرحمن" و"تحياتك" وهو شاذ.
وقالوا: إنها بدل من واو القسم.
وقوله:
وما رَوَوْا من نحو رُبَّهُ فتى ... نزر...................
أشار "به"1 إلى أنه قد ورد دخول رب على المضمر, وأنه قليل. ومنه قول الشاعر:
.............. ... ورُبَّهُ عطبا أنقذت من عَطَبه2
وروي: "وربه عطبٍ" بالجر على نية من, وهو شاذ.
فإن قلت: إنما أورد النحويون ذلك على أنه "فصيح"3 مقيس "عليه"4, فكيف قال: "نزر"؟
__________
1 أ، جـ.
2 قال العيني: أنشده ثعلب ولم يعزه إلى قائله, وهو من البسيط.
وصدره:
#واهٍ رأبت وشيكا صدع أعظمه
الشرح: "واه" من وها الحائط, إذا ضعف وهمّ بالسقوط, "رأبت" أصلحت وشعبت, "وشيكا" -بفتح الواو وكسر الشين- سريعا, "صدع أعظمه" الصدع: الشق, "عطبا" هو صفة مشبهة على وزن فعل -بفتح الفاء وكسر العين- أي: هالكا, "من عطبه" مصدر على وزن فَعَل بفتحتين.
المعنى: رب شخص ضعيف أشرف على الهلاك والسقوط, فجبرت كسره ورشت جناحه.
الإعراب: "واه" هو على تقدير رب مبتدأ, "رأبت" فعل وفاعل والجملة في محل رفع خبر, "وشيكا" مفعول مطلق لرأبت، أي: رأبت رأبا وشيكا, "صدع" مفعول لرأبت منصوب بالفتحة الظاهرة, "أعظمه" مضاف إليه, "وربه" رب حرف جر شبيه بالزائد والضمير في محل جر لرب، وله محل رفع بالابتداء, "عطبا" تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة, "أنقذت" فعل وفاعل والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو مجرور برب, "من عطبه" جار ومجرور متعلق بأنقذ.
الشاهد: في "وربه عطبا" حيث جرت "رب" الضمير وهو شاذ.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص148، وابن عقيل 2/ 9, والأشموني 2/ 258، وداود, والسندوبي.
3 أ، جـ, وفي ب "صحيح".
4 جـ.(2/743)
قلت: لعله أراد أنه قليل بالنسبة إلى الظاهر، ويؤيده قوله في الكافية:
وربَّهُ عطبا استُندر وقِس ... عليه إن شئت وحُد عن مُلْبِس
فقال1: وقس عليه.
تنبيهان:
الأول: مذهب البصريين أن الضمير المجرور برب يلزم إفراده وتذكيره استغناء بمطابقة التمييز "للمراد"2، وحكى الكوفيون مطابقته أيضا.
الثاني: اختلف في الضمير المجرور برب، فقيل: معرفة، وإليه ذهب الفارسي وكثير. وقيل: نكرة، واختاره الزمخشري وابن عصفور.
وقوله: كذا كَهَا.
أشار به إلى أن الكاف قد تجر ضمير الغائب قليلا, كقول الراجز:
................. ... وأم أوعال كَهَا أو أقربا3
__________
1 ب.
2 أ، جـ.
3 عجز بيت قائله العجاج, يصف حمار الوحش وأتنه حين أرادوا ورود الماء, فرأى الصياد فهرب بهن. والبيت من قصيدة مرجزة مسدسة.
وصدره:
خلَّى الذنَابات شمالا كَثَبا
ويروى: نحى الذنابات. ورواية الأشموني:
وأم أوعال كها أو أقربا ... ذات اليمين غير ما أن ينكبا
الشرح: "الذنابات" -بفتح الذال- جمع ذنابة، وهي آخر الوادي ينتهي إليه السيل، وقيل: اسم مكان بعينه, "كثبا" -بفتح الكاف والتاء- أي: قربا, "أم وعال" -بفتح الهمزة- هي هضبة في ديار بني تميم.
المعنى: أنه جعل الذنابات -أي الحمار الوحشي- عن طريقه في جانب شماله قريبا منه، وجعل أم أوعال في جانب يمينه مثل الذنابات في القرب, أو أقرب.
الإعراب: "خلى" فعل ماض وفاعله ضمير مستتر, "الذنابات" مفعول أول, "شمالا" مفعول ثان, "كثبا" صفة لشمال, "وأم أوعال" يروى بالنصب وبالرفع؛ فأما النصب فبالعطف على الذنابات, وأما الرفع فبالابتداء, "كها" على رواية النصب هو في موضع المفعول الثاني، وعلى رواية الرفع متعلق بمحذوف خبر المبتدأ, "أو" عاطفة, "أقربا" معطوف على الضمير المجرور بالكاف من غير إعادة الجار.
الشاهد: في "كها", حيث دخلت كاف التشبيه على الضمير وهو قليل. =(2/744)
"وإليه"1 أشار بقوله: "كها" "وهذا من الضرائر"2.
وقد شذّ دخول الكاف على ضميري المتكلم، والمخاطب في قول الحسن: "أنا كَكَ وأنتَ كِي"3.
وقول الشاعر:
وإذا الحرب شمَّرت لم تكن كِي4 ... والكاف في:"كِي" مكسورة5
__________
1 أ.
2 أ، وفي ب "كذا إلى القلة, وهو عند غيره من الضرائر", وفي جـ "كها إلى أن هذا من الضمائر".
3 قال العيني: يعني: أنا كمثلك وأنت كمثلي "كذا بالنسخ, والمناسب: وأنا مثلك وأنت مثلي ا. هـ. مصحح هامش" واستعمال هذا في حال السعة شذوذ, لا يلتفت إليه 3/ 266.
4 صدر بيت. قال العيني: أنشده الفراء, وقال: أنشدنيه بعض أصحابنا ولم أسمعه أنا من العرب، ولم يذكر اسم قائله. وبحثت فلم أعثر على قائل، وهو من الخفيف.
وعجزه:
حيث تدعو الكماة فيها نزال
ورواية الأشموني:
حين تدعو....
الشرح: "شمرت" أي: نهضت, "الكماة" -بضم الكاف- جمع كامٍ مثل قاضٍ وقضاة, وهو الشجاع المنكمي في سلاحه؛ لأنه كمى نفسه، أي: سترها بالدرع والبيضة, "نزال" كلمة توضع موضع انزل.
الإعراب: "وإذا" الواو للعطف، إذا للشرط وفعل الشرط محذوف دل عليه قوله: شمرت, والتقدير: إذا شمرت الحرب؛ لأن إذا لا تدخل على الجملة الفعلية, "الحرب" فاعل, "لم" حرف نفي وجزم وقلب, "تكن" فعل مضارع مجزوم بلم وهو جواب الشرط, "حين" منصوب على الظرفية, "تدعو" فعل مضارع, "الكماة" فاعل, "فيها" جار ومجرور متعلق بتدعو, "نزال" في محل النصب على أنه مفعول تدعو، والتقدير: حين تدعو تقول: نزال.
الشاهد: في "لم تكن كي" حيث أدخل الكاف على ضمير المتكلم, على معنى: لم تكن أنتَ مثلي. وهذا شاذ لا يستعمل إلا في الضرورة.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 2/ 286.
5 قال الصبان 2/ 159: "وكي -بكسر الكاف- لمناسبة ياء المتكلم كما في الدماميني عن سيبويه".(2/745)
وقد دخلت أيضا على ضميري الرفع والنصب "المنفصلين"1 كقولهم: "ما أنا كأنت "ولا"2 أنت كأنا".
"والنصب كقوله:
............ ... ولم يأسر كإيَّاك آسِر3، 4
وجعله في التسهيل أقل من دخولها على ضمير الغائب المتصل5.
قيل: وفيه نظر.
__________
1 أ، جـ.
2 أ، ب, وفي جـ "لولا".
3 ب.
4 جزء من بيت. قال البغدادي في خزانة الأدب: "والبيت لم أطلع على قائله" وتكملة البيت:
فأجملْ وأحسنْ في أسيرك إنه ... ضعيف..........
وقال أبو حيان في أماليه: أنشده الفراء وهشام عن الكسائي: "وأحسن وأجمل في أسيرك".
الشرح: "فأجمل" بقطع الهمزة المفتوحة وكسر الميم, أي: عامل الجميل, "وأحسن" بفتح الهمزة وكسر السين, أي: افعل الحسن, وأسرته أسرا من باب ضرب فهو أسير وذاك آسر وهو فاعل يأسر, يريد: لم يأسرني آسر مثلك.
الإعراب: "فأجمل" فعل أمر وفاعله ضمير, "وأحسن" الواو عاطفة، أحسن فعل أمر وفاعله ضمير, "في" حرف جر, "أسيرك" مجرور بفي والكاف مضاف إليه, "إنَّهُ" إنَّ حرف توكيد ونصب والهاء اسمها مبني على الضم في محل نصب, "ضعيف" خبر إن مرفوع بالضمة الظاهرة, "ولم" حرف نفي وجزم وقلب, "يأسر" فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون, "آسر" فاعل ياسر مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد: قوله: "كإياك" حيث دخلت الكاف على الضمير المنفصل. قال البغدادي 4/ 472 في الخزانة: "قال ابن عصفور في كتاب الضرائر: ومنه وضع صيغة ضمير النصب المنفصل بدل صيغة ضمير الرفع المنفصل المجهول في موضع خفض بكاف التشبيه. يريد: كأنت آسر, فوضع "إياك" موضع "أنت" للضرورة وإنما قضي على "إياك" بأنها في موضع "أنت"؛ لأن الكاف لا تدخل في سعة الكلام على مضمر إلا أن تكون صيغته صيغة رفع منفصل نحو قولهم: "ما أنا كأنت, ولا أنت كأنا" هـ.
مواضعه: ذكره البغدادي في خزانة الأدب الشاهد 834.
5 قال في التسهيل ص147: "ودخولها على ضمير الغائب قليل, وعلى أنت وإياك وأخواتها أقل".(2/746)
بل إن لم يكن أكثر فهو "مساوٍ"1.
فإن قلت: إِلَامَ أشار بقوله: "ونحوه أتى"؟
قلت: يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون أشار إلى ما ورد من دخول الكاف على الضمير في غير البيت المشار إليه, كقول الشنفرى:
لئن كان من جن لأبرح طارقا ... وإن يك إنسا ما كها الإنس تفعل2
ولا حجة في قوله:
......... ... كَهُ ولا كَهُنَّ إلا حاظلا3
__________
1 ب, وفي أ "متساوي", وفي جـ "مساوي". راجع الأشموني 2/ 287.
2 قائله الشنفرى الأزدي، واسمه براق. وهو من قصيدته المشهورة, من الطويل.
الشرح: "لأبرح" أي: جاء بالبرح وهو الشدة, "طارقا" من طرق أهله, إذا أتاهم ليلا.
الإعراب: "لئن" اللام للتأكيد وإن شرطية, "كان" فعل ماض ناقص فعل الشرط واسمه ضمير مستتر, "من جن" جار ومجرور في محل نصب خبر كان, "لأبرح" جواب الشرط, "طارقا" حال منصوب بالفتحة الظاهرة, "وإن يك" أصله: يكن؛ حذفت النون للتخفيف لكثرة استعماله في الكلام واسمه ضمير مستتر فيه, "إنسا" خبر يك, "ماكها" ما نافية والكاف للتشبيه دخلت على الضمير, "الإنس" مبتدأ, "يفعل" فعل مضارع وفاعله ضمير والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.
الشاهد في: "ما كها", حيث دخلت الكاف على الضمير, وهو شاذ.
مواضعه: ذكره السيوطي في همع الهوامع 2/ 30, وفي شرحه للألفية ص71.
3 عجز بيت قائله رؤبة بن العجاج يصف حمارا وأتنه, وهو من قصيدة مرجزة مسدسة, وصدره:
ولا ترى بعلا ولا حلائلا
الشرح: "بعلا" زوجا، "حلائلا" -بالحاء المهملة- زوجات, "حاظلا" المانع من التزويج.
المعنى: لا ترى من الأزواج والزوجات من يحبس نفسه على صاحبه ولا يتطلع إلى غيره كحمار الوحش وأتنه، إلا من منع أنثاه عن التزويج بغيره، كانت عادة الجاهلية إذا طلّقوا امرأة منعوها أن تتزوج بغيرهم إلا بإذنهم.
الإعراب: "لا" نافية, "ترى" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه, "بعلا" مفعول أول منصوب بالفتحة الظاهرة, "ولا" الواو عاطفة, ولا لتأكيد النفي, "حلائلا" معطوف على قوله: "بعلا", "كه" متعلق بمحذوف حال من "بعلا", "ولا كهن" متعلق بمحذوف حال من "حلائلا", "إلا" أداة استثناء ملغاة, "حاظلا" مفعول ثانٍ لترى منصوب بالفتحة الظاهرة.
الشاهد: في "كه وكهن" حيث جر الضمير بالكاف، وهو شاذ.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص48, وابن هشام 2/ 152, وابن عقيل 2/ 10، والأشموني 2/ 286.(2/747)
على الاتصال؛ "لاحتمال"1 أن يكون أصله كهو.
والثاني: أن يكون أشار إلى أنه قد "ندر"2 دخول بعض الأحرف المخصوصة بالظاهر "غير الكاف"3 على الضمير, كما "ندر"4 دخول الكاف عليه كقول الشاعر:
فلا والله لا يُلقَى أناس ... فتى حَتَّاك يابن أبي يزيد5
وهو عند البصريين ضرورة.
ثم قال:
بَعِّض وبَيِّن وابتدِي في الأمكنة ... بمن.........
شرع في بيان معاني "بعض"6 هذه الحروف, فبدأ بمن وذكر لها في هذا البيت ثلاثة معانٍ:
الأول: التبعيض نحو: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} 7 وعلامتها جواز الاستغناء عنها ببعض.
__________
1 أ، جـ, وفي ب "لأنه يحتمل".
2 أ, وفي ب، جـ "ورد".
3 أ، جـ.
4 أ، جـ, وفي ب "ورد".
5 قال الشيخ محيي الدين: هذا البيت من الشواهد التي لا يعرف قائلها. وبحثت فلم أعثر له على قائل، وهو من الوافر.
وروي: "أبي زياد" بدل "أبي يزيد", و"لا يلفى" بدل "لا يلقى".
الشرح: لا يلفى6 "لا يجد", قال تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} أي: وجده, وبالقاف من اللقى.
الإعراب: "فلا" زائدة قبل القسم للتوكيد, "والله" الواو حرف قسم ولفظ الجلالة مقسم به مجرور بالواو وفعل القسم الذي يتعلق به الجار والمجرور محذوف, "لا" نافية, "يلقى" فعل مضارع, "أناس" فاعل, "فتى" مفعول به, "حتاك" حتى جارة والضمير في محل جر بها والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لفتى, "يا" حرف نداء, "ابن" منادى, "أبي" مضاف إليه, "يزيد" مضاف إليه.
الشاهد: في "حتاك" حيث دخلت "حتى" الجارة على الضمير، وهو نادر.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن عقيل 2/ 8, والأشموني 2/ 286, والمكودي ص8, وداود.
6 أ، ب.
7 من الآية 8 من سورة البقرة.(2/748)
الثاني: بيان الجنس، نحو: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} 1, وعلامتها صحة وضع الذي موضعها.
الثالث: ابتداء الغاية في المكان باتفاق، نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} 2, "ولا"3 تكون لابتداء الغاية في الزمان عند البصريين, وذهب الكوفيون والمبرد وابن درستويه إلى أنها تكون لابتداء الغاية في الزمان, وهو الصحيح4 لكثرته5 نظما ونثرا6.
وتأويل "ما كثر"7 ليس بجيد، وإليه ذهب المصنف.
وإلى هذا قال: وقد تأتي لبدء الأزمنة.
تنبيه:
لم يختلفوا في أن من تكون لابتداء الغاية، واختلفوا في التبعيض "والتبيين"8. أما التبعيض, فذهب إليه الجمهور وصححه ابن عصفور، ونفاه المبرد والأخفش الأصغر9 وابن السراج، وطائفة من الحذاق والسهيلي، وقالوا: إنما هي لابتداء الغاية وإن "سائر"10 المعاني التي "ذكروها"11 راجع إلى هذا المعنى.
__________
1 من الآية 30 من سورة الحج.
2 من الآية 1 من سورة الإسراء.
3 أ، جـ, وفي ب "وقد".
4 أ، جـ.
5 أ، وفي جـ "وهو كثير".
6 قال تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} .
وقال الشاعر:
تخيرن من أزمان يوم حليمة ... إلى اليوم قد جرّبن كل التجارب
7 أ، جـ, وفي ب "ما هو كثير", وتأولوا أن من لابتداء الغاية في الأحداث: من تأسيس أول يوم، والبيت، من استمرار يوم حليمة.
8 ب، جـ.
9 هو: علي بن سليمان الفضل النحوي, أبو الحسن الأخفش الأصغر, أحد الثلاثة المشهورين وتاسع الأخفشيين، قرأ على ثعلب والمبرد واليزيدي، قال المرزباني: ولم يكن بالمتسع في الرواية، وكان إذا سُئل على مسائل النحو ضجر ضجرا كثيرا.
مات فجأة ببغداد سنة عشر وثلاثمائة, ويقال: ست عشرة, وقد قارب الثمانين.
10 أ، ج, وفي ب "جميع".
11 أ، ب, وفي جـ "ذكرها".(2/749)
وأما بيان الجنس، فمشهور في كتب المعربين، وقال به جماعة من المتقدمين والمتأخرين "وأنكره"1 "أكثره"2 المغاربة.
ثم قال:
وزيد في نفي وشبهه فجر ... نكرة كما لباغٍ من مفر
لزيادة "من" عند "جمهور"3 البصريين شرطان:
الأول: أن يكون بعد نفي أو شبهه، وهو النهي والاستفهام.
والثاني: أن يكون مجرورها نكرة.
مثال النفي: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 4, والنهي: "لا يقم "من"5 أحد", والاستفهام: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} 6, ومثّل النهي بقوله: "ما لباغٍ من مفرّ". وأجاز بعض الكوفيين زيادتها بشرط تنكير مجرورها فقط7 "نحو"8: "قد كان من مطرٍ".
وأجازها الأخفش والكسائي وهشام بلا شرط ووافقهم في التسهيل، قال في شرحه لثبوت السماع "بذلك"9 نثرا ونظما10.
تنبيهان:
الأول: فائدة زيادة "من" تنصيص العموم, أو مجرد التوكيد.
__________
1 أ، ب.
2 أ، جـ.
3 أ، ب.
4 من الآية 85 من سورة الأعراف.
5 ب، جـ.
6 من الآية 3 من سورة فاطر.
7 أ، جـ, وفي ب "تنكير بعض مجرورها".
8 أ، جـ.
9 أ، ب.
10 قال تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} و {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} .
وقول الشاعر:
وكنت أرى كالموت من بين ساعة ... فكيف ببين كان موعده الحشر
ا. هـ. الهمع 6/ 35.(2/750)
فالأول مع نكرة لا تختص بالنفي نحو: "ما في الدار من رجل".
والثاني: مع نكرة مختصة به1.
"التنبيه"2 الثاني: لا إشكال في صحة زيادتها بعد جميع حروف النفي، وأما الاستفهام فلا يحفظ إلا مع "هل"3.
قال في الارتشاف: وفي إلحاق الهمزة بها نظر، وصرح "بمنعه"4 بعد كيف ونحوها5.
ثم قال:
للانتها حتى ولام وإلى ... ....................
مثال حتى: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} 6, ومثال إلى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} 7, ومثال اللام: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ} 8.
ودلالة اللام على الانتهاء قليل9 بخلاف حتى وإلى, "فإن دلالتهما على الانتهاء كثير"10, فإن قلت: أيهما أمكن في ذلك؟
قلت: إلى؛ لدخولها "فيما"11 لا تدخل فيه حتى، فإن المجرور بحتى يلزم بأن "يكون"12 آخر جزء, أو "ملاقي"13 آخر جزء بخلاف إلى.
__________
1 كأحد وديار.
2 أ، جـ.
3 قال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} .
4 جـ, وفي ب "به".
5 كلام أبي حيان في الارتشاف ص843: "وفي إلحاق الهمزة بهل في ذلك نظر, ولا أحفظه من لسان العرب. ولو قلت: كيف تضرب من رجل, أو كيف خرج من رجل, أو أين تضرب من رجل, أو متى قوم من رجل, لم يجز" ا. هـ.
6 من الآية 5 من سورة القدر.
7 من الآية 280 من سورة البقرة.
8 من الآية 57 من سورة الأعراف.
9 نحو قوله تعالى: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} .
10 أ، جـ.
11 أ، ب, وفي جـ "لما".
12 ب، وفي جـ "كونه", وفي أ "من كونه".
13 أ، ب, وفي جـ "ملازم".(2/751)
"لو"1 قلت: "سرت النهار حتى نصفه" لم يجز.
ولو قلت: إلى نصفه لجاز، نص على ذلك الزمخشري والمغاربة, "ووافق"2 المصنف في شرح الكافية وخالف في "التسهيل وشرحه"3, فلم يشترط في مجرور حتى كونه آخر جزء "ولا ملاقي آخر جزء"4 واستدل بقوله:
عينت ليلة فما زلت حتى ... نصفِها راجيا فُعدت يئوسا5
وفيه نظر.
__________
1 أ، جـ, وفي ب "فلو".
2 أ، جـ, وفي ب "ووافقهم".
3 أ، ب, وفي جـ شرح التسهيل.
4 أ، ب.
5 هذا البيت لم أعثر له على قائل, وهو من الخفيف.
وقبله:
إن سلمى من بعد يأسي همت ... بوصال لو صح لم يبق بوسا
الشرح: "عينت" الضمير راجع إلى سلمى وليلة مفعول به لا ظرف، "بؤسا" -بضم الباء- الشدة, "يئوسا" فعول من اليأس, وهو القنوط خلاف الرجاء.
الإعراب: "عينت" فعل وفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يعود إلى سلمى في البيت قبله, "ليلة" مفعول به, "فما زلت" من أخوات كان والتاء اسمها, "حتى" بمعنى إلى وهو حتى الجارة, "نصفها" مجرور بحتى والهاء مضاف إليه, "راجيا" خبر زلت منصوب بالفتحة, "فعدت" جملة من الفعل والفاعل عطف على قوله: "فما زلت", "يئوسا" حال من الضمير الذي في عدت منصوب بالفتحة الظاهرة.
الشاهد: في "حتى نصفها", فإن ابن مالك استدل به على أنه لا يشترط في مجرور حتى كونه آخر جزء، ولا ملاقي آخر جزء, هذا الذي ذكره في التسهيل ص146. وأما ما ذكره في شرح الكافية، فهو ما ذهب إليه الزمخشري والمغاربة من أن المجرور بحتى يلزم أن يكون آخر جزء أو ملاقي آخر جزء بخلاف إلى، فلو قلت: سرت النهار حتى نصفه لم يجز، ولو قلت: إلى نصفه جاز، هذا ما نص عليه الزمخشري. وقال ابن هشام في المغني: لمخفوض حتى شرطان:
أحدهما: عام, وهو أن يكون ظاهرا لا مضمرا, خلافا للكوفيين والمبرد.
والثاني: خاص بالمسبوق بذي أجزاء, وهو أن يكون المجرور جزءا نحو: "أكلت السمكة حتى رأسها", أو ملاقيا لآخر جزء نحو: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} ولا يجوز "سرت البارحة حتى تلثيها" "أو نصفها" كذا قالت المغاربة وغيرهم.
وتوهم ابن مالك أن ذلك لم يقل به إلا الزمخشري، واعترض عليه بقوله: عينت ليلة ... البيت, وهذا ليس محال الاشتراط، إذ لم يقل: فما زلت في تلك الليلة حتى نصفها وإن كان المعنى عليه ولكن لم يصرح به. ا. هـ. العيني 3/ 762.
مواضعه: ذكره ابن هشام في المغني 1/ 111, والسيوطي في همع الهوامع 2/ 23.(2/752)
"تنبيه"1:
اختلف في المجرور بحتى فقيل: الانتهاء "به"2, "فيدخل"3 فيما قبلها إلا بقرينة، وإليه ذهب المغاربة.
وذهب المصنف إلى أن الانتهاء قد يكون به فيدخل، وقد يكون عنده فلا يدخل، وزعم أن سيبويه4 والفراء أشارا إلى ذلك.
وحكي عن ثعلب أن حتى للغاية, والغاية تدخل وتخرج.
وقال في الإفصاح5: وذهب المبرد وأبو بكر وأبو علي إلى أنه داخل.
وقال الفراء والرماني: يدخل ما لم يكن غير جزء نحو: "إنه لينام الليل حتى الصباح". وصرح سيبويه بأن ما بعدها داخل ولا بد، ولكنه مثل بما هو بعض ما قبله واختلف أيضا في المجرور بإلى، والذي عليه أكثر المحققين أنه لا يدخل إلا بقرينة6, وقال بعض النحاة: يدخل.
ثم قال:
.............. ... ومن وباء يُفهمان بدلا
علامة ذلك أن يحسن في "موضعهما"7 بدل مثال "من" {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} 8
{وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً} 9.
ومثال "الباء": "لا يسرني بها حُمُرُ النعَم"10.
__________
1 أ، ب.
2 أ، جـ.
3 أ، جـ, وفي ب "فلا يدخل".
4 الكتاب 1/ 413.
5 الإفصاح وهو شرح لكتاب الإيضاح في النحو لأبي علي الفارسي, وصاحبه هو محمد بن يحيى المعروف بابن هشام الخضراوي.
6 مثل: "قرأت القرآن من أوله إلى آخره".
7 ب, وفي أ "أن يحسن موضعها", وجـ "يصلح في موضعها".
8 من الآية 38 من سورة التوبة.
9 من الآية 60 من سورة الزخرف.
10 عن عبد الرحمن بن عوف -رواه الحاكم وأحمد في مسنده- حديث شريف. "بها" أي: بدلها.(2/753)
وقول الشاعر:
وليت لي بهم قوما إذا ركبوا1 ... ............................
وقوله: "واللام للملك" نحو: "المال لزيد" وشبهه نحو: "أدوم لك ما تدوم لي", ويندرج فيه الاستحقاق؛ لأنه مثله في شرح الكافية بنحو: "السرج للفرس"2 هـ.
"وجعله في التسهيل"3 مغاير الشبه للملك4.
"وفي تعدية أيضا" أي: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} 5، و"تعليل" نحو: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} 6 و"قُفي"، أي: تبع.
وقوله: "وزيد" يعني اللام، ولا تزاد إلا مع مفعول به "لتعديه"7 إلى واحد.
__________
1 صدر بيت قائله قريظ ابن أحد بني العنبر. شاعر إسلامي, من البسيط.
وعجزه:
شنوا الإغارة فرسانا وركبانا
الشرح: "شنوا" أي: فرقوا أنفسهم لأجل الإغارة، "الإغارة" الهجوم على العدو والإيقاع به, "فرسانا" جمع فارس، وهو راكب الفرس, "ركبانا" جمع راكب وهو أعم من الفرس، وقيل: خاص براكب الإبل.
المعنى: يتمنى بدل قومه قوما آخرين, من صفتهم أنهم إذا ركبوا للحرب تفرقوا لأجل الهجوم على الأعداء والإيقاع بهم ما بين فارس، وراكب.
الإعراب: "وليت" حرف تمنٍّ ونصب, "لي" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر "ليت" مقدم, "بهم" جار ومجرور, "قوما" اسم ليت منصوب بالفتحة الظاهرة مؤخر, "إذا" ظرف تضمن معنى الشرط, "ركبوا" فعل ماض وفاعله والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها, "شنوا" فعل وفاعل والجملة جواب "إذا", "الإغارة" مفعول لأجله منصوب بالفتحة الظاهرة, "فرسانا" حال من الواو في "شنوا" منصوب بالفتحة, "وركبانا" معطوف عليه.
الشاهد: في "بهم", فإن الباء فيه للبدل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص150, وابن عقيل 1/ 325، 2/ 14, والأشموني 2/ 293، والسيوطي ص71, وفي همعه 2/ 21، والسندوبي.
2 شرح الكافية لابن مالك, ورقة 53.
3 ب.
4 قال في شرح التسهيل ص145: "واللام للملك وشبهه, وللتمليك وشبهه".
5 من الآية 5 من سورة مريم.
6 من الآية 105 من سورة النساء.
7 أ, وفي ب، جـ "لمتعدّ".(2/754)
وزيادتها ضربان:
قياسية: وهي أن تزاد "مقوية"1 لعامل "ضعيف"2 بالتأخير نحو: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} 3، أو بالفرعية نحو: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 4.
وغير قياسية: وهي في غير ذلك نحو: {رَدِفَ لَكُمْ} 5 وقد أول على التضمين6.
وقوله: والظرفية استبن بما.
نحو: "زيد بالبصرة" "وفي" نحو: "زيد في المسجد" وفي هي الأصل, وبها تعتبر باء الظرفية.
وقوله: "يبينان السببا". قال في شرح التسهيل: باء السببية هي الداخلة على صالح للاستغناء به عن فاعل معداها "مجازا"7 نحو: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} 8 فلو قصد إسناد الإخراج إلى الهاء لصح وحسن، لكنه مجاز.
قال: ومنه "كتبت بالقلم" و"قطعت بالسكين", فإنه يقال: "كتب القلم" و"قطع السكين"9، والنحويون يعبرون عن هذه الباء بباء الاستعانة، وآثرت على ذلك التعبير بالسببية من أجل الأفعال المنسوبة إلى الله تعالى.
فإن استعمال السببية فيها يجوز، واستعمال الاستعانة "فيها"10 لا يجوز.
قال: وباء التعليل هي التي يصلح غالبا في موضعها اللام كقوله تعالى: {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} 11, {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} 12 ا. هـ. وفيه اختصار.
__________
1 أ، جـ, وفي ب "تقوية".
2 أ، ب, وفي جـ "ضعف".
3 من الآية 43 من سورة يوسف.
4 من الآية 16 من سورة البروج.
5 من الآية 72 من سورة النمل.
6 أي: ضمن ردف معنى اقترب ا. هـ. المغني 2/ 181.
7 أ، ب, وفي جـ "تجوزا".
8 من الآية 57 من سورة الأعراف.
9 ب, وفي أ، جـ "كتبت وقطعت".
10 أ، ب.
11 من الآية 54 من سورة البقرة.
12 من الآية 160 من سورة النساء.(2/755)
وكأن التعليل والسبب عند غيره واحد؛ "فلذلك"1 لم يذكر بالتعليل وإدراجه بالاستعانة في باء السببية مما انفرد به2.
واحترز بقوله: "غالبا" "من"3 قولهم: "غضبت لفلان" إذا غضبت من أجله وهو حي, وغضبت به إذا غضبت "من أجله"4 وهو ميت، ومثّل الشرح للسببية بقوله "تعالى"5: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} تبعا لشرح الكافية6.
ومثال "في" السببية: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} 7 وعبر عن هذا بالتعليل في الكافية والتسهيل8.
وقوله: "بالبا استعن" مثل بالاستعانة في شرح الكافية بقوله: "كتبت بالقلم"9 وتقدم إدراجه لذلك في السببية.
"وعَدّ" نحو: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} 10, وباء التعدية هي القائمة مقام همزة النقل في إيصال الفعل اللازم إلى المفعول به.
__________
1 أ، ب, وفي جـ "لذلك".
2 قال السيوطي في الهمع 2/ 21: "قال أبو حيان: وكأن التعليل والسبب عندهم شيء واحد. قال: ويدل لذلك أن المعنى الذي سمي به باء السبب موجود في باء التعليل؛ لأنه يصلح أن ينصب الفعل لما دخلت عليه باء التعليل كما يصح ذلك في باء السبب, فتقول: "ظلم أنفسكم اتخاذكم العجل ... وهذا هو الحق" وإليه أميل.
وقال السيوطي أيضا: "وقال أبو حيان: ما ذهب إليه ابن مالك من أن باء الاستعانة مدرجة في باء السببية قول انفرد به وأصحابنا فرقوا ... فقالوا: باء السببية هي التي تدخل على سبب الفعل نحو: "مات زيد بالحب", وباء الاستعانة هي التي تدخل على الاسم المتوسط بين الفعل ومفعوله الذي هو آلة نحو: "كتبت بالقلم" ... إلخ.
3 أ، ب, وفي جـ "عين".
4 أ، جـ, وفي ب "به".
5 جـ.
6 راجع شرح الكافية, ورقة 53.
7 من الآية 68 من سورة الأنفال.
8 من الكافية قول ابن مالك:
بالباء في التعليل والظرفيه ... عنوا فكن ذا فطنة مرضيه
وقال في التسهيل ص146 قال: "ومنها في.... والتعليل".
9 شرح الكافية, ورقة 53.
10 من الآية 17 من سورة البقرة.(2/756)
قال المصنف: وقد وُجدت في المتعدي نحو: "دفعت بعض الناس ببعض"1.
"عَوِّض" باء العوض ... هي الداخلة على الأثمان والأعواض نحو: "اشتريت الفرس بألف" و"كافأت الإحسان بضعف" وتسمى باء المقابلة كما "ذكر"2 في التسهيل3.
"ألصِقْ" الإلصاق هو معناها الأصلي، ولم يذكر "لها"4 سيبويه غيره5.
وقال المغاربة: الباء غير الزائدة لا تكون إلا للإلصاق حقيقة أو مجازا، فقد تتجرد لهذا المعنى، وقد "يدخلها"6 مع ذلك معنى آخر.
ومن أمثلة الإلصاق: "وصلت هذا بهذا".
"ومثل مع" نحو: {نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} 7، وتسمى بالمصاحبة، وعلامتها أن "يحسن"8 في موضعها "مع" ويغني عنها, "و"9 عن مصحوبها الحال كقوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَق} 10 أي: مع الحق "و"11 محقا.
"ومِنْ" "يعني إلهي"12 للتبعيض نحو: {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} 13 قيل:
__________
1 الأصل: دفع بعض الناس بعضا.
2 ب.
3 قال في التسهيل ص45: " ... وللمقابلة".
4 ب، جـ.
5 قال سيبويه 209: "وإذا قلت: "مررت بزيد", فإنما أضفت المرور إلى زيد بالباء".
6 أ، ب, وفي جـ "يلحقها".
7 من الآية 30 من سورة البقرة.
8 أ، حـ, وفي ب "يصلح".
9 أ، جـ, وفي ب "أو".
10 من الآية 170 من سورة النساء.
11 أ، ب, وفي جـ "أو".
12 أ، ب, وفي جـ "هي".
13 من الآية 6 من سورة الإنسان.(2/757)
وهو مذهب كوفي وذكره الفارسي في التذكرة، وتبعهم القتبي1, وروى ذلك عن الأصمعي في قوله:
شربن بماء البحر2..... ... ...............
قال في شرح التسهيل: والأحسن أن يضمن "شربن معنى: روين"3.
"وعن" نحو: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} 4 {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} 5, "أي: عن أيمانهم"6 كذا قال الأخفش, ومثله {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} 7 وكونها بمعنى "عن" بعد السؤال منقول عن الكوفيين، وتأوله الشلوبين على أنها باء السببية, أي: فاسأل بسببه، وتأوله غيره على التضمين, أي: فاعتن أو أهتم به؛ لأن السؤال عن الشيء "اعتناء"8 به.
__________
1 هو: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ولد بالكوفة، وأقام ببغداد وسمع من الزيادي وغيره، وصنف مؤلفات تشهد له بعلو كعبه؛ منها في النحو: جامع النحو الكبير وجامع النحو الصغير، وشهرته تغني عن التعريف به. توفي ببغداد سنة 276هـ.
2 جزء من بيت قائله أبو ذؤيب الهذلي, يصف السحاب. من الطويل, وتمامه:
.... ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج
الشرح: "ترفعت" تصاعدت وتباعدت, "لجج" جمع: لجة بزنة غرفة وغرف, "نئيج" -بفتح النون وكسر الهمزة- الصوت العالي المرتفع. المعنى: يدعو لامرأة -ذكرها في بيت الشاهد باسم أم عمرو- بالسقيا بماء سحب موصوفة بأنها شربت من ماء البحر، وأخذت ماءها من لجج خضر، ولها في تلك الحال صوت مرتفع عالٍ.
الإعراب: "شربن" فعل ماض وفاعله, "بماء" جار ومجرور متعلق بشرب, "البحر" مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة, "ثم" حرف عطف, "ترفعت" فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر, "متى" حرف جر بمعنى "من", "لجج" مجرور بمتى والجار والمجرور بدل من "بماء البحر", "خضر" صفة للجج, "لهن" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم, "نئيج" مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد: في "بماء البحر", فإن الباء فيه بمعنى مِنْ للتبعيض.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم 150, وابن عقيل 2/ 16, والأشموني 2/ 293، والسيوطي في الهمع 2/ 34, والخصائص 2/ 85.
3 ب، جـ, وفي أ "شربنا, روينا".
4 من الآية 25 من سورة الفرقان.
5 من الآية 12 من سورة الحديد.
6 أ، جـ.
7 من الآية 59 من سورة الفرقان.
8 جـ, وفي أ "اغتناء", وفي ب "اهتمام".(2/758)
وقوله: "على للاستعلا" هو أصل معانيها1 ولم يثبت لها كثير "من"2 البصريين غيره، وأولوا ما أوهم خلافه.
"ومعنى في" يعني: الظرفية, نحو: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} 3 "أي: في ملك"4 وأول على التضمين أي: تتقول.
"وعن" أي: تكون للمجاوزة بمعنى "عن" كقوله:
إذا رضيت عليَّ بنو قشير5 ... ........................
أي: عني.
__________
1 قال الأشموني 2/ 294: "ويكون حقيقة ومجازا نحو: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} , ونحو: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ".
2 جـ.
3 الآية 102 من سورة البقرة.
4 أ، ب.
5 صدر بيت قائله قحيف العجيلي, من كلمة يمدح فيها حكيم المسيب القشيري, من الوافر. وعجزه:
لعمر الله أعجبني رضاها
الشرح: "قشير" بزنة التصغير, وهو قشير بن كعب بن عامر بن صعصعة.
المعنى: إذا رضيت عني بنو قشير, سرني رضاها.
الإعراب: "إذا" ظرف للزمان المستقبل تضمن معنى الشرط, "رضيت" فعل ماض والتاء للتأنيث, علي" جار ومجرور متعلق برضي, "بنو" فاعل رضي, "قشير" مضاف إليه والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها, "لعمر" اللام للابتداء, عمر مبتدأ خبره محذوف وجوبا, "الله" مضاف إليه, "أعجبني" فعل ماض والنون للوقاية والياء مفعول, "رضاها" فاعل والضمير مضاف إليه، وأنّثه مع أن مرجعه مذكر وهو بنو قشير لتأولهم بالقبيلة، وجملة: أعجبني رضاها جواب إذا.
الشاهد: في "رضيت علي" فإن "على" فيه بمعنى "عن", يدلك على ذلك أن "رضي" إنما يتعدى بعن كما في قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} , {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} وقد حمل الشاعر "رضي" على ضده وهو "سخط", فعداه بالحرف الذي يتعدى به ضده وهو "عن" وليس في ذلك شيء؛ فإن العرب تحمل الشيء على ضده كما تحمله على نظيره ا. هـ. محيي الدين، على ابن عقيل 2/ 18.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص151، وابن عقيل 2/ 18، وابن هشام 2/ 138، والأشموني 2/ 295, والسيوطي ص72، والمكودي ص83، وداود، والسندوبي، والخصائص 2/ 311، 389.(2/759)
قال في شرح التسهيل: وكذا الواقعة بعد خفي وتعذر واستحال وغضب، وأشباهها.
قيل: وهو مذهب كوفي، وقال به القتبي، وتأوله غيرهم1.
وقوله:
بعن تجاوزا عنى من قد فطن
يعني: أن الأكثر في "عن" استعمالها للمجاوزة؛ ولذلك عدي "بها"2 صدر وأعرض ونحوهما.
وقالوا: رويت عن فلان؛ لأن المروي "عنه مجاوز"3 لمن أخذ عنه.
وقوله:
وقد تجي موضع بعد ... ... ................
يعني: عن نحو: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} 4 أي: بعد طبق.
وعلى" أي: وقد تجيء عن موضع على نحو قوله:
لاهِ ابن عمك لا أُفضلتَ في حَسَب ... عني ولا أنت ديَّاني فتخزوني5
__________
1 بأن ضمن رضي معنى عطف.
2 ب، جـ.
3 جـ, وفي أ، ب "مجاز".
4 الآية 19 من سورة الانشقاق.
5 قائله ذو الأصبع العدواني، واسمه: حرثان بن الحارث العدواني وهو أحد بني عدوان, بطن من جديلة, من قدماء الشعراء في الجاهلية.
والبيت من قصيدة من البسيط, قالها في مزين بن جابر.
الشرح: "لاه ابن عمك" أي: لله در ابن عمك, "دياني" القيِّم بالأمر الذي يجازي فلا يضيع عنده خير ولا شر, "تخزوني" تسومني الذل وتقهرني.
المعنى: لله ابن عمك, فلقد ساواك في الحسب وشابهك في رفعة الأصل وشرف المحتد، فما من مزية لك عليه ولا فضل تفتخر به عليه، ولا أنت مالك أمره والمدبر لشئونه فتقهره وتذله.
الإعراب: "لاه" أصلها "لله" فهي جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم, ثم حذف لام الجر وأبقي عمله شذوذا فصار "الله" ثم حذف أداة التعريف, "ابن" مبتدأ مؤخر, "عمك" مضاف إليه والكاف مضاف إليه, "لا" نافية, "أفضلت" فعل ماض مبني للمجهول والتاء نائب فاعل, "في حسب" جار ومجرور متعلق بأفضلت, "عني" جار ومجرور متعلق بأفضلت, "ولا" الواو عاطفة، ولا لتأكيد النفي, "أنت" ضمير منفصل مبتدأ, "دياني" خبر =(2/760)
"أي: عليَّ"1.
وجعل المصنف منه قولهم: "بخل عنه" والأصل: عليه.
وقوله:
........... ... كما على موضع عن قد جُعلا
يعني: أن كل واحدة منهما "قد"2 وضعت موضع الأخرى، وتقدم تمثيله.
وقال بعض النحويين: لو كانت لها معاني هذه الحروف, لجاز أن تقع حيث تقع هذه الحروف.
قال: فوجب تأويل ما ذكروه, مما يخالف معنى المجاوزة.
وقوله: "شَبِّهْ بكاف" هذا أشهر معاني الكاف.
"وبها التعليل قد يُعنَى" نحو: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} 3.
قال في شرح الكافية: ودلالتها على التعليل "كثيرة"4.
"وزائدا لتوكيد ورد" "يعني"5: نحو: {لَيْسَ6 كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 7.
قيل: ويحتمل أن تكون "مثل" بمعنى صفة فلا تكون زائدة، و"مثل" قد يراد بها الصفة.
__________
= المبتدأ وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة الوصف إلى مفعوله, "فتخزوني" الفاء عاطفة, تخزوني فعل مضارع والنون للوقاية والياء مفعول والفاعل ضمير مستتر والجملة في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: لا أنت تخزوني.
الشاهد: في "عني" فإن "عن" هنا بمعنى "على", أي: لا أفضلت في حسب عليَّ.
مواضعه: ابن الناظم ص151, وابن عقيل 2/ 17, وابن هشام 3/ 140, والأشموني 2/ 195, والمكودي 83, وداود، والسيوطي ص72, وأيضا في الهمع والإنصاف 2/ 20.
1 أ، حـ.
2 أ.
3 من الآية 198 من سورة البقرة.
4 جـ, وفي أ، ب "كثير", وراجع شرح الكافية ورقة 54.
5 أ، ب.
6 أ، جـ.
7 من الآية 11 من سورة الشورى, أي: ليس مثله شيء.(2/761)
وقوله: "واستُعمل اسما"؛ استعمالها اسما مخصوص "عند سيبويه"1 بالشعر نحو:
ورحنا بكابن الماء يُجنَب وسطنا2 ... ............................
وأجازه الأخفش في الاختيار، وإليه ذهب المصنف، وهو ظاهر كلام الفارسي3, وشذ أبو جعفر بن مضاء4 فقال: إنها اسم أبدا؛ لأنها بمعنى مثل.
وتأول بعضهم "ما ورد من دخول حرف الجر عليها"5 والإضافة والإسناد إليها على حذف الموصوف.
__________
1 أ، ب قال سيبويه 1/ 203: ".... أن أناسا من العرب اضطروا في الشعر وجعلوها بمنزلة مثل، قال الراجز وهو حميد الأرقط:
فصيروا مثل كعصف مأكول....
2 صدر بيت من قول امرئ القيس يصف فرسا.
وعجزه:
تصوب فيه العين طورا وترتقي
الشرح: "ابن الماء" طائر يقال له: "الغرنيق"، شبه الفرس به في سرعته وسهولة مشيه, "يجنب" يقاد, "تصوب" تنحدر، "ترتقي" ترتفع.
يريد أن عين الناظر إليه تصعد فيه النظر, وتصوبه إعجابا به.
الإعراب: "ورحنا" الواو عاطفة, "رحنا" فعل وفاعل, "بكابن" الباء حرف جر "والكاف" بمعنى مثل مجرور وهي مضاف "وابن" مضاف إليه, "وابن" مضاف "والماء" مضاف إليه, "يجنب" فعل مضارع مبني للمجهول, "وسط" نائب فاعل, "ونا" مضاف إليه, "تصوب" فعل مضارع مبني للمجهول, "فيه" جار ومجرور متعلق بتصوب, "العين" نائب فاعل والجملة في محل نصب حال من ابن الماء, "طورا" نائب عن المفعول المطلق منصوب, "وترتقي" الواو عاطفة "وترتقي" فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة معطوف على تصوب.
الشاهد: في "بكابن", أن الكاف اسم وجرت بالباء.
مواضعه: ذكره المكودي في شرحه الألفية ص83, والخزانة 4/ 262.
3 قال السيوطي في الهمع 2/ 31: "نظرا إلى كثرة السماع" ومنه: يضحكن عن كالبرد المنهم.
4 هو أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن سعد بن مضاء اللخمي، أخذ عن ابن الرماك كتاب سيبويه وسمع عليه وعلى غيره من الكتب النحوية واللغوية، وولي قضاء فاس وغيره فأحسن السيرة وعدل.
صنّف المشرق في النحو وغير ذلك.
وُلد بقرطبة سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، وتوفي سنة 952.
5 أ، جـ, وفي ب "ما دخل من حروف الجر عليها".(2/762)
وقوله: "وكذا عن وعلى" أما عن فتكون اسما إذا دخل عليها حرف جر، ولا تجر إلا بمِنْ كقوله:
................ ... مِنْ عَنْ يمين الحُبَيَّا نظرة قَبَل1
وندر جرها بعلى في قوله:
على عن يميني مرت الطير سُنَّحا2 ... ................................
__________
1 عجز بيت قائله القطامي, واسمه عمير بن شييم التغلبي، والبيت من قصيدة يمدح فيها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان, وهي من البسيط.
وصدره:
فقلت للركب لما أن علا بهم
الشرح: "للركب" جمع راكب, "علا بهم" يروى: علا لهم، والمعنى علت لهم أي: جعلتهم يعلون, "الحبيا" -بضم الحاء وفتح الباء وتشديد الياء- موضع بالشام, "قبل" -بفتح القاف والباء- يقال: نظرة قبل إذا لم يتقدمها نظر.
الإعراب: "فقلت" فعل ماض والتاء فاعل, "للركب" اللام حرف جر والركب مجرور بها والجار والمجرور متعلق بقلت، والقول إذا وصل باللام يكون بمعنى الخطاب أي: خاطبت الركب, "لما" ظرف بمعنى حين، والعامل فيه قلت, "أن" مفسرة, "علا بهم" جملة من الفعل والمفعول بمعنى أعلتهم والفاعل "نظرة", والظاهر أنّ أنْ مصدرية, "من" حرف جر, "عن" اسم بمعنى جانب؛ فلذلك دخل عليها حرف الجر, "يمين" مجرور بعن, "الحبيا" مضاف إليه, "قبل" بالرفع صفة للنظرة.
الشاهد: في "من عن يمين", فعن اسم مجرور بمن، وتكون عن بمعنى جانب.
والمعنى: من جانب يمين الحبيا، وهذا كثير في الكلام.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص151, والمكودي ص83.
2 قال العيني: لم أقف على اسم قائله. وبحثت فلم أعثر على قائل له.
وهو من الطويل.
وعجزه:
وكيف سنوح واليمين تطيع
الشرح: "سنحا" -بضم السين وتشديد النون- جمع سانح, تقول: سنح لي الطير يسنح سنوحا, إذا مر من مياسرك إلى ميامنك، والعرب تتيمن بالسانج وتتشاءم بالبارح، وكذا قال الجوهري. وفي الهمع "قطيع" بدل تطيع.
الإعراب: "على" حرف جر, "عن" اسم بدليل دخول حرف الجر عليها، وعلى عن يميني جار ومجرور متعلق بالفعل مرت, "الطير" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة للفعل مرت, "سنحا" حال منصوب بالفتحة الظاهرة.
الشاهد: في "على عن يميني", فإن "عن" هنا اسم بدليل دخول على عليها, وهذا نادر والمحفوظ من دخول كلمة "على" على كلمة "عن" في هذا البيت فقط, فإن الأكثر أن يدخل عليه كلمة "من" عند كون "عن" اسما. ا. هـ العيني.
مواضعه: ذكره ابن هشام في مغني اللبيب 1/ 131، والسيوطي في الهمع 2/ 36.(2/763)
قال بعضهم: وفي نحو:
دع عنك نهبا صِيح في حجراته1
وأما "على" فذهب قوم منهم ابن طاهر وابن خروف والشلوبين إلى أنها اسم ولا تكون حرفا، وزعموا أن ذلك مذهب سيبويه، ومشهور مذهب البصريين أنها حرف جر وتكون اسما إذا دخل عليها "من" نحو:
__________
1 صدر بيت قائله امرؤ القيس بن حجر الكندي, من الطويل.
وعجزه:
ولكن حديثا ما حديث الرَّوَاحل
الشرح: "دع" اترك، "نهبا" أي: ما انتهب ويجمع على نهاب, "صيح" مجهول صاح, "الحجرات" -بفتح الحاء وضم الجيم- النواحي, وفي مجمع الأمثال بفتح الحاء والجيم والراء: النواحي أيضا.
المعنى: قال الأصمعي: دع الذي انتهبه باعث, وحدثني عن الرواحل التي أنت ذهبت بها.
قال: نزل امرؤ القيس على خالد بن سدوس وأغار باعث على مال امرئ القيس فقال له خالد: أعطني إبلك حتى أطلب مالك وأرده عليك, ففعل امرؤ القيس وانطوى خالد عليها ثم ذهب يتعقب باعثا فضاعت منه. وفي مجمع الأمثال للميداني 1/ 368 رقم 1403: "يضرب لمن ذهب من ماله شيء ثم ذهب بعده ما هو أجلّ منه".
الإعراب: "دع" جملة من الفعل والفاعل, "عنك" جار ومجرور, "نهبا" مفعوله وفيه حذف والتقدير: دع عنك ذكرك نهبا, "صيح في حجراته" صيح فعل ماض من صاح مبني للمجهول والجملة في محل نصب صفة لنهبا، والتقدير: نهبا صيح في نواحيه, "ولكن حديثا" أي: ولكن حدثنا حديثا, فانتصاب حديثا بالمقدر, "ما" اسم استفهام مبتدأ, "حديث" خبره مرفوع بالضمة الظاهرة, "الرواحل" مضاف إليه مجرور بالكسرة.
الشاهد: في قوله: "دع عنك", فإن "عن" هنا اسم بمعنى "جانب", وهذا متعين في ثلاثة مواضع:
أحدها: أن يدخل عليها "من" كما في قوله: "من عن يمين" أي: من جانب يمين.
والثاني: أن يدخل عليها "على" وذلك نادر, والمحفوظ منه بيت واحد وهو قوله:
على عن يميني مرت الطير سنحا
الثالث: أن يكون مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمعنى واحد, قاله الأخفش, وذلك قوله:
دع عنك نهبا....
وذلك لئلا يؤدي إلى تعدي فعل الضمير المتصل إلى ضميره المنفصل.
مواضعه: ذكره ابن هشام في مغني اللبيب 1/ 131، 2/ 121، والسيوطي في الهمع 2/ 29.(2/764)
غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها1 ... .........................
قال بعضهم2: وفي نحو:
هون عليك3..... ... ..............
__________
1 صدر بيت قائله مزاحم بن الحارث العقيلي، والصحيح أنه إسلامي كما قال أبو حاتم.
وهو من قصيدة وصف بها القطا, وهو من الطويل.
وعجزه:
تَصِلّ وعن قيض بزيزاء مجهل
الشرح: "غدت": صارت والضمير للقطاة, "تم" كمل، "ظمؤها" -بكسر الظاء وسكون الميم بعدها همزة- مدة صبرها عن الماء ما بين الشرب والشرب، وفي الكتاب "خمسها" بدل "ظمؤها" أي: ترد اليوم الخامس, "تصل" تصوت, "قيض" -بفتح القاف وسكون الياء- القشر الأعلى للبيض, "بزيزاء" بزايين بينهما ياء: ما ارتفع من الأرض، ويروى مكانه "ببيداء"، "مجهل" أي: قفر ليس فيها أعلام يهتدى بها.
المعنى: يذكر أن هذه القطاة ذهبت من فوق أفراخها بعد أن تم صبرها على الماء، وذهبت عن قشر بيضها الذي أفرخ, تاركة إياه ببيداء لا يهتدى فيها بعلم.
الإعراب: "غدت" فعل ماض ناقص بمعنى صار والتاء للتأنيث واسمه ضمير مستتر, "من" حرف جر, "عليه" اسم بمعنى فوق مجرور محلا بمن, والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر غدت, "بعد" ظرف متعلق بغدت, "ما" مصدرية, "تم" فعل ماض, "ظمؤها" فاعل والضمير مضاف إليه, "تصل" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر والجملة في محل نصب حال, "وعن قيض" جار ومجرور معطوف على قوله: من عليه, "بزيزاء" متعلق بمحذوف صفة لقيض, "مجهل" صفة لبزيزاء.
الشاهد: في "من عليه", فإن "على" فيه اسم بمعنى "فوق" بدليل دخول حرف الجر عليه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص152، وابن عقيل 2/ 21، والأشموني 2/ 296، والسندوبي 83، وداود، والأصطهناوي, والسيوطي ص72، وفي همعه 2/ 36, والشاهد رقم 828 من خزانة الأدب, وابن يعيش 7/ 28، والكتاب 2/ 31، والمقتضب للمبرد 3/ 53.
2 وهو الأخفش، قال ابن هشام في المغني 1/ 28: "وزاد الأخفش موضعا آخر، وهو أن يكون مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى واحد, نحو قوله تعالى: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} وقول الشاعر:
هون عليك ... البيت
3 جزء من بيت قائله الأعور الشني, من المتقارب.
وتمامة:
... فإن الأمور ... بكف الإله مقاديرها
الشرح: "هون" خفف, ويروى: "خفض"، "كف الإله" معناه عند أهل النظر: ملكه وسلطانه.
الإعراب: "هون" فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه, "فإن" الفاء للتعليل, وإن حرف توكيد ونصب, "الأمور" اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة, "بكف" جار ومجرور, "الإله" مضاف إليه, "مقاديرها" خبر إن مرفوع بالضمة الظاهرة وها مضاف إليه. الشاهد: في "عليك" على أن "على" تكون اسما إذا كان مجرورها وفاعل متعلقها ضميري مسمى واحد.
مواضعه: ذكره ابن هشام في المغني 1/ 128، والسيوطي في الهمع 2/ 29, وسيبويه 1/ 31.(2/765)
وزعم الفراء ومن وافقه من الكوفيين أن "عن" و"على" إذا دخل عليهما "مِنْ" "بقيا"1 على حرفيتهما.
وزعموا أن "من" تدخل على حروف الجر كلها سوى مذ واللام والباء "وفي"2.
وقوله:
............... ... من أجل ذا عليهما من دخلا
أي: من أجل ثبوت اسميتهما صح دخول حرف الجر عليهما، وخص "من" بالذكر لانفرادها بذلك، وتقدم جر عن بعلى.
تنبيه:
قال في شرح التسهيل: "عن" بعد دخول من بمعنى جانب، و"على" بمعنى فوق.
قوله: "ومذ ومنذ" اعلم أن لمذ ومنذ ثلاث أحوال:
"الأولى"3: أن يليهما اسم مفرد مرفوع نحو: "ما رأيته مذ يومُ الجمعة أو منذ يومانِ" وفي ذلك ثلاثة مذاهب:
الأول: أنهما مبتدآن "والمرفوع خبر, وإليه ذهب المبرد وكثير من البصريين, والتقدير في المعرفة: أول انقطاع الرؤية يوم الجمعة, وفي النكرة: أمد انقطاع الرؤية يومان.
الثاني: أنهما ظرفان في موضع الخبر"4 والمرفوع هو المبتدأ, والتقدير: بيني وبين لقائه يومان، وإليه ذهب الأخفش وطائفة من البصريين.
__________
1 جـ, أ، ب "باقيان".
2 جـ.
3 أ، جـ, وفي ب "الأول".
4 ب.(2/766)
والثالث: أن المرفوع بعدهما فاعل بفعل مقدر، أي: منذ مضى يوم الجمعة "أو يومان"1, وهما ظرفان مضافان إلى الجملة، وإليه ذهب محققو أهل الكوفة, واختاره السهيلي والمصنف في التسهيل2.
"الحالة3 الثانية": أن يليهما جملة, والكثير كونها فعلية نحو:
ما زال مذ عقدت يداه إزاره4 ... ...........................
__________
1 أ، ب.
2 قال في التسهيل ص94: "..... ويضافان إلى جملة مصرح بجزأيها, أو محذوف فعلها".
3 أ.
4 صدر بيت قائله الفرزدق, مدح به يزيد بن المهلب.
من قصيدة طويلة, من الكامل.
وعجزه:
فسما فأدرك خمسة الأشبار
الشرح: "ما زال مذ عقدت يداه إزاره" يروى في مكانه: "ما زال مذ شد الإزار بكفه" ويكنى بهذه العبارة عن مجاوزته حد الطفولة التي لم يكن يستطيع فيها أن يقضي حوائجه بنفسه، والمراد: ما زال مذ بدأ يستغني عن الحواضن ويستطيع أن يلبس الإزار ويشده على وسطه بنفسه, والإزار: ما يلبسه الإنسان في نصفه الأسفل, "سما" علا, "أدرك خمسة الأشبار" أيفع ولحق حد الصبا. المعنى: أن الممدوح من وقت بلوغه سن التمييز, يتدرج في رفعة ومجد ومكارم أخلاق.
الإعراب: "ما" نافية, "زال" فعل ماض ناقص واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو, "مذ" ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بزال، وقيل: في محل رفع مبتدأ, خبره لفظ زمان مضافا إلى الجملة الفعلية بعده, "عقدت" فعل ماض مبني على الفتح والتاء للتأنيث, "يداه" فاعل مرفوع بالألف وضمير الغائب مضاف إليه, "إزاره" مفعول به لعقد منصوب بالفتحة الظاهرة، وضمير الغائب مضاف إليه, "فسما" الفاء حرف عطف، سما فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو, "فأدرك" الفاء عاطفة، أدرك فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أيضا, "خمسة" مفعول به لأدرك منصوب بالفتحة الظاهرة, "الأشبار" مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.
الشاهد: في "مذ عقدت", حيث أُضيف فيه "مذ" إلى الجملة الفعلية.
وفيه شاهد آخر في العدد "خمسة الأشبار", حيث جرد اسم العدد من أل المعرفة, وأدخلها على المعدود حيث أراد التعريف.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص152, وابن هشام 2/ 154، والأشموني 2/ 297، وأيضا ابن هشام في المغني 2/ 22, والسيوطي في الهمع 1/ 216, وابن يعيش 2/ 121.(2/767)
وقد تكون اسمية كقوله:
............... ... ... مذ أنا يافع1
وفي ذلك مذهبان2:
أحدهما: أن "مذ ومنذ" ظرفان مضافان إلى الجملة وهو المختار، وصرح به سيبويه3.
والثاني: أنهما مبتدآن ونقدر اسم زمان محذوفا يكون خبرا عنهما، والتقدير: مذ زمان عقدت ومذ زمان أنا يافع، وهو مذهب الأخفش، فلا يكونان عنده إلا مبتدأين، واختاره ابن عصفور.
"الحالة"4 الثالثة: أن يليهما اسم مجرور كقوله:
__________
1 جزء من بيت قائله رجل من سلول، وقيل: قائله هو الكميت بن معرور الأسدي, وتمامه:
وما زلت محمولا عليَّ ضَغِينة ... ومضطلع الأضغان.....
وهو من الطويل.
وورد في الأشموني, والتوضيح:
وما زلت أبغي الخير مذ أنا يافع ... وليدا وكهلا حين شبت وأمردا
الشرح: "ضغينة": حقد, "مضطلع الأضغان" المضطلع بالشيء: القادر عليه المستقل به, "والأضغان": الحقد, "يافع" هو الغلام الذي راهق العشرين، ويقال: يفع وأيفع فهو يافع.
المعنى: لم أزل منذ ناهزت الحلم محسدا, مضطلعا بضغائن الأعداء.
الإعراب: "ما زلت" فعل ماض ناقص والتاء اسمه, "محمولا" خبره منصوب بالفتحة الظاهرة, "علي" جار ومجرور, "ضغينة" نائب فاعل لقوله: "محمولا"؛ لأنه اسم مفعول "ومضطلع" عطف على "محمولا" منصوب بالفتحة الظاهرة, "الأضغان" مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة, "مذ" ظرف, "أنا" مبتدأ, "يافع" خبره مرفوع بالضمة الظاهرة, وقد أضيف مذ إلى الجملة الاسمية.
الشاهد: في "مذ أنا يافع" حيث أضيفت "مذ" إلى الجملة الاسمية.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص152, والأشموني 2/ 297، والسندوبي، وابن هشام 2/ 154، وأيضا في المغني 2/ 22، وسيبويه 1/ 239.
2 راجع الأشموني 2/ 297.
3 راجع الكتاب 1/ 209.
4 أ، جـ.(2/768)
.................... ... ورسمٍ عفت آياته منذ أزمان1
وفي ذلك مذهبان:
أحدهما: أنهما حرفا جر، وإليه ذهب الجمهور وهو الصحيح.
والآخر: أنهما ظرفان منصوبان بالفعل قبلهما.
وقد أشار في النظم إلى الأحوال الثلاث.
فإن قلت: لا تؤخذ أحكامهما من عبارته.
قلت: أما الأولى فالمفهوم من قوله: "رفعا" أنهما مبتدآن؛ لأنهما لا يرفعان ما بعدهما إلا إذا جعل خبرهما؛ لأن المبتدأ رافع الخبر على الأصح.
وأما الثانية "فتفهم"2 من ظاهر قوله: "أو أُوليا الفعل".
__________
1 عجز بيت لامرئ القيس بن حجر الكندي, وهو من الطويل.
وصدره:
قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان
الشرح: "قفا" خطاب للاثنين ولكن المراد واحد، ومن عادتهم أن يخاطبوا الواحد بصيغة الاثنين. "عرفان" يريد عرفان الديار يعني: معرفتها.
"رسم" -بفتح فسكون- ما بقي من آثار الديار لاصقا في الأرض, "عفت" درست وانمحت معالمها, "آياته" جمع آية وهي العلامة التي يستدل بها، ويروى: "وربع عفت آثاره", "أزمان" جمع زمن -بفتح الزاي والميم- الوقت.
المعنى: قفا نندب حظنا ونبك لفراق الأحبة وتذكرهم، وتلك الديار التي كانت معمورة بهم فأصبحت خاوية دارسة.
الإعراب: "قفا" فعل أمر وألف الاثنين فاعله, "نبك" فعل مضارع مجزوم في جواب الأمر وعلامة جزمه حذف الياء وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن, "من ذكرى" جار ومجرور متعلق بنبك, "حبيب" مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة, "وعرفان" معطوف على حبيب, "ورسم" معطوف على حبيب أيضا, "عفت" فعل ماض والتاء للتأنيث, "آياته" فاعل عفت مرفوع بالضمة الظاهرة وضمير الغائب مضاف إليه, "منذ" حرف جر مبني على الضم لا محل له من الإعراب, "أزمان" مجرور بمنذ وعلامة جره الكسرة الظاهرة, والجار والمجرور متعلق بعفت.
الشاهد: في "منذ أزمان", حيث وقع "منذ" لابتداء الغاية وجر الأزمان.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 2/ 297, وابن هشام 2/ 143، وفي المغني 2/ 21.
2 أ، جـ, وفي ب "ففهم".(2/769)
"أنهما"1 ظرفان مضافان إلى الجملة؛ لأن من جعلهما في ذلك مبتدأين وقدّر بعدهما زمانا هو الخبر فلم يولهما الفعل إلا لفظا.
وأما الثالثة: فقد "عدهما"2 "مع"3 حروف الجر فيما تقدم.
والحاصل: أنهما قبل المرفوع مبتدآن، وقبل الفعل ظرفان، وقبل المجرور حرفان، والمختار في التسهيل4.
فإن قلت: لو قال: "أو أوليا الجملة"5 نحو: "مذ دعا", "لأجاد"6 لتندرج "الجملة"7 الاسمية.
قلت: هو كذلك والعذر له في الاقتصار على الفعل أنه "الكثير"8.
فإن قلت: شرط "في"9 المرفوع بعدهما والمجرور بهما أن يكون اسم زمان ولم ينبه عليه.
قلت: بل نص عليه أول الباب10.
ثم أشار إلى "معناهما"11 بقوله:
وإن يجرا في مُضِيّ فكمِنْ ... هما وفي الحضور معنى في استبن
يعني: أنهما لابتداء الغاية إن جرا ماضيا نحو: "ما رأيته مذ يوم الجمعة"12, وللظرفية إن جرا حاضرا نحو: "ما رأيته مذ يومنا"13.
__________
1 ب، جـ، وفي أ "إنما هما".
2 جـ, وفي أ، ب "عدهما".
3 أ، جـ, وفي ب "من".
4 قال في التسهيل ص94: "أنهما ظرفان يضافان إلى جملة".
5 ب، جـ, وفي أ "أوليا الفعل الجملة".
6 أ، جـ.
7 أ.
8 أ، جـ وفي ب "أكثر".
9 أ.
10 عند قوله: وخصص بمذ ومنذ وقتا.
11 أ، ب, وفي جـ "معناها".
12 أي: من يوم الجمعة.
13 أي: في يومنا.(2/770)
وزاد في التسهيل1: أنهما يكونان بمعنى "من" و"إلى" معا. هـ فيدلان على الابتداء والانتهاء، وضابط ذلك: أنهما إن دخلا على ماضٍ معرفة فهما بمعنى "من", أو على حاضر معرفة فهما بمعنى "في", أو على نكرة فهما بمعنى "من إلى", ومعا "نحو" ما رأيته "مذ"2 أربعة أيام.
وقوله: وبعد من وعن وباء زيد ما.
مثال زيادتها بعد "من": "مِمَّا خطاياهم"3 وبعد عن: {عَمَّا قَلِيلٍ} 4, وبعد الباء: {فَبِمَا رَحْمَةٍ} 5.
وقوله: فلم يَعُق عن عمل قد عُلما.
يعني: أن "ما" لم تكفها6 عن الجر كما في الآيات. وذكر في التسهيل أن "ما" قد تكف الباء وتحدث فيها معنى التعليل7 كقوله:
................... ... لبما قد تُرى وأنت خطيب8
__________
1 التسهيل ص94.
2 أ, وفي ب، جـ "منذ".
3 من الآية 25 من سورة نوح. قال المغني: الأولى التمثيل بقراءة مما خطيئاتهم لظهور جرها.
4 من الآية 40 من سورة "المؤمنون".
5 من الآية 159 من سورة آل عمران.
6 أ، جـ, وفي ب "لم تكن تكفها".
7 قال في التسهيل ص147: ".... وتزداد بعدها "ما" كافة وغير كافة, وكذا بعد رب والباء وتحدث في الباء المكفوفة معنى التعليل".
8 عجز بيت في الدرر اللوامع, لصالح بن عبد القدوس, وهو من الخفيف.
وصدره:
فلئن صرتَ لا تُحير جوابا
الشرح: "لا تحير" من أحار يُحير، يقال: كلمته فلم يحر جوابا، أي يرده, "ترى" بالبناء للمفعول.
المعنى: قال في الدرر اللوامع: والبيت في رثاء ميت, يقول: إن صرت الآن لا ترد جوابا لمن يكلمك, فكثيرا ما ترى وأنت خطيب بلسان الحال. فإن من نظر إلى قبرك, وتذكر ما كنت عليه, وما أنت إليه الآن؛ اتعظ بذلك.
الإعراب: "فلئن" اللام للتأكيد وإن شرطية, "صرت" صار فعل ماض ناقص والتاء اسمه وهو فعل الشرط, "لا تحير" جملة في محل نصب خبر صار, "جوابا" مفعول لقوله: لا تحير =(2/771)
وقال في الكافية:
وقد ترد الباء ما كربما1 ا. هـ. ونُوزِع في ذلك2.
وقوله:
وزِيدَ بعد رُبَّ والكاف فكف ... وقد تليهما وجر لم يكف
يعني: أن "ما" تزاد بعد رب والكاف, كافة وغير كافة.
مثالها كافة: {رُبَمَا يَوَدُّ} 3، وقول الشاعر:
لعمرك إنني وأبا حميد ... كما النشوانُ والرجل الحليم4
__________
= وقيل: إنه منصوب على التمييز, "لبما قد ترى" جواب الشرط والباء حرف جر دخلت عليها ما الكافة عن عمل الجر, قال ابن مالك: إن ما الكافة أحدثت مع الباء معنى التعليل كما أحدثت في الكاف معنى التعليل في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} , "ترى" مبني للمجهول, "وأنت" الواو للحال وأنت مبتدأ, "خطيب" خبره مرفوع بالضمة الظاهرة والجملة في محل نصب حال.
الشاهد: في "لبما" -وهي جواب الشرط- الباء حرف جر دخلت عليها "ما" الكافة عن الجر. ذكره ابن مالك وقال: إن "ما" الكافة أحدثت مع الباء معنى التعليل, كما أحدثت في الكاف معنى التعليل في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} .
مواضعه: ذكره السيوطي في همعه 2/ 38, وابن هشام في المغني 2/ 9.
1 في أ "وقد ترد الباء ما كربا", وب، ج "وقد ترد الباء ما كربما" وهو الصواب كما في الكافية ورقة 54.
2 قال السيوطي في همعه 2/ 38: "وتفيدان مع ما تعليلا كربما. ذكره ابن مالك في التسهيل في الباء. وقال: فمعنى لبما قد ترى وأنت خطيب: ربما أرى. والسيرافي وغيره في من.
وجزم به في سبك المنظوم وأنكره أبو حيان، أي: إفادتهما التعليل حينئذ، ما ورد من ذلك مؤول".
3 من الآية 2 من سورة الحجر.
4 قائله زياد بن الأعجم, وهو من الوافر.
الإعراب: "لعمرك" اللام للقسم, عمر مبتدأ والخبر محذوف أي: لعمرك يميني أو قسمي, "إنني" إن حرف توكيد ونصب وياء المتكلم اسمه, "وأبا" عطف على اسم إن, "حميد" مضاف إليه, "كما النشوان" الكاف للتشبيه دخلت عليها ما الكافة فكفتها عن العمل؛ فلذلك رفع النشوان على أنه خبر لأن، "والرجل" عطف على النشوان, "الحليم" صفته مرفوعة بالضمة الظاهرة. الشاهد: في "كما النشوان" الكاف للتشبيه دخلت عليها "ما" الكافة فكفتها عن العمل؛ فلذلك رفع النشوان على الخبرية, ويروى: "لكالنشوان" فلا شاهد فيه.
مواضعه: ذكره المكودي في شرحه للألفية ص84، وابن هشام في المغني 1/ 152.(2/772)
وأجاز ابن يسعون1 كون "ما" في {رُبَّمَا يَوَدُّ} نكرة موصوفة.
أي: "ربة"2 -ود يود- وأجاز غيره في البيت كون "ما" مصدرية على مذهب من أجاز وصلها "بالجملة الاسمية"3.
ومثالها غير كافة:
ربما ضربةٍ بسيف صقيل4
__________
1 هو: يوسف بن يبقى بن يوسف بن يسعون. قال الزبير: كان أديبا نحويا لغويا فقيها فاضلا من جلة العلماء، متقدما في وقته بعلم العربية، وروى عن مالك بن عبد الله العتبي وغيره, وألف المصباح في شرح ما أعتم من شواهد الإيضاح وغيره. مات في حدود سنة أربعين وخمسمائة.
2 أ, وفي ب "رب".
3 ب, وفي أ، جـ "بالاسمية".
4 صدر بيت قائله عدي بن الرعلاء الغساني, وهو من الخفيف.
وعجزه:
بين بصرى وطعنة نجلاء
الشرح: "صقيل" أي: مجلوّ فعيل بمعنى مفعول، "بصرى" -بضم الباء وسكون الصاد- بلد بالشام وقد أضاف "بين" إلى بصرى, مع أن "بين" لا تضاف إلا إلى متعدد على أحد معنيين:
الأول: أن "بصرى" وإن كان واحدا في اللفظ, في قوة المتعدد؛ لأنها ذات أجزاء ومحلات كثيرة.
الثاني: أن هناك مضافا محذوفا، والتقدير: "بين أماكن بصرى". "طعنة نجلاء" الواسعة الظاهرة الاتساع.
المعنى: كثيرا ما استعملت سيفي, ورمحي في هذه الجهة استعمالا مشرفا.
الإعراب: "ربما" رب: حرف تكثير وجر شبيه بالزائد وما زائدة, "ضربة" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد, "بسيف" جار ومجرور متعلق بضربة, "صقيل" نعت مجرور بالكسرة الظاهرة, "بين" ظرف مكان, "بصرى" مضاف إليه, "وطعنة" معطوف على ضربة مجرور بالكسرة الظاهرة, "نجلاء" صفة لطعنة مجرورة بالكسرة الظاهرة، وقد جر بالكسرة للضرورة وحقه أن يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف لاتصاله بألف التأنيث الممدودة، وخبر المبتدأ المجرور لفظا برب وهو "ضربة" محذوف.
الشاهد: في "ربما ضربة", حيث دخلت "ما" على "رب" ولم تكفها عن العمل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 2/ 299، والمكودي ص84، والسندوبي، والأصطهناوي، وابن هشام 2/ 155, وأيضا في المغني 1/ 121, والسيوطي في همعه 2/ 38.(2/773)
وقول الآخر:
............. ... كما الناسِ مجروم عليه وجارم1
بجر ضربة والناس.
فإن قلت: ما الأغلب على "ما" بعد "رب والكاف"؟ قلت: يفهم من قوله: "وقد" أن الكف هو "الأغلب"2 وصرح به في الكافية3.
وقوله:
وحُذفت رب فجرت بعد بل ...
والفا وبعد الواو شاع ذا العمل
"مثال ذلك"4 بعد "بل" قول رؤبة:
بل بلدٍ ملء الفجاج قتمه5 ... ........................
__________
1 عجز بيت قائله عمرو بن براقة النهمي, وهو من الطويل.
وصدره:
وننصر مولانا ونعلم أنه
الشرح: "ننصر" نعين ونؤازر, "مولانا" المراد منه الحليف, "مجروم عليه" واقع عليه الإثم, "جارم" ظالم متعدٍّ.
ويروى:
كما الناس مظلوم عليه وظالم
ومعنى الروايتين واحد.
المعنى: إننا نعين حليفنا, ونساعده على عدوه مع أننا نعلم أنه كسائر الناس يجني ويجنى عليه.
الإعراب: "ننصر" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة والفاعل ضمير مستتر, "مولانا" مفعول والضمير مضاف إليه, "ونعلم" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة والفاعل ضمير مستتر, "أنه" حرف توكيد ونصب والهاء اسمه, "كما" الكاف جارة، ما زائدة, "الناس" مجرور بالكاف والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر "أن" وجملة أن واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي "نعلم", "مجروم" خبر ثانٍ لأن وهو اسم مفعول, "عليه" واقع موقع نائب الفاعل لمجروم, "وجارم" معطوف على مجروم.
الشاهد: في "كما الناس" حيث زِيدت "ما" بعد الكاف ولم تمنعها من عمل الجر في الاسم الذي بعدها.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص153, وابن عقيل 2/ 27, وابن هشام 2/ 156, والمكودي ص84، والأشموني 2/ 299, والسندوبي, والسيوطي في همعه 2/ 38، 130، وابن هشام في المغني 1/ 152.
2 أ، ب, وفي جـ "الغالب".
3 قال في الكافية, ورقة 54: "وكفت الكاف ورب غالبا" هـ.
4 أ، جـ, وفي ب "مثاله".
5 صدر بيت قائله رؤبة بن العجاج الراجز.
وعجزه:
لا يشترى كتانه وجهرمه
الشرح: "بلد" يذكر ويؤنث والتذكير أكثر، "الفجاج" جمع فج وهو الطريق الواسع، "قتمه" -بفتح القاف والتاء- الغبار, "جهرمه" بزنة جعفر, هو البساط نفسه، وقيل: أصله "جهرمية" -بياء نسب مشددة- نسبة إلى جهرم وهو بلد بفارس، فحذف ياء النسب. =(2/774)
وبعد الفاء قوله:
فحورٍ قد لهوت بهن عين1 ... .....................
وبعد الواو قوله2:
وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله ... عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي3
__________
= المعنى: يصف نفسه بالقدرة على الأسفار وتحمل المشاق والصعوبات, ويشير إلى أن ناقته قوية على قطع الطرق الوعرة والمسالك الصعبة.
الإعراب: "بل" حرف إضراب, "بلد" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد وهو رب المحذوفة بعد "بل", "ملء" مبتدأ ثانٍ, "الفجاج" مضاف إليه, "قتمه" خبر المبتدأ الثاني والضمير مضاف إليه, ويجوز العكس والجملة في محل رفع صفة لبلد, "لا" نافية, "يشترى" فعل مضارع مبني للمجهول, "كتانه" نائب فاعل, "وجهرمه" عطف عليه والجملة في محل رفع لبلد، وخبر المبتدأ الواقع بعد بل والمجرور لفظه برب المحذوفة وقع في بيت بعده.
الشاهد: في "بل بلد", حيث جر "بلد" برب المحذوفة بعد "بل".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن عقيل 2/ 29، وابن الناظم ص153، والأشموني 2/ 299، وداود, والأصطهناوي, والسيوطي ص73, وأيضا في همعه 2/ 36، وابن هشام في المغني 1/ 103, والإنصاف 2/ 305.
1 صدر بيت قائله المتنخل, واسمه مالك بن عويمر، من الوافر.
وعجزه:
نواعم في المروط وفي الرباط
الشرح: "فحور" -بضم الحاء- جمع حوراء وهي الشديدة بياض العين، الشديدة سوادها, "لهوت" بالشيء ألهو لهوا، إذا لعبت به, "عين" -بكسر العين- جمع عيناء وهي الواسعة العين, "نواعم" جمع ناعمة, "المروط" جمع مرط -بكسر الميم- وهو إزار له علم, "الرياط" جمع ريطة -بكسر الراءوسكون الياء- وهي الملحفة التي ليست بملففة.
الإعراب: "فحور" أي: رب حور والجر فيه برب مضمرة, "قد" حرف تحقيق, "لهوت" فعل وفاعل, "بهن" جار ومجرور، وجملة قد لهوت بهن معترضة بين الصفة والموصوف, "عين" صفة لحور.
الشاهد: في "فحور" على إضمار "رب" بعد الفاء, أي: رب حور، والجر فيه برب المضمرة.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 2/ 299، وابن يعيش 2/ 188, والإنصاف 1/ 232، 305.
2 ب.
3 قائله امرؤ القيس من معلقته المشهورة, من الطويل. =(2/775)
وقد تجر محذوفة دونهن كقوله:
رسم دار وقفت في طلله ... كدت أقضي الحياة من جَلَله1
__________
= الشرح: "كموج البحر" أي: في كثافة ظلمته, شبه الليل بموج البحر في شدة هوله, "سدوله" السدول: الأستار، واحدها سدل، "أنواع الهموم" ضروب الهموم, "ليبتلي" ليختبر ويمتحن.
المعنى: رب ليل شديد الهول أرخى علي ستور ظلامه مع أنواع الهموم والأحزان؛ ليختبرني أأصبر أم أجزع؟ قطعته ولم أبال بشيء.
الإعراب: "وليل" الواو واو رب, ليل مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة التي اقتضتها رب المحذوفة, "كموج" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لليل, "البحر" مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة, "أرخى" فعل ماض مبني على فتح مقدر والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو, "سدوله" مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة وضمير الغائب مضاف إليه، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ المجرور برب المحذوفة, "علي" جار ومجرور متعلق بأرخى, "بأنواع" جار ومجرور متعلق بأرخى, "الهموم" مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة, "ليبتلي" اللام لام التعليل, يبتلي فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الياء.
الشاهد: في "وليل", حيث جر "ليل" برب المحذوفة بعد الواو.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص153, وابن هشام 2/ 163، والأشموني 2/ 300، وداود, والأصطهناوي، والمكودي ص73، والسيوطي ص73.
1 قائله جميل بن معمر, وهو من الخفيف.
الشرح: "الرسم" ما لصق بالأرض من آثار الديار, "الطلل" ما شخص وارتفع من آثارها كالوتد, "من جلله" قيل: معناه: من عظمه في نفسي، وقيل: معناه: من أجله.
المعنى: رب أثر باقٍ من آثار دار المحبوبة وقفت فيه، فكدت أموت أسفا وحزنا على تلك الربوع التي كانت عامرة, فأصبحت خاوية خالية من سكانها.
الإعراب: "رسم" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة, "دار" مضاف إليه, "وقفت" فعل ماض والتاء فاعل, "في" حرف جر, "طلله" مجرور بفي والضمير مضاف إليه والجار والمجرور متعلق بوقفت, والجملة من الفعل والفاعل في محل جر صفة لرسم, "كدت" فعل ماض ناقص والتاء اسمه, "أقضي" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر, "الحياة" مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة، والجملة من الفعل والفاعل ومفعوله في محل نصب خبر "كاد", وجملة "كاد" واسمه وخبره في محل رفع خبر المبتدأ.
الشاهد: في "رسم دار" حيث جر "رسم" برب محذوفة ولم يتقدمها شيء لا واو ولا فاء ولا بل, وهو قليل جدا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم 153, وابن عقيل 2/ 29، وابن هشام 2/ 165, والأشموني 2/ 300، وداود، والأصطهناوي، والسيوطي ص73، وفي همعه 2/ 37, وابن يعيش 3/ 38, والإنصاف 1/ 232، 304, والخصائص 1/ 285، 3/ 150.(2/776)
وفي التسهيل: يجر برب محذوفة بعد الفاء كثيرا، وبعد الواو أكثر، وبعد بل قليلا, ومع التجرد أقل. هـ1.
ونوزع في كونه كثيرا بعد الفاء, إلا إن أراد بالنسبة إلى بل، وليس الجر بالفاء "وبل"2.
قال في التسهيل: باتفاق هـ3، وحكى ابن عصفور الاتفاق، وفي الارتشاف: وزعم بعض النحويين أن الخفض هو بالفاء "وبل"4؛ لنيابتهما مناب رب هـ5.
وأما الواو فذهب المبرد والكوفيون إلى أن الجر بها، والصحيح أنه برب المضمرة وهو مذهب البصريين.
وقوله:
وقد يُجر بسوى رُبَّ لدى ... حذف وبعضه يرى مطردا
الجر بسوى "رب" محذوفا, ضربان: مطرد وغير مطرد.
فالمطرد في مواضع:
الأول: لفظ الجلالة في القسم دون عوض6.
الثاني: المعطوف على خبر ليس وما الصالح لدخول الباء نحو: "قوله"7:
__________
1 التسهيل ص148.
2 جـ, وفي أ، ب "وبيل".
3 قال في التسهيل ص148: "وليس الجر بالفاء, وبل باتفاق".
4 جـ, وفي أ، ب "وبيل".
5 الارتشاف ص853.
6 نحو: "الله لأفعلن".
7 ب.(2/777)
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابقٍ شيئا إذا كان جائيا1
الثالث: "بعد"2 ألا نحو:
ألا رجلٍ جزاه الله خيرا3 ... ......................
يريد: ألا من رجل.
__________
1 قائله زهير بن أبي سلمى، وهو والد كعب بن زهير, وهو من الطويل. وهو من قصيدة يذكر زهير فيها النعمان بن المنذر حيث طلبه كسرى ليقتله, ففر وأتى طيئا.
الشرح: "بدا لي" أي: نشأ له فيه الرأي.
المعنى: قد نشأ لي وظهر أنني لا أدرك ما فات, ولا أقدر أنني أسبق على ما سيجيء من الحوادث.
الإعراب: "بدا" فعل ماض, "لي" جار ومجرور, "أني" حرف توكيد ونصب والياء اسمها وهي في محل رفع فاعل بدا, "لست" ليس واسمها, "مدرك" خبر ليس منصوب بالفتحة الظاهرة, "ما مضى" جملة في محل الجر بالإضافة، ولست مع جملتها في محل رفع خبر أن, "ولا سابق" بالجر عطفا على خبر ليس على توهم إثبات الباء الزائدة في خبر ليس, "شيئا" معمول سابق, "جائيا" خبر كان واسمها ضمير وجواب إذا محذوف تقديره: إذا كان جائيا, فلا أسبقه.
الشاهد: في "ولا سابق", فإنه مجرور بالباء المقدرة عطفا على خبر ليس على توهم إثبات الباء فيه. هكذا روي بالجر، وقد روي بالنصب أيضا عطفا على اللفظ, فحينئذ لا شاهد فيه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 3/ 203، والأصطهناوي، وابن يعيش 2/ 52، وابن الناظم في باب إن وأخواتها ص71, والخضري 1/ 234.
2 أ، جـ, وفي ب "نحو".
3 صدر بيت لرجل من أهل البادية, وأنشده سيبويه ولم يعزه إلى قائله. من الوافر.
وعجزه:
يدل على محصلة تبيت
الشرح: "محصلة" -بكسر الصاد المشددة- قال الجوهري: المحصلة: المرأة التي تحصل تراب المعدن, "تبيت" -بفتح التاء- تكون لي بيتا، أي: امرأة, والبيت النكاح.
الشاهد: في "رجل", فإنه مجرور بمن مقدرة, تقديره: ألا من رجل.
وأكثر الروايات: "ألا رجلا" بالنصب, أي: ألا تروني رجلا.
مواضعه: ذكره ابن الناظم في شرحه للألفية في باب "لا" النافية للجنس ص77، والشاهد رقم 163 من الخزانة, وابن يعيش 2/ 101, والكتاب 1/ 361، وابن هشام في المغني 1/ 66.(2/778)
الرابع: بعد "كم" الاستفهامية إذا جرت بالحرف نحو: "بكم دراهم "اشتريت ثوبك"؟ 1" خلافا للزجاج في قوله: إن الجر بإضافتها2.
الخامس: في جواب ما تضمن "مثل"3 المحذوف نحو: زيد، في جواب: بمن مررت؟
السادس: في المعطوف على ما تضمنه بحرف متصل، نحو:
................... ... وللطير مجرى والجَنوب مصارع4
__________
1 أ, وفي ب، جـ "اشتريته" أي: بكم من درهم.
2 يمنع من صحة تقدير الزجاج أمران:
الأول: أن كم الاستفهامية قد تكون كناية عن عدد مركب، والعدد المركب لا يضاف إلى ما بعده في الفصيح.
الثاني: أنهم اشترطوا في الجر بعدها أن تكون مسبوقة بحرف جر، فلو كان الجر بإضافتها إلى ما بعدها لم يشترطوه.
وإنما شرطوه؛ ليكون دليلا على المحذوف الجار لما بعدها. ا. هـ. الشيخ محيي الدين على التوضيح2/ 167.
3 ب، جـ, وفي أ "مثلي".
4 عجز بيت قائله: قال العيني: قيس بن ذريح, والأصح أنه البعيث خداش بن بشر.
وصدره:
ألا يا لقومي كل ما حم واقع
وهو من الطويل.
الشرح: "كل ما حم" -بضم الحاء وتشديد الميم- معناه: كل ما قدر واقع, "الجنوب" جمع جنب, "المصارع" جمع مصرع, من صرعته صرعا بالفتح لتميم, وبالكسر لقيس.
الإعراب: "ألا" للتنبيه, "يا" حرف نداء, "لقومي" اللام للاستغاثة وهي من اللامات الزائدة للتوكيد, قومي منادى, "كل" مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة, "ما حم" مضاف إليه, "واقع" خبر المبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة, "وللطير" جار ومجرور خبر مقدم, "مجرى" مبتدأ مؤخر.
الشاهد: في "والجنوب مصارع", حيث جاء "الجنوب" بالجر مع أنه خبر عن "مصارع"؛ لأنه عطف على قوله: "وللطير" والجر بحرف مقدر تقديره: وللجنوب.(2/779)
السابع: في المعطوف على ما تضمنه بحرف منفصل بلا، نحو:
ما لمحب جلد أن يهجرا ... ولا حبيبٍ رأفة فيجبُرا1
الثامن: في المعطوف على ما تضمنه بحرف منفصل بلو. ذكر أبو الحسن في المسائل2 أنه يقال: جيء بزيد أو عمرو ولو "أحدهما"3؛ لأن المعتاد أن يكون ما بعد لو أدنى4.
التاسع: في المقرون بالهمزة بعد ما تضمنه5 نحو: "مررت بزيد", فتقول "أزيد بن عمرو؟ " حكاه الأخفش في المسائل.
العاشر: في المقرون بعد ما تضمنه "كأن"6 يقال: "جئت بدرهم" فتقول: "فهلا دينارٍ". قال الأخفش: وهذا أكثر.
__________
1 قال العيني: لم أقف على اسم راجزه. وبحثت فلم أعثر على قائله.
الشرح: "جلد" -بفتح اللام- قوة, "يهجرا" من الهجر وهو ضد الوصل, "الرأفة" الرحمة والشفقة.
الإعراب: "ما" بمعنى ليس, "لمحب" جار ومجرور خبر ما تقدم على اسمها, "جلد" اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة, "أن يهجرا" أي: لأن يهجر, فإن مصدرية والتقدير: ما لمحب قوة للهجران, "ولا حبيب" أي: وليس لحبيب رأفة, "رأفة" اسم لا ولحبيب خبر تقدم, "فيجبرا" -بنصب الراء- بتقدير أن بعد الفاء, أي: فأن يجبرا, والألف فيه للإشباع، والمفعول محذوف تقديره: فيجبره أي: المحب.
الشاهد: في "ولا حبيب" حيث جاء مجرورا؛ لكونه عطفا على "المحب" بحرف منفصل, وهو "لا" تقديره، ولا لحبيب رأفة.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 2/ 301, والسيوطي في همعه 2/ 37، والخضري 2/ 235.
2 كتاب لأبي الحسن الأخفش.
3 أ, وفي ب، جـ "كليهما".
4 أ, وفي ب "يقال: جيء بزيد وعمرو ولو كليهما, وقال المصنف: وأحسن من هذا أن يقال: جيء بزيد أو عمرو ولو أحدهما؛ لأن المعتاد.....".
5 أي: ما تضمن مثل المحذوف.
6 جـ, وفي أ، ب "كأنه".(2/780)
الحادي عشر: في المقرون بإن بعد ما تضمنه، نحو: "امرر بأيهم هو أفضل إن زيدٍ وإن عمرٍو".
وأجازه يونس, وجعل سيبويه إضمار الباء بعد إِنْ؛ لتضمن ما قبلها إياها أسهل من إضمار رب بعد الواو, فعلم بذلك اطراده1.
الثاني عشر: في المقرون بفاء الجزاء بعد ما تضمنه, حكى يونس: "مررت برجل صالح إن لا صالحٍ فطالحٍ" على تقدير: إن لا أمرر بصالح فقد مررت بطالح2.
"فجميع"3 هذه المواضع مطرد يقاس "عليه"4 عند المصنف.
والذي "قرره"5 المغاربة، أنه لا يجوز حذف حرف الجر وإبقاء عمله إلا في "باب"6 القسم، وفي باب كم على خلاف.
وأما غير المطرد "فسمع"7 منه أبيات. منها قول الشاعر:
إذا قيل أي الناس شر قبيلة ... أشارت كليب بالأكف الأصابع8
قال في التسهيل9: ولا خلاف في شذوذ بقاء الجر في نحو:
أشارت كليبٍ بالأكف الأصابع
__________
1 قال سيبويه 1/ 133: "..... وكان هذا عندهم أقوى إذا أضمرت رب ونحوها في قولهم: وبلدة ليس بها أنيس، ومن ثم قال يونس: امرر على أيهم أفضل، إن زيد وإن عمرو.
يعني: إن مررت بزيد أو بعمرو ... ".
2 راجع الأشموني 2/ 300، 301، 302.
3 أ، وفي ب، ج "جميع".
4 أ، جـ, وفي ب "عليها".
5 أ، جـ, وفي ب "قدرة".
6 ب.
7 أ، جـ, وفي جـ "فمسموع".
8 مضى شرحه, والشاهد حذف حرف الجر وبقاء عمله.
التقدير: أشارت إلى كليب.
9 راجع التسهيل ص149.(2/781)
الإضافة:
نونا تلي الإعراب أو تنوينا ... مماتضيف احذف كطور سينا
شمل قوله: "نونا تلي الإعراب" المثنى والمجموع على حده، وما ألحق بهما نحو: "رأيت غلاميك" و"خادميك" و"اقبض" "اثنيك"1 و"عشريك", واحترز من نون "لا"2 تلي الإعراب نحو: "مساكين"3 وسنين في لغة من أعربه بالحركات، فإنها لا تحذف للإضافة.
وشمل قوله: "أو تنوينا" الظاهر كقولك في طور: "طور سيناء"4, والمقدر كقولك في دراهم: "هذه دراهمك". قاله في شرح الكافية.
تنبيه:
فهم من "كلامه"5 اقتصاره على التنوين والنون، وأن غيرهما لا يحذف وقد تحذف تاء التأنيث. قال في الكافية6:
وحذف تا التأنيث منه قد يرد7 ... في كلمات سمعت فلا تزد.... هـ8، 9
ومنه قراءة بعضهم: "لأَعَدُّوا لَهُ عِدَهُ"10 أي: عدته.
__________
1 أ، جـ, وفي ب "اثنتيك".
2 أ، ب.
3 أ، جـ، وفي ب "مسكين".
4 من الآية 20 من سورة "المؤمنون".
5 أ.
6 أ، ب وفي جـ "شرح الكافية".
7 ب.
8 أ، ب, وفي جـ "ترد".
9 ونص البيت في الكافية, ورقة 61:
وحذف تاء تأنيث منه قد يرد ... في كلم فاعرف بها ولا تزد
هـ.
10 من الآية 46 من سورة التوبة.(2/782)
وظاهر كلام الفراء أنه قياس, وجعل منه "قوله تعالى"1: {وَإِقَامَ الصَّلَاةِ} 2 ثم قال: "والثاني اجرر".
في الجار له أقوال: أحدها: أنه المضاف، والثاني: أنه "الحرف"3 المنوي، والثالث: أنه معنى الإضافة.
والأول مذهب سيبويه وهو الصحيح؛ لاتصال الضمائر به، ولا تتصل إلا بعاملها.
ثم قال:
... وانو "من" أو "في" إذا ... لم يصلح إلا ذاك واللام خذا
لما سوى ذينك............ ... ........................
يعني: أن الإضافة على ثلاثة أقسام:
الأول: مقدر بمن. وضابطه أن يكون المضاف بعض المضاف إليه مع صحة إطلاق اسمه عليه, نحو: "خاتم فضة".
قال في شرح التسهيل: ومن هذا النوع إضافة الأعداد إلى المعدودات، والمقادير إلى المقدرات. ا. هـ.
وفي إضافة الأعداد إلى "المعدودات"4 خلاف مذهب ابن السراج أنها مقدرة بمن، ومذهب الفارسي أنها "مقدرة"5 باللام.
فإن أضفت عددا إلى عدد نحو: ثلاثمائة، اتفقا على أنها بمعنى من, "فإن"6 لم يصح إطلاق اسمه عليه نحو: "يد زيد" فهي بمعنى اللام على الصحيح, وذهب ابن كيسان إلى أنها بمعنى "من".
__________
1 ب.
2 من الآية 37 من سورة النور.
3 أ، ب, وفي جـ "بالحرف".
4 ب، جـ.
5 ب.
6 أ، ب, وفي جـ "وإن".(2/783)
الثاني: مقدر بفي. وضابطه أن يكون المضاف إليه وقع فيه المضاف نحو: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} 1.
قال المصنف: "وأغفل كثير من النحويين"2 الإضافة بمعنى "في" وهي ثابتة في الكلم الفصيح بالنقل الصحيح. ا. هـ.
وعن عبد القاهر أن ثَم إضافة "تتقدر"3 بفي, وذلك قولنا: "فلان نَبْتُ الغَدَر" والغدر: المكان الصلب.
ومذهب الجمهور أن الإضافة لا تتقدر بغير "من, واللام" ونحو: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} مقدر باللام عندهم على التوسع.
الثالث: مقدر باللام، وهو ما سوى النوعين المتقدمين، وتقدير اللام هو الأصل؛ ولذلك يحكم به مع صحة تقديرها وتقدير غيرها, نحو: "يد زيد"؛ ولذلك خصت بالإقحام في نحو:
يا بؤس للحرب4...... ... ......................
__________
1 من الآية 33 من سورة سبأ.
2 ب, وفي أ، جـ "وأعقل أكثر النحويين".
3 أ، جـ, وفي "تقتدر".
4 جزء من بيت لسعد بن مالك جد طرفة الشاعر, وهو من الكامل.
وتمامه:
..... التي ... وضعت أراهط فاستراحوا
الشرح: "يا بؤس للحرب" النداء للتعجب, والبؤس -الشدة- مهموز ويخفف, "وضعت" وضعتهم بالتخلف عن القتال، "أراهط" الرهط: ما دون العشرة من الرجال, لا يكون فيهم امرأة.
المعنى: إن لم تنصر قومك الآن, فلن تدخر نصرك.
الإعراب: "يا بؤس" يا حرف نداء وبؤس منادى منصوب لأنه مضاف, "واللام" زائدة تقوية للاختصاص, "والحرب" مضاف إليه، وهذا النداء تعجبي, "التي" اسم موصول مبني في محل جر نعت للحرب, "وضعت" وضع فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر تقديره هي يعود إلى الحرب, "أراهط" مفعول به لوضعت والجملة لا محل لها من الإعراب صلة "التي", فاستراحوا "الفاء عاطفة" "استراح" فعل ماض وواو الجماعة فاعل والجملة معطوفة على وضعت. الشاهد: "يا بؤس للحرب" أصله: يا بؤس الحرب, فاقتحمت اللام بين المتضايفين تقوية للاختصاص.
مواضعه: ذكره ابن هشام في مغني اللبيب 1/ 181، وابن يعيش 4/ 36، وفي الحماسة لأبي تمام ص197، والخصائص 3/ 102.(2/784)
وذهب ابن الصائغ1 إلى أن الإضافة بمعنى اللام على كل حال.
وفي الارتشاف: والذي أذهب إليه "أي: الإضافة تفيد"2 الاختصاص, وأنها ليست على تقدير حرف مما "ذكروه"3, ولا على نيته هـ4.
وقوله:
......... واخصص أولا ... أو أعطه التعريف بالذي تلا
يعني: أن المضاف يتخصص بالثاني إن كان نكرة نحو: "غلام رجل", ويتعرف به إن كان معرفة نحو: "غلام زيد" هذا "إذا"5 كانت الإضافة معنوية.
فإن كانت لفظية, فقد نبه عليها بقوله:
وإن يشابه المضاف "يفعل ... وصفا فعن تنكيره لا يعزل
"يفعل" هو الفعل المضارع. يعني: أن المضاف إذا كان وصفا "شابه"6 الفعل المضارع في كونه بمعنى الحال والاستقبال, لم يتعرف بالمضاف إليه؛ لأن إضافته غير محضة، لا تفيد إلا تخفيف اللفظ.
فإن قلت: هل تقدر اللام في الإضافة اللفظية؟
قلت: لا, إذ هي ليست على معنى حرف مما سبق, خلافا لبعض المتأخرين
__________
1 هو محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن بن الصائغ النحوي. قال ابن حجر: ولد قبل سنة عشر وسبعمائة واشتغل بالعلم في اللغة والنحو والفقه. ولي قضاء العسكر وإفتاء دار العدل, وصنف شرح ألفية ابن مالك والتذكرة عدة مجلدات في النحو وغير ذلك. مات في خامس عشر شعبان سنة 771هـ وخلف ثروة واسعة.
2 أ، جـ, وفي ب "أن الإضافة ما تفيد".
3 أ، ب, وفي جـ "ذكروا".
4 راجع الارتشاف ص883.
5 أ، جـ, وفي ب "إن".
6 أ، وفي ب "يشبه", وفي جـ "يشابه".(2/785)
في زعمه أن إضافة اسم الفاعل "وأمثلة المبالغة"1 واسم المفعول المضاف إلى "منصوب"2 على معنى اللام.
واستدل بأن وصولها إلى المفعول باللام "شائع"3 في فصيح الكلام، ورد بأنه لا يطرد في الصفة المشبهة.
ثم مثل قال:
كرُبَّ راجينا عظيم الأمل ... مروع القلب قليل الحِيَل
فرب "راجينا"4 مثال لاسم الفاعل، وعظيم الأمل وقليل الحيل مثالان للصفة المشبهة، ومروع القلب مثال لاسم المفعول.
ثم قال:
وذي الإضافة اسمها لفظية ... ...........................
سميت بذلك؛ لأن فائدتها في اللفظ, وتسمى أيضا مجازية وغير محضة.
ثم قال: "وتلك محضة" يعني: التي تفيد التخصيص والتعريف، تسمى محضة؛ لأنها خالصة من شائبة الانفصال.
"ومعنوية"؛ لأن فائدتها في المعنى.
تنبيهات:
الأول: ذهب ابن برهان وابن الطراوة إلى أن إضافة المصدر إلى مرفوعه أو منصوبه غير محضة، والصحيح "أنها"5 محضة لورود السماع بنعته بالمعرفة كقوله:
__________
1 الأمثلة, والكلام يقتضي ما قلته.
2 أ، ب, وفي جـ "المنصوب".
3 أ، ب, وفي جـ "سائغ".
4 ب، جـ.
5 أ، جـ, وفي ب "أنه".(2/786)
إن وجدي بك الشديد أراني ... عاذرا فيك من عهدت عَذُولا1
وذهب ابن السراج والفارسي إلى أن إضافة أفعل التفضيل غير محضة، والصحيح أنها محضة؛ لأنه ينعت بالمعرفة، ونص سيبويه على أن إضافته محضة، وذهب الفارسي ومن وافقه إلى أن إضافة الاسم إلى الصفة غير محضة، وذهب غيرهم إلى أنها محضة، وذهب المصنف إلى أنها شبيهة بالمحضة.
الثاني: المعروف "أن الإضافة تنقسم"2 إلى محضة, وغير محضة.
وزاد في التسهيل ثالثا, وهو الشبيه بالمحضة3, وهو أنواع:
الأول: إضافة الاسم إلى الصفة, كما تقدم4.
والثاني: إضافة "المسمى إلى الاسم"5 نحو: "شهر رمضان" و"يوم الخميس" و"سعيد كرز".
والثالث: إضافة الصفة إلى الموصوف نحو: "سحقُ عمامة"6.
__________
1 قال العيني: لم أقف على اسم قائله, وبحثت فلم أعثر له على قائل. من الخفيف.
الإعراب: "إن" حرف توكيد ونصب, "وجدي" وجد اسم إن منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم "والياء" ضمير مبني في محل جر مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله, "بك" في محل النصب مفعوله, "الشديد" نعت لاسم إن منصوب, "أراني" جملة في محل الرفع خبر إن, و"أراني" يستدعي ثلاثة مفاعيل: الأول الياء والثاني قوله: من عهدت و"من" موصولة في محل النصب والثالث قوله: "عاذرا", و"عذولا" مفعول ثانٍ لعهدت ومفعوله الأول محذوف وهو الضمير العائد إلى الموصول, أعني عهدته, "وفيك" حال من "عذولا".
الشاهد: في "إن وجدي", فإنه مصدر مضاف إلى فاعله واكتسب بإضافته التعريف؛ فلذلك وصف بالمعرفة وهو "الشديد", فلو لم يكتسب تعريفا بإضافته لما جاز وصفه بالمعرفة.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 2/ 306، والسيوطي في همعه 2/ 48.
2 ب، جـ, وفي أ "تقسيم الإضافة".
3 راجع التسهيل 155.
4 نحو: "مسجد الجامع".
5 أ، ب, وفي جـ "الاسم إلى المسمى".
6 سحق بمعنى: بالية.(2/787)
وقوله:
................. ... وإن سقيت كرام الناس فاسقينا1
وذهب ابن عصفور إلى أنها غير محضة، وذهب غيره إلى أنها محضة.
الرابع: إضافة الموصوفات إلى القائم مقام الوصف, كقوله:
علا زيدنا يوم النَّقَا رأس زيدكم2 ... ............................
__________
1 عجز بيت قائله بشامة بن حزن النهشلي من قصيدة نونية, وهو من البسيط.
وصدره:
إنا محيوكِ يا سلمى فحيينا
الإعراب: "إنا" إن حرف توكيد ونصب ونا اسمه, "محيوك" خبره وأصله محيون إياك, فلما أضيف سقطت النون, "يا سلمى" منادى مفرد, "فحيينا" الفاء لربط الجواب بالشرط ولا شرط هنا, وإنما هي شبيهة بالشرط وفعل وفاعل ومفعول, كما في قوله: الذي يأتيني فله درهم, وبدخولها فهم ما أراده المتكلم من ترتيب لزوم الدرهم على الإتيان, فكذلك هنا فهم ما أراده من ترتيب لزوم تحيتهم على تحيتها, وكذلك الكلام في الشطر الثاني.
الشاهد: في "كرام الناس", فإن إضافة الكرام إلى الناس إضافة الصفة إلى الموصوف.
2 صدر بيت. قال العيني: قائله رجل من طيئ, كذا قاله المبرد.
وتمامه:
بأبيض ماضي الشفرتين يماني
وقبله:
فإن تقتلوا زيدا بزيد فإنما ... أقادكم السلطان بعد زمان
وهما من الطويل.
وقصته أن رجلا من طيئ يقال له: زيد من ولد عروة بن زيد الخيل, قتل رجلا من بني أسد يقال له: زيد, ثم أقيد به بعد, فقال شاعر طيئ في ذلك.
الشرح: "علا" من علا يعلو علوا, هذا في المكان, وأما في الشرف والرتبة، فيقال: على يعلي علاء وكلاهما متعد بمعنى: فاقه، "النقا" -بفتح النون والقاف- الحرب.
ويروى:
علا زيدنا يوم الحمى رأس زيدكم
الإعراب: "علا" فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر لا محل له من الإعراب, "زيد" فاعل و"نا" مضاف إليه من إضافة الموصوف إلى القائم مقام الوصف, أي: علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم, "ويوم" ظرف زمان منصوب, و"النقا" مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة, "رأس" مفعول به, و"زيد" مضاف إليه وهو مضاف و"كم" مضاف إليه, "بأبيض" جار ومجرور صفة حذف موصوفها أي: بسيف أبيض, "ماضي الشفرتين" صفة لأبيض كلام إضافي, "يماني" صفة أخرى لأبيض.
الشاهد: في "زيدنا", فإن فيه إضافة الموصوف إلى القائم مقام الوصف. قال العيني: واستشهد به الزمخشري, وقال: أجرى زيدا مجرى النكرات, فأضافه كما أضيفت النكرات فقال: زيدنا وزيدكم.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 2/ 307، وابن يعيش 1/ 44، وابن هشام في المغني 1/ 50, والشاهد رقم 118 من خزانة الأدب.(2/788)
أي: علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم, "فحذف"1 الصفتين وجعل الموصوف خلفا عنهما في الإضافة.
الخامس: إضافة المؤكَّد إلى المؤكِّد, وأكثر ما يكون في أسماء الزمان المبهمة نحو: "يومئذ"2, وقد يكون في "غيرها"3 كقول الشاعر:
فقلت انجوَا عنها نجا الجلد إنه ... سيرضيكما منها سنام وغاربه4
أراد اكشطا عنها الجلد؛ لأن النجا هو الجلد.
__________
1 أ، ب, وفي جـ "بحذف".
2 أ، جـ, وفي ب "حينئذ", والأمثلة: يومئذ وحينئذ وعامئذ.
3 أ، ب, وفي جـ "غيرهما".
4 قال العيني: قائله هو أبو الجراح, قاله أبو علي البغدادي في كتاب المقصور والممدود. وقال الصاغاني في العباب: هو أبو الغمر الكلابي، وقد نزل عنده ضيفان فنحر لهما ناقة فقالا: إنها مهزولة, فقال معتذرا لهما, وهو من الطويل.
الشرح: "انجوا" أمر للاثنين من نجوت جلد البعير عنه, إذا سلخته, يخاطب الضيفين, "نجا الجلد" النجا مقصور اسم الجلد, "غاربه" أعلى الظهر.
الإعراب: "فقلت" الفاء عاطفة على ما قبلها و"قلت" فعل وفاعل, "انجوا" فعل أمر مبني على حذف النون والواو ضمير في محل رفع فاعل, "عنها" جار ومجرور, "نجا" مفعول به, و"الجلد" مضاف إليه من إضافة المؤكد إلى المؤكد, "إنه" إن واسمها, "سيرضيكما" جملة في محل رفع خبر إن, "منها" جار ومجرور, "سنام" فاعل "يرضي", "وغاربه" عطف عليه والهاء مضاف إليه.
الشاهد: في "نجا الجلد", فإنه أضاف المؤكد إلى المؤكد، قال العيني: هكذا قال ابن أم قاسم. والأحسن أن يقال فيه ما قاله الفراء، وهو إنما أضاف النجا إلى الجلد مع أن النجا هو الجلد؛ لأن العرب تضيف الشيء إلى نفسه إذا اختلف اللفظ, كقوله: حق اليقين، ولدار الآخرة.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 2/ 307, والشاهد 309 من خزانة الأدب.(2/789)
السادس: إضافة الملغى إلى المعتبر نحو:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما1 ... ...............................
السابع: إضافة المعتبر إلى الملغَى, كقول بعض الطائيين:
... أقام ببغداد العراق وشوقه ... لأهل دمشق الشام شوق مبرح2
الثالث: أهمل المصنف هنا نوعين مما لا يتعرف بالإضافة:
أحدهما: ما وقع موقع نكرة لا تقبل التعريف نحو: "رب رجل وأخيه".
و"كم ناقة وفصيلها"، و"فعل ذلك جهده، وطاقته".
__________
1 صدر بيت قائله لبيد بن ربيعة العامري, وهو من الطويل.
وعجزه:
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
الإعراب: "إلى الحول" جار ومجرور متعلق "بابكيا" بقرينة قوله: "ولا تخمشا" في البيت قبله, "ثم" عاطفة, "اسم" مبتدأ, "والسلام" مضاف إليه من إضافة الملغى إلى المعتبر, "وعليكما" جار ومجرور خبر المبتدأ و"من" الواو عاطفة, من "شرطية", و"يبك" فعل الشرط مجزوم بحذف حرف العلة والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على من, "حولا" ظرف زمان منصوب, و"كاملا" نعت له, "فقد" الفاء واقعة في جواب الشرط وقد حرف تحقيق, "واعتذر" فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو, والجملة جواب الشرط.
الشاهد: في "ثم اسم السلام", فإن "اسم" مضاف إلى السلام وهو إضافة الملغى إلى المعتبر, يعني: لفظ الاسم هنا ملغى؛ لأن دخوله وخروجه سواء.
والمعنى: ثم السلام عليكما.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 2/ 307، والسيوطي في همعه 2/ 49، وابن يعيش 3/ 14, والشاهد رقم 305 من خزانة الأدب, والخصائص 3/ 29.
2 قال العيني والمرادي: قائله بعض الطائيين, وبحثت فلم أعثر على قائله, وهو من الطويل.
الشرح: "مبرح" أي: شديد، يقال: برح به الأمر تبريحا, أي: جهده.
الإعراب: "أقام" فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر, "ببغداد" في محل النصب على المفعولية, وبغداد لا ينصرف فلما أضيف انجر بالكسر, "العراق" مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة, "وشوقه" الواو للحال شوق مبتدأ وخبره شوق الثاني, "مبرح" صفته والجملة وقعت حالا وشوق مصدر مضاف إلى فاعله, "لأهل دمشق الشام" في محل نصب على المفعولية.
الشاهد: في "ببغداد العراق" و"دمشق الشام", فإن الإضافة فيهما إضافة المعتبر إلى الملغى؛ وذلك لأن دخول العراق والشام وخروجهما سواء.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 2/ 307, والسيوطي في همعه 2/ 49.(2/790)
ونحو:
............... ... لا أباك تخوِّفيني1
لأن رب وكم يجران المعارف، والحال لا تكون معرفة، و"لا" لا تعمل في المعرفة.
ثانيهما: ما لا يقبل التعريف؛ لشدة إبهامه كغير ومثل وحسب2.
وزعم المبرد أن "غير" لا تتعرف أبدا، وقال السيرافي: تتعرف إذا وقعت بين متضادين، وزعم ابن السراج أنه إذا كان المغاير "والمماثل"3 واحدا كانت "غير ومثل" "معرفين"4.
قال في شرح التسهيل: وقد يُعنَى "بغير" و"مثل" مغايرة خاصة ومماثلة
__________
1 جزء من بيت لأبي حية النميري, وهو من الوافر.
وتمام البيت:
أبالموت الذي لا بد أني ... ملاق......................
الشرح: قال ابن منظور: "أراد: تخوفينني, فحذف النون الأخيرة".
وقال الشيخ محمد محيي الدين في تعليقه على الأشموني 1/ 109: ".... وعلى هذا قرأ بعض القراء: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} فأذهب إحدى النونين استثقالا".
الإعراب: "أبالموت" الهمزة للاستفهام "بالموت" جار ومجرور متعلق بقوله: تخوفيني, "الذي" اسم موصول نعت للموت, "لا" نافية للجنس, "بد" اسم لا, "أني" أن واسمها, "ملاق" خبر أن وأن واسمها وخبرها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر "لا" و"لا" مع اسمها وخبرها لا محل لها من الإعراب صلة الموصول والعائد ضمير منصوب "بملاق", "لا أباك" لا نافية للجنس "أبا" اسم لا منصوب بالألف وأبا مضاف والضمير مضاف إليه وخبر لا محذوف والجملة لا محل لها من الإعراب معترضة بين المعمول الذي هو الجار والمجرور والعامل الذي هو تخوفيني, و"تخوفيني" فعل مضارع مرفوع بالنون المحذوفة للتخفيف، وياء المخاطبة فاعل والنون الموجودة للوقاية والياء بعد النون مفعول به.
الشاهد: في "لا أباك" حيث إن "أبا" وقع موقع نكرة لا تقبل التعريف, وإن "لا" لا تعمل في المعرفة.
مواضعه: ذكره ابن منظور في لسان العرب جـ18 ص12, ومحب الدين مرتضي في تاج العروس جـ1 ص5, وابن مالك في التسهيل ص68، وابن يعيش في شرح المفصل 2/ 105، وابن هشام في الشذور ص343، والسيوطي في همعه 1/ 45.
2 راجع الأشموني 306، 307، 308.
3 ب, وفي أ، جـ "المقابل".
4 أ، ب, وفي جـ "معرفتين".(2/791)
خاصة فيحكم بتعريفها. وأكثر ما يكون ذلك في "غير" إذا وقع بين ضدين، وأجاز بعض العلماء منهم السيرافي أن يعمل على هذا "قوله تعالى"1: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم} 2 لوقوع "غير" فيه بين متضادين وليس بلازم؛ لقوله تعالى: {نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} 3, "فنعت"4 به النكرة مع وقوعه بين متضادين. ا. هـ.
ثم قال:
ووصل أل بذا المضاف مغتفر
الإشارة إلى الوصف "المشابه"5 للمضارع, يعني: أن وصل أل بما إضافته لفظية مغتفر لا مطلقا, بل بشرط كونه مضافا إلى ما فيه "أل" نحو: "الجعد الشعر".
أو مضافا إلى ما فيه أل نحو: "الضارب رأس الجاني" أو مثنى أو مجموعا على حدة نحو: "الضاربا زيد" و"المكرمو عمرو".
وأما جمع التكسير وجمع المؤنث السالم "فكالمفرد وعنهما احترز"6 بقوله: "سبيله اتبع" أي: اتبع سبيل المثنى في سلامة واحده وإعرابه بالحرفين. فإن قلت: مفهوم الشرط أن وصل أل "بذا المضاف"7 فيما سوى هذه الصور الأربع غير مغتفر.
وقد ذكر في التسهيل صورة خامسة8 يغتفر فيها ذلك "أيضا"9 و"هي"10 أن يكون الثاني مضافا إلى ضمير المقرون بأل, كقوله:
__________
1 ب.
2 من الآية 7 من سورة الفاتحة.
3 من الآية 37 من سورة فاطر.
4 ب، جـ, وفي أ "فنكت".
5 ب، جـ, وفي أ "به".
6 أ، جـ, وفي ب "فمنهما تحرزا".
7 ب.
8 راجع التسهيل ص137، 156.
9 أ، جـ.
10 ب، جـ, وفي أ "هو".(2/792)
الود أنتِ المستحقة صفوه1 ... ........................
قلت: إنما أهمل هذه "الصورة"2 هنا لقلتها, وللخلاف في جوازها.
فإن المبرد منع الجر في نحو ذلك وأوجب النصب، ولكن الصحيح جوازه؛ لثبوته في المستحقة صفوه "هكذا"3 روي بالجر.
ثم قال:
وربما أكسبت ثانٍ أولا ... ثأنيثا إن كان لحذف موهلا
يعني: أن المضاف قد يؤنث لتأنيث المضاف إليه، بشرط صحة حذفه، والاستغناء عنه بالمضاف إليه "فيشمل"4 أربعة أنواع:
الأول: أن يكون المضاف بعضا وهو مؤنث كقوله:
__________
1 صدر بيت, قال العيني: لم أقف على اسم قائله. وبحثت فلم أعثر على قائله, من الكامل.
وعجزه:
مني وإن لم أرجُ منك نوالا
الشرح: "الود" -بضم الواو أو فتحها أو كسرها- المحبة, "المستحقة" التي تستوجب بما اشتملت عليه من صفات وممادح, "صفوه" خالصه ولبابه, "أرج" مضارع رجا الشيء يرجوه رجا ورجاوة, إذا أمله وطمع فيه, "نوالا" أي: عطاء.
المعنى: أنت التي تستحقين خالص مودتي ومحبتي، ولست أطمع في نوالك ولا أرجو منك جزاء.
الإعراب: "الود" مبتدأ وأنت مبتدأ ثانٍ, "المستحقة صفوه" خبر المبتدأ الثاني والجملة خبر المبتدأ الأول, والمستحقة مضاف إلى صفوه, وصفوه مضاف والضمير مضاف إليه وهو ضمير ما هو مقرون بأل الذي هو الود, "مني" جار ومجرور متعلق بالمستحقة, "وإن" الواو عاطفة, "إن" شرطية, "لم" حرف نفي وجزم وقلب, "أرج" فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة والجملة جملة الشرط, "منك" جار ومجرور متعلق بالفعل قبله, "نوالا" مفعول به وفاعل "أرج" ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا وصدر الكلام أغنى عن الجواب.
الشاهد: في "المستحقة صفوه" حيث أضاف الاسم المقترن بأل وهو المستحقة؛ لكونه وصفا مع كون المضاف إليه مضافا إلى صفوه يعود إلى ما فيه أل وهو الود.
مواضعه: ذكره ابن هشام في شرحه للألفية، والسيوطي في همع الهوامع 2/ 48، والأشموني 2/ 308.
2 أ، ب, وفي جـ "الصور".
3 ب، جـ, وفي أ "لكذاي".
4 أ, وفي ب، جـ "فشمل".(2/793)
إذا بعض السنين تعرقتنا1
لأن بعض السنين سنة.
والثاني: أن يكون بعضا وهو مذكر كقوله:
............. ... كما شرقت صدر القناة من الدم2
__________
1 صدر بيت لجرير من قصيدة مدح بها هشام بن عبد الملك بن مروان, وهو من الوافر.
وعجزه:
كفى الأيتام فقد أبي اليتيم
الشرح: "تعرقتنا" يقال: تعرقت العظم إذا أكلت ما عليه من اللحم, "كفى" بمعنى أغنى يتعدى إلى مفعولين أولهما الأيتام وثانيهما فقد.
المعنى: يريد أنها أذهبت أموالنا ومواشينا وقد كفى الأيتام فقد آبائهم؛ لأنه أنفق عليهم وأعطاهم.
الإعراب: "إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان, "بعض" فاعل فعل محذوف يفسره تعرقتنا المذكور, "تعرقتنا" جملة من فعل وفاعل ومفعول, "كفى" بمعنى أغنى يتعدى إلى مفعولين, "الأيتام" مفعول أول منصوب بالفتحة الظاهرة, "فقد" مفعول ثانٍ منصوب بالفتحة الظاهرة, "أبي" مضاف إليه, "اليتيم" مضاف إليه.
الشاهد: أن "بعضا" اكتسب التأنيث مما بعده؛ ولهذا قال: تعرقتنا بالتأنيث.
مواضعه: ذكره سيبويه في كتابه 1/ 25, والشاهد رقم 288 من الخزانة.
2 عجز بيت قائله الأعشى ميمون بن قيس, وهو من الطويل.
وصدره:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته
الشرح: "تشرق" بريقه, إذا غص, "أذعته" أفشيته، "صدر القناة" الرمح.
الإعراب: "تشرق" فعل مضارع والفاعل ضمير, "بالقول" جار ومجرور في محل نصب مفعوله, "الذي" اسم موصول صفة للقول, "قد" حرف تحقيق, "أذعته" فعل وفاعل ومفعول والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول, "كما" الكاف للتشبيه وما مصدرية, "صدر" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة, "القناة" مضاف إليه مجرور بالكسرة, "من الدم" جار ومجرور.
الشاهد: في "شرقت صدر" فإنها مؤنثة وفاعلها وهو الصدر مذكر، وكان القياس "شرق" ولكن لما كان الصدر الذي هو مضاف بعض المضاف إليه أعطي له حكمه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 2/ 310, والسيوطي ص74، وأيضا في همعه 2/ 49، وابن هشام في المغني 2/ 113.(2/794)
والثالث: أن يكون وصفا للمؤنث كقوله:
مشين كما اهتزت رماح تسفَّهت ... أعاليها مر الرياح النواسم1
والرابع: ألا يكون بعضا ولا وصفا، ولكنه شبيه بالبعض في صلاحيته "للسقوط" 2 كقولهم: اجتمعت أهل اليمامة3.
وذكر الفارسي خامسا, وهو أن يكون المضاف "كل" كقول عنترة:
جادت عليه كل عين ثَرَّة4 ... .....................
__________
1 قائله ذو الرمة غيلان بن عقبة, وهو من الطويل.
الشرح: "اهتزت" مالت واضطربت, "تسفهت" من قولهم: تسفهت الرياح الغصون, إذا أمالتها وحركتها, "النواسم" جمع ناسمة، وهي الرياح اللينة أول هبوبها.
المعنى: يقول: إن هؤلاء النسوة قد مشين في اهتزاز وتمايل, فهن يحاكين رماحا مرت بها ريح فأمالتها.
الإعراب: "مشين" فعل وفاعل, "كما" الكاف حرف تشبيه وجر "ما" مصدرية, "اهتزت" اهتز فعل ماض والتاء للتأنيث, "رماح" فاعل اهتزت, و"ما" المصدرية وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف, أي: مشين مشيا كائنا كاهتزاز ... إلخ.
"تسفهت" تسفه فعل ماض والتاء للتأنيث, "أعاليها" أعالي مفعول به لتسفه وأعالي مضاف والضمير مضاف إليه, "مر" فاعل تسفهت و"مر" مضاف "الرياح" مضاف إليه, "النواسم" نعت للرياح، وجملة "تسفهت" نعت "لرماح".
الشاهد: في "تسفهت ... مر الرياح" حيث أنّث الشاعر الفعل بتاء التأنيث مع أن فاعله مذكر وهو "مر" والذي جلب له ذلك إنما هو المضاف إليه، وهو "الرياح".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص157، وابن عقيل 2/ 38, والأشموني 2/ 310، وداود، والمكودي ص86، وسيبويه 1/ 25، والخصائص 2/ 417.
2 أ، ب, وفي جـ "في السقوط".
3 قال سيبويه 1/ 26: "وسمعنا من يوثق به من العرب يقول: اجتمعت أهل اليمامة لأنه يقول في كلامه: اجتمعت اليمامة يعني: أهل اليمامة, فأنث الفعل في اللفظ إذ جعله في اللفظ لليمامة, فترك اللفظ على ما يكون عليه في سعة الكلام".
4 صدر بيت قائله عنترة بن شداد العبسي, وهو من الكامل.
وتمامه:
فتركن كل حديقة كالدرهم
الشرح: "ثرة" -بفتح الثاء وتشديد الراء- كل عين كثيرة الماء, "كل حديقة" ويروى: كل قرارة, "فتركن كل حديقة" معناه: أن الماء لما اجتمع استدار أعلاه, فصار كدور الدرهم. =(2/795)
ومنه {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ} 1 والتأنيث في هذا النوع أفصح بخلاف ما قبله.
تنبيه:
قد يرد مثل ذلك في التذكير, ومنه قول الشاعر:
رؤية الفكر ما يئول له الأمر ... معين على اجتناب التواني2
ثم قال:
ولا يضاف اسم لما به اتحد ... معنى وأول موهما إذا ورد
__________
= الإعراب: "جادت" جاد فعل ماض والتاء للتأنيث, "عليه" جار ومجرور والضمير يرجع إلى النبت في البيت قبله, "كل" فاعل, و"عين" مضاف إليه, و"ثرة" نعت لعين, "فتركن" الفاء عاطفة "تركن" فعل وفاعل, "كل" مفعول به, "حديقة" مضاف إليه, "كالدرهم" جار ومجرور نعت لحديقة.
الشاهد: في "جادت" حيث أنث مع إسناده إلى لفظة كل؛ لاكتساب كل التأنيث من المضاف إليه بإضافته.
مواضعه: ذكره ابن هشام في المغني 1/ 168، والسيوطي في همعه 2/ 74، والأشموني في شرحه للألفية 2/ 310.
1 من الآية 30 من سورة آل عمران.
2 قال العيني: لم أقف على اسم قائله. وبحثت فلم أعثر له على قائل, وهو من الخفيف.
الشرح: "ما يئول" ما يرجع له الأمر, "على اجتناب التواني" ويروى: "على اكتساب الثواب".
الإعراب: "رؤية" مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة, "الفكر" مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة من إضافة المصدر إلى فاعله, "ما يئول له الأمر" جملة وقعت مفعولا للمصدر أو في محل جر صفة للفكر, يعني الفكر الذي يرجع إليه الأمر, "معين" خبر المبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة, "على" حرف جر, "اجتناب" مجرور بها, "التواني" مضاف إليه والجار والمجرور متعلق بقوله: "معين".
الشاهد: في "له الأمر" حيث قال: "له" ولم يقل: "لها", فكأنه قال: الفكر الذي يئول له الأمر ويجوز أن يكون الاستشهاد في قوله: "معين" فإنه مذكر مع أن المبتدأ مؤنث، وذلك لسريان التذكير إليه من المضاف إليه وهو الفكر. ا. هـ. العيني.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص157, والأشموني 2/ 311، وداود، والمكودي ص87، والسيوطي ص74، وأيضا في همعه 2/ 49.(2/796)
لا بد من كون المضاف غير المضاف إليه بوجه ما؛ لأن المضاف يتخصص أو يتعرف بالمضاف إليه، والشيء لا يتخصص ولا يتعرف بنفسه، وما أوهم ذلك أول.
فما يوهم الإضافة إلى المرادف نحو: "سعيد كرز" "فيؤول"1 الأول بالمسمى، والثاني بالاسم, كأنك قلت: جاءني مسمى هذا اللقب.
ومما يوهم إضافة الصفة إلى الموصوف قولهم: "سحق عمامة", "وجرد قطيفة, بإضافة الشيء إلى جنسه, أي: سحق من عمامة"2.
ومما يوهم إضافة الموصوف إلى صفته قولهم: "مسجد الجامع".
فيؤول بحذف المضاف إليه وإقامة صفة مقامه, أي: مسجد المكان الجامع.
وذهب الكوفيون إلى أن الصفة ذهب بها مذهب الجنس ثم أضيف الموصوف إليها كما يضاف بعض الجنس إليه في نحو: "خاتم حديد", وعلى هذا فلا حذف.
وإضافة الصفة إلى موصوفها، والموصوف إلى صفته "لا ينقاس"3.
وأجاز الفراء إضافة الشيء إلى ما بما معناه؛ لاختلاف اللفظين، ووافقه ابن الطراوة وغيره ونقله في النهاية4 عن الكوفيين.
وقال الفراء: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} 5 أضيفت الدار إلى الآخرة, وهي الآخرة.
والعرب قد تضيف الشيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه كيوم الخميس.
وذكر مثلا منها: {حَقُّ الْيَقِينِ} 6 و {حَبَّ الْحَصِيدِ} 7 و {حَبْلِ الْوَرِيدِ} 8.
__________
1 ب، جـ, وفي أ "فيئولون".
2 جـ, وقال الأشموني 2/ 311: ".... أي: شيء جرد من جنس القطيفة، وشيء سحق من جنس العمامة".
3 أ، جـ, وفي ب "لا يقاس".
4 كتاب لابن الخباز.
5 من الآية 30 من سورة النحل.
6 من الآية 95 من سورة الواقعة.
7 من الآية 9 من سورة ق.
8 من الآية 16 من سورة ق.(2/797)
وظاهر التسهيل وشرحه موافقة الفراء1.
ثم قال:
وبعض الأسماء يضاف أبدا ... ...................
إنما احتِيج "إلى"2 التنبيه على الأسماء التي لازمت الإضافة لخروجها عن الأصل, إذ الأصل جواز إفراد الاسم عن الإضافة.
ثم الأسماء "الملازمة"3 للإضافة على قسمين:
قسم يلازمها لفظا ومعنى نحو: "قصارى" و"حمادى"4 و"لدى".
وقسم يلازمها معنى لا لفظا نحو: "كل" و"بعض" و"أي".
وإلى هذا أشار بقوله:
................... ... وبعض ذا قد يأتِ لفظا مفردا
تنبيهات:
الأول: لكلٍّ موضعان تلزم فيهما الإضافة لفظا ومعنى:
أحدهما: إذا "وقعت"5 نعتا، والآخر: إذا "وقعت"6 توكيدا خلافا للفراء والزمخشري في التوكيد.
الثاني: شذ تنكير "كل" ونصبه على الحال فيما "حكاه"7 أبو الحسن.
وعلى هذا, فلا يمتنع إدخال "أل" "عليه"8.
الثالث: مذهب سيبويه والجمهور أن "كلا وبعضا" معرفتان "بنية"9 الإضافة, وقالوا: "مررت بكل قائما" و"ببعض جالسا"10.
__________
1 راجع الأشموني 2/ 311.
2 ب، جـ, وفي أ "على".
3 أ، جـ، وفي ب "اللازمة".
4 قصارى وحمادى بمعنى: غايته.
5 ب, وفي أ، جـ "وقع".
6 ب، وفي أ، جـ "وقع".
7 أ، ب, وفي جـ "ذكره".
8 ب.
9 أ، جـ, وفي ب "على نية".
10 قال سيبويه 1/ 273: "هذا باب ما ينتصب خبره لأنه معرفة, وهي معرفة لا توصف ولا تكون وصفا. وذلك قولك: مررت بكل قائما, ومررت ببعض قائما وبعض جالسا".(2/798)
وذهب الفارسي إلى أنهما نكرتان، وألزم من قال بتعريفهما أن يقول: "إن"1 نصفا وثلثا وسدسا معارف؛ لأنها في المعنى مضافات، وهي نكرة بإجماع.
ورد بأن العرب تحذف المضاف وتريده وقد لا تريده، ودل مجيء الحال بعد "كل وبعض" على إرادته.
ثم إن الملازم2 للإضافة "ثلاثة"3 أنواع:
أحدها: ما لزم الإضافة إلى "المضمر"4.
والثاني: "ما يضاف"5 إلى الظاهر "والمضمر"6.
والثالث: ما لزم الإضافة إلى الجملة.
وقد أشار إلى الأول بقوله:
وبعض ما يضاف حتما امتنع ... إيلاؤه اسما ظاهرا حيث وقع
كوحد لبى ودوالى سعدى ... وشذ إيلاء يدي للبى
تقدم الكلام على نصب "وحد" في باب الحال، وهو ملازم للإضافة إلى "المضمر"7 ولازم الإفراد والتذكير؛ لأنه مصدر، وربما ثني مضافا إلى ضمير مثنى.
حكى ابن سيده8 "جلسا على وحدهما, وعلى وحديهما"9 ووحد منصوب دائما، وقد يجر بإضافة نسيج وجحيش وعيير.
__________
1 ب، جـ.
2 أ، جـ, وفي ب "اللازم".
3 أ، ج, وفي ب "على ثلاثة".
4 أ، جـ, وفي ب "الضمير".
5 أ، ب, وفي جـ "ما لزم الإضافة".
6 أ، جـ.
7 أ، جـ, وفي ب "الضمير".
8 هو: علي بن أحمد بن سيده النحوي الأندلسي. كان حافظا, لم يكن في زمانه أعلم منه بالنحو واللغة، قال أبو عمر الطلمنكي: دخلت مرسية فتشبث بي أهلها ليسمعوا علي غريب المصنف، فقلت لهم: انظروا من يقرأ عليكم, فأتوا برجل أعمى يعرف بابن سيده, فقرأ علي من أوله إلى آخره من حفظه فعجبت منه. شرح كتاب الأخفش وغيره. مات سنة ثمانٍ وخمسين وأربعمائة عن نحو ستين سنة.
9 أ، جـ, وفي ب "جلسا على وحديهما وحدتهما".(2/799)
والأول للمدح, والأخير للذم.
وزاد بعضهم قريع وحده وهو للمدح، وقد يجر بعلى كما سبق1.
وأما "لبى ودوالى وسعدى" فهي مصادر مثناة تلزم الإضافة إلى "المضمر"2, فتقول: لبيك وسعديك ودواليك ونحوها: حنانيك وهذاذيك وحجازيك وحذاريك.
قال في النهاية: ومن المصادر المثناة حذاريك -بفتح الحاء- ولا مفرد له.
تنبيهات:
الأول: الناصب لهذه المصادر واجب الإضمار, ويقدر في غير لبيك من لفظه والتقدير في لبيك: "أجبت"3 إجابتك، وكأنه من ألب بالمكان إذا قام به.
الثاني: يجوز استعمال لبيك وحده، وأما سعديك فلا يستعمل إلا تابعا للبيك.
قال سيبويه: أراد بقول لبيك وسعديك: إجابة بعد إجابة4.
الثالث: هذه التثنية عند الجمهور للتكثير "لا تقع على الواحد"5.
الرابع: ذهب الأعلم، إلى أن الكاف في لبيك وأخواته حرف خطاب لا موضع "له"6 من الإعراب وحذفت النون لشبه الإضافة.
__________
1 قال السيوطي في همعه 2/ 50: " ... يقال: هو نسيج وحده وقريع وحده إذا قصد قلة نظيره في الخير، وأصله في الثوب؛ لأنه إذا كان رفيعا لم ينسج على منواله، والقريع: السيد، وهو جحيش وحده وعيير وحده إذا قصد قلة نظيره في الشر وهما مصغر "عير" وهو الحمار، وجحش وهو ولده يذم بهما المنفرد باتباع رأيه، ويقال: هما نسيجا وحدهما وهم نسجاء وحدهم وهي نسيجة وحدها وهكذا، وقيل: لا يتصل بنسيج وإخوته العلامات فيقال: هما نسيج وحدهما وهكذا....".
2 أ، جـ, وفي ب "الضمير".
3 ب، جـ, وفي أ "أجبتك".
4 قال سيبويه "1/ 175: "كأنما أراد بقوله: لبيك وسعديك إجابة, كأن يقول: كلما أجبتك في أمر فأنا في الأمر الآخر مجيب، وكأن هذه التثنية أشد توكيدا".
5 ب وفي أ، جـ "لا شفع الواحد".
6 ب وفي أ، جـ "لها".(2/800)
الخامس: حكى سيبويه عن بعض العرب1: لبِّ، على أنه مفرد لبيك غير أنه مبني على الكسر، لقلة تمكنه. واختلف فيه؛ فقيل: ينصب نصب المصدر كأنه قال: إجابة, وقال المصنف: جعلوه اسم فعل.
وقوله:
وشذ إيلاء يدي للبى
أشار إلى أنه شذت إضافته إلى الظاهر في قوله:
دعوت لما نابني مسورا ... فلبى فلبى يدي مسور2
تنبيه:
ذهب يونس إلى أن لبيك اسم مفرد وأصله لبى قلبت ألفه ياء للإضافة إلى المضمر كما في عليك.
__________
1 قال سيبويه 1/ 176: "وبعض العرب يقول: لب, فيجريه مجرى أمس وفاق, ولكن موضعه نصب".
2 من أبيات سيبويه التي لم يعرفوا لها قائلا 1/ 176، وقال العيني: لأعرابي من بني أسد, وهو من المتقارب.
الشرح: "دعوت" طلبت, "نابني" نزل بي وأصابني, "مسور" -بكسر الميم وسكون السين وفتح الواو- اسم رجل, "لبى" أجاب, "لبى يدي مسور" المراد الدعاء لمسور بأن يجاب دعاؤه كلما دعا إجابته بعد إجابة، وإنما خص يديه بالذكر؛ لأنهما اللتان أعطتاه ما سأل.
المعنى: أصل هذا أن رجلا دعا رجلا آخر اسمه موسر ليغرم عنه دية لزمته, فأجابه إلى ذلك. فالراجز يقول: دعوت مسورا للأمر الذي نزل بي فلباني، ثم دعا له.
الإعراب: "دعوت" فعل وفاعل, "لما" اللام حرف جر للتعليل, "ما" اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بدعوت, "نابني" ناب فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما والنون للوقاية والياء مفعول به, والجملة لا محل لها صلة الموصول, "مسورا" مفعول به لدعوت, "فلبى" الفاء عاطفة, "لبى" فعل ماض والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مسور والجملة معطوفة على جملة "دعوت مسورا", وقوله: "فلبى يدي مسور" الفاء للتعليل, "ولبى" مصدر منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف, وهو مضاف ويدي مضاف إليه ويدي مضاف ومسور مضاف إليه.
الشاهد: في "فلبى يدي" حيث أضاف "لبى" إلى الاسم الظاهر وهو "يدي", وذلك شاذ.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص159، وابن عقيل 2/ 41, والأشموني 2/ 313، وداود، والسندوبي، والأصطهناوي، والمكودي ص87، وابن هشام 2/ 191، وأيضا في المغني 2/ 143، والسيوطي ص75، وأيضا في الهمع 1/ 190, وابن يعيش 1/ 191, والشاهد رقم 93 من الخزانة, والكتاب 1/ 176.(2/801)
ورد عليه سيبويه بقوله: "فلبى يدي مسور" لإثبات الياء مع الظاهر1, فإن قلت: قد ذكر في شرح التسهيل: إن إضافة لبيك إلى "المضمر"2 الغائب شاذة كإضافته إلى الظاهر، ومنه قول الراجز:
لقلت لبيه لمن يدعوني3
وظاهر كلامه هنا جواز إضافته إلى المضمر مطلقا.
قلت: لا يلزم من قوله: "امتنع إيلاؤه اسما ظاهرا" جواز إضافته لكل مضمر.
__________
1 قال سيبويه 1/ 176: "وزعم يونس أن لبيك اسم واحد، ولكنه جاء على هذا اللفظ في الإضافة كقولك: عليك، وقال سيبويه:
دعوت لما نابني مسورا ... فلبى فلبى يدي مسور
فلو كان بمنزلة على لقال: فلبى يدي مسور؛ لأنك تقول: على زيد إذا أظهرت الاسم.
2 أ, وفي ب، جـ "الضمير".
3 قال العيني: لم أقف على اسم قائله, وبحثت فلم أعثر له على قائل, من الرجز.
وقبله:
إنك لو دعوتني ودونيزوراء ذات مترع بيون ...
الشرح: "زوراء" -بفتح الزاي وسكون الواو- الأرض البعيدة الأطراف, "مترع" ممتد, "بيون" بزنة صبور: البئر البعيدة القعر، وقيل: الواسعة الرأس الضيقة الأسفل، "لبيه" فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة، والأصل أن يقول: لقلت لك: لبيك.
المعنى: إنك لو ناديتني وأمامي أرض بعيدة الأطراف واسعة الأرجاء ذات ماء بعيد الغور, لأجبتك إجابة بعد إجابة، يريد أنه لا تعوقه عن إجابته صعاب ولا شداد.
الإعراب: "إنك" إن حرف توكيد ونصب والكاف ضمير المخاطب اسمه, "لو" شرطية غير جازمة, "دعوتني" دعا فعل ماض وضمير المخاطب فاعله والنون للوقاية والياء مفعول به والجملة شرط "لو", و"دوني" الواو للحال, "دوني" ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ودون مضاف وياء المتكلم مضاف إليه, "زوراء" مبتدأ مؤخر وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب حال, "ذات" نعت لزوراء وذات مضاف, "مترع" مضاف إليه, "بيون" نعت لمترع, "لقلت" اللام واقعة في جواب لو, قلت فعل وفاعل والجملة جواب لو وجملة الشرط في محل رفع خبر إن في أول الأبيات, "لبيه" مفعول مطلق والهاء مضاف إليه, "لمن" اللام حرف جر ومن اسم موصول, "يدعوني" فعل وفاعل ومفعول والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
الشاهد: في "لبيه" حيث أضاف "لبى" إلى ضمير الغائب, وذلك شاذ والحكم أن يضاف إلى ضمير المخاطب.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن عقيل 1/ 40, والأشموني 2/ 313، وابن هشام 2/ 190، وفي المغني 2/ 143، والسيوطي ص75, وفي همعه 1/ 190.(2/802)
وفي الارتشاف: "ويضاف"1 إلى الظاهر؛ تقول: لبى زيد وسعدى عمرو, وإلى ضمير الغائب قالوا: لبيه، ودعوى الشذوذ فيهما باطلة. هـ2.
ثم أشار إلى الثالث بقوله:
وألزموا إضافة إلى الجمل ... حيث وإذ.......
شمل قوله: "إلى الجمل", "الجملة"3 الاسمية والفعلية:
فالاسمية نحو: "جلست حيثُ زيدٌ جالس" و"إذ زيدٌ جالس".
والفعلية نحو: "حيثُ جلسَ زيد"، و"إذ جلسَ زيد".
فإن قلت: كيف قال: وألزموا مع إذ, حيث قد ورد إضافتها إلى مفرد، في قوله:
أما ترى حيثُ سهيلٍ طالعا4 ... ........................
__________
1 أ، ب, وفي جـ "ومضاف".
2 قال السيوطي في همعه 1/ 190: "ورده أبو حيان بأن سيبويه قال في كتابه: يقال: لبى زيد وسعدى زيد, فساق ذلك مساق المنساق المطرد".
3 ب.
4 صدر بيت بحثت فلم أعثر على قائله, وهو من الرجز.
وعجزه:
نجما يضيء كالشهاب لامعا
الشرح: "سهيل" -بضم السين- نجم تنضج الفواكه عند طلوعه وينقضي القيظ، "الشهاب" الشعلة من النار.
الإعراب: "أما" الهمزة للاستفهام "وما" نافية أو: "أما" كلها أداة استفتاح, "ترى" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت, "حيث" مفعول به مبني على الضم في محل نصب وحيث مضاف و"سهيل" مضاف إليه, "طالعا" قيل: حال من سهيل ومجيء الحال من المضاف إليه -مع كونه قليلا- قد ورد في الشعر وهذا منه، وقيل: هو حال من "حيث" والمراد بحيث هنا مكان خاص مع أن وضعه على اسم مكان مبهم, "ونجما" منصوب على المدح بفعل محذوف, "يضيء" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نجم, والجملة في محل نصب صفة لنجم, "كالشهاب" جار ومجرور متعلق بيضيء, "لامعا" حال مؤكدة.
الشاهد: في "حيث سهيل", فإنه أضاف حيث إلى اسم مفرد، وذلك شاذ عند جمهرة النحاة. وإنما تضاف عندهم إلى الجملة، وقد أجاز الكسائي إضافة "حيث" إلى المفرد، واستدل بهذا البيت ونحوه، وروي برفع "سهيل", فتكون مضافة إلى الجملة فلا شاهد فيه. مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص159، وابن عقيل 2/ 34، والأشموني 314، والسيوطي ص75.(2/803)
وقد جاءت غير مضافة في قوله:
إذا ريدة من حيثُ ما نفحت له1 ... .......................
قلت: أما إضافتها إلى المفرد "فهو ممنوع"2 عند البصريين إلا في ضرورة, وهو عند الكسائي في قياس.
وأما عدم إضافتها فهو أندر "منه"3 مع أن في شاهده احتمالا ظاهرا، فلندور ذلك واختصاصه بالضرورة قال: وألزموا.
وقوله:
............. وإن ينون يحتمل ... إفراد إذ..........
__________
1 صدر بيت قائله أبو حية النميري, واسمه المشمر بن الربيع، وهو شاعر مجيد من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية, والبيت من الطويل.
وعجزه:
أتاه برياها خليل يواصله
الشرح: "ريدة" -بفتح الراء وسكون الياء وفتح الدال- يقال: ريح ريدة ورأدة وريدانة أي: لينة الهبوب, "نفحت" أي: هبت, "برياها" -بفتح الراء وتشديد الياء- الرائحة.
الإعراب: "إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه, "ريدة" فاعل لفعل محذوف تقديره نفحت "يفسره المذكور", والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها, "من" حرف جر, "حيث" ظرف قطع عن الإضافة مبني على الضم في محل جر, "ما" زائدة, "نفحت" نفح فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر تقديره هي يعود إلى ريدة, "له" جار ومجرور متعلق بنفحت, "أتاه" أتى فعل ماض والضمير في محل نصب مفعول به, "برياها" الباء حرف جر, و"ريا" اسم مجرور بالباء، والضمير مضاف إليه والجار والمجرور متعلق بأتاه, "خليل" فاعل أتى, "يواصله" جملة في محل رفع نعت لخليل, وجملة أتاه وقعت جوابا لإذا.
الشاهد: في "من حيث", حيث قطعت عن الإضافة.
تقديره: إذا ريدة نفحت له من حيث هبت؛ وذلك لأن ريدة فاعل بفعل محذوف يفسره نفحت، فلو كانت نفحت مضافا إليه لزم بطلان التفسير، إذ المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف فلا يفسر عاملا فيه.
مواضعه: ذكره السيوطي في الهمع 1/ 212.
2 أ، جـ, وفي ب "فهي ممنوعة".
3 أ، جـ, وفي ب "منها".(2/804)
يعني: أن إذ يجوز إفرادها لفظا عن الإضافة، لكن بشرط أن يعوض "عن"1 الجملة المحذوفة تنوين نحو: "يومئذ", ولا تشاركها "حيث" في ذلك.
ولهذا قال: "يحتمل إفراد إذ".
فإن قلت: لِمَ كسرت الذال من يومئذ2 ونحوه؟
قلت: لالتقاء الساكنين خلافا للأخفش، إذ جعل كسرها للجر بالإضافة, ورد بأوجه منها: أنهم قالوا يومئذ بالفتح.
تنبيه:
قولهم: "إذ ذاك" ليس من الإضافة إلى المفرد, بل إلى جملة اسمية, والتقدير: إذ ذاك كذلك3.
........ وما كإذ معنى كإذ ... أضف جوازا..........
يعني: أن "المشابه لإذ"4 في كونه اسم زمان مبهما غير محدود يراد به المضي أضيف جوازا "إلى"5 ما يضاف إليه إذ وجوبا, يعني: الجملتين، وذلك نحو: يوم وأيام.
فلو كان غير مبهم أو محدودا لم يضف إلى الجمل, فلا يجوز إضافة "أسبوع وشهر ويومين ونحو من المثنى وأجاز المغاربة إضافة"6 أسبوع وشهر ونحوه.
وأجاز ابن كيسان إضافة المثنى ولم يسمع، ولو مرادا به الاستقبال لم يضف كإذ, بل يضاف كإذا أعني: إلى جملة فعلية؛ لأن "إذا" وما حمل عليها لا يضاف إلى الاسمية.
__________
1 أ, وفي ب, ج "من".
2 أ، جـ, وفي ب "يومئذ وحينئذ".
3 راجع الأشموني 2/ 314.
4 أ، ب, وفي جـ "ما شابه إذ".
5 أ، ب, وفي جـ "أي".
6 أ، جـ.(2/805)
هذا مقتضى مذهب سيبويه؛ ولذلك يؤول قوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} 1 على "تنزيله"2 منزلة الماضي.
قال المصنف: والصحيح جواز ذلك على قلة، يعني: في "إذا" وما حمل عليها.
تنبيهان:
الأول: منع صاحب البسيط إضافة المتوسع فيه إلى الجملة، قال: لأنه اسم حينئذ، والأسماء لا تضاف إلى الجمل، وليس بصحيح. بل قد أُضيف متوسعا فيه نحو: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} 3.
الثاني: "الظاهر"4 أن إضافة أسماء الزمان إلى الجمل محضة تفيد التعريف.
وفي البسيط: قد يقال: لا تفيده؛ لأن الجمل نكرات.
ثم قال:
وابن أو أعرب ما كإذ قد أجريا ... ...........................
يعني: أنه يجوز فيما أجري مجرى "إذ" من أسماء الزمان فأضيف إلى جملة, وجهان: الإعراب وهو القياس، والبناء "وهو ضعيف"5, وسببه عند البصريين المشاكلة؛ ولذلك لم يجيزوه إلا قبل فعل مبني.
"و"6 قال المصنف: بل سببه شبه الظرف حينئذ بحرف الشرط في جعل الجملة التي تليه مفتقرة إليه، وإلى غيره، وذلك إن قمت من قولك: ""حين"7 قمت قمت" كان كلاما تاما قبل دخول "حين" عليه وبعد دخولها حدث له افتقار, فشبه "حين" وأمثاله بإن.
__________
1 من الآية 16 من سورة غافر.
2 أ، ب, وفي جـ "تنزله".
3 من الآية 35 من سورة المرسلات.
4 جـ.
5 ب, قال الأشموني 2/ 315: "أما الإعراب فعلى الأصل، وأما البناء فحملًا على إذ".
6 أ، جـ.
7 ب، جـ, وفي أ "حتى".(2/806)
ثم قال:
.............. ... واختر بنا متلوّ فعل بُنيا
شمل قوله: "بنا" الماضي نحو:
على حين عاتبت المشيب على الصَّبَا1 ... ......................
والمضارع المبني كقوله:
..................... ... على حين يستصبين كل حليم2
__________
1 صدر بيت قائله النابغة الذبياني من قصيدة يعتذر فيها للنعمان، من الطويل.
وعجزه:
ألما أصح والشيب وازع
الشرح: "عاتبت": لمت في تسخط, "الصبا" -بكسر الصاد- اسم الصبوة، وهي ميل إلى هوى النفس واتباع شهواتها, "المشيب" هو ابيضاض المسوَدّ من الشعر وقد يراد به الدخول في حده, أصح" فعل مضارع مأخوذ من الصحو وهو زوال السكر, "وازع" زاجر، كاف.
المعنى: أسلبت العبرة وقت معاتبتي الشيب حين حل وارتحل الصبا وقلت لنفسي موبخا: كيف لا أفيق من غفلتي والشيب أكبر زاجر. وقبل هذا البيت:
وأسبل مني عبرة فرددتها ... على النحر منها مستهل ودامع
الإعراب: "على" حرف جر ومعناه هنا الظرفية, "حين" يروى بالجر معربا ويروى بالفتح مبنيا وهو المختار, وعلى كل حال هو مجرور بعلى لفظا أو محلا والجار والمجرور متعلق بقوله: "كفكف" في بيت سابق, "عاتبت" فعل وفاعله والجملة في محل جر بإضافة حين إليها, "المشيب" مفعول به لعاتبت, "على الصبا" جار ومجرور متعلق بعاتبت, "قفلت" الفاء عاطفة "وقلت" فعل وفاعله والجملة معطوفة على جملة عاتبت, "ألما" الهمزة للإذكار "لما" نافية جازمة وفيها معنى توقع حصول مجزومها, "أصح" فعل مضارع مجزوم بلما وعلامة جزمه حذف حرف العلة وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا, "والشيب" الواو للحال والشيب مبتدأ, "وازع" خبره والجملة في محل نصب حال.
الشاهد: في "على حين عاتبت", فإن الرواية وردت فيه بفتح "حين" على أنه مبني؛ لأنه اكتسب البناء مما أضيف إليه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص160, وابن عقيل 2/ 45، والأشموني 2/ 315، وابن هشام 6/ 198، وأيضا في المغني 2/ 115، والسيوطي في الهمع 1/ 218, وابن يعيش 2/ 16, الشاهد 499 من الخزانة, وسيبويه 1/ 369.
2 عجز بيت. قال العيني: لم أقف على اسم قائله, وبحثت فلم أعثر له على قائل, وهو من الطويل.
وصدره:
لأجتذبن منهن قلبي تحلما(2/807)
يروى ببناء "حين" أنشده في شرح التسهيل، فكلاهما يختار معه البناء, فعبارته هنا أجود من قوله في الكافية:
وقبل فعل ماض البنا رجح ... والعكس قبل غيره أيضا وضح
ثم قال:
وقبل فعل معرب أو مبتدأ ... أعرب...........
مثال الفعل المعرب: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} 1 والمبتدأ.
ألم تعلمي يا عمرك الله أنني ... كريم على حين الكرام قليل2
__________
= الشرح: "لأجتذبن" مضارع مقرون بلام القسم ونون التوكيد الخفيفة وماضيه "اجتذب", تقول: جذب الشيء يجذبه واجتذبه, وذلك إذا مده نحو نفسه, "تحلما" أي: تتكلف الحلم وتتصنعه, "يستصبين" يملن به إلى الصبوة, "حليم" عاقل.
المعنى: يقول: إنه سيجتذب قلبه من هؤلاء النسوة، ويتخلص من محبتهن، تصنعا للعقل والحكمة، في الوقت الذي لهن فيه من المسكنة ما يملن به كل عاقل.
الإعراب: "لأجتذبن" اللام واقعة في جواب القسم, "أجتذب" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا والنون حرف دال على التوكيد, "منهن" جار ومجرور متعلق بأجتذب, "قلبي" قلب مفعول به لأجتذبن والياء مضاف إليه, "تحلما" مفعول لأجله, "على حين" جار ومجرور متعلق بأجتذب, "يستصبين" فعل وفاعل, "كل" مفعول به وكل مضاف "وحليم" مضاف إليه, والجملة في محل جر بإضافة حين إليها.
الشاهد: في "على حين يستصبين", فإن الرواية بفتح "حين" على أنه مبني بسبب إضافته إلى الفعل المضارع المبني؛ لاتصاله بنون النسوة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 3/ 315، والمكودي ص88, وابن هشام 2/ 199, وأيضا في المغني 2/ 115, والسيوطي في الهمع 1/ 218.
1 من الآية 119 من سورة المائدة.
2 قائله موبال بن جهم المذحجي, ويقال: قائله: مبشر بن مبشر الهذلي الفزاري, من الطويل.
الإعراب: "ألم" الهمزة للاستفهام "ولم" حرف نفي وجزم وقلب, "تعلمي" فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون وياء المخاطبة فاعل, "يا" لمجرد التنبيه, "عمرك" منصوب نصب المصادر فإذا دخلت عليه اللام يرفع بالابتداء وظاهره القسم وليس مراده هنا, إذ المراد بتعميرك الله أي: بإقرارك له بالبقاء, "أنني كريم" أن واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي "تعلمي", "على حين" على حرف جر وحين مجرور, وأعرب لأنه وقع قبل مبتدأ وهو "الكرام", و"قيل" خبر المبتدأ.
الشاهد: في "حين الكرام" حيث أعربت "حين" قبل المبتدأ. مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 2/ 325، والمكودي ص88، وابن هشام في المغني 2/ 115، والسيوطي في الهمع 1/ 218.(2/808)
فالإعراب قبل هذين جائز باتفاق.
وأما البناء فمنعه البصريون وأجازه الكوفيون, "ومال"1 الفارسي إلى تجويزه.
واختاره المصنف؛ ولذلك قال: "ومن بنى فلن يفندا".
لأن علة البناء "ليست لطلب"2 المشاكلة, بل ما تقدم3.
قد ورد السماع بالبناء قبل الجملة الاسمية في قوله: على حين الكرام قليل4, فإنه روي بالفتح، وإذا ثبت قبل الاسمية كان قبل "الفعل"5 المضارع أولى؛ لأن أصله البناء.
ثم قال:
وأُلزموا إذا إضافة إلى ... جمل الأفعال كهن إذا اعتلى
مذهب الجمهور أن "إذا" لازمة "للإضافة"6, والجملة بعد "ها"7 في موضع جر والعامل فيها جوابها.
وقيل: ليست مضافة, والعامل فيها الفعل الذي يليها لا جوابها؛ لأن جوابها قد يقترن بما لا يعمل ما بعده فيما قبله, كالفاء وإذا الفجائية وما النافية.
ولأن "وقتي"8 الشرط والجواب قد يختلفان في نحو: "إذا جئتني غدا "أجيئك"9 بعد غد".
__________
1 أ، جـ, وفي ب "وأما".
2 أ، وفي ب "ليس طلب", وفي جـ "ليست طلب".
3 بل سببه شبه الظرف حينئذ بحرف الشرط.......... إلخ.
4 وورد السماع أيضا في قراءة نافع: "هذا يومَ ينفع" بالفتح.
5 ب.
6 أ، ج, وفي ب "الإضافة".
7 ب، جـ.
8 جـ, وفي أ "وقت", وفي ب "جزئي".
9 أ, وفي ب، جـ "جئتك".(2/809)
ومذهب سيبويه أنها لا تضاف إلا إلى جملة فعلية نحو "قوله"1: "هن إذا اعتلى"2, وأما نحو: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} 3 فعلى تقدير الفعل.
قال في شرح التسهيل: لا يجيز سيبويه غير ذلك، وقال السهيلي عن سيبويه: إنه يجيز على إرادة الابتداء بعد إذا الشرطية وأدوات الشرط إذا كان الخبر فعلا، وأجاز الأخفش مع ما أوجبه سيبويه جعل المرفوع بعدها مبتدأ.
قال في شرح التسهيل: وبقوله أقول، وجزم هنا بمذهب سيبويه.
ثم قال:
لمفهم اثنين معرف بلا ... تفرق أضيف كلتا وكلا
كلا وكلتا من الأسماء "الملازمة"4 للإضافة لفظا ومعنى، ولا يضافان إلا لمفهم اثنين, "فيشمل"5 المثنى نحو: "كلا الرجلين" وضميره نحو: "كلاهما" و"كلانا" واسم الإشارة إلى المثنى ولو بلفظ الإفراد كقوله:
إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل6
__________
1 ب.
2 قال سيبويه 1/ 54: "وما يقبح بعده ابتداء الأسماء ويكون الاسم بعده إذا أوقعت الفعل على شيء من سببه نصبا في القياس: إذا وحيث. ويقبح ابتداء الاسم بعدهما إذا كان بعده الفعل لو قلت: اجلس حيث زيد جلس, أو اجلس إذا زيد يجلس.
