قلب ألف المندوب إلى حرف مجانس للحركة قبله إذا كان الفتح يوهم لبساً
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والشكل حتماً أوله مجانساً إن يكن الفتح بوهم لابسا] هذه من مسائل النحويين التي تشبه مسائل الفرضيين البعيدة التي لم تحدث، كقولهم: إذا مات الإنسان عن عشرين جدة، فهذا أمر بعيد، والذي قاله ابن مالك الآن من الأشياء البعيدة.
عرفنا أن آخر المندوب يلحق به الألف، ومن ضرورة إلحاق الألف أن يكون الذي قبلها مفتوحاً، وإذا كان الشكل الذي قبل الألف إذا فتحناه أوجب لبساً فإننا نبقيه على ما هو عليه ونحول الألف إلى حرفٍ يجانس تلك الحركة، وهذا صعب التصور قليل الوضوح.
يقول: (والشكل حتماً أوله مجانساً).
الشكل: مفعول لفعل محذوف يفسره ما بعده، وهذا من باب الاشتغال.
وأوله: فعل أمر.
والضمير مفعول به.
حتماً: متعلق بأول، أي: الشكل أوله حتماً، والمفعول الثاني لأوله هو: مجانساً، أي: أول الشكل مجانساً حتماً، ومتى يكون ذلك؟ قال: (إن يكن الفتح بوهم لابساً) أي: إذا كان الإبقاء على الفتحة يوهم اللبس فيجب أن تجعل الألف التي في الندبة حرفاً مجانساً للحركة التي قبلها، فإذا أردت أن تندب غلام غائبٍ تقول: واغلامهو هذا هو المندوب، وآخره هاء مضمومة، وعندما نصل بها ألف الندبة يجب أن تُفتح فنقول: واغلامها لكن إذا قلنا: واغلامها، التبس علينا الأمر، فلم ندر هل ندب غلام امرأة أم ندب غلام رجل، إذاً: ماذا نصنع؟ نقول: آخر المندوب مضموم وهو الهاء، والذي يجانس الضمة هو الواو، فاجعل ألف الندبة واواً وقل: واغلامهوه؛ لأنك إذا قلت: واغلامهاه؛ التبس علينا الأمر: هل أنت تندب غلام امرأة أو تندب غلام رجل، ولذلك قل: واغلامهوه، واجعل الألف واواً، وهذا معنى قوله: (أوله مجانساً).
لكن متى نوليه؟ قال: (إن يكن الفتح بوهم لابساً).
كذلك أيضاً إذا كان مكسوراً وأوهم الفتح فإننا نقلب الألف ياء، مثاله: تقول: واغلامك، تخاطب امرأة تندب غلاماً لها تفجعاً عليه، فنلحق آخر المندوب ألفاً، وعندما نلحق واغلامك ألفاً فإنه يُفتَح ما قبله، فتقول: واغلامكاه، وعندما نقول: واغلامكاه لا ندري هل نحن نندب غلام رجل أم غلام امرأة، إذاً: نبقي الكسرة التي تدل على خطاب المرأة على حالها، ونأتي بحرف يجانس الكسرة فتكون ياءً، فنقول: واغلامكيه.
إذاً: منتهى المندوب صله بالألف، إلا إذا كان وصله بالألف يوجب اللبس؛ فإنه يجب أن تقلب الألف إلى حرف مجانس للحركة؛ فإن كانت الحركة كسرة تجعل الألف ياءً، وإن كانت الحركة ضمة تقلب الألف واواً.(57/5)
زيادة هاء السكت في آخر المندوب عند الوقف عليه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وواقفاً زد هاء سكت إن ترد وإن تشأ فالمد والها لا تزد] قوله (واقفاً): حال من فاعل زد.
زد: فعل أمر.
هاء: مفعول به.
أي: زد هاء سكت حال كونك واقفاً، أي: إذا وقفت على المندوب فإنه يختم بالألف كما سبق؛ فإن شئت أن تزيد هاء سكت فافعل، (وإن تشأ فالمد) أي: تزيد المد، (والها لا تزد): مثال ذلك: تقول: واغلاماه؛ فتزيد الهاء جوازاً، ويجوز أن تقول: واغلاما.
وقوله: وإن (تشأ فالمد) ظاهره أن المد ليس بلازم وأنك لو قلت: واغلام فهو جائز، وهذا هو ما مشى عليه بعض المحشيين، فيقولون: إن قوله: (منتهى المندوب صله بالألف) الأمر هنا للاستحباب وليس للوجوب، قالوا: وإنما حملناه على الاستحباب جمعاً بينه وبين النقيض الآخر وهو قوله: (وإن تشأ فالمد) أي: تزيد المد، ولكني أنا ربما أعارضها وأن قول ابن مالك: (وإن تشأ فالمد والها لا تزد)، أي: وإن تشأ فاقتصر على المد دون الهاء، وتكون الجملة جملة واحدة.
وهذا الذي ذكرناه قد يعارض بأنه قال: (واوقفاً زد هاء سكتٍ إن ترد)، فلو قلنا: (وإن تشأ فالمد والها لا تزد) صار مكرراً مع الشطر الأول، لأنه لا يخرج عما دل عليه إذا حملناه على ما قلت أنا، وعليه فيكون حمل قوله: (ومنتهى المندوب صله بالألف) على الاستحباب وجيهاً.
إذاً: لنا ثلاث صور في المندوب: واغلامَ، بالفتح فقط، واغلاماهْ، بالألف وهاء السكت، واغلاما، بالألف فقط.(57/6)
نداء المضاف إلى ياء المتكلم بالندبة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقائل واعبديا واعبدا من في الندا اليا ذا سكون أبدى] تقدم لنا أن المضاف إلى ياء المتكلم إذا كان صحيح الآخر، ففيه خمس لغات، وإذا ناديته بالندبة ففيه لغتان -على لغة من يقول (عبديْ) بالسكون: تقول: واعبدا، واعبديا.
إذاً: عبديْ، بالياء الساكنة، يجوز في الندبة أن آتي بألف الندبة وأحذف الياء لأنها ساكنة، فأقول: واعبدا، ويجوز أن آتي بألف الندبة وأبقي الياء، وإذا أبقيتها فلابد أن أحركها بما يناسب الألف وهو الفتحة، فأقول: واعبديا.
أما على اللغات الأخرى: فعلى لغة من يفتح الياء (عبديَ) نقول: واعبديا، فنأتي بألف الندبة ونترك الياء مفتوحة على ما هي عليه، وعلى لغة حذف الياء (عبدِ) نأتي بالألف فقط: واعبدا.
فالذي يجوز فيه وجهان هو (عبديْ) بالياء الساكنة، ووجه ذلك ما ذكرنا: أننا إذا قلنا: واعبديا، فمعناها أننا أبقينا الياء وأتينا بألف الندبة، وحركنا الياء بالفتح لمناسبة الألف، وإذا قلنا: واعبدا فإننا أبقينا الياء الساكنة، فجاءت الألف فالتقى ساكنان أولهما حرف لين فحذف.
فإذا قال قائل: لماذا تحذف الياء وهي دالة على ياء المتكلم ودالة على الإضافة؟ نقول: ألف الندبة دالة على الندبة، فلو حذفناها لما وجدت ندبة، ولهذا نحذف الياء لالتقاء الساكنين.(57/7)
شرح ألفية ابن مالك [58]
الترخيم حذف آخر المنادى، وفيه لغتان: لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر، وهو في الأصل مخصوص بالنداء، وقد يكون في غير النداء في ضرورة الشعر، وللترخيم ضوابط وقواعد لابد من الالتزام بها ومعرفتها.(58/1)
الترخيم(58/2)
تعريف الترخيم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الترخيم ترخيماً احذف آخر المنادى كيا سعا فيمن دعا سعادا] الترخيم: لغة: ترقيق الصوت، ويؤتى به للتحسين، ولهذا لا يؤتى به إلا في مقام الرقة واللين، أو التعظيم أحياناً.
قوله: (ترخيماً) الظاهر أنه مفعول لأجله، لكنهم يقولون: إن الترخيم في الاصطلاح: هو حذف آخر المنادى، وإذا كان هو حذف آخر المنادى فإنه لا يصلح أن تكون (ترخيماً) مفعولاً لأجله؛ لأنه يصبح المعنى: الترخيم ترخيم، أي: رخم للترخيم، وهذا ليس له معنى، وعلى هذا إذا كان الترخيم هو حذف آخر المنادى فإنها تكون كقول القائل: جلست قعوداً، فتكون مصدراً معنوياً على رأي ابن آجروم، أو مفعولاً مطلقاً على رأي ابن مالك، كما في قوله: وقد ينوب عنه ما عليه دل كجد كل الجد وافرح الجذل إذاً: (ترخيماً): مفعول مطلق عامله قوله: (احذف).
إذاً: فالترخيم في اصطلاح النحويين: حذف آخر المنادى، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عائشة رضي الله عنها: (يا عائش).
قوله: (كياسعا فيمن دعا سعادا) هذه امرأة اسمها سعاد، إذا أردت أن أرخم بالنداء أقول: يا سعا، أو سُعا، فسواء أبقيت حرف النداء أو حذفته، المهم هو أن أحذف آخر المنادى ترخيم.(58/3)
ما يجوز ترخيمه وما لا يجوز
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وجوزنه مطلقاً في كل ما أُنث بالها والذي قد رخما] قوله: (وجوزنه مطلقاً في كل ما أنث بالها) سواء كان المؤنث بالتاء ثلاثياً، أو رباعياً، أو خماسياً، وسواء كان علماً، أو اسم جنس، أو صفة، فإنه يرخم في كل حال، فتقول في ترخيم (فلانة): يا فلان، وعائشة: يا عائش، وحمزة: يا حمز، وشاة: يا شا، وصخرة: يا صخر وهكذا.
إذاً: كل ما ختم بالتاء فإنه يرخم مطلقاً.
قوله: (والذي قد رخما بحذفها وفره بعد).
والذي قد رخم من المؤنث بالهاء (بحذفها) أي: حذف الهاء وحدها، (وفره) كما ذكرنا قبل قليل: يا حمزُ، يا عائشُ، يا فاطمُ وما أشبه ذلك.(58/4)
شروط ترخيم ما ليس مؤنثاً بالهاء
يقول المؤلف رحمه الله: [واحظلا ترخيم ما من هذه الها قد خلا إلا الرباعي].
قوله: (واحظلا) أي: امنع، (ترخيم ما من هذه الها قد خلا) (ما) بمعنى الذي، أي: امنع ترخيم الذي خلا من هاء التأنيث- (إلا الرباعي فما فوق العلم، دون إضافة ودون إسنادٍ متم).
إذاً: المنادى الخالي من تاء التأنيث لا يرخم إلا بشروط: الشرط الأول: أن يكون رباعياً، فإن كان ثلاثياً لم يرخم، فمثلاً: زيد لا يرخم؛ لأنه ثلاثي، فلا تقل: يا زي، وكذلك عمرو لا يرخم، وكل ثلاثي.
الشرط الثاني: لا بد أن يكون علماً، فإن كان غير علم فلا يرخم، فمثلاً: قائم، رباعي لكنه لا يرخم؛ لأنه ليس بعلم، أما جعفر فإنه يرخم لأنه رباعي وعلم، فتقول: يا جعف وهكذا.
الشرط الثالث: ألا يكون مضافاً، قال: (دون إضافة) فإن كان مضافاً فلا يرخم، مثل: عبد الله، فلا تقول: يا عبد؛ لأن الإضافة تفوت، والإضافة نسبة شيء إلى شيء، فأنت إذا قلت: يا عبد، إن حذفت المضاف إليه لم يتبين لنا أنه مضاف إلى شيء، وإن حذفت بعض المضاف إليه لم يصح، فلو قلنا مثلاً في: غلام جعفر: يا غلام، لا يصح، ولو قلنا: يا غلام جعف، لم يصح، إذاً لا بد أن نقول: يا غلام جعفر.
الشرط الرابع: قال: (وإسناد متم) المراد به المركب تركيباً إسنادياً، فيشترط في ترخيم ما ليس مؤنثاً بالهاء ألا يكون مركباً تركيباً إسنادياً، والمركب الإسنادي مثل: تأبط شراً، وشاب قرناها، فهذا أيضاً لا يرخم، ولو أردنا أن نرخم تأبط شراً وقلنا: يا تأبط، لم يصح.
وهناك التركيب المزجي، مثل: معد يكرب، علم على رجل، وحضرموت، علم على البلد المعين، فإذا أردت أن تنادي معد يكرب فإنه يجوز أن ترخمه؛ لأن المؤلف ما منع إلا اثنين من الترخيم وهما: التركيب الإضافي والتركيب الإسنادي.
أما التركيب المزجي فإنه جائز، فتقول: يا معد، فتحذف آخره، وأنا عندي أننا نقول: حتى في المركب تركيباً إسنادياً ينبغى أن يجوز؛ لأن المركب تركيباً إسنادياً لا يدل على اثنين، فالمسمى واحد، بخلاف المركب تركيباً إضافياً فإنه مركب من مضاف ومضاف إليه، والتركيب المزجي أيضاً لا يدل على اثنين؛ لأن معد يكرب واحد، وليس (معد) مضاف و (كرب) مضاف إليه، فما قصد منه الدلالة على التعدد، ولهذا نقول: إنه إذا جاز ترخيم التركيب المزجي فينبغي أن يجوز ترخيم التركيب الإسنادي.(58/5)
يحذف مع الآخر للترخيم ما اتصل بالآخر بشروط
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومع الأخر احذف الذي تلا إن زيد ليناً ساكناً مكملا أربعة فصاعداً والخلف في واو وياء بهما فتح قفي].
ذكرنا أن الترخيم حذف آخر المنادى، ولكن هل يحذف مع الآخر شيء؟ يقول المؤلف هنا: (ومع الآخر احذف الذي تلا إن زيد ليناً ساكناً مكملا أربعة فصاعدا.
قوله: (مع الآخر احذف الذي تلا) أي: الذي تلاه الآخر، والذي تلاه الآخر هو ما قبل الآخر، فيحذف الآخر والذي قبله بهذه الشروط: الأول: إن كان الحرف الذي قبل الآخر حرفاً زائداً.
الثاني: أن يكون حرف لين، وحروف اللين: الألف والواو والياء.
الثالث: أن يكون ساكناً.
الرابع: أن يكون حرف اللين الحرف الرابع فما زاد، (مكملاً أربعة) أي: به تمام الأربعة (فصاعداً)، احترازاً مما لو كان هو الثالث.
إذاً: يحذف في الترخيم الحرف الآخِر والذي قبله بهذه الشروط: أن يكون ما قبله زائداً، وأن يكون حرف لين، وأن يكون ساكناً، وأن يكون رابعاً فأكثر؛ مثاله: تقول في ترخيم (منصور): يا منصُ، بضم الصاد، وفي (مسكين): يا مسكُ، لكن (مسك) لك فيه وجهان: الوجه الأول: أن تبنيه على الضم، وهذه يسمونها: لغة من لا ينتظر، فتقول: يا مسكُ.
الوجه الثاني: أن تبقيها مكسورة على الأصل، وهذا على لغة من ينتظر، وهذا اصطلاح عند النحويين: فلغة من لا ينتظر يجعل الباقي كأنه اسم مستقل، ولغة من ينتظر يجعله كأنه اسم مقطوع مبتور.
وفي (عثمان) تقول: يا عثمَ، على لغة من ينتظر، ويا عثمُ، على لغة من لا ينتظر.
أما في (منصور) فقد اتفقت اللغتان؛ لأن ترخيم (منصور)، يا منصُ، بضم الصاد، هذا على لغة من ينتظر، وإذا بنيناها على الضم كذلك أيضاً تقول: يا منصُ، لكن يختلف الإعراب، فإن أجريتها على لغة من ينتظر فإنك تقول: يا: حرف نداء.
منصُ: منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الانتظار؛ لأن هذه الضمة ليست من أجل النداء، فهي الضمة الأصلية.
لكن في مثل (يا مسكين) نقول على لغة من لا ينتظر: يا مسكُ: يا: حرف نداء.
مسكُ: منادى مبني على الضم في محل نصب، وعلى لغة من ينتظر: يا مسكِ: يا: حرف نداء.
مسكِ: منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الانتظار، وكذلك نقول في (عثمَ وعثمُ).
أمثلة للتوضيح: غضنفر، لا يصح أن نحذف النون؛ لأنه ليس حرف لين، وليس رابعاً فأكثر.
عصفور، يصح أن نحذف الواو؛ لأنه حرف لين، ورابع، والظاهر أنها زائدة؛ لأنها من العصفر وهكذا.(58/6)
ترخيم ما كان قبل آخره واو أو ياء وقبلهما مفتوح
قال رحمه الله تعالى: (والخلف في واو وياء بهما فتح قفي).
الواو والياء من حروف اللين لا شك؛ لأن حروف اللين مجموعة في قولك: (واي) فهذه حروف اللين: الواو والألف والياء، إذا كان الواو قبله مفتوح والياء قبله مكسور.
يقول المؤلف: (والخلف في واوٍ وياء بهما فتح قفي) فتح: مبتدأ، قفي: الجملة خبر المبتدأ، بهما: جار ومجرور متعلق بقفي، أي: والخلف في واو وياء جاءا بعد فتح.
فمنهم من قال: تحذف الواو وتحذف الياء.
ومنهم من قال: لا تحذفان بل تبقيان.
مثال ذلك في الواو: فرعون، الواو من حروف اللين، والذي قبله حركة غير مناسبة، وهي الفتحة.
ومثالها في الياء: غرنيق فالياء رابعة وزائدة أيضاً، ولكن الذي قبلها مفتوح، فهي حركة غير مناسبة.
فتقول في (فرعون): يا فرعو، هذا قول، والقول الثاني: تقول: يا فِرعَ، وفي (غرنيق) تقول على القول الأول: يا غرني، وعلى القول الثاني: يا غرنَ.(58/7)
ترخيم المركب وترخيم الجملة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والعجز احذف من مركب وقل ترخيم جملة وذا عمرو نقل] قوله: (والعجز احذف من مركب) هذا أبلغ من حذف حرفين، فالترخيم حذف حرف واحد، ومنه ما فيه حذف حرفين، وهنا حذف العجز كله، والعجز يحذف من المركب، مثل: معدي كرب، هذا مركب تركيباً مزجياً، إذا رخمناه نقول: يا معدي، فحذفنا (كرب)، فصار المحذوف ثلاثة أحرف، حتى لو فرض أن عجز المركب أكثر من ثلاثة أحرف فإنه يحذف كل العجز، مثل: حضرموت، عجزه ثلاثة حروف، تحذف كلها، ومثله: بعلبك، عجزه ثلاثة حروف؛ لأن الكاف مشددة، فهي ثلاثة حروف.
المهم: أن المركب يحذف عجزه كله، ولا يدخل التركيب الإضافي في هذا الحكم؛ لأنه تقدم معنا قول المؤلف: (دون إضافة وإسناد متم).
ويقول هنا: (وقل ترخيم جملة) أي: أن ما ركب تركيب جملة فإن ترخيمه قليل، ومنه: تأبط شراً، فهذا مركب تركيباً إسنادياً، وهو جملة؛ لأن تأبط: فعل ماض، والفاعل مستتر، وشراً: مفعول به، هذه الجملة كلها اسم رجل سمي تأبط شراً، فصار مركباً تركيباً إسنادياً، فهل يجوز أن يرخم؟ نقول: سبق في كلام المؤلف أنه لا يجوز؛ لأنه قال: (دون إضافة وإسناد متم) لكن هنا ناقض وقال: (وقل ترخيم جملة) فيحمل قوله فيما سبق: (دون إضافة وإسناد متم) على أن المراد بالنسبة للإسناد الكثرة، أي: أنه لا يكثر ترخيم المركب تركيباً إسنادياً.
فالمركبات عندنا ثلاثة أنواع: إسنادي، وإضافي، ومزجي، فالمزجي يجوز وبكثرة، والإضافي لا يجوز مطلقاً، والإسنادي يجوز لكن بقلة، ولهذا قال: (وقل ترخيم جملة).
وإذا أردنا أن نرخم (شاب قرناها) نقول: يا شاب، ونحذف قرناها.
قوله: (وذا عمرو نقل): ذا: اسم إشارة مبتدأ مبني على السكون في محل رفع.
عمرو: مبتدأ ثان مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره.
نقل: فعل ماض، والفاعل مستتر تقديره هو، والجملة خبر المبتدأ الثاني، والجملة الاسمية خبر المبتدأ الأول.
وعمرو هذا هو سيبويه إمام أهل البصرة في النحو، فقوله: (عمرو نقل) أي: نقل عن العرب، ومن المعلوم أن أئمة النحو ما جاءتهم الإمامة هكذا بدون تعب، بل لقد كانوا يتعبون ويخرجون إلى البراري ويتلقون الأعراب الذين ما دخلوا في المدن ولا تغيرت ألسنتهم، فينقلون عنهم الكلام، فمن جملة ما نقله سيبويه: أنهم -أي العرب- يرخمون المركب تركيباً إسنادياً، وكون ابن مالك يقول: (وذا عمرو نقل) ويأتي بهذا ليقوي كلامه دليل على أن ترخيم المركب تركيباً إسنادياً قليل جداً، وهو كذلك.
خلاصة البحث من هنا وما سبق: أن المرخم يحذف منه حرف واحد وحرفان والعجز مطلقاً، هذا بالنسبة لما يحذف.
ثانياً: المركب ثلاثة أقسام: مركب تركيباً إضافياً، ومركب تركيباً إسنادياً، ومركب تركيباً مزجياً، فالمركب تركيباً إضافياً لا يرخم، والمركب تركيباً إسنادياً يرخم بقلة، والمركب تركيباً مزجياً يرخم بكثرة.(58/8)
يجوز في الاسم المرخم لغتان
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن نويت بعد حذف ما حذف فالباقي استعمل بما فيه ألف واجعله إن لم تنو محذوفاً كما لو كان بالآخر وضعاً تمما فقل على الأول في ثمود يا ثمو ويا ثمي على الثاني بيا] قوله: (وإن نويت بعد حذف ما حذف) (ما) في قوله: (ما حذف): مفعول نويت، أي: إن نويت ما حذف بعد حذفه (فالباقي استعمل بما فيه ألف) الظاهر أن الباء هنا بمعنى: (على) أي: فاستعمل الباقي على ما ألف فيه قبل الحذف، أي: اجعله على حاله.
تقول مثلاً: يا مسكِ، وتقول: يا عثمَ، يا منصُ، فهنا لم نغير من الحركات شيئاً، ونقول في الإعراب: عثمَ: منادى مرخم مبنى على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الانتظار.
قال: واجعله إن لم تنو محذوفاً كما لو كان بالآخر وضعاً تمما أي: اجعل المرخم إن لم تنو المحذوف كما لو كان الحرف موجوداً.
فقوله: (بالآخر وضعاً تمما) أي: كما لو كان هذا المرخم تمم بالحرف الأخير الموجود وضعاً، ومعنى (وضعاً) أي: بحسب وضع العرب، فلا نلتفت للمحذوف إطلاقاً، فنقول في عثمان: يا عثمُ، وفي مسكين: يا مسكُ، وفي منصور: يا منصُ، على أن تكون هذه الضمة ليست الحركة الأصلية، ولهذا نقول في (يا منصُ) على هذا: يا: حرف نداء.
منصُ: منادى مبني على الضم في محل نصب؛ لأننا قدرنا أن هذه الحركة -الضمة- حركة بناء لا حركة انتظار.
وإذا كان آخره حرف علة مثل: يا فرعو، على لغة من لا يحذف الواو، نقول: منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره الثقل، وكذلك نقول في (غرنيق): يا غرني، ونعربها مثل (فرعون)، وقد ذكرنا أن غرنيق اسم طائر، واشترطنا في الترخيم أن يكون علماً أي: اسم إنسان.
أمثلة للتوضيح: نقول في (حمزة) على لغة من ينتظر: يا حمزَ، وعلى لغة من لا ينتظر: يا حمزُ، ونقول في (قتادة) على لغة من ينتظر: يا قتادُ، وعلى لغة من لا ينتظر: يا قتادُ وهكذا.
يروى أن ابن عباس رضي الله عنهما قيل له: إن ابن مسعود قرأ قوله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77]: (ونادوا يا مالِ)، فقال: (ما كان أشغل أهل النار عن الترخيم).
وعلى كل حال: إذا ثبتت القراءة فإما أن يقال: إنهم عجزوا عن إتمام الكاف، وإما إن يقال: رخموا من باب الاستعطاف.
قال رحمه الله تعالى: (فقل على الأول في ثمود يا ثمو ويا ثمي على الثاني بيا) قوله: (فقل على الأول) الأول: إذا نويت بعد حذف ما حذف، أي: على لغة من ينتظر، قل عليه في (ثمود): يا ثمو فنقول: ثمو: منادى مبني على ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل.
قال: (ويا ثمي على الثاني بيا) أي: على لغة من لا ينتظر، وإذا قال قائل: لماذا قلنا: يا ثمي ولم نقل يا ثَمُ؟ يقولون: لأنه لا يوجد اسم معرب آخره واو مضموم ما قبلها، أما المبني فيوجد مثل: هو، وكذلك يوجد غير العربي، مثل قمندو، سمندو، ونحو ذلك.
ولهذا يقولون في (ثمود) على لغة من لا ينتظر: يلزم أن نجعله بالياء (يا ثمي) مثل قاضي وداعي وهادي وما أشبه ذلك، وعلى هذا نقول في إعرابه: يا: حرف نداء.
ثمي: منادى مرخم مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره الثقل.
وفي غير ثمود مثل مسكين نقول فيه: يا مسكِ على لغة من ينتظر، ويا مسكُ على لغة من لا ينتظر.(58/9)
ما يلتزم فيه لغة واحدة عند ترخيمه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والتزم الأول في كمُسلمه وجوز الوجهين في كمَسلمه].
قوله: (والتزم الأول) أي: لغة من ينتظر، وهو قوله: (إن نويت بعد حذفٍ ما حذف) هذا هو الأول، فالتزمه في كمُسلمة، فإذا ناديت امرأة بهذا الاسم (مسلمة) وأردت الترخيم فتحذف الهاء فتقول: يا مسلمَ، على لغة من ينتظر؛ فهنا تتعين لغة من ينتظر؛ لأنه لو أتينا بها على لغة من لا ينتظر وقلنا: يا مسلمُ؛ اشتبه المنادى المذكر بالمؤنث، حتى لو فرض أنك تناديها من قرب فتقول: يا مسلمُ، ستلتفت عليك وتقول: من تريد؟ لكن تقول: يا مسلمَ، على لغة من ينتظر.
وقوله: (التزم) فعل أمر، والأمر للوجوب، فالعلة في وجوب الالتزام هنا خوف اللبس.
قوله: (وجوز الوجهين) الوجهان هما: لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر، في (كمَسلمة) مسلمة ليست علماً بل اسم مكان من السلامة، فليست علماً يختلف فيه المذكر والمؤنث ولكنها اسم مكان، والمكان يصلح تذكيره وتأنيثه، تقول: مسلمة، أي: هذا المكان مسلمة، كما نقول: مفازة ومهلكة وما أشبه ذلك، فإذا أردت أن ترخم تقول: مسلمَ، ومسلمُ؛ لأنه ليس فيه التباس، وإن كان علماً فهو منقول من اسم المكان إلى العلمية.
وخلاصة الكلام: أنه يجوز لنا في الترخيم لغتان: لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر، فإن حصل لبس في التزام إحداهما وجب العدول عنه وأتينا بالوجه الذي لا يلتبس.(58/10)
ترخيم غير المنادى للضرورة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولاضطرار رخموا دون ندا ما للندا يصلح نحو أحمدا].
قوله: (لاضطرار رخموا دون ندا) الفاعل في (رخموا) يعود على العرب؛ لأن النحويين لا يستطيعون أن يغيروا في اللغة، إذاً: العرب رخموا للضرورة بدون نداء، لكن بشرط أن يكون هذا المرخم صالحاً للنداء.
مثاله: أحمد، لو فرضنا أن (أحمد) جاءت في سياق بيت من الشعر لو أبقيناها على ما هي عليه لاختل وزن البيت، إذاً نحذف آخرها ونقول: أحمَ أو أحمُ، على حسب الإعراب؛ لأنه لا يوجد هنا نداء.
ومثاله قول الشاعر: لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره طريف بن مالٍ ليلة الجوع والخصر الشاهد: قوله: طريف بن مال، وأصله: مالك، (لنعم الفتى) الفتى: فاعل، وطريف: مبتدأ مؤخر، وهو المخصوص بالمدح (ابن مال) أصله: ابن مالك، رخمه بدون نداء للضرورة.
وهذا آخر باب الترخيم، فصار الترخيم في الأصل خاصاً بالنداء، ولكنه قد يرخم في غير النداء للضرورة فقط، والمقصود بالضرورة الشعر.(58/11)
شرح ألفية ابن مالك [59]
الاختصاص يشبه النداء لكن يمتنع أن يجيء فيه حرف النداء، ويكون المخصوص منصوباً بفعل محذوف.
والإغراء والتحذير من الأساليب البليغة في اللغة العربية، والمحذر منه أو المغرى به يكون منصوباً بفعل محذوف وجوباً، وقد يكون الحذف جائزاً.(59/1)
الاختصاص
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الاختصاص الاختصاص كنداء دون يا كأيها الفتى بإثر ارجونيا].
الاختصاص بالشيء معناه: الانفراد به وقصر الحكم عليه، تقول: اختصصت بكذا بمعنى: انفردت به، ولهذا يقال: هذا مالك الخاص، وهذا بيتك الخاص، وهذا الكتاب خاص بفلان، أي: أنه منفرد به عن غيره ومقصور عليه.
ومعنى الاختصاص في الاصطلاح قريب من المعنى اللغوي؛ لأن المتكلم يقصر الحكم على نفسه، وله شروط أفادها المؤلف بقوله: الاختصاص كنداء دون يا كأيها الفتى بإثر ارجونيا (ارجونيا) أصله ارجوني، فالألف هنا للإطلاق، تقول: ارجوني أيها الفتى، و (أيها الفتى) للمتكلم، والاختصاص لا بد أن يكون مسبوقاً بشيء سواء بجملة أو بغير جملة، وأما النداء فلا يشترط، تقول: يا محمد، يا بكرُ، يا خالدُ، يا عمرو، وما أشبه ذلك.
وأما الاختصاص فلابد أن يسبقه شيء، كأن تسأل الله عز وجل أن يرحمك فتقول: يا رب اغفر لي عبدَك الضعيف، وما أشبه ذلك، فأنت تتذلل له.
الإعراب: ارجوني: ارجوا: فعل أمر مبني على حذف النون، والنون للوقاية، والياء مفعول به، والواو فاعل للجماعة، مثل قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] وارجوني على وزن ادعوني.
أيها: أي: مفعول لفعل محذوف تقديره: أخص أيها الفتى، ولا تقل: يا أيها الفتى؛ لأنها ليست منادى، وهذا من الغريب؛ لأنك لو قلت إنها منادى فإنه ليس من العادة أن الإنسان ينادي نفسه، لكن لو قلت: أخص أيها الفتى، صح، ولهذا يقولون: (أي) مفعول به مبني على الضم في محل نصب، والهاء للتنبيه.
الفتى: صفة لأي تابع للفظه، وإنما قلنا: تابع للفظه؛ لأننا لو أبدلنا الفتى الذي هو مقصور باسم صحيح الآخر وقلنا: ارجوني أيها الرجلُ، اتباعاً للفظ، فيكون الرجل صفة لأي تابعاً للفظه، فهو مبني على الضم في محل نصب.
إذاً: فهمنا أن الاختصاص مثل النداء لكنه يختلف عنه بأمور: أولاً: أنه لا بد أن يكون مسبوقاً بشيء؛ لقول المؤلف: (بإثر).
ثانياً: أنه لا يقترن بياء النداء؛ لقوله: (دون يا).
ثالثاً: أنه يكون للمتكلم ومعه غيره.
وقوله: (ارجوني أيها الفتى) للمتكلم.
قوله: (وقد يرى) فيها نائب فاعل يعود على الاختصاص، أي: قد يرى الاختصاص دون أي تلو أل؛ لأن المثال الذي ذكره المؤلف فيه (أي) (أيها الفتى) لكن قد يرى دون أي تلو أل، أي مقروناً بأل، مع أنه لو كان نداء لما اقترن بأل؛ لأن المنادى لا يقرن بأل وإلا جيء بأي قبله كما سبق.
مثاله: (نحن العرب أسخى من بذل).
نحن: مبتدأ، وخبرها: أسخى.
العرب: منصوبة على الاختصاص، والمعنى: نحن أخص العرب أسخى من بذل.
إذاً: عندنا الآن ثلاث صور: الصورة الأولى: أن يكون الاختصاص مقروناً بأي.
الصورة الثانية: أن يكون معرفاً بأل دون أي.
الصورة الثالثة: أن يكون مضافاً، مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث).
نحن: مبتدأ، وجملة (لا نورث) خبره.
معاشر الأنبياء: منصوب على الاختصاص، أي: نحن أخص معاشر الأنبياء لا نورث.
فصار الآن كأن الاختصاص يفسر الضمير السابق وهو (نحن) من (نحن العرب) فالعرب فسرت الضمير (نحن)، والياء من (ارجوني أيها الفتى)، ونحن من (نحن معاشر الأنبياء)، ولهذا قلنا: لابد أن يسبقه ضمير إما للمتكلم أو للمتكلم معه غيره، حتى يكون كالتفسير له.
إذاً صور الاختصاص ثلاث: أن يقرن بأي، وأن يقرن بأل، وأن يضاف، وكله يكون منصوباً بفعل محذوف تقديره: أخص.
قوله: (نحن العرب أسخى من بذل)، هذا صحيح، فإنه لا يوجد في الأمم أكرم من العرب أبداً، ولا أزكى نسباً ولا أطيب محتداً من العرب، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام الذي هو أفضل الرسل من العرب، وقد قال الله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124]، فلولا أن هذه الأمة -أمة العرب- خير الأمم ما جعله الله منها، ولكن بعد الإسلام صار خير الناس المسلمين، سواء من العرب أو من غير العرب، ولكن يزداد المسلم العربي طيباً إلى طيبه.(59/2)
التحذير والإغراء(59/3)
أنواع التحذير وأحكامه
قوله: (إياك والشر ونحوه نصب) إياك والشر: مفعول مقدم لنصب على أنه مراد به لفظه.
ونحوه: الواو حرف عطف، نحو: معطوف على (إياك والشر) على أنه يريد به اللفظ؛ لأن (إياك والشر) بمعنى: هذا اللفظ، أو هذا التركيب ونحوه.
(نصب محذراً) أي: أن المحذر نصب (إياك والشر) وما أشبهه، مثل: إياك والأسدَ، إياك والرياء، إياك والخنا، إياك والغيبة، وما أشبه ذلك.
وقوله: (بما) أي: نصبه بعامل، فـ (ما) هنا نكرة موصوفة، (استتاره وجب) عبر هنا بالاستتار على سبيل التسامح؛ لأن المراد بالاستتار هنا الحذف، والاستتار -كما هو معلوم- إنما يكون في الضمائر، وهذا الذي معنا من باب الحذف وليس من باب الاستتار، فهو من باب التسامح، أو من باب استعمال الاستتار في غير معناه الاصطلاحي، بل في معناه اللغوي، فمراده بما استتاره وجب أي: بما وجب حذفه.
ولذلك فإعراب (إياك والشر) يقولون: إياك: مفعول لفعل محذوف وجوباً تقديره: أحذر، وأصل التركيب (أحذرك)، فالضمير في (أحذرك) ضمير متصل، ولما حذفنا الفعل لم نجد شيئاً يتصل به الضمير، فاضطررنا إلى فصل الضمير وقلنا: إياك، فعلى هذا يكون (إياك) ضميراً منفصلاً مبنياً على السكون في محل نصب بعامل محذوف والتقدير: أحذر، وإن كان الظاهر في كلام الشارح (احذر) لكن الصواب: أُحذر.
