الجر، والأكثر فيه أن يكون منصوبًا، وإنما كان جرا لمجرد قليلا بخلاف المقرون بـ"أل"؛ لأنه أشبه الحال لما فيه من البيان وكونه نكرة، وشاهد الكثير قوله تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف: 56] .
"و" النصب والجر "يستويان في المضاف"، فالنصب "نحو: {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} [البقرة: 265] فـ"ابتغاء": مفعول له، هو مضاف منصوب "و" الجر "نحو: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: 74] أي: لأجل خشية الله، فـ"خشية" مفعول له، وهو مضاف مجرور. "قيل ومثله" في جر المفعول له المضاف " {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} " [قريش: 1] فـ"إيلاف" مفعول له مضاف مجرور باللام وهي متعلقة بـ"يعبدوا" "أي: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} [قريش: 3] لإيلافهم الرحلتين" رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام، ودخلت "الفاء" لما في الكلام من معنى الشرط، إذ المعنى: أن نعم الله عليهم لا تحصى، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لأجل إيلافهم رحلة الشتاء والصيف اللتين كانوا محترمين فيهما؛ لأنهم خدمة بيت الله، بخلاف غيرهم فإنهم يخاف عليهم من القطاع والمنتهبين.
"والحرف" الجار "في هذه الآية واجب عند من اشترط" في نصب المفعول له "اتحاد الزمان" وهو الأعلم والمتأخرون؛ لأن زمن الإيلاف1 سابق على زمن الأمر بالعبادة؛ ولأن زمن العبادة مستقبل، وزمن الإيلاف ثابت في الحال. وقال الكسائي والأخفش2: "اللام" في "لإيلاف" متعلقة بـ"اعجبوا" مقدرًا، وقال الزجاج3: متعلقة بقوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 5] فتكون السورتان سورة واحدة، ويرجحه أنهما في مصحف أبي سورة واحدة، ويضعفه أن جعلهم كعصف إنما كان لكفرهم أو جرأتهم على البيت، والله أعلم بكتابه.
واختلف في ناصب المفعول له، فقال جمهور البصريين: منصوب بالفعل على تقدير لام العلة، وخالفهم الزجاج والكوفيون فزعموا أنه مفعول مطلق، ثم اختلفوا فقال الزجاج: ناصبه فعل مقدر من لفظه، والتقدير: جئتك أكرمك إكراما، وقال الكوفيون: ناصبه الفعل المقدم عليه؛ لأنه ملاق له في المعنى، وإن خالفه في الاشتقاق، مثل "قعدت جلوسًا"4.
__________
1 في "أ"، "ب": "لائتلاف".
2 البحر المحيط 8/ 514.
3 معاني القرآن وإعرابه 5/ 365.
4 انظر رأي البصريين والكوفيين في الارتشاف 2/ 221، وهمع الهوامع 1/ 194, 195.(1/514)
باب المفعول فيه
مدخل
...
باب المفعول فيه:
"هذا باب المفعول فيه": "وهو المسمى" عند البصريين "ظرفًا" دون الكوفيين؛ لأن الظرف في اللغة الوعاء، وهو متناهي الأقطار، كالجراب والعدل، والذي يسمونه ظرفًا من المكان ليس كذلك، وسماه الفراء محلا، والكسائي وأصحابه يسمون الظروف صفات، ولا مشاحة في الاصطلاح.
"الظرف ما ضمن معنى "في"" الظرفية "باطراد، من اسم وقت، أو" من "اسم مكان، أو" من "اسم عرضت دلالته على أحدهما، أو" من اسم "جار مجراه"، أي: مجرى أحدهما.
"فالمكان والزمان كـ"امكث هنا أزمنا""، فـ"هنا" اسم إشارة من أسماء المكان، و"أزمنا" جمع "زمن" من أسماء الزمان.
"و" الاسم "الذي عرضت دلالته على أحدهما" أي: الزمان أو المكان "أربعة":
أحدها: "أسماء العدد المميزة بهما" أي: بالزمان والمكان "كـ: سرت عشرين يوما ثلاثين فرسخا"، فـ"عشرين": مفعول فيه منصوب نصب ظرف الزمان؛ لأنه لما ميز بـ"يوما" وهو من أسماء الزمان؛ عرضت له اسمية الزمان، و"ثلاثين": مفعول فيه منصوب نصب ظرف المكان؛ لأنه لما ميز بـ"فرسخا" وهو من أسماء المكان؛ عرضت له اسمية المكان.
"و" الثاني: "ما أفيد به كلية أحدهما" أي: الزمان والمكان "أو جزئيته كـ: سرت جميع اليوم جميع الفرسخ، أو: كل اليوم كل الفرسخ"، فـ"جميع" و"كل" مفعول فيهما منصوبان نصب ظرف الزمان وظرف المكان؛ لأنهما لما أضيفا إلى(1/515)
الزمان والمكان عرضت لهما اسمية الزمان والمكان، وصارا دالين على كليتهما؛ لأنهما من الألفاظ الدالة على العموم والإحاطة. "أو: بعض اليوم بعض الفرسخ، أو: نصف اليوم نصب الفرسخ"، فـ"بعض" و"نصف" مفعول فيهما منصوبان نصب ظرف الزمان وظرف المكان؛ لأنهما لما أضيفا إلى الزمان والمكان عرضت لهما اسمية الزمان والمكان، فصار دالين على جزئيتي الزمان والمكان؛ لأنهما من الألفاظ الدالة على الجزئية إلا أن "بعض" يدل على جزء مبهم, و"نصف" يدل على جزء معين من جهة المقدار.
"و" الثالث: "ما كان صفة لأحدهما" أي: الزمان والمكان "كـ: جلست طويلًا من الدهر شرقي الدار"، فـ"طويلًا" و"شرقي" مفعول فيهما منصوبان نصب ظرف الزمان والمكان؛ لأنهما لما وصف بهما الزمان والمكان عرضت لهما اسمية الزمان والمكان.
فـ"طويلا": صفة للزمان، و"من الدهر": بيان له، و"شرقي": صفة للمكان، وذكر "الدار" معين له، والأصل: زمنا طويلًا، ومكانا شرقيا.
"و" الرابع: "ما كان مخفوضا بإضافة أحدهما" أي: الزمان والمكان "ثم" حذف المضاف, "وأنيب عنه" المضاف إليه "بعد حذفه" أي: المضاف, "والغالب في هذا" المضاف إليه "النائب" عن المضاف المحذوف "أن يكون مصدرًا و" الغالب "في" المضاف المحذوف "المنوب عنه أن يكون زمانًا، ولا بد من كونه معينا لوقت أو لمقدار"، فالمعين للوقت نحو: "جئتك صلاة العصر" أو "قدوم الحاج" فـ"صلاة" و"قدوم": مفعول فيهما منصوبان نصب ظرف الزمان؛ لأنهما لما نابا عن الزمان عرضت لهما اسمية الزمان فانتصبا انتصابه. والأصل: وقت صلاة العصر، ووقت قدوم الحاج، فحذف المضاف؛ وهو وقت؛ المعين لوقت "المجيء" وأنيبت عنه المصدر وهو "صلاة" و"قدوم"، "و" المعين للمقدار نحو: "انتظرتك حلب ناقة، أو: نحر جزور" فـ"حلب" و"نحر" مفعول فيهما، والأصل: مقدار حلب ناقة، ومقدار نحر جزور، ففعل فيهما ما تقدم.
"وقد يكون النائب" عن الزمان "اسم عين، نحو" قولهم في المثل: "لا أكلمه القارظين1" بالتثنية، "والأصل: مدة غيبة القارظين" فحذف "مدة" وأنيب عنها "غيبة" ثم "غيبة" وأنيب عنها "القارظين" وهو تثنية "قارظ" بالقاف والظاء المشالة: وهو الذي يجني القرظ؛ بفتح القاف والراء؛ وهو يدفع به.
__________
1 المثل في مجمع الأمثال 1/ 211، والمستقصى 2/ 58، وكتاب الأمثال لمجهول ص55.(1/516)
قال الجوهري1: "لا آتيك أو يئوب القارظ العنزي، وهما قارظان كلاهما من عنزة، خرجا في طلب القرظ فلم يرجعا" وطالت غيبتهما.
"وقد يكون المنوب عنه مكانًا نحو: جلست قرب زيد، أي: مكان قربه"، فحذف المضاف وهو "مكان" وأنيب عنه المصدر وهو "قرب"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
310-
وقد ينوب عن مكان مصدر ... وذاك في ظرف الزمان يكثر
وإنما كان ذلك كثيرًا في ظروف الزمان، وقليلًا في ظروف المكان، لقرب ظروف الزمان من المصدر، وبعد ظروف المكان منه، ألا ترى أن الزمان يشارك المصدر في دلالة الفعل عليهما؛ لأن الفعل يدل على المصدر بحروفه، وعلى الزمان بصيغته، بخلاف ظرف المكان، فإن دلالة الفعل عليه بالالتزام الخارجي، إذ كل فعل لا بد له من مكان يقع فيه، فلم يقو في ذلك قوة ظرف الزمان، ولم يبلغ رتبته، فكانت إقامة المصدر مقام الزمان كثيرة، ومقام المكان قليلة.
"والجاري مجرى أحدهما" أي: الزمان والمكان "ألفاظ مسموعة، توسعوا فيها، فنصبوها على تضمين معنى "في" كقولهم: "أحقا أنك ذاهب"، فـ"أحقا" منصوبة على الظرفية المتعلقة بالاستقرار على أنها خبر مقدم، و"أنك ذاهب" في تأويل مصدر مرفوع بالابتداء عند سيبويه2 والجمهور على حد: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ} [فصلت: 39] "والأصل: أفي حق" ذهابك فحذفت "في" وانتصب "حقا" على الظرفية، "وقد نطقوا بذلك" الحرف الجار في قوله: [من الوافر]
406-
أفي حق مواساتي أخاكم ... ...............................
و"قال" فائد؛ بالفاء؛ ابن المنذر القشيري: [من الطويل]
407-
"أفي الحق أني مغرم بك هائم" ... وأنك لا خل هواك ولا خمر
__________
1 الصحاح "قرظ".
2 الكتاب 3/ 134, 135.
406- عجز البيت:
"بما لي ثم يظلمني السريس"
وتقدم تخريجه برقم 237.
407- البيت لفائد بن المنذر في المقاصد النحوية 3/ 81 والحماسة البصرية 2/ 208، ولعابد بن المنذر في شرح شواهد المغني 1/ 172، ولمجنون ليلى في ديوانه ص127، ولأبي الطمحان القيني في محاضرات الأدباء 3/ 52، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 232، وتخليص الشواهد ص177، والتمثيل والمحاضرة ص281، وخزانة الأدب 1/ 401، 10/ 274، والحماسة المغربية ص962، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1267، ومغني اللبيب 1/ 55.(1/517)
فصرح بـ"في" وشبه هوى من هو مغرم بها؛ في كونه غير ثابت ولا مستقر على حاله؛ بماء العنب المتردد بين الخلية والخمرية، فلا هو خل صرف حتى يستعمل خلا، ولا هو خمر صرف حتى يستعمل خمرًا، فمن كان حال هواه بهذه المثابة، كيف يكون غرام من أغرم بها حقا؟
ولما كان قول الموضح: "والجاري مجرى أحدهما" شاملًا للزمان والمكان خصصه بقوله: "وهي جارية مجرى ظرف الزمان دون ظرف المكان، ولهذا يقع خبرًا عن المصادر" كما تقدم في "أحقا أنك ذاهب" "دون الجثث" فلا يقال: "أحقا زيد".
وذهب المبرد وتبعه ابن مالك1 إلى أن "حقا" مصدر بدل من اللفظ بفعله، وأن ما بعدها من أن ومعمولها في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية على حد: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} [العنكبوت: 51] ورده أبو حيان2. ومثله؛ أي: مثل "أحقا أنك ذاهب"؛ في الانتصاب على الظرفية المجازية" غير شك" أنك قائم، أو "جهد رأيي" أنك قائم، أو "ظنا مني أنك قائم"، فـ"غير شك" و"جهد رأيي"، و"ظنا مني" منصوبات على الظرفية الزمانية توسعا على إسقاط، "في"، والأصل: في غير شك، وفي جهد رأيي، وفي ظن مني، على وزان "أحقا"3.
"وخرج عن الحد" المذكور في النظم بقوله:
303-
الظرف وقت أو مكان ضمنا ... في باطراد...........................
وتبعه الموضح "ثلاثة أمور:
أحدها: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127] إذا قدر بـ"في"", فإنه يصدق عليه أنه اسم ضمن معنى "في", إذ التقدير: وترغبون في نكاحهن، وهو ليس بظرف، "فإن النكاح ليس بواحد مما ذكرنا"؛ لأنه ليس باسم زمان ولا مكان، أما إذا قدر بـ"عن" فليس مما نحن فيه.
"و" الأمر "الثاني: نحو: {يَخَافُوْنَ يَوْمًا} [النور: 37] من أسماء الزمان، "ونحو: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} " [الأنعام: 124] من أسماء المكان، فإن "يومًا" و"حيث" وإن كانا من أسماء الزمان والمكان فليسا ظرفين, "فإنهما ليس على معنى: في"
__________
1 شرح التسهيل 2/ 23, 24.
2 الارتشاف 2/ 226.
3 الارتشاف 2/ 225, 226.(1/518)
إذ ليس المراد أن الخوف واقع في ذلك اليوم، والعلم واقع في ذلك المكان، وإنما المراد أنهم يخافون نفس اليوم، وأن الله تعالى يعلم نفس المكان المستحق لوضع الرسالة، "فانتصابهما على المفعول به"؛ لأن الفعل واقع عليهما لا فيهما، وناصب لفظ "يوما": "يخافون"، "وناصب" محل "حيث" فعل مضارع منتزع من لفظ "أعلم" تقديره "يعلم" حال كونه "محذوفًا" لدلالة "أعلم" عليه لا "أعلم" المذكور الذي هو اسم تفضيل؛ "لأن اسم التفضيل لا ينصب المفعول به إجماعًا"، هذا وقد قال الموضح في الحواشي ومن خطه نقلت: قال محمد بن مسعود بن الزكي في كتاب البديع: غلط من قال إن اسم التفضيل لا يعمل في المفعول به، لورود السماع بذلك، كقوله تعالى: {هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} [الإسراء: 84] وليس تمييزًا؛ لأنه ليس فاعلًا في المعنى كما هو في "زيد أحسن وجها" وقول العباس بن مرداس: [من الطويل]
408-
..................... ... وأضرب منا بالسيوف القوانسا
ا. هـ. وفي الارتشاف لأبي حيان1: وقال محمد بن مسعود الغزني: أفعل التفضيل ينصب المفعول به قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 117] . ا. هـ. وفي جعل "حيث" مفعولًا بها نظر؛ لأن هذا ضرب من التصرف.
وفي التسهيل2: إن تصرف "حيث" نادر. وشرحه المرادي بقوله: لم تجئ حيث فاعلا، ولا مفعولا بها، ولا مبتدأ، ا. هـ.
ولهذا قال الدماميني 3: ولو قيل: إن المراد: يعلم الفضل الذي هو في محل الرسالة لم يبعد، وفيه إبقاء "حيث" على ما عهد لها من ظرفيتها والمعنى: أن الله تعالى لن يؤتيكم مثل ما أوتي رسله من الآيات؛ لأنه يعلم ما فيهم من الذكاء، والطهارة، والفضل، والصلاحية للإرسال، ولستم كذلك. ا. هـ.
__________
408- صدر البيت:
"أكر وأحمى للحقيقة منهم"
، وهو للعباس بن مرداس في ديوانه ص93، والأصمعيات ص205، وحماسة البحتري ص48، وخزانة الأدب 8/ 319، 321، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص441، 1700، ولسان العرب 6/ 184، "قنس"، ونوادر أبي زيد ص59، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 344، 4/ 79، وخزانة الأدب 7/ 10، وشرح الأشموني 1/ 291، ومغني اللبيب 2/ 618.
1 الارتشاف 3/ 225.
2 التسهيل ص96.
3 انظر قول الدماميني في حاشية الصبان 2/ 126.(1/519)
"و" الأمر "الثالث: نحو: دخلت الدار، و: سكنت البيت، فانتصابهما" أي: "الدار"، و"البيت" "إنما هو على التوسع بإسقاط الخافض" وهو في الأصل: دخلت في الدار، وسكنت في البيت، فلما حذف الخافض نصبا على المفعول به توسعًا، كما حذف1 الجار ونصب2 ما بعده كقوله: [من الوافر]
409-
تمرون الديار........ ... ............................
"لا" انتصابهما "على الظرفية، فإنه لا يطرد تعدي" سائر "الأفعال إلى: الدار، و: البيت، على معنى: في، لا تقول: صليت الدار، ولا: نمت البيت" لأن "الدار" و"البيت" من أسماء المكان3 المختصة4؛ لأن لها صورة وحدود محصورة، ولا يقبل النصب على الظرفية من أسماء المكان إلا المبهم، أو ما اتحدت مادته، ومادة عامله كما سيجيء.
__________
1 في "ب", "ط": "يحذف".
2 في "ب", "ط": ينتصب".
409- تمام البيت:
"تمرون الديار ولم تعوجوا ... كلامكم علي إذا حرام"
3 في "ب": "الظروف"، بدل "أسماء المكان".
4 انظر الكتاب 1/ 159، وشرح التسهيل 2/ 200.(1/520)
"فصل":
والظرف الزماني والمكاني "حكمه النصب، وناصبه اللفظ الدال على المعنى الواقع فيه"، سواء أكان اللفظ الدال فعلًا أم اسم فعل أم وصفًا أم مصدرًا، وهذا أشمل من قول الناظم:
304-
فانصبه بالواقع فيه........ ... ................................
"ولهذا اللفظ ثلاث حالات:
إحداها: أن يكون مذكورًا" وإليه أشار الناظم بقوله:
304-
....................... ... ............."كامكث هنا أزمنا"
305-
............. مظهرًا ... .........................
"وهذا هو الأصل"؛ لأن الأصل في العامل أن يكون مذكورًا.
"و" الحالة "الثانية: أن يكون محذوفًا، جوازًا" لدليل مقالي، "وذلك كقولك: "فرسخين، أو يوم الجمعة" بنصب "فرسخين" من ظروف المكان و"يوم الجمعة" من ظروف الزمان, "جوابًا لمن قال: كم سرت؟ أو متى صمت؟ " أي: سرت فرسخين، وصمت يوم الجمعة، والفرق بين "كم" و"متى" في الاستفهام أن "كم" يطلب بها تعيين المعدود مطلقًا زمان أو مكانا أو نحوهما، و"متى" يطلب بها تعيين الزمان خاصة.
"و" الحالة "الثالثة: أن يكون محذوفًا وجوبًا، وذلك في ست مسائل: وهي أن يقع صفة كـ: مررت بطائر فوق غصن" فـ"فوق" صفة لـ"طائر". "أو صلة كـ: رأيت الذي عندك" فـ"عندك" صلة "الذي". أو حالًا كـ: رأيت الهلال بين السحاب" فـ"بين" حال من "الهلال". "أو خبرًا كـ: زيد عندك" فـ"عندك" خبر "زيد" والناصب في الجميع محذوف وجوبًا تقديره: "استقر" أو "مستقر" إلا في الصلة فيتعين "استقر"، وهذه الأمثلة الأربعة ظروف مكان.(1/521)
ويستثنى من الظروف ما قطع عن الإضافة، ويبنى على الضم، فإنه لا يقع صفة، ولا صلة، ولا حالًا، ولا خبرًا، لا يقال: "مررت برجل أمام"، ولا "جاء الذي أمام"، ولا "رأيت الهلال أمام"، ولا "زيد أمام"؛ لئلا يجتمع عليها ثلاثة أشياء القطع والبناء ووقوعها موقع شيء آخر.
ومثل للزمان بمثالين، أحدهما قياسي، والآخر سماعي، فقال: "أو مشتغلًا عنه" العامل بنصبه لمحل ضميره، "كـ: يوم الخميس صمت فيه" فـ"يوم الخميس" منصوب بفعل محذوف وجوبًا يفسره "صمت" المذكور، والتقدير: صمت يوم الخميس فيه، ولم يقل: "صمته"؛ لأن ضمير الظرف لا ينصب على الظرفية، بل يجب جره بـ"في" كما مثل.
"أو مسموعًا بالحذف لا غير كقولهم" في المثل لمن ذكر أمرًا قد تقادم عهده: "حينئذ، الآن"1، فـ"حين" منصوبة لفظًا بفعل محذوف، وأضيفت إلى "إذ" إضافة بيان، أو إضافة أعم إلى أخص، و"الآن" منصوب محلا، وفتحته فتحة بناء؛ لأنه مبني لتضمنه معنى "أل"، و"أل" الموجودة فيه زائدة؛ لأنه علم على الزمان الحاضر كما تقدم, وناصبه فعل محذوف، "أي: كان ذلك حينئذ، واسمع الآن"، فهما جملتان، وأصلهما أن يقول المتكلم لمن يقول: كذا وكذا: "حينئذ الآن"، أي: كان ما تقول واقعًا حين إذ كان كذا، واسمع الآن ما أقول لك، فـ"حينئذ" مقتطع من جملة، و"الآن" مقتطع من جملة أخرى2.
وكان ينبغي للموضح أن يقول: ليس غير؛ لأنه يرى أن قولهم: "لا غير" لحنا، كما صرح به في المغني3، وبالغ في إنكاره في شرح شذوره4، والحق جوازه لورود السماع به، كما أوضحته في باب الإضافة.
ويستثنى من حذف الناصب ما لا يعمل محذوفًا كالمصدر واسم الفعل، وما جرى مجراهما، وشمل مسألتي الحذف قول الناظم:
304-
......................... ... ................ وإلا فانوه مقدرًا
فإن ذلك يعم الجائز والواجب.
__________
1 المثل في شرح ابن الناظم ص201، والكتاب 1/ 224، 274، 2/ 129، وشرح المفصل 2/ 47.
2 انظر شرح ابن الناظم ص201، وشرح المفصل 2/ 47، وشرح المرادي 2/ 91.
3 مغني اللبيب ص209.
4 شرح شذور الذهب ص103.(1/522)
"فصل":
"أسماء الزمان كلها صالحة للانتصاب على الظرفية، سواء في ذلك مبهمها كـ: حين، و: مدة. ومختصها كـ: يوم الخميس، ومعدودها كـ: يومين، أو: أسبوع"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
305-
وكل وقت قابل ذاك....... ... ...................................
والمراد بالمختص ما يقع جوابًا لـ"متى" كـ: "يوم الخميس" كما مثل.
وبالمعدود ما يقع جوابًا لـ"كم" كـ: "يومين" و"أسبوع" كما مثل. والمبهم ما لا يقع جوابًا لشيء منهما كـ: "حين" و"مدة" كما مثل. تقول: "صمت مدة"، أو "يوم الخميس" أو "يومين". وبقي عليه ظرف الزمان المشتق نحو: "قعدت مقعد زيد"، تريد الزمان كما تفعل ذلك إذا أردت المكان، إذ لا فرق بينهما في صحة تقدير "في"، ونصبه على الظرفية1 قاله الشاطبي.
"والصالح لذلك" النصب على الظرفية "من أسماء المكان نوعان:
أحدهما: المبهم: وهو ما افتقر إلى غيره في بيان صورة مسماه، كأسماء الجهات" الست، فإنها مفتقرة في بيان صورة مسماها إلى غيرها، وهو ذكر المضاف إليها، وهذه العبارة أخذها من الشارح2، والإضافة فيها بيانية؛ أي: صورة في مسماه؛ والمراد ما افتقر إلى غيره في بيان حقيقته. وينحل إلى قولنا: "ما لا تعرف حقيقته بنفسه بل بما يضاف إليه" كـ: "مكان" فإنه لا تعرف حقيقته إلا بذكر المضاف إليه.
قال أبو البقاء في شرح لمع ابن جني: الإبهام يحصل في المكان من وجهين:
أحدهما: ألا يلزم مسماه، ألا ترى أن خلفك قدام لغيرك، وقد تتحول عن تلك الجهة، فيصير ما كان خلفك جهة أخرى لك؛ لأن الجهات تختلف باختلاف الكائن في المكان، فهي جهات له، وليس لكل واحدة منها3 حقيقة منفردة بنفسها.
__________
1 انظر حاشية الصبان 2/ 128.
2 أي: في شرح ابن الناظم ص201.
3 في "أ": "منهما".(1/523)
والوجه الثاني: أن هذه الجهات لا أمد لها معلوم، فـ"خلفك" اسم لما وراء ظهرك إلى آخر الدنيا. ا. هـ.
والجهات الست "نحو: أمام، ووراء، ويمين، وشمال، وفوق، وتحت"، تقول: "جلست أمامك، ووراءك، ويمينك، وشمالك، وفوقك، وتحتك"، وسميت الجهات الست باعتبار الكائن في المكان فإنه له ست جهات. "وشبهها في الشياع كـ: ناحية وجانب، ومكان"، تقول: "جلست ناحية عمرو، وجانب زيد، ومكان بكر".
واعترض "جانب" بأنه مما يتعين التصريح معه بـ"في". "وكأسماء المقادير كـ: ميل، وفرسخ، وبريد"، تقول "سرت ميلًا، وفرسخًا، وبريدًا"1.
النوع "الثاني: ما" اشتق من اسم الحدث الذي اشتق منه العامل, "واتحدت مادته ومادة عامله، كـ: ذهبت مذهب زيد، و: رميت مرمى عمرو"، لا فرق في ذلك بين الصحيح والمعتل، ولا بين المفرد؛ كما مثل؛ والجمع "نحو قوله تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} " [الجن: 9] فـ"مذهب" و"مرمى" و"مقاعد" منصوبة على الظرفية، ومادتها ومادة عاملها متحدة، فإن عامل "مذهب" ذهب، "وعامل "مرمى" رمى، وعامل "مقاعد" نقعد، وقس على ذلك فعل الأمر نحو: "قم مقام زيد"، والوصف نحو: "أنا قائم مقامك"، والمصدر نحو: "عجبت من قيام زيد مقامك"2.
وإلى هذين النوعين أشار الناظم بقوله:
305-
........... وما ... يقبله المكان إلا مبهما
وأشار إلى مثاله بقوله:
306-
نحو الجهات والمقادير وما ... صيغ من الفعل............
وأشار إلى شرطه بقوله:
307-
وشرط كون ذا مقيسا أن يقع ... ظرفا لما في أصله معه اجتمع
فلو اختلفت مادته ومادة عامله نحو: "رميت مذهب زيد" و"ذهبت مرمى عمرو" لم يجز في القياس أن يجعل ظرفًا بل يجب التصريح معه بـ"في" "وأما قولهم: هو مني مقعد القابلة، و: مزجر الكلب، و: مناط الثريا فشاذ" نصبه لمخالفة مادته مادة2 عامله، "إذ التقدير: هو مني مستقر في مقعد القابلة"، وفي مزجر
__________
1 انظر شرح ابن الناظم ص201، وشرح ابن عقيل 1/ 583.
2 في "ب"، "ط": "لمادة".(1/524)
الكلب، وفي مناط الثريا، "فعامله الاستقرار" المتعلق به "مني" الواقع خبرًا عن "هو" ومادة الاستقرار مخالفة لمادة "مقعد، ومزجر، ومناط"، والمعنى: هو مني في القرب مقعد القابلة من النفساء، وفي البعد مناط الثريا من الدبران، وفي التوسط مزجر الكلب من الزاجر، فـ"من" الأولى متعلقة بالاستقرار كما مر، و"من" الثانية الداخلة على النفساء والدبران والزاجر متعلقة باسم المكان نفسه؛ لأنه مشتق، "ولو أعمل في المقعد "قعد" وفي المزجر "زجر" وفي المناط "ناط" لم يكن شاذا"، لاتحاد المادة، ويصير المعنى هو مستقر مني قعد مقعد القابلة، وزجر مزجر الكلب، وناط مناط الثريا1.
وإنما استأثرت أسماء الزمان بصلاحية المبهم منها والمختص للظرفية عن أسماء المكان؛ لأن أصل العوامل الفعل ودلالته على الزمان أقوى من دلالته على المكان؛ لأنه يدل على الزمان تضمنا، وعلى المكان التزامًا.
__________
1 انظر شرح ابن الناظم ص202، وشرح ابن عقيل 1/ 583.(1/525)
"فصل":
"الظرف" الزماني والمكاني "نوعان:
متصرف وهو ما يفارق الظرفية إلى حالة لا تشبهها، كأن يستعمل مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلًا، أو مفعولًا" به، "أو مضافًا إليه، كـ: اليوم" فإنه يستعمل مبتدأ وخبرًا، "تقول: اليوم يوم مبارك" برفعهما1، وفاعلا تقول: "أعجبني اليوم، و" مفعولًا، به تقول: "أحببت يوم قدومك"، ومضافًا إليه تقول: "سرت نصف اليوم1" وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
308-
وما يرى ظرفًا وغير ظرف ... فذاك ذو تصرف في العرف
"وغير متصرف وهو نوعان:
ما لا يفارق الظرفية أصلًا كـ: قط" في استغراق الماضي، "و: عوض" في استغراق المستقبل لا يستعملان إلا بعد نفي. "تقول: ما فعلته قط، و: لا أفعله عوض"، والمعنى ما فعلته في الزمن الماضي، ولا أفعله في الزمن المستقبل، و"قط" مشتقة من قططت الشيء أي: قطعته، فمعنى "ما فعلته قط" ما فعلته فيما انقضى من عمري؛ لأن الماضي ينقطع عن الحال والاستقبال، وهي مبنية، وعلة بنائها تضمنها معنى حرفي ابتداء الغاية وانتهائها، إذ المعنى: ما فعلته مذ خلقني الله تعالى إلى الآن، وبنيت على حركة فرارًا من التقاء الساكنين، وكانت ضمة في بعض لغاتها حملًا على "قبل، وبعد".
و"عوض" مشتقة من العوض، وسمي الزمان "عوض" لأن الدهر كلما مضى منه جزء خلفه آخر، فكان عوضًا منه، ويبنى على الحركات الثالث إذا لم يكن مضافًا.
والنوع الثاني "ما لا يخرج عنها" أي: الظرفية "إلا بعد دخول الجار عليه"، وهو "من" خاصة، قال في درة الغواص2: واختصت "من" بذلك لكونها أم الباب ولكن باب أم تمتاز بخاصة دون أخواتها "نحو: قبل، و: بعد" من أسماء الزمان،
__________
1 سقط ما بين الرقمين من "ب".
2 درة الغواص ص14.(1/526)
"و: لدن، و: عند" من أسماء المكان " فيحكم عليهن بعدم التصرف مع أن "من" تدخل عليهن" نحو: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] ، {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65] "إذ لم يخرجن عن الظرفية إلا إلى حالة شبيهة بها" أي: الظرفية "لأن الظرف والجار والمجرور أخوان" في التوسع فيهما، والتعلق بالاستقرار إذا وقعا صفة، أو صلة، أو خبرًا، أو حالًا، فإن جر شيء من الظروف بغير "من" كان متصرفًا نحو: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} [المعارج: 37] والفرق أن "من" لكونها أم الباب كثرت زيادتها فلم يعتد بها. قال ابن مالك1: إن "من" الداخلة على "قبل، وبعد" وأخواتها زائدة. وإلى هذين النوعين أشار الناظم بقوله:
309-
وغير ذي التصرف الذي لزم ... ظرفية أو شبهها من الكلم
__________
1 شرح التسهيل 2/ 202.(1/527)
المفعول معه
مدخل
...
باب المفعول معه:
"هذا باب المفعول معه":
"وهو اسم فضلة، تال لواو بمعنى مع، تالية لجملة ذات فعل، أو" ذات "اسم فيه معنى الفعل وحروفه" بالرفع، فذات الفعل "كـ: سرت والنيل" وذات الاسم الذي فيه معنى الفعل "و" حروفه نحو: "أنا سائر والنيل" فيصدق على "النيل" في المثالين أنه اسم لدخول "أل" عليه وأنه فضلة؛ لأنه منصوب، وأنه تال لـ"واو" بمعنى "مع"، والواو تالية لجملة ذات فعل، وهو "سرت" في المثال الأول، وذات اسم فيه معنى الفعل وحروفه وهو "سائر" في المثال الثاني, فإن معنى الفعل، وهو "أسير"، وفيه حروفه، وهي السين والياء والراء. وسمي "النيل" مفعولًا معه؛ لأنه فعل معه فعل، وهو "السير" الصادر من الفاعل.
"فخرج باللفظ الأول" وهو قوله: "اسم" "نحو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن" بنصب "تشرب" كما قيده الموضح بذلك في شرح اللمحة، "ونحو: سرت والشمس طالعة"، برفعهما "فإن الواو" وإن كانت بمعنى "مع" فيهما كما صرح به في شرح القطر1 إلا أنها "داخلة في" المثال "الأول" في اللفظ "على فعل"، وهو "تشرب" "و" داخلة "في" المثال "الثاني على جملة"، وهي "الشمس طالعة"، فليسا مفعولًا معه بناء على المؤول من أن والفعل لا يسمى مفعولًا معه. خلافًا لبعضهم وعلى أن جملة "الشمس طالعة" ليست مفعولًا معه خلافًا لصدر الأفاضل تلميذ الزمخشري، وكما نقله عنه في المغني2.
__________
1 شرح قطر الندى ص231.
2 مغني اللبيب ص606.(1/528)
"و" خرج "بـ" اللفظ "الثاني" وهو قوله: "فضلة" "نحو: اشترك زيد وعمرو"، فإنه عمدة.
"و" خرج "بـ" اللفظ. "الثالث" وهو في قوله: "تال لواو"، "نحو: جئت مع زيد" فإنه تال لنفس "مع" لا للواو التي بمعناها.
"و" خرج "بـ" اللفظ "الرابع" وهو قوله: "بمعنى: مع" "نحو: جاء زيد وعمرو قبله أو بعده" فإن التقييد بالقبلية أو البعدية ينافي المعية, ولو قال بدل جاء "رأيت" حتى يكون "عمرًا" منصوبًا كان أولى؛ لأن الرفع يخرج بقوله فضلة، ويمكن أن يقال خرج بقيدين.
"و" خرج "بـ"اللفظ "الخامس" وهو قوله: "تالية لجملة" "نحو: كل رجل وضيعته" بالرفع؛ عطفًا على "كل" "فلا يجوز فيه النصب" على المفعول معه، لعدم تقدم الجملة، "خلافًا للصيمري" بفتح الميم وضمها؛ فإنه يجيز نصب المفعول معه عن تمام الاسم كالتمييز1.
"و" خرج "بـ" اللفظ "السادس" وهو قوله: "ذات فعل أو اسم فيه معنى الفعل وحروفه" "نحو: هذا لك وأباك" بالموحدة "فلا يتكلم به".
قال سيبويه2: وأما "هذا لك وأباك" فقبيح؛ لأنك لم تذكر فعلًا ولا اسما فيه معنى فعل.
قال ابن مالك3: أرادج بالقبيح الممتنع، وقد كثر في كلامه التعبير بالقبيح عن عدم الجواز، وعلم من هذا أن اسم الإشارة، وحرف الجر المتضمن معنى الاستقرار4، لا يعملان في المفعول معه، "خلافًا لأبي علي" الفارسي5 فإنه أجاز في قوله: [من البسيط]
410-
................... ... هذا ردائي مطويا وسربالا
إعمال الإشارة وأجاز بعضهم إعمال الظرف وحرف الجر، انتهى كلام ابن مالك.
__________
1 انظر الارتشاف 2/ 285، 287، وشرح التسهيل 2/ 260، وشرح قطر الندى ص232.
2 الكتاب 1/ 310.
3 شرح التسهيل 2/ 262, 263.
4 في "ط": "الإقرار".
5 انظر شرح الكافية الشافية 2/ 689، والارتشاف 2/ 285، وشرح ابن الناظم ص205.
410- صدر البيت:
"لا تحسبنك أثوابي فقد جمعت"
، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 76، والدرر 1/ 481، وشرح ابن الناظم ص239، وشرح الأشموني 1/ 224، والمقاصد النحوية 3/ 86.(1/529)
ولم يستوف جميع الشروط في النظم اعتمادًا على المثال فقال:
311-
ينصب تالي الواو مفعولا معه ... في نحو سيري والطريق مسرعة
"فإن قلت: فقد قالوا: ما أن وزيدًا؟ و: كيف أنت وزيدًا؟ " بنصب "زيدا" فيهما ولم يتقدم فعل ولا اسم فيه معنى الفعل وحروفه. "قلت: أكثرهم يرفع بالعطف على" "أنت" ولا إشكال فيه، "والذين نصبوا قدروا الضمير" وهو "أنت" "فاعلان بمحذوف لا مبتدأ"، واسم الاستفهام قبله خبره ويتعين ذلك في الثاني دون الأول "والأصل: ما تكون؟ وكيف تصنع؟ " ففي "تكون" و"تصنع" ضمير مستتر وجوبًا مرفوع على الفاعلية "فلما حذف الفعل وحده" وهو "تكون" و"تصنع" "برز ضميره وانفصل" لتعذر اتصاله.
وقدره سيبويه1 من لفظ الكون في المثالين وقدره بالمضارع مع "كيف" وبالماضي مع "ما"، فقال الأصل: كيف تكون وزيدًا؟ وما كنت وزيدًا؟.
واختلف في تقديره ذلك هل هو مقصود له أم غير مقصود؟.
فزعم السيرافي أنه غير مقصود ولو عكس لجاز2.
وزعم ابن ولاد أنه لا يجوز إلا ما قدره سيبويه3 قال: وذلك أن "ما" دخلها معنى التحقير والإنكار، وليست سؤالا عن مسألة مجهولة، ولو كانت لمجرد الاستفهام لجاز فيها الماضي والمضارع، واختلف في "كان" المقدرة، فنص الفارسي وغيره4 على أنها التامة، وعلى هذا فتكون "كيف" في موضع نصب على الحال، وأما "ما" فلا تكون حالًا. وزعم بعضهم أنها مخرجة عن أصلها للسؤال عن الحال.
والصحيح "أن "كان" ناقصة، "وكيف" و"ما" في محل نصب خبرها، والتقدير: على أي حال تكون، أو كنت مع زيد؟ وهو مذهب ابن خروف. وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:
313-
وبعد ما استفهام أو كيف نصب ... بفعل كون مضمر بعض العرب
"والناصب للمفعول معه ما سبقه من فعل أو شبهه"، وبه قال جمهور البصريين5
__________
1 الكتاب 1/ 303.
2 الارتشاف 2/ 289.
3 الارتشاف 2/ 289، وهمع الهوامع 1/ 221.
3 انظر المصدرين السابقين.
5 انظر الإنصاف 1/ 1248، المسألة رقم30.(1/530)
وطائفة من الكوفيين، ثم اختلفوا فقال سيبويه1 والفارسي2 وجماعة 3: إنه كالمفعول به في المعنى، فمعنى "سرت والنيل": سرت بالنيل. وزعم الأخفش، وجماعة من الكوفيين أنه نصب على الظرفية، والواو مهيئة للظرفية، ونظروه بمسألة النصب بعد "إلا" فانتصب الاسم بعد الواو، كما انتصب بعد "إلا"4. "لا" النصاب له "الواو، خلافًا للجرجاني" عبد القاهر5، ورد بأن الواو لو كانت عاملة لاتصل بها إذا كان ضميرًا، كما في سائر الحروف الناصبة6. وإلى هذين المذهبين أشار الناظم بقوله:
312-
بما من الفعل وشبهه سبق ... ذا النصب لا بالواو في القول الأحق
"ولا" الناصب له "الخلاف" أي: المخالفة "خلافًا للكوفيين7" أي: أكثرهم، كما صرح به الموضح في شرح اللمحة، فإنهم ذهبوا إلى أن الناصب للمفعول معه معنوي، وهو مخالفة ما بعد الواو لما قبلها، كما ذهبوا إليه في نصب الظرف إذا وقع خبرًا عن المبتدأ، نحو "زيد عندك"؛ لأن ما بعد الواو لم يصلح أن يجري على ما قبله كـ"قام زيد وعمرو"، فمخالفته له في المعنى انتصب على الخلاف، ورد بأن الخلاف لو كان يقتضي النصب لجاز "ما قام زيد بل عمرًا" بنصب "عمرو"، وذلك لا يجوز "ولا" الناصب له فعل "محذوف" بعد الواو، "والتقدير" في "سرت والنيل" "سرت ولابست النيل، فيكون حينئذ مفعولًا به خلافًا للزجاج8" ورده السيرافي بما يطول ذكره، وإنما قدر فعل الملابسة؛ لأنها أعم الأفعال، إذ لا يتحقق بدونها9، ويؤخذ من قوله: والناصب للمفعول معه ما سبقه من فعل، أو شبهه، أن المفعول معه لا يتقدم على عامله، لا يقال: "والنيل سرت"10، ولا يتوسط نحو: "سار والنيل زيد"؛ لأن الواو عندهم
__________
1 الكتاب 1/ 297.
2 الإيضاح العضدي 1/ 193.
3 منهم ابن السراج، انظر كتابه الأصول 1/ 209.
4 انظر الارتشاف 2/ 286، وشرح المفصل 2/ 49.
5 انظر شرح ابن الناظم ص206، والتسهيل ص99.
6 انظر المصدرين السابقين.
7 انظر شرح المفصل 2/ 49، والارتشاف 2/ 286، وهمع الهوامع 2/ 220.
8 نظر شرح التسهيل 2/ 249، والارتشاف 2/ 286، وهمع الهوامع 1/ 220.
9 انظر الإنصاف 1/ 248، المسألة رقم 30.
10 انظر الأصول 1/ 211، وشرح التسهيل 2/ 252.(1/531)
أصلها أن تكون عاطفة، فكما لا يجوز تقديم المعطوف، ولا توسطه بين العامل والمعطوف عليه فكذلك هذا، والأولى متفق عليها، والثانية طرقها خلاف أبي الفتح، ذهب في الخصائص1 إلى جواز التوسط مستدلا بنحو قوله: [من الطويل]
411-
جمعت وفحشا غيبة ونميمة ... خصالا ثلاثا لست عنها بمرعوي
وهذا مخرج على أن "فحشا" معطوف على "غيبة" وقدم عليه للضرورة، كقوله: [من الوافر]
412-
ألا يا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السلام
والأصل: عليك السلام، ورحمة الله.
__________
1 الخصائص 2/ 383، وشرح ابن الناظم ص205.
411- البيت ليزيد بن الحكم في خزانة الأدب 3/ 130، 134، والدرر 1/ 482، وشرح شواهد المغني 2/ 697، وشرح عمدة الحافظ ص637، والمقاصد النحوية 2/ 86، 262 وبلا نسبة في خزانة الأدب 9/ 141، والخصائص 2/ 383، وشرح ابن الناظم ص205، وشرح الأشموني 1/ 224، وهمع الهوامع 1/ 220.
412- البيت للأحوص في ديوانه ص190 "الهامش"، وخزانة الأدب 2/ 192، 3/ 131، والدرر 1/ 375، وشرح شواهد المغني 2/ 777، ولسان العرب 8/ 191، "شيع"، ومجالس ثعلب ص239، والمقاصد النحوية 1/ 527، وبلا نسبة في الخصائص 2/ 386، والدرر 2/ 412، 464، وشرح ديون الحماسة للمرزوقي ص805، ومغني اللبيب 2/ 356، 659، وهمع الهوامع 1/ 173، 230، 2/ 130، 140.(1/532)
"فصل":
"للاسم" الواقع "بعد الواو خمس حالات:"
إحداها: "وجوب العطف كما في" نحو: "كل رجل وضيعته، ونحو: اشترك زيد وعمرو، ونحو: جاء زيد وعمرو قبله أو بعده، لما بينا" من عدم تقدم جملة في الأول، ومن عدم الفضلية في الثاني؛ لأن الفعل لا يستغنى عنه؛ لأن الاشتراك لا يتأتى إلا بين اثنين، ومن عدم المصاحبة في الثالث.
"و" ثانيها: "رجحانه" أي: العطف؛ على المفعول معه "كـ: جاء زيد وعمرو"، فيترجح العطف؛ "لأنه الأصل وقد أمكن بلا ضعف"، وإليه أشار الناظم بقوله:
314-
والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق ... ..................................
ويجوز النصب على المفعول معه.
"و" ثالثها: "وجوب المفعول معه، وذلك في نحو: ما لك وزيدًا, و: مات زيد وطلوع الشمس، لامتناع العطف في" المثال "الأول"، وهو "ما لك وزيدًا" "من جهة الصناعة"؛ لأنه لا يجوز العطف على الضمير المجرور، وهو الكاف في "لك" إلا بعد إعادة الجار، نحو: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [غافر: 80] وأجاز الكسائي فيه الجر1. قال الموضح في الحواشي: وبه أقول، لا على العطف بل على إضمار الجار لتقدم ذكره. ا. هـ. وفيه نظر؛ لأن الجار في الأمر العام المطرد إذا حذف زال عمله. فإن قلت:
كما ينبغي أن يمتنع "ما لك2 وزيدًا"، كما امتنع "هذا لك وأباك" على الصحيح لعدم تقدم
فعل، أو اسم فيه معنى الفعل وحروفه، قلت: لما اشتمل "ما لك وزيدًا" على ما يشتد طلبه للفعل، وهو "ما" الاستفهامية الإنكارية، وقدروا عاملًا بعدها، لشدة طلبها للفعل، والتقدير: ما كان لك وزيدًا، وهو أحد الوجهين في التسهيل3، وإلى هذا
__________
1 انظر الارتشاف 2/ 288.
2 في "ط": "كان"، مكان "لك".
3 التسهيل ص99.(1/533)
أشار الناظم بقوله:
315-
والنصب إن لم يجز العطف يجب ... .....................................
"و" لامتناع العطف "في" المثال "الثاني" وهو: مات زيد وطلوع الشمس، "من جهة المعنى"؛ لأن العطف يقتضي التشريك في المعنى وطلوع الشمس لا يقوم به الموت.
"و" رابعها: "رجحانه" أي: المفعول معه "وذلك في نحو قوله:" [من الوافر]
413-
"فكونوا أنتم وبني أبيكم" ... مكان الكليتين من الطحال
و"الكليتان" بضم الكاف: لحمتان حمراوان لازقتان بعظم القلب عند الخاصرتين، عليهما لحم محيط بهما كالغلاف لهما، و"الطحال" بكسر الطاء1، "ونحو: قمت زيدا، لضعف العطف في الأول"، وهو: فكونوا أنتم وبني أبيكم، "من جهة المعنى"؛ لأنك إذا قلت: "كن أنت وزيد كالأخ" وعطفت "زيدًا" على الضمير في "كن" لزم أن يكون "زيد" مأمورًا، وأنت لا تريد أن تأمره، وإنما تريد أن تأمر مخاطبك بأن يكون معه كالأخ، قاله الموضح في شرح القطر2، وهو معنى قول ابن مالك3: لأن المراد: كونوا لبني أبيكم، فالمخاطبون هم المأمورون بذلك، وإذا عطفت كان التقدير: كونوا لهم وليكونوا لكم، وذلك خلاف المقصود. ا. هـ.
وقال أبو البقاء: كان ينبغي أن النصب يجب، إذ ليس المعنى أنه أمر بني أبيهم بشيء, بل أمرهم بموافقة بني أبيهم، ويدل على ذلك أنه أكد الضمير بقوله: "أنتم"، ولو كان المانع من الرفع كون المعطوف عليه مضمرًا لجاز هنا. ا. هـ. وبقوله أقول.
"و" لضعف العطف "في الثاني" وهو: قمت وزيدًا، "من جهة الصناعة"؛ لأنه لا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل إلا بعد توكيده بضمير منفصل أو بأي
__________
413- البيت لشعبة بن قمير في نوادر أبي زيد ص141، وللأقرع بن معاذ في سمط اللآلي ص914، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 243، والدرر 1/ 480، وسر صناعة الإعراب 1/ 126، 2/ 640، وشرح أبيات سيبويه 1/ 429، وشرح الأشموني 1/ 225، وشرح التسهيل 2/ 260، وشرح قطر الندى ص233، وشرح المفصل 2/ 48، والكتاب 1/ 198، واللمع ص143، ومجالس ثعلب ص125، والمقاصد النحوية 3/ 102، وهمع الهوامع 1/ 220.
1 بعده في "ط": "الذي عليه مركز القلب، وهو الصلب".
2 شرح قطر الندى ص232, 233.
3 شرح التسهيل 2/ 260.(1/534)
فاصل كان، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
314-
........................ ... والنصب مختار لدى ضعف النسق
"و" خامسها: "امتناعهما" أي: العطف والمفعول معه "كقوله": [من الرجز]
414-
"علفتها تبنا وماء باردًا" ... حتى شتت همالة عيناها
"وقوله:" [من الوافر]
415-
إذا ما الغانيات برزن يومًا ... "وزججن الحواجب والعيونا"
"أما امتناع العطف" فيهما "فلانتفاء المشاركعة"؛ لأن الماء لا يشارك التبن في العلف، والعيون لا تشارك الحواجب في التزجيج؛ لأن تزجيج الحواجب تدقيقها وتطويلها، يقال: رجل أزج، وامرأة زجاء، إذا كان حاجباهما دقيقين طويلين.
"وأما امتناع المفعول معه" فيهما "فلانتفاء المعية في "البيت الأول؛ لأن الماء لا يصاحب التبن في العلف، "وانتفاء فائدة الإعلام بها" أي: بمصاحبة العيون للحواجب "في" البيت "الثاني"، إذ من المعلوم أن العيون مصاحبة للحواجب، فلا فائدة في الإعلام بذلك.
ويجب في ذلك إضمار فعل ناصب للاسم الواقع بعد الواو، وهو "ماء" في البيت الأول، و"العيون" في البيت الثاني "على أنه مفعول به"، والفعل المحذوف معطوف على الفعل المذكور، "أي" علفتها تبنا، و"سقيتها ماء"، وزججن الحواجب
__________
414- الرجز بلا نسبة في لسان العرب 2/ 287، "زجج"، 3/ 367، "قلد" 9/ 255 "علف"، والأشباه والنظائر 2/ 108، 7/ 233، وأمالي المرتضى 2/ 259، والإنصاف 2/ 612، وأوضح المسالك 2/ 245، والخصائص 2/ 431، والدرر 2/ 413، وشرح الأشموني 1/ 226، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1147، وشرح شذور الذهب ص240، وشرح شواهد المغني 1/ 58، 2/ 929، وشرح ابن عقيل 1/ 308، ومغني اللبيب 2/ 632، والمقاصد النحوية 3/ 101، وهمع الهوامع 2/ 130، وتاج العروس 24/ 182 "علف".
415- البيت للراعي النميري في ديوانه ص269، والدرر 1/ 483، وشرح شواهد المغني 2/ 775، ولسان العرب 2/ 278 "زجج" والمقاصد النحوية 3/ 91، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 212، 7/ 233، والإنصاف 2/ 610، وأوضح المسالك 2/ 432، وتذكرة النحاة ص617، وحاشية يس 1/ 432، والخصائص 2/ 432, والدرر 2/ 413, وشرح ابن الناظم ص206, وشرح الأشموني 1/ 226, وشرح عمدة الحافظ ص635، وكتاب الصناعتين ص182، ولسان العرب 1/ 422، "رغب"، ومغني اللبيب 1/ 357، وهمع الهوامع 1/ 222، 2/ 130.(1/535)
"وكحلن العيون، هذا قول الفارسي والفراء ومن تبعهما1"، وإليه أشار الناظم بقوله:
315-
.................... ... أو اعتقد إضمار عامل تصب
"وذهب الجرمي" بفتح الجيم، نسبة إلى بني جزم، ويلقب بالصياح2؛ لكثرة مناظرته في النحو، وصياحه، قاله ابن درستويه. "والمازني" بكسر الزاي؛ نسبة إلى بني مازن "والمبرد" بفتح الراء، قال ابن جني: وسبب تسميته بذلك أن المازني سأله عن مسائل. فأجاب عنها وأحسن، فقال: أنت المبرد؛ بكسر الراء؛ أي: أنت المثبت للحق. قال المبرد: فغير الكوفيون اسمي فجعلوه بفتح الراء، "وأبو عبيدة" بضم العين "والأصمعي" بفتح الميم؛ نسبة إلى جده أصمع، "و" أبو محمد "اليزيدي" بفتح الياء المثناة تحت وكسر الزاي "إلى أنه لا حذف، وأن ما بعد الواو" في البيتين "معطوف" على ما قبله "وذلك على تأويل العامل المذكور" قبلهما "بعامل يصح انصبابه عليهما" معًا انصبابة3 واحدة4، "فيؤول: زججن بـ: حسن" بتشديد السين؛ لأن التحسين يصح تسليطه على العيون والحواجب، فيقال: حسن العيون والحواجب. "و" يؤول "علفتها بـ: أنلتها" لأن الإنالة يصح تسليطها على التبن والماء، فيقال: أنلتها تبنًا وماء, فهو من باب التضمين واحتج الأولون القائلون بالحذف أنه لو كان التضمين لجاز علفتها ماء وتبنًا، كما ساغ علفتها تبنًا وماء، وقالوا: وهو غير سائغ. وأجيب بأن ما منعوه مسموع من العرب، كقول طرفة: [من الطويل]
416-
...................... ... لها سبب ترعى به الماء والشجر
واختلف في التضمين أهو قياسي أم سماعي؟ والأكثرون على أنه قياسي، وضابطه أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنى عام، قاله المرادي في تلخيصه.
__________
1 انظر قول الفارسي والفراء في الارتشاف 2/ 290.
2 في "ب", "ط": "النباح" كما في المزهر 2/ 428، عن ابن درستويه في شرح الفصيح.
3 في "ب": "انتصابه".
4 انظر ما قيل عن هؤلاء النحاة في الارتشاف 2/ 290، والمزهر 2/ 426-428.
416- صدر البيت:
"أعمر بن هند ما ترى رأي صرمة"
، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص47، وخزانة الأدب 3/ 140، وشرح شواهد المغني 2/ 929، ومغني اللبيب 2/ 632، والمقاصد النحوية 4/ 181.(1/536)
باب المستثنى
مدخل
...
باب المستشنى:
"هذا باب المستثنى":
وهو المخرج تحقيقًا أو تقديرا من مذكور أو متروك بـ"إلا" أو ما في معناها بشرط الفائدة، قاله في التسهيل1. فقوله: "المخرج" جنس يشمل المخرج بالبدل، نحو: "أكلت الرغيف ثلثه" وبالصفة نحو: "أعتق رقبة مؤمنة" وبالشرط نحو: "اقتل الذمي إن حارب"، وبالغاية نحو: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وبالاستثناء نحو: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} [البقرة: 249] . وقوله: "تحقيقًا أو تقديرا" إشارة إلى قسمي المتصل والمنقطع. وقوله: "من مذكور أو متروك" إشارة إلى قسمي التام والمفرغ. وقوله: "بإلا" متعلق بالمخرج، وهو فصل يخرج به ما عدا المستثنى مما تقدم.
وقوله: "أو ما في معناها" يشمل جميع أدوات الاستثناء. وقوله: "بشرط الفائدة" احتراز عن نحو: "جاءني ناس إلا زيدًا"، و"جاءني القوم إلا رجلًا" فإنه لا يفيد2.
قال3 الشاطبي: ومعنى إخراجه ذكره بعد "إلا" مبين أنه لم يرد دخوله فيما تقدم، فبين ذلك للسامع بتلك القرينة، لا أنه كان مرادًا للمتكلم، ثم أخرجه، هذا حقيقة الإخراج عند أئمة اللسان سيبويه4 وغيره، وهو الذي لا يصح غيره. ا. هـ. وبه يتضح الحال، ويزول الإشكال.
"للاستثناء أدوات ثمان"، وهي أربعة أقسام:
__________
1 التسهيل ص101.
2 سقطت من "ط".
3 في "أ", "ط": "قاله".
4 الكتاب 2/ 310، 330.(1/537)
الأول: "حرفان، وهما "إلا" عند الجميع" من النحويين، "وحاشا؛ عند سيبويه1" وأكثر البصريين2. وذهب الجرمي والمازني والمبرد3 والزجاج والأخفش وأبو زيد والفراء وأبو عمرو الشيباني إلى أنها تستعمل كثيرًا حرفًا جارا، وقليلًا فعلا متعديا جامدا لتضمنه معنى "إلا"4. وذهب جمهور الكوفيين5 إلى أنها فعل دائما "ويقال فيها: حاش" بحذف الألف الأخيرة "و: حشا" بحذف الألف الأولى، وإليهما أشار الناظم بقوله:
331-
................... ... وقيل حاش وحشا فاحفظهما
واعترض بأن "حاشا" الحرفية الاستثنائية لا يتصرف فيها بالحذف، وإنما ذلك في "حاشا" التنزيهية نحو: {حَاشَ لِلَّهِ} [يوسف: 31] وهذه عند المبرد وابن جني والكوفيين فعل، قالوا6: لتصرفهم فيها بالحذف، ولإدخالهم إياها على الحرف، وهذان الدليلان ينفيان الحرفية. قاله في المغني7.
"و" الثاني "فعلان وهما: ليس" عند الجمهور، وذهب الفارسي8 وتبعه أبو بكر بن شقير إلى حرفيتها مطلقًا9، وذهب بعضهم10 إلى أنها في باب الاستثناء تكون حرفا ناصبًا للمستثنى بمعنى "إلا" "و: لا يكون" واعترض بأن المركب من حرف وفعل لا يكون فعلا، ويجاب بأنهما لما ركبا غلب الفعل الحرف لشرف الفعل، فسمي الجميع فعلًا.
"و" الثالث "مترددان بين الحرفية والفعلية" تستعملان تارة حرفين وتارة فعلين، "وهما "خلا" عند الجميع" من النحويين، "و "عدا" عند غير سيبويه"، فإنه لم يحفظ فيها إلا الفعلية11.
__________
1 الكتاب 2/ 309، 349.
2 الارتشاف 2/ 317، وهمع الهوامع 1/ 232.
3 المقتضب 4/ 391، 426.
4 انظر شرح ابن عقيل 1/ 323, 324.
5 همع الهوامع 1/ 232.
6 الإنصاف 1/ 278، المسألة رقم 37.
7 مغني اللبيب ص164, 165.
8 شرح الأبيات المشكلة الإعراب 1/ 9، والإيضاح العضدي 1/ 210.
9 انظر الجنى الداني ص494.
10 منهم المرادي، انظر الجنى الداني ص495.
11 الكتاب 2/ 348, 349.(1/538)
"و" الرابع "اسمان وهما "غير" و "سوى" بلغاتها، فإنه يقال" فيها: "سوى" بكسر السين والقصر "كـ: رضي، و: سوى" بضم السين والقصر، كـ"هدى، و: سواء" بفتح السين والمد، كـ"سَمَاء، و: سِواء" بكسر السين والمد, كـ"بناء، و" هذه الأخيرة "هي أغربها" وقل من ذكرها، وممن نص عليها الفارسي في الحجة1، وتبعه ابن الخباز في النهاية، ومنه أخذ ابن إياز، والحاصل أنها تمد مع الفتح، وتقصر مع الضم، ويجوز الكسر مع الوجهان، قاله في المغني2.
"فإذا استثني بـ"إلا" وكان الكلام" قبلها "غير تام؛ وهو الذي لم يذكر معه المستثنى منه؛ فلا عمل لـ"إلا"، بل يكون الحكم عند وجودها" بالنسبة إلى العمل "مثله عند فقدها"، فإن كان ما قبلها يطلب مرفوعًا رفع ما بعدها، وإن كان يطلب منصوبًا لفظًا نصب، وإن كان يطلب منصوبًا محلا جر بجار يتعلق به، نحو: "ما قام إلا زيد، وما رأيت إلا زيد، وما مررت إلا بزيد"، ويسمى استثناء مفرغًا" لأن ما قبل "إلا" تفرغ لطلب ما بعدها، ولم يشتغل عنه بالعمل في غيره، والاستثناء في الحقيقة من عام محذوف، وما بعد "إلا" بدل من ذلك المحذوف، والتقدير: ما قام أحد إلا زيدًا, وما رأيت أحدا إلا زيدًا، وما مررت بأحد إلا بزيد، إلا أنهم حذفوا المستثنى منه، وأشغلوا العامل بالمستثنى، وسموه استثناء مفرغًا، "وشرطه" عندهم "كون الكلام غير إيجاب" وهو أن يتقدم عليه ما يخرجه عن الإيجاب. "وهو النفي نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران: 144] فما قبل "إلا" وهو "محمد" مبتدأ. والمبتدأ يطلب الخبر، فرفع ما بعد "إلا" وهو "رسول" على الخبرية. "والنهي نحو: {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: 171] فما قبل "إلا" وهو "تقولوا" يطلب مفعولًا صريحًا فنصب ما بعد "إلا" وهو "الحق" على المفعولية، وتقدير المستثنى منه: ولا تقولوا على الله شيئًا إلا الحق. {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] فما قبل "إلا" وهو "تجادلوا" يطلب مجرورًا بالباء فجر بها ما بعد "إلا" وهو "التي" وتقدير المستثنى منه: ولا تجادلوا أهل الكتاب بشيء إلا بالتي هي أحسن. "والاستفهام الإنكاري" لما فيه من معنى النفي "نحو: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} " [الأحقاف: 35] فما قبل "إلا" وهو "يهلك" المبني للمفعول يطلب مرفوعًا نائبًا عن
__________
1 الحجة 1/ 248.
2 مغني اللبيب ص188.(1/539)
الفاعل، فرفع ما بعد "إلا" وهو "القوم" على النيابة عن الفاعل، وتقدير المستثنى منه: فهل يهلك أحد إلا القوم الفاسقون، والمعنى: ما يهلك إلا القوم الفاسقون. ولا يتأتى التفريغ في الإيجاب؛ لأنه يؤدي إلى الاستبعاد، لا نقول: رأيت إلا زيدًا؛ لأنه يلزم منك أنك رأيت جميع الناس إلا زيدًا، وذلك محال عادة، "فأما قوله تعالى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32] فحمل "يأبى"" في إفادة النفي "على "لا يريد" لأنهما" أي: لأن "يأبى" و"لا يريد" معناهما النفي فهما "بمعنى" واحد، والمعنى: لا يريد الله إلا إتمام نوره، فلا فرق في النفي بين أن يكون في اللفظ أو في المعنى. وإلى مسألة التفريغ أشار الناظم بقوله:
319-
وإن يفرغ سابق إلا لما ... بعد يكن كما لو إلا عدما
"وإن كان الكلام تاما"، وهو الذي يذكر فيه المستثنى منه، ففيه تفصيل، "فإن كان الكلام موجبًا" بفتح الجيم، وهو الذي لم يتقدم عليه نفي ولا شبهه "وجب نصب المستثنى" بـ"إلا" وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
316-
ما استثنت إلا مع تمام ينتصب ... ...................................
"نحو: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا} [البقرة: 249] فما قبل "إلا" وهو "شربوا" كلام تام؛ لأن المستثنى منه مذكور، وهو الواو في "شربوا"، وموجب لأنه لم يتقدم عليه نفي ولا شبهه، وما بعد "إلا" وهو "قليلا" واجب النصب على الاستثناء، ولا يجوز رفعه إلا بتأويل كما سيجيء، فأما قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} [الأنبياء: 22] بالرفع؛ فـ"إلا" فيه ليست للاستثناء، وإنما هي بمعنى "غير" فهي صفة لـ"آلهة"، ولكن نقل الإعراب منها لما بعدها لكونها على صورة الحرف، "وأما قوله" وهو الأخطل: [من البسيط]
417-
وبالصريمة منهم منزل خلق ... "عاف تغير إلا النؤي والوتد"
برفع "النؤي" و"الوتد" على الإبدال من الضمير المستتر في "تغير"، والقياس نصبهما؛ لأن الكلام موجب. "فحمل "تغير"" في إفادة النفي "على "لم يبق على حاله"؛ لأنهما" أي: لأن تغير ولم يبق معناهما النفي فهما "بمعنى" واحد. و"الصريمة"
__________
417- البيت للأخطل في ديوانه ص114، وشرح شواهد المغني 2/ 670، وشرح عمدة الحافظ ص380، والمقاصد النحوية 3/ 103، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 313، وأوضح المسالك 2/ 255، وشرح ابن الناظم ص217، وشرح الأشموني 1/ 228، وشرح التسهيل 2/ 281، وشرح الكافية الشافية 2/ 709، ومغني اللبيب 1/ 276.(1/540)
بالصاد والراء المهملتين: كل رملة انصرمت من معظم الجبل. و"خلق" بفتحتين: بمعنى بال. و"عاف" بمعنى دارس، يقال: عفا المنزل إذا درس، وعفته الريح: درسته، يتعدى ولا يتعدى. و"النؤي" بنون مضمومة فهمزة ساكنة بوزن "قفل": حفيرة حول الخباء، تصنع لئلا يدخله المطر. و"الوتد" بكسر التاء: الخازوق، يدق في الأرض.
واختلف في ناصب المستثنى بـ"إلا" على ثمانية أقوال1:
أحدها: أنه نفس "إلا" وحدها، وإليه ذهب ابن مالك2، وزعم أنه مذهب سيبويه3 والمبرد4.
والثاني: تمام الكلام، كما انتصب درهما بعد عشرين5.
والثالث: الفعل المتقدم بواسطة "إلا"، وإليه ذهب السيرافي6 والفارسي7 وابن الباذش8.
والرابع: الفعل المتقدم بغير واسطة "إلا"، وإليه ذهب ابن خروف9.
والخامس: فعل محذوف من معنى "إلا" تقديره أستثني زيدا، وإليه ذهب الزجاج10.
والسادس: المخالفة، وحكي عن الكسائي11.
والسابع: "أن" بفتح الهمزة وتشديد النون محذوفة هي وخبرها، والتقدير: إلا زيدًا لم يقم، حكاه السيرافي عن الكسائي12.
__________
1 الإنصاف 1/ 260، المسألة رقم 34، وهمع الهوامع 1/ 224.
2 شرح التسهيل 2/ 271-277.
3 الكتاب 2/ 310، 319.
4 المقتضب 4/ 390.
5 الارتشاف 2/ 322.
6 شرح التسهيل 2/ 277، وهمع الهوامع 1/ 224.
7 الإيضاح العضدي 1/ 205.
8 همع الهوامع 1/ 224.
9 شرح التسهيل 2/ 277، والارتشاف 2/ 300.
10 شرح التسهيل 2/ 278، وهمع الهوامع 1/ 224.
11 الارتشاف 2/ 300.
12 شرح التسهيل 2/ 279.(1/541)
والثامن: أن "إلا" مركبة من "إن" و"لا" ثم خففت "إن"، وأدغمت في اللام؛ حكاه السيرافي عن الفراء1.
وزاد ابن عصفور2: فإذا انتصب ما بعدها فعلى تغليب حكم "إن" وإذا لم ينتصب فعلى تغليب حكم "لا"؛ لأنها عاطفة.
"وإن كان الكلام" التام "غير موجب" ففيه تفصيل، "فإن كان الاستثناء متصلًا"، وهو ما يكون فيه المستثنى بعض المستثنى منه، وكان غير مردود به كلام تضمن معنى الاستثناء، وهو غير متراخ المستثنى من المستثنى منه، ولا متقدم عليه "فالأرجح اتباع المستثنى للمستثنى منه" في إعرابه للمشاكلة "بدل بعض" من كل "عند البصريين، وعطف نسق عند الكوفيين"؛ لأن "إلا" عندهم من حروف العطف في باب الاستثناء خاصة. قاله أبو حيان3. وهي عندهم بمنزلة "لا" العاطفة في أن ما بعدها مخالف لما قبلها.
قاله في المغني4.
ورد ثعلب كلا الوجهين من المذهبين. فقال5 في الرد على البصريين: كيف يكون بدلًا وهو موجب ومتبوعه منفي، والبدل لا بد أن يكون على وفق المبدل منه في المعنى. وأجاب الأبدي: بأن بدل البعض يكون الثاني فيه مخالفًا للأول في المعنى6، ألا ترى أنك إذا قلت: "رأيت القوم بعضهم" فيكون قولك أولا: "رأيت القوم" مجازا ثم بينت بعد ذلك من رأيت منهم، وكما جاز في النعت المخالفة نحو: "مررت برجل لا كريم ولا شجاع" جاز في البدل. وقال في الرد على الكوفيين: بأن "إلا" لو كانت عاطفة لم تباشر العامل في نحو: "ما قام إلا زيد" وليس شيء من أحرف العطف يباشر العوامل. قال في المغني7: وقد يجاب بأنه ليس تاليها في التقدير، إذ الأصل: ما قام أحد إلا زيد، ا. هـ. وإلى ترجيح الاتباع أشار الناظم بقوله:
316-
................. ... وبعد نفي أو كنفي انتخب
__________
1 شرح التسهيل 2/ 279.
2 شرح الجمل 2/ 253, 254.
3 الارتشاف 2/ 294, 295، والنكت الحسان ص106, 107.
4 مغني اللبيب ص98.
5 شرح التسهيل 2/ 282، وشرح ابن الناظم ص216.
6 كذلك يرى السيرافي، انظر شرح ابن الناظم ص216.
7 مغني اللبيب ص99.(1/542)
317-
إتباع ما اتصل......... ... ................................
مثال النفي "نحو: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} " [النساء: 66] بالرفع في قراءة السبعة غير ابن عامر1، فـ"قليل"2 بدل من الواو في "فعلوه" بدل بعض من كل عند البصريين، وهو في نية تكرير العامل، والتقدير: ما فعلوه إلا قليل منهم، وعطف نسق عند الكوفيين. وشبه النفي النهي والاستفهام، مثال النهي ""وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتُكَ"" [هود: 81] بالرفع3 في قراءة أبي عمرو وابن كثير، فـ"امرأتك" بدل من "أحد"، بدل بعض من كل، ولم يصرح معه بضمير؛ لأن قوة تعلق المستثنى بالمستثنى منه تغني عن الضمير غالبًا، ومثال الاستفهام " {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} " [الحجر: 56] بالرفع في قراءة الجميع، فـ"الضالون" بدل من الضمير المستتر في "يقنط" بدل بعض من كل، ولم يؤت معه بضمير لما قلنا.
"والنصب عربي جيد وقد قرئ به في السبع في: قليل" من قوله تعالى: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: 66] "وفي: امرأتك" من قوله تعالى: {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود: 81] ولا يتأتى الإتباع في الموجب. فأما قراءة بعضهم: "فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ" [البقرة: 249] بالرفع محمولة على أن "شربوا" في معنى: لم يكونوا4 منه، بدليل {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} [البقرة: 249] قاله في المغني5.
وخرج بالمتصل المنقطع وسيأتي، وبغير المردود نحو: "ما قام القوم إلا زيدًا" بالنصب وجوبًا؛ ردا على من قال: "قام القوم إلا زيدًا" قصدًا للتطابق بين الكلامين، ولم يجز الإبدال، نقله المرادي عن السراج6، ورده ابن عصفور: وخرج بغير المتراخي "ما جاءني أحد حين كنت جالسًا هنا إلا زيدا" فإن البدل فيه غير مختار؛ لأن البدل إنما كان مختارًا لقصد التطابق بينه وبين المستثنى منه، ومع التراخي لا يظهر التطابق
__________
1 قرأها ابن عامر "قليلا" بالنصب، وكذلك قرأ عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق وأبي وأنس. انظر الإتحاف ص192، والنشر 2/ 250، وشرح ابن الناظم ص117.
2 في "ط": "فقيل".
3 الرسم المصحفي: {امْرَأَتَكَ} بالنصب، وقرأها بالرفع أبو عمرو وابن كثير، انظر الإتحاف ص259، والنشر 2/ 290.
4 بعده في "ط": "شربوا".
5 مغني اللبيب ص887.
6 الأصول 1/ 283.(1/543)
قاله الرضي1 وغيره2. وخرج بقيد التقدم "ما جاء إلا زيدًا القوم" فإنه لا يجوز الإبدال كما سيجيء.
"وإذا تعذر الإبدال على اللفظ" لمانع "أبدل على الموضع، نحو: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [الصافات: 35] ، ونحو: "ما فيها من أحد إلا زيد" برفعهما، و"ليس زيد بشيء إلا شيئًا لا يعبأ به" بالنصب". قال ابن مالك في شرح التسهيل3: رفعت4 البدل يعني الجلالة من اسم "لا"؛ لأنه في موضع رفع بالابتداء، ولم تحمله على اللفظ فتنصبه؛ "لأن "لا"، الجنسية لا تعمل في معرفة ولا في موجب".
وتبعه على ذلك أبو حيان والمرادي وناظر الجيش والسمين، وهو مشكل، فإن اعتبار محل اسم "لا" على أنه مبتدأ قبل دخول "لا" قد زال بدخول الناسخ، كما قال الموضح في باب "إن"5 واعتبار محل "لا" مع اسمها على أنهما في محل مبتدأ عند سيبويه6 لا يتوجه عليه تقدير دخول "لا" على الجلالة. والمختار عند أبي حيان7 أن الجلالة بدل من الضمير المستتر في الخبر المحذوف العائد على اسم "لا"، و"زيد" في المثال الثاني مرفوع على البدلية من محل "أحد"؛ لأنه في موضع رفع بالابتداء، و"شيئًا" في المثال الثالث منصوب على البدلية من محل "شيء"؛ لأنه في موضع نصب على الخبرية لـ"ليس".
ولم يجز خفضهما حملًا على اللفظ؛ لأنهما موجبان بدخول "إلا" عليهما، "و" لأن ""من" و"الباء" الزائدتين" بعد نفي أو شبهه لا يعملان في موجب "كذلك".
فإن قلت: مقتضى قوله: "فالأرجح الاتباع" أن النصب على الاستثناء في هذه الأمثلة، مرجوح. قلت أما الأخيران فواضح ذلك فيهما، ويجوز فيهما الجر على الصفة، أنشد الكسائي: [من الكامل]
__________
1 شرح الرضي 2/ 96.
2 منهم ابن مالك في شرح التسهيل 2/ 282، وسيبويه في الكتاب 2/ 319، وابن الناظم في شرحه 216.
3 شرح التسهيل 2/ 285.
4 بعده في "ب": "على".
5 أوضح المسالك 1/ 358.
6 الكتاب 2/ 317.
7 الارتشاف 2/ 302.(1/544)
418-
أبني لبينى لستما بيد ... إلا يد ليست لها عضد
بالخفض, وأما الأول فقد قال أبو القاسم السهيلي في أماليه. لا يجوز في نحو: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [الصافات: 35] من نصب المستثنى ما جاز في نحو: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [النساء: 66] ، كما لم يجز في: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] إلا بالرفع، وذلك لنكتة بديعة لم ينبه عليها من حذاق النحويين إلا القليل, وهو أن النصب إنما حقه الإيجاب، فإذا دخل النفي على كلام قائم1، بنفسه جاز لك من النصب ما جاز قبل دخول النافي، وإذا دخل على كلام لا يستقيم تقديره عريا عنه تعين اعتبار حكم النفي، وامتنع اعتبار حكم الإيجاب. ا. هـ.
"فإن قلت: "لا إله إلا الله واحد" فالرفع أيضًا" في "إله واحد" على البدل من المحل، ولا يجوز النصب حملًا على اللفظ، وإن كان البدل نكرة موصوفة "لأنها" موجبة لوقوعها بعد "إلا" و"لا" الجنسية "لا تعمل في موجب".
"ولا يترجح النصب على الاتباع لتأخر صفة المستثنى منه عن المستثنى نحو: "ما فيها رجل إلا أخوك صالح" خلافًا للمازني" فإنه قال2: إذا تأخرت صفة المستثنى منه عن المستثنى فإنه يختار النصب. فتقول "ما فيها رجل إلا أخاك صالح"، فـ"رجل" مبتدأ تقدم خبره في المجرور قبله، و"صالح" نعت رجل المستثنى منه، و"أخاك" منصوب على الاستثناء، مقدم على صفة المستثنى منه، والأصل: ما فيها رجل صالح إلا أخاك.
ونقل عن ابن الخباز في النهاية عن المازني أنه يوجب النصب، وأنه ينزل التقديم على الصفة منزلة التقديم على الموصوف؛ لأن المبدل منه يلغى في بعض الوجوه، والموصوف مرعي الجانب فتدافعا. والصواب ما نقله الموضح عنه، فقد قال أبو حيان3: إن ما نقله صاحب النهاية عن المازني غلط. وقال ابن مالك في شرح الكافية4: إذا تقدم المستثنى على صفة المستثنى منه ففيه مذهبان:
__________
418- البيت لأوس بن حجر في ديوانه ص21، وشرح أبيات سيبويه 2/ 68، ولطرفة بن العبد في ديوانه ص45، وشرح المفصل 2/ 90، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص441، والكتاب 2/ 317، والمقتضب 4/ 421، وشرح التسهيل 2/ 285، والارتشاف 2/ 303، 619.
1 في "ب", "ط": "تام ".
2 المقتضب 4/ 399، وشرح التسهيل 2/ 284.
3 الارتشاف 2/ 302.
4 شرح الكافية الشافية 2/ 706, 707.(1/545)
أحدهما: ألا يكترث بالصفة، بل يكون البدل كما يكون إذا لم تذكر الصفة، وذلك كقولك: "ما فيها رجل إلا أبوك صالح" كأنك لم تذكر صالحًا، هذا رأي سيبويه1.
والثاني: ألا يكترث بتقديم الموصوف. بل يقدر المستثنى مقدما بالكلية على المستثنى منه، فيكون نصبه راجحًا، وهذا اختيار المبرد2.
وعندي أن النصب والبدل عند ذلك مستويان؛ لأن لكل واحد منهم مرجحًا فتكافآ. ا. هـ. فلو أوقعت المستثنى بين صفتي المستثنى منه، نحو: "ما مررت بأحد خير من زيد3 إلا ابنك بر بوالديه" فظاهر4 أن الخلاف قائم فليتأمل5.
"وإن كان الاستثناء منقطعا" وهو ما لا يكون المستثنى بعض المستثنى منه بشرط ألا يكون ما قبل "إلا" دالا على ما يستثنى، فيجوز: "قام القوم إلا حمارًا"، ويمتنع: "قام القوم إلا ثعبانًا"، وفي ذلك تفصيل؛ فإنه تارة يمكن تسليط العامل على المستثنى، وتارة لا يمكن، "فإن لم يكن تسليط العامل على المستثنى وجب النصب" في المستثنى "اتفاقًا" من الحجازيين والتميميين6، "نحو: ما زاد هذا المال إلا ما نقص"، فـ"ما" مصدرية، و"نقص" صلتها، وموضعهما نصب على الاستثناء. ولا يجوز رفعه على الإبدال من الفاعل؛ لأنه لا يصح تسليط العامل عليه. "إذ لا يقال: زاد النقص، ومثله" في القياس "ما نفع زيد إلا ما ضر، إذ لا يقال: نفع الضر".
وزعم السيرافي ومبرمان في حواشيه أن المصدر المنسبك من "ما" والفعل هنا في موضع رفع على الابتداء وخبره محذوف، تقديره: ما زاد هذا المال لكن النقصان شأنه، وما نفع زيد ولكن الضر شأنه. وزعم الشلوبين أن المصدر هنا مفعول به حقيقة تقديره: ما زاد المال شيئا إلا النقصان، ثم فرغه له، وجعله متصلًا. ورد بأنه لا نسبة بين النقصان والزيادة. وزعم ابن الطراوة أن "ما" زائدة واستغني عن الواو، كما في قولك: "ما قام زيد إلا وقعد عمرو"7.
__________
1 الكتاب 2/ 336.
2 في المقتضب 4/ 400: "والقياس عندي قول سيبويه" وهذا الرأي يخالف ما نسبه المؤلف هنا.
3 سقطت من "ب".
4 في "ب"، "ط": "فالظاهر".
5 بعده في "ط": "قاله الموضح في الحواشي".
6 انظر الارتشاف 2/ 303, 304.
7 انظر ما زعمه السيرافي ومبرمان والشلوبين وابن الطراوة في الارتشاف 2/ 304.(1/546)
"وأن أمكن تسليطه" أي: العامل؛ على المستثنى نحو: "ما قام القوم إلا حمارًا" إذ يصح أن يقال: "قام حمار" فالحجازيون يوجبون النصب1" لأنه لا يصح فيه الإبدال حقيقة من جهة أن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، "و" النصب "عليه قراءة السبعة: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} " [النساء: 157] بنصب "اتباع"، "وتميم ترجحه، وتجيز الاتباع" ويقرءون: "إِلَّا اتِّبَاعُ الظَّنِّ" بالرفع2 على أنه بدل من العلم باعتبار الموضع، ولا يجوز أن يقرأ بالخفض على الإبدال منه باعتبار اللفظ؛ لما تقدم من أنه معرفة موجبة، و"من" الزائدة التي لا تعمل فيها، وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:
317-
........... وانصب ما انقطع ... وعن تميم فيه إبدال وقع
"كقوله" وهو جران العود عامر بن الحارث: [من الرجز]
419-
"وبلدة ليس بها أنيس" ... إلا اليعافير وإلا العيس
فأبدل اليعافير والعيس من أنيس، و"إلا" الثانية مؤكدة للأولى، "واليعافير" جمع يعفور، وهو ولد البقرة الوحشية و"العيس" بكسر العين: جمع عيساء، كـ"البيض": جمع بيضاء، وهي الإبل البيض يخالط بياضها شيء من الشقرة، وذكر سيبويه في توجيه الرفع وجهين3:
__________
1 الكتاب 2/ 323، وشرح التسهيل 2/ 287.
2 انظر شرح ابن الناظم ص216، وشرح التسهيل 2/ 286، وشرح الكافية الشافية 2/ 703، والكتاب 2/ 323، والمقتضب 4/ 413.
419- الرجز لجران العود في ديوانه ص97، وخزانة الأدب 10/ 15، 18, والدرر 1/ 487، وشرح أبيات سيبويه 2/ 140، وشرح المفصل 2/ 117، 3/ 27، 7/ 21, والمقاصد النحوية 3/ 107، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 91، والإنصاف 1/ 281، وأوضح المسالك 2/ 261، والجنى الداني ص164، وجواهر الأدب ص165، وخزانة الأدب 4/ 121، 123، 124، 7/ 363، 9/ 258، 314، ورصف المباني ص417، وشرح ابن الناظم ص217، وشرح الأشموني 1/ 229، وشرح التسهيل 2/ 286، وشرح شذور الذهب ص265، وشرح الكافية الشافية 1/ 514، وشرح المفصل 2/ 80، والكتاب 1/ 263، 2/ 322، ولسان العرب 6/ 198, "كنس", 15/ 433 "ألا", ومجالس ثعلب ص452, وهمع الهوامع 1/ 225, وتهذيب اللغة 15/ 426، وتاج العروس 16/ 455، "كنس"، "ألا"، و"الواو".
3 الكتاب 2/ 319, 320.(1/547)
أحدهما: أنهم حملوا ذلك على المعنى؛ لأن المقصود هو المستثنى، فالقائل: "ما في الدار أحد إلا حمار" المعنى فيه: ما في الدار إلا حمار، وصار ذكر "أحد" توكيدًا، ليعلم أنه ليس ثم آدمي، ثم أبدل من "أحد" ما كان مقصوده من ذكر الحمار.
والوجه الثاني: أنه جعل الحمار إنسان الدار، أي: الذي يقوم مقامه في الأنس، كقوله: [من الوافر]
420-
.................. ... تحية بينهم ضرب وجيع
جعلوا الضرب تحيتهم؛ لأنه الذي يقوم مقام التحية عندهم.
"وحمل عليه" أي: على اتباع المنقطع "الزمخشري1" قوله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللَّهُ} [النمل: 65] فـ"من" في محل رفع على الفاعلية بـ"يعلم"، و"الغيب": مفعول به، و"الله" مرفوع على البدلية من "من" على لغة تميم، وهو استثناء منقطع؛ لعدم اندراجه في مدلول لفظه2 "من" لأنه تعالى لا يحويه مكان. وجوز السفاقسي3 أن يكون متصلًا، والظرفية في حقه تعالى مجازية، وفيه جمع بين الحقيقة والمجاز في الظرفية، وعلى هذا فيرتفع على البدل أو عطف البيان. وكلاهما ضعيف، قال ابن مالك4: والمخلص من هذين المحذورين أن يقدر: قل لا يعمل من يذكر في السموات والأرض. ا. هـ. وفي الآية وجه آخر ذكره في المغني5 وهو: أن يقدر "من" مفعولًا به، و"الغيب" بدل اشتمال، و"الله" فاعل، والاستثناء مفرغ. ا. هـ.
__________
420- صدر البيت:
"وخيل قد دلفت لها بخيل"
، وهو لعمرو بن معد يكرب في ديوانه ص149، وخزانة الأدب 9/ 252، 257، 258، 261، 262، 263، وشرح أبيات سيبويه 2/ 200، والكتاب 3/ 50، ونوادر أبي زيد ص150، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 345، والخصائص 1/ 368، وشرح المفصل 2/ 80، والكتاب 2/ 323، والمقتضب 2/ 20، 4/ 413.
1 الكشاف 3/ 149.
2 في "ب"، "ط": "لفظ".
3 انظر كتابه: غيث النفع في القراءات السبع ص314.
4 شرح التسهيل 2/ 288.
5 مغني اللبيب ص587.(1/548)
"فصل":
"وإذا تقدم المستثنى على المستثنى منه وجب نصبه" عند البصريين "مطلقًا"، سواء أكان متصلًا أو منقطعا، وامتنع اتباعه؛ لأن التابع لا يتقدم على المتبوع، "كقوله" وهو الكميت يمدح بني هاشم: [من الطويل]
421-
"وما لي إلا آل أحمد شيعة ... وما لي إلا مشعب الحق مشعب".
والأصل: ما لي شيعة إلا آلا أحمد، وما لي مشعب إلا مشعب الحق، فلما قدم المستثنى على المستثنى منه وجب نصبه، وأراد بـ"أحمد" النبي صلى الله عليه وسلم, "وبعضهم" وهم الكوفيون والبغداديون "يجيز" في المستثنى إذا تقدم على المستثنى منه "غير النصب"، وهو الاتباع "في المسبوق بالنفي, فتقول: ما قام إلا زيد أحد". قال سيبويه1: "سمع يونس" بعض العرب الموثوق بهم يقول: "ما لي إلا أبوك ناصر"، بالرفع "وقال" حسان رضي الله عنه: [من الطويل]
422-
لأنهم يرجون منه شفاعة ... "إذا لم يكن إلا النبيون شافع"
بالرفع، "ووجهه أن العامل" وهو الابتداء في المثال، و"يكن" التامة في البيت "فرغ لما بعد "إلا"" وهو "أبوك" في المثال، و"النبيون" في البيت "وأن المؤخر" وهو "ناصر" في المثال، و"شافع" في البيت "عام" لوقوعه في سياق النفي "أريد به خاص،
__________
421- البيت للكميت في شرح هاشميات الكميت ص50، والإنصاف ص275، وتخليص الشواهد ص82، وخزانة الأدب 4/ 314، 319، 9/ 138، وشرح أبيات سيبويه 2/ 135، وشرح قطر الندى ص246، ولسان العرب 1/ 502 "شعب"، واللمع في العربية ص152، والمقاصد النحوية 3/ 111، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 266، وشرح الأشموني 1/ 230، وشرح ابن عقيل 1/ 311، ومجالس ثعلب ص62، والمقتضب 4/ 398.
1 الكتاب 2/ 337، وانظر شرح ابن الناظم ص216.
422- البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص241، والدرر 1/ 488، وشرح ابن الناظم ص218، وشرح التسهيل 2/ 290، والمقاصد النحوية 3/ 114، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 268، وشرح الأشموني 1/ 299، وشرح ابن عقيل 1/ 602، وشرح الكافية الشافية 2/ 405، وهمع الهوامع 1/ 225.(1/549)
فصح إبداله من المستثنى" منه، "لكنه بدل كل" من كل لا بدل بعض.
"ونظيره في أن المتبوع أخر" من تقديم، "وصار تابعًا" بعدما كان متبوعًا: "ما مررت بمثلك أحد" بالجر، والأصل: ما مررت بأحد مثلك، فـ"مثلك" تابع لـ"أحد" على أنه نعت له، فما قدم النعت على المنعوت أعرب النعت بحسب العامل، وأعرب المنعوت بدلًا من النعت، كقوله تعالى: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} [إبراهيم: 1، 2] في قراءة الجر1، وإنما ألجأهم إلى دعوى أن المؤخر عام أريد به خاص، ولم يبقوه على عمومه؛ لأن الأعم لا يبدل من الأخص. قال ابن الضائع2: الوجه أن يقال هو بدل من الاسم مع "إلا" مجموعين، فيكون بدل شيء من شيء لعين واحدة، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
318-
وغير نصب سابق في النفي قد ... يأتي ولكن نصبه اختر إن ورد
__________
1 كما في الرسم المصحفي، وقرأها "الله" بالرفع: نافع وابن عامر وأبو جعفر والحسن، انظر الإتحاف ص271، والكشاف 2/ 365، والنشر 2/ 398.
2 في "ط": "الصائغ"، وانظر قول ابن الضائع في الارتشاف 2/ 307.(1/550)
"فصل":
"وإذا تكررت "إلا" فإن كان التكرار للتوكيد، وذلك إذا تلت" واوً "عاطفًا، أو تلاها اسم مماثل لما قبلها". أو بعضه، أو مشتمل عليه، أو مضرب إليه عنه "ألغيت" جواب الشرط الثاني؛ وهو جوابه جواب الشرط الأول؛ ويشملها قول الناظم: 320-
وألغ إلا ذات توكيد......... ... ..................................
"فالأول": وهو العطف، "نحوم: ما جاءني إلا زيد وإلا عمرو، فما بعد "إلا" الثانية" وهو "عمرو" "معطوف بالواو على ما قبلها" وهو "زيد" عطف نسق، "و"إلا" الثانية زائدة للتوكيد"، والأصل: ما جاءني إلا زيد وعمرو.
"والثاني": هو البدل بأقسامه الأربعة: فبدل المماثل؛ وهو بدل الكل من الكل؛ "كقوله" أي الناظم:
320-
............... لا ... "تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا"
"بالمد، "فـ"الفتى" مستثنى من الضمير المجرور بالباء" وهو الهاء والميم "فالأرجح" في "الفتى" "كونه تابعًا له في جره"، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف. "ويجوز" على مرجوح "كونه" أي: الفتى "منصوبًا" بـ"إلا" "على الاستثناء". وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف. "و"العلا" بدل من "الفتى" بدل كل من كل؛ لأنهما لمسمى واحد. و"إلا" الثانية" زائدة "مؤكدة" لـ"إلا" الأولى.
وبدل البعض من كله نحو: "ما أعجبني أحد إلا زيد إلا وجهه"، فـ"زيد" مستثنى من "أحد" فالأرجح في كونه تابعًا له، ويجوز نصبه على الاستثناء. و"وجهه": بدل من "زيد" بدل بعض من كل. وبدل الاشتمال نحو: "ما أعجبني شيء إلا زيد إلا علمه"، فـ"زيد" مستثنى من "شيء" ففيه الوجهان. و"علمه" بدل من "زيد" بدل اشتمال. وبدل الإضراب نحو: "ما أعجبني أحد إلا زيد إلا عمرو"، فـ"زيد"(1/551)
مستثنى من "أحد"، و"عمرو" بدل من "زيد" بدل الإضراب، والمعنى: بل عمرو.
"وقد اجتمع العطف والبدل في قوله": [من الرجز]
423-
"ما لك من شيخك إلا عمله ... إلا رسيمه وإلا رمله"
فـ"رسيمه" بفتح الراء وكسر السين المهملتين "بدل" من "عمله" بدل بعض من كل عند السيرافي1. "و "رمله"" بفتح الراء والميم "معطوف" على "رسيمه".
وذهب ابن خروف2 إلى أن "رسيمه" و"رمله" بدل تفصيل من "عمله"، وهما كل العمل، "و"إلا" المقترنة بكل منهما" زائدة مؤكدة. و"الرسيم" و" الرمل": ضربان من السير، والرسيم في السعي: الركض، والرمل في الطواف: الإسراع.
"وإن كان التكرار لغير توكيد" وهو التأسيس "وذلك في غير بابي العطف والبدل؛ فإن كان العامل الذي قبل "إلا" مفرغًا" بأن لم يشتغل بمعمول قبل "إلا" "تركته يؤثر في واحد من المستثنيات" على ما يقتضيه من رفع أو نصب أو جر، "ونصبت" وجوبًا على الاستثناء "ما عدا ذلك الواحد" الذي أثر فيه العامل، "نحو: ما قام إلا زيد إلا عمرًا إلا بكرًا، رفعت الأول" وهو زيد3 "بالفعل" وهو قام "على أنه فاعل" له، "ونصبت الباقي" من المستثنيات؛ وهو "عمرو" و"بكر"؛ على الاستثناء. "ولا يتعين" المستثنى "الأول لتأثير العامل" فيه، "بل يترجح"، لقربه من العامل. "وتقول: "ما رأيت إلا زيدًا إلا عمرا إلا بكرًا" فتنصب واحدا منها بالفعل على أنه مفعول به، وتنصب الباقي" من المستثنيات "بـ"إلا" على الاستثناء"، ولا يتعين المستثنى الأول لتأثير العامل، بل يترجح، فما كان منصوبًا بالفعل لا يطرقه الخلاف المتقدم في ناصب المستثنى، وما كان منصوبًا على الاستثناء يطرقه الخلاف المتقدم، وتقول: "ما مررت إلا بزيد إلا عمرًا إلا بكرًا"، فتخفض واحدا منها بـ"الباء" وتعلقها بالفعل، وتنصب الباقي، ولا يتعين الأول للجر، بل يترجح4، وذلك مستفاد من قول الناظم:
__________
423- الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 272، والدرر 1/ 492، ورصف المباني ص89، وشرح الأشموني 1/ 232، وشرح ابن عقيل 1/ 606، وشرح التسهيل 2/ 296، وشرح الكافية الشافية 2/ 712، والكتاب 2/ 341، والمقاصد النحوية 3/ 117، وهمع الهوامع 1/ 227.
1 انظر حاشية الصبان 2/ 151.
2 شرح التسهيل 2/ 295, 296, وشرح ابن عقيل 1/ 314.
3 بعده في "أ": "على الاستثناء".
4 الكتاب 2/ 338، والارتشاف 2/ 310.(1/552)
321-
وإن تكرر لا لتوكيد فمع ... تفريغ التأثير بالعامل دع
322-
في واحد مما بإلا استثني ... وليس عن نصب سواه مغني
وإن "كان العامل غير مفرغ" بأن اشتغل بما يقتضيه قبل "إلا" فإن تقدمت المستثنيات" كلها "على المستثنى منه نصبت كلها" على الاستثناء وجوبًا، "نحو: ما قام إلا زيدا إلا عمرًا إلا بكرًا أحد"، فـ"أحد" فاعل" قام"، وهو المستثنى منه. وتقدم عليه جميع المستثنيات، ولا يجوز في شيء منها الاتباع، لما مر من أن التابع لا يتقدم على المتبوع, وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
323-
ودون تفريغ مع التقدم ... نصب الجميع احكم به والتزم
"وإن تأخرت" المستثنيات كلها عن المستثنى منه "فإن كان الكلام إيجابًا نصبت أيضًا كلها" وجوبًا "نحو: قاموا إلا زيدا إلا عمرًا إلا بكرًا"، لما مر من أن جواز الاتباع مختص بغير الإيجاب، "وإن كان" الكلام "غير إيجاب أعطي واحد منها" أي: من المستثنيات "ما يعطاه لو انفرد" من نصب واتباع، "ونصب ما عداه" وجوبًا "نحو: "ما قاموا إلا زيد1 إلا عمرًا إلا بكرًا"، لك في واحد منها الرفع راجحًا والنصب مرجوحًا، ويتعين في الباقي" من المستثنيات "النصب، ولا يتعين الأول لجواز الوجهين بل يترجح"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
324-
وانصب لتأخير وجئ بواحد ... منها كما لو كان دون زائد
وأجاز الأبدي رفع الجميع على الإبدال2.
"هذا حكم المستثنيات المكررة بالنظر إلى اللفظ" من حيث الإعراب. "وأما بالنظر إلى المعنى" من حيث المفهوم "فهي نوعان: ما لا يمكن استثناء بعضه من بعض كـ: زيد، و: عمرو، و: بكر" في الأمثلة السابقة، فإن كل واحد منها لا يدخل فيه غيره، فلا يستثنى منه شيء، "وما يمكن" استثناء بعضه من بعض كالأعداد، "نحو: له عندي عشرة إلا أربعة إلا اثنين إلا واحدًا" فإن كل واحد من هذه الأعداد يدخل فيه غيره، فيستثنى منه.
"ففي النوع الأول" وهو ما لا يمكن استثناء بعضه من بعض "إن كان المستثنى الأول داخلًا" في الحكم "وذلك إذا كان مستثنى من غير موجب فما بعده"
__________
1 في "ب", "ط": "زيدًا".
2 الارتشاف 2/ 311، وهمع الهوامع 1/ 228.(1/553)
من المستثنيات "داخل" في الحكم كذلك، نحو: "ما قام أحدا إلا زيدا إلا عمرًا إلا بكرًا" فـ"زيد" هو المستثنى الأول، وهو داخل في إثبات القيام له؛ لأن الاستثناء من النفي إثبات، و"عمرو" و"بكر" داخلان كذلك. "وإن كان" المستثنى الأول "خارجًا" عن الحكم "وذلك إذا كان مستثنى من موجب؛ فما بعده خارج" نحو: "قام القوم إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بكرًا" فـ"زيد" هو المستثنى الأول، وهو خارج عن الحكم؛ لأن القيام منفي عنه؛ لأن الاستثناء من الإثبات نفي "وعمرو" و"بكر" خارجان كذلك، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
325-
...................... ... وحكمها في القصد حكم الأول
"وفي النوع الثاني": وهو ما يمكن استثناء بعضه من بعض، النحاة "اختلفوا" على ثلاثة أقوال: "فقيل: الحكم كذلك" وهو إن كان الأول داخلًا فما بعده داخل، وإن كان خارجًا فما بعده خارج "وإن الجميع" من المستثنيات" "مستثنى من أصل العدد"، وهو قول الصيمري، وتبعه القاضي أبو يوسف، ويمكن إدراجه في قول الناظم:
325-
....................... ... وحكمها في القصد حكم الأول
"وقال البصريون والكسائي1: كل من الأعداد" المستثنيات "مستثنى مما يليه"، أي: من الذي قبله، والذي قبله مستثنى من الذي قبله، وهكذا حتى ينتهي الأول، "و" هذا القول "هو الصحيح؛ لأن الحمل على الأقرب متعين على التردد".
"وقيل: المذهبان" المتقدمان "محتملان" أي: يحتمل عود المستثنيات كلها إلى الأول، وأن الجميع مستثنى من أصل العدد. ويحتمل عود كل منهما إلى ما يليه حتى تنتهي إلى الأول، وصححه بعض المغاربة، وقال: إلا أن الأظهر فيه أن يكون استثناء من استثناء "وعلى هذا" الخلاف "فالمقر به في المثال" المذكور؛ وهو "له عني عشرة إلا أربعة إلا اثنين إلا واحدا" "ثلاثة على القول الأول" وهو أن الجميع مستثنى من أصل العدد؛ فتكون الأربعة والاثنان والواحد؛ ومجموعها سبعة مخرجة من أصل العدد، وهو عشرة، يبقى ثلاثة. "وسبعة على القول الثاني" وهو أن كلا من الأعداد مستثنى مما يليه؛ فإذا استثني واحد من اثنين يبقى واحد، وإذا استثني الباقي من الأربعة يبقى ثلاثة، وإذا استثني الثلاثة الباقية من العشرة يبقى سبعة. "ومحتمل لهما" أي: للثلاثة، والسبعة "على" القول "الثالث"، وتوجيهه يعرف مما تقدم. "ولك في معرفة
__________
1 انظر الارتشاف 2/ 312، وهمع الهوامع 1/ 228، وشرح ابن الناظم ص221.(1/554)
المتحصل على القول الثاني" للبصريين والكسائي "طريقتان1:
إحداهما: أن تسقط" المستثنى "الأول، وتجبر الباقي" بالمستثنى "الثاني" أي: تزيده عليه "وتسقط" المستثنى "الثالث، وإن كان معك" مستثنى "رابع فإنك تجبر به" الثالث، "وهكذا" تفعل إلى أن تنتهي "إلى" المستثنى "الأخير". فالمستثنى الأول في المثال المذكور "أربعة" فأسقطها من العشرة يبقى ستة، فأجبرها بالمستثنى الثاني؛ وهو اثنان؛ تصير ثمانية، فأسقط منها الثالث؛ وهو واحد؛ يبقى سبعة.
"و" الطريق "الثانية" من الطريقتين "أن تَحُطّ" المستثنى "الآخر مما يليه ثم باقيه مما يليه، وهكذا" تفعل حتى تنتهي "إلى الأول" فما تحصل فهو الباقي، ففي المثال المذكور تحط واحدا من اثنين, يبقى واحد, تحطه من الأربعة, يبقى ثلاثة تحطها من العشرة, يبقى سبعة.
وبقي طريق ثالث, وهو أن تجعل كل وتر خارجا وكل شفع داخلا, وما اجتمع فهو الحاصل, ففي المثال المتقدم أخرج أبعة وواحدًا، وأدخل اثنين، يبقى سبعة، وإيضاحه أن تقول له: عندي مائة إلا خمسين إلا عشرين إلا خمسة، أخرج المستثنى الأول والثالث وما أشبههما في الوترية، وأدخل الثاني والرابع وما أشبههما في الشفعية، فالباقي بعد الاستثناء بالعمل المذكور خمسة وستون, وذلك لأنا أخرجنا من المائة "خمسين"؛ لأنها أول المستثنيات، فهي إذن وتر، وأدخلنا "العشرين" لأنها ثاني المستثيات، فهي إذن وتر، فصار الباقي ستين، ثم أدخلنا خمسة؛ لأنها رابع المستثنيات، فهي إذن شفع، فصار الباقي خمسة وستين، وما زاد من المستثنيات عومل بهذه المعاملة. قاله ابن مالك في شرح التسهيل2.
__________
1 شرح ابن الناظم ص221.
2 شرح التسهيل 2/ 296, 297.(1/555)
"فصل":
"وأصل "غير" أن يوصف بها" لما فيها من معنى اسم الفاعل ألا ترى أن قولك: "زيد غير عمرو"، معناه: "مغاير لـ"عمرو"، والموصوف بها "إما نكرة" محضة "نحو: {صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} " [فاطر: 37] فـ"غير" وصف "صالحًا"، ولا أثر لإضافتها إلى الموصول؛ لأنها لا تتعرف بالإضافة. "أو" يوصف بها "معرفة" لفظًا "كالنكرة" معنى "نحو": {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ " غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ "} [الفاتحة: 7] على القول: بأن "غير المغضوب" صفة لـ"الذين أنعمت عليهم"، "فإن موصوفها "الذين" وهم جنس" مبهم "لا قوم بأعيانهم".
وذهب السيرافي إلى أن "غير" تتعرف بالإضافة إذا وقعت بين شيئين متضادين، كما في قولهم: "الحركة غير السكون"، فعلى قوله "غير" في الآيتين بدل لا صفة.
"وقد تخرج" "غير" "عن الصفة، وتتضمن معنى "إلا" فيستثنى بها اسم مجرور بإضافتها إليه"، كما تخرج "إلا" من الاستثناء، وتتضمن معنى "غير" فيوصف بها جمع منكر قبلها، نحو: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} [الأنبياء: 22] أي: غير الله، فلما حملت "إلا" على "غير" انتقل إعراب "غير" إلى الاسم الذي بعد "إلا"، كما انتقل إعراب الاسم الذي بعد "إلا" إلى "غير" في الاستثناء، فيعرب الاسم الذي بعد "إلا" بما يستحقه، "وتعرب هي" أي: "غير" نفسها "بما يستحقه المستثنى بـ"إلا" في ذلك الكلام فيجب نصبها" في أربع مسائل:
الأولى: إذا كان الكلام تاما موجبًا كما "في نحو: قاموا غير زيد".
"و" الثانية: إذا كان الاستثناء منقطعًا ولم يمكن1 تسليط العامل على المستثنى كما في نحو: ""ما نفع هذا المال غير الضرر"، عند الجميع" في المسألتين.
__________
1 في "ب": "أمكن".(1/556)
"و" الثالثة: إذا كان الاستثناء منقطعًا، وأمكن تسليط العامل على المستثنى كما "في نحو: "ما فيها أحد غير حمار"، عند الحجازيين".
"و" الرابعة: إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه "عند الأكثر في نحو: ما فيها غير زيد أحد".
"ويترجح" نصبها في مسألتين:
إحداهما: "عند قوم" من الكوفيين والبغداديين "في نحو هذا المثال" المتقدم، وهو "ما فيها غير زيد أحد".
"و" الثانية: "عند تميم" في الاستثناء المنقطع الذي يمكن فيه تسليط العامل على المستثنى، "نحو: ما فيها أحد غير حمار".
"ويضعف" نصبها "في" مسألة واحدة، وهي ما إذا كان الكلام تاما غير موجب، "نحو: ما قاموا غير زيد". وحيث نصبت فناصبها ما قبلها من العوامل على الحال، وفيها معنى الاستثناء، وهو ظاهر مذهب سيبويه1، وإليه ذهب الفارسي في التذكرة2.
"ويمتنع" نصبها "في" مسألة واحدة، وهي إذا ما كان العامل3 مفرغًا، "نحو: ما قام غير زيد". وفي الصحاح4: قال الفراء: بعض بني أسد وقضاعة ينصبون "غيرا" إذا كانت في معنى "إلا" تم الكلام قبلها أم لم يتم، يقولون: "ما جاءني غيرك"، و"ما جاءني أحد غيرك". انتهى بلفظه.
وإذا كان الفراء نقل ذلك عن العرب فكيف يسوغ منعه؟ قاله الموضح في الحواشي. وأقول: لا شاهد في تمثيله، لجواز أن تكن الفتحة في "غيرك" فتحة بناء لإضافتها إلى المبني، وإلى مسألة "غير" أشار الناظم بقوله:
326-
واستثن مجرورًا بغير معربا ... بما لمستثنى بإلا نسبا
وتفارق "غير" "إلا" في خمس مسائل إحداها:
أن "إلا" تقع بعدها الجمل دون "غير".
__________
1 الكتاب 2/ 343.
2 وهو رأي ابن مالك أيضًا، انظر شرح التسهيل 2/ 278.
3 في "ب": "الكلام".
4 الصحاح "غير".(1/557)
الثانية: أنه يجوز أن يقال: "عندي درهم غير جيد" على الصفة، ويمتنع "عندي درهم إلا جيد".
الثالثة: أنه يجوز أن يقال: "قام غير زيد" ولا يجوز "قام إلا زيد".
الرابعة: أنه يجوز أن يقال: "ما قام القوم غير زيد وعمرو"، بجر "عمرو" على لفظ "زيد"، ورفعه حملًا على المعنى؛ لأن المعنى: ما قام إلا زيد وعمرو، ومع "إلا" لا يجوز إلا مراعاة اللفظ.
الخامسة: أنه يجوز "ما جئتك إلا ابتغاء معروفك" بالنصب، ولا يجوز مع "غير" إلا بالجر نحو: "ما جئتك لغير ابتغاء معروفك".(1/558)
"فصل":
"والمستثنى بـ"سوى"" بلغاتها "كالمستثنى بـ"غير" في وجوب الخفض"، ولم يذكر سيبويه الاستثناء بها، قاله1 أبو حيان2، "ثم قال" أبو القاسم "الزجاجي3" في الجمل4، "وابن مالك5: سوى كـ"غير" معنى وإعرابًا"، وإليه أشار الناظم بقوله:
327-
ولسوى سوى سواء اجعلا ... على الأصح ما لغير جعلا
"ويؤيدهما حكاية الفراء6: أتاني سواك", وقوله: [من الكامل]
424-
................ ... فسواك بائعها وأنت المشتري
"وقال سيبويه7 والجمهور: هي ظرف" للمكان بمعنى "وسط"، غير متصرف "بدليل وصل الموصول بها كـ: جاء الذي سواك" فليست هنا بمعنى "غير"؛
__________
1 في "ط": "قال".
2 النكت الحسان ص105.
3 في جميع النسخ "الزجاج" وهو تحريف.
4 الجمل ص230-232.
5 شرح التسهيل 2/ 314، وشرح الكافية الشافية 2/ 716.
6 شرح ابن الناظم ص223، وشرح التسهيل 2/ 315.
424- صدر البيت:
"وإذا تباع كريمة أو تشترى"
، وهو لابن المولى محمد بن عبد الله في الدرر 1/ 432، والحماسة البصرية 1/ 184، والحماسة المغربية ص319، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1761، ومعجم الشعراء ص342، والمقاصد النحوية 3/ 125، وبلا نسبة في الأغاني 10/ 145، وشرح ابن الناظم ص223، وشرح ابن عقيل 1/ 613، وشرح التسهيل 2/ 315، وشرح الكافية الشافية 2/ 718، وهمع الهوامع 1/ 202.
7 الكتاب 1/ 407، 2/ 350.(1/559)
لأن "غيرًا" لا تدخل ههنا إلا والضمير قبلها، يقولون: "جاء الذي هو غيرك"، فلما وصلوا "سوى" بغير ضمير ادعى أنها ظرف، والتقدير: جاء الذي استقر مكانك.
"قالوا: ولا تخرج عن النصب على الظرفية إلا في الشعر، كقوله" وهو شهل؛ بالمعجمة؛ ابن سنان: [من الهزج]
425-
"ولم يبق سوى العدوا ... ن دناهم كما دانوا"
فجعلها فاعلا في الشعر. "والعدوان" بضم العين المهلة: الظلم الصريح. و"دناهم" بكسر الدال: جازيناهم. و"دانوا": جازوا. ومنه: "كما تدين تدان1".
وقال الكوفيون: تستعمل "سوى" اسمًا وظرفا، فيجيزون في السعة: "أتاني سواك"، قاله المطرزي.
"وقال الرماني و" أبو البقاء "العكبري: تسعمل ظرفًا غالبا، وكـ"غير" قليلا2".
قال الموضح: وإلى هذا المذهب أذهب؛ لأنه أخلص3.
__________
425- البيت للفند الزماني "شهل بن شيبان" في أمالي القالي 1/ 260، وحماسة البحتري ص56، وخزانة الأدب 3/ 431، والدرر 1/ 433، وسمط اللآلي ص940، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 35، وشرح شواهد المغني 2/ 945، والمقاصد النحوية 3/ 122، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 281، وشرح ابن الناظم ص223، وشرح الأشموني 1/ 236، وشرح ابن عقيل 1/ 613، وشرح التسهيل 2/ 315، 3/ 285، وشرح الكافية الشافية 2/ 719، وهمع الهوامع 1/ 202.
1 مجمع الأمثال 2/ 155، 162، وجمهرة الأمثال 2/ 136، 168، والمستقصى 2/ 231.
2 الارتشاف 2/ 326.
3 الإنصاف 1/ 294 المسألة رقم 39.(1/560)
"فصل":
"والمستثنى بـ"ليس" و"لا يكون" واجب النصب؛ لأنه خبرهما، وفي الحديث: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا"؛ أي: كلوا ما ذكر اسم الله عليه "ليس السن والظفر" 1" بنصبهما؛ لأنهما مستثنيان من فاعل "أنهر" المستتر فيه، وما بينهما اعتراض، و"الإنهار": الإسالة، شبه خروج الدم يجري الماء في النهر. "وتقول: أتوني لا يكون زيدًا" بالنصب، فـ"السن" في الحديث، و"زيدًا" في المثال خبران لـ"ليس" و"لا يكون"، "واسمهمها ضمير مستتر" فيهما "عائد على اسم الفاعل المفهوم من الفعل السابق" عند سيبويه2، كا قاله الموضح في الحواشي. "أو" عائد على "البعض المدلول عليه بكله السابق" عند جمهور البصريين3، أو عائد على المصدر المدلول عليه بالفعل تضمنا عند الكوفيين4 "فتقدير: قاموا ليس زيدًا": ليس هو، أي: "ليس القائم" زيدًا على القول الأول، ورد بأنه غير مطرد لتخلفه في نحو: "القوم إخوتك ليس زيدا"،"أو" ليس هو، أي: "ليس بعضهم" زيدًا على القول الثاني، وفيه بعد
لإطلاقهم حينئذ البعض على الجميع إلا واحدًا، قال الموضح في شرح اللمحة على الكلام على "عدا" و"خلا". أو ليس هون أي: ليس قيامهم قيام زيد، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه على القول الثالث، ورد بما5 رد به الأول. وبأن فيه تقدير محذوف لم يلفظ به قط. "وعلى" القول "الثاني" وهو كونه ضميرًا يعود على بعض المدلول عليه بالكل "فهو نظير {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} [النساء: 11] بعد تقدم ذكر الأولاد" الشامل للذكور والإناث، فالنون في "كن" اسمها وهو عائد على الإناث
__________
1 أخرجه البخاري في كتاب الشركة برقم 2356.
2 الكتاب 2/ 347.
3 منهم سيبويه في الكتاب 2/ 347، والمبرد في المقتضب 4/ 428.
4 الارتشاف 2/ 320.
5 في "ط": "ربما" مكان "رد بما".(1/561)
اللاتي هن بعض الاولاد المتقدم ذكرهم في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] فإنه في قوة أولادكم الذكور والإناث. و"نساء" خبر "كن". فإن قلت: لا فائدة في قول القائل: فإن كن الإناث نساء. قلت: الفائدة حصلت بوصفه بالظرف بعده.
فإن قلت: إذا كان محط الفائدة هو الظرف فما فائدة ذكر نساء؟ قلت: فائدته التوطئة للوصف بعده، وباب التوطئة يجري في الصفة والخبر والحال.
"وجملتا الاستثناء" من "ليس زيدا" و"لا يكون زيدًا" "في موضع نصب على الحال من" المستثنى منه. فإن قلت: كيف حكم على جملة "ليس" بأنها حال، والفعل الماضي لا يقع حالًا إلا مع "قد" ظاهرة أو مقدرة؟ قلت هذه مستثناة كما قال أبو حيان في النكت الحسان1 بحثًا.
"أو مستأنفتان فلا موضع لهما" من الإعراب، فإن قلت: دعوى الاستئناف تخل بالمقصود، قلت: لا يعنون بالاستئناف عدم تعلقها بما قبلها في المعنى بل في الإعراب فقط؛ وذلك لأن هذه الجملة وقعت موقع "إلا زيدًا" فكما أن "إلا زيدًا" لا موضع له من الإعراب مع تعلقه بما قبله فكذلك هذه، وإليهما أشار الناظم بقوله:
328-
واستثن ناصبًا بليس......... ... .....................................
ثم قال:
328-
..................... ... ....... ويبكون بعد لا
__________
1 النكت الحسان ص104.(1/562)
"فصل":
"وفي المستثنى بـ"خلا" و"عدا" وجهان:
أحدهما: الجر على أنهما حرفا جر"، وإليهما الإشارة بقول الناظم:
329-
واجرر بسابقي يكون إن ترد ... ....................................
"وهو قليل، و" لقلته "لم يحفظه في سيبويه في "عدا" ومن شواهده قوله": [من الوافر]
426-
تركنا في الحضيض بنات عوج ... عواكف قد خضعن إلى النسور
"أبحنا حيهم قتلا وأسرا ... عدا الشمطاء والطفل الصغير"
والقوافي مجرورة، فـ"الشمطاء" مجرورة بـ"عدا"،وهي أنثى الأشمط: وهو الذي يخالط سواد شعره بياض. و"حيهم" بالياء المثناة تحت: مفعول "أبحنا" من الإباحة، و"قتلا" تمييز محول عن المفعول. وقول الآخر: [من الطويل]
427-
خلا الله لا أرجو سواك وإنما ... أعد عيالي شعبة من عيالكا
بجر الجلالة، و"خلا" و"عدا" موضعهما" جارين "نصب"، ثم اختلف "فقيل: هو نصب عن تمام الكلام"، فيكون الناصب لموضعها هو الجملة المتقدمة عليهما التي انتصبا عن تمامها، كما قيل به في التمييز الرافع لإبهام النسبة "إن العامل فيه هو الجملة
__________
426- البيتان بلا نسبة في أوضح لمسالك 2/ 285، والدرر 1/ 500، وشرح ابن عقيل 1/ 619، وشرح ابن الناظم ص226، وشرح التسهيل 2/ 310، والمقاصد النحوية 3/ 132، وهمع الهوامع 1/ 232، وعمدة الحافظ "حشي".
427- البيت للأعشى في خزانة الأدب 3/ 314، ولم أقع عليه في ديوانه، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص382، وحاشية يس 1/ 355، والدرر 1/ 490، 500، وشرح التسهيل 2/ 291، 310، وشرح الأشموني 1/ 237، وشرح ابن عقيل 1/ 321، ولسان العرب 14/ 242، "خلا" والمقاصد النحوية 3/ 137، وهمع الهوامع 1/ 226، 232.(1/563)
التي انتصب عن تمامها" حكاه المرادي في باب التمييز عن قوم1. "وقيل: لأنهما متعلقان بالفعل" أو شبهه "المذكور" قبلهما2 على قاعدة أحرف الجر، فيكونان في موضع المفعول به، كـ"مررت بزيد" إلا أن تعديتهما على جهة السلب، قاله الجرجاني. قال الموضح في المغني3: والصواب عندي الأول، وعلله بأمرين. ورد.
"و" الوجه "الثاني: النصب على أنهما فعلان" ماضيان "جامدان، لوقوعهما موقع "إلا""؛ لأن الفعل إذا وقع موقع الحرف يصير جامدا، كما أن الاسم إذا وقع موقع الحرف يصير مبنيا، قال الموضح في شرح اللمحة: هذا يعني انصب إن صح في "عدا" لكونها كانت متعدية قبل الاستثناء، كقولك: "عدا فلان طوره"، أي: تجاوزه، ولم يصح في "خلا" لكونها قاصرة، فكيف تنصب المفعول به؟ قلت: ضمنوها في الاستثناء معنى "جاوز"، وحسن ذلك؛ لأن كل من خلا من شيء قد جاوزه. ا. هـ.
"وفاعلهما ضمير مستتر" فيهما. "وفي مفسره وفي موضع الجملة" منهما "البحث السابق" في "ليس" و"لا يكون"، فيكون فاعلهما المضمر إما عائدًا على اسم الفاعل المفهوم من الفعل السابق, فإذا قلت: "قاموا عدا زيدً" فالتقدير: عدا هو، أي4: القائم زيدًا، وإما على مصدر الفعل، أي: عدا القيام زيدًا، وإما على البعض المدلول عليه بكله السابق، أي: عدا هو، أي: بعضهم زيدًا، وفيه نظرًا؛ لأن المقصود من قولك: "قام القوم عدا زيدًا" أن زيدا لم يكون معهم أصلا، ولا يلزم من خلو بعض القوم منه، ومجاوزة بعضهم إياه خلو الكل، ولا مجاوزة الكل، بخلاف قولك: "قاموا ليس زيدًا"؛ لأن البعض هنا في سياق النفي, فيشمل كل بعض من القوم, فحصل المقصود من الاستثناء بخلافه، وجملتا الاستثناء في موضع نصب على الحال أو مستأنفتان، فلا موضع لهما.
"وتدخل عليهما" أي: على "خلا" و"عدا" ""ما" المصدرية"، وهو مشكل على ما تقدم من أن "خلا" و"عدا" جامدان، و"ما" المصدرية لا توصل بفعل
__________
1 شرح المرادي 2/ 176.
2 بعده في "ب": "شبهه".
3 مغني اللبيب ص178.
4 سقطت من "ب".(1/564)
جامد، كما نص عليه في التسهيل1. وعلى القول بجواز دخول "ما" عليهما "فيتعين النصب" في المستثنى عند الجمهور2، "لتعين الفعلية حينئذ". وإليه الإشارة بقوله:
329-
.......................... ... وبعد ما انصب...................
"كقوله" وهو لبيد: [من الطويل]
428-
"ألا كل شيء ما خلا الله باطل" ... ......................................
أي: ذاهب وفان، أخذا من قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] جملة "ما خلا الله" استثنائية، ويحتمل أن تكون صفة للمضاف أو المضاف إليه، و"ما" زائدة، والتقدير: كل شيء غير الله باطل، وعلى هذا فلا استثناء، قاله الشيخ طاهر.
"وقوله": [من الطويل]
429-
"تمل الندامى ما عداني فإنني" ... بكل الذي يهوى نديمي مولع
فـ"عدا" فعل ماض، "ولهذا دخلت" عليه "نون الوقاية"، و"ما" موصول حرفي، و"عدا" صلته، "وموضوع الموصول وصلته نصب" بلا خلاف، "إما على الظرفية" الزمانية "على حذف مضاف أو على الحالية على التأويل باسم الفاعل"، وتلك الحال فيها معنى الاستثناء، "فمعنى "قاموا ما عدا زيدًا": قاموا وقت مجاوزتهم زيدًا" على الأول، "أو مجاوزين زيدًا" على الثاني وبه قال السيرافي، أوعلى الاستثناء كانتصاب "غير" في "قاموا غير زيدًا"، وإليه ذهب ابن خروف3. والذي ينبغي أن يعتمد عليه هو الأول، فإن كثيرًا ما يحذف اسم الزمان، وينوب عنه المصدر كما تقدم في بابه.
"وقد يجران على تقدير "ما" زائدة"، وبه قال الجرمي والربعي والكسائي والفارسي وابن جني4، وأشار الناظم إليه بقوله:
__________
1 التسهيل ص37.
2 شرح المرادي 2/ 123.
428- تقدم تخريج البيت برقم 4.
429- تقدم تخريج البيت برقم 67.
3 انظر ما ذهب إليه ابن السيرافي وابن خروف في الارتشاف 2/ 318، وشرح التسهيل 2/ 278.
4 انظر ما ذهبوا إليه في همع الهوامع 1/ 233.(1/565)
329-
................. ... ........... وانحرار قد يرد
قال في المغني1: فإن قالوا بالزيادة قياسًا ففاسد؛ لأن "ما" لا تزاد قبل الجار والمجرور بل بعده نحو: {عَمَّا قَلِيْلٍ} [المؤمنون: 40] ، وإن قالوا ذلك سماعًا فهو من الشذوذ بحيث لا يقاس عليه انتهى. وهو مخالف لما هنا.
__________
1 مغني اللبيب ص179.(1/566)
"فصل":
"والمستثنى بـ"حاشا" عند سيبويه مجرور1 لا غير" بالبناء على الضم مع لا، وفي المغني أن ذلك لحن، وأن صوابه: ليس غير, واختار ابن مالك عدم التفرقة، ونقله عن العرب، وأنشد عليه: [من الطويل]
430-
............................ ... ............... لا غير...............
"وسمع غيره" أي: غير سيبويه "النصب" رواه الأخفش وغيره2 "كقوله: اللهم اغفر لي ولمن يسمع حاشا الشيطان وأبا الأصبغ3" بنصب "الشيطان"، و"أبا الأصبغ" بفتح الهمزة وإهمال الصاد وإعجام الغين وليس بمنظوم كما قد يتوهم، فإن قلت: المغفرة أمر حسن لا يتنزه أحد عنه فلم استثنى "حاشا"؟ قلت: تنبيها على أن الشيطان لشدة حساسته وإفراطه في قبح الحال وسوء الصنيع تنزه المفغرة عنه، ويعظم شأنها أن تتعلق به. وجعل "أبا الأصبغ" قرينا للشيطان تنبيها على التحاقه به في خساسة القدر وقبح الفعل مبالغة في الذم، قاله الدماميني، وقد ثبت النصب بنقل أبي زيد والفراء، والأخفش، والشيباني وابن خروف، وأجازه الجرمي والمازني والمبرد والزجاج والناظم4 حيث قال:
331-
وكخلا حاشا............ ... ..................................
__________
1 الكتاب 2/ 349.
430- تمام البيت:
"جوابا به تنجو اعتمد فوربنا ... لعن عمل اسلفت لا غير تسأل"
وهو بلا نسبة في الدرر 1/ 450، وشرح الأشموني 2/ 321، وشرح التسهيل 3/ 209، وهمع الهوامع 1/ 210.
2 انظر شرح التسهيل 2/ 306, 307، وشرح المفصل 2/ 85، وفيهما أن المازني وأبا عمرو الشيباني روياه بالنصب.
3 أوضح المسالك 2/ 293، وشرح ابن عقيل 1/ 621، وشرح ابن الناظم ص226.
4 انظر آراءهم في شرح المرادي 2/ 127.(1/567)
"والكلام في موضعها"؛ حال كونها "جارة وناصبة؛ وفي فاعلها كالكلام في أختيها" "عدا" و"خلا" وتقدم مشروحًا.
"ولا يجوز دخول "ما" عليها" كما أفاده الناظم بقوله:
331-
............ ولا تصحب ما ... ...................................
"خلافًا لبعضهم"، واستدل له ابن مالك بقوله صلى الله عليه وسلم: "أسامة أحب الناس إلي ما حاشا فاطمة" 1 بناء على أن "ما حاشا فاطمة" من الحديث2، وليس بمدرج، ورده في المغني3 بأن:"ما نافية لا مصدرية، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم لم يستثن فاطمة" وأن "ما حاشا فاطمة" مدرج من كلام الراوي، ويؤيده في معجم الطبراني4 "ما حاشا فاطمة ولا غيرها". وأما قول الأخطل: [من الوافر]
431-
رأيت الناس ما حاشا قريشا ... فإنا نحن أفضلهم فعالًا
فنادر.
قال الموضح في شرح اللمحة: ويحتمل أن يكون "حاشا" فيه فعلا متعديا متصرفا من حاشيته بمعنى استثنيته, واشتقاقه من الحاشية، كأن المراد أنك أخرجته منه، وعزلته عنه5. ا. هـ.
"ولا" يجوز "دخول "إلا"" على "حاشا" "خلافًا للكسائي" في إجازته ذلك إذا جرت نحو: "قام القوم إلا حاشا زيد"، ومنعه إذا نصبت، وحكاه أيضًا أبو الحسن عن العرب، ومنعه البصريون مطلقًا، وحملوا ما ورد من ذلك على الشذوذ، قاله المرادي في شرح التسهيل، ووجه بعضهم قول الكسائي بأن "حاشا" ضعفت في الاستثناء فقويت بـ"إلا" كما قويت "لكن" العاطفة بـ"الواو" لوقوعها غير عاطفة، وكما قويت "هل" بـ"أم" في الاستفهام نحو: أم هل؟.
__________
1 أخرجه أحمد في المسند 8/ 81, 82 برقم 5707، وهو من شواهد شرح ابن الناظم ص225، وشرح ابن عقيل 1/ 622.
2 شرح التسهيل 2/ 308.
3 مغني اللبيب ص164.
4 في معجم الطبراني الكبير 1/ 159، حديث رقم 372: "أسامة أحب الناس إلي".
431- البيت للأخطل في خزانة الأدب 3/ 387، والدر 1/ 502، وشرح شواهد المغني 1/ 368، والمقاصد النحوية 3/ 136، وبلا نسبة في الجنى الداني ص565، وشرح الأشموني 1/ 239، وشرح ابن عقيل 1/ 324، وشرح المرادي 2/ 128، ومغني اللبيب 1/ 121، وهمع الهوامع 1/ 233.
5 نقله الشنقيطي في الدرر 1/ 502.(1/568)
باب الحال
مدخل
...
باب الحال:
"هذا باب الحال":
وألفها منقلبة عن واو، لقولهم في جمعها أحوال، وفي تصغيرها حويلة، واشتقاقها من التحول وهو التنقل، ويجوز فيها التذكير والتأنيث لفظًا ومعنى, والمذكور في هذا الباب حدها ثم صفاتها ثم تخصيص صاحبها ثم الترتيب بينها وبين صاحبها ثم بينها وبين عاملها ثم تعددها ثم توكيدها ثم انقسامها إلى مفرد وظرف وجملة ثم حذف حاملها.
"الحال نوعان: مؤكدة" هي التي يستفاد معناها بدون ذكر ما، "وستأتي ومؤسسة"، ويقال لها: المبينة، "وهي" التي لا يستفاد معناها بدون ذكرها، وحدها: "وصف، فضلة، مذكورة لبيان الهيئة" للفاعل أو المفعول أو لهما معًا، فالأول: "كـ"جئت راكبًا"" فـ"راكبًا" مبين لهيئة الفاعل، وهو التاء. "و" الثاني: نحو: "زيد "ضربته مكتوفًا"" فـ"مكتوفًا" مبين لهيئة المفعول، وهو الهاء، "و" الثالث: نحو: "زيد "لقيته راكبين"" فـ"راكبين" مبين لهيئة الفاعل، وهو تاء المتكلم، ولهيئة المفعول، وهو هاء الغائب، ولا يكون لغير الفاعل والمفعول، وما خالف ذلك يؤول بهما نحو: "زيد في الدار جالسًا"، فـ"جالسًا" حال من ضمير الظرف المستتر فيه وهو فاعل معنى لا من المبتدأ على الأصح، و: {هَذَا بَعْلِي شَيْخًا} [هود: 72] فـ"شيخا" حال من "بعلي"، وهو مفعول معنى تقديره: أنبه على بعلي أو أشير إلى بعلي، قاله في المتوسط1.
__________
1 المتوسط ص153.(1/569)
"وخرج بذكر الوصف نحو: "القهقرى" في "رجعت القهقرى""، فإنه وإن كان مبينًا لهيئة الفاعل إلا أنه مصدر لا وصف، والمراد بالوصف ما كان صريحًا أو مؤولا به لتدخل الجملة وشبهها من الظرف والجار والمجرور إذا وقعت حالًا فإنها في تأويل الوصف.
"و" خرج "بذكر الفضلة الخبر في نحو: "زيد ضاحك" فإن "ضاحك" وإن كان مبينا للهيئة فهو عمدة لا فضلة، والمراد بالفضلة هنا ما يأتي بعد تمام الجملة، لا ما يستغني الكلام عنه، ليدخل نحو: "كسالى" من قوله تعالى: {قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142] ، فإن "كسالى" حال، ولا يستغني الكلام عنه.
"و" خرج "بالباقي" وهو قوله: مذكورة لبيان الهيئة "التمييز في نحو: "لله دره فارسًا" والنعت في نحو: "جاءني رجل راكب"، فإن" "فارسًا" و"راكب" وإن حصل بهما بيان الهيئة فليسا مذكورين لذلك؛ لأن "ذكر التمييز لبيان جنس المتعجب منه" وهو الفروسية "وذكر النعت لتخصيص المنعوت" وهو رجل؛ بالنعت "وإنما وقع بيان الهيئة بهما ضمنا لا قصدًا"، ورب شيء يقصد لمعنى خاص وإن لزم منه معنى آخر، "وقال الناظم" في النظم:
332-
"الحال وصف فضلة منتصب ... مفهم في حال كذا".........
بزيادة: "كذا" لبيان المراد. "فالوصف جنس يشمل الخبر والنعت والحال، وفضلة" فصل أول "مخرج للخبر" في نحو: "زيد ضاحك"، فإنه عمدة. "ومنتصب" فصل ثان "مخرج لنعتي المرفوع والمجرور، كـ: "جاء رجل راكب" و"مررت برجل راكب"" فإنهما وإن قيدا المنعوت فليسا بمنصوبين. "ومفهم في حال كذا" فصل ثالث "مخرج لنعت المنصوب كـ: "رأيت رجلًا راكبًا" فإنه" أي: النعت "إنما سيق" بكسر السين وسكون الياء المثناة تحت "لتقييد المنعوت" به "فهو لا يفهم في حال كذا بطريق القصد، وإنما أفهمه بطريق اللزوم"؛ لأن المقصود بالذات
التقييد بالنعت، وإن لزم منه بيان الهيئة بالعرض.
"وفي هذا الحد" الذي ذكره الناظم "نظر؛ لأن" المقصود من الحد تصور ماهية المحدود، وهي لا تتصور إلا بجميع أجزاء الحد، وقد جعل "النصب" جزءًا من الحد مع أنه "حكم" من أحكام المحدود. "والحكم فرع التصور" إذ لا يحكم على شيء إلا بعد تصوره. "والتصور" لماهية المحدود "موقوف على" جميع أجزاء "الحد".(1/570)
ومن جملتها النصب وهو حكم، "فجاء الدور" وهو توقف الشيء على ما يوقف عليه، إما بمرتبة كتوقف "أ" على "ب" و"ب" على "أ"، أو بمراتب كتوقف "أ" على "ب" و"ب" على "ج" و"ج" على "أ" والدور مبطل للحد، وأجيب باختلاف الجهة، فإن الحكم ليس موقوفًا على التصور بكنه الحقيقة المتوقفة على الحد حى يلزم البطلان. وإنما هو متوقف على التصور بوجه ما، وذلك لا يتوقف على الحد، فلا يلزم البطلان. وفيه نظر؛ لأن الغرض من الحد معرفة المحدود بكنه حقيقته ليحكم عليه، والتصور: وجه ما لا يكفي في ذلك.(1/571)
"فصل":
"للحال" من حيث هي "أربعة أوصاف:
أحدها: أن تكون متنقلة"، وهو الأصل فيها؛ لأنها مأخوذة من التحول، وهو التنقل، قاله أبو البقاء لا ثابتة دائمًا، والمراد أنها تنقسم باعتبار انتقال معناها ولزومه إلى قسمين:
منتقلة: "وذلك" الانتقال "غالب" فيها "لا لازم كـ: جاء زيد ضاحكًا"، ألا ترى أن الضحك يزايل زيدًا ويفارقه.
وثابتة: وذلك قليل، فلذلك قال: "وتقع وصفًا ثابتًا في ثلاث مسائل:
إحداها: أن تكون مؤكدة" لمضمون جملة قبلها "نحو: زيد أبوك عطوفًا" أو لعاملها نحو: " {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} " [مريم: 33] ، أو لصاحبها نحو: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] فإن الأبوة من شأنها العطف، والبعث من لازمه الحياة، والعموم من مقتضياته الجمعية1.
المسألة "الثانية: أن يدل عاملها على تجدد" ذات "صاحبها" وحدوثه، أو تجدد صفة له، فالأول "نحو: خلق الله الزرافة" بفتح الزاي أفصح من ضمها "يديها أطول من رجليها فـ: يديها" بدل من "الزرافة" "بدل بعض" من كل، "وأطول: حال ملازمة" من "يديها"، و"من رجليها" متعلق بـ"أطول"؛ لأنه اسم تفضيل، وعامل الحال "خلق"، وهو يدل على تجدد المخلوق. قال أبو البقاء: وبعضهم يقول: "يداها أطول" بالرفع، فـ"يداها": مبتدأ، و"أطول" خبره، والجملة حالية، ا. هـ.
ولا تتعين الحالية لجواز الوصفية؛ لأن الزرافة معرفة2 بـ"أل" الجنسية.
والثاني نحو: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} [الأنعام: 114] فـ"الكتاب" قديم، والإنزال حادث، وهو أحد ما فسر به الحدوث في قوله تعالى:
__________
1 شرح ابن الناظم ص228.
2 في "أ": "معرف".(1/572)
{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] قاله الموضح في شرح اللمحة، فجعله مما له ضابط، وسيأتي له ما يخالفه.
المسألة "الثالثة": أن يكون مرجعها إلى السماع "نحو: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} " من قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18] إذا أعرب "قائمًا" حالًا من فاعل "شهد"، وهو الله تعالى. واعتذر الزمخشري عن إفراده بالحال دون المعطوفين عليه؛ وإن كان مثل "جاء زيد وعمرو راكبًا" لا يجوز؛ بأن هذا إنما جاء لعدم الإلباس. وسكت عن بيان جهة تأخيره عن المعطوفين1.
قال التفتازاني2: كأنها للدلالة على علو مرتبتهما. "ونحو: {أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} " [الأنعام: 114] ، أي: مبينا فيه الحق والباطل، بحيث نفى التخليط والإلباس، "ولا ضابط لذلك بل هو موقوف على السماع"، فلا يقاس عليه.
"ووهم ابن الناظم" في شرح النظم، "فمثل بـ"مفصلًا" في الآية" المذكورة "للحال التي تجدد صاحبها3". قال في المغني4: وهذا سهو منه، فإن القرآن قديم. ا. هـ. وقال الدماميني في شرحه5: والسهو إنما هو منه؛ أي: من لموضح؛ فإن الإنزال يقتضي الانتقال، والقديم لا يقبله ا. هـ. وقال الشمني: الجواب عن هذا أن "أنزل"؛ الذي هو عامل في الحال؛ يدل على تجد مفعوله الذي هو صاحب الحال، ولا يلزم من دلالته على تجددِه تجددُه، لقيام الدليل القاطع على قدمه، وعلى صرف هذه الدلالة عن ظاهرها، على أن الذي يمتنع تجدده هو الكلام القائم بذاته تعالى. لا العبارة الدالة عليه، والمتصف بالنزول هو الثاني لا الأول، ا. هـ.
والوصف "الثاني: أن تكون مشتقة" من المصدر "لا جامدة، وذلك أيضًا غالب لا لازم" كـ: "جاء زيد ضاحكًا" فإن "ضاحكًا" مشتق من الضحك، وإلى هذين الوصفين أشار الناظم بقوله:
333-
وكونه منتقلا مشتقا ... يغلب.....................
"وتقع جامدة مؤولة بالمشتق في ثلاث مسائل:
__________
1 الكتاب 1/ 179.
2 حاشية الصبان 2/ 170.
3 شرح ابن الناظم ص228.
4 مغني اللبيب ص605.
5 في "ب", "ط": "شرحيه".(1/573)
إحداها: أن تدل على تشبيه نحو: كر زيد أسدًا، و: بدت الجارية قمرًا وتثنت غصنا" فـ"أسدا": حال من "زيد"، و"قمرًا": حال من الجارية،"وغصنا": حال من فاعل "تثنت" المستتر فيه، وهي أحوال جامدة مؤولة بمشتق، فـ"أسدا": مؤول بشجاعة، و"قمرًا": مؤول بمضيئة، و"غصنا": مؤول بمعتدلة، "أي: شجاعًا ومضيئة ومعتدلة". والمعنى فيهن على التشبيه. "وقالوا" في المثل: "وقع المصطرعان عدلي عير1" فـ"عدلي" بالتثنية: حال جامدة من "المصطرعان"، و"عير" بفتح العين المهملة: الحمار وحشيا كان أم أهليا، مضاف إليه، "وعدلي": مؤول بمصطحبين على تقدير مضاف "أي: مصطحبين اصطحاب عدلي حمار حين سقوطهما"، وقيل هذه الأمثلة ونحوها على حذف مضاف، والتقدير: مثل أسد، ومثل قمر، ومثل غصن، ومثل عدلي عير، وإليه يرشد قوله في النظم:
335-
................ ... وكر زيد أسدًا أي كأسد
أي: مثل أسد، وصرح بذلك في التسهيل فقال2: أو تقدير مضاف قبله، وهو أصرح في الدلالة على التشبيه؛ لأنها إذا أولت بالمشتق خفي فيها الدلالة على التشبيه.
المسألة "الثانية" من الثلاث: "أن يدل على مفاعلة" من الجانبين "نحو:" "البر "بعته" زيدًا "يدا بيد"، فـ"زيدًا": حال من الفاعل والمفعول، و"بيد": بيان. قال سيبويه3: كما كان لك في "سقيا لك" بيانًا أيضًا، فيتعلق بمحذوف استؤنف للتبيين. قال في المغني4: وفيه معنى المفاعلة، "أي: متقابضين". "و" "زيد "كلمته فاه إلى في"" بالتشديد، فـ"فاه": حال من الفاعل والمفعول، و"إلى في": بيان وفيه معنى المفاعلة. "أي: متشافهين" وما ذهب إليه الموضح من أن "فاه" منصوب على الحال لكونه، واقعًا موقع مشافها ومؤديا معناه هو مذهب سيبويه5، وجرى عليه في التسهيل6.
__________
1 المثل من شواهد أوضح المسالك 2/ 298، وشرح ابن الناظم ص229، وهو برواية: "وقعا كعكمي عير" في مجمع الأمثال 2/ 364، وفصل المقال ص198، وجمهرة الأمثال 2/ 328، 336.
2 التسهيل ص108.
3 الكتاب 1/ 394.
4 مغني اللبيب ص604.
5 الكتاب 1/ 391.
6 التسهيل ص108.(1/574)
وزعم الفارسي أن "فاه" حال نائبة مناب جاعل، ثم حذف وصار العامل كلمته.
وذهب السيرافي إلى أنه اسم موضوع موضع المصدر الموضوع موضع الحال، والأصل: كلمته متشافهة، فوضع "فاه" موضع مشافهة، ومشافهة موضع مشافها.
وذهب الأخفش إلى أن الأصل: من فيه إلى في، فحذف حرف الجر، وانتصب "فاه" ورده المبرد بأنه تقدير لا يعقل؛ لأن الإنسان لا يتكلم من في غيره، وأجاب أبو علي بأنه إنما يقال ذلك في معنى كلمني وكلمته فهو من المفاعلة.
وذهب الكوفيون إلى أن أصله: جاعلًا فاه إلى في، فهو مفعول به، ورده السيرافي بامتناع كلمته وجهه إلى وجهي، وعينه إلى عيني، وهذا المثال لا يقاس عليه؛ لأن فيه إيقاع جامد موقع مشتق، ومعرفة موقع نكرة، ومركب موقع مفرد، والوارد منه قليل1.
المسألة "الثالثة" من الثلاث:"أن تدل على ترتيب كـ"ادخلوا رجلًا رجلًا" ورجلين رجلين2 ورجالًا رجالًا". وضابطه أن يأتي التفصيل بعد ذكر المجموع بجزئه مكررًا. قاله الرضي3.
وفي النصب الجزء الثاني خلاف، ذهب الزجاج4 إلى أنه توكيد، وهذ ابن جني إلى أنه صفة للأول، وذهب الفارسي إلى أنه منصوب بالأول؛ لأنه لما وقع موقع الحال جاز أن يعمل.
قال المرادي: والمختار أنه وما قبله منصوبان بالعامل الأول؛ لأن مجموعهما هو الحال، ونظيره في الخبر "هذا حلو حامض" ولو ذهب إلى أن نصبه بالعطف على تقدير حذف الفاء والمعنى: رجلًا فرجلًا لكان مذهبا حسنا، ونص أبو الحسن على أنه لا يجوز أن يدخل حرف عطف في شيء من المكررات إلا الفاء خاصة. ا. هـ.
قال الرضي: أو "ثم" نحو: "مضوا كبكبة ثم كبكبة" "أي: مترتبين5".
"وتقع" لحال "جامدة غير مؤولة بالمشتق في سبع مسائل، وهي أن تكون موصوفة" بمشتق أو شبهه.
__________
1 انظر الآراء السابقة والردود عليها في الارتشاف 2/ 325، وشرح التسهيل 2/ 324.
2 سقطت من "ط".
3 شرح الرضي 2/ 34.
4 انظر همع الهوامع 1/ 238، وفي "أ": "الزجاجي".
5 شرح الرضي 2/ 34، أي: مترتبين هذا الترتيب المعين.(1/575)
فالأول "نحو: {قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} " [الزمر: 28] ، فـ"قرآنا" حال من القرآن في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ} [الزمر: 28] والاعتماد فيها على الصفة, وهي "عربيا" " {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} " [مريم: 17] فـ"بشرًا" حال من فاعل تمثل، وهو الملك، والاعتماد فيه على الصفة، وهي "سويا".
والثاني نحو: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} [الدخان: 4، 5] قاله1 أبو حيان2. "وتسمى3" الحال الجامدة الموصوفة "حالًا موطئة" بكسر الطاء؛ لأنها ذكرت توطئة للنعت بالمشتق أو شبهه هذا مقتضى كلامه، وبه صرح في المغني، فقال4: فإنما ذكر "بشرًا" توطئة لذكر سويا". ا. هـ.
وقال ابن بابشاذ5 في: {وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا} [الأحقاف: 12] "لسان": حال؛ لأنه لما نعت اللسان بعربي؛ والصفة والموصوف كالشيء الواحد؛ صارت الحال شبيهة بالمشتق، وصار "عربيا" هو الموطئة لكون اللسان حالًا، وليس حقيقة اللسان أن يكون [حالًا لكونه] 6 جامدًا لولا ما ذكر من الصفة. ا. هـ. فمقتضاه أن الموطئة هي الصفة الحال لا الحال الموصوفة، والموطئة لغة: المهيئة.
"أو دالة على سعر" بكسر السين المهملة "نحو:" "هذا البر "بعته مدا بكذار"" فـ"مدا": حال من الهاء فـ"بكذا": بيان لـ"مدا".
"أو" دالة على "عدد نحو: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} " [الأعراف: 142] فـ"أربعين": حال من "ميقات"، و"ليلة": تمييز.
"أو" دالة على "طور" بفتح الطاء المهملة وسكون الواو؛ أي: حال، قاله ابن الأنباري؛ "واقع فيه تفضيل" بالضاد المعجمة "نحو: هذا بسرًا" بضم الموحدة وسكون المهملة "أطيب منه رطبًا" بضم الراء وفتح الطاء؛ فـ"بسرًا" حال من فاعل "أطيب"، المستتر فيه، و"رطبًا": حال من الضمير المجرور بـ"من"، والمعنى: هذا في حال كونه بسرًا أطيب من نفسه في حال كونه رطبًا، وسيأتي بأوسع من هذا.
__________
1 في "ط": "قال".
2 الارتشاف2/ 334.
3 في "أ": "سمي".
4 مغني اللبيب ص605.
5 شرح المقدمة المحسبة 2/ 311.
6 إضافة ضرورية من المصدر السابق.(1/576)
"أو تكون نوعًا لصاحبها نحو: هذا مالك ذهبًا"، فـ"ذهبًا": حال من "مالك"، وهو نوع منه، فإن الذهب نوع من المال.
"أو فرعًا" له أي: لصاحبها "نحو: هذا حديدك خاتمًا"، فـ"خاتمًا": حال من حديدك، وهو فرع له، فإن الخاتم فرع الحديد، "و: {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} " [الأعراف: 74] فـ"بيوتًا": حال من "الجبال"، والبيوت فرع للجبال، وفي غالب النسخ: من الجبال بيوتًا، وهو سهو فإن "بيوتًا" على هذا مفعول به لا حال.
"أو أصلًا له" أي: لصاحبها "نحو: هذا خاتمك حديدًا"، فـ"حديدًا" حال من "خاتمك"، وهو أصل له، فإن الحديد أصل للخاتم، "و: {أأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} " [الإسراء: 61] فـ"طينًا": حال، إما من الضمير المحذوف العائد على الموصول بناء على جواز حذف صاحب الحال، أو من الموصول1 المجرور باللام، وعلى التقديرين فالطين أصل للمخلوق، وهذا أحسن من جعل "طينًا" منصوبا بنزع الخافض، فإنه موقوف على السماع في غير "أن" و"إن" و"كي".
وهذه المسائل العشر2؛ غير مسألة العدد؛ مأخوذة من التسهيل، ونصه3: ويغني عن اشتقاقه وصفه، أو تقدير مضاف قبله، أو دلالته على مفاعلة، أو سعر، أو ترتيب، أو أصالة، أو تفريع، أو تنويع، أو طور واقع فيه تفضيل.
"تنبيه: أكثر هذه الأنواع" العشرة "وقوعًا مسألة السعر، والمسائل الثلاث الأول" جمع أولى، وهي ما دل على تشبيه أو مفاعلة أو ترتيب، "وإلى ذلك يشير قوله" في النظم:
334-
"ويكثر الجمود في سعر وفي ... مبدي تأول بلا تكلف"
"ويفهم منه أنها تقع جامدة بقلة في مواضع أخر، وأنها لا تؤول بالمشتق4، كما لا تؤول الواقعة في التسعير. وقد بينتها كلها" بقولي أولًا: وتقع جامدة مؤولة بالمشتق في ثلاث مسائل، وبقولي ثانيًا: وتقع جامدة غير مؤولة بالمشتق في سبع مسائل إلى قولي5 في التنبيه: وإلى ذلك يشير.
__________
1 في "ط": "الوصوف".
2 في "أ", "ب": "العشرة".
3 التسهيل ص108.
4 في "ط": "بالمستثنى".
5 في "ب": "قوله".(1/577)
"وزعم" بدر الدين "ابنه" أي: ابن الناظم في شرح النظم1 "أن" المسائل العشر "الجميع تؤول بالمشتق، وهذا تكلف" منه، "وإنما قلنا" نحن "به" أي: بالتأويل "في" المسائل "الثلاث الأول" وهي ما دل على تشبيه أو مفاعلة أو ترتيب "لأن اللفظ فيها مراد به غير معناه الحقيقي، فالتأويل فيها واجب"، وقد تقدم كيفيته وأما2 كيفية تأويل السبع الباقية على القول به فإن الأولى على معنى سويا في صفة البشر، والثانية على معنى مسعرًا، والثالثة على معنى معدودًا، والرابعة على معنى مطورًا، والخامسة على معنى منوعًا، والسادسة على معنى مفرعًا3 والسابعة على معنى متأصلًا4 أو مصنوعًا.
الوصف "الثالث" من أوصاف الحال: "أن تكون نكرة لا معرفة، وذلك لازم"؛ لأن الغالب كونها مشتقة، وصاحبها معرفة، فالتزم تنكيرها لئلا يتوهم كونها نعتًا إذا كان صاحبها منصوبًا وحمل غيره عليه، "فإن وردت بلفظ المعرفة أولت بنكرة" محافظة على ما استقر لها من لزوم التنكير. وعدل عن قول التسهيل5: "وقد يجيء معرفًا" إلى قوله: "بلفظ المعرفة"؛ لأنه ليس بمعرفة عند الجمهور، وإنما هو على صورة المعرفة، وإلى ذلك يشير قول الناظم:
336-
والحال إن عرف لفظًا فاعتقد ... تنكيره معنى........................
وذلك أن العرب "قالوا: جاء وحده": فـ"وحده" حال من فاعل "جاء" المستتر فيه، وهو معرفة بالإضافة إلى الضمير، فيؤول بنكرة من لفظه أو من معناه "أي" متوحدًا أو "منفردًا6. و" قالوا: "رجع عوده على بدئه7" فـ"عوده" بفتح العين: حال من فاعل "رجع" المستتر وهو معرفة بالإضافة إلى الضمير، فيؤول بنكرة من لفظه أو من معناه "أي: عائدًا" أو راجعا، و"على بدئه": بيان، والمعنى: رجع آخره على أوله، قاله الجرمي، وقال أبو البقاء، معناه: رجع عائدًا في الحال. وقال الشاطبي: معناه راجعًا على
__________
1 شرح ابن الناظم ص229, 230.
2 سقطت من "أ".
3 في "ب", "ط": "مصوغا".
4 في "ب": "مفاضلا".
5 التسهيل ص108.
6 شرح ابن الناظم ص231، وشرح التسهيل 2/ 326.
7 مجمع الأمثال 1/ 162.(1/578)
طريقه. "و" قالوا "ادخلوا الأول فالأول" فـ"الأول" المبتدأ به: حالًا من الواو في "ادخلوا"، و"الأول" الثاني: معطوف بالفاء، وهما بلفظ المعرف بـ"أل" فيؤولان بنكرة، "أي: مترتبين" واحدًا فواحدًا. "و" قالوا "جاءوا1 الجماء الغفير2" فـ"الجماء": حال من الواو في "جاءوا"، وهي بلفظ المعرف بـ"أل" فتؤول بنكرة "أي: جميعًا"، و"الغفير" بفتح الغين المعجمة وكسر الفاء: من الغفر بمعنى الستر والتغطية، فعيل بمعنى فاعل نعت الجماء، "والجماء" بالجيم والمد: تأنيث الجم، وهو الكثير، ومنه قوله تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20] وكان القياس أن يقولوا: الجم الغفير أو الجماء الغفيرة، ولكنهم أنثوا الموصوف على معنى الجماعة، وذكروا الوصف حملًا للفعيل3 بمعنى الفاعل على الفعيل بمعنى المفعول، أي: الجماعة الكثيرة الساترة لوجه الأرض لكثرتها. "و" قالوا في الإبل: "أرسلها العراك" فـ"العراك" بكسر العين المهملة: حال من الهاء في "أرسلها"، هي بلفظ العرف بـ"أل" فيؤول بنكرة، "أي: معتركة"، قال لبيد: [من الوافر]
432-
فأرسلها العراك ولم يذدها ... ولم يشفق على نغص الدخال
"والنغص" بفتح النون والغين المعجمة وبالصاد المهملة: مصدر، نغص الرجل إذا لم يتم مراده، "والدخال" بكسر الدال المهملة والخاء المعجمة: من المداخلة، و"العراك: مصدر عارك معاركة وعراكًا، أي: ازدحم، وصف إبلًا أوردها الماء مزدحمة. وخرجها والتي قبلها في شرح الشذور4 على زيادة "أل"، وما هنا أولى، ليكون التأويل في الجميع على نسق واحد الوصف.
"الرابع" من أوصاف الحال: "أن تكون نفس صاحبها في المعنى"؛ لأنها وصف له وخبر عنه، والوصف نفس الموصوف، والخبر نفس المخبر عنه، "فلذلك"
__________
1 في "ب", "ط": "جاء".
2 شرح ابن الناظم ص230، وشرح التسهيل 2/ 326.
3 في "ط": "الفعل".
432- البيت للبيد في ديوانه ص86، وأساس البلاغة "نغص" وخزانة الأدب 3/ 192، وشرح أبيات سيبويه 1/ 20، وشرح المفصل 2/ 62، وشرح ابن عقيل 1/ 360، والكتاب 1/ 372، ولسان العرب 7/ 99، "نغص" 10/ 465، "عرك" 11/ 243، "دخل" والمقاصد النحوية 3/ 219، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 85، والإنصاف 2/ 822، وشرح ابن الناظم ص230، والمقتضب 3/ 237، وأوضح المسالك 2/ 304.
4 شرح شذور الذهب ص250.(1/579)
الاتحاد "جاز: جاء زيد ضاحكًا"؛ لأن الضاحك هو "زيد" في المعنى، "وامتنع" أن يقال: "جاء زيد ضحكا"؛ لأن الضحك مصدر وزيد ذات، والمصدر يباين1 الذات، "وقد جاءت مصادر أحوالًا بقلة في المعارف كـ: جاء وحده، و: أرسلها العراك".
وفيها شذوذان: المصدرية والتعريف بالإضافة في الأول والأداة2 في الثاني.
وزعم سيبويه3 أن الذي جوز تعريفها أنها شبهت بالمصادر المنتصبة بأفعالها كـ: "الحمد لله"، و"العجب لزيد"، حيث كانت مصادر مثلها، وكانت غير الأول، وغير ما هي له صفات. ا. هـ.
وقال ابن الشجري4: الأصل: تعترك العراك، ثم أقيم المصدر مقام فعله المنتصب على الحال، وكذا التقدير في "جاء وحده" فهذه واقعة موقع الأحوال لا أحوال. ا. هـ.
وحكى الأصمعي5: "وحد يحد" كـ: "وعد يعد" فعلى هذا يقال: "وحد وحدة" مصدران لفعل مستعمل وهو "وحد" كما يقال: "وعدة وعدة" مصدران لـ"وعد".
وأجاز يونس والبغداديون أن يأتي الحال معرفة، وقاسوا على ذلك نحو: "ادخلوا الأول فالأول"6.
وأجاز الكوفيون مجيئها على صورة المعرفة إذا كان فيها معنى الشرط نحو: "عبد الله المحسن أفضل منه المسيء", فـ: المحسن" و"المسيء" حالان، وصح مجيئهما بلفظ المعرفة لتأويلهما بالشرط، والتقدير: عبد الله إذا أحسن أحسن منه إذا أساء، فإن لم يتقدر بالشرط لم يصح تعريفها لفظًا، فلا يقال عندهم: "جاء عبد الله المحسن"، إذ لا يصح: جاء عبد الله إن أحسن6.
"و" جاءت مصادر أحوالًا "بكثرة في النكرات"، وفيها شذوذ واحد وهو المصدرية، وكان الأصل ألا تقع أحوالًا؛ لأنها غير صاحبها في المعنى، لكنهم لما كانوا
__________
1 في "أ": "بيان".
2 في "ب": "الأدوات".
3 الكتاب 1/ 372.
4 أمالي ابن الشجري 2/ 284.
5 الارتشاف 340.
6 الارتشاف 2/ 377، وشرح ابن عقيل 1/ 388، وهمع الهوامع 1/ 239.(1/580)
يخبرون بالمصادر عن الذوات كثيرًا واتساعًا نحو: "زيد عدل" فعلوا مثل ذلك في الحال1؛ لأنها خبر من الأخبار، وإلى ذلك الإشارة بقول الناظم:
337-
ومصدر منكر حالًا يقع ... بكثرة........................
"كـ: "طلع" زيد "بغته"": حال من فاعل "طلع"، "وجاء ركضًا"، فـ"ركضًا" حال من فاعل "جاء"، و"قتلته صبرًا" وهو [أن يحبس حيا ثم يرمى حتى يقتل] 2؛ فـ"صبرًا": حال من مفعول "قتلته" "وذلك" كله مع كثرته "على التأويل بالوصف"، فيؤول "بغتة" بوصف من "باغت"3، "أي: مباغتًا"، وقدره ابن عقيل4 "باغتًا" من بغت، يقال: بغته, أي: فجأه، والبغت: الفجأة، قال الشاعر5: [من الطويل]
ولكنهم كانوا ولم أدر بغتة ... وأعظم شيء حين يفجؤك البغت
"و" يؤول "ركضًا" بوصف الفاعل من ركض، أي: "راكضًا"، والركض في الأصل: تحريك الرجل، ومنه {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: 42] ، ثم كثر حتى قيل: "ركض الفرس" إذا عدا، وليس بالأصل. "و" يؤول "صبرًا" بوصف المفعول من صبر، أي: "مصبورًا، أي: محبوسًا". ووقوع المصدر النكرة حالًا كثير. "ومع كثرة ذلك فقال" سيبويه و"الجمهور6: لا ينقاس مطلقًا" سواء أكان نوعًا من العالم أم لا، كما لا ينقاس المصدر الواقع نعتًا أو خبرًا بجامع الصفة المعنوية. "وقاسه المبرد فيما كان نوعا من العامل" فيه؛ لأنه حينئذ يدل على الهيئة، بنفسه "فأجاز" قياسًا "جاء زيد سرعة"؛ لأن السرعة نوع من المجيء، "ومنع جاء ضحكًا"؛ لأن الضحك ليس نوعًا من المجيء, قال الموضح في الحواشي: وإنما قاسه المبرد، ولم يقسه سيبويه؛ لأن سيبويه يرى أنه حال على التأويل، ووضع المصدر موضع الوصف لا ينقاس، كما أن عكسه لا ينقاس، والمبرد يرى
__________
1 سقط من "ط".
2 ما بين المعقوفين سقط من "ب".
3 بعده في "ط": "لأنها بمعنى مفاجأة".
4 شرح ابن عقيل 1/ 328.
5 البيت ليزيد بن ضبة الثقفي في لسان العرب 2/ 11 "بغت" والتنبيه والإيضاح 1/ 157، وتاج العروس 4/ 445، "بغت" وبلا نسبة في تهذيب اللغة 8/ 82، وجمهرة اللغة ص255، 1043 ومجمل اللغة 1/ 279، ومقاييس اللغة 1/ 272.
6 الكتاب 1/ 370، وشرح التسهيل 2/ 328.(1/581)
أنه مفعول مطلق حذف عامله لدليل، فهو عنده مقيس كما يحذف عامل سائر المفاعيل لدليل، فهذا الخلاف مبني على الخلاف في أنه حال مفعول مطلق. ا. هـ. ومن خطه نقلت.
وظاهر كلامه هنا أنه عند المبرد حال، وهو لا يقول بذلك "وقاسه الناظم" في التسهيل1، "وابنه" في شرح النظم2 "بعد "أما"" بفتح الهمزة وتشديد الميم "نحو: أما علما فعالم"، والأصل في هذا: أن رجلا وصف عنده شخص بعلم وغيره فقال للواصف: "أما علما فعالم"، "أي: مهما يذكر شخص في حال علم، فالمذكور عالم"، كأنه منكر ما وصف به من غير العلم، فصاحب الحال على هذا التقدير نائب الفاعل، "ويذكر" ناصب الحال، لما تقرر أن العام في صاحب الحال هو العامل في الحال، ويجوز أن يكون ناصب الحال ما بعد الفاء إذا كان صالحًا للعمل فيما قبلها وصاحبها ما فيه من ضمير، والحال على هذا مؤكدة، والتقدير: مهما يكن من شيء فالمذكور عالم في حال علم، فلو كان ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها تعين أن يكون منصوبًا بفعل الشرط المقدر بعد "أما" نحو: "أما علمًا فلا علم له"، و"أما علمًا فإن له علمًا"، و"أما علمًا فهو ذو علم"؛ لأن المصدر لا يعمل في متقدم، فلو كان المصدر التالي "أما" معرفًا بـ"أل" فهو عند سيبويه مفعول له3, وذهب الأخفش إلى أن المعرف بـ"أل" والمنكر كليهما بعد "أما" مفعول مطلق4. وذهب الكوفيون إلى أنهما مفعول به بفعل مقدر، والتقدير: مهما تذكر علمًا فالذي وصفت عالم5. قال ابن مالك في شرح التسهيل6: وهذا القول عندي أولى بالصواب، وأحق ما اعتمد عليه في الجواب.
"و" قاساه7 أيضًا "بعد خبر شبه به مبتدؤه كـ: زيد زهير شعرًا" فـ"زهير" بالتصغير: خبر شبه به مبتدؤه، وهو "زيد" والتقدير: زيد مثل زهير في الشعر، وإنما حذف "مثل" ليزول لفظ التشبيه، فيكون الكلام أبلغ، "وشعرًا": حال في تقدير
__________
1 التسهيل ص109.
2 شرح ابن الناظم ص232.
3 الكتاب 1/ 385، وشرح ابن الناظم ص232.
4 شرح ابن الناظم ص232، والارتشاف 2/ 329.
5 الارتشاف 2/ 344.
6 شرح التسهيل 2/ 330.
7 أي: ابن مالك في شرح التسهيل 2/ 328, 329، وابن الناظم في شرحه ص232.(1/582)
الصفة، أي: شاعرًا، والعامل فيها ما في "زهير" من معنى الفعل، إذ معناه: مجيد، وصاحب الحال ضمير مستتر في "زهير"، لما تقرر من أن الجامد المؤول بالمشتق يتحمل الضمير، ويجوز أن يكون "شعرًا" تمييزًا لما انبهم في "مثل" المحذوفة، وهي العاملة فيه، قاله الخصاف في الإيضاح، واستظهره أبو حيان في الارتشاف1، والموضح في المغني2.
"أو قرن هو" أي: الخبر "بـ"أل" الدالة على الكمال نحو: أنت الرجل علمًا"، فـ"علمًا": حال، والعامل فيها ما في "الرجل" من معنى الفعل، إذ معناه الكامل، وفي الخاطريات لابن جني: "أنت الرجل فهمًا وأدبًا"، ويحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون في قولك: "أنت الرجل" معنى الفعل، أي: أنت الكامل فهمًا وأدبًا.
والثاني: أن يكون على معنى: تفهم فهمًا، وتأدب أدبًا. ا. هـ. قال في الارتشاف3: يحتمل عندي أن يكون تمييزًا، كأنه قال: أنت الكامل أدبًا، أي: أدبه، فهو محول عن الفاعل. ا. هـ. فيتحصل فيه ثلاثة آراء، حال، مفعول مطلق، تمييز.
ويتحصل من الخلاف في المصدر المنصوب أقوال: مذهب سيبويه أن المصدر هو الحال4. ومذهب المبرد والأخفش أنه مفعول مطلق غير منصوب بالفعل قبله5، وإنما عامله محذوف من لفظه، وذلك المحذوف هو الحال، ومذهب الكوفيين أنه مفعول مطلق6، وعامله الفعل المذكور، وليس في موضع الحال، وذهب جماعة إلى أنه مصدر على حذف مضاف، وتقديره "جاء ركضًا": جاء ذا ركضٍ، وكذا باقيها.
وعلى القول بالحالية فمذهب سيبويه عدم القياس، وذهب المبرد إلى قياسه فيما كان نوعًا من عامله، وقاسه الناظم وابنه7 في ثلاث مسائل بعد "أما"، وبعد خبر شبه به مبتدؤه، وفيما إذا كان الخبر مقرونًا بـ"أل" الدالة على الكمال.
__________
1 الارتشاف 2/ 344.
2 مغني اللبيب ص574.
3 الارتشاف 2/ 343.
4 الكتاب 1/ 370.
5 شرح التسهيل 2/ 328، والارتشاف 2/ 342، وشرح ابن الناظم 232.
6 الارتشاف 2/ 342، وهمع الهوامع 1/ 238.
7 شرح ابن الناظم ص232.(1/583)
"فصل":
"وأصل صاحب الحال التعريف"؛ لأنه محكوم عليه بالحال، وحق المحكوم عليه أن يكون معرفة؛ لأن الحكم على مجهول لا يفيد غالبًا، "ويقع" صاحب الحال "نكرة بمسوغ" يقربه من المعرفة، "كأن يتقدم عليه الحال نحو: "في الدار جالسًا رجل"، وقوله" وهو كثير عزة: [من م. الوافر]
433-
"لمية موحشًا طلل" ... .........................
وتمامه عند الأعلم:
............. ... يلوح كأنه خلل
وروي1: [من الوافر]
لمية موحشًا طلل قديم ... عفاه كل أسحم مستديم
فـ"جالسًا" في المثال: حال من "رجل"، و"موحشًا" في البيت: حال من "طلل" وسوغ مجيء الحال من النكرة تقدم الحال على صاحبها.
وفي المغني2 أن تقديم النكرة عليها ليس لأجل تسويغ مجيء الحال منها، بل لئلا يلتبس الحال بالصفة حال كون صاحبها منصوبًا، وفي الرضي3 ما يوافقه، وعلى هذا
__________
433- البيت لكثير عزة في ديوانه ص506، وخزانة الأدب 3/ 211، وشرح التسهيل 2/ 355، وشرح شواهد المغني 1/ 249، والكتاب 2/ 123، ولسان العرب 6/ 386، "وحش"، والمقاصد النحوية 3/ 163، وبلا نسبة في أسرار العربية ص147، وأوضح المسالك 2/ 310، وخزانة الأدب 6/ 43، والخصائص 2/ 492، وشرح الأشموني 1/ 247، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1664، 1825، وشرح شذور الذهب ص24، 253، وشرح قطر الندى ص236، ولسان العرب 11/ 220 "خلل"، ومغني اللبيب 1/ 85، 2/ 436، 659.
1 البيت لكثير عزة في ملحق ديوانه ص536، وشرح المفصل 2/ 62، 564، وله أو لذي الرمة في خزانة الأدب 3/ 209، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 300.
2 مغني اللبيب ص477.
3 شرح الرضي 2/ 23.(1/584)
فالمسوغ في المثال تقديم الخبر، وفي البيت هو أو الوصف، وما ذكر من أنه حال من النكرة هو ظاهر كلام سيبويه1، وقيل2: من الضمير المستكن في الظرف، وهذان القولان مبنيان على جواز الاختلاف بين عاملي الحال وصاحبها، والصحيح المنع؛ لأنه يجب أن يكون عاملهما واحدًا, وصحح ابن مالك في شرح التسهيل3 قول سيبويه، وعلله بأن الحال خبر، فجعلها لأظهر الاسمين أولى من جعلها لأغمضهما، قلنا: نعم لو تساويا، ولكن التعريف أولى بالترجيح به، وزعم ابن خروف4 أن الخبر إذا كان ظرفًا أو مجرورًا لا ضمير فيه عند سيبويه والفراء إلا إذا تأخر، ولا ضمير فيه إذا تقدم، ولهذا لا يؤكد، ولا يعطف عليه ولا يبدل منه، وتعقب منع العطف بقول ابن جني5 في: [من الوافر]
434-
................ ... عليك ورحمة الله السلام
إن العطف على الضمير في الظرف، "والطلل" بفتح الطاء المهملة واللام الأولى: ما شخص من آثار الديار، و"الموحش": هو القفر الذي لا أنيس فيه، و"خلل" بكسر الخاء المعجمة: جمع خلة؛ بكسر الخاء؛ وهي بطانة يغشى بها أجفان السيوف منقوشة بالذهب.
"أو يكون" صاحبها "مخصوصا إما بوصف كقراءة بعضهم"، وهو إبراهيم بن أبي عبلة: ""وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقًا""6 [البقرة: 89] فـ"مصدقًا" حال من "كتاب" لتخصيصه بالوصف بالجار والمجرور بعده، وهذا لا دليل فيه لجواز كون "مصدقًا" حال من الضمير في الجار والمجرور الذي انتقل إليه بعد حذف الاستقرار على ما صححه في باب المبتدأ، "وقول الشاعر": [من البسيط]
435-
"نجيت يا رب نوحًا واستجبت له ... في فلك ماخر في اليم مشحونًا"
__________
1 الكتاب 2/ 122-124.
2 شرح التسهيل 2/ 333، والارتشاف 2/ 347.
3 شرح التسهيل 2/ 332.
4 الارتشاف 2/ 347، وشرح التسهيل 2/ 332.
5 الخصائص 2/ 386.
434- صدر البيت:
"ألا يا نخلة من ذات عرق"
وهو للأحوص، وتقدم برقم 412.