ولإذا موضع آخر يحسن فيه ابتداء الأسماء بعدها, تقول: نظرت فإذا زيد يضربه عمرو؛ لأنك لو قلت: نظرت إذا زيد يذهب لحسن....".
3 الآية 1 من سورة الانفطار.
4 أ، جـ, وفي ب "اللازمة".
5 أ، ج، وفي ب "فيشمل".
6 قائله هو عبد الله بن الزبعرى أحد شعراء قريش المعدودين، وكان في أول الدعوة الإسلامية مشركا يهجو المسلمين ثم أسلم. والبيت من كلمة له يقولها وهو مشرك يوم أحد, وهو من الرمل.
الشرح: "مدى" غاية ومنتهى، "وجه" جهة، "وقبل" -بفتح القاف والباء- له عدة معانٍ منها الحجة الواضحة.
المعنى: يقول: إن للخير وللشر غاية ينتهي إليها واحد منهما، وكل منهما أمر واضح لا يخفى على أحد. =(2/810)
واحترز بقوله: "معرف" من المنكر، فلا يضافان إليه.
وحكى الكوفيون إضافتها إلى النكرة "إذا"1 كانت "محدودة"2 نحو: "كلا رجلين عندك قائمان" "واحترز بقوله"3: "بلا تفرق" من نحو: "كلا زيد وعمرو", فإنه لا يجوز إلا في الضرورة كقوله:
كلا الضيفن المشنوء والضيف نائل ... لدى المنى والأمن في اليسر والعسر4
__________
= الإعراب: "إن " حرف توكيد, "للخير" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر إن تقدم, "وللشر" معطوف على ما قبله بالواو, "مدى" اسم إن مؤخر عن خبرها, "وكلا" الواو عاطفة, وكلا مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة "وكلا" مضاف واسم الإشارة في "ذلك" مضاف إليه, واللام للبعد والكاف حرف خطاب, "وجه" خبر المبتدأ, "وقبل" معطوفة بالواو على ما قبلها.
الشاهد: في "وكلا ذلك" حيث أضاف "كلا" إلى مفرد لفظا وهو "ذلك"؛ لأنه مثنى في المعنى لعوده على اثنين.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم 161، وابن عقيل 2/ 48، وابن هشام 2/ 203، وداود, والأشموني 2/ 317، والسيوطي ص76، وفي همعه 2/ 50, وابن يعيش 3/ 3.
1 أ، ب, وفي جـ "إن".
2 أ، جـ, وفي ب "مجردة".
3 ب, وفي أ، جـ "وقوله".
4 البيت بحثت عنه فلم أعثر على قائله, وهو من الطويل.
الشرح: "الضيفن" -بفتح الضاد وسكون الياء وفتح الفاء- تابع الضيف وهو الذي يسمى الطفيلي والنون فيه زائدة, فوزنه "فعلن" لا "فيعل", "المشنوء" -بفتح الميم وسكون الشين وضم النون- المبغض, وروي "واجد" بدل "نائل", وروي: "العسر واليسر".
الإعراب: "كلا" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة, الضيفن مضاف إليه, "المشنوء" بالجر صفة للضيفن, "والضيف" الواو عاطفة, الضيف معطوف على الضيفن, "نائل" خبر المبتدأ, "لدى" نصب على الظرف أي: عندي, "المنى" مفعول لقوله: نائل, "والأمن" عطف عليه, "في اليسر" جار ومجرور في محل نصب على الحال, "والعسر" عطف عليه.
الشاهد: في كلا الضيفن "أن كلا أضيف إلى مفرد معطوف عليه آخر، وهذا لا يجوز إلا في الضرورة".
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 2/ 317.(2/811)
وذكر ابن الأنباري أن "كلا" يضاف إلى مفرد، بشرط أن تكرر نحو: "كلاي، وكلاك محسنان" وأوردها على أنها من كلام العرب, ولم يذكر المصنف إلا في "أي".
ثم قال:
ولا تضف لمفرد معرف ... أيا.....
من الأسماء "الملازمة"1 للإضافة "أي": ويجوز إضافتها إلى النكرة بلا شرط وإلى المعرفة بشرط إفهام تثنية نحو: "أي الرجلين2 وأيهما", أو جمع نحو: "أي الرجال3 وأيهم".
ولا تضاف إلى مفرد "معرفة"4 نحو: "أي زيد عندك"؛ لأنها بمعنى بعض "مع"5 المعرفة.
ولا يصح ذلك في هذا المثال ونحوه، ويستثنى من ذلك صورتان:
"إحداهما"6: أن "تكرر"7 أيا معطوفا بالواو, كقوله:
..................... ... أيّي وأيك فارس والأحزاب8
__________
1 أ، جـ, وفي ب "اللازمة".
2 أ.
3 أ.
4 أ، جـ, وفي ب "معرف".
5 أ، ب, وفي جـ "وفي".
6 أ، ب.
7 أ، جـ وفي ب "تكون".
8 عجز بيت. قال العيني: لم أقف على اسم قائله. وبحثت فلم أعثر على قائل, من الكامل.
وصدره:
فلئن لقيتك خاليين لتعلمن
الشرح: "خاليين" يريد ليس معنا أحد, "الأحزاب" جمع حزب: الجماعة من الناس والطائفة يكون أمرهم واحدا.
المعنى: يتوعد مخاطبه ويقول له: إذا انفردنا ونزل كل منا إلى صاحبه, فستعلم أينا الشجاع.
الإعراب: "فلئن" الفاء عاطفة واللام موطئة للقسم, "إن" شرطية, "لقيتك" "لقي" فعل ماض واقع فعل الشرط والتاء فاعل والضمير "الكاف" مفعول به, "خاليين" حال من =(2/812)
والأخرى: أن تقصد الأجزاء نحو: "أي زيد أحسن" بمعنى: أي أجزائه.
وإليهما أشار بقوله:
.... وإن كرَّرتها ... فأضف, أو تنو الأجزا
ثم قال:
..... واخصصن بالمعرفه ... موصولة أيا....
يعني: أن "أيا" الموصولة لا تضاف إلا إلى معرفة وهذا هو الأشهر, وأجاز بعضهم إضافتها إلى النكرة, ذكره ابن عصفور وغيره.
وقوله: "وبعكس الصفة" يعني: أن "أيا" إذا وقعت صفة, لم تضف إلا إلى نكرة بعكس الموصولة، والواقعة حالا كالواقعة صفة1.
ثم قال:
وإن تكن شرطا أو استفهاما ... فمطلقا كمِّل بها الكلاما
يعني أن "أيا" إذا وقعت شرطا أو استفهاما, جاز إضافتها إلى النكرة, وإلى المعرفة على التفصيل السابق2.
فظهر بهذا أن "لأي"3 ثلاثة أحوال:
ثم قال:
وألزموا إضافة لدن فجر
__________
= الفاعل ومن المفعول معا منصوب بالياء, "لتعلمن" جواب القسم وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه, وأكد الفعل بنون التوكيد الخفيفة, "أيي" مبتدأ ومضاف إليه, "وأيك" عطف عليه, "فارس الأحزاب" خبر المبتدأ ومضاف إليه, والجملة في محل نصب سدت مسد مفعولي تعلم. وعلق تعلم عنها بسبب الاستفهام.
الشاهد: في "أيي وأيك", حيث أضاف لفظ "أي" إلى مفرد معرفة لأنه تكرر، ولولا هذا التكرار لم تجز إضافته للمعرفة المفردة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن هشام 2/ 205، والأشموني 2/ 317، والسيوطي ص76.
1 مثال الموصولة مضافة إلى المعرفة: "يعجبني أيهم قائم", وإلى النكرة: "يعجبني أي رجلين قاما", ومثال الواقعة صفة: "مررت برجل أي رجل", والواقعة حالا: "مررت بزيد أي فتى".
2 مثالهما "أي رجل يأتيني فله درهم"، {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} , {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} , {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ} .
3 ب، جـ, وفي أ "لها".(2/813)
من الأسماء الملازمة للإضافة "لدن", وهي لأول غاية زمان أو مكان.
وتضاف إلى المفرد, وإلى الجملة.
وقوله: "فجر" يعني: لفظا أو محلا لتندرج الجملة.
ومن إضافتها إلى جملة اسمية قوله:
وتذكر نعماه لدن أنت يافع1 ... ..............
وفعلية قوله:
صريع غوانٍ راقهن ورقنه ... لدن شب حتى شاب سود الذوائب2
__________
1 صدر بيت. قال في الدرر اللوامع 1/ 184: لم أعثر على قائله. وبحثت فلم أعثر له على قائل.
وعجزه:
إلى أنت ذو فودين أبيض كالنسر
الشرح: "نعماه" -بضم النون- النعمة, "اليافع" الشاب, "فودين" قال في الصحاح: "فود" معظم شعر الرأس مما يلي الأذن, وفود الرأس جانباه والجمع أفواد. والفودان: قرنا الرأس وناحيتاه، ويقال: بدا الشيب بفوديه، وفي الحديث: "كان أكثر شيبه في رأسه" أي: ناحيتيه.
الإعراب: "وتذكر" الواو عاطفة, "تذكر" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت, "نعماه" نعمى مفعول به والضمير مضاف إليه, "لدن" ظرف يصلح للزمان والمكان, "أنت يافع" مبتدأ وخبر والجملة في محل جر بإضافة لدن إليها, "إلى" ابتدائية, "أنت" مبتدأ, "ذو" خبر, "فودين" مضاف إليه, "أبيض" خبر بعد خبر, أو خبر مبتدأ محذوف تقديره: أنت, "كالنسر" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ثالث, أو خبر لمبتدأ محذوف أيضا.
الشاهد: في "لدن أنت يافع", حيث أضيفت "لدن" إلى الجملة الاسمية.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 2/ 318، والسيوطي في الهمع 1/ 215.
2 قائله القطامي, واسمه عمير بن شييم, من الطويل.
الشرح: "صريع" المصروع: هو المطروح على الأرض غلبة، "غوانٍ" جمع غانية وهي الجارية التي غنيت بحسنها عن الحلي, "راقهن" أعجبهن، وروي: "شاقهن وشقنه", "ورقنه" أعجبنه, "الذوائب" جمع ذؤابة: خصلة من الشعر.
المعنى: أنه صريع مغلوب على أمره بسبب الغانيات اللاتي تعلق بهن منذ نشأ, وتعلقن به حتى شاب.
الإعراب: "صريع" بالجر بدل من قوله: "مستهلك" في بيت سابق، وبالرفع خبر لمبتدأ محذوف, "غوان" مضاف إليه, "راقهن" فعل ماض والفاعل ضمير مستتر فيه يعود إلى =(2/814)
ولم يضف إلى الجمل من ظروف المكان إلا حيث ولدن. وقال ابن برهان: إلا "حيث"1 وحدها.
وقوله:
ونصب غدوة بها عنهم ندر
سمع في "غدوة" بعد "لدن" الجر والنصب والرفع.
أما الجر فهو الأصل2, وأما النصب "فشاذ، ووجه"3 بثلاثة أوجه:
أحدها: أن "لدن" شبهت باسم الفاعل "في ثبوت"4 نونها تارة, وحذفها أخرى فنصب بها.
وضعف لسماع النصب بعد "لد"5 المحذوفة النون.
والثاني: أن النصب على إضمار "كان" الناقصة.
والثالث: أنه على التمييز.
وقال سيبويه: ولا تنصب لدن غير غدوة6.
__________
= صريع غوان وضمير الغائبات مفعول به, "ورقنه" الواو حرف عطف وراق فعل ماض ونون النسوة فاعل وضمير الغائب مفعول به, "لدن" ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب، وقد نازع فيه كل من راقهن ورقنه, "شب" فعل ماض وفاعله ضمير مستتر والجملة في محل جر بإضافة لدن إليها, "حتى" حرف غاية وجر, "شاب" فعل ماض مبني على الفتح, "سود" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة, "الذوائب" مضاف إليه مجرور بالكسرة.
الشاهد: في "لدن شب", حيث أضاف "لدن" إلى جملة "شب" وهي فعلية, والفاعل مستتر جوازا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن هشام 2/ 207, والأشموني 2/ 318، وداود، والمكودي ص98، والسيوطي في الهمع 1/ 215.
1 ب، جـ, وفي أ "حديث".
2 قال سيبويه 1/ 107: "والجر في غدوة هو الوجه, والقياس".
3 أ، جـ, وفي ب "فرجه".
4 أ، ج "لثبات", وب "لثبوت", والأحسن في ثبوت.
5 أ، ب, وفي جـ "لدن".
6 قال سيبويه 1/ 28: "إن لدن إنما ينصب بها مع غدوة", وفي 1/ 107: "أن لدن لها مع غدوة حال ليست في غيرها تنصب بها, كأنه ألحق التنوين في لغة من قال له وذلك قولك: من لدن غدوة".(2/815)
وأما الرفع فرواه الكوفيون, ووجه بإضمار "كان"1.
وقال ابن جني: لشبهه بالفاعل فرفع، فظاهره أنها مرفوعة بلدن ولم يذكر الرفع هنا, وذكره في التسهيل2.
وقوله: "بها" يقتضي أن نصب غدوة بلدن لا بكان المقدرة.
وقوله: "ومع مع فيها قليل".
مع اسم لمكان الاصطحاب أو وقته على ما يليق بالمصاحب، وهو ملازم للإضافة والظرفية وقد يجر بمن. حكى سيبويه: ذهب مِنْ مَعِهِ3.
وهو معرب في أكثر اللغات، وبناؤه على السكون لغة ربيعة.
وفي المحكم4 "لغة"5 ربيعة6 وغنم ولم يحفظ سيبويه أنه لغة, فزعم أنه ضرورة.
وقوله: "قليل" يعني بالنسبة إلى اللغة الأخرى.
وزعم أبو جعفر النحاس أن الإجماع منعقد على حرفيتها إذ كانت ساكنة.
وليس بصحيح، بل الصحيح أنها باقية على اسميتها، وهذا مفهوم من قوله: "فيها".
يعني: أن الإسكان قليل في موضع الاسمية، ولو كانت المسكنة حرفا لم يكن الإسكان في الاسمية7.
وقوله:
........... ونقل ... فتح وكسر لسكون يتصل
هما: مرتبان لا مفرعان؛ من أعربها فتح, ومن بناها على السكون كسر؛ لالتقاء الساكنين.
__________
1 كان التامة، والتقدير: لدن كانت غدوة.
2 قال في التسهيل ص97: "وقد يرفع".
3 الكتاب 1/ 309.
4 هو كتاب لابن سيده.
5 أ، ب.
6 هو ابن تغلب بن وائل رأس القبيلة, ودليل البناء على السكون قوله:
فريشي منكم وهواي معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما
7 ب, ج.(2/816)
وقوله:
واضمم -بناء- غيرا إن عدمت ما ... له أضيف ناويا ما عدما
قبل كغير, بعد، حسب، أول ... ودون والجهات أيضا، وعل
يعني أن هذه الأشياء المذكورة، أعني: غير "وقبلا"1 وما بعدهما، إذا حذف ما يضاف لم يخل إما أن ينوى معناه دون لفظه، أو ينوى لفظه "أ"2 ولا ينوى.
فإن نوى معناه دون لفظه بنيت على الضم؛ لشبهها بحرف الجواب والاستغناء عما بعدها, مع ما فيها من شبه الحرف في الجمود والافتقار3.
وإن نوى لفظه أعربت إعراب المضاف "ولم تنون"4.
حكى الفراء في معانيه5 أن من العرب من يقول: "من قبل" بالخفض.
وحذف التنوين للإضافة. وإن لم ينو أعربت6 ونونت كقراءة من قرأ: "من قبلٍ ومن بعدٍ"7 بالتنوين. ومنه قوله:
فساغ لي الشراب وكنت قبلًا ... أكاد أغص بالماء الحميم8
وإلى هذا أشار بقوله:
وأعربوا نصبا.....
البيت.
__________
1 ب, وفي أ "قليلا".
2 ب، جـ.
3 بالجمود والكلام يستقيم بوضع في "في الجمود", ومثال المبني قوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} راجع الأشموني 2/ 321.
4 أ، جـ.
5 كتاب له في تفسير القرآن الكريم.
6 أي: قطعت عن الإضافة لفظا ومعنى, فلم ينو لفظه ولا معناه.
7 من الآية 4 من سورة الروم.
8 قال العيني: قائله عبد الله بن يعرب، والصواب أنه ليزيد بن الصعق, من الوافر.
الشرح: "ساغ لي الشراب" حلا ولان وسهل مروره في الحلق، "أغص" مضارع من الغصص وهو في الأصل انحباس الطعام في المريء ووقوفه في الحلق، واستعمل ههنا في موضع الشرق, "الماء الحميم" هو الذي تشتهيه النفس، وفي غير هذا الموضع يطلق على الماء الحار, ويروى: الماء الفرات. =(2/817)
فإن قلت: لم ينبه على أنه إذا نوى لفظه أعرب، بل ظاهر قوله: "ناويا ما عُدما" يقتضي بناءه.
قلت: إذا نوى لفظه صار كالمنطوق به, فكأنه ما عدم.
فإن قلت: قوله: وأعربوا نصبا ليس بجيد؛ لأن هذه الأسماء قد تجر حال التنكير, كقراءة "من قرأ"1: "من قبل ومن بعد".
قلت: الغالب فيها النصب وجرها قليل، فكأنه اقتصر على النصب "لذلك"2.
فإن قلت: قوله: "إذا نكر" يفهم أن هذه الأسماء إذا بُنيت على الضم كانت معرفة.
قلت: والأمر كذلك.
وقال في البسيط: قال بعضهم: هي نكرات، وإنما يريد قبل شيء.
وجعل بعض النحويين التنوين في قوله: "وكنت قبلا" تنوين العوض و"أن"3 "قبلا" معرفة بنية الإضافة.
__________
= المعنى: لما أدركت ثأري هدأت نفسي وطاب خاطري، وكنت قبل ذلك أتألم من أسهل الأشياء وألذها.
الإعراب: "فساغ" الفاء عاطفة وساغ فعل ماض, "لي" جار ومجرور متعلق بساغ, "الشراب" فاعل ساغ, "وكنت" الواو للحال, "كان" فعل ماض ناقص والتاء ضمير المتكلم اسمها, "قبلا" منصوب على الظرفية يتعلق بكان, "أكاد" فعل مضارع واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا, "أغص" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا, والجملة في محل نصب خبر أكاد, وجملة أكاد واسمها وخبرها في محل نصب خبر كان, وجملة كان واسمها وخبرها في محل نصب حال, "بالماء" جار ومجرور متعلق بأغص, و"الحميم" نعت للماء.
الشاهد: في "قبلا", حيث أعرب منونا؛ لأنه قطع عن الإضافة لفظا ومعنى.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص136، وابن عقيل 2/ 56، والأشموني 2/ 322، والشاطبي، وابن هشام 2/ 213، والمكودي ص91، والسيوطي ص78، وأيضا في الهمع 1/ 210، وابن يعيش 4/ 88, والشاهد رقم 69 من الخزانة.
1 ب، جـ.
2 أ، ب.
3 أ، جـ.(2/818)
في شرح الكافية: وهذا القول عندي حسن1.
ثم قال:
وما يلي المضاف يأتي خَلَفا ... عنه في الإعراب إذا ما حُذِفا
يجوز حذف المضاف للعلم به، والأكثر حينئذ أن يخلفه المضاف إليه في الإعراب نحو: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} 2 أي: حب العجل.
وقد يخلفه في التنكير إن كان المضاف مثلا نحو: "مررت برجل زهير" "أي: مثل زهير"3؛ ولذلك نعت به النكرة.
وربما خلفه في غير ذلك, كالتذكير والتأنيث.
ثم قال:
وربما جروا الذي أبقوا كما ... قد كان قبل حذف ما تقدما
يعني: أن المضاف إليه قد يبقى بعد حذف المضاف مجرورا, كما كان قبل حذفه.
ولذلك شرط ذكره في قوله:
لكن بشرط أن يكون ما حُذِف ... مماثلا لما عليه قد عُطِف
يعني: أن شرط جر المضاف إليه بعد حذف المضاف, أن يكون المحذوف معطوفا على مثله لفظا ومعنى بعاطف متصل, نحو:
أكل امرئ تحسبين امرأ ... ونارٍ تَوَقَّد بالليل نارا4
__________
1 نص شرح الكافية, ورقة 67: "وهذا عندي قول حسن".
2 من الآية 93 من سورة البقرة.
3 أ، ب.
4 قائله أبو دؤاد الإيادي، وهو من المتقارب.
الشرح: "تحسبين" تظنين، "توقد" أصله تتوقد -تاء المضارعة وتاء تفعل, فحذفت إحداهما تخفيفا- ومعنى "توقد" تشتعل وتتوهج.
المعنى: لا تظني كل شخص رجلا كاملا, بل الكامل من اجتمع له من الصفات والخصال أحسنها وأسماها. ولا تظني كل نار تتوقد في الليل نارا محمودة, بل المحمود منها ما توقد لقرى الأضياف. =(2/819)
أو منفصل بلا كقولهم: "ما كل سوداء تمرة, ولا بيضاء شحمة"1 والجر في هذا النوع "بالشرط المذكور"2 مقيس، وليس ذلك مشروطا بتقدم نفي "أو"3 استفهام, كما ظن بعضهم.
وما خلا مما قيد به المقيس فهو محفوظ لا يقاس عليه, كقولهم: "مررت بالتيمي عدي، أي: أحد تيم عدي"4 قاله المصنف, فجر دون عطف وكقراءة ابن
__________
= الإعراب: "أكل" الهمزة للاستفهام الإنكاري, كل مفعول أول "تحسبين" مقدم عليه, "وكل" مضاف, "وامرئ" مضاف إليه, "تحسبين" فعل وفاعل, "امرأ" مفعول ثانٍ, "ونار" الواو عاطفة والمعطوف عليه محذوف, والتقدير: وكل نار, "فنار" مضاف إليه في الأصل، وذلك المعطوف المحذوف -وهو المضاف- هو المعطوف على "كل امرئ" المتقدم, "توقد" أصله: تتوقد؛ فحذف إحدى التاءين وهو فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى نار, والجملة نعت لنار, و"بالليل" جار ومجرور متعلق بتوقد, "نارا" معطوف على قوله: "امرئ" المنصوب السابق.
الشاهد: في "نار" حيث حذف المضاف فيه وترك المضاف إليه بإعرابه، إذ تقديره: وكل نار. فحذف "كل" وترك "نار" بالجر على ما كان عليه، ولا يجوز أن يعطف "نار" المجرور على "امرئ" إذ فيه عطف على عاملين بواو واحدة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص165، وابن عقيل 2/ 59، وابن هشام 2/ 223، والمكودي ص91، وداود، والشاطبي، والسيوطي ص78، وفي همعه 2/ 52، وابن يعيش 3/ 26، وابن هشام في المغني 1/ 224، وسيبويه 1/ 33, والأشموني 2/ 223.
1 وفي مجمع الأمثال للميداني 2/ 281 رقم 3868 مجمل حديثه: أن عامر بن ذهل وثب على عمه قيس بن ثعلبة, فجعل يخنقه لأنه أخذ مال أبيه. فقال قيس: يابن أخي دعني فإن الشيخ متأوه فذهب قوله مثلا. ثم قال: ما كل بيضاء شحمة ولا كل سوداء تمرة. يعني أنه وإن أشبه أباه خَلقا فلم يشبهه خُلُقا, فذهب قوله مثلا يضرب في موضع التهمة. ا. هـ.
وقال سيبويه 1/ 33: "وإن شئت نصبت شحمة وبيضاء في موضع جر, كأنك لفظت بكل فقلت: ولا كل بيضاء".
2 ب, وفي أ، جـ "بالشروط المذكورة".
3 أ، جـ, وفي ب "ولا".
4 أ، جـ, وفي ب "كقول بعض العرب: رأيت التيمي تيم عدي".(2/820)
الجماز1 {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} 2 -بالخفض- والعاطف مفعول وقدره المصنف عرض الآخرة3.
ثم قال:
ويُحذف الثاني فيبقى الأول ... كحاله إذا به يتصل
يعني: أن المضاف إليه قد يحذف وينوى لفظه, فيبقى المضاف على حاله قبل الحذف فلا ينون، ولا ترد إليه النون إن كان مثنى أو مجموعا؛ ولذلك "شرط"4 ذكره في قوله:
بشرط عطف وإضافة إلى ... مثل الذي له أضفت الأولا
أي: بشرط عطف مضاف إلى مثل المحذوف, كقول بعضهم: "قطع الله يد ورِجْل من قالها"5.
وقول الشاعر:
................. ... بين ذراعي وجبهة الأسد6
__________
1 هو أبو الربيع سليمان بن مسلم بن جماز الزهري المدني. كان مقرئا جليلا وضابطا نبيلا, من أفاضل رواة أبي جعفر، أحد القراء العشرة المشهورين. توفي سنة 170هـ.
2 من الآية 67 من سورة الأنفال.
3 راجع الأشموني 2/ 325.
4 جـ, وفي ب "شروط" وسقط من أ.
5 قال الأشموني 2/ 326: "الأصل: قطع الله يد من قالها ورجل من قالها، فحذف ما أضيف إليه "يد" لدلالة ما أضيف إليه "رجل" عليه".
وقال ابن عقيل 2/ 61: "وأكثر ما يكون ذلك إذا عطف على المضاف اسما مضافا إلى مثل المحذوف من الاسم الأول, كقولهم: قطع الله يد ورجل من قالها.
والتقدير: قطع الله يد من قالها ورجل من قالها؛ فحذف ما أضيفت إليه "يد" وهو "من قالها"؛ لدلالة ما أضيف إليه "رجل" عليه". ا. هـ.
6 عجز بيت قائله الفرزدق, يصف فيه عارض سحاب اعترض بين نوء الذراع ونوء الجبهة, وهما من أنواء الأسد, وهو من المنسرح.
وصدره:
يا من رأى عارضا أسر به
الشرح: "عارضا" أي: سحابا، "أسر به" أفرح به ويروى: "أكفكفه" يكفكف دمعه: يمسحه مرة بعد أخرى ليرده، ويروى: "أرقت له" بمعنى سهرت لأجله, "بين ذراعي" أراد بذراعي وجبهة الأسد الكوكبين اللذين يدلان على المطر عند طلوعهما، وذراعا الأسد وجبهة الأسد منزلان من منازل القمر، والذراع والجبهة من أنواء الأسد.
الإعراب: "يا" حرف نداء والمنادى محذوف تقديره: يا قوم, ويحتمل أن يكون "من" منادى مفردا وعلى الأول يكون من استفهامية, "رأى" فعل ماض والفاعل ضمير, "عارضا" مفعول, "أسر به" على صيغة المجهول وهي جملة في محل نصب صفة لقوله: عارضا =(2/821)
وجاء نظيره في عدة أبيات1.
وقال الفراء: لا يجوز ذلك إلا في المصطحبين كاليد والرجل, والنصف والربع, وقبل وبعد. فأما نحو دار وغلام، فلا يجوز ذلك فيهما.
تنبيهات:
الأول: ذهب ابن عصفور في تخريج قولهم: "قطع الله يد ورجل من قالها" ونحوه إلى أن التقدير: يد من قالها ورجله فحذف الضمير، "وأقحم المعطوف بين المضاف والمضاف إليه"2.
الثاني: قد يفعل ذلك دون عطف كقوله:
ومن قبل نادى كل مولى قرابة3 ... ....................
__________
= "بين" منصوب على الظرفية, "ذراعي" مضاف إلي مقدر, أي: بين ذراعي الأسد وجبهة الأسد, فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه.
الشاهد: في "ذراعي وجبهة الأسد", حيث حذف المضاف إليه وأبقى المضاف، والتقدير: بين ذراعي الأسد وجبهة الأسد.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 2/ 326، والمكودي ص92، والشاطبي، والأصطهناوي، وابن هشام في المغني 2/ 45، وابن يعيش 3/ 21، والشاهد رقم 136 من الخزانة, وسيبويه 1/ 92, والخصائص 2/ 497.
1 منها:
سقى الأرضين الغيث سهل وحزنها ... فنِيطت عرا الآمال بالزرع والضرع
2 أ، ب, وفي جـ "وأقحم المضاف بين المضاف إليه".
3 صدر بيت. قال العيني: لم أقف على اسم قائله, وبحثت فلم أعثر على قائله, وهو من الطويل.
وعجزه:
فما عطفت مولى عليه العواطف
الشرح: "مولى قرابة" أراد به ابن العم، "عطفت" أمالت، "العواطف" جمع عاطفة، وهي اسم فاعل من عطف.
المعنى: يصف الشاعر شدة نزلت بقوم, فاستغاث كلٌّ بذوي قرابته, فلم يغيثوه واستنجدهم لدفع ما عرض له فلم ينجدوه.
الإعراب: "ومن قبل" جار ومجرور متعلق بقوله: نادى الآتي, "نادى" فعل ماض, "كل" فاعل نادى وكل مضاف "ومولى" مضاف إليه, "قرابة" مفعول به لنادى, "فما" الفاء عاطفة "وما" نافية, "عطفت" عطف فعل ماض والتاء للتأنيث, و"مولى" مفعول به لعطفت, "عليه" جار ومجرور متعلق بعطف, "والعواطف" فاعل عطفت.
الشاهد: في "قبل" حيث حذف المضاف إليه وأبقى المضاف على حاله الذي كان قبل الحذف من غير تنوين, مع أن الشرطين غير متحققين؛ لأنه ليس معطوفا عليه اسم مضاف إلى مثل المحذوف وهو قليل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص165، وابن عقيل 2/ 62، وابن هشام 2/ 211، والأشموني 2/ 322، 326، وداود، والأصطهناوي، والسيوطي ص78، وأيضا في همعه 1/ 210.(2/822)
كذا رواه الثقات بالكسر بلا تنوين.
قال المصنف: استعمال هذا الحذف في الأسماء الناقصة "الدلالة"1 قليل, وفي الأسماء التامة "الدلالة"2 كثير.
فمن ذلك قراءة ابن محيصن3: "فلا خَوْفُ عليهم"4 أي: فلا خوف شيء عليهم وقد يفعل ذلك مع عطف على مضاف إلى مثل المحذوف وهو عكس الأول. ومن شواهده قول أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه5: "غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات أو ثمانيَ".
هكذا ضبطه "الحافظ"6 في صحيح البخاري بفتح الياء دون تنوين, والأصل: أو ثماني غزوات.
ثم قال:
__________
1 ب.
2 ب، جـ, وفي أ "للدلالة".
3 هو محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي المكي, مقرئ أهل مكة مع ابن كثير. قال ابن مجاهد: وكان ممن تجرد للقراءة وقام بها في عصر ابن كثير, محمد بن عبد الرحمن بن محيصن، وكان نحويا يقرأ القرآن على ابن مجاهد.
قال أبو القاسم الهذلي: مات سنة ثلاث وعشرين ومائة بمكة.
4 من الآية 69 من سورة المائدة, برفع خوف من غير تنوين مع كسر الهاء.
5 أبو برزة -بفتح الباء وسكون الراء وفتح الزاي- نضلة -بفتح النون وسكون الضاد- بن عبد الله, وقيل: كان اسمه نيارا فسماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبد الله وقال: "نيار شيطان". وأبو برزة أسلم قديما وشهد فتح مكة، وروي له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ستة وأربعون حديثا, وتوفي بالبصرة وقيل: بل بخراسان سنة ستين, وقيل: أربع وستين.
6 أ، ج, وفي ب "الحافظ".(2/823)
فصل مضاف شبه فعل ما نصب ... مفعولا أو ظرفا أجز ولم يعب
فصل يمين....
مذهب أكثر البصريين أن الفصل بين المضاف والمضاف إليه ممتنع إلا في الشعر, وذهب المصنف إلى أنه يجوز في السعة بشيئين:
الأول: ما نصبه المضاف المشابه للفعل من مفعول به أو ظرف "أو مجرور"1.
فمن الفصل بالمفعول به قراءة ابن عامر2: "قَتْلُ أَوْلَادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ"3.
وبالظرف قول الشاعر:
...................... ... كناحت يوما صخرة بعسيل4
__________
1 أ، ب، وفي جـ "أو مصدر".
2 هو عبد الله بن عامر بن يزيد, ولد سنة إحدى وعشرين. قال أبو علي الأهوازي: كان عبد الله بن عامر إماما عالما ثقة فيما أتاه حافظا لما رواه. توفي بدمشق يوم عاشوراء سنة ثماني عشرة ومائة.
3 من الآية 137 من سورة الأنعام, بنصب "أولاد" وجر "شركاء" وقتل بالرفع نائب فاعل لزين وهو مضاف إلى شركاء، من إضافة المصدر لفاعله باعتبار أمرهم به و"أولادهم" مفعول فصل به بين المتضادين.
4 عجز بيت. قال العيني: لم أقف على اسم قائله, وبحثت فلم أعثر له على قائل, وهو من الطويل.
وصدره:
فرِشْني بخير لا أكونن ومدحتي
الشرح: رشني أمر من راش يريش, يقال: رشت فلانا: أصلحت حاله، ومعناه أصلح حالي "بعسيل" مكنسة العطار التي يجمع فيها العطر.
المعنى: يقول لمخاطبه الذي يستجديه: أصلح شأني ولا تردني خائبا بعد هذا السعي والعناء؛ لئلا أكون في مدحي لك كمن ينحت الصخرة بمكنسة العطار، يتعب بدون فائدة.
الإعراب: "فرشني" الفاء للاستئناف, "رش" فعل أمر والفاعل مستتر فيه وجوبا تقديره أنت والنون للوقاية والياء مفعول به, "بخير" جار ومجرور متعلق بـ "رش"، "لا" ناهية, "أكونن" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة, "ومدحتي" الواو بمعنى مع, "مدحة" مفعول معه منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم وياء المتكلم مضاف إليه واسم "أكون" ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا, "كناحت" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر "أكون", "يوما" ظرف زمان منصوب وناحت مضاف, "وصخرة" مضاف إليه, "بعسيل" جار ومجرور متعلق بناحت.
الشاهد: في "كناحت يوما صخرة", فإن قوله: "ناحت" اسم فاعل مضاف إلى مفعوله وهو "صخرة" وقد فصل بينهما بالظرف وهو "يوما", والتقدير: كناحت صخرة بعسيل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن هشام 2/ 221, وداود, والمكودي ص92، والسيوطي ص71, وأيضا ص79 في الهمع 2/ 51.(2/824)
وبالمجرور قول الآخر:
لأنت معتاد في الهيجا مصابرة1 ... ....................
قال في شرح التسهيل: فهذا من أحسن الفصل؛ لأنه فصل بمعمول المضاف، ويدل على جوازه في2 الاختيار قوله صلى الله عليه وسلم: "هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ " 3.
وقول من يوثق بعربيته: "ترك يوما نفسِك وهواها، سعيٌ لها في رداها"4.
وقوله: "شبه فعل" "يشمل"5 المصدر واسم الفاعل، ومن الفصل بالمفعول
__________
1 صدر بيت قال العيني: لم أقف على اسم قائله, وبحثت فلم أعثر له على قائل, وهو من البسيط.
وعجزه:
يصلى كل من عاداك نيرانا
الشرح: "الهيجا" قال الجوهري: الحرب، وتمد وتقصر وههنا مقصورة، "يصلى" من قولهم: صليت الرجل نارا, أدخلته النار.
الإعراب: "لأنت" اللام للتوكيد, "أنت" مبتدأ, "معتاد" خبره, "في الهيجا" جار ومجرور متعلق بمعتاد مضاف, "ومصابرة" مضاف إليه, "يصلى" فعل مضارع, "بها" جار ومجرور متعلق بيصلى كل "فاعل", "من" اسم موصول مضاف إليه, "عاداك" عادى فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود إلى من والكاف ضمير مبني في محل نصب مفعول به والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول, "نيرانا" مفعول به ليصلى.
الشاهد: في "في الهيجا", فإنه فصل بين المضاف وهو قوله: "معتاد" والمضاف إليه وهو "مصابرة", فالفصل بالجار والمجرور.
مواضعه: ذكره المكودي في شرحه للألفية ص92.
2 أ، ب.
3 هذا بعض حديث عن أبي الدرداء في البخاري ومسلم, وقد وقع نزاع بين بعض الصحابة وأبي بكر فغضب الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال ما معناه: جئتكم بالهدى فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت, فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟
و"تاركو" اسم فاعل مضاف إلى مفعوله وهو "صاحبي" بدليل حذف النون، وقد فصل بينهما بالجار والمجرور وهو "لي" المتعلق بالمضاف.
4 هذه نصيحة: "ترك" مبتدأ وهو مصدر, "يوما" ظرف له فصله عن فاعله وهو "نفس" المضاف إليه ومفعوله محذوف, "وهواها" مفعول معه أي: ترك نفسك شأنها مع هواها يوما, "سعي"
خبر ويحتمل أنه مضاف لمفعوله والفاعل محذوف أي: تركك نفسك, وهو الأحسن.
5 أ، ب وفي جـ "شمل".(2/825)
مع اسم الفاعل قراءة بعض السلف: "فلا تحسبنّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ"1 بنصب الوعد وخفض الرسل2.
وقوله: "فصل" "مفعول"3 مقدم لأجز، وقوله: "شبه فعل" صفة لمضاف.
وقوله: "ما نصب" فاعل بالمصدر الذي هو فصل، وقوله: "مفعولا أو ظرفا" "حالان"4 من "ما".
والتقدير: أجز أن يفصل المضاف المشابه للفعل عما أضيف إليه منصوبه حال كونه مفعولا "به"5 أو ظرفا وفي حكمه المجرور.
الثاني: القسم نحو ما حكاه الكسائي من قولهم: "هذا غلامُ والله زيدٍ"6, وإليه أشار بقوله: "ولم يُعَب فصل يمين".
وزاد في الكافية الفصل بإما، وقال: "الفصل بإما مغتفر" هـ, كقوله:
هما خطتا إما إسار ومنة7 ... .....................
__________
1 من الآية 47 من سورة إبراهيم, "مخلف" اسم فاعل متعدّ لاثنين وهو مضاف إلى "رسله" مفعوله الأول، و"وعد" مفعول ثانٍ وقد فصل به بينهما.
2 ب.
3 ب، جـ, وفي أ "معمول".
4 ب، وفي أ، جـ "حال".
5 أ، جـ.
6 بجر "زيد" بإضافة "غلام" إليه.
7 صدر بيت قائله تأبط شرا, واسمه ثابت بن جابر الفهمي جاهلي, وهو من الطويل.
وعجزه:
وإما دم والقتل بالحر أجدر
الشرح: "هما خطتا" أصله: هما خطتان, فحذفت منها النون، وهي تثنية خطة وهي القصة والحالة, "إسار" -بكسر الهمزة- بمعنى الأسر، والتقدير: خطتا أسر.
المعنى: ليس لي إلا واحدة من خصلتين اثنتين على زعمكم, إما إسار والتزام منكم إن رأيتم العفو، وإما قتل هو أولى بالحر وهذا تهكم واستهزاء.
الإعراب: "هما" ضمير مبتدأ, "خطتا" خبره مرفوع بالألف لأنه مثنى وحذفت النون للإضافة, "إما" تفصيلية, "خطتا" مضاف, "وإسار" مضاف إليه, "ومنة" الواو عاطفة "ومنه" معطوف على "إسار", و"القتل" الواو استئنافية و"القتل" مبتدأ, "بالحر" جار ومجرور متعلق بأجدر "الآتي" وأجدر خبر المبتدأ, والجملة من المبتدأ والخبر استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد: في "خطتا إما إسار" حيث فصل فيه "إما" بين المضاف وهو "خطتا", والمضاف إليه وهو "إسار".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 2/ 328, والسيوطي ص79, وفي همعه 2/ 49، وابن هشام في المغني 2/ 202, والشاهد رقم 547 من الخزانة.(2/826)
في رواية من جر1, 2.
ثم نبه على أن "الفصل"3 بغير ذلك مخصوص بالضرورة, فقال:
واضطرارا وُجدا ... بأجنبي أو بنعت، أو ندا
الأجنبي: ما ليس بمعمول "للمضاف"4 من مفعول "به"5 "أ"6 وظرف "أ"7 ومجرور "أ"8 وفاعل.
مثال المفعول قول الشاعر:
تسقي امتياحا ندى المسواك ريقتها9 ... ................................
__________
1 راجع الأشموني 3/ 326، 327، 328.
2 في الكافية, ورقة 69 قال: والفصل بإما مغتفر. وفي شرحها قال: ومن الفصل بإما قول الشاعر:
هما خطتا إما إسار ومنة ... وإما دم والقتل بالحر أجدر
في رواية الجر هـ راجع الأشموني 2/ 326، 327، 328.
3 أ، ب, وفي جـ "المتصل".
4 أ، ب, وفي جـ "المضاف".
5 أ، ب.
6 ب.
7 ب.
8 ب.
9 صدر بيت قائله جرير بن عطية الخطفي, من قصيدة يمدح بها يزيد بن عبد الملك بن مروان ويهجو أهل المهلب, وهو من البسيط.
وعجزه:
كما تضمن ماء المزنة الرصف
الشرح: "امتياحا" من ماح فاه بالسواك يميح إذا استاك، "الندى" -بفتح النون- البلل من النداوة, "المزنة" السحابة البيضاء، "الرصف" -بفتح الراء والصاد- الحجارة المرصوفة وماء الرصف: هو الماء الذي ينحدر من الجبال على الصخر.
"المسواك": العود الذي يستاك به, "الريقة": الرضاب، وهو ماء الفم.
المعنى: أن أم عمرو تسقي من بلل ريقها المسواك عند استياكها، فيشتمل على ريقها الصافي العذب، كما يشتمل الرصف على ماء المطر الصافي.
الإعراب: "تسقي" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر تقديره هي يعود إلى أم عمرو المذكور فيما قبله, "امتياحا" حال من فاعل "تسقي", "ندى" مفعول ثانٍ لتسقي "المسواك" =(2/827)
والظرف كقوله:
كما خُط الكتاب بكف يوما ... يهودي يقارب أو يزيل1
والمجرور كقوله:
__________
= مفعول أول "لتسقي", وندى مضاف "وريقة" مضاف إليه, ففصل بالمفعول الثاني بين المضاف "ندى" والمضاف إليه "ريقة", "وريقة" مضاف والضمير مضاف إليه, "كما" الكاف حرف تشبيه وجر داخلة على المصدر "ما" مصدرية, "تضمن" فعل ماض, "ماء" مفعول به لتضمن وماء مضاف والمزنة مضاف إليه, "الرصف" فاعل لتضمن "وما" المصدرية وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف.
الشاهد: في "المسواك", فإنه نصب على المفعولية لتسقي، وفصل به بين المضاف وهو "ندى" وبين المضاف إليه وهو "ريقها"، والتقدير: تسقي ندى ريقتها المسواك.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص167، وابن هشام 2/ 2231، والأشموني 2/ 328، وداود، والأصطهناوي، والسيوطي في الهمع 3/ 52.
1 البيت لأبي حية النميري, واسمه الهيثم بن الربيع بن زرارة يصف رسم دار, من الوافر.
الشرح: كما خط الكتاب "ويروى": كتحبير الكتاب، "يهودي" إنما خص اليهود؛ لأنهم أهل الكتاب حينذاك، "يقارب" يضم بعض ما يكتبه إلى بعض, "يزيل" يفرق بين كتابته ويباعد.
المعنى: يشبه ما بقي متناثرا من رسوم الديار هنا وهناك بكتابة اليهودي كتابا جعل بعضه متقاربا وبعضه متفرقا.
الإعراب: "كما" الكاف حرف تشبيه وجر "ما" مصدرية, "خط" فعل ماض مبني للمجهول, "الكتاب" نائب فاعل خط, "بكف" جار ومجرور متعلق بخط, "يوما" منصوب على الظرفية بخط أيضا, "كف" مضاف "يهودي" مضاف إليه, وقد فصل بينهما بالظرف و"ما" وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف, والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: رسم هذه الدار كائن كخط الكتاب.... إلخ, "يقارب" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود إلى "يهودي", والجملة في محل جر نعت "يهودي", "أو يزيل" أو عاطفة, وجملة يزيل معطوفة على ما قبلها.
الشاهد: في "يوما", فإنه نصب على الظرفية بقوله: "خط", وقد فصل به بين المضاف وهو "كف" والمضاف إليه وهو "يهودي", والحال أنه أجنبي, فلا يجوز ذلك إلا في الضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص166، وابن عقيل 2/ 64، والأشموني 2/ 318، وابن هشام 2/ 232، والشاطبي، والأصطهناوي، والمكودي ص92، والسيوطي ص79، وفي همعه 2/ 52، وابن يعيش 1/ 103، وسيبويه 1/ 91، والإنصاف 2/ 351.(2/828)
هما أخوا في الحرب من لا أخا له1
والفاعل كقوله:
أنجب أيامَ والداه به ... إذ نجلاه فنعم ما نجلا2
__________
1 صدر بيت قائلته عمرة الخثعمية ترثي ابنيها. وقيل: قائلته درنا بنت عبعبة من بني قيس بن ثعلبة. قاله سيبويه, وهو من الطويل.
وعجزه:
إذا خاف يوما نبوة فدعاهما
الشرح: "نبوة" -بفتح النون وسكون الباء- من نبا السيف, إذا لم يعمل في الضريبة.
المعنى: تقول: كانا لمن لا أخا له في الحرب ولا ناصر, أخوين ينصرانه إذا غشيه العدو, فخاف أن ينبو عن مقاومته.
الإعراب: "هما" ضمير مبتدأ, "أخوا" خبره مرفوع بالألف لأنه مثنى وحذفت النون للإضافة في الحرب جار ومجرور وأخوا مضاف, "من" اسم موصول مضاف إليه, "لا" نافية للجنس مبني على الفتح المقدر على الألف، وفي هذا التعبير كلام طويل وخلافات كثيرة اخترنا أيسرها, "له" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر "لا", و"لا" مع اسمها وخبرها لا محل لها من الإعراب صلة "من", "إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان, "خاف" فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود إلى "من" فعل شرط, "يوما" ظرف زمان منصوب, "نبوة" مفعول به "لخاف", والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها, "فدعاهما" جملة وقعت جواب الشرط.
الشاهد: في "أخوا في الحرب من لا أخا له", حيث فصل بأجنبي بين المضاف وهو "أخوا", وبين المضاف إليه وهو "من لا أخا له".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص167، والشاطبي، والأصطهناوي، وابن يعيش 3/ 21، والسيوطي في الهمع 2/ 52، وسيبويه 1/ 92، والإنصاف 2/ 521, والخصائص 2/ 405.
2 البيت للأعشى ميمون بن قيس, من قصيدة يمدح فيها سلامة ذا فائض الحميري, وهو من المنسرح.
الشرح: أنجب أيام والداه, ويروى: أنجب أزمان والداه, "ويروى": أنجب أيام والديه به, "أنجب" من أنجب الرجل إذا ولد نجيبا.
الإعراب: أنجب فعل ماض, "أيام" ظرف زمان منصوب, "والداه" والدا فاعل أنجب مرفوع بالألف لأنه مثنى وحذفت النون للإضافة, والدا مضاف والضمير مضاف إليه, "به" جار ومجرور متعلق بأنجب, "إذا" ظرف لما مضى من الزمان, "نجلاه" "نجلا" فعل وفاعل والضمير مفعول به والجملة في محل جر بإضافة "إذا" إليها, "فنعم" الفاء عاطفة, "نعم" فعل ماض لإنشاء المدح, "ما" موصولة فاعل نعم, "نجلا" فعل وفاعل والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول يجوز أن تكون "ما" نكرة فتكون تمييزا لفاعل وهو الضمير المستتر وتكون "نجلا" جملة من الفعل والفاعل في محل نصب صفة لما والرابط محذوف والتقدير: فنعم هو مولودا نجلاه.
الشاهد: حيث فصل بين المضاف وهو "أيام" والمضاف إليه وهو "إذ نجلاه" بأجنبي وهو والداه وهو فاعل أنجب، إذ التقدير: أنجب والداه به أيام إذ نجلاه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص167، وابن هشام 3/ 330، والأشموني 2/ 328، والسيوطي ص89، وأيضا في همعه 2/ 53.(2/829)
وكذا لو كان الفاعل مرفوعا بالمضاف، فإن الفصل به مخصوص بالضرورة كقوله:
نرى أسهما للموت تصمي ولا تنمي ... ولا ترعوي عن نقض أهواؤنا العزم1
فإن قلت: لا تؤخذ هذه الصورة من كلامه هنا.
قلت: قد يفهم من قوله: "ما ينصب"، فعلم أن المرفوع لا يسوغ الفصل به اختيار، ومثال النعت قول الشاعر:
__________
1 قال العيني: أنشده ثعلب ولم يعزه لأحد، وبحثت فلم أعثر له على قائل، وهو من الطويل.
الشرح: أسهما جمع سهم, "تصمي" من الإصماء من أصميت الصيد, إذا رميته فقتلته بحيث تراه, "ولا تنمي" من الإنماء من أنميت الصيد, إذا رميته فغاب عنك ثم مات.
والمعنى: نرى أسهما للموت تقتل ولا تبطئ ولا ترعوي، الارعواء: الكف عن القبيح, "العزم" عزمت على الأمر, إذا أردت فعله.
الإعراب: نرى فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن, "أسهما" مفعول نرى, للموت جار ومجرور, "تصمي" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر تقديره هي يعود إلى أسهما والجملة نعت لـ "أسهما", إذا كانت نرى بصرية, أو مفعول ثانٍ إذا كانت قلبية, "ولا تنمي" الواو عاطفة "لا" نافية "تنمي" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر تقديره هي يعود إلى "أسهما" والجملة معطوفة على جملة تصمي ولا ترعوي كسابقتها, عن نقض جار ومجرور متعلق بترعوي, أهواؤنا "أهواء" مرفوع بالمصدر الذي هو نقض و"نقض" مضاف والعزم مضاف إليه.
الشاهد: في "نقض أهواؤنا العزم" حيث فصل بين المضاف وهو "نقض", وبين المضاف إليه وهو "العزم" مع أن الفاعل متعلق بالمضاف، وهو ضعيف.
والتقدير: عن نقض العزم أهواؤنا، أي: عن أن تنقض أهواؤنا العزم.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 2/ 392.(2/830)
نجوت وقد بلّ المرادي سيفه ... من ابن أبي شيخ الأباطح طالب1
أراد: من "ابن"2 أبي طالب شيخ الأباطح.
ومثال النداء قول الشاعر:
وفاق كعب بجير منقذ لك من ... تعجيل تهلكة والخلد في سَقَرَا3
__________
1 قائله معاوية بن أبي سفيان. قال ذلك لما اتفق ثلاثة من الخوارج، وهم: عبد الرحمن بن عمرو المعروف بابن ملجم المرادي، والبرك بن عبد الله، وعمرو بن بكر, على قتل علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص -رضي الله عنهم- فقتل المرادي عليا ونجا معاوية من البرك فقال هذا البيت, وهو من الطويل.
الشرح: المرادي نسبة إلى مراد وهي قبيلة باليمن, يريد قاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب, شيخ الأباطح جمع أبطح وهو المكان الواسع, وأراد بالأباطح مكة وأراد بشيخها أبا طالب.
المعنى: تخلصت من القتل وقد لطخ ابن ملجم سيفه بدم علي بن أبي طالب شيخ مكة.
الإعراب: نجوت فعل وفاعل, "وقد" الواو للحال وقد حرف تحقيق, "بل" فعل ماض, "المرادي" فاعل بل, "سيفه" مفعول به لبل وسيف مضاف والضمير مضاف إليه, "من ابن" جار ومجرور متعلق ببل وابن مضاف و"أبي" مضاف إليه, "شيخ الأباطح" نعت لأبي ومضاف إليه, "أبي" مضاف "طالب" مضاف إليه.
الشاهد: في "أبي شيخ الأباطح طالب" حيث فصل بين المضاف وهو أبي, والمضاف إليه وهو "طالب" بالنعت, وهو "شيخ الأباطح".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص167، وابن عقيل 2/ 64، والأشموني 2/ 228، وابن هشام 2/ 235, والشاطبي، وداود، والأصطهناوي، والمكودي 93، والسيوطي ص9, وفي همعه 2/ 52.
2 ب، جـ.
3 قائله بجير بن زهير بن أبي سلمى يقوله لأخيه كعب بن زهير، وكان بجير قد أسلم قبل كعب فلامه كعب على ذلك وتعرض للرسول -صلى الله عليه وسلم- فنال بلسانه منه, فأهدر النبي -صلى الله عليه وسلم- دمه. وأما أبوهما زهير, فقد مات قبل المبعث بسنة، والبيت من البسيط.
الإعراب: وفاق مبتدأ, "كعب" منادى بحرف نداء محذوف مبني على الضم في محل نصب, و"وفاق" مضاف و"بجير" مضاف إليه, "منقذ" خبر لمبتدأ, "لك" جار ومجرور متعلق بمنقذ, "من تعجيل" جار ومجرور متعلق بمنقذ أيضا و"تعجيل" مضاف, "تهلكة" مضاف إليه والخلد معطوف على تعجيل, "في سقر" جار ومجرور متعلق بالخلد. == الشاهد: في "وفاق كعب بجير", فصل بين المضاف وهو وفاق, والمضاف إليه وهو بجير بالنداء وهو "كعب".
والتقدير: وفاق بجير يا كعب منقذ لك, أي: منج لك من تعجيل الهلاك في الدنيا, والخلود في النار في الآخرة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن عقيل 1/ 66، والأشموني 22/ 329، والأصطهناوي، والمكودي ص92، والسيوطي في الهمع 2/ 53.(2/831)
وزاد في التسهيل الفصل بفعل ملغى هـ1. أنشد ابن السكيت2:
بأي تراهم الأرضين حلوا3 ... ..........................
وزاد غيره الفصل بالمفعول لأجله نحو:
معاود جرأة وقت الهوادي4 ... ........................
__________
1 راجع التسهيل ص161.
2 هو: أبو يوسف يعقوب بن إسحاق، مضى التعريف به في باب الكلام.
3 صدر بيت. قال العيني: لم أقف على اسم قائله -وبحثت فلم أعثر له على قائل- وهو من الوافر.
وعجزه:
آلدبران أم عسفوا الكفارا
الشرح: الدبران -بفتح الدال- وهو اسم موضع، ويروى: أبي الدبران, "الكفار" اسم موضع وهو بكسر الكاف, "أم عسفوا" أي: أم توجهوا.
الإعراب: بأي: جار ومجرور متعلق بقوله: "حلوا", "ترى" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه, "هم" ضمير في محل نصب مفعول به، أي مضاف و"الأرضين" مضاف إليه, وقوله: "تراهم" معترض بينها, "حلوا" فعل وفاعل, "آلدبران" الهمزة للاستفهام وفيه إضمار والتقدير: هل حلوا الدبران أم عسفوا, أي: أم توجهوا نحو الكفار؟ "أم" متصلة لمعادلتها الهمزة في إفادة التسوية, "عسفوا" فعل وفاعل, "الكفار" مفعول به.
الشاهد: في "بأي تراهم الأرضين" فإن التقدير: بأي الأرضين تراهم حلوا, ففصل بقوله: "تراهم" بين قوله: "بأي" الذي هو مضاف وبين قوله: "الأرضين" الذي هو مضاف إليه.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه 2/ 321, والسيوطي في همعه 2/ 53.
4 صدر بيت. قال العيني: لم أقف على اسم قائله -وبحثت, فلم أعثر على قائله- وهو من الوافر.
وعجزه:
أشم كأنه رجل عبوس
الشرح: "الهوادي" جمع هادية من هدأ, إذا سكن, أشم من الشمم وهو الارتفاع من باب علم يعلم, "عبوس" ويروى: "منبوس" من قولهم: رجل منبوس الوجه أي: عابسه وكريهه. =(2/832)
أي: معاود وقت الهوادي جرأة.
وحكى ابن الأنباري: هذا غلام إن شاء الله "تعالى"1 ابن أخيك؛ ففصل بإن شاء الله، والله أعلم2.
__________
= المعنى: يصف الشاعر رجلا بأنه يظهر الكبر ويعاود الحرب وقت ظهور الهوادي جمع هادٍ أي: أعناق الخيل لأجل جرأته في الحرب, والجرأة بضم الجيم ا. هـ. صبان.
الإعراب: معاود خبر مبتدأ محذوف والتقدير هو معاود, "جرأة" مفعول لأجله ومعاود مضاف, "وقت" مضاف إليه ووقت مضاف, "الهوادي" مضاف إليه, "أشم" خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو أو خبر بعد خبر عند من يجيز ذلك, "كأنه" كأن واسمها, "رجل" خبر كأن والجملة نعت لـ "أشم" نعت لرجل مرفوع.
الشاهد: في "معاود جرأة وقت", حيث فصل بين المضاف وهو "معاود" وبين المضاف إليه وهو "وقت" بقوله: "جرأة" منصوب على المفعولية.
والتقدير: معاود وقت الهوادي جرأة.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 2/ 329, والسيوطي في الهمع 2/ 53.
1 أ، ب.
2 راجع الأشموني ص 327، 328، 329.(2/833)
المضاف إلى ياء المتكلم:
آخر ما أُضيف للياء اكسر إذا ... لم يك معتلا كرام وقذى
يجب كسر آخر المضاف "إلى ياء"1 المتكلم, "إن"2 لم يكن منقوصا أو مقصورا أو مثنى أو مجموعا على حدة كقولك في "غلام": غلامي.
وفيه أربعة مذاهب:
أحدها: أنه معرب بحركات "مقدرة"3 في الأحوال الثلاثة.
والثاني: أنه معرب في الرفع والنصب بحركة مقدرة، بالجر بالكسرة الظاهرة, واختاره في التسهيل.
والثالث: أنه مبني.
والرابع: أنه لا معرب ولا مبني, وإليه ذهب ابن جني.
والأول مذهب الجمهور.
ويجوز في الياء "بعد المكسور"4 وجهان: الفتح والإسكان، فقيل: الفتح أصل, وقيل: الإسكان أصل "جمع"5 بينهما "بأن"6 الإسكان أصل أول إذ هو أصل كل مبني، والفتح أصل ثانٍ، إذ هو أصل ما هو على حرف واحد.
وأما المقصور والمنقوص والمثنى والمجموع على حدة, فإذا أضيف شيء منها إلى ياء المتكلم وجب فتح الياء في اللغة المشهورة، فتقول في "قذى": قذايَ، وفي "رامٍ": راميَّ, وفي "ابنين": ابنيَّ، وفي "زيدين": زيديَّ.
وإلى ذلك أشار بقوله:
........... فذي ... جميعها اليا بعد فتحها احتُذِي
__________
1 ب وفي أ، جـ "لياء".
2 أ، جـ, وفي ب "إذا".
3 أ، جـ, وفي ب "مقدرات".
4 أ، وفي ب، جـ "الكسرة".
5 أ، جـ, وفي ب "والجمع".
6 أ، جـ, وفي ب "أن".(2/834)
الإشارة "بذي" إلى الأنواع الأربعة, و"احتذي" تبع.
ثم بين حكم آخر المقصور والمنقوص والمثنى والمجموع على حدة إذا أضيف للياء فقال: "وتدغم اليا فيه" أي: وتدغم اليا "من"1 آخر المنقوص والمثنى والمجموع "على حدة"2 نصبا وجرا فيه أي: في ياء المتكلم، ولا يغير ما قبلها من فتح أو كسر فتقول: رأيت راميَّ وابنيَّ وزيديَّ، وتفتح الياء كما سبق.
ثم قال: "والواو" أي: وتدغم الواو أيضا في ياء المتكلم, يعني "بعد"3 قلب الواو ياء.
فإن كان ما قبلها فتحة لم تغير نحو: "مصطفَون" فتقول فيه: "هؤلاء مصطفيّ", وإن كان "ما"4 قبلها ضمة قلبتها كسرة لتصبح الياء نحو: "مسلمون" فتقول فيه: مسلميّ, بقلب الواو ياء والضمة كسرة.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "أَوَمخرجِيّ هم" 5.
وإلى هذا أشار بقوله:
............. وإن ... ما قبل واو ضُم فاكسره يهن
ثم قال: "وألفا سلم" أي: سلم الألف من الانقلاب.
وشمل ذلك ألف المثنى نحو: "هذان غلامايَ" ولا خلاف فيه، وألف المقصور
__________
1 ب، وفي أ، جـ "في".
2 ب، جـ.
3 ب، جـ, وفي أ "تقلب".
4 أ.
5 ذكره البخاري، قاله عليه الصلاة والسلام لورقة بن نوفل حين قال له: وددت أن أكون معك حين يخرجك قومك، وأصله: أومخرجوي هم, فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء. ومخرجي اسم فاعل مضاف لياء المتكلم مبتدأ, و"هم" فاعل سد مسد الخبر, "وفي" شرح البخاري: جعل "هم" مبتدأ خبره "مخرجي" ولا يجوز العكس؛ لأنه يلزم عليه الإخبار عن النكرة بالمعرفة. ا. هـ. حاشية السجاعي على القطر ص86.(2/835)
نحو: "هي عصايَ"1 وفيه لغتان: إقرار الألف "وهي المشهورة"2, وقلبها ياء وهي لغة هذيل "وحكاها"3 عيسى بن عمر4 عن قريش.
وقرأ الحسن5: "يا بِشْرَى"6, وإليها أشار بقوله:
............. وفي المقصور عن ... هذيل انقلابها ياء حسن
وينبغي أن يستثنى من ذلك ألف "لدى" و"على" الاسمية، فإن الأكثر فيه القلب مع ياء المتكلم.
فإن قلت: فهل يجوز للقلب ألف المثنى في لغة من التزمها مطلقا؟
قلت: قال في الارتشاف: يحتاج في جوازه إلى سماع7.
__________
1 من الآية 18 من سورة طه.
2 أ، ب، وفي جـ "وهو المشهور".
3 ب، جـ وفي ب "حكاه".
4 عيسى بن عمر الثقفي أبو عمر مولى خالد بن الوليد, نزل في ثقيف فنسب إليهم. إمام في النحو والعربية والقراءة, مشهور. أخذ عن عمرو بن العلاء وغيره، وروى عن الحسن البصري وغيره، وحكى عنه الجوهري في الصحاح وغيره. سقط عن حمار فاجتمع الناس حوله, فقال: ما لي أراكم تكأكأتم علي كتكأكئكم على ذي جنة؟ افرنقعوا عني. مات سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمس ومائة.
5 هو الإمام أبو سعيد الحسن بن الحسن البصري، كان إماما في القراءة، روى عن الشافعي أنه قال: لو أشاء أن أقول: إن القرآن نزل بلغة الحسن لقلت لفصاحته. وهو أحد الأربعة الذين لهم قراءة شاذة من القراءات العشر, وتوفي بالبصرة سنة 116هـ.
6 من الآية 18 من سورة يوسف.
7 الارتشاف ص910.(2/836)
الجزء الثالث:
إعمال المصدر:
بفعله المصدر ألحق في العمل
أي: ألحق المصدر بفعله في عمله, فيعمل عمل الفعل في اللزوم والتعدي بنفسه وبالحرف، وخطب التمثيل في ذلك سهل.
"تنبيه":
"يخالف"1 المصدر "فعله"2 في أمرين:
أحدهما: أن في رفعه "نائب الفاعل"3 خلافا، ومذهب جمهور البصريين جوازه, وإليه ذهب في التسهيل.
الثاني: "أن"4 فاعل المصدر يجوز حذفه بخلاف فاعل الفعل، وإذا حذف لم يتحمل "ضميره"5، خلافا لبعضهم.
ثم قال:
مضافا أو مجردا أو مع أل
فهو ثلاثة أحوال، وإعماله مضافا أكثر نحو: {.... وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ....} 6 ولا خلاف فيه، وفي كلام بعضهم ما يشعر بالخلاف.
__________
1 ب، وفي أ، جـ "يفارق".
2 أ، جـ، وفي ب "الفعل".
3 أ، جـ، وفي ب "نائبا عن الفاعل".
4 أ.
5 أ، جـ, وفي ب "ضميرا".
6 من الآية 251 من سورة البقرة.(2/839)
وإعماله مجردا "من"1 الإضافة وأل أقل من المضاف نحو: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا} 2.
وفيه خلاف أجازه البصريون, ومنعه الكوفيون.
فإن "وقع بعده"3 مرفوع أو منصوب, فهو محمول عندهم على فعل مضمر، وإعماله مع أل أقل من المجرد، ومنه قول الشاعر4:
ضعيف النكاية أعداءه ... يخال الفرار يراخي الأجل
وفيه خلاف؛ أجازه سيبويه ومن وافقه، ومنعه الكوفيون وبعض البصريين كابن السراج، وأجازه الفارسي على قبح، وفصّل ابن طلحة بين أن
__________
1 أ، جـ، وفي "ب "عن".
2 من الآية 14 من سورة البلد, إطعام مصدر فاعله محذوف "يتيما" مفعوله.
3 أ، جـ, وفي ب "وقع عندهم بعده".
4 قائله: لم ينسب إلى قائل -وبالبحث لم أعثر له على قائل- وذكره سيبويه وهو من الخمسين التي لم يعرف قائلوها, وهو من المتقارب.
اللغة: "النكاية" الإضرار, يقال: نكيت في العدو أنكي نكاية، إذا قتلت فيهم وجرحت, "يخال" يظن, "يراخي" يباعد ويؤخر.
المعنى: إن هذا الرجل ضعيف لا يستطيع أن يؤثر في أعدائه أو يقهرهم أو ينازلهم القتال، يظن أن الهرب والفرار من الحرب يبعد عنه الموت، ويفسح له في العمر.
الإعراب: "ضعيف" خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: هو ضعيف, "النكاية" مضاف إليه, "أعداءه" مفعول للنكاية، والضمير مضاف إليه, "يخال" فعل مضارع، والضمير المستتر الذي يعود على الفرار فاعل, "الأجل" مفعول ليراخي، والجملة في محل نصب مفعول ثانٍ ليخال.
الشاهد فيه: "النكاية أعداءه", حيث عمل المصدر المقترن بأل وهو "النكاية", ونصب المفعول وهو "أعداءه".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن هشام 5/ 3، وابن عقيل 2/ 72، والأشموني 2/ 233، والسيوطي ص80، وذكره سيبويه 1/ 99، وابن يعيش 6/ 59، وشذور الذهب ص399، والخزانة الشاهد 597.(2/840)
يكون بأل معاقبة "للضمير"1, فيجوز نحو: "إنك والضرب خالد المسيء إليه" وإلا فلا يجوز نحو: "عجبت من الضرب عمرا", ثم نبه على "شرط"2 عمل المصدر بقوله:
إن كان فعل مع "أن" أو "ما" يحل محله
شرط إعمال المصدر غير الواقع بدلا من اللفظ بفعله، أن يصح تقديره بالفعل مع حرف مصدري.
فإن أريد به غير الحال جاز أن يقدر بأن "أو"3 بما، وإن أريد به الحال قدر بما ولم يقدر بأن؛ لأن مصحوبها لا يكون حالا؛ فلذلك لم يقتصر على أن كما فعل بعضهم.
فإن قلت: قد ذكر في التسهيل "معهما"4 "أن" المخففة، ومثله بنحو: "علمتُ ضربَكَ زيدًا" تقديره: علمت أن قد ضربت زيدا، فأن "هذه"5 مخففة؛ لأنها واقعة بعد العلم، وهي موضع غير صالح للمصدرية6.
قلت: ذكر "ما" المصدرية مغنٍ عنها، فإنها يصح وقوعها بعد العلم، ولم يقدر سيبويه في الباب بغير "أن" الثقيلة مع ضمير الشأن.
فإن قلت: ظاهر قوله: "إن كان" وقوله في الكافية:
حيث ما يصح حرف مصدري تمما
أن هذا الشرط لازم، وقد جعله في التسهيل غالبا7, وقال في شرحه: وليس تقديره بأحد الثلاثة شرطا في عمله، ولكن الغالب أن يكون كذلك، ومن
__________
1 أ.
2 ب، جـ، وفي أ "شروط".
3 أ, وفي ب، جـ "و".
4 ب، جـ, وفي أ "معها" التسهيل ص142.
5 أ.
6 أي: لأنها لا تقع بعد العلم ولا تسد مسد مفعوليه، ا. هـ. صبان 2/ 268.
7 التسهيل ص1420.(2/841)
وقوعه غير مقدر بأحدها قول العرب: "سَمْعُ أذني زيدا يقول ذلك"1 وذكر مثلا آخر.
قلت: المشهور أن تقديره بذلك شرط وما ذكره من المثل لا يتعذر فيه التقدير، وكلام صاحب البسيط موافق للمصنف في عدم اشتراط ذلك.
"تنبيه":
لإعمال المصدر شروط لم يذكرها هنا:
الأول: أن يكون مظهرا، فلو أضمر لم يعمل؛ لعدم حروف الفعل، خلافا للكوفيين، وأجاز ابن جني في الخصائص والرماني إعماله في المجرور ونقل عن الفارسي، وقياسه في الظرف.
الثاني: أن يكون مكبرا، فلو صُغِّر لم يعمل.
الثالث: أن يكون غير محدود, فلو حُدّ بالتاء لم يعمل، فإن ورد حكم بشذوذه كقوله2:
يحايي به الجلد الذي هو حازم ... بضربة كفيه الملا نفس راكب
فنصب الملا بضربة كفيه وهو محدود، ونصب نفس بيحايي.
ومعناه: يصف الشاعر مسافرا معه ماء فتيمم, وأحيا بالماء نفس راكب كاد يموت عطشا.
__________
1 قال الصبان 268/ 2: حال كالحال في: ضربي العبد مسيئا, فالتقدير: سمع أذني أخاك حاصل إذ كان أو إذا كان، فصاحب الحال ضمير الفعل المحذوف لا الأخ، وإن زعمه البعض، وإنما لم يكن المصدر هنا مقدرا بما أو أن المخففة؛ لاشتراط أن يسبقهما أو المصدر المقدر بهما شيء، ولم يوجد، وإنما لم يكن مقدرا بأن المصدرية؛ لأن المراد الإخبار بأن سمع أذنه قول أخيه حاصل، وأن تقتضي أنه سيحصل؛ لأنها تخلص المضارع للاستقبال، كذا قال البعض وفيه نظر, إذ تقدير أن والماضي لا يقتضي أن السمع سيحصل. ا. هـ. وأقول: "سمع" مبتدأ خبره محذوف وجوبا، وجملة: "يقول ذلك" في محل نصب حال من "أخاك".
2 قائله: لم ينسب لقائل -وبالبحث لم أعثر له على قائل- وهو من الطويل.
اللغة: "يحايي" بمعنى: يحيي من الإحياء, "الجلد" القوي الصلب, "الحازم" الضابط, "الملا" -بفتح الميم- مقصور, أراد به التراب. =(2/842)
الرابع: أن يكون غير منعوت قبل تمام عمله؛ لأن معمول المصدر بمنزلة الصلة من الموصول، فلا يفصل بينهما بالنعت، فإن ورد ما يوهم ذلك قدر فعل بعد النعت يتعلق به المعمول المتأخر، فلو نعت بعد تمامه لم يمنع.
والأولى أن يقال: "غير متبوع" بَدَل "غير منعوت"؛ لأن حكم سائر التوابع حكم النعت.
الخامس: أن يكون مفردا. ذكره في البسيط عن بعضهم ولم يشترطه في التسهيل1, وقال في الكافية:
وأهمل المضمر والمحدود ... ومصدر فارقه التوحيد
ورب محدود ومجموع عمل ... وبسماع لا قياس قد قبل
وصرح بجوازه في شرح التسهيل:
ومن إعماله مجموعا قوله2:
قد جربوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلا المجد والفنعا
__________
= المعنى: يصف مسافرا معه ماء فتيمم, وأحياء بالماء نفس راكب كاد يموت عطشا.
الإعراب: "يحايي" فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء, "به" متعلق بيحايي, "الجلد" فاعل مرفوع, "الذي" نعت الجلد, "هو" ضمير منفصل مبتدأ, "حازم" خبر مرفوع بالضمة الظاهرة والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول, "بضربة" جار ومجرور متعلق بيحايي وضربة مضاف، وكفي من "كفيه" مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله مجرور بالياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه مثنى، وهو مضاف وضمير الغائب العائد إلى الجلد مضاف إليه, "الملا" مفعول به لضربة, "نفس" مفعول به ليحايي وهو مضاف و"راكب" مضاف إليه.
الشاهد فيه: "بضربة كفيه", فإن ضربة مصدر محدود أضيف إلى فاعله ونصب الملا وهو مفعول، وهو شاذ؛ لأن المصدر المحدود لا يعمل، فإن ورد حُكم بشذوذه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 335/ 2، والسيوطي ص81, وذكر في قطر الندى ص268, وهمع الهوامع 92/ 2.
1 التسهيل ص142.
2 قائله أعشى ميمون من قصيدة يمدح فيها هوذة بن علي الحنفي, وهو من البسيط.
اللغة: "أبا قدامة" هذه كنية هوذة الممدوح, "المجد" اسم جامع لخصال المروءة والسخاء والشرف, "الفنعا" -بفتح الفاء والنون- الكرم والعطاء الواسع. =(2/843)
واختلف النحويون في "جوازهم"1 إعمال المجموع، فأجازه قوم، واختاره ابن عصفور، ومنعه قوم ومنهم ابن سيده.
فإن قلت: فهل يشترط في إعماله أن يكون بمعنى الحال والاستقبال, كاسم الفاعل؟
قلت: لا يشترط ذلك؛ لأنه عمل لكونه أصلا، فلم يتقيد بزمان بخلاف اسم الفاعل، قاله المصنف. وقال غيره: لأنه عمل بالنيابة عن الفعل، والفعل لا يشترط فيه ذلك.
وحكي عن بعض المتأخرين أنه منع إعماله ماضيا، وليس بصحيح.
وقوله: ولاسم مصدر عمل.
يعني أن اسم المصدر يعمل عمل فعله، وهو قليل، وإلى قلته أشار بتنكير "عمل" واختلف في إعمال اسم المصدر، فأجازه الكوفيون ومنعه البصريون، قال بعضهم: إلا في ضرورة، وتأولوا ما ورد من ذلك على إضمار فعل.
ومن عمله قول عائشة رضي الله عنها: "من قبلة الرجل امرأتَه الوضوءُ"2 وظاهر كلامه في التسهيل أنه مَقِيس3, وقال الشارح: وليس ذلك بمطرد في اسم المصدر, ولا فاشٍ.
__________
= الإعراب: "قد" حرف تحقيق, "جربوه" فعل ماض وواو الجماعة فاعله وضمير الغائب العائد إلى الممدوح مفعول به, "فما" الفاء عاطفة وما حرف نفي, "زادت" فعل ماض والتاء للتأنيث, "تجاربهم" فاعل زادت وضمير الغائبين مضاف إليه, "أبا" مفعول به لتجارب لأنه مصدر الفعل المتعدي, "قدامة" مضاف إليه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف للعلمية والتأنيث, "إلا" أداة استثناء ملغاة, "المجد" مفعول به لزادت, و"الفنعا" معطوف على المجد، والألف للإطلاق.
الشاهد فيه: "تجاربهم أبا قدامة", حيث إن "تجاربهم" عمل مجموعا في "أبا قدامة".
مواضعه من شراح الألفية: الأشموني 335/ 2.
1 أ، جـ.
2 "قبلة" اسم مصدر مضاف لفاعله, و"امرأته" مفعول, والجار والمجرور خبر مقدم عن الوضوء، ا. هـ. خضري 23/ 1.
3 التسهيل ص142.(2/844)
"تنبيهان":
الأول: أطلق في قوله: "ولاسم مصدر عمل" وهو مقيد بغير العَلَم، فالعلم لا يعمل، وهو ما دل على معنى المصدر دلالة مغنية عن الألف واللام؛ لتضمن الإشارة إلى حقيقته كيسار وبرة وفجار1.
الثاني: عرف اسم المصدر في التسهيل إذ قال: ويعمل عمله اسمه غير العلم, وهو ما دل على معناه وخالفه بخلوه -لفظا وتقديرا دون عوض- من بعض ما في فعله, مثال ذلك:
"توضأ وضوءا" و"تكلم كلاما"؛ فالوضوء والكلام اسمان للمصدر، لا مصدران؛ لخلوهما -لفظا وتقديرا- من بعض ما في فعلهما.
وحق المصدر أن يتضمن حروف فعله بمساواة نحو: "توضأ توضؤا" أو بزيادة نحو: "أعلم إعلاما".
واحترز بقوله: "أو تقديرا" من نحو: "قاتل قتالا" فإنه مصدر لا اسم مصدر، إذ لم يخل تقديرا، فإن أصله: "قيتالا", فالمدة مقدرة وقد "ثبتت"2 لفظا.
وبقوله: "دون عوض" من نحو: "عدة", فإنه مصدر مع خلوه من الواو؛ لأن التاء عوض "منها"3.
من نحو: "كلّم تكليما" فإنه مصدر مع خلوه من التضعيف؛ لأن "التاء"4 عوض منه.
قال الشارح: اعلم أن اسم المعنى الصادر عن الفاعل كالضرب، أو القائم بذاته كالعلم، ينقسم إلى مصدر واسم مصدر.
__________
1 يسار علم لليسر مقابل العسر، وبرة: علم للبر, وفجار: علم للفجور.
2 أ، جـ, وفي ب "حذفت".
3 ب.
4 أ، ب، وفي جـ "الياء".(2/845)
فإن كان أوله ميما مزيدة لغير مفاعلة كالمضرب والمحمدة، أو كان لغير ثلاثي بوزن ما لثلاثي كالغسل والوضوء، فهو اسم للمصدر، وإلا فهو المصدر.
قلت: الذي أوله الميم المذكورة، وإن أطلق بعضهم عليه اسم المصدر فإنه يعمل عمل فعله، وليس هو موضع الخلاف، ولا المراد هنا.
والنوع الثاني وهو ما كان لغير ثلاثي بوزن ما لثلاثي, هو المذكور في التسهيل1.
قال الشيخ أبو حيان: وهذا الثاني عندنا مصدر، لا اسم مصدر، قال: واسم المصدر يقال باصطلاحين:
أحدهما: "ما ينقاس"2 بناؤه من الثلاثي على مفعل، "وما زاد"3 على صيغة اسم المفعول وهذا يعمل عمل فعله.
الثاني: ما كان أصل وضعه لغير المصدر كالثواب والعطاء والكلام والدهن والخبز، فهذه وضعت لما يثاب به ولما يعطى وللجمل "المقولة"4 ولما يدهن به ولما يخبز به.
وفي هذا النوع اختلف الكوفيون والبصريون، وتحقيق الخلاف بين الفريقين:
هل ينقاس أن يطلق اسم المصدر مجازا على المصدر ويعمل عمل المصدر, أو لا؟
فقال البصريون: لا, إلا أن يضطر شاعر. وقال الكوفيون والبغداديون: ينقاس ذلك.
قلت: وصرح في شرح التسهيل بأن ثوابا وعطاء مصدران؛ لقرب ما بينهما وبين الأصل، وهو إثواب وإعطاء.
__________
1 التسهيل ص142.
2 أ، ب، وفي جـ "ينقاس".
3 أ، جـ، وفي ب "وما زادوا".
4 أ، جـ, وفي ب "المفيدة".(2/846)
قوله:
وبعد جره الذي أُضيف له ... كمل بنصب أو برفع عمله
للمصدر المضاف خمسة أحوال:
الأول: أن يضاف إلى فاعله ويحذف مفعوله نحو: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ....} 1.
الثاني: أن يضاف إلى مفعوله ويحذف فاعله نحو: {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ ... } 2.
الثالث: أن يضاف إلى فاعله ثم يكمل عمله بنصب مفعوله نحو: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} 3.
الرابع: أن يضاف إلى مفعوله ثم يكمل عمله برفع فاعله نحو قوله عليه الصلاة والسلام: " ... وحج البيت من استطاع إليه سبيلا" 4.
وهو قليل، قيل: ولم يجئ في القرآن إلا ما روي عن ابن عامر أنه قرأ: "ذكر رحمةِ ربك عَبْدُهُ زَكَرِيَّاءُ"5 -برفع الدال والهمزة- وليس ذلك مخصوصا بالضرورة على الصحيح.
والأكثر في المصدر إذا أضيف إلى مفعوله أن يحذف فاعله.
__________
1 من الآية 114 من سورة التوبة.
2 من الآية 49 من سورة فصلت.
3 من الآية 251 من سورة البقرة.
4 "حج" مصدر مضاف إلى مفعول وهو "البيت", "من" اسم موصول فاعله، وقد عدل المصنف عن الاستدلال بالآية: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} ؛ لاحتمال كون "من" بدلا من الناس بدل بعض من كل، وقد حذف الرابط للعلم به -أي: من استطاع منهم- كما يحتمل أن تكون مبتدأ خبره محذوف -أي: فعليه أن يحج- وجعلها فاعلا للمصدر يفسد معه المعنى؛ لأن المعنى يكون حينئذ: ولله على الناس مستطيعهم وغير مستطيعهم أن يحج البيت المستطيع، فيلزم تأثيم جميع الناس بتخلف المستطيع، فتدبر. م 271/ 2 صبان.
5 من الآية 2 من سورة مريم.(2/847)
الخامس: أن يضاف إلى الظرف, فيرفع وينصب كالمنون نحو: "عجبت من انتظار يوم الجمعة زيدٌ عمرًا".
وقوله: "كمل" يعني: إن أردت؛ لأن "ذاك"1 غير لازم. وقوله:
وجُر ما يتبع ما جُر ومن ... راعى في الاتباع المحل فحسن
المضاف إليه المصدر، إن كان فعلا فمحله رفع، وإن كان مفعولا فهو في موضع نصب، إن قدر المصدر بأن وفعل الفاعل، وفي موضع رفع إن قدر المصدر بأن وفعل المفعول، خلافا لمن منع تقديره بفعل المفعول.
فلك في التابع الجر على اللفظ والرفع على المحل، إن كان فاعلا أو نائبه، والنصب على المحل إن كان مفعولا به, تقول: "عجبت من أكل الخبز واللحم" بالجر والرفع والنصب.
فالجر على اللفظ، والنصب على المحل؛ لأنه مفعول به، والرفع على تقدير: إن أُكل الخبز "واللحم"2.
"تنبيه":
ظاهر كلام المصنف جواز الإتباع على المحل في جميع التوابع، وهو مذهب الكوفيين، وطائفة من البصريين، وذهب سيبويه ومن وافقه من أهل البصرة إلى أنه لا يجوز الإتباع على المحل، وفصل أبو عمرو فأجاز في العطف والبدل ومنع في التوكيد والنعت، والظاهر الجواز لورود السماع، والتأويل خلاف الظاهر.
__________
1 ب, وفي أ، جـ "ذلك".
2 ب.(2/848)
إعمال اسم الفاعل:
اسم الفاعل: هو الصفة الدالة على فاعل جارية في التذكير والتأنيث على المضارع من أفعالها لمعناه, أو معنى الماضي.
فالصفة: جنس، والدالة على فاعل: مخرج لاسم المفعول وما بمعناه، وجارية في التذكير والتأنيث على المضارع من أفعالها: مخرج للجارية على الماضي نحو: "فرح"، وغير الجارية نحو: "كريم".
وقوله: في التذكير والتأنيث: مخرج لما كان من الصفات على أفعل نحو: "أهيف", فإنه لا يجري على المضارع إلا في التذكير، وقوله: لمعناه أو معنى الماضي: مخرج لنحو: "ضامر الكشح" من الصفة المشبهة وقوله:
كفعله اسم فاعل في العمل
يعني: إن كان فعله لازما فهو لازم، وإن كان فعله متعديا إلى واحد فأكثر فهو كذلك.
وقوله:
إن كان عن مضيه بمعزل
يعني: أن شرط عمل اسم الفاعل عمل فعله أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال، فإن كان بمعنى الماضي لم يعمل خلافا للكسائي، فإنه أجاز عمله مستدلا بقوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ....} 1 ورد بأنه حكاية حال، ووافقه على إجازة ذلك هشام وابن مضاء.
"تنبيه":
هذا الخلاف في عمل الماضي دون أل بالنسبة إلى المفعول به، فأما بالنسبة إلى الفاعل، فذهب بعضهم إلى أنه لا يرفع الظاهر, وبه قال ابن جني والشلوبين، وذهب قوم إلى أنه يرفعه، وهو ظاهر كلام سيبويه، واختاره ابن عصفور.
وأما المضمر: فحكى ابن عصفور الاتفاق على أنه يرفعه، وحكى غيره عن ابن طاهر وابن خروف أنه لا يرفعه، وهو بعيد.
__________
1 من الآية 18 من سورة الكهف.(2/849)
وقوله:
وولي استفهاما أو حرف ندا
يعني: أن اسم الفاعل لا يعمل حتى يعتمد على أحد الأشياء المذكورة، والاستفهام نحو قوله1:
أناوٍ رجالك قتل امرئ ... من العز في حبك اعتاض ذلا؟
وحرف النداء نحو: "يا طالعًا جبلًا" ولم يذكره في الكافية، ولا في التسهيل.
وقال الشارح: المسوّغ لإعمال "طالع" هنا اعتماده على موصوف محذوف تقديره: رجلا طالعا جبلا، وليس المسوغ الاعتماد على حرف النداء؛ لأنه ليس كالاستفهام والنفي في التقريب من الفعل.
والنفي: "ما ضارب الزيدان عمرا". ومثال كونه صفة: "جاءني رجل مكرم عمرا", "أو مسندا" يعني خبرا: "زيد مكرم عمرا", فالواقع صفة معتمد على الموصوف، والواقع خبرا معتمد على المخبر عنه.
فإن قلت: أهمل المصنف اعتماده على صاحب الحال نحو: "جاءني زيد ضاربا عمرا".
قلت: استغنى عن ذكره بذكر الصفة؛ لأنه صفة في المعنى.
__________
1 قائله. لم أقف على اسم قائله, وهو من المتقارب.
اللغة: "ناو" فاعل من نوى ينوي.
الإعراب: "أناو" الهمزة للاستفهام, "ناو" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين, "رجالك" فاعل ناو سد مسد الخبر وضمير المخاطب مضاف إليه, "قتل" مفعول به لناو, "امرئ" مضاف إليه, "من العز" جار ومجرور متعلق باعتاض الآتي, "في حبك" متعلق باعتاض أيضا والكاف مضاف إليه, "اعتاض" فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه, "ذلا" مفعول به لاعتاض.
الشاهد فيه: "أناوٍ رجالك", فإن قوله: "ناو" اسم فاعل وقد عمل عمل فعله, حيث اعتمد على حرف الاستفهام.
مواضعه: شذور الذهب ص403, والهمع 95/ 2.(2/850)
"تنبيهان":
الأول: اعتماد اسم الفاعل على ما ذكر شرط في صحة عمله عند جمهور البصريين، وذهبالأخفش والكوفيون إلى أنه لا يشترط.
والثاني: ذكر المصنف هنا لعمله شرطين:
الأول: أن يكون بمعزل عن المضي، والثاني: الاعتماد.
وزاد في التسهيل شرطين1:
أحدهما: أن يكون غير مصغر، خلافا للكسائي في إجازته إعماله مستدلا بقول بعضهم: "أظنني مرتحلا وسُوَيِّرا فرسخا" ولا حجة لأن فرسخا ظرف، والظرف يعمل فيه رائحة الفعل، قيل: والجواز مذهب الكوفيين إلا الفراء، وتابعهم أبو جعفر النحاس، وقال المتأخرون: إن لم يحفظ له مكبر جاز إعماله كقوله2:
.................... ... ترقرق في الأيدي كُمَيْتٍ عصيرُها
في رواية من جر كميت.
__________
1 التسهيل ص1360.
2 قائله هو مضرس بن ربعي, وهو من الطويل.
اللغة: "راح" هو الخمر ومن أسمائه المدام وله أسامٍ كثيرة, "ترقرق" من ترقرق الشيء إذا تلألأ ولمع, "كميت" من الكمتة وهي الحمرة الشديدة التي تضرب إلى السواد من شدة حمرتها.
الإعراب: "ما" نافية, "طعم" مبتدأ أو اسم ما إن جعلتها حجازية وهو مضاف, و"راح" مضاف إليه, "في الزجاج" متعلق بمحذوف صفة لراح, "مدامة" صفة ثالثة لراح, "ترقرق" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر، وجملة الفعل وفاعله في محل جر صفة ثالثة لراح, "في الأيدي" متعلق بترقرق, "كميت" -بالجر- صفة رابعة لراح, "عصيرها" فاعل بكميت، والضمير مضاف إليه، وخبر المبتدأ أو خبر ما في كلام بعد هذا البيت.
الشاهد فيه: "كميت عصيرها" حيث رفع "كميت" "عصيرها", فإن قوله: "كميت" وصف لم يستعمل إلا مصغرا، وقد عمل في قوله: "عصيرها" حيث رفعها.
مواضعه: ذكره السيوطي في الهمع 95/ 1.(2/851)
والآخر: ألا يكون موصوفا, خلافا للكسائي في إجازته إعماله مطلقا.
قال في شرح التسهيل: ووافق بعض أصحابنا الكسائي في إعمال الموصوف قبل الصفة؛ لأن ضعفه يحصل بعد ذكرها لا قبلها، ونقل غيره أن مذهب البصريين والفراء هذا التفصيل، وأن مذهب الكسائي وباقي الكوفيين إجازة ذلك مطلقا, والحاصل ثلاثة مذاهب.
وقوله:
وقد يكون نعت محذوف عُرف ... فيستحق العمل الذي وصف
يعني: أن اعتماد اسم الفاعل على موصوف محذوف مسوغ لعمله عمل فعله كاعتماده على موصوف مذكور، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ....} 1.
وقوله:
وإن يكن صلة أل ففي المضي ... وغيره إعماله قد ارتُضي
ما تقدم من اشتراط إرادة الحال والاستقبال إنما هو في المجرد من أل, وأما ما وقع صلة لها فهو صالح للعمل بمعنى الماضي والحال والاستقبال، قال الشارح: باتفاق، وفي شرح الكافية: وأما الملتبس بهما فلا خلاف في إعماله، وحكى الخلاف في التسهيل2.
والحاصل أربعة مذاهب:
الأول: "أنه"3 يعمل مطلقا لوقوعه موقعا يجب تأويله بالفعل، وهو المشهور.
والثاني: أن المنتصب بعده مشبه بالمفعول "به"4؛ لأن أل ليست موصولة بل حرف تعريف، ودخولها يبطل عمله كما يبطله التصغير والوصف؛ لأنه يبعد
__________
1 من الآية 28 من سورة فاطر.
2 التسهيل ص137.
3 ب، جـ.
4 ب.(2/852)
عن الفعل، وهذا مذهب الأخفش، وأصحاب الأخفش يقولون: إن قصد بأل العهد فالنصب على التشبيه، وإن قصد معنى الذي، فالنصب باسم الفاعل.
والثالث: أنه لا عمل له، والمنصوب بعده منصوب بفعل مضمر.
والرابع: أنه يعمل بمعنى المضي خاصة وهو مذهب الرماني.
وقوله:
فَعَّال أو مِفْعَال أو فَعُول ... في كثرة عن فاعل بديل
إذا قصد التكثير والمبالغة باسم الفاعل الثلاثي حول إلى فعال "كعقار"1 أو مفعال كمنحار، أو فعول كضروب, أو فعيل كعليم, أو فعل كحذر، وقد ذكرهما في البيت الآتي، فإن قلت: ما معنى قوله: "في كثرة"؟
قلت: يعني أن هذه المثل إنما يعدل عن فاعل إليها؛ للدلالة على الكثرة والمبالغة2.
فإن قلت: من أين يعلم من كلامه اختصاص ذلك بالثلاثي؟
قلت: من قوله: "عن فاعل", فإن اسم فاعل غير الثلاثي لا يكون على فاعل، وقد يبنى فعّال ومفعال وفعول وفعيل من أفعَل كقولهم: درَّاك, ومِهْوان، وزهوق، ونذير، من أدرك وأهان وأزهق وأنذر، وذلك قليل.
وقوله:
فيستحق ما له من عمل
يعني: هذه الأمثلة تستحق ما لاسم الفاعل من العمل بالشروط المذكورة, على التفصيل المتقدم.
وقوله:
وفي فعيل قل ذا وفعل
الإشارة إلى عمل اسم الفاعل, أي: قل في فعيل وفعل أن يعمل عمل اسم الفاعل، ومذهب سيبويه جواز إعمال هذه الأمثلة الخمسة، ومنع أكثر البصريين منهم المازني والمبرد إعمال فعيل وفعل.
وفصّل الجرمي فأجاز إعمال فَعِل؛ لأنه على وزن الفعل، ومنع إعمال
__________
1 أ، جـ, وفي ب "كغفار".
2 "أ".(2/853)
فعيل، ومنع الكوفيون إعمال الخمسة؛ لأنها لما جاءت للمبالغة زادت على الفعل، فلم تعمل عندهم لذلك.
والصحيح مذهب سيبويه ومن وافقه؛ لورود السماع بذلك نظما ونثرا. مثال فعّال قول من سمعه سيبويه: "أما العسل فأنا شرّاب".
وقول الشاعر1:
أخا الحرب لبَّاسًا إليها جِلَالها
ومثال مفعال قول بعض العرب: "إنه لمِنْحار بوائكَها" أي: سمانها.
وقول الشاعر2:
__________
1 قائله القُلاخ بن حزن بن جناب المنقري, وهو من الطويل.
وتمام البيت:
وليس بولاج الخوالف أعقلا
اللغة: "أخا الحرب" أي: مؤاخيها وملازمها, "إليها" إلى بمعنى اللام, "جلالها" -بكسر الجيم- جمع جل, والمراد ما يُلبَس من الدروع ونحوها, "ولاج" كثير الدخول, "الخوالف" جمع خالفة -وهو عماد البيت- وهو المراد, "أعقلا" الأعقل: الذي تصطك ركبتاه من الفزع.
المعنى: يمتدح الشاعر نفسه بالإقدام, ويقوله: إنه رجل حرب يلبس لها لباسا, ويقتحمها إذا شبت نيرانها، ولا يختبئ في البيوت أو الخيام فزعا.
الإعراب: "أخا" حال من ضمير مستتر في بيت قبله, "الحرب" مضاف إلى أخا, "لباسا" حال أخرى, "إليها" متعلق به, "جلالها" مفعول لباسا وها مضاف إليه, "وليس" فعل ماض ناقص واسمه ضمير مستتر فيه, "بولاج" الباء زائدة وولاج خبر ليس, "الخوالف" مضاف إليه, "أعقلا" خبر ثانٍ للبس.
الشاهد فيه: "لباسا.... جلالها", فإنه قد أعمل "لباسا" وهو صيغة مبالغة عمل الفعل، فنصب به المفعول وهو "جلالها", وقد اعتمد على وصف مذكور وهو "أخا الحرب".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 243/ 2, وابن هشام 16/ 3, وابن عقيل 86/ 2, وابن الناظم، وذكره سيبويه 57/ 1, وابن يعيش 70/ 6, والشذور ص407، والقطر ص279.
2 قائله كميت بن معروف الأسدي, وهو من البسيط.
اللغة: "شم" -بضم الشين وتشديد الميم- جمع أشم من الشمم, وهو ارتفاع قصبة الأنف. =(2/854)
شُمّ مهاوينُ أبدان الجَزُور مخا ... ميص العشيات لا خُور ولا قَزَم
فمهاوين جمع مِهْوان.
ومثال فعول قول بعضهم: "أنت غَيُوظ ما علمت أكباد الإبل" حكاه الكسائي, وقول الشاعر1:
ضَرُوبٌ بنصل السيف سُوق سمانها
ومثال فعيل قول بعضهم: "إن الله سَمِيع دعاء من دعاه" وقالوا: "هو حَفِيظ وعلمه وعلم غيره".
__________
= والمراد: أنهم سادات كبار, "مهاوين" جمع مهوان -بكسر الميم- وهو الضامر البطن، وأراد به الجائع, "العشيات" جمع عشي, "لا خور" -بضم الخاء وسكون الواو- جمع أخور وهو الضعيف, "قزم" بفتح القاف والزاي.
المعنى: وصف قوما بالعزة والكرم فيقول: هم شم الأنوف أعزة, ويهينون للأضياف والمساكين أبدان الجزور، ويؤخرون العشاء تربصا على ضيف يطرق، فبطونهم خميصة في عشياتهم لتأخيرهم الطعام.
الإعراب: "شم" خبر مبتدأ محذوف أي: هم شم, "مهاوين" -بالرفع- إما صفة وإما خبر بعد خبر, "أبدان" مفعول لمهاوين, "الجزور" مضاف إليه, "مخاميص" خبر بعد خبر, "العشيات" مضاف إليه, "لا خور" عطف على ما قبله من المرفوع, "ولا قزم" عطف عليه.
الشاهد فيه: "مهاوين أبدان الجزور", فإن "مهاوين" جمع اسم فاعل الذي للمبالغة, وقد عمل عمل فعله حيث نصب "أبدان الجزور".
مواضعه: ذكره سيبويه 59/ 1، وابن يعيش 74/ 6, والهمع 97/ 2.
1 قائله أبو طالب بن عبد المطلب، واسمه عبد مناف بن عبد المطلب -عم النبي صلى الله عليه وسلم- من قصيدة يرثي فيها أبا أمية بن المغيرة, زوج أخته عاتكة بنت عبد المطلب.
تمامه:
إذا عدموا زادا فإنك عاقر
وهو من الطويل.
اللغة: "ضروب" على وزن فعول مبالغة لضارب, "نصل السيف" حده وشفرته, "سوق" -بضم السين- جمع ساق, "سمان" جمع سمينة وهي الممتلئة الجسم, "عاقر" اسم فاعل من العقر، وهو الذبح.
المعنى: يصف الشاعر أبا أمية بالكرم وقت العسرة ويقول: إنه كان جوادا واسع الكرم، =(2/855)
وقول الشاعر1:
فتاتان أما منهما فشبيهة ... هلالا، وأخرى منهما تشبه البدرا
__________
= يعقر الإبل السمان للضيفان إذا أعسر الناس، ولم يجدوا زادا.
الإعراب: "ضروب" خبر لمبتدأ محذوف أي: أنت ضروب, "بنصل" متعلق بضروب, "السيف" مضاف إليه، وفي ضروب ضمير مستتر فاعله, "سوق" مفعول به لضروب, "سمانها" مضاف إليه, "إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان, "عدموا" فعل وفاعل, "زادا" مفعول به، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله في محل جر بإضافة إذا إليها, "فإنك" الفاء واقعة في جواب إذا وإن حرف توكيد ونصب وضمير المخاطب اسم إن, "عاقر" خبر إن, وجملة إن واسمها وخبرها لا محل لها جواب إذا.
الشاهد فيه: "ضروب.... سوق", فإن "ضروب" صيغة مبالغة للضارب وقد عَمِل عَمَل فعله حيث نصب "سوق"، وقد اعتمد على مخبر عنه محذوف، أي: أنت ضروب.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 342/ 2، وابن هشام 17/ 3, والسيوطي ص82, والمكودي ص96، وذكره سيبويه 57/ 1, والمفصل 70/ 6, والشذور ص408, والقطر ص280, والشاهد 602 في الخزانة.
1 قائله عبيد الله بن قيس الرقيات, وهو من الطويل.
اللغة: "فتاتان" تثنية فتاة, وهي الجارية الحديثة السن, "هلالا" الهلال: القمر لليلتين أو ثلاث من أول الشهر, "البدر" القمر عند تمامه وكماله.
المعني: أن هاتين الفتاتين جميلتان، غير أن إحداهما تشبه الهلال في نحافتها, والأخرى تشبه البدر في سِمَنها وإشراقها.
الإعراب: "فتاتان" خبر لمبتدأ محذوف، أي: هما فتاتان, "أما" حرف شرط وتفصيل, "منهما" خبر لمبتدأ محذوف, "فشبيهة" الفاء زائدة وشبيهة خبر لمبتدأ محذوف أيضا والتقدير: أما فتاة منهما فهي شبيهة، وفي شبيهة ضمير مستتر هو الفاعل, "هلالا" مفعول به لشبيهة, وهو من أشبه وذلك من النادر, "أخرى" صفة لمبتدأ محذوف, أي: وفتاة أخرى, "منهما" صفة أخرى, "تشبه البدرا" الجملة خبر المبتدأ.
الشاهد فيه: "شبيهة هلالا" حيث أعمل صيغة المبالغة وهي "شبيهة" عمل الفعل, فنصب بها المفعول "هلالا", وقد اعتمدت على مخبر عنه محذوف أي: فهي شبيهة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم, وابن هشام 17/ 3, والأشموني 343/ 2.(2/856)
ومثال فَعِل قول الشاعر1:
حَذِرٌ أمورًا لا تضير وآمن ... ما ليس منجيَه من الأقدار
أنشده سيبويه، والقدح فيه من وضع الحاسدين.
ومن إعمال فعل قول زيد الخيل2:
__________
1 قائله هو أبو يحيى اللاحقي, وهو من الكامل.
اللغة: "حذر" -بفتح الحاء وكسر الزاي- خائف, "لا تضير" من ضار يضير يعني: ضر يضر, "منجيه" اسم فاعل من أنجى إنجاء, "الأقدار" جمع قدر.
المعنى: يقول: إن هذا الشخص يكثر الحذر والخوف من أمور ليس فيها ضر، ويأمن ما لا ينجيه من قضاء الله وقدره.
الإعراب: "حذر" خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو حذر، وفيه ضمير مستتر فاعل, "أمورا" مفعول لحذر, "لا" نافية, "تضير" فعل مضارع، وفيه ضمير مستتر والجملة في محل نصب صفة لأمور, "وآمن" معطوف على حذر، وفيه ضمير مستتر فاعل, "ما" اسم موصول مفعول لآمن, "ليس" فعل ماض ناقص واسمه ضمير مستتر, "منجيه" خبر ليس, والهاء مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله, "من الأقدار" متعلق بمنجيه، وجملة ليس واسمها وخبرها لا محل لها صلة الموصول.
الشاهد فيه: "حذر أمورا" حيث أعمل "حذر" وهو من صيغ المبالغة عمل الفعل, فنصب المفعول وهو "أمورا".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 342/ 2, وابن عقيل 88/ 2, والمكودي ص96, وابن الناظم، وذكره سيبويه 58/ 1, وابن يعيش 71/ 6, والشاهد 605 في خزانة الأدب.
2 قائله هو زيد الخيل الذي سماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيد الخير، وكان يلقب بالخيل؛ لكثرة خيوله, وهو من الوافر.
وتمامه:
جحاش الكرملين لها فديد
اللغة: "مزقون" جمع مزق -بفتح الميم وكسر الزاي- وهو مبالغة مازق من المزق، وهو شق الثياب ونحوها, "عرضي" -بكسر العين- وعرض الرجل: جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه, "جحاش" -بكسر الجيم- جمع جحش وهو ولد الحمار, "الكرملين" -بكسر الكاف- اسم ماء في جبل طيئ, "فديد" -بالفاء- الصوت. =(2/857)
أتاني أنهم مَزِقُون عِرْضي
فأعمل مزقون عرضي وهو جمع مزق محول؛ للمبالغة من مازق.
قوله:
وما سوى المفرد مثله جُعِل ... في الحكم والشروط حيثما عَمِل
ما سوى المفرد هو المثنى والمجموع فحكمهما حكم المفرد في العمل بالشروط المذكورة، فضاربان وضاربون مثل ضارب، وذلك واضح فيما ذكر، وضروبان وضروبون مثل ضروب فيما ذكر, وذلك قوله:
وانصب بذي الإعمال تِلْوا واخفض
احترز "بذي الإعمال" عن المراد به المضي، فإنه يضاف وجوبا كإضافة الجوامد.
وفهم من تقديمه النصب أنه أولى، وهو ظاهر كلام سيبويه، وقال الكسائي:
__________
= المعنى: بلغني أن هؤلاء القوم يتطاولون عليَّ وينالون عرضي بالقدح والذم، ولست أعبأ بهؤلاء، فهم عندي كالجحوش التي تَرِد هذا الماء وتتزاحم عليه، وهي تنهق وتصيح وتحدث جلبة.
الإعراب: "أتاني" فعل ماض والنون للوقاية والياء مفعول, "أنهم" حرف توكيد ونصب والضمير اسمه, "مزقون" خبر أن، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل أتى, "عرضي" مفعول لمزقون, "جحاش" خبر لمبتدأ محذوف أي: هم جحاش, "الكرملين" مضاف إليه, "لها" متعلق بمحذوف خبر مقدم, "فديد" مبتدأ مؤخر, والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال من جحاش.
الشاهد فيه: "مزقون عرضي", أعمل "مزقون" وهو جمع مزق -بفتح الميم وكسر الزاي- الذي هو صيغة مبالغة بمعنى ممزق في قوله: "عرضي" عمل فعله.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 342 / 2، وابن هشام 18/ 3, وابن عقيل 88/ 2, وابن الناظم، وذكره السيوطي في الهمع 77/ 2.(2/858)
هما سواء، قيل: والذي يظهر أن الإضافة أولى بالوجهين قرئ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ....} 1.
ويعني بقوله: "تلو" المفعول الذي يليه، فلو فصل تعين نصبه نحو: { ... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ... } 2 وقد أضيف مع الفصل في قراءة من قرأ: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ... } 3 وقد تقدم في الإضافة.
تنبيه:
ما ذكره من جواز الوجهين إنما هو في الظاهر، وأما المضمر المتصل فيضاف إليه اسم الفاعل المجرد وجوبا نحو: "هذا مكرمك", وذهب الأخفش وهشام إلى أنه في محل النصب كالهاء من واقيكه4.
وقد فهم من قوله: "تلوا" أنه إنما يجوز الوجهان في المفعول الذي يليه، فلو فصل زيدا تعين نصبه به؛ ولذلك قال:
وهو لنصب ما سواه مقتضي
مثال ذلك: "زيد معطي عمرو درهما ومعلمُ خالدٍ عمرا فاضلا".
"تنبيه":
إذا أضيف اسم الفاعل بمعنى المضي، واقتضى مفعولا آخر نحو: "معطي زيدٍ درهما أمس" نصب بفعل مضمر عند الجمهور، وأجاز السيرافي نصبه باسم الفاعل، وإن كان بمعنى الماضي؛ لأنه اكتسب بالإضافة شبها بمصحوب أل.
وقوله:
واجرر أو انصب تابع الذي انخفض ... كمبتغي جاهٍ ومالُا من نهض
__________
1 من الآية 3 من سورة الطلاق. كلهم قرأ: بالغٌ أمرَهُ منونا, وعاصم: بالغُ أمرِهِ.
2 من الآية 30 من سورة البقرة.
3 من الآية 47 من سورة إبراهيم.
4 ب، جـ, وفي أ "في محل النصب، فلو فصل الضمير لم يكن إلا في محل نصب كالهاء من واقيكه".(2/859)
فالجر على اللفظ والنصب على المحل، ومن منع إتباع المحل في نحو ذلك أضمر فعلا، وهو قول سيبويه.
فإن قلت: قوله: "الذي انخفض" لا يصح على إطلاقه؛ لأن المخفوض بإضافة الذي بمعنى الماضي لا يصح في تابعه اعتبار المحل، إذ لا محل له، بل إن نصب تابعه بفعل مقدر.
قلت: إنما كلامه في المخفوض بإضافة ذي الإعمال لقوله: "وانصب بذي الإعمال" وهذا البيت من تتمة الكلام عليه.
وقوله:
وكل ما قُرِّر لاسم فاعل ... يعطى اسم مفعول بلا تفاضل
أي: فيعمل إن كان صلة لأل مطلقا، وإن كان مجردا فبشرط إرادة الحال أو الاستقبال والاعتماد على ما تقدم ذكره, وقوله:
فهو كفعل صيغ للمفعول في ... معناه...........
يعني: أن اسم المفعول يعمل عمل فعل مصوغ للمفعول موافق له في المعنى نحو "مضروب", فإنه يعمل عمل ضرب، فيرفع نائب الفاعل فتقول: "زيدٌ مضروبٌ أبوهُ"1 كما تقول: "ضُرب أبوه".
فإن كان من متعدٍّ إلى اثنين أو ثلاثة, رفع واحدا ونصب ما سواه.
وقد مثل المتعدي لاثنين بقوله:
كالمعطى كفافا يكتفي
فأل موصولة ومعطى صلتها، وهي مبتدأ ويكتفي خبره، وأول مفعولي المعطى ضمير أل وثانيهما كفافا، واستتر الأول؛ لنيابته عن الفاعل.
وقوله:
وقد يضاف ذا إلى مرتفع
معنى.......
__________
1 فزيد: مبتدأ، ومضروب: خبره، وأبوه رفع بالنيابة.(2/860)
يعني: أن اسم المفعول انفرد عن اسم الفاعل بأنه تصح إضافته إلى مرفوعه في المعنى؛ فتقول: "هذا مضروب العبد" بالرفع نيابة عن الفاعل، وبالجر لأنك "أسندت"1 المفعول إلى ضمير المبتدأ، وبالنصب أيضا على التشبيه بالمفعول به، وقد مثل بقوله:
كمحمود المقاصد الورع
أي: الورع محمود المقاصد, اسم المفعول من المتعدي إلى واحد يلحق بالصفة المشبهة في رفع السببي ونصبه وجره كما مثل.
__________
1 أ، جـ, وفي ب "اسم".(2/861)
أبنية المصادر:
اعلم أن الفعل الثلاثي مجرد، وزائد على الثلاثة.
فالثلاثي المجرد له ثلاثة أبنية: فَعَل وهو متعد نحو ضَرَبَ، ولازم نحو قَعَدَ، وفَعِل وهو متعد نحو فَهِم ولازم نحو فَرِح، وفَعُل وهو لازم أبدا إلا بتضمين أو تحويل نحو سَهُل.
وأبنية مصادر الثلاثي كثيرة، واقتصر هنا على الغالب, فقال:
فَعْل قياس مصدر المعدى ... من ذي ثلاثة كرد ردا
شمل "قوله"1: "المعدى من ذي ثلاثة" فعَل وفعِل, فقياس مصدرهما فعل -بفتح الفاء وإسكان العين- نحو: ضرَب ضرْبا وفهم فهما، وظاهره أنه مقيس فيهما بلا قيد، وقيد الفعل -المكسور العين- في التسهيل بأن يُفْهِم عملا بالفم نحو: شَرِب شَرْبا, ولقم لقما2.
ولم يقيده سيبويه أو الأخفش, بل أطلقا.
"تنبيه":
اختلف في معنى القياس هنا، فقيل: إنما يقاس على فعل فيما ذكر عند عدم سماع غيره، فإن سمع غيره وقف عنده، وهو مذهب سيبويه والأخفش، وقيل: يجوز القياس مع ورود السماع بغيره وهو ظاهر قول الفراء.
ثم قال:
وفَعِل اللازم بابه فَعَل
يعني: قياس مصدر فعل اللازم فعل -بفتح الفاء وكسر العين- لا فرق في ذلك بين الصحيح نحو فرح فرحا، والمعتل نحو: جوي جوى، والمضعف نحو: شل شللا، فإن أصله شلل بكسر اللام.
__________
1 ب، جـ.
2 التسهيل ص205.(2/862)
تنبيه:
أطلق الناظم في فعل اللازم، وينبغي أن يقيد بألا يكون لونا؛ لأن فُعلة هو الغالب فيه كالشُّهلة والسمرة.
ثم قال:
وفَعَلَ اللازم مثل قعدا ... له فُعُول باطراد كغدا
تقول: غدا غُدوا ومثله: قعد قعودا وجلس جلوسا، واطراد فعول في فعل اللازم مشروط بألا يكون مستوجبا لأحد الأوزان المذكورة في قوله:
ما لم يكن مستوجبا فِعَالا ... أو فَعَلانا فادر أو فُعَالا
فهذه ثلاثة أوزان، وسنذكر رابعا متى استوجب فعل اللازم واحدا منها لم يأت مصدره على فعول إلا نادرا.
ثم قال:
فأول لذي امتناع كأبى
الأول فعال -بكسر الفاء- وهو مقيس فيما دل على امتناع نحو: أبى إباء, ونفر نفارا.
................ ... والثان للذي اقتضى تقلبا
والثاني هو فعلان -بتحريك العين- وهو مقيس فيما دل على تقلب نحو: جال جولانا, ولمع لمعانا.
وقوله:
للدا فُعَال أو لصوت
يعني: أن فعالا -بضم الفاء- وهو الثالث لنوعين:
أحدهما: ما دل على داء نحو: زَكم زُكاما وسعل سعالا.
والآخر: ما دل على صوت نحو: نَعق نُعاقا ونبح نباحا.
وذكر ابن عصفور أنه مقيس فيهما.
وقوله:
........... وشمل ... سيرا وصوتا الفعيل كصهل(2/863)
يعني: أن فعيلا، وهو الوزن الرابع، لنوعين أيضا:
أحدهما: ما دل على سير نحو: ذَمَل ذميلا ورَحَل رحيلا.
والآخر: ما دل على صوت نحو: صَهَل صهيلا ونَهَق نهيقا.
وذكر ابن عصفور أنه يطرد في الأصوات.
والحاصل أن فعل اللازم يطرد في مصدره فعول إلا إذا دل على هذه المعاني الخمسة "وهي"1 الامتناع والتقلب والداء والصوت والسير، فالغالب في الامتناع فِعال، وفي التقلب فَعَلان، وفي الداء فُعال، وفي الصوت فُعال أو فَعِيل، وقد يجتمعان نحو: نَعَقَ نُعاقا ونَعِيقا، وقد تنفرد فُعال نحو: بَغَم بُغَاما، وقد تنفرد فعيل نحو صهل صهيلا، واطرد انفراد فُعال "في الفعل اللازم"2 نحو: رغاء وفي السير فعيل.
تنبيه:
يستثنى أيضا من فعل اللازم ما دل على حرفة وشبهها، فإن الغالب في مصدره فِعَالة نحو: تجر تجارة، وأمر إمارة.
وذكر ابن عصفور أنه مقيس في الولايات والصنائع.
وقوله:
فُعُولة فَعَالة لفعُلا ... كسَهُل الأمر وزيد جَزُلا
فعولة وفعالة مطردان في مصدر فعل نحو: سهل سهولة, وجزل جزالة.
وقال بعضهم: فعولة غير مقيس.
وقوله:
وما أتى مخالفا لما مضى ... فبابه النقل كسُخْط ورضا
فسخط مصدر سخط وقياسه سخط -بالفتح والتحريك- ورضا مصدر رضي وقياسه رضى بالفتح.
__________
1 ب، جـ.
2 أ.(2/864)
وكلامه مقيد في فعالة بالحرف, وشبهها كما تقدم.
ولما فرغ من بيان مصادر الثلاثي, شرع في بيان ما زاد عليه فقال:
وغير ذي ثلاثة مقيس ... مصدره.........
أي: كل فعل زاد على ثلاثة, فله مصدر مقيس لا يتوقف في استعماله على سماع.
وقوله: كقدس التقديس.
يعني: أن ما كان على فُعِّل صحيح اللام فمصدره تفعيل نحو: قدس تقديسا, كلم تكليما.
وقوله: وزكه تزكية, يعني: أن ما كان فعّل معتل اللام فمصدره تفعلة نحو: زكى تزكية وغطى تغطية.
وقوله:
............. وأجملا ... إجمال من تجمُّلا تَجَملا
يعني: أن مصدر أفعل الصحيح إفعال، نحو: أجمل إجمالا وأكرم إكراما، ومصدر تفعَّل تفعُّلا نحو تجمل تجملا.
واستعذ استعاذة
أصل استعاذ، استعوذ على وزن استفعل. قياس مصدره استعواذ، فأعلت الواو، فنقلت حركتها وقلبت ألفا، فاجتمع ألفان فحذفت إحداهما وهي الزائدة عند الخليل وسيبويه، وبدل العين عند الأخفش والفراء, فصار استعاذ ثم أتي بالتاء عوضا عن المحذوف.
وقوله:
........ ثم أقم ... إقامة.......
أصل أقم أقوِم كأكرم, فقياس مصدره إقوام، فلما اعتلت الواو بالنقل والقلب اجتمع ألفان، فحذف أحدهما على الخلاف المتقدم, فصار إقاما, ثم أتي بالتاء عوضا عن المحذوف.(2/865)
وقوله: وغالبا ذا التا لزم
أشار إلى أن التاء قد تحذف, كقول بعضهم: أراه إراء1, واستقام استقاما.
قال ابن عصفور: ولا يجوز حذفها إلا حيث ورد، وظاهر كلام سيبويه جوازه، قال: وإن شئت لم تعوض.
وقال الفراء: لا يجوز إلا إذا كانت الإضافة عوضا من التاء نحو: "وإقام الصلاة".
وقوله:
وما يلي الآخر مُدَّ وافتحا ... مع كسر تلو الثان مما افتُتحا
بهمز وصل كاصطفى...... ... ...................
يعني: أن صوغ المصدر من كل فعل مبدوء بهمزة وصل يكون بكسر ثالثه, وهو تلو الثاني وزيادة ألف قبل آخره نحو: اصطفى اصطفاء.
فإن قلت: لا يفهم من قوله: "مد" أن المدة ألف.
قلت: فهم ذلك من قوله: "وافتحا".
وينبغي أن يقيد كلامه بألا يكون أصله تفاعل ولا تفعل نحو: اطّاير واطّير أصلهما: تطاير تطيّر، فإن مصدرهما لا يكسر ثالثه ولا يزاد ألف قبل آخره.
وقوله:
..... وضم ما ... يربع في أمثال قد تلملما
يعني: أن مصدر تفعلَل تفعلُل -بضم رابعه- نحو: تلملَم تلملُما وتدحرج تدحرجا.
وقوله:
فعلال أو فعللة لفعللا ... .....................
يعني: أن مصدر فعلل نحو: دحرج وما ألحق به نحو: جلبب وحوقل وبيطر يأتي على فعلال نحو دحراج, وعلى فَعلَلة نحو دحرجة، والمقيس منهما فعللة، ولذلك قال:
__________
1 أقول: وليس هذا من الأجوف.(2/866)
واجعل مقيسا ثانيا لا أولا
وكلاهما عند بعضهم مقيس، وهو ظاهر التسهيل، وكثر فعلال في المضاعف نحو الزلزال، وفتح أول الزلزال ونحوه من المضاعف جائز.
قوله:
لفاعل الفِعَال والمفاعله
يعني: أن فاعل له مصدران: فِعال نحو خاصم خِصاما، ومفاعلة نحو: مخاصمة، واللازم له عند سيبويه المفاعلة، وقد يتركون الفعال ولا يتركون المفاعلة، وانفراد مفاعلة بما فاؤه ياء نحو: ياسر مياسرة، وندر الفعال في قولهم: ياومه مياومة، حكاه ابن سيده.
وقوله:
وغير ما مر السماع عادله
أي: كان له عديلا، فلا يقدم عليه إلا بسماع، من ذلك مجيء المصدر المعتل اللام على تفعيل ونحو1:
__________
1 قائله: لم أقف على اسم راجزه, وهو من الرجز.
اللغة: "وهي" يروى "باتت" "تنزي" تحرك وهو رفع الشيء إلى فوق, "شهلة" -بفتح الشين وسكون الهاء- العجوز الكبيرة.
المعنى: يصف امرأة بالضعف، ويقول: إن هذه المرأة باتت تحرك دلوها بيدها حتى تخرجه من البئر برفق ولين، كما تحرك العجوز الصبي حين ترقصه برفق ولين.
وخص الشهلة؛ لأنها أضعف من الشابة.
الإعراب: "باتت" فعل ماض ناقص والتاء للتأنيث، واسمه ضمير مستتر فيه, "تنزي" فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر, "دلوها" مفعول وها مضاف إليه، والجملة في محل نصب خبر بات. وإن قدرته فعلا تاما، فالجملة في محل نصب حال من فاعله المستتر فيه, "تنزيا" مفعول مطلق, "كما" الكاف جارة وما مصدرية, "تنزي" فعل مضارع, "شهلة" فاعل, "صبيا" مفعول وما المصدرية ومدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور متعلق بقوله: تنزيا، أو بمحذوف صفة له، أي: تنزيه مشابهة تنزية العجوز صبيا.
الشاهد فيه: "تنزيا" -التفعيل- حيث جاء مصدرا للفعل "تنزي" المعتل اللام، والقياس "تنزية" بالياء المخففة قبل تاء التأنيث كما تقول: سمى تسمية وزكى تزكية، على وزن تفعلة. =(2/867)
وهي تنزي دلوها تنزيا
ومجيء مصدر فعل الصحيح اللام على تفعلة نحو: تكرمة وتجربة، وغلب فيما لامه همزة نحو: خطأ تخطئة وهنأ تهنئة, وقد جاء مصدر فعل على فعال نحو: كلم كلاما.
وقوله:
وفَعْلة لمرة كجلسه ... وفِعْلة لهيئة كجلسه
يعني: أنه يدل على المرة في مصدر الثلاثي المجرد بإتيانه على فعلة -بفتح الفاء- وعلى الهيئة بفعلة -بكسر الفاء- وهو مقيد بألا يكون المصدر على فَعلة نحو: رحمة, أو فِعلة نحو: ذِرْبة1, فلا يدل حينئذ على المرة أو الهيئة إلا بقرينة حالية أو وصف.
وقوله:
في غير ذي الثلاث بالتا المرة
يعني: أنه يدل على المرة في مصدر غير الثلاثي زيادة التاء نحو: انطلق انطلاقة.
تنبيهان:
الأول: إنما تلحق التاء للدلالة على المرة في الأبنية المقيسة.
والثاني: إن ذلك مقيد بأن يكون المصدر مجردا من التاء، فإن بني على التاء دل على المرة فيه بالقرينة لا بالتاء كما سبق في الثلاثي.
وقوله:
وشذ فيه هيئة كالخمره
أي: شذ في غير الثلاثي صوغ فعلة للدلالة على الهيئة كقولهم: "هو حَسن العِمّة والقُمصة" و"هي حسنة الخمرة والنِّقبة" من تعمم وتقمص, واختمرت وانتقبت.
__________
1 الذربة: هي الحدة في الشيء, يقال: رجل ذرب, أي: حاد.(2/868)
أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهات:
تقدم حد اسم الفاعل, ويأتي حد الصفة المشبهة:
كفاعل صغ اسم فاعل ذا ... من ذي ثلاثة يكون كغذا
شمل قوله: "من ذي ثلاثة" فَعَل المتعدي نحو ضرب فهو ضارب, واللازم نحو ذهب فهو ذاهب، وفَعِل المتعدي نحو علم فهو عالم, واللازم نحو سلم فهو سالم، وفَعُل نحو فَرُه فهو فاره، وليس نسبته إليها على السواء؛ فلهذا قال:
وهو قليل في فعلت وفَعِل ... غير معدى........
"يعني: أن فاعلا قليل في فَعُل -المضموم العين- وفَعِل -المكسور العين- غير المعدى"1, ففهم منه أنه كثير مقيس في فعل مطلقا، وفي فعل المتعدي.
وقوله:
بل قياسه فَعِل ... وأَفْعَل فعلان
يعني: أن قياس فعل اللازم أن يكون اسم فعله على أحد الأوزان الثلاثة، ففعِل للأعراض نحو أشر وفرح، وأفعل للألوان والخِلَق نحو أخضر وأجهر -وهو الذي لا يبصر في الشمس- وفَعْلان للامتلاء وحرارة البطن نحو ريان وصديان، وقد نبه على ذلك بالتمثيل.
وقوله:
وفعل أولى وفعيل بفَعُل
يعني: أن هذين الوزنين أولى به من غيره نحو "ضخُم فهو ضَخْم وجَمُل فهو جميل"2, فإن قلت: فهل ينقاس عليهما؟
__________
1 ب، جـ.
2 أ، ب, وفي جـ "ضخم وجمل في جميل وضخم".(2/869)
قلت: أما فعيل فمقيس، وقال في شرح التسهيل: ومن استعمل القياس فيهما لعدم السماع, فهو مصيب.
وقول الشارح: الذي كثر في "استعمال"1 اسم الفاعل حتى كاد "يطرد"2 أن يجيء على فعل أو فعيل, يخالف قوله:
وأفعل فيه قليل وفَعَل
الضمير لفَعْل. مثال أفعل: أحرش3 المكان فهو أحرش، ومثال فعل: بطل فهو بطل، ولا يقاس عليهما لقلتهما.
وبسوى الفاعل قد يغنى فَعَل
أي: قد يستغني فعل -المفتوح العين- بمجيء اسم فاعله على غير فاعل نحو طاب فهو طيب, وشاخ فهو شيخ, وشاب فهو أشيب, وعف فهو عفيف، ولم يأتوا فيه بفاعل.
فإن قلت: كيف يطلق على هذه الأوزان اسم فاعل، وإنما هي من الصفة المشبهة؟
قلت: يطلق اسم الفاعل في اللغة كثيرا, وفي الاصطلاح قليلا على كل وصف مشارك للفعل في مادة حروف الاشتقاق وتحمل ضمير الفاعل، وفي مشهور الاصطلاح على ما تقدم وحده في بابه.
وقوله:
وزنة المضارع اسم فاعل ... من غير ذي الثلاث كالمواصل
مع كسر متلو الأخير مطلقا ... وضم ميم زائد قد سبقا
__________
1 ب.
2 ب، جـ.
3 أحرش: خشن.(2/870)
بيّن بهذين البيتين كيفية بناء اسم الفاعل من كل فعل زائد على ثلاثة أحرف, وهو واضح.
وقوله: "وزنة" هو خبر مقدم لقوله: "اسم فاعل", والتقدير: واسم الفاعل من غير ذي الثلاث زنة المضارع، وفهم من قوله: "مطلقا" أنه إذا كان مكسورا قدر كسره, فتكون الحركة غير الحركة.
وقوله:
وإن فتحت منه ما كان انكسر ... صار اسم مفعول كمثل المنتظر
فلا فرق بين اسم الفاعل, واسم المفعول فيما زاد على ثلاثة إلا بكسر ما قبل الأخير, وفتحه.
وقوله:
وفي اسم مفعول الثلاثي اطرد ... زنة مفعول كآت من قصد
أي: كالمصوغ من قصد، فتقول: مقصود.
وإذا كان الثلاثي لازما قيد مفعوله بالحرف الذي يتعدى به نحو: "ممرور به" ويعني بالثلاثي المتصرف.
وقوله:
وناب نقلا عنه ذو فَعِيل ... نحو فتاة أو فتى كحيل
أي: ناب ذو فعيل, يعني: صاحب هذا الوزن عن مفعول نقلا لا قياسا نحو: كحيل بمعنى مكحول، وقتيل وطريح وهو كثير.
قال الشارح: وعلى كثرته لم يقس عليه بإجماع، وفي التسهيل: وليس مقيسا خلافا لبعضهم فنص على الخلاف1, وقال في شرحه: وجعله بعضهم مقيسا فيما ليس له فعيل بمعنى فاعل، فقيد في الشرح وأطلق في الأصل.
فإن قلت: فهل يعمل فعيل النائب عن مفعول عمل اسم المفعول؟
قلت: ذكر في التسهيل "أنه ينوب"2 في الدلالة لا العمل3, فعلى هذا لا
__________
1 التسهيل ص138.
2 ب.
3 التسهيل ص138.(2/871)
يقال: "مررت برجل كحيل عينه ولا قتيل أبوه" وقد أجازه ابن عصفور ويحتاج إلى سماع.
فإن قلت: لِمَ قال: نحو فتاة أو فتى، فمثل بالمؤنث والمذكر؟
قلت: لينبه على أن "فعيل" بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.(2/872)
الصفة المشبهة باسم الفاعل:
صفة استحسن جر فاعل ... معنى بها المشبهة اسم الفاعل
تتميز الصفة المشبهة عن اسم الفاعل باستحسان جر فاعلها بإضافتها إليه.
نحو "حسن الوجه" وذلك خلاف اسم الفاعل، فإنه "لا يصلح لذلك"1.
فإن قلت: يشعر قوله: "استحسن" بأن اسم الفاعل قد يضاف إلى فاعله، ولكنه ليس بمستحسن.
قلت: قال الشارح: إن ذلك "لا يسوغ"2 في اسم الفاعل إلا إن أمن اللبس، فقد "يجوز"3 على ضعف وقلة في الكلام نحو: "كاتب الأب" تريد: كاتب أبوه، انتهى. وليس على إطلاقه بل نقول: إذا قصد ثبوت اسم الفاعل، فإن كان من غير متعد عُومل معاملة الصفة المشبهة.
"وساغت"4 إضافته إلى ما هو فاعل في المعنى، فتقول: "زيد قائم الأب" -بالرفع والنصب والجر- على حد الحسن الوجه.
وإن كان من متعد بحرف جر فكذلك عند الأخفش، وصححه ابن عصفور بدليل قولهم: "هو حديث عهد بوجع" ونقل المنع عن الجمهور.
وإن كان من متعد إلى واحد فكذلك عند المصنف بشرط أمن اللبس وفاقا للفارسي، وذهب كثير إلى منعه، وفصّل قوم فقالوا: إن حذف مفعوله اقتصارا جاز وإلا فلا، وهو اختيار ابن عصفور وابن أبي الربيع والسماع يوافقه كقوله5:
__________
1 ب، جـ, وفي أ "لا يصح كذلك".
2 أ، جـ, وفي ب "لا يصوغ".
3 أ، ب, وفي جـ "يحق".
4 أ، ب, وفي جـ "وصاغت".
5 قائله. لم أقف على اسم قائله, وهو من البسيط.(2/873)
ما الراحم القلب ظلاما وإن ظُلما
وإن كان "متعديا"1 إلى أكثر من واحد لم يجز جعله كالصفة، قال بعضهم بغير خلاف.
فإن قلت: لِمَ قال: فاعل معنى؟
قلت: لأنه لا تضاف الصفة إليه إلا بعد إسنادها إلى ضمير الموصوف, فلم يبق فاعلا إلا من جهة المعنى.
__________
= وتمامه:
ولا الكريم بمناع وإن حرما
اللغة: "ظلاما" على وزن فعال -بتشديد العين- مبالغة ظالم, "مناع" كذلك مبالغة مانع، ولكن المعنى هنا ليس بذي ظلم، وليس المراد به المبالغة, "ظلما" على صيغة المبني للمجهول, "حرما" على صيغة المبني للمجهول.
المعنى: أن من اتصف بالرحمة واستشعر قلبه الرأفة بالناس, لا يقسو عليهم وإن قسوا عليه، ولا يسيئهم وإن أساءوا إليه، وأن من اتصف بالكرم وامتلأت نفسه بمحبة البذل لا يمنع عن أحد رفده، وإن كان الناس لا يعاملونه هذه المعاملة.
الإعراب: "ما" نافية حجازية, "الراحم" اسم ما مرفوع بالضمة, "القلب" مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى فاعله, "ظلاما" خبر ما الحجازية منصوب بالفتحة الظاهرة, "وإن" الواو عاطفة على محذوف، وإن شرطية, "ظلما" فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط مبني على الفتح في محل جزم والألف للإطلاق، ونائبه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود على الراحم القلب، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام, "ولا" الواو عاطفة ولا زائدة لتأكيد النفي, "الكريم" معطوف على اسم ما, "بمناع" معطوف على خبر ما, "وإن" الواو عاطفة، وإن شرطية, "حرما" فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط ونائبه ضمير مستتر، والألف للإطلاق، وجواب الشرط محذوف.
الشاهد فيه: "ما الراحم القلب", فإن الراحم اسم فاعل أضيف إلى فاعله "القلب", وإضافة اسم الفاعل إلى فاعله لا تجوز إلا إذا أمن اللبس وفاقا للفارسي.
وقال جماعة: إن حذف مفعوله اقتصارا جاز وإلا فلا, وفي البيت حذف مفعوله اقتصارا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 346 / 2, وذكره السيوطي في الهمع 101/ 10.
1 أ، جـ.(2/874)
وقوله: "المشبهة اسم فاعل" يجوز أن يكون مبتدأ وصفة خبره، وفي الكلام تقديم وتأخير، ويجوز أن يكون صفة مبتدأ، وإن كان نكرة لوصفه "والصفة المشبهة"1 خبره, والأول أظهر.
فإن قلت: ما وجه الشبه بينها, وبين اسم الفاعل؟
قلت: من أوجه، أحدها: أنها تدل على حدث, ومن قام به.
الثاني: أنها تؤنث وتذكر.
الثالث: أنها تثنى وتجمع، وكان حقها ألا تعمل عمل فعلها؛ لأنها لا تجري على المضارع، ولا هي معدولة عن الجاري عليه، إلا أنها عملت لمشابهتها اسم الفاعل فيما ذكر.
ثم اعلم أن بين اسم الفاعل والصفة المشبهة فروقا:
الأول: أن الصفة المشبهة لا تكون إلا من فعل لازم بخلاف اسم الفاعل, فإنه يصاغ من المتعدي واللازم.
وإلى هذا أشار بقوله: وصوغها من لازم.
الثاني: أنها لا تكون للماضي المنقطع ولا لما لم يقع ولا "توجد"2 إلا للحاضر، وهو الأصل في باب الوصف؛ لأنها لم توضع لإفادة معنى الحدوث بل لنسبة الحدث إلى الموصوف به على جهة الثبوت بخلاف اسم الفاعل، فإنه كالفعل في إفادة معنى الحدوث والصلاحية لاستعماله بمعنى الماضي والحال والاستقبال؛ ولذلك إذا قصد باسم الفاعل الثبوت عُومِل معاملة الصفة المشبهة كما سبق، وإذا قصد بالصفة الحدوث حُوِّلت إلى بناء اسم الفاعل كقوله3:
__________
1 أ، جـ.
2 أ، ب، وفي ب "تؤخذ".
3 قائله هو أشجع السلمي من قصيدة حائية, وهو من الطويل.
اللغة: "رزء" -بضم الراء وسكون الزاي وفي آخره همزة- وهي المصيبة ويجمع على أرزاء, "جل" -بالجيم- عظيم وكثير, "بعد موتك" الخطاب لابن سعيد في أول القصيدة. =(2/875)
وما أنا من رزء وإن جل جازع ... ولا بسرور بعد موتك فارح
وإلى هذا أشار بقوله: "لحاضر".
تنبيه:
قد تقدم مما ذكرناه أن كونها للحال ليس شرطا في عملها، ولكن وضعها كذلك؛ لكونها دالة على الثبوت من ضرورته الحال، فعبارته هنا أجود من قوله في الكافية:
والاعتماد واقتضاء الحال ... شرطان في تصحيح ذا الإعمال
الثالث: أنها غير جارية على المضارع بخلاف اسم الفاعل. نص على ذلك الزمخشري وغيره، وهو ظاهر كلام أبي علي في الإيضاح، ورده المصنف وقال في التسهيل: وموازنتها للمضارع قليلة إن كانت من ثلاثي, ولازمة إن كانت من غيره1.
ولذلك مثل هنا "بطاهر القلب" وهو جارٍ على المضارع, و"بجميل الظاهر" وهو غير جارٍ تنبيها على "مجيئه"2 بالوجهين.
__________
مضى ابن سعيد حين لم يبق مشرق ... ولا مغرب إلا له فيه مادح
الإعراب: "ما" نافية, "أنا" مبتدأ, "من رزء" جار ومجرور متعلق بجازع, "وإن" واصلة بما قبلها, "جل" فعل والفاعل ضمير مستتر يرجع إلى الرزء، وفي الحقيقة هو عطف على محذوف، تقديره: وما أنا جازع من رزء إن لم يجل وإن جل, "جازع" خبر المبتدأ, "ولا بسرور" متعلق بفارح, "بعد" ظرف, "موتك" مضاف إليه، وموت مضاف والكاف مضاف إليه, "فارح" خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: ولا أنا فارح بسرور بعد موتك.
الشاهد فيه: "فارح", فإن الصفة المشبهة التي هي "فرح" حولت إلى فارح على صيغة اسم الفاعل؛ لإفادة معنى الحدوث في الزمن المستقبل, وإذا قصد باسم الفاعل الثبوت عومل معاملة الصفة المشبهة. وإذا قصد بالصفة المشبهة معنى الحدوث حولت إلى بناء اسم الفاعل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم.
1 التسهيل ص139.
2 أ، جـ, وفي ب "مجيئها".(2/876)
ومثالها من غير الثلاثي منطلق اللسان, ومطمئن القلب.
قلت: ولقائل أن يقول: إن ضامرا ومنطلقا ومنبسطا ونحوها مما جرى على المضارع أسماء فاعلين قصد بها الثبوت, فعوملت معاملة الصفة المشبهة، وليست بصفة مشبهة.
فإن قلت: قد رد ما ذهب إليه من قال: إنها لا تكون جارية بكونهم متفقين على أن "شاحطا" في قوله1:
من صديق أو أخي ثقة ... أو عدو شاحط دارا
صفة مشبهة:
قلت: إن صح الاتفاق فهو محمول على أن حكمه حكم الصفة المشبهة؛ لأنه قصد به الثبوت كما تقدم؛ فلذلك أطلق عليه صفة مشبهة.
الرابع: أن معمولها لا يتقدم عليها؛ لضعفها بخلاف اسم الفاعل2.
الخامس: أن معمولها لا يكون إلا سببيا بخلاف اسم الفاعل، فإنه يعمل في السببي والأجنبي3.
والمراد بالسببي المتلبس بضمير صاحب الصفة لفظا, أو معنى.
__________
1 قائله هو عدي بن زيد بن حمار التميمي, وهو من المديد.
اللغة: "شاحط" فاعل من الشحط، وهو البعد، وكذلك الشحوط، يقال: شحط يشحط شحطا وشحوطا ومشحطا، إذا بعد.
الإعراب: "من صديق" جار ومجرور متعلق ببيت قبله، "أو أخي" عطف عليه, "ثقة" مضاف إليه, "أو عدو" عطف على ما قبله, "شاحط" صفة للعدو, "دارا" مفعول لشاحط، وفيه ضمير مستتر فاعل.
الشاهد: "شاحط", فإنه صفة مشبهة بالاتفاق مع أنه جارٍ على فعله.
وبهذا رد على من قال: إن الصفة المشبهة هي التي لا تجري على فعلها نحو: حسن وشديد، وممن قال ذلك أبو علي والزمخشري.
2 فلا تقول: "زيد الوجه حسن" كما تقول: "زيد عمرا ضارب".
3 فتقول: "زيد حسن وجهه" أو لا تعمل في أجنبي، فلا تقول: "زيد حسن عمرا", واسم الفاعل يعمل في السببي والأجنبي نحو: "زيد ضارب علامه، وضارب عمرا".(2/877)
وإلى هذين أشار بقوله:
وسبق ما تعمل فيه مجتنب ... وكونه ذا سببية وجب
فإن قلت: قد ذكر في التسهيل أن معمول الصفة المشبهة يكون ضميرا بارزا متصلا1 كقوله2:
حسن الوجه طلقه أنت في السلم ... وفي الحرب كالح مكفهر
ولا يطلق عليه سببي.
قلت: إنما احترز بالسببي عن الأجنبي فإنها لا تعمل فيه، وأما عملها في الموصوف فلا إشكال فيه.
وأما قوله:
وعمل اسم فاعل المعدى ... لها...........
فيعني به أنها تنصب فاعلها في المعنى, كما ينصب اسم الفاعل مفعوله.
فإن قلت: كيف قال: وعمل اسم فاعل المعدى لها وبينهما فرق، وهو أن معمول اسم الفاعل مفعول به ومعمولها مشبه بالمفعول، فعملهما إذًا مختلف؟
__________
1 التسهيل ص139.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الخفيف.
اللغة: "طلقه" طلق الوجه أي: غير عبوس, "مكفهر" عابس.
المعنى: يمدح مخاطبه بأنه في وقت السلم مشرق الوجه كريم معطاء، وبأنه في وقت الحرب وعند مقارعة الأبطال مقطب الوجه عابس.
الإعراب: "حسن" خبر مقدم, "الوجه" مضاف إليه من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها, "طلقه" خبر ثانٍ, والضمير مضاف إليه من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها, "أنت" مبتدأ مؤخر مبني على الفتح في محل رفع, "في السلم" متعلق بمحذوف حال, "وفي الحرب" جار ومجرور معطوف على المجرور قبله, "كالح" معطوف على الخبر السابق, "مكفهر" يجوز أن يكون تأكيدا لفظيا لكالح، ويجوز أن يكون معطوفا بعاطف مقدر على كالح، أو خبرا لمبتدأ محذوف.
الشاهد فيه: "طلقه" حيث عملت الصفة المشبهة وهي "طلق" في الضمير البارز المتصل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 356/ 2، والمكودي ص105.(2/878)
قلت: هو متحدّ صورة وهو المراد بقوله: على الحد الذي قد حُدَّا, يعني: أن عملها مشروط بالاعتماد, كما شرط ذلك في اسم الفاعل.
فإن قلت: لِمَ أخر قوله: "وسبق ما تعمل فيه ... البيت" عن قوله:
وعمل اسم فاعل المعدى؟
وكان ينبغي العكس؛ لأن ذلك من تتمة الفروع.
قلت: بيان شرط معمولها من "توابع عملها"1؛ فلذلك أخره عنه.
وقوله:
فارفع بها وانصب وجر مع أل
الرفع على الفاعلية2 والنصب على التشبيه بالمفعول به في المعرفة، وعلى التمييز في النكرة، وقيل: يجوز فيه أيضا التشبيه، وأجاز بعض البصريين كون المقرون بأل والمضاف إلى المقرون بها تمييزا وهي نزعة كوفية والجر على الإضافة، وهل هي من نصب أو رفع؟ قولان.
وظاهر كلام المصنف أنها من رفع وإليه ذهب السهيلي، وذهب الشلوبين وأكثر أصحابنا كابن عصفور إلى أنها من المنصوب.
وقوله: "ودون أل".
يعني: أن الصفة المشبهة تعمل الرفع والنصب والجر في السببي مقرونة بأل, ومجردة منها.
ثم قسّم معمولها إلى ثلاثة أقسام:
الأول: معرف بأل، وإليه أشار بقوله: "مصحوب أل".
والثاني: المضاف، وهو المراد بقوله: "وما اتصل بها مضافا".
أي: وما اتصل بالصفة, ولم ينفصل عنها بأل.
والثالث: المجرد من أل والإضافة.
__________
1 أ، جـ, وفي ب "توابع بيان عملها".
2 وقال الفارسي: أو على الإبدال من ضمير مستتر في الصفة.(2/879)
ثم اعلم أن المضاف أنواع:
الأول: مضاف إلى ضمير الموصوف.
الثاني: مضاف "إلى مضاف" إلى ضميره.
والثالث: مضاف إلى المعرف بأل.
والرابع: مضاف إلى المجرد.
والخامس: مضاف إلى ضمير مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف.
ذكره في التسهيل1 ويحتاج إلى سماع.
والسادس: مضاف إلى ضمير معمول صفة أخرى، ذكره في شرح التسهيل.
والسابع: مضاف إلى موصول.
والثامن: مضاف إلى موصوف يشبهه.
والمجرد من أل والإضافة يشمل ثلاثة أنواع: الموصول والموصوف وما سواهما، فجملة أنواع معمولها السببي أحد عشر نوعا وهذه أمثلتها على الترتيب:
مثال مصحوب أل "الحسن الوجه", ومثال المضاف إلى ضمير الموصوف "الحسن وجهه", ومثال المضاف إلى المضاف إلى ضميره "الحسن وجه أبيه".
ومثال المضاف إلى المجرد "الحسن وجه أب".
ومثال المضاف إلى ضمير مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف "مررت بامرأة حسن وجه جاريتها جميلة أنفه" فالأنف مضاف إلى ضمير الوجه والوجه مضاف إلى جارية والجارية مضاف إلى ضمير الموصوف.
__________
1 التسهيل ص139.(2/880)
ومثال المضاف إلى ضمير معمول صفة أخرى "مررت برجلٍ حسن الوجنة جميلٍ خالها" وهو تركيب نادر. وشاهده قول الشاعر1:
سبتني الفتاة البضة المتجرد الـ ... لطيفة كشحه وما خلت أن أسبى
ومثال المضاف إلى الموصول قوله2:
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الطويل.
اللغة: "البضة" -بفتح الباء وتشديد الضاد- أدماء أو بيضاء, "المتجرد" -بضم الميم وفتح التاء والجيم- بمعنى التجرد والعرية, "كشحه" -بفتح الكاف وسكون الشين- ما بين الخاصرة إلى الضلع من الخلف, "أسبى" من السبي وهو الأسر.
المعنى: يصف أنه وقع في أسر فتاة بضة الجسم جميلة المتعرى، وأنها تملكت بمحاسنها قلبه، واستولت بمفاتنها على لُبّه، وأنه ما كان يحسب أن يحدث له ذلك؛ لجلادته وقوة أسره.
الإعراب: "سبتني" فعل ماض والتاء للتأنيث والنون للوقاية وياء المتكلم مفعول به, "الفتاة" فاعل, "البضة" صفة للفتاة, "المتجرد" مضاف إليه, "اللطيفة" صفة ثانية للفتاة, "كشحه" مضاف إليه على رواية الجر، والهاء مضاف إليه، ويروى بالرفع على أنه فاعل باللطيفة, "وما" الواو للحال وما نافية, "خلت" فعل وفاعل, "أن" مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن, "أسبى" فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ونائب فاعله ضمير مستتر، والجملة في محل رفع خبر أن، وأن وما دخلت عليه سدت مسد مفعولي خال.
الشاهد فيه: "البضة المتجرد اللطيفة كشحه", فإن الكشح مضاف إلى الضمير المتجرد المضاف إليه البضة.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه 357/ 2.
2 قائله: الفرزدق, وهو من البسيط.
اللغة: "فعجتها" عجت الناقة: إذا عطفت رأسها بالزمام, "قبل الأخيار" -بكسر القاف وفتح الباء- نحوهم وجهتهم، والأخيار جمع: خيّر بالتشديد, "الطيبي" أصله: الطيبين، سقطت النون لأجل الإضافة، وهو جمع طيب, "التاثث" من الالتياث وهو الاختلاط والالتفاف, "الأزر" جمع إزار، وهذا كناية عن وصفهم بالعفة.
الإعراب: "فعجتها" الفاء عاطفة، عاج فعل ماض والتاء فاعل وضمير الغائبة مفعول به, "قبل" ظرف مكان متعلق بعاج, "الأخيار" مضاف إليه, "منزلة" تمييز منصوب بالفتحة =(2/881)
فعجتها قِبَل الأخيار منزلة ... والطيبي كل ما التاثت به الأزر
ومثال المضاف إلى الموصوف "رأيت رجلا حديدا سنان رمح يطعن به".
ومثال الموصول قوله1:
وثيرات ما التفّتْ عليه المآزر
__________
= و"الطيبي" الواو عاطفة, الطيبي معطوف على الأخيار مجرور بالياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه جمع مذكر سالم, "كل" مضاف إليه, "ما" اسم موصول مضاف إليه, "التاثت" التاث فعل ماض والتاء للتأنيث, "به" متعلق بالتاث, "الأزر" فاعل التاث، والجملة لا محل لها صلة الموصول.
الشاهد فيه: "والطيبي كل ما التاثت", فالطيبي صفة مشبهة مضافة إلى كل الذي هو مضاف إلى موصول, أي: إن معمول الصفة المشبهة التي هي "الطيبي" اسم مضاف إلى الاسم الموصول.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 357/ 2، والمكودي ص103.
1 قائله: هو عمر بن أبي ربيعة, وهو من الطويل, وصدره:
أسيلات أبدان دقاق خصورها ... ......................
اللغة: "أسيلات" جمع أسيلة وهي الطويلة, "دقاق" -بكسر الدال- جمع دقيق, "خصور" جمع خصر, "وثيرات" جمع وثيرة -بفتح الواو وكسر الثاء- والوثير: الفراش الوطيء، وأراد به هنا: وطيئات الأرداف والأعجاز.
الإعراب: "أسيلات" خبر مبتدأ محذوف، هن أسيلات, "أبدان" مضاف إليه, "دقاق" خبر بعد خبر، أو خبر لمبتدأ محذوف, "خصورها" فاعل والهاء مضاف إليه، ويجوز أن يكون دقاق خبرا مقدما وخصورها مبتدأ مؤخرا, "وثيرات" خبر ثالث, "ما" اسم موصول مضاف إليه من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها, "التفت" فعل ماض والتاء للتأنيث, "عليه" متعلق بالتفت, "المآزر" فاعل، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، والعائد هو الضمير المجرور محلا بعلى.
الشاهد فيه: "وثيرات ما التفت", فإن "وثيرات" صفة مشبهة أضيفت إلى الموصول من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 357/ 2.(2/882)
ومثال الموصوف قوله1:
أزور امرأ جما نوال أعده ... لمن أَمَّهُ مستكفيا أزمة الدهر
وهذان القسمان غريبان:
ومثال المجرد غيرهما "الحسن وجه".
إذا تقرر هذا, فاعلم أن الصفة تعمل في السببي الرفع والنصب والجر مع أل ودون أل, فلها ستة أحوال. وكل منها على أحد عشر تقديرا في المعمول فهذه ست وستون صورة كلها جائزة إلا ما لزم منها إضافة ما فيه أل إلى الخالي من أل, ومن إضافة إلى المعرف بها أو إلى ضمير المعرف بها فيمتنع "الحسن وجهه" و"الحسن وجه أبيه" و"الحسن وجه أب" و"الحسن وجه" ونحوها.
ويجوز نحو: "الحسن الوجه"؛ لأنه معرف بأل, و"الحسن وجه الأب"؛ لأنه مضاف إلي المعرف بها, و"الكريم الآباء الغامر جودهم"؛ لأن جودا مضاف إلى ضمير المقرون بها، ذكره في التسهيل2.
__________
1 قائله: لم أقف على قائله, وهو من الطويل.
اللغة: "جما" -بالجيم وتشديد الميم- عظيما, "نوال" -بفتح النون- العطاء, "لمن أمه" قصده, "أزمة الدهر" شدته.
الإعراب: "أزور" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر, "امرأ" مفعول به, "جما" صفة لامرئ, "نوال" فاعل بجم, "أعده" فعل ماض والفاعل ضمير مستتر وضمير الغائب مفعول به والجملة صفة لنوال, "لمن" اللام حرف جر ومن اسم موصول والجار والمجرور متعلق بأعد, "أمه" أم فعل ماض وفاعله ضمير مستتر وضمير الغائب مفعول والجملة لا محل لها صلة الموصول, "مستكفيا" حال من الضمير المستتر في أم، وفيه ضمير مستتر فاعل, "أزمة" مفعول به لمستكف, "الدهر" مضاف إليه.
الشاهد فيه: "جما نوال أعده" حيث جاء معمول الصفة المشبهة التي هي "جما" نكرة موصوفة بجملة، وهذه النكرة المعمولة للصفة المشبهة هي "نوال" وصفتها هي جملة "أعده".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 357/ 2.
2 التسهيل ص140.(2/883)
وإلى هذا أشار بقوله: ولا تجرُرْ بها, أي: الصفة، سُما1.
مع أل سما من أل خلا.
أي: اسما خلا من أل "ومن إضافة لتاليها".
وقوله:
.......... وما ... لم يخل فهو بالجواز وسما
يعني: وما لم يخل من أل ومن إضافة لتاليها, فهو موسوم بالجواز.
فإن قلت: كان ينبغي أن يقول: أو من إضافة لمضمر المعرف بها, كما ذكره في التسهيل.
قلت: إنما "تركه"2 هنا؛ لأنه تركيب نادر كما مر.
تنبيهان:
الأول: لم يتعرض المصنف لبيان أقسام الجائز، وهو ينقسم إلى قبيح وحسن ومتوسط.
فالقبيح: ما عري عن الضمير، والحسن: ما كان فيه ضمير واحد، والمتوسط: ما تكرر فيه الضمير، إلا ما تقدم امتناعه، وقد بسطته في غير هذا المختصر3.
الثاني: ما ذكره من الحكم إنما هو النسبي، وقد تقدم أن معمول الصفة يكون ضميرا وعملها فيه جر بالإضافة إن باشرته وخلت من أل نحو: "مررت برجل حسن الوجهِ جميلِهِ", ونصب إن فُصلت أو قُرنت بأل, فالمفصولة نحو: "قريش بخباء الناس ذرية وكرامُهُموها".
والمقرونة بأل نحو: "زيد الحسنُ الوجهِ الجميله".
__________
1 أي: اسما.
2 ب، جـ, وفي أ "ذكره".
3 راجع الأشموني 358/ 2.(2/884)
التعجب:
استعظام فعل ظاهر المزية، ويدل عليه بألفاظ كثيرة غير ما يذكر في هذا الباب نحو: "سبحان الله" و"لله دره"، لم يبوب لها في النحو؛ لكونها لم تدل عليه بالوضع بل بقرينة.
والمبوب له من ألفاظه: أفعَل وأفعِل, وقد أشار إلى الأول بقوله:
بأفعل انطق بعد ما تعجُّبا
أي: انطق بوزن أفعل بعد ما؛ لإنشاء التعجب أو في حال تعجبك.
فقوله: "تعجبا" مفعول له أو حال.
وأشار إلى الثاني بقوله:
أو جئ بأفعِل قبل مجرور ببا
يعني: أو جئ بوزن أفعل قبل اسم مجرور بباء الجر.
ثم قال: وتلو أفعل انصبنه
مذهب البصريين أنه مفعول به، وزعم الفراء ومن وافقه من الكوفيين أن نصبه على حد النصب في نحو: "زيدٌ كريمٌ الأبَ".
فإن قلت: شرط المجرور بعد أفعِل والمنصوب بعد ما أفعَل، أن يكون مختصا لتحصل به الفائدة، ولم ينبه على ذلك.
قلت: في تمثيله الآتي إرشاد إليه.
ثم مثل الصيغة الأولى بقوله:
........ كما ... أوفى خليلينا.......
وهو نظير: "ما أحسن زيدًا" فما اسم لعود الضمير عليها مبتدأ، قيل: بلا خلاف، وقد روي عن الكسائي: أنها لا موضع لها من الإعراب، وهو خلاف شاذ.
وبعد ثبوت اسميتها وأنها مبتدأ، ففي معناها خلاف. مذهب سيبويه وجمهور البصريين أنها اسم تام نكرة، والفعل بعدها خبرها، وهو الصحيح لأن(2/885)
قصد المتعجب الإعلام بأن المتعجب منه ذو مزية إدراكها جلي، وسبب الاختصاص بها خفي، فاستحقت الجملة المعبر بها عن ذلك أن تفتتح بنكرة غير مختصة؛ ليحصل بذلك إبهام متلو بإفهام.
فإن قلت: كيف ساغ الابتداء بما, وهي نكرة لا مسوغ لها؟
قلت: سوغها قصد الإبهام، وقد ذكره في التسهيل من المسوِّغات1.
وقال الشارح: لأنها في تقدير التخصيص.
والمعنى: شيء عظيم أحسن زيدا, أي: جعله حسنا، فهو كقولهم: "شيء جاء بك وشر أهر ذا ناب"2. انتهى، وفيه نظر.
وذهب الأخفش وطائفة من الكوفيين إلى أنها موصولة, والفعل صلتها والخبر محذوف لازم الحذف, تقديره: الذي أحسن زيدًا شيء عظيم.
ورد بأنه يستلزم مخالفة النظائر من وجهين:
أحدهما: تقدم الإفهام وتأخر الإبهام, والمعتاد فيما تضمن من الكلام إفهاما وإبهاما "أن"3 يقدم الإبهام.
والثاني: التزم حذف الخبر دون شيء سد مسده، وذهب الفراء وابن درستويه إلى أنها استفهامية, ونقله في شرح التسهيل عن الكوفيين.
ورده بأن الاستفهام المشوب بالتعجب لا يليه إلا الأسماء نحو: {مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} 4 وما المشار إليها مخصوصة بالأفعال، وبأنها لو كان فيها معنى الاستفهام لجاز أن يخلفها أي.
__________
1 التسهيل ص131.
2 يقال: أهره, إذا حمله على الهرير، وهو مَثَل يضرب في ظهور أمارات الشر ومخايله.
3 أ، جـ.
4 من الآية 8 من سورة الواقعة.(2/886)
وبأن قصد التعجب بما أفعله مجمع عليه والاستفهام زيادة لا دليل عليها, فلا يلتفت إليها.
قلت: وفي الأول نظر.
لأن مذهب الكوفيين أن أفعل اسم, وسيأتي.
وذهب الأخفش في أحد أقواله إلى أنها نكرة موصوفة، وأفعل صفتها والخبر محذوف.
وثاني أقواله: أنها موصولة، وقد تقدم.
وثالثها: كقول سيبويه.
ثم مثّل الصيغة الثانية بقوله: وأصدِقْ بِهِما.
وهو نظير: "أحسِنْ بزيد".
ومذهب جمهور البصريين أن أفعل في نحو: "أحسن بزيد" لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر، فمعنى "أحسن بزيد" أحسن زيد, أي: صار ذا حسن وهو مسند إلى المجرور بعده، والباء الزائدة مع الفاعل مثلها في نحو: {..... وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 1.
وذهب الفراء ومن وافقه إلى أنه أمر باستدعاء التعجب من المخاطب مسندا إلى ضميره، واستحسنه الزمخشري وابن خروف، وذهب ابن كيسان إلى أن المخاطب ضمير الحسن كأنه قيل: يا حسن أحسن بزيد, أي: دم به؛ ولذلك كان الضمير مفردا على كل حال، قال ابن طلحة: وهو حسن، وعلى هذين القولين فالباء زائدة مع المفعول؛ لأن من جعل أفعل أمرا حقيقة فالهمزة عنده للتعدية.
وأجاز بعض المتأخرين أن تكون الباء للتعدية لا زائدة، والهمزة للصيرورة لا للتعدية، وهو أمر للسبب2 أو للشخص على القولين.
__________
1 من الآية 28 من سورة الفتح.
2 أي: للحدث الموجود في أفعل فهو سبب للتعجب, فقولنا: "أحسن بزيد" الحسن هو سبب التعجب.(2/887)
والصحيح ما ذهب إليه جمهور البصريين؛ لسلامته مما يرد على غيره.
ورد المصنف قول الفراء بأربعة أوجه:
أحدها: أنه لو كان أمرا لم يكن الناطق به متعجبا, كما لا يكون الآمر بالحلف ونحوه حالفا، ولا خلاف في كونه متعجبا.
الثاني: أنه لو كان أمرا لزم إبراز ضميره.
الثالث: أنه لو كان مسندا إلى ضمير المخاطب لم يَلِهِ ضمير المخاطب في نحو: "أحسن بك".
الرابع: لو كان أمرا لوجب له من الإعلال ما وجب لأقِمْ وابْنِ.
ورد قول ابن كيسان بأن من المصادر ما لا يكون إلا مؤنثا كالسهولة والنجابة، فلو كان الأمر على ما توهمه، لقيل في أسهل به وأنجب به: أسهلى به وأنجبى، وقد أجيب عما رد به، وليس "هذا"1 موضع ذكره.
تنبيهان:
الأول: الباء بعد أفعل لازمة عند الفريقين، إلا إذا كان المتعجب منه أن وصلتها, كقول الشاعر2:
__________
1 ب.
2 قائله: هو عباس بن مرداس، وهو من المؤلفة قلوبهم الذين أعطاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من سبي حنين من الإبل, وهو من الطويل.
وصدره:
وقال نبي المسلمين تقدموا
المعنى: يذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أمرهم بالتقدم إلى أعدائهم ومحاربتهم، ثم تعجب من شدة محبتهم لانتصار الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أعدائه.
الإعراب: "قال" فعل ماض, "نبي" فاعل, "المسلمين" مضاف إليه, "تقدموا" فعل أمر وفاعله والجملة في محل نصب مقول القول, "وأحبب" فعل ماض جاء على صورة الأمر، فعل تعجب، "إلينا" جار ومجرور متعلق بأحبب, "أن" مصدرية وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بباء زائدة مقدرة، وهو فاعل فعل التعجب، وأصل الكلام: وأحبب إلينا بكونك المقدما. =(2/888)
وأحبِبْ إلينا أن تكون المقدما
الثاني: قال في شرح التسهيل: لو اضطر شاعر إلى حذف الباء المصاحبة غير أن لزمه أن يرفع، وعلى قول الفراء يلزم النصب.