والأسد: الواو: حرف عطف، الأسد: مفعول لفعل محذوف أيضاً، وليس معطوفاً على (إياك)؛ لأنه لو قلنا إنه معطوف على (إياك) لفسد المعنى، وصار المعنى: أحذرك وأحذر الأسد، وهذا لا يستقيم، إذاً يكون مفعولاً لفعل محذوف تقديره: إياك أحذر وجانب الأسد أو واجتنب الأسد، فيكون من باب عطف جملة على جملة.
وقوله: (بما استتاره وجب) يدل على أنه لا يجوز أن تبرز الفعل هنا، فلو قلت: إياك أحذر، لما كان من باب التحذير، وإنما يكون جملة مستقلة ولا تسمى تحذيراً، وإنما سمي (إياك والشر) تحذيراً مع حذف العامل لأن هذا أبلغ في تنبيه المخاطب، فلو قال: أحذرك لما صار له أثر في نفس المخاطب كما يقول: إياك، ولاسيما في الصيغة الثانية التي تكرر فيها (إياك).
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ودون عطف ذا لإيا انسب وما سواه ستر فعله لن يلزما إلا مع العطف أو التكرار كالضيغم الضيغم يا ذا الساري].
قوله: (ودون عطف) أي: إنك إذا أتيت بالتحذير بدون عطف فقلت: إياك الشر، فيقول: (لإيا انسب) أي: انسب التحذير لإيا.
قوله: (وما سواه ستر فعله لن يلزما) بل يجوز ذكر فعله، مثلما لو قلت أحذر زيداً الأسد، فهنا لا يلزم أن نحذف الفعل، بل يجوز ذكره ويجوز حذفه إذا دلت عليه القرينة.
(إلا مع العطف أو التكرار كالضيغم الضيغم يا ذا الساري) أي: فيجب ستر الفعل مثل: الضيغم الضيغم، والضيغم اسم للأسد، فالضيغم الضيغم هذا محذَّر مفعول لفعل محذوف ويحذف من أجل التكرار.
قال الشارح رحمه الله تعالى: [التحذير: تنبيه المخاطب على أمر يجب الاحتراز منه، فإن كان بإياك وأخواته وهو: إياكِ وإياكما وإياكم وإياكن وجب إضمار الناصب، سواء وجد عطف أم لا، فمثاله مع العطف: إياك والشر، فإياك: منصوب بفعل مضمر وجوباً والتقدير: إياك أحذر، ومثاله بدون العطف: إياك أن تفعل كذا، أي: إياك من أن تفعل كذا].
والتقدير كما سبق: أحذرك من فعل كذا، لكنه انفصل الضمير من أجل حذف العامل لأننا لم نجد عاملاً يتصل به.
وإنما قلنا: إن (إياك أن تفعل كذا) بمعنى: إياك من أن تفعل كذا؛ لأن (أن) هنا على تقدير (من)؛ لأنه لو قال: أحذرك فعل كذا، لما صار هناك محذراً منه، وهو لن يكون محذراً منه إلا على تقدير (من).
قال الشارح: [وإن كان بغير إياك وأخواته، وهو المراد بقوله: (وما سواه) - فلا يجب إضمار الناصب إلا مع العطف، كقولك: مازِ رأسك والسيف، أي: يا مازنُ قِ رأسك واحذر السيف أو التكرار نحو: الضيغم الضيغم].
قوله: ماز رأسك والسيف، أصله: مازنُ، لكنه منادى مرخم بحذف آخره وهو النون، لقول المصنف فيما سبق: (كيا سعا فيمن دعا سعادا).
ورأسك: مفعول لفعل محذوف تقديره: قِ.
والسيف: الواو: حرف عطف، السيف: مفعول لفعل محذوف تقديره: واحذر، أو جانب السيف، وما أشبه ذلك.
قال الشارح: [أو التكرار نحو: الضيغم الضيغم، أي: احذر الضيغم، فإن لم يكن عطف ولا تكرار جاز إضمار الناصب وإظهاره نحو: الأسدَ، أي: احذر الأسدَ، فإن شئت أظهرت وإن شئت أضمرت].
فصار الآن إذا جاءت (إيا) فلا بد من الإضمار، وما سوى (إيا) فإن تكرر وجب الإضمار، وإن لم يتكرر جاز الإضمار والإظهار، كما لو قلت: الأسدَ، فإنه يجوز أن أقول: احذر الأسدَ، أما لو قلت: الأسد الأسد، فإنه لا يجوز أن تأتي بالفعل.(59/4)
شذوذ التحذير بإياي وإياه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وشذ إياي وإياه أشذ وعن سبيل القصد من قاس انتبذ] قوله: (وشذ إياي)؛ لأن التحذير يكون للمخاطب (إياك)، ولا يكون للمتكلم، فلا تقل: إياي والشر، فإنه شذوذ، والشاذ معناه: أنه مخالف للقياس.
قوله: (وإياهُ أشذ) أي: أكثر شذوذاً، وذكر له مثالاً في الشرح قال فيه: إذا بلغ الرجلُ الستين فإياهُ وإيا الشواب، أي: النساء الشابات، أي: لا يتزوج بهن، يقول: إذا بلغ هذا السن فليحذر الشواب.
والشاهد قوله: (فإياهُ) حيث حذر بضمير الغيبة، وهذا شاذ.
إذاً: فالتحذير بـ (إيا) يكون للمخاطب والمتكلم والغائب، والمخاطب هو الكثير الوارد، والمتكلم شاذ، والغائب أشذ.
قوله: (وعن سبيل القصد من قاس انتبذ).
عن سبيل: جار ومجرور متعلق بانتبذ، أي: من قاس هذه الضمائر على المخاطب فقد خرج وبعد عن سبيل القصد وهو منهج الحق، كأن المؤلف رحمه الله يرد قول من يقول: إنه مقيس، ويرى أنه مقتصر فيها على السماع.(59/5)
الإغراء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكمحذر بلا إيا اجعلا مغرى به في كل ما قد فصلا] الإغراء ضد التحذير، فهو إذاً: تنبيه المخاطب على أمر يرغب أن يحصل عليه، فأغريته أي: نبهته على أمر ينبغي أن يأخذ به، فلا تستعمل فيه (إيا)، بل يأتي بدون (إيا)، مثل قوله صلى الله عليه وسلم (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)، فقوله: (الصلاةَ الصلاةَ) نقول فيها: منصوبة على الإغراء والتقدير: الزموا الصلاة، فهي إذاً مفعول لفعل محذوف على الإغراء، والصلاة الثانية توكيد.
ومثله في كلام المؤلف: (الضيغم الضيغم يا ذا الساري)، لكن هذا تحذير، والصلاة الصلاة إغراء، ومثله أيضاً أن تقول: العلم العلم، أي: الزم العلم العلم.(59/6)
شرح ألفية ابن مالك [60]
تنوب عن الأفعال أسماء تسمى أسماء الأفعال، وهي تعمل عمل الأفعال وتكون مبنية، وبعضها سماعي وبعضها قياسي، وهناك ما يسمى أسماء الأصوات، وهي مبنية أيضاً.
وللتوكيد نونان تلحقان فعل الأمر والفعل المضارع، ولهما أحكام من حيث موضعهما وما يحذف لهما وغير ذلك.(60/1)
أسماء الأفعال والأصوات
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أسماء الأفعال والأصوات].
أسماء الأفعال أي: الاسم الذي وضع علماً على الفعل فلا يسمى شخص باسمه، هذا معنى قوله: (أسماء الأفعال) فهي أسماء جعلت للأفعال، مثل ما تقول: هذا زيد، هذا عمرو، هذا خالد، يوضع اسم للفعل، وهو على ثلاثة أقسام: ما وضع للأمر، وما وضع للماضي، وما وضع للمضارع.(60/2)
أسماء الأفعال
قال المصنف: [ما ناب عن فعل كشتان وصه هو اسم فعل وكذا أوه ومه] قال رحمه الله تعالى: (ما ناب عن فعل) ثم قيد هذه النيابة بمثال فقال: (كشتان وصه) فليس المقصود كل ما ناب عن فعل؛ لأن اسم الفاعل ينوب عن الفعل، والمصدر ينوب عن الفعل، وليس كنيابة شتان عنه، وقد قال ابن مالك في أول الألفية: (وكنيابة عن الفعل بلا تأثر) لأجل أن يخرج اسم الفاعل؛ فإنه نائب مناب الفعل، لكنه يتأثر بالعوامل، تقول مثلاً: أنا مكرم زيداً، فمكرم نابت عن كلمة (أكرم) لكنها تتأثر بالعوامل، والمراد هنا ما ناب عن فعل ولم يتأثر بالعوامل، ولهذا قيد ذلك بالمثال بقوله: (كشتان وصه).
شتان: اسم فعل ماض؛ لأنه بمعنى: افترق، وصه: اسم فعل أمر بمعنى: اسكت، ونحن نقول بدل (صه) باللغة العامية: أص، فهي محرفة من (صه) وليست مقتضبة من (اسكت) فلا يقال: إن أصل (أص): اسكت؛ لأنه إذا قلنا بهذا لزم حذف التاء والكاف وإبدال السين صاداً، لكن إذا قلنا: إنها نائبة عن (صه) فهو أقرب.
وقوله: (أوه) اسم فعل مضارع بمعنى: أتوجع.
(ومه) اسم فعل أمر بمعنى: اكفف عن الشيء.
إذاً: شتان للماضي، وصه للأمر، وأوه للمضارع، ومه للأمر.(60/3)
كثرة ورود اسم الفعل في الأمر وقلته في الماضي والمضارع
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وما بمعنى افعل كآمين كثر وغيره كوي وهيهات نزر] قوله: (وما بمعنى افعل) وهو اسم فعل الأمر (كآمين كثر) آمين معناها: استجب، فهي هنا اسم فعل أمر، لكنها بالنسبة لله عز وجل نقول: اسم فعل دعاء، ولا نقول: أمر؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يوجه إليه الأمر، إذ إن الأمر هو طلب الفعل على سبيل الاستعلاء.
وعليه نقول في إعراب آمين: اسم فعل أمر مبني على الفتح، لكنه يسكن إذا وقف عليه.
وقوله: (وغيره) أي: غير الذي بمعنى افعل، وهو يشمل اسم الفعل الماضي واسم الفعل المضارع، (كوي وهيهات نزر) (وي) بمعنى: أعجب، ويقول المؤلف: إنها قليلة، مع أنها وردت في القرآن كثيرة، قال تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص:82].
(وهيهات) بمعنى: بعد، كقوله تعالى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون:36].
فهيهات: اسم فعل ماض بمعنى (بعد) مبني على الفتح، وهيهات الثانية توكيد لها، واللام في قوله: ((لِمَا تُوعَدُونَ)) قالوا: إنها زائدة.
و (ما) فاعل مبني على السكون في محل رفع، و (توعدون) صلته، أي: هيهات هيهات الذي توعدونه، وقد جاءت بدون اللام في قول الشاعر: فهيهات هيهات العقيق ومن به وهيهات خل بالعقيق نواصله الشاهد: أنه عداه إلى الفاعل بدون لام.
إذاً: نأخذ من هذا البيت قاعدة وهي: أن أسماء الأفعال إذا كانت بمعنى الطلب فهي كثيرة، وبمعنى الماضي والمضارع قليلة.
نرجع إلى كلمة (آمين)؛ لأننا نقولها في كل صلاة، ففيها لغة (أمِين)، وهي لغة صحيحة لكنها قليلة جداً.
و (آمِّين) لا يصح؛ لأنه يختلف المعنى، لأن (آمِّين) بمعنى: قاصدين، قال تعالى: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة:2].
ونسمع بعض الذين يؤمنون يقولون: أمِين، وهي لغة لكنها قليلة، والأفصح بالمد: آمين، ولهذا قال الفقهاء: يحرم تشديد ميمها، فإن فعل بطلت صلاته؛ لأنك إذا شددته صارت بمعنى: قاصدين، فتتكلم بكلام لا يجوز في الصلاة فتبطل صلاتك.(60/4)
مجيء اسم الفعل من الظرف والجار والمجرور
قوله: (والفعل من أسمائه عليك) الفعل: مبتدأ.
من أسمائه: جار ومجرور خبر مقدم.
وعليك: مبتدأ مؤخر، والجملة خبر المبتدأ.
أي: من أسماء الأفعال عليك، تقول: عليك زيداً، بمعنى الزم زيداً، ونحن نقول بالعامية: عليك به، أي: الزمه.
عليك: اسم فعل أمر بمعنى: الزم، وبني على الفتح مراعاة للشكل؛ لأن (عليك) شكلها جار ومجرور فتبقى هكذا.
إذاً (عليك): اسم فعل أمر مبني على الفتح، وفيه ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، والكاف هذه من بنية الفعل.
زيداً: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.
قوله: (وهكذا دونك) دونك أيضاً من أسماء الفعل، و (دونك) أصلها ظرف، وليس أصلها اسم فعل، بل أصلها ظرف وهو دون مضافاً إلى كاف الخطاب، لكنها تستعمل اسم فعل أمر بمعنى: خذ، تقول: دونك الكتاب، أي: خذه، (مع إليك) كذلك إليك أصلها جار ومجرور، إلى: حرف جر، والكاف اسم مجرور، ولكنها تستعمل اسم فعل أمر بمعنى تنحَّ، أي: ابعد عني، نقول: إليك عني فإني عنك مشغول، أي: تنحَّ عني.
وقد ذكر ابن القيم في بدائع الفوائد -وهو كتاب لـ ابن القيم على اسمه بدائع فوائد، ليس مبوباً، بل كلما طرأ عليه فائدة كتبها في هذا الكتاب، ولكنه كتاب جيد- ذكر بحثاً في حَمِدَ ومَدَحَ وكيف أن العرب فرقت بينهما، وجعلت هذا له معنى وهذا له معنى، مع أن الحروف واحدة وأطال كما هي عادته رحمه الله، طويل النفس في هذا الأمر أتى بالعجب العجاب -وشيخه هو ابن تيمية - ولكنه كما قال القائل: تألق البرق نجدياً فقلت له إليك عني فإني عنك مشغول كان مشغولاً بما هو أهم من مباحث النحو رحمه الله، فقد كان مشغولاً في مناظرة الفلاسفة والمناطقة وأهل الكلام، وغيرهم، كما يعلم من كتاباته رحمه الله وجزاه خيراً.
فالحاصل أن قوله: إليك عني أي: تنحَّ عني.
إعراب: دونك الكتاب: دونك: اسم فعل أمر مبني على الفتح، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنت.
الكتاب: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره.
وإليك مثلها.(60/5)
مجيء اسم الفعل من المصدر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كذا رويد بله ناصبين ويعملان الخفض مصدرين].
(رويد) تأتي مصدراً، قال تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق:17]، وتأتي اسم فعل، تقول: رويد زيداً، أو رويدك زيداً، وفي هذه الحال تكون اسم فعل أمر، وكذلك (بله) ولكنها تستعمل أحياناً مصدراً، وإذا استعملت مصدراً فإنها لا تكون اسم فعل، بل تكون مصدراً مضافاً إلى ما بعده، ولهذا قال: (ويعملان الخفض مصدرين).
قوله: (وما لما تنوب عنه من عمل لها) أي: أن اسم الفعل يعمل عمل الفعل البليغ واسم له، فإن كان لازماً فهو لازم، وإن كان متعدياً فهو متعد، فمثلاً: صه، لازم؛ لأنه بمعنى اسكت، واسكت فعل لازم، فلا يتعدى إلى مفعول.
و (دونك الكتاب) متعد؛ لأنه بمعنى: خذ، فيكون ناصباً لمفعوله.
يقول المؤلف: (وأخر ما لذي فيه العمل) المشار إليه في قوله: (وأخر ما لذي) أسماء الأفعال، أي: أخر ما لأسماء الأفعال فيه العمل، أي: أن مفعولها لا يتقدم عليها، فمثلاً: دونك زيداً، لا يصح أن تقول: زيداً دونك.
وإذا قال قائل: يرد عليكم قوله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء:24] فإن (كتابَ) مقدم على (عليكم)، وعليكم اسم فعل بمعنى: الزموا.
أجاب عنه المانعون فقالوا: (كتابَ) مفعول لفعل محذوف دل عليه (عليكم)، والتقدير: الزموا كتاب الله، ومجيء (عليكم) كتأكيد له.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [واحكم بتنكير الذي ينون منها وتعريف سواه بين].
(سواه) أي: سوى ما ينكر، أي: إذا أتيت باسم الفعل منوناً فهو عام، وإن أتيت به غير منون فهو خاص، مثلاً: سألني سائل في أثناء الدرس فقلت له: صهْ، فسأل سؤالاً آخر، فإنه لا يكون مخالفاً؛ لأن (صهْ) تعني اسكت عن هذا الكلام فقط؛ لأنها معرفة، فإن قلت: صهٍ، بالتنوين، فالمعنى: اسكت عن كل شيء، وهذا لا يعرفه إلا صاحب النحو.
إذاً: الفرق بين ما يراد به العموم وما يراد به الخصوص: إن نونت فهو للعموم، وإن لم تنون فهو للخصوص.
واحد مثلاً في الدرس وكان يتلفت، إن فتح الباب التفت، وإن تحرك أحد التفت، وإن أحد حرك المسجل التفت، وإن فتح الكتاب التفت، وقلت له: مهْ، فالمعنى: اكفف عن هذا الفعل المعين الذي فيه تشاغل عن الدرس.
وأما إذا قلت: مهٍ، فالمعنى: اكفف عن كل شيء، أي: لا تحرك شيئاً حتى الكتاب الذي معك، ولهذا يمكن أن يعرف المدرس هل فهم الطالب أم لا بهذه الطريقة، فإذا قال له: صهٍ، ثم سكت عن هذا الكلام وجاء بكلام آخر، فإنه يكون غير ممتثل، أما إذا قلت له: صهْ، ثم أتى بكلام آخر فإنه يكون ممتثلاً.(60/6)
أسماء الأصوات
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وما به خوطب ما لا يعقل من مشبه اسم الفعل صوتاً يجعل كذا الذي أجدى حكاية كقب والزم بنا النوعين فهو قد وجب] قوله: (وما به خوطب ما لا يعقل).
ما: مبتدأ، خبره: يجعل.
صوتاً: مفعول يجعل الثاني مقدم، أي: الذي خوطب به ما لا يعقل.
و (ما): نائب فاعل خوطب، أي: ما خوطب به الذي لا يعقل يجعل صوتاً من مشبه اسم الفعل.
مثاله: أن تقول للبعير: حي، أي: قم، وإخ، أي: ابرك، وتقول للغنم: اخس، أي: امشي، وتقول للحمار إذا أردت زجره: حر، وإذا أردته يقف: أش ونحو ذلك.
قوله: (كذا الذي أجدى حكاية) أي: أفاد حكاية (كقب) قب يقولون: إنه صوت السيف إذا جعل في الجعبة، وعندنا نسميها: طق، أما إذا وقع الشيء من فوق فنقول: دق.
هذا أيضاً يقول المؤلف: إنه يجعل حكمه حكم اسم الفعل.
قوله: (والزم بنا النوعين فهو قد وجب).
النوعان هما: أسماء الأصوات، وما أجدى حكاية، فكله يلزم بناؤه؛ لأنه ينوب مناب الفعل بدون تأثر بالعوامل، وقد سبق أن من أسباب البناء أن تكون الكلمة نائبة مناب الفعل بدون تأثر بالعوامل.(60/7)
نونا التوكيد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [نونا التوكيد للفعل توكيد بنونين هما كنوني اذهبنَّ واقصدنهما].
قوله: (نونا التوكيد).
أي: هذان نونا التوكيد، وقال: (نونا التوكيد) لأنهما اثنتان: ثقيلة وخفيفة، وقد اجتمعا في قوله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:32]، ((لَيُسْجَنَنَّ)) هذه شديدة، ((وَلَيَكُونًا)) خفيفة، وقال تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق:15]، فقوله: ((لَنَسْفَعًا)) فيه نون توكيد خفيفة.
والتوكيد معناه: التقوية.
قال رحمه الله تعالى: للفعل توكيد بنونين هما كنوني اذهبنَّ واقصدنهما (اذهبنَّ)، هذه نون توكيد مشددة، (واقصدنهما) نون توكيد خفيفة.
إذاً: فنونا التوكيد هما عبارة عن حرفين أو نونين تلحقان آخر الفعل، إحداهما مشددة وتسمى: الثقيلة، والثانية ساكنة وتسمى: الخفيفة.(60/8)
ما يؤكد بنوني التوكيد من الأفعال
قال المصنف رحمه الله تعالى: [يؤكدان افعل ويفعل آتيا ذا طلب أو شرطاً اما تاليا أو مثبتاً في قسم مستقبلاً وقل بعد ما ولم وبعد لا] قول المؤلف: (للفعل توكيد)، لا يشمل كل فعل، ولهذا قال: (يؤكدان افعل) إشارة لفعل الأمر، (ويفعل) إشارة إلى الفعل المضارع، وعليه فالماضي لا يؤكد بنون التوكيد، إنما يؤكد بقد مثلاً، أما نون التوكيد فلا يؤكد بها، فلا تدخل نون التوكيد إلا على فعلين فقط هما: المضارع والأمر، أما الأمر فأطلق المؤلف وقال: (يؤكدان افعل)، وظاهره بدون شرط ولا قيد، تقول: اضرب واضربن، وقم وقومن، واركب واركبن، وعلى هذا فقس.
إذاً: فعل الأمر يجوز توكيده وعدمه بدون شرط ولا قيد، أما الفعل المضارع فقيده فقال: [ويفعل آتيا ذا طلب أو شرطاً اما تاليا أو مثبتاً في قسم مستقبلا وقل بعد ما ولم وبعد لا وغير إما من طوالب الجزا وآخر المؤكد افتح كابرزا].
إذاً: الأفعال بالنسبة لنون التوكيد تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم لا يمكن أن يؤكد بها، وهو الماضي.
وقسم يجوز أن يؤكد بها مطلقاً، وهو الأمر.
والقسم الثالث -وهو المضارع- فيه تفصيل، وقد قالوا: إنها تجري فيه الأحكام الخمسة: واجب، وقريب من الوجوب، وممتنع، وقليل، وأقل.
قوله: (وآخر المؤكد افتح) آخر: مفعول مقدم.
وافتح: فعل أمر، أي: افتح آخر المؤكد.
ثم قال: (كابرزا) الألف منقلبة عن نون التوكيد والأصل: ابرزن.
ويؤخذ من المثال أنه لا بد أن تتصل نون التوكيد بالفعل لفظاً وتقديراً، مثل قوله تعالى: {لَيُنْبَذَنَّ} [الهمزة:4]، ومثل قوله تعالى: {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [فصلت:50].
أما إذا لم تتصل النون بالفعل فإنه لا يبنى على الفتح، مثل قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:87]، وهناك قال: ((لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي))، والفرق أن ((لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي))، باشرت الفعل لفظاً وتقديراً، و ((لَيَقُولُنَّ اللَّهُ))، لم تباشره تقديراً، إذ إن بينها وبين الفعل أشياء محذوفة.(60/9)
متى يؤكد الفعل المضارع بنوني التوكيد
قوله: (آتيا ذا طلبٍ) أي: إذا جاء المضارع ذا طلب، والمضارع إذا اقترنت به اللام يكون ذا طلب، مثل: لا تضربَن، قال الله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف:23]، فهذا طلب، والطلب فيه هو النهي؛ لأن النهي طلب الكف.
وتقول: لتقومن يا زيد، هذا طلب لأنه أمر.
وتقول: هل تقومن يا زيد؟ هذا أيضاً طلب؛ لأنه استفهام، والاستفهام: طلب الإفهام.
إذاً: هذا معنى قوله: (ذا طلب).
قوله: (أو شرطاً اما تاليا) أيضاً: إذا أتى شرطاً تالياً لإما، وإما هذه هي إنْ الشرطية اقترنت بها (ما) الزائدة المؤكدة، قال الله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [مريم:26].
فقوله: (ترينَّ) فعل مضارع أتى بعد إما الشرطية، وأصل إما الشرطية: إنْ.
الثالث: قوله: (أو مثبتاً في قسم مستقبلاً) أي: أو جاء مثبتاً في قسمٍ مستقبلاً، ونزيد شرطاً رابعاً: غير مفصول عن لامه.
فلابد أن يكون مثبتاً، بعد قسم، مستقبلاً، غير مفصول عن لامه، فإذا تمت هذه الشروط الأربعة أكد المضارع وجوباً، قال الله تعالى: {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} [الهمزة:4]، وقال: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7].
فقوله: (لتبعثن) فعل مضارع مثبت.
وفي قسم، وهو قوله: (وربي) وهو مستقبل وغير مفصول عن لامه.
وقال تعالى: {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} [الحشر:12]، (ليولن) هذه مثبتة، في قسم، مستقبل، غير مفصول عن لامه.
فخرج بقوله: (مثبتاً) إذا كان منفياً؛ لأنه إذا كان في قسم لكنه منفي فإن نون التوكيد لا تدخل عليه، كقوله: {وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ) [الحشر:12]، فلم يقل: (لا ينصرنّهم) بل قال: (لا ينصرونهم) بدون توكيد؛ لأنه منفي، وكذلك قال: (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم)، ولم يؤكدها، فلم يقل: لا يخرجنّ.
وخرج بقوله: (مستقبلاً) كما لو قلت: والله لأضربك الآن، فلا يجوز أن تقول: لأضربنَّك؛ لأنه غير مستقبل، وكذلك لا يجوز: والله لأكرمنَّك أمس، وقال بعض النحويين: يجوز أن تقول: والله لأضربنك الآن.
واشترطنا الشرط الرابع وهو: أن يكون غير مفصول من لامه، فإن فصل من لامه فإنه لا تلحقه نون التوكيد، كقوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمران:158]، فاللام في قوله: (لإلى الله) للتوكيد، لكنه ما قال: (لإلى الله تحشرُنَّ)؛ لأنه فصل من لامه بالجار والمجرور (لإلى الله تحشرون).
أذاً: إذا تمت الشروط الأربعة وجب التوكيد، وإذا انتفى واحد امتنع التوكيد، فلو قال قائل: إن أكرمتني لفي البيت أكرمنك، فهذا خطأ؛ لأنه فصل بين لام التوكيد وبين الفعل.
وإن قلت: إن أكرمتني لا أهيننك، لم يصح؛ لأنه منفي، والنفي لا يمكن أن يجتمع مع نون التوكيد.
ولا بد أن يكون ذا قسم مستقبلاً.
قوله: (وقل بعد ما ولم وبعد لا).
أي: أنه يقل توكيده في هذه المواضع، وهي (بعد ما) والمقصود (ما) الزائدة في غير الشرط، مثاله: إذا قلت: بعين ما أراك، فهو أولى؛ ولكنه يصلح أن تؤكد فتقول: بعين ما أرينك، إلا أنه قليل.
(ولم) مثل: لم يقومن زيد، فإنه يجوز لكنه قليل، والأفصح: لم يقم زيد.
(وبعد لا) مثل: لا يقومن زيد، تريد أن تنفي قيامه، فهذا قليل، ومنه قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25].
وكوننا نقول إنه قليل وهو موجود في القرآن، في النفس منه شيء، لأن القليل معناه أنه ضعيف في اللغة العربية، والصواب: أنه بعد (لا) ليس قليلاً؛ لأنه موجود في القرآن وهو أفصح شيء.
قوله: (وغير إما من طوالب الجزاء).
أي: غير إما من أدوات الشرط؛ لأن طوالب الجزاء هي أدوات الشرط، مثل: إن تقومن أكرمك، فهذا قليل، والأكثر: إن تقم أكرمك.
فتبين بهذا أن الفعل المضارع يؤكد أحياناً، ولا يؤكد أحياناً، فتارة يجب التوكيد بأربعة شروط: أن يقع جواباً لقسم، مثبتاً، مستقبلاً، غير مفصول بينه وبين اللام بفاصل، ويمتنع إذا اختل شرط من ذلك، وإن شئت فقل: يمتنع توكيده في كل حال لا يؤكد فيها أي: لم يوجد فيها سبب يقتضي التوكيد.
ويكون كثيراً بعد إما من طوالب الجزاء، ومثاله قوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ} [الإسراء:23]، {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ} [الأنفال:57]، {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} [مريم:26]، وهو كثير، ويقل بعد أدوات الشرط غير إما، وبعد ما، ولم، ولا.(60/10)
أحكام اتصال الفعل المسند إلى الضمائر بنوني التوكيد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [واشكله قبل مضمر لين بما جانس من تحرك قد علما والمضمر احذفنه إلا الألف وإن يكن في آخر الفعل ألف فاجعله منه رافعاً غير اليا والواو ياء كاسعين سعيا واحذفه من رافع هاتين وفي واو ويا شكل مجانس قفي نحو اخشين يا هند بالكسر ويا قوم اخشون واضمم وقس مسويا] إذا كان الفعل معتلاً بالألف، فإما أن يرفع ظاهراً، وإما أن يرفع ضميراً، فإن رفع ظاهراً قلبت الألف ياءً، مثل: يسعى، تقول: ليسعين زيد، فهنا قلبت الألف ياءً لتظهر الفتحة عليها.
وإذا رفع ضميراً غير الواو والياء قلبت الألف ياءً، مثل: لتسعين، فهنا رفع ضميراً مستتراً وجوباً تقديره: أنت، ومثل: ليسعيانِّ، فهنا رفع ضميراً بارزاً وهو ألف الاثنين، وهذا هو معنى قول المؤلف رحمه الله تعالى: (وإن يكن في آخر الفعل ألف فاجعله منه رافعاً غير اليا والواو ياء كاسعين سعيا).
فأما إذا كان الفعل المعتل رافعاً للياء أو الواو فإن ألفه تحذف، كما قال المؤلف: (واحذفه من رافع هاتين)، وهما: الواو والياء، فإذا رفع الفعل المعتل بالألف واواً أو ياء وجب حذف الألف، ولهذا قال: (واحذفه) أي: الألف (من رافع هاتين) وهما: الواو، والياء، مثل: لتسعون يا قوم، الآن الفعل رافع للواو، أين ذهبت الألف؟ حذفت ولم تبق، قال الله تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:6].
فحذفت الألف لأن الفعل رفع واواً.
وكذلك إذا رفع ياءً يحذف الألف، قال الله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} [مريم:26]، فهنا ألف الفعل حذفت، والياء الموجودة هي الفاعل.
قوله: (وفي واو ويا شكل مجانس قفى) أي: الواو المرفوعان بالفعل المعتل بالألف يكون فيهما شكل مجانس لهما، والذي يجانس الواو الضمة، والذي يجانس الياء الكسرة.
ولهذا قال الله تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:6]، وقال في الياء: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} [مريم:26].
والخلاصة: أنه إذا كان الفعل معتلاً بالألف، فإن رفع الواو أو الياء حذفت الألف، وشكلت الواو بالضمة، والياء بالكسرة.
وإن رفع غير الواو والياء: فإن الألف تقلب ياء، مثل: ليسعين زيد، أو لتسعيانِّ، فهنا قلبت الألف ياء.
والفعل المعتل بالواو والياء تحذف كما مر.
قال رحمه الله تعالى: (نحو اخشين يا هند بالكسر ويا قوم اخشون واضمم وقس مسويا) ذكرنا أن الفعل المعتل بالواو والياء تحذف الواو، وتحذف الياء، فتقول في يرمي: يرمُن، وتقول في ياء المخاطبة: ترمِن؛ وإذا حولناها إلى فعل غير مؤكد سنتبين، تقول: في يرمي مسنداً إلى واو الجماعة بدون توكيد: يرمون، فحذفت الياء، فإذا أكدت حذفت واو الجماعة لأجل التقاء الساكنين، فتقول: هل ترمُن يا قوم؟ وفي التأنيث إذا أسندته إلى ياء المخاطبة تقول: ترمين، لكن في التوكيد تحذف الياء فتقول: ترمِنَّ.
وفي المثال: (تخشون الله) حذفت الألف وبقيت واو الجماعة، وعندما تؤكد هذا الفعل تحذف نون الرفع، ونون التوكيد حرف مشدد -أي: أوله ساكن- وحينئذٍ لا بد أن نحرك الواو بحركة مجانسة، فنقول: لتخشوُن الله، فإذا أسند الفعل المعتل بالألف إلى واو الجماعة فإن الألف تحذف، وإذا أسند إلى ياء المخاطبة فإن الألف تحذف، وإذا أسنده إلى ألف الاثنين فإن الألف تنقلب ياء: تخشيان الله، فإذا أدخلنا نون التوكيد حذفنا نون الرفع وحركنا ما قبل نون التوكيد بحركة مجانسة للواو والياء.(60/11)
لا تقع النون الخفيفة بعد الألف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولم تقع خفيفة بعد الألف لكن شديدة وكسرها ألف] سبق أن نون التوكيد خفيفة وثقيلة وهي المشددة، فالخفيفة لا تقع بعد الألف أبداً؛ لأنها ساكنة، والألف ساكنة، فلا يمكن أن تجتمعا، فإذا قلت لرجلين تخاطبهما: لتتبعان، فلابد أن تشدد النون، ولا تأت بها خفيفة، ولهذا قال: (لكن شديدة وكسرها ألف) أي: كسر الشديدة مألوف، قال الله تعالى: {فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [يونس:89].
ونقول في إعرابها: لا: ناهية.
تتبعان: فعل مضارع مجزوم بحذف النون، والألف: فاعل، والنون للتوكيد، وحركت بالكسر لالتقاء الساكنين.
ونقول في إعراب (لتتبعانِّ): اللام: جواب القسم.
تتبعان: فعل مضارع مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الأمثال، والألف فاعل، والنون للتوكيد، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين.
إذاً: النون الخفيفة لا تقع بعد الألف لسكونها، فإذا قال قائل: وكذلك النون المشددة أولها ساكن، فلماذا لا نحركها بالكسرة؟ قالوا: لأنه لو حركناها بالكسر لاشتبهت بنون المثنى مثل: تقومانِ، ولاشتبهت بنون الإعراب.(60/12)
زيادة ألف قبل نون التوكيد إذا أكد الفعل المتصل بنون النسوة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وألفاً زد قبلها مؤكدا فعلاً إلى نون الإناث أسندا] قوله: (زد قبلها) أي: قبل نون التوكيد المشددة.
أي: إذا أكدت الفعل المسند إلى نون النسوة فزد ألفاً ثم ائت بنون التوكيد، مثاله: تقول للنسوة: لا تضربن، فهذه النون هي نون النسوة؛ لأن لا: ناهية.
وتضربن: فعل مضارع مبني على السكون في محل جزم لاتصاله بنون النسوة، فإذا أردت أن أؤكد هذا الفعل آتي بألف بعد نون النسوة، ثم آتي بنون التوكيد: لا تضربنانِّ.
فقوله: (وألفاً زد قبلها) أي: قبل نون التوكيد الشديدة (مؤكداً فعلاً إلى نون الإناث أسندا) أي: أسند إلى نون الإناث، فنأتي بالفعل مسنداً إلى النون، ثم بعد ذلك بالألف، ثم نون التوكيد، والألف هنا قالوا: نجيء بها للفصل بين نون النسوة ونون التوكيد الشديدة؛ لئلا تجتمع ثلاث نونات في محل واحد، مع أنه هكذا نطق العرب، لكن تعليل النحويين هكذا: لئلا تجتمع ثلاث نونات في مكان واحد.(60/13)
حذف نون التوكيد الخفيفة إذا وليها ساكن
قال المصنف رحمه الله تعالى: [واحذف خفيفة لساكن ردف وبعد غير فتحة إذا تقف].
إذا جاء بعد نون التوكيد الخفيفة حرف ساكن وجب أن تحذف؛ لأنه لا يمكن أن يجتمع ساكنان، فلا بد أن تحذف نون التوكيد، مثال ذلك: إذا قلت: اضربَنْ الرجل، فالنون الآن ساكنة؛ لأن نون التوكيد الخفيفة ساكنة، والهمزة في (الرجل) ساكنة، فلا بد أن تحذف النون فتقول: اضربَ الرجل.