6 في الرسم المصحقي: {مُصَدِّقٌ} بالرفع، وانظر قراءة ابن أبي عبلة في البحر المحيط 1/ 303 ومختصر ابن خالويه ص8.
435- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 312، وشرح ابن الناظم ص233، وشرح الأشموني 1/ 247، وشرح ابن عقيل 1/ 636، وشرح التسهيل 2/ 331، والمقاصد النحوية 3/ 149.(1/585)
فـ"مشحونا": حال من "فلك" بوصفه بـ"ماخر"، ويحتمل أن يكون حالًا من الضمير المستتر في "ماخر"، وهو؛ بالخاء المعجمة؛ الذي يشق الماء شقا، و"الميم" بفتح الياء المثناة تحت وتشديد الميم: البحر، و"المشحون" بالشين المعجمة والحاء المهملة: المملوء.
"وليس منه" أي: من المختص بالوصف قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا} [الدخان: 4، 5] "خلافًا للناظم" في شرح التسهيل1، "وابنه" في شرح النظم2، فإنهما أعربا "أمرًا" المنصوب حالًا من "أمر" المجرور بالإضافة، لكونه مختصا بالوصف بـ"حكيم" مع قولهما: إنه لا تأتي لحال من المضاف إليه إلا بشرط أن يكون المضاف بعض المضاف إليه، أو كبعضه، أو عاملًا في الحال، وذلك مفقود هنا، وخالف الناظم ذلك في شرح الكافية3، فجعله من التخصيص بالإضافة.
وفي نصب "أمرًا" أوجه:
أحدها: أنه على الاختصاص.
الثاني: على المفعول له.
الثالث: على المصدر من معنى "يفرق".
الرابع: على الحال من "كل" أو من ضمير الفاعل في "أنزلنا"، أي: آمرين، أو من ضمير المفعول، وهو الهاء في {أَنْزَلْنَاهُ} [الدخان: 3] ، أو من الضمير المستتر في "حكيم".
الخامس: أنه مفعول "منذرين".
"أو" مخصوصًا "بإضافة نحو: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً" لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 10] فـ"سواء" حال من "أربعة"، لاختصاصها بالإضافة إلى "أيام".
"أو" مخصوصًا "بمعمول" غير مضاف إليه "نحو: عجبت من ضرب أخوك شديدًا"، فـ"شديدًا" حال من "ضرب" لاختصاصه بالعمل في الفاعل، وهو "أخوك".
أو مخصوصًا بعطف نحو: "هؤلاء ناس وعبد الله منطلقين"، قاله الناظم في شرح العمدة4.
__________
1 شرح التسهيل 2/ 331.
2 شرح ابن الناظم ص233.
3 شرح الكافية الشافية 2/ 737.
4 شرح العمدة 1/ 307.(1/586)
"أو مسبوقًا بنفي نحو: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} " [الحجر: 4] فجملة: "ولها كتاب معلوم" حال من "قرية"، لكونها مسبوقة بالنفي، وزعم الزمخشري أنها صفة لقرية، وإنما توسطت الواو بينهما لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، وتابعه صاحب البديع وابن هشام الخضراوي، ورده ابن مالك من خمسة أوجه يطول ذكرها1. فإن قلت: فقد ذكر المرادي أن من المسوغات كون الحال جملة مقترنة بواو الحال2 قلت: إنما يحتاج إلى ذلك في الإيجاب نحو: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة: 259] أما في النفي فلا؛ [لأن الواو رفعت توهم كون الجملة نعتًا، قلت: لا يمتنع أن يكون للشيء مسوغات] 3.
"أو بنهي نحو" قول الناظم:
339-
................. "لا ... يبغ امرؤ على امرئ مستسهلًا".
فـ"مستسهلًا" حال من "امرئ" الأول لكونه مسبوقًا بالنهي، والبغي: التعدي، والاستسهال: الاستخفاف، والمعنى: لا يتعد امرؤ4 على امرئ مستخفا به، "وقوله" وهو قطري بن الفجاءة الخارجي كما قال ابن مالك في شرح العمدة5، لا الطرماح خلافًا لابن الناظم6: [من الكامل]
436-
"لا يركنن أحد إلى الإحجام ... يوم الوغى متخوفا لحمام"
فـ"متخوفًا" حال من "أحد"، لكونه مسبوقًا بالنهي، و"الإحجام" بكسر الهمزة وسكون الحاء المهملة وبالجيم: النكوص والتأخر، و"الوغى" بالمعجمة: الحرب، و"الحمام" بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم: الموت.
__________
1 شرح التسهيل 2/ 302, 303.
2 شرح المرادي 2/ 146.
3 سقط ما بين المعقوفين من "ط".
4 في "أ": "لا يتعدى امرئ".
5 شرح العمدة ص423.
6 شرح ابن الناظم ص234.
436- البيت لقطري بن الفجاءة في ديوانه 171، وخزانة الأدب 10/ 163، والدرر 1/ 510، وشرح التسهيل 2/ 92، 303، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 136، وشرح عمدة الحافظ 423، وشرح ابن عقيل 1/ 333 وشرح الكافية الشافية 2/ 739، والمقاصد النحوية 3/ 150، وللطرماح في شرح ابن الناظم 234، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 314، وشرح الأشموني 1/ 247، وهمع الهوامع 1/ 240.(1/587)
"أو استفهام، كقوله" وهو رجل من بني طيئ كما قال ابن مالك1: [من البسيط]
437-
"يا صاح هل حم عيش باقيا فترى" ... لنفسك العذر في إبعادها الأملا
فـ"باقيًا" حال من "عيش" لكونه مسبوقًا بالاستفهام بـ"هل"، و"صاح": مرخم صاحب على غير قياس، "وحم" بضم الحاء المهملة: بمعنى قدر، "والإبعاد" بكسر الهمزة: مصدر أبعد، والأمل: مفعوله. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
338-
ولم ينكر غالبًا ذو الحال إن ... لم يتأخر أو يخصص أو يبن
339-
من بعد نفي أو مضاهيه ... ... ..................................
"وقد يقع" صاحب الحال "نكرة بلا مسوغ، كقولهم: عليه مائة بيضًا"، فـ"بيضًا" بلفظ الجمع: حال من "مائة"، وليس تمييزًا خلافًا لأبي العباس؛ لأن تمييز المائة لا يكون جمعًا منصوبا ولا مجرورًا، وهو من أمثلة سيبويه2 والدليل على أنه حال أنه لو رفع كان صفة للمائة، والمائة مبهمة الوصف.
"وفي الحديث": صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا "وصلى وراءه رجال قيامًا" رواه مالك في الموطأ3، فـ"قيامًا" حال من رجال. وهو نكرة بلا مسوغ، لا يقال: التخصيص بالحكم كاف؛ لأنا نقول: لو كان كذلك لما احتيج إلى مسوغ أصلًا، وذهب بعضهم إلى عدم الاستدلال بالحديث لاحتمال كونه مرويا بالمعنى.
وإذا ثبت مجيء الحال من النكرة بلا مسوغ هل يقاس أو لا؟ ذهب سيبويه4 إلى الجواز والخليل ويونس إلى المنع5.
__________
1 شرح التسهيل 2/ 332.
437- البيت لرجل من طيئ في الدرر اللوامع 1/ 511، وشرح عمدة الحافظ ص423، والمقاصد النحوية 3/ 153، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 316، وشرح ابن الناظم ص234، وشرح الأشموني 1/ 247، وشرح ابن عقيل 1/ 638، وشرح التسهيل 2/ 332، وهمع الهوامع 1/ 240.
2 الكتاب 2/ 112.
3 الموطأ 1/ 134، رقم 340، وأخرجه البخاري في الجماعة والإمامة برقم 656، وهو من شواهد أوضح المسالك 2/ 318، وشرح ابن عقيل 1/ 640، وشرح ابن الناظم ص234.
4 الكتاب 2/ 112-114.
5 الارتشاف 2/ 346.(1/588)
"فصل":
"وللحال" المؤسسة "مع صاحبها ثلاث حالات"، كما أن للخبر مع المبتدأ ثلاث حالات:
"إحداها وهي الأصل: أن يجوز فيها أن تتأخر عنه، وأن تتقدم عليه" فاعلًا كان، أو مفعولًا كـ: ""جاء زيد ضاحكا"، و"ضربت اللص مكتوفًا"، فلك في "ضاحكًا" و"مكتوفًا" أن تقدمهما على المرفوع" في الأول وهو "زيد"، "و" على "المنصوب" في الثاني وهو "اللص" فتقول: "جاء ضاحكًا زيد" و"ضربت مكتوفًا اللص"، هذا مذهب البصريين، ومنع الكوفيون تقديمها على المرفوع الظاهر: ثم قيل: عنهم مطلقًا، وقيل: إن تقدمت على رافعه، ومنعوا تقديمها على المنصوب الظاهر أيضًا، ثم قيل: عنهم مطلقًا، وقيل: إن لم يكن فعلًا.
الحالة "الثانية: أن تتأخر عنه وجوبًا، وذلك كأن تكون محصورة نحو: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} " [الأنعام: 48] فـ"مبشرين، و"منذرين"، حالان من "المرسلين"، ولا يجوز تقديمهما على "المرسلين" لكونها محصورة، والمحصور يجب تأخيره، ويمكن أن يجيء فيه خلاف الكسائي السابق فيما إذا تقدم المحصور مع "إلا".
"أو يكون صاحبها مجرورًا إما بحرف غير زائد كـ: مررت بهند جالسة". فـ"جالسة" حال من "هند"، ولا يجوز تقديمها عليها. لا تقول: مررت جالسة بهند، هذا مذهب الجمهور، وعللوا منع ذلك بأن تعلق العامل بالحال ثان لتعلقه بصاحبه، فحقه إذا تعدى لصاحبه بواسطة أن يتعدى إليه بتلك الواسطة، لكن منع من ذلك أن الفعل لا يتعدى بحرف واحد إلى شيئين، فجعلوا عوضًا عن الاشتراك في الواسطة التزام التأخير، وإليه الإشارة بقول الناظم:
340-
وسبق حال ما بحرف جر قد ... أبوا...............................
"وخالف في هذه" المسألة الأخيرة "الفارسي وابن جني وابن كيسان" وابن(1/589)
برهان وابن ملكون وبعض الكوفيين1، "فأجازوا التقديم"، لضعف دليل المنع، "قال الناظم" في النظم:
340-
................... ... ...... "ولا أمنعه فقد ورد"
وقال في شرح التسهيل2: "و" التقديم "هو الصحيح، لوروده" في الفصيح "كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} " [سبأ: 28] فـ"كافة" حال من المجرور، وهو "الناس"، وقد تقدم على صاحبه المجرور باللام "و" نحو "قول الشاعر": [من الطويل]
438-
"تسليت طرا عنكم بعد بينكم" ... بذكراكم حتى كأنكم عندي
فـ"طرا" بمعنى جميعًا، حال من الكاف والميم، وقد تقدم على صاحبه المجرور بـ"عن".
"والحق أن" هذا "البيت" ونحوه "ضرورة"، أو "طرًّا" حال من "عنكم" محذوفة مدلولا عليها بـ"عنكم" المذكورة، "وأن: كافة" في الآية "حال من الكاف" في "أرسلناك"، "و" أن "التاء للمبالغة لا للتأنيث" قاله الزجاج3، ورده ابن مالك4 بأن إلحاق التاء للمبالغة مقصور على السماع، ولا يتأتى غالبًا إلا في أبنية المبالغة كـ: "علامة"، و"كافة" بخلاف ذلك، فإن حمل على "راوية" فهو حمل على شاذ، نقله الموضح عنه في الحواشي ولم يتعقبه. وقول الزمخشري: "إلا رسالة كافة" مصادم لنقل ابن برهان أن "كافة" لا تستعمل إلا حالًا. وأن الصفة لا تنوب عن الموصوف إلا إذا كان معتادًا ذكرها معه.
"و" قول ابن مالك وغيره إن "كافة" حال من "الناس"، "يلزمه تقديم الحال المحصورة" بـ"إلا" على صاحبها "و" يلزمه "تعدي "أرسل" باللام"، والأكثر تعديه بـ"إلى"، "والأول" وهو تقديم الحال"المحصورة" على صاحبها "ممتنع كما تقدم، "والثاني" وهو تعدي" أرسل" باللام "خلاف الأكثر" ويدفع الأول بأن
__________
1 انظر شرح التسهيل 2/ 337، والارتشاف 2/ 348، وهمع الهوامع 1/ 241.
2 شرح التسهيل 2/ 336.
438- البيت بلا نسبة في المسالك 2/ 321، وشرح ابن الناظم ص236، وشرح الأشموني 1/ 248، وشرح التسهيل 2/ 328، وشرح عمدة الحافظ ص426، والمقاصد النحوية 3/ 160.
3 معاني القرآن وإعرابه 4/ 254.
4 شرح التسهيل 2/ 337.(1/590)
تقديم المحصور بـ"إلا" ليس ممتنعًا عند الجميع، كيف وقد قال الموضح في باب الفاعل في المحصور بـ"إلا": وأجاز البصريون والكسائي والفراء وابن الأنباري تقديمه على الفاعل، وأي فرق بين الحال والمفعول؛ لأن الاقتران بـ"إلا" يدل على المقصود، ويدفع الثاني بأن مخالفة الأكثر لا تضر، فإن تعدي "أرسل" باللام كثير، فصيح، واقع في التنزيل كقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} [النساء: 79] وفصل الكوفيون فأجازوا تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف إن كان مضمرًا كـ"مررت ضاحكة بك" أو اسمين أحدهما مجرور نحو: "مررت مسرعين بزيد وعمرو"، أو كان الحال فعلًا نحو: "مررت تضحك بهند"، ومنعوه إذا لم يكن كذلك. واحترز بقوله أولًا: "بحرف غير زائد" من الزائد، فإنه يجوز تقديم الحال على صاحبها المجرور به اتفاقًا، كما يجوز التقديم على الفاعل والمفعول نحو: "ما جاءني راكبًا من أحد"، و"ما رأيت راكبًا من أحد".
"وإما" مجرورًا "بإضافة" بمعنى مضاف، من إطلاق المصدر على اسم المفعول "كـ: أعجبني وجهها مسفرة", و" هذا شارب السويق ملتوتا", فلا يجوز تقديم الحال على صاحبها واقعة بعد المضاف لئلا يلزم الفصل بين المضاف والمضاف إليه، ولا قبله؛ لأن نسبة المضاف إليه من المضاف كنسبة الصلة من الموصول، فكما لا يتقدم ما يتعلق بالصلة على الموصول كذلك لا يتقدم ما يتعلق بالصلة على الموصول كذلك لا يتقدم ما يتعلق بالمضاف إليه على المضاف. قاله ابن الناظم1، وفصل والده في شرح التسهيل فقال2: إن كانت الإضافة غير محضة جاز التقديم على المضاف نحو: "هذا ملتوتًا شارب3 السويق" بالخفض؛ لأن الإضافة فيه في نية الانفصال، فلا يعتد بها، وإن كانت محضة لم تجز بإجماع، ونازعه أبو حيان في القسمين4، ورد عليه الموضح ذلك في الحواشي، والاشتغال بذلك خروج عن المقصود.
"وإنما يجيء الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف بعضه كهذا5 المثال" المتقدم وهو:
أعجبني وجهها مسفرة. "وكقوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} " [الحجر: 47] فـ"إخوانا": حال من المضاف إليه، وهو الهاء والميم، والصدور: بعضه وكقوله تعالى: " {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} " [الحجرات: 12] فـ"ميتًا":
__________
1 شرح ابن الناظم ص237.
2 شرح التسهيل 2/ 335.
3 في جميع النسخ: "شارب ملتوتًا" والتصويب من الارتشاف 2/ 348.
4 الارتشاف 2/ 348.
5 في جميع النسخ: "هكذا"، والتصويب من أوضح المسالك 2/ 324.(1/591)
حال من الأخ المضاف إليه اللحم، واللحم بعض الأخ "أو كبعضه نحو": {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} " [النحل: 123] فـ"حنيفا" حال من إبراهيم، المضاف إليه الملة، والملة: كبعضه في حصة حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، كما يصح ذلك في البعض الحقيقي، ألا ترى أنه لو قيل: "ونزعنا ما فيهم من غل"، و"يأكل أخاه"، و"اتبع إبراهيم" لكان صحيحًا1.
"أو" كان المضاف "عاملًا في الحال" كأن يكون مصدرًا أو وصفًا، فالأول "نحو: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [يونس: 4] فـ"جميعًا": حال من الكاف والميم المضاف إليه "مرجع"، و"مرجع": مصدر ميمي عامل في لحال النصب. "و" نحو: "أعجبني انطلاقك منفردًا"، فـ"منفردًا": حال من الكاف المضاف إليها "انطلاق"، و"انطلاق":مصدر غير ميمي عامل في الحال النصب. "و" الثاني: نحو: "هذا شارب السويق ملتوتًا" الآن أو غدًا، فـ"ملتوتًا" حال من "السويق" المضاف إليه شارب، و"شارب": اسم فاعل عامل في الحال النصب؛ لأنه بمعنى الحال أو الاستقبال، واعتماده على المخبر عنه. وإلى ذلك الإشارة بقول الناظم:
341-
ولا تجز حالًا من المضاف له ... إلا إذا اقتضى المضاف عمله
342-
أو كان جزء ما له أضيفا ... أو مثل جزئه فلا تحيفا
وإنما اشترطوا أحد هذه الشروط الثلاثة لئلا تنخرم قاعدته، وهي أن العامل في الحال هو العامل في صاحبها، وصاحبها إذا كان مضافًا إليه يكون معمولًا للمضاف، والمضاف لا يعمل في الحال إذا لم يشبه الفعل، فإذا كان المضاف مصدرًا أو صفة فالقاعدة موفاة؛ لأن الحال وصاحبها معمولان لشيء واحد، وإذا كان المضاف كأنه جزءًا من المضاف إليه أو كجزئه فلشدة اتصال الجزء بكله أو بما نزل منزلته صار المضاف كأنه صاحب الحال، فيكون العامل فيه هو العامل في الحال، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك، فإنه لا سبيل إلى جعله صاحب حال. إذ لو قلت: "ضربت غلام هند جالسة"، أو نحو ذلك لم يجز، قال ابن مالك2: بلا خلاف. ونقل غيره عن بعض البصريين إجازة ذلك3، قال أبو حيان4: والذي تختاره أن المجرور بالإضافة إذا لم يكن في موضع رفع ولا نصب لا يجوز ورود الحال منه
__________
1 في "أ": "في صدورهم" مكان "فيهم".
2 شرح التسهيل 2/ 342.
3 نقل ذلك ابن الشجري في أماليه 1/ 157، 2/ 327، 328.
4 الارتشاف 2/ 348.(1/592)
سواء أكان المضاف1 جزأه أو كجزئه أو لم يكن، لما تقرر من أنه لا بد من اتحاد الحال وصاحبها في العامل، وأما "ميتًا" فيحتمل أن يكون حالًا من "لحم" و"إخوانًا" يحتمل أن يكون منصوبًا على المدح، "وحنيفًا" يحتمل أن يكن حالًا من "الملة" وذكر لأن الملة والدين بمعنى، أو من الضمير في اتبع:" انتهى بمعناه.
الحالة "الثالثة" من الحالات الثلاث: "أن تتقدم" الحال "عليه" أي: على صاحبها "وجوبًا، كما إذا كان صاحبها محصورًا" فيه "نحو: ما جاء راكبًا إلا زيد"، وفيه البحث السابق.
__________
1 بعده في "أ", "ط": "إليه".(1/593)
"فصل":
"وللحال مع عاملها ثلاث حالات أيضًا:
إحداها وهي الأصل: أنه يجوز فيها أن تتأخر عنه"، كـ: "جاء زيد راكبا"، "وأن تتقدم عليه" كـ: "راكبًا جاء زيد"، "وإنما يكون ذلك إذا كان العامل" فيها "فعلًا متصرفًا"، وتصرفه يكون بتنقله في الأزمنة الثلاثة1، أي: يكون ماضيًا ومستقبلًا وحالًا، قاله أبو البقاء, فالماضي "كـ: جاء زيد راكبًا"، والمستقبل كـ: "قم مسرعًا" والحال كـ: "يوم زيد مسرعًا الآن".
"أو صفة تشبه الفعل المتصرف" في تضمن معنى الفعل وحروفه وقبول علاماته الفرعية، وهي علامة التأنيث والتثنية والجمع، وسواء في ذلك اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة "كـ: "زيد منطلق مسرعًا"، فـ"مسرعًا" حال من فاعل "منطلق" المستتر فيه، "فلك في "راكبًا"" في "جاء زيد راكبًا" في المثال الأول، "و" في "مسرعًا" في "زيد منطلق مسرعًا" في المثال الثاني "أن تقدمهما على "جاء" وعلى "منطلق""، فتقول: راكبًا جاء زيد، ومسرعًا زيد منطلق أو زيد مسرعًا منطلق، هذا مذهب البصريين إلا الجرمي، فإنه لا يجيز تقديم الحال على عاملها، والأخفش فإنه لا يجيز تقديمها على الفعل في نحو: راكبًا زيد جاء، لبعدها عن العامل. ورد جمهور البصريين على الأخفش والجرمي بالسماع في الفصيح "كما قال الله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} [القمر: 7] فـ"خاشعًا" حال من الواو في "يخرجون"، وقد تقدم على عامله الفعل، وأجيب بأن هذا لا يتعين لجواز أن يكون "خاشعًا" صفة مفعول محذوف، والتقدير: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} [القمر: 6] قومًا خاشعا أبصارهم، وقد صرح به غير واحد من المعربين، ويجاب بأن الأصل عدم الحذف، "وقالت العرب: شتى تئوب الحلبة2"، فـ"شتى": جمع شتيت، حال من الحلبة، وهم اسم
__________
1 في "ط": "الثلاث".
2 المثل في مجمع الأمثال 1/ 358، وجمهرة الأمثال 1/ 541، والمستقصى 2/ 127، وكتاب الأمثال لابن سلام ص133، وهو من شواهد أوضح المسالك 2/ 372، وشرح ابن الناظم ص238.(1/594)
ظاهر، وتقدمت فيه على عاملها، و"الحلبة": جمع حالب، و"تئوب": معنى ترجع "أي: متفرقين يرجع الحالبون"، وفيه رد على الكوفيين في منعهم تقديم حال الاسم الظاهر على عامله، وحكي أن ثعلبًا نوظر في هذه المسألة، وأنه انقطع بقولهم: "شتى تئوب الحرب"، أي: متفرقة1، ترجع الحرب، أي: إلى تفرق الكلمة ترجع الحرب. "وقال الشاعر" وهو يزيد بن مفرغ الحميري يخاطب بغلته: [من الطويل]
439-
عدس ما لعباد عليك إمارة ... "أمنت وهذا تحملين طليق"
"فـ: تحملين": جملة "في موضع نصب على الحال" من فاعل "طليق" المستتر فيه، "وعاملها "طليق"، وهو صفة مشبهة"، وقد قدمت عليه. فإن قلت: معمول الصفة المشبهة لا يكون سببيا مؤخرًا، فكيف جاز تقديمه وكونه غير سببي؟ قلت: المراد بالمعمول المذكور ما عملها فيه بحق الشبه، وأما عملها في الحال فبما فيها من معنى الفعل، كما صرح به الموضح في بابها2، واستفدنا من تمثيله أنه لا فرق في ذلك بين كون الحال مفردًا أو جملة، ومنع الفراء وبعض المغاربة تقديم الجملة الحالية المصدرة بالواو فلا يقال: "والشمس طالعة جاء زيد"، والجمهور على الجواز.
والحق أن هذا البيت لا ينهض في الرد على الكوفيين3؛ لأنهم يقولون: بأن "هذا" اسم موصول، و"تحملين" صلته وعائده محذوف، والتقدير: والذي تحملينه طليق، كما مر في باب الموصول، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
343-
والحال إن ينصب بفعل صرفا ... أو صفة أشبهت المصرفا
فجائز تقديمه.
الحالة "الثانية: أن تتقدم" الحال "عليه" أي: على عاملها "وجوبًا، كما إذا كان لها صدر الكلام نحو: كيف جاء زيد؟ " فـ"كيف" في موضع الحال من "زيد"، وهل هي ظرف أو اسم؟ قولان:
أحدهما: إنها ظرف شبيهة باسم المكان، كما أن "سواك" كذلك، ويعزى إلى سيبويه4.
__________
1 في "ط": "متفرقين".
439- تقدم تخريج البيت برقم 111.
2 أوضح المسالك 3/ 249.
3 في "ب": "على رأي" مكان "في الرد على".
4 الكتاب 2/ 350.(1/595)
والثاني أنها ليست ظرفًا، وإنما هي اسم، ويعزى إلى الأخفش.
وعلى القولين يستفهم بها عن الأحوال، فعلى الأول يكون معناها في المثال المذكور، في أي حال جاء زيد؟ وعلى الثني: على أي حال جاء زيد؟ وعلى القول بالظرفية لا يفتقر إلى الاستقرار، بخلاف "أين" و"متى"، قاله أحمد بن الخباز في النهاية.
الحالة "الثالثة: أن تتأخر" الحال "عنه" أي: عن عاملها "وجوبا، وذلك في ست مسائل، وهي أن يكون العامل فعلًا جامدًا نحو: ما أحسنه مقبلًا"، فـ"مقبلا" حال من "الها"، وهي واجبة التأخير عن عاملها، لكونه فعلًا جامدًا لا يتصرف في نفسه فلا يتصرف في معموله بالتقديم عليه.
"أو" يكون العامل "صفة تشبه الفعل الجامد" في عدم قبول العلامات الفرعية، "وهو اسم التفضيل" فإنه لما لم يقبل علامة التأنيث والتثنية والجمع انحط عن درجة اسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة فجعل موافقًا للجامد "نحو: هذا أفصح الناس خطيبًا"، فـ"خطيبًا" حال من فاعل "أفصح" المستتر فيه، ولا يجوز أن يتقدم على "أفصح"، لما تقدم.
"أو" يكون العامل "مصدرًا مقدرًا بالفعل وحرف مصدري نحو: يعجبني اعتكاف أخيك1 صائمًا"، فـ"صائمًا" حال من "أخيك"1, والعامل فيه المصدر المقدر بـ"أن" والفعل, ومعمول المصدر المقدر من "أن" والفعل لا يتقدم عليه.
"أو" يكون العامل "اسم فعل نحو: نزال مسرعا" فـ"مسرعا" حال من فاعل "نزال" المستتر فيه, ومعمول اسم الفعل لا يتقدم عليه.
"أو" يكون العامل "لفظًا مضمنا معنى الفعل" دون حروفه كاسم الإشارة "نحو: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} " [النمل: 52] فـ"خاوية": حال من "بيوتهم"، والعامل فيه اسم الإشارة, وهو "تلك", وفيها معنى الفعل, وهو "أشير" دون حروفه, فإن قلت: العامل في الحال وصاحبها يجب أن يكون واحدًا عند الجمهور، وهنا قد اختلف, فإن العامل في الحال معنى الإشارة، والعالم في صاحبها المبتدأ، قلت: العامل في الحال حقيقة إنما هو الفعل المدلول عليه باسم الإشارة تقديره: أشير إليها خاوية، والضمير المجرور هو صاحب الحال، والعالم فيه وفي الحال واحد. وذهب السهيلي إلى أن اسم الإشارة لا يعمل، وإنما العامل فعل محذوف تقديره: انظر إليها خاوية.
__________
1 في "ط": "أخوك".(1/596)
"و" حرف التشبيه نحو "قوله" وهو امرؤ القيس: [من الطويل]
440-
"كأن قلوب الطير رطبا ويابسًا" ... لدى وكرها العناب والحشف البالي
فـ"رطبًا" و"يابسًا" حالان من "قلوب"، والعامل فيهما "كأن" لما فيه من معنى "أشبه"، وليس فيه حروفه. فإن قلت: كيف يصح أن يكون "رطبًا" و"يابسًا" حالين من قلوب؟ قلت: على معنى قسمًا رطبًا، وقسمًا يابسًا وليس المراد بالرطب ولا باليابس الفرد، قاله الدماميني والضمير في "وكرها" يعود على العقاب، وصفها بأنها لا تأكل قلوب الطير، وشبه الرطب بالعناب، واليابس بالحشف البالي، وهو أرذل التمر اليابس، وهو تشبيه ملفوف، وهو أن يأتي بالمشبهين ثم بالمشبه بهما.
"و" حرف التمني نحو: "ليت هندًا مقيمة عندنا"، فـ"مقيمة" حال من "هند"، والعامل فيها "ليت"، لما فيها من معنى "أتمنى" دون حروفه، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
345-
وعامل ضمن معنى الفعل لا ... حروفه مؤخرًا لن يعملا
346-
كتلك ليت وكأن....... ... ................................
"أو" يكون العامل "عاملا آخر" غير ما تقدم "عرض له مانع" يمنع ما بعده أن يعمل فيما قبله، "نحو: لأصبر محتسبًا"، فـ"محتسبًا": حال من فاعل "أصبر" المستتر فيه، "و: لأعتكفن صائمًا"، فـ"صائما": حال من فاعل "أعتكف" المستتر فيه، ولا يجوز في "محتسبًا" و"صائمًا" أن يتقدما على عاملهما، "فإن ما في حيز لام الابتداء"، وهو "محتسبًا"، "و" ما في حيز "لام القسم"، وهو "صائمًا" "لا يتقدم عليهما"، أي: على لام الابتداء ولام القسم؛ لأنهما من أدوات الصدور1 فلو فصلت اللام جاز التقديم نحو: "لعن زيد محتسبًا أصبر".
"ويستثنى من "أفعل" التفضيل ما" إذا كان عاملًا في حالين لاسمين متحدي المعنى أو مختلفيه، وإحداهما مفضلة على الأخرى، فإنه يجب تقديم الحال الفاضلة" خوف اللبس، فالأول: كـ: "هذا بسرًا أطيب منه رطبًا". قال ابن خروف:
__________
440- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص38، وشرح شواهد المغني 1/ 342، 2/ 595، 819، والصاحبي في فقه اللغة ص244، ولسان العرب 1/ 206، "أدب" والمقاصد النحوية 3/ 216، والمنصف 2/ 117، وتاج العروس "بال" وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 64، وأوضح المسالك 2/ 329، ومغني اللبيب 1/ 218، 2/ 392، 439.
1 الارتشاف 2/ 350.(1/597)
انتصب "بسرًا" عند سيبويه1 على الحال من الضمير في "أطيب"، وانتصب "رطبًا" على الحال أيضًا من الضمير المجرور بـ"من" والعامل فيهما "أطيب" بما تضمنته من معنى المفاضلة بين شيئين، كأنه قال: هذا في حال كونه بسرًا أطيب من نفسه في حال كونه رطبًا، يريد أن يفضل البسر على الرطب، قال: و"أطيب" ناب مناب عاملين؛ لأن التقدير: يزيد طيبه في حال كونه بسرًا على طيبه في حال كونه رطبًا، وأشار بذلك إلى التمر، والمعنى: بسره أطيب من رطبه. ا. هـ. وفي ذلك تصريح بأن اسم التفضيل عامل في حالين معًا وبه قال المازني في أظهر قوليه، والفارسي في تذكرته، وابن كيسان وابن جني2. وزعم المبرد3 والزجاج وابن السراج4 والسيرافي5 والفارسي في حلبياته6 أن الناصب "كان" محذوفة تامة صلة لـ"إذ" أو "إذا"، فإن قلت ذلك وهو بلح فالمقدر "إذا"، أو هو تمر فالمقدر "إذ"، والصاحبان المضمران في "كان". لا المضمر في "أطيب" والمجرور بـ"من" وقدم الظرف على "أطيب" لاتساعهم في الظروف، ولهذا جاز "أكل يوم لك ثوب" بالاتفاق، ولم يجز "زيد جالسًا في الدار" عند الجمهور: وحكى أبو حيان عن بعض أصحابه: أنه يجوز تقدير "كان" ناقصة بدليل "زيد المحسن أفضل من المسيء". فجاءا معرفتين، وإنما تتعدد الحال مع "أفعل" إذا كانتا فاضلتين، فإن كان الفاضل واحدًا رفعًا نحو: "هذا بسر أطيب منه عنب"، قاله الموضح في الحواشي. ونقل صاحب المتوسط7 عن الفارسي أن العامل في "بسرًا" هو "هذا"، أي: اسم الإشارة أو حرف التنبيه8.
"و" الثاني نحو: "قولك: زيد مفردًا أنفع من عمرو معانًا" فـ"مفردًا": حال من الضمير المستتر في "أنفع" الراجع إلى "زيد" و"معانًا": حال من عمرو, والعامل في الحالين "أنفع" أو "كان" المحذوفة على القولين السابقين، وفي هذا المثال رد
__________
1 الكتاب 1/ 400.
2 الارتشاف 2/ 353، وشرح التسهيل 2/ 345، وشرح ابن الناظم ص241.
3 المقتضب 3/ 250, 251.
4 الأصول 2/ 359.
5 شرح التسهيل 3/ 344، وشرح ابن الناظم ص241.
6 المسائل الحلبيات ص179, 180، وانظر رأي المبرد والزجاج وابن السراج والسيرافي والفارسي في الارتشاف 2/ 353.
7 المتوسط ص158.
8 نقله ابن يعيش في شرح المفصل 2/ 60.(1/598)
على من زعم أن العامل في المثال الأول إما "ها" التنبيه أو اسم الإشارة، لتخلفه هنا, وكان القياس وجوب تأخير الحالين في المثالين عن "أفعل" كما في الحال الواحدة، ولكن اغتفر تقدم الحال الفاضل1 فرقًا بين المفضل والمفضل عليه، إذ لو أخرا لالتبسا2، فإن قيل: اجعل أحدهما تاليًا لـ"أفعل" ولا لبس، قلنا: يؤدي إلى فصل "أفعل" من "من" ومجرورها، وهما كالموصول والصلة. فإن قيل: قد فصل بالظرف وعديله والتمييز.
قلنا: ذاك فصل جائز، وهذا فصل واجب في نوع خاص إذا لم يجز تقديمه، قاله في الحواشي، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
347-
ونحو زيد مفردًا أنفع من ... عمرو معانا مستجاز لن يهن
"ويستثنى من المضمن معنى الفعل دون حروفه أن يكون" العامل "ظرفًا أو مجرورًا مخبرًا بهما" متأخرين عن المخبر عنه، "فيجوز بقلة توسط الحال بين المخبر عنه والمخبر به كقوله": [من الطويل]
441-
"بنا عاذ عوف وهو بادئ ذلة ... لديكم" فلم يعدم ولاء ولا نصرًا
فوسط الحال؛ وهو: بادئ ذلة؛ بين المخبر عنه؛ وهو: الضمير المنفصل؛ والمخبر به، وهو لديكم، والأصل: وهو لديكم بادئ ذلة؛ وصاحب الحال الضمير المنتقل إلى الظرف، و"عوف": فاعل "عاذ" بالذال المعجمة، وقيدنا الظرف والمجرور بالتأخير لبيان محل الخلاف إذ لو تقدما على المخبر عنه نحو: "في الدار، أو عندك جالسًا زيد" جاز التوسط بلا خلاف؛ لأن الحال لم تتقدم على عاملها المضمن معنى الفعل دون حروفه، وذلك ظاهر. والخلاف المتقدم جار في الحال المفردة، والجملة المصدرة بالواو وغيرها، والظرف، والجار والمجرور ولا فرق في المفردة بين المضافة؛ كما تقدم في البيت؛ "و" غير المضافة "كقراءة بعضهم: "مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةً لِذُكُورِنَا"" [الأنعام: 139] بنصب "خالصة"3 على الحال المتوسطة بين المخبر عنه؛ وهو "ما" الموصولة؛ والمخبر به، وهو "لذكورنا"، والأصل؛ والله أعلم: ما في بطون هذه الأنعام لذكورنا خالصة، و"ما"
__________
1 في "ط": "الفاضلة".
2 في "أ": "النساء".
441- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 332، وشرح ابن الناظم ص240، وشرح الأشموني 1/ 252، والمقاصد النحوية 3/ 172.
3 الرسح المصحفي: {خَالِصَةٌ} بالرفع، وقرأها بالنصب ابن عباس والأعرج وقتادة وابن جبير، وانظر البحر المحيط 4/ 231، والمحتسب 1/ 232، ومعاني القرآن للفراء 1/ 358.(1/599)
واقعة على الأجنة. وصاحب الحال الضمير المنتقل إلى الجار والمجرور بعد حذف الاستقرار، "وكقراءة الحسن" البصري ""وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ"" [الزمر: 67] ، بنصب "مطويات"1 على الحال المتوسطة بين المخبر عنه وهو "السماوات" والمخبر به وهو "بيمينه" والأصل؛ والله أعلم: والسماوات بيمينه مطويات، وصاحب الحال الضمير المنتقل إلى الجار والمجرور، ففي هذه الأدلة على جواز تقديم الحال على عاملها الظرف والجار والمجرور. "وهو قول الأخفش2"وسبقه إلى ذلك الفراء3، "وتبعه الناظم" في التسهيل وشرحه4. وأشار إليه في النظم بقوله:
346-
.......... وندر ... نحو سعيد مستقرا في هجر
"والحق" المنع، وهو قول جمهور البصريين5، "وأن البيت" المتقدم "ضرورة وأن: خالصة" في الآية الأولى، "ومطويات" في الثانية "معمولان لصلة: ما"، وهي في "بطون"، "ولـ: قبضته"، فـ"خالصة" معمولة للجار والمجرور قبلها على أنها حال من الضمير الذي في الصلة: و"مطويات"، معمولة لـ"قبضته" على أنها حال من الضمير المستتر فيها والتاء في "خالصة" للتأنيث باعتبار ما وقعت عليه من الأجنة. وقول البيضاوي6: التاء فيها للمبالغة كما في رواية 7, أو مصدر كـ: "العاقبة"
وقع موقع الخالص؛ فيه نظر؛ لأن تاء المبالغة في غير أبنية المبالغة، والمصدر الآتي على وزن فاعلة موقوفان على السماع، "فلا يقاس عليهما، "و" الحق "أن السماوات عطف على ضمير مستتر في "قبضته"" لتأويلها بالمشتق "لأنها بمعنى مقبوضة"، والمصدر إذا كان بمعنى المشتق يتحمل الضمير،"لا" "السماوات" "مبتدأ، و"بيمينه"" خبره، كما قال الأخفش، بل "بيمينه" "معمول الحال" لتعلقه بها، "لا عاملها"، أي: لا عامل الحال.
__________
1 الرسم المصحفي {مَطْوِيَّاتٌ} بالرفع، وقرأها بالنصب عيسى والجحدري: انظر البحر المحيط 7/ 440، ومعاني القرآن للفراء 2/ 425.
2 شرح التسهيل 2/ 346، والارتشاف 2/ 355، وشرح ابن الناظم ص240.
3 الارتشاف 2/ 356.
4 التسهيل ص111، وشرح التسهيل 2/ 346.
5 الارتشاف 2/ 355.
6 أنوار التنزيل 2/ 210.
7 في "ط": "رواية".(1/600)
"فصل":
"ولشبه الحال بالخبر" في المعنى "والنعت" في التقيد "جاز أن يتعدد لمفرد وغيره"، كما يتعدد الخبر والنعت، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
348-
والحال قد يجيء ذا تعدد ... لمفرد فاعلم وغير مفرد
"فالأول" وهو أن تتعدد للمفرد "كقوله": [من الطويل]
442-
"علي إذا ما جئت ليلى بخفية ... زيادة بيت الله رجلان حافيا"
فـ"رجلان حافيًا" حالان من فاعل "الزيارة" المحذوفة، والتقدير: علي زيارتي بيت الله حال كون رجلًا حافيًا، أي: ماشيا غير منتعل، ويحتمل أن يكونا حالين من ياء المتكلم المجرورة بـ"علي"، و"رجلان": بسكون الجيم وفي آخره نون، وقد صحفه بعض الأعجميين، فقرأه رجلاي بالإضافة إلى ياء المتكلم، وأعربه فاعلًا بـ"زيارة"، و"حافيًا" حالًا من ضمير المتكلم في رجلاي، نبه عليه الموضح في الحواشي. وهو موافق لما في شرح المفتاح للسيد الجرجاني، فإنه قال فيه: وقد صحف جماعة "رجلان" برجلاي إلى آخره.
"وليس منه" أي: من تعدد الحال لمفرد "نحو: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39] لأن من شروط التعدد عدم الاقتران بالعاطف عند الموضح.
"والثاني" وهو أن يتعدد لمتعدد، وفيه تفصيل، فينظر في الحال المتعدد "إن اتحد لفظه ومعناه ثني أو جمع"، فالتثنية "نحو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} " [إبراهيم: 33] فـ"دائبين" حال مؤسسة بمعنى: دائمين "والأصل: دائبة ودائبًا"، فلما اتفقا لفظًا ومعنى ثنيا، ولا يضر اختلافهما في التذكير والتأنيث، وأصل
__________
442- البيت لمجنون ليلى في ديوانه ص233، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 335، وشرح الأشموني 1/ 254، وشرح المغني 2/ 859، ولسان العرب 11/ 268، "رجل"، ومغني اللبيب 2/ 461.(1/601)
الدءوب: مرور الشيء في العمل على عادة جارية فيه. "و" الجمع "نحو: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ " بِأَمْرِهِ} [النحل: 12] فـ"مسخرات" حال مؤكدة لعاملها لفظًا ومعنى، صرح بذلك ابن مالك في شرح العمدة1، وولده في شرح النظم2، والأصل: مسخرًا ومسخرا ومسخرة ومسخرًا ومسخرة، فلما اتحدت لفظًا ومعنى جمعت.
"وإذا اختلف" لفظه ومعناه "فرق بغير عطف كـ: "لقيته مصعدًا منحدرًا" ويقدر" الحال "الأول" من الحالين "للثاني" من الاسمين، "وبالعكس" فيقدر الثاني من الحالين للأول من الاسمين، ليتصل أحد الحالين بصاحبه، ولا يعدل عنه إلا لقرينة. فإن قلت: فما بال علماء البيان جوزوا في اللف والنشر جعل الأول من أوصاف النشر راجعًا إلى الأول من الأمور الملفوفة، والثاني للثاني، وهو أحسن عندهم من عدم الترتيب؟ قلت: أجيب بأنه إنما يجوز النشر عند الوثوق بفهم المعنى، وأن السامع يرد كل واحد من الأمور المتعددة إليه، فإذا اتصل أحد الحالين بصاحبه كان أعون على ذلك، فـ"مصعدًا" حال من "الها"، و"منحدرًا" حال من "التاء" على غير الترتيب "قال": [من الوافر]
443-
"عهدت سعاد ذات هوى معنى" ... فزدت وعاد سلوانا هواها
فـ"ذات هوى": حال من "سعاد"، و"معنى": حال من "التاء" في "عهدت"، وقرينة التذكير والتأنيث أرشدت إلى ذلك، والمعنى: إني كنت أنا وسعاد متحابين، فأما أنا فصرت إلى ازدياد المحبة، وأما هي فاد هواها سلوانا.
"وقد تأتي" الحال المتعددة "على الترتيب"، فيقدر الأول للأول، والثاني للثاني "إن أمن اللبس، كقوله" وهو امرؤ القيس: [من الطويل]
444-
"خرجت بها أمشي تجر وراءنا" ... على أثرينا ذيل مرط مرحل
__________
1 شرح عمدة الحافظ 1/ 327.
2 شرح ابن الناظم ص242.
443- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 337، وشرح ابن الناظم ص242، وشرح التسهيل 2/ 350، وشرح شواهد المغني 1/ 901، ومغني اللبيب 2/ 565، والمقاصد النحوية 3/ 180.
444- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص14، وخزانة الأدب 11/ 427، والدرر 1/ 513، والارتشاف 2/ 359، وشرح التسهيل 2/ 350، وشرح شواهد الشافية ص286، وشرح شواهد المغني 2/ 652، 901، وشرح عمدة الحافظ ص462، ولسان العرب 5/ 246 "نير" وتاج العروس "رجل" "رحل"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 339، ورصف المباني ص330، وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 338، ومغني اللبيب 2/ 564، وهمع الهوامع 1/ 244.(1/602)
فجملة "أمشي" حال من "التاء" في "خرجت"، وجملة "تجر" حال من "الها" المجرورة بالباء، والمعنى: أخرجتها من خدرها حال كوني ماشيًا، وحال كونها جارة على أثري قدمي وقدمها ذيل مرطها لتخفي الأثر عن القافة قصدًا للستر، "والمرط" بكسر الميم وسكون الراء: كساء من خز أو صوف، و"المرحل" بالحاء المهملة: ما فيه علم.
"ومنع الفارسي1 وجماعة2 النوع الأول" وهو تعدد الحال لمفرد؛ قائلين بأن صحاب الحال إذا كان واحدًا فلا يقتضي العامل إلا حالًا واحدة. "فقدروا نحو قوله: حافيًا" في البيت "صفة" لـ"رجلان"، "أو حالًا من ضمير: رجلان"، فتكون حالًا متداخلة لا مترادفة، "وسلموا الجواز إذا كان العامل اسم التفضيل3"، واتحد صاحب الحال "نحو: هذا بسرًا أطيب منه رطبًا"، وتقدم الكلام فيه.
__________
1 انظر الارتشاف 2/ 358، وهمع الهوامع 1/ 244.
2 منهم ابن عصفور، انظر شرح ابن الناظم ص242، وشرح التسهيل 2/ 349، وهمع الهوامع 1/ 244.
3 في "ط": "تفضيل".(1/603)
"فصل":
الحال بالنسبة إلى الزمان ثلاثة أقسام: مقارنة: وهو الغالب نحو: {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} [هود: 72] . ومقدرة: وهي المستقبلية نحو: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73] ومحكية: وهي الماضية نحو: "جاء زيد أمس راكبًا"1.
__________
1 انظر همع الهوامع 1/ 245.(1/604)
"فصل":
"الحال ضربان:
مؤسسة": وتسمى مبينة أيضًا؛ لأنها تبين هيئة صاحبها، "وهي التي لا يستفاد معناها بدونها" أي: بدون ذكرها "كـ: جاء زيد راكبًا"، فلا يستفاد معنى الركوب إلا بذكر راكبًا، "وقد مضت" أول الباب.
ومؤكدة: وهو التي يستفاد معناها بدون ذكرها، وذهب الفراء1 والمبرد2 والسهيلي3 إلى إنكار المؤكدة، وما ورد من ذلك ردوه إلى المبينة، والصحيح الأول وهو قول الجمهور.
"والمؤكدة" ثلاثة أقسم؛ لأنها "إما" مؤكدة4 "لعاملها لفظًا ومعنى نحو: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} " [النساء: 79] فـ"رسولًا" حال من الكاف وهي مؤكدة لعاملها، وهو "أرسلنا" لفظًا ومعنى لتوافقهما في اللفظ والمعنى، "وقوله": [من البسيط]
445-
"أصخ مصيخا لمن أبدى نصيحته" ... والزم توقي خلط الجد باللعب
فـ"مصيخًا" حال من فاعل "أصخ" المستتر فيه، وهي مؤكدة لعاملها لفظًا ومعنى لتوافقهما في اللفظ5 وأصخ6؛ بالصاد المهملة والخاء المعجمة؛ من الإصخاء وهو
__________
1 انظر الارتشاف 2/ 337، 362.
2 المقتضب 4/ 310, 311.
3 انظر الارتشاف 2/ 337، 362.
4 سقطت من "ب".
445- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 342، وشرح ابن الناظم ص244، وشرح الأشموني 1/ 255، وشرح التسهيل 2/ 357، وشرح عمدة الحافظ ص440، والمقاصد النحوية 3/ 185.
5 بعده في "ط": والمعنى: وذلك لأن الحدث المستفاد من الوصف مؤكد للحدث المستفاد من الفعل.
6 سقطت من "ب".(1/605)
الإصغاء والاستماع، والمعنى أصخ حال كونك مصغيًا لمن أظهر نصيحته، وتحفظ من خلط الجد بالهزل.
"أو" مؤكدة لعاملها "معنى فقط" واللفظ مختلف نحو: " {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} " [النمل: 19] فـ"ضاحكًا" حال من فاعل "تبسم" وهي مؤكدة لعاملها معنى فقط؛ لأن التبسم نوع من الضحك، ولفظها مختلف، ومثله " {وَلَّى مُدْبِرًا} " [القصص: 31] ، فإن الإدبار نوع من التولي، ويجمع هذين النوعين قول الناظم:
349-
وعامل الحال بها قد أكدا ... ..............................
"وإما" مؤكدة "لصاحبها نحو: {لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] فـ"جميعًا" حال من فاعل "آمن"، وهو "من" الموصولة مؤكدة لها1، وهذا القسم من استدراكات الموضح قال في المغني2 وغيره3: وأهمل النحويون4 ذكر المؤكدة لصاحبها.
"وإما" مؤكدة "لمضمون جملة" قبلها" معقودة" ومركبة "من اسمين معرفتين جامدين"، والتوكيد بها إما لبيان يقين: كـ: "هو زيد معلومًا"، أو فخر: كـ: "أنا فلان بطلًا"، أو تعظيم: كـ: "هو فلان جليلًا مهابًا"، أو تحقير: كـ: "هو فلان مأخوذًا مقهورًا"، أو تصاغر كـ: "أنا عبدك5 فقيرًا إليك"، أو وعيدًا كـ: "أنا فلان متمكنًا منك"، أو لمعنى غير ذلك: "كـ: زيد أبوك عطوفًا" قاله ابن الناظم في شرح النظم6. زاد أبوه في التسهيل7: "جمودًا محضًا" احترازًا من أن يكون أحد الاسمين8 في حكم المشتق، فإن الحال لا تكون حينئذ مؤكدة للجملة، ولا يحتاج إلى تقدير عامل، ولذلك جعل ابن مالك "زيد أبوك عطوفًا" من المؤكدة لعاملها على تأويل "الأب" بمشتق، فالعامل "الأب" لما فيه من معنى الاشتقاق، وخالفه الموضح9 في هذا تبعًا للشارح.
__________
1 بعده في "ط": "لأن جميعًا يدل على الإحاطة، فهي مؤكدة للعموم الذي في من الموصولة".
2 مغني اللبيب ص606.
3 شرح شذور الذهب ص247.
4 منهم ابن الناظم في شرحه ص243، وابن مالك في شرح التسهيل 2/ 355.
5 في "ب": "عبيدك".
6 شرح ابن الناظم ص246.
7 التسهيل ص112.
8 بعده في "ب": "مشتقا أو".
9 مغني اللبيب ص606.(1/606)
"وهذه الحال" المؤكدة1 لمضمون جملة قبلها "واجبة التأخير عن الجملة المؤكدة1"؛ لأنها مؤكدة لها، وحق المؤكد أن يتأخر عن المؤكد، "وهي معمولة" عند سيبويه2 "لمحذوف وجوبًا" مقدر بعد الخبر، "تقديره: أحقه، ونحوه" كـ: "اعرفه" إن كان المبتدأ غير "أنا"، وإن كان "أنا" فالتقدير: أحقني أو اعرفني. وقال الزجاج3: العامل هو الخبر لتأويله بمسمى، وقال ابن خروف4: العامل هو المبتدأ لتضمنه معنى "تنبه5".وكلا القولين ضعيف، لاستلزام الأول المجاز، والثاني جواز تقديم الحال على الخبر، وهو ممتنع لعدم تمام الجملة، فالعامل إذن محذوف وجوبًا. لتنزل الجملة المذكورة منزلة البدل من اللفظ، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
350-
وإن تؤكد جملة فمضمر ... عاملها ولفظها يؤخر
__________
1 في "ب": "المذدور".
2 الكتاب 2/ 78, 79.
3 انظر قول الزجاج في شرح ابن الناظم ص244، وشرح التسهيل 2/ 358، والارتشاف 2/ 263.
4 انظر قول ابن خروف في شرح ابن الناظم 244، وشرح التسهيل 2/ 358، والارتشاف 2/ 263.
5 في "ب", "ط": "انتبه".(1/607)
"فصل":
"تقع الحال اسمًا مفردًا" عن الجملة وشبهها "كما مضى" من نحو: "جئت راكبًا"، و"ضربت اللص مكتوفًا".
"و" تقع "ظرفًا كـ: رأيت الهلال بين السحاب"، فـ"بين": ظرف مكان من موضع الحال من "الهلال".
"وجارا ومجرورًا نحو: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} " [القصص: 79] فـ"في زينته" جار ومجرور في موضع الحال من فاعل "خرج" المستتر فيه، العائد إلى "قارون"، "و" إذا وقع الظرف وعديله حالا فإنهما "يتعلقان بمستقر" إن قدرا في موضع المفرد، "أو استقر" إن قدرا في موضع الجملة، وعليه الأكثرون حال كون مستقرا أو استقر "محذوفين وجوبًا" لكونهما كونًا مطلقًا، وأما قوله تعالى: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} [النمل: 40] فمحمول على عدم التزلزل والانتقال. لا أنه1 كون مطلق. وشرط الظرف والمجرور أن يكونا تامين كما تقدم، فلو كانا ناقصين لم يجز أن يكون حالين، فلا يقال: هذا زيد اليوم، ولا فيك، قاله أبو حيان2.
"و" تقع الحال" جملة" اسمية أو فعلية، وذلك مفهوم من إطلاق قول الناظم:
351-
"و" موضع الحال يجيء "جملة" ... ....................................
"بثلاثة شروط:
أحدها: كونها خبرية"، وهي المحتملة للصدق والكذب، وهذا الشرط مجمع عليه؛ لأن الحال بمثابة النعت، وهو لا يكون بجملة إنشائية، فإن قلت: قد تقدم أن الحال لها شبه بالخبر والنعت، والخبر يكون بالإنشائية، فلم غلبتم شبه النعت على شبه الخبر؟
__________
1 في "ب": "لأنه" مكان "لا أنه".
2 الارتشاف 2/ 357.(1/608)
قلنا: الحال وإن كان كخبر المبتدأ في المعنى إلا أنها قيد. والقيود تكون ثابتة مع ما قيد بها، والإنشاء لا1 خارج له بل يظهر مع اللفظ، ويزول بزواله، فلا يصلح للقيد، ولهذا لم يقع الإنشاء شرطًا ولا نعتًا، هذا حاصل جواب الحديثي. "وغلط من قال" وهو الأمين المحلي في كتابه المفتاح ومن خطه نقلت "في قوله" وهو بعض المولدين: [من السريع]
446-
"اطلب ولا تضجر من مطلب" ... فآفة الطالب أن يضجرا
أما ترى الحبل بتكراره ... في الصخرة الصماء قد أثرا
"إن "لا" ناهية، و" إن "الواو للحال"، قال في المغني2: وهذا خطأ، "والصواب" في الواو "أنها عاطفة" إما مصدرًا يسبك من "أن" والفعل على مصدر متوهم من الأمر السابق، أي: ليكن منكم طلب وعدم ضجر. أو جملة على جملة، وعلى الأول ففتحة "تضجر" إعراب و"لا" نافية، والعطف مثل قولك: "ائتني ولا أجفوك" بالنصب.
وعلى الثاني فالفتحة بناء للتركيب، والأصل: ولا تضجرن بنون التوكيد الخفيفة فحذفت للضرورة، و"لا" ناهية، والعطف "مثل {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} " [النساء: 36] . انتهى كلامه في المغني قبيل الجملة المفسرة ثم أعاد المسألة في النوع الثامن من الجهة السادسة فقال: ثم الأصح أن الفتحة؛ يعني فتحة "تضجر"؛ إعراب مثلها في "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" لا بناء لأجل نون توكيد محذوفة. ا. هـ.
الشرط "الثاني: أن تكون" الجملة "غير مصدرة بدليل استقبال"؛ لأن الغرض من الحال تخصيص وقوع مضمون عاملها بوقت حصول مضمون الحال, وذلك ينافي الاستقبال, واعترض بأن الحال بالمعنى الذي نحن بصدده تجامع كلا من الأزمنة الثلاثة على السواء، ولا يناسب الحال معنى الزمان الحاضر المقابل للاستقبال إلا في إطلاق لفظ الحال على كل منهما اشتراكًا لفظيا، وذلك لأن يقتضي امتناع تصدير الحال بعلم الاستقبال. وأجيب بأن الأفعال إذا وقعت قيودًا لما له اختصاص بأحد الأزمنة فهم منها استقباليتها وحاليتها وماضويتها بالنظر إلى ذلك المقيد، لا بالنظر إلى زمن التكلم كما في معانيها الحقيقية، وحينئذ يظهر صحة كلامهم في اشتراط التجريد من علامة الاستقبال. إذ
__________
1 سقطت من "ب".
446- البيتان لبعض المولدين في الدرر 1/ 515، والبيت الأول في المقاصد النحوية 3/ 217، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 347، وشرح الأشموني 1/ 256، ومغني اللبيب 2/ 398، وهمع الهوامع 1/ 246.
2 مغني اللبيب 2/ 398.(1/609)
لو صدرت بها لفهم كونها مستقبلة بالنظر إلى عاملها. "وغَلِطَ من أعرب"، كالحوفي، "سيهدين؛ من قوله تعالى: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99] حالًا1" مفعول أعرب، وبيان غلطه من جهة الصناعة ظاهر، وأما من جهة المعنى؛ فلأنه صير معنى الآية: سأذهب مهديا2، فصرف التنفيس إلى الذهاب، وهو في الآية للهداية، وأجيب بأن "مهديا" وقع بعد الذهاب الذي فيه تنفيس، فيلزم أن يكون أيضًا فيه تنفيس كالمقيد قاله الدماميني. وأما قولهم: "لأضربنه إن ذهب وإن مكث"، فإنما جاز وقوع الشرطية فيه حالًا وإن كانت مصدرة بدليل استقبال وهو "إن"؛ لأن المعنى لأضربنه على كل حال، إذ لا يصح اشتراط وجود الشيء وعدمه لشيء واحد. قاله في المغني3.
وقال المطرزي4: طريق جعل الشرطية حالًا أن تجعلها خبرًا لمن الحال له تقول في: "جاء زيد إن تسأله يعطك": جاء زيد وهو إن تسأله يعطك، وتكون الحال حينئذ هي الجملة الاسمية.
الشرط "الثالث: أن تكون" الجملة "مرتبطة إما بالواو والضمير" معًا لتقوية الربط "نحو:" {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ "خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ" حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 243] فجملة "هم ألوف" حال من الواو في "خرجوا" وهي مرتبطة بالواو والضمير وهو "هم"، "أو بالضمير فقط" دون الواو، و"نحو: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} " [البقرة: 36] فـ"بعضكم": مبتدأ, و"عدو": خبره، و"لبعض" يتعلق بـ"عدو" والجملة حال من الواو في "اهبطوا"، "أي: متعادين" يضل بعضكم بعضًا، وهي مرتبطة بالضمير فقط، وهو الكاف والميم، والخطاب لآدم وحواء بدليل: {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا} [طه: 123] وجمع ضميرهما؛ لأنهما أصل البشر فكأنهما جمع الجنس، وقيل الضمير لهما ولإبليس والحية، وصحح الزمخشري الأول5.
"أو" مرتبطة "بالواو فقط" دون الضمير "نحو: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} " [يوسف: 14] فجملة "ونحن عصبة" حال من "الذئب" مرتبطة بالواو فقط، ولا دخل لـ"نحن" في الربط؛ لأنها لم ترجع إلى صاحب الحال، وإنما جعلت الواو في باب الحال
__________
1 مغني اللبيب 2/ 398.
2 في "ب": "مذهبا".
3 مغني اللبيب 2/ 399.
4 انظر قول المطرزي في الارتشاف 2/ 363، وهمع الهوامع 1/ 246.
5 الكشاف 1/ 63.(1/610)
رابطة؛ لأنها تدل على الجمع1، والغرض اجتماع جملة الحال مع عامل صاحبها.
"وتجب الواو" في موضعين:
أحدهما: أن يفقد الضمير نحو: "جاء زيد وما طلعت الشمس".
والثاني: "قبل "قد"" حال كونها "داخلة على مضارع" مثبت "نحو: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ" أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} [الصف: 5] فجملة "تعلمون" حال من الواو في تؤذونني، وهي حال مقررة2 للإنكار، فإن "قد" لتحقيق العلم، والعلم بنبوته يوجب تعظيمه، ويمنع من إيذائه قاله البيضاوي3.
"وتمتنع" الواو "في سبع صور:
إحداها: الواقعة بعد عاطف" حالًا على حال كما قاله4 المرادي5 "نحو: {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} " [الأعراف: 4] فجملة "هم قائلون" من القيلولة؛ حال معطوفة على "بياتًا" وهو مصدر في موضع الحال، والمعنى: جاءها عذابنا حال كونهم بائتين أو قائلين نصف النهار، ولا يقال: أو وهم قائلون، كراهة اجتماع حرفي عطف6.
الصورة "الثانية": الحال "المؤكدة لمضمون الجملة" قبلها "نحو: هو الحق لا شك فيه، و: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] فكل من جملتي "لا شك فيه" و"لا ريب فيه" حال مؤكدة لمضمون الجملة قبلها، وكما لا تدخل الواو في التوكيد في نحو: جاء زيد نفسه لا تدخل هنا؛ لأن المؤكد نفس المؤكد في المعنى، فلو دخلت الواو في التوكيد في صورة عطف الشيء على نفسه.
الصورة "الثالثة: الماضي التالي "إلا"" الإيجابية "نحو:" {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ " إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ "} [الحجر: 11] فجملة "كانوا به يسهزئون" حال من الهاء والميم في "يأتيهم"، ولا تقترن بالواو عند ابن مالك7، وصرح شارح اللب8 بجواز
__________
1 في "ط": "الجملة".
2 في "أ", "ب": "مقدرة".
3 أنوار التنزيل 4/ 102.
4 في "ب", "ط": "قال".
5 انظر شرح المرادي 2/ 167.
6 بعده في "ط": "صورة".
7 شرح التسهيل 2/ 361.
8 العباب في شرح اللباب لعبد الله العجمي 2/ 84.(1/611)
الواو وتركها فيما إذا كان الماضي تاليًا "إلا" كقوله: [من البسيط]
447-
نعم امرأ هرم لم تعر نائبة ... إلا وكان لمرتاع بها وزرا
الصورة "الرابعة: الماضي المتلو بـ"أو"، نحو: لأضربنه ذهب أو مكث"، فجملة "ذهب" حال من الهاء، وهي متلوة بـ"أو" فلا تقترن بالواو؛ لأنها في تقدير شرط، أي: إن ذهب وإن مكث، وفعل الشرط لا يقترن بالواو، فكذلك ما كان في تقديره.
الصورة "الخامسة: المضارع المنفي بـ"لا" نحو: {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} " [المائدة: 84] فجملة
"نؤمن بالله" حال من الضمير المجرور باللام. ولم تقترن بالواو؛ لأن المضارع المنفي بـ"لا" بمنزلة اسم الفاعل المضاف إليه "غير"، فجرى مجراه في الاستغناء عن الواو، ألا ترى أن معناه: ما لنا غير
مؤمنين، فكما لا يقال: ما لنا وغير مؤمنين لا يقال: ما لنا ولا نؤمن. قاله ابن مالك في شرح الكافية. وجعل ابن الناظم ترك الواو قبل "لا" أكثريا، وأنشد على مجيء الواو قول مالك بن رقية: [من الوافر]
448-
................. ... وكنت ولا ينهنهني الوعيد
وقول مسكين الدارمي: [من الرمل]
449-
أكسبته الورق البيض أبا ... ولقد كان ولا يدعى لأب
الصورة "السادسة: المضارع المنفي بـ"ما" كقوله": [من الطويل]
450-
"عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة" ... فما لك بعد الشيب صبا متيما
أنشده ابن مالك في شرح التسهيل1، فجملة "تصبو": حال من الكاف في "عهدتك"، ولم تقترن بالواو لما تقدم في "لا" و"صبا" حال، والمعنى: كنت حالة الصبا غير لاه، وصرت في حال الشيخوخة لاهيا، وكان مقتضى الحال عكس ذلك.
__________
447- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 375، وشرح الأشموني 2/ 374، وشرح التسهيل 1/ 163، 2/ 169.
448- صدر البيت:
"تفانى مصعب وبنو أبيه"
، وهو لمالك بن رقية في أمالي القالي 3/ 127، والمقاصد النحوية 3/ 192، وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص246، وشرح الأشموني 1/ 257.
449- البيت لمسكين الدارمي في ديوانه ص22، وسمط اللآلي ص352، والمقاصد النحوية 3/ 193، وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص246، وشرح الأشموني 1/ 257.
450- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 354، والدرر 1/ 516، وشرح الأشموني 1/ 257، وشرح التسهيل 2/ 360، وهمع الهوامع 1/ 246.
1 شرح التسهيل 2/ 360.(1/612)
الصورة "السابعة: المضارع المثبت" المجرد من "قد" "كقوله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} " [المدثر: 6] فجملة "تستكثر" حال من فاعل "تمنن" المستتر فيه، ولم تقترن بالواو؛ لأنه يشبه اسم الفاعل في الزنة والمعنى، والواو لا تدخل اسم الفاعل فكذلك ما أشبهه، وإليه أشار الناظم بقوله:
352-
وذات بدء بمضارع ثبت ... حوت ضميرا ومن الواو خلت
"وأما نحو قوله" وهو عنترة العبسي: [من الكامل]
451-
"علقتها عرضًا وأقتل قومها" ... زعما لعمر أبيك ليس بمزعم
فجملة "وأقتل قومها" حال من "التاء" في "علقتها"، وهي مقترنة بالواو مع المضارع المثبت، واختلف في تخريجها "فقيل: ضرورة. وقيل: الواو عاطفة" لا واو الحال، "والمضارع مؤول بالماضي"، والتقدير: وقتلت قومها، فعدل عن لفظ الماضي إلى لفظ المضارع قصدًا لحكاية الحال الماضية، ومعناها أن يفرض ما كان في الزمان الماضي واقعًا في هذا الزمان، فيعبر عنه بلفظ المضارع، وهذا القول منسوب في التلخيص البياني واقعًا في هذا الزمان، فيعبر عنه بلفظ المضارع، وهذا القول منسوب في التلخيص البياني إلى الشيخ عبد القاهر. "وقيل:" هي "واو الحال، والمضارع خبر لمبتدأ محذوف، أي: وأنا أقتل" قومها، والجملة من المبتدأ والخبر هي الحال، وعليه اقتصر في الناظم فقال:
353-
وذات واو بعدها انو مبتدا ... له المضارع اجعلن مسندًا
و"علقتها": مبني للمفعول، "وعرضًا" بفتح العين المهملة والراء، و"زعمًا" بفتح الزاي والعين المهملة: مصدر زعم؛ بكسر العين: يزعم؛ بفتحها: زعمًا؛ بفتحتين: أي: طمع يطمع طمعًا كـ: فرح يفرح فرحًا، والمزعم: المطمع.
__________
451- البيت لعنترة في ديوانه ص191، وجمهرة اللغة ص816، وخزانة الأدب 6/ 131، ولسان العرب 12/ 267 "زعم"، والمقاصد النحوية 3/ 188، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 356، وشرح ابن الناظم ص245، وشرح الأشموني 1/ 256، وشرح التسهيل 2/ 367، ومجالس ثعلب 1/ 241.(1/613)
"فصل":
"وقد يحذف عامل الحال" إذا كان فعلًا "جوازًا لدليل حالي كقولك لقاصد السفر: "راشدًا"، و" قولك "للقادم من حج: "مأجورًا". أو" لدليل "مقالي"، كأن تقع في جواب استفهام كقولك: "راكبًا"، لمن قال لك كيف جئت؟ أو جواب نفي "نحو: {بَلَى قَادِرِينَ} [القيامة: 4] ، أو جواب شرط نحو: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] فهذه أحوال منصوبة بعامل محذوف جوازًا، فـ"راشدًا": منصوب "بإضمار "تسافر"، و" "مأجورًا": منصوب بإضمار "رجعت، و" "قادرين" منصوب بإضمار "نجمعها، و" "رجالًا": منصوب بإضمار "صلوا"، ولو قيل: تسافر راشدًا1، ورجعت مأجورًا، ونجمعها2 قادرين، وصلوا رجالا، لجاز، ولكن القراءة سنة متبعة.
"و" يحذف3 "وجوبًا قياسًا في أربع" صور:
إحداها: السادة مسد الخبر "نحو: ضربني زيدًا قائمًا". والأصل: حاصل إذا كان قائمًا. أو ضربه قائمًا على الخلاف في تقديره، ولا يجوز ذكره لما فيه من الجمع بين العوض والمعوض.
"و" الثانية: الحال المؤكدة لمضمون جملة قبلها "نحو: زيد أبوك عطوفًا"، والأصل: أحقه، ولا يجوز ذكره لتنزل الجملة قبله4 منزلة البدل من اللفظ، "و" هاتان الصورتان "قد مضتا"، فالأولى في باب المبتدأ، والثانية قريبًا هنا.
__________
1 في "ط": "راشد".
2 في "ط": "نجمعهما".
3 سقطت من "ط".
4 في "ب": "فيه".(1/614)
"و" الصورة الثالثة: هي "التي يبين بها ازدياد" في المقدار "أو نقص" فيه "بتدريج" فيهما، فالأول "كـ: تصدق بدينار فصاعدًا، و" الثاني نحو: "اشتره بدينار فسافلا"، فـ"صاعدًا" و"سافلًا" حالان، والفاء الداخلة عليهما عطفت عاملًا قد حذف وبقي معموله من عطف الإخبار عن الإنشاء، والأصل: تصدق بدينار فذهب المتصدق به صاعدًا، واشتره بدينار فانحط المشترى به سافلًا، قال أبو البقاء: ولا يجوز هنا من حروف العطف إلا الفاء.
"و" الصورة الرابعة: "ما ذكر" بدلا من اللفظ بالفعل "لتوبيخ نحو: أقائمًا وقد قعد الناس، و" لمن لا يثبت على حال: "أتميميا مرة وقيسيا أخرى"، فـ"قائمًا": حال منصوبة بفعل محذوف وجوبًا "أي: أتوجد"، و"تميميا، وقيسيا": حالان منصوبان بفعل محذوف وجوبًا أي: "أتتحول. و" يحذف "سماعًا في غير ذلك نحو: هنيئا لك"، فـ"هنيئًا لك" حال محتملة للتأسيس والتأكيد، منصوبة بفعل محذوف. "أي: ثبت لك الخبر هنيئًا"، على التأسيس. "أو هنأك" ذلك "هنيئًا"، على التأكيد، وهذا التقدير مأخوذ من قول سيبويه1: وإنما نصب "هنيئًا" لأنه ذكر أن خبرًا أصابه إنسان. فقلت: "هنيئًَا" كأنك قلت: ثبت لك هنيئًا أو هنأك ذلك هنيئًا.
ا. هـ. فحذف الفعل وقامت الحال مقامه قاله ابن الشجري. "وهنأ" بتخفيف النون وبالهمز، يقال: هنئ يهنأن كـ: "علم يعلم" وهنؤ يهنؤ، كـ: "ظرف يظرف". وإلى حذف عامل الحال أشار الناظم بقوله:
355- والحال قد يحذف ما فيها عمل وبعض ما يحذف ذكره حظل أي: منع.
__________
1 الكتاب 1/ 317.(1/615)
باب التمييز
مدخل
...
باب التمييز:
"هذا باب التمييز":
وهو في الأصل مصدر "ميز": إذا خلص شيئًا من شيء، وفرق بين متشابهين.
وقولهم في الاسم المميز: "تمييز" مجاز من إطلاق المصدر على اسم الفاعل كـ: "الطلع" و"النجم"، بمعنى الطالع والناجم، قاله أبو البقاء.
و"التمييز" في الاصطلاح "اسم نكرة، بمعنى "من"، مبين لإبهام اسم أو" إبهام "نسبة"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
356-
اسم بمعنى من مبين نكره ... ..............................
"فخرد بالفصل الأول" وهو نكرة، المشبه بالمفعول به "نحو: زيد حسن وجهه" بالنصب، فإن فيه ما في "حسن وجهًا" إلا التنكير، فلا يكون تمييزًا لعدم تنكيره، "وقد مضى" في باب المعرف بالأداة "أن قوله" وهو رشيد اليشكري: [من الطويل]
452-
رأيتك لما أن عرفت وجوهنا ... "صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو"
"محمول على زيادة: أل" عند البصريين1 كما زيدت في: [من الرجز]
453-
باعد أم العمرو عن أسيرها
خالف في ذلك الكوفيون وابن الطراوة2، فأجازوا تعريف التمييز متمكسين بنحو ما أولناه.
"و" خرج بالفصل "الثاني" وهو بمعنى "من" "الحال" نحو: "جاء زيد راكبًا" "فإنه بمعنى: في حال كذا، لا بمعنى: من3".
__________
452- تقدم تخريج البيت برقم 131.
1 انظر الارتشاف 2/ 384.
453- تقدم تخريج الرجز برقم 51.
2 الارتشاف 2/ 384، وهمع الهوامع 1/ 252.
3 شرح التسهيل 2/ 379.(1/616)
"و" خرج بالفصل "الثالث" وهو مبين لإبهام اسم أو نسبة اسم "لا" التبرئة "نحو: "لا رجل"، و" ثاني مفعولي "أستغفر" "نحو:" [من البسيط]
454-
"أستغفر الله ذنبا لست محصيه" ... رب العباد إليه الوجه والعمل
"فإنهما" أي: "رجل" و"ذنبا" "وإن كانا على معنى: من" بدليل صحة اقترانهما بها نحو: "لا من رجل"، و"أستغفر الله من ذنب" "لكنها" أي: "من" "ليست" فيهما "للبيان" فلا يكونان مبينين، "بل هي في الأول" وهو "لا رجل" "للاستغراق" للجنس، ولذلك بني اسم "لا" معها، "وفي الثاني" وهو أستغفر الله ذنبًا "للابتداء"، كأنه لما أراد الاستغفار ابتدأ منه بالجانب المتناهي، وهو الأول, وترك الجانب الأعلى الذي لا يتناهى، لكونه غير محدود، فكأنه قال: أستغفر الله مبتدئًا من أول الذنوب إلى ما لا يتناهى.
قال الموضح في الحواشي: وليس المراد بقولهم في التمييز: بمعنى "من" أن تكون "من" مقدرة قبله، لئلا يخرج عنه المحول عن الفاعل والمفعول والمبتدأ وتمييز العدد، وإنما المراد أن الاسم جيء به لتبيين الجنس كما يجاء بـ"من" المبينة للجنس، لا أن ثم "من" مقدرة. ا. هـ.
"وحكم التمييز النصب"؛ لأنه من الفضلات. "والناصب لمبين الاسم هو ذلك الاسم المبهم"، واختلف في صحة إعماله مع أنه جامد، فقيل: شبهه باسم الفاعل؛ لأنه طالب له في المعنى "كـ: عشرين درهمًا"، فإنه شبيه بـ"ضاربين زيدًا"، و"رطل زيتًا"، فإنه شبيه بـ"ضارب عمرًا" في الاسمية والطلب المعنوي ووجود ما به التمام وهو التنوين والنون.
وقيل: شبهه بـ"أفعل من"، وذلك في خامس مرتبة، فإن الفعل أصل لاسم الفاعل؛ لأنه يعمل معتمدًا وغير معتمد, واسم الفاعل لا يعمل إلا معتمدًا، وهو أصل للصفة المشبهة؛ لأنه يعمل في السببي والأجنبي، وهي لا تعمل إلا في السببي دون الأجنبي
__________
454- البيت بلا نسبة في أدب الكاتب ص524، والأشباه والنظائر 4/ 16، والأصول 1/ 178، وأوضح المسالك 2/ 283، وتخليص الشواهد ص405، وخزانة الأدب 3/ 11، 9/ 124، والدرر 2/ 260، وشرح ابن الناظم ص250، وشرح أبيات سيبويه 1/ 420، وشرح التسهيل 2/ 379، وشرح شذور الذهب ص371، وشرح المرادي 2/ 174، وشرح المفصل 7/ 63، 8/ 51، والصاحبي في فقه اللغة ص181، والكتاب 1/ 37، ولسان العرب 5/ 26 "غفر"، والمقاصد النحوية 3/ 226، والمتقضب 2/ 321، وهمع الهوامع 2/ 82.(1/617)
وهو أصل لـ"أفعل من"؛ لأنها ترفع الظاهر، وهو لا يرفعه إلا في مسألة واحدة، وهو أصل المقادير؛ لأنه يتحمل الضمير، وهي لا تتحمله، وصحح هذا القول؛ لأن حمل الشيء على ما هو به أشبه أولى.
"والناصب لمبين النسبة" عند سيبويه والمازني والمبرد ومتابعيهم1 "المسند من فعل أو شبهه"، فالفعل "كـ: طاب" زيد "نفسًا" فـ"نفسا" منصوب بـ"طاب"، "و" شبه الفعل نحو: "هو طيب أبوة"، فـ"أبوة" منصوب بـ"طيب"، هو صفة مشبهة "وعلم بهذا" التقدير والتفصيل "بطلان عموم قوله" في النظم:
356-
................... ... "ينصب تمييزًا بما قد فسره"
فإنه يقتضي أن التمييز ينضب بما قد فسره، سواء أكان مفسرًا لإبهام اسم أو لنسبة، وليس كذلك، وأجاب عنه المرادي: بأن التمييز لما رفع إبهام نسبة الفعل إلى فاعله أو مفعوله فكأنه رفع الإبهام عنه، فاندرج بهذا الاعتبار تحت قوله: "بما قد فسره"، وذهب قوم إلى أن العامل في مميز النسبة هو الجملة التي انتصب عن تمامها لا الفعل ولا ما أشبهه، واختاره ابن عصفور2،ونسبه إلى المحققين، ولولا أن الناظم صرح في غير هذا الموضع وفي آخر الباب بأن ناصبه الفعل لحملت كلامه هنا على ما اختاره ابن عصفور.
__________
1 مثل الفارسي، انظر الإيضاح 1/ 203، والارتشاف 2/ 377، وشرح المرادي 2/ 175.
2 الارتشاف 2/ 377.(1/618)
"فصل":
"والاسم المبهم أربعة أنواع:
أحدها: العدد"، وهو قسمان: صريح وكناية: فالصريح "كـ: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [يوسف: 4] ، والكناية كـ: "كم" الاستفهامية، نحو: "كم عبدًا ملكت؟ " وقدم الاسم على النسبة؛ لأن المفرد مقدم على المركب، وقدم العدد؛ لأنه أولى بالتمييز لوجهين: أحدهما: أنه يميز بالمقادير، نحو: أحد عشرًا رطلا أو شبرا أو قفيزًا، ولا يعكس.
والثاني: أنه واجب النصب، ذكرهما في شرح الكافية1، وأفرد العدد عن المقادير بناء على أنه ليس من جملتها، وهو قول المحققين؛ لأن المراد بالمقدار ما لم ترد حقيقته بل مقداره، حتى إنه يصح إضافة المقدار إليه، والعدد ليس كذلك، ألا ترى أنك تقول: "عندي مقدار رطل زيتًا" ولا تقول "عندي مقدار عشرين رجلًا" قاله الموضح في شرح القطر2.
"و" النوع "الثاني: المقدار، وهو" ما يعرف به قدر الشيء، وينقسم ثلاثة أقسام؛ لأنه "إما مساحة كـ: شبر أرضا" و"ذراع نسيجا" "أو كيل كـ: قفيز برا"، ووقع في شرح لمع ابن جني لأبي البقاء: ومن الممسوح عندي "قفيزان شعيرا"؛ لأن القفيز عبارة عن ضرب قصبة في عشر قصبات في عرف الحساب، وهو عشر الجريب. ا. هـ.
ولم أراه لغيره "أو وزن كـ: منوين عسلًا" وتمرًا، "وهو تثنية: منا" بتخفيف النون والقصر، كـ: "عصا"، والمنا: آلة الوزن، يعرف بها مقادير الموزونات، فيقال في تثنيته: "منوان"، كما يقال في تثنية "عصا": "عصوان"، "ويقال فيه "من" بالتشديد" كـ: "ضب"، "وتثنيته: منان" بالتشديد، كما يقال في تثنية "ضب": "ضبان".
__________
1 شرح الكافية الشافية 2/ 769.
2 شرح قطر الندى ص329.(1/619)
"و" النوع "الثالث: ما يشبه المقدار" في الوزن والكيل والمساحة، فالأول "نحو: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا} [الزلزلة: 7] فـ"مثقال الذرة" شبيه بما يوزن به، وليس اسمًا لشيء يوزن به عرفًا. "و" الثاني: نحو: "نحي سمنا" فـ"النحي" بكسر النون وإسكان الحاء المهملة وبعدها ياء: اسم لوعاء السمن, وهو مما يشبه الكيل, وليس بكيل حقيقة, ويكون كبيرا وصغيرا. "و" الثالث نحو: " {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} " [الكهف: 109] فـ"مثل" شبيه بالمساحة، وليست مساحة حقيقية، وإنما هو دال على المماثلة من غير ضبط بحد، "وحمل على هذا" في الدلالة على المماثلة ما يفيد المغايرة، نحو: "إن لنا غيرها إبلًا" ووجه حمله عليه أنه غيره، وهم يحملون الغير على المثل ما يحملون المثل على المثل، ولم يحمل على غيره؛ لأنه لا وجه لإلحاقه بالمقدار إلا بأن يحمل على ما ألحق به، وهو المثل.
"و" النوع "الرابع: ما كان فرعًا للتمييز نحو": هذا "خاتم حديدًا، فإن "الخاتم" فرع "الحديد"" من جهة أنه مصنوع منه، فيكون الحديد هو الأصل، والخاتم مشتق منه، فهو فرعه بهذا الاعتبار، وضابطه: كل فرع حصل له بالتفريع اسم خاص يليه أصله، ويكون مما يصح إطلاق الاسم عليه. "ومثله" أي: مثل "خاتم حديدًا" في ذلك "باب ساجا"، فإن "الباب" فرع "الساج" والساج نوع من الخشب، "و: جبة خزا" فإن الجبة فرع الخز، والخز نوع من الحرير، "وقيل" في المنصوب بعد "الخاتم" وبعد "الباب" وبعد "الجبة": "إنه حال".
وينبني عليهما الخلاف في الاتباع، فمن خرج النصب على التمييز قال: إن التابع عطف بيان1. ومن خرجه على الحال، قال: إنه نعت2. والأول أولى؛ لأنه جامد جمودًا محضًا، فلا يحسن كونه حالًا ولا نعتًا.
"والنسبة المبهمة نوعان: نسبة الفعل للفاعل نحو: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} " [مريم: 4] فإن نسبة "اشتعل" إلى "الرأس" مبهمة، و"شيبًا" مبين لذلك الإبهام، وهذا التمييز محول عن الفاعل، والأصل: واشتعل شيب الرأس, فحول الإسناد من المضاف؛ وهو شيب؛ إلى المضاف إليه؛ وهو الرأس؛ فارتفع، ثم جيء بذلك المضاف الذي حول عنه الإسناد فضلة وتمييزًا.
__________
1 قال بذلك المبرد، انظر المقتضب 3/ 259.
2 قال بذلك سيبويه، انظر الكتاب 2/ 117, 118.(1/620)
"ونسبته للمفعول نحو: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} " [القمر: 12] فإن نسبة "فجرنا" إلى "الأرض" مبهمة، و"عيونًا" مبين لذلك الإبهام، والأصل: وفجرنا عيون الأرض. فحول المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وجيء بالمضاف تمييزًا، هذا مذهب الجزولي1 وابن عصفور2 وابن مالك3 وأكثر المتأخرين4، وأنكره الشلوبين5، وحجته أن سيبويه لم يمثل بالمنقول عن المفعول، وتبعه تلميذه الأبدي6 وابن أبي الربيع7، وتأول الشلوبين "عيونا" في الآية على أنها حال مقدرة؛ لأنها حال التفجر لم تكن عيونًا، وإنما صارت عيونًا بعد ذلك. وأولها ابن أبي الربيع على وجهين: أحدهما: أن يكون بدل بعض من كل، على حذف الضمير، أي: عيونها، مثل: أكلت الرغيف ثلثًا، أي: ثلثه.
والثاني أن يكون مفعولًا على إسقاط الجار، أي: بعيون. ورده الموضح في شرح اللمحة.
"ولك في مميز الاسم" المفرد "أن تجره بإضافة الاسم" إليه إن حذف ما به تمامه من تنوين ظاهر أو مقدر أو نون تشبهه8 "كـ: شبر أرض" من الممسوحات "و: قفيز بر" من المكيلات، "و: منوي عسل" من الموزونات، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
358-
وبعد ذي وشبهها اجرره إذا ... أضفتها كمد حنطة غذا
"إلا إذا كان الاسم عددًا" من أحد عشر إلى تسعة وتسعين، فإن تمييزه واجب النصب لما سيأتي، بخلاف ثلاثة عشرة وما بينها، ومائة وما فوقها، فتمييزه واجب الجر بالإضافة إلا ما شذ كـ: "خمسة أثوابًا" و"مائتين عامًا"، فلا يدخل الجواز شيئًا من واجب النصب وواجب الجر، فلا اعتراض عليه في الإطلاق، وإنما وجب النصب فيما كان "كـ: عشرين درهمًا" وامتنع جره؛ لأنه يضاف إلى غير التمييز نحو: "عشري رجل"، فلو أضيف إلى التمييز لزم الالتباس، فلا يعلم هل هو تمييز أو لا؟ ولم يعكس الأمر دفعًا
__________
1 الجزولية ص222.
2 شرح الجمل 2/ 284.
3 شرح التسهيل 2/ 384.
4 منهم ابن عقيل في شرحه 1/ 347.
5 الارتشاف 2/ 378.
6 همع الهوامع 1/ 251، والارتشاف 2/ 378.
7 الارتشاف 2/ 378.
8 في "ب": "تثنية".(1/621)
لإضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن العدد هو التمييز في المعنى، قاله في المتوسط، وزعم أنه الصواب. "أو مضافًا نحو:" {وَلَوْ جِئْنَا "بِمِثْلِهِ مَدَدًا} " [الكهف: 109] "و {مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} " [آل عمران: 91] فـ"مددًا تمييز لـ"مثل"، و"ذهبًا" تمييز لـ"ملء"، ولا يجوز جرهما بالإضافة؛ لأن "مثل" و"ملء" مضافان مرة فامتنع إضافتهما مرة أخرى، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
359-
والنصب بد ما أضيف وجبا ... إن كان مثل ملء الارض ذهبا(1/622)
"فصل":
"مم مميز النسبة" التمييز "الواقع بعد ما يفيد التعجب" إما بصيغته الموضوعة له أو لا، فالأول "نحو:" أبو بكر "أكرم به أبًا وما أشجعه رجلًا. و" الثاني نحو: "لله دره فارسًا"، فـ"أبا" و"رجلا" و"فارسًا" تمييز لبيان جنس المتعجب منه المبهم في النسبة، والدر؛ بفتح الدال المهملة وتشديد الراء؛ في الأصل مصدر در اللبن يدر ويدر؛ بكسر الدال وضمها؛ درا ودرورًا كثر، ويسمى اللبن نفسه درا، وهو هنا كناية عن فعل الممدوح الصادر عنه، وإنما أضيف1 فعله إلى الله تعالى قصدًا لإظهار التعجب منه؛ لأنه تعالى منشئ العجائب. فمعنى قولهم: "لله دره فارسًا" ما أعجب فعله، ويحتمل أن يكون التعجب من لبنه الذي ارتضعه من ثدي أمه، أي: ما أعجب هذا اللبن الذي نزل به مثل هذا الولد الكامل في هذه الصفة، وكون "فارسًا من مميز النسبة إنما يتمشى إذا كان الضمير المضاف إليه "الدر" معلوم المرجع، أما إذا كان مجهوله كان من مميز الاسم لا من مميز النسبة؛ لأن الضمير مبهم، فيحتاج إلى ما يميزه، قاله في الحواشي، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
361-
وبد كل ما اقتضى تعجبا ... ميز...........................
"و" من مميز النسبة التمييز "الواقع بعد اسم التفضيل"، وله حالتان: تارة يكون منصوبًا، وتارة يكون مجرورًا، "وشرط نصب هذا" الواقع بعد اسم التفضيل "كونه" سببيا، وذلك إذا كان "فاعلا معنى، نحو: زيد أكثر مالًا" وعلامة ذلك أن تجعل مكان اسم التفضيل فعلا من لفظه ومعناه، ويرفع التمييز به مع صحة المعنى، فتقول في مثالنا: "زيد كثر ماله"، وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:
360-
والفاعل المعنى انصبن بأفعلا ... مفضلا...........................
__________
1 في "ب"، "ط" "أضاف".(1/623)
"بخلاف" ما إذا لم يكن فاعلًا معنى، وهو ما كان اسم الفضيل بعضه "نحو: "مال زيد أكثر مال"، بالخفض، وعلامة أن يحسن وضع "بعض" موضع اسم التفضيل، ويضاف إلى جمع قائم مقام النكرة، فنقول في مثالنا: "مال زيد بعض الأموال"، ولا يستقيم في هذا المثال أن يكون "مال" فاعلًا معنى لفساد المعنى، فلا يقال: "مال زيد كثر ماله"؛ لأنه يؤدي إلى أن المال له مال.
وإنما وجب نصبه في الأولى وجره في الثانية؛ لأن اسم التفضيل مضاف إلى ما هو بعضه دون الأولى، "وإنما جاز: هو أكرم الناس رجلًا" بالنصب مع تخلف شرطه؛ وهو أن "رجلًا" لا يصح أن يكون فاعلًا في المعنى: إذ لا يقال:"هو كرم رجل" فتخبر عن "هو" بقولك: "كرم رجل" وإذا بطل شرط النصب كان حقه الجر, وإنما نصب "لتعذر إضافة "أفعل" مرتين"؛ لأنه أضيف أولًا إلى "الناس"، فلو أضيف ثانيًا إلى "رجل" لزم إضافته مرتين، وذلك ممتنع؛ لأن المضاف إلى شيء يمتنع إضافته إلى غيره.(1/624)
"فصل":
"ويجوز جر التمييز بـ"من" كـ: "رطل من زيت"". واختلف في معنى "من" التي يصرح بها مع التمييز، فقيل: للتبعيض، ولذلك لم تدخل في "طاب نفسًا" لأن "نفسا" ليست أعم من المبهم الذي انطوت عليه الجملة. وقال الشلوبين1: زائدة عند سيبويه2 لمعنى التبعيض. قال في الارتشاف3: ويدل على صحته أنه عطف على موضعها نصبًا، قال الحطيئة: [من البسيط]
455-
طافت أمامة بالركبان آونة ... يا حسنه من قوام ما ومنتقبا
وبحث الموضح في الحواشي أنها لبيان الجنس، وهو ظاهر؛ لأن المشهور من مذاهب النحويين ما عد الأخفش أن "من" لا تزاد إلا في غير الإيجاب.
ولا4 يمتنع جر التمييز بـ"من" "إلا5 في ثلاث مسائل:
إحداها: تمييز العدد. كـ: عشرين درهمًا" لما سيأتي.
"الثانية: التمييز المحول عن المفعول، كـ: غرست الأرض شجرًا، ومنه" أي: من المحول عن المفعول "ما أحسن زيدًا أدبًا" فإنه محول عن المفعول، وأصله: ما أحسن أدب زيدٍ، "بخلاف: ما أحسنه" أي: زيدًا" "رجُلا" فإنه ليس محولًا عن المفعول، إذ لا يصح "ما أحسن رجل زيد" مع أن المراد بالرجل نفس زيد.
__________
1 الارتشاف 2/ 384.
2 الكتاب 4/ 225.
3 الارتشاف 2/ 384.
455- البيت للحطيئة في ديوانه ص11، والارتشاف 2/ 384، وأمالي ابن الشجري 1/ 276، وخزانة الأدب 3/ 270، 289، والدرر 1/ 530، والمقاصد النحوية 3/ 242، وبلا نسبة في الخصائص 2/ 432، وشرح الأشموني 1/ 265، وهمع الهوامع 1/ 251.
4 سقط من "ط".
5 سقط من "ط".(1/625)
و"الثالثة: ما كان فاعلا في المعنى إن كان محولًا عن الفاعل صناعة كـ: طاب زيد نفسًا"، إذ أصله: طابت نفس زيد، "أو" محولا "عن مضاف غيره"، كأن يكون مبتدأ، "نحو: زيد أكثر مالًا"، فـ"مالا" محول عن مبتدأ، "إذ أصله: مال زيد أكثر"، فحول المضاف، وجعل تمييزًا، وأقيم المضاف إليه مقامه، فارتفع على الابتداء مكانه، "بخلاف" ما كان فاعلًا في المعنى، ولم يكن محولًا "نحو: لله دره فارسًا، و: أبرحت جارًا" بكسر التاء خطابًا للمؤنثة، أخذا من قول الأعشى: [من المتقارب]
456-
أقول لها حين جد الرحيـ ... ـل أبرحت ربا وأبرحت جارًا
"فإنهما" أي: فارسًا وجارًا "وإن كانا فاعلين معنى؛ إذ المعنى عظمت فارسا وعظمت جارًا، إلا أنهما غير محولين" عن الفاعل صناعة، "فيجوز دخول "من" عليهما"، فتقول: "من فارس" و"من جار" كقوله: [من السريع]
457-
يا سيدا ما أنت من سيد ... موطأ الأكناف رحب الذراع
"ومن ذلك" الفاعل في المعنى الغير محول: "نعم رجلًا زيد1"، فـ"رجلًا" وإن كان فاعلًا معنى؛ إذ المعنى نعم الرجل زيد؛ إلا أنه غير محول، فلذلك "يجوز" دخول "من" عليه، فتقول: "نعم من رجل، قال" أبو بكر بن الأسود: [من الوافر]
458-
تخيره فلم يعدل سواه ... "فنعم المرء من رجل تهامي"
بفتح التاء كـ: "يمان". واقتصر في النظم على استثناء مسألتين فقال:
362-
واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد ... والفاعل المعنى...........................
__________
456- البيت للأعشى في ديوانه ص99، والارتشاف 2/ 382، وجمهرة اللغة ص56، 275، وخزانة الأدب 2/ 302، 305، 306، وسمط اللآلي ص338، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1263، والكتاب 2/ 175، ولسان العرب 2/ 411 "برح"، ونوادر أبي زيد ص55، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 367، 404، وأوضح المسلك 2/ 367، والفاخر ص280.
457- البيت للسفاح بن بكير في خزانة الأدب 6/ 95، 96، 98، والدرر 1/ 378، وشرح اختيارات المفضل ص1363، وشرح شواهد الإيضاح ص195، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 185، وخزانة الأدب 2/ 308، والدرر 2/ 292، وشرح شذور الذهب ص258، وشرح قطر الندى ص320 والمقرب 1/ 165، وهمع الهوامع 1/ 173، 2/ 90.
1 في "أ"، "ب": "زيدًا".
458- البيت لأبي بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب الليثي في الدرر 2/ 276، وشرح المفصل 7/ 133، والمقاصد النحوية 3/ 227، 4/ 14، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 369، وخزانة الأدب 9/ 395، وشرح ابن الناظم ص253، وشرح الأشموني 1/ 265، والمقرب 1/ 69، وهمع الهوامع 2/ 86.(1/626)
وإنما امتنع دخول "من" في المسائل الثلاث المتقدمة؛ لأن وضع "من" المبينة أن يفسر بها وبمصحوبها اسم جنس سابق صالح لحمل ما بعدها عليه، نحو: {أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: 31] . وامتنع ذلك في العدد لعدم صحة الحمل، لكون العدد دالا على متعدد. والتمييز مفرد، وفي المحول عن الفاعل والمفعول؛ لأن التمييز مفسر للنسبة لا للفظ المذكور، وجاز دخولها في غير ذلك؛ لأن التمييز نفس المميز في المعنى.
وفي كلامه هنا أمور منها: أنه قيد الفاعل المعنوي بأن يكون محولًا صناعة، ولم أقف عليه لغيره. ومنها أنه تبع الشارح1 في جعل "لله دره فارسًا" و"نعم المرء من رجل" من تمييز الجملة، واعترضه المرادي بأنه تمييز مفرد لا تمييز جملة2. ومنها أنه حكم على "أبرحت جارًا" أنه غير3 محول، والمنقول عن الأعلم أنه مما انتصب عن تمام الكلام، وأنه منقول عن فاعل، وتقديره: أبرح جارك، فأسند الفعل إلى غيره ثم نصبه تفسيرًا، وذهب ابن خروف4 إلى أنه مما انتصب عن تمام الاسم، فالقول بأنه تمييز عن تمام الجملة وليس محولًا قول ثالث. ومنها أنه خالف كلامه في "نعم رجلًا زيد". فقال هنا: يجوز "نعم من رجل"، ومنع ذلك في شرح اللمحة فقال5: ولا تدخل "من" على ما كان منقولا أو مشبها بالمنقول أو بعد عدد, وقدم قبل ذلك أن المشبه بالمنقول قولهم: "نعم رجلًا زيد"، ووجه شبهه بالمنقول أن المعنى: نعم الرجل زيد، فكان هذا هو الأصل، ثم حول الإسناد عن الظاهر إلى المضمر، وجعل المرفوع تمييزًا لذلك الضمير. ا. هـ. فجعله محولًا، ومنع دخول "من" عليه. ومنها أن قوله: إذ المعنى عظمت فارسًا وعظمت جارًا، ليس فيه بيان أن "فارسًا" و"جارًا" فاعلان معنى، وكان حقه أن يرفعهما، ويقول: إذ المعنى عظمت فروسيتك وعظم جوارك، فيسند الفعل إلى أصل التمييز أو إلى التمييز، فتقول: عظم فارس وعظم جار.
__________
1 شرح ابن الناظم ص252.
2 شرح المرادي 2/ 183.
3 سقطت من "ب".
4 الارتشاف 2/ 381.
5 انظر قوله في همع الهوامع 1/ 251.(1/627)
"فصل":
"لا يتقدم التمييز على عامله إذا كان اسمًا" جامدًا "كـ: رطل زيتًا، أو فعلًا جامدًا نحو: ما أحسنه رجلًا"؛ لأن الجامد لا يتصرف في نفسه فلا يتصرف في معموله بتقديمه عليه. "وندر تقدمه على" الفعل "المتصرف كقوله" وهو رجل من بني طيئ: [من المتقارب]
459-
"أنفسنا تطيب بنيل المنى" ... وداعي المنون ينادي جهارًا
فـ"نفسًا" تمييز مقدم على عامله؛ وهو تطيب؛ لأنه فعل متصرف "وقاس على ذلك المازني والمبرد والكسائي1"، قال الناظم في شرح العمدة2: بقولهم أقول قياسًا على سائر الفضلات المنصوبة بفعل متصرف، وجعله في النظم قليلًا فقال:
363-
وعامل التمييز قدم مطلقًا ... والفعل ذو التصريف نزرًا سبقا
ولم يجز سيبويه3 والجمهور ذلك؛ لأن الغالب في التمييز المنصوب بفعل متصرف أن يكون فاعلًا في الأصل، وقد حول الإسناد عنه إلى غيره لقصد المبالغة، فلا يغير عما كان مستحقه4 من وجوب التأخير لما فيه من الإخلال بالأصل.
__________
459- البيت لرجل من طيئ في شرح عمدة الحافظ ص477، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 372، وشرح الأشموني 1/ 296، وشرح شواهد المغني 2/ 862، وشرح التسهيل 2/ 389، وشرح المرادي 2/ 186، ومغني اللبيب 2/ 463، والمقاصد النحوية 3/ 241.
1 انظر هذه الآراء في التسهيل ص115، وشرح التسهيل 2/ 389، وشرح ابن الناظم ص253، والارتشاف 2/ 385.
2 شرح عمدة الحافظ 1/ 359.
3 الكتاب 1/ 205.
4 في "ب"، "ط": "يستحقه".(1/628)
وقيل لأن التمييز كالنعت في الإيضاح، والنعت لا يتقدم على عامله، فكذلك ما أشبهه، قاله الفارسي، واستحسنه ابن خروف، والبيت ونحوه ضرورة. كما قال في المغني1، ويحتمل أن يكون "نفسًا" منصوبة بفعل محذوف دل عليه المذكور، فالتقدير:
أتطيب نفسًا تطيب.
وأما إذا كان العامل وصفًا فقياس من أجاز التقديم في الفعل أن يجيزه مع الوصف إلا مع اسم التفضيل، واتفق الجميع على جواز تقديم التمييز على المميز إذا كان العامل متقدمًا نحو: "طاب نفسا زيد"، قاله ابن الضائع، وهذا يرد قول الفارسي: إن التمييز كالنعت؛ لأن النعت لا يتقدم على المنعوت. قاله ابن عصفور2.
__________
1 مغني اللبيب ص603.
2 شرح الجمل 2/ 284.(1/629)
باب حروف الجر
مدخل
...
باب حروف الجر:
"هذا باب حروف الجر":
ويسميها الكوفيون حروف الإضافة؛ لأنها تضيف الفعل إلى الاسم، أي: تربط بينهما، وحروف الصفات؛ لأنها تحدث صفة في الاسم من ظرفية أو غيرها. "وهي عشرون حرفًا" كما في النظم "ثلاث مضت في" باب "الاستثناء، وهي: خلا وعدا وحاشا" الجارات فلا حاجة لإعادتها، "وثلاثة شاذة" في عمل الجر:
"أحدها: "متى" في لغة هذيل" بالتصغير "وهي" عندهم "بمعنى "من" الابتدائية"، حكى يعقوب ذلك عنهم، و"سمع من بعضهم1: أخرجها متى كمه" أي: من كمه، "وقال" شاعرهم أبو ذؤيب الهذلي في وصفه السحاب: [من الطويل]
460-
شربن بماء البحر ثم ترفعت ... "متى لجج خضر لهن نئيج
أي: من لجج، واللجج: جمع لجة؛ بضم اللام؛ وهي معظم الماء، والنئيج، بفتح النون وكسر
__________
1 شرح ابن الناظم ص257، وشرح التسهيل 3/ 186، وشرح ابن عقيل 2/ 4.
460- البيت لأبي ذؤيب الهذلي ص201، والأشباه والنظائر 4/ 287، وجواهر الأدب ص99، وخزانة الأدب 7/ 97, 99, والخصائص 2/ 85, والدرر 2/ 33, وسر صناعة الإعراب ص135, وشرح أشعار الهذليين 1/ 129، وشرح شواهد المغني ص218، ولسان العرب 1/ 487، "شرب" 5/ 162 "مخر"، 15/ 474 "متى"، والمحتسب 2/ 114، والمقاصد النحوية 3/ 249، وبلا نسبة في أدب الكاتب ص515، والأزهية ص284، وأوضح المسالك 3/ 6، والجنى الداني ص43, 505, وجواهر الأدب ص47, 378, ورصف المباني ص151, وشرح ابن الناظم ص257، وشرح الأشموني ص284، وشرح ابن عقيل 2/ 6، وشرح التسهيل /153, 186، وشرح عمدة الحافظ ص268، وشرح قطر الندى ص250، وشرح الكافية الشافية 2/ 784، 807، والصاحبي في فقه اللغة ص157، ومغني اللبيب ص105، وهمع الهوامع 2/ 34.(1/630)
الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وبالجيم: المر السريع مع الصوت، يقال: إن السحاب في بعض الأماكن يدنو من البحر الملح، فيمتد منها خراطيم عظيمة تشرب من مائه، فيكون لها صوت عظيم مزعج، ثم تذهب صاعدة إلى الجو، فيلطف ذلك الماء ويعذب بإذن الله تعالى في زمن صعودها وترفعها. ثم يمطر حيث يشاء الله تعالى.
"والثاني: "لعل" في لغة عقيل" بالتصغير "قال" شاعرهم: [من الوافر]
461-
"لعل الله فضلكم علينا" ... بشيء أن أمكم شريم
بجر الجلالة بـ"لعل"، وشريم: بفتح الشين المعجمة: المرأة المفضاة، "ولهم في لامها الأولى الإثبات" كما مر، "والحذف" كقوله: [من الرجز]
462-
عل صروف الدهر أو دولاتها
أنشده الفراء بجر صروف، "و" لهم "في" لامها "الثانية الفتح والكسر". وأنشدوا عليهما: [من الوافر]
463-
لعل الله يمكنني عليها ... جهارًا من زهير أو أسيد
فهذه أربع لغات، ولا يجوز الجر في بقية لغات "لعل".
"والثالث: "كي"" ولا تجر معربًا ولا اسمًا صريحًا. "وإنما تجر ثلاثة" لا رابع لها، "أحدها: "ما" الاستفهامية، يقول إذا سألوا عن علة الشيء: "كيمه""، والأصل: "كيما" فحذفت ألف "ما" وجوبا، وجيء بهاء السكت وقفًا حفظًا للفتحة
__________
461- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 7، والجنى الداني ص584، وجواهر الأدب ص403، وخزانة الأدب 10/ 422، 423، 430، ورصف المباني ص375، وشرح الأشموني 2/ 284، وشرح ابن عقيل 2/ 5، وشرح ابن الناظم ص256، وشرح قطر الندى ص249، وشرح الكافية الشافية 2/ 783، والمقاصد النحوية 3/ 247، والمقرب 1/ 193.
462- الرجز بلا نسبة في لسان العرب 4/ 325، "زفر"، 11/ 473 "علل"، 12/ 550 "لمم", والخصائص 1/ 316، وشرح الأشموني 3/ 570، 668، وشرح ابن الناظم ص488، 545، وشرح التسهيل 4/ 34، وشرح شواهد الشافية 128، وشرح شواهد المغني 1/ 454، وشرح عمدة الحافظ 399، والإنصاف 1/ 220، والجنى الداني 584، ورصف المباني ص249، وسر صناعة الإعراب 1/ 407، واللامات ص135، والمقاصد النحوية 4/ 396، وتاج العروس "لمم".
463- البيت لخالد بن جعفر في الأغاني 11/ 79، وأمالي المرتضى 1/ 212، وخزانة الأدب 10/ 426، 438، 439، 441، وبلا نسبة في الجنى الداني ص583، وسر صناعة الإعراب ص407، وشرح عمدة الحافظ ص269، ولسان العرب 11/ 473 "علل"، وشرح التسهيل 2/ 47، 3/ 186، وشرح الكافية الشافية 2/ 783.(1/631)
الدالة على الألف المحذوفة، "والأكثر" عندهم "أن يقولوا: "لِمَهْ"" باللام؛ والمعنى: لأي شيء كان كذا؟ "الثاني "ما" المصدرية وصلتها"، فإنهما في تأويل الاسم، "كقوله" وهو النابغة: [من الطويل]
464-
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما ... "يراد الفتى كيما يضر وينفع"
فـ"كي" جارة لمصدر مؤول من "ما" وصلتها، وهي حرف النفع بمنزلة اللام، "أي" إنما يراد الفتى "للضر والنفع"، أي: لضر من يستحق الضر ونفع من يستحق النفع، ويروى: "يرجى الفتى"، وكون "ما"1 فيه مصدرية، "قاله الأخفش2"، وهو قليل, "وقيل "ما"" فيه "كافة" لـ
"كي" عن عمل الجر مثلها في "ربما"، وقول قريب الموضح في حاشيته: وأن المصدرية مضمرة بعدها، سهو. "الثالث: "أن" المصدرية" المضمرة "وصلتها نحو: "جئت كي تكرمني" إذا قدرت "أن" بعدها"، والأصل: كي أن تكرمني، فحذفت "أن" استغناء عنها بنيتها "بدليل ظهورها في الضرورة كقوله:" وهو جميل بن عبد الله: [من الطويل]
465-
فقالت أكل الناس أصبحت مانحا ... "لسانك كيما أن تغر وتخدعا"
فـ"تغر" و"تخدعا" مبنيان للفاعل، و"المنح": الإعطاء متعد لاثنين أولهما "أكل
__________
464- البيت للنابعة الجعدي في ملحق ديوانه ص246، وله أو للنابغة الذبياني في شرح شواهد المغني 1/ 507، وللنابغة الجعدي أو للنابغة الذبياني أو لقيس بن الخطيم في خزانة الأدب 8/ 498، والمقاصد النحوية 4/ 245، ولقيس بن الخطيم في ملحق ديوانه ص235، وكتاب الصناعتين ص315، والمقاصد النحوية 4/ 379، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 394، وأوضح المسالك 3/ 10، وتذكرة النحاة ص609، والجنى الداني ص262، والحيوان 3/ 76، وخزانة الأدب 7/ 105،وشرح ابن الناظم ص256، وشرح الأشموني 2/ 283، وشرح التسهيل 3/ 149، 4/ 16، وشرح عمدة الحافظ ص266، وشرح الكافية الشافية 2/ 782، 3/ 1532، ومغني اللبيب 1/ 182، وهمع الهوامع 1/ 5، 31.
1 في "أ": "لما".
2 معاني القرآن للأخفش 1/ 306.
465- البيت لجميل بثينة في ديوانه ص108، وخزانة الأدب 8/ 481، 482، 483، 488، والدرر 2/ 9، وشرح المفصل 9/ 14، 16، وله أو لحسان بن ثابت في شرح شواهد المغني 1/ 508، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 282، وأوضح المسالك 3/ 11، وخزانة الأدب ص125، والجنى الداني ص262، ورصف المباني ص217، وشرح ابن الناظم ص256، وشرح الأشموني 2/ 283، وشرح التسهيل 1/ 244، 3/ 148، 4/ 16، وشرح شذور الذهب ص289، وشرح عمدة الحافظ ص267، وشرح الكافية الشافية 2/ 782، ومغني اللبيب 1/ 183، وهمع الهوامع 2/ 5.(1/632)
الناس" وثانيهما "لسانك" على حذف مضاف، والمعنى: أصبحت مانحًا كل الناس حلاوة لسانك، والغرور: الخداع، فهو عطف تفسيري، وهو إرادة المكروه بالإنسان من حيث لا يعلم.
وجعل ابن مالك في التسهيل1 إظهار "أن" بعد "كي" قليلًا، ولم يجعله ضرورة كما فعل الموضح، "والأولى" فيما إذا لم يذكر "أن" بعد "كي" "أن تقدر "كي" مصدرية"، ناصبة للمضارع بنفسها، "فتقدر اللام قبلها" استغناء عنها بنيتها "بدليل كثرة ظهورها معها نحو: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا} [الحديد: 23] . فهذه ستة أحرف.
"والأربعة عشر الباقية" من العشرين "قسمان:
سبعة تجر الظاهر والمضمر، وهي: من، وإلى، وعن، وعلى، وفي والباء، واللام" وهي بالنسبة إلى الوضع ثلاثة أقسام: ما هو موضوع على حرف واحد، وهو اثنان: "الباء" و"اللام". وما هو موضوع على حرفين وهو ثلاثة: "من" و"عن" و"في". وما هو موضوع على ثلاثة أحرف وهو اثنان: "إلى" و"على".
وبدأ منها بـ"من"؛ لأنها أم حروف الجر، قاله صاحب درة الغواص وغيره.
مثال: جرها المضمر والظاهر "نحو: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} " [الأحزاب: 7] .
ومثال "إلى": " {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} [المائدة: 48] {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} " [الأنعام: 60] .
ومثال "عن": " {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} [المائدة: 119] .
ومثال "على": " {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} " [غافر: 80] .
ومثال "في": " {وَفِي الْأَرْضِ آيَات " لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20] {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ} [الزخرف: 71] .
ومثال "الباء": " {آمَنُوا بِاللَّهِ} [النساء: 175] {آمَنُوا بِهِ} " [الأعراف: 157] .
ومثال اللام: " {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} [البقرة: 284] {لَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ " وَمَا فِي الْأَرْضِ} [يونس: 68] .
"وسبعة تختص بالظاهر" وهي المشار إليها بقوله في النظم:
366-
بالظاهر اخصص منذ مذ وحتى ... والكاف والواو ورب والتا
وهي بالنسبة إلى الوضع أربعة أقسام: ما وضع على حرف واحد، وهو ثلاثة: الكاف
__________
1 التسهيل ص229.(1/633)
والواو والتاء. وما وضع على حرفين وهو "مذ" خاصة. وما وضع على ثلاثة أحرف وهو: "منذ" و"رب" وما وضع على أربعة أحرف وهو: "حتى" خاصة.
"وتنقسم" بالنسبة إلى عملها في الظاهر "أربعة أقسام" أيضًا:
"ما لا يختص بظاهر بعينه" وهو" ثلاثة: "حتى" و"الكاف" و"الواو", نحو: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] . {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، {وَالطُّورِ} [الطور: 1] . "وقد تدخل "حتى" و"الكاف في الضرورة على الضمير"، فالأول كقوله: [من؟؟؟؟]
466-
أتت حتاك تقصد كل فج ... ترجي منك أنها لا تخيب
والكوفيون والفراء لا يخصون ذلك بالضرورة قاله في المغني1.
والثاني "كقول العجاج" يصف حمارًا وحشيا: [من الرجز]
467-
خلى الذنابات شمالًا كثبا ... "وأم أوعال كها أو أقربا"
فأدخل الكاف على الهاء العائدة على الذنابات؛ بفتح الذال المعجمة والنون وبعد الألف باء موحدة؛ جمع ذنابي، وهي في الأصل شبه المخاط يقع من أنوف الأبل، وهنا اسم موضع بعينه، وأم أوعال: اسم هضبة بعينها, وهي في الأصل جبل منبسط على وجه الأرض. وشمالا: ظرف، وكثبًا؛ بفتح الكاف والثاء المثلثة؛ صفته، ومعناه: قريبًا و"أو": حرف عطف، والمعنى: أن هذا الحمار الوحشي ترك الذنابات ناحية شماله قريبًا منه، وترك أم أوعال كالذنابات أو أقرب منها. "وقول الآخر" وهو رؤبة يصف حمارًا وحشيا وأتنا وحشيات: [من الرجز]
468-
فلا ترى بعلا ولا حلائلا ... "كه ولا كهن إلا حاظلا"
__________
466- البيت بلا نسبة في الدرر 2/ 39، وشرح الأشموني 2/ 287، وشرح شواهد المغني ص370، ومغني اللبيب 1/ 123، وهمع الهوامع 2/ 23.
1 مغني اللبيب 1/ 123.
467- البيت للعجاج في ملحق ديوانه 2/ 269، وأوضح المسالك 3/ 16، وتاج العروس "وعل"، وجمهرة اللغة ص61، وخزانة الأدب 10/ 195، 196, وشرح أبيات سيبويه 2/ 95، وشرح شواهد الشافية ص345، والكتاب 2/ 384، ومعجم ما استعجم ص212، والمقاصد النحوية 3/ 253، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 436, وشرح ابن الناظم ص257, وشرح الأشموني 2/ 286, وشرح ابن عقيل 2/ 13, وشرح الكافية الشافية 2/ 793، وشرح المفصل 8/ 16، 42، 44.
468- الرجز لرؤبة في ديوانه ص128، وخزانة الأدب 10/ 195، 196، والدرر 2/ 65، وشرح أبيات سيبويه 2/ 163، والمقاصد النحوية 3/ 256، وللعجاج في الكتاب 2/ 384، وليس في ديوانه, وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 18، وجواهر الأدب ص124، ورصف المباني ص204، وشرح ابن الناظم ص258، وشرح الأشموني 2/ 286، وشرح ابن عقيل 2/ 14، وشرح التسهيل 3/ 169، وشرح عمدة الحافظ ص269، وشرح الكافية الشافية 2/ 791، 793، وهمع الهوامع 2/ 30.(1/634)
فأدخل الكاف في الأول على ضمير الحمار الوحشي، وفي الثاني على ضمير الإناث الوحشيات، والبعل: الزوج، والحلائل: جمع حليلة الرجل، وهي امرأته، الحاظل؛ بالحاء المهملة والظاء المشالة: المانع من التزويج كالعاضل، والمعنى: لا ترى بعلا مثل الحمار الوحشي، ولا زوجات مثل الأتن الوحشيات إلا مانعا.
"وما يختص بالزمان وهو "مذ" و"منذ"" وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
367-
واخصص بمذ ومنذ وقتا.... ... ..................................
"فأما قولهم: ما رأيته مذ أن الله خلقه" بفتح الهمزة على أنها مصدرية، وهي وصلتها في تأويل مصدر مجرور بـ"مذ" في الصورة الظاهرة "فتقديره: مذ زمن أن الله خلقه"، فـ"مذ" في الحقيقة إنما جرت زمانًا محذوفًا مضافا إلى المصدر لا المصدر، "أي: مذ زمن خلق الله إياه"، فاندفع بهذا التقدير السؤال، وأما على رواية من كسر الهمزة فـ"مذ" فيه اسم لدخولها على الجملة. "وما يختص بالنكرات وهو: رب" بضم الراء، وإليه الإشارة بقول الناظم:
367-
................. وبرب ... منكرًا..........................
نحو: "رب جل كريم لقيته"، "وقد تدخل في الكلام" النثر "على ضمير غيبة ملازم للإفراد والتذكير، والتفسير بتمييز بعده مطابق للمعنى" من إفراد وتذكير وفروعهما كقولك: "ربه رجلا"، و"ربه رجلين"، و"ربه رجلالا1"، و"ربه امرأة"، و"ربه امرأتين"، و"ربه نساء"، كل ذلك بإفراد الضمير استغناء بمطابقة التمييز للمعنى المراد، "قال" الشاعر: [من الخفيف]
469-
"ربه فتية دعوت إلى ما" ... يورث الحمد دائبًا فأجابوا
فأتي بالضمير مفردًا، مفسرا بتمييز مجموع مطابق للمعنى، وهو فتية، هذا مذهب البصريين2.
__________
1 سقطت الجملة من "أ".
469- البيت بلا نسبة في الارتشاف 2/ 463، وأوضح المسالك 3/ 19، والدرر 2/ 50، وشرح الأشموني 1/ 187، وشرح التسهيل 3/ 184، وشرح شذور الذهب ص133، وشرح شواهد المغني ص874، ومغني اللبيب ص491، والمقاصد النحوية 3/ 259، وهمع الهوامع 2/ 27.
2 انظر مذهب البصريين في الارتشاف 2/ 462، والأزهية ص261.(1/635)
وحكى الكوفيون1 جواز مطابقته لفظًا2 نحو: "ربها امرأة"، و"ربهما رجلين"، و"ربهم رجالا"، و"ربهن نساء".
واختلف في الضمير المجرور بـ"رب" فقيل معرفة، وإليه ذهب الفارسي3 وكثيرون. وقيل نكرة، واختاره الزمخشري4 وابن عصفور5؛ لأنه عائد على واجب التنكير، وجعل الناظم دخول "رب" والكاف على الضمير نادرًا فقال:
368-
وما رووا من نحو ربه فتى ... نزر كذاكها ونحوه أتى
"وما يختص بالله ورب" بفتح الراء، حال كونه "مضافًا للكعبة أو لياء المتكلم وهو التاء" في القسم، وإليه أشار الناظم بقوله:
367-
................ ... ........ والتاء لله، ورب
"نحو: {تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] ، "و: "ترب الكعبة". و"تربي لأفعلن""، حكاه الأخفش6، وندر "تالرحمن" و"تحياتك" حكاه سيبويه7.
__________
1 انظر مذهب الكوفيين في الارتشاف 2/ 463، والأزهية ص261.
2 سقطت من "ط".
3 الإيضاح العضدي 1/ 253.
4 الارتشاف 2/ 462.
5 المقرب 1/ 200.
6 شرح ابن الناظم ص259.
7 الكتاب 1/ 59.(1/636)
"فصل":
"في ذكر معاني الحروف" الجارة: والصحيح عند البصريين أن حروف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس كما لا تنوب أحرف الجزم وأحرف النصب، وما أوهم ذلك فهو عندهم إما مؤول تأويلًا يقبله اللفظ. وإما على تضمين الفعل معنى فعل يتعدى بذلك الحرف. وإما على شذوذ إنابة كلمة عن أخرى، وهذا الأخير هو مجمل الباب كله عند الكوفيين وبعض المتأخرين، ولا يجعلون ذلك شاذا، ومذهبهم أقل تعسفًا. قاله في المغني1.
"لـ"من" سبعة معان:
"أحدها: التبعيض" عند الفارسي2 والجمهور, وصححه ابن عصفور3، وعلامته جواز الاستغناء عنها بـ"بعض" "نحو: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ " حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ "} [آل عمران: 92] ، أي: بعض ما تحبون، "ولهذا قرئ: بعض ما تحبون" قرأ ذلك ابن مسعود4.
"و" المعنى "الثاني: بيان الجنس" عند جماعة من المتقدمين والمتأخرين وعلامتها صحة وقوع موصول موضعها إذا بينت معرفة نحو: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: 30] أي: الذي هو الأوثان، فإن بينت نكرة فهي ومجرورها في موضع جملة "نحو:" {يُحَلَّوْنَ فِيهَا " مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ "} [الكهف: 31] فـ"من ذهب" بيان لـ"أساور" أي: هي ذهب، و"من" الأولى للابتداء عند الجمهور، أو زائدة على رأي الأخفش5 ويدل له قوله تعالى: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ} [الإنسان: 21] .
__________
1 مغني اللبيب ص150, 151.
2 الإيضاح العضدي 1/ 251.
3 المقرب 1/ 198.
4 انظر هذه القراءة في البحر المحيط 2/ 524، والكشاف 1/ 202، وتفسير الرازي 2/ 501.
5 معاني القرآن للأخفش 1/ 272, 273.(1/637)
"و" المعنى "الثالث: ابتداء الغاية المكانية باتفاق" من البصريين والكوفيين بدليل انتهاء الغاية بعدها "نحو": {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا " مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ " إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1] . "و" ابتداء الغاية "الزمانية" وفاقًا للكوفيين والأخفش والمبرد وابن درستويه، و"خلافًا لأكثر البصريين" في منعهم ذلك، "و" يدل "لنا" الكتاب العزيز وهو "قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ" أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ} [التوبة: 108] ، "والحديث" وهو قول أنس رضي الله عنه: "فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة" رواه البخاري1 من حديث شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس رضي لله عنه، وقول بعض العرب: "من الآن إلى الغد"، كما حكاه الأخفش في المعاني2، "وقول الشاعر" النابغة الذبياني يصف السيوف: [من الطويل]
470-
"تخيرن من أزمان يوم حليمة" ... إلى اليوم قد جربن كل التجارب
فـ"من أزمان" لابتداء الغاية الزمانية، وتخيرن وجربن: مبنيان للمفعول، والنون المتصلة بهما نائب الفاعل، وهي راجعة إلى السيوف المحدث عنها في بيت قبله3، وتخيرن4: اصطفين: وجربن: اختبرن، ويوم حليمة، يوم مشهور من أيام العرب، وهو اليوم الذي سار فيه المنذر بن المنذر لقتال الأعرج الغساني، وحليمة هي بنت الحارث5 بن أبي شمر، والتجارب: جمع تجربة. وحمل المانعون هذه الأدلة على حذف مضاف، والتقدير: في الآية: من تأسيس أول يوم، وفي الحديث من صلاة الجمعة، وفي البيت: من استمرار أزمان، وكذلك ما أشبهها، وأجيب بأن الأصل عدم الحذف.
وقد يكون ابتداء الغاية في غير المكان والزمان نحو: "من محمد رسول الله هرقل عظيم الروم"6.
__________
1 أخرجه البخاري في الاستسقاء برقم 971.
2 معاني القرآن للأخفش 1/ 158.
470- البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص45، وخزانة الأدب 3/ 331، وشرح شواهد المغني ص349، 731، ولسان العرب 1/ 261، "جرب"، 12/ 149، "حلم" ومغني اللبيب ص319، والمقاصد النحوية 3/ 270، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 22، وشرح ابن الناظم ص259، وشرح الأشموني 2/ 287، وشرح ابن عقيل 2/ 16.
3 وهو قوله:
"ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب"
4 في "أ": "خيرن".
5 في "ط": " الحرب".
6 أخرجه البخاري في بدء الوحي برقم 7.(1/638)
"و" المعنى "الرابع: التنصيص على العموم أو لتوكيد1 التنصيص عليه، وهي الزائدة"، فالأول الداخلة على نكرة لا تختص بالنفي نحو: "ما جاءني من رجل"، فهي للتنصيص على العموم، ألا ترى أنه قبل دخول "من" يحتمل نفي الواحد2 ونفي الجنس على سبيل العموم، ولهذا يصح أن يقال: "بل رجلان"، وبعد دخولها يصير نصا في نفي الجنس على سبيل العموم، فيمتنع أن يقال: "بل رجلان". والثاني الداخلة على نكرة مختصة بالنفي وشبهه نحو: "ما جاءني من أحد" فهي لتأكيد التنصيص على العموم؛ لأن النكرة الملازمة للنفي تدل على العموم أيضًا، فزيادة "من" إنما أفادت مجرد التوكيد؛ "لأن "ما جاء أحد" و "ما جاء من أحد" سيان في إفهام العموم دون احتمال.
فإن قلت: إذا كانت "من" تفيد التنصيص فكيف تكون زائدة؟ أجيب بأن المراد من زيادتها كونها تأتي في موضع يطلبه العامل بدونها، فتصير مقحمة بين طالب ومطلوب، وإن كان سقوطها3 مخلا بالمعنى المراد، كما قالوا في "لا": إنها زائدة في قولهم: "جئت بلا زاد" مع أن سقوطها يخل بالمعنى.
"و" "من" الزائدة "لها ثلاثة شروط" عند الجمهور:
أحدها: "أن يسبقها نفي" بأي أداة كانت، "أو نهي" بـ"لا"، "أو استفهام بـ"هل"" خاصة، وفي إلحاق الهمزة بها نظر، وفي الارتشاف4: لو قلت كيف تضرب من رجل؟ أو متى تضرب من رجل؟ لم يجز. ا. هـ. ولعل الفرق أن "هل" لطلب التصديق دائمًا.
"و" الثاني: "أن يكون مجرورها نكرة" كما مر.
"و" الثالث: "أن يكون" مجرورها المنكر "إما فاعلا نحو: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر} " [الأنبياء: 2] فذكر فاعل "يأتيهم"، "أو مفعولًا" به "نحو: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} " [مريم: 98] فـ"أحد" مفعول "تحس"، "أو مبتدأ نحو: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} " [فاطر: 3] فـ"خالق" مبتدأ، و "غير الله" نعته على المحل، والخبر محذوف، تقديره: لكم، وليس "يرزقكم" الخبر؛ لأن "هل" لا تدخل على مبتدأ مخبر عنه بفعل على الأصح.
__________
1 في "ط": "توكيد".
2 في "أ", "ط": "الوحدة".
3 في "ب": "استعمالها".
4 الارتشاف 2/ 445.(1/639)
وأجاز بعضهم1 زيادتها بشرط تنكير مجرورها فقط نحو: "قد كان من مطر"، وأجازها الأخفش والكسائي وهشام بلا شرط2، ووافقهم الناظم في التسهيل3، وعلله في "شرحه4 بثبوت السماع بذلك نثرًا ونظمًا.
"الخامس معنى البدل نحو: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} " [التوبة: 38] أي: بدل الآخرة، وأنكر قوم مجيء "من" للبدل، وقالوا: التقدير: أرضيتم بالحياة الدنيا بدلا من الآخرة، فالمفيد للبدلية متعلقها المحذوف وأما هي فللابتداء، نقله في المغني5 وأقره.
المعنى "السادس: الظرفية" عند الكوفيين مكانية أو زمانية، فالأول "نحو: {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} " [فاطر: 40] أي: في الأرض، والظاهر أنها لبيان الجنس مثلها في {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] قاله في المغني6. "و" الثاني نحو: " {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} " [الجمعة: 9] أي: في يوم الجمعة.
"السابع: التعليل" عند جماعة "كقوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} " [نوح: 25] أي: أغرقوا لأجل خطاياهم، فقدمت العلة على المعلول للاختصاص. "وقال الفرزدق" يمدح زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: [من البسيط]
471-
"يغضي حياء ويغضي من مهابته" ... فما يكلم إلا حين يبتسم
أي: يغضي منه لأجل مهابته. والإغضاء: بالغين والضد المعجمتين: إرخاء الجفون. واقتصر
__________
1 منهم ابن جني، انظر الخصائص 3/ 106.
2 معاني القرآن للأخفش 1/ 272، وشرح التسهيل 3/ 138، وشرح ابن الناظم ص260.
3 التسهيل ص144.
4 شرح التسهيل 3/ 138, 139.
5 مغني اللبيب ص423.
6 مغني اللبيب ص424.
471- البيت للحزين الكناني "عمرو بن عبد وهيب" في الأغاني 15/ 263، ولسان العرب 13/ 114 "حزن" والمؤتلف والمختلف ص89، وللفرزدق في ديوانه 2/ 179، وأمالي المرتضى 1/ 68، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1622، وشرح شواهد المغني 2/ 732، ومغني اللبيب 1/ 320، والمقاصد النحوية 2/ 513، 3/ 273، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 193، وأوضح المسالك 2/ 146، وشرح ابن الناظم ص260، وشرح الأشموني 1/ 183، وشرح المفصل 2/ 53.(1/640)
في النظم على قوله:
369-
بعِّض وبيّن وابتدئ في الأمكنه ... بمن وقد تأتي لبدء الأزمنه
370-
وزيد في نفي وشبهه فجر ... نكرة...........................
وزاد في المغني1 ثامنًا: وهو المجاوزة نحو: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 22] أي: عن ذكر الله.
وتاسعًا: هو الانتهاء كقولك: "قربت منه" فإنه مساو لقولك: "قربت إليه"، قاله ابن مالك2.
وعاشرًا: وهو الاستعلاء عند الأخفش3 والكوفيين نحو: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 77] أي: عليهم، وخرجها المانعون على التضمين، أي: منعناه بالنصر من القوم.
وحادي عشر: وهو الفصل؛ بالصاد المهملة؛ وهي الداخلة على ثاني المتضادين ونحوهما، نحو: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] ، {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179] ، ونحو: "لا تعرف زيدًا من عمرو".
وثاني عشر: موافقة الباء عند بعض البصريين، وقيل بعض الكوفيين، نحو: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى: 45] أي: بطرف، نقله الأخفش عن يونس4.
وثالث عشر: موافقة "عند" نحو: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [آل عمران: 10] قاله أبو عبيدة5.
ورابع عشر: مرادفة "ربما" كقوله: [من الطويل]
472-
وإنا لمما نضرب الكبش ضربة ... .....................................
__________
1 مغني اللبيب ص423.
2 شرح التسهيل 3/ 136.
3 معاني القرآن للأخفش 1/ 205.
4 معاني القرآن للأخفش 2/ 687، وشرح التسهيل 3/ 137.
5 مغني اللبيب ص424.
472- عجز البيت:
"على رأسه تلقى اللسان من الفم"
وهو لأبي حية النميري في ديوانه ص174، والأزهية ص91، وخزانة الأدب 10/ 215، 216، 217، والدرر 2/ 85، وشرح شواهد المغني ص72, 738، والكتاب 3/ 156، ومغني اللبيب ص311، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 260، والجنى الداني ص315، وشرح شواهد الإيضاح ص219، ومغني اللبيب ص322، 513، والمقتضب 4/ 174، وهمع الهوامع 2/ 35، 38.(1/641)
قاله السيرافي وابن خروف وابن طاهر والأعلم1.
والخامس عشر: الغاية، قاله سيبويه2: تقول: "رأيته من ذلك الموضع" فجعلته غاية لرؤيتك، وأسقطها هنا لما في بعضها من الرد له.
"وللام اثنا عشر معنى أحدها:
الملك نحو: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} [لقمان: 26] .
المعنى "الثاني: شبه الملك، ويعبر عنه بالاختصاص" والاستحقاق، فالأول "نحو: السرج للدابة"، والثاني نحو: "العمارة للدار" لأن "الدابة" و"الدار" لا يتصور منهما الملك، والفرق بينهما أن التي للاستحقاق هي الواقعة بين معنى وذات، والتي للاختصاص بخلاف ذلك.
"و" المعنى "الثالث: التعدية" إلى المفعول به "نحو: ما أضرب زيدًا لعمرو" لأن ضرب متعد في الأصل، ولكن لما بني منه فعل التعجب نقل إلى فعل؛ بضم العين؛ فصار قاصرًا، فتعدى بالهمزة إلى زيد، وباللام إلى عمرو، هذا مذهب البصريين. وذهب الكوفيون إلى3 أن الفعل باق على تعديته ولم ينقل، وأن اللام ليست للتعدية، وإنما هي مقوية للعامل لما ضعف باستعماله في التعجب. وهذا الخلاف مبني على أن فعل التعجب إذا صيغ من متعد هل يبقى على تعديته، أو لا؟ ذهب الكوفيون إلى الأول والبصريون إلى الثاني. ومثل الناظم للتعدية في شرح الكافية4 بقوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: 5] . وتبعه ابنه5. قال الموضح في المغني6: والأولى عندي أن يمثل للتعدية بنحو: "ما أضرب زيدًا لعمرو" كما مثل هنا، ووجه الأولوية أن ابن مالك مثل بالآية لشبه التمليك في شرح التسهيل7 فصار المثال محتملا, وقد علمت أم مثال الموضح ليس متفقًا عليه فكيف يكون أولى؟ ولم أقف لهذا المعنى على مثال سالم من الطعن، فالأولى إسقاطه كما أسقطه في التسهيل وشرحه.
__________
1 مغني اللبيب ص424.
2 الكتاب 4/ 225.
3 سقطت من "ط".
4 شرح الكافية الشافية 2/ 802.
5 شرح ابن الناظم ص262.
6 مغني اللبيب ص284.
7 شرح التسهيل 3/ 144، ولم يذكر الآية التي وردت في المتن، بل بقوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72] .(1/642)
المعنى "الرابع: التعليل، كقوله" وهو أبو صخر الهذلي: [من الطويل]
473-
"وإني لتعروني لذكراك هزة" ... كما انتفض العصفور بلله القطر
أي: لأجل ذكري إياك.
المعنى "الخامس: التوكيد، وهي الزائد"، وهي أنواع منها المعترضة بين الفعل المتعدي ومفعوله، "نحو قوله" وهو ابن ميادة الرماح يمدح عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان: [من الكامل]
474-
وملكت ما بين العراق ويثرب ... "ملكًا أجار لمسلم ومعاهد"
أي: أجار مسلمًا، وهم بالجيم. قال الدماميني: لا تتعين الزيادة فيه لاحتمال أن يكون "أجار" بمعنى: فعل الإجارة، واللام صلة له. ا. هـ. "وأما: {رَدِفَ لَكُمْ} [النمل: 72] فالظاهر أنه"؛ أي: ردف؛ "ضمن معنى "اقترب"" فاللام صلة له لا زائدة، وبه جزم في المغني فقال1: وليس منه "ردف لكم" خلافًا للمبرد2 ومن وافقه3، بل ضمن ردف معنى "اقترب", "فهو مثل {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} " [الأنبياء: 1] ا. هـ. ومنها المعترضة بين المتضايفتين كقولهم: [من م. الكامل]
475-
يا بؤس للحرب......... ... .................................
والأصل يا بؤس الحرب، فأقحمت اللام تقوية للاختصاص. وهل انجرار ما بعدها بها أو
__________
473- تقدم تخريج البيت برقم 403.
474- البيت لابن ميادة في الارتشاف 3/ 285، والدرر 2/ 78، 527، وشرح شواهد المغني 2/ 580، والمقاصد النحوية 3/ 278، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 29، والجنى الداني ص107 وشرح الأشموني 2/ 291، ومغني اللبيب 1/ 251، وهمع الهوامع 2/ 32، 157.
1 مغني اللبيب 1/ 215.
2 المقتضب 2/ 37.
3 منهم ابن مالك في شرح التسهيل 3/ 148.
475- تمام البيت:
"يا بؤس للحرب للتي ... وضعت أراهط فاستراحوا".
وهو لسعد بن مالك في خزانة الأدب 1/ 468، 473، وشرح شواهد المغني ص582، 657، والكتاب 2/ 207، والمؤتلف والمختلف ص134، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 307، وأمالي ابن الحاجب ص326، والجنى الداني ص107، وجواهر الأدب ص243، والخصائص 3/ 102، ورصف المباني ص244, وشرح المفصل 2/ 10، 105، 4/ 36، 5/ 72، وكتاب اللامات ص108، ولسان العرب 7/ 305 "رهط"، والمحتسب 2/ 93، ومغني اللبيب 1/ 216.(1/643)
بالمضاف؟ قولان، قال في المغني: أرجحهما الأول؛ لأن اللام أقرب؛ ولأن الجار لا يعلق1.
ا. هـ. وهو مشكل؛ لأن من شأن المضاف أن يجر المضاف إليه، وإلا فلا إضافة. ومنها لام المستغاث، فإنها زائدة عند المبرد, واختاره ابن خروف بدليل صحة إسقاطها2.
المعنى "السادس: تقوية العامل الذي ضعف إما بكونه فرعًا في العمل" كالمصدر واسمي الفاعل والمفعول وأمثلة المبالغة نحو: "عجبت من ضرب زيد لعمرو"، و"نحو: {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} " [البقرة: 91] ، ونحو: "زيد معط3 للدراهم"، "و" نحو: " {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} " [هود: 107] . ومنع ابن مالك4 زيادتها مع عامل يتعدى لمفعولين، ورد بقوله: [من الطويل]
476-
................. ... ولا الله يعطي للعصاة مناها
"وإما بتأخره عن المعمول" مع أصالته في العمل "نحو: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُون} " [يوسف: 43] والأصل، والله أعلم: إن كنتم تعبرون الرؤيا, فلما أخر الفعل وتقدم5 معموله عليه ضعف عمله فقوي باللام، "وليست" اللام "المقوية زائدة محضة" لما تخيل في العامل من الضعف الذي نزله منزلة اللازم، "ولا معدية" محضة لاطراد صحة إسقاطها، "بل هي بينهما" فلها منزلة بين منزلتين، وهو مشكل، فإن الزائدة المحضة لا تتعلق بشيء، وغير الزائدة تتعلق بالعامل الذي قوته عند الموضح، فتكون متعلقة غير متعلقة في آن واحد، وهو ممتنع لأدائه إلى الجمع بين متنافيين.
المعنى "السابع: انتهاء الغاية، نحو: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} " [الرعد: 2] أي: إلى أجل.
المعنى "الثامن: القسم" ويختض بالجلالة؛ لأنها خلف عن التاء "نحو: لله ما يؤخر الأجل"، أي: تالله.
المعنى "التاسع: التعجب، نحو: لله درك" أي: ما أكثر درك، بالدال المهملة.
__________
1 مغني اللبيب 1/ 215.
2 مغني اللبيب 1/ 217.
3 في "ط": "معطي".
4 شرح التسهيل 3/ 148، وشرح الكافية الشافية 2/ 803.
476- صدر البيت:
"أحجاج لا تعط العصاة مناهم"
وهو لليلى الأخيلية في ديوانها ص122، والدرر 2/ 80، وشرح شواهد المغني 2/ 588، ومغني اللبيب 1/ 218، وهمع الهوامع 2/ 33.
5 في "ط": "قدم".(1/644)
المعنى "العاشر: الصيرورة" عند الأخفش، وتسمى أيضًا لام العاقبة ولام المآل "نحو:" [من الوافر]
477-
"لدوا للموت وابنوا للخراب" ... فكلكم يصير إلى ذهاب
فإن الموت ليس علة الولد، والخراب ليس علة للبناء، ولكن صار عاقبتهما ومآلهما إلى ذلك. ومن منع الصيرورة في اللام ردها إلى التعليل بحذف السبب وإقامة المسبب مقامه.
المعنى "الحادي عشر: البعدية" بالباء الموحدة؛ فتكون مرادفة لـ"بعد" "نحو: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أي: بعده" وجعلها في باب المفعول له لام التعليل. وتقدم فيه معنى الدلوك.
المعنى "الثاني عشر: الاستعلاء" حقيقة "نحو: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} " [الإسراء: 109] جمع ذقن، "أي: عليها". ومجازًا نحو: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أي: عليها، قاله في المغني1.
وتأتي للنسب نحو: "لزيد عم هو لعمرو خال". وللتبليغ نحو: {قُلْ لِعِبَادِي} [إبراهيم: 31] قاله ابن مالك2. وللتبيين نحو: "سقيا لك"، قاله سيبويه3. وللظرفية نحو: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] أي: فيه. وبمعنى "عند" كقراءة الجحدري: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} [ق: 5] بكسر اللام وتخفيف الميم: أي "عند مجيئه إياهم" قاله أبو الفتح4. وبمعنى "من" نحو: [من الطويل]
478-
.................. ... ونحن لكم يوم القيامة أفضل
أي: نحن أفضل منكم يوم القيامة. وبمعى "عن" إذا استعملت مع القول نحو: {وَقَالَ الَّذِينَ
__________
477- البيت لأبي العتاهية في ديوانه ص33، وللإمام علي بن أبي طالب في خزانة الأدب 9/ 529، 531، والدرر 2/ 75، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 33 والجنى الداني ص98.
1 مغني اللبيب ص280.
2 شرح التسهيل 3/ 145.
3 الكتاب 1/ 318.
4 المحتسب 2/ 282.
478- صدر البيت:
"لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم"
وهو لجرير في ديوانه ص143، والجنى الداني ص102، وجواهر الأدب ص75، وخزانة الأدب 9/ 480، والدرر 2/ 77، وشرح شواهد المغني 1/ 377، ولسان العرب 2/ 24، "حتت" ومغني اللبيب 1/ 213، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص75، وشرح الاشموني 2/ 291.(1/645)
كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [العنكبوت: 12] أي: عن الذين آمنوا قاله ابن الحاجب1. وللتمليك وشبهه نحو: "وهبت لزيد دينارًا" ونحو: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72] قاله ابن مالك في التسهيل2، وتبعه الموضح في المغني3، واقتصر في النظم على قوله:
372-
واللام للملك وشبهه وفي ... تعدية أيضًا وتعليل قفي
373-
وزيد............. ... ...........................
"وللباء" الموحدة "اثنا عشر معنى أيضًا:
أحدها: الاستعانة" وهي الداخلة على آلة الفعل حقيقة "نحو: كتبت بالقلم"، و"نجرت بالقدوم". أو مجازًا نحو: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30] ؛ لأن الفعل لا يتأتى على هذ الوجه الأكمل إلا بها. حكاه في المغني4. وهو أحد قولي الزمخشري5 في البسملة، والقول الثاني: إنها للمصاحبة، وهو الأظهر عنده.
المعنى "الثاني: التعدية" بالتاء المثناة فوق؛ وتسمى باء النقل، وهي المعاقبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولًا، وأكثر ما تعدى الفعل القاصر "نحو: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17] أي: أذهبه"، وقرئ "أذهب الله نورهم"6، وبهذه الآية رد على المبرد والسهيلي حيث زعما أن بين التعديتين فرقًا، وأنك إذا قلت: "ذهبت بزيد"، كنت مصاحبًا له في الذهاب. قاله في المغني7.
المعنى "الثالث: التعويض"، ويسمى بالمقابلة، وهي الداخلة على الأعواض والأثمان حسا "كـ: "بعتك هذا" الثوب "بهذا" العبد" فمدخول الباء هو الثمن. أو معنى نحو: "كأفات إحسانه بضعف" فمدخول الباء هو العوض. قال في المغني8: ومنه {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] وإنما لم نقدرها9 باء السببية كما قال
__________
1 الكافية ص19، وانظر همع الهوامع 2/ 32.
2 شرح التسهيل 3/ 144.
3 مغني اللبيب ص275.
4 مغني اللبيب ص139.
5 الكشاف 1/ 4.
6 هي قراءة اليماني، انظر البحر المحيط 1/ 80، والكشاف 1/ 39.
7 مغني اللبيب ص138.
8 مغني اللبيب ص141.
9 في "أ", "ب": "يقدرها" والتصويب من المصدر السابق.(1/646)
المعتزلة وكما قال الجميع؛ يعني من أهل السنة، في: $"لن يدخل أحدكم الجنة بعمله"1؛ لأن المعطى بعوض قد يعطى مجانًا، وأما المسبب فلا يوجد بدون السبب. وبهذا تبين أنه لا تعارض بين الحديث والآية لاختلاف محملي الباءين جمعًا بين الأدلة. ا. هـ.
المعنى "الرابع: الإلصاق"، هو أصل معانيها قال سيبويه2: وإنما هي للإلصاق والاختلاط، ثم قال: وما اتسع من هذا في الكلام فهذا أصله. قال في المغني3: ثم الإلصاق حقيقي "نحو: أمسكت بزيد"، أي: قبضت على شيء من جسمه أوعلى ما يحبسه من ثوب أو نحوه، ولو قلت: "أمسكته" احتمل ذلك، وأن تكون منعته من التصرف. ومجازي نحو: "مررت بزيد"، أي: ألصقت مروري بمكان يقرب من زيد. ا. هـ.
فجعل الالتصاق بما يقرب منه كالالتصاق به. ثم الحقيقي نوعان: ما لا يصل الفعل إلا بحرفه كـ: "سطوت4 بزيد". وما يصل الفعل بدونه نحو: "أمسكت بزيد", فإن الباء أفادت أن إمساكك لزيد كان بمباشرة منك له بخلاف "أمسكت زيدًا" فإنما يفيد منعه من التصرف
بوجه ما.
المعنى "الخامس: التبعيض"، أثبته الأصمعي والفارسي والقتيبي وابن مالك5، قيل: والكوفيون، وجعلوا منه "نحو: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] أي: منها"، {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وعليه بنى الشافعي مذهبه في مسح بعض الرأس في الوضوء لما قام عنده من الأدلة.
المعنى "السادس: المصاحبة"، وهي التي يصلح في موضعها "مع" أو يغني عنها وعن مصحوبها الحال "نحو: {وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ} [المائدة: 61] أي: معه" أو كافرين.
المعنى "السابع: المجاوزة"، وهي التي يحسن في مكانها "عن"، قيل: وتختص بالسؤال "نحو: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] أي: عنه" بدليل {يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} [الأحزاب: 20] وقيل: لا يختص بالسؤال بدليل {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} [الفرقان: 25] أي: عنه، وزعم البصريون أنها لا تكون بمعنى "عن" أصلًا، وتأولوا ما ورد من ذلك.
__________
1 أخرجه البخاري في المرضى برقم 5349، وأعاده في الرقاق برقم 6099.
2 الكتاب 4/ 217.
3 مغني اللبيب ص137.
4 في "ط": "كسوط".
5 شرح التسهيل 3/ 152, 153.(1/647)
المعنى "الثامن: الظرفية"، وهي التي يحسن في مكانها "في"، ثم الظرفية مكانية وزمانية، فالمكانية، "نحو: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} [القصص: 44] أي: فيه"، "و" الزمانية " {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} " [القمر: 34] أي: فيه.
المعنى "التاسع: البدل"، وهي التي يحسن في مكانها "بدل" "كقول بعضهم:" وهو رافع بن خديج الصحابي رضي الله عنه: "ما يسرني أني شهدت بدرًا بالعقبة1. أي: بدلها".
المعنى "العاشر: الاستعلاء"، وهي التي يحسن في موضعها "على" "نحو": {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ " مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] أي: على قنطار"، قاله الأخفش2، ويدل له: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 64] ونحو: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: 30] أي: مروا عليهم بدليل {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ} [الصافات: 137] .
المعنى "الحادي عشر: السببية"، وهي الداخلة على سبب الفعل "نحو: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} [المائدة: 13] أي: لعناهم بسبب نقضهم ميثاقهم، كما أن باء الاستعانة هي الداخلة على آلة الفعل، كما تقدم، فلا يندرج أحدهما في الآخر خلافًا لابن مالك3، فإنه أدرج باء الاستعانة في باء السببية، وعد من مفرداته.
المعنى "الثاني عشر: التوكيد وهي الزائدة"، وتزاد مع الفاعل "نحو: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} " [الرعد: 43] ، "و" مع المفعول "نحو: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} " [البقرة: 195] ، "و" مع المبتدأ "نحو: بحسبك درهم، و" مع خبر "ليس" "نحو: ليس زيد بقائم".
وتأتي الباء للقسم، وهي أصل أحرفه، وتستعمل في القسم الاستعطافي، هو المؤكد لجملة طلبية نحو: "بالله هل قام زيد" أي: أسألك بالله مستخلفًا، وغير الاستعطافي، وهو المؤكد لجملة خبرية نحو: "بالله لتفعلن".
وللغاية نحو: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} [يوسف: 100] أي: إلي، وقيل ضمن أحسن معنى لطف.
__________
1 شرح التسهيل 3/ 151.
2 معاني القرآن للأخفش 1/ 205.
3 شرح التسهيل 3/ 150.(1/648)
وللتفدية1 نحو: "بأبي أنت وأمي" أي: فداؤك أبي وأمي. واقتصر الناظم على قوله:
373-
............ والظرفية استبن ببا ... وفي وقد يبينان السببا
374-
بالباء استعن وعد عوض ألصق ... ومثل مع ومن وعن بها انطق
"ولـ"في" ستة2 معان:"
أحدها: "الظرفية حقيقة مكانية أو زمانية"، فالأولى "نحو: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} " [الروم: 3] ، "و" الثانية "نحو: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} " [الروم: 4] فـ"أدنى"، و"بضع" اكتسبا الظرفية من المضاف إليهما، فإن "أدنى" اسم تفضيل من الدنو، و"بضع" اسم لما بين الثلاث إلى التسع. "أو مجازية" إما بكون الظرف والمظروف معنيين نحو: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] أو الظرف معنى، والمظروف ذاتا نحو: "أصحاب الجنة في رحمة الله"، أو بالعكس "نحو: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ" حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ، وفي بعض النسخ: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ} [يوسف: 7] الآية.
"و" الثاني: "للسببية نحو: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} " [النور: 14] أي: لمسكم عذاب عظيم بسبب ما أفضتم، أي: خضتم فيه.
"و" الثالث: "المصاحبة" عند الكوفيين والقتيبي3 وهي التي يحسن موضعها "مع" "نحو: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} " [الأعراف: 38] أي: مع أمم.
"و" الرابع: "الاستعلاء" عند الكوفيين والقتيبي، وهي التي يحسن موضعها "على" "نحو: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} " [طه: 71] أي: عليها، وقيل: إن "في" هنا ليست بمعنى "على"، ولكن شبه المصلوب لتمكنه من الجذع بالحال في الشيء كالقبر للمقبور.
"و" الخامس: "المقايسة"، وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق، "نحو: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} " [التوبة: 38] ، أي: بالقياس إلى الآخرة.
__________
1 في "ب", "ط": "للتعدية".
2 في "أ": "ست".
3 سقطت "والقتبي" من "ط، ب، ج".(1/649)
"و" السادس: "بمعنى الباء" عند الكوفيين والقتيبي "كقوله": [من الطويل]
479-
ويركب يوم الروع منا فوارس ... "بصيرون في طعن الأباهر والكلى"
أي بصيرون بطعن، وهو؛ بالباء الموحدة وكسر الضاد المهملة؛ جمع بصير، نعت فوارس و"الأباهر": جمع الأبهر، وهو عرق إذا قطع مات صاحبه، و"الكلى": جمع كلوة.
وتأتي "في" بمعنى "من" نحو: {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} [النمل: 12] أي: منها قاله الحوفي.
وللتعويض وهي الزائدة عوضًا من أخرى محذوفة كقولك: "ضربت فيمن رغبت"، أصله: ضربت من رغبت فيه، أجاره ابن مالك وحده1، وفيه نظر للموضح في المغني2.
وللتوكيد وهي الزائدة لغير تعويض، وأجازه الفارسي في الضرورة3، وأجازه بعضهم في الكلام، وجعل منه {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} [هود: 41] أي: اركبوها. واقتصر الناظم على الظرفية والسببية كما يؤخذ من قوله:
373-
......... والظرفية استبن ببا ... وفي وقد يبينان السببا
"ولـ"على" أربعة معان:
أحدها: الاستعلاء" على مجرورها،، وهو الغالب "نحو: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [المؤمنون: 22] ، أو على ما يقرب منه نحو: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه: 10] .
"والثاني: الظرفية" كـ: "في" قاله الكوفيون "نحو": {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ "عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} [القصص: 15] أي: في حين غفلة".
"والثالث: المجاوزة" كـ: "عن" "كقوله" وهو قحيف العامري: [من الوافر]
__________
479- البيت لزيد الخيل في لسان العرب 15/ 167 "فيا" والمخصص 14/ 66، وتاج العروس "فيا"، وشرح التسهيل 3/ 158، والارتشاف 2/ 446، 3/ 325، والجنى الداني ص251، وشرح شواهد المغني 1/ 484، 485، وخزانة الأدب 6/ 254، 9/ 393.
1 شرح التسهيل 3/ 162.
2 مغني اللبيب ص225، والعبارة في "أ", "ط": "قال في المغني: وفيه نظر".
3 همع الهوامع 2/ 30.(1/650)
480-
"إذا رضيت علي بنو قشير" ... لعمر الله أعجبني رضاها
"أي": إذا رضيت "عني"، وبنو قشير؛ بضم القاف وفتح الشين المعجمة؛ اسم قبيلة. ولذلك أعاد الضمير عليها مؤنثًا، ويحتمل أن يكون "رضي" ضمن معنى عطف. قاله في المغني1. وقال الكسائي. حمل على نقيضه وهو سخط. وقال أبو عبيدة: إنما ساغ هذا؛ لأن معناه: أقبلت علي.
"الرابع: المصاحبة" كـ: "مع" عند الكوفيين "نحو: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6] أي: مع ظلمهم"، وتأتي بمعنى اللام نحو: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] أي: لهدايته إياكم.
وبمعنى "عند" نحو: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} [الشعراء: 14] أي: عندي.
وموافقة الباء نحو: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [الأعراف: 105] أي: بألا أقول، وبذلك قرأ أبي2.
وزائدة للتعويض وغيره، فالأول: [من الرجز]
481-
إن الكريم وأبيك يعتمل ... إن لم يجد يومًا على من يتكل
__________
480- البيت للقحيف العقيلي في أدب الكاتب ص507، وأمالي ابن الشجري 3/ 269، والاقتضاب ص432، وشرح الجواليقي ص353، والأزهية ص277، وخزانة الأدب 10/ 132، والدرر 2/ 54، وشرح شواهد المغني 1/ 416، ولسان العرب 14/ 323 "رضي" والمقاصد النحوية 3/ 282، ونوادر أبي زيد ص176، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 118، والإنصاف 2/ 630، وأوضح المسالك 3/ 41، وجمهرة اللغة ص1314، والجنى الداني ص47, والخصائص 2/ 311, 389, وشرح ابن الناظم ص264, وشرح التسهيل 3/ 160، وشرح الكافية الشافية 2/ 809، وشرح شواهد المغني 2/ 954، وشرح المفصل 1/ 120، ولسان العرب 15/ 444 "يا" والمحتسب 1/ 52، 348، ومغني اللبيب 2/ 143، والمقتضب 2/ 320، وهمع الهوامع 2/ 28، والكامل 1001.
1 مغني اللبيب ص191.
2 انظر القراءة في البحر المحيط 4/ 356, والكشاف 2/ 79، ومعاني القرآن للفراء 1/ 386.
481- الرجز بلا نسبة في لسان العرب 11/ 475، "عمل" والارتشاف 2/ 454، والأشباه والنظائر 1/ 292، والجنى الداني ص478، وخزانة الأدب 10/ 146، والخصائص 2/ 305، والدرر 2/ 37، وشرح أبيات سيبويه 2/ 205، وشرح الأشموني 2/ 294، وشرح التسهيل 3/ 161، وشرح شواهد المغني ص419، والكتاب 3/ 81، والمحتسب 1/ 281، وهمع الهوامع 2/ 22، وكتاب العين 2/ 153، ومقاييس اللغة 1/ 145، وديوان الأدب 2/ 416، وأساس البلاغة "عمل" "وجد" وتاج العروس "عمل" "علا".(1/651)
أي: عليه. فحذف "عليه" وزاد "على" قبل الموصول تعويضًا. قاله ابن مالك1.
والثاني: كقول حميد بن ثور: [من الطويل]
482-
أبى الله إلا أن سرحة مالك ... لى كل أفنان العضاة تروق
"زاد "على" لأن راق متعدية بنفسها، تقول: راقني حسن الجارية. ونص سيبويه على أن "على" لا تزاد2، ولا حجة في البيت لاحتمال تضمين "تروق" تشرق.
وللاستدراك كقولك: "فلان لا يدخل الجنة لسوء صنيعه على أنه لا ييأس من رحمة الله"، أي: ولكنه. واقتصر الناظم على قوله:
375-
على للاستعلاء ومعنى في وعن ... .....................................
"ولـ"عن" أربعة معان أيضا:
أحدها: المجاوزة" ولم يذكر البصريون سواه. "نحو: سرت عن البلد، ورميت عن القوس"، والمثال الأول متفق عليه، والثاني مختلف فيه. فقال ابن مالك3: هي فيه للاستعانة بمعنى الباء؛ لأنهم يقولون: رميت بالقوس وعن القوس، حكاه الفراء. وفيه رد على الحريري في إنكاره أن يقال ذلك إلا إذا كانت القوس هي المرمية، وحكى أيضًا: "رميت على القوس"، قاله في المغني4.
"الثاني: البعدية" بالباء الموحدة "نحو": {لَتَرْكَبُنَّ "طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] أي: حالًا بعد حال"، ويحتمل أن تكون "عن"، على بابها، والتقدير: طبقًا متباعدًا في الشدة عن طبق آخر دونه، فيكون كل طبق أعظم في الشدة مما قبله، قاله الدماميني.
"الثالث: الاستعلاء كقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [محمد: 38] أي: عليها" ويحتمل التضمين، والمعنى: فإنما يبعد الخير عن نفسه بالبخل، قاله
__________
1 شرح التسهيل 3/ 161.
482- البيت لحميد بن ثور في ديوانه ص41، وأدب الكاتب ص523، وأساس البلاغة "روق" والجنى الداني 479، والدرر 2/ 56، وشرح شواهد المغني 1/ 420، ولسان العرب 2/ 479 "سرح"، ومغني اللبيب 1/ 144، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص377، وخزانة الأدب 2/ 194، 10/ 144، 145، وشرح الأشموني 2/ 294، وشرح التسهيل 3/ 165، والارتشاف 2/ 454، وهمع الهوامع 2/ 29.
2 الكتاب 3/ 81، 82.
3 شرح التسهيل 3/ 160.
4 مغني اللبيب ص198.(1/652)
الدماميني، "وكقول الشاعر" وهو ذو الأصبع العدواني واسمه الحرثان بن الحارث بن مجرب: [من البسيط]
483-
"لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني" ولا أنت دياني فتخزوني
أي: علي؛ لأن المعروف أن يقال أفضلت عليه. قاله في المغني1، و"لاه" أصله: لله، فحذفت اللامان الجارة والأخرى شذوذًا، والحسب؛ بفتح السين؛ الدين وما يعده الإنسان من مفاخر آبائه، والديان: الملك، وتخزوني: تسوسني، والمعنى: لله در ابن عمك لا أفضلت في حسب علي ولا أنت مالكي فتسوسني.
"الرابع: التعليل نحو: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} [هود: 53] أي: لأجله"، قال في المغني2: ويجوز أن يكون حالًا من ضمير "تاركي" أي: ما نتركها صادرين عن قولك، وهذا رأي الزمخشري. ا. هـ.
وتكون "عن" مرادفة "من" نحو: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] أي: منهم.
ومرادفة الباء نحو: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] أي: به.
وللاستعانة نحو: "رميت عن القوس" أي: به كما تقدم عن ابن مالك.
والبدل نحو: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] أي: بدل نفس، وفي الحديث "صومي عن أمك" أي: بدل أمك3.
والظرفية كقوله: [من الطويل]
__________
483- البيت لذي الأصبع العدواني في أدب الكاتب ص513، والأزهية ص279، والاقتضاب ص249، 441، وإصلاح المنطق ص373، وخزانة الأدب 7/ 173، 177، 184، 186، والدرر 2/ 59، وشرح شواهد المغني 1/ 430, ولسان العرب 11/ 525، "فضل" 13/ 167 "دين"، 295، 296، "عنن"، 539 "لوه" 14/ 226 "خزي"، ومغني اللبيب 1/ 147، والمقاصد النحوية 3/ 286، ولكعب الغنوي في الأزهية ص97، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 263، 2/ 121، 303، والإنصاف 1/ 394، وأوضح المسالك 3/ 43، والجنى الداني ص246، والخصائص 2/ 288، شرح ابن الناظم ص264، وشرح ابن عقيل 2/ 23، وشرح المفصل 8/ 53، وهمع الهوامع 2/ 29.
1 مغني اللبيب ص196.
2 مغني اللبيب ص197.
3 أخرجه الترمذي في سننه 3/ 28، حديث رقم 667.(1/653)
484-
................... ... ولا تك عن حمل الرباعة وانيا
أي: في حمل، بدليل {وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه: 42] . وزائدة للتعويض من أخرى محذوفة كقوله: [من الطويل]
485-
أتجزع إن نفس أتاها حمامها ... فهلا التي عن بين جنبيك تدفع
قال ابن جني: أراد فهلا تدفع عن التي بين جنبيك، فحذف "عن" من أول الموصول، وزيدت بعده، واقتصر في النظم على قوله:
375-
............. بعن ... تجاوزا عنى من قد فطن
376-
وقد تجي موضع بعد وعلى ... .................................
"وللكاف أربعة معان أيضًا:
أحدها: التشبيه نحو" قوله تعالى: {فَكَانَتْ "وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} " [الرحمن: 37] .
"والثاني: التعليل" أثبته قوم ونفاه الأكثرون "نحو: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} " [البقرة: 198] فالكاف تعليلية و"ما" مصدرية "أي: لهدايته إياكم". وأجاب الأكثرون بأنه من وضع الخاص موضع العام إذا الذكر والهداية يشتركان في أمر وهو الإحسان. فهذا في الأصل بمنزلة: "وأحسن كما أحسن الله إليك"، والكاف للتشبيه ثم عدل عن ذلك للإعلام بخصوصية المطلوب.
"والثالث: الاستعلاء" ذكره الأخفش والكوفيون1، "قيل لبعضهم" وهو رؤبة: "كيف أصبحت؟ قال: كخير. أي: على خير" وقيل المعنى: بخير، ولم يثبت مجيء الكاف بمعنى الباء وقيل هي للتشبيه على حذف مضاف أي: كصاحب خير. "وجعل منه" أي: من الاستعلاء "الاخفش قولهم: "كن كما أنت" أي: على ما أنت عليه"،
__________
484- صدر البيت:
"وآسى سراة الحي حيث لقيتهم"
وهو للأعشى في ديوانه ص379، والارتشاف 2/ 448، والدرر 2/ 61, وشرح شواهد المغني 1/ 434، وبلا نسبة في الجنى الداني ص247، وجواهر الأدب ص324، وشرح الأشموني 2/ 295، ومغني اللبيب 1/ 148، وهمع الهوامع 2/ 30. وتاج العروس "عنن"، وشرح التسهيل 3/ 161.
485- البيت لزيد بن رزين في جواهر الأدب ص325، والارتشاف 2/ 448, 3/ 318، وشرح شواهد المغني 1/ 436، وله أو لرجل من محارب في ذيل أمالي القالي ص105، وذيل سمط اللآلي ص49، وبلا نسبة في الجني الداني ص248، وخزانة الأدب 10/ 144، وتاج العروس "عنن"، والدرر 2/ 37، وشرح الأشموني 2/ 295، وشرح التسهيل 2/ 140، 3/ 161، وشرح الكافية الشافية 1/ 313، والمحتسب 1/ 281، ومغني اللبيب 1/ 149، وهمع الهوامع 2/ 22.
1 الارتشاف 2/ 437، وشرح التسهيل 3/ 170.(1/654)
فالكاف بمعنى "على"، و"ما" موصولة1، و"أنت": مبتدأ حذف خبره، هذا أحد الأعاريب. والثاني: أن "ما" موصولة، و"أنت": خبر حذف مبتدؤه أي: كالذي2 هو أنت. والثالث: أن "ما" زائدة ملغاة، والكاف جارة، "وأنت": ضمير مرفوع أنيب عن المجرور. والمعنى: كن فيما يستقبل مماثلًا لنفسك فيما مضى. الرابع: أن "ما" كافة، و"أنت": مبتدأ حذف خبره، أي: عليه أو كائن. والخامس: أن "ما" كافة أيضًا، و"أنت": فاعل. والأصل: كما كنت ثم حذف "كان" فانفصل الضمير، والسادس: أن "ما" زائدة وشبه الشيء بنفسه في حالتين.
المعنى "الرابع" من معاني الكاف "التوكيد، وهي الزائدة نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] أي: ليس شيء مثه"، كذا قدره الأكثرون، إذ لو لم يقدروه كذلك صار المعنى: ليس شيء مثل مثله. فيلزم المحال، وهو إثبات المثل، وإنما زيدت الكاف لتوكيد نفي المثل؛ لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانيًا، قاله ابن جني. وقيل: الكاف هنا غير زائدة ثم اختلفوا، فقيل: الزائد "مثل"، كما زيدت في: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ} [البقرة: 137] قالوا: وإنما زيدت هنا لتفصل الكاف من الضمير. قال في المغني3: والقول بزيادة الحرف أولى من القول بزيادة الاسم، بل زيادة الاسم لم تثبت. وقيل: الكاف و"مثل" لا زائد منهما، ثم اختلف فقيل: "مثل" بمعنى الذات، والمعنى ليس كذاته شيء، وقيل بمعنى الصفة؛ لأن المثل والمثيل بمعنى كالشبه والشبيه.
والمعنى: ليس كصفته شيء. وقيل: الكاف اسم مؤكد "مثل"، كما عكس ذلك من قال: [من الرجز]
486-
فصيروا مثل كعصف مأكول
زاد في المغني4 في معاني الكاف المبادرة، وذلك إذا اتصلت بـ"ما" في نحو: "سلم كما تدخل"، و"صل كما يدخل الوقت"، ذكره ابن الخباز في النهاية وأبو سعيد السيرافي وغيرهما، وهو غريب جدا. ا. هـ. واقتصر الناظم على قوله:
377-
شبه بكاف وبه التعليل قد ... يعنى وزائدا لتوكيد ورد
__________
1 في "ب": "مصدرية".
2 في "ب": "فالذي".
3 مغني اللبيب ص238.
486- تقدم تخريج البيت برقم 294.
4 مغني اللبيب ص237.(1/655)
"ومعنى "إلى" و"حتى" انتهاء الغاية مكانية أو زمانية"، مثال "إلى" في المكان "نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} " [الإسراء: 1] ، "و" مثالها في الزمان "نحو": {ثُمَّ "أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} " [البقرة: 187] . "و" مثال "حتى" في المكان "نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، و" مثالها في الزمان، "نحو: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} " [القدر: 5] وتقدم أن معاني اللام الانتهاء. ولذلك جمعها الناظم بقوله:
371-
للانتها حتى ولام وإلى ... .............................
"وإنما يجر بـ"حتى" في الغالب آخر" نحو: "حتى رأسها"، "أو متصل بآخر"، نحو: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] "كما مثلنا"، وإذا ثبت أنها لا تجر إلا آخرًا أو متصلًا به "فلا يقال: سهرت البارحة حتى نصفها"؛ لأن النصف ليس آخرا ولا متصلًا بالآخر, قالته المغاربة. قال في المغني1: وتوهم ابن مالك أن ذلك لم يقل به إلا الزمخشري وحده, واعترض
عليه بقوله: [من الخفيف]
487-
عينت ليلة فما زلت حتى ... نصفها راجيا فعدت يئوسًا
وهذا ليس محل الاشتراط إذ لم يقل: "فما زلت في تلك الليلة حتى نصفها"، وإن كان المعنى عليه، ولكنه لم يصرح به. ا. هـ. وناقشه الدماميني بأنها في حكم الملفوظ بها، ولا أثر لخصوصية النطق بها في ذلك.
"ومعنى "كي" التعليل" نحو: "جئت كي أقرأ" أي: للقراءة.
"ومعنى الواو والتاء" المثناة فوق "القسم" نحو: والله، وتالله.
"ومعنى مذ ومنذ ابتداء الغاية" في الزمان، فيكونان بمعنى "من" "إن كان الزمان ماضيًا كقوله" وهو زهير بن أبي سلمى، بضم السين: [من الكامل]
488-
لمن الديار بقنة الحجر ... "أقوين مذ حجج ومذ دهر"
__________
1 مغني اللبيب ص167.
487- البيت بلا نسبة في الجنى الداني ص544، والارتشاف 2/ 468، والدرر 2/ 38، وشرح شواهد المغني 1/ 370، ومغني اللبيب 1/ 123، والمقاصد النحوية 3/ 267، وهمع الهوامع 2/ 23، وشرح التسهيل 3/ 168، وشرح المرادي 2/ 205.
488- البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص86، والأزهية ص283، وأسرار العربية ص273، والأغاني 6/ 86، والإنصاف 1/ 371، وخزانة الأدب 9/ 439، 440، والدرر 1/ 471، وشرح شواهد المغني 2/ 750، وشرح عمدة الحافظ ص264، وشرح المفصل 4/ 93، 8/ 11، والشعر والشعر 1/ 145، ولسان العرب 4/ 170، "حجر" 13/ 421 "قنن"، والمقاصد النحوية 3/ 312، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 48، وجواهر الأدب ص270، ورصف المباني ص320، وشرح الأشموني 2/ 297، ومغني اللبيب 1/ 335، وهمع الهوامع 1/ 217.
489- البيت لامرئ القيس في ديوانه 89، والدرر 1/ 470، وشرح شواهد المغني 1/ 374، 2/ 750، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 49، وشرح الأشموني 2/ 297، ومغني اللبيب 1/ 335، وهمع الهوامع 1/ 217.(1/656)
أي: من حجج ومن دهر، "والحجج" بكسر الحاء: جمع حجة؛ بكسرها أيضًا؛ وهي السنة.