وقوله:
وحذف ما منه تعجبت استبح ... إن كان عند الحذف معناه يضح
يعني: أنه يجوز حذف الاسم المنصوب بعد ما أفعل, والمجرور بالباء بعد أفعل؛ فمثال حذفه بعد ما أفعل قول علي رضي الله عنه1:
جزى الله عنا والجزاء بفضله ... ربيعة خيرا، ما أعفَّ وأكرَما
__________
1 قائله: هو علي -كرم الله وجهه- من كلمة يمدح فيها ربيعة على ما أبلت معه يوم صفين, وهو من الطويل.
اللغة: "جزى" كافأ, "بفضله" بإحسانه, "ما أعف" تعجب من شدة عفتهم عن الدنيا, وهو يريد عفتهم عن المغانم والأسلاب.
الإعراب: "جزى ألله" فعل ماض وفاعله, "عنا" متعلق بجزى, "والجزاء" الواو للحال, والجزاء مبتدأ مرفوع بالضمة, "بفضله" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ وفضل مضاف وضمير الغائب مضاف إليه, وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب حال, "ربيعة" مفعول أول لجزى, "خيرا" مفعول ثانٍ لجزى, "ما أعف" ما تعجبية مبتدأ، وأعف فعل ماض للتعجب وفاعله يعود على ما والجملة خبر المبتدأ، "وأكرما" عطف على أعف والألف للإطلاق، ومفعول فعل التعجب -وهو المتعجب منه- محذوف للعلم به, أي: ما أعفها وأكرمها.
الشاهد فيه: "ما أعف وأكرما" حيث حذف مفعول فعل التعجب؛ لقيام قرينة تدل عليه, والأصل: ما أعفهم وأكرمهم.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 364/ 2، وابن هشام 69/ 3، والسيوطي ص87, والمكودي ص107، وابن الناظم.(2/889)
أي: ما أعفهم وأكرمهم.
ومثاله بعد أفعِل قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ....} 1 -أي: بهم- وإنما حذف مع كونه فاعلا؛ لأن لزومه للجر كساه صورة الفضلة خلافا للفارسي.
وذهب قوم إلى أنه لم يحذف, ولكنه استتر في الفعل حين حذفت الباء.
ورُدّ بوجهين:
أحدهما: لزوم إبرازه حينئذ في التثنية والجمع.
والآخر: أن من الضمائر ما لا يقبل الاستتار كنا من: "أكرم بنا"2.
قال في شرح الكافية: ولا تحذف الباء بعد أفعل إلا مع مجرورها, بشرط كون أفعل مسبوقا بآخر معه الفاعل المذكور كقوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ... } 3.
وقد تحذف الباء ومجرورها بعد أفعل مفردا, كقول الشاعر4:
__________
1 من الآية 38 من سورة مريم.
2 ب، جـ, وفي أ "أكرمنا".
3 من الآية 38 من سورة مريم.
4 قائله: هو عروة بن الورد -المعروف بعروة الصعاليك- في وصف صعلوك, وهو من الطويل.
اللغة: "فذلك" إشارة لصعلوك وصف بأوصاف قبل هذا البيت، "المنية" الموت, "حميدا" محمودا، فهو فعيل بمعنى مفعول، "أجدر" ما أجدره وما أحقه.
المعنى: هذا الصعلوك الموصوف بالصفات المذكورة, إذا صادف الموت صادفه محمودا لما كان عليه من عفة، وإن عاش واستغنى فما أحقه بالغنى.
الإعراب: "فذلك" اسم إشارة مبتدأ, "إن" شرطية, "يلق" فعل مضارع فعل الشرط وفاعله ضمير مستتر, "المنية" مفعول, "يلقها" فعل مضارع جواب الشرط، وفيه ضمير =(2/890)
فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميدا وإن يستغن يوما فأجدر
فإن قلت: كيف أطلق على الاسم متعجبا منه في قوله:
#
وحذف ما منه تعجبتَ استبِح
والمتعجب منه إنما هو فعله "لا نفسه"1؟
قلت: قد أجاب الشارح بأنه حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
وقوله:
إن كان عند الحذف معناه يضح
شرط في استباحة حذف المتعجب منه بعد ما أفعل, وأفعل "به"2.
يعني: أن جواز حذفه مشروط بأن يكون المراد واضحا عند الحذف للعلم به, فلو كان مجهولا لا دليل عليه لم يجز حذفه؛ لعدم الفائدة.
قوله:
وفي كلا الفعلين قدما لزما ... منع تصرف بحكم حُتما
قال في شرح التسهيل: لا خلاف في عدم تصرف فعلي التعجب, انتهى.
وقد أجاز ابن هشام الإتيان بمضارع ما أفعَل, فتقول: "ما يحسن زيدا".
__________
= مستر فاعل, وها مفعول، وجملة الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ, "حميدا" حال من فاعل يلق المستتر فيه, "وإن" شرطية, "يستغن" فعل مضارع فعل الشرط وفاعله ضمير مستتر, "يوما" متعلق بيستغن, "فأجدر" الفاء لربط الجواب بالشرط وأجدر فعل ماض جاء على صورة الأمر، وقد حذف فاعله والباء، أي: أجدر به.
الشاهد فيه: "فأجدر" حيث حذف المتعجب منه وهو فاعل أجدر مع حرف الجر من غير أن تكون صيغة التعجب المحذوف معمولها معطوفة على أخرى مذكور معمولها المشابه للمحذوف.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 365/ 2، وابن هشام 70/ 3، وابن عقيل 115/ 2، وابن الناظم.
1 أ، جـ, وفي ب "لا وصفه".
2 ب، جـ.(2/891)
وهو قياس ولم يسمع, فوجب اطّراحه.
فإن قلت: فهلا جعلوا أفعِل أمرا من أفعَل؟
قلت: المانع من ذلك كون الهمزة في أفعِل للصيرورة، وفي ما أفعل للنقل، هذا تفريع على مذهب الجمهور.
قلت: صرح المصنف في هذا البيت بفعلية صيغتي التعجب.
وأما ما أفعله ففيه خلاف؛ ذهب البصريون والكسائي إلى فعليته, وذهب الكوفيون إلى اسميته ولم يستثنه بعضهم، فلعل له قولين.
والصحيح أنه فعل؛ لبنائه على الفتح، ولنصبه المفعول به، وليس من الأسماء التي تنصبه، وللزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية نحو: "ما أفقرني إلى عفو الله" ذكر ذلك المصنف.
قلت: قد حكى الكوفيون عن العرب حذف هذه النون، ولم يجعلوها لازمة، واستدلوا على الاسمية بعدم تصرفه، وبتصغيره، وبصحة عينه.
وأجيب: بأن امتناع تصرفه؛ لأنه لزم طريقة واحدة، وبأن تصغيره وصحة عينه لشبهه بأفعل التفضيل.
وأما أفعل, فقال المصنف وغيره: لا خلاف في فعليته، وفي كلام ابن الأنباري ما يدل على اسميته، قال: وأحسن لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث لأنه اسم، انتهى.
فإن قلت: ما إعراب: "ما أحسن زيدًا" عند القائلين باسمية أفعل؟
قلت: نقل الفراء أن الأصل في "ما أظرف زيدا" ما أظرفُ زيد على الاستفهام, ثم نقلوا الصيغة من زيد وأسندوها إلى ضمير "ما", وانتصب زيد بالظرف فرقا بين الخبر والاستفهام، والفتحة في أفعل فتحة إعراب وهو خبر عن "ما", وإنما انتصب؛ لكونه خلاف المبتدأ الذي هو "ما", إذ هو في الحقيقة خبر عن زيد.(2/892)
وزعم بعض الكوفيين أن أفعل مبني وإن كان اسما؛ لأنه مضمن معنى التعجب وأصله أن يكون للحرف.
وقوله:
وصفهما من ذي ثلاث صرفا ... قابل فضل تم غير ذي انتفا
وغير ذي وصف يضاهي أشهلا ... وغير سالك سبيل فعلا
اشتمل هذان البيتان على شروط ما يصاغ منه فعلا التعجب قياسا، وهي ثمانية:
الأول: أن يكون فعلا، فلا يصاغان من غيره، وبذلك ظهر خطأ من يقول من الكلب: ما أكلبه، ومن الحمار: ما أحمره.
وشذ من ذلك قوله: "أَقْمِنْ به" اشتقوه من قَمِن, أي: حقيق.
وذكر المصنف منه قولهم: "ما أذرَعها" بمعنى: ما أخفها في الغزل، وهو من قولهم: امرأة ذَرَاع، قال: ولم يسمع منه فعل.
وحكى ابن القطاع1: "ذُرعت المرأة": خفت يداها في الغَزْل فهي ذراع, فعلى هذا ليس بشاذ.
فإن قلت: فلِمَ ينص الناظم هنا على هذا الشرط؟
قلت: هو مفهوم من قوله: "من ذي ثلاث".
"لأن التقدير: من قبل ذي ثلاث"2, فحذف الموصوف للعلم به.
__________
1 هو علي بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن محمد, المعروف بابن القطاع. قال ياقوت: كان إمام وقته بمصر في علم العربية وفنون الأدب، قرأ على أبي بكر الصقلي، وروى عنه الصحاح للجوهري.
ومن مؤلفاته: أبنية الأسماء، حواشي الصحاح، تاريخ صقلية, وغير ذلك. ولد في العاشر من صفر سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، ومات في صفر سنة خمس عشرة, وقيل: أربع عشرة وخمسمائة، ودفن بقرب ضريح الإمام الشافعي.
2 ب، جـ.(2/893)
الثاني: أن يكون ثلاثيا. ونعني به ثلاثي اللفظ، فلا يصاغان من الرباعي المجرد باتفاق نحو: دحرج، ولم يشذ منه شيء.
وأما الثلاثي المزيد, فإن كان أفعل ففيه مذاهب:
أحدها: جواز صوغهما منه قياسا مطلقا، وهو اختيار المصنف، قال: وهو مذهب سيبويه والمحققين من أصحابه.
والثاني: منعه إلا أن يشذ شيء فيحفظ, وهو مذهب الأخفش والمازني والمبرد وابن السراج والفارسي ومن وافقهم.
والثالث: التفصيل، فإن كانت همزته للنقل لم يجز، وإن كانت لغيره جاز, وصححه ابن عصفور ونسبه إلى سيبويه، والظاهر أن مذهب سيبويه هو الأول؛ لتمثيله بأعطى والهمزة فيه للنقل، يقال: عطوت بمعنى تناولت، وأعطيت بمعنى ناولت، قلت: والقياس على ذلك عند من أجازه مشروط بعدم مانع آخر، فإن وجد مانع لم يجز نحو: أودى بمعنى هلك، فإنه غير قابل للتفاضل، نحو: أجاب فإنهم استغنوا عنه بما أفعل فعله، فلا يقال: ما أجوبه, بل ما أجود جوابه، ذكره سيبويه.
وإن كان غير أفعل فقد شذ منه ألفاظ, منها: ما أشده من اشتد، وما أشوقه من اشتاق، وما أحوله من احتال، وما أخصره من اختُصر.
وفيه شذوذان؛ لأنه مزيد ومبني للمفعول.
وليس من الشاذ: ما أفقره وما أشهاه وما أحياه، خلافا لأكثرهم؛ لثبوت فَقِرَ وفَقَرَ بمعنى افتقر، وشهي بمعنى اشتهى، وحيي بمعنى استحيا.
ولا حجة في قول من خفي عليه ما ظهر لغيره.
ونقل عن الأخفش أنه أجاز التعجب في كل فعل مزيد على استكراه، كأنه راعى أصله.
الثالث: أن يكون متصرفا، فلا يصاغان من غير المتصرف كنعم وبئس, وشذ من ذلك قولهم: "ما أعساه" و"أعسِ به".(2/894)
فإن قلت: ينبغي أن يقال: كامل التصرف؛ احترازا "من"1 نحو: يدع ويذر.
قلت: إذا أطلق المتصرف فهو محمول على كامل التصرف.
الرابع: أن يكون قابلا للتفاضل، فلا يصاغان من فعل لا يقبل ذلك نحو: مات وفني وحدث؛ لأنه لا مزية فيه لبعض فاعليه على بعض.
الخامس: أن يكون تاما، فلا يصاغان من الأفعال الناقصة خلافا لمن أجاز صوغهما من كان الناقصة.
السادس: أن يكون مثبتا, فلا يصاغان من فعل مقصود نفيه لزوما كلم يَعِجْ, أو جوازا كلم يَعُجْ كذا.
قال في شرح التسهيل: يعني: أن عاج يعيج بمعنى انتفع لم يستعمل إلا منفيا, وعاج يعوج بمعنى مال استعمل مثبتا ومنفيا.
ونوزع في اختصاص الأول بالنفي، فإنه ورد مثبتا فيما أنشده أبو علي القالي في نوادره, قال: أنشدنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي2:
__________
1 ب، جـ، وفي أ "عن".
2 قائله: قال العيني: أنشده أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي, ولم يعزه إلى قائل, وهو من الطويل.
اللغة: "ألذه" من لذذت الشيء ألذه لذا ولذاذة, "أعيج" أي: أنتفع، يقال: شربت دواء فما عجت به، أي: ما انتفعت به، وقال ابن مالك: ونعيج من الكَلِم التي لا تستعمل إلا في النفي.
الإعراب: "لم" حرف نفي, "أر" فعل مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة, "شيئا" مفعول به, "بعد" منصوب على الظرفية, "ليلى" مضاف إليه, "ألذه" جملة من فعل وفاعل ومفعول في محل نصب صفة لشيء, "ولا منظرا" عطف على قوله: شيئا, "أروى به" جملة في محل نصب صفة لمنظرا, "فأعيج" عطف على أروى.
الشاهد فيه: "فأعيج" وذلك أنه علم أن شروط ما يصاغ منه فعلا التعجب ثمانية, منها أن يكون مثبتا، فلا يصاغان من فعل مقصود نفيه لزوما، كلم يعج, أو جوازا كلم يعج. معناه: أن عاج يعيج بمعنى: انتفع، لم يستعمل إلا منفيا، وعاج يعيج بمعنى مال استعمل مثبتا ومنفيا كما في شرح التسهيل.
ولكن نُوزع في اختصاص المعنى الأول بالنفي, بوروده مثبتا في البيت المذكور, حيث قال: فأعيج.(2/895)
ولم أر شيئا بعد ليلى ألذه ... ولا منظرا أروى به فأعيج
السابع: ألا يكون معبرا عن فاعله بأفعل فعلاء، فلا يصاغان من شهل وحول، ولا فرق بين أن يكون من المحاسن كالأول، أو من العيوب كالثاني.
وعلة المنع عند الجمهور أن حق ما يصاغان منه أن يكون ثلاثيا محضا.
وأصل الفعل في هذا النوع أن يكون على أفعل.
قال في شرح التسهيل: وعندي تعليل آخر أسهل منه، وهو أن يقال: لما كان بناء الوصف من هذا النوع على أفعل لم يُبْنَ منه أفعل التفضيل؛ لئلا يلتبس أحدهما بالآخر، فلما امتنع صوغ أفعل التفضيل امتنع صوغ فعل التعجب؛ لتساويهما وزنا ومعنى, وجريانهما مجرى واحدا في أمور كثيرة.
قال: وهذا الاعتبار بيّن ورجحانه متعيّن.
وشذ من هذا النوع قولهم: "ما أحمقه" و"ما أرعنه" و"ما أهوجه" و"ما أنوكه", بمعنى: ما أحمقه، وما ألده من لد إذا كان عسر الخصومة، ومنه الوصف من كل هذه على أفعل في التذكير، وفعلاء في التأنيث.
وكلامه في الكافية والتسهيل، يقتضي ظاهره أن صوغهما من فِعْلِ أفعَل إذا فهم جهلا أو عسرا مقيس1.
الثامن: ألا يكون مبنيا للمفعول, فلا تقول: "ما أضرب زيدا" وأنت تتعجب من الضرب الواقع "به"2.
__________
1 التسهيل ص131.
2 أ، جـ.(2/896)
وعلته عند قوم خوف اللبس، وإليه ذهب المصنف؛ فلذلك حكم باطراد صوغهما منه عند أمن اللبس كقولهم: "ما أشغله" من شغل, و"ما أجنّه" من جُنّ, و"ما أولعه" من وُلِع، و"أزهاه" من زُهي.
قال المصنف: وهذا الاستعمال في أفعل التفضيل أكثر منه في التعجب.
وعلته عند قوم: أن الفعل المتعجب منه لا بد أن يكون قبل دخول همزة النقل على فعُل أصلا أو تحويلا، وفعُل أبدا لا يكون فِعْل مفعول، وإليه ذهب ابن عصفور؛ فلذلك جعل ما ورد من ذلك شاذا.
قال: وينبغي أن يتأول على أنه متعجب فيه من فعل فاعل في معنى فعل مفعول لم ينطق به.
قلت: بقي شرط تاسع لم يذكره هنا، وهو ألا يستغنى عنه بالمصوغ من غيره نحو: قال من القائلة, فإنهم لا يقولون: ما أقيَله؛ استغناء بقولهم: "ما أكثر قائلته, وما أنومه في ساعة كذا، كما قالوا: تركت ولم يقولوا: ودَعت، نص على ذلك سيبويه". وقد ذكر في التسهيل فقال: ويُغني في التعجب فعل عن فعل مستوف للشروط، كما يغني في غيره1, وذكر "ذلك"2 في شرحه.
من ذلك "سكر" و"قعد" و"جلس" ضدي "قام" و"قال" من القائلة، وزاد غيره "قام" و"غضب" و"نام" وممن ذكر السبعة ابن عصفور.
وعَدّ "نام" فيها غير صحيح؛ لأن سيبويه حكى: ما أنومه.
فإن قلت: قد ذكر بعضهم في شروطه أن يكون على فعُل أصلا أو تحويلا، وذكر بعضهم أن يكون واقعا3, وذكر بعضهم أن يكون دائما، فهذه ثلاثة شروط لم يذكرها الناظم.
__________
1 التسهيل ص132.
2 أ، جـ.
3 أي: غير مستقبل.(2/897)
قلت: أما اشتراط كونه على فعُل, فقد ذهب إليه كثير.
والصحيح أن صيغتي التعجب تبنيان من فعَل وفَعِل ولا تحتاجان إلى تحويل وهذا اختيار المصنف، وظاهر كلام سيبويه، قال: وهي تبنى من فعَل وفعِل وفعُل.
وأما اشتراط الواقع والدوام فليس بصحيح، بل يجوز: ما أحسن ما يكون هذا الطفل، وليس بواقع، وما أشد لمع البرق، وليس بدائم.
وقوله:
وأشدِدْ أو أشدَّ أو شبههما ... يخلف ما بعض الشروط عدما
ومصدر العادم بعد ينتصب ... وبعد أفعل جره بالبا يجب
يعني: أنه إذا قصد التعجب من فعل عدم بعض الشروط المذكورة, لم يجز صوغ صيغتي التعجب منه، بل يتوصل إلى التعجب منه بصوغهما مما جمع الشروط، ويؤتى بمصدر الفعل الذي عدم بعض الشروط فيعامل معاملة الاسم المتعجب منه فينصب بعد ما أفعل، ويجر بالباء بعد أفعل مضافا إلى اسم المتعجب منه, فيقال في التعجب من استخرج ونحوه: ما أشد استخراجه وأشدد باستخراجه ومن "نحو"1 مات: ما أفجع موته وأفجع بموته.
هذا حاصل البيت.
تنبيه:
هذا العمل يصح في كل متصرف مثبت مصوغ ذي مصدر مشهور, إذا لم يستوف بقية الشروط.
فإن كان غير متصرف لم يكن فيه هذا العمل؛ لأنه لا مصدر له، وإن كان منفيا أو مبنيا للمفعول لم يصح ذلك فيه، إلا بأن يؤتى به صلة لحرف مصدري معطى ما للمتعجب منه، فيقال: ما أقرب ألا يفعل وأقرب بألا يفعل، وما أشد ما ضرب وأشدد بما ضرب.
وإنما فعل ذلك؛ ليبقي لفظ النفي ولفظ الفعل المبني للمفعول.
__________
1 أ.(2/898)
قال الشارح: ولو أمن اللبس, جاز إيلاؤه المصدر الصريح نحو: ما أسرع نفاس هند, وأسرع بنفاسها.
فإن لم يكن للفعل مصدر مشهور, فالحكم أن يجعل صلة لما أيضا نحو: ما أكثر ما يذر زيد الشر.
وقوله:
وبالندور احكم لغير ما ذُكر ... ولا تَقِس على الذي منه أُثر
الإشارة بهذا البيت إلى أنه قد ورد بناء فعل التعجب مما لم يستوف الشروط على وجه الشذوذ "فيحفظ ولا يقاس", وقد تقدم بيان ما شذ من ذلك.
وقوله:
وفعل هذا الباب لن يقدما ... معموله ووصله به الزما
قال في شرح الكافية: لا خلاف في منع تقديم المتعجب منه على فعل التعجب، ولا في منع الفصل بينهما بغير ظرف وجار ومجرور، وتبعه الشارح في نفس الخلاف عن غير الظرف والمجرور، قال: كالحال والمنادى.
وليس كما زعما, بل في الحال خلاف.
أجاز الجرمي من البصريين وهشام من الكوفيين الفصل بالحال1, وقد ورد في الكلام الفصيح ما يدل على جواز الفصل بالمنادى, وذلك قول علي رضي الله عنه2:
أعزز عليّ أبا اليقظان أن أراك صريعا مجدلا
وقال في شرح التسهيل بعد ذكر كلام علي رضي الله عنه: وهذا مصحِّح للفصل بالنداء.
وأجاز الجرمي الفصل بالمصدر نحو: "ما أحسن إحسانًا زيدًا" ومنعه الجمهور؛ لمنعهم أن يكون له مصدر.
__________
1 نحو: "ما أحسن مجردة هندا".
2 قاله في حق عمار بن ياسر حين رآه مقتولا, "مجدلا" أي: مرميا على الجدلة -بالفتح- وهي الأرض.
وفيه الفصل بالنداء وهو "أبا اليقظان", فهو شاهد لجوازه.
وفيه الفصل بالمجرور وهو "علي"؛ لأن الأصل: أعزز بأن أراك كذا علي، أي: ما أعز ذلك وأشده علي.(2/899)
وأجاز ابن كيسان الفصل بلولا ومصحوبها، نحو: "ما أحسن لولا بخله زيدا" ولا حجة له على ذلك.
وأما الظرف والمجرور, ففيهما خلاف مشهور.
قال في شرح الكافية: والصحيح الجواز؛ لثبوت ذلك عن العرب.
وقال في شرح التسهيل: لم يمتنع ولم يضعف؛ لثبوت ذلك نثرا ونظما وقياسا.
فمن النثر قول عمرو بن معديكرب: "لله در بني سالم, ما أحسن في الهيجاء لقاءها، وأكرم في اللَّزبات عطاءها، وأثبت في المكرمات بقاءها"1، ومن النظم قول بعض الصحابة رضي الله عنهم2:
وقال نبي المسلمين تقدموا ... وأحبب إلينا أن تكون المقدما
وقول الآخر3:
أقيم بدار الحزم ما دام حزمها ... وأحْرِ إذا حالت بأن أتحولا
__________
1 وهو صحابي من فرسان الجاهلية والإسلام, قتل سنة إحدى وعشرين من الهجرة. "في الهيجاء" -بالمد والقصر- الحرب, "واللزبات" -بفتح اللام وسكون الزاي- جمع لزبة، وهي الشدة والقحط، "والمكرمات" جمع مكرمة -بضم الراء فيهما- أي: الكرم.
2 تقدم شرحه, والشاهد هنا: الفصل بالجار والمجرور بين فعل التعجب ومعموله.
3 قائله: هو أوس بن حجر, وهو من الطويل.
اللغة: "دار الحزم" المكان الذي تعتبر فيه الإقامة حزما, "أحر" أخلق, "حالت" تغيرت.
المعنى: أقيم بالمكان الذي تعتبر الإقامة فيه من الحزم وحسن التصرف، وذلك حيث يكون الإنسان فيه عزيزا مكرما، فإذا تغير الحال ولاقى الإنسان مهانة فأخلق به أن يتحول عنه إلى مكان آخر، يلقى فيه العزة والكرامة.
الإعراب: "أقيم" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر, "بدار" متعلق بأقيم, "الحزم" مضاف إليه, "ما" مصدرية ظرفية, "دام" فعل ماض ناقص, "حزمها" اسم دام والهاء مضاف إليه والخبر محذوف أي: موجودا، ويجوز أن يكون دام تامة وحزمها فاعلا به, "وأحر" فعل ماض للتعجب جاء على صورة الأمر, "إذا" ظرف له, "حالت" الجملة في محل جر بإضافة إذا إليها, "بأن أتحولا" الباء زائدة، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بها لفظا, وهو في التقدير فاعل لفعل التعجب مرفوع محلا.
الشاهد فيه: "أحر إذا حالت بأن أتحولا" حيث فصل بين فعل التعجب وهو "أحر" ومعموله وهو "بأن أتحولا", فإن المصدر المؤول من أن وما دخلت عليه فاعل فعل التعجب, والفاصل بينهما ظرف وهو "إذا حالت".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 369 / 2، وابن هشام 73/ 3, والمكودي ص108، وابن الناظم، وذكره السيوطي في الهمع 90/ 2.(2/900)
ومن القياس أن الفصل بالظرف والمجرور, مغتفر بين المضاف والمضاف إليه فهنا أولى.
وأجاز بعضهم الفصل بهما على قبح.
فالحاصل ثلاثة مذاهب، والجواز مذهب الفراء والجرمي والمازني والزجاج والفارسي وابن خروف والشلوبين.
وإلى المنع ذهب الأخفش والمبرد وأكثر البصريين، ونسبه الصيمري1 إلى سيبويه.
والحق أنه ليس لسيبويه فيه نص، قال الشلوبين: والصواب أن ذلك جائز, وهو المشهور والمتصور.
قلت: وقد أشار في النظم إلى ترجيح الجواز بقوله: "مستعمل"؛ لأن استعماله دليل جوازه.
تنبيه:
جواز الفصل بالظرف والمجرور عند المجيز مشروط بكونهما متعلقين بفعل التعجب، فإن لم يتعلقا به امتنع الفصل بهما كما امتنع بغيرهما, فلا يجوز: "ما أحسن بمعروف آمرا" وذكر في شرح التسهيل أنه لا خلاف في ذلك.
__________
1 هو عبد الله بن علي بن إسحاق الصيمري النحوي، أبو محمد. له "التبصرة" في النحو كتاب جليل أكثر ما يشتغل به أهل المغرب، وأكثر أبو حيان من النقل عنه.(2/901)
نعم وبئس وما جرى مجراهما:
فعلان غير متصرفين ... نعم وبئس رافعان اسمين
قوله: "فعلان" خبر مقدم لنعم وبئس، وفي ذلك خلاف. وفي نقله طريقان:
أحدهما: أن البصريين والكسائي ذهبوا إلى فعليتهما, واستدلوا بأوجه:
أحدها: اتصال تاء التأنيث الساكنة بهما عند جميع العرب.
والثاني: اتصال ضمير الرفع البارز بهما في لغة قوم, وحكاها الكسائي والأخفش.
والثالث: بناؤهما على الفتح كسائر الأفعال الماضية.
وذهب الفراء وأكثر الكوفيين إلى أنهما اسمان، واستدلوا بدخول حرف الجر في نحو قوله: "ما هي بنعم الولد"1 و"نعم السير على بئس العير"2.
ويؤول على: بمقول فيها: نعم الولد, وعلى: مقول فيها: بئس العير.
والأخرى: حررها ابن عصفور في تصانيفه المتأخرة, فقال: لا يختلف أحد من النحويين البصريين والكوفيين في أن نعم وبئس فعلان، وإنما الخلاف بينهم بعد إسنادهما إلى الفاعل.
فذهب البصريون: أن "نعم الرجل" جملة فعلية وكذلك "بئس الرجل".
وذهب الكسائي إلى أن قولك: "نعم الرجل" و"بئس الرجل" اسمان محكيان
__________
1 قال حين بشر ببنت: وبقيته: "نصرها بكاء وبرها سرقة" أي: إذا أرادت أن تنصر أباها على أعدائه مثلا لا تقدر على الدفع بنفسها، بل تصرخ لتستغيث بالناس، وبرها -بكسر الباء- أي: إذا أرادت أن تبر أحدا سرقت له من زوجها أو من غيره، ويحتمل أنه بفتح الباء وبالزاي بمعنى السلب والأخذ قهرا.
2 العير -بفتح العين وسكون الياء- هو الحمار وجمعه: أعيار كبيت وأبيات, والأنثى عيرة.(2/902)
حيث وقعا بمنزلة تأبط شرا وبرق نحره، فنعم الرجل عنده اسم للممدوح وبئس الرجل اسم للمذموم، وهما جملتان في الأصل نقلتا عن أصلهما وسمي بهما.
وذهب الفراء إلى أن الأصل في قولك: "نعم الرجل زيد" و"بئس الرجل عمرو": رجل نعم الرجل زيد، ورجل بئس الرجل عمرو، فحذف الموصوف الذي هو رجل وأُقيمت الصفة التي هي الجملة من نعم وفاعلها وبئس وفاعلها مقامه. فحكم لها بحكمه، فنعم الرجل من قولك: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل من قولك: بئس الرجل عمرو، عندهما رافعان لزيد وعمرو، كما أنك لو قلت: ممدوح زيد ومذموم عمرو، لكان زيد مرفوعا بممدوح، وعمرو مرفوعا بمذموم.
والذي حملهما على ذلك أنهما رأيا العرب قد حكمت لنعم الرجل وبئس الرجل بحكم الأسماء في بعض المواضع، فحملاهما على ذلك في سائر المواضع. وقوله: "غير متصرفين" سبب عدم تصرفهما لزومهما إنشاء المدح والذم.
وفي نعم أربع لغات: نَعِم وهي الأصل, ونَعْم بالتخفيف, ونِعِم بالإتباع, ونِعْم بالتخفيف بعد الإتباع، قيل: وأفصحها نِعْم وهي لغة القرآن, ثم نِعِم بالإتباع نعم وهي الأصلية وقرئ "بها"1: "فنِعِمَّ هي"2 ثم نعم في المرتبة الرابعة.
وحكى بعضهم: "نعيم الرجل" واستدل به على الاسمية؛ لأن فعيلا من أوزان الأسماء. ورُد بأن ذلك من باب الإشباع على سبيل الشذوذ، فلا يثبت لغة.
وأما بئس, فنص كثير على أن فيها اللغات الأربع، وقال بعضهم: لم يسمع فيها إلا لغتان: بيس -بالتخفيف بعد الإتباع- وبئس على الأصل، والأخريان بالقياس.
وقال ابن عصفور والمحققون: الهمزة يبدلون منها ياء فيقولون: بيس.
__________
1 أ، جـ في ب "بهما".
2 من الآية 271 من سورة البقرة.(2/903)
وحكى الأخفش وأبو علي: بيس, بفتح الباء وتسكين الياء.
وقوله: "رافعان اسمين" يعني: أن كلا منهما يقتضي مرفوعا على الفاعلية؛ لأنهما فعلان كما سبق.
فإن قلت: كون المرفوع بعدهما فاعلا، إنما هو على مذهب البصريين، فما وجه رفعه على مذهب الكوفيين؟
قلت: أما على الطريقة الأولى, فقال في البسيط: ينبغي أن يكون تابعا عندهم لنعم إما بدلا أو عطفا، ونعم اسم يراد به الممدوح, فكأنك قلت: الممدوح الرجل زيد, وأما على الثانية فواضح.
وقوله: "مقارني أل" نعت لقوله: "اسمين".
وحاصل كلامه أن فاعل نعم وبئس يكون قسمين: ظاهرا ومضمرا.
فالظاهر شرطه أن يكون معرفا بأل نحو: {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} 1.
أو مضافا إلى معرف بهما نحو: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} 2.
"أو مضافا إلى"3 مضاف إلى المعرف بهما نحو4:
فنعم ابن أخت القوم غير مكذَّب ... زهير حسامٌ مفردٌ من حمائل
__________
1 من الآية 40 من سورة الأنفال.
2 من الآية 30 من سورة النحل.
3 ب، جـ, وفي أ "أو إلى مضاف إلى معرف".
4 قائله: هو أبو طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- من كلمة يمدح فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويعاتب قريشا على ما كان منها, وهو من الطويل.
اللغة: "حسام" السيف القاطع، وسمي بذلك لأنه يحسم الخلاف بين الناس, "حمائل" جمع حمالة -بالكسر- وهي علامة السيف, "زهير" اسم رجل.
المعنى: يمدح ابن أبي أمية بأنه صادق المودة, وبأنه إذا قال لم يجد من يرد عليه قوله بالتكذيب؛ لأن الناس جميعا يعلمون صدقه، ثم شبهه بالسيف الذي يفرد عنه حمائله, يشير إلى أنه نسيج وحده لا مشارك له في صفاته. =(2/904)
وقد أشار إلى الأول بقوله: "مقارني أل".
وإلى الثاني بقوله: "أو مضافين لما قارنها".
ومثل بقوله: "كنعم عقبى الكرما".
ولم ينبه على الثالث؛ لكونه بمنزلة الثاني, وقد نبه عليه في التسهيل1.
تنبيهات:
الأول: اشتراط كون الظاهر معرفا بأل أو مضافا إلى المعرفة بها "أو إلى"2 المضاف إلى المعرف بها، هو الغالب، وأجاز بعضهم أن يكون مضافا إلى ضمير ما فيه أل كقوله3:
فنعم أخو الهيجا ونعم شبابها
__________
= الإعراب: "نعم" فعل ماض لإنشاء المدح, "ابن" فاعل نعم, "أخت" مضاف إليه, "القوم" مضاف إليه أيضا, "غير مكذب" حال من ابن ومضاف إليه، والجملة من نعم وفاعلها خبر مقدم, "زهير" مبتدأ مؤخر، أو زهير خبر لمبتدأ محذوف، أي: هو زهير، وهو المخصوص بالمدح, "حسام مفرد" خبران لمبتدأ محذوف، لا نعتان لزهير؛ لأن المعرفة لا تنعت بالنكرة, "من حمائل" متعلق بمفرد, وجر بالكسرة للضرورة.
الشاهد فيه: "نعم ابن أخت القوم" حيث جاء فاعل نعم اسما مضافا إلى اسم مضاف إلى مقترن بأل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 371/ 2، وابن هشام 82/ 3، وابن الناظم، وذكره السيوطي في الهمع 85/ 2.
1 التسهيل ص126.
2 ب، وفي أ "أو مضافا إلى مضاف".
3 قائله: لم أقف على قائله, وهو شطر من الطويل.
اللغة: "أخو الهيجا" أي: صاحب الهيجاء، وهو كناية عن ملازمته الحرب وشدة مباشرتها، والهيجاء -ممدود- اسم للحرب، وقصرت هنا للوزن، وروي "نعم شهابها", والشهاب: الشعلة من النار الساطعة.
الإعراب: "نعم" فعل ماض لإنشاء المدح, "أخو" فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لأنه من الأسماء الستة, "الهيجا" مضاف إليه, "ونعم" الواو حرف عطف ونعم فعل ماض لإنشاء المدح, "شهابها" فاعل والهاء مضاف إليه.
الشاهد فيه: "نعم شبابها" حيث أضيف فاعل نعم إلى ضمير ما فيه الألف واللام.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 371/ 2، وذكره السيوطي في الهمع 85/ 2.(2/905)
والصحيح أنه لا يقاس عليه؛ لقلته.
وأجاز الفراء أن يكون مضافا إلى نكرة كقوله1:
فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم
ونقل إجازته عن الكوفيين وابن السراج، وخصه عامة النحويين بالضرورة.
وزعم صاحب البسيط أنه لم يرد نكرة غير مضافة، وليس كما زعم، بل ورد، ولكنه أقل من المضافة.
وحكى الأخفش أن ناسا من العرب يرفعون بنعم النكرة مفردة ومضافة, ومنه قوله2: ونعم نيم.
__________
1 قائله: كثير بن عبد الله المعروف بابن الغريرة, وهي أم عبد الله, وهو من البسيط.
وتمامه:
وصاحب الركب عثمان بن عفانا
الإعراب: "نعم" فعل ماض لإنشاء المدح, "صاحب" فاعل, "قوم" مضاف إليه, "لا" نافية للجنس, "سلاح" اسم لا مبني على الفتح في محل نصب, "لهم" متعلق بمحذوف خبر لا, "وصاحب" عطف على فاعل نعم, "الركب" مضاف إليه, "عثمان" المخصوص بالمدح.
الشاهد فيه: "نعم صاحب قوم" حيث ورد فاعل نعم اسما منكرا مضافا إلى نكرة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 271/ 2, وذكره السيوطي في الهمع 86/ 2.
2 قطعة من بيت من الوافر, وتمام البيت مع سابقه هو:
وسلمى أكمل الثقلين حسنا ... وفي أثوابها قمر وريم
نياف القرط غراء الثنايا ... وزيد للنساء ونعم نيم
ولم أقف على قائلهما. =(2/906)
وقد جاء ما ظاهره أن الفاعل علم أو مضاف إلى علم كقول بعض العبادلة: "بئس" عبد الله أنا "إن كان كذا", وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم عبد الله خالد بن الوليد" 1.
وقول سهل بن حنيف: "شهدت صفين, وبئست صفّون".
قال ابن عصفور: وأجاز الجرمي أن يقال: "نعم عبدُ الله هذا".
والصحيح أن ذلك لا يجوز؛ لأن عبد الله ليس معرفا بالألف واللام, ولا مضافا إلى ما تعرف بهما. فأما قول الشاعر2:
بئس قوم الله قوم طُرقوا ... فقروا جارهم لحما وحر
فضرورة.
__________
= اللغة: "قمر" القمر المعروف, "ريم" ولد الظبية ويهمز, "نياف القرط" -بضم القاف وسكون الراء- ما يعلق في شحمة الأذن من الحلي، وأراد بكونها نياف القرط أنها بعيدة مهواه، وذلك مما يكنى به عن طول العنق, "غراء الثنايا" الثنايا: الأسنان التي في مقدم الفم, "ريد النساء" الترب, "نيم" النعمة التامة, ومن يؤتنس به.
الإعراب: "نياف" خبر لمبتدأ محذوف، هي نياف, "القرط" مضاف إليه, "غراء" معطوف على نياف بعاطف مقدر, "الثنايا" مضاف إليه, "وريد" عطف على نياف, "للنساء" متعلق بمحذوف صفة لريد, "ونعم" فعل ماض لإنشاء المدح, "نيم" فاعل نعم، والجملة في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: هم نعم نيم.
الشاهد فيه: "نيم" حيث وقع فاعل نعم اسما منكرا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 372/ 2.
1 أ، جـ.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الرمل.
اللغة: "طرقوا" من الطروق وهو إتيان الأهل ليلا, "فقروا" أطعموا, "وحر" -بفتح الواو وكسر الحاء- الذي دبت عليه الوحرة، والوحرة -بفتح الواو والحاء- وزغة تكون في الصحراء، وهي صغيرة حمراء لها ذَنَب دقيق، وسكنت الراء للضرورة. =(2/907)
وكأن الذي سهل ذلك كون قوم يقع على ما يقع عليه القوم معرفا بالألف واللام, وهو مع ذلك مضاف في اللفظ إلى ما فيه الألف واللام، وإن لم يكن تعريفه بهما.
وأجاز المبرد والفارسي: إسناد نعم وبئس إلى الذي الجنسية1.
ومنع ذلك الكوفيون وجماعة من البصريين منهم: ابن السراج وأبو عمر2 في الفرخ. قال: ولم يرد به سماع، والقياس المنع؛ لأن كل ما كان فاعلا لنعم وكان فيه أل, كان مفسرا للضمير المستتر فيها إذا نُزعت منه و"الذي" ليست كذلك.
قال في شرح التسهيل: ولا ينبغي أن يمنع؛ لأن "الذي" جعل بمنزلة الفاعل؛ ولذلك اطرد الوصف به.
الثاني: اعلم أن ما ورد مما يوهم ظاهره أن الفاعل علم, أو مضاف إلى علم يمكن تأويله على أن الفاعل ضمير مستتر حُذف مفسره، والعلم أو المضاف إليه هو المخصوص.
ذكر هذا التأويل في شرح التسهيل، وهو مبني على جواز حذف التمييز في
__________
الإعراب: "بئس" فعل ماض لإنشاء الذم, "قوم" فاعل, "الله" مضاف إليه, "قوم" المخصوص بالذم, "طرقوا" فعل ماض مبني للمجهول وواو الجماعة للتخلص من التقاء الساكنين, "جارهم" مفعول به أول لقروا وهو مضاف والضمير مضاف إليه, "لحما" مفعول ثانٍ, "وحر" صفة للحم منصوب بالفتحة وسكّن للوقف.
الشاهد فيه: "بئس قوم الله" حيث ورد فاعل بئس اسما مضافا إلى علم, وهو لفظ الجلالة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 372/ 2.
1 نحو: "نعم الذي آمن زيدٌ".
2 في الأصل: أبي عمرو, والمعروف أن كتاب الفرخ لأبي عمر الجرمي.(2/908)
نحو ذلك، وسيأتي بيانه، ويمكن أن يحمل على هذا أيضا ما أوهم كون فاعلهما نكرة، إلا أن حكاية الأخفش أن1 ذلك لغة لقوم وتدفع التأويل.
الثالث: "أل"2 في فاعل نعم, ذهب الأكثرون أنها جنسية ثم اختلفوا:
فقيل: حقيقة، فإذا قلت: "نعم الرجل زيد", فالجنس كله هو الممدوح، وزيد مندرج تحت الجنس؛ لأنه فرد من أفراده، ولهؤلاء في تقريره قولان:
أحدهما: أنه لما كان الغرض المبالغة في إثبات المدح للممدوح جُعل المدح للجنس الذي هو منهم، إذ الأبلغ في إثبات الشيء جعله للجنس؛ حتى لا يتوهم كونه طارئا على المخصوص.
والثاني: أنه لما قصدت المبالغة, عدوا المدح إلى جنس المقصود بسببه.
فكأنه قيل: ممدوح جنسه لأجله، وقيل: مجاز.
فإذا قلت: "نعم الرجل زيد" جعلت زيدا جميع الجنس مبالغة، ولم تقصد غير مدح زيد.
وذهب قوم إلى أنها عهدية، ثم اختلفوا فقيل: المعهود ذهني كما تقول: "اشتر اللحم" ولا تريد الجنس ولا معهودا تقدم، وأراد بذلك أن يقع إبهام يأتي التفسير بعده تفخيما للأمر، وقيل: المعهود هو الشخص الممدوح.
فإذا قلت: "زيد نعم الرجل", فكأنك قلت: زيد نعم هو.
واستدل هؤلاء بتثنيته وجمعه.
وعلى القول بأنها للاستغراق بأن المعنى أن هذا المخصوص يَفْضُل أفراد هذا الجنس, إذا ميزوا رجلين رجلين, أو رجالا رجالا.
وعلى القول بأنها للجنس مجازا, بأن كل واحد من الشخصين على حِدَته جنس، فاجتمع جنسان فثُنِّيا.
__________
1 ب، جـ.
2 ب.(2/909)
وقد بسطت الكلام على هذه المسألة في غير هذا الموضع.
الرابع: لا يجوز إتباع فاعل نعم وبئس بتوكيد "معنوي"1. قال في شرح التسهيل: باتفاق. قال: وأما التوكيد اللفظي فلا يمتنع، وأما النعت فمنعه الجمهور، وأجاز أبو الفتح في قوله2:
لبئس الفتى المدعوّ بالليل حاتمُ
قال في شرح التسهيل: وأما النعت فلا ينبغي أن يُمنع على الإطلاق, بل يمنع إذا قُصد به التخصيص مع إقامة الفاعل مُقَام الجنس؛ لأن تخصيصه حينئذ منافٍ لذلك المقصد.
__________
1 أ، جـ.
2 قائله: هو يزيد بن قنانة بن عبد شمس العدوي, وهو من الطويل.
وصدره:
لعمري وما عمري عليَّ بهين
اللغة: "لعمري وما عمري" قسم بحياته وهو في هذا الاستعمال مفتوح العين, "وما عمري علي بهين" تأكيد للقسم, وبيان أنه ليس حانثا فيه, "المدعو بالليل" الذي تناديه مستغيثا به؛ لأنه لا يحييك حينئذ ولا يأخذ بناصرك.
الإعراب: "لعمري" اللام للابتداء, عمر مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وياء المتكلم مضاف إليه، وخبره محذوف وجوبا: لعمرك قسمي, "وما" الواو حالية وما نافية, "عمري" مبتدأ أو اسم ما النافية وياء المتكلم مضاف إليه, "علي" متعلق بهين الآتي, "بهين" الباء زائدة وهين خبر المبتدأ أو خبر ما النافية, مرفوع على الأول أو منصوب على الثاني, بضمة أو فتحة مقدرة, "لبئس" اللام واقعة في جواب القسم, بئس فعل ماض لإنشاء الذم, "الفتى" فاعل, "المدعو" نعت للفتى, "بالليل" متعلق بالمدعو، وجملة بئس في محل رفع خبر مقدم, "حاتم" مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد فيه: "بئس الفتى المدعو بالليل" حيث جاء فاعل بئس وهو "الفتى" منعوتا بقوله: "المدعو بالليل".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 373 / 2, وذكره السيوطي في الهمع 85/ 2.(2/910)
وأما إذا تؤول بالجامع لأكمل الخصال, فلا مانع من نعته حينئذ؛ لإمكان أن ينوى في النعت ما نوي في المنعوت، وعلى هذا يُحمل قول الشاعر1:
نعم الفتى المُرِّي أنت إذا هُمُ ... حضروا لدى الحُجرات نار الموقد
وحمل ابن السراج وأبو علي مثل هذا على البدل، وأَبَيَا النعت، ولا حجة لهما. انتهى.
وأما البدل والعطف, فظاهر سكوته في شرح التسهيل جوازهما.
وينبغي ألا يجوز فيهما إلا ما تباشره نعم.
ولما بين الظاهر, شرع في "بيان"2 المضمر فقال:
ويرفعان مضمرا يفسره ... مميز كنعم قومًا معشره
__________
1 قائله: هو زهير بن أبي سلمى من قصيدة يمدح بها سنان بن أبي حارثة المري, وهو من الكامل.
اللغة: "الحجرات" -بضم الحاء والجيم, أو بضم الحاء وفتح الجيم- جمع حجرة، وأراد بها هنا شدة الشتاء, "الموقد" الذي لا تخمد ناره للضيف والطارق.
الإعراب: "نعم" فعل ماض لإنشاء المدح, "الفتى" فاعل, "المري" نعت للفتى, "أنت" ضمير منفصل مبتدأ مؤخر وجملة نعم خبر مقدم, "إذا" ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب, "هم" فاعل بفعل محذوف يفسره الفعل بعده، والتقدير: إذا حضروا, فلما حذف الفاعل انفصل الضمير, "حضروا" فعل ماض وفاعله والجملة مفسرة, "لدى" ظرف مكان متعلق بحضر, "الحجرات" مضاف إليه, "نار" مفعول به لحضر, "الموقد" مضاف إليه.
الشاهد فيه: "نعم الفتى المري", حيث أتبع فاعل نعم وهو "الفتى" بنعت وهو "المري"؛ لأنه أريد بالنعت هنا نفس ما أريد بفاعل نعم من العموم، ولم يرد بالنعت تخصيص المنعوت بفرد مما يحتمله الجنس.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 373/ 2.
2 ب، جـ.(2/911)
فاعل "نعم" في المثال ضمير مبهم مفسر بالتمييز بعده, و"معشره" هو المخصوص بالمدح، وسيأتي إعرابه.
ولهذا الضمير أحكام:
أحدها: أنه لا يبرز في تثنية ولا جمع؛ استغناء بتثنية تمييزه وجمعه.
وأجاز قوم من الكوفيين تثنيته وجمعه، وحكاه الكسائي عن العرب.
ومنه قول بعضهم: "مررت بقوم نعمُوا قوما" وهو نادر.
الثاني: أنه لا يُتبع لشبهه بضمير الشأن، وأما نحو: "نعم هم قوما أنتم" فهم تأكيد للضمير المستكن، وذلك شاذ لا يعرج عليه.
الثالث: أنه إذا فُسِّر بمؤنث لحقته تاء التأنيث فتقول: "نعمت امرأة هند" كذا مثله في شرح التسهيل.
وقال ابن أبي الربيع: لا تلحق، وإنما يقال: "نعم امرأة هند" استغناء بتأنيث المفسِّر، ونص خطاب على جواز الأمرين.
الرابع: ذهب القائلون بأن فاعل "نعم" الظاهر يراد به الشخص، إلى أن المضمر كذلك، وأما القائلون بأن الظاهر يراد به الجنس، فذهب أكثرهم إلى أن المضمر كذلك، وذهب بعضهم إلى أن المضمر لشخص، قال: لأن المضمر على التفسير, لا يكون في كلام العرب إلا شخصا.
ولمفسر هذا المضمر شروط:
الأول: أن يكون مؤخرا عنه، فلا يجوز تقديمه على نعم وبئس.
الثاني: أن يتقدم على المخصوص, فلا يجوز تأخيره عنه عند البصريين.
وأما قولهم: "نعم زيد رجلا" فنادر.
الثالث: أن يكون مطابقا للمخصوص في الإفراد وضدَّيه، وفي التذكير وضده.(2/912)
الرابع: أن يكون قابلا لأل، فلا يفسر بمثل وغير وأيّ وأفعل التفضيل؛ لأنه خلف عن فاعل مقرون بأل, فاشتُرط صلاحيته لهما، وسيأتي الكلام على التمييز بما.
الخامس: أن يكون نكرة عامة، فلو قلت: "نعم شمسا هذه "الشمس""1 لم يجز؛ لأن الشمس مفرد في الوجود، ولو قلت: "نعم شمسا شمس هذا اليوم" لجاز.
ذكره ابن عصفور.
تنبيهان:
الأول: نص سيبويه على لزوم ذكر هذا التمييز، وصحح بعضهم أنه لا يجوز حذفه، وإن فهم المعنى، ونص بعض المغاربة على شذوذ "فبها ونعمت".
وقال في التسهيل: لازم غالبا2؛ استظهارا على نحو: "فبها ونعمت"3.
وممن أجاز حذفه لفهم المعنى ابن عصفور.
الثاني: ما ذكر من أن فاعل "نعم" قد "يضمر"4 فيها هو مذهب الجمهور، وذهب الكسائي إلى أن الاسم المرفوع بعد النكرة المنصوبة فاعل نعم, والنكرة عنده منصوبة على الحال, ويجوز عنده أن تتأخر فيقال: "نعم زيدٌ رجلًا", وذهب الفراء إلى أن الاسم المرفوع فاعل كقول الكسائي، إلا أنه جعل النكرة المنصوبة تمييزا منقولا.
والأصل في قولك: "نعم رجلا زيد": "نعم الرجلُ زيدٌ" ثم نقل الفعل إلى اسم الممدوح فقيل: "نعم رجلًا زيدٌ" ويقبح عنده تأخيره؛ لأنه وقع موقع الرجل المرفوع وأفاد إفادته.
__________
1 أ، جـ.
2 التسهيل ص127.
3 لأن التاء الساكنة من خصائص الأفعال.
4 أ، جـ، وفي ب "مظهر".(2/913)
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور لوجهين:
أحدهما: قولهم: "نعم رجلا أنت" و"بئس رجلا هو", فلو كان فاعلا لاتصل بالفعل.
والثاني: قولهم: "نعم رجلا كان زيد", فأعملوا فيه الناسخ.
قوله:
وجمع تمييز وفاعل ظهر ... فيه خلاف عنهُمُ قد اشتهر
في الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر ثلاثة مذاهب:
المنع وهو مذهب سيبويه، إذ لا إبهام يرفعه التمييز.
والجواز وهو مذهب المبرد وابن السراج والفارسي.
قال المصنف: وهو الصحيح، واستدل بالقياس والسماع.
فالقياس أن التمييز قد ورد مؤكدا, لا لرفع الإبهام في نحو قوله1:
ولقد علمتُ بأن دين محمد ... من خير أديان البريّة دينا
فلا يمتنع مع الفاعل الظاهر للتوكيد "لا لرفع الإبهام"2.
__________
1 قائله: هو أبو طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو من الكامل.
الإعراب: "ولقد" اللام موطئة للقسم وقد حرف تحقيق, "علمت" فعل وفاعل، والجملة لا محل لها جواب القسم, "بأن" الباء جارة, وأن حرف توكيد ونصب, "دين" اسم أن منصوب بالفتحة, "محمد" مضاف إليه, "من خير" متعلق بمحذوف خبر أن, "أديان" مضاف إليه, "البرية" مضاف إليه، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالباء، والجار والمجرور متعلق بعلم, "دينا" تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة.
الشاهد فيه: "دينا", فإنه تمييز مؤكد.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 376/ 2, وذكر في القطر ص245.
2 أ، جـ.(2/914)
والسماع قوله1:
تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا
وقول الآخر2:
والتغلبيون بئس الفحل فحلهم ... فحلا............
__________
1 قائله: هو جرير بن عطية, من قصيدة يمدح فيها عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- وهو من الوافر.
اللغة: "تزود" أصل معناه: اتخذ زادا، وأراد منه هنا السيرة الحميدة وحسن المعاملة.
الإعراب: "تزود" فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر, "مثل" مفعول به, "زاد" مضاف إليه, "أبيك" مضاف إليه مجرور بالياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه من الأسماء الستة والكاف مضاف إليه, "فينا" متعلق بتزود, "نعم" فعل ماض لإنشاء المدح, "الزاد" فاعل، والجملة خبر مقدم, "زاد" مبتدأ مؤخر, "أبيك" مضاف إليه, وضمير المخاطب مضاف إليه, "زادا" تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة.
الشاهد فيه: "نعم الزاد زاد" حيث جمع بين الفاعل الظاهر, والنكرة المفسرة تأكيدا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 376/ 2, والمكودي ص109.
وذكر في المفصل 132/ 7، والمغني 90/ 2.
2 قائله: هو جرير بن عطية, من كلمة له يهجو فيها الأخطل التغلبي.
وتمامه:
........ وأمهم زلاء منطيق
وهو من البسيط.
اللغة: "زلاء" -بفتح الزاي وتشديد اللام- المرأة إذا كانت قليلة لحم الأليتين.
"منطيق" -بكسر الميم- مبالغة ناطق، ويستوي فيه المذكر والمؤنث، وهو البليغ، والمراد هنا المرأة التي تأتزر بحشية تعظم بها عجيزتها.
المعنى: يذمهم بدناءة الأصل، وبأنهم في شدة الفقر وسوء العيش حتى إن المرأة منهم لتمتهن في الأعمال وتبتذل في الخدمة، فيذهب عنها اللحم، فتضطر إلى أن تتخذ حشية.
الإعراب: "والتغلبيون" مبتدأ, "بئس" فعل لإنشاء الذم, "الفحل" فاعل، والجملة في محل رفع خبر مقدم، "فحلهم" مبتدأ مؤخر، والضمير مضاف إليه، والجملة من المبتدأ وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الذي في أول الكلام, "فحلا" تمييز, "وأمهم" مبتدأ والضمير مضاف إليه, "زلاء" خبر المبتدأ, "منطيق" نعت له.
الشاهد فيه: "بئس الفحل فحلا" حيث جمع بين فاعل بئس الظاهر وهو "الفحل", وبين التمييز وهو "فحلا".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 376/ 2، وابن عقيل 124/ 2، والسيوطي ص88, وابن الناظم.
وذكره السيوطي في الهمع 86/ 2.(2/915)
وقول الآخر1:
نعم الفتاةُ فتاةً هندُ لو بذلت ... رد التحية نطقا أو بإيماء
وحكي من كلام العرب: "نعم القتيلُ قتيلًا أصلح بين بكر وتغلب"2.
وهذا وارد في الاختيار.
وتأول المانع السماع. أما فحلا وفتاة وقتيلا فحال مؤكدة، وأما زادا فمصدر محذوف الزوائد، أو مفعول به "وقيل"3: حال.
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من البسيط.
اللغة: "بذلت" أعطت, "بإيماء" بإشارة، مصدر: أومأ إلى الشيء.
المعنى: أن هندا تستحق الثناء والتقدير لو تفضلت برد التحية بالنطق أو بالإشارة، ويعد ذلك منها بذلا ومنحة.
الإعراب: "نعم" فعل ماض لإنشاء المدح, "الفتاة" فاعل, "فتاة" تمييز مؤكد, "هند" مخصوص بالمدح, "لو" شرطية أو حرف تمن, "بذلت" فعل الشرط, "رد" مفعول بذلت, "التحية" مضاف إليه, "نطقا" منصوب على نزع الخافض أي: بنطق, "أو بإيماء" معطوف على نطقا، وجواب الشرط محذوف للعلم به.
الشاهد فيه: "نعم الفتاة فتاة" حيث جمع بين الفاعل الظاهر وهو "الفتاة", وبين التمييز وهو "فتاة"، وليس في التمييز معنى زائد على ما يدل عليه الفاعل، ولكن الغرض منه التأكيد لا رفع إبهام شيء.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 376/ 2، وابن هشام 85/ 3.
وذكره السيوطي في الهمع 86/ 2.
2 كلمة قالها الحارث بن عباد فارس النعامة, حين بلغه أن ابنه بجيرا قد قُتل في يوم من أيام حرب البسوس.
3 ب، جـ, وفي أ "ومثل".(2/916)
قال الشيخ أبو حيان: وعندي تأويل أقرب من هذا، وذلك أن يدعى أن في نعم وبئس ضميرا، وفحلا وفتاة وزادا تمييز تأخر عن المخصوص، وفحلهم وهند وزاد أبيك إبدال.
والمذهب الثالث التفصيل، فإن أفاد التمييز معنًى لا يفيده الفاعل جاز نحو: "نعم الرجل رجلًا عالمًا" ومنه في الأثر: "نعم المرءُ من رجل لم يطأ لنا فراشا, ولم يفتش لنا كنفا منذ أتانا"1.
ومنه قوله2:
................. ... فنعم المرء من رجل تهامي
__________
1 كنفا: سترا.
2 قائله: هو أبو بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب الليثي، يرثي هشام بن المغيرة.
وصدره:
تخيره فلم يعدل سواه
وهو من الوافر.
اللغة: "تخيره" اصطفاه, "لم يعدل" لم يمل, "تهامي" منسوب إلى تهامة، وتطلق على مكة.
المعنى: أن الموت اختار هشاما ولم يعدل به سواه، ولم يمل إلى غيره من الناس فهو نعم الرجل من تهامة.
الإعراب: "تخيره" فعل ماض والفاعل يعود على الموت في بيت قبله والهاء مفعوله تعود على هشام في بيت قبله, "فلم" الفاء عاطفة ولم جازمة نافية, "سواه" مفعول يعدل منصوب بفتحة مقدرة على الألف والهاء مضاف إليه, "فنعم" عاطفة ونعم فعل ماض, "المرء" فاعل, "من" زائدة, "رجل" تمييز للمرء منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حرف الجر الزائد, "تهامي" صفة لرجل.
الشاهد فيه: "نعم المرء من رجل" حيث جمع بين فاعل نعم الظاهر وهو "المرء", وبين التمييز وهو "من رجل"، وقد أفاد التمييز معنى زائدا عما أفاده الفاعل، وذلك بواسطة نعته.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 376/ 2، وابن هشام 85/ 3, وذكره ابن يعيش 133/ 7، والسيوطي في الهمع 86/ 4.(2/917)
وقوله1:
وقائلة نعم الفتَى أنت من فتًى ... .............
لأن المعنى: من مُتَفَتٍّ أي: كريم. فأفاد ما لا يفيده الفاعل، وإلا لم تجز، وصححه ابن عصفور.
تنبيه:
ما نقل عن سيبويه من المنع هو المعروف من مذهبه، وتأول الفارسي كلامه على أنه إنما عنى أنه لا يكون الفاعل ظاهرا حيث يلزم التمييز, بل الفاعل في حال لزوم التمييز مضمر لا غير، وفيه بعد.
وقوله:
ومما مُمَيِّز وقيل فاعل ... في نحو نعم ما يقول الفاضل
إذا وقعت ما بعد نعم وبئس, فتارة يليها فعل نحو: "نعم ما صنعت", وتارة يليها اسم نحو: {فَنِعِمَّا هِيَ} 2.
__________
1 قائله: هو الكروس بن حصن, وقيل: ابن زيد, وهو من الطويل.
وتمامه:
إذا المرضع العوجاء جال بريمها
اللغة: "المرضع" المرأة التي لها ولد ترضعه, "العوجاء" التي اعوجّت هزالا وجوعا, "جال" تحرك, "بريمها" البريم -بفتح الباء وكسر الراء- خيط يفتل على طاقين.
المعنى: يمدح نفسه بأنه كريم في وقت الشدة التي تضنّ فيها النفوس، حتى إن كثيرا من النساء يمتدحنه.
الإعراب: "وقائلة" الواو واو رب, وقائلة مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد, "نعم" فعل ماض, "الفتى" فاعل والجملة خبر مقدم، "أنت" مبتدأ مؤخر, "من" حرف جر زائد, "فتى" تمييز لفاعل نعم, "إذا" ظرف زمان, "المرضع" فاعل لفعل محذوف يدل عليه الكلام بعده, أي: إذا هزلت المرضع, "العوجاء" نعت للمرضع, "جال" فعل ماض, "بريمها" فاعل والضمير مضاف إليه.
الشاهد فيه: "نعم الفتى أنت من فتى" حيث جمع الفاعل الظاهر وهو "الفتى", والتمييز وهو "فتى", وأفاد التمييز معنى زائدا عن الفاعل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 376/ 2.
2 من الآية 271 من سورة البقرة.(2/918)
فإن وليها فعل ففيها عشرة أقوال, ومرجعها إلى أربعة:
أحدها: أنها نكرة في موضع نصب على التمييز.
والثاني: أنها في موضع رفع على الفاعلية.
والثالث: أنها المخصوص.
والرابع: أنها كافة.
فأما القائلون بأنها في موضع نصب على التمييز, فاختلفوا على ثلاثة أقوال:
الأول: أنها نكرة موصوفة بالفعل بعدها والمخصوص محذوف، وهو مذهب الأخفش والزجاج والفارسي في أحد قوليه والزمخشري وكثير من المتأخرين.
والثاني: أنها نكرة غير موصوفة والفعل بعدها صفة لمخصوص محذوف1.
والثالث: أنها تمييز والمخصوص "ما" أخرى موصولة "محذوفة"2, والفعل صلة لما الموصولة المحذوفة, ونُقل عن الكسائي.
وأما القائلون بأنها الفاعل, فاختلفوا على خمسة أقوال:
الأول: أنها اسم معرفة تام أي: غير مفتقر إلى "صلة"3، والفعل بعدها صفة لمخصوص, والتقدير: نعم الشيء شيء صنعت، وقال به قوم منهم ابن خروف, ونقله في التسهيل عن سيبويه والكسائي4.
والثاني: أنها موصولة، والفعل صلتها, والمخصوص محذوف، ونُقل عن الفارسي.
__________
1 أي: شيء.
2 ب، جـ.
3 أ، جـ, وفي ب "جملة".
4 التسهيل ص126.(2/919)
والثالث: أنها موصولة، والفعل صلتها، وهي فاعل يكتفى بها وبصلتها عن المخصوص. ونقله في شرح التسهيل عن الفراء والفارسي.
والرابع: أنها مصدرية ولا حذف هنا، وتأويله: بئس صنعك، وإن كان لا يحسن في الكلام: بئس صنعك حتى تقول: بئس الصنع صنعك، كما تقول: أظن أن تقوم، ولا تقول: أظن قيامك.
والخامس: أنها نكرة موصوفة في موضع رفع1.
"وأما القائل بأنها المخصوص, فقال: إنها موصولة وهي المخصوص وما أخرى محذوفة، والأصل: نعم ما ما صنعتَ، والتقدير: نعم شيئا الذي صنعته, وهذا قول الفراء"2.
وأما القائل بأنها كافة, فقال: إنما كفت نعم كما كفت قلّ, فصارت تدخل على الجملة الفعلية.
وإن وليها اسم, ففيها ثلاثة أقوال:
الأول: أنها نكرة في موضع نصب على التمييز, والفاعل مضمر والمرفوع "بعد "ما""3 هو المخصوص. قيل: وهو مذهب البصريين.
قلت: ليس هذا النقل على إطلاقه؛ لما سيذكر.
والثاني: أنها معرفة تامة، وهي الفاعل، وهو ظاهر مذهب سيبويه، ونقل عن المبرد وابن السراج والفارسي، وهو قول الفراء.
والثالث: أن "ما" ركبت مع الفعل، فلا موضع لها من الإعراب والمرفوع بعدها هو الفاعل، وقال به قوم وأجازه الفراء.
__________
1 والمخصوص محذوف.
2 أ، جـ.
3 أ، جـ, وفي ب "بعدها".(2/920)
تنبيهات:
الأول: قد ظهر مما ذكرته أن قوله: "وما مميز" صادق على ثلاثة أقوال, وأن قوله: "وقيل: فاعل" صادق على خمسة "أقوال"1 إلا أن الظاهر أنه "إنما"2 أراد الأول من الثلاثة والأول من الخمسة؛ لاقتصاره عليهما في شرح الكافية.
الثاني: يندرج في كلامه صورتان -أعني: ما وليه الفعل وما وليه الاسم- فإن القول بأن "ما" تمييز أو فاعل جاز فيهما.
الثالث: ظاهر عبارته هنا يشير إلى ترجيح القول الذي بدأ "به"3 وهو أن "ما" تمييز, وكذا عبارة الكافية، وذهب في التسهيل4 إلى أنها معرفة تامة وأنها فاعل، ونقله عن سيبويه والكسائي, واستدل بأوجه:
أحدها: أن "ما" مساوية للضمير في الإبهام، فلا تكون تمييزا.
والثاني: أنه كثر الاقتصار عليها في نحو: "غسلته غسلا نعما", والنكرة التالية نعم لا يقتصر عليها إلا نادرا.
والثالث: أن التمييز في هذا الباب, وفي غيره أيضا لا بد أن يكون قابلا لأل, ونص ابن عصفور وغيره على أن التمييز لا يكون إلا بالأسماء المتوغلة في البناء, لا بالمتوغلة في الإبهام "كَسِيّ"5 ولا أدخل في الإبهام، والبناء من ما.
الرابع: جزم المصنف بنقل هذا المذهب عن سيبويه نظرا, فإن مستنده قول سيبويه "في"6: دققته دقا نعما، أي: نعم الدق.
وفي فنعما هي: نعم الشيء إبداؤها, وهو محتمل لأن يكون تفسير معنى، لا تفسير إعراب.
__________
1 ب، جـ.
2 ب، جـ.
3 أ.
4 التسهيل ص126.
5 ب، جـ.
6 ب، جـ.(2/921)
وقوله في الكافية: والرفع بعضهم نمى، لسيبويه, وادعى التعريف مع تمام ما وظاهر قد اتبع، ظاهر في عدم الجزم.
وقوله:
ويُذكر المخصوص بعد مبتدا ... أو خبر اسم ليس يبدو أبدا
المخصوص هو المقصود بالمدح بعد "نعم", وبالذم بعد "بئس".
وله ثلاث أحوال:
الأولى: أن يذكر بعد فاعلها نحو: "نعم الرجلُ زيدٌ" وفي إعرابه حينئذ ثلاثة أوجه:
الأول: أن يكون مبتدأ والجملة قبله خبره.
والثاني: أن يكون خبر مبتدأ واجب الإضمار.
وهذا معنى قوله: "ليس يبدو أبدا".
والثالث: أن يكون مبتدأ حُذف خبره.
"والأول هو الصحيح"1 وبه جزم سيبويه.
قال ابن الباذش2: لا يجيز سيبويه أن يكون المخصوص بالمدح أو الذم إلا مبتدأ.
وأجاز الثاني جماعة, منهم السيرافي وأبو علي والصيمري.
وذكر في شرح التسهيل أن سيبويه أجازه، وعبارة سيبويه فيها احتمال، ومن تأمّل كلامه لم يجد فيه ذكرا له.
__________
1 أ، جـ.
2 هو أبو الحسن علي بن أحمد المعروف بابن الباذش. وُلد بغرناطة وشبّ على حب الفضيلة والزهد في الدنيا، وبرع في الشريعة والعربية، وبذل همه في النحو فشرح أمهات الكتب؛ إذ شرح كتاب سيبويه، والأصول لابن السراج، والمقتضب للمبرد, وغير ذلك.
توفي بغرناطة سنة 538هـ.(2/922)
قال في شرح التسهيل: والأول أولى، بل هو عندي متعين؛ لصحته في المعنى وسلامته من مخالفة أصل بخلاف الثاني، فإنه يلزم منه أن ينصب لدخول كان عليه، وأما الثالث فأجازه قوم منهم ابن عصفور، وقال في شرح التسهيل: هو غير صحيح؛ لأن هذا الحذف ملتزم ولم نجد خبرا يلتزم حذفه إلا ومحله مشغول بشيء يسد مسده.
وذهب ابن كيسان إلى أن المخصوص بدل من الفاعل، وردّ بأنه لازم وليس البدل بلازم، وبأنه لا يصلح لمباشرة نعم.
والثانية: أن يذكر قبل نعم وبئس، وهو حينئذ مبتدأ والجملة بعده خبر, سواء أقيل بفعلية نعم وبئس أم باسميتهما، وجوّزوا على القول بالاسمية أن يكونا مبتدأين والمخصوص الخبر والعكس.
فإن قلت: إذا جعل المخصوص مبتدأ والجملة خبره, فما هو الرابط؟
قلت: الرابط عند الجمهور هو العموم الذي في الفاعل, ويجوز دخول نواسخ الابتداء عليه كقول الشاعر1:
__________
1 قائله: يزيد بن الطثرية, وهو من الطويل.
اللغة: "تعذير حاجة" عسرها وعدم تأتِّي قضائها, "أمارس فيها" أعالجها وأحتال لقضائها.
الإعراب: "إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان, "أرسلوني" فعل ماض وواو الجماعة فاعل والنون للوقاية وياء المتكلم مفعول به, "عند" ظرف متعلق بأرسل, "تعذير" مضاف إليه, "حاجة" مضاف إليه, "أمارس" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه, "فيها" متعلق بأمارس, "كنت" كان واسمها, "نعم" فعل ماض لإنشاء المدح, "الممارس" فاعل، والجملة في محل نصب خبر كان.
الشاهد فيه: "كنت نعم الممارس".
حيث دخلت كان على نعم وفاعلها, وهي من النواسخ.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 379/ 2, وذكره السيوطي في الهمع 88/ 2.(2/923)
إذا أرسلوني عند تعذير حاجة ... أمارس فيها كنتُ نِعْمَ الممارسُ
وكقول الآخر1:
إن ابن عبد الله نِعْمَ ... أخو الندى وابن العشيرهْ
والثالثة: أن يحذف للدلالة عليه كقوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ} 2.
وإلى هذا أشار بقوله:
وإن يُقَدَّم مشعر به كفى
فإن قلت: قد ظهر بما قدمته أن المخصوص لا يجب تأخيره.
وقوله: ويذكر المخصوص بعد، يقتضي أن يكون متأخرا.
قلت: ما ذكرته من جواز تقديمه, صرح به ابن عصفور والمصنف في التسهيل, وعبارته هنا وفي الكافية وشرحها تُوهِم منع تقديمه, بل قوله:
وإن يقدم مشعر به كفى ... كالعلم نعم المقتنَى والمقتفَى
__________
1 قائله: هو أبو دهبل الجمحي من كلمة يمدح فيها المغيرة بن عبد الله, وهو من الكامل.
اللغة: "أخو الندى" -بفتح النون وتخفيف الدال- أي: صاحب الكرم والسخاء.
الإعراب: "إن" حرف توكيد ونصب, "ابن" اسم إن منصوب بالفتحة, "عبد" مضاف إليه ولفظ الجلالة مضاف إليه, "نعم" فعل ماض, "أخو" فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الستة, "الندى" مضاف إليه, "وابن" عطف على أخو, "العشيرة" مضاف إليه، وجملة نعم وفاعله في محل رفع خبر إن.
الشاهد فيه: "إن ابن عبد الله نعم أخو الندى" حيث دخل الناسخ, وهو "إن" على نعم وفاعلها.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 379/ 2, وذكره السيوطي في الهمع 87/ 2.
2 من الآية 44 من سورة ص.(2/924)
تصريح بأن المتقدم ليس هو المخصوص, بل مشعر به.
والظاهر أن هذا المثال مما تقدم فيه المخصوص، لا مما حذف فيه لدلالة ما قبله.
فإن قلت: كيف خير المصنف بين جعله مبتدأ وجعله خبرا وليسا سواء؛ لأن الأول متفق عليه والثاني قد منعه بعضهم, ومن أجازه فهو أضعف عنده من الأول.
قلت: التخيير بينهما يقتضي جوازهما لا استواءهما في القوة، مع أنه يحتمل ألا يكون تخييرا, بل حكاية خلاف، وقد جرت عادة كثير بعطف الأقوال بأو.
فإن قلت: يحتمل قوله: "مبتدأ" القولين السابقين, "فإنما"1 يحمل كلامه عليه.
قلت: على أن خبره ما قبله؛ إذ لو أراد الآخر لبين أن الخبر محذوف.
تنبيه:
للمخصوص شرطان:
أحدهما: أن يختص وهو شرط غالب كقولهم: "نِعْمَ البعير جمل".
الثاني: أن يكون أخص من الفاعل.
وقوله:
واجعل كبئس ساء......
يعني: معنًى وحكمًا, فتقول: "ساء الرجل أبو جهل", و"ساء رجلًا هو".
فإن قلت: ما وزن ساء؟
قلت: فَعُل -بضم العين- بدليل أنها للمبالغة في الذم؛ ولذلك قيل: لا حاجة لإفراد ساء بالذكر؛ لأنها من أفراد النوع الآتي، وألفها عن واو.
وهي فعل لا يتصرف.
__________
1 أ، جـ, وفي ب "فإنهما".(2/925)
وقوله:
...... واجعل فَعُلا ... من ذي ثلاثة كنعم
يجوز بناء فعل -بضم العين- من كل فعل ثلاثي، ويجعل مثل نعم وبئس في عدم التصرف، وإفادة المدح والذم, واقتضاء فاعل كفاعل نعم وبئس، فيكون ظاهرا مصاحبا لأل أو مضافا إلى صاحبها أو ضميرا مفسَّرا بتمييز على ما تقدم من التفصيل.
وسواء في ذلك ما وضع على فَعُل كقوله تعالى: { ... كَبُرَتْ كَلِمَةً} 1, أو وضع على فعَل أو فعِل ثم حُول نحو: "قَضُوَ الرجل فلان" و"علُم الرجل زيد".
وقوله: "مسجلا" قال الشارح: أي: بلا قيد، يقال: أسجلت الشيء, إذا أمكنت من الانتفاع مطلقا.
فإن قلت: كيف قال: "مسجلا" وبناء فَعْل من الثلاثي؛ لقصد المدح والذم, مشروط بأن يكون مما يتعجب منه بقياس؟ نص على ذلك ابن عصفور, وحكاه عن الأخفش.
قلت: لعل قوله: "مسجلا" يعني به أن فعل المذكور يجعل مثل نعم مطلقا, أي: في جميع أحكامها.
ويحتمل أن يكون قال: "مسجلا" ليشمل "المصوغ"2 على فعُل, والمصوغ على فعَل أو فعِل.
فإن قلت: مقتضى كلامه أن معنى فعل المذكور إذا قصد به المدح كمعنى نعم, وإذا قصد به الذم كمعنى بئس، وليسا بسواء لأن العرب لا تبني فعُل المذكور وتُضَمِّنه معنى المدح أو الذم, إلا إذا أرادوا معنى التعجب، نص على ذلك ابن عصفور.
فهو إذن يدل على المدح والذم, وزيادة معنى التعجب.
__________
1 من الآية 5 من سورة الكهف.
2 أ, وفي ب، جـ "الموضوع".(2/926)
قلت: لا نسلم أن مقتضى كلامه أن فعل المذكور بمعنى نعم وبئس, بل يكون قوله: واجعل فعلا كنعم, يعني: في الحكم لا في المعنى، ويؤيده أنه لم يذكر في النظم بئس.
وليس كل فعل للمدح, فكيف يجعل مثل نعم في المعنى؟
وقد ذكر في التسهيل أن فعل المذكور مضمن معنى التعجب1.
فإن قلت: وفي جعل فعُل المذكور مثل نعم في جميع أحكامها نظر؛ لأن من أحكامها أن فاعلها لا يكون إلا مقرونا بأل أو مضافا إلى المقرون بها أو مضمرا يفسره تمييز إلا ما ندر.
وفَعُل المشار إليه يكثر انجرار فاعله بالباء واستغناؤه عن أل وإضماره على وفق ما قبله, كما ذكر في التسهيل2 خلاف نعم3.
قلت: ذكر أبو الحسن الأخفش أن من العرب من يجري فعل المذكور مجرى نعم وبئس, فيجعل فاعله كفاعلهما؛ رعيًا لما تضمنه من معنى المدح والذم.
ومنهم من لا يجريه مجراهما، فلا يلزم إذ ذاك أن يكون فاعله كفاعل نعم وبئس؛ رعيا "لما فيه"4 من معنى التعجب.
وظاهر هذا أنهما لغتان.
تنبيه:
مثل في شرح الكافية وشرح التسهيل بعلُم الرجل، وذكر ابن عصفور أن العرب شذت في ثلاثة ألفاظ فلم تحوِّلها إلى فَعُل، بل استعملتها استعمال نعم من غير تحويل، وهي: عَلِم وجَهِل وسَمِع.
__________
1 التسهيل ص128.
2 التسهيل ص128.
3 مثال ذلك قول الشاعر:
حُبَّ بالزور الذي لا يُرَى ... منه إلا صفحة أو لِمام
وفهُم زيد, والزيدون كرموا رجالا؛ نظرا لما فيه من معنى التعجب هـ 38/ 2 أشموني.
4 ب، جـ، وفي أ "لما فاته".(2/927)
وقوله: ومثل نعم حَبَّذا.
يعني: أن حبذا بمنزلة نعم وفاعلها في إفادة المدح.
فإن قلت: مقتضى عبارته أن "حبذا" بمجموعه مثل "نعم" وليس كذلك، بل حب بمنزلة نعم، وإذا بمنزلة فاعل نعم.
قلت: كأنه قصد التنبيه على أن حب الذي هو بمنزلة نعم "هو"1 المقرون بذا.
فلذلك لم يقل: "ومثل نعم حب".
فإن قلت: ليس حبذا مثل نعم كما ذكر؛ لأن حبذا يشعر مع دلالتها على المدح العام، بأن الممدوح محبوب وقريب من النفس بخلاف نعم.
قال في شرح التسهيل: والصحيح أن "حب" فعل يقصد به المحبة والمدح.
وجعله فاعله "ذا"؛ ليدل بذلك على الحضور في القلب.
قلت: إنما جعلها مثلها في إفادة المدح العام، فلا ينافي ذلك إشعارها بما ذكر.
وقوله: "الفاعل ذا" هو "ظاهر"2 مذهب سيبويه، وهو المختار. قال ابن خروف بعد أن مثّل بحبذا زيد: حب فعل وذا فاعلها، وزيد مبتدأ وخبره حبذا, هذا قول سيبويه. وأخطأ عليه من زعم غير ذلك.
وفي قوله: "الفاعل ذا" تعريض بالرد على القائلين بتركيب حب مع ذا, ولهم مذهبان:
أحدهما: أن التركيب أزال فاعلية "ذا", فصار "ذا"3 مع حب اسما واحدا مرفوعا بالابتداء وخبره ما بعده.
وهو مذهب المبرد وابن السراج ووافقهما ابن عصفور، ونسبه إلى سيبويه.
وأجاز بعضهم كون "حبذا"4 خبرا مقدما.
__________
1 أ، ب, وفي جـ "هي".
2 جـ.
3 أ.
4 أ، جـ, وفي ب "ذا".(2/928)
والآخر: أن التركيب أزال اسمية "ذا", فصار مع حب فعلا فاعله المخصوص, وإليه ذهب قوم منهم الأخفش.
والصحيح: القول بعدم التركيب؛ لأن فيه إقرار كل من اللفظين على ما كان عليه.
وقوله:
وإن تُرِدْ ذما فقل لا حبذا
يعني: أنه إذا أُريد الذم أدخلت "لا" النافية؛ لأن نفي المدح ذم.
قال في شرح التسهيل: وتدخل عليها "لا" فتحصل موافقة بئس معنى, وقد تقدم بيان ما يشعر به حبذا مما لا يدل عليه نعم, ولا بئس.
وقوله:
وأول ذا المخصوص......
يعني: اجعل المخصوص بالمدح أو الذم تابعا لذا.
ففُهم من ذلك أنه لا يتقدم، وهذا فرق بينه وبين نعم وبئس، فإن "مخصوصهما"1 لا يمتنع تقديمه.
قال في شرح التسهيل: أغفل أكثر النحويين التنبيه على امتناع تقديم المخصوص في هذا الباب.
فإن قلت: ما سبب امتناعه؟
قلت: ذكر ابن بابشاذ أن سبب ذلك خوف توهم كون المراد من "زيد حبذا": "زيد حب هذا".
قال في شرح التسهيل: وتوهم هذا بعيد، فلا ينبغي أن يكون المنع من أجله، بل المنع من أجل إجراء "حبذا" مجرى المثل.
وقوله: "أيا كان" يعني: أي شيء كان المخصوص, مذكرا كان أو مؤنثا،
__________
1 ب، جـ، وفي أ "مخصوصها".(2/929)
مفردا كان أو مثنى أو مجموعا، فنقول: "حبذا زيد" و"حبذا الزيدان" و"حبذا الزيدون" و"حبذا هند" و"حبذا الهندان" و"حبذا الهندات".
وقوله: "لا تعدل بذا" يعني: أن لفظ "ذا" لا يغير في تأنيث ولا تثنية ولا جمع.
فلا يقال: "حبذي هند" ولا "حبذان الزيدان" ولا "حبَّ أولاء الزيدون", واختلف في علة ذلك فقيل: لأنه جرى مجرى المثل، والأمثال لا تُغير.
وإليه أشار بقوله: فهو يضاهي المَثَلا.
وقال الفارسي: "ذا" جنس شائع، فلا يختلف كما لا يختلف الفاعل في نعم.
يعني: إذا كان ضميرا.
وقال ابن كيسان: إنما لم يختلف؛ لأن الإشارة فيه أبدا إلى مذكر محذوف، والتقدير في حبذا هند: حبذا حُسنُ هند، وكذا باقي الأمثلة.
ورُدّ بأنه دعوى لا دليل عليها.
تنبيهان:
الأول: إنما يُحتاج إلى الاعتذار عن عدم مطابقته1 على قول من جعل "ذا" فاعلا، وأما على التركيب فلا يحتاج إلى اعتذار.
الثاني: لم يذكر هنا إعراب المخصوص بعد "حبذا"، وأجاز في التسهيل2 أن يكون مبتدأ والجملة قبله خبره، وأن يكون خبر مبتدأ واجب الحذف.
وإنما لم يذكر ذلك هنا؛ استغناء بتقديم الوجهين في مخصوص نعم.
وقال ابن كيسان: هو بدل من "ذا".
__________
1 في الأصل "عن مطابقة في الأصل".
2 التسهيل ص129.(2/930)
ورُدّ بلزومه على القول بأن "ذا" فاعل، وأما على القول بالتركيب فتقدم إعرابه.
فإن قلت: إذا أعرب المخصوص مبتدأ والجملة قبله خبره، فما الرابط؟
قلت: الرابط الإشارة أو العموم إذا قلنا: إن "ذا" أريد به الجنس.
الثالث: بين مخصوص حبذا, ومخصوص نعم فروق:
أولها: أن مخصوص حبذا لا يتقدم، بخلاف مخصوص نعم، وقد سبق بيانه.
وثانيها: أنه لا تعمل فيه النواسخ، بخلاف مخصوص نعم.
وثالثها: أن إعرابه خبر مبتدأ محذوف أسهل منه في باب "نعم"؛ لأن ضعفه هناك نشأ من دخول نواسخ الابتداء عليه، وهي هنا لا تدخل.
قاله في شرح التسهيل.
ورابعها: أنه يجوز لك التمييز قبله وبعده نحو: "حبذا رجلًا زيدٌ" و"حبذا زيدٌ رجلًا".
قال في شرح التسهيل: وكلاهما سهل يسير، واستعماله كثير، إلا أن تقديم التمييز أولى وأكثر. انتهى.
وذلك بخلاف مخصوص "نعم"، فإن تأخير التمييز عنه نادر كما سبق.
وقوله:
وما سوى ذا ارفع بحُبَّ أو فَجُر
يعني: أن "حب" قد تفرد عن "ذا" مع إرادة المدح, فيجيء فاعلها مرفوعا نحو: "حب زيد", ومجرورا بباء زائدة نحو: "حب بزيد".
قال في شرح التسهيل: وهذا الاستعمال جائز في كلام ثلاثي, مضمن معنى التعجب.
وقوله:
ودون ذا انضمام الحا كثُر(2/931)
يعني: كثر ضم الحاء إذا أفردت من "ذا", فيقال: "حب زيد" بنقل حركة العين إلى الفاء، والفتح جائز، وبالوجهين ينشد قوله1:
................... ... وحُبّ بها مقتولة حين تُقتَل
وأما مع "ذا", فلا يجوز إلا الفتح.
فإن قلت: قوله2 لا يدل على أنه أكثر من الفتح.
وقال الشارح: وأكثر ما يجيء "حب"3 مع غير "ذا" مضمومة الحاء.
قلت: قال في شرح الكافية: وهذا التحويل مطرد في كل فعل مقصود به المدح.
وقال في التسهيل: وكذا كل فعل حَلْقي الفاء مراد به مدح أو تعجب4.
__________
1 قائله: الأخطل التغلبي، من كلمة يمدح فيها خالد بن الوليد بن أسيد أحد أجواد العرب.
وصدره:
فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها
وهو من الطويل.
اللغة: "اقتلوها" الضمير يعود إلى الخمر، وقتلها: مزجها بالماء؛ لأنه يدفع سورتها, "وحب بها" ويروى في مكانه: "وأطيب بها".
المعنى: يتعجب من كثرة محبته للخمر إذا مُزجت بالماء، فهو لذلك يأمر أصحابه بأن يشعشعوها له بالماء؛ لتكون على الوجه الذي يحبه ويرغب فيه.
الإعراب: "فقلت" فعل وفاعل, "اقتلوها" فعل أمر وفاعله ومفعوله، والجملة في محل نصب مقول القول, "عنكم" متعلق باقتلوا, "بمزاجها" متعلق باقتلوا أيضا, "وحب" فعل ماض لإنشاء المدح, "بها" الباء زائدة، والضمير فاعل حب, "مقتولة" تمييز, "حين" ظرف متعلق بحب, "تقتل" فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه، والجملة في محل جر بإضافة "حين" إليها.
الشاهد فيه: "وحب بها" فإنه يروى بفتح الحاء من "حب" وضمها، والفاعل غير "ذا".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 382/ 2، وابن عقيل 131/ 2, وابن الناظم.
2 قوله: أي: "كثر".
3 ب.
4 التسهيل ص176.(2/932)
أفعل التفضيل:
صُغْ من مصوغ منه للتعجب ... أفعل للتفضيل وَأْبَ اللذ أُبِي
سوت العرب بين أفعل التفضيل وفعل التعجب فيما يصاغان منه؛ لما بينهما من التناسب، فما جاز صوغ التعجب منه جاز أفعل التفضيل منه، وما لا يجوز صوغ فعل التعجب منه لفقد بعض الشروط لا يجوز صوغ أفعل التفضيل منه.
ولهذا قال: وأب اللذ أبي.
واعلم أن ما شذ في التعجب؛ لكونه من غير فعل أو من فعل ولم يستوف "الشروط"1 جاز استعماله في التفضيل محكوما بشذوذه, "وكذلك ما شذ في التفضيل, جاز استعماله في التعجب محكوما بشذوذه"2 أيضا فتقول: "ما ألصه" و"ألصص به".
وإن كان منه غير فعل كقولهم: "هو ألص من شِظاظ"3.
وقوله:
وما به إلى تعجب وُصل ... لمانع به إلى التفضيل صل
يعني: أنه يتوصل إلى التفضيل فيما لا يجوز بناء أفعل من لفظه بمثل ما توصل به إلى التعجب من أشد, وما جرى مجراه.
ولكن أشد في التعجب فعل وهنا اسم، وينصب هنا مصدر الفعل المتوصَّل إليه تمييزا، فتقول: "زيد أشد استخراجًا من عمرو" ونحو ذلك.
وقوله:
وأفعل التفضيل صله أبدا ... تقديرا أو لفظا بمن إن جُرِّدا
أفعل التفضيل: مجرد ومضاف ومعرف بأل.
__________
1 أ، جـ.
2 ب.
3 بنوه من لَصّ، وقد حكى ابن القطاع لَصَصَ -بالفتح- إذا استتر، وحكى أيضا لصصه, إذا أخذه خفية، وعلى ذلك لا شذوذ فيه، وشِظَاظ -بكسر الشين- اسم لص معروف بالذكاء في اللصوصية من بني ضبة, ويضرب به المثل في ذلك.(2/933)
فالمجرد يلزم اقترانه بمن جارة للمفضول لفظا نحو: "زيد أفضل من عمرو", أو تقديرا نحو: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} 1.
"وأما"2 المضاف والمعرف بأل, "فيمتنع"3 اقتران "من" بهما.
تنبيهان:
الأول: اختلف في معنى "من" المصاحبة لأفعل التفضيل.
فذهب المبرد ومن وافقه إلى أنها لابتداء الغاية، وذهب سيبويه إلى أنها لابتداء الغاية أيضا، وأشار إلى أنها مع ذلك تفيد معنى التبعيض.
فقال: "هو أفضل من زيد", فضله على بعض ولم يعم.
وذهب في شرح التسهيل إلى أنها لمعنى المجاوزة، فإن القائل: "زيد أفضل من عمرو" كأنه قال: جاوز زيدٌ عمرًا في الفضل.
قال: ولو كان الابتداء "مقصودا"4, لجاز أن يقع بعدها "إلى".
قال: ويُبطل كونها للتبعيض أمران:
أحدهما: عدم صلاحية بعض موضعها.
والآخر: صلاحية كون المجرور بها عاما, نحو: "الله أعظم من كل عظيم".
وأقول: الظاهر كونها لابتداء الغاية، ولا تفيد معنى التبعيض، كقول المبرد. وما رد به المصنف من أن الابتداء لو كان مقصودا لجاز أن يقع بعدها قد رد به ابن ولاد5 قبله، وليس بلازم؛ لأن الانتهاء قد يُترَك الإخبار به؛ لكونه لا يعلم، أو لكونه لا يُقصَد الإخبار به، ويكون ذلك أبلغ في التفضيل، إذ لا يقف السامع على محل الانتهاء.
__________
1 الآية 17 من سورة الأعلى.
2 ب.
3 ب، جـ، وفي أ "يمتنع".
4 أ، جـ.
5 هو أبو العباس أحمد بن محمد, وهو نحوي مشهور، ثم صوّب نظره إلى بغداد فسمع من الزجاج وغيره مع معاصره أبي جعفر النحاس, إلا أن الزجاج كان يؤثره على النحاس. وله كتاب الانتصار لسيبويه وكتاب المقصور والممدود، وغير ذلك. توفي بمصر سنة 332هـ.(2/934)
الثاني: إذا وقع أفعل التفضيل خبرا, كثر حذف "من" ومجرورها بعده نحو: {.... ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} 1.
وإن لم يكن خبرا, قل الحذف كالحال والصفة2.
الثالث: قوله: "صله" يقتضي أنه لا يُفصل بين أفعل وبين من، وليس على إطلاقه، بل يجوز الفصل بينهما بمعمول أفعل.
وقد فُصل بينهما بلو, وما اتصل بها كقوله3:
ولفوكِ أطيب لو بذلت لنا ... من ماء موهبة على خمر
__________
1 من الآية 282 من سورة البقرة.
2 مثال الحال:
دنوتِ وقد خِلناكِ كالبدر أجملا ... فظل فؤادي في هواك مضلِّلا
أي: دنوت أجملَ من البدر.
ومثال الصفة:
تروَّحي أجدر أن تقيلي ... غدا بجنبي بارد ظليل
3 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الكامل.
اللغة: "أطيب" أعذب, "بذلت" سخيت, "موهبة" -بفتح الميم وسكون الواو وفتح الهاء أو كسرها- نقرة في الجبل يستنقع فيها الماء, والجمع مواهب.
الإعراب: "ولفوك" الواو للقسم والمقسم به محذوف, و"فو" مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الستة والكاف مضاف إليه, "أطيب" خبر المبتدأ, "لو" يجوز أن تكون حرف تمن أو تكون شرطية, "بذلت" فعل ماض وتاء خطاب المؤنثة فاعله, "لنا" متعلق ببذل, وإن كانت لو شرطية، فالجواب محذوف, "من ماء" جار ومجرور متعلق بأطيب, "موهبة" مضاف إليه, "على خمر" متعلق بمحذوف صفة لماء موهبة.
الشاهد فيه: "أطيب" فإنه أفعل التفضيل، وقد فصل بينه وبين من الجارة للمفضول بلو.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 385/ 2، وذكره السيوطي في الهمع 1004/ 2.(2/935)
ولا يجوز بغير ذلك.
الرابع: إذا بُني أفعل التفضيل مما يتعدى بمن, جاز الجمع بينها وبين الداخلة1 على المفضول, مقدمة أو مؤخرة، نحو: "زيد أقربُ من عمرو من كل خير، وأقربُ من كل خير من عمرو".
الخامس: قد تقدم أن المضاف, والمعرف بأل يمتنع اقترانهما بمن المذكورة، فأما قوله2:
نحن بغرس الوديّ أعلمُنا ... منا بركض الجياد في السدف
فإنه أراد أعلم, فأضاف ناويا "اطراح"3 المضاف إليه، كما تدخل الألف واللام في بعض الأمكنة، وينوى سقوطها، قاله في شرح التسهيل.
وأما قول الأعشى4:
__________
1 أي: وبين "من" الداخلة على المفضول.
2 قائله: هو سعد القرقرة، وقيل: قيس بن الخطيم, وهو من المنسرح.
اللغة: "الودي" -بفتح الواو وكسر الدال وتشديد الياء- صغار النخل, "ركض الجياد" الركض: تحريك الرجل، يقال: ركضت الفرس برجلي؛ إذا استحثثته ليعدو، والجياد -بكسر الجيم- جمع جواد، "السدف" الضوء والظلمة.
الإعراب: "نحن" مبتدأ, "بغرس" متعلق بأعلم, "الودي" مضاف إليه, "أعلمنا" خبر المبتدأ ونا مضاف إليه, "في السدف" علق بركض والباء بمعنى في، أي: ركضها في وقت اختلاط الظلمة بالنور.
الشاهد فيه: "أعلمنا منا" حيث إن "أعلم" أفعل تفضيل وقد أضيف إلى ضمير المتكلمين، وجاءت بعده من الجارة للمفضول المتعلقة بأفعل التفضيل, وذلك ممتنع مع أفعل المضاف.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 386/ 2، وذكر في المغني 39/ 2.
3 أ، جـ, وفي ب "باطراد".
4 قائله: هو الأعشى ميمون، من كلمة له يهجو فيها علقمة ويمدح عامر بن الطفيل في المنافرة التي وقعت بينهما, وهو من الرجز. =(2/936)
ولستَ بالأكثر منهم حصى ... .......................
فأول على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن "أل" زائدة.
والثاني: أنها متعلقة بأكثر مقدرا, مدلولا عليه بالموجود.
الثالث: أنها للتبيين، لا لابتداء الغاية، كأنه قال: "ولست بالأكثر من بينهم".
وقوله: وإن لمنكور يضف.
قد تقدم أن أفعل التفضيل: مجرد ومعرف بأل ومضاف.
فأما المجرد فيلزم فيه الإفراد والتذكير، فتقول: "زيد أفضل" و"الزيدان أفضل" و"الزيدون أفضل" وكذلك في المؤنث.
__________
= وتمامه:
وإنما العزة للكاثر
اللغة: "حصى" عددا, "الكاثر" الكثير، والأكثر حصى كناية عن عدد الأعوان والأنصار، "العزة" القوة والغلبة.
المعنى: لست يا علقمة أكثر من عامر عددا وأعوانا وأنصارا، وإنما تكون الغلبة ويتم النصر لمن عنده جنود أكثر وأعوان ونصراء.
الإعراب: "لست" فعل ماض ناقص وتاء المخاطبة اسمه, "بالأكثر" خبر ليس, "منهم" متعلق بالأكثر, "حصى" تمييز, "وإنما" أداة حصر, "العزة" مبتدأ, "للكاثر" متعلق بمحذوف خبر.
الشاهد فيه: "بالأكثر منهم" فإن ظاهره أنه جمع بين "أل" الداخلة على أفعل التفضيل, و"من" الجارة للمفضول عليه.
وقد أجاز الجمع بينهما أبو عمرو الجرمي, مستدلا بهذا البيت.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 386/ 2, وابن هشام 196/ 3، وابن عقيل 135/ 2، والسيوطي ص90، وابن الناظم.
وذكره ابن يعيش 103/ 5, والشاهد رقم 607 في الخزانة, وفي المغني 140/ 2.(2/937)
وأما المعرف بأل فيلزم فيه المطابقة، فتقول: "زيدٌ الأفضلُ" و"الزيدانِ الأفضلانِ" و"الزيدونَ الأفضلونَ أو الأفاضلُ" و"هند الفُضْلى" و"الهندان الفضليان" و"الهندات الفضليات أو الفُضَّل".
وأما المضاف فنوعان: مضاف إلى نكرة, ومضاف إلى معرفة.
"فالمضاف"1 إلى نكرة كالمجرد يلزم الإفراد والتذكير، فتقول: "زيد أفضل رجل" و"الزيدان أفضل رجلين" و"الزيدون أفضل رجال" وكذلك في المؤنث. والمضاف إلى معرفة ثلاثة أقسام:
قسم يقصد به زيادته على ما أضيف إليه، وقسم يقصد به زيادة مطلقة، وقسم يؤول بما لا تفضيل فيه من اسم فاعل أو صفة.
فالأول: ينوى فيه معنى "من", وفيه قولان:
أحدهما: أنه يلزم الإفراد والتذكير كالمجرد، وهو مذهب ابن السراج ومن وافقه.
والثاني: أنه يجوز فيه الأمران: المطابقة؛ لشبهه بالمعرف بأل، وعدم المطابقة لشبهه بالمجرد؛ لنية معنى "من"، وإليه ذهب المصنف، واستدل بقوله عليه الصلاة والسلام: "ألا أخبرُكم بأحبكم إليَّ وأقربكم مني مجالس يوم القيامة؛ أحاسنكم أخلاقا" فأفرد أحب وأقرب, وجمع أحسن.
قال المصنف: ومعنى "من" مراد في الثلاثة.
وجعل الزمخشري "أحاسنكم" من القسم الثاني الذي قصد به زيادة مطلقة؛ فلذلك جمع بخلاف أحب وأقرب، فإنهما مما نوى معنى "من"؛ فلذلك أفردهما.
والثاني والثالث لا ينوى فيهما معنى "من" وتلزمهما المطابقة؛ لشبههما بالمعرف بأل في الإخلاء عن لفظ "من" ومعناها.
__________
1 أ, وفي ب، جـ "فأما المضاف".(2/938)
ومما "يتحملها"1 قولهم: "الناقص والأشجّ أعدلا بني مروان"2. وإضافة هذين النوعين لمجرد التخصيص، كما يضاف "ما لا تفضيل"3 فيه؛ ولذلك جازت إضافة أفْعَلَ فيهما إلى ما ليس هو بعضه بخلاف المنوي فيه "معنى "من", فإنه لا يكون إلا بعض ما أضيف إليه"4؛ فلذلك يجوز: "يوسف أحسن إخوته" إن قصد الأحسن من بينهم، أو قصد حسنهم، ويمتنع إن قصد: أحسن منهم.
تنبيه:
قد يرد أفعل التفضيل مجردا عاريا عن معنى التفضيل، كقوله تعالى: {.... هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} 5.
وأجاز المبرد استعمال أفعل التفضيل, مؤولا بما لا تفضيل فيه قياسا.
قال في التسهيل: والأصح قصره على السماع6.
وحكى ابن الأنباري عن أبي عبيد القول بورود أفعل7 مؤولا بما لا تفضيل فيه، ولم يسلم "له"8 النحويون هذا الاختيار، وقالوا: لا يخلو أفعل "التفضيل"9 من التفضيل، وتأولوا ما استدل به.
__________
1 أ، جـ, وفي ب "يتحملها".
2 هذا مثال ما لا تفضيل فيه؛ لأنه لم يشاركهما أحد من بني مروان في العدل: عادلا بني مروان.
والناقص: هو يزيد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، لقب بذلك؛ لأنه نقص أرزاق الجند، والأشج: هو عمر بن عبد العزيز، لقب بذلك لشجة كانت برأسه من ضرب دابة.
3 ب، جـ، وفي أ "ما لا تفضل".
4 ب، جـ.
5 من الآية 32 من سورة النجم.
6 التسهيل ص134.
7 أي: أفعل التفضيل.
8 ب، جـ.
9 أ، جـ.(2/939)
قال في شرح التسهيل: والذي سُمع منه، فالمشهور فيه التزام الإفراد والتذكير, وقد يُجمع إذا كان ما هو له جمعا، كقوله1:
إذا غاب عنكم أسود العين كنتم ... كراما, وأنتم ما أقام ألائم
قال: وإذا صح جمع "أفعل" العاري؛ لتجرده من معنى التفضيل، جاز أن يؤنث فيكون قول ابن هانئ2:
__________
1 قائله: هو الفرزدق, وهو من الطويل.
اللغة: "أسود العين" اسم جبل, "ألائم" -جمع ألأم- بمعنى لئيم، والأصل الشحيح النفس.
المعنى: ذم الشاعر هؤلاء بأنهم لا يكونون كراما إلا أن يزول الجبل من موضعه، وأنهم لئام مدة إقامة الجبل في موضعه، ولما كان الجبل لا يزول عن موضعه فكأن الشاعر يقول لهم: إنكم لئام أبد الدهر.
الإعراب: "إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان, "غاب" فعل ماض, "عنكم" متعلق بغاب, "أسود" فاعل غاب, "العين" مضاف إليه, "كنتم" كان واسمها, "كراما" خبر كان, "وأنتم" الواو عاطفة, وأنتم مبتدأ, "ما" مصدرية, "أقام" فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه, "ألائم" خبر المبتدأ.
الشاهد فيه: "ألائم" فإنه جمع ألأم الذي هو اسم تفضيل مجرد من أل والإضافة، وإنما جاز جمعه؛ لأنه انسلخ عن معنى التفضيل، فلما انسلخ عن معنى التفضيل صار كاسم الفاعل والصفة المشبهة، وكل منهما يوافق ما يجري عليه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 388.
2 قائله: الحسن بن هانئ المعروف بأبي نواس, وهو من البسيط.
وتمامه:
............ من فقاقعها........ ... حصباء در على أرض من الذهب
اللغة: "صغرى" تأنيث أصغر, "كبرى" تأنيث أكبر, "فقاقعها" الفقاقع -بفتح الفاء والقاف وبعد الألف قاف مكسورة- النفاخات التي ترتفع فوق الماء, "حصباء" الحصباء: الحصى.
المعنى: كأن النفاخات الصغيرة البيضاء التي تعلو الخمر وهي في الكأس -في لونها الذهبي- حبات من اللؤلؤ على أرض من ذهب.
الإعراب: "كأن" حرف تشبيه ونصب مبني على الفتح لا محل له من الإعراب, "صغرى" =(2/940)
كأن صغرى وكبرى ... .................
إذا تقرر ما ذكره، فاعلم أن الناظم أشار إلى حكم المجرد والمضاف إلى النكرة بقوله:
وإِنْ لمنكور يُضف أو جُرِّدا ... أُلزِم تذكيرا وأن يُوَحَّدا
وإلى المعرف بأل بقوله: "وتلو أل طبق".
وإلى المضاف لمعرفة بقوله:
............ وما لمعرفة ... أضيف ذو وجهين
ولما كان مراده "القسم"1 الذي ينوى فيه "من", قيده بقوله:
هذا إذا نويتَ معنى من
وقوله: "وإن لم تنو" يشمل القسمين الآخرين من أقسام المضاف إلى المعرفة؛ لأن حكمهما واحد وذلك واضح.
تنبيه:
أفعل التفضيل بمعنى بعض إن أضيف إلى معرفة، وبمعنى كل إن أضيف إلى نكرة؛ ولهذا يقال: "أفضل الرجلين زيد" و"أفضل رجلين الزيدان".
__________
= اسم كأن منصوب بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر, "وكبرى" عطف على صغرى منصوب بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر, "من" حرف جر, "فقاقعها" مجرور بمن صفة لصغرى وكبرى, وضمير الغائبة مضاف إليه, "حصباء" خبر كأن, "در" مضاف إليه, "على أرض" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لحصباء, "من الذهب" جار ومجرور صفة الأرض.
الشاهد: "صغرى وكبرى" حيث جاء اسم التفضيل مؤنثا وهو مجرد من أل والإضافة, وهذا ألحن.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 386/ 2، وابن عقيل، وابن هشام 100/ 3.
1 أ، جـ.(2/941)
وقوله:
وإن تكن بتِلْو مِنْ مستفهما ... فلهما كن أبدا مُقدِّما
لا يخلو المجرور بمن بعد أفعل "التفضيل من أن يكون"1 اسم استفهام أو مضافا إليه أو غيرهما.
فإن كان اسم استفهام أو مضافا إليه وجب تقديمه نحو: "من أي الناس أنت أكرم؟ " و"من غلام أيهم أنت أجمل؟ ".
لأن الاستفهام له الصدر. ذكر هذه المسألة الفارسي في التذكرة.
قال المصنف: وهي من المسائل المغفول عنها.
قال الشيخ أبو حيان: وينبغي أن ينبه على أنه يسبق أيضا ما أفعل خبر له كما مثل.
ولم يذكر هذا المضاف إلى اسم استفهام؛ لوضوحه، ومثل اسم الاستفهام بقوله: ممن أنت خير؟
وإن كان المجرور غيرهما "فالأصل"2 تأخيره، وقد نبه على أنه قد ندر التقديم بقوله:
...... ولدى ... إخبار التقديم نزرا وَرَدَا
وقد ورد ذلك في أبيات منها قوله3:
..................... ... بل ما زوَّدت منه أطيب
__________
1 أ، جـ.
2 ب, وفي أ، جـ "فالأصح".
3 قائله: هو الفرزدق, من أبيات يقولها في امرأة من بني ذهل بن ثعلبة قرته وزودته, وكان قد نزل بامرأة ضبية فلم تقره ولم تزوده, وهو من الطويل.
وتمامه:
فقال لنا: أهلا وسهلا وزودت ... ... جَنَى النخل ...
اللغة: أهلا وسهلا: كلمتان تقولهما العرب في تحية الأضياف.
"جنى النحل" ما يجنى منه وهو العسل، وكنى بذلك عن حسن لقائها وطيب استقبالها وحلاوة حديثها. =(2/942)
وقوله:
.......... ورفعه الظاهر نزر
اعلم أن أفعل التفضيل يرفع الضمير، وأما الظاهر ففي رفعه "به"1 لغتان:
إحداهما: أنه يرفع الظاهر مطلقا، فتقول: "مررت برجل أكرمَ منه أبوه" حكاه سيبويه.
وأشار إليها بقوله:
....... ورفعه الظاهر نزر
والأخرى, وهي لغة جمهور العرب: أنه لا يرفع الظاهر، إلا إذا ولي نفيا وكان مرفوعه مفضلا على نفسه باعتبارين نحو: "ما رأيت رجلا أحسنَ في عينه الكحلُ منه في عين زيد" ففي هذه الصورة ونحوها يرفع الظاهر عند جميع العرب.
وعلة ذلك أن أفعل التفضيل إنما قصُر عن رفع الظاهر؛ لأنه ليس له فعل بمعناه, وفي هذا المثال ونحوه يصح أن يقع موقعه فعل بمعناه, فتقول: "ما رأيت رجلا يحسُنُ في عينه الكحلُ كحسنه في عين زيد".
__________
= الإعراب: "فقالت" فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر, "لنا" متعلق به, "أهلا وسهلا" منصوبان بفعل محذوف، والأصل فيهما: أنهما وصفان لموصوف محذوف, أي: أتيتم قوما أهلا ونزلتم موضعا سهلا, "وزودت" فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر فيه, "جنى" مفعول, "النحل" مضاف إليه, "بل" حرف إضراب إبطالي, "ما" اسم موصول مبتدأ، وجملة زودت وفاعله المستتر فيه لا محل له صلة الموصول والعائد محذوف، أي: زودته, "منه" جار ومجرور متعلق بأطيب, "أطيب" خبر المبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد فيه: "منه أطيب" حيث قدم المجرور بمن على أفعل التفضيل, والحال أنه غير الاستفهام، والتقدير: أطيب منه, وهذا قليل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 389/ 2، وابن عقيل 139/ 2, والمكودي ص112, وابن الناظم.
وذكره السيوطي في الهمع 104/ 2.
1 أ، جـ.(2/943)
وإلى ذلك أشار بقوله:
ومتى عاقب فعلا فكثيرا ثَبَتَا
وأيضا لو لم يجعل المرفوع فاعلا لوجب كونه مبتدأ، فيلزم الفصل بين أفعل ومن بأجنبي, ثم مثّل بقوله:
كلن ترى في الناس من رفيق ... أولى به الفضل من الصديق
والأصل: أولى به الفضل منه بالصديق، فاختصر.
تنبيهان:
الأول: قال في شرح التسهيل: لم يرد هذا الكلام المتضمن ارتفاع الظاهر بأفعل إلا بعد نفي, ولا بأس باستعماله بعد نهي أو استفهام فيه معنى النفي, كقوله:
"لا يكن غيرك أحبَّ إليه الخيرُ منه إليك، وهل في الناس رجلٌ أحقُّ به الحمد منه بمحسن لا يَمُنّ؟ "1.
الثاني: لا ينصب أفعل التفضيل مفعولا به، وما أوهم ذلك يؤول.
فإن أول أفعل "التفضيل"2 بما "لا تفضيل"3 فيه, جاز على رأي أنه ينصبه.
ويحتمل أن يكون منه قوله تعالى: "الله أعلم حيث يجعل رسالاته"4.
__________
1 منه. أي: الحمد، بمحسن حال من مجرور, أي: حالة كونه ملابسا لمن ذكر.
2 ب، جـ.
3 ب، جـ, وفي أ "ما لا تفضل".
4 قال الأشموني: فحيث هنا مفعول به, لا مفعول فيه, وهو في موضع نصب بفعل مقدر يدل عليه أعلم هـ.
وقال المرادي على التسهيل: لم تجئ حيث فاعلا ولا مفعولا به ولا مبتدأ هـ.(2/944)
النعت:
يَتْبَع في الإعراب الأسماء الأول ... نعت وتوكيد وعطف وبدل
التابع هو المشارك ما قبله في إعرابه الحاصل والمتجدد غير خبر.
فخرج بالحاصل والمتجدد خبر المبتدأ، والمفعول الثاني، والحال المنصوب, ونحو ذلك.
ولكن يرد عليه "حامض" ونحوه من قولك: "هذا حلو وحامض", فخرج بزيادة غير خبر1.
والتابع جنس، يشمل خمسة أنواع، وهي: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، وعطف النسق، والبدل, ودليل الحصر الاستقراء.
فإن قلت: كيف قال: "يتبع في الإعراب الأسماء" وبعض التوابع قد يتبع غير الاسم؟
قلت: لا دليل في كلامه على اختصاصها بالأسماء، وسنبين أن التوكيد اللفظي والبدل وعطف النسق يتبع غير الاسم.
فإن قلت: ما معنى قوله: "الأول"؟
قلت: فيه إشارة إلى وجوب تقديم المتبوع على التابع.
وأجاز صاحب البديع تقديم الصفة على الموصوف إذا كانت لاثنين أو جماعة وقد تقدم أحد الموصوفين، تقول: "قام زيدٌ العاقلانِ وعمرٌو".
ومنه قول الشاعر2:
............... ... أبى ذاك عَمِّي الأكرمانِ وخاليا
__________
1 ولا ينافيه قول بعضهم: إنه جزء خبر؛ لأنه ناظر إلى المعنى.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الطويل.
وصدره:
ولست مقرا للرجال ظلامة
اللغة: "مقرا" اسم فاعل من الإقرار, وهو من إثبات الشيء وعدم إنكاره, "ظلامة" -بضم =(2/945)
وأجاز الكوفيون تقديم المعطوف بأربعة شروط:
الأول: أن يكون بالواو، وقال هشام: تقديم الفاء وثم وأو ولا، جيد.
الثاني: ألا يؤدي إلى وقوع حرف العطف صدرا.
الثالث: ألا يؤدي إلى مباشرة حرف العطف عاملا غير متصرف، فلا يجوز: "أن وزيدا عمرا ذاهبان".
الرابع: ألا يكون المعطوف مخفوضا، ولا يجوز ذلك عند البصريين إلا في الشعر بشروطه.
تنبيهان:
الأول: اختُلف في العامل في التابع، فمذهب الجمهور أن العامل فيه هو العامل في المتبوع إلا البدل، فالجمهور على أن العامل فيه مقدر.
وذهب قوم منهم المبرد إلى أن العامل فيه المبدل منه، واختاره المصنف وهو ظاهر, وهو العامل في مذهب سيبويه.
الثاني: لم يتعرض هنا لبيان "رتب"1 التوابع، وقال في التسهيل: ويُبدأ
__________
= الظاء وفتح اللام مخففة- اسم لما يدعيه المظلوم قِبَل ظالمه, "أبى" امتنع, "الأكرمان" مثنى الأكرم، وهو أفعل التفضيل من الكرم, "خاليا" أخو الأم.
الإعراب: "لست" ليس واسمها, "مقرا" خبرها, "للرجال" متعلق بمقر, "ظلامة" مفعول به لمقر, "أبى" فعل ماض, "ذاك" اسم إشارة مفعول به لأبى والكاف حرف خطاب, "عمي" فاعل مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وهو مضاف والياء مضاف إليه, "الأكرمان" نعت لفاعل أبى, "وخاليا" معطوف على عم وياء المتكلم مضاف إليه.
الشاهد فيه: "عمي الأكرمان وخاليا" حيث قدم الشاعر النعت وهو "الأكرمان" على أحد المنعوتين وهو "خاليا", فإن قوله: "الأكرمان" صفة لقوله: "عمي وخاليا".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 392/ 2, وذكره السيوطي في الهمع 120/ 2.
1 أ، جـ, وفي ب "ترتيب".(2/946)
-عند اجتماع التوابع- بالنعت، ثم بعطف البيان، ثم بالتوكيد، ثم بالبدل, ثم بالنسق1, وأجاز بعضهم تقديم التأكيد على الصفة، نقله صاحب البديع.
وقوله:
فالنعت تابع مُتمّ ما سبق ... بوسمه أو وسم ما به اعتَلَق
قوله: "تابع" جنس يشمل الخمسة، وقوله: "متم ما سبق" مخرج البدل والنسق، وقوله: "وسمه أو وسم ما به اعتلق" مخرج لعطف البيان والتوكيد، وذلك أنهما شاركا النعت في إتمام ما سبق؛ لأن الثلاثة تكمل دلالته وترفع اشتراكه واحتماله، إلا أن النعت يُوصِّل إلى ذلك بدلالته على معنى في المنعوت أو متعلقه، والتوكيد وعطف البيان ليسا كذلك.
فإن قلت: إنما يشمل قوله: "متم ما سبق" ما جيء به من النعوت؛ لتوضيح وتخصيص، وأما ما جيء لمدح أو ذم أو توكيد أو ترحم فلا.
قلت: لما كان أصل النعت أن يؤتى به للتوضيح والتخصيص, اقتصر عليه.
وقوله:
وليُعطَ في التعريف والتنكير ما ... لما تلا كامْرُر بقوم كرُما
يجب تبعية النعت للمنعوت في الإعراب والتعريف والتنكير.
فتنعت المعرفة بالمعرفة نحو: "امرر بالقومِ الكرماءِ", والنكرة بالنكرة نحو: "امرر بقومٍ كرماءَ".
ولا تنعت المعرفة بالنكرة؛ لأن في النكرة إبهاما وفي المعرفة إيضاحا، فتدافَعَا.
تنبيهات:
الأول: لم يتعرض هنا "لموافقة النعت للمنعوت"2 في الإعراب؛ استغناء بقوله أولا: "يتبع في الإعراب".
__________
1 فيقال: جاء الرجل الفاضل أبو بكر نفسُهُ أخوك وزيدٌ.
2 جـ, وفي ب "لموافقته النعت".(2/947)
الثاني: استثنى الشارح من المعارف المعرف بلام الجنس، قال: فإنه لقرب مسافته من النكرة يجوز نعته بالنكرة المخصوصة؛ ولذلك تسمع النحويين يقولون في قوله1:
ولقد أمرُّ على اللئيم يسبني ... فأعفّ ثم أقول لا يعنيني
إن "يسبني" صفة لا حال؛ لأن المعنى: ولقد أمر على لئيم من اللئام، ومثله قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} 2 وقولهم: "ما ينبغي للرجل مثلك -أو خيرٍ منك- أن يفعل كذا" انتهى.
قلت: أما نعته بالجملة, فقد نص عليه في التسهيل وغيره, وسيأتي.
__________
1 قائله: هو رجل من بني سلول, وهو من الكامل.
اللغة: "اللئيم" الشحيح الدنيء النفس، وروي: فمضيتُ ثُمَّتْ قُلتُ.
المعنى: يقول: والله إنني لأمرّ على الرجل الدنيء النفس الذي من عادته أن يسبني، فأتركه وأذهب عنه وأرضي نفسي بقولي لها: إنه لا يقصدني بهذا السباب.
الإعراب: "ولقد" الواو للقسم والمقسم به محذوف واللام واقعة في جواب القسم, "أمر" فعل مضارع وفاعله مستتر فيه, "على اللئيم" متعلق بأمر, "يسبني" فعل مضارع والفاعل ضمير والنون للوقاية والياء مفعول به، والجملة في محل جر صفة للئيم, "فمضيت" فعل وفاعل, "ثمت" حرف عاطف والتاء للتأنيث, "قلت" فعل ماض وفاعله, "وإعراب الرواية الأخرى ظاهر". "لا" نافية, "يعنيني" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه والنون للوقاية والياء مفعول، والجملة في محل نصب مقول القول.
الشاهد فيه: "اللئيم يسبني" حيث وقعت الجملة نعتا للمعرفة وهو "اللئيم" المقرون بأل. وإنما ساغ ذلك؛ لأن "أل" فيه جنسية، فهو قريب من النكرة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 394/ 2، وابن هشام 121/ 2, وابن عقيل 148/ 2، والسيوطي ص93، وابن الناظم. وفي كتاب سيبويه 416/ 1, والشاهد 55 في الخزانة.
2 من الآية 37 من سورة يس.(2/948)
وأما قولهم: ما يحسن بالرجل خير منك، فمذهب الخليل في هذا المثال الحكم بتعريف النعت والمنعوت على نية أل مع خير.
ومذهب الأخفش الحكم بتنكيرهما على زيادة أل في "الرجل".
قال المصنف: وعندي أن أسهل مما ذهبا الحكم بالبداية، وتقدير التابع والمتبوع على ظاهرهما.
الثالث: ما ذكر من وجوب تبعية النعت للمنعوت في التعريف والتنكير, وهو مذهب جمهور النحويين.
وأجاز الأخفش نعت النكرة إذا اختصت بالمعرفة1، وجعل "الأوليان" صفة "آخران" في قوله تعالى: {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} 2.
وأجاز بعض النحويين وصف المعرفة بالنكرة.
وأجازه ابن الطراوة بشرط كون الوصف خاصا بذلك الموصوف, كقول النابغة3:
.................... ... في أنيابها السم ناقع
__________
1 التسهيل ص167.
2 من الآية 107 من سورة المائدة.
3 قائله: هو النابغة الذبياني, واسمه زياد بن عمرو من قصيدة يقولها في الاعتذار للنعمان بن المنذر, وهو من الطويل.
وصدره:
أبيت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرقش
اللغة: "ساورتني" واثبتني, "ضئيلة" -بفتح الضاد وكسر الهمزة وفتح اللام- قليلة اللحم, وهي الحية الدقيقة قد أتت عليها سنون كثيرة, فقل لحمها واشتد سمها، وأصلها صفة لموصوف محذوف، أي: حية ضئيلة, "من الرقش" -بضم الراء وسكون القاف- جمع رقشاء وهي حية فيها نقط سود وبيض, "ناقع" ثابت طويل المكث.
الإعراب: "أبيت" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه, "كأني" حرف تشبيه ونصب وياء المتكلم اسمه مبني على السكون في محل نصب, "ساورتني" فعل =(2/949)
والصحيح مذهب الجمهور، وما أوهم خلافه مؤول.
الرابع: لا يمتنع النعت بالأخص في النكرات نحو: "رجلٌ فصيحٌ", و"غلامٌ يافعٌ".
وأما في المعارف, فلا يكون النعت أخص عند البصريين، بل مساويا، أو أعم.
قيل: وسبب ذلك أن الاختصاص مؤثر, فوجب لذلك أن يبدأ بالأخص؛ ليقع الاكتفاء به.
فإن عرض اشتراك, لم يوجد ما يرفعه إلا المساوي.
وقال الشلوبين والفراء: ينعت الأعم بالأخص، قال المصنف: وهو الصحيح, وقال بعض المتأخرين: توصف كل معرفة بكل معرفة, كما توصف كل نكرة بكل نكرة. وقوله:
وهو لَدَى التوحيد والتذكير أو ... سواهما كالفعل فاقفُ ما قَفَوا
يعني: أن النعت "إن"1 رفع ضمير المنعوت, طابقه في الإفراد والتذكير وأضدادهما, سواء كان معناه له أو "لسببيه"2 نحو: "مررت برجل حسن أو حسن
__________
= ماض والتاء للتأنيث والنون للوقاية وياء المتكلم مفعول به, "ضئيلة" فاعل ساور, "من الرقش" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لضئيلة, والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر كأن, "في أنيابها" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم والضمير مضاف إليه, "السم" مبتدأ مؤخر, "ناقع" صفة للسم.
الشاهد فيه: "السم ناقع" حيث إن "ناقع" نكرة وقعت صفة المعرفة, وهو "السم".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 294/ 2, وذكره السيوطي في الهمع 117/ 2.
1 أ، جـ, وفي ب "إذا".
2 أ، جـ, وفي ب "لسببه".(2/950)
الوجه" وإن رفع سببيه أفرد مطلقا كرفعه الظاهر، ووافق في التذكير والتأنيث مرفوعه, لا متبوعه نحو: "مررت برجلين حسنة جاريتهما".
فحكم النعت في ذلك كحكم الفعل الواقع موقعه، وهذا معنى قوله: "كالفعل".
فإن قلت: كيف سوّى بينه وبين الفعل، وهو مخالفه في أمرين:
أحدهما: أن الوصف يجوز تكسيره, مسندا إلى السببي المجموع نحو: "مررت برجل كرام غلمانه".
والثاني: أن الوصف الرافع لضمير المنعوت قد يعامل معاملة الرافع للسببي، إذا كان معناه له، فيقال: "مررت برجل حسنة العين", كما يقال: حسُنت عينه؟ حكى ذلك الفراء، ولا يكون ذلك في الفعل.
قلت: أما الأول فظاهر وروده على النظم، وقد ذكر في التسهيل:
أن الجمع في ذلك أولى من الإفراد، ونص على ذلك سيبويه في بعض نسخ الكتاب, وهو مذهب المبرد.
وقيل: الإفراد أحسن، ونسب إلى الجمهور، وفصّل بعضهم فقال: الجمع أولى إن تبع جمعا، والإفراد أولى إن تبع مفردا أو مثنى.
وأما الثاني: فهو وجه ضعيف، ومذهب كثير -منهم الجرمي- منعه.
تنبيهان:
الأول: يجوز تثنية الوصف الرافع السببي وجمعه جمع المذكر السالم على لغة طيئ، فتقول: "مررت برجلين حسنينِ غلاماهما، وبرجال حسنينَ غلمانهم".
وقد يفهم ذلك من قوله: "لفعل" أي: على اللغتين.
الثاني: ما ذكر من أن مطابقة النعت للمنعوت مشروطة بألا يمنع مانع منها, كما في جريح ونحوه وأفْعَل من1.
__________
1 قال الشيخ الصبان 47/ 1: "ككون الوصف يستوي فيه المذكر والمفرد وأضدادهما، وكونه أفعل تفضيل مجردا أو مضافا لمنكور" هـ.(2/951)
وقوله:
وانعت بمشتق كصعب وذرب ... وشبهه كذا وذي والمنتسِب
المنعوت به قسمان: مفرد وجملة؛ فالجملة ستأتي.
والمفرد قسمان: مشتق وشبهه.
قال في شرح الكافية: والمراد بالمشتق هنا ما كان اسم فاعل أو اسم مفعول أو أحد أمثلة المبالغة أو صفة مشبهة باسم الفاعل أو أفعل تفضيل، وكل ذلك معروف مما سبق "ذكره"1.
ويجمعها كلها أن يقال: المشتق الموصوف به ما دل على فاعل أو مفعول به, مضمنا معنى فعل وحروفه. انتهى.
وإذا كان هذا مراده بالمشتق, لم يرد عليه اسما الزمان والمكان والآلة, ولا مشاحة في الاصطلاح.
والمراد بشبه المشتق، ما أقيم مقامه من الأسماء العارية من الاشتقاق "وهي"2 قسمان: مطرد وغير مطرد.
فالمطرد ضربان:
أحدهما: جارٍ مجرى المشتق أبدا.
والآخر: جارٍ مجراه في حال دون حال.
فالجاري أبدا كذي بمعنى صاحب وأسماء النسب المقصود، والجاري في حال دون حال كأسماء الإشارة غير المكانية وذو الموصولة وفروعها وأخواتها المبدوءة بهمزة وصل.
وذهب الكوفيون, وتبعهم السهيلي إلى أن أسماء الإشارة لا ينعت بها؛ لجمودها.
__________
1 أ، جـ.
2 أ، جـ, وفي ب "وهو".(2/952)
وغير المطرد: المصدر والعدد والقائم بمسماه معنى "ملازم"1 ينزله منزلة المشتق كأسد.
وللمصدر مزية عليها, وسيأتي.
ثم ذكر الجملة فقال:
ونعتوا بجملة منكرا
الجملة المؤولة بمفرد نكرة.
فلذلك لا ينعت بها إلا النكرة.
قال في التسهيل: أو معرف بأل الجنسية2, وقال في الشرح: "لأنه"3 معرفة في اللفظ, ونكرة في المعنى.
وفي الارتشاف: لا ينعت بها المعرف بأل الجنسية, خلافا لمن أجاز ذلك.
ثم أشار بقوله:
فأعْطيت ما أُعطيته خبرا
إلى أن الجملة المنعوت بها لا بد من اشتمالها على "ضمير يربطها بالمنعوت"4, وأن حكمه في جواز الحذف للعلم به كحكم الخبرية.
ومن حذفه قوله5:
................ ... وما شيء حميت بمستباح
__________
1 أ, وفي ب، جـ "لازم".
2 التسهيل ص167.
3 أ، جـ, وفي ب "لأنها".
4 أ، جـ.
5 قائله: هو جرير بن عطية الخطفي، يمدح به يزيد بن عبد الملك بن مروان.
وصدره:
أبحت حِمَى تهامة بعد نجد
وهو من الوافر.
اللغة: "حمى" على وزن فِعَل، أي: محظور لا يقرب, "تهامة" الناحية الجنوبية من الحجاز, "نجد" الناحية التي بين الحجاز والعراق.
الإعراب: "أبحت" فعل وفاعل, "حمى" مفعول أبحت, "تهامة" مضاف إليه, "بعد" منصوب على الظرفية, "نجد" مضاف إليه, "ما" نافية, "شيء" اسم ما, "حميت" فعل وفاعل، والجملة صفة لشيء, "بمستباح" الباء زائدة ومستباح خبر ما منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.
الشاهد فيه: "حميت" فإنها جملة منعوت بها, والجملة المنعوت بها لا بد من اشتمالها على ضمير يربطها بالمنعوت.
وحكمه في جواز الحذف للعلم به، إذ أصله: وما شيء حميته.(2/953)
تنبيهات:
الأول: ليس حذف العائد من النعت كحذفه من الخبرية في القلة والكثرة، بل ذكر في التسهيل1 أن الحذف من الخبر قليل, ومن الصفة كثير، ومن الصلة أكثر.
الثاني: قال في شرح التسهيل: وقد يغني عنه الألف واللام كقوله2:
كأن حفيف النبل من فوق عَجْسِها ... عَوَازِب نحل أخطأ الغارَ مُطْنِف
أي: غارها.
__________
1 التسهيل ص167.
2 قائله: هو الشنفرى عمرو بن براق, وهو من الطويل.
اللغة: "حفيف" هو دويّ ذهابه, "النبل" السهم, "عجسها" -بتثليت العين وسكون الجيم- مقبض القوس, "عوازب" -جمع عازبة- من عزبت الإبل؛ إذا أبعدت في المرعى, "أخطأ الغار" ضل عنه، والمراد بالغار بيت النحل, "مطنف" -بضم الميم وسكون الطاء وكسر النون- بمعنى علا الطنف -بفتح الطاء والنون- وهو حرف الجبل، وأراد به هنا رئيس النحل.
المعنى: يصف قوسا بأنها محكمة الصنع شديدة قوية، فيقول: كأن الصوت الذي تسمعه من فوق مقبض هذا القوس من شدة دفع الوتر, دوي نحل قد بعدت عن بيتها، وعند العودة ضلّت وأخطأ رائدها, فصعد بها إلى قنة الجبل يلتمس البيت.
الإعراب: "كأن" حرف تشبيه ونصب, "حفيف" اسم كأن, "النبل" مضاف إليه, "من فوق" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من اسم كأن, "عجسها" مضاف إليه، وهو مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه, "عوازب" خبر كأن مرفوع بالضمة, "نحل" مضاف إليه, "أخطأ" فعل ماض, "الغار" مفعول به, "مطنف" فاعل أخطأ.
الشاهد فيه: "أخطأ الغار" فإن الألف واللام أغنت عن الضمير العائد إلى الموصوف.
تقديره: أخطأ غارها.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 396/ 2.(2/954)
وقد منع ذلك, وأوّل البيت على الحذف "أي: الغار منها"1.
الثالث: إذا نعت بالجملة اسم زمان, جاز حذف عائدها المجرور بفي نحو: {يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ} 2 أي: فيه.
فحذف برمته عند سيبويه, وبتدريج عند الكسائي والأخفش.
الرابع: ذكر في البديع أن الوصف بالجملة الفعلية أقوى منه بالجملة الاسمية.
الخامس: فهم من قوله: "ما أعطيته خبرا" أنها لا تقترن بالواو، بخلاف الحالية.
فلذلك لم يقل: ما أعطيته حالا، خلافا لمن أجاز اقترانها بالواو كالزمخشري.
السادس: لما كان إطلاق قوله: "ما أعطيته خبرا" يوهم جواز النعت بالجملة الطلبية، إذ يجوز الإخبار بها؛ أزال الإبهام بقوله:
وامنع هُنا إيقاع ذات الطلب.....
وسبب ذلك أنها لا تدل على معنى محصل، فلا يفيد النعت بها.
ثم أشار إلى تأويل ما يُوهم وقوعها نعتا بقوله:
.... وإن أتت فالقول أضمر تُصِب
فيكون القول المقدر هو النعت، والجملة محكية به، ومن ذلك قول الراجز3:
__________
1 أ، جـ.
2 من الآية 123 من سورة البقرة.
3 قائله: قال العيني: ذكره المبرد ونسبه إلى راجز لم يعين اسمه، وقيل: لرؤبة بن العجاج وقد نزل ضيفا بقوم وطال انتظاره للطعام حتى جاء الليل، ثم أتوه بلبن قليل خلطوه بماء كثير, حتى صار لونه مثل لون الذئب في الزرقة.
وصدره:
حتى إذا جن الظلام واختلط
وهو من الرجز. =(2/955)
................. ... جاءوا بمَذْق هل رأيت الذئب قط؟
أي: بمذق مقول عند رؤيته هذا القول.
ثم انتقل إلى النعت بالمصدر فقال:
ونعتوا بمصدر كثيرا ... .................
وكان حقه في الأصل ألا ينعت به؛ لجموده, ولكنه من الجاري مجرى المشتق.
فإن قلت: هل يؤخذ من قوله: "كثيرا" أن النعت به مطرد؟
قلت: لا كما قال في الحال بكثرة, وقد صرح بعدم اطراد وقوعه نعتا وحالا.
__________
= اللغة: "جن" ستر الناس, "اختلط" كناية عن انتشاره واتساعه, "مذق" هو اللبن الممزوج بالماء.
المعنى: يصف الراجز بالشح والبخل قوما نزل بهم ضيفا، فانتظروا عليه طويلا حتى أقبل الليل بظلامه، ثم جاءوه بلبن مخلوط يشبه الذئب في لونه؛ لكدرته وغبرته.
الإعراب: "حتى" ابتدائية, "إذا" ظرف تضمن معنى الشرط, "جن" فعل ماض, "الظلام" فاعل والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها, "واختلط" فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه، والجملة عطف على جملة جن الظلام, "جاءوا" فعل ماض وفاعله, "بمذق" جار ومجرور متعلق بجاءوا, "هل" أداة استفهام, "رأيت" فعل ماض وفاعله, "الذئب" مفعول به, "قط" ظرف مبني على ضم مقدر في محل نصب، وسكن للروي. واستعمله بعد الاستفهام مع أن موضع استعماله بعد النفي الداخل على الماضي، والذي سهل هذا أن الاستفهام قرين النفي في كثير من الأحكام، وجملة: هل رأيت في محل نصب مقول لقول محذوف يقع صفة لمذق.
الشاهد فيه: "بمذق هل رأيت الذئب قط" فإن الظاهر يشعر بوقوع الجملة الاستفهامية نعتا للنكرة وهو "مذق" وليس كذلك, بل جملة الاستفهام معمولة لقول محذوف هو الواقع نعتا، والتقدير: جاءوا بمذق مقول فيه هل رأيت؟
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 369/ 2، وابن هشام 124/ 2، وابن عقيل 150/ 2، والسيوطي ص93, والمكودي 114، وابن الناظم.
وذكره السيوطي في همع الهوامع 117/ 2، والشاهد 76 في الخزانة.(2/956)
فإن قلت: فهل هما في الكثرة سواء؟
قلت: لا, بل جعل المصدر حالا أكثر من جعله نعتا، ذكر ذلك في شرح التسهيل.
قلت: وأطلق في قوله: "بمصدر" وهو مقيد بألا يكون في أوله ميم زائدة كمزار ومسير، فإنه لا ينعت به، لا باطراد ولا بغيره.
وقوله:
.............. ... فالتزموا الإفراد والتذكير
قال المصنف: كأنهم قصدوا التنبيه على أن أصله ذو عدل، فلما حذف المضاف ترك المضاف إليه على ما كان عليه.
قلت: في النعت بالمصدر طريقان:
إحداهما: أن يقصد المبالغة، فلا يقدر مضاف.
والأخرى: ألا يقصد فيقدر.
والكوفيون يجعلون ضربا وعدلا واقعين موضع ضارب وعادل.
وقوله:
ونعت غير واحد إذا اختلف ... فعاطفا فَرِّقْه لا إذا ائتلف
مثال المختلف: "مررت برجلين كريم وبخيل"، ومثال المتفق: "مررت برجلين كريمين".
فالمختلف يفرق بالعطف، والمتفق يستغنى عن تفريقه بتثنيته وجمعه.
قلت: وأورد على إطلاقه اسم الإشارة، فإنه لا يجوز تفريق نعته، فلا يجوز: "مررت بهذين الطويل والقصير"، نص على ذلك سيبويه وغيره كالزيادي، والمبرد، والزجاج.
قال الزيادي: وقد يجوز ذلك على البدل, وعطف البيان.(2/957)
تنبيهات:
الأول: يندرج في غير الواحد ما هو مفرد لفظا مجموع معنى كقول حسان رضي الله عنه1:
فوافيناهم منا بجمع ... كأُسْد الغاب مُرْدَان وشيب
الثاني: قال في الارتشاف: والاختيار في "مررت برجلين كريم وبخيل" القطع.
الثالث: قال في التسهيل2: يُغَلَّب التذكير والعقل عند الشمول وجوبا، وعند التفصيل اختيارا.
وقوله:
ونعت معمولي وحيدَيْ معنى ... وعمل أتبع بغير استثنا
إذا قصد نعت معمولين, فإما أن يكونا لعامل واحد أو لعاملين.
فإن كانا لعامل واحد, فثلاث صور:
الأولى: أن يتحد العمل "والنسبة"3 نحو: "قام زيد وعمرو العاقلان", فهذه يجوز فيها الإتباع والقطع في أماكنه من غير إشكال.
__________
1 قائله: هو حسان بن ثابت, شاعر النبي صلى الله عليه وسلم.
اللغة: "فوافيناهم" أتيناهم, "بجمع" -بفتح الجيم وسكون الميم- اسم لجماعات الناس, "أسد" -بضم الهمزة وسكون السين- جمع أَسَد, "الغاب" -جمع غابة- وهو مأوى السباع والوحوش, "مردان" -بضم الميم- جمع أمرد، وهو الذي لم يبلغ حد نبات الشعر بوجهه, "شيب" -جمع أشيب- وهو المبيضّ الشعر.
الإعراب: "فوافيناهم" فعل ماض وفاعله ومفعوله, "منا" متعلق بمحذوف حال من جمع وأصله صفة, فلما تقدم عليه أعرب حالا, "كأسد" متعلق بمحذوف صفة لجمع, "الغاب" مضاف إليه, "مردان" صفة ثانية لجمع, "وشيب" عطف على مردان.
الشاهد فيه: "بجمع ... مردان وشيب" فإن قوله: "مردان وشيب" وقعا نعتين لجمع. ولما كان معناهما مختلفا فرق بينهما بحرف العطف، وعطف ثانيهما على أولهما.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 397/ 2.
2 التسهيل ص169.
3 ب.(2/958)
الثانية: أن يختلف العمل والنسبة "نحو: "ضرب زيد عمرا الكريمان""1, فهذه يجب فيها قطع من غير إشكال.
والثالثة: أن يختلف العمل وتتحد النسبة من جهة المعنى نحو: "خاصم زيد عمرا الكريمان".
فالقطع في هذه, واجب عند البصريين.
وأجاز الفراء وابن سعدان2 الإتباع، والنص عن الفراء أنه إذا أتبع غُلِّب المرفوع، فتقول: "خاصم زيد عمرا الكريمان".
ونص ابن سعدان على جواز إتباع أي شئت؛ لأن كلا منهما مخاصِم ومخاصَم.
والصحيح مذهب البصريين، قيل: بدليل أنه لا يجوز: "ضارب زيد هندًا العاقلةُ" برفع العاقلة نعتا لهند.
قلت: ذكر في باب أبنية الفعل من شرح التسهيل أن الاسمين في نحو: "ضارَبَ زيدٌ عمرًا" ليس أحدهما أولى من الآخر بالرفع ولا بالنصب، قال: ولو أتبع منصوبهما بمرفوع، أو مرفوعهما بمنصوب لجاز.
ومنه قول الراجز3:
__________
1 أ، جـ "أي: يختلف العمل, وتختلف نسبة العامل إلى المعمولين من جهة المعنى".
2 هو أبو جعفر الضرير محمد بن سعدان. نشأ بالكوفة، وأخذ عن أبي معاوية الضرير وغيره, ثم اشتهر بالعربية والقراءات. صنف كتابا في النحو, وتوفي سنة 231هـ.
3 قائله: هو أبو حيان الفقعسي, كذا قال ابن هشام الحنبلي، وقال ابن هشام اللخمي: قائله مساور العبسي، وقال السيرافي: قائله الدبيري.
اللغة: "الأفعوان" -بضم الهمزة- الذكر من الأفاعي, "الشجاع" ذكر الحيات, "الشجعم" الجريء، وقيل: هو الطويل.
المعنى: وصف رجلا بخشونة القدمين وغلظ جلدهما، والحيات لا تؤثر فيهما.
الإعراب: "قد" حرف تحقيق, "سالم" فعل ماض, "الحيات" فاعل سالم, "منه" جار =(2/959)
قد سالَمَ الحيَّاتُ منه القَدَما ... الأُفْعُوَانَ والشجاع الشجْعَمَا
فنصب "الأفعوان" وهو بدل من "الحيات"، وهو مرفوع "لفظا"1؛ لأنه منصوب معنى؛ لأن كل شيئين تسالما فهما فاعلان مفعولان.
وهذا التوجيه أسهل من أن يكون التقدير: قد سالم الحيات منه القدم، وسالمت القدمُ الأفعوانَ، انتهى.
وإن كان لعاملين لم يخل العاملان من أن يتحدا في المعنى والعمل، أو يختلفا فيهما أو في أحدهما.
فإن اتحدا في المعنى والعمل جعل النعت تابعا للمعمولين في الرفع والنصب والجر، سواء اتفق لفظ العاملين نحو: "ذهب زيد وذهب عمرو العاقلان", أو اختلف نحو: "ذهب زيد وانطلق عمرو العاقلان".
فالإتباع فيهما جائز، وهذا مفهوم من النظم، إذ لم يشترط اتحاد اللفظ.
وذهب ابن السراج إلى منع الإتباع في الثاني، وفصّل في الأول فقال: إن قدرت الثاني عاملا فالقطع, أو توكيدا والأول هو العامل جاز الإتباع.
وإن اختلف العاملان في المعنى والعمل، أو في أحدهما وجب القطع, فيرفع على إضمار مبتدأ، وينصب على إضمار فعل.
__________
= ومجرور متعلق بمحذوف حال من القدم, "القدما" مفعول به لسالم منصوب بالفتحة الظاهرة, "الأفعوان" بدل من الحيات منصوب بالفتحة, "والشجاع" معطوف على الأفعوان, "الشجعما" نعت للشجاع منصوب بالفتحة.
الشاهد فيه: "قد سالم الحيات منه القدما الأفعوان" فإن قوله: "الأفعوان" المنصوب -بدليل أنه عطف عليه المنصوب وهو "الشجاع والشجعما"- قد وقع بدلا من "الحيات" وهو مرفوع؛ لكونه فاعلا لسالم.
وقد علم أن الفاعل مرفوع، فاختلف إعراب البدل عن إعراب المبدل منه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 399/ 2.
وذكره سيبويه 145/ 1، والسيوطي في الهمع 165/ 1، والشاهد في المقاصد النحوية 4/ 80.
1 أ، جـ.(2/960)
مثال المختلفين في المعنى والعمل: "جاء زيد ورأيت عمرا العاقلين".
ومثال المختلفين في المعنى دون العمل: "جاء زيد وذهب عمرو العاقلين".
ومثال المختلفين في العمل دون المعنى: "مررت بزيد وجاوزت عمرا العاقلين".
يجوز في ذلك "العاقلان" على تقدير: هما، و"العاقلين" على تقدير: أمدح، والإتباع في ذلك يمتنع عند الجمهور، إذ العمل الواحد لا يمكن نسبته إلى عاملين, من شأن كل واحد منهما أن يستقل.
فإن قلت: قوله: "وحيدي" صفة لماذا؟
قلت: لمحذوف تقديره: ونعت معمولي عاملين وحيدي معنى وعمل.
فإن قلت: هل يعني بقوله: "أتبع" إيجاب الإتباع أو الإعلام بجوازه؟
قلت: لا يصح حمله على الإيجاب، فإن القطع في ذلك منصوص على جوازه.
فإن قلت: ما معنى قوله: "بغير استثنا"؟
قلت: يعني في الرفع والنصب والجر كما قال الشارح، وكأنه يشير بذلك إلى مذهب من خصص جواز الإتباع بنعت فاعلين وخبري مبتدأين، ولا وجه للتخصيص.
وقوله:
وإنْ نعوتٌ كثُرت وقد تلت ... مفتَقِرا لذكرهن أُتبعت
إذا كثرت نعوت الاسم، فله ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يكون مفتقرا إلى جميعها, لا يتميز بدونها.
والثاني: أن يكون مستغنيا عنها, متميزا بدونها.
والثالث: أن يكون مفتقرا إلى بعضها دون البعض.
فإن كان مفتقرا إلى جميعها وجب إتباع الجميع، وإن كان متعينا بدونها جاز فيه ثلاثة أوجه:(2/961)
إتباع الجميع، وقطع الجميع، وإتباع بعض وقطع بعض.
وإن كان مفتقرا إلى بعض دون بعض, وجب إتباع المفتقر إليه وجاز فيما سواه الإتباع والقطع.
هذا ما ذكره المصنف.
فإن قلت: كيف يفهم ذلك من النظم؟
قلت: أما الأولى فظاهر من قوله: "وإن نعوت.... البيت".
وأما الثانية فمن قوله: واقطع أو اتبع إن يكن معينا.... بدونها.
وأما الثالثة فمن قوله: أو بعضها اقطع معلنا.
قال الشارح بعد أن ذكر الصورة الثالثة: وإلى هذا الإشارة بقوله: "أو بعضها اقطع معلنا" أي: وإن يكن معينا ببعضها اقطع ما سواه، وفيه نظر.
تنبيه:
إذا قُطع بعض النعوت دون بعض, قُدِّم المُتبَع على المقطوع ولا يعكس، وفيه خلاف.
قال ابن الربيع: والصحيح المنع، وقال صاحب البسيط: والصحيح جوازه. ثم بيّن وجهي القطع بقوله:
وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا ... مبتدأ أو ناصبا لن يظهرا
يعني: أنه يجوز القطع إلى الرفع وإلى النصب، فإذا رفع فهو خبر مبتدأ واجب الحذف، وإذا نصب فبإضمار فعل واجب الحذف.
وإلى وجوب إضمار المبتدأ والفعل الناصب, أشار بقوله: "لن يظهرا".
تنبيه:
قد يوهم كلام الناظم أن القطع مشروط بتكرار النعوت, كما أوهمه كلام غيره، وليس ذلك بشرط، وإنما ذكر مسألة كثرة النعوت لما فيها من التقسيم والأوجه المتقدمة.(2/962)
وتلخيص الكلام على القطع، أن يقال: المنعوت قسمان: معرفة ونكرة.
فالمعرفة إن كان نعته لمدح أو لذم أو ترحم, جاز القطع بالرفع على إضمار مبتدأ، وبالنصب على إضمار فعل لائق، فيقدر في المدح: أمدح وفي الذم: أذم وفي الترحم: أرحم1.
ولا يجوز إظهار المبتدأ، ولا الفعل كما سبق.
وخالف يونس في الترحم, فلا يجوز القطع وإن كان لتوكيد كقوله: {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 2 أو ملتزما نحو: "الشِّعْرى العَبُور"3 أو جاريا على مشار به نحو: "هذا العالم" لم يجز القطع.
وإن كان لتخصيص وليس أحد الثلاثة نحو: "مررت بزيد الخياطُ", جاز قطعه إلى الرفع على إضمار "هو"، وإلى النصب على إضمار "أعني", ويجوز إظهارهما، بخلاف نعت المدح والذم والترحم.
وأما النكرة فيشترط في جواز قطع نعته تأخره عن آخر, كقول أبي الدرداء: "نزلنا على خالٍ لنا ذو مال وذو هيبة".
فإن لم يتقدمه نعت آخر, لم يجز القطع إلا في الشعر.
وما ذكرته من جواز قطع نعت التخصيص على الوجه المذكور, نص عليه ابن أبي الربيع وهو مفهوم من التسهيل4.
__________
1 مثال المدح: "الحمدُ لله ربِّ العالمين", والذم: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم", والترحم: "اللهم أنا عبدك المسكين".
2 من الآية 13 من سورة الحاقة.
3 قال الشيخ الصبان 53/ 3: "والملتزم: الذي التزمت العرب النعت به نحو: "الشعرى العبور" والمراد أنه إذا وقع بعدها وصف كان نعتا لا أنه يلزم بعدها نعت, فلا يرد قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} وسميت العبور؛ لعبورها المجرة.
4 التسهيل ص169.(2/963)
قوله:
وما من المنعوت والنعت عُقل ... يجوز حذفه وفي النعت يقل
يعني: أنه إذا علم النعت أو المنعوت جاز حذفه، ويكثر ذلك في المنعوت، ويقل في النعت.
فمن الأول: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ} 1, ومن الثاني قول العباس بن مرداس2:
................... ... فلم أعط شيئا ولم أمنع
تنبيه:
إنما يكثر حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه بشرطين:
__________
1 من الآية 52 من سورة ص.
2 قائله: العباس بن مرداس الصحابي من كلمة يقولها في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان الرسول قد قسم الغنائم في حنين, فأعطى منها قوما من المؤلفة قلوبهم ومنهم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس عطاء كثيرا يتألفهم به على الإسلام، ولم يعط العباس مثلهم، فكره العباس ذلك.
وصدره:
وقد كنت في الحرب ذا تدرأ
وهو من المتقارب.
اللغة: "تدرأ" -بضم التاء وسكون الدال وفتح الراء- أي: ذو عدة وقوة على دفع الأعداء عن نفسه، وهو اسم موضوع للدفع، والتاء فيه زائدة كما زيدت في تتفل.
الإعراب: "وقد" حرف تحقيق, "كنت" كان واسمها, "في الحرب" متعلق بكان, "ذا" خبر كان منصوب بالألف نيابة عن الفتحة؛ لأنه من الأسماء الستة، "تدرأ" مضاف إليه, "فلم" الفاء عاطفة ولم حرف نفي وجزم وقلب, "أعط" فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الألف، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه، وهو مفعوله الأول, "شيئا" مفعول ثان, "ولم" حرف حرف نفي, "أمنع" فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم, وحرك بالكسر للروي ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه.
الشاهد فيه: "فلم أعط شيئا" حيث حذف منه النعت، والتقدير: فلم أعط شيئا طائلا.
ولولا هذا التقدير, لتناقض مع قوله: "ولم أمنع".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 401/ 2، والسيوطي ص93، والمكودي ص116، وابن الناظم. وذكره السيوطي في الهمع 120/ 2، وابن هشام في المغني 166/ 2.(2/964)
أحدهما: أن يعلم جنس المنعوت إما باختصاص النعت به نحو: "مررت بكاتب", وإما بمصاحبة ما يعينه نحو: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} 1.
والآخر: أن يكون صالحا لمباشرة العامل.
فلو كان جملة أو شبهها لم يقم مقامه في الاختيار؛ لكونه غير صالح لها إلا بشرط كون المنعوت بعض ما قبله من مجرور بمن، حكى سيبويه: "ما منهما مات حتى رأيته يفعل كذا" فهذا مثال الجملة.
ومثال شبهها قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} 2.
وقوله: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} 3.
التقدير: أحد مات، وإن أحد من أهل الكتاب، وقوم دون ذلك، فهذا ونحوه كثير مطرد.
وقول الشارح: وهو مطرد في النفي، يفهم أنه غير مطرد في الإيجاب، وليس كذلك.
وأما نحو قوله4:
لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضُلُها في حَسَب ومَيْسَم
__________
1 من الآية 11 من سورة سبأ -أي: دروعا سابغات- بدليل {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} .
2 من الآية 159 من سورة النساء.
3 من الآية 11 من سورة الجن.
4 قائله: نسبه ابن يعيش إلى الأسود الحماني يصف امرأة، ونسبه سيبويه إلى حكيم الربعي, وهو من الرجز.
اللغة: "لم تيثم" -بكسر التاء- لغة قوم، وقلبت الهمزة ياء؛ لسكونها إثر كسرة, أي: لم تأثم من الإثم وهو الخطيئة, "يفضلها" يزيد عليها, "حسب" ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه, "ميسم" -بكسر الميم- وسامة وجمال.
المعنى: لو قلت: إنه ليس في قوم هذه المرأة أحد يفضلها، ويزيد عليها في عراقة النسب والجمال؛ لم تكن كاذبا في ذلك.
الإعراب: "لو" شرطية, "قلت" فعل ماض فعل الشرط وفاعله, "ما" نافية, "في قومها" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم لمبتدأ محذوف، أي: أحد, "لم" نافية جازمة =(2/965)
فأجازه المصنف في الاختيار, وجعل الجر بفي كالجر بمن، وجعله ابن عصفور ضرورة.
فلو لم يكن المنعوت بالجملة وشبهها بعض ما قبلها من مجرور بمن أو في, لم تقم الجملة أو شبهها مقامه إلا في الضرورة كقوله1:
.................. ... لكم قُبصه من بين أثرى وأقترا
__________
= "تيثم" جواب الشرط, "يفضلها" الجملة صفة لأحد المحذوفة, "في حسب" جار ومجرور متعلق بيفضلها, "وميسم" عطف عليه.
الشاهد فيه: "ما في قومها.... يفضلها" حيث إن جملة "يفضلها" جاءت نعتا لمنعوت محذوف وهو "أحد", وهو بعض اسم مقدم مجرور بفي وهو "قومها".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 400/ 2، وابن هشام 132/ 3، وذكره ابن يعيش 59/ 3، وسيبويه 375/ 1، والسيوطي في الهمع 120/ 2، والشاهد 344 في الخزانة.
1 قائله: هو الكميت في مدح بني أمية, وهو من الطويل.
وصدره:
لكم مسجدا الله المزوران والحصى
اللغة: "مسجدا الله" أراد بهما مسجد مكة ومسجد المدينة, "المزوران" تثنية مزور -بفتح الميم وضم الزاي- "الحصى" العدد من الأهل, "قبصه" -القبص بكسر القاف وسكون الباء- العدد الكثير من الناس, "أثرى" كثر ماله, "وأقترا" افتقر وقل ماله.
المعنى: يمدح بني أمية بأن الله تعالى قد جعل لهم الولاية على مسجديه اللذين يزورهما الناس, وجعل لهم العدد والعديد من الأهل والأتباع والأنصار الذين لكثرتهم يوجد بينهم الغني والفقير.
الإعراب: "لكم" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم, "مسجدا" مبتدأ مؤخر مرفوع بالألف لأنه مثنى, "الله" مضاف إليه, "المزوران" نعت للمسجدين مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى, "والحصى" عطف على المبتدأ, "لكم" متعلق بمحذوف خبر مقدم, "قبصه" مبتدأ مؤخر وضمير الغائب مضاف إليه, "من بين" جار ومجرور, "أثرى" فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف منع من ظهوره التعذر وفاعله ضمير مستتر فيه, "وأقترا" فعل ماض عطف على أثرى وفاعله ضمير مستتر فيه.
الشاهد فيه: "من بين أثرى وأقترا" حيث حذف المنعوت وأبقى النعت، والتقدير: من بين من أثرى وبين من أقتر، أي: من بين رجل أثرى ورجل أقتر، فحذف منعوتين؛ "من" الأولى و"من" الثانية.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 401/ 2.(2/966)
التوكيد:
التوكيد مصدر سمي به التابع لأنه يفيده، ويقال: أكّد تأكيدا، ووكّد توكيدا, وهو: معنوي ولفظي.
فالمعنوي تابع بألفاظ مخصوصة؛ فلذلك استغني عن حده بذكرها.
ثم المعنوى نوعان:
أحدهما: يرفع توهم الإضافة إلى المتبوع.
والثاني: يرفع توهم إرادة الخصوص بما ظاهره العموم.
والأول بالنفس والعين, والثاني بكل وأخواته.
وبدأ بالأول فقال:
بالنفس أو بالعين الاسم أُكِّدا
فتقول: ""جاء زيد"1 نفسه أو عينه" والمراد بهما حقيقته, وينفردان عن سائر ألفاظ التوكيد بجواز جرهما بباء زائدة2.
فإن قلت: فهل يجوز الجمع بينهما؟
قلت: نعم.
وإنما عطف بأو؛ للتنبيه على أن كلا منهما يصح التوكيد به وحده.
فإن قلت: فبأيهما يبدأ عند الاجتماع؟
قلت: بالنفس؛ لأنها عبارة عن جملة الشيء، والعين مستعارة في التعبير عن الجملة.
فإن قلت: هل هذا التركيب لازم, أم على سبيل الأولوية؟
__________
1 ب، جـ.
2 مثل ذلك: "جاء زيد وهند بعينها" ومحل المجرور إعراب المتبوع.(2/967)
قلت: الظاهر أنه لازم، وقيل: إنه على طريق الأحسنية.
ثم قال:
........... ... مع ضمير طابق المؤكَّدَا
فنبه على أنه لا بد من إضافة النفس والعين إلى ضمير المؤكد, مطابقا له في الإفراد والتذكير وفروعهما, وتمثيل ذلك سهل.
ثم قال:
واجمعهما بأفْعُل إن تبعا ... ما ليس واحدا تكن مُتَّبعا
وإنما قال: بأفعُل احترازا عن جمع الكثرة، فإنه لا يؤكد بنفوس ولا عيون. وهو أولى من قوله في التسهيل: جمع قلة1, فإن عينا جمع على أعيان ولا يؤكد به.
وشمل قوله: "ما ليس واحدا" المثنى نحو: " قام الزيدان أو الهندان أنفسهما", والجمع نحو: "قام الزيدون أنفسهم والهندات أنفسهن".
وترك الأصل في المثنى كراهة اجتماع تثنيتين، وعدل إلى الجمع؛ لأن التثنية جمع في المعنى.
تنبيه:
قال الشارح بعد ذكره أن الجمع في المثنى هو المختار: ويجوز فيهما أيضا الإفراد والتثنية.
ووهم في ذلك؛ إذا لم يقل به أحد من النحويين.
قلت: وأجاز ابن إياز -في شرح الفصول- التثنية, فقال: ولو قلت "نفساهما" لجاز.
وكان الناظم أشار إلى منع الإفراد والتثنية بقوله: "تكن متبعا", ثم انتقل إلى النوع الثاني من نوعي التأكيد المعنوي, فقال:
وكُلًّا اذكر في الشمول وكِلَا ... كِلْتَا جميعا بالضمير مُوصَلا
__________
1 التسهيل ص164.(2/968)
وأما كل, فلا يؤكد بها إلا ذو أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه غير مثنى.
وأما كلا وكلتا فللمثنى، وأما جميع فبمنزلة كل.
ثم أشار إلى وجوب إضافة كل وما بعدها إلى ضمير المؤكد بقوله: "بالضمير موصلا".
فتقول: جاء الجيشُ كلُّه، والقبيلةُ كلُّها، والزيدان كلهم، والرجال كلهم أو كلها، أو كله على قياس "هم أحسن الفتيان وأجمله" وهو ضعيف, "وجاء الهندات كلهن أو كلها" وحكى الخليل كلتهن عن بعض العرب، وكذلك تقول في جميع.
وتقول في المثنى: "جاء الزيدان كلاهما، والمرأتان كلتاهما".
وقد فهم من قوله: "بالضمير موصلا" فوائد:
الأولى: "أنه"1 ضمير مطابق للمؤكد؛ لأن أل فيه للعهد السابق في النفس والعين.
الثانية: أنه لا يحذف استغناء بنيته، خلافا للفراء والزمخشري، ونقله بعضهم عن الكوفيين، وجعلوا منه قراءة من قرأ: "إنَّا كُلًّا فيها"2, "أي: إنا كلنا"3.
وخرج على وجهين:
أحدهما: أنه حال من الضمير المرفوع في "فيها"4.
والآخر: "أنه"5 بدل من اسم "إن"6.
__________
1 أ، جـ.
2 من الآية 48 من سورة غافر.
3 أ، جـ.
4 أي: من ضمير الاستقرار المرفوع في "فيها". قال في المغني: وفيه ضعفان: تقدم الحال على عامله الظرفي، وتنكير "كل" بقطعها عن الإضافة لفظا ومعنى، والحال واجبة التنكير.
5 أ، جـ.