اضرب: فعل أمر مبني على الفتح، ولماذا لا نقول: اضربِ الرجل، بالكسرة بل نقول: اضربَ الرجل؟ لأن نون التوكيد الخفيفة ساكنة، وإذا وقع بعدها ساكن فإنها تحذف، فإذا قلت: ادخلَنْ المسجدَ، فهذه نون توكيد خفيفة، وبعدها همزة المسجد ساكنة، فلا تقول: ادخلَنْ المسجد، بل تقول: ادخلَ، وتحذف النون.
فإن كانت النون شديدة (ادخلَنَّ المسجدَ) فتبقى النون، قال الله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [الفتح:27].
ومنه قول الشاعر: لا تهين الفقير علك أن تركع يوماً والدهر قد رفعه لا: ناهية ونصب الفعل معها.
وعلك: لغة في لعل.
علك أن تركع يوماً، أي: أن تذل وتنزل، والدهر قد رفعه، وهذه حكمة عظيمة، فإن هذا ممكن أن يقع، وهو كثير، يمكن اليوم أن يكون فقيراً يسأل، ثم ما يلبث أن تكون أنت الفقير وجئت تسأله.
الشاهد قوله: (لا تهين الفقير) فإن أصله: (لا تهينن الفقيرَ) قد يقول قائل: أنتم عللتم بأنه التقى ساكنان فلماذا لا تكسرونها وتقولون: لا تهيننِ الفقير، أو ادخلنِ المسجد؟ وفي الحقيقة أن هذا يثقل عليكم، لكنهم يقولون: إن نون التوكيد لا تأتي مكسورة إلا إذا كانت بعد ألف، وهذه ليست بعد ألف، وقد ذكرت أن بعض المسائل النحوية مهما علل النحوي فيها فلا يستطيع أن يتخلص.
فنقول: المرجع في هذا هو السماع.(60/14)
تحذف النون الخفيفة عند الوقف بعد الضمة والكسرة
قوله: (وبعد غير فتحة إذا تقف) أي: واحذفها أيضاً بعد غير الفتحة إذا وقفت، ومعلوم أن النون يفتح ما قبلها دائماً، أي: يبنى الفعل معها على الفتح، سواء كانت شديدة أو خفيفة، قال تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:32].
لكن إذا كان الذي قبلها غير مفتوح، وذلك إذا كان مضموماً وإذا كان مكسوراً، مثال المضموم: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [آل عمران:186]، فالذي قبلها مضموم، ومثال المكسور: لتفهمِن يا هند، فالذي قبلها مكسور، وأصبح (لتفهميننَّ) كما سبق، فهنا إذا كان الذي قبلها مضموماً، أو مكسوراً ووقفت عليها فإنها تحذف، فتقول مثلاً: يا هند لتفهمِ، يا قوم لتسمعُ، لكن يقول: [واردد إذا حذفتها في الوقف ما من أجلها في الوصل كان عدما] أي: إذا حذفتها فاردد ما كان محذوفاً لأجلها التوكيد عند الوصل، وعلى هذا فإذا وقفنا نرد الياء، ونرد الواو، ونقول: يا هند لتفهمي، ونقول: يا قوم لتسمعوا.
إذا قال قائل: ما يدرينا أن الفعل مؤكد؟ نقول: لأنه إذا جاءت اللام الواقعة في جواب القسم فإنه يجب تأكيده، فإذا لم نجد النون عرفنا أن هناك حذفاً بالتغيير، وأن النون أصلها موجودة بالتأكيد، كذلك لو لم يكن مؤكداً لوجب أن تأتي نون رفع، ولقلنا: يا هندُ لتفهمين، ويا قوم لتسمعون، فلما لم تأت نون الرفع ووجد ما يقتضي التوكيد -وهي اللام الموطئة للقسم- علمنا أن هناك نون توكيد لكنها حذفت، ولما حذفت وجب أن نرد ما حذف من أجلها في الوصل؛ لأن ما حذف من أجل الوصل حذف لوجودها، فإذا زالت رجعت، ولهذا قال: [وأبدلنها بعد فتح ألفا وقفاً كما تقول في قفن قفا].
وتقول: في اضربن: اضربا، الضمير يعود على الألف المبدلة عن نون التوكيد الخفيفة، أما الثقيلة فلا، الثقيلة تقول: اضربنَّ، أو اضربنْ، وأما الخفيفة فتقلب ألفاً.
والخلاصة: أن نون التوكيد تتبع الفعل إما وجوباً، وإما جوازاً بقلة، وإما جوازاً بكثرة، على حسب التفصيل السابق، وقد ذكرنا مثالاً ينبني عليه حكم شرعي، فإذا قلت على مذهب أبي حنيفة: والله أصومُ، وجب عليك الكفارة، مع أنك قد صمت؛ لأنه لا يمكن أن تحذف نون التوكيد مع القسم، فيكون المعنى: والله لا أصوم.
فإذا أردنا أن نصحح الكلام على اللغة العربية صار التقدير: والله لا أصومُ، ولكن سبق لنا أن بعض أهل العلم قال: إن هذا وإن كان مقتضى القواعد العربية لكن الأيمان تحمل على العرف، فالإنسان إذا قال: والله غداً أصوم، فيقتضي معنى كلامه: أنه يصوم، ولا يخطر في باله أن المعنى: لا يصوم.
قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُف} [يوسف:85]، التقدير: والله لا تفتأُ.(60/15)
شرح ألفية ابن مالك [61]
الأسماء تنقسم من حيث الإعراب إلى: أسماء مبنية، وأسماء معربة، وأسماء ممنوعة من الصرف، والممنوع من الصرف لا ينون ولا يجر بالكسرة، وموانع الصرف تسع منها ألف التأنيث وزيادتا فعلان والوصف الذي على أفعل وصيغة منتهى الجموع.(61/1)
الاسم الذي لا ينصرف(61/2)
تعريف الصرف والعلل المانعة منه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما لا ينصرف الصرف تنوين أتى مبينا معنى به يكون الاسم أمكنا].
الأسماء ثلاثة أقسام: منها: ما لا يتغير بحسب العوامل، وهذا هو المبني.
ومنها: ما يتغير تغيراً كاملاً، وهذا هو المعرب المنصرف.
ومنها ما يتغير تغيراً ناقصاً، وهذا هو المعرب غير المنصرف.
مثال الأول -وهو المبني- تقول: مررت بمنْ قامَ، ورأيت مَنْ قامَ، وجاء مَنْ قامَ.
والذي يتغير بعض التغير -كما ذكرنا- هو الاسم المعرب غير المنصرف.
والصرف في اللغة: التغيير، تقول: صرفت الشيء، أي: غيرته عن مكانه.
وفي اصطلاح النحويين: هو التنوين الذي أتى ليبين تمكن الاسم من الاسمية، هذا هو الصرف.
فخرج بقوله: (تنوين): ما لا ينون، وخرج بقوله: (أتى مبيناً معنى به يكون الاسم أمكنا) تنوين العوض، فإن تنوين العوض لا يسمى صرفاً؛ لأنه تنوين لعارض، بخلاف التنوين في (زيدٍ) و (عمروٍ)، و (خالدٍ).
قال تعالى: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} [الواقعة:84] (إذ) منونة؛ لكن هذا التنوين عوض عن جملة محذوفة.
كذلك (جوارٍ وغواشٍ) هو تنوين لكنه ليس تنويناً لبيان تمكن هذين الاسمين من الاسمية، وإنما هو من أجل العوض.
ومثاله كالتنوين في: عليٍ، ومحمدٍ، وبكرٍ، وخالدٍ، وفي سماءٍ، وأرضٍ، وما أشبهها.
ثم إن الاسم الذي لا ينصرف يختص بحكمين: أحدهما: أنه لا ينون أبداً، لا مرفوعاً، ولا منصوباً، ولا مجروراً.
الثاني: أنه يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، إلا أن يضاف أو يحلى بأل، قال ابن مالك فيما سبق: وجر بالفتحة ما لا ينصرف ما لم يضف أو يك بعد أل ردف وما هو الاسم الذي لا ينصرف؟ يقول العلماء: إنه ما كان فيه علتان من علل تسع، أو علة واحدة تقوم مقام علتين، وهذه العلل مجموعة في قول الشاعر: اجْمَعْ وَزِنْ عَادِلاً أنِّثْ بِمعْرِفَةٍ رَكِّبْ وَزِدْ عُجْمَة فالْوَصْفُ قَدْ كَمُلا فهذه التسع العلل: الأولى: الجمع.
الثانية: وزن الفعل.
الثالثة: العدل.
الرابعة: التأنيث.
الخامسة: المعرفة.
السادسة: التركيب.
السابعة: الزيادة.
الثامنة: العجمة.
التاسعة: الوصفية.(61/3)
من موانع الصرف ألف التأنيث
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فألف التأنيث مطلقاً منع صرف الذي حواه كيفما وقع] ألف: مبتدأ.
ومنع: الجملة خبر المبتدأ.
(صرف الذي حواه) أي: صرف الذي اتصل به كيفما وقع.
إذاً: ألف التأنيث مانعة من الصرف، سواء كانت ممدودة أو مقصورة؛ لأنه قال: (ألف التأنيث مطلقاً)، وسواء اتصلت باسم أو علم، أو صفة، لقوله: (كيفما وقع)، أي: فهي تشمل المقصورة والممدودة، في علم، أو اسم، أو صفة.
مثال ألف التأنيث الممدودة: صحراء، هذه ألف التأنيث الممدودة لأنها ألف بعدها همز، وصحراء اسم، فليست علماً ولا صفة.
كذلك: خضراء، فيها ألف تأنيث ممدودة، وهي صفة من الخضرة.
أيضاً: أسماء، ألف تأنيث ممدودة، وهي علم.
ومثال ألف التأنيث المقصورة، -وهي الألف التي ليس بعدها همزة: حبلى -أي: حامل- فهذه ألف تأنيث مقصورة وقعت في وصف.
ومثالها في علم: سلمى، وليلى، فهذا علم فيها ألف التأنيث المقصورة فتمنعها من الصرف.
ومنها: أرطى، وهي اسم، ليست وصفاً ولا علماً، ونحو ذلك.
تقول مثلاً: مررت بأسماء: مررت: فعل وفاعل.
بأسماء: الباء حرف جر، وأسماء: اسم مجرور بالباء، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف، والمانع له من الصرف ألف التأنيث الممدودة.
وتقول: مررت بامرأة حبلى؛ مررت: فعل وفاعل.
بامرأة: جار ومجرور.
حبلى: صفة لامرأة مجرورة وعلامة جرها فتحة مقدرة على الألف نيابة عن الكسرة منع من ظهورها التعذر.(61/4)
الوصفية وزيادة الألف والنون
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وزائدا فعلان في وصف سلم من أن يرى بتاء تأنيث ختم].
قال: قوله: (وزائدا فعلان) الزيادة في (فعلان) هي الألف والنون، وإنما قال: (فعلان)؛ لأن (فَعَلَ) هو الذي توزن به الكلمات، ولهذا يقال: فاء الكلمة، وعين الكلمة، ولام الكلمة.
إذاً: (فعل) فاء الكلمة وعينها ولامها، والزائد الألف والنون، إذاً: الألف والنون مانعان من الصرف، لكن بشرط أن يكونا (في وصف) وشرط ثان: (سلم من أن يرى بتاء تأنيث ختم).
إذاً: يمنع الاسم من الصرف: الصفة وزيادة الألف والنون، بشرط ألا يكون المؤنث من ذلك مختوماً بتاء التأنيث.
مثاله: سكران، عطشان، غضبان، تقول: هذا سكرانُ، ومررت بسكرانَ، ورأيت سكرانَ.
ففي الجر جُرّ بالفتحة، وكذلك لم ينون؛ لأنه ممنوع من الصرف.
ومؤنثة ليس مختوماً بتاء التأنيث، تقول: سكرى، عطشى، غضبى، بخلاف سيفان، فإنه منصرف لأن مؤنثة: سيفانة، أي: طويلة.(61/5)
الوصفية ووزن الفعل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ووصف اصلي ووزن أفعلا ممنوع تأنيث بتا كأشهلا].
أي: ومنع من الصرف وصف أصلي ووزن أفعل، فلابد أن يكون وصفاً أصلياً، على وزن أفعل، وبشرط أن يكون مؤنثه ممنوع التأنيث بالتاء.
فذكر المؤلف ثلاثة أوصاف: أن يكون وصفاً أصلياً، وأن يكون على وزن أفعل، وأن يكون مؤنثه خالياً من التاء، فإذا تمت هذه الشروط فإنه يكون ممنوعاً من الصرف.
مثاله: أشهل، ومؤنثه: شهلاء، فنقول: أشهل: وصف أصلي، على وزن أفعل، وليس تأنيثه بالتاء.
مثال آخر: أحمر، أصفر، أخضر، أزرق وما أشبه ذلك، ومثله أفضل؛ لأنه وصف أصلي، ممنوع التأنيث بالتاء، فيكون ممنوعاً من الصرف، مثاله: مررت برجل أفضل من فلان.
فنقول: مررت: فعل وفاعل.
برجل: جار مجرور.
أفضل: صفة لرجل، وصفة المجرور مجرورة، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف الوصفية ووزن الفعل.(61/6)
الوصفية العارضة
وقوله: (وصف أصلي) خرج به ما إذا كان الوصف عارضاً أي: غير أصلي، فإنه يلغى ولا يعتبر ويرجع إلى الأصل، فإذا وجدنا اسماً على وزن (أفعل) عرضت له وصفية وأصله ليس للوصف، فإنه لا يمنع من الصرف اعتباراً بأصله، ولهذا قال رحمه الله: [وألغين عارض الوصفية كأربع وعارض الإسمية].
كلمة (أربع) وصف، تقول: مررت بنساء أربع، فهذا وصف لهن، أي: بالغات هذا العدد، لكن لما كان أصل أربع ليس وصفاً؛ لأن أصل (أربع) اسم لهذا العدد الذي بين الثلاث والخمس.
هذا الأصل في أربع، فالوصف فيه عارض تقول: اشتريت أربع شياه، فهنا ليس وصفاً وتقول: مررت بنساء أربع، فصار الآن وصفاً، فالأصل فيه الاسمية، أي: أنه اسم لعدد يكون بين الثلاثة والخمسة، وابن مالك يقول: (ألغين عارض الوصفية) ولا تعتبره، وعليه تكون (أربع) مصروفة؛ لأنها ليست وصفاً أصلياً، فتقول: مررت بنساء أربعٍ، واشتريت شياهاً أربعاً، فلم نصرفها؛ لأن الوصف فيها عارض.
قوله: (وعارض الإسمية) أيضاً ألغ عارض الاسمية واعتبر الوصف الأصلي، وهذا عكس المسألة، يعني: كما أنه لو وجد وصف على وزن أفعل ثم عرضت له الاسمية فإننا نعتبر الأصل ولا نعتبر الاسم، مثاله كما قال: [فالأدهم القيد لكونه وضع في الأصل وصفاً انصرافه منع].
الأدهم: مبتدأ.
وانصراف: مبتدأ ثان.
ومنع: خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول أي: فالأدهم انصرافه منع، وكلمة (الأدهم) هي وصف مثل: أخضر وأبيض وأزرق، لكنه وضع اسماً للقيد، وقد سبق لنا في البلاغة قول الحجاج: إنا حاملوك على الأدهم، فقال المهدَّد: مثل الأمير يحمل على الأدهم والكميت والأشقر.
والمراد بالأدهم: القيد، والقيد لونه أبيض فيسمى أدهم، فالأدهم في الأصل وصف، لكنه جعل اسماً للقيد سواء كان أدهم أو غير أدهم.
إذاً: اسميتها عارضة، فيعتبر الأصل، ولهذا قال: (فالأدهم القيد)، القيد هذا بيان للأدهم، أي: فالأدهم الذي هو القيد.
يقول المؤلف: (لكونه وضع في الأصل وصفاً انصرافه منع)، قوله: (لكونه في الأصل وصفاً) متعلق بمنع، أي: فالأدهم القيد انصرافه منع لكونه في الأصل وصفاً.
وخلاصة الأبيات الثلاثة: أنه إذا اجتمع وصف أصلي، على وزن أفعل، ليس مؤنثة مختوماً بالتاء، فإنه لا ينصرف، والعبرة بالأصل، فلو كان أصله اسماً ثم جعل وصفاً فإنه ينصرف، ولو كان في الأصل صفة ثم جعل اسماً فإنه لا ينصرف، فالعبرة بالأصل.
ومثال الذي كان أصله اسماً ثم صار صفة: كلمة (أربع)، ومثال الذي أصله صفة ثم جعل اسماً: (الأدهم)، فإنه في الأصل صفة، ثم جعل اسماً للقيد، فالأدهم ممنوع من الصرف وإن لم يرد به الصفة؛ لأن الأصل أنه للصفة، والأربع مصروفة وإن جعلت صفة اعتباراً بالأصل.(61/7)
أمثلة لأسماء مصروفة أصلها صفات
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأجدل وأخيل وأفعى مصروفة وقد ينلن المنعا] أجدل: اسم للصقر، وكلمة أجدل في الأصل صفة، تقول: فلان أجدل من فلان، لكنه جعل اسماً للصقر، فهل تنوسيت الصفة وصار مصروفاً، أم نقول: مادام صفة في الأصل فإنه غير مصروف؟ يقول ابن مالك: إنه مصروف؛ لأن الصفة تنوسيت، فكأنه لم يستعمل صفة في الأصل للقوة ونقل إلى الصقر، ولهذا قال: (مصروفة وقد ينلن المنع)، أي: وقد تمنع.
وعليه نقول: اشتريت من السوق أجدلاً، فهنا صرفنا (أجدلاً) على القول الأول، وعلى القول الثاني: اشتريت أجدلَ من السوق، بعدم الصرف.
ما الفرق بين أجدل وبين الأدهم؟ يقولون: لأن ظهور الصفة في (أدهم) أقوى من ظهورها في (أجدل)؛ لأن أدهم لون مثل: أخضر، وأحمر، لكن أجدل اسم تفضيل، فظهور الصفة في الأول أقوى من ظهورها في الثاني، ولأن الصفة تنوسيت إطلاقاً، فإن الصقر لا يجادل، فكأن الصفة نسيت مطلقاً من هذه الكلمة وجعلت اسماً للصقور.
الثانية: قال: (وأخيل) الأخيل طائر معروف، وكأن هذا الطائر -والله أعلم- جميل الشكل، فكأن عنده خيلاء، أو إذا قام يمشي يتأرجح فهو أخيل، لكنه سمي أخيل، تقول: رأيت أخيلاً، أي: هذا الطائر المسمى بأخيل، أو رأيت أخيلَ؛ لكن (أخيلاً) بالتنوين أكثر؛ لأن ابن مالك يقول: (وقد ينلن) وقد: للتقليل.
قوله: (وأفعى) الأفعى هي الحية، وأفعى على وزن أفعل، وكان يقال: فلان أفعى من فلان، قيل: إن أصلها فلان أفوع من فلان، فنقل حرف العلة إلى الآخر فصارت: أفعى.
إذاً: كلمة أفعى في الأصل اسم تفضيل، ثم صارت اسماً للحية، فيصح أن نجعلها مصروفة، وأن نجعلها غير مصروفة.
لكن إذا قال قائل: إن آخرها ألف فلا يتبين أنها مصروفة أو غير مصروفة؟ فنقول: صحيح أنه عند النطق لا يتبين، لكن عند الإعراب يتبين، فإذا قلت: نظرت إلى أفعى، ونريد أن نعربه على أنه ممنوع من الصرف نقول: إلى: حرف جر.
أفعى: اسم مجرور بإلى، وعلامة جره فتحة مقدرة على آخره نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف.
أما على القول بأنها مصروفة فنقول: أفعى: اسم مجرور بإلى وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر.
فالنطق لا يظهر بالنسبة لأفعى، لكن الإعراب يظهر فيها على اعتبار أنها مصروفة أو على اعتبار أنها غير مصروفة.(61/8)
الوصفية والعدل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومنع عدل مع وصف معتبر في لفظ مثنى وثلاث وأخر ووزن مثنى وثلاث كهما من واحد لأربع فليعلما] هذه هي العلة الرابعة: قوله: (ومنع عدل مع وصف معتبر).
منع عدل: مبتدأ.
معتبر: خبره، أي: من موانع الصرف: العدل مع الوصف.
والعدل معناه: التغيير، أي: أن تغير الكلمة إلى كلمة أخرى تعدل بها عن بنائها الأصلي، فهذا يكون بالوصف في لفظ مثنى وثلاث وأخر، ولفظ مثنى وثلاث أي: مفعل وفعال، فمثنى وصف بمعنى: اثنين اثنين، فتقول مثلاً: مر بي نساء مثنى، أي: اثنتين اثنتين، وثلاث أي: ثلاثاً ثلاثاً، قال الله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3]، وقال تعالى: {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر:1] يعني: الأجنحة.
وفي لفظ مثنى وثلاث يقال: مثنى، ويقال: ثلاث، ويقال: مثنى وثناء، ويقال: مربع ورباع، ويقال: مخمس وخماس، ويقال: مسدس وسداس، ومسبع وسباع، ومثمن وثمان، ومتسع وتساع، ومعشر وعشار، هذا هو القياس، لكنه ما كان يصلح إلا في مثنى وثلاث ورباع وأظن تساع وعشار، لكن القياس أنه يجوز فيها كلها.
ومثنى وصف معدول عن الاثنين فهو ممنوع من الصرف، والمانع له من الصرف الوصفية والعدل.
وتقول: مررت بنساء ثُلاث: بنساء: جار ومجرور.
ثلاث: صفة للنساء مجرور، وصفة المجرور مجرورة، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف الوصفية والعدل.
كذلك (أخر) قال تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]، ولم يقل: فعدة من أيام أخرٍ، وهي معدولة عن: أخرى.
ولو قيل: فعدة من أيام أخرى لصح، لكنه قال: أخر، فهي معدولة عن أخرى، وقيل: إنها معدولة عن الآخر التي بأل، ولكن هذا لا يستقيم إذا كان الموصوف نكرة، لأنه يلزم أن يوصف بمعرفة، وعلى كل حال هي معدولة، فتقول: ((مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)): من أيام: جار ومجرور.
أخر: صفة لأيام مجرورة وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف الوصفية والعدل.
إذاً: الذي عندنا الآن في الأوصاف ثلاثة أوزان هي: مثنى، وثلاث، وما كان على وزنهما من العدد، وأخر، وكل هذه المانع لها من الصرف الوصفية والعدل.
قال رحمه الله تعالى: (ووزن مثنى وثلاث كهما من واحد لأربع فليعلما) ابن مالك رحمه الله جعل المسألة إلى أربع فقال: (ووزن مثنى وثلاث كهما) أي: كوزنهما (من واحد لأربع)، فنقول في واحد: أحاد.
فقوله: (من واحد لأربع فليعلما) معناه: فلا تزد على الأربع، وقال بعضهم: بل نزيد إلى العشرة لأنه لا مانع، وإذا كان للمثنى فلا يعني ذلك أنه لا يصلح إلا له.(61/9)
صيغة منتهى الجموع
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكن لجمع مشبه مفاعلا أو المفاعيل بمنع كافلا].
قوله: (وكن لجمع مشبه مفاعلاً أو المفاعيل) ما قال: في كل جمع على مفاعل، بل قال: مشبه مفاعل أو مفاعيل؛ وذلك لأن مفاعل فيها ميم زائدة، ومفاعيل فيها أيضاً ميم زائدة، وليس بشرط أن يكون فيها ميم زائدة، الشرط أن يكون الجمع على هذا الوزن، أي: على وزن مفاعل أو مفاعيل، بحيث يكون أوله وثانيه متحركين بعدهما ألف، وبعد الألف حرف مكسور سواء كان فيه ياء أو لم يكن فيه ياء، مثل: مساجد كمفاعل، ومصابيح كمفاعيل، ومفاتح كمفاعل، ومفاتيح كمفاعيل، وقوالب كمفاعل؛ لأن وزنها (فواعل)، ودحارج مشبه لمفاعل؛ لأن وزنه فعالل، وصواريخ تشبه مفاعيل، وهي على وزن فواعيل.
وطواغيت على مفاعيل؛ لأن طواغيت وزنها فواعيل، ومثله مواعين على شبه مفاعيل؛ لأن الظاهر أن وزنها فواعيل، ومثلها: مواعيد، ونحو ذلك.
إذاً: كل ما شابه مفاعل أو مفاعيل فإنه ممنوع من الصرف لعلة واحدة كافية، وعلى هذا فلا فرق بين أن يكون اسماً أو صفة، مذكراً أو مؤنثاً، مادام على هذا الوزن فإنه يكون ممنوعاً من الصرف، ويسمون هذا الوزن: صيغة منتهى الجموع.
إذاً: ما كان على هذا الوزن فإنه لا ينصرف، والمانع له من الصرف صيغة منتهى الجموع.
قال رحمه الله تعالى: [وذا اعتلال منه كالجواري رفعاً وجراً أجره كساري].
قوله: (ذا اعتلال) ذا: منصوبة على الاشتغال، ونصبها هنا هو الراجح.
(وذا اعتلال) أي: وأدغم ذا اعتلال، أي: ما كان آخره حرف علة من هذا الوزن أدغم رفعاً وجراً، (أجره كساري) ساري هذه أظنها اسم فاعل معتل بالياء، ففي حال الرفع والجر تحذف الياء وتنون الراء، فتقول: هذا سارٍ، ومررت بسارٍ، وإعرابها: هذا: مبتدأ.
وسارٍ: خبر المبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، والتنوين هنا عوض عن الحرف المحذوف.
وتقول: مررت بسارٍ: مررت: فعل وفاعل.
بسارٍ: الباء: حرف جر، سارٍ: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء المحذوفة، والتنوين هنا عوض عن الياء المحذوفة.
وإذا جاءت صيغة منتهى الجموع وهو معتل الآخر، فيقول ابن مالك: إنك تجريه كساري، أي: أنك تحذف حرف العلة وتنونه، مثال ذلك قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف:41]، فكلمة (غواش) جمع، وهي صيغة منتهى الجموع، على وزن فواعل، فهي صيغة منتهى الجموع، ففي القرآن الآن حذفت الياء ونون ما قبلها وبقي مقصوراً على ما هو عليه، فنقول في إعرابها: من فوقهم: الجار والمجرور خبر مقدم.
غواش: مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، والنون عوض عن الياء المحذوفة.
وهذا في حال الرفع، وابن مالك يقول: (رفعاً وجراً)، وكذلك أيضاً في الجر يجرى كساري، بمعنى: أنها تحذف الياء وينون ما قبلها، مثل أن تقول: مررت بجوارٍ يلعبن، فجوار جمع جارية، على وزن فواعل، تقول: مررت: فعل وفاعل.
بجوار: الباء حرف جر، جوارٍ: اسم مجرور بالباء وعلامة جره فتحة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف والمانع له من الصرف صيغة منتهى الجموع.
وعلم من قول ابن مالك: (رفعاً وجراً) أنه في حال النصب لا يجرى كساري، وإنما يبقى حرف العلة منصوباً بدون تنوين، قال الله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} [النحل:15]، فكلمة (رواسي) معتلة بالياء، وبقيت الياء في حال النصب منصوبة.
وخلاصة هذا البيت: أن ما كان مجموعاً على صيغة منتهى الجموع فلا يخلو: إما أن يكون مرفوعاً، أو مجروراً، أو منصوباً، فإن كان مرفوعاً أو مجروراً فإنه يجوز إجراؤه إجراء المعتل بالياء، مثل: ساري، فتقول: هؤلاء جوارٍ، ومررت بجوارٍ، وإن كان منصوباً فإنه تبقى الياء مفتوحة بدون تنوين، فتقول: رأيت جواريَ يلعبن، ولا يصح أن تقول: رأيت جوار، ولا يصح أن تقول: رأيت جوارياً، بل تبقى الياء مفتوحة بدون تنوين، ومنه قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} [النحل:15].
وقد ذكر المؤلف هذا حتى لا يظن الظان أن هذا الحكم يشمل المعتل، فاستثناه المؤلف.(61/10)
ما يلحق بصيغة منتهى الجموع
قال رحمه الله: [ولسراويل بهذا الجمع شبه اقتضى عموم المنع].
وهذا من باب القياس في النحو، فسراويل ليس بجمع، وإنما هو مفرد، تقول: علي سراويل، وليس عليك إلا واحد، فاللغة العربية ألا تقول: سروال، إلا في لغة قليلة جداً لبعض العرب، وإلا اللغة الفصيحة المشهورة أن تقول: سراويل.
وسراويل ليس بجمع، بل هو مفرد، لكن فيه شبه من هذا الجمع، ولهذا قال: (ولسراويل بهذا الجمع شبه) أي: شبه من حيث اللفظ، أما المعنى فلا؛ لأن صيغة منتهى الجموع تدل على تعدد، وسراويل لا تدل على تعدد، لكنه يشبهه في اللفظ.
قوله: (اقتضى) أي: ذلك الشبه، ما الذي اقتضى؟ اقتضى عموم المنع، أي: اقتضى أن نمنع سراويل من الصرف مع أنه ليس بجمع، وهو في الأول يقول: (وكل جمع مشبه مفاعلا) فكأنه رحمه الله ذكر إيراداً: إذا كان هذا اللفظ ليس بجمع فهل له حكمه؟ قال: له هذا الحكم؛ لأنه يشبه هذا الجمع من حيث اللفظ، فسراويل على وزن فعاليل، فهو يشبهه لفظاً، فلذلك اقتضى عموم المنع من الصرف.
مع أنهم يقولون: إن هذا اللفظ أعجمي في الأصل، لكنه عرب.
فنقول مثلاً: أتيت بسراويل: أتيت: فعل وفاعل.
والباء: حرف جر.
وسراويل: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه يشبه صيغة منتهى الجموع.
وجمع سراويل: سراويلات، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فليلبس سراويلات).
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن به سمي أو بما لحق به فالانصراف منعه يحق].
الضمير في (به) يعود على ما كان مشبهاً لمفاعل أو مفاعيل، قوله: (سمي) أي: جعل علماً.
يعني: هذه الصيغة من الجمع إذا سميت بها إنساناً منعت من الصرف وإن كانت لا تدل إلا على واحد.
مثال ذلك: رجل سميناه مساجد، كلمة (مساجد) الآن تدل على علم مفرد، لكن لما كان مسماه بصيغة منتهى الجموع ثبت لها حكم صيغة منتهى الجموع، ولهذا قال: (فالانصراف منعه يحق)، فهو ممنوع من الصرف، تقول: مررت بمساجدَ فاشتريت منه خبزاً، لو سمع هذا الكلام أحد من العامة سيقول: هذا مجنون، يشتري من المساجد خبزاً! لكن نحن سمينا هذا الرجل مساجد، تقول: مررت: فعل وفاعل.
والباء: حرف جر.
ومساجد: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف إلحاقه بمنتهى الجموع من أجل اللفظ.
وأشار بقوله: (يحق) إلى أن هناك خلافاً؛ لأن بعض النحويين يقول: لا يمنع من الصرف؛ لأنه الآن سلبت دلالته على الجمعية، وصار دالاً على المفرد وينصرف؛ لأنه زال معناه.
كذلك (أو بما لحق به) الذي يلحق بصيغة منتهى الجموع أيضاً إذا سميت به فإنه ممنوع من الصرف، فلو سميت شخصاً بسراويل فهذا ليس بصيغة منتهى الجموع من الأصل بل هو مفرد، ومع ذلك يكون ممنوعاً من الصرف؛ لأنه ملحق بصيغة منتهى الجموع.
وكذلك شراحيل، فشراحيل اسم علم معروف في التابعين وفي الصحابة، وشراحيل أصلاً ليست جمعاً، ومع ذلك تمنع من الصرف؛ لأنها تشبه الجمع.
إذاً: (ما سمي به) أي: بصيغة منتهى الجموع، أو سمي بما ألحق بصيغة منتهى الجموع فإن ابن مالك يقول: (فالانصراف منعه يحق)، الفاء في قوله: (فالانصراف) رابطة لجواب الشرط في قوله: (وإن به سمي) والانصراف: مبتدأ، ومنع: مبتدأ، ويحق: جملة هي خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، والجملة من المبتدأ وخبره جواب الشرط.(61/11)
شرح ألفية ابن مالك [62]
ومن موانع الصرف التركيب المزجي، ووزن الفعل والتأنيث بغير الألف والعجمة، وذلك مع العلمية، فإذا اجتمعت واحدة من هذه العلل مع العلمية منعت العلم من الصرف.(62/1)
تابع موانع الصرف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والعلم امنع صرفه مركبا تركيب مزج نحو معد يكربا].
قوله: (والعلمَ امنع صرفه مركباً) يجوز نصب العلمَ، ويجوز رفعه لكنه مرجوح؛ لأن المشغول هنا طلب، وإذا كان المشغول طلباً فالأرجح النصب.
والمعنى: إذا وجدنا علماً مركباً تركيب مزج فإنه يمنع من الصرف، ومعنى (مزج) أي: خلط، كأنك خلطت الكلمتين وجعلتهما كلمة واحدة، فإذا قلت: عبد الله، فإنهما كلمتان متضايفتان؛ لأن (عبد) لها معنى و (الله) لها معنى، لكن إذا أتيت بكلمتين ومزجتهما وجعلتهما دالتين على شيء واحد، فقد خلطت الكلمتين وجعلتهما لشيء واحد، مثل: معد يكرب، أصل (معدي) اسم مفعول، فهي كلمة مستقلة، و (كرب) كلمة مستقلة، فعل ماض، خلطتهما وجعلتهما شيئاً واحداً، فهذا نسميه تركيباً مزجياً، من المزج وهو الخلط.
فإذا وجدنا علماً مركباً تركيباً مزجياً سواء كان علماً لإنسان أو لمكان فإنه ممنوع من الصرف، والمانع له من الصرف العلمية والتركيب المزجي، مثل: معد يكرب، تقول: مررت بمعد يكرب: مررت: فعل وفاعل.
الباء: حرف جر.
معد يكرب: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف العلمية والتركيب المزجي.
ومثله أيضاً: بعلبك، هذه أيضاً أصلها: بعل، وبك، فخلط الاسمان وجعلا اسماً واحداً، فنقول مثلاً: سكنت في بعلبك: سكنت: فعل وفاعل.
في: حرف جر.
بعلبك: اسم مجرور بفي وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف العلمية والتركيب المزجي، ومثله: حضرموت.
المهم: أنه إذا ركب تركيباً مزجياً وهو علم فإنه ممنوع من الصرف، وهذه العلة -وهي التركيب المزجي- لا توجد في الصفة، إنما توجد في الأعلام فقط.(62/2)
العلمية والتركيب المزجي
قال رحمه الله: [ولسراويل بهذا الجمع شبه اقتضى عموم المنع].
وهذا من باب القياس في النحو، فسراويل ليس بجمع، وإنما هو مفرد، تقول: علي سراويل، وليس عليك إلا واحد، فاللغة العربية ألا تقول: سروال، إلا في لغة قليلة جداً لبعض العرب، وإلا اللغة الفصيحة المشهورة أن تقول: سراويل.
وسراويل ليس بجمع، بل هو مفرد، لكن فيه شبه من هذا الجمع، ولهذا قال: (ولسراويل بهذا الجمع شبه) أي: شبه من حيث اللفظ، أما المعنى فلا؛ لأن صيغة منتهى الجموع تدل على تعدد، وسراويل لا تدل على تعدد، لكنه يشبهه في اللفظ.
قوله: (اقتضى) أي: ذلك الشبه، ما الذي اقتضى؟ اقتضى عموم المنع، أي: اقتضى أن نمنع سراويل من الصرف مع أنه ليس بجمع، وهو في الأول يقول: (وكل جمع مشبه مفاعلا) فكأنه رحمه الله ذكر إيراداً: إذا كان هذا اللفظ ليس بجمع فهل له حكمه؟ قال: له هذا الحكم؛ لأنه يشبه هذا الجمع من حيث اللفظ، فسراويل على وزن فعاليل، فهو يشبهه لفظاً، فلذلك اقتضى عموم المنع من الصرف.
