فعطف ماء على تبنًا، وإن كان الماء لا يعلف، وقال الآخر:
[396]
شرَّاب أَلْبَان وتمر وأَقِطْ
فعطف تمرا على ألبان، وإن كان التمر لا يشرب، فكذلك عطف الأرجل على الرءوس وإن كانت لا تُمْسَحُ.
وأما قول زهير:
[254]
" ... سَوَافِي المُورِ والقَطْرِ
فلا حجة لهم فيه؛ لأنه معطوف على المور وهو الغبار، وقولهم: "لا يكون معطوفا على المور لأنه ليس للقطر سواف" قلنا: يجوز أن يكون قد سمى ما تسفيه الريح منه وقت نزوله سوافي كما يسمى ما تسفيه الريح من الغبار سوافي.
وأما قوله الآخر:
[391]
كأن نسج العنكبوت المُرْمَلِ
فنقول الرواية "المرمل" بكسر الميم، فيكون من وصف العنكبوت لا النسج،
__________
[396] هذا بيت من الرجز المشطور، وقد أنشده أبو العباس المبرد في الكامل "1/ 196 و218 الخيرية، رغبة الآمل 3/ 234" من غير عزو، ولم يتعرض له الأخفش بشيء، والألبان: جمع لبن، وهو معروف، والتمر: معروف أيضًا، والأقط -بفتح الهمزة وكسر القاف وآخره طاء مهملة- وهو طعام يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل، وقد يقال: أقط فلان القوم يأقطهم -من مثال ضرب يضرب- إذا أطعمهم الأقط، كما يقال "لبنهم" أي أطعمهم اللبن، و"لبأهم" أي أطعمهم اللبأ، وحكى اللحياني: أتيت بني فلان فخبزوا وأقطوا وحاسوا، أي أطعموني الخبز والأقط والحيس، هكذا حكاه اللحياني من غير أن تعدى هذه الأفعال. ومحل الشاهد في هذا البيت قوله "وتمر" فإن ظاهره أن هذه الكلمة معطوفة بالواو على قوله "ألبان" فيكون قوله "شراب" مسلطا على المعطوف والمعطوف عليه، لكن كل من التمر والأقط مطعوم مأكول، لا مشروب، كما هو واضح، ولهذا خرجه العلماء على أحد وجهين: الأول: أن تقدر عاملا للتمر يكون معطوفا على شراب، والتقدير على هذا: شراب ألبان وطعام تمر وأقط، والثاني: أن تتوسع في شراب فتضمنه معنى كلمة أخرى يصح أن تتسلط على المعطوف والمعطوف عليه جميعًا، والتقدير على هذا: متناول ألبان وتمر وأقط، وهذا واضح إن شاء الله.
ومن شواهد هذه المسألة ما أنشده ابن جني "الخصائص 2/ 432" والمرتضى "الأمالي 2/ 259" من قول الراجز:
تسمع للأحشاء منه صردًا ... وفي اليدين جسأة وبددا
الجسأة -بالضم- الصلابة واليبس، والبدد: التفرق، وكل من الصلابة والتفرق لا يسمع، فوجب أن تقدر لهما فعلًا، وكأنه قال: وترى في اليدين جسأة وبددا، أو تضمن قوله تسمع معنى فعل يصح أن يتسلط على كل من الصرد والصلابة والتفرق، وكأنه قال: تحس منه.(2/502)
وإن كانت الرواية التي ذكرتم صحيحة وأنه مجرور على الجوار، إلا أنه لا حجة فيه؛ لأن الحمل على الجوار من الشاذ الذي لا يعرج عليه.
وكذلك قوله:
[390]
قُطْنًا بمُسْتَحْصِدِ الأوتار مَحْلُوجِ
وقولهم: "جحر ضبّ خرب" محمول على الشذوذ الذي يقتصر فيه على السماع لقلته، ولا يقاس عليه؛ لأنه ليس كل ما حكي عنهم يقاس عليه، ألا ترى أن اللحياني حكى أن من العرب من يجزم بلن وينصب بلم، إلى غير ذلك من الشواذ التي لا يلتفت إليها ولا يقاس عليها، فكذلك ههنا، والله أعلم.(2/503)
85- مسألة: [عامل الرفع في الاسم المرفوع بعد "إن" الشرطية] 1
ذهب الكوفيون إلى أنه إذا تقدم الاسم المرفوع بعد "إن" الشرطية نحو قولك "إنْ زيدٌ أتاني آتِهِ" فإنه يرتفع بما عاد إليه من الفعل من غير تقدير فعل.
وذهب البصريون إلى أنه يرتفع بتقدير فعل، والتقدير فيه: إن أتاني زيد، والفعل المظهر تفسر لذلك الفعل المقدر.
وحكي عن أبي الحسن الأخفش أنه يرتفع بالابتداء.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما جوزنا تقديم المرفوع مع "إن" خاصة وعملها في فعل الشرط مع الفصل لأنها الأصل في باب الجزاء؛ فلقوتها جاز تقديم المرفوع معها، وقلنا إنه يرتفع بالعائد لأن المكني المرفوع في الفعل هو الاسم الأول؛ فيبنغي أن يكون مرفوعًا به، كما قالوا: "جاءني الظريف زيد" وإذا كان مرفوعًا به لم يفتقر إلى تقدير فعل.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه يرتفع بتقدير فعل لأنه لا يجوز أن يُفْصَل بين حرف الجزم وبين الفعل باسم لم يعمل فيه ذلك الفعل، ولا يجوز أن يكون الفعل ههنا عاملا فيه؛ لأنه لا يجوز تقديم ما يرتفع بالفعل عليه، فلو لم يقدر ما يرفعه لبقي الاسم مرفوعًا بلا رافع، وذلك لا يجوز؛ فدلَّ على أن الاسم يرتفع بتقدير فعل، وأن الفعل المظهر الذي بعد الاسم يدل على ذلك المقدر.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إنما جوزنا تقديم المرفوع مع "إنْ" خاصة لقوتها لأنها الأصل في باب الجزاء دون غيرها من الأسماء والظروف التي يجازى بها" قلنا: نسلم أن "إنْ" هي الأصل في باب الجزاء، ولكن
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح الأشموني مع حاشية الصبان "2/ 61" وشرحنا الكبير على شرح الأشموني "2/ 239 وما بعدها" وكتاب سيبويه "1/ 67 وما يليها" ومفصل الزمخشري "1/ 149 بتحقيقنا" وشرح الرضي على الكافية "2/ 237" وشرح ابن يعيش على المفصل "ص1213".(2/504)
هذا لا يدل على جواز تقديم الاسم المرفوع بالفعل عليه؛ لأنه يؤدي إلى أن يتقدم ما يرتفع بالفعل عليه، وذلك لا يجوز؛ لأنه لا نظير له في كلامهم، فوجب أن يكون مرفوعًا بتقدير فعل، ويكون الفعل الظاهر مفسرًا له، بلى لما كانت "إن" هي الأصل اختصت بجواز تقديم المرفوع1 بتقدير فعل مع الفعل الماضي خاصة، دون غيرها من الأسماء والظروف التي يجازى بها؛ لأنها هي الأصل، وتلك الأسماء والظروف فرع عليها، والأصل يتصرف ما لا يتصرف الفرع، ألا ترى أن همزة الاستفهام لما كانت هي الأصل في حروف الاستفهام جاز فيها ما لم يجز في غيرها من حروف الاستفهام؟ فكذلك ههنا.
وأما قول عدي:
[397]
فمتي وَاغِلٌ يَنُبْهُمْ يُحَيُّو ... هُ وتُعْطَفْ عليه كأس الساقي
وقال الآخر:
[398]
صعدة نابتة في حائرٍ ... أينما تُمَيِّلْهَا تَمِلْ
__________
[397] هذا البيت من كلام عدي بن زيد العبادي، وهو من شواهد سيبويه "1/ 458" وابن يعيش "ص1214" ورضي الدين في باب الاشتغال وباب الجوازم من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "1/ 456 و3/ 639" والواغل -بالغين المعجمة- وهو الرجل يدخل على الشرب من غير أن يدعوه، يقال: وغل يغل -من مثال وعد يعد- وغلا فهو واغل وهو أيضًا وغل -بسكون الغين- والذي يدخل على القوم وهم يأكلون من غير أن يدعوه أحد يقال له: وارش، أو طفيلي، وينبهم: أي ينزل بهم، ويروى في مكانه "يزرهم" ويروى أيضًا "يجبهم" و"تعطف" مضارع مبني للمجهول، والكأس: وعاء الخمر، ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "متى واغل ينبهم" فإن الشاعر فصل بالاسم المرفوع بين أداة الشرط وفعل الشرط، وقد خرجه النحاة على أن هذا الاسم المرفوع فاعل بفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعد، وتقدر الكلام: متى ينبهم واغل ينبهم، قال الأعلم "الشاهد فيه تقديم الاسم على الفعل في متى، مع جزمها له، ضرورة، وارتفاع الاسم بعدها بإضمار فعل يفسره الظاهر، لأن الشرط لا يكون إلا بالفعل" ا. هـ. وفي عبارته هذه مؤاخذة؛ لأنه -وقد جعل الاسم المرفوع بعد أداة الشرط معمولا لفعل محذوف يلي أداة الشرط- لا يكون الاسم المرفوع متقدمًا، بل هو -على هذا- واقع في موقعه، فتنبه لهذا.
[398] هذا البيت من كلام كعب بن جعيل بن قمير -بضم أولهما على زنة التصغير- ابن عجرة، أحد بني تغلب بن وائل، وهو شاعر إسلامي كان في عهد معاوية بن أبي سفيان
__________
1 محصل هذا الكلام أن إن الشرطية تختص من بين سائر أدوات الشرط بجواز وقوع اسم مرفوع بعدها، بشرط أن يكون الفعل التالي للاسم المرفوع ماضيا، وارتفاع هذا الاسم بفعل مقدر عند البصريين أصحاب هذا الكلام، وليس مقدما على عامله كما يقول الكوفيون.(2/505)
وقول الآخر:
[399]
فمن نحن نُؤْمِنْهُ يَبِتْ وهو آمِنٌ ... ومَنْ لا نُجِرْه يُمْسِ مِنَّا مُفَزَّعَا
فهو ضعيف لا يجوز في الكلام؛ لأنه قدر الفعل بعد متى وأينما ومَنْ، وهي
__________
والبيت من شواهد سيبويه "1/ 458" وشواهد ابن يعيش في شرح المفصل "ص1214" وشواهد رضي الدين في باب الاشتغال وباب الجوازم من شرح الكافية وشرحه البغدادي في الخزانة "1/ 457" وشواهد ابن عقيل "رقم 336" والأشموني "رقم 1066" وابن الناظم في باب الجوازم، وشرحه العيني "4/ 434" وقبل هذا البيت مما يبين معناه قوله:
وضجيع قد تعللت به ... طيب أردانه غير تفل
والصعدة -فتح فسكون- القناة التي تنبت مستوية، والحائر: المكان الذي يكون وسطه منخفضا وحروفه مرتفعه عالية، وإنما جعل الصعدة في هذا المكان لأنه يكون أنعم لها وأسد لنبتتها، شبه امرأة بقناة مستوية لدنة قد نبتت في مكان مطمئن الوسط مرتفع الجوانب والريح تعبث بها وهي تميل مع الريح، وموطن الاستشهاد من هذا البيت قوله "أينما الريح تميلها" حيث وقع اسم مرفوع بعد أداة الشرط، ووقع بعد هذا الاسم المرفوع فعل مضارع مجزوم ضرورة، وقد خرج النحاة ذلك على أن الاسم المرفوع فاعل بفعل محذوف يفسره الفعل المتأخر، وهذا الفعل المحذوف هو فعل الشرط، وقد دعاهم إلى هذا أنهم يرون أدوات الشرط تختص بالأفعال، ولا يجوز أن تليها الأسماء المرفوعة على الابتداء، فإن وليها اسم مرفوع فإن كانت الأداة "إن" والفعل المتأخر ماضيًا جاز ذلك، ثم اختلفوا في رافع هذا الاسم الخلاف الذي ذكره المؤلف، وإن كانت الأداة غير "إن" أو كان الفعل غير ماضٍ لم يكن ذلك جائزًا إلا أن يضطر إليه شاعر، وحينئذ يكون ارتفاعه على ما ذكرنا. قال سيبويه "واعلم أن قولهم في الشعر: إن زيد يأتك يكن كذا، إنما ارتفع على فعل هذا تفسيره، كما كان في قولك: إن زيدا رأيته يكن ذلك؛ لأن إن لا تبتدأ بعدها الأسماء ثم يبنى عليها" ا. هـ.
[399] هذا البيت من كلام هشام المري، وهو من شواهد سيبويه "1/ 458" ورضي الدين في باب الجوازم من شرح الكافية، وقد شرحه البغدادي في الخزانة "3/ 640" وشواهد ابن هشام في مغني اللبيب "رقم 652" ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "فمن نحن نؤمنه" حيث وقع الضمير المنفصل المرفوع بعد أداة الشرط وبعده فعل مضارع مجزوم، فيظن من لا علم عنده أن هذا المضارع المجزوم قد عملت فيه أداة الشرط المذكورة، ولكن النحاة البصريين لا يرون ذلك، ويجعلون الضمير المنفصل فاعلا بفعل محذوف يفسره هذا الفعل المذكور بعده، وتقدير الكلام: فمن نؤمنه نؤمنه، فلما حذف فعل الشرط الذي هو الفعل الأول من هذين الفعلين وفيه ضمير مستتر واجب الاستتار تقديره نحن برز هذا الضمير فصار الكلام: فمن نحن نؤمنه، فهذا الضمير البارز المنفصل المرفوع هو الضمير الذي كان مستترًا في الفعل المحذوف، وهذا الفعل المذكور جيء به تفسيرًا وبيانًا لذلك الفعل المحذوف، فاعرف هذا، وكن منه على ثبت.(2/506)
فرع على إنْ، ولأنه فعل مضارع يظهر فيه عمل حرفِ الجزمِ، وذلك ضعيف في إنْ في الكلام، فإنما يجوز في الشعر، وإذا كان ذلك ضعيفًا في إن وهي الأصل ففيما هو فرع عليه أولى، ولو كان فعلًا ماضيًا لكان في هذه المواضع أسهل؛ إذ كان ذلك جائزا في إنْ في الكلام دون غيرها، وهذا كله شيء يختص بالشعر، ولا يجوز في الكلام.
وأما قولهم: "إنه يرتفع بالعائد؛ لأن المَكْنِيَّ المرفوعَ في الفعل هو الاسم الأول فينبغي أن يكون مرفوعًا به كما قالوا: جاءني الظريف زيد" قلنا: هذا باطل؛ لأن ارتفاع زيد في "جاءني الظريفُ زيدٌ" إنما كان على البدل من الظريف، وجاز أن يكون بدلا لتأخر البدل عن المبدل منه، فأما ههنا فلا يجوز أن يكون بدلا؛ لأنه لا يجوز أن يتقدم البدل على المبدل منه، وقد بينا بطلان الرفع بالعائد في موضعه بما يغني عن الإعادة ههنا.
وأما ما ذهب إليه أبو الحسن الأخفش من أنه يرتفع بالابتداء ففاسد؛ وذلك لأن حرف الشرط يقتضي الفعل ويختصّ به دون غيره، ولهذا كان عاملًا فيه، وإذا كان مقتضيًا للفعل ولا بد له منه بطل تقدير الابتداء؛ لأن الابتداء إنما يرتفع به الاسم في موضع لا يجب فيه تقدير الفعل؛ لأن حقيقة الابتداء هو التعري من العوامل اللفظية المظهرة أو المقدرة، وإذا وجب تقدير الفعل استحال وجود الابتداء الذي يرفع الاسم.
وبهذا يبطل قول من ذهب من الكوفيين وغيرهم إلى أن الاسم بعد "إذا" مرفوع لأنه مبتدأ إما بالترافع أو بالابتداء في نحو قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] لأن "إذا" فيها معنى الشرط، والشرط يقتضي الفعل؛ فلا يجوز أن يحمل على غيره، والله أعلم.(2/507)
86- مسألة: [هل يجوز تقديم اسم مرفوع أو منصوب في جملة جواب الشرط؟ وما يترتب عليه؟] 1
ذهب الكوفيون إلى أنه إذا تقدم الاسم المرفوع في جواب الشرط فإنه لا يجوز فيه الجزم، ووجب الرفع، نحو "إن تأتِنِي زيدٌ يكرِمُك" واختلفوا في تقديم المصنوب في جواب الشرط نحو "إن تأتني زيدا أكرم" فأباه أبو زكرياء يحيى بن زياد الفراء، وأجازه أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي.
وذهب البصريون إلى أن تقديم المرفوع والمنصوب في جواب الشرط كله جائز.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز فيه الجزم، وذلك لأن جزم جواب الشرط إنما كان لمجاورته فعل الشرط، فإذا فارقه بتقديم الاسم بطلت المجاورة الموجبة للجزم، فبطل الجزم، وإذا بطل الجزم وجب فيه الرفع.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه يجوز، وذلك لأنه يجب أن يقدر فيه فعل كما وجب التقدير مع تقديم الاسم على فعل الشرط؛ لأن حرف الشرط يعمل فيهما، على ما بينا، فكما وجب التقدير مع تقديمه على فعل الشرط فكذلك مع تقديمه على جواب الشرط، ولا فرق بينهما.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إنما قلنا: إنه لا يجوز فيه الجزم؛ لأن الجزم في جواب الشرط إنما كان لمجاورته فعل الشرط؛ فإذا فارقه بتقديم الاسم وجب أن يبطل الجزم" قلنا: قد ذكرنا بطلان كون المجاورة موجبة للجزم في موضعه وبينا فساده بما يغني عن الإعادة.
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح الرضي على كافية ابن الحاجب "2/ 238"(2/508)
والذي يدل على فساد ما ذهب إليه الفراء من منع جواز تقديم المنصوب قول طُفَيْلٍ الغَنَوِي:
[400]
وللْخَيْلِ أَيَّامٌ؛ فَمَنْ يَصْطَبِرْ لهَا ... ويعرف لها أيَّامَهَا الخَيْرَ تُعْقِبِ
فنصب "الخير" بتعقب، وتقديره: تعقب الخير، و"تعقب" مجزوم، وإنما كسرت الباء لأن القصيدة مجرورة، وإنما كان هذا في المجرورة دون المرفوعة والمنصوبة لوجهين؛ أحدهما: أن الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء، فلما
__________
[400] هذا البيت من قصيدة طويلة لطفيل الغنوي -وهو أحد شعراء قيس الفحول، وكان يلقب "طفيل الخيل" لكثرة وصفه إياها، كان يلقب "المحبر" لجودة وصفه -وبعد البيت المستشهد به قوله:
وقد كان حيانا عدوين في الذي ... خلا؛ فعلى من كان في الدهر فارتبي
إلى اليوم لم تحدث إليكم وسيلة ... ولم تجدوها عندنا في التنسب
جزيناهم أمس العظيمة؛ إننا ... متى ما تكن منا الوثيقة نطلب
وإنما روينا لك هذه الأبيات لتعلم أن روي هذه القصيدة مكسور لأن لذلك مدخلا في بيان الاستشهاد بالبيت، والبيت من شواهد رضي الدين في باب الجوازم، وشرحه البغدادي في الخزانة "3/ 642" وقوله "وللخيل أيام" مبتدأ مؤخر وخبر مقدم، وقوله: "من يصطبر لها" من اسم شرط، والفعل بعده مجزوم به على أنه فعل الشرط، وقوله "ويعرف لها أيامها" الفعل معطوف على فعل الشرط، ولهذا كان مجزوما، والخير: مفعول مقدم لتعقب، وتعقب الخير، أي تحدث الخير في عاقبة أمرها، ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "الخير تعقب" فإنه قوله تعقب فعل مضارع واقع جواب الشرط الذي هو "من" والدليل على أنه جواب الشرط أنه مكسور للرويّ، ولا يجوز أن يكون هذا الفعل مرفوعًا ولا أن يكون منصوبًا، لأنهم لا يستسيغون كسر الفعل المضارع لأجل الروي إلا أن يكون مجزومًا، والسر في هذا يرجع إلى أمرين، الأول: أن الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء، كل واحد منهما يختص به قبيل منهما، فالجر يختص به الاسم، والجزم يختص به الفعل، فلما وجب تحريك الفعل المضارع المجزوم لأجل الرويّ حركوه بالحركة التي يختص بها نظيره وهي الكسرة، والوجه الثاني: أن الفتحة والضمة يدخلان الفعل المضارع؛ فلو أنهم حركوا المضارع المجزوم بالفتحة أو الضمة حين تدعوهم الحاجة إلى تحريكه لالتبس الأمر فلم يعرف أهذه الحركة أصلية أم عارضة لأجل الروي، ولكن إذا كسروا آخره للرويّ وقد علم أن الكسر لا يدخله بالأصالة علم من أول وهلة أن هذه الكسرة طارئة وليست أصلية، وهذا ظاهر إن شاء الله أبلغ الظهور، ومتى عرف أن هذا الفعل المضارع مجزوم وقد سبقه أداة شرط وفعل الشرط علم أنه جواب الشرط. وأن كلمة "الخير" مفعول به لهذا الفعل تقدم عليه؛ فدل ذلك على أنه يجوز تقديم الاسم المنصوب بجواب الشرط مع أن جواب الشرط مجزوم؛ فهذا إيضاح كلام المؤلف في هذا الموضوع وبيانه بأوضح عبارة، والله سبحانه أعلى وأعلم.(2/509)
وجب تحريكه حركوه حركَةَ النظير، والثاني: أن الرفع والنصب يدخلان هذا الفعل، ولا يدخله الجر، فلو حركوه بالضم أو الفتح لالتبس حركة الإعراب بحركة البناء، بخلاف الكسر؛ فإنه ليس فيه لَبْسٌ.
والذي يدل على فساد ما ذهب إليه الفراء من امتناع جواز تقديم المنصوب أنا أجمعنا على أن المنصوب فَضْلَهٌ في الجملة، بخلاف المرفوع؛ فينبغي أن لا يعتدّ بتقديمه كتقديم المرفوع، والله أعلم.(2/510)
87- مسألة: [القول في تقديم المفعول بالجزاء على حرف الشرط] 1
ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز تقديم المفعول بالجزاء على حرف الشرط، نحو "زيدا إن تضربْ أضربْ" واختلفوا في جواز نصبه بالشرط؛ فأجازه الكسائي، ولم يجزه الفراء.
وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز أن ينصب بالشرط ولا بالجزاء.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه يجوز تقديم المنصوب بالجزاء على حرف الشرط؛ لأن الأصل في الجزاء أن يكون مقدمًا على "إنْ" كقولك: "أَضْرِبُ إنْ تضرب" وكان ينبغي أن يكون مرفوعًا، إلا أنه لما أُخِّرَ انجزم بالجوار على ما بينا، وإن كان من حقه أن يكون مرفوعًا.
والذي يدل على ذلك قول الشاعر:
[401]
يا أقرعُ بن حابس يا أقرعُ ... إنك إنْ يُصْرَعْ أخوك تصرعُ
__________
[401] هذان بيتان من مشطور الرجز، وهما من شواهد سيبويه "1/ 436" وقد نسبه إلى جرير بن عبد الله البجلي، وأقر الأعلم هذه النسبة، وهو أيضًا من شواهد رضي الدين في باب المجموع وباب الجوازم من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "3/ 396 و643" وابن يعيش في شرح المفصل "ص1207" وابن هشام في مغني اللبيب "رقم 807" والأشموني "رقم 1083" وابن عقيل "رقم 342" وشرحه العيني "4/ 430" وذكره العيني والبغدادي أن الرجز ينسب إلى عمرو بن خثارم البجلي وأسند العيني ذلك إلى الصاغاني، والأقرع بن حابس: أحد علماء العرب وحكامهم في زمانه، وكان جرير بن عبد الله البجلي قد تنافر إليه هو وخالد بن أرطاة الكلبي، ويصرع -بالبناء للمجهول- أراد يهلك، ومحل الاستشهاد من هذا البيت هنا قوله "تصرع" فإن الرواية فيه بالرفع بدليل البيت السابق عليه، وقد اختلف تخريج العلماء لذلك، فأما سيبويه رحمه الله تعالى فقد جعل جملة "تصرع"
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح رضي الدين على كافية ابن الحاجب "2/ 238" فإن كلامه في هذه المسألة وكلام المؤلف يخرجان من مشكاة واحدة.(2/511)
والتقدير فيه: إنك تصرعُ إن يُصْرَعْ أخوك، ولولا أنه في تقديم التقديم، وإلا لما جاز أن يكون مرفوعًا، ولوجب أن يكون مجزومًا، وقال زهير:
[402]
وإنْ أتاهُ خليل يوم مسألةٍ ... يقول لا غائبٌ ما لي ولا حَرِمُ
__________
خبرًا لإن المؤكدة، وهو مؤخر لفظا والنية به التقديم على أداة الشرط، وكأنه قد قال: إنك تصرع إن يصرع أخوك، وجواب الشرط محذوف لأن هذا دال عليه ومشير إليه، قال سيبويه: وقد تقول: "إن أتيتني آتيك": أي آتيك إن أتيتني، قال زهير "وإن أتاه خليل ... البيت 402" ولا يحسن: إن تأتني آتيك، من قبل أن إن هي العاملة، وقد جاء من الشعر، قال جرير بن عبد الله البجلي:
إنك إن يصرع أخوك تصرع
أي إنك تصرع إن يصرع أخوك، ومثل ذلك قوله:
هذا سراقة للقرآن يدرسه ... والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب
أي المرء ذيب إن يلق الرشا، قال الأصمعي: هو قديم، أنشدنيه أبو عمرو، وقال ذو الرمة:
وإني متى أشرف على الجانب الذي ... به أنت من بين الجوانب ناظر
أي ناظر متى أشرف، فجاز هذا في الشعر، وشبهوه بالجزاء إذا كان جوابه منجزما" ا. هـ كلامه، وخلاصته أنه إذا كان فعل الشرط ماضيًا جاز رفع المضارع الواقع جزاء وهذا هو الذي عبر عنه بقوله "وقد تقول: إن أتيتني آتيك" وإذا كان فعل الشرط مضارعًا مجزومًا لم يجز أن ترفع المضارع الواقع جوابًا؛ لأن عمل الجازم قد ظهر في فعل الشرط، وهذا هو الذي عبر عنه بقوله "ولا يحسن: إن تأتني آتيك" لكن إذا وقع مثل هذا في ضرورة الشعر كان تخريجه على ما ذكر من أن المتأخر دليل الجواب، وليس جوابًا، وأما أبو العباس المبرد فقد جعل المتأخر هو الجواب وتمحل له بأنه على تقدير فاء الربط ومبتدأ تقع جملة المضارع خبرا عنه، وتقدير الكلام على هذا: إنك إن يصرع أخوك فأنت تصرع وجملة المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط، والجملة الشرطية في محل رفع خبر إن، وتقدير البيت الذي أنشده الأصمعي على كلام المبرد: والمرء عند الرشا إن يلقها فهو ذيب، وتقدير بيت ذي الرمة على هذا: وإني متى أشرف فأنا ناظر، قال الأعلم في تخريج بيت الشاهد "الشاهد فيه على مذهبه تقديم تصرع في النية؛ وتضمنه الجواب في المعنى، والتقدير: إنك تصرع إن يصرع أخوك؛ وهذا من ضرورة الشعر؛ لأن حرف الشرط قد جزم فحكمه أن يجزم الآخر، وهو عند المبرد على حذف الفاء" ا. هـ.
402- هذا البيت من كلام زهير بن أبي سلمى المزني، وهو من شواهد سيبويه "1/ 436" ومفصل الزمخشري، وشرحه لابن يعيش "ص1206" وابن هشام في مغني اللبيب "رقم 679" وفي أوضح المسالك "رقم 511" وفي شرح شذور الذهب "رقم 175" والأشموني "رقم 1081" وابن عقيل "رقم 341" وابن الناظم في باب الجوازم، وشرحه العيني "4/ 429 بهامش الخزانة" والقالي في أماليه "1/ 193 ط الدار" وقوله "وإن أتاه خليل" الضمير المنصوب يعود إلى هرم بن سنان المري، والخليل: الفقير المحتاج؛ وأصله الخلة -بفتح(2/512)
والتقدير فيه: يقول إن أتاه خليل يوم مسألة، ولولا أنه في تقدير التقديم، وإلا لما جاز أن يكون مرفوعًا، وقال الآخر:
[403]
فَلَمَ أَرْقِهِ إِنْ يَنْجُ مِنْهَا، وإِنْ يَمُتْ ... فطعنةُ لا غُسٍّ ولا بِمُغَمَّرِ
والتقدير فيه: إن ينج فلم أرقه، فقدَّمه في الموضع الذي يستحقه في الأصل،
__________
= الخاء وتشديد اللام وهو الفقر، ومن أمثال العرب "الخلة تدعو إلى السلّة" أي الفقر يدعو إلى السرقة، ويوم مسألة: يروى في مكانه "يوم مسغبة" وقوله "لا غائب مالي" يريد أنه لا يعتذر للمحتاج بأن ماله غائب، وقوله "ولا حرم" هو بفتح الحاء المهملة وكسر الراء، ومعناه المحروم، وهو على تقدير مبتدأ، أي ولا أنت محروم؛ ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "يقول" فإنه فعل مضارع وقع بعد أداة شرط وفعل شرط ماضٍ؛ وقد جاء هذا المضارع مرفوعًا؛ فأما سيبويه فيرى أن هذا المضارع ليس هو جواب الشرط، ولكنه دليل على الجواب، وهو على نية التقديم وإن كان متأخرًا في اللفظ، فكأنه قال: يقول: لا غائب مالي ولا حرم إن أتاه خليل، وأما أبو العباس المبرد فيذكر أن هذا المضارع هو نفس الجواب؛ لكنه على تقدير فاء الربط، وكأن الشاعر قد قال: إن أتاه خليل يوم مسألة فهو يقول لا غائب مالي ... إلخ؛ وقد وافق أبو العباس ذلك مذهب الكوفيين وأبي زيد؛ وقد رجحه العلامة موفق الدين بن يعيش؛ قال "فسيبويه يتأوله على إرادة التقديم، كأن المعنى: يقول إن أتاه خليل، وقد استضعف؛ والجيد أن يكون على إرادة الفاء، فكأنه قال: فيقول" ا. هـ.
[403] هذا البيت لزهير بن مسعود، وقد أنشده ابن منظور في لسان العرب "غ س س" وقد أنشده ابن جني في الخصائص "2/ 388" وأبو زيد في النوادر "ص7" ثاني بيتين، والغس -بضم الغين وتشديد السين المهملة- الضعيف اللئيم من الرجال، وجمعه أغساس وغساس -بوزن رجال- وغسوس، وقال ابن الأعرابي: هم الضعفاء في آرائهم وعقولهم، والمغمر -بضم الميم الأولى وتشديد الثانية مفتوحة- هو الذي لم يجرب الأمور والناس يستجهلونه، ومثله الغمر -بفتح أوله وثانيه ساكن أو مفتوح أو مكسور، وبضم أوله مع سكون ثانيه- وقال ابن سيده: هو من لا غناء عنده ولا رأي، وقال ابن الأثير: هو الجاهل الغرّ الذي لم يجرب الأمور. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "فلم أرقه أن ينج منها" حيث قدم ما يصلح أن يكون جوابا على أداة الشرط، ألا ترى أنه لو قال "إن ينج منها فلم أرقه" لصح الكلام، فتقديم الشاعر ما يصلح أن يكون جوابا يدل على أن هذا هو موضعه من الكلام، فيكون قول زهير "يقول لا غائب.... إلخ" وقول جرير البجلي "تصرع" متقدما في النية وإن تأخر في اللفظ، وهذا يؤيد ما ذهب إليه سيبويه رحمه الله من أن الفعل المتأخر عن أداة الشرط وفعل الشرط إذا كان غير مجزوم فهو على نية التقديم، من قبل أن هذا هو الموضع الأصلي له، فاعرف ذلك وتنبه له، فأما البصريون فلا يرون ذلك، ويجعلون المتقدم دليلا على الجواب، وليس هو نفس الجواب تقدم، لأن الجواب مجزوم بالشرط، وقد تكرر أن عامل الجزم ضعيف، ومن آثار ضعفه ألا يتقدم معموله عليه.(2/513)
وإذا ثبت هذا وأنه في تقدير التقديم؛ فوجب جواز تقديم معموله على حرف الشرط؛ لأن المعمول قد وقع في موقع العامل.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز تقديم معمول الشرط والجزاء على حرف الشرط؛ لأن الشرط بمنزلة الاستفهام، والاستفهام له صدر الكلام، فكما لا يجوز أن يعمل ما بعد الاستفهام فيما قبله فكذلك الشرط، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال "زيدًا أَضَرَبْتَ"؟ فكذلك لا يجوز أن يقال "زيدا إنْ تضرب أضرب".
والذي يدلُّ على ذلك أن بين الاستفهام وبين الشرط من المشابهة ما لا خفاء به، ألا ترى أنك إذا قلت "أضربت زيدا؟ " كنت طالبا لما لم يستقر عندك، كما أنك إذا قلت "إن تضرب زيدا أضرب" كان كلامًا معقودًا على الشك؛ فإذا ثبتت المشابهة بينهما من هذا الوجه؛ فينبغي أن يُحْمَلَ أحدهما على الآخر؛ فكما لا يجوز أن يتقدم ما بعد الاستفهام عليه؛ فكذلك الشرط.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إن الأصل في الجزاء أن يكون مقدما على الشرط" قلنا: لا نسلم، بل مرتبة الجزاء بعد مرتبة الشرط؛ لأن الشرط سبب في الجزاء، والجزاء مُسَبِّبُهُ، ومحال أن يكون المسبب مقدما على السبب، ألا ترى أنك لا تقول "إن أشكرك تُعْطِنِي1" وأنت تريد إن تعطني أشكرك؛ لاستحالة أن يتقدم المسبب على السبب، وإذا ثبت أن مرتبة الجزاء أن تكون بعد الشرط وجب أن تكون مرتبة معمولهِ كذلك؛ لأن المعمول تابع لعامل.
وأما قول الشاعر:
[401]
إنك إن يصرع أخوك تصرع
فلا حجة لهم فيه؛ لأنه إنما نَوَى به التقديم وجعله خبرا لإنَّ لأجل ضرورة الشعر، وما جاء لضرورة شعر أو إقامة وزن أو قافية فلا حجة فيه.
وأما قول زهير:
[402]
وإن أتاه خليل يوم مسألة ... يقول......
فلا نسلِّم أنه رفعه لأن النية به التقديم، وإنما رفعه لأن فعل الشرط ماضٍ، وفعل الشرط إذا كان ماضيًا نحو "إن قمت أقوم" فإنه يجوز أن يبقى على رفعه؛ لأنه لما لم يظهر الجزم في فعل الشرط تُرِكَ الجواب على أول أحواله -وهو الرفع
__________
1 لكنه لو قال "أشكرك إن تعطني" كان صحيحًا وأفاد المعنى، وهو موطن الخلاف، فتأمل.(2/514)
- وهو وإن كان مرفوعًا في اللفظ فهو مجزوم في المعنى، كقولك "يغفرُ الله لفلان" لفظه مرفوع ومعناه دعاء مجزوم، كقولهم: "ليغفرِ اللهُ لفلان".
وأما قول الآخر:
[403]
فلم أَرْقِهِ إن يَنْجُ منها ...
فلا حجة لهم فيه؛ لأن قوله: "فلم أرقه" دليل على جواب الشرط؛ لأن لم أفعل نفي لفعلت، وفعلت تنوب مناب جواب الشرط المحذوف، كما قال الشاعر:
[404]
يا حَكَمُ الوَارِثَ عن عبد الملك ... أَوْدَيْتُ إن لم تحبُ حَبْوَ المُعْتَنِكْ
__________
[404] هذان بيتان من الرجز المشطور، وهما من أرجوزة لرؤبة بن العجاج يمدح فيها الحكم بن عبد الملك بن بشر بن مروان، وأولهما: من شواهد ابن هشام في مغني اللبيب "رقم 15" وفي شرح قطر الندى "رقم 87" وثانيهما: وحده من شواهد ابن منظور "ع ن ك - ح ب ا" وابن جني في الخصائص "2/ 389 و321" وبين البيتين في أرجوزة رؤبة عدة أبيات، و"أوديت" أي هلكت، وتحبو: له معنيان أحدهما: أن يكون بمعنى الحبو الذي هو الزحف، وأصله مشي الصبي على يديه ورجليه، والآخر: أن يكون بمعنى تمنح وتعطي، تقول: حباه يحبوه حبوًا، وتريد أنه أعطاه، والمعتنك -على زنة اسم الفاعل- أصله البعير يكلف أن يصعد في العانك من الرمل، والعانك من الرمل هو ما انعقد منه، ولا يتأتى الصعود فيه إلا مع جهد ومشقة عظيمين والبعير قد يحبو فيه ويبطئ في سير ويشرف بصدره ويتلطف حتى يتمكن من صعوده يقول: إني أهلك إن لم تمنحني من عنايتك وترفقك بي وتلطفك في معالجة شئوني مثل ما يعطيه البعير من ذلك حين يريد أن يصعد في عانك الرمل. ومحل الاستشهاد من هذا البيت ههنا قوله "أوديت إن لم تحب" فإن قوله "أوديت" في هذه العبارة دليل على جواب الشرط المتأخر وهو قوله "إن لم تحب" ولا يجيز البصريون أن يكون قوله أوديت هو جواب الشرط؛ لأن جواب الشرط معمول للشرط، والشرط عامل ضعيف ومن آثار ضعف العامل: ألا يعمل محذوفًا، ولا متأخرًا عن المعمول، بل لا بد أن يكون مذكورًا متقدمًا على معموله، وقد يجوز حذفه إن قام مقامه شيء، قال ابن جني: "أما قوله:
فلم أرقه إن ينج منها، وإن يمت
فذهب أبو زيد إلى أنه أراد: إن ينج منها فلم أرقه، وقدم الجواب. وهذا عند كافة أصحابنا غير جائز، والقياس له دافع، وعنه حاجز، وذلك أن جواب الشرط مجزوم بنفس الشرط، ومحال تقدم المجزوم على جازمة، بل إذا كان الجار -وهو أقوى من الجازم؛ لأن عوامل الأسماء أقوى من عوامل الأفعال -لا يجوز تقديم ما انجر به عليه كان ألا يجوز تقديم المجزوم على جازمه أحرى وأجدر، وإذا كان كذلك فقد وجب النظر في البيت، ووجه القول عليه أن الفاء في قوله فلم أرقه لا يخلو أن تكون معلقة بما قبلها أو زائدة، وأيهما كان فكأنه قال: لم أرقه إن ينج منها، وقد علم أن لم أفعل نفي فعلت، وقد أنابوا فعلت(2/515)
أي: إنْ لم تحبُ أوديتُ، فجعل "أوديت" المقدَّم دلالة على أوديت المؤخر؛ فكما جاز أن يجعل فعلتُ دليلا على جواب الشرط المحذوف فكذلك يجوز أن يُجْعَلَ نفيُهَا الذي هو لم أفعل دليلًا على جوابه؛ لأنهم قد يحملون الشيء على ضده كما يحملونه على نظيره، ألا ترى أنهم قالوا "امرأةٌ عدوَّةٌ" كما قالوا: "صديقة" وقالوا: "مِلْحَفَةٌ جديدةٌ" كما قالوا "عتيقةٌ" وقالوا: "جوعان" كما قالوا: "شبعان" وقالوا: "علم" كما قالوا: "جهل" ولهذا قال الكسائي في قول الشاعر:
[405]
إذا رَضِيَتْ عليَّ بنو قشيرٍ ... لَعَمْرُ اللهِ أعجبني رِضَاهَا
__________
عن جواب الشرط، وجعلوه دليلًا عليه في قوله:
يا حكم الوارث عن عبد الملك ... أوديت إن لم تحب حبو المعتنك
أي إن لم تحب أوديت، فجعل أوديت المتقدم دليلًا على أوديت هذه المتأخرة، فكما جاز أن تجعل فعلت دليلًا على جواب الشرط المحذوف كذلك جعل نفيها الذي هو لم أفعل دليلًا على جوابه" ا. هـ. والنحاة يستشهدون بهذين البيتين في مسألتين أخريين، أما أولاهما: ففي قوله "يا حكم الوراث" فإن قوله "الوارث" نعت للمنادى قبله، وهذا النعت مقترن بأل، ونعت المنادى المفرد إذا كان مقترنًا بأل يجوز رفعه تبعًا للفظ المنادى ونصبه تبعًا لمحله، فإن المنادى المفرد العلم مبني على الضم في محل نصب، وأما الثانية: ففي قوله "أوديت" فإن هذا الفعل ماضٍ في اللفظ، ولكنه مستقبل في المعنى، أي إني أودي وأهلك إن لم تتداركني، واستعمل الماضي مكان المستقبل تحققًا لوقوعه وثقة منه بأنه كائن لا محالة؛ فكأنه يقول: إن الجود منكم واقع متى أريد وواجب متى طلب.
[405] هذا البيت من كلام القحيف العقيلي يمدح حكيم بن المسيب القشيري، وهو من شواهد ابن هشام في مغني اللبيب "رقم 225" وفي أوضح المسالك "رقم 298" والأشموني "رقم 553" وابن الناظم في باب حروف الجر من شرح الألفية؛ وشرحه العيني "3/ 282 بهامش الخزانة" ورضي الدين في باب حروف الجر من شرح الكافية؛ وشرحه البغدادي "4/ 247" وابن جني في الخصائص "2/ 311 و389" وأبي زيد في نوادره "ص176" وقشير -بزنة التصغير- هو قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وقوله "لعمر الله" أراد الحلف بإقراره لله تعالى بالخلود والبقاء بعد فناء الخلق، وقال قالوا: عمرك الله، وعمري الله؛ بنصب عمر على حذف حرف القسم؛ وبنصب لفظ الجلالة على التعظيم، وعمر: مصدر أضيف لفاعله الذي هو ياء المتكلم أو كاف المخاطب، ويجوز رفع العمر على أنه مبتدأ حذف خبره وجوبا: أي لعمرك الله قسمي. ومحل الاستشهاد في هذا البيت قوله "رضيت علي" حيث عدَّي رضي بعليّ؛ والأصل في هذا الفعل أن يتعدّى بعن كما في قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119] وللعلماء في ذلك ثلاثة تخرجيات.
الأول: أن الشاعر وضع "على" موضع عن، وزعم من ذهب إلى هذا أن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض؛ ومن أمثلة ذلك قول دوسر بن غسان اليربوعي:
إذا ما امرؤ ولى علي بودّه ... وأدبر لم يصدر بإدباره ودّي(2/516)
إنه لما كان "رضيتُ ضد سخطتُ، وسخطتُ تعدَّى بعلى، فكذلك "رضيت" حملًا له على ضده؛ فكذلك ههنا: جعل لم أفعل دليلًا على جواب الشرط المحذوف؛ حملًا على فَعَلْتُ.
وحذف جواب الشرط كثير في كلامهم إذا كان في الكلام ما يدل على حذفه، كقولهم: "أنت ظالم إن فعلت كذا" أي: إن فعلت كذا ظلمت، فحذف "ظلمت" لدلالة قوله: "أنت ظالم" عليه، والشواهد على حذف جواب الشرط في كلامهم للدلالة عليه أكثر من أن تحصى، والله أعلم.
__________
يريد إذا امرؤ ولّى عني بوده وجفاني ثم رجع إلى الودّ لم يرجع برجوعه ودي؛ فوضع على موضع عن كما في بيت الشاهد؛ ومن وضع حرف في موضع حرف آخر قول عنترة في معلقته:
بطل كأن ثيابه في سرحة ... يحذى نعال السبت ليس بتوأم
يريد أنه طويل القامة فإذا لبس ثيابه فكأنها نشرت على شجرة مشرفة عالية. فوضع في موضع على، ومن ذلك قول أعرابي من طيّئ:
نلوذ في أم لنا ما تغتصب ... من الغمام ترتدي وتنتقب
أراد بالأم جبلًا من جبال طيّئ؛ وما تغتصب: أي أنها منيعة على من أرادها؛ وقد وضع في موضع الباء في قوله "نلوذ في أم لنا" لأن "لاذ" يتعدّى بالباء.
التخريج الثاني: أن يضمنوا الفعل المذكور في الكلام معنى فعل آخر يتعدّى بالحرف المذكور؛ فيضمنوا "رضي" في قول القحيف معنى عطف أو أقبل؛ وكل من عطف وأقبل يتعدّى بعلى، وهكذا.
والتخريج الثالث: أن يحمل الفعل على ضده؛ فيحمل "رضي" في بيت القحيف على سخط، وسخط يتعدّى بعلى، ويحمل "ولى" في قول الطائي "ولى علي بودّه" على أقبل، وأقبل ضد ولّى، وهكذا.
وليس كل كلام يمكن تخريجه على كل واحد من هذه التخريجات الثلاثة، بل يحمل على ما يمكن منها. وفي هذا ما يكفي أو يغني.(2/517)
88- مسألة: [القول في "إنِ" الشرطية، هل تقع بمعنى إذْ؟] 1
ذهب الكوفيون إلى أن "إن" الشرطية تقع بمعنى إذْ، وذهب البصريون إلى أنها لا تقع بمعنى إذ.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأن "إن" قد جاءت كثيرًا في كتاب الله تعالى وكلام العرب بمعنى إذ، قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23} أي: وإذ كنتم في ريب؛ لأن "إن" الشرطية تفيد الشك، بخلاف "إذ"؛ ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: "إن قامت القيامة كان كذا" لما يقتضيه من معنى الشك، ولو قلت "إذ قامت القيامة" أو "إذا قامت القيامة" كان جائزًا؛ لأن إذ وإذا ليس فيهما معنى الشك، وإذا ثبت أن "إن" الشرطية فيها معنى الشك؛ فلا يجوز أن تكون ههنا الشرطية؛ لأنه لا شك أنهم كانوا في شك؛ فدلَّ على أنها بمعنى إذ، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] أي: إذ كنتم مؤمنين؛ لأنه لا شك في كونهم مؤمنين؛ ولهذا خاطبهم في صدر الآية بالإيمان: {واتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 57] أي: إذ كنتم مؤمنين، وقال تعالى: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139] أي: إذ وقال تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] أي: إذ شاء الله، وجاء في الحديث عن الرسول صلوات الله عليه حين دخل المقابر: "سلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنَّا إنْ
__________
1 انظر في هذه المسألة: مغني اللبيب لابن هشام "ص26 بتحقيقنا" وخزانة الأدب للبغدادي "3/ 656 في أثناء شرح الشاهد رقم 699" وإيضاح القزويني "88-95 بتحقيقنا".(2/518)
شاء الله بكم لَاحِقُونَ" أي: إذْ، لأنه لا يجوز الشك في اللحوق بهم، وقال الشاعر:
[406]
وسمعتَ حَلْفَتَهَا التي حَلَفَتْ ... وإنْ كانَ سَمْعُكَ غير ذِي وَقْرِ
__________
[406] الحلفة -بفتح الحاء وسكون اللام- واحدة الحلف، وهو القسم؛ تقول حلف فلان يحلف -من باب ضرب- حلفًا -بفتح فسكون أو بكسر فسكون أو بفتح فكسر؛ ومحلوفًا أيضًا؛ وهذا أحد المصادر التي جاءت على زنة المفعول مثل المجلود والمعقول والمعسور والميسور؛ وقالوا "محلوفة بالله ما فعل كذا" بالنصب: أي يحلف محلوفة بالله ما فعل كذا؛ وقال امرؤ القيس في الحلفة:
حلفت لها بالله حلفة فاجر ... لناموا؛ فما إن من حديث ولا صالي
وقال زيد الفوارس الحصين بن ضرار الضبي:
تألّى ابن أوس حلفة ليردّني ... إلى نسوة كأنهن مفائد
والوقر -بفتح الواو وسكون القاف- ثقل في الأذن؛ ويقال: هو أن يذهب السمع كله؛ قال الله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ} [فصلت: 5] وقال: {وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [فصلت: 44] وقال: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} [الأنعام: 25] وقال: {وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} [لقمان: 7] ومحل الاستشهاد في هذا البيت هنا قوله "إن كان سمعك غير وقر" فإن الكوفيين زعموا أن "إن" ههنا بمعنى إذ؛ والكلام تعليل لقوله "سمعت حلفتها" فإن المراد عندهم: سمعت حلفتها لأن سمعك سليم غير ذي وقر؛ والذي دعاهم إلى هذا أن الأصل في الشرط أن يكون مستقبلًا؛ لأن القصد تعليق الجواب عليه، وتعليق الشيء لا يكون على شيء مضى؛ لأنه حينئذ لا فائدة في تعليق وجود الجواب عليه؛ وإنما يكون التعليق فيما يأتي من الزمان؛ فلما وجدوا "إن" تدخل على الفعل الماضي قالوا: إنه لا يراد بها التعليق حينئذ، وإنما يراد بها التعليل؛ وخرجوا ما أثره المؤلف من الآيات الكريمة ونحوها على هذا؛ واستدلوا بجملة أبيات منها هذا البيت الذي أنشده المؤلف ههنا؛ ومنها قول الفرزدق؛ وهو من شواهد الرضي في الجوازم وشواهد المغني:
أتغضب إن أذنا قتيبة حزتا ... جهارًا؛ ولم تغضب لقتل ابن خازم؟
ومنها قول الآخر:
أتجزع إن بان الخليط المودع ... وحبل الصفا من عزّة المتقطع؟
ومما يؤيدهم أنك تجد "إن" -فيما ذكروه من الآيات الكريمة والأبيات- لم يذكر بعدها جواب؛ وأن الآيات قد قرئ في كل منها بكسر همزة "إن" وقرئ بفتحها؛ وكذلك الأبيات التي رووها تروى بكسر الهمز وبفتحها؛ فهذه ثلاثة أشياء: كون الفعل بعدها ماضيًا، وعدم ذكر جواب؛ ورواية فتح الهمزة. وكلها يمنع أن تكون "إن" شرطية. وقد تمحل البصريون في كل واحد من هذه الثلاثة: أما مضي الفعل فزعموا أنه -وإن كان ماضيًا في اللفظ- مستقبل في المعنى؛ لأنه سبب لما أريد التعليق عليه، أو لأن المراد: إن يتبيّن كذا، وأما عدم ذكر الجواب فقد ادّعوا أنه محذوف لدلالة الكلام عليه وهو مراد، وأما فتح الهمزة فقد أنكروا وروده.(2/519)
أي: إذْ، والشواهد على هذا النحو أكثر من أن تُحْصَى.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: أجمعنا على أن الأصل في "إنْ" أن تكون شرطًا، والأصل في "إذ" أن تكون ظرفًا، والأصل في كل حرف أن يكون دالًّا على ما وضع له في الأصل، فمن تمسك بالأصل فقد تمسك باستصحاب الحال؛ ومَنْ عَدَلَ عن الأصل بقي مرتَهَنًا بإقامة الدليل، ولا دليل لهم يدل على ما ذهبوا إليه.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين. أما احتجاجهم بقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23] فلا حجة لهم فيه، لأن "إنْ" فيه شرطية، وقولهم: "إنَّ إنْ الشرطية تفيد معنى الشك" قلنا: وقد تستعملها العرب وإن لم يكن هناك شك، على ما بيّنّا قبل، ومنه قولهم: "إن كنت إنسانًا فأنت تفعل كذا، وإن كنت ابني فَأَطِعْنِي" وإن كان لا يشك في أنه إنسان وأنه ابنه، ومعناه أن مَنْ كان إنسانًا أو ابنًا فهذا حكمه، فخاطبهم الله تعالى على عادة خطابهم فيما بينهم.
وهذا هو الجواب عن جميع ما استشهدوا به من الآيات، إلا قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27} فإن الجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أن [262] يكون الاستثناء وقع على دخولهم آمنين، والتقدير فيه: لتدخلن المسجد الحرام آمنين إن شاء الله.
والوجه الثاني: أن يكون ذلك على طريق التأديب للعباد ليتأدَّبُوا بذلك، كما قال تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أن يَشَاءَ اللَّه} [الكهف: 23، 24] .
وهذا هو الجواب عن قوله صلوات الله عليه: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" لأنه لما أدَّبه الحق بقوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أن يَشَاءَ اللَّه} [الكهف: 23، 24] تمسَّك بالأدب، وأحال على المشيئة فقال: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون".
وعلى هذا أيضًا يحمل قول السلف "أنا مؤمن إن شاء الله تعالى"، ويحتمل أيضًا وجهين آخرين:
أحدهما: أن يكونوا قالوا ذلك تركًا لتزكية النفس، لا للشك، كما قال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [لنجم: 32] وكما قيل لبعض الحكماء: ما الصدق القبيح؟ فقال: ثَنَاء الرجل على نفسه.(2/520)
والثاني: أن يكون قولهم: "إن شاء الله" شكًّا في وصف الإيمان، لا في أصل الإيمان، والشك في وصف الإيمان لا يقدح في أصل الإيمان.
وأما قول الشاعر:
[406]
إن كان سمعك غير ذي وقر
فلا حجة فيه، لأن "إن" فيه حرف شرط، لا بمعنى إذ، واستغنى بما تقدم من قوله: "وسمعت" عن جواب الشرط، لدلالته عليه، على ما بيّنّا فيما تقدم، والله أعلم.(2/521)
89- مسألة: [القول في "إن" الواقعة بعد "ما" أَنَافِيَةٌ مؤكدة أم زائدة؟] 1
ذهب الكوفيون إلى أن "إن" إذا وقعت بعد "ما" نحو "ما إنْ زيد قائم" فإنها بمعنى ما. وذهب البصريون إلى أنها زائدة.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأن "إن" تكون بمعنى "ما" وقد جاء ذلك كثيرًا في كتاب الله وكلام العرب، قال الله تعالى: {إِنِ الكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} [الملك: 20] أي: ما الكافرون إلا في غرور، وقال تعالى: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} [يس: 15] أي: ما أنتم، وقال تعالى: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [إبراهيم: 10] أي: ما أنتم، وقال تعالى: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [إبراهيم: 11] أي: ما نحن، وقال تعالى: {بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ، إِنْ، كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 93] أي: ما كنتم مؤمنين، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} [الزخرف: 81] أي: ما كان للرحمن ولد، إلى غير ذلك؛ فإذا ثبت أنها تكون بمعنى "ما" جاز أن يجمع بينها وبين "ما" لتأكيد النفي، كالجمع بين إنَّ واللام لتوكيد الإثبات.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أنها ههنا زائدة أن دخولها كخروجها؛ فإنه لا فرق في المعنى بين قول القول القائل "ما إنْ زيدٌ قائم" وبين "ما زيد قائمًا" فلما كان خروجها كدخولها تنزلت منزلة "من" بعد النفي، كما قال تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [لأعراف: 59] أي ما لكم إله غيره، وكما قال الشاعر:
[159]
.... وما بالرَّبْعِ من أحد
أي أحد، وأشبهت "ما" إذا وقعت زائدة، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159]
__________
1 انظر في هذه المسألة: توضيح الشيخ خالد الأزهري "1/ 236 بولاق" وشرح ابن يعيش على المفصل "ص1182" وشرح الرضي على كافية ابن الحاجب "2/ 357".(2/522)
أي: فبرحمة، وقال تعالى: {عمَّا قَلِيلٍ} [المؤمنون: 40] أي: عن قليل، وقال تعالى: {فبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} [النساء: 155] أي: فبنقضهم، و"ما" زائدة، فكذلك ههنا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إنها تكون بمعنى ما" قلنا: نسلم أنها تكون بمعنى "ما" في موضع ما، فأما ما احتجوا به فأكثره نقول بموجبه؛ إذ لا نمنع1 أن تقع في بعض المواضع بمعنى ما.
وأما ما احتجوا به من قوله تعالى: {بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 93] فلا نسلم أن "إن" ههنا بمعنى ما، وإنما هي ههنا شرطية، وجوابه مقدر، والتقدير فيه: إن كنتم مؤمنين فأي إيمان يأمر بعبادة عجل من دون الله تعالى؟ وكذلك قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ العَابِدِينَ} [الزخرف: 81] لا نسلم أيضًا أنها ههنا بمعنى ما، وإنما هي شرطية، وجوابه فأنا أول العابدين: أي الآنفين، من قولهم: "عبِدَ الرجلُ يَعْبُدُ عبدًا فهو عَبْدٌ وعَابِدٌ" إذا أَنِفَ، وجاء في كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه "عَبِدْتُ فَصَمَتُّ" أي أَنِفْتُ فَسَكَتُّ، وقال الشاعر:
[407]
أولئك قومي إِنْ هَجَوْنِي هَجَوتُهُمْ ... وأعبد إِنْ تُهْجَى تميمٌ بِدَارِمِ
__________
[407] أنشد ابن منظور هذا البيت "ع ب د" ونسبه إلى الفرزدق، وقد بحثت في ديوان الفرزدق فلم أجده، وإن كان معنى البيت يتكرر كثيرا في كلام الفرزدق، كقوله لجرير:
ولست وإن فقأت عينيك واجدًا ... أبا لك -إذ عد المساعي- كدارم
وكقوله في العديل بن الفرخ العجلي:
عجبت لعجل إذ تهجى عبيدها ... كما آل يربوع هجوا آل دارم
وكقوله، وهو أقرب لبيت الشاهد:
وليس بعدل أن سببت مقاعسًا ... بآبائي الشم الكرام الخضارم
ولكن عدلا لو سببت وسبني ... بنو عبد شمس من مناف وهاشم
وتقول "عبد فلان على فلان يعبد عبدا فهو عبد من مثال فرح يفرح فرحًا فهو فرح" وعابد أيضًا: إذا غضب وأنف، وقد عدّى الفرزدق هذا الفعل بنفسه من غير حرف الجر في قوله:
علام يعبدني قومي وقد كثرت ... فهيم أباعر ما شاءوا وعبدان؟
والاستشهاد بالبيت ههنا في قول "وأعبد" فإنه فعل مضارع ماضيه "عبد" من باب فرح، ومعناه أنف وغضب، وقال ابن أحمر يصف الغواص:
فأرسل نفسه عبدا عليها ... وكان بنفسه أربًا ضنينا
__________
1 في ر "إذ لا يمنع أن يقع".(2/523)
أي: آنَفُ، ومعنى الآية أنَّا أَوَّلُ الآنفين أن يقال لله ولد، وقيل: أول العابدين، أي: أول من عبد الله وحده، وقيل: المعنى كما أني لست أول من عبد الله فكذلك ليس لله ولد، كما يقال: إن كنت كاتبا فأنا حاسب، يريد أنك لست بكاتب ولا أنا حاسب، على أنا نقول: ولم قلتم إنها إذا كانت في موضع ما بمعنى "ما" ينبغي أن تكون ههنا؟
قولهم: "جمع بينها وبين ما لتوكيد النفي كما جمع بين إنَّ واللام لتوكيد الإثبات" قلنا: لو كان الأمر كما زعمتم لوجب أن يصير الكلام إيجابًا؛ لأن النفي
__________
= قيل معنى قوله "عبدًا" أي أنفًا، يقول: أنف أن تفوته الدرة. قال ابن منظور: "وفي التنزيل {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ العَابِدِينَ} [الزخرف: 81] ويقرأ "العبدين" قال الليث: العبد -بالتحريك- الأنف والغضب والحمية من قول يستحيا منه ويستنكف، ومن قرأ "العبدين" فهو مقصور، من عبد يعبد فهو عبد، وقال الأزهري: هذه آية مشكلة، وأنا ذاكر أقوال السلف فيها، ثم أتبعها بالذي قال أهل اللغة، وأخبر بأصحها عندي، أما القول الذي قاله الليث في قراءة "العبدين" فهو قول أبي عبيدة، على أني ما علمت أحدًا قرأ "فأنا أول العبدين" ولو قرئ مقصورًا كان ما قاله أبو عبيدة محتملًا وإذ لم يقرأ به قارئ مشهور لم نعبأ به، والقول الثاني: ما روي عن ابن عيينة أنه سئل عن هذه الآية، فقال: معناه إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين، يقول: فكما أنني لست أول من عبد الله فكذلك ليس لله ولد، وقال السدي: قال الله لمحمد: قل إن كان -على الشرط- للرحمن ولد كما تقولون لكنت أول من يطيعه ويعبده: وقال الحسن وقتادة: إن كان للرحمن ولد، على معنى ما كان، فأنا أول العابدين: أي أول من عبد الله من هذه الأمة، وقال الكسائي "إن كان" أي ما كان للرحمن ولد "فأنا أول العابدين" أي الآنفين، رجل عابد وعبد وآنف وأنف، أي الغضاب الآنفين من هذا القول، وقال: فأنا أول الجاحدين لما تقولون، ويقال: أنا أول من تعبده على الوحدانية مخالفة لكم، وقال ابن الأنباري "إن كان للرحمن ولد" ما كان للرحمن ولد، والوقف على ولد، ثم ابتدئ "فأنا أول العابدين" له على أنه لا ولد له، قال الأزهري: قد ذكرت الأقوال، وفيه قول أحسن من جميع ما قالوا، وأسوغ في اللغة وأبعد من الاستكراه، وأسرع إلى الفهم، روي عن مجاهد أنه قال: "إن كان لله ولد في قولكم فأنا أول من عبد الله وحده وكذبكم فيما تقولون". قال الأزهري: وهذا واضح، ومما يزيده وضوحًا أن الله عز وجل قال لنبيه: {قُلْ} يا محمد {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} في زعمكم "فأنا أول العابدين" إله الخلق أجمعين الذي لم يلد ولم يولد، وأول الموحدين للرب الخاضعين المطيعين له وحده؛ لأن من عبد الله تعالى واعترف بأنه معبود وحده لا شريك له فقد دفع أن يكون له ولد في دعواكم، والله عز وجل واحد لا شريك له وهو معبودي الذي لا ولد له ولا والد، قال الأزهري: وإلى هذا ذهب إبراهيم بن السري وجماعة من ذوي المعرفة، وهو الذي لا يجوز عندي غيره" ا. هـ كلامه.(2/524)
إذا دخل على النفي صار إيجابًا؛ لأن نفي النفي إيجاب1، وعلى هذا يخرج توكيد الإثبات فإنه لا يغير المعنى؛ لأن إثبات الإثبات لا يصير نفيًا، بخلاف النفي؛ فإنه يصير إيجابًا، فبان الفرق بينهما، والله أعلم.