6 أي: بدل كل من اسم "إن", وهو لا يحتاج إلى ضمير.(2/969)
الثالثة: أن كلا لا يضاف في التوكيد إلى ظاهر، وعلى ذلك نصوص النحويين, وذكر في التسهيل1 أنه قد يستغنى عن الإضافة إلى الضمير بالإضافة إلى مثل الظاهر المؤكد بكل، وجَعَلَ منه قول كثير2:
............... ... يا أشبهَ الناس كلِّ الناس بالقمر
__________
1 التسهيل ص164.
2 قائله: كثير عزة, وهو من البسيط.
وصدره:
كم قد ذكرتُكِ لو أُجزَى بذكركم
اللغة: أجزى: مضارع مبني للمجهول من الجزاء، وهو المكافأة.
الإعراب: "كم" خبرية بمعنى كثير، وهي اسم مبني على السكون إما في محل رفع على أنه مبتدأ، وإما في محل نصب على أنه مفعول مطلق عامله ذكر, أي: ذكرتك ذكرا كثيرا، أو في محل نصب على أنه مفعول فيه لتأوله بالوقت, أي: ذكرتك في أوقات كثيرة, "قد" حرف تحقيق, "ذكرتك" ذكر فعل ماض والتاء ضمير المتكلم فاعل والكاف ضمير المؤنثة المخاطبة مفعول به والجملة في محل رفع خبر كم إن جعلتها في محل رفع مبتدأ، فإن جعلتها في محل نصب فهذه الجملة لا محل لها لأنها ابتدائية, "لو" حرف دال على التمني أو حرف شرط غير جازم مبني على السكون لا محل له من الإعراب, "أجزى" فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ونائب الفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا, "بذكركم" جار ومجرور متعلق بأجزى وذكر مضاف وضمير المخاطبين مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله، وإن قدرت لو شرطية فجوابها محذوف: لو أجزى بذكري إياكم لاسترحت, "يا أشبه" حرف نداء ومنادى منصوب بالفتحة الظاهرة, "الناس" مضاف إليه, "كل" توكيد للناس, "بالقمر" جار ومجرور متعلق بأشبه.
الشاهد فيه: "الناس كل الناس" فكلمة "كل" توكيد للناس, ومن حق الكلام أن يضيف لفظ التوكيد إلى ضمير غيبة عائد على المؤكد فيقول: يا أشبه الناس كلهم.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 404/ 2.
وذكره السيوطي في الهمع 123/ 2.(2/970)
ونحوه، قيل: ولا حجة فيه؛ لاحتمال كون "كل" نعتا بمعنى الكاملين، فلم يفضله إلا على الناس الكاملين، وهو أمدح.
تنبيهان:
الأول: ما ذكر أن "كلا" للمذكر و"كلتا" للمؤنث، هو المشهور.
وقال في التسهيل1: وقد يستغنى "بكليهما" عن "كلتيهما".
ومنه قول الشاعر2:
يَمُتّ بقربى الزينبينِ كِلَيْهِما ... إليك وقربى خالد وحبيب
وقال ابن عصفور: هو من تذكير المؤنث حملا على المعنى للضرورة، كأنه "قال"3: بقربى الشخصين.
الثاني: ذكر في التسهيل4 أيضا أنه قد يستغنى "بكلهما" عن "كليهما"
__________
1 التسهيل ص164.
2 قائله: هو هشام بن معاوية, وهو من الطويل.
اللغة: "يمت" يتقرب, "بقربى" -بضم القاف وسكون الراء- القرابة, "الزينبين" -مثنى زينب- وهو علم امرأة.
المعنى: ينسب إليك بقرابة الزينبين, وقرابة خالد وحبيب.
الإعراب: "يمت" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه, "بقربى" جار ومجرور متعلق بقوله يمت وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر, "الزينبين" مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى, "كليهما" توكيد مجرور بالياء نيابة عن الكسرة لأنه ملحق بالمثنى, "إليك" متعلق بيمت, "وقربى" معطوف على قربى السابق, "خالد" مضاف إليه, "حبيب" عطف عليه.
الشاهد فيه: "الزينبين كليهما" حيث أكد المثنى المؤنث "الزينبين" بالاسم الموضوع للاستعمال في توكيد مثنى المذكر وهو "كليهما", فقد وقع "كليهما" موقع "كلتيهما".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 407/ 2.
3 ب.
4 التسهيل ص164.(2/971)
و"كلتيهما" في تأكيد المثنى, فيقال على هذا: "جاء الرجلانِ كلُّهُمَا" والمرأتان كلهما.
ثم قال:
واستعملوا أيضا ككل فاعله ... من عم في التوكيد مثل النافله
أي: واستعملت العرب في التوكيد وزن "فاعلة من عم" يعني عامة، وتوصل إلى ذكرها بذكر وزنها لتعذر دخولها في النظم.
وأشار بقوله: "ككل" إلى أنها يؤكد بها ما سوى المثنى مما يؤكد بكل، وأنها تضاف إلى ضمير المؤكد.
فيقال: "جاء الجيشُ عامتُهُ، والقبيلة عامتها، والزيدون عامتهم، والهندات عامتهن".
قال في شرح التسهيل: وذكرت مع كل جميعا وعامة كما فعل سيبويه.
وأغفل ذلك أكثر المصنفين سهوا أو جهلا، وإلى ذلك أشار بقوله: "مثل النافلة".
قال الشارح: يعني أن ذكر عامة في ألفاظ التوكيد مثل النافلة أي: الزيادة على ما ذكره النحويون في هذا الباب، فإن أكثرهم أغفله، وليس هو في حقيقة الأمر نافلة على ما ذكروه؛ لأن من أجلِّهم سيبويه -رحمه الله- لم يغفله. انتهى.
قلت: خالف المبرد في "عامة" وقال: إنما "هي"1 بمعنى أكثرهم.
ثم ذكر توابع "كل" فقال:
وبعد كل أكدوا بأجمعا ... جَمْعَاء أجمعين ثم جُمَعا
فيقال: جاء الجيشُ كلُّهُ أجمعُ, والقبيلةُ كلُّها جمعاءُ، والزيدون كلهم أجمعون، والهندات كلهن جمع".
__________
1 ب، وفي أ، جـ "هو".(2/972)
وقد فهم من قوله: "وبعد كل" أمران:
أحدهما: واجب، وهو أن "أجمع" وفروعه لا يتقدم على "كل"، وفي الارتشاف بدأت بكل ثم بأجمع مرتبا، وقيل: على طريق الأولوية.
والثاني: غالب لا واجب، وهو أنها لا تستعمل دون "كل".
وقد أشار إلى جوازه بقوله:
ودون كل قد يجيء أجمع ... جمعاء أجمعون ثم جمع
وهو معنى قوله في التسهيل1: وقد يغنين عن "كل".
قال الشارح: وهو قليل، وفي الارتشاف كثر ورود "أجمعين" في القرآن بدون "كل"2، فهو توكيد كما يؤكد بكل، وليس من باب الاستغناء عن كل كما زعم ابن مالك.
تنبيهات:
الأول: ذهب الفراء إلى أن "أجمعين" تفيد اتخاذ الوقت، والصحيح أنها ككل في إفادة العموم مطلقا, بدليل قوله: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 3.
الثاني: قد يتبع "أجمع" وأخواته بأكْتَع وكَتْعاء وأكتَعِين وكُتَع, وقد يتبع "أكتع" وأخواته بأبْصَع وبَصْعاء وأبصَعِين وبُصَع4.
وزاد الكوفيون بعد أبصع وأخواته: أبْتَع وبَتْعاء وأبتَعِين وبُتَع.
وإنما لم يتعرض في النظم لذلك؛ لقلة استعماله.
الثالث: قال الشارح: ولا يجوز أن يُتعدَّى هذا الترتيب.
__________
1 التسهيل ص165.
2 مثال ذلك قوله تعالى: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} , {لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} .
3 من الآية 82 من سورة ص.
4 نقول: "جاء الجيشُ كلُّهُ أجمعُ أكتعُ أبصعُ، والقبيلة كلها جمعاء كتعاء بصعاء، والقوم كلهم أجمعون أكتعون أبصعون، والهندات كلهن جُمَعُ كُتَعُ بُصَعُ".(2/973)
وقال في شرح الكافية: ولا يجاء بأكتع وأخواته غالبا إلا بعد أجمع وأخواته على هذا الترتيب. انتهى.
ومراعاة هذا الترتيب هو المشهور.
وأجاز ابن كيسان أن تبدأ بأي الثلاثة شئت بعد أجمع, وهو ظاهر قوله في التسهيل1 بهذا الترتيب أو دونه.
وقال ابن عصفور: وأما أبصع وأبتع فلا تبال بأيهما قدمتَ على الآخر.
وأجاز الكوفيون وابن كيسان تقديم أكتع على أجمع.
ومذهب الجمهور أنه لا يتقدم عليه.
وأجاز الكوفيون وابن كيسان أيضا الاستغناء بأكتع وأخواته عن أجمع وأخواته، ومذهب الجمهور المنع.
وقوله2: حولا أكتعا
__________
1 التسهيل ص165.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الرجز.
وتمامه:
يا ليتني كنت صبيا مرضعا ... تحملني الذَّلْفَاء..........
اللغة: "الذلفاء" -بفتح الذال وسكون اللام- أصله وصف لمؤنث الأذلف, وهو مأخوذ من الذلف وهو صغر الأنف واستواء الأرنبة، ثم نُقل إلى العلمية فسميت به امرأة, "حولا" عاما, "أكتعا" تاما كاملا، وهو من ألفاظ التوكيد مأخوذ من قولهم: أتى عليه حول كتيع أي: تام.
الإعراب: "يا" حرف تنبيه أو حرف نداء حذف المنادى منه, "ليتني" حرف تمن ونصب والنون للوقاية والياء اسمه, "كنت" فعل ماض ناقص والتاء اسمه, "صبيا" خبره, "مرضعا" نعت، وجملة كان واسمه وخبره في محل رفع خبر ليت, "تحملني" فعل مضارع والنون للوقاية والياء مفعول, "الذلفاء" فاعل والجملة في محل نصب صفة ثانية لقوله: "صبيا", "حولا" ظرف زمان متعلق بتحمل, "أكتعا" تأكيد.
الشاهد فيه: "حولا أكتعا" حيث أكد بأكتع وهو غير مسبوق بأجمع.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 406/ 2, وابن عقيل 157/ 2، والسيوطي 94، والمكودي ص117، وابن الناظم. وذكره السيوطي في الهمع 123/ 2، والشاهد رقم 363 في الخزانة.(2/974)
ونحوه من الضرورات "وشذ"1 قول بعضهم: "أجمع أبصع", وإنما حق أبصع أن يجيء بعد أكتع.
وأشد منه قول بعضهم: "جُمَع بُتَع"، وإنما حق "بتع"2 وأخواته أن يجاء بهن آخرا توابع لأبصع.
الرابع: إذا تكررت ألفاظ التوكيد فهي للمتبوع، وليس الثاني تأكيدا "للتأكيد"3.
الخامس: لا يجوز في ألفاظ التوكيد القطع إلى الرفع، ولا إلى النصب4.
السادس: لا يجوز عطف ألفاظه بعضها على بعض، فلا يقال: "قام زيدٌ نفسُهُ وعينُهُ", ولا "جاء القوم كلهم وأجمعون"، وأجاز العطف بعضهم وهو قول ابن الطراوة.
السابع: ألفاظ التوكيد معارف، أما ما أُضيف إلى الضمير فظاهر, وأما أجمع "وتوابعه"5 ففي تعريفه قولان:
أحدهما: أنه بنية الإضافة، ونسب إلى سيبويه6.
والثاني: أنه بالعلمية عُلِّق على معنى الإحاطة7.
__________
1 ب، جـ, وفي أ "وهو مثل".
2 أ، ب.
3 جـ, وفي أ، ب "التأكيد".
4 أي: على المختار لمنافاة القطع مقصود التوكيد هـ. صبان 58/ 3.
5 وفي أ "وأخواته".
6 قيل: هذا ينافي ما قدمه من امتناع حذف الضمير استغناء بنية الإضافة، والحق أنه لا منافاة؛ لأن ما تقدم في غير أجمع وتوابعه هـ. صبان 38/ 3.
7 أي: وضع على معنى هو الإحاطة, ولا يخفى أن جعل مدلوله الإحاطة يورث اختلال الكلام؛ إذ يكون حينئذ معنى "جاء القوم أجمع": جاء القوم الإحاطة, فلعل في العبارة حذف مضاف أي: ذي الإحاطة, على أن الإحاطة مصدر المبني للمفعول هـ. صبان 59/ 3.(2/975)
قال محمد بن مسعود الغزني1 في البديع: وتعريفها تعريف علمي كتعريف أسامة انتهى، ولكون هذه الألفاظ معارف منع البصريون نصبها على الحال.
وقوله:
وإن يُفِد توكيد منكور قُبِل ... وعن نحاة البصرة المنع شمل
مذهب الكوفيين والأخفش جواز توكيد النكرة إذا كانت مؤقتة "وأجاز بعض الكوفيين مطلقا مؤقتة كانت, أو غير مؤقتة"2, ومنع ذلك البصريون3 وإلى الجواز ذهب المصنف؛ لإفادته ولورود السماع به4.
فإن قلت: على أي "المذهبين"5 يحمل كلامه؟
قلت: ظاهر النظم موافقة الثاني، إذ لم يشترط في الجواز غير الإفادة.
وقوله في التسهيل6: وإن أفاد توكيد النكرة جاز وفاقا للأخفش والكوفيين, يقتضي موافقة الأول إذ الأخفش ومن وافقه من الكوفيين خصوا ذلك بالمؤقتة على ما نقل عنهم.
وقوله: "المنع شمل" المقيد وغيره.
__________
1 محمد بن مسعود الغرني, هكذا سماه أبو حيان. وقال ابن هشام بن الذكي صاحب كتاب البديع: أكثر أبو حيان من النقل عنه، وذكره ابن هشام في المغني وقال: إنه خالف فيه أقوال النحويين.
2 قال السيوطي في البغية: ولم أعرف شيئا من أحواله.
3 أ، جـ.
4 سواء أكانت محدودة كيوم وليلة وشهر وحول, أو غير محدودة كوقت وزمن وحين, تقول: "اعتكفتُ شهرا كله".
وقوله:
لكنه شاقَهُ أَنْ قيل ذا رجب ... يا ليت عدة حول كله رجب
5 وفي ب، جـ "المذهبين الأولين".
6 التسهيل ص165.(2/976)
وقوله:
واغْنَ بكلتا في مثنى وكِلَا ... عن وزن فَعْلَاء ووزن أَفْعَلا
استغني في تثنية المثنى بكلا وكلتا عن تثنية أجمع وجمعاء، فلا يقال: أجمعان ولا جمعاوان, خلافا للكوفيين وابن خروف في إجازتهم تثنيتهما قياسا معترفين بعدم السماع.
فإن قلت: هل يجري خلافهم في توابع أجمع وجمعاء؟
قلت: في كلام بعضهم ما يشعر بإجراء الخلاف فيها، والقياس يقتضي إجراءه, وقوله:
وإن تؤكد الضمير المتصل ... بالنفس والعين فبعد المنفصل
عنيت ذا الرفع........... ... .....................
يعني: "أنه"1 إذا أكد الضمير المرفوع المتصل بالنفس أو بالعين, فلا بد من توكيده "قبلها"2 بضمير مرفوع منفصل، فتقول: "قُمْ أنتَ نفسُكَ" و"قمت أنتَ نفسُكَ".
فإن قلت: فهل توكيده بذلك واجب؟
قلت: قال في شرح الكافية: لم يجز إلا بعد توكيده بضمير "مرفوع"3 منفصل.
فلو قلت: "قوموا أنفسكم" لم يجز، وهو موافق لنصوص غيره من النحويين.
وقال في التسهيل4: ولا يؤكد بهما غالبا ضمير رفع متصل إلا بعد توكيده
__________
1 أ، جـ.
2 أ، جـ, وفي ب "قبلهما".
3 أ، جـ.
4 التسهيل ص165.(2/977)
بمنفصل وأشار بقوله: "غالبا" إلى ما ذكره الأخفش في المسائل من أنه يجوز على ضعف "قاموا أنفسهم" وفي عبارة الفارسي لا يحسن.
"فرع":
إذا قلت: "هلم لكم أنفسكم" جاز دون توكيد للفصل الذي هو "لكم" وهذا بلا خلاف. فلا يتوهم أنه لا بد فيه من التأكيد, ذكره في الارتشاف. وقد فهم من قوله: "المتصل" أن المنفصل يؤكد بهما بلا شرط.
ومن قوله: "عنيت ذا الرفع" أن المنصوب والمجرور "يؤكد"1 بهما بلا شرط, فتقول: "رأيتُكَ نفسَكَ" و"مررت بِكَ نفسِكَ".
وإن شئت أكدتهما بالمنفصل.
وقوله:
....... وأكدوا بما ... سواهما والقيد لن يُلتزما
يعني: أن ما سوى النفس والعين من ألفاظ التوكيد إذ أكد "بها"2 ضمير الرفع المتصل, لم يلتزم توكيده بمنفصل، وهو المعني بالقيد، ولكن يجوز فتقول: "قوموا كلكم".
ولو قلت: "أنتم كلكم", لكان حسنا.
ولما فرغ من التوكيد المعنوي, انتقل إلى التوكيد اللفظي فقال:
وما من التوكيد لفظي يجي ... مكررا كقولك ادْرُجي ادْرُجي
التوكيد اللفظي: إعادة اللفظ أو تقويته بموافقه معنى.
فالأول كقولك: "ادرجي ادرجي" ويكون في الاسم والفعل والحرف والمركب غير الجملة, والجملة، نحو: "جاء زيد زيد".
__________
1 أ، جـ, وفي ب "يؤكدان".
2 ب، جـ، وفي أ "بهما".(2/978)
.................. ... أتاكِ أتاكِ اللاحقون1
ونَعَمْ نَعَمْ.
............. ... وحَتَّامَ حَتَّامَ العناء المطول2
__________
1 لم أقف على اسم قائله, وهو من الطويل.
وتمامه:
فأين إلى أين النجاة ببغلتي ... .... احْبِسِ احْبِسِ
المعنى: أين أذهب؟ وإلى أي مكان أنجو ببغلتي؟ وقد جاء الذين يلاحقونني ويطلبونني, فلا مفر من أن يستسلم الإنسان للقدر, ويقف حيث هو وليكن ما يكون.
والظاهر أن الشاعر كان فارًّا من قومه يلاحقونه, فخاطب نفسه بذلك.
الإعراب: "فأين" اسم استفهام مبني على الفتح في محل جر بإلى محذوفة يدل عليها ما بعدها, والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم, "إلى أين" توكيد لفظي, "النجاة" مبتدأ مؤخر, "ببغلتي" جار ومجرور متعلق بالنجاة, "أتاك" فعل ماض والكاف مفعول, "أتاك" توكيد لفظي, "اللاحقون" فاعل, "احبس" فعل أمر وفاعله مستتر فيه, "احبس" توكيد لفظي.
الشاهد فيه: "أتاك أتاك", فقد أكد الفعل تأكيدا لفظيا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن عقيل 160/ 2, وابن هشام 101/ 2، وابن الناظم.
2 قائله: هو الكميت بن زيد الأسدي, وهو من الطويل.
وصدره:
فتلك وُلَاة السوء قد طال ملكهم
اللغة: "ولاة السوء" الولاة -بضم الواو- جمع والٍ, وهو الذي يتولى أمور الناس, "حتام" بمعنى: إلى متى؛ فحتى غائية وما بعدها استفهامية, وحذفت ألفها فرقا بين الخبر والاستفهام, أي: فرقا بين "ما" الموصولة والاستفهامية, "العناء" -بفتح العين وتخفيف النون- المشقة والتعب, "المطول" الطويل.
الإعراب: "فتلك" مبتدأ, "ولاة" خبره مرفوع بالضمة الظاهرة, "السوء" مضاف إليه, "قد" حرف تحقيق, "طال" فعل ماض, "ملكهم" فاعل والضمير مضاف إليه, "حتام" حتى حرف جر وما اسم استفهام والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم, "حتام" جار ومجرور توكيد للأول, "العناء" مبتدأ مؤخر, "المطول" نعت للعناء.
الشاهد فيه: "حتام حتام" فإنه توكيد لفظي بإعادة الأول بلفظه, وهو من نوع توكيد المركب غير الجملة بمركب غير جملة، فإن الجار والمجرور مركب من كلمتين، ولكنه مركب غير تام.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 409/ 2.(2/979)
.................. و ... لكَ الله لكَ الله1
قال الشارح: وأكثر ما يجيء مؤكد لجملة.
والثاني: نحو: انزل نزال.
قال2:
............. ... صَمِّي لما فعلت يهود صَمَام
__________
1 قائله: لم أقف على قائله, وهو من الهزج.
2 قبله:
يا من لستُ أقلاه ... ولا في البعد أنساه
لك الله على ذاك.... ... .........
اللغة: "أقلاه" فعل مضارع من القِلَى، وهو البغض والكراهية الشديدة في هذا الفعل.
المعنى: يدعو لمخاطبه بأن يكون الله حافظا له, وكالئا إياه, وراعيا.
الإعراب: "لك" اللام حرف جر والكاف ضمير المخاطب مبني على الفتح في محل جر، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم, "الله" مبتدأ مؤخر, "لك الله" جملة من خبر مقدم ومبتدأ مؤخر، وهذه الجملة مؤكدة للجملة الأولى.
الشاهد فيه: "لك الله لك الله" فإن الجملة الثانية تأكيد لفظي للجملة الأولى.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 409/ 2، وابن الناظم.
2 قائله: هو الأسود بن يعفر أحد شعراء العرب في الجاهلية، وكان من ندماء النعمان بن المنذر, وهو من الكامل.
وصدره:
فرت يهود وأسلمت جيرانها.....
اللغة: "يهود" اسم قبيلة, "صمي" -بفتح الصاد وتشديد الميم- فعل أمر مسند لياء المخاطبة المؤنثة, بمعنى اخرسي, "صمام" -بفتح الصاد وآخره مكسور مثل قطام- اسم علم للداهية.
الإعراب: "فرت" فعل ماض والتاء للتأنيث, "يهود" فاعل, "وأسلمت" الواو عاطفة وأسلم فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر فيه, "جيرانها" مفعول به لأسلم منصوب وضمير الغائبة مضاف إليه, "صمي" فعل أمر مبني على حذف النون وياء المخاطبة فاعله, "لما" اللام حرف جر وما اسم موصول والجار والمجرور متعلق بصمي, "فعلت" فعل ماض والتاء للتأنيث, "يهود" فاعل والجملة لا محل لها صلة الموصول, "صمام" اسم فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وهذه الجملة مؤكدة توكيدا لفظيا لجملة صمي.
الشاهد فيه: "صمي صمام", فإن "صمام" توكيد لفظي لقوله: "صمي" وهي تقوية للأول.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية الأشموني 409/ 2.(2/980)
ومنه توكيد الضمير المتصل بالمنفصل.
ومنه قوله1:
.............. ... أَجَلْ جير إن كانت أُبيحت دعاثره
فإن قلت: عبارته ظاهرة في تناول الأول دون الثاني لقوله: "مكررا".
قلت: إذا حمل على تكرار معنى المؤكد، ولم يختص بتكرار لفظه كما ذكر الشارح تناولهما.
فإن قلت: ما إعراب صدر البيت؟
__________
1 قائله: هو مضرس بن ربعي, وهو من الطويل.
وصدره:
وقلن على الفردوس أول مشرب ...
اللغة: "الفردوس" -بكسر الفاء وسكون الراء- البستان، وأراد به هنا روضة دون اليمامة وقيل: لبني يربوع, "أجل" حرف مثل نعم في الوزن, "جير" -بفتح الجيم وسكون الياء وكسر الراء-على ما هو الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، وربما فتحوا الراء وجعلوها مثل أين وكيف وقصدوا بذلك التخفيف, "دعاثره" جمع دعثور -بضم الدال وسكون العين وضم الثاء- وهو الحوض الذي لم يتأنق صاحبه في صنعه.
الإعراب: "قلن" فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة وهي فاعل مبني على الفتح في محل رفع, "على الفردوس" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم, "أول" مبتدأ مؤخر, "مشرب" مضاف إليه, "أجل" حرف جواب مبني على السكون لا محل له من الإعراب, "جير" حرف جواب تأكيد لحرف الجواب الأول مبني على الكسر لا محل له من الإعراب, "إن" -بكسر الهمزة- حرف شرط جازم, "كانت" فعل ماض فعل الشرط في محل جزم, "أبيحت" أبيح فعل ماض مبني للمجهول والتاء للتأنيث ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه, وجملة الفعل ونائب فاعله في محل نصب خبر كان تقدم على اسمه, "دعاثره" اسم كان مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد فيه: "أجل جير" لأن كلتيهما بمعنى الإيجاب، فأكد "أجل" توكيدا لفظيا بقوله: "جير", وذلك من قبيل إعادة الأول بلفظ مرادف له في المعنى.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 409/ 2، وابن الناظم.(2/981)
قلت: "ما" موصولة و"لفظي" خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلة, و"يجي" خبر الموصول.
أي: والذي هو من التوكيد لفظي, يجيء مكررا.
قوله:
ولا تُعِدْ لفظ ضمير متصل ... إلا مع اللفظ الذي به وُصِل
تقول: "قمتُ قمتُ" ونحوه؛ لأن إعادته مجردا تخرجه عن الاتصال.
ثم قال:
"كذا الحروف" يعني: أن الحرف لا يعاد إلا مع ما اتصل به أولا؛ لكونه كالجزء منه نحو: "إن زيدا قائم, إن زيدا قائم" و"في الدار, في الدار زيد" ولا يعاد وحده إلا ضرورة، نص عليه ابن السراج كقوله1:
__________
1 قائله: هو مسلم بن معبد الوالبي الأسدي, وقيل: هو لرجل من بني أسد لم يعين.
وصدره:
فلا والله لا يُلفى لما بي ...
وهو من الوافر.
اللغة: "لا يلفى" لا يوجد، من ألفى إذا وجد، "لما بي" الذي بي.
المعنى: يقسم أنه لا يوجد للذي به من الموجدة والألم، ولا للذي عند خصومه من الحقد والضغينة, علاج، وليس هناك أمل في المودة والمصالحة وإزالة الأحقاد والضغائن، بعد أن تفاقم الخطب وعظم الخلاف.
الإعراب: "فلا" الفاء عاطفة, و"لا" زائدة لتوكيد القسم, "والله" حرف قسم وجر متعلق بفعل قسم محذوف, "لا" نافية, "يلفى" فعل مضارع مبني للمجهول جواب القسم, "لما" ما موصولة مجرورة باللام متعلق بيلفى, "بي" متعلق بمحذوف صلة, "ولا للما بهم" الواو عاطفة و"لا" زائدة لتأكيد النفي، واللام الأولى حرف جر واللام الثانية مؤكدة للأولى، وما اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام الأولى، والجار والمجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور السابق, بهم متعلق بمحذوف صلة الموصولة, "أبدا" ظرف متعلق بيلفى, "دواء" نائب فاعل يلفى.
الشاهد فيه: "للما" فاللام الثانية توكيد للأولى الجارة، ولم يفصل بينهما فاصل مع أن اللام ليست من أحرف الجواب وهو شاذ؛ لأن الحرف المؤكد موضوع على حرف هجائي واحد لا يكاد يقوم بنفسه, ولو جاء على الصواب لقال: "لما لما به".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 410/ 2، وابن هشام 152/ 3, وابن الناظم.(2/982)
.. ولا لِلِما بهم أبدا دواء
وأجاز الزمخشري: "إن إن زيدا قائم", وتبعه ابن هشام.
قال في شرح التسهيل: وقوله مردود؛ لعدم إمام يستند إليه وسماع يعتمد عليه.
ولا حجة له في قول الشاعر1:
إن إن الكريم يحلُم ما لم ... يَرَيَنْ من أجاره قد ضِيما
فإنه من الضرورات.
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الخفيف.
اللغة: "يحلم" من الحلم وهو الأناة والتعقل, "أجاره" جعله في جواره وحمايته, "ضيم" مبني للمجهول , أي: ظلم وبخس حقه.
المعنى: إن الكريم الخلق يتحلى بالحلم والتعقل في تصرفاته, ما لم ير أن من أجاره وجعله في حماه قد ظلم واعتدى عليه، فعند ذلك يذهب عنه حلمه ويبطش بهذا الظالم المعتدي على من التجأ إليه.
الإعراب: "إن" حرف توكيد ونصب, "إن" الثانية توكيد لها, "الكريم" اسمها, "يحلم" الجملة خبر, "ما" مصدرية ظرفية, "يرين" مضارع مؤكد بالنون الخفيفة في محل جزم بلم, و"ما" دخلت عليه في تأويل مصدر بإضافة اسم زمان منصوب بيحلم, أي: يحلم مدة عدم رؤيته, "من" اسم موصول مفعول ليرى, "أجاره" الجملة صلة, "قد ضيما" حرف تحقيق, وفعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه, والجملة في محل نصب صفة لمن أو حال إن جعلت "يرى" بصرية، ومفعول ثانٍ إن كانت علمية.
الشاهد فيه: "إن إن" حيث أكد الحرف "إن" بإعادته من غير فاصل بينهما, مع أنه ليس من حروف الجواب, وهو شاذ لا يقاس عليه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 410/ 2، وابن هشام 152/ 3، وذكره السيوطي في الهمع 125/ 2.(2/983)
تنبيه:
قال في التسهيل1: لم يعد في غير ضرورة إلا معمولا بمثل عامله أولا أو مفصولا. ومثّل الفصل بقوله2:
حتى تراها وكأنّ وكأنْ ... أعناقها مشددات بقرن
وبقوله3:
ليت شعري هل ثم هل آتيَنْهم
__________
1 التسهيل ص166.
2 قائله: هو خطام المجاشعي يصف إبلا, وقيل: الأغلب العجلي, وهو من الرجز.
اللغة: "أعناقها" -جمع عنق- وهي الرقبة, "قرن" -بفتح القاف والراء- حبل تربط به الإبل ويقرن بعضها إلى بعض.
المعنى: يصف إبلا في سرعة سيرها وانتظامه فيقول: إن أصحاب هذه الإبل يستحثونها على السير بنظام واعتدال, حتى إن من يراها يظن أن أعناقها مربوط بعضها إلى بعض بحبال.
الإعراب: "حتى" حرف غاية وجر, "تراها" فعل مضارع والفاعل ضمير أنت والضمير البارز مفعول وهو عائد على الإبل في بيت قبله, "وكأن" الواو للحال وكأن حرف تشبيه ونصب, "وكأن" الثانية توكيد وخُففت للقافية, "أعناقها" اسم كأنّ الأولى والهاء مضاف إليه, "مشددات" خبرها, "بقرن" متعلق بمشددات، وسكن للشعر.
الشاهد فيه: "كأن وكأن" حيث أكد "كأن" بمثلها مع عدم الفاصل بمعمول الأولى -مع أنها ليست من حروف الجواب- وهذا أخف في الشذوذ من سابقه؛ لأنه فصل هذا بواو العطف.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 410/ 2، وابن هشام 152/ 3، وابن الناظم, وذكره السيوطي في الهمع 125/ 2.
3 قائله: هو الكميت بن معروف, وهو من الخفيف.
وتمامه:
......... ... أم يحولن دون ذاك الحمام
اللغة: "آتينهم" أزورهم وأراهم, "الحمام" -بكسر الحاء- الموت.
المعنى: يتلهف على أحبابه الذين فارقهم، ويتمنى أن يزورهم ويراهم أو يمنع من التمتع برؤيتهم وقوع الموت عليه أو عليهم.
الإعراب: "ليت" حرف تمن ونصب, "شعري" اسم ليت منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم, وياء المتكلم مضاف إليه, "هل" حرف استفهام, "ثم" حرف عطف, "هل" توكيد للاستفهام =(2/984)
قال: ومن الفصل المسموع, الفصل بالوقف كقوله1:
__________
= السابق, "آتينهم" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة والفاعل ضمير مستتر وضمير الغائبين مفعول به, "أم" حرف عطف, "يحولن" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة, "دون" ظرف متعلق بيحول, "ذاك" ذا مضاف إليه والكاف حرف خطاب, "الحمام" فاعل يحول مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد فيه: "هل ثم هل" حيث أكد "هل" الأولى بهل الثانية مع الفصل بينهما بالحرف "ثم", ولكنه لم يأت بمدخول المؤكد فاصلا وهو "آتينهم" وهذا شاذ, ومع شذوذه فهو أخف من غيره لوجود الفاصل، ولو وافق القياس لقال: "هل آتينهم, ثم هل آتينهم".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 410/ 2, وذكره السيوطي في الهمع 125/ 2.
1 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الرجز.
اللغة: "ينسك" فعل مضارع أصله: النسيان, "الأسى" -بفتح الهمزة والسين مقصورا- الحزن, "تأسيا" الصبر والاقتداء بغيره من الصابرين, "حمام" -بكسر الحاء وتخفيف الميم- الموت, "مستعصما" ممتنعا.
المعنى: لا ينسك الحزن على من مات منك حسن التأسي بالصابرين؛ لأن أحدا لا يعتصم عن الموت, فلا فائدة حينئذ للجزع وترك التأسي بالصابرين.
الإعراب: "لا" ناهية, "ينسك" فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف الياء والكاف ضمير المخاطب مفعول أول, "الأسى" فاعل, "تأسيا" مفعول ثانٍ لينسي منصوب بالفتحة الظاهرة, "فما" الفاء للتعليل وما حرف نفي يعمل عمل ليس, "من حمام" جار ومجرور متعلق بمستعصما, "أحد" اسم ما النافية, "مستعصما" خبر ما منصوب بها وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
الشاهد فيه: "فما ما" فإنه كرر الحرف الواحد للتأكيد اللفظي، ولكن فصل بينهما بالوقف.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية الأشموني 410/ 2, وذكره السيوطي في الهمع 125/ 2.(2/985)
لا يُنسِكَ الأسى تأسيا فما ... ما من حمام أحد مستعصما
فظاهره أن مثل ذلك يجوز اختيارا.
وصرح في الكافية وشرحها بقلة:
حتى تراها وكأن وكأن
ولم يجعل للفصل فيه أثرا.
ثم استثنى من الحروف الجوابية فقال:
..... غير ما تحصلا ... به جواب كنَعَمْ وكبَلَى
فيجوز أن يؤكد بإعادة اللفظ من غير اتصاله بشيء فتقول: "نعم نعم" و"لا لا " و"بلى بلى".
وذلك لأن الحرف الجوابي كالمستقل؛ لصحة الاستغناء به عن ذكر المجاب به.
وقوله:
ومضمر الرفع الذي قد انفصل ... أكدْ به كل ضمير اتصل
فيؤكد به المرفوع نحو: "قمت أنت", والمنصوب نحو: "رأيتك أنت", والمجرور نحو: "مررت بك أنت".
وهذا من قبيل التوكيد اللفظي.
"تنبيه":
إذا أتبعت المتصل المنصوب بمنفصل منصوب نحو: "رأيتك إياك" فمذهب البصريين أنه بدل، ومذهب الكوفيين أنه توكيد.
قال المصنف: وقولهم عندي أصح؛ لأن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب المتصل كنسبة المرفوع المنفصل من المرفوع المتصل في نحو: "فعلتَ أنتَ" والمرفوع تأكيد بإجماع.(2/986)
قيل: وكأنه يعني بقوله: بإجماع أنه يجوز، لا أنه يتعين فإنهم قد أعربوا "قمت أنت" بدلا.
قلت: قوله في التسهيل1: ولا يبدل مضمر من مضمر, يمنع من إعرابه بدلا.
__________
1 التسهيل ص172.(2/987)
العطف:
العطف إما ذو بيان أو نسق.........
يعني: أو ذو نسق.
والعطف كما ذكر قسمان: عطف بيان وعطف نسق.
والنسق لغة: النظم، وقد يستعمل بمعنى المنسوق.
عطف البيان:
وقوله:
.... والغرض الآن بيان ما سبق
يعني: عطف البيان.
وقوله:
فذو البيان تابع شبه الصفه ... حقيقة القصد به منكشفه
"تابع": جنس يشمل الخمسة. وقوله: "شبه الصفه" أي: في التوضيح والتخصيص مخرج لعطف النسق والبدل والتوكيد.
وقوله: "حقيقة القصد به منكشفه" يعني: أن إيضاحه للمتبوع إنما هو بشرح وتبيين لحقيقة المقصود, لا بدلالة على معنى في المتبوع أو في سببه، وبذلك فارق النعت.
وقوله:
فأولينه من وفاق الأول ... ما من وفاق الأول النعت وَلِي
لما كان عطف البيان بمنزلة النعت، وجب أن يوافق متبوعه في أربعة من عشرة كالنعت الخالص، فيوافقه في الرفع أو النصب أو الجر، والتعريف أو التنكير, والإفراد أو التثنية أو الجمع، والتذكير أو التأنيث.
ولما كان في ورود عطف البيان نكرة تابعا لنكرة خلاف, نص عليه بقوله:(2/988)
فقد يكونان مُنَكَّرين ... كما يكونان مُعَرَّفين
ذهب الكوفيون والفارسي وابن جني والزمخشري وابن عصفور إلى جواز تنكيرهما، وإليه ذهب المصنف.
وقال الشارح: أجازه أكثرهم, قال: وليس قول من منع بشيء؛ لأن النكرة تقبل التخصيص بالجامد كما تقبل المعرفة التوضيح به، كقولك: "لبستُ ثوبًا جُبَّةً".
ونظيره من كتاب الله تعالى: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} 1.
وقال ابن عصفور: ذهب أكثر النحويين إلى امتناعه، وزعم الشلوبين أن مذهب البصريين التزام وتعريف التابع والمتبوع في عطف البيان.
قال المصنف: ولم أجد هذا النقل من غير جهته، ونقل عن بعضهم تخصيصه بالعلم, اسما أو كنية أو لقبا.
تنبيهان:
الأول: فهم من كلامه أن تخالفهما في التعريف والتنكير ممتنع، وأجازه الزمخشري فجعل قوله تعالى: {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} عطف بيان على {آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} 2 قيل: وهو مخالف لإجماع الفريقين، فلا يلتفت إليه.
الثاني: اشترط الجرجاني والزمخشري زيادة تخصيص عطف البيان على متبوعه، قال في شرح الكافية: وليس بصحيح؛ لأن عطف البيان في الجامد بمنزلة النعت.
قال: وقد جعل سيبويه "ذا الجُمَّة" من "يا هذا ذا الجمة"3 عطف بيان, مع أن تخصيص هذا زائد على تخصيصه.
__________
1 من الآية 35 من سورة النور, وزيتونة عطف بيان لشجرة.
2 من الآية 97 من سورة آل عمران.
3 الجمة -بضم الجيم- الشعر الواصل إلى المنكب.(2/989)
وقال في شرح التسهيل: زعم أكثر المتأخرين أن متبوع عطف البيان لا يفوقه في الاختصاص بل يساويه، أو يكون أعم منه.
والصحيح جواز الأوجه الثلاثة, قال: وهو مذهب سيبويه.
قلت: فتحصلت ثلاثة مذاهب.
وقوله:
وصالحا لبَدَلية يُرَى ... .................
يعني: أن كل ما حكم "عليه"1 بأنه عطف بيان, فجائز جعله بدلا، إلا في موضعين أشار إلى أحدهما بقوله:
في غير نحو: غلامُ يَعْمُرا
ويعني به ما كان مفردا معرفة معربا ومتبوعه منادى، فإنه ينصب بعد منصوب نحو: "يا أخانا زيدا" وينصب ويرفع بعد مضموم نحو: "يا غلام زيدا أو زيد", ومثله: "يا غلام يعمرا"2.
فهذا ونحوه عطف بيان لا بدل، إذ لو جعل بدلا تعين بناؤه على الضم؛ لأن البدل في نية تكرار العامل، فيلزم تقدير حرف النداء معه بخلاف عطف البيان. ثم أشار إلى الآخر بقوله:
ونحو بشر تابع البكريّ
ويعني به ما كان تابعا لمجرور بإضافة صفة مقرونة بال "وإليه"3, وهو غير صالح لإضافتها إليه كقول الشاعر4:
__________
1 أ.
2 يعمرا -بضم الميم وفتحها- عَلَم منقول من المضارع, منصوب عطف بيان على محل غلام.
3 أ، جـ.
4 قائله: هو المرار الأسدي -من قصيدة يفتخر فيها بأن جده قَتَل بشر بن عمرو- زوج الخرنق أخت طرفة بن العبد, وهو من الوافر. =(2/990)
أنا ابن التارك البكريِّ بشرٍ ... عليه الطير ترقبه وقوعا
فبشر عطف بيان، ولا يجوز أن يكون بدلا لما يلزم من تقدير إضافة التارك إليه؛ لأن البدل في نية تكرار العامل، وهو غير صالح لذلك، إذ لا يضاف ما فيه أل إلى عارٍ منها.
ونُقِل عن المبرد أنه لا يجوز في بشر إلا النصب، ولا يجيز جره لا على البدل, ولا على عطف البيان.
وأجاز الفراء في "بشر" أن يكون بدلا؛ لأن مذهبه جواز إضافة ما فيه أل إلى جميع المعارف.
وإلى تضعيف مذهبه, أشار بقوله:
وليس أن يُبدِل بالمرضي
وقد نقل جواز البدل في "بشر" عن الفارسي أيضا.
__________
= اللغة: "التارك" اسم فاعل من ترك, "البكري" المنسوب إلى بكر بن وائل, "ترقبه" تنتظره.
المعنى: يصف نفسه بالشجاعة وأنه ابن الذي ترك البكري بشرا مجندلا في العراء, مثخنا بالجراح في حالة يرثى لها، تنتظر الطير خروج روحه لتهبط عليه وتنهش من جسده, فهو شجاع من نسل شجاع.
الإعراب: "أنا" مبتدأ, "ابن" خبر, "التارك" مضاف إليه, "البكري" مضاف إلى التارك من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله, "بشر" عطف بيان على البكري, "عليه" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم, "الطير" مبتدأ مؤخر والجملة في محل نصب إما مفعول ثانٍ للتارك, وإما حال من البكري, "ترقبه" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه والهاء مفعول، والجملة في محل نصب حال من الطير, "وقوعا" حال من الضمير المستتر في ترقبه.
الشاهد فيه: "التارك البكري بشر" فإن "بشر" يتعين فيه أن يكون عطف بيان على "البكري", ولا يجوز أن يكون بدلا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 14/ 2، وابن هشام 161/ 2، وابن عقيل 165/ 2, والسيوطي ص96، والمكودي ص199، وابن الناظم, وفي كتاب سيبويه 93/ 1. وذكره السيوطي في الهمع 122/ 3، وابن يعيش 73/ 3، والشاهد رقم 299 في الخزانة.(2/991)
تنبيه:
استدرك على المصنف أمور ينفرد بها عطف البيان, لم يتعرض لها:
الأول: أن يفتقر الكلام إلى رابط، ولا رابط إلا التابع نحو: "هند ضربت الرجل أخاها".
الثاني: أن يضاف أفعل التفضيل إلى عام ويتبع بقسيميه نحو: "زيد أفضل الناس الرجال والنساء أو النساء والرجال".
الثالث: أن يتبع الموصوف "به"1 أيضا بمضاف نحو: "يا أيها الرجل غلام زيد".
الرابع: أن يتبع مجرور أي بمفضل نحو: "بأي الرجلين زيد وعمرو مررت".
الخامس: أن يتبع مجرور كلا بمفضل نحو: "كلا الرجلين زيد وعمرو قال ذلك".
ومسائل أخر في باب النداء، وهي مفهومة من تعليل "يا غلام يعمرا", فلا حاجة لذكرها.
__________
1 أ، جـ.(2/992)
عطف النسق:
تالٍ بحرف مُتبع عطف النسق ... .........................
"تال" -أي تابع- جنس يشمل الخمسة، وقوله: "بحرف متبع" يخرج الأربعة.
فإن قلت: قوله: "بحرف" يخرج غير المحدود، فما فائدة قوله: "متبع"؟
قلت: لو اقتصر على قوله: "بحرف" لورد نحو: "مررت بغضنفر أي: أسد".
فإنه تابع بحرف1, فلما قال: "متبع" خرج؛ لأن "أي" ليس بمتبع2.
خلافا لمن عده من حروف العطف.
فإن قلت: فما أي؟ وما إعراب تاليها؟
قلت: أما أي فحرف تفسير على الصحيح، وأما تاليها فعطف بيان بالأجلى على الأخفى، وتوافق ما قبلها في التعريف والتنكير.
ثم مثّل فقال:
.................... ... كاخصُص بود وثناء من صدق
ثم شرع في ذكر حروف العطف فقال:
فالعطف مطلقا بواو ثم فا ... حتى أم أو كفيك صدق ووفا
فهذه ستة أحرف تُشرك لفظا ومعنى3, وهذا معنى قوله: "مطلقا".
وقد مثل بقوله: "فيك صدق ووفا" وهو ظاهر4.
__________
1 فإنه, أي: أسد تابع بحرف.
2 أي: ليست بحرف متبع.
3 أي: تشرك بين التابع والمتبوع.
4 أي: ظاهر في الأربعة الأول.(2/993)
فإن قلت: كيف جعل أم وأو مشركين في اللفظ والمعنى، والذي يظهر خلاف ذلك؟
قلت: قال المصنف: أكثر النحويين يجعل أم وأو "مشركين"1 في اللفظ لا في المعنى، والصحيح أنهما يشركان لفظا ومعنى ما لم يقتضيا إضرابا؛ لأن القائل: "أزيد في الدار أم عمرو؟ " عالم بأن الذي في الدار هو أحد المذكورين، وغير عالم بتعيينه، فالذي بعد "أم" مساوٍ للذي قبلها في الصلاحية؛ لثبوت الاستقرار في الدار وانتفائه، وحصول المساواة إنما هو بأم.
وكذلك "أو" مشركة لما قبلها وما بعدها فيما يُجَاء بها لأجله، من شك أو غيره.
فإن قلت: أطلق في "أم" و"أو" وينبغي أن يقيدهما بألا يقتضيا إضرابا، فإن اقتضيا إضرابا كانا مشركين في اللفظ, لا في المعنى كما ذكر في التسهيل2.
قلت: دلالتهما على الإضراب قليلة؛ فلذلك لم يتعرض لها، وسيأتي بيان ذلك.
ثم قال:
وأَتبعتْ لفظا فحسبُ بل ولا ... لكن كَلَمْ يبدُ امرؤ لكن طلا
فهذه ثلاثة أحرف تشرك لفظا لا معنى، وقد مثل بقوله: "كلم يبد امرؤ لكن طلا" وهو واضح3.
والحاصل: أن حروف العطف على ما ذكر تسعة، والمتفق عليه منها ستة: الواو, والفاء، وثم، وأو، وبل، ولا.
واختُلف في ثلاثة: حتى, وأم، ولكن.
__________
1 أ، جـ، وفي ب "مشتركين".
2 التسهيل ص174.
3 الطلا -بفتح الطاء مقصورا- الولد من ذوات الظِّلف، وقيل: ولد بقر الوحش فقط, والجمع أطلاء كسبب وأسباب.(2/994)
أما "حتى" فذهب الكوفيون إلى أنها ليست بحرف عطف، وإنما يعربون ما بعدها بإضمار1.
وأما "أم" فذكر النحاس فيها خلافا، وأن أبا عبيدة ذهب إلى أنها بمعنى الهمزة.
فإذا قال: "أقائم زيد أم عمرو؟ " فالمعنى: أعمرو قائم؟ فتصير على مذهبه استفهاما2.
وقال الغزني في البديع: أما "أم" فعديل همزة الاستفهام، وليست بحرف عطف، وأما "لكن" فذهب أكثر النحويين إلى أنها من حروف العطف.
ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها لا تكون عاطفة إلا إذا لم تدخل عليها الواو، وهو مذهب الفارسي، قيل: وأكثر النحويين.
الثاني: أنها عاطفة ولا تستعمل إلا بالواو، والواو مع ذلك زائدة، وصحّحه ابن عصفور، قال: وعليه ينبغي أن يحمل مذهب سيبويه والأخفش؛ لأنهما قالا: إنها عاطفة، ولما مثّلا للعطف بها مثّلاه مع الواو.
الثالث: أن العطف بها، وأنت مخير في الإتيان بالواو، وهو مذهب ابن كيسان، وذهب يونس إلى أنها حرف استدراك، وليست بعاطفة، والواو قبلها عاطفة لما بعدها عطف مفرد على مفرد.
تنبيهان:
الأول: وافق المصنف هنا الأكثرين، ووافق في التسهيل يونس3, قال فيه: وليس منها "لكن" وفاقا ليونس.
__________
1 أي: بإضمار عامل, ففي نحو: "جاء القوم حتى أبوك" ورأيتهم حتى أباك، ومررت بهم حتى أبيك، يضمرون: جاء ورأيت والباء، ويجعلون حتى ابتدائية هـ 68/ 3 صبان.
2 أي: فيكون ما بعدها في مثل هذا التركيب مبتدأ محذوف الخبر، وفي النصب والجر يقدر المناسب هـ 68/ 3 صبان.
3 التسهيل ص174.(2/995)
وظهر من كلامه في الشرح أنه غير موافق له من كل وجه؛ لأنه جعل الواو قبلها عاطفة جملة على جملة, ويضمر لما بعدها عاملا.
فإن قلت: "ما قام سعد ولكن سعيد", فالتقدير: ولكن قام سعيد.
وإنما جعله من عطف الجمل؛ لما يلزم على مذهب يونس من مخالفة المعطوف بالواو لما قبلها، وحقه أن يوافقه.
واستدل من قال بأنها ليست بعاطفة بلزوم اقترانها بالواو قبل المفرد.
قال في شرح التسهيل: وما يوجد من كلام النحويين من نحو: "ما قام سعد لكن سعيد" فمن كلامهم, "لا من"1 كلام العرب.
ولذلك لم يمثل سيبويه في أمثلة العطف إلا بـ "ولكن", وهذا من شواهد أمانته وكمال عدالته؛ لأنه يجيز العطف بها غير مسبوقة بواو، وترك التمثيل به لئلا يعتقد أنه مما استعملته العرب.
قلت: وفي قوله: إن سيبويه يجيز العطف بها غير مسبوقة بواو, نظر.
فقد تقدم ما ذكره ابن عصفور.
الثاني: اختلف في تسعة ألفاظ أخر, وهي: إما، وإلا، وليس، ولولا، وهلا، وكيف، ومتى، وأين, وأي.
والصحيح أنها ليست من حروف العطف، وسيأتي الكلام على "أما".
ثم شرع في ذكر معاني حروف العطف، وبدأ بالواو.
فقال:
فاعطف بواو سابقا أو لاحقا ... في الحكم أو مصاحبا موافقا
يعني: أن الواو للجمع المطلق كما ذهب إليه الجمهور، فيصح أن يعطف
__________
1 أ، ب, وفي جـ "ليس من".(2/996)
بها لاحق في الحكم نحو: "جاء زيد وعمرو بعده"، أو سابق نحو: "جاء زيد وعمرو قبله", أو مصاحب نحو: "جاء زيد وعمرو معه".
وذهب بعض أهل الكوفة إلى أن الواو تُرَتِّب1.
وحُكي عن قطرب وثعلب والربعي.
وبذلك يُعلم أن ما ذكره السيرافي والسهيلي من إجماع النحاة بصريهم وكوفيهم على أن الواو لا ترتب, غير صحيح.
تنبيه:
قال في التسهيل: وتنفرد الواو بكون مُتبعها في الحكم محتملا للمعية برجحان، وللتأخر بكثرة، وللتقدم بقلة2.
قيل: وليس هذا مذهب البصريين ولا الكوفيين، فهو قول ثالث.
وقوله:
واخصص بها عطف الذي لا يغني ... متبوعه كاصطَفَّ هذا وابني
يعني: أن الواو تنفرد بعطف ما لا يستغنى عنه بمتبوعه كفاعل الافتعال والتفاعل، نحو: "اصطف هذا وابني", و"تخاصم زيد وعمرو", وكذا نحو: "جلستُ بين زيد وعمرو"3 و"سواء زيد وعمرو"4.
__________
1 ورد بقوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} ؛ لأن مراد المشركين بقولهم: ونحيا الحياة الدنيا لا حياة البعث؛ لإنكارهم له. هـ 61/ 2 خضري.
2 التسهيل ص174.
3 وبين زيد وبين عمرو, بزيادة "بين" الثانية للتأكيد، قاله ابن بري هـ 70/ 3 صبان.
4 وإنما انفردت الواو بذلك؛ لإفادتها معنى المصاحبة فيها.(2/997)
وأجاز الكسائي: "ظننت عبد الله وزيدا مختصمينِ" بالفاء، وثم, ومنع ذلك البصريون والفراء.
ثم انتقل إلى "الفاء" فقال:
الفاء للترتيب باتصال
أي: بلا مهلة, فهي للتعقيب, وهذا مذهب الجمهور, وما أوهم خلافه يُؤَوَّل.
وذكر في التسهيل أن الفاء تقع موقع ثم1 كقوله تعالى: {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} 2.
ثم انتقل إلى "ثم" فقال:
وثم للترتيب بانفصال
أي: بمهلة، وهو مذهب الجمهور، وما أوهم خلافه يؤول.
وذكر في التسهيل أنها قد تقع موقع الفاء3 كقوله4:
.................... ... جرى في الأنابيب ثم اضطرب
__________
1 التسهيل ص75.
2 من الآية 14 من سورة "المؤمنون".
3 التسهيل ص175.
4 قائله: هو أبو دواد حارثة بن العجاج الإيادي, من قصيدة يصف فيها فرسه, وصدره:
كهز الرُّدينيّ تحت العَجَاج
وهو من المتقارب.
اللغة: "الرديني" رمح منسوب إلى ردينة, وهي امرأة اشتُهرت بصنع الرماح بهَجَر, "العجاج" -بفتح العين وتخفيف الجيم- الغبار، والمراد ما تثيره أقدام المتحاربين أو خيولهم, "الأنابيب" -جمع أنبوبة- وهي ما بين كل عقدتين من القصب.
المعنى: إن اهتزاز هذا الفرس وسرعة عَدْوه ذهابا وجيئة أثناء القتال, يشبه اهتزاز الرمح واضطرابه في سرعة وخفة في كل ناحية, تحت غبار المعركة.
الإعراب: "كهز" جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف, "الرديني" مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله، والمشبه اهتزاز فرس كانت تحت الممدوح, "تحت" ظرف مكان منصوب بهز, "العجاج" مضاف إليه, "جرى" فعل ماض فاعله يعود على الهز, "ثم" حرف عطف بمعنى الفاء, "اضطرب" فعل ماض مبني على الفتح وسكن للروِيّ.
الشاهد فيه: "ثم اضطرب", فإن "ثم" هنا بمعنى الفاء؛ لأن اضطراب الرمح يحدث عقب اهتزاز أنابيبه مباشرة في لحظات من غير مهلة. مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 418/ 2، وابن هشام 173/ 3، والسيوطي ص97، وابن الناظم، وذكره ابن هشام في المغني 108/ 1، والسيوطي في الهمع 131/ 2.(2/998)
وذكر فيه أيضا أنها قد تقع في عطف المقدم بالزمان؛ اكتفاء بترتيب اللفظ1.
وقد أشار الفراء إلى ذلك.
قال ابن عصفور: وما ذكره الفراء من أن المقصود بثم ترتيب الإخبار، يعني في نحو2:
إن من ساد ثم أبوه ... ...........
ليس بشيء؛ لأن "ثم" تقتضي تأخُّر الثاني بمهلة، ولا مهلة بين الإخبار.
__________
1 التسهيل ص175.
2 قائله: الحسن بن هانئ المعروف بأبي نواس, وهو من الخفيف.
وتمامه:
ثم قد ساد قبل ذلك جده
اللغة: "ساد" ماض من السيادة, تقول: ساد الرجل يسود سيادة.
الإعراب: "إن" حرف توكيد ونصب, "من" اسم موصول اسم إن, "ساد" فعل ماض وفاعله ضمير يعود إلى الاسم الموصول, "ثم" حرف عطف, "ساد" فعل ماض, "أبوه" فاعل والضمير مضاف إليه, "ثم" عطف, "قد" حرف تحقيق, "ساد" فعل ماض, "قبل" ظرف زمان متعلق بساد, "ذلك" مضاف إليه واللام للبعد والكاف حرف خطاب, "جده" فاعل ساد الأخير مرفوع بالضمة الظاهرة وضمير الغائب مضاف إليه.
الشاهد فيه: "ثم ساد ... ثم قد ساد" فإن "ثم" في هاتين العبارتين, لا يمكن أن يكون دالا على معناه الأصلي له؛ لأن سيادة الأب لا تكون بعد سيادة الابن، وكذا الجد.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 418/ 2, وذكره السيوطي في الهمع 131/ 2.(2/999)
وذكر الشارح أن الفاء وثم قد يكونان لترتيب الذكر، وهو الذي عناه في التسهيل بترتيب اللفظ.
تنبيه:
في "ثم" أربع لغات: ثُمَّ، فُمَّ، ثُمَّتَ، ثُمَّتْ.
بقوله:
واخصص بفاء عطف ما ليس صله ... على الذي استقر أنه الصله
يعني: أن "الفاء" تختص بعطف ما لا يصلح كونه صلة؛ لعدم الضمير على ما هو صلة كقوله: "الذي يطير فيغضبُ زيدٌ الذبابُ", ولو عطفت بغير الفاء لم يجز، وذلك لما فيها من معنى السببية1.
قلت: وما ذكره في التسهيل2 من أنها تنفرد بتسويغ الاكتفاء بضمير واحد فيما تضمن جملتين من صفة أو صلة أو خبر, أعم لشموله ست مسائل تنفرد بها الفاء, هذه إحداها3.
ثم انتقل إلى "حتى" فقال:
بعضا بحتى اعطِفْ على كل ولا ... يكون إلا غاية الذي تلا
__________
1 ولو قلت: "ويغضب زيد"، أو "ثم يغضب زيد" لم يجز؛ لأن ما في الفاء من معنى السببية, جعل ما بعدها مع ما قبلها في حكم جملة واحدة، فأغنى ذلك عن الرابط.
ولو قلت: "الذي يطير ويغضب منه الذباب" جاز؛ لأنك أتيت بالضمير الرابط.
2 التسهيل ص175.
3 وأوضح الأمثلة للمسائل الست, كما ذكرها الأشموني 418/ 2 فأقول:
مثال الصلة نحو: "اللذان يقومان فيغضب زيد أخواك" وعكسه نحو: "الذي يقوم أخواك فيغضب هو زيدٌ".
والصفة نحو: "مررت بامرأة تضحك فيبكي زيدٌ" و"بامرأة يضحك زيدٌ فتبكي".
والخبر نحو: "زيدٌ يقومُ فتقعُدُ هندٌ" و"زيدٌ تقعدُ هندٌ فيقومُ".(2/1000)
لا يكون المعطوف بحتى إلا بعض متبوعه نحو: "قدم الحجاج حتى المشاة".
وقال في التسهيل: أو كبعضه1, وفي الكافية: بعضا وشبهه "ومثله"2 في شرحها بقوله: "أعجبتني الجاريةُ حتى حديثُها", فإن حديثها ليس بعضا منها ولكنه كالبعض؛ لأنه معنى من معانيها.
قال: وقد يكون المعطوف بحتى مباينا, فنقدر بعضيَّته كقوله3:
__________
1 التسهيل ص175.
2 أ، جـ.
3 قائله: هو أبو مروان النحوي, قاله في المتلمس حين فرّ من عمرو بن هند لما أراد قتله، والمتلمس لقي جرير بن عبد المسيح, وهو من الكامل.
اللغة: "ألقى" رمى, "الصحيفة" أراد بها الكتاب, "رحله" ما يستصحبه الرجل من متاع, "الزاد" ما يستصحبه المسافر ليبلغه مقصده.
المعنى: أن المتلمس رمى بالصحيفة ليخفف ما معه من متاع، وألقى كذلك ما معه من زاد يتبلغ به، حتى نعله التي يلبسها رمى بها.
الإعراب: "ألقى" فعل ماض وفاعله يعود على المتلمس, "الصحيفة" مفعول به, "كي" حرف تعليل, "يخفف" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد كي, "والزاد" معطوف على الصحيفة, "حتى" حرف عطف, "نعله" معطوف على الزاد, "ألقاها" فعل ماض والفاعل ضمير مستتر، وضمير الغائبة مفعول به.
الشاهد فيه: "حتى نعله" عطف "نعله" بحتى على ما قبله, ولأن المعطوف بحتى لا يكون إلا بعضا وغاية للمعطوف عليه، والنعل ليس بعض الزاد بل بينهما مباينة، ولكنه مؤول، وتقديره: ألقى ما يثقله حتى نعله.
ويجوز في "نعله" ثلاثة أوجه:
1- النصب على العطف بالتأويل المذكور.
2- والرفع على الابتداء وجملة ألقاها خبره، وتكون "حتى" حرف ابتداء ابتُدئت بعدها الجملة.
3- والجر على أن تكون "حتى" جارة بمنزلة "إلى", فهي حرف غاية وجر, ونعله مجرور بها.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 419/ 3، وابن هشام 174/ 3، والمكودي ص120, وابن الناظم، وذكره السيوطي في الهمع 136/ 2.(2/1001)
ألقى الصحيفةَ كي يخفف رحله ... والزادَ حتى نعلَهُ ألقاها
فعطف "النعل" وليست بعضية لما قبلها صريحة، لكنها بالتأويل؛ لأن المعنى: ألقى ما يثقله حتى نعله.
ولا يكون المعطوف بها أيضا إلا غاية لما قبلها في زيادة أو نقص نحو: "مات الناسُ حتى الأنبياءُ" و"قدم الحجاجُ حتى المشاةُ".
تنبيهات:
الأول: "حتى" بالنسبة إلى الترتيب كالواو، خلافا لمن زعم أنها للترتيب كالزمخشري.
الثاني: إذا عطف بحتى على المجرور، قال ابن عصفور: الأحسن إعادة الخافض؛ ليقع الفرق بين العاطفة والجارة، وقال ابن الخباز1: لزم إعادة الجار للفرق.
وقال في التسهيل: لزم إعادة الجار ما لم يتعين العطف2.
الثالث: حيث جاز الجر والعطف فالجر أحسن، إلا في باب "ضربتُ القومَ حتى زيدًا ضربتُهُ" فالنصب أحسن على تقدير كونها عاطفة و"ضربته" توكيد3, أو على تقدير جعلها ابتدائية و"ضربته" تفسير.
الرابع: قد فهم من اشتراط كون المعطوف بحتى بعضا، أنها لا تعطف جملة على جملة وإنما تعطف مفردا على مفرد.
__________
1 هو أحمد بن الحسين شمس الدين بن الخباز النحوي الضرير، كان أستاذا بارعا علامة زمانه في النحو واللغة والفقه والعروض والفرائض، وله المصنفات المفيدة منها: النهاية في النحو، وشرح ألفية ابن معط، مات بالموصل عاشر رجب سنة 637هـ.
2 التسهيل ص176.
3 توكيد لضربت زيدًا, الذي تضمنه قولك: ضربت القوم؛ لدخول زيد في القوم، لا لضربت القوم، حتى يرد أن الضمير ليس راجعا للقوم حتى يكون ضربته تأكيدا لضربت القوم بل لزيد. هـ 75/ 3 صبان.(2/1002)
ثم انتقل إلى "أم" فقال:
وأَمْ بها اعطفْ بإثر همز التسويه ... أو همزة عن لفظ أي مغنيه
"أم" على ضربين: متصلة ومنقطعة.
فالمتصلة: هي المعادلة لهمزة التسوية, أو همزة يطلب بها وبأم ما يطلب بأي.
وعلامة الهمزة الأولى: أن تكون مع جملة يصح تقدير المصدر في موضعها.
وعلامة الثانية: أن يصح الاستغناء بأي عنها.
مثال الأولى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} 1.
ومثال الثانية: "أزيدٌ في الدار أم عمرو؟ ".
وقد تحذف الهمزة قبل المتصلة للعلم بها, وأمن اللبس كقراءة ابن محيصن: "سَوَاءٌ عليهم أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لم تنذرهم"2, وهو في الشعر كثير3.
وإلى ذلك أشار بقوله:
وربما أُسقطت الهمزة إن ... كان خفا المعنى بحذفها أمن
فإن قلت: فهل يطرد ذلك؟
__________
1 من الآية 6 من سورة البقرة.
2 بإسقاط الهمزة من: أنذرتهم.
3 مثال حذف الهمزة في الشعر:
لعمرك ما أدري، وإن كنت داريا ... شعيث بن سهم، أم شعيث بن منقر؟
الأصل: أشعيث, فحذفت الهمزة والتنوين منهما.
وقوله:
لعمرك ما أدري، وإن كنت داريا ... بسبع رمين الجمر أم بثمان؟
أي: أبسبع.(2/1003)
قلت: ظاهر قوله في شرح الكافية.
فهذا وأمثاله من مواضع حذف الهمزة المعطوف على مصحوبها بأم جائز اطراده, وقد أجاز الأخفش حذف الهمزة في الاختيار، وإن لم يكن بعدها أم، وجعل من ذلك قوله تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ} 1.
والمنقطعة ما سوى المتصلة، وإليها أشار بقوله:
وبانقطاع وبمعنى بل وَفَتْ ... إن تَكُ مما قُيِّدت به خَلَت
الذي قيدت به هو أن يكون بعد إحدى الهمزتين لفظا أو تقديرا.
فإن خلت من ذلك فهي منقطعة.
واختُلف في معنى المنقطعة، فذهب البصريون إلى أنها تقدر "بمعنى"2 بل والهمزة مطلقا.
وذهب الكسائي وهشام إلى أنها بمنزلة بل, وما بعدها مثل ما قبلها.
فإذا قلت: "قام زيد أم عمرو" فالمعنى: بل قام عمرو.
وقال في التسهيل: وتقتضي إضرابا مع استفهام ودونه3.
وذكر في غيره أن الأكثر اقتضاؤها مع الإضراب استفهاما.
فإن قلت: قوله: "وبمعنى بل" يقتضي موافقة الكسائي وهشام إذا لم يذكر الاستفهام.
قلت: إنما اقتصر على ذكر "بل"؛ لأن اقتضاء المنقطعة إضرابا لازم, وليس اقتضاؤها الاستفهام بلازم.
__________
1 من الآية 22 من سورة الشعراء.
2 ب.
3 التسهيل ص176.(2/1004)
تنبيهات:
الأول: حصر "أم" في المتصلة والمنقطعة هو مذهب الجمهور، وذهب أبو زيد إلى أن "أم" تكون زائدة، فهو قسم ثالث.
الثاني: سُميت المتصلة متصلة؛ لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر, ولذلك لم تقع إلا بين مفردين أو "بين"1 جملتين في تقدير مفردين، أو مفرد وجملة في تقدير مفرد.
وسُميت المنقطعة منقطعة؛ لوقوعها بين جملتين مستقلتين.
الثالث: إذا عادلت المتصلة بين جملتين، فقد تكونان فعليتين أو اسميتين أو مختلفتين2, قيل: إلا في التسوية، فإنه لا يُذكَر بعدها إلا الفعلية، ولا يجوز: "سواءٌ علي أزيدٌ قائمٌ أم عمرٌو منطلقٌ" فهذا لا تقوله العرب، وأجازه الأخفش قياسا على الفعلية.
وقد عادت بين مفرد وجملة في قوله3:
__________
1 جـ.
2 مثال الفعليتين -وهو الأكثر- قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} , والاسميتين قول الشاعر:
ولست أبالي بعد فقدي مالكا ... أموتي ناءٍ أم هو الآن واقع؟
والمختلفتين: قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} .
3 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الطويل.
وتمامه:
بأهل القباب من عمير بن عامر
اللغة: "النفر" -بفتح النون وسكون الفاء- أصل معناه التفرق والشراد، وفي شواهد العيني: "سواء عليك الفقر" -بفاء ثم قاف- وربما يكون محرفا عن "القفر" -بقاف ثم فاء- وهو الأرض الموحشة الخالية من الأنيس, "القباب" -جمع قبة- وهي الخيمة، والمراد منها هنا: اسم موضع.
المعنى: يقول الشاعر: إنه لا فرق بين أن تنفر وتأخذ في طريقك غير ملوٍ على شيء، وأن تبيت بهؤلاء القوم الذين عرفوا بمنع الجار وحمايته، فلن ينجيك مما تحذر شيء.
الإعراب: "سواء" خبر مقدم, "عليك" جار ومجرور متعلق بسواء, "النفر" مبتدأ مؤخر =(2/1005)
سواءٌ عليك النَّفْرُ أم بِتَّ ليلة ... .........................
ويجري مجرى التسوية: ما أدري، وليت شعري -ويقع بعده الجملتان- وما أبالي -ويقع بعده الجملتان أيضا- خلافا لمن زعم أنه لا يكون بعده إلا الفعلية.
الرابع: فصل "أم" مما عُطفت عليه نحو: "أزيد في الدار أم عمرو" أولى من وصلها "به"1, هذا مذهب سيبويه، وهو الصحيح.
قال في شرح التسهيل: ومن ادعى امتناع وصلها أو ضعفه فمخطئ؛ لأن دعواه مخالفة للاستعمال المقطوع بصحته، ولقول سيبويه والمحققين من أصحابه.
الخامس: قد يكتفى "بلا" عن ذكر المعادل نحو: "أتفعل أم لا؟ ".
السادس: ذهب ابن كيسان إلى أن ميم "أم" بدل عن واو، وأصلها أو، وهي دعوى مجردة عن الدليل.
السابع: ذكر في التسهيل أن عطف المنقطعة المفرد قليل2, ومثل في الشرح بقولهم: "إنها لإبل أم شاء". "قال: فأم هنا لمجرد الإضراب عاطفة ما بعدها على ما قبلها، كما يكون بعد "بل" فإنها بمعناها، ومذهب الفارسي وابن جني في ذلك أنها بمنزلة بل والهمزة، وأن التقدير: بل أهي شاء؟ "3.
__________
= "أم" حرف عطف, "بت" بات فعل ماض والتاء فاعل, "ليلة" ظرف زمان متعلق ببات, "بأهل" جار ومجرور متعلق ببت, "القباب" مضاف إليه, "من عمير" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من أهل القباب, "ابن" صفة لعمير, "عامر" مضاف إليه.
الشاهد فيه: "النفر أم بت ليلة" حيث جاء بعد همزة التسوية الواقعة بعد سواء، باسم مفرد ثم عادَلَهُ بجملة فعلية. وهذا خلاف الأصل، وربما لاحظ الشاعر أن الاسم المفرد ينبئ عن الجملة؛ لكونه مصدرا, فاستساغ الشاعر أن يقيمه مقام الجملة, وكأنه قد قال: "سواء عليك أنفرت أم بتّ ليلة".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 421/ 2.
1 أ، ب.
2 التسهيل ص176.
3 أ، جـ.(2/1006)
وبه جزم في شرح الكافية.
وقال في شرح التسهيل, بعد حكاية هذا القول: وهذه دعوى لا دليل عليها, ولا انقياد إليها.
وقد قال بعض العرب: "إن هناك لإبلا أم شاء"1, فنصب ما بعد "أم" حين نصب ما قبلها، وهذا عطف صريح مقوٍّ لعدم الإضمار قبل المرفوع.
قيل: ولا حجة في قول بعضهم: "إن هناك لإبلا أم شاء"؛ لاحتمال كونها متصلة، والهمزة قبلها محذوفة.
ويحتمل أن ينصب "شاء" على إضمار فعل, تقديره: أم ترى شاء.
الثامن: قد ظهر من كلام المصنف أن "أم" المنقطعة تكون عاطفة، وقال في شرح الكافية: وأما "أم" المنقطعة فليست للعطف, لا في مفرد ولا جملة.
التاسع: تدخل "أم" المنقطعة على "هل" وأسماء الاستفهام نحو: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} 2, {أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 3 وهو فصيح كثير، ولا التفات لمن زعم أنه من الجمع بين أداتي معنى، وأنه قليل جدا.
وبذلك رد على من قال: "إنها بمعنى"4 بل والهمزة في كل موضع.
ثم انتقل إلى "أو" فقال:
خيِّر أَبِحْ قسِّم بأو وأبهِمْ ... واشكُكْ وإضراب بها أيضا نُمي
فذكر لها سبعة معانٍ:
الأول: التخيير، نحو: "خذ دينارًا أو ثوبًا".
__________
1 ب، جـ.
2 من الآية 16 من سورة الرعد.
3 من الآية 84 من سورة النمل.
4 ب، جـ، وفي أ "أنهما يعني".(2/1007)
والثاني: الإباحة، نحو: "جالس الحسن أو ابن سيرين".
فإن قلت: فما الفرق بينهما؟
قلت: الفرق بينهما جواز الجمع بين الأمرين في الإباحة, ومنعه في التخيير.
فإن قلت: فهل استفيد جواز الجمع في الإباحة من لفظ "أو"؟
قلت: قد ذكر بعضهم أن ذلك ليس لأمر راجع إلى اللفظ, بل لأمر خارج، وهو قرينة انضمّت إلى اللفظ.
وذلك أن التخيير يرد فيما أصله الحظر، والإباحة ترد فيما ليس أصله الحظر.
تنبيه:
قال المصنف: من علامات الإباحة استحسان الواو موقعها، فلو جيء بالواو مكان "أو" لم يختلف المعنى.
وفرق غيره بين الواو وأو في ذلك؛ "فقال"1: إذا قلت: "جالس الحسن أو ابن سيرين", جاز له مجالستهما ومجالسة أحدهما.
وإذا عطفت بالواو, لم يجز له مجالسة أحدهما دون الآخر.
الثالث: التقسيم, نحو: "الكلمة: اسم أو فعل أو حرف" قال في التسهيل2:
بدل التقسيم: أو تفريق مجرد, يعني: من الشك والإبهام والتخيير، ومثّله بقوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} 3.
__________
1 جـ.
2 التسهيل ص176.
3 من الآية 135 من سورة البقرة.(2/1008)
قال: والتعبير عن هذا بالتفريق أولى من التعبير عنه بالتقسيم؛ لأن استعمال الواو فيما هو تقسيم أجود من استعمال "أو" نحو: "الكلمة: اسم وفعل وحرف".
وعبّر بعضهم عن هذا المعنى بالتفصيل.
الرابع: الإبهام، نحو: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى} 1, ومعنى الإبهام أن يكون المتكلم عالما ويبهم على المخاطب.
الخامس: الشك نحو: "قام زيد أو عمرو".
والفرق بينهما أن الشك للمتكلم, والإبهام على السامع.
السادس: الإضراب، كقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} 2.
قال الفراء: "أو" هنا بمعنى "بل".
وأشار بقوله: "بها أيضا نمي" أي: نُقل، إلا أن ورودها للإضراب غير متفق عليه.
وقال في شرح الكافية: أجاز الكوفيون موافقتهما "بل" في الإضراب، ووافقهم أبو علي وابن برهان. قلت: وابن جني.
قال في قراءة أبي السمال "أَوْ كُلَّمَا عاهدوا عهدا"3: معنى "أو" هنا معنى "بل".
وقال ابن عصفور: والإضراب ذكره سيبويه في النفي والنهي إذا أعدْت العامل، كقولك: "لست بشرا، أو لست عمرا، ولا تضرب زيدا، أو لا تضرب عمرا".
__________
1 من الآية 24 من سورة سبأ.
2 الآية 147 من سورة الصافات.
3 من الآية 100 من سورة البقرة -بسكون الواو- في "أو".(2/1009)
قال: وزعم بعض النحويين أنها تكون للإضراب على الإطلاق، واستدلوا بقوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} 1, وبقوله: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} 2.
قال: وما ذهبوا إليه فاسد.
السابع: معنى "الواو" كقوله3:
جاء الخلافةَ أو كانت له قَدَرَا ... ................
أي: وكانت، فأوقع "أو" مكان الواو؛ لأمن اللبس.
وإلى هذا أشار بقوله:
__________
1 الآية 174 من سورة الصافات.
2 من الآية 74 من سورة البقرة.
3 قائله: هو جرير بن عطية, من كلمة يمدح بها عمر بن عبد العزيز.
وتمامه:
كما أتى ربه موسى على قدر
وهو من البسيط.
اللغة: "قدرا" أي: مقدرة في الأزل, "على قدر" أي: على تقدير من الله.
المعنى: تولى عمر الخلافة وكانت بتقدير الله سبحانه، فانتشل المسلمين من الظلم، وأقام بينهم صرح العدل، كما أتى سيدنا موسى ربه، وكلّمه بقضائه وقدره، فأبان للخلق طريق الحق.
الإعراب: "جاء" فعل ماض والفاعل يعود على سيدنا عمر, "الخلافة" مفعول, "أو" عطف بمعنى الواو, ويروى بدلها: إذ, "كانت" فعل ماض ناقص والتاء للتأنيث واسمها يعود على الخلافة, "له" متعلق بقدرا, "قدرا" خبر كان, "كما" الكاف جارة و"ما" مصدرية, "ربه" مفعول مقدم لأتى ومضاف إليه و"ما" وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف, "موسى" فاعل مؤخر بأتى, "على قدر" متعلق بأتى.
الشاهد فيه: "أو كانت" حيث استعمل فيه "أو" بمعنى الواو؛ ارتكانا على إفهام المعنى, وعدم وقوع السامع في لَبْس.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن هشام 30/ 2، وابن عقيل 174/ 2، وابن الناظم.
وذكره السيوطي في الهمع 181/ 2.(2/1010)
وربما عاقبتِ الواوَ إذا ... لم يُلفِ ذو النطق للبس مَنْفَذا
وإلى أن "أو" تأتي بمعنى "الواو" ذهب الأخفش والجرمي، واستدلا بقوله تعالى: {أَوْ يَزِيدُونَ} 1 وهو مذهب جماعة من الكوفيين.
وذكر في التسهيل أن "أو" تُعاقب "الواو" في الإباحة كثيرا، وفي عطف المصاحب والمؤكد قليلا2.
مثل الإباحة: "جالس الحسن أو ابن سيرين" وقد تقدم الكلام عليه.
ومثال المصاحب قوله عليه الصلاة والسلام: "اسكن أحد, فإنما عليك نبي أو صدِّيق أو شهيد".
ومثال المؤكِّد: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا} 3.
تنبيهان:
الأول مذهب الجمهور: أن "أو" لأحد الشيئين أو الأشياء، فإذا عطف بها في الطلب فهي للتخيير أو الإباحة، وإن عطف بها في الخبر فهي للشكّ أو الإبهام أو التقسيم.
الثاني: إذا دخل النهي في الإباحة، استوعب ما كان مباحا باتفاق النحويين، ومنه قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} 4.
فهذه هي التي تقع في الإباحة؛ لأن النهي وقع على الجمع والتفريق، وإذا دخل النهي في التخيير ففيه خلاف.
ذهب السيرافي إلى أنه يستوعب "الجميع"5 كالنهي عن المباح.
__________
1 أي: ويزيدون.
2 التسهيل ص176.
3 من الآية 122 من سورة النساء.
4 من الآية 24 من سورة الإنسان, ولو قلت: "أو لا تُطِعْ كفورا" انقلب المعنى، يعني أنه يصير إضرابا عن النهي الأول، ونهيا عن الثاني فقط، هـ 423/ 2 أشموني.
5 أ، جـ.(2/1011)
وذهب ابن كيسان إلى جواز أن يكون النهي عن كل واحد، وأن يكون عن الجميع.
وقوله:
ومثل أو في القصد إما الثانيه ... في نحو إما ذي وإما النائيه
يعني: أن "إما" مثل "أو" فيما يقصد بها، فتكون للتخيير والإباحة والتقسيم والشك والإبهام، ولم يذكر الإباحة في التسهيل1.
فإن قلت: ظاهر قوله: "مثل أو" أنها توافقها في المعاني السبعة.
قلت: لا يصح حمله على ظاهره؛ لأن "إما" لا ترد بمعنى "الواو" ولا بمعنى "بل", والعذر له2 أن ورود "أو" لهذين المعنيين قليل ومختلف فيه، فالإحالة إنما هي على المعاني المتفق عليها.
وقد فهم من البيت فوائد:
الأولى: أن "إما" ليست بعاطفة، إذ لم يجعلها مثل "أو" مطلقا, بل في القصد فقط؛ ولذلك لم يذكرها مع حروف العطف أولا.
ونقل المصنف عن أكثر النحويين أنها عاطفة، ونقل عن يونس وابن كيسان وأبي علي أنها ليست بعاطفة، ووافقهم المصنف وهو الصحيح؛ لدخول الواو عليها.
واستدل الرماني على أنها عاطفة بأن الواو للجمع، وليست هنا كذلك؛ لأننا نجد الكلام لأحد الشيئين فعلم أن العطف لإما.
__________
1 التسهيل ص176, وقال الأشموني 425/ 2: ولكنها بمقتضى القياس جائزة.
2 أي: في الإطلاق وعدم التقييد بما عدا المذكورين.(2/1012)
ونقل ابن عصفور اتفاق النحويين على أن "إما" ليست بعاطفة، وإنما أوردوها في حروف العطف "لمصاحبتها لها"1.
"وقد عدّ سيبويه"2 "إما" من حروف العطف، فجعل بعضهم كلامه على ظاهره.
وقال: إن "الواو" عطفت "إما" الثانية على "إما" الأولى، و"إما" الثانية عطفت الاسم الذي بعدها على الاسم بعد الأولى.
وتأوله بعضهم بأن "إما" لما كانت "صاحبة"3 المعنى، ومخرجة الواو عن الجمع، والتابع يليها، سماها عاطفة مجازا.
الثانية: أن المشبهة بأو إنما هي الثانية، وهي المختلف فيها، وأما الأولى فليست بعاطفة!
الثالثة: فهم من قوله: "الثانية" أن "إما" لا بد من تكرارها بخلاف "أو".
"وهذا أحد الفرقين بينهما، والثاني: أن الكلام مع "إما" مبني من أوله على ما جيء بها لأجله, بخلاف "أو""4.
الرابعة: فهم من تمثيله أنه لا بد من اقترانها بالواو.
فإن قلت: التزام الواو ظاهر عند من لم يجعل "إما" عاطفة، فما يقول من جعلها عاطفة؟
قلت: من رأى أنها عاطفة لم ير إخلاءها من الواو إلا نادرا، كقوله5:
__________
1 أي: لبعضها وهو الواو.
2 أ، جـ.
3 أ، جـ, وفي ب "مصاحبة".
4 أ، جـ.
5 قائله: نسبه الجوهري إلى الأحوص وليس بصحيح, وإنما هو لسعد بن قرط العبدي من أبيات يهجو فيها أمه، وكان عاقّا شريرا. =(2/1013)
...أيما إلى جنة أيما إلى نار
فإن قلت: فهل يحسن الاحتجاج بمثل هذا البيت، لمن قال: إنها عاطفة؟
قلت: لا؛ لندوره، فيجعل من حذف العاطف ضرورة.
تنبيهات:
الأول: ما ذكر من أن "إما" لا بد من تكرارها هو الكثير، وقد يستغنى عن الثانية بأو، كقراءة أُبَيّ: "وإنا وإِيَّاكُمْ لإما على هدى أو في ضلال مبين"1 ونحوه في الشعر كثير.
وبإن الشرطية مع "لا" النافية كقوله2:
__________
= وصدره:
يا ليتما أمنا شالت نعامتها
وهو من البسيط.
اللغة: "شالت" ارتفعت جنازتها, "النعامة" باطن القدم، ومن مات ترتفع رجلاه وتنخفض رأسه فتظهر نعامته، وقيل: النعامة هنا النعش, "شالت نعامتها" كناية من كنايات العرب معناها: ماتت.
المعنى: يتمنى هذا العاق لأمه أن تموت وترتفع جنازتها إما إلى الجنة, وإما إلى النار.
الإعراب: "يا" حرف تنبيه أو نداء والمنادى محذوف, "ليت" حرف تمنٍّ وما زائدة, "أمنا" اسم ليت ومضاف إليه, "شالت نعامتها" الجملة خبر ليت، ويجو أن تكون "ما" كافة, و"أمنا" بالرفع مبتدأ وجملة "شالت نعامتها" خبر المبتدا, "أيما" حرف للتفصيل, "إلى جنة" متعلق بشالت, "أيما" الثانية عاطفة، وقد جاءت بدون الواو شذوذا.
الشاهد فيه: "أيما" حيث حذف واو العطف في "أيما" الثانية، إذ التقدير: إلى جنة وإما إلى نار وقد أبدلت.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 425/ 2, وابن هشام 186/ 3، وابن الناظم.
وذكره ابن هشام في المغني 57/ 1، والسيوطي في الهمع 135/ 2.
1 من الآية 24 من سورة سبأ.
2 قائلهما: هو المثقب العبدي, والمثقب -بتشديد القاف مكسورة- لقبه، وهما من الوافر. =(2/1014)
فإما أن تكون أخي بصدق ... فأعرف منك غثِّي من سَمِيني
وإلا فاطَّرِحْني واتخذني ... عدوا أتقيك وتَتَّقيني
وقد يستغنى عن الأولى، كقول الفرزدق1:
__________
= اللغة: "غثي" -بفتح الغين وتشديد الثاء- من غَثَّ اللحم يغث: المهزول, "السمين" ضد الغث.
الإعراب: "فإما" حرف تفصيل, "أن" حرف مصدري ونصب, "تكون" فعل مضارع ناقص منصوب بأن المصدرية واسمه ضمير مستتر, "أخي" خبر تكون منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وياء المتكلم مضاف إليه, "بصدق" متعلق بتكون, "فأعرف" فعل مضارع منصوب بالعطف على تكون وفاعله ضمير مستتر فيه, "منك" متعلق بأعرف, "غثي" مفعول به لأعرف منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وياء المتكلم مضاف إليه, "من سميني" مجرور بمن وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره وياء المتكلم مضاف إليه, "وإلا" الواو عاطفة وإن شرطية ولا حرف نفي، وفعل الشرط محذوف تقديره: وإلا تفعل ذلك, "فاطرحني" الفاء واقعة في جواب الشرط, "اطرح" فعل أمر وفاعله ضمير مستتر والنون للوقاية وياء المتكلم مفعول به, "واتخذني" فعل أمر والنون للوقاية وياء المتكلم مفعول أول، وجملة اطرحني في محل جزم جواب الشرط, "عدوا" مفعول ثانٍ لاتخذ, "أتقيك" فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة والفاعل ضمير والكاف مفعول به, "وتتقيني" مضارع والنون للوقاية والفاعل ضمير وياء المتكلم مفعول به.
الشاهد فيه: "وإلا فاطرحني", حيث أناب "إلا" مناب "إما".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 426/ 2، وابن الناظم، والسيوطي ص98، وذكره في الهمع 135/ 2، وابن هشام في المغني 59/ 1.
1 قائله: هو ذو الرمة -وقيل: الفرزدق- من قصيدة يمدح فيها سليمان بن عبد الملك ويهجو الحجاج بن يوسف, وهو من الطويل.
اللغة: "تهاض" من الهيض -من هاض يهيض هيضا- أي: نكس بعد أن تماثل للشفاء, ويروى "تلم", وهو فعل مضارع مبني للمجهول، والضمير المستتر فيه يعود إلى النفس المذكورة في بيت سابق, ويكون معناه يصيبها اللمم وهو المرض, "تقادم" طال الزمن.
المعنى: وصف الشاعر أن نفسه كلما قاربت البرء وطمع هو في أن تندمل جروحها ويبرأ سقامها تعرضت للانتكاس ورجعت إلى الأسقام بأشد مما كانت عليه؛ وذلك بسبب رؤية الديار التي كانت مسرح هواه. =(2/1015)
تُهَاض بدار قد تقادم عهدها ... وإما بأموات ألمّ خيالها
الثاني: اختُلف في "إما" المذكورة؛ فقيل: بسيطة, وقيل: مركبة من: إن وما وهذا مذهب سيبويه، والدليل عليه اقتصارهم على "إن" في الضرورة، كقوله1:
.................... ... فإنْ جَزَعا وإن إجمالَ صبر
__________
= الإعراب: "تهاض" فعل مضارع مبني للمجهول ونائبه ضمير مستتر فيه, "بدار" متعلق بتهاض, "قد" حرف تحقيق, "تقادم" فعل ماض, "عهدها" فاعل تقادم، وهو مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه, "وإما" الواو عاطفة وإما حرف تفصيل, "بأموات" معطوف على بدار, "ألم" فعل ماض, "خيالها" فاعل مرفوع بالضمة، وضمير الغائبة مضاف إليه.
الشاهد فيه: "بدار" أصله: إما بدار قد تقادم عهدها, وإما بأموات؛ فحذفت "إما" الأولى اكتفاء بإما الثانية.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 426/ 2، وابن الناظم, والسيوطي ص98، وفي همعه 135/ 2.
1 قائله: هو دريد بن الصمة, وهو من الوافر.
وصدره:
وقد كَذَبَتْكَ نفسك فاكذبنها
اللغة: "كذبتك" بالتخفيف, "إجمال صبر" من: أجمل يجمل إجمالا إذا أحسن، وفي سيبويه: "فأكذبتها".
المعنى: يقول معزيا لنفسه عن أخيه عبد الله بن الصمة وكان قد قتل: كذبتك نفسك فيما منتك به من الاستمتاع بحياة أخيك فأكذبها في كل ما تمنيك به بعد، فإما أن تجزع لفقد أخيك وذلك لا يجدي عليك شيئا, وإما أن تجمل الصبر فذلك أجدى عليك.
الإعراب: "وقد" الواو للعطف، قد حرف تحقيق, وفي سيبويه "لقد", "كذبتك" فعل والتاء للتأنيث والكاف مفعول, "نفسك" فاعل والكاف مضاف إليه, "فاكذبنها" فعل وفاعل ومفعول, "إن" ليست شرطية في الموضعين, إنما هي بمعنى إما، والتقدير: فإما جزعا وإما إجمال صبر, "جزعا" منصوب بفعل مضمر تقديره: فإما تجزع جزعا وأيضا "إجمال": وإما تجمل إجمال صبر، والفاء للاستئناف، ويجوز أن تكون شرطية حذف جوابها، أي: فإن تجزع جزعا فعلت, وهذا قليل.
الشاهد فيه: "فإن.... وإن", فإن أصلهما: "فإما وإما"؛ فحذفت منهما "ما".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم، والسيوطي ص98، وفي همعه 135/ 2، وذكره سيبويه 134/ 1.(2/1016)
وقوله1:
سقتْه الرواعد من صيف ... وإن من خريف فلن يَعْدَما
وأجيب بأنه يحتمل أن تكون "إن" في البيتين شرطية حذف جوابها، والتقدير: فإن كنت ذا جزع فلا جزع، وإن كنت مجمل صبر فأجمل، وإن سقته من خريف فلن يعدم الري.
فرع: لو سميت "بإما" على القول بالتركيب, حكيت.
الثالث: في "إما" المذكورة لغتان: كسر همزتها، وهي لغة أهل الحجاز ومن جاورهم وهي الفصحى، وفتح همزتها، وهي لغة قيس وأسد وتميم.
وحكي إبدال ميمها الأولى "ياء" مع كسر الهمزة وفتحها.
__________
1 قائله: هو النمر بن تولب العكلي, وهو من المتقارب.
اللغة: "الرواعد" -جمع راعدة- وهي السحابة الماطرة, "من صيف" -بتشديد الياء- وهو المطر الذي يجيء في الصيف.
الإعراب: "سقته" فعل ماض مبني على فتح مقدر والتاء للتأنيث والهاء مفعول به, "الرواعد" فاعل, "من صيف" متعلق بسقته, "إن" بمعنى إما, والتقدير: وإما من خريف, "فلن" حرف نصب, "يعدما" فعل مضارع منصوب بلن والألف للإطلاق.
الشاهد فيه: "وإن من", فإنه حذف "ما" وأبقى "إن".
وقال المبرد: إن "إن" في البيت شرطية، والفاء فاء الجواب, والمعنى: وإن سقته من خريف فلن يعدم الري, كما أشار الشارح.
وقال أبو عبيدة: إن "إن" في البيت زائدة, والتقدير: من خريف, والألف في يعدما للإشباع والمفعول محذوف.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم، وابن هشام في المغني 56/ 1.(2/1017)
الرابع: تشارك "إما" المذكورة في اللفظ "إما" الشرطية وهي مركبة من: إن وما بغير إشكال، كقوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} 1.
وزعم الكسائي أن لها قسما ثالثا تكون فيه جحدا، تقول: "إما زيد قائم" تريد: إن زيد قائم، وما صلة.
ثم انتقل إلى "لكن" فقال:
وأول لكن نفيا او نهيا ولا ... نداء او أمرا أو إثباتا تلا
فالنفي "نحو"2: "ما قام زيدٌ لكن عمرٌو" والنهي: "لا تضرب زيدًا لكن عمرًا" فالمعطوف بلكن محكوم له بالثبوت بعدهما.
وفهم من ذلك أنها لا تقع في الإيجاب "وهو مذهب البصريين، وأجاز الكوفيون أن يعطف بها في الإيجاب"3 نحو: "أتاني زيدٌ لكن عمرٌو"4.
تنبيه:
إنما يشترط النهي والنفي في الواقعة قبل المفرد, وتقدم الخلاف في كونها عاطفة.
وإذا وَلِيَها جملة فتكون حينئذ بعد إيجاب أو نفي أو نهي "أو أمر"5 لا استفهام, فلا يجوز: "هل زيد قائم لكن عمرو لم يقم؟ ".
فإن قلت: إذا وقعت قبل الجملة، فهل هي عاطفة أو غير عاطفة؟
قلت: الذي ذهب إليه أكثر المغاربة أنها حينئذ حرف ابتداء، لا حرف عطف.
__________
1 من الآية 58 من سورة الأنفال.
2 أ، جـ.
3 ب، جـ.
4 وإنما يمتنع: "لكن عمرو" عند البصريين، إذا جعل "عمرو" معطوفا بلكن، وأما إذا جعل مبتدأ خبره محذوف، فإنه يجوز.
5 ب.(2/1018)
وقيل: إنها تكون عاطفة جملة على جملة, إذا وردت بغير واو.
قال ابن أبي الربيع: وهو ظاهر كلام سيبويه.
فإن قلت: فما المفهوم من كلام الناظم؟
قلت: المفهوم من اشتراطه قبل العاطفة النفي والنهي، أن الواقعة قبل الجملة غير عاطفة، إذ لا يشترط فيها ذلك.
ثم انتقل إلى "لا", فقال:
.............. ... ولا نداء او أمرا أو إثباتا تلا
أي: وأَوْلِ "لا" نداء نحو: "يا يزيد لا عمرو" أو أمرا نحو: "اضرب زيدا لا عمرا" أو إثباتا نحو: "زيد كاتب لا شاعر".
وزعم ابن سعدان أن العطف "بلا" على منادى ليس من كلام العرب, ونص على جوازه سيبويه.
ومنع أبو القاسم الزجاجي في كتاب معنى الحروف أن يُعطَف بها بعد الفعل الماضي, وليس منع ذلك بصحيح؛ لثبوته في كلام العرب.
تنبيهات:
الأول: في معنى الأمر الدعاء نحو: "غفر الله لزيد لا بكر", والتحضيض نحو: "هلا تضرب زيدا لا عمرا".
الثاني: أجاز الفراء العطف بها على اسم "لعلّ" كما يعطف بها على اسم "إنّ".
نحو: "لعل زيدًا لا عمرًا منطلق".
الثالث: فائدة العطف "بلا" قَصْر الحكم على ما قبلها؛ إما قصر أفراد كقولك: "زيد كاتب لا شاعر"، ردا على من يعتقد أنه كاتب وشاعر.
وإما قصر قلب، كقولك: "زيد عالم لا جاهل"، ردا على من يعتقد أنه جاهل.(2/1019)
الرابع: شرط عطف الاسم "بلا" أن يكون ما بعدها غير صالح لإطلاق ما قبلها عليه؛ فلذلك لا يجوز: "قام رجل لا زيد".
الخامس: قد يحذف المعطوف عليه "بلا" نحو: "أعطيتُك لا لتظلم" أي: لتعدل لا لتظلم.
السادس: لا يعطف "بلا" إلا مفرد أو جملة لها موضع من الإعراب نحو: "زيد يقوم لا يقعد".
فإن لم يكن للجملة موضع لم تكن عاطفة؛ ولذلك يجوز الابتداء بها.
وفي النهاية: وتعطف لا الجملة "على الجملة"1 نحو: "زيد قائم لا عمرو جالس".
ثم انتقل إلى "بل" فقال:
وبل كلكن بعد مصحوبيها ... .............................
مصحوبا "لكن" هما النفي والنهي.
فإذا عطفت "بل" بعدهما، فهي كلكن, يعني: لتقرير حكم ما قبلها وجعل ضده لما بعدها نحو: "ما قام زيد بل عمرو", "فتقرر"2 نفي القيام عن زيد، وتثبته لعمرو.
ومثله:
كلم أكن في مربع بل تَيْها
والمربع: منزل الربيع، والتيهاء: الأرض التي لا يُهتدَى بها.
وتقول: "لا تضرب زيدا بل عمرا" فتقرر النهي عن زيد, وثبت الأمر بضرب عمرو.
ووافق المبرد على هذا الحكم، وأجاز مع ذلك كون "بل" ناقلة حكم النفي والنهي لما بعدها.
__________
1 ب، جـ.
2 أ، جـ, وفي ب "فتقدر".(2/1020)
ووافقه على ذلك أبو الحسين عبد الوارث.
قال المصنف: وما أجازه مخالف الاستعمال.
ثم قال:
وانقُل بها للثان حكم الأول ... في الخبر المثبت والأمر الجلي
مثال الخبر المثبت: "جاء زيد بل عمرو", والأمر: "اضرب زيدا بل عمرا".
فهي في ذلك لإزالة الحكم عما قبلها حتى كأنه سكوت عنه، وجعله لما بعدها.
وذهب الكوفيون إلى أن "بل" لا تكون نسقا إلا بعد النفي أو ما جرى مجراه، ولا تكون نسقا بعد الإيجاب.
وجملة القول في "بل" أنها إن وقع بعدها جملة كانت إضرابا عما قبلها، إما على جهة الإبطال نحو: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} 1.
وإما على جهة الترك من غير إبطال نحو: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} 2.
فظهر "من هذا"3 أن قوله في شرح الكافية: فإن كان الواقع بعدها جملة فهي للتنبيه على انتهاء غرض واستئناف غيره، ولا يكون في القرآن إلا على هذا الوجه، فيه نظر.
وإن وقع بعدها مفرد وليس قبله نفي أو نهي، فهي لإزالة حكم ما قبلها وجعله لما بعدها.
وإن كان قبل المفرد نفي أو نهي، فهي لتقرير حكمه وجعل ضده لما بعدها.
تنبيهات:
الأول: لا يعطف ببل بعد الاستفهام، لا يقال: "أضربتَ زيدًا بل عمرا؟ " ولا نحوه4.
__________
1 من الآية 70 من سورة "المؤمنون".
2 من الآيتين 62، 63 من سورة "المؤمنون".
3 أ، جـ, وفي ب "بهذا".
4 أي: نحو هذا التركيب، نحو: "هل ضربت زيدا بل عمرا؟ ".(2/1021)
الثاني: ظاهر إطلاق المصنف أن "بل" تعطف الجملة كما تعطف المفرد.
وقد صرح به الشارح في قوله: فإن كان المعطوف بها جملة.
وذكر غيره أنها لا تكون قبل الجملة عاطفة.
الثالث: قال في التسهيل: وتزاد "لا" قبل "بل"؛ لتأكيد التقرير وغيره. انتهى1.
فإذا زيد بعد إيجاب أو أمر نحو: "قام زيد لا بل عمرو" و"اضرب زيدا لا بل عمرا" فهي لتأكيد الإضراب عن جعل الحكم للأول.
وإذا زيدت بعد نفي أو نهي نحو: "ما قام زيد لا بل عمرو" و"لا تضرب خالدا لا بل بشرا".
فهي لتأكيد بقاء النفي والنهي.
وذهب الجزولي إلى أنها بعد الإيجاب والأمر نفي، وبعد النفي والنهي تأكيد.
ومنع ابن درستويه زيادتها معها بعد النفي.
وقال ابن عصفور: لا ينبغي أن يقال بزيادتها مع "بل" في النفي والنهي إلا أن يشهد له سماع، قيل: وهو مسموع من كلام العرب.
الرابع: قد تكرر "بل" في الجمل رجوعا عما ولي المتقدمة "نحو"2:
{بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} 3.
وتنبيها على رجحان ما ولي المتأخرة، نحو: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} 4.
ولما ذكر معاني حروف العطف, شرع في ذكر أحكام تتعلق بالباب فقال:
__________
1 التسهيل ص177.
2 أ، جـ.
3 من الآية 5 من سورة الأنبياء.
4 من الآية 66 من سورة النمل.(2/1022)
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصِلْ بالضمير المنفصل
أو فاصل ما....
يعني: أنه إذا قصد العطف على ضمير الرفع المتصل، لم يحسن إلا بعد توكيده بضمير رفع منفصل، كقوله تعالى: {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ} 1.
أو فصل يقوم مقام التوكيد، كقوله تعالى: {يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} 2.
ونبه بقوله: "أو فاصل ما" على أنه يكتفى بما يصدق عليه فاصل ولو قل.
أجاز صاحب الكشاف في قوله تعالى: {أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} 3 أن يكون "آباؤنا"4 معطوفا على الضمير في لمبعوثون للفصل بالهمزة.
ومن صور الفصل: الفصل "بلا" بين العاطف والمعطوف نحو: {مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} 5.
وفهم من قوله: "متصل" أن المنفصل يعطف عليه بلا شرط.
فحكم المنفصلين في العطف والعطف عليهما حكم الظاهر.
ووهم الأُبَّدي في منعه: "رأيت زيدا وإياك".
ثم نبه على ورود العطف على الضمير المذكور بغير توكيد ولا فصل، فقال:
............ وبلا فصل يرد ... في النظم فاشيا....
كقول عمر بن أبي ربيعة6:
__________
1 الآية 91 من سورة الأنعام.
2 من الآية 23 من سورة الرعد.
3 الآية 47، 48 من سورة الواقعة.
4 ب.
5 من الآية 148 من سورة الأنعام.
6 قائله: هو عمر بن أبي ربيعة, وهو من الخفيف.
وتمامه:
كنعاج الفلا تَعَسَّفْنَ رملا
اللغة: "زهر" -بضم الزاي وسكون الهاء- جمع زهراء, وهي المرأة الحسناء البيضاء, "تهادى" أصله تتهادى -فحذفت إحدى التاءين تخفيفا- تتمايل وتتبختر, "نعاج" -جمع =(2/1023)
قلت إذ أقبلت وزهر تهادى ... ....................
وهو كثير في الشعر، ومع كثرته فهو ضعيف؛ ولهذا قال:
........ وضعفه اعتقد
فإن قلت: فهل يطرد مع ضعفه أو يختص بالضرورة؟
قلت: نص المصنف على أنه يجوز في الاختيار مع ضعفه؛ لقول بعض العرب: "مررتُ برجلٍ سواءٍ والعدمُ"1 حكاه سيبويه.
ولأن العطف في البيت السابق ونحوه ليس بفصل مضطر؛ لإمكان النصب.
ومذهب الكوفيين وابن الأنباري جوازه في الاختيار، ونقل الجواز عن أبي علي.
قيل: ومذهب البصريين أنه لا يجوز بغير فصل بتوكيد, أو غيره إلا في الضرورة.
__________
= نعجة- والمراد هنا الوحش, "الفلا" الصحراء, "تعسفن" ملن عن الطريق.
المعنى: قلت إذ أقبلت الحبيبة مع نسوة زهر, يتبخترن كنعاج الصحراء حين ملن عن الطريق وأخذن في الرمل.
الإعراب: "قلت" فعل وفاعل, "إذا" ظرف متعلق به, "أقبلت" فعل ماض والتاء للتأنيث وفاعله ضمير مستتر فيه, "وزهر" معطوف على الضمير المستتر, "تهادى" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه والجملة في محل نصب حال من فاعل أقبلت, "كنعاج" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال ثانية من فاعل أقبلت, "الفلا" مضاف إليه, "تعسفن" فعل ماض، ونون النسوة فاعل، والجملة في محل نصب حال من نعاج, "رملا" نصب على نزع الخافض.
الشاهد فيه: "أقبلت وزهر", حيث عطف "زهر" على الضمير المنفصل أو غيره.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 429/ 2، وابن عقيل 176/ 2، والمكودي ص122, وابن الناظم. وذكره سيبويه 390/ 1، وابن يعيش 76/ 3، والإنصاف 279/ 2.
1 برفع "العدم" عطفا على الضمير المستتر في "سواء" لأنه مؤول بمشتق, أي: مستوٍ هو والعدم وليس بينهما فصل.(2/1024)
ونص سيبويه والخليل على قبحه.
وفي كتاب سيبويه حين ذكر انفصال بعض الضمائر، وكذلك: "كنا وأنتم ذاهبين" إلا أن الشراح تأولوه.
تنبيه:
شرط في التسهيل في صحة العطف صلاحية المعطوف, أو ما هو بمعناه لمباشرة العامل1.
الأول: نحو "قام زيد وعمرو".
والثاني: نحو "قام زيد وأنا", فإنه لا يصح "قام أنا"، ولكن يصح "قمت", والتاء بمعنى أنا.
فإن لم يصح هو أو ما هو بمعناه لمباشرة العامل، أضمر له عامل مدلول عليه بما قبله، وجعل من عطف الجمل.
قال: وذلك كالمعطوف على الضمير المرفوع بالمضارع ذي الهمزة أو النون أو تاء المخاطب أو بفعل الأمر نحو: "أقوم أنا وزيد", و"نقوم نحن وزيد"2, و"تقوم أنت وزيد", و {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} 3 أي: وليسكن زوجك.
وكذا في باقيها.
قال: وكذلك المضارع المفتتح بتاء التأنيث نحو: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} 4.
قال الشيخ أبو حيان: وما ذهب إليه مخالف لما تضافرت عليه نصوص النحويين والمعربين، من أن "زوجك" معطوف على الضمير المستكن في "اسكن" المؤكد "بأنت".
__________
1 التسهيل ص177.
2 ب، جـ.
3 من الآية 35 من سورة البقرة.
4 من الآية 233 من سورة البقرة.(2/1025)
ولا نعلم خلافا في جواز تقدم هند وزيد، وأنه من عطف المفردات. انتهى.
وقوله:
وعَوْد خافض لدى عطف على ... ضمير خَفْض لازما قد جُعلا
هذا مذهب جمهور البصريين, أن إعادته لازمة إلا في الضرورة1.
وذهب الكوفيون ويونس والأخفش إلى جواز العطف عليه بدون إعادة الخافض, واختاره الشلوبين والمصنف.
ولهذا قال:
......وليس عندي لازما
ثم استدل بوروده في النثر كقراءة حمزة: "تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ"2.
والنظم كقوله3:
................. ... فاذهب فما بِكَ والأيامِ من عَجَب
__________
1 فمثال إعادة الخافض, حرفا كان, نحو قوله تعالى: {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ} , أو اسما نحو قوله تعالى: {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} وللأرض معطوف على الهاء في "لها" المجرورة باللام وأعيدت مع المعطوف، و"آبائك" معطوف على الكاف المجرورة بإضافة "إله", وقد أعيد المضاف مع المعطوف.
2 بجر الأرحام وعطفه على الضمير المجرور بالياء بدون إعادة الجار, أي: بالأرحام "وهي من الآية الأولى من سورة النساء".
3 قائله: هو من شواهد سيبويه التي لم يعلم لها قائل, وهو من البسيط.
وصدره:
فاليوم قرَّبتَ تهجونا وتشتمنا
المعنى: شرعت اليوم في شتمنا والنيل منا, فإن فعلت ذلك فاذهب، فليس غريبا منك لأنك أهل له، وليس عجيبا من هذا الزمان الذي فسد كل من فيه.
الإعراب: "قربت" فعل ماض دال على الشروع، والتاء اسمه, "تهجونا" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه ونا مفعول به، والجملة في محل نصب خبر قربت, "تشتمنا" عطف على تهجونا, "فاذهب" الفاء واقعة في جواب شرط مقدر, أي: إن تفعل ذلك فاذهب، واذهب فعل أمر وفاعله ضمير مستتر فيه, "فما" الفاء للتعليل, "ما" نافية, "بك" متعلق بمحذوف خبر مقدم, "والأيام" معطوف على الكاف المجرورة بالباء, "من" زائدة, "عجب" مبتدأ مؤخر.
الشاهد فيه: "بك والأيام" حيث عطف "أيام" على الضمير المجرور وهو "بك" من غير إعادة الجار.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 430/ 2, وابن عقيل 178/ 2، والمكودي ص122, وابن الناظم. وذكره ابن يعيش 78/ 3، والسيوطي في الهمع 139/ 2, وسيبويه 392/ 1.(2/1026)
أنشده سيبويه، وهو كثير في الشعر.
وفي المسألة مذهب ثالث, وهو أنه إذا أُكِّد الضمير جاز نحو: "مررتُ بك أنت وزيدٍ" وهو مذهب الجرمي والزيادي.
قلت: وهو حاصل كلام الفراء، فإنه أجاز: "مررت به نفسِهِ وزيدٍ، ومررت بهم كلِّهم وزيدٍ".
قال: وكذا القول في أجمعين وقضهم وقضيضهم وخمستهم, إذا خفضت.
فإن نصبت "خمستهم" لم يجز -يعني العطف- بغير إعادة الجار.
قال الشارح: ولا يبعد أن يقال في هذه المسألة: إن العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار غير جائز في القياس، وما ورد من السماع محمول على شذوذ إضمار الجار.
تنبيهان:
الأول: قيل: ينبغي أن يقيد العطف على الضمير المجرور، بأن يكون الحرف غير مختص بالضمير، احترازا من المجرور بلولا على مذهب سيبويه, فإنه لا يجوز عطف الظاهر عليه، فلو رفع على توهم أنك نطقت بالضمير مرفوعا, ففي جوازه نظر.
الثاني: قد فهم من سكوته عن الضمير المنصوب المتصل أنه يجوز العطف عليه بلا شرط1.
__________
1 مثال ذلك قوله تعالى: {جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} , "الأولين" عطف على "كم".(2/1027)
وقوله:
والفاء قد تُحذف مع ما عطفتْ
يعني: إذا أمن اللبس.
ومنه: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} 1 أي: فضرب فانفجرت.
وزعم ابن عصفور أنه إنما حذف المعطوف عليه وحده وحذفت الفاء من المعطوف, فاتصلت الفاء الأولى بالمعطوف، فأبقي من كل منهما ما يدل على المحذوف. ورُدّ بقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 2 أي: فأفطر فعدة؛ لأن فاء العطف لا تنوب مناب فاء الجزاء.
وقوله: "والواو".
يعني: أن الواو أيضا قد تحذف مع ما عطفت، ومنه: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} 3.
أي: والبرد.
وإنما يجوز إذا دل عليه دليل.
فإن قلت: ظاهر كلامه أن هذا مختص بالفاء والواو، وقد ذكر في التسهيل4 أن "أم" تشاركهما في ذلك، كقوله5:
__________
1 هذا مثال للفاء, والفعل المحذوف معطوف على "فقلنا". وهو من الآية 60 من سورة البقرة.
2 من الآية 184 من سورة البقرة.
3 من الآية 81 من سورة النحل.
4 التسهيل ص178.
5 قائله: هو أبو ذؤيب الهذلي, وهو من الطويل.
وتمامه:
دعاني إليها القلب إني لأمره ... سميع............
اللغة: "الرشد" -بضم الراء وإسكان الشين- خلاف الغي, "طلابها" الطلاب مصدر طالب بمعنى طلب.
المعنى: أن قلب الشاعر دعاه إلى طلب الوصال من هذه المحبوبة، فهل حقيقة الحال في =(2/1028)
................ ... فما أدري أرشد طلابها
التقدير: أم غي.
قلت: هو في الفاء والواو، وأكثر منه في "أم", فلقلته لم يذكر هنا.
وقوله: "وَهْيَ" يعني الواو.
انفردت بعطف عامل مزال قد بقي ... معموله ...
مثال ذلك قول الشاعر1:
__________
= ذلك الطلب, أرشد هو أم غي؟ لكنه على كل حال لم يقوَ على مخالفة دعوة قلبه؛ لأنه لا يسمع إلى أمر غيره، وإنما غلب جانب الهوى على العقل، إذ القلب يميل إلى الهوى والعشق، ويدعو إلى الصبوة.
الإعراب: "دعاني" فعل ماض والنون للوقاية والياء مفعول به, "القلب" فاعل, "إليها" متعلق بدعا, و"إني لأمره سميع" حال من القلب أو جملة اعتراضية، وإن حرف توكيد وياء المتكلم اسمها, "لأمره" متعلق بسميع وسميع خبر إن، واللام في لأمره للتقوية وتقديم المعمول لإرادة الحصر, أي: إني أسمع أمره لا أمر غيره، وجملة "إني لأمره سميع" معطوفة على قوله: "دعاني" و"فما أدري" الفاء للسببية وما نافية وأدري فعل مضارع معلق عن العمل وجملة "أرشد طلابها" في محل نصب على أنها مفعول أدري, والهمزة في أرشد للاستفهام، والمعادل لها محذوف تقديره: أم غي, وما بعد أم وهو غير معادل لما بعد الهمزة وهو رشد, وضمير المؤنث في إليها وطلابها عائد إلى المحبوبة.
الشاهد فيه: أن "أم" تشارك الواو والفاء في جواز حذفها مع معطوفها، بدليل حذف "أم" العاطفة, و"غي" المعطوف المعادل لما بعد الهمزة في قوله: أرشد.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 431/ 2، والسيوطي في الهمع 132/ 2.
1 قائله: لم ينسب إلى قائل، وقال العيني: أنشده الأصمعي وغيره, ولم أر أحدا عزاه إلى قائله, وهو من الكامل.
وتمامه:
حتى شَتَتْ هَمَّالة عيناها
اللغة: "شتت" يروى مكانه: "بدت" وهما بمعنى واحد, "همالة" -صيغة مبالغة- من هملت العين, إذا همرت بالدموع.
المعني: علفت هذه الدابة تبنا وأشبعتها وسقيتها ماء باردا حتى فاضت عيناها بالدموع من الشبع، وتلك عادة الدواب إذا شبعت.
الإعراب: "علفتها" فعل وفاعل ومفعول أول, "تبنا" مفعول ثان, "وماء" الواو للعطف وماء =(2/1029)
علفتُها تبنا وماء باردا ... ....................
أي: وسقيتها ماء.
فحذف العامل المعطوف، واستغنى بمعموله، وأمثلته كثيرة نظما ونثرا.
وهذا مذهب جماعة من الكوفيين والبصريين, منهم الفراء والفارسي.
وذهب قوم, منهم أبو عبيدة والجرمي والمازني والمبرد إلى أن تالي الواو في ذلك معطوف على الأول عطف مفرد على مفرد، لا عطف جملة على جملة, وأن العامل ضمن معنى ينظم المعطوف والمعطوف عليه، واختاره بعض المتأخرين.
واحتج الأولون بأنه لو كان على التضمين, لساغ: "علفتها ماء وتبنا".
ورد بأنه مسموع من كلام العرب كقوله1:
__________
= مفعول لفعل محذوف تقديره: وسقيتها, "باردا" صفة لماء, "حتى" حرف غاية, "همالة" حال من "عيناها" الواقع فاعلا لشتت.
الشاهد فيه: "وماء باردا" حيث حذف العامل المعطوف وبقي معموله وهو "ما" أي: وسقيتُها ماء؛ لأنه لا يصح أن يعطف "ماء" على "تبنا" عطف مفرد على مفرد لانتفاء المشاركة؛ لعدم صحة تسلط العامل عليه؛ لأن الماء لا يعلف، ولا يصح أن تكون الواو للمعية؛ لانتفاء المصاحبة لأن الماء لا يصاحب التبن في العلف.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 226/ 1، وابن هشام 157/ 2، وابن عقيل 334/ 1, والمكودي ص123, والشاهد 181 في الخزانة، وذكره السيوطي في الهمع 130/ 2، وفي الإنصاف 353/ 1.
1 قائله: هو طرفة بن العبد, وهو من الطويل.
وصدره:
أعمرُ بنُ هندٍ ما ترى رأي صِرْمَة
اللغة: "صرمة" -بكسر الصاد وسكون الراء وفتح الميم- وهي القطيع من الإبل نحو الثلاثين.
الإعراب: "أعمرو" الهمزة حرف نداء وعمرو منادى مبني على الضم, "ابن" صفة له, "هند" مضاف إليه, "ما ترى" ما نافية أو استفهامية, وترى فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة والفاعل ضمير مستتر فيه, "رأي" مفعول به لترى, "صرمة" مضاف إليه, "لها" جار ومجرور خبر مقدم =(2/1030)
................. ... لها سبب ترعى به الماءَ والشجرَ
واختُلف أيضا في هذا التضمين، والأكثرون على أنه ينقاس.
وضابطه عندهم: أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنى عام.
قال الشيخ أبو حيان: والذي أختاره التفصيل، فإن كان العامل الأول تصح نسبته إلى الاسم الذي يليه حقيقة, كان الثاني محمولا على الإضمار؛ لأن الإضمار أكثر من التضمين، نحو: "جدع الله أنفه وعينه" أي: "ويفقأ عينه"1, فنسبة الجدع إلى الأنف حقيقة.
وإن كان لا يصح كان العامل مضمنا معنى ما يصح نسبته إليه؛ لأنه لا يمكن الإضمار، نحو قول العرب: "علفت الدابة ماء وتبنا" أي: أطعمتها أو غذيتها.
وقوله: دفعا لوهم اتُّقي.
يعني: أن إضمار العامل في "نحوه"2 يدفع توهم أنه معطوف أو مفعول معه.
فإن قلت: ولِمَ كان حمله على العطف أو المعية وَهْمًا؟
قلت: أما العطف؛ فلأن العامل لا يصلح للعمل فيه، وأما المعية؛ فلأنها غير مرادة هنا، وذلك واضح.
وقوله:
وحذف متبوع بدا هنا استبِحْ
__________
= "سبب" مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة، والجملة صفة لصرمة, "ترعى" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه، "به" متعلق بترعى, "الماء" مفعول به منصوب بالفتحة, "والشجر" عطف عليه.
الشاهد فيه: "ترعى به الماء والشجر" حيث إنه عطف "الشجر" على وترعى به الماء.
وإن قوله: "ترعى به الماء والشجر" يدل على صحة العطف في قول القائل: علفتها تبنا وماء باردا، وأطعمته تمرا ولبنا خالصا.
1 ب، جـ.
2 أ، ب, وفي جـ "في نحو ذاك".(2/1031)
يعني: أنه يجوز حذف المعطوف عليه؛ لظهوره، ويستغنى بالعاطف والمعطوف نحو: "بلى وزيدا" لمن قال: "ألم تضرب عمرا؟ ".
ومنه قول العرب: "وبك وأهلا وسهلا" لمن قال: مرحبا1.
تنبيهان:
الأول: حذف المتبوع كثُر مع الواو كما مثّل، وقلّ مع الفاء. ومنه:
{أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} 2 أي: فضرب فانفلق.
ونذر مع "أو" كقول أبي أمية الهذلي3:
__________
1 والتقدير: مرحبا بك وأهلا, فالجار والمجرور وهو "بك" متعلقان بكلمة "مرحبا" المحذوفة, "وأهلا" معطوف على مرحبا المحذوفة عطف مفرد على مفرد، فالمعطوف عليه محذوف وهو محل الشاهد, "وسهلا" معطوف على مرحبا المحذوفة، فالمعطوف عليه محذوف, ولكن سيبويه يجعل "مرحبا" و"أهلا" منصوبين على المصدر.
2 من الآية 63 من سورة الشعراء.
3 شطر بيت من الطويل, وتمامه:
.................. ... يُوَشِّج أولاد العِشَار ويُفْضِل
اللغة: "يوشج" -بالجيم- قال العيني: وهو من التوشيج بمعنى الإحكام، ويروى "يوشح" -بالحاء- وهو من التوشيح ومعناه التزيين, "أولاد العشار" الحديثات العهد بالنتاج.
قال ثعلب: والعشار من الإبل: التي قد أتى عليها عشرة أشهر، وقيل: العشار: اسم يقع على النوق حتى ينتج بعضها وبعضها ينتظر نتاجها, "يفضل" من الإفضال وهو الإحسان والإجمال.
المعنى: أن أبا أمية يمن على مخاطبه بأنه هو أو قبيلته حاطه ورعاه وكان به رفيقا أحوج ما يكون إلى الرعاية والرفق، وقد شبهه بأولاد العشار لضعفها وعدم استطاعتها شيئا, وأنه كأولاد العشار كان كَلًّا على الشاعر أو على قبيلته ولم يكن له من يتولى رعايته وحمايته قبل رعايتهم له أحد من آباء أو من إخوة.
الإعراب: "فهل" الفاء بحسب ما قبلها وهل حرف استفهام, "لك" جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره: هل أخ لك كائن أو موجود؟ , "أو" حرف عطف, "من" زائدة, "والد" معطوف على أخ.
والتقدير: فهل لك أخ أو والد؟ وإعراب الباقي واضح.
الشاهد فيه: "أو من والد" حيث حذف المعطوف عليه, إذ التقدير: فهل لك من أخ أو من والد؟ و"من" في الموضعين زائدة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 432/ 2, وذكره السيوطي في الهمع 140/ 2.(2/1032)
فهل لكَ أو من والد لكَ قبلَنَا ... ......................
أي: فهل لك من أخ أو من والد؟
والثاني: جعل الزمخشري من ذلك قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا} 1 و {أَفَلَمْ يَسِيرُوا} 2.
فقدّر بين الهمزة والعاطف محذوفا هو المعطوف عليه، وإلى ذلك ذهب محمد بن مسعود الغزني.
ومذهب الجمهور أن حرف العطف عطف ما بعده على الجملة قبله ولا حذف, ولكنه اعتنى بالهمزة فصدرت.
وقوله:
وعطفك الفعل على الفعل يصح
يعني: أن الأفعال في جواز عطف بعضها على بعض كالأسماء، نحو: "زيد قام وقعد، ويقوم ويقعد".
تنبيه:
أهمل المصنف شرطا في عطف الفعل، وهو اتحاد زمانهما3.
فلا يعطف الماضي على المستقبل, ولا المستقبل على الماضي.
فإن قلت: فهل يشترط اتحاد اللفظ, أعنى: أن يكونا بصيغة الماضي أو بصيغة المضارع ... ؟
قلت: لا, بل يجوز عطف الماضي على المضارع نحو: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ} 4 وعكسه نحو: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} 5.
__________
1 من الآية 9 من سورة الروم.
2 من الآية 82 من سورة غافر.
3 أي: مضيا أو حالا أو استقبالا.
4 فأوردهم معطوف على يقدم؛ لأنه بمعنى يوردهم, قاله أبو البقاء. وهو من الآية 98 من سورة هود.
5 الشاهد في "ويجعل" على قراءة الجزم, عطف على جعل الذي هو في محل جزم, وهو من الآية 10 من سورة الفرقان.(2/1033)
وإنما ساغ ذلك لاتحاد الزمان.
فإن قلت: ليس هذه المثل من عطف الفعل على الفعل، وإنما هي من عطف جملة على جملة.
قلت: لما كان الغرض منها إنما هو عطف الفعل؛ لأن فاعل الفعل الثاني هو فاعل الفعل الأول, صح أن يقال: إنها من عطف الفعل على الفعل.
وقوله:
واعطف على اسم شبه فِعْل فِعْلا
مثاله: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا} 1, {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} 2.
فإن قلت: كيف جاز ذلك "وحرف"3 العطف لا يربط بين مختلف الجنس؟
قلت: إنما جاز؛ لأن أحدهما مؤول بالآخر، فاتحد الجنس بالتأويل.
فإن قلت: فأيهما المؤول؟
قلت: الذي يؤول هو الحال محل الآخر "فيكون"4 الأول كمثال الأول؛ لأن المصدقين صلة "أل" وحق الصلة أن تكون جملة، فأل مؤولة بالذي والمصدقين بتصدقوا.
وتارة يكون الثاني كالمثال الثاني؛ لأن صافات فيه حال، وأصل الحال أن يكون اسما, فيقبضن مؤول بقابضات.
وقوله:
وعكسا استعملْ تجدْهُ سهلا
__________
1 الآية 18 من سورة الحديد.
2 عطف "يقبضن" وهو مضارع على "صافات" وهو اسم فاعل؛ لأنها في معنى يصففن. ومعنى صافات: ناشرات أجنحتهن في الجو, ومعنى يقبضن: يضممن الأجنحة إلى الأجسام. وهو من الآية 19 من سورة الملك.
3 ب, وفي أ، جـ "وحروف".
4 أ، جـ, وفي ب "فتارة".(2/1034)
يعني: بالعكس أن تعطف الاسم المشابه للفعل على الفعل، كقوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} 1.
وقول الراجز2:
أم صبي قد حَبَا أو دارج
عطف "دارجا" على "قد حبا".
قال في شرح الكافية: لأن دارجا بمعنى درج.
قلت: ظاهر هذا أن الاسم في البيت ونحوه مؤول بالفعل، وليس بجيد، بل الظاهر أن "حبا" مؤول بحاب؛ لأنه في موضع النعت، وأصل النعت أن يكون اسما.
__________
1 وقدر الزمخشري عطف "مخرج" على "فالق", فيكون من عطف الاسم على الاسم، وهو من الآية 95 من سورة الأنعام.
2 قائله: قال العيني: أنشده المبرد ولم يعزه إلى قائله، وقيل: لجندب بن عمرو يذكر امرأة الشماخ بن ضرار الغطفاني, وهو من الرجز.
وصدره:
يا رُبَّ بيضاء من العواهج
اللغة: "العواهج" -جمع عوهج- وهي في الأصل الطويلة العنق من الظباء والنوق والنعام, وأراد بها ههنا المرأة التامة الخلق, "حبا" زحف ومشى على عجزه, "دارج" اسم فاعل من درج الصبي, إذا مشى هينا متقارب الخطو.
المعنى: يريد الشاعر امرأة تامة الخلق تشبه الظباء في طول عنقها, ولا يكون معها غير صبي يحبو، أو قريب عهد بالمشي لا يكاد يدرك.
الإعراب: "يا" للتنبيه, "بيضاء" مبتدأ مجرور برب لفظا في محل رفع, "من العواهج" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لبيضاء, "أم" -بالجر- بدل أو عطف بيان لبيضاء باعتبار اللفظ وبالرفع باعتبار المحل، أو خبر لمبتدأ محذوف, "صبي" مضاف إليه, "حبا" فعل ماض والفاعل ضمير، والجملة صفة لصبي, "أو دارج" معطوف على "حبا" لتأويله بدرج.
الشاهد فيه: "حبا أو دارج" حيث إنه عطف الاسم المشبه للفعل وهو "دارج" على الفعل وهو "حبا".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 433/ 2، وابن هشام 196/ 3، وابن الناظم.(2/1035)
البدل:
هو اصطلاح البصريين، وأما الكوفيون فقال الأخفش: يسمونه بالترجمة والتبيين. وقال ابن كيسان: يسمونه بالتكرير.
وقوله:
التابع المقصود بالحكم بلا ... واسطة هو المسمَّى بدلا
"التابع": جنس, و"المقصود بالحكم": يخرج النعت والتوكيد وعطف البيان؛ لأنهن مكملات للمقصود بالحكم, و"بلا واسطة" مخرج "لعطف"1 النسق.
وتخصيص الشارح المعطوف ببل وبلكن كما في شرح الكافية, يقتضي حمل المقصود على المستقل بالقصد، وإلا فلا وجه للتخصيص.
ولما عرّفه, أخذ في ذكر أقسامه فقال:
مطابقا أو بعضا أو ما يشتمل ... عليه يُلفَى أو كمعطوف ببل
هذه أربعة:
الأول: المطابق, كقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ} 2.
وهو المسمى بدل كل من كل3.
قال في شرح الكافية: وذكر المطابقة أولى؛ لأنها عبارة صالحة لكل بدل يساوي المبدل منه في المعنى، بخلاف العبارة الأخرى. فإنها لا تصدق إلا على ذي أجزاء، وذلك غير مشروط للإجماع على صحة البدلية في أسماء الله تعالى, كقراءة غير نافع وابن عامر: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} 4.
__________
1 أ، جـ.
2 من الآيتين 6، 7 من سورة الفاتحة.
3 وإنما سماه الناظم البدل المطابق؛ لوقوعه في اسم الله تعالى.
4 من الآية 1، 2 من سورة إبراهيم.(2/1036)
الثاني: بدل بعض من كل، نحو: "قبضت المال نصفه" والبعض عند البصريين يقع على أكثر الشيء وعلى نصفه وعلى أقله.
وعن الكسائي وهشام: أن بعض الشيء لا يقع إلا على ما دون نصفه؛ ولذلك منع أن يقال: "بعض الرجلين لك1" أي: أحدهما.
الثالث: بدل اشتمال, وهو ما صح الاستغناء عنه بالأول، وليس مطابقا له ولا بعضا.
وقيل: هو ما لابس الأول بغير الكلية والجزئية.
وقيل: إما دالّ على معنى في متبوعه نحو: "أعجبني زيدٌ حسنُهُ".
أو مستلزم معنى فيه نحو: "أعجبني زيدٌ ثوبُهُ".
والأول هو الكثير.
الرابع: بدل مباين مطلقا, بحيث لا يشعر به ذكر المبدل منه بوجه؛ ولهذا شبهه بالمعطوف ببل، وهو قسمان سيأتي ذكرهما.
تنبيهات:
الأول: لا بد في "بدل"2 الاشتمال من مراعاة أمرين:
أحدهما: إمكان فهم معناه عند الحذف، ومن ثَمَّ جعل نحو: "أعجبني زيد أخوه" بدل إضراب لا بدل اشتمال، إذ لا يصح الاستغناء عنه بالأول، والآخر: حسن الكلام على تقدير حذفه، ومن ثم امتنع نحو: "أسرجت زيدا فرسه"؛ لأنه وإن فهم معناه في الحذف، فلا يستعمل مثله ولا يحسن.
فلو ورد مثل هذا في الكلام, لكان بدل غلط.
الثاني: اشتراط أكثر النحويين في بدل "البعض"3 وبدل الاشتمال ضميرا عائدا على المبدل منه.
__________
1 ب، جـ.
2 أ، جـ.
3 أ، ب، وفي جـ "الغلط".(2/1037)
قال المصنف: والصحيح عدم اشتراطه، لكن وجوده أكثر من عدمه، ذكر من الشواهد على الاستغناء عن الضمير في بدل البعض قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} 1.
وفي بدل الاشتمال، قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ} 2.
قلت: وتُؤُولت الآيتان على حذف الضمير, أي: منهم وفيه.
وظاهر التسهيل أنه لا بد من ضمير أو ما يقوم مقامه3, ومثّل "للقائم"4 مقامه بـ {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ} ، فالألف واللام تقوم مقام الضمير.
وذهب الفراء وتبعه ابن الطراوة إلى أن "النار" بدل كل من كل، عبر بالأخدود عن النار لما كان مشتملا عليها كقولهم: "عفيف الإزار".
وقال ابن هشام: الأولى أن يكون على حذف مضاف، أي: أخدود النار. وقال ابن خروف: هو بدل إضراب.
الثالث: اختُلف في المشتمِل في بدل الاشتمال، فقيل: هو الأول, وقيل: الثاني, وقيل: العامل.
فإن قلت: فما المفهوم من كلامه؟
قلت: قوله: "أو ما يشتمل عليه" يحتمل القول الأول والثالث.
وإلى الأول ذهب في التسهيل5.
__________
1 "من استطاع" بدل من "الناس", وهو من الآية 97 من سورة آل عمران.
2 "النار" بدل من "الأخدود", والأخدود: الشق في الأرض، وأصحابه هم: أنطيانوس ملك الروم، وبختنصر ملك الفرس، ويوسف ذو نواس ملك نجران, حفر كل منهم شقا عظيما وملأه نارا، وأمر بأن يلقى فيه كل من لم يكفر، وأل في الأخدود للجنس؛ لأنها أخاديد لا أخدود واحد. وهو من الآية 4، 5 من سورة البروج.
3 التسهيل ص172.
4 ب, وفي أ، جـ "القائم".
5 التسهيل ص173.(2/1038)
الرابع: رد السهيلي بدل البعض, وبدل الاشتمال إلى بدل الكل، فقال: العرب تتكلم بالعام وتريد به الخاص، وتحذف المضاف وتنويه.
فإذا قلتَ: "أكلت الرغيف ثلثه", إنما تريد: أكلت بعض الرغيف, "ثم"1 بينتَ ذلك البعض.
وبدل المصدر من الاسم إنما هو في الحقيقة من صلة مضافة إلى ذلك الاسم.
الخامس: زاد بعضهم في الإبدال بدل كل من بعض، كقول امرئ القيس2:
كأني غَدَاةَ البَيْنِ يومَ تحمّلوا ... ........................
ونفاه الجمهور, وتأولوا البيت3.
__________
1 ب، جـ.
2 صدر بيت من الطويل, وتمامه:
لدى سَمُرات الحي ناقف حنظل
اللغة: "غداة البين" الفراق, "لدى" بمعنى عند, "السمرات" -جمع سمرة- وهي شجرة الطلع, "ناقف" -بالنون وبعد الألف قاف ثم فاء- وناقف الحنظل: الذي يستخرج الهبيد -بفتح الهاء وكسر الباء وبعدها ياء وفي آخره دال- وهو حب الحنظل, ويروى: "ترحلوا".
المعنى: إني أبكي كناقف الحنظل؛ لأن ناقف الحنظل تدمع عيناه لحرارته.
الإعراب: "كأني" كأن حرف تشبيه والضمير المتصل به اسمه, "غداة" منصوب على الظرفية, "البين" مضاف إليه, "يوم" منصوب على الظرفية, "تحملوا" فعل ماض وفاعله, "لدى" ظرف, "سمرات" مضاف إليه, "الحي" مضاف إليه, "ناقف" خبر كأن مرفوع بالضمة الظاهرة, "حنظل" مضاف إليه.
الشاهد فيه: "يوم تحملوا" فإنه بدل كل من بعض من قوله: "غداة البين".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 437/ 2, وذكره السيوطي في الهمع 127/ 2.
3 من وجوه التأويل التي تأولوا بها البيت أن "اليوم" ليس اسما للوقت الممتد من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولكنه اسم للوقت مطلقا طال أو قصر، نظير قولهم: "إنما ادخرتك لهذا اليوم" يريدون لهذا الوقت، وعلى هذا يكون إبدال "يوم" من "غداة البين" من نوع بدل الكل من الكل.(2/1039)
وقوله:
وذا للاضراب اعْزُ إن قصدا صحب ... ودون قصد غَلَط به سُلِب
الإشارة إلى القسم الرابع، أعنى: المباين, فذكر أنه نوعان:
أحدهما: يسمى بدل الإضراب، وبدل البداء أيضا، وهو ما يذكر متبوعه بقصد كقولك: "أعط السائل رغيفا درهما", ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الرجل ليصلي الصلاة, وما كتب له نصفُها ثُلثها" إلى "عشرها".
ولم يثبت بعضهم بدل البداء.
والآخر: يسمى بدل الغلط، وهو ما لا يقصد متبوعه بل يجري على لسان المتكلم من غير قصد.
وهذا النوع, قال المبرد وغيره: لا يوجد في كلام "العرب"1 لا نثرها ولا نظمها, وإنما يقع في لفظ "الغلاط"2.
وزعم قوم, منهم ابن السيد أنه وجد في شعر العرب، كقول ذي الرمة3:
__________
1 ب، جـ.
2 ب، جـ, وفي أ "الغالط".
3 صدر بيت من البسيط, وتمامه:
وفي اللَّثَات وفي أنيابها شَنَب
اللغة: "لمياء" فعلاء -من اللمى- وهي سمرة في باطن الشفة. يقال: امرأة لمياء وظل ألمى: كثيف أسود, "حوة" -بضم الحاء وتشديد الواو- أيضا حمرة في الشفتين تضرب إلى السواد, "لعس" -بفتح اللام والعين- أيضا سمرة في باطن الشفة. يقال: امرأة لعساء, "اللثات" -بكسر اللام وتخفيف الثاء- جمع لثة، وهي معروفة, "شنب" -بفتح الشين والنون- برد وعذوبة في الأسنان. يقال: هو تحديد الأسنان ودقتها. =(2/1040)
لمياء في شفتيها حُوَّةٌ لَعَسٌ ... ......................
قال: "لعس" بدل غلط؛ لأن الحوة السواد، واللعس سواد يشوبه حمرة، وذكر بيتين آخرين، ولا حجة له فيما ذكره؛ لإمكان تأويله1.
فإن قلت: ما معنى قوله: "به سلب"؟
قلت: يعني: أن بدل الغلط سلب الحكم عن الأول وأثبته للثاني.
فإن قلت: كيف قال: "ودون قصد" ولا بد من قصد البدل في النوعين, أعني: بدل الإضراب وبدل الغلط؟
قلت: إنما يعني نفي القصد في بدل الغلط "بقصد الأول لا الثاني"2.
تنبيه:
زاد ابن عصفور بدل النسيان نحو: "مررت برجل امرأة" إذا توهمت أن الممرور به رجل, ثم تذكرت أنه امرأة.
وقد أدرجه الشارح في بدل الغلط، وإدراجه في بدل الإضراب أقرب. ولما ذكر أقسام البدل مثّلها في قوله:
__________
= الإعراب: "لمياء" خبر لمبتدأ محذوف مرفوع بالضمة, أي: هي لمياء, "في شفتيها" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم, "حوة" مبتدأ مؤخر, "لعس" بدل غلط من "حوة", "في اللثات" جار ومجرور خبر مقدم, "وفي أنيابها" عطف عليه, "شنب" مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد فيه: "لعس" فإنه بدل غلط من "حوة"؛ لأن الحوة السواد, واللعس سواد تشوبه حمرة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 438/ 2, وذكره السيوطي في الهمع 126/ 2.
1 كأن يقال: "لعس" مصدر وصفت به الحوة, أي: حوة لعساء. هذا، وقد قيل: كل من الحوة واللعس حمرة تُضرَب إلى سواد، وعليه فلعس بدل كل من كل, فلا شاهد فيه. هـ صبان 98/ 3.
2 أ, جـ أي: نفي قصد الأول, وفي ب "يقصد الثاني لا الأول".(2/1041)
كَزُرْهُ خالدا وقبِّلْه اليدا ... واعرفه حقه وخذ نَبْلا مُدَى
فزره خالدا بدل كل، وقبله اليدا بدل بعض، واعرفه حقه بدل اشتمال، وخذ نبلا مدى بدل إضراب إن قدر قصد الأول، وبدل غلط إن قدر عدم قصده.
فإن قلت: قد فهم من كون البدل تابعا، أنه يوافق متبوعه في الإعراب، فما حاله في التعريف والتذكير والإفراد وأضدادها؟
قلت: أما التعريف والتنكير فلا يلزم موافقته لمتبوعه فيهما، بل تبدل المعرفة من المعرفة نحو: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} 1, في قراءة من جر.
والنكرة من النكرة نحو: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} 2.
والمعرفة من النكرة نحو: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ} 3.
والنكرة من المعرفة نحو: {لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} 4.
واشترط الكوفيون في إبدال النكرة من النكرة أن تكون موصوفة، واشترطوا في إبدال النكرة من المعرفة شرطين: اتحاد اللفظ، وكونها موصوفة، كذلك نقل المصنف.
ونقل غيره اشتراط الأول من الشرطين عن نحاة بغداد لا عن نحاة الكوفة، وكلام أهل الكوفة يدل على عدم اشتراطه, ووافقهم على اشتراط "الثاني طائفة من
__________
1 فالله بدل من "العزيز", وهو من الآية 1، 2 من سورة إبراهيم.
2 "حدائق" بدل من "مفازا", وهو من الآية 31، 32 من سورة النبأ.
3 فالصراط الثاني معرفة بالإضافة, وقد أبدل من الأول وهو نكرة, وهو من الآية 52، 53 من سورة الشورى.
4 فناصية الثانية نكرة, وقد أبدلت من الأولى وهي معرفة, وهي من الآية 15، 16 من سورة العلق.(2/1042)
المتأخرين، وحكي عن الكوفيين أيضا اشتراط"1 اتحاد اللفظ في بدل المعرفة من النكرة.
والصحيح أنه لا يشترط "شيء"2 من ذلك؛ لورود السماع به.
قال في الارتشاف: وقد سمع إبدال النكرة من المعرفة، وليست من لفظ الأول ولا موصوفة، وهو مذهب البصريين.
وأما التذكير والإفراد وأضدادهما, فإن كان بدل كل وافق متبوعه فيها ما لم يمنع مانع من التثنية والجمع، ككون أحدهما مصدرا نحو: {مَفَازًا, حَدَائِقَ} أو قصد التفصيل نحو3:
وكنتُ كذي رِجْلينِ رِجْلٍ صحيحةٍ ... ورجلٍ رمى فيها الزمان فشلت
وإن كان غيره من أنواع البدل لم يلزم موافقته فيما ذكر.
قوله:
ومن ضمير الحاضر الظاهر لا ... تُبدله إلا ما إحاطة جلا
__________
1 أ، جـ.
2 أ، جـ.
3 قائله: كثير عزة, وهو من الطويل.
المعنى: وصف كلفه بمن يحب وحرصه على الإقامة عندها، فتمنى أن تشل إحدى رجليه وهو عندها حتى لا يرحل عنها.
الإعراب: "وكنت" الواو عاطفة وكان فعل ماض ناقص والتاء اسمه, "كذي" جار ومجرور خبر كان, "رجلين" مضاف إليه, "رجل" -بالجر- بدل من رجلين, "صحيحة" صفتها, "ورجل" -بالجر- عطف على رجل الأولى, ويجوز نصب "رجل" في الموضعين على إضمار أعني، ويجوز رفعهما على حذف المبتدأ, أي: إحداهما رجل, "رمى" فعل ماض, "فيها" متعلق برمى, "الزمان" فاعل رمى، ومفعول رمى محذوف، تقديره: رمى فيها الزمان داء, "فشلت" عطف على رمى.
الشاهد فيه: "رجل صحيحة", فإن "رجل" نكرة أبدلها من "رجلين" وهو أيضا نكرة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 238/ 2, وذكره ابن يعيش 68/ 3, وسيبويه 215/ 1, وابن هشام في المغني 94/ 2، والشاهد رقم 373 في الخزانة.(2/1043)
أو اقتضى بعضا أو اشتمالا ... كأنك ابتهاجَكَ استمالا
اعلم أنه يجوز إبدال الظاهر من "الظاهر"1, وإبدال الظاهر من المضمر على تفصيل، وهو أن الضمير إن كان لغائب أبدل منه الظاهر مطلقا نحو: "ضربته زيدا".
وإن كان لحاضر, أبدل منه بدل البعض نحو2:
أوعدني بالسجن والأداهم ... رجلي فرجلي شثنة المناسم
في أحد الأوجه.
__________
1 ب، جـ, وفي أ "المضمر".
2 قائله: هو العديل -بزنة التصغير- بن الفرخ -بزنة القتل- وكان قد هجا الحجاج بن يوسف الثقفي، وهرب إلى الروم واستنجد بالقيصر فحماه، ثم أرسل الحجاج إلى قيصر يتهدده إن لم يرسله، فلما مثل بين يديه عنفه, وهو من الرجز.
اللغة: "أوعدني" تهددني, "الأداهم" -جمع أدهم- وهو القيد, "شثنة" غليظة خشنة, "المناسم" -جمع منسم- بزنة مجلس، وأصله طرف خف البعير، فاستعمله في الإنسان، وإنما حسن ذلك لأنه يريد أن يصف نفسه بالجلادة والصبر على احتمال المكروه.
الإعراب: "أوعدني" فعل ماض وفاعله مستتر فيه والنون للوقاية والياء مفعول به, "بالسجن" جار ومجرور متعلق بأوعد, "والأداهم" معطوف على السجن, "رجلي" بدل بعض من ياء المتكلم في أوعدني والياء مضاف إليه, "فرجلي" مبتدأ, "شثنة" خبره, "المناسم" مضاف إليه.
الشاهد فيه: "أوعدني ... رجلي" حيث أبدل الاسم الظاهر وهو "رجلي" بدل بعض من كل من ضمير الحاضر, وهو ياء المتكلم الواقعة مفعولا لأوعد.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 439/ 2، وابن عقيل 187/ 2، والمكودي ص124، وابن الناظم. وذكره ابن يعيش في شرح المفصل 70/ 3، والسيوطي في الهمع 127/ 2, وابن هشام في الشذور ص457, والشاهد رقم 368 في الخزانة.(2/1044)
وبدل الاشتمال نحو1:
.................. ... وما أَلْفيتني حِلْمي مُضَاعا
ومثله قوله: "ابتهاجك استمالا"2.
وأما بدل الكل، فإما أن يفيد معنى الإحاطة كالتوكيد, أو لا.
فإن أفاد معنى الإحاطة جاز نحو: "جئتم صغيركم وكبيركم", ومنه {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} 3.
__________
1 قائله: هو عدي بن زيد العبادي شاعر جاهلي, وهو من الوافر.
صدره ذريني إن أمركِ لن يطاعا
اللغة: "ذريني" دعيني -يخاطب امرأة- أمر من يذر بمعنى يدع, "ألفيتني" وجدتني.
المعنى: يخاطب عاذلته على إتلاف ماله فيقول: ذريني من عذلك, فإني لا أطيع أمرك, فالحلم وصحة التمييز والعقل يأمرنني بإتلافه في اكتساب الحمد ولا أَضيع.
الإعراب: "ذريني" فعل أمر مبني على حذف النون وياء المخاطبة فاعله والنون للوقاية والياء مفعول به, "إن" حرف توكيد ونصب, "أمرك" اسم إن والكاف مضاف إليه, "لن" نافية ناصية, "يطاعا" فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه والألف للإطلاق، والجملة في محل رفع خبر إن، وجملة إن واسمها وخبرها لا محل لها مستأنفة للتعليل, "وما" الواو عاطفة وما نافية, "ألفيتني" فعل ماض وتاء المخاطبة فاعله والنون للوقاية والياء مفعوله الأول, "حلمي" بدل اشتمال من ياء المتكلم في ألفيتني, والياء مضاف إليه, "مضاعا" مفعول ثانٍ لألفي.
الشاهد فيه: "ألفيتني حلمي" حيث أبدل الاسم الظاهر وهو "حلمي" بدل اشتمال من ضمير الحاضر, وهو ياء المتكلم في "ألفيتني".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 39/ 2، وابن عقيل 186/ 2، والمكودي ص124, وذكره سيبويه 78/ 1, وابن يعيش 65/ 3، والسيوطي في الهمع 127/ 2، والشاهد رقم 369 في الخزانة، وابن هشام في الشذور ص457.
2 أي: فرحك استمالا -السين والتاء زائدتان أو للصيرورة- أي: أملت القلوب إليك أو صيرتها مائلة إليك, وابتهاجك بدل من الضمير في أنك، واستمالا خبر أن.
3 أي: لجميعنا؛ لأن عادة العرب التعبير بالطرفين وإرادة الجمع. فأولنا وآخرنا بدل كل من الضمير "نا" المجرور باللام، وهو من الآية 114 من سورة المائدة.(2/1045)
وإلا فمذاهب1.
أحدها: المنع، وهو قول جمهور البصريين2.
والثاني: الجواز، وهو قول الأخفش والكوفيين، وسمع الكسائي إلى أبي عبد الله وقال3:
بكُمْ قريشٍ كُفينا كل معضِلة ... ........................
والثالث: أنه يجوز في الاستثناء نحو: "ما ضربتكم إلا زيدا" وهو قول قطرب4.
__________
1 وإلا, أي: فإن لم يكن فيه معنى الإحاطة.
2 لعدم الفائدة، إذ ضمير الحاضر في غاية الوضوح.
3 قائله: لم أقف على قائله, وهو من البسيط.
وتمامه:
وأمّ نهج الهدى من كان ضِلِّيلا
اللغة: "كفينا" أي: وقينا, "معضلة" -بكسر الضاد- اسم فاعل من أعضل الأمر؛ إذا اشتد وصعب المخرج منه, "أم" قصد, "نهج الهدى" طريقه, "ضليلا" -بكسر الضاد وتشديد اللام مكسورة- الشديد الضلال.
الإعراب: "بكم" جار ومجرور متعلق بكفينا, "قريش" بدل من كاف المخاطبين المجرورة محلا بالباء, "كفينا" فعل ماض مبني للمجهول وضمير المتكلم عن نفسه وغيره نائب فاعل، وهو المفعول الأول, "كل" مفعول ثانٍ لكفي, "معضلة" مضاف إليه, "وأم" الواو عاطفة وأم فعل ماض, "نهج" مفعول به لأم, "الهدى" مضاف إليه, "من" اسم موصول فاعل أم مبني على السكون في محل رفع, "كان" فعل ماض ناقص واسمه ضمير مستتر فيه يعود إلى "من", "ضليلا" خبر كان, وجملة كان واسمه وخبره لا محل لها صلة الموصول.
الشاهد فيه: "بكم قريش" حيث أبدل الاسم الظاهر وهو "قريش" من ضمير الحاضر وهو ضمير المخاطبين المجرور محلا بالباء -بدل كل من كل- من غير أن يبدل البدل على الإحاطة.
مواضعه: ذكره ابن هشام في شذور الذهب ص458.
4 وفيه نظر: بأن زيدا ليس بدل كل من ضمير المخاطبين بل بدل بعض، ويظهر لي أنه لا يوجد مثال يكون فيه المستثنى بدل كل من المستثنى منه، هـ صبان 99/ 3.(2/1046)
وأما إبدال المضمر من المضمر فنحو: "رأيتك إياك", وتقدم الخلاف فيه في باب التوكيد.
وأما إبدال المضمر من الظاهر فنحو: "رأيت زيدا إياه".
قال في التسهيل: ولا يُبدل مضمر من مضمر ولا من ظاهر، وما أوهم ذلك جُعل توكيدا إن لم يُفِد إضرابا1.
وقال في شرحه: والصحيح عندي أن نحو: "رأيت زيدا إياه" لم يستعمل في كلام العرب نثره ونظمه، ولو استعمل لكان توكيدا.
وأشار بقوله: ما لم يفد إضرابا إلى نحو: إياك وإياي قصد زيد، تريد: إياي فإنه بدل....
قوله:
وبَدَل المُضمن الهمز يلي ... همزا كمن ذا أسعيد أم علي
يعني: أن المبدل من اسم الاستفهام لا بد من اقترانه بالهمزة، وقد مثّله.
تنبيه:
نظير هذه المسألة بدل اسم الشرط, فإنه يقرن بإن نحو: "متى تقم إن ليلا, وإن نهارا قمت".
قوله:
ويُبدَل الفعل من الفعل كمن ... يصل إلينا يَستعِنْ بنا يُعَن
يجوز إبدال الفعل من الفعل بدل كل، قال في البسيط: باتفاق، ومنه2:
__________
1 التسهيل ص172.
2 قائله: عبيد الله بن الحر الجعفي, وهو من الطويل.
وتمامه:
تَجِدْ حطبا جَزْلا ونارا تأججا
اللغة: "تلمم" يقال: ألمّ الرجل بالقوم إلماما: أتاهم، "حطبا جزلا" أي: غليظا.
المعنى: أنهم يوقدون الحطب الجزل لتقوى نارهم, فينظر إليها الضيوف على بعد ويقصدوها.
الإعراب: "متى" ظرف زمان للشرط العامل فيه تأتنا, "تأتنا" تأت مجزوم بحذف حرف العلة وهو فعل الشرط ونا مفعول والفاعل ضمير مستتر, "تلمم" فعل مضارع بدل من تأتنا =(2/1047)
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... .........................
وبدل الاشتمال نحو: {يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ} 1, و"من يصل إلينا يستعن بنا يُعَن" وحكى في البسيط فيه خلافا.
ولا يبدل بدل بعض، وأما بدل الغلط فقال في البسيط: جوّزه سيبويه وجماعة من النحويين، والقياس يقتضيه2.
تنبيهان:
الأول: ذكر كثير من النحويين أن الجملة قد تبدل من الجملة، ومثله الشارح بقوله3:
__________
= وفاعله ضمير مستتر, "بنا" متعلق بالفعل, "في ديارنا" جار ومجرور ونا مضاف إليه, "تجد" جواب الشرط مجزوما والفاعل ضمير, "حطبا" مفعول, "جزلا" صفة, "ونارا" معطوف على حطب, "تأججا" فعل ماض وفاعله ضمير النار والألف للإطلاق.
الشاهد فيه: "تأتنا تلمم" فالفعل "تلمم" بدل من الفعل "تأتنا".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: المكودي ص124، والسيوطي ص101, والهمع 128/ 2، وسيبويه 446/ 1, والأشموني 440/ 2.
1 من الآية 68، 69 من سورة الفرقان.
2 ومثّله الشاطبي بنحو: "إن تطعم زيدا تكسه أكرمك".
3 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الطويل.
وتمامه:
وإلا فكن في السر والجهر مسلما
الإعراب: "أقول" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر فيه, "له" جار ومجرور متعلق به, "ارحل" فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر فيه، والجملة مقول القول, "لا تقيمن" جملة مؤكدة بالنون وقعت بدلا من قوله "ارحل", "وإلا" أي: وإن لم ترحل، وهي فعل الشرط, "فكن" الفاء واقعة في جواب الشرط, "كن" فعل أمر واسمها ضمير مستتر, "في السر" جار ومجرور, "والجهر" عطف عليه, "مسلما" منصوب على أنه خبر لكان.
الشاهد فيه: "لا تقيمن", فإنه جملة بدل عن جملة أخرى وهي "ارحل".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 440/ 2, وابن الناظم.(2/1048)
أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ... ...........................
وبقوله عز وجل: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ، قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا} 1.
وبقوله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} 2.
وبقوله عز وجل: {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} 3.
وفي الارتشاف: وما استدل به لا يقوم به حجة.
الثاني: أجاز ابن جني والزمخشري والمصنف أن تبدل الجملة من المفرد، وجعل المصنف من ذلك: "عرفت زيدا أبو من هو"4.
وجعل الزمخشري قوله تعالى: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} 5 بدلا من النجوى.
وجعل ابن جني "كيف يلتقيان" بدلا من حاجة وأخرى في قوله6:
__________
1 من الآية 81، 82 من سورة "المؤمنون".
2 من الآية 132، 133 من سورة الشعراء.
3 من الآية 21 من سورة يس.
4 "أبو" مبتدأ, و"من" مضاف إليه, و"هو" خبر, والجملة بدل من "زيدا" بدل اشتمال، لا مفعول ثانٍ؛ لأن عرف إنما يتعدى إلى مفعول واحد.
5 وقبله: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} .
6 قائله: قال العيني: احتج به أبو الفتح وغيره، ولم أر أحدا عزاه إلى قائله، وقيل: قائله الفرزدق. يشكو من تفرق حاجاته وتباعد ما بينها، وأنه موزع القلب مشتت البال, وهو من الطويل.
الإعراب: "إلى الله" متعلق بأشكو, "بالمدينة" متعلق بمحذوف حال من حاجة تقدمت عليها, "حاجة" مفعول أشكو, "وبالشام" معطوف على الجار والمجرور, "أخرى" معطوف على حاجة, وهما معمولان لأشكو, "كيف" اسم استفهام حال تقدمت على صاحبها وعاملها, "يلتقيان" فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف فاعل، والجملة بدل اشتمال من حاجة وأخرى.
الشاهد فيه: "كيف يلتقيان؟ " حيث أبدل هذه الجملة من مفرد وهو "حاجة" و"أخرى" بدل كل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 440/ 2، وابن هشام 214/ 3, والسيوطي ص101. وذكره ابن هشام أيضا في المغني 174/ 1، 70/ 2، وذكره السيوطي أيضا في الهمع 128/ 2.(2/1049)
إلى الله أشكو بالمدينة حاجة ... وبالشام أخرى كيف يلتقيان؟
كأنه قال: أشكو هاتين الحاجتين تعذُّر التقائهما.(2/1050)
النداء:
فيه لغتان: كسر النون، وضمها.
ومعناه لغة: الدعاء.
واصطلاحا: دعاء بحروف مخصوصة، وهي: يا، وأي، وأَيَا، وهيا، والهمزة، ووا في الندبة.
وزاد الكوفيون: آ، وآيْ بالمد.
وأخبر سيبويه رواية عن العرب أن الهمزة للقريب المصغي، وأن ما سواها للبعيد مسافة أو حكما.
وعلى مذهب سيبويه اعتمد الناظم فقال:
وللمنادى الناءِ أو كالناء يا ... وأَيْ وآ كذا أَيَا ثم هَيَا
والهمز للداني....
فالنائي: هو البعيد مسافة، وكالنائي: هو البعيد حكما كالساهي، والداني: هو القريب، ولا حاجة إلى ذكر سائر المذاهب؛ لأن قائليها لم يعتمدوا إلا على الرأي، والرواية لا تعارض بالرأي، كذا قال المصنف.
وقوله: ووا لمن ندب.
يعني: مختصة بالندبة، وهذا مذهب سيبويه والجمهور، وأجاز بعضهم استعمالها في غير الندبة قليلا.
وقوله: "أو يا" يعني: أن "يا" قد تستعمل في الندبة بشرط أمن اللبس1, فإن خِيفَ التباس المندوب بغيره تعينت "وا"2.
__________
1 مثال أمن اللبس قوله:
حُمِّلتَ أمرا عظيما فاصطبرتَ له ... وقمت فيه يأمر الله يا عمرا
فصدور ذلك بعد موت عمر دليل على أنه مندوب، وليس الدليل الألف لأنها تلحق آخر المستغاث والمتعجب منه. هـ 103/ 3 صبان.
2 مثل خوف اللبس فتقول عند قصد ندبة زيد الميت وبحضرتك من اسمه زيد: وا زيد -بالواو- إذ لو أتيت بيا، لتبادر إلى فهم السامع أنك قصدت النداء. هـ 103/ 3 صبان.(2/1051)
ولذلك قال:
وغير وا لدى اللبس اجتُنب
تنبيهات:
الأول: أجمعوا على أن نداء القريب بما للبعيد يجوز توكيدا، وعلى منع العكس.
الثاني: ذهب بعض النحاة إلى أن هذه الأدوات أسماء أفعال محتملة لضمائر مستترة.
الثالث: ذهب ابن السكيت1 إلى أن ها "هيا" بدل من همزة "أيا" وتبعه ابن الخشاب2.
الرابع: قال في شرح التسهيل: لم يذكر آ، وآي -بالمد- إلا الكوفيون, رووهما عن العرب الذين يثقون بعربيتهم، ورواية العدل مقبولة.
قلت: وذكر غيره أن الأخفش حكى "آ" في الكبير، وجعلها ابن عصفور للقريب كالهمزة.
وقوله:
وغير مندوب ومُضْمَر وما ... جا مستغاثا قد يُعَرَّى فاعلما
المنادى قسمان:
__________
1 هو يعقوب بن إسحاق بن السكيت, كان عالما بنحو الكوفيين وعلم القرآن واللغة، وأخذ عن البصريين والكوفيين كالفراء وأبي عمرو الشيباني، وله تصانيف كثيرة في النحو ومعاني الشعر، ومات يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة أربع وأربعين ومائتين.
2 هو عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن الخشاب أبو محمد النحوي، قال القفطي: كان أعلم أهل زمانه بالنحو حتى يقال: إنه كان في درجة الفارسي، وكانت له معرفة بالحديث والتفسير واللغة والمنطق والفلسفة، وله تصانيف كثيرة؛ فقد صنف شرح الجمل للجرجاني، والرد على ابن بابشاذ في شرح الجمل، وشرح اللمع لابن جني ولكن لم يتم، وغير ذلك. توفي عشية الجمعة ثالث رمضان سنة سبع وستين وخمسمائة.(2/1052)
فالأول: يمتنع حذف حرف النداء معه، وهو المندوب نحو: "وا زيداه", والمضمر نحو: "يا أنت ويا إياك", والمستغاث نحو: "يا لزيد".