مع أنهم يقولون: إن هذا اللفظ أعجمي في الأصل، لكنه عرب.
فنقول مثلاً: أتيت بسراويل: أتيت: فعل وفاعل.
والباء: حرف جر.
وسراويل: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه يشبه صيغة منتهى الجموع.
وجمع سراويل: سراويلات، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فليلبس سراويلات).
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن به سمي أو بما لحق به فالانصراف منعه يحق] الضمير في (به) يعود على ما كان مشبهاً لمفاعل أو مفاعيل، قوله: (سمي) أي: جعل علماً.
يعني: هذه الصيغة من الجمع إذا سميت بها إنساناً منعت من الصرف وإن كانت لا تدل إلا على واحد.
مثال ذلك: رجل سميناه مساجد، كلمة (مساجد) الآن تدل على علم مفرد، لكن لما كان مسماه بصيغة منتهى الجموع ثبت لها حكم صيغة منتهى الجموع، ولهذا قال: (فالانصراف منعه يحق)، فهو ممنوع من الصرف، تقول: مررت بمساجدَ فاشتريت منه خبزاً، لو سمع هذا الكلام أحد من العامة سيقول: هذا مجنون، يشتري من المساجد خبزاً! لكن نحن سمينا هذا الرجل مساجد، تقول: مررت: فعل وفاعل.
والباء: حرف جر.
ومساجد: اسم مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف إلحاقه بمنتهى الجموع من أجل اللفظ.
وأشار بقوله: (يحق) إلى أن هناك خلافاً؛ لأن بعض النحويين يقول: لا يمنع من الصرف؛ لأنه الآن سلبت دلالته على الجمعية، وصار دالاً على المفرد وينصرف؛ لأنه زال معناه.
كذلك (أو بما لحق به) الذي يلحق بصيغة منتهى الجموع أيضاً إذا سميت به فإنه ممنوع من الصرف، فلو سميت شخصاً بسراويل فهذا ليس بصيغة منتهى الجموع من الأصل بل هو مفرد، ومع ذلك يكون ممنوعاً من الصرف؛ لأنه ملحق بصيغة منتهى الجموع.
وكذلك شراحيل، فشراحيل اسم علم معروف في التابعين وفي الصحابة، وشراحيل أصلاً ليست جمعاً، ومع ذلك تمنع من الصرف؛ لأنها تشبه الجمع.
إذاً: (ما سمي به) أي: بصيغة منتهى الجموع، أو سمي بما ألحق بصيغة منتهى الجموع فإن ابن مالك يقول: (فالانصراف منعه يحق)، الفاء في قوله: (فالانصراف) رابطة لجواب الشرط في قوله: (وإن به سمي) والانصراف: مبتدأ، ومنع: مبتدأ، ويحق: جملة هي خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، والجملة من المبتدأ وخبره جواب الشرط.(62/3)
العلمية وزيادة الألف والنون
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كذاك حاوي زائدي فعلانا كغطفان وكأصبهانا].
قوله: (كذاك حاوي) أي: كالعلم المركب العلم الحاوي زائدي فعلانا.
والحاوي هو الجامع، و (زائدا فعلانا) هما الألف والنون، ولا يشترط أن يكون على وزن فعلان، المهم أن يوجد علم فيه زيادة الألف والنون، فإنه يكون ممنوعاً من الصرف، فكل علم فيه زيادة الألف والنون فهو ممنوع من الصرف.
وما يدرينا أنها زائدة أو ليست بزائدة؟ مثاله: حسان، النون هنا زائدة أو أصلية؟ لا ندري، فإن كان من الحسن فهي أصلية، وإن كان هي من الحس: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران:152] فهي زائدة.
إذاً: نقول: إذا كنت لا تدري فانظر إلى السماع، فإن كان مسموعاً بعدم الصرف فهو غير مصروف، وإن كان غير مسموع فإنك بالخيار.
فعلى هذا تكون المسألة: ما علمت زيادة الألف والنون فيه فهو ممنوع من الصرف، هذا بدون تفصيل، وما كان محتملاً للزيادة وعدمها فهنا نرجع للسماع، فإن كان مسموعاً مصروفاً فإنه يصرف والنون تكون أصلية، وإن سمع غير مصروف فإنه لا يصرف والنون تكون زائدة، وإذا لم يسمع فأنت بالخيار: إن رأيت أن النون أصلية صرفت، وإن رأيت أنها غير أصلية لم تصرف.
حسان بن ثابت رضي الله عنه يقولون: إنه ما سمع إلا ممنوعاً من الصرف، وعلى هذا فتكون النون زائدة؛ لأنه قال: (كذاك حاوي زائدي فعلانا) فتكون النون زائدة.
كذلك (عثمان) النون زائدة.
و (عفان) ننظر: فإن كان من العفة فالنون زائدة ويكون ممنوعاً من الصرف، وإن كان من العفونة فالنون أصلية ويكون مصروفاً، لكن المسموع عثمان بن عفان، وعلى هذا فتكون ممنوعة من الصرف، وتكون النون زائدة، ويكون مشتقاً من العفة.
إذاً: قوله: (كذاك حاوي زائدي فعلانا) أي: كذاك العلم الذي اشتمل على زيادة الألف والنون فإنه ممنوع من الصرف، فإذا قال قائل: بماذا نعرف الزيادة؟ قلنا: ننظر إلى تصريف الكلمة، إذا سقطت النون في أحد التصاريف فهي زائدة.
قوله: (كغطفان) غطفان علم على قبيلة (وأصبهان) علم على بلدة، فتبين بهذا أن العلم سواء كان علماً للبلدان أو للإنسان أو أي علم يكون، إذا كان فيه ألف ونون زائدتان فإنه ممنوع من الصرف.(62/4)
العلمية والتأنيث
قوله: (كذا مؤنث) أي: كذا علم مؤنث، فمؤنث: صفة لموصوف محذوف والتقدير: كذا علم مؤنث.
وقول المؤلف: (بهاء) هذه غريبة على أسماعكم؛ لأن المعروف أن المؤنث يؤنث بالتاء، لكن تاء المؤنث قد يعبر عنها بعض أهل العلم بالهاء، ولكن الأكثر على أنهم يعبرون عنها بالتاء، ولو أن ابن مالك قال: كذا مؤنث بتاء مطلقاًَ، لكان البيت مستقيماً، لكن كأنه يرى الرأي الثاني: أن التاء التي ليست لجمع تسمى هاء.
وقوله: (مطلقاً) الإطلاق هنا يعني أنه على أي شيء كان، سواء كان لمذكر أو لمؤنث، وسواء كان على ثلاثة أحرف أو أقل أو أكثر إذا كانت الهاء هي الثالثة.
إذاً: قوله: (بهاء مطلقاً) أي: على أي صفة كان فهو ممنوع من الصرف؛ للعلمية والتأنيث، أي: التأنيث بالتاء، لكن إن كان لمذكر فتأنيثه لفظي، وإن كان لمؤنث فتأنيثه لفظي ومعنوي.
مثال ذلك: نحن نعرف أن من الصحابة من اسمه قتادة، فهذا مؤنث بالتاء، ومن اسمه طلحة وسمرة وأسامة وحمزة، فكل هذه الأسماء ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث، ونوع التأنيث فيها لفظي، فلو قال قائل: وعن طلحةٍ رضي الله عنه، لكان مخطئاً.
لكن ممكن أن أقول: قطعت طلحةً فأوقدت النار تحت القدر؛ فتصرف لأنها ليست علماً.
كذلك نقول: مررت بامرأةٍ قائمةٍ، امرأة وقائمة مصروفتان وفيهما التاء؛ وذلك لأنهما ليستا علمين.
إذاً: قوله: (كذا مؤنث) يجب أن نقول: إن هناك شيئاً محذوفاً وهو (علم) فنقول: كذا علم مؤنث بهاء مطلقاً؛ لأجل أن يخرج الوصف والاسم الجامد، فامرأة: اسم جامد، وقائمة: وصف، وهذا غير ممنوع من الصرف.
لو جاءتني بنت وسميتها امرأة، فإنها تكون ممنوعة من الصرف؛ لأجل العلمية والتأنيث، ولهذا فعائشة إن كانت وصفاً فهي مصروفة، وإن كانت علماً فهي غير مصروفة، تقول: مررت بعجوز عائشةٍ مائة سنة، فهي هنا مصروفة؛ لأنها وصف، وتقول: مررت بامرأة فاطمةٍ ولدها، كذلك مصروفة لأنها ليست علماً.
إذاً: كل علم مختوم بتاء التأنيث فهو ممنوع من الصرف، سواء كان هذا العلم لمذكر أو لمؤنث، وسواء كان على ثلاثة أحرف أو أكثر.
ثم قال: (وشرط منع العار كونه ارتقى فوق الثلاث) قوله: (العار) أي: العاري من التاء، يعني: الخالي منها، فإذا كان العلم مؤنثاً بغير التاء، وهو ما يسمى بالتأنيث المعنوي، فإنه ممنوع من الصرف بشرط: (كونه ارتقى فوق الثلاث) أي: زاد على ثلاثة أحرف.
مثاله: زينب، ممنوع من الصرف؛ لأنه أربعة أحرف، كذلك: سعاد ممنوع من الصرف؛ لأنها مكونة من أربعة أحرف.
إذاً: كل علم مؤنث زائد على ثلاثة أحرف فهو ممنوع من الصرف.
فإن كان ثلاثة أحرف يقول: (أو كجور او سقر أو زيد اسم امرأة لا اسم ذكر) فإذا كان الثلاثي كجور فهو ممنوع من الصرف؛ لأجل العلمية والعجمة، فتقول مثلاً: دخلت جورَ، ومشيت إلى جورَ، وهذه جورُ، ولا تصرف لأنها أعجمية.
كذلك (سقر)، قال الله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر:42]، ممنوع من الصرف؛ وذلك لتحرك الوسط؛ وفيه أيضاً فيه العلمية والتأنيث، فلتحرك وسطه صار ثقيلاً ممنوعاً من الصرف.
قوله: (وزيد اسم امرأة) (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال)، امرأة سماها أبوها (زيد)، زيد بنت عمرو، فزيد اسم ذكر، لكن مع ذلك إذا سمي به أنثى فإنه يكون ممنوعاً من الصرف؛ لأن اسم الذكر على المرأة ثقيل معنى، فلأجل الثقل قالوا: يكون ممنوعاً من الصرف.
إذاً: الثلاثي من المؤنث مصروف إلا في ثلاث مسائل: متحرك الوسط، وما كان أعجمياً، وما كان مذكراً سمي به مؤنث.(62/5)
حكم المؤنث الثلاثي الساكن الوسط إذا عدم العجمية والتذكير
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وجهان في العادم تذكيراً سبق وعجمة كهند والمنع أحق].
أي: للعلماء وجهان في المؤنث الثلاثي الساكن الوسط إذا عدم العجمة والتذكير: الصرف وعدمه.
مثل: هند، كلمة هند عربية، وهي ثلاثة أحرف ساكنة الوسط، وهي اسم لمؤنث، فهند يجوز فيها وجهان: الصرف وعدمه، فتقول: مررت بهندَ، ومررت بهندٍ، ونقول: هذه هندٌ، وهذه هندُ، وتقول: رأيت هنداً، ورأيت هندَ، كل ذلك جائز، ولكن ابن مالك يقول: (والمنع أحق) أي: المنع من الصرف أحق.
وخلاصة هذين البيتين: يمنع من الصرف كل علم مختوم بتاء التأنيث مطلقاً بدون شرط.
ويمنع من الصرف كل علم مؤنث زاد على ثلاثة أحرف، أو كان أعجمياً، أو كان محرك الوسط، أو كان اسماً لذكر سمي به أنثى.
إما إذا كان ثلاثياً ساكن الوسط ولم يسم به ذكر فيقول ابن مالك: إن فيه وجهين، والمنع أحق.(62/6)
العلمية والعجمة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والعجمي الوضع والتعريف مع زيد على الثلاث صرفه امتنع].
أيضاً: من الأسماء التي تمنع من الصرف: العجمي، بشرط أن يكون عجمي الوضع، أي: أنه ليس من كلام العرب، وإنما هو من كلام العجم.
(والتعريف) أي: أنه علم في لغة العجم، أي: عجمي في وضعه وفي تعريفه، والمراد بالتعريف هنا غير تعريف النكرة، فالمراد بالتعريف العلمية.
إذاً: قوله: (والعجمي الوضع والتعريف) هذا شرط، الشرط الثاني قال: (مع زيد على الثلاث).
قوله: (صرفه امتنع) الجملة هذه خبر مبتدأ؛ لأن العجمي: مبتدأ، وصرف: مبتدأ ثان، وامتنع: الجملة خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، أي: أن العجمي وضعاًً وعلميةً الزائد على الثلاث صرفه امتنع، أي: ممنوع صرفه.
فقوله: (العجمي الوضع) احتراز من عربي الوضع، فإذا وجد اسم عربي فإنه لا يمنع من الصرف ولو تسمى به الأعجمي.
فحسين مثلاً عربي، والعجم يتسمون بحسين كثيراً، فهل نقول: لما كان هذا علماً أعجمياً يمنع من الصرف؟ لا؛ لأن أصله عربي، وابن مالك يقول: (العجمي الوضع).
وقوله: (والتعريف) أي: أنه علم بلغة العجم، فلو جعل اسم الجنس علماً بلغة العرب، وهو عند العجم ليس بعلم، فلا يمنع من الصرف، ومثلوا لذلك بقالون، أحد الرواة عن القراء اسمه قالون، لكنه عربي، وأصل قالون في اللغة الأعجمية اسم جنس أو صفة، فقالون بمعنى: جيد، فليست علماً، إذاً فتقول: قال قالون، وسمعت قالوناً، واستحسنت قراءة قالونٍ.
وذلك لأنه ليس عجمي التعريف، وابن مالك يقول: (والعجمي الوضع والتعريف).
وقوله: (مع زيد على الثلاث) هذا شرط أن يكون زائداً على الثلاث، فإن لم يكن زائداً على الثلاث فإنه يصرف ولو كان عجمي الوضع والتعريف، مثل: نوح، ولوط، فهذان اسمان أعجميان لكنهما مصروفان؛ لأنهما مكونان من ثلاثة أحرف فقط.
وهود فيه نزاع، فبعضهم قالوا: إنه عربي، وبعضهم قالوا: إنه غير عربي، لكن مهما كان فإنه ليس زائداً على الثلاثة.
قال بعض المحشين: جميع أسماء الملائكة ممنوعة من الصرف للعلمية والعجمة، وكأنهم يريدون أن ما ليس من وضع العرب فهو أعجمي، إلا أنهم استثنوا أربعة من الملائكة وهم: مالك، ورضوان، ومنكر، ونكير، فهؤلاء الأربعة يصرفون، ومن عداهم من الملائكة لا يصرفون مثل: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل.
إذاً: الذين تنصرف أسماؤهم من الملائكة أربعة: مالك، ورضوان، ومنكر، ونكير.
والأنبياء كذلك أسماؤهم لا تنصرف؛ للعلمية والعجمة، إلا ما نذكره الآن: شعيب، وصالح، وهود، ولوط، ونوح، وشيث على القول بأنه نبي، ومحمد صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء سبعة من الأنبياء تنصرف أسماؤهم.
إذاً: جميع أسماء الأنبياء ممنوعة من الصرف ما عدا سبعة، وهم من ذكرناهم.(62/7)
العلمية ووزن الفعل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كذاك ذو وزن يخص الفعلا أو غالب كأحمد ويعلى].
(كذاك) أي: كالذي ذكر، والمراد العلم أيضاً، (ذو وزن يخص الفعلا) بمعنى: أنه يختص بالأفعال، إما دائماً وإما غالباً.
فالدائم مثلما: لو سميت رجلاً: ضُرب، فهذا ممنوع من الصرف؛ لأنه على وزن فُعِلَ، ووزن (فُعِل) لا توجد في الأسماء، إنما تكون في الأفعال.
كذلك لو سمي شخص كُتِمْ، واحد مثلاً ولد له ولد ولم يعلمه فقالوا: ماذا نسميه؟ فقال: سأسميه شيئاً يدل على ما فعلنا: كُتِمْ، فنقول: هذا علم موازٍ للفعل المبني للمجهول، فيكون ممنوعاً من الصرف، فتقول: جاء كُتِمٌ، وضربت كُتِمَ، ومررت بكُتِمَ.
وكذلك ما كان على وزن فعَّل مثل: كلَّم، وشدَّد، وحسَّن، وما أشبه ذلك، نقول: هذا أيضاً ممنوع من الصرف؛ لأنه على وزنٍ يخص الفعل، فيكون ممنوعاً من الصرف.(62/8)
شرح ألفية ابن مالك [63]
كثير من الأسماء تجمع جمع تكسير، ولجموع التكسير صيغ كثيرة، منها ما يكون جمع قلة ومنها ما يكون جمع كثرة، ولكل صيغة من الجموع أوزان تأتي هي جمعاً لها.(63/1)
جمع التكسير(63/2)
جموع القلة
قال ابن مالك: [أفعلة أفعل ثم فعله ثمت أفعال جموع قله].
قوله: (أفعلة).
إذا قلتُ: عندي لك أرغفة، فهذا الجمع للقلة، وجموع القلة تنتهي إلى عشرة، فإن قلت: أنا أريد منك عشرين رغيفاً، فهذا لا يمكن؛ لأن منتهى جمع القلة عشرة على كل الأحوال، فلا يمكن أن أعطيك أكثر من هذا، ولا يجب عليَّ إلا أقل ما يقع عليه الجمع، وهو ثلاثة.
قوله: (أفعُلُ) فأفعُل مثل: أعبد، أوجه.
قوله: (فعلة) مثل: فتية جمع فتى وصبية جمع صبي.
وقوله: (ثمة أفعال) مثل: أسباب، وأرقام، وأحكام، وأحجام، وأنعام، فهذه كلها جموع قلة.(63/3)
الاستغناء ببعض جموع القلة عن جموع الكثرة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبعض ذي بكثرة وضعاً يفي كأرجل والعكس جاء كالصفي].
قوله: (وبعض ذي) يشير إلى الأوزان الأربعة السابقة.
وقوله: (وضعاً) يعني حسب وضع اللغة العربية، والمعنى: أن بعض هذه الأوزان قد يدل على الكثرة بمقتضى الوضع اللغوي، مثل: أرجل، فلا نقول: إنها لا تدل إلا على ثلاثة أرجل فقط، بل تدل على ثلاثة أرجل وما زاد إلى ما لا نهاية له، وقد يوجد أوزان جموع كثرة فتستعمل في جموع القلة، مثل: الصُّفي، وزنها فعول وهو من أوزان الكثرة، لكن مع ذلك يستعمل في الكثرة وفي القلة.
إذاً: فالمسألة خاضعة للغة العربية، ومع ذلك فلا أرى مانعاً من أن نؤصل قواعد لنرد ما نشتبه فيه إلى هذه القواعد وإن كانت قد تختل كثيراً.(63/4)
ما يجمع على أفعل
قال المؤلف رحمه الله: [لفعل اسماً صح عيناً أفعل وللرباعي اسماً أيضاً يجعل].
والمعنى: أي اسم ثلاثي ليست عينه حرف علة وهو على وزن (فَعْل) فإن جمعه على (أَفْعُل) مثل: فَلْس جمعه أفلس.
فإذا لم يكن على وزن فَعْل فإنه لا يكون جمعه على أفعُل، فلو قلت: ذئب، وهو اسم ثلاثي صحيح العين، لكنه ليس على وزن فَعْلٍ بل هو على وزن فِْعل، فلا يقال في جمعه: أذئُب.
لكن قد يرد علينا أن شخصاً، جمعه أشخاص وهو اسم ثلاثي على وزن فَعْلٍ صحيح العين، ومع ذلك لم يرد عن العرب إلا أشخاص، وبهذا نعرف أن القاعدة التي ذكرها هؤلاء العلماء رحمهم الله في جمع التكسير غير مطردة.
وخرج بقوله: (اسماً) الصفة، مثل: ضَخْم، فلا نقول فيها: أضْخُم؛ لأنها صفة وليست اسماً.
وكذلك (أفعُل) تأتي جمعاً للرباعي إذا كان اسماً لمؤنث قبل آخره مدة كالعناق والذراع فتقول: أعنق، وأذرع.
والعناق: الصغيرة من ولد المعز، والذراع معروفة.
وسُعاد، نقول في جمعها: أسُعد، وهذا القياس؛ لأنها اسم رباعي ممدود ما قبل الآخر ومؤنث.(63/5)
ما يجمع على أفعال وفعلان
[وغير ما أفعُل فيه مطرد من الثلاثي اسماً بأفعال يرد [وغالباً أغناهم فعلان في فعل كقولهم صردان].
سبق أن أفعلاً جمع لكل اسم ثلاثي صحيح العين على وزن (فَعْل) وذكر هنا أن ما لم يجمع على أفعُل وكان ثلاثياً، فإنه يجمع على أفعال، مثل: سبب تجمع على أسباب، وفرح على أفراح.
وقوله: (وغالباً أغناهم فعلان في فُعَلٍ كقولهم صردان).
أمَّا فُعَل المضمومة العين ففي الغالب أنها تجمع على وزن (فعلان) كقولهم: صردان في صُرَد، والقياس فيها أصراد، لكن لما اختل فيه شرط من الشروط وهو فتح الفاء، فجاء مضموم الفاء ومفتوح العين، قال العرب فيه: صردان.
والصرد نوع من الطيور، ففي الحديث (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد).(63/6)
ما يجمع على أفعلة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [في اسم مذكر رباعي بمد ثالث افعلة عنهم اطرد والزمه في فعال أو فِعال مصاحبي تضعيف أو إعلال].
(أفعلة) جمع لكل اسم مذكر رباعي ثالثة مدة مثال ذلك: طعام، اسم مذكر رباعي ممدود الثالث تقول في جمعه: أطعمة، ولباس تقول في جمعه: ألبسة.
فإن اختل شرط اختلف وزن جمعه فمثلاً في (سعاد) اختل شرط التذكير فلا نقول في جمعها: أسعدة.
قال المؤلف: [والزمه في فعالٍ أو فعالِ مصاحبي تضعيف أو إعلال].
أي: الزم الجمع على أفعلة في فَعالٍ أو فِعالِ، لكن بشرط أن يكونا مصاحبي تضعيف أو إعلال.
والفرق بين التضعيف والإعلال: أن التضعيف هو أن يتكرر الحرف، والإعلال أن يكون فيه حرف علة.
مثال فعَال مضعفاً: قرار، نقول فيها: أقرَّه، وجِلال: أجلة، وما أشبه ذلك.
ومثال الإعلال: قباء جمعه أقبية، وكساء جمعه أكسية، وخباء جمعه أخبية، وغطاء جمعه أغطية، وعلى هذا فقس.
قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [(أفعلة) جمع لكل اسم مذكر رباعي ثالثه مد نحو: قذال وأقذلة، ورغيف وأرغفة، وعمود وأعمدة.
والتزم أفعلة في جمع المضاعف أو المعتل اللام من فَعال أو فِعال كبتاتٍ وأبتَّة، وزمام وأزمَّة، وقباء وأقبية، وفناء وأفنية].(63/7)
ما يجمع جمع كثرة على وزن فُعْل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فُعْل لنحو أحمر وحمرا وفعلة جمعاً بنقل يدرى].
قوله: (لنحو أحمرٍ وحمراء)، أي: أحمر نقول في جمعه: حُمْر، وفي الحديث: (خيرٌ لك من حمر النعم) وأخضر يجمع على خُضْر، وعلى هذا فقس.
وقوله: (وفِعلة جمعاً بنقل يدرى) معناه: أن كلمة (فِعلة) تأتي لكنها بالنقل، يعني في السماع عن العرب وليست قياسية، ومثالها: صبية جمع صبي، ووِلْدة جمع ولد، وغلمة جمع غلام، وما أشبه ذلك.
وهذا الوزن هو آخر أوزان جمع القلة.(63/8)
ما يجمع للكثرة على فُعُل أو فُعَل أو فِعَل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفُعُلٌ لاسم رباعي بمد قد زيد قبل لام اعلالاً فقد ما لم يضاعف في الأعم ذو الألف وفُعَلٌ جمعاً لفُعلة عُرف ونحو كبرى ولفِعلة فِعَل وقد يجيء جمعه على فُعَل].
ذكر من جموع الكثرة: فُعُلٌ، وفُعَل وفِعَل.
قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [وأمثلة جمع الكثرة: فُعُلٌ وهو مطرد في كل اسم رباعي قد زيد قبل آخر مدة، بشرط كونه صحيح الآخر، وغير مضاعف إن كانت المدة ألفاً، ولا فرق في ذلك بين المذكر والمؤنث، نحو: قَذَال وقُذُل، وحمار وحُمُر، وكُراع وكُرُع، وذراع وذُرُع، وقضيب وقُضُب، وعمود وعُمُد.
وأما المضاعف: فإن كانت مدته ألفاً فجمعه على فُعُلِ غير مطرد، نحو: عنان وعُنُن، وحجاج وحُجُج، فإن كان مدته غير ألف فجمعه على فُعُل مطرد، نحو: سرير وسُرُر، وذلول وذُلُل.
ومن أمثلة جمع الكثرة فُعَل، وهو جمع لاسم على فُعْلة أو على فُعْلى -أنثى الأفعل- فالأول: كقُربة وقُرَب، وغُرفة وغُرف، والثاني: ككُبْرى وكُبَر وصُغْرى وصُغَر.
ومن أمثلة جمع الكثرة: فِعَلِ، وهو جمع لاسم على فِعْلة نحو: كِسْرة وكِسَر، وحِجَّة وحِجَج، ومِرْية ومِرَى.
[وقد يجيء جمع فِعْلة على فُعَل نحو: لحية ولُحى، وحِلية وحُلى].
أهـ.
مع أن القياس أن يقال في لحية: لحِى، وحلية حِلى.
لكن قوله: (وقد يجيء جمعه على فُعَل) هل معناه أنه يجوز الوجهان، وفُعَل قليلة، أم أن المعنى أنه قد يجيء مخالفاً للقياس، فلا تقول في لحيةٍ: لِحى؟ فالظاهر الأول، وأنه يجوز أن تقول: لحىً ولُحى.(63/9)
ما يجمع للكثرة على وزن فُعَلة وفَعَلة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [في نحو رامٍ ذوا طراد فُعَلَه وشاع نحو كامل وكمله].
رامٍ: اسم فاعل منقوص تقول في جمعه: رماة، وفي قاضٍ قضاة.
وفي سامٍ سماة.
وأصل رماة: رُمَية، لكن تحركت الياء فانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً فصارت رماة.
وغزاة أصلها غُزَوَة، لكن قيل فيها: غُزاة؛ لأن الواو تحركت وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً فقيل: غزاة.
وعلى هذا فقس.
قوله: (وشاع نحو كامل وكملة).
(كامل) على وزن (فاعل) لكنها ليست ناقصة؛ لأن آخرها حرف صحيح، فيقال: كملة، على وزن فَعلة.
ومثله: ساحر سحرة، وفاجر فجرة، وكاهن كهنة، وكافر كفرة.(63/10)
ما يجمع للكثرة على وزن فَعْلى
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [فعلى لوصف كقتيل وزمن وهالك وميت به قمن].
قوله: (فعلى لوصف كقتيل) يعني: لكل وصف يشبه قتيلاً، وقتيل على وزن فعيل بمعنى مفعول.
فكل فعيل بمعنى مفعول فجمعه فَعلى، فقتيل نقول فيها: قتلى، وجريح نقول فيها: جرحى.
أما قضيب فإنه لا يجمع على (قضبى)؛ لأن ابن مالك يقول: (فعلى لوصف كقتيل) وقضيب اسم وليس وصفاً.
وقوله: (وزمن) يعني: المقعد، نقول في جمعه: زَمنى.
وقوله: (وهالكٍ) يعني: وكهالك، يقال فيها: هلكى.
وميت، يقال فيها: موتى.
[فعلى لوصف كقتيل وزمن وهالك وميتٌ به قمن من أمثلة جمع الكثرة: فعلى، وهو جمع لوصف على فعيل بمعنى مفعول دال على هلاك أو توجع؛ كقتيل وقتلى، وجريح وجرحى، وأسير وأسرى.
ويحمل عليه ما أشبهه في المعنى، من فعيل بمعنى فاعل كمريض ومرضى، ومن فَعِل: كزمن وزمنى، ومن فاعل: كهالك وهلكى، ومن فَيْعل: كميت وموتى، وأفعل نحو: أحمق وحمقى].
اهـ.
قوله: (ميت) نقول: إنها على وزن فيعل، كان أصله: مَيْوت من موت، ولكن حصل فيه إعلال بقلب الواو ياء ثم أدغمت في التي قبلها فقيل: ميِّت.(63/11)
ما يجمع للكثرة على وزن فِعَلة
قال: [لفُعلٍ اسماً صح لاماً فِعَلَه والوضع في فِعْل وفَعْل قلّله] قال ابن عقيل: [من أمثلة جمع الكثرة فِعَلة، وهو جمعٌ لفُعْل اسماً صحيح اللام نحو: قُرْط وقِرطة].
قال رحمه الله تعالى: [وفي فعيل وصف فاعل ورد كذاك في أنثاه أيضاً اطرد] قال ابن عقيل: [واطرد أيضاً فِعال في كل صفة على فعيل بمعنى فاعل مقترنة بالتاء أو مجردة عنها ككريم وكرام، وكريمة وكرام، ومريض ومراض، ومريضة ومراض].
وأنثى فعيل فعلية، وأنثى كريم كريمة، ومريض مريضة.(63/12)
ما يجمع للكثرة على وزن فِعال
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وشاع في وصف على فعلانا أو أثنييه أو على فُعْلانا ومثله فُعٍْلانة والزمه في نحو طويل وطويلة تفي].
قال ابن عقيل: [أي: واطرد أيضا مجيء فِعال جمعاً لوصف على فَعلان، أو على فعلانة أو على فَعلى نحو: عَطشان وعِطاش، وعَطشى وعِطاش، وندمانة وندام].
وقوله: (أو أنثييه) يقصد أنثيي فعلان وهما فعلانة بالتاء وفَعلى فتقول: سكران أنثاه سكرانة وسكرى.
قال ابن عقيل: [وكذلك اطرد فعال في وصف على فعلان أو على فعلانة نحو: خُمصان وخماص، وخُمصانة وخماص.
والتزم فِعال في كل وصف على فعيل أو فعلية معتل العين، نحو: طويل وطوال، وطويلة وطِوال].(63/13)
ما يجمع للكثرة على وزن فُعُول وفِعلان وفُعْلان
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبفعُولٍ فَعِلٌ نحو كبد يخص غالباً كذاك يطرد في فَعْل اسماً مطلق الفا وفَعَل له وللفُعال فِعلانٌ حصل].
قوله: (في فعل اسماً مطلق الفا)، معنى مطلق الفاء: أن يكون مثلثاً: سواء بالفتح مثل: فَعْل، أو بالكسر مثل فِعْل، أو بالضم مثل: فُعل.
وقوله: (اسماً) احترازاً من الصفة.
قال: [وشاع في حوت وقاع مع ما ضاهاهما وقل في غيرهما].
قال ابن عقيل: [ومن أمثلة جمع الكثرة: فُعُول وهو مطرد في اسم ثلاثي على فَعِل، نحو: كبِد وكُبُود ووعل ووعول، وهو ملتَزَمٌ فيه غالباً.
واطرد فُعُول أيضاً في اسم على فَعْل بفتح الفاء نحو: كَعْب وكُعُوب، وفَلس وفُلوس.
أو على فِعل بكسر الفاء نحو: حِمل وحُمُول، وضِرْس وضُرُوس.
أو على فُعْل بضم الفاء نحو: جُند وجُنُود، وبُرد وبُرُود.
ويحفظ فُعُول في فَعَل نحو: أَسَد وأُسود، ويفهم كونه غير مطرد من قوله: (وفَعَلٌ له) ولم يقيده باطراد.
وأشار بقوله: (وللفُعَال فِعلانٌ حصل) إلى أن من أمثلة جمع الكثرة فِعلاناً، وهو مطرد في اسم على فُعال نحو: غلام وغِلمان، وغراب وغِربان.
وقد سبق أنه مطرد في فُعَل: كصُرد وصِردان.
واطرد فِعلان أيضاً في جمع ما عينه واو: من فُعْل أو فَعَل نحو: عود وعيدان، وحوت وحيتان، وقاع وقيعان، وتاج وتيجان.
وقل فِعلان في غير ما ذكر نحو: أخٍ وإخوان، وغزالٍ وغزلان].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفعلاً اسماً وفعيلاً وفعل غير معل العين فُعْلانٌ شمل] قال ابن عقيل: [من أبنية جمع الكثرة: فُعْلان، وهو مقيس في اسم صحيح العين على فَعْلٍ، نحو: ظَهر وظُهْران، وبطن وبُطْنان.
أو على فعيل، نحو: قضيب وقضبان، ورغيف ورغفان.
أو على فَعَل نحو: ذكر وذُكران، وحَمَل وحُملان].(63/14)
ما يجمع للكثرة على فُعَلاء وأفعلاء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولكريمٍ وبخيل فُعَلا كذا لما ضاهاهما قد جُعلا وناب عنه أفعلاء في المعل لاماً ومضعف وغير ذاك قل].
قال ابن عقيل: [من أمثلة جمع الكثرة: فُعَلا، وهو مقيس في فعيل -بمعنى فاعل- صفة لمذكر عاقل غير مضاعف ولا معتل، نحو: ظريف وظرفاء، وكريم وكرماء، وبخيل وبخلاء.
وأشار بقوله: (كذا لما ضاهاهما) إلى أن ما شابه فَعيلاً في كونه دالاً على معنى هو كالغريزة يجمع على فُعَلاء، نحو: عاقل وعقلاء، وصالح وصلحاء، وشاعر وشعراء.
وينوب عن فُعَلاء في المضاعف والمعتل (أفعِلاء) نحو: شديد وأشداء، وولي وأولياء.
وقد يجيء (أفعلاء) جمعاً لغير ما ذكر نحو: نصيب وأنصباء، وهيِّن وأهوِناء].(63/15)
ما يجمع للكثرة على وزن فَوَاعل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فواعل لفوعل وفاعل وفاعلاء مع نحو كاهل وحائض وصاهل وفاعله وشذ في الفارس مع ما ماثله].
قال ابن عقيل: [من أمثلة جمع الكثرة: فواعل، وهو لاسم على فوعل نحو: جوهر وجواهر.
أو على فاعل نحو: طابع وطوابع.
أو على فاعلاء نحو: قاصعاء وقواصع.
أو على فاعل نحو: كاهل وكواهل.
وفواعل أيضاً جمعٌ لوصف على فاعل إن كان لمؤنث عاقل نحو: حائضٍ وحوائض، أو لمذكر ما لا يعقل نحو: صاهل وصواهل.
فإن كان الوصف الذي على فاعل مذكر عاقل لم يجمع على فواعل، وشذ فارس وفوارس وسابق وسوابق.
وفواعل أيضاً جمع لفاعلة، نحو: صاحبة وصواحب وفاطمة وفواطم].(63/16)
ما يجمع للكثرة على وزن فعائل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبفعائل اجمعن فعاله وشبهه ذا تاء أو مزاله].
قال ابن عقيل رحمه الله: [من أمثلة جمع الكثرة: فعائل، وهو لكل اسم رباعي بمدة قبل آخره مؤنثاً بالتاء، نحو: سحابة وسحائب، ورسالة ورسائل، وكناسة وكنائس، وصحيفة وصحائف، وحلوبة وحلائب.
أو مجرداً منها نحو: شمال وشمائل، وعقاب وعقائب وعجوز وعجائز].(63/17)
ما يجمع للكثرة على فَعَالي وفَعالَى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبالفعالي والفعالىَ جمعا صحراء والعذراء والقيس اتبعا].