__________
1 هذه مغالطة ظاهرة، لا يجوز أن تأخذ بها، ولا أن تجدها صحيحة في الرد على ما ذهب إليه الكوفيون، وذلك لأن النفي إذا دخل على النفي لا يكون الكلام إيجابًا على الإطلاق، وبيان هذا أن النفي الداخل على النفي يكون على أحد وجهين: الأول: أن يكون المراد به نفي النفي الأول، وحينئذ يكون الكلام إثباتا وإيجابا؛ لأن نفي النفي إيجاب، والوجه الثاني: أن يكون المراد بالنفي الثاني تأكيد النفي الأول، وحينئذ يكون الكلام نفيًا مؤكدا، ولا يكون إثباتا أصلا، وذلك وارد في التوكيد اللفظي فإنه إعادة اللفظ الأول بنفسه أو بمرادفه. مثل قول جميل:
لا، لا أبوح بحب بثنة إنها ... أخذت علي مواثقا وعهودا
ثم إن المؤلف رحمه الله في المسألة الثالثة والثلاثين أبطل قول الكوفيين بأن الصفة الصالحة لأن تكون خبرا إذا كان معها ظرف مكرّر وجب نصب هذه الصفة حتى يكون أحد الظرفين خبرا والآخر حالا، إذ لو جوزنا فيها الرفع لكانت هي الخبر، ويكون الظرفان حالين؛ فلا تكون في أحد الظرفين فائدة جديدة، وحمل الكلام على إفادة فائدة جديدة أولى، فأبطل هذا الكلام بقوله "هذا فاسد؛ وذلك لأنه وإن كانت الأولى تفيد ما أفادته الثانية إلا أن ذلك لا يدل على بطلان فائدة الثانية؛ لأن من مذاهب العرب أن يؤكد اللفظ بتكريره.... إلخ" فما الذي حدث ههنا حتى ذهل عن أن من مذاهب العرب أن يؤكد اللفظ بتكريره بلفظه أو بمرادفه؟(2/525)
90- مسألة: [القول في معنى "إنْ" ومعنى اللام بعدها] 1
ذهب الكوفيون إلى أنَّ "إِنْ" إذا جاءت بعدها اللام تكون بمعنى "ما" واللام بمعنى "إلا". وذهب البصريون إلى أنها مخفّفة من الثقيلة، واللام بعدها لام التأكيد.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأنه قد جاء ذلك كثيرًا في كتاب الله وكلام العرب، قال الله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} [الإسراء: 76] أي: وما كادوا إلا يستفزونك، وقال تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم: 51] أي: وما كادوا إلا يزلقونك، وقال تعالى: {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ، لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا} [الصافات: 167-168] أي: وما كانوا إلا يقولون، وقال تعالى: {إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} [الإسراء: 108] أي: ما كان وعد ربنا إلا مفعولًا، ثم قال الشاعر:
[408]
شلَّت يمينُك إن قَتَلْت لمُسْلِمَا ... كُتِبَتْ عليك عُقُوَبةُ المُتَعَمِّدِ
__________
[408] هذا البيت من كلام عاتكة بنت زيد العدوية، ترثي فيه زوجها الزبير بن العوام الذي قلته ابن جرموز وهو منصرف من وقعة الجمل، والبيت من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل "ص1128" ورضي الدين في باب الحروف المشبهة بالفعل من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "4/ 348" وابن هشام في مغني اللبيب "رقم 22" وفي أوضح المسالك "رقم 147" والأشموني "رقم 279" وابن عقيل "رقم 104" وابن الناظم في باب إن وأخواتها من شرح الألفية، وشرحه العيني "2/ 278 بهامش الخزانة" وشلت: يبست، وأصل الفعل شلل -من باب فرح- وقوله "كتبت عليك" يروى في مكانه "حلت عليك" ويروى أيضًا "وجبت عليك" ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "إن قتلت لمسلما" فإن =
__________
1 انظر في هذه المسألة: مغني اللبيب لابن هشام "ص232 وما بعدها" وشرح الأشموني مع حاشية الصبان "1/ 267 وما بعدها" وتصريح الشيخ خالد الأزهري "1/ 279 وما بعدها" وشرح ابن يعيش على المفصل "ص1129"(2/526)
أي: ما قتلت إلا مسلمًا، وهو في كلامهم أكثر من أن يحصى.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنها مخففة من الثقيلة لأنا وجدنا لها في كلام العرب نظيرًا، وأنا أجمعنا على أنه يجوز تخفيف "إنَّ" وإن اختلفنا في بطلان عملها مع التخفيف، وقلنا: إن اللام لام التأكيد؛ لأن لها أيضًا نظيرا في كلام العرب، وكون اللام للتأكيد في كلامهم مما لا ينكر لكثرته فحكمنا على اللام بما لا نظير في كلامهم، فأما كون اللام بمعنى "إلا" فهو شيء ليس له نظير في كلامهم، والمصير إلى ما له نظير في كلامهم أولى من المصير إلى ما ليس له نظير.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما احتجاجهم بالآيات وما أنشدوه على أن "إنْ" بمعنى "ما" واللام بمعنى "إلا" فلا حجة لهم في شيء من ذلك؛ لأنه كله محمول على ما ذهبنا [إليه] من أن "إنْ" مخففة من الثقيلة، واللام لام التأكيد، والذي يدل على ذلك أنَّ "إنْ" التي بمعنى ما لا تجيء اللام معها، كما قال الله تعالى: {إِنِ الكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} [الملك: 20] وكما قال الله تعالى: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} [ي-س: 15] وكما قال الله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ} [الفرقان: 4] إلى غير ذلك من المواضع، ولم تجئ مع شيء منها اللام.
فأما قولهم: "إن اللام في {لَيَسْتَفِزُّونَكَ} و {لَيُزْلِقُونَكَ} و {لَيَقُولَنَّ} و {لَمَفْعُولًا} إلى غير ذلك من المواضع بمنزلة إلا في هذه المواضع" قلنا: هذا فاسد؛ لأنه لو جاز أن يقال "إن اللام تستعمل بمعنى إلا" لكان ينبغي أن يجوز "جاءني القوم لَزَيْدًا" بمعنى إلا زيدًا، فلما لم يجز ذلك دلَّ على فساد ما ذهبتم
__________
= الكوفيين ذهبوا إلى أنَّ إنْ في هذه العبارة نافية بمعنى ما، واللام التي في قوله "لمسلما" استثنائية بمعنى إلا، وكأن الشاعر قد قال: ما قتلت إلا مسلما، وتجد في كلام بعض النحاة -منهم الرضي والزمخشري وابن هشام- ما يفيد أن الكوفيين يستدلون بهذا البيت على أنه يجوز أن يقع بعد إن المخففة من الثقيلة الفعل الماضي غير الناسخ، وهو كلام غير مبني على التحقيق، والتحقيق أن جمهور الكوفيين لا يقولون بأن إن تكون مخففة من الثقيلة أصلًا، والكسائي يقول: إذا وليها جملة اسمية جاز أن تكون مخففة من الثقيلة، وإذا وليها فعل فهي نافية واللام بعدها بمعنى إلا، فإن في هذا البيت نافية عند الكوفيين كلهم أجمعين؛ لأن الوالي لها فعل، وقد تنبه لهذا الشيخ خالد فأنكر كلام ابن هشام، وأما البصريون فيرون "إن" في هذا البيت مخففة من الثقيلة، واللام التي بعدها لام فارقة بين الكلام المنفي والكلام المثبت المؤكد، نعني أنها تدخل الكلام في حال إهمال إن المخففة لتكون فارقة بينها وبين إن النافية، وهم يختلفون في هذه اللام: أهي لام الابتداء التي تدخل لتفيد الكلام زيادة توكيد أم هي لام أخرى؟ وليس هذا موضع الإفاضة في هذا الموضوع.(2/527)
إليه، وإنما جاءت هذه اللام مع "إن" المخففة من الثقيلة لأن "إن" المخففة في اللفظ بمنزلة التي يراد بها النفي، فلما كان ذلك يؤدّي إلى اللّبس جيء بها للفرق بينهما؛ فما جاء للفرق وإزالة اللّبس جعلتموه سببًا للّبس وإزالة الفرق، وهذا غاية الجور عن الصواب والحق، والله أعلم.(2/528)
91- مسألة: [هل يجازى بكيف؟] 1
ذهب الكوفيون إلى أن "كيف" يجازى بها كما يجازى بمتى ما وأينما وما أشبههما من كلمات المجازاة. وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز أن يجازى بها.
أما الكوفيين فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه يجوز المجازاة بها لأنها مشابهة لكلمات المجازاة في الاستفهام، ألا ترى أن "كيف" سؤال عن الحال كما أن "أين" سؤال عن المكان، و"متى" سؤال عن الزمان، إلى غير ذلك من كلمات المجازاة، ولأن معناها كمعنى كلمات المجازاة، ألا ترى أن معنى "كيفما تكن أكن": في أي حال تكن أكن، وكما أن معنى "أينما تكن أكن": في أي مكان تكن أكن، ومعنى "متى ما تكن أكن": في أي وقت تكن أكن، ولهذا قال الخليل بن أحمد: مخرجها مخرج الجزاء، وإن لم يقل إنها من حروف الجزاء، فلما شابهت "كيف" ما يجازى به في الاستفهام ومعنى المجازاة وجب أن يجازى بها كما يجازى بغيرها من كلمات المجازاة.
قالوا: ولا يجوز أن يقال: "إنما لم يجز المجازاة بها لأنها لا تتحقق بها؛ لأنك إذا قلت "كيف تكن أكن" فقد ضمنت له أن تكون على أحواله كلها وذلك متعذر؛ لأنا نقول: هذا يلزمكم في تجويزكم "كيف تكون أكون"؟ لأن ظاهر هذا يقتضي ما منعتموه؛ فكان ينبغي أن لا يجوز، فلما أجزتموه دلَّ على فساد ما ذهبتم إليه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز المجازاة بها لثلاثة أوجه:
أحدها: أنها نقصت عن سائر أخواتها؛ لأن جوابها لا يكون إلا نكرة لأنها
__________
1 انظر في هذه المسألة: مغنى اللبيب لابن هشام "ص205 بتحقيقنا" وشرح الأشموني مع حاشية الصبان "4/ 11".(2/529)
سؤال عن الحال، والحال لا يكون إلا نكرة، وسائر أخواتها تارة تجاب بالمعرفة وتارة تجاب بالنكرة، فلما قصرت عن أحد الأمرين ضعفت عن تصريفها في مواضع نظائرها من المجازاة.
والوجه الثاني: إنما لم يجز المجازاة بها لأنها لا يجوز الإخبار عنها، ولا يعود إليها ضمير، كما يكون ذلك في مَنْ وما وأي ومهما، فلما قصرت في ذلك عن نظائرها ضعفت عن تصريفها في مواضع نظائرها من المجازاة.
والوجه الثالث: أن الأصل في الجزاء أن يكون بالحرف، إلا أن يضطر إلى استعمال الأسماء، ولا ضرورة ههنا تلجئ إلى المجازاة بها؛ فينبغي أن لا يجازى بها؛ لأنا وجدنا أيًّا تغني عنها، ألا ترى أن القائل إذا قال "في أي حال تكن أكن" فهو في المعنى بمنزلة "كيف تكن أكن". غير أن هذا الوجه عندي ضعيف لأن "أيا" كما تتضمن الأحوال تتضمن الزمان، والمكان، وغير ذلك؛ فكان ينبغي أن يستغنى بها عن متى ما وأينما وغيرهما من كلمات المجازاة؛ فلما لم يستغنوا بها عنها دلَّ على ضعف هذا التعليل.
والتعويل في الدلالة على أنه يجوز أن يجازى بها الوجهان الأولان.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إنها أشبهت كلمات المجازاة في الاستفهام، وإن معناها كمعنى كلمات المجازاة" قلنا: لا نسلم أن معناها كمعنى كلمات المجازاة، وذلك لأنه لا تتحقق المجازاة بها، ألا ترى أنك إذا قلت "كيف تكن أكن" كان معناها: على أي حال تكون أكون، فقد ضَمِنْتَ له أن تكون على أحواله وصفاته كلها، وأحوال الشخص كثيرة يتعذر أن يكون المجازي عليها كلها؛ لأنه يتعذر أن يتفق شيآن في جميع أحوالهما، بل ربما كان كثير من الأحوال لا يدخل تحت الإمكان كالصّحة والسّقم والقوة والضعف إلى غير ذلك؛ فإن أحدهما لو كان سقيما والآخر صحيحا أو ضعيفا والآخر قويا لما كان يمكن السقيم أن يجعل نفسه صحيحا ولا الضعيف أن يجعل نفسه قويا، فأما متى ما وأينما فإنه تتحقق المجازاة بهما، ألا ترى أنك إذا قلت "أينما تكن أكن" فقد ضمنت له متى كان في بعض الأماكن أن تكون أيضًا في ذلك المكان، ولا يتعذر، وكذلك إذا قلت "متى تذهب أذهب" ضمنت له في أي زمان ذهب أن تذهب معه، وهذا أيضًا غير متعذر، بخلاف كيف؛ فإنه يتعذر أن يكون المجازى على جميع أحوال المجازي وصفاتها كلها لكثرتها وتنوعها، فبان الفرق.(2/530)
وأما قولهم: "إن هذا يلزمكم في تجويزكم كيف تكون أكون بالرفع؛ لأن ظاهر هذا يقتضي ما منعتموه" قلنا: الفرق بينهما أنا إذا رفعنا الفعل بعد كيف فإنما نقدر أن هذا الكلام قد خرج على حال عَلِمَهَا المجازي؛ فانصرف اللفظ إليها؛ فلذلك صح الكلام، ولم يمكن هذا التقدير في الجزم بها على المجازاة لأن الأصل في الجزاء أن لا يكون معلوما؛ لأن الأصل في الجزاء أن يكون بإن، وأنت إذا قلت "إن قمتُ قمتَ" فوقت القيام غير معلوم، فلما كان الأصل في الجزاء أن يكون غير معلوم بطل أن تقدر كيف في الجزاء واقعة على حال معلومة لأنها تخرج من الإبهام وتباين أصل كلمات الجزاء؛ فلذلك لم يجز الجزم بها على تقدير حالٍ معلومةٍ، والله أعلم.(2/531)
92- مسألة: [السين مقتطعة من سوف أو أصل برأسه] 1
ذهب الكوفيون إلى أن السين التي تدخل على الفعل المستقبل نحو سأفعل أصلُها سوف. وذهب البصريون إلى أنها أصلٌ بنفسها.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأن "سوف" كَثُرَ استعمالها في كلامهم وجَرْيُها على ألسنتهم، وهم أبدا يحذفون لكثرة الاستعمال، كقولهم: "لا أدْرِ، ولم أَبَلْ، ولم يَكُ، وخُذْ، وكُلْ" وأشباه ذلك، والأصل لا أدري، ولم أبال، ولم يكن، واأخذ، واأكل، فحذفوا في هذه المواضع وما أشبهها لكثرة الاستعمال، فكذلك ههنا: لما كثر استعمال "سوف" في كلامهم حذفوا منها الواو والفاء تخفيفا.
والذي يدل على ذلك أنه قد صح عن العرب أنهم قالوا في سوف أفعل "سو أفعل" فحذفوا الفاء، ومنهم من قال "سف أفعل" فحذف الواو، وإذا جاز أن يحذف الواو تارة والفاء أخرى لكثرة الاستعمال جاز أن يجمع بينهما في الحذف مع تطرق الحذف إليهما في اللغتين لكثرة الاستعمال.
والذي يدل على ذلك أن السين تدل على ما تدل عليه سوف من الاستقبال، فلما شابهتها في اللفظ والمعنى دلَّ على أنها مأخوذة منها، وفرع عليها.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأن الأصل في كل حرف يدل على معنى أن لا يدخله الحذف، وأن يكون أصلًا في نفسه، والسين حرف يدل على معنى؛ فينبغي أن يكون أصلًا في نفسه، لا مأخوذًا من غيره.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إن سوف لما كثر استعمالها في كلامهم حذفوا الواو والفاء لكثرة الاستعمال" قلنا: هذا فاسد؛ فإن الحذف
__________
1 انظر في هذه المسألة: مغني اللبيب لابن هشام "ص138 بتحقيقنا" وشرح ابن يعيش على المفصل "ص1199"(2/532)
لكثرة الاستعمال ليس بقياس ليجعل أصلًا لمحل الخلاف1، وعلى أن الحذف لو وجد كثيرًا في غير الحرف من الاسم والفعل فقلَّما يوجد في الحرف، وإن وجد الحذف في الحرف في بعض المواضع فهو على خلاف القياس؛ فلا يجعل أصلا يقاس عليه.
وأما ما رووه عن العرب من قولهم فسوف أفعل "سو أفعل" و"سَفَ أفعل" فالجواب عنه من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن هذه رواية تفرَّد بها بعض الكوفيين؛ فلا يكون فيها حجة.
والثاني: إن صحت هذه الرواية عن العرب فهو من الشاذ الذي لا يُعْبَأْ به؛ لقلته.
والثالث: أن حذف الفاء والواو على خلاف القياس، فلا ينبغي أن يجمع بينهما في الحذف؛ لأن ذلك يؤدّي إلى ما لا نظير له في كلامهم؛ فإنه ليس في كلامهم حرف حذف جميع حروفه طلبا للخفة على خلاف القياس حتى لم يبقَ منه إلا حرف واحد، والمصير إلى ما لا نظير له في كلامهم مردود.
وأما قولهم: إن السين تدل على الاستقبال كما أن سوف تدل على الاستقبال" قلنا: هذا باطل؛ لأنه لو كان الأمر كما زعمتم لكان ينبغي أن يستويا في الدلالة على الاستقبال على حدّ واحد، ولا شك أن سوف أشدّ تراخيا في الاستقبال من السين، فلما اختلفا في الدلالة دلَّ على أن كل واحد منهما حرف مستقل بنفسه، غير مأخوذ من صاحبه، والله أعلم.
__________
1 ليس هنا قياس، لأنه قد ورد عن العرب "سوف أفعل" و"سو أفعل" بحذف الفاء، و"سف أفعل" بحذف الواو، وأجمعنا على أن الثاني والثالث مقتطعان من الأول؛ وورد عن العرب أيضًا "سأفعل" فقلنا: وهذا أيضًا مقتطع من الأول؛ فالمدار على الورود عن العرب، فأين القياس؟(2/533)
93- مسألة: [المحذوف من التاءين المبدوء بهما المضارع] 1
ذهب الكوفيون إلى أنه إذا اجتمع في أول المضارع تاءان: تاء المضارعة وتاء أصلية -نحو "تَتَنَاوَلُ، وتَتَلَوَّنُ"- فإن المحذوف منها تاء المضارعة دون الأصلية، نحو "تَنَاولُ، وتَلَوَّنُ".
وذهب البصريون إلى أن المحذوف منهما التاء الأصلية، دون تاء المضارعة.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأنه لما اجتمع في أول هذا الفعل حرفان متحركان من جنس واحد -وهما التاء المزيدة للمضارعة والتاء الأصلية- استثقلوا اجتماعهما؛ فوجب أن تحذف إحداهما؛ فلا يخلو: إما أن تحذف الزائدة، أو الأصلية، فكان حذف الزائدة أولى من الأصلية؛ لأن الزائد أضعف من الأصلي، والأصلي أقوى من الزائد؛ فلما وجب حذف أحدهما كان حذف الأضعف أولى من حذف الأقوى.
وأما البصريون فقالوا: إنما قلنا إن حذف الأصلية أولى من الزائدة؛ لأن الزائدة دخلت لمعنى وهو المضارعة، والأصلية ما دخلت لمعنى؛ فلما وجب حذف إحداهما كان حذف ما لم يدخل لمعنى أولى.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إن الزائد أضعف من الأصلي فكان حذفه أولى" قلنا: لا نسلم هذا مطلقًا؛ فإن الزائد على ضربين: زائد جاء لمعنى، وزائد لم يجئ لمعنى، فأما الزائد الذي جاء لمعنى فلا نسلم فيه أن الأصلي أقوى منه، وأما الزائد الذي ما جاء لمعنى فمسلَّم أنه أقوى؛ ولكن لا نسلم أنه قد وجد ههنا، وهذا لأن التاء ههنا جاءت لمعنى المضارعة؛ فقد جاءت لمعنى، وإذا كانت قد جاءت لمعنى فيجب أن تكون تَبْقِيَتُهَا أولى؛ لأن في
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح الأشموني مع حاشية الصبان "4/ 294 بولاق" وتصريح الشيخ خالد الأزهري "2/ 499 بولاق"(2/534)
حذفها إسقاطا لذلك المعنى الذي جاءت من أجله، وذلك خلاف الحكمة.
والذي يدلّ على صحة هذا ثبوت التنوين في المنقوص والمقصور وحذف حرف العلة منهما لالتقاء الساكنين وإن كان أصليًا فيهما، ألا ترى أنك تقول في المنقوص "هذا قاضٍ، ومررت بقاضٍ" والأصل فيه "هذا قاضيٌ، ومرت بقاضيٍ" إلا أنهم لما حذفوا الضمة والكسرة استثقالا لهما على الياء بقيت الياء ساكنة والتنوين ساكنًا فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين وأبقوا التنوين؛ لأن الياء ما جاءت لمعنى، والتنوين جاء لمعنى؛ فكان تبقيته أولى، فكذلك أيضًا تقول في المقصور "هذه رحًا وعصًا" والأصل فيه "رحيٌ وعَصَوٌ" فلما تحركت الياء والواو انفتح ما قبلهما قلبوهما ألفًا1 لتحركهما وانفتاح ما قبلهما، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين وبقي التنوين بعدها؛ لأن الألف ما جاءت لمعنى، والتنوين جاء لمعنى؛ فكان تبقيته أولى، فكذلك ههنا، ولهذا كان الواجب في تصغير منطلق ومغتسل: مطيلق ومغيسل، وكذلك التكسير نحو: مَطَالق ومَغَاسل بإثبات الميم وحذف النون من منطلق والتاء من مغتسل؛ لأن الميم جاءت لمعنى -وهو الدلالة على اسم الفاعل- والنون والتاء ما جاءتا لمعنى؛ فكان حذفهما أولى من حذف الميم؛ لأنها جاءت لمعنى، وكذلك القياس في كل حرفين اجتمعا فوجب حذف أحدهما؛ فإن حذف ما لم يجئ لمعنى أولى من حذف ما جاء لمعنى، والسر فيه هو2 أن الحرف الذي جاء لمعنى قد تَنَزَّلَ في الدلالة على معنى بمنزلة سائر الكلمة التي تدل بجميع حروفها على معنى، بخلاف الحرف الذي لم يجئ لمعنى؛ فإنه ليس فيه دلالة على معنى في نفسه البتة، فكما يمتنع أن تحذف الكلمة بأسرها لشيء لا معنى له في نفسه؛ فكذلك ههنا: يمتنع أن يحذف الحرف الذي جاء لمعنى لأجل حرف لم يجئ لمعنى، فدل على أن حذف التاء الأصلية أولى من الزائدة على ما بيّنّا، والله أعلم.
__________
1 في ر "قلبوها ألفا" وليس بذاك.
2 في ر "وهو أن.... إلخ" والظاهر أن الواو من "وهو" زائدة.(2/535)
94- مسألة: [هل تدخل نون التوكيد الخفيفة على فعل الاثنين وفعل جماعة النسوة؟] 1
ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز إدخال نون التوكيد الخفيفة على فعل الاثنين وجماعة النسوة، نحو "افْعَلَانْ وافْعَلْنَانْ" بالنون الخفيفة، وإليه ذهب يونس بن حبيب البصري.
وذهب البصريون إلى انه لا يجوز إدخالها في هذين الموضعين.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه يجوز ذلك لوجهين:
أحدهما: أن هذه النون الخفيفة مخففة من الثقيلة، وأجمعنا على أن النون الثقيلة تدخل في هذين الموضعين؛ فكذلك النون الخفيفة.
والوجه الثاني: أن هذه النون إنما دخلت في القسم والأمر والنهي والاستفهام والشرط بإمَّا لتوكيد الفعل المستقل، فكما يجوز إدخالها للتوكيد على كل فعل مستقبل وقع في هذه المواضع فكذلك فيما وقع الخلاف فيه، قُصَارَى ما يُقَدَّر أن يقال: إنه يؤدي إلى اجتماع الساكنين الألف والنون، وقد جاء ذلك في كلام العرب؛ لأن الألف فيها فرط مد، والمد يقوم مقام الحركة، وقد قرأ نافع، وهو أحد أئمة القراء {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ} [الأنعام: 162] بسكون الياء من {وَمَحْيَايَ} فجمع بين الساكنين وهما الألف والياء، فكذلك ههنا، وقد حكي عن بعض العرب أنه قال "التقت حلقتا البطان" بإثبات الألف مع لام التعريف، وقد حكي عن بعض العرب أيضًا أنه قال "له ثُلُثَا المالِ" بإثبات الألف، فجمع بينها وبين لام التعريف وهما ساكنان لما في الألف من إفراط المد، ولذلك أيضًا يجوز تخفيف الهمزة المتحركة إذا كان قبلها ألف نحو هَبَاءة، والهمزة المخففة ساكنة.
والذي يدل على صحة مذهبنا قراءة ابن عامر "ولا تتعبان" بنون
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح الأشموني بحاشية الصبان "3/ 189" وتصريح الشيخ خالد "2/ 261".(2/536)
التوكيد الخفيفة، والمراد به موسى وهارون، فدل على ما قلناه.
قالوا: ولا يجوز أن يقال: "إنما يجتمع حرفان ساكنان في الوصل، إذا كان الثاني منهما مدغما في مثله، نحو "دابَّة، وتُمُودَّ، وأُصَيْمّ" لأنا نقول: إن هذا النحو قد يلحقه ما يوجب له الإدغام، نحو قولنك "اضربا نُّعْمَانَ، واضربانِّي" فالنون الأولى في قولك "اضربا نعمان" نون التوكيد الخفيفة، والنون الثانية نون "نعمان" وكذلك النون الأولى في "اضربانّي" نون التوكيد المخففة، والنون الثانية التي تصحب ضمير المتكلم1؛ فينبغي أن تجيزوا هذا الإدغام؛ لأن الألف تقع وبعدها نونٌ مشددة، كقوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [يونس: 89] في قراءة من قرأ بالتشديد، فلما لم تجيزوا ذلك دلَّ على فساد ما ذهبتم إليه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز دخول نون التوكيد الخفيفة في هذين الموضعين، وذلك لأن نون الاثنين التي للإعراب تسقط؛ لأن نون التوكيد إذا دخلت على الفعل المعرب أكدت فيه الفعلية فردَّته إلى أصله وهو البناء، فإذا سقطت النون بقيت الألف؛ فلو أدخل عليها نون التوكيد الخفيفة لم يَخْل: إما أن تحذف الألف أو تكسر النون، أو تُقَرَّ ساكنة، بطل أن تحذف الألف؛ لأنه بحذفها يلتبس فعل الاثنين بالواحد، وبطل أن تكسر النون؛ لأنه لا يعلم هل هي نون الإعراب أو نون التوكيد، وبطل أن تُقَرَّ ساكنة؛ لأنه يؤدي إلى أن يجمع بين ساكنين مظهرين في الإدراج، وذلك لا يجوز؛ لأنه إنما يكون ذلك في كلامهم إذا كان الثاني منهما مدغما، نحو "دابّة، وضالّة، وتمودّ الثوب، ومُدَيْقّ، وأصيمّ" وما أشبه ذلك؛ فبطل إدخال هذه النون في فعل الاثنين.
وكذلك أيضًا يبطل إدخالها في فعل جماعة النسوة، وذلك لأنك إذا ألحقته إياها لم يَخْلُ: إما أن تبين النونين مظهرتين، أو تدغم إحداهما في الأخرى، أو تلحق الألف فتقول: "يفعلنان" بطل أن تبين النونين مظهرتين؛ لأنه يؤدي إلى اجتماع المثلين، وذلك لا يجوز، وبطل أن تدغم إحداهما في الأخرى؛ لأن لام الفعل ساكنة، والمدغم كذلك؛ فيلتقي ساكنان، وساكنان لا يجتمعان؛ فيؤدي إلى تحريك اللام مع ضمير الفاعل من غير فائدة، وذلك لا يجوز، وكان أيضًا يؤدي إلى اللبس؛ لأنه لا يخلو: إما أن تحرك اللام بالفتح، أو الضم، أو الكسر؛ فإن حركتها بالفتح التبس بفعل الواحد إذا لحقته النون الشديدة، نحو "تضربنَّ يا رجل" وإن حركتها بالضم التبس بفعل الجمع، نحو "تضربُنَّ يا رجال" وإنّ حركتها
__________
1 هي النون التي سموها نون الوقاية.(2/537)
بالكسر التبس بفعل المرأة المخاطبة، نحو "تضربنَّ يا امرأة" فبطل تحريك اللام، وبطل أن تلحق الألف؛ لأنه لا يخلو: إما أن تكسر النون لالتقاء الساكنين، أو تترك ساكنة مع الألف، بطل أن تكسر لالتقاء الساكنين؛ لأنها تجري مجرى نون الإعراب، وذلك لا يجوز، وبطل أن تترك ساكنة مع الألف؛ لأنه يجتمع ساكنان على غير حَدِّه؛ لأنه لم ينقل ذلك عن أحد من العرب، ولا نظير له في كلامهم، وذلك لا يجوز؛ فإذا ثبت هذا فلسنا بمضطرين إلى إدخالها على صورة لم تنقل عن أحد من العرب وتخرج بها عن منهاج كلامهم.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إن النون الخفيفة مخففة من الثقيلة" قلنا: لا نسلم، بل كل واحد منهما أصل في نفسه، غير مأخوذ من صاحبة؛ فالنون الشديدة والخفيفة، وإن اشتركا في التأكيد فهما متغايران في الحقيقة، وكلتاهما لتأكيد الفعل، وإخراجه عن الحال، وإخلاصه للاستقبال، والثقيلة آكد في هذا المعنى من الخفيفة.
والذي يدل على أن الخفيفة ليست مخففة من الثقيلة أن الخفيفة تتغير في الوقف، ويوقف عليها بالألف، قال الله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق: 15] وقال تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف: 32] أجمع القرَّاء على أن الوقف في هذين الموضعين {لَنَسْفَعًا} ، {َلِيَكُونًا} بالألف لا غير.
وقال الشاعر:
[409]
يَحْسِبُهُ الجاهل ما لم يعلما ... شيخًا على كرسيّه معمَّمًا
__________
[409] هذان بيتان من مشطور الرجز لأبي الصمعاء مساور بن هند العبسي، وهما من شواهد سيبويه "2/ 152" وابن يعيش في شرح المفصل "ص1241" ورضي الدين في باب نون التوكيد من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "4/ 569" وابن هشام في أوضح المسالك "رقم 474" وابن عقيل "رقم 317" وقد زعم الأعلم أن هذين البيتين في وصف جبل قد عمه الخصب ونما فيه النبات فجعله الراجز كشيخ مزمل في ثيابه معمم بعمامته، وأنه خص الشيخ لوقاره في جلسته وحاجته للاستكثار من الثياب. وليس هذا الكلام بشيء، بل البيتان في وصف وطب لبن قد علته رغوة اللبن وتكورت فوقه فأشبهت العمامة بدليل أن قبل البيتين قوله:
وقد حلبن حيث كانت قيما ... مثنى الوطاب، والوطاب الزمما
وقمعا يكسى ثماما قشعما
قيما: هو -بضم القاف وتشديد الياء- جمع قائمة، والقياس أن يقال: قوم -بالواو- لأن عين هذه الكلمة واو، ومثنى الوطاب: أي المتكرر منه، والوطاب: جمع وطب وهو سقاء اللبن خاصة، والزمم: جمع زام، وهو المملوء، والقمع -بكسر القاف وفتح الميم- هو =(2/538)
فقال "يَعْلَمَا" بالألف، ولا يجوز أن يكون ههنا بالنون؛ لمكان قوله "مُعَمَّمَا" بالألف، لأن النون لا تكون وصلا مع الألف في لغة من يجعلها وصلا، ولا رويًّا مع الميم إلا في الإكفاء، وهو عيب من عيوب الشعر، ولو جاز أن تقع رويّا معها لما جاز ههنا؛ لأن النون مقيدة، والميم مطلقة، فإن أتى بتنوين الإطلاق على لغة بعض العرب فقال "معمما" بالتنوين جاز أن يقول "يَعْلَمَنْ" بالنون؛ لأنهم يجعلون في القافية مكان الألف والواو والياء تنوينا، ولا فرق عنده في ذلك بين أن تكون هذه الأحرف أصلية أو منقلبة أو زائدة، في اسم أو فعل، كما قال الشاعر:
[410]
أَقِلِّي اللَّوْمَ عاذلَ والعتابَنْ ... وقولي: إنْ أَصَبْتُ لقد أَصَابَنْ
__________
= شيء يوضع في فم السّقاء ويصبّ اللبن فيه مخافة أن يقع على الأرض، والثمال -بضم الثاء- ههنا الرغو، ويحسبه: أي الوطب الذي علاه الثمال، وما في قوله "ما لم يعلما" مصدرية ظرفية: أي مدة عدم علمه، ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "يعلما" والعلماء يستشهدون بهذه الكلمة لشيئين: أولهما أن نون التوكيد تنقلب ألفًا في الوقف، ألا ترى الراجز قد جاء بهذه الكلمة في آخر البيت بالألف لأن آخر البيت محل الوقف؟ والثاني أن الفعل المضارع المنفي بلم تدخل عليه نون التوكيد تشبيهًا للم بلا الناهية، وسيبويه يرى أن ذلك لا يكون إلا في الضرورة، قال الأعلم "الشاهد فيه دخول النون في قوله لم يعلمن، وليس المضارع بعد لم من مواضع نون التوكيد، ضرورة" ا. هـ بتوضيح يسير.
[410] هذا البيت من كلام جرير بن عطية بن الخطفي، وهو من شواهد سيبويه "1/ 298/ و299" وابن جني في الخصائص "2/ 96" وفي شرح تصريف المازني "1/ 244" وابن هشام في مغني اللبيب "رقم 567" وفي أوضح المسالك "رقم 1" والأشموني "رقم 4" وابن عقيل "رقم 1" وشرحه العيني "1/ 91 بهامش الخزانة" ورضي الدين في أوائل شرح الكافية وشرحه البغدادي في الخزانة "1/ 34" ومفصل الزمخشري وشرحه لابن يعيش "ص1231" وأقلي: فعل أمر من الإقلال، وهو في الأصل جعل الشيء قليلا، وقد يطلق على ترك الشيء بتة، وهو المراد ههنا، واللوم: العذل والتوبيخ، وعاذل: مرخم عاذلة، وهو اسم فاعل مؤنث من العذل وهو اللوم والتعنيف، والعتاب: هو مخاطبة الإدلال ومذاكرة الغضب، والمراد ههنا اللوم في تسخط، وأصبت: يروى بضم التاء على أنها ضمير المتكلم، ويروى بكسرها على أنها ضمير المخاطبة المؤنثة. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "العتابن" و"أصابن" حيث لحق التنوين هاتين الكلمتين، وههنا أشياء لا بد أن ننبّهك إليها، الأول: أن هذا التنوين يسمى تنوين الترنّم، وهو غير مختص بالأسماء، بل يدخل الاسم والفعل والحرف، ويدخل من الأسماء المتمكن وغير المتمكن والمقرون بأل وغير المقرون بها، ولو كان مختصًّا بالأسماء لما دخل غير الأسماء المتمكنة المجردة من أل، والثاني: أن هذا ضرب من ضروب إنشاد القوافي، قال سيبويه في باب وجوه القوافي في الإنشاد: "وأما ناس كثير من تميم فإنهم يبدلون مكان المدة النون فيما ينون وما =(2/539)
وكما قال الشاعر:
[411]
وقد كنت من سلمى سنين ثمانيًا ... على صِيرِ أمرٍ ما يُمِرُّ وما يَحْلُنْ
وكما قال الشاعر:
[412]
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدَّخُول فَحَوْمَلِ
__________
= لم ينون، لما لم يريدوا الترنم أبدلوا مكان المدة نونًا، ولفظوا بتمام البناء وما هو منه، كما فعل أهل الحجاز ذلك بحروف المد" ا. هـ الثالث: أنهم سموا هذا التنوين تنوين الترنم، مع أنه في الواقع تنوين المقصود منه ترك الترنم كما سمعت في عبارة سيبويه، وقد قال العلماء: إن هذه التسمية على تقدير مضاف، أي تنوين قطع الترنّم، أو ما أشبه ذلك.
[411] هذا البيت من كلام زهير بن أبي سلمى المزني "الديوان ص96" وهو البيت الثاني من قصيدته التي مطلعها:
صحا القلب عن سلمى، وقد كاد لا يسلو ... وأقفر عن سلمى التعانيق فالثقل
وصحا القلب: أفاق من سكرة حبه، وأراد قلبه، يقول: أفاق قلبي من حب سلمى وبعدها عنه، وقد كاد لا يفيق لشدة تعلقه بها، وأقفر: خلا، والتعانيق: أرض، والثقل يروى بالفاء، وبالقاف، ويروى "الثجل" بالجيم وقد ورد في معجم البلدان بالثلاثة، واستشهد بهذا البيت، والثقل: موضع في شق العالية، وصير الأمر -بكسر الصاد- منتهاه وصيرورته، تقول: أنا من حاجتي على صير أمر، وعلى صيرورة وعلى صمات -بضم أوله- وعلى ثبار -بكسر أوله- إذا كنت على شرف منها، وقوله "ما يمر" أي ما يكون مرًا فأيأس منه وأتخلى عنه، ويحلو: أي ما يكون حلوًا فأرجوه وأتمنى تمامه. ومحل الاستشهاد بهذا البيت قوله "وما يحلن" حيث ألحق هذه الكلمة تنوين الترنم، أي تنوين قطع الترنم على ما علمت في شرح الشاهد السابق، وهذه الكلمة فعل مضارع، فدل ذلك على أن هذا الضرب من التنوين غير مختص بالأسماء كما بيناه لك آنفا، والمنشد قد حذف حرف المد وجاء بدله بالتنوين، ونريد أن ننبهك ههنا إلى أن حرف المد الذي حذفه المنشد من كلمة "يحلو" وأتى بدله بالتنوين، هو من أصول هذه الكلمة لأنه لام الفعل، أما في "أصابن" وفي "العتابن" في بيت جرير السابق فحرف المد الذي يأتي المنشد بدله بالتنوين حرف زائد على أصول الكلمة وإنما يأتي المنشد بحرف المد أيضًا إذا قصد الترنم، واستمع إلى سيبويه يقول "أما إذا ترنموا فإنهم يلحقون الألف والياء والواو ما ينون وما لا ينون، لأنهم أرادوا مد الصوت" ا. هـ، ونظير هذا البيت إنشادهم بيت رؤبة:
داينت أروى والديون تقضن ... فمطلت بعضًا وأدت بعضن
بالنون في "يقضن" حذف الألف "تقضى" وهي لام.
[412] هذا البيت هو مطلع قصيدة امرئ القيس بن حجر الكندي المعلقة "شرح المعلقات العشر للتبريزي ص1" وهو من شواهد سيبويه "2/ 298" وابن هشام في مغني اللبيب "رقم 269" وفي أوضح المسالك "رقم 413" وفي شرح قطر الندى "رقم 24" والأشموني "رقم 819" وابن الناظم في باب عطف النسق، وشرحه العيني "4/ 130" ورضي الدين في باب =(2/540)
بتنوين الرويّ، وإنما يفعلون ذلك إذا أرادوا ترك الترنم؛ لأن التنوين ليس فيه من الامتداد ما في الألف والواو والياء؛ فإثبات النون في "يعلمن" في القافية على هذه اللغة لا يدل على أنه لا يجب أن يوقف عليها بالألف في سائر الكلام، وقال الشاعر:
[413]
وإيَّاكَ والمَيْتَاتِ لا تَقْرَبَنَّهَا ... ولا تَعْبُدِ الشيطان، واللهَ فاعبدا
__________
= الحروف العاطفة من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "4/ 397" وقف: فعل أمر من الوقوف، والألف المتصلة به تحتمل وجهين: الأول أن تكون ضمير المثنى المخاطب، والثاني أن تكون منقلبة عن نون التوكيد، والأصل "قفن" ثم أبدل النون ألفا للوقف، ثم عامل الكلمة في الوصل معاملتها في الوقف، ونبك: مضارع من البكاء مجزوم في جواب الأمر، والسقط -مثلث السين والقاف ساكنة- ما تساقط من الرمل، واللوى -بكسر أوله مقصورًا- المكان الذي يسترق فيه الرمل فيخرج منه إلى الجدد، والدخول وحومل: موضعان وكان الأصمعي يعيب امرأ القيس في قوله "بين الدخول فحومل" ويقول: كان ينبغي أن يجيء بواو العطف فيقول "بين الدخول وحومل" لأن كلمة بين لا تضاف إلا إلى متعدد، سواء أكان بلفظ واحد كأن يكون المضاف إليه مثنى أو مجموعًا نحو أن تقول: جلست بين الرجلين الكريمين، أو تقول: جلست بين العلماء، أم كان تعدده بالعطف وذلك لا يكون إلا بالواو، وقد اعتذر العلماء عن امرئ القيس بأن غرضه بين أماكن الدخول فأماكن حومل، فهو من باب التعدد بلفظ واحد. ومحل الاستشهاد بهذا البيت ههنا قوله "ومنزلن" وقوله "فحوملن" حيث ألحق المنشد النون في الكلمتين، والقول فيهما كالقول في البيتين السابقين.
[413] ما أنشده المؤلف عجز بيت للأعشى ميمون، ويروى صدره:
وذا النصب المنسوك لا تنسكنه
وهذا البيت والبيت العشرون من قصيدته التي كان قد أعدّها ليمدح به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدته قريش "الديوان 101 – 103" والبيت من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل "ص1239" وابن هشام في مغني اللبيب "رقم 616" وفي أوضح المسالك "رقم 477" وفي شرح قطر الندى "رقم 149" والأشموني "رقم 969" وكلا هؤلاء رووا صدره:
وإياك والميتات لا تقربنها
وهو تلفيق بيت واحد من بيتين من أبيات القصيدة، وقد شرحه العيني "4/ 340 بهاشم الخزانة" وبين انفصال الشطرين، ويروى:
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه ... بعاقبة، والله ربك فاعبدا
والفاء في قوله "فاعبدا" تحتمل ثلاثة أوجه: الأول أن تكون زائدة، والثاني أن تكون واقعة في جواب أما مقدرة، وكأن قد قال: وأما الله ربك فاعبد، والوجه الثالث أن تكون عاطفة، والمعطوف عليه محذوف، وكأنه قد قال: تنبه فاعبد الله ربك ومحل الاستشهاد بهذا البيت ههنا قوله: "فاعبدا" فإن أصل هذه الكلمة "فاعبدن" بنون توكيد خفيفة، فلما أراد أن يقف =(2/541)
والشواهد على هذا النحو كثيرة جدا؛ فلو كانت هذه النون مخففة من الثقيلة لما كانت تتغير في الوقف، ألا ترى أن نون "إن" و"لكن" المخففتين من إنَّ ولكنَّ الثقيلتين؛ لما كانتا مخففتين من الثقيلتين لم تتغيرا في الوقف عما كانتا عليه في الوصل؛ فلما تغيرت النون الخفيفة في الوقف دلَّ على أنها ليست مخففة من الثقيلة، يدل عليه أن النون الخفيفة تحذف في الوقف إذا كان ما قبلها مضموما أو مكسورا، تقول في الوصل "هل تَضْرِبُنْ زيدا، وهل تَضْرِبِنْ عمرًا" فإن وقفت قلت "هل تضربون، وهل تضربِيِنْ" فتردُّ نون الرفع التي كنت حذفتها للبناء؛ لزوال ما كنت حذفت من أجله، ولو كانت مثل نون "إنْ، ولكنْ" المخففتين من الثقيلتين لما جاز أن تحذف، يدل عليه1 أنَّ النون الخفيفة إذا لقيها ساكن حذفت، تقول في "اضْرِبَنْ يا هذا" إذا وصلتها: اضْرِبَ القَوْمَ2، فتحذف النون ولا تحركها لالتقاء الساكنين، ولو كانت مخففة من الثقيلة مثل "إنْ، ولكنْ" لما كان يجوز أن تحذف؛ فدلَّ على أنها ليست مخففة من الثقيلة وأنها بمنزلة التنوين، وإنما وجب حذفها ههنا، بخلاف التنوين؛ لأن نون التوكيد تدخل على الفعل والتنوين يدخل على الاسم، والاسم أصل للفعل، والفعل فرع عليه؛ فجعل ما يدخل على الاسم الذي هو الأصل أقوى مما يدخل على الفعل الذي هو الفرع؛ فلهذا المعنى حذفت النون لالتقاء الساكنين ولم يحذف التنوين، على أنه قد قرأ بعض أئمة القراء: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فحذفت التنوين من {أَحَدٌ} لالتقاء الساكنين، وقرأ أيضًا بعض القراء {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يّ-س: 40] فحذف التنوين من {سَابِقُ} لالتقاء الساكنين، لا للإضافة، ولهذا نصب {النَّهَارِ} ؛ لأنه
__________
= عليها أبدلها ألفًا، قال ابن يعيش بعد أن أنشد البيت "قال لا تقربنّها بالنون الشديدة في النهي، وقال والله فاعبدا، فأتى بالنون الخفيفة مع الأمر، ثم وقف فأبدل منها الألف" ا. هـ، ومثل هذا البيت قول الأعشى ميمون صاحب الشاهد الذي نحن بصدد شرحه:
وصل على حين العشيات والضحى ... ولا تحمد المثرين، والله فاحمدا
وقول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
وقمير بدا لخمس وعشريـ ... ـن له قالت الفتان: قوما
والاستشهاد بهذا البيت في قوله "قوما" فإن هذه الألف لا يجوز أن تكون ألف الاثنين، لأن الحديث عن واحد، فوجب أن تكون منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة للوقف.
__________
1 في ر "يدل عليه وهو أن النون" وواضح أن كلمة "وهو" مقحمة، وقد نبهنا إلى مثل ذلك فيما مضى.
2 ونظيره قول الشاعر، وقد أنشدناه في شرح الشاهد رقم 373 الذي سبق قريبًا في المسألة 77، وهو:
لا تهين الفقير علك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه(2/542)
مفعول "سابق"، وقال الشاعر:
[414]
فَأَلْفَيْتُهُ غيرَ مُسْتَعْتِبٍ ... ولا ذاكر اللهَ إلا قليلًا
__________
[414] ينسب هذا البيت لأبي الأسود الدؤلي، وهو من شواهد سيبويه "1/ 85" وابن جني في الخصائص "1/ 311" والزمخشري في المفصل، وابن يعيش في شرحه "ص1235" ورضي الدين في باب التنوين من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "4/ 554" وابن هشام في مغني اللبيب "رقم 808" وابن الشجري في أماليه "1/ 346" والزمخشري في تفسير سورة آل عمران من الكشاف "1/ 152 بولاق" وألفيته: أي وجدته، وانظر شرح الشاهد 374 السابق في المسألة 78، ومستعتب: أي طالب العتبى، وهي الرضا، والاستشهاد بالبيت يستدعي أن نقدم لك بين يدي بيانه بحثا في ذكر المواضع التي يحذف فيها التنوين من الاسم وجوبًا، فنقول: إنما يحذف التنوين من الاسم وجوبا في ثمانية مواضع؛ الأول: بسبب الإضافة، نحو قولك: زيد ضارب بكر، والثاني: بسبب شبه الإضافة نحو قولك: لا مال لزيد عندك، إذا لم تقدر هذه اللام مقحمة، فإن قدرتها مقحمة كان حذف التنوين بسب إضافة مال إلى زيد، فيكون من النوع الأول: والثالث: بسبب اقتران الاسم بأن نحو الضارب والرجل والغلام، والرابع: بسبب وجود علتين يقتضيان المنع من الصرف نحو فاطمة وأحمد وضوارب، والخامس: بسبب اتصال الضمير بعامله نحو ضاربك وصاحبك، إذا قدرت الضمير في محل نصب على المفعولية، فإن جعلته في محل جر بالإضافة كان من النوع الأول، والسادس: بسبب البناء، وذلك في النداء واسم لا نحو يا رجل لمعين ولا رجل عندك، والسابع: بسبب كون الاسم علما موصوفا بابن مضاف إلى علم نحو يا زيد بن عمرو، والثامن: بسبب الوقف في غير المنصوب، أما في المنصوب فإن التنوين يقلب ألفا في المشهور من لغة العرب، وربيعة تعامل المنصوب معاملة غيره. إذا عرفت هذا فاعلم أن محل الاستشهاد بهذا البيت قوله "ولا ذاكر الله" والرواية فيه بنصب لفظ الجلالة على التعظيم، وهو معمول لذاكر، وكان من حق العربية عليه أن ينون "ذاكر" لكنه حذف التنوين لضرورة الشعر، وقد كان يمكنه أن يضيف "ذاكر" إلى لفظ الجلالة؛ فيكون حذف التنوين حينئذ واجبًا، لا ضرورة، لكنه آثر أن يرتكب الضرورة على حذفه للإضافة لقصد حصول التماثل بين المتعاطفين في التنكير، قال سيبويه "وزعم عيسى أن بعض العرب ينشد هذا البيت لأبي الأسود الدؤلي:
فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله ... البيت
لم يحذف التنوين استخفافا ليعاقب المجرور، ولكنه حذفه لالتقاء الساكنين كما قال رمى القوم، وهذا اضطرار، وهو مشبه بذلك الذي ذكرت لك" ا. هـ. وقال الأعلم "الشاهد فيه حذف التنوين من ذاكر لالتقاء الساكنين ونصب ما بعده، وإن كان الوجه إضافته، وفي حذف تنوينه لالتقاء الساكنين وجهان: أحدهما أن يشبه بحذف النون الخفيفة إذا لقيها ساكن كقولك: اضرب الرجل، تريد اضربن، والوجه الثاني: أن يشبه بما حذف تنوينه من الأسماء الأعلام إذا وصف بابن مضاف إلى علم كقولك: رأيت زيد بن عمرو، وأحسن ما يكون حذف التنوين للضرورة في مثل قولك: هذا زيد الطويل؛ لأن النعت والمنعوت كالشيء الواحد، فيشبه بالمضاف والمضاف إليه" ا. هـ.(2/543)
أراد "ذاكر الله" فحذف التنوين لالتقاء الساكنين، لا للإضافة، ولهذا نصب "الله" بذاكر، وقال الآخر:
[415]
تُذْهِلُ الشيخ عن بنيه، وتُبْدِي ... عن خِدَامِ العَقِيلَةُ العَذْرَاءُ
أراد "عن خدام" فحذف التنوين لالتقاء الساكنين، لا للإضافة، ولهذا رفع "العقيلَةُ" لأنها فاعل "تُبْدِي". وقال الآخر:
[416]
تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مُغْبَرٌّ قبيحُ
__________
[415] هذا البيت من كلام عبيد الله بن قيس الرقيات، وقبله قوله:
كيف نومي على الفراش ولما ... تشمل الشام غارة شعواء
والبيت من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل "ص1236" وقد أنشد ابن منظور البيتين "خ د م" من غير عزو، وأنشدهما ابن الشجري في أماليه "1/ 345" وعزاهما إليه، وتبدي: تظهر، وعدّاه بعن في قوله: "وتبدي عن خدم" لأنه ضمنه معنى تكشف، كما جاء في قول امرئ القيس في المعلقة:
تصدّ وتبدي عن أسيل، وتتقي ... بناظرة من وحش وجرة مطفل
والخدام -بكسر الخاء- جمع خدمة، وهي الخلخال، وربما سميت الساق نفسها خدمة؛ لكونها موضع الخدمة. والعقيلة: الكريمة المخدرة من النساء، والعذراء: البكر، وجملة "تذهل الشيخ" في محل رفع صفة لغارة، والرابط في هذه الجملة بين الموصوف والصفة الضمير المستتر في "تذهل" فإنه يعود إلى غارة، وجملة "وتبدي عن خدام" في محل رفع بالعطف على الجملة السابقة، ورابط هذه الجملة بالموصوف محذوف، وأصل الكلام: وتبدي العقيلة العذراء لها -أي لهذه الغارة، أي لأجلها- عن خدام، أي ترفع المرأة الكريمة من شدة هذه الغارة ثوبها طالبة الهرب فيبدو خلخالها، ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "خدام" فقد كان من حق العربية عليه أن ينوّن هذه الكلمة لأنها ليست في موضع من المواضع الثمانية التي أحصيناها لك في شرح الشاهد السابق، ولكنه حذف هذا التنوين للضرورة على نحو ما ذكرناه لك في شرح الشاهد السابق، ومن العلماء من يذكر أن الشاعر قد حذف التنوين من هذه الكلمة لأنه قدر إضافتها إلى ضمير العقيلة العذراء، وأصل الكلام على هذا: وتبدي عن خدامها العقيلة العذراء، فحذف الضمير وهو ينويه، فلذلك أبقى التنوين محذوفا، قال ابن منظور "وخدام ههنا في نية خدامها" ا. هـ. ومن العلماء من يروي هذا البيت على وجه آخر ليس فيه شاهد، وهو:
كيف نومي على الفراش، ولما ... تشمل الشام غارة شعواء
تذهل الشيخ عن بنيه، وتبدي ... عن براها العقيلة العذراء
[416] يعزى هذان البيتان إلى آدم أبي البشر، وقد أنشدهما ابن الشجري في أماليه "1/ 346" وذكر أنه يقولها بعد أن قتل ابنه قابيل أخاه هابيل، ويروى صدر الثاني "تغير كل ذي حسن وطيب" والبشاشة: طلاقة الوجه. ومحل الاستشهاد من البيت قوله "بشاشة" واعلم أولًا أن من العلماء من يروي هذه الكلمة برفع "بشاشة" من غير تنوين ويضيفها إلى الوجه، فيكون آخر البيت الثاني مجرورًا وآخر البيت الأول مرفوعًا، ويكون في هذين البيتين =(2/544)
تغيَّرَ كلُّ ذي طَعْمٍ ولونٍ ... وقَلَّ بَشَاشَةَ الوجهُ المَلِيحُ
أراد "قل بشاشة" بالتنوين؛ فحذف التنوين لالتقاء الساكنين، لا للإضافة، ولهذا رفع "الوجه" لأنه فاعل "قل" ويروى هذا الشعر لآدم عليه السلام، وقال الآخر:
[417]
حَيْدَةُ خالي ولَقِيطٌ وعلي ... وحاتم الطائيُّ وهَّابُ المِئِي
يراد "حاتم" بالتنوين؛ فحذف التنوين لالتقاء الساكنين، وقال الآخر:
[418]
عمروُ الذي هَشَم الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... ورجالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ
__________
= الإقواء، وهو تغير حركة حرف الروي، ومنهم من يروي بنصب "بشاشة" من غير تنوين، ويرفع "الوجه" على أنه فاعل قل، ويرفع "المليح" على أنه صفة للفاعل، وعلى هذا يسلم البيتان من الإقواء، ولكن يقع في ثانيهما ضرورة حذف التنوين من الاسم الذي هو بشاشة لغير سبب من الأسباب الثمانية التي ذكرناها في شرح الشاهد 414 وقد قرئ في قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] برفع ذائقة من غير تنوين ونصب الموت على أنه مفعول به لذائقة، وحذف التنوين على هذا للتخلص من التقاء الساكنين كما في بيت الشاهد والبيتين قبله. وحكى أبو سعيد السيرافي قال: "حضرت مجلس أبي بكر بن دريد، ولم أكن قبل ذلك رأيته، فجلست في ذيل المجلس، فأنشده أحد الحاضرين بيتين يعزيان إلى آدم عليه السلام قالهما لما قتل ابنه قابيل هابيل وهما" تغيرت البلاد.... البيتين" فقال أبو بكر: هذا شعر قد قيل في صدر الدنيا وجاء فيه الإقواء، فقلت: إن له وجهًا يخرجه من الإقواء، فقال: ما هو؟ قلت: نصب بشاشة، وحذف التنوين منها لالتقاء الساكنين لا للإضافة، فتكون بهذا التقدير نكرة منتصبة على التمييز، ثم رفع الوجه وصفته بإسناد قل إليه، فقال لي: ارتفع، فرفعني حتى أقعدني إلى جنبه".
[417] هذان بيتان من الرجز المشطور، وهما لامرأة من بني عقيل تفخر بأخوالها من اليمن كذا قال أبو زيد في النوادر "ص91" وهما من شواهد رضي الدين في باب العدد وباب الجمع وباب التنوين من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "3/ 304" وقد أنشدهما ابن منظور "م أى" وأبو زيد في نوادره "ص91" وابن جني في الخصائص "1/ 311" وحيدة، ولقيط، وعلي: أعلام أشخاص، و"حاتم الطائي" مضرب المثل في الجود والكرم. ومحل الاستشهاد من هذا الشاهد قوله "وحاتم الطائي" حيث حذف التنوين من حاتم لالتقاء الساكنين، لا لسبب من الأسباب الثمانية التي بيناها لك في شرح الشاهد 414، وهذا الحذف ههنا للضرورة، وكان الأصل أن يحرك التنوين فتنشأ نون يكسرها على ما هو الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، ولكنه لم يفعل ذلك وحذف التنوين رأسا، وقد سمعت في عبارة الأعلم الشنتمري التي أثرناها لك في شرح الشاهد 414 أن الحذف في "وحاتم الطائي" أخف الضرورات لكون الطائي صفة لحاتم، والصفة مع موصوفها كالكلمة الواحدة، وفي البيت شاهد آخر، وذلك في قوله "المئي" حيث حذف النون، وأصله "المئين" لأنها أخت التنوين.
[418] هذا البيت لمطرود بن كعب الخزاعي، من كلمة له يمدح فيها هاشم بن عبد مناف والد =(2/545)
وقال الآخر:
[419]
حُمَيْدُ الذي أمَجٌ دَارُهُ ... أَخُو الخَمْرِ ذو الشَّيْبَةِ الأصْلَعُ
__________
= عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هاشم يسمى عمرًا، فسموه هاشما لأنه كان يهشم الثريد لقومه ويطعمهم في المجاعات، وقد روى هذا البيت ابن دريد في الاشتقاق "ص13" ونسبه لمطرود بن كعب الخزاعي، ورواه ابن منظور "هـ ش م" ونسبه إلى ابنه هاشم ولم يسمها، ثم قال: "وقال ابن برى: الشعر لابن الزبعرى". وأنشده أبو العباس المبرد في الكامل "1/ 148" ولم يعزه إلى قائل معين، وأبو زيد في نوادره "ص167".
قال أبو رجاء: والسر في هذا الاضطراب أن لمطرود بن كعب الخزاعي كلمة على هذا الروي، ولابن الزبعرى كلمة أخرى على الروي نفسه، فأما كلمة مطرود بن كعب الخزاعي فرواها السيد المرتضى في أماليه "2/ 268" وأما أبيات بن الزبعرى فرواها ابن هشام في السيرة، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، وروى السيد المرتضى منها بيتين أولهما بيت الشاهد، ومما كان من دواعي الاضطراب أن عجز هذا البيت وقع في الشعرين جميعا: شعر مطرود بن كعب الخزاعي، وشعر ابن الزبعرى.
والاستشهاد بهذا البيت في قوله "عمرو" حيث حذف التنوين منه لغير سبب من الأسباب الثمانية التي فصلناها في شرح الشاهد 414"، وإنما حذفه للتخلص من التقاء الساكنين: التنوين، وسكون اللام في "الذي" وليس هذا هو طريق التخلص من التقاء الساكنين الذي اعتاد العرب أن يسلكوه، إنما طريقهم أن يحركوا التنوين فتنشأ نون مكسورة، فلما لم يسلك الشاعر طريقهم المعتاد بل حذف التنوين رأسا كان ذلك ارتكابًا للضرورة التي يرتكبها الشاعر حين يلجئه إليه ملجئ من إقامة الوزن ونحوه.
[419] أنشد ابن منظور هذا البيت "أم ج" عن أبي العباس المبرد "الكامل 1/ 148 الخيرية"، ولم يعزه، وابن الشجري في أماليه "1/ 345" وأبو زيد في نوادره "ص117" وأنشده ياقوت في معجم البلدان "أمج" ثاني ثلاثة أبيات، وقال قبل إنشاده: "أمج بالجيم، وفتح أوله وثانيه، والأمج في اللغة: العطش، من أعراض المدينة، منها حميد الأمجي، دخل على عمر بن عبد العزيز، وهو القائل:
شربت المدام فلم أقلع ... وعوتبت فيها فلم أسمع
حميد الذي أمج داره ... أخو الخمر ... البيت
علاه المشيب على حبها ... وكان كريمًا، فلم ينزع
ومن هنا تعلم أن في بيت الشاهد الإقواء، وهو كما قلنا في شرح الشاهد رقم 416 اختلاف حركة الروي في آخر البيت، فإن حركة الروي في "الأصلع" الضمة، وحركته في بقية الأبيات الكسرة، إلا أن يكون الرواة يروون "الأصلع" بالجر للجوار، لأن كلمة "الشيبة" قبله مجرورة بإضافة "ذو" إليها، وانظر الشواهد 389-391 السابقة في المسألة رقم 84. ومحل الاستشهاد بهذا البيت ههنا قوله "حميد" حيث حذف التنوين من هذه الكلمة لغير سبب من الأسباب الثمانية التي ذكرناها في شرح الشاهد رقم 414 وكان الأصل أن يحرك هذا التنوين حتى تنشأ نون مكسورة على ما هو الأصل في التخلص من =(2/546)
وقال الآخر:
[420]
لَتَجِدَنِّي بالأمير بَرًّا ... وبالقَنَاة مِدْعَسًا مِكَرَّا
إذا غُطَيْفُ السُّلَمِيُّ فَرَّا
أرد" غطيف" بالتنوين، إلا أنه حذفه لالتقاء الساكنين، كما حذفت نون التوكيد لالتقاء الساكنين.
والذي يدل على أن نون التوكيد في الفعل بمنزلة التنوين في الاسم أنه إذا انفتح ما قبلها أُبْدِلَتْ منها في الوقف ألفًا، وإذا انضم ما قبلها أو انكسر حذفتها، كما تُبْدِلُ من التنوين في النصب إذا وقفت ألفًا، نحو "رأيت زيدا" وتحذفه في الرفع والجر وتقف بالسكون نحو "هذا زيد، ومررت بزيد" فدلّ على ما قلناه.
وأما قولهم: "إن هذه النون دخلت لتأكيد الفعل المستقبل؛ فكما جاز إدخالها في كلّ فعلٍ؛ فكذلك فيما وقع فيه الخلاف" قلنا: إنما جاز هناك لمجيئه في النقل، وصحته في القياس، وأما ما وقع فيه الخلاف فلم يأتِ في النقل عن أحد من العرب، ولا يصحُّ في القياس؛ لأنه لا نظير له في كلامهم.
وأما قولهم: "إن الألف فيها زيادة مدّ" قلنا: إلا أنه على كل حال لا يخفُّ كل الخفة، ولا يَعْرَى عن الثقل، هذا مع عدم نظيره في النقل وضعفه في القياس؛ لأن الألف لم تخرج عن كونها ساكنة، وإذا كانت ساكنة فلا يجوز أن يقع بعدها ساكن إلا مدغما، نحو "دابّة وشابّة" لأن الحرف المدغم بحرفين: الأول ساكن، والثاني متحرك، إلا أنه لما نَبَا اللسان عنهما نَبْوَةً واحدة، وصارا بمنزلة حرف واحد وفيهما حركة قد رفع المدّ في الألف كأنه لم يجتمع ساكنان.
__________
= التقاء الساكنين اللذين هما سكون التنوين وسكون لام الذي لأن بينهما ألف وصل ولا اعتداد بها في الدرج، لكنه حذف التنوين رأسًا في هذا الموضع للتخلص من التقاء هذين الساكنين، وهذا الحذف من الضرورات التي لا تقع إلا في الشعر.
[420] هذه ثلاثة أبيات من الرجز المشطور، وقد أنشد ثلاثتها ابن الشجري في أماليه "1/ 345" وابن منظور "د ع س" وأنشد أولها وثانيها "د ع ص" ولم يعزها في المرتين، وأنشدها أبو زيد في النوادر "91" مع بيتين سابقين من غير عزو، وتقول: رجل مدعس، ومدعص -وهو بالصاد أشهر- ومداعس بضم الميم هنا: أي طعان، وتقول: دعصه بالرمح يدعصه دعصا -من مثال فتح- إذا طعنه به، وقد يمسى الرمح مدعصًا؛ لأنه آلة الدعص، وجمعه مداعص -بفتح الميم- ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "غطيف" حيث حذف التنوين لغير واحد من الأسباب الثمانية السابقة بيانها، بل للتخلص من التقاء الساكنين، وهو ضرورة، والقول فيه كالقول في الشواهد السابقة.(2/547)
وأما قولهم: "إنه قد جاء في غير المدغم، كقوله تعالى: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ} [الأنعام: 162] فنقول: وجه هذه القراءة أنه نوى الوقف فحذف الفتح، وإلا فلا وجه لهذه القراءة في حال الوصل، إلا أن يجري الوصلُ مجرى الوقف. وذلك إنما يجوز في حالة الضرورة.