فإن قلت: ما سبب "منع"1 الحذف مع هذه الثلاثة؟
قلت: أما المندوب والمستغاث؛ فلأن المطلوب فيهما مد الصوت، والحذف ينافيه. وأما المضمر فلأن الحذف معه تفوت به الدلالة على النداء.
تنبيه:
فهم من كلامه جواز نداء المضمر، وفيه تفصيل.
فإن كان لمتكلم أو غائب لم يجز، لا يقال: "يا أنا", ولا "يا هو", و"إن كان"2 لمخاطب ففيه خلاف. قال في الارتشاف: والصحيح المنع. انتهى.
وقد سمع ما ظاهره نداء المضمر بصيغة النصب كقوله: "يا إياك قد كفيتُكَ"3 وهو القياس، وبصيغة الرفع كقوله4:
__________
1 أ.
2 أ، جـ.
3 قيل: إن الأحوص اليربوعي وفد مع ابنه على معاوية، فقام الأب فخطب، فلما انتهى قام الابن ليخطب، فقال له الأب ذلك, أي: قد أغنيتك عن القول.
4 قائله: هو الأحوص اليربوعي، قاله العيني، وصوب أنه لسالم بن دارة في مُرّ بن واقع, وتمامه:
أنت الذي طلَّقت عام جُعْتَا
وهو من الرجز.
اللغة: "الأبجر" المنتفخ البطن, "طلقت" فارقت حلائلك, "عام جعتا" أي: في الوقت الذي وقعت فيه المجاعة.
المعنى: يذم المخاطب بأنه عظيم البطن وابن عظيمها، ويقول: أنت الذي فارقت زوجاتك حين لم تجد ما تسد به رمقك وتملأ به بطنك، وأبيت السعي لجلب رزقهن.
الإعراب: "يا" للنداء, "أبجر" منادى مبني على الضم, "ابن" صفة, "أبجر" مضاف إليه, وكان حق أبجر الجر بالفتحة لوزن الفعل ولكنه صرف للضرورة, "يا" للنداء, "أنتا" منادى مبني على ضم مقدر منع منه حركة البناء الأصلي، والألف للإطلاق.
الشاهد فيه: "يا أنتا", حيث نادى الضمير الذي في موضع الرفع.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 443/ 2, وابن هشام 220/ 3.
وذكره ابن يعيش 127/ 1، والسيوطي في الهمع 174/ 1، والشاهد 105 في الخزانة.(2/1053)
يا أبجرُ بنَ أبجرِ يا أنتا
وهو من نيابة بعض الضمائر عن بعض.
وتأول بعضهم: "يا إياك" على أن "يا" للتنبيه و"إياك" منصوب بمقدر يدل عليه الظاهر بعده.
و"يا أنت" على أن "يا" للتنبيه و"أنت" مبتدأ، و"أنت" الثاني مبتدأ ثانٍ أو توكيد, أو فصل، أو بدل، والخبر الموصول.
والقسم الثاني: يجوز فيه حذف النداء -وهو ما عدا القسم الأول- إلا أن منه ما يقل الحذف معه، ومنه ما يكثر.
وقد نبّه على ما يقل بقوله:
وذاك في اسم الجنس والمشار له ... قل ومن يمنعه فانصر عاذله
الإشارة إلى تعرِّيه من الحرف. ومن حذفه من اسم الجنس قوله: "ثوبي حَجَر" 1.
وجاءت منه ألفاظ في النثر والنظم.
ومذهب البصريين: أن حذف حرف النداء منه, لا يجوز إلا في شذوذ أو ضرورة.
وهو عند الكوفيين قياس مطرد.
__________
1 قاله عليه الصلاة والسلام حكاية عن موسى -عليه السلام- حين فر الحجر بثوبه حين وضعه عليه ليغتسل, وكان رخاما.(2/1054)
ومن حذفه من اسم الإشارة قوله1:
..................... ... بمثلك هذا لوعة وغرام
وسمع منه أبيات.
ومذهب البصريين: أنه لا يجوز؛ ولذلك لحنوا أبا الطيب في قوله2:
هذي بَرَزتِ لنا فهجتِ رَسِيسا
__________
1 قائله: هو ذو الرمة -غيلان بن عقبة- وهو من الطويل.
وصدره:
إذا هَمَلت عيني لها قال صاحبي
اللغة: "هملت العين" سال دمعها, "لوعة" اللوعة: حرقة القلب من ألم الحب, "غرام" شدة رغبة.
المعني: كلما بكى وسال دمعه عند تذكر المحبوبة قال له صاحبه: يا هذا, إنك شديد الحب لها والغرام بها, وهو لا يستطيع أن يعمل له شيئا يخفف من لوعته.
الإعراب: "إذا" شرطية, "هملت" فعل الشرط والتاء للتأنيث, "عيني" فاعله, "لها" متعلق بهملت، واللام للتعليل, أي: لأجل المحبوبة, "قال" فعل ماض جواب الشرط, "صاحبي" فاعله مضاف للياء, "بمثلك" جار ومجرور خبر مقدم, "هذا" ها للتنبيه, وذا اسم إشارة منادى على حذف حرف النداء, "لوعة" مبتدأ مؤخر، والجملة في محل نصب مقول القول, "وغرام" عطف على لوعة.
الشاهد فيه: "هذا", حيث حذف منه حرف النداء.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 443/ 2، وابن هشام 222/ 3، والمكودي ص124, وذكره السيوطي في الهمع 174/ 1.
2 قائله: هو أبو الطيب -أحمد بن الحسين المتنبي- وهو من الكامل.
وتمامه:
ثم انثنيتِ وما شفيتِ نسيسا
اللغة: "برزت" ظهرت, "فهجت" من هاجه إذا أثاره, "رسيسا" -بفتح الراء وكسر السين- وهو مس الحمى أو الهم, "نسيسا" -بفتح النون وكسر السين- بقية النفس.
الإعراب: "هذي" منادى حذف منه حرف النداء، والتقدير: يا هذه, "برزت" فعل ماض والتاء فاعل, "لنا" جار ومجرور متعلق ببرزت, "فهجت" الفاء عاطفة وهاج فعل ماض والتاء فاعل والجملة عطف على "برزت", "رسيسا" مفعوله, وإعراب الباقي واضح.
الشاهد فيه: "هذي" حيث حذف منه حرف النداء, وحذف حرف النداء مع اسم الإشارة لا يجوز عند البصريين.
وخُرِّج على أن "هذي" إشارة إلى البرزة, فهي مصدر.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه 444/ 2.(2/1055)
ومذهب الكوفيين جوازه، وجعلوا منه قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} 1.
تنبيه:
ظاهر كلامه موافقة الكوفيين على الجواز، وقال الشارح: وقول الشيخ: ومن يمنعه فانصر عاذله، يوهم اختيار مذهب الكوفيين.
هذا, إن لم يحمل المنع على عدم قبول ما جاء من ذلك.
قلت: قد صرح بموافقتهم في اسم الجنس في شرح الكافية، فقال: وقولهم هذا أصح. انتهى. والإنصاف القياس على اسم الجنس؛ لكثرته نثرا ونظما.
"وقصر"2 اسم الإشارة على السماع، إذ لم يرد إلا في الشعر.
وأما نحو: "ثم أنتم هؤلاء" فمتأول3.
فإن قلت: فهم من كلامه أن ما سوى هذه الخمسة يجوز معه حذف حرف النداء، وليس على إطلاقه.
فقد ذكر في التسهيل4: أن مما يلزمه الحرف لفظ الجلالة والمتعجب منه، ولم يذكرهما هنا، وقد ذكر الأول في الكافية دون الثاني.
__________
1 من الآية 85 من سورة البقرة.
2 ب، جـ, وفي أ "وقصره على".
3 مؤولة على أن "هؤلاء" بمعنى الذين، وهو خبر عن "أنتم" أو بالعكس وجملة "تقتلون" صلة, أو "هؤلاء" اسم إشارة وجملة "تقتلون" حال.
4 التسهيل ص179.(2/1056)
قلت: لما كان الأكثر في لفظ الجلالة تعويض الميم عن حرف النداء, لم يذكره مع ما يلزمه الحرف.
وأما المتعجب منه، فلما كان كالمشتقّات لفظا وحكما نحو: "يا للماء" استغنى بذكره عنه.
فإن قلت: إذا كان حرف النداء غير لازم مع لفظ الجلالة؛ لكونه قد يحذف إذا عوض عنه. فما وجه ذكره في التسهيل والكافية مع ما يلزم الحرف؟
قلت: وجهه أنه مما يلزمه الحرف إذا لم يعوض.
فإن قلت: أطلق في اسم الجنس، والمراد إنما هو اسم الجنس المبني للنداء، فإنه محل الخلاف.
فأما اسم الجنس المفرد غير المعين, فقد نص في الكافية وشرحها على أن الحرف يلزمه.
قلت: أجاز بعضهم حذف الحرف منه أيضا نحو: "رجلا خذ بيدي".
فلعله ذهب هنا إلى ذلك، فيكون إطلاقه مرادا.
فإن قلت: وأطلق أيضا في "اسم"1 الإشارة، وهو مقيد بألا يصحب كاف الخطاب, فإن صحبها ففي ندائه مع ثبوت الحرف خلاف، وممن منع السيرافي.
فإن لم يصحبه الحرف, فلا خلاف في جواز ندائه, ذكره في الارتشاف.
قلت: كأنه اعتمد على تقييده بالواقع؛ لقلته.
تنبيه:
قال في الكافية, بعد ذكر لفظ الجلالة والمضمر والمستغاث واسم الإشارة واسم الجنس:
وغير ذي الخمسة ناده بيا ... أو غيرها أو أوله تعريا
وذكر في شرحها أن ذلك بإجماع.
__________
1 أ، جـ.(2/1057)
فقد يقال: يرد عليه المندوب والمتعجب منه.
والجواب: أنه ذكر المندوب قبل ذلك, فقال: وألزم المندوب وا أو لفظ يا, وتقدم الجواب عن المتعجب منه.
والحاصل: أن حرف النداء يجوز حذفه من العلم نحو: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} 1.
والمضاف نحو: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي} ، والموصول نحو: "من لا يزال محسنا أحسن إليَّ"، وأي نحو: "أيها المؤمنون", والمطول نحو: "خيرا من زيد أقبل".
ويختلف في جواز حذفه من اسم الجنس المبني للنداء، واسم الإشارة، والنكرة غير المقصودة.
ويمتنع مع الأشياء المتقدم ذكرها.
قوله:
وابن المعرَّف المنادى المفردا ... على الذي في رفعه قد عُهدا
المعرف: يشمل ما له تعريف قبل النداء نحو: "يا زيد", وما "حصل"2 له تعريف في النداء نحو: "يا رجل".
أما نحو: "يا زيد" فقيل: باقٍ على علميته، وهو مذهب ابن السراج، وقيل: سلب تعريف العلمية وتعرف بالإقبال، وهو مذهب المبرد والفارسي.
وإلى الأول ذهب المصنف، واحتج بنداء ما لا يمكن سلب تعريفه كاسم الله تعالى واسم الإشارة.
وأما نحو: "يا رجل"، فقيل: تعرف بالإقبال والقصد3, وإليه ذهب المصنف وقيل: بأل محذوفة.
__________
1 من الآية 29 من سورة يوسف.
2 أ، جـ، وفي ب "حدث".
3 قال الصبان 105/ 3: القصد: قصد المنكر بعينه، والإقبال أي: إقبال المتكلم على المنادى، أي: إلقاؤه الكلام نحوه.(2/1058)
والمراد بالمفرد هنا: ما ليس مضافا ولا شبيها به كما في باب "لا", فيشمل المثنى والجمع والمركب تركيب مزج.
وقوله:
على الذي في رفعه قد عُهدا
يعني: أنه يبنى على ما كان يرفع به قبل النداء من ضمة ظاهرة نحو: "يا زيد" و"يا رجال" و"يا مسلمات"، أو مقدرة نحو: "يا زيدون".
فإن قلت: ما علة بناء المنادى المفرد؟
قلت: شبهه بالمضمر من نحو: "يا أنت" في التعريف والإفراد, وتضمين معنى الخطاب.
وقيل: إجراؤه مجرى الأصوات, ونسب إلى سيبويه.
تنبيهات:
الأول: قال في التسهيل: ويجوز نصب ما وُصف من معرّف بقصد وإقبال1، وحكاه في شرحه عن الفراء، وأيده بما روي من قوله -عليه الصلاة والسلام- في سجوده: "يا عظيما يُرجَى لكل عظيم".
وجعل منه2:
أَدَارًا بجُزْوَى هجتِ للعين عَبْرة....
__________
1 التسهيل ص180.
2 قائله: هو ذو الرمة, وهو من الطويل.
وتمامه:
فماء الهوى يرفضّ أو يترقرق
اللغة: "بجزوى" -بضم الجيم وسكون الزاي وفتح الواو- اسم موضع بعينه, "هجت" حركت, عبرة" العبرة: الدمعة, "فماء الهوى" يعني: الدمع, "يرفض" يسيل بعضه في إثر بعض, "يترقرق" يبقى في العين متحيرا يجيء ويذهب، وقيل: يتدفق.
المعنى: أنه نظر إلى دار بعينها عهد فيها من يحب فهاجت شوقه وحزنه, والدمع يسيل بعضه إثر بعض، أو يبقى في العين متحيرا. =(2/1059)
فظاهر مذهب البصريين أن النصب في هذا البيت ونحوه؛ لقصد التنكير.
الثاني: ذهب الكسائي والزيادي إلى أن ضمة "يا زيد" ونحوه ضمة إعراب, ونقله ابن الأنباري عن الكوفيين.
الثالث: ذهب بعض الكوفيين, إلى أن نداء المثنى والمجموع على حده بالياء, تشبيها بالمضاف.
قال في البسيط: وهو فاسد؛ لأنه ليس مركبا.
الرابع: إذا ناديت "اثني عشر" و"اثنتي عشرة" قلت: يا اثنا عشر ويا اثنتا عشرة, بالألف.
وقال الكوفيون: يا اثني عشر، ويا اثنتي عشرة -بالياء- إجراء لهما مجرى المضاف.
وأشار بقوله:
وانوِ انضمام ما بنوا قبل الندا
إلى أن ما كان مبنيا قبل النداء، يقدر بناؤه على الضم نحو: ""يا سيبويه" و"يا رقاش" و"يا خمسة عشر" و"يا برق نحره""1.
__________
= الإعراب: "أدارا" الهمزة للنداء ودارا نكرة منادى, "بجزوى" جار ومجرور متعلق بمحذوف، والتقدير: أدارا مستقرة "بجزوى", هجت "هاج" فعل ماض والتاء فاعل, "للعين" جار ومجرور متعلق به, "عبرة" مفعول به, "فماء" مبتدأ, "الهوى" مضاف إليه, "يرفض" خبره, "أو يترقرق" عطف عليه.
الشاهد فيه: "أدارا" نصب؛ لأنه منادى منكور في اللفظ، لاتصاله بالمجرور بعده ووقوعه في موضع صفته، كأنه قال: أدارا مستقرة بجزوى، فجرى لفظه على التنكير وإن كان مقصودا بالنداء معرفة في التحصيل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 445/ 2, وذكره سيبويه 311/ 2، والشاهد 113 في الخزانة.
1 أ، جـ.(2/1060)
"ويظهر أثر التقدير في التابع فيجوز"1: "يا سيبويه الظريف" -بالنصب- اتباعا للمحل -وبالرفع- اتباعا للبناء المقدر2.
وإلى هذا أشار بقوله:
.... وليُجْزَ مجرى ذي بناء جُدِّدا
ثم قال:
والمفرد المنكور والمضافا ... وشِبْهه انصب عادما خلافا
مثال المفرد المنكور -يعني: الذي لم يقصد به معين- قول الأعمى: "يا رجلا خذ بيدي", وقوله3:
__________
1 أ، جـ.
2 وإنما لم يجر مراعاة لكسرة البناء؛ لأنها لأصالتها بعيدة عن حركة الإعراب بخلاف الضم, فإنه لعروضه بيا أشبهت حركة الإعراب العارضة بالعامل المتأصلة في المتبوعية، وإطلاق الرفع على حركة التابع فيه مسامحة؛ لأن التحقيق أنها حركة إتباع. هـ 107/ 3 صبان.
3 قائله: هو عبد يغوث بن وقاص, من قصيدة ينوح فيها على نفسه عندما أسرته تيم الرباب.
وتمامه:
نداماي من نجران أن لا تلاقيا
وهو من الطويل.
اللغة: "عرضت" تعرضت, أو أتيت العروض وهو مكان, "نداماي" المؤنس على الشراب, "نجران" بلد باليمن.
المعنى: يندب حظه وينادي الركبان وهو في الأسر، ويقول: إذا بلغتم العروض فبلغوا ندمائي وأحبائي أنه لا تلاقي بيننا، فإننا لا ندري ما الله صانع بنا.
الإعراب: "أيا" حرف نداء, "راكبا" منادى منصوب بالفتحة, "إما" إن شرطية وما زائدة, "عرضت" فعل ماض فعل الشرط, والتاء فاعل, "فبلغن" الفاء واقعة في جواب الشرط, وبلغن فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة والفاعل ضمير مستتر والجملة في محل جزم جواب الشرط, "نداماي" مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف وياء المتكلم مضاف إليه, "من نجران" متعلق بمحذوف حال من نداماي, "أن" مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن, "لا" نافية للجنس, "تلاقيا" اسمها والألف للإطلاق والخبر محذوف أي: لنا، والجملة في محل رفع خبر "أن" وجملة أن في محل نصب مفعول ثانٍ لبلغن.
الشاهد فيه: أيا راكبا" حيث نصب "راكبا"؛ لكونه نكرة غير مقصودة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 445/ 2، وابن هشام 216/ 3، وابن عقيل 193/ 2، وابن الناظم. وذكره ابن يعيش 128/ 1، وفي الشذور ص107، وفي القطر ص204، وسيبويه 312/ 1، والشاهد 115 في الخزانة.(2/1061)
أيا راكبا إما عرضت فبلغَنْ ... ........................
والمضاف نحو: "يا غلام زيد", والمشبه بالمضاف -ويسمى المطول والممطول- وهو طول بعمل أو عطف نحو: "يا عظيما فضله" و"يا راحما عبده" و"يا لطيفا بالعباد", ونحو: "يا ثلاثةً وثلاثين" اسم رجل.
فلو ناديت جماعة هذه عدتهم قلت: يا ثلاثة والثلاثون فيمن قال: والحارثُ, والثلاثين فيمن قال: والحارثَ.
وفصل الأخفش فقال: إن أريد بذلك جماعة مبلغها هذا العدد, فلا يجوز إلا نصب الاسمين؛ لأنهما إذ ذاك وقعا على مسمى واحد.
وإن "كان"1 الثلاثة على حدة والثلاثون على حدة، حكم لهما بحكم المعطوف "والمعطوف"2 عليه.
قيل: وينبغي أن يفصل فيما إذا كان كل منهما على حدة بين أن يكون كل منهما مقصودا بالنداء، فالحكم كذلك، وبين أن يقصد ثلاثة مبهمة فينصبا معا.
تنبيه:
لا يطول المنادى بمعموله، إلا إذا كان ملفوظا به، فلا يعتدّ بالضمير المستكن.
"فرعان" على ذلك:
لو قلت: "يا ذاهبُ" لبنيت على الضم؛ لعدم الاعتداد بالضمير.
ولو قلت: "يا ذاهبُ وزيد" فإن عطف على ذاهب فالبناء، أو على الضمير نصبت لعمله في "زيد" بواسطة الحرف.
ومن ثم وجب: "يا مشتركا وزيدا" بالنصب, عطفا على الضمير؛ لعدم استغنائه بواحد.
__________
1 أ، جـ.
2 أ، جـ.(2/1062)
فإن قلت: كيف قال: "عادما خلافا" مع أن في بعض ذلك خلافا؟
ذهب المازني: أنه لا يتصور وجود للنكرة غير المقبل عليها، وأن ما جاء منونا نحو:
أدارا بجزوى هجت للعين عبرة
ضرورة.
وذهب ثعلب: إلى جواز ضم المضاف الصالح للألف واللام نحو: "يا حسن الوجه".
قلت: أما الأول: فخلاف في وجود قسم، لا في حكمه.
وأما الثاني: فجوابه أن مراده: "عادما خلافا" في صحة النصب، ولم يختلف في صحته، وإن أجاز بعضهم معه الضم في بعض المواضع.
وقوله:
ونحو زيد ضُمَّ وافتحن من ... نحو أزيدُ بنَ سعيد لا تهن
يجوز في المنادى المضموم أن يفتح بخمسة شروط:
الأول: أن يكون عَلَما.
الثاني: أن ينعت بابن.
الثالث: أن يضاف الابن إلى علم.
الرابع: ألا يفصل بين ابن وموصوفه.
الخامس: أن يكون المنادى مما يُضم لفظا.
فلو كان غير علم نحو: "يا غلام ابن زيد" أو منعوتا بغير ابن نحو: "يا زيد الكريم", أو أُضيف الابن إلى غير علم نحو: "يا زيد ابن أختنا", أو كان المنادى لا تظهر الحركة فيه نحو: "يا عيسى بن مريم" تعين الضم.
وقد جمع هذه الشروط قوله: "أزيد بن سعيد".
فيجوز في "زيد" ضمه على الأصل، وفتحه إتباعا لفتحة "ابن" ولا يعتد بفصل الساكن.(2/1063)
وقد نص على اشتراط عَلَمية المنادى والمضاف إليه واتصاله بقوله:
والضم إن لم يَلِ الابنُ علمًا ... أو يل الابنَ علمٌ قد حُتما
فإن قلت: من أين يفهم اشتراط الاتصال؟
قلت: من قوله: "يَلِ".
فإن قلت: قد أخل بالشرط الخامس.
قلت: هو شرط مختلف فيه، فإن الفراء أجاز في نحو: "يا عيسى بن مريم" تقدير الفتحة والضمة، إلا أن المصنف شرطه في التسهيل1 وأوجب تقدير الضمة, إذ لا فائدة في تقدير الفتحة.
فإن قلت: كان ينبغي أن ينص على أن شرط الفتح في ذلك جعل الابن صفة؛ لأنه لو جعل بدلا أو عطف بيان أو منادى أو مفعولا بفعل مقدر تعيّن الضم، ولا يغني تمثيله عن ذلك؛ لأن المثال يحتمل هذه الأوجه.
قلت: هي احتمالات مرجوحة، وكونه نعتا هو الظاهر، ولو نص على ذلك لكان أولى.
فإن قلت: لم يبيّن أي الوجهين أرجح.
قلت: ذهب المبرد إلى أن الضم أجود، وقال ابن كيسان: الفتح أكثر في كلام العرب.
قيل: والفتح اختيار البصريين.
تنبيهات:
الأول: لا إشكال في أن فتحة "ابن" فتحة إعراب إذا ضم موصوفه، وأما إذا فُتح فمذهب الجمهور أنها أيضا فتحة إعراب، وقال عبد القاهر: هي حركة بناء؛ لأنك ركَّبته مع "زيد".
__________
1 التسهيل ص108.(2/1064)
الثاني: حكم "ابنة" حكم "ابن" فيما ذكر، فيجوز الضم والفتح في نحو: "يا هند بنةَ زيدٍ" خلافا لبعضهم.
وأما النعت ببنت, فلا أثر له في النداء1.
الثالث: يلحق بالعَلَم نحو: "يا فلانُ بنَ فلان" و"يا ضُلُّ بنَ ضل"2 و"يا سيد بن سيد" ذكره في التسهيل3, وهو مذهب الكوفيين.
ومذهب البصريين في ذلك ونحوه مما ليس بعلم, التزام الضم.
الرابع: أجاز الكوفيون فتح المنعوت بغير "ابن", إذا كان المنعوت مفردا نحو:
يا زيد الكريم" وأنشدوا4
__________
1 نحو: "يا هند بنت عمرو" واجب الضم.
2 ضل -بضم الضاد- علم جنس لمن لا يعرف هو ولا أبوه.
3 التسهيل ص180.
4 قائله: هو جرير بن الخطفي, من قصيدة يمدح فيها عمر بن عبد العزيز, وهو من الوافر.
وتمامه:
فما كعب بن مامة وابن سعدى ... بأجود منك...............
اللغة: "كعب بن مامة" هو كعب الإيادي الذي يضرب به المثل في الإيثار؛ لأنه آثر رفيقه في السفر بالماء حتى مات عطشا، ومامة: اسم أمه, "ابن سعدى" هو أوس بن حارثة، وسعدى: اسم أمه.
الإعراب: "فما" نافية حجازية, "كعب" اسمها, "ابن مامة" صفة ومضاف إليه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث, "وابن سعدى" معطوف عليه ومضاف إليه, "بأجود" الباء زائدة وأجود خبر ما, "ومنك" متعلق بأجود, "يا" حرف نداء, "عمر" منادى مبني على الفتح, "الجوادا" صفته.
الشاهد فيه: "يا عمر الجواد" حيث إن "عمر" منادى مبني على الفتح، وقد وصف بغير "ابن" وهو "الجوادا".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 447/ 2، وابن هشام 230/ 3, وذكره السيوطي في الهمع 176/ 1.(2/1065)
............. ... يا عمرَ الجوادا
بالفتح.
وخرج على وجهين: أحدهما: أن أصله "يا عمرا" -بالألف- عند من يجيز إلحاقها من غير الندبة والاستغاثة والتعجب.
والآخر: أصله "عمرًا" -بالتنوين- ضرورة، ثم حذفه؛ لالتقاء الساكنين.
الخامس: حكى الأخفش عن بعض العرب: "يا زيدُ بنُ عمرو" بضم النون, إتباعا لضمة الدال.
وقوله:
واضمم أو انصب ما اضطرارا نُوِّنا ... مما له استحقاق ضم بُيِّنا
الذي يستحق البناء على الضم هو المعرفة، فإذا اضطر شاعر إلى تنوينه جاز له فيه وجهان:
أحدهما: الضم, تشبيها بمرفوع، اضطر إلى تنوينه وهو مستحق لمنع الصرف.
والثاني: النصب، تشبيها بالمضاف لطوله بالتنوين.
وكلاهما مسموع من العرب.
والضم اختيار الخليل وسيبويه، والنصب اختيار أبي عمرو وعيسى ويونس والجرمي والمبرد.
قال المصنف: وعندي أن بقاء الضم راجح في العلم، والنصب راجح في النكرة المعينة؛ لأن شبهها بالمضمر أضعف.
وقوله:
وباضطرار خُص جمع يا وأل ... إلا مع الله ومحكِيِّ الجُمَل(2/1066)
يعني: أن الجمع بين حرف النداء وحرف التعريف مخصوص بالضرورة كقوله1:
فيا الغلامان اللذان فرا ... ...................
إلا في موضعين:
أحدهما: "مع"2 الله، فيجوز "يا الله" بوصل الهمزة وقطعها؛ للزوم أل لهذا الاسم حتى صارت بمنزلة الحروف الأصلية.
والآخر: ما سمي به من الجمل المصدّرة بأل نحو: "يا المنطلق زيد" -في رجل مسمى بذلك- نص عليه سيبويه.
تنبيه:
قاس المبرد ما سمي به من موصول مصدر بأل على الجملة نحو: "يا الذي قام", قال في شرح التسهيل: وهو قياس صحيح. انتهى. ونص سيبويه على منعه. فإن قلت: أهمل هنا موضعا ثالثا ذكره في التسهيل3 وهو اسم الجنس المشبه به نحو:
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من السريع.
وتمامه:
إياكما أن تعقبانا شرا
وروي بدل "تعقبانا": تكسبانا, وفي الإنصاف: تكسباني.
الإعراب: "فيا" حرف نداء, "الغلامان" منادى مبني على الألف في محل نصب, "اللذان" صفة لقوله "الغلامان" باعتبار اللفظ, "فرا" فعل ماض وألف الاثنين فاعل، والجملة لا محل لها صلة الموصول, "إياكما" منصوب على التحذير لفعل مضمر وجوبا تقديره: احذر, "أن" مصدرية, "تعقبانا" فعل مضارع منصوب بحذف النون وألف الاثنين فاعل ونا مفعول أول، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بمن مقدرة, "شرا" مفعول ثانٍ.
الشاهد فيه: "فيا الغلامان" حيث جمع بين حرف النداء وأل في غير اسم الله تعالى.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 449/ 2, وابن عقيل 197/ 2، والمكودي ص126، والسيوطي ص102، وذكره في الهمع 174/ 1.
وذكره ابن يعيش 9/ 2، وابن الأنباري في الإنصاف 208/ 1, والشاهد 129 في الخزانة.
2 أ، جـ.
3 التسهيل ص181.(2/1067)
"يا الأسدَ شدةً"1.
قلت: إنما لم يذكره هنا لأن مذهب الجمهور منعه، والجواز مذهب ابن سعدان في شرح التسهيل, وهو قياس صحيح؛ لأن تقديره: يا مثلَ الأسد, فحسن لتقدير دخول "يا" على غير الألف واللام.
وأجاز الكوفيون والبغداديون دخول حرف النداء على ما فيه "أل" مطلقا، ولا حجة لهم في نحو: "يا الغلامان" لأنه ضرورة.
وقوله:
والأكثر اللَّهُمَّ بالتعويض
يعني: أن الأكثر في نداء هذا الاسم الشريف تعويض الميم المشددة في آخره عن حرف النداء، فيقال: "اللهم" وهذا من خصائصه.
ثم قال:
وشذ يا اللهم في قريض
وجه شذوذه أن فيه جمعا بين العِوَض والمعوَّض، ومنه قوله2:
__________
1 قال المصنف, وتبعه البعض: الظاهر أنه من الشبيه بالمضاف؛ لأن شدة تمييز. هـ 111/ 3 صبان.
2 قائله: هو أبو خراش الهذلي، وقيل: لأمية بن أبي الصلت, وهو من الرجز.
اللغة: "حدث" -بفتحتين- وهو الأمر الذي يحدث من مكاره الدنيا, "ألما" نزل.
المعنى: يريد أنه إذا نزلت به حادثة, أو أصابه مكروه؛ لجأ إلى الله تعالى في كشف ما ينزل به.
الإعراب: "إني" حرف توكيد ونصب وياء المتكلم اسمه, "إذا" ظرف يتعلق بأقول الآتي, "ما" زائدة, "حدث" فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده, "ألما" فعل ماض والألف للإطلاق والفاعل ضمير مستتر فيه, "أقول" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه، والجملة في محل رفع خبر إن, "يا" حرف نداء, "اللهم" منادى مبني على الضم في محل نصب، والميم المشددة زائدة.
الشاهد فيه: "يا اللهم يا اللهم" حيث جمع بين حرف النداء والميم المشددة التي يؤتى بها للتعويض عن حرف النداء, فجمع بين العوض والمعوض عنه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 449/ 2, وابن هشام 235/ 3, وابن عقيل 197/ 2، وابن الناظم، والمكودي ص126، والسيوطي ص102، وفي همعه 178/ 1. وذكره ابن يعيش 16/ 2، وابن الأنباري في الإنصاف 212/ 1, والشاهد 130 في الخزانة.(2/1068)
إني إذا ما حَدَثٌ ألمّا ... أقول يا اللهم, يا اللهما
تنبيهات:
الأول: مذهب الكوفيين أن الميم في "اللهم" بقية جملة محذوفة وهي: "أمّنا بخير", وليست عوضا عن حرف النداء؛ فلذلك أجازوا الجمع بينهما في الاختيار.
الثاني: شذ أيضا حذف "أل" منه كقوله1:
لاهُمَّ إن كنت قَبِلت حجتج ... ..............
وهو في الشعر كثير.
الثالث: قال في الارتشاف: لا يستعمل "اللهم" إلا في النداء، وشذ استعماله في غير النداء.
__________
1 قائله: هو رجل من اليمانيين, وهو من الرجز.
وتمامه:
فلا يزال شاحج يأتيك بِجْ
اللغة: "حجتج" الأصل: حجتي، بإبدال الجيم من الياء, وهي جعجعة قضاعة, "شاحج" البغل الذي يشحج، أي: يصوِّت, "بج" أي: بي.
المعنى: يريد: يا اللهم إن كنت قبلت حجتي، فلا يزال بي شاحج هذه صفته.
الإعراب: "لاهم" منادى حُذف منه حرف النداء وعوض عنه الميم, "إن" شرطية, "كنت" فعل ماض فعل ناقص وهو فعل الشرط والتاء اسمه, "قبلت" فعل وفاعل, "حجتج" مفعول به مضاف إلى الياء التي انقلبت جيما، وجملة قبلت في محل نصب خبر كان, "فلا يزال" الفاء واقعة في جواب الشرط ولا نافية ويزال من أخوات كان, "شاحج" اسم زال, "يأتيك" فعل مضارع والفاعل ضمير والكاف مفعول، والجملة في محل نصب خبر زال, "بج" جار ومجرور متعلق بيأتي.
الشاهد فيه: "لاهم" حيث حذف "أل" من اللهم شذوذا.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 449/ 2، والسيوطي في الهمع 155/ 1.(2/1069)
قلت: أنشد الفراء لبعض العرب1:
كحلفة من أبي رِيَاح ... يسمعها لاهم الكبار
وفيه شذوذان:
أحدهما: استعماله في غير النداء؛ لأنه فاعل يسمعها.
والثاني: تخفيف ميمه.
الرابع: إذا قلت: "اللهم" ففي جواز وصفه خلاف؛ منعه سيبويه والخليل، قال بعضهم: لأنه لما اتصلت به الميم صار بمنزلة صوت كقولك: "يا هناه", وأجازه المبرد والزجاج.
الخامس: قال في النهاية: استعمل "اللهم" على ثلاثة أنحاء:
__________
1 قائله: قال العيني: أنشده الفراء ولم يبين قائله، وقيل: الأعشى, وهو من البسيط.
اللغة: "كحلفة" كيمين, "أبي رياح" كناية عن رجل من بني ضبيعة واسمه حصن بن عمرو, "يسمعها" روي بدلها "يشهدها", "الكبار" -بضم الكاف وتخفيف الباء- صيغة مبالغة للكبير, بمعنى العظيم.
قال البغدادي: وإنشاد العامة: "يسمعها لاهه الكبار" وقال: أورده جماعة من النحويين منهم المرادي في شرح الألفية: "يسمعها لاهم الكبار".
وقد ذكر في العين, وفي همع الهوامع: "يسمعها اللهم الكبار".
وكان أبو رياح قد قتل رجلا من بني سعد بن ثعلبة, فسألوه أن يحلف أو يعطي الدية, فحلف ثم قتل بعد حلفته، فضربه العرب مثلا لما لا يغني من الحلف.
الإعراب: "كحلفة" الكاف للتشبيه وحلفة مجرور بالكاف والجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: حلف كحلف أبي رياح, "من" حرف جر, "أبي" مجرور بمن, "رياح" مضاف إليه، والجار والمجرور صفة للحلفة تقديره: كحلفة كائنة من أبي رياح, "يسمعها" يسمع فعل مضارع وها مفعول به, "لاهم" فاعله, "الكبار" صفته.
الشاهد فيه: "لاهم" حيث استعمل "اللهم" في غير النداء.
مواضعه: ذكره السيوطي في الهمع 178/ 1، والشاهد 125 في الخزانة.(2/1070)
أحدها: أن "يراد به"1 النداء المحض، كقولهم: "اللهم أمنا".
والثاني: أن يذكره المجيب تمكينا للجواب في نفس السامع، يقول لك القائل: "أزيد قائم؟ " فتقول: اللهم نعم، أو اللهم لا.
الثالث: أن تستعمل دليلا على الندرة وقلة وقوع المذكور, كقوله:
"أنا أزورك اللهم إذا لم تدعُني".
ألا ترى أن وقوع "الزيارة"2 مقرونا بعدم الدعاء قليل؟ انتهى.
__________
1 ب، جـ, وفي أ "مرادا به".
2 ب, وفي أ، جـ "الزيادة".(2/1071)
فصل "في تابع المنادى":
تابع ذي الضم المضاف دون أل ... ألزِمْه نصبا كأزيد ذا الحيل
اعلم أن المنادى إن كان معربا فتابعه منصوب لا غير، نحو: يا أخانا الفاضلَ "ما لم يكن"1 بدلا أو عطف نسق، فحكمهما بعد المعرب كحكمهما بعد المبني على الضم وسيأتي.
وإن كان مبنيا على الضم نحو: "يا زيدُ" و"يا رجل" و"يا سيبويه" فتابعه إن كان بدلا أو عطف نسق, فسيأتي الكلام عليهما.
وأما غيرهما, فإن كان مضافا غير مقرون بأل لزم نصبه مطلقا، مثال النعت: "يا زيدُ ذا الحِيَل" والتوكيد: "يا زيد نفسَهُ" وعطف البيان: "يا زيدُ عائدَ الكلبِ".
وإن كان مضافا مقرونا بأل, أو مفردا ففيه وجهان: الرفع إتباعا للفظ المنادى, والنصب إتباعا لمحله.
وإلى ذلك الإشارة بقوله:
وما سواه ارفع أو انصب
فشمل قوله: ما سواه المضاف المقرون بأل نحو: "يا زيدُ الحسنَ الوجهِ", والمفرد نحو: "يا زيد الظريف", و"يا تميم أجمعين", و"يا سعيد كرز", فيجوز في جميع ذلك الرفع والنصب على ما تقدم.
فإن قلت: أما النصب إتباعا للمحل فظاهر؛ لأن المنادى مفعول بفعل مقدر.
وأما الرفع إتباعا للفظ فمشكل؛ لأن ضمة المنادى بناء، وحركة البناء لا تتبع.
قلت: لما كان البناء في باب النداء مشابها للإعراب في اطراد حركته جاز إتباعه.
فإن قلت: فهلا جاز الرفع أيضا في المضاف العاري من أل؟
__________
1 أ، جـ, وفي ب "ما يكون ما لم يكن".(2/1072)
قلت: لأنه يستلزم تفضيل فرع عن أصل، إذ لو كان منادى لوجب نصبه.
فإن قلت: فلِمَ ألحق المضاف المقرون بأل المفرد في جواز الوجهين؟
قلت: لأن إضافته غير محضة، فلم يعتدّ بها.
فإن قلت: فهل الرفع والنصب في المفرد سيان؟
قلت: لم ينص المصنف على تسوية ولا ترجيح، ولكن النصب أقيس.
وفي الفرخ: أكثر قول العرب الرفع في: "يا زيد العاقل".
تنبيهات:
الأول: شمل قوله: "تابع" الخمسة، ومراده النعت والتوكيد وعطف البيان, علم ذلك مما بعد.
الثاني: شمل قوله: "ذي الضم" العلم والنكرة المقصودة والمبني قبل النداء؛ لأنه يقدر ضمة، و"قد"1 تقدم تمثيل الثلاثة.
الثالث: أجاز الكسائي والفراء والطوال وابن الأنباري الرفع في نحو: "يا زيدُ صاحبُنا"، والصحيح المنع؛ لأن إضافته محضة2.
وأجاز الفراء رفع التوكيد والمنسوق المضافين, قياسا على النعت.
وقد سمع الرفع في "يا تميمُ كلكم" وحمل على القطع، أي: كلكم مدعوّ. ثم قال:
واجعلا.... كمستقل نسقا وبدلا
يعني: أن حكم النسق والبدل في الإتباع حكمهما في الاستقلال، ولا فرق في ذلك بين الواقع بعد مضموم، والواقع بعد منصوب، فما كان منهما مفردا غير معين أو مضافا أو مطولا نصب نحو: "يا زيد رجلا صالحا" و"يا زيد وغلاما" و"يا زيد أخانا" و"يا زيد وأخانا" و"يا زيد خيرا من عمرو" و"يا زيد وخيرا من عمرو".
__________
1 ب.
2 أي: لغلبة الاسمية على صاحب، وفيه إشارة إلى أن ما إضافته غير محضة يجوز رفعه. هـ 113/ 3 صبان.(2/1073)
وما كان منهما مفردا علما أو معينا, بُني على الضم نحو: "يا زيد وعمرو" و"يا زيد ورجل".
وذهب الأخفش وخطاب إلى أنه لا يجوز عطف النكرة المقبل عليها على العلم.
فلا يجوز: يا زيد ورجل.
وإنما جعل البدل والنسق كالمستقل؛ لأن البدل في قوة تكرار العامل, والعاطف كالنائب عن العامل.
تنبيهان:
الأول: أجاز المازني والكوفيون النصب في نحو: "يا زيدُ وعمرًا".
قال في شرح التسهيل: وما رواه غير بعيد من الصحة, إذا لم تنوِ إعادة حرف النداء.
فإن المتكلم قد يقصد إيقاع نداء واحد على الاسمين.
قال: ويجوز عندي أن يعتبر في البدل حالان؛ حال يجعل فيها كالمستقل وهو الكثير نحو: "يا غلام زيد"، وحال يعطى فيها الرفع والنصب لشبهه فيها بالتوكيد والنعت وعطف البيان وعطف النسق المقرون بأل في عدم الصحة؛ لتقدير حرف نداء قبله نحو:
"يا تميم الرجال والنساء".
الثاني: ما ذكر من أن المنسوق كالمستقل إنما هو في غير المقرون بأل, وأما المقرون بأل فقد ذكر حكمه في قوله:
وإن يكن مصحوب أل ما نُسِقا ... ففيه وجهان ورفع يُنتقَى
إذا كان المنسوق مقرونا بأل, جاز فيه وجهان: الرفع والنصب نحو: "يا زيد والحارث".
وإنما لم يجعل كالمستقل؛ لامتناع مباشرته لحرف النداء.(2/1074)
واختلف في المختار من الوجهين؛ فقال الخليل وسيبويه والمازني: الرفع، ووجهه مشاكلة الحركة، وحكاية سيبويه أنه أكثر، وإليه ذهب الناظم.
وقال أبو عمرو وعيسى بن عمرو الجرمي: النصب، ووجهه أن ما فيه أل لم يَلِ حرف النداء, فلم يجعل كلفظ ما وليه، وإجماع القراء -ما عدا الأعرج- على النصب في قوله تعالى: {أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} 1.
وقال المبرد: إن كان معرفة فالنصب وإلا فالرفع، ووجهه أن المعرفة بأل تشبه المضاف.
تنبيه:
هذا الخلاف في الاختيار, والوجهان مجمع على جوازهما إلا فيما عطف على نكرة مقصودة نحو: "يا رجلُ والغلام", فلا يجوز فيه على مذهب الأخفش ومن تبعه إلا الرفع.
وقوله:
وأيها مصحوب أل بعد صفهْ ... يلزم بالرفع لدى ذي المعرفهْ
إذا نُوديت "أي" فهي نكرة مقصودة مبنية على الضم وتلزمها "ها" التنبيه مفتوحة الهاء، وضمها إذا لم يكن بعدها اسم إشارة -لغة بني مالك من بني أسد- وقد قُرئ بها.
فإن قلت: لِمَ لزمها "ها"2 التنبيه؟
قلت: لتكون "ها" عوضا مما فات "أيا" من الإضافة، ويلزم وصفها بأحد ثلاثة أشياء:
الأول: مصحوب "أل" نحو: "يا أيها الرجل".
__________
1 من الآية 10 من سورة سبأ.
2 ب.(2/1075)
والثاني: اسم الإشارة نحو1:
أيُّهذانِ كُلا زادكما ... ودعاني واغِلًا فيمن وغل
والثالث: الموصول المصدَّر بأل نحو: "يا أيها الذي فعل".
وإلى هذين أشار بقوله:
وأي هذا أيها الذي وَرَد
ثم أشار إلى أن نعت "أي" بغير هذه الثلاثة ممنوع, بقوله:
ووصف أيّ بسوى هذا يُرَد
فلا يقال: "يا أيها صاحب عمرو".
وقد فهم من النظم فوائد:
الأولى: أن "ها" تلزم "أيا"2؛ لنطقه بهما معا.
والثاني: أن تابع "أي" صفة لها، وقيل: عطف بيان، قال ابن السيد: وهو الظاهر.
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الرمل.
اللغة: "دعاني" تركني, "واغلا" -بالغين- وهو الذي يدخل على القوم يشربون ولم يُدْعَ إلى ذلك الشراب, الوغل "وغل" -يغل- أصله: يوغل؛ لأنه من وغل, حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة.
الإعراب: "أيهذان" أي: يا أيهذان، حذف منه حرف النداء، أي منادى وصف باسم الإشارة، وهو هذان, "كلا" فعل وفاعل, "زادكما" مفعول به والضمير مضاف إليه, "ودعاني" دعا فعل ماض والنون للوقاية والياء مفعول والفاعل ضمير مستتر, والجملة معطوفة على "كلا", "واغلا" حال من الضمير المنصوب في دعاني, "فيمن وغل" جار ومجرور متعلق بواغلا.
الشاهد فيه: "أيهذان", حيث وصف المنادى فيه باسم الإشارة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 454/ 2، والمكودي ص127, وذكره السيوطي في الهمع 175/ 1.
2 ب، جـ, وفي أ "أيها".(2/1076)
وقيل: إن كان مشتقا فهو نعت نحو: "أيها الفاضل"، وإن كان جامدا فهو عطف بيان.
والثالثة: أن وصف "أي" بأحد هذه الأشياء الثلاثة لازم؛ لقوله "تلزم".
فإن قلت: ولِمَ لزم نعتها "بأحد الثلاثة"1؟
قلت: لأن "أيا" مبهم، فلا بد من تخصيصه، ولأنه وصلة إلى نداء ما فيه أل، فكان المقصود بالنداء وصفه.
والرابعة: أن صفة "أي" ترفع، ولا يجوز فيها النصب بخلاف صفة غيرها, فهي مستثناة مما تقدم. هذا مذهب الجمهور، وذهب المازني إلى نصب صفة "أي" قياسا على صفة "غيرها"2 من المناديات المضمومة.
قال الزجاج: لم يجز أحد من النحويين هذا المذهب قبله ولا تابعه أحد بعده، وعلة ذلك: أن المقصود بالنداء هو نعتها، وأي وصلة إلى ندائه، وقالوا: والنصب مخالف لكلام العرب.
قلت: ذكر ابن الباذش أن النصب فيه مسموع من كلام العرب.
وإلى التعريض بمذهب المازني أشار بقوله: لدى ذي المعرفه.
تنبيه:
نسب الجواز في شرح الكافية إلى المازني والزجاج وتبعه الشارح، ونسبته إلى الزجاج مستبعدة، وقد نقل عنه في شرح التسهيل كلامه المتقدم.
والخامسة: أن اسم الإشارة إذا نعت به "أي" فليس من شرطه أن يكون منعوتا بذي أل, وفاقا لابن عصفور وشاهده البيت السابق.
وذكر غيرهما أن ذلك شرط في صحة النعت به.
قيل: وما ذهب إليه ابن عصفور وابن مالك بنياه على بيت نادر شاذ، لا تُبنَى على مثله القواعد، وهو قول الشاعر:
أيهذان كلا زادكما
__________
1 أ، جـ, وفي ب "يأخذ هذه الأشياء الثلاثة".
2 ب، جـ, وفي أ "غيره".(2/1077)
والسادسة: أن اسم الإشارة المنعوت به "أي" شرطه ألا يصحبه حرف الخطاب؛ لقوله: "وأيهذا" خلافا لابن كيسان، فإنه أجاز: "يا أيها ذاكَ الرجلُ"، وبالمنع قال السيرافي.
فإن قلت: أطلق في قوله: "مصحوب أل" وشرط في التسهيل أن تكون جنسية.
فإذا قلت: "يا أيها الرجل" فأل جنسية وصارت بعد "أي" للحضور, كما صارت كذلك بعد اسم الإشارة.
قلت: اشتراط ذلك صحيح، وليس في كلامه ما يرشد إليه.
وقد أجاز الفراء والجرمي إتباع "أي" بمصحوب أل التي للمح الصفة نحو: "يا أيها الحارث", والمنع مذهب الجمهور.
ويتعين أن يجعل عطف بيان عند من أجازه.
تنبيهات:
الأول: تؤنث "أي" لتأنيث موصوفها نحو: "يا أيتها المرأة".
وقال في البديع: الاختيار إثبات التاء, ولا تثنى ولا تجمع.
الثاني: ذهب الأخفش في أحد قوليه إلى أن المرفوع بعد "أي" خبر لمبتدأ محذوف, وأي موصولة بالجملة.
ورُدَّ بأنه لو كان كذلك, لجاز ظهور المبتدأ بل كان أولى، ولجاز وصلها بالفعلية والظرف.
الثالث: ذهب الكوفيون وابن كيسان إلى أن "ها" دخلت للتنبيه مع اسم الإشارة.
وإذا قال: "يا أيها الرجل" يريد: يا أيهذا الرجل، حذف "ذا" اكتفاء بها1.
__________
1 فإعراب "يا أيهذا الرجل" هو: "أي" منادى مبني على الضم في محل نصب, و"ها" للتنبيه, و"ذا" صفة أي في محل رفع, "الرجل" صفة لذا أو عطف بيان مرفوع بضمة ظاهرة.(2/1078)
الرابع: يجوز أن تُوصَف صفة "أي" ولا تكون إلا مرفوعة، مفردة كانت أو مضافة، كقول الراجز1:
يا أيها الجاهلُ ذُو التنزي ... ................
وقوله:
وذو إشارة كأي في الصفه ... إن كان تركها يفيت المعرفه
لاسم الإشارة في النداء حالتان:
إحداهما: أن يُجعل وصلة لنداء ما فيه أل, فيساوي إذ ذاك "أيا" في لزوم نعته ووجوب رفعه، وأنه لا ينعت إلا بمصحوب أل الجنسية، أو بموصول مصدر بأل فتقول: "يا هذا الرجل" و"يا هذا الذي فعل".
وهو في هذه الحالة غير مكتفٍ به, لو قدر الوقف عليه لفات المراد؛ لأنه وصلة لنداء غيره ... والأخرى: أن يقدر مكتفى بندائه، لا وصلة لغيره، فيكون إذ ذاك كغير "أي", فلا يلزم نعته.
ويجوز رفعه ونصبه، وينعت بمصحوب أل وبالمضاف فتقول: "يا هذا الطويل", بالرفع والنصب.
__________
1 قائله: هو رؤبة بن العجاج, وهو من الرجز.
وتمامه:
لا تُوعِدَنِّي حية بالنكز
اللغة: "ذو التنزي" -بفتح التاء والنون وتشديد الزاي المكسورة- وهو نزع الإنسان إلى الشر, "بالنكز" -بفتح النون وسكون الكاف- من نكزت الحية بأنفها.
وقال ابن فارس: النكز بالشيء المحدد كالغرز.
الإعراب: "يا أيها" يا حرف نداء وأي منادى وها صفته, "الجاهل" صفة ها التي هي اسم الإشارة, "ذو" صفة الجاهل, "التنزي" مضاف إليه.
الشاهد فيه: "يا أيها الجاهل", وصف "أيا" بما فيه أل، ووصف ما فيه "أل" بمضاف إلى ما فيه أل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 453/ 2، وابن الناظم، وذكره سيبويه 308/ 1.(2/1079)
وذلك مفهوم من قوله:
إن كان تركها يُفِيت المعرفه
فإن قلت: مقتضى قوله: "كأي في الصفة" أن ينعت بما تنعت به "أي" و"أي" تنعت باسم الإشارة، واسم الإشارة لا ينعت بمثله.
قلت: ترك التنبيه به على ذلك؛ لوضوحه.
تنبيه:
مذهب السيرافي أن اسم الإشارة إذا لحقته كاف الخطاب لم يجز نداؤه، ومذهب سيبويه وابن كيسان الجواز، وحكى فيه ابن كيسان عن بعض النحويين سماعا من العرب.
وقوله:
في نحو سعدُ سعدَ الأوس ينتصب ... ثان وضم وافتح أولا تُصِب
إذا تكرر لفظ المنادى مضافا نحو1:
__________
1 قائله: هو جرير بن عطية يهجو عمر بن لحأ التيمي وقومه, وهو من البسيط.
وتمامه:
لا يُلقينكم في سوءة عمر
اللغة: "تيم عدي" إنما أضاف التيم إلى عدي؛ ليفرق بين تيم مرة وغيره, "لا أبا لكم" للغلظة في الخطاب، وأصله أن ينسب المخاطب إلى غير أب معلوم احتقارا له, "سوءة" -بفتح السين وسكون الواو وفتح الهمزة- الفعلة القبيحة, والخطاب في ذلك إلى قومه.
المعني: احذروا يا تيم عدي أن يرميكم عمر في بلية لا قِبَل لكم بها, ومكروه لا تتحملونه بتعرضه لي، يريد أن يمنعوه من هجائه حتى يأمنوا الوقوع في خطره؛ لأنهم إذا تركوا عمر وهجاءه جريرا فكأنهم رضوا بذلك، وحينئذ يسلط عليهم لسانه.
الإعراب: "يا" حرف نداء, "تيم" -بالنصب- منادى مضاف مع تأكيده وحذف المضاف إليه من الأول؛ لدلالة الثاني عليه, وتقديره: يا تيم عدي, يا تيم عدي, "لا أبا لكم" لا نافية للجنس, "أبا" اسم لا, "لكم" اللام حرف زائد والكاف في محل جر بهذه اللام، ولكنها في التقدير مضافة إلى اسم لا، وخبر لا محذوف أي: لا أبا لكم في الحضرة, "لا" ناهية, "يلقينكم" في موضع جزم بلا مبني لدخول النون الثقيلة عليه والكاف مفعول به, "في سوءة" جار ومجرور متعلق بالفعل, "عمر" فاعل. الشاهد فيه: "يا تيم تيم" حيث تكرر لفظ المنادى، وقد أُضيف ثاني اللفظين فيجب في الثاني النصب, ويجوز في الأول الضم والنصب.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 454/ 2، وابن عقيل 201، والمكودي ص127. وذكره ابن يعيش 10/ 2، والسيوطي في الهمع 122/ 2، وسيبويه 26, 314/ 1, والشاهد 132 في الخزانة.(2/1080)
يا تيمَ تيمَ عدي لا أبا لكم ... ............
فلا بد من نصب الثاني، وأما الأول ففيه وجهان: ضمه وفتحه.
فإن ضم فإنه منادى "مفرد"1 معرفة، ونصب الثاني حينئذ لأنه منادى مضاف أو توكيد أو عطف بيان أو بدل أو إضمار أعني. ذكر ذلك المصنف، ونُوزع في التوكيد. وأجاز السيرافي أن ينصب على النعت, وتأول فيه الاشتقاق.
وإن فتح الأول, ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه منادى مضاف إلى ما بعد الثاني، والثاني مُقْحَم بين المضاف والمضاف إليه.
فإن قلت: فما وجه نصب الثاني إذا جُعل مقحما؟
قلت: قال بعضهم: إن نصبه على التوكيد.
الثاني: أن الأول منادى مضاف إلى محذوف دل عليه الآخر، والثاني مضاف إلى الآخر ونصبه من خمسة أوجه كما سبق.
الثالث: أن الاسمين رُكِّبا تركيب خمسةَ عشرَ، وجعلا اسما واحدا، وفتحتهما فتحة بناء، ومجموعهما منادى "مضاف"2 كما قالوا: "ما فعلتْ خمسة عشر له" وهو مذهب الأعلم.
فإن قلت: أي الوجهين أرجح: أضم الأول أم فتحه؟
قلت: بل ضمه لوضوح وجهه, وقد صرح في الكافية بأنه الأمثل.
__________
1 ب.
2 ب.(2/1081)
فإن قلت: فهل يشترط في ذلك أن يكون الاسم المكرر عَلَمًا كما مثل؟
قلت: مذهب البصريين أنه لا يشترط، بل اسم الجنس نحو: "يا رجلُ رجلَ قوم", والوصف نحو: "يا صاحبُ صاحبَ زيد" كالعلم في جواز ضم الأول وفتحه بلا تنوين.
وخالف الكوفيون في اسم الجنس؛ فمنعوا نصبه, وفي الوصف فذهبوا إلى أنه لا ينتصب إلا منونا، فتقول: "يا صاحبًا صاحب زيد" ولم يختلفوا في جواز الضم في جميع ذلك.(2/1082)
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم:
واجعل منادى صح إن يُضَفْ لِيَا ... كعبد عبدي عبد عبدا عبديا
حكم "المنادى"1 المضاف إلى الياء إذا كان معتل الآخر في النداء, كحكمه في غير النداء وقد تقدم، فاحترز عنه بقوله: "صح".
وأما الصحيح الآخر: فيجوز فيه في النداء ستة أوجه، وقد أشار في النظم إلى خمسة, والسادس: أن يضم اكتفاء بنية الإضافة نحو: "يا عبد".
وأفصحها حذف الياء وإبقاء الكسرة، ثم إثبات الياء ساكنة ومتحركة، ثم قلبها ألفا، ثم حذف الألف وإبقاء الفتحة.
وأقلها الضم، وقد قرئ: "قَالَ رَبُّ السِّجْنُ"2 و"قال ربُّ احكم" بالضم, وحكى يونس "يا أمُّ لا تفعلي" قال الشلوبين: وهذا إذا لم يلتبس.
يعني بالمنادى المقبل عليه.
فإن قلت: فتعريف المضموم على هذه اللغة بالإضافة أو بالإقبال والقصد.
قلت: كلاهما محتمل.
وقد صرح في النهاية بالثاني فقال: جعلوه معرفا بالقصد فبنوه على الضم، وهذه الضمة كما هي في "يا رجل", إذا قصدت رجلا بعينه. انتهى.
والأول أظهر لثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم جعلوه لغة في المضاف، ولو كان تعريفه بالقصد والإقبال لم يكن لغة فيه.
الثاني: لو لم يجعل من قبيل المضاف، لكان مثل "افتدِ مخنوقُ"3, و"أصبِحْ ليلُ"4 وحذف حرف النداء قليل.
__________
1 أ.
2 من الآية 33 من سورة يوسف.
3 مَثَل يضرب لكل مضطر وقع في شدة وضيق، وهو يبخل بافتداء نفسه بماله، أي: افتد نفسك يا مخنوق.
4 مَثَل يضرب لمن يظهر الكراهة والبغض للشيء, أي: انتهِ يا ليل ليجيء الصبح, فقد حذف حرف النداء.(2/1083)
والثالث: أنه لو كان غير منوي الإضافة، لكان في الأصل صفة لأي، وأسماء الله تعالى لا توصف بها "أي", فتعين كون الأصل "يا ربي" ثم حُذف المضاف إليه تخفيفا، وبني على الضم؛ لشبهه حينئذ بالنكرة المقصودة، وهذا اختيار المصنف.
تنبيهات:
الأول: نقل عن الأكثرين منع الألف؛ اكتفاء بالفتحة نحو: "يا عبد", وأجازه الأخفش والفارسي والمازني.
الثاني: أطلق هنا جواز هذه الأوجه كما أطلقه أكثرهم، وقيده في التسهيل بإضافة التخصيص احترازا من اسم الفاعل بمعنى الحال أو الاستقبال نحو: "يا مُكرِمِي", فإن إضافته إضافة تخفيف، والياء في نية الانفصال لم تمازج ما اتصلت به, فيشبه بيا قاضٍ فتشاركها في الحذف، فلا تحذف ولا تقلب، ولا حظ لها في غير الفتح والسكون. قاله في شرحه، وهو موافق لقول ثعلب في المجالس: "يا غلام أقبل" تسقط من الياء, و"يا ضاربي أقبل" لا تسقط الياء منه.
وذلك فرق بين الاسم والفعل.
وذكر في النهاية: أنه لا يجوز حذف الياء في اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال.
الثالث: إنما كثر تخفيف المضاف للياء في النداء؛ لكثرة إضافة المنادى للياء، والكثرة تستتبع التخفيف.
وأما في غير النداء، فالأصح إثباتها ساكنة ومتحركة، وقد سمع حذفها استغناء بالكسرة نحو: {فَبَشِّرْ عِبَادِ} 1 وقلبها ألفا كقوله2:
__________
1 من الآية 17 من سورة الزمر.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الوافر.
وصدره:
أُطوِّف ما أُطوِّف ثم آوى. =(2/1084)
................. ... إلى أُمّا ويُروِيني النَّقِيع
وأجاز المازني: "قام غلاما", وقال ابن عصفور: هذا في الضرورة.
وحذف الألف استغناء بالفتحة كقوله1:
__________
= اللغة: "أطوف" من طوّف تطويفا وتطوافا -والتشديد فيه للتكثير- ومعناه: أكثر من الدوران والطوفان, "آوي" من أوى الإنسان إلى منزله يأوي أويا، "النقيع" -بفتح النون وكسر القاف- اللبن المحض يبرد.
الإعراب: "أطوف" فعل مضارع والفاعل ضمير, "ما أطوف" ما مصدرية, أي: أطوف الطواف الكثير، وأطوف فعل مضارع والفاعل ضمير, "ثم" عاطفة, "آوي" جملة من فعل وفاعل عطف على أطوف, "إلى أما" جار ومجرور, "ويرويني" يروي فعل مضارع والنون للوقاية والياء مفعول, "النقيع" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد فيه: "إلى أما" إذ أصله: أمي, فقلبت الياء ألفا.
مواضعه: ذكره السيوطي في الهمع 53/ 2.
1 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الوافر.
وصدره:
ولست براجع ما فات مني
اللغة: "راجع" اسم فاعل من رجع, "بلهف" من لهف يلهف, حزن وتحسر.
المعنى: أن ما ذهب مني لا يعود بكلمة التلهف والحسرة، ولا بكلمة التمني، وقولي: ليتني عملت كذا، ولا بقولي: لو أني فعلت كذا, لكان كذا.
الإعراب: "ولست" ليس واسمها, "براجع" خبر ليس والباء زائدة منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وفيه ضمير فاعله؛ لأنه اسم فاعل, "ما" اسم موصول مفعول به, "فات" فعل ماض والجملة صلة ما, "بلهف" الباء جارة ولهف منادى بحذف حرف النداء.
"ولا" الواو عاطفة ولا زائدة لتأكيد النفي, "بليت" الباء جارة وليت -قصد لفظه- مجرور بالباء, "ولا" مثل السابقة, "لو أني" -قصد لفظه- معطوف على ليت.
الشاهد فيه: "بلهف" حيث إن "لهف" منادى بحرف نداء محذوف، وهو مضاف لياء المتكلم المنقلبة ألفا المحذوفة، والفتحة دليل عليها, وأصله: يا لهفي.
وقيل: إن "لهف" مجرور بالباء على الحكاية, لا على النداء ولا شاهد فيه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني ص456/ 2، وابن هشام 244/ 3، وفي القطر ص206، وذكره السيوطي في الهمع 53/ 2.(2/1085)
.................... ... بلهف ولا بِلَيْتَ ولا لَوَ اني
وأما الضم في غير النداء نحو: "جاء غلام" وأنت تريد الإضافة, فأجازه أبو عمر وغيره على قلة.
واستدلوا بقوله1:
................ ... وإنما أهلكت مال
يريد: مالي.
وردّه أبو زيد الأنصاري، وتأول ما استدل به أبو عمرو.
الرابع: قال في شرح الكافية: إذا كان آخر المضاف إلى ياء المتكلم ياء مشددة كبُنَيّ2.
__________
1 قائله: هو أوس بن غلفاء, وهو من الوافر.
وتمامه:
ذريني إنما خطئي وصَوْبي ... علي.....................
اللغة: "ذريني" اتركيني, "صوبي" أي: صوابي, "أهلكت مال" أي: إن الذي أهلكته مالي, لا مال غيري.
الإعراب: "ذريني" فعل وفاعل ومفعول, "إنما" إن حرف توكيد ونصب, وما كافة كفتها عن العمل, "خطئي" مبتدأ والياء مضاف إليه, "وصوبي" عطف عليه, "علي" جار ومجرور خبر المبتدأ, "وإنما" إن حرف توكيد ونصب وما كافة, "أهلكت" أهلك فعل ماض والتاء فاعله, "مال" مفعول به.
الشاهد فيه: "مال" إذ أصله: "مالي" فحذف ياء الإضافة, فظهر إعراب ما قبلها.
وردّه أبو زيد الأنصاري وقال: المعنى: إن الذي أهلكته مال لا عرض، فحينئذ لا شاهد فيه؛ لأن "مال" يكون مرفوعا على أنه خبر إن. هـ الدرر اللوامع 69/ 2.
مواضعه: ذكره السيوطي في الهمع 53/ 2.
2 بُنَيّ: تصغير ابن, وأصله بنو -بفتحتين- وإذا صغرته حذفت ألف الوصل ورددت اللام المحذوفة فيبقى بنيو، فقلبت الواو ياء؛ لاجتماع الواو والياء وسبق أحدهما بالسكون، وتدغم الياء في الياء، وعلى القول بأن لامه ياء يكون فيه ما عدا القلب. هـ 119/ 3 صبان.(2/1086)
قيل: يا بني أو يا بني لا غير، فالكسر على التزام حذف ياء المتكلم فرارا من توالي الياءات, مع أن الثالثة كان يختار حذفها قبل وجود الياءين، وليس بعد اختيار الشيء إلا لزومه.
والفتح على وجهين:
أحدهما: أن تكون ياء المتكلم أُبدلت ألفا ثم التزم حذفها؛ لأنها بدل مستثقل.
والثاني: أن تكون ثانية ياءي بُنَيَّ حذفت, ثم أدغمت أولاهما في ياء المتكلم ففتحت؛ لأن أصلها الفتح.
قوله:
وفتح او كسر وحذف الياء استمر ... في يابن أُمَّ يابن عَمَّ لا مفر
إذا نُودي المضاف إلى المضاف إلى الياء كان حكم الياء معه كحكمها في غير النداء نحو: "يابن أخي" إلا "ابن أم" و"ابن عم"، فإنهما لما كثُر استعمالهما في النداء خُصا بالتخفيف, فيقال: "يابن أم" بفتح الميم وكسرها.
أما الفتح, ففيه قولان:
أحدهما: أن الأصل "أُمَّا" و"عمَّا" -بقلب الياء ألفا- فحذفت الألف وبقيت الفتحة دليلا عليها.
والثاني: أنهما جعلا اسما واحدا مركبا, وبني على الفتح.
والأول قول الكسائي والفراء وأبي عبيدة وحكي عن الأخفش، والثاني قيل: هو مذهب سيبويه والبصريين.
وأما الكسر: فظاهر قول الزجاج وغيره أنه مما اجتزئ فيه بالكسر عن الياء المحذوفة, من غير تركيب.
قال في الارتشاف: وأصحابنا يعتقدون أن "ابن أم" و"ابنة أم" و"ابن عم" و"ابنة عم" حكَمَتْ لها العرب بحكم اسم واحد، وحذفوا الياء كحذفهم إياها من "أحدَ عشرَ" إذا أضافوه إليها.(2/1087)
فإن قلت: ما معنى قوله: "استمر"؟
قلت: يشير إلى أن هذين الوجهين استمرا في كلامهم, واطردا بحيث لا يكادون يُثبتون الياء والألف إلا في الضرورة، وقد قرئ بهما في السبع.
فإن قلت: فأيهما أجود؟
قلت: نصّ بعضهم على أن الكسر أجود, وهو ظاهر.
فإن قلت: لم يذكر "ابنة أم" و"ابنة عم", وحكمهما حكم "ابن أم" و"ابن عم".
قلت: كأنه استغنى بذكر المذكر عن ذكر فرعه.
فإن قلت: قد يوهم اقتصاره على الكسر والفتح أن غيرهما ممتنع، وقد قال في التسهيل: وربما ثبتت أو قُلبت ألفا1 يعني: الياء.
قلت: الذي يفهم من قوله: "استمرا" أن غيرهما لم يستمر في الكلام, ولم يطرد كاطرادهما.
وهذان الوجهان ضعيفان؛ ولذلك قال: وربما، وفي الكافية: ونَدُرَ، وفي شرحها: ولا يكادون يُثبتون الياء والألف إلا في الضرورة.
وقال غيره: هما لغتان قليلتان.
ومن إثبات الياء قوله2:
__________
1 التسهيل ص182.
2 قائله: هو أبو زيد الطائي, واسمه حرملة بن المنذر من قصيدة يرثي فيها أخاه, وتمامه:
أنت خَلَّيتني لدهر شديد, وهو من الخفيف
اللغة: "شُقَيق" تصغير شقيق, "لدهر" الأبد الممدود.
المعنى: يا أخي يا من نفسه كنفسي، لقد ذهبت وتركتني وحيدا أقاسي ويلات الزمن, وقد كنت ركنا أستند له، وظهيرا أعتمد عليه.
الإعراب: "يا" حرف نداء, "ابن" منادى منصوب بالفتحة الظاهرة, "أمي" ابن مضاف وأم مضاف إليه وأم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه, "ويا" الواو عاطفة, ويا حرف نداء, "شقيق" =(2/1088)
يابنَ أمي ويا شُقَيِّق نفسي ... .......................
ومن إثبات الألف قوله1:
يا ابنةَ عَمَّا لا تلومي واهجعي ... ..........................
__________
= منادى منصوب بالفتحة الظاهرة, "نفسي" مضاف إليه وياء المتكلم مضافة إلى نفس, "أنت" ضمير منفصل مبتدأ, "خلفتني" خلف فعل ماض والتاء فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به, والجملة في محل رفع خبر المبتدأ, "لدهر" جار ومجرور متعلق بخلف, "شديد" صفة لدهر.
الشاهد فيه: "يابن أمي" حيث أثبت يا المتكلم في "أمي", وهذا ضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 457/ 2، وابن هشام 248/ 3، والسيوطي ص104، وذكره في الهمع 54/ 2، وسيبويه 318/ 1، وابن يعيش 12/ 2، وفي القطر ص208.
1 قائله: هو أبو النجم العجلي -واسمه الفضل بن قدامة- يخاطب امرأته أم الخيار.
وتمامه:
لا يُخرق اللوم حجاب مَسْمَعي
وهو من الرجز.
اللغة: "لا تلومي" من اللوم، وهو كثرة العتاب, "اهجعي" من الهجوع، وهو الرقاد بالليل, "حجاب مسمعي" كناية عن الأذن.
المعنى: اتركي لومي وعتابي يابنة عمي، وخذي نفسك بالراحة ونامي، فإن لومك هذا لا يصل إلى سمعي ولا أستمع إليه, وكانت كثيرة اللوم له لكبره وضعفه.
الإعراب: "يابنة" يا للنداء وابنة منادى منصوب, "عما" مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها فتحة مناسبة الألف، والألف المنقلبة عن الياء مضاف إليه, "لا" ناهية, "تلومي" فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون وياء المخاطبة فاعل مبني على السكون في محل رفع, "واهجعي" الواو عاطفة واهجعي فعل أمر مبني على حذف النون، والياء ضمير المؤنثة فاعل.
الشاهد فيه: "يابنة عما" حيث أثبت الألف المنقلبة عن ياء المتكلم للضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 457/ 3, وذكره في القطر ص208، وابن الناظم، والسيوطي ص104, وفي الهمع 54/ 2، وذكره سيبويه 318/ 1، وابن يعيش 12/ 2.(2/1089)
وأما قوله1:
كن لي لا عليّ يابنَ عمَّا ... نَعِشْ عزيزين ونكف الهما
فيحتمل أن تكون الألف فيه للإطلاق.
فإن قلت: فأي هذين الوجهين أجود؟
قلت: قال بعضهم: قلب الياء ألفا أجود من إثباتها.
تنبيه:
إذا ثبت الياء ففيها وجهان: الإسكان والفتح.
فالحاصل: خمسة "أوجه"2 ونص بعضهم على أن الخمسة لغات.
وقوله:
وفي الندا أبت أُمَّت عَرَض ... واكسر أو افتح ومن اليا التا عِوَض
إذا "نودي"3 الأب والأم مضافين إلى الياء, جاز فيهما الوجوه الستة المقدمة في نحو: "يا عبد".
وينفردان بتعويض تاء التأنيث من الياء مكسورة ومفتوحة، وبالفتح قرأ ابن عامر, وبالكسر قرأ غيره من السبعة.
__________
1 قائله: لم أقف له على قائل، وقال العيني: أنشده أبو الفتح ولم يعزه إلى قائله، وهو من الرجز.
الإعراب: "كن" فعل أمر واسم كان ضمير, "لي" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كان, "لا علي" عطف عليه أي: لا تكن علي, "يابن" يا حرف نداء وابن منادى, "عما" مضاف إليه, "نعش" فعل مجزوم؛ لأنه جواب الأمر والفاعل ضمير, "عزيزين" حال من الضمير الذي في نعش, "ونكف" فعل مضارع والفاعل ضمير, "الهما" مفعول به، والجملة عطف على الجملة الأولى والألف للإطلاق.
الشاهد فيه: "يابن عما", حيث قلب الشاعر ياء الإضافة ألفا، وثبتت هذه الألف.
مواضعه: ذكره المكودي في شرحه للألفية ص128، والسيوطي في الهمع 53/ 2.
2 أ، جـ.
3 ب، جـ, وفي أ "نوى".(2/1090)
ووجه الكسر أن الكسرة كانت مستحقة قبل الياء, فلما عوض عنها التاء -ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحا- جعلت الكسرة عليها؛ لتكون المعوض عنه في مجامعة الكسرة بالجملة.
وعن الفراء أن الكسر حصل؛ لأن الياء في النية.
ورده أبو إسحاق وقال: كيف تكون الياء في النية، وليس يقال: يا أبتي؟
ووجه الفتح، أن التاء حركت بحركة الياء؛ لكونها عوضا عنها، وقيل: لأن الأصل: "يا أبتا" فحذفت الألف.
ويرده ما رد قول الفراء.
فإن قلت: فأي الوجهين أكثر؟
قلت: نص المصنف وغيره على أن الكسر أكثر، وذكر الشارح أن الفتح أقيس، قال: إلا أن الكسر أكثر.
وقد فُهم من كلام الناظم فوائد:
الأولى: أن تعويض التاء من ياء المتكلم في أب وأم, لا يكون إلا في النداء، لقوله: "وفي الندا".
الثانية: أن ذلك مختصّ بالأب والأم.
الثالثة: أن التعويض فيهما ليس بلازم، فيجوز فيهما ما جاز في غيرهما من الأوجه السابقة، فُهم ذلك من قوله: "عرض".
الرابعة: أنه لا يجوز الجمع بين الياء والتاء؛ لأنها عوض عنها، ولا بين التاء والألف؛ لأن الألف بدل من الياء.
وأما قوله1:
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله, وهو من الطويل.
الإعراب: "يا" حرف نداء, "أبتي" منادى مضاف, "لا زلت" لا نافية, وزال فعل ماض من أخوات كان والضمير اسم زال, "فينا" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر زال, "فإنما" الفاء =(2/1091)
يا أَبَتِي لا زلتَ فينا فإنما ... لنا أملٌ في العيش ما دُمْتَ عائشا
وأجاز كثير من الكوفيين الجمع بينهما في الكلام، ونظيره قراءة أبي جعفر: {يَا حَسْرَتَى} 1.
فجمع بين العوض والمعوض.
وأما قوله2:
..................... ... يا أبتا عَلَّك أو عَسَاكَا
فجعله ابن جني من ذلك، وهو أهون من الجمع بين التاء والياء؛ لذهاب صورة المعوض عنه.
__________
= للتعليل وإن حرف توكيد وما كفتها عن العمل, "لنا" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم, "أمل" مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة, "في العيش" جار ومجرور متعلق بأمل, "ما دمت" ما مصدرية زمانية ودام من أخوات كان والتاء اسمها, "عائشا" خبر دام.
الشاهد فيه: "يا أبتي" حيث جمع فيه بين العوض والمعوض، وهما التاء وياء المتكلم؛ لأن التاء عوض عن ياء المتكلم.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 458/ 2، والمكودي ص128.
1 من الآية 56 من سورة الزمر.
2 قائله: هو رؤبة بن العجاج, وهو من الرجز.
وصدره:
تقول بنتي قد أنى أناكا
اللغة: "قد أنى أناكا" قد حان وقتك وزمانك.
المعنى: تقول بنتي: يا أبتي قد جاء زمان سفرك, علك تجد رزقا.
الإعراب: "تقول" فعل ماض, "بنتي" فاعل والياء مضاف إليه, "قد" حرف تحقيق, "أنى" فعل ماض, "أناكا" فاعل والكاف مضاف إليه, "يا" حرف نداء, "أبت" منادى مضاف إلى ياء المتكلم, "علك" لغة في لعلك، والكاف اسم لعل وخبره محذوف تقديره: لعلك تجد رزقا, "أو" عاطفة, "عساكا" الكاف اسم عسى وخبره محذوف, أي: أو عساك تجده.
الشاهد فيه: "أبتا", حيث جمع بين التاء والألف.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية: 458/ 2, وذكره سيبويه 299/ 2، وفي المغني 202/ 2، والإنصاف 136/ 1.(2/1092)
وقال في شرح الكافية: الألف فيه هي الألف التي يُوصَل بها آخر المنادى إذا كان بعيدا أو مستغاثا به أو مندوبا، وليست بدلا من ياء المتكلم، وجوّز الشارح الأمرين1.
تنبيهات:
الأول: اختلف في ضم التاء في "يا أبت" و"يا أمت"، فأجازه الفراء وأبو جعفر النحاس، ومنعه الزجاج.
وحكى سيبويه عن الخليل أنه سمع من العرب من يقول: "يا أمتُ" بالضم.
الثاني: مذهب البصريين أن الوقف على هذه التاء بالهاء، ومذهب الفراء بالتاء.
وفي التسهيل: وجعلها هاء في الخط والوقف جائز2.
وقرئ بالوجهين في السبع، ورسمت في المصحف بالتاء.
الثالث: قال في شرح التسهيل: وقالوا في "أبا" المقصور: "يا أبات".
قال الشاعر3:
__________
1 أي: كونها عوضا عن الياء، وكونها التي يوصل بها آخر المنادى.
2 التسهيل ص182.
3 قائله: لم أقف على قائله, وهو من الطويل.
وصدره:
تقول ابنتي لما رأتني شاحبا
اللغة "شاحبا" من شحب لونه يشحب, إذا تغيّر وهو شاحب.
الإعراب: "تقول" فعل مضارع, "ابنتي" فاعل والياء مضاف إليه, "لما" ظرف بمعنى حين, "رأتني" رأى فعل ماض والتاء للتأنيث والنون للوقاية والياء مفعول أول والفاعل ضمير, "شاحبا" مفعول ثانٍ, "كأنك" حرف تشبيه والكاف اسمه, "فينا" جار ومجرور متعلق بغريب, "غريب" خبر كأن مرفوع.
الشاهد فيه: "يا أبات" حيث زاد فيه التاء؛ لأن أصله: يا أبا, بالقصر.(2/1093)
..................... ... كأنك فينا يا أَبَات غريب
ولو لم يعوض "لقال: أباي"1. انتهى.
وزعم بعضهم أنه أراد: "يا أبتي" فقلب، وهو بعيد. وقيل: يخرج على أن الألف إشباع.
__________
1 جـ, وفي أ "ولو لم يعوض يا أباي".(2/1094)
محتويات المجلد الثاني:
الصفحة الموضوع
581 الجزء الثاني
583 الفاعل
598 النائب عن الفاعل
611 اشتغال العامل عن المعمول
620 تعدي الفعل ولزومه
629 التنازع في العمل
644 المفعول المطلق
654 المفعول له
657 المفعول فيه وهو المسمى ظرفا
663 المفعول معه
669 الاستثناء
692 الحال
726 التمييز(2/1095)
الصفحة الموضوع
738 حروف الجر
782 الإضافة
834 المضاف إلى ياء المتكلم
837 الجزء الثالث
839 إعمال المصدر
849 إعمال اسم الفاعل
862 أبنية المصادر
869 أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهات
873 الصفة المشبهة باسم الفاعل
885 التعجب
902 نعم وبئس وما جرى مجراهما
933 أفعل التفضيل
945 النعت
967 التوكيد(2/1096)
الصفحة الموضوع
988 العطف
993 عطف النسق
1036 البدل
1051 النداء
1072 "فصل" في تابع المنادى
1083 المنادى المضاف إلى ياء المتكلم(2/1097)
المجلد الثالث
تابع القسم الثاني: تحقيق شرح الفية ابن مالك
الجزء الرابع
أسماء لازمت النداء:
معنى ملازمتها النداء أنها لم تستعمل في غيره إلا "في"1 ضرورة. وهي ضربان: مسموع، ومقيس.
فمن المسموع: "يا أبت" و"يا أمت" و"اللهم"2 وقد تقدمت. و"هناه" بالضم والكسر.
كقوله3:
وقد رابني قولها يا هناه ... ....................
واختلفوا في مادة هذه الكلمة على قولين:
أحدهما: أن أصل مادته "هـ. ن. و" ثم اختلف القائلون بهذا على أربعة مذاهب:
__________
1 ب.
2 أ، ج.
3 قائله: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي.
وتمامه:
ويحك ألحقت شرا بشر
للغة: "رابني" من راب إذا أوقع في الريبة بلا شك "يا هناه" هناه اسم من أسماء النداء لا تستعمل فيما سواه، وهو كناية عن رجل، بمنزلة يا رجل يا إنسان، وأكثر ما تستعمل عند الجفاء والغلظة "ألحقت شرا بشر" معناه كنت متهما فلما صرت إلينا ألحقت تهمة بتهمة؛ لأن التهمة شر وتحققها شر منها.
الإعراب: "وقد" الواو عاطفة، وقد حرف تحقق "رابني" فعل ماض والنون للوقاية والياء مفعول "قولها" فاعل، وها مضاف إليه "يا هناه" حرف نداء ومنادى مقصور "ويحك" ويح مصدر والكاف في محل خفض بالإضافة "ألحقت" فعل وفاعل "شرا" مفعول به، والجملة في محل نصب مقول القول "بشر" جار ومجرور متعلق بألحقت.
الشاهد فيه: "يا هناه" حيث بناه على فعال؛ لأن أصله الهاء وأدخلت عليه الألف لمد الصوت في النداء.(3/1103)
الأول: أن الهاء في "هناه" بدل من لام الكلمة، والأصل هناو، وهو مذهب أكثر البصرين.
والثاني: أنها بدل من همزة مبدلة من الواو فهي بدل "بدل"1 اللام، وهو مذهب ابن جني.
والثالث: أن اللام محذوفة والألف والهاء زائدتان في نفس البناء على حد زيادة الهمزة في أحمر.
والرابع: أن اللام محذوفة "أيضا"2 والألف هي التي تلحق المنادى البعيد والمندوب والهاء للسكت، وهو مذهب الفراء واختيار المصنف وابن عصفور، ويدل على صحته كسرها، لالتقاء الساكنين.
والقول الآخر: أن أصل مادته "هـ. ن. ة" فهو من باب سلس، وهو مذهب أبي زيد.
قال الشيخ أبو حيان: ولو ذهب ذاهب إلى أن أصل "هن" ومادته "هـ. ن. ن" مستدلا بما حكاه أبو الخطاب من قولهم: "يا هنانان" في التثنية يريد: "يا هنان" لكان مذهبا.
ومن المسموع: "فُلُ" وقد أشار إليه بقوله:
وفُلُ بعض ما يُخَص بالندا
يقال: "يا فل" للرجل، و"يا فلة" للمرأة.
واختلف فيهما، وفمذهب سيبويه أنهما كناية عن نكرتين، ففُلُ: كناية عن رجل، وفُلَةُ: كناية عن امرأة.
وذهب الكوفيون إلى أن أصلهما فلان وفلانة فرخما، ورد بأنه لو كان مرخما لقيل فيه "فلا"، ولما قيل في التأنيث فلة.
__________
1 أ، ج، وفي ب "مبدلة".
2 أ، ج.(3/1104)
وذهب الشلوبين وابن عصفور وصاحب البسيط: إلى أن "فل" كناية عن العَلَم بمعنى يا فلان، وهذا مذهب الناظم، فإنه صرح في شرح التسهيل وغيره، بأن "يا فل" بمعنى يا فلان. و"يا فلة" بمعنى يا فلانة، قال: وهما الأصل، ولا يستعملان منقوصَيْن في غير نداء إلا في ضرورة.
قلت: وهو موافق لمذهب الكوفيين في أنهما بمعنى فلان وفلانة، مخالف له في الترخيم.
فإن قلت: قوله: وهما الأصل "يعني"1 موافقة الكوفيين "في الترخيم"2.
"قلت: قد رد المصنف مذهب الكوفيين في أنهما ترخيم"3 فلان وفلانة بالوجهين السابقين، فعلم أنه غير موافق لهم على ذلك، بل هما عنده من "قبيل"4 ما حذف منه لغير ترخيم.
ومن المسموع: "لُؤمان" و"نَومان" وقد نبه عليهما بقوله:
................ ... لُؤْمَان نَوْمَان كذا
أي: مختصان بالنداء.
أما "لؤمان" -بالهمز وضم اللام- فمعناه يا عظيم اللؤم، ومثله:
"يا مَلأمُ" و"يا مَلأمَان"5.
وأما "نومان" -بفتح النون- فمعناه يا كثير النوم6.
"تنبيهان":
الأول: الأكثر في بناء "مَفْعَلان" نحو "مَلْأَمَان" أن يأتي في الذم. وقد جاء في المدح "يا مَكْرَمَان"7. حكاه سيبويه والأخفش، و"يا مَطْيَبَان".
__________
1 أ، ج.
2 أ، ج.
3 أ، ج.
4 ب، وفي أ، ج "قبل".
5 أ، ج.
6 أ، ج.
7 بفتح الراء، هو العزيز المكرم.(3/1105)
وزعم ابن السيد: أنه مختص بالذم، وأن "مَكْرَمَان" تصحيف "مَكْذَبان". وليس بشيء.
الثاني: قال في شرح الكافية -بعد أن ذكر ملأم، ولؤمان، وملأمان، ومكرمان:
وهذه الصفات مقصورات على السماع بإجماع. انتهى. وتبعه الشارح، وهو صحيح في غير "مَفْعَلان"، فإن فيه خلافا أجاز بعضهم القياس عليه، فنقول: "يا مَخْبَثان"، وفي الأنثى "يا مَخْبَثانة".
ثم انتقل إلى المقيس فقال:
............................ ... ..................... واطردا
في سب الأنثى وَزْنُ يا خَبَاثِ ... ............................
اطراده مشروط بشرطين:
أحدهما: أن يكون في السب.
والثاني: أن يكون من ثلاثي كالنوع الذي يليه.
وسبب بنائه على الكسر شبهه بنزال عدلا وزنة وتأنيثا.
تنبيه:
كلام المصنف في الكافية والتسهيل وكلام الشارح يوهم أن في القياس عليه خلافا؛ لنصه على سيبويه وحده.
قال الشيخ أبو حيان: ولا أعلم فيه خلافا، وفي الارتشاف -في باب ما لا ينصرف- قال بعضهم: لا يقاس، فلا يقال: "يا قباح" قياسا على "فساق".
ثم استطرد فقال:
....................... ... والأمر هكذا من الثلاثي
يعني أن بناء "فَعَال" للأمر مطرد من كل فعل ثلاثي نحو "نَزَالِ" و"تَرَاكِ" هذا مذهب سيبويه، وخالفه المبرد فقال: "لا يقال منه إلا"1 ما سمع.
__________
1 أ، ج.(3/1106)
فإن قلت: أهمل المصنف من شروط القياس على هذا النوع أربعة شروط:
الأول: أن يكن مجردا، فأما غير المجرد فلا يقال منه إلا ما سمع نحو: دراك.
والثاني: أن يكون تاما، فلا يُبنى من الناقص.
والثالث: أن يكون متصرفا.
والرابع: أن يكون كامل التصرف، لا يُبنى من يذر ويَدعُ.
قلت: اشتراط بعض هذه الشروط واضح، فلم يتعرض له، وقوله: "ثلاثي" محمول على المجرد كما تقدم في التعجب.
ثم رجع إلى المسموع فقال:
وشاع في سب الذكور فُعَلُ ... ولا تَقِسْ.................
يعني: أن ما عدل إلى فُعَل في سب الذكور نحو" يا خُبَث" و"يا فُسَق" و"يا غُدَر" و"يا لُكَع" شائع، ومع شياعه لا يقاس عليه، قيل: والمسموع منه هذه الأربعة.
ونص المغاربة "على"1 أنه ينقاس عليه، ونقله في البسيط عن سيبويه، ومن قاس عليه فبالشروط السابقة.
ثم نبه على أن بعض هذه الألفاظ قد استعمل في غير النداء ضرورة، بقوله:
................. ... وجُرّ في الشعر فُلُ
يعني في قول الراجز2:
__________
1 ب.
2 قائله: هو ابو النجم العجلي، يصف إبلا قد أقبلت متزاحمة وأثارت غبارا.
وتمامه:
تضل منه إبلي بالهوجل
في لجة............... ... وهو من الرجز.
وصدره في الأشموني والعين:
تدافع الشيب ولم تقتل =(3/1107)
أمسك فلانا عن فُلِ
تنبيهان:
الأول: الحاصل من كلام سيبويه أن "فل" في الرجز محذوف من فلان؛ لضرورة الشعر، وليس هو المختص بالنداء، بل هو غيره، ومعناهما مختلف؛ لأن المختص كناية عن اسم جنس، وهذا كناية عن علم، ومادتهما مختلفة.
فالمختص مادته "ف. ل. ي"، وهو محذوف اللام، فلو صغر قلت فيه: "فُلَيٌّ".
وهذا مادته "ف. ل. ن"، فلو صغر قلت فيه: "فُلَيْنٌ" وتقدم ما ذهب إليه المصنف.
الثاني: ليس مراده أنه لم يستعمل في غير النداء من الألفاظ المذكورة إلا "فل".
__________
اللغة: "الهوجل" المراد هنا المفازة الواسعة التي لا أعلام بها، ويطلق على الرجل الأهوج "لجة" -بفتح اللام وتشديد الجيم- الجلبة واختلاط الأصوات في الحرب.
المعنى: شبه تزاحم الإبل ومدافعة بعضها بعضا بقوم شيوخ في لجة وشر يدفع بعضهم بعضا فيقال: أمسك فلانا عن فلان. أي: احجز بينهم.
وخص الشيوخ لأن الشبان فيهم التسرع إلى القتال.
الإعراب: "تضل" فعل مضارع "منه" جار ومجرور متعلق بتضل "إبلي" فاعل تضل والياء مضاف إليه "بالهوجل" جار ومجرور متعلق به "في لجة" جار ومجرور متعلق به أيضا "أمسك" فعل أمر وفاعله ضمير مستتر فيه، والجملة مقول لقول محذوف. أي: يقال فيها: أمسك ... إلخ "فلانا" مفعول به "عن فل" جار ومجرور متعلق بأمسك.
الشاهد فيه: "فل" قد استعمل في غير النداء، وجرها بحرف الجر.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية الأشموني 460/ 2، وابن هشام 249/ 3، وابن عقيل 206/ 2، والمكودي ص129 وابن الناظم.
وذكر سيبويه 333/ 1، 122/ 2، والسيوطي في الهمع 177/ 1.(3/1108)
بل "ذكرها"1. تنبيها على ورود نظيره، ومنه قوله2:
............ قَعِيدَته لَكَاعِ
وخرجه بعضهم على تقديم: يقال لها: يا لكاع، فحذف القول وحرف النداء.
__________
1 ب، وفي أ، ج "ذكر".
2 قائله: الخطيئة -واسمه جرول- يهجو امرأته -وهو من الوافر- وتمامه:
أُطوِّف ما أطوف ثم آوِى ... إلى البيت...............
اللغة: "أطوف" أكثر الدوران "آوي" مضارع أوى إلى منزله "قعيدته" قعيدة البيت المرأة؛ لأنها تطيل القعود فيها "لكاع" متناهية في الخبث.
المعنى: أنا أكثر دوراني وارتيادي الأماكن عامة النهار في طلب الرزق وتحصيل القوت، ثم أعود إلى بيتي فلا تقع عيني فيه إلا على امرأة شديدة الخبث متناهية في الدناءة واللوم.
الإعراب: "أطوف" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه "ما" مصدرية "أطوف" فعل مضارع وفاعله مستتر فيه. وما وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول مطلق قوله أطوف الأولى "ثم" حرف عطف "آوي" فعل مضارع وفاعله مستتر فيه "إلى بيت" جار ومجرور متعلق بآوي "قعيدته" مبتدأ والضمير مضاف إليه "لكاع" خبر المبتدأ، والجملة في محل جر نعت لقوله: بيت.
الشاهد: "لكاع" على وزن فَعَالِ، وقد استعمل في غير النداء للضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن هشام 215/ 3، وابن عقيل 78/ 1، وابن الناظم، والشاهد 149 في الخزانة.(3/1109)
الاستغاثة:
هي نداء من يخلِّص من شدة، أو يعين على مشقة.
وللمستغاث ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يجر بلام مفتوحة، وهذا أكثر أحواله.
الثانية: أن يجاء في آخره بألف معاقبة للام.
الثالثة: أن يجرد من اللام والألف ويجعل كالمنادى المطلق نحو: "يا زيد لعمرو" وهذه أقلها. ومنها قوله1:
ألا يا قوم لِلعجَبِ العجيبِ ... .........................
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله وهو من الوافر.
وتمامه:
......................... ... ولِلغفلات تَعْرِضُ للأَرِيبِ
اللغة: "الغفلات" جمع غفلة -مصدر غفل عن الشيء- لم يلتفت إليه ولم يلقَ إليه باله "تعرض له" تنزل به "الأريب" العالم بالأمور البصير بالعواقب.
المعنى: أستغيث وأدعو قومي ليعجبوا العجب كله، وينظروا كيف تحدث الغفلة وعدم الانتباه للبصير بالأمور الخبير العواقب.
الإعراب: "ألا" أداء تنبيه "قومي" مستغاث به منادى، منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اجتزاء بكسر الميم، ويجوز أن يكون مبنيا على الضم إذا قدر قطعه عن الإضافة "للعجب" جار ومجرور مستغاث لأجله -متعلق بيا- أو بالفعل المحذوف "العجيب" صفة للعجب "وللغفلات" معطوف عليه "تعرض" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة وفاعله مستتر فيه وهو يعود على الغفلات، والجملة من الفعل المضارع وفاعله في محل نصب حال من الغفلات "للأريب" جار ومجرور متعلق بقوله: تعرض.
الشاهد فيه: "يا قوم" حيث جاء بالمستغاث به خاليا من اللام المفتوحة في أوله، ومن الألف في آخره.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن هشام 25/ 3، وابن الناظم، والسيوطي ص105.(3/1110)
وقد ذكر الثلاثة في الكافية، واقتصر هنا على الأولين كالتسهيل؛ لقلة الثالث. فأشار إلى الأول بقوله:
إذا استُغيث اسمٌ منادى خُفِضَا ... باللام مفتوحا كَيَا للمُرْتَضَى
إنما جر المستغاث باللام للتنصيص على الاستغاثة، وفتحت لوقوعه موقع المضمر، ولكونه منادى، وليحصل بذلك فرق بينه وبين المستغاث من أجله، وإنما أعرب مع كونه منادى مفردا معرفة؛ لأن "تركيبه"1 مع اللام أعطاه شبها بالمضاف. وقد فهم من النظم فوائد:
الأولى: أن "استغاث" متعد بنفسه لقوله: "إذا استُغيث اسم منادى".
والنحويون يقولون: مستغاث به.
قال في شرح التسهيل: وكلام العرب بخلاف ذلك، والمعروف في اللغة تعدي فعله بنفسه.
قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} 2.
وقيل: بل هو يتعدى بوجهين، وقد جاء "تعديه"3 بالباء في أبيات.
الثانية: أن المستغاث معرب؛ لقوله: "خفضا" وتقدم بيانه.
الثالثة: أنه يجوز أن يكون بأل، وإن كان منادى؛ لأن حرف النداء لم يباشرها. فُهِمَ "ذلك"4 من تمثيله، وهو مجمع عليه.
فإن قلت: يرد على عبارته ثلاثة أشياء:
الأول: أنه قال: "اسم منادى" وأطلق فأوهم أنه يجوز نداؤه بغير ياء، وذلك غير جائز، فإن المستغاث لا يُنادى إلا بيا.
__________
1 "أ" وفي ب، ج "تركبه".
2 من الآية 9 من سورة الأنفال.
3 ب، ج، وفي أ "تعديته".
4 ب، وفي أ، ج "بذلك".(3/1111)
والثاني: أنه قال "خفضا باللام" بصيغة الجزم، وقد تقدم أنه ليس بلازم، وبل هو الأكثر.
والثالث: أنه قال: "مفتوحا" وأطلق، وثَمَّ موضع يكسر فيه وهو مع ياء المتكلم في نحو "يَالِي". وقد أجاز أبو الفتح في قوله1:
فَيَا شَوْقِ ما أبقى ويَالِي من النَّوَى
أن يكون استغاث بنفسه "وأن يكون استغاث لنفسه"2.
قلت: الجواب على الأول أن قوله بعد: "إِنْ كرَّرْتَ يا" يرشد إلى ذلك؛ إذ لم يقل: إن كررت حرف النداء.
وعن الثاني: أن قوله بعد: "ولامُ ما استُغيث عَاقَبَتْ أَلِفْ" يوضح أن جره باللام ليس بلازم.
__________
1 قائله: هو أبو الطيب -أحمد بن الحسين- المتنبي، وهو من الطويل.
وتمامه:
ويا دَمْعُ ما أجرى ويا قلب ما أصْبى
اللغة: "النوى" -بفتح النون والواو مقصورا- البعد "ما أصبى" من صبا يصبو إذا مال، ومنه الصبى؛ لأنه يميل إلى كل شيء.
الإعراب: "فيا" يا حرف نداء والمنادى محذوف. أي: فيا قوم شوقي ما أبقاه، أو تكون يا لمجرد التنبيه "شوق" مبتدأ وأصله شوفي بياء المتكلم فحذفت اكتفاء بالكسر "ما أبقى" ما للتعجب في محل رفع بالابتداء، وجملة أبقى في محل رفع خبره، والعائد محذوف ما أبقاه، ونفس الكلام تقوله في: ويا دمع ما أجرى، وفي: يا قلب ما أصبى "يا" حرف نداء واستغاثة "لي" جار ومجرور متعلقان بفعل ومحذوف تقديره: أدعو نابت عنه "يا" عند الجمهور، إن كان مستغاثا به، أو بيا نفسها عند الفارسي وابن جني، وإن كان مستغاثا لأجله فالجار والمجرور متعلقان بوصف محذوف حال من المنادى، والتقدير: يا لزيد مدعوا إلى.
الشاهد فيه: "ويالي من النوى" فإن اللام فيه لام الاستغاثة وهي مكسورة.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 461/ 2، وابن هشام في المغني.
2 أ، ج.(3/1112)
وعن الثالث: أن كسر اللام مع ياء المتكلم معلوم وجوبه في كل موضع فهو "يقيد"1 الإطلاق، على أن ان عصفور قال: الصحيح عندي أن "يالي" حيث وقع مستغاث له، والمستغاث به محذوف.
وعلل ذلك بأن العامل في المستغاث فعل النداء المضمر، فيصير التقدير: يا أدعو لي، وذلك غير جائز في غير "ظننت" وما حمل عليها، إلا أن في لزوم هذا لابن جني نظرا؛ لأن اللام تتعلق عنده بحرف النداء.
تنبيهان:
الأول: اختلفوا في اللام الداخلة على المستغاث، فقيل: هي بقية آل، والأصل: يا آل زيد، وزيد مخفوض بالإضافة، ونقله المصنف عن الكوفيين، ونقله صاحب النهاية عن الفراء. وفي نسبته إلى الفراء نظر.
لأن الفراء "حكى"2 أن من الناس من زعم أنها بقية من آل، فظاهر حكايته أنه ليس مذهبا له.
وذهب الجمهور إلى أنها لام الجر، ثم اختلفوا فقيل: زائدة فلا تتعلق بشيء، وهو اختيار ابن خروف، وقيل: ليس بزائدة فتتعلق، وفيما تتعلق به على هذا قولان:
أحدهما: أنها تتعلق بالفعل المحذوف، وهو مذهب سيبويه، واختيار ابن عصفور.
الثاني: أنها تتعلق بحرف النداء، وهو مذهب ابن جني.
الثالث: إذا وصف المستغاث جرت صفته نحو: "يَا لزيد الشجاع لِلمظلوم"، وفي النهاية لا يبعد نصب الصفة حملا على الموضع؛ لأن الجار والمجرور لا بد له من شيء يتعلق به.
__________
1 أ، ج وفي ب "مقيد".
2 أ، وفي ب، وج "حكم".(3/1113)
وقوله:
وافْتَحْ مع المعطوفِ إِنْ كررْتَ يا ... وفي سِوَى ذلك بالكسر ائْتِيَا
إذا عطف على المستغاث فإما أن تتكرر "يا" أو لا.
فإن تكررت فتحت اللام كقوله1:
يا لَقومي ويا لأمثال قومي ... لأناس عُتُوُّهُمْ في ازدياد
وإن ولم تتكرر كسرت نحو2:
__________
1 قائله: لم أقف على قائله، وقال العيني: أنشده الفراء ولم يعزه إلى قائل، وهو من الخفيف.
اللغة: "عتوهم" العتو: الاستكبار "في ازدياد" زيد يوما بعد يوم.
المعنى: أستغيث بقومي وبأمثالهم في النجدة والشجاعة ليمنعوني من قوم يزدادون علوا واستكبارا عليَّ، ويظلمونني بغير سبب.
الإعراب: "يا" حرف نداء واستغاثة "لقومي" اللام حرف جر أصلي وهي مقتوحة وقومي مجرور بها، والجار والمجرور في محل نصب متعلق بأدعو، وقيل: اللام زائدة لا يتعلق بشيء. والمستغاث منصوب بفتحة مقدرة منع منها حرف الجر الزائد، وذهب الكوفيون إلى أن اللام اسم مضاف لما بعده وأن الأصل يا آل فحذفت الهمزة للتخفيف وإحدى الألفين لالتقاء الساكنين "ويا لأمثال" إعرابه كذلك "قومي" مضاف إليه "لأناس" متعلق بمحذوف؛ أي: أدعوكم لأناس "عتوهم" مبتدأ ومضاف إليه "في ازدياد" جار ومجرور خبر، والجملة في محل جر صفة لأناس.
الشاهد فيه: "يا لقومي" و"يا لأمثال" حيث فتحت اللام فيه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 462/ 2، والمكودي ص129، والسيوطي ص104، وابن هشام 254/ 3، وفي القطر ص220.
2 قائله: لم أقف على قائله، وهو من البسيط.
وصدره:
يبكيك ناء بعيد الدار مغترب
اللغة: "يبكيك" يبكي عليك "ناء" اسم فاعل من نأى ينأى بمعنى بعد "مغترب" غريب "الكهول" -جمع كهل- وهو من جاوز الثلاثين، وقيل: الأربعين.
المعنى: يبكيك ويحزن لفقدك الأباعد الغرباء، حينما كنت تسدي إليهم من معروف، وقد يسر الأقارب لما يرثونه منك بعد فقدك، فهيا معشر الكهول والشبان لمشاركتنا في العجب من ذلك. =(3/1114)
......................... ... يالَلْكَهُولِ وَلِلشُّبَّانِ لِلْعَجَبِ
وإنما كسرت لأمن اللبس.
فإن قلت: فهل هي لازمة في المعطوف؟
قلت: لا؛ لقوله1:
يا لَعَطَّافِنَا ويَالرباح ... وأبي الحشرج الفتى النَّفَّاح
فجمع بين الأمرين.
واعلم أن قوله: "سوى ذلك" يعني به سوى ما ذكر من المستغاث والمعطوف المعاد معه "يا" فشمل شيئين:
__________
= الإعراب: "يبكيك" فعل ومفعول "ناء" فاعل يبكي "بعيد الدار" صفة لناء وإضافته للدار غير محضة؛ ولذلك وقع صفة للنكرة "مغترب" صفة ثانية "يا للكهول" يا حرف نداء واستغاثة واللام حرف جر والكهول مجرور بها والجار والمجرور متعلق بمحذوف -كما سبق- وهو مستغاث له.
الشاهد فيه: "للشبان" حيث كسرت فيه اللام وإن كان القياس فتحها؛ لكونها معطوفة على اللام الأولى، لكن لما زال اللبس ولم يتكرر حرف النداء كسرت، وأيضا "للعجب".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 462/ 2، وابن هشام 256/ 3، وفي القطر ص221، والسيوطي ص104، وفي الهمع 180/ 1، والشاهد 107 في الخزانة.
1 قائله: هو من أبيات سيبويه المجهولة، وهو من الخفيف.
اللغة: "عطاف" و"رباح" و"أبي الحشرج" -أسماء الشاعر- فالشاعر يرثي هؤلاء "النفاح" -بالنون والفاء المشددة-الكثير العطاء.
الإعراب: "يا لعطافنا" يا حرف نداء واللام مفتوحة، وأبي الحشرج عطف على ما قبله، والتقدير: يا لأبي الحشرج "الفتى" بدل من أبي الحشرج "النفاح" صفته.
الشاهد فيه:
1- "يا لرباح" حيث فتحت فيه اللام لتكرار "يا".
2- ترك اللام في المعطوف كما في قوله: "وأبى الحشرج" إذ أصله ويا لأبي الحشرج.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 462/ 2، وذكره سيبويه 319/ 1، وابن يعيش 131/ 1، والسيوطي في الهمع 180/ 1، والشاهد 108 في الخزانة.(3/1115)
أحدهما: المعطوف الذي لم تعد معه "يا" كما تقدم، والآخر المستغاث من أجله.
تنبيهات:
الأول: ما ذكره عن كسر اللام مع المستغاث من أجله، إنما هو في الأسماء الظاهرة، فأما الضمير فتفتح اللام معه إلا مع الياء نحو: "يا لَزيد لك".
وإذا قلت: "يا لك" احتمل الأمرين، وقيل في قوله1:
فيَا لَك من ليل كأن نجومه
......................... ... إن اللام فيه للاستغاثة.
الثاني: اختلف فيما تتعلق به اللام الجارة للمستغاث من أجله، فقيل: بحرف النداء.
وقيل: بفعل محذوف؛ أي أدعوك لزيد2، وقيل: بحال محذوفة؛ أي مدعوا لزيد.
وقد علم بهذا أن قول ابن عصفور أنها تتعلق بفعل مضمر تقديره: أدعوك قولا واحدا ليس كما قال.
__________
1 قائله: هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من الطويل.
وتمامه:
بكل مُغَار الفَتْل شدَّتْ بِيَذْبُلِ
اللغة: "مغار الفتل" محكم الفتل "بيذبل" -بفتح الياء وسكون الذال وضم الباء- اسم جبل.
الإعراب: "فيا لك" يا حرف نداء، واللام في لك للاستغاثة. كأنه قال: يا ليل ما أطولك "من ليل"، من حرف جر وليل مستغاث من أجله وجر بمن؛ لأنها للتعليل "كأن" للتشبيه "نجومه" اسم كأن والهاء مضاف إليه "شدت بيذبل" جملة في محل رفع خبر كأن.
الشاهد فيه: "فيا لك" حيث جاءت اللام فيه للاستغاثة، وفتحت اللام فيه مع أنه مستغاث من أجله.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 463/ 2.
2 بفعل محذوف؛ أي: مقدر بعد المستغاث، والكلام على هذا جملتان بخلافه على الأول والثالث.(3/1116)
الثالث: قد يجر المستغاث من أجله بمن لأنها قد تأتي للتعليل بمعنى اللام كقوله1:
يا لَلرجال ذوي الألباب من نَفَر ... لا يَبرحُ السفه الْمُرْدي لَهم دينا
الرابع: قد يحذف المستغاث قيل "يا" المستغاث من أجله؛ لكونه غير صالح لأن يكون مستغاثا كقوله2:
يا لأُنَاس أَبَوْا إلا مُثابرة ... على التوغل في بَغْيٍ وعدوان
الخامس: قد يكون المستغاث مستغاثا من أجله نحو: "يا لَزيد لزيد" أي: أدعوك لتنصف من نفسك.
ثم أشار إلى ثاني أحوال المستغاث بقوله:
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط.
اللغة: "ذوي الألباب" -جمع لُب بضم اللام- وهو العقل "النفر" الرجال من ثلاثة إلى عشرة "السفه" خفة العقل "المردي" فاعل من أردى من الإرداء، وهي الدناءة.
الإعراب: "يا للرجال" يا حرف نداء واللام للاستغاثة، وهي مفتوحة، والرجال مجرور بها "ذوي" صفة للرجال "الألباب" مضاف إليه "من نفر" من حرف جر ونفر مستغاث من أجله "لا يبرح" بمعنى لا يزال من أخوات كان "السفه" اسمه "المردي" صفته "دينا" خبره، والجملة في محل الجر؛ لأنها صفة لنفر.
الشاهد فيه: "من نفر" حيث جر المستغاث من أجله بكلمة "من".
مواضعه: ذكره الأشموني 463/ 2، والسيوطي في الهمع 180/ 1.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط.
اللغة: "أبوا" -من الإباء- وهو الامتناع "مثابرة" مواظبة ومداومة "التوغل" -بتشديد الغين- وهو التعمق في الدخول في الشيء "البغي" الظلم.
الإعرب: "يا لأناس" يا حرف نداء واللام في لأناس مكسورة وهو مستغاث له، والمستغاث به محذوف، تقديره: يا لقومي لأناس "أبوا" جملة من الفعل والفاعل "إلا" أداة استثناء "مثابرة" منصوب على الاستثناء "على التوغل" جار ومجرور متعلق بمثابرة "في بغي" جار ومجرور متعلق بالتوغل "وعدوان" عطف على بغي.
الشاهد فيه: "يا لأناس" فإنه مستغاث به اتصل بيا، مجرورا باللام المكسورة وحذف منه المستغاث "يا لقومي لأناس".
مواضعه: ذكره الأشموني 464/ 2، والسيوطي في الهمع 181/ 1.(3/1117)
ولام ما استغيث عاقبت ألف ... ...........................
يعني: أن الألف تعاقب لام الاستغاثة فلا يجتمعان، تقول: "يا لزيد" و"زيدا" ولا يجوز "يا لزيدا".
ومن وروده بالألف قوله1:
يا يزيدا لآمل نيل عز
وقوله:
........................... ... ومثله اسم ذو تعجب ألف
يعني: أن المتعجب منه إذا نودي عومل معاملة المستغاث من غير فرق، فيجوز جره بلام مفتوحة نحو قولهم: "يا لَلماء" و"يا لَلعجب".
ويجوز الاستغناء عن اللام بالألف نحو: "يا عجبا"، وقد يخلو منهما، نحو: "يا عجب".
تنبيهات:
الأول: جاء عن العرب في نحو: "يا للعجب" فتح اللام باعتبار استغاثته، وكسرها باعتبار الاستغاثة من أجله، وكون المستغاث محذوفا.
الثاني: التعجب بالنداء على وجهين:
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف.
وتمامه:
وغنى بعد فاقة وهوان
اللغة: "آمل" اسم الفاعل من الأمل، وهو الرجاء والتوقع "نيل" حصول "فاقة" فقر وحاجة "هوان" مذلة واحتقار.
المعنى: أستغيث بك يا يزيد، وأدعوك لمن يرجو الثراء والقوة، بعد الفقر والذلة.
الإعراب: "يا" حرف نداء واستغاثة "يزيدا" منادى مستغاث به مبني على ضم مقدر منع منه حركة مناسبة ألف الاستغاثة في محل نصب، والألف عوض عن لام الاستغاثة "لآمل" متعلق بيا أو بالفعل المحذوف "نيل" مفعول لآمل "عز" مضاف إليه، وفيه ضمير هو فاعله؛ لأنه اسم فاعل "وغنى" معطوف على عز "بعد" منصوب على الظرفية "فاقة" مجرور بالإضافة "وهوان" عطف عليه.
الشاهد فيه: يا يزيدا، فإنه مستغاث به اختتم بالألف، ولم يؤتَ معه باللام المفتوحة التي تدخل عليه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 463/ 2، وابن هشام 257/ 3، والسيوطي ص104، وابن الناظم.(3/1118)
أحدهما: أن ترى أمرا عظيما فتنادي جنسه نحو: "يا للماء".
ثانيهما: أن ترى أمرا تستعظمه فتنادي مَن له نسبة إليه ومكنة فيه نحو: "يا للعلماء".
والثالث: إذا وقفت على المستغاث أو المتعجب منه حالة إلحاق الألف جاز الوقف بهاء السكت.(3/1119)
الندبة:
هي نداء المتفجع عليه أو المتوجع منه، وهي من كلام النساء غالبا، والمندوب هو المذكور بعد "يا" أو "وا" تفجعا لفقده حقيقة؛ كقول جرير يرثي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه1:
.......................... ... وقُمتَ فيه بأمر الله يا عُمَرا
أو حكما؛ كقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "واعمراه واعمراه" حين أُعلم بجدب شديد أصاب قوما من العرب.
أو توجعا؛ لكونه محل ألم، نحو قوله2:
فواكبدا من حب من لا يحبني ... ومن عبرات ما لهن فناء
__________
1 البيت من البسيط وصدره:
حُمِّلتَ أمرا عظيما فاصطبرت له
اللغة: "حملت" بالبناء للمجهول مع تشديد الميم -أي: كلفت أمرا عظيما، أراد به الخلافة "اصطبرت" بالغت في الصبر والاحتمال.
المعنى: كلفت الخلافة وعهد إليك بشئون المسلمين في وقت عم فيه الظلم وفشا الجور فصبرت على تلك المشاق وقمت بما أمرك به الله ونشرت العدل بين الناس.
الإعراب: "حملت" فعل ماض مبني للمجهول والتاء نائب فاعل مفعول أول "أمرا" مفعول ثان "فاصطبرت" معطوف على حملت "له" جار ومجرور متعلق في محل نصب مفعول فاصطبرت "يا عمرا" يا حرف نداء وندبة وعمرا منادى مندوب مبني على الضم المقدر منع ممن ظهوره فتحة مناسبة ألف الندبة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 464/ 2، وابن هشام 260، 218/ 3.
2 قائله: لم أقف على قائله، وهو من الطويل.
الإعراب: "واكبدا" وا للندبة، كبدا مندوب "من حب" جار ومجرور "من" اسم موضول مضاف إليه "لا يحبني" لا نافية، ويحبني عل مضارع والنون للوقاية والياء مفعول والفاعل ضمير، والجملة لا محل لها صلة الموصول "ومن عبرات" جار ومجرور "ما" نافية للجنس "لهن" جار ومجرور خبرها مقدم "فناء" اسمها.
الشاهد: قوله "واكبدا" حيث ختم بألف الندبة للتوجع.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 464/ 2.(3/1120)
أو سببه كقوله1:
وتقول سلمى وازيتيه
وحكم المندوب حكم المنادى، فلهذا قال: ما للمنادى اجعل لمندوب.
يعني: أنه يضم إذا كان مفردا نحو "وازيد" وينصب إذا كان مضافا أو مطولا نحو: "واعبد الله" و"واضربا عمرا"2.
وإذا اضطر شاعر إلى "تنوينه"3 جاز ضمه ونصبه كقوله4:
__________
1 قائله: عبد الله بن قيس الرقيات يرثي قوما من قريش قتلوا بالمدينة يوم الحرة.
وصدره:
تبكيهم أسماء معولة
وهو من الكامل.
اللغة: "معولة" من أعولت المرأة إعوالا: الصياح "وارزيتيه" الرزية: المصيبة.
الإعراب: "تبكيهم" تبكي فعل مضارع والضمير مفعول "أسماء" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة "معولة" -بالنصب- حال من أسماء "تقول" فعل مضارع "سلمى" فاعل مرفوع بضمة مقدرة "وارزيتيه" وا للندبة والهاء للسكت، مقول القول.
الشاهد: قوله: "وارزيتيه" حيث أغنى عن اسم المندوب ذكر لفظ الرزية.
مواضعه: ذكره سيبويه 321/ 1.
2 أ، ج. وفي ب "وضاربا عمرا".
3 ب، ج. وفي أ "تنويه".
4 قائله: لم اقف على اسم راجزه، ونسبه الكسائي إلى رجل من بنى أسد، وهو من الرجز.
وعجزه:
أإبلي يأخذها كرَوَّس
اللغة: "فقعس" اسم حي من أسد "كروس" -بفتح الكاف والراء وتشديد الواو- وفي الأصل الكروس الرجل الغليظ، وكان كروس أغار على إبل الشاعر؛ فلذلك ندب بقوله: "وافقعسا".
الإعراب: "وافقعسا" وا للندبة "أين" اسم استفهام خبر مقدم "مني" جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره: أين صار مني فقعس "فقعس" مبتدأ مؤخر "أإبلى" الهمزة للاستفهام، إبلى مبتدأ والياء مضاف إليه "يأخذها" فعل مضارع ومفعوله "كروس" فاعل مرفوع بالضمة، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.
الشاهد: قوله: "وافقعسا" حيث نونه بالنصب للضرورة ويجوز ضمه أيضا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 464/ 2، وابن الناظم.(3/1121)
وافقْعَسا وأين مني فَقْعَسُ ... .......................
ثم نبه على ما لا تصح ندبته بقوله:
وما نُكِّر لم يُندب ولا ما أُبهما
الغرض من الندبة الإعلام بعظمة المصاب؛ فلذلك لا يندب إلا المعرفة السالم من إبهام، فلا تندب النكرة.
وأجاز الرياشي ندبة اسم الجنس المفرد، وقد جاء في الأثر: "واجبلاه" وهو نادر.
ولا يندب المبهم كاسم الإشارة والموصول بصلة لا تعينه، لا يقال: "واهذاه"1.
ولا "وامن ذَهَباه" لأن ذلك لا يقع به العذر للمتفجع.
ويجوز أن يندب الموصول بصلة تعينه لشهرتها. وإلى هذا أشار بقوله:
ويُندب الموصول بالذي اشْتَهَرْ ... كبئر زمزم يلي وامَنْ حَفَرْ
فتقول: "وامن حفر بئر زمزم" لأنه في الشهرة كالعلم.
ثم نبه على ما يلحق آخر المندوب فقال:
ومُنتهى المندوب صله بالألف
يشتمل منتهى المندوب آخر المفرد نحو: "وازيدا"، أو المضاف نحو: "واعبدا الملكا" وما طول به نحو: "واثلاثة وثلاثينا" والصلة نحو: "وامن حفر بئر زمزما" وعجز المركب نحو: "وامعدي كربا".
وقوله: "صله" يعني جوازا؛ لأن المندوب له استعمالان:
أحدهما: أن يجري مجرى غيره من المناديات كما تقدم.
والآخر: أن يوصل بالألف المذكورة.
فإن قلت: أطلق في وصل المندوب بالألف وقيده في التسهيل2 بألا يكون
__________
1 ب، ج. وفي أ "يا هذاه".
2 التسهيل ص185.(3/1122)
في آخره ألف وهاء، فلا يقال: "واعبد اللاهاه" ولا "واجهجاهاه في عبد الله" و"جهجاه"1.
قلت: إطلاقه هنا موافق لإطلاق النحويين، وصرح بعض المغاربة بجوازه وفي ألفية ابن معطي.
وفي المضاف: "يا عبيد اللاهاه".
ولا يخلو ما قبل ألف الندبة من أن يكون ساكنا أو مفتوحا أو مكسورا أو مضموما، فإن كان ساكنا فتح للألف نحو: "وامن يغزواه" و"وامن يرمياه" ما لم يكن ألفا أو تنوينا أو ياء ساكنة مضافا إليها المندوب أو واوا أو ياء لا يقبلان الحركة، فإن كان ألفا حذفت لتعذر تحريكها نحو:
"واموساه".
وأشار إليه بقوله:
مَتْلُوها إن كان مثلها حُذف
أي: متلو ألف الندبة، يعني: الحرف الذي قبلها إن كان ألفا مثلها حذف لما تقدم، وأجاز الكوفيون قياسا قلب الألف فقالوا: "وامُوسياه"، وإن كان تنوينا حذف أيضا؛ لأنه لاحظ له في الحركة وفتح ما قبله، فتقول: "واغلام زيداه" وهذا مذهب سيبويه والبصريين.
وأجاز الكوفيون فيه مع الحذف وجهين: فتحه، فتقول: "واغلام زيدناه" وكسره مع قلب الألف ياء فتقول: "واغلام زيدنيه".
قال المصنف: وما رأوه حسن لو عضده سماع، لكن السماع فيه لم يثبت.
وقال ابن عصفور: أهل الكوفة يحركون التنوين فيقولون: "واغلام زيدناه"، وزعموا أنه سُمع. انتهى.
__________
1 ب، ج.(3/1123)
وأجاز الفراء وجها ثالثا، وهو حذفه مع إبقاء الكسرة وقلب الألف ياء؛ فتقول: "واغلام زيديه".
ولا يجيز البصريون إلا الأول.
فإن كان الياء المشار إليها فسيأتي الكلام عليها.
وإن كان واوا لا تقبل الحركة كواو الصلة في نحو: "غلامه" أو ياء كذلك نحو: "غلامه" حذفا، وقلبت الألف إلى مجانس ما قبلها.
وإن كان ما قبل الألف مفتوحا استصحب فتحة نحو: "واعبد يغوثاه" وإن كان ما قبلها مكسورا أو مضموما، فإما أن يوقع فتحه في لبس أو لا، فإن لم يوقع فتحه في لبس وجب فتحه كقولك في عبد الملك: "واعبد الملكاه" وفي من اسمه "قام الرجل" وقام الرجلاه، وإنما فتح لتسلم الألف.
فإن أوقع "في لبس"1 قلبت ألف الندبة ياء بعد الكسرة، وواوا بعد الضمة. فتقول في ندبة "غلام" مضافا إلى ضمير المخاطبة. "واغلامكيه" وفي ندبته مضافا إلى ضمير الغائب "واغلامهوه"؛ إذ لو قلت: "واغلامكاه" لالتبس بالمذكر، ولو قلت: "واغلامهاه" لالتبس بالغائبة.
وذلك مفهوم من قوله:
والشكل حتما أوله مُجانسا ... إن يكن الفتح بِوَهْمٍ لابسا
الشكل: الحركة، ومجانس الكسرة: الياء، ومجانس الضمة: الواو.
وأشار بقوله: "حتما" إلى وجوب ذلك دفعا للبس.
وفهم من الشروط أن الألف لا تغير إذا كان الفتح لا يلبس كما تقدم.
وهذا مذهب البصريين، وأجاز الكوفيون إتباع الألف للكسرة في المثنى نحو: "وازيدانيه" وفي "المفرد"2 نحو: "واعبد الملكيه" وفي نحو: "رَقاش" "وارقاشيه"3.
قوله:
__________
1 أ، ج.
2 أ، وفي ب، ج "المعرب".
3 رقاش: اسم امرأة.(3/1124)
وواقفا زِدْ هاء سَكْتٍ إن تُرِدْ ... وإن تشأ فالمد والها لا تَزِدْ
إذا وقف على المندوب زيد بعد ألفه أو بدلها هاء السكت، وليست بلازمة بل غالبة؛ لأنه يجوز الاقتصار على المد فيقال: "وازيدا".
وهذا معنى قوله: "وإن تشأ فالمد والها لا تزد" أي: إن تشأ ألا تزيد الهاء فالمد كافٍ وهو كالتنصيص على ما فهم من قوله: "إن ترد" ولو قيل: فالمد بالنصب لأفاد جواز تجريده من المد أيضا، أي: وإن تشأ فلا تزد المد والهاء، بل تجعله كالمنادى غير المندوب وقد تقدم بيانه أول الباب. وقد فهم من قوله: "وواقفا" أن هذه الهاء لا تثبت وصلا، وربما ثبتت في الضرورة مضمومة ومكسورة، وأجاز الفراء إثباتها في الوصل بالوجهين. قوله:
وقائلٌ واعبديا واعبدا ... مَن في الندا اليا ذا سكون أبدَى
تقدم أن "في"1 المنادى المضاف إلى ياء المتكلم "نحو: "يا عبد""2 ست لغات:
فإذا ندبت على لغة من يقول: "يا عبد" -بالكسر- أو "يا عبد" -بالفتح- أو "يا عبد" -بالضم- أو "يا عبدا" -بالألف.
قلت: "واعبدا" لما علمت، وإذا ندبت على لغة من أثبت الياء مفتوحة قلت: "واعبديا". وإذا "ندبت"3 على لغة من أثبتها ساكنة وهو المشار إليه في البيت فوجهان:
أحدهما: أن تحذفها لالتقاء الساكنين، وتفتح ما قبلها فتقول: "واعبدا".
والثاني: أن تفتحها لقبولها الحركة فتقول: "واعبديا".
والحذف مذهب المبرد، والفتح مذهب سيبويه.
__________
1 ب، ج.
2 ب، ج.
3 ب. وفي أ، ج "قلت".(3/1125)
الترخيم:
الترخيم في اللغة: ترقيق الصوت وتليينه، يقال: صوت رخيم، أي رقيق. وفي الاصطلاح: حذف بعض الكلمة على وجه مخصوص.
وهو على ثلاثة أنواع: ترخيم النداء، وترخيم الضرورة، وترخيم التصغير، والمذكور في هذا الباب الأولان، ويأتي الثالث في بابه إن شاء الله تعالى.
أما ترخيم النداء، فهو حذف آخر المنادى تخفيفا، وقد أشار إليه بقوله:
ترخيما احذف المنادى
ثم مثله بقوله:
كيا سُعا فيمن دعَا سُعَادَا
في قوله من دعا "سعاد"1 فحذف المضاف.
فإن قلت: فما وجه نصبه ترخيما؟
قلت: أجاز "فيه"2 الشارح أن يكون مفعولا له أو مصدرا في موضع الحال، أو ظرفا على حذف مضاف3. فهذه ثلاثة أوجه.
ويحتمل رابعا: وهو أن يكون مفعولا مطلقا وناصبه احذف؛ لأنه يلاقيه في المعنى4.
ثم أخذ في بيان ما يجوز ترخيمه فقال:
__________
1 أ.
2 أ، ج.
3 أي: وقت ترخيم، وهو وقت اجتماع شروط الترخيم.
4 وأجاز المكودي وجها خامسا، وهو أن يكون مفعولا مطلقا لعامل محذوف، أي: رخم ترخيما.(3/1126)
وجَوِّزْنَه مطلقا في كل ما ... أنت بالها..............
المنادى ضربان: مؤنث بالهاء ومجرد منها.
فالمؤنث بها يجوز ترخيمه مطلقا، أي: بلا شرط فيرخم علما وغير علم، وثلاثيا وأزيد نحو1:
أفاطمُ مَهلا بعض هذا التدلل ... ..........................
__________
1 قائله: هو امرؤ القيس، وهو من الطويل.
وعجزه:
وإن كُنْتِ قد أزمعتِ صَرْمِي فأَجْمِلِي
اللغة: "أفاطم" فاطمة بنت العبيد بن ثعلبة من عذرة "أزمعت" عزمت ووطنت نفسها "صرمي" هجري وقطيعتي "أجملي" أحسني.
المعنى: ترفقي بي يا فاطمة واتركي الدلال وإظهار الهجر، وإن كنت قد اعتزمت هجري حقا، ووطنت نفسك عليه، فأحسني في ذلك.
الإعراب: "أفاطم" الهمزة للنداء وفاطم منادى مرخم بحذف التاء "مهلا" مفعول مطلق منصوب بمحذوف "بعض" مفعول به لمحذوف أيضا، أي دعي بعض "هذا" مضاف إليه "التدلل" بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة "وإن كنت" شرط وفعله والتاء اسم كان "قد أزمعت صرمي" الجملة خبر كان "فأجملي" الفاء واقعة في جواب الشرط، وأجملي فعل أمر مبني على حذف النون والياء فاعل.
الشاهد فيه: قوله "أفاطم" فهو اسم مؤنث مرخم بحذف التاء.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 467/ 2، وابن هشام 276/ 3، والمغني 1/ 9، وسيبويه 172/ 2.(3/1127)
ونحو1:
جارِيَ لا تستنكري عَذيري
و"يا شا ادجُنِي" أي: أقيمي2 يقال: دَجَنَ بالمكان يَدْجُن دُجُونا: أقام به. فإن قلت: كيف قال مطلقا، ولترخيمه خمسة شروط:
الأول: أن يكون معينا، فلا يجوز ترخيم النكرة غير المقصودة كقول الأعمى: "يا امرأة خُذي بيدي"3.
__________
1 قائله: هو العجاج بن رؤبة يخاطب امرأته، وهو من الرجز.
وعجزه:
سَيْرِي وإشفاقي على بعيري
اللغة: "لا تستنكري" لا تعديه أمرا منكرا "عذيري" بفتح العين وكسر الذال وسكون الياء، العذير: ما يعذر الإنسان في عمله، والمراد هنا: الحال التي يزاولها.
المعنى: يا جارية لا تنكري على تأهبي للسفر والذهاب في الأرض للبحث عن العيش، وإشفاقي على بعيري، فالسعي واجب على كل إنسان، والعطف على الحيوان من الإيمان.
الإعراب: "جاري" منادى مرخم بحذف التاء؛ لأنه نكرة مقصودة، أي: يا جارية "لا" ناهية "تستنكري" مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والياء فاعل "عذيري" مفعول وياء المتكلم مضاف إليه "سيري" بدل تفصيل من عذيري "وإشفاقي" معطوف عليه، أو الواو بمعنى مع.
الشاهد: قوله "جاريَ" منادى مرخم بحذف التاء والتقدير: يا جارية، وحذف منه حرف النداء؛ وذلك ضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 468/ 2، وابن هشام 268/ 3، والمكودي ص131، وسيبويه 330/ 1.
2 أي: ياشاة أقيمي بالمكان، وهو مثال للثلاثي.
3 في ب: سقطت امرأة.(3/1128)
والثاني: ألا يكون مضافا، فلا يجوز ترخيم نحو: "يا طلحة الخير"، وأما نحو قوله1:
يا علقم الخير قد طالت إقامتنا
فنادر.
والثالث: ألا يكون مختصا بالنداء فلا يرخم فلة.
والرابع: ألا يكون مندوبا "فإن المندوب"2 لا يجوز ترخيمه، لحقته علامة الندبة أو لم تلحقه، نص عليه سيبويه.
والخامس: ألا يكون مستغاثا به، فإنه لا يجوز ترخيمه.
قلت: وقد يجاب بأن معنى قوله: مطلقا، أي: بلا شرط من الشروط التي تخص المجرد كالعلمية.
وأما هذه الشروط فاشترك فيها النوعان إلا أن "اشتراطه للإضافة"3 في المجرد يوهم عدم اشتراطها في المؤنث بالهاء، فيقوى السؤال، وقد استغنى عن الأولين في التسهيل4 باشتراط "البناء"5 ولم يذكر "الثالث"6.
__________
1 قائله: لم ينسب لقائل، وهذا الشطر من البسيط.
الإعراب: "يا علقم" يا حرف نداء علقم منادى مرخم وأصله يا علقمة وهو منصوب "الخير" مضاف إليه "قد" حرف تحقيق "طالت" فعل ماض والتاء للتأنيث "إقامتنا" فاعل مرفوع بالضمة ونا مضاف إليه.
الشاهد: قوله: "يا علقم الخير" فإن الشاعر رخم علقمة، والحال أنه مضاف، والخير مضاف إليه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 468/ 2.
2 ب.
3 ب، ج.
4 راجع التسهيل ص189.
5 ب، ج.
6 وفي أ "الثلاثة".(3/1129)
تنبيهات:
الأول: شرط المبرد في ترخيم المؤنث بالهاء العلمية؛ فمنع ترخيم النكرة المقصودة، والصحيح جوازه لما تقدم1.
الثاني: منع ابن عصفور ترخيم "صلعمة بن قلعمة" لأنه كناية عن المجهول الذي لا يعرف، وإطلاق النحاة بخلافه، فليس كونه كناية عن المجهول بمانع؛ لأنه علم جنس.
الثالث: إذا ناديت طلحة ونحوه ورخمت قلت: يا طلحَ ويا طلحُ بالفتح والضم كما سيأتي، وإن لم ترخم قلت: "يا طلحةُ" بضم التاء.
وقد سمع وجه رابع، وهو "يا طلحةَ" بفتح التاء، قال النابغة2:
__________
1 أي: في قوله: أو غير علم مع تمثيله بجاري وياشا.
2 قائله: هو النابغة الذبياني -زياد بن معاوية- من قصيدة يمدح بها عمرو بن الحارث الأعرج حين هرب إلى الشام، لما بلغه سعي مرة بن ربيعة به إلى النعمان وخافه، وهو من الطويل.
وعجزه:
وليل أقاسيه بطيء الكواكب
اللغة: "كليني" -بكسر الكاف- دعيني "أميمة" اسم امرأة "ناصب" بمعنى منصب من النصب وهو التعب "أقاسيه" أكابده.
المعنى: إنه يقول: دعيني لهذا الهم الناصب ومقاساة الليل البطيء الكواكب حتى كأن راعيها ليس بآيب.
الإعراب: "كليني" جملة من فعل وفاعل ومفعول والنون للوقاية "لهم" جار ومجرور متعلق بالفعل "ناصب" -بالجر- صفة لهم "يا أميمة" يا حرف نداء وأميمة منادى مبنى على الفتح، وهو معترض بين الصفة والموصوف "وليل" عطف على هم "أقاسيه" أقاسي فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه والهاء مفعول به، والجملة في محل جر صفة لليل "بطيء" صفة لليل "الكواكب" مضاف إليه. وكيف يوصف الليل -وهو نكرة- بالمعرفة وهو بطيء الكواكب؛ لأن الإضافة في نية الانفصال.
الشاهد: قوله: "يا أميمةَ" حيث جاءت بفتح التاء.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 469/ 2، وذكر السيوطي في الهمع 185/ 1، وسيبويه 346/ 1، والشاهد 137 في الخزانة، وشرح المفصل 107/ 2.(3/1130)
كليني لهم يا أميمةَ نَاصِبِ ... .......................
فاختلف النحويون فيه، فقال قوم: ليس بمرخم، ثم اختلفوا؛ فقيل: هو معرب نُصب على أصل المنادى ولم ينون لأنه غير منصوب، وقيل: هو مبني على الفتح؛ لأن منهم من يبني المنادى المفرد على الفتح؛ لأنها1 حركة تشاكل حركة إعرابه لو أعرب.
فهو نظير "لا رجلَ في الدار"، وأنشد هذا القائل2:
يا ريحَ من نحو الشمال هُبِّي
بالفتح، وذهب أكثرهم إلى أنه مرخم فصار في التقدير "يا أميمُ" ثم أقحم التاء غير معتد بها وفتحها؛ لأنها واقعة موقع ما يستحق الفتح وهو ما قبل هاء التأنيث3، وهذا ظاهر كلام سيبويه.
قلت: فعلى هذا تكون مقحمة بين الحاء والتاء المحذوفة المنوية.
وللفارسي قولان:
أحدهما: أنها زيدت ثم فتحت إتباعا لحركة الحاء.
والثاني: أنها أقحمت بين الحاء وفتحها، فالفتحة التي في التاء هي فتحة الحاء ثم فتحت الحاء إتباعا لحركة التاء.
وقال في شرح التسهيل بعد ذكره مذهب سيبويه: وأسهل من هذا عندي ان تكون فتحة التاء إتباعا لفتحة ما قبلها.
__________
1 أي الفتح وأنثه باعتبار الخبر وهو "حركة".
2 قائله: لم ينسب إلى قائل، وهو شطر من الرجز، وقيل: هذا ليس بشعر.
الإعراب: "يا" حرف نداء "ريح" منادى مفرد مفتوح "من نحو" جار ومجرور متعلق بهبي "الشمال" مضاف إليه "هبي" -بضم الهاء- فعل أمر والفاعل ضمير مستتر فيه.
الشاهد: قوله: "يا ريحَ" فإنه منادى مفرد، وكان حقه أن يضم ولكنه مفتوح.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 469/ 2.
3 المحذوفة المنوية.(3/1131)
قلت: هذا يوافق أحد قولي أبي علي في الإتباع، لكن ظاهر كلامه في الشرح أن التاء هي الأولى لا تاء زيدت بعد حذف الأولى فهي قول آخر.
الرابع: أجاز قوم منهم الفراء إلحاق ألف التأنيث الممدودة بتائه في الفتح فأجازوا "يا أسماء أقبلي" وليس بصحيح؛ لأنه غير مسوغ. ومقيس على ما ترك فيه مقتضى الدليل.
الخامس: إذا وقف على المرخم بحذف الهاء فالغالب أن تلحقه هاء ساكنة؛ فتقول في الوقف على "يا طلح"1: "يا طلحهْ".
واختلفوا في هذه الهاء. فقيل: هاء السكت وهو ظاهر كلام سيبويه، وقيل: هي التاء المحذوفة أعيدت لبيان الحركة، وإليه ذهب المصنف. قال "في"2 التسهيل3: ولا يستغنى غالبا في الوقف على المرخم بحذفها عن إعادتها أو تعويض ألف منها، وأشار بالتعويض إلى قوله4:
__________
1 وفي أ "في المرخم".
2 أ.
3 التسهيل ص189.
4 قائله: هو القطامي واسمه عمير بن شبيم، وهو من الوافر.
وعجزه:
ولا يَكُ موقفٌ منكِ الوَداعا
اللغة: ضباعا: أراد ضباعة بنت زفر بن الحارث.
الإعراب: "قفي" فعل أمر وفاعله، من وقف "قبل" ظرف منصوب على الظرفية "التفرق" مضاف إليه "يا ضباعا" يا حرف نداء وضباعا منادى مفرد معرفة مرخم وأصله ضباعة "ولايك" أصله ولا يكن، فحذفت النون للتخفيف "موقف" اسم يكن مرفوع بالضمة الظاهرة "منك" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لموقف في محل رفع، والتقدير: موقف حاصل منك "الوداعا" خبر يكن.
الشاهد: قوله: "يا ضباعا" حيث عوض الألف فيه عن الهاء، وأصله: ضباعة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 468/ 2، وذكر السيوطي في الهمع 185/ 1، وسيبويه 331/ 1، والشاهد 143 في الخزانة.(3/1132)
قِفِي قبل التفرُّقِ يا ضُبَاعَا ... ........................
فجعل ألف الإطلاق عوضا "عن"1 الهاء، ونص سيبويه وابن عصفور على أن ذلك لا يجوز إلا في الضرورة.
وأشار بقوله: "غالبا" إلى أن بعض العرب يقف بلا هاء ولا عوض، حكى سيبويه "يا حَرْمَل" في الوقف بغير هاء.
قال الشيخ أبو حيان: أطلقوا في لحاق هذه الهاء، ونقول: إن كان الترخيم على لغة من لا ينتظر لم تلحق.
ثم قال:
....................... ... ....... والذي قد رُخِّمَا
بحذفها وفره........... ... ......................
أي: لا تحذف منه شيئا بعد حذف الهاء.
فعلم أن قوله: "ومع الآخر احذف الذي تلا" خاص بالمجرد منها.
وما ذكره هو مذهب عامة النحويين، وأجاز سيبويه أن يرخم ثانيا بعد حذف التاء على لغة من لم يراعِ المحذوف، ومنه قوله2:
__________
1 أ. وفي ب، ج "من".
2 قائله: هو أنس بن زنيم يخاطب به الحارث بن بدر الغداني حين ولاه عبيد الله بن زيادة سرّق "إحدى كور الأهواز"، وهو من الطويل.
وعجزه:
............................ ... فكُنْ جُرَذًا فيها تَخُونُ وتَسْرقُ
اللغة: "جرذا" -بضم الجيم وفتح الراء- وهو ضرب من الفأر ويجمع على جرذان.
الأعراب: "أحار" الهمزة حرف نداء وحار منادى مفرد معرفة مرخم، والتقدير: يا حارثة بن بدر "بن" مبني على الفتح مع المنادى وبدر مضاف إليه "قد" حرف تحقيق "وليت" فعل وفاعل "ولاية" منصوب على المفعولية "فكن" أمر من كان واسمه ضمير مستتر فيه "جرذا" خبره منصوب بالفتحة الظاهرة "فيها" جار ومجرور يعود على الولاية "تخون" فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه والجملة صفة لجرذان "وتسرق" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه وهي عطف على تخون. الشاهد: قوله: "أحار" حيث أريد به حارثة، فأولا رخمه بحذف الهاء على لغة من لم ينوِ رد المحذوف وثانيا بحذف التاء على لغة من نوى رد المحذوف.
مواضعه: ذكره م شراح الألفية: الأشموني 469/ 2، والسيوطي في الهمع 183/ 1.
وعجزه:
والمرء يستحيي إذا لم يَصْدُقِ(3/1133)
أحَارُ بنَ بدر قَد وَليتَ ولاية ... ..........................
يريد: أحارثةُ.
وقول الآخر1:
يا أَرْطُ إنَّكَ فاعل ما قلْتَهُ ... .......................
يخاطب أرطاة بن سهية.
قال الشيخ أبو حيان: ولو ذهب ذاهب إلى أن المؤنث يجوز في ترخيمه وجهان:
أحدهما: حذف التاء وهو الكثير.
__________
1 قائله: هو زميل بن الحارث يخاطب أرطاة بن سهية، وهو من الكامل.
الإعراب: "يا أرط" يا حرف نداء أرط منادى مفرد معرفة مرخم أصله يا أرطاة "إنك" إن حرف توكيد والكاف اسم إن "فاعل" خبر إن مرفوع بالضمة الظاهرة "ما قلته" ما موصولة قلته فعل وفاعل ومفعول، والجملة لا محل لها صلة الموصول "المرء" مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة "يستحيي" فعل مضارع والفاعل ضمير والجملة في محل رفع خبر المبتدأ "إذا" للشرط "لم" حرف نفي وجزم وقلب "يصدق" فعل مضارع مجزوم بلم وهو فعل الشرط وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام السابق، والتقدير: إذا لم يصدق يستحيي.
الشاهد: قوله: "يا أرط" حيث أريد يا أرطاة، فأولا رخمه بحذف التاء على لغة من لم ينوِ رد المحذوف، وثانيا رخمه بحذف الألف على لغة من نوى رد المحذوف وهو الألف.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 470/ 2، والسيوطي في الهمع 84/ 1.(3/1134)
والآخر: حذفها مع ما قبلها كالحذف في منصور، لكان قولا. وتقدير أن الشاعر في البيت الواحد نوى الترخيم أولا ثم نوى الترخيم ثانيا في الكلمة الواحدة حال النطق بها -يحتاج إلى وحي يسفر عن هذا التقدير. انتهى.
ثم انتقل إلى المجرد فقال:
...................... واحظُلا ... ترخيم ما من هذه الها قد خَلا
إلا الرباعي فما فوق العَلم ... دون إضافة وإسناد مُتم
أي: امنع ترخيم ما خلا من الهاء إلا ما اجتمعت فيه أربعة شروط:
الأول: أن يكون زائدا على الثلاثة فلا يجوز ترخيم الثلاثي تحرك وسطه نحو: "حَكَم"، أو سُكِّن نحو: "بَكْر" هذا مذهب الجمهور، وأجاز الفراء والأخفش ترخيم المحرك الوسط1، ونقل عن الكوفيين، وفيه نظر؛ لأنه "قد"2 نقل عن الكسائي المنع إلا "أن"3 يثبت له قولان.
وأما الساكن الوسط فقال ابن عصفور: لا يجوز ترخيمه قولا واحدا. وقال في الكافية: ولم يرخم نحو بكر أحد، وليس كما قالا بل فيه خلاف؛ حكي عن الأخفش وبعض الكوفيين إجازة ترخيمه، ونقل الخلاف فيه أبو البقاء العكبري وصاحب النهاية وابن هشام4 وابن الخشاب.
قلت: وفصل بعض المتأخرين بين لازم السكون وعارضه، فقال: لو سمى "بضرب" -المبني للمعفول- ثم سكن لما امتنع ترخيمه، ولو سمى به بعد الإسكان لم يجز ذلك.
الثاني: أن يكون علما، وأجاز بعضهم ترخيم النكرة المقصودة نحو: "يا غَضَنْفَ" في غضنفر قياسا على قولهم: "أطرق كَرَا" و"يا صاح".
__________
1 أي: تنزيلا لحركة الوسط منزلة الحرف الرابع؛ ولهذا كان نحو سقر غير مصروف.
2 ب.
3 ب، ج.
4 ابن هشام، الخضراوي.(3/1135)
الثالث: ألا يكون ذا إسناد فلا يجوز ترخيم "بَرَقَ نحرُه" ونحوه، وسيأتي الكلام عليه.
الرابع: ألا يكون ذا إضافة، خلافا للكوفيين في إجازتهم ترخيم المضاف إليه كقوله1:
خُذُوا حظكم يا آل عِكْرمَ واذكروا
هذا عند البصريين نادر، وأندر منه حذف المضاف إليه بأسره، كقوله2:
يا عبدَ هل تَذْكُرني ساعة ... .......................
يريد: يا عبد هند، وعبد هند. علم له، وتقدم أن ترخيم المضاف نادر أيضا في قوله: يا علقم الخير.
فإن قلت: أهمل المصنف من شروط ترخيم المجرد ثلاثة:
__________
1 قائله: هو زهير بن أبي سُلمى، من قصيدة قالها حين بلغة أن بني سليم أرادوا الإغارة على بني غطفان، وهو من الطويل.
وعجزه:
أواصرنا والرحم بالغيب تُذكر
اللغة: "حظكم" نصيبكم "أواصرنا" الأواصر: القرابات، الواحدة الآصرة.
المعنى: خذوا حظكم من مودتنا ومسالمتنا، وكانوا قد عزموا على غزو قومه.
الإعراب: "خذوا" فعل وفاعل "حظكم" مفعول منصوب بالفتحة، والضمير مضاف إليه "يا آل" يا حرف نداء آل منادى منصوب "عكرم" مضاف إليه، وأصله يا عكرمة "واذكروا" فعل وفاعل عطف على خذوا "أواصرنا " مفعول به منصوب بالفتحة ونا مضاف إليه "والرحم" مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة "بالغيب" جار ومجرور متعلق بتذكر "تذكر" جملة في محل رفع خبر المبتدأ.
الشاهد: قوله "يا آل عكرمَ" حيث رخم المضاف إليه من المنادى وأصله: يا آل عكرمة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 470/ 2، وذكره السيوطي في الهمع 181/ 1، وفي شرح المفصل 20/ 2، والإنصاف 215/ 1، وسيبويه 343/ 1، والشاهد 138 في الخزانة.
2 قائله: هو عدي بن زيد، وهو من السريع.
وعجزه:
........................ ... في موكب أورائدا للقنيص =(3/1136)
أحدها: ألا يكون مختصا بالنداء1.
والثاني: ألا يكون مندوبا.
والثالث: ألا يكون مستغاثا.
قلت: أما الأول فلم ينبه عليه، وأما الثاني والثالث فقد تقدم ما يرشد إليهما وهو نصه على التزام حرف النداء معهما؛ لأن علة التزامه هي علة منع ترخيمهما، وأجاز ابن خروف ترخيم المستغاث إذا لم يكن فيه اللام.
كقوله2:
........................ ... أَعَام بْنَ صعصعةَ بْنِ سعْدِ
قال ابن الصايغ: وهذا ضرورة، وقد ناداه بغير يا، وذلك ممنوع وقد سمع ترخيمه.
__________
= اللغة: "موكب" -بفتح الميم وسكون الواو وكسر الكاف- والموكب القوم الركوب على الإبل، والجمع مواكب "رائدا" من الرود وهو الطلب، يقال: بعثنا رائدا يرود لنا الكلأ أن ينظر ويطلب "القنيص" -بفتح القاف وكسر النون- هو الصيد.
الإعراب: "يا عبد" يا حرف نداء وعبد منادى مرخم مضاف إذ أصله عبد هند "هل" للاستفهام "تذكرني" فعل وفاعل ومفعول والنون للوقاية "ساعة" منصوب على الظريفة "في موكب" جار ومجرور في محل نصب على الحال من الضمير المرفوع في تذكرني "أو رائدا" نصب على الحال أيضا "للقنيص" متعلق به.
الشاهد: قوله "يا عبد" فإنه منادى مضاف مرخم؛ لأن أصله يا عبد هند فرخمه بحذف المضاف إليه.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 470/ 2.
1 فلا يرخم نحو فل وفلة.
2 قائله: هو الأحوص بن شريح الكلابي، وهو من الوافر.
وصدره:
تمنَّاني ليقتُلَني لقيط ... .................
اللغة: "تمناني" تمنى فعل ماض والنون للوقاية والياء مفعول "لقيط" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة "ليقتلني" اللام للتعليل ويقتل فعل مضارع منصوب بأن بعد لام التعليل والنون للوقاية والياء مفعول والفاعل ضمير مستتر فيه "أعام" الهمزة للنداء عام منادى مستغاث به مرخم وأصله يا عامر "بن" صفة لعامر "صعصعة" مضاف إليه. الشاهد: قوله "أعام" فإنه منادى مستغاث به وليس فيه لام الاستغاثة، وقد رخم إذ أصله "أعامر".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 471/ 2، وذكره السيوطي في الهمع 181/ 2.(3/1137)
ومع اللام كقوله1:
كلما نادى مُنادٍ منهم ... يا لتَيْمِ الله قُلنا يا لَمالِ
ثم اعلم أن الخالي من تاء التأنيث إذا استوفى شروط الترخيم فالمحذوف منه للترخيم إما حرف وإما حرفان وإما كلمة، فالذي يحذف منه حرف نحو: "حارث" و"مالك" فتقول: "يا حار" و"يا مال" وأما الذي يحذف منه حرفان فقد أشار إليه بقوله:
ومَعَ الآخِرِ احذفِ الذي تَلا
أي: احذف مع الآخر ما قبله بخمسة شروط:
الأول: أن يكون حرف لين، فلو كان حرفا صحيحا حذف الآخر وحده، فتقول في "سفرجل وقِمَطْر" يا سفرج ويا قِمَط، خلافا للفراء في نحو "قمطر" فإنه يقول: يا قِمَ بحذف حرفين.
الثاني: أن يكون ساكنا، لو كان متحركا لم يحذف فتقول في "هَبَيَّخ" و"قَنَوَّر"2: يا هَبيَّ ويا قنوَّ، بحذف الآخر وحده.
__________
1 قائله: هو مرة بن الوراغ من بين سعد، وهو من الرمل.
الإعراب: "كلما" منصوب على الظرفية وناصبها الفعل قلنا وجاءتها الظرفية من ما، فإنها تحتمل أن تكون مصدرية والجملة بعدها صلة فلا محل لها، وأن تكون اسما نكرة بمعنى وقت والجملة بعدها في موضع خفض على الصفة "نادى" فعل ماض "مناد" فاعل "منهم" جار ومجرور في محل رفع صفة لمناد "يا" حرف نداء "لتيم الله" منادى مستغاث به "قلنا" فعل ماض ونا فاعله، والجملة وقعت جوابا لقوله كلما "يا لمال" يا حرف نداء لمال منادى مستغاث به وهو مرخم؛ إذ أصله: يا لمالك.
الشاهد: قوله "يا لمال" فإنه منادى مرخم مستغاث به وفيه اللام.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 471/ 2.
2 هبيخ بفتح الهاء وتشديد الياء: الغلام الممتلئ، أي: السمين، وقنور بفتح القاف والنون وتشديد الواو: الصعب اليبوس من كل شيء.(3/1138)
الثالث: أن يكون زائدا، فلو كان أصليا لم يحذف فتقول في "مختار": يا مختا، ولا تحذف الألف؛ لأنها بدل العين، وعن الأخفش أنه يحذف مع الآخر، وأجاز الجرمي في "منقاد": يا منق.
الرابع: أن يكون رابعا فصاعدا، فلو كان ثالثا نحو: "عماد" و"سعيد" و"ثمود" فمذهب البصريين أنه يرخم بحذف آخره فقط، ونقل المصنف عن الفراء أنه أجاز في نحو "عماد" و"سعيد" وجهين: حذف الآخر وحده كالبصريين، وحذفه مع الألف والياء فتقول: يا عم وياسع، وأما في ثمود فيحذف الحرفين ولا يجيز يا ثمو؛ لأن بقاء الواو يستلزم عدم النظير، ونقل غيره عن الفراء أنه يحذف الحرفين في ثمود ويحذف الآخر فقط في عماد وسعيد.
الخامس: أن يكون قبله حركة مجانسة، فلو كان قبل الواو والياء فتحة نحو: "غُرنَيْق"1 و"فرعون"، فمذهب الجرمي والفراء أنه يحذف مع الآخر كالذي قبله حركة مجانسة لا يفرقان بين النوعين. قال في شرح الكافية: وغيرهما لا يرى ذلك بل يقولون: يا فرعو، ويا غرني. قلت: وذكر الجرمي أن ما ذهب إليه هو مذهب الأكثرين.
وإلى هذا الخلاف أشار بقوله:
.......... والخلف في ... واو وياء بهما فتح قُفي
فإن قلت: إطلاقه يوهم إجراء الخلاف في نحو "مصطَفَوْنَ" -علما- لأن واوه قبلها فتحة، وليس كذلك، بل يقولون في ترخيمه: يا مُصْطَف وجها واحدا، وقد نبه في شرح الكافية على ذلك.
__________
1 غرنيق بضم الغين وسكون الراء وفتح النون: طير من طيور الماء طويل العنق.(3/1139)
قلت: الواو في مصطفون ونحوه من الجمع بعد الضمة مقدرة؛ لأن أصله مصطفيون فأعل على ما اقتضاه التصريف1، فليست الواو في التقدير بعد فتح، وإلى هذا أشار بقوله في التسهيل2: مسبوق بحركة مجانسة ظاهرة أو مقدرة.
ومثال ما حذف منه حرفان؛ لاجتماع الشروط المذكورة: عمران وحماد وأسماء وزيدان ومسلمات -علمين- وحمدون ومنصور وزيدون وملكوت -علمين- "وجعفر ومسكين"3 وغسلين وعفريت -أعلاما.
ثم أشار إلى ما يحذف منه كلمة بقوله:
والعَجْزَ احذِفْ من مركَّب
إذا رخم المركب حذف عجزه نحو: "يا بعلَ" و"يا سيبَ" في بعلبك وسيبويه، وفي خمسة عشر -علما- يا خمسةَ، ومنع الفراء ترخيم المركب من العدد إذا سُمي به، ومنه أكثر الكوفيين ترخيم ما آخره ويه، وذهب الفراء إلى أن لا يحذف منه إلا الهاء فتقول: يا سيبوَيْ، وقال ابن كيسان: لا يجوز حذف الثاني من المركب بل إن حذفت الحرف أو الحرفين فقلت: يا بعلبَ ويا حضرمَ، لم أرَ به بأسا، والمنقول أن العرب لم ترخم4؛ وإنما أجازه النحويون.
تنبيه:
إذا رخمت "اثنا عشر، واثنتا عشرة" -علمين- حذفت العجز مع الألف قبله "يا اثنَ، ويا اثنتَ" كما يقال في ترخيمهما لو لم يركبا، نص على ذلك سيبويه وعلته أن عجزهما بمنزلة النون؛ ولذلك أعرابا.
وقوله:
..................... وَقَلْ ... تَرخِيمُ جُملةٍ وذا عمروٌ نَقلْ
__________
1 وإنما جعله بالياء مع أنه واوي؛ لأن آخر المقصور يقلب ياء في المثنى والجمع على حدة، وإنما كان واويا لأنه من الصفوة.
2 التسهيل ص188.
3 ب، ج.
4 أي: لم ترخم المركب.(3/1140)
قال المصنف: أكثر النحويين لا يجيزون ترخيم المركب المضمن إسنادا كتأبط شرا، وهو جائز؛ لأنه سيبويه حكى ذلك في "بعض"1 أبواب النسب فقال: تقول في النسب إلى تأبط شرا تأبطي؛ لأن من العرب من يقول: يا تأبط، ومنع ترخيمه في باب الترخيم، فعُلم بذلك أن منع ترخيمه كثير، وجواز ترخيمه قليل، وقال الشارح:
فعلم أن جوازه على لغة قليلة، وإلى هذا أشار بقوله: "وذا عمرو نقل" وعمرو هو اسم سيبويه.
قال الشيخ أبو حيان: وهوغير صحيح؛ لأن سيبويه لم ينص على ترخيمه، بل قال: من العرب من يفرد فيقول: "تأبط أقبل" فيجعل الأول مفردا، وليس مناقضا لما قرره من أن المحكي لا يرخم، بل أراد أن من العرب من يفردها لا على جهة الترخيم.
ولذلك قال من يفرد ولم يقل من يرحم، ولا نعلم خلافا عن أحد من النحويين أن المحكي لا يرخم.
واعلم أن في ترخيم المنادى لغتين:
الأولى: أن ينوي المحذوف.
والثانية: ألا ينوي.
وقد أشار إلى الأول بقوله:
وإِنْ نويتَ بعد حذفٍ ما حُذِفْ ... فالباقيَ استعملْ بما فيه أُلِفْ
أي: إذا نويت ثبوت المحذوف بعد حذفه للترخيم تركت ما قبله على حاله قبل الحذف واستعملته بما فيه من حركة نحو: "يا حارِ، ويا جعفَ، ويا منصُ" في حارث وجعفر ومنصور، أو يكون "يا قمطْ" في "نحو"2 يا قمطر، خلافا للكوفيين؛ فإنهم لا يرخمون قمطرا أو نحوه مما قبل آخره ساكن إلا على لغة من لم ينو، وتقدم مذهب الفراء في حذفه.
__________
1 ب، ج.
2 ب، ج.(3/1141)
تنبيه:
مقتضى قوله: "بما فيه ألف" ألا يغير ما بقي عن شيء مما كان عليه قبل الحذف. ويرد على إطلاقه مسألتان:
الأولى: ما كان مدغما في المحذوف وهو بعد ألف، فإنه إن كانت له حركة في الأصل حركت بها نحو: "مُضارّ، وتَحاجّ"، فتقول فيهما: يا مضار -بالكسر- إن كان اسم فاعل، وبالفتح وإن كان اسم مفعول، ويا تحاج -بالضم- لأن أصله تحاجُج.
وإن كان أصلي السكون حرك بالفتحة؛ لأنها أقرب الحركات إليه نحو: "أسحار" اسم نبت، تقول فيه: "يا أسحار" -بفتح الراء- هذا مذهب سيبويه.
ثم اختلف عنه فقال السيرافي: يتحتم الفتح، وقال الشلوبين: يختاره ويحيز الكسر، ونقل ابن عصفور عن الفراء أنه يكسر على أصل التقاء الساكنين، وهو مذهب الزجاج. ونقل عنه أيضا صاحب رءوس المسائل أنه يسقط كل ساكن يبقى بعد الآخر حتى ينتهي إلى متحرك، فعلى هذا تقول: "يا أسْحَ".
الثانية: ما حذف لواو الجمع نحو: "قاضون" فإنه إذا رخم بحذف الواو والنون رد إليه ما حذف منه؛ لزوال سبب الحذف، هذا مذهب الأكثرين، واختار في التسهيل عدم الرد.
ثم أشار إلى الثانية بقوله:
واجْعَلْهُ إن لم تنوِ محذوفا كما ... لو كان بالآخِر وضعا تُمِّمَا
أي: إذا لم تنوِ المحذوف، فاجعل الباقي بعد الحذف كالاسم التام المصوغ على تلك الصيغة فيعطي آخره من البناء على الضم وغير ذلك من الصحة والإعلال ما يستحقه لو كان آخرا في الوضع فتقول: "يا حارُ، ويا جعفُ، ويا منصُ، ويا قمطُ" -بالضم- في الجميع كما لو كانت أسماء تامة لم يحذف منها شيء.(3/1142)
تنبيهان:
الأول: لو كان ما قبل المحذوف معتلا قدرت فيه الضمة على هذه اللغة، فتقول في "ناجية": يا ناجي -بالإسكان- وهو علامة تقدير ضمها.
الثاني: يجوز في نحو: "يا حر بن عمر" على هذه اللغة -ضم الراء وفتحها- كما جاز ذلك في نحو: "يا زيد بن عمرو"، ثم فرع على الوجهين المذكورين فقال:
فَقُلْ على الأول في ثمود يا ... ثَمُو ويا ثَمِي على الثاني بيا
يعني بالأول لغة من ينوي، وبالثاني لغة من لا ينوي، فتقول في ترخيم ثمود على الأول يا ثمو؛ لأن الواو محكوم لها بحكم الحشو، فلم يلزم مخالفة النظير، وعلى الثاني يا ثمي بقلب الواو ياء، لتطرفها بعد الضمة كما فعل في أدل ونحوه؛ وذلك لأن بقاءها على هذا التقدير مستلزم عدم النظير؛ إذ ليس في الأسماء المتمكنة ما آخره واو قبلها ضمة، وإذا رخمت "صَمَيان، وكَروان"1 قلت على الأول: يا صمي ويا كرو، وعلى الثاني: يا صما ويا كرا، بقلب الياء والواو ألفا؛ لتحركهما وانفتاح ما قبلهما، ولا مانع.