قال ابن عقيل: [من أمثلة جمع الكثرة: فَعِالي وفَعالَى، ويشتركان في ما كان على فَعْلاء اسماً: كصحراء وصحاري وصحارى، أو صفة: كعذراء وعذاري وعذاراى].(63/18)
ما يجمع للكثرة على فَعَاليّ
قال المصنف رحمه الله تعالى: [واجعل فعالي لغير ذي نسب جدد كالكرسي تتبع العرب].
قال ابن عقيل: [من أمثلة جمع الكثرة: فعاليُّ، وهو جمع لكل اسم ثلاثي آخره ياء مشددة غير متجددة للنسب، نحو: كرسي وكراسي، وبردي وبرادي، ولا يقال: بصري وبصاري].
اهـ.
وذلك لأن الياء في بصري متجددة للنسب، لكن الياء في كرسي أصلية وكذلك في بردي، وهو قصب السكر.(63/19)
ما يجمع للكثرة على وزن فعالل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبفعالل وشبهه انطقا في جمع ما فوق الثلاثة ارتقى من غير ما مضى ومن خماسي جرد الاخر انف بالقياس والرابع الشبيه بالمزيد قد يحذف دون ما به تم العدد وزائد العادي الرباعي احذفه ما لم يك لينا إثره اللذ ختما] قال ابن عقيل: [من أمثلة جمع الكثرة: فعالل وشبهه وهو: كل جمع ثالثه ألف بعدها حرفان، فيجمع بفعالل: كل اسم رباعي غير مزيد فيه، نحو: جعفر وجعافر، وزبرج وزبارج، وبرثن وبراثن.
ويجمع بشبهه: كل اسم رباعي مزيد فيه، كجرهر وجواهر، وصيرف وصيارف، ومسجد ومساجد.
واحترز بقوله: (من غير ما مضى) من الرباعي الذي سبق ذكر جمعه: كأحمر وحمراء، ونحوهما مما سبق ذكره.
وأشار بقوله: (ومن خماسي جرد الآخر انف بالقياس) إلى أن الخماسي المجرد عن الزيادة يجمع على فعالل قياساً، ويحذف خامسه نحو: سفارج في سفرجل، وفرازد في فرزدق، وخوارن في خورنق.
وأشار بقوله: (والرابع الشبيه بالمزيد البيت) إلى أنه يجوز حذف رابع الخماسي المجرد عن الزيادة، وإبقاء خامسه إذا كان رابعه مشبهاً للحرف الزائد، بأن كان من حروف الزيادة كنون خورنق، أو كان من مخرج حروف الزيادة كدال فرزدق؛ فيجوز أن يقال: خوارق وفرازق، والكثير الأول، وهو حذف الخامس وإبقاء الرابع نحو خوارن وفرازد.
فإن كان الرابع غير مشبه للزائد لم يجز حذفه، بل يتعين حذف الخامس، فتقول في سفرجل: سفارج ولا يجوز سفارل.
وأشار بقوله: (وزائد العادي الرباعي البيت) إلى أنه إذا كان الخماسي مزيداً فيه حرف حذف ذلك الحرف، إن لم يكن حرف مد قبل الآخر فتقول في سبطرى: سباطر، وفي فدوكس فداكس، وفي مدحرج دحارج.
فإن كان الحرف الزائد حرف مد قبل الآخر لم يحذف، بل يجمع الاسم على فعاليل نحو: قرطاس وقراطيس وقنديل وقناديل، وعصفور وعصافير].(63/20)
كيفية جمع ما به زيادة لو بقيت اختل معها بناء الجمع
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والسين والتا من كمستدع أزل إذ ببنا الجمع بقاهما مخل والميم أولى من سواه بالبقا والهمز واليا مثله إن سبقا] قال ابن عقيل: [إذا اشتمل الاسم على زيادة لو أُبقِيت لاختل بناء الجمع الذي هو نهاية ما ترتقي إليه الجموع وهو -فعالل وفعاليل- حذفت الزيادة، فإن أمكن جمعه على إحدى الصيغتين بحذف بعض الزائد وإبقاء البعض فله حالتان: إحداهما: أن يكون للبعض مزية على الآخر.
والثانية: أن لا يكون كذلك.
والأولى هي المرادة هنا، والثانية ستأتي في البيت الذي في آخر الباب.
ومثال الأولى: مستدعٍ، فتقول في جمعه: مداعٍ، فتحذف السين والتاء وتبقى الميم؛ لأنها مصدرة ومجردة للدلالة على معنى، وتقول في ألندد ويلندد: ألادَّ ويلاد، فتحذف النون وتبقى الهمزة في ألندد، والياء من يلندد لتصدرهما؛ ولأنهما في موضع يقعان فيه دالين على معنى، نحو: أقوم ويقوم، بخلاف النون؛ فإنها في موضع لا تدل فيه على معنى أصلاً.
واليلندد الخصم يقال: رجل ألندد ويلندد، أي: خصم مثل الألد].(63/21)
كيفية جمع ما اشتمل على زيادتين من الأسماء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والياء لا الواو احذف ان جمعت ما كحيزبون فهو حكم حتما].
قال ابن عقيل: [إذا اشتمل الاسم على زيادتين، وكان حذف إحداهما يتأتى معه صيغة الجمع، وحذف الأخرى لا يتأتى معه ذلك حذف ما لا يتأتى معه صيغة الجمع وأبقي الآخر، فتقول في حيزبونٍ: حزابين، فتحذف الياء وتبقى الواو فتقلب ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
وأوثرت الواو بالبقاء لأنها لو حذفت لم يغن حذفها عن حذف الياء؛ لأن بقاء الياء مفوت لصيغة منتهى الجموع.
والحيزبون: العجوز].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وخيروا في زائدي سرندى وكل ماضاهاه كالعلندى] قال ابن عقيل: [يعني أنه إذا لم يكن لأحد الزائدين مزية على الآخر كنت بالخيار، فتقول في سرندى: سراند بحذف الألف وإبقاء النون، وسراد بحذف النون وإبقاء الألف، وكذلك علندى فتقول: علاند وعلاد، ومثلهما حبنطى؛ فتقول: حبانط وحباط؛ لأنهما زيادتان زيدتا معاً للإلحاق بسفرجل، ولا مزية لإحداهما على الأخرى، وهذا شأن كل زيادتين زيدتا للإلحاق.
والسرندى الشديد، والأثنى: سراندة، والعلندى -بالفتح- الغليظ من كل شيء وربما قيل: جمل علندى -بالضم- والحبنطى: القصير البطين يقال: رجل حبنطى بالتنوين وامرأة حبنطاة].(63/22)
شرح ألفية ابن مالك [64]
يأتي التصغير في كلام العرب للتحقير أو التمليح أو التعظيم، وله صيغ معينة، وإذا زاد الاسم عن أربعة أحرف فإنه يتصرف في زياداته بالحذف والقلب ونحو ذلك، والتصغير يرد الحروف إلى أصولها.(64/1)
التصغير(64/2)
تعريف التصغير
يقول المؤلف: [التصغير].
والتصغير ضد التكبير، والتكبير بقاء الاسم كما هو عليه، وليس هناك تكبير ووسط وتصغير، فالأسماء إما مكبرة وإما مصغرة.
والتصغير يراد به التحقير، ويراد به التعظيم، ويراد به التلميح، وله أغراض متعددة، فقول الشاعر: وكل أناس سوف تدخل بينهم دويهية تصفر منها الأنامل.
أي: الموت، والمراد به التعظيم.
وقول النبي عليه الصلاة والسلام لابن عباس: (يا غليم) المراد به التمليح.
والغالب أنه يراد به التحقيق، وله أوزان متعددة: أوزان التصغير: أولاً: الثلاثي، يقول المؤلف: [فُعيلاً اجعل الثلاثي إذا صغرته نحو قُذَيِّ في قذى].
الثلاثي إذا صغرته فوزنه دائماً فُعيل، فنقول في قَذى: قُذَيٌّ، وهدى هُدي، وفتى فُتَي، وعلى هذا فقس.
إذاً: كل ثلاثي سواء كان معتل الآخر، أو الوسط، أو صحيحاً أو كان مثالاً، مثل: وعد تقول: وعيد.
فتكون على فُعَيل في التصغير سواء أريد به التحقير، أو أريد به التعظيم.
قال: [فعيعل مع فعيعيل لما فاق كجعل درهم دريهما] إذا كان الاسم رباعياً فأكثر يقال فيه: فعيعل وفُعيعيل، فتقول مثلاً في جعفر: جعيفر، وفي درهم: دُريهم، وفي عصفور: عصيفير.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فعيلا اجعل الثلاثي إذا صغرته نحو قُذَيّ في قَذى فعيعل مع فعيعيل لما فاق كجعل درهم دريهما].
قال ابن عقيل: [إذا صُغر الاسم المتمكن ضُم أوله، وفتح ثانيه، وزيد بعد ثانيه ياء ساكنة، ويقتصر على ذلك إن كان الاسم ثلاثياً فتقول في فلس: فُلَيس، وفي قذىً قذي].
المراد بالاسم المتمكن هو الاسم المعرب، وغيره الممنوع من الصرف ويقال: متمكن غير أمكن.
قال ابن عقيل: [وإن كان رباعياً فأكثر فعل به ذلك وكسر ما بعد الياء].(64/3)
فوائد التصغير
قال رحمه الله: [فوائد التصغير خمس: الأولى: تصغير ما يتوهم كِبره نحو: جُبيل تصغير جبل].
يعني: لو أن أحداً قال: ما أريد أن أذهب من هذا الطريق؛ لأن فيه جبلاً فتقول له: ما أمامك إلا جُبيل، فهذا المقصود بتصغير ما يتوهم كبره.
[الثانية: تحقير ما يتوهم عظمه، نحو: سُبيع تصغير سَبُع].
والسبع معروف وجسمه معروف، لكن قد يظن إنسان أنه عظيم فأحقره وأقول: سُبيع.
الثالثة: [تقليل ما يتوهم كثرته نحو: دريهمات تصغير جمع درهم.
الرابعة: تقريب ما يتوهم بعده إما في الزمن نحو: قُبيل العصر، وإما في المكان نحو: فُويق الدار، وإما في الرتبة نحو: أُصيغرُ منه].
يعني: هو أصغر منه، وتقليل ما يتوهم بعده إما بالزمن كأن يظن الإنسان وهو نائم وقت الظهر فاستيقظ ووقت العصر ضيق فأقول له: أنت الآن قُبيل العصر.
وفي المكان يقول مثلاً: فُويق الدار، ومنه قوله الخبثاء الفلاسفة: (مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي).
فالأفضل عندهم الولي ثم النبي، لكن النبي منحط جداً عن الولي، لأنه قال: دون الولي، ثم بعد ذلك الرسول، والرسول قريب من النبي، وكلاهما دون الولي، ولهذا يزعمون أن أوليائهم أفضل من الأنبياء، ويقولون: إن من أئمتنا من هو بمرتبةٍ لا ينالها ملك مقرب ولا نبي مرسل، قاتلهم الله! [الخامسة: التعظيم كما في قول لبيد بن ربيعة العامري: (وكل أناس سوف تدخل بينهم دويهية تصفر منها الأنامل).
وأنكر هذه الفائدة البصريون، وزعموا أن التصغير لا يكون للتعظيم لأنهما متنافيان].
فيقولون في دويهية: إن هذه المراد أنها شيء بسيط عند الناس، فكل الناس يصابون فيها وليست بشيء عزيز، ومع ذلك فإنها وإن كانت شائعة فإنها تصيب كل الناس.
قال ابن عقيل: [وإن كان رباعياً فأكثر فعل به ذلك وكسر ما بعد الياء، فتقول في درهم: دُريهم، وفي عصفور: عصيفير.
وأمثلة التصغير ثلاثة: فُعيلٌ، وفعيعيل، وفُعيعلٍ].
يعني: أوزان التصغير ثلاثة فقط: فُعيل وفُعيعل وفُعيعيل، فلا يوجد وزن رابع.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وما به لمنتهى الجمع وصل به إلى أمثلة التصغير صل].
قال ابن عقيل: [أي: إذا كان الاسم مما يصغر على فُعيعل أو على فعيعيل توصل إلى تصغيره بما سبق أنه يتوصل به إلى تكسيره على فَعالل أو فعاليل: من حذف حرف أصلي أو زائد، فتقول في سفرجل: سُفيرج، كما تقول: سفارج، ومستدعٍ: مديعٍ، كما تقول: مداعِ، فتحذف بالتصغير ما حذفت في الجمع.
وتقول في علندى: عُلَيند، وإن شئت قلت: عليِّد، كما تقول في الجمع علاند وعلادد].(64/4)
يجوز تعويض ياء قبل الطرف عما حذف من الاسم المصغر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وجائز تعويض يا قبل الطرف إن كان بعض الاسم فيهما انحذف].
يقول المؤلف: إنه يجوز أن نعوض قبل الآخر ياء تكون عوضاً عن آخر المحذوف، كما ذكرنا أنك تحذف السين والتاء، كما قال المؤلف: والسين والتا من كمستدع أزل إذ ببنا الجمع بقاهما مخل فمثلاً: مستخرج، لابد أن نحذف منها السين والتاء فنقول: مخيرج، ويجوز لنا أن نعوض ياء عما حذفناه فنقول في مستخرج: مخيريج، لكن نقول: إن كان بعض الاسم فيهما انحذف، فإن لم يكن انحذف فإنه لا تعوض الياء؛ لأن الياء إنما تكون عوضاً عما حذف، فإذا كانت الحروف كلها أصولاً فإنها لا يحذف منها شيء.
قال المؤلف رحمه لله: [وحائد عن القياس كل ما خالف في البابين حكماً رسما].
قوله: (حائد عن القياس) أي: خارج عنه.
(كل ما خالف في البابين) يعني بالبابين باب منتهى الجموع، وباب التكسير، فما خالف القواعد في ذلك فإنه يعتبر خارجاً عن القياس، والقاعدة: أن الخارج عن القياس يحفظ ولا يقاس عليه.(64/5)
المواضع التي يجب فيها فتح ما بعد ياء التصغير
قال المصنف رحمه الله تعالى: [لتلو يا التصغير من قبل علم تأنيث او مدته الفتح انحتم كذاك ما مدة أفعال سبق أو مد سكران وما به التحق] وما بعد ياء التصغير في فعيعل وفيعيل مكسور، لكن يقول المؤلف: (لتلو يا التصغير من قبل علم تأنيث)، أي: إذا جاء ياء التصغير في علم مؤنث فإنه لا يكسر ما بعد الياء فيكون مفتوحاً، مثاله: تقول في فاطمة: فطيمَة، وفي وردة: وريدَة، ولهذا قال: (الفتح انحتم).
يقول: (أو مدته) أي: مدة تاء التأنيث سواء كانت ممدودة أو مقصورة، فنقول في سلمى: سليمَى، ولا نقول: سليمِي، ونقول في صحراء: صحيراء، ولهذا قال: (أو مدته الفتح انحتم).
قوله: (كذاك ما مدة أفعال سبق) مر معنا أن أفعالاً من أوزان جموع القلة، فإذا صغرتها تفتح ما بعد الياء، فتقول في أسباب: أسيباب، وتقول في أعمال: أعيمال، وعلى هذا فقس، فإذا جاءت أفعال التي هي جمع تكسير فإنه لا يكسر ما بعد ياء التصغير.
قوله: (أو مد سكران وما به التحق) هذا أيضاً مثل ما سبق، فتقول في سكران: سكيران، وتقول في غضبان: غضيبان، وتقول في عطشان: عطيشان.
والمقصود سكران الذي مؤنثه سكرى، يعني فعلان الذي مؤنثه فعلى، فتبقى الألف فيه ولا تكسر.
أما فعلان الذي مؤنثه فعلانة فليس من هذا الباب، فنقول في شيطان: شييطين، وفي العامية يقولون: هذا شويطين، والصواب: شييطين.
وتقول في صرفان: صريفين؛ لأنه ليس على بابه، لكن نقول: إنه يجمع على صرافين، فإذا جمع على صرافين فإن التصغير يلحق بالجمع، فيقال: صريفين، وغالباً أن هذه المسائل -كما قال بعضهم- قليلة في اللغة العربية.(64/6)
أشياء لا يعتد بها في التصغير
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وألف التأنيث حيث مدا وتاؤه منفصلين عدا كذا المزيد آخراً للنسب وعجز المضاف والمركب وهكذا زيادتا فعلانا من بعد أربع كزعفرانا وقدر انفصال ما دل على تثنية أو جمع تصحيح جلا].
قال ابن عقيل رحمه الله: [لا يُعتد في التصغير بألف التأنيث الممدودة، ولا بتاء التأنيث، ولا بزيادة ياء النسب، ولا بعجز المضاف، ولا بعجز المركب، ولا بالألف والنون المزيدتين بعد أربعة أحرف فصاعداً، ولا بعلامة التثنية، ولا بعلامة جمع التصحيح.
ومعنى كون هذه لا يعتد بها أنه لا يضر بقاؤها مفصولة عن ياء التصغير بحرفين أصليين، فيقال في جخدباء: جخيدباء، وفي حنظلة: حنيظلة، وفي عبقري: عبيقري، وفي بعلبك: بعيلبك، وفي عبد الله: عُبيد الله، وفي زعفران: زعيفران، وفي مسلميَن: مُسيلِمَين، وفي مسلمِيْن: مسيلِمِين، وفي مسلمات: مُسيلِمات].
المقصود ما زاد على أربعة أحرف، ولهذا قال المؤلف: (من بعد أربع)؛ لأن ما لم يزد على أربعة أحرف فقد سبق أنه لا يعد منفصلاً؛ بل يجب فتح ما قبله كما سبق فتقول في سكران: سكيران.
أما ما بعد أربعة أحرف فيقول: قدرها منفصلة، وإذا قدرناها منفصلة فإن ما كان على أربعة أحرف يصغر على فعيعل، فإذا قدرناها منفصلة فلا بد أن نكسر ما بعد ياء التصغير، مثاله: جخدباء، ألف التأنيث الممدود وقعت زائدة على الأربعة، يعني خامسة، فلا نغير صيغة التفعيل من أجلها، بل نقول فيها: جخيدِباء، ولا نقول: جخيدَباء، بينما حمراء نقول فيها: حُميراء، ما الفرق مع أن كلاً منهما ألف ممدودة؟ الفرق: أن الألف الممدودة في جخد باء خامسة فأكثر، وألف التأنيث الممدودة في حمراء رابعة.
إذاً: القاعدة: أن ألف التأنيث الممدودة بعد أربعة أحرف تغير صيغة التصغير فقط، ولهذا قال: اجعلها منفصلة، (وتاؤه منفصلين عدا) التاء مثل: حنظلة، فيها تاء التأنيث، وهي خامسة، فلا نغير التصغير من أجلها، فنقول في حنظلة: حنيظِلة، ولا نقول: حنيظَلة، والفرق أن تاء التأنيث وقعت خامسة، فإذا وقعت خامسة فإننا نعدها منفصلة.
قوله: (كذا المزيد آخراً للنسب)، أي: كذلك المزيد آخر النسب لكنه متجاوز الأربعة، مثل: عبقري، فالعين والباء والقاف والراء هذه أربعة أحرف، والياء زائدة على الأربعة، هذا أيضاً نعتبره منفصلاً؛ حتى لا نغير صيغة التصغير، فنقول في عبقري: عبيقري.
قوله: (وعجز المضاف والمركب) معلوم أن عجز المضاف منفصل، وعجز المضاف هو المضاف إليه، فنقول في عبد الله: عبيد الله، ونجعل ما بعد ياء التصغير كأنه منفصل عن عجزه، ولكن اعلم أن عبيد الله وما أشبهها خاضعة للعوامل، فتقول: رأيت عبيدَ الله، ومررت بعبيدِ الله، وهذا عبيدُ الله.
يقول: (وهكذا زيادتا فعلانا من بعد أربع كزعفرانا).
قوله: (من بعد أربع) عائد لما سبق، (كزعفران) الزاي والعين والفاء والراء أصل الكلمة، والألف والنون زائدتان بعد أربعة، فنقول في زعفران: زعيفران، بخلاف سكران فنقول فيها: سكيران؛ لأن الألف والنون في زعفران زائدة على أربعة أحرف فتكون كأنها منفصلة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وقدر انفصال ما دل على تثنية أو جمع تصحيح جلا).
(جلا) أي: فنقدره منفصلاً، وإذا قدرناه منفصلاً فإننا نصغره على فعيعل، فنقول في مسلِمَين: مسيلِمَين، ونقول في مسلمين: مسيلِمِين، فنقدره كأنه مسلم، ومسلم نقول فيه: مسيلٍم، على وزن فُعيعل، ولا نقول: مسيلَم، إذاً: مسلِمَين نقول فيها: مسيلِمَين، ولا نقول: مسيلَمَين، ومسلِمِين نقول فيها: مُسيلِمِين، ولا نقول: مُسيلَمِين؛ لأننا نعتبر علامة التثنية والجمع منفصلة.(64/7)
تصغير الاسم المختوم بألف التأنيث المقصورة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وألف التأنيث ذو القصر متى زاد على أربعة لن يثبتا وعند تصغير حبارى خير بين الحبيرى فادر والحبيرِّ].
ألف التأنيث الزائد على الأربعة لا يثبت؛ لأنه إذا ثبت تغيرت به صيغة التصغير، مثاله: حبنطى، فهذا زائد على الأربعة: حاء، باء، نون، طاء، ألف، فنقول فيها: حبينط؛ لأنك لو قلت: حبينطى، لتغيرت القاعدة، وعلى هذا فنحذفه، إلا إذا كان ثالثه ألفاً زائدة فأنت مخير، ولهذا قال: (وعند تصغير حبارى خير بين الحبيرى فادر والحبيِّر).
الحبارى نوع من الطيور، إذا صغرناه نقول: حُبِّير، وحبيرى، فيجوز أن تحذف الألف الثالثة وتبقي الألف الأخيرة، ويجوز أن تحذف الأخيرة وتبقي الأولى، لكن إذا أبقيت الأولى فإنه يجب أن تقلبها ياء؛ لأنه يجب كسر ما بعد ياء التصغير.(64/8)
تصغير الاسم إذا كان ثانية حرف لين
قال المصنف رحمه الله تعالى: [واردد لأصل ثانياً ليناً قلب فقيمةً صيِّر قويمة تصب].
(ليناً) هذه حال، أو مفعول ثان لقلب، أي: واردد لأصل ثانياً قلب ليناً، أي: قلب ألفاً، مثاله: قال: (فقيمة صير قويمة تصب).
كلمة (قيمة) الحرف الثاني فيها ياء، لكن أصلها الواو؛ لأنها مِن قوَّم الشيء، قومته أقومه، ولكنها قلبت الواو ياء لعلة تصريفية وهي: أن ما قبلها مكسور، فإذا جاءت الواو ساكنة وما قبلها مكسور قلبت ياء؛ لأن الكسرة لا تتناسب مع الواو، فلأنه لا تتناسب الواو مع الكسرة نغير الواو إلى ما يناسب الكسرة وهي الياء، ونقول: قيمة، لكن عندما نصغر فإنه يقال: إن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها، فنقول في قيمة: قويمة، ولا نقول: قييمة بالياء.
وبهذا نعرف خطأ التعبير الشائع الذي يقولون فيه: تقييم هذا الشيء، والصواب: تقويم هذا الشيء.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وشذ في عيد عييد وحتم للجمع من ذا ما لتصغير علم].
(حتم) بمعنى أوجب، (للجمع) يعني: جمع التكسير.
(حتم له ما لتصغير علم) أي: ما علم للتصغير، وعلى هذا فيجب أن نرد الثاني إذا كان ليناً إلى أصله في الجمع، فنقول مثلاً في عيد إذا أردنا أن نجمعه: أعياد، والأصل: أعواد، لكنه شاذ، ونقول في قوم: أقوام، ولا نقول: أقيام، أما (باب) وتوابعه فسيأتي إن شاء الله فيما بعد.
قال رحمه الله تعالى: [والألف الثاني المزيد يُجعل واواً كذا ما الأصل فيه يُجهل].
الألف الثاني إذا كان مزيداً فإنه يجعل واواً، (كذا ما الأصل فيه يجهل)، فإن كان غير مزيد رد إلى أصله كما سبق.
إذاً فهمنا الآن أن الألف إذا كان مزيداً وهو ثانيه فإنه يجعل واواً، مثل: قائم، فالألف فيه مزيدة، فنقول فيه: قويئم؛ لأن الألف مزيدة، ونقول في غاز: غويز، ونقول في داع: دويع، وعلى هذا فقس.
فإذا كانت الألف ثانية مزيدة فإنها تجعل واواً.
كذلك إذا كانت الألف مجهولة لا ندري ما أصلها واو أم ياء؛ فإننا نجعلها واواً.
مثاله: باب، إذا أردنا أن نصغره نقول: بويب، ولا نقول: بييب؛ لأن المجهول نجعله واواً، وأما الأصلي فإنه يرد إلى أصله، فإذا كان أصله واواً فإنه يكون واواً، وإذا كان أصله الياء فإنه يكون ياءً، فنقول في ناب: نييب، وفي الجمع: أنياب، ونقول في ثوب: ثويب، وفي جمعه: أثواب.(64/9)
شرح ألفية ابن مالك [65]
يتصرف النحاة كثيراً في الأسماء إذا صغرت، فالمنقوص عن الثلاثة يردون إليه عند التصغير ما حذف منه، والثلاثي المؤنث يلحقون به تاء التأنيث ما لم يلتبس وهكذا، وربما صغروا بعض الأسماء المبنية.(65/1)
تصغير ما نقصت حروفه عن أصله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكمل المنقوص في التصغير ما لم يحو غير التاء ثالثاً كما].
ليس المراد بالمنقوص ما كان معتل الآخر كما مر معنا فيما سبق، بل المراد بالمنقوص ما نقصت حروفه عن أصله، فيكمل، لكن المؤلف استثنى فقال: (ما لم يحو غير التاء ثالثاً)، فإن حوى غير التاء ثالثاً فإنه لا يكمل، فإن كان على حرفين أو على ثلاثة أحرف ثالثها التاء فإنه يجب أن يكمل لأجل أن تتم صيغة التصغير، إما على فُعيعل أو على فعيعيل، وما كان على حرفين فقط فإنه لا يمكن أن تتم الصيغة به إلا إذا جلب له الحرف الذي نقص.
وقوله: (ما لم يحو غير التاء ثالثاً) فإن حوى غير التاء ثالثاً فإنه لا يكمل بل يبقى على ما هو عليه؛ لأنه يمكن أن يصاغ منه صيغة التصغير.
وقوله: (كما) المراد بـ (ما) هنا ما إذا سمينا بها شخصاً، فتقول: ما بن عبد الله، ما بن محمد، فإذا أردنا أن نصغر (ما) نقول: موي؛ لأن أصله: مويُّ، فهو أربعة أحرف: الميم والواو والياء المشددة، على وزن فُعيل، وبهذا استقامت صيغة التصغير.
مثال آخر: يد، فيها نقص؛ لأن أصلها (يدي)، فلابد أن نأتي بالمحذوف فنقول: يُدَيٌّ، لكن بما أنها ختمت بياء ساكنة فيجب أن تختم بالتاء فنقول فيها: يُديَّة.
ومثله: (عدة) فيها نقص؛ لأن الأصل: (وعد)، ففيها نقص الواو، فعندما نصغر لا بد أن نأتي بالواو، فنقول: وعيدة.
فإن قال قائل: أليست (عدة) على ثلاثة أحرف؟ قلنا: بلى، على ثلاثة أحرف، ويمكن تصغيرها على فُعيل، لكن الحرف الثالث منها تاء، والمؤلف يقول: (ما لم يحو غير التاء ثالثاً) وعلى هذا فنقول في عدة: وعيدة؛ لأنه لا يمكن أن تتم صيغة التصغير إلا إذا أتينا بهذا الناقص، وهو الواو.
قال الشارح: (المراد بالمنقوص هنا ما نقص منه حرف، فإذا صُغر هذا النوع من الأسماء فلا يخلو إما أن يكون ثنائياً مجرداً عن التاء، أو ثنائياً ملتبساً بها، أو ثلاثياً مجرداً عنها.
فإن كان ثنائياً مجرداً عن التاء أو ملتبساً بها رد إليه في التصغير ما نقص منه، فيقال في دم: دُمَيّ، وفي شَفه: شُفيهة، وفي عدة: وعيدة، وفي ماء -مسمىً به- موي.
وإن كان على ثلاثة أحرف وثالثه غير تاء التأنيث صغر على لفظه ولم يُرد إليه شيء، فتقول في شاك السلاح: شُويك).
تقول: شُويك؛ لأن (شاك السلاح) أصلها: شوك السلاح؛ لأنها مأخوذة من الشوكة، فمعنى (شاك السلاح) أي: مشفعه ومقويه، ومنه قوله تعالى: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال:7].
إذاً: ليست (شاك السلاح) منقوصة في الإعراب، فليس أصلها: شاكي السلاح؛ لأن الألف هنا أصلية، ولو كانت (شاكي) آخرها ياء لكانت الألف زائدة؛ وكثير من الناس يظنون أن (شاك السلاح) منقوص، أي: أن آخره ياء ولكنها حذفت، والصواب أنه ليس منقوصاً وأن آخره الكاف، فآخره اسم صحيح لا حرف علة.(65/2)
تصغير الاسم المرخم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن بترخيم يصغر اكتفى بالأصل كالعطيف يعني المعطفا].
الترخيم في النداء: أن يحذف آخر المنادى، فإذا أردت أن تصغر المرخم فاحذف الزوائد وصغره على الأصل، مثل: مِعْطف، إذا أردنا أن نصغره تصغيراً تاماً بدون ترخيم نقول: مُعَيْطف، على وزن فُعيعل، لكن إذا أردنا أن نصغره تصغير ترخيم فنقول: احذف الزوائد، فمِعطَف مأخوذ من العطف، فالميم زائدة، فإذا صغرناه نقول: عُطيف.
فتصغير الترخيم أن تحذف الزوائد، وتقول في مفتاح على الأصل: مفيتيح، وفي الترخيم: فُتَيح؛ فالميم زائدة؛ لأن مفتاح من فتحَ.
وتقول في مسجد على الأصل: مسيجيد، وعلى الترخيم: سُجيد، وفي مُنخل على الأصل: منيخيل، وعلى الترخيم: نُخَيل، ومغزل على الأصل: مُغَيزل، وعلى الترخيم: غزيل، وغزال على الأصل: غُزَيِّل، وعلى الترخيم: غُزيل.
إذاً: صار عندنا الآن تصغير ترخيم، وتصغير على الأصل، فالذي على الأصل على حسب القواعد السابقة، وعلى الترخيم تحذف الزوائد، ومثله: مكيريم على الأصل، وعلى الترخيم: كريم.
إذا قال قائل: هذه الألفاظ تشتبه، فيشتبه هذا بهذا، ف
الجواب
أن السياق يعين المراد، وحينئذ يزول الإشكال.
قال الشارح: [من التصغير نوع يسمى تصغير الترخيم، وهو عبارة عن تصغير الاسم بعد تجريده من الزوائد التي هي فيه؛ فإن كانت أصوله ثلاثة صغر على فُعيل، ثم إن كان المسمى به مذكراً جُرد عن التاء، وإن كان مؤنثاً ألحق تاء التأنيث، فيقال في المِعطف: عُطيف، وفي حامد: حُميد، وفي حبلى: حُبيلة، وفي سوداء: سُويدة.
وإن كانت أصوله أربعة صغر على فعيعل، فتقول في قرطاس: قُرَيطس، وفي عصفور: عُصيفر].
وكذلك في مدحرج: دحيرج.
كلمة (عصفور) فيها الواو زائدة، إذا حذفناها سيبقى: عين وصاد وفاء وراء، من العصفر، عصفِر، أو عُصفُر.(65/3)
تصغير الاسم الثلاثي المؤنث العاري عن التاء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [واختم بتا التأنيث ما صغرت من مؤنث عار ثلاثي كسن ما لم يكن بالتا يرى ذا لبس كشجر وبقر وخمس وشذ ترك دون لبس وندر لحاق تا فيما ثلاثياً كثر].
قوله: (عار) أي: من التاء، وهذه قاعدة في تصغير المؤنث، إذا كان ثلاثياً عارياً من التاء فإنه يجب أن يقرن بالتاء، فمثلاً (سن) إذا أردنا أن نصغرها نقول: سُنينة، ولو قلنا سُنين بدون تاء لكان هذا ممنوعاً، وفي قط: قطيطة، وعلى هذا فقس.
وقوله: (عار ثلاثي) لا فرق بين أن يكون الثلاثي محرك الوسط، أو ساكن الوسط، ويستثنى من ذلك ما ذكره بقوله: (ما لم يكن بالتا يرى ذا لبس كشجر وبقر وخمس).
فإن كان المؤنث الثلاثي إذا ختم بالتاء اشتبه بالجمع أو بغيره؛ فإنه يجب ألا يختم بها، مثاله: شجر، لو قلنا: شجيرة، لاشتبه بتصغير شجرة؛ لأن شجرة مؤنثة مقرونة بالتاء ثلاثي، فيصغر على شُجيرة، وشجر ثلاثي عار من التاء، فلو قلنا بوجوب تأنيثه بالتاء لقلنا في تصغير شجر: شُجيرة، وحينئذ يلتبس عندنا الجمع بالمفرد، وعليه فنصغر شجر على: شُجير، ولا نقول: شجيرة، مع أنه اسم ثلاثي مؤنث، لكن لما كان تأنيثه يوجب اللبس والاشتباه امتنع اقترانه بالتاء.
كذلك أيضاً: بقر، فهو مؤنث ثلاثي، ومقتضى القاعدة: أنه عند التصغير يُجلب إليه تاء التأنيث، فيقال في بقر: بقيرة، لكن إذا قلت: بُقيرة، التبس بتصغير المفرد؛ لأن تصغير بقرة على بُقيرة، وحينئذ يلتبس الجمع بالمفرد، فيمتنع وجود التاء، فنقول: بقير.
وكذلك ورد، نقول: وريد؛ فهو اسم ثلاثي مؤنث، لكننا لو أتينا بالتا لالتبس به تصغير المفرد وهو وردة، حيث يقال فيها: وريدة.
وكذلك خمس، فهو مؤنث -لأنه اسم لعدد- خال من التاء، ومقتضى القاعدة: أن ما كان اسماً ثلاثياً خالياً من التاء فإننا نزيد التاء، فنقول: خميسة، لكنه عندما التبس بتصغير خمسة امتنع، وعليه فنقول في تصغير خمس: خميس.
قال رحمه الله تعالى: (وشذ ترك دون لبس) أي: شذ ترك التاء لمؤنث الثلاثي إذا لم يكن هناك لبس، والشاذ -كما هو معروف- يحفظ ولا يقاس عليه، وأحياناً يعبر ابن مالك ويقول: ندر، وهو نفس المعنى.
يقول: (وندر لحاق تاء فيما ثلاثياً كثر) قوله: (ثلاثياً): مفعول كثر مقدم؛ لأن كثر بمعنى: زاد، وليست من باب (كثُر) اللازم، والمعنى: ما زاد على الثلاثة فإنه يندر لحاق التاء فيه.
مثاله: قوس، فهو ثلاثي مؤنث، تقول: أعط القوس باريها، فلو أننا صغرنا (قوس) فقلنا: قويسة، لكان خلاف اللغة العربية مع أنه على القياس، لكن جاء في اللغة العربية: قويس، بدون تاء.
ما معنى شذ وندر؟ الشاذ: هو الذي خالف قواعد النحويين لكنه كثر وروده في اللغة، والنادر: هو الذي قل استعماله في اللغة؛ لأن النادر بمعنى القليل، والشاذ بمعنى المخالف، فعند النحويين ما خالف القواعد فهو شاذ ولو كثر استعماله في اللغة العربية، وما ندر أي قل استعماله بين العرب فإنه يسمى نادراً أي: قليلاً.
قوله: (وندر لحاق تا فيما ثلاثياً كثر) مثاله: قدَّام، فهو اسم مؤنث، يقولون في قُدام إذا أردت تصغره: قديديمة، مع أنه زاد على الثلاثة فهو خمسة أحرف، ومع ذلك صغر بالتاء، لكنه شاذ، مع أننا نقول في مريم: مريِّم بدون تاء؛ لأنه زائد على الثلاثة، وفي زينب: زيينب وهكذا.(65/4)
تصغير بعض المبنيات شذوذا
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وصغروا شذوذاً الذي التي وذا مع الفروع منها تا وتى].