و"الدهر": الزمان"، و"الديار": مبتدأ، تقدم خبره في الجار والمجرور قبله "وقنة": بضم القاف وتشديد النون: أعلى الجبل، و"الحجر" بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم: حجر ثمود، ومنازلهم بناحية الشام عند وادي القرى. و"أقوين" بسكون القاف وفتح الواو: خلون من سكانهن. "وقوله" وهو امرؤ القيس الكندي: [من الطويل]
489-
قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان ... "وربع عفت آثاره منذ أزمان"
أي: من أزمان. وقفا: أمر للواحد لفظ الاثنين على حد {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 23] أو بلفظ الواحد والألف بدل من نون التوكيد الخفيفة إجراء للوصل مجرى الوقف، وأصله: قفن. وعرفان: بكسر العين: مصدر عرف معرفة وعرفانا. والربع: المنزل. وعفت: درست وانمحت. وآثاره: جمع أثر. "و" معنى "مذ" و"منذ" "الظرفية" فيكونان بمعنى "في" "إن كان" الزمان "حاضرًا نحو": ما رأيته مذ أو "منذ يومنا" أي: في يومنا، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
380-
وإن يجرا في مضي فكمن ... هما وفي الحضور معنى في استبن
"و" يكونان "بمعنى: "من" و"إلى" معًا" فيدلان على ابتداء الغاية وانتهائها معًا، فيدخلان على الزمان الذي وقع فيه ابتداء الفعل وانتهاؤه. "إن كان" الزمان معدودًا نكرة "نحو": ما رأيته "مذ" أو منذ "يومين" أي: من ابتداء هذه المدة إلى انتهائها.
"ورب" ليست للتقليل دائمًا خلافًا للأكثرين ولا للتكثير دائمًا خلافًا لابن درستويه وجماعة. بل ترد "للتكثير كثيرًا، وللتقليل قليلًا". قاله في المغني1.
"فالأول": كقوله تعالى: {رُبَمَا 2 يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] و"كقوله صلى الله عليه وسلم: "يا رُبّ كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة" 3، وقول بعض
__________
1 مغني اللبيب 1/ 135.
2 الرسم المصحفي: "ربما".
3 أخرجه البخاري في كتاب العلم برقم 115.(1/657)
العرب عند انقضاء رمضان: "يا رب صائمه لن يصومه, وقائمه لن يقومه"" بإضافة صائم وقائم إلى ضمير رمضان: وهو مما تمسك به الكسائي على إعمال اسم الفاعل المجرد بمعنى الماضي، وقول الشاعر: [من الطويل]
490-
ويا رب يوم قد لهوت وليلة ... بآنسة كأنها خط تمثال
ووجه الدليل أن الآية والحديث والمثال مسوقات للتخويف، والبيت مسوق للافتخار، ولا يناسب واحدًا منهما التقليل. قاله في المغني1.
"والثاني": وهو التقليل "كقوله" وهو رجل من أزد السراة: [من الطويل]
491-
"ألا رب مولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان"
وذي شامة سوداء في حر وجهه ... مجللة لا تنجلي لزمان
ويكمل في تسع وخمس شبابه ... ويهرم في سبع مضت وثمان
وعن الفارسي أن عمر الجنبي2 سأل امرأ القيس عن مراد الشاعر فقال: "يريد بذلك عيسى وآدم عليهما الصلاة والسلام" والقمر، ويلده بسكون اللام وفتح الدال أو ضمها، وأصله: لم يلده بكسر اللام وسكون الدال, فسكن اللام تشبيهًا لها بتاء "كتف" فالتقى ساكنان، فحركت الدال بالفح اتباعًا لفتحة الياء أو بالضم اتباعًا لضمة الهاء. والشامة: الخال، وهي النكتة السوداء في الجسم المخالف للونها. وفي رواية "شامة غراء" وهو ضمير مناسب للشامة إذا الغراء البيضاء. والشامة سوداء. والحر من الوجه: ما بدا من الوجنة وهو ما ارتفع من الخد، قاله الدماميني. ومجللة: أي: ذات عز وجلال، وروي "مجلحة" بتقديم الجيم على الخاء: أي: منكسة، ويهرم أي: يشيب، قاله الحلبي.
__________
490- البيت لامرئ القيس في ديوانه 29، وخزانة الأدب 1/ 64، والدرر 2/ 44، وشرح شواهد الإيضاح 216، وشرح شواهد المغني 1/ 341، 393, وبلا نسبة في مغني اللبيب 1/ 135، والمقرب 1/ 199.
1 مغني اللبيب 1/ 135.
491- الأبيات لرجل من أزد السراة في شرح شواهد الإيضاح ص257، وشرح شواهد الشافية ص22، والكتاب 2/ 226، 4/ 115، وله أو لعمرو الجنبي في خزانة الأدب 2/ 381، والدرر 1/ 81، وشرح شواهد المغني 1/ 398، والمقاصد النحوية 3/ 354، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 19، وأوضح المسالك 3/ 51، والجنى الداني ص441، والخصائص 2/ 333، والدرر 2/ 45، ورصف المباني ص189، وشرح الأشموني 2/ 298، وشرح المفصل 4/ 48، 9/ 126, والمقرب 1/ 199، ومغني اللبيب 1/ 135، وهمع الهوامع 1/ 54، 2/ 26.
2 في "ط": "الخشني".(1/658)
"فصل":
"من هذه الحروف ما لفظه مشترك بين الحرفية والاسمية وهو خمسة:
"أحدها: الكاف"، وهل اسميتها في النثر والشعر معًا أو في الشعر فقط؟ قولان، "والأصح" منهما "أن اسميتها مخصوصة بالشعر كقوله" وهو العجاج يصف نسوة: [من الرجز]
492-
بيض ثلاث كنعاج جم ... "يضحكن عن كالبرد المنهم"
فالكاف هنا اسم بمعنى "مثل"؛ لأن حروف الجر مختصة بالأسماء، وبيض: جمع بيضاء، والنعاج: جمع نعجة، وهي هنا البقرة الوحشية. ولا يقال لغير البقر من الوحش نعاج.
والجم؛ بضم الجيم: جمع جماء. وهي التي لا قرن لها، وبالفتح الكثير. ويضحكن: خبر بيض.
والبرد؛ بفتحتين: مطر منعقد. المنهم؛ بضم الميم الأولى وتشديد الثانية وسكون النون:
الذائب يعني أن النسوة يضحكن عن أسنان مثل البرد الذائب لطافة ونظافة.
ومقابل الأصح أنه لا يختص بالشعر وهو ظاهر إطلاق قول الناظم:
378-
واستعمل اسمًا......... ... ...............................
"والثاني والثالث "عن" و"على"" يستعملان اسمين "وذلك إذا دخلت عليهما "من"" فتكون "عن" بمعنى "جانب" و"على" بمعنى "فوق" فالأول "كقوله" وهو قطري الخارجي: [من الكامل]
__________
492- الرجز للعجاج في ملحق ديوانه 2/ 328، وخزانة الأدب 10/ 166، 168، والدرر 2/ 68، وشرح شواهد المغني 2/ 503، والمقاصد النحوية 3/ 294، وبلا نسبة في أسرار العربية 258، وأوضح المسالك 3/ 54، والجنى الداني 79، وشرح ابن الناظم ص266، وشرح الأشموني 2/ 296، وشرح المفصل 8/ 42، 44، ومغني اللبيب 1/ 180، وهمع الهوامع 2/ 31، ولسان العرب 12/ 620، "همم"، وتاج العروس 24/ 345 "كوف"، "همم"، والمخصص 9/ 119، وكتاب العين 4/ 461.(1/659)
493-
فلقد أراني للرماح دريئة ... "من عن يميني مرة وأمامي"
فـ"عن" هنا اسم بمعنى "جانب"؛ لأن حروف الجر مختصة بالأسماء، ودريئة،؛ بفتح الدال المهملة وكسر الراء وفتح الهمزة: وهي الحلقة التي يتعلم فيها الطعن، والرمي.
ومرة: مصدر مر. "و" الثاني كـ: "قوله" وهو مزاحم بن الحارث العقيلي يصف القطا: [من الطويل]
494-
"غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها" ... تصل وعن قيض بزيزاء مجهل
فـ"على" هنا اسم بمعنى "فوق" لدخول "من" عليها، وكونها بمعنى "فوق" هو قول الأصمعي، وقال أبو عبيدة: بمعنى "عند"، والضمير المجرور بها يعود إلى فرخها. وغدت؛ بالمعجمة: من أخوات كان، واسمها مستتر فيها يعود إلى القطا. وتصل: خبرها، وهو بفتح حرف المضارعة وكسر الصاد المهملة، أي: تصوت1 من جوفها من شدة العطش.
قال أبو حاتم: قلت للأصمعي كيف قال: "غدت"، والقطا إنما تذهب إلى الماء ليلًا؟ فقال لم يرد الغدوة وإنما هذا مثل للتعجيل. والعرب تقول: "بكر إلى العشية"، ولا بكور هناك. قاله ابن السيد2.
__________
493- البيت لقطري بن الفجاءة في ديوانه ص171، وخزانة الأدب 10/ 158، 160، والدرر 1/ 348، 2/ 88، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص136، وشرح شواهد المغني 1/ 438، والمقاصد النحوية 3/ 150، 305، وبلا نسبة في أسرار العربية ص255، والأشباه والنظائر 3/ 13، وأوضح المسالك 3/ 57، وجواهر الأدب ص322، وشرح الأشموني 2/ 296، وشرح ابن عقيل 2/ 20، وشرح التسهيل 2/ 93، وشرح المفصل 8/ 40، ومغني اللبيب 1/ 149، وهمع الهوامع 1/ 156، 2/ 36.
494- البيت لمزاحم في ديوانه ص11، وأدب الكاتب ص504، والاقتضاب ص428، والأزهية 194، وخزانة الأدب 10/ 147، 150، والدرر 2/ 89، وشرح شواهد الإيضاح ص230، وشرح شواهد المغني 1/ 425، وشرح المفصل 8/ 38، ولسان العرب 11/ 383 "صلل" 15/ 88 "علا" والمقاصد النحوية 3/ 103، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 444، 3/ 337، والأشباه والنظائر 3/ 12، وأوضح المسالك 3/ 58، وشرح ابن الناظم ص266، وشرح الأشموني 2/ 296، وشرح ابن عقيل 2/ 28, وشرح التسهيل 3/ 140، والكتاب 4/ 231، ومغني اللبيب 1/ 146، والمقتضب 3/ 53، وهمع الهوامع 2/ 36.
1 في "ب": "تصورت".
2 الاقتضاب ص697.(1/660)
وتم بفتح المثناة فوق أي: كمل، وظمؤها؛ بكسر الظاء المشالة وسكون الميم وبهمزة بعدها؛ قال الدماميني: ما بين الوردين، تستعمل في الإبل، ولكنه استعاره للقطا،
وقال ابن السيد1: مدة صبرها عن الماء، وهو ما بين الشرب إلى الشرب، ولا تنافي بينهما.
والقيض؛ بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وبالضاد المعجمة؛ قال الدماميني: القشر الأعلى من البيض، وقال العيني2: أراد به الفرخ ههنا، وزيزاء؛ بزاءين معجمتين مكسور أولهما بينهما ياء مثناة تحت وبالمد: الغليظة من الأرض، ويروى: "بيداء" بالمد، المهلكة "والمجهل": القفر الذي ليس فيه أعلام يهتدى بها، وهو مجرور بإضافة زيزاء إليه، ولا يجوز أن يكون نعتًا لـ"زيزاء" عند البصريين، قاله ابن السيد في شرح أبيات الجمل.
وإلى استعمال "عن" و"على" اسمين أشار الناظم بقوله:
378-
.......... وكذا عن وعلى ... من أجل ذا عليهما من دخلا
وقد تكون "على" فعلًا ماضيًا، تقول: علا يعلوا علوا، وعلى يعلي علاء، قاله ابن خالويه في الطارقية، وقد تكون "إلى" اسمًا واحد آلاء الله، وهي نعمه، تقول: "إلى" و"آلاء"، قاله أبو البقاء في شرح لمع ابن جني.
"والرابع والخامس" مما يستعمل اسمًا "مذ، و: منذ، وذلك في موضعين" أشار إليهما الناظم بقوله:
379-
ومذ ومنذ اسمان حيث رفعا ... أو أوليا الفعل.....................
"أحدهما: أن يدخلا على اسم مرفوع" نكرة أو معرفة معدودًا أو لا "نحو: ما رأيته منذ يومان"، فـ"يومان" منكر معدود "أو: منذ يوم الجمعة"، فـ"يوم الجمعة" معرف غير معدود، "وهما حينئذ" أي: حين إذ رفع ما بعدهما "مبتدآن وما بعدهما خبر" عنهما واجب التأخير إجراء للرفع مجرى الجر وهو مذهب المبرد وابن السراج والفارسي من البصريين وطائفة من الكوفيين، واختاره ابن الحاجب، ومعناهما: الأمد إن كان الزمان حاضرًا أو معدودًا، وأول المدة إن كان ماضيًا، قاله في المغني3.
"وقيل بالعكس" فيكونان ظرفين خبرين مقدمين وما بعدهما مبتدأ، وهو مذهب الأخفش وأبي إسحاق الزجاج وأبي القاسم الزجاجي، ومعناهما "بين وبين"
__________
1 الاقتضاب ص697.
2 المقاصد النحوية 3/ 303.
3 مغني اللبيب ص442.(1/661)
مضافين، فمعنى "ما لقيته مذ يومان": بيني وبين لقائه يومان، قاله في المغني1، ولا يخلى ما فيه من التعسف، "وقيل: ظرفان وما بعدهما فاعل بـ"كان" تامة محذوفة"، والتقدير: مذ كان يومان أو يوم الجمعة، وهذا مذهب جمهور الكوفيين، واختاره ابن مالك وابن مضاء والسهيلي2.
وقيل ظرفان ما بعدهما خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: من الزمان الذي هو يومان، وهو قول لبعض الكوفيين، وهو مبني على أن "منذ" مركبة من "من" الجارة و"ذو" الطائية أو منها ومن "إذ"، وذكر ابن الخباز في النهاية ذلك بعبارة مختصرة فقال: في نحو "ما لقيته منذ يومان" أربعة أقوال، فللبصريين قولان، قال الفارسي: التقدير: أمد ذلك يومان، فـ"منذ"3 مبتدأ، و"يومان" خبره، وقال ابن جني4 "بين وبين لقائه يومان"، فـ"منذ"3، خبر، "ويومان": مبتدأ، وللكوفيين قولان أحدهما: أن "من" حرف و"ذو" موصولة و"هو يومان": مبتدأ وخبر، والجملة صلة، فحذفت الواو والمبتدأ، وضمت الميم اتباعًا، والثاني: أن الأصل: من إذ مضى يومان، فـ"يومان" فاعل بفعل محذوف، ا. هـ.
"و" الموضع "الثاني: أن يدخلا على الجملة فعلية كانت؛ وهو الغالب؛ كقوله" وهو الفرزدق يرثي يزيد بن المهلب: [من الكامل]
495-
"ما زال مذ عقدت يداه إزاره" ... فسما فأدرك خمسة الأشبار
فأدخل "مذ" على الجملة الفعلية، وهي "عقدت"، وخبر "زال": يدني في البيت بعده5.
__________
1 مغني اللبيب ص442.
2 الارتشاف 2/ 243.
3 في "أ"، "ب": "مذ".
4 اللمع ص120.
495- البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 305، والأشباه والنظائر 5/ 123، وخزانة الأدب 1/ 212، والدرر 1/ 469، وشرح ابن الناظم ص267، وشرح شواهد الإيضاح ص310، وشرح شواهد المغني 2/ 755، وشرح المفصل 2/ 121، 6/ 33، والمقاصد النحوية 3/ 321، والمقتضب 2/ 176، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 242، وأوضح المسالك 3/ 61، والدرر 2/ 495، وشرح الأشموني 1/ 87، وشرح التسهيل 2/ 217، وشرح الكافية الشافية 2/ 815، ولسان العرب 6/ 67، "خمس"، ومغني اللبيب 1/ 336، وهمع الهوامع 1/ 216، 2/ 150.
3 هو قوله: "يدني خوافق من خوافق تلتقي
في كل معتبط الغبار مثار".(1/662)
"وسما" ارتفع, و"أدرك": لحق, والمراد بخمسة الأشبار: ارتفاع قامته أو موضع قبره، قاله الدماميني, "أو اسمية كقوله" وهو ميمون الأعشى: [من الطويل]
496-
"وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع" ... وليدا وكهلًا حين شبت وأمردا
فأدخل "مذ": على الجملة الاسمية، واليافع؛ بالياء التحتية: الغلام الذي راهق العشرين سنة، يقال: يفع وأيفع يافع، ولا يقال: موفع، قاله في القاموس1.
والوليد: الصبي, والكهل: ما بعد الثلاثين، وقيل: بعد الأربعين إلى الخمسين أو الستين.
والأمرد: الذي ليس على وجهه شيء من الشعر، ولم يجاوز حد الإنبات, فإن جاوزه ولم ينبت فهو الثط بالمثلثة والمهملة المشددة، قاله الزركشي.
"وهما حينئذ" أي: حين إذ دخلا على الجملتين "ظرفان باتفاق" مضافان، فقيل: إلى الجملة, وقيل: إلى زمن مضاف إلى الجملة, وقيل: مبتدآن، فيجب تقدير زمن مضاف إلى الجملة يكون هو الخبر, قاله في المغني2، وهو مصرح بخلاف في المسألة فلا تحسن دعوى الاتفاق السابقة منه.
وأصل "مذ" "منذ" فحذفت النون بدليل رجوعهم إلى ضم الذال عند ملاقاة الساكن نحو: "مذ اليوم" ولولا أن الأصل الضم لكسروا، ولو قيل بالعكس وزيدت النون كان مذهبًا كما قالوا في "ابنم" أصله "ابن" فزيدت الميم, وقال ابن ملكون: هما أصلان؛ لأنه لا تصرف في الحرف ولا شبهه, ويرده تخفيفهم "إنّ" و"كأنّ", قاله في المغني3.
وقال المالقي4: إذا كانت "مذ" اسمًا فأصلها "منذ"، وإذا كانت حرفًا فهي أصل نظرًا إلى أن الحرف لا يتصرف فيه, وفيه الرد السابق, وقد تكسر ميمها عند عكل.
وسكون ذال "مذ" قبل متحرك أعرف من ضمها, وضمها قبل ساكن أعرف من كسرها؛ لأن القريب أولى من الغريب, والمألوف خير من المنكور, وضم ذال "مذ" لقغة بني غني.
__________
496- البيت للأعشى في ديوانه ص185، وتذكرة النحاة ص589، 632، والدرر 1/ 468، وشرح شواهد المغني 2/ 577، 757، والمقاصد النحوية 3/ 60.
1 القاموس المحيط "يفع".
2 مغني اللبيب ص442.
3 مغني اللبيب ص442, 443.
4 رصف المباني ص387.(1/663)
وبنو غني حي من غطفان، قاله في الصحاح1، ووجه الضم أنهم قدروا النون محذوفة لفظًا لا نية على حد قوله: [من الطويل]
497-
ومن قبل نادى...... ... .............................
وبالكسر بلا تنوين.
__________
1 الصحاح "غني".
497- تمام البيت:
"ومن قبل نادى كل مولى قرابة
فما عطفت مولى عليه العواطف"
وهو بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 154، والدرر 1/ 488، وشرح ابن الناظم ص285، 288، وشرح الأشموني 2/ 322، وشرح التسهيل 3/ 248، وشرح قطر الندى ص20 وشرح الكافية الشافية 2/ 963، والمقاصد النحوية 3/ 434، وهمع الهوامع 1/ 210.(1/664)
"فصل":
"تزاد كلمة "ما" بعد "من" و"عن" و"الباء" كثيرًا، وبعد "اللام" قليلًا، "فلا تكفهن عن عمل الجر"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
381-
وبعد من وعن وباء زيد ما ... فلم تعق عن عمل قد علما
فـ"من"، "نحو: {مِمَّا " خَطَايَاهُمْ} [نوح: 25] وقرئ "خطيئاتهم"1 وهو أظهر في الاستشهاد لظهور الإعراب فيه. وبه مثل في المغني2.
"و" عن، نحو: " {عَمَّا قَلِيلٍ} " [المؤمنون: 40] .
"و" الباء نحو: " {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} " [النساء: 155] .
واللام. كقول الأعشى: [من المتقارب]
498-
إلى ملك خير أربابه ... فإن لما كل شيء قرارا
يريد فإن لكل شيء.
وإذا دخل شيء من هذه الأحرف المقترنة بـ"ما" على فعل أو جملة اسمية أولت "ما" بأنها موصول حرفي، والجملة صلتها.
"و" تزاد "ما" "بعد "رب" و"الكاف" فيبقى العمل قليلًا"، وتكفهما كثيرًا، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
382-
وزيد بعد رب والكاف فكف ... وقد يليهما وجر لم يكف
فالعمل "كقوله" وهو عدي بن الرعلاء3 الغساني: [من الخفيف]
__________
1 كذا في الرسم المصحفي، وقد قرئت "خطاياهم" وهي قراءة أبي عمرو والحسن والأعرج. انظر الإتحاف ص425، والنشر 2/ 391، وقرأ أبو رجاء: "خطياتهم"، انظر الكشاف 4/ 165.
2 مغني اللبيب ص411.
498- البيت للأعشى في ديوانه ص101.
3 في "أ": "الدغفاء"، وفي "ب": "الرعناء".(1/665)
499-
"ربما ضربة بسيف صقيل" ... بين بصرى وطعنة نجلاء
فجر بـ"رب" ضربة، مع اقترانها بـ"ما"، و"طعنة"، مجرور بالعطف على "ضربة، ونجلاء" بالجيم والمد: الواسعة، البينة الاتساع، صفة طعنة، وأضيفت "بين" إلى "بصرى" لاشتمالها على "أماكن" أو على تقدير مضاف أي: أماكن بصرى، وهي؛ بضم الباء؛ بلدة بالشام كرسي حوران، "وقوله" وهو عمرو بن البراقة النهمي بكسر النون: [من الطويل]
500-
وننصر مولانا ونعلم أنه ... "كما الناس مجروم عليه وجارم"
فجر الناس بالكاف المقترنة بـ"ما" الزائدة، والمجروم؛ بالجيم: من الجرم، ويروى: "مظلوم عليه وظالم".
"والغالب" في "ما" إذا زيدت بعد "رب" و "الكاف" "أن تكفهما عن العمل فيدخلان حينئذ على الجمل"، قال سيبويه1: جعلوهما مع "ما" بمنزلة كلمة واحدة "كقوله" وهو نهشل بن حري يرثي أخاه: [من الطويل]
501-
أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد ... "كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه"
فـ"سيف": مبتدأ، و"لم تخنه": خبره، والكاف مكفوفة بـ"ما" الزائدة، وأراد بـ"يوم مشهد" يوم صفين لما قتل أخوه مالك بها مع علي رضي الله عنه، وأراد بـ"عمرو"
__________
499- البيت لعدي بن الرعلاء في الأزهية ص82، 94، والارتشاف 2/ 463، والاشتقاق 486، والأصمعيات ص152، والحماسة الشجرية 1/ 194، وخزانة الأدب 9/ 582، 585، والدرر 2/ 102، وشرح شواهد المغني ص725، ومعجم الشعراء ص252، والمقاصد النحوية 3/ 342، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص492، وجوهر الأدب 369، وأوضح المسالك 3/ 65، والجنى الداني ص456، ورصف المباني ص194، 316، وشرح الأشموني 2/ 299، ومغني اللبيب ص137، وهمع الهوامع 2/ 38.
500- البيت لعمرو بن براقة في أمالي القالي 2/ 122، والدرر 2/ 105، وشرح شواهد المغني 1/ 202، 500، 2/ 725، 778، والمقاصد النحوية 3/ 332، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 13، وخزانة الأدب 10/ 207، والدرر 2/ 414، وشرح ابن عقيل 2/ 35، وشرح ابن الناظم ص269، وشرح التسهيل 3/ 171، وشرح الكافية الشافية 2/ 817، ومغني اللبيب 1/ 65، وهمع الهوامع 2/ 38، 130.
1 الكتاب 3/ 115, 116.
501- البيت لنهشل بن حري في الدرر 2/ 104، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص872، وشرح شواهد المغني ص502، 720، والمقاصد النحوية 3/ 334، وبلا نسبة أوضح المسالك 3/ 68، وشرح ابن الناظم ص268، وهمع الهوامع 2/ 38.(1/666)
عمرو بن معدي كرب، وسيفه هو الصمصامة، و"المشهد": مصدر ميمي، و"مضاربه": جمع مضرب بكسر الراء، ومضرب السيف نحو شبر من طرفه، وجمعه على حد "شابت مفارقة".وإنما للإنسان مفرق واحد، والعرب يقدرون تسمية الجزء باسم الكل، فيوقعون الجمع موقع الواحد، "وقوله" وهو جذيمة الأبرش: [من المدير]
502-
"ربما أوفيت في علم" ... ترفعن ثوبي شمالات
فكف "رب" عن الجر، وأدخلها على الجملة الفعلية وهي "أوفيت" أي: نزلت، و"علم" أي: جبل، و"شمالات" بفتح الشين: جمع شمال، ريح تهب من ناحية القطب، فاعل "ترفعن".
"والغالب على "رب" المكفوفة أن تدخل على فعل ماض كهذا البيت" لأن التكثير والتقليل إنما يكونان فيما عرف حده، والمستقبل مجهول، "وقد تدخل على مضارع منزل منزلة الماضي لتحقق وقوعه نحو: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا " لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] قال الرماني: إنما جاز ذلك لأن المستقبل معلوم عند الله كالماضي, وقيل: هو على حكاية حال ماضية مجازا, وقيل التقدير: ربما كان يود، و"كان" شأنية.
ورده في المغني1.
"وندر دخولها على الجملة الاسمية" خلافًا للفارسي في المنع من الدخول "كقوله" وهو أبو داود الإيادي بدالين مهملتين أولهما مضمومة بعدها واو فألف: [من الخفيف]
503-
"ربما الجامل المؤبل فيهم" ... وعناجيج بينهن المهار
__________
502- البيت لجذيمة الأبرش في الأزهية 94، 265، والأغاني 15/ 275، وخزانة الأدب 11/ 404، والدرر 2/ 101، وشرح أبيات سيبويه 2/ 281، وشرح شواهد الإيضاح 219، وشرح شواهد المغني 393، والكتاب 3/ 518، ولسان العرب 3/ 32، "شيخ"، 11/ 366، "شمل"، والمقاصد النحوية 3/ 344، 4/ 328، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 70، والدرر 2/ 243، ورصف المباني ص335، وشرح ابن الناظم ص542، وشرح الأشموني 2/ 299، وشرح المفصل 9/ 40، وكتاب اللامات ص111، ومغني اللبيب 135، 137، 309، والمقتضب 3/ 15، والمقرب 2/ 74، وهمع الهوامع 2/ 38، 78.
1 مغني اللبيب ص408.
503- البيت لأبي دؤاد الإيادي في ديوانه ص316، والأزهية 94، 266، وخزانة الأدب 9/ 586، 588، والدرر 2/ 48، وشرح شواهد المغني 1/ 405، وشرح المفصل 8/ 29، 30، ومغني اللبيب 1/ 137، والمقاصد النحوية 3/ 328، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 71، والجنى الداني ص448، 455، والدرر 2/ 102، وشرح ابن عقيل 2/ 33، وشرح ابن الناظم ص268، وشرح التسهيل3/ 172، 174، وشرح الكافية الشافية 2/ 819، وهمع الهوامع 2/ 26.(1/667)
فأدخل "رب" المكفوفة بـ"ما" على الجملة الاسمية، فإن "الجامل": مبتدأ، و"المؤبل": نعته، و"فيهم": خبره، و"الجامل" بالجيم: القطيع من الإبل مع راعيها، وقيل: اسم جمع الإبل لا واحد له من لفظه، و"المؤبل" بضم الميم وفتح الهمزة والباء الموحدة المشددة: المعد للقنية، و"العناجيج" بعين مهملة فنون فألف فجيمين بينهما مثناة تحتية: جياد الخيل واحدها عنجوج كـ"عصفور "، وهي الخيل الطويلة الأعناق، و"المهار" بكسر الميم: جمع مهر؛ بضمها؛ وهو ولد الفرس، والأنثى مهرة.
ودخول "رب" المكفوفة بـ"ما" على الجملة الاسمية نادر جدا "حتى قال" أبو علي "الفارسي: يجب أن تقدر "ما" اسمًا" نكرة "مجرورة بـ"رب" بمعنى شيء" "و" يقدر "الجامل خبرًا لضمير محذوف، والجملة صفة لـ: ما"، و "فيهم" متعلق بحال محذوفة، "أي: رب شيء هو الجامل المؤبل" كائنا فيهم، وإنما قدر الفارسي ضميرا محذوفًا ولم يجعل الجملة على حالها صفة لـ"ما" ليحصل الربط بين الصفة والموصوف.(1/668)
"فصل":
"تحذف "رب" ويبقى عملها بعد الفاء كثيرًا كقوله": وهو امرؤ القيس الكندي: [من الطويل]
504-
"فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع" ... فألهيتها عن ذي تمائم محول
فجر مثل بـ"رب" المحذوفة بعد الفاء، ومعنى "طرقت": أتيتها ليلًا، و"ألهيتها": شغلتها، و"التمائم": التعاويذ واحدها تميمة، وهي العوذة التي تعلق على الصبي وقاية من العين أو السحر، و"محول" من أحول الصبي فهو محول إذا تم له حول أو سنة, وإنما خص الحبلى والمرضع بذلك؛ لأنهما أزهد النساء في الرجال، وأقلهن شغفا بهم.
"وبعد الواو أكثر" لأن لعرب تبدل من رب الواو، وتبدل من الواو الفاء لاشتراكهما في العطف "كقوله" وهو امرؤ القيس أيضًا: [من الطويل]
505-
"وليل كموج البحر أرخى سدوله" ... علي بأنواع الهموم ليبتلي
فجر ليل بـ"رب" المحذوفة بعد الواو، وشبه ظلام الليل في هوله وصعوبته ونكادة أمره بموج البحر، واستعار له سدولًا وهي الستور واحدها سدل لما يحول منه بين البصر وبين
__________
504- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص12، والأزهية ص244، وخزانة الأدب 1/ 334، والدرر 2/ 93، وشرح أبيات سيبويه 1/ 450، وشرح شذور الذهب ص322، وشرح شواهد المغني ص402، 463، والكتاب 2/ 163، واللسان 8/ 126 "رضع"، 11/ 511، "غيل" والمقاصد النحوية 3/ 336، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 73، ورصف المباني 387، وشرح الأشموني 2/ 299، وشرح ابن عقيل 2/ 36، وشرح ابن الناظم ص269، وشرح التسهيل 3/ 188، وشرح الكافية الشافية 2/ 821، ومغني اللبيب 1/ 136، 161، وهمع الهوامع 2/ 36.
505- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص18، وخزانة الأدب 2/ 262، 3/ 271، وشرح شواهد المغني 2/ 574، 782، وشرحج عمدة الحافظ ص272، والمقاصد النحوية 3/ 338، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 75، وشرح ابن الناظم ص270، وشرح الأشموني 2/ 300، وشرح التسهيل 3/ 187، وشرح شذور الذهب ص321، وشرح الكافية الشافية 2/ 821.(1/669)
إدراك المبصرات، و"علي": متعلق بـ"أرخى"، والباء في "بأنواع" للمصاحبة.
"ويبتلي": يختبر، يقول: رب ليل بهذه الصفة أرخى علي ستور ظلامه مع أنواع الأحزان ليختبرني أأصبر على الشدائد أم أجزع منها، "وبعد "بل" قليلًا" من الواو "كقوله" وهو رؤبة أو العجاج: [من الرجز] .
506-
"بل مهمه قطعت بعد مهمه"
فجر "مهمه" بـ"رب" المحذوفة بعد "بل"، و"المهمه": المفازة البعيدة الأطراف.
وإلى حذف "رب" وإبقاء جرها بعد هذه الأحرف الثلاثة أشار الناظم بقوله:
383-
وحذفت رب فجرت بعد بل ... والفاء وبعد الواو شاع ذا عمل
"وبدونهن أقل كقوله" وهو جميل بن معمر: [من الخفيف]
507-
"رسم دار وقفت في طلله" ... كدت أقضي الحياة من جلله
فـ"رسم" مجرور بـ"رب" محذوفة، و"رسم الدار": ما كان لاصقًا من آثارها بالأرض كالرماد ونحوه، و"الطلل": ما شخص من آثار الدار، و"أقضي": أموت، ويروى بدل الحياة "الغداة" وقيل: وهي ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، و"من جلله" بفتح الجيم؛ فقيل: من أجله, وقيل: من عظم أمره في عيني، و"الجليل": العظيم.
"وقد يحذف" حرف الجر "غير "رب" ويبقى عمله"، وإليه الإشارة بقول الناظم:
384-
وقد يجر بسوى رب لدى ... حذف..........................
"وهو ضربان:
سماعي كقول رؤبة" بضم الراء وسكون الهمزة؛ ابن العجاج بن رؤبة: "خير"
__________
506- الرجز لرؤبة في ديوانه ص166، ولسان العرب 11/ 70 "بلل" 13/ 519 "عمه"، وخزانة الأدب 7/ 549، وشرح شواهد الإيضاح ص398، وتهذيب اللغة 1/ 150، وديوان الأدب 2/ 254، وتاج العروس "عمه"، وشرح شواهد الشافية ص202، وله أو للعجاج في المقاصد النحوية 3/ 345، وبلا نسبة في لسان العرب 14/ 88، "بلا"، وأوضح المسالك 3/ 77، وتاج العروس "بلل".
507- البيت لجميل بثينة في ديوانه ص189، وخزانة الأدب 10/ 20، والدرر 1/ 539، 2/ 97، 217، وشرح شواهد المغني 1/ 395، 403، ومغني اللبيب ص121، والمقاصد النحوية 3/ 339، وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 378، وأوضح المسالك 3/ 77، والخصائص 1/ 285، 3/ 150، وشرح ابن الناظم ص270، وشرح الأشموني، 2/ 300، وشرح ابن عقيل 2/ 38، وشرح التسهيل 3/ 189، وشرح الكافية الشافية 2/ 822، وشرح المفصل 3/ 82، 8/ 52, وهمع الهوامع 2/ 37.(1/670)
بالجر "والحمد لله. جوابًا لمن قال له: كيف أصبحت1؟ " والأصل: بخير أو على خير، فحذف الجار وأبقى عمله. ورؤبة هذا من فصحاء العرب. قال الزمخشري: وهو من أمضغ العرب للشيح والقيصوم، يريد بذلك تحقيق أنه بدوي لا حقيقة المضغ؛ لأن هذين النبتين لا يمضغهما الآدميون، ومن قراءته: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةٌ" [البقرة: 26] . برفع بعوضة.
"وقياسي" وإليه أشار الناظم بقوله:
384-
............................ ... .................. وبعضه يرى مطردًا
"كقولك: بكم درهم اشتريت ثوبك؟ " فـ"درهم" مجرور بـ"من" مقدرة عند الجمهور أي: "بكم من درهم، خلافًا للزجاج في تقديره الجر بالإضافة2".
واحتج بوجهين أحدهما: أن "كم" الاستفهامية لا يصلح أن تعمل الجر؛ لأنها قائمة مقام عدد مركب، والعدد المركب لا يعمل الجر فكذا ما قام مقامه. والثاني: أن الجر بعد "كم" الاستفهامية لو كان بالإضافة لم يشترط دخول حرف الجر على "كم"، فاشتراط ذلك دليل على أن الجر بـ"من" مضمرة لكون حرف الجر الداخل على "كم" عوضًا من اللفظ بـ"من" بخلاف "كم" الخبرية فإنه لما لم يشترط دخول حرف الجر عليها كان تمييزها مجرورًا بالإضافة لا بـ"من" مضمرة خلافًا للفراء3.
"وكقولهم: إن في الدار زيد والحجرة عمرًا"، فـ"الحجرة": مجرورة بحرف جر محذوف "أي: وفي الحجرة" عمرًا، إذ لو عطفت على المجرور بـ"في" لزم العطف على معمولي عاملين مختلفين وذلك ممتنع عند سيبويه4 ومتابعيه، لضعف العاطف عن أن يقوم مقام عاملين مختلفين "خلافًا للأخفش5 إذ قدر العطف على معمولي عاملين"، فجعل "الحجرة" معطوفة على "الدار" و"عمرًا" معطوفًا على "زيد"، و"زيد" معمولان لعاملين مختلفين. فإن العامل في الدار حرف الجر، والعامل في زيد "إن".
"و" كـ: "قولهم: مررت برجل صالح إلا صالح فطالح، حكاه يونس6".
__________
1 شرح ابن الناظم ص270، وشرح ابن عقيل 2/ 39، وشرح المفصل 8/ 52، 53.
2 شرح ابن الناظم ص271، وشرح التسهيل 2/ 419، وشرح ابن عقيل 2/ 39.
3 شرح التسهيل 2/ 420.
4 الكتاب 1/ 63.
5 مغني اللبيب ص632.
6 الكتاب 1/ 262، وشرح ابن الناظم ص271، وشرح التسهيل 3/ 192.(1/671)
بجر "صالح" و"طالح" بحرف جر محذوف. "وتقديره: إلا أمر" أنا "بصالح فقد مررت بطالح"، هذا تقدير ابن مالك1. وقدره سيبويه: إلا أكن مررت بصالح فبطالح. قيل: وتقدير سيبويه2 هو الصواب. قال البطليوسي في شرح كتاب سيبويه: إذا قلت: "إلا أمر" نقضت المعنى، فإنك قد قلت: "مررت بصالح"، ثم تقول: "إلا أمر بصالح" فيما يستقبل، وإنما المرور واقع فلا بد من إضمار الكون، فتقول: "إلا أكن فيما يستقبل موصوفًا يكون مررت بصالح فأنا قد مررت بطالح"، نقله المرادي في شرح التسهيل عنه في باب "كان" وأقره.
__________
1 شرح التسهيل 3/ 192.
2 الكتاب 1/ 262.(1/672)
باب الإضافة
مدخل
...
باب الإضافة:
هي لغة مطلق الإسناد، قال امرؤ القيس: [من الطويل]
508-
فلما دخلناه أضفنا ظهورنا ... إلى كل حاري جديد مشطب
يريد لما دخلنا هذا البيت أسندنا ظهورنا إلى كل رجل منسوب إلى الحيرة، مخطط فيه طرائق. واصطلاحًا إسناد اسم إلى غيره على تنزيل الثاني من الأول منزلة تنوينه أو يقوم مقام تنوينه. قاله الموضح في شرح الشذور1.
"تحذف" أنت "من الاسم الذي تريد إضافته ما فيه من تنوين ظاهر".
كتنوين "ثوب" أو تنوين مقدر كتنوين "دراهم"؛ لأن غير المنصرف فيه تنوين مقدر، منع من ظهوره مشابهة الفعل. والذي يدل على أن فيه تنوينًا مقدرًا نصب التمييز في نحو: "هو أحسن وجهًا"، إذ لا ينصب نحو هذا إلا عن تمام الاسم بالتنوين "كقولك في ثوب ودراهم: ثوب زيد ودراهمه". فتحذف من "ثوب" تنوينه الظهر ومن "دراهم": تنوينه المقدر؛ لأن التنوين يدل على الانفصال. والإضافة تدل على الاتصال. فلا يجمع بينهما.
"و" تحذف ما فيه "من نون تلي علامة الإعراب وهي" أربعة:
الأول والثاني: "نون التثنية وشبهها". فالأول "نحو: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} " [المسد: 1] فـ"يدا" تثنية. يد، والأصل: يدان فحذفت نون التثنية للإضافة؛ لأنها
__________
508- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص53، وجمهرة اللغة ص909، وخزانة الأدب 7/ 418، ولسان العرب 9/ 210 "ضيف"، وبلا نسبة في لسان العرب 4/ 225 "حير".
1 شرح شذور الذهب ص325.(1/673)
تلي علامة الإعراب وهي الألف. "و" الثاني نحو: "هذان اثنا زيد" فـ"اثنا" شبيه بالتثنية في الإعراب بالحروف. وليست تثنية حقيقة إذ لا يقال في مفردها: اثن، والأصل: اثنان فحذفت النون للإضافة لما ذكرنا.
"و" الثالث والرابع: "نون جمع المذكر السالم وشبهه"، فالأول: "نحو: {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} " [الحج: 35] فـ"المقيمي" جمع مقيم جمع مذكر سالم، والأصل: والمقيمين فحذفت نون الجمع للإضافة؛ لأنها تلي علامة الإعراب وهي الياء. "و" الثاني: نحو: "عشرو عمرو" فـ"عشرو" شبيه بجمع المذكر السالم في إعرابه بالحروف وليس بجمع حقيقة؛ لأنه لا مفرد له، وإنما حذفت نون التثنية والجمع وشبههما؛ لأنها أشبهت التنوين في كونها تلي علامة الإعراب كما أن التنوين يلي علامة الإعراب، "و" لهذا "لا تحذف النون التي تليها علامة الإعراب نحو: "بساتين زيش" و {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ} " [الأنعام: 112] ؛ لأنها لا تشبه التنوين فيما ذكر؛ لأن النون في هذين المثالين تليها علامة الإعراب وهي الحركة بناء على أن الإعراب واقع بعد آخر الكلمة من غير فاصل فتكون الحركة فيهما بعد النون. وهذا أحد قولين في المسألة. والقول الثاني: إن الإعراب مقارن لآخر المعرب لا بعده، وإلى حذف النون والتنوين من المضاف أشار الناظم بقوله:
385-
نونًا تلي الإعراب أو تنوينًا ... مما تضيف احذف.................
"ويجر المضاف إليه بالمضاف وفاقًا لسيبويه1"، وهو الأصح لاتصال الضمير به، والضمير لا يتصل إلا بعامله. "لا بمعنى اللام خلافًا للزجاج2"، ولا بالإضافة خلافًا للسهيلي3 وأبي حيان في النكت الحسان4، ولا بحرف مقدر ناب عنه المضاف خلافًا لابن الباذش.
__________
1 الكتاب 1/ 419، 420.
2 الارتشاف 2/ 501.
3 أمال السهيلي ص20.
4 النكت الحسان ص117.(1/674)
"فصل":
"وتكون الإضافة على معنى "اللام" بأكثرية"؛ لأنها الأصل ولذلك اقتصر عليها الزجاج. "وعلى معنى "بمن" بكثرة، وعلى معنى "في" بقلة". ولهذا لم يذكره إلا ابن مالك1 تبعًا لطائفة قليلة.
"وضابط" الإضافة "التي" تكون "بمعنى "في" أن يكون الثاني" وهو المضاف إليه "ظرفًا للأول" وهو المضاف سواء أكان زمانًا أو مكانا، فالزمان "نحو: {مَكْرُ اللَّيْلِ} " [سبأ: 33] و {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] . "و" المكان نحو: " {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} " [يوسف: 41] و"شهيد الدار" فالليل ظرف للمكر، والسجن ظرف للصاحبين، والتقدير: مكر في الليل، ويا صاحبان في السجن.
"و" ضابط الإضافة "التي" تكون "بمعنى "من" أن يكون" الأول؛ وهو المضاف؛ بعض" الثاني؛ وهو "المضاف إليه؛ و" أن يكون المضاف إليه "صالحًا للإخبار به عنه" أي: عن المضاف "كـ: "خاتم فضة"، ألا ترى أن الخاتم" الذي هو المضاف "بعض جنس الفضة" المضاف إليها، وأنه" يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف. فإنه "يقال: هذا الخاتم فضة"، فتخبر بالفضة عن الخاتم؛ لأن الإخبار عن الموصوف إخبار عن صفته.
"فإن انتفى" شرط القسم الأول "والشرطان معًا" في القسم الثاني نحو: ثوب زيد، و: غلامه" مما الإضافة فيه تفيد الملك، "و: حصير المسجد، وقنديله" مما الإضافة فيه تفيد الاختصاص فإن المضاف في هذه الأمثلة الأربعة ليس بعض المضاف إليه، ولا يصح الإخبار فيها بالمضاف إليه عن المضاف، ولا المضاف إليه2 فيها ظرف للمضاف.
__________
1 شرح التسهيل 3/ 221-223.
2 في "ط": "إليها".(1/675)
"أو انتفى" الشرط "الأول" من شرطي القسم الثاني" فقط نحو: يوم الخميس"، فإن اليوم وإن كان يصح أن يخبر عنه بالخميس فيقال: "هذا يوم الخميس"1 لكن اليوم ليس بعض الخميس، فإضافته من إضافة المسمى إلى الاسم "أو" انتفى الشرط "الثاني" من الشرطين "فقط نحو: يد زيد"، فإن اليد وإن كانت بعض زيد لكنها لا يصح أن يخبر عنها بزيد، فلا يقال: "هذه اليد زيد"، وإضافتها من إضافة الجزء إلى كله.
وإذا انتفى أن تكون الإضافة بمعنى "من" أو "في" "فالإضافة بمعنى: لام الملك" كما في "ثوب زيد" و"غلامه"، "أو" لام "الاختصاص" كما في بقية الأمثلة، ويدخل في ذلك الإضافة اللفظية كـ: "ضارب زيد"، فإنها بمعنى اللام كما صرح به ابن جني2 والشلوبين. وإلى ذلك يشير قول الناظم:
386-
والثاني اجرر وانو من أو في إذا ... لم يصلح إلا ذاك واللام خذا
387-
لما سوى ذينك.......... ... ................................
فعلم منه أن كل إضافة امتنع فيها أن تكون بمعنى "من" أو "في" فهي بمعنى "اللام" تحقيقًا حيث يمكن النطق بها كـ: "غلام زيد"، أو تقديرا حيث لا يمكن النطق بها نحو: "ذي مال" و"عند زيد" و"مع عمرو"، وامتحان هذا بأن تأتي مكان المضاف بما يرادفه أو يقاربه نحو: "صاحب"، و"مكان" و"مصاحب".
وذهب الجمهور إلى أن الإضافة قسمان: بمعنى "اللام" وبمعنى "من" ولا ثالث لهما، وما أوهم معنى "في" فهو على معنى اللام مجازًا، قاله الشارح3.
وذهب أبو الحسن بن الضائع4 إلى أن الإضافة لا تكون إلا بمعنى "اللام" على كل حال. وكان يقدر في "ثوب خز" ونحوه ويقول: الثوب مستحق للخز بما هو أصله. وذهب أبو حيان إلى أن الإضافة ليست على تقدير حرف مما ذكروه ولا على نيته.
__________
1 في "ط": "اليوم".
2 الخصائص 3/ 26.
3 شرح ابن الناظم ص272.
4 في "ط": "الصائغ". انظر مذهبه في الارتشاف 2/ 502.(1/676)
"فصل":
"والإضافة على ثلاثة أنواع:
نوع يفيد تعريف المضاف بالمضاف إليه إن كان" المضاف إليه "معرفة كـ: غلام زيد"، فغلام قبل الإضافة نكرة فلما أضيف إلى المعرفة اكتسب التعريف منها، "وتخصيصه به" أي: تخصيص المضاف بالمضاف إليه "إن كان" المضاف إليه "نكرة كـ: غلام امرأة"، فغلام قبل الإضافة نكرة خالية عن التخصيص فما أضيف إلى النكرة تخصص بها. والمراد بالتخصيص ما لا يبلغ درجة التعريف فإن غلام امرأة أخص من "غلام"، ولكنه لم يتميز بعينه كما تميز "غلام زيد" به. قاله في المغني1. وإلى ذلك يشير قول الناظم:
387-
....... واخصص أولًا ... أو أعطه التعريف بالذي تلا
"وهذا النوع هو الغالب" ولذلك صدر به الكلام، فكل من المتضايفين مؤثر في الآخر، فالأول يؤثر في الثاني الجر2، والثاني يؤثر في الأول التعريف أو التخصيص.
"ونوع: يفيد تخصيص المضاف دون تعريفه"، وذلك قسمان: قسم يقبل التعريف ولكن يجب تأويله بنكرة، وقسم لا يقبله أصلًا، فالأول ضابطه أن يقع موقع ما لا يكون معرفة كقوله: [من الوافر]
509-
أبا لموت الذي لا بد أني ... ملاق لا أباك تخوفيني
__________
1 مغني اللبيب ص663.
2 سقط من بداية باب الإضافة إلى هنا من "ب".
509- البيت لأبي حية النميري في ديوانه ص177، وخزانة الأدب 4/ 100، 105، 107، والدرر 1/
316، وشرح شواهد الإيضاح ص211، ولسان العرب 11/ 210 "خعل" 14/ 12 "أبي"، 15/ 63، "فلا" وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 132، والخصائص 1/ 345، وشرح ديوان
الحماسة للمرزوقي ص501، وشرح شذور الذهب ص328، والهوامع 1/ 145، وشرح التسهيل 2/ 60، 63، 3/ 226 وشرح الكافية الشافية 1/ 528.(1/677)
ونحو: "رب رجل وأخيه" و"كم ناقة وفصيلها" و"جاء وحده" فهذه المضافات إلى المعرفة يجب تأويلها؛ لأن "لا" لا تعمل في المعارف، و"رب" و"كم" لا يجران المعارف، والحال لا يكون معرفة، فالإضافة هذه ونحوها تفيد التخصيص دون التعريف.
"و" الثاني "ضابطه أن يكون المضاف متوغلا" أي: شديد الدخول "في الإبهام"، يقال: وغل في الشيء إذا دخل فيه دخولًا بينا، "كـ: "غير" و"مثل" إذا أريد بهما مطلق المماثلة والمغايرة لا كمالهما" من كل وجه، قال أبو البقاء1: إذا أريد بـ"غير" المغايرة من كل وجه تعرفت بالإضافة كقولك: "هذه الحركة غير السكون"، وإن أريد بها غير ذلك لم تتعرف؛ لأن المغايرة بين الشيئين لا تخص وجهًا بعينه، ا. هـ.
فجعل المقتضي للتعريف وقوعًا بين متضادين، وبه قال السيرافي، وجعل المانع من التعريف شدة الإبهام، وبه قال ابن السراج2، وراتضاه الشلوبين3، وبيان الإبهام فيها أنك إذا قلت: "غير زيد" فكل شيء إلا زيدًا غيره، وكل ما صدق وصفه بالمغايرة صدق وصفة بالمماثلة إذا كان الجنس واحد، واشتركا في وصف من الأوصاف، ولا تكاد جهات المماثلة تنحصر، وذهب سيبويه4 والمبرد5 إلى أن سبب تنكيرها أن إضافتهما للتخفيف لمشابهتهما اسم الفاعل بمعنى الحال ألا ترى أن "غيرك" و"مثلك" بمنزلة "مغايرك" و"مماثلك"، واختاره أبو حيان في النكت الحسان6، وهذا النوع مرجعه السماع ومنه "شبهك" وخدنك" وضربك" و"تربك" و"نحوك" و"ندك" و"حسبك" و"شرعك"، وأمها7 "مثلك" و"غيرك" فإذا أريد بها مطلق المماثلة والمغايرة لا يتعرفان بالإضافة، "ولذلك صح وصف النكرة بهما في نحو: مررت برجل مثلك، أو غيرك"، والنكرة لا توصف بالمعرفة "وتسمى الإضافة في هذين النوعين" وهما ما يفيد تعريف المضاف أو تخصيصه، وما يفيد تخصيص المضاف دون تعريفه؛ "معنوية؛ لأنها أفادت أمرًا معنويا"، وهو تعريف المضاف أو تخصيصه، "و" تسمى
__________
1 التبيان في إعراب القرآن 1/ 10.
2 الأصول 2/ 5.
3 شرح التسهيل 3/ 227.
4 الكتاب 2/ 110، 111.
5 المقتضب 4/ 289.
6 النكت الحسان ص118.
7 في "ط": "وأما".(1/678)
أيضًا "محضة أي: خالصة من تقدير الانفصال"، إذ ليس قولنا: "غلام زيد مثلك" في تقدير "غلام لزيد مثل لك".
"ونوع لا يفيد شيئًا من ذلك" التعريف أو التخصيص، "وضابطه أن يكون المضاف صفة تشبه المضارع في كونها مرادا بها الحال أو الاستقبال"، وإليه أشار الناظم بقوله:
388-
وإن يشابه المضاف يفعل ... وصفا فعن تنكيره لا يعزل
فخرج بالصفة المصدر المقدر بـ"أن" والفعل، فإن إضافته محضة خلافًا لابن طاهر وابن برهان وابن الطراوة1 بدليل نعته بالمعرفة نحو قوله: [من الخفيف]
510-
إن وجدي بك الشديد أراني ... عاذرًا فيك من عهدت عذولًا
فوصف وجدي؛ وهو مصدر مضاف إلى ياء المتكلم؛ بالتشديد، ومثله المصدر الواقع مفعولًا له نحو: "جئت إكرامك"، فإن إضافته محضة خلافًا للرياشي2، وخرج بتشبيه المضارع إلى آخره اسم التفضيل نحو: "أفضل القوم" فإن إضافته محضة عند الأكثرين خلافًا لابن السراج3 والفارسي4 وأبي البقاء والكوفيين وجماعة من المتأخرين كالجزولي5 وابن أبي الربيع6 وابن عصفور ونسبه إلى سيبويه7 وقال: إنه الصحيح بدليل قولهم: "مررت برجل أفضل القوم"، ولو كانت إضافته محضة لزم وصف النكرة بالمعرفة، وإن المخالف خرج ذلك على البد، فيكون من بدل المعرفة من النكرة، قال: وذلك باطل؛ لأن البدل بالمشتق يقل. انتهى كلام ابن عصفور في شرح الجمل8، وهذا الذي حكاه سيبويه واختاره إنما حكاه ابن مالك عن الفارسي، واختار خلافه، وزعم أن ذلك قول
__________
1 الارتشاف 2/ 505، وشرح المرادي 2/ 245.
510- البيت بلا نسبة في الدرر 2/ 138، 303، وشرح الأشموني 2/ 306، وشرح قطر الندى ص264، والمقاصد النحوية 3/ 336، وهمع الهوامع 2/ 48، 93.
2 النكت الحسان ص119.
3 الأصول 2/ 8، والارتشاف 2/ 505.
4 الإيضاح العضدي 1/ 269، والارتشاف 2/ 505.
5 المقدمة الجزولية ص131.
6 البسيط 1/ 312.
7 الكتاب 1/ 204.
8 شرح الجمل 2/ 71.(1/679)
سيبويه1، وخرج أيضًا الصفة التي بمعنى الماضي نحو: "ضارب زيد أمس"، فإن إضافته محضة على الصحيح خلافًا للكسائي، وخرج أيضًا الصفة التي لم تعمل نحو: "كاتب القاضي"، و"كاسب عياله"، فإن إضافتها محضة.
"وهذه الصفة" الشبيهة للمضارع في إرادة الحال أو الاستقبال "ثلاثة أنواع" كما يؤخذ من أمثلة الناظم:
"اسم الفاعل": المضاف لمعموله الظاهر أو المضمر، فالأول "كـ: ضارب زيد" الآن أو غدًا، "و" الثاني نحو: "راجينا" الآن أو غدًا، ومنه أمثلة المبالغة كـ: "شراب العسل".
"واسم المفعول" المضاف لمعموله سواء أكان من ثلاثي أم لا، فالأول "كـ: مضروب العبد" الآن أو غدًا، "و" الثاني نحو: "مروع القلب" بفتح الواو المشددة.
"والصفة المشبهة" باسم الفاعل المضافة لمعمولها مجردة كانت أو لا، فالأول "كـ: حسن الوجه"، الآن، "و: عظيم الأمل" الآن، "و: قليل الحيل" الآن، والثاني: كـ: "مستقيم القامة" و"معتدل الطبيعة الآن"2.
فاسم الفاعل مضاف إلى منصوبه معنى، واسم المفعول والصفة المشبهة مضافان إلى مرفوعهما معنى، فإضافة هذه الصفات إلى معمولها المعرفة لا تفيدها تعريفًا، "والدليل على أن هذه الإضافة لا تفيد المضاف تعريفًا وصف النكرة به" أي: بالوصف المضاف "في نحو: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} " [المائدة: 95]
فـ"هديا" نكرة منصوبة على الحال، و"بالغ الكعبة": نعتها، ولا توصف النكرة بالمعرفة، "ووقوعه حالًا في نحو: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} [الحج: 9] فـ"ثاني" حال من الضمير المستتر في "يجادل" من قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الحج: 8] ، والحال واجب التنكير، والأصل عدم التأويل، وقوله" وهو أبو كبير الهذلي يمدح تأبط شرا وكان زوج أمه: [من الكامل]
511-
"فأنت به حوش الفؤاد مبطنا" ... سهدًا إذا ما نام ليل الهوجل
__________
1 شرح التسهيل 3/ 228.
2 سقطت من "ب"، "ط".
511- البيت لأبي كبير الهذلي في جمهرة اللغة ص360، وخزانة الأدب 8/ 194، 203، وشرح أشعار الهذليين 3/ 1073، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص88، وشرح شواهد المغني 1/ 227، والشعر والشعراء 2/ 675، ولسان العرب 3/ 224 "سهد"، 6/ 290 "حوش" 11/ 690 "هجل" ومغني اللبيب 2/ 511، وتاج العروس "هجل" وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 89، وجمهرة اللغة 1176،
وشرح شواهد المغني 2/ 880، واللسان 14/ 214، "جيا"، وشرح الكافية الشافية 2/ 912.(1/680)
فـ"حوش" بضم الحاء المهملة وسكون الواو وبالشين المعجمة: صفة مشبهة حال من الهاء المجرورة بالباء العائدة إلى تأبط شرا، ومعناه: حديد الفؤاد، و"المبطن": الضامر البطن، وهو وصف محمود في الذكور، و"السهد" بضم السين المهملة والهاء: القليل النوم، و"الهوجل" الأحمق، "ودخول "رب" عليه في قوله"؛ وهو جرير يهجو الأخطل: [من البسيط]
512-
"يا رب غابطنا لو كان يطلبكم" ... لاقى مباعدة منكم وحرمانا
فأدخل "رب" على غابطنا، ولو كان معرفة لما صح ذلك، وهو من الغبطة وهي1 أن يتمنى مثل حال المغبوط من غير إرادة زوالها عنه، عكس الحسد، "والدليل على أنها"؛ أي: هذه الإضافة وهي إضافة الصفة لمعمولها؛ "لا تفيد تخصيصًا أن أصل قولك: ضارب زيد" بالخفض "ضارب زيدًا" بالنصب "فالاختصاص" بالمعمول "موجود قبل الإضافة"، فلم تحدث الإضافة تخصيصًا، وفي ذلك رد على ابن مالك حيث رد على ابن الحاجب في قوله2: "ولا تفيد إلا تخفيفًا" فقال "بل تفيد أيضًا التخصيص فإن ضارب زيد أخص من ضارب" قال في المغني3: وهذا سهو فإن " ضارب زيد" أصله: "ضارب زيدًا" بالنصب، وليس أصله "ضاربًا" فقط، فالتخصيص حاصل بالمعمول قبل أن يأتي بالإضافة، ا. هـ.
وما قاله ابن مالك تبع فيه ابن الضائع في اعتراضه على ابن عصفور حيث قال4: "وأما قوله: "ولا تخصيص" فغير صحيح؛ لأنك إذا قلت: "هذا ضارب امرأة" فقد خصصت المضاف بالمضاف إليه مع كون الإضافة غير محضة، ا. هـ.
"وإنما تفيد هذه الإضافة التخفيف"؛ لأن الأصل في الصفة أن تعمل النصب،
__________
512- البيت لجرير في ديوانه 163، والدرر 2/ 137، وسر صناعة الإعراب 2/ 457، وشرح أبيات سيبويه 1/ 540؛ وشرح شواهد المغني 2/ 712، 880، والكتاب 1/ 427، ومغني اللبيب 1/ 511، والمقاصد النحوية 3/ 364، والمقتضب 4/ 150، وهمع الهوامع 2/ 47، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 90، وشرح ابن الناظم ص275، وشرح الأشموني 2/ 305، وشرح التسهيل 3/ 179، 228، وشرح الكافية الشافية 2/ 911، والمقتضب 3/ 227، 4/ 289.
1 في "ب"، "ط": "هو".
2 الكافية ص9.
3 مغني اللبيب ص664.
4 المقرب 1/ 209، وشرح الجمل 2/ 70.(1/681)
ولكن الخفض أخف منه إذ لا تنوين معه ولا نون، قاله في المغني1، "أو" تفيد "رفع القبح"، "أما التخفيف فبحذف التنوين الظاهر" من المضاف "كما في: ضارب زيد، و: ضاربات عمرو" و"مضروب العبد" "و: حسن الوجه"، ففي هذه الصفات تنوين ظاهر حذف للإضافة، "أو" بحذف التنوين "المقدر كما في: ضوارب زيد، و: حواج بيت الله"، ففي "ضوارب" و"حواج" تنوين مقدر حذف للإضافة بدليل نصبهما المفعول، قاله الموضح في الحواشي، "أو" بحذف "نون التثنية كما في: ضاربًا زيد، أو" نون "الجمع" السالم "كما في: ضاربو زيد" ففي التثنية والجمع نون حذفت للإضافة، "وأما رفع القبح ففي نحو: مررت بالرجل الحسن الوجه" بالجر، "فإن في رفع "الوجه"" على الفاعلية "قبح خلو الصفة" المشبهة "عن ضمير يعود على الموصوف" لفظًا كما في المغني2، "وفي نصبه" على التثنية بالمفعول به "قبح إجراء وصف" الفعل "القاصر"؛ وهو حسن؛ "مجرى" بضم الميم؛ "وصف" الفعل "المتعدي" في نصبه المفعول به، ففي رفع "الوجه" قبح، وفي نصبه قبح، "وفي الجر تخلص منهما" معًا؛ لأن الصفة لا تضاف لمرفوعها حتى يقدر تحويل إسنادها عنه إلى ضمير موصوفها، فيصير في الصفة ضمير يعود على الموصوف، "ومن ثم امتنع: الحسن وجهه" بالجر "لانتفاء قبح الرفع" على الفاعلية لوجود الضمير المضاف إليه "الوجه" لفظًا، فإنه يعود على الموصوف، "و" امتنع "نحو: الحسن وجه" بالجر أيضًا "لانتفاء قبح النصب؛ لأن النكرة تنصب على التمييز" بخلاف المعرفة، وسيأتي أن الصفة المفردة المقرونة بـ"أل" لا تضاف إلى الخالي منها ومن الإضافة إلى تاليها "وتسمى الإضافة في هذا النوع" وهو إضافة الوصف لمعموله "لفظية؛ لأنها أفادت أمرًا لفظيا"، وهو حذف التنوين ونون التثنية والجمع، ورفع القبح، ومرجعها إلى اللفظ، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
390-
وذي الإضافة اسمها لفظيه ... ................................
"و" تسمى أيضًا "غير محضة؛ لأنها في تقدير الانفصال"؛ لأن نحو: "ضارب زيد" مثلا في تقدير: ضارب هو زيد3، فالضمير المستتر في الصفة فاصل بينها وبين مجرورها تقديرًا.
__________
1 مغني اللبيب ص663.
2 مغني اللبيب ص665
3 في "أ": "زيدا".(1/682)
"فصل":
"تختص الإضافة اللفظية" لكونها غير محضة "بجواز دخول "أل" على المضاف في خمس مسائل:
إحداها: أن يكون المضاف إليه" مقرونًا "بـ: أل" وإليه1 أشار الناظم بقوله:
391-
ووصل أل بذا المضاف مغتفر ... إن وصلت بالثان كالجعد الشعر
فـ"الجعد": صفة مشبهة من جعد شعره جعودة ضد سبط سبوطة، والشعر؛ بفتح العين؛ مضاف إليه، "وقوله" وهو الفرزدق: [من الطويل]
513-
أبأنا بها قتلى وما في دمائها ... "شفاء وهن الشافيات الحوائم"
بجر "الحوائم" بإضافة الشافيات، و"أبأنا" بفتح الهمزة الأولى والموحدة وسكون الهمزة الثانية: قتلنا، والضمير في "بها" و"هن" للسيوف، وفي "دمائها" للقتلى، و"الحوائم": العطاش التي تحوم حول الماء جمع حائمة؛ بالحاء المهملة؛ من الحوم وهو الطواف حول الماء وغيره، و"الشافيات": جمع شافية اسم فاعل من الشفاء، والمعنى: قتلنا بالسيوف وليس في دماء القتلى التي تهريقها السيوف شفاء، وإنما السيوف هي الشافيات؛ لأنها آلة السفك، ولولاها ما حصل السفك.
المسألة "الثانية: أن يكون" المضاف إليه "مضافا لما فيه "أل""، وإليه أشار الناظم بقوله:
392-
أو بالذي له أضيف الثاني ... "كـ" زيد "الضارب رأس الجاني"
فـ"الضارب" صفة مقرونة بـ"أل" مضافة إلى "رأس" و"رأس"، مضاف إلى "الجاني" المقرون بـ"أل" "و" نحو "قوله": [من الطويل]
__________
1 في "ب"، "ط": "إليها".
513- تقدم تخريج البيت برقم 43.(1/683)
514- "لقد ظفر الزوار أقفية العدى" ... بما جاوز الآمال ملأسر والقتل
فـ"الزوار" جمع زائر صفة مقرونة بـ"أل" مضاف إلى "أقفية": جمع قفا، و"أقفية" مضاف إلى "العدى" المقرونة بـ"أل" و"الآمال" بالمد: جمع أمل، وهو الرجاء.
و"ملأسر": أصله: من الأسر فحذفت نون "من" على لغة زبيد وبني خثعم من قبائل اليمن.
المسألة "الثالثة: أن يكون" المضاف إليه "مضافًا إلى ضمير ما فيه "أل" كقوله": [من الكامل]
515-
"الود أنت المستحقة صفوه" ... مني وإن لم أرج منك نوالا
فـ"المستحقة": صفة مفردة مقرونة بـ"أل" مضافة إلى "صفو"، و"صفو": مضاف إلى ضمير ما فيه "أل" وهو الود بضم الواو، و"النوال": العطاء، ومنع المبرد هذه الأخيرة لما سيأتي، ولم يتعرض لها في النظم.
المسألة: "الرابعة: أن يكون" الوصف "المضاف مثنى كقوله": [من البسيط]
516-
"إن يغنيا عني المستوطنا عدن" ... فإنني لست يومًا عنهما بغني
فـ"المستوطنا": صفة مثناة مضافة إلى "عدن" ولذلك حذفت النون منها.
و"يغنيا": مضارع غني بكسر النون في الماضي، وفتحها في المضارع، والألف فيه علامة التثنية على لغة أكلوني البراغيث، و" المستوطنا": فاعله، وهي جملة شرطية، وجوابها "فإنني لست"، والمعنى إن يستغن عني المستوطنا عدن فإني لست غنيا عنهما يومًا من الأيام.
المسألة "الخامسة: أن يكون" الوصف المضاف "جمعًا اتبع سبيل المثنى" وطريقه "وهو جمع المذكر السالم، فإنه يعرب بحرفين، ويسلم فيه بناء الواحد" من تغيير الحركات، "ويختم بنون زائدة" بعد علامة الإعراب "تحذف للإضافة كما أن المثنى كذلك كقوله": [من البسيط]
__________
514- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 93، وشرح الأشموني 2/ 308، والمقاصد النحوية 3/ 391.
515- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 95، والدرر 2/ 139، وشرح الأشموني 1/ 308، والمقاصد النحوية 3/ 392، وهمع الهوامع 2/ 48، وشرح التسهيل 3/ 86.
516- البيت بلا نسبة أوضح المسالك 3/ 96، والدرر 2/ 139، وشرح الأشموني 2/ 309، وشرح التسهيل 3/ 85، والمقاصد النحوية 3/ 393، وهمع الهوامع 2/ 48.(1/684)
517-
"ليس الأخلاء بالمصغي مسامعهم" ... إلى الوشاة ولو كانوا ذوي رحم
فـ"المصغي": صفة مجموعة جمع المذكر السالم مضافة إلى مسامعهم، ولذلك حذفت النون منها، و"الأخلاء": الأصدقاء، و"الوشاة"، جمع واش، وهو النمام بين الأخلاء، و"الرحم": القرابة.
وإلى مسألتي المثنى والمجموع أشار الناظم بقوله:
393-
وكونها في الوصف كاف وإن وقع ... مثنى أو جمعًا سبيله اتبع
فهذه المسائل الخمس يجوز فيها الجمع بين "أل" والإضافة.
أما المسألة الأولى؛ وهي مسألة الصفة المشبهة؛ فإنها الأصل في ذلك، وذلك لأن التخفيف فيها بحذف الضمير أو حذف الجار والمجرور؛ لأن الأصل في "الجعد الشعر": الجعد شعره أو شعره منه، فلما أضيفت حذف الجار والمجرور بالإضافة1 أو بالحرف2 فحصل التخفيف بذلك إذ لا تنوين مع وجود "أل"، وقرن المضاف إليه بـ"أل" عوضًا عما فاته من الضمير أو من التنوين؛ لأن التنوين و"أل" يتعاقبان على الاسم، فولي المضاف "أل" كما يليه التنوين، وحمل على الصفة المشبهة نحو:"الضارب الرجل" لمشابهته لها من حيث إن المضاف في الصورتين صفة مقرونة بـ"أل" والمضاف إليه مقرون بها.
وأما المسألة الثانية فلأن "أل" إذا كانت في المضاف إليه الثاني كانت قريبة من كونها في المضاف؛ لأن المضاف والمضاف إليه كشيء واحد، ولذلك يمتنع إذا كان بينهما أكثر من مضاف واحد، فلا يجوز: "الضارب ابن أخت القوم" كما جاز: "نعم ابن أخت القوم".
وأما الثالثة: فاختلف فيها، ومدرك الخلاف هل ينزل الضمير العائد إلى ما فيه "أل" منزلة الاسم المقرون بـ"أل" أم لا؟ فالجمهور على الجواز، والمبرد على المنع.
وأما الرابعة والخامسة فلأن النون فيهما لم تحذف للإضافة بل لطول الصلة، كما حذفت من الصلة لغير إضافة، كقوله: [من المنسرح]
__________
517- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 97، والدرر 2/ 139، وشرح التسهيل 3/ 85، والمقاصد النحوية 3/ 394، وهمع الهوامع 2/ 48.
1 بعده في "ط": "على الأول".
2 بعده في "ط": "على الثاني".(1/685)
518-
الحافظو عورة العشيرة ... ..............................
في رواية من نصب "عورة"، فلذلك لم يشترط في المضاف إليه شيء مما تقدم، قاله الشاطبي بمعناه، وحكم جمع التكسير وجمع المؤنث1 حكم المفرد.
"وجوز الفراء2 إضافة الوصف المحلى بـ"أل" إلى المعارف كلها" سواء كان تعريفها بالعلمية أم بالإشارة أم غيرهما، "كـ: الضارب زيد، و: الضارب هذا" و"الضارب الذي" و"الضاربك" و"الضارب غلامك" إجراء لسائر المعارف مجرى المعرف بـ"أل" "بخلاف" المضاف إلى المنكر نحو: "الضارب رجل" لامتناع إضافة إلى النكرة.
"وقال المبرد3 والرماني في "الضاربك" و"ضاربك"" مما الوصف فيه مقرون بـ"أل" أو مجرد منها: "موضع الضمير خفض"؛ لأن الضمير نائب عن الظاهر، وإذا حذفت التنوين من الوصف كان الظاهر مخفوضًا بالوصف فكذلك نائبه.
"وقال الأخفش" وهشام4: موضع الضمير "نصب"؛ لأن موجب النصب المفعولية، وهي محققة، وموجب الخفض الإضافة وهي غير محققة، ولا دليل عليها إلا حذف التنوين، ولحذفه سبب آخر غير الإضافة،
وهو صون الضمير المتصل عن وقوعه منفصلًا، وضعفه ابن مالك5.
__________
518- تمام البيت:
"الحافظو عورة العشيرة لا ... يأتيهم من ورائنا وكف"
وهو لعمرو بن امرئ القيس في خزانة الأدب 4/ 272، 274، 276، والدرر 1/ 60، وشرح التسهيل 1/ 73، وشرح شواهد الإيضاح ص127، ولقيس بن الخطيم في ديوانه ص115، 238، والاقتضاب ص578، ولعمرو بن امرئ القيس أو لقيس بن الخطيم في اللسان 9/ 363 "وكف"، ولشريح بن عمران أو لمالك بن عجلان في شرح أبيات سيبويه 1/ 205، ولرجل من الأنصار في خزانة الأدب 6/ 6، والكتاب 1/ 186، وبلا نسبة في أدب الكاتب ص324، وإصلاح المنطق
ص63، وجواهر الأدب ص155، وخزنة الأدب 5/ 122، 469، 8/ 29، 209، ورصف المباني 341، وسر صناعة الإعراب 2/ 538، والكتاب 1/ 202، والمحتسب 2/ 80، والمقتضب 4/ 145، والمنصف 1/ 67، وهمع الهوامع 1/ 49، وعمدة الحفاظ "عور".
1 بعده في "ط": "السالم".
2 شرح ابن الناظم ص296.
3 بعده في "ط": "والمازني"، مع أنها لم ترد في أوضح المسالك 3/ 99، وانظر قول المبرد في المقتضب 4/ 152، وشرح ابن الناظم ص276.
4 شرح التسهيل 3/ 83.
5 شرح التسهيل 3/ 83، 84.(1/686)
"وقال سيبويه1: الضمير كـ" الاسم "الظاهر، فهو منصوب في: الضاربك"؛ لأن الوصف المقرون بـ"أل" لا يضاف عنده إلا لما فيه "أل"، أو إلى مضاف لما فيه "أل"، أو إلى مضاف إلى ضمير ما فيه "أل" والضمير ليس واحدا منها، "مخفوض في: ضاربك"؛ لأن "حذف التنوين دليل الإضافة ولا مانع منها إلا اقتران2 الوصف بـ"أل" وهو مجرد عنها، "ويجوز في "الضاربك" و"الضاربوك" الوجهان" الخفض والنصب؛ لأنه يحتمل أن يكون حذف النون للإضافة، فيكون الضمير
في محل خفض، وأن يكون للتخفيف وتقصير الصلة، فيكون في محل نصب، وذهب الجرمي والمازني والمبرد وغيرهم إلى أن الضمير فيهما في محل خفض لا غير؛ لأن حذف النون للإضافة هو الأصل، وحذفها للطول لا ضرورة تدعو إليه مع الضمير بخلاف الظاهر فإن ما ظهر فيه النصب أحوج إلى ذلك، قاله المرادي في التلخيص في باب اسم الفاعل، وفيه ورد على ابن مالك حيث قال3" وأما الضمير في نحو: "جاء الزائراك والمكرموك" فجائز فيه الوجهان بإجماع؛ لأنهما جائزان في الظاهر الواقع موقعه، ا. هـ.
"مسألة: قد يكتسب المضاف المذكر من المضاف إليه المؤنث تأنيثه، وبالعكس" فيكتسب المضاف المؤنث من المضاف إليه المذكر تذكيره، "وشرط ذلك في الصورتين صلاحية المضاف للاستغناء عنه" عند سقوطه "بالمضاف إليه" مع صحة المعنى في الجملة.
"فمن" التصوير "الأول قولهم: قطعت بعض أصابعه"، فـ"بعض": نائب فاعل قطعت، وأنث الفعل المسند إليه لكونه اكتسب التأنيث من المضاف إليه وهي "الأصابع" لصلاحية الاستغناء عنه بالمضاف إليه، فيقال: "قطعت أصابعه" تعبيرًا عن الجزء بالكل مجازًا، "وقراءة بعضهم" وهو الحسن البصري ""تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ"" [يوسف: 10] بتأنيث "تلتقطه"4 بالتاء المثناة فوق، "وقوله" وهو الأغلب العجلي وهو من المعمرين: [من الرجز]
__________
1 الكتاب 1/ 193.
2 في "ط": "لاقتران" مكان "إلا اقتران".
3 شرح التسهيل 3/ 86.
4 الرسم المصحفي {يَلْتَقِطْهُ} بالياء، وانظر القراءة المستشهد بها في الإتحاف ص262، ومعاني القرآن للفراء 2/ 36.(1/687)
519-
"طول الليالي أسرعت في نقضي" ... نقضن كلي ونقضن بعضي
فأنث "أسرعت" مع أنه خبر عن مذكر، وهو "طول" لأنه اكتسب التأنيث من "الليالي"، و"نقضي" و"نقضن" في الموضعين بقاف وضاد معجمة.
وحاصل ما ذكره الموضح ثلاثة أنواع، الأول: ما كان المضاف بعضًا وهو مؤنث.
والثاني: ما كان بعضًا وهو مذكر، والثالث: ما كان وصفًا للمؤنث، وبقي عليه ما كان كلا كقوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ} [آل عمران: 30] {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ} [آل عمران: 25] ، وما لم يكن شيئًا من ذلك كقولهم: "اجتمعت أهل اليمامة" ومن الغريب أن المضاف إليه قد يكتسب التأنيث من المضاف كقوله: [من الكامل]
520-
فإلى ابن أم أناس أرحل ناقتي ... ....................................
فمنع صرف "أناس" لكونه سرى إليه معنى التأنيث من الأم، ولا يبعد حمله على الضرورة، قاله في الحواشي، "ومن" التصوير "الثاني" وهو أن يكتسب المضاف المؤنث من المضاف إليه المذكر تذكيره، "قوله": [من البسيط]
521-
رإنارة العقل مكسوف بطوع هوى" ... وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرًا
فذكر "مكسوف" مع أنه خبر عن مؤنث وهو "إنارة" إلا أنها اكتسبت التذكير من إضافتها إلى "العقل" "ويحتمله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] ويبعده: {لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى: 17] فذكر "قريب" حيث لا إضافة،
__________
519- الرجز للأغلب العجلي في الأغاني 21/ 30، وخزانة الأدب 4/ 224، 225، 226، وشرح أبيات سيبويه 1/ 366، والمقاصد النحوية 3/ 395، وله أو للعجاج في شرح شواهد المغني 2/ 881، وللعجاج في الكتاب 1/ 53، ولم أقع عليه في ديوانه، والمخصص 17/ 78، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 106، وأوضح المسالك 3/ 103، والخصائص 2/ 418، وشرح الأشموني 2/ 310، والصاحبي في فقه اللغة ص252، ومغني اللبيب 2/ 512، والمقتضب 4/ 199، 200.
520- عجز البيت:
"عمرو ستنجع حاجتي أو تزحف"
، وهو لبشر بن أبي خازم في ديوانه ص155، وشرح أبيات سيبويه 2/ 14 ولسان العرب 9/ 130، "زحف"، وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 496، والدرر 2/ 405، والكتاب 2/ 9، وهمع الهوامع 2/ 127.
521- البيت لبعض المولدين في المقاصد النحوية 3/ 396، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 263، وأوضح لمسالك 3/ 105، وخزانة الأدب 4/ 227، 5/ 106، وشرح الأشموني 2/ 310، ومغني اللبيب 2/ 512، وشرح التسهيل 3/ 238.(1/688)
وذكر الفراء1 أنهم التزموا تذكير "قريب" إذا لم يرد قرب النسب قصدًا للفرق، هذا نقله في المغني2، ونقل غيره عن الفراء: إذا كان القرب في النسب كان التأنيث واجبًا بلا خلاف، تقول "هذه قريبة فلان"، ولا تقول "هذه قريب فلان"، وإذا كان القرب في المسافة التذكير والتأنيث، وقيل التذكير في الآية على المعنى؛ لأن الرحمة بمعنى الغفران والعفو، واختاره الزجاج3، وقيل بمعنى المطر قاله الأخفش4، وإياك أن تظن أن التذكير لكون التأنيث مجازيا؛ لأن ذلك وهم لوجوب التأنيث في نحو: "الشمس طالعة" وإنما يفترق حكم المجازي والحقيقي الظاهري لا المضمرين، قاله في المغني5 ردًا على الجوهري.
"ولا يجوز: قامت غلام هند" بتأنيث الفعل، "ولا: قام امرأة زيد" بتذكيره "لعدم صلاحية المضاف فيهما للاستغناء عنه بالمضاف إليه"، فلا يقال: "قامت هند" إذا كان القائم غلامها، ولا "قام زيد" إذا كان القائم امرأته، ومن ثم رد ابن مالك في التوضيح على الجامع الصحيح قول أبي الفتح6 في توجيهه قراءة أبي العالية: "لَا تَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا" [الأنعام: 158] بتأنيث الفعل: إنه من باب "قطعت بعض أصابعه"؛ لأن المضاف لو سقط هنا لقيل: "نفسًا لا تنفع" بتقديم المفعول ليرجع إليه الضمير المستتر المرفوع الذي ناب عن الإيمان في الفاعلية، ويلزم من ذلك تعدي فعل المضمر المتصل إلى ظاهره نحو قولك: "زيدًا ظلم"7، تريد أنه ظلم نفسه، وذلك لا يجوز، واقتصر الناظم على التصوير الأول فقال:
394-
وربما أكسب ثان أولًا ... تأنيثا إن كان لحذف موهلا
مسألة: ذهب البصريون إلى أنه "لا يضاف اسم لمرادفه كـ: ليث أسد، ولا" يضاف "موصوف إلى صفته كـ: رجل فاضل، ولا" تضاف "صفة لموصوفها كـ: فاضل رجل"، وشمل ذلك قول الناظم:
395-
ولا يضاف اسم لما به اتحد ... معنى.............................
__________
1 معاني القرآن 1/ 380.
2 مغني اللبيب ص666.
3 معاني القرآن وإعرابه 2/ 344.
4 معاني القرآن للأخفش 2/ 519.
5 مغني اللبيب ص666.
6 المحتسب 1/ 236.
7 في "ط": "أظلم".(1/689)
لأن الغرض من الإضافة التعريف أو التخصيص، والشيء لا يتعرف بنفسه، ولا يتخصص بها، "فإن سمع ما يوهم شيئًا من ذلك يؤول"، هذا معنى قول الناظم:
395-
......................... ... ............ وأول موهما إذا ورد
"فمن" ورود "الأول" وهو إضافة الاسم لمرادفه "قولهم: جاءني سعيد كرز"، فـ"سعيد" و"كرز" مترادفان لكونهما لمسمى واحد، وأضيف أحدهما إلى الآخر، "وتأويله أن يراد بالأول" وهو المضاف "المسمى، وبالثاني" وهو المضاف إليه "الاسم"، أي: اللفظ الدال على المسمى، "أي: جاءني مسمى هذا الاسم"، وتوجيهه أن الاسم قبل اللقب في الوضع، فقدم عليه في اللفظ، وقصد بالمقدم المسمى لتعرضه إلى ما لا يليق بمجرد اللفظ من نداء أو إسناد، فلزم أن يقصد بالثاني مجرد اللفظ لتحصل بذلك مغايرة ما، حتى كأن قائل: "جاءني سعيد كرز" قال: جاءني مسمى كرز، هذا إذا نسب إلى الأول ما ينسب إلى الذوات، أما إذا نسب إليه ما ينسب إلى الألفاظ فإنه يجب تأويل الثاني بالمسمى، والأول بالاسم كما إذا قلت: "كتبت: سعد كرز" فإنه يتعين أن تقول: كتبت اسم هذا المسمى، قاله قريب المرضح.
"ومن" ورود "الثاني" وهو إضافة الموصوف إلى صفته "قولهم: حبة الحمقاء" بالمد، وإنما وصفوها بالحمق؛ لأنها تنبت في مجاري السيول فيمر السيل بها فيقطعها فتطؤها الأقدام، قاله الرضي1.
"و" قولهم: "صلاة الأولى، و" قولهم: "مسجد الجامع، وتأويله أن يقدر موصوف" أضيف إليه المضاف المذكور، فيقدر في الأول اسم عين، وفي الثاني اسم زمان، وفي الثالث اسم مكان، "أي: حبة البقلة الحمقاء، وصلاة الساعة الأولى، ومسجد المكان الجامع"، وعدل عن تقدير الرضي: مسجد الوقت الجامع لما ذكرنا.
"ومن" ورود "الثالث" وهو إضافة الصفة إلى موصوفها "قولهم: جرد قطيفة" بفتح الجيم وسكون الراء وفتح القاف وكسر الطاء، "وسحق عمامة" بفتح السين وسكون الحاء المهملتين، وكسر العين، "وتأويله أن يقدر موصوف أيضًا، و" يقدر "إضافة الصفة إلى جنسها"، ويجر جنسها بـ"من"؛ لأن الإضافة فيهما بمعنى "من" لأن المضاف إليه جنس للمضاف لا موصوف به إذ الموصوف محذوف، "أي: شيء جرد من جنس القطفية، وشيء سحق من جنس العمامة"، و"شيء" موصوف،
__________
1 شرح الرضي 2/ 244.(1/690)
و"جرد" أو "سحق" صفته، والصفة فيهما مضافة إلى جنسها معنى، وصرح بـ"من" معها لبيان معنى الإضافة.
وذهب الكوفيون1 إلى جواز الإضافة في جميع ذلك إذا اختلف اللفظان من غير تأويل محتجين بنحو قوله تعالى: {حَقُّ الْيَقِينِ} [الواقعة: 95] ، {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} [يوسف: 109] ، {بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} [القص: 44] وغير ذلك.
__________
1 الإنصاف 2/ 438، المسألة رقم 61.(1/691)
"فصل":
"الغالب على الأسماء أن تكون صالحة للإضافة والإفراد" عنها "كـ: غلام" من العقلاء "و: ثوب" من غيرهم، فتارة يضافان إلى الظاهر والمضمر فتقول: "غلام زيد وثوبه"، وتارة لا يضافان فيقال: "غلام وثوب" "ومنها ما يمتنع إضافته" لملازمته التعريف "كالمضمرات" خلافا للخليل في نحو: "أياك" فإنه يقول: إنهما ضميران أضيف أحدهما إلى الآخر، وتبعه الناظم1، "والإشارات" وأما "ذلك" وأخواته فالكاف حرف خطاب لا اسم مضاف إليه، "وكغير "أي" من الموصولات" النصة والمشتركة، "و" "كغير "أي" "من أسماء الشرط"، وكغير "أي" من أسماء "الاستفهام"، وإنما لم تضف هذه المذكورات لشبهها بالحرف، والحرف لا يضاف، وإنما أضيفت " أي" في الجميع لضعف الشبه بما عارضه من شدة افتقارها إلى مفرد تضاف إليه.
"ومنها ما هو واجب الإضافة إلى المفرد، وهو نوعان":
الأول: "ما يجوز قطعه عن الإضافة في اللفظ" فينون وهو المشار إليه في النظم بقوله:
396-
..................... ... وبعض ذا قد يأتي لفظًا مفردًا
"نحو: كل" إذا لم يقع نعتًا ولا توكيدًا، "وبعض، وأي، قال الله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] و: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} " [البقرة: 253] وهل هما والحالة هذه معرفتان أو نكرتان؟ ذهب سيبويه والجمهور إلى أنهما معرفتان بنية الإضافة، ولذلك يأتي الحال منهما كقولهم: مررت بكل قائما وببعض جالسًا، وأصل صاحب الحال: التعريف، وذهب الفارسي إلى أنهما نكرتان، وألزم من قال بتعريفهما أن يقول: إن نصفا وسدسا وثلثًا وربعًا ونحوها معارف؛ لأنها في المعنى مضافات، هي نكرات بإجماع.
ورد بأن العرب تحذف المضاف إليه وتريده، وقد لا تريده، ودل مجيء الحال بعد "كل"
__________
1 شرح التسهيل 1/ 144.(1/692)
و "بعض" على إرادته: " {أَيًّا مَا تَدْعُو} " [الإسراء: 110] فـ"أيا": اسم شرط مفعول مقدم، و"ما" صلة.
"و" النوع الثاني: "ما يلزم الإضافة لفظًا"، وهو المشار إليه بقول الناظم:
396-
وبعض الأسماء يضاف أبدًا ... .................................
"وهو ثلاثة أنواع":
الأول: "ما يضاف للظاهر"، مرة "وللمضمر" أخرى، "نحو: كلا" الرجلين وكلاهما، "وكلتا" المرأتين وكلتاهما، "وعند" زيد وعندك، "ولدى" الباب ولديك، "وقصارى" الأمر وقصاراه؛ بضم القاف؛ أي: غايته، "وسوى" زيد وسواك.
"و" الثاني: "ما يختص بالظاهر" دون المضمر "كـ: أولي" بمعنى "أصحاب"، "و: أولات" بمعنى "صاحبات"، "و: ذي" بمعنى "صاحب"، "و: ذات" بمعنى صاحبة، "قال الله تعالى: {نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ} " [النمل: 33] أي: أصحاب قوة, "و: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} " [الطلاق: 4] أي: صاحبات الأحمال، "و {وَذَا النُّونِ} " [الأنبياء: 87] أي: صاحب الحوت، "و {ذَاتَ بَهْجَةٍ} " [النمل: 60] أي صاحبة بهجة.
"و" الثالث: "ما يختص بالمضمر" دون الظاهر، وإليه أشار الناظم بقوله:
397-
وبعض ما يضاف حتمًا امتنع ... إيلاؤه اسمًا ظاهرًا حيث وقع
"وهو نوعان":
أحدهما: "ما يضاف لكل مضمر" متكلم أو مخاطب أو غائب، مفردًا كان أو مثنى أو مجموعًا، مذكرًا أو مؤنثًا، "وهو: وحد" وهو مصدر ملازم للإفراد والتذكير على المشهور، فمن إضافته إلى ضمير الغيبة "نحو: {إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ} " [غافر: 12] .
"و" من إضافته إلى ضمير الخطاب نحو "قوله" وهو عبد الله بن عبد الأعلى القرشي: [من الرجز]
522-
"وكنت إذ كنت إلهي وحدكا" ... لم يك شيء يا إلهي قبلكا
__________
522- الرجز لعبد الله بن عبد الأعلى القرشي في الدرر 2/ 147، وشرح أبيات سيبويه 2/ 39، وشرح التسهيل 4/ 64، وشرح شواهد المغني 2/ 681، وشرح المفصل 2/ 11، والكتاب 2/ 210، والمقاصد النحوية 3/ 397، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 112، وسر صناعة الإعراب 2/ 541، ومغني اللبيب 1/ 179، والمقتضب 4/ 274، والمنصف 2/ 232، وهمع الهوامع 2/ 50، وشرح الكافية الشافية 1/ 409، و3/ 1573.(1/693)
و"إلهي" الأول: منادى سقط منه حرف النداء لدلالة الثاني عليه، "و" من إضافته إلى ضمير المتكلم نحو "قوله" وهو الربيع بن ضبع الفزاري: [من المنسرح]
523-
أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرًا
"والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي" وأخشى الرياح والمطرا
قال ذلك لكبر سنه، وقد عاش ثلاثمائة وأربعين سنة على ما قيل.
"و" النوع الثاني من النوعين: "ما يختص بضمير المخاطب، وهو مصادر مثناة لفظًا، ومعناها التكرار"؛ لأنهم لما قصدوا بها التكثير1 جعلوا التثنية علمًا على ذلك؛ لأنها أول تضعيف العدد وتكثيره، "وهي: لبيك" بفتح اللام وتشديد الموحدة "بمعنى: إقامة على إجابتك بعد إقامة، و"سعديك" بمعنى: إسعادًا لك بعد إسعاد، ولا تستعمل" "سعديك" "إلا بعد: لبيك"؛ لأن "لبيك" هي الأصل في الإجابة.
و"سعديك" كالتوكيد لها2، قال المرادي3: أراد سيبويه بقوله: "لبيك" و"سعديك" إجابة بعد إجابة، ا. هـ. "و: حنانيك" بفتح المهملة والنون "بمعنى: تحننا عليك بعد تحنن"، قاله طرفة بن العبد: [من الطويل]
524-
........................ ... حناني بعض الشر أهون من بعض
أنشده سيبويه4.
"و: دواليك" بفتح الدال المهملة "بمعنى: تداولًا بعد تداول"، وهذا أنسب من قول ابن الناظم5: إدالة بعد إدالة؛ لأن الإدالة الغلبة، يقال: اللهم أدلني على
__________
523- البيتان للربيع بن ضبع الفزاري في أمالي المرتضى 1/ 256، والارتشاف 2/ 340، وحماسة البحتري ص201، وخزانة الأدب 7/ 384، والدرر 2/ 146، والكتاب 1/ 90، ولسان العرب 13/ 259، "ضمن"، والمقاصد النحوية 3/ 397، ونوادر أبي زيد ص159، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 137، وأوضح المسالك 3/ 114، والرد على النحاة ص115، والمحتسب 2/ 99.
1 في "ب": "التكرير".
2 سقطت من "ط".
3 شرح المرادي 2/ 259.
524- صدر البيت:
"أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا"
، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص66، والدرر 1/ 412، والكتاب 1/ 348، ولسان العرب 13/ 130 "حنن"، وهمع الهوامع 1/ 190، وتاج العروس "حنن"، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص1273، وشرح المفصل 1/ 118، والمقتضب 3/ 224.
4 الكتاب 1/ 348.
5 شرح ابن الناظم ص278.(1/694)
فلان وانصرني عليه، "و: هذاذيك؛ بذالين معجمتين بمعنى: إسراعًا لك بعد إسراع، قال" العجاج: [من الرجز]
525-
"ضربا هذاذيك وطعنا وخضا"
والمعنى: أضرب ضربًا يهذ هذّا1 بعد هذ على التكرير، وأطعن طعنا جائفًا، و"الهذ": السرعة في القطع وغيره، و"الوخض" بالخاء والضاد المعجمتين: الطعن الجائف، وهو؛ بفتح الواو وسكون الخاء؛ نعت للطعن.
"وعامله" أي: هذاذيك "وعامل لبيك من معناهما" على حد "قعدت جلوسًا"، والتقدير: أسرع وأجيب، "و" عامل "البواقي" من الأمثلة "من لفظها"، والتقدير: أسعد وأتحنن وأتداول.
"وتجويز سيبويه2" مبتدأ ومضاف إليه "في "هذاذيك" في البيت" السابق للعجاج "وفي: دواليك، من قوله" وهو سحيم بن الحسحاس: [من الطويل]
526-
إذا شق برد شق بالبرد مثله ... "دواليك حتى كلنا غير لابس"
"الحالية" مفعول تجويز "بتقدير: نفعله متداولين وهاذين أي: مسرعين، ضعيف" خبر تجويز "للتعريف" بالإضافة إلى الضمير، والحال واجبة التنكير، وجوابه أنه مؤول بنكرة كما في "جاء زيد وحده"3 "ولأن المصدر الموضوع للتكثير4 لم يثبت فيه غير كونه
__________
525- الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 140، وخزانة الأدب 2/ 106، والدرر 1/ 411، وشرح أبيات سيبويه 1/ 315، وشرح المفصل 1/ 119، والمحتسب 2/ 279، والمقاصد النحوية 3/ 399، وتهذيب اللغة 5/ 360، وأساس البلاغة "هذذ"، وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص158، وأوضح المسالك 3/ 117، وشرح الأشموني 2/ 313، والكتاب 1/ 350، ولسان العرب 3/ 517، "هذذ" ومجالس ثعلب 1/ 157، وهمع الهوامع 1/ 189، وجمهرة اللغة ص615، 1273.
1 سقط من "ب": "بعد "هذ".
2 الكتاب 1/ 350، 351.
526- البيت لسحيم عبد بني الحسحاس في ديوانه ص16، وجمهرة اللغة ص438، وخزانة الأدب 2/ 99، والدرر 1/ 41، وشرح المفصل 1/ 119، والكتاب 1/ 350، ولسان العرب 3/ 517، "هذذ" 11/ 253، "دلول" والمقاصد النحوية 3/ 401، وتاج العروس "دول"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 118، وجمهرة اللغة ص1272، والخصائص 3/ 45، ورصف المباني ص181، وشرح الأشموني 2/ 313، ومجالس ثعلب 1/ 157، والمحتسب 2/ 279، وهمع الهوامع 1/ 189.
3 في "ط": "جاء في" مكان "في جاء".
4 في "ط": "للتنكير".(1/695)
مفعولًا مطلقًا" لا حالًا، وجوابه أن ذلك يحتاج إلى استقراء تام، وفيه عسر، و"سحيم" بالتصغير وبمهملتين، و"الحسحاس" بمهملات أربع.
قال أبو عبيدة: كان الرجل إذا أراد تأكيد المودة بينه وبين من يحبه شق كل منهما برد صاحبه يرى أن ذلك أبقى للمودة بينهما1.
"وتجويز الأعلم" وهو يوسف الشنتمري، لقب بالأعلم؛ لأنه كان مشقوق الشفة العليا "في "هذاذيك" في البيت" السابق للعجاج "الوصفية" لـ"ضربًا"2 "مردود" خبر تجويز "لذلك"، وهو التعريف؛ لأن "ضربًا" نكرة فلا توصف بمعرفة، ولأن المصدر الموضوع للتكثير لم يثبت فيه غير كونه مفعولًا مطلقًا، والجواب عن التعريف أن الأعلم لا يقول: بأن الكاف اسم مضاف إليه بل حرف خطاب كما سيصرح به.
والجواب عن الثاني يعرف مما تقدم.
"وقوله" أي: الأعلم؛ مبتدأ ومضاف إليه "فيه" أي: في "هذاذيك" "وفي أخواته" وهو "لبيك" و"سعديك" و"حنانيك" و"دواليك": "إن الكاف" المتصلة بها حرف "لمجرد الخطاب مثلها" أي: الكاف "في "ذلك" مردود" خبر قوله "أيضًا لقولهم": بلام التعليل متعلق بمردود "حنانيه" بإضافته إلى ضمير الغيبة "و: "لبى زيد" بإضافته إلى الظاهر، فتعين أن تكون الكاف في "لبيك" وأخواته اسمًا لقيام الاسم مقامها؛ لأن الاسم إنما يقوم مقامه مثله، "ولحذفهم النون لأجلها، ولم يحذفوها في: ذانك" و"تانك" ففي ذلك دليل على أنها اسم مضاف إليه "وبأنها" أي: الكاف الحرفية "لا تلحق الأسماء التي لا تشبه الحرف"، وكل ما لا يشبه الحرف لا تلحقه الكاف الحرفية، فالكاف الحرفية لا تلحق "لبيك"، وأخواته؛ لأنها لا تشبه الحرف، فهذه ثلاث علل للرد على الأعلم، علتان وجوديتان، وعلة عدمية، فاستعمل مع الوجودي اللام لأنها الأصل في التعليل، واستعمل مع العدمي الباء تغايرًا بينهما وتفننا في التعبير.
والجواب عن الأولى أن "حنانيه" و"لبى زيد" شاذان وخارجان عن القياس كما سيأتي فلا يصلحان للرد، وقول أبي حيان في الارتشاف: ودعوى الشذوذ فيهما باطلة؛ ضعيف.
__________
1 نقل الصبان هذا القول من شرح التصريح منسوبًا إلى أبي عبيدة "2/ 252"، وورد هذا القول بلا نسبة في خزانة الأدب 2/ 100، والدرر 1/ 411، وشرح الأعلم 1/ 271، وفي خزانة الأدب أن أبا عبيدة قال: "كان من شأن العرب إذا تجالسوا مع الفتيات للتغزل أن يتعابثوا بشق الثياب لشدة المعالجة عن إبداء المحاسن".
2 شرح الأعلم 1/ 271.(1/696)
وعن الثانية أن النون يجوز حذفها لشبه الإضافة كما صرح به الأعلم في نفس المسألة، وكما في "اثني عشر"، وإنما لم تحذف في "ذانك و"تانك" للإلباس بالمفرد.
"وشذت إضافة "لبى" إلى ضمير الغائب في نحو قوله": [من الرجز]
527-
إنك لو دعوتني ودوني ... زوراء ذات مترع بيون
"لقلت لبيه لمن يدعوني"
فـ"دوني زوراء" بالزي ثم الراء: جملة حالية من ياء المتكلم، والزوراء: الأرض البعيدة و"ذات مترع" صفتها، والمترع من قولهم: "حوض ترع" بفتح التاء المثناة فوق والراء أي: ممتلئ، و"بيون" بفتح الباء الموحدة وضم الياء المثناة تحت أي: واسعة بعيدة الأطراف، وكان مقتضى الظاهر أن يقول: "لبيك" ولكنه التفت من الخطاب إلى الغيبة مثل: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22] .
"و" شذت إضافة لبى "إلى الظاهر في قوله" وهو أعرابي من بني أسد: [من المتقارب]
528-
دعوت لما نابني مسورا ... "فلبى فلبى يدي مسور"
وإليه أشار الناظم بقوله:
398-
............... ... وشذ إيلاء يدي للبى
وفي شرح المواقف أن "يدي" في البيت زائدة، ا. هـ.
__________
527- الرجز بلا نسبة في لسان العرب 1/ 731 "لبب"، 13/ 64 "بين"، وأوضح المسالك 3/ 122، وخزانة الأدب 2/ 93، والدرر 1/ 413، وسر صناعة الإعراب 2/ 746، وشرح الأشموني 2/ 313، وشرح شواهد المغني 2/ 910، وشرح ابن عقيل 2/ 53، ومغني اللبيب 2/ 578، والمقاصد النحوية 2/ 383، وهمع الهوامع 1/ 190، وتاج العروس 4/ 184، "لبب"، "بين"، والمخصص 10/ 36، 16/ 147، وأساس البلاغة "بين"، وتهذيب اللغة 15/ 501، وشرح التسهيل 2/ 186، وشرح المرادي 2/ 261.
528- البيت لرجل من بني أسد في الدرر 1/ 413، وشرح شواهد المغني 2/ 910، ولسان العرب 15/ 239، "لبى"، والمقاصد النحوية 3/ 381، وبلا نسبة في أساس البلاغة "لبى"، وأوضح المسالك 3/ 123، وخزانة الأدب 2/ 92، 93، وشرح ابن الناظم ص278، وشرح أبيات سيبويه 1/ 379، وشرح الأشموني 2/ 312، وشرح ابن عقيل 2/ 53، وشرح التسهيل 1/ 147، وشرح الكافية الشافية 2/ 932، وشرح المرادي 2/ 260، والكتاب 1/ 352، والمحتسب 1/ 78، 2/ 23، ومغني اللبيب 2/ 578، وهمع الهوامع 1/ 190.(1/697)
"ومسورًا": علم منصوب على المفعولية بـ"دعوت"، و"لما" بكسر اللام وتخفيف الميم متعلق بـ"دعوت"، و"نابني" بمعنى أصابني صلة "ما"، وجملة "فلبى" معطوفة على جملة "دعوت"، والأصل فلباني، أي: قال لي: لبيك، فحذف المفعول، والمعنى: دعوت مسورًا للأمر الذي نابني من نوائب الدنيا فلباني، وأصل هذا أن رجلًا دعا رجلا اسمه مسور ليغرم عنه دية لزمته فأجابه إلى ذلك، وخص يديه بالذكر؛ لأنهما اللتان أعطتاه المال حتى تخلص من نائبته، وقيل: كانت عادة العرب ذلك مطلقًا، فجاء النهي عن ذلك، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا دعا أحدكم أخاه فقال: لبيك، فلا يقولن: لبى يديك 1، وليقل: أجابك الله بما تحب" قاله الشاطبي.
"و" قال سيبويه2: هذا البيت "فيه رد على يونس في زعمه أنه" أي: لبى "مفرد وأصله: لبى" بألف بعد الموحدة3 على وزن فعلى بسكون العين، "فقلت ألفه ياء لأجل الضمير كما" قلبت "في" "لدى" و"على" لاتصال الضمير بهما إذ يقال فيهما: "لديك، و: عليك"، ووجه الرد من البيت أن الياء قد وجدت مع الظاهر، ولو كانت ألفه كألف "لدى" و"على" لاتصال الضمير بهما إذ يقال فيهما: "لديك، و: عليك"، ووجه الرد من البيت أن الياء قد وجدت مع الظاهر، ولو كانت ألفه كألف "لدى" و"على" لم تقلب من الظاهر إذ يقال: "لدى لباب"، و"على زيد" ببقاء الألف على حالها.
"وقول ابن الناظم" في شرح النظم4: "إن خلاف يونس" جار "في: لبيك وأخواته وهم" بفتح الهاء أي: غلط، وإنما هو خاص بـ"لبيك"، "ومنها ما هو واجب الإضافة إلى الجمل" مطلقًا "اسمية كانت أو فعلية وهو: إذ" من أسماء الزمان "و: حيث" خاصة من أسماء المكان، وإليهما أشار الناظم بقوله:
399-
وألزموا إضافة إلى الجمل ... حيث وإذ......................
"فأما: إذ، فنحو: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} " [الأنفال: 26] بإضافة5 "إذ" إلى الجملة الاسمية، "و {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا} " [الأعراف: 86] بإضافة "إذ" إلى الجملة الفعلية، و"إذ" في هذين المثالين مفعول به لـ"اذكر"، وزعم الجمهور أنها ظرف
__________
1 في النهاية 4/ 222 "لبب": "وقال الزمخشري: فمعنى لبي يديك: أي: أطيعك، وأتصرف بإرادتك، وأكون كالشيء الذي تصرفه بيديك كيفن شئت".
2 الكتاب 1/ 351، 352.
3 في "ب": "بفتح الموحدة" مكان "بألف بعد الموحدة".
4 شرح ابن الناظم ص278.
5 في "ب": "فأضاف".(1/698)
لمفعول محذوف، أي: واذكروا نعمة الله عليكم إذ أنتم قليل وإذ كنتم قليلًا.
وشرط الاسمية ألا يكون خبر المبتدأ فيها فعلًا ماضيًا، نص على ذلك سيبويه1.
وشرط الفعلية أن يكون فعلها ماضيًا لفظًا كما مثل، ومعنى لا لفظًا نحو: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة: 127] ، وقد اجتمع إضافتها للاسمية والفعلية بقسميها في قوله تعالى: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ} [التوبة: 40] .
"وقد يحذف ما أضيفت" "إذ" "إليه" من الجملة بأسرها "للعلم به، فيجاء بالتنوين عوضًا منه" أي: من المضاف إليه "كقوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ"، بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 4، 5] أي: يوم إذ غلبت الروم يفرح المؤمنون، فحذف2 جملة {غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 2] وعوض منها التنوين، وكسرت الذال لالتقاء الساكنين، و"إذ" باقية على بنائها على الأصح، وإليه أشار الناظم بقوله:
399-
..................... ... ............ وإن ينون يحتمل
400-
إفراد إذ............. ... ..............................
"وأما: حيث، فنحو: جلست3 حيث جلس زيد" بإضافة "حيث" إلى الجملة الفعلية "و: حيث زيد جالس" بإضافة "حيث" إلى الجملة الاسمية، ولما كان إضافتها إلى الجملة الفعلية أكثر قدم مثال الفعلية على الاسمية، وشرط الاسمية ألا يكون الخبر فيها فعلًا، نص على ذلك سيبويه4، "وربما أضيفت" "حيث" "إلى المفرد" كـ"عند" "كقوله": [من الطويل]
529-
ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم ... "ببيض المواضي حيث لي العمائم"
فأضاف "حيث" إلى "لي" وهو مصدر مفرد، "ولا يقاس عليه خلافًا للكسائي".
فإنه قاس عليه، و"نطعنهم" بضم العين، يقال: طعنه بالرمح يطعنه بالضم، وطعن في نسبه يطعن بالفتح هذا هو الصواب، و"الحبا" بضم لحاء المهملة وتخفيف الموحدة: جمع حبوة بكسر الحاء، والمراد أوساطهم، و"بيض المواضي": السيوف القواطع، و"لي
__________
1 الكتاب 1/ 107.
2 في "ط": "فحذفت".
3 سقط من "ط": "حيث فنحو: جلست".
4 الكتاب 1/ 107.
529- تقدم تخريج البيت برقم 17.(1/699)
العمائم": شدها على الرءوس.
"ومنها ما يختص بالجمل الفعلية وهو: لما" الوجودية "عند من قال باسميتها" كابن السراج1 وتبعه الفارسي2 وتبعهما ابن جني3 وتبعهم الشيخ عبد القاهر وجماعة فقال: إنها اسم وهي ظرف بمعنى "حين"، وقال ابن مالك: بمعنى "إذ"، واستحسنه في المغني4؛ لأنها مختصة بالماضي "نحو: لما جاءني أكرمته"، والصحيح عند سيبويه أنها حرف وجود لوجود5، واستدل له الموضح في شرح القطر6 بقوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ} [سبأ: 14] ، وجه الدليل منه أنها لو كانت ظرفًا لاحتاجت إلى عامل يعمل في محلها النصب، وذلك العامل إما "قضينا" أو "دلهم" إذ ليس معنا سواهما، وكون العامل "قضينا" مردود بأن القائلين بأنها اسم يزعمون أنها مضافة إلى ما يليها، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف، وكون العامل "دلهم" مردود بأن "ما" النافية لا ما بعدها فيما قبلها، وإذا بطل أن يكون لها هنا7 عامل تعين أنه لا موضع لها من الإعراب، وذلك يقتضي الحرفية، ا. هـ.
ويجاب بأن العامل "قضينا" وكونه مضافًا إليه ممنوع بأن القائلين باسميتها لا يقولون بإضافتها إلى ما بعدها، وقد صرح في المغني بذلك في "إذ" على قول المحققين: إن العامل فيها شرطها، فقال8: لأن "إذا" عند هؤلاء غير مضافة كما يقول9 الجميع فيها إذا جزمت، ا. هـ.
"و "إذا" عند غير10 الأخفش والكوفيين11" فإنها تختص بالجملة12 الفعلية،
__________
1 الأصول 2/ 157.
2 الإيضاح العضدي 1/ 319.
3 الارتشاف 2/ 570.
4 مغني اللبيب ص369.
5 الكتاب 4/ 234.
6 شرح قطر الندى ص43.
7 سقطت من "ط".
8 مغني اللبيب ص130.
9 في "ب": "يقولون".
10 سقطت من "ط".
11 انظر رأيه في الارتشاف 2/ 239، وشرح ابن الناظم ص282.
12 في "ب"، "ط": "بالجمل".(1/700)
وإليها1 أشار الناظم بقوله:
403-
وألزموا إذا إضافة إلى ... جمل الأفعال................
ويقع شرطها وجوابها ماضيين نحو: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ} [الإسراء: 83] ومضارعين نحو: {إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ} [الإسراء: 107] ، ومختلفين نحو: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ} [المائدة: 83] الآية، {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا} [مريم: 58] ، وماضيًا وأمرًا، "نحو: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ " فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: 1] .
"وأما نحو: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] مما استند إليه الأخفش والكوفيون من جواز2 دخول "إذا" على الجملة الاسمية "فمثل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} " [التوبة: 6] في التأويل، فـ"السماء": فاعل بفعل محذوف يفسره المذكور، والأصل: إذا انشقت السماء انشقت، كما أن "أحد" فاعل بفعل محذوف يفسره "استجارك"، والأصل: وإن استجارك أحد لا أن3 "السماء" مبتدأ والفعل الذي بعدها خبره، وفي هذا القياس نظر؛ لأن شرط المقيس عليه أن يكون متفقًا عليه عند الخصمين، وليس هو هنا كذلك؛ لأن الأخفش والكوفيين لم يوافقوا على أن "أحد" في الآية يتعين أن يكون فاعلًا بفعل محذوف بل يجيزون ابتدائيته؛ لأن "إن" الشرطية لا تختص عندهم بالأفعال، كما قاله الموضح4 وغيره، فلا فرق عندهم بين "إذا" و"إن"5 في عدم الاختصاص بالجمل الفعلية، "وأما قوله" وهو الفررذق: [من الطويل]
530-
"إذا باهلي تحته حنظلية" ... له ولد منها فذاك المدرع
مما ليس بعد المرفوع فعل يصلح للتفسير "فعلى إضمار: كان" و"باهلي" مرفوع بها،
__________
1 في "ط": "إليهما".
2 سقطت من "ب".
3 في "ب": "لأن".
4 مغني اللبيب ص757.
5 في "ب": "إن وإذ".
530- البيت للفرزدق في ديوانه ص416، والدرر 1/ 441، وشرح شواهد المغني ص270، والمقاصد النحوية 3/ 414، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 127، وشرح ابن الناظم ص282،
وشرح الأشموني 2/ 316، وشرح التسهيل 2/ 213، ولسان العرب 8/ 93، "ذرع" ومغني اللبيب ص97، وهمع الهوامع 1/ 207.(1/701)
والجملة بعده خبرها، والتقدير: إذا كان باهلي تحته حنظلية، وقيل: "حنظلية" فاعل بـ"استقر" محذوفًا، و"باهلي": فاعل بمحذوف يفسره العامل في "حنظلية"، ورد بأن فيه حذف المفسر ومفسره جميعًا، ويسهله أن الظرف يدل على المفسر فكأنه لم يحذف، و"الباهلي": منسوب إلى باهلة قبيلة من قيس عيلان بالعين المهملة.
و"الحنظلية": منسوبة إلى حنظلة، وهي أكرم قبيلة من تميم، و"المدرع": الذي يكسي الدرع بالدال المهملة، ويعني أنه إذا ولد للرجل الباهلي من امرأة حنظلية ولد فلذلك الولد النجيب الشجاع الذي يتأهل للبس الدرع لشرف أبويه، وقال الدماميني: والظاهر أنه المذرع بالذال المعجمة، وهو الذي أمه أشر من أبيه، وقد اشتهر أن حنظلة أشرف من باهلة، ا. هـ.
والقول بإضمار "كان" معهود "كما أضمرت هي وضمير الشأن في قوله" وهو قيس بن الملوح أو الصمة القشيري أو ابن الدمينة: [من الطويل]
531-
ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة ... إلي "فهلا نفس ليلى شفيعها"
فـ"نفس ليلى"، خبر مقدم، و"شفيعها": مبتدأ مؤخر على حد: [من الطويل]
532-
.................... ... ....... ولكن ملء عين حبيبها
والخبر هنا واجب التقديم لئلا يعود ضمير من المبتدأ على الخبر المؤخر لفظًا ورتبة، والجملة خبر "كان" المحذوفة هي واسمها ضمير الشأن، والتقدير: فهلا كان هو أي: الشأن، وقيل: التقدير: فهلا شفعت نفس ليلى؛ لأن الإضمار من جنس المذكور أقيس، و"شفيعها" على هذا: خبر لمبتدأ محذوف، أي: هي شفيعها، قلت: ويرجح من وجه آخر، وهو أن ضمير الشأن موضوع لتقوية الكلام فلا يناسبه الحذف، ويجاب عنه بأنه حذف تبعًا للفعل فاغتفر.
__________
531- البيت للمجنون في ديوانه 154، ولإبراهيم الصولي في ديوانه 185، ولابن الدمينة في ملحق ديوانه 206، وللمجنون أو لابن الدمينة أو للصمة بن عبد الله القشيري في شرح شواهد المغني 1/ 221، والمقاصد النحوية 3/ 416، ولأحد هؤلاء أو لإبراهيم الصولي في خزانة الأدب 3/ 60، وللمجنون أو للصمة القشيري في الدرر 2/ 204، وللمجنون أو لغيره في المقاصد النحوية 4/ 457، وبلا نسبة في الأغاني 114/ 314، وأوضح المسالك 3/ 129، وتخليص الشواهد 320، وجواهر الأدب ص394، والجنى الداني 509، 613، وخزانة الأدب 8/ 315، 10/ 229، 11/ 245، 313، ورصف المباني 408، والزهرة 193، وشرح ابن الناظم ص505، وشرح الأشموني 2/ 316، 263، وشرح التسهيل 4/ 114, وشرح الكافية الشافية 3/ 1654, ومغني اللبيب 1/ 74, وهمع الهوامع 2/ 67.
532- صدر البيت:
"إجلالًا وما بك ودرة"
وتقدم تخريجه برقم 149.(1/702)
"فصل":
"وما كان" من أسماء الزمان "بمنزلة "إذ" أو "إذا" في كونه اسم زمان مبهم لما مضى" كما أن "إذ" كذلك، "أو لما يأتي" كما أن "إذا" كذلك، "فإنه بمنزلتهما فيما يضافان إليه"، فما كان بمنزلة "إذ" جاز أن يضاف للجملتين الاسمية والفعلية، وإليه أشار الناظم بقوله:
400-
... وما كإذ معنى كإذ ... أضف جوازًا.................
"فلذلك تقول: جئتك1 زمن الحجاج أمير" بالرفع على الابتداء والخبر، "أو: زمن كان الحجاج أميرا؛ لأنه" أي: لأن زمن "بمنزلة: إذ" في إفادة معنى المضي، والناصب له "جئت"؛ لأنه بمعنى الماضي، فلا يعمل فيه إلا ماض، "و" ما كان بمنزلة "إذا" جاز أن يضاف إلى الجملة2 الفعلية دون الاسمية، فلذلك تقول: "آتيك زمن يقدم الحاج3"، فـ"زمن" مضاف إلى الجملة الفعلية، والناصب له "آتيك"؛ لأنه مستقبل ولا يعمل في المستقبل إلا مستقبل، "ويمتنع" آتيك "زمن الحاج4 قادم" على الابتدا والخبر، "لأنه" أي: لأن زمن "بمنزلة: إذا"، و"إذا" لا تضاف إلى الجملة الاسمية5، فكذا6 ما كان معناها، "هذا قول سيبويه" في مشبه "إذ" و"إذا"7، "ووافقه الناظم في مشبه: إذ" واقتصر عليه في النظم "دون مشبه: "إذا" محتجا بقوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} " [الذاريات: 13] فأضيف "يوم"؛ وهو مشبه "إذا في
__________
1 في "ط": "جئت".
2 في "ط": "الجمل".
3 في "أ"، "ب"، "ط": "الحجاج".
4 في "ب": "الحجاج".
5 في "ط": "الجمل".
6 في "ب"، "ط" "فكذلك".
7 الكتاب 3/ 119.(1/703)
الاستقبال إلى الجملة الاسمية، و"إذا" لا تضاف إليها. "وقوله" وهو سواد بن قارب: [من الطويل]
533-
"وكن لي شفيعا يولم لا ذو شفاعة" ... بمغن فتيلا عن سواد بن قارب
فأضاف "يوم" وهو مستقبل إلى الجملة الاسمية، و"إذا" لا تضاف إليها، و"هذا" المذكور من الآية والبيت "ونحوه" عند سيبويه1 "مما نزل فيه المستقبل لتحقق وقوعه بمنزلة2 ما قد وقع ومضى"، فـ"يوم" فيه مشبه "إذ" لا مشبه "إذا" فلذلك أضيف إلى الجملة الاسمية، ولو كان الزمان محدودًا كأسبوع ويومين وشهر لم يضف إلى الجمل3 خلافًا لبعض المغاربة.
__________
533- تقدم تخريج البيت برقم 203.
1 الكتاب 3/ 119.
2 في "ط": "منزلة".
3 في "ب": "الجملة".(1/704)
"فصل":
"ويجوز في الزمان المحمول على: إذ، أو: إذا" إذا أضيف إلى جملة "الإعراب على الأصل" في الأسماء، "والبناء" على الفتح، "حملًا عليهما"، أي: على "إذ" و"إذا"؛ لأنهما مبنيان لشبه الحرف في الافتقار المتأصل إلى جملة، واقتصر في النظم على مشبه "إذ" فقال:
401-
وابن أو أعرب ما كإذ قد أجريا ... ......................................
"فإن كان ما وليه فعلًا مبنيا" بناء أصليا أو عارضًا "فالبناء أرجح"، وإليه أشار الناظم بقوله:
401-
.............. ... واختر بنا متلو فعل بنيا
واختلف في علته، فقال البصريون: "للتناسب".
وقال ابن مالك1 بل لشبه الظرف حينئذ بحرف الشرط في جعل الجملة التي تليه مفتقرة إليه وإلى غيره، وذلك أن "قمت" من قولك: "حين قمت قمت" كان كلامًا تاما قبل دخول "حين" عليه، وبعد دخولها حدث له افتقار شبه "حين" وأمثاله بـ"إن"، فالبناء الأصلي "كقوله" وهو النابغة الذبياني: [من الطويل]
534-
"على حين عاتبت المشيب على الصبا" ... وقلت ألما أصح والشيب وازع
__________
1 شرح التسهيل 3/ 257.
534- البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص32، والأضداد ص151، وجمهرة اللغة ص1315، وخزانة الأدب 2/ 456، 3/ 407، 6/ 550، 553، والدرر 1/ 472، وسر صناعة الإعراب 2/ 506، وشرح أبيات سيبويه 2/ 53.، وشرح شواهد المغني 2/ 816، 883، والكتاب 2/ 330، ولسان العرب 8/ 390 "وزع" 9/ 70، "خشف" والمقاصد النحوية 3/ 406، 4/ 357، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 520، 2/ 522، والأشباه والنظائر 2/ 111، والإنصاف 1/ 292، وأوضح المسالك 3/ 133، ورصف المباني ص349، وشرح ابن الناظم ص281، 467، وشرح الأشموني 2/ 315, 3/ 578, وشرح شذور الذهب ص78, وشرح ابن عقيل 2/ 59, وشرح التسهيل 3/ 255، وشرح الكافية الشافية 3/ 1480، وشرح المفصل 3/ 16, 4/ 591، 8/ 137، ومغني اللبيب ص571، والمقرب 1/ 290، 2/ 516، والمنصف 1/ 58، وهمع الهوامع 1/ 218، وأمالي ابن الشجري 1/ 46، 2/ 132.(1/705)
يروى "على حين" بالخفض على الإعراب، و"على حين" بالفتح على البناء، وهو الأرجح لكونه مضاف إلى مبني أصالة، وهو "عاتبت".
"و" البناء العارض نحو "قوله": [من الطويل]
535-
لأجتذبن منهن قلبي تحلما ... "على حين يستصبين كل حليم"
يروى بخفض "حين" على الإعراب له، وفتحه على البناء لكونه مضافًا إلى مبني, وهو "يستصبين"، فإنه مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث، وماضيه "استصبيت فلانًا" إذ عددته صبيا أي: جعلته في عداد الصبيان.
"وإن كان" ما وليه "فعلًا" مضارعًا "معربًا أو جملة اسمية فالإعراب أرجح" من البناء "عند الكوفيين" والأخفش "وواجب عند" جمهور "البصريين" لعدم التناسب، "واعترض عليهم" في دعوى الوجوب "بقراءة نافع: "هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ" [المائدة: 119] بالفتح1" على البناء لا على الإعراب؛ لأن الإشارة إلى "اليوم" كما في قراءة الرفع، فلا يكون ظرفًا، والتوفيق بين القراءتين أليق، وأجاب جمهور البصريين بأن الفتحة فيه إعراب مثلها في "صمت يوم الخميس"، والتزموا لأجل ذلك أن تكون الإشارة ليست لليوم، وإلا لزم كون الشيء ظرفًا لنفسه "و" اعترض عليهم أيضًا بنحو "قوله": [من الوافر]
536-
تذكر ما تذكر من سليمى ... "على حين التواصل غير دان"
يروى بفتح "حين" على البناء، والكسر على الإعراب أرجح عند الكوفيين، ومال إلى مذهبهم أبو علي الفارسي من البصريين، وتبعه ابن مالك فقال بعد قوله في الظلم.
402-
وقبل فعل معرب أو مبتدا ... أعرب ومن بني فلن يفندا
أي: لن يغلط.
__________
535- البيت بلا نسبة في الارتشاف 2/ 522، وأوضح المسلك 3/ 135، وخزانة الأدب 3/ 307، والدرر 1/ 473، وشرح الأشموني 2/ 315، وشرح التسهيل 3/ 255، وشرح شواهد المغني 2/ 833، ومغني اللبيب 2/ 518، والمقاصد النحوية 3/ 410، وهمع الهوامع 1/ 218.
1 الرسم المصحفي: {يَوْمُ} بالرفع، والقراءة المستشهد بها هي لنافع وابن محيصن، انظر البحر المحيط 4/ 63, والنشر 2/ 256, والآية مع القراءة المستشهد بها من شواهد أوضح المسالك 3/ 136، وشرح ابن الناظم ص281، والأمالي الشجرية 1/ 44، ومغني اللبيب 2/ 115، وحاشية يس 1/ 52.
536- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 136، والارتشاف 2/ 521، والدرر 1/ 475، وشرج التسهيل 3/ 256، وشرح الأشموني 2/ 315، وشرح شذور الذهب ص80، والمقاصد النحوية 3/ 411، وهمع الهوامع 1/ 218.(1/706)
"فصل":
"مما يلزم الإضافة" لفظًا ومعنى "كلا، و: كلتا"، فإنهما يضافان للظاهر والمضمر كما تقدم، "ولا يضافان إلا لما استكمل ثلاثة شروط:
أحدهما: التعريف"، فلا يضافان لنكرة مطلقًا، "فلا يجوز: كلا رجلين، ولا: كلتا امرأتين" عند البصريين، "خلافًا للكوفيين" فإنهم أجازوا إضافتهما إلى النكرة المختصة نحو: "كلا رجلين عندك محسنان" فإن "رجلين" قد تخصصا بوصفهما بالظرف، وحكوا: "كلتا جاريتين عندك مقطوعة يدها"، أي: تاركة للغزل، قاله في المغني1، وهو مقيد لما أطلقه هنا:
"و" الشرط "الثاني: الدلالة على اثنين إما بالنص" مضمرًا كان أو مظهرًا، فالأول "نحو: كلاهما" و"كلتاهما"، والثاني نحو: "كلا البستانين" "و {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ} [الكهف: 33] ، أو بالاشتراك" بين المثنى الجمع "نحو قوله": [من الطويل]
537-
"كلانا غني عن أخيه حياته" ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا
"فإن كلمة "نا": مشتركة بين الاثنين والجماعة"، فلذلك صح إضافة "كلا" إليها، "وإنما صح قوله": [من الرمل]
538-
"إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل"
__________
1 مغني اللبيب ص269.
534- البيت للأبيرد الرياحي في الأغاني 13/ 127، ولعبد الله بن معاوية بن جعفر في ديوانه 90، والحماسة الشجرية 1/ 253، وللمغيرة بن حبناء التيمي في اللسان 15/ 137 "غنا"، ولعبد الله بن معاوية أو للأبيرد الرياحي في شرح شواهد المغني 2/ 555، وبلا نسبة في أمالي المرتضى 1/ 31، وأوضح المسالك 3/ 138، وتخليص الشواهد ص65، وشرح الأشموني 2/ 316، ومغني اللبيب 1/ 204، وهمع الهوامع 2/ 50.
538- البيت لعبد الله بن الزبعرى في ديوانه ص41، والمقاصد النحوية 3/ 418، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 511، وأوضح المسالك 3/ 139، وشرح ابن الناظم ص282، وشرح الأشموني 2/ 317، وشرح ابن عقيل 2/ 62، وشرح الكافية الشافية 2/ 930، ومغني اللبيب 1/ 203، وهمع الهوامع 2/ 50.(1/707)
"لأن: ذا" وإن كانت حقيقة في الواحد إلا أنها "مثناة في المعنى"، لأنها مشار بها إلى اثنين، وهما الخير والشرن "مثلها في قوله تعالى: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] أي: بين الفارض والبكر، فالإشارة بـ "إذا" في الموضعين تعود إلى ما ذكر، "أي: وكلا ما ذكر" من الخير والشر، "وبين ما ذكر" من الفارض والبكر.
والبيت قاله عبد الله بن الزبعري يوم أحد قبل إسلامه. و"المدى" بفتح الميم وبالدال المهملة: الغاية. و"الوجه" بفتح الواو وسكون الجيم: مستقبل كل شيء.
و"القبل" بفتح القاف والباء الموحدة: يطلق1 على أمور منها المحجة2 الواضحة، ذكر ذلك بمعناه في القاموس3. يقول إن للخير وللشر غاية ينتهيان إليها، ويقفان عندها، وكلاهما أمر يستقبله الإنسان ويعرفه. وضبط بعضهم القبل في البيت بكسر القاف وفتح الباء على أنه جمع قبلة، بمعنى أن كليهما بمثابة القبلة التي يتوجه إليها المصلي.
"و" الشرط "الثالث: أن يكون" المضاف إليه "كلا" و"كلتا" "كلمة واحدة"، فلا يضافان إلى كلمتين متفرقتين، "فلا يجوز: كلا زيد وعمرو". وإلى هذه الشروط الثلاثة أشار الناظم بقوله:
404-
لمفهم اثنين معرف بلا ... تفرق أضيف كلتا وكلا
"فأما قوله": [من البسيط]
539-
"كلا أخي وخليلي واجدي عضدا" ... في النائبات وإلمام الملمات
بإضافة "كلا" إلى متفرق، وهما "أخي" و"خليلي" فمن نوادر الضرورات"4.
و"الخليل" من الخلة، وهي كما قال أبو بكر بن فورك: صفاء المودة التي توجب الاختصاص بتخلل5 الأسرار. وقال غيره: أصل الخلة المحبة. و"العضد" والساعد بمعنى،
__________
1 في "ب": "مطلق".
2 في "أ": "الجهة"، وفي "ب": "الحجة"، وفي "ط": "الجملة"، والتصويب من القاموس المحيط "قبل"، ولسان العرب 11/ 542 "قبل".
3 القاموس المحيط "قبل".
539- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 140، والدرر 2/ 149, وشرح ابن الناظم ص283، وشرح الأشموني 2/ 317، وشرح شواهد المغني 2/ 552. وشرح ابن عقيل 2/ 63، ومغني اللبيب ص203، والمقاصد النحوية 3/ 419، وهمع الهوامع 2/ 50.
4 في "ب": "الضرورة".
5 في "ب": "بتخليل".(1/708)
وهو من المرفق إلى الكتف، وكنى به عن الإعانة والتقوية، فإن العضد قوام اليد وبشدتها تشتد1. و"النائبات": المصائب: و"الإلمام". و"الملمات": جمع ملمة، وهي نوازل الدهر. و"كلا": مبتدأ، و"اجدي" بكسر الدال: مفرد مضاف إلى مفعوله الأول2، وهو ياء المتكلم، خير المبتدأ. و"عضدًا": مفعوله الثاني. وأجاز ابن الأنباري إضافتها إلى المفرد بشرط تكررها نحو: "كلاي وكلك محسنان". ويجوز مراعاة لفظ "كلا" و"كلتا" في الإفرد نحو: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ} [الكهف: 33] ، ومراعاة معناهما وهو قليل, وقد اجتمعا في قول الفرزدق: [من البسيط]
540-
كلاهما حين جد الجري بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي
فألحق "أقلعا" ضمير التثنية مراعاة للمعنى، وأفرد "رابي"، مراعاة للفظ.
"ومنها أي:" بفتح الهمزة وتشديد الياء، و"تضاف للنكرة مطلقًا" سواء أكانت النكرة مفردة أم مثناة أم مجموعة "نحو: أي رجل؟ و: أي رجلين؟ و: أي رجال؟، و" تضاف "للمعرفة إذا كانت" المعرفة "مثناة نحو: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ} [الأنعام: 81] أو" كانت المعرفة "مجموعة نحو: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [هود: 7] ولا تضاف" "أي" "إليها" أي: إلى المعرفة؛ حال كونها "مفردة" عن التثنية والجمع. "إلا إن3 كان بينهما" أي: بين "أي" والمعرفة المفردة "جمع مقدر، نحو: أي زيد أحسن؟ إذ المعنى": أي أجزاء زيد أحسن". فبين "أي" و"زيد" لفظ مقدر يدل على الجمع، وهو "أجزاء". "أو عطفت4 مثلها عليها بالواو كقوله": [من الكامل]
__________
1 في "ب": "تشد".
2 سقطت من "ب".
540- البيت للفرزدق في أسرار العربية ص287، والارتشاف 2/ 512، وتخليص الشواهد ص66، والخصائص 3/ 314، والدرر 1/ 42، وشرح شواهد المغني ص552، ونوادر أبي زيد ص162، ولم أقع عليه في ديوانه، وهو للفرزدق أو لجرير في لسان العرب 9/ 156 "سكف", وبلا نسبة في الإنصاف ص447, وخزانة الأدب 1/ 131، 4/ 299، والخصائص 2/ 421، وشرح الأشموني 1/ 33، وشرح شواهد الإيضاح ص171، وشرح المفصل 1/ 54، ومغني اللبيب ص204، وهمع الهوامع 1/ 41، وشرح التسهيل 1/ 67، 3/ 245.
3 في "ب": "إذا".
4 في "ب", "ط": "عطف".(1/709)
541-
فلئن لقيتك خاليين لتعلمن ... "أيي وأيك فارس الأحزاب"
"إذ المعنى: أينا" فارس الأجزاب، وإلى هذين الشرطين أشار الناظم بقوله:
405-
ولا تضف لمفرد معرف ... أيا وإن كررتها فأضف
406-
أو تنو الأجزاء....... ... ..............................
والسر في ذلك كله1 أن "أيا" الاستفهامية2 اسم عام لجميع الأوصاف، فلا يخلو إما أن يراد بها تعميم أوصاف بعض الأجناس أو تعميم أوصاف بعض ما هو مشخص بأحد طرق التعريف، فإن كان المراد بها الأول أضيفت إلى منكر، وطابقته في المعنى، وكانت معه بمنزلة "كل" لصحة دلالة المنكر على العموم مفردًا أو مثنى أو مجموعا بحسب ما يراد من العموم، فيقال: "أي رجل؟ " و"أي رجلين؟ " و"أي رجال؟ " على معنى واحد من الرجال، وأي اثنين منهم، وأي جماعة منهم، وإن كان الثاني أضيفت إلى معرف، وامتنع أن تطابقه في المعنى، وكانت معه بمنزلة "بعض" لعدم صحة دلالة المعرف على العموم، ولذلك وجب كونه إما مثنى أو مجموعًا وإما مكررًا مع "أي" بالواو؛ لأن المفردين مع الواو في حكم المثنى لكونها لمطلق الجمع، وأما على تقدير مضاف دال على الجمع.
"ولا تضاف "أي" الموصولة إلا لمعرفة نحو: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} " [مريم: 69] لأن معناها معنى "الذي" وهو معرفة، ولا يجوز أن تضاف إلى نكرة، لا تقول3: "اضرب أي رجل هو أفضل"، "خلافًا لابن عصفور" في إجازته ذلك4.
"ولا" تضاف "أي: المنعوت بها والواقعة حالًا إلا لنكرة"، فالأولى، "كـ: مررت بفارس أي فارس" بخفض "أي" نعتًا لـ"فارس" "و" الثانية: كـ: مررت "بزيد أي فارس" بنصب "أي" على الحالية من "زيد"، وإنما وجب إضافتها إلى النكرة فيهما؛ لأن نعت النكرة والحال يجب أن يكونا أن نكرتين، ومعنى "أي فارس"، كامل في الفروسية، وإليهما أشار الناظم بقوله:
406-
.... واخصص بالمعرفه ... موصولة أيا وبالعكس الصفه
__________
541- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 142، والمحتسب 1/ 254، ومغني اللبيب ص141.
1 سقطت من "ب".
2 سقطت من "ب".
3 في "ب": "يقال".
4 شرح المرادي 2/ 373.(1/710)
"وأما" "أي" "الاستفهامية والشرطية فيضافان إليهما" أي: إلى المعرفة والنكرة، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
407-
وإن تكن شرطًا أو استفهامًا ... فمطلقا كمل بها الكلاما
لأن معنى الاستفهام والشرط يؤدي بالمعرفة والنكرة، ولهما أربعة أمثلة، مثال الاستفهامية المضافة إلى معرفة: "نحو: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} " [النمل: 38] "و" مثال الشرطية المضافة إلى المعرفة: " {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ " فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ} [القصص: 28] ، "و" مثال الاستفهامية المضافة إلى نكرة: " {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ} " [الأعراف: 185] ، "و" مثال الشرطية المضافة إلى نكرة "قولك: أي رجل جاءك فأكرمه".
والحاصل أن أقسام "أي" خمسة، وهي: ضربان: ما لا يجوز قطعه عن الإضافة في اللفظ، وهو اثنان المنعوت بها، والواقعة حالًا، وما يجوز، وهو ثلاثة الموصولة والاستفهامية والشرطية، فالأولى1 نحو: "اضرب أيا أفضل"، والثانية نحو2: قلت: ثم أي؟ والثالثة نحو3: {أَيًّا مَا تَدْعُوا} [الإسراء: 110] .
"ومنها: لَدُن" وهي "بمعنى: عند"، فتكون اسمًا لمكان الحضور، وزمانه كما أن "عند" كذلك، وإليها أشار الناظم بقوله:
408-
وألزموا إضافة لدن فجر ... ...............................
"إلا أنها" أي: "لدن" "تختص" عن "عند" "بستة أمور:
أحدها: أنها ملازمة لمبدأ الغايات" الزمانية والمكانية؛ جمع غاية وهي المسافة؛ و"عند" غير ملازمة لمبدأ الغايات، "فمن ثم" أي: من أجل أن "لدن" وعند يكونان لمبدأ الغايات وإن اختلفا في اللزوم وعدمه "يتعاقبان" أي: يتداولان؛ على شيء واحد "في نحو: جئت من عنده ومن لدنه، و" قد اجتمعا "في التنزيل"، قال الله تعالى في حق الخضر: " {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} " [الكهف: 65] ، فلو جيء بـ"عند" فيهما أو بـ"لدن" لصح ذلك، ولكن ترك دفعًا لتكرار اللفظ "بخلاف نحو: "جلست عنده" فلا يجوز فيه "جلست لدنه" لعدم معنى الابتداء هنا"؛ لأن حرف الابتداء وهو "من" غير موجود هنا.
__________
1 سقطت من "ب".
2 سقط من "ب": "والثانية نحو".
3 سقط من "ب": "أي: والثالثة نحو".(1/711)
"و" الأمر "الثاني أن الغالب" في "لدن" "استعمالها مجرورة بـ: من"، ونصبها قليل حتى إنها لم تأت في التنزيل منصوبة، وجر "عند" بـ"من" دون جر "لدن" في الكثرة.
والأمر "الثالث أنها مبنية" على السكون، وعلة بنائها شبهها بالحرف في لزوم استعمال واحد وهو الظرفية، وعدم التصرف "إلا في لغة قيس"، فإنها معربة عندهم تشبيها1 بـ"عند"، و"بلغتهم قرئ": "لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا "مِنْ لَدنْهِ"" [الكهف: 2] بإسكان الدال وإشمامها الضم وكسر النون والهاء ووصلها بياء في الوصل، وهي قراءة أبي بكر بن عاصم2، وفي أمالي ابن الشجري3: "قال أبو علي: فأما ما روي عن عاصم من قراءته "من4 لدنه"؛ بكسر النون؛ فإن ذلك لالتقاء الساكنين من5 حيث سكنت الدال إسكان الباء من سبع، وليست كسرة إعراب"، ا. هـ. فظهر بهذا أن "لدن" مبنية دائمًا بخلاف "عند" فإنها معربة دائمًا.
والأمر "الرابع: جواز إضافتها إلى الجمل كقوله" وهو القطامي: [من الطويل]
542-
صريع غوان راقهن ورقنه ... "لدن شب حتى شاب سود الذوائب"
فأضاف "لدن" إلى جملة "شب"، و"الصريع": المصروع، وهو المطروح على الأرض غلبة، و"غوان"؛ بغين عجمة مفتوحة: جمع غانية، وهي الجارية التي غنيت، أي: استغنت
__________
1 في "ب": "لشبهها".
2 الرسم المصحفي: {لَدُنْهُ} وقرأ عاصم وشعبة: "لدنهي" بإسكان الدال مع إشمامها الضم وكسر النون والهاء مع وصلها بياء، انظر الإتحاف ص288، والبحر المحيط 6/ 96، والنشر 2/ 310، وشرح ابن الناظم ص284، وحاشية يس 1/ 49.
3 أمالي ابن الشجري 1/ 223.
4 سقطت من "ط".
5 سقطت من "ب".
542- البيت للقطامي في ديوانه ص44، وأمالي ابن الشجري 1/ 223، والارتشاف 2/ 266، وخزانة الأدب 7/ 67، والدرر 1/ 466، وسمط اللآلي ص132، وشرح شواهد المغني ص455، ومعاهد التنصيص 1/ 181، والمقاصد النحوية 3/ 427، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 47، وأوضح المسالك 3/ 145، وتخليص الشواهد ص263، وشرح الأشموني 2/ 318، وشرح التسهيل 2/ 237، ومغني اللبيب ص157 وهمع الهوامع 1/ 215.(1/712)
بحسنها عن الحلي، و"راقهن ورقنه": أعجبهن وأعجبنه، و"الذوائب": جمع ذؤابة من الشعر، بهمزة بعد الذال المعجمة في المفرد، وكان حقها أن تثبت في الجمع، لكنهم استثقلوا وقوع ألف بين همزتين فأبدلت الأولى واوًا، وهذا البيت لا دليل فيه، إذ يحتمل أن يكون على إضمار "أن" بدليل أنها تظهر بعدها أحيانًا، قاله ابن الشجري1، ويؤيده تقدير سيبويه2 في "لَدُ شَولًا"3: أن كانت شولًا، ورد بأن فيه حذف الموصول الحرفي وبقاء صلته.
الأمر "الخامس جواز إفرادها" عن الإضافة "قبل: غدوة" كقوله: [من الطويل]
543-
وما زال مهري مزجر الكلب فيهم ... لدن غدوة حتى دنت لغروب
بنصب "غدوة"، "فتنصبها" "لدن"4، "على التميز"؛ لأن "لدن" في آخرها نون ساكنة وقبلها دال تفتح وتضم وتكسر كما هو معروف في لغاته العشر، وقد تحذف نونها فشابهت حركات الدال حركات الإعراب من جهة تبدلها، وشابهت النون التنوين من جهة جواز حذفها، فصارت "لدن غدوة" في اللفظ كـ: "راقود خلا"، فنصب "غدوة" على التمييز بـ"لدن" كنصب "خلا" بـ"راقود"، "أو على التشبيه بالمفعول به" في نحو: "ضارب زيدًا"، فإن نونها تثبت تارة وتحذف أخرى كما في اسم الفاعل، فعملت عمله، بل قال أبو علي5: النون في "لدن" زائدة, نقل ذلك عنه ابن الشجري6، وبه يتضح تشبيه "لدن" بـ"ضارب" منونًا حتى نصبت بعدها "غدوة" وإليهما يشير قول الناظم:
408-
.................... ... ونصب غدوة بها............
__________
1 أمالي ابن الشجري 1/ 223.
2 الكتاب 1/ 265.
3 تمام الشاهد:
"من لد شولًا فإلى إتلائها"
، وتقدم برقم 152، 181.
543- البيت لأبي سفيان بن حرب في الحيوان 1/ 318، والدرر 1/ 467, وبلا نسبة في جواهر الأدب ص128, وشرح الأشموني 2/ 318, وشرح التسهيل 2/ 238، ولسان العرب 13/ 384، "لدن", والمقاصد النحوية 3/ 429, وهمع الهوامع 1/ 215.
4 بعده في "ط": "إما".
5 المسائل الحلبيات ص223.
6 أمالي ابن الشجري 1/ 223.(1/713)
"أو" تنصبها أنت "على إضمار "كان" واسمها" وإبقاء خبرها، والأصل: لدن كان الوقت غدوة، والذي دل على الوقت كلمة "لدن"، قاله ابن مالك، وقال1: هذا حسن؛ لأن فيه إبقاء "لدن" على ما ثبت لها من الإضافة، ويؤيده "من لد شولًا"، فالنصب على هذا ليس بـ"لدن"، وإنما هو بـ"كان" المحذوفة، فلا يصح عطفه على ما قبله بدون تقدير، "وحكى الكوفيون" في "غدوة": رفعها" بعدها؛ أي: بعد "لدن"؛ "على إضمار "كان" تامة"، أي: لدن كانت غدوة، وقال ابن جني: لشبهه بالفاعل فرفع، قال المرادي2: وظاهره أنها مرفوعة بـ"لدن"، و"الجر القياس" كما تجر سائر الظروف، "و" هو "الغالب في الاستعمال"، ولا تكون "غدوة" بعد "لدن" إلا منونة وإن كانت معرفة، ولا تنصب "غدوة" إلا مع وجود في النون في "لدن" دون حذفها، و"عند" لا ينصب شيء من المفردات بعدها.
الأمر "السادس: أنها" أي: "لدن" "لا تقع إلا فضلة" بخلاف "عند فإنها قد تكون عمدة، "تقول: السفر من عند الصرة"، فتجعل "عند" خبرًا عن السفر، والخبر عمدة، وهذا مخالف لتصحيحه في باب المبتدأ: أن الخبر متعلقها المحذوف إلا أن يقال: لما سد مسده أعطي ما له من العمدية، "ولا تقول": السفر "من لدن البصرة"؛ لأن ذلك يخرجها عما استقر لها من ملازمة الفضلية.
"ومنها: مع" والغالب استعمالها مضافة، فتكون ظرفًا، "وهي" حينئذ "اسم لمكان الاجتماع"، ولهذا يخبر بها عن الذوات نحو: "زيد معك" ولزمان الاجتماع نحو: "جئتك مع العصر"، ولمرادفة "عند"3 فتجر بـ"من" كقراءة بعضهم: "هَذَا ذِكْرُ مِنْ مَعِيَ" [الأنبياء: 24] بكسر ميم "من"، وحكاية4 سيبويه5: "ذهبت من معه" بالجرن وهي اسم بدليل جرها بـ"من"، وتنوينها عند إفرادها6 عن الإضافة نحو: "جاءا معًا" "معرب" لأنه ثلاثي الأصل "إلا في لغة ربيعة" بن نزار بن معد بن عدنان أبو قبيلة، "وغنم"، بفتح الغين المعجمة وسكون النون؛ ابن ثعلب بن
__________
1 شرح التسهيل 2/ 238.
2 شرح المرادي 2/ 276.
3 في "أ": "مرادفة لعند"، وفي "ب": "مرادفة عند".
4 في "ط": "وحكى"، وفي "ب": "وحكاه".
5 الكتاب 1/ 420.
6 في "ط": "تجردها".(1/714)
وائل أبو حي، "فتبنى على السكون" لتضمنها معنى حرف المصاحبة وضع أم لم يوضع، قاله الشاطبي، "كقوله" وهو الراعي كما قال الشاطبي أو جرير كما قال العيني: [من الوافر]
543-
"فريشي منكم وهواي معكم" ... وإن كانت زيارتكم لماما
الرواية بتسكين عين "معكم"، ولم يثبت سيبويه ذلك لغة بل حكم عليه بالضرورة1، وخالفه المتأخرون2 محتجين بأن ذلك ورد في الكلام، ونقل عن الكسائي أن ربيعة تقول:"ذهبت مع أخيك" و"جئت مع أبيك" بالسكون، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، و"الريش": اللباس الفاخر أو المال ونحوه، و"لمامًا"؛ بكسر اللام وتخفيف الميم؛ وقتًا بعد وقت, "وإذا لقي" "مع" "الساكنة" العين "ساكن" آخر "جاز كسرها" على أصل التقاء الساكنين، "وفتحا" استصحابًا للأصل أو اتباعًا "نحو: مع القوم" بكسر العين وفتحها، وعبارة التسهيل3: وتسكين عينها قبل حركة وكسرها قبل سكون لغة ربيعة، فأفاد ما لم يفده الموضح، وهو أن عينها تسكن قبل حركة نحو: "جئت معك"، وتكسر قبل سكون نحو: "جئت مع الرجل"، ولكن الموضح حاول شرح قول الناظم:
409-
ومعه مع فيها قليل ونقل ... فتح وكسر لسكون يتصل
"وقد تفرد" "مع" عن الإضافة فتنون وتصير "بمعنى: "جميعًا"، فتنصب على الحال" من الاثنين "نحو: جاءا معًا" قال: [من الطويل]
544-
فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اشتياق لم نبت ليلة معا
__________
543- البيت للراعي النميري في الكتاب 2/ 287، وملحق ديوانه ص331، ولجرير في ديوانه ص225، وشرح أبيات سيبويه 2/ 291، وأساس البلاغة "ريش"، والمقاصد النحوية 3/ 432، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 267، وأمالي ابن الشجري 1/ 245، وأوضح المسالك 3/ 149، وشرح ابن الناظم ص285، وشرح الأشموني 2/ 320، وشرح ابن عقيل 2/ 70، وشرح التسهيل 2/ 241، وشرح الكافية الشافية 2/ 951، وشرح المفصل 2/ 128، 5/ 138.
1 الكتاب 3/ 287، وانظر الارتشاف 2/ 267، حيث نقل أبو حيان مذهب سيبويه.
2 منهم ابن مالك في شرح التسهيل 2/ 241.
3 التسهيل ص98.
544- البيت لمتمم بن نويرة في ديوانه ص122، وتاج العروس "فرق"، وأدب الكاتب ص519، والأزهية ص289، والأغاني 15/ 238، وجمهرة اللغة ص1316، وخزانة الأدب 8/ 272، والدرر 2/ 77، وشرح اختيارات المفضل ص1177، وشرح شواهد المغني 2/ 565، والشعر والشعراء 1/ 345، وبلا نسبة في الجنى الداني ص102، ورصف المباني ص223، وشرح الأشموني 2/ 219، ولسان العرب 12/ 564 "لوم"، ومغني اللبيب 1/ 212، وهمع الهوامع 2/ 32، وتاج العروس "لوم".(1/715)
أو من الجماعة المذكرين والمؤنثات، فالاول الخنساء: [من المتقارب]
545-
وأفنى رجالي فبادوا معا ... فأصبح قلبي بهم مستفزا
بفتح الفاء وبالزاي اسم مفعول من استفزه الخوف إذا أزعجه، والثاني كقول متمم بن نويرة: [من الطويل]
546-
.................... ... إذا حنت الأولى سجعن لها معا
أي: إذا صوتت الحمامة الأولى هدرن جميعًا لأجل تصويتها.
واخلتف في حركة "معًا" إذا نونت فذهب الخليل وسيبويه1 إلى أنها فتحة إعراب، والكلمة ثنائية في حال الإفراد كما كانت في حال الإضافة، وذهب يونس والأخفش2 إلى أن الفتحة فيها كفتحة تاء "فتى"، تاما في الإفراد، ولكن حذفت ألفها في الوصل للساكنين الألف والتنوين كما حذفت ألف "فتى" لذلك، قال ابن مالك3: وهذا هو الصحيح، لقولهم: "الزيدان معًا" و"الزيدون معًا"، فيوقعون "معًا" في موضع رفع كما توقع الأسماء المقصورة نحو: "هم عدى"، ولو كان باقيًا على النقص لقيل: "الزيدون مع" كما قيل: "هم يد واحدة على من سواهم".
واعترض بأن "معًا" ظرف في موضع الخبر فلا يلزم ما قاله.
"ومنها "غير" وهو اسم دال على مخالفة ما قبله لحقيقة ما بعده" إما بالذت
__________
545- البيت للخنساء في ديوانها ص274، وشرح شواهد المغني 1/ 252، 2/ 748، ومغني اللبيب 1/ 334، وبلا نسبة في شرح الأشموني 2/ 320.
546- صدر البيت:
"يذكرن ذا البث الحزين ببثه"
، وهو لمتمم بن نويرة في ديوانه ص117، وشرح شواهد المغني 2/ 567، 747، والشعر والشعراء، 1/ 345، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص74، 75، وشرح الأشموني 2/ 320، والمحتسب 1/ 151، ومغني اللبيب 1/ 334.
1 الكتاب 3/ 286، وانظر شرح التسهيل 2/ 239.
2 انظر شرح التسهيل 2/ 239.
3 شرح التسهيل 2/ 239، 240.(1/716)
نحو: "مررت برجل غيرك"، أو بالصفات كقولك لشخص: "دخلت بوجه غير الذي خرجت به"، وليس المراد بالحقيقة هنا الماهية وإلا لانتقض بنحو: "زيد غير عمرو"، فإن ماهيتهما واحدة، وهي الحيوان الناطق، والتركيب صحيح، "وإذا وقع" "غير" "بعد "ليس" وعلم المضاف إليه جاز ذكره كـ: قبضت عشرة ليس غيرها"1 برفع "غير" على أنها اسم "ليس" وخبرها محذوف، والتقدير: "ليس غيرها مقبوضًا"، وبنصبها على أنها خبر "ليس"، واسمها محذوف، والتقدير: ليس المقبوض غيرها، "وجاز حذفه لفظًا فيضم" "غير" بالتنوين2 "بغير تنوين، ثم اختلف" في ضمته "فقال المبرد3" والجرمي وأكثر المتأخرين: "ضمة بناء؛ لأنها" أي: "غيرًا" "كـ: قبل" و"بعد" "في الإبهام" والقطع عن الإضافة ونية المضاف إليه، ونسب إلى سيبويه4، "فهي اسم" لـ"ليس" "أو خبر" لهاء، والجزء الآخر محذوف، فعلى تقدير الاسمية فهي في محل رفع، وعلامة رفعها ضمة مقدرة في محلها إلا هذه الضمة الموجودة؛ لأنها ضمة بناء، وعلى الخبرية فهي في موضع نصب، والتقدير على الرفع: ليس غيرها مقبوضًا، وعلى النصب: ليس المقبوض غيرها، فحذف من الأول الخبر ومن الثاني الاسم، وإلى بناء "غير" على الضم أشار الناظم بقوله:
410-
واضمم بناء غيرا إن عدمت ما ... له أضيف ناويًا ما عدما
"وقال الأخفش": ضمة "غير" ضمة "إعراب5"، وحذف التنوين للإضافة تقديرًا؛ لأن المضاف إليه ثابت في التقدير عنده، "لأنها اسم كـ: كل و: بعض" في جواز القطع عن الإضافة لفظًا، "لا ظرف" للزمان "كـ: قبل و: بعد"، ولا للمكان كـ"فوق" و"تحت", وعلى هذا "فهي اسم" لـ"ليس"، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، "لا خبر" لأن خبر "ليس" لا يرفع، "و" هذان القولان في الضمة "جوزهما ابن خروف6"، فعلى البناء هي اسم أو خبر، وعلى الإعراب هي اسم لا خبر7.
__________
1 في "ط": "غير".
2 سقطت من "ط".
3 المقتضب 4/ 329.
4 الكتاب 2/ 344،345.
5 شرح الكافية الشافية 2/ 977، ومغني اللبيب ص209.
6 مغني اللبيب ص210.
7 في "أ": "غير".(1/717)
"ويجوز قليلًا الفتح مع التنوين" لقطعها عن الإضافة لفظًا ومعنى، "ودونه" لنية لفظ المضاف إليه، "فهي خبر" لأنه منصوب، واسم "ليس" محذوف، والتقدير: ليس المقبوض غيرًا أو غير، "والحركة" على هذا "إعراب باتفاق"، واعترض بأن "غيرًا" يجوز بناؤها على الفتح1 إذا أضيفت إلى مبني، فيحتمل أنها بنيت حال الإضافة ثم حذفت المضاف إليه وبقي البناء على حاله، وعلى هذا فيحتمل أن يكون اسمًا، وأن يكون خبرًا، نعم الفتح مع التنوين "كالضم مع التنوين" فالحركة إعراب باتفاق؛ لأن التنوين إما للتمكين فهو خاص بالمعرب، أو للتعويض فكأن المضاف إليه مذكور,
وقيد حذف ما يضاف إليه "غير" بقوله: "بعد ليس"، بناء على أنه لا يجوز بعد "لا" النافية، كما صرح في المغني، وقال: إنه لحن، وبالغ في الإنكار على مرتكبه في شرح الشذور، ورد بأن أبا العباس كان يقول: "لا غير" بالبناء على الضم كـ: "قبل" و"بعد"، وكذا قال الزمخشري وابن الحاجب وابن مالك وأنشد عليه في باب القسم من شرح التسهيل2: [من الطويل]
547-
جوابًا به تنجو اعتمد فوربنا ... لعن عمل أسلفت لا غير تسأل
وتبعهم صاحب القاموس3.
"ومنها "قبل" و"بعد"، ويجب إعرابهما" نصبًا على الظرفية أو خفضًا بـ"من" فقط "في ثلاث صور:
إحداها: أن يصرح بالمضاف إليه كـ: جئتك بعد الظهور وقبل العصر، و: من قبله ومن بعده"، ولا يختصان بالزمان، فقد يكونان للمكان كقولك: "داري قبل دارك أو بعدها" ولهذا سهل دخول "من" عليهما عند البصريين، قاله الدماميني.
الصورة "الثانية: أن يحذف المضاف إليه، وينوى ثبوت لفظه، فيبقى الإعراب وترك التنوين" على حالهما "كما لو ذكر المضاف إليه كقوله": [من الطويل]
548-
"ومن قبل نادى كل مولى قرابة" ... فما عطفت مولى عليه العواطف
__________
1 في "ط": "الضم".
2 شرح التسهيل 3/ 209.
547- تقدم تخريج البيت برقم 430.
3 القاموس المحيط "غير".
548- تقدم تخريج البيت برقم 497.(1/718)
بخفض "قبل" بلا تنوين على نية لفظ المضاف إليه، "أي: ومن قبل ذلك"، فحذف "ذلك" من اللفظ وقدره ثابتًا، "وقرئ" في الشواذ: ""لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلِ وَمِنْ بَعْدِ" [الروم: 4] بالخفض من غير تنوين1، أي: من قبل الغلب ومن بعده"، وهي قراءة الجحدري والعقيلي.
الصورة "الثالثة: أن يحذف" المضاف إليه "ولا ينوى شيء" لا لفظه ولا معناه، "فيبقى الإعراب" المذكور بحاله من النصب على الظرفية أو الخفض بـ"من"، "ولكن يرجع التنوين" الذي كان حذف للإضافة "لزوال ما يعارضه" من الإضافة "في اللفظ والتقدير, كقراءة بعضهم": "لِلَّهِ الْأَمْرُ "مِنْ قَبْلٍ وَمِنْ بَعْدٍ"" [الروم: 4] "بالجبر والتنوين2، وقوله" وهو عبد لله بن يعرب: [من الوافر]
549-
"فساغ لي الشراب وكنت قبلًا" ... أكاد أغص بالماء الفرات
بنصب "قبلًا" على الظرفية، والرواية المشهورة "بالماء الحميم"، والذي رواه الثعالبي "بالماء الفرات"3، قال الموضح: وهو الأنسب؛ لأنه العذب، والحميم: الحار، ومنه اشتقاق الحمام، وقيل: الحميم: البارد، فهو من الأضداد، "وقوله": [من الطويل]
550-
ونحن قتلنا الأسد أسد خفية ... "فما شربوا بعدًا على لذة خمرًا"
__________
1 انظر هذه القراءة في أوضح المسالك 3/ 156، وشرح ابن الناظم ص285، ومعاني القرآن للفراء 2/ 320، ومغني اللبيب 1/ 136، وشرح ابن عقيل 2/ 72.
2 قرأها بالتنوين: أبو السمال والجحدري وعون، انظر البحر المحيط 7/ 162، ومعاني القرآن للفراء 2/ 320.
549- البيت ليزيد بن الصعق في خزانة الأدب 1/ 426، 429، ولعبد الله بن يعرب في الدرر 1/ 447، والمقاصد النحوية 3/ 435، وبلا نسبة في أوضح المسلك 3/ 156، وتذكرة النحاة ص527، وخزانة الأدب 6/ 505، 510، وشرح ابن الناظم ص286، وشرح الأشموني 2/ 322، وشرح ابن عقيل 2/ 73، وشرح التسهيل 3/ 247، والارتشاف 2/ 514، وشرح المرادي 2/ 578، وشرح قطر الندى ص21، وشرح المفصل 4/ 88، ولسان العرب 12/ 154، "حمم"، وهمع الهوامع 1/ 210.
3 انظر شرح شذور الذهب ص104، وخزانة الأدب 1/ 429.
550- البيت بلا نسبة في إصلاح المنطق ص146، وأوضح المسالك 3/ 158، وخزانة الأدب 6/ 501، والدرر 1/ 446، وشرح ابن الناظم ص286، وشرح الأشموني 2/ 322، وشرح شذور الذهب ص105، وشرح الكافية الشافية 2/ 965، ولسان العرب 3/ 93 "بعد"، 14/ 237 "خفا" والمقاصد النحوية 3/ 436، وهمع الهوامع 1/ 209، 210.(1/719)
بنصب "بعد" على الظرفية، ويحتمل أن يكون التنوين فيه وفي البيت قبله للضرورة، وهي المسألة المشهورة، قال المرادي: مسألة: إذا نونت الغايات للاضطرار فمختار سيبويه وأصحابه تنوينه مرفوعًا وعلى قوله:
............................ ... فما شربوا بعد على لذة خمرًا
ومختار الخليل وأصحابه تنوينه منصوبًا كقوله:
فساغ لي الشراب وكنت قبلًا ... ............................
ا. هـ.
"وهما نكرتان في هذا الوجه لعدم الإضافة لفظًا وتقديرًا، ولذلك نونا" كما تنون سائر الأسماء النكرات تنوين التمكين، وقال بعضهم: هما معرفتان بنية الإضافة وتنوينهما تنوين عوض، قال ابن مالك في شرح الكافية1: وهذا القول عندي حسن.
"وهما معرفتان في الوجهين قبله "بالإضافة لفظًا في الأول، وتقديرًا في الثاني، "فإن نوي معنى المضاف إليه دون لفظه بنيا" لافتقارهما إلى المضاف إليهما2 معنى كافتقار الحروف لغيرها، وبنيا على حركة3 فرارًا من التقاء الساكنين، "وعلى الضم" لتخالف حركة البناء حركة الإعراب "نحو: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} " [الروم: 4] "في قراءة الجماعة" السبعة بالضم بغير تنوين، وهما في هذه الحالة معرفتان بالإضافة إلى معرفة منوية، والأصل؛ والله أعلم "لله الأمر من قبل الغلب ومن بعده"، وقال الحوفي: إنما يبنيان على الضم إذا كان المضاف إليه معرفة، وأما إذا كان نكرة فإنهما معربان4 سواء نويت معناه أو لا، ا. هـ. وإذا بنيت الظروف على الضم تسمى غايات؛ لأن الأصل فيها أن تكون مضافة، وغاية الكلمة المضافة ونهايتها آخر المضاف إليه؛ لأنه تتمته إذا به تعريفه، فإذا حذف المضاف إليه وتضمنه المضاف صار آخر المضاف5 غايته، قاله الدماميني.
"ومنها: أول" مقابل "آخر" "و: دون، وأسماء الجهات" الست "كـ: يمين، و: شمال، و: وراء، و: أمام، و: فوق، و: تحت، وهي على6 التفصيل المذكور
__________
1 شرح الكافية الشافية 2/ 966.
2 في "أ": "إليه".
3 في جميع النسخ: "حركتي".
4 في "ط": "يعربان".
5 بعده "في "ب": "إليه".
6 سقطت من "ب".(1/720)
في: قبل، و: بعد" من أنها إذا أضيفت لفظًا أعربت نصبًا على الظرفية أو خفضًا بـ"من"، وإذا لم تضف لا لفظًا ولا تقديرًا أعربت الإعراب المذكور ونونت، وإذا حذف1 المضاف إليها2 فإن نوي لفظه أعرب الإعراب المذكور ولم تنون، وإن نوي معناه بنيت على الضم، "تقول: جاء القوم وأخوك خلف أو أمام" بالضم فيهما، "تريد خلفهم أو أمامهم"، ولكنك حذفت المضاف إليهما3، ونويت معناه: وبنيتهما على الضم، "قال" رجل من بني تميم: [من الكامل]
551-
لعن الإله تعلة بن مسافر ... "لعنا يشن عليه من قدام"
بالضم، والأصل: من قدامه، فحذف المضاف إليه، ونوى معناه، فبناه4 على الضم.
و"تعلة" بفتح التاء المثناة فوق وكسر العين المهملة وتشديد اللام؛ علم رجل، ويروى ابن مزاحم، و"يشن"؛ بضم الياء المثناة تحت وفتح الشين المعجمة؛ يصب، "وقال" معن بن أوس: [من الطويل]
552-
لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... "على أينا تعدو المنية أول"
بالضم، والأصل: أول الوقتين، وذلك لأن لكل منهما وقتا يموت فيه، ويقدر أحدهما سابقًا، ولا يعرف عدو المنية في أول الوقتين لهما على أي الرجلين، و"المنية": الموت، "وحكى أبو علي" الفارسي: "أبدأ بذا من أول؛ بالضم على نية معنى المضاف إليه"، والأصل: من أول الأمر، "وبالخفض على نية لفظه، وبالفتح على نية تركهما، ومنعه
__________
1 في "ط": "حذفت".
2 في "أ": "إليه".
3 في "ط": "إليه".
551- البيت لرجل من بني تميم في الدرر 1/ 449، والمقاصد النحوية 3/ 437، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 160، وتذكرة النحاة ص279، وشرح الأشموني 2/ 322، وهمع الهوامع 1/ 210، وأمالي ابن الشجري 1/ 329، 2/ 264.
4 في "ط": "فبناؤه".
552- البيت لمعن بن أوس في ديوانه 39، وخزانة الأدب 8/ 244، 245، 289، 294، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1126، ولسان العرب 5/ 127، "كبر"، 11/ 722 "وجل" والمقاصد النحوية 3/ 493، وتاج العروس "وجل"، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 140، وأوضح المسالك 3/ 161، وجمهرة اللغة ص493، وخزانة الأدب 6/ 505، وشرح الأشموني 2/ 322، وشرح شذور الذهب ص103، وشرح قطر الندى ص23، وشرح المفصل 4/ 87، 6/ 98، واللسان 9/ 261 "عنف"، 13/ 438 "هون" والمقتضب 3/ 246، والمنصف 3/ 35، وتاج العروس 24/ 90 "عنف" "هون".(1/721)
من الصرف للوزن والوصف"؛ لأنه اسم تفضيل بمعنى الأسبق، واستفيد من حكاية أبي علي أن "أول" له استعمالان: أحدهما: أن يكون ظرفًا1 كـ: "قبل" والثاني: أن يكون صفة كـ: "
الأسبق" وقال آخر: [من الطويل]
553-
إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن ... لقاؤك إلا من وراء وراء
بالضم، وأنشد سيبويه: [من الرجز]
554-
لا يحمل الفارس إلا الملبون ... المحض من أمامه ومن دون
بالسكون، والقافية ههنا2 لو كانت مطلقة الروي لكان مبنيا على الضم؛ لأنه في نية الإضافة، قاله الشاطبي، وتقول: "جلست يمين وشمال وفوق وتحت" بالضم فيهن، والأصل: يمينك وشمالك وفوقك وتحتك.
"ومنها: حسب" بسكون السين، "ولها" في العربية "استعمالان:
أحدهما: أن تكون بمعنى كاف" اسم فاعل كفى "فتستعمل" مضافة "استعمال الصفات" المشتقة "فتكون نعتًا لنكرة"؛ لأنها لم تتعرف بالإضافة حملًا على ما هي بمعناه، "كـ: مررت برجل حسبك من رجل، أي: كاف لك من غيره وحالًا لمعرفة كـ: هذا عبد الله حسبك من رجل"، بنصب "حسب" على الحال من عبد الله، أي: كافيا لك من غيره، "و" تستعمل "استعمال الأسماء" الجامدة فترتفع على الابتداء "نحو: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} [المجادلة: 8] فـ"حسبهم": مبتدأ، وسوغ الابتداء به الاختصاص بالإضافة، و"جهنم": خبره، ويجوز العكس، وهو أولى لأن "جهنم" معرفة بالعلمية، "وحسب" نكرة، "و" تنصب اسمًا لـ"إن" نحو: " {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} " [الأنفال: 62] فـ"حسبك": اسم "إن" و"الله" خبرها، وهذا يؤيد الإعراب3 الأول.
"و" يجر بالحرف نحو "بحسبك درهم" فـ"حسبك": مبتدأ، و"درهم" خبره، ولا يجوز
__________
1 في "ط": "اسمًا".
553- البيت لعتي بن مالك في لسان العرب 15/ 390 "ورى"، وبلا نسبة في خزانة الأدب 6/ 504، والدرر 1/ 448، وشرح شذور الذهب ص103، وشرح المفصل 4/ 87، ولسان العرب 3/ 92، "بعد"، وهمع الهوامع 1/ 210.
554- الرجز بلا نسبة في الكتاب 3/ 290، ولسان العرب 3/ 164، "دون" 374، "لبن" وتهذيب اللغة 15/ 364، وتاج العروس "دون"، "لبن".
2 في "ب"، "ط": "هنا".
3 سقطت من "ب".(1/722)
العكس لأن "حسبك" نكرة مختصة، و"درهم" غير مختص "وبهذا" الاستعمال الثاني "يرد على من زعم أنها اسم فعل" بمعنى يكفي، "فإن العوامل اللفظية" نحو: "إن" و"الباء" في المثالين الأخيرين1 "لا تدخل على أسماء الأفعال باتفاق"، ولا العوامل المعنوية على الأصح.
"و" الاستعمال "الثاني" من أصل التقسيم: "أن تكون" حسب" "بمنزلة "لا غير" في المعنى، فتستعمل مفردة" عن الإضافة في اللفظ وينوى لفظ المضاف إليه، "و" "حسب" "هذه هي "حسب" المتقدمة" في الاستعمالين السابقين "ولكنها عند قطعها عن الإضافة لها إشرابها هذا المعنى" الدال على النفي، "و" تجدد لها "ملازمتها للوصفية أو الحالية أو الابتداء وبناؤها على الضم" بعد أن كانت معربة2 بحسب العوامل، "تقول" في الوصفية: "رأيت رجلًا حسب، و" في3 الحالية: "رأيت زيدًا حسب"، فحذف المضاف إليه منهما4 ونوى معناه فبنيت على الضم.