وأما ما حكي عن بعض العرب من قوله "التقتْ حَلْقَتَا البطان" وقول الآخر "ثلثا المال" فغير معروف، والمعروف عن العرب حذف الألف من "حلقتا البطان، وثلثا المال" وما أشبههما؛ لالتقاء الساكنين، وإن صحّ ما حكيتموه عن أحد من العرب فهو من الشاذ النادر الذي لا يقاس عليه، ولا يعتد به لقلته.
وأما قولهم: "إنه يجوز تخفيف الهمزة في نحو هَبَاءة، والهمزة المخففة ساكنة" قلنا: لا نسلم أنها ساكنة، بل هي متحركة، وسنبين فساد ذلك مستقصى في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأما قراءة ابن عمار: "وَلَا تَتََّبِعَانِ" بالنون الخفيفة فهي قراءة تفرد بها، وباقي القراءة على خلافها، والنون فيها للإعراب علامة الرفع؛ لأن "لا" محمول على النفي، لا على النهي، والواو في "ولا" واو الحال، والتقدير: فاستقيما غير متبعين، كما قال الشاعر:
[421]
بِأَيْدِي رِجَالٍ لم يَشِيمُوا سُيُوفَهُمْ ... ولم تَكْثُرِ القَتْلَى بِهَا حين سُلّتِ
__________
[421] هذا البيت من شواهد ابن هشام في مغني اللبيب "رقم 592" وابن يعيش في شرح المفصل "ص248" وأنشده ابن منظور "ش ي م" وعزاه إلى الفرزدق، وقد وجدته في ديوان الفرزدق "ص139" بيتًا مفردًا، وأنشده ابن رشيق في العمدة "2/ 178 بتحقيقنا" وعزاه إلى سليمان بن قنة في رثاء الحسين بن علي رضي الله عنهما وذكر آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "ويروى للفرزدق" وروى صدره:
أولئك قوم لم يشيموا سيوفهم
ورواه أبو العباس المبرد في الكامل "1/ 180 الخيرية" ولم يشيموا سيوفهم: أي لم يغمدوها، أي لم يعيدوها إلى قربها، وقال قوم: المراد لم يسلوها، أي لم يخرجوها من أغمادها، فهو على هذا من الأضداد. ومحل الاستشهاد من هذا البيت ههنا قوله "ولم تكثر القتلى" فإن جماعة من العلماء -منهم ابن يعيش وابن هشام- ذهبوا إلى أن الواو في قوله "ولم تكثر.... إلخ" هي واو الحال، قال ابن هشام "ولو قدرت للعطف لانقلب المدح ذمًّا" ا. هـ، وهذا مبني على أن معنى "لم يشيموا سيوفهم" لم يعيدوها إلى أغمادها، يريد أنهم لم يعيدوها إلى أغمادها في حال عدم كثرة القتلى، أي انتفت إعادتهم السيوف إلى الأغماد في حال عدم كثرة القتلى؛ فيكون الثابت لهم إدخال السيوف في أغمادها حال كثرة القتلى، وهذا مدح أي مدح، وهو مبنيّ على جعل الواو للحال، فأما إن جعلت الواو للعطف. =(2/548)
أي: لم يَشِيمُوا سيوفَهم غيرَ كاثرة بها القتلى، والمعنى لم يشيموا سيوفهم1 إلا في تلك الحالة، وإذا كان محمولا على النفي لا على النهى لم يكن لكم فيه حجة.
والذي يدل على فساد ما ذهبوا إليه أنه لا يجتمع ساكنان في الوصل إلا إذا كان الثاني منهما مدغما.
قولهم: "إن هذا النحو قد يلحقه ما يوجب له الإدغام، نحو: اضْربَا نُّعْمَانَ واضْرِبَانِّي، فينبغي أن تجيزوا هذا للإدغام" قلنا: هذا لا يستقيم؛ لأنا نكون قد رَدَدْنَا النونَ الخفيفة مع لزوم حذفها في حال الوصل والوقف إذا لم يتبعه كلام، وذلك خطأ. ثم كيف ترده وأنت لو جمعت هذه النون إلى نون ثانية لاعتلت وأدغمت وحذفت في قول بعض العرب؟ فإذا كُفُوا مؤنتها لم تكن ليردوها إلى ما يستثقلون، ولو جوزنا هذا في "اضربا نُّعْمَان" ونحوه لوجب إجازته في قولك "اضْرِبَانَ أباكما" في قول من لم يهمز؛ لأن هذا الموضع لم يمتنع فيه الساكن من التحريك، فتردها إذا وثقت بالتحريك كما رددتها حيث وثقت في الإدغام، وكما لا يجوز أن ترد في هذا وما أشبهه لأنك جئت به إلى شيء قد لزمه الحذف فكذلك ههنا، ولو وجب2 إجازته في غير ذلك من الأسماء التي لا نون في أولها؛ ليكون
__________
= والمفروض أن معنى لم يشيموا لم يغمدوا فإن المعنى حينئذ انتفت إعادتهم السيوف إلى أغمادها وانتفت أيضًا كثرة القتلى، يعني أن الثابت لهم شيآن: عدم إغماد السيوف، وعدم كثرة القتلى، وهذا ذم شنيع، ولا شك أنه ليس مراد الشاعر، وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن الواو في قوله "ولم تكثر القتلى" يجوز أن تكون للعطف، وصححوا المعنى على ما أراد الشاعر بأحد وجهين: الأول أن معنى "لم يشيموا سيوفهم" لم يسلّوها: أي لم يخرجوها من أغمادها. وهذا وجه نقله مع الوجه الأول ابن رشيق في العمدة؛ قال بعد إنشاد البيت: "أراد لم يغمدوا سيوفهم إلا بعد أن كثرت به القتلى؛ كما تقول: لم أضربك ولم تجن عليّ إلا بعد أن جنيت عليّ، وقال آخرون: أراد لم يسلوا سيوفهم إلا وقد كثرت بها القتلى؛ كما تقول: لم ألقك ولم أحسن إليك إلا وقد أحسنت إليك؛ والقولان جميعا صحيحان؛ لأنه من الأضداد" ا. هـ. والحاصل أنك إذا فسرت لم يشيموا سيوفهم" بلم يغمدوها تعين أن تكون الواو للحال، وإن فسرت "يشيموا سيوفهم" بلم يسلوها جاز أن تكون الواو للعطف وجاز أن تكون للحال؛ والوجه الثاني من الوجهين: أن مراد الشاعر بقوله "ولم تكثر القتلى" أنهم لم يكثروا من القتل؛ لأنهم لا يقتلون كل من قدروا عليه، وإلا لأفنوا أعداءهم إفناء، وإنما يقتلون أكفاءهم في الشجاعة والإقدام على المكاره، وذلك قليل في أعدائهم.
__________
1 لعل كلمة "إلا" لا لزوم لها.
2 كذا، وأظن أصل الكلام "ولوجب إجازته".(2/549)
الحكم فيها واحدًا، وذلك لا يجوز؛ لأن حمل المدغم على غير المدغم في الامتناع أولى من حمل غير المدغم على المدغم في الجواز، وذلك لأن غير المدغم أعمُّ استعمالًا وأكثر وقوعًا، والمدغم أقل استعمالًا وأندر وقوعًا، فلما وجب أن يحمل أحدهما على الآخر كان حمل الأقل الأندر على الأعمّ الأكثر أولى من حمل الأعمّ الأكثر على الأقلّ الأندر، والله أعلم.(2/550)
95- مسألة: [الحروف التي وضع الاسم عليها في "ذا" و"الذي"] 1
ذهب الكوفيون إلى أن الاسم في "ذا، والذي" الذال وحدها، وما زيد عليها تكثير لهما. وذهب البصريون إلى أن الذال وحدها ليست هي الاسم فيهما، واختلفوا في "ذا": فذهب الأخفش ومن تابعه من البصريين إلى أن أصله: ذَيُّ -بتشديد الياء- إلا أنهم حذفواالياء الثانية فبقي "ذَيْ" فأبدلوامن الياء ألفًا لئلا يلتحق بكي؛ فإذا الألف منه منقلبة عن ياء، بدليل جواز الإمالة؛ فإنه قد حكي عنهم أنهم قالوا في ذا: "ذا" بالإمالة، فإذا ثبت أنها منقلبة عن ياء لم يجز أن تكون اللام المحذوفة واوًا؛ لأن لهم مثل "حَيِيتُ" وليس لهم مثل "حَيَوْتُ" وذهب بعضهم إلى أن الأصل في ذا "ذَوَي" بفتح الواو؛ لأن باب "شَوَيْت" أكثر من باب "حَيِيتُ" فحذفت اللام تأكيدا للإبهام، وقلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وأما "الذي" فأجمعواعلى أن الأصل فيه "لَذِي" نحو: عَمِي وشَجِي.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أن الاسم هو الذال وحدها أن الألف والياء فيهما يحذفان في التثنية نحو "قام ذَانِ، ورأيت ذَيْنِ، ومررت بذَيْنِ، وقام اللَّذَانِ، ورأيت اللَّذَيْنِ، ومررت باللَّذَيْنِ" ولو كان كما زعمتم أنهما أصلان لكانا لا يحذفان، ولوجب أن يقال في التثنية "الذِيَان" كما يقال العَمِيَانِ، والشَّجِيَانِ، و"الَّذِيُونَ" كما يقال: العميين، والشجيين، وأن تقلب الألف في تثنية "ذا" ولا تحذف، فلما حذفت الياء والألف في تثنية "الذي، وذا" دلّ على أنهما زائدان لا أصلان، وأن ما زيد عليهما تكثير لهما كراهية أن يبقى كل وحد منهما على حرف واحد، وحركواالذال لالتقاء الساكنين -وهما الذال والألف في ذا،
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح ابن يعيش على المفصل "ص444 و456" وشرح الأشموني مع حاشية الصبان "1/ 137 و146" وتصريح الشيخ خالد "1/ 150 و156 بولاق" وشرح الرضي على الكافية "2/ 28/ و37" ولسان العرب لابن منظور "20/ 111 و330 و335" وشرحنا المطول على شرح الأشموني "1/ 194" وأسرار العربية للمؤلف "ص150".(2/551)
والذال والياء في الذي -وفتحواالذال في "ذا" لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا، وكسروها من "الذي" لأن الكسرة من جنس الياء، فكسرواما قبل الياء توكيدا لها، وزادوااللام الثانية مفتوحة من "الذي" على اللام الأولى ليسلم سكون اللام الأولى؛ لأن الألف واللام لا تدخل على ساكن إلا احتيج إلى تحريك اللام لالتقاء الساكنين، كقولهم: "الانتظار، والانكسار" فلو لم تدخل اللام الثانية لأدّى إلى تحريك اللام الأولى؛ لأنها ساكنة والذال بعدها ساكنة؛ فزادوااللام الثانية لتبقى اللام الأولى على أصلها في السكون ولا تكسر لالتقاء الساكنين.
والذي يدل على أن الذال أصلها السكون قول الشاعر:
[422]
اللَّذْ بأسفله صحراءُ واسعةٌ ... واللَّذْ بأعلاه سيل مدَّه الجرُفُ
وقول الآخر:
[423]
فلم أَرَ بيتًا كان أحسنَ بهجةً ... من اللَّذْ لَهُ من آلِ عَزَّةَ عامرُ
وقول الآخر:
[424]
لن تنفعي ذا حاجة ويَنْفَعَكْ ... وتجعلين اللَّذْ مَعِي في اللَّذْ مَعَك
__________
[422] أنشد المؤلف هذا البيت شاهدًا للكوفيين على أن أصل ذال الذي، السكون، ونظيره في "التي" قول الأقيش بن ذهيل العكلي:
وأمنحه اللت لا يغيب مثلها ... إذا كان نيران الشتاء نوائما
وقول الآخر: وأنشده ابن الشَّجَرِي في أماليه عن الفَرَّاء، وأنشده رضي الدين في شرح الكافية:
فقل للت تلومك: إن نفسي ... أراها لا تعوذ بالتميم
والتّميم: جمع تميمة، وهي المعاذة، ولكن ما وجه دلالة ذلك على أن الأصل هو السكون، خصوصًا إذا راعيت أنه قد جاء مع هذه الشواهد شواهد أخرى بكسر الذال؟ وسيذكر المؤلف هذا الاعتراض وينشد شواهد أخرى تدل للغات أخر في "الذي" وسنتكلم عليها هناك إن شاء الله.
[423] العامر: المقيم في الدار، كأنه سمي بذلك لأنه يعمرها. وقد أنشد المؤلف هذا البيت على لسان الكوفيين يستدلون به على أن أصل ذال "الذي" ساكنة؛ لأنها قد جاءت في قول الشاعر "من اللذ" ساكنة، والقول فيه كالقول في الشاهد السابق فإن أقصى ما يدل عليه مجيئها ساكنة في هذا البيت ونحوه أن يكون سكونها مع حذف الياء لغة من لغات العرب قد جاءت في هذه الكلمة، وسنتكلم على ذلك مع الشواهد الأخرى التي جاءت على لغات أخر في هذه الكلمة.
[424] الاستشهاد من هذا البيت في قوله "اللذ معي في اللذ معك" حيث وردت كلمة "اللذ" ساكنة الذال في الموضعين، والكلام فيهما كالكلام في نظائرهما من الشواهد السابقة.(2/552)
وقوله الآخر:
[425]
فَظَلْتُ في شَرٍّ من اللَّذْ كِيدَا ... كاللَّذْ تَزَبَّى زُبْيَةً فَاصْطِيدَا
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه يجوز أن تكون الذال وحدها فيهما هو الاسم، وذلك لأن "ذا، والذي" كل واحد منهما كلمة منفصلة عن غيرها؛ فلا يجوز أن يُبْنَى على حرف واحد؛ لأنه لا بد من الابتداء بحرف والوقوف على حرف؛ فلو كان الاسم هو الذال وحدها لكان يؤدي إلى أن يكون الحرف الواحد ساكنًا متحركًا، وذلك محال؛ فوجب أن يكون الاسم في "ذا" الذال والألف معًا، والاسم في "الذي" لذي؛ لأن له نظيرًا في كلامهم، نحو شَجِي وعَمِي، وهو أقل الأصول التي تبنى عليها الأسماء، وما نقص عن ذلك من الأسماء التي أَوْغَلَتْ في شبه الحروف فعلى خلاف الأصل، ولا يمكن إلحاق "ذا، والذي" بها، ألا ترى أن "ذا" كاسم مظهر يكون وصفا وموصوفا؟ فكونه وصفا نحو قوله تعالى: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا} [يوسف: 93] وكونه موصوفًا نحو قوله تعالى: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ} [الكهف: 49] وكذلك لا يمكن إلحاق "الذي" بها بأن يحكم بزيادة اللام الثانية كاللام التي تزاد للتعريف؛ لأن زيادة اللام ليس بقياس مطرد، وإنما يحكم بزيادتها في كلمات يسيرة نحو "زَيْدَلٍ، وعَبْدَلٍ، وأُولالِكَ"؛ [280] لقيام الدليل على ذلك، كقولك في معناها: زيد، وعبد، وأولاك، ولم يوجد ههنا: فبقينا فيه على الأصل.
والذي يدل على أن الألف في "ذا" والياء في "الذي" أصليَّتَان قولهم في تصغير ذا "ذَيَّا" وأصله: ذَيَيَّا، بثلاث ياءات: ياءان من أصل الكلمة وياء للتصغير؛ لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها، واستثقلوا اجتماع ثلاث ياءات؛ فحذفوا
__________
[425] هذان بيتان من الرجز المشطور، وهما لرجل من هذيل، وقد أنشدهما ابن منظور "20/ 343" عن الفراء من غير عزو، وقد أنشد ثانيهما رضي الدين في باب الموصول من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "3/ 497" وأنشد ثانيهما أيضا ابن يعيش في شرح المفصل "ص457" وتزبّى: اتخذ زبية، والزّبية -بضم الزاي وسكون الباء- حفرة بعيدة الغور تصنع لاصطياد السبع، إذا وقع فيها لم يستطع الخروج منها، وفي أمثال العرب: بلغ السيل الزبى، يقولونه إذا بلغ الأمر منتهاه، وإنما تتخذ الزبية في الجبال لأنها موطن الأسود، ويروى "الربا" بالراء مهملة، وهو جمع ربوة، وهي ما ارتفع وعلا من الأرض. وكيد: فعل ماضٍ مبني للمجهول من الكيد يقول: لقد ظللت في شر من الذي كدت في حقه، فكنت كمن حفر حفرة ليصطاد فيها فإذا هو واقع فيها. ومحل الاستشهاد من هذين البيتين قوله "في شر من اللذ" وقوله "كاللذ تزبّى" حيث وردت كلمة "اللذ" في الموضعين محذوفة الياء ساكنة الذال، والكلام فيها كالكلام فيما سبق من الشواهد.(2/553)
الأولى، وكان حذفها أولى؛ لأن الثانية دخلت لمعنى وهو التصغير، والثالثة لو حذفت لوقعت ياء التصغير قبل الألف، والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا؛ فكانت تتحرك، وياء التصغير لا تكون إلا ساكنة، ووزنه "فَيْلى"؛ لذهاب العين منه؛ وفي تصغير الذي "اللَّذيّا" ولولا أنهما أصليتان، وإلا لما انقلبت الألف في "ذا" ياء وأدغمت في ياء التصغير، ولما ثبتت الياء في "الذي" في التصغير؛ لأن التصغير يردّ الأشياء إلى أصولها.
قالوا: ولا يجوز أن يقال: "إن هذا يبطل بما إذا سميتم رجلًا بهل وبل ثم صغرتموه؛ فإنكم تزيدون فيه في التصغير ما لم يكن فيه قبل ذلك" لأنا نقول: إذا سمينا بهل وبل وما أشبه ذلك فقد نقلناه من الحرفية إلى الاسمية، فإذا صغرناه صغرناه على أنه اسم؛ فوجب أن نزيد عليه حرفا توجبه الاسمية، بخلاف تصغير "الذي، وذا" لأنا إنما نصغرهما1 على معناهما الذي وُضِعا له؛ فبان الفرق بينهما.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إن الألف والياء يحذفان في التثنية في نحو ذان واللذان، فدلّ على زيادتهما" قلنا: ذان واللذان ليس ذلك تثنية على حد قولهم: "زيد وزيدان، وعمرو وعمران" وإنما ذلك صيغة مرتَجَلة للتثنية، كما أن "هؤلاء" صيغة مرتجلة للجمع.
والذي يدل على ذلك أنه لو كان ذلك تثنية على حدّ قولهم "زيد وزيدان، وعمرو وعمران" لوجب أن يجوز عليه دخول الألف واللام كما يقال: الزيدان، والعمران، فلما لم يجز عليهما دخول الألف واللام فيقال الْذَان واللَّذَان2 دلّ على أنه صيغة مرتجلة للتثنية في أول أحواله بمنزلة "كِلا" وكذلك حكم كل اسم لا يقبل التنكير. وإنما لم يجز تثنيتهما على حد قولهم: "زيد وزيدان، وعمرو وعمران" لأن التثنية ترد الاسم المعرفة إلى التنكير، والأسماء الموصولة وأسماء الإشارة والأسماء المضمرة لا تقبل التنكير، إلا أنهم لما قصدواتثنيتهما عاملوها ببعض ما يكون في التثنية الحقيقية؛ فأدخلواعليها حرف التثنية، فوجود حرف التثنية في اللفظ بمنزلة تاء التأنيث في "غرفة، وقربة" فكما أن التأنيث في "غرفة وقربة" لفظي لا معنوي؛ فكذلك ههنا: التثنية لفظية لا معنوية.
وقولهم: "لو كان الأمر كما زعمتم لكان ينبغي أن لا تحذف الألف والياء من ذا والذي كما لا تحذف الياء من عمي وشجي" قلنا: هذا باطل، وذلك من وجهين:
__________
1 في ر "لأنا إنما تصغيرهما على معناهما" تحريف.
2 الأول تثنية "ذا" والثاني تثنية "الذي" مقرونين بأل.(2/554)
أحدهما: أن تثنية عمي وشجي على حدّ تثنية زيدان وعمران، بخلاف "ذا، والذي" على ما بينّا.
والثاني: أن ياء شجي وعمي يدخلها النصب، نحو "رأيت عميًا وشجيًا" بخلاف الياء في "الذي" فإنها لا يدخلها النصب، بل يلزمها السكون أبدًا؛ فبان الفرق بينهما.
وأما قولهم: "إن الاسم هو الذال وحدها وما زيد عليها تكثير لهما" قلنا: لو كان كما زعمتم لكان ينبغي أن يقتصر في "الذي" على زيادة حرف واحد، كما زدتم في "ذا" فأما زيادة أربعة أحرف فهذا ما لا نظير له في كلامهم، على أنَّا قد بيّنَّا فساد كونها زائدة.
وأما قولهم: "الدليل على أن الأصل فيهما السكون نحو قول الشاعر:
[425]
فَظَلْتُ في شَرٍّ مِنَ اللَّذْ كِيدَا ... كاللَّذْ تَزَبَّى زُبْيَةً فَاصْطِيدَا
قلنا: لو جاز أن يستدل بهذه اللغة على أن الأصل فيها السكون لجاز لآخر أن يستدل على أن الأصل فيها الحركة باللغات الأخر؛ فإن فيها أَرْبَعَ لُغَاتٍ: إحداها "الذي" بياء ساكنة وهي أفصح اللغات، والثانية "الذي" بياء مشددة كما قال الشاعر:
[426]
وليس المال فاعلمه بمالٍ ... من الأقوام، إلا للَّذِيِّ
يريد به العلاءَ ويَمْتَهِنْهُ ... لأقرب أَقْرَبِيهِ وللقَصِيِّ
__________
[426] هذان البيتان أنشدهما ابن منظور "ل ذ ي" من غير عزو، وهما من شواهد رضي الدين في باب الموصول من شرح الكافية، وقد شرحهما البغدادي في الخزانة "2/ 497" وقد رواهما ابن الشَّجَرِي في المجلس الرابع والسبعين من أماليه، ويروى "ينال به العلاء" ويروى "ويصطفيه" ومعناه يختاره، ويمتهنه في رواية المؤلف بمعنى يهينه، وهو مجزوم بلام أمر مقدرة -أي وليمتهنه- للضرورة، وقوله "لأقرب" متعلق بيصطفيه أو بيمتهنه، والقصيّ: البعيد، يقول: ليس المال على وجه الحقيقة بمملوك لأحد من الناس إلا لرجل يريد به أن يبلغ أعلى درجات الرفعة وعلو القدر ويختاره ليعطي منه القريب والبعيد من غير تفرقة. ومحل الاستشهاد من البيتين قوله "للذي" حيث وردت هذه الكلمة بذال مكسورة وياء مشددة مكسورة، وكسر هذه الياء كسرة بناء وليست الكسرة التي تقتضيها اللام في الاسم المعرب، وذلك لأن الموصولات كلها مبنية لشبهها بالحرف شبهًا افتقاريًّا، وتشديد الياء في "الذي" وفي "التي" لغة من لغات العرب، وقد مضت لغة أخرى في الشواهد 422-425 وستأتيك لغة أخرى في الشاهد 427 فإذا ضممت هذه اللغات إلى اللغة الأصلية -هي ثبوت الياء ساكنة- كانت أربع لغات، والمؤلف بصدد تعدادها.(2/555)
والثالثة "اللَّذِ" بكسر الذال من غير ياء، كما قال الشاعر:
[427]
اللَّذِ لَوْ شَاءَ لَكَانَتْ بَرَّا ... أو جَبَلًا أصمَّ مُشْمَخِرًّا
والرابعة "اللذ" بسكون الذال، وبل أولى؛ فإن "اللذ" بسكون الذال أقل في الاستعمال من "الذي" وغيرها من اللغات، فإذا لم يعتبر الأكثر في الاستعمال فأولى أن لا يعتبر الأقل، والله أعلم.
__________
[427] هذان بيتان من الرجز المشطور، وهما من شواهد رضي الدين في باب الموصول من شرح الكافية، وقد شرحهما البغدادي في الخزانة "2/ 498" ويروى البيتان هكذا.
والذ لو شاء لكنت صخرا ... أو جبلا أشم مشمخرا
وقد قال قوم من العلماء: إن الضمير المستتر في "لكانت" في رواية المؤلف عائد على الدنيا، وإن البرّ في هذه الرواية بفتح الباء ضد البحر، والمعنى: هو الذي لو شاء أن تكون الدنيا كلها برًا لكانت برًّا ولو شاء أن تكون كلها جبلا لكانت جبلا، والأصم بالصاد، ويروى "أشم" والأشم: العالي المرتفع، والمشمخر: البالغ في الغاية في الارتفاع، أو الراسخ. ومحل الاستشهاد من هذين البيتين قوله "اللذ" فقد وردت الرواية فيه بكسر الذال مع حذف الياء ووزن البيت لا يستقيم إلا بتحرك الذال، ولم ينقل أنها تحرك بغير الكسر، فدل ذلك على أن من العرب من ينطق بهذه الكلمة على هذا الوجه، ونظير ذلك في "التي" قول الشاعر:
شغفت بك اللت تيمتك؛ فمثل ما ... بك ما بها من لوعة وغرام
قال ابن منظور في "ل ذ ي": "الذي" اسم مبهم، وهو مبني معرفة، ولا يتم إلا بصلة، وأصله لذي، فأدخل عليه الألف واللام، ولا يجوز أن ينزعا منه، وقال ابن سيده: الذي من الأسماء الموصولة ليتوصل بها إلى وصف المعارف بالجمل، وفيه لغات: الذي، والذ -بكسر الذال- والذ -بإسكان الذال- والذي -بتشديد الياء- ثم أنشد البيتين رقم 426 ا. هـ، وقال كلاما نظير هذا عن التي في "ل ت ي" وقال ابن يعيش: "أما الذي فيقع على كل مذكر من العقلاء وغيرهم، وفيها أربع لغات، قالوا: الذي -بياء ساكنة- وهو الأصل فيها، واللذ -بكسر الذال من غير ياء- كأنهم حذفواالياء تخفيفا إذ كانت الكسرة قبلها تدل عليها، فعلواذلك كما قالوا: يا غلام ويا صاحب -بالكسرة- بالكسرة اجتزاء بها عن الياءِ، الثالثة: الذ -بسكون الذال- ومجازه أنهم لما حذفواالياء اجتزاء بالكسرة منها أسكنواالذال للوقف ثم أجرواالوصل مجرى الوقف، وهو من قبيل الضرورة، وعند الكوفيين قياس لكثرته، الرابعة: الذي -بتشديد الياء، للمبالغة في الصفة، كما قالوا: أحمري، وأصفري، وكما قال:
والدهر بالإنسان دواري
وليس منسوبا" ا. هـ، وإذا ثبت بالنقل الصحيح أن في هذه الكلمة عدة لغات وأن العرب قد تكلموابها كلها لم تكن إحدى هذه اللغات بأن تكون أصلًا وغيرها فرعًا عنها بأولى مما عداها.(2/556)
96- مسألة: [الحروف التي وضع عليها الاسم في "هو" و"هي"] 1
ذهب الكوفيون إلى أن الاسم من "هو، وهي" الهاء وحدها.
وذهب البصريون إلى أن الهاء والواو من "هو" والهاء والياء من "هي" هما الاسم بمجموعهما.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أن الاسم هو الهاء وحدها دون الواو والياء أن الواو والياء تحذفان في التثنية، نحو "هما" ولو كانتا أصلًا لما حذفتا.
والذي يدل على ذلك أنهما تحذفان في حالة الإفراد أيضا وتبقى الهاء وحدها، قال الشاعر، وهو العُجَير السَّلُولِي جاهلي:
[333]
فَبَيْنَاهُ يَشْرِي رَحْلَهُ قال قائل: ... لمن جَمَلٌ رِخْوُ المِلَاطِ نَجِيبُ
أراد "بَيْنَا هو" وقال الآخر:
[428]
بَيْنَاهُ في دار صدق قد أقام بها ... حينًا يُعَلّلُنَا وما نُعَلِّلُهُ
أراد "بَيْنَا هو" وقال الآخر:
[429]
إِذَاهُ سِيمَ الخَسْفَ آلَى بِقَسَمْ ... بالله لا يأخذ إلا ما احْتَكَمْ
__________
[428] هذا البيت من شواهد سيبويه "1/ 12" ولم يعزه، ولا عزاه الأعلم، وقد رويناه لك في شرح الشاهد 333 السابق في المسألة "رقم 70" وبينا علته عند سيبويه ومن نحا منحاه، وهو ههنا مرويّ على لسان الكوفيين، يستدلون به على أن أصل "هو" الهاء وحدها، بدليل سقوطها هذا في هذا الشاهد وأمثاله، فإن المعروف أن سقوط الحرف من الكلمة دليل على أنه زائد، وهو كلام غير مستقيم، لأن "هو" ضمير منفصل مستقل بنفسه يجري مجرى الظاهر، فلا يكون على حرف واحد، ولأن لزوم الحرف وسقوطه إنما يستدل به في تصريف الكلمات، وقد عرف أن التصريف لا يدخل الضمائر ونحوها من الأسماء غير المتمكنة.
[429] هذان بيتان من مشطور الرجز، وقد أنشدهما ابن منظور عن الكسائي "20/ 366" ولم =
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح ابن يعيش على المفصل "ص416" وشرح الرضي على الكافية "2/ 9" وشرح الأشموني بحاشية الصبان "1/ 118".(2/557)
أراد "إذا هو" وقال الآخر:
[430]
دارٌ لِسُعْدَى إذْهِ مِنْ هَوَاكَا
__________
= يعزهما إلى قائل معيّن، والرواية عنده في صدر الأول "إذاه سام الخسف" وتقول: سام فلان فلانا الخسف، إذا أراد إذلاله وظلمه، وقال الأعشى.
إذ سامه خطتي خسف فقال له: ... أعرض على كذا أسمعهما حار
وآلى: حلف، والقسم: اليمين، ومحل الاستشهاد بالبيت قوله "إذاه" فإنه أراد أن يقول "إذا هو" فلما لم يتيسر له ذلك حذف الواو، والكوفيون يستدلون بهذا البيت ونحوه على أن أصل "هو" و"هي" الهاء وحدها، وأما الواو في "هو" والياء في "هي" فحرفان زائدان قصد بهما دعم الهاء، والبصريون يقولون: إن الواو والياء حرفان وضع كل واحد منهما مع الهاء ليكون كل من "هو" و"هي" ضميرًا منفصلًا، وإن حذف الواو من "هو" وحذف الياء من "هي" لا يدل على زيادتها، لأن أقصى ما يدل عليه الحذف أن يكون لغة من لغات العرب يلجأ إليها من لا يستطيع أن يأتي بالكلمة على أصلها الذي وضعت عليه عند جمهور العرب، وقد يكون ذلك الذي فعله الشاعر في هذا البيت ضرورة من ضرورات الشعر، والضرورات لا يستدل بها على أحكام العربية ولا تبنى عليها قواعد تجعل أسسًا للكلام المتلئب، قال ابن منظور "قال الكسائي: هو: أصله أن يكون على ثلاثة أحرف مثل أنت، فيقال: هو فعل كذا -أي بتشديد الواو مفتوحة- وقد ورد في قول الشاعر:
وإن لساني شهدة يشتفي بها ... وهو على من صبه الله علقم
ومن شواهد تشديد الياء من "هي" قول الشاعر:
والنفس ما أمرت بالعنف آبية ... وهي إن أمرت باللطف تأتمر
قال: ومن العرب من يخففه فيقول: هو فعل كذا، أي بإسكان الواو -قال اللحياني:
وحكى الكسائي عن بني أسد وتميم وقيس: هو فعل ذلك، بإسكان الواو، وأنشد لعبيد:
وركضك لولا هو لقيت الذي لقوا ... فأصبحت قد جاوزت قومًا أعاديا
قال الكسائي: وبعضهم يلقي الواو من هو إذا كان قبلها ألف ساكنة، فيقول: حتاه فعل ذلك، وإنماه فعل ذلك، وأنشد أبو خالد الأسدي:
إذاه لم يؤذن له لم ينبس
قال: وأنشدني خشاف:
إذاه سيم الخسف.... البيتين
ثم أنشد الشاهد 333 ثم قال: وقال ابن جني: إنما ذلك لضرورة الشعر، ولتشبيه الضمير المنفصل بالضمير المتصل في عصاه وفتاه" ا. هـ.
[430] هذا بيت من مشطور الرجز، وقبله:
هل تعرف الدار على تبراكا
وهو من شواهد سيبويه "1/ 9" ورضي الدين في باب المصدر وباب الموصول من شرح الكافية، وقد شرحه البغدادي في الخزانة "1/ 277 و2/ 399" وابن يعيش في شرح المفصل "ص417" وابن جني في الخصائص "1/ 89" وتبراك -بكسر التاء وسكون الباء =(2/558)
أراد "إذ هي" فحذف الياء؛ فدل على أن الاسم هو الهاء وحدها، وإنما زادواالواو والياء تكثيرًا للاسم، كراهية أن يبقى الاسم على حرف واحد، كما زادواالواو في قولهم: "ضربتهُو، وأكرمتهُو" وإن كانت الهاء وحدها هي الاسم، فكذلك ههنا.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أن الواو والياء أصل أنه ضمير منفصل، والضمير المنفصل لا يجوز أن يبنى على حرف واحد؛ لأنه لا بد من الابتداء بحرف والوقف على حرف؛ فلو كان الاسم هو الهاء وحدها لكان يؤدِّي إلى أن يكون الحرف الواحد ساكنًا متحركًا، وذلك محال؛ فوجب أن لا تكون الهاء وحدها1 هي الاسم.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إن الواو والياء تحذفان في التثنية نحوهما" قلنا: إن "هما" ليس بتثنية على حدّ قولك في زيدٍ زيدان وعمرو عمران، وإنما هما صيغة مرتجلة للتثنية كأنتما، ألا ترى أنه لو كان تثنية على حدّ قولهم "زيدان، وعمران" لقالوافي تثنية هو "هُوانِ" وفي تثنية أنت "أنتان" ولكان يجوز أن يدخل عليهما الألف واللام فيقال "الهُوَان، والأَنْتَانِ" كما يقال:
__________
= الموحدة –اسم موضع بعينه. ومحل الاستشهاد قوله "إذه" فقد ادعى الكوفيون أن مجيء الهاء وحدها مرادًا بها "هي" يدل على أن الياء في "هي" زائدة، وأن أصل الكلمة الهاء وحدها، والبصريون يردون ذلك ويأبونه، وهم في الرد عليهم ينهجون أحد منهجين، الأول أن يقولوا: إن مجيء الهاء وحدها في مكان "هي" و"هو" ضرورة من الضرورات التي تباح للشاعر إذا ألجأه قصد إقامة الوزن أو الرويّ، أما في حال السعة والاختيار فلا يجوز ذلك، وهذا المنحى هو الذي انتحاه شيخ البصريين سيبويه رحمه الله، ومنهم من حكى في "هو" و"هي" لغات يتكلم بكل واحدة منها قبيلة أو أكثر من قبائل العرب، وهذا هو المنحى الذي انتحاه الكسائي فيما نقلناه عن ابن منظور عنه في شرح الشاهد السابق؛ وقد ذهب إلى مثل كلامه ابن يعيش في شرح المفصل "417" قال: وذهب الكوفيون إلى أن الاسم الهاء وحدها؛ واحتجوالذلك بحذف الياء في نحو قوله.
دار لسعدى إذه من هواكا
وليس في ذلك حجة؛ لأن ذلك من ضرورات الشعر، وفيها ثلاث لغات: هي بتخفيف الياء وفتحها؛ وهي بتشديد الياء مبالغة في تقوية الاسم ولتصير على أبنية الظاهر؛ وهي بالإسكان تخفيفًا؛ وينبغي أن يكون الحذف في قوله:
إذه من هواكا
على لغة من أسكن لضعفها؛ إذ المفتوحة قد قويت بالحركة" ا. هـ.
__________
1 في ر "فوجب أن تكون الهاء وحدها هي الاسم" وهو ظاهر الفساد.(2/559)
الزيدان، والعمران، فلما لم يقولواذلك دلّ على أنها صيغة مرتجلة للتثنية، وعلى أنه لو كان الأمر كما زعمتم فليس لكم فيه حجة؛ لأن الحرف الأصلي قد يحذف لعلة عارضة، ألا ترى أن الياء تحذف في الجمع في نحو قولهم: "قاضُون، ورامُون" والأصل قاضِيُون، ورامِيُون، فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت الضمة عنها؛ فبقيت الياء ساكنة وواو الجمع ساكنة، فاجتمع ساكنان، وساكنان لا يجتمعان؛ فحذفت الياء لالتقاء الساكنين وإن كانت أصلية لعلة عارضة، فكذلك ههنا، والعلة ههنا في إسقاطهما أن الواو التي قبل الميم في التثنية والجمع يجب أن تكون مضمومة، والضمة في الواو مستثقلة؛ فلذلك سقطت، وإنما وجب أن تكون مضمومة لأنها لو كسرت لكان ذلك مستثقلًا من وجهين.
أحدهما: لأنه خروج من ضم إلى كسر، وذلك مستثقل، ولهذا ليس في الأسماء ما هو على وزن فُعِل إلا "دُئِل" اسم دُوَيْبَّة و"رُئِم" اسم للسَّهِ، وهما في الأصل فعلان نقلا إلى الاسمية، وحكى بعضهم "وُعِلٌ" في الوَعِل.
والثاني: أن الكسرة تستثقل على الواو أكثر من استثقال الضمة عليها؛ ولهذا تضم لالتقاء الساكنين في نحو قوله: {اشْتَرَواالضَّلالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: 16] ولا تكسر إلا على وجه بعيد، ولو بقيت الواو من "هو" كما كانت مفتوحة وقد زيد عليها الميم والألف لَتُوُهِّمَ أنها حرفان منفصلان؛ فوجب أن تغير الحركة التي كانت مستعملة في الواحد إلى الضم كما غيرت في "أنتما" ووجب أيضا ذلك في "أنتما" لأنها لو فتحت وكسرت لجاز أن يتوهم أنها كلمتان منفصلتان، فاجتلبواحركة لم تكن في الواحد لتدل على أنها كلمة واحدة، وأَجْرُواجميع المضمر في التثنية والجمع هذا المُجْرَى.
وقيل: إنما ضُمَّتْ التاء في التثنية حملا على الجمع؛ لأنها في التقدير كأنها وليت الواو في "أنتمو" وإنما حملت التثنية على الجمع ليشتركا في ذلك كما اشتركا في الضمير في "نحن" وزيدت الميم في التثنية لوجهين:
أحدهما: أن التثنية أكثر من الواحد، وفي المضمرات ما هو على حرف واحد، فكثر اللفظ كما كثر العدد؛ فلذلك زيد في التثنية حرف، وحمل جميع المضمرات عليه.
والثاني: أن القافية فيه إذا كانت مطلقة وحرف الرويّ مفتوح وُصِلَ بالألف، ولهذا يسمى ألف الوصل والصِّلَة، قال الشاعر:
[204]
يا مُرَّ يا بن واقعٍ يا أَنْتَا ... أنت الذي طَلّقْتَ عَامَ جُعْتَا(2/560)
وقال الآخر:
[431]
أخوك أخو مُكَاشَرَةٍ وضِحْكٍ ... حَيَّاكَ الإلهُ وكيف أَنْتَا
فلو لم يزيدواالميم لالتبس الواحد بالتثنية؛ فزادواالميم كراهية الالتباس؛ فكانت الميم أولى بالزيادة لأنها من زوائد الأسماء، فلذلك كانت أولى بالزيادات.
وأما ما أنشدوه من قول الشاعر:
[333]
فبيناه يشري رحله....
[428]
وبيناه في دار صدق....
[429]
وإذاه سيم الخسف....
[430]
ودار لسعدى إذه من هَوَاكَا
فإنما حذفت الواو والياء لضرورة الشعر، كقول الشاعر:
[432]
فَلَسْتَ بِآتِيهِ ولا أستطيعه ... ولك اسقِنِي إن كان ماؤك ذا فَضْلِ
__________
[431] المكاشرة: الضحك حتى تبدو الأسنان، تقول: كشر الرجل يكشر -مثل جلس يجلس- كشرا، وانكل، وافتر -بتضعيف لامهما- أي تبسم، وقال الشاعر:
وإنّ من الإخوان إخوان كشرة ... وإخوان كيف الحال والبال كله
الكشرة -بوزن العشرة والهجرة- مثل المكاشرة، نظير الهجرة والمهاجرة والعشرة والمعاشرة. والضحك في بيت الشاهد -بكسر الضاد وسكون الحاء، وقوله "وحياك الإله" يريد لفظ الجملة، يعني أن أخاك رجل حسن الصحبة رفيق في معاملة إخوانه يقبل عليهم بوجه طلق وسن ضاحك يحييهم، وقوله "فكيف أنتا" يريد هل أنت على غرار أخيك؟ وما حالك مع إخوانك؟ ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "كيف أنتا" حيث ألحق الألف للضمير المنفصل الذي لخطاب الواحد المذكر عند الوقف عليه، فلو لم نزد الميم قبل الألف في الضمير المنفصل الذي لخطاب الاثنين واكتفينا بزيادة الألف فقلنا "أنتا" لكان يلتبس خطاب الواحد بخطاب الاثنين، فلما قلنا في خطاب المثنى "أنتما" بزيادة الميم قبل الألف ارتفع اللبس.
[432] هذا البيت من كلمة في وصف ذئب، للنجاشي الحارثي، واسمه قيس بن عمرو بن مالك، وقد اختار هذه الكلمة الشريف المرتضى في أماليه "2/ 211" والشريف ابن الشجري في حماسته "ص207 ط الهند" والبيت من شواهد سيبويه "1/ 9" وابن جني في الخصائص "1/ 310" وابن هشام في مغني اللبيب "رقم 485" وفي أوضح المسالك "رقم 100" والأشموني "رقم 257" والرضي في باب الحروف المشبهة بالفعل، وشرحه البغدادي "4/ 367" وقبل البيت المستشهد به قوله:
وماء كلون الغسل قد عاد آجنا ... قليل به الأصوات في بلد محل
وجدت عليه الذئب يعوي كأنه ... خليع خلا من كل مال ومن أهل
=(2/561)
أراد "ولكِنِ اسقني" فحذف النون لضرورة الشعر، وكقول الآخر:
[433]
أَصَاحٍ تَرَى برقًا أُرِيكَ وَمِيضَهُ ... كَلَمْعِ اليَدَيْنِ في حَبِيِّ مُكَلَّلِ
__________
=
فقلت له: يا ذئب، هل لك في فتى ... يواسي بلا من عليك ولا بخل؟
فقال: هداك الله للرشد! إنما ... دعوت لما لم يأته سبع مثلي
ومحل الاستشهاد في البيت قوله "ولاك اسقني" وأصل العبارة "ولكن اسقني" فالتقى فيها ساكنان: نون لكن، وسين اسقني، وكان الأصل في التخلص من هذين الساكنين أن يكسر نون لكن، ولكن الشاعر حذفها هنا للتخلص من التقاء الساكنين حين اضطر لإقامة الوزن؛ قال الأعلم "حذف النون من لكن لاجتماع الساكنين ضرورة لإقامة الوزن وكان وجه الكلام أن يكسر لالتقاء الساكنين، شبهها في الحذف بحروف المد واللين إذا سكنت وسكن ما بعدها، وذلك نحو يغز العدو، ويقض الحق، ويخش الله، ولما استعمل محذوفًا نحو لم يك ولا أدر" ا. هـ.
[433] هذا البيت هو البيت السبعون من معلقة امرئ القيس بن حجر الكندي "انظر شرح التبريزي ص69" والبيت من شواهد سيبويه "1/ 335" ولكنه روى صدره "أحار ترى برقا" وابن جني في الخصائص "1/ 96" ولكنه روى صدره "أعني على برق أريك وميضه" و"حار" في رواية سيبويه يريد به "حارث" فحذف الثاء، و"صاح" في رواية المؤلف يريد به "صاحبي" فحذف ياء المتكلم وحذف آخر المضاف أيضا، وترى: يريد أترى -بهمزة الاستفهام- إلا أنه لما كان حرف الاستفهام في صورة حرف النداء الذي استعمله وهو الهمزة، وكان حرف النداء يؤدّي من التنبيه وتحريك المخاطب مثل ما يؤديه حرف الاستفهام اكتفى بحرف النداء والوميض -بفتح الواو- اللمع، والحبي -بفتح الحاء وتشديد الياء- وهو السحاب المعترض بالأفق، والمكلل: المتراكب بعضه فوق بعض، وقوله: "في حبي" متعلق بوميضه. ومحل الاستشهاد في رواية المؤلف قوله "أصاح" فإن هذه الكلمة مؤلفة من حرف النداء وهو الهمزة ومنادى مضاف لياء المتكلم وقد رخّمه الشاعر بحذف ياء المتكلم، وحذف حرف من أصل الكلمة، وأصله صاحبي، ونظيره في ذلك قول الشاعر:
صاح هل ريت أو سمعت براع ... رد في الضرع ما قرى في العلاب
وقول الآخر:
صاح شمر، ولا تزال ذاكر المو ... ت؛ فنسيانه ضلال مبين
وجاء على هذا الغرار قول أبي العلاء المعرى:
صاح هذي قبورنا تملا الرحـ ... ـب فأين القبور من عهد عاد؟
يريد هؤلاء الشعراء "يا صاحبي" فحذفواياء المتكلم، ثم استتبعواذلك الحذف حذف الياء التي هي آخر حروف الكلمة الأصلية، وقد حذفوامع ذلك حرف النداء وهذا الترخيم شاذ، ولا يكون مثله عند البصريين إلا في ضرورة الشعر، لما علمت "في المسألة 48" من أنهم لا يجيزون ترخيم الاسم المضاف، فارجع إلى المسألة التي أحلناك عليها لتعلم حقيقة الأمر.(2/562)
أراد "صاحبي" فحذف الباء والياء؛ فكذلك ههنا، وبل أولى، وذلك من وجهين:
أحدهما: أن الواو والياء حرفا علة، والنون من "لكن" والباء من "صاحب" حرف صحيح، والمعتل أضعف من الصحيح؛ فإذا جاز حذف الأقوى لضرورة الشعر فحذف الأضعف أولى.
والثاني: أنه قد حذف حرفين للضرورة -وهما الباء والياء من صاحبي- وإذا جاز حذف حرفين للضرورة فحذف حرف واحد أولى.
وأما قولهم: "إنهم زادواالواو والياء تكثيرًا للاسم، كما زادواالواو في ضَرَبْتُهُو" قلنا: هذا فاسد؛ لأن "هو" ضمير المرفوع المنفصل، والهاء في "ضربتهو" ضمير المنصوب المتصل، وقد بينَّا أن ضمير المرفوع المنفصل لا يجوز أن يكون على حرف واحد، بخلاف ضمير المنصوب المتصل؛ لأن ضمير المرفوع المنفصل يقوم بنفسه؛ فلا بد من حرف يبتدأ به وحرفٍ يوقف عليه، بخلاف ضمير المنصوب المتصل؛ لأنه لا يقوم بنفسه، ولا يجب فيه ما وجب في ضمير المرفوع المنفصل.
والذي يدل على أنها ليست كالواو في "أكْرَمْتُهُو" أنه لا يلزم تسكنيها كما يلزم تسكينها في "أكرمتهو" ولا يجوز تحريك الواو في "أكرمتهو" كما يجوز في "هو قائم" ولو كانا بمنزلة [واحدة] لوجب أن يُسَوَّى بينهما في الحكم، والله أعلم.
__________
= وأما في رواية سيبويه فالاستشهاد به في قوله "أحار" حيث أراد "يا حارث" فرخم بحذف الثاء، وهو عند سيبويه قليل بالنسبة لترك الترخيم، قال "واعلم أن الأسماء التي ليس في أواخرها هاء ألا يحذف منها أكثر؛ لأنهم كرهواأن يخلوابها فيحملواعليها حذف التنوين وحذف حرف لازم للاسم لا يتغير في الوصل ولا يزول، وإن حذفت فحسن، وليس الحذف لشيء من هذه الأسماء ألزم منه لحارث ومالك وعامر، وذلك لأنهم استعملوها كثيرًا في الشعر وأكثرواالتسمية بها للرجال" ا. هـ. ومن ترخيم حارث -غير بيت الشاهد- قول مهلهل بن ربيعة:
يا حار لا تجهل على أشياخنا ... إنا ذوو الثورات والأحلام
وقول الآخر:
يا حار لا أرمين منكم بداهية ... لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك(2/563)
97- مسألة: [القول في هل يقال "لَوْلَايَ" و"لَوْلَاكَ"؟ وموضع الضمائر] 1
ذهب الكوفيون إلى أن الياء والكاف في "لولاي، ولولاك2" في موضع رفع، وإليه ذهب أبو الحسن الأخفش من البصريين. وذهب البصريون إلى أن الياء والكاف في موضع جرٍّ بلولا. وذهب أبو العباس المُبَرِّد إلى أنه لا يجوز أن يقال "لولاي، ولولاك" ويجب أن يقال "لولا أنا، ولولا أنت" فيؤتى3 بالضمير المنفصل كما جاء به التنزيل في قوله: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31] ولهذا لم يأتِ في التنزيل إلا منفصلًا.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن الياء والكاف في موضع رفع لأن الظاهر الذي قام الياء والكاف مقامه رَفْعٌ بها على مذهبنا، وبالابتداء على مذهبكم؛ فكذلك ما قام مقامه.
قالوا: ولا يجوز أن يقال "هذا يبطل بعسى؛ فإن عسى تعمل في المظهر الرفع وفي المكنيِّ النصب" لأنا نقول: الجواب على هذا من ثلاثة أوجه؛ أحدها: أنا لا نسلم أنها تنصب المكني، وإنما هو في موضع رفع بعسى، فاستعير للرفع لفظ النصب في عسى، كما استعير لفظ الجر في "لولاي، ولولاك" وإليه ذهب الأخفش من أصحابكم. والوجه الثاني: أن الكاف في موضع نصب بعسى، وأن اسمها مضمر فيها، وإليه ذهب أبو العباس المُبَرِّد من أصحابكم. والوجه الثالث: أنا نسلم4 أنه في موضع نصب، ولكن لأنها حملت على "لعلَّ" فجعل لها اسم منصوب وخبر مرفوع، وهو ههنا مقدر، وإنما حملت على "لعلَّ" لأنها في
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح ابن يعيش على المفصل "ص437" وشرح الكافية للرضي "2/ 18" وشرحنا المطول على شرح الأشموني "3/ 192-199" وشرح الأشموني بحاشية الصبان "2/ 181".
2 ومثل الكاف التي للمخاطب والياء التي للمتكلم الهاء التي للغائب في نحو "لولاه".
3 في ر "فيأتي".
4 في مطبوعة أوروبا "والوجه الثالث أنا لا نسلم.... إلخ" وزيادة لا واضحة.(2/564)
معناها، ألا ترى أن "عسى" فيها معنى الطمع، كما أن لعل فيها معنى الطمع، فأمَّا "لولا" فليس في حروف الخفض ما هو بمعناه فيحمل عليه، فبان الفرق بينهما، ولأنه لو كان المكني في موضع خفض لكنا نجد اسمًا ظاهرًا مخفوضًا بلولا؛ لأنه ليس في كلام العرب حرف يعمل الخفض في المكني دون الظاهر؛ فلو كانت مما يخفض لما كان يخلو أن يجيء ذلك في بعض المواضع أو في الشعر الذي يأتي بالمستجاز، وفي عدم ذلك دليل على أنه لا يجوز أن تخفض اسمًا ظاهرًا ولا مضمرًا؛ فدل على أن الضمير بعد "لولاك" في موضع رفع.
يدل عليه أن المكنيّ كما يستوي لفظه في النصب والخفض نحو "أكرمتك، ومررت بك" فقد يستوي لفظه أيضا في الرفع والخفض نحو "قمنا، ومر بنا" فيكون لفظ المكنيّ في الرفع والخفض واحدًا، وإذا كان كذلك جاز أن تكون الكاف في موضع "أنت" رفعًا.
قالوا: ولا يجوز أن يقال "لو كان الرفع محمولًا على الجر في لولاك لوجب أن يُفْصَلَ بين المكنيّ المرفوع والمجرور في المتكلم كما فصل بين لفظ المكني المنصوب والمجرور في المتكلم نحو: أكرمني، ومرّ بي: لأنّا نقول: النون في المنصوب لم تدخل لتفصل بين المكني المنصوب والمكني المخفوض، وإنما دخلت النون في المكني المنصوب لاتصاله بالفعل؛ فلو لم يأتوابهذه النون لأدّى ذلك إلى أن يكسر الفعل لمكان الياء؛ لأن ياء المتكلم لا يكون ما قبلها إلا مكسورا؛ والفعل لا يدخله الكسر؛ لأنه إذا لم يدخله الجر -وهو غير لازم؛ استثقالًا له- فلأن لا يدخله الكسر الذي هو لازم استثقالًا له كان ذلك من طريق الأولى. وأما المكني المخفوض فلم تدخله هذه النون لأنه يتصل بالحرف، والحرف لا يلزم أن تدخل عليه هذه النون، و"لولا" حرف؛ فلهذا المعنى لم تدخل عليه هذه النون.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن المكني في "لولاي، ولولاك" في موضع جر لأن الياء والكاف لا تكونان علامة مرفوع، والمصير إلى ما لا نظير له في كلامهم محال؛ ولا يجوز أن يتوهم أنهما في موضع نصب؛ لأن "لولا" حرف، وليس بفعل له فاعل مرفوع فيكون الضمير في موضع نصب، وإذا لم يكن في موضع رفع ولا نصب وجب أن يكون في موضع جر.
قالوا: فلا يجوز أن يقال: "إذا زعمتم أن لولا تخفض الياء والكاف فحروف الخفض لا بد أن تتعلق بفعل فبأي فعل تتعلق؟ " لأنا نقول: قد تكون الحروف في موضع مبتدأ لا تتعلق بشيء كقولك "بحسبك زيد" ومعناه حسبك، قال الشاعر:
[100]
بحسبك في القوم أن يعلموا ... بأنك فيهم غني مضرّ(2/565)
وكقولهم: "هل من أحد عندك" أي هل أحد عندك؟ قال الله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] أي ما لكم إله غيره، ولهذا كان {غَيْرُهُ} مرفوعًا في قراءة من قرأ بالرفع؛ فموضعها رفع بالابتداء وإن كانت قد عملت الجر، وكذلك "لولا" إذا عملت الجر صارت بمنزلة الباء في "بحسبك" ومن في "هل من أحد عندك" ولا فرق بينهما.
والصحيح ما ذهب إليه الكوفيون.
وأما الجواب عن كلمات البصريين: أما قولهم: "إن الياء والكاف لا يكونان علامة مرفوع" قلنا: لا نسلم؛ فإنه قد يجوز أن تدخل علامة الرفع على الخفض، ألا ترى أنه يجوز أن يقال "ما أنا كأنت" وأنت: من علامات المرفوع، وهو ههنا في موضع مخفوض، فكذلك ههنا؛ الياء والكاف من علامات المخفوض، وهما في "لولاي، ولولاك" من علامات المرفوع.
والذي يدل على أن "لولا" ليس بحرف خفض أنه لو كان حرف خفض لكان يجب أن يتعلق بفعل أو معنى فعل، وليس له ههنا ما يتعلق به.
قولهم: "قد يكون الحرف في موضع مبتدأ لا يتعلق بشيء" قلنا: الأصل في حروف الخفض أن لا يجوز الابتداء بها، وأن لا تقع في موضع مبتدأ، وإنما جاز ذلك نادرًا في حرف زائد دخوله كخروجه كقولهم: "بحسبك زيد، وما جاءني من أحد" لأن الحرف في نية الاطِّراح؛ إذ لا فائدة له، ألا ترى أن قولك "بحسبك زيد، وحسبك زيد" في معنى واحد، وكذلك قولك "ما جاءني من أحد، وما جاءني أحد" في المعنى واحد، فأما الحرف إذا جاء لمعنى ولم يكن زائدًا فلا بد أن يتعلق بفعل أو معنى فعل، ولولا: حرف جاء لمعنى، وليس بزائد؛ لأنه ليس دخوله كخروجه، ألا ترى أنك لو حذفتها لبطل ذلك المعنى الذي دخلت من أجله، بخلاف الباء في "بحسبك زيد" ومن في قولك "ما جاءني من أحد" فبان الفرق بينهما.
ثم لو سلمنا أن الحرف مطلقا إذا وقع في موضع ابتداء لا يتعلق بشيء فلا نسلم ههنا أن الحرف في موضع ابتداء، وقد بيّنّا فساد ذلك فيما قبل.
وأما إنكار أبي العباس المبرد جوازه فلا وَجْهَ له؛ لأنه قد جاء ذلك كثيرا في كلامهم، وأشعارهم، قال الشاعر:
[434]
وأنت امرؤ لولاي طِحْتُ كما هَوَى ... بِأَجْرَامِهِ من قُلَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِي
__________
[434] هذا البيت ليزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي صاحب الشاهد رقم 111 السابق في =(2/566)
...........................................................................
__________
= المسألة22 من نفس القصيد التي منها الشاهد المذكور، وهذا البيت من شواهد سيبويه "1/ 388" وابن يعيش في شرح المفصل "ص437" ورضي الدين في باب الضمير من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "2/ 430" والمبرد في الكامل "2/ 209" وابن جني في الخصائص "2/ 259" والأشموني "رقم 525" وابن عقيل "رقم 200" وشرحه العيني "3/ 262 بها مش الخزانة" وطحت: سقطت وهلكت، ويجوز في الطاء الضم والكسر؛ لأن عين هذا الفعل جاء بالواو وبالياء وإن كانت الياء أكثر، تقول: طاح يطوح كقال يقول، وطاح يطيح كباع يبيع، وهوى: سقط من أعلى إلى أسفل، وهو على وِزَان رمى يرمي، فأما هوي يهوى بمعنى عشق يعشق فوزانه رضي يرضى، والأجرام: جمع جرم، وجرم كل شيء جثته، والقلة ومثلا القنة -بضم القاف وتشديد ما بعدها- أعلى الجبل، والنيق -بكسر النون- أرفع موضع في الجبل، والمنهوي: الساقط. ومحل الاستشهاد من هذا البيت هنا قوله "لولاي" حيث وقع الضمير المتصل الذي أصله أن يكون في محل جر أو محل نصب بعد لولا، ولولا عند جمهرة النحاة حرف من حروف الابتداء تطلب اسمًا ظاهرًا مرفوعًا كما في قول الراجز، وهو عامر بن الأكوع رضي الله عنه:
والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
أو ضميرًا منفصلًا كما في قوله تعالى: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31] وقد اختلف النحاة في مثل "لولاي" أهو جائز أم لا؟ فقال أبو العباس المبرد: هو تعبير غير جائز عربية، فإن وقع في كلما فهو خطأ، وقال غيره من العلماء: هو جائز لوروده في كلام العرب المحتجّ بكلامهم، غير أنه ليس بالمنهج المطرد ولا المهيع المستمر، قال أبوسعيد السيرافي: "ما كان لأبي العباس المبرد أن يسقط الاستشهاد بشعر رجل من العرب قد روى قصيدته النحويون وغيرهم، ولا أن ينكر ما أجمع الجماعة على روايته عن العرب" هـ، ويقول أبو رجاء: وما كان لأبي العباس المبرّد أن ينكر ورود مثل هذا التعبير عن العرب، وهو يروي هذا البيت في الكامل "2/ 209 الخيرية" ويروي قبله بيتًا فيه هذا التعبير، وهو قول رجل من الخوارج لم يعينه، وهو أعشى همدان:
ويوم نجي تلافيته ... ولولاي لاصطلم العسكر
وقد ورد في رجز لرؤبة، وهو قوله:
لولا كما قد خرجت نفساهما
ورؤبة عنده أفصح العرب، وهو ممن لا تنكر فصاحته.
ثم اختلف القائلون بصحة هذا التعبير، ولهم فيه ثلاث مذاهب:
فذهب سيبويه رحمه الله تعالى إلى أن هذه الياء في "لولاي" والكاف في "لولاك" والهاء في "لولاه" في محل جر بلولا، ولولا حينئذ حرف جر، لا حرف ابتداء، ولا تتعلق بشيء وعنده أن لولا على وجهين: الوجه الأول تكون فيه حرف ابتداء وذلك إذا وقع بعدا الاسم الظاهر كما في رجز عامر بن الأكوع، أو وقع بعدها ضمير رفع منفصل كما في الآية الكريمة التي ترونا، والوجه الثاني أن تكون حرف جر لا يتعلق بشيء كما في هذا البيت، قال: "هذا باب ما يكون مضمرا فيه الاسم متحولا عن حاله إذا أظهر بعده الاسم. وذلك =(2/567)
وقال الآخر:
[435]
أَتُطْمِعُ فِينَا مَنْ أَرَاقَ دِمَاءَنَا ... ولولاك لم يَعْرِضْ لأحْسَابِنَا حَسَنْ
__________
= لولاك ولولاي، إذا أضمرت فيه الاسم جر، وإذا أظهرت رفع، ولو جاءت علامة الإضمار على القياس لقلت: لولا أنت، كما قال سبحانه {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31] ولكنهم جعلوه مضمرا مجرورا، والدليل على ذلك أن الياء والكاف لا تكونان علامة مضمر مرفوع، قال الشاعر:
وكم موطن لولاي.. البيت
وهذا قول الخليل ويونس" ا. هـ كلامه.
والمذهب الثاني: مذهب الأَخْفَش والفَرَّاء، وحاصله أن الياء والكاف والهاء في محل رفع بالابتداء، ولولا حرف ابتداء على حالها، وليس لها إلا حال واحدة، ولكن العرب وضعت ضمير الجر في موضع ضمير الرفع، كما عكسوا فوضعوا ضمير الرفع، في موضع ضمير الجر فقالوا: ما أنا كأنت ولا أنت كأنا.
والمذهب الثالث: مذهب الكسائي، وتلخيصه أن الاسم المرتفع بعد "لولا" فاعل بفعل محذوف يدل عليه المقام، وتقدير الكلام: لو لم يكن فعلي، وذلك لأن "لولا" عنده تختص بالفعل، ولم أجد نصًّا صريحًا عنه يمنع وقوع الضمير المتصل بعد لولا أو يجيزه، إلا ما ذكره ابن يعيش استنباطًا في شرح مذهبه حيث يقول "وأما الكسائي فكان يرى ارتفاع الاسم بعد لولا بفعل مضمر، معناه لو لم يكن فعلي، فعلى هذا ينبغي إذا كنى عنه أن تقول: لولا أنا، ولولا أنت، لأن الفعل لم يظهر فتتصل به كنايته، فوجب أن يكون الضمير منفصلا" ا. هـ كلامه بحروفه، وقوله: "فعلى هذا.... إلخ" استنباط من عنده بحسب الأصول والقواعد، ولعل الكسائي يجيز وضع الضمير المتصل في مكان المنفصل المرفوع كالأخفش والفراء، والفرق بينهما هو في العامل في الضمير؛ فالأخفش والفراء يريان أن العامل في الضمير هو الابتداء لأن لولا عندهما لا تكون إلا حرف ابتداء، والكسائي يرى أن العامل في الضمير الفعل المقدر؛ لأن لولا حرف يختص بالفعل فلا يقع بعده إلا الفعل لفظًا أو تقديرًا، وارجع إلى المسألة العاشرة.