قوله: (وصغروا شذوذاً) ما قال: نادراً؛ لأن تصغيره بالياء كثير، لكنه باعتبار القواعد مخالف؛ لأن التصغير خاص بالأسماء المعربة، و (الذي) مبني، لكنه مع ذلك ورد عن العرب تصغيره فقالوا في الذي: اللذيا، وفي اللتي: اللتيا.
وجاء عنهم أيضاً أنهم صغروا اسم الإشارة (ذا) فقالوا: ذيَّا، حتى في اللغة العامية الآن نقول: هذيا.
قوله: (مع الفروع منها) أي: فروع الذي والتي وهي: اللذان، والذين، واللتان واللاتي، وفروع ذا وهي: ذانِ، وتانِ، وذين، وتين، فنقول في تصغير (تي): تَيّ، وتِيّ.(65/5)
شرح ألفية ابن مالك [66]
إذا نسبت العرب إلى قبيلة أو بلدة أو شخص جاءت بياء مشددة في آخر الاسم المنسوب إليه، ويلزم أن يكون ما قبل ياء النسب مكسوراً، وإذا كان قبلها ياء مشددة حذفت لتبقى ياء النسب، وقد فصل النحاة في أحكام ألف وتاء التأنيث والحروف الزائدة في المنسوب إليه.(66/1)
النسب(66/2)
تعريف النسب
قال المصنف رحمه الله تعالى: [النسب ياء كيا الكرسي زادوا للنسب وكل ما تليه كسره وجب].
قوله: (النسب) ويقال: النسبة، ويقال: الإضافة، ومعناه: أن تنسب الشيء إلى الشيء، إما باعتبار القبيلة، وإما باعتبار البلد، وإما باعتبار العلم، وإما باعتبار الصنعة والمهنة، وما أشبه ذلك.
فقولنا: مكِّي، نسبة إلى البلد، وقرشي إلى القبيلة، ونحوي إلى العلم.
وحرفي إلى الحرفة والصناعة، وعلى هذا فقس.
المهم أنه إضافة شيء إلى شيء لينسب إليه، سواء كان ذلك قبيلة أو بلداً أو ما أشبه ذلك.
وله صيغتان: الصيغة الأولى: أن تحوله إلى ما يشبه صيغة المبالغة، كنجار، وحداد، وما أشبه ذلك، وهذا في المنسوب إلى الحِرَف كما قال الحريري في ملحة الإعراب: وانسب أخا الحرفة كالبقال ومن يضاهيه إلى فَعَّال الصيغة الثانية: أن تزيد ياءً في آخره، وهذه الياء يتعلق بها أحكام كما سيأتي.
قوله: (ياءً كيا الكرسي زادوا للنسب): زادوا: فعل وفاعل.
ياءً: مفعول مقدم.
والفاعل في قوله: (زادوا) يعود إلى أهل اللغة؛ لأن النحويين ليس لهم حق في صياغة الألفاظ وإنما الحق لأهل اللغة.
وقوله: (للنسب) اللام للتعريف، أي: لأجل أن ينسب المضاف إلى ما اشتق منه المنسوب إليه.
وأشار المؤلف بقوله: (كيا الكرسي) إلى أن ياء الكرسي ليست للنسب، وهو كذلك؛ لأن ياء النسب إذا حذفتها فإن المنسوب إليه يكون له معنىً قائم بنفسه، فمثلاً: مكِّي، إذا حذفنا ياء النسب، قلنا: مكة، فله معنىً قائم بنفسه، وكذلك قرشي، إذا حذفنا ياء النسب قلنا: قريش، لكن كرسي إذا حذفنا الياء قلنا: كُرس، فليس له علاقة بكرسي، فإن (كرسي) كلمة وضعت لما يجلس عليه.
وقوله: (كيا الكرسيّ) وجه المشابهة بينهما أن كلاً منهما ياءٌ مشددة تظهر عليها علامة الإعراب.
قال: (وكل ما تليه كسره وجب) هذا من الأحكام التي تحدث بعد النسبة، أن كل ما تليه يجب كسره، مثال ذلك: إذا قلت: تميم، الميم الأخيرة في تميم غير مكسورة، لكن إذا نسبت إلى تميم وجب فيها الكسر، فتقول: تميميٌ، وتقول: نحويٌ، وتقول: مكيٌ، وعلى هذا فقس.
كذلك من الأحكام: أن الإعراب ينتقل عما قبلها إليها، فبدلاً من أن يكون الإعراب على آخر المنسوب إليه يكون الإعراب على ياء النسبة، كأن تقول: جاء تميمٌ، ورأيت تميماً، ومررت بتميمٍ، لكن إذا نسبت انتقل الإعراب إلى ياء النسبة، فنقول: جاء تميميٌ، ورأيت تميمياً، ومررت بتميميٍ.(66/3)
حذف الياء المشددة من آخر الاسم المنسوب
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومثله مما حواه احذف وتا تأنيث او مدته لا تثبتا].
قوله: (مثله) أي: مثل ياء الكرسي (مما حواه احذف) أي: إذا حوى المنسوب إليه ياءً كياء الكرسي وجب حذفها حتى لا تجتمع ياءان شبيهتان أو مِثلان في كلمة واحدة، مثاله: الشافعي، اسمه محمد بن إدريس الشافعي، نسبة إلى شافع، عندما تنسب رجلاً من أهل العلم إلى مذهب الشافعي تقول: الشافعيّ، فالياء التي في المنسوب الشافعي ليست هي الياء في المنسوب إليه، بل الياء في المنسوب إليه حذفت، فإذا قلت: أحمد بن علي بن حجر الشافعي، فالياء في الشافعي ليست هي الياء التي في قولك: محمد بن إدريس الشافعي؛ لأن الياء التي كانت في المنسوب إليه حذفت، وحلت ياء النسب محلها.(66/4)
حكم تاء التأنيث وألفه في آخر الاسم المنسوب
قوله: (وتا تأنيث او مدته لا تثبتا) مما يحذف تاء التأنيث، فيجب حذفها عند النسبة فمكة نقول فيها: مكي، ونحذف التاء، وفي تجارة نقول: تجاري، وفي وردة: وردي.
إذاً: تاء التأنيث تحذف، سواء كانت رابعة أو أكثر.
قوله: (أو مدته) أي: مدة التأنيث، وهي ألف التأنيث المقصورة فتحذف كذلك، ولهذا قال: (لا تثبتا)، فعند النسبة إلى سلمى نقول فيها: سلمي، ونحذف الألف.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن تكن تربع ذا ثان سكن فقلبها واواً وحذفها حسن].
قوله: (وإن تكن) الضمير يعود إلى ألف التأنيث لا إلى تاء التأنيث، (تربع) أي: إذا جاءت رابعة، لكن النظم يضيق على الإنسان فقد يعبر الناظم بشيء خفي عادلاً عما هو واضح من أجل الضرورة.
(ذا ثان سكن) أي: ما ثانيه ساكن، (فقلبها واواً وحذفها حسن).
مثاله: حبلى، الألف فيها رابعة، والحرف الثاني منه ساكن، إذاً تنطبق على قوله: (وإن تكن تربع ذا ثان سكن) يقول المؤلف: (فقلبها واواً وحذفها حسن) فتقول في النسبة إلى حُبلى: حبلويٌّ، فهذا قلبها واواً، وتقول: حُبْليٌّ، وهذا حذفها.
إذاً: إذا كانت ألف التأنيث رابعة فيما ثانيه ساكن جاز فيها وجهان: قلبها واواً، وحذفها، والأصل الذي يبنى على القاعدة هو الحذف؛ لأن المؤلف قال فيما سبق: (أو مدته لا تثبتا).(66/5)
حكم ألف الإلحاق في الاسم المنسوب
قال المصنف رحمه الله تعالى: [لشبهها الملحق والأصلي ما لها وللأصلي قلب يعتمى].
قوله: (لشبهها) أي: شبه ألف التأنيث، (الملحق) أي: الذي يلحق بألف التأنيث، وهي ألف يسمونها ألف الإلحاق، فليست ألف التأنيث وليست أصلية، مثل: علقى، الألف فيها للإلحاق.
فالألف التي للإلحاق يقولون إنه يثبت لها حكم ألف التأنيث، ولهذا قال: (ما لها وللأصلي قلب يُعتمى) أي: الألف الأصلية التي هي رابعة فأكثر فيما ثانيه ساكن يجوز فيها وجهان كما سبق، لكن القلب في الأصل يعتمى، أي: يختار، والأمثلة ستكون في الشرح.
أفادنا المؤلف الآن أن الألف المقصورة تكون على ثلاثة أوجه: للتأنيث، وللإلحاق، وأصلية.
فألف التأنيث الأصل فيها الحذف، ويجوز فيما كانت فيه رابعة مما ثانيه ساكن وجهان: الحذف والقلب.
وألف الإلحاق حكمها حكم ألف التأنيث، فتحذف إلا إذا كانت رابعة فيما ثانيه ساكن فيجوز فيها وجهان.
والألف الأصلية نقول فيها ما نقول في ألف التأنيث، إلا أن المؤلف يقول: إن القلب هو الذي يختار.
ثم قال رحمه الله تعالى: [والألف الجائز أربعاً أزل كذاك يا المنقوص خامساً عزل].
قوله: (والألف) مفعول مقدم لقوله: أزل، (الجائز) صفته، ومعنى (الجائز أربعاً) أي: الذي تجاوز أربعة أحرف، فالألف إذا تجاوز أربعة أحرف فإنه يحذف بكل حال، سواء كان للتأنيث، أو أصلياً، أو للإلحاق، فنقول مثلاً في مصطفى: مصطفِيٌّ؛ لأنه ألف جاوز أربعة.(66/6)
حكم ياء المنقوص في الاسم المنسوب
قوله: (كذاك يا المنقوص خامساً عُزل).
ياء المنقوص إذا كان خامساً فأكثر فإنه يُعزل، أي: يحذف، وانظر إلى المؤلف رحمه الله من أجل ضيق النظم يعبر بتعبيرات مختلفة، ولو جاء بهذه كلها في عبارة واحد وقال: تحذف، لكان أسهل، لكن مشكلة النظم هي التي تلجئه إلى مثل ذلك.
فكلمة (أزل) وكلمة (عُزل) وكلمة (لا تثبتا) كلها معناها: احذفها، لكن نظراً لضيق النظم عبر بهذه الألفاظ.
فالمنقوص إذا كان ياؤه خامساً فإنه يحذف، مثاله: مهتدِ، الياء كانت خامسة، فإذا نسبت إلى مهتدٍ تقول: مهتديّ، بالياء المشددة، وهذا مهتديُّ القومِ؛ مثلاً.
إذاً: الذي يحذف: الياء التي تشبه ياء النسب، وتاء التأنيث مطلقاً، ومدة التأنيث، إلا إذا كانت رابعة فيما ثانيه ساكن فيجوز الوجهان، ومدة الإلحاق والمدة الأصلية حكمها حكم مدة التأنيث، إلا أن الأولى في الأصلية القلب فيما تجاوز أربعة فأكثر.
وياء المنقوص إذا كانت خامسة فأكثر فإنها تحذف، فنقول في مهتدٍ: مهتديّ، لكن فرق بين مهتدٍ ومهتديّ، فنقول: جاء مهتديٌّ، وجاء مهتدٍ، فقط؛ لأنها منقوصة.
قال رحمه الله تعالى: [والحذف في اليا رابعاً أحق من قلب وحتم قلب ثالث يعن].
إذا كانت الياء رابعة فحذفها أحق من قلبها واواً، فتقول في قاض: قاضيّ، وقد تقلب واواً فتقول: قاضوي.
وإن كانت الباء ثالثة قلبت واواً وفتح ما قبلها، فتقول في شجٍ: شجَوي.(66/7)
النسبة إلى الثلاثي المكسور العين
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأول ذا القلب انفتاحاً وفعِلْ وفُعِلٌ عينهما افتح وفِعِلْ].
قوله: (وأول ذا القلب) (ذا) قد تكون اسم إشارة، وقد تكون بمعنى صاحب، أي: صاحب القلب، (انفتاحاً) أي: اجعل ما قبله مفتوحاً، وعلى هذا فنقول: أول: فعل أمر، والفاعل: مستتر وجوباً.
ذا: مفعول به مبني على السكون في محل نصب، إذا قلنا إنه اسم إشارة، وإن المعنى: وأول هذا القلب.
وإن جعلنا (ذا) بمعنى صاحب فنقول: مفعول به منصوب بالألف نيابة عن الفتحة، لأنه من الأسماء الخمسة.
انفتاحاً: المفعول الثاني لأولِ.
وإذا كانت ذا اسم إشارة فالقلب بدل، وإن كانت بمعنى صاحب فهي مجرورة بالإضافة.
وانفتاحاً: مفعول ثان، ومعنى (أوله انفتاحاً) أي: اجعله يلي انفتاحاً.
أي: أن ما قبله يجب أن يكون مفتوحاً، فإذا قلبنا وجب أن نفتح ما قبله بكل حال، فنقول في: شجي -شين جيم ياء- نقول في النسبة إليها: شجوي، فنحن الآن قلبنا الياء واواً؛ لأنها ثابتة، ويجب أن نفتح ما قبلها ولو كان مكسوراً، فنقول: شجَوي، هذا معنى قوله: (وأولِ ذا القلب انفتاحاً)، وعلى هذا فمتى قلب حرف العلة واواً وجب فتح ما قبله بناء على هذه القاعدة.
قوله: (وفَعِلْ وفُعِل عينهما افتح وفِعِل) يقول المؤلف: فَعِل، وفُعِل، وفِعِل، هذه ثلاث كلمات كل منها على ثلاثة أحرف، لكن الأولى مفتوحة الفاء، والثانية مضمومة الفاء، والثالثة مكسورة الفاء، إذا نسبت إلى هذه الثلاثة يقول: (عينهما افتح) وفاؤهما تبقى على ما هي عليه، إن كانت مضمومة فهي مضمومة، وإن كانت مكسورة فهي مكسورة، وإن كانت مفتوحة فهي مفتوحة، لكن عينهما افتح.
عين: مفعول مقدم لـ (افتح) فقوله: (وفَعِل) إذا نسبت إليها تقول: فَعَلي، مثاله: نَمِر، فالنون مفتوحة والميم مكسورة، عندما ننسب إليها نقول: نَمَري.
و (فُعِل) مثاله: دئل، نقول: دؤلي، ومنه أبو الأسود الدؤلي.
لأن المؤلف يقول: إذا نسبت إلى فُعِل فافتح العين.
(وفِعِل) مثاله: إبل، إذا أردنا أن ننسب شخصاً إلى الإبل نقول: إبلي.
إذاً: في كل من (فَعِل، وفُعِل، وفِعِل) نفتح العين، وأما الفاء فتبقى على ما هي عليه، وأما اللام فقد تقدم أن ما قبل ياء النسبة يجب أن يكون مكسوراً.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقيل في المرمي مرموي واختير في استعمالهم مرمي].
سبق لنا أن المنسوب إلى الياء المشددة تحذف منه الياء الأولى ويؤتى بدلها بياء النسبة جديدة، كالنسبة إلى الشافعي، وهكذا (مرمي) النسبة إليه: مرميّ، هذه القاعدة، لكن مع ذلك جاء عن العرب أنهم قالوا في المرمي: مرموي، لكن انظر إلى قوله: (قيل في المرمي)، فهو يدل على التضعيف، ولهذا قال: (واختير في استعمالهم مرمي) فتقول: جاء المرموي، وتقول: جاء المرمي، نسبة إلى مرمي.(66/8)
النسبة إلى ما آخره ياء مشددة مسبوقة بحرف واحد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ونحو حي فتح ثانيه يجب واردده واواً إن يكن عنه قلب].
كلمة (حي) الياء الأولى، لا تحذف بل تبقى، لكن تقلب الثانية واواً، فيقال في حي: حيوي، أما الياء الثانية فقد قلبت إلى واو على القاعدة السابقة؛ لأنها ثالثة، أما الياء الأولى فقد حصل فيها تغيير وهو الفتح، فقد كانت ساكنة، لكن لما نسبنا يقول: (ونحو حي فتح ثانيه يجب) فتقول: حَيَوي.
قوله: (واردده ياء إن يكن عنه قلب) أما إذا كان ياء وأصله الياء فيبقى على حاله، ولا يرد إلى الواو، وكلمة (حي) مأخوذة من الحياة، فالياء الثانية فيه أصلية تقول: حيي زيد، ولا تقول: حوي زيد، وتقول: حيي الشجر، ولا تقول: حوي الشجر، إذاً الياء أصلية، فتبقى الأولى على أصلها، والثانية تقلب واواً كما سبق، فنقول: حيوي.
فقول المؤلف: (واردده واواً إن يكن عنه قلب) أي: إن كانت الياء الأولى في نحو حي قد قلبت عن واو فإنها ترد إلى أصلها، مثل: طي، فيه ياء مشددة بعد الحرف الأول وهي مثل حي، لكن الياء الأولى في طي منقلبة عن واو، فعندما ننسب إلى طي نقول: طووي، فعندنا الآن واوان: الأولى: رددناها إلى أصلها، والياء الثانية من الأصل تقلب واواً عند النسب.
وإذا نسبنا إلى (لي) نقول: لووي، لأن (لي) أصله من لوى يلوي لياً.
وإذا نسبنا إلى (شي) من شي اللحم نقول: شووي؛ لأنها من شوى يشوي، فأصل الياء الأولى واو.
كذلك نوى اسم لبلد، نقول في النسبة إليها: نووي، وإذا نسبنا إلى نواة التمر، كواحد يبيع نوى التمر، فنقول: نووي.(66/9)
النسبة إلى ما آخره علامة تثنية أو جمع
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعلم التثنية احذف للنسب ومثل ذا في جمع تصحيح وجب].
قوله: (علم التثنية) بمعنى: علامة التثنية.
(احذف للنسب) أي: إذا نسبت.
فإذا نسبت إلى مثنى وجب أن تحذف علامة التثنية، فتقول في النسبة إلى زيدان: زيدي، وتحذف الألف والنون، وفي النسبة إلى البحرين: بحري، ولا تقول: بحريني بحراني.
والمسألة فيها خلاف، فهناك من يرى أنك تبقيها، وتقول: بحراني، وبحريني إذا نسبت إلى المنصوب.
قوله: (ومثل ذا في جمع تصحيح وجب) أي: حذف العلامة في جمع التصحيح واجب، مثلاً: المسلمون، ننسب إليها ونقول مسلمي، ولا نقول مسلموني، وفي مسلمات: مسلمي، وشجرات: شجري، وهكذا.
إذاً: علامة الجمع وعلامة التثنية يجب أن تحذف؛ لأنها على تقدير الانفصال؛ إذ هي علامة زائدة على بنية الكلمة فوجب أن تحذف.
وبالنسبة للبحرين، هناك من يقول إنه لا يعرب إعراب المثنى، وإنما يعرب بالحركات على النون، وعلى هذا الرأي لا نحذف العلامة، فمثلاً يقولون: سكنت البحرينَ، وسافرت إلى البحرينِ، وسار في البحرينِ، فيعربون بالحركات، وعلى هذا الرأي ننسب إليها بدون حذف فنقول: بحريني؛ لأننا جعلنا النون كأنها أصلية حيث جعلناها تعرب بالحركات.(66/10)
النسبة إلى نحو طيب
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وثالث من نحو طيب حذف وشذ طائي مقولاً بالألف] قوله: (وثالث من نحو طيب حذف).
ثالث: مبتدأ، وهو نكرة، لكن سوغ الابتداء بالنكرة أنه موصوف بقوله: (من نحو طيب)، وجملة (حذف): خبر المبتدأ.
وقوله: (حذف) الذي حذفه هم أهل اللغة.
وكلمة (طيب) مكونة من أربعة أحرف، الثالث منها ياء مكسورة أدغمت فيها ياء قبلها، فيجب أن تحذف الياء الثانية، وهي ثالثة الحروف، فبالنسبة للكلمة ككل هي الثالثة، فتقول في طيب: طَيِْبي، وتقول في جيد: جَيْدِي، وعلى هذا فقس، كلما أتت الياء مشددة ثانية، فإنها تحذف الياء الثانية من هذه المشددة.
وعلى هذا نقول في طيء: طيئي، لكن أهل اللغة يحكمون ولا يحكم عليهم، وهم يقولون: فلان الطائي، ولا يقولون فلان الطيئي، فيجعلون الياء ألفاً، فإن أحد من العرب جاء وقال: فلان الطائي، فلا نخطئه؛ بل: نقول: هو الحاكم علينا، لكن كيف قال: (وشذ طائي)؟ ولابد أن نعرف الفرق بين ندر وبين شذ: فشذ باعتبار القواعد، وندر باعتبار استعمال العرب، فاللغة القليلة يقال فيها ندر، واللغة المشهورة الكثيرة لكنها خارجة عن قواعد النحو يقال: شاذ؛ لأنه فرض نفسه باستعمال العرب له، لكن خالف القواعد فيكون شاذاً، فهو شاذ يعمل به ولا يقاس عليه، والشاذ في الحديث لا يعمل به؛ لأنه ضعيف، لكن الشاذ في اللغة العربية يعمل به، ولا يقاس عليه.
إذاً: القاعدة من هذا البيت: كل اسم رباعي ثانيه ياء مشددة نحذف الياء الثالثة عند النسبة.
فإذا قال إنسان: ما تقولون في قول العرب: طائي؟ نقول: هذا شاذ وخارج عن القياس.(66/11)
النسبة إلى فَعيلة وفُعيلة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وفَعلي في فَعلية التزم وفُعلي في فُعيلةٍ حتم].
قوله: (وفعلي في فعيلة التزم) الأصل أن النسبة إلى فعيلة: فعلي، مثل: جريدة: جردي، صحيفة: صحفي، ما الذي حصل؟ لو أننا أبقينا حروف المنسوب إليه على ما هي عليه فسنقول في النسبة إلى صحيفة: صحيفي، وفي جريدة: جريدي، وفي غريسة: غريسي، وفي غليظة: غليظي.
إذاً: غليظي غلط، والصواب: غلظي، وفي عقيدة نقول: عقدي، ولا نقول: عقيدي؛ لأن فعيلة تحذف ياؤها، وتحذف عينها، فنقول كلما نسبنا إلى فعيلة: فعلي، ولهذا قال: (فعلي في فعيلة التزم) أي: التزم لغة لا شرعاً.
قوله: (وفُعَلي في فُعيلة حتم) إذا جاءت كلمة على وزن (فُعيلة) ونسب إليها فلابد أن تحذف الياء مثل ما قلنا في عنيزة: عنزي، وفي بريدة: بردي، وفي جهينة، جهني، وعلى هذا فقس.
قال المؤلف رحمه الله: [وألحقوا معل لام عريا من المثالين بما التا أوليا].
المثالان هما: فَعيلة وفُعيلة، قوله: (وألحقوا معل لام) (معل لام) أي: الذي آخره حرف علة (عريا) أي: ليس في آخره تاء؛ لأن فَعِيْلة فيها تاء، وفُعَيلة فيها تاء.
(ألحقوا بما التا أوليا) أي: ألحقوا بما فيه التاء، فالمعلل اللام إذا عري من التاء فإنه يلحق بما فيه التاء، وينسب إليه على فَعلي، أو فُعلي، مثاله: تقول في عدي: عدوي، ولو أبقيناها على أصلها لقلنا: عديوي، ولكن ما نسب إليه يكون كفعلي، وتقول في قصي: قُصوي، كفُعلي.
فأفادنا المؤلف رحمه الله أن ما خلي من التاء -أي: ما كان على وزن فَعيل أو فُعيل- وكان معتل اللام فحكمه حكم ما فيه التاء، أي أنه ينسب على فَعلي أو على فُعلي.
ويؤخذ من قوله: (معل لام) أنه إذا كانت لامه صحيحة ونسب إليه على فعلي فإنه يكون شاذاً، فمثلاً: قريش، نقول: قرشي، وهذا استعمال العرب لها، لكنه على قاعدته شاذ.
كذلك في ثقيف نقول: ثقفي، واللام في ثقيف صحيحة، ومع ذلك العرب يقولون: ثقفي، ومقتضى ما قعده ابن مالك لذلك أن نقول: ثقيفي، إذاً يكون قولنا في النسبة إلى ثقيف: ثقفي، شاذاً، وإلى قريش: قرشي كذلك يكون شاذاً، وهذا رأي سيبويه قال: إن هذا شاذ، فيحفظ ولا يقاس عليه.
وفي صهيب نقول: صهيبي، ولا نقول: صهبي؛ لأنه ما سمع، فما دام أنه لم يسمع نمشي على القاعدة، ولكن بعض النحويين قال: إن (قريش وثقيف)، وما أشبهها مما كان العرب ينسبون إليه على فَعلي أو فُعلي يدل على أن هذا قياس وليس سماعاً، وعلى هذا فيكون مطرداً لا شاذاً، فيجوز لي أن أنسب إلى صهيب بصهيبي وصهبي؛ لأن العرب قالوا في قريش: قرشي، وهذا مطرد عنهم.(66/12)
شرح ألفية ابن مالك [67]
بين العلماء كيفية النسب إلى ما آخره همزة مد، وكيفية النسب إلى الأسماء المركبة، وكذلك الأسماء التي حذفت منها بعض حروفها.
وقد يستغنى في باب النسب ببعض الصيغ عن ياء النسب كما في النسبة إلى الحرف والصناعات.(67/1)
تابع النسب(67/2)
النسبة إلى معتل العين ومضعفها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وتمموا ما كان كالطويلة وهكذا ما كان كالجليلة].
طويلة على وزن فعيلة، ومقتضى القاعدة في النسبة إلى طويلة أن نقول: طَوَلي، بحذف الياء، لكن يقول هنا (وتمموا) أي: بدون حذف، فينسب على لفظه، فنقول في النسبة إلى طويلة: طويلي.
إذاً: فهذا استثناء من قوله: (وفعلي في فعلية التزم) أي: ما لم يكن كالطويلة.
ومثله: حويلة، نقول فيها: حويلي، وفي عليلة: عليلي.
إذاً: ما كان كطويلة يبقى كما هو في النسبة إليه، والسبب: أن عينها معتلة فهي تحتاج إلى علاج، وحيث إن عينها معتلة أبقيناها على ما هي عليه.
إذاً: كل فعيلة معتلة العين تبقى على حالها.
قوله: (وهكذا ما كان كالجليلة) أيضاً نبقيها على لفظها، فنقول في النسبة إلى جليلة: جليلي، ونقول في النسبة إلى جميلة: جميلي، وفي قليلة: قليلي، وفي عزيزة: عزيزي، وفي شديدة: شديدي.
فهنا لم نحذف الياء لأنه مضاعف العين.
الخلاصة: كلما نسبنا إلى فعيلة فنحذف الياء في النسب، إلا إذا كانت معتلة العين أو مضعفة العين فإنها تبقى على لفظها، وما لم يكن فيه التاء من فعيل أو فعيلة، فإن كان معتل اللام ألحق بها، وإن كان صحيح اللام لم يلحق، وما ورد عن العرب فهو شاذ كقرشي وفقهي.(67/3)
النسبة إلى ما آخره همزة مد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهمز ذي مد ينال في النسب ما كان في تثنية له انتسب].
أي: أن الممدود يعامل إذا نسب إليه معاملته إذا ثني، وابن مالك يقول في المثنى: وما كصحراء بواو ثنيا ونحو علباء كساء وحيا بواو او همر وغير ما ذكر صحح وما شذ على نحو قصر إذاً: معناه لازم أن نرجع إلى كيفية الممدود، (وما كصحراء) صحراء الألف فيها ممدودة للتأنيث، فعند التثنية يقول ابن مالك: (بواو ثنيا)، فنقول: صحراوان، وفي النسبة نقول: صحراوي؛ لأن صحراء إذا ثنيت وجب قلب همزتها واواً، فإذا نسب إليها يجب أن تقلب همزتها واواً فنقول في صحراء: صحراوي.
قوله: (ونحو علباء كساء وحيا بواو او همز) علباء الهمزة فيها زائدة للإلحاق، وكساء الهمزة فيها أصلية، فإذا كانت الهمزة للإلحاق كعلباء أو كانت الهمزة أصلية ككساء ورداء وما أشبهه، فإنه يجوز فيها الوجهان: إبقاؤها على أصلها، وقلبها واواً، فنقول في النسبة إلى علباء: علباوي أو علبائي، ونقول في النسبة إلى كساء: كسائي، وكساوي.
كذلك نقول في رداء: ردائي، ورداوي، وفي بناء: بنائي أو بناوي، وعلى هذا فقس.
وفي حمراء نقول: حمراوي، وفي سوداء: سوداوي؛ لأن الهمزة زائدة للتأنيث، فتقلب واواً.
يقول: (وغير ما ذكر صحح) فمثلاً: قرّاء وضّاء، أي: كثير القراءة، وكثير الوضوء، الهمزة هذه أصلية؛ لأنه من قرأ ومن توضأ، فنقول في النسبة إلى قراء: قرائي، وفي النسبة إلى وضاء: وضائي.
إذاً: النسبة إلى ما فيه همزة تكون على ثلاثة أوجه: إما أن تقلب بالهمزة واواً، أو تبقى على ما هي عليه، أو يخير الإنسان بين هذا وهذا إذا كانت الهمزة منقلبة عن أصل، أو كانت للإلحاق.(67/4)
النسبة إلى المركب
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وانسب لصدر جملة وصدر ما ركب مزجاً ولثان تمما إضافة مبدوءة بابن أو اب أو ماله التعريف بالثاني وجب فيما سوى هذا انسبن للأول ما لم يخف لبس كعبد الأشهل] هذه الأبيات الثلاثة في النسبة إلى المركب، فهناك بعض الأعلام تكون جملة، مثل ما يقولون: تأبط شراً، أو الشنفري، أصله: الشن فري، أو شاب قرناها.
فإذا أردنا أن ننسب إلى هذه الجملة ننسب إلى صدرها، فنقول في تأبط شراً إذا أردنا أن ننسب إليه: تأبطي، جاء عبد الله التأبطي، أي: المنسوب إلى تأبط شراً، ونقول في الشنفري: جاء عبد الله الشني.
ويؤخذ من كلام ابن مالك أنه لا يجوز أن ينسب إلى عجزها، فلا نقول في تأبط شراً: جاء الشري، أو في شاب قرناها: جاء القرني.
قوله: (وصدر ما ركب مزجاً).
المركب تركيباً مزجياً هو علم ضم فيه كلمتان إحداهما إلى الأخرى لا على سبيل النسبة، لأنه لو كان على سبيل النسبة لكان مركباً إضافياً ولكنه على سبيل الخلط، ولهذا سمي مزجياً، والمزج هو الخلط، فكأننا مزجنا هاتين الكلمتين حتى صارتا كلمة واحدة، ولهذا يكون إعرابها على الآخر، مثل: حضرموت، أصله: حضر موت، ثم ركبت الكلمة الأولى مع الثانية وجعلا علماً لواحد، فعندما ننسب إلى حضرموت المقتضى أن نقول: حضري، لكنهم أدخلوا الميم مع الكلمة الأولى وكانوا يقولون: حضرمي.
وفي بعلبك نقول: بعلي؛ لأن المؤلف يقول: (وصدر ما ركب مزجاً) ولا نقول: بعلبكي.
قوله: (ولثان تمما إضافة مبدوءة بابن أو أب) (ولثان) أي: وانسب للثاني إذا تمم إضافة مبدوءة بابن أو أب، فالمركب تركيباً إضافياً مبدوءاً بابن أو أب ننسب فيه إلى الثاني، مثاله: ابن مالك، لا نقول: هذا ابني مالكي ولا نقول: هذا ابني، ولكن نقول: هذا مالكي، ولكن مشكلتنا إذا قلنا: هذا مالكي أن يظن المخاطب أنه نسبة إلى مالك، وليس إلى ابن مالك، فما هو الجواب عن هذا الإشكال؟
الجواب
أن السياق يعين المراد.
مثال آخر: ابن الزبير، إذا نسبنا إليه نقول: زبيري، ويرد علينا الإشكال السابق وهو أنه نسبة إلى الزبير، لكن هذا الإشكال يزول بالسياق، فالسياق هو الذي يبين المراد.
وقوله: (أو اب) أصله: أو أب، لكن لضرورة الشعر نقل الفتحة من الهمزة إلى الواو، فتحركت الواو وبقيت الهمزة ساكنة.
مثاله: أبو بكر نقول في النسبة إليه: بكري، وهل يجري ذلك المنسوب إلى (أم)؟ نقول: المؤلف ما ذكره، لكن هو مثله، فكل علم به كنية فإنه ينسب إلى عجزه، وقد مر علينا أن العلم يأتي بصورة اسم أو لقب أو كنية، فالكنية ما قدم بأب أو بأم أو بابن، وعلى هذا فما أضيف إلى أم ينسب أيضاً إلى عجزه، أي: الثاني، فتقول في النسبة إلى أم سلمة: سلمي، ولا نقول: أمي، أو أمي سلمي.
يقول: (أو ما له التعريف بالثاني وجب) أي: ينسب للثاني، وهو ما اكتسب التعريف بسبب الإضافة، مثل: غلام زيد، إذا أردنا أن ننسب إليه نقول: زيدي، لكن أصل غلام زيد ليست علماً، إلا أن يكون علماً بالغلبة، يعني: هذه النسبة لا تكون على إطلاق فليس كل غلام لزيد يسمى هكذا، لكن هذا يختص بما كان علماً بالغلبة بحيث لا يفهم من غلام زيد إلا هذا الرجل المعين، كما لا يفهم من ابن عمر إلا عبد الله بن عمر فهذا أيضاً ينسب إلى عجزه.
فنقول بالنسبة إلى غلام زيد: زيدي، ولا نقول: غلامي، أما إذا كان غلام زيد لا ينصرف إلى معين فينسب إلى الأول فيقال: غلامي؛ لأن المقصود نفس الغلام، لا النسبة إلى سيده الذي هو زيد.
وإذا لم يتعرف الأول بالثاني، أي: إذا لم نجد له التعريف بالثاني بأن كان الثاني نكرة أيضاً فإنه ينسب إلى الأول، مثاله: غلام رجل، غلام هنا نكرة، وقد أضيف إلى نكرة، والمضاف إلى النكرة نكرة، فعندما ننسب إلى غلام رجل نقول: غلامي؛ لأنه غير معين الآن، لكن عند النسبة إلى غلام الرجل نقول: الرجلي.
يقول: (فيما سوى هذا انسبن للأول) لا يعرف السوى إلا إذا عرفنا الأصل، والأصل: أن ما كان مضافاً مبدوءاً بابن أو أب أو أم على قول، وكذلك ما أضيف إلى معرفة؛ ينسب إلى الثاني، وفيما سوى ذلك قال: (انسبن للأول) مثل: غلام رجل، نقول: غلامي.
قال: (ما لم يخف لبس كعبد الأشهل) فإن خيف لبس فإنه ينسب للثاني، مثل: عبد الأشهل، لو نسبنا للأول فقلنا: عبدي، فسيكون فيه لبس: هل عبدي منسوبة إلى عبد الله، أم إلى عبد الرحمن، أم عبد الأشهل أو ما أشبه ذلك؟ إذاً: ننسب إلى الثاني فنقول: الأشهلي؛ ونقول في النسبة إلى عبد المطلب: مطلبي؛ وفي عبد الدار: عبدري؛ لأن العرب قالوا: عبدري وهو سماعي، وقالوا في عبد شمس: عبشمي.
يقول الشارح: [حكم همزة الممدود في النسب كحكمها في التثنية، فإن كانت زائدة للتأنيث قلبت واواً نحو: حمراوي في حمراء.
أو زائدة للإلحاق كعلباء، أو بدلاً من أصل نحو كساء، فوجهان: التصحيح نحو: علبائي وكسائي، والقلب نحو: علباوي وكساوي.