"قال الجوهري5: كأنك قلت: حسبي أو حسبك فأضمرت ذلك ولم تنون، ا. هـ"، وعنى بالإضمار الحذف فكأنه قال: فحذفت المضاف إليه منهما وأضمرته في نفسك ولم تنون؛ لأنك نويت معنى المضاف إليه فبنيتهما على الضم كـ: "قبل" و"بعد"، "وتقول" في الابتداء: "قبضت عشرة فحسب"، فحسب: مبتدأ حذف خبره، "أي: فحسبي ذلك"، والمعنى: رأيت رجلًا لا غير، ورأيت زيدًا لا غير، وقبضت عشرة لا غير، ودخلت الفاء في الأخير تزيينا للفظ كما تدخل على "قط" في قولك "قبضت عشرة فقط"، "واقتضى كلام ابن مالك" في قوله في النظم:
411-
قبل كغير بعد حسب أول ... ودون والجهات أيضًا وعل
412-
وأعربوا نصبا إذا ما نكرا ... قبلًا وما من بعده قد ذكرا
"إنها" أي: حسب "تعرب نصبا إذا نكرت كـ: "قبل" و"بعد"، قال أبو حيان6:
ولا وجه لنصبها؛ لأنها غير ظرف"، وقد ذكرها مع الظروف "إلا أن نقل عنهم7 نصبها
__________
1 في "ط": "الآخرين".
2 في "ب": "معرفة".
3 سقطت من "ب".
4 سقطت من "ب".
5 الصحاح "حسب".
6 انظر الارتشاف 2/ 503.
7 في "ب": "عندهم".(1/723)
حالًا إذا كانت نكرة، انتهى" كلامه، "فإن أرد" أبو حيان "بكونها نكرة قطعها عن الإضافة" لفظًا "اقتضى أن استعمالها حينئذ" أي: حين إذا قطعت عن الإضافة "منصوبة شائع" في كلامهم، "و" اقتضى "أنها كانت مع الإضافة معرفة" بالإضافة، "و" هذان الاقتضاءان "كلاهما ممنوع"، أما الأول فلأنها إذا قطعت عن الإضافة وجب بناؤها على الضم، وأما الثاني فلأنها نكرة دائمًا أضيفت أو1 لم تضف، "وإن أراد" أبو حيان "تنكيرها مع الإضافة2 فلا وجه لاشتراط التنكير حينئذ" أي: حين إذ كانت مضافة "لأنها لم ترد" في كلامهم "إلا" نكرة "كذلك" لأن إضافتها لا تفيد التعريف، وإنما هي في تقدير الانفصال كما صرح به ابن مالك في شرح العمدة3، "وأيضًا فلا وجه لتوقفه" أي: لتوقف أبي حيان "في تجويز انتصابها على الحال حينئذ" أي: حين إذ كانت مضافة "فإنه" أي: فإن نصبها على الحال "مشهور" في غالب الكتب "حتى إنه مذكور في كتاب الصحاح" للجوهري مع كثرة تداول الأيدي له قديمًا وحديثًا، "قال" صاحب الصحاح4 فيه: "تقول: هذا رجل حسبك من رجل، وتقول في المعرفة، هذا عبد الله حسبك من رجل، فتنصب "حسبك" على الحال، انتهى" نصه.
فـ"حسبك" في الأول وقعت بعد نكرة فرفعت على أنها نعت لها، وفي الثاني وقعت بعد معرفة فنصبت على أنها حال منها، وهي في الصورتين نكرة وإن كانت مضافة لمعرفة لما تقدم من أن إضافتها لا تفيد التعريف، "وأيضًا فلا وجه للاعتذار عن ابن مالك بذلك"؛ أي: بنصبها على الحال؛ إذا تنزلنا وقلنا: إن لها حالة تعريف وحالة تنكير؛ "لأن مراده" بقوله:
412-
وأعربوا نصبًا إذا ما نكرا ... ................................
"التنكير الذي ذكره في "قبل" و"بعد"، وهو أن يقطع عن الإضافة لفظًا وتقديرًا" وينصب على الظرفية بحيث يقال: "رأيت زيدًا حسبًا" أو "فحسبًا" ولم يسمع ذلك؟ لا مطلق التنكير كما توهمه أبو حيان، وما ذكره الموضح من أن مراد الناظم5 ذلك لا يدفع الانتقاد6, فالصواب أن يحمل عموم قوله:
__________
1 في "ب"، "ط": "وأم".
2 انظر الارتشاف 2/ 503.
3 شرح عمدة الحافظ 1/ 372.
4 الصحاح "حسب".
5 في "ب"، "ط": "ابن مالك".
6 في "ب": "الإيراد".(1/724)
412-
......................... ... ............ وما من بعده قد ذكرا
على المجموع لا على كل فرد فرد حتى لا يرد عليه "حسب" و"عل" الآتية.
"وأما "عل" فإنها توافق "فوق" في" إفادة "معناها" وهو العلو، "وفي بنائها على الضم إذا كانت معرفة" فيما إذا أريد بها علو معين كقولك: "أخذت الشيء الفلاني من أسفل الدار والشيء الفلاني من عل"، أي: من فوق الدار و"كقوله"؛ وهو الفرزدق يهجو جريرًا: [من الكامل]
555-
ولقد سددت عليك كل ثنية ... "وأتيت نحو بني كليب من عل"
"أي: من فوقهم"، و"الثنية": طريق1 العقبة، "و" توافق "فوق" أيضًا "في إعرابها إذا كانت نكرة" فيما إذا أريد بها علو مجهول "كقوله"؛ وهو امرؤ القيس الكندي يصف فرسًا: [من الطويل]
556-
مكر مفر مقبل مدبر معا ... "كجلمود صخر حطه السيل من عل"
بكسر اللام، "أي: من شيء عال وتخالفها" أي: وتخالف "عل، فوق" "في أمرين": أحدهما: "أنها"؛ أي: عل؛ "لا تستعمل إلا مجرورة بـ: من" دائمًا، "و" الثاني "أنها لا تستعمل مضافة" بخلاف "فوق"، فيهما، "كذا قال جماعة منهم ابن أبي الربيع، وهو الحق، وظاهر ذكر ابن مالك لها في عداد هذه الألفاظ أنها2 تجوز إضافتها وقد صرح الجوهري بذلك" في الصحاح "فقال3 يقال: أتيته من عل الدار؛ بكسر اللام؛
__________
555- البيت للفرزدق في ديوانه 2/ 161، وتذكرة النحاة ص85، والدرر 1/ 449، وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص107، وشرح المفصل 4/ 89، وهمع الهوامع 1/ 210.
556- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص19، ولسان العرب 15/ 84 "علا"، وجمهرة اللغة ص126، وتاج العروس 13/ 318، "فرر"، "علا", وكتاب العين 7/ 174، وإصلاح المنطق ص25، وخزانة الأدب 2/ 397، 3/ 242، 243، والدرر 1/ 450، وشرح أبيات سيبويه 2/ 339، وشرح شواهد المغني 1/ 451، والشعر والشعراء 1/ 116، والكتاب 4/ 228، والمقاصد النحوية 3/ 449، وبلا نسبة في لسان العرب 7/ 274 "حطط"، وتهذيب اللغة 14/ 25، والمخصص 13/ 202، وتاج العروس 19/ 198 "حطط"، وأوضح المسالك 3/ 165، ورصف المباني ص328، وشرح الأشموني 2/ 323، وشرح شذور الذهب ص107، ومغني اللبيب 1/ 154، والمقرب 1/ 215، وهمع الهوامع 1/ 210.
1 في "أ"، "ب": "طريقة".
2 في "ط": "أنه".
3 الصحاح "علا".(1/725)
أي: من عال"، وهو سهو، قاله في شرح الشذور1، "ومقتضى قوله" في النظم:
412-
"وأعربوا نصبًا إذا ما نكرا ... قبلًا وما من بعده قد ذكرا"
"أنها يجوز انتصابها على الظرفية أو غيرها" كالحالية، "وما أظن شيئًا من" هذين "الأمرين" وهما جواز إضافتها وجواز نصبها على الظرفية أو غيرها "موجودًا" في كلامهم، "وإنما بسطت القول قليلًا في شرح هاتين اللفظتين" وهما "حسب" و"عل" "لأني لم أر أحدًا" من الشراح "وفّاهما حقهما من الشرح وفيما ذكرته كفاية" لمن تدبره. "والحمد لله" على تيسير ذلك.
__________
1 شرح شذور الذهب ص107.(1/726)
"فصل":
"يجوز أن يحذف ما علم من مضاف ومضاف إليه، فإن كان المحذوف" هو "المضاف فالغالب أن يخلفه في إعرابه المضاف إليه"، وهو في ذلك على قسمين، سماعي وقياسي.
فالسماعي: ما يصح استبداد القائم مقام المضاف بالإعراب في المعنى كقول عمر بن أبي ربيعة: [من الخفيف]
557-
لا تلمني عتيق حسبي الذي بي ... إن بي يا عتيق ما قد كفاني
أراد يابن أبي عتيق.
والقياسي ما لا يصح1 فيه ذلك، وهو إما فاعل "نحو: {وَجَاءَ رَبُّكَ} " [الفجر: 22] "أي: أمر ربك"، أو نائب عن الفاعل نحو: {وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الفرقان: 25] أي: نزول الملائكة، قاله ابن جني، وفيه نظر، أو مبتدأ نحو: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة: 177] أي: بر من آمن بالله، قاله الشاطبي، وفيه نظر، أو خبر عن المبتدأ نحو: [من الطويل]
558-
شر المنايا ميت بين أهله ... ...............................
أي: منية ميت، أو مفعول به نحو: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقرة: 93] أي: حب العجل، أو مفعول مطلق كقول الأعشى ميمون: [من الطويل]
559-
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدًا ... ..................................
__________
557- البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص291، والارتشاف 2/ 529، وشرح التسهيل 3/ 267.
1 في "ط": "يصلح".
558- عجز البيت:
"كهلك الفتاة أيقظ الحي حاضره"
، وهو للحطيئة في أمالي المرتضى 1/ 49، وشرح أبيات سيبويه 1/ 386، والكتاب 1/ 215، وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 61.
559- عجز البيت:
"وعادك ما عاد السليم المسهدا"
، وهو للأعشى في ديوانه ص185، وخزانة الأدب 6/ 163، والخصائص 3/ 322، والدرر 1/ 408، وشرح المفصل 10/ 102، وشرح شواهد المغني 2/ 576، والمحتسب 2/ 121، ومغني اللبيب 2/ 624، والمقاصد النحوية 3/ 57، والمنصف 3/ 8، وبلا نسبة في شرح الأشموني 1/ 211، وشرح التسهيل 2/ 182، 3/ 268، وهمع الهوامع 1/ 188.(1/727)
أي: اغتماض ليلة أرمد، أو مفعول فيه نحو قولهم: "أتينا طلوع الشمس"، أي: وقت طلوع الشمس، أو مفعول له نحو: "جئت زيدا فضله"، أي: ابتغاء فضله، قاله ابن الخباز أو مفعول معه نحو: "جاء زيد والشمس"، أي: وطلوع الشمس، أو حال نحو: "تفرقوا أيادي سبأ"1، أي: مثل أيادي سبأ، أو مجرور بالحرف نحو: {كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [الأحزاب: 19] أي: كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت، أو بالإضافة نحو: [من البسيط]
560-
..................... ... ولا يحول عطاء اليوم دون غد
أي: دون عطاء غد.
ثم تارة يكون المحذوف مطرحًا وهو الأكثر، وتارة يكون ملتفتا إليه، ويعرف ذلك بعود الضمير ونحوه، فالأول: "نحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَة" الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [يوسف: 82] "أي: أهل القرية"، فأهل مطرح، ولو التفت إليه هنا لقيل: الذي كنا فيه.
والثاني نحو: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ} [النور: 40] أي: كذي ظلمات بالإفراد، فحذف والتفت إليه فذكر الضمير في "يغشاه"، ولو كان مطرحًا لقيل2: يغشاها، وشمل ذلك في قول الناظم:
413-
وما يلي المضاف يأتي خلفا ... عنه في الإعراب إذا ما حذفا
"و" من غير الغالب أن المضاف إليه لا يخلف المضاف في إعراب بل "قد يبقى على جره، وشرط ذلك في الغالب أن يكون" المضاف "المحذوف معطوفًا على مضاف بمعناه كقولهم: ما مثل عبد الله ولا أخيه يقولان ذلك"، فأبقوا "أخيه" على جره مع أنه مضاف إليه "مثل" محذوفًا, و"مثل" المحذوف معطوف على "مثل" المذكور، "أي: ولا مثل أخيه بدليل قولهم: يقولان؛ بالتثنية" نظرًا إلى المذكور والمحذوف، ولو كان "أخيه" معطوفًا على "عبد الله" لكان العامل فيهما واحدًا وهو "مثل"، وكان يجب أن يقولوا: "يقول"؛ بالإفراد؛ لأنه خبر اسم "ما" وهو مفرد.
__________
1 مجمع الأمثال 1/ 275، والمستقصى 2/ 88.
560- صدر البيت:
"يومًا بأطيب منه سيب نافلة"
، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه 27، ولسان العرب 4/ 529، "عبر"، 11/ 188 "حول"، وتهذيب اللغة 5/ 242، وتاج العروس 12/ 502 "عير".
2 في "ط": "لقال".(1/728)
"وقوله" وهو أبو دؤاد حارثة بن الحجاج: [من المتقارب]
561-
"أكل امرئ تحسبين امرأ ... ونار توقد في الليل نارا"
فأبقى "نار"على جره مع أنه مضاف إليه "كل" محذوفة معطوفة على "كل"1 المذكورة2، "أي: وكل نار"، وإنما قدرناه مجرورًا بـ"كل" محذوفة ولم نجعله مجرورًا بالعطف على "امرئ" المجرور بإضافة "كل" إليه "لئلا يلزم العطف" على معمولي عاطفين مختلفين؛ لأن "امرئ" المجرور معمول لـ"كل"، و"امرأ" المنصوب معمول لـ"تحسبين" على أنه مفعول ثان له، ومفعوله الأول "كل امرئ" مقدم عليه, فلو عطفنا "نار"3 المجرورة على "امرئ" المضاف إليه "كل"، و"عطفنا "نارًا" المنصوبة على "امرأ" المنصوب لزم أن نعطف بحرف واحد شيئين "على معمولي عاملين" مختلفين، وذلك ممتنع لأن العاطف نائب عن العامل, وعامل واحد لا يعمل جرا ونصبا ولا يقوى أن ينوب مناب عاملين، هذا مذهب سيبويه والمبرد وابن السراج وهشام4، وذهب الأخفش والكسائي والفراء والزجاج إلى الجواز5، والتقدير: أتحسبين كل امرئ امرأ، وكل نار نارًا، فحذف المضاف وأبقى المضاف إليه على جره، واختير الحذف دون العطف؛ لأن حذف ما دل6 عليه دليل مجمع على جوازه، والعطف على معمولي عاملين مختلف فيه كما قدمنا7، والحمل على المتفق عليه أولى من الحمل على المختلف فيه، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
414-
وربما جروا الذي أبقوا كما ... قد كان قبل حذف ما تقدما
__________
561- البيت بلا نسبة في إصلاح المنطق ص146، وأوضح المسالك 3/ 158، وخزانة الأدب 6/ 501، والدرر 1/ 446، وشرح ابن الناظم ص287، وشرح الأشموني 2/ 322، وشرح التسهيل 1/ 388، وشرح شذور الذهب ص137، وشرح الكافية الشافية 2/ 974، ولسان العرب 3/ 93 "بعد"، 147/ 237 "خفا" والمقاصد النحوية 3/ 436، وهمع الهوامع 1/ 209، 210.
1 سقطت من "أ".
2 في "أ": "المذكور".
3 في "ط": "نارا".
4 انظر مغني اللبيب ص632.
5 انظر ما ذهب إليه الأخفش والكسائي والفراء والزجاج في مغني اللبيب ص632.
6 في "ط": "يدل".
7 في "ط": "قدمناه".(1/729)
415-
لكن بشرط أن يكون ما حذف ... مماثلا لما عليه قد عطف
وهذا الشرط أغلبي كما تقدم.
"ومن غير الغالب قراءة ابن جماز" بالجيم والزاي: "تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا "وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةِ" [الأنفال: 67] بجر "الآخرة" على حذف مضاف، "أي: عمل الآخرة، فإن المضاف" المحذوف وهو "عمل" "ليس معطوفًا" على حدته "بل المعطوف جملة" من مبتدأ وخبر "فيها المضاف" وهو "عمل" على جملة فعلية فيها مضاف غير مماثل للمحذوف، والأصل والله أعلم؛ تريدون عرض الدنيا والله يريد عمل الآخرة، ومن قدر "عرض الآخرة" فقد تجوز1.
"وإن كان المحذوف المضاف إليه" وهو الجزء الثاني "فهو على ثلاثة أقسام؛ لأنه تارة يزال من المضاف" وهو الجزء الأول "ما يستحقه من إعراب وتنوين ويبنى على الضم نحو": قبضت عشرة "ليس غير" مما هو شبيه بالغايات، "ونحو: {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} " [الروم: 4] مما هو غايات "كما مر" في الفصل قبله، "وتارة يبقى إعرابه ويرد إليه تنوينه وهو الغالب نحو: {وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ} " [الفرقان: 39] من ألفاظ الإحاطة، "و" نحو: {أَيًّا مَا تَدْعُوا} " [الإسراء: 110] من أسماء الشرط، "وتارة يبقى إعرابه ويترك تنوينه كما كان في الإضافة، وشرط ذلك في الغالب أن يعطف عليه" أي: على المضاف "اسم عامل في مثل" المضاف إليه "المحذوف، وهذا العامل إما مضاف كقولهم: خذ ربع ونصف ما حصل"، والأصل: خذ ربع ما حصل ونصف ما حصل2، فحذفوا "ما حصل" الأول المضاف إليه "ربع" لدلالة "ما حصل" الثاني المضاف إليه "نصف"، وأبقوا المضاف الأول وهو "ربع"، على حاله فلم ينون؛ لأن المضاف إليه منوي لفظه، وعطف عليه "نصف"، وهو اسم مضاف عامل في "ما حصل" الجر بالإضافة إليه، و"ما حصل" المذكور مثل "ما حصل"، المحذوف لفظًا ومعنى، وهذه المسألة لها شبه بباب التنازع، فإن ربع "ونصف" يتنازعان "ما حصل"، فأعمل الثاني لقربه، وحذف معمول الأول لأنه فضلة3، وذهب سيبويه إلى أنها من باب الفصل بين المضاف والمضاف إليه [والأصل: خذ ربع ما حصل ونصفه ثم أقحم "ونصفه" بين المضاف والمضاف إليه] 4، فصار: ربع ونصفه ما حصل ثم حذفت الهاء إصلاحًا للفظ
__________
1 منهم ابن مالك في شرح التسهيل 3/ 271.
2 سقط من "ط": "ما حصل".
3 سقط من "ب": "لأنه فضلة".
4 سقط ما بين المعقوفين من "ب".(1/730)
فصار: ربع ونصف ما حصل، ومثل هذا عند سيبويه والجمهور لا يجوز إلا في الشعر1، واختار الناظم أنه من الحذف من الأول لدلالة الثاني، فلا فصل فهي عنده جائزة قياسًا وسماعًا2، وإليها أشار بقوله في النظم:
416-
ويحذف الثاني ويبقى الأول ... كحاله إذا به يتصل
417-
بشرط عطف وإضافة إلى ... مثل الذي له أضفت الأولا
"أو غيره" بالرفع؛ أي: غير مضاف، وهو عامل في "مثل" المحذوف "كقوله": [من الرجز]
562-
علقت آمالي فعمت النعم ... "بمثل أو أنفع من وبل الديم"
فـ"مثل" مضاف إلى محذوف دل عليه المذكور، والأصل: بمثل وبل الديم3 فحذف "وبل الديم" من الأول لدلالة الثاني عليه، والعامل "أنفع" وهو غير مضاف، وهو مجرور بالعطف على "مثل" المجرور بالباء المتعلقة بـ"علقت" و"الوبل" بسكون الباء الموحدة: المطر الشديد، و"الديم" بكسر الدال: جمع ديمة، وهي المطر الذي ليس فيه رعد ولا برق.
"ومن غير الغالب قولهم" فيما حكاه أبو علي: "ابدأ بذا من أول، بالخفض من غير تنوين" على نية لفظ المضاف إليه، أي: من أول الأمر، "وقراءة بعضهم" وهو ابن محيصن: ""فَلَا خَوْفُ عَلَيْهِم"" [البقرة: 38] بالرفع من غير تنوين على الإهمال، "أي: فلا خوف شيء عليهم"، وأما قراءة يعقوب "لا خوفَ" بالفتح من غير تنوين فعلى الإعمال4.
__________
1 الكتاب 1/ 176، 2/ 280.
2 شرخ التسهيل 3/ 265، ومغني اللبيب ص811.
562- الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 172، والمقاصد النحوية 3/ 451، والارتشاف 2/ 715.
3 بعدها في "ب": "أو أنفع من وبل الديم".
4 انظر هذه القراءة في الإتحاف ص134، والنشر 2/ 211.(1/731)
"فصل":
"زعم كثير من النحويين أنه لا يفصل بين المتضايفين إلا في الشعر1"؛ لأن المضاف إليه منزل من المضاف منزلة جزئية؛ لأنه واقع موقع تنوينه، فكما لا يفصل بين أجزاء الاسم لا يفصل بينه وبين ما نزل منزلة الجزء منه، وهو قول البصريين، "والحق" عند الكوفيين "أن مسائل الفصل سبع منها ثلاث جائزة في السعة" بفتح السين؛ وهي النثر، وضابطها أن يكون المضاف إما اسما يشبه الفعل، وأن يكون الفاصل بينهما معمولًا للمضاف، وأن يكون منصوبًا أو اسما لا يشبه الفعل، والفاصل القسم.
"إحداها: أن يكون المضاف مصدرًا، والمضاف إليه فاعله، والفاعل إما مفعول كقراءة ابن عامر2": "وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ "قَتْلُ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَائِهِمْ" [الأنعام: 137] برفع "قتل" على النيابة عن الفاعل بـ"زين" المبني للمفعول، ونصب "أولادهم"، وجر "شركائهم"، فـ"قتل" مصدر مضاف، و"شركائهم" مضاف إليه3 من إضافة المصدر إلى فاعله، و"أولادهم" مفعوله، وفصل به4 بين المضاف والمضاف إليه، وحسن ذلك ثلاثة أمور: كون الفاصل فضلة، فإن ذلك مسوغ لعدم الاعتداد به, وكونه غير أجنبي لتعلقه بالمضاف، وكونه مقدر التأخير من أجل أن المضاف إليه مقدر التقديم بمقتضى الفاعلية المعنوية، فسقط بذلك قول الزمخشري في الكشاف5: وأما قراءة ابن عامر فشيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر لكان6 سمجًا مردودًا فكيف به في الكلام المنثور، فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته.
ا. هـ. "وقول الشاعر": [من الطويل]
__________
1 بعده في "ب", "ط": "خاصة".
2 انظر قراءته في الإتحاف ص217، 2/ 263، وهي من شواهد شرح ابن الناظم ص289.
3 في "أ": "إليهم".
4 سقطت من "ط".
5 الكشاف 2/ 42.
6 في جميع النسخ: "كان"، والتصويب من الكشاف.(1/732)
563-
عتوا إذ أجبناهم إلى السلم رأفة ... "فسقناهم سوق البغاث الأجادل"
فـ"سوق" مصدر مضاف، و"الأجادل" مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله، و"البغاث" مفعوله، وفصل به بين المضاف والمضاف إليه، والأصل: سوق الأجادل البغاث، و"السلم" بكسر السين: الصلح، و"البغاث"؛ بتثليث الموحدة أوله1 وبثاء مثلثة آخره، فأوله مثلث الضبط، وآخره مثلث النقط2، وبينهما غين معجمة: طائر ضعيف يصاد ولا يصطاد، و"الأجادل": جمع الأجدل وهو الصقر.
"وإما ظرفه" عطف على قوله وإما مفعوله؛ أي: والفاصل إما مفعول المضاف كما تقدم، وإما ظرفه؛ "كقول بعضهم: ترك يومًا نفسك وهواها" سعي لها في رداها، فـ"ترك" مصدر مضاف، و"نفسك" مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله، ومفعوله محذوف، و"يومًا" ظرف للمصدر بمعنى أنه متعلق به، وفصل به بين المضاف والمضاف إليه، و"هواها" مفعول معه، والتقدير: ترك نفسك شأنها يومًا مع هواها سعي في رداها، ويحتمل أن يكون الأصل: تركك نفسك، فيكون من الإضافة إلى المفعول بعد حذف الفاعل.
المسألة "الثانية" من الثلاث: "أن يكون المضاف وصفًا" بمعنى الحال أو الاستقبال، "والمضاف إليه إما مفعوله الأول والفاصل مفعوله الثاني كقراءة بعضهم: "فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهَ"" [إبراهيم: 47] بنصب "وعده" وجر "رسله"3 فـ"مخلف" اسم فاعل متعد لاثنين وهو مضاف، و"رسله" مضاف إليه من إضافة الوصف إلى مفعوله الأول، و"وعده" مفعوله الثاني، وفصل به بين المضاف والمضاف إليه، والأصل: ولا تحسبن الله مخلف رسله وعده، "وقول الشاعر": [من الكامل]
564-
ما زال يوقن من يؤمك بالغنى ... "وسواك مانع فضله المحتاج"
__________
563- البيت لبعض الطائيين في شرح عمدة الحافظ ص491، وبلا نسبة في أوضح المسلك 3/ 180، وشرح ابن الناظم ص290، وشرح الأشموني 2/ 327.
1 سقطت من "ب".
2 سقطت من "ط".
3 لم تنسب هذه القراءة إلى أحد، وهي في البحر المحيط 5/ 439، ومعاني القرآن للفراء.
564- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 182، وشرح الأشموني 2/ 327، وشرح عمدة الحافظ ص493، والمقاصد النحوية 3/ 496.(1/733)
فـ"سواك" مبتدأ، و"مانع" خبره، وهو اسم فاعل مضاف إلى مفعوله الأول وهو "المحتاج"، و"فضله" مفعوله الثاني، وفصل به1 بين المضاف والمضاف إليه، والأصل: وسواك1 مانع المحتاج فضله.
"أو ظرفه" عطف على مفعوله الأول أي والفاصل إما مفعوله الأول كما تقدم أو ظرفه؛ وذلك صادق بالجار والمجرور "كقوله صلى الله عليه وسلم: "هل أنتم تاركو لي صاحبي" 2فـ"تاركو" جمع تارك اسم فاعل ترك مضاف إلى مفعوله وهو "صاحبي" بدليل حذف النون، و"لي" جار ومجرور ظرف "تاركو"، وفصل به بين المضاف والمضاف إليه، والأصل: هل أنتم تاركو صحابي لي، "وقول الشاعر": [من الطويل]
565-
فرشني بخير لا أكونن ومدحتي ... "كناحت يومًا صخرة بعسيل"
فـ"ناحت" اسم فاعل مضاف، و"صخرة"، مضاف إليه من إضافة الوصف إلى مفعوله، و"يومًا" ظرف "ناحت" بمعنى أنه متعلق به، وفصل به بين المضاف والمضاف إليه و"رشني": أمر من رشت السهم إذا ألزقت عليه الريش، والمعنى: أصلح حالي بخير، و"مدحتي" مفعول معه، و"بعسيل" متعلق بـ"ناحت"، وهو؛ بفتح العين والسين المهملتين؛ مكنسة العطار التي يجمع بها العطر، وهو3 كناية عن كون سعيه مما لا فائدة فيه مع حصول التعب والكد.
المسألة "الثالثة": أن يكون المضاف لا يشبه الفعل، و"أن يكون الفاصل قسمًا كقولهم: هذا غلام؛ والله, زيد4" بحر "زيد" بإضافة الغلام إليه، وفصل بينهما بالقسم، حكاه الكسائي، وحكى ابن الأنباري "هذا غلام؛ إن شاء الله؛ ابن5 أخيك" بجر "ابن" بإضافة الغلام إليه، والفصل بينهما بالشرط، وهو "إن شاء الله" وزاد ابن مالك الفصل بـ"إما"6 كقول تأبط شرا: [من الطويل]
__________
1 سقطت من "ب".
2 أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة برقم 3461.
565- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 184، وتاج العروس "عسل"، والدرر 2/ 160، وشرح الأشموني 2/ 328، وشرح التسهيل 3/ 273، وشرح عمدة الحافظ ص328، ولسان العرب 11/ 447،"عسل" والمقاصد النحوية 3/ 481، وهمع الهوامع 2/ 52.
3 في "ط": "هي".
4 شرح ابن الناظم ص291، والإنصاف 2/ 435، المسألة رقم 60، والارتشاف 2/ 535.
5 سقطت من "ط".
6 شرح الكافية الشافية 2/ 944.(1/734)
566-
هما خطتا إما إسار ومنة ... وإما دم والقتل بالحر أجدر
في رواية الجر، و"الإسار" بكسر الهمزة: الأسر.
"و" المسائل "الأربع الباقية" مع السبع1 "تختص بالشعر" لفقد الضابط المذكور.
"إحداها: الفصل2 بالأجنبي ونعني به معمول غير المضاف" وإن كان عاملهما3، واحدًا "فاعلًا كان" الأجنبي "كقوله" وهو الأعشى ميمون بن قيس: [من المنسرح]
567-
"أنجب أيام والداه به ... إذ نجلاه فنعم ما نجلا"
فـ"أنجب" فعل ماض، و"والداه" فاعله، و"به" متعلق بـ"أنجب"، و"أيام" ظرف زمان متعلق بـ"أنجب" وهو مضاف، و"إذ" مضاف إليه، و"والداه" فاصل بين المضاف والمضاف إليه، وهو أجنبي من المضاف؛ لأنه معمول لغيره، أي: أنجب والداه به أيام إذ نجلاه، يقال: أنجب الرجل إذا ولد نجيبًا، و"نجلاه" بالنون والجيم: نسلاه، أو مفعولًا معطوف على فاعلًا، أي: فاعلًا كان؛ كما مر؛ "أو مفعولًا، كقوله" وهو جرير [من البسيط]
568-
"تسقي امتياحا ندى المسواك ريقتها" ... كما تضمن ماء المزنة الرصف
__________
566- البيت لتأبط شرا في ديوانه ص89، وجواهر الأدب ص154، وخزانة الأدب 7/ 499، 500، 503، والدرر 1/ 58، 2/ 162، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص79، وشرح شواهد المغني 2/ 975، ولسان العرب 7/ 289 "خطط" والمقاصد النحوية 3/ 486، وبلا نسبة في الخصائص 2/ 405، ورصف المباني ص342، وشرح الأشموني 2/ 468، وشرح الكافية الشافية 2/ 944، ومغني اللبيب 2/ 643، والممتع في التصريف 2/ 526، وهمع الهوامع 1/ 49، 2/ 52.
1 في "ط": "السبعة".
2 في "أ": "الفاصل".
3 في "ط": "عاملها".
567- البيت للأعشى في ديوانه ص285، والدرر 2/ 164، ولسان العرب 11/ 646 "نجل"، والمحتسب 1/ 152، والمقاصد النحوية 3/ 477، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 186، وشرح ابن الناظم ص292، وشرح الأشموني 1/ 328، وشرح التسهيل 3/ 274، وشرح عمدة الحافظ ص494، وشرح الكافية الشافية 2/ 991، وهمع الهوامع 2/ 53.
568- البيت لجرير في ديوانه ص1/ 171، والدرر 2/ 160، والمقاصد النحوية 3/ 474، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 187، وشرح ابن الناظم ص292، وشرح الأشموني 2/ 328، وشرح التسهيل 3/ 274، وشرح الكافية الشافية 2/ 989، وهمع الهوامع 2/ 52.(1/735)
فـ"تسقي" مضارع سقى متعد لاثنين، وفاعله ضمير يرجع إلى "أم عمرو" في البيت قبله1، و"ندى" مفعوله الأول وهو مضاف، و"ريقتها" مضاف إليه، و"المسواك"، مفعوله الثاني، فصل به بين المضاف والمضاف إليه، "أي: تسقي ندى ريقتها المسواك", والمسواك أجنبي من "ندى"؛ لأنه ليس معمولًا له وإن كان عاملهما واحدًا وهو "تسقي"، والامتياح:؛ بمثناة فوقية فتحتانية فحاء مهملة؛ الاستياك، و"المزنة": السحابة، "والرصف" بفتحتين: جمع رصفة، وهي حجارة مرصوف بعضها إلى بعض، وماء الرصف أرق وأصفى، "أو ظرفًا كقوله" وهو أبو حية النميري: [من الوافر]
569-
"كما خط الكتاب بكف يومًا ... يهودي يقارب أو يزيل"
فأضاف "كف" إلى "يهودي"، وفصل بينهما بالظرف، وهو أجنبي من المضاف؛ لأنه ليس معمولًا له، و"خط" مبني للمفعول، و"بكف" متعلق به، ويقارب أو تزيل: نعتان ليهودي.
المسألة: "الثانية" من الأربع: "الفصل بفاعل المضاف كقوله": [من الرجز]
570-
ما إن وجدنا للهوى من طب ... "ولا عدمنا قهر وجد صب"
فأضاف "قهر" إلى مفعوله، وهو "صب"، وفصل بينهما بفاعل المصدر، وهو "وجد"، والأصل: ما وجدنا للهوى طبا، ولا عدمنا قهر صب وجد، و"الصب": العاشق.
"ويحتمل أن يكون منه"؛ أي: من الفصل بالفاعل "أو من الفصل بالمفعول؛ قوله" وهو الأحوص: [من الوافر]
__________
1 البيت المقصود هو:
"ما استوصف الناس عن شيء يروقهم ... إلا أرى أم عمرو فوق ما وصفوا".
569- البيت لأبي حية النميري في ديوانه ص163، والإنصاف2/ 432, وخزانة الأدب 4/ 219، والدرر 2/ 161، والكتاب 1/ 179، ولسان العرب 12/ 390 "عجم" والمقاصد النحوية 3/ 470، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 189، والخصائص 2/ 405، وشرح ابن الناظم ص291، وشرح الأشموني 2/ 328، وشرح ابن عقيل 2/ 83، وشرح التسهيل 1/ 368، 3/ 273، وشرح المفصل 1/ 103، وشرح الكافية الشافية 2/ 979، وهمع الهوامع 2/ 52، والوساطة ص464.
570- الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 190، وشرح الأشموني 2/ 329، وشرح التسهيل 3/ 274، والدرر 2/ 164، وشرح عمدة الحافظ ص493، وشرح الكافية الشافية 2/ 993، والمقاصد النحوية 3/ 483، وهمع الهوامع 2/ 53.(1/736)
571-
لئن كان النكاح أحل شيء ... "فإن نكاحها مطر حرام"
في رواية الخفض لـ"مطر" بإضافة النكاح إليه والفصل بالهاء، وهي محتملة للفاعلية والمفعولية بدليل أنه يروى بنصب "مطر"، وبرفعه، فإن كان بالرفع فالتقدير: فإن نكاح مطر إياها، فهو من الفصل بالمفعول وإن كان بالنصب فالتقدير: فإن نكاح مطر هي، فهو من الفصل بالفاعل، والحاصل أن الهاء المتصلة بالنكاح إما أن تكون مفعولة فتكون في تقدير: "إياها" أو فاعلة فتكون في تقدير "هي"، فعلى الأول فاعل النكاح "مطر"، وعلى الثاني المرأة، فإنه يقال نَكَحَتْهُ ونَكَحَهَا، قال الله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وعلى التقديرين فالهاء مجرورة بإضافة المصدر إليها، وعلى هذا فيشكل خفض "مطر" بإضافة المصدر إليه؛ لأن المضاف1 لا يضاف لشيئين، وسبب قول الأحوص ذلك أن مطرًا كان أقبح الناس منظرًا2، وكان تحته امرأة من أجمل النساء، وكانت تريد فراقه، وهو يأبى ذلك.
"و" المسألة "الثالثة: الفصل بنعت المضاف كقوله" وهو معاوية بن أبي سفيان لما اتفق ثلاثة من الخوارج أن يقتل كل واحد منهم واحدًا من علي بن أبي طالب وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم، فقتل علي وسلم عمرو ومعاوية: [من الطويل]
572-
نجوت وقد بل المرادي سيفه ... "من ابن أبي شيخ الأباطح طالب"
ففصل بين المتضايفين؛ وهما أبي وطالب؛ بنعت المضاف وهو شيخ الأباطح، أي: من أبي طالب شيخ الأباطح، وتجوز في جعل "شيخ الأباطح" نعتًا للمضاف وهو "أبي" دون المضاف إليه، وإنما هو نعت للمضاف والمضاف إليه معًا، والمرادي هو عبد الرحمن ابن عمرو، الشهير بابن ملجم؛ بضم الميم وفتح الجيم على صيغة اسم المفعول، كما في
__________
571- البيت للأحوص في ديوانه ص189، وأمالي الزجاجي ص81، وخزانة الأدب 2/ 151، وشرح شواهد المغني 2/ 767، 952، والعقد الفريد 6/ 81، والمقاصد النحوية 1/ 109، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 192، وشرح ابن الناظم ص290، وشرح الأشموني 2/ 329، وشرح التسهيل 3/ 93، 278، وشرح الكافية الشافية 2/ 986، ومغني اللبيب 2/ 672.
1 في "ب": "المصدر".
2 سقطت من "ب".
572- البيت لمعاوية بن أبي سفيان في الدرر 2/ 162، وشرح ابن الناظم ص292، والمقاصد النحوية 3/ 478، وبلا نسبة في شرح الأشموني 1/ 258، وشرح ابن عقيل 2/ 84، وشرح التسهيل 3/ 275، وشرح الكافية الشافية 2/ 990، وهمع الهوامع 2/ 52.(1/737)
تهذيب الأسماء، وهو قاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، "والأباطح": جمع بطحاء، والمراد بها مكة؛ لأن أبا طالب1 كان شيخ مكة ومن أعيان أهلها وأشرافها.
المسألة "الرابعة: الفصل بالنداء" بمعنى المنادى "كقوله": [من الرجز]
573-
"كأن برذون أبا عصام ... زيد حمار دق باللجام"
فأضاف برذون إلى زيد، وفصل بينهما بالمنادى الساقط حرفه، و"حمار" خبر "كأن"، "أي: كأن برذون زيد" حمار "يا أبا عصام".
وبقيت خامسة: وهي الفصل بفعل ملغى كقوله: [من الوافر]
574-
بأي تراهم الأرضين حلوا ... ................................
أراد: بأي الأرضين تراهم.
وسادسة: وهي الفصل بالمفعول لأجله كقوله: [من الوافر]
575-
معاود جرأة وقت الهوادي ... .................................
أراد: معاود وقت الهوادي جرأة، وإلى هذا الفصل أشار الناظم بقوله:
418-
فصل مضاف شبه فعل ما نصب ... مفعولًا أو ظرفًا أجز ولم يعب
419-
فصل يمين واضطرارًا وجدا ... بأجنبي أو بنعت أو ندا
__________
1 سقط من "ط".
573- الرجز بلا نسبة في الخصائص 2/ 404، والدرر 2/ 163، وشرح ابن الناظم ص293، وشرح الأشموني 2/ 329، وشرح ابن عقيل 2/ 86، وشرح التسهيل 3/ 275، وشرح عمدة الحافظ ص495، وشرح الكافية الشافية 2/ 993، والمقاصد النحوية 3/ 480، وهمع الهوامع 2/ 53.
574- عجز البيت:
"أألدبران أم عسفوا الكفارا"
وهو بلا نسبة في الدرر2/ 164، وشرح الأشموني 2/ 328، والمقاصد النحوية 3/ 490، وهمع الهوامع 2/ 53.
575- عجز البيت:
"أشم كأنه رجل عبوس"
وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 492، والمقتضب 4/ 377، وهمع الهوامع 2/ 53.(1/738)
"فصل":
"في أحكام المضاف للياء" الدالة على المتكلم: "يجب كسر آخره"؛ أي: المضاف، لمناسبة الياء سواء أكان صحيحًا "كـ: غلامي" و"عبدي" أو شبيهًا بالصحيح كـ"دلوي" و"ظبيي"، "ويجوز فتح الياء وإسكانها"، واختلف في أيهما أصل، فقيل: الفتح، وقيل: الإسكان، ويجمع بينهما بأن الإسكان هو الأصل الأول؛ لأنه أصل كل مبني والياء مبنية، والفتح أصل ثان؛ لأنه أصل ما يبنى وهو على حرف واحد، وعلى القولين الإسكان أكثر.
"ويستثنى من هذه الحكمين" وهو وجوب كسر آخر المضاف، وجواز فتح الياء وإسكانها "أربع مسائل" لا يأتي فيها ذلك "وهي المقصور كـ: فتى، وقذى" بالذال المعجمة "والمنقوص كـ: رام، و: قاض، والمثنى" وشبهه "كـ: ابنين" بالموحدة1 "و: غلامين"، و"اثنين" بالمثلثة، "وجمع المذكر السالم" وشبهه "كـ: زيدين، و: مسلمين" و"عشرين"، "فهذه الأربعة آخرها واجب السكون"؛ لأن آخر المقصور والمثنى المرفوع ألف، وآخر المنقوص والمثنى المجرور والمنصوب وجمع المذكر السالم مطلقًا ياء مدغمة في ياء المتكلم، وليس شيء من الألف والحرف المدغم قابلًا للتحرك، "والياء معها واجبة الفتح" للخفة والتحرك لالتقاء الساكنين، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
420-
آخر ما يضاف لليا اكسر إذا ... لم يك معتلا كرام وقذى
421-
أو يك كابنين وزيدين فذي ... جميعها اليا بعد فتحها احتذي
"وندر إسكانها بعد الألف في قراءة "وَمَحْيَايْ" وَمَمَاتِي" [الأنعام: 162] في الوصل بسكون ياء "محياي"2، ولبيان أن ذلك في الوصل عطف عليه "ومماتي" وإلا فلا
__________
1 في "ط": "الموحدة".
2 وكذلك قرأها ورش وقالون وأبو جعفر، انظر الإتحاف 221، والنشر 2/ 267، والبحر المحيط 4/ 262.(1/739)
حاجة لذكره، "و" ندر "كسرها بعدها" أي: بعد الألف "في قراءة الأعمش والحسن" البصري "قَالَ "هِيَ عَصَايِ"" [طه: 18] بكسر الياء1 على أصل التقاء الساكنين، "وهو" أي: الكسر "مطرد في لغة بني يربوع في الياء المضاف إليها جمع المذكر السالم وعليه قراءة حمزة" والأعمش ويحيى بن وثاب: "وَمَا أَنْتُمْ "بِمُصْرِخِيِّ إِنِّي"" [إبراهيم: 22] بكسر الياء في الوصل2، ولذلك عقبه بـ"إني"، وهذه اللغة حكاها الفراء3 وقطرب، فأجازها أبو عمرو بن العلاء، قاله الشاطبي، وبذلك سقط ما قاله المعري في رسالته4: أجمع أصحاب العربية على كراهة قراءة حمزة: "وما أنتم بمصرخيِّ" بالكسر.
قال الموضح في الحواشي: والمعري له قصد في الطعن على علماء الإسلام، ولعل الذين كسروا لغتهم إسكان ياء الإضافة فالتقى معهم ساكنان، ونظيره الكسر في "شد" وفي "مع القوم" وإن كان الكسر في الياء أثقل، ا. هـ.
"وتدغم ياء المنقوص والمثنى" في حالتي الجر والنصب "و" ياء "المجموع" جمع السلامة "في ياء الإضافة" لاجتماع المثلين "كـ: قاضي" رفعًا ونصبًا وجرا، "و: رأيت ابني" بفتح النون؛ "وزيدي" بكسر الدال و"مررت بابني وزيدي".
"وتقلب واو الجمع" السالم في حالة الرفع "ياء"؛ لأن الواو والياء إذا اجتمعتا وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء تقدمت أو تأخرت "ثم تدغم" الياء المنقلبة عن الواو في ياء المتكلم لاجتماع المثلين "كقوله" وهو أبو ذؤيب يرثي بنيه الخمسة حين هلكوا جميعًا في طاعون واحد: [من الكامل]
576-
"أودى بني وأعقبوني حسرة" ... عند الرقاد وعبرة لا تقلع
فـ"أودى": معناه هلك، "وبني" فاعله, وهو جمع "ابن" مضاف إلي ياء المتكلم، وأصله: "بَنَوْيَ" عمل فيه ما تقدم.
__________
1 هي قراءة أبي عمرو والحسن وابن أبي إسحاق، انظر البحر المحيط 6/ 234، والمحتسب 2/ 48.
2 انظر هذه القراءة في الإتحاف ص272، والنشر 2/ 298.
3 معاني القرآن 2/ 75.
4 انظر رسالة الغفران ص447.
576- البيت لأبي ذؤيب الهذلي في خزانة الأدب 1/ 420، وشرح شواهد المغني 1/ 262، ولسان العرب 1/ 613، "عقب"، والمقاصد النحوية 3/ 498، وبلا نسبة في المسالك 3/ 197، وشرح الأشموني 2/ 331، وشرح التسهيل 1/ 23.(1/740)
"وإن كان" الواو "قبلها ضمة قلبت" الضمة "كسرة كما في" أودى "بني" وجاء "مسلمي" و"عشري"، وظاهر سياقه أنه يبدأ بقلب الواو على قلب الضمة كسرة، وهو في ذلك تابع للترتيب الذكري في قول الناظم:
422-
وتدغم اليا فيه والواو وإن ... ما قبل واو ضم فاكسره يهن
واختار ابن جني أن يبدأ بقلب الضمة على قلب الواو كما في "أجر" جمع "جرو"، وأصله: أجرو فإنهم قلبوا الضمة كسرة أولًا؛ لأنها أضعف، ثم تدرجوا إلى قلب الواو ياء لأجلها، فلم يقدموا على الحرف الأقوى إلا بعد أن أقدموا1 على الحركة الضعيفة، ولو عكسوا لكان إقدامًا على الأقوى من غير تدرج، قلت: لا يمكنهم العكس في "أجر": لأنه يؤدي إلى قلب الواو ياء2 لغير موجب بخلافه في "مسلمي"، فإن موجب قلب الواو ياء اجتماع الواو والياء وسبق إحداها بالسكون، وإنما قدم قلب الضمة كسرة3 في "أجر" والواو ياء3 في "مسلمي" ناشئ عن قلب الواو ياء.
"أو" كان قبل الواو "فتحة أبقيت" لتدل على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين "كـ: مصطفى" بفتح الفاء: جمع "مصطفى" بالقصر، وأما "مصطفِي" بكسر الفاء: فإنه جمع "مصطف" بالنقص، "وتسلم ألف التثنية" من القلب ياء اتفاقًا كـ"مسلماي" إذ لا موجب لقلبها ياء، وأطلق الناظم فقال:
423-
وألفا سلم........... ... .............................
"وأجازت هذيل في ألف المقصور قلبها ياء" عوضًا عن كسرة الحرف التي يستحقها ما قبل الياء، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
423-
........... عن ... هذيل انقلابها ياء حسن
"كقوله" وهو أبو ذؤيب الهذلي: [من الكامل]
577-
"سبقوا هوي وأعتقوا لهواهم" ... فتخرموا ولكل جنب مصرع
__________
1 في "ط": "قدموا".
2 سقطت من "ب".
3 سقطت من "ط"، "ب".
577- البيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين 1/ 7، وإنباه الرواة 1/ 52، والدرر 2/ 165، وسر صناعة الإعراب 2/ 700، وشرح شواهد المغني 1/ 262، وشرح قطر الندى ص191، وشرح المفصل 3/ 33، وكتاب اللامات ص98، ولسان العرب 15/ 372، "هوا" والمحتسب 1/ 76، والمقاصد النحوية 3/ 493، وهمع الهوامع 2/ 53، وتاج العروس "هوي"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 199، وشرح ابن الناظم ص295, وشرح الأشموني 2/ 331، وشرح ابن عقيل 2/ 90، وشرح التسهيل 3/ 283، وشرح الكافية الشافية 2/ 1004.(1/741)
فـ"هَوِيَّ" أصله "هَواي" فقلب الألف ياء وأدغمها في ياء المتكلم، والواو في "سبقوا" تعود إلى بنيه الخمسة في قوله: "أودى بني"، و"أعتقوا": تبع بعضهم بعضًا في الموت، و"تخرموا" بالخاء المعجمة والراء؛ مبني للمفعول، أي: خرمتهم المنية واحدًا بعد واحد.
وهذيل بالتصغير، قال ابن السيد: يجوز أن يكون تصغير "هذلول"، وهو المرتفع من الأرض ويجوز أن يكون تصغير "مهذول" وهو المضطرب، من تصغير الترخيم فيهما.
ا. هـ. وهذيل حي من مضر وهو هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر أخو خزيمة بن مدركة1 أمهما هند بنت وبرة أخت كلب بن وبرة.
ولا يختص قلب ألف المقصور ياء بلغة هذيل بل حكاها عيسى بن عمرو بن قريش وحكاها الواحدي في البسيط عن طيئ في قوله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} [طه: 123] وبها قرأ أبو عاصم الجحدري وابن [أبي] 2 إسحاق وعيسى بن عمر "هدي" و"هي عصيّ" ورويت3 عن النبي صلى الله عليه وسلم قاله الشاطبي.
"واتفق الجميع" من العرب "على ذلك" وهو قلب الألف ياء مع ياء المتكلم "في: علي، و: لدي" الظرفيتين كما قيده المرادي وهو ظاهر، فإن الكلام في المضاف إلى ياء المتكلم وعلى الحرفية لا تضاف، وفي دعواه الاتفاق نظر، فإن بعض العرب لا يقلب فيقول: "لداي" و"علاي" قاله المرادي في شرح التسهيل.
"ولا يختص" قلب الألف ياء "بياء المتكلم بل هو عام في كل ضمير نحو: "عليه" و"لديه" و"علينا" و"لدينا" وكذا الحكم في" "إلى" نحو: "إلي"، وظاهر كلام المرادي السابق أن من يقول "لداي" يقول: إلاي، فإنه قال؛ بعد أن قال ذلك: وكذلك "إلي"، ا. هـ.
وأفرد "إلى" عن أخواتها؛ لأنها تستعمل ظرفًا وإن كانت تقع اسمًا لواحد الآلاء وهي النعم، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب، والحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، وهذا آخر النصف الأول من شرح التوضيح للشيخ خالد رحمه الله ونفعنا ببركاته في الدنيا والآخرة آمين، تم.
__________
1 جمهرة أنساب العرب ص11.
2 سقطت من جميع النسخ، والتصويب من مختصر ابن خالويه ص5، ومعجم القراءات 3/ 240.
3 مختصر ابن خالويه ص5.(1/742)
فهرس المحتويات:
3 مقدمة المحقق
3 مقدمة المؤلف
6 شرح خطبة الكتاب
15 باب الكلام وما يتألف منه
41 باب شرح المعرب والمبني
93 باب النكرة والمعرفة
123 باب العلم
142 باب أسماء الإشارة
148 باب الموصول
179 باب المعرف بالأداة
189 باب المبتدأ والخبر
233 باب الأفعال الداخلة على المبتدأ
277 باب أفعال المقاربة
293 باب الأحرف الثمانية
336 باب لا العاملة عمل إن المشددة
358 باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر بعد استيفاء فاعلها
385 باب ما ينصب مفاعيل ثلاثة(1/743)
392 باب الفاعل
421 باب النائب عن الفاعل
441 باب الاشتغال
462 باب التعدي واللزوم
475 باب التنازع في العمل
490 باب المفعول المطلق
509 باب المفعول له
515 باب المفعول فيه
528 باب المفعول معه
537 باب المستثنى
569 باب الحال
616 باب التمييز
630 باب حروف الجر
673 باب الإضافة
743 فهرس المحتويات(1/744)
المجلد الثاني
باب إعمال المصدر وإعمال اسمه
...
بسم الله الرحمن الرحيم 1
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم
"هذا باب إعمال المصدر و" إعمال "اسمه":
ومدلوهما مختلف؛ فمدلول المصدر الحديث. ومدلول اسم المصدر لفظ المصدر الدال على الحديث. فدلالة اسم المصدر على الحدث إنما هي بواسطة دلالته على المصدر.
وتحقيق ماهيتهما أن يقال: "الاسم الدال على مجرد الحدث" من غير تعرض لزمان؛ "إن كان علمًا" موضوعًا على معنى، "كـ: فجار وحماد"، علمين "لـ: الفجرة", بسكون الجيم، "والمحمدة"، بفتح الميم الأولى وكسر الثانية، "أو" كان "مبدوءًا بميم زائدة لغير المفاعلة، كـ: مضرب ومقتل"، بفتح أولهما وثالثهما، "أو" كان "متجاوزًا فعله الثلاثة، وهو بزنة اسم حدث الثلاثي كـ: غسل ووضوء", بضم أولهما "في قولك: اعتسل غسلا، وتوضأ وضوءًا؛ فإنهما"، أي: فإن الغسل "بزنة القرب، و" الوضوء بزنة "الدخول في" قولك: قرب قربًا ودخل دخولا، فهو اسم مصدر"، جواب الشرط، وهو "إن كان" والشرط وجوابه خبر المبتدأ. وهو قوله أولا: "الاسم الدال".
__________
1 البسملة وما بعدها سقطت من "ب"، و"ط".(2/3)
والأجود في مثل هذا التركيب؛ كما قال الموضح في الحواشي؛ حذف الفاء وجعل ما بعدها خبر المبتدأ، والشرط معترض بينهما، وجوابه محذوف على حد قول الناظم:
14-
والأمر إن لم يك للنون محل ... فيه هو اسم.........................
وما ذكره هنا من أن المبدوء بميم زائدة لغير المفاعلة اسم مصدر تبع فيه ابن الناظم1.
وقال في شرح الشذور2: إنه مصدر: يسمى المصدر اليممي، وإنما سموه أحيانًا اسم مصدر تجوزًا. انتهى. "وإلا" يكن3 كذلك "فمصدر".
"ويعمل المصدر عمل فعله" في التعدي واللزوم "إن كان يحل محله فعل، إما مع: أن" المصدرية والزمان ماض أو مستقبل؛ فالأول: "كـ: عجبت من ضربك زيدًا أمس، و" الثاني نحو: "يعجبني ضربك زيدًا غدًا"، فالمصدر في هذين المثالين يحل محله "أن" وفعل ماض في الأول؛ "أي: أن ضربته" أمس، "و" "أن" وفعل مضارع في الثاني؛ أي: "أن تضربه" غدًا.
"وإما مع: ما" المصدرية والزمان حال فقط، "كـ: يعجبني ضربك زيدًا الآن؛ أي: ما تضربه" الآن، "ولا يجوز في نحو: ضربت ضربًا زيدًا"، من المصدر المؤكد لعامله، "كون "زيدًا" منصوبًا بالمصدر؛ لانتفاء هذا الشرط"؛ لأنه لا يحل محله فعل مع "أن" أو "ما" وإنما هو منصوب بـ: ضربت، اتفاقًا؛ لأن المصدر المؤكد لا يعمل.
وأما المصدر النائب عن فعله نحو: ضربًا زيدًا، ففيه خلاف، فذهب ابن مالك؛ في التسهيل4؛ إلى جواز إعماله، وصحح الموضح؛ في شرح القطر5؛ المنع، وعلله: بأن المصدر هنا إنما يحل الفعل وحده بدون "أن" و"ما". انتهى. فـ: زيدًا، في المثال منصوب بالمصدر عند ابن مالك، وبالفعل المحذوف النائب عنه المصدر عند الموضح. وإلى إعمال المصدر عمل فعله أشار الناظم بقوله:
424-
بفعله المصدر الحق في العمل ... .......................................
__________
1 شرح ابن الناظم ص296.
2 شرح شذور الذهب ص410-411.
3 في "ب": "يك".
4 التهسيل ص88.
5 شرح قطر الندى ص261.(2/4)
425-
إن كان فعل مع أن أو ما يحل ... محله..............................
وبقي من شروط إعمال المصدر شروطه العدمية1، فهي أن لا يكون مصغرًا، فلا يجوز: أعجبني ضريبك زيدًا، ولا مضمرًا؛ فلا يجوز: ضربي زيدًا حسن وهو عمرًا قبيح، خلافًا للكوفيين، ولا محدودًا؛ فلا يجوز: أعجبتني ضربتك زيدًا، ولا موصوفًا، قبل العمل؛ فلا يجوز: أعجبني ضربك الشديد زيدًا، ولا محذوفًا؛ فلا يقال: إن باء البسملة متعلقة بمصدر محذوف تقديره: ابتدائي2، خلافًا لقوم.
ولا مفصولا من معموله بأجنبي فلا يقال: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 9] معمول لـ: {رَجْعِهِ} [الطارق: 8] لأنه قد فصل بينهما بالخبر، ولا مؤخرًا عن معموله؛ فلا يجوز: أعجبني زيدًا ضربك، قاله في شرح القطر3 أحدًا من التسهيل4.
"وعمل المصدر مضافًا أكثر" من عمله غير مضاف، وهو متفق عليه5، ويضاف إلى الفاعل تارة وإلى المفعول أخرى؛ فالأول "نحو: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} " [البقرة: 251] ، والثاني كقوله: [من الطويل] .
578-
ألا إن ظلم نفسه المرء بين ... إذا لم يصنها عن هوى يغلب العقلا
"و" عمله "منونًا أقيس" من عمله مضافًا؛ لأن يشبه الفعل بالتنكير6 "نحو: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا} [البلد: 14، 15] فـ: إطعام، مصدر وفاعله محذوف, ويتيمًا مفعوله، والتقدير: أو إطعامه يتيمًا. والمسغبة: المجاعة، من سغب: إذا جاع. ومنع الكوفيون إعمال المصدر المنون، وحملوا ما بعده من مرفوع ومنصوب على إضمار فعل.
"و" عمله معرفًا "بـ"أل" قليل" في السماع, "ضعيف" في القياس؛ لبعده
__________
1 سقط من "ب": "شروطه العدمية".
2 في "ب": "ابتداء".
3 شرح قطر الندى ص266.
4 التسهيل ص142.
5 في شرح الناظم ص297: "وإذا كان في المصدر شرط العمل فأكثر ما يعمل مضافًا"، وانظر الارتشاف 3/ 177، وهمع الهوامع 2/ 93.
578- البيت بلا نسبة في شرح قطر الندى ص267، وتقدم برقم 327.
6 في شرح ابن الناظم ص297: "وإعمال المصدر مضافًا أكثر، ومنونًا أقيس، وقد يعمل مع الألف واللام"، وانظر الارتشاف 3/ 177، وهمع الهوامع 2/ 93.(2/5)
من مشابهة الفعل بدخول "أل" عليه "كقوله": [من المتقارب]
579-
ضعيف النكاية أعداءه ... يخال الفرار يراخي الأجل
فـ: النكاية: مصدر مقرون بـ"أل" وفاعله محذوف، وأعداءه: مفعوله.
والمعنى: ضعيف نكايته أعداءه، يظن أن الفرار من الموت يباعد الأجل. وفي التنزيل: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة: 8] . واختلف في المصدر المقرون بـ"أل" على أربعة أقوال؛ فسيبويه يعمله1، والكوفي لا يعمله، كما لا يعمل المنون2 وجوزه الفارسي على قبح3، وابن طلحة إن كانت "أل" فيه معاقبة للضمير، كما في البيت، ومنع: عجبت من الضرب زيد عمرًا، ووافقه أبو حيان4، ويرد عليهما قوله: [من الطويل]
580-
عجبت من الرزق المسيء إلهه ... وللترك بعض الصالحيين فقيرا
أي: عجبت من أن رزق المسيء إلهه، ومن أن ترك بعض الصاحلين فقيرًا. وإلى إعمال المصدر في أحوال الثلاثة أشار الناظم بقوله:
424-
............................ ... مضافًا أو مجردًا أو مع أل
"واسم المصدر إن كان علمًا لم يعمل اتفاقًا" لتعريفه5 بالعلمية، والأعلام لا تعمل، "وإن كان ميميًّا فكالمصدر" في العمل "اتفاقًا" لأنه مصدر حقيقة، كما "64" تقدم عن شرح الشذور6 "كقوله"؛ وهو الحارث بن خالد المخزومي، ونسبه
__________
579- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 208؛ وخزانة الأدب 8/ 127، والدرر 2/ 304، وشرح ابن الناظم ص297؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 394، وشرح الأشموني 1/ 333، وشرح التسهيل 3/ 116، وشرح شذور الذهب ص384، وشرح شواهد الإيضاح ص136؛ وابن عقيل 2/ 95، وشرح الكافية الشافية 2/ 1013"؛ وشرح المفصل 6/ 59، 64، والكتاب 1/ 192، والمقرب 1/ 131، والمنصف 3/ 71، وهمع الهوامع 2/ 93.
1 الكتاب 1/ 319، وانظر الدرر 2/ 305.
2 الدرر 2/ 305.
3 الإيضاح العضدي 3/ 160.
4 الارتشاف 3/ 177.
580- البيت بلا نسبة في شرح قطر الندى ص269.
5 في "أ": "لتعرفه".
6 شرح شذور الذهب ص410-411.(2/6)
الموضح في المغني1 للعرجي تبعًا للحريري: [من الكامل]
581-
أظلوم إن مصابكم رجلا ... أهدى السلام تحية ظلم
فـ"مصاب" مصدر ميمي مضاف إلى فاعله، ورجلا: مفعول، وجملة "أهدى السلام": نعت رجلا, وتحية: مفعول مطلق، على حد: قعدت جلوسًا، وظلم: خبر "إن"، وظلوم: منادى بالهمزة.
"وإن كان" اسم المصدر "غيرهما" أي غير العلم والميمي، وهو ما جاوز فعله الثلاثة وهو بزنة حدث2 الثلاثي، "لم يعمل عند البصريين"؛ لأن أصل وضعه لغير المصدر؛ فـ: الغسل موضوع لما يغتسل به، والوضوء لما يتوضأ به، ثم استعمل في الحدث، "ويعمل عند الكوفيين والبغداديين"؛ لأنه الآن دال على الحدث، "وعليه قوله"؛ وهو القطامي: [من الوافر]
582-
أكفرًا بعد رد الموت عني ... وبعد عطائك المائة الرتاعا
فـ"عطائك" اسم مصدر مضاف إلى فاعله، والمائة: مفعوله الثاني، وحذف الأول؛ أي عطائك إياي المائة، على حد: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: 29] أي: يعطوكم الجزية.
__________
1 مغني اللبيب 2/ 538.
581- البيت للحارث بن خالد المخزومي في ديوانه ص91، والاشتقاق ص51، 99، وخزانة الأدب 1/ 454، والدرر 2/ 309، ومعجم ما استعجم ص504 "الخطم"، وللعرجي في ديوانه ص193، ودرة الغواص ص96، ومغني اللبيب 2/ 538، وللحارث أو للعرجي في إنباه الرواة 1/ 284، وشرح شواهد المغني 2/ 892، والمقاصد النحوية 3/ 502، ولأبي دهبل الجمحي في ديوانه ص66، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 226، وأوضح المسالك 3/ 210، وشرح الأشموني 2/ 336، وشرح شذور الذهب ص411، وشرح عمدة الحافظ ص731، ومجالس ثعلب ص270، ومراتب النحويين ص127، وهمع الهوامع 2/ 94.
2 في "ب": "حد".
582- البيت للقطامي في ديوانه ص37، وتذكرة النحاة ص456، وخزانة الأدب 8/ 136، 137، والدرر 1/ 408، وشرح شواهد المغني 2/ 849، وشرح عمدة الحافظ ص695، ولسان العرب 9/ 141 "رهف"، 15/ 69 "عطا"، ومعاهد التنصيص 1/ 179، والمقاصد النحوية 3/ 505، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 411، وأوضح المسالك 3/ 211، والدرر 2/ 213، وشرح ابن الناظم ص298، وشرح الأشموني 2/ 336، وشرح شذور الذهب ص412، وشرح ابن عقيل 2/ 99، ولسان العرب 8/ 163 "سمع"، 15/ 138 "غنا"، وهمع الهوامع 1/ 188، 2/ 95.(2/7)
والرتاع، بكسر الراء: جمع راتعة، وهي الإبل التي ترتع1: نعت "مائة".
والخطاب لزفر بن الحارث الكلابي، وكان من خبره أن القطامي أسر، فخلصه؛ زفر ورد عليه ماله، وأعطاه مائة بعير من غنائم القوم الذين أسروه. وما ذكره الموضح من التفصيل والخلاف في عمل اسم المصدر لا ينافيه قول الناظم:
425-
........................... ... ... ولاسم مصدر عمل
بالتنكير؛ لأن ذلك صادق عليه.
"ويكثر أن يضاف إلى فاعله" لشدة اتصاله به. "ثم يأتي مفعوله" منصوبًا "نحو: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} [البقرة: 251] فـ"دفع" مصدر مضاف إلى فاعله وهو "الله" و"الناس" مفعوله، والمعنى: ولولا أن دفع الله الناس بعضهم ببعض لغلب المفسدون، وتعطلت المصالح.
"ويقل عكسه"، وهو أن يضاف إلى المصدر إلى مفعوله، ثم يأتي فاعله مرفوعًا، "كقوله" وهو الأقيشر الأسدي: [من البسيط]
583-
أفنى بلادي وما جمعت من نشب ... قرع القواقيز أفواه الأباريق
فـ"قرع"، بالقاف والعين المهملة، مرفوع على الفاعلية بـ"أفنى"، وهو مصدر مضاف إلى مفعوله، وهو"القواقيز"؛ بقافين وزاي معجمة2: أقداح يشرب بها الخمر، واحدتها قاقوزة، وأما قازوزة؛ بزاءين معجمتين؛ فجمعها "قوازيز" كـ: قوارير، بمهملتين، جمع "قارورة", وأفواه: فاعل المصدر، وهو جمع "فم" وأصله: فوه؛ فلذلك ردت في الجمع. والأباريق: جمع إبريق، وروي بنصب الأفواه، فيكون من القسم الأول. وتلادي، بكسر التاء المثناة فوق: المال القديم، من تراث وغيره، "وجمعت" بتشديد الميم، و"النشب" بفتح النون والشين المعجمة: اسم يقع على الضياع والدور والأمول الثابتة التي لا يقدر الإنسان أن يرتحل بها.
__________
1 في "ب"، "ط": "ترتعي".
583- البيت للأقيشر الأسدي في ديوانه ص60، والأغاني 11/ 259، وخزانة الأدب 4/ 491، والدرر 2/ 307، وشرح شواهد المغني 2/ 891، والشعر والشعراء ص565، واللسان 5/ 396 "قفز"، والمؤتلف والمختلف 56، والمقاصد النحوية 3/ 508، وبلا نسبة في إصلاح المنطق 338، والإنصاف 1/ 233، وأوضح المسالك 3/ 212، وشرح الأشموني 2/ 337، وشرح شذور الذهب ص383، واللمع 271، ومغني اللبيب 2/ 536، والمقتضب 1/ 21، والمقرب 1/ 130، وهمع الهوامع 2/ 94.
2 سقطت من "ب".(2/8)
وقيل: "تختص" إضافة المصدر إلى مفعوله "بالشعر"، كهذا البيت، ورد بالحديث وهو قوله -صلى الله عليه وسلم: "وحج البيت من استطاع إليه سبيلا" 1 فـ"حج"، مصدر يحل محله "أن" والفعل، وهو مضاف إلى مفعوله، وهو "البيت" و"من" الموصولة: فاعله، "أي: وأن يحج البيت المستطيع". وللمانع أن يجيب بأن الحديث يحتمل أن يكون مرويًا بالمعنى فلا دليل فيه.
"وأما إضافته إلى الفاعل ثم لا يذكر المفعول" في اللفظ، "وبالعكس" وهو أن يضاف إلى المفعول ثم لا يذكر الفاعل في اللفظ، "فكثير فيهما "فالأول: {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} " [إبراهيم: 40] .
"و" الثاني "نحو: {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} " [فصلت: 49] فـ"دعائي" مصدر مضاف إلى الفاعل، وهو ياء المتكلم، و"دعاء الخير" مصدر مضاف إلى المفعول وهو "الخير" فحذف من الأول المفعول، ومن الثاني الفاعل. "ولو ذكر1 لقيل: دعائي إياك، ومن دعائه الخير". وهو أحد المواطن الأربعة التي يطرد فيها حذف الفاعل، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
426-
وبعد جره الذي أضيف له ... كمل بنصب أو برفع عمله
"وتابع المجرور" فاعلا كان المجرور أو مفعولا "يجر على اللفط، أو يحمل على المحل، فيرفع" إن كان المجرور فاعلا، "كقوله"؛ وهو لبيد العامري؛ يصف حمارًا وأتانًا وحشيين: [من الكامل]
584-
حتى تهجر في الرواح وهاجها ... طلب المعقب حقه المظلوم
فـ"طلب" بالنصب: مصدر مفعول مطلق نوعي مضاف إلى فاعله، وهو "المعقب" بكسر القاف: وهو الغريم، لأنه يأتي عقب غريمه، و"حقه" مفعول المصدر، و"المظلوم" بالرفع، نعت لـ"المعقب"،على محله؛ أي: كما يطلب المعقب المظلوم حقه. "وينصب" إن كان المجرور مفعولا، "كقوله" وهو زياد العنبري3 لا رؤبة:
__________
1 أخرجه البخاري في المسند 2/ 26، 93, 4/ 363.
2 في "ب"، "ط": "ذكرًا".
584- تقدم تخريج البيت برقم 354.
3 في "ط": "العنتري".(2/9)
[من الرجز]
585-
قد كنت دانيت بها حسانا ... مخافة الإفلاس والليانا
فـ"مخافة" مفعول لأجله، وهو مصدر مضاف إلى مفعوله، والفاعل محذوف، أي: مخافتي الإفلاس، و"الليان" بكسر السلام وفتحها، وهو الأكثر: المطل بالدين؛ معطوف بالنصب على محل الإفلاس، وإلى ذلك إشار الناظم بقوله:
427-
وجر ما يتبع ما جر ومن ... راعي في الإتباع المحل فحسن
هذا مذهب الكوفيين وبعض البصرين، ومذهب سيبويه1 والجمهور منع الإتباع على المحل وما جاء من ذلك مؤول.
قال المرادي2: والظاهر الجواز لكثرة الشواهد على ذلك، والتأويل على خلاف الظاهر.
__________
585- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص187، والكتاب 1/ 191، 192، ولزياد العنبري في شرح المفصل 6/ 65، وله أو لرؤبة في الدرر 2/ 486، وشرح شواهد الإيضاح ص131، وشرح شواهد المغني 2/ 869، والمقاصد النحوية 3/ 520، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 215، وخزانة الأدب 5/ 102، وشرح ابن عقيل 2/ 105، وشرح الناظم ص300، وشرح المفصل 6/ 69، ومغني اللبيب 2/ 476، وهمع الهوامع 2/ 145.
1 الكتاب 1/ 191.
2 شرح المرادي 3/ 13.(2/10)
باب إعمال اسم الفاعل
مدخل
...
باب إعمال اسم الفاعل:
عمل فعله في التعدي واللزوم:
"وهو ما دل على الحدث والحدوث1 وفاعله", فالدال على الحدث بمنزلة الجنس يشمل جميع الأوصاف والأفعال. "فخرج بـ" ذكر2 "الحدوث3" اسم التفضيل "نحو: أفضل و" الصفة المشبهة "نحو: حسن، فإنهما" لا يدلان على الحدوث، "وإنما يدلان على الثبوت، وخرج بذكر: فاعله" اسم مفعول "نحو: "مضروب، و" الفعل نحو: "قام" فإن اسم المفعول إنما يدل على المفعول لا على الفاعل، والفعل إنما يدل على الحدث والزمان بالوضع، لا على الفاعل، وإنما دل عليه بالالتزام.
وفي غالب النسخ تقديم الحدوث على الحدث، والصواب خلافه؛ لأن الفصل لا يتقدم على الجنس في اصطلاح أهل الميزان "فإن كان" اسم الفاعل "صلة لـ"أل" عمل" عمل فعله "مطلقًا"، ماضيًا كان أو غيره، معتمدًا أو غير معتمد، تقول: جاء الضارب زيدًا أمس أو الآن أو غدًا، وذلك لأن "أل" هذه موصولة "وضارب" حال محل "ضرب" إن أريد المضي، أو "يضرب" إن أريد غيره، والفعل في جميع الحالات، فكذا ما حل محله، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
431-
وإن يكن صلة أل ففي المضي ... وغيره إعماله قد ارتضي
__________
1 سقطت من "ب".
2 سقطت من "ب".
3 في "ب": "بالحدث".(2/11)
"وإن لم يكن " اسم الفاعل صلة لـ"أل" "عمل" عمل فعله "بشرطين" عدميين، وبشرطين وجوديين: فالعدميان: أحدهما: أن لا يوصف، والثاني: أن لا يصغر، خلافًا للكسائي فيهما. والوجوديان:
"أحدهما: كونه للحال أو للاستقبال"؛ لأنه إنما عمل حملا على المضارع؛ لما بينهما من الشبه اللفظي والمعنوي؛ "لا للماضي"؛ لأنه لم يشبه لفظ الفعل الذي هو بمعناه، "خلافًا للكسائي" في إجازة عمله بمعنى الماضي، وتبعه على ذلك هشام وأبو جعفر وجماعة، واستدلوا بقوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف: 18] وجه الدلالة منه أن "باسط" بمعنى الماضي وعمل في "ذراعيه" النصب. "وقال" المانعون: "لا حجة له ولهم في "باسط ذراعيه" لأنه على" إرادة "حكاية الحال" الماضية، "فالمعنى: يبسط ذراعيه", فيصح وقوع المضارع موقعه "بدليل" أن الواو في "وكلبهم" واو الحال؛ إذ يحسن أن يقال: جاء زيد وأبوه يضحك، ولا يحسن: وأبوه ضحك؛ "و" لذا قال سبحانه وتعالى: {وَنُقَلِّبُهُم} [الكهف: 18] بالمضارع الدال على الحال. "ولم يقل: وقلبناهم"، بالماضي، ومحل الخلاف في رفعه الظاهر ونصبه المفعول به، أما رفع الوصف الماضي الضمير المستتر فجائز اتفاقًا.
"و" الشرط الثاني: "اعتماده على استفهام أو نفي أو مخبر عنه أو موصوف" أو ذي حال؛ فالاستفهام والنفي "نحو: أضارب زيد عمرًا، وما ضارب زيد عمرًا، و" المخبر عنه نحو: "زيد ضارب أبوه عمرًا، و" الموصوف نحو: "مررت برجل ضارب أبوه عمرا" وذي الحال نحو: جاء زيد راكبا أبوه فرسًا.
"والاعتماد على المقدر" من الاستفهام والنفي والمخبر عنه والموصوف وذي الحال. "كالاعتماد على الملفوظ به" من ذلك "نحو: مهين زيد عمر أم مكرمه" فـ"مهين" رفع زيدا ونصب عما اعتمادًا على الاستفهام المقدر "أي: أمهين، ونحو: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} [النحل: 69] فـ"مختلف" رفع "ألوانه" اعتمادا على الموصوف المقدر "أي: صنف مختلف ألوانه، وقوله"؛ وهو الأعشى ميمون: "من البسيط"
586-
كناطح صخرة يومًا ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
__________
586- البيت للأعشى في ديوانه ص111، وتاج العروس "وعل"، وشرح ابن الناظم ص302، والمقاصد النحوية 3/ 529، وبلا نسبة في الأغاني 9/ 149، وأوضح المسالك 3/ 218، والرد على النحاة، 74، وشرح الأشموني 2/ 341، وشرح شذور الذهب ص390، وشرح ابن عقيل 2/ 109، وشرح الكافية الشافية 2/ 1030.(2/12)
فـ"ناطح" نصب "صخرة" اعتمادًا على الموصوف المقدر؛ أي: كوعل ناطح.
والوعل، بفتح الواو مع فتح العين المهملة أو كسرها، كـ: فرس أو كتف، وقد يقال بضم الواو وكسر العين، كـ: دئل، وهو نادر، والمراد به هنا: تيس الجبل، بجيم وموحدة مفتوحتين، ويقال له الأيل، بفتح الهمزة وتشديد الياء المثناة آخر الحروف المكسورة. ويوهنها: يزعزعها.
"ومنه" أي: من الاعتماد على الموصوف المقدر: "يا طالعًا جبلا" فـ"طالعًا" نصب "جبلا" لاعتماده على الموصوف المقدر أي: يا رجلا طالعًا، وقول ابن مالك في النظم:
429-
............... او حرف ندا ... أو نفيًا او جا صفه أو مسندا
تصريح منه "أنه اعتمد على حرف النداء"، وذلك "سهو" لأن المعتمد عليه ما يقرب الوصف من الفعل، وحرف النداء لا يصلح لذلك "لأنه مختص بالاسم" لكونه من علاماته، فكيف يكون مقربًا من الفعل؟ " قاله ابن الناظم بمعناه1، وإلى هذين الشرطين أشار الناظم بقوله:
428-
كفعله اسم فاعل في العمل ... إن كان عن مضيه بمعزل
429-
وولي استفهامًا او حرف ندا ... أو نفيًا او جا صفه أو مسندا
وأشار إلى الاعتماد على المقدر بقوله:
وفي المغني2: أن اشتراط الاعتماد وكون الوصف بمعنى الحال أو الاستقبال إنما هو للعمل في المنصوب لا لمطلق العمل بدليلين: أحدهما: أنه يصح: زيد قائم أبوه أمس، والثاني: إنهم لم يشترطوا لصحة نحو: أقائم الزيدان، كون الوصف بمعنى الحال أو الاستقبال، انتهى. وذهب الأخفش إلى أنه يعمل وإن لم يعتمد على شيء من ذلك، واستدل بنحو قوله: [من الطويل] .
587-
خبير بنو لهب................. ... .................................
البيت ... وتقدم في باب المبتدأ أنه محمول على التقديم والتأخير.
__________
1 شرح ابن الناظم ص301.
2 مغني اللبيب 2/ 470.
587- تقدم تخريجه برقم 138 وتمامه:
خبير بنو لهب فلا تك ملغيًا ... مقالة اللهبي إذا الطير مرت(2/13)
فصل:
"تحول1 صيغة فاعل للمبالغة" في الفعل "والتكثير" فيه "إلى" خمسة أوزان: "فعال"، بفتح الفاء وتشديد العين، كـ: ضراب، "أو فعول"، بفتح الفاء، كـ: ضروب، "أو: مفعال"، بكسر الميم، كـ: مضراب، "بكثرة"، وإليها أشار الناظم بقوله:
432-
فعال أو مفعال أو فعول ... في كثرة عن فاعل بديل
"وإلى: فعيل" بفتح الفاء وكسر العين وبعدها ياء كـ: ضريب، "أو: فعل" بفتح الفاء وكسر العين من غير ياء، كـ: ضرب، "بقلة"، وإليهما أشار الناظم بقوله:
433-
.......................... ... وفي فعيل قل ذا وفعل
وتسمى هذه الخمسة أمثلة المبالغة، "فيعملن عمله بشروطه" المتقدمة، وإلى ذلك يشير قول الناظم.
433-
فيستحق ما له من عمل ... ...............................
"قال" القلاخ بالقاف المضمومة وبالخاء المعجمة: [من الطويل]
588-
أخا الحرب لباسا إليها جلالها ... وليس بولاج الخوالف أعقلا
فنصب "جلالها" بـ: لباس، لاعتماده على صاحب الحال، وذلك لأن "أخا الحرب" و"لباس" حالان تقدم صاحبهما في البيت قبله2، وأراد بـ: الجلال؛ بالجيم؛ ما
__________
1 في "ب": "تحويل".
588- البيت للقلاخ بن حزن في خزانة الأدب 8/ 157، والدرر 2/ 318، وشرح أبيات سيبويه 1/ 363، وشرح المفصل 6/ 79، 80، والكتاب 1/ 111، ولسان العرب 11/ 83 "ثعل"، والمقاصد النحوية 3/ 535، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 319، وأوضح المسالك 3/ 220، وشرح ابن الناظم ص303، وشرح الأشموني 1/ 342، وشرح التسهيل 3/ 79، وشرح شذور الذهب ص392، وشرح ابن عقيل 2/ 112، وشرح الكافية الشافية 2/ 1032، والمقتضب 2/ 113، وهمع الهوامع 2/ 96.
2 البيت هو:
فإن تك فاتتك السماء فإنني ... بأرفع ما حولي من الأرض أطولا
انظر المقاصد النحوية 3/ 535.(2/14)
يلبس في الحرب من الدروع والجواشن، والولاج: مبالغة في "والج" من الولوج: وهو الدخول، والخوالف؛ بالخاء المعجمة: جمع خالفة، وهي في الأصل عماد البيت، وأراد بها البيت نفسه. وأعقلا؛ بالعين المهملة وبالقاف: من العقل، يقال: أعقل الرجل، إذا اضطربت رجلاه من الفزع، ونصبه على الحال أو على الخيرية لـ: ليس، إن لم يمنع تعداد خبرها. والمراد أنه ثابت القدم في الحرب. وبينه وبينها مؤاخاة؛ وإذا قامت الحرب لا يلج البيت ولا يستتر فيه، بل يظهر ويحارب.
"وقال" أبو طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرثية ختنه أبي أمية بن المغيرة المخزومي: [من الطويل] .
589-
ضروب بنصل السيف سوق سمانها ... إذا عدموا زادا فإنك عاقر
فنصب "سوق" جمع "ساق" بـ: ضروب؛ لاعتماده على ذي خبر محذوف؛ أي: هو ضروب، أو: أنت ضروب. ونصل السيف: شفرته؛ ولذلك أضافه إلى السيف، وقد يسمى السيف كله نصلا. والمراد: أنه كان يعرقب الإبل السمان للضيفان عند عدم الزاد.
"وحكى سيبويه" بمعناه: "إنه لمنحار بوائكها1"، فنصب "بوائكها" جمع "بائكة" وهي السمينة الحسناء من النوق؛ بـ: منحار؛ بالحاء المهملة، مبالغة في "ناحر" لاعتماده على مخبر عنه وهو اسم "إن". "وقال" عبيد الله بن قيس الرقيات: [من الطويل]
590-
فتاتان أما منهما فشبيهة هلالا ... وأخرى منهما تشبه البدرا
فنصب "هلالا" بـ: شبيهة، مبالغة في "مشبهة" لاعتمادها على ذي خبر محذوف، تقديره: أما فتاة منهما فشبيهة هلالا. "وقال" زيد الخيل؛ سمي بذلك لأنه كان له
__________
589- البيت لأبي طالب بن عبد المطلب في خزانة الأدب 4/ 242، 245، 8/ 146، 147، 157، والدرر 2/ 319، وشرح أبيات سيبويه 1/ 70، وشرح شذور الذهب ص393، وشرح المفصل 6/ 70، والكتاب 1/ 111، والمقاصد النحوية 3/ 539، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 221، وشرح الأشموني 2/ 342، وشرح قطر الندى ص275، والمقتضب 2/ 114، وهمع الهوامع 2/ 97.
1 الكتاب 1/ 112، وهو من شواهد شرح ابن الناظم ص303، وشرح ابن عقيل 2/ 113.
590- البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ص34، وفيه: "الشمسا" مكان "البدرا" وشرح التسهيل 3/ 81، وشرح الكافية الشافية 2/ 1037، وشرح ابن الناظم ص304، وشرح عمدة الحافظ ص680، والمقاصد النحوية 3/ 542.(2/15)
خمسة أفراس مشهورة فأضيف إليها، وسماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيد الخير؛ بالراء: [من الوافر]
591-
أتاني أنهم مزقون عرضي ... جحاش الكرملين لها فديد
فنصب "عرضي" بـ: مزقون، جمع "مزق" بالزاي، مبالغة في "مازق" لاعتماده على اسم "أن المفتوحة على الفاعلية لـ: أتاني.
وعرض الرجل: جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه، والجحاش، بجيم ثم حاء مهملة وآخره شين معجمة، جمع جحش؛ وهو الصغير من الحمير؛ خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هم جحاش، والكرملين؛ بكسر الكاف وفتح اللام: اسم ماء في جبل طيئ، والفديد؛ بالفاء، الصياح والتصويت.
يقول: إن هؤلاء القوم عندي بمنزلة جحوش هذا الموضع الذي يصوت عنده. وإعمال أمثلة المبالغة قول سيبويه وأصحابه، وحجتهم في ذلك السماع والحمل على أصلها، وهو اسم الفاعل؛ لأنها متحولة عنه لقصد المبالغة، ولم يجز الكوفيون إعمال شيء منها لمخالفتها لأوزان المضارع ولمعناه، وحملوا المنصوب بعدها على تقدير فعل، ومنعوا تقديمه عليها، ويرد عليهم قول العرب: أما العسل فأنا شراب1.
ولم يجز بعض البصريين إعمال فعيل وفعل، وأجاز الجرمي إعمال فعل دون فعيل؛ لأنه على وزن الفعل، كـ: علم وفهم وفطن.
__________
591- البيت لزيد الخيل في ديوانه ص176، وخزانة الأدب 8/ 169، والدرر 2/ 319، وشرح ابن الناظم ص305، وشرح شذور الذهب ص394، وشرح عمدة الحافظ ص680، وشرح المفصل 6/ 73، والمقاصد النحوية 3/ 545، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 224، وشرح الأشموني 2/ 342، وشرح ابن عقيل 2/ 115، وشرح قطر الندى ص275، والمقرب 1/ 128.
1 الكتاب 1/ 111، وشرح ابن عقيل 2/ 111، وشرح ابن الناظم ص303.(2/16)
فصل:
"تثنية اسم الفاعل وجمعه" تصحيحًا وتكسيرًا وتذكيرًا وتأنيثًا، "وتثنية أمثلة المبالغة وجمعها كمفردهن في العمل والشروط"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
434-
وما سوى المفرد مثله جعل ... في الحكم والشروط حيثما عمل
"قال الله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ} " [الأحزاب: 35] فـ: الذاكرين: جمع ذاكر، وفاعله مستتر فيه، والجلالة: منصوبة به، ولا يحتاج إلى شرط لاقترانه بـ"أل".
"وقال الله تعالى: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} " [الزمر: 38] فـ: كاشفات: جمع كاشفة، وفاعلها مستتر فيها، وضره: مفعولها، وهي معتمدة على المخبر عنه وهو: هن.
"وقال" تعالى: " {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} " [القمر: 7] فـ: خشعًا؛ جمع خاشع؛ جمع تكسير في قراءة غير أبي عمرو وحمزة والكسائي1، وأبصارهم: فاعل به لاعتماده على صاحب الحال.
"وقال" عنترة العبسي: [من الكامل]
592-
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ... والناذرين إلا لم القهما دمي
فـ"دمي": منصوب بـ: الناذرين، هما تثنية "ناذر" بالذال المعجمة، وأراد بهما ابني ضمضم؛ حصينا ومرة، وأراد بـ"دمي": قتلي. والمعنى أنهما ينذران على أنفسهما في الخلاء أنهما إذا لقياه قتلاه، فإذا لقياه أمسكا عنه هيبة له وجبنا منهما. "وقال" طرفة بن العبد: [من الرمل]
__________
1 هي قراءة الأعرج وقتادة والجمهور، أما أبو عمرو وحمزة والكسائي فقرءوا: "خاشعًا" بالإفراد. انظر المحيط 8/ 175، والنشر 2/ 380.
592- البيت لعنترة في ديوانه 222، والأغاني 9/ 212، والشعر والشعراء 1/ 259، ومعاني القرآن للأخفش 1/ 388، والمقاصد النحوية 3/ 551، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 225، وشرح الأشموني 2/ 309.(2/17)
593-
ثم زادوا أنهم في قومهم ... غفر ذنبهم غير فخر
"غفر1" بضم الغين والفاء: "جمع: غفور" من أمثلة المبالغة، وفاعله مستتر فيه، "وذنبهم: مفعوله"، واعتماده على اسم "أن" المفتوحة على تقدير الباء، وفخر؛ بالخاء المعجمة: جمع "فخور" من الافتخار. ومعناه: أنهم زادوا على غيرهم بأنهم لا يفخرون بشرفهم، ولا يعجبون بنفوسهم، ولكنهم يتواضعون للناس. ويروى "فجر" بالجيم، جمع "فجور" من الفجور، وهو الكثير الفسق، ويقع على القليل والكثير يقال: فجر الرجل: إذا كذب. ومعناه: أنهم لا يفسقون ولا يكذبون. قاله ابن السيد في شرح أبيات الجمل.
__________
593- البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص55، وخزانة الأدب 8/ 188، والدرر 2/ 321، وشرح ابن الناظم ص305، وشرح أبيات سيبويه 1/ 68، وشرح التسهيل 3/ 80، وشرح عمدة الحافظ ص682، وشرح الكافية الشافية 2/ 1041، وشرح المفصل 6/ 74، 75، والكتاب 1/ 113، والمقاصد النحوية 3/ 548، ونوادر أبي زيد ص10، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص357، وأوضح المسالك 3/ 227، وشرح الأشموني 2/ 343، وشرح ابن عقيل "2/ 117، وهمع الهوامع 2/ 97.
1 سقطت من "ب".(2/18)
فصل:
"يجوز في الاسم الفضلة الذي يتلو الوصف العامل أن ينتصب به" أي: بالوصف، "وأن ينخفض بإضافته إليه" للتخفيف، مفردًا كان الوصف أو جمعًا، "وقد قرئ" في السبع: " {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: 3] و: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} [الزمر: 38] ؛ بالوجهين" النصب والخفض؛ فالنصب على المفعولية، والخفض بالإضافة، فالآية الأولى قرأها حفص بالخفض1، والباقون بالنصب2، والثانية قرأها غير أبي عمرو بالخفض1، وأبو عمرو وحده بالنصب3، وإليه أشار الناظم بقوله:
435-
وانصب بذي الإعمال تلوا واخفض ... ...........................................
"وأما ما عد التالي" للوصف "فيجب نصبه" لتعذر الإضافة بالفصل بالتالي, وإليه يشير قول الناظم:
543-
.................................. ... وهو لنصب ما سواه مقتضي
"نحو: خليفة، من قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} " [البقرة: 30] وفي بعض النسخ: "وسكنا" من: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام: 96] والصواب حذفها؛ لأن الوصف فيها غير عامل كما يأتي على الأثر، وإذا أتبع المجرور بالوصف بأحد التوابع الخمسة "فالوجه جر التابع على اللفظ، فتقول: هذا ضارب زيد وعمرو"، بالخفض عطفًا على لفظ زيد، "ويجوز نصبه بإضمار وصف منون، أو فعل اتفاقًا" أي: وضارب عمرًا، أو يضرب عمرًا، "و" يجوز نصبه "بالعطف على المحل عند بعضهم"، وهم الكوفيون
__________
1 أي كما في الرسم المصحفي.
2 قرأها بالنصب: نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب وخلف.
انظر الإتحاف ص418، ومعاني القرآن للفراء 3/ 163، والنشر 2/ 288.
3 ليس أبو عمرو وحده قرأها بالنصب، فقد قرأها مثله: عاصم والكسائي والحسن وابن محيصن وشيبة وشعبة ويعقوب والأعرج ويحيى بن وثاب. انظر الإتحاف ص376، والبحر 7/، ومعاني القرآن للفراء 2/ 420، والنشر 2/ 363.(2/19)
وطائفة من البصريين، خلافًا لسيبويه وجمهور البصريين، ويحتمل المذهبين قول الناظم:
436-
واجرر أو انصب تابع الذي انخفض ... كمبتغي جاه ومالا من نهض
"ويتعين إضمار الفعل إن كان الوصف غير عامل" بأن1 كان بمعنى الماضي، "فينصب: الشمس في: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ} [الأنعام: 96] بإضمار: جعل" أي: بإضمار فعل مناسب لمعنى الوصف "لا غير"؛ أي: لا غير الفعل يجوز إضماره، فليس لك أن تجعلها منصوبة بإضمار وصف منون، ولا بالعطف على المحل؛ لأن الوصف المذكور غير عامل؛ لكونه بمعنى الماضي، "إلا إن قدر "جاعل" على حكاية الحال"، فيجوز نصبها بإضمار وصف منون، أو بالعطف على محل "الليل" لأن "جاعل" على هذا عامل لكونه بمعنى "يجعل".
وأما إذا كان اسم الفاعل بمعنى الاستمرار في جميع الأزمنة ففي إضافته اعتباران: أحدهما: أنها محضة، باعتبار معنى المضي فيه، وبهذا الاعتبار يقع صفة للمعرفة ولا يعمل.
وثانيهما: أنها غير محضة باعتبار معنى الحال أو الاستقبال، وبهذا الاعتبار يقع صفة للنكرة، ويعمل فيما أضيف إليه. قال اليمني في شرح الكشاف2.
فعلى هذا يجوز أن تكون "الشمس" معطوفة على محل "الليل" باعتبار عمل "جاعل" فيه لصدقه على الحال والاستقبال، وأن تكون منصوبة بإضمار فعل ماض، باعتبار عدم عمله فيه، لصدقه على الماضي، وعلى هذا يحمل تجويز الزمخشري كون "الشمس" معطوفة على محل "الليل".
تنبيه: إذا قصد باسم الفاعل معنى الثبوت عومل معاملة الصفة المشبهة في رفع السببي؛ ونصبه على التشبيه بالمفعول به، إذا كان معرفة، وعلى التمييز إن كان نكرة، وجره بالإضافة، وهو في ذلك على ثلاثة أنواع:
أحدها: ما يجوز ذلك فيه اتفاقًا، وهو ما أخذ من فعل قاصر كـ: طاهر القلب.
والثاني: ما يمتنع ذلك فيه اتفاقًا، وهو ما يتعدى لأكثر من واحد.
والثالث: ما اختلف فيه، وهو ما يتعدى لواحد؛ فقال الأخفش بالجواز مطلقًا، وبعضهم بالمنع مطلقًا، وقال ابن عصفور وابن أبي الربيع: إن حذف مفعوله
__________
1 سقطت من "ب".
2 كشف غوامض الكشاف ص140.(2/20)
اقتصارًا جاز، وإلا امتنع، وهو الصحيح الذي يشهد به القياس والاستعمال. وشرط ابن مالك فيه أمن اللبس1، كقولك: فلان ظالم العبيد، أي أن عبيده ظالمون، وذلك إذا قتله مثلا بعد قول القائل: ليس عبيد فلان ظالمين، فحينئذ يجوز: ظالم العبيد، بالرفع، وظالم العبيد، بالنصب، وظالم العبيد، بالجر، كما في: الحسن الوجه، برفع الوجه ونصبه وخفضه، وشاهده من اللازم قول عبد الله بن رواحة: [من الطويل]
594-
تباركت أني من عذابك خائف ... وأني إليك تائب النفس باخع
وشاهده من المتعدي لواحد قول الآخر: [من البسيط]
595-
ما الراحم القلب ظلامًا وإن ظلما ... ولا الكريم بمناع وإن حرما
__________
1 التسهيل ص141.
594- البيت لعبد الله بن رواحة في شرح التسهيل 3/ 91، 104، وبلا نسبة في الدرر 2/ 334، وهمع الهوامع 2/ 99، 101.
595- البيت بلا نسبة في الدرر 2/ 335، وشرح الأشموني 2/ 346، وشرح التسهيل 3/ 104، والمقاصد النحوية 3/ 618، وهمع الهوامع 2/ 101.(2/21)
باب إعمال اسم المفعول:
"وهو ما دل على حدث ومفعوله"، فخرج بقوله: "ومفعوله" ما عدا اسم المفعول من الصفات والمصادر والأفعال الدالة على الأحداث، ويكون من الثلاثي المجرد، "كـ: مضروب، و" من المزيد فيه نحو: "مكرم"، بفتح الراء، ومن الرباعي المجرد كـ: مدحرج، ومن المزيد فيه: كـ: متدحرج.
"ويعمل عمل فعل المفعول" أي: الفعل المبني للمفعول، [وهو كاسم الفاعل في أنه إن كان" مقرونًا "بـ"أل" عمل مطلقًا"، لما تقدم من أنه واقع موقع الفعل لكونه صلة "أل"1 والفعل يعمل مطلقًا] 2.
"وإن كان مجردًا" من "أل" عمل "بشرط الاعتماد" على الاستفهام أو النفي أو المميز عنه أو الموصوف أو ذي الحال، "و" بشرط "كونه للحال أو للاستقبال"، لا للماضي، كما مر في اسم الفاعل حرفًا بحرف، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
437-
وكل ما قرر لاسم فاعل ... يعطى اسم مفعول بلا تفاضل
438-
فهو كفعل صيغ للمفعول في ... معناه.............................
"تقول" في المجرد من "أل" المعتمد على المخبر عنه: "زيد معطى أبوه درهما الآن أو غدًا". فـ: زيد: مبتدأ، ومعطى: خبره، وهو اسم مفعول متعد لاثنين، وأبوه: نائب الفاعل به، وهو مفعوله الأول، ودرهمًا: مفعوله الثاني، "كما تقول" في الفعل المبني للمفعول: "زيد يعطى أبوه درهمًا"، بلا فرق.
__________
1 سقطت من "أ".
2 ما بين المعكوفين سقط من "ب".(2/22)
"و" تقول في المقرون بـ"أل":
438-
............................... ... المعطى كفافًا يكتفي
كما مثل الناظم، وهو يحتمل الأزمنة الثلاثة، "كما تقول: الذي يعطى"، إن أردت الحال أو الاستقبال, "أو: أعطي"، إن أردت الماضي، "فـ: المعطى: مبتدأ"، وهو متعد لاثنين، "ومفعوله الأول" القائم مقام الفاعل ضمير "مستتر" فيه "عائد إلى: إل" الموصولة به، "وكفافًا: مفعول ثان، و" جملة "يكتفي" من الفعل والفاعل: "خبر" المبتدأ.
"وينفرد اسم المفعول" المتعدي إلى واحد إذا أريد به معنى الثبوت عن اسم المفعول. المراد به الحدوث، كما انفرد به1 اسم الفاعل المراد به الثبوت "عن اسم الفاعل" المراد به الحدوث2 "بجواز" معاملته معاملة الصفة المشبهة.
قال في التسهيل3 في آخر باب الصفة المشبهة: وإن قصد ثبوت معنى4 اسم الفاعل عومل معاملة الصفة المشبهة. والأصح أن يجعل اسم مفعول المتعدي إلى واحد من هذا الباب. انتهى.
يعني: باب الصفة المشبهة، وتقدم الكلام على اسم الفاعل مستوفى قبيل هذا الباب.
وأما اسم المفعول إذا جرى مجرى الصفة المشبهة فإنه يرفع السببي على الفاعلية على ما يقتضيه حال الصفة المشبهة، لا على النيابة عن الفاعل، كما يقتضيه حال اسم المفعول. قال الموضح في الحواشي، ومن خطه نقلت، وعقبه بقوله: ويسأل هنا فيقال: هلا قيل: إن الرفع ليس على أن الصفة مشبهة، بل على ما يقتضيه حال اسم المفعول؟ انتهى. ويجاب بأن حال اسم المفعول إنما يراعى إذا أريد به معنى الحدوث، أما إذا أريد به معنى الثبوت فإنه يرفع السببي على الفاعلية، وينصبه5 على التشبيه بالمفعول به إن كان معرفة، وعلى التمييز إن كان نكرة، ويجره بالإضافة، وعلى ذلك جاءت الشواهد؛ فمن شواهد الرفع قوله: [من الطويل]
__________
1 سقطت من "ب".
2 سقط من "ط" قوله: "عن اسم الفاعل المراد به الحدوث".
3 التسهيل ص141.
4 سقطت من "ب".
5 في "ب": "وينصب السببي".(2/23)
596-
بثوب ودينار وشاة ودرهم ... فهل أنت مرفوع بما ههنا راس
ومن شواهد النصب قوله: [من الكامل]
597-
لو صنت طرفك لم ترع بصفاتها ... لما بدت مجلوة وجناتها
ومن شواهد الجر: [من الطويل] .
598-
تمنى لقائي الجون مغرور نفسه ... فلما رآني ارتاع ثمت عردا
"فجواز إضافته إلى ما هو مرفوع به في المعنى" مسبوق بالنصب، "ذلك بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير راجع للموصوف" باسم المفعول1، ونصب الاسم المرفوع به "على التشبيه" بالمفعول به، إذا لا يصح إضافة الوصف لمرفوعه؛ لأنه عينه في المعنى، فيلزم إضافة الشيء إلى نفسه، ولا يصح حذفه لعدم الاستغناء عنه2، فلم يبق طريق إلى إضافته لمرفوعه3 إلا بأن يحول الإسناد عنه إلى ضمير يعود إلى صاحب الوصف، ثم ينصب المرفوع المحول عنه الإسناد؛ لأنه بعد تحويل الإسناد عنه أشبه الفضلة لاستغناء الوصف عنه بضمير الموصوف، فينصب انتصابها، ثم يجر بالإضافة فرارًا من قبح إجراء وصف المتعدي لواحد مجرى وصف المتعدي لاثنين، وإلى ذلك يشير قول الناظم:
439-
وقد يضاف ذا إلى اسم مرتفع ... معنى كمحمود المقاصد الورع
والأصل أنك "تقول: الورع محمودة مقاصده" بالرفع "ثم" تحول الإسناد عن المرفوع إلى الضمير المضاف إليه وهو الهاء، فيستتر في "محمود" ويعوض منه "أل" على رأي الكوفيين، فتنصبه و"تقول: الورع محمود المقاصد، بالنصب، ثم" بعد أن تنصب "المقاصد" تجرها و"تقول: الورع محمود المقاصد" بالجر، بعد ثلاثة أعمال، وقد تبين أن هذه الأوجه4 أصلها الرفع وهو دونها في المعنى، ويتفرع عنه النصب، ويتفرع عن النصب الجر.
__________
596- البيت بلا نسبة في الدرر 2/ 328، 329, وشرح التسهيل 3/ 105، وهمع الهوامع 2/ 99، 101.
579- البيت لعمر بن لحاء التميمي في الدرر 2/ 330، وبلا نسبة في شرح التسهيل 3/ 105، وهمع الهوامع 2/ 101.
598- البيت بلا نسبة في الدرر 2/ 332، وهمع الهوامع 2/ 101.
1 في "ب": "للموصوف به اسم المفعول".
2 في "ب": "به".
3 في "ب": "لإضافته إلى مرفوعه".
4 في "ب": "أن أوجه المعمول الثلاثة".(2/24)
هذا باب أبنية مصادر الفعل "الثلاثي" المجرد:
"اعلم أن للفعل الثلاثي" المجرد1 "ثلاثة أوزان"، لا رابع لها:
"فَعَلَ، بالفتح" في عينه "ويكون متعديًا كـ: ضربه", فإنه متعد إلى الهاء المتصلة به1، "وقاصرًا كـ: قعد. وفَعِلَ، بالكسر" في عينه "ويكون قاصرًا كـ: سَلِمَ"، بكسر اللام، "ومتعديًا كـ: علمه"، فإنه متعد إلى الهاء، ولو مثل بـ: فَهِمَه، كان أولى، لما سيأتي، وقدم الغالب في المفتوح والمكسور على غير الغالب فيهما، "وفعُل، بالضم" في عينه، "ولا يكون إلا قاصرًا"، ولا يتعدى إلا بتضمين أو تحويل، "كـ: ظرُف"، بضم الراء.
"فأما فعَل" المفتوح العين، "وفعِل" المكسور العين "المتعديان فقياس مصدرهما الفَعْل" بفتح الفاء وسكون العين، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
440-
فعل قياس مصدر المعدي ... من ذي ثلاثة...............
والمراد بـ"القياس" هنا أنه إذا ورد شيء ولم تعلم كيف تكلموا بمصدره فإنك تقيسه على هذا، إلا أنك تقيس مع وجود السماع. قال ذلك سيبويه والأخفش والجمهور2.
__________
1 سقطت من "ب".
2 في شرح ابن عقيل 2/ 123: "الفعل الثلاثي المتعدي يجيء مصدره على "فعل" قياسًا مطردًا، نص على ذلك سيبويه في مواضع؛ فتقول: رد ردًا، وضرب ضربًا، وفهم فهمًا، وزعم بعضهم أنه لا يقاس، وهو غير سديد".(2/25)
"فالأول" وهو فعل المفتوح العين المتعدي يشمل الصحيح والمعتل بالفاء أو العين أو اللام والمضاعف والمهموز "كـ: الأكل"، مصدر "أكل" "و" الصحيح نحو: "الضرب" مصدر "ضرب" "و" المضاعف نحو: "الرد"، مصدر "رد" ومعتل الفاء كـ: الوعد مصدر وعد، ومعتل العين كـ: البيع، مصدر "باع"، ومعتل اللام كـ: الرمي، مصدر "رمى".
"والثاني": وهو "فعل" المكسور العين المتعدي كذلك؛ فالصحيح "كـ: الفهم"، مصدر فهم، واللثم: مصدر "لثم" "و" مهموز الفاء نحو: "الأمن"، مصدر "أمن"، والمضاعف نحو: المس، ومعتل الفاء كـ: الوطء، ومعتل العين نحو: الخوف، ومعتل اللام نحو: الفني، يقال: فني حياءه فنيا: لزمه، وأطلق ذلك تبعًا لسيبويه والأخفش، وقيده ابن مالك في التسهيل1 بأن يفهم عملا بالفم نحو: شرب شربًا، ولقم لقمًا.
"وأما فعل" المكسور العين "القاصر فقياس مصدره: الفعل" بفتح الفاء والعين، وإليه أشار الناظم بقوله:
441-
وفعِل اللازم بابه فعلْ ... ............................
ويكون في الصحيح والمهموز والمعتل بأنواعه والمضاعف.
فالصحيح "كـ: الفرح"، مصدر "فرح" "و" المهموز نحو: "الأشر2"، مصدر "أشر"3 ومعتل الفاء كـ: الوجع، ومعتل العين كـ: العور، "و" معتل اللام نحو: "الجوى، و" المضاعف نحو: "الشلل"، مصدر "شلل" "إلا أن دل" "فعل" القاصر "على حرفة أو ولاية فقياسه الفعالة"، بكسر الفاء "كـ: ولي عليهم ولاية"، وعداه بـ"على" لتصحيح التمثيل، أما إذا تعدى بنفسه نحو: ولي أمرهم، فلا؛ لأن الكلام في القاصم لا في المتعدي4.
ولم يمثل للحرفة استغناء بتمثيل "الولاية" لأن الولايات في معنى الحرف لكنه لم يكتف بذلك في "فعل" المفتوح بل مثل لها، كما سيأتي.
__________
1 التسهيل ص205.
2 في "ب": "الأسر".
3 في "ب": "أسر".
4 في "ب": "فلأن كان الكلام في القاصر لا في المتعدي".(2/26)
وبقي عليه أن يقول: وإلا إن دل على لون فقياسه "فُعْلة" كـ: الحمرة والسمرة والأدمة.
وقال ابن الحاج1: إن كان علاجًا2 ووصفه على فاعل فقياس مصدره الفعول نحو: القدوم والأزوف والعسول والصعود، مصادر: قدم من السفر وأزف الشيء، وعسل بالشيء: أي: لزمه ولصق به، وصعد في الجبل. قال: وهذا مقتضى قول سيبويه3، وقد غفل عنه أكثرهم. انتهى.
"وأما فَعَل" المفتوح العين القاصر "فقياس مصدره: الفعول" بضم الفاء والعين، "كـ: القعود والجلوس والخروج" والدخول، وفي انقياسه ثلاثة مذاهب، ثالثها: أنه ينقاس فيما لم يسمع، وهو الصحيح، وإليه يشير قول الناظم:
442-
وفعل اللازم مثل قعدا ... له فعول باطراد........
وقال بن الحاج: "يقل في معتل العين كـ: غار وسار وغاب وآب، وإنما يفرون من ذلك إلى "الفَعْل" كـ: الصوم والعود والأوب والخيم، وهو الجبن4، والحيض والغيم"5. انتهى.
"إلا إن دل على امتناع فقياس مصدره: الفعال" بكسر الفاء "كـ: الإباء": مصدر "أبى" و"النفار": مصدر "نفر" "والجماح": مصدر "جمح" "والإباق" مصدر: "أبق". واعترض الإباء بأنه متعد، أبيت الشيء: إذا كرهته، والكلام في اللازم.
"أو" دل "على تقلب" واهتزاز "فقياس مصدره: الفعلان" بفتح الفاء والعين، "كـ: الجولان": مصدر "جال" و"الغليان": مصدر "غلى".
"أو" دل "على سير فقياسه: الفعيل" بفتح الفاء، "كـ: الرحيل": مصدر "رحل" و"الذميل": مصدر "ذمل".
__________
1 في "ب": "ابن الحجاج".
2 في "ب": "علاجيًّا".
3 الكتاب 4/ 50.
4 في "ب": "الحس".
5 انظر قول ابن الحجاج في الارتشاف 1/ 224.(2/27)
"أو" دل "على صوت فقياسه: الفُعَال" بضم الفاء، "أو: الفعيل" بفتح الفاء؛ فالأول "كـ: الصراخ": مصدر "صرخ" "والعواء" بالمد: مصدر "عوى". "و" الثاني نحو: "الصهيل": مصدر "صهل الفرس" "والنهيق": مصدر "نهق الحمار" "والزئير1" بزاي فهمزة مكسورة مصدر "زار الأسد" وإلى هذه المستثنيات أشار الناظم بقوله:
443-
ما لم يكن مستوجبا فعالا ... ..................................
الأبيات الثلاثة2.
"أو" دل "على حرفة أو ولاية فقياسه: الفعالة" بكسر الفاء؛ فالحرفة "كـ: تجر" في المال "تجارة" بالمثناة الفوقانية أوله، وليس منه: نجر الخشب بالقدوم، نجارة، بكسر النون، "وخاط" الثوب "خياطة" لأنهما متعديان، والكلام في القاصر والولاية نحو: أمر عليهم إمارة: إذا حكم، "وسفر بينهم سفارة: إذا أصلح"، وعرف على القوم عرافة: إذا تكلم عليهم، وأبل إبالة: إذا قام بمصالح الإبل، وذكر ابن عصفور أن "فعالة" مقيس في الولايات والصنائع.
والحاصل أن "فعل" القاصر يطرد في مصدره "فعول" إلا في هذه المعاني السبعة وهي: الامتناع والتقلب والداء والصوت والسير والحرفة والولاية.
والغالب في الامتناع أن "فَعَال" وفي التقلب "فَعَلان" وفي الداء "فَعَال" وفي الصوت "فُعَال" أو "فَعِيل" وقد يجتمعان نحو: نعق نعاقًا ونعيقًا، وقد ينفرد "فُعَال" نحو: بغم بغامًا، وقد ينفرد "فعيل" نحو: صهل صهيلا، واطراد انفراد "فُعَال" في الرغاء3، و"فعيل" في السير, واطرد في الولايات والحرف "فِعَالة".
"وأما "فَعُلَ" بالضم" في عينه "فقياس مصدره: الفُعُولة" بضم الفاء ["كـ: الصهوبة": مصدر "صهُب الشعر يصهُبُ" إذا احمر حمرة صافية، والصعوبة: مصدر "صعُبَ" ضد "سهُلَ"] 4 "والسهولة": مصدر "سهُل الأمر" "والعُذُوبة":
__________
1 وفي "ب": "والأزير".
2 الأبيات الثلاثة هي:
443-
........................ ... أو فعلانا فادْرِ أو فُعَالا
444-
فأول لذي امتناع كأبى ... والثاني للذي اقتضى تقلُّبَا
445-
للِدّا فُعَال أو لصوت وشملْ ... سيرًا وصوتًا الفَعِيلُ كصَهَلْ
3 في "ب": "رعاء".
4 ما بين المعكوفين سقط من "ب"، "ط".(2/28)
مصدر "عذُبَ الماء" و"الملوحة": مصدر "مَلُح". "والفَعَالة" بفتح الفاء "كـ: البلاغة": مصدر "بَلَغ" "والفصاحة": مصدر "فصح" "والصراحة" بمهملتين: مصدر "صرح"، وإلى ذلك يشير قول الناظم:
446-
فُعُولة فَعَالة لِفَعُلا ... ......................
وما جاء مخالفًا لما ذكرناه من المصادر القياسية فبابه السماع، وهو معنى قول الناظم:
447-
وما أتى مخالفًا لما مضى ... فبابه النقل..................
وأراد بذلك أنه ينقل ولا يقاس عليه، "كقولهم في: فَعَل" المفتوح العين "المتعدي: جحده جحودًا وشكره شكورًا1 وشكرانًا"، والقياس: جحدا وشكرًا، "وقالوا: جحدًا على القياس" ولم يقولوا: شكرًا2.
"و" كقولهم "في: فَعَلَ" المفتوح العين "القاصر: مات موتًا، وفاز فوزًا، وحكم حكمًا، وشاخ شيخوخة، ونم نميمة، وذهب ذَهابًا"، بفتح الذال المعجمة، والقياس فيها "فُعُول".
"و" كقولهم "في: فَعِل" المكسور العين المتعدي: عَلِم عِلما، بكسر العين والقياس فتحها، وكقولهم في "فَعِل" المكسور العين "القاصر: رَغِب رَغَبُوتًا3"، بزيادة الواو والتاء والقياس "رَغَبًا" بفتحتين4، "ورضِيَ رِضًا"، بكسر الراء، "وبخل بخلا، وسخط سخطًا، بضم أولهما ويكون ثانيهما"، والقياس فيهن5 فتح الأول والثاني، "وأما البخل والسخط؛ بفتحتين؛ فعلى القياس، كـ: الرَّغَب"، بفتح الراء والغين المعجمة.
"و" كقولهم "في: فَعُلَ" المضموم العين "نحو: حسُنَ حُسْنًا وقبُح قُبْحًا" بضم أولهما وسكون ثانيهما، وقياسهما الفُعُولة أو الفَعَالة6.
__________
1 في "ب": "شكرًا".
2 سقط من "ب"، "ط": "ولم يقولوا شكرًا".
3 في "أ": "رغوبًا"، وفي "ط" وأوضح المسالك 3/ 237، "رغوبة"، وكلاهما تصحيف، انظر لسان العرب 1/ 422، "رغب".
4 سقطت من "ب"، "ط".
5 في "ب": "فيهما".
6 سقطت من "ط".(2/29)
"وذكر الزجاجي وابن عصفور أن: الفُعْل1" بضم الفاء وسكون العين "قياس في مصدر: فَعُلَ" المضموم، "وهو خلاف ما قاله سيبويه2".
فهذه نُبذة من المصادر وهي كثيرة لا تكاد تنضبط، وذكر في التسهيل3 منها تسعة وتسعين مصدرًا، منها أحد وعشرون4، تنقسم ثلاث، كل ثلاثة متوازية فيما عدا حركة الفاء، وقد ذكرتُ أمثلتها في شرحي على التسهيل، فلينظر ثمة4.
__________
1 في "ط": "الفعلة".
2 قال سيبويه في الكتاب 4/ 28: "وأما الفُعْل من هذه المصادر فنحو: الحسن والقبح، والفعالة أكثر".
3 التسهيل ص204-205.
4 في "ب": "تركت ذلك خوف الإطالة" مكان "فلينظر ثمة".(2/30)
باب مصادر غير الثلاثي:
وهي مصادر الرباعي المجرد والمزيد فيه والمزيد من الثلاثي.
اعلم أنه "لا بد لكل فعل" ماض "غير ثلاثي من مصدر مقيس؛ فقياس" مصدر "فَعَّلَ؛ بالتشديد" من مزيد الثلاثي "إذا كان صحيح اللام "التَّفْعِيل" كـ: "التسليم": مصدر "سَلَّم" "والتكليم": مصدر "كلم" "والتطهير": مصدر "طهر" والتوحيد والتيسير والتحويل والتصيير، وإليه أشار الناظم بقوله:
448-
وغير ذي ثلاثة مقيس ... مصدره كقدس التقديس
"ومعتلها" أي: معتل اللام، فقياسه "التفعيل" "كذلك" أي كقياس صحيح اللام في التقدير، "ولكن تحذف ياء التفعيل" التي بعد العين وجوبًا، "وتعوض منها التاء" الدالة على التأنيث لكونها أقوى على قبول الحركات من حروف العلة1، "فيصير" بعد الحذف والتعويض "وزنه: التفْعِلة: كـ: التوصية" بالصاد المهملة: مصدر "وصى على أولاده" والتسمية": مصدر "سمى" والتزكية": مصدر "زكى ماله" وإليه الإشارة بقول الناظم:
449-
وزكه تزكية.............. ... ...........................
وقد يُفعل مثل ذلك في صحيح اللام نحو: ذكر تذكرة وجرب تجربة.
وقد يستغنون غالبًا من التفعيل بـ: تفعِلَة، فيما لامه همزة نحو: خطأ تخطئة، وهنأ تهنئة، وجزأ تجزئة، ووجهوه بأن مثل "تخطيئًا" يجوز فيه إبدال الهمزة ياء قياسًا مطردًا، لأنها همزة محركة2 بعد ياء زائدة كـ: خطيئة، فلما اطرد الإبدال المذكور صارت
__________
1 سقطت من "ب".
2 في "ط": "متحركة".(2/31)
اللام كأنها وضعت ياء، فالتحق بباب التعزية، ومن غير الغالب: تخطيئًَا وتهنيئًَا وتجزيئًا. حكاه غير سيبويه.
وحكى سيبويه: نبأ تنبيئًا. وزعم أبو زيد أن "التفعيل" فيه أكثر من "التفعلة" في كلام العرب، وظاهر كلام سيبويه أنه لا يجوز فيه إلا ما سُمِع، وبهذا أخذ الشلوبين فيما حكى ابن عصفور.
"وقياس: أفْعَلَ؛ إذا كان صحيح العين؛ الإِفْعَال" بكسر الهمزة "كـ: الإكرام": مصدر "أكرم"، "والإحسان": مصدر "أحسن"، والإيعاد: مصدر "أوعد"، والإيلاء: مصدر "آلى من زوجته"، وإليه أشار الناظم بقوله:
449-
....................وأجملا ... إجمال....................
"ومعتلها" أي: ومعتل العين قياسه "الإفعال" "كذلك" أي: كقياس صحيح العين، "ولكن تنقل حركتها" أي: حركة العين إلى الفاء الساكنة قبلها، "فتقلب" العين "ألفًا" لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها الآن، فيلتقي ساكنان، وهما الألف المنقلبة عن العين وألف المصدر، "ثم تحذف الألف الثانية" عند الخليل وسيبويه1.
وذهب الأخفش والفراء إلى أن المحذوف إنما هي الألف الأولى2؛ لأنها بمنزلة: {وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ} [النمل: 15] ومذهب سيبويه أولى لزيادتها وقربها من الطرف.
"و" على القولين: "تعوض عنها التاء كـ: أقام إقامة، وأعان إعانة"،, وأصلها، إقوامًا وإعوانًا، فأُعِلا بالنقل والحذف والتعويض، وإليه الإشارة بقول الناظم:
450-
................... ثم أقم ... إقامة وغالبًا ذا التام لزم
"وقد تحذف التاء" للإضافة عند ابن مالك: "نحو: {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ} [النور: 37] وفي الحديث: "كاستنار البدر" والأصل: وإقامة الصلاة، واستنارة البدر، فحذف التاء لسد المضاف إليه مسدها، وقد تحذف في غير الإضافة، حكى الأخفش: أجاب إجابًا3.
"وقياس ما أوله همزة وصل" من الفعل الماضي الخماسي والسداسي "أن تكسر" أنت "ثالثه، وتزيد قبل آخره ألفا فينقلب مصدرًا، نحو: اقتدر اقتدارًا
__________
1 الكتاب 4/ 354.
2 انظر الممتع في التصريف 1/ 479-480.
3 في شرح ابن الناظم ص311: "ومنه ما حكاه الأخفش من قول بعضهم: أراه إراءً".(2/32)
واصطفى اصطفاء1"، وهما من باب الافتعال، سلمت التاء في الأول وقلبت طاء في الثاني، لما سيجيء، "وانطلق انطلاقًا"، وهو من باب الانفعال2، "واستخرج استخراجًا"، وهو من باب الاستفعال، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
451-
وما يلي الآخر مد وافتحا ... مع كسر تلو الثان مما افتتحا
بهمزة وصل.
ولا بد من تقييد ما أوله همزة وصل، بأن لا يكون أصله تَفَاعل كـ: تطاير، ولا "تَفعَّل" كـ: تطير، إذا أدغم التاء في الطاء، واجتلبت همزة وصل، فإن مصدر ذلك لا يكسر ثالثه، ولا تزاد ألف قبل آخره، بل يضم الحرف التالية الأخير نظيرًا إلى الأصل3، نحو: اطَّايَرَ يُطَّايَرُ اطَّايُرًا، واطَّيَّرَ يَطَيَّرُ4 اطَّيُّرًا.
وجملة الأفعال الماضية التي أولهما همزة وصل؛ وفاقًا وخلافًا؛ خمسة وعشرون بناء، ولا تكون إلا خماسية أو سداسية، "فإن كان استفعل معتل العين عمل فيه ما" عمل "في مصدر أفعل المعتل العين" من نقل حركة العين إلى الفاء الساكنة قبلها، وقلب العين ألفًا، وحذفها لالتقاء الساكنين، وتعويض تاء التأنيث عنها، "فتقول: استقام استقامة، واستعاذ استعاذة"، والأصل، استقوامًا واستعواذًا، ففُعِلَ فيهما ما قررنا، وإليه أشار الناظم بقوله:
450-
واستعذ استعاذة.............. ... ..................................
وجاء تنبيها على الأصل: أغيمت السماء إغيامًا، واستحوذ الشيطان استحواذًا، بالتصحيح.
"وقياس: تَفَعْلَلَ" مما أوله التاء "وما كان على وزنه5" في الحركات والسكنات وعدد الأحرف، وإن لم يكن من بابه، "أن يضم رابعه، فيصير مصدرًا"، وإليه أشار النظام بقوله:
452-
.................. وضم ما ... يَرْبَعُ في أمثال قد تلملما
__________
1 انظر شرح ابن عقيل 2/ 130.
2 انظر الكتاب 4/ 79.
3 في "ب" "إلى أن الأصل" بزيادة "أن".
4 سقطت من "رب".
5 في "ب": "وزانه".(2/33)
ومجموع ذلك عشرة أبنية: تفَعْلَلَ وتَفَعَّلَ وتَفَيْعَلَ وتَمَفْعَلَ وتَفَعْلَيَ وتَفَاعَلَ وتُفُوعِلَ وَتفَعْنَلَ وتَفَعْوَلَ وتَفَعْلَتَ. "كـ: تدحرج تدحرجا، وتجمل تجملا، وتشيطن تشيطنا، وتمسكن تمسكنا"، وتَقَلْسَيَ تقلسيًا، وتغافل تغافلا، وتجورب تجوربًا، وتقلنس تقلنسا، وترهوك ترهوكا، وتعفرت تعفرتا.
"ويجب إبدال الضمة كسرة إن كانت اللام ياء نحو: التواني والتوالي"، والأصل: التوانُيْ والتوالُيْ، بضم ما قبل الياء، فقلبت الضمة كسرة لتسلم الياء من قبلها واوًا، فيؤدي إلى وقوع واو قبلها ضمة في آخر اسم معرب، وذلك مرفوض في الأسماء؛ لأن الأسماء عرضة لأن تضاف لياء المتكلم، وياء المتكلم إذا أضيف إليها اسم في آخره واو قبلها ضمة، وجب قلب الضمة كسرة والواو ياء، وإدغامُها في ياء المتكلم، كـ: مسلمي، رفعًا.
"وقياس" مصدر "فَعْلَلَ1؛ وما الحق به فَعْلَلَة؛ كـ: دحرج دحرجة، وزلزل زلزلة". والملحق بـ: فعلل، ستة أبنية "وهي: بيطر بيطرة، وحوقل حوقلة"، وجلبب جلببة، وجهور جهورة، وسلقي سلقية، وقلنس قلنسة، وزاد بعضهم: سنبل، وشريف الزرع: طال ورقه، وعذيط، وتأبل، ويرنأ لحيته، خضبها باليرناء، وهو الحناء.
"وفِعْلال، بالكسر" للفاء "إن كان1 مضاعفًا" وهو ما كان فاؤه ولامه الأولى من جنس واحد, وعينه ولامه الثانية من جنس واحد2، "كـ: زلزال ووسواس"، بسينين مهملتين، ووشواش، بشينين معجمتين: وهو كلام فيه اختلاط.
"وهو" أي: فِعْلال "في غير المضاعف سماعي، كـ: سَرْهَفَ سرهافًا"، يقال: سرهفت الصبي: إذا أحسنت غذاءه، ولم يسمع في دحرج دحراجًا، نص على ذلك الصيمري وغيره، ولا في الملحق بـ: فعلل, إلا حِيقَال: مصدر "حَوْقل" وبذلك يقيد قول الناظم:
453-
فعلال او فعللة لفعللا ... واجعل مقيسا ثانيا لا أولا
"ويجوز فتح أول المضاعف" تخفيفًا للثقل الحاصل بالتضعيف، "والأكثر أن يعنى بالمفتوح" أوله "اسم الفاعل" لا المصدر "نحو: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ} " [الناس: 4] أي: الموسوس: ولهذا وصف بالخناس، وما بعده, وهما من صفات الذوات.
__________
1 بعده في "ب": "فَعْلل".
2 سقط من "ب": "وعينه ولامه الثانية من جنس واحد".(2/34)
"وقياس: فاعَلَ" بفتح العين، "كـ: ضَارَبَ وخاصَمَ وقاتَلَ: الفِعَال" بكسر الفاء، "والمفاعلة" نحو: الضراب والمضاربة، والخصام والمخاصمة، والقتال والمقاتلة، ولا فرق بين أن يكون فاعل للمشاركة، كما تقدم، أو لا، نحو: نادى نداء ومناداة، وإلى ذلك الإشارة بقول الناظم:
454-
لِفَاعَلَ الفَعَال والمفَاعَلَه ... ..........................
واللازم عند سيبويه "المفاعلة"1 لأنهم قد يتركون "الفِعَال" ولا يتركون "المفاعلة" قالوا: جالس مجالسة، ولم يقولوا: جِلاسًا.
وأصل "الفِعَال" هنا "الفِيْعَال" وقد نطقوا بذلك فقالوا: ضارب ضيرابًا وقاتل قيتالا. "ويمتنع "الفعال" فيما فاؤه ياء نحو: ياسَرَ ويامَنَ"، فلا يقال: ياسره يِسَارًا، ولا يامنه يِمَانًا، لاستثقال الكسرة على الياء حتى قال بعضهم: إنه لم يوجد منه إلا اليِسَار2 لغة في اليَسَار، وإلا اليِعَار3: جمع يَعْرٍ، وهو الجدي، وإنما يقال: مياسرة وميامنة، "وشذ: ياومه يِوَامًا". حكاه ابن سيده، وحكى: مياومة على القياس4، "وما خرج عما ذكرناه فشاذ"، وإليه الإشارة بقول الناظم:
454-
.......................... ... وغير ما مر السماع عادله
"كقولهم: كذب كِذابًا"، بالتشديد والتخفيف5 فيهما، والقياس: تكذيبًا، "وقوله": [من الرجز]
599-
وهي تنزي دلوها تنزيا ... كما تنزي شهلة صبيا
والقياس: تنزيه، ولكنه حمله على ما هو بمعناه، أي: تحرك دلوها تحريكًا. والشهلة، بفتح المعجمة: العجوز، شبه يديها إذا أخذت الدلو بهما لتخرجه من البئر بيدي امرأة ترقص صبيًّا، وخص الشهلة بالذكر لأنها أضعف من الشابة.
__________
1 الكتاب 4/ 80.
2 في "ط": "الييسار".
3 في "ط": "الييعار".
4 لم أجد قول ابن سيده في كتبه، غير أن ابن الناظم ذكره في شرحه ص312.
5 سقطت من "ط".
559- الرجز بلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 288، وأوضح المسالك 3/ 240، والخصائص 2/ 302، وشرح ابن الناظم ص312، وشرح الكافية الشافية 4/ 2238، وشرح المفصل 6/ 58، والمقاصد النحوية 3/ 571، والمنصف 2/ 195، وديوان الأدب 2/ 380.(2/35)
"وقولهم: تحمل تِحِمَّالا" بكسر التاء والحاء المهملة وتشديد الميم، والقياس: تحملا، "وترامى القوم رِمِّيًّا" بكسر الراء والميم المشددة، والقياس: تراميًا، "وحوقل حيقالا": وهو الفتور عن الجماع للكبر. والقياس: حوقلة وأشذ منه: حوقالا، بالفتح، لأنه مخصوص بالمضاعف.
"واقشعر" جلده "قشعريرة". بضم القاف وفتح الشين، "والقياس" في مصدر "فَعَّل" بالتشديد، إذا كان صحيح اللام نحو: كَذَّبَ "تكذيبًا، و" في مصدر معتلها: "تنزيه، و" في مصدر "تفعل" نحو: تحمل تحملاً، وفي مصدر "تفاعل" المعتل اللام نحو: ترامى "تراميًا، و" في مصدر "فوعل" نحو: حوقل "حوقلة، و" في مصدر "فعلل" نحو: اقشعر "اقشعرارا". ولا يخفى ما في كلامه من اللف والنشر على الترتيب1.
__________
1 في شرح الكافية البديعية للحلي ص76: واللف والنشر: أن يذكر الناظم في أول البيت أسماء متعددة غير تامة المعنى، ثم يقابلها بأشياء على ترتيبها من غير الأضداد تتمم معناها؛ إما بالجمل، وإما بالألفاظ المفردة، كقول ابن حيوس:
فعل المدام ولونها ومذاقها ... في مقلتيه ووجنتيه وريقه(2/36)
فصل:
"ويدل على المرة من مصدر الفعل الثلاثي" المتصرف التام "بـ: فَعْلَة، بالفتح" في الفاء، كما في فعلها "كـ: جلس جلسة ولبس لبسة".
ونبه بهذين المثالثين على أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون1 في مصدره زيادة على حروف الفعل كـ: جلس جلوسًا، أو لا، كـ: لبس لبسًا، فإن لم يكن زيادة فواضح أنك تقتصر على زيادة التاء مع فتح أوله، وإن كان ثم زيادة فإنك تطرحها فرقًا بين مصدر الثلاثي وغيره، وشذ: لقيته لقاءة واحدة، وأتيته إتيانة واحدة، حكاهما سيبويه2.
وإذا طرحت الزيادة فإنك تبني "فَعْلَة" من الباقي وتختمها بالتاء فرقا3 بين الواحد والجنس، لأن منزلة الجلسة من الجلوس منزلة التمرة من التمر، والأصل في4 الجنس وواحده أن يفرق بينهما بالتاء.
"إلا إذا كان بناء المصدر العام" أي المطلق الصادق على القليل والكثير "عليها" أي على فَعْلَة بالتاء، "فيدل على المرة منه" أي من المصدر العام المبني على فَعْلَة، "بالوصف" بالوحدة وشبهها "كـ: رحم رحمة واحدة"، أو فردة.
"ويدل على الهيئة" وهي الحالة التي يكون عليها الفاعل عند الفعل "بـ: فِعْلَة: بالكسر" في الفاء، فرقًا بينها وبين المرة، "كـ: الجلسة والركبة والقتلة بكسر أولها، وفيها العمل المتقدم.
"إلا إن كان بناء المصدر العام عليها" أي على فِعْلَة؛ بكسر الفاء؛ "فيدل5 على الهيئة" منه "بالصفة ونحوها كـ: نشد الضالة نشدة عظيمة"، أو نشدة الملهوف.
__________
1 في "ب": "ما" مكان "أن يكون".
2 الكتاب 4/ 45.
3 في "ب": "بينها بين".
4 في "ط": "من".
5 في "ب": "فإنه يدل".(2/37)
"و" يدل على المرة "من غير الثلاثي"، رباعيًّا كان أو غيره، "بزيادة التاء على مصدره القياسي كـ: انطلاقة واستخراجة، فإن كان بناء المصدر العام" أي المطلق "على التاء دل على المرة منه بالوصف" بالوحدة "كـ: إقامة واحدة، واستقامة واحدة" ودحرجة واحدة، ولا يقال: لأنه غير قياسي، بل قيل: غير مسموع، كما تقدم عن الصيمري.
والحاصل أن الفعل إذا كان له مصدران: قياسي وسماعي، لحقت القياسي دون السماعي، فإن كان له مصدران قياسيان أو سماعيان لحقت الأغلب منهما. قاله الشاطبي.
["ولا يبنى من غير الثلاثي مصدر للهيئة"، لأن الفِعْلَة لا يتأتى فيه، إذ يلزم من ذلك هدم بنية الكلمة بحذف ما قصد إثباته فيها] 1، فاجتنب ذلك، واستغني عنه بنفس المصدر الأصلي، "إلا ما شذ من قولهم: واختمرت" المرأة "خمرة" بالمعجمة والراء: غطت رأسها بالخمار، "وانتقبت نقبة" أي2: غطت وجهها بالنقاب، "وتعمم" الرجل "عمة" غطى رأسه بالعمامة، "وتقمص قمصة": غطى جسده بالقميص، وكان القياس عدم الحذف إلا أنهم هدموا بنية3 المصدر وبنوا الفِعْلَة حرصًا على البيان، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
455-
وفعلة لمرة كجلسه ... وفعلة لهيئة كجلسه
456-
في غير ذي الثلاث بالتا المره ... وشذ فيه هيئة كالخمره
__________
1 ما بين المعكوفين سقط من "ب".
2 سقطت من "ب".
3 في "ب": "أبنية".(2/38)
باب كيفية أبنية أسماء الفاعلين:
تقدم أن هذا الجمع غير سائغ "والصفات المشبهة بها يأتي وصف الفاعل من" مضارع1 "الفعل الثلاثي" المجرد من الزوائد "على" وزن "فاعل" بكسر العين وزيادة ألف بعد الفاء بعد إسقاط حرف المضارعة "بكثرة2 في "فَعَلَ" بالفتح"، حال كونه "متعديًا" إلى المفعول "كـ: ضربه" فهو ضارب، "وقتله" فهو قاتل، "أو لازمًا" للفاعل "كـ: ذهب" فهو ذاهب، "وغذا؛ بالغين والذال المعجمتين، بمعنى سال" فهو غاذ، يقال: غذا الماء، إذا سال، وغذا العرق، إذا سال دمًا، وغذا البول: إذا انقطع وغذا الشيب: إذا أسرع، ويستعمل متعديًا، يقال: غذا الطعام الصبي وغذوته أنا باللبن، فيكون من قسم المتعدي.
"وفي "فَعِل" بالكسر"، حال كونه "متعديًا" إلى المفعول "كـ: أمنه" فهو آمن، "وشربه" فهو شارب، "وركبه" فهو راكب، وذلك مستفاد من قول الناظم:
457-
كفاعل صغ اسم فاعل إذا ... من ذي ثلاثة يكون............
"ويقل" فاعل3 "في" فَعِل" بالكسر "القاصر" على الفاعل "كـ: سلم" فهو سالم، "وفي: فعل؛ بالضم؛ كـ: فره" بمعنى، حذق، فهو فاره أي حاذق، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
458-
وهو قليل في فعلت وفعل ... غير معدّى.....................
__________
1 سقطت من "ب".
2 في "ط": "بكسرة".
3 سقطت من "ط".(2/39)
"وإنما قياس الوصف من: فَعِلَ" المكسور العين "اللازم: فَعِلٌُ" بفتح الفاء وكسر العين "في الأعراض": جمع عرض، بفتح العين المهملة والراء، "كـ: فرح وأشر"، بالتنوين فيهما، والأشر: الذي لا يحمد النعمة والعافية.
"و: أفعَلُ؛ في الألوان والخِلَق"، فاللون "كـ: أخضر وأسود وأكحل"، أي: أسود العينين من غير اكتحال، "وألمى": أي أسود حمرة الشفتين، "و" الخلقة، نحو: "أعور وأعمى" وأجهر: وهو الذي لا يبصر في الشمس.
"وفَعْلان" بفتح الفاء وسكون العين، "فيما دل على الامتلاء وحرارة الباطن"، فالأول "كـ: شبعان وريان، و" الثاني نحو: "عطشان" وصديان بمعنى عطشان، وإلى ذلك يشير قول الناظم:
458-
................................. ... ............... بل قياسه فعل
459-
وأفعل فعلان نحو أشر ... ونحو صديان ونحو الأجهر
"وقياس الوصف من "فعُل" بالضم: فَعِيل كـ: ظريف وشريف، ودونه" أي: دون فعيل "فعْلٌ" بفتح الفاء وسكون العين "كـ: شهم" بالشين المعجمة من الشهامة بمعنى الضخامة، "وضخم" بالضاد والخاء المعجمتين، من ضخم الشيء إذا غلظ.
"ودونهما" أي: دون فعيل وفَعْل "أفعل كـ: أخظب" بالخاء والظاء المعجمتين، يقال: أخظب اللون: "إذا كان أحمر إلى الكدرة، وفَعَل" بفتحتين، "كـ: بطل وحسن، وفَعَال، بالفتح" في الفاء "كـ: جبان1، وفُعَال، بالضم كـ: شجاع، وفُعُل" بضمتين "كـ: جنب" بضم الجيم والنون، "وفِعْل" بكسر الفاء وسكون العين "كـ: عفر" بالعين المهملة والفاء "أي: شجاع ما كر"، وفي القاموس: أنه الخبيث الماكر2، وإلى ذلك يشير قول الناظم:
460-
وفعل اولى وفعيل بفعل ... ................................
461-
وافعل فيه قليل وفعل ... كالضخم والجميل والفعل جمل
"وقد يستغنون عن صيغة فاعل من "فَعَل" بالفتح بغيرها3 من الصيغ فيتركون القياس المطرد ويستعملون غيره "كـ: شيخ وأشيب وطيب وعفيف"،
__________
1 في "ط": "جبال".
2 القاموس المحيط "عفر".
3 في "ط": "بغيرهما".(2/40)
ولم يقولوا: شائخ وشائب1 وطائب وعاف، بالتشديد، كما استغنوا بـ: ترك وتارك عن وذر وواذر وودع ووادع، وإليه يشير قول الناظم:
461-
.................................. ... وبسوى الفاعل قد يغنى فعل
ومحل الاستغناء ما لم يستعمل له قياس، أما ما استعمل له قياس2 وسمع غيره فليس موضع الاستغناء نحو: مال يميل فهو مائل وأميل، قاله الشاطبي.
"تنبيه: جميع هذه الصفات" المتقدمة الدالة على الثبوت "صفات مشبهة" باسم الفاعل إلا إذا قصد بها الحدوث فهي أسماء فاعلين، "إلا فاعلا كـ: ضارب"، من المتعدي، "وقائم" من اللازم، "فإنه" في الاصطلاح "اسم فاعل، إلا إذا أضيف فاعل "إلى مرفوعه" في المعنى، "وذلك فيما دل على الثبوت كـ: طاهر القلب، وشاحط الدار"، بالشين المعجمة والحاء والطاء المهملتين، "أي: بعيدِها"، والأصل3: طاهر قلبه وشاحطة4 داره، "فصفة مشبهة أيضًا"، وقد أشبعنا الكلام فيه في باب إعماله، وكان ينبغي أن يؤخر هذا التنبيه إلى آخر الباب لئلا يوهم5 أن وصف الفاعل من غير الثلاثي المجرد لا يكون صفة مشبهة وليس كذلك، من أمثلة الموضح في باب الصفة المشبهة: مستقيم الرأين ومعتدل القامة.
__________
1 في "ب": "وشاب".
2 سقط من "ب": "أما ما استعمل له قياس".
3 في "أ": "وأصل".
4 في "ب": "وشاحط".
5 في "ط": "يتوهم".(2/41)
فصل:
"ويأتي وصف الفاعل من غير" الفعل "الثلاثي المجرد بلفظ" حروف "مضارعه، بشرط الإتيان بميم مضمومة مكان حرف1 المضارعة"، وشذ كسرها في "مِعِين" من أعان، و"مِغِير" من أغار، و"مِبِين" من أبان، بكسر الميم فيهن إتباعًا لحركة ما بعدها، "و" بشرط "كسر ما قبل الآخر" تشبيهًا باسم الفاعل من الثلاثي2، وشذ "مُسْهَب" من أسهب3، و"مُحْصَن" من أحصن، و"ملقح" من ألقح، بفتح ما قبل الآخر فيهن "مطلقًا، سواء كان مكسورًا في المضارع كـ: منطلق ومستخرج"، فكسره حال كونه اسم فاعل غير كسره حال كونه مضارعًا، أو مفتوحًا في المضارع "كـ: متعلم ومتدحرج".
وأما نحو: مختار ومنقاد ومتحاب، بالإدغام، فكسر ما قبل الآخر فيهن مقدر إذا كن اسم فاعل، وإلى بناء اسم الفاعل من غير الثلاثي أشار الناظم بقوله:
462-
وزنة المضارع اسم فاعل ... من غير ذي الثلاث كالمواصل
463-
مع كسر متلو الأخير مطلقا ... وضم ميم زائد قد سبقا
واختيرت الميم للزيادة زيادة أحرف العلة، لأن الواو لا تزاد أولا، والياء والألف يوقعان في التباس اسم الفاعل بالمضارع، ولكون مخرج الميم قريبًا من مخرج الواو لأنهما من الشفتين، وحركت بالضم دون الفتح والكسر لأن الفتح يؤدي إلى التباسه باسم الموضوع من الثلاثي ولو في بعض الصور نحو: مكرم4، والكسر يؤدي إلى التباسه باسم الموضع من الثلاثي ولو في الصور نحو: مكرم4، والكسر يؤدي إلى الالتباس باسم الآلة منه.
__________
1 في "ب": "حروف".
2 في "ب": "فاعل الثلاثي".
3 في "ب": "مشهب من أشهب".
4 سقط من "ب": "ولو في بعض الصور نحو: مكرم".(2/42)
باب كيفية أبنية أسماء المفعولين:
تقدم أن هذا الجمع غير سائغ. "يأتي وصف المفعول من" مضارع الفعل "الثلاثي المجرد" التام المتصرف "على زنة مفعول" من المتعدي "كـ: مضروب، ومقصود", ومعلوم، "و" من اللازم كـ: مدخول عليه، و"ممرور به"، زيدت1 الميم لما في اسم الفاعل، وفتحت للخفة وضم ما قبل الآخر خوفًا من المكان2، ثم أشبعت الضمة، فتولد منها الواو، لئلا يلزم وقوع مفعل في كلامهم3.
"ومنه"4 أي: من اسم المفعول الثلاثي الآتي على زنة مفعول: "مبيع ومقول ومرمي" ومدعو، "إلا أنها غيرت" عن صيغة مفعول في اللفظ، فأصل "مبيع" مبيوع، نقلت حركة الياء إلى الساكن قبلها ثم قلبت الضمة كسرة لتسليم الياء ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين, وخصت بالحذف لزيادتها وقربها من الطرف.
[وأصل مقول: مقوول بواوين، نقلت حركة الواو الأولى إلى الساكن قبلها ثم حذفت الواو الثانية لالتقاء الساكنين، وخصت بالحذف لزيادتها وقربها من الطرف] 5، هذا مذهب سيبويه في مبيع ومقول6.
__________
1 في "ب": "زدت".
2 بعده في "ب": "والآلة".
3 في حاشية يس 2/ 79-80: وقال بعضهم: إنه جاء من ذلك خمسة ألفاظ: مكرم ومعون ومالك بمعنى رسالة، وميسر، كما قرئ: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ، قال: ولا دليل في ذلك كله لاحتمال أن يكون أصل هذه الألفاظ "مفعلة"؛ وقد سمع فيها ضم العين ثم حذفت التاء، وذلك ظاهر في قراءة: ميسرة.
4 في "ط": "ومنه من أي".
5 ما بين المعكوفين سقط من "ب".
6 الكتاب 4/ 348.(2/43)
وذهب الأخفش إلى أن المحذوف منهما عين الفعل، وأن الضمة في "مبيع" قلبت كسرة لتنقلب الواو ياء لئلا يلتبس بالواوي1.
وأصل مرمي: مرموي، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو، ياء والضمة التي قبلها كسرة، وأدغمت الياء في الياء.
وأصل مدعو: مدعوو بواوين، أدغمت الأولى في الثانية لاجتماع المثلين. وإلى بناء اسم المفعول من الثلاثي أشار الناظم بقوله:
465-
وفي اسم مفعول الثلاثي اطرد ... زنة مفعول كآت من قصد
"و" يأتي وصف المفعول من غيره، أي: "من غير الثلاثي" المجرد "بلفظ مضارعه بشرط الإتيان بميم مضمومة مكان حرف المضارعة"، لما مر في اسم الفاعل، وفتح ما قبل آخره2، "وإن شئت قلت3: بلفظ اسم فاعله بشرط فتح ما قبل الآخر"، وذلك مستفاد من قول الناظم:
464-
وإن فتحت منه ما كان انكسر ... صار اسم مفعول كمثل المنتظر
ويأتي من المتعدي فلا يحتاج إلى صلة "نحو: المال مستخرج، و" من اللازم فيحتاج إلى صلة نحو: "زيد منطلق به".
"وقد ينوب فَعِيل عن مفعول كـ: دهين": بمعنى مدهون، "وكحيل" بمعنى مكحول، "وجريح" بمعنى مجروح، "وطريح" بمعنى مطروح. قال ابن مالك: "ومرجعه السماع" وإن كان كثيرًا، وإليه أشار الناظم4 بقوله:
466-
وناب نقلا عنه ذو فعيل ... ...........................
وقيل: ينقاس فيما ليس له فعيل بمعنى فاعل، كـ: قتيل, لا فيما له فعيل بمعنى فاعل، نحو قدر، بفتح الدال، ورحم بكسر الحاء، كقولهم: قدير ورحيم بمعنى قادر وراحم.
وقد ينوب فعيل عن مفعل نحو: عقدت العسل فهو عقيد، وأعله المرض فهو عليل، أي: معقد ومعل.
__________
1 انظر المنصف 1/ 287.
2 سقط حرف الهاء من الأصل.
3 سقط من "ب".
4 في "ب": "أشار في النظم".(2/44)
باب إعمال الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي إلى واحد
مدخل
...
باب إعمال الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي إلى واحد:
ووجه الشبه بينهما أنها تؤنث وتثنى وتجمع، في "حسن": حسنة وحسنان وحسنتان وحسنون وحسنات، كما تقول في "ضارب": ضاربة وضاربان وضاربتان وضاربون وضاربات، فلذلك عملت النصب كما يعمله اسم الفاعل، واقتصرت على واحد، لأنه أقل درجات المتعدي، وكان أصلها أن لا تعمل النصب، لمباينتها الفعل بدلالتها على الثبوت، ولكونها مأخوذة من فعل قاصر، ولكنها لما أشبهت اسم الفاعل المتعدي لواحد عملت عمله.
"وهي الصفة" المصوغة1 لغير تفضيل، لإفادة نسبة الحدث إلى موصوفها دون إفادة الحدوث. وخاصيتها أنها "التي استحسن فيها أن تضاف لما هو فاعل" بها "في المعنى". سواء أكانت وصفًا لازمًا لا يمكن انفكاكه، كـ: طويل الأنف، وعريض الحواجب، وواسع الفم، أم يكن انفكاكه "كـ: حسن الوجه ونقي الثغر، وطاهر العرض"، فإن الحسن والنقاية والطهارة مما يوجد ويفقد.
"فخرج" باستحسان الإضافة إلى الفاعل في المعنى اسم الفاعل المتعدي "نحو: زيد2 ضارب أبوه، فإن إضافة الوصف" وهو "ضارب" فيه، أي في هذا التركيب "إلى الفاعل" وهو "أبوه" ممتنعة، إذ لا يقال: ضارب أبيه، "لئلا توهم" الإضافة فيه2 "الإضافة إلى المفعول"، وأن الأصل: زيد ضارب أباه.
__________
1 في "ب": "الموضوعة".
2 سقطت من "ب".(2/45)
"و" خرج باسم الفاعل القاصر "نحو: زيد كاتب أبوه، فإن إضافة الوصف" وهو "كاتب" "فيه" إلى الفاعل وهو "أبوه" "وإن كانت لا تمتنع" على قلة، "لعدم اللبس" بالإضافة إلى المفعول، لكون الكتابة لا تقع على الذوات، "لكنها" على قلتها "لا تحسن، لأن الصفة" الدالة على الثبوت "لا تضاف لمرفوعها حتى يقدر تحويل إسنادها عنه" أي عن مرفوعها "إلى ضمير موصوفها" فيستتر في الصفة "بدليلين:
أحدهما: أنه لم يقدر" الأمر "كذلك لزم إضافة الشيء إلى نفسه"، لأن الصفة نفس مرفوعها في المعنى، واللازم باطل، فالملزوم مثله.
"و" الدليل "الثاني: أنهم يؤنثون الصفة1" بالتاء "في نحو: هند حسنة الوجه"، فلو لم تكن الصفة مسندة إلى ضمير هند لذكرت كما تذكر مع المرفوع. قاله ابن عصفور: "فلهذا" التحويل "حسن أن يقال" في "زيد حسن وجهه" بالرفع: "زيد حسن الوجه" بالإضافة، فالحسن مسند إلى ضمير زيد، فيكون مسندًا إلى جملته بعد أن كان مسندًا إلى وجهه، وذلك حسن، "لأن من حسن وجهه حسن أن يسند الحسن إلى" جميع "جملتها مجازًا"، عن الإسناد إلى الجزء منه، فهو من الإسناد إلى الكل وإرادة البعض، فهو مجاز قريب، والباعث على ارتكابه غرض التخفيف.
قال ابن أبي الربيع2: إذا قلت: مررت برجل حسن وجهه، حصل عدة أمور، كل اثنين منها بمنزلة شيء واحد، لأن الجار والمجرور كالشيء الواحد، وكذلك الصفة والموصوف، والفاعل والفعل، والمضاف والمضاف إليه، فلما أرادوا التخفيف لم يمكنهم أن يزيلوا من اللفظ إلا الضمير، فنقلوه وجعلوه فاعلا بالصفة فاستتر فيها، لأن الصفة حينئذ كأنها جارية على من هي له حيث رفعت ضميره، فحسن أن يقال ذلك "وقبح أن يقال" في "زيدٌ كاتبٌ أبوه": "زيدٌ كاتبُ الأب، لأن من كتب أبوه لا يحسن أن تسند الكتابة إليه إلا بمجاز بعيد" سرى من المضاف، إليه إرادة المضاف.
ووجه قرب الأول ويعد هذا أن الجزء بعض الكل، فيصح إطلاق كل منهما وإرادة الآخر، بخلاف الأبوة والبنوة، "وقد تبين" مما شرحناه "أن العلم بحسن3 الإضافة" في4
__________
1 في "أ": "يؤنثون للصفة"، والتصويب من "ب", "ط".
2 البسيط 2/ 1078.
3 في "أ": "يحسن" والتصويب من "ب"، "ط"، وأوضح المسالك 3/ 247.
4 في "ب": "من".(2/46)
الصفة إلى مرفوعها "موقوف على النظر في معناها"، وهو نسبة الحدث إلى موصوفها على سبيل الثبوت، فما جاز من الصفات أن يسند إلى ضمير موصوفه فإضافته إلى مرفوعه حسنة1، وما لا فلا، "لا" موقوف2 "على معرفة كونها صفة مشبهة، وحينئذ فلا دور في التعريف المذكور" في قول الناظم:
467-
صفة استحسن جر فاعل ... معنى بها المشبهة اسم الفاعل
"كما توهمه3 ابن الناظم" حين قال في الشرح4: "وهذه الخاصة لا تصلح لتعريف الصفة المشبهة وتمييزها عما عداها، لأن العلم باستحسان الإضافة إلى الفاعل موقوف على العلم بكون الصفة مشبهة، فهو متأخر عنه، وأنت تعلم أن العلم بالمعرف يجب تقديمه على العلم بالمعرف" انتهى.
وتقرير الدور منه أن العلم بالصفة المشبهة متوقف على استحسان إضافتها إلى الفاعل، واستحسان إضافتها إلى الفاعل موقوف على العلم بكونها صفة مشبهة فجاء الدور5.
ودفعه الموضح بانفكاك الجهة، وتقريره أن الصفة المشبهة وإن كانت موقوفة على استحسان الإضافة إلى الفاعل، لكن استحسان الإضافة إلى الفاعل ليس موقوفًا على معرفة كونها صفة مشبهة، وإنما هو موقوف على النظر في معناها الثابت لفاعلها بحيث لو حول إسنادها عنه إلى ضميره لا يكون فيه لبس ولا قبح، فيحسن حينئذ الإضافة إلى الفاعل.
__________
1 في "أ": "حسنًا"، والتصويب من "ب"، "ط".
2 في "ب": "موقوفة".
3 ف "أ": توهمه، وأثبت ما في "ب"، "ط": وأوضح المسالك 3/ 247.
4 شرح ابن الناظم ص318.
5 في "ب": "في الدرر".(2/47)
فصل:
وتشارك الصفة المشبهة اسم الفاعل في الدلالة على الحدث وفاعله، والتذكير والتأنيث والتثنية والجمع، وشرط1 الاعتماد إذا تجرد3 من "أل".
"وتختص هذه الصفة" المشبهة "عن اسم الفاعل بخمسة أمور" على ما هنا:
"أحدهما: أنها تصاغ من" الفعل "اللازم" وضعًا أو قصدًا "دون" الفعل المتعدي" الذي لم يرد بالوصف منه الثبوت، فالمصوغة من اللازم وضعًا "كـ: حسن وجميل"، فإنها مصوغان من حسن وجمل، وهما لازمان وضعًا، والمصوغة من اللازم قصدًا كـ: ضارب الأب ومضروب العبد، فإن اسمي الفاعل والمفعول إذا قصد بهما الثبوت جَرَيَا مجرى الصفة المشبهة، كما قال: في "التسهيل" في آخر هذا الباب3.
"وهو" أي اسم الفاعل المراد به الحدوث "يصاغ منهما" أي: من اللازم والمتعدي، فمن اللازم "كـ: قائم، و" من المتعدي نحو: "ضارب".
الأمر "الثاني: أنها" تكون "للزمن" الماضي المتصل بالزمن "الحاضر الدائم" كـ: حسن الوجه الآن، "دون الماضي المنقطع والمستقبل"، فلا يقال: حسن الوجه أمس ولا غدًا، "وهو" أي اسم الفاعل "يكون لأحد الأزمنة الثلاثة"، نحو: حاسن أمس أو الآن أو غدًا، والحاصل من هذه المادة أنك إذا أردت ثبوت الوصف قلت: حسن ولا تقول: حاسن، وإن أردت حدوثه قلت: حاسن، ولا تقول: حسن. قاله الشاطبي وغيره، وإلى هذين الأمرين أشار الناظم بقوله:
468-
...
وصوغها من لازم لحاضر
كطاهر القلب جميل الظاهر
__________
1 في "ب": "وبشرط".
2 في "ب": "تجردا".
3 في التسهيل ص142: "وإن قصد ثبوت معنى اسم الفاعل عومل معاملة الصفة المشبهة، ولو كان من متعد، إن أمن اللبس، وفاقًا للفارسي، والأصح أن يجعل اسم المفعول المتعدي إلى واحد من هذا الباب مطلقًا".(2/48)
الأمر "الثالث: أنها تكون مجارية للمضارع في تحركه وسكونه"، والمراد تقابل حركة بحركة، وسكون بسكون، لا تقابل حركة بعينها، إذا لا يشترط التوافق في أعيان الحركات، ولهذا قال ابن الخشاب1: وهو وزن عروضي لا تصريفي، سواء أكانت مصوغة من ثلاثي أو من2 غيره، فالثلاثي "كـ: طاهر القلب، وضامر البطن"، وغير الثلاثي [نحو: مدحرج الحجر، "و] 3 مستقيم الرأي، ومعتدل القامة"، فإنها مجارية لـ: "يطهر ويضمر [ويدحرج] 3 ويستقيم ويعتدل، "وغير مجارية له"، أي للمضارع "وهو الغالب في المبنية من الثلاثي كـ: حسن وجميل وضخم وملآن"، فإنها ليست مجارية لـ: يحسن ويضخم ويملأ. وقول الزمخشري وابن الحاجب وابن العلج وجماعة: إنها لا تكون إلا غير مجارية، مردود باتفاقهم على أن منها قوله: [من المديد]
600-
من صديق أو أخي ثقة ... أو عدو شاحط دارا
بالشين المعجمة والحاء والطاء المهملتين، بمعنى بعيد، صفة مشبهة، وهي مجارية لـ: يشحط، وجوابه ممكن، إذ لهم أن يقولوا: ما ورد من ذلك اسم فاعل أجري مجرى الصفة المشبهة في الحكم، لا أنه صفة مشبهة حقيقة.
ولا يكون اسم الفاعل إلا مجاريًا له، أي للمضارع، كـ: ضارب ويضرب، ومنه: قائم ويقوم، لأن الأصل: يقْوُمُ، يسكون القاف وضم الواو، ثم نقلوا، وداخل يدخل، لأن توافق أعيان الحركات غير معتبر كما تقدم.
الأمر "الرابع: أن منصوبها لا يتقدم عليها" لأنها فرع اسم الفاعل في العمل، فلا يجوز: زيد وجهه حسن، "بخلاف منصوبه"، فإن يجوز تقديمه عليه، تقول: زيدٌ عمرًا ضاربٌ، "ومن ثم" بفتح المثلثة، أي: ومن أجل جواز تقديم منصوب اسم الفاعل عليه، "صح النصب": أي نصب الاسم المتقدم على اسم الفاعل المشتغل عنه بضميره، باسم فاعل محذوف "في نحو: زيدًا أنا ضاربه"، لأن ما يعمل في المتقدم عليه يصح أن يفسر عاملا فيه.
__________
1 ورد قوله في مغني اللبيب 2/ 458.
2 سقطت من "ب"، "ط".
3 إضافة ضرورية من "ب" فقط.
600- البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص101، وشرح أبيات سيبويه 1/ 131، 217، وشرح المغني 2/ 858، والكتاب 1/ 198، والمقاصد النحوية 3/ 621، وبلا نسبة في مغني اللبيب 2/ 459.(2/49)
"وامتنع" نصب السبي المتقدم على الصفة المشبهة المشتغلة عنه بنصب سببه1، بصفة مشبهة محذوفة "في نحو: زيد أبوه حسن وجهه"، [فلا يجوز نصب الأب بصفة محذوفة معتمدة على زيد، تفسرها الصفة المذكورة المشتغلة عنه بنصب وجهه، لأن الصفة المشبهة لا تعمل في متقدم، وما لا يعمل لا يفسر عاملا، فوجب رفعه على أنه مبتدأ ثان، وحسن: خبره والجملة خبر "زيد" كما امتنع أن يقال: وجه2 الأب زيد حسنة بنصب الوجه.
الأمر "الخامس: أنه يلزم كون معمولها سببيا، أي" اسمًا ظاهرًا "متصلا بضمير موصوفها إما لفظًا نحو: زيد حسن وجهه"] 3، فـ: وجهه: معمول "حسن" وهو سببي لأنه اسم ظاهر متصل بضمير الموصوف وهو زيد: "وإما متصل بضمير موصوفها "معنى نحو: زيد حسن الوجه". فـ: الوجه معمول "حسن" وهو سببي لأنه اسم ظاهر متصل بضمير الموصوف معنى، أي: الوجه "منه"، أي: من زيد، هذا رأي البصريين، "وقيل": لا حذف، و"إن: أل" في الوجه "خلف عن" الضمير "المضاف إليه"، وهو رأي الكوفيين، ويرده4 التصريح بالضمير مع "أل" كقوله: [من الطويل]
601-
رحيب قطاب الجيب منها رقيقة ... بجس الندامى بضة المتجرد
"وقول ابن الناظم" في شرح النظم5؛ ما معناه: "إن جاز نحو: زيد بك فرح"، بتقديم المعمول وهو "بك" مع أنه غير سببي، على أن الصفة وهي "فرح" "مبطل لعموم قوله" يعني الناظم6: "إن المعمول" للصفة المشبهة "لا يكون إلا سببيًا" ولا يكون إلا "مؤخرًا، مردود" خبر قول ابن الناظم، "لأن المراد بالمعمول" في قول الناظم:
__________
1 في "أ", "ط": "سببيه"، والتصويب من "ب".
2 في "أ": "وجهه"، والتصويب من "ب"، "ط".
3 ما بين المعكوفين سقط من "ب".
4 في "ب": "ويؤيده".
601- البيت لطرفة في ديوانه ص30، وخزانة الأدب 4/ 303، 8/ 228، والمحتسب 1/ 183، وشرح التسهيل 1/ 263.
5 شرح ابن الناظم ص319.
6 التسهيل ص141.(2/50)
470-
وسبق ما تعمل فيه مجتنب ... وكونه ذا سببية وجب
"ما عملها فيه بحق الشبه" باسم الفاعل، كما أفهمه قول الناظم:
469-
وعمل اسم فاعل المعدى ... لها على الحد الذي قد حدا
"وإنما عملها في الظرف" [وعديله] 1 وهو "بك" "مما فيها من معنى الفعل"، لأن الظرف [وعديله] 1 مما يكتفي برائحة الفعل، كما قاله التفتازاني، "وكذا عملها في الحال"، نحو: زيد حسن وجهه طلعة، "و" في "التمييز" نحو: زيد حسن وجهًا، "ونحو ذلك" من الفضلات التي ينصبها القاصر، والمتعدي، "بخلاف اسم الفاعل" فإنه قوي الشبه بالفعل، فيعمل في متأخذر ومتقدم، وفي سببي وأجنبي.
وتختص أيضًا بأمور منها: أنه لا يراعى لمعمولها محل بالعطف وغيره، ومنها: أن لا تعمل محذوفة، ومنها، أنها تؤنث بالألف، ومنها: أن تخالف فعلها فتنصب مع قصوره، ومنها: دلالتها على الثبوت الاستمراري من غير تخلل، كـ: حسن الوجه، ومع التخلل نحو: متقلب الخاطر، ومنها: استحسان إضافتها إلى فاعلها معنى من غير ضعف ولا قلة في الكلام، ومنها: إنه يقبح حذف موصوفها وإضافتها إلى مضاف إلى ضمير موصوفها، نحو: مررت بحسن وجهه.
ومنها: أنه لا يجوز أن يفصل بينها وبين معمولها بظرف أو عديله عند الجمهور، ويجوز في اسم الفاعل بالاتفاق، ومنها: أنها لا تتعرف بالإضافة مطلقًا بخلاف اسم الفاعل، فإنه يتعرف بالإضافة إذا كان بمعنى الماضي، أو أريد به الاستمرار، ومنها: أن منصوبها2 [المعرفة] 3 مشبه بالمفعول به، ومنصوب4 اسم الفاعل مفعول به، ومنها: أن "أل" الداخلة عليها حرف تعريف، والداخلة عليه اسم موصول على الأصح فيهما.
__________
1 إضافة ضرورية من "ب".
2 في "ب": "معمولها".
3 سقطت من "ب".
4 في "ب": "ومفعول".(2/51)
فصل:
"لمعمول هذه الصفة" المشبهة "ثلاث حالات:
الرفع على الفاعلية" للصفة. "قال الفارسي1: أو على الإبدال من ضمير مستتر في الصفة" بدل بعض من كل. ويرده حكاية الفراء: مررت بامرأة حسن الوجه، إذ لو كان الوجه بدلا من الصفة لوجب تأنيثها؛ لأن الصفة إذا رفعت ضميرًا وجب تأنيثها، وحكاية الكوفيين: بامرأة قويم الأنف، وأنه يجوز: برجل مضروب الأب، بالرفع، وليس هذا البدل كلا ولا بعضا ولا اشتمالا.
"والخفض بالأضافة" أي بإضافة الصفة إليه، "والنصب على التشبيه بالمفعول به إن كان معرفة" كـ: الوجه، وعليه، "أو على التمييز إن كان نكرة"، كـ: وجهًا.
"والصفة مع كل من الثلاثة" وهي: الرفع والنصب والخفض، "إما نكرة أو معرفة" مقرونة بـ"أل"، "وكل من هذه الستة" الحاصلة من ضرب وجوه الإعراب الثلاثة في حالتي تنكير الصفة وتعريفها "للمعمول معه ست حالات، لأنه"؛ أي المعمول؛ "إما بـ: أل، كـ: الوجه، أو مضاف لما فيه "أل" كـ: وجه الأب، أو مضاف للضمير، كـ: وجهه، أو مضاف لمضاف للضمير كـ: وجه أبيه، أو مجرد" من "أل" والإضافة كـ: وجه، "أو مضاف إلى المجرد" من "أل" والإضافة "كـ: وجه أب، فالصور ست وثلاثون" صورة حاصلة من ضرب ست في مثلها.
وهي ضربان: جائز وممتنع، فالجائز اثنان وثلاثون صورة، "الممتنع منها أربع وهي: أن تكون الصفة بـ" أل" والمعمول مجردًا منها ومن الإضافة إلى تاليها، وهو" أي المعمول: "مخفوض، كـ: الحسن وجهه، أو" الحسن "وجه أبيه، أو" الحسن "وجه، أو" الحسن "وجه أب", لأن الإضافة في هذه الصور الأربع لم تفد تعريفًا، كما في نحو غلام زيد، ولا تخصيصًا في نحو: غلام رجل، ولا تخفيفًا كما في: نحو حسن الوجه، ولا تخلصا من قبح حذف الرابط أو التجوز في العمل، كما في الحسن الوجه.
__________
1 الإيضاح العضدي 1/ 153.(2/52)
وينقسم الجائز إلى قبيح وضعيف وحسن، فأما القبيح فهو رفع الصفة مجردة كانت، أو مع "أل" المجرد1 منها، ومن الضمير والمضاف إلى المجرد، وذلك أربع صور، وهو: حسن وجه، وحسن وجه أب، والحسن وجه، والحسن وجه أب.
ووجه قبحها خلو الصفة من ضمير يعود على الموصوف لفظًا، وعلى قبحها فهي جائزة في الاستعمال لوجود الضمير تقديرًا.
وأما الضعيف فهو نصب الصفة المجردة2 من "أل" المعرف بـ"أل" والمضاف إلى المعرف بها، أو إلى ضمير الموصوف، أو إلى المضاف إلى ضميره، ووجه ضعفه3 أنه من إجراء وصف القاصر مجرى وصف المتعدي.
وجر الصفة المضاف إلى ضمير الموصوف أو إلى المضاف إلى ضميره، وذلك ست صور وهي: حسن الوجه، وحسن وجه الأب، وحسن وجهه وحسن وجه أبيه، بالنصب فيهن، وحسن وجهه وحسن وجه أبيه، بالجر فيهما.
وهو؛ أي الجر؛ عند سيبويه من الضرورات4، وأجازه الكوفيون في السعة5، وهو الصحيح لوروده في الحديث كقوله في وصف النبي -صلى الله عليه وسلم: "شثن أصابعه"6، وفي حديث أم زرع: "صفر وشاحها"7، وفي حديث الدجال: "أعور عينه اليمنى"8. ومع جوازه ففيه ضعف، لأنه يشبه إضافة الشيء إلى نفسه.
وأما الحسن فهو رفع الصفة المجردة من "أل" المعرف بها والمضاف إلى المعرف بها، أو إلى ضمير الموصوف، أو إلى المضاف إلى ضميره، ونصب الصفة المجرد من
__________
1 في "ب": "المجردة".
2 في "ب": "المتجردة".
3 أي: ضعف النسب، كما في "ب".
4 في "ب": "وعند سيبويه أنه من الضرورة".
5 انظر شرح التسهيل 3/ 96، والارتشاف 3/ 246.
6 أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب الجعد، برقم 5568: "عن أنس: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- شثن القدمين والكفين".
7 من حديث أم زرع، أخرجه مسلم في فضائل الصحابة برقم 2448، وانظره في فتح الباري 9/ 254، والنهاية 3/ 36، وفيه: "أي أنها ضامرة البطن، فكأن رداءها صفر: أي خال، والرداء ينتهي إلى البطن فيقع عليه".
8 أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء برقم 3257، ومسلم في الإيمان، باب ذكر الدجال برقم 169.(2/53)
"أل" والإضافة والمضاف إلى المجرد منهما، وجر الصفة المعرفة بـ"أل" والمضاف إلى المعرف بها، والمجرد من "أل" والإضافة، والمضاف إلى المجرد منهما، ورفع الصفة مع "أل" المعرف بها، والمضاف إلى المعرف بها أو إلى الضمير الموصوف، أو إلى المضاف إلى ضميره، ونصب الصفة المعرف بـ"أل"والمضاف إلى المعرف بها، أو إلى ضمير الموصوف، أو إلى المضاف إلى ضميره، والمجرد من "أل" والإضافة، والمضاف إلى المجرد منهما، وجر الصفة المعرف بـ"أل" والمضاف إل المعرف بـ"أل".