[435] ينسب هذا البيت إلى عمرو بن العاص يقوله لمعاوية ابن أبي سفيان في شأن الحسن بن علي، رضي الله عنهم أجمعين، وقبل البيت قوله:
معاوي إني لم أبايعك فلتة ... وما زال ما أسررت مني كما علن
والبيت من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل "ص438" والأشموني "رقم 524" وابن عقيل "رقم 199" وشرحه العيني "3/ 260 بهامش الخزانة" ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "ولولاك" حيث وقع الضمير المتصل الذي حقه أن يكون في موضع الجر أو موضع النصب بعد لولا؛ ومجيء هذا الاستعمال في كلام العرب المحتج بكلامهم يرد أولا على أبي العبا س المبرد الذي أنكر مثل هذا الاستعمال، وللذين يجيزون هذا الاستعمال ثلاثة تخريجات ذكرناها مفصلة في شرح الشاهد السابق، فارجع إليها إن شئت.(2/568)
وقال بعض العرب:
[436]
أَوْمَتْ بعينيها من الهَوْدَج ... لولاك هذا العام لم أَحْجُج
وأما مجيء الضمير المنفصل بعده نحو "لولا أنا ولولا أنت" كما قال تعالى: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31] فلا خلاف أنه أكثر في كلامهم وأفصح، وعدم مجيء الضمير المتصل في التنزيل لا يدل على عدم جوازه، ألا ترى أنه لم يأتِ في التنزيل ترك عمل "ما" في المبتدأ والخبر نحو "ما زيد قائم، وما عمرو منطلق" وإن كانت لغة جائزة فصيحة، وهي لغة بني تميم، قال الشاعر:
[437]
رِكَابُ حُسَيْلٍ أَشْهُرَ الصَّيْفِ بُدَّنٌ ... ونَاقَةُ عمرو ما يُحَلَّ لها رَحْلُ
ثم لم يدل عدم مجيئها في التنزيل على أنها غير جائزة ولا فصيحة؛ فكذلك ههنا، والله أعلم.
__________
[436] هذا البيت من شواهد الزمخشري في المفصل وابن يعيش في شرحه "ص438" ونسبه إلى عمر بن أبي ربيعة، ولا يوجد البيت في أصل ديوانه، ولكنه موجود في زيادات الديوان أول بيتين "انظر الديوان 487 بتحقيقنا" ومن شواهد رضي الدين في شرح الكافية في باب الضمير: وشرحه البغدادي في الخزانة "2/ 429" ونسب قوم بيت الشاهد للعرجي -واسمه عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان- وهو مثل عمر بن أبي ربيعة أحد شعراء قريش الغزليين، وأومت: معناه أشارت، وأصله أومأت، فسهل الهمزة بقلبها ألفا من جنس حركة ما قبلها، ثم حذف هذه الألف للتخلص من التقاء الساكنين معاملة لها معاملة الألف الأصلية في نحو سعت ونهت وسقت وشفت وأبقت وأفنت وتغاضت وتراضت، وما أشبه ذلك، والهودج: مركب من مراكب النساء ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله: "لولاك" حيث وقع الضمير المتصل الذي يكون في محل الجر أو النصب بعد لولا، والقول فيه كالقول في الشاهدين السابقين فلا نطيل الحديث بعد أن فصلنا لك ذلك فيما سبق.
[437] الركاب: الإبل، ولا واحد لها من لفظها، وإنما واحدها راحلة، وأشهر الصيف: مركب إضافي صدره منصوب على الظرفية، والبدن: جمع بادن، وهو الكثير اللحم العظيم البدن، ويقال بادن للمذكر والمؤنث، وربما قيل للمؤنث: بادنة، وكنى بكون ركابه بدنا عن أنها لا تعمل ولا يؤخذ منها شيء من دم أو لبن، وقابله بقوله "ما يحل لها رحل" أي أنها على سفر دائمًا، وحسل: اسم رجل وأصله ولد الثعلب، وحسيل: تصغيره. ومحل الاستشهاد من البيتين قوله: "وما أنت فرع ولا أصل" حيث أهمل "ما" النافية فلم يرفع بها الاسم وينصب الخبر، وإهمالها لغة تميم، وإعمالها لغة أهل الحجاز وهي التي وردت في القرآن الكريم في قوله سبحانه: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31] وقوله: جلت كلمته {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2] وقد علمنا أن القرآن الكريم نزل على الرسول الكريم بلغة قومه وهم أهل الحجاز، فعدم وجود لغة أخرى فيه لا يدل على ضعف هذه اللغة المتروكة، ولا على أنه لا يجوز التكلم بها، نعم الأفصح في الاستعمال هو ما جاء في الكتاب العزيز.(2/569)
98- مسألة: [الضمير في "إياك" وأخواتها] 1
ذهب الكوفيون إلى أن الكاف والهاء والياء من "إيَّاك، وإيَّاه، وإياي" هي الضمائر المنصوبة، وأن "إيا" عماد، وإليه ذهب أبو الحسن بن كَيْسَانَ، وذهب بعضهم إلى أن "إياك" بكماله هو الضمير. وذهب البصريون إلى أن "إيا" هي الضمير والكاف والهاء والياء حروف لا موضع لها من الإعراب. وذهب الخليل بن أحمد إلى أن "إيا" اسم مضمر أضيف إلى الكاف والهاء والياء؛ لأنه لا يفيد معنى بانفراده، ولا يقع معرفة، بخلاف غيره من المضمرات؛ فخص بالإضافة عوضًا عما مُنِعَه، ولا يعلم اسم مضمر أضيف غيره. وذهب أبو العباس محمد بن يزيد المبرد إلى أنه اسم مبهم أضيف للتخصيص، ولا يعلم اسم مبهم أضيف غيره. وذهب أبو إسحاق الزجاج إلى أنه اسم مظهر خُصَّ بالإضافة إلى سائر المضمرات، وأنها في موضع جر بالإضافة.
وحكي أيضًا عن الخليل بن أحمد -رحمه الله- أنه مظهر ناب مناب المضمر. وحكي عن العرب إضافته إلى المظهر في قولهم في المثل "إذا بلغ الرجل الستين فإيَّاه وإيَّا الشَّوَابُ". والذي عليه الأكثرون من الفريقين ما حكيناه عنهما أولًا.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأن هذه الكاف والهاء والياء هي الكاف والهاء والياء التي تكون في حال الاتصال؛ لأنه لا فرق بينهما بوجه ما، إلا أنها لما كانت على حرف واحد وانفصلت عن العامل لم تقم بنفسها فأتى بإيّا لتعتمد الكاف2 والهاء والياء عليها؛ إذ لا تقوم بنفسها، فصارت بمنزلة حرف زائد لا يحول بين العامل والمعمول فيه.
والذي يدل على ذلك لحاق التثنية والجمع لما بعد "إيا" ولزومها لفظًا واحدًا.
__________
1 انظر في هذه المسألة: تصريح الشيخ خالد الأزهري "1/ 122" وشرح الأشموني بحاشية الصبان "1/ 119" وشرح ابن يعيش على المفصل "ص418 وما بعدها" وشرح الرضي على الكافية "2/ 12".
2 في ر "لتعتمد الكاف.... إلخ".(2/570)
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن "إيا" هي الضمير دون الكاف والهاء والياء، وذلك لأنا أجمعنا على أن أحدهما ضمير منفصل، والضمائر المنفصلة لا يجوز أن تكون على حرف واحد؛ لأنه لا نظير له في كلامهم؛ فوجب أن تكون "إيا" هي الضمير؛ لأن لها نظيرا في كلامهم؛ والمصير إلى ما له نظير أولى من المصير إلى ما ليس له نظير؛ ولهذا المعنى قلنا "إن الكاف والهاء والياء حروف لا موضع لها من الإعراب"؛ لأنها لو كانت معربة لكان إعرابها الجر بالإضافة؛ ولا سبيل إلى الإضافة ههنا؛ لأن الأسماء المضمرة لا تضاف إلى ما بعدها؛ لأن الإضافة تُرادُ للتعريف1، والمضمر في أعلى مراتب التعريف؛ فلا يجوز إضافته إلى غيره؛ فوجب أن لا يكون لها موضع من الإعراب.
وأما قول من ذهب من البصريين إلى أنه مضمر أضيف لأنه لا يفيد معنى بانفراده، ولم يقع معرفة فجاز أن يخص بالإضافة -فباطل؛ لأن هذا الضمير ما وقع إلا معرفة، ولم يقع قَطٌّ نكرة.
والذي يدل على ذلك أن علامات التنكير لا يحسن دخولها عليه، بل فيها إبهام تبينه هذه الحروف كالتاء في "أنت" فإن الضمير هو "أن" وهو مبهم، والتاء تبيّنه؛ فإن كانت مفتوحة دلّت على أنه ضمير المذكر، وإن كانت مكسورة دلّت على أنه ضمير المؤنث، فكذلك ههنا: جُعِلَتْ هذه الأحرف مبينة لذلك الإبهام مع كونه معرفة لا نكرة، وكما لا يجوز أن يقال إن "إيا" مضاف إلى التاء؛ فكذلك لا يجوز أن يقال إنَّ "إيا" مضاف إلى الكاف والهاء والياء وإذا حصلت الفائدة بهذه الأحرف لا على جهة الإضافة -ولها نظير في كلامهم- كان أولى من جعل الضمير مضافًا إليها ولا نظيرَ له في كلامهم.
وهذا هو الجواب عن مذهب من ذهب إلى أنه اسم مبهم مضاف؛ لأن المبهم معرفة، والمعرفة لا تضاف؛ لأنه استغنى بتعريفه في نفسه عن تعريف غيره؛ لأن الكَحَلَ يغني عن الكُحْلِ.
وأما مَنْ ذهب إلى أنه اسم مظهر فباطل؛ لأنه لو كان الأمر على ما زعم لما كان يقتصر فيه على ضرب واحد من الإعراب وهو النصب، فلما اقتصر فيه على ضرب واحد من الإعراب وهو النصب دلَّ على أنه اسم مضمر، كما أنه لما اقتصر بأَنَا وأَنْتَ وهُوَ وما أشبهها على ضرب واحد من الإعراب وهو الرفع دلَّ على أنها أسماء مضمرة؛ إذ لا يعلم اسم مظهر اقتصر فيه على ضرب واحد من الإعراب،
__________
1 في ر "تزاد للتعريف".(2/571)
إلا ما اقتصر به من الأسماء على الظرفية نحو "ذاتَ مرة، وبُعَيْدَاتٍ بين" ونوعًا من المصادر نحو "سُبْحَان، ومَعَاذَ". وليس "إيا" ظرفًا ولا مصدرًا فيلحق بهذه الأسماء.
وأما ما حكي عن الخليل من قولهم: "إذا بَلَغَ الرجل الستِّين فإياه وإيّا الشَّوَابّ" فالذي ذكره سيبويه في كتابه أنه لم يسمع ذلك من الخليل، وإنما قال: وحدثني مَنْ لا أتهم عن الخليل أنه سمع أعرابيًّا يقول: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وأيّا الشّواب، وهي رواية شاذة لا يعتد بها، وكأنه لما رأى آخره يتغير كتغير المضاف والمضاف إليه أجراه مجراه.
ثم هذه الرواية حجّة على من يزعم أنه اسم مظهر خُصّ بالإضافة إلى المضمرات؛ لأنه أضاف "إيّا" إلى "الشواب" وهو اسم مظهر.
والذي يدلّ على أنه ليس باسم مُظْهَر أنه لو كان الأمر كذلك لوجب أن يجوز أن يقال: ضربت إياك، كما يقال: ضربت زيدًا؛ فلما لم يجز ذلك دلّ على أنه ليس باسم مظهر.
فأما قول الشاعر:
[438]
بالباعث الوارث الأموات قد ضَمِنَتْ ... إيّاهُمُ الأرض في دَهْرِ الدَّهَارِيرِ
__________
[438] هذا البيت للفرزدق همام بن غالب، من قصيدة له يمدح فيها يزيد بن عبد الملك بن مروان "الديوان ص262-267" وليس لأمية بن أبي الصلت كما قال ابن جني، وقبل البيت المستشهد به قوله:
يا خير حيّ وقت نعل له قدما ... وميت بعد رسل الله مقبور
إني حلفت، ولم أحلف على فند، ... فناء بيت من الساعين معمور
في أكبر الحج حاف غير منتعل ... من حالف محرم بالحج مصبور
والبيت من شواهد الأشموني "رقم 47" وابن عقيل "رقم 15" وأوضح المسالك "رقم 23" وابن جني في الخصائص "1/ 307 و2/ 195" ورضي الدين في باب الضمير من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "2/ 409" وابن الناظم في باب الضمير من شرح الألفية، وشرحه العيني "1/ 274 بهامش الخزانة" ومحل الاستشهاد من البيت قوله: "ضمنت إياهم الأرض" حيث جاء بالضمير منفصلا مع أنه في موضع يمكن الإتيان به متصلا فيقال: "ضمنتهم الأرض" والذي صنعه الشاعر في بيت الشاهد مما لا يجوز إلا في ضرورة الشعر، ومثل هذا البيت قول الشاعر، وينسبونه إلى طرفة بن العبد البكري، ولكنه غير موجود في ديوانه:
أصرمت حبل الوصل؟ بل صرموا ... يا صا ح، بل قطع الوصال هم
وبين هذا البيت والبيت المستشهد به فرق من جهتين: الجهة الأولى أن الضمير في هذا =(2/572)
وقول الآخر:
[439]
إليك حتى بلغت إيَّاكَا
وقول الآخر:
[440]
كأنَّا يوم قُرَّى إنما نَقْتُلُ إِيَّانَا
__________
= البيت ضمير رفع منفصل وفي البيت المستشهد به ضمير نصب منفصل، والجهة الثانية أنه قد فصل بين الضمير وعامله في البيت المنسوب إلى طرفة واتصل الضمير بعامله من البيت المستشهد به، وهذا مما يزيد في قبح الضرورة، فاعرف ذلك.
[439] هذا بيت من الرجز المشطور، وقبله قوله:
أتتك عنس تقطع الأراكا
والبيت من شواهد سيبويه "1/ 383" ونسبه الأعلم إلى حميد الأرقط، ومن شواهد ابن يعيش في شرح المفصل "ص424" وتعرض البغدادي لشرحه أثناء شرح الشاهد 385 من شواهد الكافية، وهو الشاهد الآتي، وممن استشهد به ابن جني في الخصائص "1/ 307 و2/ 194" والعنس -بفتح فسكون- الناقة الشديدة القوية على السير، وقوله: "تقطع الأراك" أراد تقطع الأرضين التي هي منابت الأراك، والأراك -بوزن السحاب- العود الذي يساك به. ومحل الاستشهاد بالبيت قوله: "بلغت إياك" حيث جاء بالضمير المنفصل في المكان الذي يكون فيه الضمير المتصل، وكان من حق العربية عليه أن يقول "حتى بلغتك" وكان الزجاج يذهب إلى أن "إياك" في هذا البيت ليس مفعولا لبلغت، ولكنه توكيد لضمير متصل محذوف يقع مفعولا لبلغت، وأصل الكلام على هذه "بلغتك إياك" وهو تخلص من ضرورة بالوقوع في ضرورة أخرى؛ لأن حذف المؤكد وبقاء التوكيد مما لا يجوز؛ لأنه يفوت الغرض الذي سيق إليه الكلام.
[440] قد اختلف العلماء في نسبة هذا البيت، فنسبه سيبويه "1/ 383" إلى بعض اللصوص ولم يعين اسمه، ورواه في "1/ 271" وقال قبل إنشاده "وحدثني أبو الخطاب أنه سمع من يوثق بعربيته من العرب ينشد هذا البيت" ونسبه ابن جني في الخصائص "2/ 194" لأبي بجيلة، ونسبه ابن الشجري في أماليه "1/ 32 ط مصر" إلى ذي الإصبع العدواني، والبيت بعد ذلك من شواهد رضي الدين في باب الضمير من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في خزانة الأدب "2/ 406" والزمخشري في المفصل ونسبه -كما في كتاب سيبويه- إلى بعض اللصوص، وابن يعيش في شرحه "ص423" ونسبه إلى ذي الإصبع العدواني، وقرّى -بضم القاف وتشديد الراء مفتوحة- موضع في بلاد بني الحارث بن كعب، وقوله: "نقتل إيانا" شبه فيه أعداءهم الذين أوقعوا فيهم القتل بأنفسهم في السيادة والحسن، يدلك على هذا قوله بعد بيت الشاهد:
قتلنا منهم كل ... فتى أبيض حسانا
يرى يرفل في برديـ ... ـن من أبراد نجرانا
ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله: "نقتل إيانا" وقد أراد المؤلف بإيراد هذا الشاهد هنا أن يقول: إنه وضع الضمير المنفصل المنصوب في موضع الضمير المتصل المنصوب، =(2/573)
فهو من ضرورة الشعر التي لا يجوز استعمالها في اختيار الكلام.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إن الكاف والهاء والياء ههنا هي التي تكون في حالة الاتصال" قلنا: لا نسلم؛ فإنها وإن كانت مثلها في اللفظ إلا أنها تخالفها؛ لأن الكاف والهاء والياء ههنا حروف وهناك أسماء، وصار هذا كالتاء في "أنت" فإنها في اللفظ مثل التاء في "قمت" وإن كانت التاء في "أنت" حرفا والتاء في "قمت" اسما، وكما لا يجوز أن يقال إن التاء في "أنت" اسم؛ لأنها مثل التاء في "قمت" فكذلك ههنا [و] كما أن الاسم المضمر في "أنت" أنْ وحدها والتاء لمجرد الخطاب وليست عمادًا للتاء؛ فكذلك "إيّا" هي الاسم المضمر وحدها، وليست عمادًا للكاف والهاء والياء.
ثم لو كان الأمر كما زعموا لكان ذلك يؤدي إلى أن يعمد الشيء بما هو أكثر منه، وأن يكون الأكثر عمادا للأقل وتبعا له، وهذا لا نظير له في كلامهم.
والذي يدل على أن هذه الكاف والهاء والياء ليست هي التي تكون في حالة الاتصال أن هذه الأحرف ههنا ضمائر منفصله، وتلك ضمائر متصلة، والضمائر المنفصلة ينبغي أن يكون لفظها مخالفا للفظ الضمائر المتصلة، كما أن لفظ المضمرات المرفوعة المنفصلة مخالف للفظ الضمائر المرفوعة المتصلة، وليس شيء منها معمودًا، فكذلك ههنا.
__________
= وكان عليه على هذا -أن يقول "إنما نقتلنا" ولكنه لو قال "إنما نقتلنا" لكان خطأ؛ لأنه لا يجوز أن يكون فاعل الفعل ومفعوله ضميرين لشيء واحد، لا تقول "ضربتني" ولا "ضربتك" بتاء المخاطب، ولا "زيد ضربه" على أن يكون في ضرب ضمير مستتر يعود إلى زيد، وتكون الهاء أيضا عائدة إلى زيد، وإذا أريد هذا المعنى جيء بلفظ النفس فجعل مفعولًا به، فيقال "ضربت نفسي" و"أكرمت نفسي" و"ضربت نفسك" و"أكرمت نفسك" و"زيد أكرم نفسه" ويستثنى من هذه القاعدة أفعال القلوب وفعلان آخران -وهما عدم وفقد- تقول "ظننتني، وخلتني، وعدمتني، وفقدتني"، فلو أراد الشاعر أن يأتي بالكلام على الطريق المستعمل في كلام العرب كان يقول: "إنما نقتل أنفسنا" قال الأعلم "وفصل الضمير من الفعل ضرورة، وكان الوجه نقتلنا، والأصل في هذا أن يستغنى فيه بالنفس فيقال: نقتل أنفسنا، فوضع إيّانا، موضع ذلك" ا. هـ. وأحسن مما قال الأعلم قول ابن يعيش "الشاهد فيه وضع إيانا موضع الضمير المتصل، إلا أنه أسهل من قول حميد الأرقط:
حتى بلغت إياك
وذلك لأنه لا يمكنه أن يأتي بالمتصل فيقول نقتلنا لأنه يتعدى فعله إلى ضميره المتصل، فكان حقه أن يقول: نقتل أنفسنا، لأن المنفصل والنفس يشتركان في الانفصال ويقعان بمعنى، فلما كان المتصل لا يمكن وقوعه هنا لما ذكرناه، وكان النفس والمنفصل مترادفين استعمل أحدهما في موضع الآخر" ا. هـ.(2/574)
وأما استدلالهم على أن "إيا" عماد بلحاق التثنية والجمع لما بعدها فيبطل بأنت؛ فإنا أجمعنا على أن الضمير منه "أن" والتثنية والجمع يلحقان ما بعده وهو التاء، ولا خلاف أن "أن" ليست عمادا للتاء، وأن التاء ليست هي الضمير، فكذلك ههنا؛ وهذا لأن الحروف إذا زيدت للدلالة على الأشخاص جاز أن تلحقها علامة التثنية والجمع؛ لأنها لما كانت دلالة على المخاطب والغائب والمتكلم لم يكن بُدٌّ من لحاق علامة التثنية والجمع بها.
على أنا نقول: إن "إياكما، وإياكم" ليس بتثنية لمفرد ولا جمع على حد التثنية والجمع، وإنما "إياكما" صيغة مرتجلة للتثنية، و"إياكم" صيغة مرتجلة للجمع، وكذلك "أنتما، وأنتم" ليس بتثنية ولا جمع على حد التثنية والجمع، وإنما "أنتما" صيغة مرتجلة للتثنية، و"أنتم" صيغة مرتجلة للجمع، وكذلك حكم كل اسم مضمر واسم إشارة واسم صِلَةٍ. وسنبين هذا في اسم الصلة مستقصى إن شاء الله تعالى.
وأما مَنْ ذَهَبَ إلى أنه بكماله المضمر فليس بصحيح، وذلك لأن الكاف في "إياك" بمنزلة التاء في "أنت".
والذي يدل على ذلك أن الكاف في إياك" تفيد الخطاب، كما أن التاء في "أنت" تفيد الخطاب، وأن فتحة الكاف تفيد المذكر، كما أن فتحة التاء في "أنت" تفيد خطاب المذكر، وأن كسرة الكاف تفيد خطاب المؤنث، كما أن كسرة التاء تفيد خطاب المؤنث، فكما أن التاء ليست من المضمر الذي هو "أن" في "أنت" وإنما هي لمجرد الخطاب، ولا موضع لها من الإعراب؛ فكذلك الكاف ليست من المضمر الذي هو "إيا" في "إياك" وإنما هي لمجرد الخطاب، ولا موضع لها من الإعراب، وإذا لم تكن الكاف في "إياك" من المضمر كما لم تكن التاء في "أنت" من المضمر، واستحال أن يقال إنَّ "أنت" بكماله هو المضمر؛ فكذلك يستحيل أن يقال إن "إياك" بكماله هو المضمر، والله أعلم.(2/575)
99- مسألة: [المسألة الزنبورية] 1
ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز أن يقال "كنت أظن أن العقرب أشد لَسْعَةً من الزُّنْبُورِ فإذا هو إياها". وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز أن يقال: "فإذا هو إياها". ويجب أن يقال: "فإذا هو هي".
أما الكوفيون فاحتجوا بالحكاية المشهورة بين الكسائي وسيبويه، وذلك أنه لما قدم سيبويه على البرامكة، فطلب أن يجمع بينه وبين الكسائي للمناظرة؛ حضر سيبويه في مجلس يحيى بن خالد وعنده وَلَدَاهُ جعفر والفضل ومن حضر بحضورهم من الأكابر، فأقبل خلف الأحمر على سيبويه قبل حضور الكسائي، فسأله عن مسألة، فأجابه سيبويه، فقال له الأحمر: أخطأت، ثم سأله عن ثانية فأجابه فيها، فقال له: أخطأت، ثم سأله عن ثالثة، فأجابه فيها، فقال له: أخطأت، فقال له سيبويه: هذا سُوءُ أدب، قال الفراء: فأقبلت عليه وقلت: إن في هذا الرجل عجلة وحدّة، ولكن ما تقول في من قال "هؤلاء أبُونَ، ومررت بَأبينَ" كيف تقول على مثال ذلك من "وأيت" و"أويت" فقدَّر فأخطأ، فقلت: أعِدِ النظر، فقدّر فأخطأ، فقلت: أعِدِ النظر، فقدّر فأخطأ، ثلا ث مرات يجيب ولا يصيب. فلما كثر ذلك عليه قال: لا أكلمكما أو يحضر صاحبكما حتى أناظره، قال: فحضر الكسائي فأقبل على سيبويه فقال: تسألني أو أسألك؟ فقال: بل تسألني أنت، فأقبل عليه الكسائي فقال: كيف تقول: كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي، أو فإذا هو إيَّاهَا؛ فقال سيبويه: فإذا هو هي، ولا يجوز النصب؟ فقال له الكسائي: لحنت، ثم سأله عن مسألة من هذا النحو نحو "خرجت فإذا عبد الله القائم، والقائم" فقال سيبويه في ذلك بالرفع دون النصب، فقال الكسائي: ليس هذا من كلام العرب، والعرب ترفع ذلك كله وتنصبه، فدفع
__________
1 انظر في هذه المسألة: مغني اللبيب لابن هشام "ص88-92" فقد فصل المسألة وخرج المثال موضع الخلاف تخريجا دقيقا.(2/576)
ذلك سيبويه، ولم يجز فيه النصب، فقال له يحيى بن خالد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما فمن ذا يحكم بينكما؟ فقال له الكسائي: هذه العرب ببابك قد اجتمعت من كل أوب؛ ووفدت عليك من كل صُقْع، وهم فصحاء الناس، وقد قنع بهم أهل المِصْرضين، وسمع أهل الكوفة والبصرة منهم؛ فيحضرون ويسألون، فقال له يحيى وجعفر: قد أنصفت، وأمر بإحضارهم، فدخلوا وفيهم أبو فَقْعَس وأبو زياد وأبو الجراح وأبو ثَرْوَان، فسئلوا عن المسائل التي جرت بين الكسائي وسيبويه، فوافقوا الكسائي، وقالوا بقوله، فأقبل يحيى على سيبويه فقال: قد تسمع، وأقبل الكسائي على يحيى: وقال أصلح الله الوزير! إنه وَفَدَ عليك من بلده مؤملًا، فإن رأيت أن لا ترده خائبًا، فأمل له بعشرة آلاف درهم، فخرج وتوجه نحو فارس، وأقام هناك، ولم يعد إلى البصرة.
فوجه الدليل من هذه الحكاية أن العرب وافقت الكسائي، وتكلمت بمذهبنا، وقد حكى أبو زيد الأنصارى عن العرب "قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو إياها" مثل مذهبنا؛ فدل على صحة ما ذهبنا إليه.
وأما من جهة القياس فقالوا: إنما قلنا ذلك لأن "إذا" إذا كانت للمفاجأة كانت ظرف مكان، والظرف يرفع ما بعده، وتعمل في الخبر عمل وَجَدْتُ؛ لأنها بمعنى وجدت.
وقد قال أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب: إن "هو" في قولهم "فإذا هو إياها" عماد، ونصبت "إذا لأنها بمعنى وَجَدْتُ على ما قدمناه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز إلا الرفع لأن "هو" مرفوع بالابتداء، ولا بد للمبتدأ من خبر، وليس ههنا ما يصلح أن يكون خبرا عنه، إلا ما وقع الخلاف فيه، فوجب أن يكون مرفوعا، ولا يجوز أن يكون منصوبا بوجه ما؛ فوجب أن يقال "فإذا هو هي" فهو: راجع إلى الزنبور لأنه مذكر، وهي: راجع إلى العقرب لأنه مؤنث.
أما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما ما رووه عن العرب من قولهم: "فإذا هو إياها" فمن الشاذ الذي لا يُعْبَأ به كالجزم بلن والنصب بلم وما أشبه ذلك من الشواذ التي تخرج عن القياس، على أنه قد روي أنهم أُعْطُوا على متابعة الكسائي جُعْلًا؛ فلا يكون في قولهم حجة لتطرق التهمة في الموافقة.
وأما قولهم: "إن إذا إذا كانت للمفاجأة كانت بمنزلة وَجَدْتُ" فباطل؛ لأنها إن كانت بمنزلة وجدت في العمل فوجب أن يرفع بها فاعل وينصب بها مفعولان كقولهم "وجدت زيدًا قائمًا" فترفع الفاعل وتنصب المفعولين، وإن قالوا إنها بمعنى(2/577)
وجدت، ولا تعمل عملها كما أن قولهم: "حَسْبُكَ زيدٌ" بمعنى الأمر وهو اسم وليس بفعل، وكقولهم: "أحسن بزيد" لفظه لفظ الأمر وهو بمعنى التعجب، وكقولهم: "رحم الله فلانا" لفظه لفظ الخبر وهو في المعنى دعاء، وكقوله تعالى في قراءة من قرأ بالرفع: {لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] لفظه لفظ الخبر والمراد به النهي، وكقوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] أي: انْتَهُوا، لفظه لفظ الاستفهام والمراد به الأمر، وكقوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: 75] لفظه لفظ الأمر والمراد به الخبر، وكقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] أي: ليرضعن، لفظه لفظ الخبر والمراد به الأمر، إلى غير ذلك من الأماكن التي لا تحصى كثرة، فكذلك نقول نحن ههنا: "إذا" بمعنى وجدت وهي في اللفظ ظرف مكان، وظرف المكان يجب رفع المعرفتين بعده، فوجب أن يقال "فإذا هو هي".
وإن قالوا "إنها تعمل عمل الظرف وعَمَلَ وجدت؛ فترفع الأول لأنها ظرف وتنصب الثاني على أنها فعل ينصب مفعولين" فباطل؛ لأنهم إن أعملوها عمل الظرف بقي المنصوب بلا ناصب، وإن أعملوها عمل الفعل لزمهم وجود فاعل ومفعولين، وليس لهم إلى إيجاد ذلك سبيل.
وأما قول أبي العباس ثعلب "إن هو في قولهم فإذا هو إياها عماد" فباطل عند الكوفيين والبصريين؛ لأن العماد عند الكوفيين -الذي يسميه البصريون الفَصْلَ- يجوز حذفه من الكلام، ولا يختلّ معنى الكلام بحذفه، ألا ترى أنك لو حذفت العماد الذي هو الفصل من قولك "كان زيد هو القائم" فقلت "كان زيد القائم" لم يختل معنى الكلام بحذفه؛ وكان الكلام صحيحًا، وكذلك سائر الأماكن التي يقع فيها العماد الذي هو الفصل يجوز إثباته وحذفه، ولو حذفته ههنا من قولهم: "فإذا هو إياها" لاختلَّ معنى الكلام وبطلت فائدته؛ لأنه يصير "فإذا إياها" وهذا لا معنى له ولا فائدة فيه؛ فبطل ما ذهبوا إليه. والله أعلم.(2/578)
100- مسألة: [ضمير الفصل] 1
ذهب الكوفيون إلى أن ما يُفْصَلُ به بين النعت والخبر يسمى عمادًا، وله موضع من الإعراب، وذهب بعضهم إلى أن حكمه حكم ما قبله، وذهب بعضهم إلى أن حكمه حكم ما بعده. وذهب البصريون إلى أنه يسمى فصلًا لأنه يَفْصِلُ بين النعت والخبر إذا كان الخبر مضارعًا لنعت الاسم ليخرج من معنى النعت كقولك: "زيد هو العاقل" ولا موضع له من الإعراب.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن حكمه حكم ما قبله لأنه توكيد لما قبله، فتنزل منزلة النفس إذا كان توكيدا، وكما أنك إذا قلت: "جاءني زيد نفسه" كان نفسه تابعًا لزيد في إعرابه، فكذلك العماد، إذا قلت: "زيد هو العاقل" يجب أن يكون تابعًا في إعرابه.
وأما من ذهب إلى أن حكمه حكم ما بعده قال: لأنه مع ما بعده كالشيء الواحد؛ فوجب أن يكون حكمه بمثل حكمه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنه لا موضع له من الإعراب؛ لأنه إنما دخل لمعنى وهو الفصل بين النعت والخبر، ولهذا سمّي فَصْلًا، كما تدخل الكاف للخطاب في "ذلك، وتلك" وتثنّى وتجمع ولا حَظَّ لها في الإعراب و"ما" التي للتوكيد ولا حظّ لها في الإعراب؛ فكذلك ههنا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إنه توكيد لما قبله فتنزل منزلة النفس في قولهم جاءني زيد نفسه" قلنا: هذا باطل؛ لأن المكنيَّ لا يكون
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح ابن يعيش على المفصل "ص430" وشرح الرضي على الكافية "2/ 22" وتصريح الشيخ خالد "1/ 270 وما بعدها" وحاشية الصبان على الأشموني "1/ 262 بولا ق".(2/579)
تأكيد للمظهر في شيء من كلامهم، والمصير إلى ما ليس له نظير في كلامهم لا يجوز أن يُصَار إليه.
وأما قولهم: "إنه مع ما بعده كالشيء الواحد" قلنا: هذا باطل أيضا؛ لأنه لا تعلُّق له بما بعده؛ لأنه كناية عما قبله، فكيف يكون مع ما بعده كالشيء الواحد؟ والله أعلم.(2/580)
101- مسألة: [مراتب المعارف] 1
ذهب الكوفيون إلى أن الاسم المبهم2 -نحو "هذا، وذاك"- أَعْرَفُ من الاسم العلم -نحو زيد، وعمرو"- وذهب البصريون إلى أن الاسم العلم أعرف من الاسم المبهم، واختلفوا في مراتب المعارف؛ فذهب سيبويه إلى أن أعرف المعارف الاسم المضمر؛ لأنه لا يُضْمَرُ إلا وقد عرف؛ ولهذا لا يفتقر إلى أن يوصف كغيره من المعارف، ثم الاسم العلم؛ لأن الأصل فيه أن يوضع على شيء لا يقع على غيره من أُمَّتِهِ3، ثم الاسم المبهم؛ لأنه يعرف بالعين وبالقلب، ثم ما عرف بالألف واللام؛ لأنه يعرف بالقلب فقط، ثم ما أضيف إلى أحد هذه المعارف؛ لأن تعريفه من غيره، وتعريفه على قدر ما يضاف إليه.
وذهب أبو بكر بن السراج إلى أن أعرف المعارف: الاسم المبهم، ثم المضمر، ثم العلم، ثم ما فيه الألف واللام، ثم ما أضيف إلى أحد هذه المعارف، وذهب أبو سعيد السيرافي إلى أن أعرف المعارف: الاسم العلم، ثم المضمر، ثم المبهم، ثم ما عُرِّف بالألف واللام، ثم ما أضيف إلى أحد هذه المعارف.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن الاسم المبهم أعرف من الاسم العلم، وذلك لأن الاسم المبهم يعرف بشيئين: بالعين وبالقلب، وأما الاسم العلم فلا يعرف إلا بالقلب وحده، وما يعرف بشيئين ينبغي أن يكون أعرف مما يعرف بشيء واحد.
قالوا: والذي يدل على صحة ذلك أن الاسم العلم يقبل التنكير، ألا ترى
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح الأشموني بحاشية الصبان "1/ 110 بولاق" وتصريح الشيخ خالد الأزهرى "1/ 112 بولا ق".
2 المراد بالاسم المبهَم ههنا: اسم الإشارة.
3 أمته: المراد به نوعه.(2/581)
أنك تقول: "مررت بزيد الظريف وزيد آخَرَ، ومررت بعمرو العاقل وعمرو آخر" وكذلك إذا ثنَّيت الاسم العلم أو جمعته نكَّرته نحو "زيدان والزيدان، وعمران والعمران، وزيدون، والزيدون، وعمرون، والعمرون" فتدخل عليه الألف واللام في التثنية والجمع، ولا تدخلان إلا على النكرة؛ فدلَّ على أنه يقبل التنكير، بخلاف الاسم المبهم؛ فإنه لا يقبل التنكير؛ لأنك لا تصفه بنكرة في حال من الأحوال، ولا تنكره في التثنية والجمع فتدخل عليه الألف واللام فتقول: الهَاذَانِ؛ فدلّ على أنه لا يقبل التنكير، وما لا يقبل التنكير أعرف مما يقبل التنكير، فتنزل منزلة المضمر، وكما أن المضمر أعرف من الاسم العلم فكذلك المبهم.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن الاسم العلم أعرف من المبهم لأن الأصل في الاسم العَلَم أن يوضع لشيء بعينه لا يقع على غيره من أمته، وإذا كان الأصل فيه أن لا يكون له مشارك أشبه ضمير المتكلم، وكما أن ضمير المتكلم أعرف من المبهم فكذلك ما أشبهه.
والذي أذهب إليه ما ذهب إليه الكوفيون.
وأما الجواب عن كلمات البصريين: أما قولهم: "إن الأصل في الاسم العلم أن يوضع لشيء بعينه لا يقع على غيره" قلنا: وكذلك الأصل في جميع المعارف، ولهذا يقال: حدّ المعرفة ما خص الواحد من الجنس، وهذا يشتمل على جميع المعارف، لا على الاسم العلم دون غيره، على أنَّا نسلم أن الأصل في الاسم العلم ما ذكرتموه، إلا أنه قد حصل فيه الاشتراك، وزال عن أصله وَضْعِهِ، ولهذا افتقر إلى الوصف، ولو كان باقيا على الأصل لما افتقر إلى الوصف؛ لأن الأصل في المعارف أن لا توصف؛ لأن الأصل فيها أن يقع لشيء بعينه، فلما جاز فيه الوصف دلّ على زوال الأصل، فلا يجوز أن يحمل على المضمر الذي لا يزول عن الأصل ولا يفتقر إلى الوصف في أنه أعرف من المبهم، والله أعلم.(2/582)
مسألة "أي" الموصولة معربة دائما أو مبنية أحيانا؟
...
102- مسألة: ["أي" الموصولة معربة دائما ومبنيّة أحينا؟] 1
ذهب الكوفيون إلى أن "أيهم" إذا كان بمعنى الذي وحذف العائد من الصلة معرب، نحو قولهم: "لأضربن أيُّهم أفضل"، وذهب البصريون إلى أنه مبنيّ على الضم، وأجمعوا على أنه إذا ذكر العائد أنه معرب، نحو قولهم: "لأضربنّ أيهم هو أفضل"، وذهب الخليل بن أحمد إلى أن "أيهم" مرفوع بالابتداء، و"أفضل" خبره، ويجعل "أيهم" استفهامًا، ويحمله على الحكاية بعد قول مقدر، والتقدير عنده: لأضربن الذي يقال له أيُّهُم أفضل، قال الشاعر:
[441]
ولقد أَبِيتُ من الفَتَاةِ بمنزل ... فأَبِيتُ لا حَرِجٌ ولا مَحْرُومُ
__________
[441] هذا البيت للأخطل التغلبي، وهو من شواهد سيبويه "1/ 259 و398" وابن يعيش في شرح المفصل "ص463" ورضي الدين في باب الموصول من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "2/ 533" والحرج -بفتح الحاء وكسر الراء المهملتين- المضيق عليه، والمحروم: الممنوع مما يريده. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "لا حرج ولا محروم" فإن سيبويه رحمه الله خرج هذه العبارة نقلًا عن شيخه الخليل بن أحمد على أن قوله "لا حرج" خبر مبتدأ محذوف ليس ضمير المتكلم وجملة المبتدأ المحذوف وخبره في محل نصب على الحكاية بقول محذوف أيضًا، وتقدير الكلام على هذا: فأبيت مقولًا في شأني: هو لا حرج ولا محروم، قال سيبويه "1/ 259" "وأما قول الأخطل:
ولقد أبيت من الفتاة.... البيت
فزعم الخليل أن هذا ليس على إضمار أنا، ولو جاز هذا على إضمار أنا لجاز "كان عبد الله لا سلم ولا صلح" على إضمار هو، ولكنه -فيما زعم الخليل- فأبيت بمنزلة الذي يقال له: لا حرج ولا محروم، ويقويه في ذلك قوله:
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح الأشموني بحاشية الصبان "1/ 161 بولا ق" وتصريح الشيخ خالد "1/ 162" وشرح ابن يعيش على مفصل الزمخشري "ص462 وما بعدها" وشرح الرضي على الكافية "2/ 53 وما بعدها" ومغني اللبيب لابن هشام "ص77 بتحقيقنا".(2/583)
أي: فأَبِيتُ لا يقال لي هذا حَرِجٌ ولا محروم، وحَذْف القول في كتاب الله تعالى وكلام العرب أكثر من أن يحصى، وذهب يونس بن حبيب البصري إلى أن "أيهم" مرفوع بالابتداء، و"أفضل" خبره، ويجعل "أيهم" استفهامًا، ويعلق "لأضربن" عن العمل في "أيهم" فينزل الفعل المؤثر منزلة أفعال القلوب نحو "علمت أيهم في الدار".
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أنه معرب منصوب بالفعل الذي قبله أنه قد جاء ذلك في كتاب الله تعالى وكلام العرب، قال الله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [مريم: 69] بالنصب، وهي قراءة هارون القارئ ومعاذ الهراء، ورواية عن يعقوب.
قالوا: ولا يجوز أن يقال "إن القراءة المشهورة بالضم هي حجة عليكم" لأنا نقول: هذه القراءة لا حجة لكم فيها، لأن الضمة فيها ضمة إعراب، لا ضمة بناء، فإن "أيهم" مرفوع لأنه مبتدأ وذلك من وجهين:
__________
= فإنما أراد: كانت كلا ب التي يقال لها: خا مري أم عا مر، وقد زعم بعضهم أن رفعه على النفي، كأنه قال: فأبيت لا حرج ولا محروم بالمكان الذي أنا به، وقول الخليل حكا ية لا كان يتكلم به قبل ذل ك، فكأنه حكى ذلك اللفظ، كما قال:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ... بني شا ب قرنا ها تصر وتحلب
أي بني من يقال له ذلك. والتفسير الآخر الذي على النفي كأنه أسهل" ا. هـ كلامه. وقال الأعلم "الشا هد ف يرفع حرج ومحروم، وكان وجه الكلام نصبهما على الحال، ووجه رفعهما عند الخليل الحمل على الحكاية، والمعنى فأبيت كالذي يقال: لا حرج ولا محروم، ولا ي جوز رفعه حملا على مبتدأ مضمر كما لا يجوز كان زيد لا قا ئم ولا قا عد على تقدير لا هو قائم ولا قعد، لأنه ليس موضع تبعيض وقطع، فلذلك حمله على الحكا ية، كما قال بني شا ب قرنا ها، ويجوز رفعه على الابتداء وإضما ر الخبر، على معنى فأبيت لا حرج ولا محروم في المكان الذي أبيت فيه، ثم حذف هذا لعلم السا مع، وإذا نفي أن يكون مبيته حرج أو محروم فهو غير حرج وغير محروم، لأنه في ذلك المكان" ا. هـ كلام بحروفه، وقوله "ولا يجوز رفعه حملا على مبتدأ مضمر" ليس على إطلا قه، بل المرا د أنه لا يجوز رفعه على إضما ر مبتدأ تقديره: لا أنا حرج ولا محروم، من غير تقدير حكا ية كما هو في مطلع كلام سيبويه عن الخليل، وكيف لا يكون على تقدير مبتدأ أصلا والحكا ية إنما تقع في الجمل لا في المفردا ت؟ ولو سلمنا أن الحكا ية بالقول تكن في المفردا ت فما يكون إعراب لا حرج المرفوع؟ وكيف كان يقول من يحكي كلامه؟ وقال الصيرافي عن التخريج الثاني الذي ذكره سيبويه وذكره الأعلم أيضا، وذكر سيبويه أنه أسهل "وهذا التفسير أسهل؛ لأن المحذوف خبر حرج، وهو ظرف، وحذف الخبر في النفي كثير، كقولنا: لا حول ولا قو ة إلا بالله، أي لنا" ا. هـ.(2/584)
أحدهما: أن قوله: {لَنَنْزِعَنَّ} عمل في: {مِنْ} وما بعدها، واكتفى الفعل بما ذكر معه، كما تقول "قتلت من كل قبيل، وأكلت من كل طعام" فيكتفي الفعل بما ذكر معه، فكذلك ههنا: عمل الفعل في الجار والمجرور واكتفى بذلك، ثم ابتدأ فقال: "أيهم أشد" فرفع "أيهم" بأشد كما رفع "أشد" بأيهم، على ما عرف من مذهبنا.
والوجه الثاني: أن الشيعة معناها الأعوان، وتقدير الآية: لننزعن من كل قوم شَايَعُوا فتنظروا أيهم أشد على الرحمن عتيًا، والنظر من دلائل الاستفهام، وهو مُقَدَّر معه، وأنت لو قلت "لأَنْظرنَّ أيهم أشد" لكان النظر معلقًا، لأن النظر والمعرفة والعِلْمَ ونحوهن من أفعال القلوب، وأفعال القلوب يسقط عملهن إذا كان بعدهن استفهام، فدل على أنه مرفوع لأنه مبتدأ.
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه ما حكاه أبو عُمَرَ الجَرْمِي أنه قال: خرجت من الخندق -يعني خندق البصرة- حتى صرت إلى مكة، لم أسمع أحدا يقول "اضرب أيهم أفضل" أي: كلهم ينصبون، وكذلك لم يُرْوَ عن أحد من العرب "اضرب أيهم أفضل" بالضم، فدلَّ على صحة ما ذهبنا إليه.
والذي يدل على فساد قول مَنْ ذهب إلى أنه مبني على الضم أن المفرد من المبنيات إذا أضيف أعرب، نحو قبل وبعد، فصارت الإضافة توجب إعراب الاسم، وأيّ إذا أفردت أعربت، فلو قلنا "إنها إذ أضيفت بنيت" لكان هذا نقضًا للأصول، وذلك محال..
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنها مبنية ههنا على الضم، وذلك لأن القياس يقتضي أن تكون مبنية في كل حال، لوقوعها موقع حرف الجزاء والاستفهام والاسم الموصول كما بنيت "مَنْ، وما" لذلك في كل حالٍ، إلا أنهم أعربوها حملًا على نظيرها، وهو "بَعْض" وعلى نقيضها وهو "كل"، وذلك على خلاف القياس، فلما دخلها نقص بحذف العائد ضعفت فردّتْ إلى أصلها من البناء على مقتضى القياس، كما أن "ما" في لغة أهل الحجاز لما كان القياس يقتضي أن لا تعمل، إذا تقدم خبرها على اسمها أو دخل حرف الاستثناء بين الاسم والخبر ردّ على ما يقتضيه القياس من بطلان عملها، فكذلك ههنا: لما كان القياس يقتضي أن تكون مبنية، لما حذف منها العائد ردّت إلى ما يقتضيه القياس من البناء، يدل عليه أن "أيهم" استعملت استعمالا لم تستعمل عليه أخواتها من حذف المبتدأ معها، تقول: "اضرب أيهم أفضل" تريد أيهم هو أفضل، ولو قلت: "اضرب من أفضل، وكل ما أطيب" تريد من هو أفضل وما هو أطيب لم يجز، فلما(2/585)
خالفت "أي" أخواتها فيما ذكرناه زال تمكنها؛ لأن كل شيء خرج عن بابه زال تمكنه، فوجب أن تبنى إذا استعملت على خلاف ما استعمل عليه أخواتها، كما أن "يا ألله" لما خالفت سائر ما فيه الألف واللام لم يحذفوا ألفه، وكذلك "ليس" لما لم تتصرف تصرف الفعل تركت على هذه الحال، ألا ترى أن أصل "ليس" لَيِس، مثل صَيِدَ البعير، وصَيِدَ البعير يجوز فيه التخفيف فيقال "صَيْدَ البعير" ويجب في ليس التخفيف، ولا يجوز أن يؤتى به على الأصل كما جاز أن يؤتى بصيد على الأصل؛ لأن ليس لم تتصرف تصرف الفعل، بخلاف صيد، ويدل عليه أيضا أنك لو قلت "صَيِدْتَ يا بعيرُ" لوجب أن ترد الفعل إلى أصله من الكسر، ولو قلت "لَيِسْتُ" لم يجز ردّه إلى الأصل، كل ذلك لمخالفته الفعل في التصرف وخروجه عن مشابهة نظائره، فكذلك ههنا: لما خالفت [أيّ] سائر أخواتها وخرجت عن مشابهة نظائرها وجب بناؤها، وإنما وجب بناؤها على الضم لأنهم لما حذفوا المبتدأ من صلتها بَنَوْهَا على الضم، لأنه أقوى الحركات.
والذي يدل على صحة هذا التعليل وأنهم إنما بنوها لخلاف1 المبتدأ أنا أجمعنا على أنهم إذا لم يحذفوا المبتدأ أعربوها ولم يبنوها فقالوا: "ضربت أيَّهُم هو في الدار" بالنصب، وإنما حسن حذف المبتدأ من صلة "أيّ" ولم يحسن حذفه مع غيرها من أخواتها لأن "أي" لا تنفك عن الإضافة، فيصير المضاف إليه عوضًا عن حذف المبتدأ، بخلاف غيرها من أخواتها؛ فلهذا حَسُنَ الحذف مع "أي" دون سائر أخواتها.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما احتجاجهم بقراءة من قرأ {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} [مريم: 69] بالنصب -فهي قراءة شاذة جاءت على لغة شاذة لبعض العرب، ولم يقع الخلاف في هذه اللغة، ولا في هذه القراءة؛ وإنما وقع الخلاف في اللغة الفصيحة المشهورة، والقراءة المشهورة التي عليها قَرَأَة الأمصار "أيهم" بالضم، وهي حجة عليهم.
قولهم: "إن الضمة فيها ضمة إعراب لا الضمة بناء، وإنه مرفوع لأنه مبتدأ لأن قوله: "لننزعن" عمل في من وما بعدها، واكتفى الفعل بما ذكر معه كقولهم: قتلت من كل قبيل" قلنا: هذا خلاف الظاهر؛ لأن قوله: "لننزعن" فعل معتدّ؛ فلا بد أن يكون له مفعول إما مظهر أو مقدر، و"أيّهم" يصلح أن يكون مفعولًا، وهو ملفوظ به مُظْهَر، فكان أولى من تقدير مفعول مقدر.
__________
1 كذا، وأظن أصل العبارة "لحذف المبتدأ".(2/586)
وأما قولهم: "إن تقدير الآية فتنظروا أيهم أشد" قلنا: وهذا أيضا خلاف الظاهر؛ لأنه ليس في اللفظ ما يدل على تقدير هذا الفعل، وقوله: "لننزعن" فعل يصلح أن يكون "أيهم" مفعولًا له، فكان أولى من تقدير فعل لا دليل يدل عليه ولا حاجة إليه.
وأما ما حكي عن أبي عمر الجرمي أنه قال: خرجت من الخندق فلم أسمع أحدا يقول ضَرَبْتُ أيُّهم أفضل، قلنا: هذا يدل على أنه ما سمع "أيهم" بالضم، وقد سمعه غيره.
والذي يدل على صحة هذه اللغة ما حكاه أبو عمرو الشيباني عن غسَّان -وهو أحد من تؤخذ عنه اللغة من العرب -أنه أنشد:
[442]
إذا ما أتيت بني مالك ... فسلّم على أيُّهم أفضل
برفع "أيهم" فدل على أنها لغة منقولة صحيحة لا وجه لإنكارها.
وأما قولهم: "إن المفرد من المبنيّات إذا أضيف أعرب، وأيُّ إذا أفردت
__________
[442] هذا البيت من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل "ص463 و490" ورضي الدين في باب الموصول من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "2/ 522" وابن هشام في مغني اللبيب "رقم 119" وفي أوضح المسالك "رقم 50" والأشموني "رقم 110" وابن عقيل "رقم 33" وشرحه العيني "1/ 346 بهامش الخزانة" والبيت لغسان بن علة بن مرة بن عباد، ويروى "إذا ما لقيت بني مالك" ومحل الاستشهاد به قوله "على أيهم أفضل" فإن الرواية في هذه الكلمة بضم "أيهم" على ما حكاه أبو عمرو الشيباني، ويلزم أن تكون "أي" في هذه العبارة موصولة بمعنى الذي، ويكون "أفضل" خبرا لمبتدأ محذوف، وتقدير الكلام فسلم على الذي هو أفضل؛ ولا يجوز أن تكون "أي" استفهامية مع الضم، لأنه يلزم على هذا محظوران: أحدهما أن يعلق حرف الجر عن العمل في لفظ المجرور لأن أي الاستفهامية غير مبنية، وهذا مما لا يقوله أحد، والثاني أن يخرج اسم الاستفهام عن الصدارة، كما لا يجوز أن تكون أي شرطية، لأن الشرطية لا تبنى على الضم، وهي تستدعي فعل شرط وجوابه، وليس هنا شيء من ذلك، وإذا لم تصلح "أي" أن تكون استفهامية ولا شرطية تعين أن تكون موصولة، ولذلك قال ابن يعيش بعد أن أنشد البيت "وهذا نص في محل النزاع" ا. هـ. وقد تمحل قوم فقالوا: يجوز أن تكون "أي" في هذا البيت استفهامية مبتدأ مرفوعا بالضمة الظاهرة، و"أفضل" خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب مقول لقول محذوف يقع نعتا لمنعوت محذوف، وهذا المنعوت المحذوف هو المجرور بعلى وتقدير الكلام على هذا الوجه: فسلم على شخص مقول فيه: أيهم أفضل، وهذا كلام لا يقضى العجب منه، وهذه المقدرات الكثيرة ما الدليل على حذفها؟ ولو أن ثبوت قواعد اللغة ارتكب في الوصول إليه مثل هذه التمحلات لما ثبتت قاعدة أصلًا.(2/587)
أعربت، فلو قلنا إنها إذا أضيفت بنيت لكان هذا نقضًا للأصول" قلنا: هذا باطل؛ لأن الإضافة إنما تردّ الاسم إلى حال الإعراب إذا استحق البناء في حال الإفراد، فأما إذا كان الموجب للبناء في حال الإضافة لم تُردَّ الإضافة ذلك الاسم إلى الإعراب، ألا ترى أن "لَدُنْ" في جميع لغاتها لما استحقت البناء في حال الإضافة لم تردّها الإضافة إلى الإعراب؛ فكذلك ههنا، وفي "لدن" ثماني لغات، وهي: "لَدُنْ، ولَدَنْ، ولَدَا، ولَدُ، ولَدْنَ، ولَدْنِ، ولَدْ، ولُدْ" وكلها مبنيّة على ما بيّنّا.
وأما ما ذهب إليه الخليل من الحكاية فبعيد في اختيار الكلام، وإنما يجوز مثله في الشعر، ألا ترى أنه لو جاز أن يقال "اضرب الفاسقُ الخبيثُ" بالرفع -أي: اضرب الذي يقال له الفاسق الخبيث، ولا خلاف أن هذا لا يقال بالإجماع.
وأما قول يونس فضعيف؛ لأن تعليق "اضرب" ونحوه من الأفعال لا يجوز لأنه فعل مؤثر؛ فلا يجوز إلغاؤه، وإنما يجوز أن تعلق أفعال القلوب عن الاستفهام، وهذا ليس بفعل من أفعال القلوب؛ فكان هذا القول ضعيفًا جدًّا، والله أعلم.(2/588)
103- مسألة: [هل تأتي ألفاظ الإشارة أسماء موصولة؟] 1
ذهب الكوفيون إلى أن "هذا" وما أشبهه من أسماء الإشارة يكون بمعنى الذي والأسماء الموصولة، نحو "هذا قال ذاك زيد" أي: الذي قال ذاك زيد. وذهب البصريون إلى أنه لا يكون بمعنى الذي، وكذلك سائر أسماء الإشارة لا تكون بمعنى الأسماء الموصولة.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأنه قد جاء ذلك في كتاب الله تعالى وكلام العرب، قال الله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 85] والتقدير فيه: ثم أنتم الذين تقتلون أنفسكم، فأنتم: مبتدأ، وهؤلاء: خبره وتقتلون: صلة هؤلاء، وقال تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النساء: 109] والتقدير فيه: ها أنتم الذين جادلتم عنهم، فأنتم: مبتدأ، وهؤلاء: خبره، وجادلتم: صلة هؤلاء، وقال تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17] والتقدير فيه: ما التي بيمينك، فما: مبتدأ، وتلك: خبرة، وبيمينك: صلة تلك، ثم قال ابن مُفَرِّغ:
[443]
عَدَسْ ما لِعَبَّادٍ عليك إمَارَةٌ ... أَمِنْتِ، وهذا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ
__________
[443] هذا البيت ليزيد بن مفرغ الحميري، وهو من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل "ص492" ورضي الدين في باب الموصول من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "2/ 514" وابن هشام في مغني اللبيب "رقم 715" وفي أوضح المسالك "رقم 55 في باب الموصول، وفي باب الحال" وفي شرح شذور الذهب "رقم 69" وفي شرح قطر الندى "رقم 33" والأشموني "رقم 104" وابن الناظم في باب الموصول من شرح الألفية، وشرحه العيني "1/ 442" وعدس: اسم زجر للبغل ليسرع، قاله الجوهري =
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرحنا المطول على الأشموني "1/ 182 – 185" وشرح الأشموني بحاشية الصبان "1/ 156 بولاق" وتصريح الشيخ خالد الأزهري "1/ 165، 166" وشرح ابن يعيش على المفصل "ص493" وشرح الرضي على الكافية "2/ 55".(2/589)
يريد: والذي تحملين طَلِيق؛ فدلَّ على أن أسماء الإشارة تكون بمعنى الأسماء الموصولة.
عَدَسْ: زَجْر البغل، وهو ههنا اسم لبغلة ابن مُفَرِّغ، وعَبَّاد: اسم وَالي سجستان حينئذ، وكان قد حبسه ثم أطلقه، فركب البغلة وجلس ينشد هذا البيت. وكان الخليل يزعم أن "عدسا" كان رجلا عنيفًا بالبغال في أيام سليمان بن داود، فإذا قيل لها "عدس" انْزَعَجَتْ، وهذا ما لا يعرف في اللغة.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأن الأصل في "هذا" وما
__________
= وغيره، ومنه قول بيهس بن صريم الجرمي:
ألا ليت شعري هل أقولن لبغلتي: ... عدس، بعد ما طال السفار وكلت
وهو مبني على السكون، وربما أعربه الشاعر إذا اضطر، وكما قال بشر بن سفيان الراسبي:
فالله بيني وبين كل أخ ... يقول: أجذم، وقائل: عدسا
وربما سموا البغل نفسه عدس، ومنه قول الراجز:
إذا حملت بزتي على عدس ... على التي بين الحمار والفرس
فلا أبالي من غزا ومن جلس
وقوله في بيت الشاهد: "ما لعباد" أراد به عباد بن زياد والي سجستان في عهد معاوية بن أبي سفيان، وكان يزيد قد هجا عبادًا، ثم أخذه عبيد الله بن زياد أخو عباد فحبسه وعذبه وردّه إلى أخيه عباد، فلما بلغ معاوية ذلك أمر بإخلاء سبيله "إمارة" أي حكم وسلطان "طليق" حر لا يد لأحد عليه؛ لأنه قد أطلق سراحه. ومحل الاستشهاد من البيت قوله "وهذا تحملين طليق" فإن الكوفيين والفراء ينشدون هذا البيت للاستدلال به على أن "هذا" اسم موصول بمعنى الذي، وهو مبتدأ، وجملة "تحملين" لا محل لها من الإعراب صلة الموصول؛ وطليق: خبر المبتدأ، وكأنه قد قال: والذي تحملينه طليق، قال الفراء: "العرب قد تذهب بذا وهذا إلى معنى الذي؛ فيقولون: من ذا يقول ذلك، في معنى: من الذي يقول، وقال يزيد بن مفرغ:
عدس ما لعباد.... البيت
كأنه قال: والذي تحملين طليق" ا. هـ كلامه، ولم يمنعهم من اعتبار ذا موصولة اقتران ها التنبيه بها ولا عدم تقدم ما أو من الاستفهاميتين عليها، مع أن المثال الذي ذكر الفراء أن العرب تقوله قد تقدم فيه على ذا من الاستفهامية ولم يقترن بها فيه حرف التنبيه؛ وأنكر البصريون صحة الاستدلال بهذا البيت على ما ذهب إليه الفراء والكوفيون، ولهم في تخريج البيت ثلاثة تخريجات؛ الأول أن يكون هذا اسم إشارة مبتدأ، وخبره قوله طليق، وجملة تحملين في محل نصب حال من الضمير المستتر في طليق، وكأنه قد قال: وهذا طليق حال كونه محمولا عليك، والثاني: أن يكون هذا اسم إشارة مبتدأ خبره محذوف وجملة تحملين في محل رفع صفة لذلك الخبر المحذوف، وطليق خبر ثان، وكأنه قد قال: وهذا رجل تحملينه طليق، والثالث: أن يكون هذا اسم إشارة مبتدأ، وله نعت هو اسم موصول محذوف وجملة تحملين لا محل لها صلة، وطليق خبر المبتدأ، وكأنه قد قال: وهذا الذي تحملينه طليق.(2/590)
أشبهه من أسماء الإشارة أن تكون دالًّا على الإشارة، و"الذي" وسائر الأسماء الموصولة ليست في معناها؛ فينبغي أن لا يحمل عليها، وهذا تمسك بالأصل واستصحاب الحال، وهو من جمل الأدلة المذكورة، فمن ادَّعى أمرًا وراء ذلك بقي مُرْتَهَنًا بإقامة الدليل، ولا دليل لهم يدل على ما ادَّعوْهُ.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 85] فلا حجة لكم فيه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون "هؤلاء" باقيًا على أصله من كونه اسم إشارة، وليس بمعنى الذي كما زعتم، ويكون في موضع نصب على الاختصاص، والتقدير فيه "أعني هؤلاء" كما قال عليه السلام "سلمان منا أهل البيت" فنصب "أهل" على الاختصاص، والتقدير فيه "أعني أهل البيت" وخبر أنتم: هؤلاء تقتلون1.
والوجه الثاني: أن يكون "هؤلاء" تأكيدا لأنتم، والخبر "تقتلون"، ثم هذا لا يستقيم على أصلكم، فإن "تقتلون" عندكم في موضع نصب؛ لأنه خبر التقريب، وخبر التقريب عندكم منصوب، كقولهم: "هذا زيد القائم" بالنصب، و"هذا زيد قائما" ولو كان صلة لما كان له موضع من الإعراب، وعندنا أنه يحتمل أن يكون في موضع نصب على الحال.
والوجه الثالث: أن يكون "هؤلاء" منادى مفردا، والتقدير فيه "ثم أنتم يا هؤلاء تقتلون" و"تقتلون" هو الخبر، ثم حذف حرف النداء كما قال تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: 29] وكما قال تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} [يوسف: 46] وحذف حرف النداء كثير في كلامهم.
وهذا الذي ذكرناه هو الجواب عن احتجاجهم بقوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ} [النساء: 109] .
وأما قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17] فلا حجة لهم فيه؛ لأن "تلك" معناها الإشارة وليست بمعنى التي، والتقدير فيه: أي شيء هذه بيمينك و"تلك" بمعنى هذه كما يكون "ذلك" بمعنى هذا، قال الله تعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 1، 2] أي: هذا [304] الكتاب، ثم قال الشاعر وهو خُفَافُ بن نَدْبَةَ:
[444]
أقول له والرُّمْحُ يأَطِرُ مَتْنَهُ: ... تأمَّل خُفافًا؛ إنني أنا ذَلِكَا
__________
[444] هذا البيت من كلام خفاف بن ندبة السلمي، وخفاف: بزنة غراب، وندبة: بفتح النون أو =
__________
1 كذا، وأعتقد أن صواب العبارة "وخبر أنتم هو تقتلون" فتنبه.(2/591)
أي: هذا والجار والمجرور في قوله تعالى: {بِيَمِينِكَ} في موضع نصب على الحال كأنه قال: أي شيء هذه كائنة بيمينك.