وإذا رخمت "سقاية وعلاوة"2 قلت على الأول: يا سقايُ ويا علاو، وعلى الثاني: يا سقاءُ ويا علاءُ، بإبدال الياء والواو "همزة"3 لتطرفهما بعد ألف زائدة.
وأما نحو "غاوٍ" فتقول فيه على الأول: يا غاوِ، وعلى الثاني: يا غاوُ، ولا تبدلها همزة لوجهين:
أحدهما: ألا يتوالى إعلالان؛ لأن لامه أعلت.
والثاني: "أنه"4 صار كاسم تام على ثلاثة أحرف، وما كان كذلك لا تقلب واوه همزة نحو "واو" ذكر ذلك الشيخ أبو حيان.
__________
1 الصميان في الأصل هو التقلب والتوثب، ويقال: رجل صميان أي: شجاع.
2 عِلاوة بكسر العين: ما علقته على العير بعد تمام الوقر.
3 ب، ج.
4 أ.(3/1143)
وإذا رخمت "شاة" قلت على الأول: ياشا، وعلى الثاني: يا شاة، برد اللام، لبقائها على حرفين ثانيهما حرف علة، ولا يكون كذلك اسم متمكن.
وإذا رخمت "ذات" قلت على الأول: يا ذا، وعلى الثاني: يا ذوا، برد المحذوف لا ذكر في شاة.
وإذا رخمت "لات" قلت على الأول: يالا، وعلى الثاني: يالا، برد اللام؛ لأنه لا يعلم له ثالث فيرد.
وإذا رخمت "سُفيرج" تصغير سفرجل قلت على الأول: يا سفيرِ، وعلى الثاني: يا سفيرُ "عند الأكثرين"1.
وقال الأخفش: يا سفيرلُ، برد اللام المحذوفة، لأجل التصغير، وفروع الباب كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية.
ثم أشار إلى ما يلزم فيه الوجه الأول بقوله:
والتَزِمِ الأولَ في كمُسْلِمَهْ ... وجَوَّزِ الوجهينِ في كَمَسْلَمَهْ
يعني أن الوجه الأول وهو الترخيم على لغة من نوى يلتزم في الصفات المؤنثة بالتاء الفارقة بين المذكر والمؤنث نحو: "مسلمة" فيقال فيه: يا مسلمَ -بالفتح- ولا يجوز ترخيمه على الوجه الثاني؛ لأنه لو قيل "فيه"2: يا مسلمُ -بالضم- لالتبس بالمذكر، بخلاف العلم نحو: مسلمة، فإنه يجوز ترخيمه على الوجهين؛ لأن التاء فيه ليست للفرق.
قيل: وكلامه في التسهيل يدل على اعتبار اللبس في العلم، وقد فهم من ذلك أن نحو: "ربعة" يجوز ترخيمه على الوجهين وإن كان صفة؛ لأن التاء فيه ليست للفرق.
__________
1 أ، ج.
2 أ.(3/1144)
تنبيه:
لالتزام الوجه الأول سببان:
أحدهما: ما ذكر، والثاني: لزوم عدم النظير بتقدير التمام، فيمتنع الوجه الثاني في أمثلة منها "طيلسان" -بكسر اللام- إذ لو رخم على "تقدير التام لزم"1 وجود فَيْعِل -بكسر العين- في الصحيح، وهو مفقود إلا ما ندر من "صيقل" -اسم امرأة- وبَيْئِس في قراءة2، ومنها: حبلوى وحمراوى، فإنهما لو رخما على هذا الوجه، لقيل فيهما: يا حبلى ويا حمرا، فيلزم من ذلك ثبوت ما لا نظير له. وهو كون ألف فعلى وهمزة فعلاء مبدلتين من واو، وهما لا يكونان إلا للتأنيث، ومنها "عُرقوة، وحذرية" فإنهما لو رخما على هذا الوجه لقيل فيهما: يا عرقى ويا حذرى، فيلزم وجود فُعلى وفعلى، وهما بناءان مهملان.
فإن قلت: لم أهمل هاهنا ذكر السبب الثاني، وقد ذكره في الكافية والتسهيل؟ قلت: هو سبب مختلف فيه. وممن ذهب إلى اعتباره الأخفش والمازني والمبرد ونقل عنهم في ترخيم حبلوى، ونقل عن الأخفش في طيلسان، ونقله ابن أصبغ عن كثير من النحويين.
وذهب السيرافي وغيره إلى عدم "عدم"3 اعتباره، فأجاز الترخيم في المسائل المتقدمة، فلعله تركه "لذلك"4 وقوله:
ولاضطرار رَخَّمُوا دون نِدَا ... ما للنِّدَا يَصْلُحُ نحو أحمدا
يرخم في الضرورة ما ليس منادى بشرط أن يكون صالحا لأن يُنادى نحو "أحمد" فتقول فيه: يا أحم.
__________
1 ب. وفي أ، ج "لغة من لم ينو للزم".
2 قراءة شعبة عن عاصم، وبعذاب بيئس: بياء ساكنة قبل همزة مكسورة.
3 أ، ج.
4 ب، ج. وفي أ "كذلك".(3/1145)
وقد فهم من عدم تقييده جواز ترخيمه على الوجهين: "أما جواز ترخيمه"1 على تقدير التمام فمجمع على جوازه كقوله2:
لَنعْمَ الفتى تعشو إلى ضوء ناره ... طريفُ بنُ مالٍ ليلة الجوع والخَصَرْ
يعني: ابن مالك.
وأما ترخيمه على نية المحذوف فأجازه سيبويه ومنعه المبرد، وهو محجوج بالقياس على النداء وبالسماع كقوله3:
__________
1 أ، وفي ج "أما ترخيمه".
2 قائله: هو امرؤ القيس بن حجر الكندى، وهو من الطويل.
اللغة: "الفتى" المراد به هنا الرجل الكريم "تعشو" ترى ناره من بعيد فتقصدها "الخصر" -بفتح الخاء والصاد- شدة البرد.
المعنى: يمدح طريف بن مالك بأنه رجل كريم يوقد النيران ليلا ليراها السائرون فيقصدوا نحوها. ويفعل ذلك إذا نزل القحط بالناس واشتد البرد.
الإعراب: "لنعم" اللام للتوكيد ونعم فعل ماض "الفتى" فاعل "تعشو" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر والجملة في محل نصب حال من فاعل نعم "إلى ضوء" جار ومجرور متعلق بتعشو "ناره" مضاف لضوء والهاء مضاف إليه "طريف" خبر لمبتدأ محذوف وجوبا، أي هو طريف، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره جملة "نعم الفتى" "بن" صفة لطريف "مال" مضاف إليه وأصله مالك، فحذفت الكاف ضرورة "ليلة" متعلق بتعشو "الجوع" مضاف إليه "والخصر" معطوف على الجوع.
الشاهد: "ابن مال" فإن أصله: ابن مالك، رخمه في غير نداء للضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 477/ 2، وابن هشام 277/ 3، ابن عقيل 219/ 2، وابن الناظم، والسيوطي ص106، وسيبويه 336، 445/ 1، والسيوطي في الهمع 181/ 1.
3 قائله: هو أوس التيمي، وهو من البسيط.
الإعراب: "إن" حرف توكيد ونصب "ابن اسم إن "حارث" مضاف إليه "إن" حرف شرط "أشتق" فعل الشرط والفاعل ضمير وأصله أشتاق فحذفت منه الألف لالتقاء الساكنين "لرؤيته" جار ومجرور متعلق بأشتق "أو" عاطفة "أمتدحه" فعل ومفعول والفاعل ضمير وهو عطف على جملة أشتق "فإن" الفاء واقعة في جواب الشرط وإن حرف توكيد ونصب "الناس" اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة "قد" حرف تحقيق "علموا" فعل وفاعل والجملة في محل رفع خبر إن ومفعول علموا محذوف تقديره: قد علموا ذلك مني.
الشاهد: قوله: "حارث" فإن أصله حارثة فرخمه في غير النداء على نية الحذف لأجل الضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 477/ 2، وابن الناظم، وسيبويه 343/ 1.(3/1146)
إن ابن حارث إن أشتقْ لرؤيته
أو أمتدحْه فإن الناس قد عَلمُوا
وقوله1:
........................... ... وأضْحَتْ منك شَاسِعَةً أُمَامَا
أنشدهما سيبويه، وأنشد المبرد2:
__________
1 قائله: هو جرير بن عطية الخطفي، وهو من الوافر.
وصدره:
ألا أضحت حبالُكم رِماما
اللغة: "أضحت" صارت وتحولت "حبالكم" -جمع حبل- وهو العهد "رماما" جمع رمة وهو القطعة البالية من الحبل "شاسعة" بعيدة بعدا كثيرا "أماما" اسم امرأة.
المعنى: إنه يقول: ما كان بيني وبينكم من أسباب التواصل قد انقطع. ثم رجع إلى نفسه يخاطبها: وأصبحت محبوبتي أمامة بعيدة عني ليس في وصلها مطمع.
الإعراب: "ألا" حرف تنبيه "أضحت" فعل ماض ناقص من أخوات كان والتاء للتأنيث "حبالكم" اسم أضحى والضمير مضاف إليه "رماما" خبر أضحت الأولى "أضحت" فعل ماض ناقص "منك" جار ومجرور متعلق بها "شاسعة" خبر أضحت مقدم "أماما" اسمها مؤخر مرفوع على التاء المحذوفة للترخيم، والألف للإطلاق.
الشاهد: قوله: "أماما" حيث رخمت في غير النداء للضرورة بحذف التاء وأصلها أمامة ورخمت على لغة من ينتظر، ولو رخمت على لغة من لا ينتظر لقيل: أمامُ بالرفع.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 477/ 2، وابن هشام 28/ 3، وابن الناظم، وذكره سيبويه 343/ 1، والإنصاف 217/ 1، والشاهد 142 في الخزانة.
2 قائله: جرير بن عطية أيضا، وهو من الوافر.
روي البيت السابق برواية أخرى فيكون "أماما" منادى مرخما ولا يكون في البيت حينئذ شاهد على هذه الرواية الثانية، وهذه الرواية أليق بنظم البيت؛ لأنه ذكر العهد في صدر البيت ثم رد العجز على الصدر.(3/1147)
......................... ... وما عهدى كعهدك يا أمَامَا
قال في شرح الكافية: والإنصاف يقتضي تقرير الروايتين، ولا تدفع إحداهما بالأخرى.
وفهم من الشرط المذكور أن المعرف بأل لا يرخم في غير النداء؛ لعدم صلاحيته للنداء؛ ولهذا خطئ من جعل "من"1 ترخيم الضرورة قول العجاج2:
أوَالِفَا مكة من وُرْقِ الحمي
فإن قلت: فهل يشترط في ترخيم الضرورة عِلِّيَّة أو تأنيث بالهاء؟
قلت: لا. ونص على ذلك في التسهيل3 وهو المفهوم من إطلاقه هنا.
ومن ترخيم النكرة "قوله"4 5:
__________
1 ب، ج.
2 قائله: هو العجاج بن رؤبة، وهو من الرجز.
اللغة: "أوالفا" جمع آلفة من ألف يألف ألفة، ويرى قواطنا جمع قاطنة يعني مقيمة "ورق" -بضم الواو وسكون الراء- جمع ورقاء، وهي التي في لونها بياض إلى سواد يقال: جمل أورق "الحمي" -بفتح الحاء وكسر الميم- أصله الحمام فحذفت الألف؛ لأنها زائدة وأبدل إحدى الميمين ياء.
الإعراب: "أوالفا" نصب على الحال من قوله: "القاطنات" قبله "القاطنات البيت غير الديم" "مكة" نصب على أنه مفعول أوالفا "من" بيانية "ورق" مجرور به "الحمي" مضاف إليه.
الشاهد: قوله "الحمي" فإن أصله الحمام فقيل: إنه رخمه للضرورة، ورد بأنه لا يصلح للضرورة لكونه بأل، وإنما هو حذف لا على طريق الترخيم.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 467/ 2، وابن عقيل 89/ 2، وابن الناظم، والسيوطي ص106، وفي همعه 181/ 1، 157/ 2، وذكره سيبويه 8، 56/ 1، وشرح المفصل 75/ 6، والإنصاف 299/ 2.
3 التسهيل 189.
4 أ.
5 قائله: هو عبيد الأبرص، وهو من الخفيف.
وبعده:
ليس رسم على الدفين بيال
فلوى ذروة فجنى ذيال =(3/1148)
ليس حي على المنون بخالِ
يعني: بخالد.
__________
= الإعراب: "ليس" فعل ماض ناقص "حي" اسمها "على المنون" جار ومجرور صفة لحي "بخالِ" الباء حرف جر زائد وخال خبر ليس.
الشاهد: قوله "بخالِ" حيث إنه رخم النكرة وأصله بخالد.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 476/ 2، والسيوطي في الهمع 181/ 1.(3/1149)
الاختصاص:
الاختصاص كنداء دون يا ... كأيها الفتى بإثر ارجونيا
الاختصاص: ما جيء به على صورة هي لغيره توسعا، كما يرد الأمر بصيغة الخبر والخبر بصيغة الأمر1.
والباعث على الاختصاص فخر أو تواضع أو زيادة بيان.
والمخصوص اسم ظاهر بعد ضمير متكلم يخصه أو يشارك فيه، وذلك الاسم ثلاثة أنواع:
الأول: أيها وأيتها نحو: "أنا أفعل كذا أيها الرجل" و"اللهم اغفر لنا أيتها العصابة"2 وأي هنا مبنية على الضم، ويلزم وصفها باسم جنس معرف بأل واجب الرفع على ما تقدم في النداء.
الثاني: المعرف بالإضافة؛ كقوله صلى الله عليه وسلم "نحن معاشر الأنبياء لا نُورَثُ" 3.
قال سيبويه: أكثر الأسماء دخولا في هذا الباب بنو فلان ومعشر مضافة وأهل البيت وآل فلان.
الثالث: المعرف بأل كقولهم: "نحن العربَ أقرى من الناس للضيف"، وقد يكون علما كقول رؤبة4:
بنَا تميما يُكْشَفُ الضَّبَابُ
__________
1 الأمر على صورة الخبر نحو قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} أي: ليرضعن، والخبر على صورة الأمر نحو: "أحسن بزيد" فإن صورته صورة الأمر وهو خبر على المشهور؛ إذ هو في تقدير ما أحسنه.
2 العصابة -بكسر العين- الجماعة الذين أمرهم واحد، وجملة الاختصاص في المثالين في موضع نصب على الحال، والمعنى: أنا أفعل ذلك مخصوصا من بين الرجال، واللهم اغفر لنا مخصوصين من بين العصائب.
3 هذا جزء من حديث وتمامه: "ما تركناه صدقة" رواه البزار بلفظ: نحن، ورواه الكسائي بلفظ: إنا.
4 قائله: هو رؤبة بن العجاج، وهو من الرجز. =(3/1150)
ولا يدخل في هذا الباب نكرة ولا اسم إشارة.
قال سيبويه: ولا يجوز أن يذكر إلا اسما معروفا، ولم يقع المختص مبنيا إلا بلفظ أيها وأيتها، وأما غيرهما فالمنصوب والناصب واجب الإضمار تقديره أخص.
وأما أيها وأيتها فمذهب الجمهور أنهما في موضع نصب بأخص مضمرا أيضا.
وذهب الأخفش إلى أنه منادى. قال: ولا ينكر أن ينادي الإنسانُ نفسَه، ألا ترى إلى قول عمر رضي الله عنه: "كل الناس أفقه منك يا عمر".
وذهب السيرافي إلى أن "أيا" في الاختصاص معربة، وزعم أنها تحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير: أنا أفعل كذا، هو أيها الرجل، أي: المخصوص به.
والثاني: أن يكون مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: أيها الرجل المخصوص أنا المذكور.
والأكثر في هذا الاختصاص أن يلي ضمير متكلم كما سبق، وقد يلي ضمير مخاطب كقولهم: "بك اللهَ نرجو الفضلَ" و"سبحانك الله العظيمَ"، ولا يكون بعد ضمير غائب.
__________
= اللغة: "الضباب" -بفتح الضاد وتخفيف الباء- هو شيء كالغبار يكون في أطراف السماء.
المعنى: ضرب الضباب مثلا لغمة الأمر وشدته أي: بنا تكشف الشدائد في الحرب وغيره.
الإعراب: "بنا" جار ومجرور متعلق بيكشف "تميما" منصوب على الاختصاص، والتقدير: أخص تميما "يكشف" فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة الظاهرة "الضباب" نائب فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد: قوله: "تميما" فإنه منصوب على الاختصاص، والتقدير: أخص تميما.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 479/ 2، وذكره سيبويه 255، 327/ 1 والسيوطي في الهمع 171/ 1، والشاهد 150 في الخزانة.(3/1151)
وأما ما وقع في الكتاب "على المضارب الوضيعة أيها البائع"1 فقال الفارسي: لا علم لي بوجه ذلك، وفي كتاب الصفَّار: أن هذا فساد وقع في الكتاب وقد أول بأنه وضع الظاهر موضع المضمر، ويكون المعنى: عليَّ الوضيعة أيها البائع، وقد روي كذلك.
ولما ذكر أن الاختصاص كالنداء في الصورة نبه على أنه قد خالف النداء من ثلاثة أوجه:
الأول: أنه لا يستعمل معه "يا" ولا غيرها من حروف النداء، وإلى هذا أشار بقوله: "دون يا".
الثاني: أنه لا يستعمل مبدوءا به، فهم ذلك من قوله: "بإثر ارجونيا".
الثالث: أنه استعمل معرفا بأل، وإلى هذا اشار بقوله:
وقد يُرى ذا دون أي تِلْوَ أل ... كمثل نحنُ العرب أسخى مَن بَذَلْ
إنما قال "دون أي" لأن استعمال المعرف بأل صفة لأي مشترك بين النداء والاختصاص نحو: "يأيها الرجل".
قلت: وجه رابع، وهو أن "أيا" توصف في النداء باسم الإشارة، وهنا لا توصف باسم الإشارة.
ووجه خامس: وهو أن المازني أجاز نصب صفة أي في النداء، ولم يحكوا هنا خلافا في وجوب رفع صفتها، وفي الارتشاف: لا خلاف في متبوعها أنه مرفوع.
__________
1 فالمضارب لفظ غيبة لأنه ظاهر؛ لكنه في معنى على أو عليك. قاله الهمع.(3/1152)
التحذير والإغراء:
إياك والشرَّ ونحوَه نَصَبْ ... مُحذِّرٌ بما استتارُه وَجَبْ
إنما ذكر التحذير والإغراء بعد باب النداء؛ لأن الاسم في التحذير والإغراء مفعول به بفعل لا يجوز إظهاره كالمنادى، على تفصيل سيأتي.
والتحذير: هو تنبيه المخاطب على مكروه يجب الاحتراز منه، ويكون بثلاثة أشياء: بإياك وأخواته، وبما ناب عنها من الأسماء المضافة إلى ضمير المخاطب، وبذكر المحذر منه.
فإن كان بإياك وأخواته وجب إضمار ناصبه مطلقا، أعني في إفراده وتكراره والعطف عليه، وقد مثل العطف "عليه"1 بقوله: "إياك والشر" فإياك مفعول بفعل واجب الإضمار تقديره: اتق، ونحوه.
فإن قلت: هل يقدر قبل إياك أو بعده؟
قلت: قيل: يجب تقديره بعده؛ لأنه لو قدر قبله لاتصل به فيلزم تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل، وذلك خاص بأفعال القلوب وما ألحق بها.
وقيل: كان الأصل: اتقِ نفسك، فلما حذف الفعل استغني عن النفس وانفصل الضمير.
واختلف في إعراب ما بعد الواو. فقيل: هو معطوف على إياك، والتقدير: اتقِ نفسك أن تدنو من الشر والشر أن يدنو منك. "وهذا"2 مذهب كثير منهم السيرافي واختاره ابن عصفور.
فإن قلت: كيف جاز عطفه على إياك وهما مختلفان في الحكم؛ لأن الأول محذر والثاني محذر منه؟
__________
1 أ، ج.
2 أوفي ب، ج "وهو".(3/1153)
قلت: الجواب أنه لا يلزم اشتراك المعطوف والمعطوف عليه إلا في المعنى الذي كان إعرابه بسببه، والتقدير السابق يوضح ذلك.
وذهب ابن طاهر وابن خروف إلى أن الثاني منصوب بفعل آخر مضمر، فهو عندهما من قبيل عطف الجمل، واختار في شرح التسهيل مذهبا ثالثا وهو أن الثاني معطوف عطف مفرد لا على التقدير الأول، بل على تقدير: اتقِ تلاقي نفسك والشر، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، قال: ولا شك في أن هذا أقل تكلفا فكان أولى.
ومثال التكرار: "إياك إياك من الشر"، ومثال الإفراد: "إياك من الشر".
وقد نبه على وجوب إضمار ناصب "إيا" في الإفراد بقوله:
ودون عطف ذا لإيا انْسُبْ ... ........................
وإن كان التحذير بغير "إيا" لم يلزم الإضمار إلا مع العطف نحو: "مازِ رأسك والسيف، والشيطان وكيده".
أو التكرار نحو: "رأسك رأسك" و"الأسد الأسد".
فإن عدم العطف والتكرار جاز الإظهار والإضمار نحو: "رأسك" وإن شئت: قِ رأسك والأسد، وإن شئت: احذر الأسد، وإلى هذا أشار بقوله:
................... وما ... سواه سَتْرُ فعله لن يلزما
إلا مع العطف أو التكرار
ومثل التكرار بقوله:
............................. ... كالضيغمَ الضيغمَ يا ذا الساري
والضيغم: الأسد.
فإن قلت: ما علة التزام الإضمار مع "إيا" مطلقا، ومع غيرها في العطف والتكرار؟
قلت: علة التزامه مع "إيا" كثرة الاستعمال فشابهت بذلك الأمثال، وغيرها ليس كذلك، إلا أن العطف والتكرار جعلا كالبدل من اللفظ بالفعل؛ فذلك وجب إضماره معهما.(3/1154)
تنبيهات:
الأول: أجاز بعضهم إظهار العامل مع المكرر، وقال الجزولي: يقبح ولا متنع.
الثاني: شمل قوله: "وما سواه" يعني: النوعين المتقدم ذكرهما، أعني: ما ناب عن إيا من الأسماء المضافة إلى ضمير المخاطب منه.
وكلامه في الكافية وشرحها يقتضي عدم لزوم الإضمار مع التكرار في الأول من هذين النوعين، فإنه قال:
ونحوُ رأسَك كإياك جُعل ... إذا الذي يُحْذَرُ معطوفا وُصِلْ
وقال في الشرح: فلو لم يذكر المعطوف جاز الإظهار والإضمار، وقد صرح الشارح بوجوب الإضمار في نحو "رأسك" رأسك؛ لأجل التكرار.
الثالث: لا يعطف في هذا الباب إلا بالواو1.
الرابع: لا يحذف العاطف بعد إياك إلا والمحذور مجرور بمن نحو: "إياك من الشر" "وتقديرها مع أن تفعل"2 كاف نحو: "إياك أن تفعل" أي: من أن تفعل.
فأما بيت الكتاب وهو3:
فإياكَ إياكَ المراءَ فإنه ... إلى الشر دَعَّاءٌ وللشر جَالِبُ
__________
1 وكون ما بعدها مفعولا معه جائز، فإذا قلت: "إياك وزيدا أن تفعل كذا" صح أن تكون الواو مع. هـ أشموني.
2 أ، ج. وفي ب "وتقريرها مع أن".
3 قائله: هو الفضل بن عبد الرحمن القرشي، وهو من الطويل.
اللغة: "المراء" الجدال والمعارضة بالباطل "دعاء" صيغة مبالغة من دعا فلان فلانا: إذا طلب حضوره "جالب" مسبب له، من جلبه: إذا ساقه وجاء به.
المعنى: أحذرك الجدال والمعارضة مع الناس من غير وجه حق، فإن ذلك كثيرا ما يجر إلى الشرور ويسبب للإنسان متاعب.
الإعراب: "فإياك" منصوب على التحذير بفعل محذوف وجوبا "إياك" الثانية توكيد للأول. "المراء" مفعول ثانٍ لفعل التحذير المحذوف -أي: أحذر المراء- "فإنه" الفاء للتعليل وإن واسمها "إلى الشر" متعلق بدعاء الواقع خبرا لإن "وللشر" جار ومجرور متعلق بجالب المعطوف بالواو على دعاء.
الشاهد: قوله "إياك" فإنه تحذير ومعناه احذر.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 480/ 2، وابن هشام 148/ 3، وذكره سيبويه 141/ 2، وشرح المفصل 25/ 2، وفي المغني 190/ 2، والشاهد 167 في الخزانة.(3/1155)
فقيل: هو على حذف الجار للضرورة، وقيل: على حذف العاطف للضرورة أيضا، وقيل: إنه بدل من إياك، وقيل: أضمر له ناصب آخر بعد إياك، فقوله: إياك إياك مستقل بنفسه، ثم أضمر بعد إياك فعلا تقديره: اتقِ المراء، على هذا حمله سيبويه.
قال في شرح التسهيل: وعلى كل حال فلا يجوز مثل هذا إلا في الشعر. انتهى.
وقوله: في باب التحذير من التسهيل1: ولا يحذف العاطف بعد إيا إلا والمحذر منصوب بإضمار فعل أو مجرور بمن. يقتضي جواز إياك المراء ونحوه على إضمار فعل؛ لتسويته بينه وبين الجر بمن.
قال أبو البقاء العكبري: في نحو: "إياك الشر" المختار عندي أن يضمر له فعل يتعدى إلى مفعولين نحو: "جنب نفسك الشر" "فإياك في موضع نفسك"2، ومثل الشارح إفراد إيا بقوله: "إياك الشر" وقال: تقديره أحذرك الشر، وهو نظير "إياك المراء" وظاهر تقديره أن الناصب لهما فعل واحد متعد إلى اثنين فهو نحو مما قاله أبو البقاء.
فإن قلت: إذا جعل ناصب المراء فعلا مضمرا بعد إياك فهل يكون إضماره واجبا أم جائزا؟
قلت: قال ابن عصفور: إن حذفت الواو لم يلزم إضمار الفعل نحو: "فإياك إياك المراء".
تقديره: دَعِ المراء، ولو كان في الكلام لجاز إظهار هذا الفعل. انتهى.
وشذ إياي، وإياه أشذ ... ....................
__________
1 التسهيل ص192.
2 ب، ج.(3/1156)
الشائع في التحذير أن يراد به المخاطب.
وقد ورد للمتكلم كقول من قال: "إيايَ وأن يحذِفَ أحدُكم الأرنبَ"1 أي: إياى نح عن حذف الأرنب ونح حذف الأرنب عن حضرتي، فعلى هذا هو جملة واحدة. وقال الزجاج: إن ذلك جملتان، والتقدير: إياي وحذف الأرنب وإياكم وحذف أحدكم الأرنب، فحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني "وحذف"2 من الثاني ما أثبت نظيره في الأول، وقال بعضهم: إياي ليس على "معنى فعل أمر بل على معنى"3 إياي باعد، فجعله خبرا. وقد ورد للغائب في قولهم: "إذا بلغ أحدكم الستين فإياه وإيا الشواب"4، وإليه أشار بقوله: "وإياه أشذ" أي: أشذ من إياي، وفي هذا المثل شذوذ من وجه آخر، وهو إضافة "إيا" إلى الظاهر.
وعن سبيل القَصْد مَنْ قاس انتبَذْ
يقتضي منع القياس "على إياي وعلى إياه فلا يستعمل إلا حيث سمع"5.
"قلت: ظاهر كلامه في التسهيل جواز القياس"6 على المتكلم؛ لأنه قال بنصب تحذير إياي وإيانا معطوفا عليه المحذور، فلم يصرح بشذوذه، وذكر إيانا معه.
وكمُحذِّرٍ بلا إيا اجْعَلا ... مُغْرًى به في كل ما قصد فُصِّلا
الإغراء: إلزام المخاطب العكوف على ما يُحمد عليه، والمغرى به: منصوب بفعل مضمر، وحكم ناصبه في وجوب الإضمار وجوازه كحكم ناصب المحذر به، فيجب إضماره مع العطف نحو: "الأهل والولد" والتكرار نحو7:
__________
1 ينهى عن حذف الأرنب وغيره بنحو حجر، فإن ذلك لا يحله.
2 أ، ج.
3 أ، ج وفي ب "فعل أمر على معنى".
4 قول سمع عن العرب كما قال سيبويه، والشواب: جمع شابة، ومعناه: إذا بلغ الرجل ستين سنة فلا ينبغي له أن يولع بشابة.
5 ب.
6 ب.
7 قائله: هو مسكين الدارمي، وهو من الطويل.
وتمامه:
........... إن من لا أخا له ... كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح =(3/1157)
أخاكَ أخاكَ........... ... .......................
ولا يجب مع الإفراد بل يجوز إظهاره نحو: الزم أخاك. إلا أن الإغراء لا يكون بلفظ إياك وأخواته، فلهذا قال: بلا إيا.
تنبيه:
قد يرفع المكرر في الإغراء والتحذير كقوله1:
لجديرون بالوفاء إذا قا ... ل أخو النجدة السلاحُ السلاحُ
وأجاز الفراء الرفع في قوله: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} 2 على إضمار هذه.
__________
= اللغة: "الهيجا" الحرب، وهي تمد وتقصر.
المعنى: الزم أخاك ولا تفارقه واحرص عليه، فالشخص الذي ليس له أخ يعينه ويقصده كمن يذهب إلى الحرب وليس معه عدتها ولا أداتها.
الإعراب: "أخاك" منصوب على الإغراء بتقدير الزم محذوفا وجوبا للتكرار "أخاك" الثاني توكيد "من" اسم موصول اسم إن "لا" نافية للجنس "أخا" اسمها مبني على فتح مقدر على الألف "له "جار ومجرور خبرها، وقيل: الأحسن أن يكون خبر لا محذوفا و"أخا" مضاف إلى ضمير "له" واللام زائدة، أي: إن لا أخاه موجود، والجملة ومعمولاها صلة الموصول "كساع" متعلق بمحذوف خبر إن "إلى الهيجا" متعلق به.
الشاهد: قوله: "أخاك" فإنه نصب على الإغراء بعامل واجب الحذف لأنه مكرر، أي: الزم أخاك.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 482/ 2، وابن هشام 288/ 3، والسيوطي ص170/ 1، وفي شذور الذهب ص23، والقطر ص296، والشاهد 176 في الخزانة.
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف.
وقبله:
إن قوما منهم عمير وأشبا ... هـ عمير ومنهم السفاح
اللغة: "لجديرون" لائقون حريون "أشباه" أمثال "بالوفاء" ويروى باللقاء "النجدة" الشجاعة.
الإعراب: "لجديرون" اللام للتوكيد وجديرون خبر إن -في البيت قبله- "بالوفاء" جار ومجرور متعلق بجديرون "إذا" للشرط "قال" فعل ماض "أخو" فاعل مرفوع بالواو "النجدة" مضاف إليه، وجواب الشرط محذوف دل عليه قوله لجديرون "السلاح" مقول القول.
الشاهد: قوله: "السلاح" إذ أصله خذ السلاح؛ لأن مقول القول يكون جملة ثم رفع؛ لأن العرب ترفع ما فيه معنى التحذير، وإن كان حقه النصب.
2 من الآية 13 من سورة الشمس.(3/1158)
أسماء الأفعال والأصوات:
الكلام على أسماء الأفعال يحتاج إلى مقدمة تشمل ثلاث مسائل:
الأولى: مذهب جمهور البصريين أنها أسماء، وقال بعض البصريين: أفعال استعملت استعمال الأسماء، وذهب الكوفيون إلى أنها أفعال حقيقية، والصحيح أنها أسماء لقبولها بعض علامات الأسماء كالتنوين والتصريف، ولعدم قبولها علامات الأفعال، ولورودها على أوزان تخالف أوزان الأفعال.
الثانية: اختلف القائلون باسميتها في مدلولها، فقيل: مدلولها لفظ الفعل لا الحدث والزمان، بل تدل على ما يدل على الحدث والزمان، وقيل: مدلولها المصادر إلا أنها دخلها معنى الأمر ومعنى الوقوع بالمشاهدة. ودلالة الحال في غير الأمر فتبعه الزمان، وقيل: إنها دالة على ما يدل عليه الأفعال من الحدث والزمان، إلا أن دلالتها على الزمان بالوضع لا بالصيغة. قيل: وهو ظاهر مذهب سيبويه وأبي علي وجماعة. فهذه ثلاثة مذاهب، فصَهْ مثلا على الأول اسم للفظ اسكت، وعلى الثاني اسم لقولك سكوتا، وعلى الثالث اسم لمعنى الفعل، إلا أن دلالة الفعل على الزمان بالصيغة، ودلالتها على الزمان بالوضع.
الثالثة: ذهب كثير منهم الأخفش إلى أن أسماء الأفعال لا موضع لا من الإعراب، وهو مذهب المصنف ونسبه بعضهم إلى الجمهور، وذهب المازني ومن وافقه إلى أنها في موضع نصب، ونقل عن سيبويه وعن الفارسي القولان، وذهب بعض النحويين إلى أنها في موضع رفع بالابتداء، وأغنى مرفوعها عن الخبر كما أغنى في "أقائم الزيدان" وقد عرفهما بقوله:
ما ناب عن فعل كشَتَّان وصَهْ ... هو اسم فعل وكذا أوَّهْ ومَهْ
قوله: "ما ناب عن فعل" جنس يشمل اسم الفعل وغيره مما ينوب عن الفعل، وقوله: "كشتان وصه" يعني كونه غير معمول ولا فضلة، وهو تمثيل تمم به الحد، فخرج به ما ناب عن الفعل وهو معمول كالمصدر العامل، أو فضلة كالحرف العامل عمل الفعل، فإنهما ليسا كشتان وصه، وهذا قوله في الكافية: نائب فعل غير معمول ولا فضلة اسم الفعل.(3/1159)
تنبيه:
اسم الفعل نوعان: أحدهما: ما كان في الأصل ظرفا "ومجروره"1 أو حرف جر ومجروره، وسيأتي. والآخر: ما ليس كذلك، وهو ضربان: ضرب مختلف في القياس عليه، وضرب مقصور على السماع.
فالمختلف في قياسه ثلاثة أنواع:
الأول: بناء فعال من الثلاثي المجرد. مذهب سيبويه والأخفش أنه مقيس، ومذهب المبرد أنه لا يقاس عليه.
الثاني: بناء فعال من أفعل أجاز ابن طلحة القياس عليه، كما أجاز البناء منه في التعجب، وقد سمع منه دراك من أدرك.
الثالث: بناء فعلال من الرباعي أجازه الأخفش قياسا على ما سمع من قولهم: "قَرْقار" و"عَرْعَار"2. ومذهب سيبويه أن ذلك لا يقاس عليه، وهو الصحيح لقلته، وأنكر المبرد سماع اسم الفعل من الرباعي، وذهب إلى أن "قرقار" و"عرعار" حكايتا صوت.
وأما المتفق على قصره على السماع. فما عدا هذه الأنواع، وهو ألفاظ كثيرة، وأنا أشرح منها ما اشتمل عليه النظم إن شاء الله تعالى.
وقد اشتمل هذا البيت على أربعة ألفاظ "منها"3 وهي: شتان، وصه، وأوه، ومه.
فأما "شتان" فهي اسم فعل بمعنى تباعد أو افتراق، وذهب أبو حاتم والزجاج إلى أن "شتان" مصدر جاء على فعلان، وهو واقع موقع الفعل، فيقال: "شتان زيد وعمرو" و"شتان ما زيد وعمرو" بزيادة "ما" و"شتان ما بين زيد وعمرو". ونقل ابن عصفور وغيره أن الأصمعي منع "شتان ما بين زيد وعمرو"، ورد عليه
__________
1 ب، ج.
2 قرقار بمعنى قرقر، أي: صوت، وعرعار بمعنى عرعر أي: العب.
3 أ.(3/1160)
بأنه مسموع، ونقل صاحب البسيط أن الأصمعي جوَّز أن يكون بمعنى بَعُد، فتقول: "شتان ما بين زيد وعمرو"، وإن غيره منع ذلك.
وأما "صه" فاسم فعل بمعنى اسكت، ويقال: صِهْ بكسر الهاء غير منونة، وصهٍ بالتنوين.
وسيأتي أن ما نون فهو نكرة وما لم ينون فهو معرفة، وقد يقال: صاه بالألف قبل الهاء الساكنة.
وأما "أوه" فاسم فعل بمعنى أتوجع، وفيه لغات أخر:
أوَّهْ، أوِّهِ، آوْهْ، أوَّهِ، أوَّتَاهْ، آوَّتَاهُ، آهْ، آهِ، أَوِّ، آوِّ، أووه، أَوَأَهْ.
وإذا صرف الفعل منه قيل: أوَّه وتأوه.
وأما "مه" فاسم فعل بمعنى انكفف لا بمعنى اكفف؛ لأنه متعد ومه لا يتعدى، ويقال: مِهِ بالكسر، ومِهٍ بالتنوين، كما تقدم في صه.
وما بمعنى افْعَلْ كآمينَ كَثُرْ ... وغيرُهُ كَويْ وهيهات نَزُرْ
اسم الفعل ثلاثة أضرب: ضرب بمعنى الأمر وهو كثير، وضرب بمعنى المضارع، وضرب بمعنى الماضي، وكلا هذين الضربين قليل، ومن الذي بمعنى الأمر مقيس كما تقدم، وليس في الذي بمعنى المضارع والماضي شيء يقاس عليه، ومثل الأمر بآمين والمضارع بوي والماضي بهيهات.
أما "آمين" فاسم فعل بمعنى استجب، وفيه لغتان المد والقصر خلافا لابن درستويه في تخصيصه القصر بالضرورة، وإذا مد فقيل وزنه فايل وهو أعجمي. وقيل: أصله القصر ووزنه فعيل والمد إشباع؛ لأنه ليس في كلام العرب أفعيل ولا فاعيل ولا فيعيل. حكي ذلك عن أبي علي، وحكى القاضي عياض عن الداودي آمين -بالمد والتشديد- وقال: إنها لغة شاذة، وذكر ثعلب وغيره أن تشديد الميم خطأ.
وأما "وَيْ" فهو اسم فعل بمعنى أعجب و"أن"1 مثلها وا، وواهَا.
__________
1 أ.(3/1161)
قال في شرح الكافية: ووي ووا وواها بمعنى أعجب، وقال غيره: وي بمعنى أعجب وفيها تندم. ووا بمعنى التعجب والاستحسان.
قال1:
وَا بأبي أنْت وفُوكِ الأشْنَبُ
وتلحق وي كاف الخطاب كقول عنترة2:
قيل الفوارس وَيْكَ عنتر أقدم
__________
1 قائله: ينسب لراجز من تميم، وهو من الرجز.
وبعده:
كأنما ذُرَّ عليه الزرنب ... أو زنجبيل وهو عندي أطيب
اللغة: "فوك" فمك "الأشنب" من الشنب وهو عذوبة ماء الفم مع رقة الأسنان "ذر" فرق ورش "الزرنب" نبت من نبات البادية طيب الرائحة.
المعنى: يعجب من جمال محبوبته ويقول لها: أفديك بأبي ويصف فمها بالعذوبة ورقة الأسنان والرائحة الطيبة.
الإعراب: "وا" اسم فعل مضارع بمعنى أعجب والفاعل أنا "بأبي" جار ومجرور خبر مقدم "أنت" مبتدأ مؤخر "وفوك" الواو للاستئناف فوك مبتدأ مرفوع بالواو والكاف مضاف إليه "الأشنب" صفة له "كأنما" كأن حرف تشبيه ونصب "ما" كافة "ذر" فعل ماض مبني للمجهول "عليه" جار ومجرور متعلق بذر "الزرنب" نائب فاعل والجملة خبر فوك.
الشاهد: قوله "وا" فإنه اسم فعل مضارع بمعنى أعجب.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 486/ 2، وابن هشام 292/ 3، وذكره السيوطي في الهمع 160/ 2.
2 قائله: هو عنترة بن شداد العبسي، وهو من الكامل.
وصدره:
ولقد شَفَى نفسي وأبرأ سُقْمَها
اللغة: "قيل" بكسر القاف بمعنى يقول، ويروى: "قول الفوارس".
الإعراب: "ولقد" اللام للتأكيد وقد للتحقيق "شفى" فعل ماض "نفسي" مفعول به والياء مضاف إليه "وأبرأ" فعل ماض عطف على شفى "سقمها" مفعول به والهاء مضاف إليه "قيل" تنازع فيه الفعلان شفى وأبرأ فأعمل الثاني وأضمر في الأول "الفوارس" مضاف إليه "ويك" أصله ويلك والكاف للخطاب مجرورة بالإضافة "عنتر" منادى مرخم يا عنترة فحذف منه حرف النداء "أقدم" أمر من قدُم يقدُم بالضم فيهما.
الشاهد: قوله: "ويك" حيث دخلت على "وي" كاف الخطاب.
مواضعه: ذكره الأشموني في 486/ 2، وفي شرح المفصل 77/ 4.(3/1162)
وزعم الكسائي أن ويك محذوفة من ويلك، فالكاف على قوله ضمير مجرور، وأما قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} 1.
قال الخليل وسيبويه: هي وي، ثم قال: كأن الله يبسط، وقال أبو الحسن: هي ويك بمعنى أعجب كأن الله "يبسط".
وأما "هيهات" فاسم فعل بمعنى بَعُدَ خلافا لأبي إسحاق2؛ إذ جعلها بمعنى البعد، وزعم أنها في موضع رفع نحو قوله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} 3 وخلافا للمبرد إذ زعم أنها ظرف غير متمكن وبنى لإبهامه، وتأويله عنده في البعد4. ويفتح الحجازيون "تا" هيهات فيقفون بالهاء، ويكسرها تميم وأسد ويقفون بالتاء وبعضهم يضمها، وإذا ضمت فمذهب أبي علي أنها تكتب بالتاء، ومذهب ابن جني أنها تكتب بالهاء، وحكى الصغاني5 فيها ستا وثلاثين لغة: هيهات، وأيهات، وهيان، وأيهان، وهيهاه، وأيهاه، وكل واحدة من هذه الستة مضمومة الآخر ومفتوحته ومكسورته، وكل واحدة منها منونة وغير منونة، فتلك ستة وثلاثون وجها.
وحكى غيره "فيها"6 هيهاتا وإيهاك، والكاف للخطاب، وأيهاه وأيها وهيهاه، وقرأ عيسى بن عمر الهمداني
"هيهات هيهات" على نية الوقف.
والفعل من أسمائه عليكا ... وهكذا دونك مع إليكا
يعني: أن من اسم الفعل نوعا هو في الأصل جار ومجرور أو ظرف ومجروره، فالأول عليك وكذاك وكما أنت.
__________
1 من الآية 82 من سورة القصص.
2 إبراهيم بن أحمد بن يعقوب أبو إسحاق شيخ النحاة والقراء، ولد بإشبيلية سنة إحدى وأربعين وستمائة ومات سنة عشر وسبعمائة.
3 من الآية 36 من سورة المؤمنون.
4 يعني أن معنى هيهات عند المبرد: في البعد، وهيهات على هذا خبر مقدم واللام زائدة وما مبتدأ مؤخر والتقدير: ما توعدون مستقر في البعد.
5 هو الحسن بن محمد بن الحسن الصغاني حامل لواء اللغة في زمانه، ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وتوفي سنة خمسين وستمائة.
6 ب، ج.(3/1163)
والثاني: عندك ولديك ودونك ووراءك وأمامك ومكانك وبعدك، هذا هو المسموع.
فعليك بمعنى الزم ويتعدى بنفسه، قال الله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} 1 وبالباء تقول: "عليك بزيد".
وإليك بمعنى تَنَحَّ، وهو لازم عند البصرين، وزعم ابن السكيت والكوفيون أنها تتعدى فتقول: "إليك زيدا" أي: أمسك زيدا، وكذاك بمعنى أمسك.
كقوله2:
......................... ... كذاك القول إن عليك عينا
وكما أنت بمعنى انتظر، حكى الكسائي "كما أنت زيدا" أي: انتظر زيدا، وكما أنتني أي: انتظرني، وعندك بمعنى خذ، وهي متعدية وترد بمعنى توقف، فتكون لازمة، ولديك بمعنى خذ، وهي متعدية تقول: "لديك زيدا".
ودونك بمعنى خذ فتتعدى، وبمعنى تأخر أيضا، ولا يتعدى، ووراءك بمعنى تأخر، وأمامك بمعنى تقدم، ومكانك بمعنى اثبت. وسمع الفراء مكانني أي: انتظرني، فتكون ذات تعد ولزوم، وبعدك بمعنى تأخر، وحكى الكسائي الإغراء ببين، وسمع من كلامهم: "بينكما البعير فخذاه" ولا حجة فيه لجواز أن يكون من باب الاشتغال.
__________
1 من الآية 105 من سورة المائدة.
2 قائله: هو جرير بن عطية من قصيدة يهجو فيها الفرزدق والبعيث، وهو من الوافر.
وصدره:
يَقُلْن وقد تلاحقت المطايا
الإعراب: "يقلن" فعل وفاعل "وقد" الواو حالية قد حرف تحقيق "تلاحقت" فعل ماض والتاء للتأنيث "المطايا" فاعل والجملة في محل نصب حال "كذاك" اسم فعل "القول" مفعول كذاك "إن" حرف توكيد ونصب "عليك" جار ومجرور خبر مقدم لإن "عينا" اسم منصوب.
الشاهد: قوله: "كذاك" فإنه اسم فعل ومعناه أمسك.(3/1164)
تنبيهات:
الأول: لا يُستعمل هذا النوع في الغالب إلا متصلا بضمير المخاطب، وشذ عليَّ بمعنى أولني، وإلي معنى أتنحى، وعليه بمعنى ليلزم.
الثاني: أجاز الكسائي قياس بقية الظروف على المسموع بشرط الخطاب نحو: خلفك وقدامك، ونقله بعضهم عن الكوفيين، ومذهب البصريين قصر ذلك على السماع.
الثالث: اختلف في كاف عليك وأخواته فذهب الكسائي أنها في موضع نصب، ومذهب الفراء أنها في موضع رفع، ومذهب البصريين أنها في موضع جر، وهو الصحيح لأن الأخفش روى عن عرب فصحاء "عَليَّ عبدِ الله زيدًا" بجر عبد الله، فتبين أن الضمير مجرور الموضع، وذهب ابن بابشاذ إلى أنها حرف خطاب، فلا موضع لها من الإعراب.
الرابع: في كل واحد من هذه الأسماء مع الضمير "المجرور"1 ضمير رفع مستتر هو الفاعل، فلك في التوكيد أن تؤكد الكاف بالمجرور فتقول: "عليك نفسك" وأن تؤكد المستتر بالمرفوع فتقول: "عليك أنت نفسك" ولا بد من تأكيده بالمرفوع المنفصل.
كذا رُوَيْدَ بَلْهَ نَاصِبَيْنِ ... ويَعَمْلانِ الخفضَ مصدَرَيْنِ
"رويد" يستعمل أمرا وغير أمر، فإذا استعمل أمرا فله حالان:
أحدهما: أن يكو مبنيا على الفتح، وإن وليه مفعول نصب نحو "رُويدَ زيدا" فهو هاهنا اسم فعل بمعنى أمهل؛ لأنه لو كان مصدرا لكان معربا، وذكر بعضهم أنه يرد بمعنى دع، ومنه: لو أردت الدراهم لأعطيتك رويد الشعر -أي: فدع الشعر- وما زائدة، ويجوز ألا تزاد كما قال2:
رويدَ بني شيبان بعض وعيدكم ... .............................
__________
1 أ، ج وفي ب "المجرد".
2 قائله: هو ودَاك بن نميل المازني، وهو من الطويل.
وتمامه:
تلاقُوا غدًا خَيْلي على سَفَوانِ =(3/1165)
والآخر: أن يكون معربا منصوبا إما مضافا نحو: "رُويدَ زيد"، وإما منونا منصوبا نحو: "رويدًا زيدًا" فهو هاهنا مصدر؛ لأنه لو كان اسم فعل لكان مبنيا.
وإذا أضيف فتارة يضاف إلى فاعله نحو: "رويد زيد عمرًا" وتارة إلى مفعوله نحو: "رويد زيدٍ".
قيل: ومن الإضافة إلى فاعله قولهم: "رويدك زيدًا" ويحتمل أن يكون اسم فعل، والكاف للخطاب.
وإذا نون نصب المفعول، ومنع المبرد النصب "به"1؛ لكونه مصغرا ورويد تصغير إرواد مصدر رود أي: أمهله تصغير ترخيم، وذهب الفراء إلى أن تصغير رَوْدِ بمعنى المهل، ورد بأن رويدًا يتعدى.
وإذا استعمل غير أمر فله حالان:
أحدهما: أن يكون حالا كقولهم: "ساروا رويدا" فقيل: هو حال من الفاعل أي: مُرْوِدِين.
وقيل: من ضمير المصدر المحذوف أي: ساروه رويدا.
والآخر: أن يكون نعتا إما لمصدر مذكور نحو: "ساروا سيرا رويدا" وإما لمصدر محذوف نحو: "ساروا رويدا" وضعف كونه نعتا لمصدر محذوف؛ لأنه صفة غير خاصة بالموصوف.
واختلفوا في "رويد" الواقع نعتا، فقيل: هو الذي يستعمل مصدرا وصف به كما وصف برضى.
__________
= اللغة: "رويد" دع أو اترك "سفوان" بفتح السين والفاء: اسم موضع.
الإعراب: "رويد" معناه أميل ومعناه هنا دع أو اترك والفاعل ضمير "بنى" منادى منصوب حذف منه حرف النداء "شيبان" مضاف إليه -نداء جيء به بين الفعل ومعموله- "بعض" مفعول به لوريد "وعيدكم" مضاف إليه وكم مضاف إلى وعيد "تلاقوا" فعل مضارع وفاعله وهو مجزوم في جواب الأمر "غدا" منصوب على الظرفية "خيلي" مفعول به لتلاقوا والياء مضاف إليه "على سفوان" متعلق بتلاقوا.
الشاهد: قوله: "رويد بني شيبان" حيث جاء رويد من غير زيادة كلمة ما بعده.
مواضعه: ذكره ابن هشام في المغني 86/ 2، وفي شرح المفصل 41/ 4.
1 أ، ج.(3/1166)
وقيل: تصغير رَوْد تصغير الترخيم وليس بمصدر.
وأما "بله" فيكون اسم فعل بمعنى دع وهو مبني نحو: "بله زيدا" وتكون مصدرا بمعنى ترك النائب عن اترك، فتستعمل مضافة نحو: "بله زيد" وهو مضاف إلى المفعول، وقال أبو علي: إلى الفاعل، وروى أبو زيد فيه القلب إذا كان مصدرا تقول: "بَهْلَ زيد" وحكى أبو الحسن الهيثم فتح الهاء واللام فتقول: "بَهْلَ زيدٍ" وأجاز قطرب وأبو الحسن أن يكون بمعنى كيف فتقول: "بله زيد" ويروى1:
....................... ... بَلْهَ الأكفَّ كأنها لم تُخْلَق
بالنصب على أنها اسم فعل، وبالجر على أنها مصدر، وبالرفع، فقيل: هي اسم فعل بمعنى اترك.
وقيل: بمعنى كيف، وأنكر أبو علي الرفع بعدها، وذهب بعض الكوفيين إلى أن "بله" بمعنى غير، فمعنى: بله الأكف غير الأكف، وذهب الأخفش إلى أنها حرف جر، وعدها الكوفيون والبغداديون من أدوات الاستثناء، فأجازوا النصب بعدها على الاستثناء.
وما لِمَا تنوبُ عنه مِن عَمَلْ ... لها وأخِّرْ ما لذِي فيه العَمَلْ
__________
1 قائله: هو كعب بن مالك الأنصاري يصف السيوف، وهو من الكامل.
وصدره:
تذَرُ الجماجمَ ضاحيًا هاماتُها
اللغة: "تذر" تترك وتدع "الجماجم" -جمع جمجمة- وهي عظام الرأس "بله الأكف" أي: اتركها ولا تذكرها في كلامك لأنها طائحة لا محالة.
الإعراب: "تذر" فعل مضارع فاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هي يعود إلى السيوف في بيت قبله "الجماجم" مفعول به "ضاحيا" حال من المفعول به "هاماتها" هامات فاعل بضاح وضمير الغائبة العائد إلى الجماجم مضاف إليه "بله" اسم فعل أمر وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت "الأكف" مفعول به لبله "كأنها" كأن حرف تشبيه ونصب والضمير العائد إلى الأكف اسم كأن "لم" نافية جازمة "تخلق" فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر لأجل الروي، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى الأكف، وجملة الفعل ونائب الفاعل في محل رفع خبر كأن.
الشاهد: قوله: "بله الأكف" حيث استعمل بله اسم فعل أمر ونصب ما بعده على أنه مفعول به.
مواضعه: ذكره الأشموني 488/ 2، وابن هشام في الشذور ص414، وفي المغني 105/ 1، وشرح المفصل 47/ 4، والشاهد 456 في الخزانة.(3/1167)
يعني: أن أسماء الأفعال تعمل عمل الأفعال التي تنوب عنها فترفع الفاعل ظاهرا نحو: "هيهات زيد" ومضمرا نحو: "نزال"، وتنصب المفعول إن نابت عن متعد، وتتعدى إليه بحرف الجر إن نابت عما يتعدى به، وينبغي أن يقول: غالبا، كما قال في التسهيل احترازا من "آمين" فإنها لم يحفظ لها مفعول، وفعلها يتعدى.
وقوله: "وأخر ما لذى فيه العمل" يعني: أنه يجب تأخير معمول أسماء الأفعال، ولا يسوى بينها وبين أفعالها في جواز التقديم، فلا يقال: "زيدا دراكِ" قال الشارح: هذا مذهب جميع النحويين إلا الكسائي فإنه أجاز فيه ما يجوز في الفعل من التقديم والتأخير. انتهى.
ونقله بعضهم عن الكوفيين.
تنبيه:
مذهب المصنف جواز إعمال اسم الفعل مضمرا، وقال في شرح الكافية: إن إضمار اسم الفعل مقدما لدلالة متأخر عليه جائز عند سيبويه. انتهى.
ومنع كثير من النحويين حذفه وإبقاء معموله، وتأول كلام سيبويه.
واحْكُم بتنكير الذي يُنون ... منها وتعريف سواه بَيِّنُ
ما نون من أسماء الأفعال فهو نكرة وما لم ينون فهو معرفة وهي ثلاثة أقسام: لازم التعريف كنزال وآمين، ولازم التنكير كواها بمعنى أعجب وويها بمعنى أغْرِ وذو وجهين نحو صه ومه، وذهب قوم إلى أن أسماء الأفعال كلها معارف ما نون منها وما لم ينون تعريف علم جنس، والأول هو المشهور.
ولما فرغ من أسماء الأفعال انتقل إلى أسماء الأصوات، وهي ألفاظ أشبهت أسماء الأفعال في الاكتفاء بها، وهي نوعان:
أحدهما: ما خوطب به ما لا يعقل إما لزجر كهلا للخيل، وعدَسْ للبغل، وإما لدعاء كأو للفرس ودَوْه للربع1، وإلى هذا النوع أشار بقوله:
وما به خوطب ما لا يعقل
من مُشبه اسم الفعل صوتا يُجعل
والثاني: ما وضع لحكاية صوت يحوان نحو "غاقِ" للغراب، و"ماء" للظبية، أو غير حيوان نحو "قبْ" لوقع "السيف"2، و"طَق" لوقوع الحجر. وغلى هذا النوع أشار بقوله:
كذا الذي أجدى حكاية كقَبْ
أي: أفهم حكاية.
__________
1 الرُّبَع بضم الراء وفتح الباء: وهو الفصيل.
2 ب، وفي أ، ج "السقف".(3/1168)
ثم قال:
والزَمْ بنا النوعين فهو قد وَجَبْ
يحتمل أن يريد بالنوعين أسماء الأفعال والأصوات، ويحتمل أن يريد نوعي الأصوات، وعلة بناء أسماء الأفعال شبهها بالحروف؛ لأنها عاملة غير معمولة كما تقدم أول الكتاب، وعلة بناء أسماء الأصوات أنها ليست عاملة ولا معمولة فأشبهت الحروف المهملة فهي أحق بالبناء من أسماء الأفعال.
تنبيه:
هذه الأصوات لا ضمير فيها، بخلاف أسماء الأفعال؛ فهي من قبيل المفردات، وأسماء الأفعال من قبيل المركبات.(3/1169)
نونا التوكيد:
للفعل توكيدٌ بنونين هُما ... كنوني اذهبنَّ واقصدنهما
للتوكيد نونان ثقيلة كنون "اذهبن" وخفيفة كنون "اقصدنَهما" وهما أصلان عند البصريين لتخالف بعض أحكامهما، ومذهب الكوفيين أن الخفيفة فرع الثقلية، وذكر الخليل أن التوكيد بالثقيلة أشد من الخفيفة.
وفهم من قوله: "للفعل" اختصاصه بهما، وندر توكيد اسم الفاعل كقوله1:
أقائلُنَّ أحضروا الشهودا
يؤكدان افعل ويفعل آتيا ... ذا طلب أو شرطا إما تاليا
نونا التوكيد يؤكدان الأمر والمضارع دون الماضي؛ وقد جاء توكيد الماضي؛ لكونه مستقبل المعنى في قوله2:
دامَنَّ سعْدُكِ إن رَحمْتِ متَيَّمَا ... ...........................
__________
1 قائله: هو رؤبة بن العجاج وقيل: لشاعر من هذيل، وهو من الرجز.
وقبله:
أريتَ إن جاءت به أملودا ... مرجَّلا ويَلبسُ البرودا
اللغة: "الأملود" الناعم "مرجلا" ترجيل الشعر وإرساله بالمشط "البرود" جمع برد نوع من الثياب.
المعنى: أخبرني إن جاءت هذه المرأة بشاب حسن القوام كالغصن الناعم مرجل الشعر ليتزوجها، ولكنه فقير معدم، أأنت راض عن ذلك، آمر بإحضار الشهود لعقد نكاحها، والاستفهام إنكاري للتهكم.
الإعراب: "أقائلن" الهمزة للاستفهام قائلن خبر لمبتدأ محذوف تقديره: أفأنت قائلن، وهو مرفوع بالواو المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين والنون المحذوفة لتوالي الأمثال عوض عن التنوين في الاسم المفرد "أحضروا" فعل وفاعله "الشهودا" مفعول به، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل نصب مقول القول، وجملة المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط الذي هو "إن جاءت به".
الشاهد: قوله: "أقائلن" حيث دخلت فيه نون التوكيد، وهو اسم فاعل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 501/ 2، 16/ 1، وابن هشام 23/ 1، وابن الناظم، والسيوطي ص109، وفي همعه 79/ 2، والشاهد 950 في الخزانة.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل.
وتمامه:
لولاكِ لم يكُ للصبابة جانِحا =(3/1170)
فأما الأمر فيؤكدانه بلا شرط نحو "اضربن" وكذا الدعاء نحو1:
وأَنْزِلَنْ سكينةً عَلَيْنَا
وتوكيد الأمر بالنون جائز لا واجب.
وأما المضارع فإن كان حالا لم تدخل عليه النون؛ ولهذا قال: "آتيا"، وإن كان مستقبلا أكد بها لا مطلقا بل في مواضع مخصوصة:
__________
= اللغة: "دامن" من الدوام. ودخله نون التوكيد على وجه الشذوذ "سعدك" خطاب لمحبوبته "المتيم" -بالتشديد- من تيمه الحب إذا عبده "الصبابة" المحبة والعشق "الجانح" من جنح إذا مال.
المعنى: أدام الله سعدك إن رحمت المتيم ولولا أنتِ موجودة لم يكن المتيم مائلا للصبابة.
الإعراب: "دامن" فعل ماض والنون للتوكيد "سعدك" فاعل والكاف مضاف إليه "إن" شرطية "رحمت" فعل وفاعل -وقعت فعل الشرط- "متيما" مفعول، وجواب الشرط محذوف تقديره: أدام الله سعدك "لولاك" لولا لربط امتناع الثانية بوجود الأولى، وهي عند الجمهور جارة للضمير وموضع المجرور رفع الابتداء، والخبر محذوف وقد سد مسده جواب لولا وهي الجملة التي بعده.
وقال الخليل: لولا لا تجر، ولكنهم أنابوا الضمير المخفوض عن المرفوع "لم يك" جواب لولا ولم حرف نفي وجزم وقلب وأصله لم يكن فحذفت النون تخفيفا والضمير المستتر فيه العائد إلى المتيم هو اسم يكن "للصبابة" متعلق بجانحا "جانحا" خبر يكن.
الشاهد: قوله: "دامن" حيث دخلت فيه نون التوكيد وهو ماض.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 495/ 2، والشاطبي، وذكره ابن هشام في المغني 22/ 2، والسيوطي في الهمع 99/ 2، والشاهد 83 في الخزانة.
1 قائله: هو عبد الله بن رواحة، وقيل: لعامر بن الأكوع، وقيل: كعب بن مال، وهو من الرجز.
وصدره:
فثبت الأقدام إن لاقينا
المعنى: ثبتنا على الإسلام بإظهار دينك ونصر رسولك حتى تسكن نفوسنا إلى ذلك وتزداد إيمانا بك.
الإعراب: "ثبت" فعل أمر والفاعل ضمير مستتر "الأقدام" مفعول به "إن" شرطية "لاقينا" لاقى فعل ماض فعل الشرط ونا فاعل "وأنزلن" الواو عاطفة "وأنزلن" فعل أمر جاء للدعاء ونون للتوكيد، والفاعل ضمير مستتر "سكينة" مفعول به "علينا" جار ومجرور، وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام.
الشاهد: قوله: "أنزلن" حيث دخلت نون التوكيد الحفيفة على الأمر.
مواضعه: ذكره الأشموني 495/ 2، والسيوطي في الهمع 78/ 2، وسيبويه 150/ 2.(3/1171)
أولها: أن يكون بعدما يقتضي طلبا من لام أمر أو لا نهي أو أداة تحضيض أو عرض أو تمن أو استفهام بحرف أو باسم خلافا لمن خص ذلك بالهمزة وهل1، وقد أشار إلى هذا بقوله: "ذا طلب".
الثاني: أن يكون شرطا لأن مقرونة بما الزائدة نحو: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ} 2.
وإلى هذا أشار بقوله: "أو شرطا إما تاليا" واحترز من الواقع شرطا لغير إما فإن توكيده قليل كما سنذكر.
الثالث: أن يكون جوابا لقسم بخمسة شروط:
الأول: أن يكون مستقبلا، فإن الحال لا يؤكد بالنون كما سبق، فإذا أقسم على فعل الحال صدر باللام وحدها كقراءة ابن كثير: "لَا أُقْسِمْ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ"3. ومن منع الإقسام على فعل الحال أول الآية على إضمار مبتدأ، أي: لأنا أقسم، والمنع مذهب البصريين.
الثاني: أن يكون مثبتا، فإن كان منفيا لم تدخله النون نحو: "والله لا يقوم زيد".
وقد جاء توكيد المنفي في قوله4:
تالله لا يُحمدنَّ المرءُ مُجْتَنِبَا ... فِعْلَ الكرامِ ولو فَاقَ الورَى حَسبَا
__________
1 الأمثلة: لام الأمر نحو: "ليقومن محمد" والنهي نحو قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا} والتحضيض نحو:
هلا تُمننَّ بوعد غير مخلفة ... كما عهدتك في أيام ذي سلم
والعرض نحو: "ألا تنزلن عندنا" والتمني نحو قوله:
فليتك يوم الملتقى ترينني ... لكي تعلمي أني امرؤ بك هائمُ
والاستفهام نحو:
وهل يمنعني ارتيادي البلا ... د من حذر الموت أن يأتينْ
فأقبلْ على رهطي ورهطك نبتحث ... مساعينا حتى ترى كيف نفصلا
2 من الآية 58 من سورة الأنفال.
3 من الآية 1 من سورة القيامة.
4 قائله: لم أقف على قائله، وهو من البسيط.
الإعراب: "تالله" التاء حرف قسم ولفظ الجلالة مقسم به "لا يحمدن" لا نافية ويحمدن فعل مضارع مبني للمجهول، وهو مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد "المرء" نائب فاعل "مجتنبا" حال "فعل" مفعول مجتنبا "الكرام" مضاف إليه "ولو فاق" لو حرف امتناع وفاق فعل ماض والفاعل ضمير مستتر فيه "حسبا" تمييز.
الشاهد: قوله: "لا يحمدن" حيث أكد الفعل المنفي.
مواضعه: ذكره الأشموني 496/ 2.(3/1172)
الثالث: أن يكون غير مقرون بحرف تنفيس، فإنه لا يدخله النون نحو: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} 1.
الرابع: ألا يكون مقدم المعمول كقوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} 2.
فإنه لا تدخله النون.
الخامس: ألا يقترن بقد نحو: "والله لقد أظن زيدا منطلقا"، فإنه لا يجوز توكيده "بالنون"3.
وإلى هذا أشار بقوله:
أو مثبتا في قَسَم مُستقبلا ... .......................
لكنه أخل بشتراط الثلاثة المتأخرة.
وقد نبه في الكافية والتسهيل على الثالث والرابع.
تنبيه:
توكيد المضارع بعد الطلب ليس بواجب اتفاقا، وأما بعد إما فمذهب سيبويه أنه ليس بلازم ولكنه أحسن؛ ولذا لم يجئ في القرآن بعدها إلا مؤكدا، وإليه ذهب الفارسي وأكثر المتأخرين، وهو الصحيح، وقد كثر في الشعر مجيئه غير مؤكد4.
وذهب المبرد والزجاج إلى لزوم نون التوكيد بعد إما، وزعما أن حذفها ضرورة.
__________
1 سورة الضحى: 5.
2 سورة آل عمران: 158.
3 ب.
4 ومن ذلك قول الشاعر:
فإما تَرَيْنِي وَلِي لِمَّةٌ ... فإن الحوادثَ أودَى بها(3/1173)
وأما بعد القسم فهو واجب عند البصريين بالشروط المذكورة، فلا بد عندهم من اللام والنون، وأجاز الكوفيون تعاقبهما، وقد ورد في الشعر.
وقوله:
وقَلَّ بعد ما ولم وبعد لا
يعني: أن التوكيد بالنون قَلَّ بعد هذه الأربعة:
الأول: "ما" والمراد بها الزائدة كقولهم:
"بعَيْنٍ ما أَرَيَنَّكَ وبِجُهْدٍ ما تَبْلُغَنْ"1.
وقوله2:
ومن عِضَةٍ ما يَنْبُتنَّ شَكيرُهَا
وقوله3:
قليلا به ما يَحْمَدَنَّك وارِثٌ
__________
1 "بعين ما أرينك" تقول لمن يخفي أمرا أنت به بصير "وبجهد ما تبلغن" تقوله لمن حملته فعلا فأباه أي: لا بد لك من فعله مع مشقة.
2 قائله: لم ينسب لقائل -وهو مثل عربي يضرب للفرع الذي ينشأ كأصله- وهو من الطويل.
وصدره:
إذا مات منهم سيِّدٌ سَرق ابنه
اللغة: "عضة" شجر ذات شوك من أشجار البادية، والجمع عضاه "شكيرها" الشكير: ما ينبت حول الشجرة من أصلها.
المعنى: إذا مات من هؤلاء القوم شخص سرق ابنه صفاته وخلاله وأصبح مثله، وإنما يجيء الفرع وفق أصله.
الإعراب: "إذا" ظرف للمستقبل "مات" فعل ماض "منهم" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من سيد "سيد" فاعل والجملة في محل جر بإضافة إذا "ابنه" فاعل سرق "ومن عضة" جار ومجرور متعلق بينبتن "ما" زائدة "شكيرها" فاعل ينبتن والهاء مضاف إليه.
الشاهد: قوله "ينبتن" فقد أكد بالنون الثقيلة لوقوعه بعد "ما" الزائدة غير المسبوقة بإن الشرطية.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 497/ 2، وابن هشام 310/ 3، وذكره سيبويه 153/ 2، والشاهد 947 في الخزانة.
3 قائله: هو حاتم الطائي، وهو من الطويل.
وتمامه:
إذا نال مما كنتَ تجمع مَغْنما =(3/1174)
وجعل بعضهم في قوله: "ما يحمدنك وارث" نافية، وقال: هو نادر أو ضرورة يندرج في إطلاقه ما الكافة لرب، حكى سيبويه: "ربما يقولن ذلك".
وأما قوله1:
رُبَّما أَوْفَيْتَ فِي عَلَم ... تَرْفَعْنَ ثَوبِي شَمَالاتُ
فبعيد جدا.
فإن قلت: فقد ذكر في الكافية أن التوكيد بعد "ما" الزائدة شاع، وقال في شرحها: وإنما كثر هذا التوكيد بعد "ما" الزائدة لشبهها بلازم القسم. قال سيبويه: ولا تقع بعد هذه الحروف "إلا" و"ما" زائدة، فأشبهت لام القسم عندهم. انتهى.
__________
= اللغة: "مغنما" غنيمة - وهو الحصول على الشيء بدون مشقة.
المعنى: قلما يحمد الوارث من ورثه مع أنه يستولي على ما جمعه من المال، وأفنى عمره في الحصول عليه. فلينظر الإنسان في خير ما ينفق فيه ماله.
الإعراب: "قليلا" صفة لمصدر محذوف منصوب بمحذوف يدل عليه يحمدانك؛ أي: يحمدنك حمدا قليلا ولم يجعل المصدر معمولا ليحمدنك الآتي؛ لأن معمول الفعل المؤكد لا يتقدم عليه "ما" زائدة "به" متعلق بيحمدنك "وارث" فاعل "مغنما" مفعول نال.
والشاهد: قوله: "يحمدنك" حيث أكده الشاعر بالنون الثقيلة بعد "ما" الزائدة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 479/ 2، وابن هشام 310/ 3، وابن الناظم، والسيوطي ص109، وفي همعه 78/ 2.
1 قائله: هو جذيمة الأبرش، وهو من المديد.
اللغة: "أوفيت" نزلت "علم" -بفتح اللام- جبل "في" بمعنى على "شمالات" رياح الشمال.
المعنى: كثيرا ما أنزل على الجبال العالية في مهب الرياح العاتية متحملا المصاعب لأرقب الأعداء، يفتخر بأنه يرقب الطليعة بنفسه متحملا المشاق ولا يعتمد على غيره.
الإعراب: "ربما" رب حرف جر شبيه بالزائد "ما" كافة "أوفيت" فعل وفاعل "في علم" متعلق بأوفيت وفي بمعنى على "ترفعن" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة "ثوبي" مفعول ترفعن "شمالات" فاعله.
الشاهد: قوله: "ترفعن" حيث أكده بالنون الخفيفة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 498/ 2، وابن هشام 278/ 2، وابن الناظم، والسيوطي ص109، وفي همعه 78/ 2، وسيبويه 153/ 2، وشرح المفصل 40/ 9، والمغني 119/ 1، 9/ 2.(3/1175)
فكيف قال هنا: قد قلَّت؟ قلَّته إنما هو بالنسبة إلى المواضع السابقة فلا ينافي كونه شائعا.
فإن قلت: فهل هو مطرد؟
قلت: ظاهر كلام المصنف اطراده، وقال بعضهم: لا يقاس على هذه الأمثلة المذكورة.
فإن قلت: فهل يطرد بعد ربما؟
قلت: قال في الكافية: وشذ بعد ربما، وعلل بأن الفعل بعدها ماضي المعنى، ونص بعضهم على أن إلحاق النون بعدها ضرورة، وظاهر كلام سيبويه يشعر بأنه لا يختص بالضرورة، وهو ظاهر التسهيل ومثاله بعد "لم" قوله1:
يحسَبُه الجاهلُ ما لم يَعْلَمَا ... .......................
وهو قليل، ونص سيبويه على أنه ضرورة؛ لأن الفعل بعد لم ماضي المعنى كما كان بعد ربما.
__________
1 قائله: هو أبو الصماء مساور بن هند العبسي، يصف سقاء لبن، وقيل: لأبي حيان الفقعسي.
وتمامه:
شيخا على كرسيه مُعَمَّمَا
وهو من الرجز.
اللغة: "يحسبه" يظنه "معمما" لابسا عمامة.
المعنى: يصف الشاعر قعب لبن علته رغوة حتى امتلأ، يظنه الجاهل الذي لا يعلم الحقيقة شيخا لابسا عمامته وقد جلس وتربع فوق كرسيه.
الإعراب: "يحسبه" فعل مضارع والهاء مفعول أول "الجاهل" فاعل "ما" مصدرية "لم" نافية جازمة "يعلما" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المنقلبة ألفا للوقف في محل جزم "شيخا" مفعول ثانٍ ليحسب "على كرسيه" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقوله شيخا "معمما" صفة ثانية لشيخا.
الشاهد: قوله: "لم يعلما" حيث أكده بالنون الخفيفة المنقلبة ألفا بعد "لم".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 498/ 2، وابن هشام 311/ 3، وابن عقيل 299/ 2، وابن الناظم والمكودي ص136، والسيوطي ص109، في همعه 78/ 2، وذكره سيبويه 152/ 2، وشرح المفصل 42/ 9، والإنصاف 385/ 2، والشاهد 949 في الخزانة.(3/1176)
قال في شرح الكافية: وهو بعد ربما أحسن. ومثاله بعد "لا" والمراد بها النافية قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ} 1 وذلك لشبهها بالناهية.
ومذهب الجمهور منع التوكيد بالنون بعد "لا" النافية إلا في الضرورة، وأجازه المصنف وابن جني.
وتأول المانعون الآية فقيل: "لا" ناهية والجملة محكية بقول: "محذوف هو"2 صفة "فتنة" فتكون نظير3:
جاءوا بِمذْقٍ هَلْ رأيتَ الذِّئْبَ قَطْ
وقيل: "لا" ناهية أيضا وتم الكلام عند قوله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} ثم ابتدأ نَهْيَ الظلمة خاصة عن "التعرض"4 للظلم فتصيبهم الفتنة خاصة، وأخرج النهي "عن"5 إسناده للفتنة، فهو نهي محول كما قالوا: "لا أريَنَّك هاهنا"6 وهذا تخريج المبرد والفراء والزجاج، وقال الأخفش الصغير: "لا تصيبنّ" هو على معنى الدعاء، وقيل: "لا تصيبن" جواب قسم، والجملة موجبة، والأصل "لتُصيبَنّ" كقراءة ابن مسعود وغيره، ثم أشبعت اللام، وهو ضعيف؛ لأن الإشباع بابه الشعر، وقيل: جواب قسم، ولا: نافية ودخلت النون تشبيها بالموجب وكما دخلت في قوله7:
تالله لا يحمدن المرء مجتنبا
وقال الفراء: الجملة جواب الأمر، كقولك: "انزل عن الدابة لا تطرَحَنَّكَ" "ولا: نافية ومَن منع النون بعد دخول "لا" النافية منع "انزل عن الدابة
__________
1 من الآية 25 من سورة الأنفال.
2 ب، ج.
3 مضى هذا البيت في باب النعت.
4 ب، ج.
5 ب، ج، وفي أ "على".
6 "لا أرينك" هو نهي محول عن إسناده للمخاطب إلى إسناده للمتكلم، والأصل: لا تأتِ، فحول النهي عن الإتيان الذي هو سبب لرؤيته إلى المسبب الذي هو الرؤية. هـ صبان.
7 مضى هذا البيت في نفس الباب.(3/1177)
لا تطرحنك""1 ويؤيد ما ذهب إليه المصنف ورود النون بعد النافية، وقد فصل بينها وبين الفعل بمعموله كقولك2:
فلا ذا نعيم يَتْرُكَنْ لنَعِيمِهِ ... .......................
أو بمعمول مفسره كقوله3:
فلا الجارة الدنيا لها تَلْحَينَّهَا ... ..........................
فتوكيد "لا تصيبن" أحق بالجواز؛ لاتصاله بلا.
فإن قلت: فهل يطرد التوكيد بعد "لا" مع الفصل؟
قلت: نص غير المصنف على أن ذلك ضرورة.
__________
1 ب.
2 قائله: لم أعثر على قائله ولا تتمته، وفي الدرر اللوامع "ولم أعثر على قائله ولا تتمته"، وهو من الطويل.
الإعراب: "لا" نافية "ذا نعيم" ذا مفعول ونعيم مضاف إليه "يتركن" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد وهي حرف "لنعيمه" جار ومجرور متعلق بالفعل.
الشاهد: قوله: "يتركن" دخول نون التوكيد على الفعل بعد "لا" النافية.
مواضعه: ذكره السيوطي في الهمع 78/ 2.
3 قائله: هو النمر بن تولب العلكي، وهو من الطويل.
وتمامه:
ولا الضيفُ فيها إنْ أناخَ مُحَوَّلُ
اللغة: "الدنيا" القريبة "تلحينها" من لحيته لحيا إذا لمته ولاحيته ملاحاة إذا نازعته "أناخ" برك راحلته "محول" -بضم الميم- من التحول.
المعنى: يشير بهذا إلى كرم الممدوحة بأن جارتها لا تلومها ولا تنازعها ولا هي تمنع ضيفها إذا برك عندها.
الإعراب: "فلا" الفاء عاطفة ولا نافية "الجارة" مبتدأ -بالرفع- "الدنيا" صفة للجارة "لها" جار ومجرور في محل نصب على الحال "تلحينها" فعل والفاعل ضمير مستتر والمفعول هو الضمير المنصوب، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ "ولا الضيف" الضيف مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة "فيها" جار ومجرور متعلق بمحول "إن" شرطية "أناخ" فعل ماض فعل الشرط "محول" خبر المبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، وجواب الشرط محذوف والتقدير: ولا الضيف محول عنها إن أناخ راحلته عندها لا يتحول إلى غيرها لحسن قيامها بالضيف.
الشاهد: قوله: "تلحينها" حيث أدخل الشاعر فيها نون التوكيد بعد "لا" النافية تشبيها لها باللفظ بلا الناهية.
مواضعه: ذكر الأشموني 498/ 2، وابن الناظم.(3/1178)
وقوله:
وغير إما من طوالِبِ الْجَزا
يشمل "إن" مجردة وغيرها1.
ويشمل كلامه الشرط كقوله2:
مَنْ نَثْقَفَنْ منهم فليس بآيبٍ
والجواب كقولك3:
__________
1 أي: يشمل إن المجردة عن ما وغيرها.
2 قائله: هو لابنة مرة الحارثي. ضمن ثلاثة أبيات ترثي بها أباها وكان باهلة قد قتلته.
وتمامه:
أبدًا وقَتْلُ بني قتيبة شافي
وهو من الكامل.
اللغة: "نثقفن" نجدن ويروى بالتاء تجدن وبالياء يوجدن "آئب" اسم فاعل من آب يئوب أي: رجع "بني قتيبة" فرع من باهلة.
المعنى: من يوجد من بني قتيبة فسيقتل حتما ولن يرجع أبدا إلى قومه، فإن قتلهم يشفي الغلة، ويطفئ جذوة الغضب بسبب ما سفكوا من دماء.
الإعراب: "من" اسم شرط مبتدأ "تثقفن" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد في محل جزم فعل الشرط وفاعله ضمير مستتر "منهم" جار ومجرور متعلق بتثقفن "فليس" الفاء واقعة في جواب الشرط وليس فعل ماض ناقص واسمه ضمير مستتر فيه "بآيب" الباء حرف جر زائد وآيب خبر ليس منصوب بفتحة مقدرة والجملة في محل جزم جواب الشرط، وجملة الشرط وحدها أو جملة الجواب وحدها أو الجملتان معها في محل رفع خبر المبتدأ على الخلاف "أبدا" منصوب على الظرفية "قتل" مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة "بني" مضاف إليه "قتيبة" مضاف إليه "شافي" خبر المبتدأ.
الشاهد: قوله: "يثقفن" حيث أكده بالنون الخفيفة بعد "من" الشرطية.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 500/ 2، وابن هشام 311/ 3، وابن عقيل 320/ 2، وابن الناظم، وذكره السيوطي في الهمع 79/ 2، وسيبويه 152/ 2، والشاهد 947 في الخزانة.
3 قائله: هو النجاشي، هجا قوما فوصفهم بحدثان النعمة، وهو من الطويل.
وتمامه:
نَبتُّمْ نبات الخيْرَزَانِّي في الوغَى ... حديثا.....................
اللغة: "الخيرزاني" كل نبت ناعم "الوغى" -بفتح الغين- الحرب، وفي رواية "الثرى" وهي الأرض "الخير" المال.
الإعراب: "نبتم" فعل ماض والتاء فاعل "نبات" منصوب بنزع الخافض والتقدير: كنبات "الخيرزاني" مضاف إليه "في الوغى" جار ومجرور "حديثا" منصوب بفعل محذوف تقديره: حدث حديثا "متى" شرطية "ما" زائدة "يأتك" فعل مضارع فعل الشرط والكاف مفعول "الخير" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة "ينفعا" فعل مضارع والجملة جواب الشرط.
الشاهد: قوله "ينفعا" حيث دخلت فيه نون التوكيد المنقلبة ألفا بعد الشرط.
مواضعه: ذكره الأشموني 500/ 2، وسيبويه 152/ 2، والشاهد 946 في الخزانة.(3/1179)
.................. ... متى يأتِك الخيرُ يَنْفَعَا
ودخولها في غير شرط إما وجواب الشرط مطلقا ضرورة.
قال سيبويه: بعد إنشاد -فمها تشأ منه فزارة تُعْطِكُم1: وهو قليل في الشعر. قال في التسهيل2: وقد تلحق جواب الشرط اختيارا. انتهى. ولم يخص لحاقها جواب الشرط بالضرورة.
تنبيه:
جاء توكيد المضارع في غير ما ذكر لضرورة الشعر، وهو غاية من الندور؛ لذلك لم يتعرض لذكره.
ومنه قوله3:
لَيْتَ شِعْرِي وأشْعُرَنَّ إذا ما ... قرَّبُوها مَنْشُورةً ودُعِيتُ
__________
1 قائله: هو الكميت بن معروف، وقال ابن الأعرابي: الكميت بن ثعلبة الفقعسي.
وتمامه:
ومهما تشَا منه فزارةُ تَمْنَعا
وهو من الطويل.
اللغة: "فزارة" -بفتح الفاء- من غطفان وهو فزارة بن ذبيان.
المعنى: مهما تشأ إعطاء تعطكم ومهما تشأ منعه تمنعكم.
الإعراب: "فمهما" الفاء عاطفة ومهما اسم يتضمن معنى الشرط "تشأ" فعل الشرط مجزوم بالسكون "منه" متعلق بتشأ "فزارة" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة "تعطكم" فعل مضارع والفاعل ضمير يرجع إلى فزارة والكاف مفعول وهو جواب الشرط، والكلام في الشطر الثاني كالأول، والضمير في منه يعود إلى ابن دارة في بيت قبله.
الشاهد: قوله: "تمنعا" اصله تمنعن مؤكدا بالنون الخفيفة ثم أبدلت ألفا للوقف بعد الشرط.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 500/ 2، وابن الناظم والمكودي ص136، والسيوطي ص109، وفي همعه 79/ 2، وسيبويه 152/ 2، والشاهد 945 في الخزانة.
2 التسهيل ص216.
3 قائله: هو السموءل الغساني اليهودي، وهو من الخفيف.
اللغة: "قربوها" الضمير يرجع إلى صحيفة أعماله.
الإعراب: "ليت شعري" شعري مصدر شعرت أشعر شعرا إذا فطن وعلم وهو مضاف إلى الفاعل ومعنى ليت شعري ليت علمي، والمعنى: ليتني أشعر، فأشعر هو الخبر فناب شعري الذي هو المصدر عن أشعر ونابت الياء في شعري عن اسم ليت التي في قولك: ليتني "وأشعرن" بالنون الخفيفة: فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه "إذا ما" إذا ظرفية وما زائدة "قربوها" جملة من فعل وفاعل ومفعول "منشورة" منصوبة على الحال "دعيت" بصيغة المجهول جملة حالية أيضا بتقدير قد.
الشاهد: قوله: "أشعرن" حيث أكده بالنون الخفيفة وهو مثبت عارٍ عن معنى الطلب والشرط.
مواضعه: ذكره الأشموني 500/ 2، وابن الناظم، والسيوطي في الهمع 279/ 2.(3/1180)
ولما فرغ من ذكر ما تدخله النون "على اختلاف أحواله"1 أخذ في بيان ما ينشأ عن دخولها في التغيير فقال:
وآخِرَ المؤكدِ افتحْ كابرُزَا
أمر بفتح آخر الفعل المؤكد أمرا كان أو مضارعا نحو: "ابرزنّ" و"لا تبرزنّ" وشمل كلامه الصحيح كما مثل، والمعتل بالواو كاغزونّ، وبالياء نحو: ارمينّ، وبالألف نحو: اسعينّ -بعد قلب الألف ياء.
فإن قلت: ومن أين يؤخذ من كلامه "قلب الألف"2؟
قلت: مما سيذكر.
تنبيهات:
الأول: أطلق في قوله: "آخر المؤكد" ومراده المجرد من الضمير البارز، علم ذلك مما سيأتي.
الثاني: ذهب قوم إلى أن فتحة آخر المؤكد عارضة لالتقاء الساكنين، ونسبه الزجاج إلى سيبويه، وذهب قوم منهم المبرد وابن السراج إلى أنها فتحة بناء، ونسبه إلى سيبويه أيضا، وهو ظاهر مذهب المصنف، وقال في الغرة: إنه هو الصحيح.
الثالث: لغة فزارة حذف الآخر إذا كان ياء تلي كسرة نحو: "ارمِنَّ يا زيد"، ومنه3:
__________
1 ب، ج.
2 ب، ج.
3 قائله: قال أبو علي القالي في أماليه: وحدثنا الأخفش قال: أنبأني أبو فياض بن أبي شراعة عن أبي شراعة قال: حدثني عبد الله بن بشير البصري قال: علق أبي جارية لبعض الهاشميين فبعثت إليه أمي تعاتبه فكتب إليها قصيدة أولها هذا البيت. =(3/1181)
ولا تُقاسِنّ بعدي الهم والجزَعَا
ثم انتقل إلى رافع الضمير البارز فقال:
واشْكلهُ قبل مضمر لين بما ... جَانسَ من تَحرُّكٍ قد عُلِمَا
فأمر بتحريك آخر المؤكد قبل المضمر اللين بحركة تجانسه، والمضمر اللين هو ألف الاثنين وواو الجمع وياء المخاطبة. فيفتح آخر المؤكد قبل الألف ويضم قبل الواو ويكسر قبل الياء.
وأما حكم المضمر في نفسه، فإن كان ألفا أقرت لخفتها، وإن كان واو أو ياء حذف وتركت الحركة المجانسة دليلا عليهما، وإلى هذا أشار بقوله:
والمضمرَ احذفنَّهُ إلا الألفْ
فعلم أن الألف تقر نحو: "هل تضربان؟ "، وأن الياء والواو يحذفان نحو: "هل تضربُن يا زيدون؟ " و"هل تضرِبن يا هند؟ ".
هذا حكم الصحيح، "وأما"1 المعتل بالواو والياء فتقول: اغزن وارمن، بحذف الواو وإبقاء الضمة دليلا عليها، واغزن وارمن، بحذف الياء وإبقاء الكسرة دليلا عليها كما فعلت في الصحيح.
فإن قلت: ليس المعتل بالواو والياء كالصحيح؛ لأن المعتل بهما يحذف آخره، ويجعل الحركة المجانسة على ما قبله بخلاف الصحيح.
قلت: حذف آخر المعتل إنما هو لإسناده إلى الواو والياء، لا لتوكيده، فهو مساوٍ للصحيح في التغيير الناشئ عن التوكيد؛ ولذلك لم يتعرض له الناظم.
وأما المعتل بالألف فليس كالصحيح فيما ذكر؛ بل له حكم آخر نه عليه بقوله:
__________
= وصدره:
لا تُتْبِعِنْ لوعة إثرى ولا هَلَعَا
وهو من البسيط.
الإعراب: "لا تقاسن" نافية وفعل مضارع مسند لياء المخاطبة وحذفت للتخلص من التقاء الساكنين والنون للتوكيد والفاعل ضمير مستتر "بعدي" ظرف والياء مضاف إليه "اللهم" مفعول به "والجزعا" عطف عليه.
الشاهد: قوله: "ولا تقاسن" حيث حذف آخر الفعل؛ لأنه ياء ولي كسرة في لغة فزارة.
مواضعه: ذكره الأشموني 501/ 2، والسيوطي في الهمع 59/ 2.
1 أ، ج.(3/1182)
وإنْ يكُن في آخرِ الفعل ألِفْ ... فاجعله منه رافعا غيرَ اليَا
والواو ياء كاسعيَنَّ سَعْيَا
الضمير في "اجعله" للألف التي هي آخر الفعل، والضمير في منه للفعل وياء ثاني مفعولي اجعل أي: اجعل الألف التي هي آخر الفعل ياء إن كان رافعا غير الياء والواو، فيشمل ثلاثة أنواع: رافع الألف نحو: "اسعيان"، ورافع نون الإناث نحو: "اسعينان"، والمجرد من الضمير البارز نحو: "اسعينّ يا زيد".
ثم ذكر حكم رافع الواو والياء فقال:
واحذفه من رافع هاتين وفي
أي: واحذف الألف من رافع الياء والواو وتبقى الفتحة قبلها دليلا عليها.
ثم ذكر حكم الواو والياء بعد حذف الألف فقال:
واو ويا شكْلٌ مُجانِسٌ قفِي
يعني: أن الواو تضم والياء تكسر، وإنما احتيج إلى تحريكهما ولم يحذفا؛ لأن قبلها حركة غير مجانسة، أعني: فتحة الألف المحذوفة، فلو حذفا لم يبقَ ما يدل عليهما. ثم مثل فقال:
نَحْوُ اخْشِينْ يا هِنْدُ بالكَسْرِ ويَا ... قَوْمُ اخْشُونْ واضْمُمْ وقِسْ مُسَوِّيَا
قوله: "واضمم" يعني الواو.
تنبيهان:
الأول: أجاز الكوفيون حذف الياء المفتوح ما قبلها نحو: "اخْشَينَّ" فتقول: "اخشِنَّ يا هند"، وحكى الفراء أنها لغة طيئ.
الثاني: فرض المصنف الكلام على الضمير، وحكم الألف والواو اللذين هما علامة1 كحكم الضمير، وهذا واضح.
ولم تقع خفيفة بعد الألف ... لكن شديدة............
قال في شرح الكافية: لو كان المسند إليه ألفا لم يجز أن يؤتى بالنون إلا مشددة، هذا مذهب سيبويه وغيره من البصريين إلا يونس، فإنه يجوز أن يؤتى
__________
1 أي: بأن أسند الفعل إلى الظاهر على لغة أكلوني البراغيث.(3/1183)
بعد الألف بالنون الخفيفة مكسورة، ويعضد قوله قراءة بعض القراء: "فدَمَّرَانِهم تدميرا"1 حكاها ابن جني.
ويمكن أن يكون من هذا قراءة ابن ذكوان: "وَلَا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"2.
ومذهب يونس كمذهب الكوفيين في وقوع الخفيفة بعد الألف. انتهى.
قلت: وفي كلام بعضهم ما يدل على أنهم يلحقونها ساكنة لا مكسورة وهو ظاهر كلام سيبويه.
قال: وأما يونس وناس من النحويين فيقولون: اضربان واضربنان زيدا، فهذا لم تقله العرب، وليس له نظير في كلامها؛ إذ لا يقع بعد الألف ساكن إلا أن يدغم. انتهى.
فإن قلت: إذا كان بعدها ما تدغم فيه، فهل يجوز لحاقها على مذهب البصريين لزوال المانع نحو: "اضربان نعمان"؟
قلت: قال الشيخ أبو حيان: نص بعضهم على المنع، ويمكن أن يقال: يجوز. انتهى، وقد صرح سيبويه بمنع ذلك.
وقوله: "وكسرها ألف" يعني: أن النون الشديدة إذا وقعت بعد الألف كسرت، وإن كانت في غير ذلك مفتوحة، وإنما كسروا مع الألف فرارا من اجتماع الأمثال.
وألفًا زِدْ قبلها مُؤَكِّدا ... فِعلا إلى نون الإناثِ أُسْنِدَا
فتقول: "اضربنان" وإنما زيدت هذه الألف للفصل بين الأمثال.
والخلاف في التوكيد بالخفيفة بعد الألف كالخلاف بعد ألف الاثنين.
واحذِفْ خفيفةً لساكنٍ رَدِفْ ... وبعدَ غيرِ فتحةٍ إذا تَقِفْ
يعني: أن الخفيفة تحذف وهي مرادة لأمرين:
__________
1 من الآية 36 من سورة الفرقان، وذلك على أنه فعل أمر لاثنين والألف ضمير الاثنين والنون المكسورة نون توكيد خفيفة.
2 سورة يونس 89.(3/1184)
أحدهما: أن يليها ساكن نحو: "اضربَ الرجلَ" تريد: اضرِبَنْ.
ومنه قوله1:
لا تُهينَ الفقير علَّك أَنْ ... تركع يوما والدهرُ قد رفعَهْ
لأنها لما لم تصلح للحركة عوملت معاملة حرف المد2.
وإذا وليها ساكن وهي بعد ألف على مذهب المجيز، فزعم يونس أنها تبدل همزة وتفتح فتقول: "اضرباء الغلام" و"اضربناء الغلام" قال سيبويه: وهذا لم تقله العرب، قال: والقياس "اضرب الغلام، واضربن الغلام"3 يعني: بحذف الألف والنون.
__________
1 قائله: هو الأضبط بن قريع السعدي، وهو من المنسرح.
اللغة: "تهين" فعل مضارع من الإهانة "علك" لغة من لعلك "تركع" تخضع وتنقاد، والمراد انحطاط الحال.
المعنى: لا تحتقر الفقير ولا تهنه وتستخف به فربما يتبدل الحال -والدهر قلب- فيخفضك الزمان ويرفعه عليك.
الإعراب: "لا تهين" لا ناهية وتهين فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المحذوفة لوقوع الساكن بعدها -وهي لام الفقير- في محل جزم والفاعل ضمير مستتر فيه "الفقير" مفعول به "علك" علَّ حرف ترج ونصب والكاف اسمها "أن" حرف مصدري "تركع" فعل مضارع منصوب بأن والفاعل ضمير وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر لعل -على تأويله باسم الفاعل- أو على حذف مضاف "يوما" ظرف زمان "والدهر" الواو حالية والدهر مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة "قد رفعه" قد حرف تحقيق رفع فعل ماض والفاعل ضمير والهاء مفعول والجملة في محل نصب حال من الضمير المستتر في تركع.
الشاهد: قوله: "لا تهين" -بكسر الهاء وسكون الياء- حيث حذفت نون التوكيد الخفيفة للتخلص من التقاء الساكنين، وهما النون واللام في الفقير، وأصله "لا تهينن" -نونين- أولهما مفتوحة فحذف النون الخفيفة لما استقبلها ساكن.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 504/ 2، وابن هشام 318/ 3، وابن عقيل 235/ 2، وابن الناظم، والمكودي ص137، والسيوطي ص110، وفي همعه 111/ 1، وفي خزانة الأدب الشاهد 954، وشرح المفصل 43/ 9، والإنصاف 136/ 1، والمغني 135/ 1، 173/ 2.
2 فحذفت لالتقاء الساكنين.
3 أ، ج وفي ب "اضربا الغلام واضربنا الغلام".(3/1185)
والثاني: أن يوقف عليها بعد غير فتحة، يعني: بعد ضمة أو كسرة، فإنها تحذف إذ ذاك كما يحذف التنوين، ويرد ما حذف لأجلها، أعني: واو الضمير وياءه ونون الرفع أيضا وفي المعرب.
وقد نبه على رد المحذوف بقوله:
واردُدْ إذا حَذَفْتَهَا في الوقف ما ... من أَجْلِهَا في الوَصْلِ كَان عُدِمَا
يعني: أنه يرد إلى الفعل الموقوف عليه بعد حذفها ما حذف في الوصل لأجلها فتقول: "اضربن يا زيدون" و"اضربن يا هند" فإذا وقفت عليهما "قلت"1: اضربوا واضربي، برد واو الضمير ويائه، وتقول في "هل تضربن؟ " و"هل تضربين؟ " إذا وقفت "عليهما"2: هل تضربون؟ وهل تضربين؟ برد الواو والياء ونون الرفع؛ لزوال سبب الحذف. ثم نبه على حكمها بعد الفتحة فقال:
وأبدِلَنْهَا بعد فَتْحٍ أَلِفَا ... وقْفًا كما تَقُولُ في قِفَن قِفَا
وذلك لشبهها بالتنوين، وقد ندر حذفها لغير ساكن ولا وقف كقوله3:
اضربَ عنكَ الهمومَ طارقَها
__________
1 ب، ج.
2 ب.
3 قائله: هو طرفة بن العبد، وقال ابن بري: مصنوع عليه، وهو من المنسرح.
وتمامه:
ضربك بالسيف قونس الفرس
اللغة: "طارقها" من طرق الرجل إذا أتى أهله ليلا "قونس" بفتح القاف وسكون الواو وفتح النون وهو العظم الناتئ بين أذني الفرس.
الإعراب: "اضرب" فعل أمر والفاعل ضمير مستتر فيه "عنك" جار ومجرور متعلق باضرب "الهموم" مفعول به لاضرب منصوب بالفتحة الظاهرة "طارقها" بالنصب بدل من الهموم "ضربك" مصدر نوعي مضاف إلى فاعله، وانتصابه بنزع الخافض أي: كضربك بالسيف والباء للاستعانة "قونس" مفعول للمصدر "الفرس" مضاف إليه.
الشاهد: قوله "اضرب" بفتح الباء؛ لأن أصله اضربن بالنون الخفيفة فحذفت النون وبقيت الفتحة قبلها للضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 505/ 2، وابن الناظم والسيوطي ص110، وذكره المغني 173/ 2، وشرح المفصل 44/ 9، والإنصاف 332/ 2.(3/1186)
وكقوله1:
كما قِيلَ قَبْلَ اليومِ خَالفَ تُذْكَرَا
فإن قلت: ما ذكر من حذف الخفيفة "للوقف"2 بعد غير الفتحة ينافي معنى التوكيد الذي جاءت لأجله؛ إذ لا دليل عليها بعد الحذف.
فينبغي أن يقال: إن التوكيد بها إنما يكون في الوصل خاصة كما أشار إليه بعضهم.
قلت: يرده قلبها بعد الفتحة ألفا في الوقف، فعلم بذلك أن التوكيد بها لا يختص بالوصل.
تنبيهات:
الأول: اختلف في الفعل المعرب إذا أكد بالنون على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه مبني، والثاني: أنه معرب، والثالث: التفصيل بين أن تباشر فيكون مبنيا، أو لا تباشر فيكون معربا، وهو الصحيح -كما تقدم أول الكتاب- ويدل على صحته رد نون الرفع عند حذف نون التوكيد في الوقف. فدل على أنها مقدرة في الوصل.
__________
1 قائله: لم أعثر على قائله، وهو من الطويل.
وصدره:
خلافا لقولي من فيَالةِ رأيه
اللغة: "فيالة" -بفتح الفاء والياء واللام- ضعف في رأيه "تذكرا" أصله تتذكرا؛ لأنه مضارع تذكر من باب تفعل، فحذفت إحدى التاءين للتخفيف.
المعنى: إن خالفت تذكرت ذلك يعني: رأيت بعد ذلك سوء المخالفة أو جوزيت به.
الإعراب: "خلافا" منصوب بفعل محذوف تقديره خالف خلافا "لقولي" جار ومجرور متعلق بالفعل المحذوف "من" تعليلية؛ أي: لأجل فيالة رأيه "كما" يجوز أن يتكون الكاف للتعليل وما مصدرية، والمعنى: خالف لأجل ما قيل له؛ أي: لأجل القول الذي قيل له قبل اليوم بما فيه خير وصلاح له. والأظهر أن الكاف للتشبيه وما مصدرية والمعنى خالف من ضعف رأيه لقولي "قيل" فعل ماض مبني للمجهول "خالف" فعل أمر.
الشاهد: قوله "خالف" حيث حذف منه نون التوكيد ففتح الفاء؛ إذ أصله خالفن.
مواضعه: ذكره الأشموني 505/ 2.
2 ب، ج.(3/1187)
والثاني: أجاز سيبويه إبدالها واوا أو ياء نحو: اخشَوُنْ واخْشَينْ.
فتقول: اخشَوُوا واخْشَيي، وغيره يقول: "اخشوا واخشي". وقد نقل عنه إبدالها واوا بعد الضمة وياء بعد الكسرة مطلقا.
قلت: وكلام سيبويه يدل على أن يونس إنما قال بذلك في المعتل، فإنه قال: وأما يونس فيقول: اخشَيي واخْشَوُوا، يزيد الواو والياء بدلا من النون الخفيفة من أجل الضمة والكسرة.
وقال الخليل: لا أرى ذلك إلا على قول من قال: هذا عمرو ومررت بعمري - ثم قال: وينبغي لمن قال بقول يونس في اخشي واخشيوا- إذا أراد الخفيفة أن يقول: هل تضربوا؟ بجعل الواو مكان الخفيفة.
والثالث: إذا وقف على المؤكد بالخفيفة بعد الألف على مذهب يونس والكوفيين أبدلت ألفا، ونص سيبويه على ذلك عن يونس ومَنْ وافقه، ثم قيل: يجمع بين الألفين فيمد بمقدارهما، وقيل: بل ينبغي أن تحذف إحداهما ويقدر بقاء المبدلة من النون وحذف الأولى.
وفي الغرة إذا وقفت على "اضربان" على مذهب يونس زدت ألفا عوض النون، فاجتمع ألفان، فهمزت الثانية فقلت: اضرباء. انتهى. وقياسه في اضرِبْنان اضربنَاءْ.(3/1188)
ما لا ينصرف:
الأصل في الاسم أن يكون "معربا"1 منصرفا، وإنما يخرجه عن أصله شبهه بالفعل أو بالحرف، فإن شابه الحرف بلا "معاند"2 بُني، وإن أشبه الفعل بكونه فرعا من وجهين من الوجوه الآتية مُنع الصرف.
ولما أراد بيان ما يمنع الصرف بدأ بتعريف الصرف فقال:
الصرفُ تنوينٌ أتَى مُبَيِّنَا ... معنًى به يكونُ الاسمُ أمْكَنَا
فقوله: "تنوين" جنس يشمل جميع أقسام التنوين، وقد تقدمت أول الكتاب، وقوله: "أتى مبنيا ... إلخ" مُخرج لسائر أقسام التنوين غير المعبر عنه بالصرف والمراد بالمعنى الذي يكون به الاسم أمكن بقاؤه على أصالته، ومعنى بقاؤه على أصالته سلامته من شبه الحرف وشبه الفعل، فكأنه يقول: الصرف تنوين يبين كون الاسم باقيا على أصالته، أي: غير مشابه فعلا ولا حرفا، فإن هذا هو المعنى الذي يكون الاسم به أمكن؛ أي: زائد في التمكن.
قيل3: وهو أفعل تفضيل من التمكن، وهو شاذ.
تنبيهات:
الأول: مذهب المحققين أن الصرف هو التنوين المذكور؛ أعني: تنوين التمكين وحده، وقيل: "الصرف"4 هو الجر والتنوين معا.
الثاني: تخصيص تنوين التمكين بالصرف هو المشهور، وقد يطلق على غيره من تنوين التنكير والعوض والمقابلة صرفا.
الثالث: فهم من تعريفه الصرف أن المنصرف ما يدخله التنوين المسمى بالصرف، وأن غير المنصرف ما لا يدخله ذلك التنوين.
__________
1 ب، ج وفي أ "منونا".
2 ب، ج وفي أ "معارض".
3 ب.
4 ب، ج.(3/1189)
قال الشارح: وفي هذا التعريف مسامحة، فإن من جملة ما لا يدخله التنوين الدال على الأمكنية "باب"1 مسلمات قبل التسمية، وليس من المتمكن أن يقول: إنه غير مصروف؛ لما سنعرفه بعد.
الرابع: اختلف في اشتقاق المنصرف، فقيل: "هو"2 من الصريف، وهو الصوت؛ لأن في آخره التنوين وهو صوت، وقيل: من الانصراف في جهات الحركات، "وقيل: من الانصراف"3 وهو الرجوع، كأنه انصرف عن شبه الفعل.
وقال في شرح الكافية: سمي منصرفا لانقياده إلى ما يصرفه عن عدم تنوين إلى تنوين، وعن وجه من وجوه الإعراب إلى غيره.
الخامس: جميع ما لا ينصرف اثنا عشر نوعا، منها خمسة لا تنصرف في تعريف ولا تنكير، وسبعة لا تنصرف في التعريف وتنصرف في التنكير، وستأتي مفصلة إن شاء الله تعالى.
ولما شرع في بيان موانع الصرف بدأ بما يمنع في الحالتين فقال:
فألفُ التأنيثِ مُطلقا مَنَعْ ... صَرْفَ الذي حواه كيفما وَقَعْ
يعني: أن ألف التأنيث مطلقا -مقصورة كانت أو ممدودة- تمنع صرف ما هي فيه كيفما وقع من كونه نكرة أو معرفة، مفردا أو جمعا، اسما أو صفة.
فالمقصورة نحو: ذكرى وسلمى ومرضى وسكرى، والممدودة نحو: صحراء وزكرياء وأشياء وحمراء.
وإنما استقلت الألف بالمنع؛ لأنها قائمة مقام "شيئين"4؛ وذلك لأنها لازمة لما هي فيه، بخلاف التاء فإنها في الغالب مقدرة الانفصال، فهي المؤنث بالألف فرعية من جهة التأنيث، وفرعية من جهة لزوم علامته، بخلاف المؤنث بالتاء.
__________
1 ب، ج.
2 ب، ج وفي أ "تا".
3 ب، ج.
4 ب، ج وفي أ "سببين".(3/1190)
فرعان:
الأول: إذا سُمي بكلتا من قولك: "قامت كلتا جارتيك" منعت الصرف؛ لأن ألفها للتأنيث، وإن سميت بها من قولك: "رأيت كلتيهما أو كلتي المرأتين" على لغة كنانة صرفت؛ لأن ألفها إذ ذاك منقلبة وليست للتأنيث.
الثاني: إذا رخمت حبلوى على لغة الاستقلال عند من أجازه وقلت: يا حبلى1 ثم سميت به صرفت، ولما ذلك في كلتا. ثم قال:
وزائدا فَعْلانِ في وَصْفٍ سَلِمْ ... مِنْ أن يُرَى بتاء تأنيثٍ خُتِمْ
أي: ويمنع صرف الاسم أيضا زائدا فعلان، وهما الألف والنون في مثال فعلان صفة لا تختم بتاء التأنيث، وذلك يشمل نوعين:
أحدهما: ما مؤنث فعلى نحو: سكران وسكرى، وهو متفق على منع صرفه.
والآخر: ما لا مؤنث له، نحو: لحيان لكبيرة اللحية، وهذا فيه خلاف، والصحيح منع صرفه؛ لأنه وإن لم يكن له فعلى وجودا فله فعلى تقديرا؛ لأنا لو فرضنا له مؤنثا لكان فعلى أولى به من فعلانة؛ لأن باب سكران أوسع من باب ندمان، والتقدير في حكم الوجود بدليل الإجماع على منع صرف أكمر وآدر2 مع أنه لا مؤنث له.
واحترز من فعلان الذي مؤنثه فعلانة؛ لأنه مصروف نحو: ندمان وندمانة.
وقد جمع المصنف ما جاء على فعلان ومؤنثه فعلانة في قوله:
أجِز فعلى لفعلانه ... إذا استثنيت حبلانا
ودَخْنَانا وسَخْنَانا ... وسَيْفانا وصَيْحانا
وصَوْجَانا وعَلانا ... وقَشْوانا ومصانا
وموتانا وندمانا ... وأبتعهن نصرانا
__________
1 حذفت ياء النسب المشددة للترخيم، ثم قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وإنما صرفت لأن الألف ليست للتأنيث، بل هي منقلبة عن الواو.
2 أكمر: لعظيم الكمرة -بفتح الميم- وهي الحشفة، وآدر -بالمد- لكبير الأنثيين.(3/1191)
واستدرك عليه لفظان، وهما: خَمْصَان لغة في خُمصان، وأليان في "نحو"1 "كبش أليان"2، وقد ذيلت أبياته بقولي:
وزد فيهن خمصانا ... على لغة وأليانا
ولا بد من شرح هذه الألفاظ، فالحبلان: العظيم البطن، وقيل: الممتلئ غيظا، والدخنان: اليوم المظلم، والسخنان: اليوم الحار، والسيفان: الرجل الطويل الممشوق، والصحيان: اليوم الذي لا غيم فيه، والصوجان3: البعير اليابس الظهر، والعلان: الكثير النسيان، وقيل: الرجل الحقير، والقشوان: الدقيق الساقين، والمصان: اللئيم، والموتان: البليد الميت القلب، والندمان: المنادم4، والنصران: واحد النصارى.
فإن قلت: ولِمَ صرف ما مؤنثه فعلانة مع أن فيه ما في سكران من الزيادتين والوصف؟
قلت: لم يمتنع الصرف بزيادتي فعلان لذاتها بل لشبهها بزيادتي حمراء في وجوه منها: أنهما لا تلحقهما تاء التأنيث، وهذا مفقود فيما مؤنثه فعلانة؛ فلذلك صرف.
تنبيهات:
الأول: فهم من قوله: "زائدا فعلان" أنهما لا يمنعان في غيره من الأوزان كفعلان -بضم الفاء- نحو: خُمصان؛ لعدم شبههما في غيره بألفي التأنيث.
الثاني: لغة بني أسد صرف سكران وبابه؛ لأنهم يقولون في مؤنثه فعلانة، فهو عندهم كندمان.
الثالث: ما تقدم من أن المنع بزيادتي فعلان لشبههما بألفي التأنيث في حمراء، هذا مذهب سيبويه، وزعم المبرد أنه امتنع؛ لكون النون بعد الألف مبدلة من ألف التأنيث، والقولان عن أبي علي.
__________
1 ب.
2 أي: كبير الإلية.
3 الصوجان: فاؤه صاد أو ضاد معجمة ولامه جيم في الحالين.
4 أما ندمان من الندم فغير مصروف؛ إذ مؤنثه ندمى.(3/1192)
ومذهب الكوفين أنهما منعا لكونهما زائدتين لا تقبلان الهاء، لا للتشبيه بألفي التأنيث.
ووصفٌ أصلي ووَزْنُ أَفْعَلا ... ممنوعُ تأنيثٍ بتا كأَشْهَلا
أي: ويمنع الصرف أيضا اجتماع الوصف الأصلي ووزن أفعل بشرط أن يمنع من التأنيث بالتاء، وذلك يشمل ثلاثة أنواع:
أحدها: ما مؤنثه فعلاء نحو: أشهل وشهلاء.
والثاني: ما مؤنثة فعلى نحو: أفضل وفضلى.
والثالث: ما لا مؤنثة له نحو: أكمر -العظيم الكمرة.
فهذه الأنواع الثلاثة ممنوعة من الصرف للوصف الأصلي ووزن أفعل، فإن وزن الفعل به أولى؛ لأن أوله زيادة تدل على معنى في الفعل دون الاسم، فكان لذلك أصلا في الفعل؛ لأن ما زيادته لمعنى أولى مما زيادته لغير معنى، فإن أنث بالتاء انصرف، نحو أرمل بمعنى فقير، فإن مؤنثه أرملة1 خلافا للأخفش فإنه يمنع صرف أرمل بمعنى فقير، "فإنه يجريه"2 مجرى أحمر؛ لأنه صفة وعلى وزنه، وأما قولهم: "عام أرمل"3 فغير منصرف؛ لأن يعقوب حكى فيه "سنة رملاء" واحترز بالأصلي عن العارض فإنه "لا يعتد به"4 كما سيأتي.
تنبيهان:
الأول: مثل الشارح ما تلحقه التاء بأرمل وأباتر -وهو القاطع لرحمه- وأدابر -وهو الذي لا يقبل نصحا- فإن مؤنثهما أباترة وأدابرة، أما أرمل فواضح، وأما أباتر وأدابر فلا يحتاج هنا إلى ذكرهما؛ إذ لم يشملهما كلام الناظم فإنه علق "المنع"5 على وزن أفعل، وإنما ذكرهما في شرح الكافية؛ لأنه علق المنع بوزن الفعل ولم يخصه بأفعل؛ ولذلك احترز أيضا من يَعْمَل6 -الجمل السريع.
__________
1 لضعف شبهه بلفظ المضارع؛ لأن تاء التأنيث لا تلحقه.
2 ب، وفي أ، ج "لجريه".
3 أي: قليل المطر والنفع.
4 ب، ج وفي أ "لا يفيد".
5 ب، ج وفي أ "النظم".
6 يعمل: بوزن يفرح ومؤنثه يعمله.(3/1193)
الثاني: الأولى تعليق الحكم على وزن الفعل الذي هو به أولى، لا على وزن أفعل ليشمل نحو: أحيمر وأفيضل من المصغر، فإنه لا ينصرف لكونه على وزن الفعل نحو: أبطر، وإن لم يكن حال التصغير على وزن أفعل.
ثم صرح بمفهوم قوله أصلي فقال:
وألغينَّ عارض الوصفيَّهْ ... كأربع وعارض الإسميَّهْ
فالأقسام ثلاثة:
فالأول: ما وصفيته أصلية باقية نحو: أشهل، ولا إشكال في منعه.
والثاني: ما وصفيته عارضة نحو: "مررت برجل أرنب" أي: ذليل "وبنسوة أربع".
فهذا يصرف إلغاء للوصفية العارضة، وأربع أحق بالصرف؛ لأن فيه تاء التأنيث أيضا.
والثالث: ما وصفيته اصلية فغلبت عليه الاسمية، فهذا يمنع إلغاء للاسمية العارضة واعتبارا للأصل، وقد مثل بقوله:
فالأدهم القيد لكونه وُضع ... في الأصل وصفا انصرافُه مُنِع
أدهم: للقيد، وأسود: للحية، وأرقم: لحية فيها نقط كالرقم.
فهذه أوصاف في الأصل غلبت عليها الاسمية، وهي غير منصرفة نظرا إلى أصلها، وذكر سيبويه أن كل العرب لا تصرفها كما لم تصرف أبطح وأبرق وأجرع1، وأن العرب لم تختلف في منع هذه الستة من الصرف، وإن استعملت استعمال الأسماء، وحكى غيره أن من العرب من يصرف أبطح وأبرق وأجرع ملاحظة للاسمية، وقد نبه على ذلك في التسهيل وذكر ابن جني أن هذه الأسماء كلها قد تصرف، ثم قال:
وأجدل وأخيل وأفعى ... مصروفة وقد ينلن المنعا
__________
1 أبطح: هو سيل واسع فيه دقاق الحصى، وأجرع: هو المكان المستوى، وأبرق: هو أرض خشنة فيها حجارة وطين ورمل مختلطة.(3/1194)
أكثر العرب تصرف أجدلا وهو الصقر، وأخيلا وهو طائر عليه نقط كالخيلان، وأما أفعى فلا مادة له في الاشتقاق، لكن ذكره يقارنه تصور إيذائها فأشبهت المشتق.
تنبيه:
اختلف في وزن أفعى فقيل: أفعل، فالهمزة زائدة لقولهم مفعاة وألفها عن واو لقولهم أفعوان، وقال الفارسي: هو مقلوب وأصله أيفع هو من يافع، وقال أبو الفتح: مقلوب وأصله أفوع وهو من فوعة السم.
ومَنعُ عدلٍ مع وصف مُعْتَبَرْ ... في لفظ مثنى وثُلاث وأُخَره
العدل صرف لفظ أولي بالمسمى إلى لفظ آخر، وهو يمنع الصرف مع الوصف في موضعين:
أحدهما: المعدول في العدد إلى مفعل نحو مثنى، أو فعال نحو ثلاث.
والثاني: أخر مقابل آخرين.
أما المعدول في العدد في مفعل أو فعال فالمانع له عند سيبويه والجمهور العدل والوصف.
أما العدل فعن أسماء العدد، فأحاد وموحد معدولان عن واحد واحد ومثنى وثُناء معدولان عن اثنين اثنين، وكذا سائرها، وأما الوصف. فلأن هذه الألفاظ لم تستعمل إلا نكرات، إما نعتا نحو: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ} 1 وإما حالا نحو: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ} 2 وإما خبرا نحو: "صلاة الليل مثنى مثنى" 3، ولا تدخلها أل، قال في الارتشاف: وإضافتها قليلة، وذهب الزجاج إلى أن المانع لها العدل في اللفظ وفي المعنى.
أما في اللفظ فظاهر، وأما في المعنى فلأن مفهوماتها تضعيف أصولها فصار فيها عدلان.
__________
1 من الآية 1 من سورة فاطر.
2 من الآية 3 من سورة النساء.
3 وإنما كرر لقصد التأكيد لا لإفادة التكرير. "مثنى" الأولى خبر "صلاة" والثانية للتوكيد.(3/1195)
وأما "أخر" المعدول وهو جمع أخرى أنثى آخَر بفتح الخاء1، فالمانع له أيضا العدل والوصف.
أما الوصف فظاهر، وأما العدل فقال أكثر النحويين: إنه معدول عن الألف واللام؛ لأنه من باب أفعل التفضيل، فحقه ألا يُجمع إلا مقرونا بأل كالصغر والكبر.
والتحقيق: أنه معدول عن أخر مرادا به جمع المؤنث؛ لأن حقه أن يستغنى فيه بأفعل عن فُعَل لتجرده من أل، كما يستغنى بأكبر عن كبر في نحو: "رأيتُها مع نساء أكبر منها".
تنبيه:
قد يكون "أخر" جمع أخرى بمعنى آخرة فيصرف؛ لانتفاء العدل2.
والفرق بين أخرى أنثى آخر، وأخرى بمعنى آخرة أن تلك لا تدل على الانتهاء، ويعطف عليها مثلها من صنف واحد "نحو: جاءت امرأة أخرى وأخرى"3 وأما أخرى بمعنى آخرة فتدل على الانتهاء ولا يُعطف عليها مثلها من جنس واحد، وهي المقابلة "الأولى"4 في قوله تعالى: {قَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ} 5 وكان ينبغي أن يحترز عنها كما احترز في الكافية والتسهيل بقوله مقابل آخرين6.
ووزنُ مَثْنَى وثُلاثَ كهُما ... مِن واحدٍ لأربع فليُعْلَمَا
يعني: أن ما وازن مثنى وثلاث من المعدول من واحد إلى أربع، فهو مثلها في امتناعه من الصرف للعدل والوصف، فهذه ثمانية ألفاظ متفق على سماعها وهي: أحاد وموحد وثناه ومثنى وثلاث ومثلث ورباع ومربع؛ ولذلك اقتصر عليها، قال في شرح الكافية: وروي عن بعض العرب: "مخمس وعشار ومعشر".
__________
1 بمعنى مغاير.
2 لأن مذكرها آخر -بالكسر- بدليل: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} ، {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} فليست من باب أفعل التفضيل. هـ516/ 2 أشموني.
3 أ، ب.
4 ب، ج وفي أ "الأولى".
5 من الآية 39 من سورة الأعراف.
6 قال:
ومنع الوصف وعدل أخرا ... مقابلا لآخرين فاحصرا(3/1196)
ولم يرد غير ذلك، وظاهر كلامه في التسهيل أنه قد سمع خماس أيضا، واختلف فيما لم يسمع على ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنه يقاس على ما سمع وهو مذهب الكوفيين والزجاج، ووافقهم الناظم في بعض نسخ التسهيل، وخالفهم في بعضها.
والثاني: أنه لا يقاس عليه، بل يقتصر على المسموع، وهو مذهب جمهور البصريين.
والثالث: أنه لا يقاس على فُعال لكثرته، لا على مَفْعَل.
قال أبو حيان: والصحيح أن البناءين مسموعان من واحد إلى عشرة، وحكى البناءين أبو عمرو الشيباني. وحكى أبو حاتم وابن السكيت من أحاد إلى عُشار، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
تنبيه:
أجاز الفراء صرف هذه الألفاظ مذهوبا بها مذهب الأسماء قال: تقول العرب: "ادخلوا ثُلاث ثُلاث، وثُلاثا ثُلاثا" والوجه ألا نجري، انتهى، ومنع ذلك غيره.
وكُنْ لجمْعٍ مُشْبِه مَفاعِلا ... أو المفاعيل بمنعٍ كَافِلا
الجمع المشبه مفاعل أو مفاعيل هو الجمع الذي لا نظير له في الآحاد وهو كألف التأنيث في أنه يستقل بمنع الصرف وحده لقيامه مقام شيئين، فإن فيه فرعية من جهة الجمع وفرعية من جهة عدم النظير.
ويعني بالشبه أن يكون أوله مفتوحا وثالثه ألفا بعدها حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن، وما يلي الألف مكسور لفظا أو تقديرا، ولا يشترط أن يكون أوله ميما، بل يدخل فيه ما أوله ميم نحو: مساجد ومصابيح، وما أوله غير ميم نحو: دراهم ودنانير؛ لأن المعتبر موافقته لمفاعل ومفاعيل في الهيئة لا في الوزن.
وفهم من تقييد أوسط الثلاثة بأنه ساكن أن نحو صياقلة منصرف لتحركه، وإنما كان منصرفا لأن له في الآحاد نظيرا، وذلك طواغية وكراهية ونحوهما.(3/1197)
وفهم من تقييد "تالي" الألف بأن يكون مكسورا أن ما ليس كذلك منصرف نحو عبال -جمع عبالة- على حد ثمرة وثمر؛ لأن الساكن الذي يلي الألف في عبال لاحظ له في الحركة، والعبالة: الثقل، يقال ألقى عليه عبالته أي: ثقله، هذا مذهب سيبويه والجمهور، أعني: اشتراط حركة ما بعد الألف.
قال في الارتشاف: وذهب الزجاج إلى أنه لا يشترط ذلك، فأجاز في تكسير هبيّ أن تقول: هبايّ -بالإدغام- قال: وأصل الياء عندي السكون ولولا ذلك لأظهرتها، انتهى، وظهر من ذكر التقييد أن نحو دواب غير منصرف؛ لأن أصله دوابب، فهو على مثال مفاعل تقديرا.
وذا اعتلالٍ منه كالجواري ... رفعا وجرا أجرِهِ كَسَارِي
ما كان من الجمع الموازن مفاعل معتلا فله حالتان:
إحداهما: أن يكون آخره ياء قبلها كسرة نحو جوار.
والأخرى: أن تقلب ياؤه ألفا نحو عذارى.
فإن كان آخره ياء قبلها كسرها أجري في رفعه وجره مجرى سارٍ ونحوه من المنقوص "المنصرف" فتقول: "هؤلاء جوارٍ" و"مررت بجوارٍ" بالتنوين وحذف الياء، كما تقول: "هو سارٍ" و"مررت بسارٍ".
وأما في نصبه فيجري مجرى موازنة الصحيح فتقول: "رأيت جواري" -بفتح آخره من غير تنوين- كما تقول: "رأيت مساجد"، فإن قلبت ياؤه ألفا قدر إعرابه ولم ينون بحال، ولا خلاف في ذلك.
فإن قلت: لم ينبه في النظم على هذا، بل في قوله: "وذا اعتلال".
قلت: قيد بقوله: "كالجواري".
تنبيهات:
الأول: اختلف في تنوين جوار ونحوه رفعا وجرا، فذهب سيبويه إلى أنه تنوين عوض عن الياء المحذوفة، لا تنوين صرف، وذهب المبرد والزجاج إلى أنه تنوين عوض عن الياء ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، وذهب الأخفش إلى أنه(3/1198)
تنوين صرف؛ لأن الياء لما حذفت تخفيفا زالت صيغة مفاعل، وبقي اللفظ كجناح فانصرف، والصحيح مذهب سيبويه.
وأما جعله عوضا عن الحركة فضعيف؛ لأنه لو كان عوضا عن الحركة لكان ذو الألف أولى به من ذي الياء؛ لأن حاجة المتعذر إلى التعويض أشد ولألحق مع الألف واللام كما أحلق معهما تنوين الترنم.
وأما كونه للصرف فضعيف؛ لأن الياء حذفت تخفيفا وثبوتها منوي؛ ولذلك بقيت الكسرة دليلا عليها، ولو لم تكن منوية لجعل ما قبلها حرف إعراب.
فإن قلت: إذا جعل عوضا عن الياء، فما سبب حذفها أولا؟
قلت: قال في شرح الكافية: لما كانت ياء المنقوص قد تحذف تخفيفا ويكتفى بالكسرة التي قبلها، وكان المنقوص الذي لا ينصرف أثقل، التزموا فيه من الحذف ما كان جائزا في الأدنى ثقلا؛ ليكون لزيادة الثقل زيادة أثر؛ إذ ليس بعد الجواز إلا اللزوم. انتهى، وقال الشارح: ذهب المبرد إلى أن فيما لا ينصرف تنوينا مقدرا، بدليل الرجوع إليه في الشعر، وحكموا له في جوار ونحوه بحكم الموجود، وحذفوا لأجله الياء في الرفع والجر لتوهم التقاء الساكنين، ثم عوضوا عما حذف التنوين، وهو بعيد؛ لأن الحذف لملاقاة ساكن متوهم الوجود مما لم يوجد له نظير، ولا يحسن ارتكاب مثله. انتهى.
قلت: المشهور عن المبرد أن التنوين عنده عوض من الحركة كما نقل في شرح الكافية.
الثاني: ما ذكر من تنوين جوار ونحوه في الجمع في رفعه وجره متفق عليه، نص على ذلك المصنف وغيره، وما ذكره أبو علي من أن يونس ومن وافقه ذهبوا إلى أنه لا ينون، ولا تحذف ياؤه، وأنه يجر بفتحة ظاهرة وَهْمٌ، وإنما قالوا ذلك في العلم، وسيأتي بيانه.
الثالث: إذ قلت: "مررت بجوار" فعلامة جره فتحة مقدرة على الياء؛ لأن غير منصرف، وإنما قدرت مع خفة الفتحة؛ لأنها نابت عن الكسرة، فاستثقلت لنيابتها عن المستثقل.(3/1199)
الرابع: اعلم أن باب جوار وإن جرى مجرى سار في الجر والرفع فهو يخالفه من وجهين؛ أحدهما: أن جره بفتحة مقدرة وجر سار بكسرة مقدرة. والآخر: أن تنوين جوار تنوين عوض، وتنوين سار تنوين صرف، وتقدم بيانه.
فإن قلت: قوله: "أجره كساري" يوهم أن علامة جرهما واحد، وأن تنوينهما واحد.
قلت: إنما أراد: "أجره كساري" في اللفظ فقط، وإن كان التقدير مختلفا.
ولسراويلَ بهذا الجمع ... شَبَهٌ اقتضى عُمُومَ المنْعِ
اعلم أن سراويل اسم مفرد أعجمي جاء على وزن مفاعيل، فمنع من الصرف لشبهه بالجمع في الصيغة المعتبرة؛ وذلك أن بناء مفاعل ومفاعيل لا يكونان في كلام العرب إلا لجمع أو منقول عن جمع، فحق ما وازنهما أن يمنع الصرف وإن فقدت منه "الجمعية"1 ولكن بثلاثة شروط:
الأول: ألا تكون ألفه عوضا عن إحدى ياءي النسب تحقيقا نحو: يمان وشآم، فإن أصلهما يمني وشامي، فحذفت إحدى الياءين وعوض منها الألف، أو تقديرا نحو: تهام وثمان، فإن ألفهما موجودة قبل، فكأنهم نسبوا إلى فَعَل أو فَعْل ثم حذفوا إحدى الياءين وعوضوا الألف.
فهذه الألفاظ مصروفة وإن كانت على مثال مفاعيل؛ لأن ألفها عوض ففارقت الجمع بذلك لأن ألفه لا تكون عوضا.
الثاني: ألا تكون كسرة ما يلي الألف عارضة نحو: توان وتدان؛ لأن وزنهما في الأصل تفاعل -بالضم- فجعل مكان الضم كسرة لتصح الياء. فهذا أيضا منصرف؛ لأنه خالف الجمع بعروض الكسرة.
الثالث: ألا يكون "بعد الكسرة"2 ياء مشددة عارضة نحو حواري -وهو الناصر- وظفاري3 فإن ياء النسب في ذلك مقدرة الانفصال فخالف بذلك
__________
1 ب، ج وفي أ "الصرفية الجمعية".
2 أ، ج وفي ب "بدل الكسرة".
3 نسبة إلى ظفار بوزن قطام مدينة باليمن.(3/1200)
الجمع؛ لأن ما بعد ألفه غير مقدر الانفصال، وأما بخاتي -جمع بختي- فغير منصرف؛ لأن ما بعد الألف ليس بعارض، ولو نسب إلى بخاتي لا تصرف لعروض ياءي النسب.
وضابط ذلك أن الياء إن تقدم وجودها على الألف وجب المنع وإلا صرف سواء سبق وجود الألف كظفاري، أو كانا غير منفكين كحواري.
إذا تقدر هذا فاعلم أن سراويل اسم "مفرد"1 أعجمي جاء على مثال مفاعيل فمنع الصرف؛ لوجود صيغة الجمع فيه؛ ولهذا أشار بقوله: "وسراويل بهذا الجمع شبه" ونبه بقوله: "اقتضى عموم المنع" إلى أنه ممنوع من الصرف وجها واحدا خلافا لمن زعم أن فيه وجهين: المنع والصرف.
وقال المصنف: إن صرفه لم يثبت عن العرب.
قلت: نقل الأخفش أن بعض العرب يصرفه في النكرة إذا جعل اسما مفردا.
تنبيهات:
الأول: ذهب بعضهم إلى أن سراويل عربي، وأنه جمع سروالة في التقدير، ثم أطلق اسم جنس على هذه الآلة المفردة، ورد بأن سروالة لم يسمع.
وأما قوله2:
__________
1 أ، ب.
2 قائله: لم أعثر على قائله، وقيل: البيت مصنوع، وهو من المتقارب.
اللغة: "اللؤم" -بضم اللام- وهو الدناءة في الأصل والخساسة في الفعل "لمستعطف" طالب العطف وهو الشفقة.
الإعراب: "عليه" جار ومجرور خبر مقدم "من اللؤم" جار ومجرور متعلق بمحذوف "سروالة" مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة والتقدير: سروالة كائنة عليه من اللؤم "فليس" الفاء للتعليل وليس فعل ماض ناقص واسمها ضمير مستتر فيه "يرق" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه، والجملة في محل نصب خبر ليس "لمستعطف" جار ومجرور متعلق به.
الشاهد: قوله "سروالة" حيث احتج به من قال: إن سراويل جمع سروالة، وإن سراويل منع من الصرف لكونه جمعا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 522/ 2، وابن الناظم، والسيوطي في همع الهوامع 25/ 1.(3/1201)
عليه من اللؤم سروالةٌ ... فليس يرق لمستعطف
فشاذ، لا حجة فيه.
قلت: ذكر الأخفش أنه سمع من العرب سروالة، وقال أبو حاتم: من العرب من يقول: سروال، والذي يرد به هذا القول وجهان:
أحدهما: أن سروالة لغة في سراويل؛ لأنها بمعناه وليس جمعا لها كما ذكر في شرح الكافية.
والآخر: أن النقل لم يثبت في أسماء الأجناس، وإنما يثبت في الأعلام.
الثاني: سراويل مؤنث فلو سُمي به ثم صغر امتنع صرفه للعلمية والتأنيث وإن زالت صيغة الجمع بالتصغير.
الثالث: شذ منع صرف ثمان تشبيها له بجوار في قوله1:
يَحْدُو ثماني مُولَعا بلقاحها ... ........................
والمعروف فيه الصرف، وقيل هما لغتان.
__________
1 قائله: قال العيني: قائله أعرابي قاله أبو الخطاب ولم ينسبه، ونسبه السيرافي لابن ميادة، وهو من الكامل.
وعجزه:
حتى هممن بزيفة الإرتاج
اللغة: "يحدو" من الحدو وهو سوق الإبل والغناء لها "مولعا" بفتح اللام من أولع بالشيء إذا أغرم به "اللقاح" -بفتح اللام- وهو ماء الفحل، وهو المراد هنا، وأما اللقاح -بكسر اللام- فهو جمع لقوح، وهي الناقة التي تحلب "الزيفة" -بفتح الزاي- الميلة "الإرتاج" -بالكسر- من أرتجت الناقة إذا أغلقت رحمها على الماء "هممن" أي: قصدن بالميل عن الإرتاج.
الإعراب: "يحدو" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه "مولعا" حال من الضمير الذي في يحدو "بلقاحها" جار ومجرور "حتى" للغاية "هممن" جملة من الفعل والفاعل "بزيفة" في محل نصب على المفعولية "الإرتاج" مضاف إليه.
الشاهد: قوله: "ثماني" حيث منع صرفه للضرورة تشبيها له بمساجد.
مواضعه: ذكره الأشموني 522/ 2، وابن الناظم.(3/1202)
وإِنْ به سُمِّيَ أو بما لَحِقْ ... به فالانصرافُ منعُهُ يَحِقُّ
يعني: أن ما سُمي به من الجمع الذي على مفاعل أو مفاعيل أو بما ألحق به كسراويل فحقه أن يمنع من الصرف، سواء كان منقولا عن جمع محقق كمساجد -اسم رجل- ومقدر كشراحيل1.
قال الشارح: والعلة في منع صرفه ما فيه من الصيغة مع أصالة الجمعية أو قيام العلمية مقامها، فلو طرأ تنكيره انصرف على مقتضى التعليل الثاني دون الأول. انتهى.
قلت: مذهب سيبويه أنه لا ينصرف بعد التنكير لشبهه بأصله، ومذهب المبرد صرفه لذهاب الجمعية، وعن الأخفش القولان، والصحيح قول سيبويه؛ لأنهم منعوا سراويل من الصرف وهو نكرة وليس جمعا على الصحيح.
والعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا ... تَرْكِيْبَ مَزْجٍ نحو مَعْدِيكَرِبا
قد تقدم أن ما لا ينصرف على ضربين:
أحدهما: ما لا ينصرف لا في تنكير ولا تعريف.
والثاني: ما لا ينصرف في التعريف وينصرف في التنكير.
وقد فرغ من الكلام عن الضرب الأول، فشرع في الثاني وهو سبعة أقسام:
الأول: المركب تركيب المزج، والمراد به جعل الاسمين اسما واحدا لا "بإضافة ولا بإسناد"2، بل ينزل ثانيهما من الأول منزلة تاء التأنيث، وهو نوعان:
النوع الأول: ما ختم بويه فهو مبني على الأشهر.
فإن قلت: فلِمَ لَمْ يحترز عنه هنا؟
قلت: عن ذلك أجوبة:
أحدها: أن قوله: "معديكربا" يقيد إطلاقه.
والثاني: أشار إلى أنه مبني في باب العلم فاكتفى بذلك.
__________
1 اسم لعدة أشخاص، من المحدثين والصحابة.
2 أ، ج.(3/1203)
والثالث: أن يكون أطلق ليدخل في إطلاقه ما ختم بويه على لغة من أعربه، ولا يرد على لغة من بناه؛ لأن باب الصرف إنما وضع للمعربات، وقد تقدم ذكره في العلم.
والنوع الثاني: ما ختم بغير ويه، فهذا فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: وهو الأصح أن يعرب إعراب ما لا ينصرف، ويبني صدره على الفتح، نحو: "بعلبك" إلا أن يكون ياء نحو: "معدي كرب" فإنها تسكن، قيل: أو نونا نحو: "باذنجانة" وإنما بني على الفتح لتنزل عجزه منزلة تاء التأنيث، وإنما لم تفتح الياء وإن كانت تفتح قبل تاء التأنيث؛ لأن التركيب مزيد ثقل فخص بمزيد خفة.
والوجه الثاني: أن يضاف صدره إلى عجزه فيعرب صدره بما تقتضيه العوامل، ويعرب عجزه بالجر للإضافة ويجعل العجز على هذه اللغة كالمستقل فإن كان فيه مع العلمية سبب يؤثر منع الصرف كهرمز من رام هرمز؛ فإن فيه العجمة وإلا صرف نحو: موت من حضرموت.
فأما كرب من "معدي كرب" فمصروف في اللغة المشهورة، وبعض العرب لا يصرفه بجعله مؤنثا.
تنبيه:
إذا كان آخر الصدر1 ياء نحو: "معدي كرب" وأضيف صدره إلى عجزه على هذه اللغة استصحب سكون يائه في كل الأحوال الثلاثة.
قال المصنف: لأن من العرب من يسكن هذه الياء في النصب مع الإفراد تشبيها بالألف، فالتزم في التركيب لزيادة الثقل ما كان جائزا في الإفراد. انتهى.
وقال بعضهم: تفتح في النصب وتسكن في الرفع والجر.
والوجه الثالث: أن يبني صدره وعجزه على الفتح ما لم يعتل الأول فيسكن تشبيها بخمسة عشر، وأنكر بعضهم هذه اللغة، وقد نقلها الإثبات2.
__________
1 أ، ج وفي ب "العجز".
2 الأثبات: جمع ثَبْت -بفتح المثلثة وسكون الموحدة- وهو الثقة.(3/1204)
تنبيهات:
الأول: احترز بقوله: "تركيب مزج" من تركيب الإضافة وتركيب الإسناد، وقد تقدم حملها في العلم.
وأما تركيب العدد نحو: "خمسة عشر" فمتحتم البناء عن البصريين، وأجاز "فيه"1 الكوفيون إضافة صدره إلى عجزه، وسيأتي في بابه، فإن سمي به ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تقره على حاله.
والثاني: أن تعربه إعراب ما لا ينصرف.
والثالث: أن يضاف صدره إلى عجزه.
وأما تركيب الأحوال والظروف نحو: "شغر بغر، وبيت بيت، وصباح مساء"2. إذا سمي به أضيف صدره إلى عجزه وزال التركيب، هذا رأي سيبويه وقيل: يجوز فيه التركيب والبناء.
كَذاكَ حَاوِي زَائِدَيْ فَعْلانا ... كغَطَفَان وكأَصْبَهَانَا
يعني: أن زائدي فعلان يمنعان "الصرف" مع العلمية في وزن فعلان وفي غيره نحو: حمدان وعثمان وعمران وغطفان وأصبهان، وقد نبه على التعميم بالتمثيل.
__________
1 أ، ج.
2 شغر بغر -بفتح الغين مع فتح أوله وكسره- يقال: ذهب القوم شغر بغر؛ أي: متفرقين من أشغر في البلد أبعد، وبغر النجم: سقط؛ لأنهم بتفرقهم يباعد بعضهم عن بعض.
بيت بيت: تقول: هو جاري بيت بيت، وأصله بيتنا ملاصقا لبيته، فحذف الجار وهو اللام وركب الاسمان وعامل الحال ما في قوله جاري من معنى الفعل، فإنه في معنى مجاوري، وجوزوا أن يكون الجار المقدر إلى وألا يقدر جار أصلا بل العاطف صباح مساء؛ تقول: فلان يأتينا صباح مساء؛ أي: كل صباح ومساء فحذف العاطف وركب الظرفان قصدا للتخفيف، ولو أضفت فقلت صباح مساء لجاز أي: صباحا مقترنا بمساء. اهـ صبان.(3/1205)
تنبيهات:
الأول: قد يكون في النون اعتباران، فإن قدرت النون زائدة منع الصرف، وإن قدرت أصلية صرف نحو: "حسان" إن جعل من الحس امتنع أو من الحسن انصرف1.
وشيطان: إن جعل من شاط امتنع، أو من شطن انصرف.
ولو سميت برمان فذهب الخليل وسيبويه إلى منع الصرف؛ لكثرة زيادة النون في نحو ذلك، وذهب الأخفش إلى صرفه؛ لأن فعالا في النبات أكثر، ويؤيده قول بعضهم: "أرض مرمنة"2، ويأتي الكلام على زيادة النون في التصريف إن شاء الله تعالى.
الثاني: إذا أبدل من النون الزائدة لام منع الصرف، إعطاء للبدل حكم المبدل، مثال ذلك "أصيلال" فإن أصله أصيلان، فلو سمي به منع الصرف ولو أبدل من حرف أصلي نون صرف، بعكس أصيلان، ومثال ذلك "حنان" في حناء، أبدلت همزته نونا.
والثالث: ذهب الفراء إلى منع الصرف للعلمية وزيادة ألف قبل نون أصلية، تشبيها لها بالزائدة، نحو: "سنان" و"بيان"، والصحيح صرف ذلك.
كَذَا مؤنَّثٌ بهاء مطلقا ... وشَرْطُ مَنْعِ العار كَوْنُهُ ارْتَقَى
فَوْقَ الثَّلاثِ أو كَجُور أو سَقَرْ ... أو زَيْدٍ اسم امرأة لا اسمَ ذَكَرْ
من موانع الصرف التأنيث، وهو ضربان: لفظي ومعنوي:
فاللفظي: إن كان بالألف فقد تقدم حكمه، وإن كان بالتاء منع مع العلمية مطلقا نحو: عائشة وطلحة وهبة.
والمعنوي: أيضا يمنع مع العلمية ولكن يشترط في تحتم منعه أن يكون زائدا على ثلاثة أحرف نحو زينب؛ لأن الرابع منه ينزل منزلة هاء التأنيث أو متحرك الوسط نحو سقر؛ لأن الحركة قامت مقام الرابع خلافا لابن الأنباري، فإنه جعله
__________
1 من الحس وزنه فعلان؛ ومن الحسن وزنه فعال.
2 وفي نسخة ب: رمنة. والمعنى: كثيرة الرمان.(3/1206)
ذا وجهين، وما ذكره في البسيط من أن سقر ممنوع الصرف باتفاق، ليس كذلك، أو يكون أعجميا نحو جور -اسم بلد- لأن العجمة لما انضمت إلى التانيث والعلمية تحتم المنع، وإن كانت العجمة لا تمنع صرف الثلاثي لأنها هنا لم تؤثر منع الصرف، وإنما أثرت تحتم المنع، وحكى بعضهم فيه الخلاف فيجعل جور مثل هند في جواز الوجهين، أو منقولا من مذكر نحو زيد -إذا سمي به امرأة- لأنه حصل بنقله إلى التأنيث نقل عادل خفة اللفظ. هذا مذهب سيبويه والجمهور، وذهب عيسى بن عمر وأبو زيد والجرمي والمبرد إلى أنه ذو وجهين. واختلف النقل عن يونس.
ثم نبه على أن الثلاثي الساكن الوسط إذا لم يكن أعجميا ولا منقولا عن مذكر يجوز فيه المنع والصرف بقوله:
وجهان في العادم تذكيرا سَبَقْ ... وعُجمة كهندَ والمنع أحق
فمن صرفه نظر إلى خفة السكون، ومن لم يصرفه نظر إلى وجود السببين ولم يعتبر الخفة.
وقد صرح بأن منعه أحق من صرفه وهذا مذهب الجمهور، وقال أبو علي: الصرف أفصح، قال ابن هشام: وهو غلط جلي، وذهب الزجاج -قيل: والأخفش- إلى أنه متحتم المنع. قال الزجاج: لأن السكون لا يغير حكما أوجبه اجتماع علتين يمنعان الصرف، وذهب الفراء إلى أن ما كان اسم بلد لا يجوز صرفه نحو: "فيد"؛ لأنهم لا يرددون اسم البلدة على غيرها1، فلم يكثر في الكلام بخلاف هند.
تنبيهات:
الأول: لا فرق في ذلك بين ما سكونه أصلي كهند، أو عارض بعد التسمية كفخذ أو الإعلال كدار، ففي ذلك وجهان، أجودهما المنع.
__________
1 مراده بقوله: "لأنهم لا يرددون اسم البلدة على غيرها" أن الاشتراك اللفظي في أسماء البلدان قليل، فهم لا يطلقون اسم بلدة على بلدة أخرى إلا نادرا، بخلاف الأناسي، فإن الاشتراك في أسمائهم كثير.(3/1207)
الثاني: إذا كان المؤنث ثنائيا نحو يد جاز فيه الوجان ذكرهما سيبويه. وظاهر التسهيل أن المنع أجود كما في هند، وقول صاحب البسيط في يد صرفت بلا خلاف غير صحيح.
الثالث: إذا صغر نحو هند تحتم منعه لظهور التاء نحو هنيدة، فإن صغر بغير تاء نحو حريب -وهي ألفاظ مسموعة- انصرف.
الرابع: إذا سُمي مذكر بمؤنث، فإن كان ثلاثيا صرف مطلقا خلافا للفراء وثعلب؛ إذ ذهبا إلى أنه لا ينصرف سواء تحرك وسطه نحو فخذ أم سكن نحو حرب.
ولابن خروف في متحرك الوسط - وإن كان زائدا على الثلاثة لفظا نحو سعاد، أو تقديرا كلفظ نحو جيل مخفف جيأل1 بالنقل منع من الصرف.
فإن قلت: مذهب سيبويه والبصريين أن علامة التأنيث تاء، والهاء عندهم بدل التاء في الوقف فلم عدل عن التعبير بالياء في قوله: "كذا مؤنث بهاء مطلقا"؟
قلت: كأن عدل إلى الهاء احترازا من تاء بنت وأخت، فإنهما تاء إلحاق بنيت الكلمة عليها، فليس حكمها حكم الهاء.
وقد نص سيبويه على أن بنتا وأختا إذا سُمي بهما رجل مصروفان، وقياس هذا أنهما إذا سُمي بهما امرأة يجوز فيهما الوجهان كهند، وقد ذهب قوم إلى أن تاء بنت وأخت للتأنيث فمنعوهما الصرف في المعرفة، ونقله بعضهم عن الفراء.
فإن قلت: قد تقرر أن المؤنث بلا علامة ظاهرة فيه تاء مقدرة؛ ولذلك ترد في التصغير، فيقال: هنيدة، فكيف سماه عاريا في قوله: "وشرط منع العار"؟
قلت: يعني: العاري من العلامة لفظا، وهو واضح.
والعَجَميُّ الوضع والتعريف مع ... زيد على الثلاث صرفه امتنع
من موانع الصرف العجمة مع العلمية، فإذا كان الاسم من أوضاع العجم وهو علم امتنع صرفه بشرطين:
__________
1 اسم للضبع الأنثى، ويقال للذكر: ضبعان.(3/1208)
أحدهما: أن يكون عجمي التعريف أيضا أعني: بكونه علما في لغتهم.
الثاني: أن يكون زائدا على ثلاثة أحرف، وذلك نحو: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، واحترز بالشرط الأول عن نوعين:
أحدهما: ما نقل من لسانهم وهو نكرة نحو لجام1 فلا أثر للعجمة فيه؛ لأن عجمته جنسية فألحق بالأمثلة العربية.
والآخر: ما كان في لسان العجم نكرة ثم نقل في أول أحواله علما نحو بندار2.
وهذا فيه خلاف. وذهب قوم منهم الشلوبين وابن عصفور إلى أنه لا ينصرف؛ لأنهم لا يشترطون أن يكون علما في لغة العجم، وذهب قوم إلى أنه منصرف؛ لأنهم يشترطون أن يكون علما في لغة العجم، وإليه ذهب المصنف، وهو ظاهر كلام سيبويه.
واحترز بالشرط الثاني عن الثلاثي، فإنه ينصرف؛ لأن العجمة سبب ضعيف فلا تؤثر في الثلاثي بخلاف التأنيث.
قال في شرح الكافية: قولا واحدا في لغة جميع العرب، ولا التفات إلى من جعله ذا وجهين مع السكون، ومتحتم المنع مع الحركة.
قال: وممن صرح بإلغاء عجمة الثلاثي مطلقا السيرافي وابن برهان وابن خروف، ولا أعلم لهم من المتقدمين مخالفا. انتهى.
قلت: نقل عن عيسى بن عمرو وتبعه ابن قتيبة والجرجاني جواز المنع والصرف في الثلاثي الساكن الوسط.
ويتحصل في الثلاثي ثلاثة أقوال:
__________
1 اللجام -بالجيم- وضعه العجم اسم جنس للآلة التي تجعل في فم الفرس.
2 بندار -بضم الباء -وهو في لغة العجم اسم جنس للتاجر الذي يلزم المعادن ولمن يخزن البضائع للغلاء، وجمعه بنادرة.(3/1209)
أحدها: أن العجمة لا أثر لها فيه مطلقا، وهو الصحيح.
الثاني: ما تحرك وسطه نحو "لمك" -اسم رجل- لا ينصرف، وما سكن وسطه فيه وجهان، وقد تقدم القائلون به.
والثالث: ما تحرك وسطه لا ينصرف وما سكن وسطه منصرف، وبه جزم ابن الحاجب.
تنبيهات:
الأول: قوله: "زيد" "هو"1 مصدر زاد "يزيد"2 زيدا وزيادة وزيدانا.
الثاني: المراد بالعجمي ما نقل من لسان غير العرب، ولا يختص بلغة الفرس.
الثالث: إذا كان الأعجمي رباعيا وأحد حروفه ياء التصغير انصرف ولم يعتد بالياء.
الرابع: تعرف عجمة الاسم بوجوه:
أحدها: نقل الأئمة.
والثاني: خروجه عن أوزان الأسماء العربية نحو إبراهيم.
والثالث: أن يعرى من حروف الذلاقة، وهو خماسي أو رباعي، فإن كان في الرباعي السين، فقد يكون عربيا نحو "عسجد"3 وهو قليل، وحروف الذلاقة ستة يجمعها: "مر بنفل".
والرابع: أن يجتمع فيه من الحروف ما لا يجتمع في كلام العرب كالجيم والقاف بغير فاصل نحو: "قج وجق"4 والصاد والجيم نحو: "صلوجان"5، والكاف
__________
1 ب، ج.
2 ب، ج.
3 العسجد: هو الذهب والجوهر والبعير الضخم. هـ قاموس.
4 قج -بقاف مفتوحة وجيم مشوبة بالشين ساكنة- لغة تركية بمعنى اهرب، وبمعنى كم الاستفهامية، وأما بكسر القاف فبمعنى الرجل.
جق -بكسر الجيم وسكون القاف- بمعنى اخرج، وفي القاموس: الجقة -بالكسر- الناقة الهرمة.
5 صولجان -بفتح الصاد واللام- المحجن وجمعه صوالجة.(3/1210)
والجيم نحو: "أسكرجة"1، "وتبعية الراء للنون"2 أول كلمة نحو: "نرجس" والزاي بعد الدال نحو: "مهندز".
كذاك ذو وزن يخص الفِعْلا ... أو غَالِبٍ كأحمد ويَعْلَى
مما يمنع الصرف مع العلمية وزن الفعل، بشرط أن يكون مختصا به، أو غالبا فيه.
والمراد بالمختص: ما لا يوجد في غير فعل إلا في نادر أو علم أو أعجمي، كصيغة الماضي المفتتح بتاء المطاوعة3 أو همزة وصل4.
وما سلم من المصوغ للمفعول وبناء فعل وما صيغ للأمر من غير فاعل والثلاثي5، وما سوى أفعل ونفعل وتفعل ويفعل من أوزان المضارع.
واحترز من النادر نحو: "دئل" لدويبة، وينجلب لخرزة، وتبشر لطائر.
وبالعلم نحو: "خضم" لرجل و"شمر" لفرس، وبالعجمي من نحو: "بقم، وإستبرق"6، فلا يمنع وجدان هذه7 اختصاص أوزانها بالفعل؛ لأن النادر والعجمي لا حكم لهما، والعلم منقول من فعل، فالاختصاص باقٍ.
والمراد بالغالب: ما كان الفعل به أولى، إما لكثرته فيه كإثمد وإصبع وأبلم8. فإن أوزانها تقل في الاسم وتكثر في الأمر من الثلاثي، إما لأن زيادته
__________
1 أسكرجة -بسكون السين وضم الكاف وضم الراء المشددة- اسم لوعاء مخصوص.
2 ب، ج وفي أ "الراء والنون".
3 نحو تعلم.
4 نحو انطلق.
5 نحو انطلق ودحرج.
6 البقم -بفتح الباء وتشديد القاف مفتوحة- صبغ معروف وهو العندم، وإستبرق: الديباج الغليظ.
7 أي الأسماء.
8 إثمد: بكسر الهمزة وسكون المثلثة وبالدال المهملة.
إصبع -بكسر الهمزة وفتح الباء- واحدة الأصابع، وفيها عشر لغات حاصلة من ضرب ثلاثة أحوال الهمزة في ثلاثة أحوال الباء والعاشرة أصبوع.
أبلم -بضم الهمزة والام وسكون الباء-سعف المقل.(3/1211)
تدل على معنى في الفعل ولا تدل على معنى في الاسم كأفكل وأكلب1، فإن "نظائرهما"2 تكثر في الأسماء والأفعال، لكن الهمزة من أفعل وأفعل تدل على معنى في الفعل3 ولا تدل على معنى في الاسم، فكان المفتتح بأحدهما من الأفعال أصلا للمفتتح بأحدهما من الأسماء.
وقد يجتمع الأمران في نحو: "يرمغ، وتنضب"4، فإنهما كإثمد في كونه على وزن يكثر في الأفعال ويقل في الأسماء، وكأفكل في كونه مفتتحا بما يدل على وزن يكثر في الفعل دون الاسم.
تنبيهات:
الأول: قد اتضح بما ذكر أن التعبير عن هذا النوع بأن يقال: "أو ما أصله الفعل" كما فعل في الكافية. أو ما هو به أولى كما فعل في التسهيل. أجود من التعبير عنه بالغالب.
الثاني: قد فهم من قوله: "يخص الفعل أو غالب" أن الوزن المشترك غير الغالب لا يمنع الصرف نحو: ضرب ودحرج. خلافا لعيسى بن عمر فيما نقل من فعل فإنه لا يصرفه متمسكا بقوله5:
__________
1 أفكل: الرعدة. أكلب: جمع كلب.
2 ب، ج وفي أ "نظائر هذا" فمن نظائر أفكل من الأسماء أبيض وأسود وأفضل، ومن الأفعال أذهب وأعلم وأسمع. ومن نظائر أكلب من الأسماء أبحر وأوجه وأعين، ومن الأفعال أنصر وأدخل وأخرج.
3 نحو أذهب وأكتب.
4 يرمغ -بتحتية فراء فميم فغين- بوزن يضرب، اسم لحجارة بيض دقاق تلمع. تنضب -بفوقية فنون فضاد فباء بوزن تنصر- اسم شجرة. اهـ صبان.
5 قائله: هو سحيم بن وئيل اليربوعي، وقيل: المثقب العبدي، وقيل: أبو زيد. ونسبه بعضهم إلى الحجاج بن يوسف الثقفي. وليس بصحيح، وإنما أنشده على المنبر لما قدم الكوفة واليا عليها، وهو من الوافر.
وعجزه:
متى أضع العمامة تعرفوني
اللغة: "جلا" كشف "طلاع" صيغة مبالغة من الطلوع وهو الصعود "الثنايا" جمع ثنية وهي العقبة، والمراد مقتحم الشدائد "العمامة" يريد ما تلبس في الحرب وتوضع في السلم، وهي البيضة. =(3/1212)
أنا ابنُ جَلا وطَلَّاع الثَّنَايَا ... .......................
ولا حجة فيه؛ لأنه يحتمل أن يكون فيه ضمير الفاعل، فيكون محكيا لأنه منقول من جملة، أو يكون حذف الموصوف وأقام صفته مقامه.
أي: أنا ابن رجل جلا.
وقد ذهب بعضهم إلى أن الفعل قد يحكى مسمى به، وإن كان غير مسند إلى ضمير متمسكا بهذا البيت.
ونقل عن الفراء ما يقرب من مذهب عيسى، قال: الأمثلة التي تكون للأسماء والأفعال إن غلبت للأفعال فلا تجره في المعرفة نحو رجل اسمه "ضرب" فإن هذا اللفظ وإن كان اسما للعسل الأبيض هو الأشهر في الفعل.
فإن غلب في الاسم فأجره في المعرفة والنكرة نحو رجل مسمى بحجر؛ لأنه يكون فعلا تقول: "حجر عليه القاضي" ولكنه أشهر في الاسم. انتهى.
الثالث: يشرتط في الوزن المانع للصرف شرطان:
أحدهما: أن يكون لازما.
والثاني: ألا يخرج بالتغيير إلى مثال هو للاسم.
فخرج بالأول نحو امرئ، فإنه لو سمي به انصرف، وإن كان في النصب شبيها بالأمر من علم. وفي الجر شبيها بالأمر من ضرب، وفي الرفع شبيها بالأمر
__________
= المعنى: أنا ابن رجل كشف الأمور ومقتحم صعابها متى أضع على رأسي عمامة الحب تعرفون شجاعتي.
الإعراب: "أنا" مبتدأ "ابن" خبره "جلا" مضاف إليه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وهو علم منقول من الفعل، أو "جلا" فعل ماض وفاعله يعود على "رجل" مقدر بعد ابن مضاف إليه، والجملة صفة لرجل المقدر. أي: أنا ابن رجل جلا الأمور "وطلاع" معطوف على ابن "الثنايا" مضاف إليه "متى" اسم شرط جازم "أضع" فعل مضارع مجزوم فعل الشرط "العمامة" مفعول به "تعرفوني" فعل مضارع جواب الشرط وعلامة جزمه حذف النون وواو الجماعة فاعله والنون للوقاية وياء المتكلم مفعول به لتعرفوا.
الشاهد: قوله: "جلا" فقد استدل به عيسى بن عمر على أنه علم منقول من الفعل الماضي.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 531/ 2، وابن الناظم، وابن هشام 345/ 3، وذكر في القطر ص84، وسيبويه 7/ 2، وابن يعيش 61/ 1.(3/1213)
من خرج؛ لأنه خالف الأفعال بكون عينه لا تلزم حركة واحدة، فلم تعتبر فيه الموازنة.
وخرج بالثاني نحو: "رد، وقيل" فإن أصلهما رُدِدَ وقُوِل، ولكن الإدغام والإعلال أخرجاهما إلى مشابهة يرد وقيل، فلم يعتبر فيهما الوزن الأصلي.
وشمل قولنا: "إلى مثال هو للاسم" قسمين:
أحدهما: ما خرج إلى مثال غير نادر، ولا إشكال في صرفه نحو: "رُدَّ، وقيل".
والآخر: ما خرج إلى مثال نادر نحو "انْطلقَ" إذا سكنت لامه، فإنه خرج إلى مثال إنْقَحْل1 وهو نادر، وهذا فيه خلاف، وجوز فيه ابن خروف الصرف والمنع.
وقد فهم من ذلك أن ما دخله إعلال ولم يخرجه إلى وزن الاسم نحو يزيد امتنع صرفه.
الرابع: اختلف في سكون التخفيف العارض بعد "التسمية"2 نحو ضُرْبَ3، فمذهب سيبويه أنه كالسكون اللازم فينصرف، وهو اختيار المصنف، وذهب المازني والمبرد ومن وافقهما إلى أنه يمنع الصرف، فلو خفف قبل التسمية انصرف قولا واحدا.
وما يصير علما من ذي أَلِفْ ... زِيدَتْ لإلحاق فليس يَنْصَرِفْ
ألف الإلحاق المقصورة تمنع الصرف مع العلمية؛ لشبهها بألف التأنيث من وجهين لا يوجدان في ألف الإلحاق الممدودة، فلذلك لم تمنع الصرف لوجهين:
أحدهما: أنها زائدة ليست مبدلة من شيء، بخلاف الممدودة فإنها مبدلة من ياء.
__________
1 الإنقحل: بوزن جردحل، الرجل الذي يبس جلده على عظمه. وتقول: قحل الرجل على وزن قرح، فهو قحل مثل شهم وقحل مثل فرح.
2 أ، ج وفي ب "الاسمية".