فهذه اثنتان وعشرون صورة وهي: حسنٌ الوجهُ, وحسنٌ وجهُ الأبِ، وحسنٌ وجهُهُ، وحسنٌ وجهُ أبيه، وحسنٌ وجهًا، وحسنٌ وجهَ أبٍ، وحسنٌ الوجهَ، وحسنٌ وجهَ الأبِ، وحسنُ وجهٍ، وحسنُ وجهِ أبٍ، والحسنُ الوجهِ، والحسنُ وجهِ الأبِ، والحسنُ وجهُهُ، والحسنُ وجهُ أبيهِ، والحسنُ الوجهُ، والحسنُ وجهُ الأبِ، والحسنُ وجهَهُ، والحسنُ وجهَ أبيهِ، والحسنُ وجهًا، والحسنُ وجهَ أبٍ، والحسنُ الوجهِ، والحسنُ وجهِ الأبِ، وذلك كله مستفاد من قول الناظم:
471-
فارفع بها وانصب وجر مع أل ... ودون أل مصحوب أل وما اتصل
472-
بها مضافًا أو مجردًا ولا ... تجرر بها مع أل سُمًا من أل خلا
473-
ومن إضافة لتاليها وما ... لم يخل فهو بالجواز وسما
وأوصل1 بعض المتأخرين الصور الحاصلة من الصفة ومعمولها إلى أربع عشرة ألف صورة ومائتين وست وخمسين صورة، وذلك أنه جعل الصفة إما بـ"أل" أو لا، فهذه حالتان، ومعمولها إما بـ"أل" أو مضاف أو مجرد. والمقرون بـ"أل" نوع واحد كـ: الحسنِ الوجهِ2، والمضاف3 ثمانية أنواع:
الأول: مضاف إلى ضمير الموصوف نحو: حسنُ وجههِ.
والثاني: مضاف إلى مضاف إلى ضميره نحو: حسنُ وجهِ أبيهِ.
والثالث: مضاف إلى المعرف بـ: أل، نحو: حسنُ وجهُ الأبِ.
والرابع: مضاف إلى مجرد نحو: وجهُ أبٍ.
والخامس: مضاف إلى ضمير مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف نحو: جميلة أنفه، من قولك: مررت بامرأةٍ حسنِ وجهِ جاريَتِهَا جميلةِ أنفِهِ.
__________
1 في "ب": "واصل".
2 سقط من "ب": "والمقرون ... حسن الوجه".
3 في "ب": "وجعل المضاف".(2/54)
والسادس: مضاف إلى ضمير معمول صفة أخرى نحو: جميل خالها، من قولك: مررت برجل حسن الوجنة جميل خالها.
والسابع: مضاف إلى موصول نحو: "الطيبي كل ما التاثت به الأزر" من قوله: [من البسيط]
602-
فعج بها قبل الأخيار منزلة ... والطيبي كل ما التاثت به الأزر
والثامن: مضاف إلى موصوف بجملة، نحو: رأيت رجلا حديد سنان رمح يطعن به.
والمجرد من الإضافة و"أل" يشمل ثلاثة أنواع: الموصول نحو قوله: [من الطويل]
603-
أسيلات أبدان رقاق خصورها ... وثيرات ما التفت عليها لمآزر
والموصوف نحو: "جما نوال أعده" من قوله: [من الطويل]
604-
تزور امرأ جما نواعل أعده ... لمن أمه مستكفيًا أزمة الدهر
وغيرهما نحو: مررت برجلٍ حسنِ وجهٍ.
هذه اثنتا عشرة صورة مضروبة في حالتي تنكير الصفة وتعريفها، تصير أربعًا وعشرين، وكل من هذه الأربع والعشرين مضروبة في ثلاثة أحوال الإعراب تبلغ اثنتين وسبعين صورة، ويُضم إليها صور ما إذا كان معمول الصفة ضميرًا، وهي1 ثلاثة:
الأولى: أن يكون مجرورًا، وذلك إذا باشرته الصفة المجردة من "أل" نحو قولك: مررت برجل حسنِ الوجهِ جميلِهِ.
الثانية: أن تُفصل الصفة من الضمير وهي مجردة من "أل" نحو: قريش نجباء الناس ذريةً وكِرَامُهُمُوهَا.
__________
602- البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 183، والارتشاف 3/ 245، وشرح التسهيل 3/ 91، والمقاصد النحوية 3/ 625, وبلا نسبة في شرح الأشموني 2/ 357.
603- البيت لعمر بن أبي ربيعة في المقاصد النحوية 3/ 629، ولم أقع عليه في ديوانه، وبلا نسبة في شرح الأشموني 2/ 357، وشرح التسهيل 3/ 91.
604- البيت بلا نسبة في شرح الأشموني 2/ 357، والمقاصد النحوية 3/ 631، وشرح التسهيل 3/ 91، وشرح المرادي 3/ 51.
1 في "ب": "وهو".(2/55)
الثالثة: أن تتصل به ولكن تكون الصفة بـ"أل" نحو: زيدٌ الحسنُ الوجهَ الجميلَهُ. والضمير في هاتين الصورتين منصوب, فصارت خمسة وسبعين.
والصفة إما أن تكون لمفرد مذكر أو لمثناه أو لمجموعه1 جمع سلامة أو جمع تكسير، أو لمفرد مؤنث أو لمثناه أو لمجموعه2 جمع سلامة أو جمع تكسير، وهذا ثمان في خمس وسبعين تصير ستمائة.
وإذا نوعت نفس الصفة إلى مرفوعة ومنصوب ومجرورة, وضربتها في الستمائة تصير ألفًا وثمانمائة، وإذا نوعت نفس الصفة أيضًا من وجه آخر إلى مفرد مذكر ومثناه ومجموعه، إلى مفرد مؤنث ومجموعه، كانت ثمانيًا، فلا ضربت فيها الألف والثمانمائة تصير أربع عشرة ألفًا وأربعمائة.
قال: ويستثنى من هذه الصور الضمير، فإنه لا يكون مجموعًا جمع تكسير ولا جمع سلامة، وجملة صوره مائة وأربع وأربعون، فالباقي أربع عشرة ألفًا ومائتان وست وخمسون، بعضها جائز وبعضها ممتنع، فيخرج منها الممتنع على ما تقدم. انتهى.
__________
1 في "ب": "أو لمجموع".
2 في "ط": "أو لمجموع".(2/56)
باب التعجب
مدخل
...
باب التعجب:
وهو استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها، وخرج بها المتعجب منه عن نظائره، أو قل نظيره، قاله ابن عصفور1.
فخرج بـ: "وصف الفاعل" وصف المفعول، فلا يقال: ما أضرب زيدًا، تعجبًا من الضرب الواقع على زيد، وبـ: "خفي سببها" الأمور الظاهرة الأسباب، فلا يتعجب في شيء منها لقولهم: "إذا ظهر السبب بطل العجب" وبـ: "قلة النظائر والخروج عنها" ما تكثر نظائره في2 الوجود ولا يستعظم، فلا يتعجب منه3.
"و" التعجب4 "له عبارات" كثيرة واردة في الكتاب والسنة ولسان العرب، فمن الكتاب "نحو" قوله تعالى: " {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} " [البقرة: 28] "و" من السنة قوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة -رضي الله عنه: $"سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس"5. "و" من كلام العرب قولهم6: "لله دره فارسًا". وإنما لم يبوب لها في النحو لأنها لم تدل على التعجب بالوضع بل بالقرينة.
"والمبوب له منها6 في النحو" صيغتان "اثنتان" موضوعتان له:
__________
1 المقرب 1/ 71.
2 في "أ": "من"، والتصويب من "ب"، "ط".
3 انظر المقرب 1/ 71.
4 سقطت من "ب".
5 أخرجه البخاري في كتاب الغسل برقم 281، ومسلم في الحيض برقم 371.
6 سقطت من "ب".(2/57)
"إحداهما: ما أفعله، نحو: ما أحسن زيدًا"، وإليها أشار الناظم بقوله:
474-
بأفعل انطق بعد ما تعجبا ... ...............................
والكلام فيها في شيئين، في "ما"1 و"أفْعَلَ"، "فأما: ما" التعجبية "فأجمعوا على اسميتها، لأن في "أحسن" ضميرًا يعود عليها" اتفاقًا، والضمير لا يعود إلا على الأسماء، و"أجمعوا" أيضًا "على أنها مبتدأ لأنها مجردة" عن العوامل اللفظية "للإسناد إليها"، وأما ما روي عن الكسائي أنها لا موضع لها من الإعراب، فشاذ لا يقدح في الإجماع. "ثم" بعد الاتفاق على أنها سم مبتدأ، اختلفوا في معناها، "قال سيبويه" وجمهور البصريين: "هي نكرة تامة بمعنى شيء، وابتدئ بها لتضمنها معنى التعجب2"، كما قالوا في قول1 الشاعر: [من الكامل]
605-
عجب لتلك قضية وإقامتي ... فيكم على تلك القضية أعجب
"وما بعدها" من الجملة الفعلية "خبر، فموضعه رفع3.
وقال الأخفش4: هي" أي: ما "معرفة ناقصة" أي موصولة "بمعنى "الذي" وما بعدها" من الجملة الفعلية "صلة" لها فلا موضوع له" من الإعراب. "أو نكرة ناقصة"؛ أي نكرة موصوفة بمعنى "شيء" "وما بعدها" من الجملة الفعلية "صفة" لها، "فمحله رفع" تبعًا لمحل "ما".
"وعليهما" أي على قول الأخفش من التعريف والتنكير الناقصين؛ "فالخبر" أي خبر المبتدأ الذي هو "ما" التعجبية "محذوف وجوبًا، أي": الذي، أو شيء أحسن زيدًا "شيء عظيم"، ورد بأنه يستلزم مخالفة النظائر من وجهين:
أحدهما: تقديم الإفهام بالصلة أو الصفة وتأخير الإبهام بالتزام حذف الخبر، والمعتاد فيما تضمن من الكلام إفهامًا وإبهامًا تقدم الإبهام5.
__________
1 سقطت من "ب".
2 انظر الكتاب 1/ 328-329، وشرح ابن الناظم ص326، وشرح قطر الندى ص321.
605- البيت لضمرة بن جابر في الدرر 1/ 416، ولهني بن أحمر في الكتاب 1/ 319، ولسان العرب 6/ 61 "حيس"، ولهمام بن مرة في الحماسة الشجرية 1/ 256، ولرؤبة في شرح المفصل 1/ 14، وبلا نسبة في سمط اللآلي ص288، وشرح الأشموني 1/ 97، وشرح قطر الندى ص321، وهمع الهوامع 1/ 191.
3 انظر شرح المفصل 7/ 49، والكتاب 1/ 72.
4 انظر المفصل 7/ 149، والارتشاف 3/ 33.
5 في "أ": "ما تقدم"؛ بزيادة "ما".(2/58)
والثاني: التزام حذف الخبر دون شيء يسد مسده.
وروي عن الأخفش قول ثالث موافق لقول سيبويه والجمهور، وذهب الفراء وابن درستويه إلى أن "ما" استفهامية، ونقله في شرح التسهيل1 عن الكوفيين، وهو موافق لقولهم باسمية "أفْعَلَ" فإن الاستفهام المشوب بالتعجب لا يليه إلا الأسماء نحو: {مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} [الواقعة: 27] .
والأصح ما ذهب إليه سيبويه وأصحابه، لأن قصد المتعجب الإعلام بأن المتعجب منه ذو مزية إدراكها جلي2، وسبب الاختصاص بها خفي فاستحقت الجملة المعبر بها عن ذلك أن تفتتح بنكرة غير مختصة ليحصل بذلك إبهام متلو بإفهام، ولا شك أن الإفهام حاصل بإيقاع "أفعل" على المتعجب منه، إذ لا يكن إلا مختصًا، فتعين كون الباقي وهو "ما" مقتضيًا للإبهام.
"وأما: أفْعَلَ" بفتح العين "كـ: أحْسَنَ" ففيه خلاف، "فقال البصريون والكسائي" وهشام: "فعل" ماض "للزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية، نحو: ما أفقرني إلى رحمه الله"، وما أحسنني إن اتقيت الله، "ففتحته" التي في آخره "بناء" لا إعراب، "كالفتحة في "ضرب" من" قولك: "زيد ضرب عمرًا، وما بعده" من الاسم المنصوب "مفعول به"، كما أن بعد "ضرب" من الاسم المنصوب مفعول به، فإعراب: ما أحسن زيدًا، مثل3 إعراب: زيد ضرب عمرًا، حرفًا بحرف.
"وقال بقية الكوفيين" غير الكسائي وهشام: "أفْعَلَ" "اسم لقولهم" أي العرب "ما أحيسنه" وما أميلحه، بالتصغير، ولم يصغروا غيرهما، والتصغير من خصائص4 الأسماء، "ففتحته" التي في آخره "إعراب" لا بناء "كالفتحة في" "عندك" من قولك: "زيد عندك، وذلك لأن مخالفة الخبر للمبتدأ" في المعنى "تقتضي عندهم نصبه" أي: نصب الخبر، بخلاف ما إذا كان الخبر هو المبتدأ في المعنى كـ: {اللَّهِ رَبِّنَا} [الشورى: 15] أو مشبهًا به نحو: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] فإنه يرتفع ارتفاعه. ولما كان مخالفًا له بحيث لا يحمل عليه حقيقة ولا حكمًا خالفه في الإعراب.
__________
1 شرح التسهيل 3/ 32.
2 بعدها في "أ": "خبر".
3 سقطت من "ب".
4 في "أ"، "ب": "خواص"، وأثبت ما في "ط".(2/59)
والناصب له عندهم معنوي، وهو معنى المخالفة التي اتصف بها، ولا يحتاج إلى شيء يتعلق به الخبر، "و: أحْسَنَ؛ إنما هو في المعنَى وصف لـ: زيد، لا لضمير: ما" فلذلك نَصَبَ. "و: زيدًا؛ عندهم مشبه بالمفعول به"، لأن ناصبه وصف قاصر1، فأشبه نصبَ الوجهِ في قولك: "زيدٌ حسنٌ الوجه". وأجيب بأن التصغير في "أفعل" شاذ، ووجه تصغيره أنه أشبه الأسماء عمومًا لجموده، وأنه لا مصدر له. أو أنهم2 ذهبوا بتصغيره إلى معنى المصدر حيث لزم صيغة واحدة. قاله أبو البقاء3. وأشبه أفعل التفضيل خصوصًا بكونه على وزنه، وبدلالته على الزيادة، وبكونهما لا يبنيان إلا مما استكمل شروطًا، يأتي ذكرها.
وندر حذف همزة "أفعل" سمع: ما خيره وما شره، بمعنى: ما أخيره وأما أشره، ولما حذفوا همزة "أخير" حركوا الخاء بحركة الياء، ومنهم من لم يحركها ويحذف ألف "ما" ويقول: مخيره، وسمع الكسائي: مخبثه.
"الصيغة الثانية" من صيغتي التعجب: "أفعل به" بكسر العين، "نحو أحسن بزيد" وإليها الإشارة بقول الناظم:
474-
.................................... ... أو جيء بأفعل قبل مجرور ببا
"وأجمعوا على فعلية: أفعل" لأنه على صيغة لا تكون إلا للفعل، فأما أصبع بفتح الهمزة، لغة في إصبع فنادر، وفي كلام ابن الأنباري ما يدل على أن "أفعل" اسم. قال المرادي4: ولا وجه له.
"ثم" بعد اتفاقهم على فعليته اختلفوا في حقيقه، "قال البصريون"؛ جمهورهم: "لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر" فمدلوله ومدلول "أحسن" في: ما أحسن زيدًا من حيث التعجب واحد، "وهو في الأصل فعل ماض" صيغته "على صيغة: أفْعَلَ" بفتح العين، وهمزته للصيرورة "بمعنى صار ذا كذا"، فأصل: "أحسن يزيد" أحسن زيد، أي صار ذا حسن، "كـ: أغد البعير، أي صار ذا غدة"، وأبقلت الأرض: أي صارت ذات بقل، "ثم غيرت الصيغة" الماضوية, إلى الصيغة الأمرية، فصار: أحسن زيد، بالرفع، "فقبح إسناد" لفظ "صيغة الأمر إلى الاسم الظاهر"، لأن صيغة
__________
1 في "ب": "فعل".
2 في "ب": "أو لأنهم".
3 ورد قوله في كتابه التبيين ص290-291.
4 شرح المرادي 3/ 63.(2/60)
الأمر لا ترفع الاسم الظاهر، "فزيدت الباء في الفاعل ليصير على صورة المفعول به" المجرور بالباء. "كـ: امرر بزيد: ولذلك" القبح "التزمت" زيادتها صونًا للفظ عن الاستقباح، "بخلافها" أي: بخلاف زيادة الباء "في" فاعل الفعل الماضي نحو: " {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} " [الرعد: 43] "فيجوز تركها" المجرور لعدم الاستقباح "كقوله"؛ وهو سحيم؛ بمهملتين؛ عبد بني الحسحاس؛ بمهملات أربع: [من الطويل]
606-
عميرة ودع إن تجهزت غاديًا ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيًا
فحذف الباء من فاعل "كفى".
"وقال الفراء والزجاج والزمخشري وابن كيسان وابن خروف": أفعل؛ بكسر العين في التعجب: "لفظه ومعناه الأمر" حقيقة، "وفيه ضمير" مستتر مرفوع على الفاعلية، "والباء للتعدية" داخلة على المفعول به لا زائدة1.
"ثم" اختلفوا في مرجع الضمير المستتر في "أفعل"، "قال ابن كيسان" من الكوفيين: "الضمير" المستتر في أفعل2 للحسن المدلول عليه بـ: أحسن، كأنه قيل: أحسن يا حسن بزيد، أي: دم به والزمه، ولذلك كان الضمير مفردًا على كل حال، لأن ضمير المصدر كالمصدر لا يثنى ولا يجمع، واستحسنه ابن طلحة.
"وقال غيره" أي غير ابن كيسان من المتقدم ذكرهم، وهم: الفراء من الكوفيين، والزجاج من البصريين، وابن خروف والزمخشري من المتأخرين: الضمير المستتر في "أفعل" "للمخاطب" المستدعي منه التعجب، وكان القياس أن يقال في التأنيث: أحسني، وفي التثنية: أحسنا. وفي الجمع: أحسنوا أو أحسنَّ، "وإنما التزم إفراده" وتذكيره واستتاره، "لأنه" أي: أفعل المستتر فيه الضمير "كلام جرى مجرى المثل"، والأمثال لا تغير عن حالها.
__________
606- البيت لسحيم عبد بني الحسحاس في الإنصاف 1/ 168، وخزانة الأدب 1/ 267، 2/ 102، 103، وسر صناعة الإعراب 1/ 141, وشرح شواهد المغني 1/ 325، والكتاب 2/ 26، 4/ 225، ولسان العرب 15/ 226 "كفى"، ومغني اللبيب 1/ 106، والمقاصد النحوية 3/ 665، وبلا نسبة في أسرار العربية ص144، وأوضح المسالك 3/ 253، وشرح الأشموني 2/ 364، وشرح عمدة الحافظ ص425، وشرح قطر الندى ص1323، وشرح المفصل 2/ 115، 7/ 84، 148، 8/ 24، 93، 138، ولسان العرب 15/ 344، "نهى"، وشرح التسهيل 3/ 24.
1 انظر الارتشاف 3/ 35، وشرح الكافية الشافية 2/ 1078.
2 سقط من "ب": "المستتر في أفعل".(2/61)
وضعف مذهب جمهور البصريين بثلاثة أوجه: أحدها: استعمال الأمر بمعنى الماضين وهو ما لم يعهد والمعهود عكسه. والثاني: استعمال أفعل بمعنى "صار" وهو قليل، والثالث: زيادة الباء في الفاعل.
ورد ابن مالك قول الفراء وموافقيه بأربعة أوجه1:
أحدها: أنه لو كان أمرًا لزم إبراز ضميره.
الثاني: أنه لو كان أمرًا لم يكن الناطق به متعجبًا، كما لا يكون الأمر بالخلف ونحوه حالفًا، ولا خلاف في كونه متعجبًا.
الثالث: أنه لو كان مسندًا إلى ضمير المخاطب لم يلِهِ ضمير المخاطب في نحو: أحسن بك.
الرابع: أنه لو كان أمرًا لوجب له من الإعلال ما وجب لـ: أقم وأبن.
ويجوز حذف الباء إذا كان المتعجب منه "أن" المصدرية وصلتها كقوله "من الطويل"
607-
..................................... ... وأحبب إلينا أن يكون المقدما
أي: بأن يكون، دون "أن" المشددة وصلتها لعدم السماع، فهذا حكم اختصت2 به "أن" عن "أن" ونظيره: عسى أن يقوم. قاله الموضح في الحواشي3.
وزاد بعضهم في التعجب صيغة ثالثة، وهي "فعل" بضم العين، نحو: {كَبُرَتْ كَلِمَةً} [الكهف: 5] ، وزاد الكوفيون رابعة وهي: أفعل بغير "ما" فأجازوا تحويل الثلاثي إلى صيغة أفعل، وقالوا: أحسنت رجلا، وأكرمت رجلا بمعنى4: ما أحسنك وما أكرمك. وزاد بعضهم اسم التفضيل متمسكًا بقول سيبويه5: إن أفعل وما أفعله وأفعل به في معنى واحد.
__________
1 شرح التسهيل 3/ 33-34.
607- صدر البيت: "وقال نبي المسلمين تقدموا"، وهو لعباس بن مرادس في ديوانه ص102، والدرر 2/ 292، 297، والمقاصد النحوية 3/ 656، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 34، والجنب الداني ص49، والدرر 2/ 580، وشرح ابن الناظم ص332، وشرح الأشموني 2/ 364، وشرح ابن عقيل 2/ 157، وشرح التسهيل 3/ 35، ولسان العرب 1/ 292 "حبب"، والمقاصد النحوية 4/ 593، وهمع الهوامع 2/ 90، 91، 227.
2 في "ب": "اختص".
3 انظر التسهيل ص130.
4 في "ب": "يعني".
5 الكتاب 4/ 97.(2/62)
"مسألة": لا يتعجب إلا من معرفة أو نكرة مختصة1 نحو: ما أحسن زيدًا، وما أسعد رجلا اتقى الله، لأن المتعجب منه مخبر عنه في المعنى، فلا يقال: ما أسعد رجلا من الناس، لأنه لا فائدة في ذلك.
"ويجوز حذف المتعجب منه" إذا كان ضميرًا، كما "في مثل: ما أحسنه"، و"إن دل عليه دليل"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
476-
وحذف ما منه تعجبت استبح ... إن كان عند الحذف معناه يضح
"كقوله"؛ وهو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: [من الطويل]
608-
جزى الله عني والجزاء بفضله ... ربيعة خيرًا ما أعف وأكرما
أي: ما أعفها وأكرمها.
"وفي" مثل "أفعل به؛ إن كان؛ أفعل"؛ بكسر العين؛ "معطوفًا على آخر مذكور معه مثل ذلك المحذوف نحو: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38] أي: بهم وقوله: [من الرجز]
609-
أعزز بنا واكتف إن دعينا ... يوما إلى نصرة من يلينا
أي: واكتف بنا. وإنما حذف للدليل مع كونه فاعلا، لأن لزومه للجر كساه صورة الفضلية، خلافًا للفارسي وجماعة ذهبوا إلى أنه لم يحذف، ولكنه استتر في الفعل حين حذفت الباء، كما في قولك: زيد كفى به كاتبًا. زيد كفى كاتبًا.
ورده ابن مالك بوجهين2:
أحدهما: لزوم إبرازه حينئذ في التثنية والجمع، والثاني: أن من الضمائر ما لا يقبل الاستتار، كـ:"نا" من: أكرم بنا، فإن لم يدل عليه دليل لم يجز حذفه.
أما في "ما أفعله" فلعروه إذا ذاك عن الفائدة، فإنك لو قلت: ما أحسن أو ما أجمل، لم يكن كلامًا، لأن معناه أن3 شيئًا صير الحسن واقعًا على مجهول، وهذا مما لا
__________
1 سقطت من "ب".
608- البيت للإمام علي بن أبي طالب في ديوانه ص491، والدرر 2/ 296، وشرح ابن الناظم ص328، والعقد الفريد 5/ 283، والمقاصد النحوية 3/ 649، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 259، وشرح الأشموني 2/ 364، وهمع الهوامع 2/ 91.
609- الرجز بلا نسبة في الدرر 2/ 328، وشرح التسهيل 3/ 37.
2 شرح التسهيل 3/ 37.
3 في "ب": "ما".(2/63)
ينكر وجوده، ولا يفيد التحدث به. وأما نحو "أفعل به" فلا يحذف منه المتعجب منه لغير دليل؛ لأنه فاعل، "وأما قوله" وهو عروة بن الورد: [من الطويل]
610-
فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميدًا وإن يستغن يومًا فأجدر
فحذف المتعجب منه، ولم يكن معطوفًا على مثله، "أي": فأجدر "به" حميدًا، "فشاذ" أو قليل.
"مسألة: وكل من هذين الفعلين وهم: ما أفعله وأفعل به، ممنوع التصرف" اتفاقًا. قاله ابن مالك1، وإليه أشار الناظم بقوله:
477-
وفي كلا الفعلين قدمًا لزما ... منع تصرف بحكم حتما
وأجاز هشام أن يؤتى بمضارع "ما أفعله" فتقول: ما يحسن زيدًا، وهو قياس، ولم يسمع، فلا يقدح في الإجماع.
وليس "أفعل" أمرًا من "أفعل" لاختلاف مدلولي2 الهمزة عند الجمهور، لأنها في التعجب للصيرورة، وفي غيره للنقل، "فالأول" وهو: ما أفعله "نظير: تبارك وعسى وليس" في الجمود وفي ملازمة المضي. "والثاني" وهو أفعل به "نظير "هب" بمعنى: اعتقد، و"تعلم" بمعنى: اعلم" في الجمود وفي ملازمة صيغة الأمر.
"وعلة جمودها تضمنهما معنى حرف التعجب الذي كان يستحق الوضع"
ولم يوضع.
"مسألة: ولعدم تصرف هذين الفعلين" الدالين على التعجب "امتنع أن يتقدم عليهما معمولهما، و" امتنع "أن يفصل بينهما" وبين معموليهما3 "بغير ظرف أو مجرور، لا تقول: ما زيدًا أحسن"، بتقدم معمول "أحسن" عليه "ولا" تقول:
__________
610- البيت لعروة بن الورد في ديوانه ص15، والأصمعيات ص46، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص424، وشرح عمدة الحافظ ص755، والمقاصد النحوية 3/ 650، وله أو لحاتم الطائي في الأغاني 6/ 303، وخزانة الأدب 1/ 9، 10/ 13، ولحاتم الطائي في الدرر 2/ 103، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في الأغاني 6/ 296، وأوضح المسالك 3/ 260، وشرح ابن الناظم ص329، وشرح الأشموني 2/ 364، وشرح ابن عقيل 2/ 152، وشرح التسهيل 3/ 37، وشرح الكافية الشافية 2/ 1079، وهمع الهوامع 2/ 38.
1 شرح الكافية الشافية 2/ 1080.
2 في "ب": "مدلول".
3 في "ب": "ومعمولهما".(2/64)
"يزيد أحسن"، بتقديم معمول "أحسن" عليه، "وإن قيل: إن "بزيد" مفعول" به، كما يقول به الفراء وأصحابه، لعدم التصرف، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
483-
وفعل هذا الباب لن يقدما ... معموله......................
"وكذلك لا تقول: ما أحسن؛ يا عبد الله؛ زيدًا". بالفصل بالمنادى بين "أحسن" ومعموله، بلا خلاف، كما يؤخذ من كلام الشارح1، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
483-
.................................... ... .............. ووصله بما الزما
وفي الكلام الفصيح ما يدل على جوازه، كقول على -رضي الله عنه- لما رأى عمار بن ياسر مقتولا: "أعزز علي؛ أبا اليقظان؛ أن أراك صريعًا مجدلا" أي مرميا على الجدالة، بفتح الجيم، وهي الأرض. قال ابن مالك2: وهذا مصحح للفصل بالمنادى.
"ولا" تقول "أحسن؛ لولا بخله؛ بزيد"، بالفصل بـ"لولا" الامتناعية ومصحوبها، وأجاز ذلك ابن كيسان3، قال المرادي4: ولا حجة له على ذلك.
وأجاز الجرمي الفصل بالمصدر نحو: ما أحسن؛ إحسانًا؛ زيدًا، ومنعه الجمهور لمنعهم أن يكون له مصدر، وأجاز الجرمي وهشام الفصل بالحال نحو: ما أحسن؛ راكبًا؛ زيدًا، وأحسن؛ راكبًا؛ بزيد5.
"واختلفوا في الفصل بظرف أو مجرور" حال كونهما "متعلقين بالفعل" الدال على التعجب، "والصحيح الجواز" للتوسع فيهما، وإليه أشار الناظم بقوله:
484-
وفصله بظرف أو بحرف جر ... مستعمل والخلف في ذاك استقر
فذهب الأخفش والمبرد وأكثر البصريين إلى المنع6، وذهب الفراء والجرمي
__________
1 في شرح ابن الناظم ص331: "لا خلاف في امتناع تقديم معمول فعل التعجب عليه، ولا في امتناع الفصل بينه وبين المتعجب منه بغير الظرف، والجار والمجرور، كالحال والمنادى".
2 شرح التسهيل 3/ 41.
3 الارتشاف 3/ 41.
4 شرح المرادي 3/ 72.
5 انظر الارتشاف 3/ 37، وشرح ابن الناظم ص332.
6 شرح ابن الناظم ص332، وشرح المفصل 7/ 150.(2/65)
والمازني والزجاج والفارسي وابن خروف والشلوبين إلى الجواز1، "كقولهم: ما أحسن بالرجل أن يصدق، وما أقبح به أن يكذب، وقوله"؛ وهو أوس بن حجر: [من الطويل]
611-
أقيم بدار الحزم ما دام حزمها ... وأحر إذا حالت بأن أتحولا
ففصل بـ"إذا" الظرفية بين "أحر" ومعموله، وهو "أن" وصلتها، وليس لسيبويه في ذلك نص2.
"ولو تعلق الظرف والمجرور بمعمول فعل التعجب لم يجز الفصل به اتفاقًا"، كما قال ابن مالك في شرح التسهيل3 "نحو: ما أحسن معتكفًا في المسجد، وأحسن بجالس عندك"، فلا يقال فيهما: ما أحسن في المسجد معتكفا، وأحسن عندك بجالس، لئلا يلزم الفصل بين العامل ومعموله بمعمول معموله.
__________
1 شرح ابن الناظم ص331.
611- البيت لأوس بن حجر في ديوانه ص83، وتذكرة النحاة ص292، وحماسة البحتري ص120، وشرح عمدة الحافظ ص748، والمقاصد النحوية 3/ 659، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 263، وشرح ابن الناظم ص332، وشرح الأشموني 2/ 369، وشرح التسهيل 3/ 41، وشرح الشافية 2/ 1096.
2 انظر شرح الكافية الشافية 2/ 1089، وفي شرح ابن الناظم 331: "حكى الصيمري أن مذهب سيبويه منع الفصل بالظرف بين فعل التعجب ومعموله، والصواب أن ذلك جائز، وهو المشهور والمتصور".
3 شرح التسهيل 3/ 40.(2/66)
فصل:
"وإنما يبنى هذا الفعلان مما اجتمعت1 في ثمانية شروط:
أحدها: أن يكون فعلا، فلا يبنيان من" الاسم، نحو "الجلف" بالجيم، وهو في الأصل الدن الفارغ، "و" في القاموس2: "الجلف" بالكسر: الرجل الجافي، وقد جلف جلف: كـ"فرح" جلفا وجلافة. انتهى. فأثبت له فعلا، فيبنى من فعله.
"والحمار": وهو الحيوان المعروف، "فلا يقال: ما أجلفه" أي: أجفاه، وفيه ما تقدم عن القاموس. "ولا" يقال: "ما أحمره" أي: أبلده، "وشذ: ما أذرع المرأة، أي: ما أخف يدها في الغزل، بنوه من قولهم: امرأة ذراع"، بفتح أوله.
قال في القاموس3: والذراع: كسحاب: الخفيفة اليدين بالغزل، ويكسر، واقتصر في "الضياء" على الفتح.
وقال ابن القطاع في الأفعال4: ذرعت المرأة: خفت يدها في العمل، فهي ذراع.
وعلى هذا لا شذوذ في قولهم: ما أذرع المرأة.
"ومثله" في الشذوذ: "ما أقمنه" بكذا، "وما أجدره بكذا"، فالأول بنوه من قولهم: هو قمن بكذا، والثاني من قولهم: هو جدير بكذا، والمعنى فيهما: ما أحقه بكذا، ولا فعل لهما5.
الشرط "الثاني: أن يكون" الفعل "ثلاثيًّا فلا يبنيان من" رباعي مجرد ولا من مزيد فيه، ولا ثلاثي مزيد حرفًا أو حرفين أو ثلاثة، نحو: "دحرج" وتدحرج،
__________
1 في "ب": "اجتمع".
2 القاموس المحيط "جلف".
3 القاموس المحيط "ذرع".
4 كتاب الأفعال 1/ 386
5 انظر شرح ابن الناظم ص331.(2/67)
"وضارب" وانطلق "واستخرج"، لأن بناءهما من ذلك يفوت الدلالة على المعنى المتعجب منه.
أما ما أصوله أربعة فلأنه يؤدي إلى حذف بعض الأصول، ولا خفاء في إخلاله بالدلالة، وأما المزيد يؤدي إلى حذف الزيادة الدالة على معنى مقصود، ألا ترى أنك لو بنيت "أفعَلَ" من ضارب وانطلق واستخرج، فقلت: ما أضربه وأطلقه وأخرجه، لفاتت الدلالة على معنى المشاركة والمطاوعة والطلب، "إلا "أفْعَلَ" فقيل: يجوز" بناؤهما منه قياسًا "مطلقًا", سواء كانت الهمزة فيه للنقل أم لا، وهو مذهب سيبويه والمحققين من أصحابه1، واختاره في التسهيل وشرحه2.
"وقيل: يمتنع مطلقًا" إلا أن يشذ منه شيء فيحفظ ولا يقاس عليه، وهو مذهب المازني والأخفش والمبرد وابن السراج والفارسي، ومن وافقهم3.
"وقيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل، نحو: ما أظلم الليل، وما أقفر هذا" المكان، ويمتنع إن كانت للنقل، نحو: ما أذهب نوره، وإليه ذهب ابن عصفور4.
قال الشاطبي: وهذه التفرقة لم يقل بها أحد، ولا ذهب إليها نحوي، ويكفيه في الرد مخالفته للإجماع بناء على أن إحداث قول خرق للإجماع، ثم أطال في الرد عليه.
"وشذ على هذين القولين" وهما: المنع مطلقًا والمنع في أحد شقي التفصيل: "ما أعطاه للدراهم5 وما أولاه للمعروف"، مما الهمزة فيه للنقل من المتعدي لواحد إلى المتعدي إلى اثنين قبل التعجب، فإذا تعجبت كان لك ثلاثة أوجه:
أحدهما: الاقتصار على الذي كان فاعلا، فتقول: ما أعطى زيدًا وما أولاه.
والثاني: أن تزيد عليه أحد المفعولين مجرورًا باللام، فتقول: ما أعطاه للدراهم.
وما أولاه للمعروف.
والثالث: أن تزيد عليهما المفعول الآخر منصوبًا بمحذوف عند البصريين وبالمذكور عند الكوفيين6، فتقول: ما أعطى زيدًا للفقراء الدراهم. وما أولاه للفقراء
__________
1 انظر الارتشاف 3/ 42.
2 التسهيل ص132، وشرح التسهيل 3/ 46.
3 الارتشاف 3/ 42، والإيضاح العضدي 1/ 93.
4 المقرب 1/ 73.
5 في "ب": "للدرهم".
6 انظر شرح الكافية الشافية 2/ 1095.(2/68)
المعروف، وإن شئت نصبت الثلاثة إذا لم يكن لبس، فتقول: ما أعطى زيدًا الفقراء الدراهم وما أولاه الفقراء المعروف. وتقدير المحذوف1 عند البصريين: أعطاهم الدراهم وأولاهم المعروف.
واختلف في بناء فعلي2 التعجب من الثلاثي المزيد إذا أجرى مجرى الثلاثي، نحو: اتقى وامتلأ وافتقر واستغنى، فذهب ابن السراج وطائفة إلى الجواز3، لأنهم أجروه مجرى الثلاثي المجرد من الزوائد لا مجرى المزيد، بدليل قولهم في الوصف منه: تقي ومليء وفقير وغني.
وذهب ابن خروف وجماعة إلى المنع، لأن العلة التي من أجلها امتنع بناؤهما من المزيد غير الجاري مجرى المجرد موجودة هنا، وهي هدم4 البنية وحذف زوائدها لغير موجب مع وجود الغنى عن ذلك بـ: أشد وأشدد، ونحوهما.
"و" شذ "على كل قول" من أقوال المانعين: "ما أتقاه" لله5 "وما أملأ القربة، لأنهما من اتقى" بتشديد التاء، "وامتلأت"، وما أفقرني إلى عفو الله، وما أغناني عن الناس إن قنعت، لأنهما من افتقر واستغنى، وإن كان قد سمع تقي بمعنى خاف، وملؤ بمعنى امتلأ، وفقر، بضم القاف وكسرها، بمعنى افتقر، وغني بمعنى استغنى لندوره.
"و" شذ "ما أخصره لأنه من اختصر، وفيه شذوذ آخر، سيأتي"، وهو أنه مبني للمفعول.
الشرط "الثالث: أن يكون" الفعل "متصرفا"، لأن التصرف فيما لا6 يتصرف نقض لوضعه، وعدم التصرف على وجهين.
أحدهما: يكون بخروج الفعل عن طريقة الأفعال من الدلالة على الحدث والزمان كـ: نعم وبئس.
__________
1 في "ب": "والتقدير" مكان "وتقدير المحذوف".
2 في "ب": "فعل".
3 انظر المقتضب 4/ 179، والأصول 1/ 99-100.
4 في "ب": "عدم".
5 في "ب": "له".
6 في "أ": "لم".(2/69)
والثاني: يكون بمجرد الاستغناء عن تصرفه غيره، وإن كان باقيًا على أصله من الدلالة على الحدث والزمان، كـ: يذر ويدع، حيث استغني عن ماضيهما بماضي "يترك". وكلا القسمين مراد هنا، فلا يبنيان من: نعم وبئس ويذر ويدع، فلا يقال: ما أنعمه وأبأسه، وأنعم به وأبئس به، وهما باقيان على معناهما من إنشاء المدح والذم، ولا ما أوذره، ولا ما أودعه، وشذ ما أعساه أو أعس به1.
الشرط "الرابع: أن يكون معناه قابلا للتفاضل" في الصفات الإضافية التي تختلف بها أحوال الناس، سواء كانت بالنسبة إلى شخص واحد في حالين، كـ: العلم الجهل، أو شخصين، كـ: الحسن والقبح، فتقول: ما أعلمه يوم الخميس، وما أجهله يوم الأربعاء، وما أحسنه وما أقبحه، بخلاف ما لا يقبل التفاضل ويشترك فيه الجميع "فلا يبنيان من نحو: فني ومات" لأنه لا مزية فيه لبعض فاعليه على بعض حتى يتعجب منه.
الشرط "الخامس: أن لا يكون" الفعل "مبنيًّا للمفعول" تحويلا أو تأصيلا، "فلا يبنيان من نحو: ضرب" زيد بضم أوله وكسر ما قبل آخره، فلا يقال: ما أضرب زيدًا، وأنت تريد التعجب من الضرب الذي وقع على زيد، لئلا يلتبس التعجب منه بالتعجب من فعل الفاعل، "وشذ: ما أخصره، من وجهين": الزيادة على الثلاثة والبناء للمفعول2، "وبعضهم يستثني" من الفعل المبني للمفعول "ما كان ملازمًا لصيغة: فُعِلَ" بضم أوله وكسر ثانيه، "نحو: عُنِيتُ بحاجتك، وزُهِيَ علينا" بمعنى تكبر "بضم أولهما وكسر ما قبل آخرهما"3 فيجيز التعجب منه لعدم اللبس، فتقول: "ما أعناه بحاجتك، وما أزهاه علينا"، وجرى على ذلك ابن مالك4 وولده5 بناء على أن علة المنع خوف الالتباس، وأما من جعل علة المنع التشبيه بأفعال الخلق بجامع أن كلا منهما لا كسب للمفعول فيه، فينبغي أن لا يستثني شيئًا، ويؤول ما ورد من ذلك، على أن التعجب فيه من فعل مفعول في معنى فعل فاعل لم ينطق به6.
__________
1 انظر شرح ابن الناظم ص33، وشرح الكافية الشافية 2/ 1082.
2 شرح ابن الناظم ص331، وشرح الكافية الشافية 2/ 1082.
3 إضافة من "ب".
4 شرح الكافية الشافية 2/ 1086.
5 شرح ابن الناظم ص331.
6 سقطت من "ب".(2/70)
الشرط "السادس: أن يكون" للفعل "تامًّا، فلا يبنيان من نحو: كان وظل وبات وصار وكاد"، لأنهن نواقص، فلا يقال: من أكون زيدًا قائمًا، بنصب الخبر، ولا يجره باللام لتغير المعنى. هذا مذهب البصريين. وذهب الكوفيون إلى جواز: ما أكون زيدًا لأخيك، دون: ما أكون زيدًا لقائم، وحكى ابن السراج والزجاج عنهم: ما أكون زيدًا قائمًا، وهو مبني على أصلهم من أن المنصوب بعد كان حال1، فسهل الأمر عليهم، ولم يأت بذلك سماع.
الشرط "السابع: أن يكون" الفعل "مثبتًا، فلا يبنيان من" فعل "منفي، سواء كان ملازمًا للنفي نحو: ما عاج بالدواء، أي: ما انتفع به" ومضارعه "يعيج" ملازم للنفي أيضًا. قاله ابن مالك في شرح التسهيل2، واعترض بأنه قد جاء في الإثبات، قال أبو علي القالي في نوادره3: أنشدنا ثعلب عن ابن الأعرابي: [من الطويل]
612-
ولم أر شيئًا بعد ليلى ألده ... ولا مشربا أروى به فأعيج
أي: أنتفع به. وأما "عاج يعوج" بمعنى "مال يميل" فإن العرب استعملته مثبتًاومنفيًّا.
"أم غير ملازم" للنفي. "كـ: ما قام زيد"، وما عاج، أي: مال، فلا يقال: ما أقومه وما أعوجه، لئلا يلتبس المنفي بالمثبت.
الشرط "الثامن: أن لا يكون اسم فاعله على" وزن "أفعل فعلاء، فلا يبنيان من نحو: عرج" فهو أعرج، من العيوب، "وشهل" فهو أشهل، من المحاسن، وهو بالشين المعجمة، "وخضر الزرع" فهو أخضر، من الألوان، ولمي فهو ألمى من الحلى.
واختلف في المنع من ذلك فقيل4: لأن حق صيغة التعجب أن تبنى من الثلاثي المحض، وأكثر أفعال الألوان والخلق إنما تجيء على "افْعَلَّ" بتسكين الفاء وبزيادة مثل اللام نحو: اخضر، فلم يبين فعلا التعجب في الغالب مما كان منها ثلاثيًّا إجراء للأقل مجرى الأكثر.
__________
1 في "ب": "يكون منصوبًا على الحال" مكان "بعد كان حال".
2 شرح التسهيل 3/ 44.
3 أمالي القالي 2/ 168.
612- البيت بلا نسبة في لسان العرب 2/ 336 "عيج"، وأمالي القالي 2/ 168، والمقاصد النحوية 3/ 671، وشرح المرادي 3/ 68.
4 هذا مذهب البصريين، انظر الإنصاف 1/ 151، المسألة رقم 16، وشرح ابن يعيش 7/ 144.(2/71)
وقيل1: لأن الألوان والعيون الظاهرة جرت مجرى الخلق الثابتة التي لا تزيد ولا تنقص كـ: اليد والرجل وسائر الأعضاء في عدم التعجب منها.
وقيل: لأن بناء الوصف من2 هذا النوع على أفعل، ولم يُبْنَ منه أفعل تفضيل لئلا يلتبس أحدهما بالآخر، ولما امتنع صوغ أفعل التفضيل منه امتنع صوغ فعلي التعجب منه لجريانهما مجرى واحدًا في أمور كثيرة، وتساويهما في الوزن والمعنى، وهذا الشرط مستفادة من قول الناظم:
478-
وصغهما من ذي ثلاث صرفا ... قابل فضل ثم غير ذي انتفا
479-
وغير ذي وصف يضاهي أشهلا ... وغير سالك سبيل فعلا
فهذه سبعة شروط، ويؤخذ الثامن من قوله:
478-
............. ذي ثلاث...... ... ................................
وبقي شرط تاسع لم يذكراه، وهو أن لا يستغنى عنه بالمصوغ من غيره، نحو قال من القائلة3، فإنهم لا يقولون: ما أقيله، استغناء بقولهم: ما أكثر قائلته. ذكره سيبويه4.
ونحو: سكر وقعد وجلس، ضد "أقام" فإنهم لا يقولون: ما أسكره وأقعده وأجلسه، استغناء بقولهم: ما أشد سكره، وأكثر قعوده وجلوسه. وذكره ابن برهان، وزاد ابن عصفور5: "قام وغضب ونام" وفي عد "نام" منها نظر، فقد حكى سيبويه6: ما أنومه، وقد قالت العرب: هو أنوم من فهد7.
__________
1 هذا رأي الخليل كما في الكتاب 4/ 98، وانظر المقتضب 4/ 181.
2 سقط من "ب": "الوصف من".
3 في "ب": "المقايلة".
4 الكتاب 4/ 99.
5 المقرب 1/ 74.
6 الكتاب 4/ 99.
7 المثل في مجمع الأمثال 1/ 158، 2/ 355، والدرر الفاخرة 2/ 400، وجمهرة الأمثال 2/ 318، والمستقصى 1/ 426، وكتاب الأمثال لابن سلام ص361.(2/72)
فصل:
"ويتوصل إلى التعجب من الزائد على ثلاثة، ومما وصفه على أفعل فعلاء بـ: ما أشد، ونحوه" كـ: ما أقوى وما أضعف, وما أكثر وما أقل، وما أعظم, وما أحقر، وما أكبر، وما أصغر، وما أحسن، وما أشبه ذلك.
"وينصب مصدرهما" أي مصدر ما زاد على الثلاثة ما وصفه على أفعل فعلاء "بعده" أي بعد أشد ونحوه "وبأشدد ونحوه" كـ: أضعف وأكثر وأكبر وأقلل وأعظم وأكبر وأصغر وأحسن وأقبح، وما أشبه ذلك.
"ويجر مصدرهما بعده" أي بعد أشدد ونحوه "بالباء" لزومًا، "فتقول" على الأول: "ما أشد أو أعظم دحرجته أو انطلاقه" في الزائد على الثلاث، "أو حمرته" أو عرجه، مما الوصف منه على أفعل فعلاء. "و" تقول على الثاني: "أشدد أو أعظم بهما"1 أي: بدحرجته وانطلاقه وحمرته وعرجه، وذلك مستفاد من قول الناظم:
480-
وأشدد او أشد أو شبههما ... يخلف ما بعض الشروط عدما
481-
ومصدر العادم بعد ينتصب ... وبعد أفعل جره بالبا يجب
"وكذا المنفي والمبني للمفعول" يتوصل إلى التعجب منهما بـ: أشد ونحوه2، أو بـ: أشدد ونحوه، "إلا أن مصدرهما"؛ أي مصدر الفعل المنفي والفعل المبني للمفعول "يكون مؤولا" بـ"أن" والفعل المنفي، و"ما" والفعل المبني للمفعول، "لا صريحا نحو: ما أكثر أن لا يقوم، وما أعظم ما ضرب" بالنباء للمفعول، "وأشدد بهما" أي: بأن لا يقوم، وبـ: ما ضرب, فتأتي بالمصدر المؤول دون المصدر3 الصريح، أما في المنفي فليتمكن من أن يستعمل معه النفي، وأن يعمل فيه الفعل الذي يتعجب بسببه، وأما
__________
1 في "ب"، "ط": "بها".
2 في "ب": "منها".
3 سقطت من "ب".(2/73)
المبني للمفعول فليبقى لفظ النفي1 ولفظ الفعل المبني للمفعول، لئلا يلتبس مصدره بمصدر المبني للفاعل "ولو أمن اللبس جاز إيلاؤه المصدر الصريح، نحو: ما أسرع نفاس هند، وأسرع بنفاسها" قاله الشارح2.
"وأما الفعل الناقص فإن قلنا: له مصدر"؛ وهو الصحيح؛ "فمن النوع الأول"، فيؤتى له بمصدر صريح، "وإلا" نقل: له مصدر، "فمن" النوع "الثاني"، فيؤتى له بمصدر مؤول، "تقول" على الأول: "ما أشد كونه جميلا، أو" تقول على الثاني: "ما أكثر ما كان محسنًا، وأشدد وأكثر بذلك" أي: بكونه جميلا، وبما كان محسنًا.
"وأما الجامد" نحو: نعم وبئس ويدع ويذر، "والذي لا يتفاوت معناه" نحو: مات وفني، "فلا يتعجب منهما البتة"، فلا يتوصل إلى التعجب منهما بشيء، أما الجامد فلأنه لا مصدر له فينصب أو يجر، وأما الذي لا يتفاوت معناه فإنه وإن كان له مصدر فليس قابلا للتفاضل إلا إذا أريد3 وصف زائد عليه، فيقال في نحو: مات زيد: ما أفجع موته، وأفجع بموته، كما يرشد إليه كلام الشارح4.
ولا يختص التوصل بـ: أشد، مما فقد بعض الشروط، بل يجوز فيما استوفى الشروط، فتقول: ما أشد ضرب زيد لعمرو، وما ورد من بناء فعلي التعجب من غير استيفاء الشروط فنادر لا يقاس عليه، وتقدمت أمثلته في كلام الموضح وحكم عليها بالشذوذ، ونبه عليها في النظم بقوله:
482-
وبالندور احكم لغير ما ذكر ... ولا تقس على الذي منه أثر
__________
1 في "ب": "المنفي".
2 شرح ابن الناظم ص331.
3 في "ب"، "ط": "إن".
4 شرح ابن الناظم ص330.(2/74)
باب نعم وبئس
مدخل
...
باب نعم وبئس:
"وهما" لإنشاء المدح والذم على سبيل المبالغة، وهي كيفية حكاية الخلاف في حقيقتها طريقان:
إحداهما1: أنهما "فعلان عند" جميع "البصريين والكسائي" من الكوفيين "بدليل" اتصال تاء التأنيث الساكنة بهما عند جميع العرب، وفي الحديث: "من توضأ يوم الجمعة " فبها ونعمت"، ومن اغتسل فالغسل أفضل"2، وتقول: بئست المرأة حمالة الحطب، "واسمان عند باقي الكوفيين بدليل" دخول حرف الجر عليهما في قول بعض العرب وقد بشر ببنت: "والله "ما هي بنعم الولد"، نصرها بكاء وبرها سرقة"3. وقول آخر وقد سار إلى محبوبته على حمار بطيء السير: "نعم السير على بئس العير"4. وأجيب5: بأن الأصل: ما هي بولد مقول فيه نعم الولد، ونعم السير على عير مقول فيه بئس العير6، فحذف الموصوف وصفته، وأقيم معمول الصفة مقامهما7، فحرف الجر في الحقيقة إنما دخل على اسم محذوف.
__________
1 انظر الإنصاف 1/ 97، المسألة رقم 14.
2 أخرجه البخاري في سننه 1/ 522، وابن ماجه في سننه 1/ 180، والدرامي في سننه 1/ 362.
3 هذا القول من شواهد شرح ابن عقيل 2/ 161، وشرح ابن الناظم 333، والإنصاف 1/ 99، 112.
4 هذا القول من شواهد شرح ابن عقيل 2/ 160، وشرح ابن الناظم 333، والإنصاف 1/ 99، 112.
5 انظر الإنصاف 1/ 112-113.
6 سقط من "ب" قوله: "وأجيب ... بئس العير".
7 في "ط": "مقامها".(2/75)
الطريقة الثانية: وهي التي حررها ابن عصفور في تصانيفه المتأخرة، فقال1: لم يختلف أحد من البصريين والكوفيين أن نعم وبئس فعلان، وإنما الخلاف بين البصريين والكوفيين فيهما بعد إسنادهما إلى الفاعل، فذهب البصريون إلى أن "نعم الرجل" جملة فعلية، وكذلك "بئس الرجل" وذهب الكسائي إلى أن قولك: نعم الرجل وبئس الرجل، اسمان محكيان بمنزلة "تأبط شرًّا" فـ: نعم الرجل، عنده اسم للمدوح، وبئس الرجل: اسم للمذموم، وهما في الأصل جملتان محكيتان2 نقلتا عن أصلهما، وسمي بهما.
وذهب الفراء إلى أن الأصل في "نعم الرجل زيد وبئس الرجل عمرو": رجل نعم الرجل زيد، ورجل بئس الرجل عمرو، فحذف الموصوف الذي هو "رجل" فأقيمت الصفة التي3 هي الجملة من "نعم وبئس" وفاعلهما مقامه، فحكم لها بحكمه، فـ: نعم الرجل وبئس الرجل، عندهما رافعان لـ: زيد وعمرو، كما لو قلت: ممدوح زيد ومذموم عمرو.
ويرد قول الكسائي والفراء أنهم لا يقولون: إن نعم الرجل قائم، ولا: ظننت نعم الرجل قائمًا.
والطريق الأولى هي المشهورة وأصحها أن نعم وبئس فعلان جامدان، وعلى ذلك جرى الناظم فقال:
485-
فعلان غير متصرفين ... نعم وبئس رافعان اسمين
وإنما لم يتصرفا للزومهما إنشاء المدح والذم على سبيل المبالغة، فنقلتا عما وضعتا له من الدلالة على المضي وصارتا للإنشاء، فـ"نعم" منقولة من قولك: نعم الرجل، إذا أصاب نعمة، و"بئس" منقولة من قولك: بئس الرجال، إذا أصاب بؤسًا.
ويجوز فيهما أربع لغات: فتح الأول وكسر الثاني على الأصل المنقول عنه، وفتح الأوصل أو كسره مع سكون الثاني وكسرهما عند بني تميم، ولا يجيز الحجازيون فيهما إلا2 الأصل.
قال الخضراوي في أول شرح الإيضاح: "رافعان لفاعلين" عند البصريين
__________
1 لم أجد ابن عصفور فيما عدت إليه من كتبه، وقد ذكره المرادي في شرحه 3/ 79.
2 سقطت من "ب".
3 في "ب": "الذي".(2/76)
والكسائي، وأما عند جمهور الكوفيين القائلين باسمتيهما فقال [ابن العلج] 1 في البسيط: ينبغي أن يكون المرفوع بعدهما تابعًا عندهم لـ: نعم، إما بدلا أو عطف بيان، ونعم اسم يراد به الممدوح، فكأنك قلت: الممدوح الرجل زيد، [هذا على الطريق الأولى أما على الثانية فواضح] 1.
"معرفين بـ"أل" الجنسية" على أحد القولين، أو العهدية على القول الآخر، ثم اختلف القائلون بالجنسية على قولين:
أحدهما: أنها للجنس حقيقة، فالجنس كله ممدوح أو مذموم، والمخصوص مندرج تحته، لأنه فرد من أفراده، ثم نص عليه الخاص بعد العام الشامل له ولغيره، ونسب إلى سيبويه2، ورد بأدائه إلى التكاذب في نحو قولك: نعم الرجل زيد وبئس الرجل عمرو.
والثاني أنها للجنس مجازًا لأنك لم تقصد إلا مدح معين، ولكنك جعلته جميع الجنس مبالغة.
واختلف القائلون بالعهد على قولين أيضًا:
أحدهما: أنها لمعهود ذهني, فهي مشار بها إلى ما في الأذهان من حقيقة رجل، كما تقول: اشتر اللحم، ولا تريد الجنس ولا معهودًا تقدم.
والثاني: أنها للعهد في الشخص الممدوح، كأنك قلت: زيد نعم هو: قاله ابن ملكون والجواليقي، ومثالهما3 نحو: {نِعْمَ الْعَبْدُ} [ص: 44] "و: {بِئْسَ الشَّرَابُ} [الكهف: 30] . "أو" معرفين "بالإضافة إلى ما قارنها" أي "أل" "نحو: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل: 30] "و: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [النحل: 29] .
"أو" معرفين بالإضافة "إلى مضاف لما قارنها، كقوله" وهو أبو طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم: [من الطويل]
613-
فنعم ابن أخت القوم غير مكذب ... زهير حسام مفرد من حمائل
__________
1 إضافة من "ب".
2 شرح التسهيل 3/ 121.
3 سقطت من "ب".
613- البيت لأبي طالب في خزانة الأدب 2/ 72، والدرر 2/ 269، والمقاصد النحوية 4/ 5، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 16، وأوضح المسالك 3/ 272، وشرح ابن الناظم ص35، وشرح الأشموني 2/ 371، وشرح التسهيل 3/ 9، وشرح الكافية الشافية 2/ 1105، وهمع الهوامع 2/ 85.(2/77)
فـ:غير:حال، وزهير: مخصوص بالمدح مرفوع على الابتداء، وخبره ما قبله، أو خبر لمبتدأ محذوف، وحسام مفرد: خبر إن لمبتدأ محذوف؛ أي: هو حسام مفرد، لا نعتان لـ"زهير" لأن المعرفة لا تنعت بالنكرة، واقتصر الناظم على قوله:
485-
................................. ... .............. رافعان اسمين
486-
مقارني أل أو مضافين لما ... قارنها..........................
"أو" رافعان لفاعلين "مضمرين مستترين" وجوبًا في نعم وبئس "مفسرين بتمييز" لكل منهما، مطابق لهما في المعنى، قابل "أل" مذكور غالبًا، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
487-
ويرفعان مضمرًا يفسره ... مميز.......................
"نحو: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} " [الكهف: 50] ففي "بئس" ضمير مستتر فيها، مرفوع على الفاعلية، بدلا: تمييز مفسر [له] 1، والتقدير: بئس هو، أي: البدل. "وقوله" في مدح هرم بن سنان: [من البسيط]
614-
نعم امرأ هرم لم تعر نائبة ... إلا وكان لمرتاع لها وزرًا
ففي "نعم ضمير مستتر فيها مرفوع على الفاعلية، وامرأ: تمييز مفسر له، والتقدير: نعم هو، أي: المراد، وهرم: مخصوص بالمدح.
ومن غير الغالب قولهم: إن فعلتَ كذا فبها ونعمت. قال ابن عصفور2: "التقدير: نعمت فعلة فعلتك، فحذف التمييز والمخصوص". وقال في تفسير الحديث3: فبالرخصة أخذ ونعمت رخصة الوضوء.
وفي البسيط: لا يحذف التمييز لبقاء الإبهام، ولعدم مفسر الضمير حينئذ، ولأنه كالعوض من الفاعل: إلا أن يعوض منه شيء كالتاء في الحديث. انتهى. وأراد بالحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت" ويدل على أن التمييز كالعوض من الفاعل الظاهر أنه لا بد أن يكون مما يقبل "أل" فلا يكون "مثلا" و"غيرًا" و"أفعل من" ولا كلمة "ما" خلافًا للفراء والزمخشري ومن وافقهما.
__________
1 غضافة من "ب"، "ط".
614- تقدم تخريج البيت برقم 447.
2 المقرب 1/ 66-67.
3 هو قوله -صلى الله عليه وسلم: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت".(2/78)
ولا يكاد يجمع بينهما، "وأجاز المبرد وابن السراج والفارسي أن يجمع بين التمييز والفاعل الظاهر" توكيدًا "كقوله": [من البسيط]
615-
نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت ... رد التحية نطقا أو بإيماء
"ومنعه سيبويه والسيرافي مطلقًا"، سواء أفاد معنى زائدًا على الفاعل أم لا، وحجتهما أن التمييز لرفع الإبهام ولا إبهام مع ظهور الفاعل، ونقضه ابن مالك بأمرين1: الإجماع على جواز: له من الدراهم عشرون درهمًا, وفي التنزيل: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] . وقال أبو طالب: [من الكامل]
616-
ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا
والثاني: أنه قد جاء في الباب، كقول جرير يهجو الأخطل: [من البسيط]
617-
والتغلبيون بئس الفحل فحلهم ... فحلا وأمهم زلاء منطيق
وما قاله سيبويه متعين، ولا حجة فيما أورده عليه في الوجه الأول، لأنه من التمييز المؤكد، وليس الكلام فيه2، وما جاء في الباب من التمييز بل من الحال المؤكدة.
"وقيل: إن أفاد" التمييز "معنى زائدًا" على الفاعل الظاهر "جاز" الجمع بينهما، "وإلا فلا" يجوز، وصححه ابن عصفور3، فالأول "كقوله"وهو أبو بكر بن
__________
615- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 277، والارتشاف 3/ 22، وخزانة الأدب 9/ 398، والدرر 2/ 375، وشرح الأشموني 1/ 267، وشرح شواهد المغني ص862، وشرح المرادي 3/ 93، ومغني اللبيب ص464، والمقاصد النحوية 4/ 32، وهمع الهوامع 2/ 86.
1 شرح التسهيل 3/ 14-15.
616- البيت لأبي طالب في خزانة الأدب 2/ 76، 9/ 397، وشرح شواهد المغني 2/ 687، وشرح عمدة الحافظ ص788، وشرح قطر الندى ص242، ولسان العرب 5/ 144 "كفر"، والمقاصد النحوية 4/ 8، وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص336، وشرح الأشموني 2/ 376، وشرح التسهيل 3/ 15، وشرح الكافية الشافية 2/ 1107، وشرح المرادي 3/ 90.
617- البيت لجرير في ديوانه ص192، والدرر 2/ 275، وشرح عمدة الحافظ ص787، ولسان العرب 10/ 355 "نطق"، والمقاصد النحوية 4/ 7، وتاج العروس "نطق"، وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص336، وشرح الأشموني 2/ 386، وشرح ابن عقيل 2/ 164، وشرح التسهيل 3/ 14-15، وشرح الكافية الشافية 2/ 1107، وشرح المرادي 3/ 92، وهمع الهوامع 2/ 86.
2 سقط من "ب": قوله: "لأنه من التمييز المؤكد وليس الكلام فيه".
3 المقرب 1/ 68.(2/79)
الأسود المعروف بابن شعوب: [من الوافر]
618-
تخيره فلم يعدل سوها ... فنعم المرء من رجل تهامي
فجمع بين الفاعل والظاهر وهو "المرء" والتمييز وهو "رجل" المجرور بـ"من" وقد أفاد التمييز معنى زائدًا على الفاعل، تهاميًّا، نسبة إلى "تهامة" بكسر التاء، وهي اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، وفي النسبة إليها لغتان: تهامي، بكسر التاء، وتهامي، بفتحها، فإن كسرت شددت ياء النسب، وإن فتحت لم تشددها.
والثاني كقوله: [من البسيط]
519-
نعم الفتاة فتاة.......... ... .............................
وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
488-
وجميع تمييز وفاعل ظهر ... فيه خلاف عنهم قد اشتهر
"واختلف في كلمة" "ما" بعد: "نعم وبئس" إذا وقع بعدها جملة فعلية أو اسم مفرد على قولين: "فقيل" هي "فاعل" فيهما1، فإن وقع بعدها جملة فعلية "فهي معرفة ناقصة، أي موصولة" والفعل بعدها صلتها، والمخصوص محذوف كما "في نحو: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النساء: 58] أي: نعم الذي يعظكم به، وهو منقول عن الفارسي2.
"و" إن وقع بعدها مفرد "فهي معرفة" تامة كما "في نحو: {فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] ، أي: فنعم الشيء هي"، فكلمة "هي" هي المخصوص، وهو منقول عن سيبويه3، والأصل: فنعم الشيء إبداؤها، لأن الكلام في الإبداء لا في الصدقات، ثم حذف المضاف وأنيب عنه المضاف إليه، فانفصل وارتفع.
"وقيل": هي "تمييز" فيهما، "فهي نكرة موصوفة" بالجملة الفعلية "في" المثال "الأول"، وهو مذهب الأخفش، "و" نكرة "تامة في" المثال "الثاني"، وهو: {فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] لعدم الجملة، وإلى الخلاف في المتلوة بجملة فعلية أشار الناظم بقوله:
__________
618- تقدم تخريج البيت برقم 458.
619- تقدم تخريج البيت برقم 615.
1 في "ب": "منهما".
2 شرح المرادي 3/ 97.
3 النقل عن سيبويه زعمه ابن خروف، انظر شرح ابن الناظم ص336، والكتاب 1/ 73.(2/80)
489-
وما مميز وقيل فاعل ... في نحو نعم ما يقول الفاضل
وبسط القول في ذلك أن يقال: اعلم أن "ما" هذه على ثلاثة أقسام: مفردة، أي غير متلوة بشيء، ومتلوة بمفرد، ومتلوة بجملة فعلية، فالأولى: نحو: دققته دقا نعما، وفيها قولان: معرفة تامة فاعل، نكرة تامة تمييز، وعليهما، فالخصوص محذوف، أي: نعم الشيء الدق، أو نعم شيئًا الدق.
والثانية: المتلوة بمفرد، نحو: {فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] و"بئسما تزويج ولا مهر" وفيهما ثلاثة أقوال: معرفة1 تامة فاعل، نكرة تامة تمييز، مركبة مع الفعل قبلها تركيب "ذا" مع "حب" فلا موضع لها وما بعدها فاعل، وهو قول الفراء2 وموافقيه.
والثالثة: المتلوة بجملة فعلية نحو: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النساء: 58] ، {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِه} [البقرة: 90] ، وفيها عشرة أقوال، ومرجعها إلى أربعة:
أحدها: أنها3 نكرة في موضع نصب على التمييز.
والثانية: أنها في موضع رفع على الفاعلية. وإليهما أشار الناظم بقوله:
489-
وما مميز وقيل فاعل ... في نحو نعم ما يقول الفاضل4
والثالث: أنها المخصوص.
والرابع: أنها الكافة.
فأما القائلون: إنها في موضع نصب على التمييز، فاختلفوا على ثلاثة أقوال:
الأول: أنها نكرة موصوفة بالفعل بعدها، والمخصوص محذوف، وهو مذهب الأخفش والزجاج والفارسي في أحد قوليه والزمخشري، وكثير من المتأخرين.
والثاني: أنها نكرة غير موصوفة، والفعل بعدها صفة لمخصوص محذوف.
والثالث: أنها تمييز والمخصوص "ما" أخرى موصولة، والفعل صلة لـ"ما" الموصولة المحذوفة، وهو قول الفراء5. قال المرادي6: "ونقل عن الكسائي".
وأما القائلون: إنها في موضوع رفع على الفاعلية، فاختلفوا على خمسة أقوال:
__________
1 في "ب": "مفردة".
2 معاني القرآن للفراء 1/ 58.
3 سقطت من "ب".
4 سقط من "ب"، "ط": "وإليهما أشار الناظم بقوله" مع بيت الألفية.
5 معاني القرآن 1/ 57.
6 شرح المرادي 3/ 97.(2/81)
الأول: أنها اسم معرفة تام، أي غير مفتقر إلى صلة، والفعل بعدها صفة لموصوف محذوف، نقله في التسهيل1 عن سيبويه، وقال به ابن خروف2.
والثاني: أنها موصولة، والفعل صلتها والمخصوص محذوف، ونقل عن الفارسي3.
والثالث: أنها موصولة، والفعل صلتها مكتف بها وبصلتها عن المخصوص، نقله ابن مالك في شرح التسهيل4 عن الفراء والفارسي.
والرابع: أنها مصدرية سادة بصلتها؛ لاشتمالها على المسند والمسند إليه؛ مسد الفاعل والاسم المخصوص جميعًا.
والخامس: أنها نكرة موصوفة والمخصوص محذوف.
وأما القائل: أنها المخصوص فقال: إنها موصولة والفاعل مستتر، و"ما" أخرى محذوفة هي التمييز، وهو قول الكسائي، ونقله المرادي عن الفراء5.
وأما القائل: إنها كافة، فقال6: إن "ما" كفت "نعم" عن العمل7، كما كفت قال وطال عنه، فصارت تدخل على الجملة الفعلية.
__________
1 التسهيل ص126، وشرح التسهيل 3/ 9.
2 شرح ابن الناظم ص336.
3 الارتشاف 3/ 18.
4 شرح التسهيل 3/ 9.
5 شرح المرادي 3/ 98، ومعاني القرآن 1/ 75.
6 شرح المرادي 3/ 98.
7 في "ب": "الفاعل".(2/82)
فصل:
"ويذكر المخصوص" وهو المقصود "بالمدح أو الذم، بعد فاعل نعم وبئس" الظاهر، أو بعد التمييز، "فيقال: نعم الرجل"؛ أو رجلا؛ "أبو بكر، وبئس الرجل"؛ أو رجلا؛ "أبو لهب".
هذا هو الغالب، وسره أنه لما كان نعم وبئس للمدح العام والذم العام الشائعين في كل خصلة محمودة أو مذمومة، المستبعد تحقيقها، سلكوا بهما في الأمر العام طريقي الإجمال والتفصيل لقصد مزيد، التقرير، فجاءوا بعد الفعل1 بما يدل على المخصوص بالمدح أو الذم حتى يتوجه المدح والذم إلى المخصوص2 به أولا3 على سبيل التفصيل، فيحصل من تقوي الحكم ومزيد التقرير ما يزيل ذلك الاستبعاد.
"و" اختلف في رفع المخصوص فقيل: "هو مبتدأ والجملة قبله خبره"، ولا يجوز غير ذلك عند سيبويه وابن خروف وابن الباذش4، وقيل: يجوز هذا ويجوز أن يكون خبرًا لمبتدأ واجب الحذف، "أي: الممدوح وأبو بكر والمذموم أبو لهب"، وهو مذهب الجمهور، ومنهم الجرمي المبرد وابن السراج والفارسي وابن جني وغيرهم5.
وقيل: يتعين الثاني، وقيل: مبتدأ حذف خبره، وإليه ذهب ابن عصفور6.
وقيل: بدل من الفاعل، وإليه ذهب ابن كيسان7، واقتصر في النظم على القولين الأولين فقال:
__________
1 في "أ": "الفاعل"، والتصويب من "ب"، "ط".
2 في "ب": "والمخصص".
3 في "ب": "أولى".
4 شرح التسهيل 3/ 116.
5 انظر شرح التسهيل 3/ 116-117، وشرح ابن يعيش 7/ 137.
6 المقرب 1/ 69.
7 شرح المرادي 3/ 100-101.(2/83)
490-
ويذكر المخصوص بعد مبتدا ... أو خبر اسم ليس يبدو أبدا
"و" من غير الغالب أنه "قد يتقدم المخصوص" على نعم وبئس، "فيتعين كونه مبتدأ" على القول بفعليتهما، والجملة بعده خبره، "نحو: زيد نعم الرجل"، وعمرو بئس الرجل، وجوزوا على القول باسميتهما أن يكونا مبتدأين، والمخصوص الخبر، وبالعكس.
"وقد يتقدم" في الكلام "ما" أي شيء "يشعر به" أي المخصوص بالمدح أو الذم، "فيحذف" المخصوص جوازًا للعلم به "نحو: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44] أي هو1 أيوب فحذف المخصوص بالمدح وهو ضمير "أيوب" لتقدم ذكر "أيوب" في قوله [تعالى] 2: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} [ص: 41] ، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
491-
وإن يقدم مشعر به.......... ... ..................................
"وليس منه" أي: من حذف المخصوص؛ قول الناظم:
491-
........................................ ... العلم نعم المقتنى والمقتفى
"وإنما ذلك من التقديم" لا من حذفه، هذا إذا رفعنا "العلم" على الابتداء.
أما إذا جعلناه خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره: هذا العلم، على حد: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} [النور: 1] أي: هذه سورة، أو مفعولا لفعل محذوف تقديره: الزم العلم، ونحوه، فيكون من الحذف، لا من التقديم، كما ذكر الناظم.
__________
1 سقطت من "ب".
2 إضافة من "ب".(2/84)
فصل:
"وكل فعل ثلاثي" متصرف تام مثبت قابل للتفاضل مبني للفاعل ليس الوصف منه على أفعل فعلاء، "صالح للتعجب منه، فإنه يجوز استعماله على "فَعُلَ" بضم العين، إما بالأصالة كـ: ظَرُف وشَرُف، أو بالتحويل" بأن يكون في الأصل مفتوح العين "كـ: ضرَب" وقتَل، أو مكسورها كـ: علُم "وفهُم"، بضم العين فيهن، وإنما حولت لتلتحق بالغرائز والتصير قاصرة كـ: نِعْمَ.
وحكم المضاعف أن يدغم، نحو: حبَّ، ويجوز النقل؛ كما سيأتي؛ وحكم معتل العين واللام، إن كان من باب قوة؛ قلب الضمة كسرة، فتقلب الواو الثانية ياء، نحو: قَوِيَ، أو من باب شَوَيْتُ، قلب الياء واوًا للضمة قبلها، ثم يفعل فيه ما فعل في قوة ويجوز فيهما الإسكان نحو: قوْيَ وشوْيَ، ولا يدغم لعروض الإسكان. والأجوف يقدر فيه الضم نحو: طال وباع، والناقص المضموم العين نحو: سرو، يجوز تسكينه، والمفتوح والمكسور فقيل: لا يغير، وقيل بل يغير، وقال ابن عقيل1: لا يجوز تحويل علِمَ وجهِلَ وسمِعَ إلى فَعُلَ، بضم العين، لعدم السماع.
"ثم" بعد ضم العين أصالة أو تحويلا قال الفارسي والأكثرون "يجري حينئذ مجرى نعم وبئس في إفادة المدح والذم، وفي حكم الفاعل" الظاهر والمضمر، "وحكم المخصوص" من وجوب الرفع، وجواز حذفه إذا تقدم ما يشعر به، وجواز تقديمه، "تقول في المدح: فهُمَ الرجلُ زيدٌ"، وفهُم رجلا زيدٌ، "وفي الذم: خَبُثَ الرجلُ عمرٌو"، وخبُث رجلا عمرٌو، والمعنى: نعم الفاهم زيد، وبئس الخبيث عمرو، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
492-
............... واجعل فَعُلا ... من ذي ثلاثة كنعم مسجَلا
__________
1 شرح ابن عقيل 2/ 168.(2/85)
"ومن أمثلته: ساء" بالمد، وهو المنبه عليه في النظم بقوله:
492-
واجعل كبئس ساء....... ... ................................
"فإنه في الأصل: سوأ، بالفتح" من السوء: ضد السرور، من ساءه الأمر يسوؤه إذا أحزنه، فهو متعد متصرف، "فحول إلى فعل، بالضم، فصار قاصرًا، ثم ضمن معنى" "بئس" فصار جامدًا قاصرًا محكومًا له ولفاعله بما ذكرنا" في "بئس".
تقول في الفاعل المقرون بـ"أل" ساء الرجل1 أبو جهل، وفي المضاف إلى المقرون بـ "أل": ساء حطب النار أبو لهب، وفي المضمر المفسر بالتمييز: ساء رجلا، "وفي التنزيل: {وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29] ففي "ساء"2 ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية يعود إلى النار، ومرتفقًا: تمييز على حذف مضاف، أي: نار مرتفق، لأن التمييز لا بد3 وأن يكون عين الممييز في المعنى، والمرتفق المتكأ.
"و" فيما يحتمل الفاعلية والتمييز: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [العنكبوت: 4] فيجري في "ما" الخلاف المتقدم، فإن جعلناها فاعلا فيه معرفة ناقصة، أي: ساء الذي يحكمونه، إن جعلناها تمييزًا فهي نكرة موصوفة، أي: ساء شيئًا يحكمون4، وعليهما: فالمخصوص بالذم محذوف.
وقال الأخفش والمبرد5: يجري فعل المضموم العين في المدح والذم مجرى فعل الدال على التعجب، فلا يلزم فاعله "أل" أو الأضمار، وهو الصحيح.
"و" على هذا يجوز "لك في فاعل فَعُلَ المذكور أن تأتي به اسمًا ظاهرًا مجردًا من "أل" وأن تجره بالباء" الزائدة تشبيهًا بفاعل أفعل في التعجب. "وأن تأتي به ضميرًا مطابقًا" لما قبله فالظاهر المجرد من "أل" "نحو: فهم زيد"، حملا على "ما أفهم زيدًا"، والمجرور بالباء، وهو الأكثر، نحو: حسن بزيد، حملا على "أحسن بزيد" "وسمع" من العرب: "مررت بأبيات جاد بهن أبياتا وجدن أبياتًا"6 حكاه الكسائي بزيادة الباء في الفاعل أولا، وتجرده منها ثانيًا.
__________
1 في "ب": "الرجال".
2 في "ب": "ساءت".
3 سقطت من "ب".
4 في "ب"، "ط": "يحكمونه".
5 انظر المقتضب 2/ 149، والارتشاف 3/ 28.
6 ورد هذا القول في مجالس ثعلب 1/ 330، ومعاني القرآن للفراء 1/ 268.(2/86)
وأصل "جاد بهن أبياتًا وجدن أبياتًا" من جاد الشيء جودة إذا صار جيدًا، وأصل "جاد" جود؛ بفتح العين؛ فحول إلى فعل؛ بضم العين1؛ لقصد المبالغة والتعجب، زيدت الباء في الفاعل وعوض من ضمير الرفع ضمير الجر فقيل: بهن، وأبياتًا: تمييز، و"جدن أبياتًا" على الأًل من عدم زيادة الباء. فلذلك ثبت ضمير الرفع، وأبياتًا: تمييز، وفي كل منهما الجمع بين الفاعل والتمييز. "وقال" الطرماح: [من المديد]
620-
حب بالزور الذي لا يرى ... منه إلا صفحة أو لمام
"أصله: حَبُبَ الزَّور" بفتح الزاي، بمعنى الزائر "فزاد الباء" في الفاعل حملا على "أحبب بالزور" "وضم الحاء؛ لأن فعُلَ المذكور يجوز فيه أن تسكن عينه، وأن تنقل حركتها إلى فائه"، ولو كانت الفاء غير حلقية، خلافًا لظاهر التسهيل2، "فتقول: ضرب الرجل"، بفتح الضاد وسكون الراء. "و: ضُرْبُ" الرجل، بضم الضاد وسكون الراء. وصفحة كل شيء: جانبه، واللمام: بكسر اللام: جمع لمة، وهو الشعر يجاوز شحمة الأذن، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
495-
وما سوى ذا ارفع بحب أو فجر ... بالبا...............................
ومثال الضمير المطابق ما قبله: الزيدان كرما رجلين، والزيدون كرموا رجالا3، حملا على: ما أكرمهما رجلين، وما أكرمهم رجالا.
__________
1 في "أ"، "ط": "بضمها".
620- البيت للطرماح بن حكيم في ديوانه ص393، والدرر 2/ 290، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 281، وجواهر الأدب ص54، وشرح الأشموني 2/ 380، ولسان العرب 4/ 335 "زور"، والمقرب 1/ 78، وهمع الهوامع 2/ 89.
2 في التسهيل ص129: "وقد تفرد "حب" فيجوز نقل ضمة عينها إلى فائها، وكذا كل فعل حلقي الفاء، مراد به مدح أو تعجب".
3 في "ب": "رجلا".(2/87)
فصل:
"ويقال في المدح: حبذا، وفي الذم: لا حبذا. قال" الشاعر: [من المتقارب]
621-
ألا حبذا عاذري في الهوى ... ولا حبذا الجاهل العاذل
فجمع بين المدح والذم، ومثله قول الآخر: [من الطويل]
622-
ألا حبذا أهل الملا غير أنه ... إذا ذكرت مي فلا حبذا هِيَا
وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
493-
ومثل نعم حبذا............ ... ................................
ثم قال:
493-
............................... ... وإن ترد ذما فقل لا حبذا
ودخول "لا في الذم على "حبذا" لا يخلو من إشكال، لأن "لا" لا تدخل على فعل ماض جامد، ولا تعمل في اسم إذا لم يكن جنسًا، ولا تكون غير مكررة إذا لم تعمل في الاسم الذي دخلت عليه إلا على قول أبي الحسن، وأبي العباس وهو ضعيف.
"ومذهب سيبويه أن "حَبَّ" فعل" ماض، "و"ذا" فاعل". وإليه أشار الناظم بقوله:
493-
................. الفاعل ذا ... ..............................
"وأنهما باقيان على أصلهما" من كونهما جملة فعلية ماضوية، لأن الأصل عدم التغيير، ولاقتصارهم على "حَبَّ" إذا عطف على "حبذا" كقوله1؛ وهو عبد الله
__________
621- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 283، والدرر 2/ 287، وشرح التسهيل 3/ 26، وشرح عمدة الحافظ ص802، والمقاصد النحوية 4/ 16، وهمع الهوامع 2/ 89.
622- البيت لذي الرمة في ملحق ديوانه ص1920، والدرر 2/ 287، ولكنزة أم شملة في ديوان الحماسة للمرزوقي ص1542، ولذي الرمة أو لكنزة أم شملة في المقاصد النحوية 4/ 12، وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص338، وشرح الأشموني 2/ 381، وشرح التسهيل 3/ 22، وهمع الهوامع 2/ 69.
1 في "ب": "لقوله".(2/88)
ابن رواحة الأنصاري رضي الله عنه: [من الرجز]
623-
فحبذا ربا وحب دينا
أي: وحبذا دينًا1، فحذف "ذا" ولم يتغير المعنى، ولا يُفعل ذلك بنحو "إذ ما" وأخواته من المركبات التي تغير حكمها بالترتيب، وهو قول ابن درستويه وابن برهان وابن خروف وابن كيسان وابن مالك2.
قيل: ولا يصح نسبته لظاهر كلام سيبويه والخليل، لأن سيبويه قال3 حكاية عن الخليل: ولكن "ذا" و"حب" بمنزلة كلمة واحدة نحو: "لولا" وهو اسم مرفوع، ألا ترى أنك لا تقول لا للمؤنث: حبذه. انتهى.
والمخصوص على هذا المذهب مبتدأ، والجملة من الفعل والفاعل خبره، والرابط بينهما اسم الإشارة، وقيل: مبتدأ محذوف الخبر، وقيل: عكسه، وقيل: عطف بيان، وقيل: بدل، "وقيل: ركبا، وغلبت الفعلية لتقدم الفعل، فصار الجميع فعلا" ماضيًا، "وما بعده" من المخصوص "فاعل"، والجملة فعلية، "وقيل: ركبا، وغلبت الاسمية لشرف الاسم فصار الجميع اسمًا مبتدأ وما بعده" من المخصوص "خبره"، والجملة اسمية.
وأصل الخلاف قولان: التركيب وعدمه، وينشأ عن التركيب قولان: فعلية4 الجميع أو اسميته، ولكل دليل على مدعاه، فاستدل مدعي التركيب بإفراد الإشارة وبلزوم الإفراد والتذكير وبامتناع الفصل5، ثم استدل مدعي غلبة الفعلية؛ وهو الأخفش وخطاب؛ بتغليب الجزء الأول وتغليب الأكثر حروفًا، وسلامة مدعيها مما6 لزم مدعي
__________
623- الرجز لابن رواحة في ديوانه ص107، ولسان العرب 14/ 67 "بدا"، والدرر 2/ 283، 284، والمقاصد النحوية 4/ 28، ولبعض الأنصار في شرح عمدة الحافظ ص802، وتاج العروس 1/ 138 "بدأ"، "بدى"، وجمهرة اللغة ص1019، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 31، وجمهرة اللغة ص1267، وشرح ابن الناظم ص340, وشرح الأشموني 2/ 382، وشرح التسهيل 3/ 24، والمخصص 10/ 42، وهمع الهوامع 2/ 88، 89.
1 قال ابن الناظم في شرحه 340: أي حبَّ عبادته دينًا. وذكر ضمير العبادة لتأولها بالدين والتعظيم.
2 انظر الارتشاف 3/ 29-31.
3 الكتاب 2/ 180.
4 في "ب": "بفعلية".
5 انظر شرح التسهيل 3/ 23.
6 في "ب": "ما".(2/89)
الاسمية من شذوذ تخالف الخبر والمخبر عنه، ومن تمييز ما ليس بمبهم وهو الممدوح، وبقولهم لا تحبذه، فجاءوا لها بمضارع1.
واستدل مدعي غلبة الاسمية وهو المبرد في مقتضبه2 وابن السراج في أصوله3 والسيرافي في "شرح الكتاب" بأن الاسم أشرف، ويستقل به الكلام، ويقع فيه التركيب كثيرًا، وأما "تحبذه" فمضارع "حبذه" إذا قال له: حبذا.
"و" اختلف القائلون بعدم التركيب في علة كونه "لا يتغير "ذتا" عن الإفراد والتذكير، بل يقال": حبذا هند أو "حبذا الزيدان"، في تثنية المذكر، "أو الهندان" في تثنية المؤنث"، "أو" حبذا "الزيدون"، في جمع الذكور: "أو الهندات" في جمع الإناث، على ثلاثة أقوال: فقال ابن مالك4: "لأن ذلك كلام جرى مجرى المثل السائر" الذي لا يغير عن حالته في الاستعمال الأول. "ما في قولهم: الصيف ضيعت اللبن5. يقال لكل أحد"، مذكرًا كان أو مؤنثًا, مفردًا أو مثنى أو مجموعًا، "بكسر التاء وإفرادها"، لأنه في الأصل خطاب لامرأة كانت تحت رجل موسر، فكرهته لكبر سنه فطلقها، فتزوجها رجل شاب فقير، فبعثت إلى زوجها الأول تسترفده فقال لها هذا. والصيف: منصوب على الظرفية. قاله الجوهري. والمثَلُ، بفتح المثلثة: قول مركب مشهور، شبه مضربه بمورده.
"وقال ابن كيسان: لأن المشار إليه" مصدر "مضاف" إلى المخصوص، "محذوف، أي: حبذا حُسْنُ هند"، وكذلك الباقي6، ورده ابن العلج بأنه لم ينطق به في وقت7.
وقال الفارسي في البغداديات8: لأن "ذا" جنس شائع، فالتزم فيه الإفراد كفاعل نعم وبئس المضمر، ولهذا يجامع التمييز فيقال: حبذا زيد رجلا.
__________
1 الارتشاف 3/ 29.
2 المقتضب 2/ 145.
3 الأصول 1/ 115.
4 شرح الكافية الشافية 2/ 1117.
5 المثل في مجمع الأمثال 2/ 68، والفاخر 111، وجمهرة الأمثال 1/ 324، 567، 575، والمستقصى 1/ 329، وكتاب الأمثال لابن سلام ص247.
6 سقط من "ب": "وكذلك الباقي".
7 شرح المرادي 3/ 110.
8 البغداديات ص49.(2/90)
"ولا يتقدم المخصوص على: حبذا" فلا يقال: زيد حبذا، كما يقال: زيد نعم الرجل، "لما ذكرنا من أنه كلام جرى مجرى المثل"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
494-
وأول ذا المخصوص أيا كان لا ... تعدل بذا فهو يضاهي المثلا
"وقال ابن بابشاذ1": إنما امتنع تقديم المخصوص على "حبذا" "لئلا يتوهم أن في "حب" ضميرًا" مرفوعًا على الفاعلية يعود على المخصوص، "وأن "ذا" مفعول" به قال ابن مالك2: وتوهم هذا بعيد، فلا ينبغي أن يكون المنع من أجله. ثم علله بجريانه مجرى المثل، كما تقدم.
"تنبيه: إذا قلت: حب الرجل زيد، فـ: حب، هذه من باب: فعُلَ" المضموم العين "المتقدم ذكره" في الفصل قبله، "ويجوز في حائه3 الفتح" مع التخفيف4 وعدمه، "والضم" بنقل حركة العين إليها5 "كما تقدم" من أنه يجوز أن تسكن عينه، وأن تنقل حركته إلى فائه، وإن لم تكن الفاء حلقية، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
495-
وما سوى ذا ارفع بحب أو فجر ... بالبا..............................
"فإن قلت: حبذا، ففتح الحاء واجب" للتركيب، "إن جعلتهما كالكلمة الواحدة"، وإلا فجائز.
__________
1 سقطت من "ب".
2 شرح التسهيل 3/ 27.
3 في "ب": "فائه".
4 في "ب": "الإدغام" مكان "التخفيف".
5 في "ب": "الحركة" مكان "حركة العين إليها".(2/91)
باب أفعَلِ التفضيل:
وهو الوصف المبني على أفعل لزيادة صاحبة على غيره في أصل الفعل، وأما خير وشر، في التفضيل، فأصلهما: أخير وأشر، فحذفت الهمزة بدليل ثبوتها في قراءة أبي قلابة: "مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشَرُّ" [القمر: 26] بفتح الشين وتشديد الراء1، وقول الشاعر: [من الرجز]
624-
بلال خير الناس وابن الأخير
واختلف في سبب حذف الهمزة منهما، فقيل2: لكثرة الاستعمال، وقال الأخفش: لأنهما لما لم يشتقا من فعل خولف لفظهما, فعلى هذا فيهما شذوذان: حذف الهمزة، وكونهما لا فعل لهما، وأما قوله: [من البسيط]
625-
وزادني كلفا في الحب أن منعت ... وحب شيء إلى الإنسان ما منعا
__________
1 الرسم المصحفي: {الْأَشِرُ} ، والقراءة المستشهد بها قرأها أيضًا قتادة وأبو حيوة. انظر البحر المحيط 8/ 108، والكشاف 4/ 39، والمحتسب 2/ 299.
624- الرجز بلا نسبة في الدرر 2/ 537، وشرح عمدة الحافظ ص770، وهمع الهوامع 2/ 166.
2 انظر الإنصاف 2/ 491، المسألة رقم 69، والمسائل العضديات ص264، المسألة رقم 109.
625- البيت للأحوص في ديوانه ص153، والارتشاف 3/ 220، والأغاني 4/ 301، وتذكرة النحاة ص48، 604، والحماسة الشجرية 1/ 521، وشرح عمدة الحافظ ص770، والعقد الفريد 3/ 306، ولمجنون ليلى في ديوانه ص158، وبلا نسبة في الدرر 2/ 538، وشرح الأشموني 2/ 383، وشرح التسهيل 3/ 53، وعيون الأخبار 2/ 5، ولسان العرب 1/ 292 "حبب"، ونوادر أبي زيد ص27، وهمع الهوامع 2/ 166.(2/92)
فضرورة، "إنما يصاغ التفضيل مما صيغ منه فعلا التعجيب"، وهو كل فعل ثلاثي متصرف تام مثبت قابل للتفاضل، مبني للفاعل، ليس الوصف منه على أفعل فعلاء. "فيقال" من باب "ضرب يضبب": "هو أضرب، و" من باب "علم يعلم": "أعلم، و" من باب فضل يفضل: هو "أفضل، كما يقال" في التعجب منها: "ما أضربه، و" ما "أعلمه، و" ما "أفضله"، وأعلم به وأفضل به، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
496-
صغ من مصوغ منه للتعجيب ... أفعل للتفضيل وأب اللذ أبي
"وشذ بناؤه من" اسم عين نحو: هو أحنك البعيرين، بنوه من الحنك، وهو اسم عين، والمعنى: آكلهما، أي: أشدهما أكلا، "ومن وصف لا فعل له كـ: هو أقمن به، أي: أحق"، بنوه من قولهم: هوم قمن، أي: حقيق، "و" هو "ألص من شظاظ"1 بنوه من قولهم: هو لص، بكسر اللام، أي: سارق. وشظاظ، بكسر الشين وبظاءين معجمتين2: اسم لص معروف من بني ضبة3، ونقل ابن القطاع له فعلا فقال4: يقال: لص، إذا أخذ المال خفية، فعلى هذا لا شذوذ.
"و" شذ بناؤه "مما زاد على ثلاثة كـ: هذا الكلام أخصر من غيره"، بنوه من "اختصر" فقيه شذوذان: كونه مبنيًّا للمفعول، وكونه زائدًا على الثلاثة، كما تقدم في التعجب [منه] 5.
"وفي" بنائه من الفعل الماضي الذي على وزن "أفعل؛ المذاهب الثلاثة" المتقدمة في التعجب، فقيل: يجوز مطلقا، وقيل: يمتنع مطلقًا، وقيل، يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل.
["وسُمع" شذوذًا على القول بالمنع مطلقًا، وعلى المنع في أحد شقي التفضيل: "هو أعطاهم للدراهم، وأولاهم للمعروف] 6، و" سُمع شذوذًا على الثاني: "هذا المكان أقفر7 من غيره".
__________
1 المثل في مجمع الأمثال 2/ 257، وجمهرة الأمثال 2/ 180، والدرة الفاخرة 2/ 369، والمستقصى 1/ 328، وكتاب الأمثال لابن سلام ص366، وشرح ابن الناظم ص341.
2 سقط من "ب": "وبظاءين معجمتين".
3 في "ب": "ضمية".
4 كتاب الأفعال 3/ 144.
5 إضافة من "ط".
6 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
7 في "ب": "أفقر".(2/93)
"و" سمع بناؤه "من فعل المفعول كـ: هو أزهى من ديك1" بنوه من "زهي" بمعنى "تكبر". قال في الصحاح2: لا تتكلم به العرب إلا مبنيا للمفعول، وإن كان بمعنى الفاعل. وحكى ابن دريد3: "زها يزهو: أي: تكبر"، فعلى ما حكاه ابن دريد لا شذوذ فيه، لأنه من المبني للفاعل.
"و" سمع: "هو4 "أشغل من ذات النحيين"5 بنوه من "شغل" بالبناء للمفعول، والنحيين: تثنية نحي، بكسر النون وسكون الحاء المهملة: زق السمن، وذات النحيين: امرأة من بني تميم اللات بن ثعلبة، كانت تبيع السمن في الجاهلية، فأتى خوات بن جبير الأنصاري قبل إسلامه فساومها، فحلت نحيا منهما مملوءًا، فقال لها: أمسكيه حتى أنظر إلى غيره، ثم حل الآخر وقال: أمسكيه، فلما شغل يديها حاورها حتى قضى منها ما أراد وهرب، ثم أسلم خوات فشهد بدرًا رضي الله عنه.
"و" سمع: هو "أعني بحاجتك"6، بنوه من "عني" بالبناء للمفعول، وسمع فيه "عني" كـ: رضي، بالبناء للفاعل، فعلى هذا لا شذوذ فيه.
"وما توصل به إلى التعجب مما لا يتعجب منه بلفظه يتوصل به إلى التفضيل"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
497-
وما به إلى تعجب وصل ... لمانع به إلى التفضيل صل
"ويجاء بعده بمصدر ذلك الفعل تمييزًا7: فيقال: هو أشد استخراجًا وحمرة"، ويستثنى من ذلك فاقد الصوغ8 للفاعل، والفاقد للإثبات، فإن أشد يأتي هناك ولا يأتي هنا، وذلك مستفاد من قول الموضح: ويجاء بمصدر ذلك الفعل تمييزًا، لأن المؤول بالمصدر معرفة والتمييز واجب التنكير، كما نبه عليه الموضح في الحواشي.
__________
1 المثل في مجمع الأمثال 1/ 327، والمستقصى 1/ 151، والدرة الفاخرة 1/ 213، وشرح ابن الناظم 342.
2 الصحاح "زهي".
3 جمهرة اللغة 3/ 22.
4 في "ب": "سمع بناؤه من شغل بالبناء للمفعول نحو:".
5 المثل في مجمع الأمثال 1/ 376، وجمهرة الأمثال 1/ 538، 564، والدرة الفاخرة 1/ 236، والمستقصى 1/ 196، وفصل المقال ص503، وشرح ابن الناظم ص342.
6 شرح ابن الناظم ص342.
7 سقطت من"ب".
8 في "ب": المصوغ".(2/94)
فصل:
"ولاسم التفضيل ثلاث حالات:
إحداها: إن يكون مجردًا من "أل" والإضافة، فيجب له حكمان:
أحدهما" في نفسه، وهو "أن يكون مفردًا مذكرًا دائمًا"، ولو كان مسندًا إلى مؤنث أو مثنى أو مجموع نحو قولك: زيد أفضل من عمرو، وهند أفضل من عمرو، والزيدان أفضل من عمرو1، والهندان أفضل من عمرو، والزيدون أفضل من عمرو، والهندات أفضل من عمرو، و"نحو" قوله تعالى: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} [يوسف: 8] "ونحو" قوله تعالى: " {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ ... } الآية"، إلى قوله: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ} [التوبة: 24] فأفرد في الآية الأولى مع الاثنين، وفي الآية الثانية مع الجماعة.
"ومن ثم" أي ومن أجل أن أفعل التفضيل إذا تجرد من "أل" والإضافة لزمه2 التذكير والإفراد3 "قيل في أُخَرَ", بضم الهمزة، جمع أخرى أنثى آخر، بالفتح، ["إنه معدول عن آخر" الموازن لأفعل التفضيل، وليس من باب "أفعل التفضيل" حقيقة، لأنه لا يدل على] 4 مشاركة وزيادة، ولذلك لم يجعله ابن مالك من باب "أفعل" ولا ملحقا به، بل ملحقًا بالملحق به5، وهو "أول" لأنه به أنسب، لأنه أشبهه في الوزن، وكون معناه نسبيًّا، وكونه لا يدل على زيادة، وعلى الإلحاق به فهو يخالف باب "أفعل" في ثلاثة أمور:
__________
1 سقط من "ب": "أفضل من عمرو".
2 في "ط": "لزم".
3 في "ب", "ط": "الإفراد والتذكير".
4 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
5 شرح التسهيل 3/ 64.(2/95)
أحدهما: أنه يطابق، ولو كان نكرة.
الثاني: أنه لا يليه "مِنْ" لا لفظًا ولا تقديرًا.
الثالث: أنه لا يضاف.
"و" من ثم؛ أيضًا؛ قيل "في قول" أبي نواس الحسن "ابن هانئ" الحكمي يصف الخمرة: [من البسيط]
626-
كأن صغرى وكبرى من فقاقعها ... حصباء در على أرض من الذهب
"إنه لحن", حيث أنث1 "صغرى وكبرى" وكان حقه أن يقول: كأن أصغر وأكبر، بالتذكير. وأجيب "عنه"2 بأنه لم يقصد حقيقة المفاضلة، فهو كقول العروضيين، فاصلة صغرى، وفاصلة كبرى، وقول الفرزدق: [من الطويل]
627-
إذا غاب عنكم أسود الليل كنتم ... كرامًا وأنتم ما أقام ألائم
أي: لئام. والفقاقع، بفتح الفاء والقاف، وبعد الألف قاف مكسورة وفي آخره عين مهملة: النفاخات التي تعلو وجه الخمرة.
وسبب تلقيبه بأبي نواس؛ بنون مضمومة بعدها واو لا همزة؛ أنه كان له ذؤابتان تنوسان: أي تتحركان3 على عاتقه.
"و" الحكم "الثاني" فيما بعد "أفْعَلَ" "أن يؤتى بعده بـ"من" جارة للمفضول" كما تقدم من الأمثلة وهي عند المبرد وسيبويه لابتداء الارتفاع في نحو: "أفْضَلَ منه" وابتداء الانحطاط في نحو "شر منه".
__________
626- البيت لأبي نواس في ديوانه ص72، وخزانة الأدب 8/ 277، 315، 318، وشرح قطر الندى ص316، وشرح المفضل 6/ 102، وبلا نسبة في شرح الأشموني 2/ 386، وشرح التسهيل 3/ 62، ومغني اللبيب 2/ 380.
1 بعده في "ب": "إنه".
2 إضافة من "ط".
627- البيت للفرزدق في الارتشاف 3/ 225، وشرح شواهد المغني 2/ 799، والمقاصد النحوية 4/ 75، وليس في ديوانه، وتاج العروس "عين"، وبلا نسبة في أمالي القالي 1/ 171، 2/ 47، وجمهرة اللغة ص650، وخزانة الأدب 8/ 277، وسمط اللآلي ص430، وشرح الأشموني 2/ 388، ولسان العرب 1/ 231 "سود", 12/ 381 "عتم"، ومعجم البلدان 1/ 193 "أسود العين"، ومغني اللبيب 2/ 381.
3 سقط من "ب": "أي تتحركان".(2/96)
واعترضه ابن مالك بأنها لا تقع بعدها "إلى" واختار أنها للمجاوزة، فإن معنى "زيدُ أفضلُ من عَمْرو" جاوز زيدٌ عمرًا في الفضل1.
واعترضه في المغني2 بأنها لو كانت للمجاوزة لصح في موضعها "عن" ودُفع بأن صحة وقوع المُرادف موقع مرادفه إنما هو إذا لم منع مانع من ذلك3، وههنا منع مانع وهو الاستعمال، فإن اسم التفضيل لا يصاحب من حروف الجر إلا "مِنْ" خاصة.
"وقد تحذف "مِنْ"4 مع مجرورها" للعلم بها "نحو: {وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} " [الأعلى: 17] أي: من الحياة الدنيا. "وقد جاء الإثبات والحذف في: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف: 34] أي: منك"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
498-
وأفعل التفضيل صله أبدا ... تقديرا او لفظا بمن إن جردا
"وأكثر5 ما تحذف "من"" مع المفضول "إذا كان "أفعَلُ"6 خبرا" في الحال، أو في الأصل، فيشمل خبر المبتدأ وخبر "كان" و"إن" وثاني مفعولي "ظن" وثالث مفاعيل "أَعْلَمَ" نحو: زيد أفضل، وكان زيد أفضل، وإن زيدا أفضل، وظننت زيدا أفضل، وأعلمت زيدا عمرا7 أفضل. "ويقل" الحذف "إذا كان" أفعل "حالا، كقوله": [من الطويل] .
628-
دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا ... فظل فؤادي في هواك مضللا
فـ "أجمل" حال من تاء المخاطبة في "دنوت"، و"كالبدر" مفعول ثان لـ: خلناك، "أي: "دنوت أجمل من البدر" وقد خلناك مثله". قاله ابن مالك8 في شرح التسهيل9.
__________
1 شرح التسهيل: 5/ 135-136.
2 مغني اللبيب: 1/ 321.
3 في "ب"، "ط": "إذا لم يمنع من ذلك مانع".
4 سقطت من "ب".
5 في "ط": "وكثر".
6 في "ب": "الفعل".
7 سقطت من "ب".
628- البيت بلا نسبة في الارتشاف 3/ 229، وأوضح المسالك: 3/ 290، 389، وشرح الأشموني: 1/ 385، وشرح التفصيل: 3/ 57، وشرح ابن عقيل: 2/ 177، والمقاصد النحوية: 4/ 50.
8 في "ب": "قال".
9 شرح التسهيل: 3/ 57.(2/97)
"أو" إذا كان أفْعَلُ1 "صفة، كقوله" وهو أحيحة بن الجلاح: [من الرجز]
629-
تروحي أجدر أن تقيلي ... غدًا بجنبي بارد ظليل
فـ"أجدر" صفة لمحذوف هو وعامله المعطوف على "تروحي" "أي: تروحي وائتي مكانًا أجدر من غيره، بأن تقيلي فيه" غدًا، قاله ابن مالك في شرح الكافية2، وفيه إشارة إلى أن الخطاب لناقته، وهو من "التروح" بمعنى الرواح وقت العشي، و"أجدر" بالجيم: أي أحق، وتقيلي: من القيلولة، وهو النوم وقت الظهيرة.
وقال العيني3: إن الخطاب للفسيل، وهي صغار النخل، من تروح النبت، إذا طال، وأنه كنى بالقيلولة عن نموها وزهوها، وادعى أن السوابق واللواحق تشهد لذلك، وجنبي: تثنية جنب، مضاف إلى "بارد" و"ظليل" وهما وصفان لموصوفين محذوفين، والأصل: بجنبي ماء بارد ظليل، وحذف العاطف.
"ويجب تقديم "من" ومجرورها عليه" أي: على أفعل، "إن كان المجرور" بـ"من" "استفهامًا"، لأن الاستفهام له صدر الكلام، "نحو: أنت ممن أفضل؟ " فالأصل: أنت أفضل ممن؟ 4 فقدم "ممن" على عامله، وهو "أفضل" وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
502-
وإن تكن بتلو من مستفهما ... فلهما كن أبدًا مقدما
وتمثيل الموضح أحسن من تمثيل الناظم بقوله:
503-
كمثل ممن أنت خير.... ... ...............................
لما فيها من الفصل بين العامل ومعموله بأجنبي، لأن المبتدأ أجنبي من الخبر، بمعنى أنه ليس معمولا له على الصحيح، وسيأتي أنه لا يفصل بين أفعل و"من" بالمبتدأ، لأنهما بمنزلة المضاف والمضاف إليه. ولا يلزم من تمثيل الموضح تأخير ما له صدر الكلام عن صدريته، لأن ذلك إنما يمتنع بالنسبة إلى العامل فيه فقط، لا مطلقًا.
__________
1 في "ب": "أفعل منه".
629- الرجز لأحيحة بن الجلاح في المقاصد النحوية 4/ 36، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 291، وأمالي ابن الشجري 1/ 343، وخزانة الأدب 5/ 75، وشرح ابن الناظم ص343، وشرح الأشموني 2/ 385، وشرح التسهيل 3/ 75، وشرح الكافية الشافية 2/ 1130.
2 شرح الكافية الشافية 2/ 1130.
3 المقاصد النحوية 4/ 37.
4 في "ب": "من".(2/98)
"أو" كان المجرور بـ"من" "مضافًا إلى الاستفهام نحو: أنت من غلام من أفضل؟ " والأصل: أنت من غلام من؟ فقدمت "من" ومجرورها على "أفضل" لأن ما أضيف إلى ما له الصدر يستحق التصدير، وما أحسن قول الأمين المحلي في المفتاح: [من الطويل]
عليك بأرباب الصدور فمن غدا ... مضافًا لأرباب الصدور تصدرا1
"وقد تتقدم2" من3 مع مجرورها على أفعل "في4 غير الاستفهام"، وهو الإخبار، "كقوله" وهو جرير: [من الطويل]
630-
إذا سايرت أسماء يومًا ظعينة ... فأسماء من تلك الظعينة أملح
فالأصل: فأسماء أملح من تلك الظعينة، فقدم "من" ومجرورها على "أملح" وهو ضرورة عند الجمهور، ونادر عند الناظم حيث قال:
503-
..................... ولدى ... إخبار التقديم نزرًا وردا
وذلك لأن أفعل عامل غير متصرف في نفسه، فلم يكن له أن يتصرف في معموله بالتقدم5 عليه كسائر العوامل غير المتصرفة.
"الحالة الثانية: أن يكون" أفعل مقرونًا "بـ"أل" فيجب له حكمان:
أحدهما: أن يكون مطابقًا لموصوفه" في التذكير والتأنيث، والإفراد والتثنية والجمع، وإلى ذلك6 أشار الناظم بقوله:
500-
وتلو ال طبق............... ... ................................
"نحو: زيد الأفضل وهند الفضلى والزيدان الأفضلان" والهندان الفضليان "والزيدون الأفضلون" أو الأفاضل "والهندات الفضليات أو الفضل" بضم الفاء وفتح
__________
1 البيت في مغني اللبيب 2/ 515، وخزانة الأدب 5/ 104.
2 في "ب"، "ط": "تقدم".
3 سقطت من "ب".
4 في "ط": "إن".
630- البيت لجرير في ديوانه ص835، وتذكرة النحاة ص47، وشرح عمدة الحافظ ص766، والمقاصد النحوية 4/ 52، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 293، وشرح الأشموني 2/ 389، وشرح ابن عقيل 2/ 186.
5 في "أ", "ط": "بالتقديم"، وأثبت ما في "ب".
6 بعده في "ب": "وإليه".(2/99)
الضاد المخففة كـ: الكُبَرُ، فيطابق موصوفه لزومًا، لأنه نقص شبهه بأفعل1 المتعجب به2 لاقترانه بـ"أل" ومع ذلك لا بد من ملاحظة السماع.
قال أبو سعيد علي بن مسعود في كتابه3 المستوفى4 ما ملخصه: ولا يستغنى في الجمع والتأنيث عن السماع، فإن الأشرف والأظرف لم يقل فيهما: الأشارف والشرفى والأظارف والظرفى، كما قيل ذلك في الأفضل والأطول، وكذلك الأكرم والأمجد، قيل فيهما: الأكارم والأماجد، ولم يسمع فيهما: الكرمى والمجدى. انتهى.
"و" الحكم "الثاني: أن لا يؤتى معه بـ: من" لأن "من" و"أل" يتعاقبان، فلا يجتمعان كـ"أل" والإضافة: "فأما قول" ميمون "الأعشى": [من السريع]
631-
ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزة للكاثر
"فخرج" جمعه بين "أل" و"من" "على زيادة: أل" في "الأكثر" "أو على أنها"؛ أي: "من" ليست متعلقة بالأكثر المعرف بـ"أل" وإنما هي "متعلقة بـ"أكثر" نكرة"، حال كونه "محذوفًا مبدلا من "أكثر" المذكور" بدل نكرة من معرفة، والأصل: بالأكثر أكثر منهم، أو على أن "من" بمعنى "في" أي: فيهم، أو لبيان الجنس، أي: من بينهم، أو متعلقة بـ: ليس، لما فيه من رائحة قولك، انتفي واغتفر الفصل بين "أفعل" وتمييزه للضرورة. وحصى: تمييز، أي: عددًا، والكاثر: بمعنى الكثير.
الحالة "الثالثة: أن يكون" أفعَلُ5 "مضافًا: فإن كانت إضافته إلى نكرة لزمه أمران6: التذكير والتوحيد، كما يلزمان المجرد" من "أل" والإضافة "لاستوائهما
__________
1 سقطت من "ب".
2 في "ب": "منه".
3 في "أ"، "ط": "كفاية", والتصويب من "ب".
4 ورد مثل ذلك في الارتشاف 3/ 220.
631- البيت للأعشى في ديوانه 193، وأوضح المسالك 3/ 295، وخزانة الأدب 1/ 185، 3/ 400، 8/ 250، 254، والخصائص 1/ 185، 3/ 236، وشرح شواهد الإيضاح ص351، وشرح شواهد المغني 2/ 902، وشرح المفصل 6/ 100، 103، ولسان العرب 5/ 132 "كثر"، 9/ 147 "سدف"، 14/ 183 "حصى"، ومغني اللبيب 2/ 572، والمقاصد النحوية 4/ 38، ونوادر أبي زيد ص25، وبلا نسبة في خزانة الأدب 2/ 11، وشرح ابن الناظم ص343، وشرح الأشموني 2/ 386، وشرح التسهيل 3/ 58, وشرح الكافية الشافية 2/ 1135، وشرح المفصل 3/ 6.
5 في "ب": "لفعل".
6 الكتاب 1/ 203.(2/100)
في التنكير"، ولكونهما على معنى "من" وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
499-
وإن لمنكور يضف أو جردا ... ألزم تذكيرًا وأن يوحدا
"ويلزم في1 المضاف إليه أن يطابق" الموصوف "نحو": زيد أفضل رجل، و"الزيدان أفضل رجلين، والزيدون أفضل رجال، وهند أفضل امرأة"، والهندان أفضل امرأتين، والهندات أفضل نساء، إذ قصد ثبوت المزية للأول على جنس المضاف إليه، واحدًا واحدًا، أو اثنين اثنين، أو جماعة جماعة.
والمعنى: زيد أفضل من جميع الرجال إذا فضلوا رجلا رجلا، والزيدان أفضل من جميع الرجال إذا فضلوا رجلين2 رجلين، والزيدان أفضل من جميع الرجال إذا فضلوا رجالا رجالا، وهند أفضل من جميع النساء إذا فضلن [امرأة امرأة، والهندان أفضل من جميع النساء إذا فضلن امرأتين امرأتين، والهندات أفضل من جميع النساء إذا فضلن] 3 نساء نسًاء.
فإن قلت: النكرة في سياق الإثبات لا تعم، فمن أين جاء العموم؟ قلت: أجيب عنه بأن العموم فيه باعتبار أصله إذ أصل "زيد أفضل رجل": زيد أفضل الناس إذا عدوا رجلا رجلا، وكذا الباقي. ولذلك صحت الإضافة، لأن أفعل لا يضاف إلا لما هو بعضه4.
"فأما" قوله تعالى: " {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} " [البقرة: 41] بالإفراد، ومقتضى القاعدة "كافرين" بالجمع، ليطابق الواو في "تكونوا" فالجواب ما قاله المبرد: إنه على حذف الموصوف، "والتقدير: أول فريق كافر به".
وقال الفراء5: إنما وحد لأنه في معنى الفعل: أي: أول من كفر: ولو أريد به الاسم لم يجز إلا الجمع.
وقال محمد بن مسعود بن الزكي في كتاب "البديع": إن النكرة المضاف إليها اسم التفضيل يجب إفرادها، نحو، أنت أفضل رجل، وأنتما أفضل رجل، وأنتم أفضل رجل منه، {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البقرة: 41] وذلك هو القياس، لأن النكرة تمييز له،
__________
1 سقطت من "ط".
2 في "ب": "رجل لا رجالا".
3 سقط ما بين المعكوفين من "أ"، واستدرك من "ب"، "ط".
4 انظر شرح المرادي 3/ 125.
5 معاني القرآن للفراء 1/ 32-33.(2/101)
وقد خفضت بالإضافة، فأشبه مائة رجل، وقد أجازوا قياسًا لا سماعًا أن تثنى وأن تجمع نحو: أنتما أفضل رجلين وأنتم أفضل رجال. انتهى. والمشهور ما عليه الجماعة من وجوب المطابقة في الإضافة إلى النكرة.
"وإن كانت الإضافة إلى معرفة" فهو ثلاثة أقسام:
قسم تقصد زيادته على ما أضيف إليه، وقسم يقصد به زيادة1 مطلقة، وقسم يؤول بما لا تفضيل فيه، "فإن أول أفعل بما لا تفضيل فيه"، أو قصد به زيادة مطلقة "وجبت المطابقة" للموصوف به تشبيهًا بالمعرف بـ"أل" في الأخلاء عن لفظ "من" ومعناها.
وقد يتواردان على مثال2 واحد "كقولهم: الناقص والأشج أعدلا بني مروان3"، فيحتمل "أعدلا" أن يؤول لما لا تفضيل فيه "أي: عادلاهم"، لأنهما لم يشاركهما أحد من بني مروان في العدل، ويحتمل أن يراد به زيادة مطلقة. والناقص: هو يزيد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك من مروان، لقب بذلك لأنه نقص أرزاق الجند. والأشج. بالشين المعجمة والجيم: هو عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، لقب بذلك لأن بجبينه4 أثر شجة من دابة ضربته. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
501-
............................. وإن ... لم تنو فهو طبق ما به قرن
"وإن كان أفعل على أصله من إفادة المفاضلة" على ما أضيف5 إليه "جازت المطابقة" لشبهه بالمعرف بـ"أل" "كقوله تعالى": {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ " أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا "} [الأنعام: 123] فـ: أكابر مفعول أول6 لـ"جعلنا"، و"في كل قرية" في موضوع المفعول الثاني، ومجرميها: مضاف إليه "أكابر"، ولو لم يطابق لقيل: أكبر مجرميها، "و" في بعض النسخ: " {هُمْ أَرَاذِلُنَا} " [هود: 37] ولو لم يطابق لقيل: "أرذُلنا".
__________
1 في "ب": "زيادته".
2 في "ب": "محل".
3 من شواهد شرح ابن الناظم ص345، وشرح ابن عقيل 2/ 181.
4 في "ب": "بجنبيه".
5 في "أ": "وما أضيفت"، والتصويب من "ب"، "ط".
6 سقطت من "ب".(2/102)
"و" جاز تركها" أي ترك المطابقة1؛ لشبهه بالمجرد لنية معنى "من" "كقوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ} " [البقرة: 96] فـ"أحرص" مفعول ثان لـ"تجد"، ولو طابق لقيل: أحرصي, بالياء، "وهذا" الوجه وهو؛ ترك المطابقة؛ "هو الغالب" في الاستعمال، "وابن السراج يوجبه" ويجعل أفعل فيه كالمجرد ويلزم الإفراد والتذكير، ويرده: {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} [الأنعام: 123] "فإن قدر "أكابر" مفعولا ثانيًا" لـ"جعلنا"، "و"مجرميها" مفعولا أول"؛ كما قال ابن عطية؛ "فيلزمه المطابقة في المجرد" من "أل" والإضافة، كما قال أبو حيان2، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
502-
......................... وما لمعرفه ... أضيف ذو وجهين عن ذي معرفه
هذا إذا نويت معنى "من".
وذكر صحب "الأمثال السائرة" أن أفعل يأتي في اللغة لنفي المعنى عن الشيئين، نحو قوله تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} [الدخان: 37] أي: لا خير في الفريقين. انتهى.
"مسألة": يتعلق بأفعل التفضيل حروف الجر على نحو تعلقها بـ"أفعل" التعجب، وأما الخفض به فيجوز إن كان المخفوض كلا وأفعل بعضه، وعكسه3، وأما النصب به فيمتنع منه المفعول به ومعه3 والمطلق مطلقًا3، والتمييز إن لم يكن فاعلا معنى، إلا إن كان أفعل مضافًا إلى غيره، ويجوز الباقي.
وأما الرفع به "فإنه يرفع أفعَلُ التفضيل الضمير المستتر في كل لغة، نحو: زيدٌ أفضل"، ففي "أفضل" ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية يعود إلى "زيد" "و" يرفع "الضمير المنفصل والاسم الظاهر في لغة قليلة" حكاها سيبويه4، وأشار إليها الناظم بقوله:
504-
ورفعه الظاهر نزر............. ... ..................................
"كـ: مررت برجل أفضل منه أبوه، أو" أفضل منه "أنت"، بخفض أفضل بالفتحة
__________
1 سقط من "ب" قوله: "الوجه؛ وهو ترك المطابقة".
2 الارتشاف 3/ 224.
3 سقطت من "ب".
4 الكتاب 2/ 26.(2/103)
على أنه صفة لـ"رجل" ويرفع الأب أو "أنت" على الفاعلية بـ"أفضل" على معنى فاقه في الفضل أبوه أو "أنت" وأكثر العرب يوجب رفع أفضل في ذلك على أنه خبر مقدم، وأبوه أو "أنت" مبتدأ مؤخر، وفاعل أفضل1: ضمير مستتر فيه عائد على المبتدأ، والجملة من المتبدأ والخبر في موضع خفض نعت لـ: رجل، ورابطها الضمير المجرور بـ"من".
"ويطرد ذلك" الرفع للظاهر "إذا حَلَّ" أفعل التفضيل "محل الفعل" مع موافقة المعنى، والفعل يرفع الظاهر، فكذلك ما حل محله، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
504-
................... ومتى ... عاقب فعلا فكثيرًا ثبتا
"وذلك إذا2 كان أفعل صفة لاسم جنس، و"سبقه نفي، وكان مرفوعه أجنبيًّا"، وهو ما ليس ملتبسًا3 بضمير الموصوف به، "مفضلا" ذلك الأجنبي "على نفسه باعتبارين" مختلفين، "نحو" قول العرب: "ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد4"، فـ "أحسن" أفعل تفضيل، وهو صفة لـ"رجلا" وهو5 اسم جنس مسبوق بنفي، ومرفوعه "الكحل" وهو أجنبي من المصوف لكونه لم يتصل بضميره، والكحل مفضل على نفسه باعتبار محلين مختلفين، فباعتبار كونه في عين زيد فاضلا، وباعتبار كونه في عين غيره مفضولا.
والمعنى أن الكحل في عين زيد أحسن من نفسه في عين غيره6 من الرجال. ونظيره قول الأصوليين: الواحد بالشخص يكون له جهتان كالصلاة في الدار المغصوبة.
والسبب في اطراد رفع [أفعل التفضيل الاسم الظاهر في مثل] 7 هذا المثال، تهيئته بالقرائن التي قارنته لمعاقبة8 الفعل على وجه لا يكون بدونها، "فإنه يجوز أن يقال: ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد"، فيؤتى بالفعل، وهو
__________
1 في "ب": "أفعل".
2 في "ب": "أنه إذا".
3 في "أ"، "ب": "متلبسًا"، والتصويب من "ط".
4 انظر مثل ذلك في شرح ابن الناظم ص346-347.
5 في "ب": "ورجل".
6 في "ب": "غير زيد".
7 ما بين المعكوفين سقط من "ب".
8 في "ب": "لمعاقبته".(2/104)
"يحسن" مكان أفعل التفضيل، وهو "أحسن" ولا يتغير المعنى، قاله ابن مالك1، وناقشه أبو حيان في ذلك2.
"والأصل أن يقع هذا" الاسم "الظاهر" المرفوع بأفعل التفضيل "بين ضميرين: أولهما للموصوف" بأفعل التفضيل، وهو الهاء في "عينه"، و"ثانيهما للظاهر"، وهو الهاء في "منه" فيكون المفضول مذكورًا، كما مثلنا.
وقد يحذف الضمير الأول العائد إلى الموصوف للعلم به، نحو: ما رأيت رجلا أحسن الكحل منه في عين زيد، والمقدر كالملفوظ، "وقد يحذف الضمير الثاني" العائد إلى "الكحل" فيكون المفضول مقدرًا.
"وتدخل: من" الجارة للمفضول "إما على الاسم الظاهر"، وهو "الكحل" في مثالنا، "أو" تدخل "على محله"، أي محل الكحل وهو العين، "أو" تدخل "على ذي المحل" وهو زيد، "فتقول": ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل "من كحل عين زيد"، بدخول "من" على الاسم الظاهر، وهو الكحل، "أو": ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل "من عين زيد"، بدخول "من" على محل الكحل، وهو العين، "أو": ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل "من زيد" بدخول "من" على ذي المحل، وهو زيد "فتحذف مضافًا" إذا أدخلت "من" على المحل، وهو العين "أو مضافين" إذا أدخلت "من" على ذي المحل وهو زيد.
"وقد لا يؤتى" بعد الاسم الظاهر "المرفوع بشيء" أصلا، وذلك إذا تقدم المفضل على أفعل التفضيل، فيستغنى عما بعد المرفوع، "فتقول: ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل"، فتحذف ضمير "الكحل" ومحله وصاحب محله اختصارًا.
وربما أدخلوا "من" على غير المفضول لفظًا، "وقالوا: ما أحد أحسن به الجميل من زيد، والأصل: ما أحد أحسن به الجميل من حسن الجميل بزيد"، فـ"الجميل الثاني" هو المفضول، وهو "الجميل الأول"، "ثم [إنهم] 3 أضافوا الجميل إلى زيد لملابسته إياه" في المعنى، فصار التقدير: من جميل زيد، "ثم حذفوا المضاف"، وهو "جميل" وأقاموا المضاف إليه، وهو "زيد" مقامه، فصار: من زيد، "ومثله" قول الناظم:
__________
1 شرح التسهيل 3/ 67.
2 الارتشاف 3/ 235، وانظر شرح ابن الناظم ص348.
3 إضافة من "ب"، "ط".(2/105)
505-
كلن ترى في الناس من رفيق ... أولى به الفضل من الصديق
"والأصل: من ولاية الفضل1 بالصديق"، فـ: الفضل الثاني هو المفضول، وهو الفضل الأول. "ثم" إنهم أضافوا الفضل إلى الصديق لملابسته له في المعنى، فصار التقدير: "من فضل الصديق"، ثم حذفوا المضاف، وهو الفضل2 الثاني3، وأقاموا المضاف إليه وهو "الصديق" مقامه فصار: "من الصديق".
وهذا المثال داخل تحت القاعدة، فإن الاسم الظاهر وهو الفضل أجنبي مسبوق بنفي بـ"لن"، مكتنف بضميرين: أولهما ضمير الموصوف، وهو الهاء من "به".
والثاني ضمير الاسم الظاهر، وقد حذف، والأصل: أولى4 به الفضل منه بالصديق.
والحاصل أن الضميرين تارة يكونان مذكورين: وتارة يكونان محذوفين، وتارة يذكر أحدهما ويحذف الآخر، وإذا حذف ضمير المفضول لم يلزم حذف ضمير الموصوف وبالعكس.
ولما لم يمكنهم أن يجعلوا الاسم الظاهر مبتدأ لئلا يفصلوا به بين أفعل التفضيل و"من" وذلك لا يجوز، رفعوه5 على الفاعلية، وشرطوا تقدم النفي عليه، وقاس عليه ابن مالك في شرح التسهيل6 النهي والاستفهام، وتبعه الموضح في شرح القطر7 ولم يرد به سماع، فالأولى الاقتصار على ما قالته العرب.
__________
1 في "ط": "ولايته للفضل".
2 في "ط": "وهو فضل".
3 سقطت من "ب"، "ط".
4 في "ب": "والأولى".
5 في "ب": "رفعه".
6 شرح التسهيل 3/ 68.
7 شرح قطر الندى ص283.(2/106)
باب النعت
مدخل
...
باب النعت:
ويرادفه الصفة والوصف.
"الأشياء التي تتبع ما قبلها في الإعراب" لفظًا أو تقديرًا أو محلا "خمسة: النعت والتوكيد وعطف البيان والنسق والبدل". ويشكل عليه: قام قام زيد1، ونعم نعم، ولا لا، فإنها مشتملة على التوكيد، ولا تبعية في شيء منها.
ودليل الحصر في الخمسة أن التابع إما أن يتبع بواسطة حرف أو لا، الأول عطف النسق، والثاني إما أن يكون على نية تكرار العامل أو لا, الأول البدل, والثاني: إما أن يكون بألفاظ مخصوصة أو لا، الأول التوكيد، والثاني إما أن يكون بالمشتق أول لا، الأول النعت، والثاني عطف البيان، ولها أبواب، وإذا اجتمعت يبدأ بالنعت ثم بالبيان ثم بالتوكيد ثم بالبدل ثم بالنسق، قاله في التسهيل2.
واختلف في عامل التابع، فأما النعت والتوكيد والبيان فقال الجمهور: العامل فيها هو العامل في المتبوع، ونسب إلى سيبويه3. وقيل: العامل فيها تبعيتها لما جرت عليه، وهو قول الخليل والأخفش4.
وأما البدل فقيل: عامله محذوف، وهو قول الجمهور. ويدل لهم5 ظهوره جارًا
__________
1 سقطت من "ب".
2 التسهيل ص173.
3 لم أجد ما نسب إلى سيبويه في الكتاب، وهو في الارتشاف 2/ 592.
4 وهو أيضًا قول سيبويه والجرمي، انظر همع الهوامع 2/ 115.
5 في "ب": "له".(2/107)
جوازًا مع الظاهر ووجوبًا مع المضمر، نحو: بزيد به. وقال قوم منهم المبرد1: عامله عامل متبوعه. [وهو ظاهر مذهب سيبويه2، واختاره ابن مالك3 وابن خروف. وقال ابن عصفور4: عامله عامل متبوعه على أنه نائب عن العامل المحذوف لا أنه عامل بالأصالة. وأما النسق فقال الجمهور] 5: عامله عامل متبوعه بواسطة الحرف، وقيل: الحرف، وقيل: محذوف، وإلى ذلك أشار في النظم بقوله:
506-
يتبع في الإعراب الأسماء الأول ... نعت وتوكيد وعطف وبدل
"فالنعت عند الناظم" المشار إليه بقوله في النظم:
507-
فالنعت تابع متم ما سبق ... بوسمه أو وسم ما به اعتلق
"هو التابع الذي يكمل متبوعه بدلالته على معنى فيه، أو فيما يتعلق به. فخرج بقيد التكميل النسق والبدل"، فإنهما لا يكملان متبوعهما لأنهما لم يوضعا لقصد الإيضاح والتخصيص، ومجيء البدل للإيضاح في بعض الصور عرضي, "و" خرج "بقيد الدلالة المذكورة البيان والتوكيد" فإنهما لا يدلان على معنى في متبوعهما، ولا فيما يتعلق به، أما البيان فلأن ثاني الاسمين هو عين الأول، وأما التوكيد فلأن نفس الشيء. هو الشيء لا معنى فيه. قاله ابن مالك في شرح العمدة. "والمراد بالمكمل الموضح للمعرفة، كـ: جاءني زيد التاجر"، في النعت الحقيقي، أو التاجر أبوه، في النعت السببي، "والمخصص للنكرة كـ: جاء رجل تاجر"، في الحقيقي "أو: تاجر أبوه" في السببي.
واختلف في معنى الإيضاح والتخصيص، فقيل: الإيضاح رفع الاشتراك اللفظي الواقع في المعارف على سبيل الاتفاق، فهو يجري مجرى بيان الجمل، والتخصيص رفع الاشتراك المعنوي الواقع في النكرات على سبيل الوضع، فهو يجري مجرى تقييد المطلق بالصفة، وقيل: الإيضاح رفع الاحتمال في المعارف، والتخصيص تقليل الاشتراك في النكرات.
"وهذا الحد" ليس بجامع لأنه "غير شامل لأنواع النعت، فإن النعت" قد لا
__________
1 المقتضب 4/ 295، 399.
2 لم أجد ما نسب إلى سيبويه في الكتاب، وهو في شرح المرادي 3/ 132.
3 شرح التسهيل 3/ 330.
4 المقرب 1/ 242.
5 سقط من بين القوسين من "أ"، واستدركته من "ب"، "ط".(2/108)
يكون للإيضاح والتخصيص بل "قد يكون لمجرد المدح كـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} " [الفاتحة: 2] "أو لمجرد الذم نحو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، أو للتعميم نحو: إن الله يرزق عباده الطائعين والعاصين، أو للتفصيل نحو: مررت برجلين عربي وأعجمي، أو للإبهام نحو: تصدق بصدقة قليلة أو كثيرة، "أو للترحم، نحو: اللهم أنا عبدك المسكين، أو للتوكيد نحو:" {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ " نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ "} [الحاقة: 13] .
وجوابه أن الأصل في النعت أن يكون للإيضاح أو للتخصيص، وكونه لغيرهما إنما هو بطريق العرض مجازًا عن استعمال الشيء في غير ما وضع له.(2/109)
فصل:
"ويجب موافقة النعت لما قبله فيما هو موجود فيه من أوجه الإعراب الثلاثة": الرفع والنصب والجر، "ومن التعريف والتنكير، تقول" في التعريف: "جاءني زيد الفاضل" برفعهما "ورأيت زيدًا الفاضل" بنصبهما "ومررت بزيد الفاضل" يجرهما "و" تقول في التنكير: "جاءني رجل فاضل"، ورأيت رجلا فاضلا، ومررت برجل فاضل.
"كذلك" فلا يجوز تخالفهما في الإعراب، لأن ذلك يخل بالتبعية، ولا تخالفهما في التعريف والتنكير، لأن التعريف يقتضي كون ذلك المعين مدلولا عليه بحسب تعيينه، والتنكير يقتضي كون ذلك المعين غير مدلول عليه بحسب تعيينه، فالجمع بينهما جمع بين النفي والإثبات، وهو محال. قاله الفخر الرازي، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
508-
وليعط التعريف والتنكير ما ... تلا كامرر بقوم كرما
"وأما الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، فإن رفع الوصف" الحقيقي أو المجازي "ضمير الموصوف المستتر وافقه فيها" أيضًا. ونعني بالوصف الحقيقي أن يجري على من هو له، "كـ: جاءتني امرأة كريمة"، ورجل كريم، "ورجلان كريمان، ورجال كرام"، ففي الوصف في الجميع ضمير مستتر يعود على الموصوف باعتبار حاله في التذكير والتأنيث والتثنية والجمع. "وكذلك" تقول في التعريف: جاءتني المرأة الكريمة والرجلان الكريمان والرجال الكرام.
ونعني بالوصف المجازي أن يجري على غير من هو له إذا حول الإسناد عن الظاهر إلى ضمير الموصوف، وجر الظاهر بالإضافة إن كان معرفة، ونصب على التمييز إن كان نكرة نحو: "جاءتني امرأة كريمة الأب" بالإضافة "أو كريمة أبا" بالتمييز، "وجاءني رجلان كريما الأب"؛ بالإضافة؛ "أو كريمان أبًا"؛ بالتمييز، "وجاءني رجال كرام الأب" بالإضافة "أو كرام أبًا" بالتمييز، فيوافق النعت منعوته في الإفراد والتثنية(2/110)
والجمع، والتذكير والتأنيث، مع موافقته له في أوجه الإعراب الثلاثة، وفي التعريف والتنكير. وتكمل له الموافقة في أربعة من عشرة1، "لأن الوصف في ذلك كله رافع لضمير الموصوف المستتر" أصالة أو تحويلا، ويستثنى من ذلك شيئان:
أحدهما: الوصف باسم التفضيل إذا استعمل بـ"من" أو أضيف إلى نكرة، فإنه2 يلزمه الإفراد والتذكير، ولم يوافق في التأنيث والتثنية والجمع، نحو: مررت برجل أفضل من زيد، وبرجلين أفضل من زيد، وبرجال أفضل من زيد، وبامرأة أفضل من زيد، وبامرأتين أفضل من زيد، وبنساء أفضل من زيد، وكذلك: مررت برجل أفضل شخص، وبرجلين أفضل شخصين، وبرجال أفضل شخوص ... إلى آخر المثل3.
والثاني: الوصف بما يستوي فيه المذكر والمؤنث من الأوصاف الآتية على وزن فعول بمعنى فاعل وفعيل بمعنى مفعول، إذا كان جاريًا على موصوفه نحو: رجل صبور، وامرأة صبور، ورجل قتيل، وامرأة قتيل.
"وإن رفع" الوصف الاسم "الظاهر أو" رفع "الضمير البارز أعطي" الوصف "حكم الفعل، ولم يعتبر حال الموصوف" في الإفراد والتذكير، والتأنيث والتثنية والجمع، "تقول" في الوصف إذا رفع الظاهر: "مررت برجل قائمة أمه"، بتأنيث قائمة، لأنها مسندة إلى الأم، وإن كان الموصوف مذكرًا، "وبامرأة قائم أبوها" بتذكير قائم، لأنه مسند إلى الأب، وإن كان الموصوف مؤنثًا، "كما تقول" في الفعل: "قامت أمه" في المثال الأول، "وقام أبوها" في المثال الثاني، "و" تقول: "مررت برجلين قائم أبواهما4" بإفراد قائم، وإن كان المنعوت مثنى، "كما تقول" [في الفعل] 5: "قام أبواهما" بإفراد الفعل.
"ومن قال" من العرب كطيئ وأزد شنوءة: "قاما أبواهما" بإلحاق علامة التثنية في الفعل المسند إلى المثنى الظاهر، "قال" في الوصف إذا أسنده إلى المثنى الظاهر:
__________
1 في شرح ابن عقيل 2/ 194: أن النعت يطابق منعوته في أربع من عشرة إذا رفع ضميرًا، وفي اثنين من خمسة إذا رفع ظاهرًا.
2 سقطت من "ب".
3 انظر شرح ابن الناظم ص352.
4 في "ب": "أبواها".
5 إضافة من "ب".(2/111)
"قائمين أبواهما1" بتثنية الوصف.
"وتقول" في جمع التذكير: "مررت برجال قائم آباؤهم" بإفراد قائم، وإن كان الموصوف جمعًا، "كما تقول" في الفعل: "قام آباؤهم" بإفراد الفعل عن علامة الجمع.
"ومن قال" من العرب المتقدم ذكرهم: "قاموا آباؤهم" بإلحاق علامة الجمع في الفعل المسند إلى الجمع الظاهر كما في "أكلوني البراغيث"، "قال" في الوصف إذا أسند إلى الجمع الظاهر: "قائمين آباؤهم" بجمع الوصف جمع السلامة2. "و" لكنهم خالفوا حكم الفعل إذا كان الاسم المرفوع بالوصف جمعًا، فأجازوا تكسير الوصف ثم قال سيبويه3 والمبرد وأبو موسى: "جمع التكسير" في الوصف "أفصح من الإفراد كـ: قيام آباؤهم4".
وقال الأبدي والشلوبين وطائفة: إفراد الوصف من تكسيره5، وفصل آخرون فقالوا: إن كان النعت تابعًا لجمع كـ: مررت برجال قيام آباؤهم، فالتكسير أفصح، وإن كان لمفرد أو مثنى كـ: مررت برجل قاعد غلمانه، وبرجلين قاعد غلمانهما، فالإفراد، أفصح. واتفق الجميع على أن الإفراد أفصح من جمع السلامة.
وتقول في الوصف إذا رفع الضمير البارز: جاءني غلام امرأة ضاربته هي، وأمة رجل ضاربها هو، كما تقول: ضربته هي وضربها هو، وجاءني غلام رجلين ضاربه هما، كما تقول: ضربه هما، ومن قال: ضرباه هما قال: ضارباه هما.
وتقول: جاءني غلام رجال ضاربه هم، كما تقول: ضربه هم، ومن قال: ضربوه، هم قال: ضاربوه هم، وجمع التكسير كـ: ضواربه هم، أفصح من الإفراد، كما تقدم حرفًا بحرف، وذلك مستفاد من قول الناظم:
509-
وهو لدى التوحيد والتذكير أو ... سواهما كالفعل..................
__________
1 في "ب": "قاما أبواهما؛ بتثنية الفعل؛ قال: قائمين أبواهما" وهي على لغة أكلوني البراغيث، انظر شرح ابن الناظم ص352.
2 انظر شرح ابن الناظم ص352، والارتشاف 3/ 249.
3 الكتاب 2/ 43.
4 انظر الارتشاف 3/ 205.
5 وهو مذهب الجمهور، انظر الارتشاف 3/ 250.(2/112)
فصل:
"والأشياء التي ينعت بها أربعة" كما في النظم:
"أحدها: المشتق" وهو المشار إليه في النظم بقوله:
510-
وانعت بمشتق.......... ... ..............................
وهو في الأصل ما أخذ من لفظ المصدر للدلالة على معنى منسوب إلى المصدر1، "والمراد به" هنا "ما دل على حدث وصاحبه" ممن قام به الفعل أو وقع عليه، "كـ: ضارب" من أسماء الفاعلين "ومضروب" من أسماء المفعولين، وما كان بمعناهما.
فمما هو بمعنى اسم الفاعل أمثلة المبالغة، كـ: ضراب، "و" الصفة المشبهة نحو: "حسن، و" اسم التفضيل المبني من فعل الفاعل نحو: "أفضل"، ومما هو2 بمعنى اسم المفعول كـ: قتيل بمعنى مقتول، واسم التفضيل المبني من فعل المفعول نحو: أجن. من عمرو، وخرج من ذلك ما اشتق لزمان أو مكان أو آلة، فإنه لا ينعت به، فلا يرد نقضًا.
"الثاني": مما ينعت به "الجامد المشبه للمشتق في المعنى"، وإليه أشار الناظم بقوله:
510-
............................... ... وشبهه......................
وهو ما يفيد من المعنى ما يفيده المشتق "كـ: اسم الإشارة" غير المكانية، "وذي بمعنى صاحب" وفروعها، "وأسماء النسب" وهي المنبه عليها في الناظم بقوله:
510-
.................................. ... ......... كذا وذي والمنتسب
فاسم الإشارة تنعت به المعارف، "تقول: مررت بزيد هذا، و" "ذو" بمعنى صاحب ينعت بها النكرات، تقول: مررت "برجل ذي مال، و" أسماء النسب ينعت بها
__________
1 كذا قال ابن النظام في شرحه ص352، وابن عقيل في شرحه 2/ 195، وهو مذهب البصريين، ويرى الكوفيون أن أصل الاشتقاق هو الفعل. انظر الإنصاف 1/ 235, المسألة رقم 28.
2 في "ب": "هي".(2/113)
النكرات والمعارف، تقول: مررت "برجل دمشقي"، وبالرجل الدمشقي، بفتح الميم ويجوز الكسر1.
وإنما قلنا: إن هذه الأنواع الثلاثة أفادت من المعنى ما يفيده المشتق، "لأن" لفظة "هذا" "معناها الحاضر"، ولفظة "ذي مال" معناها "صاحب مال، و" لفظة "دمشقي" معناها: "منسوب إلى دمشق"، فلما أفادت ما يفيده المشتق من المعنى صح النعت بها. ويقاس على هذه الأمثلة ما أشبهها، فيقاس على اسم الإشارة جميع الموصولات إلا "من" و"ما" وعلى ذي الصاحبية ذو2 الطائية وفروعها، وعلى المنسوب بالياء نحو: تمار وتامر وتمر، مما هو منسوب إلى التمر فيهن. وأما الأسماء المكانية نحو: مررت برجل هنا أو هناك أو "ثم" فمتعلقة بمحذوف صفة لـ: رجل، لأنها ظروف وليس صفات.
"الثالث": مما ينعت به "الجمل"، وإليهما أشار الناظم بقوله:
511-
ونعتوا بجملة منكرًا ... ........................
"وللنعت بها ثلاثة شروط:
شرط في المنعوت: وهو أن يكون نكرة إما لفظًا ومعنى نحو {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] فجملة "ترجعون" في موضع نصب نعت لـ: يومًا، وهو نكرة لفظًا ومعنى، والرابط بينهما الضمير المجرور بـ: "في".
"أو" نكرة "معنى لا لفظًا: وهو" الاسم "المعرف بـ"أل" الجنسية، كقوله"؛ وهو رجل من بني سلول: [من الكامل]
632-
ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فأعف ثم أقول لا يعنيني
__________
1 سقط من "ب"، "ط": "ويجوز الكسر".
2 في "ب": "و" مكان "ذو".
632- البيت لرجل من بني سلول في الدرر 1/ 10، وشرح شواهد المغني 1/ 310، والكتاب 3/ 24، والمقاصد النحوية 4/ 58، ولشمر بن عمرو الحنفي في الأصمعيات ص126، ولعميرة ص126، ولعميرة بن جابر الحنفي في حماسة البحتري 171، وبلا نسبة في الأزهية 263، والأشباه والنظائر 3/ 90، وأوضح المسالك 3/ 206، وخزانة الأدب 1/ 375، 358، 3/ 201، 4/ 207، 208، 5/ 23، 503، 7/ 197، 9/ 119، 383، والخصائص 2/ 338، 3/ 330، والدرر 2/ 462، وشرح ابن الناظم ص351، وشرح شواهد المغني 2/ 841، ومغني اللبيب 1/ 102، 2/ 429، 645، وهمع الهوامع 1/ 9، 2/ 140.(2/114)
فجملة "يسبني" في موضع جر نعت لـ"اللئيم"1 وهو الدنيء الأصل الشحيح النفس، وصح نعته بالجملة نظرًا إلى معناه، فإن المعرف بـ"أل" الجنسية لفظه معرفة ومعناه نكرة. قاله ابن مالك في شرح التسهيل2.
وقال أبو حيان في الارتشاف3: ولا ينعت بالجملة4 المعرف بـ"أل" الجنسية، خلافًا لمن أجاز ذلك. انتهى. ويجوز أن تكون الجملة حالا نظرًا إلى لفظه.
وبقي شرط آخر في المنعوت بالجملة، وهو أن يكون مذكورًا إذا لم يكن بعض اسم متقدم مجرور بـ: من أو في، كما سيأتي.
"وشرطان في الجملة:
أحدهما: أن تكون مشتملة على ضمير يربطها بالموصوف، إما ملفوظ به، كما تقدم" في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] . "أو مقدرًا" أما مرفوع كقوله: [من الكامل] .
632-
إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن ... عارًا عليك ورب قتل عار
أي: هو عار. أو منصوب كقوله: [من الوافر]
634-
............... ... ...............
وما شيء حميت بمستباح
أي: حميته. أو مجرور بـ: في، إذا كان المنعوت بالجملة اسم زمان "كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] أي: لا تجزي فيه".
__________
1 في شرح ابن الناظم ص351: "يسبني: صفة؛ لا حال، لأن المعنى: ولقد أمر على لئيم من اللئيم".
2 شرح التسهيل 3/ 311.
3 الارتشاف 2/ 584.
4 في "ب": "بها الجملة".
633- البيت لثابت بن قطنة في ديوانه ص49، والحماسة الشجرية 1/ 330، وخزانة الأدب 9/ 565، 576، 577، والدرر 2/ 43، وشرح شواهد المغني 1/ 89، 393، والشعر والشعراء 2/ 635، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 585، والأزهية ص260، وأمالي ابن الشجري 2/ 301، وتخليص الشواهد ص160، والجنى الداني ص439، وجواهر الأدب ص205، 3654، وخزانة الأدب 7/ 79، وشرح التسهيل 3/ 175، والمقتضب 3/ 66، والمقرب 1/ 220، وهمع الهوامع 1/ 97.
634- صدر البيت: "أبحت حمى تهامة بعد نجد"، وهو لجرير في ديوانه 1/ 89، والكتاب 1/ 87، 130، والمقاصد النحوية 3/ 75، وبلا نسبة في خزانة الأدب 6/ 42، وسر صناعة الإعراب 1/ 402، وشرح التسهيل 3/ 312، ومغني اللبيب 2/ 502، 312، 633.(2/115)
وهل حذف الجار والمجرور معًا، أو حذف الجار وحده، فانتصب الضمير واتصل بالفعل ثم حذف منصوبًا؟ قولان: الأول عن سيبويه1، والثاني عن الأخفش2. أو مجرور بـ"من" عائد على ظرف أو غيره: فالأول نحو: شهر صمت يومًا مباركًا، أي: منه، والثاني نحو: عندي بر كر بدرهم، أي: منه.
"و" الشرط "الثاني: أن تكون الجملة خبرية، أيك محتملة للصدق والكذب"، وإليه أشار الناظم بقوله:
511-
............................... ... فأعطيت ما أعطيته خبرا
"فلا يجوز" النعت بالجملة الطلبية والإنشائية فلا يقال: "مررت برجل اضربه، ولا: مررت بعبد بعتكه، قاصدًا لإنشاء البيع" لا الأخبار بذلك، لأن الطلب والإنشاء لا خارجي لهما يعرفه المخاطب فيتخصص به المنعوت، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
512-
وامنع هنا إيقاع ذات الطلب ... ....................................
"فإن جاء" من لسان العرب "ما ظاهره ذلك يؤول على إضمار القول"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
512-
................................. ... وإن أتت فالقول أضمر تصب
لأن القول كثر إضماره في الكلام، "كقوله" وهو العجاج؛ على ما قيل؛ يذكر أن قومًا أضافوه فأطالوا عليه حتى دخل الليل، ثم جاءوا بلبن مخلوط بالماء حتى صار لونه في العشية يشبه لون الذئب: [من الرجز]
635-
حتى إذا جن الظلام واختلط ... جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط
__________
1 الكتاب 1/ 386.
2 في شرح التسهيل 3/ 312: "فهذا عند سيبويه حذف اعتباطًا، لأن الظرف يجوز معه ما لا يجوز مع غيره، وعند الأخفش على حذف وتعدي الفعل وحذف الضمير".
635- الرجز للعجاج في ملحق ديوانه 2/ 304، وخزانة الأدب 2/ 109، والدرر 2/ 366، والمقاصد النحوية 4/ 61، وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 115، وأوضح المسالك 3/ 310، وخزانة الأدب 3/ 30، 5/ 24، 468، 6/ 138، وشرح ابن الناظم ص353، وشرح الأشموني 2/ 499، وشرح ابن عقيل 2/ 199، وشرح التسهيل 3/ 311، وشرح الكافية الشافية 3/ 1159، وشرح المفصل 3/ 52، 53، ولسان العرب 4/ 248 "خضر". 10/ 340 "مذق" والمحتسب 2/ 165، ومغني اللبيب 1/ 246، 2/ 585، وهمع الهوامع 2/ 117.(2/116)
فظاهره أن جملة الاستفهام وهي: هل رأيت الذئب قط1: نعت لـ: مذق، فوجب تأويلها على أن الصفة قول محذوف، وجملة الاستفهام معمول الصفة، "أي: جاءوا بلبن مخلوط بالماء مقول عند2 رؤيته": هل رأيت الذئب3 قط؟
وقال ابن عمرون: "الأصل: بمذق مثل لون الذئب، هل رأيت الذين4 يقولون: مررت برجل مثل كذا، هل رأيت كذا5. وفي الحديث: "كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ " قالوا: نعم يا رسول الله. قال: "فإنهما مثل شوك السعدان" 6. ثم حذف "مثل لون الذئب" وبقي: هل رأيت الذئب؟ فتأولوه بمقول عند رؤيته "هذا الكلام"، فـ: "مقول" هو الصفة وجملة الاستفهام معمول لها". انتهى.
والمذق، بفتح الميم وسكون الذال المعجمة: مصدر قولك: مذقت اللبن، إذا مزجته بالماء، والمراد به هنا الممذوق مبالغة، والمعنى: جاءوا بلبن سمار فيها لون الورقة7 التي هي لون الذئب. والسمار: اللبن الرقيق، والورقة: بياض يضرب إلى سواد.
"الرابع": مما ينعت به "المصدر" سماعًا بشروط: أحدها: أن لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع. الثاني: أن يكون مصدر ثلاثي أو بزنة مصدر8 ثلاثي. الثالث: أن لا يكون ميميًّا. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
513-
ونعتوا بمصدر كثيرا ... فالتزموا الإفراد والتذكيرا
"قالوا: هذا رجل عدل" بفتح العين9 "ورضا" بكسر الراء "وزور" بفتح الزاي "وفطر" بكسر الفاء.
والثلاثة الأولى10 مصادر حقيقة، والرابع اسم مصدر، فإن فعله أفطر، "و" هو كثير، ومع كثرته يقتصر فيه على السماع.
__________
1 سقطت من "ب": "الذئب قط"، وسقط من "ط": "قط".
2 في "ب": "عندهم".
3 في "ب": "الظبي".
4 في "ب": "الذئب".
5 سقط من "ب": "هل رأيت كذا".
6 أخرجه البخاري في صفة الصلاة برقم 773، وأخرجه مسلم في المساجد برقم 675.
7 في "ب": "الزرقة".
8 سقطت من "ب".
9 في "ب": "الميم".
10 في "ب", "ط": "الأول".(2/117)
فإن قلت: كيف صح أن يكون اسم المعنى نعتًا للذات؟ قلت: صح "ذلك عند الكوفيين على التأويل بالمشتق"، اسم فاعل أو مفعول "أي: عادل" اسم فاعل عدل، "ومرضي": مفعول رضي، وزائر: اسم فاعل زار، "ومفطر": اسم فاعل أفطر، ويدل لها ما جاء من ذلك مضافًا إلى إضافة غير معنوية نحو: مررت برجل هدك1 وشرعك وحسبك، فدل على لحظ معنى الصفة.
"وعند البصريين: على تقدير مضاف، أي: ذو كذا، ولهذا التزم إفراده وتذكيره، كما يلتزمان لو صرح بـ: ذو" وفروعه، فيقال2: هذا رجل عدل، وامرأة عدل، ورجلان عدل، ورجال عدل ونساء عدل، كما يقال: هذا رجل ذو عدل، وامرأة ذات عدل، ورجلان ذوا عدل، ورجال ذوو عدل، ونساء ذوات عدل. وقيل: لا تأويل ولا حذف مضاف، بل على جعل العين نفس المعنى مبالغة مجازًا وادعاء.
وإنما التزم إفراده وتذكيره على القوم الأول والأخير. لأن المصدر من حيث هو مصدر لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، فأخبره على أصله، وأما قول العرب: رجل ضيف ورجال أضياف وضيوف وضيفان، وامرأة ضيفة، فقليل.
__________
1 في "ب": "عدل".
2 انظر الارتشاف 2/ 584-588.(2/118)
فصل:
"وإن تعددت النعوت" فتارة تكون لواحد وتارة تكون لغيره، فإن كانت لواحد فسيأتي الكلام1 عليها في فصل يخصها، وإن كانت لغير واحد فهي على ضربين: أحدهما: أن يكون المنعوت مثنى أو مجموعًا من غير تفريق. والثاني: أن يكون مفرقًا، وتفريقه إما لكون التثنية والجمع لا يتأتيان فيه، فيقوم العطف مقامهما، وإما لتعدد عامل المنعوت.
"فإن" كان المنعوت مثنى أو مجموعًا من غير تفريق "واتحد معنى النعت"2 ولفظه، "استغني بالتثنية والجمع3 عن تفريقه" بالعطف "نحو: جاءني رجلان فاضلان، ورجال فضلاء".
"وإن اختلف" معنى النعت ولفظه كـ: العاقل والكريم، أو لفظه دون معناه كـ: الذاهب والمنطلق، أو معناه دون لفظه كـ: الضارب، من الضرب بالعصا ونحوها، والضارب من الضرب، في الأرض، أي السير فيها، "وجب التفريق [فيها] 4 بالعطف"، لأنه أصل التثنية والجمع، "بالواو" خاصة، لأنها الأصل في ذلك، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
514-
ونعت غير واحد إذا اختلف ... فعاطفا فرقه لا إذا ائتلف
"كقوله": [من الوافر]
636-
بكيت وما بكا رجل حزين ... على ربعين مسلوب وبال
__________
1 في "ب": "عليهما".
2 في "ب": "المنعوت".
3 في "ب": "من".
4 إضافة من "ط".
636- البيت لابن ميادة في ديوانه ص214، وشرح أبيات سيبويه 1/ 603، وشرح شواهد المغني 2/ 774، ولرجل من باهلة في الكتاب 1/ 431، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 211، وأوضح المسالك 3/ 313, ومغني اللبيب 2/ 256، والمقتضب 2/ 291، والمقرب 1/ 225.(2/119)
فـ: مسلوب وبال: نعتان لـ: ربعين، وعطف أحدهما على الآخر بالواو. والمسلوب: هو الذاهب بالكلية بحيث لم يبق له عين ولا أثر. والبالي: هو الذي ذهب1 عينه وبقي شيء من آثاره، وبكا: مقصور.
"وقولك: مررت برجل شاعر وكاتب وفقيه"، فهذه الثلاثة المتعاطفة بالواو نعوت2 لـ: رجال3. والشاعر: هو الذي يأتي بالكلام منظومًا، والكاتب: هو الذي يأتي به منثورًا، والفقيه، من "فقه" بالضم هو الذي صار الفقه له سحية4.
ويستثنى نعت الإشارة فلا يتأتى فيه التفريق، لا يجوز: مررت بهذين الطويل والقصير، على النعت. قال سيبويه والمبرد والزجاج والزيادي5، وهو مقتضى القياس، لأن نعت الإشارة لا يكون إلا طبقها في اللفظ، لأنهم جعلوا التطابق في الجامد عوضًا عن الضمير، وحمل المشتق عليه.
قال الزيادي6: وإن قدرته بدلا أو بيانًا جاز، وقد أجاز سيبويه7: هذان زيد وعمرو، على البيان، والبيان هنا مخالف للنعت. نقله الموضح في الحواشي.
"وإذا تعددت النعوت8" مع تفريق المنعوت، "فإن كان" العامل فيها واحدًا، فإن اتحد العامل فالإتباع، نحو: مررت بزيد وعمرو العاقلين، ومررت بشيخ وطفل وعجوز وجلوس، لأن العطف بمثابة التثنية والجمع، وإن اختلف واختلف نسبة العامل إليهما، نحو: ضرب زيد عمرًا الظريفين، فالقطع.
وإن اتحدت، نحو: خاصم زيد عمرًا الكريمان، فالقطع عند البصريين، وإتباع الأخير عند الفراء، وإتباع الأول عند الكسائي، وإتباع أيهما شئت عد ابن سعدان9.
__________
1 في "ب": "هو الذاهب".
2 في "ب": "نعت".
3 انظر شرح ابن الناظم ص354.
4 في "ب": "ط": "سجية له".
5 انظر الكتاب 2/ 8 والارتشاف 2/ 589.
6 شرح المرادي 3/ 145.
7 الكتاب 2/ 81.
8 في "ب": "تعدد المنعوت".
9 همع الهوامع 2/ 119.(2/120)
وإن كان العامل متعددًا و"اتحد لفظ النعت، فإن اتحد معنى العامل وعمله" ولفظه أو جنسه "جاز الإتباع مطلقًا" سواء كان المتبوعان مرفوعين بفعلين أو خبري مبتدأين أو منصوبين أو مخفوضين. فمثال ما اتحد عمله ومعناه ولفظه: ذهب زيد وذهب عمرو العاقلان، وهذا زيد وهذا عمرو الفاضلان، ورأيت زيدًا، ورأيت عمرًا الظريفين ومررت بزيد ومررت بعمرو الكريمين.
ومثال ما اتحد معناه وعمله وجنسه "كـ: جاء زيد وأتى عمرو الظريفان، وهذا زيد وذاك عمرو العاقلان ورأيت زيدًا" بعيني "وأبصرت خالدًا الشاعرين"، وسقت النفع إلى خالد وسيق لزيد الكاتبين.
ومنع ابن السراج الإتباع في النوع الثاني، وفصل في الأول1 فقال: إن قدر الثاني عاملًا فالقطع، أو توكيدًا والأول هو العامل جاز الإتباع.
"وخصص بعضهم جواز الإتباع بكون المتبوعين فاعلي فعلين" كـ: جاء زيد وأتى عمرو الظريفان، أو خبري مبتدأين كـ: هذا زيد وذاك عمرو العاقلان، أخذا من كلام سيبويه2، فإنه تكلم بالنص على ذلك فأوهم الاختصاص. قاله ابن مالك في شرح التسهيل. ثم قال3: "والظاهر تعميم الحكم، إذا لا فرق في القياس بين قولك: ذهب زيد وانطلق عمرو العاقلان، وقولك: أحببت زيدًا وودت عمرًا العاقلين، وقولك: مررت بزيد ومررت بعمرو العاقلين، فإذا جاز الأول جاز هذا".انتهى. وجزم به في النظم فقال:
515-
ونعت معمولي وحيدي معنى ... وعمل أتبع بغير استثنا
"وإن اختلفا في المعنى والعمل" واللفظ، "كـ: جاء زيد ورأيت عمرًا الفاضلين"، أو اختلفا في المعنى والجنس واللفظ كـ: هذا ناصر زيد ويخذل عمرًا العاقلين4، "أو اختلف المعنى فقط كـ: جاء زيد ومضى عمرو الكاتبان5، أو" اختلف "العمل فقط: كـ: هذا مؤلم زيد"؛ بالجر؛ "وموجع عمرًا"؛ بالنصب؛ "الشاعران، وجب القطع" عن المتبوع إما بالرفع على إضمار مبتدأ، أو بالنصب على إضمار فعل.
__________
1 الأصول 2/ 42.
2 الكتاب 2/ 60.
3 شرح التسهيل 3/ 317.
4 في "ب": "العاقلان".
5 في "ب": الكاتبين".(2/121)
ويمتنع الإتباع لأنه يؤدي إلى تسليط عاملين مختلفي المعنى أو العمل على معمول واحد من جهة واحدة، بناء على أن العامل في المنعوت هو العامل في النعت, وهو الصحيح1. وأما إذا اتحد العاملان معنى وعملا فلا محذور في الإتباع، لأن العاملين من جهة المعنى شيء واحد، فنزلا منزلة العامل الواحد عند الجمهور. وقال ابن السراج2 إذا اتفقا لفظًا كان الثاني توكيدًا للأول. والحاصل أن صور العاملين أربع:
إحداها: أن يختلف العاملان في المعنى والعمل كـ: رأيت زيدًا ومررت بعمرو.
الصورة الثانية: أن يختلف العمل قط كـ: مررت بزيد ولقيت عمرًا، وفيهما أربعة أقوال: فالجمهور على منع الإتباع فيهما، وابن الطراوة على جواز الإتباع فيهما للثاني دون الأول، والكسائي والفراء على منع الإتباع في الأولى وجوازه في الثانية، لكن الكسائي يتبع الثاني فيها دون الأول والفراء يعكس ذلك3.
الصورة الثالثة: أن يختلف المعنى فقط كـ: وجد زيد على عمرو، ووجد عمرو الضالة، أجاز قوم فيها الإتباع، وهم القائلون: إن العامل التبعية4، ومنعه قوم وهم القائلون: إن عامل المنعوت والنعت واحد5.
الصورة الرابعة: أن يتحدا معنى وعملا وتحته صورتان:
أن يتحدا لفظًا أو لا، فالأولى6 نحو: جاء زيد وجاء عمرو العاقلان فيجوز فيها الإتباع، وقيده ابن السراج بأن يقدر الثاني توكيدًا7. والثانية نحو: جاء زيد وأتى عمرو الظريفان، فأجاز الجمهور فيها الإتباع8، ومنعه ابن السراج مطلقًا2. هذا كله مع اتحاد جنس العاملين، فإن اختلفا كـ: هذا زيد وجاء عمرو الظريفان، ومررت بزيد وهذا عمرو الظريفان، ولقيت زيدًا وإن عمرًا في الدار القائمان، فذهب الجمهور إلى منع الإتباع والأخفش والجرمي إلى جوازه9.
__________
1 انظر شرح ابن الناظم ص354.
2 الأصول 2/ 42.
3 انظر همع الهوامع 2/ 119.
4 في همع الهوامع 2/ 115، القائلين بالتبعية هم الخليل وسيبويه والأخفش والجرمي.
5 انظر همع الهوامع 2/ 115.
6 في "ط": "فالأول".
7 الأصول 2/ 42.
8 انظر شرح التسهيل 3/ 317.
9 انظر شرح المرادي 3/ 150، والارتشاف 2/ 590.(2/122)
فصل:
إذا لم تتكرر النعوت وكان المنعوت معلومًا بدون النعت حقيقة أو ادعاء، جاز إتباعه وقطعه ما لم يكن لمجرد1 التوكيد نحو: {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة: 13] ، أو ملتزم الذكر نحو: الجماء الغفير، أو جاريًا على مشار إليه نحو: بهذا الرجل، فلا يجوز القطع في شيء منها.
"وإذا تكررت النعوت لواحد، فإن تعين مسماه بدونها جاز إتباعها كلها وقطعها" كلها "والجمع بينهما"أي: بين القطع والإتباع، "بشرط تقديم" النعت "المتبع" على النعت المقطوع، "وذلك كقولك خرنق"، بكسر الخاء المعجمة والنون بينهما راء ساكنة، بنت هفان القيسية أخت طرفة بن العبد لأمه، ترثي زوجها بشر بن عمرو بن مرثد، ومن قتل معه من بنيه وقومه: [من الكامل]
637-
لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر
النازلون بكل معترك ... والطيبون معاقد الأزر
فـ "قومي": فاعل "يبعدن" بفتح الياء والعين، وهو دعاء خرج مخرج النهي، أي: لا يهلكن، وهو من بَعِدَ الرجل يبعَدُ بعدًا؛ كفرح يفرح فرحًا؛ إذا هلك، وفي التنزيل: {كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} [هود: 95] فإن قيل: كيف دعت لقومها بأن لا يهلكوا وهم قد هلكوا؟
__________
1 في "ب": "مجرد".
637- البيتان للخرنق بنت بدر بن هفان في ديوانها ص43، والأشباه والنظائر 6/ 231، وأمالي المرتضى 1/ 205، والإنصاف 2/ 468، وأوضح المسالك 3/ 314، والحماسة البصرية 1/ 277، وحماسة القرشي ص367، وخزانة الأدب 5/ 41، 42، 44، والدرر 2/ 368، والسمط ص548، وشرح أبيات سيبويه 2/ 16، والكتاب 1/ 202، 2/ 57، 58، 64، ولسان العرب 5/ 214 "نضر"، والمحتسب 2/ 198، والمقاصد النحوية 3/ 602، 4/ 72، وأساس البلاغة "أزر", وبلا نسبة في شرح ابن الناظم ص323، وشرح الأشموني 2/ 399، والمزهر 1/ 45.(2/123)
أجيب بأن العرب قد جرت على عادتها في استعمال هذه اللفظة في الدعاء، ولهم في ذلك غرضان:
إحدهما: أنهم يريدون بذلك استعظام موت الرجل الجليل، وكأنهم لا يصدقون بموته. والثاني: أنهم يريدون الدعاء له بأن يبقى ذكره ولا يذهب، لأن بقاء ذكر الإنسان بعد موته بمنزلة حياته.
والعداة: جمع عاد، وهو العدو بعينه، ولا يجوز أن يكون جمع عدو، لأن فعولا لا يجمع على فعلة. والجزر: جمع جزور، وهي الناقة التي تتخذ للنحر، والمعترك: موضع القتال، ومعاقد: جمع معقد، والأزر: جمع إزار.
والمعنى: لا يهلكن قومي الذين هم سم على أعدائهم وآفة لإبلهم، لأنهم كانوا ينحرونها لأضيافهم.
والنزول في الحرب على ضربين: أحدهما في أول الحرب، وهو أن ينزلوا عن إبلهم ويركبوا خيلهم، والثاني: في آخرها، وهو أن ينزلوا عن خيلهم ويقاتلوا على أقدامهم إذا كان القتال في موضع وعر لا مجال فيه للخيل.
والطيبون معاقد الأزر: كناية عن عفة الفرج، تريد: أنهم لا يعقدون مآزرهم على فرج زانية. كانت العرب إذا وصفوا الرجل بطهارة الإزار والذيل أرادوا أنه لا يزني، وإذا وصفوه بطهارة الكم أرادوا أنه لا يخون ولا يسرق، وإذا وصفوه بطهارة الجيب أرادوا أن قلبه لا ينطوي على غش ولا مكر.
"و" المقصود من البيت أنه "يجوز فيه رفع "النازلين والطيبين" على الإتباع لـ: قومي، أو على القطع بإضمار مبتدأ" تقديره: "هم، و" يجوز "نصبهما" على القطع أيضًا "بإضمار" فعل تقديره: هم، ويجوز نصبهما على القطع أيضًا بإضمار فعل تقديره: "أمدح أو أذكر، و" يجوز "رفع الأول" وهو "النازلون" على الإتباع لقومي، أو على القطع بإضمار"هم" "و" يجوز "نصب الثاني" وهو "الطيبون" على القطع بإضمار "أمدح" أو "أذكر" على ما ذكرنا.
"و" يجوز "عكسه" وهو نصب الأول ورفع الثاني "على القطع فيها" لا على الإتباع في الثاني، لأنه مسبوق بنعت مقطوع، والإتباع بعد القطع لا يجوز لما فيه من الفصل بين النعت والمنعوت بجملة أجنبية، ولما فيه من الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه، أو لما فيه من القصور بعد الكمال، لأن القطع أبلغ في المعنى المراد من الإتباع اعتبارًا(2/124)
بتكثير الجمل، وسكت عن النعت الأول، وهو الموصول، لخفاء إعرابه، فيتبع إن أتبعت الجميع، ويقطع إن قطعت الجميع.
فإن أتبعت بعضًا وقطعت بعضًا فليس فيه إلا الإتباع، لأن القطع في البعض والإتباع في البعض مشروط بتقدم المتبع، وإلى جواز القطع والإتباع أشار الناظم بقوله:
517-
واقطع أو اتبع إن يكن معينا ... بدونها..........................
"وإن لم يعرف" مسمى المنعوت "إلا بمجموعها وجب إتباعها كلها" للمنعوت "لتنزيلها منه منزلة الشيء الواحد"، وإليه أشار الناظم بقوله:
516-
وإن نعوت كثرت وقد تلت ... مفتقرًا لذكرهن أتبعت
"وذلك كقولك: مررت بزيد التاجر الفقيه الكاتب إذا كان" زيد "هذا الموصوف" بهذه الصفات "يشاركه في اسمه ثلاثة" من الناس، اسم كال واحد منهم زيد، و"أحدهم تاجر كاتب، والآخر تاجر فقيه، والآخر فقيه كاتب" فلا يتعين زيد الأول من الآخرين إلا بالنعوت الثلاثة، فيجب إتباعها كلها، "وإن تعين ببعضها جاز فيما عدا ذلك البعض" الذي تعين به "الأوجه الثلاثة": الإتباع والقطع إلى الرفع أو إلى النصب أو الجمع بينهما بشرط تقديم المتبع على الأصح، وإليه الإشارة بقول الناظم:
517-
................................. ... ........أو بعضها اقطع معلنا
"وإذا كان المنعوت نكرة تعين في الأول من نعوته الإتباع" لأجل التخصيص، بخلاف ما إذا كان معرفة فإنه غني عن التخصيص، "وجاز في الباقي" من نعوته "القطع" عن المتبوع، سواء تعين مسماه بدونها أم1 لا، لأن المقصود من النعت التخصيص، وقد حصل بتبعية الأول، "كقوله" وهو أمية بن أبي عائذ الهذلي يصف صائدًا: [من المتقارب]
638-
ويأوي إلى نسوة عطل ... وشعثا مراضيع مثل السعالي
__________
1 في "أ"، "ط": "أو" مكان "أم".
638- البيت لأمية بن أبي عائد الهذلي في خزانة الأدب 2/ 42، 432، 5/ 40، وشرح أبيات سيبويه 1/ 146، وشرح أشعار الهذليين 2/ 507، والكتاب 1/ 399، 2/ 66، وتاج العروس "سعل"؛ ولأبي أمية في المقاصد النحوية 4/ 63، وللهذلي في شرح المفصل 2/ 18، ولسان العرب 8/ 127، "رضع"، وبلا نسبة في أمالي الحاجب 1/ 322، وأوضح المسالك 3/ 317، ورصف المباني ص416، وشرح ابن الناظم ص355، وشرح الأشموني 2/ 400، وشرح التسهيل 3/ 318، والمقرب 1/ 225.(2/125)
فأتبع النعت الأول وهو "عطل" بضم العين وتشديد الطاء المهملتين، يقال: عطلت المرأة: إذا خلا جيدها من القلائد، وقطع الثاني وهو "شعثًا" بضم الشين المعجمة وسكون العين المهملة في آخره مثلثة: جمع شعثاء، بالمد، وهي المغبرة الرأس، وهو منصوب بفعل محذوف تقديره: أخص شعثًا، ونحوه، والمراضيع: جمع "مرضع"، السعالي: جمع سلعاة، وهي أخبث الغيلان، فإن لم يتقدم نعت آخر لم يجز القطع إلا في الشعر1. "وحقيقة القطع أن يجعل النعت خبرًا لمبتدأ2 أو مفعول لفعل: فإن كان النعت المقطوع لمجرد مدح أو ذم أو ترحم وجب حذف المبتدأ" إن رفعت النعت وقدرت "هو"، و"الفعل" إن نصبت النعت وقدرت في المدح: أمدح، وفي الذم: أذم، وفي الترحم: أرحم، وعلى ذلك يحمل قول الناظم:
518-
وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا ... مبتدأ أو ناصبًا لن يظهرا
"كقولهم" في المدح: "الحمد لله الحميد، بالرفع، بإضمار: هو" فـ"هو": مبتدأ، والحميد: خبره، "وقوله تعالى" في الذم: " {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] بالنصب" لـ"حمالة" "بإضمار: أذم"، فـ"امرأته"، مرفوع بالعطف على فاعل "يصلي" المستتر فيه، وكقولك: "مررت بعبدك المسكين"، برفع المسكين ونصبه، وجملة النعت المقطوع مستأنفة. قال الشاطبي3: "لأن الصفة مع المقدر تصير جملة مستقلة لا موضوع لها من الإعراب"، انتهى.