وأما قول الشاعر:
[443]
.. وهذا تحملين طليق
فلا حجة لهم فيه لأن "تحملين" في موضع الحال، كأنه قال: وهذا محمولًا طليق، ويحتمل أيضا أن يكون قد حذف الاسم الموصول للضرورة، ويكون التقدير: وهذا الذي تحملين طليق، وحذف الاسم الموصول يجوز في الضرورة، قال الشاعر:
445-
لكم مَسٍْجِدَا اللهِ المَزُورَان والحَصَى ... لكم قِبْصُهُ من بين أَثْرَى وأقتَرَا
__________
= ضمها، وهي أمه، وأبوه عمير بن الحارث بن الشريد السلمي، وخفاف ابن عم الخنساء تماضر بنت عمرو بن الشريد، وهو يقول هذا البيت وقد قتل مالك بن حمار سيد بني شمخ بن فزارة، وقبله قوله:
فإن تك خيلي قد أصيب عميدها ... فعمدا على عيني تيممت مالكا
والبيت من شواهد رضي الدين في باب اسم الإشارة من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "2/ 470" وقد أنشده ابن دريد في الاشتقاق "ص309 مصر" وأبو العباس المبرد في الكامل "2/ 285 الخيرية" وابن قتيبة في الشعراء "ص196 أوروبة" وأراد بالعميد الذي أصيب معاوية بن عمرو بن الشريد أخا الخنساء، وتيممت: قصدت، ومالك: هو مالك بن حمار سيد بني شمخ، ومحل الاستشهاد بهذا البيت قوله "أنا ذلكا" أي هذا، والإشارة فيه قد قصد بها تعظيم المشار إليه، أي أنا ذلك الفارس الذي ملأ سمعك ذكره، نزل بعد درجته ورفعة محله وعظيم منزلته منزلة بعد المسافة، ولهذا استعمل مع اسم الإشارة اللام التي للبعد، ومثل هذا قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} .
[445] هذا البيت للكميت بن زيد، وقد أنشده ابن منظور "ق ب ص" ومسجدا الله: أراد بهما مسجد مكة ومسجد المدينة، زادهما الله تعالى شرفًا، وأراد بالحصى العدد العديد من البشر، كما ورد في قول الأعشى:
ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزة للكاثر
والسر في ذلك أنهم كانوا يعدون بالحصى، والقبص -بكسر القاف وسكون الباء وآخره صاد مهملة- أصله مجتمع النمل الكبير الكثير، ثم أطلق على العدد الكثير من الناس. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "من بين أثرى وأقترا" فإن هذا الكلام على تقدير اسم موصول قبل أثرى واسم موصول آخر قبل أقتر، وأصل الكلام من بين من أثرى ومن أقتر، فحذف الموصولين وأبقى صلتيهما، ولا يكون الكلام على تقدير موصول واحد، لأنه يلزم عليه أن يكون الذي أثرى هو نفس الذي أقتر أي افتقر وهو لا يريد ذلك، إنما يريد من بين جميع الناس مثريهم وفقيرهم، ونظير هذا البيت في حذف الموصول وبقاء صلته قول =(2/592)
أراد مَنْ أثرى ومن أقتر، فحذف للضرورة، فكذلك ههنا.
على أنه يجوز عندكم حذف الاسم الموصول في غير ضرورة الشعر؛ ولهذا ذهبتم إلى أن التقدير في قوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ} [النساء: 46] من يحرفون، فحذف "من" وهو الاسم الموصول، وكذلك ذهبتم إلى أن التقدير في قوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5] أي: الذي يحمل أسفارا، وإذا جاز هذا عندكم في القرآن ففي ضرورة الشعر أولى؛ فلا يكون لهم فيه حجة، والله أعلم.
__________
= حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه:
أمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء؟
التقدير: أمن يهجو رسول الله ومن يمدحه وينصره سواء؟ ولا يجوز أن تجعل جملة يمدحه وجملة ينصره معطوفتين على جملة يهجو رسول الله؛ لأنه يلزم عليه أن يكون الذي يهجوه والذي يمدحه واحدا، وهذا غير صحيح، ونظير ذلك قول الآخر:
ما الذي دأبه احتياط وحزم ... وهواه أطاع يستويان
التقدير: ما الذي دأبه احتياط وحزم والذي أطاع هواه، والقول في لزوم هذا التقدير كالقول الذي ذكرناه في بيت حسان.
واعلم أن حذف الموصول وإبقاء صلته قد أجازه الكوفيون والأخفش، واتبعهم ابن مالك في بعض كتبه، واشترط في بعض كتبه لجواز هذا الحذف أن يكون لموصول المحذوف معطوفًا على موصول آخر، وسائر البصريين لا يقرّون ذلك، ويجعلون الحذف من ضرورات الشعر.(2/593)
104- مسألة: [هل يكون للاسم المحلّى بأل صلة كصلة الموصول؟] 1
ذهب الكوفيين إلى أن الاسم الظاهر إذا كانت فيه الألف واللام وُصِلَ كما يوصل الذي. وذهب البصريون إلى أنه لا يوصل.
وأما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأنه قد جاء ذلك في كلامهم واستعمالهم، قال الشاعر:
[446]
لعَمْرِي لأنت البيتُ أُكْرِمُ أَهْلَهُ ... وأَقْعُدُ في أَفْيَائِهِ بالأَصَائل
__________
[446] هذا البيت من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي أولها قوله:
أساءلت رسم الدار أم لم تسائل ... عن السكن، أم عن عهده بالأوائل؟
"انظر ديوان الهذليين 1/ 139-145" والبيت من شواهد رضي الدين في باب الموصول من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "2/ 489" وأنشده المبرد في الكامل "2/ 57 الخيرية" وأكرم: مضارع أكرم، والأفياء: جمع فيء -بفتح فسكون- وهو الظل، وقوله "بالأصائل" الأصائل: جمع أصيل، وهو الوقت الذي قبل غروب الشمس. ومحل الاستشهاد من البيت قوله "لأنت البيت أكرم أهله" فإن الكوفيين يزعمون أن جملة "أكرم أهله" لا محل لها من الإعراب صلة للبيت، وعندهم أن الاسم الجامد المحلّى بأل مثل البيت والدار والفرس مثل الأسماء الموصولة كالتي والذي وفروعهما في الحاجة إلى الصلة.
ويقول أبو رجاء عفا الله تعالى عنه: كأنهم أرادوا أن يجعلوا الجمل الواقعة بعد الاسم المحلّى بأل صفة لذلك الاسم، فمنعهم من ذلك أن الجمل نكرات والمحلّى بأل معرفة، فامتنعوا من جعل الجملة صفة لذلك، ورأوا أن هذه الجملة من تمام الاسم المحلّى بأل كما أن الجملة التي تقع صلة من تمام الاسم الموصول، فقالوا: إن هذه الجملة صلة، يريدون أنها من تمام الاسم المتقدم عليها. أما البصريون فينكرون ذلك ولا يرتضونه لعدة وجوه: =
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح الرضي على الكافية "2/ 35، 36".(2/594)
فقوله: "لأنت" مبتدأ، و"البيت" خبرهُ و"أكرم" صلة الخبر الذي هو البيت، وهذا كثير في استعمالهم.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز ذلك لأن الاسم الظاهر يدل على معنى مخصوص في نفسه، وليس كالذي؛ لأنه لا يدل على معنى مخصوص إلا بصلة توضِّحُهُ؛ لأنه مبهم، وإذا لم يكن في معناه1 فلا يجوز أن يقام مُقَامه.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما احتجاجهم بقوله:
[446]
لعمري لأنت البيت أُكْرِمُ أَهْلَهُ
فلا حجة لهم فيه من وجهين:
أحدهما: أن يكون "البيت" خير المبتدأ الذي هو "أنت" و"أكرم" خبرا آخر، كما تقول: هذا حلو حامض، فحلو: خبر المبتدأ الذي هو هذا وحامض: خبر
__________
= الأول: أن الاسم المحلّى بأل يدل على معنى خاص في نفسه والاسم الموصول لا يدل على معنى خاص في نفسه، وإنما يدل على معنى مبهم، وهذا المعنى المبهم الذي يدل عليه الاسم الموصول يتضح وتظهر حقيقته بواسطة الصلة، وإذا كان الأمر كذلك لم يكن الاسم المحلّى بأل محتاجا إلى الصلة كحاجة الموصول إليها.
والثاني: أن هذا المعنى الذي أرادوه من العبارة المذكورة لا ينحصر الطريق إليه في جعل الجملة صلة، بل يمكن الوصول إليه من غير الطريق الذي سلكوه، وقد ذكر العلماء لذلك طريقين: أحدهما أن تجعل "أنت" مبتدأ، و"البيت" خبرا أول، وجملة "أكرم أهله" في محل رفع خبر ثان، وعلى هذا تكون "ال" الداخلة على البيت لاستغراق الصفات، كالتي في قولهم: أنت الرجل، يريدون أنت الجامع لكل صفات الكمال التي في الرجال، وكأن الشاعر قد قال: أنت البيت الجامع لكل الصفات المحببة في البيوت، ثم أخبر عنه مرة أخرى بقوله "أكرم أهله" والطريق الثاني: أن يكون قوله البيت خبرا لأنت، وجملة "أكرم أهله" صفة للبيت، وعلي هذا تكون أل الداخلة على البيت جنسية، وقد علم أن الاسم المحلى بأل الجنسية قريب من النكرة، فيجوز أن تكون الجملة بعده صفات له، وذلك نظير ما قالوه في قول الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فأمر ثم أقول لا يعنيني
والوجه الثالث: سلمنا أن الطريق إلى المعنى الذي أرادوه منحصر في جعل جملة "أكرم أهله" صلة، لكن لا نسلم أن هذه الجملة صلة للبيت، ولم لا تكون صلة لموصول محذوف يقع صفة للبيت، وأنتم معشر الكوفيين تجيزون حذف الموصول وبقاء صلته، وكأن الشاعر قد قال: لأنت البيت الذي أكرم أهله.... إلخ. وفي هذا القدر كفاية.
__________
1 يريد وإذ لم يكن الاسم المحلى بأل في معنى الموصول.(2/595)
آخر، والمعنى أنه قد جمع الطَّعْمين، ونحوه قول الشاعر:
[447]
من يَكُ ذا بتٍّ فهذا بتِّي ... مُصَيِّفٌ مُقَيِّظٌ مُشَتِّي
تَخِذْتُهُ من نَعَجَاتٍ سِتِّ ... سُودٍ جِعَادٍ من نِعَاجِ الدّشْتِ
فَبَتِّي: خبر المبتدأ الذي هو هذا، ومصيف: خبر ثان، ومقيظ: خبر ثالث، ومشتي: خبر رابع، وإذا جاز أن يكون له أَرْبَعَةُ أخبار جاز أن يكون له خَبَران.
والوجه الثاني: أن يكون "البيت" مبهمًا لا يدل على معهود، و"أكرم" وصفٌ له؛ فكأنه قال: لأنت بيتٌ أكرم أهله، كما يقال: إني لآمر بالرجل غيرك، ومثلك، وخير منك، فيكون "غيرك، ومثلك، وخير منك" -وهي نكرات- أوصافًا للرجل؛ لأنه لما كان مبهما لا يدل على معهود فكأنه قال "إني لآمر برجل غيرك، ومثلك، وخيرٍ منك" كما قال الشاعر:
[201]
ولقد جنيتك أَكْمُؤا وعَسَاقِلَا ... ولقد نهيتك عن بنات الأَوْبَرِ
__________
[447] هذه أربعة أبيات من الرجز المشطور، وأولها وثانيها من شواهد سيبويه "1/ 258" ولم يعزهما ولا عزاهما الأعلم إلى قائل معين، وأربعتها من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل "ص121" واستشهد بأولها وثانيها أيضا الأشموني "رقم 164" وابن عقيل "رقم 58" وشرحه العيني "1/ 561 بهامش الخزانة" وتنسب أربعة الأبيات لرؤبة بن العجاج، ولكني لم أجدها في ديوان رجزه، ووجدتها في الزيادات المحلقة به والأول والثاني والثالث في اللسان "ب ت ت" من غير عزو، والثالث والرابع فيه "د ش ت" من غير عزو أيضا. والبت -بفتح الباء وتشديد التاء- هو هنا كساء من صوف، ويقال على ضرب من الطيالسة يسمى الساج يكون مربعًا غليظًا أخضر، وقوله "مقيظ مصيف مشتي" يريد أنه يكفيه في الأزمنة الثلاثة، والدشت -بفتح الدال وسكون الشين- الصحراء. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "هذا بتي مقيظ مصيف مشتي" حيث أخبر عن المبتدأ الواحد -وهو اسم الإشارة- بأربعة أخبار، وجعل هذه الأربعة أخبارا لهذا المبتدأ المذكور في الكلام هو مذهب سيبويه، وكان شيخه الخليل لا يرى ذلك، بل كان يرى أنه إذا ورد ما ظاهره تعدد الخبر للمبتدأ الواحد نظر، فإن كانت هذه الأخبار مجتمعة تؤدي ما تؤديه الصفة الواحدة، ولا يجوز حذف بعضها وإبقاء بعضها الآخر نحو أن تقول: فلان أعسر أيسر، وأن تقول: الرمان حلو حامض، كان الاثنان أو الأكثر خبرين أو أخبارًا عن المبتدأ الواحد، وإلا يكن الأمر كذلك كان أحدها خبرا عن المبتدأ المذكور، وقدرت لكل واحد مما عداه مبتدأ آخر، فتقول: هذا بتي، هو مقيظ، هو مصيف، هو مشتي، ومن العلماء من أجاز تعدد الخبر للمبتدأ الواحد بشرط أن تكون الأخبار كلها متحدة في الإفراط أو الجملية، فاعرف هذا، وكن منه على ثبت.(2/596)
أراد "بنات أوبر" وهي ضَرْبٌ من الكمأة، وقد جاء هذا النحو في كلامهم وأشعارهم.
ويحتمل أيضا أن يكون التقدير فيه: لأنت البيت الذي أكرم أهله، فحذف الاسم الموصول للضرورة، على ما بينا قبلُ.
وإذا كان يحتمل هذه الوجوه من الاحتمالات بطل الاحتجاج به؛ فلا يكون فيه حجة، والله أعلم.(2/597)
105- مسألة: [همزة بَيْنَ بَيْنَ متحركة أو ساكنة؟] 1
ذهب الكوفيون إلى أن همزة بَيْنَ بَيْنَ ساكنة. وذهب البصريون إلى أنها متحركة.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أنها ساكنة أن همزة بَيْنَ بَيْنَ لا يجوز أن تقع مبتدأة، ولو كانت متحركة لجاز أن تقع مبتدأة، فلما امتنع الابتداء بها دلّ على أنها ساكنة؛ لأن الساكن لا يُبْتَدَأ به.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أنها متحركة أنها تقع مخففة بَيْنَ بَيْنَ في الشعر وبعدها ساكن في الموضع الذي لو اجتمع فيه ساكنان لانكسر البيت كقول الأعشى:
[448]
أَأَنْ رَأَتْ رجلا أعشى أَضَرَّ بِهِ ... رَيْبُ الزَّمَانِ ودَهْرٌ مُفْسِدٌ خَبِلُ
__________
[448] هذا البيت هو البيت العشرون في رواية التبريزي والعاشر في رواية أبي العباس ثعلب من قصيدة الأعشى ميمون التي يعدها بعض العلماء من المعلقات "انظر شرح التبريزي ص278 ط السلفية، وديوان الأعشى ص42 ط فينا" والبيت من شواهد سيبويه "1/ 476 و2/ 167" وشواهد الرضي في باب الوقف من شرح الشافية، وشرحه البغدادي "ص332" والأعشى: الذي لا يبصر بالليل، ويقابله الأجهر، وهو الذي لا يبصر بالنهار، والمنون: المنية أي الموت، وسميت منونا لأنها مقدرة على كل أحد، تقول: منى الله الشيء يمنيه -بوزن رمى يرمي- إذا قدره وهيأ أسبابه؛ وقيل: سميت منونا لأنها تنقص الأشياء: من منى الشيء يمنيه؛ إذا نقصه؛ وفيه لغة منه -بتشديد النون- ومنه قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرا غَيْرَ مَمْنُونٍ} [القلم: 3] أي غير منقوص، وعلى الأول هي فعول بمعنى مفعول، وعلى الثاني هي فعول بمعنى فاعل، والخبل -بفتح الخاء وكسر الباء- مأخوذ من الخبال وهو الفساد. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "أأن" فقد =
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح ابن يعيش على المفصل "ص1308" وشرح الأشموني بحاشية الصبان "4/ 249-253" وتصريح الشيخ خالد الأزهري "2/ 465-468" وكتاب سيبويه "2/ 163-171".(2/598)
فالنون ساكنة وقبلها همزة مخففة بَيْنَ بَيْنَ، فعلم أنها متحركة؛ لاستحالة التقاء الساكنين في هذا الموضع، وهذا لأن الهمزة إنما جعلت بَيْنَ بَيْنَ كراهية لاجتماع الهمزتين؛ لأنهم يستثقلون ذلك، ولم يأتِ اجتماع الهمزتين في شيء
__________
= التقى في هذه الكلمة همزتان أولاهما همزة الاستفهام والثانية همزة أن المصدرية؛ ولك أن تحقق الهمزتين فتأتي بهما على أصلهما فتقول "أأن" ولك أن تخفف الهمزة الثانية، وقد ذهب البصريون إلى أنك إذا خففت الثانية جئت بها متحركة وجعلتها حرفا بين الهمزة وحرف العلة؛ وقال الكوفيون: همزة بَيْنَ بَيْنَ ساكنة، ويرد عليهم مثل هذا البيت، ووجه الرد إلى أن النون بعد الهمزة الثانية ساكنة؛ فلو كانت الهمزة ساكنة أيضا لالتقى ساكنان على غير الحد الجائز، وذلك مما لا يجوز، وقد روي أن ورشًا قرأ في قوله تعالى: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} بقلب الهمزة الثانية ألفًا، وقد أنكر هذه القراءة الزمخشري وزعم أن ذلك لحن وخروج عن كلام العرب من وجهين: أحدهما أنه يلزم على هذه القراءة الجمع بين ساكنين على غير الحد الذي يجوز فيه التقاء الساكنين؛ والثاني أن طريق تخفيف همزة بَيْنَ بَيْنَ هو بالتسهيل لا بالقلب ألفًا؛ لأن القلب ألفًا هو طريق تخفيف الهمزة الساكنة، لكن هذا الكلام فيه إلزام الكوفيين بما لم يلتزموه؛ لأن هذا الذي قاله الزمخشري في رد قراءة ورش هو قواعد البصريين التي أصلوها وجعلوها معيارًا لأنفسهم؛ وقد قلنا مرارًا: إنه لا يجوز الردّ على قوم بمذهب غير مذهبهم؛ كما قلنا مرة أخرى: إن القراءة سنة متبعة؛ فليست خاضعة لما يراه فريق من النحاة؛ والكوفيون يجيزون التقاء الساكنين في مثل هذا الموضع، ولعلهم يلتزمون تحقيق الهمزتين في مثل هذا البيت. ونظيره قول الشاعر؛ وهو من شواهد ابن يعيش:
أأن زم إجمال وفارق جيرة ... وصاح غراب البيت أنت حزين؟
ونظيره أيضا قول ذي الرمة غيلان:
أأن ترسمت من خرقاء منزلة ... ماء الصبابة من عينيك مسجوم؟
ونظيره أيضا قول ابن هرمة:
أأن تعنت على ساق مطوقة ... ورقاء تدعو هديلًا فوق أعواد؟
ونظيره قول مجنون بني عامر:
أقول لظبي يرتعي وسط روضة: ... أأنت أخو ليلى؟ فقال: يقال
ونظيره قول ذي الرمة "كامل المبرد 2/ 168":
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا أأنت أم أم سالم؟
ونظيره قول الشاعر:
أألخير الذي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي لا يأتليني؟
ونظيره قول عمر بن أبي ربيعة:
أألحق إن دار الرباب تباعدت ... أو انبت حبل أن قلبك طائر؟
ونظيره قول تميم بن أبي بن مقبل:
أأم تميم إن تريني عدوكم ... وبيتي فقد أغنى الحبيب المصافيا(2/599)
من كلامهم إلا في بيت واحد أنشده قُطْرُب:
[449]
فإنك لا تدري متى الموت جائِيءٌ ... ولكنَّ أقصى مُدَّةِ الموتِ عاجلُ
__________
[449] هذا البيت من شواهد الأشموني "رقم 38" وروى صدره "لعمرك ما تدري متى الموت جائي" وحفظي في عجزه "أقصى مدة العمر" و"لعمرك" -بفتح العين هنا وسكون الميم- اللام فيه لتوكيد الابتداء، والخبر محذوف وجوبًا، أي لعمرك قسمي، أو لعمرك ما أقسم به، وإذا لم تدخل عليه اللام نصبته نصب المصادر، كما قال عمر بن أبي ربيعة:
أيها المنكح الثريا سهيلًا ... عمرك الله كيف يلتقيان؟
و"تدري" أي تعلم، و"عاجل" قريب. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "جائئ" واعلم أولا أن هذه الكلمة تروى بهمزتين وتروى بهمزة فياء متحركة بحركة الإعراب وهي الضمة، واعلم ثانيًا أن الأصل الأصيل في هذه الكلمة "جايئ" بياء ثم همزة، لأنه اسم الفاعل من جاء يجيء مثل باع يبيع، فانقلبت ياؤه همزة لوقوعها عين اسم فاعل فعل أعلت فيه، أو لكونها بعد ألف زائدة، فصار "جائئ" بهمزتين والقياس في مثل ذلك أن تقلب الهمزة المتطرفة ياء لكونها ثانية همزتين في موقع اللام من الكلمة فيقال "جائي" والنحاة يروونه على هذه الصورة ويحرّكون الياء بالضمة، ويقولون: إن الشاعر عامل حرف العلة معاملة الحرف الصحيح، وبعبارة أخرى: إن الشاعر عاود الأصل المهجور، ورجع إليه، وترك الفرع الذي صار إليه العمل -وهو تقدير الضمة والكسرة على الياء أو الواو لثقل كل من الضمة والكسرة على كل من الواو والياء- وهذا الرجوع ضرورة من ضرورات الشعر، ونظيره قول جرير بن عطية يهجو الفرزدق:
وعرق الفرزدق شر العروق ... خبيث الثرى كأبي الأزند
فقد جاء بقوله "كأبي" مرفوعًا، وعامل الياء معاملة الحرف الصحيح فلم يقدر عليها الضمة، ونظيره قول الآخر:
تراه -وقد بد الرماة- كأنه ... أمام الكلاب عنهم مصغي الخد
الرواية برفع "مصغي" بضمة ظاهرة على الياء على أنه خبر "كأن". ونظيره قول القطامي:
ما للعذارى؟ ودعن الحياة كما ... ودعنني، واتخذن الشيب ميعادي
محل الاستشهاد قوله "ما للعذارى" فقد جاء بكسر الياء، والكسرة أخت الضمة كما قلنا، ونظير ذلك في الفعل قول الشاعر:
إذا قلت علّ القلب يسلو قيضت ... هواجس لا تنفك تغريه بالوجد
الشاهد فيه قوله "يسلو" فقد جاء الشاعر بهذا الفعل مرفوعا بضمة ظاهرة على الواو، ومثله قول الآخر:
فقمت إلى عنز بقية أعنز ... فأذبحها، فعل امرئ غير نادم
فعوضني منها غناي ولم تكن ... تساوي عندي غير خمس دراهم
الشاهد في قوله "تساوي" حيث جاء الشاعر بهذا الفعل مرفوعا بالضمة الظاهرة ولم يبالِ بأن الضمة ثقيلة على الياء، من قبل أن الأصل الأصيل هو أن تظهر حركات الإعراب على الحروف متى أمكن أن تظهر عليها. =(2/600)
ولهذا لم يأتِ في كلامهم ما عينُهُ همزة ولامُهُ همزةٌ كما جاء ذلك في الياء والواو نحو "حيَّة، وقوَّة" وكذلك الحروف الصحيحة نحو "طَلَل، وشَرَر" وما أشبه ذلك؛ فلما كانوا يستثقلون اجتماع الهمزتين قربوا هذه الهمزة من حرف العلة، وذلك لا يوجب خروجَهَا عن أصلها من كل وجه، ولا سَلْبَ حركتها عنها بالكلية.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إنه لا يجوز أن تقع مبتدأة" قلنا: إنما لم يجز أن تقع مبتدأة لأنها إذا جعلت بَيْنَ بَيْنَ اخْتُلِسَتْ حركتها وقربت من الساكن، والابتداء إنما يكون بما تمكنت فيه حركته، وإذا جعلت بَيْنَ بَيْنَ فقد زال ذلك التمكن وقربت من الساكن، وكما لا يجوز الابتداء بالساكن فكذلك لا يجوز الابتداء بما قرب منه.
ألا ترى أنهم لم يخرموا مُتَفَاعلن من الكامل -وهو حذف الحرف الأول- كما خرموا فَعُولُن؛ لأجل أن متفاعلن يسكن ثانيه إذا أضمر، والإضمار إسكان الثاني، فكان يبقى متفاعلن فينقل إلى مستفعلن، فلو خرموه في أول البيت لأدّى ذلك إلى الابتداء بالساكن في حال؛ فجرى خَرْمه مجرى خَرْم مستفعلن؛ فلما كان يفضي إلى الابتداء بالساكن رفضوه، فكذلك ههنا: لما قربت من الساكن بجعلها بَيْنَ بَيْنَ رفضوا الابتداء بها.
وحكي عن أبي علي الفارسيّ أنه سئل عن الخرم في متفاعلن في حال شبابه، ولم يكن عنده حينئذ مذهب أهل العروض، فأجاب بهذا الجواب، وقال: لايجوز؛ لأنه يؤدّي إلى الابتداء بالساكن من الوجه الذي بيّنّاه، والله أعلم.
__________
= نقول: إن كل النحاة يرون في بيت الشاهد" متى الموت جائي" بالياء مرفوعة بالضمة الظاهرة -على أن الشاعر ارتكب الضرورة، والضرورة هي معاودة الأصول المهجورة رغبة في إقامة وزن أو نحوه، ولكن قطرب بن المستنير روى هذه الكلمة "متى الموت جائئ" بهمزتين؛ ليفرّ من هذه الضرورة، وفاته أنه وقع في ضرورة أخرى وذلك لأن الهمزتين المتطرفتين إذا تحركتا وانكسرت أولاهما وجب قلب الثانية ياء، وذلك لأن آخر الكلمة يعرض التسكين للوقف، فتكون الثانية كأنها متطرفة ساكنة إثر أخرى مكسورة، فبقاء الهمزتين ليس هو المستعمل في العربية، فيكون ضرورة، فيصدق عليه المثل "هرب من المطر فوقف تحت ميزاب".(2/601)
106- مسألة: [هل يُوقَفُ بنقل الحركة على المنصوب المحلَّى بأل الساكن ما قبل آخره؟] 1
ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز أن يقال في الوقف "رأيت البَكَرْ" بفتح الكاف في حال النصب.
وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز.
وأجمعوا على أنه يجوز أن يقال في حالة الرفع والجر بالضم والكسر؛ فيقال في الرفع "هذا البكُرْ" بالضم، وفي الجر "مرت بالبكِرْ" بالكسر.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: أجمعنا على أنه إنما جاز هذا في المرفوع والمخفوض نحو "هذا البكر، ومررت بالبكر" ليزول اجتماع الساكنين في حال الوقف، وأنهم اختاروا الضمة في المرفوع والكسرة في المخفوض لأنها الحركة التي كانت للكلمة في حالة الوصل؛ فكانت أولى من غيرها، كما قال الشاعر:
[450]
أنا ابْنُ مَاوِيَّةَ إذ جَدَّ الَّنقُزْ
__________
[450] هذا بيت من الرجز المشطور، وبعده:
وجاءت الخيل أثافي زمر
وهو من شواهد سيبويه "2/ 284" ونسبه لبعض السعديين من غير تعيين. ولم يزد الأعلم في نسبته إلى قائله على ما ذكره سيبويه، وجزم الجوهري بأنه لعبد الله بن ماوية الطائي، وذكر ذلك ابن السيد على سبيل الظن، ونسبه الصاغاني إلى فدكي بن عبد الله المنقري "انظر لسان العرب ن ق ر" وقد استشهد به ابن هشام في أوضح المسالك "رقم 555". والنقر: أصله -بفتح النون وسكون القاف- قال ابن سيده ومعناه أن تلزق طرف لسانك بحنكك وتفتح ثم تصوت، وقيل: هو اضطراب اللسان في الفم إلى فوق وإلى أسفل، وقد نقر بالدابة نقرًا، إذا صوّت، وقال الأعلم: "النقر صويت يسكن به الفرس عند احتمائه وشدة حركته. يقول: أنا الشجاع البطل إذا =
__________
1 انظر في هذه المسألة: تصريح الشيخ خالد الأزهري "2/ 427" وشرح الأشموني بحاشية الصبان "4/ 177 وما بعدها" وشرح المفصل لابن يعيش "ص1272 وما بعدها".(2/602)
وكما قال الآخر:
[451]
أنا جريرٌ كُنْيَتِي أَبُو عَمِرْ ... أَضْرِبُ بالسَّيْفِ وسَعْدٌ في القَصِرْ
أجُبُنًا وغَيرَة خَلْفَ السِّتِرْ
وقال الآخر:
[452]
أَرَتْنِي حِجْلًا على سَاقِهَا ... فَهَشَّ الفُؤَادُ لِذَاكَ الحِجِلْ
فقلت ولم أُخْفِ عن صَاحِبِي: ... ألا بِأبِي أَصْلُ تلك الرِّجِل
__________
= احتمت الخيل عند اشتداد الحرب" ا. هـ ومحل الاستشهاد بالبيت قوله "النقر" فإن أصله ساكن القاف متحرك الراء بحركة الإعراب -وهي الضمة هنا- ولكن الشاعر حين أراد الوقف نقل الضمة من الراء إلى القاف الساكنة قبلها، قال الأعلم "الشاهد فيه إلقاء حركة الراء على القاف للوقف" ا. هـ.
تحفزها الأوتار والأيدي الشعر ... والنبل ستون كأنها الجمر
الشاهد في قوله "الشعر" وقوله "الجمر" فإن أصل الكلمة الأولى -بضم الشين وسكون العين وضم الراء- فلما أراد الوقف نقل ضمة الراء إلى العين الساكنة قبلها، وأصل الثانية -بفتح الجيم وسكون الميم وضم الراء- فنقل الشاعر عند الوقف ضمة الراء الإعرابية إلى الميم الساكنة قبلها.
[451] محل الاستشهاد من هذه الأبيات قوله "عمر" وقوله "القصر" وقوله "الستر" فإن أصل الكلمة الأولى بفتح العين وسكون الميم وكسر الراء، فنقل حركة الراء الإعرابية إلى الميم الساكنة قبلها للوقف، وأصل الثانية بفتح القاف وبسكون الصاد وهاتان حركة وسكون البنية، وبكسر الراء وهذه حركة إعراب، فلما أراد الراجز الوقف نقل حركة الراء إلى الصاد الساكنة قبلها، فصار هذا وما قبله كالكتف ونحوه، وأما الكلمة الثالثة فأصلها بكسر السين وسكون التاء، وهاتان حركة وسكون البنية، وبكسر الراء وهذه حركة الإعراب، فلما أراد الوقف نقل كسرة الراء إلى التاء الساكنة فصار بزنة الإبل والبلز ونحوهما.
[452] هذان بيتان من المتقارب، وهما من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل "ص1272" وابن منظور "ر ج ل"، والحجل -بكسر الحاء وسكون الجيم، وحكى قوم فتح الحاء مع سكون الجيم أيضًا- هو الخلخال، وهو حلية تلبسها المرأة في رجليها وقالوا لحلقتي القيد حجلًا، وقالوا: هذا فرس محجل، إذا كان في قوائمه بياض، على التشبيه. ومحل الاستشهاد من البيتين قوله: "الحجل" في البيت الأول، وقوله: "الرجل" في البيت الثاني، فإن أصل الكلمة الأولى بكسر الحاء وسكون الجيم كما قلنا، وهاتان حركة وسكون البنية، وبكسر اللام وهذه حركة الإعراب التي يقتضيها العامل، فلما أراد الشاعر الوقف نقل كسرة اللام إلى الجيم الساكنة قبلها فصارت بزنة الإبل والإبد والبلز ونحوهن، وكذلك الكلمة الثانية، قال ابن منظور "أراد الرجل والحجل فألقى حركة اللام على الجيم، وليس هذا وضعًا؛ لأن فعلًا لم يأت إلا في قولهم إبل وإطل" ا. هـ، يريد أن كسرة الجيم ليست من أصل البنية التي وضعت الكلمتان عليها؛ لأن فعلًا بسكر الفاء والعين جميعًا لم يرد إلا في كلمات قليلة محفوظة، وليس هاتان الكلمتان من بين ما حفظه العلماء منها.(2/603)
وقال الآخر:
[453]
عَلَّمَنَا إِخْوَانُنَا بَنُو عِجِلْ ... شُرْبَ النبيذ واصْطِفَافًا بالرِّجِلْ
وإذا ثبت هذا في المرفوع والمخفوض، فكذلك أيضا في المنصوب؛ لأن الكاف في قولك "رأيت البكر" في حالة النصب ساكنة كما هي ساكنة في قولك: "هذا البكر، ومررت بالبكر" في حالة الرفع والخفض، فكما حركت الكاف في المرفوع والمخفوض ليزول اجتماع الساكنين، فكذلك ينبغي أيضا في المنصوب ليزول اجتماع الساكنين، وكما أنهم اختاروا الضمة في المرفوع والكسرة في المخفوض لأنها الحركة التي كانت للكلمة في حالة الوصل، فكذلك يجب أيضا أن يختاروا الفتحة في المنصوب؛ لأنها
__________
[453] هذان بيتان من الرجز المشطور، وقد أنشدهما ابن منظور "ع ج ل" وأبو زيد في النوادر "ص30" من غير عزو، وعجل: قبيلة من ربيعة، وهم بنو عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، وهو في الأصل بكسر العين وسكون الجيم. ومحل الاستشهاد قوله: "عجل" وقوله: "بالرجل" فإن أصل الكلمة الأولى -كما ذكرنا لك- بكسر العين وسكون الجيم، وهاتان حركة وسكون البنية التي وضعت الكلمة عليها، وبكسر اللام، وهذه حركة الإعراب التي يقتضيها العامل. إلا أن الراجز حين أراد الوقف نقل حركة اللام إلى الجيم الساكنة قبلها، وكذلك فعل بالكلمة الثانية، قال ابن منظور "إنما حرك الجيم فيهما ضرورة، لأنه يجوز تحريك الساكن في القافية بحركة ما قبلها، كما قال عبد مناف بن ربيع الهذلي:
إذا تجاوب نوح قامتا معه ... ضربا أليما بسبت يلعج الجلدا
ا. هـ كلامه بحروفه.
قال أبو رجاء، عفا الله عنه: وفي قول ابن منظور الذي سمعته مأخذان ما كان يصح أن يقع فيهما على جلالة قدره، الأول: أنه جعل تحريك الجيم ههنا ضرورة، وكلام النحاة صريح في أن الوقف بنقل حركة الإعراب إلى الساكن قبله مما يقولونه في الكلام عند الوقف، إلا أن تكون حركة الإعراب الفتحة فهذه موضع الخلاف بين البصريين والكوفيين، قال سيبويه "هذا باب الساكن الذي يكون قبل آخر الحروف فيحرك لكراهيتهم التقاء الساكنين، وذلك قول بعض العرب: هذا بكر، ومن بكر، ولم يقولوا رأيت البكر، لأنه في موضع التنوين، وقد يلحق ما يبين حركته، والمجرور والمرفوع لا يلحقهما ذلك في كلامهم، ومن ثم قال الراجز:
أنا ابن ماوية إذا جد النقر
ا. هـ كلامه. والثاني أنه جعل بيت عبد مناف بن ربع الهذلي نظير بيت الشاهد وهما متغايران، كل واحد منهما عكس صاحبه، ألا ترى أن بيت الشاهد فيه نقل حركة الحرف الآخر إلى الذي قبله، وبيت الهذلي في تحريك الحرف الذي قبل آخر حروف الكلمة حركة إتباع للحرف الذي قبله، ولم تنقل فيه حركة من حرف إلى حرف؟ وقد أنشد أبو زيد بيت عبد مناف المذكور في نوادره "ص30" ثم قال بعد إنشاده "يريد الجلد أي بكسر الجيم وسكون اللام فأتبع الكسرة الكسرة" ا. هـ، وهو كلام دقيق، فتنبه لذلك، والله المسؤول أن يعصمك ويسددك.(2/604)
الحركة التي كانت للكلمة في حالة الوصل، ولا فرق بينهما.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز ذلك؛ لأن أول أحوال الكلمة التنكير، ويجب فيها في حال النصب أن يقال "بَكْرَا" فلا يجوز أن تحرك العين؛ إذ لا يلتقي فيه ساكنان كما يلتقي في حال الرفع والجر، نحو "هذا بَكْرْ، ومررت ببَكْرْ" فلما امتنع في حال النصب تحريك العين في حال التنكير دون حالة الجر والرفع تبعه حال التعريف؛ لأن اللام1 لا تلزم الكلمة في جميع أحوالها؛ فلذلك روعي الحكم الواجب في حال التنكير.
والذي أذهب إليه في هذه المسألة ما ذهب إليه الكوفيون.
وأما الجواب عن كلمات البصريين: أما قولهم "إن أول أحوال الكلمة التنكير، فلما امتنع معه في حال النصب تحريك العين تبعه حال التعريف بلام التعريف لأنها لا تلزم الكلمة" قلنا: هذا فاسد؛ لأن حمل الاسم في حالة التعريف بلام التعريف على حالة التنكير لا يستقيم؛ لأنه في حال التنكير في النصب يجب تحريك الراء فيه، فلا يجوز تحريك العين لعدم التقاء الساكنين، بخلاف ما إذا كانت فيه لام التعريف؛ فإنه لا يجب تحريك الراء فيه، بل تكون ساكنة فيه كما هي ساكنة في حال الرفع والجر، فكما تحرك الكاف في حالة الرفع بالضم وفي حالة الجر بالكسر؛ فكذلك يجب أن تحرك في حالة النصب بالفتح.
وإنما يستقيم ما ذكره البصريون أن لو كان الوقف يوجب فيما دخله لام التعريف أن يكون الوقف عليه بالألف فيقال "رأيت البكرا" كما يقال: "أريت بكرا" فلما لم يقل ذلك لدخول لام التعريف دلَّ على أن الفرق بينهما ظاهر؛ فلا يجوز أن يحمل أحدهما على الآخر. على أن من العرب من يقف عليه مع التنكير في حال النصب بالسكون فيقول: "ضربت بكر، وأكرمت عمرو2" وإن كانت اللغة العالية الفصيحة أن يُوقَفَ عليه بالألف3، غير أن العرب وإن اختلفوا في الجملة في حال التنكير هل يوقف فيه بالألف أو السكون فما اختلفوا البتة في حال التعريف باللام أنه لا يجوز الوقف عليه بالألف.
والذي يدل على ذلك أن الألف لا تكاد تقع في هذا النحو في القوافي وصلًا إلا قليلًا؛ فدل على ما بيناه، والله أعلم.
__________
1 المراد باللام حرف التعريف.
2 هذه لغة ربيعة، يقفون على المنصوب المنون بالسكون كما يقف عامة العرب على المرفوع والمخفوض المنونين، وكما يقفون هم وغيرهم على ذي الألف واللام.
3 في ر "أن يقف عليه بالألف".(2/605)
107- مسألة: [القول في أصل حركة همزة الوصل] 1
ذهب الكوفيون إلى أن الأصل في حركة همزة الوصل أن تتبع حركة عين الفعل؛ فتكسر في "اضْرِبْ" إتباعًا لكسرة العين، وتضم في "ادْخُلْ" إتباعًا لضمة العين، وذهب بعضهم إلى أن الأصل في همزة الوصل أن تكون ساكنةً، وإنما تحرك لالتقاء الساكنين. وذهب البصريون إلى أن الأصل في همزة الوصل أن تكون متحركة مكسورة، وإنما تضم في "ادخل" ونحوه لئلا يُخْرَج من كسر إلى ضم؛ لأن ذلك مستثقل، ولهذا ليس في كلامهم شيء على وزن فِعُلٍ بكسر الفاء وضم العين.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأنه لما وجب أن يزيدوا حرفًا لئلا يبتدأ بالساكن ووجب أن يكون الحرف الزائد متحركًا وجب أن تكون حركته تابعة لعين الفعل طلبًا للمجانسة؛ لأنهم يتوخَّون ذلك في كلامهم، ألا ترى أنهم قالوا "مُنْتُن" فضموا التاء إتباعا لضمة الميم، وإن كان الأصل في التاء أن تكون مكسورة؛ لأنه من أَنْتَنَ فهو مُنْتِنٌ، كما تقول: أجمل فهو مجمل، وأحسن فهو محسن، إلا أنهم ضموها للإتباع، وكذلك قالوا فيها أيضا "منتن" فكسروا الميم إتباعا لكسرة التاء، وكذلك قالوا "المغيرة" فكسروا الميم إتباعا لكسرة الغين، وإن كان الأصل أن تكون مضمومة؛ لأنه من أغار على العدو إغارة، وكذلك قالوا "يُسْرُوع" فضموا الياء إتباعا لضمة الراء، واليسروع: دابة حمراء تكون في الرمل، وكذلك قالوا "الأسود بن يُعْفُر" فضموا الياء إتباعا لضمة الفاء، وإن كان الأصل هو الفتح؛ لأنه ليس في الكلام على وزن يُفْعُول بالضم، وكذلك قالوا "هو أخوك لإمك" بكسر الهمزة إتباعا لكسرة اللام، قال
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح المفصل لابن يعيش "ص1332" وشرح الأشموني بحاشية الصبان "4/ 233 وما بعدها" وتصريح الشيخ خالد "2/ 456 وما بعدها".(2/606)
الله تعالى: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] في قراءة من قرأ بكسر الهمزة، وهما حمزة الزيات والكسائي، وهما من سادات القَرَأَة السبعة، وعلى ذلك قراءة الحسن: "الْحَمْدِ لِلَّه" [الفاتحة: 2] بكسر الدال، وقراءة ابن أبي عَبْلة: "الْحَمْدُ لِلَّه" [الفاتحة: 2] بضم اللام، وإذا كانوا كسروا ما يجب بالقياس ضمه وضموا ما يجب بالقياس كسره للإتباع طلبًا للمجانسة فلأن يضموا هذه الهمزة أو يكسروها للإتباع ولم يجب لها حركة مخصوصة كان ذلك من طريق الأولى.
وأما من ذهب إلى أن الأصل فيها أن تكون ساكنة فقال: أجمعنا على أن همزة الوصل زيادة على بناء الكلمة، وإذا كانت زيادة كان تقديرها ساكنة أولى من تقديرها متحركة، وذلك لأنا إذا قدرناها ساكنة كان زيادة حرف واحد مجرد عن شيء آخر، والزيادة كما كانت أقلَّ كانت أولى، ثم يجب تحريك الهمزة لالتقاء الساكنين؛ فلا يؤدّي إلى الابتداء بالساكن.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن الأصل فيها الحركة وهو الكسر، وذلك لأن المقصود بزيادة الهمزة أن نلفظ بفاء الفعل ساكنة في حال الابتداء؛ لأنه لو لم نزد الهمزة لتحركت فاء الفعل الساكنة في حال الابتداء؛ لأن الابتداء بالساكن محال، فإذا كانوا قد زادوا الهمزة لئلا يبتدأ بالساكن، ولهذا لم يزيدوها فيما تحركت فاؤه؛ فينبغي أن تزاد متحركة لا ساكنة؛ لأنه من المحال أن تقصد إلى حرف ساكن وأنت تقصد التخلص من الساكن.
وإنما وجب أن تكون حركتها الكسرة لأنها زيدت على حرف ساكن فكان الكسر أولى بها من غيره؛ لأن مصاحبتها للساكن أكثر من غيره، ألا ترى أنه الأكثر في التقاء الساكنين؟ فحركت بالكسر تشبيها بحركة الساكن إذا لقيه ساكن؛ لأن الهمزة إنما جيء بها توصُّلًا إلى النطق بالساكن، كما أن الساكن إنما حرك توصُّلًا إلى النطق بالساكن الآخر.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إنه لما وجب أن يكون الحرف الزائد متحركًا وجب أن تكون حركته تابعة لحركة العين، طلبًا للمجانسة" قلنا: التحريك للإتباع ليس قياسًا مطردًا، وإنما جاء ذلك في بعض المواضع في ألفاظ معدودة قليلة جدا، وذلك الإتباع على طريق الجواز، لا على طريق الوجوب، ألا ترى أنه يجوز أن يقال في منتن بضم التاء "منتن" بالكسر فيؤتى به على الأصل، وأما قولهم "منتن" بكسر الميم فيحتمل أن يكون من نَتُنَ؛ لأنه يقال "نَتُنَ الشيء، وأنتن" لغتان؛ فلا يكون الكسر للإتباع. وكذلك قولهم: "المِغِيرة"(2/607)
يجوز أن يؤتى به على الأصل فيقال فيه "المغير" بالضم. ويحتمل أن يكون من "غار أهله يغيرهم غيرًا" إذا مَارَهُم، وكذلك يجوز أن يقال في يُسروع بالضم "يَسروع" بالفتح على الأصل، وقد قالوا إنه أسروع1 أيضا، وكذلك يجوز أن يقال في "يُعْفُر" بالضم "يَعْفُر" بالفتح على الأصل، وكذلك يجوز أن يقال في قولهم هو أخوك لأمك بالكسر "هو أخوك لأمك" بالضم على الأصل، وأما قراءة من قرأ: "الْحَمْدِ لِلَّه" [الفاتحة: 2] بكسر الداد وقراءة من قرأ: {الْحَمْدُ لِلَّه} [الفاتحة: 2] بضم اللام فهما قراءتان شاذتان في الاستعمال ضعيفتان في القياس: أما شذوذهما في الاستعمال فظاهر، وأما ضعفهما في القياس فظاهر أيضا: أما كسر الدال فإنما كان ضعيفا لأنه يؤدّي إلى إبطال الإعراب، وذلك لا يجوز، وأما ضم اللام فإنما كان ممتنعا لأن الإتباع لما كان في الكلمة الواحدة قليلًا ضعيفًا كان مع الكلمتين ممتنعا البتة؛ لأن المنفصل لا يلزم لزوم المتصل، فإذا كان في المتصل ضعيفا امتنع في المنفصل البتة، لأنه ليس بعد الضعف إلا امتناع الجواز؛ لأن حركة الإعراب لا تلزم؛ فلا يكون لأجلها إتباع، وإذا كان الإتباع في كلامهم بهذه المثابة دلَّ على أنه ليس الأصل في حركة همزة الوصل أن تتبع حركَةَ العين.
والذي يدل على أن حركتها ليست إتباعا لحركة العين في نحو "اضرب، وادخل" أنه لو كان الأمر كذلك لكان ينبغي أن يقال في ذهب يذهب "اذهب" بفتح الهمزة؛ لأن عين الفعل منه مفتوحة، فلما لم يجز ذلك وقيلت بالكسر علم أن أصلها أن تكون متحركة بالكسر، وإنما ضمت في "ادخل" ونحوه لئلا يخرجوا من كسر إلى ضم لأنه مستثقل، ولم يفعلوا ذلك في "اذهب" لأن الخروج من كسر إلى فتح غير مستثقل؛ فجيء بها على الأصل وهو الكسر.
وأما قول من قال "إن الأصل فيها أن تكون ساكنة؛ لأن همزة الوصل زائدة، وإذا كانت زائدة كان تقديرها ساكنة أولى من تقديرها متحركة؛ لأن الزيادة كلما كانت أقل كانت أولى" قلنا: الكلام على هذا من وجهين.
أحدهما: القاصد للفظ بالساكن إذا قدَّر اجتلاب حرف ساكن -مع علمه بأنه لا يلفظ به- كان تقديره محالا، ولو جاز أن يقال ذلك لجاز أن يقال: إن الاسم يوضع أولا على سكون الأول ثم يتحرك؛ لأن الابتداء بالساكن محال، ثم يلزمه على هذا أن لا يثبت حركة في لفظ إلا لضرورة، وأن يسكن كل حرف
__________
1 وقد جاء جمعه في قول امرئ القيس:
وتعطو برخص غير شئن كأنه ... أساريع ضبي أو مساويك إسحل(2/608)
في أول كل كلمة إذا لم يبتدأ به، ولا خلاف أن مثل هذا لا يرتكبه أحد.
والوجه الثاني: أن الهمزة إذا زيدت ساكنة ثم تحركت لالتقاء الساكنين لم تكن جاءت لأجل اللفظ بالساكن؛ فكان حكمها حكم ما يبنى عليه؛ إذ لو زيدت ساكنة لئلا يبتدأ بالساكن لكان تقدير السكون فيها محالًا؛ لما فيه من العَوْد إلى عين ما يُفَر منه، وكان يلزم على مقتضى هذا القول أن لا يجوز حذفها بحالٍ، وأن يقال "يا زيدُ اضرب ويا عمرُو ادخل" بإثبات الهمزة، وذلك لا يجوز، والله أعلم.(2/609)
108- مسألة: [هل يجوز نقل حركة همزة الوصل إلى الساكن قبلها؟] 1
ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز نقل حركة همزة الوصل إلى الساكن قبلها.
وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز.
وأجمعوا على أنه يجوز نقل حركة همزة القطع إلى الساكن قبلها كقولهم "مَنْ ابُوكَ، وكم ابِلُكَ".
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على ذلك: النقل، والقياس.
أما النقل فقد قال الله تعالى: {الم، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: 1-2] فنقل فتحة الهمزة: "اللَّهُ" إلى الميم قبلها، وحكى الكسائي قال: قرأ عليَّ بعض العرب سورة {ق} فقال: "مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبًا الذي" [ق: 25] بفتح التنوين؛ لأنه نقل فتحة همزة "الَّذِي" إلى التنوين قبلها، وحكي أيضا عن بعض العرب "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ" [الفاتحة: 1-2] بفتح الميم؛ لأنه نقل فتحة همزة: "الْحَمْدُ" إلى الميم قبلها، وقرأ أبو جعفر يزيد بن القَعْقَاع المدني وهو من سادات أئمة القراء وهو أحد القَرَأَة العشرة: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا} [البقرة: 34] فنقل ضمة همزة "اسْجُدُوا" إلى التاء قبلها؛ فدلّ على جوازه.
وأما القياس فلأنها همزة متحركة؛ فجاز أن تنقل حركتها إلى الساكن قبلها كهمزة القطع في قولهم "من ابُوكَ، وكم ابِلُكَ" وما أشبه ذلك.
والذي يدلّ على صحة ما ذكرناه أنهم يقولون "وَاحِدِ اثنانْ" فيكسرون الدال من "وَاحِد" وأجمعنا وإياكم على أن كسرة الدال إنما كانت لإلقاء حركة همزة "اثنانِ" عليها لالتقاء الساكنين، ولا خلاف أن همزة "اثنانِ" همزة وصل، فدلَّ على صحة ما ذكرناه,
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح المفصل لابن يعيش "ص1320 – 1323".(2/610)
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز ذلك لأن الهمزة إنما يجوز أن تنقل حركتها إذا ثبتت في الوصل نحو: "مَنَ ابوك" في "مَنْ ابوك" و"كَمِ ابِلُكَ" في "كَمْ إِبلكَ" فأما همزة الوصل فتسقط في الوصل؛ فلا يصح أن يقال إن حركتها تنقل إلى ما قبلها؛ لأن نقل حركة معدومة لا يتصور، ولو جاز أن يقال إن حركتها تنقل لكان يجب أن يثبتها في الوصل فيقول: قال ألرّجُل، وذهب ألغلام، حتى يجوز له أن يقدر نقل حركتها، ولو جاز ذلك لجاز أن يقال: "أخذت عن ألرجل" بسكون النون وقطع الهمزة وبفتح النون على نقل الحركة كما يقال: "من أبوكَ، ومن ابوكَ" فلما لم يَقُلْ ذلك بالإجماع دلّ على فساد ما ذهبتم إليه.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما احتجاجهم بقوله تعالى: {الم، اللَّهُ} [آل عمران: 1-2] فلا حجة لهم فيه؛ لأن حركة الميم إنما كانت لالتقاء الساكنين -وهما الميم واللام من "الله" وزعم بعضهم أن الساكنين هما الميم والياء قبلها، وهذا عندي باطل؛ لأنه لو كان التحريك في قوله: {الم، اللَّهُ} لسكونها وسكون الياء قبلها لكان يجب أن تكون متحركة في قوله: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2] فلما كانت ساكنة دلّ على أنها حركت ههنا لسكونها وسكون اللام بعدها؛ لا لسكونها وسكون الياء قبلها، وكانت الحركة فتحة على خلاف الأصل في التقاء الساكنين لأن قبلها ياء قبلها كسرة فلو كسر لأدّى ذلك إلى اجتماع كسرة قبلها ياء قبلها كسرة، والياء تعدُّ بكسرتين؛ فيؤدّي في التقدير إلى اجتماع أربع كسرات متواليات، وذلك ثقيل جدا فعدلوا عنه إلى الفتح لأنه أخفُّ الحركات.
وهذا هو الجواب عن احتجاجهم بقراءة بعض العرب "مُرِيبِنَ الذي" فإن الفتحة في التنوين ليس عن إلقاء حركة همزة "الَّذِي" وإنما حركت لالتقاء الساكنين -وهما التنوين، واللام من "الَّذِي" وكانت الحركة فتحة على خلاف الأصل في التقاء الساكنين لأن ما قبل التنوين كسرة وقبل الكسرة ياء قبلها كسرة، فالياء تعد بكسرتين على ما بينا؛ فعدل في هذه القراءة عن الكسر لئلا يجمع في التقرير بين خمس كسرات متواليات، وعدل عنه إلى الفتح لأنه أخف الحركات، وإذا كانوا قد فتحوا "أين، وكيف" لئلا يجمعوا بين ياء وكسرة مع كثرة الاستعمال، ولا يوجد فيه من الاستثقال ما يوجد ههنا، فلأن يفتحوا ههنا كان ذلك من طريق الأولى، على أنه لا يجوز لأحد أن يقرأ بهذه القراءة لأنه لا إمام لها، وكذلك ما حكاه عن بعض العرب من فتح الميم من: "الرَّحِيمَ الْحَمْدُ لِلَّهِ" لأنها لا إمام لها، على أنه لا وجه للاحتجاج بها؛ لأن فتح الميم فتحة إعراب؛ لأنه لما(2/611)
تكرر الوصف عدل به إلى النصب على المدح بتقدير أعني، كما قالت امرأة من العرب1:
[295]
لا يَبْعَدَنْ قومي الذين هُمُ ... سَمُّ العُدَاةِ وآفةُ الجُزْرِ
النازلون بكل مُعْتَرِكٍ ... والطَّيِّبين مَعَاقِدَ الأَزْرِ
وهذا كثير في كلامهم، وقد بينا ذلك قبل:
وأما قراءة أبي جعفر {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا} [البقرة: 34] فضعيفة في القياس جدا والقُرَّاء على خلافها، على أنها لا حجة لهم فيها. وذلك من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الخلاف إنما وقع في نقل حركة همزة الوصل إلى الساكن قبلها، وههنا ليس ما قبلها ساكنا، وإنما هو متحرك؛ لأن التاء من "الْمَلائِكَةِ" متحركة، فهذا احتجاج على غير محل الخلاف.
والثاني: أن هذا لا تقولون به؛ فإنه لا يجوز عندكم نقل حركة همزة الوصل إلى المتحرك قبلها.
الثالث: أنا نقول: إنما ضمت هذه التاء إتباعا لضمة الجيم في "اسْجُدُوا" وذلك من وجهين؛ أحدهما: أن يكون قد نَوَى الوقف فسكنت التاء وضمها تشبيهًا بضمة التاء في قراءة من قرأ: {وَقَالَتُ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} [يوسف: 31] بإتباع ضمة التاء ضمة الراء؛ لئلا يخرجوا من كسر إلى ضم كما ضموا الهمزة، ونحو هذا الإتباع قراءة من قرأ أيضا: {جَنَّاتٍ وَعُيُونٌ ادخلوها} [الحجر: 45] بضم التنوين إتباعا لضمة الخاء من: "ادْخُلُوهَا" وهذا كثير في كتاب الله تعالى وكلام العرب. والثاني: أنه أتبع الضم الضم، كما أتبع الكسر في قراءة الحسن البصري: "الْحَمْدِ لِلَّهِ" فكسر الدال إتباعا لكسرة اللام، وكقولهم "منتن" بكسر الميم، والأصل فيه "منتن" بضم الميم، فكسروها إتباعا لكسرة التاء، ومنهم من يقول "منتن" بضم التاء، والأصل فيها الكسر، إتباعا لضم الميم، كقراءة ابن أبي عبلة: "الْحَمْدُ لُلَّهِ" بضم اللام والأصل فيها الكسر إتباعا لضمة الدال.
وعلى كل حال فهذه القراءة ضعيفة في القياس، قليلة في الاستعمال.
وأما قولهم "إنها همزة متحركة فجاز أن تنقل حركتها إلى الساكن قبلها كهمزة القطع" قلنا: قد بينا الفرق بين همزة الوصل وهمزة القطع بما يغني عن الإعادة؛ فلا يجوز أن تحمل إحداهما على الأخرى.
__________
1 هي الخرنق أخت طرفة بن العبد لأمه كما تقدم ذكره في شرح هذا الشاهد سابقا.(2/612)
وأما قولهم "أجمعنا على أن كسرة الدال في قولهم واحد اثنان إنما كان لإلقاء حركة همزة اثنان، وهمزة اثنان همزة وصل" قلنا: إنما جاز ذلك ههنا لأن "واحد" في حكم الوقف كنحوه في العدد، و"اثنان" في حكم المستأنف المبتدأ به، وإذا كان في حكم المستأنف المبتدأ به كانت همزته بمنزلة همزة القطع، وإن كانت همزة وصل؛ لأن همزة القطع وهمزة الوصل تستويان في الابتداء؛ ولهذا يقولون "واحد إثنان" فيثبتون فيه الهمزة وإن كانت همزة وصل؛ لأن "واحد" في حكم الوقف، و"إثنان" في حكم المستأنف، ولذلك يقولون "ثلاثة اربعة" فيحذفون الهمزة من "أربعة" ولا يقبلون الهاء من ثلاثة تاء؛ لأن الثلاثة عندهم في حكم الوقف والأربعة في حكم المستأنف، وهم إنما يقلبون الهاء تاء في حالة الوصل، وإذا كانت في تقدير الوقف بقيت هاء، وإن ألقيت عليها حركة ما بعدها، كما تكون هاء إذا لم يكن بعدها شيء والله أعلم.(2/613)
109- مسألة: [هل يجوز مد المقصور في ضرورة الشعر؟] 1
ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز مَدُّ المقصور في ضرورة الشعر، وإليه ذهب أبو الحسن الأخفش من البصريين، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز.
وأجمعوا على أنه يجوز قصر الممدود في ضرورة الشعر، إلا أن الفراء من الكوفيين اشترط في مد المقصور وقصر الممدود شروطًا لم يشترطها غيره؛ فذهب إلى أنه لا يجوز أن يمد من المقصور ما لا يجيء في بابه ممدود، نحو فَعْلَى تأنيث فَعْلَان نحو سكرى وعطشى؛ فهذا لا يجوز أن يمد؛ لأن مذكره سكران وعطشان، وفَعْلَى تأنيث فعلان لا تجيء إلا مقصورة، وكذلك حكم كل ما يقتضي القياس أن يكون مقصورًا وكذلك لا يجوز أن يُقْصَرَ من الممدود ما لا يجيء في بابه مقصور، نحو تأنيث أفعل نحو بيضاء وسوداء؛ فهذا لا يجوز أن يقصر؛ لأن مذكره أبيض وأسود، وفعلاء تأنيث أفعل لا يكون إلا ممدودًا، وكذلك حكم كل ما يقتضي القياس أن يكون ممدودًا، فأما ما عدا ما يوجب القياس أن يكون مقصورا أو ممدودا من المقصور والممدود فإنه يجوز أن يمد منه المقصور ويقصر منه الممدود إذ كان له نظير من المقصور أو الممدود؛ فيجوز عنده مَدُّ "رحًى، وهدًى، وحِجًى" لأنها إذا مدت صارت إلى مثل سماء ودعاء ورداء، ويجوز عنده قصر "سماء، ودعاء، ورداء" لأنها إذا قصرت صارت إلى مثال رحى وهدى وحجى، فأما ما لا مثال له من المقصور والممدود إذا مُدَّ وقُصِرَ فلا يخرج عن بابه من المد والقصر؛ فهذا تفصيل المذاهب.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على جواز مد المقصور أنه قد جاء ذلك عن العرب في أشعارهم، قال الشاعر:
[454]
قد علمتْ أمُّ أبي السِّعْلاء ... وعَلِمَتْ ذَاكَ مع الجَرَاء
__________
[454] هذه خمسة أبيات من الرجز المشطور، وقد أنشدها -إلا الثاني- ابن منظور "ل هـ ا" =
__________
1 انظر في المسألة: شرح الأشموني بحاشية الصبان "4/ 91" وتصريح الشيخ خالد الأزهري "2/ 368".(2/614)
أنْ نِعْمَ مَأكُولًا على الخَواء ... يا لك من تمر ومن شَيشَاءِ
يَنْشَبُ في المَسْعَل واللهَاءِ
والسعلاءُ والخواءُ واللهاءُ كله مقصور في الأصل، ومده لضرورة الشعر؛ فدل على جوازه، وقال الآخر:
[455]
إنما الفقر والغناء من ... الله؛ فهذا يعطي، وهذا يُحَدُّ
فمدَّ الغناء وهو مقصور، فدل على جوازه، وقال الآخر:
[456]
سيغنيني الذي أغناك عنِّي ... فلا فقر يدوم ولا غناء
__________
= وأنشد رابعها وخامسها ابن يعيش "ص801" والأشموني "رقم 1157" وابن عقيل "رقم 353" وقد قال الفراء: إن هذا الرجز لأعرابي من أهل البادية، ولم يسمه، وقال أبو عبيد البكري: هو لأبي المقدام الراجز. والسعلاء -بكسر السين وسكون العين- أصله السعلاة، قيل: هي الغول، وقيل: ساحرة الجن، وتجمع على السعالي، والعرب تشبه المرأة العجوز بالسعلاة، قال الراجز:
لقد رأيت عجبا مذ أمسا ... عجائزًا مثل السعالي خمسا
وقال الأعشى:
رب رفد هرقته ذلك اليوم ... وأسرى من معشر أقتال
وشيوخ حربي بشطي أريك ... ونساء كأنهن السعالي
والجراء -بفتح الجيم أو كسرها- الفتاء، تقول: هذه جارية بينة الجراء، والجراية والجرائية، والجري، أي بينة الصبا والفتاة، والخواء: الخلاء، تقول: خوي الربع يخوى، إذا خلا من أهله، لكن الأصمعي حكى في مصدر هذا الفعل أنه ممدود في الأصل والشيشاء -بشينين معجمتين أولاهما مكسورة وبينهما ياء- هو الشيص، وهو أردأ التمر، وينشب: يعلق، والمسعل: موضع السعال من الحلق، واللهاء -بفتح اللام، وبالمد، وأصله القصر- جمع لهاة، وهي هنة مطبقة في أقصى سقف الفم. ومحل الاستشهاد من هذه الأبيات قوله "السعلاء" وقوله "اللهاء" فإن أصل هاتين الكلمتين القصر فأصل الأولى السعلاة، وأصل الثانية اللهاة، ولكن الراجز قد مدهما حين اضطر، وقد زعم المؤلف أن "الخواء" أصله القصر، ولكن الراجز مدّه أيضا، ولكن الأصمعي كما حدثناك قد حكى أن أصل "الخواء" ممدود، والخطب في ذلك سهل، فإنه يكفي الاستشهاد بالكلمتين السابقتين.
[455] يحد -بالبناء للمجهول- أي يمنع ويحرم، والاستشهاد بهذا البيت في قوله "والغناء" فإن هذه الكلمة في الأصل مقصورة، والغنى -بكسر الغين مقصورا- ضد الفقر، وفي الحديث "خير الصدقة ما أبقت غنى" وفي رواية "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" وأصله مصدر "غني يغنى" بوزن رضي يرضى، وقد مدّه الشاعر في هذا البيت حين اضطر لإقامة وزن البيت.