أو أصلاً فالتصحيح لا غير نحو: قرائي في قراء].
وقال الشارح: [إذا نسب إلى الاسم المركب؛ فإن كان مركباً تركيب جملة أو تركيب مزج حذف عجزه، وألحق صدره ياء النسب، فتقول في تأبط شراً: تأبطي، وفي بعلبك: بعلي.
وإن كان مركباً تركيب إضافة فإن كان صدره ابناً أي: كان معرفاً بعجزه حذف صدره، وألحق عجزه ياء النسب، فتقول في ابن الزبير: زبيرى، وفي أبي بكر: بكري.
فإن لم يكن كذلك فإن لم يخف لبس عند حذف عجزه حذف عجزه، ونسب إلى صدره، فتقول في امرىء القيس: امرئي، وإن خيف لبس حذف صدره ونسب إلى عجزه، فتقول في عبد الأشهل وعبد القيس: أشهلى وقيسي].(67/5)
النسبة إلى الثلاثي المحذوف اللام
قال المصنف رحمه الله تعالى: [واجبر برد اللام ما منه حذف جوازاً ان لم يك رده ألف في جمعي التصحيح أو في التثنيه وحق مجبور بهذي توفيه].
قوله: (واجبر برد اللام ما منه حذف) المراد باللام لام الابتداء (ما منه حذف) أي: ما حذف منه اللام، أي: اجبر ما حذف منه اللام برد لامه، واللام هي آخر الكلمة؛ لأن الميزان (فعل) وآخره اللام، فإذا وجدنا كلمة حذفت لامها، وجب أن نردها عند النسب، لكن الشرط: (جوازاً ان لم يك رده ألف في جمعي التصحيح أو في التثنية) أي: نرد اللام جوازاً، إلا أن يكون مما ترد لامه بالتثنية أو الجمع فإنه يجب أن نردها.
إذاً قوله: (اجبر برد اللام ما منه حذف) معناه: اجبر برد اللام ما منه حذفت اللام، قوله: (ألف) أي: في اللغة العربية (في جمعي التصحيح) المراد بجمعي التصحيح: جمع المؤنث السالم وجمع المذكر السالم.
فإن كان قد ألف رد هذا المحذوف فإنه يقول: (وحق مجبور بهذي توفية) الإشارة إلى جمعي التصحيح والتثنية أي: حقها أن يوفى ولا يحذف.
وخلاصة هذين البيتين: أن الاسم إذا كان ثلاثياً فحذفت لامه؛ فإن كانت اللام ترد عند التثنية أو جمعي التصحيح وجب ردها، وإن كانت لا ترد بالتصحيح أو التثنية فإنه يجوز لك أن تردها، ويجوز ألا تردها.
مثاله: دم، عندما تثنيها تقول: دمان، بدون رد اللام، وعندما تنسب إليها تقول: دموي، ودمي؛ لأنها لا ترد في التثنية، وإذا لم ترد بالتثنية فإنه يجوز في النسب أن أرد اللام وألا أرده.
ومثله: أب، في التثنية نقول: أبوان، وعندما ننسب إلى أب نقول: أبوي، ولا نقول: أبي؛ لأن اللام إذا كانت ترد في التثنية وجب ردها في النسب.
أيضاً: يد، نقول في تثنيتها: يدان، قال الله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64]، وإذا أردنا أن ننسب نقول: يدوي، أو يدي؛ لأن اللام لا ترد في التثنية، وإذا لم ترد في التثنية فإنه يجوز لنا أن نردها عند النسب وألا نردها.
وأخ نثنيها فنقول: أخوان، وننسب إليها فنقول: أخوي، ولا نقول: أخيّ؛ لأن اللام ترد في التثنية، فإذا ردت في التثنية وجب أن ترد في النسب.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبأخ أختاً وبابن بنتا ألحق ويونس أبي حذف التا].
يعني: ألحق أختاً وبنتاً بأخ وابن، فعندما تنسب إلى أخ تقول: أخوي، وعندما تنسب إلى ابن، تقول: ابني، أو إن حذفت الهمزة تقول: بنوي.
إذاً: عندما أنسب إلى أخت ألحقها بأخ، فأقول في النسبة إليها: أخوي، وإذا أشكلت علينا النسبة هل هي إلى الأخ أو إلى الأخت فإن ذلك يعرف بالسياق.
وبالمثل: ابن وبنت، وعندما نحذف همزة ابن نقول: بنوي.
قوله: وبابن بنتا ألحق ويونس أبى حذف التا يونس قال: لا نحذف التاء من بنت وأخت وإنما ننسب إلى لفظها بدون حذف فنقول في أخت: أختيّ بالتاء.
ونقول في بنت: بنتيّ.
والأولى بالصواب قول يونس لأننا لو أخذنا به يزول عنا الالتباس.
وهناك قول ثالث يقول: انسب إلى اللفظ بحذف التاء.
يعني: تقول في أخت: أُخيّ، وفي بنت: بِنيّ، بحذف التاء؛ لأنها عند الجمع تحذف فيقال: بنات، ولا يقال: بنتات، ويقال: أخوات، ولا يقال أختات، فمادامت تحذف عند الجمع فإننا نحذفها عند النسب.
فعندنا في بنت وأخت ثلاثة أقوال: الأول: أننا نجري أختاً وبنتاً مجرى أخ وابن.
القول الثاني: أننا ننسب إليهما على لفظهما بدون حذف.
القول الثالث: أننا ننسب إليهما على لفظهما مع الحذف.(67/6)
النسبة إلى الثنائي الذي ثانيه حرف لين
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وضاعف الثاني من ثنائي ثانيه ذو لين كلا ولائي].
فإذا كان المنسوب إليه ثنائياً، وثانيه ذو لين، يعني: أحد حروف اللين وهي: الألف والواو والياء.
فإننا نضاعفه، فإذا أردنا أن ننسب إلى (لا) نقول: لائي ولا نقول: لئي، وبما أن آخر الثنائي الألف فلابد أن تقلب همزة عند المضاعفة.
مثلاً إذا كان هناك رجل اسمه (لا).
ورزقه الله ولداً وسماه عبد الله، وعبد الله هذا رزق ولداً سماه صالحاً فنقول نحن عنه: هو صالح بن عبد الله اللائي.(67/7)
النسبة إلى الثلاثي المحذوف الفاء
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن يكن كشية ما الفا عدم فجبره وفتح عينه التزم].
(وإن يكن كشية) يعني: وإن يكن ثلاثياً مثل (شية)، ومعنى ما الفا عدم: ما حذفت فاؤه.
نحن نعرف أن كل كلمة لها فاء وعين ولام، وشية محذوفة الفاء، والعين هي حرف الشين، واللام هي حرف الياء.
والمحذوف الفاء وأصله واو؛ لأن أصل الكلمة (وشي).
قوله: (فجبره وفتح عينه التزم).
والجبر في باب النسب أن ترد المحذوف.
(وفتح عينه التزم) العين بالنسبة إلى شية هي حرف الشين، وعلى هذا فالنسبة إلى شية هي: وشَويّ.
إذاً: إذا حذفت فاؤه فإنه يجب فيه أمران: الأول: رد الفاء، والثاني: فتح العين.
كذلك كلمة (عدة) عند النسبة إليها نقول: وعَديّ.(67/8)
النسبة إلى الجمع
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والواحد اذكر ناسباً للجمع إن لم يشابه واحداً بالوضع].
قوله: كلمة أنصار جمع لكنها في الواقع تشبه الواحد، فينسب إليها أنصاري، على لفظها، وأما أنمار فإنها ليست جمعاً، فينسب إليها على لفظها، فيقال: أنماري، وأنبار يقال فيها: أنباري، لأنها ليست جمعاً في الأصل، لكن أنصار يدل على جمع، ويشبه الواحد في الوضع.(67/9)
الاستغناء عن ياء النسب
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومع فاعل وفعَّال فعل في نسب أغنى عن اليا فقبل].
قوله: (ومع فاعل وفعَّال فعل) هذه ثلاث صيغ، (في نسب أغنى عن اليا)؛ لأن معناه أنه يصاغ على وزن فاعل، وعلى وزن فعَّال، وعلى وزن فَعَل، للنسبة عوضاً عن الياء، فيقال في الرجل كثير البيع للتمر: تامر، وكذلك الرجل كثير بيع اللبن، أو كثير شرب اللبن، يقال: لابن، ويقال إن رجلاً شكى إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قول الحطيئة فيه: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فدعا عمر رضي الله عنه حسان بن ثابت وقال: ما تقول في قول الحطيئة هذا، هل هجاه أو مدحه؟ قال: يا أمير المؤمنين! إنه قد سلح عليه، أي أنه من أعظم الهجاء.
فالطاعم هنا ليس معناه الذي طعم مرة واحدة ولكن معناه أنك ذو إطعام وذو كسوة فهو من باب النسبة على فاعل.
والفعال كثير ولاسيما في الحرف، مثل بناء ونجار وحداد وصناع.
وأما فَعل فهو قليل، لكنه موجود، قال الشاعر: لست بليلي ولكني نهر لا أدلج بالليل ولكن أبتكر يعني ليس هو ممن يمشي في الليل، ولكنه يمشي بالنهار فهو نهر، نسبة إلى النهار.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وغير ما أسلفته مقرراً على الذي ينقل منه اقتصرا].
يعني ما ذكره رحمه الله هو القواعد، وكان العرب هم الحكام في هذه الأبواب فيقولون: ليس لنا إلا أن نستسلم، فالذي يخالف ما ذكرت من القواعد يقتصر فيه على السماع، ولا يقاس عليه، ولهذا قال: (على الذي ينقل منه اقتصرا) مثل عبد شمس كان المفروض أن نقول: شمسي لكن يقال: عبشمي، وعبد الدار بدلاً من أن نقول داري نقول: عبدري.(67/10)
شرح ألفية ابن مالك [68]
الأصل في الوقف عند العرب أن يوقف على حرف ساكن، فلا وقف على متحرك ولا ابتداء بساكن، وما كان منوناً منصوباً وقفوا عليه بالألف، وعندهم في الوقف روم وإشمام ونقل وتسكين وتضعيف، وقد يقفون بهاء السكت، ولكل ذلك تفاصيل مذكورة.(68/1)
الوقف(68/2)
تعريف الوقف وكيفية الوقف على المنون
قال المؤلف رحمه الله: [الوقف تنويناً اثر فتح اجعل ألفا وقفاً وتلو غير فتح احذفا] الوقف معناه: قطع الكلام، يعني أن تقف على الكلمة أو الجملة أو الحرف أو ما أشبه ذلك، فتقطع الكلام.
والوقف في القرآن بعضه وقف لازم وبعضه جائز وغير ذلك، ولكن البحث هنا من جانب أحكام آخر الموقوف عليه.
يقول المؤلف: (تنويناً اثر فتح اجعل ألفاً) تنويناً: مفعول مقدم باجعل، يعني: التنوين الذي جاء بعد فتح اجعله ألفاً، فتقول، في رأيت زيداً: رأيت زيدا، إذا وقفت، ولا تقول: رأيت زيد.
قال: (وقفاً وتلو غير فتح احذفا)، تلو: مفعول مقدم باحذف، يعني: والتنوين الذي يكون تلو غير الفتح -وهو الضم والكسر- احذفه، فإذا قلت: مررت بزيدٍ، قلنا: هذا غلط.
والصواب أن تقول: مررت بزيده؛ لأن ابن مالك يقول: احذف، والأمر للوجوب، إلا أن يدل عليه الدليل.
قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [تنويناً اثر فتح اجعل ألفا وقفاً وتلو غير فتح احذفا].
أي إذا وقف على الاسم المنون، فإن كان التنوين واقعاً بعد فتحة أبدل ألفاً، ويشمل ذلك ما فتحته للإعراب نحو: رأيت زيداً وما فتحته لغير الإعراب كقولك في إيهاً وويهاً: إيها وويها.
وإن كان التنوين واقعاً بعد ضمة أو كسرة حذف وسكن ما قبله، كقولك في جاء زيدٌ ومررت بزيدٍ: جاء زيدْ، ومررت بزيدْ].
وقد ذكرنا أن ربيعة تقف على المنصوب بالسكون فتقول: رأيت زيد.(68/3)
حكم حذف صلة الضمير في الوقف
قال المؤلف: [واحذف لوقف في سوى اضطرار صلة غير الفتح في الإضمار].
الضمير له صلة معروفة؛ تقول: ضربته ضرباً شديداً، مررت به نائماً، هذه صلة، فيقول: احذف الصلة الوقف.
قوله: (في سوى اضطرار)، أما في حال الاضطرار فلا تحذف؛ لأن لكل شيء حكمه.
قوله: (صلة غير الفتح في الإضمار)، أي: صلة غير الفتح في الضمير، أما صلة المفتوح فلا تحذف، فتقول: رأيتها، ببقاء الألف، ولكن إذا كان مضموماً أو مكسوراً تحذف صلتها، فتقول: زيد ضربتهْ، زيد مررت بهْ.(68/4)
كيفية الوقف على إذاً
قال: [وأشبهت إذاً منوناً نصب فألفاً في الوقف نونها قلب].
(إذاً) تشبه المنون المنصوب، تقول: زيداً مررت به إذا، فهي تشبه المنون المنصوب، وإذا كانت تشبهه فعند الوقف نقلب نونها ألفاً، ولا نقول: إذاً بالنون.
وهل يمكن أن يقف الإنسان على إذاً؟
و
الجواب
نعم؛ فتقول: (أكرمك إذا).
وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن يكون هناك التباس أو لا، لأنني إذا قلت: أكرمك إذا، قد تلتبس بإذا الشرطيه، لكن نقول: الأصل عدم ذلك، وأن معنى أكرمك إذاً، أي لأنك زرتني، ولهذا قال: (فألفاً في الوقف نونها قلب).
وإعراب (نونها): نائب فاعل عند الكوفيين، لأنهم يجوزون تقديم الفاعل أو نائب الفاعل، ولكن البصريين يقولون: لا يجوز ذلك، فهي مبتدأ، و (قلب): فعل ونائب فاعل، والجملة خبرها.
قال ابن عقيل: [إذا وقف على هاء الضمير، فإن كانت مضمومة نحو: رأيتهُ، أو مكسورة نحو: مررت بهِ، حذفت صلتها ووقف على الهاء ساكنة، إلا في الضرورة، وإن كانت مفتوحة نحو: هند رأيتها، وقف على الألف ولم تحذف.
وشبهوا إذاًَ بالمنصوب المنون فأبدلوا نونها ألفاً في الوقف].(68/5)
كيفية الوقف على المنقوص
قال المؤلف رحمه الله: [وحذف يا المنقوص ذى التنوين ما لم ينصب اولى من ثبوت فاعلما وغير ذى التنوين بالعكس وفي نحو مر لزوم رد اليا اقتفى].
حذف: مبتدأ، وأولى: خبر.
والمنقوص: كل اسم معرب آخره ياء لازمة مكسور ما قبلها، مثل: القاضي.
قوله: (ما لم ينصب) أي: وهو مرفوع أو مجرور؛ فهي ثلاثة شروط: أن يكون منقوصاً منوناً غير منصوب، فإذا تحققت الثلاثة فحذفها أولى من ثبوت فاعلما، تقول في (مررت بقاضٍ) عند الوقف: (مررت بقاضْ)، ويجوز (مررت بقاضي)، ولكن الحذف أولى، ومنه: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه:72]، و (بما أنت قاضي)، {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد:11] وأصلها: (من والي).
فقوله: (أولى من ثبوت) أي: ويجوز الإثبات، لكن في القرآن لا نثبت إلا إذا كان هناك قراءة؛ لأن القرآن توقيفي.
وقوله: (ما لم ينصب اولى من ثبوت فاعلما)، فإن نصب المنقوص فهو على القاعدة الأولى، فتقف على تنويه بالألف، فتقول مثلاً: أكرمت راميا، أجبت داعيا، حكمت قاضيا.
قال: (وغير ذي التنوين بالعكس) غير ذي التنوين هو المحلى بأل، وقوله (بالعكس) أي: بإثبات الياء، فتقول: جاء القاضي.
وقوله (بالعكس) إذا عكسنا المسألة بالحكم والأولوية، صار يجوز الإثبات والحذف ولكن الأولى إثبات الياء، أقول: جاء القاضي، ويجوز: جاء القاض.
قال الله تعالى: {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد:9]، والأولى: المتعالي، لكنه يجوز الحذف.
فصار الحذف أولى في المنون والعكس في غير المنون.
قال: (وفي نحو مر لزوم رد اليا اقتفى).
مر: اسم فاعل من أرى.
قال ابن عقيل رحمه الله: [إذا وقف على المنقوص المنون، فإن كان منصوباً أبدل من تنوينه ألف، نحو: رأيت قاضيا، فإن لم يكن منصوباً فالمختار الوقف عليه بالحذف، إلا أن يكون محذوف العين أو الفاء، كما سيأتي، فتقول: هذا قاض، ومررت بقاض، ويجوز الوقف عليه بإثبات الياء كقراءة ابن كثير: (ولكل قوم هادي).
فإن كان المنقوص محذوف العين: كمر - اسم فاعل من أرى - أو الفاء: كيفى -علماً-].
قوله: (كيفي علماً) يفي في الأصل فعل مضارع، لكن لو سمي به شخص فله هذا الحكم.
قال: [أو الفاء: كيفى -علماً- لم يوقف إلا بإثبات الياء، فتقول: هذا مري، وهذا يفي، وإليه أشار بقوله: (وفي نحو مر لزوم رد اليا اقتفي).
فإن كان المنقوص غير منون، فإن كان منصوباً ثبتت ياؤه ساكنة نحو: رأيت القاضي، وإن كان مرفوعاً أو مجروراً جاز إثبات الياء وحذفها، والإثبات أجود، نحو: هذا القاضي، ومررت بالقاضي].(68/6)
الوقف على الاسم المحرك الآخر(68/7)
وجوه الوقف على الاسم المحرك الآخر
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وغيرها التأنيث من محرك سكنه أو قف رائم التحرك أو أشمم الضمة أو قف مضعفا ما ليس همزاً أو عليلا إن قفا محركاً وحركات انقلا لساكن تحريكه لن يحظلا].
قال الشارح: [إذا أريد الوقف على الاسم المحرك الآخر فلا يخلو آخره من أن يكون هاء التأنيث أو غيرها، فإن كان آخره هاء التأنيث وجب الوقف عليها بالسكون، كقولك في: هذه فاطمة أقبلت: هذه فاطمه.
وإن كان آخره غير هاء التأنيث ففى الوقف عليه خمسة أوجه: التسكين، والروم، والإشمام، والتضعيف، والنقل.
فالروم: عبارة عن الإشارة إلى الحركة بصوت خفى.
والإشمام: عبارة عن ضم الشفتين بعد تسكين الحرف الأخير، ولا يكون إلا فيما حركته ضمة.
وشرط الوقف بالتضعيف أن لا يكون الأخير همزةً كخطأ، ولا معتلاً كفتى، وأن يلي حركة، كالجمل، فتقول في الوقف عليه: الجمل - بتشديد اللام - فإن كان ما قبل الأخير ساكناً امتنع التضعيف، كالحمل.
والوقف بالنقل عبارة عن تسكين الحرف الأخير ونقل حركته إلى الحرف الذي قبله، وشرطه: أن يكون ما قبل الآخر ساكناً، قابلا للحركة، نحو: هذا الضرُبْ، ورأيت الضرَبْ، ومررت بالضرِبْ.
فإن كان ما قبل الآخر محركاً لم يوقف بالنقل كجعفر.
وكذا إن كان ساكناً لا يقبل الحركة كالألف، نحو: باب وإنسان].(68/8)
نقل الفتحة في غير المهموز الآخر
قال المؤلف: [ونقل فتح من سوى المهموز لا يراه بصري وكوفٍ نقل].
نقل فتح، أي: من الآخر، في غير المهموز لا يراه عالم من البصريين، ونقل الكوفيون ذلك عن العرب، وعلى هذا فمذهبهم هو الصحيح.
وقوله: (من سوى المهموز)، خرج به المهموز، فإنه إذا كان مهموز الآخر فإنه تنقل حركته إلى الساكن الصحيح قبله على رأي الكوفيين والبصريين.
تقول مثلاً: أنا أحب الدفْء، الأصل أن نقول: الدفء، ويجوز أن نقول: الدفأ على القولين جميعاً.
قال: [والنقل إن يعدم نظير ممتنع وذاك في المهموز ليس يمتنع].
أفادنا المؤلف رحمه الله أنه إذا نقلنا الحركة إلى الساكن قبله، وكان هذا البناء لا نظير له في اللغة العربية، فإنه لا يجوز؛ لأننا نخرج بذلك عن الأوزان المعروفة في اللغة العربية، إلا في المهموز.(68/9)
الوقف على تاء التأنيث في الاسم
قال المؤلف: [في الوقت تا تأنيث الاسم ها جعل إن يم يكن ساكن صح وصل] (في الوقت تا تأنيث الاسم جعل) يعني إذا وقفت على اسم مختوم بتاء التأنيث، فاجعله هاءً تقول: هذه فاطمه، ولا تقول هذه فاطمت.
وقول المؤلف: (تاء تأنيث الاسم)، خرج به تاء تأنيث الفعل مثل: هند قامت، ولا تقل: هند قامه، (ما لم يكن بساكن صح وصل)، فإن وصل بساكن صحيح قبله، فإنه يوقف عليه بالتاء، وهذا استثناء من الشطر الأول، وذلك مثل: أخت، فلا تقول: هذه أخه، بنت، فلا تقول: هذه بنه.
أما إذا اتصل بساكن غير صحيح كما لو قلت: فتاة، فتقول في الوقف فتاه.
قال المؤلف: [وقل ذا في جمع تصحيح وما ضاهى وغير ذين بالعكس انتمى].
(وقل ذا في جمع تصحيح) المشار إليه قلب التاء هاء، وجمع التصحيح هنا هو جمع المؤنث السالم، فجمع المؤنث السالم يقل فيه أن تجعل التاء هاء، فتقول: عندي مسلمات، ويقل أن تقول: عندي مسلماه، والأكثر أن تقول: مسلمات، قال الله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ} [التحريم:5] إذا وقفت على واحدة من هذه وقفت بالتاء.
قوله: (وما ضاهى)، يعني ما شابهه، وهو الملحق به.
قوله: (وغير ذين بالعكس) يعني: غير جمع المؤنث السالم والملحق به، فالأكثر فيه الوقوف على الهاء، ويجوز بالتاء لكنه قليل.(68/10)
الوقف بهاء السكت في الفعل المعتل
قال المؤلف: [وقف بها السكت على الفعل المعل بحذف آخر كأعط من سأل].
الفعل المعتل الآخر يوقف عليه بهاء السكت يقول: [وليس حتماً في سوى ما كع أو كيع مجزوماً فراع مارعوا].
أي: ولكن ليس حتماً في سوى فعل كع، وهو فعل أمر من وعى، أي: أما (ع) فيجب أن يوقف عليها بهاء السكت، فتقول: القول عه، النار قه، بالوعد فه.
قوله: (أو كيع مجزوماً) يعي: فعل مضارع إذا لم يجزم وقف عليه بالياء فيقال: فلان يعي، فإذا جزم كان آخره العين فيجب فيه وأمثاله هاء السكت تقول: لم يعه.
قوله: (فراع ما رعوا) أي: راع ما راعاه النحويون أو اللغويون أو الجميع، والظاهر أن المقصود العرب.(68/11)
كلام ابن عقيل في الوقف بالنقل في المهموز وبهاء السكت
قال الشارح رحمه الله تعال: [ونقل فتح من سوى المهموز لا يراه بصري وكوف نقلا مذهب الكوفيين أنه يجوز الوقف بالنقل: سواء كانت الحركة فتحة، أو ضمة، أو كسرة، وسواء كان الأخير مهموزاً، أو غير مهموز، فتقول عندهم: هذا الضَِرب، ورأيت الضَرَب، ومررت بالضَرِب، في الوقف على الضرْب، وهذا الرِدءُ، ورأيت الرِدَءَ، ومررت بالرِدِءِ في الوقف على الردء.
ومذهب البصريين أنه لا يجوز النقل إذا كانت الحركة فتحة إلا إذا كان الآخر مهموزاً، فيجوز عندهم: رأيت الرِدَء ويمتنع: رأيت الضَرَب.
ومذهب الكوفيين أولى، لأنهم نقلوه عن العرب].
أي: فهم متفقون في غير الفتح، وهو الضم والكسر.
قال: [والنقل إن يعدم نظير ممتنع وذاك في المهموز ليس يمتنع].
يعنى أنه متى أدى النقل إلى أن تصير الكلمة على بناء غير موجود في كلامهم امتنع ذلك، إلا إن كان الآخر همزة فيجوز، فعلى هذا يمتنع: هذا العِلمُ، في الوقف على العِلْم؛ لأن (فِعُلاً) مفقود في كلامهم، ويجوز: هذا الرِدُءْ؛ لأن الآخر همزة.
في الوقف تا تأنيث الاسم ها جعل إن لم يكن بساكن صح وصل وقل ذا في جمع تصحيح وما ضاهى وغير ذين بالعكس انتمى إذا وقف على ما فيه تاء التأنيث: فإن كان فعلاً وقف عليه بالتاء، نحو: هند قامت، وإن كان اسماً فإن كان مفرداً فلا يخلو: إما أن يكون ما قبلها ساكناً صحيحا، أو لا، فإن كان ما قبلها ساكناً صحيحاً وقف عليه بالتاء، نحو: بنت وأخت، وإن كان غير ذلك وقف عليه بالهاء، نحو: فاطمهْ، وحمزهْ، وفتاهْ، وإن كان جمعاً أو شبهه وقف عليه بالتاء، نحو: هندات وهيهات].
ذكر (هيهات)؛ لأنه شبه الجمع، وهو اسم فعل ماض.
قال: [وقل الوقف على المفرد بالتاء، نحو: فاطمت، وعلى جمع التصحيح وشبهه بالهاء، نحو: هنداه، وهيهاه].
نقول في عنيزة، عنيزه، أما: عنيزت فهو قليل.
وكذلك: بريده، ويجوز: بريدت، لكنه قليل.
قال رحمه الله: [وقف بها السكت على الفعل المعل بحذف آخر كأعط من سأل وليس حتماً في سوى ماكع أو كيع مجزوماً فراع مارعوا ويجوز الوقف بهاء السكت على كل فعل حذف آخره للجزم، أو الوقف، كقولك في لم يعط: لم يعطه، وفي أعط: أعطه، ولا يلزم ذلك إلا إذا كان الفعل الذى حذف آخره قد بقى على حرف واحد، أو على حرفين أحدهما زائد، فالأول كقولك في ع وق: عه، وقه، والثاني كقولك في لم يع ولم يق: لم يعه، ولم يقه].(68/12)
الوقف على ما الاستفهامية
قال المؤلف: [وما في الاستفهام إن جرت حذف ألفها وأولها الها إن تقف وليس حتماً في سوى ما انخفضا باسم كقولك اقتضاءم اقتضى].
قوله: (ما في الاستفهام)، يعني ما الاستفهامية إذا جرت حذف ألفها وجوباً، انظر إلى قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ:1] لو قال قائل: (عما يتساءلون) فهو خطأ.
وتقول: لم فعلت كذا؟ ولا يجوز: لما فعلت كذا! قوله: (وأولها الها إن تقف)، أي إذا وقفت عليه فتقف بالهاء فتقول: إذا كان فعلي صواباً فلمه؟ يعني: لم تلمني؟ قوله: (وليس حتماً)، يعني يجوز أن تقول: لم، ويجوز: لمه.
وكذلك إن جرت بالإضافة وجب حذف ألفها، لكن إلحاق هاء السكت بها إن جرت بالحرف جائز، وإن جرت بالاسم فهو واجب، ولهذا قال: [وليس حتماً في سوى ما انخفضا باسم كقولك اقتضاءك ما اقتضى].
فقوله: (اقتضاء م) كلمة (م) هنا استفهامية، يعني: أي اقتضاء اقتضى؟ فإذا وقفنا على (م) نقول: اقتضاء مه؟ وجوباً؛ لأنها انخفضت بالإضافة (بالاسم).
وخلاصة البيتين أنك إذا جررت ما الاستفهامية وجب عليك حذف ألفها، وهل يلزمك أن تضيف إليها هاء السكت؟
الجواب
فيه تفصيل: فإن جرت بالحرف لم يجب، لكنه جائز، وإن جرت بالاسم وجب.
قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [وما في الاستفهام إن جرت حذف ألفها وأولها الها إن تقف وليس حتما في سوى ما انخفضا باسم كقولك اقتضاءم اقتضى إذا دخل على ما الاستفهامية جار وجب حذف ألفها، نحو: عم تسأل؟ وبم جئت؟ واقتضاءم اقتضى زيد؟ وإذا وقف عليها بعد دخول الجار، فإما أن يكون الجار لها حرفاً أو اسماً، فإن كان حرفاً جاز إلحاق هاء السكت، نحو: عمه وفيمه، وإن كان اسماً وجب إلحاقها، نحو: اقتضاءمه، ومجيء مه].(68/13)
الوقف بهاء السكت على ما حركته حركة بناء لازمة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ووصل ذي الهاء أجز بكل ما حرك تحريك بناء لزما ووصلها بغير تحريك بنا أديم شذ في المدام استحسنا].
قال الشارح: [يجوز الوقف بهاء السكت على كل متحرك بحركة بناء لازمة لا تشبه حركة إعراب، كقولك في كيف: كيفه].
وكذلك يقال في أين: أينه؟ وقوله: (ووصلها بغير تحريك بنا أديم) يعني أن وصلها بغير تحريك بناء دائم شذ، وفي المدام استحسن.
قال الشارح: [ولا يوقف بها على ما حركته إعرابية، نحو: جاء زيد، ولا على ما حركته مشبهة للحركة الإعرابية، كحركة الفعل الماضي].
وقالوا: إن حركة الفعل الماضي تشبه الحركة الإعرابية لأنها تتغير، فإن الماضي قد يبنى على الضم كضربوا، وعلى السكون كضربت، فعلى هذا تقول: ضربَ، ولا يصلح أن أقول: ضربه! قال رحمه الله: [ولا على ما حركته البنائية غير لازمة، نحو: قبل وبعد والمنادى المفرد، نحو: يا زيد، ويا رجل، واسم لا التي لنفى الجنس، نحو: لا رجل.
وشذ وصلها بما حركته البنائية غير لازمة، كقولهم في من عل: من علُه، واستحسن إلحاقها بما حركته دائمة لازمة].
والحاصل أنه أفادنا المؤلف رحمه الله أن الحركة إما أن تكون إعرابية، فهذه يمتنع إلحاق هاء السكت بها مطلقاً، أو تكون حركة بناء تشبه الحركة الإعرابية فكذلك أيضاً، مثل: ضرَبَ فعل ماض، فلا تقول: ضربه، ومثل جاء، فلا تقول: جاءه.
أو تكون الحركة حركة بناء غير لازمة، فإلحاق هاء السكت جائز لكنه شاذ، مثل: من قبله، من بعده، من عله.
أو تكون حركة بناء لازمة، فالأحسن إلحاقها، مثل: كيفه وأينه وما أشبهها.
قال المؤلف رحمه الله: [وربما أعطى لفظ الوصل ما للوقف نثراً وفشا منتظما].
قال الشارح: [قد يعطى الوصل حكم الوقف، وذلك كثير في النظم، قليل في النثر، ومنه في النثر قوله تعالى: {لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ} [البقرة:259].
ومن النظم قوله: مثل الحريق وافق القَصَبَّا.
فضعف الباء وهى موصولة بحرف الإطلاق، وهو الألف].
معناه أن لفظ الوصل قد يعطى حكم الوقف على التفصيل السابق.
ومعنى: ((لَمْ يَتَسَنَّهْ)) أي لم يتغير.(68/14)
شرح ألفية ابن مالك [69]
الإمالة لغة لتميم ومن جاورهم من أهل نجد، وأما أهل الحجاز، ومنهم قريش فلا يميلون، والإمالة تكون بإضجاع الألف نحو الياء والفتحة نحو الكسرة، ولا يكون ذلك إلا في مواضع معينة، فإن للإمالة أسباباً ولها موانع، فهي تتطلب تدقيقاً في الفهم حتى تستوعب.(69/1)
الإمالة
قال المؤلف: [الإمالة الألف المبدل من يا في طرف أمل كذا الواقع منه اليا خلف دون مزيد أو شذوذ ولما تليه ها التأنيث ما الها عدما] قال الشارح رحمه الله: [الإمالة عبارة عن أن ينحى بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء.
وتمال الألف إذا كانت طرفاً بدلاً من ياء، أو صائرة إلى الياء دون زيادة أو شذوذ، فالأول كألف رمى ومرمى، والثانى كألف ملهى، فإنها تصير ياء في التثنية نحو ملهيان].
الإمالة كأنها والله أعلم من باب تحسين اللفظ، أو أنها لغة من اللغات.
يقول المؤلف: (الألف المبدل من يا في طرف)، ومثل الشارح بألف (رمى) والدليل أنك لو وصلت بها تاء الفاعل انقلبت ياء، فتقول: رميت.
قوله: (وكذا الواقع منه اليا خلف) أي التي تخلفه الياء وليس طرفاً فإنه أيضاً يمال، لكن دون مزيد أو شذوذ.
فالألف لما كان يصلح أن تبدلها ياءً صح أن تضجع حتى تكون قريبة من الياء، ولهذا بعضهم فسر الإمالة بالإضجاع، وليس بالإنحاء، مثل ألف (رمى) حيث أضجعت ولم تكتب قائمة، وكذا النطق، فهي إضجاع في الواقع.
قال الشارح: [واحترز بقوله: (دون مزيد أو شذوذ) مما يصير ياء بسبب زيادة ياء التصغير، نحو: قُفَيٌّ، أو في لغة شاذة كقول هذيل في (قفا) إذا أضيف إلى ياء المتكلم: قَفَيَّ.
وأشار بقوله: (ولما تليه ها التأنيث ما الها عدما) إلى أن الألف التي وجد فيها سبب الإمالة تمال وإن وليتها هاء التأنيث كفتاة].
هنا فائدة في الحاشية، وهي أن حكم الإمالة الجواز، فالحمد لله أنه لا يوجد منها شيء واجب، فمهما وجدت أسباب الإمالة فإن تركها جائز، والأسباب التي سيذكرها الناظم والشارح أسباب للجواز لا للوجوب، وذكر أن الإمالة لغة تميم ومن جاورهم، يعني أن غالب أهل نجد يميلون، والحجازيون لا يميلون إلا قليلاً.
قال المؤلف: [وهكذا بدل عين الفعل إن يؤل إلى فلت كماضي خف ودن] أي: بدل عين الفعل إذا كان يئول إلى فلت، مثل (خاف) فعينها الألف، وتئول عند نسبتها إلى تاء المتكلم إلى فلت، فتقول: خفت، ونام: نمت.
ودن: فعل أمر من دان يدين، فعندما تضيفها إلى تاء الفاعل تقول: دنت، فيقول: بدل عين الفعل أيضاً تمال.
قال ابن عقيل: [أي: كما تمال الألف المتطرفة -كما سبق- تمال الألف الواقعة بدلاً من عين فعل يصير عند إسناده إلى تاء الضمير على وزن (فِلْتُ) بكسر الفاء؛ سواء كانت العين واواً كخاف، أو ياء كباع وكدان، فيجوز إمالتها كقولك: خفت، ودنت، وبعت.
فإن كان الفعل يصير عند إسناده إلى التاء على وزن فُلْتُ -بضم الفاء- امتنعت الإمالة، نحو: قال وجال، فلا تملها، كقولك: قلت، وجلت].
أي: فالإمالة غالباً تكون بين الفتحة والكسرة، فأما الضمة فليس فيها إمالة، ولذلك فإن: قال وباع وخاف، لا نميل الألف فيها، لأنها عند إسنادها إلى تاء الفاعل تكون على وزن فُلْتُ، وهل يصح أن أقول: لأنها واوية؟
الجواب
لا؛ لأن (خاف) واوية، بدليل المصدر: خاف يخاف خوفاً، لكنها عند إسنادها إلى التاء تصير: خفت، مثل نام ينام نمت، مع أنها واوية، فإذاً نقول كما قال المؤلف: إذا كانت الألف في الأجوف عند إسناد الفعل إلى تاء الفاعل على وزن فِلتُ، جازت الإمالة، وإن كانت على وزن فُلتُ لم تجز الإمالة.