ووجوب حذف الرافع والناصب أنهم لما قصدوا إنشاء المدح أو الذم أو الترحم جعلوا إضمار العامل أمارة على ذلك كما فعلوا في النداء، إذ لو أظهروا العامل وقالوا: أدعو عبد الله، مثلا: لخفي معنى الإنشاء، وتوهم كونه خبرًا مستأنفًا.
"وإن كان" النعت المقطوع "لغير ذلك"؛ أي لغير المدح والذم والترحم، "جاز ذكره" أي ذكر العامل، وهو المتبدأ أو الفعل، "تقول: مررت بزيد التاجر، بالأوجه الثلاثة" بالجر على الإتباع، والرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف، والنصب على المفعولية بفعل محذوف، "ولك أن" تظهر كلا من المبتدأ والفعل و"تقول: هو4 التاجر وأعني التاجر"، كأنه على تقدير سؤال سائل يقول: من هو؟ أو: من تعني؟
__________
1 انظر الارتشاف 2/ 59، والكتاب 2/ 66.
2 سقطت من "ب".
3 في "ب": "قال بعضهم".
4 في "أ": "هذا".(2/126)
فصل:
"ويجوز بكثرة حذف المنعوت إن علم، وكان النعت إما" مفردًا "صالحا لمباشرة العامل"، إما باختصاص النعت بالمنعوت كـ: مررت برجل راكب صاهلا، أي: فرسًا صاهلا، أو بمصاحبة ما يعينه "نحو": {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ، " أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} " [سبأ: 10-11] "أي": اعمل "دروعًا سابغات"، فحذف المنعوت للعلم به مع أن النعت لا يختص بالمنعوت، ولكن تقدم ذكر الحديد أشعر به، وحيث حذف الموصوف أقيمت صفته مقامه، لكونها صالحة لمباشرة ما كان المنعوت مباشرة، فإن لم يصلح لمباشرة1 العامل امتنع حذفه غالبًا، ومن غير الغالب: {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 34] أي: نبأ من نبأ المرسلين، بناء على أن "من" لا تزاد في الإيجاب ولا تدخل على معرفة.
"أو" كأن النعت جملة أو شبهها وكان المنعوت مرفوعًا، كما قال الفارسي: وكان "بعض اسم مقدم مخفوض بـ: من، أو: في.
فالأول كقولهم: منا ظعن"؛ أي سافر؛ "ومنا أقام"، فـ"ظعن" و"أقام" جملتان في موضع رفع، نعتان لمنعوتين محذوفين مرفوعين على الابتداء، "أي: منا فريق ظعن ومنا فريق أقام"، والمنعوتان بعض اسم مقدم، وهو الضمير المجرور بـ"من".
هذا تقدير البصريين، وقدر الكوفيون المحذوف موصولا، أي: الذي ظعن والذي أقام، وما قدره البصريون أقيس، لأن اتصال الموصول بصلته أشد من اتصال الموصوف بصفته لتلازمهما.
"والثاني" كقولهم: ما في الناس إلا شكر أو كفر، أي: إلا رجل شكر أو رجل كفر، والمنعوتان بعض اسم مقدم مجرور بـ"في" وهو "الناس"، و"كقوله"؛ وهو أبو الأسود الحماني يصف امرأة: [من الرجز]
__________
1 في "ب": "بمباشرة".(2/127)
639-
لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضلها في حسب وميسم
ففيه حذف وتغيير وتقديم1 وتأخير، و"أصله: لو قلت ما في قومها أحد [يفضلها] 2 لم تأثم" في مقالتك، "فحذف الموصوف" بجملة "يفضلها" "وهو: أحد" وهو بعض اسم مقدم مجرور بـ"في"، وهو "قومها" "وكسر حرف المضارعة من: تلثم" على لغة غير الحجازيين3. "وأبدل الهمزة ياء" لوقوعها ساكنة بعد كسرة تشبيها بالألف، "وقدم جواب: لو" وهو: لم تيثم، على جملة النعت وهي "يفضلها" حال كون الجواب "فاصلا بين الخبر المقدم وهو": في قومها، الذي هو "الجار والمجرور والمبتدأ المؤخر وهو: أحد، المحذوف"، وإنما قدر متأخرًا، لأن النكرة المخبر عنها بظرف أو جار ومجرور مختص، يجب تقديم خبرها عليها. والحسب: بفتح الحاء والسين المهملتين: ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه، والميسم: الجمال، وأصله: موسم، قلبت الواو ياء لوقوعها بعد كسرة.
ومثال شبه الجملة: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن: 11] أي: فريق دون ذلك، وقولهم: ما في بني تميم إلا فوق ما تريد، أي: إلا رجل فوق ما تريد، وقولك: ما منا إلا على أهبة، أو: ما فينا إلا على أهبة، أي: رجل على أهبة.
فإن لم يكن المنعوت بالجملة بعض اسم مقدم4 مخفوض بـ"من" أو "في" لم يحذف5 إلا في ضرورة، كقوله: [من الرجز]
__________
639- الرجز لأبي الأسود الحماني في شرح المفصل 3/ 59، 61، والمقاصد النحوية 4/ 71، ولحكيم بن معية في خزانة الأدب 5/ 62، 63، وله أو لحميد الأرقط في الدرر 2/ 372 وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 320، والخصائص 2/ 370، وشرح الأشموني 2/ 400، وشرح عمدة الحافظ ص547، والكتاب 2/ 345، وهمع الهوامع 2/ 120، والمخصص 14/ 30، وتاج العروس "أثم"، وشرح التسهيل 3/ 323، وشرح المرادي 3/ 156.
1 سقطت من "ب".
2 إضافة من "ب"، "ط".
3 في "ب": "الحجازية".
4 سقطت من "ب".
5 في "ب": "لم يجز حذفه".(2/128)
640-
يرمي بكفي كان من أرمى البشر
أي: بكفي رجل كان.
"ويجوز حذف النعت إن علم، كقوله تعالى: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} " [الكهف: 79] فحذف النعت وبقي المنعوت "أي: كل سفينة صالحة", بدليل أنه قرئ كذلك1، فإن تعييبها لا يخرجها عن كونها سفينة، فلا فائدة فيه حينئذ. قال في المغني2.
"وقول الشاعر" وهو عباس بن مرداس: [من المتقارب] .
641-
وقد كنت في الحرب ذا تدرإ ... فلم أعط شيئًا ولم أمنع
فحذف النعت وأبقى المنعوت، "أي: شيئًا طائلا". والذي أحوج إلى تقدير هذا النعت تحري الصدق، فإن الواقع أنه أعطى شيئًا، بدليل قوله: "ولم أمنع"، ولكنه لم يرتضه، فيحتاج إلى تقدير صفة يكتسي بها الكلام جلباب الصدق، ويتحلى بزينة الحق. وعلله في المغني بدفع التناقض3، واعترض بأن عدم الإعطاء لا يناقض عدم المنع.
وسبب قول العباس هذا البيت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أعطى المؤلفة قلوبهم من نفل حنين مائة مائة أعطاه أباعر فسخطها4 وقال5: [من المتقارب]
أتجعل نهبي ونهب العبيـ ... ـد بين عيينة والأقرع
__________
640- الرجز بلا نسبة في الإنصاف 1/ 114، 115، وتاج العروس "كون"، "منن"، وخزانة الأدب 5/ 65، والخصائص 2/ 367، والدرر 2/ 374، وشرح ابن الناظم ص356، وشرح الأشموني 2/ 401، وشرح شواهد المغني 1/ 461، وشرح عمدة الحافظ ص550، وشرح الكافية الشافية 3/ 1165، وشرح المفصل 3/ 62، ولسان العرب 13/ 370 "كون"، 421، "منن"، ومجالس ثعلب 2/ 513، والمحتسب 2/ 227، ومغني اللبيب 1/ 160، والمقاصد النحوية 4/ 66، والمقتضب 2/ 139، والمقرب 1/ 227، وهمع الهوامع 2/ 120.
1 هي قراءة أبي وعبد الله بن مسعود وابن عباس وابن جبير، انظر البحر المحيط 6/ 154، والكشاف 2/ 495.
2 مغني اللبيب 2/ 627.
641- البيت للعباس بن مرادس في ديوانه ص84، والدرر 2/ 376، وشرح ابن الناظم ص356، وشرح شواهد المغني 2/ 925، والمقاصد النحوية 4/ 96، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 322، وشرح الأشموني 1/ 401، ومغني اللبيب 2/ 627، وهمع الهوامع 2/ 120.
3 مغني اللبيب 2/ 627.
4 في "ب": "فشحطها".
5 ديوانه ص84.(2/129)
وقد كنت في الحرب ذا تدرا ... فلم أعط شيئا ولم أمنع
وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دون امرئ منهم ... ومن تضع اليوم لا يرفع
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "اقطعوا لسانه عني"، فزادوه حتى رضي1.
والعبيد، بالتصغير: اسم فرسه، ويعني عيينة بن حصن والأقرع بن حابس.
والتدرأ، بضم التاء الفوقانية المثناة وإسكان الدال المهملة وفتح الراء سابقة على همزة القوة والعدة.
"وقوله" ومن المرقش الأكبر: [من الوافر] .
642-
ورب أسيلة الخدين بكر ... مهفهفة لها فرع وجيد
فحذف النعت فيهما وأبقى المنعوت "أي: فرع فاحم وجيد طويل"، بدليل أن التبيت للمدح، وهو لا يحصل بإثبات الفرع والجيد مطلقين، بل بإثباتهما موصوفين بصفتين محبوبتين. والفرع، بالفاء والعين: الشعر، والفاحم، بالفاء والحاء المهملة: الأسود، والجيد، بكسر الجيم وإسكان الياء مخففة: العنق، فكأنه قال: لها شعر أسود وعنق طويل. وإلى جواز حذف كل من المنعوت والنعت أشار الناظم بقوله:
519-
وما من المنعوت والنعت عقل ... يجوز حذفه وفي النعت يقل
__________
1 انظر الخبر في الدرر 1/ 30، وشرح شواهد المغني 2/ 925-926، والمقاصد النحوية 4/ 69-70.
642- البيت للمرقش الأكبر في شرح اختيارات المفضل 998، وشرح عمدة الحافظ ص552، والمقاصد النحوية 4/ 72، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 325، والارتشاف 2/ 65، وشرح التسهيل 3/ 324.(2/130)
فصل:
ويجوز عطف بعض النعوت على بعض بجميع حروف العطف إلا أم وحتى. قاله ابن خروف1، وصوبه الموضح في الحواشي.
وإذا تقدم النعت على المنعوت، فإن كانا معرفتين وكان النعت صالحًا لمباشرة العامل، جعل المنعوت بدلا من النعت، نحو: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} [إبراهيم: 1-2] في قراءة الجر2، وإن كانا نكرتين نصب النعت على الحال نحو: [من م. الوافر]
643-
لمية موحشا طلل ... .....................
وإذا نعت بمفرد وظرف وجملة قدم المفرد على الظرف والظرف على الجملة غالبًا فيهن.
__________
1 ورد قوله في همع الهوامع 2/ 119-120.
2 كذا في الرسم المصحفي، وقرئت "الله" بالرفع، وهي قراءة نافع وابن عامر والحسن وأبي جعفر. انظر الإتحاف ص271، والكشاف 2/ 365، ومعاني الفراء 2/ 67.
643- عجز البيت: "يلوح كأنه خلل"، وتقدم تخريجه برقم 433.(2/131)
باب التوكيد
مدخل
...
باب التوكيد:
والتأكيد أيضًا لغة فيه، ولم ينفرد أحدهما بتصرف فيجعل أصلا، يقال: وكد توكيدًا وأكد1 تأكيدًا، والواو أكثر، ولذلك شاع استعماله بالواو وعند النحاة.
والمراد به التابع.
"وهو ضربان: لفظي، وسيأتي" آخر الباب، "ومعنوي": وهو تابع بألفاظ مخصوصة2، ولذلك استغنى به عن حده، "وله سبعة ألفاظ" محصورة، وغيرها كالتابع لها، اللفظ "الأول والثاني3: النفس والعين، ويؤكد بهما لرفع المجاز عن الذات"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
520-
بالنفس أو بالعين الاسم أكدا ... ....................................
"تقول: جاء الخليفة، فيحتمل" أنه على تقدير مضاف، و"أن الجائي خبره، أو ثقله"، بكسر المثلثة وسكون القاف: واحد الأثقال، وبفتحهما: متاع المسافر وحشمه4.
"فإذا أكدت بالنفس" فقط "أو بالعين" فقط، "أو بهما" معًا بشرط تقديم النفس، فقلت: جاء الخليفة نفسه، أو عينه أو نفسه عينه، "ارتفع ذلك الاحتمال" عن الذات، وصار الكلام نصا على ما هو الظاهر منه، وارتفع المجاز الحقيقة. ونص ابن عصفور على أن التوكيد يضعف احتمال المجاز4، ولا يرفع احتماله البتة.
__________
1 سقط من "ب": "وأكد تأكيدًا".
2 في شرح ابن الناظم ص357: "أما المعنوي فهو: التابع الرافع احتمال تقدير إضافة إلى المتبوع، أو إرادة الخصوص بما ظاهره العموم".
3 بعده "ب": "من ألفاظه".
4 سقطت من "ب".(2/132)
"ويجب في النفس والعين "اتصالهما" لفظًا "بضمير مطابق للمؤكد" بفتح الكاف، ليرتبط به، "و" يجب "أن يكون لفظهما طبقه في الإفراد والجمع"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
520-
............................. ... مع ضمير طابق المؤكدا
تقول: جاءني زيد نفسه عينه، وهند نفسها عينها، والزيدون أنفسهم أعينهم، والهندات أنفسهن أعينهن، ولا يجوز: نفوسهم ولا عيونهم ولا أعيانهم، في التوكيد "وأما في التثنية فالأفصح" في النفس والعين "جمعهما" جمع قلة "على: أفعل"، بضم العين، بالإفراد، ونفساهما عيناهما، بالتثنية عند ابن كيسان سماعًا1، وأجاز ذلك ابن إياز في "شرح الفصول" تبعًا لابن معط، ووافقهم الرضي2، واقتصر في النظم على الجمع فقال:
521-
واجمعهما بأفعل إن تبعا ... ما ليس واحدًا.............
وإنما ترك الأصل في المثنى كراهة اجتماع تثنيتين، وعدل إلى الجمع، لأن التثنية جمع في المعنى. "ويترجح إفرادهما على تثنيتهما عند الناظم"، كما يؤخذ من عموم قوله في التسهيل في باب "كيفية التثنية وجمعي التصحيح"3: ويختار في المتضايفين لفظًا أو معنى إلى متضمنيهما لفظ الإفراد على لفظ التثنية، ولفظ الجمع على لفظ الإفراد.
انتهى كلام الناظم4.
"وغيره يعكس ذلك" فيرجع التثنية على الإفراد، ولم أقف عليه فهو نقل غريب، فكيف وقد قيل: إن التثنية لم ترد إلا في الشعر.
"والألفاظ الباقية" من السبعة: "كلا وكلتا للمثنى" نحو: جاء الزيدان كلاهما والمرأتان كلتاهما. "وكل وجميع وعامة، لغيره" أي لغير المثنى، وهو الجمع مطلقًا
__________
1 شرح الرضي 2/ 369-370، وشرح المرادي 3/ 160.
2 شرح الرضي 2/ 369.
3 التسهيل ص19.
4 في "أ": "ابن الناظم"، وهو خطأ، انظر المصدر السابق، وفي شرح ابن الناظم ص357: "ويجوز فيهما أيضًا الإفراد والتثنية، وكذا كل مثنى في المعنى مضاف إلى متضمنه يختار فيه لفظ الجمع على لفظ الإفراد، ولفظ الإفراد على لفظ التثنية". وانظر الارتشاف 2/ 608.(2/133)
والمفرد بشرط أن يتجزأ بنفسه أو1 بعامله نحو: جاء القوم كلهم، أو جميعهم، أو عامتهم، والهندات كلهن أو جميعهن أو عامتهن، واشتريت العبد كله أو جميعه أو عامته.
"ويجب اتصالهن بضمير المؤكد" لفظًا ليحصل الربط بين التابع والمتبوع، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
522-
وكلا اذكر في الشمول وكلا ... كلتا جميعا بالضمير موصلا
"فليس منه" أي؛ من التوكيد: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] لعدم الضمير، "خلافًا لمن وهم" وهو2 ابن عقيل فإنه قال: إن "جميعًا" توكيد لـ"ما" الموصولة الواقعة مفعولا لـ: خلق، ولو كان كذلك لقيل: جميعه، ثم التوكيد بجميع قليل، فلا يحمل عليه التنزيل، قاله في المغني3.
"ولا قراءة بعضهم: "إِنَّا كُلاًّ فِيها" [غافر: 48] لعدم الضمير4، "خلافًا للفراء والزمخشري" في قولهم: إن "كلا" توكيد لاسم "إن"5 "بل" الصواب أن "جميعًا" في الآية الأولى "حال" من "ما" الموصولة، "وكلا" في الآية الثانية "بدل" من اسم "إن"، وإبدال الظاهر من ضمير الحاضر بدل كل جائز، إذا كان مفيدًا للإحاطة نحو: قمتم ثلاثتكم، وبدل الكل لا يحتاج إلى ضمير6، ويجوز في "كل" أن تلي العوامل إذا لم تتصل بالضمير, نحو: جاءني كل القوم، ويجوز مجيئها بدلا بخلاف: جاءني كلهم، فلا يجوز إلا في الضرورة. قاله في المغني6.
قال ابن مالك7: "ويجوز كونه" أي: كلا "حالا من ضمير" الاستقرار المنتقل إلى "الظرف" يعني "فيها"، وفيه ضعفان، تنكير "كل" بقطعها عن الإضافة لفظًا ومعنى، وتقديم الحال على عاملها الظرفي. قاله في المغني6.
__________
1 سقط من "ب": "بنفسه أو".
2 في "ب": "ممن عاصر الموضح، يعني" مكان "هو".
3 مغني اللبيب 2/ 510.
4 الرسم المصحفي: "كل" بالرفع، وقرأها بالنصب: ابن السميفع وعيسى بن عمر. انظر البحر المحيط 7/ 469، والكشاف 3/ 430.
5 انظر الارتشاف 2/ 610، وشرح التسهيل 3/ 292.
6 مغني الليب 2/ 510.
7 شرح التسهيل 3/ 293.(2/134)
"و" كلا وكلتا وكل وجميع وعامة "يؤكد بهن لرفع احتمال تقدير بعض مضاف إلى متبوعهن، فمن ثم"؛ أي: من أجل الاحتمال المذكور "جاز" أن يقال: "جاءني الزيدان كلاهما، والمرأتان كلتاهما، لجواز أن يكون الأصل: جاء أحد الزيدين أو إحدى المرأتين"، وأنه أطلق المثنى وأريد به واحد، "كما قال" الله "تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] بتقدير: يخرج من أحدهما" وهو البحر الملح، واللؤلؤ: كبار الدر، والمرجان: صغاره.
"وامتنع على الأصح" أن يقال: "اختصم الزيدان كلاهما والهندان كلتاهما، لامتناع التقدير المذكور1"، لأن الاختصام لا يكون إلا بين اثنين، ويدل على امتناع2 ذلك إطباقهم على منه: جاء زيد كله، لعدم الفائدة. هذا قول الأخفش وهشام والفراء وأبي علي3. وذهب الجمهور إلى إجازته4، وتبعهم ابن مالك في التسهيل5.
واحتج المجيز بأن العرب قد تأتي بالتوكيد حيث لا احتمال نحو: جاء القوم كلهم أجمعون أكتعون. "وجاز" أن يقال: "جاء القوم كلهم، واشتريت العبد كله" لرفع الاحتمال المذكور، "وامتنع" أن يقال: "جاء زيد كله"، لعدم الفائدة، إذ يستحيل نسبة المجيء إلى جزئه المتصل به دون البعض الآخر.
"والتوكيد بـ"جميع" غريب6، ومنه قول امرأة" من العرب وهي ترقص ولدها: [من الهزج]
644-
فداك حي خولان ... جميعهم وهمدان
وكل آل قحطان ... والأكرمون عدنان
__________
1 في "ب": "حينئذ" مكان "المذكور".
2 سقطت من "ب".
3 الارتشاف 2/ 609.
4 ومنهم المبرد، انظر الارتشاف 2/ 608.
5 التسهيل ص164.
6 في شرح ابن الناظم ص359: "وأغفل أكثر النحويين التنبيه على التوكيد بهذين الاسمين "جميع وعامة"، ونبه عليهما سيبويه". وانظر الكتاب 1/ 376-377، 2/ 116، وشرح الكافية الشافية 3/ 1171، وشرح التسهيل 3/ 299.
644- الرجز لامرأة من العرب ترقص ابنها في المقاصد النحوية 4/ 91، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 330، والدرر 2/ 382، وشرح ابن الناظم ص359، وهمع الهوامع 2/ 123.(2/135)
فـ: جميعهم: توكيد لـ: "حي خولان" وفداك: من التفدية، بالدال المهملة، ويجوز في الفاء الكسر، فيكون مبتدأ، وحي: خبره، ويجوز فتحها فيكون فعلا ماضيًا، وحي: فاعله. وخولان: بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو وهمدان، بفتح الهاء وسكون الميم وبإهمال الدال: قبيلتان من اليمن، وقحطان: أبو اليمن، وعدنان: أبو معد، وهو عطف بيان على "الأكرمون". وقد تكون جميع بمعنى مجتمع ضد مفترق، فلا تفيد توكيدًا كقوله: [من الطويل]
645-
........................... فإنني ... نهيتك عن هذا وأنت جميع
"وكذلك التوكيد بـ: عامة" غريب، ولذلك1 أغفله أكثر المصنفين2، "والتاء فيها" لازمة "بمنزلتها" في اللزوم "في النافلة، فتصلح مع المؤنث والمذكر، فتقول: اشتريت" الأمة عامتها، و"العبد عامته"، بالتاء مع المذكر، "كما قال الله تعالى: {وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72] بالتاء، وفي ذلك تعريف بالرد على الشارح حيث حمل3 قول والده في النظم:
523-
وستعملوا أيضًا ككل فاعله ... من عم في التوكيد مثل النافله
على الزيادة على ما ذكره النحويون في هذا الباب، فإن أكثرهم أغفله، ثم قال4: وليس هو في حقيقة الأمر نافلة على ما ذكره، فإن من أجلهم سيبويه، ولم يغفله. انتهى.
وفي "الإفصاح" أن المبرد خالف سيبويه، فزعم أن عامتهم بمعنى أكثرهم، فعنده يكون من بدل البعض عكس معنى التوكيد، فإنه تخصيص والتوكيد تعميم.
__________
645- صدر البيت: "عدمتك من نفس شعاع فإنني"، وهو لقيس بن ذريح في ديوانه ص105، وتاج العروس 20/ 452 "جمع"، 21/ 275 "شعع"، ولسان العرب 8/ 181 "شعع"، ولقيس بن معاذ "مجنون ليلى" في ديوانه ص151، ولسان العرب 8/ 54، "جمع"، والأغاني 2/ 25، 8/ 126، 9/ 206، ولقيس أو للضحاك بن عمارة في سمط اللآلي ص133، ولجميل بثينة في ديوانه ص114، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 3/ 167، ومجمل اللغة 3/ 146، وأساس البلاغة "شعع"، والزهرة 1/ 256.
1 في "ب": "ولهذا".
2 في شرح ابن الناظم ص359: "وأغفل أكثر النحويين التنبيه على التوكيد بهذين الاسمين "جميع وعامة"، ونبه عليهما سيبويه". وانظر الكتاب 1/ 376-377، 2/ 116، وشرح الكافية الشافية 3/ 1171، ونبه عليهما سيبويه". وانظر الكتاب 1/ 376-377، 2/ 116، وشرح الكافية الشافية 3/ 1171، وشرح التسهيل 3/ 299.
3 في "ب": "جعل".
4 شرح ابن الناظم ص359.(2/136)
فصل:
"ويجوز إذا أريد تقوية التوكيد أن يتبع كله بأجمع، وكلها بجمعاء، وكلهم بأجمعين، وكلهن بجمع"، فتقول: جاء الجيش كله أجمع، والقبيلة كلها جمعاء، والقوم كلهم أجمعون، والنساء كلهن جمع. "قال الله سبحانه: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [ص: 73] وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
524-
وبعد كل أكدوا بأجمعا ... جمعاء أجمعين ثم جمعا
"وقد يؤكد بهن" استقلالا1 و"إن لم يتقدم" عليهن"كل، نحو" قولك: جاء الجيش أجمع، والقبيلة جمعاء والقوم أجمعون والنساء جمع. قال الله تعالى: " {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} " [الحجر: 39] {وَإِنَّ جَهَنَّمَ " لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِين َ"} [الحجر: 43] ، وإليه أشار الناظم بقوله:
525-
ودون كل قد يجيء أجمع ... جمعاء أجمعون ثم جمع
"ولا يجوز تثنية أجمع ولا جمعاء" عند جمهور البصريين "استغناء بكلا وكلتا" عن تثنية أجمع وجمعاء، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
527-
وأغن بكلتا في مثنى وكلا ... عن وزن فعلاء ووزن أفعلا
"كما استغنوا" غالبًا" بتثنية: سي" بكسر السين المهملة وتشديد الياء "عن تثنية سواء" بالمد، فقالوا: سيان، ولم يقولوا: سواءان، إلا نادرًا. "وأجاز الأخفش والكوفيون ذلك" أي تثنية أجمع وجمعاء، "فتقول" على رأيهم: "جاء الزيدان أجمعان" بتثنية أجمع "والهندان جمعاوان" بتثنية جمعاء. قال ابن خروف2: ومن منع تثنيتهما فقد تكلف وادعى ما لا دليل عليه. وهذا الخلاف جار فيما وازنهما نحو: أكتع وكتعاء.
__________
1 في "ب": "استثقالا".
2 شرح المرادي 3/ 168.(2/137)
"وإذا لم يفد توكيد النكرة لم يجز باتفاق" لأن الغرض من التوكيد إزالة اللبس، وفي شرح التسهيل1 لابن مالك أن بعض الكوفيين أجاز توكيد النكرة مطلقًا، فيقدح في دعوى الاتفاق. "وإن أفاد جاز عند" الأخفش والكوفيين، "وهو الصحيح" لورود السماع به، ومنعه جمهور البصريين مطلقًا2، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
526-
وإن يفد توكيد منكور قبل ... وعن نحاة البصرة المنع شمل
"وتحصل الفائدة بأن يكون" المنكر "المؤكد" زمنًا "محدودًا"، وهو ما كان موضوعًا لمدة لها ابتداء وانتهاء كـ: يوم وأسبوع وشهر وحول.
"و" يكون "التوكيد من ألفاظ الإحاطة" والشمول، كقوله: [من الرجز]
646-
قد صرت البكرة يومًا أجمعًا
و"كـ: اعتكف أسبوعًا كله، وقوله": [من البسيط]
647-
لكنه شاقه أن قيل ذا رجب ... يا ليت عدة حول كله رجب
"ومن أنشد" كالناظم وابنه "شهر" مكان "حول" فقد حرفه3، من التحريف، وهو التغير، لأن المعنى يفسد عليه، لأن الشاعر تمنى أن يكون4 عدة الحول من أوله إلى آخره رجبًا، لما رأى فيه من الخيرات، ولا يصح أن يتمنى أن عدة شهر كله رجب، لأن الشهر الواحد لا يكون بعضه وبعضه غير رجب حتى يتمنى أن يكون كله رجبًا.
__________
1 شرح التسهيل 3/ 296. وانظر الإنصاف 2/ 451، والمسألة رقم 63.
2 انظر الإنصاف 2/ 451، المسألة رقم 63.
646- الرجز بلا نسبة في أسرار العربية ص291، والإنصاف 2/ 455، وخزانة الأدب 1/ 181، 5/ 169، والدرر 2/ 386، وشرح ابن الناظم ص361، وشرح الأشموني 2/ 407، وشرح ابن عقيل 2/ 211، وشرح التسهيل 3/ 297، وشرح المفصل 3/ 44، 45، والمقاصد النحوية 4/ 95، والمقرب 1/ 240، وهمع الهوامع 2/ 124.
647- البيت لعبد الله بن مسلم الهذلي في شرح أشعار الهذليين 2/ 910، ومجالس ثعلب 2/ 407، وبلا نسبة في أسرار العربية ص190، والإنصاف ص450، وأوضح المسالك 3/ 332، وتذكرة النحاة ص640، وجمهرة اللغة ص525، وخزانة الأدب 5/ 170، وشرح ابن الناظم ص361، وشرح الأشموني 2/ 407، وشرح شذور الذهب ص429، والمقاصد النحوية 4/ 96.
3 رواه ابن الناظم في شرحه ص361: "حول"، ولم أجد البيت في مؤلفات ابن مالك.
4 سقطت من "ب".(2/138)
"ولا يجوز: صمت زمنا كله" لأن النكرة غير محدودة، فإن الزمن يصلح للقليل والكثير. "ولا" صمت "شهرًا نفسه" لأن التوكيد ليس من ألفاظ الإحاطة. ولا فائدة في ذلك. ولا يجوز: هذا أسد نفسه عند ابن عصفور1، خلافًا لابن مالك: إذ ليس من فوائد التوكيد المعنوي رفع توهم استعمال اللفظ في معناه المجازي، إلا بالنسبة إلى الشمول خاصة، وقد اعترف ابن مالك2 بذلك. وأما "جاء زيد نفسه" ففائدته رفع المجاز العقلي لا اللغوي، بخلاف: جاء أسد نفسه، فإنه لرفع المجاز اللغوي، قاله الموضح في الحواشي.
__________
1 المقرب 1/ 239.
2 شرح التسهيل 3/ 296.(2/139)
فصل:
"وإذا أكد ضمير مرفوع متصل بالنفس أو بالعين وجب توكيده أولا بالضمير المنفصل"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
528-
وإن تؤكد الضمير المتصل ... بالنفس والعين فبعد المنفصل
529-
عنيت ذا الرفع...... ... .........................
"نحو": قمت أنت نفسك، وقوما أنتما أنفسكما، وقاما هما أنفسهما، و"قوموا أنتم أنفسكم"، وقاموا هم أنفسهم، وقمن هن أنفسهن، وقمتن أنتن أنفسكن، كراهة إبهام الفاعلية عن استتار الضمير المؤنث، إذ لو قيل: المرأة خرجت عينها، توهمت الباصرة، أو: نفسها، توهمت نفس الحياة.
وحملوا ما لا لبس فيه على ما ألبس، كما في مسألة إبراز الضمير والتفريق بين إعراب الفاعل والمفعول. وما ذكرناه من التعليل يبطل قول الصفار: إن الفصل كالتوكيد، وإنما ذلك في العطف، "بخلاف: قام الزيدون أنفسهم، فيمتنع الضمير" المنفصل، لأن الضمير لا يؤكد الظاهر، لكون الضمير أقوى من الظاهر بالأعرفية، فيمتنع أن يكون تكملة لما هو أضعف منه.
"وبخلاف: ضربتهم أنفسهم، ومررت بهم أنفسهم، وقاموا كلهم، فا" لتوكيد با" لضمير" المنفصل فيهن "جائز لا واجب"، أما الأولان فلأن الضمير المؤكد غير مرفوع، وأما الثالث فلأن التوكيد بغير النفس، والعين، ولا لبس، لأن "كلهم" المتصل بالضمير لا يلي العوامل اللفظية في الاختيار، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
530-
................... وأكدوا بما ... سواهما والقيد لن يلتزما(2/140)
فصل:
"وأما التوكيد اللفظي فهو اللفظ المكرر به ما قبله" من لفظه، زاد في التسهيل1: أو تقويته بموافقه معنى. وكل منهما يكون في الاسم والفعل والحرف والجملة، ولا يزيد على ثلاث مرات، فالأول كـ: جاء زيد زيد، وقام قام زيد، ونعم نعم، وقمت قمت. والثاني: كتأكيد اسم بمرادفه نحو: حقيق جدير، وصمت سكت [زيد] 2، وأجل جير، وقعدت جلست3. أو فعل باسم فعل نحو: أنزل نزال، أو ضمير متصل بضمير منفصل نحو: قمت أنا، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
530-
وما من التوكيد لفظي يجي ... مكررًا.............................
"فإن كان" المؤكد "جملة" اسمية أو فعلية "فالأكثر اقترانها بالعطف" وهو "ثم" خاصة، كما صرح به في الارتشاف4 "نحو: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} " [التكاثر: 3] الآية، أي: {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 4] . {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار: 17-18] . "ونحو: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} " [القيامة: 34] أي: " {ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} " [القيامة: 35] . فأرشد بقوله الآية إلى أن المؤكد ما بعد "ثم"، وفي ذلك تعريض بالشارح حيث مثل بـ: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} ، ولم يزد، فأوهم أن المؤكد الجملة المقرونة بالفاء. "وتأتي" الجملة المؤكدة "بدونه" أي: بدون العاطف، "نحو قوله -صلى الله عليه وسلم: "والله لأغزون قريشا"، والله لأغزون قريشا، والله لأغزون قريشا"5 كررها "ثلاث مرات".
__________
1 التسهيل ص166.
2 إضافة من "ب"، "ط".
3 في "ب": "جلسا".
4 الارتشاف 2/ 617.
5 أخرجه أبو داود في سننه 3/ 589، كتاب الأيمان والنذور.(2/141)
"ويجب الترك" للعاطف1 "عند" اللبس و"إيهام التعدد، نحو: ضربت زيدًا ضربت زيدًا"، إذ لو قيل: ثم ضربت زيدًا، لتوهم أن الضرب تكرر منك مرتين تراخت إحداهما عن الأخرى، والغرض أنه لم يقع الضرب منك إلا مرة واحدة.
"وإن كان" المؤكد "اسمًا ظاهرًا أو ضميرًا منفصلا منصوبًا فواضح" أمره أنه يتكرر بحسب الإرادة من غير شرط، "نحو" قوله -صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير ولي " فنكاحها باطل باطل باطل " " 2. كرر الاسم الظاهر ثلاث مرات. "وقوله": [من الطويل]
648-
فإياك إياك المراء فإنه ... إلى الشر دعاء وللشر جالب
فكرر الضمير المنصوب المنفصل مرتين. والمراء، بكسر الميم والمد3: المجادلة: منصوب على التحذير. ودعاء بتشديد العين: من أمثلة المبالغة.
"وإن كان" المؤكد "ضميرًا منفصلا مرفوعًا جاز أن يؤكد به كل ضمير متصل"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
533-
ومضمر الرفع الذي قد انفصل ... أكد به كل ضمير اتصل
"نحو: قمت أنت وأكرمتك أنت ومررت بك أنت"، فيقع ضمير الرفع توكيدًا لجميع الضمائر المتصلة، وإن اختلف الوضع.
ووجه ذلك أن الضمير المنفصل4 أصله للمرفوع دون المنصوب والمجرور3، لأن أول أحوال الاسم الابتداء، وعامل الابتداء ليس بلفظ، فلم يكن بد من انفصال ضميره.
وأما المنصوب والمجرور فلا بد لهما من لفظ يعمل فيهما فيتصلا به، [فإذا احتجنا إلى توكيدهما لتحقيق الفعل الثابت للشيء بعينه دون من يقوم مقامه أو يشبهه] 5.
__________
1 في "ب": "للعطف".
2 أخرجه ابن ماجه في سننه 1/ 3165، والدارمي في سننه 2/ 137.
648- البيت للفضل بن عبد الرحمن في إنباه الرواة 4/ 76، وخزانة الأدب 3/ 63، ومعجم الشعراء 310، وله أو للعرزمي في حماسة البحتري ص253، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص286، وأوضح المسالك 3/ 336، والخصائص 3/ 102، ورصف المباني 137، وشرح ابن الناظم ص432، وشرح الأشموني 2/ 409، وشرح المفصل 2/ 25، والكتاب 1/ 279، وكتاب اللامات ص70، واللسان 14/ 440 "أيا"، ومغني اللبيب 679، والمقاصد النحوية 4/ 113، 308 والمقتضب 3/ 213.
3 سقطت من "ب".
4 في "ب"، "ط"، "المتصل".
5 ما بين المعكوفين سقط من "ب".(2/142)
احتجاجًا إلى ضمير منفصل ولا ضمير منفصل في الأصل إلا ضمير الرفع فاستعملناه في الجميع، كما اشترك الجميع في "نا" في نحو: قمنا، وأكرمنا، وهو القياس، لأن أصل الضمائر أن تأتي على لفظ واحد كالأسماء الظاهرة. هذا تعليل السيرافي.
وبقي عليه أن يقول: واستعير المرفوع للمنصوب والمخفوض في حالة التبعية، إذ المرفوع لا يتبع المنصوب ولا المخفوض.
"وإن كان" المؤكد "ضميرًا متصلا وصل بما وصل به المؤكد"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
531-
ولا تعد لفظ ضميرمتصل ... إلا مع اللفظ الذي به وصل
"نحو": جعلت جعلت، وأكرمك أكرمك، "وعجب منك منك"، لأن إعادته مجردًا عما وصل به تخرجه من الاتصال إلى الانفصال، والغرض أنه متصل.
"وإن كان" المؤكد "فعلا أو حرفًا جوابيًّا" يؤتى به في جواب نفي أو إثبات، "فواضح" أمرهما، فيكرر الفعل [والحرف] 1 بغير شرط، "كقولك: قام قام زيد"، وبلى بلى، ونعم نعم، "وقوله"؛ وهو جميل بن عبد الله: [من الكامل] :
649-
لا لا أبوح بحب بثنة إنها ... أخذت علي مواثقا وعهودا
فكرر حرف الجواب وهو "لا" مرتين. وبثنة، بفتح الباء الموحدة وسكون المثلثة وفي آخر هاء التأنيث: اسم محبوبته، وتصغيرها بثينة، وبه اشتهرت. ومواثق: جمع موثق بمعنى ميثاق، وأصله: مواثيق كـ: مصابيح، حذفت ياؤه ضرورة.
"وإن كان" المؤكد حرفًا "غير جوابي2 وجب أمران: أن يفصل بينهما" أي: بين الحرفين: المؤكد والمؤكد، "وأن يعاد مع التوكيد ما اتصل بالمؤكد، إن كان" ما اتصل بالحرف المؤكد "مضمرًا" لكونه كالجزء منه. وإلى الأمر الثاني أشار الناظم بقوله:
532-
كذا الحروف غير ما تحصلا ... به جواب.......................
"نحو" قوله تعالى: " {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} " [المؤمنون: 35] فـ"أن" المفتوحة الثانية مؤكدة لـ"أن" المفتوحة الأولى
__________
1 سقطت من "أ"، واستدركت من "ب"، "ط".
649- البيت لجميل في ديوانه ص58، والارتشاف 2/ 616، وخزانة الأدب 5/ 159، والدرر 2/ 392، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 338، وشرح الأشموني 2/ 411، وشرح قطر الندى ص291، والمقاصد النحوية 4/ 114، وهمع الهوامع 2/ 125.
2 في "ط": "جواب".(2/143)
الواقعة مفعولا ثانيًا لـ"يعد" وفصل بينهما بالظرف وما بعده، وأعيد مع "أن" الثانية الضمير المتصلة1 به "أن" الأولى، وهو الكاف والميم، "و" وجب "أن يعاد هو"؛ أي لفظ المتصل بالحرف المؤكد؛ "أو ضميره" أي ضمير المتصل بالحرف المؤكد، "إن كان" ما اتصل الحرف المؤكد اسمًا "ظاهرًا نحو: إن زيدًا إن زيدًا فاضل"، فـ"إن" الثانية مؤكدة لـ "إن"2 الأولى، وأعيد مع "إن" الثانية ما اتصل بـ" إن" الأولى، وهو لفظ زيد. "أو: إن زيدًا إنه فاضل" فـ"إن" الثانية مؤكده للأولى، وأعيد مع "إن" الثانية ضمير الظاهر الذي اتصل بـ"إن" الأولى. "و" عود ضميره "هو الأولى" من إعادته بلفظه. وبه جاء التنزيل، قال الله تعالى: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107] فـ"في" الثانية توكيد لـ"في" الأولى، وأعيد مع "في" الثانية ضمير "رحمة".
ولا يكون الجار والمجرور توكيدًا للجار والمجرور، لأن الضمير لا يؤكد الظاهر، لأن الظاهر أقوى منه، ولا يكون المجرور بدلا بإعادة الجار، لأن العرب لم تبدل مضمرًا من مظهر، لا يقولون: قم زيد هو، وإنما جوز ذلك بعضهم بالقياس. قاله في المغني3.
وكذا إن أعيد ظاهر مضاف لظاهر، فإنه يختار إضافة التوكيد لضميره، نحو: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} [الروم: 49] ، ولا يعاد الحرف المؤكد وحده: نص على ذلك ابن السراج4.
ويؤخذ من كلام التسهيل5 أن الفصل بين الحرفين قائم مقام إعادة ما اتصل به، وظاهر كلام الموضح خلافه، "وشذ اتصال الحرفين" المؤكد والمؤكد من غير فصل "كقوله": [من الخفيف]
560-
إن إن الكريم يحلم ما لم ... يرين من أجاره قد ضيما
__________
1 في "ط"، "ب": "لضمير المتصل".
2 سقطت من "ب"، "ط".
3 مغني اللبيب 2/ 466.
4 الأصول 2/ 19-20.
5 التسهيل ص166.
560- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 340، والدرر 2/ 396، وشرح التسهيل 3/ 303، وشرح الأشموني 2/ 410، والمقاصد النحوية 4/ 107، وهمع الهوامع 2/ 125.(2/144)
فأكد "إن" الأولى بـ"أن" الثانية من غير1 فصل بينهما، وأجازه الزمخشري اختيارًا2. قال ابن مالك في شرح التسهيل3: وقوله؛ يعني الزمخشري؛ مردود، لعدم إمام يستند إليه وسماع يعول عليه، ولا حجه له في هذا البيت، فإنه من الضرورات.
"وأسهل منه" أي من هذا البيت، في اتصال الحرفين "قوله"؛ وهو خطام المجاشعي، وقيل: الأغلب العجلي: [من الرجز]
651-
حتى تراها وكأن وكأن ... أعناقها مشددات بقرن
"لأن المؤكد حرفان" وهما "الواو" و"كأن" "فلم يتصل لفظ بمثله" بل بغيره، لأن التوكيد الأول, وهو الواو الثانية، مفصول بالمؤكد الثاني، وهو "كأن" والتوكيد الثاني مفصول بالتوكيد الأول، والمؤكد الثاني. قاله الموضح في الحواشي. وخفف "كأن" الثانية للقافية.
وقال الفارسي في "التذكرة" في هذا البيت: ولا يجوز أن يكون على الزيادة يعني التوكيد؛ لمكان العطف بالواو، لأن هذا العطف لم يرد في موضع. نقله الشاطبي عنه في باب "التنازع" وأقره. والضمير في "تراها" و"أعناقها" يرجع إلى المطي المذكورة قبله. والقرن، بفتحتين: حبل يقرن به البعير.
"وأشذ منه" أي من البيت الأول "قوله" وهو رجل من بني أسد: [من الوافر]
652-
فلا والله لا يلفى لما بي ... ولا للما بهم أبدا دواء
لكون الحرف المؤكد؛ وهو اللام؛ موضوعًا "على حرف واحد"، فاتصل لفظه بمثله.
__________
1 بعده في "ب": "إعادة".
2 انظر المفصل ص112، وشرح المفصل 3/ 42-43.
3 شرح التسهيل 3/ 304.
651- تقدم تخريج الرجز برقم 380.
652- البيت لمسلم بن معبد الوالبي في خزانة الأدب 2/ 308، 312، 5/ 157، 9/ 528، 534، 10/ 191، 11/ 267، 287، 330، والدرر 2/ 36، 62، 395، 531، وشرح شواهد المغني ص773، وبلا نسبة في الإنصاف ص571، وأوضح المسالك 3/ 343، والجنى الداني ص80، 345، والخصائص 2/ 282، وشرح ابن الناظم ص364، وشرح الأشموني 2/ 410، وشرح التسهيل 3/ 304، وشرح الكافية الشافية 3/ 1188، ومغني اللبيب ص181، والمقاصد النحوية 4/ 102، وهمع الهوامع 2/ 125، 158.(2/145)
"وأسهل من هذا" البيت "قوله" وهو الأسود بن يعفر: [من الطويل]
653-
فأصبح لا يسألنه عن بما به ... أصعد في علو الهوى أم تصوبا
"لأن المؤكد" بفتح الكاف؛ وهو "عن" "على حرفين" والمؤكد وهو الباء، على حرف واحد، "ولاختلاف اللفظين" وهما "عن" و"الباء". وصح توكيد "عن" بـ"الباء" لأنهما بمعناها، فهو توكيد بالمرادف، وله مسهلان:
أحدهما: أن "عن" على حرفين.
والثاني: أن لفظ المؤكد مخالف للفظ المؤكد، بخلاف "للما بهم" قاله في شرح الكافية1.
__________
653- البيت للأسود بن يعفر في ديوانه ص21، والمقاصد النحوية 4/ 103، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 345، وخزانة الأدب 9/ 527، 528، 529، 11/ 142، والدرر 2/ 35، 62، 233، 531 وشرح ابن الناظم ص364، وشرح الأشموني 2/ 411، وشرح التسهيل 3/ 173، وشرح شواهد المغني ص774، وشرح الكافية الشافية 3/ 1188، ومغني اللبيب ص354، وهمع الهوامع 2/ 22، 30، 78، 158.
1 شرح الكافية الشافية 3/ 1189.(2/146)
باب العطف:
وهو في الأصل مصدر "عطفت الشيء" إذا ثنيته، وعطف الفارس على قرنه، إذا التفت إليه. "وهو" في الاصطلاح ضربان: "عطف نسق" بحرف، "وسيأتي" في باب يلي هذا، "وعطف بيان" بغير حرف، وإليهما أشار الناظم بقوله:
534-
العطف إما ذو بيان أو نسق ... ................................
والكلام الآن في عطف البيان، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
534-
............................. ... والغرض الآن بيان ما سبق
وسمي بيان لأنه تكرار للأول بمرادفه لزيادة البيان، فكأنك عطفته على نفسه. "وهو التابع المشبه للصفة في توضيح متبوعه إن كان معرفة، وتخصيصه إن كان نكرة". هذا معنى قول الناظم:
535-
فذو البيان تابع شبه الصفه ... حقيقة القصد به منكشفه
فخرج بـ"المشبه للصفة" النعت؛ لأن المشبه للشيء، غير ذلك الشيء، فكأنه قال: تابع غير صفة، وخرج بذكر "الإيضاح والتخصيص" التوكيد والنسق والبدل.
"والأول" وهو إيضاح المعرفة "متفق عليه" عند البصريين والكوفيين، "كقوله": [من الرجز]
654-
أقسم بالله أبو حفص عمر ... ما إن بها من نقب ولا دبر
__________
654- تقدم تخريج الرجز برقم 82.(2/147)
فـ: عمر: عطف بيان على "أبو حفص" للإيضاح، وتقدم في باب "العلم" شرح هذا البيت، وسبب إنشاده، وقصة قائله مع سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه1.
"والثاني": وهو تخصيص النكرة، نفاه جمهور البصريين و"أثبته الكوفيون وجماعة" من البصريين منهم: الفارسي وابن جني، وجماعة من المتأخرين منهم: الزمخشري2 وابن عصفور وابن مالك3 وولده4، وأشار إليه في النظم بقوله:
537-
فقد يكونان منكرين ... كما يكونان معرفين
"وجوزوا أن يكون منه" أي من عطف البيان للنكرة: " {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} " [المائدة: 95] "فيمن نون: كفارة5" فـ: طعام مساكين، عطف بيان على "كفارة"6. "ونحو: {مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} " [إبراهيم: 16] فـ"صديد" عطف بيان على "ماء". "والباقون" من البصريين وغيرهم "يوجبون في ذلك البدلية" بدل كل من كل، "ويخصون عطف البيان بالمعارف"، محتجين بأن البيان بيان كاسمه، والنكرة مجهولة، والمجهول لا يبين المجهول. ودفع بأن بعض النكرات قد يكون أخص من بعض، والأخص يبين غير الأخص.
"و" عطف البيان كالنعت "يوافق متبوعه في أربعة من عشرة: أوجه الإعراب الثلاثة" وهي: الرفع والنصب والجر، و"الإفراد والتذكير والتنكير وفروعهن". ففرع الإفراد التثنية والجمع، وفرع التذكير التأنيث، وفرع التنكير التعريف، تقول: جاءني محمد أبو سهل، فـ"أبو سهل" مرفوع، والرفع واحد من ثلاثة وهي: الرفع والنصب والجر. ومفرد، والإفراد واحد من ثلاثة أيضًا وهي: الإفراد والتثنية والجمع، ومذكر، والتذكير واحد من اثنين هما: التذكير، والتأنيث. ومعرف، والتعريف7
__________
1 تقدم الخبر مع البيت رقم 82.
2 المفصل ص122.
3 شرح التسهيل 3/ 326.
4 شرح ابن الناظم ص366.
5 هي قراءة الجمهور، وقرأها ابن عامر ونافع وأبو جعفر "كفارة". انظر الإتحاف ص203، والكشاف 1/ 365، والنشر 2/ 255.
6 في شرح ابن الناظم ص367: "وأجاز أبو علي في التذكرة في "طعام" العطف والبدل".
7 في "أ"، "ط": "ومنكر التنكير" مكان "ومعرف التعريف"، وأشار إلى ذلك الشيخ ياسين في حاشيته 2/ 131.(2/148)
واحد من اثنين أيضًا، وهما: التنكير والتعريف1، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
536-
فأولينه من وفاق الأول ... ما من وفاق الأول النعت ولي
"وقول الزمخشري2: إن {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} [آل عمران: 97] عطف" بيان "على {آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} [آل عمران: 97] مخالف لإجماعهم"، لأن البصريين والكوفيين أجمعوا على أن النكرة لا تبين بالمعرفة. وجمع المؤنث لا يبين بالمفرد المذكر. ولا يجوز أن يكون بدلا، لأنهم نصوا على أن المبدل منه إذا كان متعددًا وكان البدل غير واف بالعدة تعين القطع، وإنما التقدير: منها مقامُ إبراهيمَ، أو: بعضها مقامُ إبراهيمَ، فهو مبتدأ أو خبر مبتدأ.
"وقوله" أي الزمخشري "وقول الجرجاني: يشترط" في عطف البيان "كونه أوضح" وأخص "من متبوعه، مخالف لقول سيبويه في: "يا هذا ذا الجمة" إن "ذا الجمة" عطف بيان" على "هذا" "مع أن الإشارة أوضح" وأخص "من المضاف إلى ذي الأداة"، لأن تخصيص الإشارة زائد على تخصيص ذي الأداة. ومخالف للقياس أيضًا3 لأن عطف البيان في الجامد بمنزلة النعت في المشتق، ولا يلزم زيادة تخصيص النعت باتفاق، فلا يلزم تخصيص عطف البيان. قاله الشارح4. نعم لو قيل: يشترط في عطف البيان أن يكون أجلى من المعطوف عليه، لكان مذهبًا، لأن الجلي يبين الخفي.
"ويصح في عطف البيان" إذا قصد به ما يقصد بالبدل، أن يعرب بدل كل من كل، لما فيه5 من البيان، "إلا إن امتنع الاستغناء عنه" فيمتنع أن يكون بدلا "نحو: هند قام زيد أخوها" فـ"أخوها" يتعين كونه عطف بيان على "زيد" ولا يجوز أن يكون بدلا منه، لأنه لا يصح الاسغناء عنه لاشتماله على ضمير رابط للجملة الواقعة خبرًا لـ"هند"، إذ الجملة الواقعة خبرًا لا بد لها من رابط يربطها بالمخبر عنه، والرابط هنا هو الضمير المضاف إليه الأخ الذي هو تابع لـ"زيد"، فلو أسقط لم يصح الكلام، فوجب أن يعرب "أخوها" بيانًا لا بدلا لأن البدل على نية تكرار العامل، فكأنه من جملة أخرى، فتخلوا الجملة المخبر بها عن رابط.
__________
1 انظر شرح التسهيل 3/ 325، وشرح المفصل 3/ 71، وشرح ابن الناظم ص367.
2 الكشاف 1/ 204.
3 في "ب": "أو مخالف القياس أيضًا".
4 شرح ابن الناظم ص368.
5 سقطت من "ب".(2/149)
"أو" امتنع "إحلاله محل الأول نحو: يا زيد الحارث" فـ"الحارث" يتعين كونه عطف بيان على "زيد" ولا يجوز أن يكون بدلا منه، لامتناع إحلاله محل الأول، إذ لو قيل: يا الحارث، لم يجز، لأن "يا" و"أل" لا يجتمعان هنا. "وقوله" وهو طالب بن أبي طالب: [من الطويل] .
655-
أيا أخوينا عبد شمس ونوفلا ... أعيذكما بالله أن تحدثا حربا
فـ"عبد شمس ونوفلا" يتعين كونهما معطوفين عطف بيان على "أخوينا" ويمتنع فيهما البدلية، لأنهما على تقدير البدلية يحلان1 محل "أخوينا" فيكون التقدير: يا عبد شمس ونوفلا، بالنصب، وذلك لا يجوز لأن المنادى إذا عطف عليه اسم مجرد من "أل" وجب أن يعطى ما يستحقه لو كان منادى، و"نوفل" لو كان منادى لقيل فيه: يا نوفل، بالضم، لا: يا نوفلا، بالنصب.
"وقوله" وهو المراد الأسدي: [من الوافر] .
656-
أنا ابن التارك البكري بشر ... عليه الطير ترقبه وقوعا
فـ"بشر": يتعين كونه عطف بيان على "البكري" ولا يجوز أن يكون بدلا منه، لأن البدل في نية إحلاله محل الأول، ولا يجوز أن يقال: أنا ابن التارك بشر، لأن الصفة المقرونة بـ"أل" كـ: التارك، لا تضاف إلا لما فيه "أل" كـ: البكري. "ويجوز البدلية في هذا" البيت "عند الفراء2، لإجازته" إضافة الصفة المقرونة بـ"أل" إلى جميع المعارف نحو: "الضارب زيد، وليس" مذهبه "بمرضي" عند الجمهور، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
__________
655- البيت لطالب بن أبي طالب في الحماسة الشجرية 1/ 61، والدرر 2/ 387، والمقاصد النحوية 4/ 119 وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 607، وأوضح المسالك 3/ 350، وشرح ابن الناظم 368، وشرح الأشموني 2/ 414، وشرح قطر الندى ص300، وشرح الكافية الشافية 3/ 1179، وهمع الهوامع 2/ 121.
1 في "ب": "بخلاف".
656- البيت للمرار الأسدي في ديوانه 465، وخزانة الأدب 4/ 284، 5/ 183، 225، والدرر 2/ 379، وشرح أبيات سيبويه 1/ 6، وشرح المفصل 3/ 72، 73، والكتاب 1/ 182، والمقاصد النحوية 4/ 121، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 441، وأوضح المسالك 3/ 351، وشرح ابن الناظم ص369، وشرح الأشموني 2/ 414، وشرح التسهيل 3/ 1196، وشرح شذور الذهب ص436، وشرح قطر الندى 299، وشرح الكافية الشافية 3/ 1196، وشرح المرادي 3/ 187، وهمع الهوامع 2/ 122.
2 شرح ابن الناظم ص369، وشرح شذور الذهب ص436، وفي شرح ابن عقيل 2/ 223: "الفراء والفارسي".(2/150)
538-
وصالحا لبدلية يرى ... في غير نحو يا غلام يعمرا
539-
ونحو بشر تابع البكري ... وليس أن يبدل بالمرضي
ومن المستثنيات أن يضاف اسم التفضيل إلى عام، ويتبع بقسميه نحو: زيد أفضل الناس: الرجال والنساء، لأنه لو نوي إحلال الرجال محل الناس لنوي إحلال ما عطف عليه، وهو "النساء" محل "الناس" فيكون التقدير: زيد أفضل النساء، وذلك لا يجوز، لأن اسم التفضيل إذا قصد به الزيادة على ما أضيف له يشترط فيه أن يكون منهم، ومن ثم خطئ من قال: أنا أشعر الإنس والجن.
ومنها: أن تتبع صفة "أي" بمضاف نحو: يا أيها الرجل غلام زيد، بنصب الغلام، لأن الغلام لو نوي إحلاله محل الرجل لرفع، لأن الرجل في هذا التركيب واجب الرفع لأنه صفة "أي".
ومنها: أن يتبع مجرور "أي" بمفصل نحو: بأي الرجلين: زيد وعمرو، مررت؟ لأنه لو نوي إحلال زيد مع ما عطف عليه، وهو "عمرو" محل الرجلين، لزم إضافة أي إلى المعرفة المفردة، وهي لا تضاف إليها إلا إذا كان بينهما جمع مقدر نحو: أي زيد أحسن؟ بمعنى أي أجزائه أحسن؟ أو عطف على "أي" مثلها نحو: [من الكامل]
657-
.............................. ... أيي وأيك فارس الأحزاب
ومنها: أن يتبع مجرور "كلا" بمفصل، نحو: كلا أخويك زيد وعمرو عندي. لأنه لو نوي إحلال زيد مع ما عطف عليه وهو "عمرو" محل "أخويك" لزم إضافة "كلا" إلى مفرق، وهي إنما تضاف إلى مثنى غير مفرق، وشذ: كلا أخي وخليلي.
قال الموضح في الحواشي: وهذه المسائل المستثناة مبنية على أن البدل لا بد وأن يكون صالحًا للإحلال محل الأول، وفيه نظر لأنهم يغتفرون في الثواني ولا يغتفرون في الأوائل، وقد جوزوا في: إنك أنت، كون "أنت" توكيدًا، وكونه بدلا مع أنه لا يجوز: إن أنت1.
وقال أبو سعيد علي بن مسعود في كتابه المستوفى: أولى2 ما يقال في "نعم الرجل زيد": إن "زيد" بدل من "الرجل" ولا يلزم أن يحوز: نعم زيد. انتهى.
__________
657- صدر البيت: "فلئن لقيتك خاليين لتعلمن"، وتقدم تخريج البيت برقم 541.
1 انظر همع الهوامع 2/ 122.
2 في "ب": "أول".(2/151)
وقال الفخر الرازي: وهذا الاستثناء مبني على أن المبدل منه في حكم الطرح، والمبدل هو المعتبر، ومذهب سيبويه أن المبدل منه ليس مهدرًا بالكلية؛ لأنه قد يحتاج إليه لغرض آخر، كقولك: زيدًا رأيت غلامه رجلا صالحًا، فلو ذهبت تهدر1 الأول لم يصح كلامك. انتهى.
ويفترق البيان من البدل بوجوه منها2:
أن البيان لا يقع ضميرًا ولا تابعًا لضمير.
ومنها: أنه لا يخالف متبوعه في التعريف والتنكير.
ومنها: أنه لا يقع جملة ولا تابعًا لجملة، ولا فعلا، ولا تابعًا لفعل.
ومنها: أنه ليس في نية إحلاله محل الأول، وليس من جملة أخرى، وليس متبوعه في حكم الطرح، بخلاف البدل في الجميع.
__________
1 في "ب": "بزيد".
2 انظر هذه الفروق في مغني اللبيب 2/ 455.(2/152)
باب عطف النسق
مدخل
...
باب عطف النسق:
بفتح السين، بمعنى المنسوق، من نسقت الشيء نسقًا، بالتسكين، إذا أتيت به متتابعًا، وكثيرًا ما يسميه سيبويه1: باب الشركة. "وهو تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد الأحرف الآتي ذكره". وهو2 معنى قول الناظم.
540-
تال بحر متبع عطف النسق ... ................................
فخرج بالتوسط المذكور ما عدا المحدود وبتقييد الحرف بالآتي ذكره ما بعد "أي" التفسيرية من نحو قولك: مررت بغضنفر، أي: "أسد" تابع لـ"غضنفر" بتوسط حرف التفسير، وهو "أي" وليس من الأحرف الآتي ذكرها، فليس هو عطف نسق، وإنما هو عطف بيان بالأجلى على الأخفى، وليس لنا عطف بيان بتوسط3 حرف إلا هذا، وذهب الكوفيون إلى أن "أي" عاطفة. "وهي" أي الأحرف الموعود بها "نوعان":
أحدهما: "ما يقتضي التشريك في اللفظ" بوجوه الإعراب، "و" في "المعنى، إما مطلقًا" من غير قيد، "وهو" أربعة: "الواو والفاء وثم وحتى"4. تقول: جاء القوم وزيد: أو فزيد، أو ثم زيد، أو: حتى زيد. فـ"زيد" شارك القوم في اللفظ بالضمة وفي المعنى وهو المجيء، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
__________
1 الكتاب 1/ 441.
2 في "ب": "وهذا".
3 في "ب": "بشرط".
4 في شرح ابن الناظم ص370: "أحدهما ما يعطف مطلقًا، أي يشرك في الإعراب والمعنى وهو: الواو، وثم، والفاء، وأم، وأو". وانظر مثل ذلك في شرح ابن عقيل 2/ 225.(2/153)
541-
فالعطف مطلقًا بواو ثم فا ... حتى أم....................
"وإما مقيدًا" بقيد "وهو" اثنان: "أو، وأم، فشرطهما" في اقتضاء التشريك لفظًا ومعنى "أن لا يقتضيا إضرابًا"، لأن القائل: أزيد في الدار أم عمرو، عالم بأن الذي في الدار هو أحد المذكورين وغير عالم بتعيينه. فالذي بعد "أم" مساو للذي قبلها في الصلاحية لثبوت الاستقرار في الدار وانتفائه، وحصول المساواة إنما هو بواسطة "أم" فقد شركتهما1 في المعنى كما شركتهما2 في اللفظ، وكذلك "أو" مشركة ما بعدها لما قبلها فيما يجاء بها لأجله من شك أو تخيير أو غيرهما3. فإن اقتضيا إضرابًا كانا مشركين في اللفظ لا في المعنى، كما ذكر في التسهيل4، وسيأتي بيان ذلك.
وذهب الجمهور إلى أن "أو" و"أم" مشركان في اللفظ لا في المعنى دائمًا" والصحيح عند ابن مالك الأول.
"و" الثاني: "ما يقتضي التشريك في اللفظ دون المعنى، إما لكونه يثبت لما بعده انتفى عما قبله، وهو "بل" عند الجميع" من النحويين، نحو: ما قام زيد بل عمرو، "و"لكن" عند سيبويه5 وموافقيه6"، نحو: ما قام زيد لكن عمرو7.
ثم اختلف هؤلاء القائلون: إن "لكن" من حروف العطف، على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها لا تكون عاطفة إلا إذا لم تدخل عليها الواو، وهو مذهب الفارسي8.
__________
1 في "ب": "شركتها".
2 في شرح ابن الناظم ص370-371: "وأكثر المصنفين لا يعدون "أو" فيما يشرك في الإعراب والمعنى؛ لأن المعطوف بها يدخله الشك أو التخيير بعد ما مضى أول الكلام على اليقين والقطع، وإنما عدها الشيخ في هذا القسم؛ لأن ذكره يشعر السامع بمشاركة ما قبلها لما بعدها فيما سيقت لأجله وإن كان مساق ما قبلها صورة على غير مساق ما بعدها".
3 التسهيل ص174.
4 انظر شرح الكافية الشافية 3/ 1203.
5 الكتاب 1/ 434-435.
6 في شرح التسهيل 3/ 348: "عند غير يونس".
7 في شرح ابن الناظم ص371: "الضرب الثاني: ما يعطف لفظًا فحسب، أي يشرك في الإعراب وحده، وهو: بل، ولا، ولكن".
8 المسائل المنثورة ص187.(2/154)
والثاني: أنها عاطفة، ولا تستعمل إلا بالواو الزائدة قبلها لزومًا، وصححه ابن عصفور، وزعم أن كلام سيبويه محمول عليه.
والثالث: أنها عاطفة تقدمتها الواو أو لا، وهو مذهب ابن كيسان1، وذهب يونس إلى أنها حرف استدراك، وليست بعاطفة.
"وإما لكونه بالعكس" وهو أن ينفي عما بعده ما ثبت لما2 قبله، "وهو "لا" عند" النحاة "الجميع" نحو: جاء زيد لا عمرو، "و"ليس" عند البغداديين"، كما نقله ابن عصفور، ونقله أبو جعفر النحاس وابن بابشاذ عن الكوفيين، وجرى عليه في التسهيل3 "كقوله" وهو لبيد: [من الرمل]
658-
وإذا أقرضت قرضًا فاجزه ... إنما يجزي الفتى ليس الجمل
برفع الجمل عطفًا على الفتى. وخرجه المانعون على حذف خبر "ليس" للعلم به، والأصل: ليسه الجمل، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
542-
واتبعت لفظًا بل ولا ... لكن....................
__________
1 انظر الارتشاف 2/ 629.
2 في "ب": "لا".
3 التسهيل ص174.
658- تقدم تخريج البيت برقم 173.(2/155)
فصل:
في كيفية استعمال حروف العطف وبيان معانيها:
"أما الواو فلمطلق الجمع" بين المتعاطفين من غير دلالة على ترتيب وعدمه على الصحيح. خلافًا للفراء وهشام وثعلب1 من الكوفيين وقطرب من البصريين في زعمهم أنها تفيد الترتيب2. والتعبير بمطلق الجمع مساو للتعبير بالجمع المطلق من حيث المعنى، ولا التفات لمن غاير بينهما بالإطلاق والتقييد، وقد أطال الناس في الاختلاف3 في المعنى، ولا التفات لمن غاير بينهما بالإطلاق والتقييد، وقد أطال الناس في الاختلاف3 في ذلك حتى أفردوه بالتصنيف.
وإذا ثبت أنها لمطلق4 الجمع في الحكم، "فتعطف متأخرًا في الحكم" على متقدم عليه "نحو: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} " [الحديد: 26] فـ"إبراهيم" معطوف على نوح عطف متأخر على متقدم. "و" تعطف "متقدمًا" في الحكم على متأخر "نحو: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ " اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الشورى: 3] فـ"الذين" معطوف على الكاف مع إعادة الجار عطف متقدم على متأخر.
"و" تعطف "مصاحبًا" للمعطوف عليه في الحكم نحو: " {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَة} " [العنكبوت: 15] . فـ: أصحاب السفينة: معطوف على الهاء عطف مصاحب، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
543-
فاعطف بواو لاحقًا أو سابقا ... في الحكم أو مصاحبًا موافقا
__________
1 في "ب": "تغلب".
2 شرح ابن الناظم 371-372، وشرح التسهيل 3/ 349-350، ومعاني القرآن للفراء 1/ 396.
3 في "ب": "الإطلاق".
4 في جميع النسخ: "الاجتماع"، والتصويب من حاشية يس 2/ 135 حيث قال: "قوله لمطلق الجمع، قال الدنوشري: محل كونها لمطلق الجمع ما لم تقع قبل إما الثانية".(2/156)
فهذه ثلاث مراتب، وهي مختلفة في الكثرة والقلة، فمجيئها للمصاحبة أكثر، وللترتيب كثير، ولعكس الترتيب قليل، فتكون عد الاحتمال والتجرد من القرائن للمعية بأرجحية وللتأخر برجحان وللتقدم بمرجوحية. هذا مراد التسهيل1 وهو تحقيق للواقع لا قول ثالث2.
"وتنفرد الواو" من بين سائر حروف العطف "بأنها" تختص بأحد وعشرين حكمًا:
الأول: أنها "تعطف اسمًا على اسم لا يكتفي الكلام به" أي بالاسم المعطوف عليه "كـ: اختصم زيد وعمرو، وتضارب زيد وعمرو، واصطف زيد وعمرو"، وسواء زيد وعمرو، وجلست بين زيد وعمرو. فالمعطوف عليه3 في هذه الأمثلة، وهو زيد، لا يكتفى به، فلا يقال: اختصم زيد، وتضارب زيد، واصطف زيد، وسواء زيد، وجلست بين زيد، "إذ الاختصام والتضارب والاصطفاف والمساواة4 والبينية من المعاني النسبية التي لا تقوم إلا باثنين فصاعدًا"، والواو لمطلق الجمع، فلذلك اختصت بها، بخلاف غيرها من حروف العطف، وإلى ذلك يشير قول الناظم:
544-
واخصص بها عطف الذي لا يغني ... متبوعه................................
"ومن هنا" أي: من هذا المكان وهو اختصاص الواو بذلك "قال الأصمعي"، بفتح الميم، في قول امرئ القيس: [من الطويل]
659-
.......................................... ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
بالفاء في إحدى الروايتين: "الصواب أن يقال: بين الدخول وحومل، بالواو"، على
__________
1 التسهيل ص174.
2 في حاشية يس 2/ 135: "قوله "وهو تحقيق للواقع لا قول ثالث"، تعريض بأبي حيان حيث قال: وهذا ليس مذهب البصريين ولا الكوفيين، بل هو قول ثالث خارج عن القولين يجب اطراحه".
3 في "ب": "من".
4 سقطت من "ب".
659- صدر البيت: "قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل"، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص8، والأزهية ص244، 245، وخزانة الأدب 1/ 332، 3/ 224، والدرر 2/ 408، وسر صناعة الإعراب 2/ 501، وشرح ابن الناظم ص373، وشرح شواهد المغني 1/ 463، وشرح الكافية الشافية 3/ 1207، والكتاب 4/ 205، ومجالس ثعلب ص127، وهمع الهوامع 2/ 129، وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 656، وأوضح المسالك 3/ 359، والدرر 2/ 414-415، وشرح الأشموني 2/ 417، وشرح قطر الندى 80، ومغني اللبيب 1/ 161، 266، وهمع الهوامع 2/ 131.(2/157)
الرواية المشهورة، وهي القياس، لأن البينية لا يعطف فيها بالفاء، لأنها تدل على الترتيب. "وحجة الجماعة" السماع، واختلفوا في التخريج فقال يعقوب بن السكيت: إنه على حذف مضاف، وإن التقدير: بين أهل الدخول فحومل. وقال خطاب المادري: إنه على اعتبار التعدد حكمًا، لأن الدخول مكان يجوز أن يشتمل على أمكنة متعددة، كما تقول: قعدت بين الكوفة، تريد: بين دورها وأماكنها، و"أن التقدير: بين أماكن الدخول فأماكن حومل، فهو بمنزلة: اختصم الزيدون فالعمرون"، إذا كان كل فريق منهم خصمًا لصاحبه. قال: وهذا عندي أصح من أن يجعل شاذًّا إذا ثبتت الرواية. انتهى. والدخول، بفتح الدال، وحومل، بفتح الحاء: موضعان: وسقط، بكسر السين المهملة، ما تساقط من الرمل، واللوى، بكسر اللام والقصر: رمل يعوج ويلتوي. فإن قلت: قدمت1 أن المساواة من المعاني النسبية التي لا يعطف فيها إلا بالواو2، وقد جاء العطف فيها بـ"أم" كقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة: 6] . قلت: أجيب عنه بأن هذا الكلام منظور فيه إلى حالته الأصلية، إذ3 الأصل: سواء عليهم الإنذار وعدمه، فالعطف بطريق الأصالة إنما هو الواو، قاله الموضح في الحواشي.
الثاني: مما تنفرد به الواو عطف سببي على أجنبي في الاشتغال ونحوه، نحو: زيدًا ضربت عمرًا وأخاه، وزيد مررت بقومك وقومه.
والثالث: عطف ما تضمنه الأول إذا كان المعطوف ذا مزية، نحو: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] .
الرابع: عطف الشيء على مرادفه نحو: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] .
الخامس: عطف عامل قد حذف وبقي معموله، نحو: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9] .
السادس: جواز فصلها من معطوفها بظرف أو عديله، نحو {وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} [يس: 9] .
السابع: جواز تقديمها وتقديم معطوفها في الضرورة، نحو قوله: [من الطويل]
660-
جمعت وفحشا غيبة ونميمة ... خصالا ثلاثًا لست عنها بمرعوي
__________
1 في "ب": "قد قدمت".
2 سقط من "ب": "التي لا يعطف فيها إلا بالواو".
3 في "ب": "إذا".
660- تقدم تخريج البيت برقم 411.(2/158)
وقيل: لا تختص "الواو" بذلك بل: "الفاء، وثم، وأو، ولا"، كذلك قاله التفتازاني.
الثامن: جواز العطف على الجوار في الجر خاصة، نحو: "وَأَرْجُلِكُمْ" [المائدة: 6] في قراءة أبي عمرو وأبي بكر وابن كثير وحمزة1.
التاسع: جواز حذفها إن أمن اللبس كقوله: [من الخفيف]
661-
كيف أصبحت كيف أمسيت ... ... ........................................
العاشر: إيلاؤها2 "لا" إذا عطفت مفردًا بعد نهي، نحو: {وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ} [المائدة: 2] . أو نفي نحو: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] . أو مؤول بنفي: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] .
الحادي عشر: إيلاؤها "إما" مسبوقة بمثلها غالبًا إذا عطفت مفردًا، نحو {إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ} [مريم: 75] .
الثاني عشر: عطف العقد على النيف نحو: أحد وعشرون.
الثالث عشر: عطف النعوت المفرقة مع اجتماع منعوتها، كقوله: [من الوافر]
622-
بكيت وما بكا رجل حزين ... على ربعين مسلوب وبال
الرابع عشر: عطف ما حقه التثنية والجمع، كقول الفرزدق: [من الكامل]
663-
إن الرزية لا رزية مثلها ... فقدان مثل محمد ومحمد
الخامس عشر: عطف العام على الخاص نحو: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح: 28] . وأما عكسه نحو: {وَإِذْ أَخَذْنَا
__________
1 الرسم المصحفي: "وَأَرْجُلُكُمْ"؛ بالرفع؛ وقرأها بالجر أيضًا: أنس وعكرمة وابن عباس والشعبي وقتادة وعلقمة والضحاك ومجاهد وأبو جعفر. انظر البحر المحيط 3/ 437، والنشر 2/ 254.
661- تمام البيت:
كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يغرس الود في فؤاد الكريم
وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 134، والخصائص 1/ 290، 2/ 280، والدرر 2/ 463، وديوان المعاني 2/ 225، ورصف المباني ص414، وشرح الأشموني 2/ 431، وشرح عمدة الحافظ ص641، وشرح التسهيل 3/ 380، وشرح الكافية الشافية 3/ 1260، وهمع الهوامع 2/ 140.
2 في "ب": "إتلاؤها".
662- تقدم تخريج البيت برقم 636.
663- البيت للفرزدق في ديوانه ص1/ 161، والدرر 2/ 409، وشرح شواهد المغني 2/ 775، ومغني اللبيب 2/ 356، والمقرب 2/ 44، وهمع الهوامع 2/ 129، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 211.
وسقط من "ب": "الرابع عشر ... " مع البيت.(2/159)
مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} [الأحزاب: 7] فتشاركها فيها "حتى" نحو: مات الناس حتى الأنبياء، فإنها عاطفة خاصًّا على عام. قاله في المغني1.
السادس عشر: اقترانها بـ"لكن" نحو: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: 40] .
السابع عشر: امتناع الحكاية معها، فلا يقال: ومن زيدًا؟ بالنصب حكاية لمن قال: أرأيت زيدًا؟
الثامن عشر: العطف التلقيني، نحو قوله تعالى: {مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ} [البقرة: 126] .
التاسع عشر: العطف في التحذير والإغراء نحو: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: 13] ونحو: المروءة والنجدة.
العشرون: عطف السابق على اللاحق نحو: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ} [الشورى/ 3] .
الحادي والعشرون: عطف "أي" على مثلها كقوله: [من الكامل]
664-
............................ ... أيي وأيك فارس الأحزاب
"وأما الفاء فللترتيب المعنوي"، وهو أن يكون المعطوف بها لاحقًا كقوله تعالى: {خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ} [الانفطار: 7] . وقد تكون للترتيب الذكري، والمراد به أن يكون وقوع المعطوف به بعد المعطوف عليه2 بحسب الذكر لفظًا، لا أن معنى الثاني وقع بعد زمان وقوع الأول، وأكثر ما يكون ذلك في عطف مفصل على مجمل نحو: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153] . "والتعقيب": وهو3 أن يكون المعطوف بها متصلا بلا مهملة نحو: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21] . وتعقيب كل شيء بحسبه، ألا ترى أنه يقال: تزوج فلان فولد له، إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل، وإن كانت مدته متطاولة، ودخل البصرة فبغداد، إذا لم يقم في البصرة ولا بين البلدين. "وكثيرًا ما تقتضي" الفاء "أيضًا3 التسبب"، وهو أن يكون المعطوف بها3 متسببًا عن المعطوف عليه، "إن كان المعطوف" بها "جملة" أو صفة، فالأول "نحو: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15] . والثاني نحو: {لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ، فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ، فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} [الواقعة: 52، 53، 54] .
__________
1 مغني اللبيب 2/ 357.
664- صدر البيت: "فلئن لقيتك خاليين لتعلمن"، وتقدم تخريج البيت برقم 541، 657.
2 بعده في "ب": "إنما هو".
3 سقطت من "ب".(2/160)
"واعترض على" المعنى "الأول"، وهو الترتيب المعنوي، "بقوله تعالى: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} " [الأعراف: 4] فإن الهلاك متأخر عن مجيء البأس في المعنى وهو متقدم في التلاوة، وذلك ينافي الترتيب الذي في الفاء. قاله الفراء1.
"و" اعترض أيضًا "بنحو: "توضأ فغسل وجهه ويديه" ومسح رأسه ورجليه"2 "الحديث". فإن غسل الأعضاء الأربعة متقدم في المعنى ومتأخر في الحديث، فلو كانت الفاء للترتيب لما حسن ذلك. "والجواب" من وجهين:
أحدهما: "أن المعنى" على إضمار الإرادة، والتقدير: "أردنا إهلاكها" فجاءها بأسنا، فمجيء البأس مترتب على الإرادة, "وأراد الوضوء" فغسل وجهه ... إلى آخره، فغسل الأعضاء الأربعة مترتب3 على إرادة الوضوء.
الوجه الثاني: أن الفاء فيهما للترتيب الذكري لا المعنوي.
والحاصل أن الجمهور يقولون بإفادتها الترتيب مطلقًا، والفراء يمنع ذلك مطلقًا، وقال الجرمي: لا تفيد الترتيب في البقاع ولا في الإمطار، بدليل: [من الطويل]
................................. ... ..... بين الدخول فحومل4
وقولهم: "مطرنا مكان كذا، فمكان كذا" إذا كان وقوع المطر فيهما في وقت واحد.
"و" اعترض "على" المعنى "الثاني" وهو التعقيب. "بقوله تعالى": {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى، " فَجَعَلَهُ غُثَاءً " أَحْوَى} [الأعلى: 4-5] فإن إخراج المرعى لا يعقبه جعله غثاء أحوى، أي: يابسًا أسود. "والجواب" من وجهين:
أحدهما: أن جملة "فجعله غثاء" معطوفة على جملة محذوفة، و"أن التقدير: فمضت مدة فجعله غثاء".
"و" الثاني: "بأن الفاء نابت5 عن: ثم"، والمعنى: ثم جعله غثاء، "كما
__________
1 معاني القرآن للفراء 1/ 371.
2 في صحيح البخاري، كتاب الوضوء، 45: باب الوضوء من النور، حديث رقم 196: "حدثني عمرو بن يحيى عن أبيه قال: كان عمي يكثر من الوضوء، قال لعبد الله بن زيد: أخبرني كيف رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ؟ فدعا بتور من ماء فكفأ على يديه ... فغسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين، ثم أخذ بيده فمسح رأسه، فأدبر به وأقبل، ثم غسل رجليه". وانظر الحديث في صحيح البخاري برقم 183-184.
3 في "ب": "مرتب".
4 تقدم تخريج البيت برقم 659.
5 في "ب": "نائب".(2/161)
جاء عكسه" وهو نيابة "ثم" عن "الفاء" كقوله: [من المتقارب]
665-
................................ ... جرى في الأنابيب ثم اضطرب
أي: فاضطرب، "وسيأتي" قريبًا، وإلى إفادة الفاء الترتيب والتعقيب أشار الناظم بقوله:
545-
والفاء للترتيب باتصال ... .............................
"وتختص الفاء بأنها تعطف على الصلة ما1 لا يصح كونه صلة لخلوه2 من العائد" على الموصول، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
546-
واخصص بفاء عطف ما ليس صله ... على الذي استقر أنه الصله
"نحو: اللذان يقومان فيغضب زيد أخواك" فـ"اللذان" مبتدأ، وهو اسم موصول، وجملة "يقومان" صلته، وجملة "يغضب زيد" معطوفة على جملة3 "يقومان" الواقعة صلة. وكان القياس أن لا يصح العطف لخلوها عن ضمير يعود على الموصول، لأنها رفعت الظاهر، وهو زيد، ولكنها لما عطفت بالفاء صح ذلك، لأن ما في الفاء من معنى السببية أغنى عن الضمير، لأن الفاء تجعل ما بعدها مع ما قبلها في حكم جملة واحدة. لإشعارها بالسببية، فكأنك قلت: اللذان إن يقوما4 فيغضب زيد أخواك، و"أخواك": خبر اللذان. "وعكسه" وهو أن الفاء تعطف ما يصح أن يكون صلة على ما لا يصلح أن يكون صلة، "نحو: الذي يقوم أخواك فيغضب هو زيد" فـ"الذي": متبدأ، و"يقوم أخواك": جملة فعلية، صلة "الذي"، وهي لا تصلح أن تكون صلة لخلوها عن ضمير عائد على الموصول، والذي سوغ ذلك عطف جملة "يغضب هو" عليها، لاشتمالها على العائد إلى الموصول، وهو الضمير المرفوع بـ"يغضب"، وإنما أبرز [الضمير] 5 لأن الفعل كالوصف إذا جرى على غير من هو له ورفع6 ضميرًا وجب إبرازه، وزيد: خبر الذي.
__________
665- قبل هذا البيت: "كهز الرديني تحت العجاج"، وهو لأبي دؤاد الإيادي في ديوانه ص292، والدرر 2/ 424، وشرح شواهد المغني 358، والمقاصد النحوية 4/ 131، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 638، وأوضح المسالك 3/ 363، والجنى الداني 427، وشرح ابن الناظم ص374، وشرح الأشموني 2/ 417، وشرح التسهيل 3/ 355، وهمع الهوامع 2/ 131.
1 في "ب": "بما".
2 سقطت من "ب".
3 في "ب": "جملته".
4 في "ط": "يقومان".
5 إضافة من "ب".
6 في "ب": "ووقع".(2/162)
"ومثل ذلك جار في الخبر والصفة والحال"، فيعطف على جملة الخبر ما لا يصلح كونه خبرًا لخلوه من عائد على المبتدأ، وعكسه، فالأول "نحو: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج: 63] فجملة "تصبح الأرض" بالرفع: معطوفة على جملة "أنزل" الواقعة خبر "أن". وكان القياس أن لا يصح العطف لخلوها من ضمير يعود على اسم "أن" إذ المعطوف على الخبر خبر، ولكنها لما قرنت بالفاء ساغ ذلك.
"و" الثاني نحو "قوله"، وهو ذو الرمة غيلان: [من الطويل]
666-
وإنسان عيني يحسر الماء تارة ... فيبدو وتارات يجم فيغرق
فـ"إنسان عيني": مبتدأ ومضاف إليه، و"يحسر الماء"، بالرفع: خبر المتبدأ، وهو لا يصلح كونه1 خبرًا، لخلوه من عائد يعود على المبتدأ لرفعه الظاهر، وهو "الماء" ولكن سوغ ذلك عطف "فيبدو" عليه، فإنه مشتمل على ضمير مستتر فيه يعود على المبتدأ. هذ قول ابن عصفور2. وقال المرادي في باب المبتدأ3: التحقيق أن الجملتين إذا عطفت إحداهما على الأخرى بالفاء التي للسببية تنزلتا منزلة الشرط والجزاء، فاكتفي بضمير واحد من إحداهما كما يكتفى بضمير واحد في جملة الشرط والجزاء، فإذا قلت: زيد جاء عمرو فأكرمه، فالارتباط وقع بالضمير الذي في الثانية: نص على ذلك ابن أبي الربيع، قال: لأنهما تنزلتا منزلة: زيد لما جاء عمرو أكرمه. فالإخبار إذن إنما هو بمجموعهما، والرابط إنما هو الضمير. انتهى كلام المرادي.
وقال الموضح في المغني4: كذا قالوا: والبيت يحتمل أن يكون أصله: يحسر الماء عنه: أي: ينكشف عنه. ونقل المكودي5 في باب الإضافة عن بعض النحاة أنه أجاز حذف "إن" الشرطية، وأنها حذفت ارتفع المضارع، واستشهد له بهذا البيت.
__________
666- البيت لذي الرمة في ديوانه ص460، وخزانة الأدب 2/ 192، والدرر 1/ 189، والمقاصد النحوية 1/ 578، 4/ 449، ولكثير في المحتسب 1/ 150، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 103، 7/ 257، وأوضح المسالك 3/ 362، وتذكرة النحاة ص668، وشرح الأشموني 1/ 92، ومجالس ثعلب ص612، ومغني اللبيب 2/ 501، والمقرب 1/ 83، وهمع الهوامع 1/ 98.
1 سقطت من "ب".
2 المقرب 1/ 83.
3 شرح المرادي 1/ 276.
4 مغني اللبيب 2/ 501.
5 شرح المكودي 1/ 463.(2/163)
و"إنسان العين": هو المثال الذي يرى في السواد، و"يحسر" بالحاء المهملة: يغور، من قولهم: حسر البحر، إذا غار، و"يجم" بالجيم: من الجموم، وهو الكثرة، و"يغرق": معطوف على "يجم". والمعنى أن الماء إذا غار ظهر إنسان العين، وإذا كثر غرق واستتر.
وتعطف على الصفة ما لا يصلح كونه صلة لخلوه من1 عائد على الموصوف، وعكسه، فالأول نحو: مررت برجل يبكي فيضحك عمرو، والثاني نحو: مررت برجل يبكي عمرو فيضحك هو.
وتعطف على الحال ما لا يصلح كونه حالا لخلوه من عائد يعود على صاحب الحال، وعكسه، فالأول نحو: عهدت زيدًا يغضب فيطير الذباب. والثاني نحو: عهدته يطير الذباب فيغضب2 هو. هذا وقد قال في المغني3: ويجب أن يدعى أن الفاء في ذلك كله قد أخلصت لمعنى السببية، وأخرجت عن العطف، كما أن الفاء كذلك في جواب الشرط. انتهى.
"وأما "ثم" فللترتيب والتراخي" على الأصح فيهما، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
545-
........................... ... وثم للترتيب بانفصال
"نحو: {فَأَقْبَرَهُ، ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} " [عبس: 21-22] . وزعم4 قوم أنها لا تفيد الترتيب تمسكًا بنحو قوله "تعالى"5: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} في الزمر. [الزمر: 6] .
وأجيب بأن "ثم" فيها بمعنى الواو بدليل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: 189] بالواو، في الأعراف، والقصة واحدة.
وزعم الأخفش أن "ثم" قد تتخلف عن التراخي بدليل قولك: أعجبني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب، لأن "ثم" في ذلك لترتيب الإخبار، ولا تراخي بين الإخبارين.
__________
1 في "ب": "عن".
2 انظر شرح ابن الناظم ص373، وشرح التسهيل 3/ 354.
3 مغني اللبيب 2/ 425.
4 أي الفراء والأخفش وقطرب، انظر الارتشاف 2/ 638.
5 إضافة من "ب".(2/164)
وجعل منه ابن مالك: {ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الأنعام: 154] الآية. قال في المغني1: والظاهر أن "ثم" فيه واقعة موقع الفاء. "وقد توضع" ثم "موضع الفاء كقوله" وهو أبو دؤاد2 جارية3 بن الحجاج: [من المتقارب]
667-
كهز الرديني تحت العجاج ... جرى في الأنابيب ثم اضطرب
إذ الهز متى جرى في أنابيب الرمح يعقبه الاضطراب ولم يتراخ عنه. قاله في المغني4. واعترضه قريبه فقال: والظاهر أنه ليس كذلك بل الاضطراب والجري في زمن واحد. وجوابه أن الترتيب يحصل في لحظات لطيفة.
و"الرديني": صفة للرمح5، يقال: رمح رديني وقناة ردينية. قال الجوهري6: زعموا أنه منسوب إلى امرأة تسمى ردينة. كانت تقوم القناة بخط هجر. و"العجاج" بفتح العين: الغبار، والأنابيب: جمع أنبوبة، وهي ما بين كل عقدتين من القصب.
"وأما "حتى" فالعطف بها قليل" عند البصريين، "والكوفيون ينكرونه" بالكلية، ويحملون نحو: جاء القوم حتى أبوك، ورأيت القوم حختى أباك، ومررت بالقوم حتى أبيك، على أن "حتى" فيه ابتدائية، وأن ما بعدها على إضمار عامل. "و" العطف بـ"حتى" "شرطه أربعة أمور:
أحدها: كون المعطوف اسما" لا فعلا، لأنها منقولة من "حتى" الجارة. وهي لا تدخل على الأفعال؛ فلا يجوز على العطف: أكرمت زيدًا بكل ما أقدر عليه حتى أقمت نفسي خادمًا له، وبخل علي زيد بكل شيء حتى منعني دانقًا، وأجازه ابن السيد7.
"والثاني: كونه ظاهرًا" لا مضمرًا، كما كان ذلك شرط مجرورها، "فلا يحوز: قام الناس حتى أنا"، ولا: ضربت القوم حتى إياك، وهذا الشرط "ذكره" ابن هشام "الخضراوي"، قال في المغني8: ولم أقف عليه لغيره.
__________
1 مغني اللبيب 1/ 118-119.
2 في "ب", "ط": "أبو داود".
3 في جميع النسخ: "حارثة", والتصويب من الدرر 2/ 424، وشرح شواهد المغني 1/ 358.
667- تقدم تخريجه البيت برقم 665.
4 مغني اللبيب 1/ 118-119.
5 في "ب": "الرمح".
6 الصحاح "ردن".
7 الحلل ص197.
8 مغني اللبيب 1/ 127.(2/165)
"والثالث: كونه بعضًا من المعطوف عليه، إما بالتحقيق" بأن يكون جزءًا من كل، "نحو: أكلت السمكة حتى رأسها"، أو فردًا من جمع نحو: قدم الحجاج حتى المشاة، أو نوعًا من جنس نحو: أعجبني التمر حتى البرني1. "أو" بعضًا "بالتأويل، كقوله"؛ وهو أبو مروان النحوي في قصة المتلمس حين حرب من عمرو بن هند لما أراد قتله: [من الطويل]
668-
ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله ألقاها
"فيمن نصب نعله، فإن ما قبلها"؛ وهو "ألقى الصحيفة" و"الزاد"؛ "في تأويل" ألقى ما يثقله"، ونعله بعض ما يثقله. قال أبو البقاء، فيكون معطوفًا على "الصحيفة" ويحتمل أن يكون منصوبًا بفعل محذوف يفسره "ألقاها" فـ"ألقاها": على الأول توكيد، وعلى الثاني تفسير. وأما من رفع نعله فعلى الابتداء، وألقاها: خبره، وأما من جرها فعلى أن "حتى" جارة، وألقاها: توكيد.
وكان من قصة المتلمس أنه وطرفة هجيا عمرو بن هند ثم مدحاه بعد ذلك فكتب لكل منهما صحيفة إلى عامله بالحيرة، وأمره فيها بقتلهما، وختمها وأوهمهما أنه كتب لهما بصلة، فلما دخلا الحيرة فتح المتلمس الصحيفة وفهم ما فيها، فألقاها في نهر الحيرة وفر إلى الشام، وأما طرفة فأبى أن يفتحها، ودفعها إلى العامل فقتله2.
"أو شبيهًا بالبعض" في شدة الاتصال "كقولك3: أعجبتني الجارية حتى كلامها، ويمتنع" أن يقال: أعجبتني الجارية "حتى ولدها"، لأن ولدها ليس جزءًا منها "ولا شبيهًا به، بخلاف كلامها فإنه لشدة اتصاله بها صار كجزئها.
__________
1 في "ب": "البري". والبرني: ضرب من التمر أحمر مشرب بصفرة كثير اللحاء عذب اللحاء. انظر لسان العرب 13/ 50 "برن".
668- البيت للمتلمس في ملحق ديوانه 327، وشرح شواهد المغني 1/ 370، ولأبي "أو لابن" مروان النحوي في خزانة الأدب 3/ 21، 24، والدرر 2/ 41، والكتاب 1/ 97، والمقاصد النحوية 4/ 134، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 647، وأوضح المسالك 3/ 365، وخزانة الأدب 9/ 472، والدرر 2/ 453، وشرح ابن الناظم ص374، وشرح أبيات سيبويه 1/ 411، وشرح الأشموني 2/ 289، وشرح التسهيل 3/ 358، وشرح قطر الندى 304، وشرح الكافية الشافية 3/ 1211، وشرح المرادي 3/ 201، وشرح المفصل 8/ 19، ومغني اللبيب 1/ 24، وهمع الهوامع 2/ 24، 136.
2 انظر الخبر في الدرر 2/ 41-42، ومجمع الأمثال 1/ 399.
3 في "ب"، "ط": "كقوله".(2/166)
"وضابط ذلك أنه إن1 حسن الاستثناء" المتصل "حسن دخول: حتى"، وإن لم يحسن امتنع، ألا ترى أنه يحسن أن تقول: أعجبتني الجارية إلا كلامها، تنزيلا لكلامها منزلة بعضها، ويمتنع أن يقال: أعجبتني الجارية إلا ولدها، على إرادة الاتصال، لأن اسم الجارية يتناول ولدها، لأن شرط الاستثناء المتصل أن يتناول ما قبل أداته ما بعدها نصًّا، و [هذا] 2 ليس كذلك، فلا يحسن استثناؤه، فلا يصح عطفه بـ"حتى".
"والرابع: كونه غاية" لما قبلها "في زيادة حسية" مرجعها إلى الحس والمشاهدة "نحو: فلان يهب الأعداد الكثيرة حتى الألوف" فإن الألوف غاية الأعداد في الزيادة الحسية.
"أو" في زيادة "معنوية" مرجعها إلى المعنى "نحو: مات الناس حتى الأنبياء أو الملوك"، فإن الأنبياء والملوك غاية الناس في الزيادة المعنوية، وهي الاتصاف بالنبوة والملك. "أو في نقص" حسي أو معنوي كذلك، فالأول نحو: المؤمن يجزى بالحسنات حتى مثقال الذرة، فإن مثقال الذرة غاية في النقص الحسي.
"و" الثاني "نحو: غلبك الناس حتى الصبيان أو النساء"، فإن الصبيان والنساء في غاية النقص المعنوي، وهو الاتصاف بالصبا والأنوثة. والتحقيق؛ كما قال في المطول؛ أن المعتبر في ترتيب أجزاء ما قبلها ذهنًا من الأضعف إلى الأقوى، أو بالعكس، ولا يعتبر الترتيب الخارجي لجواز أن يكون ملابسة الفعل لما بعدها قبل ملابسة3 الأجزاء الأخر4 نحو: مات كل أب لي حتى آدم، وفي أثنائها نحو: مات الناس حتى الأنبياء، وفي زمان واحد نحو: جاءني القوم حتى زيد، إذا جاءوك معًا وزيد أضعفهم. وعلم من كلام الموضح أنه لو لم يكن ما بعد "حتى" من جنس ما قبلها تحقيقًا أو تأويلا أو تشبيهًا، أو كان كذلك ولكنه لم يكن غاية له، أو كان غاية ولم يكن يدل على زيادة أو نقص حسيين أو معنويين، امتنع العطف بـ: حتى؛ فلا يجوز: كلمت العرب حتى العجم، لاختلاف الجنس، ولا: خرج الفرسان حتى بنو فلان، وهم من وسط الفرسان، لفقد الغاية، لأن
__________
1 في "ب": "أن إن".
2 إضافة من "ب"، "ط".
3 في "ب": "ملابسته".
4 سقطت من "ب".(2/167)
الغاية لا تكون إلا في الأطراف العالية أو السافلة، ولا: جاء القوم حتى زيد، إذا لم يتصف1 بزيادة ولا نقص من رفعة أو وضعة، إلى ذلك أشار الناظم بقوله:
547-
بعضًا بحتى اعطف على كل ولا ... يكون إلا غاية الذي تلا
وبقي عليهما شرط آخر، وهو أن يكون شريكًا في العامل، فلا يجوز: صمت الأيام حتى يوم الفطر. قاله الموضح في الحواشي.
"وأما "أم" فضربان: منقطعة؛ وستأتي؛ ومتصلة، وهي المسبوقة إما بهمزة التسوية"، سواء وجدت لفظة "سواء" أو لا، "و" "المسبوقة بهمزة التسوية"2 "هي الداخلة على جملة" بحيث تكون الهمزة مع الجملة "في محل المصدر"، وتكون الجملة المسبوقة بهمزة التسوية "هي" والجملة "المعطوفة عليها فعليتين نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} الآية"، أي " {أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة: 6] أي: سواء عليهم الإنذار وعدمه. "أو اسميتين كقوله": [من الطويل] .
669-
ولست أبالي بعد فقدي مالكا ... أموتي ناء أم هو الآن واقع
أي: لست أبالي بُعْدَ موتي أم وقوعه الآن. "أو مختلفتين" بأن تكون المعطوفة عليها فعلية والمعطوفة اسمية "نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} " [الأعراف: 193] أي: سواء عليكم دعاؤكم إياهم أم صمتكم. أو بالعكس نحو: ما أبالي أزيد قاعد أم قام، أي: مال أبالي بقعوده أم قيامه.
"وإما" مسبوقة "بهمزة يطلب بها وبـ"أم" التعيين" لأحد الشيئين بحكم معلوم الثبوت، فإذا قيل: أزيد عندك أم عمرو؟ قيل في الجواب: زيد، أو قيل: عمرو، ولا يقال: لا، ولا: نعم، لعدم التعيين.
"وتقع" "أم" المسبوقة بهمزة التعيين "بين مفردين متوسط بينهما ما لا يسأل عنه نحو: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} [النازعات: 27] أو متأخر عنهما" ما لا يسأل عنه "نحو: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 109] .
__________
1 في "ب": "لم يكن يتصف".
2 إضافة من "ب".
669- البيت لمتمم بن نويرة في ديوانه 105، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 653، والأشباه والنظائر 7/ 51، وأوضح المسالك 3/ 368، والدرر 2/ 424، وشرح ابن الناظم ص375، وشرح شواهد المغني 1/ 134، وشرح الكافية الشافية 3/ 1214، ومغني اللبيب 1/ 41، والمقاصد النحوية 4/ 136، وهمع الهوامع 2/ 132.(2/168)
فالسؤال في الآية الأولى وقع عن المسند إليه ولم يسأل عن المسند، وفي الثانية بالعكس، فوسط ما لا يسأل عنه في الأولى وهو "أشد خلقًا" وأخر في الثانية وهو "ما توعدون" وذلك لأن شرط الهمزة المعادلة لـ"أم" أن يليها أحد الأمرين المطلوب تعيين أحدهما، ويلي "أم" المعادل1 الآخر ليفهم السامع من أول الأمر الشيء المطلوب تعيينه.
تقول إذا استفهمت عن تعيين المبتدأ دون الخبر: أزيد قائم أم عمرو؟ وإن شئت قلت: أزيد أم عمرو قائم؟ فتوسط الخبر أو تؤخره، لأنه غير مسؤول عنه.
وتقول إذا استفهمت عن تعيين الخبر دون المبتدأ: أقائم زيد أم قاعدًا؟ وإن شئت قلت: أقائم أم قاعد زيد؟ فتوسط المبتدأ أو تؤخره، لأنه غير مسؤول عنه.
"و" تقع "بين" جملتين "فعليتين" ليستا في تأويل المفردين "كقوله"؛ وهو زياد بن حمل بفتح [الحاء] 2 المهملة والميم: [من البسيط]
670-
فقمت للطيف مرتاعا فأرقني ... فقلت أهي سرت أم دعاني حلم
"لأن الأرجح كون: هي" الواقعة بعد الهمزة "فاعلا بفعل محذوف" يفسره "سرت"، لأن همزة الاستفهام بالفعل أولى من حيث إن الاستفهام عما يشك فيه، وهو الأحوال، لأنها متجددة، وأما عن الذوات فقليل، من ثم رجح النصب في باب الاشتغال نحو: أزيدًا ضربته؟
والمراد بالطيف هنا: خيال المحبوبة الذي رآه في النوم، والمرتاع: الخائف, وأرقني: أسهرني، وأهي: بسكون الهاء بعد الهمزة، وسرت: سارت ليلا، وعادني: جاءني بعد إعراضه عني، والحلم، بضمتين: رؤيا النوم.
قال ابن الحاجب3: يريد: أني قمت من أجل الطيف منتبهًا مذعورًا للقائه، وأرقني لما لم يحصل اجتماع محقق، ثم ارتبت: هل كان الاجتماع على التحقيق، أو كان في المنام؟
__________
1 في "ب": "العادل".
2 إضافة من "ب".
670- البيت لزياد من منقذ في خزانة الأدب 5/ 244، 245، 1/ 95، وشرح شواهد المغني 1/ 134، والمقاصد النحوية 1/ 259، 4/ 137، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 127، وأوضح المسالك 3/ 370، والخصائص 1/ 305، 2/ 330، والدرر 2/ 425، شرح ابن الناظم ص376، وشرح شواهد المغني 2/ 798، وشرح المفصل 9/ 139، ومغني اللبيب 1/ 41، وهمع الهوامع 2/ 132.
3 أمالي ابن الحاجب 1/ 47.(2/169)
"واسميتين كقوله"، وهو الأسود بن يعفر التميمي: [من الطويل]
671-
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ... شعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر
فـ"شعيث" في الموضعين، بالتصغير، أوله شين معجمة وآخره ثاء مثلثة: اسم قبيلة، وهو مبتدأ، وابن: خبره، ولهذا يكتب بالألف، والجملة في موضع النصب بـ: أدري، وهو معلق عنها بالاستفهام، و"الأصل: أشعيث"1 بالهمزة في أوله والتنوين في آخره، "فحذفت الهمزة والتنوين منهما" للضرورة، بناء على أنه مصروف نظرًا إلى الحي، بدليل الإخبار عنه بـ: ابن، ويحتمل أن يكون ممنوع الصرف نظرًا إلى القبيلة، والإخبار بـ: ابن لا يمنع من ذلك لجواز رعاية2 التذكير وضده باعتبارين، قال السيرافي: لأنه يهجو هذه القبيلة فيقول: لم تستقر على أب، لأن بعضًا يعزوها منقر، وبعضًا3 يعزوها، إلى سهم. انتهى.
والمعنى: لا أدري أي النسبين هو الصحيح، نسب شعيث بن سهم أم نسب شعيث بن منقر، وسهم، بفتح المهملة وسكون الهاء، ومنقر، بكسر الميم وسكون النون وكسر القاف، وبالراء: قبيلتان.
واستغنى الموضح بحذف الهمزة في هذا البيت عن شرح قول الناظم:
549-
وربما أسقطت الهمزة إن ... كان خفا المعنى بحذفها أمن
ومختلفتين نحو: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 59] لأن الأرجح كون "أنتم" فاعلا بفعل محذوف يفسره المذكور. قاله في المغني4.
والحاصل أن "أم" المتصلة منحصرة في نوعين، لأنها إما أن تتقدم عليها همزة التسوية، أو همزة يطلب بها وبـ"أم" التعيين وإنما سميت في هذين النوعين متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر.
__________
671- البيت للأسود بن يعفر في ديوانه 37، وخزانة الأدب 11/ 122، وشرح شواهد المغني ص138، والكتاب 3/ 175، والمقاصد النحوية 4/ 138، ولأوس بن حجر في ديوانه 49, وخزانة الأدب 11/ 1287، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 372، وشرح ابن الناظم ص376، والمحتسب 1/ 50، ومغني اللبيب 1/ 42، والمقتضب 3/ 249، وهمع الهوامع 2/ 132.
1 في "ب": "أشعث".
2 في "ب": "وغاية".
3 في "ب": "وبعضها".
4 مغني اللبيب 1/ 42.(2/170)
وقيل: لأنها اتصلت بالهمزة حتى صارتا في إفادة الاستفهام بمثابة كلمة واحدة، لأنهما جميعًا بمعنى "أي". ورجح هذا على الأول بأن اعتبار هذا المعنى راجح إليها نفسها لا إلى أمر خارج عنها، بخلاف الأول، فإن الاتصال فيه إنما هو بين السابق واللاحق، فإطلاق الاتصال عليها إنما هو باعتبار متعاطفيها المتصلين، فتسميتها بذلك إنما هو لأمر خارج عنها.
وعورض بأن الوجه الثاني إنما يأتي في المسبوقة بهمزة الاستفهام لا بهمزة التسوية، فيترجح الأول لشموله النوعين، وعليه اقتصر في المغني1. وتسمى أيضًا في النوعين معادلة لمعادلة الهمزة في إفادة التسوية في النوع الأول والاستفهام في النوع الثاني، ويفترق النوعان من أربعة أوجه:
أولها وثانيها: أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جوابًا، لأن المعنى معها ليس على الاستفهام، وأن الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب، لأنه خبر.
وثالثها ورابعها: أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلا بين جملتين وأن الجملتين لا يكونان معها إلا في تأويل المفردين كما مر، وليست كذلك. وإلى نوعي الاتصال أشار الناظم بقوله:
548-
وأم بها اعطف بعد همز التسويه ... أو همزة عن لفظ أي مغنيه
"و" أم "المنقطعة هي الخالية من ذلك" المذكور في المتصلة، فلا تتقدم عليها همزة التسوية ولا همزة يطلب بها وبـ"أم" التعيين. وسميت منقطعة لوقوعها بين جملتين مستقلتين، "فلا يفارقها معنى الإضراب" عند الجمهور، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
550-
وبانقطاع وبمعنى بل وفت ... إن تك مما قيدت به خلت
"وقد تقتضي مع ذلك" الإضراب "استفهامًا حقيقيًّا" وهو الطلبي، "نحو" قول العرب: "إنها لإبل أم شاء" بالمد. والإبل: اسم جنس، والشاء: ليس جمع شاة في اللفظ ولكنه جمع لا واحد له من لفظه، قاله أبو عثمان. وشاء: خبر لمبتدأ محذوف "أي: بل أهي2 شاء" فالهمزة3 داخلة على جملة. "وإنما قدرنا بعدها مبتدأ، لأنها لا تدخل على المفرد"، لأنها بمعنى "بل" الابتدائية، وحرف الابتداء لا يدخل إلا على جملة، ومن
__________
1 مغني اللبيب 1/ 41.
2 في "ب": "هي".
3 في "ب": "فأم".(2/171)
ثم كانت غير عاطفة عند الجمهور، خلافًا لابن جني1. وادعى ابن مالك أنها قد تدخل على المفرد، وحمل قولهم: إنها لإبل أم شاء، على ظاهره دون تقديره مبتدأ، واستدل بأنه قد سمع أن هناك: إبلا أم شاء، بالنصب، وهذا لا يعرف إلا من جهته2، وإن سلم فالتأويل3 ممكن بأن تكون متصلة وحذفت الهمزة، أو منقطعة وانتصب "شاء" بمحذوف أي: أم أرى شاء.
"أو" استفهامًا "إنكاريًّا كقوله تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ" وَلَكُمُ الْبَنُونَ} [الطور: 39] "أي" بل "أله البنات"، إذ لو قدرت الإضراب المحض لزم المحال، وهو الإخبار بنسبة البنات إليه، تعالى عن ذلك. "وقد لا تقتضيه" أي لا تقتضي "أم" المنقطعة الاستفهام "البتة"، لا حقيقيًّا ولا إنكاريًّا "نحو": {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ " أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ "} [الرعد: 16] "أي: بل" هل "تستوي"، ولا يقدر: بل أهل، "إذ لا يدخل استفهام على استفهام، وقول الشاعر": [من الطويل]
672-
فليت سليمى في المنام ضجيعتي ... هنالك أم في جنة أم جهنم
أي: بل في جهنم، "إذ لا معنى للاستفهام" هنا، لأنه للتمني، ونقل ابن الشجري4 عن جميع البصريين أن "أم" أبدًا بمعنى "بل" والهمزة جميعًا، وأن الكوفيين خالفوهم في ذلك. انتهى. وهذه الآية والبيت يشهدان للكوفيين، فإن "أم" فيهما بمعنى "بل" خاصة كما أنها بمعنى الاستفهام خاصة في قول الأخطل: [من الكامل]
673-
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظلام من الرباب خَيَالا
__________
1 في الارتشاف 2/ 656: "وقدره الفارسي وابن جني وأصحابنا: بل أهي شاء".
2 شرح التسهيل 2/ 362.
3 في "ب": "فالتوكيد".
672- البيت لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص501، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 376، وشرح ابن الناظم ص378، وشرح الأشموني 2/ 422، وشرح عمدة الحافظ ص620، وشرح الكافية الشافية 3/ 1219، والمقاصد النحوية 4/ 143.
4 أمالي ابن الشجري 2/ 335.
673- البيت للأخطل في ديوانه ص385، والأزهية ص129، وخزانة الأدب 6/ 9، 10، 12، 195، 11/ 122، 131، 133، وشرح أبيات سيبويه 2/ 76، وشرح شواهد المغني 1/ 143، والكتاب 3/ 174، ولسان العرب 1/ 706، 709 "كذب"، 6/ 156، "غلس"، 12/ 38 "أمم"، ومغني اللبيب 1/ 45، وتاج العروس 16/ 310 "غلس"، "أمم"، والمقتضب 3/ 295، وبلا نسبة في الأغاني 7/ 79، والصاحبي في فقه اللغة ص125.(2/172)
قال أبو عبيدة: [إن] 1 المعنى: هل رأيت.
"وأما "أو" فإنها بعد الطلب للتخيير" بين المتعاطفين "نحو: تزوج زينب أو أختها، أو للإباحة كـ: جالس العلماء أو الزهاد. والفرق [بينهما" أي] 1 بين التخيير والإباحة "امتناع الجمع بين المتعاطفين في التخيير"، فلا يجوز أن يجمع بين زينب وأختها في التزويج، لامتناع الجمع بين الأختين، "وجوازه"؛ أي الجمع بين المتعاطفين؛ "في الإباحة"، فيجوز أن يجمع بين العلماء والزهاد في المجالسة2.
"وبعد الخبر"، وهو مقابل الطلب، أي الكلام الخبري الذي من شأنه أن يحتمل التصديق والتكذيب "للشك" من المتكلم "نحو: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْم} " [الكهف: 19] فـ"لبثنا" كلام خبري، و"أو" للشك من القائلين ذلك.
"أو للإبهام" على المخاطب "نحو: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} " [سبأ: 24] فـ"إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى": كلام خبري. و"أو في ضلال مبين": للإبهام، فيكون الشاهد في الثانية. وقال في المغني3: "الشاهد في الأولى".
وقال الدماميني: "الشاهد في الأولى والثانية"، والمعنى أن أحد الفريقين منا ومنكم ثابت له أحد الأمرين: كونه على هدى أو كونه في ضلال مبين، أخرج الكلام في صورة الاحتمال مع العلم بأن من وحد الله وعبده فهو على هدى، وأن من عبد غير الله من جماد أو غيره فهو في ضلال مبين. انتهى.
"وللتفصيل"؛ بالصاد المهملة؛ بعد الإجمال "نحو: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} " [البقرة: 135] فـ"قالوا" كلام خبري، وهو مشتمل على الواو العائدة على اليهود والنصارى، فذكر الفريقين على الإجمال بالضمير العائد إليهما، ثم فصل ما قاله كل فريق، أي: قالت اليهود: كونوا هودًا، وقالت النصارى: كونوا نصارى، فـ"أو" لتفصيل الإجمال في فاعل "قالوا" وهو الواو.
"أو للتقسيم نحو: الكلمة اسم أو فعل أو حرف". قاله ابن مالك في الخلاصة وأصلها، وعدل عنه في التسهيل4 وشرحه5 إلى التفريق المجرد.
__________
1 إضافة من "ب"، "ط".
2 انظر مغني اللبيب 1/ 63-64، شرح التسهيل 3/ 364.
3 مغني اللبيب 1/ 61، وسقط من "ب": "في المغني".
4 التسهيل ص176.
5 شرح التسهيل 2/ 362.(2/173)
"وللإضراب" كـ"بل" مطلقًا "عند الكوفيين وأبي علي" الفارسي وابن برهان، نحو: أنا أخرج، ثم تقول: أو أقيم، أضربت عن الخروج ثم أثبت الإقامة، فكأنك قلت: لا، بل أقيم. "حكى الفراء: اذهب إلى زيد أو دع ذلك فلا تبرح اليوم". نقله عنه في شرح الكافية1. ونقل ابن عصفور عن سيبويه أنه أثبت "لا" والإضراب بشرطين: تقدم نفي أو نهي، وتكرير العامل، نحو: لست زيدًا أو لست عمرًا، ولا تضرب زيدًا أو لا تضرب عمرًا.
"و" تكون "أو" "بمعنى الواو عند الكوفيين" والأخفش والجرمي2، "وذلك عند أمن اللبس، كقوله"، وهو حميد ين ثور الهلالي: [من الكامل]
674-
قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم ... ما بين ملجم مهره أو سافع
أي: وسافع، لأن البينية من المعاني النسبية التي لا يعطف فيها إلا بالواو كما تقدم.
ويحتمل أن تكون "أو" لأحد الأمرين على بابها، والمراد: بين فريق ملجم أو فريق سافع، على حد: اجلس بين العلماء أو الزهاد، والصريخ: صوت المستصرخ، والملجم: هو جاعل اللجام في محله من الفرس، والسافع، بالسين المهملة: هو الآخذ بناصية فرسه، ومنه: {لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ} [العلق: 15] وإلى معاني "أو" أشار الناظم بقوله:
551-
خير أبح قسم بأو وأبهم ... واشك وإضراب بها أيضًا نمي
552-
وربما عاقبت الواو إذا ... لم يلف ذو النطق للبس منفذا
"وزعم كثير من النحويين3 أن "إما" الثانية في الطلب والخبر"، فالأول "نحو: تزوج إما هندا وإما4 أختها، و" الثاني نحو: "جاءني إما زيد وإما عمرو, بمنزلة "أو" في العطف والمعنى"، فتكون بعد الطلب للتمييز والإباحة، وبعد الخبر للشك
__________
1 شرح الكافية الشافية 3/ 1221.
2 في الارتشاف 2/ 641: "الأخفش والجرمي وجماعة من الكوفيين والأزهري".
674- البيت لعمرو بن معدي كرب في ديوانه ص206، ولحميد بن ثور في ديوانه ص111، وشرح شواهد المغني 1/ 200، والمقاصد النحوية 4/ 146، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 218، وأوضح المسالك 3/ 379، وشرح ابن الناظم ص380، وشرح الأشموني 2/ 424، وشرح التسهيل 3/ 364، وشرح الكافية الشافية 3/ 1222، ومغني اللبيب 1/ 63، وأساس البلاغة "سفع"، "صرخ".
3 في "ب": "وزعم أكثر الكوفيين".
4 في "ب": "أو إما".(2/174)
والإبهام وللتفصيل، نحو: {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3] فانتصابهما على هذا على الحال المقدرة، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
553-
ومثل أو في القصد إما الثانيه ... .................................
"وقال أبو علي وابن كيسان وابن برهان" بفتح الباء والمنع من الصرف: "هي مثلها في المعنى فقط" لا في العطف، وإنما ذكروها في باب العطف لمصاحبتها لحرفه.
قال ابن عصفور1: "ويؤيده قوزلهم إنها مجامعة للواو" العاطفة "لزومًا، والعاطف لا يدخل على العاطف. وأما قوله"؛ وهو سعد بن قرط، لا الأحوص، خلافًا للجوهري: [من البسيط]
675-
يا ليتما أمنا شالت نعامتها ... أيما إلى جنة أيما إلى نار
"فشاذ" حذف الواو، "وكذلك فتح همزتها وإبدال ميمها الأولى" ياء شاذان أيضًا على سبيل الاجتماع، وإلا ففتح همزتها لغة تميمية وقيسية وأسدية. وشالت نعامها: كناية عن موتها، فإن النعامة باطن القدم، وشالت: ارتفعت، ومن مات ارتفعت رجلاه وانتكس رأسه وظهرت نعامة قدمه. ولا خلاف في أن "إما" الأولى غير عاطفة لاعتراضها بين العامل والمعمول نحو: قام إما زيد وإما عمرو، ونحو: رأيت إما زيدًا وإما عمرًا.
"وأما "لكن" فعاطفة خلافًا ليونس"، وتبعه ابن مالك في التسهيل2، "وإنما تعطف بشروط" ثلاثة: "إفراد معطوفها"، وأن تسبق بنفي أو نهي" عند البصريين، وإليه أشار الناظم بقوله:
554-
وأول لكن نفيًا أو نهيًا.... ... ..............................
"وأن لا تقترن بالواو" عند الفارسي والأكثرين3. فالنفي "نحو: ما مررت
__________
1 المقرب 1/ 229.
675- البيت للأحوص في ملحق ديوانه 221، ولسان العرب 14/ 46 "أما"، ولسعد بن قرط في خزانة الأدب 11/ 86، 87، 88، 90، 92، والدرر 2/ 441، وشرح شواهد المغني 1/ 186، وشرح عمدة الحافظ 643، والمحتسب 1/ 284، 2/ 314، والمقاصد النحوية 4/ 153، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 382، وتذكرة النحاة 120، وشرح ابن الناظم ص382، وشرح الأشموني 2/ 425، وشرح التسهيل 3/ 366، وشرح المرادي 3/ 216، وشرح الكافية الشافية 3/ 1229، وشرح المفصل 6/ 75، ومغني اللبيب 1/ 59، وهمع الهوامع 2/ 135.
2 التسهيل ص174.
3 انظر شرح ابن الناظم ص382، والكتاب 1/ 262، 267، ومغني اللبيب 1/ 293.(2/175)
برجل صالح لكن طالح"، بالجر سماعًا، فقيل: عطف على صالح، وقيل: بجار مقدر، أي: لكن مررت بطالح، وجاز إبقاء عمل الجار بعد حذفه لقوة الدلالة عليه بتقدم ذكره.
"و" النهي "نحو: لا يقم زيد لكن عمرو". "وهي حرف ابتداء" جيء به لمجرد إفادة الاستدراك، وليست عاطفة "إن تلتها جملة" لعدم إفراد معطوفها، "كقوله"؛ وهو زهير ابن أبي سلمى؛ بضم السين: [من البسيط]
676-
إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره ... لكن وقائعه في الحرب تنتظر
فـ"وقائعه" مبتدأ، و"تنتظر": خبره و"لكن" الداخلة على هذه الجملة حرف ابتداء، و"ابن ورقاء" بالمد: هو الحارث الصيداوي، و"ورقاء": أبوه، والبوادر: جمع بادرة، وهي الحدة.
"أو تلت" لكن "واوًا" فهي حرف ابتداء أيضًا وليست بعاطفة، لأن من شرط عطفها أن لا تقترن بالواو، "نحو": {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ " وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ "} [الأحزاب: 40] فـ"لكن" حرف ابتداء، و"رسول الله": خبر لـ"كان" المحذوفة، "أي: ولكن كان رسول الله.
وليس "رسول الله" المنصوب معطوفًا بالواو" الداخلة على "لكن" على "أبا أحد" من عطف مفرد على مفرد، كما هو مذهب يونس من كون "لكن" حرف استدراك، والعاطف الواو, "لأن متعاطفي الواو المفردين لا يختلفان بالسلب والإيجاب" لأن المعطوف عليه هنا منفي، والمعطوف موجب، بخلاف الجملتين المتعاطفتين بالواو، فيجوز تخالفهما إيجابًا وسلبًا، نحو: ما قام زيد وقام عمرو، أو: قام زيد ولم يقم عمرو1.
وزعم ابن أبي الربيع أن "لكن" حين اقترانها بالواو عاطفة جملة على جملة2، وأنه ظاهر قول3 سيبويه4. "أو سبقت بإيجاب، نحو: قام زيد لكن عمرو لم يقم" فـ"لكن": حرف ابتداء واستدراك، وعمرو: مبتدأ، و"لم يقم": خبره. "ولا يجوز:
__________
676- البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص306، والجنى الداني ص589، والدرر 2/ 456، وشرح شواهد المغني 2/ 703، واللمع ص180، ومغني اللبيب 1/ 292، والمقاصد النحوية 4/ 178، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 385، وشرح الأشموني 2/ 472، وهمع الهوامع 2/ 137.
1 نقله المؤلف عن مغني اللبيب 1/ 293.
2 انظر الارتشاف 2/ 646، ومغني اللبيب 1/ 292.
3 في "ب": "كلام".
4 الكتاب 1/ 262، 267، وشرح ابن الناظم ص382.(2/176)
لكن عمرو" بالإفراد "على أنه معطوف" على زيد، لفوات شرطه1، وهو النفي أو النهي، "خلافًا للكوفيين" في إجازتهم ذلك، وليس بمسموع.
"وأما "بل" فيعطف بها بشرطين: إفراد معطوفها، وأن تسبق بإيجاب2 أو أمر أو نفي أو نهي، ومعناها بعد الأولين"؛ وهما الإيجاب والأمر؛ "سلب الحكم عما قبلها" حتى كأنه مسكوت عنه، ولم يحكم عليه بشيء، "وجعله لما بعدها، كـ: قام زيد بل عمرو، و: ليقم زيد بل عمرو"، فالقيام في المثالين ثابت لعمرو ومسلوب عن زيد.
"و" معناها "بعد الأخيرين" وهما النفي والنهي "تقرير حطم ما قبلها" من نفي أو نهي على حاله، "وجعل ضده لما بعدها، كما أن "لكن" كذلك، كقولك: ما كنت في منزل ربيع بل أرض لا يهتدى بها"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
555-
وبل كلكن بعد مصحوبيها ... كلم أكن في مربع بل تيها
فتقرر نفي الكون في منزل الربيع3 عن نفسك وتثبت لها الكون في أرض لا يهتدى بها، "ولا يقم زيد بل عمرو"، فتقرر نهي زيد عن القيام وتأمر عمرًا بالقيام.
"وأجاز المبرد" وعبد الوارث مع هذا "كونها ناقلة معنى النفي والنهي لما بعدها4، فيجوز على قوله" وقول عبد الوارث: "ما زيد قائمًا بل قاعدًا" بالنصب "على معنى: بل ما هو قاعدًا". واستعمال العرب على خلاف ما أجازاه، ويلزمهما أن لا تعمل "ما" في "قائمًا" شيئًا؛ لأن شرط عملها بقاء النفي في المعمول، وقد انتقل عنه "ومذهب الجمهور أنها لا تفيد نقل حكم ما قبلها لما بعدها إلا بعد الإيجاب والأمر"5 وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
556-
وانقل بها للثان حكم الأول ... في الخبر المثبت والأمر الجلي
"نحو: قام زيد بل عمرو واضرب زيدًا بل عمرًا". قال المرادي6 تبعًا للشارح: فهي في ذلك لإزالة الحكم عما قبلها حتى كأنه مسكوت عنه، وجعله لما بعدها. انتهى.
__________
1 في "ب": "شرط".
2 انظر مغني اللبيب 1/ 292.
3 في "ب": "المربع".
4 انظر شرح ابن الناظم ص384.
5 انظر شرح التسهيل 3/ 368، ومغني اللبيب 1/ 112.
6 شرح المرادي 3/ 224.(2/177)
فالقائم عمرو دون زيد، والمأمور بضربه عمرو دون زيد. وتزاد "لا" قبل "بل"1 لتوكيد الإضراب بعد الإيجاب، ولتوكيد تقرير ما قبلها بعد النفي، فالأول كقوله: [من الخفيف]
677-
وجهك البدر لا بل الشمس لو لم ... يقض للشمس كسفة أو أفول
والثاني كقوله: [من البسيط]
678-
وما هجرتك لا بل زادني شغفا ... هجر وبعد تراخي لا إلى أجل
"وأما "لا" فيعطف بها بشروط ثلاثة: إفراد معطوفها، وأن تسبق بإيجاب أو أمر اتفاقًا"، فالأول "كـ: هذا زيد لا عمرو، و" الثاني نحو: "اضرب زيدًا لا عمرًا". زاد سيبويه2: "أو نداء، خلافا لابن سعدان" بفتح السين، في منعه ذلك، وزعمه أنه ليس من كلام العرب، "نحو: يابن أخي لا ابن عمي، وأن لا يصدق أحد متعاطفيها على الآخر. نص عليه السهيلي" في "نتائج الفكر" فقال3: وشرط "لا" أن يكون الكلام الذي قبلها يتضمن بمفهوم الخطاب نفي ما بعدها. ونص عليه ايضًا الأبدي في "شرح الجزولية" وزاد: فيكون الأول لا يتناول الثاني. وتبعهما أبو حيان4. قال الموضح: "وهو حق، فلا يجوز: جاءني رجل لا زيد"، لأن الرجل يصدق على زيد، "ويجوز5: جاءني رجل لا امرأة" إذ لا يصدق أحدهما على الآخر. قال البدر الدماميني: ما ذكره السهيلي والأبدي مبني على صحة مفهوم اللقب، وقد تقرر في الأصول أنه غير معتبر على الصحيح، مع أن بعض المتأخرين استشكل منع مثل: قام [رجل لا زيد، فإنه مثل] 6: قام رجل وزيد، في صحة التركيب، فإن امتنع: قام رجل وزيد،
__________
1 سقطت من "ب".
677- البيت بلا نسبة في الدرر 2/ 450، وشرح التسهيل 3/ 370، ومغني اللبيب 2/ 113، وهمع الهوامع 2/1 136، والمقتضب 4/ 298.
678- البيت بلا نسبة في الدرر 2/ 452، وشرح الأشموني 2/ 429، وشرح شواهد المغني 1/ 348، ومغني اللبيب 1/ 113، وهمع الهوامع 2/ 126.
2 الكتاب 2/ 186.
3 نتائج الفكر ص202-203.
4 الارتشاف 2/ 645.
5 في "ب": "ونحو".
6 ما بين المعكوفين ورد مكانه في "ب": "قام زيد لا عمرو، فإنه في مثل".(2/178)
ففي غاية البعد لأنك إن أردت بالرجل الأول زيدًا كعطف الشيء على نفسه تأكيدًا، فلا مانع منه إذا قصد الإطناب، وإن أردت بالرجل غير زيد كان كعطف الشيء على غيره، ولا مانع منه، ويصير على هذا التقدير مثل: قام رجل لا زيد، في صحة التركيب، وإن كان معنياهما1 متعاكسين، وللبحث فيه مجال. انتهى.
قال الزجاجي في كتاب معاني الحروف2: وأن لا يكون المعطوف عليه معمول فعل ماض، فلا يجوز عنده، جاءني زيد لا عمرو. قال: لأن العامل يقدر بعد العاطف، ولا يقال: لا جاء عمرو، إلا على الدعاء، ويرده أنه: لو توقفت صحة العطف على صحة تقدير العامل بعد العاطف لامتنع: ليس زيد قائمًا ولا قاعدًا. قاله في المغني3.
وجوابه أن علة المنع عنده ترجع إلى إلباس الخبر بالطلب، وهو الدعاء، وذلك لا يتأتى في مسألة "ليس". والحق أنه لا يشترط تقدير العامل بعد العاطف بدليل جواز: اختصم4 زيد وعمرو، ورأيت ابني زيد وعمرو، وإن زيدًا لا عمرًا قائمان. والدليل على صحة ما قلناه قول العرب: "جدك لا كدك"5 قيل في تفسيره: نفعك جدك6. و"قوله"؛ وهو امرؤ القيس الكندي: [من الطويل] .
679-
كأن دثارا حلقت بلبونه ... عقاب تنوفي لا عقاب القواعل
فعطف "عقاب العواقل" على "عقاب تنوفى" وهو فاعل فعل ماض، وهو "حلقت" ودثار، بالمثلثة: اسم راع، وحلقت: ذهبت، و"لبونه" بالإضافة: الإبل ذات اللبن، وعقاب: واحدة العقبان طائر معروف، وتنوفى: بفتح التاء المثناة فوق والفاء، كـ: جلولا،
__________
1 في "ب": "معنياها".
2 حروف المعاني ص31، وانظر شرح ابن الناظم ص383.
3 مغني اللبيب 1/ 242.
4 في "ب": "اختصما".
5 من الأمثال في مجمع الأمثال 1/ 172، وجمهرة الأمثال 1/ 297، 302، وكتاب الأمثال لابن سلام 193.
6 في شرح ابن الناظم ص383: "قيل في تفسيره: نفعك جدك لا كدك".
679- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص94، وجمهرة اللغة ص949، والجنى الداني ص295، وخزانة الأدب 11/ 177-178، 181، 184، والخصائص 3/ 191، وشرح ابن الناظم ص383، وشرح شواهد المغني 1/ 441، 2/ 616، وشرح الكافية الشافية 3/ 1232، ومغني اللبيب 1/ 242، والمقاصد النحوية 4/ 154، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 388، وشرح الأشموني 2/ 427، ومجالس ثعلب 466 والممتع في التصريف 1/ 104.(2/179)
مقصور للضرورة: ثنية1 مشرفة قرب القواعل. قاله في القاموس2. وقال في المغني3: إنه جبل عال، والقواعل، بالقاف وكسر العين المهملة: جبال صغار.
والمعنى: كأن هذا الراعي ذهبت بإبله، التي يرعاها عقاب من عقبان تنوفى، فطارت بها وارتفعت، فهو لا يستطيع ردها ولا يطمع فيها؛ لإعقاب هذه الجبال الصغار، لعدم ارتفاعها. واقتصر الناظم على قوله:
554-
........................ ولا ... نداء او أمرًا أو اثباتًا تلا
فـ"نداء وما عطف عليه: مفعول مقدم بـ"تلا"، و"تلا": خبر "لا"، والتقدير: ولا تلا نداء أو أمرًا أو إثباتًا. وإياك أن تظن أن "لا" معطوف على "لكن" كما ظن المرادي4، فتزل، هذا إذا لم تقترن بعاطف ولم يكن مدخولها مفردًا صفة لموصوف مذكور، أو خبرًا، أو حالا، فإن اقترنت بعاطف نحو: جاء زيد لا بل عمرو، فالعاطف "بل" و"لا" رد لما قبلها، وليست عاطفة، قاله في المغني3. وإن كان مدخولها مفردًا صفة لسابق، أو خبرًا، أو حالا، فليست عاطفة، ووجب تكرارها، نحو: {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْر} [البقرة: 68] . ونحو: زيد لا شاعر ولا كاتب، وجاء زيد لا ضاحكًا ولا باكيًا. قاله في المغني5.
__________
1 في "ب": "تثنية".
2 القاموس المحيط "جلو".
3 مغني اللبيب 1/ 242.
3 شرح المرادي 3/ 222.
5 مغني اللبيب 1/ 244.(2/180)
فصل:
"يعطف عل الظاهر والضمير المنفصل" مرفوعًا كان أو منصوبًا، "والضمير المتصل المنصوب بلا شرط"، فالعطف على الظاهر "كـ: قم زيد وعمرو"، والعطف على الضمير المنفصل المرفوع، نحو: أنا وأنت قائمان، "و" المنصوب نحو: "إياك والأسد"، وعلى الضمير المتصل المنصوب "نحو: {جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} [المرسلات: 38] فـ"الأولين": معطوف عل الكاف والميم. "ولا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل، بارزًا كان أم مستترًا إلا بعد توكيده" بتوكيد لفظي مرادف له، بأن يكون "بضمير منفصل، نحو: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ} " [الأنبياء: 54] ونحو: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [الأعراف: 19] في أحد الوجهين، أو بتوكيد معنوي، كقوله: [من الوافر]
680-
ذعرتم أجمعون ومن يليكم ... برؤيتنا وكنا الظافرينا
"أو" بعد "وجود فاصل أي فاصل كان بين المتبوع"، وهو المعطوف عليه، "والتابع"، وهو المعطوف، نحو: {يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} " [الرعد: 23] فـ"من صلح": معطوف على الواو في "يدخلونها" والفاصل بينهما الهاء. "أو" وجود "فصل بـ: لا" النافية "بين العاطف"، وهو حرف العطف، "والمعطوف"، فيكتفى بذلك عن الفصل بين المتعاطفين، "نحو: {مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا} " [الأنعام: 148] فـ"آباؤنا" معطوف على "نا" و"لا" فاصلة بين العاطف، وهو الواو، والمعطوف، وهو "آباؤنا". "وقد اجتمع الفصلان" الفصل بالتوكيد بين التابع والمتبوع، والفصل بـ"لا" بين العاطف والمعطوف "في نحو: {مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ} " [الأنعام: 91] فـ"آباؤكم" معطوف على الواو في "تعلموا" وفصل بينهما بالتوكيد بـ"أنتم".
والفصل بـ"لا" بين الواو و"آباؤكم" مقو لذلك، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
__________
680- البيت بلا نسبة في شرح التسهيل 3/ 373.(2/181)
557-
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل
558-
أو فاصل ما........... ... .........................
"ويضعف" العطف على الضمير المرفوع المتصل "بدون ذلك"، لأنه يوهم العطف على عامل الضمير، لأن الضمير المرفوع المتصل ينزل من عامله منزلة الجزء، "كـ: مررت برجل سواء والعدم"، بالرفع عطفًا على الضمير المستتر في "سواء" لأنه مؤول بمشتق، "أي: مستو هو والعدم"، وليس بينهما فصل، "وهو فاش في الشعر"، وإليه أشار الناظم بقوله:
558-
.................... وبلا فصل يرد ... في النظم فاشيا................
"كقوله"؛ وهو جرير في هجو الأخطل: [من الكامل]
681-
ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه ... ما لم يكن وأب له لينالا
فعطف "أب" على الضمير المستتر في "يكن" ولم يكن بينهما فاصل.
وأما ما رواه البخاري في صحيحه من قوله -صلى الله عليه وسلم: "كنت وأبو بكر وعمر"، "وفعلت وأبو بكر وعمر"، "وانطلقت وأبو بكر وعمر" 1 من غير فصل، فيحتمل أنه مروي بالمعنى، "ولا يكثر العطف على الضمير المخفوض إلا بإعادة الخافض"2، وإليه أشار الناظم بقوله:
559-
وعود خافض لدى عطف على ... ضمير خفض لازما قد جعلا
"حرفا كان" الخافض "أو اسما"، سواء كان مخفوض الاسم مرفوع المحل كـ: قيامك، أو منصوبه، كـ: ضربك، إذا قدرت الكاف مفعولا به، أو كان لا محل له من رفع أو نصب كـ: غلامك. فالحرف "نحو: {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ} " [فصلت: 11] فـ"الأرض" معطوف3 على الهاء المخفوضة باللام، "و" أعيدت مع المعطوف والاسم، نحو: " {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ} " [البقرة: 133] فـ"آبائك" معطوف على الكاف المخفوضة
__________
681- البيت لجرير في ديوانه 507، والدرر 2/ 459، وشرح ابن الناظم ص385، وشرح التسهيل 3/ 374، والمقاصد النحوية 4/ 160، وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 476، وأوضح المسالك 3/ 390، وشرح الأشموني 2/ 492، والمقرب 1/ 234، وهمع الهوامع 2/ 138.
1 أخرجه البخاري في فضائل الصحابة برقم 347.
2 في شرح ابن عقيل 2/ 239 أنه مذهب الجمهور، وفي شرح ابن الناظم ص487، أنه مذهب الأكثرين، وفي الإنصاف 2/ 466، أنه مذهب البصريين.
3 في "ب"، "ط": "معطوفة".(2/182)
بإضافة "إله" إليها، وأعيد المضاف وهو "إله"1 مع المعطوف، والأصل: فقال لها والأرض، ونعبد إلهك وآبائك. وإنما أعيد الخافض فيهما؛ لأن الضمير المخفوض كالتنوين في شدة اللزوم، قاله الحوفي.
وكما لا يعطف على التنوين لشدة لزومه لا يعطف على ما أشبهه. "وليس" عود الخافض "بلازم وفاقًا ليونس والأخفش والكوفيين"، وتبعهم الناظم فقال:
560-
وليس عندي لازما إذ قد أتى ... في النثر والنظم الصحيح مثبتا
"بدليل قراءة ابن عباس والحسن" البصري "وغيرهما"، كحمزة: "تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ" [النساء: 1] بالخفض2 عطفا على الهاء المخفوضة بالباء، "وحكاية قطرب" عن العرب: "ما فيها غيره وفرسه"3، بالخفض عطفًا على الهاء المخفوضة بإضافة "غير" إليها، وليس في القراءة، والحكاية إعادة خافض، لا حرف في الأولى ولا مضاف في الثانية. "قيل: و" يحتمل أن يكون "منه"؛ أي من العطف على الضمير المخفوض من غير إعادة خافض: " {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} " [البقرة: 217] . فـ"المسجد الحرام" عطف على الهاء المخفوضة بالباء، ولو اعيدت لقيل: وبالمسجد الحرام، "إذ ليس العطف على: سبيل" المخفوض بـ"عن" خلافًا للزمخشري4. "لأنه صلة المصدر" وهو "صد" فإنه متعلق به، "وقد عطف عليه"؛ أي على المصدر "كفر، و" القاعدة أنه "لا يعطف على المصدر حتى تكمل معمولاته".
فلو عطف "المسجد الحرام" على السبيل لكان من جملة معمولات "صد" لأن المعطوف على معمول المصدر من جملة معمولاته، ومتى كان للمصدر معمولات لا يعطف عليه إلا بعد تمامها، فلما عطف عليه علمنا أنه ليس من جملة معمولاته، وأنه معطوف على الهاء من "به" إذ ليس معنا سواهما، وقد انتفى أحدهما فتعين الآخر. لا يقال:
__________
1 سقطت من "ب".
2 الرسم المصحفي: {وَالْأَرْحَامَ} بالنصب، والقراءة المستشهد بها قرأها أيضًا المطوعي والأعمش انظر الإتحاف ص185، والبحر المحيط 3/ 157، والنشر 2/ 247، والقراءة من شواهد أوضح المسالك 3/ 392، وشرح ابن عقيل 2/ 240، وشرح ابن الناظم ص386، وشرح المفصل 8/ 53، والخصائص 1/ 285، والإنصاف 2/ 463.
3 ورد هذا القول في شرح ابن الناظم ص386.
4 في الكشاف 1/ 131 أن "المسجد الحرام" عطف على "سبيل الله"، ولا يجوز أن يعطف على الهاء في "به". وانظر شرح ابن الناظم ص387.(2/183)
الحصر ممنوع؛ لجواز أن يكون معمولا لمصدر محذوف، والتقدير: وصد عن المسجد الحرام، لأنا نقول: المصدر لا يعمل محذوفًا عند المحققين، وإن كان بعضهم نقله عن سيبويه.
وقال في المغني1: والصواب أن خفض المسجد بباء محذوفة لدلالة ما قبلها عليها لا بالعطف، ومجموع الجار والمجرور عطف على "به" ... انتهى.
"ويعطف الفعل على الفعل بشرط اتحاد زمانيهما" في المضي والاستقبال، "سواء اتحد نوعاهما" في الفعلية، كأن يكونا مضارعين أو ماضيين، ولا يشترط اتحادهما في المادة، "نحو: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ} " [الفرقان: 49] فـ"نسقيه": معطوف على "نحيي" بدليل ظهور النصب في لفظه نحو: " {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} " [محمد: 36] فعطف "تتقوا" على "تؤمنوا" و"يسألكم" على "يؤتكم" من عطف الشرط على الشرط، والجواب على الجواب، بدليل ظهور الجزم فيهما. ونحو: قام وقعد أخوك. "أم اختلفا نوعًا". فيعطف الماضي على المضارع، وعكسه، فالأول "نحو: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} " [هود: 98] فـ"أورد" معطوف على "يقدم" وزمانهما مستقبل، "و" الثاني "نحو: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ} الآية" وتمامها: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} [الفرقان: 10] فعطف "يجعل" وهو مضارع على "جعل" وهو ماض لاتحاد زمانيهما في الاستقبال، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
563-
....................................... ... وعطفك الفعل على الفعل يصح
"ويعطف الفعل" الماضي أو المضارع2 "على الاسم المشبه له في المعنى، نحو: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا، فَأَثَرْنَ بِهِ} " [العاديات: 3-4] ، "ونحو: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} " [الملك: 19] فعطف في الأولى "أثرن" وهو ماض على "المغيرات" وهو اسم فاعل مشبه للفعل في المعنى لأنه في تأويل "واللاتي أغرن"، وعطف في الثانية "يقبضن" وهو مضارع على صافات" لأنها في معنى "يصففن". قيل: والذي حسن ذلك تأويل "يقبضن" بـ"قابضات" و"أثرن" بـ"مثيرات". "ويجوز العكس"، وهو عطف الاسم المشبه للفعل في المعنى على الفعل الماضي أو المضارع "كقوله": [من الرجز]
682-
يا رب بيضاء من العواهج ... أم صبي قد حبا أو دارج
__________
1 مغني اللبيب 2/ 541.
2 في "ب": "ماضيا كان أو مضارعًا".
682- تقدم تخريج الرجز برقم 117.(2/184)
فعطف "دارج" على "حبا" لتأويل "دارج" بـ"درج" أو "حبا" بـ"حاب". والعواهج: جمع عوهج، وهي في الأصل الطويلة العنق من الظباء والنوق. والمراد بها هنا المرأة التامة الخلق.
ويجوز في "أم" الجر على البدلية من "بيضاء"، والرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف. ولا يجوز نصبها إلا على القطع، وقول العيني1: "أم صبي" بالنصب: عطف بيان لـ"بيضاء" سهو، لأن بيضاء مجرورة بـ"رب"، لا منصوبة، وفتحتها نائبة عن الكسرة، لأنها غير منصرفة لألف التأنيث الممدودة.
"وجعل منه" أي "الناظم" في شرح التسهيل2 من عطف الاسم على الفعل: " {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} " [الأنعام: 95] فقدر "مخرج" معطوفًا على "يخرج" لتأول "مخرج" بـ"يخرج". "وقدر الزمخشري عطف: مخرج، على: فالق" فيكون من عطف الاسم على الاسم3. ولكل منهما مرجحان:
فيرجح الأول سلامته من الفصل بين المتعاطفين بجملة، وذكر الشيء مقابله، ويرجح الثاني عدم التأويل، والتوافق بين نوعي المتعاطفين، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
564-
واعطف على اسم شبه فعل فعلا ... وعكسه استعمل تجده سهلا
__________
1 المقاصد النحوية 4/ 174.
2 شرح التسهيل 3/ 383.
3 الكشاف 2/ 28.(2/185)
فصل:
"تختص الفاء والواو بجواز حذفهما مع معطوفهما للدليل"، وتشاركهما في ذلك "أم" المتصلة، "مثاله في الفاء: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ} " [الأعراف: 160] أي فضرب فانبجست، وهذا الفعل المحذوف معطوف على "أوحينا" من قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ} و"انبجست" معطوف على "ضرب" المحذوف ووقع في بعض النسخ مكان "فانبجست": فانفجرت. "أي فضرب فانفجرت، وهذا الفعل المحذوف معطوف على: أوحينا"، وهو سهو، لأن "انفجرت" في البقرة، وليس في آيتها "أن" ولا "أوحينا"، وتلاوتها: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} [البقرة: 60] وتسمى الفاء1 العاطفة على مقدر فصيحة. "ومثاله في الواو قوله" وهو النابغة الذبياني: [من الطويل]
683-
فما كان بين الخير لو جاء سالما ... أبو حجر إلا ليال قلائل
فحذف الواو ومعطوفها "أي: بين لخير وبيني". وأبو حجر. بضم الحاء المهملة1 والجيم: كنية النعمان بن الحارث الغساني.
"وقولهم: راكب الناقة طليحان" فـ"طليحان" خبر المبتدأ وما عطف عليه في التقدير؛ "أي": راكب الناقة "والناقة" طليحان، فحذف المعطوف مع العاطف بدليل تثنية الخبر، وإلا لأفراد. ويحتمال أن يكون الأصل: أحد طليحين، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، كما قاله الموضح في شرح بانت سعاد2 فلا دليل فيه. والطليح، بفتح الطاء المهملة وكسر اللام وآخره حاء مهملة، من قولهم: طلح البعير، إذا أعيا.
__________
1 سقطت من "ب".
683- البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص120، وشرح ابن الناظم ص389، وشرح عمدة الحافظ ص648، والمقاصد النحوية 4/ 167، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 396، وشرح الأشموني 2/ 430.
2 إضافة من "ب".(2/186)
ومثاله في "أم" قول أبي ذؤيب: [من الطويل]
684-
.......................................... ... ....... فما أدري أشكلكم شكلي
قال أبو الفتح: أي: فما أدري أطريقكم طريقي أم غيره، فحذف، واقتصر الموضح على ذكر الفاء والواو تبعًا لقول الناظم:
561-
والفاء قد تحذف مع ما عطفت ... والواو إذ لا لبس..................
"وتختص الواو بجواز عطفها عاملا قد حذف وبقي معموله، مرفوعًا كان نحو: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} " [البقرة: 35] فـ"زوجك" فاعل بفعل محذوف معطوف على "اسكن" "أي: وليسكن زوجك"، فهو من عطف الأمر على الأمر. "أو منصوبًا نحو: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} " [الحشر: 9] فـ"الإيمان" مفعول بفعل محذوف معطوف على تبوءوا "أي: وألفوا الإيمان" فهو من عطف جملة على جملة. "أو مجرورًا نحو: ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة"1 فـ"بيضاء" مجرور بمضاف محذوف معطوف على "كل" أي: ولا كل بيضاء.
"وإنما لم يجعل العطف فيهن" أي في الأمثلة الثلاثة "على الموجود في الكلام بدون حذف، "لئلا يلزم في" المثال "الأول" وهو: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] "رفع فعل الأمر" وهو "اسكن" "للاسم الظاهر" وهو "زوجك".
بيان الملازمة أنه لو جعل "زوجك" معطوفًا على فاعل "اسكن" المستتر فيه لكان [شريكه في عامله، والأمر بالصيغة لا يرفع ظاهرًا، فلا يعطف على فاعله ظاهر.
وقد يقال: يغتفر في الثواني] 2 ما لا يغتفر في الأوائل، "ورب شيء يصح تبعًا ولا يصح استقلالا، كالحاج عن غيره، يصلي عنه ركعتي الطواف، ولو صلى أحد عن غيره ابتداء لم يصح على الصحيح"، كما قاله في المغني3. وفي التسهيل4: لا يشترط في صحة العطف وقوع المعطوف موقع المعطوف عليه. انتهى. ولو سلم فاجتماع حذف الفعل وحذف حرف
__________
684- تتمة البيت:
وقال صحابي قد غبنت وخلتني ... غبنت........................
وهو في ديوان الهذليين 1/ 36.
1 المثل في الفاخر ص195، وجمهرة الأمثال 2/ 266، 287/ والمستقصى 2/ 328، ومجمع الأمثال 1/ 281، وهو من شواهد الكتاب 1/ 65، وأوضح المسالك 1/ 397، وشرح ابن الناظم ص387.
2 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
3 مغني اللبيب 1/ 56.
4 التسهيل ص177.(2/187)
الأمر شاذ، كما سيأتي1 له في باب التحذير، فلا يحسن تخريج التنزيل عليه. "و" لئلا يلزم "في" المثال "الثاني" وهو: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9] "كون الإيمان متبوأ".
بيان الملازمة أنه لو جعل الإيمان معطوفًا على "الدار" لكان معمولًا لـ"تبوؤوا" لأن المعطوف يشارك المعطوف عليه في عامله، وهو فاسد من جهة المعنى، لأن الإيمان لا يتبوأ "وإنما يتبوأ المنزل"، إذ التبوؤ: التهيؤ، يقال: بوأت له منزلا، أي: هيأته له.
وفي إعراب الحوفي في سورة آل عمران: يقال: تبوأ فلان الدار، إذا لزمها. انتهى. فعلى هذا يصح العطف ولا يحتاج إلى تقدير عامل آخر. "و" لئلا يلزم "في" المثال "الثالث" وهو "ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة" "العطف على معمولي عاملين مختلفين".
بيان الملازمة أن "سوداء" معمول "كل" وتمرة: معمول "ما"، فلو عطف "بيضاء" على "سوداء" و"شحمة" على "تمرة" لزم العطف على معمولي عاملين، وذلك لا يجوز على الأصح عند سيبويه والأكثرين2، وأجاز الأخفش العطف على معمولي عاملين إن كان أحدهما جار أو اتصل المعطوف بالعطف، أو انفصل بـ"لا" كهذا المثال.
وقيل: يجوز مطلقًا. حكاه الفارسي وابن الحاجب عن الفراء3، والأصح في التسهيل4 المنع مطلقًا، لأن العاطف حرف ضعيف لا ينوب عن عاملين. قال في المغني5: والحق جواز العطف على معمولي عاملين في نحو: في الدار زيد، والحجرة عمرو. انتهى.
واتفقوا على أنه لا يجوز العطف على معمولي عاملين مختلفين إن تأخر المجرور عن المرفوع أو المنصوب، فلا يقال: دخل زيد إلى عمرو وبكر خالد، وإن زيدًا في الدار وعمرًا الحجرة، للفصل بين نائب الجار؛ وهو العاطف؛ والمجرور6. قاله السيد عبد الله.
"ولا يجوز في" المثال "الثاني كون الإيمان مفعولا معه، لعدم الفائدة في تقييد" الأنصار المعطوفين على "المهاجرين بمصاحبة الإيمان، إذ هو أمر معلوم"، وإلى
__________
1 سقطت من "ب".
2 الكتاب 1/ 65-66، وانظر مغني اللبيب 2/ 486.
3 في مغني اللبيب 2/ 486: نقله الفارسي عن جماعة، منهم الأخفش. وفي شرح الرضي 2/ 344: "قال ابن الحاجب: وإذا عطف على عاملين لم يجز، خلافًا للفراء".
4 التسهيل ص178.
5 مغني اللبيب 2/ 488.
6 انظر شرح الرضي 2/ 344-345 حيث ورد المثلان السابقان.(2/188)
هذه المسألة أشار الناظم بقوله:
561-
.............................. ... ............. وهي انفردت
562-
بعطف عامل مزال قد بقي ... معموله دفعًا لوهم اتقي
"ويجوز حذف المعطوف عليه بالواو والفاء" و"أم" المتصلة.
"فالأول": وهو حذف المعطوف عليه بالواو. "كقول بعضهم: "وبك وأهلا وسهلا" جوابا لمن قال له: "مرحبًا" بك"1. الواو الأولى لعطف جميع الكلام على كلام المتكلم الأول، والواو الثانية عاطفة على "مرحبًا" المقدرة، فهي لعطف المفردات وهي محل الاستشهاد. قاله في الحواشي. "والتقدير: ومرحبًا بك وأهلا". فـ"بك" متعلق بـ"مرحبًا"، و"أهلا" معطوف على "مرحبًا".
"والثاني": وهو حذف المعطوف عليه بالفاء، وهو خاص بالجمل، "نحو: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} [الزخرف: 5] فجملة "نضرب" معطوفة على جملة محذوفة "أي: أنهملكم"؛ بتقديم الهاء على الميم؛ "فنضرب، ونحو: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِم وَمَا خَلْفَهُمْ} [سبأ: 9] فجملة "لم يروا" معطوفة على جملة محذوفة؛ "أي: أعموا فلم يروا". وظاهره أن الفاء عطفت على جملة مقدرة بينها وبين الهمزة، وأن الهمزة في محلها الأصلي، وهو قول الزمخشري وطائفة. ومذهب سيبويه والجمهور أن الهمزة قدمت من تأخير تنبيها على أصالتها في التصدير، ومحلها الأصلي بعد الفاء، والأصل: فأنضرب، فألم يروا.
والثالث: وهو حذف المعطوف عليه بـ"أم" المتصلة نحو: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} [البقرة: 214] أي: أعلمتم أن الجنة حفت بالمكاره أم حسبتم ... وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
563-
وحذف متبوع بدا هنا استبح ... ....................................
__________
1 شرح ابن الناظم ص390، وشرح التسهيل 3/ 381.(2/189)
باب البدل
مدخل
...
باب البدل:
هذه التسمية للبصريين، واختلف في تسميته عن الكوفيين فقال الأخفش: يسمونه الترجمة والتبيين. وقال ابن كيسان: يسمونه التكرير1. والغرض منه2 أن يذكر الاسم مقصودًا بالنسبة بعد التوطئة لذكره بالتصريح بتلك النسبة إلى ما قبله لإفادة توكيد الحكم وتقريره، ولذلك يقولون: البدل في حكم تكرير العامل.
وقولهم: المبدل منه في حكم الطرح، إنما يعنون به من جهة المعنى غالبًا دون اللفظ بدليل جواز: ضربت زيدًا يده، إذ لو لم يعتد بزيد أصلا لما كان للضمير ما يعود عليه.
والبدل لغة العوض، "و" اصطلاحًا: "هو التابع المقصود بالحكم" المنسوب إلى متبوعه نفيًا أو إثباتًا بلا واسطة. هذا معنى قول الناظم:
565-
..... المقصود بالحكم بلا ... واسطة هو المسمى بدلا
"فخرج بالفصل الأول" وهو المقصود بالحكم، ثلاثة توابع: "النعت والبيان والتوكيد، فإنها مكملات للمقصود بالحكم" وهو متبوعها، وليست مقصودات بالحكم.
"وأما النسق فثلاثة أنواع:
[أحدها] 3: ما ليس مقصودًا بالحكم" أصلا، وهو المعطوف بـ"لا" بعد الإيجاب وبـ"بل" و"لكن" بعد النفي "كـ: جاء زيد لا عمرو، و: ما جاء زيد بل
__________
1 في الارتشاف 2/ 619 أن الكوفيين يسمونه بالترجمة والتبيين والتكرير.
2 الغرض من البدل هنا، نقله الشارح من شرح ابن الناظم ص393.
3 إضافة من "ب"، "ط".(2/190)
عمرو، أو: لكن عمرو". "أما الأول" وهو المعطوف بـ"لا" "فواضح" أمره, "لأن الحكم السابق" وهو إثبات المجيء لزيد "منفي عنه" بـ"لا" "وأما الآخران" وهما المعطوف بـ"بل" والمعطوف بـ"لكن" بعد النفي "فلأن الحكم السابق هو نفي المجيء، والمقصود به إنما هو الأول" دون الثاني.
"النوع الثاني: ما هو مقصود بالحكم هو وما قبله فيصدق عليه أنه مقصود بالحكم لا أنه" هو "المقصود" وحده، "وذلك كالمعطوف بالواو" إثباتًا أو نفيًا "نحو: جاء زيد وعمرو، وما جاء زيد ولا عمرو. وهذان النوعان" وهما الأول والثاني "خارجان بما خرج به النعت والتوكيد والبيان"، أما الأول فلأن المقصود بالحكم إنما هو المتبوع، وأما الثاني فلأن التابع ليس هو المقصود بالحكم وحده.
و"النوع الثالث: ما هو مقصود بالحكم دون ما قبله، وهذا هو المعطوف بـ"بل"1 بعد الإثبات، نحو: جاءني زيد بل عمرو"2. وفي بعض النسخ ذكر "لكن" بعد "بل" وهو إنما يتمشى على قول الكوفيين. "وهذا النوع خارج بقولنا: بلا واسطة، وسلم الجد بذلك للبدل.
وإذا تأملت ما ذكرته في تفسير هذا الحد، وما ذكره الناظم3 وابنه4 ومن قلدهما" من شراح النظم5 وغيره6 "علمت أنهم عن إصابة الغرض بمعزل. وأقسام البدل أربعة"7: أشار إليها الناظم بقوله:
566-
مطابقًا أو بعضا أو ما يشتمل ... عليه يلفى أو كمعطوف ببل
"الأول: بدل كل من كل: وهو بدل الشيء8 مما هو طبق معناه،
__________
1 بعده "ب": "ولكن".
2 بعده في "ب": "أو: لكن عمرو".
3 شرح التسهيل 3/ 231.
4 شرح ابن الناظم ص382-383.
5 مثل ابن عقيل في شرح الألفية 2/ 247.
6 مثل أبي حيان في الارتشاف 2/ 619.
7 كذلك قال ابن الناظم في شرحه ص393، وفي حاشية يس 1/ 155: "زاد بعضهم خامسًا وهو بدل كل من بعض. قال السيوطي: وقد وجدت له شاهدًا في التنزيل وهو قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} ... ", وذكر أبو حيان هذا القسم الخامس وقال: "إن الجمهور على نفيه. انظر الارتشاف 2/ 625.
8 بعده في "ب": "ومن الشيء".(2/191)
نحو: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 6-7] فـ"صرط الذين": بدل من "الصراط المستقيم" بدل كل من كل، "وسماه الناظم" في النظم "البدل المطابق"، وخالف الجماعة في تسميته بدل كل من كل، "لوقوعه في اسم الله تعالى، نحو: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} [إبراهيم: 1-2] فيمن قرأ بالجر"1، فـ"الله" بدل من "العزيز" بدل مطابق. ولا يقال فيه: بدل كل من كل، "وإنما" لم يقل ذلك، لأن كلا إنما "يطلق" على ما يقبل التجزيء، فعند الإطلاق تدل "كل، على ذي أجزاء، وذلك ممتنع هنا"، لأن الله تعالى منزه عن ذلك، ولا يحتاج البدل المطابق إلى ضمير يربطه بالمبدل منه، لأنه نفس المبدل منه في المعنى، كما أن الجملة التي هي نفس المبتدأ في المعنى لا تحتاج لرابط.
"والثاني: بدل بعض من كل: وهو بدل الجزء من كله، قليلا كان ذلك الجزء" بالنسبة إلى الباقي من المبدل منه، "أو مساويًا" له "أو أكثر" منه "كـ: أكلت الرغيف ثلثه"، فالثلث أقل من الباقي، وهو الثلثان، "أو نصفه"، فالنصف مساو للنصف الثاني، "أو ثلثيه"، فالثلثان أكثر من الثلث الباقي.
وذهب الكسائي وهشام إلى أن [بدل] 2 البعض لا يقع إلا على ما دون النصف فلا يسمى: أكلت الرغيف نصفه أو ثلثيه أو أكثره، بدل بعض عندهما. "ولا بد" في بدل البعض "من اتصاله بضمير يرجع إلى المبدل منه" ليربط البعض بكله. "مذكور" ذلك الضمير، متصل بالبدل أو بغيره، فالأول "كالأمثلة المذكورة" في قوله: ثلثه أو نصفه أو ثلثيه. "و" الثاني "كقوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} " [المائدة: 71] فـ"كثير" بدل من الواو الأولى فقط، والواو الثانية عائدة على "كثير" لأنه مقدم رتبة، والأصل؛ والله أعلم: ثم عموا كثير منهم وصموا. والذي حملنا على ذلك أنا لو جعلناه بدلا من الواوين معًا لزم توارد عاملين على معمول واحد، وإن جعلناه بدلا من أحدهما، وبدل من الآخر محذوف، فهو متوقف على إجازة حذف البدل، وإن جعلناه بدلا من الواو الثانية فقط بقيت الأولى بلا مفسر، وإن جعلناه مبتدأ، والجملة قبله3 خبره، فقال البيضاوي4: إنه ضعيف، لأن تقديم الخبر في مثله ممتنع. ا. هـ.
__________
1 وهي قراءة الجمهرو، وقرأ "اللهُ"؛ بالرفع: نافع وابن عامر وأبو جعفر والحسن. انظر الإتحاف ص271، والنشر 2/ 298.
2 إضافة من "ط".
3 في "ب": "بعده".
4 أنوار التنزيل 2/ 162.(2/192)
وأن جعلناه فاعلًا لأحد الفعلين على سبيل التنازع ففيه ضعف من وجهين: أحدهما: أنه يخرج على لغة أكلوني البراغيث. والثاني: أنه يجب أن يقدر في العامل المهمل ضمير مستتر راجع إلى "كثير" ووجوب استتار الضمير في فعل الغائبين من غرائب العربية، كما قاله في المغني1. وإن جعلناه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: العمي والصم كثير منهم، فهو تكلف.
"أو مقدر كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} " [آل عمران: 97] . فـ: "من استطاع": بدل من "الناس" بدل بعض من كل، والضمير العائد على المبدل منه مقدر؛ "أي: منهم". قال ابن إياز: قال النحويون: "من استطاع": بدل بعض2. وقال ابن برهان: بدل كل، واحتج بأن المراد بالناس المستطيع، فهو عام أريد به خاص، لأن الله عز وجل لا يكلف الحج من لا يستطيع. ا. هـ.
قال الموضح في الحواشي: والجماعة يقولون: عام مخصوص، ولا ضير3، لأن الكلام بآخره ومقصوده وليس بظاهره المحض من غير نظر إلى مقصوده، والحق أنهما محتملان. ا. هـ. وقال الكسائي: من: شرطية وجوابها محذوف، والتقدير: من استطاع فليحج. ورد بأن لا حاجة إلى الحذف مع إمكان تمام الكلام، وقال ابن السيد: مَنْ: فاعل "حج" والمصدر مضاف إلى مفعوله. ورد بأنه: يقتضي أنه يجب على جميع الناس أن مستطيعهم يحج، وذلك باطل4.
"والثالث: بدل الاشتمال". واختلف في المشتمل في بدل الاشتمال فقال الرماني: هو الأول. واختاره في التسهيل5، وعلله الجزولي بأن الثاني إما صفة للأول كـ: أعجبتني الجارية حسنها، أو مكتسب منه صفة نحو: سلب زيد ماله، فإن الأول اكتسب من الثاني كونه مالكًا. ورد بأنه يلزم منه أن يجيز: ضربت زيدًا عبده، على الاشتمال وهم قد منعوا ذلك. قاله أبو حيان في التذكرة6. وقال الفارسي في الحجة: المشتمل هو الثاني. قال: بدليل: سُرِق زيدٌ ثوبُهُ، ورد بـ: سرِقَ زيدٌ فرسُهُ.
__________
1 مغني اللبيب 2/ 367.
2 بعده في "ب": "من كل".
3 في "ب": "ولا ضير".
4 انظر شرح قطر الندى ص309.
5 التسهيل ص173.
6 تذكرة النحاة ص186.(2/193)
وقيل: لا اشتمال لأحدهما على الآخر، وإنما المشتمل المسند إلى الأول على معنى أن الإسناد إلى الأول لا يكتفى به من جهة المعنى، وإنما أسند إليه على قصد غيره مما يتعلق به، ويكون المعنى مختصًا بغير الأول. وهذا القول أفصح عنه السيرافي وأبو العباس1، ولهذا لا يجوز: ضُرِبَ زيدٌ عبدُهُ، على الاشتمال، لاكتفاء المسند بالأول.
وهذا المذهب قيل: إنه التحقيق، وإنه الذي نصره الأستاذ أبو إسحاق بن ملكون وقال2: إن النحويين؛ يعني أكثرهم؛ لم يفصحوا عنه كل الإفصاح، ولم يوضحوه كل الإيضاح، فلذلك اختاره الموضح وقال: "وهو بدل شيء من شيء يشتمل عامله على معناه اشتمالا بطريق الإجمال".
وقال في الحواشي: هذا هو الذي يظهر وبه قال المبرد والسيرافي وابن جني وابن الباذش وابن الأبرش وابن أبي العافية وابن ملكون، "وذلك كـ: أعجبني زيد علمه أو حسنه أو كلامه". ألا ترى أن الإعجاب مشتمل على زيد بطريق المجاز، وعلى علمه وحسنه وكلامه بطريق الحقيقة. "و" كذلك: "سرِقَ زيدٌُ ثوبُهُ أو فرسُهُ"، فإن زيدًا مسروق مجازًا والثوب والفرس مسروقان حقيقة، وهذا مطرد.
فإن قلت: فما تصنع بقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217] ؟ قلت: كلمة "عن" دالة على المجاوزة والسؤال متجاوز فاعله إلى الشهر وإلى القتال بطريقي الحقيقة والمجاز، كما بينا, فلا إشكال فيها. ا. هـ. ومع ذلك يرد عليه: زيد ماله كثير، إذا أعرب "ماله" بدلا من "زيد" إلا أن يقول: إن الابتداء مشتمل3 على زيد مجازًا وعلى ماله حقيقة. وأفاد بهذه الأمثلة أن بدل الاشتمال تارة يكون مصدرًا وتارة يكون غيره، وإذا كان مصدرًا فتارة يكون مكتسبًا كالعلم، وتارة يكون غير مكتسب، وغير المكتسب تارة يكون لازمًا كالحسن، وتارة يكون مفارقًا كالكلام، وغير المصدر تارة يكون مشتملا اشتمال الظرف على المظروف كالثوب، وتارة لا يكون كذلك، كالفرس، وبدأ بالمصدر لأنه الأكثر. "و" بدل الاشتمال "أمره في الضمير" الرابط له بالمبدل منه "كأمر بدل البعض"، ثم تارة يكون مذكورًا وتارة يكون مقدرًا.
"فمثال المذكور" المتصل بالبدل "ما تقدم من الأمثلة، و" مثال المتصل بغير البدل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217] فـ"قتال"
__________
1 المقتضب 1/ 27.
2 انظر قول ابن ملكون في تذكرة النحاة ص187.
3 في "ب": "اشتمل".(2/194)
بدل اشتمال من "الشهر" والرابط بينهما الهاء المجرورة بـ"في"1.
"ومثال" الضمير "المقدر: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ} [البروج: 4, 5] "أي: النار فيه"، وهو قول البصريين. "وقيل": لا تقدير، و"الأصل: ناره، ثم نابت "أل" عن الضمير"، وهو قول الكوفيين، والأخدود: شق في الأرض، وأصحابه ثلاثة: أنطيانوس الرومي بالشام، وبختنصر بفارس، ويوسف ذو نواس بنجران، شق كل واحد منهم شقًّا عظيمًا [في الأرض] 2، طوله أربعون ذراعًا، وعرضه اثنا عشر ذراعًا، وهو الأخدود، وملئوه نارًا، وقالوا: من لم يكفر، وإلا ألقي فيه، ومن كفر ترك. قاله الكواشي. وهذه الأبدال الثلاثة مسموعة، وزعم السهيلي أن بدل البعض والاشتمال من بدل الكل، قال: وذلك أن العرب تحذف المضاف، فإذا قالوا: أكلت الرغيف ثلثه، وأعجبني زيد علمه، فالمعنى: أكلت بعض الرغيف وأعجبني وصف زيد، ثم أبدل من البعض والوصف، ثم حذفا للدليل عليهما.
"والرابع: البدل المباين" للمبدل منه، "وهو ثلاثة أقسام، لأنه لا بد أن يكون مقصودًا" بالحكم "كما تقدم في الحد، ثم الأول" وهو المبدل منه، "إن لم يكن مقصودًا البتة ولكن سبق3 إليه اللسان فهو بدل الغلط، أي بدل عن اللفظ الذي هو غلط، لا أن البدل نفسه هو الغلط، كما قد يتوهم" من ظاهر اللفظ، "وإن كان" الأول "مقصودًا، فإن تبين بعد ذكره فساد قصده فبدل نسيان، أي بدل شيء ذكر نسيانًا.
وقد ظهر" من هذا4 التقرير "أن الغلط متعلق باللسان والنسيان متعلق بالجنان" وهو القلب، "والناظم" في قوله في النظم:
567-
................................ ... ودون قصد غلط به سلب
"وكثير من النحويين لم يفرقوا بينهما، فسموا النوعين بدل غلط"5، قال ابن
__________
1 في شرح ابن الناظم ص394: "لأن القتال في الشهر الحرام يستلزم معنى فيه، وهو ترك تعظيمه".
2 إضافة من "ط".
3 في "أ": "سبق".
4 سقطت من "ب".
5 منهم أبو حيان في الارتشاف 2/ 625، وابن عقيل في شرحه 2/ 249، وابن الناظم في شرحه 395، والمرادي في شرحه 3/ 253.(2/195)
عصفور1: وهذان النوعان جائزان قياسًا، ولم يرد بهما سماع. "وإن كان قصد كل واحد2 منهما صحيحًا فبدل إضراب"، وإليه أشار الناظم بقوله:
567-
وذا للإضراب اعز إن قصدا صحب ... .......................................