3 بسكون العين مخففا من ضرب المجهول.(3/1214)
الثاني: أنها تقع في مثال صالح لألف التأنيث نحو أرطى1، فهو على مثال سكرى بخلاف الممدودة.
تنبيه:
حكم ألف التكثير كحكم ألف الإلحاق في أنها تمنع من العلمية نحو "قبعثرى"2 ذكره بعضهم.
والعَلَمَ امْنَعْ صرفَه إن عُدِلا ... كفُعَلِ التوكيد أو كَثُعْلا
العدل يمنع الصرف مع العلمية في أربعة مواضع، وقد اشتمل هذا البيت على موضعين "منها"3:
الأول: فُعَل في التوكيد، والمراد به جُمَع وتوابعه كقولك: "مررت بالهندات جمع" والمانع له من الصرف التعريف والعدل.
أما تعريفه فبالإضافة المنوية فشابه بذلك العلم؛ لكونه معرفة بغير قرينة لفظية، هذا ظاهر كلام سيبويه وهو اختيار ابن عصفور، وذهب بعضهم إلى أنه علم، وهو المفهوم من كلام الناظم هنا.
قلت: وإلى الأول ذهب في الكافية، وقال في شرحها: لأن العلم إما شخصي وإما جنسي.
فالشخصي مخصوص ببعض الأشخاص فلا يصلح لغيره.
والجنسي مخصوص ببعض الأجناس فلا يصلح لغيره، وجمع بخلاف ذلك، فالحكم بعلميته باطل. انتهى.
وقال في التسهيل: والمانع العدل مع شبه العلمية أو الوصفية في فُعَل توكيدا.
قال الشيخ أبو حيان: وتجويز ابن مالك أن العدل يمنع مع شبه الصفة في باب جُمَع لا أعرف له فيه سلفا. انتهى.
__________
1 أرطى: شجر له نَوَر وثمر كالعناب.
2 القبعثرى: الجمل العظيم والفصيل المهزول.
3 أ.(3/1215)
وأما عدله ففيه أقوال: قيل: إنه معدول عن فعلاوات؛ لأنه جمع فعلاء مؤنث أفعل وقد جمع المذكر بالواو والنون فكان حق المؤنث أن يجمع بالألف والتاء، وهو اختيار المصنف.
وقيل: معدول عن فُعْل؛ لأن قياس أفعل فعلاء أن يجمع مذكره ومؤنثه على فُعْل نحو: حُمْر في أحمر وحمراء، وهو قول الأخفش والسيرافي واختاره ابن عصفور.
وقيل: إنه معدول عن فعاليّ؛ لأن جمعاء اسم كصحراء.
الثاني: علم المذكر المعدول إلى فعل نحو: عمر، وطريق العلم بعدل هذا النوع سماعه "غير"1 مصروف عاريا من سائر الموانع ومنه: زفر ومضر وثعل وهبل وزحل وعظم وجثم وقثم وجمح وقزح ودلف وبلغ -بطن من قضاعة.
فإن ورد فعل مصروفا وهو علم علمنا أنه ليس بمعدول، وذلك نحو: أدد.
وهو عند سيبويه من الود فهمزته عن واو، وعند غيره من الأد2 فهمزته أصلية، فإن وجد في فعل مانع مع العلمية لم يجعل معدولا نحو طُويّ، فإن منعه للتأنيث والعلمية ونحو "تُتل" اسم أعجمي3 فالمانع له العجمة والعلمية عند من يرى منع الثلاثي مع العجمة.
تنبيهات:
الأول: فُعَل المذكور معدول عن فاعل، فعمر عن عامر وكذلك سائرها، قيل: وبعضها معدول عن أفعل وهو ثُعَل.
الثاني: إنما جعل هذا النوع معدولا لأمرين:
أحدهما: أنه لو لم يقدر عدله لزم ترتيب المنع على علة واحدة. وليس فيه من الموانع غير العلمية.
__________
1 أ.
2 وهو العظيم.
3 اسم لبعض عظماء الترك.(3/1216)
والآخر: أن الأعلام يغلب "عليها"1 النقل، فجعل عمر معدولا عن عامر العلم المنقول من الصفة ولم يجعل مرتجلا.
الثالث: ذكر بعضهم لعدله فائدتين: إحداهما: لفظية وهي التخفيف. والأخرى: معنوية وهي تمحيض العلمية؛ إذ لو قيل: "عامر" لتوهم أنه صفة.
الرابع: ذكر بعضهم عن فُعَل علم جنس قالوا: "جاء بعلق وفلق" ولا يصرف وهو غريب.
الخامس: من الممنوع الصرف للعدل والتعريف فلا يصلح لغيره علما من المعدول إلى فعل في النداء كغدر وفسق فحكمه حكم عمر.
قال المصنف: وهو أحق من عمر بمنع الصرف؛ لأن عدله محقق وعدل عمر مقدر. انتهى.
وهو مذهب سيبويه. وذهب الأخفش وتبعه ابن السيد إلى صرفه ثم انتقل إلى الموضع الثالث فقال:
والعدلُ والتعريفُ مانعا سَحَرْ ... إذا به التعيينُ قَصْدا يُعْتَبَرْ
إذا قصد بسحر سحر يوم بعينه، فالأصل أن يعرف بأل أو بالإضافة.
فإن تجرد منهما مع قصد التعيين فهو حينئذ ظرف لا يتصرف، ولا ينصرف، نحو: "جئت يوم الجمعة سحر" والمانع له من الصرف العدل والتعريف.
أما العدل فعن اللفظ بأل وكان الأصل أن يعرف بها.
وأما التعريف فقيل: بالعلمية؛ لأنه جعل علما لهذا الوقت. وصرح به في التسهيل.
وقيل: بشبه العلمية؛ لأنه تعرف "بغير أداة ظاهرة"2 كالعَلَم.
وهو اختيار ابن عصفور. وقوله هنا: "والتعريف" يومئ إليه؛ إذ لم يقل: والعلمية.
__________
1 أ، ج.
2 أ، وفي ب، ج "بأداة مقدرة".(3/1217)
وذهب صدر الأفاضل -وهو أبو الفتح ناصر بن أبي المكارم المطرزي1- إلى أنه مبني على الفتح؛ لتضمنه معنى حرف التعريف كأمس.
وذهب ابن الطراوة إلى أنه مبني لا لتضمنه معنى الحرف بل لعدم "التقارب"2.
وذهب السهيلي إلى أنه معرب، وإنما حذف تنوينه لنية الإضافة.
وذهب الشلوبين الصغير إلى أنه معرب أيضا، وإنما حذف تنوينه لنية أل.
وعلى هذين القولين فهو من قبيل المنصرف، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور.
تنبيه:
نظير سحر في امتناعه من الصرف أمس عند بني تميم، فإن منهم من يعربه في الرفع غير منصرف. ويبنيه على الكسر في الجر والنصب. ومنهم من يعربه إعراب ما لا ينصرف في الأحوال الثلاث. خلافا لمن أنكر ذلك. وغير بني تميم يبنونه على الكسر.
وحكى ابن الربيع أن بني تميم يعربونه إعراب ما لا ينصرف إذا رفع أو جر بمذ أو منذ فقط، وزعم الزجاج أن من العرب من يبنيه على الفتح، واستشهد بقول الراجز3:
__________
1 هو ناصر بن عبد السيد علي بن المطرز أبو الفتح النحوي المشهور بالمطرزي من أهل خوارزم، قرأ على الزمخشري وغيره وبرع في النحو واللغة، ولد في رجب سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وصنف وشرح المقامات والمعرب في لغة الفقه ومختصر المصباح في النحو وغير ذلك. ومات بخوارزم في يوم الثلاثاء حادي عشرين جمادى الأولى سنة عشر وستمائة.
2 أ، وفي ب، ج "النقار".
3 قائله: لم أعثر على قائله، وهو من الرجز.
وعجزه:
عجائزا مثل السعالي خمسا
اللغة: "عجبا" هو انفعال النفس بسبب وصف زائد في المتعجب منه "عجائزا" جمع عجوز، وهي التي هرمت من النساء "السعالي" حمع سعلاة بكسر السين، وهي أخبث الغيلان، وقيل: هي ساحرة الجن. =(3/1218)
لقد رأيتُ عجبا مذ أمسا ... ........................
قال في شرح التسهيل: ومدَّعاه غير صحيح؛ لامتناع الفتح في مواضع الرفع، ولأن سيبويه استشهد بالرجز على أن الفتح في "أمسا" فتح إعراب، وأبو القاسم لم يأخذ البيت من غير كتاب سيبويه.
فقد غلط فيما ذهب إليه، واستحق ألا يعول عليه. انتهى.
وأجاز الخليل في "لقيته أمس" أن يكون التقدير: بالأمس، فحذف الباء وأل فتكون الكسرة إعراب، ولأمس أحكام أخر ليس هذا موضع ذكرها.
ثم انتقل إلى الموضع الرابع فقال:
وابْنِ على الكسر فَعَالِ عَلما ... مؤنثا وهو نظير جُشَمَا
عند تميم............. ... ......................
لغة الحجازيين بناء فَعال علما لمؤنث نحو: "حذام" على الكسر مطلقا، وفي سبب بنائه أقوال:
أحدهما: شبهه بنزال وزنا وتعريفا وعدلا وتأنيثا.
والثاني: تضمنه معنى "هاء"1 التأنيث، وإليه ذهب الربعي.
__________
= المعنى: والله لقد رأيت من أمس أمرا يتعجب منه، وذلك أني رأيت نسوة كبارا في السن مثل الغيلان في القبح وعدتهن خمس.
الإعراب: "لقد" اللام واقعة في جواب قسم محذوف، قد حرف تحقيق "رأيت" فعل وفاعل "عجبا" مفعول به، واصله صفة لموصوف محذوف.
والتقدير: لقد رأيت شيئا عجبا ثم حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه "مذ" حرف جر "أمسا" مجرور بمذ وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف والمانع له من الصرف العلمية والعدل عن الأمس والجار والمجرور متعلق برأى "عجائزا" صرفه للضرورة وهو بدل من قوله عجبا "مثل" صفة لعجائز "السعالي" مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل "خمسا" صفة لعجائز.
الشاهد: قوله: "أمسا" حيث أعرب إعراب ما لا ينصرف وجر بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه لا ينصرف للعلمية والعدل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 537/ 2، وابن هشام 352/ 2، وابن الناظم. وذكره ابن هشام في قطر الندى ص9، والشذور ص104، وسيبويه 44/ 2.
1 أ، ج وفي ب "تاء".(3/1219)
والثالث: توالي العلل، وليس بعد منع الصرف إلا البناء، قاله المبرد.
والأول هو المشهور1.
وأما بنو تميم ففصل أكثرهم بين ما آخره راء نحو حضار فبنوه على الكسر، وبين ما ليس آخره راء فمنعوه الصرف، وبعضهم أعرب النوعين إعراب ما لا ينصرف.
وإنما وافق أكثرهم فيما آخره راء؛ لأن مذهبهم الإمالة، فإذا كسروا توصلوا إليها ولو منعوه الصرف لامتنعت، وقد جمع الأعشى بين اللغتين في قوله2:
ومرَّ دهرٌ على وَبَارِ ... فهَلَكَتْ جَهْرَةً وبار
ويحتمل أن يكون وباروا فعلا ماضيا والواو ضمير جمع.
واختلف في منع صرفه عند تميم فذهب سيبويه إلى أن المانع له العدل عن فاعله وللعلمية.
وذهب المبرد إلى أن المانع له التأنيث والعلمية، وليس بمعدول ووافق على أنها معدولة إذا بنيت.
__________
1 تقول: هذه حذام ووبار، ورأيت حذام ووبار، ومررت بحذام ووبار.
2 قائله: هو الأعشى ميمون بن قيس، وهو من البسيط.
وقبله:
ألم تروا إرما وعادا ... أودى بها الليل والنهار
اللغة: "إرم" اسم البلدة "وعاد" اسم القبيلة "أودى بها" ذهب بها وأهلكها "وبار" اسم أمة قديمة بائدة كانت تسكن اليمن.
الإعراب: "ومر" الواو عاطفة، مر فعل ماض "دهر" فاعل "على وبار" جار ومجرور متعلق بمر "فهلكت" الفاء عاطفة هلك فعل ماض والتاء للتأنيث "جهرة" منصوب على الظرفية عاملة هلكت "وبار" فاعل هلكت مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد: قوله: "وبار" حيث بناه على الكسر في الأول على لغة الأكثرين، وأعربه في الثاني على رأي القلة وعند جعل وبار الثانية غير علم. أي: وباروا بمعنى هلكوا فعل ماض والواو للجماعة فالجملة معطوفة على "هلكت" وأنث هلكت على إرادة القبيلة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 538/ 2، وابن الناظم وابن هشام 350/ 2، وذكره في الشذور ص101، وسيبويه 41/ 2، وابن يعيش 64/ 3.(3/1220)
فإن قلت: مذهب المبرد هو الظاهر؛ لأن التأنيث محقق والعدل مقدر، وأيضا فلا حاجة إلى تقدير عدلها؛ لأن تقدير العدل في باب عمر إنما ارتبك لأنه لو لم يقدر لزم ترتيب المنع على العلمية وحدها، ولا يلزم من ذلك هنا.
قلت: قال بعضهم: الظاهر مذهب سيبويه؛ لأن الغالب على الأعلام أن تكون منقولة؛ فلهذا جعلت معدولة عن فاعلة المنقولة "عن"1 صفة كما تقدم في عمر.
وعلى مذهب المبرد تكون مرتجلة.
تنبيهات:
الأول: أطلق في قوله: "عند تميم" وإنما هو عند بعضهم.
الثاني: فهم من قوله: "نظير جشما" أن المانع له العدل والعلمية وفاقا لسيبويه.
الثالث: أفهم قوله: "مؤنثا" أن حذام وبابه لو سمي به مذكر لم يبن؛ ولكن يمنع الصرف للعلمية عن مؤنث، ويجوز صرفه؛ لأنه إنما كان مؤنثا لإرادتك به ما عدل عنه، فلما زال العدل زال التأنيث بزواله.
الرابع: فَعَال يكون معدولا وغير معدول؛ فالمعدول إما علم مؤنث كحذام وتقدم حكمه، وإما أمر نحو نزال، وإما مصدر نحو حَمَاد، وإما حال نحو2:
__________
1 ب، ج وفي أ "من".
2 قائله: عوف بن عطية يخاطب لقيط بن زرارة حين فر يوم رحرحان وأسر أخوه معبد. وقيل: للأحوص بن جعفر، وقيل: النابغة، وهو من الكامل.
وصدره:
وذكرتَ من لبنِ المحلق شربةً
اللغة: "الملحق" -بكسر اللام- قطيع إبل وسم بمثل الحلق "بداد" -بفتح الباء- يقال: جاءت الخيل بداد: أي: متبددة "الصعيد" وجه الأرض.
الإعراب: "وذكرت" فعل وفاعل "من لبن" جار ومجرور متعلق بذكرت "المحلق" مضاف إليه "شربة" مفعول "الخيل" مبتدأ "تعدو" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه والجملة في محل رفع خبر المبتدأ "في الصعيد" جار ومجرور متعلق بتعدو "بداد" حال.
الشاهد: "بداد" وقعت حالا هاهنا على وزن فعال وبُني على الكسر لأنه معدول عن المصدر وهو البدد.
مواضعه: ذكره الأشموني 538/ 2، والسيوطي في الهمع 29/ 1، وسيبويه 39/ 2، وابن يعيش 54/ 3.(3/1221)
.......................... ... والخيل تعدو في الصعيد بداد
وإما صفة جارية مجرى الأعلام نحو حَلاق -للمنية- وإما صفة ملازمة للنداء نحو يا خباث، فهذه خمسة أنواع كلها تبني على الكسر معدولة عن مؤنث، فإن سمي بها مذكر ففيه وجهان: أرجحهما منع الصرف كعناق إذا سمي به1. والآخر: الصرف فيجعل كصَبَاح2.
ولا يجوز البناء خلافا لابن بابشاذ، وغير المعدول يكون اسما كجناح ومصدرا كذهاب وصفة نحو جواد وجنسا نحو سحاب، فلو سمي بشيء من هذه مذكر انصرف قولا واحدا إلا ما كان مؤنثا كعناق.
وقوله:
......... واصرِفَنْ ما نُكِّرَا ... من كل ما التعريف فيه أُثِرَا
يعني: أن ما أثر فيه التعريف إذا نكر صرف لذهاب جزء العلة، والمراد بذلك الأنواع السبعة المتأخرة، وهي: ما امتنع للعلمية والتركيب أو الألف والنون الزائدتين، أو التأنيث بغير الألف، أو العجمة، أو وزن الفعل، أو ألف الإلحاق، أو العدل.
فتقول: ربَّ معديكربٍ وعمرانٍ وطلحةٍ وإبراهيمٍ وأحمدٍ وأرطًى وعمرٍ لقيتهم، فتصرف لذهاب العلمية.
وأما الأنواع الخمسة المتقدمة، وهي ما امتنع لألف التأنيث، أو للوصف والزيادتين، أو للوصف ووزن الفعل، أو للوصف والعدل، أو للجمع المشبه مفاعل أو مفاعيل.
فهذه لا تنصرف وهي نكرة، فلو سمي بشيء منهما لم ينصرف أيضا، أما ما فيه ألف التأنيث فلأنها كافية في منع الصرف، ووهم من قال في "حواء": امتنع للتأنيث والعلمية.
__________
1 كعناق: يريد أنه معرب ممنوع من الصرف.
2 كصباح: يريد أنه معرب مصروف.(3/1222)
وأما ما فيه الوصف مع زيادتي فَعْلان، أو وزن أفعل؛ فلأن العلمية تخلُف الوصف فيصير منعه للعلمية والزيادتين، أو للعلمية ووزن أفعل؛ أما ما فيه الوصف والعدل؛ وذلك أخَرُ وفُعال ومَفْعل نحو أحاد ومَوْحَد، فمذهب سيبويه أنها إذا سمي بها امتنعت من الصرف للعلمية والعدل.
وكل معدول سمي به فعدله باقٍ، إلا سَحَر وأمسِ في لغة بني تميم1.
هذا مذهب سيبويه. وذهب الأخفش وأبو علي وابن برهان وابن بابشاذ إلى صرف العدل المعدول مسمى به، قالوا: لأن العدل يزول بالتسمية.
والصحيح مذهب سيبويه؛ لأن العدل باقٍ ولا أثر لزوال معناه.
وأما الجمع الموازن مفاعل أو مفاعيل؛ فقد تقدم الكلام على التسمية به.
وإذا نكر شيء من هذه الأنواع الخمسة بعد التسمية لم ينصرف أيضا، أما ذو ألف التأنيث فللألف، وأما ذو الوصف مع زيادتي فعلان أو وزن أفعل أو العدل إلى مَفعل أو فُعال؛ فلأنها لما نكرت شابهت حالها قبل التسمية فمنعت الصرف لشبه الوصف مع هذه العلل، هذا مذهب سيبويه، وخالف الأخفش في باب سكران فصرفه2.
وأما باب أحمر ففيه أربعة مذاهب:
الأول: منع الصرف، وهو الصحيح.
والثاني: الصرف، وهو مذهب المبرد والأخفش في أحد قوليه، ثم وافق سيبويه في كتابه الأوسط.
قال في شرح الكافية: وأكثر المصنفين لا يذكرون إلا مخالفته.
وذِكرُ موافقته أولى؛ لأنها آخر قوليه.
والثالث: إن سمي بأحمر رجل أحمر لم ينصرف بعد التنكير، وإن سمي به أسود أو نحوه انصرف. وهو مذهب الفراء وابن الأنباري.
__________
1 فإن عدلهما يزول بالتسمية فيصرفان، بخلاف غيرهما من المعدولات، فإن عدله بالتسمية باقٍ، فيجب منع صرفه للعدل والعلمية عددا كان أو غيره. اهـ أشموني.
2 أي: عند قصد تنكيره.(3/1223)
والرابع: أنه يجوز صرفه. قاله الفارسي في بعض كتبه.
وأما المعدول إلى مفعل أو فعال فمن صرف أحمر بعد التسمية صرفه، وقد تقدم الخلاف في الجمع إذا نكر بعد التسمية.
تنبيه:
إذا سمي بأفعل التفضيل مجردا من "من" ثم نكر بعد التسمية انصرف اتفاقا؛ لأنه لم يبقَ فيه شبه الوصف إذا لم يستعمل صفة إلا بمن ظاهرة أو مقدرة.
فإن سمي به مع "من" ثم نكر امتنع الصرف قولا واحدا، وسقط خلاف الأخفش؛ لأنك إن لم تلحظ أصله خرجت عن كلام العرب.
قلت: وكلامه في الكافية وشرحها يقتضي إجراء الخلاف فيه، فإنه قال:
وذو التفضيل منعه رجح ... إن قارنته من..........
وقال في شرحها: وحكمه حكم أحمر.
وما يكون منه منقوصا ففي ... إعرابه نهج جَوارٍ يَقْتَفِي
تقدم أن الجمع الموازن لمفاعل، إذا كان منقوصا أجري في الرفع والجر مجرى سار، وفي النصب مجرى نظيره من الصحيح، ولا خلاف في ذلك، وقد سبق تغليط من حكى فيه الخلاف.
وأما غير الجمع المنقوص الذي نظيره من الصحيح غير مصروف، فإن كان غير علم جرى مجرى جوار ونحوه فيما ذكر بلا خلاف. نحو "أعيم" تصغير أعمى. فتقول: "هذا أعيمٍ. ومررت بأعيمٍ. ورأيت أعيمَى" وتنوينه في الرفع والجر تنوين العوض كما سبق، وإن كان علما وهو المشار إليه بالبيت ففيه خلاف.
مذهب الخليل وسيبويه وأبي عمرو وابن أبي إسحاق أنه كذلك فتقول في "يُعَيل" تصغير يُعْلَى، هذا يعيل ومررت بيعيل ورأيت يعيلى.(3/1224)
وذهب يونس وأبو زيد وعيسى والكسائي إلى أنه يجري مجرى الصحيح في ترك تنوينه وجره بفتحة ظاهرة، واحتجوا بقوله1:
قد عَجِبَت مني ومن يُعيليا ... ........................
والصحيح الأول؛ لأنه نظير جوار، وأما قوله: "يُعيليا" فهو عند غيرهم للضرورة.
ولاضطرار أو تناسب صُرف
ذو المنع والمصروف قد لا يَنْصَرِفْ
أما صرف ما يستحق المنع للضرورة فمتفق على جوازه، ومنه قوله2:
__________
1 قائله: نسبه الشيخ خالد للفرزدق، وهو من الرجز.
وعجزه:
لما رأتني خَلقًا مُقُلولِيَا
اللغة: "يعيليا" مصغر يعلى -علم لرجل- "خلقا" عتيقا بالياء، والمراد رث الهيئة "مقلوليا" متجافيا منكمشا، والمراد دميم الخلقة.
المعنى: عجبت هذه المرأة مني ومن يعلى حين رأتني رث الهيئة دميم الخلقة.
الإعراب: "قد" حرف تحقيق "عجبت" فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر فيه "مني" جار ومجرور متعلق بالفعل "من" حرف جر "يعيليا" مجرور بمن ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، والألف للإطلاق "لما" ظرف زمان بمعنى حين "رأتني" فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير والنون للوقاية والياء مفعول أول "خلقا" مفعول ثانٍ لرأتني "مقلوليا" نعت قوله خلقا، أو معطوف عليه بحذف العاطف.
الشاهد: قوله: "يعيليا" فإنه علم مصغر موازن للفعل ممنوع من الصرف وهو منقوص. وقد عومل معاملة الصحيح، وفتحت ياؤه ولم ينون.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 541/ 2، وابن هشام 357/ 3، وابن الناظم. وذكره سيبويه 59/ 2.
2 قائله: هو أمية بن أبي الصلت الثقفي، وهو من الخفيف.
اللغة: أتاها، الضمير يرجع إلى ناقة صالح عليه السلام "أحيمر" أراد الذي عقر الناقة واسمه قدار بن سالف وكان أحمر أزرق أصهب "عضب" -بفتح العين وسكون الضاد- السيف القاطع.
الإعراب: "أتاها" فعل ومفعول "أحيمر" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة "كأخي" الكاف للتشبيه والتقدير: أتاها مثل السهم بعضب وقيل: التقدير: أتاها بعضب كأخي السهم، أي: كمثل السهم، فعلى الأول محل الكاف النصب وعلى الثاني الجر "بعضب" جار ومجرور متعلق بأتاها "فقال" فعل ماض والفاعل ضمير مستتر فيه "كوني عقيرا" جملة وقعت مقول القول، الياء اسم كان -والخطاب للناقة- عقيرا خبر كان يستوي فيه المذكر والمؤنث.
الشاهد: قوله: "أحيمر" حيث نونه مع أنه يستحق المنع؛ وذلك لأجل الضرورة.
مواضعه: ذكره الأشموني 541/ 2.(3/1225)
وأتاها أحيمرٌ كأخي السهم ... بعَضْب فقال: كوني عقيرا
وهو كثير، وقد اختلف في نوعين:
أحدهما: ما فيه ألف التأنيث المقصورة، فمنع بعضهم صرفه للضرورة، وقال: إنه لا فائدة فيه؛ إذ يزيد بقدر ما ينقص.
ورد بقول المسلم بن رباح المري1:
إني مقَسِّمُ ما ملكت فجاعلٌ ... جرما لآخرتي ودنيًا تنفع
أنشده ابن الأعرابي بتنوين "دنيا".
وقال بعضهم في رد هذا القول: إن الألف قد تلتقي بساكن بعده فيحتاج الشاعر إلى كسر الأول لإقامة الوزن فينون ثم يكسر.
قلت: ومقتضى هذا أنه إذا لم يحتج إلى تنوينه لم ينون، وهو تفصيل حسن.
والثاني: "أفْعل من" منع الكوفيون صرفه للضرورة، قالوا: لأن حذف تنوينه إنما هو لأجل "من" فلا يجمع بينه وبينها، ومذهب البصريين جوازه؛ لأن المانع له الوزن والوصف كأحمر لا "من" بدليل صرف "خير منه وشر منه" لزوال الوزن.
__________
1 قائله: المسلم بن رباح المري، وهو من الكامل.
الإعراب: "إني" حرف توكيد ونصب والياء اسمها "مقسم" خبر إن مرفوع بالضمة الظاهرة "ما ملكت" ما موصولة وملكت فعل وفاعل والجملة صلة ما والعائد محذوف تقديره: ما ملكته، ومقسم مضاف وما ملكت مضاف إليه "فجاعل" الفاء عاطفة للمفصل على المجمل "جاعل" مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة وخبره محذوف تقديره: فمنه جاعل " أجرا" منصوب بجاعل "لآخرتي" جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره: أجرا كائنا لآخرتي "ودنيا" عطف على أجرا، وفيه حذف تقديره: ومنه جاعل دنيا "تنفع" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه والجملة صفة لدنيا.
الشاهد: قوله: "دنيا" حيث نونه الشاعر.
مواضعه: ذكره الأشموني 542/ 2.(3/1226)
ومثال صرفه للتناسب قوله تعالى: {سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا} 1 وقرأ ابن مهران: "ولا يغوثًا ويعوقا ونسرا"2.
وأجاز قوم صرف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد اختيارا، وزعم قوم أن صرف ما لا ينصرف مطلقا لغة، قال الأخفش: وكأن هذه لغة الشعراء؛ لأنهم اضطروا إليه في الشعر "فجرت"3 ألسنتهم على ذلك في الكلام.
وأما من منع صرف المستحق للصرف للضرورة، ففي جوازه خلاف:
مذهب أكثر البصريين منعه، وأكثر الكوفيين والأخفش والفارسي جوازه، واختاره المصنف، وهو الصحيح، لثبوت سماعه فمنه4:د
وما كان حصنٌ ولا حابسٌ ... يفوقان مرداس في مَجمع
وأبيات أخر5.
وفصل بعض المتأخرين بين ما فيه العلمية فأجاز منعه لوجود إحدى العلتين وبين ما ليس كذلك فصرفه، ويؤيده أن ذلك لم يسمع إلا من العلم.
وأجاز قوم منهم أحمد بن يحيى منع صرف المنصرف اختيارا.
__________
1 من الآية 4 من سورة الإنسان، نافع والكسائي.
2 من الآية 23 من سورة نوح.
3 ب، ج وفي أ "فجرى".
4 قائله: هو العباس بن مرداس الصحابي، وهو من المتقارب.
اللغة: "حصن" والد عيينه "حابس" والد الأقرع.
الإعراب: "ما" نافية "كان" فعل ماض ناقص "حصن" اسم كان مرفوع بالضمة الظاهرة "ولا حابس" عطف على اسم كان "يفوقان" فعل مضارع مرفوع بثبوت النون وألف الاثنين فاعل، والجملة في محل نصب خبر كان "مرداس" مفعول به "في مجمع" جار ومجرور متعلق بيفوقان.
الشاهد: قوله: "مرداس" حيث منعه من الصرف وهو اسم مصروف للضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 453/ 2، وابن الناظم، والسيوطي ص143، وذكره في الهمع 37/ 1، وابن يعيش 68/ 1.
5 منها قوله:
وقائلة: ما بال دَوْسر بَعْدنا ... صحا قلبه عن آل ليلى وعن هند؟
وقوله:
طلب الأرازق بالكتائب إذ هوت ... بشبيبَ غائلة النفوس غَدورُ(3/1227)
إعراب الفعل:
ارْفَعْ مُضارعا إذا يُجَرَّدُ ... من ناصبٍ وجازمٍ كتَسْعَدُ
يعني المضارع الذي لم "تباشره"1 نون التوكيد ولا نون الإناث، وإنما لم يقيده اكتفاء بتقديم ذلك في باب الإعراب.
وفهم من كلامه أنه يجب رفع المضارع "المعرب"2 إذا لم يدخل عليه ناصب ولا جازم نحو: "أنت تسعد"، ولم ينص هنا على رافعه، وفيه أقوال:
الأول: أن رافعه وقوعه موقع الاسم، وهو قول البصريين.
والثاني: أن رافعه تجرده من الناصب والجازم، وهو "قول حذاق"3 الكوفيين منهم الفراء.
والثالث: أن رافعه نفس المضارعة، وهو قول ثعلب.
والرابع: أن رافعه حروف المضارعة، ونسب إلى الكسائي.
واختار المصنف الثاني؛ لسلامته من النقض، بخلاف مذهب البصريين، فإنه ينتقض بنحو: "هلا تفعل"4.
ورد مذهب الفراء بأن التعري عدم فلا يكون عاملا، وأجاب الشارح بأنا لا نسلم أن التجرد من الناصب والجازم عدمي؛ لأنه عبارة عن استعمال المضارع على أول أحواله مخلصا عن لفظ يقتضي تغييره، واستعمال الشيء والمجيء به على صفة ما ليس بعدمي. انتهى.
ولما ذكر أن رفعه مشروط بتجريده من الناصب والجازم أخذ يبينهما فقال:
وبِلَن انصبْه وكي كذا بأَنْ
__________
1 أ، ج وفي ب "يباشر".
2 أ، ج وفي ب: "المعري".
3 أ، ج وفي ب "مذهب".
4 لأن أداة التحضيض مختصة بالفعل.(3/1228)
الأدوات التي تنصب المضارع أربعة، وهي الثلاثة المذكورة في هذا البيت وإذن وستأتي.
فأما "لن" فحرف نفي ينصب المضارع ويخلصه للاستقبال ولا يلزم أن يكون مؤبدا، خلافا للزمخشري، ذكر ذلك في أنموذجه، وقال في غيره: إن "لن" لتأكيد ما تعطيه "لا" من نفي المستقبل.
قال ابن عصفور: وما ذهب إليه دعوى لا دليل عليها، بل قد يكون النفي بلا آكد من النفي بلن؛ لأن النفي بلا قد يكون جوابا للقسم، والنفي بلن لا يكون جوابا له، ونفي الفعل إذا أقسم عليه آكد.
تنبيهات:
الأول: مذهب سيبويه والجمهور أن "لن" بسيطة، وذهب الخليل والكسائي إلى أنها مركبة وأصلها "لا أن" حذفت همزة أن تخفيفا، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين. ورد سيبويه بجواز تقديم معمول معمولها عليها نحو: "زيدا لن أضرب".
وأجيب بأنه قد يحدث بعد التركيب ما لم يكن قبله، ومنع الأخفش الصغير تقديم معمول معمولها عليها.
وذهب الفراء إلى أن "لن" هي "لا" أبدلت ألفها نونا، وهو ضعيف.
الثاني: ذهب قوم منهم ابن السراج إلى أنه يجوز أن يكون الفعل بعدها دعاء، واختاره ابن عصفور، وجعلوا منه قوله تعالى: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} 1.
والصحيح: أنه لم يستعمل من حروف النفي في الدعاء إلا "لا" خاصة.
الثالث: حكى بعضهم أن الجزم بلن لغة لبعض العرب.
وأما "كي" فلفظ مشترك يكون اسما مخففا من كيف فيليها اسم أو فعل ماض أو مضارع مرفوع؛ كقوله2:
__________
1 من الآية 17 من سورة القصص.
2 قائله: لم ينسب لقائل، وهو من البسيط. =(3/1229)
كي تجنحون إلى سلْم وما ثُئرت ... قتلاكم ولَظَى الهيجاء تضطرمُ
وتكون حرفا جارا للتعليل بمعنى اللام، وحرفا مصدريا فيتعين الأول في ثلاثة مواضع:
أحدها: أن تدخل على "ما" الاستفهامية كقولهم: "كيمه"1.
والثاني: أن تدخل على "ما" المصدرية كقوله2:
................ ... كَيْمَا يَضرُّ وينفعُ
__________
= اللغة: "تجنحون" من جنح إذا مال "سلم" -بكسر السين- والفتح أحسن "ما ثئرت" صيغة مجهول من ثأرت القتيل وبالقتل ثأرا وثؤرة أي: قتلت قاتله "لظى" النار "الهيجاء" الحرب تمد وتقصر "تضطرم" تلتهب.
الإعراب: "كي" أي: كيف للاستفهام "تجنحون" فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل "إلى سلم" جار ومجرور متعلق بالفعل "ما ثئرت" ما نافية "ثئرت" صيغة المبني للمجهول "قتلاكم" نائب فاعل مرفوع وكم مضاف إليه "ولظى" الواو حالية ولظى مبتدأ "الهيجاء" مضاف إليه "تضطرم" فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة وقعت حالا.
الشاهد: قوله "كي" فإنه بمعنى كيف.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 549/ 3، وابن الناظم.
1 بمعنى لمه.
2 قائله: هو النابغة، وقيل: قيس بن الخطيم، وهو من الطويل.
وتمامه:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما ... يرجى الفتى.............
المعنى: إذا لم يكن في مقدورك أن تنفع من يستحق النفع والعون فضر من يستحق الضرر والإيذاء، فإن الإنسان لا يقصد منه في الحياة غير هذين العملين.
الإعراب: "إذا" ظرف متضمن معنى الشرط في محل نصب "أنت" فاعل لفعل محذوف وهو فعل الشرط يفسره المذكور "لم تنفع" فعل مضارع مجزوم بلم والفاعل ضمير، والجملة مفسرة "فضر" الفاء واقعة في جواب إذا وضر فعل أمر "فإنما" الفاء للتعليل وإنما أداة حصر "يرجى" فعل مضارع مبني للمجهول "الفتى" نائب فاعل "كيما" جارة تعليلية بمنزلة اللام وما مصدرية، وهي وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بكى.
الشاهد: قوله: "كيما" حيث دخلت "ما" المصدرية على "كي".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 549/ 3، وابن هشام في حروف الجر 245/ 2، وابن الناظم، وذكره السيوطي في الهمع 5/ 2، والشاهد 656 في خزانة الأدب.(3/1230)
والثالث: أن تقع اللام بعدها كقوله1:
فأوقدت ناري كي ليُبْصَرَ ضَوؤُها
فهي هنا حرف جر واللام تأكيد لها وأن مضمرة بعدها، ولا يجوز كونها مصدرية لفصل اللام، وهذا التركيب نادر، ويتعين الثاني إذا وقعت بعد اللام ولم تقع أن بعدها نحو: "جئت لكي أقرأ".
ولا يجوز أن تكون حرف جر؛ لدخول حرف الجر عليها، فإن وقع بعدها "أن" ولا يكون ذلك إلا في الضرورة، كقوله2:
__________
1 قائله: هو حاتم بن عدي الطائي، وهو من الطويل.
وعجزه:
وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله
الإعراب: "فأوقدت" الفاء عاطفة، أو قدت فعل ماض والتاء فاعل، "ناري" مفعول به والياء مضاف إليه "كي" للتعليل "ليبصر" اللام للتعليل ويبصر فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، وهو مبني للمجهول "ضوؤها" نائب فاعل والهاء مضاف إليه "وأخرجت" الواو عطف على فأوقدت وأخرجت فعل وفاعل "كلبي" مفعول به والياء مضاف إليه "وهو" الواو حالية وهو مبتدأ "في البيت" جار ومجرور متعلق بداخله "داخله" خبر المبتدأ مرفوع والجملة حالية.
الشاهد: قوله: "كي ليبصر" فإن كي هنا تتعين أن تكون حرفا جارا للتعليل بمعنى اللام؛ لظهور اللام بعدها، وإنما جمع بينهما للتأكيد، وهذا التركيب نادر.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه الألفية 550/ 3.
2 قائله: لم أعثر على قائله، وهو من الطويل.
وتمامه:
فتتركها شنا ببيداء بلقع
اللغة: "تطير" تذهب بسرعة "شنا" -بفتح الشين وتشديد النون- القربة الخلق البالي "بيداء" المفازة "بلقع" -بفتح الباء وسكون اللام وفتح القاف- قفر خالية من كل شيء.
المعنى: يخاطب الشاعر طائرا جارحا أو سارقا ماهرا، فيقول: رغبت أن تأخذ قربتي بسرعة وتتركها قطعة ممزقة بصحراء لا يصل إليها إنسان.
الإعراب: "أردت" فعل وفاعل "لكيما" اللام حرف جر وتعليل وكي إما جارة تعليلية مؤكدة للام وأن ناصبة أو مصدرية مؤكدة بأن واللام جارة وما زائدة "أن" حرف مصدري ونصب "تطير" فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه "بقربتي" جار ومجرور متعلق بتطير "فتتركها" الفاء عاطفة على تطير وتترك فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه والهاء مفعول أول "شنا" مفعول ثان لتترك أو حال على التأويل "ببيداء" جار ومجرور متعلق بتترك "بلقع" صفة لبيداء. =(3/1231)
أردت لكيما أن تطير بقِرْبَتي ... ..........................
ترجح كونها حرف جر مؤكدة للام، ويحتمل أن تكون مصدرية مؤكدة بأن. وإنما يترجح كونها جارة لأوجه:
أحدها: أن "أن" أم الباب، فلو جعلت مؤكدة لكي لكانت كي هي الناصبة1.
والثاني: أن ما كان أصلا في بابه لا يجعل مؤكدا لغيره.
والثالث: أن "أن" وليَت الفعل فترجح أن تكون العاملة، ويجوز الأمران في نحو: "جئت كي تفعل" فإن جعلت جارة كانت "أن" مقدرة بعدها، وإن جعلت ناصبة كانت اللام مقدرة قبلها.
تنبيهات:
الأول: ما ذكرته من أن "كي" تكون حرف جر ومصدرية هو مذهب سيبويه وجمهور البصريين، وذهب الكوفيون إلى أنها2 ناصبة للفعل دائما، وتأولوا كيمه على تقدير "كي" تفعل ماذا.
وذهب قوم إلى أنها حرف جر دائما، ونقل عن الأخفش.
الثاني: إذا كانت "كي" حرف جر ودخلت على الاسم، فهي بمعنى لام التعليل، وإذا دخلت على الفعل دلت على العلة الغائية فقط، فهي أخص من اللام.
الثالث: أجاز الكسائي تقديم معمول معمولها عليها نحو: "جئت النحو كي أتعلم".
__________
= الشاهد: قوله: "لكيما أن تطير" حيث يجوز أن تكون كي مصدرية وأن مؤكدة لها، وأن تكون تعليلية مؤكدة للام، ولولا "أن" لوجب أن تكون "كي" مصدرية ولولا وجود اللام لوجب أن تكون تعليلية.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 549/ 3، وابن هشام 363/ 3، والإنصاف 341/ 2، وابن يعيش 19/ 7، والشاهد 635 في الخزانة.
1 فيلزم تقديم الفرع على الأصل.
2 ب، ج.(3/1232)
ومذهب الجمهور منع ذلك.
الرابع: إذا فصل بين "كي" والفعل لم يبطل عملها، خلافا للكسائي نحو: "جئت كي فيك أرغب" والكسائي يجيزه بالرفع لا بالنصب. قيل: والصحيح أن الفصل بينها وبين الفعل لا يجوز في الاختيار.
والخامس: زعم الفارسي أن أصل كما في قوله1:
وطَرْفُك إما جئتنا فاحبسنه ... كما يَحسبوا أن الهوى حيثُ تنظر
أي: "كيما" فحذفت الياء ونصب بها، وذهب المصنف إلى أنها كاف التشبيه كفت بما ودخلها معنى التعليل فنصبت، وذلك قليل.
وقد جاء الفعل بعدها مرفوعا في قوله2:
__________
1 قائله: هو جميل بن معمر، وقيل: لبيد العامري، وهو من الطويل.
اللغة: "طرفك" -بفتح الطاء- الطرف العين والمعنى وعينك.
الإعراب: "طرفك" طرف مبتدأ والكاف مضاف إليه "إما" أصله إِنْ مَا وإن للشرط وما زائدة و"جئتنا" فعل وفاعل ومفعول وهو فعل الشرط "فاصرفنه" الفاء واقعة في جواب الشرط والضمير المنصوب يرجع إلى الطرف والجملة كلها في موضع الرفع على الخبرية -و"أن" بفتح الهمزة- "الهوى" اسم أن "حيث تنظر" خبر أن، وأن مع اسمها وخبرها سد مسد المفعولين ليحسب.
الشاهد: قوله: "كما يحسبوا" حيث إن "كما" تنصب بنفسها بمعنى "كيما" واستدل به الكوفيون والمبرد، وعلامة النصب سقوط النون من يحسبوا، والصحيح ما ذهب إليه البصريون وهو المنع؛ لأنه لو كانت ناصبة مثل كيما لكثر في كلام العرب، ويحتمل أن تكون النون حذفت للضرورة، أو يكون الأصل كيما فحذفت الياء للضرورة.
مواضعه: ذكره الأشموني 550/ 3، والإنصاف 344/ 2، والسيوطي في الهمع 6/ 2.
2 قائله: هو رؤبة بن العجاج، وهو من الرجز.
المعنى: أنك إن شتمت شتمت وإذا لم تشتم لا تشتم ولعلك إن لم تشتم لا تشتم.
الإعراب: "لا" ناهية "تشتم" فعل مضارع مجزوم بلا وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر فيه "الناس" مفعول به "كما" ما كافة "تشتم" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة والفاعل ضمير مستتر فيه.
الشاهد: قوله "كما لا تشتم" حيث رفع الفعل بعد قوله "كما" ولم ينصب، فقال الكوفيون: لأنها لم تكن بمعنى كيما؛ فلذلك لم تنصب، وقال البصريون: هذا على أصله؛ لأن "كما" ليست من النواصب.
مواضعه: ذكره الأشموني 551/ 3، وذكره سيبويه 459/ 1، والإنصاف 345/ 2.(3/1233)
لا تَشْتِمِّ الناس كما لا تشتم ... ..........................
وإما أن تكون زائدة ومفسرة ومصدرية، فالزائدة: هي التي دخولها في الكلام كخروجها فيطرد زيادتها بعد "لما" نحو: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} 1 وبين القسم ولو.
نحو2:
أما والله أن لو كنت حرا
ووقع لابن عصفور أن هذه رابطة والجواب "لو" وما دخلت عليه. وشذت زيادتها بعد كاف الجر في قوله3:
........................ ... كأَنْ ظبيةٍ..............
__________
1 من الآية 96 من سورة يوسف.
2 قائله: لم أعثر على قائله، وأنشده سيبويه ولم يعزه إلى أحد، وهو من الوافر.
وعجزه:
وما بالحر أنت ولا العتيق
الإعراب: "أما" -بفتح الهمزة وتخفيف الميم- حرف استفتاح بمنزلة ألا ويكثر قبل القسم "والله" حرف قسم ومقسم به "أن" رابطة أو زائدة "لو" شرطية "كنت" كان واسمها "حرا" خبر كان والجملة فعل الشرط وجواب الشرط محذوف تقديره: لقاومتك.
الشاهد: قوله: "أن لو كنت" فإن أن فيه جعل حرفا يربط جملة القسم بجملة المقسم عليه. والذي ذهب إليه سيبويه أنها زائدة - بين القسم ولو.
مواضعه: ذكره أيضا السيوطي في الهمع 18/ 2.
3 قائله: هو لباعث بن صريم -بفتح الصاد- اليشكري، هو من الطويل.
وتمامه:
ويوما توافينا بوجه مقسم ... ...... تعطو إلى وارق السلم
اللغة: "مقسم" محسن وأصله من التقسمات وهي مجاري الدموع في أعالي الوجه "تعطو" قال الأعلم: العاطية: التي تتناول أطراف الشجر مرتعية "وارق" المورق -وفعله أوراق- وهو نادر "السلم" شجر بعينه.
المعنى: قال الأعلم: وصف امرأة حسنة الوجه فشبهها بظبية مخصبة.
الإعراب: "يوما" ظرف متعلق بالفعل بعده "توافينا" فعل مضارع فاعله ضمير مستتر عائد إلى المرأة الموصوفة ونا: مفعول "بوجه" متعلق بتوافي "مقسم" صفة لوجه "كأن" على رواة الجر الكاف حرف تشبيه وجر وأن زائدة "ظبية" مجرور بالكاف "تعطو" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر عائد إلى الظبية "إلى وارق" جار ومجرور متعلق بتعطو "السلم" مضاف إليه مجرور بالكسرة، وإنما سكن لأجل الوقف وجملة تعطو في محل رفع صفة لظبية.
الشاهد: قوله: "كأن ظبية" حيث وقعت أن زائدة بين الكاف ومجرورها.
مواضعه: راجعها في باب إن.(3/1234)
في رواية الجر.
وفائدة زيادتها التوكيد، وزعم الزمخشري والشلوبين أنه ينجر مع التوكيد معنى آخر وهو أن الجواب يكون بعقب الفعل الذي يليها فتنبه على السببية والاتصال، وليست مثقلة في الأصل خلافا لزاعمه.
والمفسرة: وهي التي يحسن في موضعها أي. وعلامتها: أن تقع بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه نحو: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} 1.
فلو كان الذي قبلها غير جملة حكم عليها بأنها المصدرية نحو: "إشارتي إليك أن اصبر" ولا تقع المفسرة بعد صريح القول خلافا لبعضهم.
ومذهب الكوفيين أن التفسير ليس من معاني "أن" وهي عندهم الناصبة للفعل والمصدرية هي التي تؤول مع صلتها بمصدر، وتنقسم إلى مخففة من "أن" وناصبة للمضارع فإن كان العامل فيها فعل علم وجب أن تكون المخففة نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} 2 وتقدم ذكرها في بابها.
وإن كان فعل ظن جاز فيها الأمران، وجاز في الفعل بعدها الرفع والنصب بالاعتبارين، إلا أن النصب هو الأكثر؛ ولذلك أجمع عليه في قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} 3 وقرئ بالوجهين: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} 4.
وإن كان العامل فيها غير العلم والظن وجب أن تكون الناصبة للفعل نحو: "أريد أن تفعل" وإلى هذا التقسيم أشار بقوله:
........................... ... لا بَعْدَ عِلْمٍ والتي من بَعْدِ ظَنْ
فانْصِبْ بها والرَّفْعَ صَحِّحْ واعْتَقِدْ ... تَخْفِيفَها مِنْ أنَّ فهو مُطَّرِدْ
أي: فاعتقد تخفيفها من "أن" إذا رفعت الفعل بعدها.
__________
1 من الآية 27 من سورة المؤمنون.
2 من الآية 20 من سورة المزمل.
3 من الآية 2 من سورة العنكبوت.
4 من الآية 71 من سورة المائدة.(3/1235)
تنبيهات:
الأول: إذا أول العلم بغيره جاز وقوع الناصبة بعده؛ ولذلك أجاز سيبويه "ما علمت إلا أن تقوم" -بالنصب- قال: لأنه كلام خرج مخرج الإشارة، فجرى مجرى قولك: "أشير عليك أن تقوم".
وعن أبي العباس: أن الناصبة لا تأتي بعد لفظ العلم أصلا.
الثاني: أجاز سيبويه والأخفش إجراءها بعد الخوف مجراها بعد العلم لتيقن المخوف نحو: "خفت أن لا تفعل" أو "خشيت أن تقوم" -بالرفع- ومنع ذلك المبرد.
الثالث: أجاز الفراء وابن الأنباري أن تنصب بعد العلم غير المؤول، ومذهب الجمهور المنع.
الرابع: أجاز الفراء تقديم معمول معمولها عليها، مستشهدا بقوله1:
ربَّيتُه حتى إذا تَمَعْدَدَا ... كان جزائِي بالعصا أن أُجْلَدَا
قال في التسهيل: ولا حجة فيما استشهد به لندوره، أو إمكان تقدير عامل مضمر.
__________
1 قائله: لم أعثر على قائله، وهو من الرجز.
اللغة: "تمعدد" غلظ وشب.
المعنى: ربيت ابني حتى إذا غلظ وشب وكان جزائي أن أجلد بالعصا.
الإعراب: "ربيته" فعل وفاعل ومفعول "حتى" حرف ابتداء "إذا" ظرفية شرطية "تمعددا" فعل ماض في موضع الشرط والفاعل ضمير مستتر والألف للإطلاق وإذا منصوبة بشرطها أو جوابها "كان" فعل ماض ناقص "جزائي" اسم كان والياء مضاف إليه، وكان جزائي في موضع الجواب وجملة أن أجلدا في محل نصب خبر كان والألف للإطلاق.
الشاهد: قوله: "بالعصا أن أجلدا" فإن قوله "بالعصا" يتعلق بأجلد، وأجلد معمول أن وصلتها، وقوله "بالعصا" معمول معمول أن، وأجب بأنه نادر لا يقاس عليه، أو تؤول بأن، التقدير: كان جزائي أن أجلد بالعصا أن أجلد، فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه.
مواضعه: ذكره الأشموني 522/ 3، والسيوطي في الهمع 88، 112/ 1، والشاهد 643 في الخزانة.(3/1236)
الخامس: أجاز الأخفش أن تعمل وهي زائدة، واستدل بالسماع كقوله تعالى: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} 1 وبالقياس على حرف الجر الزائد.
ولا حجة في ذلك؛ لأنها في الآية ونحوها مصدرية دخلت بعد "ما لنا" لتأوله بما منعنا. والفرق بينها وبين حرف الجر أن اختصاص باقٍ مع الزيادة بخلاف "أن" فإنها قد وليها الاسم في "كأن ظبية".
السادس: إذا وصلت "أن" بالماضي والأمر فهي التي تنصب المضارع خلافا لابن طاهر فإنه جعلها غيرها.
السابع: جملة ما ذكر لأن عشرة أقسام: ناصبة للمضارع ومخففة، وزائدة، ومفسرة، وشرطية، وبمعنى لا، وبمعنى لئلا، وبمعنى إذ، وبمعنى أن المخففة، وجازمة.
وقد تقدم الكلام عن الأربعة الأُول ولم يثبت ما سواها.
وأما الجازمة، فقال في التسهيل: ولا يجزم بها خلافا لبعض الكوفيين، انتهى. ووافقهم أبو عبيدة. وحكى اللحياني2 أنها لغة بني صباح؛ وقال الرؤاسي3: فصحاء العرب تنصب بأن وأخواتها الفعل، ودونهم قوم يرفعون بها، ودونهم قوم يجزمون بها، وقد أنشدوا على ذلك أبياتا:
وبعضُهم أهملَ أَنْ حَمْلا علَى ... ما أخْتِها حيث استحقَّتْ عَمَلا
يعني: أن بعض العرب أهمل أن الناصبة حيث استحقت العمل، وذلك إذا لم يتقدمها علم أو ظن كقوله4:
أَنْ تَقْرآنِ على أسماءَ ويْحَكُمَا ... مني السلام وأن لا تُشْعِرَا أَحَدَا
__________
1 من الآية 246 من سورة البقرة.
2 هو علي بن المبارك اللحياني من بني لحيان، وقيل: سمي به لعظم لحيته، وأخذ عن الكسائي وأبي عمرو الشيباني وغيرهما، وله النوادر المشهورة.
3 محمد بن الحسن الرؤاسي النحوي، سمى الرؤاسي لأنه كان كبير الرأس، وهو أول من وضع من الكوفيين كتابا في النحو، وهو أستاذ الكسائي والفراء، وله من الكتب: الفيصل، الوقف والابتداء الكبير، وغير ذلك.
4 قائله: لم أعثر على قائله، وهو من البسيط. =(3/1237)
فإن الأولى والثانية مصدريتان غير مخففتين وقد أعملت إحداهما وأهملت الأخرى، ومنه قراءة بعضهم: "لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَة"1.
ووجه إهمالها حملها على "ما" أختها، أعني: ما المصدرية، هذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون فهي عندهم "المخففة من الثقيلة"2، وقوله في التسهيل: كونها المخففة أو المحمولة عليها أو على المصدرية يقتضي قولا ثالثا.
فإن قلت: هل يقاس على ذلك؟
قلت: ظاهر كلام المصنف أن إهمالها مقيس.
قال في شرح الكافية: ثم نبهت على أن من العرب من يجيز الرفع بعد أن الناصبة السالمة من سبق علم أو ظن.
ونَصَبُوا بإِذَنِ المسْتَقْبَلا ... إن صُدِّرَتْ والفعلُ بعدُ مُوصَلا
"إذن" حرف ينصب المضارع بثلاثة شروط:
الأول: أن يكون مستقبلا، فإن كان حالا رفع؛ لأن النواصب تخلص للاستقبال.
__________
= اللغة: "تقرآن" تبلغان وتقولان "ويحكما" مصدر معناه رحمة لكما.
المعنى: أرجو يا صاحبي أن تبلغا محبوبتي أسماء تحيتي وألا تخبرا بذلك أحدا.
الإعراب: "أن" مصدرية مهملة "تقرآن" فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف فاعل، وهو في محل نصب بدل من حاجة في بيت قبله، أو في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف عائد إلى حاجة، أي: هي أن تقرآن "ويحكما" منصوب بفعل محذوف من معناه، وهو مصدر مضاف إلى ضمير المخاطبين "مني" متعلق بتقرآن "السلام" مفعول تقرآن "وأن لا" أن مصدرية ناصبة ولا نافية "تشعران" فعل مضارع منصوب بأن والألف فاعل "أحدا" مفعول.
الشاهد: قوله: "أن تقرآن" حيث أهملت "أن" عن العمل حملا على أختها ما المصدرية، ورفع الفعل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 553/ 2، وابن هشام 365/ 3، والمكودي ص144، وابن الناظم، وذكره ابن هشام في المغني 201/ 2، وابن يعيش 15/ 7، والإنصاف 229/ 2، والشاهد 642 في الخزانة.
1 من الآية 233 من سورة البقر، وهي قراءة ابن محيصن.
2 ب، ج.(3/1238)
الثاني: أن تكون مصدرة، فإن تأخرت ألغيت حتما، نحو: "أكرمك إذن" وإن توسطت وافتقر ما قبلها لما بعدها فكذلك.
قال في شرح الكافية: وشذ النصب بإذن بين خبر وذي خبر في قول الراجز1:
لا تَتْرُكَنِّي فيهم شَطِيرَا ... إني إِذَنْ أُهْلَكَ أو أَطِيرَا
قلت: نقل جواز ذلك عن بعض الكوفيين، وتأوله البصريون على حذف الخبر، والتقدير: إني لا أقدر على ذلك، ثم استأنف بإذن فنصب. وإن تقدمها حرف عطف فسيأتي.
والثالث: ألا يفصل بينها وبين الفعل بغير القسم، فإن فصل بينهما بغيره ألغيت نحو: "إذن زيد يكرمك"، وإن فصل به لم يعد حاجزا نحو: "إذن والله أكرمك".
تنبيه:
أجاز ابن عصفور الفصل بالظرف نحو: "إذن غدا أكرمك" وأجاز ابن بابشاذ: الفصل بالنداء والدعاء نحو: "إذن يا زيد أحسن إليك" و"إذن يغفر الله لك يدخلك الجنة" ولم يسمع شيء من ذلك، فالصحيح منعه.
__________
1 قائله: لم أعثر على قائله، وهو من الرجز.
اللغة: "شطيرا" -بفتح الشين وكسر الطاء- غريبا أو بعيدا "أطير" أذهب بعيدا.
المعنى: لا تتركني وتصيرني مثل البعيد والغريب بين هؤلاء، فإني إذن أموت أو أرحل بعيدا عنهم.
الإعراب: "لا تتركني" ناهية وفعل مضارع مؤكد بالنون الثقيلة، والنون للوقاية والياء مفعول أول "فيهم" جار ومجرور متعلق بشطير "شطيرا" مفعول ثان أو حال "إني" إن واسمها "أهلك" فعل مضارع منصوب بإذن، والفاعل ضمير مستتر فيه والجملة في محل رفع خبر إن "أو أطيرا" عطف على أهلك.
الشاهد: قوله: "إذن أهلك" حيث نصب إذن المضارع وإذن غير واقعة في صدر الجملة؛ لأنها معترضة بين اسم إن وخبرها. ويخرج على أنه ضرورة أو على أن خبر "إن" محذوف؛ أي: لا أقدر على ذلك ثم استأنف بعده، فتكون إذن في صدر جملة مستأنفة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 554/ 3، وابن هشام 370، وابن الناظم، والشاهد 649 في الخزانة.(3/1239)
وأجاز الكسائي وهشام الفصل بمعمول الفعل، وفي الفعل1 حينئذ وجهان.
والاختيار عند الكسائي النصب، وعند هشام الرفع.
وقد اشتمل البيت على "ذكر"2 الشروط الثلاثة، ثم أشار إلى أن الفصل بالقسم مغتفر بقوله:
أو قبله اليمينُ
ثم نبه على حكمها بعد العاطف فقال:
........... وانْصِبْ وارْفَعَا ... إِذَا إِذَنْ من بعد عَطْفٍ وَقَعَا
والرفع أجود الوجهين وبه قرأ السبعة، وفي الشواذ: "وَإِذًا لَا يَلْبَثُوا"3 على الإعمال.
تنبيهات:
الأول: أطلق في العطف، وفصل بعضهم فقال: إن كان العطف على ماله محل ألغيت نحو: "إن تزرني أزرك وإن أحسن إليك" بجزم أحسن عطفا على جواب الشرط.
وإن كان على ما لا محل له، فالأكثر الإلغاء كالآية.
الثاني: إلغاء إذن مع استيفاء الشروط لغة نادرة حكاها عيسى وسيبويه ولا يقبل قول من أنكرها.
الثالث: مذهب الجمهور أن "إذن" حرف. وذهب بعض الكوفيين إلى أنها اسم وأصلها "إذًا" والأصل أن تقول: "إذا جئتني أكرمك" فحذف ما يضاف إليه وعوض منه التنوين، والصحيح مذهب الجمهور.
ثم اختلف القائلون بحرفيتها؛ فقال الأكثرون: إنها بسيطة، وذهب الخليل في أحد أقواله إلى أنها مركبة من "إذ" و"إن".
__________
1 أ، ج وفي ب "الفصل".
2 أ، ج.
3 من الآية 76 من سورة الإسراء.(3/1240)
ثم اختلف القائلون بأنها بسيطة، فذهب الأكثرون إلى أنها ناصبة بنفسها.
وذهب الخليل فيما روى عنه أبو عبيدة أنها ليست ناصبة بنفسها، وأن مضمرة بعدها، وإليه ذهب الزجاج والفارسي.
الرابع: إذا وقع بعدها الماضي مصحوبا باللام كقوله تعالى: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ} 1. فالظاهر أن اللام جواب قسم مقدر قبل إذن. وقال افراء: لو مقدرة قبل إذن. والتقدير: لو ركنت إليهم لأذقناك، وقدر في كل موضع ما يليق به.
الخامس: قال سيبويه: معناها الجواب والجزاء "يعني إذن"2 وحمله الشلوبين على ظاهره، وأنها للجواب والجزاء في كل موضع، وتكلف تخريج ما خفي فيه ذلك.
وذهب الفارسي إلى أنها قد ترد لهما، وهو الأكثر، وقد تكون للجواب وحده نحو أن يقول القائل: "أحبك" فتقول: "إذن أظنك صادقا" فلا يتصور هنا الجزاء. وحمل كلام سيبويه على ذلك كما قال في نعم: إنها عدة وتصديق باعتبار حالين.
وقال بعضهم: إذن وإن دلت على أن ما بعدها متسبب عما قبلها على وجهين؛ أحدهما: أن تدل على إنشاء الارتباط بحيث لا يفهم من غيرها. والثاني: أن تكون "واردة"3 جوابا ارتبط بمتقدم أو منبهة على سبب "حصل"4 في الحال نحو: "إن أتيتني إذن آتيك" أو "إذن أظنك صادقا" تقوله لمن يحدثك "وهي في الحالين غير عاملة"5.
وبَيْنَ لا ولام جر التُزِمْ ... إظهارُ أن ناصبة وإن عُدِمْ
لا فأَنَ اعْمِلْ مُظهِرا أو مُضْمَرا ... وبعد نفي كان حتما أُضْمِرَا
__________
1 من الآية 75 من سورة الإسراء.
2 ب، ج.
3 أ، وفي ب، ج "مؤكدة".
4 أ، وفي ب، ج "حصل".
5 أ، ج.(3/1241)
"اعلم" أن أقوى نواصب الفعل "أن" لاختصاصها به ولشبهها بأن الناصبة للاسم؛ فلذلك عملت مظهرة ومضمرة بخلاف أخواتها، وإضمارها على ثلاثة أضرب: واجب، وجائز، وشاذ.
فالواجب بعد ستة أشياء؛ أولها: "كي" الجارة. وثانيها: لام الجحود. وثالثها: "أو" بمعنى إلى أو إلا. ورابعها: حتى. وخامسها: فاء الجواب. وسادسها: واو المصاحبة.
والجائز بعد شيئين؛ الأول: لام كي إذا لم يكن معها لا. والثاني: العاطف على اسم خالص.
والشاذ: إعمالها مضمرة في غير هذه المواضع.
والحاصل: أنها لا تعمل مضمرة باطراد إلا بعد حرف جر أو حرف عطف على ما سيأتي بيانه.
فأما "كي" الجارة، فلم ينبه في النظم عليها؛ بل ظاهر كلامه هنا موافقة من يقول: إنها ناصبة بنفسها دائما؛ لأنه ذكرها مع النواصب، ولم يذكرها غير ذلك. وقد ذكر لها في الكافية وغيرها الحالين.
وقد اشتمل هذان البيتان على حكم "أن" بعد لام كي ولام الجحود.
فأما لام كي فهي لام التعليل، ولأن بعدها حالان، حال يجب فيه إظهارها وذلك مع الفعل المقرون بلا النافية أو الزائدة، كقوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} 1.
وحال يجوز فيه إظهارها وإضمارها، وذلك مع الفعل غير المقرون بلا نحو: "جئت لتكرمني".
ولو أظهرت فقلت: لأن تكرمني، لجاز.
فإن قلت: فهل يجوز أن يكون النصب بعدها بإضمار كي؟
__________
1 من الآية 29 من سورة الحديد.(3/1242)
قلت: أجاز ذلك ابن كيسان والسيرافي، ومذهب الجمهور أن كي لا تضمر؛ لأنه لم يثبت إضمارها في غير هذا الموضع.
فإن قلت: لِمَ سميت لام كي؟
قلت: لأنها للسبب كما أن كي للسبب.
وأما لام الجحود، فهي الواقعة بعد كان المنفية الناقصة الماضية لفظا أو معنى نحو: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} 1 و {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} 2.
والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة واجبة الإضمار، وعلل ذلك بأن إيجاب "ما كان زيد ليفعل" "كان زيد سيفعل" جعلت اللام في مقابلة السين، فكما أنه لا يجمع بين أن والسين كذلك لا يجمع بين أن واللام.
فإن قلت: حاصل كلام الناظم أن لأن بعد لام الجر ثلاثة أحوال: وجوب إظهارها مع المقرون بلا، ووجوب إضمارها بعد نفي كان، وجواز الأمرين فيما عدا ذلك، وهذا غير محرر من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه لم يقيد بالناقصة، فأوهم أنه يجب الإضمار أيضا بعد التامة، وليس كذلك؛ لأن اللام بعدها ليست لام الجحود.
الثاني: أنه يوهم "أن"3 اختصاص هذا الحكم بالماضية لفظا، وقد تقدم أن الماضية معنى كالماضية لفظا.
والثالث: أنه أطلق فشمل إطلاقه النفي بكل نافٍ، وليس كذلك؛ لأن النفي هنا لا يكون إلا بما أو بلم ولا يكون بأن ولا بلما ولا بلا ولا بلن. نص على ذلك في الارتشاف.
قلت: قد يجاب عن الأول بأن استعمال الناقصة أكثر، وذكرها في أبواب النحو أشهر فتوجه كلامه إليها، وتعين حمله عند عدم التقييد عليها.
__________
1 من الآية 179 من سورة آل عمران.
2 من الآية 137 من سورة النساء.
3 ب، ج.(3/1243)
وعن الثاني: بأنه لم يكن مندرجا في قوله: "ونفى كان" لأن المراد نفي الماضي، ولم تنف الماضي، على أن من النحويين من يرى أنها تصرف لفظ الماضي دون معناه.
وعن الثالث: أن قوله: "نفي كان" لا يشمل كل نافٍ، بل يشمل كل ما ينفي الماضي فخرجت "لن" لأنها تختص بالمستقبل، وكذلك "لا" فإن نفي غير المستقبل بها قليل، وأما لما فإنها وإن كانت تنفي الماضي تدل على اتصال نفيه بالحال بخلاف "لم" وأما "أن" فهي بمعنى "ما" وإطلاقه يشملها، وفي استثنائها نظر.
بل الظاهر أن لام الجحود تقع بعد النفي بها، ويدل على ذلك قراءة غير الكسائي: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} 1، ونص بعضهم على أن اللام في غير قراءته لام الجحود.
وفي هذه الآية رد على من زعم أن الفعل بعد لام الجحود لا يرفع إلا ضمير الاسم السابق.
وقد فهم من النظم فوائد:
الأول: أن ذلك لا يكون في أخوات كان؛ لتخصيص الحكم بها خلافا لمن أجازه قياسا في أخواتها، ولمن أجازه في ظننت.
والثانية: أن الفعل معها لا يكون موجبا، فلا يقال: "ما كان زيد إلا ليفعل" لأنها إذ ذاك بعد إيجاب لا بعد نفي كان.
الثالثة: أن إظهار أن بعد لام الجحود ممتنع؛ لقوله: "حتما أضمرا"، وهذا مذهب البصريين.
وأما الكوفيون فحكى ابن الأنباري عنهم منع ذلك، وحكى غيره عن بعضهم جواز إظهار أن بعدها توكيدا.
__________
1 سورة إبراهيم الآية 46. أما قراءة الكسائي فهي بفتح اللام ورفع الفعل بأن مخففة من الثقيلة واللام للفصل، أي: وإن مكرهم لنزول منه الأمور المشبهة في عظمها بالجبال كبأس أعدائهم الكثيرين.(3/1244)
تنبيهات:
الأول: أجاز بعض النحويين حذف لام الجحود وإظهار أن مستدلا بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى} 1.
واضطراب ابن عصفور فمرة أجاز ومرة منع، والصحيح المنع، ولا حجة لهم في الآية؛ لأن "أن يفترى" في تأويل مصدر هو الخبر.
الثاني: قد فهم مما تقدم أن لام الجر التي ينصب الفعل بعدها قسمان: لام كي ولام الجحود.
أما لام الجحود فقد تقدم ضابطها.
وأما لام كي فهي ما عداها، وقسم بعضهم ما عدا لام الجحود إلى ثلاثة أقسام كما فعل الشارح: لام كي نحو: "جئت لتحسن إلي" ولام العاقبة نحو: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} 2 ولام زيادة نحو: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} 3.
وأن بعد هذه الثلاثة يجوز إظهارها وإضمارها.
قلت: أما لام العاقبة، وتسمى أيضا لام الصيرورة، ولام المآل، فقد أثبتها الكوفيون والأخفش وذكرها في التسهيل، وتأول جمهور البصريين ما أوهم ذلك، وردوه إلى لام كي.
وأما الزيادة، فذهب قوم إلى أن اللام في نحو: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا} 4 {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ} 5 زائدة وأن مقدرة بعدها.
وقال الفراء: العرب تجعل لام كي في موضع أن في أردت وأمرت، والمختار أنها لام كي.
__________
1 من الآية 37 من سورة يونس.
2 من الآية 8 من سورة القصص.
3 من الآية 26 من سورة النساء.
4 من الآية 8 من سورة الصف.
5 من الآية 71 من سورة الأنعام.(3/1245)
والتقدير: يريدون ما يريدون من الكفر ليطفئوا، وأمرنا بما أمرنا لنسلم.
الثالث: ما ذكر من أن اللام التي "تنصب الفعل"1 بعدها هي لام الجر، والنصب بأن مضمرة، هو مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن اللام ناصبة بنفسها، وذهب ثعلب إلى أن اللام ناصبة بنفسها لقيامها مقام أن، والخلاف في اللامين -أعني: لام كي ولام الجحود- واحد.
الرابع: اختلف في الفعل الواقع بعدم اللام، فذهب الكوفيون إلى أنه خبر "كان" واللام للتوكيد. وذهب البصريون إلى أن الخبر محذوف، واللام متعلقة بذلك الخبر المحذوف وقدروه: "ما كان زيد مريدا ليفعل"، وإنما ذهبوا إلى ذلك لأن اللام جارة عندهم، وما بعدها في تأويل مصدر، وصرح المصنف بأنها مؤكدة لنفي الخبر -وظاهره موافقة الكوفيين- إلا أن الناصب عنده أن مضمرة، فهو قول ثالث، قال الشيخ أبو حيان: ليس بقول بصري ولا كوفي، ومقتضى قوله مؤكدة أنها زائدة. وصرح به الشارح، وقال في شرحه لهذا الموضع من التسهيل: سميت مؤكدة لصحة الكلام بدونها، لا لأنها زائدة، إذ لو كانت زائدة لم يكن لنصب الفعل بعدها وجه صحيح، وإنما هي لام اختصاص دخلت على الفعل لقصد ما كان زيد مقدرا أوهاما أو مستعدا لأن يفعل.
قلت: ما نقل عن البصريين من أنها متعلقة بالخبر المحذوف يقتضي أنها ليست بزائدة وتقدرهم مريدا يقتضي أنها زائدة مقوية للعامل. فليتأمل.
الخامس: ذكر في التسهيل أن فتح اللام الجارة الداخلة على الفعل لغة عكل وبلعنبر.
وقال أبو زيد: سمعت من يقرأ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} 2.
ثم انتقل إلى "أو" فقال:
كَذاكَ بعد أو إذا يَصْلحُ في ... موضِعِها حتى أَوِ الَّا أَنْ خَفى
__________
1 ب، ج وفي أ "ينصب".
2 من الآية 33 من سورة الأنفال.(3/1246)
يعني: أن "أن" يجب إضمارها بعد "أو" إذا صلح في موضعها حتى أو إلا كما وجب إضمارها بعد لام الجحود.
فإن قلت: حتى "تكون"1 بمعنى إلى وبمعنى كي فأيهما أراد؟
قلت: قال الشارح: حتى التي بمعنى إلى لا التي بمعنى كي، فإن كان ما قبلها ينقضي شيئا فشيئا فهي بمعنى إلى وإلا فهي بمعنى إلا. انتهى.
يحتمل أن يريد المعنيين معا، وذلك أن بعضهم قدرها بكي، وبعضهم قدرها بإلى.
وأما سيبويه فقدرها بإلا، فكأنه أشار إلى الأولين بذكر حتى، ويصلح للتقديرات الثلاثة قولهم: "لألزمنك أو تقضيني حقي" فإنه يصلح للتعليل وللغاية وللاستثناء من الأزمان.
ويتعين الأول في نحو: "لأطيعن الله أو يغفر لي". والثاني في نحو: "لأنتظرنه أو يجيء"، والثالث في نحو: "لأقتلن الكافر أو يسلم"، وبذلك "يضعف"2 قول من قال: إن تقديرا "بإلا مطرد، وقول من قال: إن تقديرها"3 بكي أو إلى مطرد، ويؤيد الاحتمال الثاني أنه لو أراد حتى التي بمعنى إلى فقط لصرح بإلى والوزن موات له على ذلك.
تنبيهات:
الأول: احترز بقوله: "إذا يصلح في موضعها "حتى أو إلا " من التي لا يصلح في موضعها"4 أحد الحرفين، فإن المضارع إذا ورد بعدها منصوبا جاز إظهار أن كقوله5:
__________
1 أ، ج.
2 ب، ج.
3 ب، ج.
4 أ.
5 قائله: هو الحصين بن حمام المري، وهو من الطويل. =(3/1247)
ولولا رجالٌ من رِزَامٍ أعزةٌ ... وآلُ سُبيع أو أسوءَك عَلْقَمَا
الثاني: ما ذكر من تقدير حتى أو إلا في مكان أو تقدير لحظ فيه المعنى دون الإعراب، والتقدير الإعرابي المرتب على اللفظ أن يقدر قبل "أو" مصدر وبعدها "أن" الناصبة للفعل، وهما في تأويل مصدر معطوف بأو على المقدر قبلها فتقدير "لأنتظرنه أو يقدم": ليكونن انتظارٌ أو قدومٌ.
الثالث: ذهب الكسائي إلى أن "أو" المذكورة ناصبة بنفسها، وذهب الفراء ومن وافقه من الكوفيين إلى أن الفعل انتصب بالمخالفة، والصحيح أن النصب بأن مضمرة بعدها؛ لأن "أو" حرف عطف فلا عمل لها ولكنها عطفت مصدرا مقدرا على مصدر متوهم، ومن ثَمَّ لزم إضمار أَنْ بعدها.
الرابع: قوله: "إذا يصلح في موضعها حتى أو إلا" أجود من قول الشارح بعد أو بمعنى إلى أو إلا، فإنه يوهم أن "أو" ترادف الحرفين، وليس كذلك، بل هي أو العاطفة التي لأحد الشيئين.
ثم انتقل إلى حتى فقال:
وبعد حتى هكذا إضمارُ أن ... حَتْمٌ كجُدْ تَسُرَّ ذا حَزَنْ
حتى في الكلام على ثلاثة أضرب: عاطفة، وابتدائية، وجارة.
فالعاطفة: تعطف بعضا على كل، وتقدمت في حروف العطف.
__________
= اللغة: "رزام" -بكسر الراء وتخفيف الزاي- هو أبو حي من تميم واسمه رزام بن مالك بن عمرو بن تميم.
الإعراب: "ولولا" الواو للعطف ولولا حرف امتناع لوجود "رجال" مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة "من رزام" جار ومجرور صفة لرجال والتقدير: لولا رجال كائنون من رزام "أعزة" صفة أخرى وخبر المبتدأ محذوف أي: كائنون "وآل" عطف عليه "سبيع" مضاف إليه "أو أسوءك" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد أو العاطفة والفاعل ضمير مستتر فيه والكاف مفعول "علقما" منادى مرخم تقديره: يا علقمة، فحذف حرف النداء فصار علقمة ثم رخمه فصار علقم -بفتح الميم- على ما كان ثم أشبع الفتحة ألفا.
الشاهد: قوله "أو أسوءك" حيث نصب الفعل بعد أو بتقدير أن.
مواضعه: ذكره الأشموني 559/ 3، والسيوطي في الهمع 10/ 2، وسيبويه 429/ 1.(3/1248)
والابتدائية: تدخل على جملة مضمونها غاية لشيء قبلها كقوله1:
.......... حتى ماءُ دجلةَ أَشْكَلُ
وليس المعنى أنه يجب أن يكون بعدها المبتدأ والخبر، بل المعنى على الصلاحية، فمتى كان بعدها جملة فعلية مصدرة بماض نحو: {حَتَّى عَفَوْا} 2 أو بمضارع مرفوع تقول: "شربت الإبل حتى يجيء البعير يجر بطنه" أطلق عليها حرف ابتداء.
والجارة: تدخل على الاسم الصريح بمعنى إلى وتقدمت في حروف الجر، وتدخل على المضارع ويجب حيئنذ إضمار أن بعدها ناصبة؛ لتكون مع الفعل في تأويل مصدر مجرور بحتى ولا يجوز إظهار أن بعدها.
تنبيهات:
الأول: قال في شرح التسهيل عند ذكر حتى الجارة ومجرورها إما اسم صريح نحو: {حَتَّى حِينٍ} 3 أو مصدر مؤول من أن وفعل ماض نحو: {حَتَّى عَفَوْا} أو مضارع نحو: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} 4.
ونوزع في الماضي فإن حتى قبله ابتدائية وأن غير مضمرة.
__________
1 قائله: هو جرير بن عطية الخطفي من قصيدة يهجو بها الأخطل، وهو من الطويل.
وتمامه:
فما زالت القتلى تمج دماءها ... بدجلة....................
اللغة: "القتلى" جمع قتيل "تمج" ترمي وتقذف "دجلة" -بكسر الدال- نهر العراق "أشكل" ماء أشكل إذا خالطه دم، والأشكل الذي يخالطه حمرة.
الإعراب: "فما" الفاء عاطفة وما نافية "زالت" من أخوات كان "القتلى" اسم ما زالت "تمج" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه "دماءها" مفعول به والهاء مضاف إليه والجملة في محل نصب خبر ما زال "بدجلة" الباء ظرفية، أي: في دجلة "حتى" حرف ابتداء "ماء" مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة "دجلة" مضاف إليه "أشكل" خبر المبتدأ.
الشاهد: قوله: "حتى" حيث دخلت على الجملة الاسمية؛ لأنها حرف ابتداء.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 562/ 3، وابن الناظم.
2 من الآية 95 من سورة الأعراف.
3 من الآية 35 من سورة يوسف.
4 من الآية 214 من سورة البقرة.(3/1249)
الثاني: ذهب الكوفيون إلى أن حتى ناصبة بنفسها وأجازوا إظهار أن بعدها توكيدا كما أجازوا ذلك بعد لام الجحود.
الثالث: إذا انتصب المضارع بعد حتى، فالغالب أن تكون للغاية؛ كقوله تعالى: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} 1 وعلامتها "أن يصلح في موضعها إلى، وقد تكون للتعليل نحو: "جد حتى تسر ذا حزن" وعلامتها"2 أن يحسن في موضعها كي، وزاد في التسهيل: أنها تكون بمعنى إلا أن، كقوله3:
ليس العطاءُ من الفضول سماحةً ... حتى تجودَ وما لديك قليلُ
وهذا معنى غريب، وممن ذكره ابن هشام وحكاه في البسيط عن بعضهم. ولا حجة في البيت لإمكان جعلها فيه بمعنى إلى.
ثم نبه على أن "الفعل بعدها لا يكون إلا مستقبلا حقيقة"4 أو حكما.
وتِلوَ حتى حالا أو مؤولا ... به ارفعَنَّ وانصب المستقبلا
مثال الحال قولهم: "سألت عنك حتى لا أحتاج إلى سؤال"، ومثال المؤول بالحال كقراءة نافع: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} 5.
__________
1 من الآية 91 من سورة طه.
2 ب، ج.
3 قائله: قال العيني: لم ينسب لقائل، وفي الدرر اللوامع قال: للمقنع الكندي، وهو من الكامل.
اللغة: "الفضول" المال الزائد "سماحة" الجود والكرم.
الإعراب: "ليس" فعل ماض ناقص "العطاء" اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة "من الفضول" جار ومجرور في محل رفع صفة للعطاء "سماحة" خبر ليس، والتقدير: ليس العطاء الحاصل من فضول المال سماحة وجودا "حتى" للغاية "تجود" فعل مضارع منصوب بتقدير أن "وما لديك قليل" جملة حالية.
الشاهد: قوله: "حتى تجود" فإن حتى فيه بمعنى إلا أن، فحتى هنا بمعنى الاستثناء.
مواضعه: ذكره الأشموني 560/ 3، والسيوطي في الهمع 9/ 2.
4 ب، ج وفي أ "منصوب الفعل لا يكون بعدها إلا مستقبلا حقيقة".
5 من الآية 214 من سورة البقرة.(3/1250)
والمراد بالمؤول بالحال أن يكون الفعل قد وقع فيقدر اتصافه بالدخول فيه فيرفع؛ لأنه حال بالنسبة إلى تلك الحال، وقوله: "وانصب المستقبلا" يعني: حقيقة أو بتأويل. فالمستقبل حقيقة نحو: "لأسيرن حتى أدخل المدينة" والمؤول كقراءة غير نافع: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ} "والمراد"1 به أن يكون الفعل قد وقع فيقدر المخبر به اتصافه بالعزم فينصب؛ لأنه "مستقبل بالنسبة إلى تلك الحال"2.
تنبيهات:
الأول: إذا كان الفعل حالا أو مؤولا به فحتى ابتدائية وإذا كان مستقبلا أو مؤولا به فهي الجارة وأن مضمرة بعدها كما تقدم.
الثاني: علامة كونه حالا أو مؤولا به صلاحية جعل الفاء في موضع حتى، ويجب حينئذ أن يكون ما بعدها فضلة مسببا عما قبلها.
الثالث: قد فهم مما ذكر أن الرفع يمتنع في نحو: "كان سيري حتى أدخلها" إذا جعلت ناقصة؛ لأنه لو رفع لكانت حتى ابتدائية، فتبقى كان بلا خبر، وفي نحو: "سرت حتى تطلع الشمس" لانتفاء السببية خلافا للكوفيين، وفي نحو: "ما سرت أو أسرت حتى تدخل المدينة" مما يدل على حدث غير واجب؛ لأنه لو رفع لزم أن يكون مستأنفا مقطوعا بوقوعه وما قبلها سبب له، وذلك لا يصح لأن ما قبلها منفي في "ما سرت" ومشكوك في وقوعه في "أسرت" فيلزم وقوع المسبب مع نفي السبب أو الشك فيه، وأجاز الأخفش الرفع في نحو: "ما سرت حتى أدخل المدينة" فقيل: هي مسألة خلاف بينه وبين سيبويه، وقيل: إنما أجازه على أن يكون أصل الكلام واجبا ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسره، فنفيت أن يكون سير كان عنه دخول.
قال ابن عصفور: وهذا الذي قاله جيد وينبغي ألا يعد هذا خلافا.
الرابع: ذهب أبو الحسن إلى أن حتى إذا كانت بمعنى الفاء فهي عاطفة وتعطف الفعل على الفعل، وذلك إذا دخلت على الماضي أو المستقبل على جهة السبب نحو: "ضربت زيدا حتى بكى" و"لأضربنه حتى يبكي".
__________
1 ب، ج.
2 ب.(3/1251)
ومذهب الجمهور أنها ابتدائية كما سبق؛ لأنها إنما تعطف المفردات.
وثمرة الخلاف أن الأخفش يجيز الرفع في يبكي على العطف، والجمهور لا يجيزون فيه إلا النصب، ثم انتقل إلى فاء الجواب فقال:
وبَعْدَ فَا جوابِ نَفْي أو طَلَبْ ... مَحْضَيْنِ أَنْ وسَتْرُهَا حَتْمٌ نَصَبْ
يعني: أن "أن" تنصب الفعل مضمرة بعد فاء جواب نفي نحو: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} 1 أو طلب وهو أمر أو نهي أو دعاء أو استفهام أو عرض أو تحضيض أو تمن، فالأمر نحو: "اضرب زيدا فيستقيم" والنهي: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ} 2 والدعاء: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا} 3 والاستفهام: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} 4 والعرض قول بعض العرب: "ألا تقع الماء فتسبح" يريد: في الماء. والتحضيض: "هلا أمرت فتطاع" والتمني: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ} 5.
والتمني يكون بليت كما مثل أو بألا نحو: "ألا رسول لنا منا فيخبرنا"، وبلو كقوله6: لو نُعان فننهدا.
__________
1 من الآية 36 من سورة فاطر.
2 من الآية 61 من سورة طه.
3 من الآية 88 من سورة يونس.
4 من الآية 53 من سورة الأعراف.
5 من الآية 73 من سورة النساء.
6 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.
وتمامه:
سرينا إليهم في جموع كأنها ... جبال شرورى...........
اللغة "جموع" جمع جمع، وهو الجماعة "شرورى" اسم جبل لبني سليم "نعان" -على صيغة المبني للمجهول- من العون "فننهدا" من نهد إلى العدو ينهد -بالفتح فيهما- أي: نهض، ومنه المناهد في الحرب، وهي المناهضة.
الإعراب: "سرينا" فعل وفاعل "إليهم" جار ومجرور متعلق بسرينا "في جموع" جار ومجرور في محل نصب على الحال، والتقدير: سرينا إلى هؤلاء القوم ونحن في جماعة "كأنها" كأن واسمها "جبال" خبر كأن مرفوع بالضمة الظاهرة "شرورى" مضاف إليه "لو نعان" نعان فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير "فننهدا" مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء وفاعله ضمير مستتر فيه.
الشاهد: قوله: "لو نعان" فإن "لو" هنا للتمني، ونصب الفعل بعدها بإضمار "أن" وهو فننهدا؛ أي: فأن ننهدا.(3/1252)
ومنع المصنف كون لو للتمني وقال: التقدير: وددنا لو نعان، فهو جواب تمن إنشائي كجواب ليت.
وقد فهم من كلامه أنه لا يجوز النصب بعد شيء من ذلك إلا بشرطين:
أحدهما: أن تكون الفاء مقصودا بها "الجواب"1 لإضافتها إلى الجواب احترازا من الفاء التي لمجرد العطف كقولك: "ما تأتينا فتحدثنا" بمعنى: ما تأتينا فما تحدثنا؛ فيكون الفعلان مقصودا نفيهما، وبمعنى: ما تأتينا فأنت تحدثنا، على إضمار مبتدأ، فيكون المقصود نفي الإتيان وإثبات الحديث، وإذا قصد بها معنى الجزاء والسببية لم يكن الفعل بعدها إلا منصوبا على معنى: ما تأتينا محدثا، فيكون المقصود نفي اجتماعهما أو على معنى: ما تأتينا فكيف تحدثنا، فيكون المقصود نفي الثاني لانتفاء الأول.
الثاني: أن يكون النفي والطلب محضين، واحترز بذلك "عن"2 النفي الذي ليس بمحض نحو: "ما أنت تأتينا إلا فتحدثنا" و"ما تزال تأتينا فتحدثنا". ومن الطلب الذي ليس بمحض، والمراد بالطلب المحض أن يكون بفعل أصل في ذلك، فاحترز من أن يكون بمصدر نحو: "سقيا" أو باسم فعل نحو: "صه" أو بلفظ الخبر نحو: "رحم الله زيدا" فلا يكون لشيء من ذلك جواب منصوب، وسيأتي الخلاف في بعض ذلك.
تنبيهات:
الأول: قال في شرح الكافية: النفي الذي لا جواب له منصوب لكونه ليس نفيا خالصا بأربعة أمثلة: "ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا" و"ما تزال تأتينا فتحدثنا" و"ما قام فيأكل إلا طعامه" وقول الشاعر3:
__________
1 أ، ج وفي ب "الجزاء".
2 ب، ج وفي أ "من".
3 قائله: هو الفرزدق، وهو من الطويل. =(3/1253)
وما قام مِنَّا قائمٌ في ندينا ... فينطِقُ إلا بالتي هيَ أعرفُ
وتبعه الشارح في التمثيل بها، فأما الأولان فالتمثيل بهما صحيح، وأما الآخران فالنصب فيهما جائز، فإن النفي إذا انتقض بإلا بعد الفاء جاز النصب. نص على ذلك سيبويه، وعلى النصب أنشد:
فينطِقَ إلا بالتي هي أعرفُ
الثاني: ذهب بعض الكوفيين إلى أن ما بعد الفاء منصوب بالمخالفة، وبعضهم إلى أن الفاء هي الناصبة كما تقدم في أو، والصحيح مذهب البصريين؛ لأن الفاء عاطفة فلا عمل لها؛ لأنها في ذلك عاطفة لمصدر مقدر على مصدر متوهم، والتقدير في نحو: "ما تأتينا فتحدثنا" ما يكون منك إتيان فحديث، وكذلك يقدر في جميع المواضع.
الثالث: شرط في التسهيل في نصب جواب الاستفهام ألا يتضمن وقوع الفعل احترازا من نحو: "لِمَ ضربتَ زيدا فيجازيك؟ " لأن الضرب قد وقع فلم يمكن سبك مصدر مستقبل منه، وهو مذهب أبي علي، ولم يشترط ذلك المغاربة، وحكى ابن كيسان "أين ذهب زيد فتتبعَه؟ " بالنصب، والفعل في ذلك محقق
__________
= اللغة: "ندينا" -بفتح النون وكسر الدال وتشديد الياء- على وزن غني: مجلس القوم ومكان حديثهم "إلا بالتي هي أعرف" أي: بالأشياء التي هي معروفة.
المعنى: إذا نطق منا ناطق في مجلس جماعة عرف صواب قوله فلم ترد مقالته.
الإعراب: "وما قام" الواو عاطفة وما نافية "قام" فعل ماض "منا" جار ومجرور في محل رفع صفة لقائم "قائم" فاعل لقام، والتقدير: وما قام قائم كائن منا، والأحسن أن يكون "منا" في محل نصب على الحال "في ندينا" جار ومجرور متعلق بمحذوف؛ أي: كائن في ندينا أو كائنا على الحال "فينطق" -بالرفع- عطفا على قوله "قام" وإنما لم ينصب؛ لأن النفي ليس بخالص "إلا" أداة استثناء من النفي فيكون إثباتا "بالتي" اسم موصول صفة لمحذوف؛ أي: بالأشياء التي "هي" ضمير منفصل مبتدأ "أعرف" خبر المبتدأ والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
الشاهد: قوله: "فينطق" حيث رفعه الشاعر؛ لأن من شرط النصب بعد النفي أن يكون النفي خالصا، وهاهنا ليس كذلك.
مواضعه: ذكره الأشموني 564/ 3، وابن الناظم، وسيبويه 420/ 1، والشاهد 666 في الخزانة.(3/1254)
الوقوع، فإذا لم يمكن سبك مصدر من الجملة سبكناه من لازمها، والتقدير: ليكن منك إعلام بذهاب زيد فاتباع منا.
ثم انتقل إلى الواو فقال:
والواوُ كالفَا إن تُفِدْ مفهومَ مَعْ ... كَلا تكُنْ جَلْدًا وتُظْهِرَ الجزَعْ
يعني: أن الواو تضمر أن بعدها وجوبا بعد النفي والطلب بشرطهما، كما أضمرت بعد الفاء بشرط أن تفيد المعية، كقوله: "لا تكن جلدا وتظهر الجزع" أي: لا تجمع بين الأمرين، وهي يومئذ عاطفة لمصدر مقدر على مصدر متوهم كما تقدم في الفاء وأو.
واحترز من أن يقصد التشريك بين الفعلين فتكون عاطفة فعلا على فعل نحو: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" بالجزم أو بقصد الاستئناف نحو: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" -بالرفع- وأمثلة النصب بعد الواو معلومة من أمثلة الفاء، فلا نطول بذكرها.
قال الشيخ أبو حيان: ولا أحفظ النصب جاء بعد الواو في الدعاء ولا العرض ولا التحضيض ولا الرجاء، ولا ينبغي أن يقدم على ذلك إلا بسماع.
تنبيهات:
الأول: الخلاف في الواو كالخلاف في الفاء، وقد تقدم.
الثاني: قد علم أن النصب بعد الواو ليس على معنى النصب بعد الفاء، وقولهم: تقع الواو في جواب كذا وكذا تجوز ظاهر، وزعم بعضهم أن النصب بعد الواو، وهو على معنى الجواب، وليس بصحيح.
وبعدَ غيرِ النفي جَزْمًا اعْتَمِدْ ... إنْ تسقُطِ الفا والجزاءُ قد قُصِدْ
انفردت الفاء بأن الفعل بعدها سنجزم عند سقوطها بشرط أن يقصد الجزاء نحو1:
__________
1 قائله: هو امرؤ القيس، وهو من الطويل.
وعجزه:
بسِقْطِ اللوى بين الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ =(3/1255)
قِفَا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ
وذلك إنما يكون بعد الطلب، والأمثلة ظاهرة.
وأما النفي فليس له جواب مجزوم، فإنه يقتضي تحقيق عدم الوقوع كما يقتضي الإيجاب تحقق الوقوع، فلا يجوز بعده كما في الإيجاب؛ ولذلك قال: وبعد غير النفي جزما.
واحترز من ألا يقصد الجزاء، فإنه لا يجزم بل يرفع، إما مقصودا به الوصف نحو: "ليت لي مالا أنفق منه" أو الحال أو الاستئناف "ويحتملها"1 قوله تعالى: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا} 2.
تنبيه:
إذا جزم الفعل بعد سقوط الفاء، ففي جازمه أقوال:
الأول: أن لفظ الطلب ضمن معنى حرف الشرط فجزم، وإليه ذهب ابن خروف، واختاره المصنف ونسبه إليه الخليل وسيبويه.
والثاني: أن الأمر والنهي وباقيها نابت عن الشرط؛ أي: حذفت جملة الشرط وأنيبت هذه في العمل منابها فجزمت، وهو مذهب السيرافي والفارسي وابن عصفور.
__________
= اللغة: "بسقط اللوى" -بكسر السين وسكون القاف- منقطع الرمل، واللوى -بكسر اللام- حيث يلتوي الرمل ويرق.
وإنما خص منقطع الرمل وملتواه؛ لأنهم كانوا لا ينزلون إلا في صلابة من الأرض؛ ليكون ذلك أثبت لأوتاد الأبنية "والدخول والحومل" بلدان.
المعنى: يأمر صاحبيه أن يقفا معه ليعاوناه على البكاء عند منازل أحبابه التي كان يلقاهم فيها وليجدد الذكريات القديمة.
الإعراب: "قفا" فعل أمر مبني على حذف النون وألف الاثنين فاعل "نبك" فعل مضارع مجزوم في جواب الأمر وعلامة جزمه حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن "من ذكرى" جار ومجرور متعلق بنبكي "حبيب" مضاف إليه "ومنزل" عطف على حبيب "بسقط" جار ومجرور متعلق بقفا "اللوى" مضاف إليه "بين" ظرف مكان "الدخول" مضاف إليه "فحومل" عطف على الدخول.
الشاهد: قوله: "نبكِ" فإنه جواب الأمر فلذلك جزم وهو غير مقترن بالفاء.
مواضعه: ذكره الأشموني 567/ 3، وابن هشام في القطر ص78.
1 ب، ج وفي أ "ويحتملها".
2 من الآية 77 من سورة طه.(3/1256)
والثالث: أن الجزم بشرط مقدر دل عليه الطلب، وإليه ذهب أكثر المتأخرين.
والرابع: أن الجزم بلام مقدرة، فإذا قال: "ألا تنزل تُصِبْ خيرا".
"فمعناه: لتصب خيرا"، وهو ضعيف، ولا يطرد إلا بتجوز وتكلف.
والمختار القول الثالث، لا ما اختاره المصنف لأربعة أوجه:
أحدها: أن ما ذهب إليه يستلزم أن يكون العامل جملة، وذلك لا يوجد في موضع.
والثاني: أن الإضمار أسهل من التضمين؛ لأن التضمين زيادة بتغيير الوضع، والإضمار زيادة بغير تغيير، فهو أسهل.
والثالث: أن التضمين لا يكون إلا لفائدة، ولا فائدة في تضمين الطلب معنى الشرط؛ لأنه يدل عليه بالالتزام.
والرابع: أن الشرط لا بد له من فعل، ولا يجوز أن يكون هو الطلب بنفسه ولا مضمنا له "مع معنى"1 حرف الشرط؛ لما في ذلك من التعسف، ولا مقدرا بعده لقبح إظهار بدون حرف الشرط، بخلاف إظهاره معه.
وشَرْطُ جَزمٍ بعد نهي أَنْ تَضَعْ ... إِنْ قَبْلَ لا دونَ تَخالُفٍ يَقَعْ
يعني: أن شرط جزم الجواب بعد النهي أن يصح إقامة شرط منفي مقامه، وعلامة ذلك أن يصح المعنى بتقدير إن قبل لا النافية نحو: "لا تدنُ من الأسد تسلم" "فهذا يصح جزمه لأن المعنى: إن لا تدن من الأسد تسلم"2 بخلاف "لا تدن من الأسد يأكلك" فإن هذا لا يصح جزمه لعدم صحة المعنى بتقدير إن لا تدن، هذا مذهب الجمهور، وأجاز الكسائي جزم جواب النهي مطلقا، ولا يشترط تقدير إن قبل لا، بل يقدر: إن تدن من الأسد يأكلك.
وذكر في شرح الكافية أن غير الكسائي لا يجيز ذلك.
قلت: وقد نسب "ذلك"3 إلى الكوفيين.
__________
1 ب.
2 ب، ج.
3 ب، ج.(3/1257)
واستدل الكسائي بالقياس على النصب؛ لأن المنصوب بعد الفاء جاء فيه ذلك كقوله تعالى: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} 1 وبالسماع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فلا يقربنَّ مسجدنا يُؤذِنا بريح الثوم"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"، وقول أبي طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشرفْ يُصبْك سهمٌ".
وأجيب بأن القياس على المنصوب لا يحسن؛ لأن النصب بعد الفاء يكون في النفي ولا جزم فيه.
وأما السماع فمحمول على إبدال الفعل من الفعل مع أن الرواية المشهورة "يؤذينا" و"يضرب" -بالرفع- ويحتمل أن يكون يضرب بعضكم على الإدغام نحو: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ} 2.
تنبيه:
شرط الجزم بعد الأمر بتقدير إن تفعل، كما أن شرطه بعد النهي بتقدير إن لا تفعل فيمتنع الجزم في نحو: "أحْسِن إليّ لا أحسن إليك" فإنه لا يجوز: "إِنْ تُحسنْ إليّ لا أحسن إليك" لكونه غير مناسب، وكلام التسهيل يوهم إجراء خلاف الكسائي فيه.
والأمرُ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ افْعَلْ فَلا ... تَنْصِبْ جَوَابَهُ وجَزْمَهُ اقْبَلا
إذا دل على الأمر بخبر بفعل ماض أو مضارع أو باسم فعل أو باسم غيره جاز جزم الجواب اتفاقا، كقولهم: "اتقي الله امرؤٌ فَعَلَ خيرا يُثَبْ عليه"، وقوله تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ} 3، وقول الشاعر4:
__________
1 سورة طه 61.
2 من الآية 28 من سورة الحديد، وسورة نوح 12.
3 من الآية 11، 12 سورة الصف.
4 قائله: هو عمرو ابن الإطنابة الخزرجي -والإطنابة اسم أمه، واسم أبيه: زيد بن مناة- وهو من الوافر.
وصدره:
وقَوْلي كُلما جَشَأتْ وجَاشَتْ
اللغة: "جشأت" ثارت ونهضت من فزع أو حزن، والضمير للنفس "جاشت" فزعت وغلت من حمل الأثقال كما تغلي القدر "تحمدي" يحمدك الناس. =(3/1258)
مكانَكِ تُحْمَدِي أو تَسْتريحي
وقولهم: "حسبُك ينم الناس"؛ لأن المعنى: ليتق وآمنوا واثبتي واكفف.
وأجاز الكسائي النصب نحو: "صه فأحدثك" و"حسبك فينام الناس".
ومذهب الجمهور منع ذلك؛ لأن النصب إنما هو بإضمار "أن" والفاء عاطفة على مصدر متوهم، وحسبك وصه ونحوها لا تدل على المصدر؛ لأنها غير مشتقة؛ ولذلك قال: فلا تنصب جوابه.
تنبيهات:
الأول: ذكر في شرح الكافية: أن الكسائي انفرد بجواز النصب بعد الفاء المجاب بها اسم أمر نحو: "صه" أو خبر
بمعنى الأمر نحو: "حسبك".
قلت: وافقه ابن عصفور في جواز نصب جواب نزال ونحوه من اسم الفعل المشتق، وحكاه ابن هشام عن ابن جني، والذي انفرد به الكسائي ما سوى ذلك.
الثاني: أجاز الكسائي "أيضا"1 نصب جواب الدعاء المدلول عليه بالخبر نحو: "غفر الله لزيد فيُدخلَه الجنةَ".
__________
= المعنى: إن همتي وشجاعتي جعلتني أقول لنفسي: كلما فزعت وضجرت من مشقات الحرب اثبتي تحمدي بالصبر والشجاعة، أو تستريحي عن عناء الدنيا بالقتل في موطن الشرف والفخار.
الإعراب: "وقولي" الواو عاطفة وقولي مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وياء المتكلم مضاف إليه "كلما" ظرف زمان متعلق بقولي منصوب و"ما" حرف مصدري "جشأت" فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر فيه "وجاشت" فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر فيه "مكانك" اسم فعل أمر بمعنى اثبتي والفاعل أنت والكاف حرف خطاب، أو اسم مضاف إليه باعتبار ما قبل النقل، والجملة مقول القول خبر المبتدأ "تحمدي" فعل مضارع مجزوم في جواب الطلب وعلامة جزمه حذف النون وياء المخاطبة فاعل "أو تستريحي" أو حرف عطف تستريحي فعل مضارع معطوف على تحمدي مجزوم بحذف النون والياء فاعل.
الشاهد: قوله "تحمدي" حيث جزم النون لوقوعه في جواب الأمر.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 569/ 3، وابن هشام 384/ 3، والمكودي ص146، وذكره ابن هشام في الشذور ص360، والقطر ص263.
1 أ، ج.(3/1259)
الثالث: "حسبك" في قولك: "حسبك ينم الناس" مبتدأ وخبره محذوف؛ أي: حسبك السكوت، وهو لا يظهر، والجملة متضمنة معنى اكفف، وزعمت جماعة -منهم ابن طاهر- أنه مبتدأ بلا خبر؛ لأنه في معنى ما لا يخبر عنه، وقال بعضهم: لو قيل: إنه اسم فعل مبني والكاف للخطاب، وضم لأنه كان معربا فحمل في البناء على قبل وبعد، لم يبعد.
والفعلُ بعد الفاء في الرَّجَا نُصِبْ ... كنَصْبِ ما إلى التمني يَنْتَسِبْ
قال في شرح الكافية: ألحق الفراء الرجاء بالتمني فجعل له جوابا منصوبا، وبقوله أقول: لثبوت ذلك سماعا، ومنه قراءة حفص عن عاصم: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} 1 انتهى، وكذلك قوله تعالى: {لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} 2.
ومذهب البصريين أن الرجاء ليس له جواب منصوب، وتأولوا ذلك بما فيه بُعد.
وقول أبي موسى: وقد أشْرَبَها معنى ليت مَن قرأ: "فأطلعَ" نصبا يقتضي تفصيلا3.
فإن قلت: فهل يجوز جزم جواب الترجي إذا أسقطت الفاء عند مَن أجاز نصبه؟
قلت: نعم، وفي الارتشاف، وسمع الجزم بعد الترجي فدل على صحة مذهب الكوفيين.
وإِنْ على اسمٍ خالصٍ فعلٌ عُطِفْ
تَنْصِبُهُ أن ثابتًا أو مُنْحَذِفْ
قد تقدم أن "أن" تضمر جوازا في موضعين:
__________
1 من الآية 36، 37 من سورة غافر، فأطلع -بالنصب- في جواب قوله تعالى: {أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} .
2 من الآية 3، 4 من سورة عبس.
3 يريد بالتفصيل أن الرجاء إذا أشرب معنى التمني نصب الفعل التالي للفاء في جوابه، وإن لم يشرب معنى التمني لم ينصب.(3/1260)
أحدهما: بعد لام كي إذا لم يكن معها "لا" وقد سبق بيانه.
والآخر: بعد العاطف على اسم خالص، وهو المذكور في البيت، والعاطف المذكور هو: "الواو" و"الفاء" و"ثم" و"أو".
فالواو كقوله1:
لَلُبْسُ عباءةٍ وتَقَرَّ عَيْنِي
والفاء كقوله2:
__________
1 قائلته: هي ميسون بنت بحدل زوج معاوية بن أبي سفيان، وهو من الوافر.
وعجزه:
أحب إليَّ من لبس الشفوف
اللغة: "عباءة" -بفتح العين- جبة من الصوف "تقر عيني" كناية عن سكون النفس وعدم طموحها إلى ما ليس في يدها "الشفوف" جمع شف -بكسر الشين وفتحها- وهو ثوب رقيق يستشف ما وراءه.
المعنى: ولبس كساء غليظ من صوف مع سروري وفرحي أحب إلى نفسي من لبس الثياب الرفيعة القيمة مع استيلاء الهموم عليَّ.
الإعراب: "ولبس" مبتدأ "عباءة" مضاف إليه "وتقر" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد الواو العاطفة على اسم خالص من التقدير بالفعل "عيني" فاعل تقر وياء المتكلم مضاف إليه "أحب" خبر المبتدأ "إلي" جار ومجرور متعلق بأحب "من لبس" جار ومجرور متعلق بأحب أيضا "الشفوف" مضاف إلى لبس.
الشاهد: قولها: "وتقر" حيث نصب الفعل المضارع بأن مضمرة جوازا بعد واو العطف التي تقدمها اسم خالص من التقدير بالفعل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 751/ 3، وابن عقيل 66/ 2، وابن الناظم، والسيوطي ص116، والمكودي ص147، وابن هشام 387/ 3،وفي الشذور ص328، والقطر ص61، والمغني 34/ 2، وفي شرح المفصل 24/ 3، والشاهد 658 في الخزانة.
2 قائله: لم ينسب لقائل، وهو من البسيط.
وعجزه:
ما كنتُ أوثر إترابا على تَرَب
اللغة: "توقع" انتظار "المعتر" -بتشديد الراء- الفقير "إترابا" الإتراب وهو الغنى وكثرة المال، وهي مصدر أترب الرجل إذا استغنى "ترب" الفقر والعوز، وأصله لصوق اليد بالتراب.
المعنى: يقول: لولا أنني أرتقب أن يتعرض لي ذو حاجة فأقضيها له ما كنت أفضل الغنى عن الفقر.
الإعراب: "لولا" حرف امتناع لوجود "توقع" مبتدأ وخبره محذوف وجوبا "معتر" مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله "فأرضيه" الفاء عاطفة أرضيه فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد الفاء العاطفة وفاعله ضمير مستتر والهاء مفعوله "ما" نافية "كنت" =(3/1261)
لولا توقُّعُ مُعترٍّ فأرضِيَهُ
وأو كقراءة غير نافع: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} 1.
وثم كقوله2:
إني وقَتْلِي سُلَيْكًا ثم أَعْقِلَهُ ... ........................
ونص بعضهم أن ذلك لا يجوز في غير هذه الأحرف.
__________
= فعل ماض ناقص واسمه "أوثر" فعل مضارع وفاعله ضمير والجملة في محل نصب خبر كان وجملة كان واسمه وخبره جواب لولا "إترابا" مفعول لأوثر "على ترب" متعلق بأوثر.
الشاهد: قوله: "فأرضيه" حيث نصب الفعل بأن مضمرة جوازا بعد الفاء التي تقدم عليها اسم صريح وهو توقع.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 571/ 3، وابن عقيل 267/ 2، وابن الناظم، والسيوطي ص116، والمكودي ص147، وابن هشام 388/ 3، وفي الشذور ص329.
1 من الآية 51 من سورة الشورى، بالنصب عطفا على "وحيا".
2 قائله: هو أنس بن مدركة الخثعمي، وهو من البسيط.
وعجزه:
كالثور يُضرَبُ لما عافَتِ البقرُ
اللغة: "سليكا" -بضم السين- اسم رجل، وسبب هذا أن سليكا مر في بعض غزواته ببيت من خثعم وأهله خلوف فرأى فيهن امرأة بضة شابة فنال منها، فعلم أنس بذلك فأدركه فقتله، وأنشد هذا البيت "أعقله" من عقلت القتيل - أعطيت الدية "عافت البقر" كرهت وامتنعت.
المعنى: يشبه نفسه إذ قتل سليكا ثم وداه بالثور يضربه الراعي لتشرب الإناث من البقر، والجامع بينهما تلبس كل منهما بالأذى؛ لينتفع سواه.
الإعراب: "إني" حرف توكيد ونصب وياء المتكلم اسمه "وقتلى" عاطفة على اسم إن وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله "سليكا" مفعول قتل "ثم" عاطفة "أعقله" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد ثم، وفاعله مستتر فيه والهاء مفعول "كالثور" متعلق بمحذوف خبر إن "يضرب" فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على الثور، والجملة في محل نصب حال من الثور "لما" حرف ربط "عافت" فعل ماض والتاء للتأنيث "البقرة" فاعل عاف.
الشاهد: قوله: "أعقله" حيث نصب بعد ثم العاطفة بأن مضمرة جوازا، وقد عطفت فعلا على اسم صريح في الاسمية وهو "قتلى".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 571/ 3، وابن عقيل 266/ 2، وابن الناظم، والمكودي ص147، والسيوطي ص116، وابن هشام 389/ 3، وفي الشذور ص330.(3/1262)
تنبيهات:
الأول: إنما قال على اسم ولم يقل على مصدر، كما قال بعضهم: ليشمل غير المصدر، فإن ذلك لا يختص به، فتقول: "لولا زيدٌ ويُحْسِنَ إليَّ لهلكتُ".
الثاني: المراد بالخالص ما ليس مؤولا بالفعل، واحترز من نحو: "الطائرُ فيغضبُ زيد الذباب" فإنه معطوف على اسم، ولا ينصب لأن الطائر بمعنى الذي يطير، ويخرج أيضا بذكر الخالص العطف على مصدر متوهم، فإنه يجب "فيه"1 إضمار أن كما تقدم.
الثالث: تجوز في قوله: "فعل عطف" فإن المعطوف في الحقيقة إنما هو المصدر.
الرابع: أشار بقوله: "ثابتا أو منحذف" إلى جواز إظهار أن وإضمارها بعد العاطف المذكور.
الخامس: أطلق في العاطف ولم يسمع في غير الأحرف الأربعة "المذكورة"2 كما تقدم.
وشذَّ حذفُ أن ونَصْبٌ في سوَى ... ما مرَّ فاقبلْ منه ما عَدْلٌ رَوَى
يعني: أن حذف "أن" مع النصب في غير المواضع المنصوبة المذكورة شاذ لا يقبل منه إلا ما نقله العدول، كقول العرب: "خذ اللص قبل يأخذك" و"مُرْهُ يحفرَها" وقرأ الحسن: "أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدَ"3، ومنه قول الشاعر4:
ونَهْنَهْتُ نفسي بعدما كِدْت أفْعَلَه
__________
1 أ، ج.
2 أ، ج.
3 من الآية 61 من سورة الزمر.
4 قائله: هو عامر بن جوين الطائي، وهو من الطويل.
وصدره:
فلم أرَ مثلها خُبَاسَةَ واجد
اللغة: "خباسة" بضم الخاء وتخفيف الباء -المغنم، قاله الجوهري "نهنهت نفسي" زجرتها وكففتها.
المعنى: قال الأعلم: وصف ظلامة هم بها ثم صرف نفسه عنها. اهـ.
الإعراب: "فلم" حرف نفي "أرَ" فعل مجزوم بحذف حرف العلة فإن كانت الرؤية علمية كانت "مثلها" في موضع المفعول الثاني، وإن كانت بصرية جاز لك وجهان؛ أحدهما: =(3/1263)
تنبيهات:
الأول: فهم من قوله: "فاقبل منه ما عدل روى" أنه مقصور على السماع، ولا يقاس عليه، ونص على ذلك في غير هذا الموضع، وقال في التسهيل: وفي القياس عليه خلاف. انتهى.
والجواز مذهب الكوفيين ومَن وافقهم، والصحيح قصره على السماع؛ لقلته.
الثاني: قد يفهم من قوله: "وشذ حذف أن ونصب" أن حذفها ورفع الفعل ليس بشاذ، وهو ظاهر كلامه في شرح التسهيل، فإن جعل منه قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} 1 قال: ويريكم صلة لأن حذفت وبقي يريكم مرفوعا، وهذا هو القياس؛ لأن الحرف عامل ضعيف، فإذا حذف بَطَلَ عمله. انتهى.
وهذا مذهب أبي الحسن، أجاز "أن" ورفع الفعل دون نصبه، وجعل منه قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} ، وذهب قوم إلى أن حذف "أن" مقصور على السماع مطلقا، فلا ينصب ولا يرفع بعد الحذف إلا ما سمع، وإليه ذهب متأخرو المغاربة، قيل: وهو الصحيح.
والثالث: ما ذكره من أن حذف "أن" والنصب في غير ما مر شاذ، ليس على إطلاقه؛ بل هو مقيد بالنصب بعد الفاء والواو وبعد الشرط والجزاء، وسيأتي2.
__________
= أن يكون مفعولا، وقوله: "خباسة واجد" بدل من مثلها ومضاف إليه. والآخر: أن يكون مثلها صفة خباسة ولكن لما تقدم عليها انتصب على الحال "نهنهت" فعل وفاعل "نفسي" مفعول به والياء مضاف إليه "بعد" منصوب على الظرفية "ما" مصدرية "كدت" كاد واسمها "أفعله" جملة في محل نصب خبر كاد.
الشاهد: قوله: "أفعله" حيث حذفت "أن" وبقي عملها وهو نصب أفعله؛ لأن أصله أن أفعله.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 572/ 3، وابن الناظم، والمكودي ص147، والهمع 33/ 1، وسيبويه 155/ 1، والإنصاف 328/ 2.
1 من الآية 24 من سورة الروم.
2 وفي هامش المخطوطة نسخة أقوله: "بل هو مقيد بالنصب ... إلخ "كذا"" في عدة نسخ، ولعل صواب العبارة بغير النصب كما يعلم بالتأمل، شيخنا. اهـ.(3/1264)
عوامل الجزم:
هي ضربان: أحدهما: يطلب فعلا واحدا، والآخر: يطلب فعلين.
فالأول أربعة أحرف ذكرها في قوله:
بلا ولامٍ طالبا جَزْما ... في الفعل هكذا بلَمْ ولَمَّا
أما "لا" فتكون للنهي نحو: {لَا تَحْزَنْ} 1 وللدعاء نحو: {لا تُؤَاخِذْنَا} 2.
وأما "اللام" فتكون للأمر نحو: {لِيُنْفِقْ} 3 والدعاء نحو: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} 4.
ولذلك قال "طالبا" فشمل الأمر والنهي والدعاء، واحترز به من "لا" غير الطلبية وهي النافية والزائدة، ومن لام غير طلبية كاللام التي ينتصب المضارع بعدها.
فأما "لا" فقال الشارح: تصحب فعل المخاطب والغائب كثيرا، وقد تصحب فعل المتكلم، فسوى بين المخاطب والغائب في الكثرة، ولم يفصل في المتكلم بين فعل الدعاء "وفعل"5 المفعول، وهو موافق لظاهر الكافية والتسهيل، وفصل بعضهم فقال: إذا بنى الفعل للمفعول جاز دخول "لا" عليه سواء كان لمتكلم أو لمخاطب أو لغائب، وإذا بنى للفاعل فالأكثر أن يكون للمخاطب ويضعف للمتكلم نحو6:
لا أعْرِفَن رَبْرَبا حُورا مَدَامِعُها
__________
1 من الآية 40 من سورة التوبة.
2 من الآية 286 من سورة البقرة.
3 من الآية 7 من سورة الطلاق.
4 من الآية 77 من سورة الزخرف.
5 أ، ب.
6 قائله: هو النابغة الذبياني، يخوف بني فزارة من النعمان بن الحارث الغساني، ويحذرهم بأسه، وكانوا قد نزلوا أرضا يحميها، وهو من البسيط.
وعجزه:
مُردِفَات على أعقَابِ أكْوَارِ=(3/1265)
والغالب نحو: "لا يخرج زيد".
وأما "اللام" فتدخل على فعل المفعول مطلقا نحو: "لأعن بحاجتك ولتعن بحاجتي وليعن زيد بالأمر".
وتدخل على فعل الفاعل مسندا إلى الغالب نحو: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ} 1 وإلى المتكلم مشاركا نحو: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} 2 أو مفردا كقوله في الحديث: "قوموا فلأصَلِّ لكم" وذكر الشارح: أن دخولها على مضارع الغائب والمتكلم كثير، وذكر في الكافية: أن دخولها على مضارع المتكلم قليل، لكن أكثر من دخول "لا".
وأما مضارع المخاطب المبني للفاعل فدخولها عليه قليل استغناء بصيغة أفعل، قالوا: وهي لغة رديئة.
وقال الزجاجي: هي لغة جيدة، ومن دخولها قراءة عثمان وأبي وأنس: "فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا"3.
__________
= المعنى: لا يكن نساء جميلات تشبه الغزلان أو بقر الوحش في الرشاقة وخفة الحركة وحور العين فأعرفها، قد ركبن خلف الراكبين على مؤخَّر الرحل، فأقيم المسبب مقام السبب، وكان عادة العرب أن يجعلوا النساء المسببات مردفات خلف من استباهن.
اللغة: "ربربا" اسم للقطيع من بقر الوحش أو الظباء "حورا" جمع حوراء من الحور وهو شدة سواد العين مع شدة بياضها "مدامعها" جمع مدمع -اسم مكان- والمراد العيون؛ لأنها أماكن الدمع "مردفات" مركبات خلف الراكبين "أكوار" -جمع كور- وهو الرحل بأداته "أعقاب" -جمع عقب- وهو المؤخر من كل شيء.
الإعراب: "لا" ناهية "أعرفن" فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد في محل جزم بلا والفاعل ضمير مستتر، ويجوز جعل "لا" النافية "ربربا" مفعول أعرفن "حورا" صفة لها "مدامعها" مرفوع بحورا ومضاف إليه "مردفات" حال من "ربربا" أو صفة ثانية "على أعقاب" جار ومجرور متعلق بمردفات "أكوار" مضاف إليه.
الشاهد: قوله: "لا أعرفن" فإن لا ناهية والمضارع المجزوم بها محلا للمتكلم، وهو مبني للمعلوم، وذلك شاذ.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 573/ 3، وابن هشام 391/ 3، وابن الناظم، وذكره ابن هشام في مغني اللبيب 199/ 1.
1 من الآية 7 من سورة الطلاق.
2 من الآية 12 من سورة العنكبوت.
3 من الآية 58 من سورة يونس.(3/1266)
وقوله في الحديث: "لتأخذوا مصَافكُمْ".
تنبيهات:
الأول: زعم بعصهم أن أصل "لا" الطلبية لام الأمر زيدت عليها ألف فانفتحت، وزعم السهيلي: أنها لا النافية، والجزم بعدها بلام الأمر مضمرة قبلها، وحذفت كراهة اجتماع لامين في اللفظ وهما زعمان ضعيفان.
الثاني: لا يفصل بين "لا" ومجزومها "بمعموله"1 إلا في ضرورة كقوله2:
....................... ... ولا ذا حَقَّ قومِكَ تَظْلِمِ
أراد: ولا تظلم ذا حق قومك.
قال في شرح الكافية: وهذا رديء؛ لأنه شبيه بالفصل بين الجار والمجرور. انتهى.
قال في التسهيل: وقد يليها معمول مجزومها "ولم ينبه على اختصاصه بالضرورة، وقد أجازه بعضهم في قليل من الكلام نحو: "لا اليومَ تضرِب زيدًا"".
الثالث: في كلام ابن عصفور والأبدي ما يدل على جواز حذف "مجزومها"3 إذا دل عليه دليل "قالا"4 كقولك: "اضرب زيدا إن أساء" وإلا فلا، أي: فلا تضربه.
__________
1 ب، ج وفي أ "بمعمولها".
2 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.
وتمامه:
وقالوا أخانا لا تخشع لظالم ... عزيز....................
الإعراب: "قالوا" فعل وفاعل "أخانا" منادى بحرف نداء محذوف ومضاف إليه "لا تخشع" جملة من الفعل والفاعل وقعت مقول القول "لظالم" جاز ومجرور متعلق بالفعل "عزيز" صفة لظالم "لا" ناهية "تظلم" مجزوم بلا "حق قومك" حق مفعول به لتظلم تقدم عليه وقوم مضاف إليه "ذا" اسم إشارة منادى بحرف نداء محذوف، وأصل الكلام: ولا تظلم حق قومك يا هذا، وقال العيني: ذا حق قومك مفعولان لتظلم.
الشاهد: قوله: "ولا ذا حق قومك تظلم" حيث فصل بين لا ومجزومها.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 574/ 3، وذكره السيوطي في همع الهوامع 56/ 2.
3 أ.
4 أوفي ب "بالا" وفي ج "فلا".(3/1267)
قال في الارتشاف: ويحتاج إلى سماع.
الرابع: حركة لام الطلب الكسرة، قال في التسهيل: وفتحها لغة.
قلت: فتحها حكاه الفراء عن بني سليم، فحكي عنه مطلقا كما في التسهيل، وعنه تفتح لفتحة الياء بعدها، فظاهر هذا أنها لا تفتح إذا انضم ما بعدها نحو: "ليكرم" أو انكسر نحو: "لتأذن"، وعنه أيضا ما نص عليه في سورة النساء، وهو قوله: وبنو سليم يفتحونها إذا استؤنفت، يريد: أنهم لا يفتحونها إلا إذا لم يكن قبلها واو أو فاء أو ثم.
الخامس: يجوز تسكين لام الطلب بعد الواو والفاء وثم، وتسكينها بعد الواو والفاء أكثر من تحريكها، وليس بضعيف بعد ثم، ولا ضرورة، خلافا لمن زعم ذلك.
ومذهب الأكثرين أن تسكينها حمل على عين فَعِل، ورده المصنف بأن ذلك إجراء منفصل مجرى متصل، ومثله لا يكاد يوجد مع قلته إلا في الاضطرار، وهو عند رجوع إلى الأصل؛ لأن لهذا اللام الأصالة في السكون من وجهين؛ أحدهما: مشترك، وهو كون السكون مقدما على الحركة. والثاني: مختص، وهو أن يكون لفظها مشاكلا لعملها كما فعل بباء الجر.
السادس: مذهب الجمهور أن لام الأمر لا تحذف إلا في الشعر، ومنع المبرد حذفها في الشعر أيضا وإن كان النحويون أنشدوا1:
مُحمدُ تَفْدِ نفسَك كلُّ نفسٍ
__________
1 قائله: هو من شواهد سيبويه ولم ينسبه ولكن منهم من نسبه إلى أبي طالب، ومن الناس من ينسبه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهو من الوافر.
وعجزه:
إذا ما خِفْتَ من شيء تَبَالا
اللغة: "التبال" سوء العاقبة أو الهلاك، وهو بفتح التاء.
الإعراب: "محمد" منادى بحرف نداء محذوف يا محمد "تفد" فعل مضارع مجزوم بلام دعاء محذوفة وعلامة جزمه حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها "نفسك" مفعول به وضمير المخاطب مضاف إليه "كل" فاعل تفد "نفس" مضاف إليه "إذا" ظرفية تضمنت معنى الشرط "ما" زائدة "خفت" فعل وفاعل، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها "من أمر" جار ومجرور متعلق بخاف "تبالا" مفعول به لخاف، وجواب إذا محذوف يدل عليه سابق الكلام.
الشاهد: قوله: "تفد" فعل مضارع لم يتقدمه ناصب لا جازم، ولكن جاء على صورة المجزوم، فقدره العلماء مجزوما بلام أمر محذوفة وأصله لتفد.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 57/ 3، وابن الناظم، وذكره السيوطي في الهمع 55/ 2، وابن هشام في الشذور ص222، وسيبويه 408/ 1، والشاهد 680 في الخزانة.(3/1268)
فإنه لا يعرف قائله، ويحتمل أن يكون خبرا وحذفت الياء استغناء بالكسرة، وأجاز الكسائي حذفها بعد الأمر بالقول كقوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} 1. وذكر في شرح الكافية: أن حذف لام الأمر وإبقاء عملها على ثلاثة أضرب:
كثير مطرد، وهو حذفها بعد أمر بقول كالآية.
وقليل جائز في الاختيار، وهو حذفها بعد قول غير أمر، كقوله2:
قلتُ لبوَّابٍ لديه دارُها ... تِيذَنْ فإني حَمُوها وجارُهَا
قال: وليس مضطرا؛ لتمكنه من أن يقول: ائذن، وليس لقائل أن يقول: إن هذا من تسكين المتحرك، على أن يكون الفعل مستحقا للرفع، فسكن اضطرارا؛ لأن الراجز لو قصد الرفع لتوصل إليه مستغنيا عن الفاء، فكان يقول: "تأذَن إني".
وقليل مخصوص بالاضطرار، وهو الحذف دون تقدم قول بصيغة أمر ولا بخلافه، كقول الشاعر3:
__________
1 من الآية 31 من سورة إبراهيم.
2 قائله: هو منصور بن مرثد الأسدي، وهو من الرجز.
الإعراب: "قلت" فعل وفاعل "لبواب" جار ومجرور متعلق بالفعل "لديه" في محل رفع خبر مقدم "دارها" مبتدأ مؤخر ومضاف إليه والجملة في محل جر صفة لبواب "تيذن" -بكسر التاء- مقول القول "فإني" الفاء للتعليل وإن حرف توكيد ونصب والضمير المتصل بها اسمها "حموها" خبر إن ومضاف إليه "وجارها" عطف على حموها.
الشاهد: قوله: "تيذن" إذ أصله: لتيذن، فحذف اللام وأبقى عملها، وليس هذا بضرورة لتمكنه من أن يقول: إيذن.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 575/ 3، والسيوطي في الهمع 56/ 2.
3 قائله: لم أقف على اسم قائله -يخاطب الشاعر به ابنه لما تمنى موته- وهو من الطويل.
الإعراب: "فلا" الفاء عاطفة ولا ناهية "تستطل" فعل وفاعله ضمير مستتر فيه "مني" جار ومجرور متعلق بالفعل "بقائي" مفعول به للفعل والياء مضاف إليه "ومدتي" عطف على =(3/1269)
فلا تَسْتَطِلْ مني بقائي ومُدَّتِي ... ولكن يكنْ للخير منكَ نَصِيبُ
وقال في التسهيل: ويلزم في النثر في فعل غير الفاعل المخاطب، وفي بعض النسخ مطلقا، خلافا لمن أجاز حذفها في "نحو"1: "قل له لِيفعل" وهو خلاف ما في الكافية وشرحها.
وأما "لم" و"لما" أختها، فينفيان المضارع ويصرفان معناه إلى المضي وفاقا للمبرد وأكثر المتأخرين، لا لفظ الماضي إلى المضارع خلافا لأبي موسى ومَن وافقه، "وقد"2 نسب إلى سيبويه.
ويختلفان في أمور:
الأول: أن النفي بلم لا يلزم اتصاله اتصاله بالحال، بل قد يكون منقطعا نحو: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} 3، وقد يكون متصلا نحو: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} 4 بخلاف "لما" فإنه يجب اتصال نفيها بالحال.
الثاني: أن الفعل بعد "لما" حذفه اختيارا، وهو أحسن ما تخرج عليه قراءة: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا} 5، ولا يجوز حذفه بعد "لم" إلا في الضرورة، كقوله6:
__________
= ما قبله وقيل: إن بقائي بيان لقوله: مني أو بدل منه "ولكن" لاستدراك "يكن" أصله ليكن وهو فعل مضارع من كان الناقصة "للخير" جار ومجرور خبر يكن تقدم على اسمه "نصيب" اسم يكن مرفوع بالضمة الظاهرة "منك" في موضع النصب على الحال من نصيب، والتقدير: حال كون النصيب منك، ويجوز أن يكون في محل رفع صفة لنصيب، والتقدير: ليكن نصيب كائن منك لأجل الخير.
الشاهد: قوله: "يكن" أصله ليكن فحذفت لام الأمر للضرورة وأبقى عمله.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 575/ 3، وابن الناظم.
1 ب، ج.
2 ب، ج وفي أ "وهذا".
3 من الآية1 من سورة الإنسان.
4 من الآية 4 من سورة مريم.
5 من الآية 111 من سورة هود، قال ابن الحاجب: لما هذه جازمة حذف مجزومها، والتقدير: وإن كلا لما يهملوا، وقال ابن هشام: الأولى أن يكون التقدير: وإن كلا لما يوفوا أعمالهم، أي: أنهم إلى الآن لم يوفوها وسيوفونها.
6 قائله: هو إبراهيم بن هرمة القرشي، وهرمة جده الأعلى، وهو من الكامل. =(3/1270)
احفَظْ وديعتَك التي استُودِعْتَها ... يَوْمَ الأعازِبِ إن وصَلْتَ وإن لَمِ
الثالث: إن "لم" تصحب أدوات الشرط نحو "إن لم" و"لو لم" بخلاف "لما".
الرابع: إن "لم" قد يفصل بينها وبين مجزومها اضطرارا، كقوله1:
.................................. ... كأن لم سِوَى أهل من الوحش تُؤْهَلِ
قال في التسهيل: وقد يلي لم معمول مجزومها اضطرارا، ولم يذكر ذلك في "لما".
وقال في شرح الكافية وانفردت "لم" بأشياء:
__________
= اللغة: "يوم الأعازب" يوم معهود من أيام العرب.
الإعراب: "احفظ" فعل أمر وفاعله ضمير مستتر فيه "وديعتك" مفعول به ومضاف إليه "التي" اسم موصول نعت للوديعة "استودعتها" ماض مبني للمجهول والتاء نائب فاعل، وهي مفعوله الأول و"ها" مفعول ثان "يوم" منصوب على الظرفية "الأعازب" مضاف إليه "إن" شرطية "وصلت" فعل الشرط -روي بالبناء للمجهول وللمعلوم، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله "وإن" الواو عاطفة إن حرف شرط جازم "لم" جازمة أو نافية.
الشاهد: قوله: "وإن لم" حيث حذف الفعل الذي دخلت عليه لم، والتقدير: وإن لم تصل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 576/ 3، وابن هشام 294/ 3، وفي المغني 280/ 1، وذكره السيوطي في الهمع 56/ 2.
1 قائله: هو ذو الرمة غيلان، وهو من الطويل.
وصدره:
فأضحَتْ مغانيها قفارا رسومُها
اللغة: "مغانيها" جمع مغنى وهو المنزل "قفارا" -بكسر القاف- جمع قفر وهو الأرض الخالية "تؤهل" من أهل الدار نزلها.
الإعراب: "فأضحت" الفاء للعطف وأضحى فعل ماض ناقص والتاء للتأنيث "مغانيها" اسم أضحى والهاء مضاف إليه "قفارا" خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة "رسومها" بالرفع بدل من مغنيها "كأن" مخففة من كأن التي للتشبيه "لم" حرف جزم "سوى" ظرف فصل بين لم ومجزومها "أهل" مضاف إليه "تؤهل" مجزوم لم، والتقدير: كأن لم تؤهل الدار سوى أهل من الوحش، ومن بيانية.
الشاهد: قوله: "لم سوى.... تؤهل" حيث فصل بين لم ومجزومها بالظرف للضرورة.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 576/ 3، والسيوطي في الهمع 56/ 2، وابن هشام في المغني 278/ 1، والشاهد 677 في الخزانة.(3/1271)
منها أن الفصل بينها وبين مجزومها اضطرارا، فهذا تصريح بانفراد "لم" بذلك، وفي الارتشاف: ولا يفصل بينها وبين معمولها إلا في الشعر.
قلت: ذكر المصنف في باب الاشتغال من شرح التسهيل أن "لن" و"لم" و"لما" الجازمة لا يلي الاسم واحدا منها إلا في ضرورة، وحكمه حينئذ أن يضمر له على سبيل الوجوب فعل يفسره ما بعده كما قال1:
ظُنِنتُ فقيرا ذا غنًى ثم نِلتُه ... فلم ذا رجاء ألقه غيرَ واهبِ
فسوى بين الثلاثة في الفصل باسم الاشتغال للضرورة.
الخامس: أن "لم" قد تلغى فلا يجزم بها، قال في التسهيل: حملا على "لا" وفي شرح الكافية: حمل على "ما" وهو أحسن "لأن ما"2 ينفي بها الماضي كثيرا، بخلاف "لا".
وأنشد الأخفش على إهمالها3:
__________
1 قائله: هو ذو الرمة، وهو الطويل.
المعنى: يعني: أنه في حال فقره كان متعففا فكنى عن ذلك بظنه ذاغني، وأنه حين صار غنيا يعطي كل راج لقيه ما يرجوه.
الإعراب: "ظننت" -بالبناء للمجهول والتكلم- فعل ناسخ ينصب مفعولين ونائب الفاعل هو المفعول الأول "فقيرا" حال من نائب الفاعل "ذا غنى" مفعول ثان لظن ومضاف إليه "ثم" عاطفة "نلته" فعل وفاعل ومفعول -والضمير يعود على الغنى- "لم" حرف جزم ونفي "ذا" مفعول لفعل محذوف مفسر بألقى "ألقه" فعل ماض والفاعل ضمير والهاء مفعوله "غير" حال من الفاعل "واهب" مضاف إليه.
الشاهد: قوله: "فلم ذا رجاء ألقه" حيث دخلت لم على الاسم ضرورة.
مواضعه: ذكره ابن هشام في مغني اللبيب 278/ 1، والعيني في خزانة الأدب 627/ 3.
2 ب، ج وفي أ "لأنها".
3 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط.
اللغة: "الفوارس" جمع فارس على غير قياس "ذهل" حي من بكر "أسرتهم" أسرة الرجل -بالضم- رهطه "الصليفاء" -بضم الصاد المهملة وبالفاء والمد- اسم موضع.
الإعراب: "لولا" امتناع لوجود "فوارس" مبتدأ "من ذهل" جار ومجرور في محل رفع صفة فوارس وخبر المبتدأ محذوف تقديره: لولا فوارس كائنون من ذهل موجودون "وأسرتهم" بالرفع عطف على فوارس "يوم" منصوب على الظرفية "الصليفاء" مضاف إليه "لم يوفون بالجار" جواب لولا.
الشاهد: قوله: "لم يوفون" حيث إن "لم" قد تهمل فلا تجزم، والفعل بعدها ثبتت فيه النون.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 576/ 3، وابن هشام في المغني 277/ 1، والسيوطي في الهمع 56/ 2، والشاهد 676 في الخزانة.(3/1272)
لولا فوارسُ من ذُهْل وأسرتهم ... يوم الصُّليفاء لَمْ يُوفُون بالجارِ
ولم يذكر ذلك في "لما".
فإن قلت: فهل إهمال "لم" ضرورة أو لغة؟
قلت: نص بعض النحويين على أنه ضرورة، وقال في الكافية: وشذ، وفي التسهيل: وقد لا يجزم بها فلم يخصه بالضرورة، وصرح في أول شرح التسهيل بأن الرفع لغة قوم.
تنبيهات:
الأول: قال في التسهيل: ومنها "لم" ولما أختها، يعني من الجوازم، فقيد لما بقوله: "أختها" احترازا من "لما" بمعنى "إلا" ومن "لما" التي هي حرف وجود لوجود، وكذلك فعل الشارح، فقال: احترزت بقولي: أختها، من لما الحينية نحو: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} 1، ومن "لما" بمعنى "إلا" نحو: "عزمت عليك لما فعلت" أي: إلا فعلت. المعنى: ما أسألك إلا فعلت "قوله: الحينية"2 هو على مذهب الفارسي.
فإن قلت: فهلا قيد في النظم؟
قلت: لا يحتاج إليه؛ لأن التي بمعنى "إلا" يليها ماضي اللفظ مستقبل المعنى، والتي هي حرف وجود لوجود يليها ماضي اللفظ والمعنى، وقد ذكر ذلك في شرح التسهيل، فلا يحتاج إلى التقييد؛ لأنهما لا يليهما مضارع.
الثاني: حكى اللحياني عن بعض العرب أنه ينصب بلم، وقال في شرح الكافية: زعم بعض الناس أن النصب بلم لغة؛ اغترارا بقراءة بعض السلف: "أَلَمْ نَشْرَحَ لَكَ صَدْرَكَ"3 -بفتح الحاء- وبقول الراجز4:
__________
1 من الآية 94 من سورة هود.
2 ب، ج.
3 من الآية 1 من سورة الشرح.
4 قائله: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتمثل به، وهو من الرجز. =(3/1273)
في أيّ يَومَى من الموت أفِر ... أيَومَ لم يقدَرَ أم يوم قُدِر
وهو عند العلماء محمول على أن الفعل مؤكد بالنون الخفيفة، ففتح لها ما قبله، ثم حذفت ونويت.
الثالث: اختلف في "لما" فقيل: مركبة من لم وما، وهو مذهب الجمهور، وقيل: بسيطة.
ثم انتقل إلى ما يطلب فعلين من الجوازم فقال:
واجْزِمْ بإِنْ ومَنْ وما ومهما ... أيٍّ متى أيانَ أينَ إِذْمَا
وحيثما أنَّى وحَرفٌ إذْمَا ... كإِنْ وباقي الأدوات اسْمَا
هذه أدوات الشرط الجازمة، وهي كَلِمٌ وضعت لتعليق جملة بجملة تكون الأولى سببا والثانية مسببا. وهذه الكلم حرف واسم.
فالحرف إن وهي أم الباب وإذما عند سيبويه، وذهب المبرد في أحد قوليه وابن السراج والفارسي إلى أنها ظرف زمان زيد عليها ما. قال في شرح الكافية: والصحيح ما ذهب إليه سيبويه، فعلى مذهب سيبويه تكون إذما كإن في "أنهما موضوعان"1 للتعليق المذكور من غير إشعار بأمر آخر.
وعلى مذهب القائلين بأنها الظرفية تكون مشعرة بالزمان، ويجزم بها في الاختيار خلافا لمن خص ذلك بالضرورة.
والاسم ظرف وغير ظرف، فغير الظرف من وما ومهما، فمن لتعميم أولي العلم، وما لتعميم ما تدل عليه وهي موصولة، وكلتاهما مبهمة في أزمان الربط، ومهما بمعنى ما ولا تخرج عن الاسمية خلافا لمن زعم أنها تكون حرفا، ولا عن
__________
= الإعراب: "في أي" جار ومجرور متعلق بأفر "يوميّ" مثنى. فأي مضاف ويومي مضاف إليه "من الموت" جار ومجرور متعلق بأفر "أيوم" الهمزة للاستفهام ويوم منصوب على الظرفية "لم يقدر" نصب الفعل بعد لم على لغة "قدر" فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه.
الشاهد: قوله "لم يقدر" -بنصب الراء- وذلك لغة بعض العرب ينصبون بلم.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 578/ 3، وابن هشام في المغني 277/ 1.
1 أ، ج.(3/1274)
الشرطية خلافا لمن زعم أنها تكون استفهاما، ولا تجر بإضافة ولا حرف جر بخلاف من وما، وقد وهم ابن عصفور فزعم أنه يجوز أن يدخل عليها حرف الجر، وذكر في الكافية وفي التسهيل أن ما ومهما مثل من في لزوم التجرد عن الظرفية مع أن استعمالهما ظرفين ثابت في أشعار الفصحاء من العرب، وأنشد أبياتا1.
قال ابنه بدر الدين: ولا أرى في هذه الأبيات حجة؛ لأنه يصح تقديرها بالمصدر.
وقال الزمخشري: هذه الكلمة في عداد الكلمات التي يحرفها من لا يد له في علم العربية فيضعها غير موضعها ويحسب مهما بمعنى متى ما، ويقول: "مهما جئتني أعطيتك" وهذا من وضعه وليس من كلام واضح العربية في شيء، ثم يذهب فيفسر: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} 2 بمعنى الوقف، فيلحد في آيات الله وهو لا يشعر، وهذا وأمثاله مما يوجب الجثو بين النظار في كتاب سيبويه، انتهى.
واختلف في "مهما" فقيل: إنها بسيطة وإنها فعلى وألفها إما للتأنيث وإما "للإلحاق"3 وزال التنوين للبناء فهي على هذا من باب سلس، وقال ابن إياز: لو قيل: إنها مفعل تحاميا لذلك، لم أرَ به بأسا. وقال الخليل: مركبة من ماما الأولى للجزاء والثانية التي تزاد بعد الجزاء، فأبدلوا من ألف الأولى هاء كراهة التكرير. وقال الأخفش والزجاج ومن وافقهما: مركبة من مَهْ بمعنى اكفف وما الشرطية، وأجازه سيبويه.
وأما "أي" فهي عامة في ذوي العلم وغيرهم، وهي بحسب ما تضاف إليه، فإن أضيفت إلى ظرف مكان كانت ظرف مكان، أو إلى ظرف زمان كانت ظرف زمان، أو إلى غيرهما لم تكن ظرفا، والظرف: مكاني وزماني.
__________
1 منها قول الفرزدق في ما:
وما تَحيَ لا أرهَبْ وإن كنت جارِما
ولو عَد أعدائي عليَّ لهم ذَحلا
وفي مهما قول حاتم:
وإنك مهما تعطِ بطنك سُؤله
وفرجَك نالا منتهى الذم أجمعا
2 من الآية 132 من سورة الأعراف.
3 ب، ج وفي أ "للإطلاق".(3/1275)
فالزماني: متى، وأيان، فمتى لتعميم الأزمنة، وأيان كمتى، وقد تستعمل في الأزمنة التي تقع فيها الأمور العظام، وكسر همزة أيان لغة سليم، وقرئ بها شاذا، والجزم بها محفوظ خلافا لمن أنكره، ولم يحفظه سيبويه لقلته.
وأما المكاني: أين وحيثما، هما لتعميم الأمكنة، وأنَّى ذكروها في ظروف المكان بمعنى أين. وقال بعضهم: هي لتعميم الأحوال.
تنبيهات:
الأول: "قد"1 فهم من كلامه أن حيث وإذ لا يجزمان إلا مقترنين بما كما لفظ بهما، وأجاز الفراء الجزم بإذ وحيث دون ما، وأما غيرهما فقسمان:
قسم لا تلحقه "ما" "وهو": مَنْ وما ومهما وأنَّى.
وقسم يجوز فيه الأمران وهي: إن وأي ومتى وأين وأيان، وأجاز الكوفيون زيادة "ما" بعد من وأنى، ومنع بعض النحويين زيادتها بعد أيان، والصحيح ما تقدم.
الثاني: ذكر في الكافية والتسهيل: أَنَّ "إِنْ" قد تهمل حملا على لو، كقراءة طلحة: "فَإِمَّا تَريْنَ"2 بياء ساكنة ونون مفتوحة، وإن متى قد تهمل حملا على إذا ومثل بها بحديث: "إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقوم مقامك لا يُسمع الناس" 3. وفي الارتشاف: ولا تهمل حملا على إذا خلافا لمن زعم ذلك ويعني متى.
الثالث: لم يذكر هنا من الجوازم إذا وكيف ولو.
أما إذا فالمشهور أنه لا يجزم بها إلا في الشعر لا في قليل من الكلام ولا في الكلام إذا زيد بعدها ما، خلافا لزاعم ذلك، وقوله في التسهيل: وقد يجزم بإذا
__________
1 ب، وفي أ "قال".
2 من الآية 26 من سورة مريم.
3 أسيف: أي ذو أسف وحزن، وقوله: يقوم مقامك: أي في الصلاة، وقوله: لا يسمع الناس: أي لبكائه.(3/1276)
الاستقبالية حملا على متى يقتضي ظاهره جواز ذلك في قليل من الكلام، وقال في الكافية1:
وذَا في النثر لن يُسْتَعْمَلا
وأما "كيف" فيجازى بها معنى لا عملا، خلافا للكوفيين، فإنهم أجازوا الجزم بها قياسا، ووافقهم قطرب.
وأما "لو" فذهب قوم منهم ابن الشجري إلى أنها يجزم بها في الشعر، ورده المصنف في الكافية2.
وقال في التسهيل في آخر عوامل الجزم: والأصح امتناع حمل لو على إن، وقال في فصل: لو لم يجزم بها إلا اضطرارا، وزعم اطراد ذلك على لغة، فظاهره موافقة ابن الشجري ويتحصل فيه ثلاثة مذاهب، وذكر بعضهم أن من الجوازم "مهمن"3، وقال قطرب: لم يحمل الجزم "بها"4 عن فصيح.
فِعلَيْنِ يَقْتَضِينَ شرطٌ قُدِّما ... يتلو الجزاءُ وجوابًا وُسِمَا
يعني: أن كلا من أدوات الشرط تقتضي جملتين تسمى الأولى شرطا والثانية جزاء وجوابا أيضا. ويجب كون الأولى فعلية، وأما الثانية: فمنها "أيضا" أن تكون فعلية، وقد تكون اسمية، وسيأتي.
فإن قلت: فلمَ قال "فعلين" ولم يقل جملتين؟
قلت: للتنبيه على أن حق الشرط والجزاء أن يكونا فعلين، وإن كان ذلك لا يلزم في الجزاء.
تنبيهان:
الأول: فهم من قوله: "يتلو الجزاء" أنه لا يتقدم، وإن تقدم على أداة الشرط شبيه بالجواب فهو دليل عليه، وليس إياه، هذا مذهب جمهور البصريين، وذهب الكوفيون والمبرد وأبو زيد إلى أنه الجواب نفسه، والصحيح الأول.
__________
1 تمام بيت الكافية:
وشاع جزمٌ بإذا حملا على ... متى.....................
2 بقوله:
وجوِّز الجزمَ بها في الشعر ... ذو حُجة ضعَّفها من يَدْرِي
3 في أ "مهمن" وفي ب، ج "كم".
4 أ، ج.(3/1277)
الثاني: قد يؤخذ من قوله: "يقتضين" أن أداة الشرط هي الجازمة للشرط والجزاء معا لاقتضائها لهما، أما الشرط فنقل الاتفاق على أن الأداة جازمة له.
وشذ المازني: فعنه في قول: إنه مبني هو وفعل الجزاء، وفي قوله: إنه معرب وفعل الجزاء مبني.
وأما الجزاء ففيه أربعة أقوال:
الأول: أن الأداة هي الجازمة له، قيل: وهو مذهب المحققين من البصريين وعزاه السيرافي إلى سيبويه، وذهب الأخفش إلى أن الجزم بفعل الشرط، واختاره في التسهيل، وقيل: بالأداة والفعل معا، ونسب إلى سيبويه والخليل، وقيل: بالجواز، وهو مذهب الكوفيين.
وماضِيَيْنِ أو مُضارعَيْنِ ... تُلفِيهِمَا أو مُتخالِفَيْنِ
إذا كان الشرط والجزاء فعلين فلهما تسع صور؛ لأن الشرط له ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يكون ماضي اللفظ أو مضارعا عاريا من لم ومصحوبا بها، والجزاء كذلك.
والحاصل من ضرب ثلاثة في ثلاثة تسعة منها ثمانية تجوز في الاختيار وواحد مختلفين فيه، وهو أن يكون الشرط مضارعا، والجزاء ماضيا عاريا من لم، فمذهب الجمهور أنه لا يجوز إلا في الشعر، ومذهب الفراء والمصنف جوازه في الاختيار، واستدل المصنف بقوله صلى الله عليه وسلم: "من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"، ويورد ذلك في أبيات لم يضطر قائلها إلى ذلك1.
ثم تلك الثمانية الجائزة في الاختيار منها راجح ومرجوح، فإن كونهما ماضيين وضعا أو بمصاحبة لم أحدهما أو كلاهما، أو مضارعين دون لم، أَوْلَى من سوى ذلك.
__________
1 منها قوله:
من يكدني بسيئ كنت منه ... كالشَّجا بين حلقه والوريد
وقوله:
إن تصرمونا وصلناكم وإن تصلوا ... ملأتم أنفُسَ الأعداء إرهابا(3/1278)
وبَعْدَ ماضٍ رفعُك الجزا حَسَنْ ... ورفعُه بعد مضارعٍ وَهَنْ
يعني: أن الجزاء إذا كان مضارعا والشرط ماضيا جاز جزمه ورفعه، ومن الجزم قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} 1.
ومن الرفع قول زهير2:
وإن أتاه خليلٌ يوم مسغبة ... يقول: لا غائبٌ مالي ولا حرِمُ
ونص الأئمة على جوازه في الاختيار مطلقا، وزعم بعضهم أنه لا يجيء في الكلام الفصيح إلا مع كان.
وقال بعض المتأخرين: لا أعلمه جاء في الكلام، وقد صرح الناظم بأن الرفع حسن.
فإن قلت: فأي الوجهين أحسن؟
قلت: زعم بعض المتأخرين أن الرفع أحسن من الجزم، والصواب عكسه، وقال في شرح الكافية: الجزم مختار، والرفع جائز كثير.
__________
1 من الآية 20 من سورة الشورى.
2 قائله: هو زهير بن أبي سلمى من قصيدة يمدح فيها هرم بن سنان، وهو من البسيط.
اللغة: "خليل" المراد هنا: الفقير ذو الحاجة، من الخلة وهي الفقر والحاجة "مسغبة" مجاعة، من سغب فلان: إذا اشتد به الجوع "حرم" ممنوع وحرام.
المعنى: يصف هرما بالكرم والجود وأنه لا يرد سائلا فيقول: إذا جاء ذو حاجة قد أخذ منه الجوع لا يعتذر بضيق ماله وعدم استطاعته عن الحصول عليه، ولا يقول للسائل المحتاج: أنت ممنوع محروم.
الإعراب: "إن" حرف شرط يجزم فعلين "أتاه" فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والهاء مفعوله "خليل" فاعله "يوم" ظرف متعلق بقوله أتاه "مسألة" مضاف إلى يوم "يقول" فعل مضارع جواب الشرط مرفوع "لا" نافية عاملة عمل ليس "غائب" اسم لا مرفوع بها "مالي" فاعل لغائب سد مسد خبر لا "ولا" الواو عاطفة، لا زائدة لتأكيد النفي "حرم" معطوف على غائب.
الشاهد: قوله: "يقول" حيث رفع وهو جواب الشرط؛ لأن فعل الشرط ماضٍ.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 585/ 2، وابن هشام 398/ 3، وابن عقيل 278/ 2، وابن الناظم، والسيوطي ص117، والمكودي ص148، والسيوطي في الهمع 60/ 2، وسيبويه 436/ 1.(3/1279)
فائدة:
اختلف النحويون في تخريج الرفع، فذهب سيبويه إلى أنه على تقدير التقديم وجواب الشرط محذوف، وذهب الكوفيون والمبرد إلى أنه على تقدير الفاء وهو الجواب، وذهب قوم إلى أنه ليس على التقديم والتأخير، ولا على حذف الفاء، بل لما لم يظهر لأداءة الشرط تأثير في فعل الشرط؛ لكونه ماضيا ضعف عن العمل في الجواب.
وإذا كان الشرط والجزاء مضارعين وجب جزمهما نحو: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} 1.
وقد يجيء الجواب مرفوعا والشرط مضارع مجزوم كقوله2:
يا أقرعُ بن حابس يا أقرعُ ... إنك إن يُصرَعْ أخوك تُصرَعُ
وإليه الإشارة بقوله: "ورفعه بعد مضارع وهن" أي: ضعف.
فإن قلت: فهل يطرد أم يخص بالضرورة؟
قلت: نصوا على أنه ضرورة، وهو ظاهر كلام سيبويه، فإنه قال: وقد جاء في الشعر.
__________
1 من الآية 284 من سورة البقرة.
2 قائله: هو عمرو بن خثارم البجلي، وأنشد في المنافرة التي كانت بين جرير بن عبد الله البجلي وخالد بن أرطاة الكلبي، وكانا قد تنافرا إلى الأقرع بين حابس ليحكم بينهما وذلك قبل إسلامه، وهو من الرجز.
الإعراب: "يا" حرف نداء "أقرع" منادى مبني على الضم في محل نصب "بن" نعت لأقرع بمراعاة محله "حابس" مضاف إليه "يا أقرع" توكيد للنداء الأول "إنك" حرف توكيد ونصب والكاف اسمه "إن" شرطية "يصرع" فعل مضارع مبني للمجهول فعل الشرط "أخوك" نائب فاعل والكاف مضاف إليه "تصرع" فعل مضارع مبني للمجهول جواب الشرط ونائب الفعل ضمير مستتر فيه.
الشاهد: قوله: "إن يصرع ... تصرع" حيث وقع جواب الشرط مضارعا مرفوعا، وفعل الشرط مضارع.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 586/ 3، وابن عقيل 279/ 2ن وابن الناظم، والسيوطي ص117، والمكودي ص148، والسيوطي في الهمع 61/ 2، وسيبويه 436/ 1، والشاهد رقم 990 في الخزانة.(3/1280)
وقال ابن الأنباري: في "إن تزرني أزرك" الاختيار الجزم، وإنما يحسن الرفع هنا إذا تقدم ما يطلب الجزاء قبل "إن" كقولهم: "طعامك إن تزرنا نأكل" وتقديره: طعامك نأكل إن تزرنا. انتهى.
وصرح في بعض نسخ التسهيل: أنه ضرورة، وفي بعضها بقتله، ولم يخصه بالضرورة، وقال في شرح الكافية: وقد يجيء الجواب مرفوعا والشرط مضارع مجزوم، ومنه قراءة طلحة بن سليمان: "أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ"1.
تنبيهات:
الأول: اختلف في تخريج الرفع بعد المضارع، فذهب المبرد إلى أنه على حذف الفاء مطلقا، وفصل سيبويه بين أن يكون قبله ما يمكن أن يطلبه نحو: "إنك" في البيت، فالأولى أن يكون على التقديم والتأخير، وبين أن يكون قبله ما يمكن أن يطلبه، فالأولى أن يكون على حذف الفاء، وجوز العكس، وقيل: إن كانت الأداة اسم شرط فعلى إضمار الفاء، وإلا فعلى التقديم والتأخير.
الثاني: أطلق في قوله: بعد مضارع، وقيد في بعض نسخ التسهيل بألا يكون منفيا بلم، وجعل رفع الجزاء بعد المنفي بلم كثيرا؛ لرفعه بعد الماضي.
الثالث: قد يظهر من قوله: "رفعك الجزا" موافقة المبرد في أنه على تقدير الفاء لتسميته جزاء، ويحتمل أن يكون سماه جزاء باعتباره حالة الجزم وإن لم يكن جزاء إذا رفع.
واقْرُنْ بفا حَتْمًا جوابا لو جُعِلْ ... شرطا لإِنْ أو غيرها لم يَنْجَعِلْ
أصل جواب الشرط أن يكون فعلا صالحا لجعله شرطا، فإذا جاء على الأصل لم يحتج إلى فاء يقترن بها، وذلك إذا كان ماضيا متصرفا مجردا من قد وغيرها، أو مضارعا مجردا أو منفيا بلا ولم.
قال الشارح: ويجوز اقترانه بها، فإن كان مضارعا رفع، وذلك نحو قوله تعالى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} 2 وقوله تعالى: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} 3. انتهى.
__________
1 من الآية 78 من سورة النساء، برفع "يدرككم" وهي شاذة.
2 من الآية 26 من سورة يوسف.
3 من الآية 13 من سورة الجن.(3/1281)
وهو معترض من ثلاثة أوجه:
الأول: أن قوله: "ويجوز اقترانه بها" يقتضي ظاهره أن الفعل هو الجواب مع اقترانه بالفاء.
والتحقيق حينئذ أن الفعل خبر مبتدأ محذوف، والجواب جملة اسمية، قال في شرح الكافية: فإن اقترن بها فعلى خلاف الأصل، وينبغي أن يكون الفعل خبر مبتدأ، ولولا ذلك لحكمنا بزيادة الفاء وجزم الفعل إن كان مضارعا.
وقال الشيخ أبو حيان: ولو قيل: ربط الجملة الشرطية بالمضارع له طريقان:
أحدهما: بجزمه، والآخر: بالفاء ورفعه، لكان قولا.
والثاني: أن ظاهر كلامه جواز اقتران الماضي مطلقا، وليس كذلك، بل الماضي المنصرف المجرد على ثلاثة أضرب:
ضرب لا يجوز اقترانه بالفاء، وهو ما كان مستقبلا معنى ولم يقصد به وعد أو وعيد نحو: "إن قام زيد قام عمرو".
وضرب يجب اقترانه بالفاء، وهو ما كان ماضيا لفظا ومعنى نحو: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} وقد معه مقدرة.
وضرب يجوز اقترانه بالفاء، وهو ما كان مستقبلا معنى وقصد به وعد أو وعيد نحو: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} 1.
وقد نص المصنف على هذا التفصيل في شرح الكافية.
والثالث: أنه مثل ما يجوز اقترانه بالفاء بقوله تعالى: {فَصَدَقَتْ} وليس كذلك، بل هو مثال الواجب، وإذا كان الجواب لا يصلح لأن يجعل شرطا وجب اقترانه بالفاء؛ ليعلم ارتباطها بالأداة.
وذلك إذا كان جملة اسمية أو فعلية طلبية، أو فعلا غير متصرف أو مقرونا بالسين أو سوف أو قد منفية بما أو لن أو إن، أو يكون قسما أو مقرونا برب2.
__________
1 من الآية 90 من سورة النمل.
2 نظمها بعضهم في قوله:
طلبية واسمية وبجامد
وبما وقد وبلن وبالتنفيس
قال الصبان: وزاد الكمال ابن الهمام تصديره برب والقسم، والدنوشري تصديره بأداة شرط نحو: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} الآية. اهـ.(3/1282)
فهذه الأجوبة تلزمها الفاء؛ لأنها لا يصلح جعلها شرطا، وخطب التمثيل سهل.
وقد تحذف الفاء الواجب ذكرها للضرورة كقوله1:
مَنْ يفعلِ الحساتِ اللهُ يشكرها ... .............................
وقال الشارح: لا يجوز تركها إلا في الضرورة أو ندور، ومثل الندور بما أخرجه البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: "فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها" 2، وعن المبرد إجازة حذفها في الاختيار، وقد جاء حذفها وحذف المبتدأ في قوله3:
__________
1 قائله: هو عبد الرحمن بن سيدنا حسان بن ثابت، وهو من شواهد سيبويه.
وعجزه:
والشر بالشر عند الله مثلان
وهو من البسيط.
المعنى: من يفعل الخير والمعروف يحظَ برضاء الله وشكره والجزاء المضاعف، ومن يفعل الشر يجازى مثله.
الإعراب: "من" اسم شرط جازم يجزم فعلين -مبتدأ- "يفعل" فعل الشرط مجزوم وحرك بالكسر للتخلص من الساكنين، وفاعله يعود على من "المحسنات" مفعوله منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم "الله" مبتدأ "يشكرها" الجملة خير المبتدأ في محل رفع، وجملة المبتدأ والخبر جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ "من" "الشر" مبتدأ والباء في بالشر للمقابلة "عند" منصوب على الظرفية "الله" مضاف إليه "مثلان" خبر المبتدأ.
الشاهد: قوله: "الله يشكرها" فإنها جملة اسمية، وقد وقعت جوابا للشرط، وكان يجب أن تقترن بالفاء، ولكنها حذفت للضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 587/ 3، وابن هشام 401/ 3، وابن الناظم، والسيوطي ص117، وفي الهمع 6/ 2، وفي المغني 65/ 1، وسيبويه 435/ 1، والشاهد 691 في الخزانة.
2 أي: في شأن اللقطة، وجواب الشرط الأول محذوف للعلم به أي: فأدها إليه.
3 قائله: هو فلان الأسدي، وهو من الطويل.
وصدره:
بنى ثعل لا تنكعوا العنزَ شربها
اللغة: "ثعل" قبيلة من طيئ "ينكح العنز" من نكعت الناقة: جهدتها حلبا "العنز" الماعزة، وهي الأنثى من المعز "شربها" -بكسر الشين- وهو الحظ من الماء. =(3/1283)
بني ثُعَل من ينكَعِ العنزَ ظالم
فإن قلت: ما هذه الفاء التي في جواب الشرط؟
قلت: هي فاء السبب الكامنة في نحو: "يقوم زيد فيقوم عمرو" وتعينت هنا للربط لا للتشريك، وزعم بعضهم أنها عاطفة جملة على جملة، ولا تخرج عن العطف، وهو بعيد.