قال المؤلف: [كذاك تالي الياء والفصل اغتفر بحرف أو مع ها كجيبها أدر].
قال ابن عقيل: [كذاك تمال الألف الواقعة بعد الياء: متصلة بها نحو: بيان، أو منفصلة بحرف نحو: يسار، أو بحرفين أحدهما هاء نحو: أدر جيبها، فإن لم يكن أحدهما هاء امتنعت الإمالة، لبعد الألف عن الياء، نحو بيننا، والله أعلم].
قال المؤلف: [كذاك ما يليه كسر أو يلي تالي كسر أو سكون قد ولي كسراً وفصل الها كلا فصل يعد فدرهماك من يمله لم يصد].
قال ابن عقيل: [أي: كذلك تمال الألف إذا وليتها كسرة، نحو: عالم، أو وقعت بعد حرف يلي كسرة، نحو: كتاب، أو بعد حرفين وليا كسرة أولهما ساكن، نحو: شِملال، أو كلاهما متحرك ولكن أحدهما هاء، نحو: يريد أن يضربها.
وكذلك يمال ما فصل فيه الهاء بين الحرفين اللذين وقعا بعد الكسرة أولهما ساكن، نحو: هذان درهماك].
قال المؤلف رحمه الله: [وحرف الاستعلاء يكف مظهرا من كسر او يا وكذا تكف را إن كان ما يكف بعد متصل أو بعد حرف أو بحرفين فصل كذا إذا قدم ما لم ينكسر أو يسكن اثر الكسر كالمطواع مر].
قال ابن عقيل: [حروف الاستعلاء سبعة، وهي: الخاء والصاد والضاد والطاء والظاء والغين والقاف].
وهي مجموعة في قولك: خص ضغط قظ.
قال الشارح: [وكل واحد منهما يمنع الإمالة إن كان سببها كسرة ظاهرة أو ياءً موجودة ووقع بعد الألف متصلاً بها كساخط وحاصل، أو مفصولاً بحرف كنافق وناعق، أو حرفين كمناشيط ومواثيق.
وحكم حرف الاستعلاء في منع الإمالة يعطى للراء التي هي غير مكسورة، وهي المضمومة نحو: (هذا عِذارٌ)، والمفتوحة نحو: (هذان عذاران)؛ بخلاف المقصورة على ما سيأتي إن شاء الله.
وأشار بقوله: (كذا إذا قدم) إلى أن حرف الاستعلاء المتقدم يكف سبب الإمالة ما لم يكن مكسوراً أو ساكناً إثر كسرة، فلا يمال نحو: صالح وظالم وقاتل، ويمال نحو: طلاب وغلام وإصلاح].
قال المؤلف: [وكف مستعل ورا ينكف بكسر را كغارما لا أجفو] قال الشارح: [يعني أنه إذا اجتمع حرف الاستعلاء أو الراء التي ليست مكسورة مع المكسورة غلبتهما المكسورة وأميلت الألف لأجلها، فيمال نحو: على أبصارهم، ودار القرار، وفهم منه جواز إمالة نحو (حمارك)؛ لأنه إذا كانت الألف تمال لأجل الراء المكسورة مع وجود المقتضي لترك الإمالة وهو حرف الاستعلاء أو الراء التي ليست مكسورة فإمالتها مع عدم المقتضى لتركها أولى وأحرى].
قال المؤلف: [ولا تمل لسبب لم يتصل والكف قد يوجبه ما ينفصل].
قال الشارح: [إذا انفصل سبب الإمالة لم يؤثر، بخلاف سبب المنع فإنه قد يؤثر منفصلا فلا يمال (أتى قاسم) بخلاف (أتى أحمد)] قال المؤلف: [وقد أمالوا لتناسب بلا داع سواه كعمادا وتلا] قال الشارح: [قد تمال الألف الخالية من سبب الإمالة لمناسبة ألف قبلها مشتملة على سبب الإمالة، كإمالة الألف الثانية من نحو عمادا لمناسبة الألف الممالة قبلها وكإمالة ألف (تلا) كذلك].
أي: (تلا) معطوفة على (عمادا) فأمليت ألفها لمناسبة الإمالة في الكلمة قبلها.
قال المؤلف: [ولا تمل ما لم ينل تمكنا دون سماع غير ها وغير نا] قال الشارح: [الإمالة من خواص الأسماء المتمكنة، فلا يمال غير المتمكن إلا سماعاً؛ إلا ها ونا فإنهما يمالان قياسا مطردا نحو (يريد أن يضربها)، ومر بنا].
الأسماء المتمكنة هي الأسماء المعربة، فكل الأسماء المبنية لا تمال إلا اسمين فقط، وهما (ها) التي هي ضمير المؤنث و (نا) التي هي ضمير المتكلم المعظم نفسه أو الذي معه غيره.
قال المؤلف: [والفتح قبل كسر راء في طرف أمل كللأيسر مل تُكف الكلف كذا الذي تليه ها التأنيث في وقف إذا ما كان غير ألف].
قال الشارح: [أي: تمال الفتحة قبل الراء المكسورة وصلاً ووقفاً، نحو: (بشرر) (وللأيسر مِل) وكذلك يمال ما وليه هاء التأنيث من نحو قيِّمة ونعمة].
الإمالة هنا إمالة حركة وهي الفتحة، بحيث تكون بين الفتحة والكسرة.(69/2)
شرح ألفية ابن مالك [70]
معرفة تصاريف الكلمات مهم جداً، فمن الكلمات العربية ما يتصرف ومنها ما لا يتصرف، والذي يتصرف منها قد تكون حروفه أصلية وقد يكون فيها ما هو زائد، وقد يحذف بعض حروفها الأصلية، فمن المهم أن يميز الطالب جميع ذلك.(70/1)
التصريف(70/2)
عدم دخول الصرف في الحرف وما أشبهه
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [التصريف حرف وشبهه من الصرف بري وما سواهما بتصريف حري وليس أدنى من ثلاثي يرى قابل تصريف سوى ما غيرا ومنتهى اسم خمس أن تجردا وإن يزد فيه فما سبعا عدا وغير آخر الثلاثي افتح وضم واكسر وزد تسكين ثانيه تعم وفِعُلٌ أهمل والعكس يقل لقصدهم تخصيص فعل بفعل وافتح وضم واكسر الثاني من فعل ثلاثي وزد نحو ضمن ومنتهاه أربع إن جردا وإن يزد فيه فما ستاً عدا].
التصريف: علمٌ يعرف به أحكام الكلمة من حيث التغيير وردها إلى الأصول بزيادة أو حذف.
فهو لا يتعلق بآخر الكلمة، وإنما يتعلق بأوائلها وأواسطها هل فيها تغيير أو لا؟ وكذلك في أوزانها هل فيها زيادة أو نقص.
وفي الحقيقة ليست فائدته كفائدة النحو؛ لأن النحو فائدته عظيمة جداً، لكنه فيه فائدة عظيمة أيضاً، حيث تعرف به حركة الكلمة في أولها وفي وسطها، هذه مثلاً من باب كذا، أو من باب كذا، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
والتصريف لا يدخل على جميع الكلمات؛ ولهذا يقول: (حرف وشبهه من الصرف بري).
حرف: مبتدأ.
وشبهه: معطوف عليه.
وبريء: خبر المبتدأ، وساغ الابتداء بالنكرة لأجل التقسيم، وابن مالك يقول: (لا يجوز الابتداء بالنكرة ما لم تفد).
وقوله: (وشبهه)، شبه الحرف نوعان: أحدهما من الأسماء، والثاني من الأفعال، فالذي من الأسماء هو الأسماء المبنية، فكل اسم مبني فهو بريء من التصريف، فمثل: (أنا) لا تستطيع أن تقول وزنها فَعَلَ، (نحن): لا تستطيع أن تقول: وزنها: فَعْلُ، لأن كل اسم مبني فلا تصريف فيه إطلاقاً ولا تجرى فيه الموازين الصرفية.
وأما النوع الثاني: فهو كل جامد من الأفعال فإنه لا يدخل فيه التصريف، مثل: ليس وعسى.
فصارت الأشياء البريئة من الصرف ثلاثة: الحرف، والأسماء المبنية، والأفعال الجامدة.
(وما سواهما بتصريف حري)، يعني: جدير بالتصريف ما سوى الحرف وشبهه، فدخل في ذلك جميع الأسماء المعربة وجميع الأفعال المتصرفة.(70/3)
لا يدخل الصرف على كلمة حروفها أقل من ثلاثة
قوله: (وليس أدنى من ثلاثي يرى قابل تصريف سوى ما غيرا) يعني: لا يمكن أن يوجد ما يقبل التصريف وهو أدنى من ثلاثة أحرف أبداً.
المعنى: أن كل ما يقبل التصريف من الأسماء والأفعال فإنه لا يقل عن ثلاثة أحرف، إلا ما غير، يعني: ما دخل فيه إعلال بحذف، فهذا ربما يقل عن ثلاثة أحرف، فمثل: (يد) حرفان ومع ذلك فإنها مما يدخله التصريف، لكن فيها حذف، والحذف هنا ليس سببه قاعدة تصريفية، بل حذف اعتباطاً، أي: نطقت بها العرب هكذا.
وعلى هذا فنقول: كل قابل للتصريف من فعل أو اسم أو حرف فإنه لا يمكن أن ينقص عن ثلاثة أحرف إلا أن يعتريه تغيير، فمثلاً: فِ، فعل أمر قابل للتصريف، لأن أصله ثلاثي (وفي) لكن حذف منه حرفان.
قوله: (ومنتهى اسم خمس إن تجردا وإن يزد فيه فما سبعاً عدا) أي: المجرد من الزيادة في الاسم منتهاه خمس، والمزيد منتهاه سبع، فلا يمكن أن تجد كلمة من الأسماء العربية تزيد على سبعة أحرف أبداً إذا كانت مزيدة، ولا على خمسة إذا كانت مجردة، مثال المجرد الثلاثي: فلس، والرباعي جعفر، والخماسي: سفرجل.
ومثال المزيد إلى سبعة: احرنجام.
قال: (وغير آخر الثلاثي افتح وضم واكسر وزد تسكين ثانيه تعم).
غير الآخر يشمل أول الثلاثي وثانيه.
يقول: (افتح وضم واكسر).
فإذا كان الأول والثاني في كل واحد منهما ثلاث لغات في ثلاث حركات، فتكون تسعة أوجه، قال المؤلف: (وزد تسكين ثانيه) فتكون اثني عشر وجهاً؛ لأن تسكين الثاني يكون مع الحركات الثلاث للأول.
إذاً: الاسم الثلاثي يكون له اثنتا عشرة صورة بالنسبة للحركات، في أوله وفي وسطه.
مثال: فتح الأول مع فتح الثاني: قلم.
وفتح الأول مع كسر الثاني: حَذِر.
وفتح الأول مع ضم الثاني: عَضُد.
وفتح الأول مع تسكين الثاني: قَيْد.
وأمثلة ضم الأول مع الحركات الثلاث والسكون: صُرد ودُئِل وعُنُق وقُفْل.
وأمثلة كسر الأول مع الحركات الثلاث والسكون: عِنبْ وإِبِل وحِبْك وعِلْم.
وسيأتي أن فِعُل أهمل، أي: وزن: حِبُك، والعكس يقلك أي: فُعِل، فتكون للاسم الثلاثي عشرة أوزان.
قوله: (وفِعُل أهمل)، يعني: أن العرب لم تنطق بكلمة فِعُل، بل أهملته، ولكن المؤلف ذكره إتماماً للتقسيم والحصر، على أن بعضهم قال: إنه غير مهمل لكنه نادر.
قال: (والعكس يقل)، أي: فُعِل مثل سُئِل.
أي: يقل في الأسماء؛ ولهذا يقول: (والعكس يقل لقصدهم) يعني: لقصد العرب (تخصيص فعل بفُعِل)، يعني: أنهم قل نطقهم بِفُعِل في الاسم؛ لأنهم نقلوا هذا الوزن إلى الفعل الماضي الثلاثي المبني للمجهول، هنا (فعل) ليس المقصود الميزان، إنما المقصود اسم الكلمة، يعني: قصدوا أن يكون فُعِل من خصائص الأفعال.
ثم انتقل المؤلف إلى حكم الفعل الثلاثي، قال: (وافتح وضم واكسر الثاني من فعل ثلاثي وزد نحو ضمن).
هذه أوزان الفعل انتقل إليها المؤلف بعد ذكر أوزان الاسم، قال: (وافتح وضم واكسر الثاني) ولم يتكلم عن الأول، لأن الأول مفتوح في الأفعال، والأفعال لا يضم أولها إلا إذا بنيت للمجهول، وقد ذكره بقوله: (وزد نحو ضمن).
وأمثلته: نبدأ بالضم فنقول: عَظُم، ومثال بالكسر: شرب، فرح، ومثال الفتح: وقف وقعد.
وزد نحو ضمن، وهو مضموم الأول مكسور الثاني، ويكون كذلك إذا كان مبنياً للمجهول.
فصارت أوزان الفعل الثلاثي أربعة.
قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [التصريف حرف وشبهه من الصرف برى وما سواهما بتصريف حري التصريف عبارة عن علم يُبْحَثُ فيه عن أحكام بنية الكلمة العربية وما لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وشبه ذلك.
ولا يتعلق إلا بالأسماء المتمكنة والأفعال، فأما الحروف وشبهها فلا تعلق لعلم التصريف بها.
وليس أدنى من ثلاثي يرى قابل تصريف سوى ما غيرى يعني: أنه لا يقبل التصريف من الأسماء والأفعال ما كان على حرف واحد أو على حرفين إلا إن كان محذوفاً منه، فأقل ما تبنى عليه الأسماء المتمكنة والأفعال ثلاثة أحرف، ثم قد يعرض لبعضها نقص كيد وقل وم الله وق زيداً].
ومنتهى اسمٍ خمسٌ إن تجردا وإن يزد فيه فما سبعاً عدا الاسم قسمان: مزيد فيه، ومجرد عن الزيادة.
فالمزيد فيه هو: ما بعض حروفه ساقطٌ وضعاً، وأكثر ما يبلغ الاسم بالزيادة سبعة أحرف نحو: احر نجام واشهيباب].
أي: من اشهاب شهيباباً، مثل: احمارَّ يحمارُّ احمراراً.
قال: [والمجرد عن الزيادة هو: ما بعض حروفه ليس ساقطاً في أصل الوضع، وهو: إما ثلاثي كَفلْس، أو رباعي كجعفر، أو خماسي -وهو غايته- كسفرجل].
ما لا يسقط شيء من حروفه هو المجرد، فمثلاً فَلْسْ على وزن فَعْلْ لا يسقط شيء من حروفه، لكن مثلاً إذا قلت: مصطفى، فهذا مزيد، وأصله من الصفوة، فالحروف الأصلية فيه هي الصاد والواو، التي هي الألف المقصورة.
وعلامة الحرف الزائد أن ينطق به في الميزان، وأما الأصل فتكرر له حروف الميزان، مثل جعفر، وزنه: فعلل، وسفرجل، وزنه فعلل.
أما قنديل فزنه: فعليل.
إذاً: الياء زائدة في قنديل، وقائم وزنه: فاعل، ما دام نطقت بالألف في الميزان بلفظها فهي زائدة.(70/4)
أوزان الثلاثي من الأسماء
قوله: (ومنتهى اسم خمس إن تجردا وإن يزد فيه فما سبعاً عدا) أي: المجرد من الزيادة في الاسم منتهاه خمس، والمزيد منتهاه سبع، فلا يمكن أن تجد كلمة من الأسماء العربية تزيد على سبعة أحرف أبداً إذا كانت مزيدة، ولا على خمسة إذا كانت مجردة، مثال المجرد الثلاثي: فلس، والرباعي: جعفر، والخماسي: سفرجل.
ومثال المزيد إلى سبعة: احرنجام.
قال: (وغير آخر الثلاثي افتح وضم واكسر وزد تسكين ثانيه تعم).
غير الآخر يشمل أول الثلاثي وثانيه.
يقول: (افتح وضم واكسر).
فإذا كان الأول والثاني في كل واحد منهما ثلاث لغات في ثلاث حركات، فتكون تسعة أوجه، قال المؤلف: (وزد تسكين ثانيه) فتكون اثني عشر وجهاً؛ لأن تسكين الثاني يكون مع الحركات الثلاث للأول.
إذاً: الاسم الثلاثي يكون له اثنتا عشرة صورة بالنسبة للحركات، في أوله وفي وسطه: مثال فتح الأول مع فتح الثاني: قلم.
وفتح الأول مع كسر الثاني: حَذِر.
وفتح الأول مع ضم الثاني: عَضُد.
وفتح الأول مع تسكين الثاني: قَيْد.
وأمثلة ضم الأول مع الحركات الثلاث والسكون: صُرَد ودُئِل وعُنُق وقُفْل.
وأمثلة كسر الأول مع الحركات الثلاث والسكون: عِنَبْ وإِبِل وحِبُك وعِلْم.
وسيأتي أن فِعُل أهمل، أي: وزن: حِبُك، والعكس يقل أي: فُعِل، فتكون للاسم الثلاثي عشرة أوزان.
قوله: (وفِعُل أهمل)، يعني: أن العرب لم تنطق بكلمة فِعُل، بل أهملته، ولكن المؤلف ذكره إتماماً للتقسيم والحصر، على أن بعضهم قال: إنه غير مهمل لكنه نادر.
قال: (والعكس يقل)، أي: فُعِل، مثل: سُئِل.
أي: يقل في الأسماء؛ ولهذا يقول: (والعكس يقل لقصدهم) يعني: لقصد العرب (تخصيص فعل بفُعِل)، يعني: أنهم قل نطقهم بِفُعِل في الاسم؛ لأنهم نقلوا هذا الوزن إلى الفعل الماضي الثلاثي المبني للمجهول، هنا (فِعْل) ليس المقصود الميزان، إنما المقصود اسم الكلمة، يعني: قصدوا أن يكون فُعِل من خصائص الأفعال.(70/5)
أوزان الثلاثي من الأفعال
ثم انتقل المؤلف إلى حكم الفعل الثلاثي، قال: (وافتح وضم واكسر الثاني من فعل ثلاثي وزد نحو ضمن) هذه أوزان الفعل انتقل إليها المؤلف بعد ذكر أوزان الاسم، قال: (وافتح وضم واكسر الثاني) ولم يتكلم عن الأول، لأن الأول مفتوح في الأفعال، والأفعال لا يضم أولها إلا إذا بنيت للمجهول، وقد ذكره بقوله: (وزد نحو ضمن).
وأمثلته: نبدأ بالضم فنقول: عَظُم، ومثال الكسر: شرب وفرح، ومثال الفتح: وقف وقعد.
(وزد نحو ضمن) وهو مضموم الأول مكسور الثاني، ويكون كذلك إذا كان مبنياً للمجهول.
فصارت أوزان الفعل الثلاثي أربعة.(70/6)
كلام ابن عقيل في شرح الأبيات الأولى من باب التصريف
قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [التصريف حرف وشبهه من الصرف بري وما سواهما بتصريف حري التصريف عبارة عن علم يُبْحَثُ فيه عن أحكام بنية الكلمة العربية وما لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وشبه ذلك.
ولا يتعلق إلا بالأسماء المتمكنة والأفعال، فأما الحروف وشبهها فلا تعلق لعلم التصريف بها.
وليس أدنى من ثلاثي يرى قابل تصريف سوى ما غيرا يعني: أنه لا يقبل التصريف من الأسماء والأفعال ما كان على حرف واحد أو على حرفين إلا إن كان محذوفاً منه، فأقل ما تبنى عليه الأسماء المتمكنة والأفعال ثلاثة أحرف، ثم قد يعرض لبعضها نقص كيد وقل وم الله وق زيداً].
ومنتهى اسمٍ خمسٌ إن تجردا وإن يزد فيه فما سبعاً عدا الاسم قسمان: مزيد فيه، ومجرد عن الزيادة.
فالمزيد فيه هو: ما بعض حروفه ساقطٌ وضعاً، وأكثر ما يبلغ الاسم بالزيادة سبعة أحرف نحو: احرنجام واشهيباب].
أي: من اشهاب اشهيباباً، مثل: احمارَّ يحمارُّ احمراراً.
قال: [والمجرد عن الزيادة هو: ما بعض حروفه ليس ساقطاً في أصل الوضع، وهو: إما ثلاثي كَفلْس، أو رباعي كجعفر، أو خماسي -وهو غايته- كسفرجل].
ما لا يسقط شيء من حروفه هو المجرد، فمثلاً: فَلْسْ على وزن فَعْلْ لا يسقط شيء من حروفه، لكن مثلاً إذا قلت: مصطفى، فهذا مزيد، وأصله من الصفوة، فالحروف الأصلية فيه هي الصاد والفاء والواو، التي هي الألف المقصورة.
وعلامة الحرف الزائد أن ينطق به في الميزان، وأما الأصل فتكرر له حروف الميزان، مثل جعفر، وزنه: فعلل، وسفرجل، وزنه فعلل.
أما قنديل فوزنه: فعليل.
إذاً: الياء زائدة في قنديل، وقائم وزنه: فاعل، ما دام نطقت بالألف في الميزان بلفظها فهي زائدة.(70/7)
أوزان الاسم الثلاثي
قال رحمه الله: [وغير آخر الثلاثي افتح وضم واكسر وزد تسكين ثانية تعم] العبرة في وزن الكلمة بما عدا الحرف الأخير منها، وحينئذ فالاسم الثلاثي إما أن يكون مضموم الأول أو مكسوره أو مفتوحه، وعلى كل من هذه التقادير إما أن يكون مضموم الثاني أو مكسوره أو مفتوحه أو ساكنه، فيخرج من هذا اثنا عشر بناء حاصلة من ضرب ثلاثة في أربعة، وذلك نحو: قُفْل وعُنُق ودُئِل وصُرَد، ونحو: عْلِم وحِبُك وإِبِل وِعِنَبْ، ونحو: فَلْس وفَرَس وعَضُد وكَبِد].
قُفْل وعُنُق ودُئِل وصُرَد، جاءت وحدها لأنها مضمومة الأول والثاني بالحركات الثلاث والسكون، قُفْل على وزن فُعْل، عُنُق على وزن فُعُل، دُئِل: فُعِل، صُرَد: فُعَل.
ومع كسر الأول: عِلْم على وزن: فِعْل، حبك على وزن فِعُل، وإبل على وزن: فِعِل، وعِنَب: فِعَل.
ونحو فَلْس هذا مفتوح الفاء: فَلْس: فَعْل، فَرَسْ: فَعَلْ، عَضُد: فَعُل، كَبِد: فَعِل.
فهذه اثنا عشر.
قال رحمه الله: [وفِعُل أهمل والعكس يقل لقصدهم تخصيص فِعْل بفُعِلْ].
يعني: أن من الأبنية الاثني عشر بناءين أحدهما مهمل والآخر قليل.
فالأول: ما كان على وزن فِعُل بكسر الأول وضم الثاني وهذا بناء من المصنف على عدم إثبات حِبُك.
والثاني: ما كان على وزن فُعِل بضم الأول وكسر الثاني كدُئِل، وإنما قلَّ ذلك في الأسماء لأنهم قصدوا تخصيص هذا الوزن بفِعْل ما لم يسم فاعله كضُرِب وقُتِل.(70/8)
أوزان الفعل الثلاثي
وافتح وضم واكسر الثاني من فعل ثلاثي وزد نحو ضمن ومنتهاه أربع إن جردا وإن يزد فيه فما ستاً عدا الفعل ينقسم إلى مجرد وإلى مزيد فيه كما انقسم الاسم إلى ذلك، وأكثر ما يكون عليه المجرد أربعة أحرف، وأكثر ما ينتهي في الزيادة إلى ستة.
وللثلاثي المجرد أربعة أوزان: ثلاثة لفَعَل الفاعل، وواحد لفُعِل المفعول.
فالتي لفَعَل الفاعل: فَعَل -بفتح العين- كضَرب، وفَعِل -بكسرها- كشَرِب، وفَعُل -بضمها- كشَرُف.
والذي لفعل المفعول فُعِل بضم الفاء وكسر العين كضُمِن.
ولا تكون الفاء في المبنى للفاعل إلا مفتوحة؛ ولهذا قال المصنف: (وافتح وضم واكسر الثاني) فجعل الثاني مثلثاً وسكت عن الأول، فعلم أنه يكون على حالة واحدة، وتلك الحالة هي الفتح.(70/9)
أوزان الرباعي والخماسي من الأسماء
قال المؤلف رحمه الله: [لاسم مجرد رباعٍ فعلل وفِعلُلُ وفِعْلَل وفُعْلُل ومع فعل فعلل وإن علا فمع فَعَلَّلٍ حوى فَعْلَلِلا كذا فُعَلِّل وفِعلَلٌّ وما غاير للزيد أو النقص انتمى] قال الشارح: [الاسم الرباعي المجرد له ستة أوزان: الأول: فعلل، بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه، نحو: جعفر.
الثاني: فعلل، بكسر أوله وثالثه وسكون ثانيه، نحو: زبرج.
الثالث: فعلل، بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه، نحو: درهم وهجرع.
الرابع: فعلل، بضم أوله وثالثه وسكون ثانيه نحو: برثن.
الخامس: فِعَلٌّ بكسر أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه نحو: هزبر.
السادس: فُعْلَل، بضم أوله وفتح ثالثه وسكون ثانيه نحو جُخْدَب.
وأشار بقوله: فإن (علا إلخ) إلى أبنية الخماسي، وهي أربعة: الأول: فَعَلَّل بفتح أوله وثانيه وسكون ثالثه وفتح رابعه، نحو: سفرجل.
الثاني: فَعْلَلِل، بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه وكسر رابعه، نحو: جَحْمَرِش].
والجحمرش من النساء: الثقيلة السمجة، أو هي العجوز الكبيرة، ومن الإبل الكبيرة السن.
قال: [الثالث: فُعَلِّل بضم أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه وكسر رابعه، نحو: قُذَعْمِل.
الرابع: فِعْلَلٌّ، بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه وسكون رابعه، نحو: قِرْطَعْب.
وأشار بقوله: (وما غاير إلخ) إلى أنه إذا جاء شيء على خلاف ما ذكر فهو إما ناقص وإما مزيد فيه؛ فالأول: كيد ودم، والثاني: كاستخراج واقتدار].(70/10)
تمييز الحرف الزائد من الأصلي
قال المؤلف رحمه الله: [والحرف إن يلزم فأصل والذي لا يلزم الزائد مثل تا احتذي].
قال الشارح: [الحرف الذي يلزم تصاريف الكلمة هو الحرف الأصلي، والذي يسقط في بعض تصاريف الكلمة هو الزائد، نحو: ضارب ومضروب].
هذه قاعدة بينة، يقول: الحرف الذي في الكلمة إن يلزم -يعني: يستمر في كل تصاريفها- فهو أصلي، وإن سقط في بعض التصاريف فهو زائد.
فمثل: ضرب، فيها ثلاثة أحرف الضاد والراء والباء، إن سقط واحد من هذه الثلاثة في بعض التصاريف فهو زائد، وإن بقيت في كل التصاريف فهي أصول، فتقول: ضارب، فجاءت الضاد والراء والباء، لكن هنا زيادة وهي الألف؛ لأن الألف تسقط في بعض التصاريف.
ومضروب، جاء فيها الضاد والراء والباء، فهي أصول، وجاء فيها ميم وواو فهما زائدان.
خرج: الخاء والراء والجيم، فهذه الثلاثة لا تسقط في كل التصاريف، تقول: استخرج، فحروف خرج أصول، والهمزة والسين والتاء زوائد.
مستخرج: الخاء والراء والجيم أصول، والميم والسين والتاء زوائد، وعلى هذا فقس.
فإذا قال لك قائل: ما هو الأصلي من حروف الكلمة؟ فقل: هو الذي يلزم في كل التصاريف.
قوله: (والذي لا يلزم الزائد) الذي: مبتدأ، والزائد: خبره.
ومثل المؤلف بقوله: (مثل تا حتذي) والواقع أن (احتذي) فيها حرفان زائدان، وهما الهمزة والتاء، والمؤلف ما أراد أن يحصر في هذا المثال كل الحروف الزوائد، بل أراد أن يضرب مثلاً لحرف زائد فقط، فالتاء زائدة.
وحروف الزيادة يجمعها قول الشاعر: سألت الحروف الزائدات عن اسمها فقالت ولم تبخل (أمان وتسهيل) قال الشارح: [وإن كان في الكلمة زائد عبر عنه بلفظه، فإذا قيل: ما وزن ضارب؟ فقل: فاعل، وما وزن جوهر؟ فقل: فوعل، وما وزن مستخرج؟ فقل: مستفعل.
هذا إذا لم يكن الزائد ضعف حرف أصلي، فإن كان ضعفه عبر عنه بما عبر به عن ذلك الأصلي، وهو المراد بقوله: وإن يك الزائد ضعف أصلى فاجعل له في الوزن ما للأصل].
هذا مستثنى، فيلاحظ أن الزائد بلفظه اكتفي، إلا في هذه المسألة، فإذا كان الزائد مضعف الأصلي فإنه يجعل له ما للأصل، فإذا كان الزائد تضعيف العين فإنا نضعف العين، ولهذا قال: (وإن يك الزائد ضعف أصلي فاجعل له في الوزن ما للأصل) قال الشارح: [فتقول في وزن اغدودن: افعوعل، فتعبر عن الدال الثانية بالعين كما عبرت بها عن الدال الأولى؛ لأن الثانية ضعفها، وتقول: في وزن قتَّل: فعَّل، ووزن كرَّم: فعَّل، فتعبر عن الثاني بما عبرت به عن الأول، ولا يجوز أن تعبر عن هذا الزائد بلفظه، فلا تقول: في وزن اغدودن: افعودل، ولا في وزن قتَّل: فعتل، ولا في وزن كرِّم: فَعْوَل].
قال المؤلف: [واحكم بتأصيل حروف سمسم ونحوه والخلف في كلملم].
قال الشارح: [المراد بسمسم الرباعي الذي تكررت فاؤه وعينه ولم يكن أحد المكررين صالحاً للسقوط، فهذا النوع يحكم على حروفه كلها بأنها أصول، فإذا صلح أحد المكررين للسقوط ففي الحكم عليه بالزيادة خلاف، وذلك نحو: لمَلِم، أمر من لَمْلَم، وكَفْكَفْ، أمر من كَفْكَفَ؛ فاللام الثانية والكاف الثانية صالحان للسقوط بدليل صحة لُمَّ وكُفَّ، فاختلف الناس في ذلك، فقيل: هما مادتان، وليس كفكف من كف ولا لملم من لم، فلا تكون اللام والكاف زائدتين.
وقيل: اللام زائدة وكذا الكاف.
وقيل: هما بدلان من حرف مضاعف والأصل لَمَّمَ وَكفَّفَ، ثم أُبدل من أحد المضاعفين لام في لملم وكاف في كفكف].(70/11)
زيادة الألف
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فألف أكثر من أصلين صاحب زائد بغير مين].
بدأ المؤلف رحمه الله يبين مواضع الزيادة، وقد ذكرنا حروف الزيادة، فحروف الزيادة لها مواضع، الأول كما قال: كل ألف صاحب أكثر من أصلين فهو زائد، أي: فإن صاحب أصلين فليس بزائد، فمثل (قال) فيه ألف لكنه ما صاحب إلا أصلين وهما القاف واللام؛ لكن (قاتل) الألف فيه صاحب أكثر من أصلين، وهي: القاف والتاء واللام، فكل ألف صاحب أكثر من أصلين فهو زائد بغير مين، أي بغير كذب.
قال الشارح: [إذا صحبت الألف ثلاثة أحرف أصول حكم بزيادتها، نحو: ضارب وغضبى، فإن صحبت أصلين فقط فليست زائدة، بل هي إما أصل كإلى، وإما بدل من أصل كقال وباع].
إلى بكسر الهمزة زنة رضا، وهي النعمة، وهي واحدة الآلاء في نحو قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:13].(70/12)
زيادة الياء والواو
قال المؤلف: [واليا كذا الواو إن لم يقعا كما هما في يؤيؤ ووعوعا] قال الشارح: [أي: كذلك إذا صحبت الياء أو الواو ثلاثة أحرف أصول، فإنه يحكم بزيادتهما إلا في الثنائي المكرر].
فالأول: كصيرف ويعمل وجوهر وعجوز.
والثاني: كيؤيؤ -لطائر ذي مخلب- ووعوعة، مصدر وعوع إذا صوت.
فالياء والواو في الأول زائدتان وفي الثاني أصليتان].
الياء في (صيرف) صاحب أكثر من أصلين: الصاد والراء والفاء، إذاً فالياء في صيرف زائدة، ولنا أن نعرف أنها زائدة بغير ما قال المؤلف، يعني: إذا اشتبهت عليك فصرفها إلى تصاريف أخرى، فقل: الصيرف هو الذي يصرف الدراهم والدنانير، فهو من صرف، فعرفنا الآن أن الياء زائدة، حتى لو لم يعطنا المؤلف هذه القاعدة.(70/13)
زيادة الهمزة والميم
قال المؤلف رحمه الله: [وهكذا همز وميم سبقا ثلاثة تأصيلها تحققا] قال الشارح: [أي: كذلك يحكم على الهمزة والميم بالزيادة إذا تقدمتا على ثلاثة أحرف أصول؛ كأحمد ومكرم، فإن سبقا أصلين حكم بأصالتهما، كإبل ومهد].
همزة أحمد سبقت ثلاثة أصول: حاء وميم ودال، فالهمزة إذاًَ زائدة، لكن همزة (سأل) غير زائدة، لأنها لم تسبق ثلاثة أصول.
وهمزة أخرج زائدة؛ لأنها سبقت ثلاثة أصول.
والميم إذا سبقت ثلاثة أصول فهي زائدة، مثل: مكرم، سبقت: كاف راء ميم، إذاً هي زائدة.
قال المؤلف: [كذاك همز آخر بعد ألف أكثر من حرفين لفظها ردف].
قال الشارح [أي: كذلك يحكم على الهمزة بالزيادة إذا وقعت آخراً بعد ألف تقدمها أكثر من حرفين، نحو: حمراء وعاشوراء وقاصعاء.
فإن تقدم الألف حرفان فالهمزة غير زائدة، نحو: كساء ورداء، فالهمزة في الأول بدل من واو وفي الثاني بدل من ياء، وكذلك إذا تقدم على الألف حرف واحد كماء وداء].(70/14)
زيادة النون
قال المؤلف: [والنون في الآخر كالهمز وفي نحو غضنفر أصالة كفي] قال الشارح: [النون إذا وقعت آخراً بعد ألف تقدمها أكثر من حرفين حكم عليها بالزيادة، كما حكم على الهمزة حين وقعت كذلك، وذلك نحو: زعفران وسكران.
فإن لم يسبقها ثلاثة فهي أصلية نحو: مكان وزمان.
ويحكم أيضاً على النون بالزيادة إذا وقعت بعد حرفين وبعدها حرفان، كغضنفر].
قال المؤلف: [والتاء في التأنيث والمضارعه ونحو الاستفعال والمطاوعه].
قال الشارح: [تزاد التاء إذا كانت للتأنيث كقائمة، وللمضارعة نحو: أنت تفعل، أو مع السين في الاستفعال وفروعه نحو استخراج ومستخرج واستخرج، أو مطاوعة فعَّل نحو: علَّمته فتعلم، أو فعلل كتدحرج].
قال المؤلف: [والهاء وقفاً كلمه ولم تره واللام في الإشارة المشتهره].
قال الشارح: [تزاد الهاء في الوقف نحو لمه ولم تره، وقد سبق في باب الوقف بيان ما تزاد فيه].(70/15)