"ويسمى أيضًا بدل بداء"، بالدل المهملة والمد. قال ابن عصفور: وهذا النوع مختلف فيه، فقيل: بدل بداء، وقيل: معطوف حذف عاطفه3. قال في الحواشي: وهو الواو لا بل؛ لأنه لم يثبت حذفها. "وقول الناظم" في النظم:
568-
........................................ ... ................. وخذ نبلا مدى
"يحتمل الثلاثة" وهي الغلط والنسيان والبداء، "وذلك باختلاف التقادير" بحسب الإرادات، "وذلك لأن النبل اسم جمع للسهم، والمدى" بالقصر "جمع مدية، وهي السكين، فإن كان المتكلم" بقوله: "خذ نبلا مدى" "إنما أراد الأمر بأخذ المدى فسبقه لسانه إلى النبل، فبدل غلط4، وإن كان أراد الأمر بأخذ النبل"، ابتداء، "ثم تبين له فساد تلك الإرادة وأن الصواب الأمر بأخذ المدى، فبدل نسيان، وإن كان أراد الأول"؛ وهو الأمر بأخذ النبل، "ثم أضرب عنه إلى الأمر بأخذ المدى، وجعل الأول"5؛ وهو الأمر بأخذ النبل؛ "في حكم المتروك، فبدل إضراب وبداء"، لأنه أضرب6 عن الأمر الأول حين بدا له الأمر الثاني.
"والأحسن فيهن أن يؤتى7 بـ: بل" لئلا يتوهم إرادة الصفة، أي: نبلا حادة كما تقول: رأيت رجلا حمارًا، تريد جاهلا أو8 بليدًا.
__________
1 المقرب 1/ 243.
2 سقطت من "ب".
3 في المقرب 1/ 243: "وهو أن تبدل لفظًا تريده من لفظ أردته أولا ثم أضربت عنه".
4 في "ب": "الغلط".
5 في "ب": "الأولان".
6 في "أ": "إضراب"، والتصويب من "ب"، "ط".
7 في "ط": "يؤول".
8 سقطت من "ب".(2/196)
فصل:
"يبدل الظاهر من الظاهر، كما تقدم، و" ذهب ابن مالك في التسهيل1 إلى أنه "لا يبدل المضمر من المضمر" وقوفًا من السماع، "ونحو: قمت أنت"، ورأيتك أنت، "ومررت بك أنت، توكيد اتفاقًا" من البصريين والكوفيين، "وكذلك نحو: رأيتك إياك"، توكيد "عند الكوفيين والناظم" لا بدل، خلافًا للبصريين.
قال الناظم في شرح التسهيل2: وقول الكوفيين عندي أصح؛ لأن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب كنسبة المرفوع المنفصل من المرفوع المتصل نحو: فعلت أنت، والموفوع توكيد بإجماع، فيلكن المنصوب توكيدًا، فإن الفرق بينهما تحكم بلا دليل.
قال الشاطبي: والظاهر مذهب البصريين لما ثبت عن العرب أنها إذا أرادت التوكيد أتت بالضمير المرفوع المنفصل فقالت: جئت أنت ورأيتك أنت ومررت بك أنت وإذا أرادت البدل وفقت بين التابع والمتبوع فقالت: جئت أنت ورأيتك إياك ومررت به به، فيتحد لفظ التوكيد والبدل في الموفوع، ويختلف في غيره، هكذا نقل سيبويه عن العرب3 وتلقاه منه غيره بالقبول، وهم المؤتمنون على ما ينقلون، لأنهم شافهوا العرب وعرفوا مقاصدهم، فلا يعارض هذا بقياس، بأن يقال: فإن نسبة المنفصل إلى المتصل ... إلى آخره مقالة ابن مالك السابقة.
"و" ذهب أيضًا في التسهيل4 إلى أنه "لا يبدل مضمر من ظاهر". وقال في شرحه5: "و" الصحيح عندي أن يكون "نحو: رأيت زيدًا إياه، من وضع النحويين
__________
1 التسهيل ص172.
2 شرح التسهيل 3/ 305.
3 الكتاب 2/ 395-386.
4 التسهيل ص172.
5 شرح التسهيل 3/ 332.(2/197)
وليس بمسموع" من كلام العرب لا نثرا ولا شعرا، ولو سمع كان توكيدًا. "ويجوز عكسه"، وهو إبدال الظاهر من الضمير "مطلقًا" في جميع البدل، سواء كان كلا أم بعضًا أم اشتمالا أم أضرابًا، "إن كان الضمير" المبدل منه "لغائب نحو: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} " [الأنبياء: 3] فـ: "الذين ظلموا": بدل من الواو في "أسروا"1 بدل كل من كل "في أحد الأوجه الثلاثة". وقيل "الذين ظلموا": مبتدأ مؤخر، و"أسروا النجوى": خبر مقدم. وقيل: "الذين ظلموا": فاعل "أسروا" والواو حرف دال على الجمع لا ضمير، كما تقدم في باب الفاعل.
"وكذا" يجوز إبدال الظاهر من المضمر "إن كان" الضمير المبدل منه "لحاضر" متكلم أو مخاطب، "بشرط أن يكون" الظاهر "بدل بعض" من كل، كقوله: [من الرجز]
586-
أوعدني بالسجن والأداهم ... رجلي فرجلي شثنة المناسم
فـ"رجلي" الأولى: بدل من ياء المتكلم بدل بعض من كل.
و"كـ: أعجبتني وجهك"، فوجهك: مرفوع على البدلية من تاء المخاطب بدل بعض من كل، "وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ} " [الأحزاب: 21] فـ"من" الموصولة المجرورة باللام بدل من ضمير المخاطبين المجرور باللام، وأعيدت اللام مع البدل للفصل.
"أو" يكون "بدل اشتمال كـ: أعجبتني كلامك" فكلامك، بالرفع: بدل اشتمال من تاء المخاطب، "وقول الشاعر" وهو النابغة الجعدي: [من الطويل] .
868-
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
__________
1 شرح ابن الناظم ص397.
685-الرجز للعديل بن الفرخ في خزانة الأدب 5/ 188، 189، 190، والدرر 2/ 402، والمقاصد النحوية 4/ 190، وتاج العروس "دهم"، وبلا نسبة في ديوان الأدب 3/ 266، وإصلاح المنطق ص226، 294، وشرح أبيات سيبويه 1/ 124، وشرح ابن الناظم ص397، وشرح الأشموني 2/ 439، وشرح شذور الذهب ص442، وشرح ابن عقيل2/ 251، وشرح الكافية الشافية 3/ 1282، وشرح المفصل 3/ 70، وتاج العروس 9/ 307، "وعد"، ومقاييس اللغة 6/ 125، وهمع الهوامع 2/ 127، وتهذيب اللغة 3/ 134، ومجمل اللغة 4/ 539، والمخصص 12/ 221.
686- البيت للنابغة الجعدي في ديوانه ص68، وخزانة الأدب 3/ 169، 7/ 419، واللسان 4/ 523، 529 "ظهر"، والمقاصد النحوية 4/ 193، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 406, وشرح ابن الناظم ص398، وشرح الأشموني 2/ 439، وشرح الكافية الشافية 3/ 1283.(2/198)
فـ"مجدنا وسناؤنا": بدل اشتمال من ضمير المتكلم وهو "نا".
"أو" يكون "بدل كل مفيدًا للإحاطة" والشمول كالتوكيد "نحو": {رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا} [المائدة: 114] ، فـ"أولنا وآخرنا" بدل كل من الضمير المجرور باللام، ولذلك أعيدت اللام مع البدل، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
569-
ومن ضمير الحاضر الظاهر لا ... تبدله إلا ما إحاطة جلا
570-
أو اقتضى بعضًا أو اشتمالا ... كإنك ابتهاجك استمالا
"ويمتنع" إبدل الظاهر من الضمير بدل كل "إن لم يفدها"، أي الإحاطة، "خلافًا للأخفش فإنه أجاز" تبعًا للكوفيين: "رأيتك زيدًا"، على أن زيدًا بدل من الكاف، "ورأيتني عمرًا"، على أن عمرًا بدل من الياء، وسمع الكسائي: إلى أبي عبد الله، وقال الشاعر: [من البسيط]
687-
بكم قريش كفينا كل معضلة ... وأم نهج الهدى من كان ضليلا
__________
687- البيت بلا نسبة في الارتشاف 2/ 622، وشرح شذور الذهب ص443، وشرح التسهيل 3/ 335، وشرح المرادي 3/ 260.(2/199)
فصل:
"يبدل كل من الاسم والفعل والجملة1 من مثله، فالاسم كما تقدم" في الأقسام الأربعة، "والفعل" كذلك عند الشاطبي، إذا أفاد زيادة بيان للأول.
فبدل الكل "كقوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ} " [الفرقان: 68-69] فـ"يضاعف" بدل من "يلحق" بدل كل، قال الخليل2: لأن مضاعفة العذاب هي لقي الآثام.
وبدل البعض نحو: إن تصل تسجد لله يرحمك، فـ: تسجد: بدل من "تصل" بدل بعض من كل.
وبدل الاشتمال كقوله: [من الرجز]
688-
إن علي الله أن تبايعا ... تؤخذ كرها أو تجيء طائعا
لأن الأخذ كرها3 والمجيء طائعًا من صفات المبايعة.
وبدل الإضراب4 والغلط نحو: إن تطعم زيدًا تكسه أكرمك. ا. هـ. كلام الشاطبي ملخصًا، وذلك داخل تحت إطلاق قول الناظم:
572-
ويبذل الفعل من الفعل..... ... ..................................
"والجملة" كذلك إلا في بدل الكل نحو: قعدت جلست في دار زيد، فإنه لا يعتد به، لأنه
__________
1 في "ب": "والحرف".
2 الكتاب 3/ 87.
688- الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب 5/ 203، 204، وشرح أبيات سيبويه 1/ 402، وشرح ابن الناظم ص399، وشرح الأشموني 2/ 44، وشرح ابن عقيل 2/ 253، وشرح التسهيل 3/ 341، وشرح عمدة الحافظ ص591، وشرح الكافية الشافية 3/ 1287، والكتاب 1/ 156، والمقاصد النحوية 4/ 199، والمقتضب 2/ 63.
3 في "ب": "كارهًا".
4 في "ب": "الاضطراب".(2/200)
إنما يتميز عن التوكيد بمغايرة اللفظين وكون المقصود هو الثاني، وهو لا يتحقق في الجمل لا سيما التي لا محل لها من الإعراب. قال التفتازاني في شرح التلخيص.
وبدل البعض "كقوله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ"، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الشعراء: 132-134] فجملة "أمدكم" الثانية أخص من الأولى، باعتبار متعلقيها، فتكون داخلة في الأولى. لأن "ما تعلمون" يشمل الأنعام وغيرها.
وبدل الاشتمال كقوله: [من الطويل]
689-
أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في السر والجهر مسلما
فـ"لا تقيمن عندنا": بدل اشتمال من "ارحل" لما بينهما من المناسبة اللزومية. وليس توكيدًا له لاختلاف لفظيهما، ولا بدل بعض لعدم دخوله في الأول، ولا بدل كل لعدم الاعتداد به، كما تقدم، ولا غلط لوقوعه في الفصيح.
وبدل الغلط كـ: قم اقعد.
والفرق بين بدل الفعل وحده والجملة أن الفعل يتبع ما قبله في إعرابه لفظًا أو تقديرًا، والجملة تتبع ما قبلها محلا إن كان له محل، وإلا فإطلاق التبعية عليها1 مجاز2، إذ التابع كل ثان أعرب بإعراب سابقه الحاصل والمتجدد. وسكتوا عن اشتراط الضمير في بدل البعض والاشتمال في الأفعال والجمل، لتعذر عود الضمير عليها.
"وقد تبدل الجملة من المفرد" [بدل كل] 3 "كقوله"، وهو الفرزدق: [من الطويل]
690-
إلى الله أشكو بالمدينة حاجة ... وبالشام أخرى كيف يلتقيان
__________
689- البيت بلا نسبة في خزانة الأدب 5/ 207، 8/ 463، وشرح ابن الناظم ص400، وشرح الأشموني 2/ 440، وشرح شواهد المغني 2/ 839، وشرح المرادي 3/ 263، ومجالس ثعلب ص96، ومعاهد التنصيص 1/ 278، ومغني اللبيب 2/ 426، والمقاصد النحوية 4/ 200.
1 في "أ": "عليهما"، والتصويب من "ب"، "ط".
2 في "ب": "مجازًا".
3 إضافة من "ب"، "ط".
690- البيت للفرزدق في خزانة الأدب 5/ 208، وشرح شواهد المغني 2/ 577، وشرح المرادي 3/ 265، والمقاصد النحوية 4/ 201، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 408، وشرح الأشموني 2/ 440، وشرح التسهيل 3/ 340 والمحتسب 2/ 165، ومغني اللبيب 1/ 27، 426، والمقتضب 2/ 329، وهمع الهوامع 2/ 128.(2/201)
أبدل جملة "كيف يلتقيان" من "حاجة" و"أخرى" وهما مفردان. قاله ابن جني1. وإنما صح ذلك لرجوع الجملة إلى التقدير بمفرد. "أي: إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما"، فـ: تعذر: مصدر مضاف إلى فاعله، وهو بدل من "هاتين" قال الدماميني: ويحتمل أن يكون "كيف يلتقيان" جملة مستأنفة نبه بها على سبب الشكوى، وهو استبعاد اجتماع هاتين الحاجتين. والشام: بلاد سميت بشام بن نوح، فإنه بالشين المعجمة بالسريانية، أو لأن أرضها شامات بيض وحمر وسود، وعلى هذا لا يهمز، وقد يذكر. كذا في القاموس2.
__________
1 نقله ابن مالك في شرح التسهيل 3/ 340.
2 القاموس المحيط "شأم".(2/202)
فصل:
"وإذا أبدل اسم من اسم مضمن معنى حرف الاستفهام"؛ وهو الهمزة؛ "أو حرف شرط"؛ وهو "إن"؛ بدل تفصيل، "ذكر ذلك الحرف" المفيد للاستفهام أو الشرط "مع البدل" ليوافق المبدل منه في تأدية المعنى.
"فالأول": وهو الاستفهام، ويكون عن معرفة2 الكميات وعن تعيين الذوات وعن بيان المعاني. فالأول "كقولك: كم مالك أعشرون أم ثلاثون" فعشرون وما عطف عليها بدل من "كم" بدل تفصيل. "و" الثاني كقولك: "من رأيت أزيدًا أم عمرا" فـ"زيدا" وما عطف عليه بدل من "من" بدل تفصيل، "و" الثالث كقولك: "ما صنعت أخيرًا أم شرًّا" فـ"خيرًا" وما عطف عليه بدل من "ما" بدل تفصيل، وقرن بالهمزة في الجميع لتضمن المبدل منه معنى الاستفهام.
"والثاني": وهو الشرط، ويكون للعاقل وغيره وللزمان والمكان، فالأول "نحو من يقم إن زيد وإن عمرو أقم معه"، فـ"زيد وعمرو" بدل من "مَنْ" بدل تفصيل، "و" الثاني نحو: "ما تصنع إن خيرًا وإن شرًّا تجز به" فـ"خيرًا وشرًّا" بدل من "ما" الشرطية2 بدل تفصيل. "و" الثالث نحو: "متى تسافر إن غدًا وإن بعد غدٍ أسافر مَعَك"، فـ"غدًا" و"بعد غد": بدل من "متى" بدل تفصيل. والرابع: حيثما تجلس إن يمين المحراب وإن يساره أجلس معك. وقرن بـ"إن" في الجميع لتضمن المبدل منه معنى الشرط. وقد يتخلف كل من التفصيل وإعادة حرف الشرط، ففي الكشاف3 أن "يومئذ" بدل من "إذا" في قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] وكذا قال أبو البقاء4، ولهذا اقتصر في الناظم على الاستفهام فقال:
__________
1 بعده في "ب": "البدل".
2 سقطت من "ب".
3 الكشاف 4/ 227.
4 البيان ص1299.(2/203)
571-
وبدل المضمن الهمزيلي ... همزًا........................
وكذا فعل1 في التسهيل2 مع كثرة جمعه فيه على أن مسألة الشرط لا تخلو عن إشكال، لأنك إذا قلت: من يقم إن زيد وإن عمرو، كأن اسم الشرط، مرفوعًا بالابتداء، فيكون البدل مرفوعًا، بالابتداء ضرورة3، سواء قلنا: البدل على نية تكرير4 العامل أم لا، فيلزم دخول "إن" الشرطية على المبتدأ، وهو غير جائز على الأصح.
وإن جعلنا ما بعد "إن" مرفوعًا على الفاعلية امتنعت المسألة لتخالف العامل، ولأن "إن" لا يضمر الفعل بعدها إلا إذا كان هناك ما يفسره نحو: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} [النساء: 128] .
وجوابه أن "إن" إنما جيء بها لبيان المعنى لا للعمل، فلا يلزم المحذور.
__________
1 في "ب": "نقل".
2 التسهيل ص173.
3 سقطت من "ب".
4 في "أ"، "ب": "تكرار".(2/204)
باب النداء
الفصل الأول في ذكر الأحرف التي ينبه بها المنادى إذا دعي
...
باب النداء:
بالمد وبكسر النون ويجوز ضمها، وهو الدعاء بأحرف مخصوصة. "وفيه فصول" أربعة:
الفصل الأول في ذكر الأحرف التي ينبه بها المنادى إذا دعي:
"و" في ذكر "أحكامها":
"وهذه الأحرف" وفاقًا وخلافًا "ثمانية1: الهمزة" وحدها "و: أي" بفتح الهمزة, وسكون الياء، حال كون الهمزة و"أي" "مقصورتين وممدودتين"، فتقول: أزيد وأي زيد، بقصر الهمزة فيهما، وأزيد وآي زيد، بمد الهمزة فيهما، "و: يا، و: أيا، و: هيا، و: وا".
وأما أحكامها "فالهمزة المقصورة للقريب" المسافة، وليس مثلها في ذلك الهمزة الممدودة، خلافًا لصاحب المقرب2، ولا "أي"3 خلافًا لجماعة من المتأخرين، "إلا أن ينزل" القريب "منزلة البعيد"كالساهي "فله بقية الأحرف، كما أنها"، أي بقية الأحرف،
__________
1 وهو مذهب الكوفيين، فقد أضافوا: "آ، آي". انظر شرح ابن الناظم ص401، وشرح الكافية الشافية 3/ 1289.
2 في المقرب 1/ 175، أن الهمزة للقريب خاصة.
3 في "ب": "بي".(2/205)
"للبعيد الحقيقي"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
573- وللمنادى الناء أو كالناء يا
وأي وآ كذا أيا ثم هيا
574- والهمز للداني..........
..............................
وذهب المبرد1 إلى أن "أيا وهيا" للبعيد، و"أي والهمزة" للقريب، و"يا" لهما، وذهب ابن برهان إلى أن "أيا وهيا" للبعيد، و"الهمزة" للقريب و"أي" للمتوسط و"يا" للجميع، وأجمعوا على جواز نداء القريب بما للبعيد توكيدًا، وعلى منع العكس. قاله الشارح2.
"وأعمها: يا" لأنها أم الباب، "فإنها تدخل في كل نداء" خالص من الندبة والاستغاثة، أو مصحوب بهما، و"تتعين" "يا" وحدها "في نداء اسم الله تعالى" نحو: يا الله، "وتتعين" أيضًا "في باب الاستغاثة نحو: يا لله للمسلمين، وتتعين هي أو: وا" دون غيرهما "في باب الندبة"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
574-
.......... ووا لمن ندب ... أو يا......................
"و "وا" أكثر استعمالا منها في ذلك الباب"، لأنها الأصل فيه، "وإنما تدخل: يا" في باب الندبة "إذا أمن اللبس"بالمنادى، "كقوله"، هو جرير يندب عمر بن عبد العزيز: [من البسيط]
691-
حملت أمرًا عظيمًا فاططبرت له ... وقمت فيه بأمر الله يا عمرا
فثبوت ألف الندبة دليل على أنه مندوب، إذ لو كان منادى لقال: يا عمر بالضم، لأنه منادى مفرد، وهذا مفهوم من قول الناظم:
574-
.................................... ... ... وغير وا لدى اللبس اجتنب
"ويجوز حذف الحرف" المنادى به وهو "يا" خاصة، سواء كان المنادى مفردًا أو جاريًا مجراه أو مضافًا، فالأول "نحو: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} " [يوسف: 29] أي: يا يوسف. والثاني نحو: " {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} " [الرحمن: 31] أي: يا أيها الثقلان. والثالث نحو: " {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} " [الدخان: 18] أي: يا عباد الله، على
__________
1 المقتضب 4/ 235.
2 شرح ابن الناظم ص401.
691- البيت لجرير في ديوانه ص736، والدرر 1/ 393، وشرح شواهد المغني 2/ 792، وشرح عمدة الحافظ ص289، والمقاصد النحوية 4/ 229، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 9، وشرح ابن الناظم ص421، وشرح الاشموني 2/ 442، ومغني اللبيب 2/ 372، وهمع الهوامع 1/ 180.(2/206)
أحد الوجهين. "إلا في ثمان مسائل" فإنه يمتنع فيها حذف حرف النداء:
إحداها: "المندوب نحو: يا عمرا".
"و" الثانية: "المستغاث نحو: يا لله"، ومنه المتعجب منه نحو: يا للماء وللعشب، إذا تعجبوا من كثرتها.
"و" الثالثة: "المنادى البعيد" نحو: يا زيد، إذا كان بعيدًا منك. وإنما لم يحذف حرف النداء في هذه المسائل الثلاث، "لأن المراد فيهن إطالة الصوت" بحرف النداء، "والحذف ينافيه".
"و" الرابعة: "اسم الجنس غير المعين كقول الأعمى: يا رجلا خذ بيدي". قاله ابن مالك في الكافية وشرحها1. وأجاز بعضهم الحذف وليس بشيء، لأن حذف حرف النداء لا يجوز إلا إذا كان المنادي مقبلا على المنادى. ومتهيئًًا لما يقول له، وهذا إنما يكون في المعرفة دون النكرة.
"و" الخامسة: "المضمر" المخاطب، لأن الحذف معه يفوت الدلالة على النداء. "و" المضمر "نداؤه شاذ"، وظاهر ذكر الناظم له في عداد هذه الكلمات أنه مطرد2، وقصره ابن عصفور على الشعر3، واختار أبو حيان أنه لا ينادى البتة4، فالأقوال حينئذ ثلاثة ومحل الخلاف ضمير5 المخاطب، "ويأتي على صيغتي المنصوب والمرفوع"، فالأول "كقول بعضهم: يا إياك قد كفيتك، و" الثاني نحو "قول الآخر" وهو الأحوص: [من الرجز]
692-
يا أبجر بن أبجر يا أنتا ... أنت الذي طلقت عام جعتا
قد أحسن الله وقد أسأتا
__________
1 شرح الكافية الشافية 3/ 1290.
2 شرح الكافية الشافية 3/ 1290.
3 المقرب 1/ 176.
4 الارتشاف 3/ 119.
5 في "ب": "في ضمير".
692- الرجز للأحوص في ملحق ديوانه ص216، والمقاصد النحوية 4/ 232، ولسالم بن دارة في خزانة الأدب 2/ 139، 143، 146، ونوادر أبي زيد ص163، والدرر 1/ 382، وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 325، وأوضح المسالك 4/ 11، وتذكرة النحاة ص506، وسر صناعة الإعراب 1/ 395، وشرح الأشموني 2/ 443، وشرح التسهيل 3/ 387، وشرح عمدة الحافظ ص301، وشرح المرادي 3/ 270، وشرح المفصل 1/ 127، 130. والمقرب 1/ 176، وهمع الهوامع 1/ 174.(2/207)
فـ"أبجر" بسكون الموحدة وفتح الجيم: منادى، و"أنت" الأول منادى، وكان القياس أن يقول: يا إياك، لأنه مفعول حذف عامله، ولكنه أناب ضمير الرفع عن ضمير النصب، أو لأنه لما اطرد مجيئه بلفظ المرفوع جاز مجيئه بلفظ ضمير الرفع. وأجاب المانع عن المثال والبيت بأن "يا" فيهما للتنبيه لا للنداء، و"إياك" في المثال من باب الاشتغال، و"أنت" الأول في البيت مبتدأ، والثاني كذلك، أو توكيد، أو بدل، أو فصل، والموصول خبر. واتفقوا على أن ضمير المتكلم والغائب لا يجوز نداؤهما فلا يقال: يا أنا، ولا: يا إياي، ولا: يا هو، ولا: يا إياه.
"و" السادسة: "اسم الله تعالى" نحو: يا الله، "إذا لم يعوض في آخره الميم المشددة" عن حرف النداء، لأن نداء اسم الله تعالى على خلاف القياس، فلو حذف حرف النداء لم يدل عليه دليل، والحذف إنما يكون للدليل، "وأجازه بعضهم، وعليه قول أمية ابن أبي الصلت" الثقفي: [من الطويل]
693-
رضيت بك اللهم ربا فلن أرى ... أدين إلها غيرك الله راضيا
أي: يا الله، وأرى: من الرأي في الأمور، وأدين: مضارع دان بالشيء إذا اتخذه دينًا وديدنًا، أي عادة، والأصل: أن أدين، فحذفت "أن" فارتفع المضارع بعدها على حد قولهم: "تسمع بالمعيدي"1. وإلهًا: مفعوله. وراضيًا: منصوب بـ"رضيت" إما على الحالية من فاعله أو على المفعولية المطلقة على حد قولهم: قم قائمًا، أي: قيامًا، وعلى الوجهين فهو مؤكد له ما بينهما اعتراض، وربا: مفعول "رضيت". والمعنى: رضيت رضا بك ربا يا الله، فلن أرى أن أتخذ إلها غيرك يا الله.
"و" السابعة والثامنة: "اسم الإشارة واسم الجنس لمعين"، لأن حرف النداء في اسم2 الجنس كالعوض من أداة التعريف فحقه أن لا يحذف كما لا تحذف الأداة، واسم3 الإشارة في معنى الجنس فجرى مجراه. قاله الشارح4. "خلافًا للكوفيين فيهما،
__________
693- البيت لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص72، والمقاصد النحوية 4/ 243، وبلا نسب في أوضح المسالك 4/ 12، وفيه "ثانيا" مكان "راضيا".
1 تمام المثل: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه". انظر في مجمع الأمثال 1/ 129، وكتاب الأمثال لابن سلام ص97-98، وجمهرة الأمثال 1/ 266، والمستقصى 1/ 370، وفصل المقال ص135.
2 في "ب": "حرف".
3 بعده في "ب": "الجنس".
4 شرح ابن الناظم ص402.(2/208)
احتجوا" بقوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 85] ، أي: يا هؤلاء و"بقوله" وهو ذو الرمة: [من الطويل]
694-
إذا هملت عيني لها قال صاحبي ... بمثلك هذا لوعة وغرام
يريد: يا هذا. ولوعة: مبتدأ، وتقدم خبره في المجرور قبله. "وقولهم: أطرق كرا"، إن النعام في القرى1 وهو مثل يضرب لمن تكبر وقد تواضع من هو أشرف منه، أي: طأطئ يا كروان رأسك واخفض عنقك للصيد، فإن أكبر منك، وأطول عنقًا، هي النعام، قد صيدت وحملت من البدو إلى القرى.
"و: افتد مخنوق"2 وهو مثل يضرب لكل مضطر وقع في شدة وهو يبخل بافتدائه نفسه بماله.
"و: أصبح ليل"3 وهو مثل يضرب لمن يظهر الكراهة للشيء. وأصله أن امرأة وقع عليها امرؤ القيس وكانت تكرهه فقالت له: أصبحت أصبحت يا فتى. فلم يلتفت إليها، فرجعت إلى خطاب الليل كأنها تستعطفه. أي: صر صبحًا يا ليل، كقوله: [من الطويل]
695-
............................... ... ... نور صبح والليل عاتم
__________
694- البيت لذي الرمة في ديوانه ص1592، والدرر 1/ 380، وشرح عمدة الحافظ ص297، والمقاصد النحوية 4/ 235، وهمع الهوامع 1/ 174، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 15، وشرح الأشموني 2/ 443، ومغني اللبيب 2/ 641، وشرح الكافية الشافية 3/ 1291، وشرح المرادي 3/ 272.
1 المثل من شواهد الكتاب 2/ 231، 3/ 617، وأوضح المسالك 4/ 17، وشرح ابن عقيل 2/ 257، وشرح ابن الناظم ص402، وشرح المفصل 2/ 16، وهو من الأمثال في مجمع الأمثال 1/ 431، والدرة الفاخرة 1/ 155، وجمهرة الأمثال 1/ 11، 194، 395، والمستقصى 1/ 221.
2 المثل من شواهد الكتاب 2/ 231، وأوضح المسالك 4/ 17، وشرح ابن عقيل 2/ 257، وشرح ابن الناظم ص402، وشرح المفصل 2/ 16، وهو من الأمثال في مجمع الأمثال 2/ 78، والمستقصى 1/ 265.
3 المثل من شواهد الكتاب 2/ 231، وأوضح المسالك 4/ 17، وشرح ابن عقيل 2/ 257، وشرح ابن الناظم ص402، وشرح المفصل 2/ 16، وهو من الأمثال في مجمع الأمثال 1/ 427، والدرة الفاخرة 1/ 278، وجمهرة الأمثال 2/ 4، والمستقصى 1/ 218.
695- تتمة البيت:
وحتى يبيت القوم في الصيف ليلة ... يقولون................................
وهو للأعشى في ديوانه ص127، ولسان العرب 1/ 597، "نوم"؛ وبلا نسبة في لسان العرب 5/ 240 "نور"، وتاج العروس 14/ 303" نور".(2/209)
والأصل فيها: أطرق يا كروان، فرخم على لغة من لا ينتظر، فقلبت الواو ألفًا.
وافتد يا مخنوق، وأصبح يا ليل، ونور يا صبح، "وذلك عند البصريين ضرورة" في النظم، "وشذوذ" في النثر1. قال المرادي في شرح النظم2: "والإنصاف القياس على اسم الجنس لكثرته نظمًا ونثرًا. وقصر اسم الإشارة على السماع، إذ لم يرد3 إلا في الشعر". وأما نحو: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ} [البقرة: 85] فمتأول4 على أن "أنتم"5 مبتدأ، وهؤلاء: خبره، أو بالعكس، وجملة "تقتلون" حال، واقتصر في النظم على قوله:
575-
وغير مندوب ومضمر وما ... جا مستغاثا قد يعرى فاعلما
576-
وذاك في اسم الجنس والمشار له ... قل ومن يمنعه فانصر عاذله
__________
1 في شرح ابن الناظم ص403، "وعند الكوفيين أن حذف حرف النداء من اسم الجنس والمشار إليه قياس مطرد، والبصريون يقصرونه على السماع"، وانظر شرح الكافية الشافية 3/ 1291، وشرح المرادي 3/ 271.
2 شرح المرادي 3/ 271.
3 في "ط": "يوجد".
4 في "ب": "فمتناول".
5 في "ط": "كنتم".(2/210)
الفصل الثاني في أقسام المنادى بفتح الدال:
"و" ذكر "أحكامه":
المنادى على أربعة أقسام:
أحدها: ما يجب فيه أن يبنى على ما يرفع به" من حركة أو حرف، "لو كان معربًا" على سبيل الفرض، "وهو ما اجتمع فيه أمران: أحدهما التعريف، سواء كان ذلك التعريف سابقًا على النداء نحو": زيد، في قولك: "يا زيد"، فزيد معرفة بالعلمية قبل النداء واستصحب ذلك التعريف بعد النداء، وهو مذهب ابن السراج1 وتبعه الناظم2.
وقيل: سلب تعريف العلمية وتعرف بالإقبال، وهو مذهب المبرد3 والفارسي4، وورد بنداء اسم الله تعالى واسم الإشارة5، فإنهما لا يمكن سلب تعريفهما لكونهما لا يقبلان التنكير. "أو" كان التعريف "عارضًا في النداء بسبب القصد والإقبال نحو: يا رجل، تريد به معينًا"، وإليه ذهب الناظم6. وقيل: تعريفه بـ"أل" محذوفة ونابت "يا" عنها.
"و" الأمر "الثاني: الإفراد، ونعني به أن لا يكون مضافًا ولا شبيهًا به، فيدخل في ذلك المركب المزجي والمثنى والمجموع" على حده وغيره تذكيرًا وتأنيثًا.
__________
1 الأصول 1/ 329.
2 شرح الكافية الشافية 3/ 1249.
3 المقتضب 4/ 205.
4 الإيضاح العضدي 4/ 205.
5 الإنصاف 1/ 338، المسألة رقم 46.
6 في "ط": "ابن الناظم" مع أن ابن الناظم لم يقل هذا، وإنما هذا القول لوالده في شرح الكافية الشافية 3/ 1249.(2/211)
فالمزجي "نحو: يا معد يكرب"، ومعناه فيما قال أحمد بن يحيى: عداه الكرب، أي: تجاوزه. حكى ذلك أبو الفتح1 عن الفارسي. "و" المثنى نحو: "يا زيدان، و" الجمع على حده، وهو جمع المذكر السالم نحو: "يا زيدون، و" تثنية2 المنكر وجمعه السالم نحو: "يا رجلان ويا مسلمون"، والجمع المكسر في التذكير نحو: يا زيود، "و" جمع السالم في التأنيث نحو: "يا هندات"، وجمع تكسيره3 نحو: يا هنود.
"وما كان مبنيًّا قبل النداء"، سواء كان علم مذكر أم علم مؤنث. فالأول: "كـ: سيبويه"، في لغة من بناه، "و" الثاني نحو: "حذام، في لغة أهل الحجاز"، أم غير علم نحو: هؤلاء: في لغة الضم، وهذا وأنت وكيف. فما كان معربًا صحيح الآخر غير مثنى ولا مجموع على حده أظهرت فيه الضمة. وما كان مثنى أو مجموعا على حده بنيته على نائب الضمة، وهو الألف في المثنى والواو في الجمع اتفاقًا. وما كان معتلا كـ: فتى وقاض، أو مبنيًّا قبل النداء "قدرت فيه الضمة" ففي نحو: يا سيبويه ويا هؤلاء، ويا هذا ويا أنت، ضمة مقدرة في آخر مجددة للنداء.
"ويظهر أثر ذلك" التقدير "في تابعه فتقول: يا سيبويه العالمُ، برفع العالم" مراعاة لضمة مقدرة في آخره، "ونصبه" مراعاة لمحله، فإن محله منصوب على المفعولية، "كما تفعل في تابع ما تجدد بناؤه نحو: يا زيد الفاضل"، برفع الفاضل مراعاة لضمة زيد لفظًا، ونصبه مراعاة لمحله.
"و" العلم المركب الإسنادي "المحكي"، ما كان عليه قبل العلمية "كالمبني" في تقدير الضم في آخره، "تقول1: يا تأبط شرا المقدام"، بالرفع مراعاة لتقدير الضم في آخره، "والمقدام"، بالنصب مراعاة لمحله. ومقتضى التشبيه أن المحكي ليس مبنيا، والمنقول أنه مبني، وهذه النعوت مقصودة4، فإن "سيبويه" يناسبه العلم، و"زيد" يناسبه الفضل، و"تأبط شرًّا" يناسبه الإقدام، ومعناه: جعل السلاح تحت إبطه.
__________
1 انظر المبهج ص20، وفي مقدمة ديوان عمرو بن معدي كرب ص20: "قال بن جني: ومعدي كرب فسره أحمد بن يحيى، فيما حكاه لنا أبو علي أنه من عداه الكرب أي تجاوزه وانصرف عنه"، وأضاف محقق الديوان أن عبد الرحمن السهيلي قال في الروض الأنف 1/ 39: "ومعدي كرب؛ بالحميرية: وجه الفلاح. المعدي: هو الوجه بلغتهم، والكرب: هو الفلاح".
2 بعده في "ب": "مذكر".
3 في "ب": "تكبيره".
4 سقطت من "ب".(2/212)
واحترز بقوله: "المحكي" من لغة من أعربه إعراب المتضايفين، فإنه ينصب الأول ويجر الثاني بالإضافة، ويصير من قسم المضاف.
وفي الرضي1 في باب العلم: "إذا نقلت الكلمة المبنية وجعلتها علمًا لغير ذلك اللفظ فالواجب الإعراب". ا. هـ. فعلى هذا تقول في كيف وهؤلاء وكم ومنذ أعلامًا: يا كيف ويا هؤلاء ويا كم ويا منذ، بضمة ظاهرة متجددة للنداء، وإلى هذا القسم أشار الناظم بقوله:
577-
وابن المعرف المنادى المفردا ... .....................................
البيتين2 ...
"و" القسم "الثاني" من أقسام المنادى؛ "ما يجب نصبه وهو ثلاثة أنواع":
أحدها: "النكرة غير المقصودة"، جامدة كانت أو مشتقة في نثر أو شعر، "كقول الواعظ: يا غافلا والموت يطلبه، وقول الأعمى: يا رجلا خذ بيدي، وقول الشاعر"، وهو عبد يغوث بن وقاص الحارثي: [من الطويل]
696-
أيا راكبًا إما عرضت فبلغن ... نداماي من نجران أن لا تلاقيا
لأن الواعظ والأعمى والشاعر لم يقصدوا واحدًا3 بعينه، "و" إنما كرر الشواهد ردًّا لما نقل "عن المازني أنه أحال وجود هذا القسم" مدعيًا أن نداء غير المعين لا يمكن، وأن التنوين في ذلك شاذ أو ضرورة، وعرضت: أي أتيت العروض، وهو مكة والمدينة وما حولهما، ونجران: بلد باليمن.
__________
1 شرح الكافية للرضي 3/ 268.
2 البيتان هما:
وابن المعرف المنادى المفردا ... على الذي في رفه قد عهدا
وانو انضمام ما بنوا قبل الندا ... وليجر مجرى ذي بناء جددا
696- البيت لعبد يغوث بن وقاص في الأشباه والنظائر 6/ 243، وخزانة الأدب 2/ 194، 195، 197، وشرح اختيارات المفضل ص767، وشرح المفصل 1/ 128، والعقد الفريد 5/ 229، والكتاب 2/ 200، والمقاصد النحوية 4/ 206, وبلا نسبة في خزانة الأدب 1/ 413، 9/ 223، ورصف المباني ص137، وشرح الناظم ص403، وشرح الأشموني 2/ 445، وشرح ابن عقيل 2/ 260، وشرح التسهيل 3/ 397، وشرح شذور الذهب ص111، وشرح الكافية الشافية 1/ 135، وشرح المرادي 3/ 280، والمقتضب 4/ 204.
3 في "ط": "أحدًا".(2/213)
النوع "الثاني": مما يجب نصبه "المضاف، سواء كانت الإضافة محضة" وهي الخاصة من شائبة الانفصال "نحو: ربنا اغفر لنا" أي: يا ربنا، "أو غير محضة"، وهي إضافة الصفة لمعمولها "نحو: يا حسن الوجه، و" نقل "عن ثعلب"1 وهو أحمد بن يحيى "إجازة الضم في غير المحضة"، فيجيز: يا حسن الوجه، بضم الصفة، لأن إضافتها في تقدير الانفصال2. ولنا أن البناء ناشئ عن مشابهة الضمير وهي مفقودة هنا، وأنه لا سماع يقتضي ذلك، فإن ادعى أن نحو: "يا حسن الوجه" في قوة "يا حسن" فباطل، بل في قوة: يا حسنًا الوجه، وهذه الشبهة عرضت لمن قال: إن هذه الإضافة تفيد التخصيص نظرًا إلى أن حسن الوجه أخص من "حسن".
النوع "الثالث: الشبيه بالمضاف، وهو ما اتصل به شيء من تمام معناه" إما بعمل أو عطف قبل النداء.
والعمل إما في فاعل أو مفعول أو مجرور، فالأول "نحو: يا حسنا وجهه" فـ"وجهه" مرفوع على الفاعلية بـ"حسن". "و" الثاني نحو: "يا طالعا جبلا" فـ"جبلا" منصوب على المفعولية بـ"طالعًا". "و" الثالث نحو: "يا رفيقًا بالعباد" فـ"العباد" متعلق بـ"رفيقًا".
"و" المعطوف نحو: "يا ثلاثة وثلاثين، فيمن سميته بذلك" أي بالمعطوف والمعطوف عليه معًا، فيجب نصبهما للطول بلا خلاف، أما نصب ثلاثة فلأنه شبيه بالمضاف من حيث إن الثاني من تمام الأول، التسمية وقعت بالكلمتين مع حرف العطف، ولما كان حرف العطف يقتضي معطوفًا ومعطوفًا عليه، هو بمنزلة العامل صار كأنه بعض اسم عمل في آخر، فأشبه ضاربًا زيدًا. وأما نصب "ثلاثين" فبالعطف على "ثلاثة". "ويمتنع إدخال" "يا" على "ثلاثين" لأنه الجزء الثاني من العلم، فأشبه "شمس" من عبد شمس، و"يا" لا تدخل عليه، "خلافًا لبعضهم" في إجازة ذلك، لتخلف المشبه في بعض الأحكام عن المشبه به.
"وإن ناديت جماعة، هذه" العدة "عدتها" فلا يخلو إما أن تكون معينة أو لا. فإن كانت غير معينة "نصبتها أيضًا"، أما الأول فلأنه اسم نكرة غير مقصودة، وأما الثاني فلأنه معطوف على منصوب.
__________
1 سقطت من "ب".
2 انظر شرح التسهيل 3/ 393، وشرح الكافية الشافية 1/ 136.(2/214)
"وإن كانت معينة ضممت الأول" لأنه نكرة مقصودة معرفة بالقصد والإقبال, "وعرفت الثاني بـ: أل" وجوبًا، لأنه اسم جنس أريد به معين فوجب إدخال أداة التعريف عليه وهي "أل" "ونصبته أو رفعته" بالعطف على المحل أو اللفظ، كما في قولك: يا زيد الضحاك. قاله الفارسي.
"إلا إن أعدت معه "يا" فيجب ضمه"، لأنه نكرة مقصودة، "و" يجب حينئذ "تجريده من: أل" لأن "يا" لا تدخل على ما فيه "أل" وإنما جاز دخول "يا" عليه لأنه ليس جزء1 علم والحالة هذه. "ومنع ابن خروف" مبتدأ "إعادة "يا" وتخييره2 في إلحاق "أل" مردود" خبر "منع"، ووجه رده أن الثاني ليس بجزء علم، وأنه ليس جنس أريد به معين.
وينبغي أن ينتظم في سلك الشبيه3 بالمضاف النعت والمنعوت، إذا كان المنعوت مفردًا نكرة مقصودة، فإن العرب تؤثر نصبها على ضمها، حكى الفراء: يا رجلا كريمًا أقبل. ووجهه أن يحتمل أن يكون نقل إلى النداء موصوفًا فبقي على ما كان عليه حين صارت الصفة كالمعمول للعامل وكالمعطوف في التسمية، وتعريف القصد لا يقدح في هذا، فإنه إنما ورد على الصفة وموصوفها معًا، لا على الموصوف وحده.
فإن عورض بأنه لو جاز ذلك لجاز النصب في المعرفة الموصولة نحو: يا زيد العاقل. أجيب بأن حاجة النكرة إلى الصفة أشد من حاجة المعرفة إليها4.
فإن قيل: لو كان من قبيل الشبيه بالمضاف كان النصب واجبًا لا راجحًا. أجيب بأن النداء تارة يرد على الموصوف وصفته، وعند ذلك لا بد من النصب، وتارة يرد على الاسم غير موصوف، فلابد من البناء على الضم، لأن الصفة إنما ترد على المنادى وحده فهو مفرد مقصود، ثم يرد الوصف، فلما اختلف المدركان جاز الوجهان.
فإن قيل: إذا كانت النكرة مقصودة فهي معرفة، فكيف توصف بالنكرة، وإنما توصف بالمعرفة5، حكى يونس عن العرب: يا فاسق الخبيث، وأخبر سيبويه بذلك؟ 6
__________
1 في "ب": "بحزء".
2 في "ط": "وتأخيره".
3 في "ب": "النسبة".
4 في "أ": "إليهما".
5 في "ط": "المعرفة".
6 الكتاب 2/ 199.(2/215)
أجيب بأنه يغتفر في المعرفة الطارئة ما لا يغتفر في الأصلية، ويحتمل أن يكون المنادي محذوفًا، و"رجلا": حال موطئة منه، والتقدير: يا زيد رجلا كريمًا أقبل.
وأما "يا عظيمًا يرجى لكل عظيم، ويا لطيفًا لم يزل، ويا حليما لا يعجل"1 فقال الموضح [في الحواشي] 2: ليست الجملة نعتا لما قبلها وإنما هي في موضع الحال من الضمير المستتر في الوصف، وهو المخاطب بالنداء، وعامل الحال هو عامل صاحبها، والمنادى منصوب كما في: يا طالعًا جبلا، ولك في حرف المضارعة الياء والتاء على حد: يا تميم كلهم أو كلكم. ا. هـ. فهو من الشبيه بالمضاف، وفيه رد على ابن مالك حيث جعل الجملة نعتًا3. وإلى هذا القسم أشار الناظم بقوله:
579-
والمفرد المنكور والمضافا ... وشبهه انصب.............
"و" القسم "الثالث" من أقسام المنادى: "ما يجوز ضمه وفتحه، وهو نوعان:
أحدهما أن يكون" المنادى "علمًا مفردًا موصوفًا بابن متصل به" أي بالعلم "مضاف" الابن "إلى علم" آخر "نحو: يا زيد بن سعيد" بضم زيد على الأصل، وفتحه إما على الإتباع لفتحة ابن، إذ الحاجز بينهما ساكن فهو غير حصين، وعليه اقتصر في التسهيل4، أو على تركيب الصفة مع الموصوف وجعلهما شيئًا واحدًا، كـ: خمسة عشر، وعليه اقتصر الفخر الرازي تبعًا للشيخ عبد القاهر، وإما على إقحام الابن وإضافة زيد إلى سعيد، لأن ابن الشخص يجوز إضافته إليه، لأنه يلابسه. حكاه في البسيط مع الوجهين السابقين، فعلى الوجه الأول فتحة زيد فتحة إتباع، وعلى الثاني فتحة5 بناء، وعلى الثالث فتحة إعراب، وفتحة ابن على الأول فتحة إعراب وعلى الثاني بناء وعلى الثالث غيرهما.
"والمختار عند البصريين غير المبرد الفتح لخفته"6، فإن كان على الإتباع فهو نظير امرئ وابنم، وإن كان على التركيب فهو نظير: لا رجل ظريف، فيمن فتحهما، وإن
__________
1 في شرح التسهيل 3/ 393، أن هذا القول مروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم.
2 إضافة من "ب"، "ط".
3 شرح التسهيل 3/ 393.
4 التسهيل ص180.
5 سقطت من "ب".
6 شرح ابن الناظم ص411.(2/216)
كان الإقحام فهو نظير: [من الرجز]
697-
يا زيد زيد اليعملات..... ... ................................
إذا فتحت الأول على قول سيبويه1. وذهب المبرد إلى أن الضم أجود، وهو القياس2، وزعم ابن كيسان أن الفتح أكثر3، "ومنه قوله" وهو رؤبة عند الجوهري4، أو رجل من بني الحرماز عند العيني5، وزعم أنه الصواب: [من الرجز]
698-
يا حكم بن المنذر بن الجارود ... سرادق المجد عليك ممدود
بفتح "حكم" وقال المبرد: إنه لو قال: يا حكم، بالضم، لكان أولى لأنه الأصل6.
ويتعين الضم إذا كان الابن غير صفة، بأن كان بدلا أو بيانًا أو منادى سقط منه حرف النداء، أو مفعولا بفعل محذوف تقديره: أعني، ونحوه.
"ويتعين الضم" أيضًا إذا كان المنادى غير علم، أو كان الابن مضافا لغير علم، كما "في نحو: يا رجل ابن عمرو، ويا زيد ابن أخينا، لانتفاء علمية المنادى" وهو رجل "في" الصورة "الأولى، و" انتفاء "علمية المضاف إليه في" الصورة "الثانية".
__________
697- تمام الرجز:
يا زيد زيد اليعملات الذبل ... تطاول الليل عليك فانزل
وهو لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص99، وخزانة الأدب 2/ 302، 304، والدرر 2/ 379، وشرح أبيات سيبويه 2/ 27، وشرح شواهد المغني 1/ 433، 2/ 855، ولبعض بني جرير في شرح المفصل 2/ 10، والكتاب 2/ 206، والمقاصد النحوية 4/ 221، وأساس البلاغة "عمل"، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 100، وشرح ابن الناظم ص411، وشرح الأشموني 2/ 454، وشرح ابن عقيل 2/ 272، وشرح الكافية الشافية 3/ 1320-1321، ومغني اللبيب 2/ 457، والمقتضب 4/ 230، وهمع الهوامع 2/ 122، وأساس البلاغة "طول"، وتاج العروس "عمل".
1 الكتاب 2/ 206، وانظر شرح ابن الناظم ص411.
2 المقتضب 4/ 232، والكامل ص576.
3 انظر الارتشاف 3/ 122، وشرح المرادي 3/ 283.
4 الصحاح "سردق".
5 المقاصد النحوية 4/ 210.
698- الرجز في ملحق ديوانه ص172، وتاج العروس 25/ 442 "سردق"، وللكذاب الحرمازي في شرح أبيات سيبويه 1/ 472، والشعر والشعراء 2/ 689، والكتاب 2/ 203، ولرؤبة أو للكذاب في المقاصد النحوية 4/ 210، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 22، ورصف المباني ص356، وسر صناعة الإعراب 2/ 536، وشرح ابن الناظم ص404، وشرح الأشموني 2/ 446، وشرح الكافية الشافية 3/ 1296، وشرح المفصل 2/ 5، والصحاح "سردق"، والمقتضب 4/ 232، والكامل ص576.
6 المقتضب 4/ 232، والكامل ص576.(2/217)
"و" يتعين الضم أيضًا إذا فصل بين العلم والابن، كما "في نحو: يا زيد الفاضل ابن عمرو، لوجود الفصل" بالفاضل.
"و" يتعين الضم إذا كان الوصف غير ابن، كما "في نحو: يا زيد الفاضل لأن الصفة"؛ وهي الفاضل؛ "غير ابن"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله1:
580-
ونحو زيد ضم وافتحن.... ... ................................
البيتين2.
"ولم يشترط ذلك الكوفيون"، هو أن يكون الوصف ابنا، بناء على أن علة الفتح التركيب، وقد جاء في باب "لا" نحو: لا رجل ظرف، بفتحهما، فجوزوا ذلك هنا، "وأنشدو عليه" قول جرير في مدح عمر بن عبد العزيز: [من الوافر]
699-
فما كعب بن مامة وابن سعدي ... بأجود منك يا عمر الجوادا
الرواية "بفتح: عمر" و"الجواد"، والقوافي منصوبة.
وكعب بن مامة هو كعب الإيادي الذي آثر رفيقه على نفسه بالماء حتى3 هلك عطشًا، وابن سعدى هو أوس بن حارثة بن لام الطائي الجواد المشهور, وسعدى: أمه. ويروى "أورى" مكان "سعدى" قيل: والمراد به عثمان بن عفان -رضي الله عنه.
وحكى الأخفش أن بعض العرب يضم "ابن" إتباعًا لضم المنادى، وهو نظير {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الأنعام: 1] بضم اللام4 في تبديل حركة بأثقل منها للإتباع، وفي كون ذلك من كلمتين، وفي تبعية الثاني للأول، لكنه مخالف في كونه5 إتباع معرب لمبني و"الحمد لله" بالعكس.
__________
1 في "ب"، "ط": "وإلى ذلك الإشارة بقول النظم".
2 البيتان هما:
ونحو زيد ضم وافتحن من ... نحو أزيد بن سعيد لا تهن
والضم إن لم يل الابن علما ... أو يل الابن علم قد حتما
699- البيت لجرير في خزانة الأدب4/ 442، والدرر 1/ 387، وشرح التسهيل 3/ 394، وشرح شواهد المغني ص56، والمقاصد النحوية 4/ 254، واللمع ص194، والمقتضب 4/ 208، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 23، وشرح الأشموني 2/ 447، وشرح المرادي 3/ 285، وشرح قطر الندى ص210، ومغني اللبيب ص19، وهمع الهوامع 1/ 176.
3 في "ط": "حين".
4 هي قراءة إبراهيم بن أبي عبلة، انظر مختصر بن خالويه ص1.
5 في "أ": "كون" والصواب من "ب"، "ط".(2/218)
"والوصف بابنة" في جواز فتح المنادى معها "كالوصف بابن" في ذلك، لأن ابنة هي ابن بزيادة التاء، "نحو: يا هند بنة عمرو" بضم هند وفتحها إتباعا لابنة، لأن الحرف الساكن بينهما حاجز غير حصين، وتاء التأنيث في حكم الانفصال.
"ولا أثر للوصف ببنت" عند جمهور العرب، "فنحو: يا هند بنت عمرو، واجب الضم" وممتنع الفتح لتعذر الإتباع، لأن بينهما حاجزًا حصينا، وهو تحرك الباء الموحدة، وجوزه أبو عمرو بن العلاء سماعا بناء على أن الفتح للتركيب، ومثله: يا زيد بُنَيَّ عمرو، بتصغير ابن، لتعذر الإتباع، ويجوز للتركيب. وشمل قوله: "أن يكون علمًا مفردًا" المثنى والمجموع مسمى بهما، ففي "النهاية": إذا سميت بمسلمات وبزيدين وبزيدين، حاكيًا إعرابه، قلت فيمن قال: يا زيد بن عمرو بالفتح، ويا مسلمات بن عمرو [بالكسر، ويا زيدين بن عمرو، ويا زيدين ابن عمرو. وعلى من ضم تقول: يا مسلمات بن عمرو] 1، ويا زيدان بن عمرو، ويا زيدون بن عمرو. ومن أجرى الإعراب في النون أجرى النون مجرى الدال، فيفتحها أو يضمها. انتهى.
وهذا مبني على القول بالتركيب، وأما على القول بالإتباع2 فلا، إذ لا إتباع في مسلمات إذا كسرت [التاء] 3 ولا في المثنى والمجموع على حده، ولذلك قال في التسهيل4: ويجوز فتح ذي الضمة الظاهرة إتباعًا، فنحو: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [المائدة: 110] لا يقدر فيه إلا الضم، خلافًا للفراء والزمخشري5.
وإذا وقع الابن بين علمين في غير النداء وكان صفة لما قبله، كان الحكم في أن يحذف التنوين من الموصوف لفظًا والألف من الابن خطا، كما في النداء، تقول: جاءني زيد بن عمرو، بحذف تنوين زيد، ويجوز ثبوته في الضرورة كقوله: [من الرجز]
700-
جارية من قيس بن ثعلبه ... تزوجت شيخا غليظ الرقبه
__________
1 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
2 في "ب": "بالإشباع".
3 إضافة من "ب"، "ط".
4 التسهيل ص180.
5 انظر معاني القرآن للفراء 1/ 326، والكشاف 1/ 371، وفيهما أنهما أجازا الفتح والضم في "عيسى".
700- الرجز للأغلب العجلي في ديوانه ص148، واللسان 1/ 238، "ثعلب"، وأساس البلاغة "قعب"، والدرر 1/ 388، وشرح المفصل 2/ 6، والكتاب 3/ 506، وتاج العروس 4/ 64، "قعب"، "خلل"، "حلي"، والخصائص 2/ 491، وسر صناعة الإعراب 2/ 530، وهمع الهوامع 1/ 176، وتاج العروس "الياء"، وشرح التسهيل 3/ 395، وشرح الكافية الشافية 3/ 1302، والمقتضب 2/ 315.(2/219)
وإن كان الابن خبرًا انعكس الحكم فينون المخبر عنه وتكتب1 ألف ابن خطا، تقول: زيد ابن عمرو, بتنوين زيد، وكذا إن لم يقع الابن بين علمين، تقول: جاءني زيد ابن أخينا، بتنوين زيد وإثبات ألف ابن خطا، فالحكم المذكور متعلق بشرطين: أن يقع الابن بين2 علمين، وأن يكون الابن صفة للعلم الذي قبله، فمتى زال أحد الشرطين عاد الاسم إلى أصله من التنوين. قاله الفخر الرازي وغيره.
النوع "الثاني: أن يكرر" المنادى حال كونه "مضافًا، نحو: يا سعدَُ سعدَ الأوس3، فالثاني" من السعدين "واجب النصب، والوجهان"، وهما الضم والفتح، جاريان "في" سعد "الأول4"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
591-
في نحو سعد سعد الاوس ينتصب ... ثان وضم وفتح أولا تصب
"فإن ضممته"، وهو الأكثر لأنه منادى مفرد، "فالثاني بيان" للأول، "أو بدل" منه "أو" منادى [ثان] 5 "بإضمار "يا" أو" مفعول بإضمار "أعني" أو توكيد. قاله ابن مالك6، واعترضه أبو حيان بأنه لا يجوز التوكيد لاختلف وجهي التعريف، لأن تعريف الأول بالعملية أو بالنداء، والثاني بالإضافة7. وقال الموضح في الحواشي: وثم مانع أقوى من ذلك، وهو اتصال الثاني بما لم يتصل به الأول.
"وإن فتحته" أي الأول "فقال سيبويه8: مضاف لما بعد الثاني والثاني فقحم" أي زائد بينهما. وهذا مبني على جواز إقحام الأسماء، وأكثرهم يأباه، وعلى جوازه ففيه فصل من المتضايفين، وهما كالشيء الواحد، وكان يلزم أن ينون الثاني لعدم إضافته.
__________
1 في "ب"، "ط": "وتثبت".
2 سقطت من "ب".
3 في حاشية يس 1/ 171: "قال الدنوشري: اشير بسعد سعد الأوس إلى بيت من جملة أبيات سمعها أهل مكة من هاتف هتف بهم قبل إسلام سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وهي قوله:
فإن يسلم السعدان يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف المخالف
فيا سعد الأوس كن أنت ناصرا ... ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أورد ذلك السهيلي في الروض الأنف".
4 سقطت من "ب".
5 إضافة من "ب"، "ط".
6 شرح التسهيل 3/ 405.
7 الارتشاف 3/ 135.
8 الكتاب 2/ 206، وانظر شرح ابن الناظم ص411.(2/220)
"وقال المبرد1: مضاف لمحذوف مماثل لما أضيف إليه الثاني"، والأصل: يا سعد الأوس سعد الأوس: فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه. وهو نظير ما ذهب إليه في نحو: قطع الله يد ورجل من قالها، وهو قليل في كلامهم، والكثير العكس، وسعد الثاني حينئذ بيان أو بدل أو توكيد، لأن المضاف إليه الأول مراد أو منادى ثان.
"وقال الفراء: الاسمان" الأول والثاني "مضافان للمذكور"، ولا حذف ولا إقحام. وهو ضعيف لما فيه من توارد عاملين على معمول واحد.
"وقال بعضهم" وهو الأعلم2: "الاسمان مركبان تركيب خمسة عشر، ثم أضيفا" إلى الأوس كـ: خمسة عشر زيد، وفيه تكلف تركيب ثلاثة أشياء. وسعد الأوس هو سعد بن معاذ رضي الله عنه، وهو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن خثعم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك، وهو أخو الخزرج.
القسم "الرابع" من أقسام المنادى: "ما يجوز ضمه ونصبه، وهو المنادى المستحق للضم إذا اضطر الشاعر إلى تنوينه" سواء كان علمًا أو نكرة مقصودة، فالعلم "كقوله" وهو الأحوص: [من الوافر]
701-
سلام الله يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السلام
بتنوين مطر الأول مع بقاء ضمه على البناء.
"و" النكرة المقصودة نحو "قوله" وهو جرير: [من الوافر]
702-
أعبدا حل في شعبي غريبا ... ألؤما لا أبالك واغترابا
بتنوين "عبدًا" مع نصبه على الإعراب إجراء للنكرة المقصودة مجرى النكرة غير المقصودة.
__________
1 المقتضب 4/ 227، وانظر شرح ابن الناظم ص411.
2 انظر قوله في خزانة الأدب 2/ 304.
701- البيت للأحوص في ديوانه ص189، والكتاب 2/ 202، والأغاني 15/ 234، وخزانة الأدب 2/ 150، 152، 6/ 507، والدرر 1/ 376، وشرح أبيات سيبويه 2/ 25، 605، وشرح شواهد المغني 2/ 766، وبلا نسبة في الأزهية ص164، والأشباه والنظائر 3/ 213، والإنصاف 1/ 311، وأوضح المسالك 4/ 28، والجنى الداني ص149، والدرر 2/ 257، ورصف المباني 177، 355، وشرح ابن الناظم ص405، وشرح الأشموني 2/ 448، وشرح التسهيل 3/ 396، وشرح شذور الذهب ص113، وشرح ابن عقيل 2/ 262، وشرح الكافية الشافية 3/ 1304، ومجالس ثعلب ص92، 542، والمحتسب 2/ 93.
702- تقدم تخريج البيت برقم 398.(2/221)
وأجاز فيه سيبويه1 وجهًا آخر. وهو أن يكون حالا كأنه قال: أتفخر عبدًا، أي في حال عبودية، ولا يليق الفخر بالعبد، قاله ابن السيد.
"واختار الخليل وسيبويه" والمازني "الضم" مطلقًا، لأنه الأكثر في كلامه، "و" اختار "أبو عمرو" بن العلاء "وعيسى" بن عمرو ويونس والجرمي والمبرد "النصب" مطلقًا، "ووافق الناظم والأعلم سيبويه في" ضم "العلم" كـ"مطر" في البيت الأول، "و" وافقا "أبا عمرو وعيسى في" نصب "اسم الجنس" كـ"عبدًا" في البيت الثاني.
قال ابن مالك2: إن بقاء الضم راجح في العلم لشدة شبهه بالضمير، مرجوع في اسم الجنس، لضعف شبهه بالضمير.
واختلف في تنوين المضموم فقيل: تنوين تمكين، لأن هذا المبني يشبه المعرب. وقيل: تنوين ضرورة، وإليه ذهب ابن الخباز. قال في المغني3: وبقوله أقول، لأن الاسم مبني على الضم، وخير في النظم بين الضم والنصب فقال:
582-
واضمم أو انصب ما اضطرارًا نونا ... مما له استحقاق ضم بينا
وتظهر فائدتهما في التابع، فتابع المنون المضموم يجوز فيه الضم والنصب، وتابع المنون المنصوب يجب نصبه ولم يجز ضمه.
__________
1 الكتاب 1/ 239، 345.
2 شرح التسهيل 3/ 396.
3 مغني اللبيب 2/ 343.(2/222)
فصل:
"ولا يجوز نداء ما فيه: أل" لأن النداء يفيد التعريف و"أل" تفيد التعريف، ولا يجمع بين معرفين، فلا يقال: يا الرجل، عند البصريين2، "إلا في أربع صور:
إحداها: اسم الله تعالى، أجمعوا على ذلك، تقول: يا الله، بإثبات الألفين" ألف "يا" وألف "الله" "ويلله3، بحذفهما" معًا "ويا لله، بحذف الثانية فقط" وإبقاء الأولى.
وعلل سيبويه جواز نداء الجلالة بأن "أل" لا تفارقها، وهي عوض همزة إله، فصارت بذلك كأنها من نفس الكلمة4. انتهى.
وهذا التعليل يناسب إثبات ألف الجلالة في النداء، كما أن الفعل المبدوء بهمزة الوصل إذا سمي به قطعت همزته، تقول: جاءني أنصر وإضرب، بضم الهمزة في الأول وكسرها في الثاني.
ووجه حذفها في الوصل النظر إلى أصلها، ووجه حذف ألف "يا" أن إثباتها يؤدي إلى التقاء الساكنين على غير حده لكونهما من كلمتين، ووجه إثباتها مع حذف الثانية إجراء المنفصل من كلمتين مجرى المتصل من كلمة واحدة.
"والأكثر أن يحذف حرف النداء" وهو"يا" خاصة، "وتعوض عنه الميم المشددة، فتقول: اللهم" بحذف حرف النداء وزيادة الميم في آخره، ولم تزد مكان المعوض منه لئلا تجتمع زيادتا5 الميم و"أل" في الأول. وخصت الميم بذلك لأن الميم عهدت زيادتها آخرًا كميم زرقم. قاله السيرافي.
__________
1 في "أ"، "ط": "مسألة"، وأثبت ما في "ب"، وأوضح المسالك 4/ 31.
2 انظر شرح ابن الناظم ص406، والإنصاف 1/ 335، والمسألة رقم 46.
3 في "ط"، وأوضح المسالك 4/ 31: "يا لله".
4 الكتاب 2/ 195.
5 في "ب": "زيادة".(2/223)
وما ذكره من أن الميم عوض عن "يا" هو مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن الميم بعض "أمنا بخير" فيجيزون1 "يا اللهم" في السعة2. ويبطل ذلك أنه حذف على غير قياس وقد التزم، وأنه لا يمتنع: اللهم أمنا بخير، والأصل عدم التكرار.
"وقد يجمع بينهما" أي بين "يا" والميم المشددة "في الضرورة النادرة، كقوله"، وهو أبو خراش الهذلي: [من الرجز]
703-
إني إذا ما حدث ألما ... أقول يا اللهم يا اللهما
وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
584-
والأكثر اللهم بالتعويض ... وشذ يا اللهم في قريض
وقد تخرج "اللهم" عن النداء فتستعمل على وجهين آخرين:
أحدهما: أن يذكرها المجيب تمكينًا للجواب في نفس السامع، يقول لك: أزيد قائم. فتقول أنت3: اللهم نعم، أو: اللهم لا.
الثاني: أن تسعمل دليلا على الندرة وقلة وقوع المذكور، كقولك: أنا لا أزورك اللهم إلا أن تدعوني. ألا ترى أن وقوع الزيادة مقرونة بعدم الدعاء قليل. قاله في النهاية.
الصورة "الثانية: الجمل المحكية" المبدوءة بـ"أل" "نحو: يا المنطلق زيد، فيمن سمي بذلك، نص على ذلك سيبويه" وقال4: لأنه بمنزلة تأبط شرًا، لأنه لا يتغير عن حاله، إذ قد عمل بعضه في بعض. انتهى.
ومقتضى ما قدمناه في "أنصر" قطع الهمزة، وإلى هاتين5 الصورتين أشار الناظم بقوله:
583-
................................. ... إلا مع الله ومحكي الجمل
__________
1 في "ب": "فيجوزون".
2 انظر المسألة رقم 47 في الإنصاف: الميم في اللهم، عوض عن حرف النداء أم لا، وانظر شرح ابن الناظم ص407.
703- الرجز لأبي خراش في الدرر 1/ 392، وشرح أشعار الهذليين 3/ 1346، والمقاصد النحوية 4/ 216، ولأمية بن أبي الصلت في خزانة الأدب 2/ 295، وبلا نسبة في أسرار العربية ص232، وأوضح المسالك 4/ 31، وشرح ابن الناظم ص406، وشرح الأشموني 2/ 449، وشرح ابن عقيل 2/ 265، وشرح التسهيل 3/ 401، والمقتضب 4/ 242، وهمع الهوامع 1/ 178، والمخصص 1/ 137.
3 سقطت من "ب".
4 الكتاب 3/ 333.
5 في "ب": "هذين".(2/224)
"وزاد عليه1 المبرد2: ما سمي به من موصول مبدوء بـ"أل" نحو": يا "الذي" قام "و" يا "التي" قامت، "وصوبه الناظم" في شرح التسهيل3، مع تصويبه له لم يستثنه في بقية كتبه.
فإن قلت: لم قال سيبويه فيمن سمي بـ"الذي قام" إنه لا ينادى، مع أنه أيضًا محكي4 لأنه قد عمل بعضه في بعض كما في الجملة؟
قلت: الفرق بينهما أن "الذي قام" محكي بحالته التي ثبتت له قبل التسمية، وهو قبلها لا ينادي لوجود "أل" وذلك لمانع باق، ونحو: المنطلق زيد، ليس المانع من ندائه قبل التسمية وجود "أل" بل كونه جملة. وذلك المانع قد زال بالتسمية.
فإن قلت: المانع شيئان: الجملة و"أل" فإذا زال أحدهما بقي الآخر. قلت: لو صح هذا امتنع نداؤه، وأنت تسلم الجواز، وإذا ثبت الجواز توجه أن المنادى هو المجموع و"أل" ليست داخلة على المجموع بل على جزء الاسم، فأشبه ما لو سميت بقولك: عبدنا المنطلق.
وأما "الذي" وصلته فإنما يحكي حكاية المفردات لا حكاية الجمل، فالمنادى إنما هو "الذي" دون صلته، والإعراب، يقدر في آخر "الذي"، ولهذا إذا سميت بأيهم ضربته "و"أي" موصولة، لم تحك إعراب الرفع في "أي" بل تعربها بحسب العوامل فتقول: رأيت أيهم ضربته، ومررت بأيهم ضربته، كما أنك إذا سميت باسم مفرد عامل فيما بعده حكيت الاسم المفرد العامل فيما بعده فتقول: رأيت ضاربًا زيدًا، ومررت بضارب زيدًا. ولما كانت الصلة5 لا دخل لها في ذلك مثل الموضح بالموصول مجردًا عن الصلة، وليس محل النزاع، وكأنه أشار إلى الفرق.
"و" الصورة "الثالثة: اسم الجنس المشبه به، كقولك: يا الخليفة هيبة. نص على ذلك ابن سعدان". قال الناظم في شرح التسهيل6: تقديره: يا مثل الخليفة، فلذلك حسن دخول "يا" عليه لأنها في التقدير داخلة على غير "أل".
__________
1 سقطت من "ب".
2 المقتضب 4/ 241.
3 شرح التسهيل 3/ 398.
4 بعده في "ب": "بحالته".
5 في"ب": "العلة".
6 شرح التسهيل 3/ 398.(2/225)
قال الشاطبي: وفيما قاله نظر، إذ ليس تقدير "مثل" بمزيل لقبح الجمع بين "يا" و"أل"، وإلا لجاز: يا القرية، لأنه في تقدير: يا أهل القرية، وذلك لا يقول به ابن مالك وابن سعدان، فدل على أنه غير صحيح. انتهى.
وعندي أن تقدير ابن مالك صحيح ومزيل للقبح بدليل قولهم: قضية ولا أبا حسن لها، فإن تقديره: ولا مثل أبي حسن لها1، فلولا أن تقدير "مثل" مزيل لقبح دخول "لا" على المعرفة لما كان لهذا التقدير وجه. وللزم عمل "لا" في المعرفة، والشاطبي لا يقول بعمل "لا" في المعارف.
"و" الصورة "الرابعة: ضرورة الشعر"، وإليها أشار الناظم [بقوله] 2:
583-
وباضطرار خص جمع يا وأل ... .................................
"كقوله": [من الكامل]
704-
عباس يا الملك المتوج والذي ... عرفت له بيتا لعلا عدنان
فجمع بين "يا" و"أل" في الشعر ضرورة، "ولا يجوز ذلك في النثر خلافًا للبغداديين" والكوفيين في إجازتهم ذلك محتجين بالقياس والسماع، أما القياس فقد جاز: يا الله، بالإجماع، فيجوز: يا الرجل، قياسًا عليه بجامع أن كلا منها فيه "أل" وليست من أصل الكلمة، وأما السماع فقد أنشدوا: [من الرجز]
705-
فيا الغلامان اللذان فرا ... إياكما أن تكسبانا شرا
وهذا لا ضرورة فيه لتمكن قائله من أن يقول: فيا غلامان اللذان فرا، وأجاب المانعون عن القياس بالفرق بكثرة الاستعمال وعن السماع بالشذوذ3.
__________
1 سقطت من "ب"، "ط".
2 سقطت "من "أ".
704- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 32، والدرر 1/ 384، وشرح الأشموني 2/ 449 والمقاصد النحوية 4/ 245، وهمع الهوامع 1/ 174.
705- الرجز بلا نسبة في أسرار العربية 230، والإنصاف 336، والدرر 1/ 384، وخزانة الأدب 2/ 294 وشرح ابن الناظم ص406، وشرح ابن عقيل 2/ 264، وشرح التسهيل 3/ 398، وشرح الكافية الشافية 3/ 1308، وشرح المفصل 2/ 9، واللامات ص53، واللمع في العربية ص196، والمقاصد النحوية 4/ 215، والمقتضب 4/ 243، وهمع الهوامع 1/ 174، وتاج العروس "الياء".
3 شرح التسهيل 3/ 398-399، وانظر الإنصاف 1/ 338، المسألة رقم 46.(2/226)
الفصل الثالث في أقسام تابع المنادى المبني وأحكامه:
أقسامه أربعة:
أحدها: ما يجب نصبه مراعاة لمحل المنادى"، فإن محله نصب، "وهو ما اجتمع فيه أمران: أحدهما: أن يكون" التابع "نعتًا أو بيانًا أو توكيدًا". "و" الأمر "الثاني: أن يكون" التابع مضافًا "مجردًا من: أل".
فالنعت "نحو: يا زيد صاحب عمرو، و" البيان نحو: "يا زيد أبا عبد الله، و" التوكيد نحو: "يا تميم كلهم أو كلكم"، بنصب "صاحب، وأبا، وكل" وجوبًا، وحكي عن جماعة من الكوفيين منهم الكسائي والفراء والطوال جواز رفع المضاف من نعت وتوكيد، وتبعهم ابن الأنباري. وإن كان مع تابع المنادى ضمير جيء به دالا على الغيبة باعتبار الأصل نحو: يا تميم كلهم، وعلى الحضور باعتبار الحال، نحو: يا تميم كلكم، وقد اجتمعا في قوله: [من الطويل]
706-
فيا أيها المهدي الخنا من كلامه ... كأنك يضغو في إزارك خرنق
ويضغو، بضاد وغين معجمتين: يصوت، وخرنق، بكسر الخاء المعجمة، والنون: ولد الأرنب1. وفيه رد على الأخفش حيث منع مراعاة الحال وقال: وأما قولهم: يا تميم كلكم، فإن رفعوه فهو مبتدأ وخبره محذوف، أي: كلكم مدعو، وإن نصبوه فبفعل2 محذوف اي: كلكم دعوت. وإلى نصب التابع المضاف أشار الناظم بقوله:
585-
تابع ذي الضم المضاف دون أل ... ألزمه نصبا........................
__________
706- البيت بلا نسبة في الدرر 2/ 473، وهمع الهوامع 2/ 143.
1 في "أ", "ب": "الثعلب"، والتصويب من "ط"، ولسان العرب 10/ 78 "خرنق".
2 في "ب": "فبعامل".(2/227)
"و" القسم "الثاني: ما يجب رفعه مراعاة للفظ المنادى، وهو نعت: أي" في التذكير "و: أية" في التأنيث، "ونعت اسم الإشارة" فيهما "إذا كان اسم الإشارة وصلة لندائه" أي لنداء نعته "نحو: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} " [البقرة: 21] "و: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} " [الفجر: 27] فـ"أي" و"أية" مبنيان على الضم لكون كل منهما منادى مفردًا، و"ها" التنبيه فيهما زائدة لازمة للفظ "أي" و"أية" عوضًا عن المضاف إليه، مفتوحة الهاء، ويجوز ضمها إذا لم يكن بعدها اسم إشارة على لغة بني مالك من بني أسد، وقد قرئ1 بهما، و"الناس، والنفس": مرفوعان على التبعية وجوبًا مراعاة للفظ "أي، وأية" وإنما جاز الرفع مراعاة للفظ مع أن المتبوع مبني، لأنه مشبه للمعرب في حدوث ضمه بسبب الداخل عليه، وكذا تقول2 في أمثاله، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
588-
وأيها مصحوب أل بعد صفه ... يلزم بالرفع...................
"و" نحو "قولك: يا هذا الرجل" ويا هذه المرأة "إن كان المراد أولا نداء الرجل" والمرأة. وإنما3 أتيت باسم الإشارة وصلة لندائهما فيجب رفع نعتهما مراعاة للضم المقدر في اسم الإشارة. وإنما لزم رفعهما لأنهما المقصودان بالنداء، والمنادى المفرد لا ينصب، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
590-
وذو إشارة كأي في الصفه ... إن كان تركها يفيت المعرفه
وإن كان المراد نداء اسم الإشارة دونهما جاز فيهما الرفع والنصب على ما سيأتي.
"ولا يوصف اسم الإشارة أبدًا" في هذا الباب وغيره "إلا بما فيه: أل"، نحو: مررت بهذا الرجل، وجوزوا فيه أن يكون بيانًا لاسم الإشارة، واستشكله ابن عصفور بأن البيان يشترط فيه أن يكون أعرف من المبين، والنعت لا يكون أعرف من المنعوت، فكيف يكون الشيء أعرف وغير أعرف؟
وأجاب4 بأنه إذا قدر بيانًا قدرت "أل" فيه لتعريف الحضور، فهو يفيد الجنس والحضور بدخول "أل"، والإشارة إنما تدل على الحضور دون الجنس، وإذا قدر نعتًا قدرت
__________
1 هي قراءة ابن عامر لقوله تعالى: {أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} . انظر الإتحاف ص406، والنشر 2/ 142، وفي حاشية يس 2/ 174: "فوجهها؛ أي قراءة ابن عامر؛ أن هذا الحرف إذا تقدم كالجزء من الكلمة، حتى دخل عليه العوامل نحو بهذا، فلما جرى أولا مجرى الجزء جرى ذلك المجرى آخرًا فحذفت ألفه".
2 في "ب": "ط": "القول".
3 سقطت من "ب".
4 مغني اللبيب 1/ 51.(2/228)
"أل" فيه للعهد. فالمعنى: مررت بهذا، وهو الرجل المعهود بيننا، فلا دلالة فيه على الحضور، والإشارة تدل عليه فكانت أعرف. قال1: وهذا معنى كلام سيبويه.
"ولا توصف "أي" و"أية" في هذا الباب" المعقود للنداء إلا بما فيه "أل" من معرف بها أو موصوف، فيقال: يا أيها الرجل ويا أيتها المرأة. و: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} [الحجر: 15] ويا أيتها التي قامت. ولا يقال: يا أيها الحارث أو الصعق2 مما هي فيه للمح الأصل أو الغلبة.
"أو باسم الإشارة" العاري من كاف الخطاب "نحو3: يا أيهذا الرجل"، ولا يجوز: يا أيها ذلك الرجل، خلافًا لابن كيسان، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
589-
وأيهذا أيها الذي ورد ... ووصف أي بسوى هذا يرد
"و" القسم "الثالث: ما يجوز رفعه ونصبه"؛ فالنصب إتباعًا لمحل المنادى، والرفع على تشبيه لفظ المنادى بالمرفوع تنزيلا لحركة البناء العارضة بسبب دخول حرف النداء منزلة حركة الإعراب بسبب دخول العامل. ومقتضى هذ التنزيل أن يكون حرف النداء هو الرافع للتابع بناء على أن العامل في التابع هو العامل في المتبوع في غير البدل، وإلا فأين الرفع؟ والقول: إن الرافع التبعية قول ضعيف لا يحسن التخريج عليه.
والمخلص من ربقة هذا الإشكال أن يحاول في المنادى المضموم أن يكون نائب فاعل في المعنى والتقدير: مدعو زيد، فرفع تابعه بالحمل على ذلك. "وهو نوعان:
أحدهما: النعت المضاف المقرون بـ"أل" نحو: يا زيد الحسن الوجه" برفع الحسن ونصبه على ما قررنا.
"و" النوع "الثاني: ما كان مفردًا من نعت أو بيان أو توكيد أو كان معطوفًا"4 مقرونا بـ"أل".
فالنعت "نحو: يا زيد الحسن" بالرفع "والحسن"، بالنصب، "و" البيان نحو: "يا غلام بشر"، بالرفع، "وبشرًا"، بالنصب، "و" التوكيد نحو: "يا تميم أجمعون"، بالرفع، "وأجميعن"، بالنصب، "و" المعطوف المقرون بـ"أل" كقولك:
__________
1 مغني اللبيب 1/ 51.
2 ف "ب": "الصعة".
3 سقطت من "ب".
4 في "ب": "مقطوعًا".(2/229)
يا زيد والضحاك، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
586-
وما سواه ارفع أو انصب.... ... .................................
وكما "قال الله تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10] قرأه السبعة بالنصب" عطفًا على محل الجبال1، "واختاره أبو عمرو" بن العلاء "وعيسى" بن عمر الثقفي ويونس والجرمي، "وقرئ" في غير السبع "بالرفع" عطفًا على لفظ الجبال، "واختاره الخليل وسيبويه" والمازني2، "وقدروا النصب" في "الطير"3 "على العطف على "فضلا" من قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا} " [سبأ: 10] والتقدير: وآتيناه الطير، وجملة النداء معترضة بين المتعاطفين.
"وقال المبرد4: إن كانت: أل" في المعطوف "للتعريف مثلها في "الطير"، فالمختار النصب" في المعطوف، "أو لغيره"، وهي الزائدة "مثلها في {الْيَسَعَ} [الأنعام: 86] فالمختار الرفع". وجه اختيار الرفع مشاكلة الحركة وحكاية سيبويه أنه أكثر5، ووجه اختيار النصب أن ما فيه "أل" لم يجز أن يلي حرف النداء، فلم يجعل لفظه كلفظ ما وليه، ولذلك قرأ جميع القراء ما عدا الأعرج بنصب "الطير".
ووجه التفصيل أن "أل" في نحو: "اليسع" لم تفد تعريفًا فكأنها ليست فيه، فـ:"يا زيد واليسع" مثل "يا زيد ويسع"، و"أل" في نحو "الطير" مؤثرة تعريفًا وتركيبا ما، فأشبه ما هي فيه المضاف، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
587-
وإن يكن مصحوب أل ما نسقا ... ففيه وجهان ورفع ينتقى
__________
1 انظر شرح ابن الناظم ص409.
2 انظر أوضح المسالك 4/ 36، والدرر 2/ 472، والتسهيل ص181-182، وشرح ابن عقيل 2/ 268، وشرح الكافية الشافية 3/ 1314، وشرح المفصل 2/ 2-3، والكتاب 2/ 187، وشرح ابن الناظم ص409، والمقتضب 2/ 212، 213.
3 الرسم المصحفي: {وَالطَّيْرَ} بالنصب، وقرأها "والطيرُ"؛ بالرفع: أبو عمرو وعاصم والسلمي وابن هرمز وأبو يحيى وأبو نوفل ويعقوب وابن أبي عبلة وروح ونصر وعبيد بن عمير. انظر الإتحاف ص358، والبحر المحيط 7/ 263، والقراءة المستشهد بها من شواهد أوضح المسالك 4/ 36، والدرر 2/ 472، وشرح ابن الناظم ص409، وشرح ابن عقيل 2/ 268، وشرح المفصل 2/ 2-3، والكتاب 2/ 187.
4 المقتضب 2/ 212-213.
5 الكتاب 2/ 186-187.(2/230)
"و" القسم "الرابع: ما يعطى" حال كونه "تابعًا ما يستحقه إذا كان منادى مستقلًا، وهو البدل والمنسوق والمجرد من: أل" فيضم إن كان مفردًا، وينصب إن كان مضافا، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
586-
.................. واجعلا ... كمستقبل نسقا وبدلا
وذلك "لأن البدل في نية تكرار العامل، والعاطف كالنائب عن العامل، تقول" في البدل المفرد: "يا زيد بشر، بالضم" من غير تنوين: يا بشر، "وكذلك" تقول في المنسوق المفرد المجرد من "أل": "يا زيد وبشر" بالضم من غير تنوين، كما تقول يا بشر.
"وتقول" في البدل المضاف: "يا زيد أبا عبد الله" بالنصب، كما تقول: يا أبا عبد الله، "وكذلك" في المنسوق والمضاف والمجرد من "أل": "يا زيد وأبا عبد" الله، بالنصب، كما تقول: يا أبا عبد الله.
"وهكذا حكمهما"، أي البدل والمنسوق المجردين من "أل"، "مع المنادى المنصوب"، فيضمان إن كان مفردين وينصبان إن كان مضافين، تقول: يا أبا عبد الله بشر ويا عبد الله وبشر، بضم بشر فيهما، ويا عبد الله أخا زيد، ويا عبد الله وأخا زيد، بنصب الأخ فيهما.
قال في التسهيل1: خلافًا للمازني والكوفيين في تجويز: يا زيد وعمرًا، وقال في شرح التسهيل2: أجروا المنسوق العاري من "أل" مجرى المقرون بها.
قال: وما رواه غير بعيد من الصحة إذا لم ينو إعادة "يا" فإن المتكلم قد يقصد إيقاع نداء واحد على اسمين، كما يقصد أن يشتركا في عامل واحد. ا. هـ.
__________
1 التسهيل ص181.
2 شرح التسهيل 3/ 402.(2/231)
الفصل الرابع في المنادى المضاف للياء الدالة على المتكلم:
"وهو أربعة أقسام:
أحدها: ما فيه لغة واحدة، وهو" المنادى "المعتل" بالألف أو الياء، "فإن ياءه" المضاف هو إليها "واجبة الثبوت والفتح نحو: يا فتاي ويا قاضي"، فلا يجوز حذفها للإلباس، ولا إسكانها، لئلا يلتقي ساكنان، ولا تحريكها بالضم أو الكسر، لثقلهما1 على الياء.
"و" القسم "الثاني: ما فيه لغتان، وهو الوصف المشبه للفعل" المضارع في كونه بمعنى الحال أو الاستقبال؛ "فإن ياءه ثابتة لا غير"؛ فإنه في حكم الانفصال فلم تمازج ما اتصلت به، فليست كياء "قاض"، "وهي إما مفتوحة أو ساكنة نحو: يا مكرمي ويا ضاربي". وهل أصلها السكون أو الفتح؟ بقولان تقدما في باب المضاف إلى ياء المتكلم، واحترز بالمشبه للفعل من الوصف بمعنى الماضي فإن إضافته محضة، وفي يائه2 اللغات الست الآتية.
"و" القسم "الثالث: ما فيه ست لغات، وهي ما عدا ذلك" المتقدم من القسمين، "وليس أبًا ولا أمًّا، نحو: يا غلامي، فالأكثر" فيه "حذف الياء والاكتفاء بالكسرة، نحو: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونَ} " [الزمر: 16] أجري المنفصل من كلمتين مجرى المتصل في كلمة واحدة، نحو: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر: 4] "ثم ثبوتها ساكنة" على الأصل في البناء "نحو: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} [الزخرف: 68] "أو" ثبوتها "مفتوحة" للتخفيف، "نحو: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} " [الزمر: 53] وإنما كان السكون والفتح في مرتبة واحدة نظرًا إلى اختلافهم في أصل وضعها كما تقدم.
__________
1 في "ب": "لثقلها".
2 في "ب": "وبابه".(2/232)
"ثم قلب الكسرة فتحة و" قلب "الياء ألفًا" لتحركها ما قبلها؛ لأن الألف أخف من الياء، "نحو: {يَا حَسْرَتَا} " [الزمر: 56] والأصل: يا حسرتي، بكسر التاء وفتح الياء، ثم قيل: يا حسرتي، بفتحهما1. ثم قيل: يا حسرتا2، بقلب الياء ألفًا. "وأجاز الأخفش" والفارسي والمازني "حذف الألف" المنقلبة عن الياء "والاجتزاء بالفتح" عنها، فتقول: يا حسرة، "كقوله": [من الوافر]
707-
ولست براجع ما فات مني ... بلهف ولا بليت ولا لو اني
فالباء في "بلهف" متعلقة بـ"راجع" ومجرورها محذوف "أصله: بقولي"، ولهف: منادى سقط منه حرف النداء، والأصل: "يا لهفا" فحذفت الألف المنقلبة عن ياء المتكلم اجتزاء بالفتحة. والمعنى: ولست راجعًا ما فات مني بقولي: يا لهفي، ولا بقولي: يا ليتني فعلته، ولا بقولي: لو أني فعلت3. والحاصل أن ما فات لا يعود بكلمة التلهف ولا بكلمة التمني ولا بكلمة "لو".
"ومنهم من" يحذف الياء4 و"يكتفي من الإضافة بنيتها، ويضم الاسم" المضاف للياء، "كما تضم المفردات" في غير الإضافة، "وإنما يفعل ذلك" الضم "فيما فيه أن لا ينادى إلا مضافًا" كالأم والأب والرب5، حملا للقليل على الكثير، "كقول بعضهم: يا أم لا تفعلي" بضم الميم. حكاه يونس6. "وقراءة آخر: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} [يوسف: 33] بضم "رب"7 لأن الأم والرب الأكثر فيهما أن
__________
1 في "أ": "بفتحها".
2 في "ب" "يا حسرتي".
707- البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 63، 179، والإنصاف 1/ 390، وأوضح المسالك 4/ 37، وخزانة الأدب 1/ 131، والخصائص 3/ 135، ورصف المباني ص288، وسر صناعة الإعراب 1/ 521، 2/ 728، وشرح الأشموني 2/ 332، وشرح عمدة الحافظ 2/ 521، وشرح قطر الندى ص205، ولسان العرب 9/ 321 "لهف"، والمحتسب 1/ 277، والمقاصد النحوية 4/ 248 والمقرب 1/ 181، 2/ 201، والممتع في التصريف 2/ 622.
3 في "ب": "فعلته".
4 في "ب": "الفاء".
5 سقطت من "ب".
6 انظر شرح ابن الناظم ص412، والكتاب 2/ 213.
7 الرسم المصحفي: {رَبِّ} ؛ بالكسر؛ وقرئت بالضم: "ربُّ". انظر إملاء ما من به الرحمن 2/ 29، وشرح ابن الناظم ص412.(2/233)
لا يناديا إلا مضافين للياء، والأصل: يا أمي ويا ربي، فحذفت الياء تخفيفا وبنيا على الضم تشبيها بالنكرة المقصودة، بخلاف: يا عدوي، فلا يجوز: يا عدو، بحذف الياء، وضم الواو. قاله شارح اللباب، لأن نداءه مضافًا للياء لم يكثر.
وظاهر كلام الموضح أن تعريف المضموم على هذه اللغة بالإضافة لا بالقصد والإقبال، وقد صرح في "النهاية" بالثاني فقال1: جعلوه معرفة بالقصد فنبوه على الضم، وهذه الضمة كهي في: يا رجل، إذا قصدت رجلا بعينه. ا. هـ. ولعل هذا هو الذي حمل الناظم على إسقاطه واقتصاره على خمس لغات في قوله:
592-
واجعل منادى صح إن يضف ليا ... كعبد عبدي عبد عبدا عبديا
والأظهر أن تعريف بالإضافة المنوية، لأنهم جعلوه لغة في المضاف إلى الياء، ولو كان تعريفه بالقصد لم يكن لغة فيه.
"و" القسم "الرابع: ما فيه عشر2 لغات، وهو الأب والأم، ففيهما مع اللغات الست" المتقدمة أربع أخر3 يأتي ذكرها، وأفصح الست حذف الياء وإبقاء الكسرة نحو: يا أب ويا أم، بكسرهما، ثم إثبات الياء ساكنة أو متحركة بالفتح نحو، يا أبي ويا أمي، ثم قلبها ألفًا نحو: يا أبا ويا أما. ثم حذف الألف وإبقاء الفتحة نحو: يا أب ويا أم، بفتحهما، وأقلها الضم نحو، يا أب ويا أم بضمهما.
والأربعة الباقية "أن تعوض"4 أنت "تاء التأنيث من ياء المتكلم وتكسرها، وهو الأكثر" في كلامهم، لأن الكسر عوض من الكسر الذي كان يستحقه5 قبل ياء المتكلم وزال حين جاءت التاء، إذ لا يكون ما قبل التاء إلا مفتوحًا، وتوجيه الفراء6 بأن الياء في النية رده الزجاج7 بأنه لا يقال: يا أبتي.
"أو تفتحها، وهو الأقيس"، لأن التاء بلد من ياء حركتها الفتح، فتحريكها بحركة أصلها هو الأصل في القياس، وقيل: لأن الأصل: يا أبتا، ويرده ما رد قول الفراء.
__________
1 انظر شرح المرادي 3/ 305.
2 سقطت من "ب".
3 في "ب" "أربع لغات".
4 في "ب": "تضم".
5 في "ب": "من الكسرة التي كان يستحقها".
6 معاني القرآن للفراء 2/ 32.
7 في "ط": "الزجاجي". وانظر قول الزجاج في كتابه معاني القرآن وإعرابه 3/ 89.(2/234)
"أو تضمها على التشبيه بنحو: ثبة وخبة، وهو شاذ"، حكى سيبويه عن الخليل أنه سمع: يا أمت، بالضم1، وأجازه الفراء والنحاس ومنعه الرجاج2، "وقد قرئ بهن" فبالكسر قرأ الجميع3 إلا ابن عامر، وبالفتح قرأ ابن عامر4، وبالضم قرئ في الشواذ5. "وربما جمع بين التاء والألف فقيل: يا أبتا ويا أمتا"، وعليه قوله: [من الرجز]
708-
يا أبتا علك أو عساكا
وهو جمع بين العوض والمعوض "فهو كقوله": [من الرجز]
709-
أقول يا اللهم يا اللهما
"وسبيل ذلك الشعر".
وزعم ابن مالك6 أن الألف في "يا أبتا" هي التي يوصل بها آخر المندوب والمنادى البعيد والمستغاث، وأنها ليست بدلًا من الياء، والأول قول ابن جني7. وربما جمع
__________
1 في الكتاب 2/ 211: "يا أمة لا تفعلي".
2 انظر الارتشاف 3/ 137.
3 كما في الرسم المصحفي في قوله تعالى: {يَا أَبَتِ} [يوسف: 4] .
4 كذلك قرأها أبو جعفر ويعقوب. انظر الإتحاف ص262، ومعاني القرآن للفراء 2/ 32، وهي من شواهد شرح ابن الناظم ص413، والدرر 2/ 515.
5 لم تنسب قراءة الضم إلى أحد من القراء، وقد ذكرها الفرء في معاني القرآن 2/ 32، وقال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 3/ 90: "وأما "يا أبة إني"؛ بالرفع؛ فلا يجوز إلا على ضعف، لأن الهاء ها هنا جعلت بدلا من ياء الإضافة".
708- الرجز لرؤبة في ملحقات ديوانه ص181، وخزانة الأدب 5/ 362، 367، 368، وشرح أبيات سيبويه 2/ 164، وشرح شواهد المغني 1/ 433، وشرح المفصل 7/ 123، 2/ 90، والكتاب 2/ 375، والمقاصد النحوية 4/ 252، وللعجاج في ملحق ديوانه 2/ 310، وتهذيب اللغة 1/ 106، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 336، والإنصاف 1/ 222، والجنى الداني ص466، 470 والخصائص 2/ 96، والدرر 1/ 277، ورصف المباني ص29، 24، 355، وسر صناعة الإعراب 1/ 406، 2/ 493، 502، وشرح الأشموني 1/ 133، 2/ 458، وشرح المفصل 2/ 12، 3/ 118، 120، 8/ 87، 9/ 33، واللامات 135، ولسان العرب 14/ 349 "روي"، وما ينصرف وما لا ينصرف ص130، والمقتضب 3/ 71، ومغني اللبيب 1/ 151، 2/ 699، وهمع الهوامع 1/ 132، وتاج العروس "الياء".
709- تقدم تخريج الرجز برقم 703.
6 شرح الكافية الشافية 3/ 1327.
7 اللمع ص175.(2/235)
بين التاء والياء فقيل: يا أبتي ويا أمتي، وعليه قوله: [من الطويل]
710-
أيا أبتي لا زلت فينا فإنما ... لنا أمل في العيش ما دمت عائشًا
وهو ضرورة خلافًا لكثير من الكوفيين، والأول أسهل من هذا لذهاب صورة المعوض منه، وهو الياء، وربما قيل: يا أباتُ، وعليه قول: [من الطويل]
711-
............................. ... كأنك فينا يا أبات غريب
فقيل: أراد: يا أبت ثم أشبع. وقيل: أراد: يا أبتا ثم قلب, وقيل: أراد يا أبا على لغة القصر، ثم قدر لحاق الياء وأبدل منها التاء1، واقتصر في النظم على قوله:
594-
وفي الندا أبت أمت عوض ... واكسر أو افتح ومن اليا التا عوض
"ولا يجوز تعويض تاء التأنيث عن2 ياء المتكلم إلا في النداء" خاصة، "فلا يجوز: جاءني أبت، ولا: رأيت أبت". ولا: مررت بأبت. "والدليل على أن التاء في: يا أبت ويا أمت3، عوض من الياء، أنهما لا يكادان يجتمعان" عند البصريين وطائفة من الكوفيين، "و" الدليل "على أنها للتأنيث أنه يجوز إبدالها في الوقف هاء" عند جمهور البصريين، وذهب الفراء إلى أنه يوقف التاء4، وحجة البصريين أنها تشبه تاء5 صياقلة، وحجة الفراء أنها عوض من حرف لا يتغير وقفًا، وقد وقف أبو عمرو بالتاء6 وهو رأس البصريين، ورسمت في المصحف بالتاء، ويجوز رسمها بالهاء.
__________
710- البيت بلا نسبة في شرح الأشموني 2/ 458، وشرح التسهيل 3/ 407، وشرح المرادي 3/ 317، والمقاصد النحوية 4/ 251.
711- صدر البيت:
تقول ابنتي لما رأتني شاحبا
وهو لأبي الحدرجان في نوادر أبي زيد ص239، وبلا نسبة في أساس البلاغة "شحب"، والاقتضاب ص645، والخصائص 1/ 339، والدرر 2/ 515، وشرح التسهيل 3/ 407، وشرح المرادي 3/ 319، ولسان العرب 14/ 8، 10 "أبي"، ومقاييس اللغة 3/ 252، والمقاصد النحوية 4/ 253، وهمع الهوامع 2/ 157.
1 انظر الدرر 2/ 515-516، والاقتضاب ص645، والمقاصد النحوية 4/ 253.
2 في "أ": "من".
3 في "ب": "أمتي".
4 معاني القرآن للفراء 2/ 32.
5 في "أ": "هذا".
6 انظر الإتحاف ص262.(2/236)
فصل:
"وإذا كان المنادى مضافًا إلى مضاف إلى الياء" نحو: يا غلام غلامي "فالياء ثابتة لا غير"، ولا يجوز حذفها لبعدها عن المنادى. وهي إما ساكنة أو مفتوحة "كقولك: يابن أخي ويابن خالي"، ويا بنت أخي ويا بنت خالي، "إلا إذا كان" المنادى "ابن عم أو ابن أم"، أو ابنة عم أو ابنة أم، "فالأكثر" حذف الياء و"الاجتزاء بالكسرة عن الياء" كقولك، يابن عم ويابن أم، بكسر الميم فيهما.
ثم قال الزجاجي1: لا تركيب، بل إضافتان، وقال في الارتشاف2 نقلا عن أصحابه، إنهم حكموا للاسمين بحكم اسم واحد، وإنهم حذفوا الياء حذفها من خمسة عشر، إذا أضافوها للياء، فليس إضافة واحدة. ا. هـ.
"أو أن يفتحا"، ثم قيل: "للتركيب المزجي" كقولك: يابن عم ويابن أم، بفتح الميم فيهما. وقيل: الأصل عما وأما، بقلب الياء ألفًا، فحذفت الألف وبقيت الفتحة دليلا عليها. والأول: قل: هو مذهب سيبويه والبصريين3، والثاني قول الكسائي والفراء4 وأبي عبيدة، وحكي عن الأخفش، "وقد قرئ في السبع: {قَالَ ابْنَ أُمَّ} [الأعراف: 150] بالوجهين"، الكسر والفتح،5 وإليهما أشار الناظم بقوله:
593-
وفتح أو كسر وحذف اليا استمر ... في يابن أم يابن عم لا مفر
"و" العرب "لا يكادون يثبتون الياء ولا الألف" فيهما "إلا في الضرورة6، كقوله"
__________
1 انظر الجمل ص162.
2 انظر الارتشاف 3/ 137.
3 الكتاب 2/ 214.
4 معاني القرآن للفراء 1/ 394.
5 الرسم المصحفي: {أُمَّ} ؛ بالفتح، وقرأها بالكسر: ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وبكر. انظر الإتحاف ص231، ومعاني القرآن للفراء 1/ 394، والنشر 2/ 272، وأمالي ابن الشجري 2/ 75.
6 كذا قال ابن الناظم في شرحه ص412-413، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه 2/ 379، ويرى المبرد في الاقتضاب أن إثبات الياء أجود، أما ابن عقيل فقال في شرحه 2/ 276: "لا يجوز إثبات الياء ... لأن التاء عوض من الياء، فلا يجمع بين العوض والمعوض عنه".(2/237)
وهو أبو زبيد الطائي، واسمه حرملة بن المنذر في مرثية أخيه: [من الخفيف]
712-
يابن أمي ويا شقيق نفسي ... أنت خليتني لدهر شديد
"وقوله"، وهو ابن النجم العجلي، واسمه الفضل بن قدامة: [من الرجز]
713-
يا بنة عما لا تلومي واهجعي ... وانمي كما ينمى خضاب الأشجعي
ويروى:
لا يخرق النوم حجاب مسمعي ... .......................................
__________
712- البيت لأبي زبيد في ديوانه ص48، والدرر 2/ 170، والكتاب 2/ 213، ولسان العرب 10/ 182 "شقق"، والمقاصد النحوية 4/ 222، وبلا نسبة في أمالي ابن الشجري 2/ 179، وأوضح المسالك 4/ 40، وشرح ابن الناظم ص413، وشرح الأشموني 2/ 457، وشرح التسهيل 3/ 406، وشرح المرادي 3/ 313، وشرح المفصل 2/ 12، ومعاني القرآن وإعرابه 2/ 379، والمقتضب 4/ 250، وهمع الهوامع 2/ 54.
713- الرجز لأبي النجم العجلي في ديوانه ص134، وخزانة الأدب 1/ 364، والدرر 2/ 170، وشرح أبيات سيبويه 1/ 440، وشرح المرادي 3/ 313، وشرح المفصل 2/ 12، والكتاب 2/ 214، ولسان العرب 12/ 424، "عمم"، والمحتسب 2/ 238، والمقاصد النحوية 4/ 224، ونوادر أبي زيد ص19، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 41، ورصف المباني ص159، وشرح ابن الناظم ص413، والمقتضب 4/ 252، وهمع الهوامع 2/ 54.(2/238)
باب في ذكر أسماء لازمت النداء:
فلا تستعمل في غيره، فلا تقع فاعلة ولا مفعولة ولا مضافًا إليها، وهي كثيرة: "منها فل" بضمتين "وفلة" بضم الفاء، وهما عند سيبويه1 كناية2 عن نكرة من يعقل من جنس الإنسان، فـ"فل" "بمعنى رجل، و" فلة "بمعنى امرأة".
"وقال ابن مالك وجماعة" منهم ابن عصفور وابن العلج: فل وفلة كناية عن علم من يعقل، ففل "بمعنى زيد، و" فلة "بمعنى هند، ونحوهما" من أعلام الأناسي3. ولم يذكر ابن مالك ذلك صريحًا وإنما لزم من قوله4: ويقال: يا فل للرجل، ويا فلة للمرأة، بمعنى يا فلان ويا فلانة، فظاهر أن "فل" و"فلة" كناية عن علم من يعقل، لأنه جعلهما بمعنى فلان وفلانة، وهما كنايتان عن علم من يعقل. قاله المرادي5.
"و" ما قاله ابن مالك "هو" والجماعة "وهم" بفتح الهاء مصدر وهم، بالكسر: إذا غلط، "وإنما ذلك" الذي هو "بمعنى" زيد وهند: "فلان وفلانة"، لا: فل وفلة.
__________
1 الكتاب 2/ 248.
2 سقطت من "ب".
3 الارتشاف 3/ 149.
4 شرح التسهيل 3/ 419، وشرح الكافية الشافية 3/ 1329.
5 شرح المرادي 4/ 5.(2/239)
والحق أن ما قاله ابن مالك مبني على أن أصل "فل، وفلة": فلان وفلانة1، وهو مذهب الكوفيين، وقد صرح بذلك فلا وهم إلا على قول ابن عصفور، فإنه لا يقول2: إن أصلهما فلان وفلانة.
ومذهب سيبويه أن لام "فل" ياء محذوفة كـ"يد" ومادته "ف ل ي"، وتصغيره "فلي" إذا سمي به3، ومذهب الكوفيين أن لامه نون، وأصله فلان ثم رخم بحذف الألف والنون، ومادته "ف ل ن"، وتصغيره "فلين". ورد بأنه لو كان أصله فلانًا لقيل في ترخيمه: فلا، ولما قيل في التأنيث. فلة، ولما اختص بالنداء، كما أن فلانا كذلك، "وأما قوله"، وهو أبو النجم العجلي: [من الرجز]
714-
تضل منه أبلي بالهوجل ... في لجة أمسك فلانًا عن فل
"فقال ابن مالك4: هو "فل" الخاص بالنداء، استعمل" في غير النداء "مجرورًا" بـ"عن" "للضرورة"، وصرح بذلك في النظم فقال:
597-
................................ ... ......... وجر في الشعر فل
وليس كذلك، "والصواب أن أصل" "فل" "هذا" المجرور بـ"عن": "فلان، وأنه حذف منه الألف والنون"، والتقدير: أمسك فلانًا عن فل، أي عن ذكره، في لجة، بفتح اللام، أي اختلاط الأصوات، وليس حذف الألف والنون منه للترخيم وإنما هو "للضرورة كقوله"، وهو لبيد: [من الكامل]
715-
درس المنا بمتالع فأبان ... فتقادمت بالحبس فالسوبان
__________
1 شرح التسهيل 3/ 419.
2 المقرب 1/ 182.
3 الكتاب 2/ 248، 3/ 452.
714- الرجز لأبي النجم في جمهرة اللغة ص407، والطرائف الأدبية ص66، والمنصف 2/ 225، وخزانة الأدب 2/ 389، والدرر 1/ 389، وسمط اللآلي ص257، وشرح أبيات سيبويه 1/ 439، وشرح المفصل 5/ 119، وشرح شواهد المغني 1/ 450، والكتاب 2/ 148، 3/ 452، والمقاصد النحوية 4/ 228، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 149، وأوضح المسالك 4/ 43، وشرح ابن الناظم ص416، وشرح الأشموني 2/ 460، وشرح ابن عقيل 2/ 278، وشرح التسهيل 3/ 419، وشرح الكافية الشافية 3/ 1331، وشرح المرادي 4/ 9، وشرح المفصل 1/ 48، والمقتضب 4/ 283، وهمع الهوامع 1/ 177.
4 شرح التسهيل 3/ 419، وشرح الكافية الشافية 3/ 1331.
715- البيت للبيد في ديوانه ص138، والارتشاف 3/ 163، والدرر 2/ 499، وسمط اللآلي ص13، وشرح التسهيل 3/ 431، وشرح شواهد الشافية ص397، ولسان العرب 8/ 37، "تلع"، 13/ 5 "أبن"، والمقاصد النحوية 4/ 246، وتاج العروس 20/ 399، 400 "تلع"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 44، وشرح الأشموني 2/ 460، وكتاب العين 1/ 173، والمسائل العسكريات ص116، وهمع الهوامع 2/ 156.(2/240)
"أي: درس المنازل". فحذف الزاي واللام ضرورة1.
ودرس: عفا، ومتالع، بضم الميم، وبالتاء المثناة فوق: اسم موضع، وقيل: جبل2، وكذلك "أبان" بالموحدة، والحبس، بفتح الحاء المهملة وإسكان الموحدة وفي آخره سين مهملة، والسوبان: بضم السين المهملة وسكون الواو وبالباء الموحدة وفي آخره نون: أسماء مواضع.
"ومنها: لؤمان، بضم أوله وهمزة ساكنة ثانية، بمعنى كثير اللؤم" والخبث "ونومان، بفتح أوله وواو ساكنة ثانيه، بمعنى كثير النوم"، ولا يقاس عليهما3، وهذا معنى قول الناظم4:
595-
وفل بعض ما يخص بالندا ... لؤمان نومان كذا واطردا
ومنها: فعل؛ بضم الفاء وفتح العين؛ المعدول عن فاعل كـ: غدر، بالغين المعجمة، وفسق، سبا للمذكر بمعنى: يا غادر ويا فاسق، واختار ابن عصفور كونه قياسيا5، فيقاس عليه ما أشبهه، واختار ابن مالك كونه سماعيًّا6، وإلى ذلك أشار في النظم بقوله:
597-
وشاع في سب الذكور فعل ... ولا تقس.......................
ومنها: فعال؛ بفتح الفاء وكسر اللام؛ المعدول عن فاعلة أو فعيلة، كـ: فساق وخباث سبا للمؤنث، بمعنى: يا فاسقة ويا خبيثة, و"قوله" وهو الحطيئة يهجو امرأته:
[من الوافر]
716-
أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى بيت قعيدته لكاع
__________
1 في الدرر 2/ 499، أن هذا الحذف هنا مستباح للضرورة، بدليل أن "المنازل" لو سمي به مجردًا من الألف واللام لم يرخم بحذف الزاي واللام اتفاقًا.
2 في الدرر 2/ 500 أنه جبل بنجد.
3 في شرح ابن الناظم ص415: "لا يقاس على هذه الصفات بإجماع"، وانظر شرح المرادي 4/ 6.
4 في "ط": "الناظم".
5 المقرب 1/ 182.
6 شرح التسهيل 3/ 419، وهو أيضًا رأي ابن الناظم في شرحه ص415.
716- البيت للحطيئة في ملحق ديواه ص156، وجمهرة اللغة ص622، وخزانة الأدب 2/ 404، 405، والدرر 1/ 143، 390، وشرح المفصل 4/ 57، والمقاصد النحوية 1/ 473، 4/ 229، ولأبي الغريب النضري في اللسان 8/ 323، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 45، وابن الناظم ص416، وشرح شذور الذهب ص92، وشرح ابن وعقيل 1/ 139، وشرح التسهيل 3/ 430، وشرح الكافية الشافية 3/ 1331، وشرح المرادي، 4/ 10، والمقتضب 4/ 238، وهمع الهوامع 1/ 82، 178.(2/241)
فـ"قعيدته" مبتدأ، ولكاع: خبره، "فاستعمله" في غير النداء "خبرا ضرورة"، وقيل: لا ضرورة، والخبر قول1 محذوف والتقدير: قعيدته يقال لها: يا لكاع، فحذف الخبر وحرف النداء. وقعيدة الرجل: امرأته، سميت بذلك للزومها البيت. ومعنى "لكاع" خسيسة.
"وينقاس" فعال "هذا" الذي هو سب2 للمؤنث، "وفعال بمعنى الأمر" كـ: نزال" بمعنى انزل، وتراك بمعنى اترك، "من كل فعل ثلاثي" مجرد "تام متصرف تصرفا كاملا، "فخرج نحو: دحرج" لأنه رباعي، وشذ دارك من أدرك، "و" خرج نحو "كان" لأنه ناقص، "و" خرج نحو: "نعم وبئس" لأنهما جامدان، وخرج نحو: يذر ويدع، لأنهما ناقصا التصرف. هذا مذهب سيبويه3، "و" خالفه "المبرد" في البابين فقال4: لا يقال منهما إلا ما سمع، "ولا يقيس فيهما"، والأول أصح، وإليه أشار الناظم بقوله:
595-
......................... ... ................ واطردا
597-
في سب الأنثى وزن يا خباث ... والأمر هكذا من الثلاثي
__________
1 سقطت من "ب".
2 في "ب": "لسب" مكان "هو سب".
3 الكتاب 3/ 178، 280.
4 الكامل ص587.(2/242)
باب الاستغاثة:
وهي نداء من يخلص من شدة أو يعين على مشقة.
"إذا استغيث اسم منادى وجب كون الحرف" الذي ينادى به المستغيث "يا" لأنها حروف النداء. "و" وجب "كونها مذكورة"، لأن الغرض من ذكرها إطالة الصوت، كما تقدم، والحذف مناف لذلك. "وغلب" في المنادى المستغاث "جره بلام واجبة الفتح" لأنه واقع موقع المضمر ولام الجر تفتح معه، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
598-
إذا استغيث اسم منادى خفضا ... باللام مفتوحًا.................
"كقول عمر -رضي الله عنه: "يا لله" للمسلمين"1، "وقول الشاعر": [من الخفيف]
717-
يا لقومي ويا لأمثال قومي ... لأناس عتوهم في ازدياد
"إلا إن كان" المستغاث ياء المتكلم نحو: يا لي، أو"معطوفًا" على مستغاث "ولم تعد معه "يا" فتكسر" اللام، نحو يا لزيد ولعمرو للمسلمين، وعليه البيت السابق، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
599-
وافتح مع المعطوف إن كررت يا ... وفي سوى ذلك بالكسر ائتيا
__________
1 شرح قطر الندى ص218، والأصول 1/ 352.
717- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 46، وشرح ابن الناظم ص417، وشرح الأشموني 2/ 462، وشرح قطر الندى ص218، وشرح الكافية الشافية 3/ 1335، وشرح المرادي 4/ 17، والمقاصد النحوية 4/ 256.(2/243)
"ولام المستغاث له مكسورة دائمًا" على الأصل "كقوله"، وهو عمر -رضي الله عنه: "يا لله للمسلمين" بكسر لام "للمسلمين". "وكقول الشاعر": [من البسيط]
718-
يبكيك ناء بعيد الدار مغترب ... يا للكهول وللشبان للعجب
بكسر لام العجب، إلا أن يكون المستغاث له ضميرا غير ياء المتكلم فتفتح لامه نحو: يا لزيد لك، أو: له.
ويجوز أن يكون المستغاث به وله ضميرين، تقول: يا لك لي، تستغيث المخاطب لنفسك. قاله في النهاية. "ويجوز أنلا يبتدأ المستغاث باللام، فالأكثر حينئذ أن يختم بالألف" عوضًا من اللام، ومن ثم لا يجتمعان، وإليه أشار الناظم بقوله:
600-
ولام ما استغيث عاقبت ألف ... ...................................
"كقوله": [من الخفيف]
719-
يا يزيدا لآمل نيل عز ... وغنى بعد فاقة وهوان
فـ"يزيدا" مستغاث، والألف فيه عوض من اللام، "ولآمل" بكسر اللام مستغاث له، وهو اسم فاعل "أمل" و"نيل" مصدر "نال" مفعول آمل، والعز مقابل الهوان، والغنى مقابل الفاقة، والفاقة. الفقر، والهوان: الذل.
"وقد يخلو" المستغاث "منهما" أي من اللام والألف، فيعطى ما يستحقه لو كان منادى غير مستغاث، كقولك: يا زيد لعمرو، و"كقوله": [من الوافر] .
720-
ألا يا قوم للعجب العجيب ... وللغفلات تعرض للأريب
فـ"ألا" حرف تنبيه واستفتاح، وقوم: مستغاث مضاف لياء المتكلم محذوفة اجتزاء بالكسرة، وللعجب: مستغاث له، وللغفلات: عطف عليه، والأريب: العالم بالأمور.
__________
718- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 47، وخزانة الأدب 2/ 154، والدرر 1/ 393، ورصف المباني ص220، وشرح ابن الناظم ص417، وشرح الأشموني 2/ 462، وشرح شواهد الإيضاح ص203، وشرح قطر الندى 219، وشرح الكافية الشافية 3/ 1335، وشرح المرادي 4/ 18، ولسان العرب 12/ 560، 563، "لوم"، والمقاصد النحوية 4/ 257، والمقتضب 4/ 256، والمقرب 1/ 184، وهمع الهوامع 1/ 180.
719- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 49، والجنى الداني ص177، والدرر 2/ 49، وشرح ابن الناظم ص419، وشرح الأشموني 2/ 463، وشرح شواهد المغني 2/ 491، وشرح الكافية الشافية 3/ 1337، وشرح المرادي 4/ 23، ومغني اللبيب 2/ 371، والمقاصد النحوية 4/ 262.
720- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 50، وشرح ابن الناظم ص419، وشرح الأشموني 2/ 463، وشرح قطر الندى ص221، وشرح المرادي 4/ 23، والمقاصد النحوية 4/ 263.(2/244)
"ويجوز نداء المتعجب منه فيعامل معاملة المستغاث" من غير فرق. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
600-
................................ ... ومثله اسم ذو تعجب ألف
وهو على قسمين: أحدهما أن يرى أمرًا عظيمًا فينادي جنسه. "كقولهم: يا للماء ويا للدواهي، إذا تعجبوا من كثرتهما"، والثاني أن يرى أمرًا يستعظمه فينادي من له نسبة إليه ومكنه فيه نحو: يا للعلماء، ويجوز الاستغناء عن اللام بالألف نحو قوله: [من الرجز]
721-
يا عجبا لهذه الفليقه ... هل تذهبن القوباء الريقه
وهذا البيت لأعرابي أصابته قوباء فقيل له: اجعل عليها شيئًا من ريقك وتعهدها بذلك فإنها ستذهب، فتعجب من ذلك، والفليقة: الداهية. وقد يخلو المتعجب منه من اللام والألف نحو: يا عجب.
__________
721- الرجز لابن قنان في لسان العرب 1/ 693 "قوب"، والتنبيه والإيضاح 1/ 130، وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص344، وجمهرة اللغة ص965، 1026، 1233، والجنى الداني ص177، وشرح شواهد الشافية ص399، وشرح شواهد المغني 2/ 791، وكتاب اللامات ص88، ومغني اللبيب 2/ 372، والمنصف 3/ 61، وتهذيب اللغة 9/ 351، وتاج العروس 4/ 86، "قوب"، "فلق"، ومقاييس اللغة 5/ 37، وديوان الأدب 3/ 382.(2/245)
باب الندبة:
بضم النون.
"حكم المندوب وهو المتفجع عليه حقيقة"، كقول جرير يندب عمر بن عبد العزيز: [من البسيط]
722-
.................................. ... وقمت فيه بأمر الله يا عمرا
أو حكمًا، كقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقد أخبر بجرب شديد أصاب قومًا من العرب: واعمراه واعمراه.
"أو المتوجع منه" لكونه محل ألم، كقول قيس العامري: [من الطويل]
723-
فوا كبدا من حب من لا يحبني ... ومن عبرات ما لهن فناء
أو لكونه سبب ألم، كقول ابن قيس الرقيات: [من الكامل]
724-
تبكيهم الدهماء معولة ... وتقول سلمى وارزيتيه
وكقول القائل: وامصيبتاه، لأن الرزية، والمصيبة سببا1 الألم الذي حصل له.
__________
722- صدر البيت:
حملت أمرا عظيمًا فاصطبرت له
وتقدم تخريجه برقم 691.
723- البيت لمجنون ليلى في ديوانه ص35، وشرح عمدة الحافظ ص291، وبلا نسبة في شرح الأشموني 2/ 464، وشرح المرادي 4/ 25.
724- البيت لابن قيس الرقيات في ديوانه ص99، وشرح أبيات سيبويه 1/ 549 وشرح التسهيل 3/ 415، شرح الكافية الشافية 3/ 1342، وشرح المرادي 4/ 25، والكتاب 2/ 221، والمقاصد النحوية 4/ 274، وبلا نسبة في المقتضب 4/ 272.
1 في "ب": "لسبب".(2/246)
وصورة المندوب صورة المنادى المخاطب وليس منادى، ألا ترى أنك لا تريد منه أن يجيبك ويقبل عليك، ومن ثم منعوا في النداء، يا غلامك، لأن خطاب أحد المسميين يناقض خطاب الآخر. ولا يجمع بين خطابين، وأجازوا في الندبة: واغلامك، فلذلك قالوا: حكم المندوب "حكم المنادى"، وقال الناظم:
601-
ما للمنادى اجعل لمندوب ... ... ....................................
"فيضم" إن كان مفردًا كما "في نحو: وا زيدا، وينصب" إن كان مضافًا، [كما] 1 "في نحو: وا أمير المؤمنين"، أو مطولا، كما في نحو: وا ضاربًا عمرًا، وإذا اضطر شاعر إلى تنوينه جاز ضمه ونصبه كقوله: [من الرجز]
725-
وافقعسا وأين مني فقعس
"إلا أنه لا يكون2 نكرة كـ: رجل" فلا يقال: وا رجلاه، خلافًا للرياشي3 مدعيًا أنه جاء في الحديث: "وا جبلاه" فإن صح فهو نادر.
"ولا" معرفًا "مبهما كـ: أي" والمضمر "واسم الإشارة والموصول"، فلا يقال: وا أيهاه، ولا: وا أنتاه. ولا: وا هذاه، ولا: وا من ذهباه، لأن القصد من الندبة الإعلام بعظمة المصاب فلذلك لا يندب إلا المعرفة السالمة من الإبهام، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
601-
.......................... وما ... نكر لم يندب ولا ما أبهما
"إلا ما" كان موصولا غير مبدوء بـ"أل" و"صلته مشهورة، فيندب" عند الكوفيين خلافًا للبصريين "نحو: وا من حفر بئر زمزماه4، فإنه" في شهرته "بمنزلة: وا عبد المطلباه"، وذلك شاذ عند البصريين5، واتفق الجميع على منع ندبة الموصول
__________
1 إضافة من "ب", "ط".
725- الرجز لرجل من بني أسد في الدرر 1/ 374، والمقاصد النحوية 4/ 272، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 144، والدرر 1/ 392، ورصف المباني ص27، وشرح ابن الناظم ص421، وشرح الأشموني 2/ 464، وشرح التسهيل 3/ 414، وشرح الكافية الشافية 3/ 1342، وشرح المرادي 4/ 27، ومجالس ثعلب 2/ 542، والمقرب 1/ 184، وهمع الهوامع 10/ 172، 179.
2 في "ب", "ط": "أن يكون" مكان "أنه لا يكون".
3 في "ب": "الفارسي". انظر الارتشاف 3/ 143.
4 الإنصاف 1/ 337، وشرح ابن الناظم ص421، وشرح ابن عقيل 2/ 103.
5 انظر الإنصاف 1/ 362، المسألة رقم 51.(2/247)
المبدوء بـ"أل" وإن اشتهرت صلته، فلا يقال: وا الذي حفر بئر زمزماه، إذ لا يجمع بين حرف الندبة و"أل" وبذلك يقيد قول الناظم:
602-
ويندب الموصول بالذي اشتهر ... كبئر زمزم يلي وا من حفر
وتقدم الخلاف في ندائه. وأصل زمزم: زمم، أبدلت الميم الثانية زايًا، قاله في الفردوس.
"إلا أن الغالب أن يختم بالألف" إطالة للصوت "كقوله"، وهو جرير: [من البسيط]
726-
...................................... ... وقمت فيه بأمره الله يا عمرا
وإلى ذلك أشار بقوله:
603-
ومنتهى المندوب صله بالألف ... ....................................
وأما لحاقها توابع المندوب فقال ابن الخبار في "النهاية": إنه لا خلاف في جواز لحاقها آخر الصفة إذا كانت ابنا بين علمين نحو: وا زيد بن عمرا، وأما البدل والبيان والتوكيد فقياس قول سيبويه والخليل أن لا تلحق البيان والتوكيد، وعندي أنها تدخل آخر البدل؛ لأنه قائم مقام المبدل منه، فتقول: وا غلامنا زيداه، وتدخل العطف النسقي نحو: وا زيد وعمراه. ا. هـ.
وتدخل التوكيد اللفظي كما تقدم من قول عمر -رضي الله عنه: وا عمراه وا عمراه.
"ويحذف لهذه الألف ما قبلها1 من ألف نحو: وا موساه"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
603-
.................................... ... متلوها إن كان مثلها حذف
وأجاز الكوفيون قياسًا قلب الألف ياء فقالوا2: وا موسياه.
"أو" من "تنوين" ظاهر أو مقدر "في" آخر "صلة، نحو: وا من حفر بئر زمزماه"، بحذف التنوين من زمزم، فإنه منصرف باعتبار انه علم على القليب، وإن اعتبر أنه علم على البئر فهو غير منصرف، وفيه تنوين مقدر، كما صرح به في أول باب الإضافة.
"أو" تنوين "في مضاف إليه نحو: وا غلام زيداه، أو في" علم3 "محكي
__________
726- صدر البيت:
حملت أمرا عظيمًا فاصطبرت له
وقد تقدم تخريجه برقم 691، كما تقدم برقم 722.
1 في "ب": "من".
2 انظر شرح المرادي 4/ 28.
3 في "ب": "فعل".(2/248)
نحو: وا قام زايده، فيمن1 اسمه: قام زيد"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
604-
كذاك تنوين الذي به كمل ... من صلة أو غيرها............
وأجاز الكوفيون حذف التنوين وإثباته مع فتحه، [فيقولون: وا غلام زيدناه2، محافظة على بقاء ألف الندبة، ومع كسره وقلب الألف ياء] 3: فيقولون: وا غلام زيدنيه4، على أصل التقاء الساكنين.
وأجاز الفراء حذف التنوين مع إبقاء الكسرة وقلب الألف ياء، فيقول: وا غلام زيديه، ولا يجيز البصريون إلا حذف التنوين لالتقاء الساكين، كما في اجتماع الألفين.
"و" يحذف لهذه الألف ما قبلها "من ضمة" بنائية "نحو: وا زيداه" ووا منداه فيمن اسمه "منذ" "أو كسرة" إعرابية "نحو: وا عبد الملكاه، أو" بنائية نحو: "وا حذاماه" لأن ما قبل الألف لا يكون مضمومًا ولا مكسورًا.
"فإن أوقع حذف الكسرة أو الضمة في لبس أبقيا وجعلت الألف ياء بعد الكسرة نحو: وا غلامكي"، إذ لو قيل: واغلامكا، التبس بالمذكر، "وواوًا بعد الضمة نحو: وا غلامهو، أو: وا غلامكمو"، إذ لو قيل: وا غلامها، وا غلامكما، التبس المذكر بالمؤنث في الأولى، والجمع بالمثنى في الثانية، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
605-
والشكل حتمًا أوله مجانسا ... إن يكن الفتح بوهم لابسا
"ولك في الوقف زيادة هاء السكت بعد أحرف المد" الثلاثة توصلا إلى زيادة المد، نحو: وا زيداه، وا غلامكيه، وا غلامكموه، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
606-
وواقفا زد هاء سكت إن ترد ... ..................................
فإن وصلت حذفتها إلا في الضرورة فيجوز إثباتها كقول المتنبي: [من البسيط]
727-
وا حر قلباه ممن قلبه شبم ... ..................................
ولك حينئذ ضمها تشبيها بهاء الضمير وكسرها على أصل التقاء الساكنين، وأجاز الفراء إثباتها في الوصل بالوجهين.
__________
1 بعده في "ب": "كان".
2 في "ط": "زيداه".
3 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
4 في "ط": "زيديه".
727- عجز البيت: "ومن بجسمي وحالي عنده سقم"، وهو للمتنبي في ديوانه 3/ 80، وخزانة الأدب 7/ 276، وشرح قطر الندى ص223، وشرح المفصل 10/ 44.(2/249)
فصل:
"وإذا ندب المضاف للياء" الجائز فيه اللغات الست "فعلى لغة من قال: يد عبد، بالكسر، أو يا عبد، بالضم"، أو يا عبد، بالفتح، مع حذف الياء فيهن، "أو يا عبدا بالألف" المنقلبة عن الياء "أو يا عبدي، بالإسكان" في الياء. "يقال" في هذه اللغات الخمس: "وا عبدا، وعلى لغة من قال: يا عبدي، بالفتح" في الياء، "أو يا عبدي، بالإسكان" في الياء "يقال: وا عبديا، بإبقاء الفتح على الأول" وهو: يا عبدي، بالفتح، "واجتلابه على الثاني" وهو يا عبدي، بالإسكان.
"وقد تبين" من جواز: وا عبدا ووا عبديا في يا عبدي، بالإسكان، "أن لمن سكن الياء أن يحذفها" في الندبة ويقول: وا عبدا، "أو يفتحها" ويقول: وا عبديا، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
607-
وقائل وا عبديا وا عبدا ... من في الندا اليا ذا سكون أبدى
"والفتح رأي سيبويه"1، وهو أقيس وأقل عملا، "والحذف رأي المبرد"2.
والحاصل أنه إذا ندب على لغة من حذف الياء3، فإن كان ما قبلها مفتوحًا أقرت الفتحة على حالها وأتي بألف الندبة، وإن كان مكسورًا أو مضموما جعل بدل الكسر والضمة فتحة وزيدت الألف، وعلى لغة من أبدل ألفًا حذفت الألف المبدلة وزيدت ألف الندبة، كما يفعل ذلك بالمقصور، وعلى لغة من أثبت الياء مفتوحة زيدت الألف ولم تحتج إلى عمل ثان، لأن الياء متهيئة بالفتحة لمباشرة الألف. وعلى لغة من يثبت الياء الساكنة جاز حذف الياء لالتقاء الساكين، وإبقاؤها مفتوحة.
"وإذا قيل: يا غلام غلامي، لم يجز في الندبة حذف الياء؛ لأن المضاف إليها"، وهو غلام الثاني، "غير منادى" لأنه مضاف إليه المنادى، والمضاف إليه المنادى غير منادى، وحكم4 المندوب حكم المنادى، فلما لم يحذف في النداء لم يحذف في الندبة، والله أعلم بالصواب.
__________
1 الكتاب 2/ 221.
2 في المقتضب 4/ 270 أنه أجاز الفتح والحذف.
3 سقطت من "ب".
4 بعده في "ب": "منادى".(2/250)
باب الترخيم
مدخل
...
باب الترخيم:
وهو لغة: التسهيل والتليين، يقال: صوت رخيم، أي: سهل لين.
واصطلاحًا: حذف بعض الكلمة على وجه مخصوص.
وهو ثلاثة أنواع: ترخيم النداء، وترخيم الضرورة، وهما المذكوران في هذا الباب، وترخيم التصغير، وسيأتي في باب التصغير1.
"يجوز ترخيم المنادى، أي حذف آخره تخفيفًا2، وذلك بشرط كونه معرفة"، لأن المعارف كثر نداؤها فدخلها التخفيف بحذف آخرها، خص الآخر، بذلك لأنه محل التغيير. "غير مستغاث" مجرور باللام، "ولا مندوب ولا ذي إضافة ولا ذي إسناد فلا يرخم نحو قول الأعمى: يا إنسانًا خذ بيدي". لأنه نكرة. "ولا" نحو2 "قولك: يا لجعفر"، لأن المستغاث المجرور باللام عند سيبويه شبيه بالمضاف إليه، لأنه مجرور مثله، فكان غير منادى، إذ لم تعمل أداة النداء في لفظه وإنما عملت في موضعه، فإن لم يجر باللام جاز ترخيمه، نص على ذلك سيبويه في كتابه3، وأقره عليه شراحه كالصفار وابن خروف والسيرافي, وعبارة التسهيل تقتضيه4، فإنه قيد المنادى بكونه مبنيًّا، والمستغاث المجرور باللام معرب، وغير المجرور المفرد مبني، وشاهد ترخيمه قوله: [من الوافر]
__________
1 في "ب"، "ط": "بابه" مكان "باب التصغير".
2 سقطت من "ب".
3 الكتاب 2/ 240.
4 التسهيل ص188.(2/251)
728-
..................................... ... أعام لك ابن صعصعة بن سعد
قال ابن الضائع: وهذا ضرورة. وقد ناده بغير "يا" وذلك ممنوع، وسمع ترخيمه ومعه اللام كقوله: [من الرمل]
729-
كلما نادى مناد منهم ... يا لتيم الله قلنا يا لمال
وهو ضرورة اتفاقًا.
"و" لا يرخم نحو: "وا جعفراه"، لأن المندوب ليس منادى حقيقة وإن كانت صورته صورة المنادى، لأنه لا يطلب إقباله. "و" لا يرخم نحو: "يا أمير المؤمنين"، لأن المضاف إليه منزل من المضاف منزلة التنوين مما قبله فليس بآخر المنادى حقيقة. "و" لا يرخم نحو: "يا تأبط شرًّا، علمًا"، لأن أصله الجملة، وجزؤها الثاني ليس منادى، "و" نقل "عن الكوفيين إجازة ترخيم الإضافة بحذف عجز المضاف إليه1 تمسكًا بنحو قوله": [من الطويل]
730-
أبا عرو لا تبعد فكل ابن حرة ... سيدعوه داعي ميتة فيجيب
أراد: يا أبا عروة، فحذف حرف النداء ورخمه بحذف التاء، وأجيب بأنه نادر2.
و"تبعد": بفتح التاء المثناة فوق وسكون الموحدة وفتح العين: من البعد، بفتحتين، وهو الهلاك. وميتة بكسر الميم: هيئة من الموت. وأندر من هذا حذف المضاف إليه بأسره كقوله: [من السريع]
731-
يا عبد هل تذكرني ساعة ... .................................
__________
728- صدر البيت:
تمناني ليقتلني لقيط
وهو للأحوص بن شريح في الارتشاف 3/ 152، والكتاب 2/ 238، والمقاصد النحوية 4/ 300، وبلا نسبة في الدرر 1/ 399، وشرح الأشموني 2/ 471، وشرح المرادي 4/ 46، وهمع الهوامع 1/ 181.
729- البيت لمرة بن الرواغ في المقاصد النحوية 4/ 300، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 152، وتذكرة النحاة ص164، وشرح الأشموني 2/ 471، وشرح المرادي 4/ 47.
1 سقطت من "ب".
730- البيت بلا نسبة في أسرار العربية ص239، والإنصاف 1/ 348، وأوضح لمسالك 4/ 56، وخزانة الأدب 2/ 336، 337، وشرح التسهيل 3/ 237، وشرح عمدة الحافظ ص313، وشرح المفصل 2/ 20، والمقاصد النحوية 4/ 287.
2 الإنصاف 1/ 348.
731- عجز البيت:
في موكب أو رائدًا للقنيص
وهو لعدي بن زيد في ديوانه ص69، والمقاصد النحوية 4/ 298، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 153، وشرح التسهيل 3/ 432.(2/252)
أراد: يا عبد عمرو، وعبد عمرو،1 علم له.
"وزعم ابن مالك" في النظم2 والتسهيل3 وشرحه4 "أنه قد يرخم ذو الإسناد، وأن عمرا نقل ذلك" عن العرب، فقال في شرح التسهيل5: ونص؛ يعني سيبويه؛ في "باب النسب" على أن من العرب من يرخمه فيقول في "تأبط شرًا": يا تأبط، ورتب على ترخيمه النسب إليه، قال6: ولا خلاف في النسب إليه. ا. هـ.
ولاشتهار المنع في المسألة عن سيبويه اعتنى بذكرها ونبه على أن صاحب المنع هو الناقل للإجازة عن العرب.
والذي نقل عن سيبويه وقع له في "باب الإضافة إلى الحكاية"، قال7: فإذا أضفت إلى الحكاية حذفت وتركت الصدر بمنزلة عبد القيس وخمسة عشر، فلزمه الحذف كما لزمهما، وذلك قولك في تأبط شرًّا، تأبطي. قال: ويدل على ذلك أن من العرب من يفرد فيقول: يا تأبط أقبل، فيجعل الأول مفردًا، فكذلك تفرده في الإضافة.
يعني في النسب، هذا نصه في المسألة في باب النسب.
ونص في باب الترخيم على المنع فقال8: واعلم أن الحكاية لا ترخم لأنك لا تريد أن ترخم غير منادى، وليس مما يغيره النداء، وذلك نحو: "تأبط شرا" قال: ولو رخمت هذا لرخمت رجلا يسمى: [من الكامل]
732-
يا دار عبلة بالجواء تكلمي ... .....................................
ا. هـ.
__________
1 سقط من "ب": "وعبد عمرو"
2 قال ابن مالك في الألفية:
والعجز احذف من مركب وقل ... ترخيم جملة وذا عمرو نقل
3 التسهيل ص188.
4 شرح التسهيل 3/ 422.
5 شرح التسهيل 3/ 422.
6 سقطت من "ب".
7 الكتاب 3/ 277، وانظر شرح ابن الناظم ص426.
8 الكتاب 2/ 269.
732- عجز البيت: "وعمي صباحًا دار عبلة واسلمي"، وهو لعنترة في ديوانه ص187، والاقتضاب ص478، وخزانة الأدب 1/ 60، 6/ 169، وشرح أبيات سيبويه 1/ 517، وشرح شواهد الشافية ص238, وشرح شواهد المغني 1/ 480، والكتاب 2/ 269، 4/ 213، ولسان العرب 12/ 641، "وعم"، وشرح المفصل 2/ 24.(2/253)
وإذا كان للمجتهد في مسألة واحدة نصان متعارضان في بابين فالعلم على المذكور في بابه، لأنه بصدد تحقيقه وإيضاحه، بخلاف ما يذكر في غير بابه، فإنه لم يعتن به كاعتنائه بالأول، لكون ذكره استطرادًا، هذا إذا لم يثبت أنه رجع عن أحدهما ولم يكن هنالك تاريخ، وقول الناظم:
614-
............................ وقل ... ترخيم جملة وذا عمرو نقل
يوهم أنه لم ينقل عنه غيره، وقد عرفت ما فيه. "وعمرو هذا" المذكور في النظم "هو إمام النحويين رحمه الله، وسيبويه لقبه" وهو لفظ فارسي معناه رائحة التفاح. قال البطليوسي في شرح الفصيح: الإضافة في لغة العجم مقلوبة. والسيب: التفاح، وويه: الرائحة، والتقدير: رائحة التفاح. وقيل: كانت أمه ترقصه بذلك في صغره، وقيل: كان كل من يلقاه يشم منه رائحة التفاح. وقيل: كان يعتاد شم التفاح. وقيل: لقب بذلك للطافته؛ لأن التفاح من لطيف الفواكه. وقيل: لأنه كان أبيض مشربًا بحمرة كأن خدوده لون التفاح. "وكنيته أبو بشر"، ولكن غلب اللقب عليه حتى إذا أطلق لم ينصرف إلا إليه، وإن كان لقب بسيبويه جماعة غيره منهم: محمد بن موسى بن عبد العزيز المصري ومحمد بن عبد العزيز الأصفهاني وأبو الحسن علي بن عبد الله الكرخي المقرئ.
"ثم إن كان المنادى مختومًا بتاء التأنيث جاز ترخيمه مطلقًا"، سواء أكان تعريفه بالعلمية أم بالقصد والإقبال، وسواء أكان على أربعة أحرف1 أم أقل، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
609-
وجوزنه مطلقًا في كل ما ... أنث بالها....................
"تقول في هبة علما: يا هب" بحذف التاء، "وفي جارية "لمعينة"2 يا جاري"، بحذف التاء3.
ومنع المبرد ترخيم ما فيه التاء من النكرات المقصودة4، ويرده السماع، قالوا: يا شا ادجني5، بالجيم المضمومة وبالنون، أي: يا شاة أقيمي ولا تسرحي، يقال: شاة داجن إذا ألفت البيوت واستأنست. قاله ابن السكيت.
__________
1 في "ب": "أوجه".
2 في "ب": "معينة".
3 في "ط": "الهاء".
4 المقتضب 4/ 264.
5 شرح ابن عقيل 2/ 289، وشرح ابن الناظم ص424.(2/254)
"وقال" العجاج: [من الرجز]
733-
جاري لا تستنكري عذيري ... سيري وإشفاقي على بعيري
أراد: يا جارية، فحذف حرف النداء ورخمه بحذف الهاء، وتقدم أن حذف حرف النداء لا يجوز مع اسم الجنس المعين إلا عند الكوفيين. والعذير، بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة: هو الأمر الذي يحاوله الإنسان مما1 يعذر عليه، وسيري وإشفاقي: بدل تفصيل من عذيري.
"وإن كان" المنادى "مجردًا من التاء اشترط لجواز ترخيمه كونه علمًا زائدًا على ثلاثة" أحرف، وإلى ذلك يشير قول الناظم:
610-
.............................واحظلا ... ترخيم ما من هذه الها قد خلا
إلا الرباعي فما فوق العلم "كـ: جعفر" علم رجل "وسعاد" علم امرأة، فيقال فيهما: يا جعف ويا سعا، "ولا يجوز ذلك" الترخيم "في نحو إنسان لمعين"، لأن تعريفه بغير العلمية، وأجاز بعضهم ترخيمه قياسًا على قولهم: أطرق كرا، ويا صاح، وهو قياس، على2 شاذ.
"ولا" يجوز ذلك " في نحو: زيد" من كل ثلاثي ساكن الوسط، "ولا في نحو: حكم" من كل ثلاثي محرك3 الوسط، لأنهما وإن كانا علمين فليسا زائدين على ثلاثة أحرف، فحذف آخرهما4 إجحاف. هذا هو مذهب الجمهور5.
__________
733- الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 332، وخزانة الأدب 2/ 125، وشرح أبيات سيبويه 1/ 461، وشرح شواهد الإيضاح ص355، وشرح المفصل 21/ 16، 20، والكتاب 2/ 231، 241، ولسان العرب 4/ 548 "عذر"، والمقاصد النحوية 4/ 277، والمقتضب 4/ 260، وتاج العروس 12/ 220 "شقر"، 576 "عذر"، ومجمل اللغة 3/ 460، وتهذيب اللغة 2/ 309، ولرؤبة في مقاييس اللغة 3/ 204، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 58، وشرح ابن الناظم ص424، وشرح الأشموني 2/ 468، وشرح عمدة الحافظ 296، ومقاييس اللغة 4/ 254.
1 في "ب": "عما".
2 سقطت من "ب".
3 في "ب": "متحرك".
4 في "ب": "أحدهما".
5 في الإتصاف 1/ 359 أنه مذهب البصريين والكسائي.(2/255)
"وقيل: يجوز" الترخيم "في محرك الوسط" كـ: حكم وحسن، فيقال: يا حك ويا حس1. "دون ساكنه" كـ: زيد وعمرو. هذا التفصيل للفراء أجرى حركة الوسط مجرى2 الحرف قياسًا على إجرائهم نحو: سقر، بحركة وسطه مجرى زينب، في إيجاب منع الصرف، لا مجرى هند، في إجازة الصرف وعدمه.
"وقيل: يجوز" الترخيم "فيهما"، وهو قول بعض الكوفيين، أما المحرك، الوسط فلما مر، وأما الساكن الوسط فقياسًا على نحو: يد، في غير الترخيم، فإن أصلها يدي، بسكون الدال، ودخلها الحذف وجوبًا، فدخوله جوازًا أولى.
__________
1 في "ب": "يا حكم ويا حسن".
2 في "ب": "محرك".(2/256)
فصل:
"والمحذوف للترخيم إما حرف" واحد "وهو الغالب نحو": يا جعف، و "يا سعا، وقراءة بعضهم"، وهو ابن مسعود1: "وَنَادَوْا "يَا مَالِ"" [الزخرف: 77] .
والذي حسن الترخيم [لأهل النار ضعفهم عن إتمام الاسم لأنهم في غنية عن الترخيم] 2.
"وإما حرفان، وذلك إذا كان الحرف الذي قبل الآخر من أحرف اللين" وهي: الألف والواو والياء، حال كون حرف اللين "ساكنا"، بناء على إطلاق اللين على هذه الأحرف، سواء أكانت ساكنة أم متحركة، والمحققون يخصون أحرف اللين بالساكنة، فالقيد على الأول مخصص وعلى الثاني كاشف، وفي بعض النسخ "من أحرف العلة" وهو أصوب لأن الأصل في القيد التخصيص. "زائدًا" لا أصليًّا، "مكملا أربعة فصاعدًا"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
612-
ومع الآخر احذف الذي تلا ... إن زيد لينا ساكنا مكملا
613-
أربعة فصاعدا...... ... ......................
"وقبله حركة من جنسه" على الأصح "لفظًا" كـ: مروان ومسكين ومنصور، "أو تقديرًا" كـ: مصطفون ومصطفين، علمين، سواء أكان الحرف الأخير زائدًا أم أصليًّا، "وذلك نحو: مروان"، فإن الألف والنون فيه زائدتان، "وأسماء" بالمد، علمصا منقولا من جمع اسم، فهمزته أصلية؛ لأنها بدل من لام الكلمة، وأصلها أسماو، وأبدلت الواو همزة لتطرفها إثر ألف زائدة، فوزنه أفعال. "ومنصور" علمًا، "ومسكين" علمًا، منقولين من وصفي المفعول والفاعل، فالراء من الأول والنون من الثاني أصليتان وما قبلهما زائد، فيحذف عند الترخيم من مروان الألف والنون، وتقول: يا مرو، ومن أسماء الألف والهمزة
__________
1 وكذا قرأ علي وابن وثاب والأعمش وأبو الدرداء. انظر البحر المحيط 8/ 28، والكشاف 3/ 496، والمحتسب 2/ 257.
2 سقط ما بين المعكوفين من "ط".(2/257)
وتقول: يا أسم، ومن منصور الواو والراء، وتقول: يا منصُ، ومن مسكين الياء والنون، وتقول: يا مسكِ، ومن "مصطفون" و"مصطفين" الواو والياء، وتقول فيهما: يا مصطفَ، كما سيأتي.
"قال" الفرزدق يخاطب مروان بن عبد الملك: [من الكامل]
734-
يا مرو إن مطيتي محبوسة ... ترجو الحباء وربها لم ييأس
أراد: يا مروان، فرخمه بحذف الألف والنون، والحباء، بكسر الحاء المهملة وبالباء الموحدة والمد: العطاء، وربها: صاحبها "وقال" أبو زيد الطائي على ما زعم اللخمي، أو لبيد على ما زعم النحاس في شرح الكتاب: [من البسيط]
735-
يا أسم صبرا على ما كان من حدث ... إن الحوادث ملقي ومنتظر
أراد: يا أسماء، فرخمه بحذف الألف والهمزة. والمعنى: اصبري على الحوادث، فإن بعضها ملقي وبعضها منتظر. "بخلاف نحو: شمأل" بفتح الشين المعجمة وسكون الميم وفتح الهمزة من غير مد، علمًا، فتقول في ترخيمه: يا شمأ، بحذف اللام فقط دون الهمزة، "لأن زائده؛ وهو الهمزة؛ غير حرف لين". قال في النهاية: واختلف في نحو: معد، هل الزائد فيه الأول أو الثاني؟ فمن قال: الزائد الأول، حذف الآخر لتطرفه، ثم حذف الذي قبله لأن لفظه كلفظه، ومن قال: الزائد الثاني، حذفه وأبقى ما قبله، وهذه المسألة ذكرها سيبويه في محمر ومسود1.
"و" بخلاف "نحو: هبيخ" بفتح الهاء والباء الموحدة المثناة التحتانية المشددة وفي آخره خاء معجمة: الغلام الممتلئ، "وقنور" بفتح القاف والنوم والواو المشددة، بعدها راء مهملة: الصعب اليبوس من كل شيء حال كون هبيخ وقنور "علمين"، فتقول في ترخيمهما: يا هبي ويا قنو، بحذف آخرهما فقط، ولا يحذف ما قبله "لتحرك حرف اللين" فيهما، وهو الياء في هبيخ، والواو في قنور2.
__________
734- البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 384، وخزانة الأدب 6/ 347، وشرح أبيات سيبويه 1/ 505، والكتاب 2/ 257، واللمع ص199، والمقاصد النحوية 4/ 292، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 62، وشرح الأشموني 2/ 472، وشرح قطر الندى ص215، وشرح المفصل 2/ 22.
735- البيت لأبي زبيد الطائي في ملحق ديوانه ص151، وشرح أبيات سيبويه 1/ 435، وللبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه ص364، والكتاب 2/ 258، ولأحدهما في المقاصد النحوية 4/ 288، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 63، وشرح الأشموني 2/ 472.
1 الكتاب 2/ 264.
2 انظر شرح ابن الناظم ص425.(2/258)
"و" بخلاف "نحو: مختار ومنقاد علمين"، فتقول في ترخيمهما: يا مختا ويا منقا، بحذف آخرهما فقط، ولا يحذف ما قبله "لأصالة الألفين" فيهما، فإنهما منقلبان عن أصل، فأصل مختار ومنقاد: مختير ومنقود، بفتح الياء والواو أو كسرهما، فلما تحركا وانفتح ما قبلهما قلبا ألفين، والمنقلب عن الأصل أصل. وأجاز الأخفش أن يقال في ترخيمهما: يا مخت ويا منق، بحذف الألف من كل منهما مع الآخر نظرًا إلى الحالة الراهنة.
"و" بخلاف "نحو: سعيد وثمود وعماد"، فنقول في ترخيمهما: يا سعي ويا ثمو ويا عما، بحذف الدال فيهن فقط، ولا يحذف ما قبلهما من الياء أو الواو والألف وإن كان كل منها حرف لين زائد، "لأن السابق على حرف اللين حرفان" لا ثلاثة، وهذا محترز قوله:
612-
......................... ... ............... مكملا
613-
أربعة.................... ... .........................
وأجاز الفراء حذف الياء والألف مع الآخر من نحو: سعيد وعماد في كل لغة، وحذف الواو مع الآخر في نحو: ثمود، في لغة من يجعله اسما برأسه ولا ينتظر المحذوف، فيقول: يا سع ويا عم ويا ثم1.
وأما على لغة من ينتظر في نحو: ثمود، فيوجب حذف الواو والدال ولا يجيز: يا ثمو، بحذف الدال فقط، لأن بقاء الواو يستلزم عدم النظير؛ إذ ليس في العربية اسم متمكن في آخره واو لازمة قبلها ضمة. ورد بأنه يلزم بقاء الاسم المتمكن على حرفين، وذلك خلاف القياس، والواو حينئذ لا يحكم لها بحكم الحشو. فلا يلزم ما قاله2.
"وبخلاف نحو: فرعون وغرنيق" بضم العين المعجمة وسكون الراء وفتح النون: طير من طيور الماء طويل العنق، حال كونه "علمًا"، فتقول في ترخيمهما: يا فرعو ويا غرني، بحذف آخرهما فقط، ولا تحذف الواو والياء "لعدم مجانسة الحركة" لهما.
والجرمي والفراء لا يشترطان المجانسة، فيجيزان حذف اللين وإن كان قبله فتحة، فيقولان: يا فرع3 ويا غرن، لبقاء الاسم المتمكن4 على ثلاثة أحرف5، وإلى ذلك أشار
__________
1 في "ب": "ويا ثمو".
2 شرح المرادي 4/ 53-54.
3 في "ب": "يا فرعو".
4 بعده في "ب": "أعني".
5 انظر شرح ابن الناظم ص426، وشرح ابن عقيل 2/ 291، والتسهيل ص188.(2/259)
الناظم بقوله:
613-
........... والخلف في ... واو وياء بهما فتح قفي
"ولا خلاف في" جواز حذف الواو والياء مع الآخرين من "نحو: مصطفون ومصطفين، علمين" فتقول فيهما: يا مصطف، بحذف الواو والنون من الأول والياء والنون من الثاني، "لأن أصلهما مصطفيون ومصطفيين" بضم الياء في الأول وكسرها في الثاني، ولكنهم قلبوها ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفوا الألف لالتقاء الساكنين. "فالحركة المجانسة"، وهي الضمة في الأول والكسرة في الثاني، وإن لم تكن ملفوظة فهي "مقدرة".
والحركة المجانسة في التقدير كالمجانسة في اللفظ، كما سبق في قوله: وقبله حركة من جنسه لفظًا أو تقديرًا، وهو مأخوذ من قول التسهيل1: مسبوق بحركة مجانسة ملفوظة أو مقدرة، والمحذوف للترخيم إما حرف واحد2 أو حرفان، كما تقدم، "وإما كلمة برأسها وذلك في المركب المزجي"، وإليه أشار الناظم بقوله:
614-
والعجز احذف من مركب وقل ... ترخيم جملة وذا عمرو نقل
"تقول في" ترخيم "معد يكرب" وبعلبك وسيبويه وخمسة عشر علمًا: "يا معدي" ويا بعل ويا سيب ويا خمسة، ومنع الفراء ترخيم المركب من العدد إذا سمي به، ومنع أكثر الكوفيين ترخيم المختوم بـ"ويه" والمنقول أن العرب لم ترخم المركب المزجي وإنما أجازه النحويون قياسًا.
"وإما كلمة وحرف وذلك في: اثنا عشر" علمًا "تقول" إذا رخمته: "يا اثن" بحذف الألف و"عشر"، كما تقول في ترخيمه لو لم تركبه، نص على ذلك سيبويه3، "لأن "عشر" في موضع النون، فنزلت هي والألف منزلة الزيادتين في "اثنام" علمًا"، ولذلك أعرب. وقد يحذف المضاف إليه وآخر المضاف جميعًا نحو: يا صاح، أصله، يا صاحبي. قاله ابن خروف والجوهري وابن بري وجماعة. وقال غيرهم4: هو مرخم صاحب على غير قياس.
__________
1 التسهيل ص188.
2 الكتاب 2/ 269.
3 الارتشاف 3/ 156.
4 منهم الشلويين كما ذكر أبو حيان في الارتشاف 3/ 165، والمبرد في المقتضب 4/ 243، وسيبويه في الكتاب 2/ 256.(2/260)
فصل:
"والأكثر" في لسان العرب "أن ينوى المحذوف، فلا يغير ما بقي" عن حاله من حركة أو سكون بل يبقى على فتحه إن كان مفتوحًا، "تقول في جعفر: يا جعف، بالفتح، و" على كسره إن كان مكسورًا، تقول "في حارث: يا حار، بالكسر، و" على ضمه إن كان مضمومًا، تقول "في منصور: يا منص، بتلك الضمة" الموجودة قبل الترخيم، "و" على سكونه إن كان ساكنًا، تقول "في هرقل: يا هرق، بالسكون، و" تقول "في ثمود وعلاوة وكروان" أعلامًا: "يا ثمو ويا علاو ويا كرو"، بإبقاء الواو على صورتها في الأمثلة الثلاثة1 من غير إبدال لأنها ليست ظرفًا في التقدير، لأن الحرف المحذوف بعدها في نية الملفوظ به، وتسمى لغة من ينتظر، وإليها أشار الناظم بقوله:
615-
وإن نويت بعد حذف ما حذف ... فالباقي استعمل بما فيه ألف
"ويجوز أن لا ينوى" المحذوف "فيجعل الباقي" بعد الحذف اسمًا برأسه، ويجعل الحرف الذي قبل المحذوف "كأنه آخر الاسم في أصل الوضع" من غير حذف، فلا يبقى على حاله بل يضم، وتسمى لغة من لا ينتظر، وإليها أشار الناظم بقوله:
616-
واجعله إن لم تنو محذوفًا كما ... لو كان بالآخر وضعا تمما
"فتقول: يا جعف ويا حار ويا هرق، بالضم فيهن، وكذا تقول: يا منص بضمة حادثة للبناء" غير تلك الضمة التي كانت قبل الترخيم، بدليل أن هذه يجوز إتباعها وتلك لا يجوز إتباعها.
"وتقول: يا ثمي، بإبدال الضمة كسرة والواو ياء، كما تقول في جمع جرو" بتثليث الجيم، "ودلو" على أفعل، بضم العين: "الأجري والأدلي" والأصل: الأجرو والأدلو، بضم الراء واللام، فقلبوا الضمة كسرة، والواو ياء لئلا يلزم منه عدم النظير، "لأنه ليس في العربية اسم معرب آخره واو لازمة مضموم ما قبلها" وما تجدد بناؤه حكمه حكم المعرب.
__________
1 في "ب"، "ط": "المسائل الثلاث".(2/261)
"وخرج بالاسم الفعل نحو: يدعو"، وجعله علمًا عارض، "و" خرج "بالمعرب" المبني أصالة "نحو: هو". وأما أسماء البلدان نحو: سنبو1 والبيهو في الإقليم الصعيدي، فالظاهر أنها غير عربية كـ: سمندو2.
"و" خرج "بذكر الضم نحو: دلو"، فإن ما قبل الواو ساكن، "و" خرج "باللزوم نحو: هذا أبوك" فإن الواو فيه ليست بلازمة، فإنها تقلب ألفًا في النصب وياء في الجر، "وتقول: يا علاء، بإبدال الواو همزة لتطرفها بعد ألف زائدة كما في كساء" فإن أصله: كساو، لأنه من "كسوت" فأبدلت الواو همزة لما ذكر. "وتقول: يا كرا بإبدال الواو ألفًا لتحريكها وانفتاح ما قبلها" ولم يكن بعدها ساكن "كما في العصا".
والعلاوة بكسر العين المهملة: ما علقته على البعير بعد تمام الوقر، والكروان، بفتح الكاف والراء: طائر طويل العنق، وهو ذكر الحبارى.
__________
1 في "ب": "شنبو".
2 في "ب": "هندو".(2/262)
فصل:
"يختص ما فيه تاء التأنيث بأحكام منها: أنه لا يشترط لترخيمه علمية"، بل مطلق التعريف فيه كاف ولو بالقصد، "ولا زيادة على ثلاثة أحرف، كما مر" في قوله: "ثم إن كان المنادى مختومًا بتاء التأنيث جاز ترخيمه مطلقًا، تقول في هبة علما: يا هب، وفي جارية لمعينة: يا جاري".
"و" منها: "أنه إذا حذف منه التاء توفر من الحذف ولم يستتبع حذفها حذف حرف قبلها"، لأن تاء التأنيث في حكم كلمة منفصلة عما قبلها، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
609-
.............................. ... ........... والذي قد رخما
610-
بحذفها وفره بعد ... ... ........................
"فتقول في" ترخيم "عقنباة"، بفتح العين المهملة والقاف وبسكون النون بعدها موحدة فألف فتاء تأنيث، صفة للعقاب، يقال: عقاب عقنباة أي: ذو مخاليب حداد: "يا عقنبا" بالألف، ولا تحذف لما مر.
"و" منها أنه لا يرخم إلا على نية المحذوف" خوف الالتباس بالمذكر "تقول في" ترخيم "مسلمة" بضم الميم، "وحارثة" بالحاء المهملة، والثاء المثلثة، "وحفصة: يا مسلم ويا حارث ويا حفص، بالفتح" فيهن، ولا تقول: يا مسلم ويا حارث ويا حفص، بالضم فيهن على لغة من لا ينتظر المحذوف "لئلا يلتبس بنداء" مذكر لا ترخيم فيه، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
618-
والتزم الأول في كمسلمه ... ................................
"فإن لم يخف لبس1 جاز" ترخيمه على لغة من لا ينتظر المحذوف، "كما في نحو: همزة" علمًا، بضم الهاء2 وفتح الميم والزاي، وهو المغتاب يستوي فيه المذكر والمؤنث
__________
1 في "أ"، "ب": "لم تخف لبسا" والتصويب من "ط" وأوضح المسالك 4/ 66.
2 في "ب": "بالضم بالها".(2/263)
يقال: رجل همزة وامرأة همزة، وفي التنزيل: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] . "ومسلمة" بفتح الميم، علم رجل، وليست التاء فيه للفرق بين المذكر والمؤنث، فتقول إذا رخمتهما على لغة من لا ينتظر: يا همز ويا مسلم، بالضم فيهما، إذ لا لبس بذلك، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
618-
...................................... ... وجواز الوجهين في كمسلمه
"و" منها "أن نداءه مرخمًا أكثر من ندائه تامًّا" من غير ترخيم "كقوله"، وهو امرؤ القيس الكندي: [من الطويل]
736-
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
أراد: يا فاطمة. و"أزمعت" بزاي وعين مهملة: أي أحكمت عزمك، والصرم: القطع، والإجمال: الإحسان.
"ولكن يشاركه في هذا" الحكم الأخير "مالك وغامر وحارث"، فترخيمهن أكثر من ترك الترخيم لكثرة استعمالهن في النداء. ووجه اختصاص ما فيه تاء التأنيث بذلك أنه لا يتوقف على كثرة استعماله، فافترقا.
__________
736- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص12، والجنى الداني ص35، وخزانة الأدب 11/ 232، والدرر 1/ 372، وشرح شواهد المغني 1/ 20، والمقاصد النحوية 4/ 289، وتاج العروس "عنز"، "زمع"، "دلل"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 67، وأمالي ابن الشجري 2/ 84، ورصف المباني ص52، وشرح الأشموني 2/ 467، وشرح المرادي 4/ 34، ومغني اللبيب 1/ 13، وهمع الهوامع 1/ 172.(2/264)
فصل:
"ويجوز ترخيم غير المنادى بثلاثة شروط:
أحدها: أن يكون ذلك في الضرورة".
الشرط: "الثاني: أن يصلح الاسم" المراد ترخيمه "للنداء" أي لمباشرة حرف النداء، وإليها أشار الناظم بقوله:
619-
ولاضطرار رخموا دون ندا ... ما للندا يصلح..............
في الضرورة، "فلا يجوز" ترخيم الضرورة "في نحو: الغلام"، مما فيه "أل" لأنه لا يصلح لمباشرة حرف النداء، ومن ثم خطئ من جعل من ترخيم الضرورة1 قول العجاج: [من الرجز]
737-
أوالفا مكة من ورق الحمي
بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وأصله: الحمام، بالتخفيف، فحذف المين الثانية وقلبت الألف ياء للقافية. وقيل: حذفت الألف وأبدلت الميم ياء، ويحتمل أن يكون حذف منه الألف والميم للضرورة كقوله: [من الكامل]
738-
درس المنا بمتالع فأبان ... ..............................
وكسرت الميم الأولى للقافية والياء إشباع، ورق، بضم الواو: جمع ورقاء، وهي التي في لونها بياض إلى سواد.
__________
1 ذكر ذلك أبو الفتح في المحتسب 1/ 78، وانظر شرح ابن الناظم ص429.
737- الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 453، وشرح ابن عقيل 2/ 116، والكتاب 1/ 26، 110، وما ينصرف وما لا ينصرف ص51، والمحتسب 1/ 78، والمقاصد النحوية 3/ 554، 4/ 285، وتهذيب اللغة 15/ 381، وتاج العروس 23/ 30 "ألف"، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 163، والأشباه والنظائر 1/ 294، والإنصاف 2/ 519، والدرر 1/ 398، 2/ 522، وشرح ابن الناظم ص305، 429، وشرح الأشموني 2/ 343، 476، وشرح التسهيل 3/ 431، وشرح المرادي 4/ 60، وشرح المفصل 6/ 75، وهمع الهوامع 1/ 181، 2/ 157.
738- عجز البيت: "فتقادمت بالحبس فالسوبان"، وتقدم تخريجه برقم 715.(2/265)
الشرط "الثالث: أن يكون" المرخم في الضرورة "إما زائدًا على الثلاثة" وذلك مأخوذ من قول الناظم:
619-
............................ ... ............. نحو أحمدا
"أو" مختوما "بتاء التأنيث"، فالأول "كقوله"، وهو امرؤ القيس الكندي: [من الطويل]
739-
لنعم الفتى يعشو إلى ضوء ناره ... طريف بن مال ليلة الجوع والخصر
أراد: ابن مالك، فرخمه في غير النداء ضرورة، وترك ما بقي كأنه اسم برأسه، ونونه على لغة من لا ينتظر. ويعشو: يسير في العشاء، وهو الظلام1، والخصر، بفتح الخاء والصاد المهملتين: شدة البرد. والثاني كقول الأسود بن يعفر: [من الطويل]
740-
وهذا ردائي عنده يستعيره ... ليسلبني حقي أمال بن حنظل
أراد: ابن حنظلة، فرخمه في غير النداء ضرورة.
"ولا يمتنع" الترخيم في الضرورة "على لغة من ينتظر المحذوف" عند سيبويه2 وجمهور البصريين3، "خلافًا للمبرد"4، قالوا: "ودليلنا" القياس على النداء والسماع، ومنه قول أوس التميمي: [من البسيط]
741-
إن ابن حارث إن أشتق لرؤيته ... أو أمتدحه فإن الناس قد علموا
__________
739- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص142، والارتشاف 3/ 164، 3/ 164، وتذكر النحاة ص420، والدرر 1/ 397، وشرح ابن الناظم ص428، وشرح أبيات سيبويه 1/ 451، وشرح المرادي 4/ 57، والكتاب 2/ 254، والمقاصد النحوية 4/ 280، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 69، ورصف المباني ص239، وشرح الأشموني 2/ 477، وشرح ابن عقيل 2/ 295، وهمع الهوامع 1/ 181.
1 في "ب": "الكلام".
740- البيت للأسود بن يعفر في ديوانه ص56، وسمط اللآلي ص935، وشرح أبيات سيبويه 1/ 464، والكتاب 2/ 246، 3/ 69، ونوادر أبي زيد ص159-160، وبلا نسبة في المقرب 1/ 188.
2 الكتاب 2/ 269، وشرح ابن الناظم ص428.
3 الإنصاف 1/ 347، المسألة رقم 48.
4 انظر شرح ابن الناظم ص428، والإنصاف 1/ 355، والدرر 1/ 398.
741- البيت لابن حبناء في الدرر 1/ 398، وشرح أبيات سيبويه 1/ 527، والكتاب 2/ 272، والمقاصد النحوية 4/ 283، وبلا نسبة في أسرار العربية ص241، والإنصاف 1/ 354، وشرح ابن الناظم ص428، وشرح الأشموني 2/ 477، وشرح التسهيل 3/ 430، وشرح الكافية الشافية 3/ 1371، وشرح المرادي 4/ 58، 1/ 188، وهمع الهوامع 1/ 181.(2/266)
أراد: ابن حارثة، فرخمها بحذف التاء على لغة من ينتظر، وقوله: وهو جري: [من الوافر]
742-
ألا أضحت حبالكم رماما ... وأضحت منك شاسعة أماما
أراد: أمامة، بضم الهمزة، علم امراة، فرخمها بحذف التاء على لغة من ينتظر. ورماما: جمع رمة، بضم الراء المهملة، وهي القطعة البالية من الحبل، وأنشده المبرد1:
................................. ... وما عهدي كعهدك يا أماما
قال ابن مالك في شرح الكافية2: والإنصاف يقتضي تقرير الروايتين، ولا ترفع إحداهما بالأخرى. ا. هـ.
وفهم من عدم اشتراط التعريف في ترخيم الضرورة أنه يجيء في النكرات، كقوله: [من الخفيف]
743-
ليس حي على المنون بخال ... .....................................
أي: بخالد.
__________
742- البيت لجرير في ديوانه ص221، وخزانة الأدب 2/ 365، وشرح أبيات سيبويه 1/ 594، والكتاب 2/ 270، والمقاصد النحوية 24/ 28، ونوادر أبي زيد 31، وبلا نسبة في أسرار العربية 240، والإنصاف 1/ 353، وأوضح المسالك 4/ 70، وشرح ابن الناظم ص428، وشرح التسهيل 3/ 430، وشرح عمدة الحافظ ص313، وشرح الكافية الشافية 3/ 1351، 1362، 1371، وشرح المرادي 4/ 58.
1 انظر شرح ابن الناظم ص428.
2 شرح الكافية الشافية 3/ 1371.
743- عجز البيت:
لا عديم ولا مثمر مال
ويروى:
فلو ذروة فجنبي ذيال
وهو لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص109، والدرر 1/ 396، والمقاصد النحوية 4/ 461، وفيه القافية "أقال"، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 164، وشرح الأشموني 2/ 472، وشرح المرادي 4/ 6، وهمع الهوامع 1/ 181.(2/267)
باب المنصوب على الاختصاص:
والاختصاص في الأصل اختصصته بكذا، أي خصصته1 به، وفي الاصطلاح: تخصيص حكم علق بضمير بما2 تأخر عنه من اسم ظاهر معرف.
والباعث عليه فخر أو تواضع أو زيادة بيان، فالأول نحو: علي؛ أيها الجواد؛ يعتمد الفقير. والثاني نحو: إني؛ أيها العبد؛ فقير إلى عفو الله. والثالث نحو: نحن؛ العرب؛ أقرى الناس للضيف3.
وهو خبر استعمل بصورة النداء توسعا، كما استعمل الخبر بصيغة الأمر، نحو: أحسن بزيد: والأمر بصيغة الخبر نحو: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233] . "و" المنصوب على الاختصاص "هو اسم" ظاهر غير نكرة ولا مبهم، "معمول لـ: أخص" مضارع "خص" "واجب الحذف"، كما يجب حذف ناصب المنادى.
"فإن كان" المنصوب على الاختصاص "أيها" في التذكير، إفرادًا وتثنية وجمعًا، "أو: أيتها" في التأنيث إفرادًا وتثنية وجمعًا، "استعملا" في الاختصاص "كما يستعملان في النداء، فيضمان" لفظًا وينصبان محلا، ويتصل بهما "ها" التنبيه وجوبًا، "ويوصفان لزومًا باسم لازم الرفع" مراعاة للفظيهما، "محلى بـ: أل" الجنسية. "نحو: أنا أفعل كذا أيها الرجل" فأنا أفعل" مبتدأ وخبر: وأيها: في موضع نصب على الاختصاص بفعل محذوف وتقديره "أخص" و"الرجل": نعت "أي" على اللفظ.
__________
1 سقطت من "ب".
2 في "أ"، "ط": "ما".
3 من شواهد الكتاب 2/ 234، وشرح ابن الناظم ص431، وشرح ابن عقيل 2/ 298.(2/268)
"واللهم اغفر لنا أيتها العصابة"1 بكسر العين، فأيتها؛ بالضم في موضع نصب على الاختصاص بفعل محذوف تقديره "أخص" والعصابة: نعت "أيتها" على اللفظ، وجملة الاختصاص في المثالين في موضع نصب على الحال. والمعنى: أنا أفعل كذا مخصوصًا من بين الرجال، واللهم اغفر لنا مخصوصين من بين العصائب.
وما ذكره من أن أيها وأيتها مبنيان على الضم في موضع نصب بفعل الاختصاص محذوفًا هو مذهب الجمهور، وذهب الأخفش إلى أن كلا منهما منادى، قال2: ولا ينكر أن ينادي الإنسان نفسه. ألا ترى إلى قول عمر -رضي الله عنه: "كل الناس أفقه منك يا عمر".
وذهب السيرافي3 إلى أن "أيا" في الاختصاص معربة، وزعم أنها تحتمل وجهين: أحدهما: أن تكون خبرًا لمبتدأ محذوف، [والتقدير: أنا أفعل كذا هو أيها الرجل، أي المخصوص به. والثاني أن يكون مبتدأ والخبر محذوف] 4 والتقدير: أيها الرجل المخصوص أنا المذكور.