وتَخْلُفُ الفاءَ إِذَا المفاجَأَهْ ... كإِنْ تَجُدْ إذا لنا مُكَافَأَهْ
يعني: أن إذا المفاجأة قد تقوم مقام الفاء وتخلفها في الربط ولا يكون ذلك إلا في الجملة الاسمية.
وقد فهم من قوله: "وتخلف الفاء" فائدتان:
الأول: أن الربط بإذا نفسها خلافا لمن ذهب أن الربط بألف مقدرها قبلها.
والثانية: أنه لا يجوز الجمع بين الفاء وإذا في الجواب، وإن كان ذلك جائزا في غيره؛ لكونها نائبة عنها كما نص عليه بعض النحويين.
فإن قلت: أطلق في قوله: "تخلف الفاء" وإنما يكون ذلك في الجملة الاسمية، لا مطلقا، بل بثلاثة شروط:
الأول: ألا تكون طلبية نحو: "إن عصى زيد فويل له".
والثاني: ألا يدخل عليها أداة نفي نحو: "إن قام زيد فما عمرو بقائم".
والثالث: ألا يدخل عليها إن نحو: "إن قام زيد فإن عمرًا قائم".
فكل ذلك لا بد له من الفاء، وذكر الثلاثة في الارتشاف.
__________
= الإعراب: "بني ثعل" منادى مضاف منصوب وحذف منه حرف النداء والتقدير: يا بني ثعل "من" شرطية "ينكع" جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير الذي يرجع إلى من، وقعت فعل الشرط "العنز" مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة "ظالم" مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي: فهو ظالم.
الشاهد: قوله: "ظالم" حيث حذف منه المبتدأ مع الفاء التي هي جواب الشرط أي: فهو ظالم.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 885/ 3، وسيبويه 436/ 1.(3/1284)
قلت: مثاله يرشد إلى أن ذلك في الجملة الاسمية "وأيضا فقد تقرر أن إذا الفجائية لا تليها غالبا إلا الجملة الاسمية"1، فلم تحتج إلى التنبيه عليها لوضوحه.
وأما الشروط فمثاله قد حازها إلا أنه ليس في كلامه ما يدل على اشتراطها، وقد ذكر الأول في التسهيل.
فإن قلت: ظاهر كلامه أن "إذا" يربط بها بعد "إن" وغيرها من أدوات الشرط، وفي بعض نسخ التسهيل: "وقد تنوب بعد إن إذا المفاجأة عن الفاء" فخصه بإن.
قلت: نصوص النحويين على الإطلاق.
قال الشيخ أبو حيان: ومورد السماع إن، وقد جاءت بعد إذا الشرطية كقوله تعالى: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} 2.
والفِعْلُ من بعد الجزَا إن يَقْتَرِنْ ... بالفا أو الواو بتَثْليثٍ قَمِنْ
إذا أخذت أداة الشرط جوابها، وذكر بعده مضارع مقرون بالفاء أو الواو جاز جزمه عطفا على الجواب ورفعه على الاستئناف ونصبه على إضمار أن، وقرئ بالثلاثة قوله تعالى: {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ} 3 فالنصب يروى عن ابن عباس، وإنما جاز بعد الجزاء لأن مضمونه لم يتحقق وقوعه فأشبه الواقع بعده الواقع بعد الاستفهام.
تنبيه:
قوله: "من بعد الجزا" يشمل المجزوم وغيره، وقول الشارح: إذا كان بعد جواب الشرط المجزوم يوهم أن الجزم شرط في جواز الأوجه الثلاثة، وقد قرئ بالثلاثة قوله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ} 4.
__________
1 ب، ج.
2 من الآية 48 من سورة الروم.
3 من الآية 284 من سورة البقرة.
4 من الآية 271 من سورة البقرة.(3/1285)
وجَزْمٌ أو نَصْبٌ لفعل إِثْر فَا ... أو واوٍ إِنْ بالجملتَيْنِ اكتُنفا
إذا وقع المضارع المقرون بالفاء أو الواو بين الشرط وجوابه جاز جزمه عطفا على فعل الشرط ونصبه بإضمار إن، وامتنع الرفع إذ "لا يصح"1 الاستئناف قبل الجزاء.
تنبيه:
ألحق الكوفيون ثم بالفاء والواو، فأجازوا النصب بعدها، واستدلوا بقراءة الحسن: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} 2، وزاد بعضهم أو.
والشرطُ يُغني عن جواب قد عُلم ... والعكس قد يأتي إِنِ المعنى فُهم
مثال حذف الجواب للعلم به استغناء بالشرط قوله تعالى: {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} 3 تقديره -والله أعلم: تطيرتم، وهو كثير، ومثال عكسه قول الشاعر4:
فطلِّقْهَا فلست لها بكُفْءٍ ... وإلا يَعْلُ مِفْرقك الحسامُ
__________
1 ب، ج وفي أ "لا يصح".
2 من الآية 110 من سورة النساء.
3 من الآية 19 من سورة يس.
4 قائله: هو الأحوص الأنصاري -يخاطب مطرا، وكان دميما وتحته امراة حسناء- وهو من الوافر.
اللغة: "بكفء" بماسوٍ ومماثل في الحسب وغيره مما يعتبر لازما للتكافؤ بين الزوجين "مفرقك" والمفرق: وسط الرأس حيث يفرق الشعر "الحسام" السيف القاطع.
الإعراب: "فطلقها" الفاء عاطفة وطلق فعل أمر والفاعل ضمير مستتر فيه وها مفعوله "فلست" الفاء تعليلية، ليس فعل ماض ناقص والتاء اسمه "لها" جار ومجرور متعلق بكفء "بكفء" الباء زائدة، كفء خبر ليس منصوب بفتحة مقدرة "وإلا" الواو عاطفة إن شرطية أدغمت في لا النافية، وفعل الشرط محذوف يدل عليه ما قبله؛ أي: وإن لا تطلقها "يعل" فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بحذف الواو "مفرقك" مفعول والكاف مضاف إليه "الحسام" فاعل.
الشاهد: قوله: "وإلا يعل" حيث حذف الشرط؛ لأن الأداة إن مقرونة بلا؛ أي: وإلا تطلقها.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 591/ 3، وابن هشام 406/ 3، وابن عقيل 384/ 2، وبن الناظم، والمكودي ص150، والسيوطي ص118، وفي الهمع 62/ 2.(3/1286)
أي: وإلا تطلقها.
تنبيه:
فهم من النظم فوائد:
الأولى: أن ما لم يعلم من شرط أو جواب؛ لكونه لا دليل عليه لا يجوز حذفه، وذلك واضح.
والثانية: أن حذف الشرط أقل من حذف الجواب؛ لقوله: "لقد يأتي" فإن قد هنا للتقليل، وقد نص على ذلك في شرح الكافية.
والثالثة: أنه لا يشترط في حذف الشرط أن يكون مع إن، وفي الارتشاف: لا أحفظ إلا في إن وحدها.
وقال الشارح: حذفه بدون إن قليل، وحذفه معها كثير، وأنشد على حذفه مع غيرها1:
مَتَى تُؤخَذُوا قَسْرًا بظِنَّةِ عامرٍ ... ولا ينجُ إلا في الصِّفَادِ يَزِيدُ
أراد: متى تثقفوا تؤخذوا.
والرابعة: أنه لا يشترط في حذف فعل الشرط تعويض لا من الفعل المحذوف خلافا لابن عصفور والأبدي فإنهما قالا: لا يجوز حذف فعل الشرط في الكلام إلا بشرط تعويض لا من الفعل المحذوف.
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.
اللغة: "قسرا" -بفتح القاف وسكون السين- قهرا وغصبا "بظنة" -بكسر الظاء- التهمة "الصفاد" -بكسر الصاد وتخفيف الفاء- وهو ما يوثق به الأسير من قيد وغل.
المعنى: أراد الشاعر تحذير هؤلاء القوم الذين عامر كبيرهم حيث يقول: ما آخذتم لا ينج أحد منكم غير يزيد، فإنه أيضا يقيد في الصفاد.
الإعراب: "متى" شرطية "تؤخذوا" جواب الشرط وفعل الشرط محذوف أي: متى تثقفوا تؤخذوا "قسرا" منصوب على التمييز "بظنة" جار ومجرور متعلق بقوله: تؤخذوا "عامر" مضاف إليه "ولا ينج" التقدير: ولا ينج يزيد إلا وهو في الصفاد، فيزيد فاعل وإلا ملغاة.
الشاهد: قوله: "متى تؤخذوا" حيث حذف فيه فعل الشرط؛ إذ أصله متى تثقفوا تؤخذوا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 592/ 3، وابن الناظم، وذكره السيوطي في الهمع 63/ 2.(3/1287)
وقال في الارتشاف: قولهما ليس بشيء. انتهى. وقد حذف وهو مثبت في نحو قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} 1.
قلت: وفي بعض نسخ التسهيل: وكذا الشرط المنفي بلا تالية إن فظاهره اشتراط الأمرين.
تنبيهان:
الأول: قال في التسهيل: ويحذفان بعد إن في الضرورة، يعني الشرط والجزاء.
كقوله2:
.............................. ... ................... قالت وإننْ
وفي كلام بعضهم ما يدل على جوازه في الاختيار على قلة.
__________
1 من الآية 6 من سورة التوبة.
2 قائله: نسبه النحاة لرؤبة بن العجاج، وهو من الرجز.
وتمامه:
قالت بنات العم يا سلمى وإننْ
كان فقيرا معدما قالت وإننْ
اللغة: "معدما" شديد الفقر لا شيء عنده.
المعنى: قالت بنات عم سلمى لها: أترضين بهذا البعل وإن كان شديد الفقر لا مال له؟ فأجابتهن: نعم رضيت به وإن كان كذلك.
الإعراب: "قالت" فعل ماض والتاء للتأنيث "بنات" فاعل "العم" مضاف إليه "يا" حرف نداء "سلمى" منادى وإن شرطية جازمة وحركت بالكسر للساكنين والنون الزائدة حرف "كان" فعل ماض ناقص فعل الشرط واسمها ضمير مستتر "فقيرا" خبر كان "معدما" صفة لخبر كان أو خبر ثان لها وجواب الشرط محذوف دل عليه معنى الكلام وتقديره: وإن كان فقيرا معدما ترضين به، و"قالت" فعل ماض والتاء للتأنيث "وإن" الواو عاطفة على مثال السابقة، إن شرطية حذف شرطها وجوابها لدلالة شرط السابقة وجوابها عليهما وجملتا الشرط والجواب في الموضعين في محل نصب مقول القول.
الشاهد: قوله: "وإنن" حيث حذف فيه الشرط والجزاء جميعا؛ لأن التقدير: وإن كان فقيرا معدما رضيته.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 592/ 3، وفي باب الكلام، وابن هشام 29/ 1، والسيوطي ص118، وفي الهمع 62/ 2، والشاهد 687 في الخزانة.(3/1288)
والثاني: لا يجوز حذف إن ولا غيرها من أدوات الشرط خلافا لمن جوز ذلك في إن. قال: ويرتفع الفعل بحذفها، وجعل منه1.
وإنسانُ عيني يحسرُ الماءُ تارة ... فيبدو.....................
وهو ضعيف.
واحذِفْ لدى اجتماعِ شرطٍ وقَسَمْ ... جَوَابَ ما أخَّرْتَ فهو مُلْتَزَمْ
القسم كالشرط في احتياجه إلى جواب إلا أن جوابه مؤكد باللام أو إن أو منفي، فإذا اجتمع الشرط والقسم حذف جواب المتأخر منهما استغناء بجواب المتقدم، مثال تقدم الشرط: إن قام زيد والله أكرمه، ومثال تقدم القسم: "والله إن قام زيد لأكرمنه".
هذا إذا لم يتقدم عليهما ذو خبر، فإن تقدم جعل الجواب للشرط مطلقا وحذف جواب القسم تقدم أو تأخر، وقد نبه على ذلك بقوله:
وإن تَوَاليَا وقبل ذُو خَبَرْ ... فالشرطُ رَجِّحْ مطلقا بلا حَذَرْ
مثال ذلك: "زيد والله إن يقم يكرمك" و"زيد إن يقم والله يكرمك" فجواب القسم محذوف في المثالين استغناء بجواب الشرط.
وإنما جعل الجواب للشرط مع تقدم ذي خبر؛ لأن سقوطه مخل بمعنى الجملة التي هو منها، بخلاف القسم، فإنه مسوق لمجرد التأكيد.
والمراد بذي الخبر ما يطلب خبرا من مبتدأ أو اسم كان ونحوه.
__________
1 هذا البيت مضى شرحه في باب المبتدأ والخبر.
إعرابه: "إنسان" مبتدأ "عين" مضاف إليه "يحسر" فعل مضارع مرفوع بالضمة "الماء" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة والجملة خبر المبتدأ "تارة" مفعول مطلق "فيبدو" الفاء عاطفة ويبدو فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر يعود إلى "إنسان عيني" الواقع مبتدأ "وتارات" معطوف على تارة "يجم" فعل مضارع مرفوع بالضمة وفاعله ضمير مستتر يعود إلى الماء، والجملة في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وتارات هو -أي: إنسان عيني- يجم الماء "فيغرق" الفاء عاطفة "يغرق" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر يعود إلى ضمير "إنسان عيني" والجملة في محل رفع معطوفة على جملة الخبر.
الشاهد: قوله: "يحسر" حيث حذفت الأداة فارتفع الفعل.(3/1289)
تنبيه:
وقوله: "رجح" يقتضي أن ذلك ليس على سبيل التحتم، فعلى هذا يجوز أن يجعل الجواب للقسم المتقدم مع تقدم ذي خبر كما ذكر ابن عصفور وغيره، ونص في الكافي والتسهيل على أن ذلك على سبيل التحتم، وليس في كلام سيبويه ما يدل على التحتم. ثم قال:
ورُبَّما رُجِّحَ بَعْدَ قَسَم ... شَرْطٌ بلا ذي خَبَرٍ مُقَدَّم
هذا مذهب الفراء. أجاز جعل الجواب للشرط المتأخر وإن لم يتقدم ذو خبر، وتبعه المصنف مستشهدا بقول الأعشى1:
لئن مُنِيتَ بنا عن غِبِّ مَعْرَكةٍ ... لا تُلْفِنَا عن دماءِ القومِ ننفتل
وأبيات أُخَر، ومنع ذلك الجمهور وتأولوا البيت ونحوه على جعل اللام زائدة، وجعل الزمخشري قوله تعالى: {مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ} 2 جواب الشرط في قوله: "لئن".
قال في شرح الكافية: فتثبت المزية للشرط من ثلاثة أوجه:
__________
1 قائله: هو الأعشى ميمون بن قيس، وهو من البسيط.
اللغة: "منيت" ابتليت، والخطاب ليزيد بن مسهر الشيباني "عن غب" عن -هنا- ظرف بمعنى بعد، وغب -بكسر الغين- أي: عاقبة، ويروى: عن جد، والجد -بكسر الجيم- المجاهدة أو الشدة "لا تلفنا" لا تجدنا "ننفتل" نتخلص.
الإعراب: "لئن" اللام موطئة للقسم أي: والله لئن، إن شرطية "منيت" فعل ماض مبني للمجهول، فعل الشرط، وتاء المخاطب نائب فاعل "بنا" متعلق بمنيت "عن" ظرف بمعنى بعد متعلق بمنيت أيضا "غب" مضاف إليه "معركة" مضاف إلى غب "لا" نافية "تلفنا" فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بحذف الياء، والفاعل ضمير مستتر فيه "نا" مفعول أول "عن دماء" جار ومجرور متعلق بقوله: ننفتل "القوم" مضاف إلى دماء "ننفتل" فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه، والجملة في محل نصب مفعول ثانٍ لنلفي.
الشاهد: قوله: "لا تلفنا" حث أوقعه جوابا للشرط مع تقديم القسم عليه وحذف جواب القسم لدلالة جواب الشرط عليه، ولو أنه أوقعه جوابا للقسم لجاء به مرفوعا لا مجزوما.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 594/ 3، وابن عقيل 287/ 2، وابن الناظم، والمكودي ص150.
2 من الآية 28 من سورة المائدة.(3/1290)
أحدها: لزوم الاستغناء بجوابه عند تقدم ذي خبر.
والثاني: لزوم الاستغناء بجوابه عند تقدمه وعدم تقدم ذي خبر.
والثالث: جواز الاستغناء بجوابه عند تأخره وتقدم ذي خبر.
تنبيهات:
الأول: أطلق في قوله: "واحذف لدى اجتماع شرط" وقيده في التسهيل بغير الامتناعي احترازا من نحو: لو ولولا؛ لأنه يتعين الاستغناء بجوابهما تقدما على القسم أو تأخرا كقوله1:
فأُقْسِم لو أندى الندِيُّ سوادَه ... لَمَا مَسَحَتْ تلك المسالاتِ عامرُ
وكقوله2:
والله لولا الله ما اهتدينا ... ......................
__________
1 قائله: لم أعثر على قائله، وهو من الطويل.
اللغة: "أندى" أحضر ورواية الشواهد "أبدى" من الإبداء وهو الإظهار "الندى" -بفتح النون وكسر الدال وتشديد الياء- على وزن فعيل وهو مجلس القوم ومتحدثهم "سواده" أي: شخصه والضمير فيه يرجع إلى الممدوح "المسالات" -بضم الميم وتخفيف السين- وهي جمع مسالة. قال الجوهري: مسالا الرجل جانبا لحيته "عامر" أراد به قبيلة في قريش.
المعني: أن الشاعر يحلف أن الممدوح لو حضر مجلس القوم لما قدر عامر أن يمسحوا شواربهم من هيبته وسطوته على الناس.
الإعراب: "فأقسم" الفاء للعطف وأقسم فعل مضارع والفاعل ضمير "لو" للشرط "أبدى" فعل ماض "الندى" فاعله "سواده" مفعول به والهاء مضاف إليه والجملة وقعت فعل الشرط "لما مسحت" جواب لو واكتفى عن جواب القسم "عامر" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة "تلك المسالات" مفعول به.
الشاهد: قوله: "لما مسحت" فقد اكتفى بجواب واحد لقسم وشرط.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 593/ 3.
2 قائله: هو عامر بن الأكوع رضي الله عنه، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوله يوم الخندق، وهو من الرجز.
الإعراب: "والله" الواو حرف قسم ولفظ الجلالة مجرور بواو القسم "لولا" لربط امتناع الثانية بوجود الأولى "الله" لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة وخبره محذوف والتقدير: لولا الله موجود "ما اهتدينا" جواب القسم ولولا. "ولا تصدقنا" فعل ماض وفاعله "ولا صلينا" عطف عليه.
الشاهد: قوله: "ما اهتدينا" فإنه اكتفى به لجواب القسم ولولا، ولا يجوز هنا حذف القسم لأن الجواب منفي.
مواضعه: ذكره الأشموني 593/ 3.(3/1291)
وقد نص على ذلك في الكافية أيضا، وهو الصحيح، وذهب ابن عصفور إلى أن الجواب في ذلك للقسم؛ لتقدمه، ولزوم كونه ماضيا؛ لأنه مغنٍ عن جواب لو ولولا، وجوابهما لا يكون إلا ماضيا، وقوله في باب القسم في التسهيل: "وتصدر -يعني جملة الجواب- في الشرط الامتناعي بلو أو لولا يقتضي أن لو ولولا وما" دخلتا عليه جواب القسم، وكلامه في الفصل الأول من باب عوامل الجزم يقتضي أن جواب القسم محذوف استغناء بجواب لو ولولا، والعذر له في عدم التنبيه هنا على لو ولولا أن الباب موضوع للشرط غير الامتناعي فلم يشملهما كلامه.
والمغاربة لا يسمون "لولا" شرطا ولا "لو" إلا إذا كانت بمعنى إن.
الثاني: إذا تأخر القسم وقرن بالفاء وجب جعل الجواب له، والجملة القسمية حينئذ هي الجواب.
وقوله في الكافية: وبجواب القسم أغنى إن وصل بالفاء.
وفي التسهيل أيضا: فيغني جوابه، يوهم أن جواب الشرط محذوف، وليس كذلك.
الثالث: أجاز ابن السراج أن تنوي الفاء فيعطي القسم المتأخر مع نيتها ما أعطيه مع اللفظ بها، فأجاز "إن تقم يعلم الله لأزورنك" على تقدير: فيعلم الله، ولم يذكر شاهدا.
وينبغي ألا يجوز ذلك؛ لأن حذف فاء جواب الشرط لا يجوز عند الجمهور إلا في الضرورة.
الرابع: إذا حذف جواب الشرط لم يكن الشرط حينئذ إلا ماضيا أو مقرونا بلم. قال في التسهيل: إلا قليلا. انتهى، وقد ورد في الشعر مضارعا مجردا من لم، ومنه1:
__________
1 قائله: هو عبد الله بن عتمة الضبي، وهو من الكامل. =(3/1292)
.......................... ... ولديكَ إِنْ هو يستزدكَ مَزِيدُ
وأجاز ذلك الكوفيون إلا الفراء.
الخامس: لم ينبه هنا على اجتماع الشرطين، فنذكره مختصرا.
إذا توالى شرطان دون عطف فالجواب لأولهما، والثاني مقيد للأول كتقييده بحال واقعة موقعه، كقوله1:
وإن تَستغيثوا بنا إن تُذْعَرُوا تَجِدوا ... منا معاقلَ عِزٍّ زَانَها كَرَمُ
__________
= وصدره:
يثني عليك وأنت أهل ثنائه
المعنى: هو يثني عليك ويشكر نعمتك ولو عاد إليك لوجد معادا؛ إذ لا تضجر ولا تسأم من الأفضال والجود.
الإعراب: "يثني" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه "عليك" جار ومجرور متعلق بالفعل "وأنت" الواو للحال وأنت مبتدأ "أهل" خبره "ثنائه" مضاف إليه "ولديك" ظرف خبر مقدم "إن" شرطية "هو" فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده "يستزدك" فعل مضارع مجزوم إعطاء للمفسِّر -بالكسر- حكم المفسر -بالفتح- والفاعل ضمير والكاف مفعول به "مزيد" مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة، وهو دليل الجواب.
الشاهد: قوله "يستزدك" حيث جاء الفعل المضارع مجردا من "لم".
مواضعه: ذكره الأشموني 590/ 3، والسيوطي في الهمع 59/ 2، والشاهد رقم 689 في الخزانة.
1 قائله: لم أقف على قائله، وهو من البسيط.
اللغة: "تستغيثوا" من الاستغاثة "تذعروا" على صيغة المجهول من الذعر وهو الفزع والخوف "معاقل" جمع معقل، وهو الملجأ.
الإعراب: "إن" للشرط "تستغيثوا" مجزوم بحذف النون والواو فاعل -وهو فعل الشرط- "بنا" جار ومجرور متعلق بالفعل "إن" للشرط "تذعروا" فعل مضارع، فعل الشرط مجزوم بحذف النون وهو مبني للمجهول "تجدوا" فعل مضارع مجزوم بحذف النون وهو جواب للشرطين "معاقل" مفعول به لتجدوا "عز" مضاف إليه "زانها" فعل ماض والهاء مفعول به "كرم" فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، والجملة صفة لمعاقل.
الشاهد: قوله: "إن تستغيثوا.. إن تذعروا.. تجدوا" حيث اكتفى بجواب واحد للشرطين وهو "تجدوا".
مواضعة: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 596/ 3، والسيوطي في الهمع 63/ 2.(3/1293)
وإن تواليا بعطف فالجواب لهما معا، كذا قال المصنف، ومثل له بقوله تعالى: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} 1.
وقال غيره: إن توالَى الشرطان بعطف بالواو فالجواب لهما نحو: "إن تأتني وإن تحسن إليَّ أحسن إليك" أو بأو فالجواب لأحدهما نحو: "إن جاء زيد أو إن جاءت هند فأكرمه، أو فأكرمها" أو بالفاء، فنصوا على أن الجواب للثاني، والثاني جوابه جواب الأول، وعلى هذا فإطلاق المصنف محمول على العطف بالواو.
__________
1 الآيتان 36، 37 من سورة محمد.(3/1294)
فصل لو:
على ثلاثة أضرب: شرطية، ومصدرية، وللتمني.
فالشرطية: هي المذكورة في هذا الفصل، وهي قسمان: امتناعية وهي للتعليق في الماضي، وبمعنى إن، وهي للتعليق في المستقبل، وسيأتي الكلام على القسمين.
وأما المصدرية: فلم يذكرها الجمهور، وممن ذكرها أبو علي والفراء، ومن المتأخرين التبريزي وأبو البقاء وتبعهم المصنف، وعلامتها: أن يصلح في موضعها أن كقوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} 1 ومن أنكر كونها مصدرية تأول الآية ونحوها على حذف مفعول يود وجواب لو؛ أي: يود أحدهم طول العمر لو يعمر ألف سنة لسر بذلك.
وأما التي للتمني: فذكرها كثير من النحويين، وجعل الزمخشري لو في قوله تعالى: {لَوْ يُعَمَّرُ} للتمني، وهو حكاية لودادتهم ولا إشكال، فإن لو قد ترد في مقام التمني؛ ولذلك ينصب الفعل بعد الفاء في جوابها كما ينصب في جواب ليت كقوله تعالى: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ} 2، ولكن هل هي قسم برأسه أو راجعة إلى أحد القسمين السابقين، في ذلك خلاف، نص ابن الصائغ وابن هشام الخضراوي على أنها قسم برأسه، فلا تجاب بجواب الامتناعية، وذكر غيرهما أنها الامتناعية أشربت معنى التمني. قيل: وهو الصحيح، وقد جاء جوابها باللام بعد جوابها بالفاء في قوله3:
__________
1 من الآية 96 من سورة البقرة.
2 من الآية 102 من سورة الشعراء.
3 قائلهما: مهلهل بن ربيعة واسمه امرؤ القيس، وهما من الوافر.
اللغة: "زير" الزير -بكسر الزاي- من يكثر زيارة النساء "الشعثمين" أراد شعثما وشعيبا ابني معاوية بن عمرو، وقال القالي: الشعثمان موضع معروف "كليب" أخوه "بالذنائب" الباء بمعنى في، وهو ثلاث هضبات بنجد فيها قبر كليب.
الإعراب: "فلو" الفاء للعطف ولو للشرط "نبش" ماض مبني للمجهول "المقابر" نائب فاعل "عن كليب" جار ومجرور متعلق بالفعل "فيخبر" بالنصب جواب لو بتقدير أن =(3/1295)
فلو نُبِشَ المقابرُ عن كلَيْب ... فيُخْبَرَ بالذنائب أيُّ زِيرِ
بيوم الشَّعْثَمَيْنِ لقَرَّ عينا ... وكيف لقاءُ مَنْ تحت القبورِ؟
وذهب المصنف إلى أنها مصدرية أغنت عن التمني، بكونها لا تقع غالبا إلا بعد مفهم تمن، قال في التسهيل بعد ذكر المصدرية: وتغني عن التمني، فينصب بعدها الفعل مقرونا بالفاء.
وقال في شرحه: أشرت إلى نحو قول الشاعر1:
سَرَينا إليهم في جموع كأنها ... جبالُ شَرَوْرَى لو تُعانُ فتَنْهدا
قال: فلك في "تنهدا" أن تقول: نصب لأنه جواب تمن إنشائي كجواب ليت؛ لأن الأصل وددنا لو تعان، فحذف فعل التمني لدلالة لو عليه، فأشبهت ليت في الإشعار بمعنى التمني دون لفظه، فكان لها جواب كجواب ليت، وهذا عندي هو المختار، ولك أن تقول: ليس هذا من باب الجواب بالفاء، بل من باب العطف على المصدر؛ لأن لو والفعل في تأويل مصدر. انتهى.
ونص على أن لو في قوله تعالى: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} مصدرية. واعتذر عن الجمع بينها وبين أن المصدرية بوجهين:
أحدهما: أن التقدير: لو ثبت أن. والآخر: أن يكون من باب التوكيد.
__________
= "بالذنائب" الباء بمعنى في أي: فيها "أي زير" أي: مبتدأ وزير مضاف إليه وخبره محذوف والتقدير: أي: زير أنا، ويجوز أن يكون أنا مبتدأ وأي زير مقدما خبره "بيوم الشعثمين" جار ومجرور ومضاف إليه في محل نصب حال من أنا المحذوف "لقر" جواب لو بعد جواب آخر بالفاء، وهي جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى كليب "عينا" تمييز "كيف" للاستفهام، ولكنه أخرج مخرج التعجب ومحله الرفع على أنه خبر مقدم "لقاء" مبتدأ مؤخر "من" موصولة مضافة إلى لقاء "تحت القبور" جملة محذوفة الصدر تقديره: من هو تحت القبور، فهو مبتدأ وتحت ظرف خبره والقبور مضاف إليه، والجملة صلة الموصول.
الشاهد: قوله: "لقر" حيث إن جواب لو قد جاء باللام بعد جوابها وهو فيخبر.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 597/ 3، وابن هشام في المغني 267/ 1.
1 مضى شرح هذا البيت في باب إعراب الفعل.(3/1296)
وقد بسطت الكلام على هذه المسألة في غير هذا الكتاب، والغرض هنا شرح النظم، فقوله:
لَوْ حَرْفُ شَرْطٍ في مُضِيٍّ ... .......................
هذا هو القسم الأول من قسمي الشرطية، وهي الامتناعية. يعني: أن لو الامتناعية حرف يدل على تعليق فعل بفعل فيما مضى، فيلزم من تقدير حصول شرطها حصول جوابها، ويلزم كون شرطها محكوما بامتناعه؛ إذ لو قُدر حصوله لكان الجواب كذلك، ولم تكن للتعليق في المعنى، بل للإيجاب، فتخرج عن معناها.
وأما جوابها فلا يلزم كونه ممتنعا على كل تقدير؛ لأنه قد يكون ثابتا مع امتناع الشرط، كقوله: "نعم المرءُ صهيبٌ لو لم يخفِ الله لم يَعْصِهِ"1. ولكن الأكثر أن يكون ممتنعا، فلذلك كان قولهم: لو حرف امتناع لامتناع عبارة ظاهرها الفساد؛ لأنها تقتضي كون الجواب ممتنعا في كل موضع، وليس كذلك.
والحاصل: أن لو تدل على امتناع شرطها، وعلى كونه مستلزما لجوابها، ولا يتعرض لامتناع الجواب في نفس الأمر ولا لثبوته، قال في شرح الكافية: العبارة الجيدة في لو أن يقال: حرف يدل على امتناع تالٍ يلزم لثبوته ثبوت تاليه، فقيام زيد من قولك: "لو قام زيد لقام عمرو" محكوم بانتفائه فيما مضى، وكونه مستلزما ثبوته لثبوت قيام عمرو، وهل لعمرو قيام آخر غير اللازم عن قيام زيد أو ليس له؟ لا يتعرض لذلك، بل الأكثر كون الأول والثاني غير واقعين.
وقال في التسهيل: لو حرف شرط يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه. وفي بعض النسخ: لو حرف يقتضي نفي ما يلزم لثبوته ثبوت غيره، وعباراته الثلاث بمعنى واحد، قال ابن المصنف: ولا شك أن ما قاله -يعني ما قاله أبوه- في تفسير لو أحسن وأدل على معنى لو، غير أن ما قالوه عندي تفسير صحيح وافٍ بشرح معنى لو، وهو الذي قصده سيبويه من قوله: لما كان سيقع لوقوع غيره.
__________
1 هو من كلام عمر وجعله من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم، وإنما الوارد عنه -صلى الله عليه وسلم- ما رواه أبو نعيم في الحلية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في سالم مولى أبي حذيفة أنه شديد الحب لله، لو كان لا يخاف الله ما عصاه. صبان 25/ 4.(3/1297)
يعني: أنها تقتضي فعلا ماضيا كان يتوقع ثبوته لثبوت غيره والمتوقع غير واقع، فكأنه قال: لو تقتضي فعلا امتنع لامتناع ما كان يثبت لثبوته، وهو نحو مما قاله غيره، فلنرجع إلى بيان صحته، فنقول: قولهم لم تدل على امتناع الثاني لامتناع الأول يستقيم على وجهين:
الأول: أن يكون المراد أن جواب لو ممتنع لامتناع الشرط غير ثابت لثبوت غيره بناء منهم على مفهوم الشرط في حكم اللغة لا في حكم العقل.
والثاني: أن يكون المراد أن جواب لو ممتنع لامتناع شرطه، وقد يكون ثابتا لثبوت غيره؛ لأنها إذا كانت تقتضي نفي تاليها أو استلزامه لتاليه فقد دلت على امتناع الثاني لامتناع الأول؛ لأنه متى انتفى شيء انتفى مساويه في اللزوم مع احتمال أن يكون ثابتا لثبوت آخر. انتهى مختصرا.
وهذا الوجه الثاني هو الذي قرره في شرح الألفية.
................. ويقل ... إيلاؤُه مُستقبَلا لَكِنْ قُبِلْ
أي: يقل إيلاء لو فعلا مستقبل المعنى، وما كان من حقها أن يليها، لكن قيل: لورود السماع به كقوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} 1.
وقد ذكر ابن عصفور وغيره من النحويين أن لو "قد"2 ترد بمعنى أن، وتعقب ذلك ابن الحاجب على ابن عصفور وقال وقال: هذا خطأ. قال الشارح: وعندي أن لولا تكون لغير الشرط في الماضي، وما تمسكوا به من نحو قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} وقول الشاعر3:
ولو أن ليلى الأخيلية سلَّمتْ
__________
1 من الآية 9 من سورة النساء.
2 ب، ج.
3 قائله: توبة بن الحمير -بضم الحاء فتح الميم وتشديد الياء- وهو من الطويل.
وتمامه:
عليَّ ودوني جندل وصفائحُ =(3/1298)
لا حجة فيه لصحة حمله على المعنى.
ثم نبه بقوله:
وَهْيَ في الاختصاصِ بالفعلِ كإِنْ ... ...............................
على أن لولا يليها إلا فعل أو معمول فعل مضمر يفسره فعل ظاهر بعد الاسم، كقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة"1، وقال ابن عصفور: لا يليها فعل مضمر، إلا في الضرورة، كقوله2:
__________
= وبعده:
لسلمت تسليم البشاشة أو زَقا ... إليا صَدى من جانب القبر صائحُ
اللغة: "جندل" -بفتحتين بينهما سكون- أي حجر "صفائح" هي الحجارة العراض التي تكون على القبور "البشاشة" طلاقة الوجه "زقا" صاح "الصدى" ذكر البوم.
المعنى: يريد أن ليلى لو سلمت عليه بعد موته وقد حجبته عنها الجنادل والأحجار العريضة، لسلم عليها وأجابها تسليم ذوي البشاشة، أو لناب عنه في تحيتها صدى يصيح من جانب القبر.
الإعراب: "لو" حرف امتناع "أن" حرف توكيد ونصب "ليلى" اسم أن "الأخيلية" نعت لليلى "سلمت" فعل ماض والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه والجملة في محل رفع خبر أن، وأن ومعمولها في تأويل مصدر: إما فاعل لفعل محذوف، والتقدير: لو ثبت تسليم ليلى، وإما أن يكون المصدر مبتدأ والخبر محذوف والتقدير: ولو تسليم ليلى حاصل، مثلا، على أية حال فهذه الجملة هي جملة الشرط "عليَّ" جار ومجرور متعلق بسلمت "ودوني" الواو للحال ودوني ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم وياء المتكلم مضاف إليه "جندل" مبتدأ مؤخر "وصفائح" عطف عليه، والجملة في محل نصب حال.
الشاهد: وقوع الفعل المستقبل في معناه بعد "لو" وهذا قليل.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 600/ 3، وابن عقيل 288/ 2، وابن الناظم، والسيوطي ص119، وفي الهمع 64/ 2، وابن هشام في المغني 261/ 1.
1 الضمير المنصوب يعود إلى كلمة أبي عبيدة، وذلك أن عمر -رضي الله عنه- لما توجه في زمن خلافته بالجيش إلى الشام بلغه أثناء الطريق أنه وقع بها وباء فأجمع رأيه على الرجوع بعد أن أشار به جمع من الصحابة، فقال أبو عبيدة: أفرارا من قدر الله تعالى؟ فقال له عمر رضي الله عنه: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله. وجواب لو محذوف أي: لعددتها.
2 قائله: أبو الغطمش الضبي، وهو من الطويل.
وعجزه:
عَتبتُ ولكن ما على الموت مَعتَبُ
اللغة: "أخلاي" جمع خليل، وهو الصديق "الحمام" الموت "معتب" مصدر ميمي بمعنى العتاب، من عتب عليه. =(3/1299)
أخلايَ لو غيرُ الحِمَامِ أصابكُم ... ............................
أو نادر، كقول حاتم: "لو ذاتُ سِوارِ لطَمتْني"1.
والظاهر أن ذلك لا يختص بالضرورة والنادر، بل يكون في فصيح الكلام، كقوله تعالى: {لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} 2 حذف الفعل فانفصل الضمير.
ثم نبه على ما تنفرد به لو من مباشرة أن، فقال:
...................... ... لكِنَّ لو أنَّ بها قد تَقْتَرِنْ
وهو كثير، كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} 3 واختلف في موضع أن بعد لو، فذهب سيبويه إلى أنها في موضع رفع بالابتداء، وشبه شذوذ ذلك بانتصاب غدوة بعد لدن.
وذهب الكوفيون والمبرد والزجاج وجماعة إلى أنها فاعل يثبت مقدرا، وهو أقيس؛ إبقاء للاختصاص، وقوله في شرح الكافية: وزعم الزمخشري أن بين لو وأن ثبت مقدرا، قد يوهم انفراده بذلك.
فإن قلت: إذا جعلت مبتدأ فما الخبر؟
__________
= المعنى: لو أصابكم أحد غير الموت لسخطت عليه ووجدت، وكان لي معه شأن آخر، ولكن الذي أصابكم الموت، ولا عتاب عليه ولا سخط؛ لأنه قدر لا مفر منه.
الإعراب: "أخلاي" منادى منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل الياء والياء مضافة إليه "لو" شرطية غير جازمة "غير" مبتدأ خبره بعده أو فاعل لفعل محذوف يفسره أصابكم "الحمام" مضاف إليه "أصابكم" فعل ومفعول والفاعل ضمير "عتبت" فعل وفاعل والجملة جواب لو "ولكن" عطف واستدراك "ما" نافية "على الدهر" جار ومجرور خبر مقدم "معتب" مبتدأ مؤخر.
الشاهد: وقوع الاسم وهو "غير" بعد "لو" الشرطية، وذلك قليل.
مواضعه: ذكره الأشموني 601/ 3، وابن هشام 420/ 3، وابن الناظم.
1 قاله حين لطمته جارية، وسبب اللطمة أن صاحبة المنزل أمرته أن يفصد ناقة لها لتأكل دمها فنحرها، فقيل له في ذلك فقال: هذا فصدي، فلطمته الجارية فقال: لو ذات سوار لطمتني، وذات السوار الحرة؛ لأن الإماء لا تلبس السوار، وجواب لو محذوف: لهان.
2 من الآية 100 من سورة الإسراء.
3 من الآية 5 من سورة الحجرات.(3/1300)
قلت: قال ابن هشام الخضراوي: مذهب سيبويه والبصريين أن الخبر محذوف، وقال غيره: مذهب سيبويه أنها لا تحتاج إلى خبر؛ لانتظام المخبر عنه والخبر بعد أن.
فإن قلت: هل يفهم من قوله: "لكن لو" موافقة سيبويه؟
قلت: ظاهره موافقته في جعلها مبتدأ؛ إذ لو كان الفعل مقدرا لكان الاختصاص باقيا، ولم يكن حاجة إلى الاستدراك. ويحتمل أن يكون استدراك للتنبيه على أنها تنفرد بمباشرة أن لا غير، فيحتمل المذهبين.
فإن قلت: ظاهر كلامه أن لولا يليها غير ما ذكر، وقد ذكر في غير هذا الموضع أنها قد وليها مبتدأ وخبر في قول الشاعر1:
لو بغير الماء حَلْقي شَرِقٌ ... .......................
قلت: إنما ساغ ذلك في الضرورة، ولقلته لم يذكره هنا، وقد تأول ابن خروف البيت على إضمار "كان" الشانية، وتأوله الفارسي على أن حلقى فاعل فعل مقدر يفسره شرق، وشرق خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو شرق، وفيه تكلف.
__________
1 قائله: هو عدي بن زيد التميمي، وهو من الوافر.
وعجزه:
كنت كالغصان بالماء اعتصاري
اللغة: "شرق" بفتح الشين وكسر الراء "كالغصان" فعلان من الغصة وهو الذي غص أي: شرق، والمراد: بغير الماء "اعتصاري" نجاتي وملجئي. قال أبو عبيدة: الاعتصار: الملجأ.
المعنى: لو شرقت بغير الماء أسغت شرقي بالماء، فإن غصصت بالماء فبمَ أسيغه؟
الإعراب: "لو" للشرط "حلقي" مبتدأ "شرق" خبره "بغير الماء" متعلق به "كنت" كان فعل ماض ناقص والتاء اسمه، وهي جواب لو "كالغصان" جار ومجرور في محل نصب خبر كان "اعتصاري" مبتدأ والياء مضاف إليه "بالماء" جار ومجرور خبر مقدم.
الشاهد: قوله: "لو بغير الماء" وذلك لأن شرط لو أن تكون مختصة بالفعل، وليس هاهنا كذلك.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 601/ 3، وابن الناظم، وذكره السيوطي في الهمع 66/ 2، وابن هشام في المغني 267/ 1، وسيبويه 462/ 1.(3/1301)
تنبيه:
قال في شرح الكافية: وقد حمل الزمخشري ادعاءه إضمار ثبت بين لو وأن على التزام كون الخبر فعلا، ومنعه أن يكون اسما، ولو كان بمعنى فعل نحو: "لو أن زيد حاضر" وما منعه شائع ذائع في كلام العرب، كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} 1 وكقول الراجز2:
لو أن حيا مُدركُ الفلاح ... .......................
قلت: وقد نُقل ذلك عن السيرافي، وأقول: الذي ينبغي أن يحمل عليه كلام الزمخشري أن يمنع كون خبرها اسما مشتقا، ويلتزم الفعل حينئذ؛ لإمكان صوغه قضاء لحق طلبها بالفعل، وأما إذا كان الاسم جامدا فيجوز لتعذر صوغ الفعل منه كما فعل الشيخ أبو عمرو.
ألا ترى قوله في المفصل، لو قلت: "لو أن زيدا حاضر لأكرمته" لم يجز؟
ولم يتعرض لغير المشتق، وإذا حمل على هذا لم يرد عليه قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} .
ولا نحو3:
ولو أنها عصفورة.......... ... ..........................
__________
1 من الآية 27 من سورة لقمان.
2 قائله: هو لبيد بن عامر العامري، وهو من الرجز.
وعجزه:
أدركه مُلاعبُ الرماح
اللغة: "الفلاح" النجاة والفوز والبقاء "ملاعب الرماح" أراد به أبا براء عامر بن مالك الذي يقال له: ملاعب الأسنة، وإنما قال لبيد: ملاعب الرماح؛ لضرورة القافية.
الإعراب: "لو" للشرط "أن" حرف توكيد ونصب "حيا" اسم أن "مدرك" خبر أن مرفوع بالضمة "الفلاح" مضاف إليه "أدركه" فعل ماض والهاء مفعول والضمير يرجع إلى الفلاح "ملاعب" فاعل أدرك مرفوع بالضمة الظاهرة "الرماح" مضاف إليه وجملة أدرك وقعت جوابا للو.
الشاهد: قوله: "مدرك الفلاح" حيث وقع خبرا لأن الواقعة بعد لو وهو اسم.
مواضعه: ذكره الأشموني 603/ 2، والسيوطي ص119، وابن هشام في المغني 270/ 1.
3 قائله: هو العوام بن شوذب، وهو من الطويل.
وتمامه:
................ لحسبتها ... مُسومة تدعو عُبيدا وأزْنَما =(3/1302)
وإنما يرد عليه نحو: لو أن حيا مدركُ الفَلاحِ.
وله أن يجيب بأنه نادر.
وإِنْ مضارعٌ تلاها صُرِفَا ... إلى المضيِّ نَحْوُ لو يَفِي كَفَى
"يعني أن المضارع إذا وقع بعد لو صرف معناه إلى المضي. فمعنى لو يفي كفى: لو وفا كفى"1، ومثله2:
لو يسمعونَ كما سمعتُ حديثَها ... خَرُّوا لعزة رُكعا وسُجُودا
__________
= اللغة: "لحسبتها" لظننتها "مسومة" معلمة "عبيدا" -بضم العين- بطن من الأوس "أزنما" بطن من بني يربوع، إليهم تنسب الإبل الأزتمية.
الإعراب: "ولو" للعطف والشرط "أنها" أن حرف توكيد ونصب والهاء اسمها "عصفورة" خبر أن مرفوع بالضمة الظاهرة، والضمير يرجع إلى الأسودة التي ترى من بعيد "لحسبتها" فعل ماض والتاء فاعل والهاء مفعول أول لحسبت "مسومة" مفعول ثانٍ والجملة وقعت جوابا للو "تدعو" جملة من الفعل والفاعل في محل النصب على الحال من الضمير المنصوب "عبيدا" مفعول به "وأزنما" عطف على عبيدا، والألف للإشباع لأجل القافية.
الشاهد: قوله: "عصفورة" حيث وقع خبرا لأن الواقعة بعد لو وهو اسم جامد.
مواضعه: ذكره الأشموني 603/ 3، وابن هشام في المغني 27/ 1.
1 أ، ج.
2 قائله: هو كثير عزة، هو من الكامل.
اللغة: "خروا" من الخرور وهو السقوط "عزة" اسم محبوبته "ركعا" -بضم الراء- جمع راكع "سجودا" بضم السين جمع ساجد.
الإعراب: "لو" حرف امتناع "يسمعون" فعل مضارع وواو الجماعة فاعل والنون علامة الرفع والجملة شرط لولا محل لها "كما" الكاف جارة وما مصدرية "سمعت" فعل وفاعل وما وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف والجار والمجرور متعلق بمحذوف نعت لمصدر محذوف أي: سماعا مثل سماعي "حديثها" تنازعه الفعلان قبله، وكل منهما يطلبه مفعولا وها مضاف إليه "خروا" فعل ماض وواو الجماعة فاعل، والجملة جواب لولا محل لها من الإعراب "لعزة" جار ومجرور متعلق بقوله: خروا "ركعا" حال من الواو في خروا "وسجودا" معطوف عليه.
الشاهد: قوله: "لو يسمعون" حيث وقع الفعل المضارع بعد "لو" فصرفت معناه إلى المضي، فهو في قوة قولك: "لو سمعوا".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 603/ 3، وابن الناظم، وابن عقيل 291/ 2، والمكودي ص151.(3/1303)
تنبيهان:
الأول: "لو" الصارفة إلى المضي هي الامتناعية.
وأما التي بمعنى إن فتصرف الماضي إلى المستقبل، فإذا وقع بعدها مضارع فهو مستقبل المعنى، كقوله1:
لا يُلْفِكَ الرَّاجُوك إلا مُظهِرا ... خُلُقَ الكرام ولو تكونُ عَدِيمَا
الثاني: لا يكون جواب لو إلا فعلا ماضيا مثبتا أو منفيا بما أو مضارعا مجزوما بلم.
والأكثر في الماضي المثبت اقترانه باللام، وقد تحذف كقوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} 2 وقد تصحب المنفي بما، كقول الشاعر3:
كذبتُ وبيت الله لو كنتَ صادقا ... لما سَبَقتْنِي بالبكاءِ حمائمُ
وإن ورد ما ظاهره خلاف ذلك جعل الجواب محذوفا.
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل.
اللغة: "لا يلفك" لا يجدك من ألفى يلفي إذا وجد "الكرام" جمع كريم "العديم" المعدوم وهو الذي لا يملك شيئا.
المعنى: يمدح به الشاعر شخصا يقول: لا يجدك أحد من السائلين إلا وأنت مظهر لهم خلقا كريما مثل أخلاق الكرماء ولو كنت لا تملك شيئا.
الإعراب: "لا يلفك" لا ناهية يلفي فعل مضارع والكاف مفعول أول "الراجوك" فاعل "مظهرا" مفعول ثان "خلق " مفعول لمظهرا "الكرام" مضاف إليه "لو" حرف شرط "تكون" فعل مضارع ناقص واسمها ضمير مستتر "عديما" خبر تكون.
الشاهد: قوله: "لو تكون" فإن لو شرط في المستقبل مع أنه لم يجزم؛ لأن لو بمعنى إن لا يجزم ولكن إذا دخل على الماضي يصرفه للمستقبل، وإذا وقع بعده مضارع فهو مستقبل المعنى.
مواضعه: ذكره الأشموني 600/ 3، وابن هشام في المغني 261/ 1.
2 من الآية 70 من سورة الواقعة.
3 قائله: هو مجنون بني عامر -وعن أبي عمرو الشيباني أن المجنون كان ذات ليلة جالسا مع أصحاب له من بني عمه، وهو واله يتلظى ويتململ وهم يعظونه حتى هتفت حمامة من سرحة كانت بإزائهم فوثب قائما وقال أبياتا فيها هذا البيت- وهو من الطويل.
اللغة: "كنت صادقا"، ويروى: "لو كنت عاشقا" "حمائم" جمع حمامة.
الإعراب: "كذبت" فعل ماض والتاء فاعل -أراد كذبت في دعواي عشق ليلى- "وبيت الله" قسم "لو" للشرط "كنت" فعل ماض ناقص والتاء اسمها "صادقا" خبر كان، والجملة وقعت فعل الشرط "لما سبقتني" فعل ماض والياء مفعول "بالبكاء" جار ومجرور متعلق بالفعل "حمائم" فاعل سبقتني، وجملة سبقتني وقعت جواب الشرط.
الشاهد: قوله: "لما سبقتني" فإنه جواب لو، وقد صحب اللام فيه حرف النفي.(3/1304)
فصل أمَّا ولَوْلا ولَوْمَا:
أمَّا كمهما يكُ من شيء وَفَا ... لتِلْوِ تلوها وُجُوبا ألِفَا
أما حرف بسيط فيه معنى الشرط يؤول بمعنى: مهما يك من شيء؛ لأنه قائم مقام أداة الشرط وفعل الشرط، ولا بد بعده من جملة هي جواب له، فالأصل في قولك: "أما زيد فمنطلق" مهما يكن من شيء فزيد منطلق، فحذف فعل الشرط وأداته، وأقيمت أما مقامهما، وكان الأصل أن يقال: أما زيد منطلق، فتجعل الفاء في صدر الجواب، وإنما أخرت لضرب من إصلاح اللفظ. وإلى هذا أشار بقوله:
............. وفا ... لتلو تلوها.......
تنبيهات:
الأول: يؤخذ من قوله: "لتلو تلوها" أنه لا يجوز أن يتقدم الفاء أكثر من اسم واحد، فلو قلت: "أما زيد طعامه فلا تأكل" لم يجز، كما نص عليه غيره.
الثاني: لا يفصل بين "أما" والفاء بجملة تامة، إلا إن كان دعاء، بشرط أن يتقدم الجملة فاصل نحو: "أما اليوم رحمك الله فالأمر كذا".
الثالث: قول الشارح: يفصلون بين أما والفاء بجزء من الجواب، فإن كان الجواب شرطيا فصل بجملة الشرط، وإن كان غير شرطي فصل بمبتدأ أو خبر أو معمول فعل أو شبهه أو معمول مفسر به يقتضي ظاهره أنه لا يفصل بغير ذلك، وليس كذلك، بل قد يفصل بالظرف والمجرور والحال والمفعول له معمولا لأما أو لفعل الشرط المحذوف.
الرابع: ما ذكر من قوله: "أما كمهما يك" لا يعني به أن معنى أما كمعنى مهما وشرطها؛ لأن أما حرف فكيف يصح أن تكون بمعنى اسم وفعل؟ وإنما المراد أن موضعها صالح لهما، وهي قائمة "مقامهما"1؛ لتضمنها "معنى الشرط"2.
__________
1 ب، ج، وفي أ "مقامها".
2 أ، ب وفي ج "معنى حرف الشرط".(3/1305)
الخامس: تقديرها بمهما كما ذكر قول الجمهور. وقال بعض النحويين: إذا قلت: "أما زيد فمنطلق" فالأصل إن أردت معرفة حال زيد فزيد منطلق، حذفت أداء الشرط وأنيبت أما مناب ذلك.
السادس: قال في التسهيل: أما حرف تفصيل، وكذا قال كثير من النحويين، ولم يذكروا لها غير هذا المعنى، وقال بعضهم: "وقد ترد حيث لا تفصل نحو: "أما زيد فمنطلق" وقال بعضهم"1: وهي حرف إخبار مضمن معنى الشرط. وقوله "وجوبا" يعني: في غير ما سيذكر في قوله:
وحَذْفُ ذي الفا قّلَّ في نَثْرٍ إذَا ... لم يكُ قَوْلٌ معها قد نُبِذَا
يعني: أن حذف هذه الفاء في النثر قليل وكثير.
فالكثير: أن تحذف مع قول استغنى عنه بمحكيه كقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} 2 أي: فيقال لهم: أكفرتم.
والقليل: أن تحذف لا مع قول نحو ما خرجه البخاري من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "أما بعد، ما بالُ جالٍ".
قد فهم من قوله: في نثر، أنها تحذف للضرورة كقوله3:
__________
1 ب، ج.
2 من الآية 106 من سورة آل عمران.
3 قائله: هو الحارث بن خالد المخزومي يهجو به بني أسيد، وهو من الطويل.
وعجزه:
ولكن سَيْرا في عِرَاضِ المواكبِ
اللغة: "عراض" جمع عُرض -بالضم- وهو الناحية والشق "المواكب" جمع موكب، وهو الجماعة من الناس ركبانا أو مشاة، وقيل: هم الراكبون على الإبل والخيل للزينة خاصة.
المعنى: يصف الشاعر بني أسيد بالجبن والضعف، وأنهم لا يقدرون على القتال ومنازلة الشجعان، ولكنهم يسيرون في جانب المواكب للزينة لا غير.
الإعراب: "أما" شرطية نائبة عن مهما وفعل الشرط "القتال" مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة "لا" نافية للجنس "قتال" اسم لا "لديكم" ظرف متعلق بمحذوف خبر لا، والضمير مضاف إليه وجملة لا واسمها وخبرها في محل رفع خبر المبتدأ "ولكن" الواو حرف عطف لكن حرف استدراك ونصب واسمها ضمير مخاطبين محذوف "سيرا" مفعول مطلق لفعل محذوف تقع جملته خبرا للكن، وتقدير الكلام: ولكنكم تسيرون سيرا، وقيل: إن =(3/1306)
فأما القتالُ لا قتالَ لديكُمُ ... ........................
والحاصل أن حذفها على ثلاثة أضرب كثير، ونادر، وضرورة.
تنبيه:
لم ينبه في الكافية والتسهيل على ندور حذفها في النثر دون قول، فهو من زيادات الألفية:
لولا ولوما يلزمان الابتدا ... إذا امتناعا بوجود عَقَدَا
للولا ولوما حالان:
أحدهما: يختصان فيه بالأسماء، وذلك إذا دلا على امتناع شيء لوجود غيره. "وقد"1 يقال أيضا: لوجوب غيره، وهذا معنى قوله: "إذا امتناعا بوجود عقدا" أي: إذا ربطا امتناع شيء بوجود غيره، وفهم من قوله: "يلزمان الابتدا" فائدتان:
الأولى: أنهما لا يليهما الفعل.
والثانية: أن الاسم بعدهما مرفوع بالابتداء، وتقدم الكلام على خبره في باب الابتداء.
فإن قلت: فقد ولي لولا الفعل في قوله2:
__________
= "سيرا" هو اسم للكن وخبرها هو المحذوف، وتقدير الكلام على هذا: ولكن لكم سيرا "في" حرف جر "عراض" مجرور بفي، والجار والمجرور متعلق بسير، وعراض مضاف و"المواكب" مضاف إليه مجرور بالكسرة.
الشاهد: قوله: "لا قتال لديكم" حيث حذف الفاء من جواب "أما" مع أن الكلام ليس على تضمن قول محذوف، وذلك ضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 605/ 3، وابن هشام 425/ 3، وابن عقيل 292/ 2، وابن الناظم، والمكودي ص151، وذكره السيوطي في الهمع 671/ 2، وابن هشام في المغني 56/ 1.
1 أ.
2 قائله: هو أبو ذؤيب الهذلي، وهو من الطويل.
وصدره:
ألا زعَمتْ أسماءُ أن لا أحبُّها
الإعراب: "ألا" أداء استفتاح "زعمت" فعل ماض والتاء للتأنيث "أسماء" فاعل "أن" مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن "لا" نافية "أحبها" فعل مضارع والفاعل ضمير =(3/1307)
........................... ... فقلت بلى لولا يُنازعني شُغْلي
قلت: يُؤول على وجهين:
أحدهما: أن لولا مؤولة بلو وليست مركبة، بل لو على حالها ولا نافية للماضي.
والآخر: أن تكون المختصة بالابتداء وإن مقدرة بعدها وموضعها رفع بالابتداء.
وثاني الحالين: يختصان فيه بالأفعال، وذلك إذا دلا على التحضيض "ويشاركهما في ذلك الأحرف المذكورة في قوله"1:
وبهما التحضيضَ مِزْ وَهَلا ... ألَّا، ألا وأولِيَنْها الفِعْلا
المشهور أن حروف التحضيض أربعة وهي: لولا، ولوما، وهلا وألا -بالتشديد- وأما ألَا -بالتخفيف- فهي حرف عرض، وذكره لها مع حروف التحضيض يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يريد "به"2 أنها تكون للتحضيض بمعنى هلَّا في بعض المواضع لا مطلقا؛ لأنه ذكر في غير هذا الموضع أنها تكون للعرض.
والثاني: أن يكون ذكرها مع أدوات التحضيض لمشاركتها لهن في الاختصاص بالفعل "وقرب معناها من معناهن، وإن لم تكن موضوعة لمعناهن". ويؤيده قوله في شرح الكافية وألحق بحروف التحضيض في الاختصاص بالفعل3: "ألا تزورنا" ثم قال:
__________
= والهاء مفعوله والجملة في محل رفع خبر أن "فقلت" فعل وفاعل "بلى" حرف جواب "لولا" حرف امتناع لوجود "ينازعني" فعل مضارع والنون للوقاية والياء مفعول به "شغلي" فاعل والياء مضاف إليه.
الشاهد: قوله: "لولا ينازعني" حيث ولي لولا الفعل.
مواضعه: ذكره ابن هشام في مغني اللبيب 276/ 2.
1 أ، ج.
2 أ.
3 أ.(3/1308)
وقَدْ يليها اسْمٌ بفِعْلٍ مُضْمَرِ ... عُلِّقَ أو بظاهرٍ مُؤخَّرِ
مثال الأول: "هلَّا زيدًا تضربه" فزيدًا علق بفعل مضمر، بمعنى أنه معمول للفعل المضمر.
ومثال الثاني: "هلَّا زيدًا تضربُ" فزيدًا علق بفعل ظاهر مؤخر، بمعنى أنه معمول للفعل الذي بعده؛ لأنه مفرغ له.
فإن قلت: ظاهر كلامه أن حروف التحضيض لا يليها إلا فعل أو معمول فعل مضمر أو فعل مؤخر.
تنبيه:
قال في شرح الكافية: وربما ولي حرف التحضيض مبتدأ وخبر كقول الشاعر1:
...................... ... فهلَّا نفسُ ليلى شفيعُهَا
قال: والأجود أن ينوي بعدها "كان" الشأنية.
__________
1 قائله: هو قيس بن الملوح، وقيل: للصمة بن عبيد الله القشيري، وهو من الطويل.
وصدره:
ونُبئْتُ لَيْلى أرسَلت بشفاعَة ... إليَّ.......................
اللغة: "نبئت" -بالبناء للمجهول- أُخبرت "أرسلت بشفاعة" الشفاعة هو التوسل ابتغاء الخير، والذي يكون منه التوسل يسمى الشفيع، والذي أراده من الشفاعة هو الأمر الذي حمله رسولها، فلذلك عدي
الفعل بالباء.
الإعراب: "نبئت" نبئ فعل ماض ينصب ثلاثة مفاعيل مبني للمجهول مبني على فتح مقدر على آخره لا محل له من الإعراب وتاء المتكلم نائب فاعله وهو المفعول الأول "ليلى" مفعول ثان "أرسلت" فعل ماض والتاء للتأنيث وفاعله ضمير مستتر فيه يعود على ليلى، وجملة الفعل وفاعله في محل نصب مفعول ثالث لنبئ "بشفاعة" جار ومجرور متعلق بأرسل "إليَّ" جار ومجرور متعلق بأرسل "فهلا" الفاء حرف دال على السببية وهلا حرف تحضيض "نفس" مبتدأ مرفوع بالضمة "ليلى" مضاف إليه "شفيعها" خبر المبتدأ، وهو مضاف والضمير مضاف إليه، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب خبر لكان المحذوفة مع اسمها، واسمها المحذوف ضمير شأن، والتقدير: فهلا كان هو -الحال والشأن- نفس ليلى شفيعها.
الشاهد: قوله: "فلا نفس ليلى" فإن قوله: "نفس ليلى" مبتدأ وشفيعها خبر، وهذه الجملة في محل نصب خبر لكان المضمرة مع اسمها.
مواضعه: ذكره الأشموني 610/ 3، وابن هشام في باب الإضافة، وابن الناظم.(3/1309)
قلت: وعلى هذا "الوجه"1 خرجه ابن طاهر، وخرجه بعضه على جعل ما بعدها فاعلا بفعل مقدر تقديره: فهلا شفعت نفس ليلى، وشفيعها خبر مبتدأ محذوف، أي: هي شفيعها، وفيه تكلف.
__________
1 ب، ج.(3/1310)
الإخبار بالذي والألف واللام:
الباء في قوله: "الإخبار بالذي" باء السببية لا باء التعدية؛ لأن "الذي" يجعل في هذا الباب مبتدأ، لا خبرا، كما ستقف عليه، فهو في الحقيقة مخبر عنه، وباب الإخبار وضع للاختبار كمسائل التمرين في التصريف. قال الشارح: وكثيرا ما يصار إلى هذا الإخبار لقصد الاختصاص، أو تقوي الحكم، أو تشويق السامع، أو إجابة الممتحن.
ولما شرع في هذا الباب بدأ بكيفية الإخبار فقال:
ما قِيلَ أخبر عنه بالذي خَبَرْ ... عن الذي مبتدأ قَبْلُ استقَرْ
وما سواهما فوسِّطهُ صِلَهْ ... عائدُها خلفُ مُعْطِي التَّكْمِلَهْ
أي: إذا عين لك اسم من جملة، وقيل "لك"1 أخبر عنه بالذي فصدر الجملة بالموصول مبتدأ وأخر ذلك الاسم، واجعله خبرا عن الموصول المتقدم، وما سوى الموصول وخبره فوسطه بينهما فيكون صلة للموصول، واجعل في موضع الاسم الذي أخرته وجعلته خبرا ضميرا عائدا على الموصول.
فقد علم بما ذكر أن المخبر عنه في هذا الباب هو المجعول خبرا، قال ابن السراج: وإنما قال النحويون: أخبر عنه وهو في اللفظ خبر؛ لأنه في المعنى مخبر عنه و"ما" في قوله: "ما قيل" موصولة وهي مبتدأ.
وقوله: "خبر" هو "خبرها"2، وقوله: "مبتدأ" حال من الذي، وقوله: "عائدها خلف معطي التكملة" معناه عائد الصلة، هو الضمير الذي خلف الاسم المجعول خبرا وهو "معطي التكملة" ثم فقال:
نحوُ الذي ضربتُه زيدٌ فَذَا
ضربتُ زيدا كان فادْرِ المأخَذَا
__________
1 ب، ج.
2 ب، ج وفي أ "خبر ما".(3/1311)
إذا أخبر عن "زيد" من قولك: "ضربت زيدا" قلت: "الذي ضربته زيد" فصدرت الجملة بالذي مبتدأ وأخرت "زيدا" وهو المخبر عنه فجعلته خبرا عن الذي، وجعلت ما بينهما صلة الذي وجعلت "في"1 موضع زيد الذي أخرته ضميرا عائدا على الموصول.
وإذا أخبرت عن التاء من قولك: "ضربت زيدا" قلت: "الذي ضرب زيدا أنا" ففعلت فيه ما ذكر، إلا أن التاء ضمير متصل لا يمكن تأخيرها مع بقاء الاتصال ففصلت الضمير وأخرته، فلذلك قلت: أنا.
فإن قلت: كان ينبغي أن يقول: ما قيل أخبر عنه بالذي خبر هو أو خلفه. كما قال في التسهيل: وتأخير الاسم أو خلفه خبرا؛ ليشمل الضمير المتصل.
قلت: لا يخفى أن الضمير المتصل لا يمكن تأخيره إلا بعد انفصاله، فلم يحتج هنا إلى التنبيه عليه لوضوحه، واستكن الضمير الغائب الذي جعلته موضع التاء في ضرب، ومنع بعضهم الإخبار عن الفاعل إذا كان ضمير متكلم أو مخاطب، والصحيح الجواز.
وباللذَيْنِ والذِينَ والتي ... أخبِرْ مراعيا وِفَاقَ الْمُثْبَتِ
يعني: أن المخبر عنه في هذا الباب إذا كان مثنى أو مجموعا أو مؤنثا جيء بالموصول مطابقا له؛ لكونه خبره، فإذا أخبرت عن الزيدين من نحو: "بلَّغَ الزيدانِ العمرَيْنِ رسالةً".
قلت: "اللذان بلغ العمرين رسالة الزيدان".
أو عن العمرين قلت: "الذين بلغهم الزيدان رسالة العمرون".
أو عن الرسالة قلت: "التي بلغها الزيدان العمرِين رسالة".
وقد فهم من النظم فوائد:
الأولى: أن حكم باب الإخبار تقديم المبتدأ على الخبر لقوله: "قبل استقر".
فإن قلت: فهل ذلك على سبيل الوجوب؟
__________
1 أ.(3/1312)
قلت: الذي يدل عليه كلام النحويين أن ذلك على سبيل الوجوب؛ لاشتراطهم في المخبر عنه قبول التأخير، ونص بعضهم على جواز تقديم المبتدأ في هذا الباب. وممن نص عليه الشارح، وفي البسيط أن ذلك على جهة الأولى والأحسن، وأنه يصح أن يقال: "زيد الذي ضرب عمرًا" فنجعل زيدا خبرا عن الذي إما مقدما وإما مؤخرا، وجوزه المبرد.
والثانية: أن الضمير الذي يخلف الاسم المتأخر لا بد من مطابقته الموصول لكونه عائدا، ويلزم كونه غائبا. ولو خالف ضمير متكلم أو مخاطب، وأجاز أبو ذر الخشني جعله مطابقا للخبر في الخطاب والتكلم، فتقول في الإخبار عن التاء في "ضربت الذي ضربت أنت" وعن التاء في "ضربت الذي ضربت أنا" ومذهب الجمهور منع ذلك.
الثالثة: أن هذا الضمير ينوب عن الاسم المتأخر في إعرابه الذي كان له؛ لكونه خلفه في موضعه فاستحق إعرابه.
ولما بين كيفية الإخبار شرع في شروط المخبر عنه فقال:
قبولُ تأخيرٍ وتعريفٍ لِمَا ... أُخْبِرَ عنه هاهنا قد حُتِمَا
كذا الغِنَى عنه بأجنبي اوْ ... بمضمرٍ شَرْطٌ فَرَاعِ ما رَعَوْا
هذه أربعة شروط:
الأول: قبول التأخير، فلا يخبر عن اسم يلزم صدر الكلام كضمير الشأن واسم الشرط واسم الاستفهام وكم الخبرية.
الثاني: قبلو التعريف، فلا يخبر عن الحال والتمييز؛ لأنهما ملازمان للتنكير.
الثالث: قبول الاستغناء بأجنبي، فلا يخبر عن اسم لا يجوز الاستغناء عنه بأجنبي، ضميرا كان أو ظاهرا، فالضمير كالهاء من قولك: "زيد ضربته" فإنها عائدة قبل ذكر الموصول على بعض الجملة، فلو أخبرت عنها لخلفها مثلها في العود إلى ما كانت تعود عليه، فيلزم إما بقاء الموصول بلا عائد، وإما عود ضمير واحد على شيئين، وكلاهما محال.(3/1313)
والظاهر كاسم إشارة نحو: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} 1 وغيره مما حصل به الربط، فإنه لو أخبر عنه لزم المحذوف السابق.
تنبيه:
فهم من قوله: "كذا الغنى عنه بأجنبي" "أنه يجوز الإخبار عن ضمير الغائب الذي يجوز الاستغناء عنه بأجنبي"2 وله صورتان:
إحداهما: أن يكون عائدا إلى اسم جملة أخرى نحو أن يذكر إنسان فتقول: لقيته، فيجوز الإخبار عن الهاء فيقال: الذي لقيته هو. صرح المصنف بجواز الإخبار في هذه الصورة وفاقا للشلوبين وابن عصفور، وذهب الشلوبين الصغير إلى منع ذلك، وهو ظاهر كلام الجزولي.
قال الشيخ أبو حيان: ونكتة هذا الخلاف: هل شرط هذا الضمير ألا يكون عائدا على شيء قبله أو شرطه ألا يكون رابطا؟
والأخرى: أن يكون عائدا على بعض الجملة إلا أنه غير محتاج إليه للربط نحو: "ضرب زيد غلامه".
فلا يمتنع على مقتضى كلام الناظم الإخبار عن الهاء في المثال فتقول: "الذي ضرب زيد غلامه هو" لأن الهاء في المثال يجوز أن يخلفها الأجنبي، فتقول: "ضرب زيد غلام عمرو" فلا يلزم من الإخبار عنها المحذوف المتقدم ذكره، وقد مثل الشارح بهذا لما يمتنع الإخبار عنه لكونه لا يستغنى عنه بالأجنبي، وليس كذلك.
فإن قلت: ظاهر كلامه في شرح الكافية منعها، فإنه قال: وباشتراط جواز الاستغناء عنه بأجنبي على امتناع الإخبار عن ضمير عائد على بعض الجملة؛ يعني: ونبهت باشتراط.
قلت: لا حجة في ذلك، بل الظاهر أن مراده ما كان متعينا للربط؛ لأن تعليله يرشد إليه وتمثيله يساعد عليه.
فإن قلت: فهل يجري فيها خلاف من تقدم؟
__________
1 من الآية 26 من سورة الأعراف.
2 أوفي ب، ج "عدم امتناع الإخبار عن العائد".(3/1314)
قلت: لا إشكال أن من منع الأولى فامتناع هذه عنده أولى.
الرابع: جواز الاستغناء "عنه بضمير، فلا يخبر عن مصدر عامل دون معموله، ولا موصوف دون صفته، ولا صفة دون موصوفها، ولا مضاف دون المضاف إليه؛ إذ لا يجوز الاستغناء"1 عن هذه الأشياء بضمير.
فإن قلت: هذا الشرط الرابع مُغْنٍ عن اشتراط الثاني؛ لأن ما لا يقبل التعريف لا يقبل الإضمار.
قلت: هو كذلك، وقد نبه في شرح الكافية على أن ذكره زيادة في البيان.
فإن قلت: كلام الناظم يقتضي أن الشروط المذكورة ثلاثة: قبول التأخير، وقبول التعريف، والغناء عنه بأحد أمرين: بأجنبي إن كان ضميرا، أو بضمير إن كان ظاهرا؛ إذ لا فائدة لاشتراط الاستغناء بالأجنبي في الظاهر ولا لاشتراط الاستغناء بالضمير في المضمر، ويدل على ذلك عطفه بأو.
قلت: بل هي أربعة: ولا يستقيم حمل كلامه على ما ذكرت؛ لأن اشتراط الاستغناء بالأجنبي مقيد في الضمير والظاهر كما تقدم، فلو كان الشرط لأحدهما لجاز الإخبار عن الظاهر إذا جاز الاستغناء عنه بالضمير، وإن لم يجز الاستغناء عنه بأجنبي، وليس كذلك كما سبق.
تنبيهات:
الأول: علة اشتراط هذه الشروط على سبيل الإجمال، أن كيفية الإخبار المذكورة لا تتأتى بدونها.
الثاني: بقي من شروط المخبر عنه في هذا الباب أربعة شروط أُخر لم يذكرها هنا وقد ذكرتها في غير هذا الكتاب:
أولها: جواز استعمال مرفوعا، فلا يخبر عن لازم الرفع نحو: "ايمن الله"، ولا عن لازم النصب نحو: "سبحان الله" وسحر معينا.
__________
1 أ، ج.(3/1315)
وثانيها: جواز استعماله مثبتا، فلا يخبر عن "أحد وديار" ونحوهما من الأسماء الملازمة للنفي.
وثالثها: أن يكون بعض ما يوصف به1 "من"2 جملة أو جملتين في حكم جملة واحدة كالشرط والجزاء؛ فلا يخبر عن اسم في جملة طلبية؛ لأن الجملة بعد الإخبار تجعل صلة، فيشترط أن تكون صالحة لأن يوصل بها.
ورابعها: إمكان الاستفادة، فلا يخبر عن اسم ليس تحته معنى، كثواني الأعلام نحو بكر من أبي بكر؛ إذ لا يمكن أن يكون خبرا عن شيء، وذكر هذا الشرط في الفصل في التسهيل، وفيه خلاف، أجاز المازني الإخبار عن الاسم الذي ليس تحته معنى مستدلا بقوله الشاعر3:
فكأنما نظروا إلى قمر ... أو حيث عَلَّق قَوْسَه قُزَح
ورد بأن قزح اسم الشيطان.
وأخْبَرُوا هنا بأل عن بعضِ مَا ... يكونُ فيه الفِعْلُ قد تَقَدَّمَا
يجوز الإخبار بالذي وفروعه في الجملتين: الاسمية والفعلية. ويجوز بالألف واللام في الفعلية خاصة لا مطلقا بل بشرطين:
أحدهما: أن يكون الفعل متصرفا يمكن صوغ صلة منه للألف واللام، فلا يجوز الإخبار بأل في جملة مصدرة بليس ونحوها.
والثاني: أن يكون الفعل موجبا، فإن كان منفيا لم يجز الإخبار؛ لتعذر صوغ صلتها من المنفي.
__________
1 وفي هامش المخطوطة "أ" "هل صوابه ما يوصل به شيخنام؟ ".
2 أ، ج وفي ب "في جملة".
3 قائله: هو شقيق بن سليك الأسدي، وهو من الكامل.
الإعراب: "فكأنما" الفاء للعطف وكأن حرف تشبيه وبطل عملها بما الكافة "نظروا" فعل ماض وفاعله "إلى قمر" جار ومجرور متعلق بنظروا وهو في محل نصب على المفعولية "أو" عاطفة "حيث" عطف على قوله "إلى قمر" "علق" فعل ماض "قوسه" مفعول به "قزح" فاعله.
الشاهد: المازني احتج به على جواز الإخبار عن الاسم الذي تحته معنى.(3/1316)
وقد أشار إلى الأول بقوله:
إن صح صوغُ صلةٍ منه لألْ
ثم مثل فقال:
كصوغ واقٍ من وَقَى الله البَطَلْ
فإن أخبرت عن الفاعل قلت: "الواقي البطلَ اللهُ" أو عن المفعول قلت: "الواقيه اللهُ البطلُ". ونبه عن الثاني في التسهيل.
وإن يَكُنْ ما رَفَعَتْ صلة أل ... ضميرَ غيرِها أُبِينَ وانْفَصَلْ
إذا رفعت صلة أل ظاهرا كالمثال "السابق"1 فلا إشكال فيه، وإن رفعت ضميرا، فإن كان لأل وجب استتاره، وإن كان لغيرها وجب إبرازه.
فإذا أخبرت عن التاء من قولك: "ضربت زيدا".
قلت: الضارب زيد أنا، فيستكن مرفوع الصلة؛ لكونه لأل.
وإذا أخبرت عن زيد من المثال قلت: الضاربه أنا زيد، فتبرزه لكونه لغيرها؛ لأن الصفة متى جرت على غير من هي له يستكن مرفوعها.
تنبيه:
ذكر الأخفش مسألتن يخبر فيهما بأل ولا يصح الإخبار فيهما بالذي.
الأولى: "قامت جاريتا زيد لا قعدتا" فإذا أخبر عن زيد قلت: القائم جاريتاه لا القاعدتان زيد.
ولو أخبرت بالذي فقلت: "الذي قامت جاريتاه لا الذي قعدتا زيد" لم يجز؛ لأنه لا ضمير يعود على الجملة المعطوفة، وقد أجاز بعض النحويين: "مررت بالذي قام أبواه لا الذي قعدا".
فعلى هذا يجوز في الإخبار في المسألة بالذي أيضا.
الثانية: "المضروب الوجه زيد" ولا يجوز "الذي ضرب الوجه زيد".
قلت: وينبغي أن يجيزه من أجاز تشبيه الفعل اللازم بالمتعدي.
واعلم أن باب الإخبار طويل، فلنكتف بما تقدم.
__________
1 ب، ج.(3/1317)
العدد:
ثلاثةً بالتاء قُلْ للعشَرهْ ... في عَدِّ ما آحادُه مذَكَّرَهْ
في الضِّدِّ جَرِّدْ......... ... .......................
للثلاثة والعشرة وما بينهما ثلاثة أحوال:
الأولى: أن يقصد بها العدد المطلق.
الثانية: أن يقصد بها معدود ويذكر.
والثالث: أن يقصد بها معدود ولا يذكر.
فإذا قصد بها العدد المطلق كانت كلها بالتاء نحو: "ثلاثةٌ نصفُ ستةٍ" ولا تتصرف لأنها أعلام خلافا لبعضهم.
وإن قصد بها معدود وذكر في اللفظ استعملت بالتاء إن كان واحد "المعدود"1 مذكرا، وجردت من التاء إن كان واحده مؤنثا حقيقيا أو مجازيا كقوله تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} 2.
وإذا قصد بها معدود ولم يذكر في اللفظ "فالفصيح"3 أن يكون بالتاء للمذكر وبعدمها في المؤنث كما لو ذكر المعدود، فتقول: "صمت خمسة" تريد أياما، و"سرت خمسا" تريد ليالي، ويجوز أن تحذف التاء في المذكر، وحكى الكسائي عن أبي الجراح "صمنا من الشهر خمسا"، وحكى الفراء "أفطرنا خمسا وصمنا خمسا وصمنا عشرا من رمضان" وتضافرت الروايات على حذف التاء من قوله صلى الله عليه وسلم: $"ثم أتبعه بست من شوال".
وبهذا يظهر ضعف قول بعضهم: ما حكاه الكسائي لا يصح عن فصيح ولا يلتفت إليه، وقيل: لما استمر في التاريخ الاستغناء بالليالي عن الأيام التزم في غيره
__________
1 أ، ج، وفي ب "العدد".
2 من الآية 7 من سورة الحافة.
3 أ، ج وفي ب "فالصحيح".(3/1318)
بشرط أمن اللبس كقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} 1 ومنه: "وأتبعه بست من شوال"، وقال الزمخشري: تقول: "صمت عشرا" ولو ذكرت لخرجت "عن"2 كلامهم، ورد بأن التذكير الأكثر الفصيح.
واختلف في علة إثبات التاء في العدد المذكر وإسقاطها في عدد المؤنث، فقال في شرح التسهيل ما معناه: إن الثلاثة وأخواتها أسماء جماعات كزمرة وأمة وفرقة، فالأصل أن يكون بالتاء لتوافق نظائرها فاستصحب الأصل من المذكر لتقدم رتبته وحذفت مع المؤنث فرقا لتأخير رتبته، وقد ذكر غيره هذا المعنى من النحويين، وهو حسن فلنكتف به.
تنبيهات:
الأول: شمل كلام الناظم الصورتين الأخيرتين إذا لم يشترط اللفظ بالمعدود وخرجت منه الصورة الأولى في قوله: "ما آحاده مذكرا".
الثاني: فهم من قوله: "ما آحاده" أن المعتبر تذكير الواحد وتأنيثه، لا تذكير الجمع وتأنيثه؛ فلذلك تقول: "ثلاثة حمامات" خلافا لأهل بغداد فإنهم يقولون: "ثلاث حمامات" فيعتبرون لفظ الجمع. وقال الكسائي: تقول: "مررت بثلاث حمامات" وتقول: "رأيت ثلاث سجلات" بغير هاء، وإن كان الواحد مذكرا، وقاس عليه ما كان مثله ولم يقل به الفراء.
الثالث: اعتبار التأنيث في واحد المعدود إن كان اسما في لفظه فتقول: "ثلاثة أشخاص" قاصد نسوة، و"ثلاث أعين" قاصد رجال؛ لأن لفظ شخص مذكر ولفظ عين مؤنث.
ما لم يتصل بالكلام ما يقوي المعنى أو يكثر قصد المعنى، فيجوز حينئذ اعتباره.
فالأول كقوله3:
__________
1 من الآية 234 من سورة البقرة.
2 ب وفي أ، ج "من".
3 قائله: هو عمرو بن أبي ربيعة المخزومي، وهو من الطويل. =(3/1319)
ثلاثُ شخوصٍ كاعبانِ ومُعْصِر
فتقوى المعنى بقوله: "كاعبان ومعصر".
والثاني كقوله1:
ثلاثةُ أنفسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ
__________
= وصدره:
فكان مجني دون من كنت أتقي
اللغة: "مجني" المجن: أصله الترس وجمعه مجان، ويريد به هنا ما يتقى به الرقباء "أتقي" أجانب وأحذر "شخوص" جمع شخص، وأصله الشبح الذي يُرى من بعد - والمراد هنا: الإنسان "كاعبان" مثنى كاعب، وهي الجارية حتى يبدو ثديها "معصر" الجارية أول ما تدرك وتدخل عصر الشباب.
المعنى: كان سترى وحصني دون من كنت أتقيه وأخافه من الرقباء، هؤلاء الثلاثة اللواتي مشيت بينهن متنكرا وساعدتني على ذلك.
الإعراب: "فكان" الفاء عاطفة وكان فعل ماض ناقص "مجني" خبر كان مقدم والياء مضاف إليه "دون" منصوب على الظرفية به لما فيه من معنى الواقي "من" اسم موصول مضاف إليه "كنت" كان واسمها "أتقي" فعل مضارع والفاعل ضمير والجملة في محل نصب خبر كان، وجملة كنت أتقي صلة الموصول والعائد محذوف؛ أي: أتقيه "ثلاث" اسم كان مؤخر "شخوص" مضاف إليه "كاعبان" بدل من ثلاث "ومعصر" معطوف عليه.
الشاهد: قوله: "ثلاث شخوص" فإن القياس فيه ثلاثة شخوص؛ لكنه كنى بالشخوص عن النساء.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 620/ 3، وابن هشام 19/ 4، وابن الناظم.
1 قائله: هو الحطيئة، من أبيات يشكو فيها ما نزل به من بلاء، وذلك أنه كان في سفر ومعه امرأته وبنتاه، فسرح إبله فافتقد منها ناقة، وهو من الوافر.
وعجزه:
......................... ... لقد جارَ الزمانُ على عيالي
اللغة: "ذود" الذود من الإبل: ما بين الثلاثة إلى العشرة، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها، وقيل غير ذلك.
الإعراب: "ثلاثة" خبر لمبتدأ محذوف أو العكس "أنفس" مضاف إليه؛ أي: نحن ثلاثة أنفس، ولنا ثلاث ذود، قال المبرد: أراد بثلاث ذود ثلاث نوق، كما تدل على ذلك القصة، فثلاث ذود عطف على ثلاثة أنفس "لقد" اللام موطئة للقسم قد للتحقيق "جار" فعل ماض "الزمان" فاعل "على عيالي" جار ومجرور.
الشاهد: قوله: "ثلاثة أنفس" وكان القياس: ثلاث أنفس؛ لأن النفس مؤنث.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 620/ 3، وابن هشام 17/ 4، وابن الناظم، وذكره السيوطي في الهمع 253/ 1، والشاهد 542 في الخزانة.(3/1320)
فغلب المعنى؛ لأن النفس كثر استعمالها مقصودا بها إنسان.
وإن كان صفة فبموصوفها المنوي لا بها كقوله تعالى: {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} 1 أي: عشر حسنات، وتقول: "ثلاث دواب" إذا قصدت ذكورا، وقال بعض العرب: "ثلاث دواب" لأنها جرت مجرى الأسماء الجامدة.
الرابع: ما ذكر من اعتبار تذكير الواحد وتأنيثه إنما هو في الجمع، وأما اسم الجنس نحو "غنم" واسم الجمع نحو "قوم" فيعتبر حكم لفظه ما لم يفصل بينه وبين العدد صفة دالة على المعنى أو يكن نائبا عن جمع المذكر، فالأول كقولك: "عندي ثلاثة ذكور من البط" وقال بعض المتأخرين: ويجوز حذفه التاء فلا يلحظ الوصف ولكن الأولى أن تلحظه، والثاني كقولهم: "ثلاثة أشياء" لأنه نائب من جمع شيء على أفعال، ولا أثر للوصف المتأخر كقولك: "ثلاث من البط ذكور".
والخامس: لا تعتبر أيضا تأنيث لفظ المفرد إذا كان علما نحو طلحة.
ثم ذكر حكم المميز فقال:
.......... والمميِّزْ اجرُرِ ... جمعا بلفظ قلة في الأكثرِ
اعلم أن مميز الثلاثة وأخواتها إن كان اسم جنس أو اسم جمع جر بمن نحو: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ} 2 وقد أضيف إليه في قوله تعالى: {تِسْعَةُ رَهْطٍ} 3 وقوله عليه الصلاة السلام: "خمس ذود" 4.
فإن قلت: فهل يقاس على الأمرين؟
قلت: أما جره بمن فمتفق عليه، وأما الإضافة إليه ففيها مذاهب:
أحدها: الجواز على قلة، وهو ظاهر كلام ابن عصفور.
والثاني: الاقتصار على ما سمع، وهو مذهب الأكثرين، وإليه ذهب المصنف، قال في التسهيل: وإن ندر مضافا إليه لم يُقس عليه، وصرح سيبويه بأنه لا يقال: "ثلاث غنم".
__________
1 من الآية 160 من سورة الأنعام.
2 من الآية 260 من سورة البقرة.
3 من الآية 48 من سورة النمل.
4 "ليس فيما دون خمس ذود صدقة".(3/1321)
والثالث: التفصيل، فإن كان مما يستعمل من اسم الجمع للقلة نحو: نفر ورهط وذود جاز، وإن كان مما يستعمل للقليل والكثير لم يجز، وإليه ذهب ابن عصفور في بعض كتبه، وحكاه الفارسي عن أبي عثمان، وإن كان غيرهما أضيف العدد إليه مجموعا على مثال قلة من جموع التكسير نحو: "ثلاثة أعبد، وثلاث آمٍ" هذا إذا وجد للاسم جمع قلة وجمع كثرة، فإن أهمل أحدهما أضيف إلى الموجود نحو: "ثلاثة أرجل، وثلاثة رجال".
وأشار بقوله: "في الأكثر" إلى أنه قد يؤثر مثال كثرة على مثال قلة، إما لقلة استعمال مثال القلة أو لخروجه عن القياس.
فالأول: نحو قولهم: "ثلاثة شسوع"1 فأوثر على أشساع لقلة استعماله.
والثاني: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 2 فأوثر على أقراء؛ لأن واحده قرء كفلس وجمع مثله على أفعال شاذ قاله المصنف، وذكر غيره أنه جمع قرء -بضم القاف- فلا يكون شاذا ولا يؤثر جمع قلة في غير ذلك إلا نادرا.
وأجاز المبرد "ثلاثة كلاب" ونحوه إذا أريد به ثلاثة من الكلاب وجعل من ذلك "ثلاثة قروء" وقال في شرح التسهيل: ولو جاز هذا لم يكن معنى في الحجة بجمع القلة؛ لأن كل جمع كثرة صالح لأن يراد به مثل هذا.
تنبيهات:
الأول: قال: "بلفظ قلة" يعني من أمثلة التكسير التي هي أفعل وأفعال وأفعلة وفعلة.
وأما جمع التصحيح فلا يضاف إليه غالبا إلا إن أهمل غيره أو جاور ما أهمل أو قل استعمال غيره.
فالأول: نحو: "سبع بقرات" وفي هذا ونحوه يتعين التصحيح لإهمال غيره.
والثاني: نحو: "سبع سنبلات" ففي هذا ونحوه تجوز إضافته إلى التصحيح لمجاورته ما أهمل تكسيره وهو بقرات.
__________
1 شسوع: جمع شسع -بكسر أوله وسكون ثانيه- أحد سيور النعل.
2 من الآية 228 من سورة البقرة.(3/1322)
والثالث: نحو: "ثلاث سعادات" فيجوز لقلة سعائد أيضا، ويختار التصحيح في هذين الموضعين فإن كثر استعمال غيره ولم يجاور ما أهمل تكسيره لم يضف إليه إلا قليلا نحو: "ثلاثة أحمدين" و"ثلاث زينبات"، وإلى هذا أشرت بقولي: غالبا، وقال ابن عصفور: وكذلك أيضا يضاف إلى جموع السلامة إذا لم تكن صفات يقول: "ثلاثة زيدين، وأربع هندات". انتهى.
والإضافة إلى الصفة ضعيفة نحو: "ثلاثة صالحين"، والأحسن الإتباع على النعت ثم النصب على الحال.
الثاني: إذا كان تمييز الثلاثة وأخواتها مائة لم يجمع إلا في شذوذ كقوله1:
ثلاثُ مئينَ للملوك وفَى بها
قيل: ويظهر من كلام سيبويه جواز جمع المائة في الكلام وتميز بالمائة ثلاث وتسع وما بينهما، ولا يقال: عشرة مائة استغناء بالألف، ذكر ذلك في شرح التسهيل، وحكى الفراء أن بعض العرب يقولون: عشر مائة، وأن أهل هذه اللغة هم الذين يقولون: "ثلاث مئين وأربع مئين" فيجمعون.
__________
1 قائله: الفرزدق، وهو من الطويل.
وعجزه:
.............................. ... ردائي وجلت عن وجوه الأهاتم
اللغة: "ثلاث مئين" أي: ثلثمائة بعير "ردائي" الرداء: هو ما يلبس، قيل: والمراد به هنا السيف "جلت" كشفت "وجوه" عظماء وأعيان "الأهاتم" جمع أهتم، وهم بنو سنان الأهتم.
المعنى: يقول: إن ردائي أو سيفي وفَى بديات ثلاث ملوك قتلوا -وكانت ديتهم ثلثمائة بعير- وأزال العبء عن عظماء هذه القبيلة، وكان قد رهن رداءه أو سيفه في ذلك.
الإعراب: "ثلاث" مبتدأ "مئين" مضاف إليه مجرور بالياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم "للملوك" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لثلاث مئين "وفَى" فعل ماض "بها" متعلق بالفعل "ردائي" فاعل والياء مضاف إليه "جلت" فعل ماض والفاعل ضمير مستتر يعود على ردائي "عن وجوه" متعلق بالفعل.
الشاهد: قوله: "ثلاث مئين" حيث جمع المائة مع أنها تمييز الثلاث، وهو شاذ.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 622/ 3، وبن هشام 21/ 4، وابن الناظم، واذكره ابن يعيش 2/ 6، والشاهد 543 في الخزانة.(3/1323)
وفي كتاب الصفار عن الفراء: لا تقول: ثلاث مئين، إلا من لا يقول ألف، وإنما يقول: عشر مئين. وقوله: "ومائة والألف لمفرد أضف" يعني: أن المائة والألف يضافان إلى المعدود مفردا نحو: "مائة رجل وألف رجل" وتثنيتهما وجمعهما كذلك. وقوله: "ومائة بالجمع نزرا قد ردف".
أشار به إلى قراءة حمزة والكسائي: "ثلثمائة سنين"1، وأشار بقوله: "نزرا" إلى تقليله، وقال بجوازه الفراء، وقال المبرد: هو خطأ في الكلام وإنما يجوز في الشعر للضرورة وكلامه مردود بالقراءة المتواترة.
تنبيه:
قد شذ تمييز المائة بمفرد منصوب، كقول الربيع2:
إذا عاشَ الفتَى مائتينِ عامَا
ولا يقاس عليه عند الجمهور، وأجاز ابن كيسان نصب تمييز المائة والألف فتقول: "المائة دينارا، والألف درهما" ثم شرع في بيان تركيب العشرة مع ما دونها فقال:
__________
1 من الآية 25 من سورة الكهف.
2 قائله: هو الربيع بن ضبع الفزاري -أحد المعمرين- وهو من الوافر.
وعجزه:
....................... ... فقد ذهبَ المسرةُ والفتَاءُ
اللغة: "المسرة" ما يسر به الإنسان، والجمع مسار "الفتاء" الشباب، يقال: فتى فتاء فهو فتي؛ أي: بيِّن الفتاء.
المعنى: إذا بلغ الإنسان هذا السن فقد ذهبت ملذاته التي يسر بها، وولى عنه شبابه الذي يتيه فيه.
الإعراب: "إذا" للشرط "عاش" فعل ماض "الفتى" فاعل "مائتين" مفعوله "عاما" تمييز "فقد" حرف تحقيق "ذهب" فعل ماض "المسرة" فاعل والجملة وقعت جوابا للشرط "والفتاء" عطف على المسرة.
الشاهد: قوله: "مائتن عاما" حيث نصب تمييز مائتين وكان حقه الجر بالإضافة فيقول: مائتي عام.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 623/ 3، وابن هشام 22/ 4، وابن الناظم، والسيوطي ص121، والشاهد 545 في الخزانة، وابن عيش 21/ 6، وسيبويه 106، 293/ 1.(3/1324)
وأحَدَ اذْكُرْ وصِلْنهُ بعَشَرْ ... مركَّبا قاصِدَ معدود ذَكَرْ
فتقول: "عندي أحد عشر درهما" بتجريد عشر من التاء، وهمزة أحد هذا مبدلة من واو، وقد قيل: وحد عشر على الأصل، وهو قليل، وقد يقال: واحد عشر على أصل العدد، ثم قال:
وقُلْ لدى التأنيث إحدى عَشْرَهْ
فتقول: إحدى عشرة امرأة، بإثبات التاء في عشرة، وقد يقال: واحدةَ عشرة. وقوله: "والشين فيها عن تميم كسْرَهْ".
يعني في التأنيث، فيقولون: "إحدى عشرة، واثنتا عشرة، وكذا في سائرها، وبلغتهم قراءة بعضهم: {اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} 1 قال في التسهيل: وقد تفتح يعني في المؤنث، وبالفتح قرأ الأعمش، قال الزمخشري: وهي لغة، انتهى، والفتح هو الأصل إلا أن الأفصح التسكين وهي لغة الحجازيين، وأما في التذكير فالشين مفتوحة،
وقد تسكن عين عشر فيقال: "أحد عشْر" وكذا أخواته؛ لتوالي الحركات، وبها قرأ أبو جعفر وقرأ هبيرة صاحب حفص {اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} 2 وفيها جمع بين ساكنين، وقوله:
ومع غير أحَدٍ وإحدَى ... ما معْهُما فعلتَ فافعَلْ قَصْدَا
يشير به إلى جعل ثاني "جزأي المركب عشر في التذكير وعشرة في التأنيث، والحاصل أن للعشرة في التركيب عكس ما لها قبله فتحذف التاء في التذكير وتثبت في التأنيث"3 وقوله:
ولثلاثة وتسعة وما ... بينهما إن رُكبا ما قُدِّمَا
يشير به إلى أن حكم الثلاثة والتسعة وما بينهما إذا ركبا أن تثبت التاء في التذكير وتحذف في التأنيث كما كان يفعل بهما في الإفراد، وقوله:
وأَوْلِ عَشْرَةَ اثنتَيْ وعَشَرَا ... اثنَيْ إذا أُنثى تَشَا أو ذَكَرا
__________
1 من الآية 160 من سورة الأعراف، ومن الآية 60 من سورة البقرة.
2 من الآية 36 من سورة التوبة.
3 أ، ج.(3/1325)
يعني أنه يقال في تركيب اثنين واثنتين اثنا عشر في المذكر فتحذف نون اثني وتوليه عشر، واثنتا عشرة في المؤنث فتحذف نون اثنتين وتلويه عشرة. وقوله:
واليَا لغير الرَّفعِ وارفَعْ بالألِفْ
يعني به: أنه يقول: اثنا عشر واثنتا عشرة بالألف في الرفع، واثني عشر واثنتي عشرة بالياء في الجر والنصب، بإعراب الصدر إعراب المثنى وبناء العجز.
ثم نبه على أن غيرهما لا حظ له في الإعراب بقوله:
والفتحُ في جزأَيْ سواهُما أُلِفْ
أما العجز فعلة بنائه تضمنه معنى حرف العطف، وأما الصدر فعلة بنائه وقوع العجز منه موقع تاء التأنيث؛ ولذلك أعرب صدر اثني عشر واثنتي عشرة؛ لوقوع العجز منه موقع النون، وما قبل النون محل إعراب لا بناء، ولوقوع العجز منهما موقع النون لم يضافا بخلاف غيرهما فيقال: "أحد عشرك" ولا يقال: "اثنا عشرك" وذهب ابن درستويه وابن كيسان إلى أنهما مبنيان كسائر أخواتهما، ورد بتغييرهما بالألف والياء.
تنبيهان:
الأول: بناء أحد عشر وغيره من المركب لازم، وأجاز الكوفيون إضافة صدره إلى عجزه فيقولون: "هذه خمسةُ عشرِ" واستحسنوا ذلك إذا أضيف نحو: "خمسة عشرِكَ".
الثاني: قال في التسهيل: وتجعل العشرة مع النيِّف اسما واحدا مبنيا على الفتح ما لم يظهر العاطف. انتهى. فإن ظهر منع التركيب والبناء نحو: خمسة وعشرة، قال الشيخ أبو حيان: ويحتاج في إثبات نحو: "عندي خمسة وعشرة رجلا، وخمس وعشر امرأة" إلى سماع من العرب.
وميِّزِ العشرينَ للتسعينَا ... بواحدٍ كأربعينَ حِينا
العقود الثمانية يستوي فيها المذكر والمؤنث وتعطف على النيف كقولك: "ثلاثة وعشرون" في المذكر "وثلاث وعشرون" في المؤنث، وتميز بمفرد منصوب نحو قولك: "عشرون رجلا وعشرون امرأة".
وقد فهم من كلامه فائدتان:
الأولى: أن مميز العشرين وأخواته لا يجمع وهذا مذهب الجمهور، وأجاز الفراء جمعه فتقول: عشرون رجالا؛ ولذلك أجاز جمع تمييز أحد عشر وأخواته، وأجاز بعضهم أن يقال: عندي عشرون دراهم لعشرين رجلا، قاصدا أن لكل "واحد"1 منهم عشرين، قال في شرح التسهيل: وهذا إذا دعت الحاجة إليه فاستعماله حسن، وإن لم تستعمله العرب؛ لأنه استعمال لا يفهم معناه بغيره، ولا يجمع مميز عشرين وبابه في غير هذا النوع. فإن وقع موقع تمييز شيء منها فهو حال أو تابع، انتهى.
والثانية: أن تمييز العشرين وبابه لا يكون إلا منصوبا كما مثل، وحكى الكسائي أن من العرب من يضيف العشرين وأخواته إلى المفسر منكرا أو معرفا فتقول: عشرو درهم وعشرو ثوب، وهذا عند الأكثرين من الشاذ الذي لا تبنى على مثله القواعد.
__________
1 أ، ج.(3/1326)
تمييز المركب:
وميزُوا مركبا بمثل ما ... مُيِّزَ عشرون فسوِّينهُمَا
يعني: بواحد منصوب وتقدم خلاف الفراء، وأجاز بعضهم أن يميز بجمع صادق على الواحد منه، وجعل الزمخشري منه قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} 1.
والمراد: وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة كل قبيلة أسباط لا سبط فأوقع أسباطا موقع قبيلة، قال في شرح التسهيل: ومقتضى ما ذهب إليه أن يقال: "رأيت أحد عشرة أنعاما" إذا أريد أحد عشرة جماعة كل جماعة أنعام، ولا بأس برأيه هذا لو ساعده استعماله، ولكن قوله: إن كل قبيلة أسباط لا سبط، مخالف لما يقوله أهل اللغة: إن السبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في العرب، وعلى هذا فأسباط واقع موقع قبائل، فلا يصح كونه تمييزا بل هو بدل والتمييز محذوف، انتهى.
__________
1 من الآية 160 من سورة الأعراف.(3/1327)
قلت: كلامه في شرح الكافية مخالف لما ذكره هنا، فإنه قال عند ذكر تذكير التمييز وتأنيثه فإن اتصل به ما يراد به المعنى كقوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} فبذكر أمم ترجح حكم التأنيث ولولا ذلك لقيل: اثنا عشر أسباطا؛ لأن السبط مذكر، انتهى.
وقال الجرمي: يجوز أن تكون أسباطا نعتا لفرقة ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، وأمما نعت الأسباط وأنث العدد وهو واقع على الأسباط وهو مذكر؛ لأنه بمعنى فرقة أو أمة كما قال ثلاثة أنفس يعني رجالا وعشر أبطن بالنظر إلى القبيلة. انتهى.
تنبيه:
إذا نعت تمييز العشرين وبابه جاز فيه الحمل على اللفظ فتقول: عندي عشرون درهما وازنا، والحمل على المعنى فتقول: وازنة، ومنه قول عنترة1:
فيها اثنتانِ وأربعون حَلُوبة ... سُودًا كخَافيةِ الغُرابِ الأسْحَمِ
__________
1 هذا البيت من الكامل.
اللغة: "حلوبة" أي: محلوبة، وهو في الأصل صفة لموصوف محذوف، والحلوبة تستعمل بلفظ واحد، للواحد والجمع، ويروى في مكانه "خلية" والخلية: أن يعطف على الحوار ثلاث نياق ثم يتخلى الراعي بواحدة منهن، فتلك الخلية "سودا" يروى بالرفع والنصب "كخافية" للطائر أربع خواف، وهي ريش الجناح مما يلي الظهر "الأسحم" الأسود.
الإعراب: "فيها" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم "اثنتان" مبتدأ مؤخر "وأربعون" معطوف عليه "حلوبة" تمييز "سودا" من رواه بالنصب فهو يحتمل ثلاثة أوجه:
الأول: أن يكون صفة لحلوبة.
والثاني: أن يكون حالا من العدد.
والثالث: أن يكون حالا من حلوبة.
ومن رواه بالرفع فهو نعت لقوله: اثنتان وأربعون، قال التبريزي: فإن قيل: كيف جاز أن ينعتهما أحدهما معطوف على صاحبه؟ قيل: لأنهما قد اجتمعا فصار بمنزلة قولك: جاءني زيد وعمرو الظريفان. اهـ. "كخافية" جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لسود "الغراب" مضاف إليه "الأسحم" نعت الغراب.
الشاهد: قوله: "سودا" فإنها نعت لقوله: حلوبة، وروعي فيها اللفظ.
مواضعه: ذكره الأشموني 625/ 3، وابن هشام في شذور الذهب ص263، وابن يعيش 24/ 6، والشاهد 546 في الخزانة.(3/1328)
وهذا المعنى هو الذي لحظه الجرمي في جعله أسباطا نعتا لفرقة.
وإِنْ أُضيفَ عددٌ مُركَّبُ ... يَبْقَ البِنَا وعجزُه قد يُعْربُ
إذا أضيف العدد المركب ففيه ثلاثة أوجه:
الأول: أن يبقى بناؤه وهو الأكثر كما يبقى مع الألف واللام بإجماع.
والثاني: أن يعرب عجزه مع بقاء التركيب كبعلبك، وحكاه سيبويه عن بعض العرب فتقول: "أحد عشرك مع أحد عشر زيد" واستحسنه الأخفش، واختاره ابن عصفور، وزعم أنه الأفصح، ووجه ذلك بأن الإضافة ترد الأسماء إلى أصلها من الإعراب، ومنع في التسهيل القياس عليه، وقال في الشرح: لا وجه لاستحسانه؛ لأن المبني قد يضاف نحو: "كم رجل عندك؟ " و {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} 1.
قلت: قال بعضهم: وهي لغة ضعيفة عند سيبويه، وإذا ثبت كونها لغة لم يمتنع القياس عليها، وإن كانت ضعيفة.
والثالث: أن يضاف صدره إلى عجزه مزالا بناؤهما، حكى الفراء أنه سمع من أبي فقعس الأسدي وأبي الهيثم العقيلي: "ما فعلت خمسة عشرك".
وذكر في التسهيل أنه لا يقاس عليه خلافا للفراء، وحكى ابن عصفور هذا الوجه في بعض كتبه عن الكوفيين وفي بعضها عن الفراء، ورد بأنه لم يسمع، وهذا الرد مردود بما تقدم.
تنبيه:
قال في التسهيل: ولا يجوز بإجماع "ثماني عشرة" إلا في الشعر يعني بإضافة صدره إلى عجزه دون إضافة كقول الراجز2:
__________
1 من الآية 1 من سورة هود.
2 قائله: ينسب لنفيع بن طارق، وقيل: أنشده في أرجوزة ليست له، وهو من الرجز.
اللغة: "كلف" ماض مبني للمجهول بالتشديد، من التكليف وهو تحمل ما فيه كلفة ومشقة "عنائه" العناء: التعب والجهد "شقوته" الشقاء والعشرة "من حجته" من عامه ذلك. =(3/1329)
كُلِّف من عنائه وشِقْوَتِهْ ... بنتَ ثماني عَشْرة من حِجَّتِهْ
وحكى غيره مع الكوفيين أنهم أجازوا ذلك مطلقا في الشعر وغيره في ثماني عشرة وغيرهما، فليس نقل الإجماع بصحيح.
وصُغْ من اثنينِ فما فوق إلى
عَشرةٍ كفاعلٍ من فَعَلا
يعني: أنه يصاغ من اثنين فما فوق إلى العشرة موازن فاعل نحو ثاني إلى عشرة كما يصاغ اسم الفاعل من فعل نحو ضرب فهو ضارب.
فإن قلت: لِمَ قال "من اثنين" وترك ذكر واحد وقد ذكره بعضهم من اسم الفاعل المشتق من العدد؟
قلت: واحد من أسماء العدد ولس المراد العدد فيذكر، وإنما المراد الصفة وهو وإن كان على زنة فاعل لا يمكن أن يراد به التصيير؛ إذ لا عدد أقل منه بخلاف الثاني فما فوقه:
واحْتِمْهُ في التأنيث بالتا ومتى ... ذَكَّرْتَ فاذكُرْ فاعلا بغيرِ تَا
فتقول في التأنيث ثانية إلى عشرة وفي التذكير ثان إلى عاشر، كما يفعل في اسم الفاعل من نحو ضارب، وإنما نبه على هذا مع وضوحه لئلا يتوهم أنه يسلك به سبيل العدد الذي صيغ منه.
وإن تُرِدْ بعضَ الذي منه بُنِي ... تُضِفْ إليه مثل بَعْضٍ بَيِّنِ
لاسم الفاعل المصوغ من العدد ثلاثة أحوال:
الأول: أن يستعمل مفردا ولا إشكال فيه.
__________
= المعنى: أن هذا الرجل تحمل وتكلف -لأجل تعبه وشقائه- مشقة حب بنت سنها ثماني عشرة في عامه ذلك.
الإعراب: "كلف" فعل ماض مبني للمجهول "من" للتعليل "عنائه" مجرور بمن ومضاف إلى الهاء "وشقوته" عطف على عنائه "بنت" مفعول ثان لكلف، والمفعول الأول نائب الفاعل "ثماني عشرة" مضاف إليه "من" جارة بمعنى في "حجته" مجرور بمن.
الشاهد: قوله: "ثماني عشرة" حيث أضيف صدره إلى عجزه بدون إضافة عشرة إلى شيء آخر.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 627/ 3، وابن هشام 29/ 4.(3/1330)
والثاني: أن يستعمل مع موافق كثاني مع اثنين فيجب إضافته عند الجمهور فتقول في التذكير: ثاني اثنين إلى عاشر عشرة، وفي التأنيث: ثانية اثنتين إلى عاشرة عشرة، وإنما لم ينصب لأنه ليس في معنى ما يعمل ولا مفرعا على فعل فالتزمت إضافته لكونه واحدا من العدد كما يلتزم إضافة البعض، وإلى هذا أشار بقوله: "مثل بعض بين" هذا مذهب الجمهور، وذهب الأخفش والكسائي وقطرب وثعلب إلى جواز إعماله فتقول: ثان اثنين وثالثُ ثلاثةَ، وفصل بعضهم فقال: يعمل ثان، ولا يعمل ثالث وما بعده، وإليه ذهب في التسهيل، قال: لأن العرب تقول: "ثَنَيْتُ الرجلين" إذا كنت الثاني منهما فمن قال: ثانِ اثنين بهذا المعنى عُذر؛ لأن له فعلا، ومن قال: ثالث ثلاثة لم يُعذر؛ لأنه لا فعل له، فهذه ثلاثة أقوال.
تنبيه:
قال في الكافية:
وثعلبٌ أجاز نحو رابع ... وأربعة وما له متابعُ
وقال في شرحها: ولا يجوز تنوينه والنصب به، وأجاز ذلك ثعلب وحده، ولا حجة له في ذلك. انتهى. فعمم المنع، وقد فصل في التسهيل وخص الجواز بثعلب، وقد نقله فيه عن الأخفش، ونقله غيره عن الكسائي وقطرب كما تقدم.
والثالث: أن يستعمل مع مخالفه ولا يكون إلا للعدد الذي تحته، فهذا يجوز أن يضاف وأن ينون وينصب لأنه اسم فالع حقيقة، فإنه يقال: "ثلثتُ الرجلين" إذا انضممت إليهما فصرتم ثلاثة، وكذلك "ربعت الثلاثة" إلى "عشرت التسعة" وقد أشار إلى هذا بقوله:
وإن تُردْ جَعْلَ الأقل مثلَ مَا ... فوق فحُكْمَ جاعلٍ له احْكُمَا
يعني: أن حكمه حكم اسم الفاعل، فإن كان بمعنى المضي وجبت إضافته. وإن كان بمعنى الحال والاستقبال جازت إضافته وجاز تنوينه وإعماله كما يفعل جاعل أو غيره من أسماء الفاعلين.
فإن قلت: هل لاختصاص جاعل بالتمثيل به فائدة؟
قلت: نعم، وهي التنبيه على معنى اسم فاعل العدد إذا استعمل مع ما تحته معنى جاعل، فإذا قلت: رابع ثلاثة فمعناه جاعل الثلاثة أي: مصيِّرهم أربعة.(3/1331)
تنبيهان:
الأول: قال الشارح في البيت: معناه وإن ترد بالمصوغ من اثنين فما فوقه أنه جعل ما هو أقل عددا مما اشتق منه مساويا له فاحكم لذلك المصوغ بحكم جاعل. انتهى.
وفيه تصريح بأن ثاني يستعمل بمعنى جاعل فيقال: ثاني واحد، وهو خلاف التسهيل؛ لأنه خص المصوغ من الاثنين بالإضافة إلى الموافق بمعنى بعض أصله، ونص سيبويه على أنه لا يقال: ثاني واحد، وقال الكسائي: بعض العرب يقول: ثاني واحد، وحكاه الجوهري أيضا وقال: ثاني واحد، والمعنى: هذا ثني واحدا.
والثاني: قال في التسهيل: وإن قصد بفاعل المصوغ من ثلاثة إلى عشرة، وهذه العبارة -كما قال في شرحه- تقريب على المتعلم، والحقيقة أنه من الثلث إلى العشر وهي مصادر ثلثت الاثنين إلى عشرت التسعة.
وإِنْ أردت مثل ثانِي اثنينِ ... مركبا فجِيءَ بتركيبينِ
إذا قصد صوغ الفاعل من المركب بمعنى بعض أصله كثاني اثنين.
ففي استعماله ثلاثة أوجه:
الأول: وهو الأصل أن يجاء بتركيبين صدر أولهما فاعل في التذكير وفاعلة في التأنيث وصدر ثانيهما الاسم المشتق منه، وعجزهما عشر في التذكير وعشرة في التأنيث.
فتقول في التذكير: "ثاني عشر اثني عشر" إلى "تاسع عَشَر تسعةَ عشَر"، وفي التأنيث: "ثانية عشر اثنتي عشرة" إلى "تاسعةَ عشَرة تِسْعَ عشَرة" بأربع كلمات مبنية، وأول التركيبين مضاف إلى ثانيهما إضافة ثاني إلى اثنين.
الثاني: أن يقتصر على صدر الأول، فيعرب لعدم التركيب ويضاف إلى المركب باقيا بناؤه، وإليه أشار بقوله:
أو فاعلا بحالتيه أَضِفْ ... إلى مركب بما تَنْوِي يَفِي
حالتاه هما التذكير والتأنيث فتقول في التذكير: "ثاني اثني عشر" إلى "تاسع تسعة عشر"، وفي الثأنيث: "ثانية اثنتي عشرة" إلى "تاسعة تسعَ عشرة".(3/1332)
الثالث: أن يقتصر على التركيب الأول، وإليه أشار بقوله:
وشاع الاستغنا بحادي عَشَرَا ... ونحوه....................
وفيه حينئذ ثلاثة أوجه:
الأول: أن يُبنى صدره وعجزه وهو الأعرف.
والثاني: أن يعرب صدره مضافا إلى عجزه مبنيا، حكاه ابن السكيت وابن كيسان. ووجهه أنه حذف عجز الأول فأعربه لزوال التركيب، ونوى صدر الثاني فبناه.
والثالث: أن تعربهما معا مقدرا حذف عجز الأول وصدر الثاني، وهذا الوجه أجازه بعض النحويين.
تنبيهان:
الأول: مثل في النظم بحادي عشر ولم يمثل بثاني عشر، قال الشارح: ليتضمن التمثيل فائدة التنبيه على ما التزموه حين صاغوا أحدا وإحدى على فاعل وفاعلة من القلب وجعل الفاء بعد اللام فقال: "حادي عشر، وحادية عشرة" والأصل واحد وواحدة.
قلت: وحكى الكسائي عن بعض العرب "واحد عشر" على الأصل فلم يلتزم القلب كل العرب.
الثاني: لم يذكر هنا صوغ اسم الفاعل من المركب بمعنى جاعل؛ لكونه لم يسمع، إلا أن سيبويه وجماعة من المتقدمين أجازوه قياسا "فيقولون": "هذا رابع عشر ثلاثة عشر" أو "رابع ثلاثة عشر" وإنما أجازوه بشرط الإضافة ولا يجوز أن ينصب ما بعده، وأجاز بعض النحويين "هذا ثان أحد عشر، وثالث اثني عشر" بالتنوين، وذهب الكوفيون وأكثر البصريين إلى منع بنائه بهذا المعنى، وقوله:
.................. ... وقبل عشرين اذكرا
وبابه الفاعل من لفظ العدد ... بحالتَيْهِ قبل واو يُعْتَمَدْ(3/1333)
يعني: أن العشرين وبابه يعني بقية العقود يعطف على اسم الفاعل بحالتيه يعني التذكير والتأنيث فتقول: "الحادي والعشرون" إلى "التاسع والتسعين" و"الحادية والعشرون" إلى "التاسعة والتسعين" ولا يستعمل الحادي والحادية إلا في تنييف.
تنبيه:
لم يسمع بناء اسم الفاعل من العقود الثمانية أعني عشرين وبابه إلا أن بعضهم حكى "عاشر عشرين" فقاس عليه الكسائي. وقال سيبويه والفراء: "هذا الجزء العشرون" على معنى تمام العشرين فحذف.
وقال بعضهم: تقول: "هذا متمم عشرين أو مكمل عشرين" ورُد بأنه يلزم أن يتمم نفسه أو يكمل نفسه. وقال أبو علي: هو الموفى عشرين.
قال بعضهم: والصحيح أن يقال: هو كمال العشرين، أو تمام العشرين، أو تأتي بألفاظ العقود فتقول: العشرين إلى التسعين، والله أعلم.(3/1334)
كم وكأين وكذا:
هذه ألفاظ يكنى بها عن العدد؛ فلذلك أردف بها باب العدد.
أما "كم" فاسم لعدد مبهم الجنس والمقدار، وليست مركبة خلافا للكسائي والفراء فإنها مركبة عندهما من كاف التشبيه وما الاستفهامية محذوفة الألف وسكنت ميمها لكثرة الاستعمال.
وكم قسمان: استفهامية وخبرية، وكل منهما مفتقر إلى تمييز، وقد أشار إلى الاستفهامية بقوله:
ميِّزْ في الاستفهام كم بمثل ما ... ميَّزْتَ عشرين ككم شخصا سَمَا
يعني: أن تمييز الاستفهامية كتمييز العشرين في الإفراد والنصب نحو: "كم شخصا؟ ". أما إفراده فلازم خلافا للكوفيين فإنهم يجيزون جمعه نحو: "كم شهودا لك؟ " ولو سمع مثل هذا لم يكن لهم فيه حجة لصحة حمله على الحال، وجعل التمييز محذوفا. وأجاز بعضهم جمعه إذا كان السؤال عن الجماعات نحو: "كم غلمانا لك؟ " إذا أردت أصنافا من الغلمان، وهو مذهب الأخفش، فتحصل في جمعه ثلاثة مذاهب، وأما نصبه ففيه أيضا ثلاثة مذاهب:
أحدهما: أنه لازم ولا يجوز جره، وهو مذهب بعض النحويين.
والثاني: أنه ليس بلازم بل يجوز جره مطلقا حملا على الخبرية، وإليه ذهب الفراء والزجاج والسيرافي، وعليه حمل أكثرهم1:
كم عمةٍ لك يا جريرُ وخالةٍ
__________
1 قائله: هو الفرزدق يهجو جريرا، وهو من الكامل.
وعجزه:
............................ ... فَدْعَاء قد حلبت علي عشاري
اللغة: "فدعاء" وصف من الفدع، وهو اعوجاج الرسغ من اليد أو الرجل حتى ينقلب الكف أو القدم إلى أنسيهما "حلبت علي" أي: على كره مني "عشاري" جمع عُشَراء، وهي الناقة التي مضى على حملها عشرة أشهر. =(3/1335)
والثالث: أنه لازم إن لم يدخل على كم حرف جر، وراجح على الجر إن دخل عليها حرف جر، وهو المشهور، ولم يذكر سيبويه جره إلا إذا دخل على كم حرف جر، وإلى هذا أشار بقوله:
وأجِزْ أن تَجُرَّهُ من مُضْمَرا ... إن وَلِيتْ كم حَرْفَ جر مُظهَرا
فيجوز في نحو: "بكم درهم اشتريت؟ " النصب على الأصل، وهو الأجود والأكثر، والجر أيضا وفيه قولان:
أحدهما: أنه بمن مقدرة كما ذكر، وهو مذهب الخليل وسيبويه والفراء وجماعة.
والثاني: أنه بإضافة كم إليه، وهو قول الزجاج، وزعم ابن بابشاذ أن الأول ليس مذهب المحققين "ورد بأنه نص من كلامهم إلا الزجاج"1، ورد مذهب الزجاج بوجهين:
أحدهما: أنه بمنزلة عدد ينصب ما بعده قولا واحدا فلا يمكن الخفض بها، قاله ابن خروف.
__________
= المعنى: على الإخبار: كثير من عماتك وخالاتك يا جرير، كن من جملة خدمي وقد تعوجت أرساغهن من كثرة حلبهن نياقي على كره مني.
وعلى الاستفهام: أخبرني يا جرير، بعدد عماتك وخالاتك اللاتي كن يخدمنني ويحلبن نياقي حتى تعوجت أرساغهن من كثرة الحلب، فقد نسيت عددهن.
الإعراب: "كم" خبرية مبتدأ أو استفهامية مقصود بها التهكم والسخرية "عمة" بالجر، تمييز لكم على الخبرية وبالنصب على الاستفهامية "لك" جار ومجرور صفة لعمة "وخالة" معطوفة على عمة "فدعاء" صفة لعمة وخالة، منصوب بالفتحة على رواية النصب، وعلى رواية الجر: بالفتحة نيابة عن الكسرة لمنعه من الصرف "قد حلبت" قد حرف تحقيق حلب فعل ماض والفاعل ضمير والجملة خبركم التي وقعت مبتدأ "عليَّ" جار ومجرور متعلق بحلبت "عشاري" مفعول حلبت.
الشاهد: قوله: "كم عمة" حيث رُوي بالجر.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 633/ 3، وفي باب الابتداء، وابن هشام 43/ 4، وابن عقيل 128/ 1، وفي الهمع 254/ 1، وفي المغني 185/ 1، وسيبويه 553، 295/ 1، والشاهد 492 في الخزانة.
1 أ، ج.(3/1336)
والآخر: أن الجر لو كان بالإضافة لم يشترط دخول حرف الجر على كم ليكون عوضا من إظهار من.
قلت: وفي لزوم هذا للزجاج نظر؛ لأنه نقل عنه أنه يجيز الجر مطلقا كما تقدم.
ثم أشار إلى الخبرية بقوله:
واسْتَعْمِلنَهَا مُخبرًا كعَشَرَهْ ... أو مائةٍ ككَمْ رِجالٍ أو مَرَهْ
يعني: أن كم الخبرية تستعمل تارة استعمال عشرة فيكون تمييزها جمعا مجرورا نحو: "كم رجالٍ" وتارة استعمال مائة فيكون تمييزها مفردا مجرورا نحو: "كم مرةً" ومن الجمع قول الشاعر1:
كَمْ ملوكٍ باد ملكُهم
ومن الإفراد قول الراجز2:
__________
1 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من المديد.
وعجزه:
ونعيم سوقة بادوا
اللغة: "باد" هلك من باد يبيد "سوقة" السوقة -بضم السين وسكون الواو وفتح القاف- جمع سوقي، وهم أهل السوق، وقيل: هم ما دون الملك، وهو الأظهر.
الإعراب: "كم" خبرية "ملوك" -بالجر- مميزه "باد" فعل ماض "ملكهم" فاعل وهم مضاف إليه والجملة في محل رفع خبر المبتدأ وهو كم "ونعيم" -بالجر- عطف على ملوك تقديره: كم باد نعيم سوقة "بادوا" جملة في محل جر صفة لسوقة.
الشاهد: قوله: "كم ملوك" فإن تمييز كم جاء مجموعا مجرورا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 634/ 3، وذكره السيوطي في الهمع 254/ 1، وابن هشام في المغني 185/ 1.
2 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.
وتمامه:
........................... ... بناحية الحجلين منعمة القلب
اللغة: "غير آثم" غير سكران "الحجلين" موضع.
الإعراب: "وكم" الواو للعطف وكم خبرية "ليلة" -بالجر- مميزه "قد" حرف تحقيق "بتها" أي: قد بت فيها، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل جر صفة لليلة "غير" منصوب على الحال "آثم" مضاف إليه وغير حال من الضمير المرفوع الذي قد بتها "بناحية" جار ومجرور متعلق بقوله بتها "الحجلين" مضاف إليه "منعمة القلب" كلام إضافي حال أيضا.
الشاهد: قوله: "كم ليلة" حيث جاء التمييز فيه مفردا مجرورا.
مواضعه: ذكره الأشموني 643/ 3.(3/1337)
وكم ليلةٍ قد بِتُّها غير آثِم
تنبيهات:
الأول: إفراد تمييز الخبرية أكثر وأفصح من جمعها، وليس الجمع بشاذ كما زعم بعضهم، وقيل: الجمع على معنى الواحد فكم رجال على معنى كم جماعة من الرجال.
الثاني: ذهب الفراء إلى أن الجر بعد الخبرية بمن مقدرة، ونقله عن الكوفيين، والصحيح أنه بإضافة كم؛ إذ لا مانع من إضافتها.
الثالث: شرط جر تمييز الخبرية الاتصال، فإن فُصل نصب، حملا على الاستفهامية، وقد جاء مجرورا مع الفصل بظرف أو بجار ومجرور.
فالأول: كقوله1:
كم دون مَيَّة مَومَاةٍ يُهالُ لها ... إذا تيمَّمها الخريت ذُو الجلدِ
وقوله2:
__________
1 قائله: قيل: ذو الرمة، وهو من البسيط.
اللغة: "مية" اسم محبوبته "موماة" -بفتح الميم وسكون الواو- المفازة "يهال" للمجهول أي: يفزع منها "تيممها" قصدها "الخريت" -بكسر الخاء وتشديد الراء- الماهر الحاذق "ذو الجلد" -بفتح الجيم واللام- أي: ذو قوة، ويجوز أن يكون بالخاء أي ذو بال قوي.
الإعراب: "كم" خبرية "دون" منصوب على الظرفية "مية" مضاف إليه "موماة" ألجبر مميزكم "يهال" فعل مضارع مبني للمجهول "لها" أي: للموماة أي: لأجلها أو تكون اللام بمعنى من أوفى "إذا" ظرف يتضمن معنى الشرط "تيممها" جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الخريت، والمفعول وهو الضمير المنصوب الذي يرجع إلى الموماة "الخريت" نائب فاعل، وجواب إذا محذوف دل عليه صدر الكلام "ذو الجلد" صفة الخريت.
الشاهد: "كم دون مية موماة" حيث فصل بين كم ومميزه المجرور بالظرف وهو دون مية.
مواضعه: ذكره الأشموني 635/ 3.
2 قائله: هو أنس بن زنيم -من قصيدة قالها لعبيد الله بن زياد- وهو من المديد.
وعجزه:
.................... ... وكريم بخله قد وضعه =(3/1338)
كم بجودٍ مُقْرِفٍ نالَ العلا ... ........................
وفيه مذاهب:
أحدها: أنه لا يجوز إلا في الشعر، وهو مذهب جمهور البصريين، وإليه ذهب المصنف.
والثاني: أنه يجوز في الاختيار، وهو مذهب الكوفيين.
والثالث: أنه يجوز إذا كان الفصل بناقص نحو: "كم اليوم جائع أتاني" و"كم بك مأخوذ جاءني" لا إن كان بتام، وهو مذهب يونس.
فإن كان الفصل بجملة نحو1:
__________
= اللغة: "بجود" بكرم وسخاوة "مقرف" -بضم الميم وسكون القاف وكسر الراء- الرجل الذي ليس له أصالة من جهة الأب "نال العلا" أي: بلغ المنزلة العالية "كريم" أراد به الأصل من الطرفين "وضعه" من الوضيع وهو الدنيء من الناس والهاء عوض من الواو.
الإعراب: "كم" خبرية "بجود" جار ومجرور فصل به بين كم ومميزه "مقرف" مميز كم "نال العلا" جملة في محل رفع على أنها خبر لكم "وكريم" أي: وكم كريم "بخله" مبتدأ والهاء مضاف إليه "قد وضعه" جملة في محل رفع خبر المبتدأ والجملة خبر لكم المحذوفة.
الشاهد: قوله: "كم بجود مقرف" حيث فصل بين كم ومميزه بالجار والمجرور.
ومواضعه: ذكره الأشموني 635/ 3، وابن الناظم، والسيوطي في الهمع 255/ 1، والشاهد 489 في الخزانة، وسيبويه 296/ 1.
1 قائله: هو القطامي، وهو من البسيط.
وعجزه:
إذ لا أكاد من الإقتار أجتمل
اللغة: "من الإقتار" من أقتر الرجل إذا افتقر "أجتمل" من اجتملت الشحم جملا: إذا أذبته، ورُوي أحتمل -بالحاء- من الاحتمال، وما أظنه صحيحا.
المعنى: يقول: أنعموا عليَّ وأفضلوا عند عدمي حين يبلغ مني الجهد إلى ألا أقدر على الارتحال لطلب الرزق.
الإعراب: "كم" خبرية ظرف زمان، أي: كم مرة أو كم يوما "نالني" فعل ماض والنون للوقاية والياء مفعول "فضلا" مميز كم "على عدم" جار ومجرور متعلق بنالني، ويجوز في "فضلا" الرفع على أنه فاعل نالني، والجر على لغة من جر مع الفصل، والنصب هو الأظهر "إذ" بمعنى حين "لا أكاد" من أفعال المقاربة والضمير المستتر فيه اسمه أجتمل، خبره "من الإقتار" جار ومجرور متعلق بأجتمل.
الشاهد: قوله: "كم نالني منهم فضلا" حيث فصل بين كم ومميزها بجملة، وهي نالني منهم.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 636/ 3، وابن الناظم، وذكره السيوطي في الهمع 255/ 1، والشاهد 491 في الخزانة، وسيبويه 295/ 1.(3/1339)
كم نالني منهم فضلا على عدم
أو بظرف أو جار ومجرور معا نحو1:
تؤُمُّ سنانا وكم دونه ... من الأرض محدَودِبا غارُها
تعين النصب، قال المصنف: وهو مذهب سيبويه. وظاهر كلام المبرد جواز جر المفصول بجملة في الشعر، وحكي عن الكوفيين جوازه في الكلام.
وقد رُوي خفض "فضلا" من قوله: "كم نالني منهم فضل على عدم".
الرابع: ذكر سيبويه أن بعض العرب ينصب مميز الخبرية مع الاتصال حملا على الاستفهامية. وحكاه المصنف في غير هذا الكتاب عن تميم، وجزم هنا باللغة الفصحى.
الخامس: إذا نصب هنا مع الاتصال على هذه اللغة، فقال الشلوبين: لا يكون إلا مفردا، والصحيح أنه تجوز فيه "هنا"2 الإفراد والجمع على هذه اللغة كما ذكره في شرح الكافية، نص على ذلك السيرافي.
السادس: قد علم مما تقدم أن الاستفهامية والخبرية تتفقان في أحكام وتفترقان في أحكام. فلنذكر طرفا من ذلك فنقول: يتفقان في ستة أشياء:
أولها: أنهما اسمان خلافا لمن قال: إن الخبرية حرف، ودليل اسميتها واضح.
__________
1 قائله: هو زهير بن أبي سلمى، وقيل: ابنه كعب، وليس موجودا في ديوانيهما، وهو من الوافر.
اللغة: "تؤم" تقصد "سنان" وسنان هو ابن أبي حارثة المري "محدودبا" من الحدب وهو ما ارتفع من الأرض "غارها" بالغين أصلها غائرها، فحذف عين الفعل كما حذف في رجل شاك أصله شائك، وهو الأرض الغائر المطمئن.
المعنى: وصف ناقته فيقول: تؤم سنانا هذا الممدوح على بعد المسافة بينها وبينه.
الإعراب: "تؤم" فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر فيه الراجع إلى الناقة "سنانا" مفعوله "وكم" الواو للحال وكم خبرية "دونه" منصوب على الظرفية "من الأرض" جار ومجرور يتعلق بحذوف "محدودبا" مميز كم "غارها" مرفوع به.
الشاهد: قوله: "كم دونه من الأرض محدودبا" حيث فصل بين كم ومميزها بظرف وجار ومجرور معا.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 636/ 3، وابن الناظم، وسيبويه 295/ 1.
2 أ.(3/1340)
وثانيها: أنهما مبنيان، أما الاستفهامية فلتضمنها معنى حرفه، وأما الخبرية فقيل: لشبهها بها، وقيل: لمناسبة رب التي للتكثير، وقيل: حملا على رب، وإن كانت للتقليل؛ لأن الشيء يحمل على نقيضه كما يحمل على نظيره.
قلت: والتعليل بالشبه الوضعي كافٍ في بنائهما.
ورابعهما: أن مميزهما قد يحذف إذا دل عليه دليل خلافا لمن منع حذف تمييز الخبرية، وقال بعضهم: يقبح حذف مميز الخبرية إلا إن قدر منصوبا، قال في الارتشاف: وبنبغي أن يقال: إن قدر تمييز الخبرية منصوبا أو مجرورا بمن جاز حذفه، أو بالإضافة فلا يجوز.
وخامسها: أنهما يلزمان الصدر، أما الاستفهامية فواضح، وأما الخبرية فللحمل على رب، فلا يعمل فيهما ما قبلهما إلا المضاف وحرف الجر، وحكى الأخفش أن بعض العرب يقدم العامل على كم الخبرية، فتقول على هذا: "ملكت كم غلام" فقيل: هي من القلة بحيث لا يقاس عليها، والصحيح أنه يجوز القياس عليها، وأنها لغة.
وسادسها: أنهما يشتركان في وجوه الإعراب، وهذا تقييد في إعراب كم إن تقدم عليها حرف جر أو مضاف، فهي مجرورة وإلا فإن كانت كناية عن مصدر أو ظرف فهي منصوبة على المصدر أو على الظرف، وإلا فإن لم يلها فعل أو وليها فعل وهو لازم أو متعد رافع ضميرها أو سببها فهي مبتدأ، وإن وليها فعل متعد ولم يأخذ مفعوله، وإن أخذه فهي مبتدأ، إلا أن يكون ضميرا يعود عليها، ففيها الابتداء، والنصب على الاشتغال.
ويفترقان في ستة أشياء:
أولها: أن تمييز الاستفهامية أصله النصب وتمييز الخبرية أصله الجر.
وثانيها: أن تمييز الاستفهامية مفرد وتمييز الخبرية يكون مفردا وجمعا.
وثالثها: أن الفصل بين الاستفهامية ومميزها جائز في السعة، ولا يفصل بين الخبرية ومميزها إلا في الضرورة، نص المصنف على ذلك، وتقدم ما يقتضي الإطلاق.
ورابعها: أن الاستفهامية لا تدل على تكثير -خلافا لبعضهم- والخبرية للتكثير خلافا لابن طاهر وتلميذه ابن خروف.(3/1341)
وخامسها: أن الاستفهامية تحتاج إلى جواب بخلاف الخبرية، والأجود في جوابها أن يكون على حسب موضعها في الإعراب، ولو رفع مطلقا لجاز.
وسادسها: أن الاستفهامية لا يعطف عليها بلا، خلاف الخبرية، فتقول: كم رجل جاءني لا رجل ولا رجلان.
ثم انتقل إلى كأين وكذا فقال:
كَكَمْ كَأَيِّنْ وكذَا وينْتَصِبْ ... تَمييزُ ذَينِ أو به صِلْ من تُصِبْ
يعني: أن كأين وكذا مثل كم الخبرية في الدلالة على تكثير عدد مبهم الجنس والمقدار إلا أن تمييزها منصوب بخلاف تمييز كم الخبرية، فتقول: كأين رجلا رأيت، ورأيت كذا رجلا، والأكثر بعد كأين جره بمن كقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ} 1 {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ} 2 وخطئ ابن عصفور في قوله: إن من تلزم تمييز كأين.
تنبيهات:
الأول: المشبه به في قوله "ككم" هي الخبرية؛ لأن كأين وكذا لا يستفهم بهما، أما كذا فبالاتفاق، وأما كأين فذهب المصنف إلى أنها قد يستفهم بها مستدلا بقول أبي بن كعب لعب الله بن مسعود رضي الله عنهما: "كأين تقرأ سورة الأحزاب آية".
ونصوص النحويين على أنها لا تكون إلا خبرية.
فإن قلت: فأي قرينة ترشد إلى أن مراده الخبرية؟
قلت: القرينة أنها المذكورة ثانيا.
الثاني: وجه الشبه إنما هو في الدلالة على تكثير عدد مبهم لا في جميع الأحكام؛ لأن كأين لا يحفظ كون مميزها جمعا بخلاف "الدلالة على"3 كم،
__________
1 من الآية 146 من سورة آل عمران.
2 من الآية 105 من سورة يوسف.
3 أ.(3/1342)
ولأن كذا لا تلزم الصدر ولأن كأين لا تجر بحرف ولا بإضافة، وأجاز ابن قتيبة1 وابن عصفور جرها بالحرف.
الثالث: فهم من تشبيه كأين وكذا بكم الخبرية أنهما للتكثير، وقد صرح المصنف بذلك في غير هذا الموضع، ونوزع في "كذا" فإن الذي يظهر أنها لم توضع للتكثير.
الرابع: قد فهم من قوله: "وينتصب" أن تمييزها لا يجوز جره بإضافتهما إليه بخلاف كم.
فإن قلت: كان حقهما أن يضافا كما تضاف كم؛ لكونهما بمعناها.
قلت: منع من ذلك أن المحكي لا يضاف، وأن في آخر كأين تنوينا وفي آخر كذا اسم الإشارة، وهما مانعان من الإضافة.
الخامس: خطأ الفارسي والزجاج وابن أبي الربيع وابن عصفور من جر التمييز بعد كذا في نحو: "كذا درهم"، وأجازه بعضهم على الإضافة وبعضهم على البدل، والصحيح أنه لا يجوز ولم يسمع.
قال ابن العلج: "وأما الرفع"2 بعد كذا فخطأ؛ لأنه لم يسمع.
السادس: ظاهر قوله: "أو به صل من تصب" جواز جر تمييز كذا بمن، وكلامه في غير هذا الموضع يقتضي وجوب نصبه.
السابع: ظاهر قوله: "وكذا" أنها تستعمل كناية عن العدد وهي مفردة، قال بعضهم: ولا يحفظ فيها إذا كانت كناية عن العدد إلا كونها مكررة بالعطف كقوله3:
__________
1 هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري النحوي اللغوي الكاتب، كان رأسا في العربية واللغة والأخبار وأيام الناس، وقد سكن بغداد وحدث بها، وروى عنه كثير من العلماء منهم ابن درستويه، وله مؤلفات كثيرة؛ منها: إعراب القرآن، وجامع النحو، وعيون الأخبار. وتوفي سنة 286هـ على الأصح.
2 ب وفي أ، ج "وما نحو تجويزهم الرفع".
3 قائله: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل.
اللغة: "نُعمى" -بضم النون- النعمة "بؤساك" -بضم الباء- الشدة "الْجَهد" بالفتح: الطاقة، وبالضم: المشقة. =(3/1343)
عِدِ النفس نُعمى بعد بُؤساك ذَاكِرَا ... كذا وكذا لُطفا به نُسي الْجَهد
وقال في التسهيل: وقلَّ ورود "كذا" مفردا أو مكررا بلا واو، وذلك يدل على ورود الأمرين، ولم يذكر لهما شاهدا، ونازع ابن خروف في إفرادها وزعم أنه غير مستعمل.
الثامن: مذهب البصريين أن تمييز كذا لا يكون إلا مفردا ومنصوبا سواء كانت مفردة أو مكررة كما تقدم، وذهب الكوفيون إلى أنها تعامل معاملة ما يكنى بها "عنه"1 فكذا أعبد كناية عن ثلاثة إلى عشرة، وكذا عبد "من"2 مائة فصاعدا، وكذا وكذا عبدا من أحد عشر إلى تسعة عشر، وكذا عبدا من عشرين إلى تسعين، وكذا وكذا عبدا من واحد وعشرين إلى تسعة وتسعين، ووافقهم على ذلك المبرد وابن الدهان وابن معط، ونقله صاحب البسيط عن الأخفش، قال في شرح التسهيل: ومستند هذا التفصيل الرأي لا الرواية، وذهب ابن عصفور إلى مذهب ثالث وهو موافقتهم في المركب والعقد والمعطوف ومخالفتهم في المضاف وهو الثلاثة إلى العشرة، فيفسر بجمع معروف بالألف واللام مجرور بمن، وزعم أنه مذهب البصريين بناء على ما نقله ابن السيد من أن البصريين والكوفيين اتفقوا على أن كذا وكذا كناية عن الأعداد المعطوفة، وأن كذا كذا كناية عن الأعداد المركبة، وليس كما نقل.
__________
= الإعراب: "عد" أمر من وعد يعد والفاعل ضمير مستتر فيه "النفس" مفعول به "نعمى" مفعول ثان بنزع الخافض تقديره بنعمى "بعد" ظرف "بؤساك" كلام إضافي مجرور بالإضافة "ذاكرا" حال من الضمير الذي في عد "كذا" مفعول ذاكرا "وكذا" عطف عليه "لطفا" منصوب على التمييز "به" جار ومجرور متعلق بنُسي "نسي" فعل بني للمجهول "الجهد" نائب فاعل والضمير في به يرجع إلى لطفا، وحملة نسي الجهد في محل نصب على أنها صفة لطفا.
الشاهد: قوله: "كذا وكذا" حيث استعمل مكررا بالعطف لكونه كناية عن العدد.
مواضعه: ذكره الأشموني 638/ 3، وذكره السيوطي في الهمع 256/ 1، وفي المغني 188/ 1.
1 أ، ج وفي ب "فيه".
2 أ، ج وفي ب "عن".(3/1344)
التاسع: كأين مركبة من كاف التشبيه وأي، قيل: الاستفهامية، وحكيت فصارت كيزيد مسمى به يحكى ويحكم على موضعه بالإعراب، وقال ابن عصفور: الكاف فيها زائدة لا تتعلق بشيء، وأجاز ابن خروف أن تكون مركبة من الكاف التي هي اسم ومن أي اسم على وزن فيعل، ولم يستعمل هذا الاسم مفردا بل مركبا مع الكاف، وهو مبني على السكون من حيث استعمل في معنى كم، وقال بعض المغاربة: ويحتمل أن تكون بسيطة.
العاشر: في كأين خمس لغات أفصحها كأين وبها قرأ أكثر القراء، وثانيها كائن وبها قرأ ابن كثير، وثالثها كأن وحكاها المبرد، ورابعها كأين وبها قرأ ابن محيصن والأشهب العقيلي، والخامسة كيئن.
الحادي عشر: اختلف في الوقف على كأين في اللغة المشهورة، فذهب الفارسي والسيرافي وجماعة من البصريين إلى أنه تخذف النون، وذهب ابن كيسان وابن خروف إلى أنه بإقرار النون.
والوجهان منقولان عن أبي عمرو والكسائي.
قلت: وقف أكثر القراء بالنون إتباعا للرسم، ووقف أبو عمرو بالياء، واختلف أيضا في الوقف على كائن وهي التي قرأ بها ابن كثير، فوقف المبرد وابن كيسان بالنون، ووقف جماعة بحذفها، وقد أغرب من جعلها اسم فاعل من كان، ومن علها من كاء يكيء كيئا إذا رجع وارتدع.
الثاني عشر: كذا مركبة من كاف التشبيه وذا الإشارية، وتكون كناية عن العدد كما تقدم، وعن غيره. وإذا كانت كناية عن غير عدد فتكون مفردة ومعطوفة، ويكنى بها عن المعرفة والنكرة.(3/1345)
الحكاية:
هذا باب للحكاية بأي، وبمن في الاستثبات، لا مطلق الحكاية.
احْكِ بأيٍّ ما لمنكور سُئِلْ ... عنه بها في الوَقْفِ وحين تَصِلْ
إذا سئل بأي حكي بها ما للمسئول عنه بشرطين:
أحدهما: أن يكون السؤال عن مذكور، الثاني: أن يكون نكرة.
وفي الحكاية بها بهذين الشرطين لغتان:
الأولى: أن يحكى بها ما للمسئول عنه من إعراب وتذكير وإفراد وفروعهما، فتقول لمن قال: قام رجل أي أو رجلان أيان أو رجلا أيون أو امرأة أية أو امرأتان أيتان أو نساء أيات، ولا يحكى بها إلا جمع تصحيح موجود في المسئول عنه أو صالح لأن يوصف به نحو رجال، فإنه يوصف بجمع التصحيح فتقول: "رجال مسلمون"، وهذه اللغة هي الفصحى وبها جزم هنا.
والثانية: أن يحكى بها ما له من إعراب وتذكير وتأنيث فقط ولا يثنى ولا يجمع. فتقول: أي لمن قال: قام رجل أو رجلان أو رجال وأية لمن قال: قامت امرأة أو امرأتان أو نساء. وقوله: "في الوقف أو حين تصل" يعني: أن أيا يحكي بها في الحالين بخلاف من.
تنبيه:
اختلف في الحركات اللاحقة لأي، فقيل: هي حركات حكاية وأي بمنزلة من في موضع رفع بالابتداء أو الخبر، ولا يبعد أن تكون مفعولة محلا، وقيل: هي حركات إعراب فهي في الرفع على قياس قول البصريين مبتدأ وخبرها محذوف تقديره: أي قام، وإنما لم يقدم لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، وأجاز الكوفيون رفعها بفعل مضمر قبلها، ولو أظهر لجاز.
وأما في النصب والجر فهي محمولة على فعل مقدر بعدها تقديره: أيا ضربت وبأي مررت، ويجب ذكره مؤخرا، وأجاز بعضهم أن يؤتى به قبل أي(3/1346)
واعترض من قال: إنها إعراب؛ لأنه يلزمه إضمار حرف الجر في نحو أي، والتزم بعضهم إدخال حرف الجر فيقول: بأي.
ثم انتقل إلى من فقال:
ووقْفًا احْكِ ما لمنكور بِمَنْ ... والنونَ حرِّكْ مطلقا وأشبِعَنْ
إذا سئل بمن عن منكور حكي بها في الوقف دون الوصل ما للمسئول عنه من إعراب وإفراد وتذكير وفروعهما، وتشبع الحركة في نونها حال الإفراد فتقول لمن قال: قام رجل مَنُو، ولمن قال: رأيت رجلا منا، ولمنقال: مررت برجل مني.
تنبيهات:
الأول: الحكاية بمن مشروطة بالشرطين المذكورين في الحكاية بأي. أعني: كون المسئول عنه مذكورا منكورا.
الثاني: فهم من كلامه أن "أيا" تخالف من في أمرين؛ أحدهما: أن "أيا" يحكى بها وصلا ووقفا ولا يحكى بمن إلا وقفا. والآخر: أن "أيا" لا تشبع حركاتها في الوقف بخلاف من.
الثالث: اختلف في هذه الأحرف اللاحقة لمن فقال أبو علي: ألحقت إرادة الحكاية وحركت النون إتباعا لها، وذهب السيرافي إلى أن الحكاية وقعت بالحركات ثم أشبعت فنشأت عنها الحروف؛ ليوقف عليها، وبهذا يشعر قول الناظم: "وأشبعن"، وذهب قوم إلى أن هذه الأحرف مبدلة من التنوين.
ثم اعلم أن المحكي ستة أقسام؛ لأنه إما مذكر وإما مؤنث وكل منهما إما مفرد وإما مثنى وإما جمع، وقد تقدم حكاية المفرد المذكر.
ثم انتقل إلى المثنى المذكر فقال:
وقُلْ مَنَانِ ومنَيْنِ بعدَ لِي ... إِلْفانِ بابنيْنِ وسكن تَعْدِلِ
أي: تقول: منان في الرفع ومنين في النصب والجر والنون فيهما ساكنة، وإنما كسرها لإقامة الوزن اضطرارا، ونبه على ما يلزم في غير الضرورة بقوله: "وسكن تعدل". ثم انتقل إلى المفرد المؤنث فقال:(3/1347)
وقُلْ لمن قال أتَتْ بِنتٌ مَنَهْ
أي: تقول في حكاية المؤنث منه -بفتح النون وقلب التاء هاء- وقد يقال: "منت" -بإسكان النون وسلامة التاء- ثم انتقل إلى المثنى المؤنث فقال:
والنونُ قبل تا المثنى مُسْكَنَهْ
أي تقول: في حكاية المثنى المؤنث منتان -بإسكان النون التي قبل التاء والنون التي بعد الألف.
وفي الجر والنصب منتين -بإسكان النونين- وبعضهم يحرك النون قبل التاء فيقول: منتان ومنتين، وإليه أشار بقوله: "والفتح نزر".
فإن قلت: لِمَ كان الفتح في المفرد أشهر والإسكان في التثنية أشهر؟
قلت: لأن التاء في مَنَه متطرفة فهي ساكنة للوقف فحرك ما قبلها لئلا يلتقي ساكنان ولا كذلك منتان، ثم انتقل إلى جمع المؤنث فقال:
..... وصِلِ التا والألفْ ... بمَنْ بإثْرِ ذا بنسوةٍ كلفْ
أي: تقول في حكاية جمع المؤنث منات -بإسكان التاء- ثم كمل الأقسام بجمع المذكر فقال:
وقُلْ منونَ ومنينَ مُسْكِنَا ... إِنْ قيل جَا قَومٌ لقومٍ فُطَنَا
أي: تقول في حكاية جمع المذكر منون رفعا ومنين نصبا وجرا، والنون ساكنة للوقف كما سبق.
تنبيه:
في الحكاية بمن لغتان:
إحداهما: وهي الفصحى، أن يحكى بها للمسئول عنه من إعراب وإفراد وتذكير وفروعهما على ما تقدم من التفصيل، ولم يذكر المصنف غيرها.
والآخر: أن يحكى بها إعراب المسئول عنه فقط، فتقول لمن قال: قام رجل أو رجلان أو رجال أو امرأة أو امرأتان أو نساء: منو، وفي النصب: منا، وفي الجر: مني، وقوله: "وإن تصل فلفظ من لا يختلف" تصريح بمفهوم قوله: "وقفا(3/1348)
احك" فتقول: "من يا فتى؟ " في الأحوال كلها، وأجاز يونس إثبات الزوائد وصلا، فتقول: "منو يا فتى" وتشير إلى الحركة في "منت" ولا تنون وتكسر نون المثنى وتفتح نون الجمع، وتنون مناتٍ -ضما وكسرا- وهو مذهب حكاه يونس عن بعض العرب، وحمل عليه قول الشاعر1:
أَتَوْا نارِي فقلت: مَنونُ أنتم؟ ... فقالوا: الجن قُلت عِمُوا ظلاما
وهذا شاذ عند سيبويه والجمهور من وجهين:
أحدهما: إثبات العلامة وصلا، والآخر: أنه حكي مقدرا غير مذكور.
وإلى البيت أشار بقوله:
ونادرٌ مَنُونَ في نَظْمٍ عُرِفْ
وهو لتأبط شرا، ويقال: لشمر الغساني، ورواه بعضهم: فقلت عموا صباحا، وغلط الزجاج من رواه كذلك؛ لأن القصيدة ميمية، وقال ابن السيد: ليس ما أنكره بخطأ، فإنه وقع في شعر آخر منسوبا إلى خديج بن سنان الغساني في قصيدة حائية، ثم ذكر حكاية العلم فقال:
__________
1 قائله: هو جذع بن سنان الغساني، وقيل: لشمر بن الحارث الضبي، وقيل: لتأبط شرا، وهو من الوافر.
اللغة: "أتوا" حضروا وجاءوا "ناري" المراد: النار التي توقد لإرشاد السائرين "منون أنتم" أي: من أنتم؟ "عموا ظلاما" تحية من تحايا العرب الجاهليين.
المعنى: هذا البيت من أوهام العرب وأكاذيبهم في الجن، يقول الشاعر: حضر الجن إليَّ فقلت عند ذلك تحية لهم: نعم ظلامكم.
الإعراب: "أتوا" فعل وفاعل "ناري" مفعول وياء المتكلم مضاف إليه، فقلت: الفاء للترتيب الذكري "قلت" فعل وفاعل "منون" اسم استفهام مبتدأ "أنتم" خبره، والجملة في محل نصب مقول القول "فقالوا" فعل وفاعل "الجن" خبر مبتدأ محذوف؛ أي: فقالوا نحن الجن، والجملة في محل نصب مقول القول "قلت" فعل وفاعل "عموا" فعل وفاعل، والجملة في محل نصب مقول القول "ظلاما" يجوز أن يكون تمييزا محولا عن الفاعل، والأصل لينعم ظلامكم، ويجوز أن يكون منصوبا على الظرفية؛ أي: في ظلامكم.
الشاهد: قوله: "منون" حيث لحقته الواو والنون في الوصل، وذلك شاذ.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 642/ 3، وابن هشام 52/ 4، وابن عقيل 397/ 2، وابن الناظم، والسيوطي ص124، والمكودي ص58، وسيبويه 402/ 1.(3/1349)
والعَلَمَ احكينَّهُ من بَعْدِ مَنْ ... إن عَرِيَتْ من عَاطِفٍ بها اقْتَرَنْ
إذا سئل بمن علم مذكور لم يتيقن نفي الاشتراك فيه، ففيه لغتان:
إحداهما: أن يحكى فيه بعد من إعراب الأول، فتقول: لمن قال قام زيد: مَن زيد؟ ورأيت زيدا: من زيدا؟ ومررت بزيد: من زيدٍ؟ وهذه لغة الحجازيين.
وأما غيرهم فلا يحكون، بل يجيئون بالعلم المسئول عنه بعد من مرفوعا؛ لأنه مبتدأ خبره من، أو خبر مبتدؤه من، فإن اقترنت بعاطف كقولك: "ومن زيد؟ " تعين الرفع عند جميع العرب.
تنبيهات:
الأول: أجاز يونس حكاية سائر المعارف قياسا على العلم.
الثاني: جزم المصنف في التسهيل عن الحجازيين بالحكاية بشرطها، وحكى غيره عنهم جواز الإعراب أيضا.
الثالث: فهم من قوله: "احكينه" أي: حركاته حركات حكاية، وأن إعرابه مقدر كما صرح به في غير هذا الموضع، ومذهب الجمهور أن من مبتدأ وزيدا خبره كانت حركته ضمة أو فتحة أو كسرة، وحركة إعرابه مقدرة؛ لاشتغال آخره بحركة الحكاية.
وقيل: الحركة في حال الرفع إعراب بخلاف النصب والجر، وذهب كثير من الكوفيين إلى أنها محمولة على عامل مقدر يدل عليه العامل في الاسم المستفهم عنه والواقع بعد من مبدل منه، وقيل غير ذلك، والصحيح الأول. والله أعلم.(3/1350)
الجزء الخامس:
التأنيث:
علامة التأنيث تاء أو ألف ... ........................
التذكير هو الأصل فلم يفتقر إلى علامة بخلاف التأنيث. وللتأنيث كما ذكر علامتان: التاء والألف، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وذهب الكوفيون والزجاج إلى أن علامات التأنيث ثلاث: التاء والألف والهمزة في حمراء ونحوه، وذهب بعضهم إلى أن الهمزة والألف قبلها معا علامتا التأنيث، ومذهب الجمهور أن الهمزة في حمراء ونحوه بدل من ألف التأنيث؛ وذلك أنهم لما أرادوا تأنيث ما آخره ألف بألف التأنيث لم يمكنهم الجمع بين ألفين فأبدلت المتطرفة همزة.
تنبيه:
إنما قال "تاء" ولم يقل هاء؛ لأن مذهب البصريين أن التاء هي الأصل والهاء المبدلة في الوقف فرعها، وعكس الكوفيون:
.......................... ... وفي أسامٍ قدروا التاكالكتف
يعني: أن المؤنث بالتاء نوعان: نوع ظهرت فيه التاء ونوع قدرت فيه، فالأول ثلاثة أقسام: مؤنث المعنى نحو عائشة لا يذكر إلا ضرورة، ومذكر نحو حمزة، فهذا لا يؤنث إلا ضرورة، كقوله1:
أبُوكَ خليفةٌ وَلَدَتْه أخرى ... .......................
وما ليس معناه مذكرا حقيقة ولا مؤنثا حقيقة نحو خشبة، فهذا يؤنث نظرا إلى لفظه: خشبة واحدة.
تنبيه:
هذا التقسيم إنما هو فيما يمتاز مذكره من مؤنثه، فإن لم يميز نحو: "نملة"
__________
1 نشده الفراء -وهو من الوافر- وتمامه:
........................ ... وأنت خليفة ذاك الكمال
الإعراب: أبوك مبتدأ والكاف مضاف إليه، خليفة خبره، ولدته فعل ومفعول، أخرى فاعل، وأنت مبتدأ، خليفة خبره، ذاك مبتدأ، الكمال خبره.
الشاهد: قوله: "خليفة" حيث أنثه.(3/1353)
أنت مطلقا؛ ولهذا وهم من استدل على تأنيث نملة سليمان عليه أفضل الصلاة والسلام بقوله تعالى: {قَالَتْ نَمْلَةٌ} 1.
وأما الثاني: وهو ما تاؤه مقدرة نحو: كتف ويد وعين، ومأخذه السماع.
فإن قلت: ما الدليل على أن فيه تاء مقدرة؟
قلت: لرجوعها في التصغير نحو: كتيفة ويدية وعيينة، ثم أشار إلى ما يعرف به التقدير بقوله:
ويُعْرَفُ التقديرُ بالضَّميرِ ... ونَحْوِهِ كالردِّ في التَّصْغِيرِ
فالضمير نحو: "الكتف نهشتها" والرد في التصغير نحو: "كتيفة" ونحو ذلك كتأنيث خبره أو نعته أو حاله أو عدده أو الإشارة إليه أو جمعه على مثال يخص المؤنث نحو: هندات، أو يغلب فيه نحو: عقاب وأعقب.
ثم اعلم أن التاء تأتي لفوائد كثيرة لا حاجة هنا إلى ذكرها، فإن الناظم لم يتعرض هنا لتنبيه عليها، والغرض الأصلي من زيادتها الفرق بين المذكر والمؤنث، ويكثر ذلك في الصفات نحو: ضارب وضاربة، ويقل في الأسماء نحو: رجل ورجلة، وقد اتسع في صفات فلم تلحقها تاء الفرق وهي خمسة:
الأول: فعول بمعنى فاعل نحو: صبور وشكور، وإليه أشار بقوله:
ولا تَلِي فارقةً فَعُولا ... أَصْلا ولا المِفْعَال والمِفْعِيلا
كَذاكَ مِفْعَلٌ............ ... .......................
أي: بمعنى فاعل؛ لأن بنية الفاعل أصل، وقال الشارح: لأنه أكثر من فعول بمعنى مفعول فهو أصل له. انتهى. واحترز بذلك عن فعول بمعنى مفعول؛ لأنه قد تلحقه التاء نحو: أكولة بمعنى مأكولة، وركوبة بمعنى مركوبة، وحلوبة بمعنى محلوبة، وربما حذفوها فقالوا: ركوب وحلوب.
والثاني: مفعال نحو: مكسال ومهذار ومذكار2.
__________
1 من الآية 18 من سورة النمل.
2 مهذار: الكثير الهذر، والهذر: الكلام الذي لا يعبأ به. ومذكار: بمعنى ذكر، وإن لم يستعمل.(3/1354)
والثالث: مِفْعِيل نحو: معطير ومنطيق1.
والرابع: مِفْعَل نحو: مِغْشَم2.
تنبيهان:
الأول: فهم من قوله: "ولا تلي فارقة" أنها قد تلي غير فارقة كقولهم: "ملولة وفروقة" فإن التاء فيهما للمبالغة؛ ولذلك تدخل في المؤنث والمذكر.
الثاني: أشار بقوله:
.................. وما تليهِ ... تَا الفَرْقِ من ذي فشُذُوذٌ فِيهِ
إلى أن تاء الفرق قد تلحق بعض هذه الأوزان شذوذا كقولهم: "عدو وعدوة وميقان وميقانة ومسكين ومسكينة"3، وحكي عن بعض العرب: "امرأة مسكين" على القياس.
والخامس: فعيل بمعنى مفعول نحو: "قتيل وجريح" فتقول: رأيت رجلا قتيلا وامرأة قتيلا، وإلى تقييده بمعنى مفعول أشار بقوله: "كقتيل". واحترز من فعيل بمعنى فاعل نحو: شريف وظريف، فإنه تلحقه التاء، وقد يشبه بالذي بمعنى مفعول فلا تلحقه كقوله: {وَهِيَ رَمِيمٌ} 4.
وقوله:
............... إِنْ تَبِعْ ... مَوْصُوفَه غالبا التَّا تَمْتَنِعْ
شرط في تجريد فعيل من التاء الفارقة، واحترز بذلك من أن يحذف موصوفه فتلحقه التاء نحو: "رأيت قتيلا وقتيلة" فرارا من اللبس، قال في التسهيل: ما لم يحذف موصوف فعيل فتلحقه.
تنبيه:
ذكر أبو حاتم أنه إذا جيء بما يبين أنه مؤنث لم تلحقه التاء لأمن اللبس نحو: "رأيت قتيلا من النساء" قيل: وعلى هذا فإطلاق المصنف ليس بجيد.
__________
1 معطير: كثير التعطر.
2 المغشم: بغين وشين، وهو الذي لا ينتهي عما يريده ويهواه لشجاعته.
3 ميقان: من اليقين، وهو عدم التردد، يقال: رجل ميقان أي: لا يسمع شيئا إلا أيقنه.
4 من الآية 78 من سورة يس.(3/1355)