[456] هذا البيت من شواهد الأشموني "رقم 1156" وأوضح المسالك "قم 537" وشرحه العيني "4/ 513 بها مش الخزانة" وأنشده ابن منظور "غ ن ي" ومحل الاستشهاد منه قوله "ولا غناء" فإن أصل هذه الكلمة "ولا غنى" بكسر الغين مقصورا، ولكن الشاعر مدّه حين =(2/615)
وقول الآخر:
[457]
لم نرحِّبْ بأن شَخَصْتَ، ولكن ... مرحبا بالرِّضَاءِ منك وأَهْلَا
فهذه الأبيات كلها تدل على جوازه.
وأما من جهة القياس فإنما قلنا إنه يجوز مد المقصور لأنا أجمعنا على أنه يجوز في ضرورة الشعر إشباع الحركات التي هي الضمة والكسرة والفتحة فينشأ عنها الواو والياء والألف؛ فإشباع الضمة كقوله:
[8]
كأن في أنيابها القَرَنْفُولُ
__________
= اضطر لإقامة وزن البيت، وزعم قوم أنه بفتح الغين من قولهم "هذا رجل لا غناء عنده" فيكون ممدودا أصالة، وزعم آخرون أنه بكسر الغين وأنه مصدر "غانيته أغانيه غناء -مثل راميته أراميه رماء" إذا فاخرته وباهيته في الغنى بكسر الغين وبالقصر، قال ابن منظور "وأما قوله:
سيغنيني الذي أغناك.... البيت
فإنه يروى بالفتح والكسر، فمن رواه بالكسر أراد مصدر غانيت، ومن رواه بالفتح أراد الغني نفسه، قال أبو إسحاق: إنما وجهه ولا غناء -يعني بفتح الغين- لأن الغناء غير خارج من معنى الغنى، وكذلك أنشده من يوثق بعلمه" ا. هـ. وقال ابن هشام "واختلفوا في جواز مد المقصور للضرورة، فأجازه الكوفيون متمسكين بنحو قوله:
فلا فقر يدوم ولا غناء
ومنعه البصريون، وقدروا الغناء في البيت مصدرا لغانيت لا مصدرا لغنيت، وهو تعسف" ا. هـ.
[457] شخص الرجل يشخص -مثل فتح يفتح- شخوصًا، إذا ذهب من بلد إلى بلد، والرضاء: ضد السخط؛ ومحل الاستشهاد في هذا البيت قوله "بالرضاء" فإن أصله الرضا مقصورا، لكن الشاعر لما اضطر لإقامة الوزن مده، وبهذا يستدل الكوفيون على أنه يجوز للشاعر إذا ألجأته الضرورة أن يمد المقصور، كما يجوز له عند الضرورة أن يقصر الممدود، ولكن الأخفش -على ما في اللسان- حكى أن مصدر "رضي" هو الرضا بالقصر، ومنه قول القحيف العقيلي:
إذا رضيت على بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها
والاسم الرضاء بالمد، فيجوز -إن صح هذا- أن يكون الرضاء في بيت الشاهد اسما لا مصدرا، فيكون ممدودا أصالة، وبهذا يسقط استدلال الكوفيين بهذا البيت وقد أنشد الكوفيون للاستلال على ما ذهبوا إليه قول العجاج:
والمرء يبليه بلاء السربال ... كرّ الليالي وانتقال الأحوال
وهذا البيت من شواهد الأشموني في المسألة "رقم 1155" وإنما يتم الاستدلال لهم بهذا البيت إذا قرئ "بلاء السربال" بكسر الباء، فإنه يقال: بلي الثوب يبلى بلى مثل رضي يرضى رضى -وأما إذا فتحت الباء فإنه ممدود أصالة، قال ابن منظور "بلي الثوب يبلى بلى، وبلاء، وأبلاه صاحبه.. إذا فتحت الباء مددت، وإذا كسرت قصرت، ومثله القرى والقراء، والصلى والصلاء" ا. هـ.(2/616)
أراد "القُرُنْفُلَ" وإشباعُ الكسرة كقوله:
[16]
لا عهد لي بِنِيضَالْ
أراد بِنِضالٍ، وإشباع الفتحة كقوله:
[10]
أقول إِذْ خرَّت على الكَلْكَال
أراد الكَلْكَلَ، وقد ذكرنا ذلك مستقصى في غير هذه المسألة1، فإذا كان هذا جائزا في ضرورة الشعر بالإجماع جاز أن يشبع الفتحة قبل الألف المقصورة فتنشأ عنها الألف فيلتحق بالممدود.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز مد المقصور لأن المقصور هو الأصل، والذي يدل على أن المقصور هو الأصل أن الألف تكون فيه أصلية وزائدة، والألف لا تكون في الممدود إلا زائدة، والذي يدل على ذلك أيضا أنه لو لم يعلم الاسم هل هو مقصور أو ممدود لوجب أن يلحق بالمقصور دون الممدود؛ فدلّ على أنه الأصل، وإذا ثبت أن المقصور هو الأصل فلو جوّزنا مدّ المقصور لأدّى ذلك إلى أن نردّه إلى غير أصل، وذلك لا يجوز، وعلى هذا يخرج قصر الممدود؛ فإنه إنما جاز لأنه رَدٌّ إلى أصل، بخلاف مد المقصور؛ لأنه ردٌّ إلى غير أصل، وليس من ضرورة أن يجوز الردّ إلى أصل أنه يجوز الردّ إلى غير أصل، وهذا لا إشكال فيه:
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قول الشاعر:
[454]
قد علمت أم أبي السَّعْلَاءِ
الأبيات إلى آخرها -فلا حجة فيها؛ لأنها لا تعرف، ولا يعرف قائلها، ولا يجوز الاحتجاج بها، ولو كانت صحيحة لتأولناها2 على غير الوجه الذي صاروا إليه.
وأما قول الآخر:
[455]
إنما الفقر والغناء من الله
وقول الآخر:
[456]
فلا فقر يدوم ولا غناء
فلا حجة لهم فيه أيضا، وذلك من وجهين؛ أحدهما: أن الإنشاد بفتح
__________
1 انظر المسألة الثانية من مسائل هذا الكتاب.
2 في ر "لتناولناها" وظاهر أن ذلك تحريف عما أثبتناه.(2/617)
الغين والمدّ، والغناء ممدوح بمعنى الكفاية، قال طرفة:
[458]
ولا تجعليني كامرئ ليس هَمُّهُ ... كهمِّي، ولا يغني غَنَائِي ومَشْهَدِي
والوجه الثاني: أنا نسلم أن الرواية بكسر الغين، ولكن تكون مصدرًا لغانيته:
أي فاخرته بالغني، يقال: غانيته أغانيه غناء، كما يقول: والَيْتهُ أُوَالِيهِ ولاء، وعاديته أعاديه عداء بمعنى واليته؛ قال امرؤ القيس:
[459]
فَعادَى عداء بين ثور ونعجة ... دِرَاكا، ولم يَنْضَخْ بماء فَيُغْسَلِ
__________
[458] هذا هو البيت الرابع والتسعون من قصيدة طرفة بن العبد البكري المعلقة "انظر شرح التبريزي ص96" وقبله قوله:
إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي على الجيب يا ابنة معبد
وانعيني: أي اذكري من أفعالي ما أنا خليق به وأهل له، وليس همه كهمي: يريد ليس عزمه مثل عزمي ولا طلبه للمعالي مثل طلبي، ولا يغني غنائي: أي لا ينفع في المواطن التي أنفع فيها ولا يسد كما أسد، يريد أنه لا يكون مثله في المواطن التي تظهر فيها قيم الرجال كمواطن الحرب ومجالس الخصومات والمفاخرات. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "غنائي" فإنه بفتح الغين، وهو ممدود أصالة، ومعناه النفع والكفاية، والمؤلف يريد بإنشاد هذا البيت أن يقول: إنه يجوز أن يكون "الغناء" في الشاهد رقم 455 و"غناء" في الشاهد رقم 456 مثل "غنائي" في بيت طرفة هذا بفتح الغين وبمعنى الكفاية والنفع، وعلى هذا يكون ممدودا أصالة، ولا يكون فيه شاهد للكوفيين لأن الشاعر أتى به على أصله، وقد ذكرنا لك هناك أن هذا الكلام لا يصح أن يؤخذ به وذكرنا لك كلام ابن هشام في الردّ على هذا الكلام، وقال في آخره: إن تمحلات البصريين في الردّ على الكوفيين تعسف.
[459] هذا هو البيت السادس والستون من معلقة امرئ القيس بن حجر الكندي "انظر شرح التبريزي على المعلقات ص46 ط السلفية" وقد أنشده ابن منظور "ع د ي" وعزاه إليه، وعادى: معناه والى بين اثنين في طلق واحد ولم يعرق، تقول: عادى الفارس بين صيدين، وبين رجلين، إذا طعنهما طعنتين متواليتين، والعداء: مصدر هذا الفعل، وهو بكسر العين ممدودًا، ومعناه الموالاة والمتابعة بين الاثنين يصرع أحدهما على إثر الآخر في طلق واحد، ودراكًا: أي مداركة، وهو مصدر في موضع الحال، يصف امرؤ القيس فرسه بالسرعة وأنه يدرك الوحش ويمكن راكبه من صيدها من غير أن يظهر عليه أثر الجهد والتعب حتى إنه لا يعرق مع شدة جريه. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "عداء" فإنه بكسر العين المهملة مصدر عادى، وهو ممدود قياسي، وغرض المؤلف من إنشاد هذا البيت ههنا أن يقول: إنه يجوز أن يكون "الغناء" في البيتين "رقم 455 و456" واللذين أنشدهما الكوفيون بكسر الغين كما قالوا، لكن لا على أنهما مصدر غني كرضي، بل على أنهما مصدر "غانى" أي فاخر في الغنى، ولست في حاجة إلى أن نعيد عليك هنا قول ابن هشام "وهو تعسف" وقد وافق الكوفيين في هذه المسألة ابن ولاد وابن خروف، وقد قرأ طلحة بن مصرف في قوله تعالى: "يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار" بمد السّنا وأصله =(2/618)
فكذلك ههنا، وهذا هو الجواب عن قول الآخر:
[457]
.................. ولكن ... مرحبًا بالرِّضَا منك وأَهْلَا
لأن "الرضاء" مصدر راضيته مُرَاضاة ورضاء، فلا يكون فيه حجة.
وأما قولهم: "إنه يجوز إشباع الحركات فتنشأ عنها الحروف -إلى آخر ما ذكروه" فنقول: الفرق بينهما ظاهر، وذلك أن إشباع الحركات هناك يؤدِّي إلى تغيير واحد، وهو زيادة هذه الحروف فقط، وأما ههنا فإنه يؤدي إلى تغييرين: زيادة الألف الأولى، وقلب الثانية همزة؛ وليس من ضرورة أن يجوز ما يؤدي إلى تغيير واحد أن يجوز ما يؤدي إلى تغييرين وأكثر من ذلك.
وأما ما ذهب إليه الفراء -من اشتراطه في قصر الممدود أن يجيء في بابه مقصور- فباطل، لأنه قد جاء القصر فيما لم يجئ في بابه مقصور، قال الشاعر:
[460]
والقارح العدَّاء وكل طِمِرَّةٍ ... ما إن تنال يد الطويل قَذَالَهَا
فقصر "العداء" وهو فَعَّال من العَدْو، وفعَّال لتكثير الفعل، نحو
__________
= مقصور، فإذا صحت رواية هذه القراءة دل على جواز مد المقصور في سعة الكلام، ولم يقصر الجواز على الضرورة.
[460] هذا هو البيت السادس والعشرون من قصيدة للأعشى ميمون مطلعها قوله "وانظر ديوانه ص22-27":
رحلت سمية غدوة أجمالها ... غضبي عليك، فما تقول بدالها؟
وقبل البيت المستشهد به قوله:
الواهب المائة الهجا وعبدها ... عوذا تزجي بينها أطفالها
وأنشد ابن منظور بيت الشاهد "ع د ا" وعزاه إليه، غير أنه روى عجزه "لا تستطيع يد الطويل قذالها" ورواية الديوان كرواية المؤلف، والعوذ -بضم العين- جمع عائذ، وهي الحديثة النتاج، والقارح: أراد به الفرس الذي اكتمل سنة، والطمرة -بكسر الطاء والميم جميعا مع تشديد الراء- الوثابة، ويقال: هي المشرفة، أي العالية، وهذا هو الذي يتنساب عجز البيت، ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "العداء" فإن أصله "العداء" صيغة مبالغة فعلها عدا يعدو، فأصله ممدود قياسي، ولكن الشاعر قصره حين اضطر لإقامة وزن البيت، قال ابن منظور "أراد العداء، فقصره للضرورة، وأراد لا تستطيع يد الطويل نيل قذالها، فحذف للعلم بذلك" ا. هـ. وأراد المؤلف من الاستشهاد بهذا البيت الردّ على الفرّاء الذي اشترط لجواز قصر الممدود أن يكون قد ورد في بابه مقصور، ووجه الرد من هذا البيت أن الشاعر قد قصر "العداء" وهو صيغة مبالغة كما قلنا فعلها عدا يعدو، ولم يأتِ في صيغ المبالغة مقصور حتى يحمل هذا عليه.(2/619)
"ضرَّاب وقتَّال"1 ولا يجيء في بابه مقصور، وقال الآخر:
[461]
ولكنَّما أُهْدِي لِقَيْس هَدِيَّةً ... بِفِيَّ مِنِ اهداها لك الدَّهر إِثْلِبُ
فقصر "إهْدَاهَا" وهو مصدر أَهْدَى يُهْدِي إهداء، ولا يجيء في بابه مقصور، ألا ترى أن نظيره من الصحيح أكرم إكراما وأخرج إخراجا، وما أشبه ذلك، وقال الآخر:
[245]
فلو أنَّ الأطِبَّا كان حَوْلِي ... وكان مع الأطباء الأُسَاةُ
فقصر "الأطباء" وهو جمع طبيب، ولا يجيء في بابه مقصور؛ لأن القياس يوجب مده؛ لأن الأصل في طبيب أن يجمع على طُبَبَاء على مثال فعلاء، كشريف وشرفاء وظريف وظرفاء؛ إلا أنه اجتمع فيه حرفان متحركان من جنس واحد فاستثقلوا اجتماعهما، فنقلوه من فعلاء إلى أفعلاء فصار أَطْبِبَاء، فاستثقلوا أيضا اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد، فنقلوه كسرة الباء الأولى إلى الطاء، فرارًا من الاستثقال، وأدغموا الباء في الباء، فصار أطِبَّاء، وكذلك حكم ما جاء على هذا المثال في جمع فَعِيل من المضاعف، كقولهم: حبيب وأحبَّاء، وخليل وأخِلَّاء، وجَلِيل وأجِلَّاء، وما أشبه ذلك، ولا يجوز في القياس أن يقع شيء من هذا الجمع إلا ممدودا، فلما قال "الأَطِبَّاء" فقصر ما يوجب القياس مادة دلّ على فساد ما ذهب إليه، والله أعلم.
__________
[461] أنشد ابن منظور هذا البيت "ث ل ب" ولم يعزه، وقوله "بفي" أي بفمي، وهو متعلق بقوله أهدي، يريد أنه يهديه كلاما، و"له الدهر إثلب" جملة مستأنفة، يريد: له الدهر إثلب من إهدائي إياها، والإثلب: التراب والحجارة، وقال شمر: الأثلب بلغة أهل الحجاز الحجر، وبلغة تميم التراب، وهمزة الإثلب مكسورة أو مفتوحة، والفتح أكثر. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "اهداها" فإن أصل هذه الكلمة "إهدائها" لأنه مصدر أهدى إليه هدية يهديها إهداء -مثل أكرمه يكرمه إكراما- فهو ممدود قياسي، ولم يجئ في باب مصدر "أفعل يفعل" مقصور حتى يحمل هذا عليه، فأنت تقول: أعطى يعطي إعطاء. وأبقى يبقي إبقاء، وأرضى يرضي إرضاء، وهلم جرا؛ وهذا رد على الفراء الذي اشترط لجواز قصر الممدود أن يكون قد جاء في بابه مقصور، ووجه الردّ ما ذكرنا مثله في شرح الشاهد السابق.
__________
1 في ر "وقفال".(2/620)
مسألة هل يحذف آخر المقصور والممدود عند التثنية إذا كثرت حروفهما؟
...
110- مسألة: [هل يحذف آخر المقصود والممدود عند التثنية إذا كثرت حروفها؟] 1
ذهب الكوفيون إلى أن الاسم المقصور إذا كَثُرَتْ حروفه سقطت ألفه في التثنية؛ فقالوا في تثنية "خَوْزَلَى، وقَهْقَرَى": خَوْزَلَانِ، وقَهْقَرَانِ، وذهبوا أيضا فيما طال من الممدود إلى أنه يحذف الحرفان الآخران، فأجازوا في "قَاصعَاء، وحَاثِيَاء": قاصعان، وحاثيان.
وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز حذف شيء من ذلك في مقصور ولا ممدود.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه يجوز ذلك لأنه لما كثرت حروفهما وطال اللفظ بهما، والتثنية توجب زيادة ألف ونون أو ياء ونون عليهما ازدادا كثرة وطولا؛ فا جتمع فيهما ثقلان: ثقل أصليّ، وثقل طارئ؛ فجاز أن يحذف منها لكثرة حروفهما كما يحذفون لكثرة الاستعمال.
والذي يدل على أن طول الكلمة وكثرة حروفها له أثر في الحذف قولهم "اشْهَابَّ اشْهِبَابًا، واحْمَارَّ احْمِرَارًا"، وأصله اشهيبابًا واحميرارا، فحذفوا الياء لطول الكلمة وكثرة حروفها، وكذلك زعمتم أن "كينونة" أصلها كيَّنونة بالتشديد، ثم أوجبتم الحذف لطول الكلمة طلبا للتخفيف؛ فدل على أن طول الكلمة وكثرة حروفها له أثر في الحذف؛ فكذلك ههنا، وعلى هذا يخرج ما لم يكثر حروفه منهما؛ فإنه لا يجوز أن يحذف منه شيء لقلة حروفه
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنه لا يحذف منهما شيء؛ لأن التثنية إنما وردت على لفظ الواحد؛ فينبغي أن لا يحذف منه شيء، قَلَّتْ حروفُهُ أو كثرت.
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح ابن يعيش على المفصل "ص598 و600" وشرح الأشموني بحاشية الصبان "4/ 94 بولاق" وتصريح الشيخ خالد "2/ 371".(2/621)
والذي يدل على ذلك أن العرب لم تحذف فيما كثرت حروفه، كما حُذِفَ في ما قلت حروفه، فقالوا في تثنية جمادى: "جُمَادَيَيْنِ" من غير حذف، قال الشاعر:
[462]
شَهْرَيْ ربيع وجُمَادَيَيْنَهْ
وقال الأخر:
[463]
جُمَادَيَيْنِ حُسُومًا
__________
[462] هذا بيت من الرجز المشطور، وهو من شواهد رضي الدين في باب المثني من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "3/ 338" وذكر أنه لا مرأة من فقعس، وأنشد قبله:
يا رب خال لك من عرينه ... حج على قليص جوينه
فسوته لا تنقضي شهرينه
والقليص: تصغير القلوص، وهي الناقة الشابة، وجوينة: تصغير جون، والجون من الإبل ومن الخيل أيضا: الأدهم الشديد السواد، وقوله "فسوته.... إلخ" الفسوة بفتح الفاء وسكون السين- ريح يخرج من البطن من غير صوت، والكلام على حذف مضاف، وكأنه قال: نتن فسوته.... إلخ، وشهرينه: منصوب على الظرفية والعامل فيه تنقضي، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة لأنه مثنى، والهاء في آخره للسكت، وقوله "شهري ربيع" بدل من الشهرين، وجماديينه معطوف على شهري ربيع، والهاء في آخره للسكت أيضا. ومحل الاستشهاد هنا قوله "جماديينه" فإنه مثنى جمادى، والألف فيه خامسة، وقد قلبها الراجز ياء، ولم يحذفها، فيكون ردا على الكوفيين الذين ذهبوا إلى أن الاسم المقصور إذا كثرت حروفه سقطت ألفه في التثنية، ونحب أن ننبهك إلى أن الكوفيين لم يذهبوا إلى أن سقوط الألف في تثنية الاسم الذي كثرت حروفه أمر واجب لا يجوز غيره، بل ذهبوا إلى أنه يجوز أن تسقط ألفه ويجوز أن تذكر وتقلب ياء، فلا يرد عليهم بأن العرب قد أبقت الألف وقلبتها ياء في "جماديينه" وفي ألف كلمة أخرى، وقد قالت العرب في تثنية الخوزلي "الخوزلان" بحذف الألف، ولو أبقوها لقالوا: الخوزليان، وقالوا أيضا: خنفسان، وقرفصان، وعاشوران، في تثنية خنفساء، وقرفصاء، وعاشوراء، فحذفوا في التثنية الهمزة والألف التي قبلها، ولو أبقوا ذلك لقالوا: خنفساوان، وقرفصاوان، وعاشوراوان. وقد استشهد الرضي بالبيت على أن من العرب من يفتح نون المثنى بعد الياء، وبعد الألف كما في قول الراجز:
أعرف منها الجيد والعينانا ... ومنخرين أشبها ظبيانا
[463] الاستشهاد من هذا الشاهد في قوله "وجماديين" فإنه مثنى جمادى، والألف فيه خامسة، ولم يحذفها الشاعر، بل قلبها ياء على قاعدة أن الألفات إذا كانت رابعة فأكثر قلبت ياء مطلقا، وهذا -فيما زعم المؤلف- يرد على مذهب الكوفيين الذين يقولون: إن المقصور إذا كانت حروفه كثيرة جاز حذف هذه الألف عند التثنية، وإن الممدود إذا كانت همزته بعد حروف كثيرة جاز حذف هذه الهمزة والألف التي قبلها، وقد بينا لك في شرح الشاهد =(2/622)
وقال الآخر:
[464]
جماديين حرام
فثنوا ذلك على تمام الاسم على الأصل من غير حذف، والعدول عن الأصل والقياس والنقل من غير دليل لا وجه له.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إنما قلنا إنه يحذف لكثرة حروفهما وطول ألفاظهما" قلنا: كثرة الحروف لا تكون علة موجبة للحذف، وإنما يوجد ذلك في ألفاظ يسيرة نُقِلَتْ عنهم على خلاف الأصل والقياس، فيجب الاقتصار على تلك المواضع، ولا يقاس عليها غيرها؛ إذ ليس الحذف للكثرة قياسا مطردا؛ فإذا وجب الاقتصار على ما نقل من الحذف للكثرة بَطَلَ أن الحذف ههنا للكثرة؛ لورود النقل بخلافه.
وأما استشهادهم باشهباب وكَيْنُونة والأصل فيهما اشهيباب وكَيَّنونة بالتشديد فمخالف لما وقع الخلاف فيه؛ لأن الثقل فيهما لازم في أصل الكلمة غير عارضٍ،
__________
= السابق أن هذا الشاهد والكثير من أمثاله لا يرد مذهب الكوفيين من قبل أنهم لا يقولون بوجوب حذف ألف المقصور ولا بوجوب حذف همزة الممدود، وإنما يقولون: يجوز للمتكلم إذا استطال حروف الكلمة أن يحذف الألف أو الهمزة ويجوز له أن يأتي بالكلمة على الأصل ويقلب الألف ياء ويقلب الهمزة واوا أو يبقيها على تفصيل في الممدود معروف لك، وإذا كانوا لا يقولون بوجوب الحذف فمجيء الشواهد العديدة بالإثبات والقلب لا يرد مذهبهم؛ لأن هذه الشواهد جاءت على الوجه الآخر الذي يجوزونه أيضًا.
[464] والاستشهاد بهذا الشاهد في قوله "جماديين" أيضا، والكلام فيه كالكلام فيما قبله، وقول المؤلف بعد إنشاد هذه الشواهد "والعدول عن الأصل والقياس والنقل من غير دليل لا وجه له" غير مسلم له، فإنهم لم يقولوا ما قالوه من غير دليل، فقد حكوا أن العرب تثني الخوزلي والقهقري على الخوزلين والقهقرين، بحذف الألف، وتثني القاصعاء والحاثياء على القاصعين والحاثيين، بحذف الهمزة والألف التي قبلها؛ وقد نقلنا لك زيادة على هذه الكلمات في شرح الشاهد 462 أنهم يثنون الخنفساء والقرفصاء وعاشوراء بحذف الألف والهمزة التي قبلها، فكيف يقال: إنهم عدلوا عن الأصل والنقل والقياس من غير دليل؟ وإذا كان القياس يثبت بعدد الكلمات فإن كلام الكوفيين أحرى بالثبوت، لأن الكلمات التي ذكروا أن العرب حذفت منها ألف المقصور وهمزة الممدود مما عددناه هنا سبع كلمات، بينما لم يأتِ هو لمذهب البصريين إلا بكلمة واحدة، وهي جمادى على تعدد ما أتى به من الشواهد لهذه الكلمة، ومع هذا كله نرى لك أن تأخذ بمذهب البصريين، لا لضعف الحجة التي أتى بها الكوفيون ولكن لأن الأصل أن علامة التثنية تزاد على حروف الكلمة كلها، وأن الحذف من الكلمة قد يوقع في اللبس بين الكلمة المراد تثنيتها وكلمة أخرى تشبهها في الحروف التي أبقيت بعد الحذف، فإن أمن اللبس كان لكلامهم وجه.(2/623)
بخلاف ما وقع الخلاف فيه فإنه غير لازم في أصل الكلمة، بل هو عارض، لأن التثنية عارضة وليست لازمة، ثم أيضا استشهادهم بكينونة وأن أصلها كيَّنونة بالتشديد لا يستقيم؛ لأنه شيء لا يقولون به؛ لأن الأصل عندهم في كينونة كونونة، فأبدلوا من الواو ياء، فكيف يستشهدون على صحة مذهبهم بشيء لا يعتقدون صحته؟ فدل ذلك على صحة ما قلناه، والله أعلم(2/624)
111- مسألة: [القول في المؤنث بغير علامة تأنيث مما على زنة اسم الفاعل] 1
ذهب الكوفيون إلى أن علامة التأنيث إنما حُذِفَتْ من نحو "طالق، وطامث، وحائض، وحامل" لاختصاص المؤنث به.
وذهب البصريون إلى أنه إنما حذفت منه علامة التأنيث لأنهم قصدوا به النسب ولم يُجْرُوهُ على الفعل، وذهب بعضهم إلى أنهم إنما حذفوا علامة التأنيث منه لأنهم حملوه على المعنى كأنهم قالوا "شيء حائض".
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأن علامة التأنيث إنما دخلت في الأصل للفصل بين المذكر والمؤنث، ولا اشتراك بين المؤنث والمذكر في هذه الأوصاف من الطلاق والطمث والحيض والحمل، وإذا لم يقع الاشتراك لم يفتقر إلى إدخال علامة التأنيث؛ لأن الفصل بين شيئين لا اشتراك بينهما بحال محال.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما حذفت علامة التأنيث من هذا النحو لأن قولهم "طالق، وطامث، وحائص، وحامل" في معنى ذات طلاق وطمث وحيض وحمل، على معنى النسب، أي: قد عرفت بذلك، كما يقال: رجل رامح ونابل، أي ذو رمح ونبل، وليس محمولا على الفعل؛ واسم الفاعل إنما يؤنث على سبيل المتابعة للفعل، نحو ضربت المرأة تضرب فهي ضاربة، فإذا وضع على النسب لم يكن جاريا على الفعل ولا متبعا له، فلم تلحقه علامة التأنيث، وصار بمنزلة قولهم "امرأة مِعْطَار، ومِذْكَار، ومِئْنَاث، ومِئْشِير، ومِعْطِير، وصَبُور، وشكور، وخَوْد، وضَنَاك، وَصَنَاع، وحَصَان، وَرزَان" قال حسان:
[465]
حصان رَزَانٌ ما تُزَنٌ بِرِيبَةٍ ... وتصبح غَرْثَى من لحوم الغَوَافِلِ
__________
[465] هذا البيت لحسان بن ثابت الأنصاري رضي الله تعالى عنه، يقوله في أم المؤمنين صفية =
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح ابن يعيش على المفصل "ص695 و773" وشرح رضي الدين على كافي ابن الحاجب "2/ 154".(2/625)
فإن هذه الأوصاف وما أشبهها لما لم تكن جارية على الفعل لم تلحقها علامة التأنيث، فكذلك ههنا.
والذي يدل على صحة ما ذكرناه أنهم لو حملوه على الفعل لدخلته علامة التأنيث؛ فقيل: طَلَقَتْ فهي طالقة، وطمثت فهي طامثة، وحاضت فهي حائضة، وحملت فهي حاملة، وقال الشاعر، وهو الأعشى:
[466]
أيا جارتا بِينِي فإنك طالقه ... كذاك أمور الناس غادٍ وطارقه
وقال:
[467]
تَمخَّضَتْ المَنُونُ له بيوم ... أَنَّى، ولكل حاملة تمام
__________
= رسول الله عائشة بنت الصديق أبي بكر، رضي الله تعالى عنها وعن أبيها وقد أنشد هذا البيت ابن منظور "غ رث - ح ص ن - ر ز ن - ز ن ن" والحصان -بفتح الحاء- العفيفة، والرزان -بفتح الراء- أي ذات ثبات ووقار وعفاف، وهي مع ذلك رزينة في مجلسها، وما تزن -بالبناء للمجهول- أي ما تتهم، والريبة: التهمة وموضع الشك، وغرثي: وصف المؤنث من الغرث -بالتحريك- وهو الجوع، أو أيسره، أو أشده، والغوافل: جمع غافلة، يعني أنها لا تغتاب أحدا. ومحل الاستشهاد مجيء هذه الصفات -وهي حصان، ورزان- من غير تاء التأنيث، مع أنها جارية على مؤنث، وذلك بسبب كونها غير جارية على فعل.
[466] هذا البيت مطلع القصيدة الحادية والأربعين من ديوان الأعشى ميمون بن قيس "د183 ط فينا" وقد أنشده ابن منظور "ط ل ق" وعزاه إليه، وأراد بالجارة زوجه، وبيني: أي فارقيني وابتعدي عني، وأصل معنى البين القطع، ومنه أخذ البين للفراق والبعد، لأنه قطع ما كان موصولا بين الأليفين، وقد علل طلبه منها أن تفارقه وتبتعد منه بقوله "فإنك طالقة" وقوله "كذاك أمور الناس غاد وطارقة" أي أن بعض ما يعرض للناس يعرض لهم في وقت الغدو، وبعضه يعرض لهم في وقت الطروق وهو الليل، ومحل الاستشهاد في هذا البيت قوله "طالقة" حيث أتى بهذا الوصف مؤنثا بتاء التأنيث مع أنه لا يوصف به إلا النساء، والسر في أنه أتى بهذا الوصف بتاء التأنيث هنا أنه حمله على معنى الفعل -وهو الحدوث- ألا ترى أن الشاعر يريد أن يقول لامرأته: ابتعدي عني فإنه قد جرى عليك الطلاق وحدث أو يحدث بعد أن لم يكن؟ قال ابن منظور "وكلهم يقول: امرأة طالق -بغير هاء- وأما قول الأعشى:
أيا جارتا بيني فإنك طالقة
فإن الليث قال: أراد طالقة غدا، وقال غيره: هي طالقة على الفعل، لأنه يقال لها: قد طلقت -بفتح الطاء واللام بعدها- فبنى النعت على الفعل" ا. هـ كلامه.
[467] أنشد ابن منظور هذا البيت "ح م ل - أن ا" ونسبه في المرة الأولى إلى عمرو بن حسان، ثم قال: ويروى لخالد بن حق "هكذا" ورواه رابع أربعة أبيات "م خ ض" ونسبها لعمرو بن حسان أحد بني الحارث بن همام بن مرة، وأصل معنى تمخص تحرك، وقالوا: تمخص اللبن، أي تحرك في الممخضة، وقالوا: تمخض الولد، أي تحرك في بطن الحامل، وقالوا: تمخض الدهر بالفتنة، والدنيا تتمخّض بفتنة منكرة وتمخّضت المنون =(2/626)
ومنهم من تمسك بأن قال: إنما حذفوا علامة التأنيث من "طالق" ونحوه
__________
= وغيرها، كل هذا على المجاز، والمنون: المنية وهي الموت، وأني: أي أدرك وبلغ مداه، وقوله: "ولكل حاملة تمام" تذييل، يريد أن لكل حمل مدة ينتهي فيها وتتم مدته. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله: "حاملة" حيث جاء بهذا الوصف متصلا بتاء التأنيث مع أنه خاص بالإناث لا يوصف به غيرهن، وذلك لأنه جعله وصفا جاريا على الفعل، على نحو ما ذكرناه في الشواهد السابقة، قال ابن منظور "وامرأة حامل وحاملة، على النسب وعلى الفعل" يريد أنه يقال حامل على النسب، ويقال حامل على الفعل، فهو على طريق اللف والنشر" الأزهري: امرأة حامل وحاملة؛ إذا كانت حبلى، وفي التهذيب: إذا كان في بطنها ولد، وأنشد لعمرو بن حسان:
تمخضت المنون.... البيت
فمن قال حامل -بغير هاء- قال: هذا نعت لا يكون إلا للمؤنث، ومن قال حاملة بناه على حملت فهي حاملة؛ فإذا حملت المرأة شيئا على ظهرها أو على رأسها فهي حاملة لا غير، لأن الهاء إنما تلحق للفرق، فأما ما لا يكون للمذكر فقد استغنى فيه عن علامة التأنيث، فإذا أتى بها فإنما هو على الأصل، قال: هذا قول أهل الكوفة، وأما أهل البصرة فإنهم يقولون: هذا غير مستمر؛ لأن العرب قالوا: هذا رجل أيم، وامرأة أيم، ورجل عانس، وامرأة عانس، على الاشتراك وقالوا: امرأة مصبية، وكلبة مجربة، مع غير الاشتراك، قالوا: والصواب أن يقال: قولهم حامل وطالق وحائض وأشباه ذلك من الصفات التي لا علامة فيها للتأنيث، فإنما هي أوصاف مذكرة وصف بها الإناث، كما أن الربعة والرواية والخجأة أوصاف مؤنثة وصف بها الذكران" ا. هـ كلامه، وهو: كلام غير محدود ولا معلل، خلاصته أن الأصل أن يكون وصف المؤنث بعلامة تأنيث، ووصف المذكر بغير علامة، ولكنهم قد يعكسون فيجعلون وصف المذكر مقترنا بعلامة التأنيث ووصف المؤنث خاليا من علامة التأنيث، والكلام الدقيق هو ما قاله أبو البقاء بن يعيش في شرح المفصل "ص695" وذلك قوله "اعلم أنهم قالوا: امرأة طالق وحائض وطامث وقاعد للآيسة من الحيض، وعاصف في وصف الريح من قوله تعالى: {جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} [يونس: 22] فلم يأتوا فيه بالتاء وإن كان وصفا للمؤنث، وذلك لأنه لم يجر على الفعل، وإنما يلزم الفرق ما كان جاريا على الفعل؛ لأن الفعل لا بد من تأنيثه إذا كان فيه ضمير مؤنثا -حقيقيا- كان أو غير حقيقي -نحو هند ذهبت، وموعظة جاءت، فإذا جرى الاسم على الفعل لزمه الفرق بين المذكر والمؤنث كما كان كذلك في الفعل، وإذا لم يكن جاريا على الفعل كان بمنزلة المنسوب، فحائض بمعنى حائض -أي ذات حيض- على حد قولهم: رجل دارع، أي دارعي -بمعنى صا حب درع- ألا ترى أنك لا تقول درع فتجريه على فعل -كفرح- إنما قولك دارع أي ذو درع، وطالق أي أن الطلاق ثابت فيها، ومثله قولهم: مرضع، أي ذات رضاع، ومنه قوله تعالى: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِه} أي ذات انفطار، وليس ذلك على معنى حاضت وانفطرت، إذ لو أريد ذلك لأتوا بالتاء وقالوا: حائضة غدا، وتطلق غدا، ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] وقوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً} [الأنبياء: 81] وقول الشاعر:
رأيت جنون العام والعام قبله ... كحائضة يزني بها غير طاهر(2/627)
لأنهم حملوه على المعنى، كأنهم قالوا: شيء طالق، أو إنسان طالق، كما قالوا: رجل رَبْعَةٌ، فأنثوا والموصوف مذكر على معنى نفس رَبْعة، وكما جاء في الحديث "مذ دَجَتِ الإسلام" لأن الإسلام بمعنى الملة، وكما حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: سمعت أعرابيا يمانيا يقول: فلان لغوب جاءته كتابي فاحتقرها، فقلت له: أتقول "جاءته كتابي"؟ فقال: أليس بصحيفة؟ والحملُ على المعنى كثيرٌ في كلامهم، قال الشاعر:
[327]
قامت تبكيه على قبره ... من لي من بعدك يا عامر؟
تركتني في الدار ذَا غربة ... قد ذَلَّ من ليس له ناصر
فقال "ذا غربة" ولم يقل "ذات غربة"؛ لأن المرأة في المعنى إنسان.
وقال الآخر:
[468]
إن السماحة والمُرُوءَةَ ضُمِّنَا ... قبرًا بمَرْوَ على الطريق الوَاضِحِ
__________
= وذلك كله يجري على الفعل على تقدير حاضت وطلقت، هذا مذهب الخليل، وسيبويه يتأوّل على أنه صفة شيء أو إنسان، والشيء مذكر، فكأنهم قالوا: شيء حائض، لأن الشيء عام يقع على المذكر والمؤنث" ا. هـ. وخلاصة هذا الكلام أن ما كان وصفا للمؤنث وليس فيه علامة تأنيث كائض وطالق وطامث لشيوخ البصرة فيه تأويلان: الأول تأويل الخليل، وحاصله أن هذا الوصف لا يراد به الحدوث، وإنما يراد به أنه قائم بصاحبه وأن صاحبه منسوب إليه، فمعنى "امرأة حائض" أنها منسوبة إلى الحيض وإن كانت خالية من دم الحيض حين إطلاق الوصف عليها فعلا، ومعنى "امرأة مرضع" أنها منسوبة إلى الرضاع نعني أن لها ولدًا في زمن الرضاع، ويقال لها مرضع ولو لم تكن ترضع وقت إطلاق الوصف عليها فعلا، فإذا أردت بحائض أن الدم الذي يسمى الحيض يقطر منها أو أردت بمرضع أن ثديها في فم ولدها لم يكن لك بد من أن تلحقهما التاء فتقول حائضة ومرضعة، وهذا هو الذي يسمونه جاريا على الفعل، والتأويل الثاني تأويل سيبويه، وخلاصته أنه تأول الموصوف بهذه الصفات الخالية من علامة التأنيث بمذكر، فجعل المرأة بمعنى شيء وبمعنى إنسان ليصح وصفه بالمذكر، وقد علمت أن مذهب الكوفيين أنه لا يلزم اقتران علامة التأنيث بالوصف الجاري على المؤنث متى كان هذا الوصف مما لا يوصف به المذكر، وفي هذا القدر كفاية ومقنع.
[468] هذا البيت من قصيدة لزياد الأعجم يرثي فيها المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة وقد أنشد هذه القصيدة ابن عبد ربه في العقد "3/ 288 اللجنة" وأنشدها أكمل منه أبو علي القالي في ذيل الأمالي "ص8 الدار" وقد أنشده بيت الشاهد ابن هشام في شرح الشذور "رقم 77" والسيد المرتضى في أماليه "1/ 72" والعباسي في معهد التنصيص "261 بولا ق" والبيت كناية عن ثبوت صفتي السماحة والمروءة للمرثى، ونظيره في هذا قول زياد أيضا:
إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج
=(2/628)
فقال "ضمنا" ولم يقل "ضمنتا" لأنه ذهب بالسماحة إلى السخاء وبالمروءة إلى الكرم، وقال الآخر:
[469]
فإن تَعْهَدِينِي وَلِي لِمَّةٌ ... فإنَّ الحَوَادِثَ أَوْدَى بِهَا
__________
= ومحل الاستشهاد من البيت قوله "ضمنا" فإن هذا فعل ماضي مبني للمجهول مسند إلى ضمير غائب هو ألف الاثنين يعود إلى مؤنثين وهما المروءة والنجدة، وكان من حق العربية عليه أن يؤنث هذا الفعل، فيلحق به التاء، فيقول "ضمنتا" لأن الفعل المسند إلى ضمير المؤنث يجب إلحاق علامة التأنيث به -سواء أكان هذا المؤنث حقيقي التأنيث أم كان مجازي التأنيث- إلا أن الشاعر ترك التاء بسبب كونه أراد المعنى، وبيان ذلك أن السماحة قد يطلق عليها الكرم أو الجود أو السخاء، وأن المروءة قد يطلق عليها كرم الطباع أو الشرف أو السمو، وكل ذلك مذكر، فذكر الفعل لأنه أراد بالضمير وصفين من هذه الأوصاف المذكورة، ونظير ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} [الكهف: 98] وقوله سبحانه: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 119] إذا جعلت اسم الإشارة في "ولذلك" عائدًا إلى الرحمة المستفاد من قوله سبحانه "إلا من رحم ربك" وهو رأي لبعض العلماء في الآية ألا ترى أنه قد جيء باسم الإشارة الموضوع للمفرد المذكر مشارا به إلى الرحمة، وذلك لأن معنى الرحمة هو الفضل والإنعام، فكأنه قيل: ولذلك الفضل أو لذلك الإنعام خلقهم، وكأنه قيل في الآية الأخرى هذا فضل من ربي، ونظير ذلك من الشعر مما لم يذكره المؤلف قول الخنساء:
فذلك -يا هند- الرزية، فاعلمي ... ونيران حرب حين شب وقودها
فقد أشارت باسم الإشارة الموضوع للمفرد المذكر في قولها "فذلك" إلى الرزية وهي مؤنثة لأنها أرادت من الرزية الرزء أو الخطب أو نحو ذلك، ونظيره قول امرئ القيس بن حجر الكندي:
برهرهة رؤدة رخصة ... كخرعوبة البانة المنفطر
البرهرهة: الرقيقة الجلد، والرؤدة: الناعمة الرخصة، والخرعوبة: القضيب الغضّ والمنفطر: المنشق، فأنت تراه قد قال "كخرعوبة البانة المنفطر" مع أن الخرعوبة مؤنث اللفظ، وكان من حقه أن يقول المنفطرة، إلا أنه لما كان الخرعوبة والغضّ بمعنى واحد أعاد الصفة على الخرعوبة كما يعيدها على الغضّ.
[469] هذا البيت من كلام الأعشى ميمون بن قيس، من قصيدة يمدح فيه رهط قيس بن معد يكرب الكندي ويزيد بن عبد المدان الحارثي "الديوان 120-122 فينا" وقد أنشده ابن منظور "ح د ث" والبيت من شواهد سيبويه "1/ 239" وابن هشام في أوضح المسالك "رقم 212" والأشموني "رقم 368" وشرحه العيني "2/ 466 بها مش الخزانة" ورواية سيبويه "فإما ترى لمّتى بدلت" ورواية المتأخرين من النحاة "فإما تريني ولي لمّة" وكذلك هي في اللسان، ورواية المؤلف توافق رواية الديوان. واللمة -بكسر اللام- الشعر يلم بالمنكب، أي يحيط به، وبدلت في رواية سيبويه معناه غيرت من السواد إلى البياض، وأودى بها: ذهب بما كان لها من بهجة وحسن، ومحل الاستشهاد من هذا البيت "أودى بها" فإن =(2/629)
.............................................................................
__________
= الفعل الذي هو أودى مسند إلى ضمير مستتر يعود إلى الحوادث، والحوادث جمع حادثة، فهو جمع تكسير مفرده مؤنث، وقد زعم المؤلف تبعا لسيبويه وشراح كلامه أنه كان على الشاعر أن يقول: فإن الحوادث أودت بها؛ فيؤنث الفعل لكونه مسندا إلى ضمير يعود إلى مؤنث، ولكنه ترك تاء التأنيث لأن الحوادث يطلق عليها الحدثان، والحدثان مذكر، ويسند إليه الفعل بغير تاء كما في قول شاعر الحماسة:
رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا
فرد شعورهن السود بيضًا ... ورد وجوههن البيض سودا
قال ابن منظور "فأما قول الأعشى:
فإما تريني ولي لمّة -البيت
فإنه حذف التاء للضرورة، وذلك لمكان الحاجة إلى الردف، وأما أبو علي الفارسي فذهب إلى أنه وضع الحوادث موضع الحدثان كما وضع الآخر الحدثان موضع الحوادث في قوله:
ألا هلك الشهاب المستنير
البيتين الآتيين برقم 470" ا. هـ.
ولكن خيرًا من هذا التخريج أن يقال: إن الحوادث جمع تكسير، وإن جمع التكسير لكونه لم يسلم فيه بناء المفرد يصح أن يعود إليه الضمير من الفعل والوصف مذكرا أو مؤنثا -سواء أكان مفرده مذكرا أم كان مفرده مؤنثا- وقد تنبَّه لهذا بعض التنبه الأعلم حيث يقول "الشاهد فيه حذف التاء من أودت ضرورة، ودعا إلى حذفها إن القافية مردفة بالألف، وسوغ له حذفها أن تأنيث الحوادث غير حقيقي، وهي في معنى الحدثان" ا. هـ. وقد قلنا "إنه تنبه بعض التنبه" لأنه تنبه إلى أن تأنيث الحوادث غير حقيقي، ولم يكن تنبهه كاملا لأنه جعل ترك التاء في مثل هذا ضرورة، ولأنه عاد فقال "وهي في معنى الحدثان" والصواب أن التعليل لترك التاء ههنا هو أن مرجع الضمير جمع تكسير، وجمع التكسير يصح أن ينظر إليه على أنه جمع فيكون مذكرا ولو كان مفرده مؤنثا، وأن ينظر إليه على أنه جماعة فيكون مؤنثا ولو كان مفرده مذكرا، والوجهان جائزان في سعة الكلام عند علماء المصرين الكوفة والبصرة فما بالهم قد تركوا هذه القاعدة هنا، ورجعوا إلى أصل الكلام الأصيل، وانظر لذلك بحثا وافيا كتبناه في شرحنا على شذور الذهب "ص171-174".
ومما ورد فيه إسناد الفعل إلى جمع التكسير الذي واحده مؤنث من غير أن يلحق بالفعل تاء التأنيث قول الشاعر، وأنشده القالي "الأمالي 2/ 281 ط الدار":
فما لك إذ ترمين يا أم مالك ... حشاشة قلبي، شل منك الأصابع
ألا تراه قد قال "شل الأصابع" والأصابع جمع إصبع، والإصبع مؤنثة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم "هل أنت إلا إصبع دميت" وقد جاء الفعل المسند إلى الأصابع مؤنثا في بيت الفرزدق المشهور.
إذا قيل: أي الناس شر قبيلة ... أشارت كليب بالأكف الأصابع
أي أشارت الأصابع إلى كليب مصاحبة الأكف، وقد أثرنا لك في شرح الشاهد 470 كلمة لابن يعيش صريحة في ذلك. وفي هذا القدر كفاية وغناء إن شاء الله تعالى:(2/630)
فقال: أودى" ولم يقل "أَوْدَتْ"؛ لأن الحوادث في معنى الحَدَثَانِ، وقال الآخر:
[470]
أَلَا هَلَكَ الشِّهَابُ المُسْتَنِيرُ ... ومِدْرَهُنَا الكَمِيُّ إذا نُغِيرُ
__________
[470] أنشد بن منظور هذين البيتين "ح د ث" من غير عزو، والمدره -بسكر الميم وسكون الدال وفتح الراء- السيد الشريف والمقدم في اللسان واليد عند الخصومة والقتال، وقيل: هو رأس القوم والمدافع عنهم، وقيل: زعيم القوم وخطيبهم والمتكلم عنهم والذي يرجعون إلى رأيه، وكل هذه عبارات متقاربة، وقال الشاعر:
وأنت في القوم أخو عفة ... ومدره القوم غداة الخطاب
والكمي -بفتح الكاف وكسر الميم وتشديد الياء- الشجاع المتكمي في سلاحه، أي المستتر فيه، وكان من عادة الفرسان إذا كان عليهم ثارات أن يتكموا في السلاح مخافة أن يأخذهم أحد من ذوي الثارات غدرا، ونغير: من الغارة وهي الهجوم على العدو وقوله "وحمال المئين.... إلخ" وصفه بالكرم بعد وصفه بالشجاعة واللسن، ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "ألمت بنا الحدثان" حيث ألحق تاء التأنيث بالفعل المسند إلى الحدثان، مع أن الحدثان مذكر، لأن الحدثان يطلق عليه لفظ الحوادث، والحوادث مؤنث لكونه جمع حادثة، فقد راعى الشاعر معنى الحدثان وألحق به التاء بناء على هذا المعنى، والواقع في هذا البيت عكس الواقع في البيت السابق كما سمعت في كلام ابن منظور وهذا ظاهر.
ونظيره قول أبي ذؤيب وهو من شواهد سيبويه "1/ 238":
بعيد الغزاة فما إن يزال ... مضطمرا طرّتاه طليحا
والشاهد فيه قوله "مضطمرا طرتاه" حيث حذف التاء من الوصف الذي هو مضطمر مع أنه مسند إلى مثنى مؤنث -وهو قوله "طرتاه"- وذلك لأن الطرة يطلق عليه الجانب، والجانب مذكر، ونظيره قول الفرزدق، وهو من شواهد سيبويه أيضا:
وكنا ورثناه على عهد تبع ... طويلا سواريه شديدا دعائمه
ومحل الشاهد منه قوله: "طويلا سواريه" وقوله: "شديدا دعائمه" حيث حذف التاء من الوصفين، مع أن كل واحد من فاعلي الوصفين جمع تكسير مفرده مؤنث فمفرد الدعائم دعامة ومفرد السواري سارية، ويجري في هذا ما ذكرناه لك في شرح الشاهد 469.
وقال ابن منظور: "الأزهري: وربما أنثت العرب الحدثان يذهبون به إلى الحوادث وأنشد الفراء هذين البيتين:
ألا هلك الشهاب المستنير.... البيتين
قال: وقال الفراء: تقول العرب: أهلكتنا الحدثان" ا. هـ.
واستمع إلى كلام ابن يعيش فإنه يقرر ما ذكرناه لك من رأينا في هذا التخريج، قال "ص699" واعلم أن الجموع تختلف، فما كان من الجمع مكسرا فأنت مخير في تذكير فعله وتأنيثه، نحو قام الرجال وقامت الرجال، من غير ترجيح، لأن لفظ الواحد قد زال بالتكسير، وصارت المعاملة مع لفظ الجمع؛ فإن قدرته بالجمع ذكرته، وإن قدرته =(2/631)
وحَمَّالُ المِئِينَ إذا أَلَمَّتْ ... بنا الحدثانُ، والأنف النّصُورُ
فقال: "أَلَمَّتْ" لأنه ذهب بالحدثان إلى معنى الحوادث، وقال الآخر:
[471]
إن الأمور إذا الأحداث دَبَّرَهَا ... دون الشيوخ ترى في بعضها خَلَلَا
فقال "دَبَّرَهَا" لأنه ذهب إلى معنى الحدث؛ لأن الحدث ههنا يؤدّي عن الجمع، وقال الآخر:
[472]
هنيئا لسعد ما اقتضى بعد وقعتي ... بناقة سعد والعَشِيَّةُ بَارِدُ
__________
= بالجماعة أنثته، قال الشاعر:
أخذ العذارى عقدها فنظمنه
وقال الراجز:
إذا الرجال ولدت أولادها ... واضطربت من كبر أعضادها
وجعلت أوصابها تعتادها ... فهي زروع قد دنا حصادها
وما كان منه مجموعا جمع السلامة فما كان منه لمؤنث -نحو المسلمات والهندات- كان الوجه تأنيث الفعل، وإن كان الجمع للمذكرين بالواو والنون فالوجه تذكير الفعل فيه" ا. هـ المقصود منه.
[471] الأحداث: جمع حدث -بفتح الحاء والدال جميعا- وهو الشاب الفتي السن، ويجمع أيضا على حدثان -بضم فسكون، أو بكسر فسكون- وعلى حدثان -بضم ففتح- والأنثى حدثه، والشيخ: الرجل الذي استبانت فيه السن وظهر عليه الشيب "وانظر شرح الشاهد 409" وجمعه شيوخ، وأشياخ، وشيخان -بكسر الشين- نظير ضيف وضيفان، ويقال للأنثى: شيخة، قال عبيد:
باتت على أرم عذوبا ... كأنها شيخة رقوب
وأصل تدبير الأمر أن تنظر إلى ما تئول إليه عاقبته، تقول: دبّر الأمر تدبيرًا، وتدبره تدبرا. والمعنى لو أن الأمور قد وكل تدبيرها إلى الأحداث من الشبان وترك فيه الشيوخ ذوو الرأي والحنكة والتجربة لاختل نظامها وانفرط عقدها، ومحل الاستشهاد من البيت قوله: "إذا الأحداث دبرها" حيث أسند الفعل -الذي هو دبر- إلى ضمير غيبة يعود إلى جمع تكسير مفرده مذكر -وهو الأحداث- وجرد هذا الفعل من تاء التأنيث، وقد بينا لك فيما مضى رأينا في هذه المسألة، ودللناك على أننا لم نبتدع هذا الرأي بما أثرناه لك من أقوال العلماء.
[472] أنشد الشريف المرتضى هذا البيت في أماليه "1/ 71 ط الحلبي" من غير عزو، والعشي والعشية -بفتح العين وكسر الشين وتشديد الياء فيهما- يقال: هو الوقت من صلاة المغرب إلى العتمة، وتقول أتيته عشى أمس، وعشية أمس، وقال أبو الهيثم: إذا زالت الشمس دعي ذلك الوقت العشي فتحول الظل شرقيا وتحولت الشمس غربية، وقال الأزهري: يقع العشي على ما بين زوال الشمس إلى غروبها، وقيل العشي من زوال الشمس إلى الصباح. والبرد: ضد الحر، وبرد الشيء يبرد -على مثال قعد يقعد- برودة، وماء برد =(2/632)
فقال "بارد" لأنه حمل العشية على معنى العَشِيِّ. وقال الآخر:
[473]
وإنَّ كلابا هذه عَشْرُ أَبْطُنٍ ... وأنت بريء من قبائلها العَشْرِ
فقال "عشر أبطن" ولم يقل "عشرة" لأن البطن بمعنى القبيلة، وقال الآخر:
[474]
وقائع في مضر تسعةٌ ... وفي وائلٍ كانت العاشرة
__________
= وبارد وبرود، وقال الجوهري: برد الشيء -بالضم- وبردته أنا فهو مبرود، وبرّدته تبريدا. ومحل الاستشهاد من البيت قوله: "والعشية بارد" حيث أخبر عن العشية وهي مؤنثة ببار، وأسقط تاء التأنيث، وقد علمنا أن لحاق تاء التأنيث في مثل هذا الموضع واجب، سواء أكان المؤنث الذي هو مرجع الضمير المستتر هنا في الوصف حقيقي التأنيث أم كان مجازي التأنيث، ولكن الشاعر استساغ أن يسقط تاء التأنيث لأن العشية يطلق عليها عشي، فلحظ المعنى؛ فعامل الفعل كما لو كان مسندا لضمير العشي.
[473] أنشد ابن منظور "ب ط ن" هذا البيت من غير عزو، وهو من شواهد سيبويه "2/ 174" ونسبه إلى رجل من كلاب، ولم يزد الأعلم في التعريف بقائله عن ذلك، وأنشده ابن الناظم في باب العدد من شرح الألفية، وشرحه العيني "4/ 484" وقال: "قائله رجل من بني كلاب، يسمى النواح" وأنشده ابن جني في الخصائص "2/ 417" والأشموني "رقم 1126" وأبو العباس المبرد في الكامل "1/ 388 الخيرية" قال الأعلم "هجا رجلًا ادّعى نسبه في بني كلاب، فذكر أن بطون بني كلاب عشرة، ولا نسب له معلوم في أحدهم" ا. هـ. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله: "عشر أبطن" والأبطن: جمع بطن، والبطن مذكر، فكان ينبغي أن يقول "عشرة أبطن" لأن اسم العدد من ثلاثة إلى عشرة يؤنث مع المذكر ويذكر مع المؤنث، إلا أنه حذف التاء نظرا إلى المعنى، فإنه عنى بالبطن القبيلة، بدليل قوله فيما بعد "من قائلها العشر" والقبيلة مؤنثة، فاسم العدد معها يكون مذكرا، قال ابن جني "وذهب بالبطن إلى القبيلة، وأبان ذلك بقوله: من قبائلها" ا. هـ، وقال الأعلم "الشاهد فيه تأنيث الأبطن وحذف الهاء من العدد المضاف إليها حملًا على معنى القبائل، لأنه أراد بالبطن القبيلة، وقد بيّن ذلك بقوله: من قبائلها العشر" ا. هـ، وقال ابن منظور "فأما قوله:
وإن كلابا هذه ...
فإنه أنث على معنى القبيلة، وأبان ذلك بقوله من قبائلها العشر" ا. هـ.
[474] الوقائع: جمع وقيعة، وهي مثل الموقعة والواقعة والوقعة، كلهن يطلق على المعركة التي تدور بين فئتين من الناس ومحل الاستشهاد من البيت قوله: "تسعة" فإنه أنث اسم العدد، والمعدود به مؤنث، ومن حق العربية عليه أن يأتي باسم العدد مذكرا فيقول: "وقائع في مضر تسع" إلا أن العرب تطلق على الموقعة "اليوم" ويقولون "أيام العرب" وهم يريدون مواقعها، فلذلك أنث اسم العدد لأنه أراد بالوقائع الأيام، والأيام مذكرة. هذا بيان كلام المؤلف وإيضاحه، ولي في هذا الموضوع رأي يصير به كلام الشاعر صحيحا من غير حاجة إلى تأويل ولا حمل على المعنى، وملخص هذا الرأي =(2/633)
فقال "تِسْعَة" ولم يقل "تِسْعٌ" لأنه حمل الوقائع على الأيام، يقال: فلان عالم بأيام العرب، أي بوقائعها، وقال الآخر: وهو عمر بن أبي ر بيعة:
[475]
وكان مِجَنِّي دون من كنت أتقي ... ثلاثُ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ ومُعْصِرُ
__________
= أنك في ذكر العدد ومعدوده إما أن تذكرهما على طريقة العدد فتضيف اسم العدد إلى معدوده فتقول: عندي عشرة رجال أو لي بأس، وعندي عشر نساء ذوات خفر، وفي هذه الحال يجب مراعاة ما قاله النحاة في باب العدد فتذكر اسم العدد مع المعدود المؤنث وتؤنث اسم العدد مع المعدود المذكر كما سمعت في المثالين، وإما أن تأتي بالعدد ومعدوده على طريق الوصف فتقول: هؤلاء رجال عشر، وأولئك نساء عشرة، وفي هذه الحال يتنازعك أصلان: أحدهما أصل العدد ومعدوده الذي بيناه، وثانيهما النعت ومنعوته، وهذا يستلزم تأنيث النعت إذا كان منعوته مؤنثا وتذكير النعت إذا كان منعوته مذكرا، وأنت بالخيار بين أن تستجيب لأي الأصلين، نعني أنه يجوز لك أن تراعي قاعدة العدد والمعدود فتذكر اسم العدد مع المعدود المؤنث فتقول: النساء العشر وتؤنث العدد مع المعدود المذكر فتقول: الرجال العشرة، ويجوز لك أن تراعي قاعدة النعت مع منعوته فتذكر اسم العدد مع المنعوت المذكر فتقول: الرجال العشر، وتؤنث مع المؤنث فتقول: النساء العشرة، وعلى هذا يكون قول الشاعر "وقائع في مضر تسعة" قد جاء على أحد الطريقين الجائزين له، وهو طريق النعت مع منعوته.
[475] هذا البيت هو السادس والخمسون من رائيه عمر بن أبي ربيعة الطويلة "انظر الديوان 92-103 بتحقيقنا" ومنها الشاهد 380 الذي سبق في المسألة رقم 81، وهذا البيت من شواهد سيبويه "2/ 175" ورضي الدين في باب العدد من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "3/ 312" وابن جني في الخصائص "2/ 417" والأشموني "رقم 1125" وابن هشام في أوضح المسالك "رقم 524" وابن الناظم في باب العدد من شرح الألفية، وشرحه العيني "4/ 483 بهامش الخزانة" والمجنّ بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون -أصله اسم الآلة من "جنّة يجنّه" إذا ستره وأخفاه، وسموا الترس مجنًّا لأنه يستر بدن المحارب، والكاعب من النساء: هي الجارية حين يبدو ثديها للنهود والاكتناز، والمعصر: الجارية أول ما أدركت زمن البلوغ. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله: "ثلاث شخوص" حيث أتى باسم العدد مذكرا مع أنه مضاف إلى معدود مذكر، ولو أنه أتى به على وفق ما يقتضيه الاستعمال العربي لقال "ثلاثة شخوص" بالتاء، لما ذكرنا لك من العلة في شرح الشواهد السابقة، ولكنه لحظ المعنى، ذلك بأنه أراد بالشخوص هنا نساء بدليل تفصيلهن بقوله: "كاعبان ومعصر" ولو أنه ذكرها بلفظ النساء لكان يقول: "ثلاث نساء" فلما أراد بالشخوص النساء عاملها معاملة ما هو بمعناها، قال ابن جني "أنّث الشخص لأنه أراد به المرأة" ا. هـ. وقال الأعلم "الشاهد في قوله ثلاث شخوص بحذف الهاء حملًا على المعنى؛ لأنه أراد بالشخص المرأة، فأنّث العدد لذلك" ا. هـ.(2/634)
فقال "ثلاث" ولم يقل "ثلاثة" لأنه عَنَى بالشخوص نِساءً، فحمله على المعنى، وقال الآخر، وهو الحطيئة:
[476]
ثلاثة أَنْفُسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ ... لقد جَارَ الزَّمَانُ على عِيَالي
فقال "ثلاثة أنفس" ولم يقل "ثلاث" حملًا على المعنى، وقال القَتَّالُ الكلابي:
[477]
قَبَائِلُنَا سَبْعٌ، وأَنْتُم ثلاثةٌ ... وللسَّبْعُ خيرٌ من ثلاثٍ وأكثرُ
__________
[476] هذا البيت من كلام الحطيئة، وقبله:
أذئب القفر أم ذئب أنيس ... أصاب البكر، أم حدث الليالي؟
وهو من شواهد سيبويه "2/ 175" ورضي الدين في باب العدد من شرح الكافية وشرحه البغدادي في الخزانة "3/ 301" والأشموني "رقم 1127" وابن هشام في أوضح المسالك "رقم 523" وابن الناظم في باب العدد من شرح الألفية، وشرحه العيني "4/ 485 بهاشم الخزانة" والذّود -بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وآخره دال مهملة- هو اسم جمع يطلق على ما بين الثلاثة إلى العشرة من الإبل، وليس له واحد من لفظه، وفي مثل من أمثال العرب "الذود إلى الذود إبل" يعنون أن القليل يضم إلى القليل فيصير كثيرًا، يضرب في الحثّ على التدبير، والنحاة يستشهدون من هذا البيت في موضعين:
أما الموضع الأول ففي قوله: "ثلاث أنفس" حيث أتى بلفظ العدد مقترنًا بالتاء مع أنه مضاف إلى معدود مؤنث، وهو الأنفس الذي هو جمع نفس، والدليل على أن النفس مؤنثة قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] إلا أن النفس قد يطلق عليها لفظ شخص والشخص مذكر، فلحظ الشاعر ذلك وعبر بالأنفس وهو يريد الأشخاص؛ فلذلك أتى باسم العدد كما يأتي به مع المعدود المذكر، ولو راعى لفظ المعدود الذي ذكره لقال "ثلاث أنفس" قال الأعلم "الشاهد في تذكير الثلاثة وإن كانت النفس مؤنثة لأنه حملها على الشخص وهو مذكر" ا. هـ، وهذا الموضع هو الذي يعينه المؤلف هنا من الاستشهاد بهذا البيت.