"وإن كان" المنصوب على الاختصاص "غيرهما" أي غير أيها وأيتها "نصب" لفظًا، سواء كان [لفظه] 5 مفردًا أم مضافًا، فالأول "نحو: نحن"؛ العرب، أقرى الناس للضيف. والثاني [نحو] 5 قوله -صلى الله عليه وسلم: "إنا " معاشر الأنبياء لا نورث " " 6، فالعرب ومعاشر: منصوبان على الاختصاص بفعل محذوف وجوبًا تقديره: أخص العرب وأخص معاشر الأنبياء. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
620-
الاختصاص كنداء........ ... ............................
البيتين7.
__________
1 شرح ابن الناظم ص430، والكتاب 2/ 232.
2 انظر قوله في همع الهوامع 1/ 171.
3 انظر ما ذهب إليه السيرافي في الارتشاف 3/ 166، وهمع الهوامع 1/ 17.
4 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
5 إضافة من "ب"، "ط".
6 أخرجه البخاري في صحيحه برواية: "لا نورث، ما تركنا صدقة" برقم 2926، 2927، وأخرجه مسلم برقم 1759، وفي حاشية يس 1/ 191: "ذكر أبو الحسين البزار الواعظ في كتاب النصيحة بالثقة أنه روى: نحن معاشر الأنبياء لا نرث ولا نورث".
7 البيتان هما:
ألاختصاص كنداء دون يا ... كأيها الفتى بإثر ارجونيا
وقد يرى ذا دون تلو أل ... كمثل نحن العرب أسخى من بذل(2/269)
والمنصوب على الاختصاص يشارك المنادى في ثلاثة أحكام:
أحدها: إفادة الاختصاص بالمتكلم، كما أن المنادى يفيد الاختصاص بالمخاطب.
والثاني: أن كل واحد منهما لا يكون إلا للحاضر.
والثالث1: أن الاختصاص واقع في معرض التوكيد، والنداء قد2 يكون كذلك، كقولك لمن هو مصغ إليك: كان الأمر كذا يا فلان.
"ويفارق المنادى في أحكام" لفظية ومعنوية: فأما الأحكام اللفظية فأمور:
"أحدها: أنه ليس معه حرف نداء لا لفظًا ولا تقديرًا"، بخلاف المنادى فإنه لا يخلو عن ذلك.
"الثاني: أنه لا يقع في أول الكلام بل في أثنائه" أي وسطه، "كالواقع بعد: نحن" في المثال، وبعد "أنا" "في الحديث المتقدم"، وهذا الحديث بلفظ "نحن". قال الحافظ3: غير موجود، وإنما الموجود في سنن النسائي الكبرى: إنا معاشر الأنبياء4. كما شرحنا. "أو بعد تمامه" أي الكلام "كالواقع بعد "أنا" و"لنا"5 في المثالين قبله" وهما "أنا أفعل كذا أيها الرجل" و"اللهم اغفر لنا أيتها العصابة" فالمخصوص وهو "أيها" في المثال الأول "أيتها" في المثال الثاني وقعا بعد تمام الكلام، لأن كلا من قولك "أنا أفعل كذا" و"اللهم اغفر لنا" كلام تام6 بخلاف المنادى، فإنه يقع في أول الكلام، نحو: يا الله اغفر لنا.
"والثالث: أنه يشترط أن يكون المقدم7 عليه اسما بمعناه" في التكلم والخطاب، "والغالب كونه" أي: [كون] 8 المقدم على المخصوص "ضمير تكلم" يخصه أو يشارك فيه، فالأول نحو: أنا أفعل كذا أيها الرجل، والثاني نحو: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة.
__________
1 في "ب": "والثايلث".
2 في "ب": "فلا".
3 في "أ": "الحافظ".
4 السنن الكبرى للنسائي 4/ 64.
5 في "ب"، "ط": "نا".
6 سقطت من "ب".
7 في "ب": "المتقدم".
8 إضافة من "ط".(2/270)
"وقد يكون" المقدم "ضمير خطاب كقول بعضهم: بك؛ الله؛ نرجو الفضل"، فـ"بك" متعلق بـ"نرجو"، والله: منصوب على الاختصاص، والفضل: مفعول "نرجو". وفي هذا المثال شذوذان: كونه بعد ضمير خطاب، وكونه علمًا. قاله في الشذور1.
ولا يكون المتقدم ضمير غائب ولا اسما ظاهرًا، فلا يجوز: بهم معشر العرب؛ ختمت المكارم، ولا: بزيد؛ العالم؛ يقتدي الناس2.
"والرابع والخامس: أنه يقل كونه علمًا، وأنه ينتصب مع كونه مفردا" معرفة3، "كما في هذا المثال" وهو: بك؛ الله؛ نرجو الفضل، ومثله: سبحانك الله العظيم، والمنادى يكثر كونه علما، ويضم مع كونه مفردًا.
والسادس: أن يكون بـ"أل" قياسًا كقولهم: نحن؛ العرب؛ أقرى الناس للضيف، والمنادى لا يكون كذلك.
والسابع والثامن والتاسع والعاشر: أن لا يكون نكرة ولا اسم إشارة ولا موصولا ولا ضميرًا. قاله في الارتشاف4. والمنادى يكون كذلك.
الحادي عشر: أن "أيا" هنا لا توصف باسم الإشارة، وتوصف به في النداء.
الثاني عشر: أن صفة "أي" هنا واجبة الرفع5 بلا خلاف، كما قاله في الارتشاف6، وفي الثاني طرقها7 خلاف، أجاز المازني نصبها.
الثالث عشر: أن أيا هنا اختلف في ضمتها: هل هي إعراب أو بناء، وفي النداء بناء بلا خلاف.
[الرابع عشر: العامل المحذوف هنا لم يعوض عنه شيء وعوض عنه في النداء حرف.
الخامس عشر: أن العامل المحذوف] 8 هنا فعل الاختصاص، وفي النداء فعل الدعاء9.
__________
1 شرح شذور الذهب ص222.
2 الكتاب 2/ 236.
3 سقطت من "ب".
4 الارتشاف 3/ 167.
5 سقطت من "ب" كلمة: "الرفع".
6 الارتشاف 3/ 166.
7 بعده في "ب": "الرفع"، وهي الكلمة نفسها التي سقطت في الحاشية السابقة.
8 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
9 في "ب": "الدعا".(2/271)
والسادس عشر والسابع عشر والثامن عشر: أنه لا يكون تاليًا لحرف النداء، وأنه لا يعنى به إلا نفس المتكلم، وأنه لا يجوز فيه الترخيم.
والتاسع عشر والعشرون: أنه لا يستغاث به، وأنه لا يندب.
وأما الأحكام المعنوية فأمور:
أحدها: أن الكلام مع الاختصاص خبر، ومع النداء إنشاء.
والثاني: أن الغرض من ذكره تخصيص مدلوه من بين أمثاله بما نسب إليه.
والثالث: أنه مفيد لفخر أو تواضع أو زيادة بيان، بخلاف النداء فيهما.(2/272)
باب التحذير:
"وهو" في الأصل مصدر "حذر" بالتشديد، والمراد به هنا "تنبيه المخاطب على أمر مكروه لتجتنبه". ويكون بثلاثة أشياء: بـ"إياك" وأخواته. وبما ناب عنها من الأسماء المضافة إلى ضمير المخاطب، نحو: نفسك، وبذكر المحذر منه، نحو: الأسد.
"فإن ذكر المحذر بلفظ "إيا" فالعامل" في محلها1 النصب فعل "محذوف لزومًا"، لأنه لما كثر التحذير بلفظ "إيا" جعلوه بدلا من اللفظ بالفعل، والتزموا معه إضمار العامل، "سواء عطفت عليه" المحذر منه، نحو: إياك والشر، "أم كررته" نحو: [من الطويل]
744-
إياك إياك المراء..... ... ........................
"أم لم تعطف ولم تكرر" نحو: إياك الأسد، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
622-
إياك والشر ونحوه نصب ... محذر بما استتاره وجب
623-
ودون عطف ذا لإيا انسب..... ... .....................................
"تقول" إذا عطفت عليه المحذر منه: "إياك والأسد" فإياك: في محل نصب بفعل محذوف تقديره: أحذر، ونحوه، ثم قيل: يجب تقديره بعد "إياك" والأصل: إياك أحذر، لأنه لو قدر قبله لاتصل به، فقيل: أحذرك، فيلزم تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره2 المتصل، وذلك خاص بأفعال القلوب وما ألحق بها.
__________
1 في "ب": "محلهما".
744- تمام البيت:
إياك إياك المراء فإنه ... إلى الشر دعاء وللشر جالب
وتقدم تخريجه برقم 648.
2 في "ب": "ضمير".(2/273)
"و" قيل: "الأصل: احذر تلاقي نفسك، والأسد ثم حذف الفعل" وهو احذر "وفاعله" وهو ضمير المخاطب المستتر فيه، فصار "تلاقي نفسك والأسد" "ثم" حذف "المضاف الأول" وهو "تلاقي"، "وأنيب عنه الثاني" وهو "نفسك" "فانتصب" فصار "نفسك والأسد"، "ثم" حذف المضاف الثاني وهو "نفس" "وأنيب عنه الثالث" في التركيب وهو الكاف، "فانتصب" بعد أن كان مجرورًا بالإضافة، "وانفصل" لتعذر اتصاله فصار "إياك".
واختلف في إعراب ما بعد الواو فقيل: هو معطوف على "إياك" والتقدير: احذر نفسك أن تدنو من الأسد والأسد أن يدنو منك، وهذا مذهب كثيرين منهم السيرافي. واختاره ابن عصفور1.
واعترض بأن "إياك" محذر و"الأسد" محذر منه، والعطف يقتضي المشاركة في المعنى. وأجيب بأن مقتضى العطف الاشتراك في معنى الخوف، فلا يمتنع أن يكون أحدهما خائفًا والآخر مخوفًا منه. قاله الفخر الرازي في شرح المفصل. وذهب ابن طاهر وابن خروف إلى أن ما بعد الواو منصوب بفعل آخر محذوف، فهو عندهما من قبيل عطف الجمل3. واختار ابن مالك قولا ثالثا، وهو أن يكون معطوفًا عطف مفرد لا على التقدير الأول، بل على تقدير: اتق تلاقي نفسك والأسد، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. قال: ولا شك في أن هذا أقل تكلفًا. انتهى. وظاهر صنيع الموضح موافقته.
"وتقول" إذا لم تعطف ولم تكرر: "إياك من الأسد"، واختلف في تحقيق العامل المحذوف فقال الجمهور: عامله فعل متعد لواحد، "والأصل: باعد نفسك من الأسد، ثم حذف "باعد" وفاعله" المستتر فيه فصار: نفسك من الأسد، "و" حذف "المضاف" وهو "نفس"، فانفصل الضمير وانتصب فصار: إياك من الأسد، فـ"إياك" منصوب "باعد" محذوفًا، و"من الأسد": متعلق بذلك المحذوف.
"وقيل": عامله فعل متعد لاثنين. و"التقدير: أحذرك من الأسد". قاله ابن الناظم3 تبعًا لأبي البقاء4، فحذف "أحذر"5 وفاعله وانفصل الضمير لتعذر اتصاله
__________
1 المقرب 1/ 253.
2 انظر الارتشاف 2/ 281، وهمع الهوامع 1/ 169.
3 في شرح ابن الناظم ص432: "أحذرك الأسد".
4 انظر شرح المرادي 4/ 70.
5 سقطت من "ب".(2/274)
"فنحو: إياك الأسد"، بحذف "من" ونصب "الأسد"، "ممتنع على التقدير، الأول، وهو قول الجمهور"، لما يلزم عليه من حذف "من" ونصب المجرور، وهو غير مطرد إلا مع "أن" و"أن" و"كي" كما تقدم في باب التعدي واللزوم، "وجائز على" التقدير "الثاني، وهو رأي ابن الناظم1" وأبي البقاء2، لأن "أحذر" يتعدى إلى اثنين من غير واسطه، قال الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 30] فالكلام على تقدير الجمهور إنشائي، وعلى تقدير ابن الناظم خبري.
"ولا خلاف في جواز: إياك أن تفعل"، على التقديرين، فجوازه على الأول لصلاحيته لتقدير: من" أي من أن تفعل، لأن حرف الجري حذف مع "أن" قياسًا مطردًا, كما تقدم، وجوازه على الثاني واضح لتعدي الفعل إليه بنفسه من غير تقدير واسطة.
"ولا يكون "إيا" في هذا الباب لمتكلم"، لأن المتكلم لا يحذر نفسه، "وشذ قول عمر -رضي الله عنه: لتذك" من التذكية "لكم الأسل"3 بفتح الهمزة والسين المهملة، وفي آخر لام، وهو هنا ما رق وأرهف من الحديد كالسيف والسكين ونحوهما. وفي كتاب4 الضياء: الأسل: شجر الرماح، ويقال لكل نبت له شوك طويل، "والرماح": جمع رمح، "والسهام": جمع سهم.
"وإياي وأن يحذف أحدكم الأرنب", فقيل: الكلام جملتان، ثم قال الزجاج: أصله: "إياي وحذف الأرنب وإياكم وحذف الأرنب"، فحذف من كل جملة ما أثبت في الأخرى.
"و" قال الجمهور: "أصله: إياي باعدوا عن حذف الأرنب، وباعدوا أنفسكم أن يحذف أحدكم الأرنب، ثم حذف من الأول المحذور" وهو "حذف الأرنب" "و" حذف "من الثاني المحذر" وهو "باعدوا أنفسكم" وقيل: الكلام جملة واحدة.
ثم اختلف فقيل: حذفت أربعة أشياء، وأصله: إياي باعدوا عن حذف الأرنب وحذف الأرنب عني، فحذف فعل وفاعل ومفعول مقيد، وما عطف على هذا المفعول المقيد
__________
1 شرح ابن الناظم ص432.
2 انظر شرح المرادي 4/ 70.
3 من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، وتمامه: "لتذك لكم الأسل، والرماح والسهام، وإياي وأن يحذف أحدكم الأرنب"، وهو من شواهد شرح ابن الناظم ص433، وشرح ابن عقيل 2/ 300.
4 سقطت من "ب"، "ط".(2/275)
فإن الواو عطفت بشيئين على شيئين. وقال السيرافي: حذف شيئان فقط، وأصله: باعدوني وحذف الأرنب.
ولا يخفى ما في هذه الأقول من الضعف، أما قول الزجاج فإن فيه دعوى حذف "إياكم" ولا يليق حذفهما لما استقر لها في هذا الباب من أنها بدل من اللفظ بالفعل، وأما ما اختاره الموضح ففيه حذف من الأول لدلالة الثاني [عليه] 1، وهو قليل وفيه مخالفة لما يفهم من صنيعه في "إياك والأسد" أنهما جملة واحدة. وأما القول الثالث فيه كثرة حذف وتكرار، فإن مباعدتهم له عن حذف الأرنب مباعدة لحذف الأرنب عنه، وكذا هو في قول السيرافي، وإن لم يصرح به، فإن "باعدوني" ليس أمرًا بالمباعدة المطلقة، بل بالمباعدة عن شيء خاص، وكذا مباعدة حذف الأرنب إنما هي عنه، فمرجع القولين الأخيرين إلى قول واحد، وإن ظن شارحون أنهما غيران.
" ولا يكون" "إيا" في هذا الباب "لغائب"، لاختصاص التحذير بالمخاطب، "وشذ قول بعضهم"، أي العرب: "إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب2". قال سيبويه3: حدثني من لا أتهم عن الخليل أنه سمعه من أعرابي. والشواب: بالشين المعجمة وفي آخره موحدة مشددة: جمع "شابة". ويروى: السوءات، بالسين المهملة: جمع سوءة4.
والمعنى: إذا بلغ الرجل ستين سنه فلا يتولع بشابة ولا يفعل سوءة. والكلام جملة واحدة، "والتقدير: فليحذر تلاقي نفسه وأنفس الشواب". فحذف الفعل وفاعله ثم المضاف الأول وأنيب عنه الثاني، ثم الثاني وأنيب عنه الثالث، فانتصب وانفصل، وأبدل "أنفس" بـ"أيا". لأنها تلاقيها في المعنى.
"وفيه شذوذان" آخران5:
"أحدهما: اجتماع حذف الفعل" المجزوم بلام الأمر "وحذف حرف الأمر" وهو اللام، مع أن لام الأمر لا تحذف إلا في الضرورة كقوله: [من الطويل]
__________
1 إضافة من "ب"، وسقطت من "ط".
2 من شواهد الكتاب 1/ 279، وشرح ابن عقيل 2/ 301، والإنصاف 2/ 697، المسألة رقم 98، وشرح ابن الناظم ص433، ولسان العرب "أيا"، وشرح المفصل 3/ 100.
3 الكتاب 1/ 279.
4 في "ب": "ويروى: الشوءات؛ بالشين المهملة، جمع شوءة".
5 سقط من "ب": "وفيه شذوذان آخران".(2/276)
745-
محمد تفد نفسك كل نفس ... ....................................
أي: لتفد، فحذفها مع مجزومها أشد.
"و" الشذوذ "الثاني: إقامة المضمر وهو "إيا" الثانية مقام الظاهر وهو: الأنفس"، وإضافتها إلى الشواب، "لأن المستحق للإضافة إلى الأسماء الظاهرة اتفاقًا وإلى المضمرات على الأصح "إنما هو المظهر لا المضمر"، لأن الإضافة إما للتعريف, وإما للتخصيص، والضمير غني عن ذلك، لأنه1 أعرف المعارف؟
وذهب الخليل إلى أن "إياه" ضميران2 أضيف أحدهما إلى الآخر3، وإلى الشذوذ أشار الناظم بقوله:
625-
وشذ إياي وإياه أشد ... وعن سبيل القصد من قاس انتبذ
"وإن ذكر المحذر"؛ بفتح الذال المعجمة؛ "بغير لفظ "إيا"4 أو اقتصر على ذكر المحذر منه فإنما يجب الحذف" للعامل "إن كررت أو عطفت، فالأول" وهو ذكر المحذر بغير لفظ "إيا" مع التكرار، "نحو: نفسك نفسك"، ومع العطف نحو5: نفسك وعينك.
"والثاني"، وهو الاقتصار على ذكر المحذر منه بغير لفظ "إيا" مع التكرار، "نحو: الأسد الأسد، و" مع العطف نحو: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: 13] فالعامل في هذه الأمثلة الأربعة محذوف وجوبًا، لأن العطف كالبدل من اللفظ بالفعل، والتكرار بمنزلة العطف.
__________
745- عجز البيت:
إذا ما خفت من شيء تبالا
وهو لأبي طالب في شرح شذور الذهب 211، وله أو للأعشى في خزانة الأدب 9/ 11، وللأعشى أو لحسان أو لمجهول في الدرر 2/ 75، وبلا نسبة في أسرار العربية 319، 321، وأمالي ابن الشجري 1/ 375، والإنصاف 2/ 530، وسر صناعة الإعراب 1/ 391 وشرح ابن الناظم ص492، وشرح الأشموني 3/ 575، وشرح التسهيل 4/ 60، وشرح شواهد المغني 1/ 597، وشرح المفصل 7/ 35، 60، 62، 9/ 24، والكتاب 3/ 8، واللامات ص 96، ومغني اللبيب 1/ 224، والمقاصد النحوية 4/ 418، والمقتضب 2/ 132، والمقرب 1/ 272, وهمع الهوامع 2/ 55.
1 في "ب": "لأنها".
2 في "ب": "أنه ضميران".
3 الإنصاف 2/ 695، المسألة رقم 98.
4 في "ب": "يا".
5 سقطت من "ب".(2/277)
"وفي غير ذلك يجوز الإظهار" للعامل "كقوله" وهو جرير: [من البسيط]
746-
خل الطريق لمن يبني المنار به ... وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر
فأظهر العامل وهو "خل" لأن المحذر منه وهو "الطريق" خال من التكرار والعطف. والمنار، بفتح الميم وتخفيف النون: حدود الأرض، والبرزة: الأرض الواسعة، والباء للظرفية، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
423-
............................. وما ... سواه ستر فعله لن يلزما
424-
إلا مع العطف أو التكرار ... .............................
__________
746- البيت لجرير في ديوانه 1/ 211، وأمالي ابن الشجري 1/ 342، والصاحبي في فقه اللغة ص186، والكتاب1/ 254، ولسان العرب 5/ 310 "برز"، والمقاصد النحوية 4/ 307، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 78، والرد على النحاة ص75، وشرح الأشموني 2/ 481، وشرح المفصل 2/ 30.(2/278)
باب الإغراء:
بالمد، "وهو" في الأصل مصدر "أغريت"، والمراد به هنا "تنبيه المخاطب على أمر محمود ليفعله".
"وحكم الاسم" المنصوب "فيه حكم" الاسم في "التحذير الذي لم يذكر فيه "إيا" فلا يلزم حذف عامله إلا في عطف أو تكرار"، لما تقدم، "كقولك" في العطف: "المروءة والنجدة"، بنصبهما، "بتقدير "الزم"، وقوله"، وهو مسكين الدارمي في التكرار: [من الطويل]
747-
أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح
بنصب "أخاك" بتقدير "الزم" وجوبًا، و"أخاك" الثاني: توكيد، والهيجا، بالقصر هنا، والأكثر فيها1 المد: الحرب.
__________
747- البيت لمسكين الدارمي في ديوانه ص29؛ والأغاني 20/ 171، 173، وخزانة الأدب 3/ 65، 67، والدرر 1/ 369، وشرح أبيات سيبويه 1/ 127، والمقاصد النحوية 4/ 305، ولمسكين أو لابن هرمة في فصل المقال ص269، ولقيس بن عاصم في حماسة البحتري ص245، ولقيس بن عاصم أو لمسكين الدرامي في الحماسة البصرية 2/ 60، وبلا نسبة في الاقتضاب ص100، والإنصاف 2/ 465, وأوضح المسالك 4/ 79، وتلخيص الشواهد ص62، والخصائص 2/ 480، والدرر 2/ 390، وشرح وابن الناظم ص434، وشرح شذور الذهب ص222، وشرح قطر الندى ص134، والكتاب 1/ 256، وعيون الأخبار 2/ 304، 3/ 2، والعقد الفريد 2/ 304، وهمع الهوامع 1/ 170، 2/ 125.
1 في "ب": "فيه".(2/279)
ولا يعطف في التحذير والإغراء إلا بالواو خاصة، لأن المراد فيهما الجمع والاقتران في الزمان، فإن فقد العطف والتكرار جاز إظهار العامل نحو: الزم أخاك.
"ويقال: الصلاة جامعة"، بنصبهما، "فتنصب "الصلاة" بتقدير: احضروا و"جامعة" على الحال" من "الصلاة"، وناصبها "احضروا" المحذوف، "ولو صرح بالعامل" في "الصلاة" "لجاز"؛ لعدم1 العطف والتكرار. ويقال برفعهما على الابتداء والخبر، ويرفع الأول على الابتداء، ,حذف الخبر، ونصب "جامعة" على الحال، ونصب الأول على الإغراء، ورفع الثاني على الخبرية لمبتدأ محذوف. وإلى حكم الإغراء أشار الناظم بقوله:
636-
وكمحذر بلا إيا اجعلا ... مغرى به في كل ما قد فصلا
__________
1 سقطت من "ب".(2/280)
باب أسماء الأفعال
مدخل
...
باب أسماء الأفعال:
وهل هي أسماء لألفاظ الأفعال1 أو لمعانيها من الأحداث والأزمنة. أو أسماء للمصادر النائبة عن الأفعال، أو هي أفعال؟ أقوال: قال بالأول جمهور البصريين، وبالثاني صاحب البسيط، ونسبه إلى ظاهر قول سيبويه والجماعة، وبالثالث جماعة من البصريين، وبالرابع الكوفيون2، وعلى القول: إنها أفعال حقيقة أو أسماء لألفاظ الأفعال لا مواضع لها من الإعراب عند الأخفش وطائفة. واختاره ابن مالك3.
وعلى القول: إنها أسماء لمعاني الأفعال، موضعها رفع بالابتداء، وأغنى مرفوعها عن الخبر، وهو مذهب بعض النحويين.
وعلى القول: إنها أسماء للمصادر النائبة عن الأفعال، موضعها نصب بأفعالها النائبة عنها لوقوعها موقع ما هو في موضع نصب، وهو قول المازني وطائفة، والصحيح أن كلا منها اسم لفعل، وأنه لا موضع لها من الإعراب.
"واسم الفعل ما ناب عن الفعل معنى واستعمالا كـ: شتان" فإنه اسم ناب عن فعل ماض وهو "افترق"، "و: صه" فإنه اسم ناب عن فعل أمر وهو "اسكت"، "و: أوه" فإنه اسم ناب عن فعل مضارع4 هو "أتوجع". [والمراد بالمعنى كونه يفيد ما يفيده الفعل الذي هو نائب عنه من الحدث والزمان] 5، "والمراد بالاستعمال كونه" أبدًا
__________
1 في "ط": "للألفاظ النائبة عن الأفعال"، قال ابن الناظم في شرحه ص435: "أسماء الأفعال: ألفاظ نابت عن الأفعال معنى واستعمالا".
2 انظر آراء البصريين والكوفيين في الإنصاف 1/ 228، المسألة رقم 27.
3 التسهيل ص210.
4 في "ب": "ماض"، وهو وجه ذكره ابن هشام في شرح شذور الذهب ص405، بمعنى توجعت.
5 سقط ما بين المعكوفين من "ب".(2/281)
"عاملا غير معمول" لعامل يقتضي الفاعلية والمفعولية. "فخرجت" الحروف نحو "إن" وأخواتها، فإنها وإن نابت عن الفعل في المعنى والاستعمال لكنها قد تهمل إذا اتصلت بها "ما" الكافة، فليست أبدًا عاملة، وخرجت "المصادر والصفات" النائبة عن أفعالها "في نحو: ضربًا زيدًا"، فإنه نائب عن "اضرب"، "و: أقائم الزيدان" فإنه نائب عن "يقوم"، "فإن العوامل"1 اللفظية والمعنوية "تدخل عليها" فتعمل فيها، ألا ترى أن "ضربًا" منصوب بما ناب عنه، وهو "اضرب"، و"أقائم" مرفوع بالابتداء.
"و" اسم الفعل "وروده بمعنى الأمر كثير كـ: صه ومه وآمين" فـ"صه" "بمعنى "اسكت"، و" "مه" بمعنى "انكفف" لا بمعنى "اكفف" لأن اكفف يتعدى و"مه" لا يتعدى. قاله في شرح الشذور2 تبعًا لغيره3.
ورد بأن ذلك غير مطرد, فإن "آمين" لا يتعدى و"استجب" يتعدى. "و" آمين، بالمد وبالقصر وبالإمالة لا بتشديد اللام بمعنى "استجب، ونزال" بالنون والزاي والبناء على الكسر بمعنى "انزل" "وبابه"، وهو منقاس من كل فعل ثلاثي تام متصرف، ولا ينقاس في غيره، وشذ "دراك" من أدرك، و"بدار" من بادر، قال: [من الرجز]
748-
بدارها من إبل بدارها
وأجاز ابن طلحة بناءه من "أفعل" قياسًا على "دراك" وعلى بنائهم فعلي التعجب من "أفعل" وشذ قرقار بمعنى قرقر، أي: صوت، من قرقر بطنه، وأجاز الأخفش أن يقال: دحراج وقرطاس، قياسًا على قرقار4. ولا يجوز من هب ودع: وهاب وداع، للجمود، ولا كوان قائمًا للنقص، ويجوز من التامة.
ولم يقس المبرد شيئًا من الباب لأنه ابتداع لما لم يمسع من الأسماء5. ورد
__________
1 في شرح "ب": "العامل".
2 شرح شذور الذهب ص116.
3 منهم ابن مالك في التسهيل ص211، وفي شرح ابن الناظم ص435، وشرح ابن عقيل 2/ 302: "مه: بمعنى اكفف".
748- لم أقع عليه في المصادر المتاحة، ولعل الأزهري حرف روايته من "تراكها من إبل تراكها" انظر هذه الرواية في الإنصاف ص537، وشرح المفصل 4/ 50، والكتاب 1/ 241، 3/ 271، والمقتضب 3/ 369.
4 انظر الارتشاف 3/ 198، وشرح ابن الناظم ص435.
5 الكامل ص587-592.(2/282)
بأنه باب واحد كثر استعماله على منهاج واحد، فكان حقيقًا بالاتساع وإن فقد السماع. وبناؤه على الحركة لالتقاء الساكنين، وكانت كسرة على الأصل، وبنو أسد تفتحه إتباعًا وتخفيفًا. "و" وروده "بمعنى الماضي المضارع" المبدوء بالهمزة "قليل كـ: شتان، وهيهات".
فـ شتان: بفتح النون، وفي فصيح ثعلب1 أن الفراء كان يكسرها "بمعنى افترق"، كذا أطلق الجمهور وقيده الزمخشري2 بكون الافتراق في المعاني والأحوال، قال ابن عمرون: كالعلم والجهل والصحة والسقم، قال: ولا تستعمل في غير ذلك، لا تقول: شتان الخصمان عن مجلس الحكم، ولا: شتان المتبايعان عن مجلس العقد، بمعنى افترقا عنه. انتهى.
وهيهات3: حكى الصغاني فيها ستا وثلاثين لغة: هيهات، وأيهات، وهيهان، وأيهان، وهيهاه، وأيهاه، كل واحدة4 من هذه الست مضمومة الآخر ومفتوحته ومكسورته، وكل واحدة منها منونة وغير منونة، فتلك ست وثلاثون.
وحكى غيره، هيهاك، وأيهاك، بكاف الخطاب. وأيهاء، وأيها، وهيهاء، فهذه إحدى وأربعون لغة، وكلهم بمعنى بعد.
"وأوه، وأف" فـ"أوه" "بمعنى أتوجع، و" أف"؛ وفيها أربعون لغة؛ ذكرتها في صدر الكتاب5 وكلها بمعنى "أتضجر".
"و: وا، و: وي، و: واها"، الثلاثة6 "بمعنى: أعجب" بفتح الهمزة، "كقوله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} " [القصص: 82] فـ"وي": اسم فعل مضارع بمعنى "أعجب" والكاف: حرف تعليل وأن: مصدرية مؤكدة, أي: أعجب لعدم فلاح الكافرين". هذا قول الخليل وسيبويه7. وقال أبو الحسن8 "وي" "بمعنى"9 "أعجب"، والكاف: حرف خطاب، وقيل: الكاف للتشبيه بمعنى الظن، فهما كلمتان.
__________
1 في فصيح ثعلب 313: "والفراء يخفض نون شتان". وانظر شرح الفصيح للزمخشري ص624.
2 في المفصل ص161: "المعنى في شتان: تباين الشيئين في بعض المعاني والأحوال".
3 سقطت من "ب".
4 في "ب": "واحد".
5 انظر ما تقدم في الجزء الأول من هذا الكتاب ص38، 39.
6 بعده في "ط": "كلها".
7 الكتاب 2/ 154.
8 الارتشاف 3/ 200.
9 في حاشية يس 1/ 197: "الصواب أن يقال: كان للتشبيه".(2/283)
وقال الكسائي: "وي"1 محذوف من "ويلك"، قال عنترة: [من الكامل] .
749-
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قول الفوارس ويك عنتر أقدم
فهما كلمة واحدة. "وقول الشاعر": [من الرجز] .
570-
وا بأبي أنت وفوك الأشنب ... كأنما ذر عليه الزرنب
أو زنجبيل وهو عندي أطيب
[فـ"وا" اسم بمعنى أعجب، و"بأبي": جار ومجرور، خبر مقدم، و"أنت" بكسر التاء: مبتدأ مؤخر، و"فوك"، بكسر الكاف: مبتدأ] 2 و"الأشنب": من الشنب، بفتح الشين المعجمة والنون: حدة في الأسنان. ويقال: برد وعذوبة. كذا قاله الجوهري3.
و"كأنما ذر" بالبناء للمجهول4: خبر "فوك"5 وهو من ذررت الحب، بالذال المعجمة.
و"الزرنب" كـ: جعفر: ضرب من النبات الرائحة كرائحة الأترج، وورقه كورق الطرفاء، وقيل: كورق الخلاف6.
__________
1 في "أ": "هو"، والتصويب من "ط"، وسقطت من "ب".
749- البيت لعنترة في ديوانه ص219، والاقتضاب ص562، وأساس البلاغة "قدم"، والجنى الداني ص353، وخزانة الأدب 6/ 406، 408، 421، وشرح الأشموني 2/ 486، وشرح شواهد المغني ص481، 787، وشرح المرادي 4/ 80، وشرح المفصل 4/ 77، والصاحبي في فقه اللغة ص177، ولسان العرب 15/ 517 "ويا", والمحتسب 1/ 16، 2/ 56، والمقاصد النحوية 4/ 318، وبلا نسبة في مغني اللبيب 1/ 369.
750- الرجز لراجز من بني تميم في الدرر 2/ 341، وشرح شواهد المغني 2/ 786، والمقاصد النحوية 4/ 310، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 200، وأوضح المسالك 4/ 83، وتاج العروس "زرنب"، "وا" وتهذيب اللغة 13/ 386، وجمهرة اللغة ص345، 1218، والجنى الداني ص498 وجواهر الأدب ص287، وشرح الأشموني 2/ 486، وشرح قطر الندى ص257، ولسان العرب 1/ 448 "زرنب" ومجمل اللغة 3/ 396، ومغني اللبيب 2/ 369، ومقاييس اللغة 3/ 217، وهمع الهوامع 2/ 106.
2 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
3 الصحاح "شنب".
4 في "ب": "للمفعول".
5 خبر فوك: هو قوله: "كأنما ذر عليه الزرنب"، وليس فقط: "كأنما ذر". انظر حاشية يس 2/ 197.
6 الخلاف: الصفصاف، وهو شجر عظام وأصنافه كثيرة. لسان العرب 9/ 97، "خلف".(2/284)
"وقول الآخر"، وهو أبو النجم على ما قاله الجوهري1: [من الرجز]
751-
واها لسلمى واهًا واها ... هي المنى لو أننا نلناها
فـ"واها": اسم فعل بمعنى أعجب، قال الجوهري: إذا تعجبت من طيب شيء قلت: واهًا له، أي: ما أطيبه، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
627-
ما نب عن فعل....... ... ..........................
البيتين2.
__________
1 الصحاح "ووه".
751- الرجز لأبي النجم في ديوانه ص227، ولسان العرب 13/ 563 "ويه"، وتاج العروس 10/ 401 "جرر"، وله أو لرؤبة في الدرر 1/ 32، ولرؤبة في ديوانه ص168.
2 تمام البيتين:
ما ناب عن فعل كشتان وصه ... هو اسم فعل وكذا أوه ومه
وما بمعنى افعل كآمين كثر ... وغيره كوي وهيهات نزر(2/285)
فصل:
"اسم الفعل ضربان:
أحدهما" مرتجل، وهو "ما وضع من أول الأمر كذلك": أي اسما للفعل "كـ: شتان، و: صه, و: وي"؛ فإنها موضوعة من أول أسماء لتلك الأفعال.
"والثاني": منقول، وهو "ما" وضع من أول الأمر لغير اسم الفعل ثم "نقل من غيره إليه، وهو"؛ أي المنقول بالنسبة إلى المنقول عنه؛ "نوعان":
أحدهما: "منقول من ظرف" للمكان، "أو جار ومجرور"، فالمنقول من الجار والمجرور "نحو: عليك" زيدًا، فإنه نقل عن موضوعه الأصلي، واستعمل اسم فعل "بمعنى الزم" زيدًا، "ومنه: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} " [المائدة/ 105] فـ"عليكم": اسم فعل، وفاعله مستتر فيه وجوبًا، و"أنفسكم": مفعول به على حذف مضاف، "أي: الزموا شأن أنفسكم. و" المنقول من ظرف المكان نحو: "دونك زيدًا، بمعنى: خذه، و: مكانك، بمعنى: اثبت1، و: أمامك، بمعنى: تقدم، و: وراءك، بمعنى: تأخر. و" من المنقول من الجار والمجرور: "إليك، بمعنى: تنح"، وكان المناسب أن يذكره مع "عليك" ولكنه ذكر المتعدي من الظرف والجار والمجرور على حدة، والقاصر منهما على حدة، وذكر أربعة ظروف، واحد متعد وهو "دونك" وثلاثة قاصرة وهي "مكانك" و"أمامك" و"وراءك" وهي منقسمة بالنسبة لما أنت فيه، ولما تقدمك، ولما تأخر عنك. وذكر جارين ومجرورين، أحدهما متعد وهو "عليك" والثاني قاصر وهو "إليك". وزعم الكوفيون أن "إليك" تأتي بمعنى "أمسك" فتتعدى بنفسها. قيل: وقد تتعدى "عليك" بالباء كقول الأخطل: [من الكامل]
752-
فعليك بالحجاج لا تعدل به ... أحدًا إذا نزلت عليك أمور
وفيه بحث لاحتمال أن تكون الباء زائدة.
__________
1 في "أ": "انثبت".
752- البيت للأخطل في ديوانه ص195، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص449.(2/286)
وشذ مجيء "علي" اسم فعل مضارع بمعنى "الزم" و"عليه" اسم فعل لـ"يلزم"، والباب كله سماعي عند البصريين، والكسائي يقيس بقية الظروف على ما سمع بشرط الخطاب، نحو: عليك. واختلف في الكاف المتصلة بـ"عليك"1 وأخواته، فقال ابن بابشاذ: حرف خطاب وقال الجمهور: ضمير المخاطب، ثم اختلفوا في موضعها من الإعراب، فقال الكسائي: نصب على المفعولية، وقال الفراء: رفع على المفعولية، وقال البصريون: جر، فقيل: على ما كان قبل إقامته مقام الفعل بناء على أنها أسماء للأفعال, وقيل: الجر بالإضافة بناء على أنها أسماء للمصادر، واختاره الموضح في "الحواشي" فقال إن "علي" مثلا اسم للزوم، تقول: "عليك" بمعنى "إلزامك" فللكاف موضع خفض ورفع. ا. هـ.
واستفدنا من ذلك2 أن اسم الفعل إنما هو الجار فقط والمجرور خارج عنه، وذلك خلال ما صرح به هنا.
"و" النوع الثاني: "منقول من مصدر، وهو نوعان: مصدر استعمل فعله ومصدر أهمل فعله، فا" لنوع "الأول نحو: رويد زيدًا، فإنهم قالوا: أروده إروادا بمعنى أمهله إمهالا، ثم صغروا الإرواد" الذي هو مصدر "أرود" "تصغير الترخيم"، فحذفوا الهمزة والألف الزائدتين، وأوقعوا التصغير على أصوله فقالوا: رويدًا، وسمي تصغير ترخيم لما فيه من حذف الزوائد، والترخيم حذف، "وأقاموه مقام فعله" الدال على الأمر.
"واستعملوه تارة مضافًا إلى مفعوله فقالوا: رويد زيد، وتارة منونًا ناصبًا للمفعول" به "فقالوا: رويدًا زيدًا"، فـ"رويدا" فيهما بمعنى "أرود" وفاعله مستتر فيه وجوبًا، لأنه نائب عن فعل أمر، و"زيدًا" مفعول به مجرور في الأول، منصوب في الثاني. وتارة منونًا غير ناصب للمفعول، فقالوا: رويدًا يا زيد.
وقد لا يقيمونه مقام فعله فيستعملونه منصوبًا حالا عند سيبويه3، نحو: ساروا رويدًا، أي: مرودين، أو حال كون السير رويدًا، أو نعتًا لمصدر مذكور أو مقدر، فالأول، نحو: ساروا سيرًا رويدًا، والثاني نحو: ساروا رويدًا.
__________
1 سقطت من "ب".
2 في "ط": "واستفيدوا منه"، وفي "ب": "واستفد منه".
3 الكتاب 1/ 244.(2/287)
"ثم [إنهم] 1 نقلوه" من المصدرية "وسموا به فعله فقالوا: رويد زيدًا"2 بفتح الدال من "رويد" ونصبها من زيد.
"والدليل على أن" رويدًا "هذا" المفتوح "اسم فعل" لا مصدر "كونه مبنيًا"، ولو كان مصدرًا كان معربًا. "والدليل على بنائه كونه غير منون"، ولو كان معربًا كان منونًا، والدليل على أنه مصغر ضم أوله وفتح ثانيه واجتلاب ياء ثالثة، والدليل على أن تصغير إرواد تصغير ترخيم، كما قال البصريون، مجيئه متعديًا، ولو كان تصغير رود3 بمعنى المهل4 والرفق، مثل5 قولهم: يمشي على رود، أي على مهل، كما قال الفراء6، كان قاصرًا.
"و" النوع "الثاني": المهمل فعله، نحو "قولهم: بله زيدًا" أي: دعه، "فإنه في الأصل مصدر فعل مهمل"، وذلك الفعل المهمل "مرادف لـ: دع"، و"دع" لا مصدر له من لفظه وإنما له مصدر من معناه وهو الترك، "يقال: بله زيد، بالإضافة إلى المفعول كما يقال: ترك زيد" بالإضافة إلى المفعول، وأما ما جاء في الحديث: "من ودعهم الجمعة" 7 فنادر، "ثم قيل" بعد أن نقلوه وسموا به فعله: "بله زيدًا، بنصب المفعول8 وبناء: بله" على الفتح، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا، لأنه نائب عن فعل أمر. و"بله" هذا اسم فعل، والدليل "على أنه اسم فعل" كونه مبنيًا، والدليل على بنائه كونه غير منون، وسكت الموضح عن هذا التعليل لأنه9 لا يتم به التقريب، فإن
__________
1 إضافة من "ب", "ط".
2 من كلام العرب الذي جاء فيه هذا الاستعمال قول مالك بن خالد الهذلي: [من الطويل]
رويد عليًّا جد ما ثدي أمهم ... إلينا ولكن بغضهم متماين
وهو في شرح أبيات سيبويه 1/ 100، وشرح أشعار الهذليين 1/ 447، والكتاب 1/ 243، وشرح الأشموني 2/ 488، وشرح المفصل 4/ 40.
3 في "ب": "ورد".
4 في "ب": "المهمل".
5 في "ب": "من".
6 الارتشاف 3/ 205.
7 الحديث برواية: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات" , وهو في مسند أحمد 1/ 239، والنهاية 5/ 165.
8 بعده في "ب": "به".
9 سقطت من "ب".(2/288)
"بله" المرادفة1 لـ"كيف" تشاركها في البناء وعدم التنوين، يقال: بله زيد، برفع زيد على الابتداء، وبله: خبر مقدم، أي كيف زيد، وبذلك يتم لـ"بله" ثلاثة أوجه: مصدر واسم مرادف لكيف، وقد روي بالأوجه الثلاثة قول الشاعر يصف السيوف: [من الكامل]
753-
تذر الجماجم ضاحيا هاماتها ... بله الأكف كأنها لم تخلق
وقد تأتي لغير ذلك، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
629-
والفعل من أسمائه عليكا ... وهكذا دونك مع إليكا
630-
كذا رويد بله ناصبين ... ويعملان الخفض مصدرين
__________
1 في "ب": "المرداف".
753- تقدم تخريج البيت برقم 394.(2/289)
فصل:
"يعمل اسم الفعل عمل مسماه" في التعدي واللزوم غالبًا، فإن كان مسماه لازمًا كان اسم فعله كذلك، فيقتصر على الفعل، "تقول: هيهات نجد، كما تقول بعدت نجد، قال" جرير: [من الطويل]
754-
فهيهات هيهات العقيق ومن به ... وهيهات خل بالعقيق نواصله
فالعقيق: فاعل هيهات الأول، وخل: فاعل هيهات الثالث، وهيهات الثاني لا فاعل له، لأنه لم يؤت به للإسناد بل لمجرد التقوية، والتوكيد للأول.
"و" إذا كان مسماه ما لا يكتفي بمرفوع واحد كان اسم فعله كذلك، "تقول شتان زيد وعمرو، كما تقول: افترق زيد وعمرو"، لأن الافتراق من المعاني النسبية التي لا تقوم إلا باثنين فصاعدًا. "و" إن كان مسماه متعديًا كان اسم فعله كذلك، تقول: "دراك زيدًا"، بنصب المفعول، "كما تقول: أدرك زيدًا"، بالنصب، وفي بعض النسخ: تراك زيدًا، بالتاء والراء والكاف، وهي أحسن، لأن دراك شاذ، لأنه من أدرك، وتراك مقيس لأنه من ترك، ومن غير الغالب، آمين وإيه، فإنهما لم يحفظ لهما مفعول ومسماهما متعد نحو: رب استجب دعائي وزدني علمًا، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
631-
وما لما تنوب عنه من عمل ... لها...............................
"وقد يكون اسم الفعل مشتركًا بين أفعال سميت به، فيستعمل على أوجه باعتبارها"، فيعمل عملها، فيصل إلى المفعول به بنفسه إذا كان بمعنى فعل متعد، وبحرف1 جر إن كان بمعنى فعل لازم، "قالوا: حيهل الثريد"، بالنصب، "بمعنى: ائت الثريد"، وهو خبز مغموس2 بمرق اللحم.
__________
754- تقدم تخريج البيت 139، 382.
1 في "ب": "وبجر".
2 في "ب", "ط": "مغمور".(2/290)
"و" قالوا: "حيهل على الخير" بـ"على" "أي: أقبل على الخير"، وهو ضد الشر، "وقالوا: إذا ذكر الصالحون فحيهل بعمر"1 فعدوه بالباء، وحذفوا المضاف، "أي: أسرعوا بذكره"، والمراد به عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، كما قال الحريري في المقامة التاسعة، وهو أثر يروى عن ابن مسعود -رضي الله عنه.
ولكن اسم الفعل يخالف مسماه، فإن الفعل يجوز تقديم معموله المنصوب عليه، "ولا يجوز تقديم معمول اسم الفعل عليه" لقصور درجته عن الفعل لكونه فرعه في العمل، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
631-
........................... ... وأخر ما لذي فيه العمل
"خلافًا للكسائي" في إجازته تقديم معموله عليه إلحاقًا للفرع بأصله2، "وأما" ما احتج به وهو قوله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: 24] وقوله": أي الشخص، وهي جارية من بني مازن: [من الرجز]
755-
يا أيها المائح دلوي دونكا ... إني رأيت الناس يحمدونكا
"فمؤولان"، وتأويل الآية أن "كتاب الله" مصدر منصوب بفعل محذوف، وعليكم: متعلق به أو بالعامل المحذوف، والتقدير: كتب الله ذلك كتابًا عليكم، فحذف الفعل وأضيف المصدر إلى فاعليه على حد: {صِبْغَةَ اللَّهِ} [البقرة: 138] ودل على ذلك المحذوف قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] لأن التحريم يستلزم الكتابة. قاله الموضح في شرح القطر3. وتأويل البيت أن "دلوي": مبتدأ، ودونك: خبره، وفيه نظر، لأن المعنى ليس على الخبر المحض حتى يخبر عن الدلو بكونه دونه.
__________
1 الحديث في النهاية 1/ 472، وغريب الحديث لابن الجوزي 1/ 258.
2 انظر الارتشاف 3/ 215، وشرح الكافية الشافية 3/ 1394.
755- الرجز لجارية من بني مازن في الدرر 2/ 340، والمقاصد النحوية 4/ 311، وبلا نسبة في أسرار العربية ص165، والأشباه والنظائر 1/ 344، والإنصاف 1/ 228، وأوضح المسالك 4/ 88، وجمهرة اللغة ص574، وخزانة الأدب 6/ 200، 201، 207، وذيل السمط ص11، وشرح الأشموني 2/ 491، وشرح التسهيل 2/ 137، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص532، وشرح شذور الذهب ص407، وشرح عمدة الحافظ ص739، وشرح الكافية الشافية 3/ 1349، وشرح المفصل 1/ 117، ولسان العرب 2/ 609 "ميح"، ومعجم ما استعجم ص416، ومغني اللبيب 2/ 609، والمقرب 1/ 137، ومقاييس اللغة 5/ 287، وعمدة الحافظ "دون"، وهمع الهوامع 2/ 105.
3 شرح قطر الندى ص258.(2/291)
وجوز ابن مالك أن يكون "دلوي" منصوبًا بـ"دونك" مضمرة مدلولا عليها بـ"دونك" الملفوظة1، مستندًا لقول سيبويه في "زيدًا عليك"2 كأنك قلت: عليك زيدًا. وفيما قاله نظر، لأن اسم الفعل لا يعمل محذوفًا، كما صرح به الموضح في متن القطر3. وأما ما استند إليه من كلام سيبويه فمحمول على تفسير المعنى لا على تفسير الإعراب؟
وجوز بعضهم أن يكون "دلوي" منصوبًا بفعل محذوف دل عليه السياق، أي: تناول دلوي، وسكت عن "دونك". والمائح: من ماح، بالحاء المهملة، [وهو] 4 الذي ينزل5 البئر فيملأ الدلو إذا قل ماؤها.
__________
1 شرح الكافية الشافية 3/ 1349-1395، وفيه أيضًا جواز ابن مالك أن يكون "دلوي": مبتدأ، و"دونك": خبره.
2 الكتاب 1/ 252-253.
3 شرح قطر الندى ص256.
4 إضافة من "ط".
5 في "ب": "يندل".(2/292)
فصل:
"وما نون من هذه الأسماء" النائبة عن الأفعال تنوين تنكير "فهو نكرة وقد التزم ذلك" التنكير "في: واها وويها، كما التزم تنكير نحو: أحد وعريب" بفتح العين المهملة وكسر الراء. "وديار" بفتح الدال وتشديد الياء، كلاهما مرادف لـ"أحد"، وأطلق أحدًا وله استعمالات.
أحدها: مرادف الأول1، وهو المستعمل في العدد، نحو: أحد عشر.
الثاني: مرادف الواحد بمعنى المنفرد، نحو: {هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] .
الثالث: مرادف إنسان، نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] .
الرابع: أن يكون اسما عامًّا في جميع من يعقل، نحو: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد} [الحاقة: 47] وهو المراد هنا، وهذا ملازم للتنكير غالبًا, ومن تعريفه قوله: [من البسيط]
756-
وليس يظلمني في حب غانية ... إلا كعمرو وما عمرو من الأحد
قاله الموضح في الحواشي.
"وما لم ينون منها فهو معرفة، وقد التزم ذلك" التعريف "في نزال" بالنون والزاي، "وتراك" بالتاء والراء "وبابهما"، وهو كل فعل ثلاثي تام متصرف، كما التزم التعريف في المضمرات والإشارات والموصولات المعينة، أما إذا أريد بها غير معين فإنها تستعمل استعمال النكرات فتوصف بالنكرة، نحو: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] . قاله الموضح في باب الاستثناء.
وفي ضمير الغائب أقوال:
__________
1 في "ب": "مرادف للأول".
756- البيت برواية "يطلبني" مكان "يظلمني"، وهو بلا نسبة في تهذيب اللغة 5/ 197، وتاج العروس 9/ 274، "وحد"، ولسان العرب 3/ 451 "وحد".(2/293)
ثالثها: إن رجع إلى واجب التنكير كـ: ربه رجلا، فنكرة، وإن رجع إلى جائز التعريف كـ: جاء فأكرمته، فهو معرفة كالراجع إلى معرفة، والصحيح أنه معرفة مطلقًا.
"وما استعمل بالوجهين"، بالتنوين وتركه، "فعلى معنيين": التعريف والتنكير:"وقد جاء على ذلك صه ومه وإيه، وألفاظ أخر" نحو: أف، فما نون منها فهو نكرة، وما لم ينون فهو معرفة. "كما جاء التعريف والتنكير في نحو: كتاب ورجل وفرس"، فمع التنوين نكرات وبدونه مع "أل" أو الإضافة معارف. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
632-
واحكم بتنكير الذي ينون ... منها وتعريف سواه بين
وذهب بعضهم إلى أن أسماء الأفعال كلها معارف. ما نون منها وما لم ينون، وأنها أعلام أجناس معنوية كـ: سبحان.
قال في البسيط: وهو ظاهر قول ابن خروف، والجميع مبني على الصحيح. وقال الفارسي وابن جني: ما كان منها ظرفًا فحركته إعرابية. نقله الموضح في الحواشي وقال: ينبغي أن لا يقولا به فيما كان مصدرًا نحو: رويد وبله. ا. هـ.(2/294)
باب أسماء الأصوات:
والدليل على اسميتها وجود التنوين في بعضها، وإذا ثبت النوع ثبت الجنس، ويستشكل صدق حد الكلمة عليها، لأنها ليست دالة على معنى مفرد، لأن المخاطب، بها من لا يعقل، فهي بمنزلة النعيق للغنم.
والجواب أن الدلالة كون اللفظ بحيث إذا أطلق فهم منه العالم بالوضع معناه، وهذا كذلك، إذ لم يقل: إن حقيقة الدلالة كون اللفظ1 يخاطب به من يعقل لإفهام معناه، حتى يرد ما ذكر، والنعيق لا أحرف له فلا لفظ فيه. قاله الموضح في حواشيه2 ومن خطه نقلت3.
"وهي نوعان:
أحدهما: ما خوطب به ما لا يعقل مما يشبه اسم الفعل" في الاكتفاء به، ولكن اسم الفعل مركب لتحمله الضمير4، واسم5 الصوت مفرد لعدم تحمله الضمير6، وهذا النوع قسمان: أحدهما أن يكون لدعاء ما لا يعقل، والثاني لزجره.
فالدعاء "كقولهم في دعاء الإبل لتشرب: جئ جئ" بكسر الجيم فيهما مكررين "مهموزين" كالأمر من "جاء" قاله السمين، وفي المحكم أنهما أمر للإبل بورود الماء. ا. هـ.
__________
1بعده في "ط": "بحيث".
2 في "ب": "الحواشي".
3 انظر همع الهوامع 2/ 107.
4 سقط من "ب"، "ط": "لتحمله الضمير".
5 في "ب": "والاسم".
6 سقط من "ب": "لعدم تحمله الضمير".(2/295)
يقال: جأجأت الإبل، إذا دعوتها لتشرب فقلت: جئ جئ. نقله الجوهري عن الأموي1 وأقره. والاسم "الجيء" على مثل البيع3، والأصل: جأ، بهمزتين ساكنة فمتحركة، أبدلت الهمزة الأولى ياء. ويقال في الإبل إذا دعيت للعلف: هأ هأ، والاسم "الهيء". قال أبو عمرو: الهيء: الطعام، والجيء: الشراب، قال: [من الهزج]
757-
وما كان على الجيء ... ولا الهيء امتداحيكا
"و" كقولهم "في دعاء الضأن: حاحا، و" في دعاء "المعز: عاعا" بالحاء المهملة في الأول، وبالعين المهملة في الثاني، حال كونهما "غير مهموزين، والفعل منهما حاحيت وعاعيت". قال سيبويه3: وأبدلوا الألف من الياء لشبهها بها4، لأن قولك: حاحيت، إنما هو صوت بنيت منه فعلا، يعني على فعللت وليست فاعلت. قال: والذي يدلك على أنها ليست فاعلت قولهم في الاسم: الحيحاء والعيعاء، بالفتح فيهما. ا. هـ.
"والمصدر: حيحاء وعيعاء"، بكسر أولهما، وأصلهما: حيحاي وعيعاي، أبدلت الياء همزة لتطرفها إثر ألف زائدة. قال الراجز وقد نطق بالفعل والمصدر جميعًا: [من الرجز]
758-
يا عنز هذا شجر وماء ... عاعيت لو ينفعني العيعاء
"و" الزجر كقولهم "في زجر البغل: عدس" بفتح العين والدال المهملتين وبإهمال السين، "قال" يزيد بن مفرغ الحميري يهجو عباد بن زياد بن أبي سفيان: [من الطويل]
759-
عدس ما لعباد عليك إمارة ... أمنت وهذا تحملين طليق
فـ"عدس": [صوت] 5 يزجر به البغل، وقد يسمى البغل به، والتقدير على التسمية به: يا عدس، فحذف حرف النداء. "وإمارة" بكسر الهمز [ة] 6: أي أمر وحكم.
__________
1 في "ب": "الأبدي".
2 في "ب": "الجميع".
757- البيت لمعاذ الهراء في لسان العرب 1/ 42 "جأجأ"، 53 "جيأ"، 179، "هأهأ"، 189 "هيأ"، وبلا نسبة في شرح المفصل 4/ 83، والصاحبي في فقه اللغة ص71.
3 الكتاب 4/ 314.
4 بعده في "ب": "في".
758- الرجز بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 90، والمقاصد النحوية 4/ 313.
759- تقدم تخريج البيت برقم 111.
5 إضافة من "ط".
6 إضافة من "ب"، "ط".(2/296)
"وقولنا: مما يشبه الفعل، احتراز من نحو قوله"، وهو النابغة الذبياني: [من البسيط]
760-
يا دار مية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأمد
فإن قوله: "يا دار مية"، خطاب لما لا يعقل، ولكنه لم يشبه اسم الفعل لكونه غير مكتفى به، ولذلك احتاج إلى قوله: "أقوت"، وخاطب الدار توجعًا منه لما رأى تغيرها. وذهب الكوفيون إلى أن قوله "يا دار مية" اسم موصول، و"بالعلياء": صلته. والعلياء: ما ارتفع من الأرض، والسند: عطف على العلياء، وسند الجبل: ارتفاعه، حيث يسند فيه، أي: يصعد، والفاء فيه بمعنى الواو، وأقوت، بالقاف، خلت. والسالف: الماضي، والأمد: الدهر. "وقوله"، وهو امرؤ القيس الكندي: [من الطويل]
761-
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فـ"أيها الليل" خطاب لما لا يعقل، ولكنه لم يشبه اسم الفعل لكونه غير مكتفى به، ولهذا احتاج إلى قوله: انجلي.
النوع "الثاني: ما حكي به صوت" مسموع، والمحكي صوته قسمان: حيوان وغيره، فالأول "كـ: غاق". بالغين المعجمة والقاف. "لحكاية صوت الغراب"، و"شيب" لحكاية صوت مشافر الإبل عند الشرب. "و" الثاني نحو: "طاق"، بالطاء المهملة والقاف، حكاية "لصوت الضرب، و: طق"، بفتح الطاء المهملة، حكاية "لصوت وقع الحجارة" بعضها على بعض، "و: قب"، بفتح القاف وسكون الموحدة، حكاية "لصوت وقع السيف على الضريبة"، وهي الدرقة.
"والنوعان" من أسماء الأصوت "مبنيان لشبههما بالحروف المهملة" كلام الابتداء "في أنها لا عاملة ولا معمولة، كما أن أسماء الأفعال بنيت لشبهها بالحروف المهملة"
__________
760- البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص14، والدرر 1/ 156، 2/ 584، وشرح أبيات سيبويه 2/ 54، والصاحبي في فقه اللغة ص215، والكتاب 2/ 321، والمحتسب 1/ 251، والمقاصد النحوية 4/ 315 ولسان العرب 3/ 355 "قصد"، وتهذيب اللغة 8/ 353، 12/ 266، 15/ 668، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 92، ورصف المباني ص452، وشرح الأشموني 2/ 493، ولسان العرب 3/ 223، "سند"، 14/ 141 "جرا"، 15/ 491 "يا"، وهمع الهوامع 1/ 85، 243.
761- البيت لامرئ القيس في ديوانه ص18، والأزهية 271، وخزانة الأدب 2/ 326، 327، وسر صناعة الإعراب 2/ 513، ولسان العرب 11/ 361 "شلل"، والمقاصد النحوية 4/ 317، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 93، وجواهر الأدب 78، ورصف المباني ص79، وشرح الأشموني 2/ 493.(2/297)
كـ: "ليت" "في أنها عاملة غير معمولة؛ وقد مضى ذلك في أول" هذا "الكتاب"1، بخلاف أسماء الأصوات فإنه لم يتقدم لبنائها ذكر فيتعين حمل قول الناظم:
634-
..................................... ... والزم بنا النوعين فهو قد وجب
على نوعي أسماء الأصوات، وهما المذكوران في قوله:
633-
وما به خوطب ما لا يعقل ... من مشبه اسم الفعل صوتا يجعل
634-
كذا الذي أجدى حكاية كقب ... ...................................
وربما أعرب بعض أسماء الأصوات لتركيبه فقط، أو لتركيبه مع نقله عن معناه وجعله اسما للمحكي صوته أو للمصوت له به، فيكون حينئذ مرادفًا لاسم متمكن.
فالأول كقوله: [من الطويل]
726-
........................................... ... كما رعت بالحوب الظماء الصواديا
يروى الحوب، بالوجهين: على الحكاية وعدمها، أي: كما رعت بهذا اللفظ الذي يصوت به. وهو "حوب" بفتح الحاء المهملة، والباء الموحدة، وهو زجر للإبل، وأما "جوت"، بضم الجيم وبالتاء المثناة فوق، المفتوحة، فهو لدعاء الإبل لا لزجرها.
والثاني كقوله: [من الرجز]
762-
إذ لمتي مثل جناح غاق
فهذا بمنزلة قوله: مثال جناح غراب.
والثالث كقوله: [من الكامل]
764-
ووقعت في عدس كأني لم أزل
قال الموضح في حواشيه: وهذان النوعان الأخيران ينبغي أن لا يجوز فيهما إلا الإعراب.
__________
1 انظر ما تقدم في الجزء الأول من هذا الكتاب ص38 وما بعدها.
762- صدر البيت:
دعاهن ردفي فارعوين لصوته
وهو لعويف القوافي في خزانة الأدب 6/ 381، والمقاصد النحوية 4/ 309، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص317، وخزانة الأدب 6/ 388، وشرح ابن الناظم ص438، وشرح المفصل 4/ 75، 82، ولسان العرب 2/ 21 "جوت"، وتاج العروس "4/ 282 "جوت".
763- الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص180، والدرر 2/ 344، وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 281، والاقتضاب ص625، وتاج العروس "غيق"، وتخليص الشواهد ص152، وشرح الأشموني 2/ 494، ولسان العرب 6/ 133 "عدس"، والمخصص 8/ 151، وهمع الهوامع 2/ 107.
764- لم أقف على تمام البيت ولا على مصادره.(2/298)
باب نوني التوكيد الثقيلة والخفيفة
مدخل
...
باب نوني التوكيد الثقيلة والخفيفة:
"لتوكيد الفعل نونان: ثقيلة وخفيفة نحو: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ} " [يوسف: 32] .
وهما أصلان عند البصريين لتخالف بعض أحكامهما، كإبدال الخفيفة ألفًا في نحو: "وليكونا"، وحذفها في نحو: [من الخفيف]
765-
لا تهين الفقير....... ... ...........................
وكلاهما ممتنع في الثقيلة. قاله سيبويه1.
وعورض بأن الفرع قد يختص بما ليس للأصل أحيانًا، وقد قال سيبويه نفسه في "أن" المفتوحة فرع المكسورة، ولها إذا خففت أحكام تختصها2 ومذهب
__________
765- تمام البيت:
لا تهين الفقير علك أن تر ... كع يوما والدهر قد رفعه
وهو للأضبط بن قريع في الأغاني 18/ 68، وأمالي القالي 1/ 107، والحماسة الشجرية 1/ 474، والحماسة البصرية 2/ 3، وخزانة الأدب 11/ 450، 452، والدرر 1/ 281، 2/ 251، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1151، وشرح شواهد الشافية ص160، وشرح شواهد المغني 453، والشعر والشعراء 1/ 390، والمعاني الكبير 495، والمقاصد النحوية 4/ 334، وتاج العروس 21/ 122 "ركع"، وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 221، وأوضح المسالك 4/ 111، وجواهر الأدب ص75، 146، ورصف المباني ص249، 373، 374، وشرح ابن الناظم ص447، وشرح الأشموني 2/ 504، وشرح شافية ابن الحاجب 2/ 32، وشرح ابن عقيل 2/ 318، وشرح المفصل 9/ 43، 44، واللسان 6/ 184، "قنس"، 8/ 133 "ركع"، 13/ 438 "هون"، واللمع 278، ومغني اللبيب 1/ 155، والمقرب 2/ 18، وهمع الهوامع 1/ 134، 2/ 79، وتاج العروس "هون"، وعمدة الحفاظ "ركع".
1 الكتاب 3/ 521.
2 الكتاب 3/ 120.(2/299)
الكوفيين أن الخفيفة فرع الثقيلة1، وذكر الخليل أن التوكيد بالثقيلة أشد من التوكيد بالخفيفة2. ا. هـ. ويدل له: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ} [يوسف: 32] فإن امرأة العزير كانت أشد حرصًا على سجنه من كينونته صاغرًا.
"ويؤكد بهما الأمر مطلقًا" من غير شرط، لأنه مستقبل دائمًا، وسواء في ذلك الأمر بالصيغة نحو: قومن، والأمر باللام نحو: ليقومن زيد، بكسر اللام، والدعاء نحو: [من الرجز]
766-
فأنزلن سكينة علينا
"ولا يؤكد بهما الماضي" لفظًا ومعنى "مطلقًا" لأنهما يخلصان مدخولهما للاستقبال، وذلك ينافي الماضي، وأما قوله -صلى الله عليه وسلم: "فإما أدركن أحد منكم الدجال" وقول الشاعر: [من الكامل]
767-
دامن سعدك إن رحمت متيما ... .....................................
فهذان الفعلان مستقبلان معنى.
"وأما المضارع" المجرد من لام الأمر "فله حالات:
إحدها: أن يكون توكيده بهما واجبًا"، أي لا بد منه، "وذلك إذا كان مثبتًا مستقبلا، جوابًا لقسم، غير مفصول من لامه"، أي لام القسم، "بفاصل نحو: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} " [الأنبياء: 75] فـ"أكيدن": فعل مضارع مثبت مستقبل جواب قسم، وهو: تالله، وليس مفصولا من لام القسم بفاصل.
"ولا يجوز توكيده بهما إذا كان منفيًّا" لفظًا أو تقديرًا، فالأول نحو: والله لا أقوم، والثاني "نحو: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} " [يوسف: 85] فـ"تفتأ" منفي بلا محذوفة. "إذ التقدير: لا تفتأ"، وحذف "لا" في جواب القسم مطرد.
__________
1 انظر الإنصاف 2/ 650، المسألة رقم 94.
2 الكتاب 3/ 509.
766- الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص107، وشرح أبيات سيبويه 2/ 322، والكتاب 3/ 511، وله أو لعامر بن الأكوع في الدرر 2/ 234، وشرح شواهد المغني 1/ 286، 287، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 234، وتخليص الشواهد ص130، وخزانة الأدب 7/ 139، ومغني اللبيب 1/ 98، 269، 317، 2/ 339، 5398، والمقتضب 3/ 13، وهمع الهوامع 2/ 78.
767- عجز البيت:
لولاك لم يك للصبابة جانحا
وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص143، والدرر 2/ 243، وشرح الأشموني 2/ 495، وشرح شواهد المغني 2/ 760، وشرح التسهيل 1/ 14، وشرح المرادي 4/ 91، ومغني اللبيب 2/ 339، والمقاصد النحوية 1/ 120، 4/ 341، وهمع الهوامع 2/ 78.(2/300)
"أو كان" المضارع "حالا كقراءة ابن كثير: "لأقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ"1 [القيامة: 1] ، وقول الشاعر": [من المتقارب]
768-
يمينا لأبغض كل امرئ ... يزخرف قولا ولا يفعل
فـ"أقسم" في الآية و"أبغض" في البيت معناهما الحال لدخول اللام عليهما. وأنما لم يؤكدا بالنون، لكونها تخلص الفعل للاستقبال وذلك ينافي الحال.
"أو كان" المضارع "مفصولا من اللام" بمعموله أو بحرف تنفيس فالأول "مثل" قوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمران: 158] "و" الثاني "نحو: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5] فـ"يعطيك" على جواب القسم وهو: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3] والمعطوف على الجواب جواب.
وقول البيضاوي2 تبعًا للزمخشري3: واللام في: "ولسوف يعطيك" للابتداء، دخلت على الخبر بعد حذف المبتدأ، والتقدير: لأنت سوف يعطيك، لا للقسم، فإنها لا تدخل على المضارع إلا مع النون المؤكدة، مخالف لما عليه الجمهور من أن ذلك مع اتصال اللام بالفعل لا مع انفصاله عنها، فإذا حصل فصل بينهما امتنعت النون وثبتت لام القسم وحدها كقوله: [من الخفيف] .
769-
فوربي لسوف يجزى الذي أسـ ... ـلفه المرء سيئا أو جميلا
أنشده ابن مالك شاهدًا على ذلك.
"و" الحالة "الثانية: أن يكون" توكيده بهما "قريبًا من الواجب، وذلك إذا كان" المضارع "شرطًا لـ: أن" الشرطية "المؤكدة بـ: ما" الزائدة "نحو: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ} [الأنفال: 58] من الأجوف، {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ} [الزخرف/ 41] من السالم، {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} [مريم: 26] من الناقص، "ومن ترك توكيده قوله": [من البسيط]
__________
1 هي قراءة ابن كثير وقنبل والحسن والأعرج والبزي والزهري والقواس. انظر الإتحاف ص428، ومعاني القرآن للفراء 3/ 207، والنشر 2/ 282، وشرح ابن الناظم ص442.
768- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 95، وشرح الأشموني 2/ 496، وشرح التسهيل 3/ 208، والمقاصد النحوية 4/ 338.
2 أنوار التنزيل 4/ 188.
3 الكشاف 4/ 219، وانظر شرح ابن الناظم ص441.
769- البيت بلا نسبة في شرح التسهيل 3/ 208.(2/301)
770-
يا صاح إما تجدني غير ذي جدة ... فما التخلي عن الخلان من شيمي
أراد: يا صاحبي، فحذف المضاف إليه، وهو الياء1؛ وأخر المضاف؛ وهو الباء1؛ معًا، قاله ابن خروف، والمشهور أنه ترخيم صاحب فقط، وترك توكيد2 "تجدني".
فحذف النون "وهو قليل" في النثر، "وقيل: يختص بالضرورة".
الحالة "الثالثة: أن يكون" توكيده بهما "كثيرًا، وذلك إذا وقع المضارع بعد أداة طلب". نهي أو دعاء أو عرض أو تمني أو استفهام.
فالأول "كقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا" عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42] .
"و" الثاني كقول خرنق: [من الكامل]
771-
لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر
فأكدت "يبعد" بالنون الخفيفة بعد حرف الدعاء. والثالث نحو "قول الشاعر" يخاطب امرأة: [من البسيط]
772-
هلا تمنن بوعد غير مخلفة ... كما عهدتك في أيام ذي سلم
فأكد "تمنن" بكسر النون الأولى بعد حرف العرض، وأصله: تمنينن، حذفت نون الرفع مع الخفيفة حملا على حذفها مع الثقلية لتوالي النونات، وحذفت الياء لالتقاء الساكنين. وغير: حال من ياء المخاطبة، ومخلفة، بتاء التأنيث: مضاف إليها، وذي سلم: موضع بالشام.
"و" الرابع نحو "قول الآخر يخاطب امرأة أيضًا": [من الطويل]
773-
فليتك يوم الملتقى ترينني ... لكي تعلمي أني امرؤ بك هائم
فأكد "ترينني" بتشديد النون الأولى على حد: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} [مريم: 26] بعد حرف التمني.
__________
770- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 97، وخزانة الأدب 11/ 431، وشرح ابن الناظم ص441، وشرح الأشموني 2/ 479، والمقاصد النحوية 4/ 339، والدرر 2/ 239.
1 سقطت من "ب"، "ط".
2 في "ط": "تنوين".
771- تقدم تخريج البيت برقم 637.
772- البيت بلا نسبة في الارتشاف 1/ 303، وأوضح المسالك 4/ 99، والدرر 2/ 235، وشرح ابن الناظم ص439، وشرح الأشموني 2/ 495، والمقاصد النحوية 4/ 323، وهمع الهوامع 2/ 78.
773- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 100، والدرر 2/ 235، وشرح ابن الناظم ص440، وشرح الأشموني 2/ 495، والمقاصد النحوية 4/ 323، وهمع الهوامع 2/ 78.(2/302)
"و"الخامس نحو "قوله": [من الكامل]
774-
................................. ... أفبعد كندة تمدحن قبيلا
فأكد "تمدحن" بعد حرف الاستفهام. وكندة، بكسر الكاف وسكون النون: اسم قبيلة في كهلان، وقبيلا: ترخيم قبيلة للضرورة.
الحالة "الرابعة: أن يكون" توكيده بهما "قليلا، وذلك بعد "لا" النافية، أو" بعد "ما؛ الزائدة التي لم تسبق بـ: إن" الشرطية.
فالأول "كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} " [الأنفال: 25] فأكد "تصيبن" بعد "لا" النافية تشبيهًا لها بالناهية صورة، وجملة "لا تصيبن" خبرة في موضع الصفة لـ"فتنة" فتكون الإصابة عامة للظالمين وغيرهم، لا خاصة بالظالمين: لأنها قد وصفت بأنها تصيب الظالمين خاصة فيكف تكون مع هذا خاصة بهم؟. وقيل: "لا" ناهية وأقيم المسبب مقام السبب، والأصل: لا تتعرضوا للفتنة فتصيبكم، ثم عدل عن النهي عن التعرض إلى النهي عن الإصابة، لأن الإصابة مسببة1 عن التعرض، وأسند2 المسبب إلى فاعله، فالإصابة خاصة بالمتعرضين، وعلى هذا لا يكون التوكيد هنا قليلا بل كثيرًا، ولكن وقوع الطلب صفة للنكرة ممتنع فوجب إضمار القول، أي: واتقوا فتنة مقولا فيها ذلك.
"و" الثاني "كقولهم" في المثل نظمًا: [من الطويل]
775-
إذا مات منهم ميت سرق ابنه ... ومن عضة ما ينبتن شكيرها
فأكد "ينبتن" بعد "ما" الزائدة. وهذا مثل يضرب لمن كان أصلا تفرع منه ما يشبهه.
__________
774- صدر البيت:
قالت فطيمة حل شعرك مدحة
وهو لامرئ القيس في ديوانه ص358، ولمقنع في الكتاب 3/ 514، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 101، وجواهر الأدب ص143، وخزانة الأدب 11/ 383، 384، والدرر 2/ 263، وشرح ابن الناظم ص440، وشرح الأشموني 2/ 495، والمقاصد النحوية 4/ 340، وهمع الهوامع 2/ 78.
1 في "أ": "مسبة".
2 في "ب": "واستند".
775- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 103، وخزانة الأدب 4/ 22، 6/ 281، 11/ 221، 403، وشرح ابن الناظم ص442، وشرح الأشموني 2/ 497، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1643، وشرح شواهد المغني 2/ 761، وشرح المفصل 7/ 103، 5/ 9، 42، والكتاب 3/ 715، ولسان العرب 4/ 426، "شكر"، 13/ 516، 518 "عضه"، ومغني اللبيب 2/ 340.(2/303)
والمعنى هنا: إذا مات الأب1 سرق الولد شخص والده، فيصير كأنه هو. قاله العيني2.
واقتصر الموضح في الحواشي على عجزه فقال: هذا مثل لمن أظهر خلاف ما أبطن. والعضة: شجرة، وشكيرها: شوكها، وقيل: صغار رقها، يعني أن كبار الورق إنما تنبت من صغارها، أي: ما ظهر من الصغار يدل على الكبار.
وقولهم: "بألم ما تختنته"3 يقال لمن يفعل فعلا يتألم به ولا بد له منه، وهو خطاب لامرأة في الأصل، والهاء للسكت.
وقولهم: "بجهد ما تبلغن"4 يقال لمن حملته فعلا فأباه5، أي: لا بد لك من فعله بمشقة.
وقولهم: "بعين ما أرينك"6 تقوله لمن يخفي عنك امرًا أنت بصير به، أي أني أراك بعين بصيرة.
"وقوله"، وهو حاتم الطائي: [من الطويل]
776-
قليلا به ما يحمدنك وارث ... إذ نال مما كنتن تجمع مغنما
و"ما" زائدة في الأماكن الخمسة، وهي على معنى النفي، أي: ما يحمدنك، وكذا الباقي، ولا يقاس عليهن، ولا تحذف "ما"7 منهن.
الحالة "الخامسة: أن يكون" التوكيد بهما "أقل، وذلك بعد: لم، وبعد أداة جزاء بغير: إما" الشرطية، فالأول "كقوله" وهو أبو حيان الفقعسي يصف جبلا
__________
1 في "ط": "الابن".
2 شرح الشواهد للعيني 3/ 217.
3 مجمع الأمثال 1/ 107، وفي المستقصى 2/ 204: "احبري بألم تختننه".
4 من شواهد الكتاب 3/ 516، وشرح ابن الناظم ص441.
5 في "ط": "أعياه".
6 مجمع الأمثال 1/ 100، وجمهرة الأمثال 1/ 236، والمستقصى 2/ 11، وهو من شواهد شرح ابن الناظم ص441، والكتاب 3/ 517, وشرح بن عقيل 2/ 309، وشرح المفصل 9/ 5.
776- البيت لحاتم الطائي في ديوانه ص223، والدرر 4/ 244، وشرح المغني 2/ 951، والمقاصد النحوية 4/ 328، ونوادر أبي زيد 110، وبلا نسبة في الارتشاف 1/ 304، وأوضح المسالك 4/ 105، وشرح ابن الناظم ص442، وشرح الأشموني 2/ 497، وشبح المرادي 4/ 97، وهمع الهوامع 2/ 78.
7 في "ط": "ما الشرطية".(2/304)
قد عمه الخصب وحفه النبات: [من الرجز]
777-
يحسبه الجاهل ما لم يعلما ... شيخا على كرسيه معمما
أراد: ما لم يعلمن، بنون التوكيد الخفيفة المبدلة في الوقف ألفًا.
"و" الثاني "كقوله": [من الكامل]
778-
من تثقفن منهم فليس بآيب ... أبدًا وقتل بني قتيبة شافي
فأكد "تثقفن" بنون التوكيد الخفيفة بعد "من" الشرطية. "وتثقفن" بمعنى "تجد" والآيب: الراجع، وبنو قتيبة من باهلة.
وإنما انقسمت هذه الحالات إلى خمسة: واجب وأكثر وكثير وقليل وأقل، لأن آخرها مشبه بما قبله، وما قبله مشبه بما قبله، وهكذا إلى الأول، وذلك أن التوكيد بالنونين إنما يؤتى به لمسيس الحاجة إليه.
أما في الحالة الأولى، وهي المشار إليها في الناظم بقوله:
637-
أو مثبتا في قسم مستقبلا ... ....................................
فلأن القسم إنما يؤتى به للتحقيق فهو أشد احتياجًا إلى التوكيد.
وأما الحالة الثانية، وهي المشار إليها في النظم بقوله:
636-
.................................. ... ............. أو شرطًا اما تاليا
__________
777- الرجز للعجاج في ملحق ديوانه 2/ 331، وله أو لأبي حيان الفقعسي أو لمساور العبسي أو للدبيري أو لعبد بني عبس في خزانة الأدب 11/ 409، 411، وشرح شواهد المغني 2/ 973، والمقاصد النحوية 4/ 80، ولمساور العبسي أو للعجاج في الدرر 2/ 240، ولأبي حيان الفقعسي في المقاصد النحوية 4/ 329، وللدبيري في شرح أبيات سيبويه 2/ 266، وبلا نسبة في الاقتضاب ص520، 711، والإنصاف 1/ 409، وأوضح المسالك 4/ 106، وخزانة الأدب 8/ 388، 451، ورصف المباني ص229، 335، وسر صناعة الإعراب 2/ 679، وشرح ابن الناظم ص443، وشرح الأشموني 2/ 498، وشرح ابن عقيل 2/ 310، وشرح المفصل 9/ 42، والكتاب 3/ 516، ولسان العرب 3/ 32 "شيخ" 14/ 229 "خشي" 15/ 99 "عمي"، 428 "الألف اللينة"، ومجالس ثعلب ص620، ونوادر أبي زيد ص132، وهمع الهوامع 2/ 78، وتهذيب اللغة 15/ 664، وتاج العروس "خشي"، "عمي".
778- البيت لبنت مرة بن عاهان في خزانة الأدب 11/ 387، 399، والدرر 2/ 244، ولبنت أبي الحصين في شرح أبيات سيبويه 2/ 262، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 107، وشرح ابن الناظم ص443، وشرح الأشموني 2/ 500، وشرح ابن عقيل 2/ 311، وشرح المرادي 4/ 105، والكتاب 3/ 516، والمقتضب 3/ 14، والمقاصد النحوية 4/ 330، والمقرب 2/ 74، وهمع الهوامع 2/ 79.(2/305)
فلأن "إن" الشرطية لما أكدت بـ"ما" الزائدة أشبهت القسم في تأكيده باللام.
وأما الحالة الثالثة، وهي المشار إليها في النظم بقوله:
636-
يؤكدان افعل ويفعل آتيا ... ذا طلب....................
فلأن ما بعد أداة الطلب أشبه ما بعد "إن" في استدعاء الجواب.
وأما الحالة الرابعة، وهي المشار إليها في0 النظم بقوله:
637-
........................... ... وقل بعد ما ولم وبعد لا
فلأن "لا" النافية أشبهت "لا" الناهية صورة، وأما الزائدة فأشبهت "ما" النافية كذلك.
وأما الحالة الخامسة وهي المشار إليها في النظم بقوله:
638-
وغير إما من طوالب الجزا ... .................................
فلأن1 "لم" للنفي، والنفي أشبه النهي معنى2، وغير "إن" من أدوات الشرط أشبهت "لم" في الجزم، ولا يؤكد بهما في غير ذلك إلا ضرورة كقوله: [من المديد]
779-
ربما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شمالات
والذي سهل ذلك أن "ربما" للقلة، والقلة تناسب النفي والعدم، والنفي شبيه بالنهي. كذا علل التفتازاني3.
__________
1 في "ط": "فلا إن".
2 في "ب": "معا".
779- البيت لجذيمة الأبرش في الأزهية ص94، 265، والأغاني 15/ 257، وخزانة الأدب 11/ 404، والدرر 2/ 101، وشرح أبيات سيبويه 2/ 281، وشرح شواهد الإيضاح ص219، وشرح شواهد المغني ص393، والكتاب 3/ 518، ولسان العرب 3/ 32 "شيخ"، 11/ 366 "شمل"، والمقاصد النحوية 3/ 344، 4/ 328، وبلا نسبة في الارتشاف 1/ 306، وأوضح المسالك 3/ 70، والدرر 2/ 243، ورصف المباني ص335، وشرح ابن الناظم ص442، وشرح الأشموني 2/ 299، وشرح المفصل 9/ 40، وكتاب اللامات ص111، ومغني اللبيب ص135، 137, 309، والمقتضب 3/ 15، والمقرب 2/ 74، وهمع الهوامع 2/ 38، 78.
3 شرح التفتازاني ص16.(2/306)
وقد يؤكدان جواب الشرط كقوله: [من الطويل]
780-
................................... ... ومهما تشأ منه فزارة تمنعا
أي: "تمنعن" وهو قليل في الشعر. نص عليه سيبويه وقال1: "شبهوه بالنهي حيث كان مجزومًا غير واجب".
__________
780- صدر البيت: "فمهما تشأ منه فزارة تعطكم"، وقد نسبه سيبويه في الكتاب 3/ 515 إلى عوف بن الخرع، وهو للكميت بن معروف في ديوانه ص195، وحماسة البحتري ص15، والدرر 2/ 245، وشرح أبيات سيبويه 2/ 272، وللكميت بن ثعلبة في خزانة الأدب 11/ 387، 390، ولسان العرب 8/ 273 "قزع"، وللكميت بن معروف أو للكميت بن ثعلبة في المقاصد النحوية 4/ 330، وبلا نسبة في خزانة الأدب 7/ 509، 510، وشرح الأشموني 2/ 500، وهمع الهوامع 2/ 79.
1 الكتاب 3/ 515.(2/307)
فصل:
"في حكم آخر" الفعل "المؤكد" بالنونين:
"اعلم أن هنا أصلين يستثنى من كل منهما مسألة" واحدة "الأصل الأول، أن آخر" الفعل1 "المؤكد يفتح" كما أشار الناظم بقوله:
638-
.............................. ... وآخر المؤكد افتح..........
"تقول" في المضارع: "لتضربن" زيدًا، "و" في الأمر: "اضربن" يا زيد.
واختلف في هذه الفتحة فقال ابن السراج والمبرد والفارسي: بناء للتركيب، وقال سيبويه والسيرافي والزجاجي: عارضة للساكنين1، وهما: آخر الفعل والنون الأولى.
"ويستنثى من ذلك" الأصل الأول "أن يكون" المضارع "مسندًا إلى ضمير" بالتنوين، "ذي لين"، ألف أو واو أو ياء، "فإنه يحرك حينئذ بحركة تجانس ذلك اللين" من فتحة أو ضمة أو كسرة "كما نشرحه" قريبًا, وإليه أشار الناظم بقوله:
639-
واشكله قبل مضمر لين بما ... جانس من تحرك قد علما
"والأصل الثاني: أن ذلك" الضمير "اللين يجب حذفه إن كان واوا أو ياء" وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
640-
والمضمر احذفنه إلا الألف ... .................................
"تقول اضربن يا قوم، بضم الباء، واضربن يا هند، بكسرها، والأصل: اضربون واضربين"، بتشديد النون فيهما، فالتقى ساكنان: الواو والنون المدغمة في الأول، والياء والنون المدغمة في الثاني. "ثم حذفت الواو" في الأول "والياء" في الثاني "لالقتاء الساكنين".
__________
1 سقطت من "ب".(2/308)
أما على قول من اشترط في حد التقاء الساكنين أو يكون حرف اللين والمدغم في كلمة واحدة فواضح، لأنه هنا في كلمتين فليس التقاء الساكنين على حده، وأما من لم يشترط ذلك فلأن الكلمة لما ثقلت واستطالت، وكانت الضمة والكسرة تدلان على الواو والياء حذفتا، هذا مع الثقيلة، وأما مع الخفيفة فالتقاء الساكنين على حده اتفاقًا.
"ويستثنى من ذلك" الأصل الثاني "أن يكون آخر الفعل" المضارع "ألفًا، كـ: يخشى، فإنك تحذف" آخر الفعل، وهو الألف، وتثبت الواو مضمومة، والياء مكسورة لدفع التقاء الساكنين، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
642-
واحذفه من رافع هاتين وفي ... واو ويا شكل مجانس قفي
"فتقول: يا قوم اخشون" بضم الواو "ويا هند اخشين" [بكسر الياء] 1 والأصل: اخشيون واخشيين2، حذفت الضمة والكسرة لاستثقالهما على حرف العلة، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، وهما الياء والواو في الأول والياءان في الثاني. وإن شئت قلت: تحركت الياء فيهما وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا. فحذفت الألف لالتقاء الساكنين وبقي التقاء الساكنين بين الواو والنون المدغمة في الأول وبين الياء والنون المدغمة في الثاني، فلم يجز حذف الواو والياء لعدم ما يدل عليهما، فحركت الواو بما يناسبها وهو الضم، وحركت الياء بما يناسبها وهو الكسر، تخلصًا من التقاء الساكنين.
"فإذا أسند هذا الفعل" الذي آخره ألف "إلى غير الواو والياء"، وهو الاسم الظاهر والضمير المستتر والألف والنون، "لم تحذف آخره"، وهو الألف، "بل تقلبه ياء"، وإلأى ذلك أشار الناظم بقوله:
640-
............................... ... وإن يكن في آخر الفعل ألف
641-
فاجعله منه رافعًا غير اليا ... والواو ياء كاسعين سعيا
"فتقول" إذا أسندته إلى الظاهر: "ليخشين زيد، و" إلى الضمير المستتر: "لتخشين يا زيد, و" إلى الألف: "لتخشيان يا زيدان، و" إلى النون: "لتخشينان يا هندات".
__________
1 إضافة من "ط".
2 في "أ"، "ب": "اخشون واخشين".(2/309)
فصل:
"تنفرد النون الخفيفة بأربعة أحكام:
أحدها: أنها لا تقع بعد الألف، نحو: قوما واقعدا"، فلا يقال: قومان واقعدان، بسكون النون، "لئلا يلتقي ساكنان" على غير حدهما1، "و" نقل "عن يونس والكوفيين إجازته"2، وحجتهم؛ كما قال الخضراوي؛ أنه قد يلتقي ساكنان في الوصل: نحو: {مَحْيَايَ وَمَمَاتِي} [الأنعام: 162] ، ونحو: {أَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6] ونحو: {هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 32] و"التقت حلقتا البطان"3، ونحو: لام، راء، وكاف هاء، وعين ضاد.
"ثم صرح الفارسي في" كتابه "الحجة: بأن يونس يبقي النون ساكنة4، ونظير ذلك قراءة نافع: ومحياي" بسكون الياء وصلا5. "وذكر الناظم" في شرح التسهيل عن يونس "أنه يكسر" النون6، "وحمل على ذلك" الكسر "قراءة بعضهم7: {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} [الفرقان: 36] على أنه أمر للاثنين، والنون المكسورة نون توكيد خفيفة.
"وجوز" الناظم "في قراءة ابن ذكوان: "وَلَا تَتَّبِعَانِ" [يونس: 89] بتخفيف
__________
في "ط": "غيرها".
2 انظر الإنصاف 2/ 650، المسألة رقم 94، وشرح ابن الناظم ص446، والكتاب 3/ 527.
3 مجمع الأمثال 2/ 186، وجمهرة الأمثال 1/ 188، والمستقصى 1/ 306، وكتاب الأمثال لابن سلام ص343.
4 الحجة 3/ 441.
5 وكذلك قرأها أبو جعفر، وانظر الإتحاف ص221.
6 شرح ابن الناظم ص446، ولم يرد هذ القول في شرح التسهيل، بل في شرح الكافية الشافية 3/ 1417.
7 هي قراءة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه. انظر مختصر ابن خالويه ص105.(2/310)
النون" مكسورة بناء على كون الواو للعطف و"لا" للنهي1. قال الشارح2: ويجوز أن تكون الواو للحال و"لا" للنفي، والنون علامة الرفع.
"وأما الشديدة فتقع بعدها"، أي الألف، "اتفاقًا" من البصريين والكوفيين، "ويجب كسرها". وإلى امتناع الخفيفة بعد الألف وجواز الثقيلة بعدها أشار الناظم بقوله:
644-
ولم تقع خفيفة بعد الألف ... لكن شديدة وكسرها ألف
"كقراءة باقي السبعة: {وَلَا تَتَّبِعَانِّ} [يونس: 89] بتشديد النون3. وإنما كسرت وكان أصلها الفتح، لأنها هنا زائدة بعد ألف زائدة، فأشبهت نون الاثنين في نحو: غلامان، وفتحت في غير ذلك، لأنها حرفان، الأول منهما ساكن، فتحت كما فتحت نون "أين". هذا تعليل سيبويه4.
الحكم "الثاني" من أحكام الخفيفة: "أنها لا تؤكد الفعل المسند إلى نون الإناث، وذلك لأن الفعل المذكور يجب أن يؤتى بعده بألف فاصلة بين النونين". وهما نون الإناث التوكيد، "قصدًا للتخفيف"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
645-
وألفا زد قبلها مؤكدا ... فعلا إلى نون الإناث أسندا
"فيقال: اضربنان" يا نسوة، "وقد مضى" قريبًا "إن الخفيفة لا تقع بعد الألف".
وعدل في التعليل عن تعليل تصريف العزي للفصل بين النونات5، يعني الثلاثة: نون جماعة الإناث، والمدغمة والمدغم فيها، ليرتب عليه قوله: "ومن أجاز ذلك" وهو يونس والكوفيون فيما تقدم، "أجازه هنا بشرط كسر النون" فرارًا من التقاء الساكنين على غير حدة، إذ ليس هنا ثلاث نونات.
__________
1 انظر شرح الكافية الشافية 3/ 1418، والإتحاف ص253.
2 شرح ابن الناظم ص446، والإنصاف 2/ 667.
3 انظر الإتحاق ص253.
4 الكتاب 3/ 527، وانظر شرح ابن الناظم ص446.
5 تصريف العزي ص17.(2/311)
واعترض بأن تحريكها يخرجها عن وضعها فالوجه منعها بعد الألف "وأشار ابن الحاجب إلى جوابه بأن الثقيلة هي الأصل، والخفيفة فرعها، وأدخلت الألف مع الثقيلة فتلزم مع الخفيفة وإن لم تجتمع النونات، لئلا يلزم للفرع مزية على الأصل".
واعترضه التفتازاني بأن أصالة الثقيلة إنما هي عند الكوفيين1، مع أن الفرع لا يجب أن يجري على الأصل في جميع الأحكام. ا. هـ.
ولك أن تقول نصرة لابن الحاجب: المجيز لوقوع الخفيفة بعد الألف هو يونس والكوفيون، وهم القائلون بأصالة الشديدة وفرعية الخفيفة.
قال الشاطبي: والحجة لهم فيما ذهبوا إليه، أن الخفيفة مخففة من الثقيلة، وقد أجمع الجميع على أن الثقيلة تدخل هنا بعد الألف، فكذا الخفيفة. ا. هـ. فهذا فرع جار على أصلهم.
الحكم "الثالث" من أحكام الخفيفة: "أنها تحذف قبل الساكن"، وإلى ذلك يشير الناظم:
646-
واحذف خفيفة لساكن ردف ... ...................................
"كقوله"، وهو الأضبط بن قريع، وهو جاهلي قديم قبل الإسلام بنحو خمسمائة سنة: [من الخفيف]
781-
لا تهين الفقير علك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه
فحذف نون التوكيد الخفيفة لالتقاء الساكنين، وأبقى الفتحة دليلا عليها، "وأصله: لا تهينن"، من الإهانة، وكنى بالركوع عن انحطاط الحال.
الحكم "الرابع" من أحكام الخفيفة: "أنها تعطى في الوقف حكم التنوين، فإن وقعت بعد فتحة قلبت ألفًا"، وإلى ذلك يشير قول الناظم:
648-
وأبدلنها بعد فتح ألفا ... وقفًا.....................
"كقوله تعالى: "لَنَسْفَعًا" [العلق: 15] "وَلِيَكُونًا" [يوسف: 32] ، وقول الشاعر"، وهو الأعشى ميمون: [من الطويل]
__________
1 شرح التفتازاني ص17.
781- تقدم تخريج البيت برقم 765.(2/312)
782-
وإياك والميتات لا تقربنها ... ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
والأصل فيهن: لنسفعن وليكونن واعبدن. بالنون الخفيفة، فأبدلت في الوقف ألفًا بعد فتحة، كما أن تنوين المنصوب يبدل في الوقف ألفًا، نحو: رأيت زيدًا، ومن ثم كتب بالألف، كما كتب: رأيت زيدًا، بالألف.
وقياس: من قال: رأيت زيدْ، بحذف الألف على لغة ربيعة، أن يقول في الوقف على "اضربَنْ": اضرب: بالسكون.
"وإن وقعت بعد ضمة أو كسرة حذفت، ويجب حينئذ أن يرد ما حذف في الوصل" من واو أو ياء "لأجلها"، وإلى ذلك يشير قول الناظم:
646-
............................ ... وبعد غير فتحة إذا تقف
647-
واردد إذا حذفتها في الوقف ما ... من أجلها في الوصل كان عدما
"تقول في الوصل: اضربن يا قوم، اضربن يا هند"، بضم الباء في الأول، وكسرها في الثاني، "والأصل: اضربون واضربين" بسكون النون فيهما، فحذفت الواو والياء لالتقاء الساكنين. "كما مر" في الفصل قبله، "فإذا وقفت حذفت النون لشببهها بالتنوين" الواقع بعد ضمة أو كسرة "في نحو: جاء زيد، ومررت بزيد" في اللغة الفصحى "ثم ترجع بالواو والياء لزوال التقاء الساكنين" بحذف النون، "فتقول: اضربوا واضربي".
وفي شرح الخضراوي: وذكر سيبويه أن الخليل قال1: وقياس من قال: جاءني زيدو، مررت بزيدي، بالإشباع على لغة أزد شنوءة أن يقول هنا: هل تضربوا، وهل تضربي, فتبدل من النون واوًا وياء، ثم تحذف مع المبدل منه، ولا ترد نون الإعراب.
__________
782- البيت ملفق من بيتين في ديوانه ص187، وهما:
فإياك والميتات لا تأكلنها ... ولا تأخذن سهمًا حديدًا لتفصدا
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه ... ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا
والبيت الشاهد للأعشى في الأزهية ص275، وتذكر النحاة ص72، والدرر 2/ 234، وسر صناعة الإعراب 2/ 687، وشرح أبيات سيبويه 2/ 244، 245، وشرح شواهد المغني 2/ 577، 793، والكتاب 3/ 510، ولسان العرب 1/ 759، "نصب"، 2/ 473 "سبح"، 13/ 429 "نون"، واللمع ص273، والمقاصد النحوية 4/ 340، والمقتضب 3/ 12، وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 657، وأوضح المسالك 4/ 113، وجمهرة اللغة ص857، وجواهر الأدب ص57، 108، ورصف المباني ص32، 334، وشرح الأشموني 2/ 505، وشرح قطر الندى ص149، وشرح المفصل 9/ 39، ومغني اللبيب ص372، والممتع في التصريف 1/ 40، وهمع الهوامع 2/ 78.
1 الكتاب 3/ 522.(2/313)
وتقول في المعتل على هذا للرجال: اخشووا، وللمرأة: اخشيي، كما تقول مع النون: لا تخشون ولا تخشين، ثم يستثقل واوان، أولاهما مضمومة فتحذف الضمة، ثم تحذف واو الجماعة للساكنين، ويبقى بدل النون، وكذا العمل في الياء المكسورة. ويجهل التوكيد.
وإذا قلت: هل تخشون يا قوم، وهل تخشين يا هند، ثم أبدلت، ثم حذفت الضمة والكسرة، ثم الواو والياء لم يجهل التوكيد لعدم نون الرفع. هذا حاصل ما ذكره الموضح في حواشيه عن الخليل ويونس.
قال الخضراوي: وإذا وقفت على اضربان واضربنان، عند من جوزهما، أبدلت النون ألفًا، فيلتقي ألفان، فتبدل الثانية همزة، كما في حمراء، فتقف على همزة ساكنة، كذا حكى سيبويه عنهم، ونصه1 "ويقولون في الوقف: اضربا واضربنا، فيمدون، وهو قياس قولهم: لأنها تصير ألفًا، فإذا اجتمعت ألفان مد الحرف".
__________
1 الكتاب 3/ 527.(2/314)
باب ما لا ينصرف
مدخل
...
باب ما لا ينصرف:
واختلف في اشتقاقه، هل هو من الصرف، وهو الخالص من اللبن. والمنصرف خالص من شبه الفعل؟ أو من الصريف، وهو الصوت لأن الصرف؛ وهو التنوين؛ صوت في الآخر؟ أو من الانصراف. وهو الرجوع؟ 1
فكأن الاسم ضربان: ضرب أقبل على شبه الفعل فمنع مما منع2 منه, وضرب انصرف عنه. أو من الانصراف إلى جهات الحركات؟ [أو من الصرف الذي هو القلب؟] 3 أقوال.
"الاسم إن أشبه الحرف" في الوضع, أو المعنى, أو الاستعمال، "بني؛ كما مر" في بحث المعرب والمبني؛ "وسمي غير متمكن" لعدم تمكنه في باب الاسمية، "وإلا" يشبه الحرف "أعرب، ثم المعرب إن أشبه الفعل" في فرعيتين من تسع: إحداهما: من جهة اللفظ، والثانية: من جهة المعنى. أو في واحدة تقوم مقامهما. وذلك لأن في الفعل فرعية على الاسم في اللفظ، وهي اشتقاقه من المصدر، وفرعية في المعنى، وهي احتياجه إلى الاسم في الإسناد، "منع الصرف؛ كما سيأتي" بيانه؛ "وسمي غير أمكن" لعدم أمكنيته.
__________
1 انظر شرح ابن الناظم ص450، وشرح الكافية الشافية 3/ 1434.
2 في "ب": "يمتنع"، وفي "ط": "يمنع".
3 سقط ما بين المعكوفين من "ب".(2/315)
"وإلا" يشبه الفعل، "صرف وسمي أمكن" لتمكنه في باب الاسمية. وأمكن اسم تفضيل. وبناؤه من مكن مكانة إذا بلغ الغاية في التمكن. لا من تمكن خلافًا لأبي حيان ومن قلده، لأن بناء اسم التفضيل من غير الثلاثي المجرد شاذ، وقد أمكن غيره فلا حاجة إلى ارتكابه.
"والصرف: هو التنوين الدال على معنى يكون الاسم به أمكن". وإليه أشار الناظم بقوله:
649-
الصرف تنوين أتى مبينا ... معنى به يكون الاسم أمكنا
"وذلك المعنى" المدلول عليه بهذا التنوين "هو عدم مشابهته"؛ أي الاسم؛ "للفعل والحرف، كـ: زيد" من المعارف "و: فرس" من النكرات.
"وقد علم من هذا" التقرير "أن غير المنصرف هو" الاسم المعرب "الفاقد لهذا التنوين" المذكور، فيدخل في ذلك نحو: جوار، وأعيم تصغير أعمى.
"ويستثنى من ذلك نحو: مسلمات" مما جمع بألف وتاء مزيدتين، "فإنه منصرف مع أنه فاقد له، إذ تنوينه لمقابلة نون جمع المذكر السالم".
وجزام ابن مالك في شرح الكافية1 "بأن الصرف عبارة عن التنوينات الأربعة الخاصة بالاسم، وذكر أنه لأجل ذلك عدل عن تعريف الاسم بالتنوين إلى تعريفه بالصرف". [انتهى] 2.
وقال ابن معزوز، واضع كتاب أغلاط الزمخشري: "ما عدا تنوين القوافي يسمى صرفًا وتمكينًا، وإن من خالف ذلك لم يفهم كلام سيبويه" انتهى.
وحيث منع التنوين، منع الجر تبعًا له عند الجمهور، وذهب الزجاج، والرماني إلى أن العلتين اقتضتا منعهما معًا3. والعلل المانعة من الصرف تسع، جمعها ابن النحاس في بيت واحد فقال4: [من البسيط]
اجمع وزن عادلًا أنث بمعرفة ... ركب وزد عجمة فالوصف قد كملا
"ثم الاسم الذي لا ينصرف نوعان:
أحدهما: ما يمتنع حرفه لعلة واحدة، وهو شيئان:
__________
1 شرح الكافية الشافية 3/ 143.
2 إضافة من "ط".
3 انظر ما ينصرف وما لا ينصرف ص1-2.
4 البيت في شرح شذور الذهب ص450، وشرح قطر الندى ص238.(2/316)
أحدهما: ألف التأنيث مطلقًا، أي مقصورة كانت أو ممدودة". وإليه الإشارة بقول الناظم1:
650-
فألف التأنيث مطلقًا منع ... صرف الذي حواه كيفما وقع
لأن وجود ألف التأنيث في الكلمة2 علة، ولزومها بمنزلة تأنيث ثان، فهو بمنزلة علة ثانية، وهو الذي عبر عنه الزمخشري في مفصله3 بتكرير السبب الواحد.
"ويمتنع صرف مصحوبها كيفما وقع، أي سواء وقع نكرة كـ: ذكرى" بالقصر: مصدر ذكر, "وصحراء", بالمد. "أم معرفة كـ: رضوى"؛ بفتح الراء والقصر: اسم جبل بالمدينة، "وزكرياء" بالمد: علم نبي. "أم مفردًا، كما تقدم" تمثيله.
"أم جمعًا كـ: جرحى"، بالقصر: جمع جريح، "وأصدقاء" بالمد: جمع صديق. "أم اسمًا، كما تقدم" تمثيله. "أم صفة كـ: حبلى"؛ بالقصر، "وحمراء" بالمد، وأصلها عند سيبويه4: حمرى؛ بالقصر؛ بوزن سكرى، فلما قصدوا المد زادوا قبل ألفها5 ألفًا أخرى، والجمع بينهما محال، وحذف أحدهما يناقض الغرض المطلوب، لأنهم لو حذفوا الألف الأولى لفات المد، ولو حذفوا الثانية لفاتت الدلالة على التأنيث. وقلب الأولى أيضًا مخل بالمد المطلوب، فلم يبق إلا قلب الثانية همزة.
وذهب بعضهم إلى أن الألف الأولى للتأنيث، والثانية مزيدة للفرق بين مؤنث أفعل ومؤنث فعلان. وضعف بأنه يفضي إلى وقوع علامة التأنيث حشوًا، وذهب بعضهم إلى أن الألفين معًا للتأنيث. ورد بعدم النظير إذ ليس لنا علامة تأنيث على حرفين.
"و" الشيء "الثاني: الجمع الموازن لـ: مفَاعِل أو مَفَاعِيلَ":
في كون أوله حرفًا مفتوحًا وثالثه ألفًا، غير عوض، يليها كسر6 أصلي ملفوظ به، أو مقدر على أول حرفين بعد الألف، ولا فرق في الحرف الأول من الكلمة بين الميم وغيرها "كـ: دراهم" ومساجد؛ بكسر ما بعد الألف لفظًا؛ ودواب، ومدارى بكسر ما بعد الألف تقديرًا، إذ أصلهما: دوايب ومداري، بالكسر فيهما.
__________
1 في "أ": "النظم".
2 في "أ"، "ب": "الجملة".
3 المفصل ص16-17.
4 الكتاب 4/ 240.
5 سقط من "ب": "قبل ألفها".
6 سقطت من "ب".(2/317)
أو ثلاثة أوسطها ساكن، غير منوي به وبما بعده الانفصال، كـ: مصابيح، "ودنانير" فإن الجمع متى كان بهذه الصفة، كان فيه فرعية اللفظ، بخروجه عن صيغ الآحاد العربية، وفرعية المعنى بالدلالة على الجمعية، فاستحق المنع من الصرف، والدليل على أن هذا الجمع خارج عن صيغ الآحاد العربية. أنك لا تجد مفردًا ثالثه ألف بعدها حرفان أو ثلاثة إلا وأوله مضموم كـ: عذافر، بالعين المهملة، والذال المعجمة، [والفاء] 1 والراء: الجمل الشديد.
أو الألف عوض من إحدى ياءي النسب تحقيقًا، كـ: يمان وشآم، وأصلهما: يمني وشأمي. أو تقديرًا، كـ: تهام، فإن الألف في تهامة موجودة قبل النسب فهي كالعوض، فكأنه نسب إلى فعل. مثل: شأم، بسكون العين، أو فعل، كـ: يمن، بفتح العين.
أو ما يلي الألف ساكن، كـ: عبال، بفتح العين المهملة، والباء الموحدة، وتشديد اللام، جمع: عبالة، وهي: الثقل يقال: ألقى عليه2 عبالته، أي ثقله. أو مفتوح، كـ: براكاء، بفتح الموحدة، والراء، وهو3 الثبات في الحرب، أو مضموم، كـ: تدارك، مصدر: تدراك. أو عارض الكسر لأجل اعتلال الآخر، كـ: توان وتدان، وأصلهما، تواني وتداني، بضم النون فيهما، قلبت الضمة كسرة، وأعلا إعلا قاض.
أو ثاني الثلاثة محرك، كـ: طواعية وكراهية مصدرين4.
أو الثاني والثالث عارضان للنسب، منوي بهما الانفصال، [وضابطه ألا يسبقا الألف في الوجود، سواء أكانا مسبوقين بها] 5، كـ: ظفاري ووباري، نسبة إلى: ضفار ووبار، قبيلتين، أو غير منفكين من الألف، كـ: قواري، وهو الناصر وحوالي: وهو المحتال.
بخلاف نحو: قماري وكراسي، فإن الياءين فيهما موجودتان في المفرد، وهو: قمري وكرسي، فليست الياءان عارضتين في الجمع، فقماري6 ونحوه بمنزلة: مصابيح.
__________
1 إضافة من "ب"، "ط".
2 سقطت من "ب".
3 في "ب"، "ط"، "وهي".
4 انظر شرح ابن الناظم ص458.
5 إضافة من "ب"، "ط".
6 في "ب": "في قماري".(2/318)
وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
658-
وكن لجمع مشبه مفاعلا ... أو المفاعيل بمنع كافلا
"وإذا كان مفاعل" معتلا "منقوصًا فقد تبدل كسرته فتحة، فتقلب ياؤه ألفًا" لتحركها وانفتاح ما قبلها ويجري مجرى الصحيح. "فلا ينون" بحال اتفاقًا، ويقدر إعرابه في الألف، "كـ: عذارى" جمع عذراء؛ بالمد؛ وهي البكر. "ومدارى" جمه مدرى، بكسر الميم والقصر: وهو مثل الشوكة تحك1 به المرأة رأسها. وهذا الاسعمال غير غالب، "والغالب أن تبقى كسرته" وياؤه على حالهما. "فإذا خلا من "أل" ومن الإضافة أجري في" حالتي "الرفع والجر مجرى: قاض وسار" ونحوهما من المنقوص المنصرف "في حذفه يائه وثبوت تنوينه، نحو": هؤلاء جوار، ومررت بجوار. قال الله تعالى: {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف: 41] ، {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ} [الفجر: 1, 2] فـ"غواش": مرفوع على الابتداء، و"ليال": مجرور بالعطف على الفجر، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
659-
وذا اعتلال منه كالجواري ... رفعا وجرًا أجره كساري
"و" أجري "في" حالة "النصب مجرى: دراهم، في سلامة آخره، وظهور فتحته" من غير تنوين، "نحو": رأيت جواري. قال الله تعالى: " {سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ} " [سبأ: 18] .
وسبب2 ذلك أن في آخر نحو: جوار مزيد ثقل، لكونه ياء في آخر اسم لا ينصرف. فإذا خلا ما هي فيه من الألف واللام والإضافة، تطرق إليها التغيير، وأمكن فيه التخفيف بالحذف مع التعويض فخفف3 بحذف الياء، وعوض عنها بالتنوين لئلا يكون في اللفظ إخلال بصيغة الجمع [وقدر إعرابه رفعًا وجرًا، واستثقالا للضمة والفتحة النائبة عن الكسرة على الياء المكسور ما قبلها] 4، ولم يخفف في النصب لعدم الثقل، ولا مع الألف واللام والإضافة, لعدم التمكن من التعويض, [لأن التنوين لا يجامع الألف واللام ولا الإضافة] 4.
__________
1 في "ب": "تحرك".
2 من هنا 136 أحتى 136 ب نقله الأزهري من شرح ابن الناظم ص459-460، وينتهي النقل عند قول الأزهري: "قاله الشارح".
3 سقطت من "ب".
4 سقط ما بين المعكوفين من شرح ابن الناظم ص459، حيث نقل الأزهري كلامه.(2/319)
وذهب الأخفش: إلى أن الياء لما حذفت تخفيفًا بقي الاسم في اللفظ كـ: سلام وكلام، وزالت صيغة منتهى الجموع، فدخله تنوين الصرف. ورد بأن المحذوف في قوة الموجود وإلا لكان آخر ما بقي حرف إعراب. واللازم باطل فالملزوم مثله1.
وذهب الزجاج2 إلى أن التنوين عوض من ذهاب الحركة عن الياء، وأن الياء محذوفة لالتقاء الساكنين وهو ضعيف، لأنه لو صح التعويض عن حركة الياء، لكان التعويض عن حركة الألف، في نحو: موسى، أولى. لأنها لا تظهر بحال. واللازم منتف، فالملزوم كذلك.
وذهب المبرد3 إلى أن فيما لا ينصرف تنوينًا مقدرًا، بدليل الرجوع إليه في الشعر فحكموا له في جوار ونحوه، بحكم الموجود، وحذفوا لأجله؛ الياء في الرفع والجر لتوهم التقاء الساكنين، ثم عوضوا عما حذف التنوين الظاهر. وهو بعيد لأن الحذف لملاقاة ساكن متوهم الوجود مما لم يوجد له نظير. ولا يحسن ارتكاب مثله. قاله الشارح4.
وقال المرادي5: "المشهور عن المبرد أن التنوين عنده عوض من الحركة6، كما نقل في شرح الكافية"7. "وسراويل ممنوع من الصرف مع أنه مفرد". واختلف في سبب8 منع صرفه:
"فقيل: إنه أعجمي حمل على موازنه من العربي" كـ: دنانير. "وقيل: إنه منقول عن جمع سراوله9"، سمي به المفرد الجنسي. واختلف في سماع سروالة، فقال أبو
__________
1 في شرح ابن الناظم ص460: "واللازم كما لا يخفى منتف".
2 انظر ما ينصرف وما لا ينصرف ص47.
3 المقتضب 3/ 309.
4 انتهى ما نقله الأزهري من شرح ابن الناظم ص459-460.
5 شرح المرادي 4/ 132,
6 المقتضب 3/ 331.
7 شرح الكافية الشافية 3/ 1324، وفي حاشية الصبان 3/ 246: "على هذا يكون المبرد مخالفًا لسيبويه في الساكن الذي ردف الياء, فسيبويه يقول: هو التنوين الموجود قبل حذفه، والمبرد يقول: هو التنوين المقدر في كل ممنوع من الصرف، وموافقًا له في أن المعوض عن الياء المحذوفة".
8 سقطت من "ب".
9 انظر شرح ابن الناظم ص460، والكتاب 3/ 229، وما ينصرف وما لا ينصرف ص46.(2/320)
العباس إنها مسموعة1، وأنشد عليها: [من المتقارب]
783-
[عليه] 2 من اللؤم سراولة ... فليس يرق لمستعطف
وقيل: لم يسمع والبيت مصنوع فلا حجة فيه3. والصحيح ما قاله أبو العباس. فقد ذكر الأخفش أنه سمع من العرب سروالة. وقال أبو حاتم: "من العرب من يقول سروال"4.
وقيل: سراويل جمع سروال، كمشاليل جمع شملال. حكاه الحريري في المقامات5.
"ونقل ابن الحاجب أن من العرب من يصرفه6. وأنكر ابن مالك ذلك عليه7". ورد بأنه ناقل ومن نقل حجة على من لم ينقل. وإلى المنع من الصرف أشار في النظم بقوله:
660-
ولسراويل بهذا الجمع ... شبه اقتضى عموم المنع
"وإن سمي" شخص "بهذا الجمع" الذي هو على زنة مفاعل أو مفاعيل، "أو بما وازنه من لفظ أعجمي، مثل: سراويل وشراحيل"؛ بمعجمة ومهملتين، "أو" من "لفظ مرتجل للعلمية، مثل: كشاجم"؛ بالكاف والشين المعجمة والجيم؛ اسم شاعر، وظاهر سياقه أنه بفتح الكاف. وفي القاموس زيادة على الصحاح: كشاجم كعلابط: اسم. انتهى.
ولا خلاف8 أن علابط. بضم العين وكسر الموحدة، وهو الضخم،
__________
1 المقتضب 3/ 346.
783- البيت بلا نسبة في خزانة الأدب 1/ 223، والدرر 1/ 18، وشرح ابن الناظم ص461، وشرح الأشموني 2/ 522، وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 270، وشرح شواهد الشافية ص100، وشرح المفصل 1/ 64، ولسان العرب 11/ 334 "سرل"، والمقتضب 3/ 346، وهمع الهوامع 1/ 25، وتاج العروس "سرل".
2 سقطت من "أ".
3 شرح ابن الناظم ص461، وخزانة الأدب 1/ 223.
4 الارتشاف 1/ 427، وشرح الكافية الشافية 3/ 1501.
5 المقامات الأدبية ص185.
6 في شرح الرضي على الكافية 1/ 145: "قال ابن الحاجب: وسراويل: إذا لم يصرف وهو الأكثر، فقد قيل: أعجمي حمل على موازنه، وقيل: عربي جمع سروالة تقديرًا، وإذا صرف فلا إشكال". انظر شرح الرضي 1/ 150-152.
7 شرح الكافية الشافية 3/ 1501.
8 بعده في "ب": "في".(2/321)
"منع الصرف"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله1:
661-
وإن به سمي أو بما لحق ... به فالانصراف منعه يحق
والعلة في منع صرفه ما فيه من الصيغة2. وقيل: قيام العلمية مقام الجمعية، فلو طرأ تنكيره، انصرف على مقتضى التعليل الثاني لفوات ما يقوم مقام الجمعية، وهو مذهب تنكيره، انصرف على مقتضى التعليل الثاني لفوات ما يقوم مقام الجمعية، وهو مذهب المبرد3. ولا ينصرف على مقتضى التعليل الأول لوجود الصيغة، وهو مذهب سيبويه4، وعن الأخفش القولان5. والصحيح قول سيبويه لأنهم منعوا سراويل من الصرف وهو نكرة وليس جمعًا على الصحيح.
"النوع الثاني: ما يمتنع صرفه بعلتين، وهو نوعان:
أحدهما: ما يمتنع صرفه" حال كونه "نكرة ومعرفة. وهو ما وضع صفة وهو إما مزيد، في آخره ألف ونون. أو موازن للفعل"، وهوز وزن أفعل في المكبر، وأفعيل في المصغر. "أو معدول" عن لفظ آخر. "أما ذو الزيادتين فهو فعلان"؛ بفتح الفاء؛ "بشرط أن لا يقبل التاء" الدالة على التأنيث، "إما لأن مؤنثه فعلى"؛ بألف التأنيث المقصورة؛ "كـ: سكران وغضبان وعطشان" فإن مؤنثاتها: سكرى وغضبى وعطشى. "أو لكونه لا مؤنث له" أصلا "كـ: لحيان" للكبير اللحية.
فالأول متفق على منع صرفه، لأنه صفة جاءت على فعلان، والمؤنث منه على فعلى. وإنما كان ذلك مانعًا فيه لتحقيق الفرعيتين به: فرعية المعنى وفرعية اللفظ.
أما فرعية المعنى فلأن فيه الوصفية، وهي فرع على الجمود، لأن الصفة تحتاج إلى موصوف ينسب معناها إليه، والجامد لا يحتاج إلى ذلك.
وأما فرعية اللفظ فلأن فيه الزيادتين المضارعتين لألفي التأنيث، في نحو: حمراء، في أنهما في بناء يخص المذكر، كما أن ألفي التأنيث في حمراء، في بناء يخص المؤنث، وأنهما لا تلحقهما التاء، فلا يقال: سكرانة، كما لا يقال: حمراءة. والمزيد فرع عن المجرد، فلما اجتمع في فعلان المذكور الفرعيتان، امتنع من الصرف6.
__________
1 سقط من "ب" من "بقوله" إلى رقم الشاهد 784، وسأنبه على نهاية السقط.
2 بعده في شرح ابن الناظم ص461: "مع أصالة الجمعية".
3 هذا القول نقله الأزهري من شرح ابن الناظم ص461، الذي لم يذكر اسم المبرد.
4 الكتاب 3/ 227.
5 شرح الرضي 1/ 151.
6 شرح ابن الناظم ص453.(2/322)
وأما ما نقل عن بني أسد أنهم يقولون: سكرانة، ويصرفون سكران. فقال الزبيدي1: "ذكر يعقوب أن ذلك ضعيف رديء". وقال أبو حاتم: "لبني أسد مناكير لا يؤخذ بها".
والثاني: وهو ما لا مؤنث له. كـ: لحيان، مختلف فيه، والصحيح منعه من الصرف لأنه وإن لم يكن له "فعلى". وجودًا، فله "فعلى" تقديرًا. لأنا لو فرضنا له مؤنثًا، لكان "فعلى" أولى به من "فعلانة" لأن باب سكرى أوسع من باب ندمانة. والمقدر في حكم الموجود، بدليل الإجماع على منع صرف "أكمر" مع أنه لا مؤنث له2.
وحكي أن من العرب من يصرف "لحيان" حملا على "ندمان"، على أنه لو كان له مؤنث لكان بالتاء2، "بخلاف نحو: مصان"، بتشديد الصاد المهملة، "للئيم" بهمزة بعد اللام، "وسيفان"، بسين مهملة فياء مثناء تحتانية ففاء، "للطويل" الممشوق الضامر البطن."وأليان"، بفتح الهمزة وسكون اللام وبالياء المثناة تحت "للكبير الألية" من ذكور الغنم. "وندمان من المنادمة"، وهي المكالمة، "لا من الندم" على ما فات، "فإن مؤنثاتها فعلانة"، فلذلك صرفت.
"وأما ذو الوزن فهو: أفعل" غالبًا، "بشرط ألا يقبل التاء، إما لأن مؤنثه فعلاء، كـ: أحمر، أو فعلى"؛ بضم الفاء؛ "كـ: أفضل، أو لكونه لا مؤتث له" أصلا، "كـ: أكمر" لعظيم الكمرة وهي الحشفة, "وآدر"؛ بالمد لكبير الأنثيين.
فهذه الأنواع الثلاثة ممنوعة من الصرف للوصف الأصلي، ووزن أفعل، فإن وزن الفعل أولى بالفعل، لأن أوله زيادة تدل على معنى في الفعل، دون الاسم فكان لذلك أصلا في الفعل، لأن ما زيادته لمعنى أولى مما زيادته لغير معنى. وإنما اشترط أن لا تلحقه1 تاء التأنيث. لأن ما تلحقه من الصفات كـ: أرمل، وهو الفقير، ضعيف الشبه بلفظ المضارع، لأن تاء التأنيث [لا] 3 تلحقه4. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
652-
ووصف أصلي ووزن أفعلا ... ممنوع تأنيث بتا..........
"وإنما صرف أربع، في نحو: مررت بنسوة أربع"، مع كونه صفة لنسوة، وفيه
__________
1 لحن العوام ص162.
2 شرح ابن الناظم ص453.
3 سقطت من "أ".
4 شرح ابن الناظم ص453-454.(2/323)
وزن الفعل "لأنه وضع اسمًا" للعدد. "فلم يلتفت لما طرأ له من الوصفية، وأيضًا فإنه قابل للتاء"، في نحو: مررت برجال أربعة. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
653-
وألغين عارض الوصفيه ... كأربع......................
"وإنما منع صرف باب أبطح"، وهو المكان المنبطح من الوادي، وأجرع، وهو المكان المستوي، وأبرق، وهو المكان الذي فيه لونان. "و" باب "أدهم للقيد، وأسود" للحية السوداء، "وأرقم للحية" التي فيها نقط سود وبيض كالرقم، "مع أنها أسماء لأنها وضعت صفات، فلم يلتفت إلى ما طرأ من الاسمية". وفي الإفصاح أن سيبويه ذكر أن جميع العرب تمنع صرف ستة: أدهم للقيد، وأسود سالخ، وأرقم لنوعين من الحيات، وأجرع، وأبطح، وأبرق، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
653-
................................... ... ............. وعارض الاسميه
أي: ألفينه، "وربم اعتد بعضهم باسميتها" الطارئة "فصرفها". وصرح ابن جني بأن هذه الأسماء كلها تنصرف.
ويفترق باب أبطح وباب أدهم من جهة كون باب أبطح صفات خاصة بالأمكنة الموجودة معها، فهم ذلك المعنى، وباب أدهم صفات عامة. ويفترق هذا البابان وباب أجدل في الصرف وعدمه.
فأما أدهم وأبطح فأصلهما الوصفية، ثم طرأت عليهما الاسمية، فلهذا منعا من الصرف. "وأما أجدل للصقر. وأخيل لطائر ذي خيلان"، بكسر الخاء المعجمة وسكون الياء جمع خال، وهي النقط المخالفة لبقية البدن. قال الفراء: وهو الشقراق، وسمي أخيل لأنه يتخيل في لونه الخضرة من غير خلوصها.
"وأفعى للحية"، واختلف في اشتقاقها. فقال أبو علي: "مشتقة من يافع، فأصله أيفع"، وقال ابن جني: "من فوعة السم، حرارته، فأصلها: أفوع، فنقلت فاؤه على الأول، وعينه على الثاني، إلى موطن لامه"1. وقال غيرهما: من مادة الأفعوان، فلا نقل لقولهم: أرض مفعاة، أي: كثيرة الأفاعي. "فإنها أسماء في الأصل و" في "الحال، فلهذا صرفت في لغة الأكثر. "وبعضهم يمنع صرفها"2 وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
655-
وأجدل وأخيل وأفعى ... مصروفة وقد ينلن المنعا
__________
1 انظر الارتشاف 1/ 430.
2 إضافة من "ط".(2/324)
"للمح معنى الصفة فيها. وهي: القوة" في أجدل، "والتلون" في أخيل، "والإيذاء" في أفعى. لكن "المنع في أفعى أبعد منه في أخيل وأجدل، لأنهما من: المخيول وهو الكثير الخيلان، من الجدل، وهو الشدة، وأما أفعى فلا مادة لها في الاشتقاق، لكن ذكرها يقارن تصور إيذائها فأشبهت المشتق" قاله المرادي1 تبعًا للشارح2.
"قال" القطامي: [من الطويل]
784-
كأن العقيليين يوم3 لقيتهم ... فراخ القطا لاقين أجدل بازيا
فمنع صرف أجدل وهو مفعول لاقين، وبازيا: يجوز أن يكون صفة أجدل، ويجوز أن يكون معطوفًا على أجدل بإسقاط العاطف، وهو من بزى إذا تطاول.
"وقال" حسان بن ثابت الأنصاري -رضي الله عنه: [من الطويل]
785-
ذريني وعلمي بالأمور وشيمتي ... فما طائري يومًا عليك بأخيلا
فمنع صرف أخيل، والعرب تتشاءم بأخيل، تقول: "هو أشأم من أخيل"4، ويجمع على أخايل "ومن غير الغالب: أفيعل، نحو: أحيمر وأفيضل من المصغر، فإنه لا ينصرف للوصفية ووزن الفعل، فإنه على وزن أبيطر". قاله المرادي5، تبعًا للشارح6.
"وأما الوصف ذو العدل" فنوعان:
" [أحدهما] 7: موازن فُعال"، بضم الفاء، "ومَفْعَل"، بفتح الميم والعين،
__________
1شرح المرادي 4/ 126.
2 شرح ابن الناظم ص454.
784- البيت للقطامي في ديوانه 182، والمقاصد النحوية 4/ 346، ولجعفر بن علبة الحارثي في المؤتلف والمختلف 19، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 119، وجمهرة اللغة 800، وشرح ابن الناظم ص454، وشرح الأشموني 2/ 513، وشرح شواهد الإيضاح 393، ولسان العرب 11/ 104 "جدل".
3 إلى هنا نهاية ما سقط من "ب" الذي نبهت عليه في ص322 في الحاشية رقم1.
785- البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص271، وشرح شواهد الإيضاح 392، ولسان العرب 11/ 230 "خيل"، والمقاصد النحوية 4/ 438، وتاج العروس "خيل"، وبلا نسبة في الاشتقاق ص300، وأوضح المسالك 4/ 120، وشرح ابن الناظم ص454، وشرح الأشموني 2/ 514.
4 مجمع الأمثال 1/ 383، وجمهرة الأمثال 1/ 538، 559، والمستقصى 1/ 176، والدرة الفاخرة 1/ 235، 249.
5 شرح المرادي 4/ 125.
6 شرح ابن الناظم ص454.
7 إضافة من "ط".(2/325)
وهما مسموعان "من الواحد إلى الأربعة باتفاق، وفي الباقي" من العشرة "على الأصح"، وقيل: في العشرة والخمسة فدونها سماعًا، وما بينهما قياسًا عند الكوفيين والزجاج1. وقيل: يقاس على فعل خاصة لأنه أكثر، والصحيح كما قال الموضح هنا وفي الحواشي2: إن البناءين مسموعان في الألفاظ العشرة. [كما] 3 حكاه الشيباني.
ولا يعارض بقول أبي عبيدة والبخاري في صحيحه: "إن العرب لا تتجاوز الأربعة"4. لأن غيرهما سمع ما لم يسمعا.
ونقل السخاوي أنه يعدل أيضًا في فعلان. بضم الفاء من الواحد إلى العشرة كقوله: [من البسيط]
786-
............................... ... طاروا إليه زرافات ووحدانا
"وهي معدولة عن ألفاظ العدد الأصول"، حال كونها "مكررة5. فأصل: جاء القوم أحاد، جاءوا واحدًا واحدًا". فعدل عن: "واحدًا واحدًا" إلى "أحاد" تخفيفًا للفظ. "وكذا الباقي.
ولا تستعمل هذه الألفاظ إلا نعوتًا، نحو: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} " [فاطر: 1] فمثنى وثلاث ورباع: نعوت لأجنحة، "أو أحوالا نحو: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} " [النساء: 3] فمثنى وثلاث ورباع: أحوال من النساء، "أو أخبارًا، نحو: صلاة الليل مثنى مثنى"6. فمثنى الأولى: خبر صلاة, ومثنى الثاني: تكرير له. "وإنما كرر لقصد التوكيد، لا لإفادة التكرير"، التأسيس.
لأنه لو قيل: صلاة الليل مثنى، لكفى في المقصود.
__________
1 شرح ابن الناظم ص455، وشرح ابن عقيل 2/ 326.
2 شرح الكافية الشافية 3/ 1447.
3 إضافة من "ب"، "ط".
4 قال البخاري في كتاب التفسير، الباب رقم 79: سورة النساء: "ولا تجاوز العرب رباع".
786- صدر البيت:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه إليهم
وهو لقريط بن أنيف العنبري في تاج العروس 12/ 451 "طير"، 23/ 382 "زرف"، وشرح ديوان الحماسة للتبريزي 1/ 5، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص278، وبلا نسبة في تاج العروس 9/ 246 "وحد"، ولسان العرب 3/ 447 "وحد"، 4/ 510 "طير"، وكتاب الصناعتين ص294، ومجالس ثعلب ص405، والمزهر 1/ 59.
5 سقطت من "ب".
6 أخرجه البخاري في كتاب المساجد باب الحلق والجلوس، رقم460-461، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى رقم 749، 753، وهو من شواهد شرح ابن الناظم ص455.(2/326)
وزعم الفراء أن هذه الأسماء معارف بنية الألف واللام1. فعلى هذا فهي في الآيتين بدل، كما قال الحوفي. إذا لا تنعت النكرة بمعرفة2، ولا يجيء الحال معرفة إلا بتأويل. ومنهم من يذهب بها مذهب الأسماء فلا يستعملها استعمال المشتقات في التبعية كقوله: [من المتقارب]
787-
وخيل كفاها ولم يكفها ... ثناء الرجال ووحدانها
النوع "الثاني: أخر" بضم الهمزة وفتح الخاء "في نحو: مررت بنسوة أخر". وإلى منع العدل مع الوصف في هذين النوعين أشار الناظم بقوله:
656-
ومنع عدل مع وصف معتبر ... في لفظ مثنى وثلاث وأخر
"لأنها جمع لأخرى، وأخرى أنثى آخر، بالفتح" للخاء، "بمعنى مغاير، وآخر"، بالفتح، "من باب اسم التفضيل".
فإنه أصله: أَأْخر بهمزتين مفتوحة فساكنة. أبدلت الساكنة ألفًا. "واسم التفضيل قياسه أن يكون في حال تجرده من "أل" والإضافة مفردًا مذكرًا"، ولو كان جاريًا على مثنى أو مجموع أو مؤنث.
فالأول "نحو: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} [يوسف: 8] .
و" الثاني "نحو: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} إلى قوله: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ" مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبه: 24] .
والثالث نحو: هند أحب إليَّ عمرو. "فكان القياس أن يقال: مررت بامرأة آخر، وبنساء آخر. وبرجال آخر، وبرجلين آخر", بفتح الهمزة الممدودة فيهن، "ولكنهم" في التأنيث، "قالوا: أخرى، و" في جمع المؤنث المكسر، قالوا: "أخر"، بضم الهمزة، "و" في جمع المذكر السالم قالوا: "آخرون، و" في المثنى قالوا: "آخران"، "و" بذلك جاء التنزيل، "قال الله تعالى: {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282] {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، {وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا} [التوبة: 102] ، {فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ} [المائدة: 107] .
وإنما خص النحويون أخر"، بضم الهمزة. "بالذكر" دون ما عداه، "لأن في
__________
1 معاني القرآن 1/ 254.
2 في "ب": "بالمعرفة".
787- البيت بلا نسبة في الدرر 1/ 23، وهمع الهوامع 1/ 27.(2/327)
أخرى ألف التأنيث، وهي أوضح من العدل" [في منع الصرف] 1، "و" أما "آخرون وآخران، فمعربان بالحروف، فلا مدخل لهما في هذا الباب" لأن إعرابه بالحركات.
"وأما آخر"، بفتح الهمزة، "فلا عدل فيه: وإنما العدل في فروعه"، وهي المؤنث والمثنى والجمع، "وإنما امتنع من الصرف للوصف2 والوزن".
وفي جعل آخر من باب التفضيل إشكال، لأنه لا يدل على المشاركة والزيادة في المغايرة.
ومن ثم قال الموضح في الحواشي: "الصواب أن أخر مشابه لأفضل من جهات ثلاث: إحداهما: الوصف، والثانية: الزيادة، والثالثة: أنه لا يتقوم معناه إلا باثنين، مغايِر ومغايَر.
كما أن أفضل إنما يتقوم معناه باثنين: مفضل ومفضل عليه. فلما أشبهه من هذه الجهات، استحق أحكامه في جميع تصاريفه. وعلى هذا فكان ينبغي أن لا تستعمل تصاريفه مع التنكير، بل مع "أل" والإضافة لمعرفة، فلما خولف بها عن ذلك، كان ذلك3 عدلا استحقه، بمقتضى المشابهة، فعلى هذا إذا قيل: مررت بنسوة أخر. كان معدولا عن آخر بالفتح والمد، ولا نقول على الآخر، لأنه نكرة لجريه على نكرة نعتًا، ولا عن آخرين لما بينا من انتفاء حقيقة التفضيل من هذه الكلمة. وكثير غلط في المسألة". انتهى.
"وإن كانت أخرى بمعى آخرة"، بكسر الخاء، وهي المقابلة للأولى، "نحو: {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ} [الأعراف: 38] ، {وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ} [الأعراف: 39] "جمعت على آخر، مصروفًا"، لأنه غير معدول. ذكر ذلك الفراء4، "ولأن مذكرها آخر، بالكسر" مقابل أول. "بدليل: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} " [النجم: 47] أي: الآخرة، بدليل: " {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ} " [العنكبوت: 20] .
والقصة5 واحدة، "فليست" أخرى بمعنى آخرة. "من باب اسم التفضيل"، والفرق أن انثى المفتوح لا يدل على انتهاء، كما لا يدل عليه مذكرها، فلذلك يعطف عليها
__________
1 إضافة من "ط".
2 في "ط": "للوصفية".
3 سقط من "ط".
4 معاني القرآن 1/ 379، وانظر شرح ابن الناظم ص456.
5 في "ب": "القضية".(2/328)
مثلها من جنس واحد. كقولك: عندي رجل وآخر وآخر، وندي امرأة وأخرى وأخرى. وأنثى المكسور تدل على الانتهاء ولا يعطف عليها مثلها من جنس واحد، كما أن مذكرها كذلك1.
"وإذا سمي بشيء من هذه الأنواع" الثلاثة وهي: الوصف ذو الزيادتين، والوصف الموازن للفعل، والوصف المعدول، "بقي على منع الصرف" عند الجمهور، "لأن الصفة لما ذهبت بالتسمية خلفتها العلمية"، وبقي كل من الزيادة والوزن والعدل على حاله.
وقال الأخفش في المعاني2، وأبو العباس3: "إنه لو سمي بمثنى أو أحد أخواته انصرف. لأنه إذا كان اسمًا فليس في معنى اثنين اثنين, وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، فليس فيه إلا التعريف خاصة". وتبعهما على ذلك الفارسي، وارتضاه ابن عصفور.
ورد بأن هذا مذهب لا نظير له. إذ لا يوجد بناء ينصرف في المعرفة ولا ينصرف في النكرة، وإنما المعروف العكس. وعبارة الفارسي في التذكرة تخالف هذا فإنه قال: "الوصف يزول فيخلفه العريف الذي للعلم، والعدل قائم في الحالتين جميعًا". انتهى.
وحجة الجمهور أن شبه الأصل من العادل حاصل، والعلمية محققة، فسبب المنع موجود، فالوجه امتناع الصرف.
وأما قول ثعلب والفراء وغيرهما من الكوفيين: مثنى وثلاث ورباع مصروفة4.
فليس مرادهم الصرف الحقيقي، وإنما مرادهم بذلك العدل، فإنهم يسمون العدل صرفًا، ولا مشاحة في الاصطلاح.
"النوع الثاني: ما لا ينصرف معرفة وينصرف نكرة، وهو سبعة:
أحدها: العلم المركب تركيب المزج"، المشار إليه في النظم بقوله:
662-
والعلم امنع صرفه مركبا ... تركيب مزج................
"كـ: بعلبك وحضرموت"، علمين لبلدين، وسيبويه في لغة من أعربه، فإن هذا النوع لا ينصرف لاجتماع فرعية المعنى بالعلمية، وفرعية اللفظ بالتركيب، "وقد يضاف أول جزأيه إلى ثانيهما تشبيهًا" بـ: عبد الله، فيعرب الجزء الأول بحسب العوامل، ويجر الثاني بالإضافة.
__________
1 انظر شرح ابن الناظم ص457-458.
2 معاني القرآن للأخفش 1/ 431-432.
3 المقتضب 3/ 380.
4 معاني القرآن للفراء 1/ 254.(2/329)
ثم إن كان في الجزء الثاني ما يمنع صرفه كالعجمة كـ: رام هرمز، منع من الصرف، وإلا صرف كـ: حضرموت، وإن كان آخر الجزء الأول ياء كـ: معدي كرب, فإنه تقدر فيه الحركات الثلاث، ولا تظهر فيه الفتحة تشبيهًا بالألف، فلازم في التركيب لزيادة الثقل، ما كان جائزًا في الإفراد. قاله ابن مالك حكمًا وتعليلا1. وقال غيره: يفتح في النصب، ويسكن في الرفع والجر كـ: قاضي القوم.
والمشهور في لغة الإضافة صرف "كرب" وجره بالكسرة. وسمع جره بالفتحة. فقال سيبويه2 والفارسي: ممنوع الصرف لأنه مؤنث. وقال قوم: مبني على الفتح كـ: عشر من خمسة عشر قيل: وهو الصحيح، لأنه لو كان مؤنثًا غير منصرف، ولم يجئ فيه الصرف لأنه محرك الوسط.
ودفع بأنه قد تكون مؤنثة عند قوم، مذكرة عند آخرين، وأجاز الفارسي3 الوجهين لاحتمال الأمرين. "وقد يبنيان على الفتح" تشبيهًا بخمسة عشر. حكاه سيبويه2 وغيره4. فيفتح آخر الجزأين إلا في نحو: معدي كرب. فيفتح آخر الثاني فقط.
وفي البسيط: ليس البناء مطردًا عند عامة البصريين والكوفيين، وعلى اللغات وهي: إعرابه إعراب ما لا ينصرف، وإضافة أول جزأيه إلى ثانيهما، وبناؤهما على الفتح.
"فإن كان آخر" الجزء "الأول معتلا" بالياء، "كـ: معدي كرب، وقالي قلا، وجب سكونه مطلقًا" في الرفع والنصب والجر، سواء أكان معربًا في لغة الإضافة، أو مبنيًّا، كما في غيرها. وقد تقدم شرح ذلك.
"الثاني: العلم ذو الزيادتين"، الألف والنون. وإليه أشار الناظم بقوله:
663-
كذاك حاوي زائدي فعلانا ... .............................
سواء أكان أوله مفتوحًا، أو مكسورًا، أو مضمومًا، "كـ: مروان وعمران وعثمان. و" لا فرق بين أعلام الأناسي؛ كما تقدم؛ وغيرها، نحو: "غطفان"، بفتح المعجمة والطاء المهملة وبالفاء: اسم قبيلة من قبائل العرب، سميت باسم أبيها وهو: غطفان بن سعد بن قيس عيلان5. "وإصبهان"، بكسر الهمزة وفتح الموحدة، علم بلد، سميت بذلك لأن أول من نزلها، إصبهان بن فلوج بن لمطى بن يافث.
__________
1 شرح الكافية الشافية 3/ 1434.
2 الكتاب 3/ 296.
3 المسائل المنثورة ص242.
4 انظر الإنصاف 1/ 309، وشرح المرادي 4/ 139-140.
5 جمهرة أنساب العرب ص248.(2/330)
فهذه الألفاظ ممنوعة من الصرف اتفاقًا، لأن الألف والنون فيها زيدتا معًا. وما كان من الأسماء في آخره ألف ونون واحتملت النون فيه الأصالة والزيادة ففيه وجهان: الصرف، وعدمه اعتبارًا بأصالتها وزيادتها. فمن ذلك: رمان، وحسان، ودهقان، وشيطان أعلامًا، فإن اعتقدت أنها من: الروم، والحس، والدهق، والشط، لم تصرفها. وإن اعتقدت أنها من: الرمن، والحسن، بالنون، والدهقنة، والشيطنة، صرفتها. وإذا تمخضت لجهة الأصالة صرفت، كما إذا سميت بـ: طحان من الطحن، أو بـ: تبان من التبن، أو بـ: سمان من السمن، ونحو ذلك.
واختلفت في "أبان" بتخفيف الباء علما، فمن صرفه رأى أن وزنه فعال، فالهمزة والباء والنون أصول. ومن منعه الصرف رأى أن وزنه أفعل، وأنه منقول من أبان الشيء يبين، والجمهور على المنع، كما قال ابن يعيش1.
وإذا أبدل من النون الزائدة لام، منع من الصرف إعطاء للبدل حكم المبدل منه، وذلك نحو: أصيلال مسمى به أصله: أصيلان، تصغير، أصل على غير قياس، ولو أبدل من حرف أصلي نون، صرف, وذلك نحو: مسمى به، أصله: حناء، أبدلت همزته نونًا.
"الثال: العلم المؤنث، ويتحتم منعه من الصرف:
إن كان بالتاء"، وإليه أشار الناظم بقوله:
664-
كذا مؤنث بهماء مطلقًا ... ..............................
سواء أكان علم مؤنث أم مذكر، "كـ: فاطمة وطلحة"، وإنما لم يصرفوه لوجود العلمية في معناه، ولزوم علامة التأنيث في لفظه، وهي ملازمة له. ومن ثم لم تؤثر في الصفة، نحو: قائمة، لأنها في حكم الانفصال، فإنها تارة تجرد منها، وتارة تقترن بها.
"أو زائدًا على" أحرف "ثلاثة كـ: زينب وسعاد"، تنزيلا للحرف الرابع منزلة تاء التأنيث.
"أو" ثلاثيًّا" "محرك الوسط" لفظًا "كـ: سقر ولظى"، إقامة لحركة الوسط مقام الحرف الرابع. خلافًا لابن الأنباري في جعله ذا وجهين كـ: هند. وإما محرك الوسط تقديرًا، كـ: دار ونار، علم امرأة، فيلتحق2 بباب هند.
__________
1 شرح المفصل 1/ 67.
2 في "ط": "علمي امرأتين فيلحق".(2/331)
"أو" ثلاثيًّا أعجميًّا "كـ: ماه وجور"، بضم الجيم، علمي بلدين، لأن العجمة لما انضمت إلى التأنيث والعلمية، تحتم المنع، وإن كانت العجمة لا تمنع صرف الثلاثي لأنها هنا لم تؤثر منع الصرف، وإنما أثرت تحتمه: وقيل: هو ذو وجهين كـ: هند.
"أو" ثلاثيًّا "منقول من المذكر إلى المؤنث كـ: زيد، اسم امرأة"، لأنه حصل بنقله إلى التأنيث ثقل، عادل خفة اللفظ، هذا مذهب سيبويه1 والجمهور2.
وذلك مأخوذ من قول الناظم:
664-
.................................... ... وشرط منع العار كونه ارتقى
665-
فوق الثلاث أو كجور أو سقر ... أو زيد اسم امرأة لا اسم ذكر
"ويجوز في هند ودعد" وجمل، من الثلاثي الساكن الوسط، إذا لم يكن أعجميًّا، ولا مذكر الأصل: "الصرف وتركه"3. فمن صرفه نظر إلى خفة اللفظ: وأنها قد قاومت أحد السببين، ومن لم يصرفه، "وهو أولى"، نظر إلى وجود السببين في الجملة، وهما: العلمية والتأنيث4. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
666-
وجهان في العادم تذكيرًا سبق ... وعجمة كهند والمنع أحق
"والزجاج يوجبه"، أي المنع، وعلله بأن السكون لا يغير حكمًا أوجبه اجتماع علتين تمنعان الصرف5. انتهى.
"وقال عيسى" بن عمر الثقفي، "و" أبو عمر "الجرمي، و" أبو العباس "المبرد"، وأبو زيد "في نحو: زيد، اسم امرأة، إنه كـ: هند"، في جواز الوجهين6، وعلم منه أنه لو كان علم المؤنث ثنائي اللفظ كـ: يد، جاز فيه الوجهان. ذكره سيبويه7. وإذا سمي مذكر بمؤنث وجب منع صرفه بأربعة شروط:
__________
1 الكتاب 3/ 240، 241.
2 انظر شرح ابن عقيل 2/ 331، وما ينصرف وما لا ينصرف ص49.
3 وعلى الوجهين ورد قول الشاعر:
لم تتلفع بفضل مئزرها ... دعد ولم تسق دعد في العلب
والبيت لجرير في ديوانه ص1021، ولابن قيس الرقيات في ديوانه ص178، وبلا نسبة في الكتاب 3/ 241، وما ينصرف وما لا ينصرف ص50، والمنصف 2/ 77، وشرح المفصل 1/ 70.
4 انظر شرح ابن الناظم ص463، حيث نقل الأزهري هذا القول منه.
5 انظر شرح بن الناظم ص463، وما ينصرف وما لا ينصرف ص50.
6 المقتضب 3/ 350 والارتشاف 1/ 442.
7 الكتاب 3/ 240.(2/332)
أحدها: كونه أكثر من ثلاثة أحرف لفظًا كـ: زينب، أو تقديرًا، كـ: جيل، مخفف جيأل1.
الثاني: أن لا يكون مسبوقًا بتذكير انفرد به تحقيقًا كـ: رباب، علم امرأة، فإنها منقولة من مذكر، فلو سمي بها مذكر صرفت، أو تقديرًا كـ: جنوب وشمال، فإنهما صفتان لمذكر مقدر2.
الشرط الثالث: أن لا يكون مسبوقًا بتذكير غالب كـ: ذراع، فإنه مؤنث3 بدليل: ذراع رأيتها. فإذا سمي به مذكرًا انصرف لغلبة استعماله قبل العلمية في المذكر.
كقولهم: أنت ذراعي وعضدي، بمعنى: أنت ناصري ومنجدي.
الشرط الرابع: أن لا يكون التأنيث موقوفًا على تأويل غير لازم. وذلك كتأنيث الجموع كـ: رجال، فإن تأنيثها ينبني على تأويلها بالجماعة، وذلك غير لازم لأنها قد تؤول بالجمع، وهو مذكر، فإذا سمي به مذكر انصرف.
"الرابع: العلم الأعجمي"، فإنه فيه فرعية المعنى بالعلمية، وفرعية اللفظ، بكونه من الأوضاع الأعجمية، فيمتنع من الصرف "إن كانت علميته في اللغة الأعجمية"، كما هو ظاهر مذهب سيبويه4. وزعم الشلوبين، وابن عصفور أنه لا يشترط5.
ويظهر أثر الخلاف في: قالون، فيصرف على الأول، لأنهم لم يستعملوه علما وإنما صفة بمعنى جيد. ويمنع الصرف على الثاني، لأنه لم يكن في كلام العرب قبل أن يسمى به "وزاد على" أحرف "ثلاثة كـ: إبراهيم وإسماعيل". فلو كان ثلاثيًّا ضعف فيه فرعية اللفظ بمجيئه على أصل ما تبنى عليه الآحاد العربية. "فلا تؤثر العجمة في الثلاثي بخلاف التأنيث قولا واحدًا في لغة جميع العرب، ولا التفات إلى ما نقل خلافه". قال في شرح الكافية6. والمراد بالعجمي: ما نقل عن لسان غير العرب بأي لغة كانت. وتعرف عجمة الاسم بوجوده:
__________
1 في الكتاب 3/ 239 أن هذه الأسماء لم تصرف لأنها تمكنت في المؤنث واختص بها وهي مشتقة.
2 الكتاب 3/ 239.
3 الكتاب 3/ 236، وهمع الهوامع 1/ 110.
4 الكتاب 3/ 243، 235.
5 المقرب 1/ 286.
6 شرح الكافية الشافية 3/ 1469-1470.(2/333)
أحدها: نقل الأئمة.
والثاني: خروجه عن أوزان الأسماء العربية كـ: إبراهيم.
والثالث: أن يعرى من حروف الذلاقة، وهو خماسي أو رباعي، وحروف الذلاقة ستة، وهي: الميم، والراء، والباء الموحدة، والنون، والفاء، واللام، يجمعها: مر بنفل.
والرابع: أن يجتمع فيه من الحروف ما لا يجتمع في كلام العرب كالجيم والقاف بغير فاصل نحو: قج وجق، والصاد والجيم نحو: الصولجان1، والكاف والجيم نحو: أسكرجه2، والراء بعد النون أول كلمة نحو: نرجس3، والزاي بعد الدال نحو مهندز4. وإليه أشار الناظم بقوله:
667-
والعجمي الوضع والتعريف مع ... زيد على الثلاث صرفه امتنع
"وإذا سمي بنحو: لجام"، بالجيم، وهو آلة تجعل في فم الفرس ونحوه، "وفرند"، بكسر الفاء والراء وسكون النون، قال الجواليقي5: "فارسي معرب، وهو جوهر السيف". "صرف لحدوث علميته. ونحو: نوح ولوط" من الثلاثية الساكنة الوسط. "وشتر" بفتح الشين المعجمة والتاء المثناة فوق، اسم قلعة من أعمال أران، بفتح الهمزة وتشديد الراء، إقليم بأذربيجان. "مصروفة" لكونها ثلاثية والعجمة ملغاة فيها. صرح بذلك السيرافي، وابن برهان، وابن خروف6.
"وقيل: الساكن الوسط" كـ: نوح ولوط "ذو وجهين": الصرف وعدمه كـ: هند. "والمحركة" الوسط كـ: شتر "متحتم المنع" كـ: زينب إقامة لحركة الوسط مقام الحرف الرابع. وهذا التفصيل قال به: عيسى بن عمر الثقفي، وابن قتيبة، والجرجاني، والزمخشري7.
__________
1 الصولجان: عصا يعطف طرفها يضرب بها الكرة على الدواب، وقال الجوهري: الصولجان: المحجن، فارسي معرب. انظر لسان العرب 2/ 310 "صلج".
2 في "ط": "السكرجة"، وهي إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل، من الأدم، وهي فارسية، وأكثر ما يوضع فيها الكوامخ ونحوها، انظر لسان العرب 2/ 299 "سكرج".
3 النرجس: بالكسر، من الرياحين، معروف، وهو دخيل. انظر لسان العرب 6/ 230 "نرجس".
4 المهندز: الذي يقدر مجاري القنى والأبنية، إلا أنهم صيروا الزاي سينًا، فقالوا: مهندس، لأنه ليس في كلام العرب زاي قبلها دال، انظر لسان العرب 5/ 247 "هندز".
5 في "ب": "الجواقليقي".
6 انظر الارتشاف 1/ 439، 440.
7 انظر الارتشاف 1/ 439.(2/334)
"الخامس: العمل الموازن للفعل" الماضي أو المضارع أو الأمر. "والمعتبر من وزن الفعل أنواع" ثلاثة:
"أحدها: الوزن الذي يخص الفعل"، والمراد به ما لا يوجد في غير الفعل، إلا في علم، أو أعجمي، أو ندور. فالعلم "كـ: خضم"، بالخاء وتشديد الضاد المعجمتين، علمًا "لمكان"، وقال الجوهري1 "اسم العنبر بن عمرو بن تميم، وقد غلب على القبيلة". قال: [من الرجز]
788-
لولا الإله ما سكنا خضما
أي بلاد خضم، "وشمر"، بالشين المعجمة وتشديد الميم، علمًا "لفرس"2.
والأعجمي كـ: بقم لصبغ، وبذر لماء3، "و" النادر ما كان على صيغة الماضي المبني للمفعول نحو: "دئل" اسما "لقبيلة"4.
فلا يمنع وجدان هذه الأمثلة اختصاص أوزانها بالفعل لأن النادر والأعجمي لا حكم لهما، ولأن العمل منقول من فعل، فالاختصاص فيه باق. "و" الذي لا يوجد في غير الفعال ما كان على صيغة الماضي المفتتح بهمزة وصل، أو تاء مطاوعة "كـ: انطلق واستخرج، و" نحو: "تقاتل" وتصالح حال كونهما "أعلامًا".
وحكم همزة الوصل في الفعل المسمى به القطع، لأن المنقول من فعل [بعد عن أصله] 5، فالتحق بنظائره من الأسماء، فحكم فيه بقطع الهمزة بخلاف المنقول من اسم كـ: اقتدار فإن الهمزة تبقى على وصلها بعد التسمية، لأن المنقول من اسم لم يبعد عن أصله، فلم يستحق الخروج عما هو له.
__________
1 الصحاح "خضم"، وجمهرة أنساب العرب ص208-209.
788- الرجز بلا نسبة في تاج العروس "خضم"، وتهذيب اللغة 7/ 119، وديوان الأدب 1/ 84، والخصائص 3/ 219، وشرح المفصل 1/ 30، 60، ولسان العرب 12/ 184 "خضم"، ومعجم البلدان 2/ 377 "خضم".
2 في كتاب الحلبة ص98: "شمر على فعل، وقد تكسر الشين، اسم فرس جد جميل بن معمر العذري، قال جميل: [من الطويل]
وجدي يا حجاج فارس شمرا
3 في حاشية يس 2/ 219: "في كلام ابن إياز أنه اسم لموضع، ولا نسلم أنه أعجمي بل منقول من الفعل".
4 في شرح ابن الناظم ص463: "دئل: لدويبة"، وفي حاشية يس 2/ 220: "دائل: مشتركة بين القبيلة والدوية".
5 إضافة من "ب"، "ط".(2/335)
"الثاني: الوزن الذي الفعل به أولى: لكونه غالبًا فيه"، وعلى هذين النوعين اقتصر الناظم فقال:
668-
كذاك ذو وزن يخص الفعلا ... أو غالب.........................
فالغالب "كـ: إثمد"، بكسر الهمزة والميم، وسكون المثلثة بينهما، وبالدال المهملة، حجر الكحل، وأما مضموم1 الهمزة والميم، فاسم موضع. "وإصبع"، بكسر الهمزة وفتح الموحدة، واحدة الأصابع، وفيها عشر لغات حاصلة من ضرب ثلاثة أحوال الهمزة في ثلاثة أحوال الباء، والعاشرة: أصبوع. "وأبلم"، بضم الهمزة واللام، وسكون الموحدة بينهما، سعف المقل، حال كون الثلاثة "أعلامًا فإن وجود موازنها في الفعل أكثر" منه في الاسم، "كالأمر من ضرب"، فإنه موازن إثمد. "و" الأمر من "ذهب"، فإنه موازن إصبع، بفتح الباء "و" الأمر من "كتب"، فإنه موازن: أبلم.
"الثالث: الوزن الذي الفعل به أولى، لكونه مبدوءًا بزيادة تدل" على معنى "في الفعل ولا تدل" على معنى "في الاسم، نحو: أفكل"، بفتح الهمزة والكاف وسكون الفاء بينهما، وهي: الرعدة، يقال: أخذه الأفكل، إذا أصابته رعدة. "وأكلب"، بفتح الهمزة وسكون الكاف وضم اللام، جمع كلب "فإن الهمزة فيهما لا تدل" على معنى، "وهي في موازنهما من الفعل، نحو: أذهب"، مضارع ذهب، "وأكتب"، مضارع كتب، "دالة على المتكلم"2، فكان المفتتح بأحدهما من الأفعال، أصلا للمفتتح بهما من الأسماء.
"ثم لا بد من كون الوزن لازمًا، باقيًا" في اللفظ على حالته الأصلية، "غير مخالف لطريقة الفعل.
فخرج بـ" القيد "الأول"، وهو اللزوم، "نحو: امرؤ، علمًا، فإنه" في الرفع نظير اكتب3. و"في النصب نظير: اذهب، وفي الجر نظير: اضرب، فلم" يلزم وزنا واحدًا في الأحوال الثلاثة، "ولم يبق على حالة واحدة"، ففارق الفعل بكون حركة عينه تتبع حركة لامه، والفعل لا إتباع فيه.
"وخرج بـ" القيد "الثاني" وهو البقاء على حالته الأصلية "نحو: رد، وقيل،
__________
1 في "ب": "المضموم".
2 في "ب": "التكلم".
3 في "ب": "كتب".(2/336)
وبيع" مبنيات1 للمفعول، فإنها لم تبق على حالتها الأصلية، "فإن أصلها: فعل"، بضم الفاء وكسر العين، "ثم" دخلها الإدغام والإعلال، فالإدغام في: رد، والإعلال بالنقل والقلب، في قيل: وبالنقل فقط في: بيع. "وصارت" صيغة رد. "بمنزلة" صيغة: "قُفْل"، بضم القاف وسكون الفاء. وصيغة قيل "و" بيع، بمنزلة صيغة: "ديك" بكسر الدال وسكون الياء، آخر الحروف، وبالكاف. "فوجب صرفها" لذلك.
"فلو سميت بضرب" بضم الضاد وسكون الراء، حال كونه "مخففًا من ضرب" بضم الضاد وكسر الراء. "انصرف اتفاقًا"، لأن التخفيف سابق على التسمية، وإنما الخلاف في التخفيف العارض بعد التسمية: هل ينزل منزلة الأصلي أم لا؟ "و" ذلك كما "لو سميت بضرب"، بضم أوله وكسر ما قبل آخره. "ثم خففته" بتسكين ما قبل آخره.
فإذا فعلت ذلك، "انصرف أيضًا عند سيبويه"2، لأنه عنده كالسكون الأصلي. واختاره ابن مالك3، "وخالفه المبرد"4، والمازني، ومن وافقهما5، فمنعوه من الصرف "لأنه تغيير عارض" بعد التسمية.
"و" خرج "بـ" القيد "الثالث"، وهو كونه غير مخالف لطريقة الفعل "نحو: ألبب، بالضم" في الباء الموحدة فيما روه الفراء. "جمع لب"، بضم اللام وتشديد الباء الموحدة، وهو العقل، وجمع لب على ألبب قليل، والأكثر أن يجمع على ألباب. ويقال: بنات ألبب، عروق في القلب، يكون منها الرقة. وألبب حال كونه "علمًا". ينصرف "لأنه قد باين الفعل بالفك، قاله أبو الحسن" الأخفش6. "وخولف".
فعن سيبويه منع الصرف "لوجود الموازنة7"، كـ: أكتب، ولأن الفك رجوع إلى أصل متروك، فهو كتصحيح استحوذ، وليس بمانع من اعتبار وزن الفعل إجماعًا، ولأن الفك قد يدخل الفعل لزومًا، كـ: أشدد به في التعجب، وجوازًا، كـ: اردد، ولم يردد، وشذوذًا كـ: ضبب البلد، [وألل السقاء، إذا تغيرت رائحته] 8.
__________
1 في "ب"، "ط": "مبنيان"، وانظر شرح ابن الناظم ص464.
2 الكتاب 3/ 227، وشرح ابن الناظم ص464.
3 التسهيل ص218.
4 المقتضب 3/ 314.
5 همع الهوامع 1/ 99.
6 شرح ابن الناظم ص464.
7 الكتاب 3/ 195.
8 إضافة من "ط".(2/337)
"ولا يؤثر وزن هو بالاسم أولى" كـ: فاعل نحو: كاهل علما، فإنه وإن وجد في الفعل كـ: ضارب، أمرًا من ضارب، إلا أنه في الاسم أولى لكونه فيه أكثر، "ولا" يؤثر "وزن هو" موجود "فيهما على السواء" نحو: فعل؛ بفتح العين، وفعلل نحو شجر وضرب وجعفر ودحرج. "وقال عيسى" بن عمر الثقفي البصري، شيخ الخليل وسيبويه: "إلا أن يكون منقولين من الفعل"، فإنهما يؤثران1. فالأول: "كالأمر من ضارب"؛ بفتح الراء؛ "و" الثاني: "كـ: ضرب ودحرج أعلامًا".
وظاهر كلام الشاطبي تبعًا للتسهيل2 أن خلاف عيسى3 إنما هو في المشترك، ونصه: وخالف في ذلك عيسى فكان لا يصرف الوزن المشترك المنقول من "فَعَل".
ويقول: كل فعل ماض سمي به فإنه لا ينصرف إذا4 كان فارغًا من فاعله. "واحتج" على ذلك "بقوله"، وهو سحيم من وثيل اليربوعي. [من الوافر]
789-
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني
ووجه الحجة منه أن جلا فعل ماض خال من فاعل، وهو علم ممنوع من الصرف بدليل عدم تنوينه. "وأجيب" عنه "بأنه يحتمل أن يكون سمي بـ"جلا" من قولك: زيد جلا" أي هو، "ففيه ضمير" مستتر يعود على "زيد", "وهو من باب المحكيات" فهو وفاعله جملة محكية5، "كقوله": [من الرجز]
790-
نبئت أخوالي بني يزيد
__________
1 شرح ابن الناظم ص465.
2 التسهيل ص219.
3 الكتاب 3/ 206.
4 في "ط": "إلا إذا".
789- البيت لسحيم بن وثيل في الاشتقاق ص224، والأصمعيات ص17، وجمهرة اللغة ص495، 1044 وخزانة الأدب 1/ 255، 257، 266، وشرح شواهد المغني 1/ 459، وشرح المفصل 3/ 62، والشعر والشعراء 2/ 647، والكتاب 3/ 207، والمقاصد النحوية 4/ 356، وبلا نسبة في الاشتقاق ص314، وأمالي ابن الحاجب 456، وأوضح المسالك 4/ 127، وخزانة الأدب 9/ 402، وشرح ابن الناظم ص465 وشرح الأشموني 2/ 531، وشرح شواهد المغني 2/ 749، وشرح قطر الندى ص86، وشرح المفصل 1/ 62، 4/ 105، واللسان 14/ 124 "ثني"، 152 "جلا" وما ينصرف وما لا ينصرف 20، ومجالس ثعلب 1/ 212، ومغني اللبيب 1/ 160، والمقرب 1/ 283، وهمع الهوامع 1/ 30.
5 في شرح ابن الناظم 465: "فهو محكي لا ممنوع من الصرف".
790- تقدم الرجز برقم 80.(2/338)
فيزيد مسمى به، من قولك: المال يزيد، ففيه ضمير مستتر، والدليل على ذلك رفعه على الحكاية، وإلا لو كان مجردًا عن الضمير لجره بالفتحة لكونه لا ينصرف للعلمية ووزن الفعل1 المضارع.
"و" يحتمل "أن يكون ليس بعلم، بل" هو وفاعله في موضع خفض "صفة لمحذوف، أي": أنا "ابن رجلٍ جَلا الأمور"، أي كشفها، وفي كلا الاحتمالين نظر.
أما الأول: فلأن الأصل عدم استتار الضمير، وأما الثاني: فلأنه لا يحذف الموصوف بالجملة إلا إذا كان بعض اسم مقدم مخفوض بـ"من" أو "في" كما تقدم في باب النعت2. هذا وقال سيبويه3: "إن قول عيسى خلاف قول العرب، سمعناهم يصرفون الرجل يسمى بكعسب4، وهو فعل من الكعسبة5، وهو العدو الشديد مع تقارب الخطا"6.
"السادس: العلم المختوم بألف الإلحاق المقصورة كـ: علقى"، باتفاق "وأرطى" على الأصح حال كونهما "علمين" فإنهما ملحقان بجعفر، والمانع لهما من الصرف العلمية، وشبه ألف الإلحاق بألف التأنيث في الزيادة، والموافقة لمثال ما هي فيه: فإنهما على وزن سكرى، وشبه الشيء بالشيء كثيرًا ما يلحق به كـ: حاميم اسم رجل. فإنه عند سيبويه7 ممنوع الصرف لشبهه بـ"هابيل"، في الوزن والامتناع من الألف واللام، فلما أشبه الأعجمي، عومل معاملته8. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
669-
وما يصير علما من ذي ألف ... زيدت لإلحاق فليس ينصرف
وقيل: إن أرطى أفعل فمانعه من الصرف العلمية ووزن الفعل، ولذلك قلت:
__________
1 سقط من "ب".
2 انظر باب النعت في هذا الجزء ص127، 128.
3 الكتاب 3/ 206، 207.
4 في "ب": "كعب".
5 في "ب": "الكعبة".
6 شرح ابن الناظم ص465.
7 الكتاب 3/ 257.
8 شرح ابن الناظم ص465.(2/339)
على الأصح، وإنما لم يمنع الصرف مع ألف الإلحاق المدودة [كـ: علباء، فإنه ملحق بقرطاس، لتخلف شبهها بألف التأنيث الممدودة] 1، لأن همزة الإلحاق لا تشبه همزة التأنيث، من جهة أن همزة2، [الإلحاق منقلبة عن ياء لا عن ألف، وهمزة التأنيث] 3 منقلبه عن ألف، لا عن ياء. فافترقا في الحكم لأجل افتراقهما في التقدير.
بهذا علل بن أبي الربيع4 وإيضاحه أن الحرف إذا كان منقلبًا من غير مانع منع، كالهمزة في صحراء, [فإنها بدل من ألف التأنيث] 5. وإذا كان منقلبًا عن غير منع لم يمنع، كهمزة علباء. والعلقى نبت، والأرطى شجر، ويقي6 عليه ألف التكثير، "كـ: قبعثرى"7، ومن أدخلها في ألف الإلحاق فقد سها، إذ ليس في أصول الاسم سداسي فيلحق به.
"السابع: المعرفة المعدولة" عن أصلها، "وهي خمسة أنواع:
أحدها: فعل" بضم الفاء8 وفتح العين "في التوكيد، وهي: جمع وكتع"، من تكتع الجلد إذا اجتمع، "وبصع" بالصاد المهملة؛ من البصيع9، وهو العرق المجتمع، "وبتع"؛ بموحدة فمثناة فوقانية؛ من البتع، وهو طول العنق. والمانع لها من الصرف: التعريف والعدل. أما التعريف، "فإنها" على الصحيح "معارف بنية الإضافة إلى ضمير المؤكد"، فشابهت بذلك لعلم لكونه معرفة بغير قرينة لفظية، هذا ظاهر كلام سيبويه10، وهو اختيار بن عصفور11، وابن مالك12. وقال أبو سليمان السعدي من أصحاب ابن الباذش: إنها معارف بالعلمية وهي أعلام على الإحاطة، لما تتبعه، وأيده
__________
1 ما بين المعكوفين إضافة من "ط".
2 في "ط": "همزته".
3 سقط ما بين المعكوفين من "ط".
4 البسيط 1/ 294، 250.
5 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
6 في "ب": "بني".
7 إضافة من "ب": و"ط"."
8 سقطت من "ب".
9في "ب"، "ط".
10 الكتاب 3/ 224.
11 المقرب 2/ 280.
12 التسهيل ص222.(2/340)
بعضهم بجمعها بالواو والنون مع أنها ليست بصفات، ورده في شرح الكافية فقال1: وليس يعني جمع بعلم، لأن العلم إما شخصي، أو جنسي فالشخصي مخصوص ببعض الأشخاص، فلا يصلح لغيره، والجنسي مخصوص ببعض الأجناس فلا يصلح لغيره، وجمع خلاف ذلك، فالحكم بعلميته باطل. انتهى.
قلت: علم الإحاطة من قبيل علم الجنس المعنوي، كـ: سبحان للتسبيح2 وفي ارتكابه توفية بالقاعدة، وهي أنه لا يعتبر في منع الصرف من المعارف إلا العلمية، ويلزم من اعتبار الإضافة عدم النظير، وجره بالكسرة كما تقدم في أول الكتاب3.
"و" أما العدل، فإنها "معدولة عن فعلاوات، فإن مفرداتها: جمعاء، وكتعاء، وبصعاء، وبتعاء، وإنما قياس4 فعلاء إذا كان اسمًا" كـ: صحراء "أن يجمع على فعلاوات كـ: صحراء وصحراوات5".
واختار الناظم وابنه غير هذا التعليل، فقالا6: لأن "جمعاء" مؤنث "أجمع" فكما جمع المذكر بالواو والنون، كذلك كان حق مؤنثه أن يجمع بالألف والتاء، فلما جاءوا به على "فُعَل" علم أنه معدول عما هو القياس فيه، وهو جمعاوات.
وقال الأخفش والفارسي وابن عصفور7: معدولة عن فُعْل بضم الفاء وسكون العين، من جهة أن مفردها: فعلاء أفعل كـ: حمراء وأحمر، فإنهما يجمعان على حمر.
وقال آخرون8: معدولة عن فَعَالى، من جهة أن مفردها اسم على فعلاء كـ: صحراء.
والصحيح ما قاله الموضح، لأن جمع المذكر بالواو والنون مشروط فيه إما العلمية أو الوصفية، وكلاهما ممتنع فيه.
__________
1 شرح الكافية الشافية 3/ 1475، وانظر شرح ابن الناظم ص466.
2 في "ب": "علم للتسبيح".
3 انظر ما تقدم في الجزء الأول، باب الإضافة ص673، 674.
4 في "ب": "القياس".
5 انظر شرح ابن الناظم ص466.
6 شرح الكافية الشافية 3/ 1475، 1476، وشرح ابن الناظم ص466.
7 انظر المقرب 2/ 280، 281.
8 انظر شرح الكافية الشافية 3/ 1476، وشرح بن الناظم ص466.(2/341)