والموضع الثاني: في قوله: "وثلاث ذود" حيث أضاف لفظ العدد إلى اسم الجمع الذي هو الذود، والأصل أن يضاف اسم العدد إلى جمع تكسير من جموع القلة، فإن لم يكن للمفرد جمع تكسير من جموع القلة انتقل إلى جمع تكسير من جموع الكثرة، وأنت خبير أن اسم الجمع ليس له واحد من لفظه، وبأن الجمع لا بد أن يكون على زنة من أوزان الجمع المعروفة، واسم الجمع لا يكون على إحدى هذه الأوزان غالبًا، وفي الحديث "ليس فيما دون خمس ذود صدقة" ونظيره قوله تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} [النمل: 48] .
[477] هذا البيت من شواهد سيبويه "2/ 175" ونسبه إلى القتال الكلابي، وأقر الأعلم هذه النسبة، والقبائل: جمع قبيلة، ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله: "وأنتم ثلاثة" مع أنه يريد أن يقابلهم بنفسه، فهو يريد أن يقول: نحن سبع قبائل وأنتم ثلاث قبائل، فكان ينبغي أن يقول: وأنتم ثلاث، إلا أن القبيلة قد يطلق عليها لفظ البطن كما تطلق القبيلة على(2/635)
فقال "ثلاثة" ولم يقل "ثلاث" حملًا على المعنى، وقال لبيد:
[478]
فَمَضَى وقَدَّمَهَا، وكانت عادَةً ... منه إذا هي عرَّدَتْ إقدَامُهَا
فقال "كانت" لأن الإقدام في معنى التَّقْدِمة، وقال الآخر:
[479]
يا أيُّها الراكب المُزْجِي مَطِيَّتَهُ ... سائل بني أسدٍ: ما هذه الصَّوْتُ؟
__________
= البطن، وقد ذكرنا ذلك من الشاهد رقم 473، لذلك جاء الشاعر هنا بلفظ ثلاثة مقترنًا بالتاء كما لو كان المعدود مذكرًا، من قبل أنه أراد المعنى فكأنه قال: وأنتم ثلاثة أبطن، قال الأعلم "الشاهد في قوله ثلاثة بإثبات الهاء وهو يريد القبائل، حملا على البطون؛ لأن معنى البطن والقبيلة واحد" ا. هـ.
[478] هذا البيت هو البيت الثالث والثلاثون من معلقة لبيد بن ربيعة العامري "انظر شرح التبريزي على القصائد العشر ص142 ط السلفية" والضمير المستتر في "مضى" يعود إلى حمار الوحش الذي يصفه، والضمير البارز المتصل في "قدمها" يعود على الأتان، يريد أنه مضى وقدمها لكيلا تعند عليه، وعردت: تركت الطريق وعدلت عنه، واسم كان هو الإقدام، وخبرها هو قوله "عادة" ومحل الاستشهاد من البيت قوله "وكانت عادة إقدامها" حيث ألحق بالفعل الذي هو كان تاء التأنيث مع أن المسند إليه وهو الإقدام مذكر، قال التبريزي "زعم الكوفيون أنه لما أولى كان خبرها وفرق بينها وبين اسمها توهم التأنيث فأنّث، وكان الكسائي يجيز: كانت عادة حسنة عطاء الله، وكان يقول: إذا كان خبر كان مؤنثا واسمها مذكرا وأوليتها الخبر فمن العرب من يؤنث كأنه يتوهم أن الاسم مؤنث إذا كان الخبر مؤنثًّا، وقال غير الكسائي: إنما بني كلامه على: وكانت عادة تقدمتها، لأن التقدمة مصدر قدمها، إلا أنه انتهى إلى القافية فلم يجد التقدمة تصلح لها فقال إقدامها".
[479] هذا البيت لرويشد بن كثير الطائي، وقد أنشده ابن منظور "ص وت" وعزاه إليه، وأنشده ابن يعيش في شرح المفصل "ص690" وابن جني في الخصائص "2/ 416" وهو أول ثلاثة أبيات اختارها أبو تمام حبيب بن أوس الطائي في ديوان الحماسة "انظر شرح التبريزي 1/ 164 بتحقيقنا وشرح المرزوقي 166" والمزجي: اسم الفاعل من أزجى يزجي، ومعناه السائق، والمطية: كل ما يركبه الإنسان، أخذ هذا اللفظ من المطا -بوزن الفتى- وهو الظهر؛ أو من المطو وهو السرعة، وجملة "ما هذه الصوت" في موضع المفعول لسائل، ويروى "بلع بني أسد" ومحل الاستشهاد من هذا البيت هنا قوله "ما هذه الصوت" حيث جاء باسم الإشارة الموضوع للمفردة المؤنثة وأشار به إلى الصوت وهو مفرد مذكر، وإنما فعل ذلك لأن الصوت يطلق عليه لفظ "الجلبة" أو "الضوضاء" أو "الصيحة" وكل واحد من هذه الألفاظ مؤنث، قال ابن جني "ذهب إلى تأنيث الاستغاثة، وحكى الأصمعي عن أبي عمرو أنه سمع رجلا من أهل اليمن يقول: فلان لغوب، جاءته كتابي فاحتقرها، فقلت له: أتقول جاءته كتابي؟ فقال: نعم أليس بصحيفة؟ قلت: فما اللغوب؟ قال: الأحمق، وهذا في النثر كما ترى، وقد علله" ا. هـ. وقال التبريزي "وأراد بالصوت الجلبة أو الصيحة، وهذا الكلام تهكم، ويجوز أن يكون المراد بقوله ما هذه الصوت ما هذه القصة التي تتأدى إلي عنكم؟ يقال ذهب صوت هذا الأمر في الناس، أي انتشر، فكأنه على هذا يوهمهم أنه لم يصح =(2/636)
فقال "هذه" لأن الصوت في معنى الصيحة، وقال الآخر:
[480]
وكانت من سَجِيَّتِنَا الغَفْرُ
__________
= عنده ما يقال، وأنهم -إن لم يقيموا المعذرة والدلالة على براءة ساحتهم- عاقبهم" ا. هـ.
وقال ابن منظور "الصوت: الجرس، معروف مذكر، فأما قول رويشد بن كثير الطائي:
يا أيها الراكب المزجي مطيته.... البيت
فإنما أنّثه لأنه أراد به الضوضاء والجلبة على معنى الصيحة أو الاستغاثة، قال ابن سيده: وهذا قبيح من الضرورة -أعني تأنيث المذكر- لأنه خروج عن أصل إلى فرع، وإنما المستجاز من ذلك ردّ التأنيث إلى التذكير؛ لأن التذكير هو الأصل، بدلالة أن الشيء مذكر، وهو يقع على المذكر والمؤنث؛ فعلم بهذا عموم التذكير وأنه هو الأصل الذي لا ينكر، ونظير هذا الشذوذ قوله وهو من أبيات الكتاب "كتاب سيبويه 1/ 25":
إذا بعض السنين تعرقتنا ... كفى الأيتام فقد أبي اليتيم
قال: وهذا أسهل من تأنيث الصوت، لأن بعض السنين سنة، وهي مؤنثة وهي من لفظ السنين، وليس الصوت بعض الاستغاثة ولا من لفظها" ا. هـ. ونظير ذلك قول حاتم الطائي:
أماوي قد طال التجنب والهجر ... وقد عذرتني في طلابكم العذر
[480] هذه قطعة من بيت، وهو بتمامه:
أزيد بن مصبوح، فلو غيركم جنى ... غفرنا، وكانت من سجيتنا الغفر
وقد أنشده بتمامه التبريزي في شرح القصائد العشر "ص142 ط السلفية" وأنشده عجزه ابن منظور "غ ف ر" ولم يعزواه والسجية -بفتح السين وكسر الجيم وتشديد الياء المثنّاه- الطبيعة والخليقة والخصلة، والغفر -بفتح فسكون- أحد مصادر "غفر ذنبه يغفره من مثال ضرب يضرب" ومغفرة، وغفرانا، وغفرًا -بضم الغين- وغفورا، وغفيرة، وغفيرا، وقد قال أعرابي يدعو ربه: أسألك الغفيرة، والناقة الغزيرة، والعزّ في العشيرة، فإنها عليك يسيرة. ومحل الاستشهاد من هذا البيت في هذا الموضع قوله "وكانت من سجيتنا الغفر" حيث أحلق تاء التأنيث بكان مع أن اسمها مذكر وهو قوله الغفر، وقد تقدم نظير ذلك في الشاهد رقم 478 وذكرنا هناك أن العلماء يغتفرون مثل ذلك في كان إذا كان اسمها مذكرا وقد فصل بخبرها بينها وبين اسمها، وقد اختلف العلماء في تخريج العبارة التي في بيت الشاهد الذي معنا الآن، فمنهم من يسلك الطريق التي سلكها العلماء في الشواهد السابقة، فيذكر أنه أنّث هنا مراعاة للمعنى لأن الغفر يطلق عليه المغفرة والغفيرة، وكل منهما مؤنث اللفظ، ومنهم من يقول: إن خبر كان محذوف، وهو مؤنث، وأصل الكلام: وكانت الغفر سجية من سجيتنا، فلما كان الغفر مخبرًا عنه بالسجية كان مؤنثًا فلذلك أنّث الفعل، قال ابن منظور "فأما قوله:
وكانت من سجيتنا الغفر
فإنما أنّث الغفر لأنه في معنى المغفرة" ا. هـ. وقال التبريزي "زعم الكسائي أنه أنّث كانت لأنه أراد: كانت سجية من سجايانا الغفر، وقال الذي خالفه: بل بني على المغفرة، فلما انتهى إلى آخر البيت والمغفرة لا تصلح له، فقال الغفر، لأن الغفر والمغفرة مصدران" ا. هـ. قال الفرّاء: وكل قد ذهب مذهبًا، وقول الكسائي أشبه بمذهب العرب" ا. هـ.(2/637)
أي: المَغْفِرَة، وقال الآخر، وهو طُفَيْل الغَنَوي:
[481]
إذ هي أَحْوَى، من الرِّبْعِيِّ، حاجِبُهُ ... والعين بالإِثْمِدِ الحَارِيِّ مَكْحُولُ
ولم يقل "مكحولةٌ" لأن العين في المعنى عُضْو، وقال الآخر:
[482]
أرى رجلا منهم أسيفا كأنما ... يضُمُّ إلى كَشْحَيهِ كفًّا مُخَضَّبَا
__________
[481] هذا البيت من كلام طفيل الغنوي، وهو من شواهد سيبويه "1/ 240" وابن يعيش في شرح المفصل "ص1364" والأحوى: الظبي الذي في ظهره وجنبتي أنفه خطوط سود، مأخوذ من الحوّة التي هي السواد، وقوله "من الربعي" أي من الصنف المولود في زمن الربيع، وهو أبكر وأفضل، والحاري: المنسوب إلى الحيرة على غير قياس، والقياس حيري، ومحل الاستشهاد ههنا من هذا البيت قوله "والعين بالإثمد الحاري مكحول" حيث أخبر بمكحول وهو وصف مذكر عن العين وهو مؤنثة، وقد علمنا أنه يجب تطابق المبتدأ وخبره في التذكير والتأنيث، وقد جعله سيبويه من باب مراعاة المعنى، وبيان ذلك أن العين يطلق عليها لفظ طرف، وهو مذكر، فالشاعر لحظ العين على أنها طرف فأخبر عنها كما يخبر عن الطرف، وجعل غير سيبويه قوله "مكحول" خبرا عن قوله "حاجبه" ويكون قوله "والعين" له خبر محذوف يدل عليه خبر حاجبه، وكأنه قد قال: حاجبه مكحول بالإثمد الحاري والعين كذلك، وجملة "والعين كذلك" معطوفة بالواو على جملة "حاجبه مكحول" والذي رآه غير سيبويه خير مما رآه سيبويه الذي تبعه المؤلف لوجهين: الأول أنه لا يلزم على ما رآه غير سيبويه ارتكاب ضرورة ولا إجراء الكلام على غير المنهج المطرد في كلام العرب، والوجه الثاني أنه يجري على قاعدة ارتضاها النحاة جميعا، وهي أنه إذا دار الكلام بين أن يكون الحذف من الأول لدلالة الثاني على المحذوف ومن الثاني لدلالة الأول على المحذوف كان الأفضل اعتبار الحذف من الثاني لدلالة الأول عليه، وانظر شرح الشاهد رقم 46 في المسألة 13، نعم يلزم على الأول أن تجيء بالمعطوف قبل تمام المعطوف عليه. قال الأعلم "الشاهد فيه تذكير مكحول، وهو خبر عن العين وهو مؤنثة، لأنها في معنى الطرف، ويجوز أن يكون خبرا عن الحاجب، فيكون التقدير: حاجبه مكحول بالإثمد والعين كذلك، فلا تكون فيه ضرورة، إلا أن سيبويه حمله على العين لقرب جوارها منه" ا. هـ.
[482] هذا هو البيت الثالث والعشرون من قصيدة للأعشى ميمون بن قيس "الديوان ص88-91 فينا" ومطلعها:
كفى بالذي تولينه لو تجنبا ... شفاء لسقم بعد ما كان أشيبا
وقد أنشد بيت الشاهد ابن منظور "خ ض ب - ك ف ف - ب ك ي" وأبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب في مجالسه "ص47" وأبو العباس المبرد في الكامل "1/ 16 الخيرية" وفي الديوان واللسان "خ ض ب" "أرى رجلًا منكم" وفي اللسان مرتين والكامل "منهم" كما رواه المؤلف، والأسيف: الأسير، قال المبرد: والأسيف يكون الأجير، ويكون الأسير، فقد قيل في بيت الأعشى:
أرى رجلا منهم أسيفا.... البيت(2/638)
فقال: "مخضبا" لأن الكفّ في المعنى عضو.
والحمل على المعنى أكثر في كلامهم من أن يُحْصَى، فكذلك ههنا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إن علامة التأنيث إنما دخلت للفصل بين المذكر والمؤنث، ولا اشتراك بين المذكر والمؤنث في هذه الأوصاف" قلنا: الجواب عن هذا من ثلاثة أوجه:
أحدهما: أن هذا يبطل بقوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] ولو كانت علامة التأنيث إنما تدخل للفصل بين المذكر والمؤنث لكان ينبغي أن لا تدخل ههنا؛ لأن هذا وصف لا يكون في المذكر، فلما دخلت دلَّ على فساد ما ذهبوا إليه.
والوجه الثاني: أنه لو كان سبب حذفه علامة التأنيث من هذا النحو وجود الاختصاص وعدم الاشتراك لوجب أن لا يوجد الحذف مع وجود الاشتراك وعدم الاختصاص في نحو قولهم "رجل عاشق، وامرأة عاشق" و"رجل عانس،
__________
= المشهور أنه من التأسف لقطع يده، وقيل: بل هو أسير قد كبلت يده، ويقال: قد جرحها الغلّ، والقول الأول هو المجتمع عليه" ا. هـ. والكشح -بفتح الكاف وسكون الشين وآخره حاء مهملة- من الخاصرة إلى الضلع الخلف، والكف: اليد، وهي مؤنثة بدليل قول
بشر بن أبي خازم:
له كفان كف كف ضر ... وكف فواضل خضل نداها
فأعاد الضمير عليها في قوله "نداها" مؤنثا، ومحل الاستشهاد من هذا البيت في هذا الموضع قوله: "كفا مخضّبا" فإن الظاهر أن قوله: "مخضبا" نعت لقوله: "كفا" ومخضب وصف مذكر، وقد علمت أن من القواعد المقررة التي لا يختلف فيها أحد أن النعت الحقيقي يجب أن يطابق المنعوت في تذكيره وتأنيثه. ولهذا قال العلماء في بيت الشاهد: إنه ذكر النعت حملا على المعنى، وبيان ذلك أن الكف يطلق عليها لفظ "عضو" والعضو مذكر قال ابن منظور "خ ض ب": "ذكر على إرادة العضو، أو على [حد] قوله:
فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
ويجوز أن يكون صفة لرجل، أو حالًا من المضمر في يضم، أو من المخفوض في كشحيه" ا. هـ. وقال في "ك ف ف": "فأما قول الأعشى:
أرى رجلا منهم أسيفا.... البيت
فإنه أراد الساعد فذكر، وقيل: إنما أراد العضو، وقيل: هو حال من ضمير يضم أو من هاء كشحيه" ا. هـ، فذكر ما ذكره في الموضع الأول إلا أن يكون مخضبا وصفا لقوله رجلا، والخطب في ذلك سهل، فإن جعل قوله مخضبا حالا من الضمير المستتر في يضم أو من الضمير البارز المتصل في قوله كشحيه مثل جعله صفة لقوله رجلا، وكل ذلك أضعف من الحمل على المعنى.(2/639)
وامرأة عانس" إذا طال مكثهما لا يتزوجان، و"رجل عاقر، وامرأة عاقر" إذا لم يولدلهما، و"رأس ناصل من الخضاب، ولحية ناصل" و"جَمَل نازع إلى وطنه، وناقة نازع" و"جمل ضامر، وناقة ضامر" و"جمل بازل، وناقة بازل" في كلمات كثيرة قال زهير:
[483]
فوقعتُ بين قُتُودِ عَنْسٍ ضامر ... لحَّاظَةٍ طَفَلَ العَشِيِّ سِنَادِ
وقال الأعشى:
[484]
عَهْدِي بها في الحيّ قد سُرْبِلَتْ ... بيضاءَ مثل المُهْرَةِ الضامر
__________
[483] هذا هو البيت الخامس من قصيدة لزهير بن أبي سلمى المزني "الديوان 330-332 دار الكتب" والقتود: عيدان الرحل، وواحدها قتد -بفتح القاف والتاء جميعا- والعنس -بفتح العين وسكون النون- الناقة، والضامر: يقال للذكر والأنثى، والضمور: لحوق البطن بالظهر، ولحاظة: صيغة مبالغة من اللحظ، ومعناه أن هذه الناقة تنظر وتتلفت حين اصفرت الشمس للمغيب، وهو الوقت الذي تكل فيه الإبل، وطفل العشي: منصوب على الظرفية، وهو الوقت قبيل الغروب، والسناد -بكسر السين- الشديدة، أو العظيمة، ومحل الاستشهاد من هذا البيت ههنا قوله "ضامر" فإنه وصف للعنس، وقد علمت أن العنس اسم للناقة، والناقة مؤنثة، وقد أتى بهذه الصفة من غير تاء، وذلك لأن هذا اللفظ يقال على المذكر والمؤنث بصيغة واحدة، فيقال: بعير ضامر، وناقة ضامر، ويقال: فرس ضامر، وجواد ضامر، قال ابن منظور "وجمل ضامر، وناقة ضامر -بغير هاء- أيضا، ذهبوا إلى النسب" ا. هـ. وقد مضى قولنا في الوصف الذي يقصد به الدلالة على النسب والذي يقصد به الدلالة على الحدوث، وأنه حين يقصد به الدلالة على النسب يطلق على المؤنث بدون تاء، فإذا أريد معنى الفعل وأن ذلك حدث الآن أو يحدث بعد لحقته التاء، وانظر الشاهد 467 وشرحه.
[484] هذا البيت هو البيت العاشر من قصيدة للأعشى ميمون بن قيس "الديوان ص104-108" ومطلعها قوله:
شاقتك من قتلة أطلالها ... بالشط فالوتر إلى حاجر
وقد أنشد بيت الشاهد ابن يعيش "ص697" والعهد -بفتح العين وسكون الهاء- الالتقاء، والمعرفة، ومن العهد أن تعهد الرجل على حال أو في مكان، تقول: عهدي به في موضع كذا، وفي حال كذا، وعهدته بمكان كذا، وعهدي به قريب. و"عهدي بها" في بيت الشاهد مبتدأ خبره محذوف، أي عهدي بها حاصل، أو عهدي بها قريب أو ما أشبه ذلك، و"قد سربلت" جملة في موضع الحال من الضمير المجرور محلًّا بالباء، وسربلت -بالبناء للمجهول- أي ألبسوها السربال. ومحل الاستشهاد من هذا البيت وقوله "المهرة الضامر" حيث وصف "المهرة" وهي أنثى بالضامر من غير أن يؤنث الصفة بتاء التأنيث، وذلك يدل على أن لفظ الضامر يقال على الذكر والأنثى بصيغة واحدة من غير أن يميز بين الحالين في اللفظ، والغرض بهذا الرد على الكوفيين في قولهم: إن سقوط تاء التأنيث من طالق وحائص وطامث لكون هذه الصفات تختص بالإطلاق على الأنثى، ووجه الردّ أنه قد جاء =(2/640)
وقال زهير:
[485]
تُهَوِّنُ بُعْدَ الأرض عَنِّي فَرِيدَةٌ ... كِنَازُ البَضِيعِ سَهْوَةُ المَشْيِ بازلُ
قال لبيد:
[486]
تَرْوِي المَحَاجِرَ بازل عُلْكُومُ
__________
= سقوط التاء من الوصف المراد به المؤنث في ألفاظ لا تختص بالمؤنث، بل تطلق على المؤنث وعلى المذكر، ولو أن ما ذكرتموه كان صحيحًا لم يقع ذلك في كلامهم، قال ابن يعيش بعد أن حكى مقالة الكوفيين: "وهو يفسد من وجوه، أحدها: أن ذلك لم يطرد فيما كان مختصا بالمؤنث، بل قد جاء أيضا فيما يشترك فيه الذكر والأنثى، قالوا: جمل بازل، وناقة بازل، وجمل ضامر، وناقة ضامر، قال الأعشى:
عهدي بها في الحي قد سربلت.... البيت
فإسقاط العلامة مما يشترك فيه القبيلان دليل على فساد ما ذهبوا إليه، وإن كان أكثر الحذف إنما وقع فيما يختص بالمؤنث، الثاني أنه ينتقض ما ذهبوا إليه بقولهم مرضعه بإثبات التاء فيما يختص بالمؤنث، الثالث أن التاء تلحق مع فعل المؤنث نحو حاضت المرأة وطلقت الجارية، ولو كان اختصاصه بالمؤنث يكفي فارقًا لم يفترق الحال بين الصفة والفعل، فاعرفه" ا. هـ كلامه.
[485] هذا هو البيت التاسع من قصيدة لزهير بن أبي سلمى المزني يقولها في سنان بن أبي حارثة المري، وكان وهو شيخ كبير ركب بعيرًا ببطن نخل فذهب به فهلك "الديوان 292-300" ومطلعها قوله:
لسلمى بشرقي القنان منازل ... ورسم بصحراء اللبيين حائل
والفريدة: التي لا مثل لها، والبضيع: أراد لحمها، وهو جمع بضع -بفتح فسكون- ونظيره كلب وكليب، ومعنى "كناز البضيع" كثيرة اللحم صلبة، وسهوة المشي: سهلته، والبازل: التي بلغت أقصى السن، وذلك بعد نهاية السنة الثامنة، وما بعد البزول إلا النقصان، ومحل الاستشهاد من البيت هنا قوله "بازل" حيث وصف به الناقة من غير أن يلحق به تاء التأنيث، وذلك يدل على أن هذا اللفظ يستوي فيه المذكر والمؤنث، على نحو ما بيناه لك في شرح الشواهد السابقة.
[486] هذا عجز بيت للبيد بن ربيعة العامري، وهو بتمامه:
بكرت بها جرشية مقطورة ... تروي المحاجر بازل علكوم
وقد أنشد هذا البيت ابن منظور "ق ط ر - ج ر ش - ع ل ك م" والجرشية بضم الجيم وفتح الراء- المنسوبة إلى جرش، وهو مخلاف من مخاليف اليمن، ومقطورة: أي مطلية بالقطران، قالوا: بعير مقطور، وقالوا: بعير مقطرن، أيضا، وقالوا: قطرت البعير والناقة، أي طليتها بالقطران، وقال امرؤ القيس:
أيقتلني وقد شعفت فؤادها ... كما قطر المهنوءة الرجل الطالي؟
والمحاجر: أراد به الحديقة، والعلكوم -بوزن العصفور- الشديدة الصلبة، الناقة علكوم =(2/641)
وقال آخر:
[487]
ببازلٍ وَجْنَاءَ أو عَيهَلِّ
كيف والأصمعي قد صنف في هذا النحو كتابًا؟!.
والوجه الثالث: وهو أنه لو كان الاختصاص سببا لحذف علامة التأنيث من اسم الفاعل لوجب أن يكون ذلك سببا لحذفها من الفعل؛ فيقال: المرأة طَلَقَ، وطَمِثَ، وحَاضَ، وحَمَلَ، كما يقال: طالق، وطامث، وحائص، وحامل؛ فلما
__________
= والجمل علكوم، وكل شديد صلب من الإبل وغيرها علكوم، وفي قصيدة كعب بن زهير والتي مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
غلباء وجناء علكوم مذكرة ... في دفها سعة قدامها ميل
ومحل الاستشهاد من هذا البيت ههنا قوله "بازل" حيث وصف الناقة به من غير أن يلحق به تاء التأنيث وذلك يدل على أن هذا اللفظ يطلق على الذكر والأنثى من غير تفرقة، على نحو ما بيناه لك في شرح الشواهد السابقة، وقد سمعت في شرح مفردات هذا البيت أن لفظ "علكوم" توصف به الناقة من غير تاء كما يوصف به الجمل، وسمعت بيت كعب الذي أتى فيه بعدة أوصاف للناقة كلها مؤنث بعلامة تأنيث وبينها "علكوم" بغير علامة تأنيث.
[487] هذا بيت من مشطور الرجز لمنظور بن مرثد الأسدي، وربما نسبوا منظورا هذا إلى أمه، فقالوا: منظور ابن حبة، وقبله قوله:
إن تبخلي يا هند أو تعتلي ... أو تصبحي في الظاعن المولي
نسل وجد الهائم المغتل
وقد أنشد ابن منظور هذه الأبيات "ع ي هـ ل" وعزاها إليه، وأنشدها بزيادة ثلا ثة أبيات بعدها أبو زيد في نوادره "ص53" والبيت من شواهد سيبويه "2/ 282" وشواهد ابن جني في الخصائص "2/ 359" ورضي الدين في شرح شافية ابن الحاجب "رقم 127" وتبخلي: تمنعي وصلك، وتعتلي: تتذرعي بالعلل الواهية والأسباب المصنوعة، والظاعن: المفارق، والمولي: الذي يعطينا ظهره سائرا في غير طريقنا، والمغتل: رواه أبو زيد بالغين المعجمة على أنه مأخوذ من الغلة -بضم الغين- وهي في الأصل حرارة العطش، وأراد بها حرارة الشوق، ورواه ابن منظور بالعين المهملة، ومعناه ذو العلة وهي المرض، والبازل: تقدم أنه الناقة إذا اكتملت ثمان سنين ودخلت في التاسعة، والوجناء: الناقة الشديدة، والعيهل: أصله بوزن جعفر، ويقال: ناقة عيهل، وجمل عيهل، وربما قالوا: جمل عيهل، وناقة عيهلة -بالتاء- ومحل الاستشهاد من هذا البيت هنا قوله "ببازل" حيث أطلق هذا اللفظ على الناقة بدليل وصفها بالوجناء المؤنث بألف التأنيث، فيدل ذلك على أن البازل يطلق على المؤنث بغير علامة تأنيث، والكلام فيه كالكلام في الشواهد السابقة، والنحاة يستشهدون بهذا البيت لتشديد اللام في الوصل ضرورة، والأصل أن يكون تشديده عند الوقف ليعلم أنه متحرك في الوصل.(2/642)
لم يجز أن تحذف علامة التأنيث من الفعل دلّ على أنه تعليل فاسد، ولا يلزم هذا على قول من حمله على المعنى كأنه قال: إنسان حائض؛ لأن الحمل على المعنى اتساع يُقْتَصر فيه على السماع، والتعليل بالاختصاص ليس باتساع، فينبغي أن لا يُقْتَصَر فيه على السماع، ولا يلزم أيضا على قول من حمله على النسب بوجه ما؛ لأنه جعل حائضا بمعنى ذات حيض، والفعل لا يدل على نفس الشيء؛ فيقال: إن هندا حاض، بمعنى هند ذات حيض، وإنما شأن الفعل الدلالة على المصدر والزمان، فبان الفرق بينهما، والله أعلم.(2/643)
112- مسألة: [عِلَّة حذف الواو من "يعد" ونحوه] 1
ذهب الكوفيون إلى أن الواو من نحو "يَعِدُ، ويَزِنُ" إنما حذفت للفرق بين الفعل اللازم والمتعدي. وذهب البصريون إلى أنها حذفت لوقوعها بين ياء وكسرة.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأن الأفعال تنقسم إلى قسمين: إلى فعل لازم، وإلى فعل متعد، وكلا القسمين يقعان فيما فاؤه واو، فلما تغايرا في اللزوم والتعدي واتفقا في وقوع فائهما واوًا وجب أن يفرق بينهما في الحكم، فبقَّوا الواو في مضارع اللازم نحو "وجل يوجل، ووحل يوحل" وحذفوا الواو من المتعدي نحو "وعد يعد، ووزن يزن" وكان المتعدي أولى بالحذف؛ لأن التعدي صار عوضا من حذف الواو.
قالوا: ولا يجوز، أن يقال "إنهم إنما حذفوا الواو لوقوعها بين ياء وكسرة" لأنا نقول: هذا يبطل بقولهم "أعد ونعد وتعد" والأصل فيه: أوعد ونوعد وتوعد، ولو كان حذف الواو لوقوعها بين ياء وكسرة لكان ينبغي أن لا تحذف ههنا؛ لأنها لم تقع بين ياء وكسرة، ولكان ينبغي أن تحذف من قولهم "أوعد يوعد" بضم الياء فيقال: "يعد" لوقوعها بين ياء وكسرة، فلما لم تحذف دل على فسا د ما ذكرتموه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن الواو حذفت لوقوعها بين ياء وكسرة، وذلك لأن اجتماع الياء والواو والكسرة مستثقل في كلامهم، فلما اجتمعت هذه الثلاثة الأشياء المستنكرة التي توجب ثقلا وجب أن يحذفوا واحدا منها طلبًا للتخفيف، فحذفوا الواو ليخفّ أمر الاستثقال.
والذي يدل على صحة ذلك أن الواو والياء إذا اجتمعتا وكانا على صفة يمكن أن تدغم إحداهما في الأخرى قلبت الواو إلى الياء نحو "سيد، وميت" كراهية
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح الأشموني بحاشية الصبان "4/ 285 بولا ق" وتصريح الشيخ خالد الأزهري "2/ 493".(2/644)
لاجتماع المثلين، وإذا اجتمع ههنا ثلاثة أمثال الياء والواو والكسرة ولم يمكن الإدغام لأن الأول متحرك ومن شرط المدغم أن يكون ساكنا، فلما لم يمكن التخفيف بالإدغام وجب التخفيف بالحذف، فقيل: يعد ويزن، وحملوا "أعد ونعد وتعد" على "يعد" لئلا تختلف طرق تصاريف الكلمة، على ما سنبينه في الجواب إن شاء الله تعالى.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إنما حذفت الواو من هذا النحو للفرق بين الفعل اللازم والمتعدي، فبقَّوُا الواو في اللازم وحذفوها من المتعدي" قلنا: هذا باطل؛ فإن كثيرا من الأفعال اللازمة قد حذفت منها الواو، وذلك نحو "وكَفَ البيت يَكِفَ، وونمَ الذباب يَنٍمُ، ووجد في الحزن يجد" إلى غير ذلك. والأصل فيها: وكف يَوْكِفُ، وونَمَ يَوْنِمُ، ووجد يَوْجِدُ، وكلها لازمة، ولو كان الأمر على ما زعمتم لكان يجب أن لا تحذف منه الواو، فلما حذفت دلّ على أنه إنما حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، ولا نَظَرَ في ذلك إلى اللازم والمتعدي.
وأما "وجل يوجل، ووحل يوحل" فإنما لم تحذف منه الواو لأنه جاء على يَفْعَلُ بفتح العين، كعلم يعلم، فلم تقع الواو فيه بين ياء وكسرة، وإنما وقت بين ياء وفتحة، وذلك لا يوجب حذفها، وأما حذفهم لها من قولهم "ولغ يلغ"، وإن كانت قد وقعت بين ياء وفتحة فلأن الأصل فيه يَفْعِلُ بكسر العين كضرب يضرب، وإنما فتحت العين لوقوع حرف الحلق لامًا؛ فإن حرف الحلق متى وقع لامًا من هذا النحو فإن القياس يقتضي أن يفتح العين منه، نحو: قرأ يقرأ، وجبه يَجْبَهُ، وسَدَحَ يسدح، وشدخ يشدخ، وجمع يجمع، ودمع يدمغ، إلا ما جاء على الأصل نحو: نطح الكبش ينطح؛ ونبح الكلب ينبح، وكذلك أيضا إذا وقع حرف الحلق عينا فإنه يقتضي فتح العين أيضا، نحو: سأل يسأل، وجهد يجهد، ونحر ينحر، وفخر يفخر، ونعب ينعب، وفغر يفغر، إلا ما جاء على الأصل، نحو: نعق ينعق؛ فدل على أن "وجل يوجل" لا حجة لهم فيه. وفي وجل يوجل أربع لغات: أحدها تصحيح الواو، وهي اللغة المشهورة، واللغة الثانية "ياجَلُ" فتقلب الواو ألفا لمكان الفتحة قبلها وفرارًا من اجتماع الياء والواو إلى الألف، واللغة الثالثة قلب الواو ياء نحو "يَيْجَلُ" وذلك على طريقة سيد وميت وإن لم يمكن الإدغام لتحرك الأول، واللغة الرابعة "ييجل" بكسر الياء؛ لأنهم أرادوا أن يقلبوا الواو ياء فكسروا ما قبلها ليجري قلبها على سنن القياس في نحو ميعاد وميزان وميقات، والأصل فيها موعاد، وموزان، وموقات؛ لأنها من الوعد والوزن والوقت، إلا أن الواو لما(2/645)
سكنت وانكسر ما قبلها قلبوها ياء، فكذلك ههنا: لمَّا لم يمكن الإدغام لما ذكرنا وكانت الواو تقلب في نحو سيد لإمكانه أحبوا أن يقلبوا الواو بسبب يستمر له القلب وهو كسر ما قبلها.
وأما قولهم "إنها لو كانت قد حذفت لوقوعها بين ياء وكسرة لكان ينبغي أن لا تحذف من "أعد، وتعد، ونعد"؛ لأنها لم تقع بين ياء وكسرة" قلنا: إنما حذفت ههنا وإن لم تقع بين ياء وكسرة حملا لحروف المضارعة -التي هي الهمزة والنون والتاء- على الياء، لأنها أخوات1، فلما حذفت الواو مع أحدها للعلة التي ذكرناها حذفت مع الآخر لئلا تختلف طُرُقُ تصاريف الكلمة، ليجرى الباب على سَنَن واحد، وصا ر هذا بمنزلة "أكرم" والأصل فيها "أأكرم" إلا أنهم كرهوا اجتماع همزتين، فحذفوا الثانية فرارًا من اجتماع همزتين طلبًا للتخفيف وكان حذف الثانية أولى من الأولى؛ لأن الأولى دخلت لمعنى والثانية ما دخلت لمعنى فلهذا كان حذف الثانية وتبقيه الأولى أولى. ثم قالوا "نكرم، وتكرم، ويكرم". فحذفوا الهمزة حملًا للنون والتاء والياء على الهمزة طلبا للتشاكل على ما بيّنا.
وأما قولهم "إنه لو كان الحذف لوقوعها بين ياء وكسرة كان يجب الحذف في قولهم "يوعد" ونحوه" قلنا: الجواب عن هذا من وجهين:
أحدهما: أن هذا لا يصلح أن يكون نقضا على "يعد" لأن الواو ههنا ما وقعت بين ياء وكسرة؛ لأن الأصل في "يوعد" بضم الياء يُؤَوْعِد. كما أن الأصل في يُكْرِم يُؤَكْرِم، قال الشاعر:
[1]
فإنه أهل لأن يؤكرما
فلما كان الأصل يؤوعد بالهمزة فالهمزة المحذوفة حالت بين الواو والياء لأنها في حكم الثابتة، كما كانت الياء المحذوفة في قول الشاعر:
[488]
وكَحَّلَ العينين بالعَوَاوِرِ
__________
[488] هذا بيت من مشطور الرجز لجندل بن المثنى الطهوي، ويروون قبله قوله:
غرك أن تقاربت أباعري ... وأن رأيت الدهر ذا الدوائر
حنى عظامي وأراه ثاغري
والبيت من شواهد سيبويه "2/ 374" والزمخشري في المفصل، وابن يعيش في شرحه "1431" ورضي الدين في شرح شافية ابن الحاجب "رقم 176" وشرحه البغدادي "ص374 بتحقيقنا" وابن جني في الخصائص "1/ 195 و3/ 164 و326" وعزاه في المرة الأخيرة إلى
__________
1 في ر "ولأنها أخوات" وظاهر أن الواو مقحمة.(2/646)
في حكم الثابتة، ولولا ذلك لما صحت الواو، وكانت تقلب همزة؛ لوقوعها قبل الطرف بحرف؛ لأنهم يجرون ما قبل الطرف بحرف من هذا النحو مُجْرَى الطرف وهم يقلبون الواو إذا وقعت طرفا وقبلها ألف زائدة1 همزة؛ فههنا لما
__________
العجاج، وليس ذلك صحيحًا، وابن منظور "ع ور" والأشموني "رقم 1222" وابن هشام في أوضح المسالك "رقم 566" وتقاربت أباعري: كنى بذلك عن قلتها، وأراد أنه غير ذي ثراء، والدوائر: جمع دائرة، وأراد بها أحداث الزمان ومصائبه، وثاغري: يريد أنه مذهب أسنانه، والعواور: جمع عوار -بوزن رمان- وهو وجع في العين، وجعله كحلا على سبيل التهكم.
ومحل الاستشهاد بالبيت هنا قوله "بالعواور" فإن أصله بالعواوير -بياء بعد الواو منقلبة عن ألف المفرد كما تقول في جمع قرطاس: قراطيس، والواو إذا كانت قريبة من طرف الكلمة بأن تكون قبل آخرها مباشرة تقلب همزة، وكذلك الياء، تقول في جمع أول أوائل، وفي جمع جيد وسيد وصائد: جيائد، وسيائد، وصيائد، وأصلهن: جياود، وسياود، وصوايد، فإن انفصلت الواو أو الياء من الطرف بياء مفاعيل لم تقلب همزة وبقيت على أصلها نحو طواويس ونواويس، وبحسب الظاهر كان يجب قلب الواو من العواور همزة؛ لأنها غير مفصولة من الطرف، إلا أنه لما كان مفرد هذا اللفظ هو عوار، وكان أصل جمعه العواوير -بياء فاصلة بين الواو وطرف الكلمة- إلا أن الراجز حذف هذه الياء للتخفيف، وهو يريدها، فكأنها موجودة، ولذلك لم يقلب الواو همزة، قال ابن جني "وصحة الواو في قوله:
وكحل العينين بالعواور
إنما جاء لإرادة الياء في العواوير وليعلم أن هذا الحرف ليس بقياس ولا منقاد" ا. هـ. وقال الأعلم "الشاهد فيه تصحيح واو العواور الثانية؛ لأنه ينوي الياء المحذوفة من العواوير، والواو إذا وقت في مثل هذا الموضع لم تهمز، لبعدها من الطرف الذي هو أحق بالتغيير والاعتلال، ولو لم تكن فيه ياء منوية للزم همزها، كما قالوا في جمع أول: أوائل، والأصل أواول" ا. هـ كلامه.
وقال ابن منظور "فأما قوله:
وكحل العينين بالعواور
فإنما حذف الياء للضرورة، ولذلك لم يهمز، لأن الياء في نية الثبات، فكما كان لا يهمزها والياء ثابتة، كذلك لم يهمزها والياء في نية الثبات" ا. هـ. والعوار -بزنة رمان أيضا- الجبان، وجمعوه على عواوير، وربما قالوا فيه: عواور، فلم يهمزوا؛ لأنهم يريدون الياء وينوونها، قال الأعشى في العواوير بثبوت الياء:
غير ميل ولا عواوير في الهيـ ... ـجا ولا عزل، ولا أكفال
وقال لبيد يعاتب عمه في العواوير بحذف الياء مع نيتها:
وفي كل يوم ذي حفاظ بلوتني ... فقمت مقاما لم تقمه العواور
__________
1 وقوع الواو أو الياء طرفا وقبلهما ألف زائدة يوجب قلب كل منهما همزة ومثال ذلك كساء ورداء، وأصلها كساو ورداي، ووقوع الواو والياء قبل الطرف بحرف وقبلهما ألف زائدة يوجب قلب كل منهما =(2/647)
صحت الواو دل على أن الأصل فيه "العواوير" بالياء كطواويس ونواويس، وإنما حذفت للضرورة، وإنما صحت الواو مع تقدير الياء لأنها قبل الطرف بحرفين، فبعدت عما تُقْلَب فيه الواو إذا وقعت طرفا؛ فلم تقلب همزة.
والوجه الثاني: أنهم لما حذفوا الهمزة من "يؤوعد" لم يحذفوا الواو؛ لأنه كان يؤدّي إلى الموالاة بين إعلالين، وهم لا يوالون بين إعلالين، ألا ترى أنهم قالوا "هَوَى، وغَوَى" فأبدلوا من الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ولم يبدلوا من الواو ألفا وإن كانت قد تحركت وانفتح ما قبلها، لأنهم لو فعلوا ذلك فأعَلُّوا الواو كما أَعَلُّوا الياء لأدّى ذلك إلى أن يجمعوا بين إعلالين، والجمع بين إعلالين لا يجوز، والله أعلم.
__________
= همزة ومثاله أوائل جمع أول وعيائل جمع عيل -بوزن سيد- وأصلهما أواول وعيايل، فإن وقعت الواو أو الياء قبل الطرف بحرفين وقبلهما ألف زائدة لم تقلبا همزة؛ لأنهما بعدتا عن الطرف بعدا حصّنهما من القلب، ومثال ذلك طواويس ونواويس وعواوير، فاعرف ذلك.(2/648)
113- مسألة: [وزن الخماسي المكرر ثانية وثالثة] 1
ذهب الكوفيون إلى أن "صَمَحْمَح ودَمَكْمَكَ" على وزن فعلَّل. وذهب البصريون إلى أنه على وزن فَعَلْعَلَ.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه على وزن فعلل، وذلك أن الأصل في "صمحمح ودمكمك صمحَّح ودمكَّك، إلا أنهم استثقلوا جمع ثلاث حاءات وثلاث كافات، فجعلوا الوسطى منها ميما، والإبدال لاجتماع الأمثال كثير في الاستعمال، قال الله تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} [الشعراء: 94] والأصل كُبِّبُوا؛ لأنه من "كَبَبْتُ الرجل على وجهه" إلا أنهم استثقلوا اجتماع ثلاث باءات فأبدل من الوسطى كاف، وقال الفرزدق:
[489]
موانع للأسرار إلا لأهلها ... ويُخْلِفْنَ ما ظنَّ الغَيورُ المُشَفْشَفُ
__________
[489] هذا البيت هو التاسع من قصيدة للفرزدق همام بن غالب "الديوان 551 والنقائض 548 ليدن" ومطلعها قوله:
عزفت بأعشاش، وما كدت تعزف ... وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف
وقد أنشده ابن منظور "ش ف ف".
وقوله "موانع للأسرار" معناه أنهن لا يتزوجن إلا أكفاءهن، والأسرار: جمع سرّ، وهو الزواج، من قوله تعالى: {وَلَكِنْ لا تُوَا عِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] والمشفشف -بصيغة المفعول- الذي كأن به رعدة واختلاطا، وذلك من شدة الغيرة والإشفاق على حرمه، وقال الأصمعي: هو الذي تشف الغيرة فؤاده، وهو السيء الظن، وذلك من إشفاقه على أهله، قال: وإنما أراد المشفف فكرر الشين، كما قالوا: دمع مكفكف، وقد تجفجف الشيء من الجفوف وأصله تجفف، وهذه ثلاثة أحرف من جنس واحد يكره جمعها، ففرقوا بينها بحرف من الكلمة، وهو فاء الفعل، وربما قرئ المشفشف بزنة اسم
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح الأشموني بحاشية الصبان "4/ 210 و214-215" وتصريح الشيخ خالد الأزهري "2/ 448-449".(2/649)
والأصل في المُشَفْشَفِ المشَفَّفُ لأنه من "شفَّتْه الغيرة، وشَفَّه الحُزْنُ" إلا أنه استثقل اجتماع ثلاث فاءات، فأبدل من الوسطى شينًا، وقال الآخر، وهو الأعشى:
[490]
وتَبْرُدُ بَرْدَ رداء العرو ... س بالصيف رقرقت فيه العبيرا
__________
= الفاعل، ومعناه المنقر والمفتش عن المساوي. هذا كلام شارح النقائض بحروفه. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "المشفشف" فإن الكوفيين زعموا في هذه الكلمة ونظائرها أن أصلها المشفف -بثلاث فاءات- فأبدلوا من الفاء الثانية حرفا من جنس فاء الكلمة -وهي الشين- فصار المشفشف، فهذه الشين لام أولى للكلمة لأنها بدل من لامها الأولى، وعلى هذا يكون المشفشف على وزن المفعلل، والذي يدلّ على ذلك الاشتقاق، فإنا رأينا العرب يقولون: شف جسم فلان؛ إذا هزل ونحل من الوجد والهم، وقالوا: شفه الوجد والهم يشفه -من مثال مده يمده- إذا أضعفه وهزله، ومن ذلك قول أبي ذؤيب الهذلي:
فهن عكوف كنوح الكريـ ... ـم قد شف أكبادهن الهوى
ثم رأينا هم يقولون في هذا المعنى نفسه: شفشفه الهم والحزن، فعلمنا أنهم أرادوا أن يضعفوا العين على مثال قطع وهذب، فاجتمع عندهم ثلاث فاءات، وهم يكرهون اجتماع ثلاثة أمثال، ففروا من ذلك إلى إبدال الثانية حرفا آخر، ووجدوا أن أحسن ما يفعلون أن يبدلوه حرفا من جنس فاء الكلمة.
[490] هذا هو البيت الثامن عشر من قصيدة للأعشى ميمون بن قيس "الديوان 67-72" ومطلعها قوله:
غشيت لليلى بليل خدورا ... وطالبتها ونذرت النذورا
وقد أنشد البيت ابن منظور "ر ق ق" والزمخشري في أساس البلاغة "ر ق ق" ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "رقرقت" فإن الكوفيين يزعمون أن أصل هذا الفعل رققت بثلاث قافات، لأنه في الأصل رقّ بقافين، ومن قولهم رقّ الثوب يرق، وقالوا: أرقه، كما قالوا: أمده، وقالوا: رققه، كما قالوا: مدده، والرق -بكسر الراء وتشديد القاف- نبات له عود وشوك وورق أبيض، وقالوا: رقرقت الثوب بالطيب، يريدون أجريت الطيب فيه، وأصله رققت بثلاث قافات، فلما استثقلوا اجتماع الأمثال أبدلوا من ثانيها حرفا من جنس فاء الكلمة، على مثال ما ذكرنا في شرح الشاهد السابق، ولو تأملت في هذا البيت وجدت الاشتقاق مستصعبا في هذا البيت أكثر من استصعابه في البيت السابق، فيمكن أن يقال: إن تقارب كلمتين في اللفظ وفي المعنى لا يدل على أن إحداهما أصل للأخرى، حتى إنه لا يكفي أن يتقارب اللفظان ويتحد المعنيان، بل لا بد من أشياء وراء ذلك من الاشتقاق ومن الاستعمال، وكيف يكون تقارب اللفظين وتقارب المعنيين دليلا على أن إحدى الكلمتين أصل للأخرى وفي اللغة العربية المترادف والمشترك؟(2/650)
والأصل في رقرقت رقَّقْتَ؛ لأنه من "الرِّقَّةِ" فأبدل من القاف الوسطى راء، وقال الآخر:
[491]
باتَتَ تُكَرْكِرُهُ الجنوب
والأصل في تكركره تكرره؛ لأنه من "التكرير" فأبدل من الراء الوسطى كافا، وكذلك أيضا قالوا "تململ على فراشه" والأصل تملل لأنه من "المَلَّة" وهو الرماد الحارُّ، إلا أنهم أبدلوا من اللام الوسطى ميما، وكذلك قالوا "تغلغل في الشيء" والأصل تغلل؛ لأنه من "الغلل" وهو الماء الجارى بين الشجر، فأبدلوا من اللام الوسطى غينا، وكذلك قالوا "تكمكم" والأصل تكمَّم لأنه من "الكُمَّة" وهي القَلَنْسُوَة، فأبدلوا من الميم الوسطى كافا، وكذلك قالوا "حَثْحَث" والأصل حَثَّثَ لأنه من "الحث" إلا أنهم أبدلوا من الثاء الوسطى حاء كراهية لاجتماع الأمثال، فكذلك ههنا: الأصل فيه "صَمَحَّح" إلا أنهم أبدلوا من الحاء الوسطى ميما كراهية لاجتماع الأمثال، وكانت الميم أولى بالزيادة لأنها من حروف الزيادة التي تختص بالأسماء. وقلنا "إنه لا يجوز أن يكون وزنه فعلعل" بتكرير العين؛ لأنه لو جاز أن يقال ذلك لجاز أن يقال صرصر، وسجسج وزنه فعفع لتكرير الفاء فيه؛ فلما بطل أن يكون صرصر على فعفع بطل أيضا أن يكون صمحمح على فعلعل.
__________
[491] أنشد الجوهري هذه الجملة في الصحاح "ك ر ر" ولم يتم البيت، ولم ينسبه، ولم يتمّه صاحب اللسان، ولا ابن بري، وقال الزمخشري في الأساس "ك ر ر" "وباتت السحابة تكركرها الجنوب: تصرفها" ا. هـ. قال الجوهري: "والكركرة" تصريف الريح السحاب، إذا جمعته بعد تفرّق، وقال:
باتت تكركره الجنوب
وأصله تكرره من التكرير" ا. هـ وقال ابن منظور "والكركرة: تصريف الريح السحاب إذا جمعته بعد تفرق، وأنشد:
تكركره الجنائب في السداد
وفي الصحاح:
باتت تكركره الجنوب
وأصله تكرره من التكرير، وكركرته: لم تدعه يمضي، قال أبو ذؤيب:
تكركره نجدية وتمده ... مسفسفة فوق التراب معوج
وتكركر هو: تردى في الهواء، وتكركر الماء: رجع في مسيله" ا. هـ، ومحل الاستشهاد من هذه العبارة قوله "تكركره" فقد ذكر الكوفيون أن أصل هذه الكلمة تكرره -بثلاث راءات- والكلام فيها كالكلام الذي ذكرناه في الشواهد السابقة.(2/651)
قالوا: ولا يلزم على كلامنا، نحو "احْقَوْقَفَ الظَّبْيُ، واغْدَوْدَنَ الشَّعْرُ" وما أشبه ذلك، فإنه على وزن افْعَوْعَلَ؛ لأنا نقول: إنما قلنا إنه على وزن افعوعل؛ لأنه ليس في الأفعال ما هو على وزن "افْعَلَّل" فقلنا: إن وزنه على افعوعل، بخلاف ما هنا؛ فإن في الأسماء ما هو على وزن فَعَلَّل، نحو "سَفَرْجَلَ، فَرَزْدَقَ" وكذلك لا يلزم على كلامنا نحو "خُلَعْلَعَ" وهو الخُعَل، و"ذُرَحْرَح" وهو دويبة، فإنه على وزن فعلعل؛ لأنا نقول: إنما قلنا إنه على وزن فُعَلْعَل؛ لأنه ليس في الأسماء ما هو على وزن فُعَلَّل -بضم الأول- وإذا خرج لفظ عن أَبْنِيَةِ كلامهم دلَّ ذلك على زيادة الحرف فيه.
والذي يدل على ذلك أنهم قالوا في ذرحرح: ذُرَّاح، فأسقطوا أحد المثلين، ولو كان خماسيا لم يأتِ منه ذراح على وزن فُعَّال، نحو: كرَّام، وحسَّان؛ فبان الفرق بينهما.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن وزنه فَعَلْعَلَ؛ لأن الظاهر أن العين واللام قد تكررتا فيه؛ فوجب أن يكون وزنه فَعَلْعَلَ، ألا ترى أنه إذا تكررت العين في نحو "ضرَّب وقتَّل" كان وزنه فَعَّل، أو تكرّرت اللام في نحو "احمرَّ واصفرَّ" كان وزنه افعلَّ؛ فكذلك ههنا: لما تكررت العين واللام في نحو "صمحمح ومكمك" يجب أن يكون وزنه فعلعل لتكرّرهما فيه، هذا حكم الظاهر، فمن ادَّعى قلبًا بقي مرتهنًا بإقامة الدليل.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إن الأصل صمحَّح، ودمكَّك" قلنا: هذا مجرد دَعْوَى لا يستند إلى معنًى، بل تكرير عين الفعل ولامه كتكرير فاء الفعل وعينه في مَرْمَرِيسٍ وهي الداهية، ومَرْمَرِيتٍ وهي القَفْر؛ لأنهما من1 المَرَاسَة والمَرْتِ، وأما تلك المواضع التي استشهدوا بها على الإبدال لاجتماع الأمثال؛ فهناك قام الدليل في ردّ الكلمة إلى أصلها، وذلك غير موجود ههنا.
وقولهم "لو جاز أن يقال إن وزن فعلعل -بتكرير العين- لجاز أن يقال: صرصر وسجسج، وزنه فَعْفَعَ لتكرير الفاء فيه" قلنا: هذا باطل، وذلك أن الحرف إنما يجعل زائدا في الاسم والفعل إذا كان على ثلاثة أحرف سواه، وهي فاء الفعل وعينه ولامه، وصرصر وسجسج لم يُوجَد فيه ذلك؛ فلو قلنا إن
__________
1 في ر "لأنها في المراسة".(2/652)
وزنه فعفع لأدَّى ذلك إلى إسقاط لامه، وذلك لا يجوز، بخلاف صمحمح ودمكمك؛ فإنه قد وجد فيه ثلاثة أحرف فاء وعين ولام، فلما لم يؤدِّ ذلك إلى إسقاط لامه كان ذلك جائزا، وصار هذا كما تجعل إحدى الدالين في اسْوَدَّ زائدة، ولا تجعل إحدى الدالين في ردّ ومدّ زائدة؛ لأنا لو جعلنا إحداهما زائدة لأدّى ذلك إلى إسقاط لام الفعل أو عينه، وذلك لا يجوز؛ فكذلك ههنا، والله أعلم.(2/653)
114- مسألة: [هل في كل رباعي وخماسي من الأسماء زيادة] 1
ذهب الكوفيون إلى أن كل اسم زادت حروفه على ثلاثة أحرف ففيه زيادة، فإن كان على أربعة أحرف نحو جعفر ففيه زيادة حرف واحد، واختلفوا فذهب أبو الحسن عليّ بن حمزة الكسائي إلى أن الزائد فيما كان على أربعة أحرف الحرف الذي قبل آخره، وذهب أبو زكريا يحيى بن زياد الفرّاء إلى أن الزائد فيما كان على أربعة أحرف هو الحرف الخير، وإن كان على خمسة أحرف -نحو "سَفَرْجَلَ"- ففيه زيادة حرفين. وذهب البصريون إلى أن بنات الأربعة والخمسة ضربان غير بنات الثلاثة، وأنهما من نحو جعفر وسفرجل، لا زائدة فيهما البتة.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأنا أجمعنا على أن وزن جعفر فَعْلَل، ووزن سفرجل فَعَلَّل، وقد علمنا أن أصل فَعْلَل وفَعَلَّل فاء وعين ولام واحدة؛ فقد علمنا أن إحدى اللامين في وزن جعفر زائدة، واللامان في وزن سفرجل زائدتان، فدل على أن في جعفر حرفًا زائدًا من حرفية الأخيرين، وأن في سفرجل حرفين زائدين، على ما بيّنا.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: لا يخلو الزائد في جعفر من أن يكون الراء أو الفاء أو العين أو الجيم: فإن كان الزائد هو الراء فيجب أن يكون وزنه فَعْلَر؛ لأن الزائد يُوزَنُ بلفظه، وإن كان الزائد الفاء فوجب أن يكون وزنه فعفل، وإن كان الزائد العين فوجب أن يكون وزنه فعَّل، وإن كان الزائد الجيم فوجب أن يكون وزنه جَعْفَل، وكذلك يلتزمون في وزن سفرجل، وإذا كان هذا لا يقول به أحد دلَّ على أن حروفه كلها أصول.
قالوا: ولا يجوز أن يقول "إن إحدى الدالين من قَرْدَد ومَهْدَد زائدة ووزنه عندكم فَعْلَل؛ فقد وزنتم الدال الزائدة باللام، وكذلك صمحمح ووزنه عندكم.
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح ابن يعيش على المفصل "ص900".(2/654)
فَعَلْعَل، وإحدى الميمين وإحدى الحاءين زائدتان، ولم تزنوهما بلفظهما فتقولوا: وزنه فعلمح، ووزنتموهما بالعين واللام فقلتم: فعلعل، وكذلك مرمريس ومرمريت، ووزنه عندكم فعفعيل، ولم تزنوا فيه الزائد بلفظه فتقولوا: فعمريل، ووزنتموه بالفاء والعين فقلتم: فعفعيل" لأنا نقول: إنما وزنَّا الزائد بلفظ اللام دون لفظ الدال، وذلك لأن إحدى الدالين لام الفعل والدال الأخرى -وإن كانت زائدة- فهي تكرير لام الفعل بلفظهما، فوَزَنَّا باللفظ الذي وُزِنَ به لام الفعل، وكذلك صمحمح: الميم عين الفعل، والحاء لامه، ثم أُعِيدَتَا تكثيرًا لهما؛ فصار المعاد زائد، غير أنه من جنس الأول، فأعيد بلفظ الأول؛ فجعلت عينا ولاما معادتين، كما جعلت الميم والحاء الأوليان عينا ولاما، وكذلك نقول في مرمريس ومرمريت.
والدليل على أن فاء الفعل وعينه في "مرمريس، ومرمريت" زائدة مكررة أنه مأخوذ من المراسة والمرت، ألا ترى أن "مرمريس" اسم الداهية، و"مرمريت" اسم القفر.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إنه إذا كانت إحدى اللامين في وزن جعفر زائدة دلّ على أن فيه حرفا زائدا، وكذلك إذا كانت اللامان في وزن سفرجل زائدتين دلّ على أن في سفرجل حرفين زائدين" قلنا: هذا غلط وجهل بموضع وزن الأسماء وتمثيلها بالفعل دون غيره، وذلك أن التمثيل إنما وقع بالفعل دون غيره ليعلم الزائد من الأصلي، وذلك أنا إذا جئنا إلى جعفر فمثّلناه بِفَعْلَل علمنا بالمثال أنه لم يدخله شيء زائد، وإذا جئنا إلى صَيْقَل فمثلناه بفَيْعَل فقد علم بالمثال أن الياء زائدة، واختاروا الفعل؛ لأنه يأتي وهو عبارة عن كل شيء من الألفاظ التي تتصرف، ألا ترى أنك تقول لصاحبك: قد ضربت زيدا، أو خاصمته، أو أكرمته، أو ما أشبه ذلك، فتقول: قد فعلت، وكان الثلاثي أولى بذلك من قِبَلِ أن أقلّ الأسماء والأفعال بُنَاتُ الثلاثة وفيها بنات الأربعة والخمسة؛ فلو وقع التمثيل بشيء على أربعة أحرف أو خمسة لبطل وزن الثلاثي به إلا بحذف شيء منه، ونحن نجد بنات الثلاثة تُبْنَى على أربعة أحرف بزيادة حرف نحو ضيغم، وهو من الضَّغْم وهو العضّ، وعلى خمسة أحرف بزيادة حرفين نحو سَرَنْدَى، وهو من السَّرْدِ، ولم يعلم أنه بني شيء من بنات الأربعة والخمسة على ثلاثة أحرف، فلما كان الأمر على ما ذكرنا ووجب التمثيل بالفعل واحتجنا إلى تمثيل رباعي وخماسي زدنا ما يلحقه بلفظ الرباعي والخماسي؛ فهذا الذي نزيده على الفعل زائد، وإن كان الممثل به أصليًّا؛ لأن الضرورة ألجأت إلى أن نزيد على الفعل ليلحق الممثَّلُ بالممثَّلِ به؛ فدل على صحة ما ذهبنا إليه، والله أعلم.(2/655)
115- مسألة: [وزن "سيِّد وميِّت" ونحوهما] 1
ذهب الكوفيون إلى أن وزن "سيِّد، وهيِّن، وميِّت" في الأصل على فَعِيل، نحو سَوِيد وهَوِين ومَوِيت.
وذهب البصريون إلى أن وزنه فَيْعِل -بكسر العين- وذهب قوم إلى أن وزنه في الأصل على فَيْعَلٍ بفتح العين.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن أصله فَعِيلٌ نحو: سويد وهوين ومويت لأن له نظيرا في كلام العرب، بخلاف فيعل؛ فإنه ليس له نظير في كلامهم، فلما كان هذا هو الأصل أرادوا أن يعلُّوا عين الفعل كما أعلت في "ساد يسود" وفي "مات يموت" فقدمت الياء الساكنة على الواو فانقلبت الواو ياء؛ لأن الواو والياء إذا اجتمعتا والسابق منهما ساكن قلبوا الواو ياء وجعلوهما ياء مشددة.
ومنهم من قال: أصله سويد وهوين ومويت، إلا أنهم لما أرادوا أن يعلّو الواو كما أعلوها في "ساد ومات" قلبوها، فكان يلزمهم أن يقلبوها ألفا، ثم تسقط لسكونها وسكون الياء بعدها، فكرهوا أن يلتبس فَعِيل بِفَعْل، فزادوا ياء على الياء ليكمل بناء الحرف ويقع الفرق بها بين فعيل وفعل ويخرج على هذا نحو سويق وعويل، وإنه إنما صح لأنه غير جارٍ على الفعل.
وأما البصريون فقالوا: إنما قلنا إن وزنه فَيْعَل؛ لأن الظاهر من بنائه هذا الوزن، والتمسك بالظاهر واجب مهما أمكن.
والذي يدل على ذلك أن المعتل يختص بأبنية ليست للصحيح؛ فمنها فُعَلَة في جمع فاعل نحو قاضٍ وقُضَاة، ومنها فَيْعَلُولة نحو كينونة وقيدودة، والأصل كيَّنونة وقيَّدُوة.
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح ابن يعيش على المفصل "663 و1410 و1432" وشرح الأشموني بحاشية الصبان "4/ 263" وكتاب سيبويه "2/ 371".(2/656)
والذي يدل على ذلك أن الشاعر يردُّه إلى الأصل في حالة الاضطرار، قال الشاعر:
[492]
قد فَارَقَت قَرِينَهَا القَرِينَهْ ... وشَحَطَتْ عن دارها الظَّعِينَهْ
يا ليتنا قد ضمَّنا سفينهْ ... حتى يعود الوصل كينونهْ
__________
[492] هذه أربعة أبيات من الرجز المشطور، وقد أنشدها ابن منظور "ك ون" وقال قبل إنشادها "قال أبو العباس: أنشدني النهشلي" ا. هـ. وشحطت: بعدت، والظعينة: أصلها المرأة ما دامت في الهودج؛ ثم جرد من بعض معناه فصار يطلق على المرأة مطلقا، وقوله "يا ليتنا قد ضمنا" الذي في اللسان "يا ليت أنّا ضمنا" ومحل الاستشهاد من هذه الأبيات قوله "كينونه" فإن البصريين ذهبوا إلى أن الأصل في هذه الكلمة هو ما ورد في هذه الأبيات -بفتح الكاف وتشديد الياء مفتوحة- وأن الأصل الأصيل في هذه الكلمة كيونونة -بفتح الكاف وسكون الياء وفتح الواو- فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما وهي الياء بالسكون فقلبت الواو ياء، ثم أدغمت الياء في الياء، وذلك لأنها أحد مصادر كان يكون كونا، ونظير ذلك هيعوهة وديمومة وقيدودة، لأنها من هاع يهوع هواعًا -بضم ففتح- وهيعوعة، أي قاء، ومن دام يدوم دوامًا -بفتح الدال- وديمومة، ومن قاد الفرس يقوده قودا ومقادة وقيدودة، كل هذا أصله بياء ساكنة فواو مفتوحة، بدليل الاشتقاق، ثم قلبت واو الجميع ياء لما ذكرنا، ثم أدغمت الياء في الياء، وهذا الوزن قليل في واوي العين كثير فيما كانت عينه ياء، نحو طار يطير طيرانا وطيرورة، وحاد يحيد حيودا وحيدة وحيدودة، كل هذا أصله بتشديد الياء مفتوحة، ثم خففوه بحذف إحدى الياءين، فصار بياء ساكنة، وذلك نظير تخفيفهم سيد وميت وطيب وهين، فإن الأصل في هذه الألفاظ تشديد الياء كما في قول الشاعر:
وإن بقوم سودوك لحاجة ... إلى سيد لو يظفرون بسيد
وكما في قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] وكما في قول الراجز:
بني إن الجود شيء هين ... المنطق الطيب والطعيم
ثم قد يجيئون بها مخففة بياء ساكنة كما في قول الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الأحياء
وكما في قول الآخر:
هينون لينون أيسار ذوو كرم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري
قال ابن منظور: "وتقول: كان كونا، وكينونة أيضا، شبهوه بالحيدودة والطيرورة من ذوات الياء، ولم يجئ من الواو على هذا إلا حرف: كينونة، وهيعوعة، وديمومة وقيدودة، وأصله كينونة -بتشديد الياء- فحذفوا كما حذفوا من هين وميت" ا. هـ ثم قال بعد كلام غير ظاهر: "قال ابن بري: أصله كيونونة، ووزنها فيعلولة، ثم قلبت الواو ياء فصار كينونة، ثم حذفت الياء تخفيفا فصار كينونة، وقد جاءت بالتشديد على الأصل، قال أبو العباس: أنشدني النهشليّ، ثم أنشد أربعة الأبيات، قال: والحيدودة أصل وزنها فيعلولة وهو حيدودة، ثم فعل بها ما فعل بكينونة" ا. هـ، وفي الذي ذكره عن ابن بري في وزن حيدودة نظر.(2/657)
إلا أنهم خففوه كما خففوا ريحان، وأصله رَيَّحَان -بالتشديد- على فَيْعَلَان، وأصل ريحان "رَيْوَحَان" فلما اجتمعت الواو والياء والسابق منهما ساكن قلبوا الواو ياء وجعلوهما ياء مشدودة، وكما خففوا سيد وهين وميت، إلا أن التخفيف في نحو سيد وهين وميت جائز، والتخفيف في نحو كيَّنونة وقيَّدودة واجب، وذلك لأن نهاية الاسم بالزيادة أن يكون على سبعة أحرف وهو مع الياء على سبعة أحرف، فخففوه كما خففوا اشهيباب، فقالوا: اشهباب.
وإذا جاز الحذف فيما قلَّت حروفه نحو سيد وهين وميت لزم الحذف فيما كثرت حروفه نحو كينونة وقيدودة، وإذا جاز أن يختص المعتل بأبنية ليست للصحيح كان حمل سيد وهين وميت على الظاهر أولى من العدول عنه إلى غيره.
قالوا: ولا يجوز أن يقال "إن الأصل أن يقال في جمع قاض" قُضَّى. كما يقال: غازٍ وغُزَّى، فاستثقلوا التشديد على غير الفعل، فحذفوا، وعوَّضوا من حذف المحذوف هاء، كما قالوا: عِدَة، فعوضوا من الواو المحذوفة هاء، وأما كينونة وقيدوه فالأصل كونونه وقودودة على فعلولة نحو بُهْلُول وصندوق. إلا أنهم فتحوا أوله لأن أكثر ما يجيء من هذه المصادر مصادر ذوات الياء، كقولهم طار طيرورة وصار صيرورة وسار سيرورة وحاد حيدودة، ففتحوه حتى تسلم الياء1؛ لأن الباب للياء، ثم حملوا ذوات الواو على ذوات الياء؛ لأنها جاءت على بنائها، وليس للواو فيه حظ؛ لقربهما في المخرج واشتراكهما في اللين، فقلبوا الواو ياء في نحو كينونة وقيدودة. كما قالوا الشِّكَاية وهي من ذات الواو لقولهم: شكوت أشكو شكوًا؛ لأنها جاءت على مصادر الياء نحو الراية والرواية والسعاية والرماية فكذلك ههنا" لأنا نقول: أما قولكم "إن الأصل أن يقال في جمع قاضٍ قُضَّى كما يقال غاز وغزّى" قلنا: هذا عدول عن الظاهر من غير دليل، ثم لو كان أصله قُضَّى كغاز وغزى لكان ينبغي أن لا يلزمه الحذف لقلة حروفه، وأن يجوز أن يؤتى به على أصله؛ فكان يقال فيه: قضًّى وقضاة كما قالوا: غُزًّى، وغُزَاة؛ لأن فُعَّلًا ليس بمهجور في أبنيتهم، وهو كثير في كلامهم، فلما لزم الحذف، ولم يلزم في نظيره مع قلة حروفه دلّ على أن ما ذكرتموه مجرد دعوى لا يستند إلى معنى.
وأما قولهم "إن كينونة فُعْلُولة" قلنا: هذا باطل؛ لأنه لو كان الأمر كما زعمتم
__________
1 إذ لو بقيت الضمة لوجب قلب الياء واوا؛ لسكونها بعد ضمة كما قلبوها في موسر اسم الفاعل من أيسر.(2/658)
لكان يجب أن يقال "كُونُونة وقُودُودة"؛ لأنه لم يوجد ههنا ما يوجب قلب الواو ياء، وقولهم "إنهم غَلَّبُوا الياء على الواو؛ لأن الباب للياء" فليس بصحيح؛ لان المصادر على هذا الوزن قليلة، وما جاء منها من ذوات الواو نحو ما جاء منها من ذوات الياء، كقولك: كينونة، وقيدودة، وحيلولة، وديمومة، وسيدودة، وهيعوعة -من الهُوَاع وهو القيء- فليس جَعْلُ الباب لذوات الياء أولى من جعله لذوات الواو؛ فحمل أحدهما على الآخر لا وجه له.
والذي يدل على صحة ما صرنا إليه أن فَيْعَلُولا بناء يكون في الأسماء والصفات، نحو: خَيْتَعور، وعَيْطَموس، وفَعْلُول لا يكون في شيء من الكلام، ولم يأتِ إلَّا في قولهم "صَعْفُوقٍ" قال الراجز:
[493]
من آل صعفوق وأتباع أُخَرْ ... الطَّامِعِين لا يُبَالُون الغُمَرْ
__________
[493] هذان بيتان من مشطور الرجز، من رجز للعجاج بن رؤبة يمدح فيه عمر بن عبيد الله بن معمر، وكان قد ولي حرب الخوارج الذين كان يقودهم أبو فيديك في عهد عبد الملك بن مروان فنال منهم، وقد أنشده الجاربردي والرضي في شرح الشافية، وشرحه البغدادي "ص4 بتحقيقنا" والجوهري في الصحاح، وابن منظور في اللسان "ص ع ف ق" وقد روى البغدادي مما يتصل بالشاهد:
فهو ذا؛ فقد رجا الناس الغير ... من أمرهم على يديك والثؤر
من آل صعفوق وأتباع أخر ... الطامعين لا يبالون الغمر
وقوله "فهو ذا" أي الأمر هو هذا الذي ذكرته، و"الغير" معناه أن الناس قد رجوا وأملوا أن يتغيّر أمرهم ويتحوّل حالهم على يديك من فساد وفوضى إلى صلاح ونظام، ولك بنظرك في أمرهم وتدبير حالهم ودفع غوائل الخوارج عنهم ورمّ ما أفسدوه ورتق ما فتقوه، والثؤر -بضم الثاء وفتح الهمزة- جمع ثؤرة، وهي الثأر، وآل صعفوق: أصلهم خول -أي خدم وأتباع- باليمامة، وقال ابن الأعرابي: هم قوم من بقايا الأمم الخالية باليمامة ضلت أنسابهم، وقيل: هم الذين يشهدون الأسواق ولا بضائع لهم فيشترون ويبيعون ويأخذون الأرباح، وعلى كل حال فإن العجاج يريد في هذا الموضع أرذال الناس وضعًا فهم الذين لا قديم لهم يردعهم عن إتيان المنكرات. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "صعفوق" فقد رواه نقلة اللغة -بفتح الصاد وسكون العين وضم الفاء، وقالوا: إن وزنه فعلول، وإنه لم يجئ في كلام العرب على وزن فعلول غير هذه الكلمة، وقوم ينكرون هذا الوزن بتة، ومن هؤلاء المنكرين من رووه بضم الفاء ومنهم من قال: هذا لفظ أعجمي، قال الجوهري "بنو صعفوق: خول باليمامة، قال العجاج:
من آل صعفوق وأتباع أخر ... من طامعين لا يبالون الغمر
وهو اسم أعجمي، لا ينصرف للعجمة والمعرفة، ولم يجئ على فعلول شيء غيره، وأما الخرنوب فإن الفصحاء يضمونه أو يشددونه مع حذف النون، وإنما يفتحه العامة" ا. هـ.(2/659)
وهم خول باليمامة، ولا ينصرف للتعريف والعجمة؛ فما صرنا إليه له نظير في الأسماء والصفات، وما صاروا إليه لا نظير له في شيء من كلام، ثم ألزموا مع حمله على شيء لا نظير له في كلامهم قلبا لا نظير له في أقيسة كلامهم.
وأما من قال: "إن أصله فيعلا بفتح العين" فاحتج بأنه وجد فيعلا بفتح العين له نظير في كلامهم، ولم يجدوا فيعلا بكسر العين فجعله فيعلا بفتح العين ثم كسر الياء كما قالوا في بصري: بصري، وكما قالوا في أموي: أموي، وكما قالوا "أخت" والأصل فيها الفتح، لأن أصلها أخوة، وكما قالوا "دهري" بالضم للرجل المسن الذي قد أتي عليه الدهر، والقياس الفتح، وقد جاء في بعض هذا المعتل فيعل، قال الشاعر:
[494]
ما بال عيني كالشعيب العين
__________
= وقال الأزهري "كل ما جاء على فعلول فهو مضموم الأول مثل زنبور وبهلول وعمروس وما اشبه ذلك، الأحرفا جاء نادرا وهو بنو صعفوق لخول باليمامة، وبعضهم يقول صعفوق بالضم" وقال ابن بري "رأيت بخط أبي سهل الهروي على حاشية كتاب جاء على فعلول بفتح الفاء صعفوق، وصعقول لضرب من الكمأة، وبعكوكة الوادي لجانبه، أما بعكوكة الوادي وبعكوكة الشر فذكرها السيرافي وغيره بالضم لا غير، أي بضم الباء، وأما الصعقول لضرب من الكمأة فليس بمعروف، ولو كان معروفا لذكره أبي حنيفة في كتاب النبات" ا. هـ.
[494] هذا بيت من الرجز المشكور، وهو من أرجوزة لرؤبة بن العجاج "انظر أراجيز رؤبة ص160" وقد استشهد به سيبويه "2/ 372" ورضي الدين في شرح الشافية، وشرحه البغدادي "ص61 بتحقيقنا" والجوهري في الصحاح وابن منظور "ع ي ن" وابن جني في الخصائص "2/ 485 , 3/ 214" وبعد بيت الشاهد قوله:
وبعض أعراض الشجون الشجن ... دار كرقم الكاتب المرقن
بين نقا الملقي وبين الأجون
وقوله: "ما بال عيني" أي ما حالها وما شأنها، والشعيب بفتح الشين وكسر العين المزادة الصغيرة، والعين بفتح العين وتشديد الياء مفتحة المتخرقة التي فيها عيون فهي لا تمسك الماء، ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "العين" وللعلماء في هذه الكلمة مذهبان، الأول: وهو رأي سيبويه وأتباعه وخلاصة أن هذه الكلمة على وزن فيعل بفتح الفاء وسكون الياء وفتح العين وأنه من معتل العين وزيدت عليه ياء بين الفاء والعين، وقالوا: إن هذا الوزن جاء كثيرا في صحيح العين نحو حيدر وصيرف وجيأل، ولم يأت منه في معتل العين سوى هذه الكلمة، وذلك لأنهم خصوا المعتل بوزن فيعل بكسر العين نحو سيد وهين ولين صيب وربيع؛ فتكون هذه الكلمة خارجة عن نظرائها وأمثالها، وكان القياس فيها أن تكون بتشديد الياء مكسورة لا مفتوحة، قال الأعلم "الشاهد فيه بناء العين على فيعل بالفتح، وهو شاذ في المعتل، ولم يسمع الأفي هذه الكلمة، وكان(2/660)
فدل على أنه فيعل بفتح العين، والشعيب: المزادة الضخمة، والعين: المتعينة، وهي التي يصب فيها الماء فيخرج من عيونها: أي خرزها، فينفتح السير فينسد موضع الخرز، ومنه يقال "عين قربتك" أي صب فيها الماء حتى ينسد آثار الخرز.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إن وزنه فعيل إلا أنهم أعلوا عين الفعل وقدموا وأخروا وقلبوا" قلنا: هذا باطل؛ لأن هذا التقديم والتأخير لا نظير له في الصحيح، لأن ياء فعيل لا تقدم على عينة في شيئ من الصحيح، وإذا جاز أن يختص المعتل من التقديم والتأخير بما لا يوج مثله في الصحيح جاز أن يختص ببناء لا يوجد مثله الصحيح.
وأما قولهم: "إنا حذفنا الألف وعوضنا الياء مكانها لئلا يلتبس فعيل بفعل" قلنا: وهذا أيضا باطل لأنه لو كان الأمر على ما زعمتم لكان ينبغي أن لا يجوز فيه التخفيف فيقال: سيد وميت وهين؛ لأنه يؤدي إلى الالتباس، فلما جاز ذلك فيه بالإجماع دل على فساد ما ذهبتم إليه.
وأما قول من قال: "إن أصله فيعل بفتح العين إلا أنه كسر العين كما كسر الباء في بصري" قلنا: هذا باطل، وذلك لأنه لو كان فيعلا لكان ينبغي أن يقال سي وهيت وميت بالفتح ولم يغير إلى الكسر، كما قالوا: عين وتيجان، وهيبان بفتح العين والتيجان: هو الذي يعترض في كل شيئ، والهيبان: إلى يهاب كل شيء، فلما كسر دل على فساد ما ذهبتم إليه.
وأما قولهم في النسب إلى البصرة بصرى بكسر الباء وكذلك جميع ما استشهدوا به فعلي خلاف القياس؛ فلا يقاس عليه؛ على أنهم قد قالوا: إنما كسرت الباء لأن البصرة في الأصل الحجارة الرخوة، فإذا حذفت التاء كسرت الباء فقيل بصر، فلما نسبت إلى البصرة حذفت تاء التأنيث لياء النسب فكسرت الباء لحذف التاء، فلذلك قيل: بصري، بكسر الباء.
__________
قياسها أن تكسر العين فيقال عين كما قيل سيد وهين ولين ونحو ذلك، وهو بناء يختص به المعتل ولا يكون في الصحيح كما يختص الصحيح بفيعل مفتوحة العين نحو صيرف وحيدر، وهو كثير" ا. هـ، والرأي الثاني: ما ذهب إليه ابن جني، وذلك في قوله" وكذلك ما أنشده من قوله رؤبة:
ما بال عيني كالشعيب العين
حملوه على فيعل مما اعتلت عينه، وهو شاذ، وأوفق من هذا عندي أن يكون فوعلا أو فعولا حتى لا يرتكب شذوذه، وكأن الذي سوغهم هذا ظاهر الأمر وأنه قد روى العين بكسر العين" ا. هـ.(2/661)
وقولهم: "إنه لم يوجد فيعل في كلامهم" قلنا: قد بين أن المعتل يختص بأبنية ليست للصحيح؛ فلا حاجة إلى أن تجعل فيعلا مثل عين مع شذوذه وندرة في بابه، وقد وجدنا سبيلا إلى أن تجعل فيعلا على لفظه، ولو جاز أن يعتد بقولهم عين بفتح العين مع شذوره وندوره لجاز أن يعتد بما حكى الأصمعي، قال: حدثني بعض أصحابنا قال: سمعتهم يقولون جاءت الصيقل بكسر القاف وإذا امرأة كأن وجها سيف، فملا رأتنا أرخت البرقع فقلت: يرحمك الله! إنا سفر، وفينا أجرن فلو منحتنا من وجهك، فانصاعت فتضاحكت، وهي تقول:
[495]
وكنت متى أرسلت طرفك زائدا ... لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر ... عليه، ولا عن بعضه أنت صابر
__________
[495] هذان البيتان قد أنشدهما ابن قتيبة في عيون الأخبار "224" مع نفس القصة التي حكاها المؤلف ههنا، ولم يعز البيتين إلى قائل معين، ولم ينشد المؤلف البيتين للاستشهاد بهما على قاعدة من قواعد النحو ولا البيان معنى كلمة غريبة، ولكنه أتي بهما لأنهما وردا في القصة التي يحكيها وفيها أن الصيقل سمع من بعض العرب بكسر القاف، وفي ذكر قصة الفتاة وإنشاد البيتين إشارة من الأصمعي إلى أنه متثبت من رواية الصيقل بكسر القاف، ووجه هذه الإشارة أنه يذكر الظروف والملابسات التي أحاطت به وتقول: صقل السيف وغيره سصقله صقلا مثل نصره ينصره نصرا وصقالا، فهو مصقول وصقيل تريد جلاه، والصاقل: الذي يجلوه ويشحذه، وجمعه صقله على مثال فاجر وفجرة وكافر وكفرة، ويقال لشحاذ السيوف وجلائها: صيقل ت بفتح الصاد وسكون الياء وفتح القاف وجمعه صياقل وصياقله، وقد حكى الأصمعي في هذه القصة أنه سمع من بعض أصحابه أن قوما من العرب يقولون صيقل بسكر القاف، وهو شاذ؛ لأن هذا الوزن لم يجيء في صحيح العين كما سمعت في شرح الشاهد 494 وإنما يجيء كسر العين في معتل العين، والخلاصة أن العرب قد خصت معتل العين المزي فيه بعد الفاء بالمجيء على زنة فيعل بكسر اليعن كسيد وميت وهين وبين ولين وصيبت وخصت صحيح العين بالمجيء على وزن فيعل بفتح العين نحو صيرف وحيدر وجيال وبيطر وصيقل ونيرب بمعنى الشر والنميمة وهذا هو الأصل الذي جرى عليه كلامهم، ولكنهم ربما جاءوا بالكلمة من المعتل على الوزن الذي خصوا به الصحيح مثل كلمة "العين" التي وردت في الشاهد 494 وقد بينا لك أمرههناك، وربما جاءوا بكلمة من الصحيح على الوزن الذي خصوا به المعتل مثل كلمة الصيقل التي حكاها الأصمعي في هذه القصة، وهذا وذاك شاذان، فاعرف ذلك.(2/662)
116- مسألة: [وزن "خطايا" ونحوه] 1
ذهب الكوفيون إلى أن "خطايا" جمع خطيئة على وزن فعالي، وإليه ذهب الخليل بن أحمد.
وذهب البصريون إلى أن "خطايا" على وزن فعائل.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن وزنه فعالي، وذلك لأن الأصل أن يقال في جمع خطيئة "خطايئ" مثل خطايع، إلا أنه قدمت الهمزة على البناء؛ لئلا يؤدي الإبدال الياء همزة كما تبدل في صحيفة وصحائف وكتيبة وكتائب لوقوعها قبل الطرف بحرف؛ لأنهم يجرون ما قبل الطرف بحرف من هذا النوع مجرى الطرف في الإبدال، وهم يبدلون من الياء إذا وقت طرفا وقبلها الف زائدة همزة، فلو لم تقدم الهمزة على الياء في خطايئ لكان يؤدي إلى اجتماع همزتين، وذلك مرفوض في كلامهم ولم يأت في كلامهم الجمع بين همزتين في كلمة الأفي قول الشاعر:
[449]
فإنك لا تدري متى الموت جائئ ... ولكن أقصى مادة الموت عاجل
ولهذا قال الخليل بن أحمد: جائية مقلوبة، ووزنه فاعلة، فصارت خطائي مثل خطاعي، ثم أبدلوا من الكسرة فتحة ومن الياء الفا، فصارت خطاءا، مثل خطاعا، فحصلت همزة بين الفين، والألف قريبة من الهمزة، فقلبوا من الهمزة ياء فرارا من اجتماع الأمثال، فصار خطايا على وزن فعالي، على ما بينا.
ومنهم من قال: إنه على فعالى؛ لأن خطيئة جمعت على ترك الهمز؛ لأن ترك الهمز يكثر فيها، فصارت بمنزلة فعيلة من ذوات الواو والياء، وكل فعيلة من ذوات الواو والياء نحو وصية وحشية فإنه يجمع على فعالى دون فعائل؛ لأنه لو
__________
1 انظر في هذه المسألة: تصريح الشيخ خالد الأزهري "2/ 463" وما بعدها" وشرح الأشموني بحاشية الصبان "4/ 244-246" وشرح رضي الدين على الشافية "1/ 25 و3/ 59 و62 و181 بتحقيقنا".(2/663)
جمع على فعائل لاختل الكلام وقل، فجمعت على فعالي، فقالوا: وصايا، وحشايا، وجعلت الواو في حشايا على صورة واحدها؛ لأن الواو صارت ياء في حشية، فدل على أن خطايا على وزن فعالي على ما بينا.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلوا إن وزنه فعائل، وذلك لأن خطايا جمع خطيئة؛ وخطيئة على وزن فعيلة، وفعيلة يجمع على فعائل؛ والأصل فيه ن يقال "خطايئ" مثل خطايع؛ ثم أبدلوا من الياء همزة؛ كما أبدلواها في صيحفة وصحائف؛ فصار خطائي مثل خطاعع؛ وقد حكى أبو الحين على بن حمزة الكسائي عن بعض العرب أنه قال: اللهم اغفر لي خطائئيه؛ مثل خطاععيه؛ فاجتمع فيه همزتان، فقلبت الهمزة الثانية ياء لكسرة قبلها، فصار خطائي مثل خطاعي، ثم أبدلوا من الكسرة فتحة ومن الياء الفا فصرا خطاءا مثل خطاعا، فاستثقلوا الهمزة بين الفين فأبلدوا منها ياء فصار خطايا.
وكأن الذي رغبهم في إبدال الفتحة من الكسرة والعود من خطائي إلى خطاءا أن يقلبوا الهمزة ياء فيعودوا بالكلمة إلى أصلها؛ لأن الهمزة الأولى من خطائيي منقلبة عن الياء في خطيئة، ولا يلزما على ذلك أن يقال في جائي "جايا" لأن الهمزة في جاء منقلبة عن عين الفعل، والهمزة في خطايا منقلبة عن ياء زائدة في خطيئة، ففضلوا الأصلي على الزائد؛ فلم يحلقوه من التغيير ما الحقوه الزائد.
وكذلك أيضا قالوا فيجمع هراوة "هراوي" وأداوة "أداوي" وكان الأصل هرائو وأدائو مثل هراع ووأداعو على مثل فعائل كرسالة ورسائل؛ لأنهم أبدلوا من الف هراوة وإداوة همزة كما أبدلوا في رسائل من الف رسالة همزة، ثم أبدلوا من الواو في هرائو وأدائو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، فصار هرائي وأدائي مثل هراعي وأداعي، ثم أبدلوا من الكسرة فتحة ومن الياء الأفا فصار هراءا وأداءا مثل هراعا وأداعا، فاستثقلوا الهمزة بين الفين، فأبلدوا من الهمزة واوا ليظهر في الجمع مثل ما كان في الواحد طلبا للتشاكل؛ وذلك لأن الجمع فرع على الواحد؛ فلا بأس بأن يطلب مشاكلته له.
والذي يدل على نهم فعلوا لك طلبا لمشاكلة أن ما لا يكون في واحدة واو لا يجيء فيه ذلك، فدل على ما قلناه.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إن الأصل أن يقال في ج مع خطيئة خطايئ مثل خطايع وإنما قدمت الهمزة على الياء" قلنا: ولم قلتم بالتقديم وهو على خلاف الأصل والقياس؟(2/664)
قولهم: "لئلا يؤدي ذلك إلى اجتماع همزتين، وهو مرفوض" قلنا: ولم قلتم إنه موجود ههنا؟ وهذا لأن الهمزة الثانية يجب قلبها ياء لانكسار ما قبلها، فالكسرة توجب قلب الهمزة إلى الياء، كما توجب الفتحة قلبها إلى الألف في نحو أأدم وأأخر، فلم يجتمع فيه همزتان، وإذا كان حمله على الأصل يؤدي إلى أن يجتمع فيه همزتان يزول اجتماعهما على القياس كان حمله عليه أولى من حمله على القلب بالتقديم والتأخير على خلاف القياس الذي هو الفرع.
وأما "جائية" فلا نسلم أنها مقلوبة، وأن وزنه فاعله، وإنما هو على أصله، ووزنه فاعلة من جاءت فهي جائية، وأصلها جايئة مثل جايعة، فأبدلوا من الياء همزة فصار جائئة مثل جاععة، فأبدلوا من الهمزة الثانية ياء لانكسار ما قبلها.
وأما الخليل فإنما قدر فيه القلب لئلا يجمع في بين إغعلالين؛ لأنه إذا قدم اللام التي هي الهمزة إلى موضع العين التي هي الياء وأخر العين التي هي الياء إلى موضع اللام التي هي الهمزة لم يجب قلب الياء همزة فلا يكون فيه الأإعلال واحد، وإذا أتي بالكلمة على أصلها من غير قلب جمع فيه بين إعلالين، وهما: قلب العين التي هي ياء همزة، وقلب اللام التي هي همزة ياء، وهذا التقدير غير كاف في تقدير القلب؛ لأن الهمزة حرف صحيح؛ فإعلالها لا يعتد به.
والذي يدل على ذلك أن الهمزة تصح حيث لا يصح حرف العلة، ألا ترى أن حرف العلة إذا تحرك وانفتح ما قبلها وجب إعلاله نحو عصو ورحي، والهمزة إذا تحركت وانفتح ما قبلها لا يجب إعلالها نحو كلأ ورشأ، وإذا كانت الهمزة كذلك كان قلبها بمنزلة إبدال الحروف الصحيحة ب عضها من بعض كقولهم في أصيلان "أصيلال" فلا يعتد به، وإنما يعتد بإعلال حرف العلة؛ لأنه1 الأصل في الإعلال، وإذا كان قلب الهمزة غير معتد به لم يكن ههنا إجراؤه على الأصل يؤدي إلى الجمع بين إعلالين.
وأما قولهم "إنما جمعت على ترك الهمة" قلنا: هذا باطل؛ لأن ترك الهمزة خلاف الأصل، والأصل أن يجمع على الأصل، خصوصا مع أنه الأكثر في الاستعمال.
وقولهم "إنه يكثر الهمزة فيها فصارت بمنزلة فعيلة من ذوات الواو والياء وهي تجمع على فعالى" قلنا: لا نسلم، بل الأصل أن يقال في جمع فعيلة "فعائل" إلا أنه يجب قلب الياء همزة لوقوعها قيل الطرف بحرف؛ لأنهم يجرون ما
__________
1 في ر "إلا أنه الأصل" تحريف.(2/665)
قبل الطرف بحرف من هذا النوع نمجرى الطرف في الإبدال، وهم يبدلون من الياء إذا وقعت طرفا وقبلها الف زائدة همزة، فعلى هذا يكون الأصل في جمع نحو حشية حشائي على فعائل على لفظ المضي إلى نفسه الحاء إذا مد، ثم أبدلوا من الكسرة فتحة، ومن الياء الفا فصار حشاءا، فاستثقلوا الهمزة بين الفين فقلبوا الهمزة ياء على ما بينا في خطايا، والله أعلم.(2/666)
117- مسألة: [وزن "إنسان" وأصل اشتقاقه] 1
ذهب الكوفيون إلى أن "إنسان" وزنه إفعان، وذهب البصريون إلى أن وزنه فعلان، وإليه ذهب بعض الكوفيين.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأن الأصل في إنسان إنسيان على إفعلان من النسيان، إلا أنه لما كثر في كلامهم وجرى على أسنتهم حذفوا منه الياء التي هي اللام لكثرته في استعمالهم، والحذف لكثرة الاستعمال كثير في كلامهم، كقولهم "إيش" ي أي شيء، و"عم صباحا" في أنعم صباحا، ""ويلمه" في ويل أمه، قال الهذلي:
[496]
ويلمة رجلا تأبي به غبنا ... إذا تجرد، لا خال، ولا بخل
__________
[496] هذا هو البيت الخامس من قصيدة للمنتخل الهذلي "ديوان الهذليين 2/ 33-37" ومطلعها قوله:
ما بال عينك تبكي دمعها خضل ... كما نهي سرب الأخرات منبزل؟
السرب بفتح السين وكسر الراء السائل، يكون ثمه وهي فينسرب الماء منه، والأخرات: مع خرت بفتح فسكون وآخره تاء وهو المثقب، ويروى "الأخراب" بياء موحدة وهو جمع خربة، وهي العروة، وويل أمه رجلا: كلمة يتعجب بها، ولا يراد بها الدعاء، والخال: المخيلة، أي الخيلاء، والبخل بفتح الباء والخاء هنا مثل البخل بضم فسكون. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله "ويلمه" فإن أصل هذه الكلمة "ويل أمه" بهمزة قطع من أصول والكلمة، والأصل أن تتوفر حروف الكلمة بحيث لا يحذف شيء الألعلة تقتضي هذا الحذف، لكنهم لما كثر استعمالهم لهذه الكلمة وترددت على أسنتهم كثيرا التمسوا فيها التخفيف فحذفوا الهمزة بقصد التخفيف فيما يكثر استعماله، وهذا خلاف الأصل والقياس الذي أشرنا إليه. ولذلك لا يجوز أن نقيس على هذه العبارة عبارة أخرى مماثلة لها مثل "ويل أبيه" أو "ويل أخته" لأن من شان الخارج عن القياس أن يقتصر عليه ولا يقاس عليه غيره.
__________
1 انظر في هذه المسألة: صحاح الجوهري ولسان العرب ومفردات غريب القرآن للراغب الأصبهاني "أن س ن وس ت ن س ي".(2/667)
وقال الآخر:
[497]
ويلمه مسعر حرب إذا ... ألقي فيها وعليه الشليل
__________
= والخطبب التبريزي يرى أن اصل "ويلمه" ويل لأمه فالمصدر مبتدأ، والجار والمجرور بعده خبر، وقد حذف شيئان: اللام من ويل، والهمزة من أم، قال: "لفظه ويل إذا أضيفت بغير اللا م فالوجه فيها النصب، فتقول "ويل زيد" والمعنى الزم الله زيدا الويل، فإذا أضيفت باللا م فقيل" ويل لزيد" فحكمه أن يرفع فيصير ما بعده جملة ابتدئ بها، وهي نكرة، لأن معنى الدعاء منه مفهوم، والمعنى الويل ثا بت لزيد، كأنه عدة محصلا، كما يقال: رحمة الله زيدا، فتجعل رحمة الله خبرا، وإذا كا ن حكم ويل هذا وقد ارتفع في قوله:
ويلم لذات الشباب
فحذف من أم الهمزة، واللام من ويل، وقد القى حركة الهمزة على اللام الجارة فصار ويلم بضم اللام وقد قيل: ويلم بكسر اللام كما قيل، الحمد لله، والحمد لله الأولى بضم الدال وضم اللام إتباعا لها، والثانية بكسر الدال إتباعا لكسرة لام الجر بعدها - وقصده المدح الشباب وحمد لذاته، وانتصب معيشة على التمييز" ا. هـ، وهو يتحدث عن بيت الحما سة الذي سنأثره لك مع شرح الشا هد الآتي 497.
[497] أصل المسعر بزنة المنبر والمسعار: ما أججت به النار، أو ماتحرك به النار من حديد أو خشب، وقالوا: فلا ن مسعر حرب، إذا كان يؤرثها، وفي حديث أبي بصير "ويلمه مسعر حرب لو كان له أصحا ب" يصفه بالمبالغة في الحرب والنجدة، ومنه حديث خيفان"وأما هذا الحي من همدان فأنجاد بسل، مسا عير غير عزل" والشليل بفتح الشين الغلالة التي تلبس فوق الدرع، وقبل: هي الدرع الصغيرة القصيرة تكون تحت الكبيرة، وقيل: ما يجعل تحت الدرع من ثوب أو غيره، وقيل: هي الدرع ما كا نت، وجمعها أشلة، قال أوس بن حجر:
وجئنا بها شهباء ذات أشلة ... لها عا رض فيه المنية تلمع
وقد اشتقوا من الشليل فعلا فقالوا: شل الدرع يشلها من مثال مد الحبل يمده إذا لبسها. ومحل الأستشها د من هذا البيت قوله "ويلمه" والكلا م فيه كالكلا م في نظيره من البيت السابق.
ومثل هذا البيت والذي قبله قول ذي الرمة، وهو من شوا هد الرضي في با ب التمييز:
ويلمها روه والريح معصفة ... والغيث مرتجز، والليل مقترب
ومثل ذلك قول علقمة بن عبدة، وهو من شعر الحما سة "التبريزي 3/ 186 بتحقيقنا" ومن شوا هد الرضي في با ب التمييز:
ويلم أيام الشباب معيشة ... مع الكثر يعطا هـ الفتي المتلف الندي
ومثل ذلك قول امرئ القيس يصف عقا با، وهو من شوا هد سيبويه "1/ 353":.
ويلمها في هواء الجو طالبة ... ولا كهذا الذي في الأرض مطلوب
ومثل ذلك قول الهذلي، وأنشده في اللسا ن "ب ز ز" وفي الأسا س "ع ر ز":
فويل بزجر شعل على الحصى ... ووقر بز ما هنالك ضا ئع
البز: السلا ح، وشعل: لقب تأبط شرا، ووقر: صدع وفلل.(2/668)
والذي يدل على أن "إنسان" مأخوذ من النسيان أنهم قالوا في تصغيره "أُنَيْسِيَان" فردوا الياء في حال التصغير؛ لأن الاسم لا يكثر استعماله مصغرا كثرة استعماله مكبرا، والتصغير يرد الأشياء إلى أصولها، فدل على ما قلناه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن وزنه فِعْلَان لأن "إنسان" مأخوذة من الإنس، وسمي الإنسان إنسا لظهورهم، كما سمي الجن جنا لاجتنانهم أي استتارهم، ويقال "آنست الشيء" إذا أبصرته، قال الله تعالى: {آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارَا} [القصص: 29] أي: أبصر، وكما أن الهمزة في الإنس أصلية ولا ألف ونون فيه موجودتان؛ فكذلك الهمزة أصلية في إنسان، ويجوز أن يكون سمي الإنس إنسا لأن هذا الجنس يستأنس به ويوجد فيه من الأنس وعدم الاستيحاش ما لا يوجد في غيره من سائر الحيوا ن، وعلى كلا الوجهين فالألف والنون فيه زائدتان؛ فلهذا قلنا إن وزنه فِعْلَان.
وأما الجواب عن كلما ت الكوفيين: أما قولهم "إن الأصل في إنسا ن إنسيان، إلا أنهم لما كثر في كلامهم حذفوا منه الياء لكثرة الاستعمال، كقولهم أيش في أي شيء وعم صباحا في أنعم صباحا وويلمه في ويل أمه" قلنا: هذا باطل؛ لأنه لو كان الأمر كما زعمتم لكان يجوز أن يؤتى به على الأصل، كما يجوز أن تقول: أي شيء، وانْعَمْ صباحا، وويل أمه على الأصل؛ فلما لم يأت ذلك في شيء من كلامهم في حالة اختيار ولا ضرورة دل على بطلان ما ذهبتم إليه.
وأما قولهم "إنهم قالوا في تصغيره أنيسيان" قلنا: إنما زيدت هذه الياء في أنيسيان على خلاف القياس، كما زيدت في قولهم "لييلية" في تصغير ليلة، و"عشيشية" تصغير عشية، وكقولهم على خلا ف القيا س "مغيربان" في تصغير مغرب، و"رويجل" في تصغير رجل، إلى غير ذلك مما جاء على خلا ف القياس؛ فلا يكون فيه حجة، والله أعلم.(2/669)
118- مسألة: [وزن أشياء] 1
ذهب الكوفيون إلى أن "أشياء" وزنه أَفْعَاء، والأصل أفعلاء، وإليه ذهب أبو الحسن الأخفش من البصريين. وذهب بعض الكوفيين إلى أن وزنه أفعال.
وذهب البصريون إلى أن وزنه لفعاء، والأصل فعلاء.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن وزنه أفعاء لأنه جمع شيء على الأصل. وأصل شيء شيّئ مثل شيّع؛ فقالوا في جمعه أشيئاء على أفعلاء، كما قالوا في جمع لين: أليناء؛ إلا أنهم حذفوا الهمزة التي هي اللام طلبا للتخفيف، وذلك لأمرين؛ أحدهما تقارب الهمزتين، لأن الألف بينهما حرف خفي زائد ساكن؛ وهو من جنس الهمزة، والحرف الساكن حاجز غير حصين؛ فكأنه قد اجتمع فيه همزتان. وذلك مستثقل في كلامهم. وإذا كانوا قد قالوا في سوائية "سَوَاية" فحذفوا الهمزة مع انفرادها فلأن يحذفوا الهمزة ههنا مع تكراراها كان ذلك من طريق الأولى. والآخر: أن الكلمة جمع، والجمع يستثقل فيه ما لا يستثقل في المفرد، فحذفت منه الهمزة طلبا للتخفيف.
والذي يدل على أنه يستثقل في الجمع ما لا يستثقل في المفرد أنهم ألزموا خطايا القلبَ، وأبدلوا في ذوائب من الهمزة الأولى2 واوا، كل ذلك استثقالهم في الجمع ما لا يستثقل في المفرد.
وأما أبو الحسن الأخفش فذهب إلى أنه جمع شيء بالتخفيف، وجمع فعل على أفعلاء كما يجمعونه على فعلاء، فيقولون: سمح وسمحاء، وفعلاء نظير أفعلاء، فكما جاز أن يجيء جمع فعل على فعلاء جاز أن يجيء على أفعلاء لأنه نظيره
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح رضي الدين على الشافية "1/ 28-31 بتحقيقنا" ولسان العرب وصحاح الجوهري "ش ي أ".
2 أصل ذوائب "ذآئب" لأن مفرده "ذؤابة".(2/670)
والذي يدل علي ذلك أنهم قالوا: طَبِيبٌ وأطِبَّاء، وحبيب وأحباء، والأصل فيه طُبَبَاء وحُبَبَاء، نحو: ظريف وظرفاء، وشريف وشرفاء، إلا أنه لما اجتمع فيه حرفان متحركان من جنس واحد واستثقلوا اجتماعهما فنقلوه عن فُعَلاء إلى أفْعِلاء، فصار أطبباء، فاجتمع فيه أيضا حرفان متحركان من جنس واحد، فنقلوا حركة الحرف الأول إلى الساكن قبله فسكن فأدغموه في الحرف الذي بعده، فقالوا: أطِبَّاء، فنقلوه من فُعَلَاء إلى أفْعِلاء، فدل على ما قلناه.
وأما من ذهب إلى أن وزنه أفعال فتمسك بأن قال: إنما قلنا أن وزنه أفعال لأنه جمع شيء، وشيء على وزن فعل، وفعل يجمع في المعتل العين على أفعال، نحو: بيت وأبيات وسيف وأسياف، وإنما يمتنع ذلك في الصحيح، على أنهم قد قالوا فيه: زنْد وأزناد، وفَرْخ وأفراخ، وأنف وآناف، وهو قليل شاذ، وأما في المعتل فلا خلاف في مجيئه على أفعال مجيئا مطردا؛ فدل على أنه أفعال؛ إلا أنه منع من الإجراء تشبيها له بما في آخره همزة التأنيث.
والذي يدل على أن أشياء جمع وليس بمفرد كطرفاء قولهم: ثلاثة أشياء. والثلاثة وما بعدها من العدد إلى العشرة يضاف إلى الجمع لا إلى المفرد. ألا ترى أنه لو قيل "ثلاثة ثوب وعشرة درهم" لم يجز، فلما جاز ههنا أن يقال "ثلاثة أشياء، وعشرة أشياء" دل على أنها ليست اسما مفردا وأنه جمع.
والذي يدل على ذلك أيضا تذكيرهم ثلاثة وعشرة في قولهم: "ثلاثة أشياء، وعشرة أشياء" ولو كانت كَطَرْفاء مؤنثة لما جاز التذكير فيقال "ثلاثة أشياء" وكان يجب أن يقال: ثلاث أشياء؛ كما كنت تقول مثلا: ثلاث غرفة؛ لو جاز أن يقع فيه الواحد موقع الجمع، وفي امتناع ذلك دليل على أنه جمع وليس باسم مفرد.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن أشياء على وزن لفعاء لأن الأصل فيه شَيْئَاء بهمزتين على فعلاء كطرفاء، وحَلْفاء، فاستثقلوا اجتماع همزتين وليس بينهما حاجز قوي؛ لأن الألف حرف زائد خفي ساكن والحرف الساكن حاجز غير حصين؛ فقدموا الهمزة التي هي اللام على الفاء؛ كما غيروا بالقلب في قولهم: قِسِيّ في جمع قوس، والأصل أن يقال في جمعها: قُوُوس؛ إلا أنهم قلبوا كراهية لاجتماع الواوين والضمتين؛ فصار قسوو؛ فأبدلوا من الضمة كسرة1؛ لأنهم ليس في كلامهم اسم متمكن في آخره واو قبلها ضمة؛ فانقلبت الواو الثانية
__________
1 في هذا الكلام تكلف، والواو المتطرفة تقلب ياء بغير هذا التكلف وكيف تبقى الواو الأولى مدة بعد انكسار ما قبلها؟ لقد كانت أولى أن تقلب ياء.(2/671)
التي هي لام ياء؛ لانكسار ما قبلها؛ لأن الواو الأولى مدة زائدة فلم يعتد بها كما لم يعتد بالألف في كِسَاء ورداء لأنها لما كانت زائدة صار حرف العلة الذي هو اللام في كساء ورداء كأنه قد ولي الفتحة كما وليته في عَصًى ورَحًى؛ فكما وجب قلبه في عصًى ورحًى ألفا لتحركه وانفتاح ما قبله، فكذلك يجب قلب الواو الثانية ههنا ياء لانكسار ما قبلها؛ فصار: قُسُويٌ، وإذا انقلبت الواو الثانية وجب أن تقلب الواو التي قبلها ياء لوقوعها ساكنة قبل الياء؛ لأن الواو والياء متى اجتمعتا والسابق منهما ساكن وجب قلب الواو ياء، وجُعِلت ياء مشددة فصار قُسِيّ، وكسروا أوله لما بعده من الكسرة والياء، فقالوا قِسِيّ كما قالوا عِصِيّ وحِقِيّ، وما أشبه ذلك، وكما غيروا أيضا بالقلب في ذوائب وبالحذف في سَوَاية، وبَلْ أَوْلى؛ لأنهم إذا أزالوا التقارب في ذوائب وأصله ذأائب بأن قلبوا الهمزة واوا فقالوا ذوائب، وحذفوها من سوائية فقالوا سَوَاية؛ فلأن يزيلوا التقارب بأن يقدموا الهمزة إلى أول الكلمة مع بقائها كان ذلك من طريق الأولى، وإذا كانوا قد قلبوا من غير أن يكون فيه خفة فقالوا "أَيِسَ" في يئس، و"بئر مَعِيقة" في عميقة، و"عُقابٌ عَبَنْقَة وبَعَنْقَاة" في عقنباة، و"ما أيطبه" في ما أطيبه، وما أشبه ذلك، مما لا يؤدي إلى التخفيف، فكيف فيما يؤدي إليه؟ فلهذا قلنا وزنها لفعاء.
والذي يدل على أنه اسم مفرد أنهم جمعوه على فعالى فقالوا في جمعه "أشاوى" كما قالوا في جمع صحراء "صحارى" والأصل في صحارى صحاريّ بالتشديد، كما قال الشاعر:
[498]
لقد أغدو على أشـ ... ـر يغتال الصحاريا
__________
[498] ينسب هذا البيت للوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، وقد راجعت ديوانه فوجدته فيه "ص56" بيتا مفردا، وهذا البيت من شواهد رضي الدين في باب التأنيث من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "3/ 324" وشواهد الرضي أيضا في شرح الشافية "1/ 194 بتحقيقنا" وشرحه البغدادي مرة أخرى "ص95 بتحقيقنا" وشواهد ابن جني في سر الصناعة "1/ 97" وأغدو: أذهب -أو أخرج، أو أسير- في وقت الغدوة، والغدوة -بضم فسكون- الوقت ما بين الصبح وطلوع الشمس، والأشقر: الذي لونه الشقرة وهي في الخيل الحمرة الصافية، وفي الإنسان حمرة يعلوها بياض، وعنى هنا بالأشقر فرسا، ويغتال: أصل معناه يهلك، واستعاره هنا لمعنى يقطع المسافة الطويلة في سرعة فائقة، والصحارى: جمع صحراء، وهي الأرض الواسعة. ومحل الاستشهاد من هذا البيت هنا قوله "الصحاريا" بتشديد الياء وهذا هو الأصل في جمع هذه الكلمة وما أشبهها، وبيان ذلك أن في صحراء وبيداء وبطحاء وأسماء ألف مدّ قبل آخرها كألف قرطاس ومصباح، وآخرها همزة منقلبة عن ألف التأنيث، فإذا أرادوا جمع هذه الكلمات على صيغة منتهى(2/672)
فالياء الأولى منقلبة عن الألف الأولى التي كانت في المفرد؛ لأنها سكنت وانكسر ما قبلها، والياء الثانية منقلبة عن ألف التأنيث التي قلبت همزة في المفرد لاجتماع ألفين، فلما زال هذا الوصف زالت الهمزة لزوال سببها، فكانت الثانية منقلبة عن ألف في نحو حُبْلى، لا منقلبة عن همزة، ثم حذفت الياء الأولى طلبا للتخفيف؛ فصار صَحَاِري مثل مَدَارِي، ثم أبدلوا من الكسرة فتحة؛ فانقلبت الياء إلفا لتحركها وانفتاح ما قبلها كما فعلوا في مدارى فصارت صحارى، وكذلك "أشاوي" أصلها أشاييُّ بثلاث ياءات الأولى عين الفعل المتأخرة إلى موضع اللام، والأخريان كالياءين في صحاريّ، ثم فعل به ما فعل بصحاري فصار أشايا، وأبدلوا من الياء التي هي عين واوا فصار أشاوى، كما أبدلوا من الياء واوا في قولهم: "جَبَيتُ الخراجَ جِبَاوَة، وأتيته أتْوَة" والأصل فيه جباية وأتْيَة، وليس في إبدال الواو خروج عن الحكمة؛ فإنهم إذا كانوا يبدلون الحروف الصحيحة بعضها عن بعض نحو أصيلال في أصيلان، وإن لم يكن هناك استثقال فلأن يبدلوا الياء واوا لأجل المقاربة وإن لم يكن ما يوجب قلبها مثل أن تكون ساكنة مضموما ما قبلها نحو
__________
الجموع قلبوا ألف المد التي قبل آخرها ياء كما قلبوا ألف مصباح وقرطاس فقالوا: مصابيح وقراطيس فإذا انقلبت هذه الألف ياء تبعها أن تنقلب ألف التأنيث التي هي الهمزة ياء أيضا، فتصير صحاري وبيادي وبطاحي وأسامي -بياءات مشددة في أواخرها- ومع أن هذا هو الأصل وما تقتضيه صناعة التصريف الجارية على مقتضى كلام العرب لم يستعمله العرب في كلامهم استثقالا له، بل جرت عادتهم أن يحذفوا إحدى الياءين، ثم لهم بعد حذف إحدى الياءين طريقان؛ أولهما أن يبقوا كسرة الحرف الذي بعد ألف التكسير على حالها فتبقي الياء على حالها ويعاملونها معاملة ياء المنقوص، وثانيهما أن يقلبوا كسرة الحرف الواقع بعد ألف التكسير فتحة، وحينئذ تنقلب الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وبكل واحد من هذين الوجهين جرى استعمالهم، فقال امرؤ القيس بن حجر الكندي في معلقته:
ويوم عقرت للعذارى مطيتي ... فياعجبا من كورها المتحمل
فظل العذارى يرتمين بلحمها ... وشحم كهداب الدمقس المفتل
فجاء به بفتح ما قبل الياء، وقال النابغة الذبياني:
لجب يظل به الفضاء معضلا ... يدع الإكام كأنهن صحارى
فجاء به بكسر ما قبل الياء.
والتخفيف بحذف إحدى الياءين فصيح في الاستعمال وإن لم يكن هو القياس، وإثبات الياءين هو القياس، وربما رد بعض الشعراء الكلمة إلى القياس عند الضرورة فيكون قد رجع إلى الأصل المهجور كما في بيت الشاهد، وكما في قول الآخر:
إذا حاشت حواليه ترامت ... ومدته البطاحي الرغاب
جمع بطحاء على القياس؛ فجاء بالياء المشددة في آخره.(2/673)
مُوسر ومُوقن كان ذلك من طريق الأولى، فلما جمع على فَعَالَى فقيل أَشَاوَى دل على ما قلناه.
والذي يدل على ذلك أيضا أنهم قالوا في جمعه أيضا "أشْيَاوَات" كما قالوا في جمع فعلاء فعلاوات، نحو صحراء وصحراوات، وما أشبه ذلك، فدل على أنه اسم مفرد معناه الجمع، وليس بجمع على ما بيّنا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إنه في الأصل على أفعلاء لأنه جمع شيء على الأصل كقولهم لَيّن وأليناء" قلنا: قولكم: إن أصل شيء شَيِّئ مجرد دعوى لا يقوم عليها دليل، ثم لو كان كما زعمتم لكان يجيء ذلك في شيء من كلامهم؛ ألا ترى أن نحو سيْد وهيْن وميْت لما كان مخففا من سيّد وهيّن وميّت جاء فيه التشديد على الأصل مجيئا شائعا، فلما لم يجئ ههنا على الأصل في شيء من كلامهم -لا في حالة الاختيار، ولافي حالة الضرورة- دل على أن ما صرتم إليه مجرد دعوى.
وقولهم: "إن أشياء في الأصل على أفْعِلاء" قلنا: هذا باطل؛ لأنه لو كان كما زعمتم لكان ينبغي أن لا يجوز جمعه على فَعَالَى؛ لأنه ليس في كلام العرب أفْعِلَاء جمع على فعالى، فلما جاز ههنا دل على بطلان ما ذهبتم إليه.
وهذا هو الجواب عن قول الأخفش "إنه جمع شيء بالتخفيف وإنهم جمعوه على أفْعِلاء كما جمعوه على فُعَلاء لأن نظيره نحو سَمْح وسُمَحَاء" فإن فَعْلا لا يكسر على أفْعِلاء، وإنما يكسر على فُعُول وفِعَال، نحو فلوس وكعاب.
والذي يدل على أنه ليس بأفعلاء أنه قال1 في تصغيرها أشَيَّاء، وأفعلاء لا يجوز تصغيره على لفظه، وإنما كان ينبغي أن يُرَدَّ إلى الواحد ويجمع بالألف والتاء، فيقال "شُيَيْئَاتٌ" وإنما لم يجز تصغير أفْعِلاء على لفظه لأن أفعلاء من أبنية الكثرة، والتصغير علم القِلَّة، فلو صغرت مثالا موضوعا للكثرة لكنت قد جمعت بين ضدين، وذلك لا يجوز.
وأما قول من ذهب إلى أنه جمع شَيْء وأنه جمع على أفعال كبَيْت وأبيات فظاهر البطلان؛ لأنه لو كان الأمر على ما زعم لوجب أن يكون منصرفا كأسماء وأبناء.
وأما قوله: "إنما منع من الإجراء لشبه همزة التأنيث" قلنا: فكان يجب أن لا تُجْرَى نظائره نحو أسماء وأبناء وما كان من هذا النحو على وزن أفعال؛ لأنه لا
__________
1 كذا، ولعل الأوفق "أنهم قالوافي تصغيرها.... الخ".(2/674)
فرق بين الهمزة في آخر أشياء وبين الهمزة في آخر أسماء وأبناء.
وأما قولهم: "الدليل على أن أشياء جمع وليس بمفرد قولهم: ثلاثة أشياء، والثلاثة وما بعدها من العدد إلى العشرة يضاف إلى الجمع، لا إلى المفرد، فلا يقال: ثلاثة ثوب، ولا عشرة درهم" قلنا: إنما لا يضاف إلى ما كان مفردا لفظا ومعنى، وأما إذا كان مفردا لفظا ومجموعا معنى فإنه يجوز إضافتها إليه، ألا ترى أنه يجوز أن تقول: ثلاثة رَجْلَة -وإن كان مفردا لفظا- لأنه مجموع معنى، وكذلك قالوا: ثلاثة نَفَر، وثلاثة قَوْم، وتسعة رَهْطٍ، قال الله تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ} [النمل: 48] وأضيف العدد إلى هذه الأسماء -وإن كانت مفردة لفظا- لأنها مجموعة معنى، فكذلك ههنا: أشياء مفردة لفظا، مجموعة معنى كطَرْفَاء، وحَلْفَاء، وقصباء؛ فجاز أن يضاف اسم العدد إليها.
وأما قولهم: "إنها لو كانت كطَرْفَاء لما جاز تذكير ثلاثة1، فيقال ثلاثة أشياء، وكان يجب أن يقال: ثلاثة أشياء" قلنا: إنما جاز تذكير ثلاثة أشياء" -وإن كانت أشياء مؤنثة لوجود علامة التأنيث فيها- لأنها اسم لجمع شيء، فتنزلت منزلة أَفْعَال من حيث إنه جمع شيء في المعنى، لا لأنه مفرد أقيم مقام جمع بمنزلة درهم في قولهم: مائة درهم، ولو كان كذلك لوجب أن يقال "ثلاث أشياء" كما ذكرتم، وإذا كانت أشياء اسما لجمع شيء علمت أن أشياء في المعنى جمع شيء؛ فصارت إضافة العدد إليها بمنزلة إضافته إلى جمع ثوب وبيت في قولهم: "ثلاثة أثواب، وعشرة أبيات" وما أشبه ذلك، والله أعلم.
قال أبو البركات كمال الدين الأنباري:
فهذا منتهى ما أردنا أن نذكره في كتاب "الإنصاف، في مسائل الخلاف" واقتصرنا فيه على هذا القدر من القول مع تَشَعُّب أنحائه، لتوفر رغبة الطلبة في سرعة إنهائه، وكثرة الشواغل عن استقصائه، فالله تعالى يعصمنا فيه من الزلل، ويحفظنا فيه من الخطأ والخطل، ويوفقنا وإياكم لصالح القول والعمل بمنه ولطفه.
__________
1 المراد بتذكير ثلاثة الإتيان بلفظه كلفظ عدد المذكر، وتأنيثه: الإتيان بلفظه كلفظ عدد المؤنث، وأنت خبير أن لفظ ثلاثة يقرن بالتاء إذا كان معدوده مذكرا، ويجرد منها إن كان معدوده مؤنثا.(2/675)
زيادة ثلاث مسائل في بعض النسخ
...
وُجِدَ في بعض النسخ زيادة ثلاث مسائِلَ ونحن نذكرها ههنا:
119- مسألة: [علام ينتصب خبر "كان" وثاني مفعولي "ظننت"؟] 1
ذهب الكوفيون إلى أن خبر "كان" والمفعول الثاني لـ "ظننت" نصب على الحال. وذهب البصريون إلى أن نصبهما نصب المفعول، لا على الحال.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أن خبر "كان" نصب على الحال أن "كان" فعل غير واقع أي غير متعد والدليل على أنه غير واقع أن فعل الاثنين إذا كان واقعا فإنه يقع على الواحد والجمع نحو: ضَرَبَا رجلا، وضَرَبَا رجالا، ولا يجوز ذلك في "كان"، ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: كانا قائما، وكانا قياما، ويدل على ذلك أيضا أنك تَكْنِي عن الفعل الواقع نحو "ضَرَبْتُ زيدًا" فتقول: فَعَلْتُ بزيد، ولا تقول في كنت أخاك: فعلت بأخيك، وإذا لم يكن متعديا وجب أن يكون منصوبا نصب الحال، لا نصب المفعول؛ فإنا ما وجدنا فعلا ينصب مفعولا هو الفاعل في المعنى، إلا الحال، فكان حمله عليه أولى، ولأنه يحسن أن يقال فيه "كان زيد في حالة كذا" وكذلك يحسن أيضا في ظننت زيدا قائما "ظننت زيدا في حالة كذا" فدل على أنه نصب على الحال.
قالوا: ولا يجوز أن يقال "إنه لو كان نصبًا على الحال لما جاز أن يقع معرفة في نحو: كان زيد أخاك، وظننت عمرا غلامك، والحال لا تكون معرفة" لأنا نقول: إنما جاز ذلك لأن "أخاك، وغلامك" وما أشبه ذلك قام مقام الحال كقولك: ضربت زيدا سَوْطًا، فإن "سوطا" ينتصب على المصدر وإن كان آلة لقيامه مقام المصدر الذي هو ضرب2،
__________
1 انظر في هذه المسألة: حاشية الصبان على الأشموني "1/ 218 بولاق" وتصريح الشيخ خالد الأزهري "2/ 220 بولاق".
2 ر "الذي هو ضربه".(2/676)
وكذلك ههنا. علي أنه قد جاءت الحال معرفة في قولهم:
[499]
[فـ] أَرْسَلَهَا العِرَاكَ [وَلَمْ يَذُدْهَا ... وَلَمْ يُشْفَقْ عَلَى نَغَصِ الدَّخَالِ]
وطلبته جَهْدَك، وطَاقَتَك، ورجع عَوْده على بدئه، إلى غير ذلك فدل على صحة ما ذهبنا إليه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنَّ نَصْبَهما نَصْبُ المفعول لا على الحال لأنهما يقعان1 ضميرا في نحو قولهم: "كُنَّاهُم، وإذا لم نكنهم فمن ذَا يَكُونُهُمُ؟ " قال الشاعر:
[500]
دَعِ الْخَمْرَ يَشْرَبُهَا الْغُوَاةُ فإِنَّنِي ... رَأَيْتُ أَخَاهَا مُغْنِيًا بِمَكَانِهَا
__________
[499] هذا البيت من كلام لبيد بن ربيعة العامري، وهو من شواهد سيبويه "1/ 187" ورضي الدين في باب الحال من شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "1/ 524" وابن يعيش في شرح المفصل "ص241" وابن عقيل "رقم 180" وشرحه العيني "3/ 219 بهامش الخزانة" والبيت في وصف حمار وحش وأتنه، وقال الأعلم: وصف إبلًا أوردها الماء مزدحمة. والعراك الازدحام، والنغص -بفتح النون والغين المعجمة جميعا- مصدر نغص -من باب فرح- تقول "نغص الرجل" إذا لم يتم شربه، والدخال -بكسر الدال المهملة- أن يدخل الرجل بعيره الذي شرب مرة مع الإبل التي لم تشرب من قبل ليشرب معها، وذلك إذا كان البعير كريما. ومحل الاستشهاد من هذا البيت هنا قوله "العراك" فإن هذه الكلمة حال من الضمير المنصوب في قوله "أرسلها" وهي معرفة، والأصل في الحال أن تكون نكرة، ومصدرا، والأصل في الحال أن تكون وصفا، وذلك لأن هذا المصر المعرف في تأويل وصف نكرة، فكأنه قال: فأرسلها معتركة. قال سيبويه "وهذا ما جاء منه في الألف واللام، وذلك قولك: أرسلها العراك، قال لبيد بن ربيعة:
فأرسلها العراك ولم يذدها- البيت
كأنه قال: اعتراكا، وليس كل المصادر في هذا الباب يدخله الألف واللام "ا. هـ، وقال الأعلم "الشاهد فيه نصب العراك وهو مصدر في موضع الحال، والحال لا يكون معرفة وجاز هذا لأنه مصدر، والفعل يعمل في المصدر معرفة ونكرة، فكأنه أظهر فعله ونصبه به ووضع ذلك الفعل موضع الحال فقال: أرسلها تعترك الاعتراك، ولو كان من أسماء الفاعل لم يجز ذلك فيه "يريد لم يجز تعريفه" نحو أرسلها المتركة" ا. هـ.
[500] هذان البيتان ينسبان لأبي الأسود الدؤلي، وثانيهما من شواهد سيبويه "2/ 21" ورضي الدين في باب الضمير، وشرحه البغدادي في الخزانة "2/ 426" وابن يعيش في شرح المفصل "ص427" والأشموني "رقم 51" وكان لأبي الأسود مولى يحمل تجارته إلى الأهواز، وكان هذا المولى إذا مضى بالتجارة تناول شيئا من الشراب فاضطرب أمره وفسد
__________
1 في ر "أنهما يقعون" تحريف.(2/677)
فإِنْ لَا يَكُنْهَا أَوْ تَكُنْهُ فَإِنَّهُ ... أَخُوهَا غَذَتْهُ أُمُّهُ بِلِبَانِهَا
أراد بقوله: "أخاها" الزبيب، وجعله أخا الخمر لأنهما من شجرة واحدة. وقال الآخر:
[501]
تنفك تسمع ما حييت ... بهالك حتى تكونه
__________
أمر التجارة، فقال أبو الأسود فيه هذين البيتين، وقوله "فإلا يكنها" أي فإلا يكن أخو الخمر هو الخمر، وقوله "أو تكنه" أي أو تكن الخمر هي أخاها، فاسم "يكن" الأولى ضمير مستتر يعود على الأخ، والضمير البارز المتصل هو خبر يكن، وهو عائد إلى الخمر، واسم "تكن" الثانية ضمير مستتر عائد إلى الخمر، والضمير البارز المنصوب العائد إلى الأخ هو خبرها، ومحل الاستشهاد من هذا الشاهد ههنا قوله "يكنها أو تكنه" حيث جاء بخبر تكن ضميرا متصلا، وأصل القياس أن يكون خبرها ضميرا منفصلا، كما في قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي، وهو من شواهد الرضي وابن يعيش:
لئن كان إياه لقد حال بعدنا ... عن العهد والإنسان قد يتغير
وكما في قول العرجي في خبر ليس، وهو من شواهد سيبويه:
ليت هذا الليل شهر ... لا نرى فيه عريبا
ليس إياي وإيا ... ك ولا نخشى رقيبا
ولو أن أبا الأسود قد جاء بالكلام على ما يقتضيه القياس لقال: فإلا يكن إيّاها أو تكن إياه فإنه أخوها، قال سيبويه "وتقول: كناهم، كما تقول: ضربناهم، وتقول: إذا لم نكنهم فمن ذا يكونهم؟ كما تقول: إذا لم نضربهم فمن ذا يضربهم؟ قال أبو الأسود الدؤلي:
فإن لا يكنها أو تكنه فإنه أخوها ... البيت.
ا. هـ كلامه. وقال الأعلم "أراد سيبويه كان لتصرفها تجري مجرى الأفعال الحقيقية في عملها، فيتصل بها ضمير خبرها اتصال ضمير المفعول بالفعل الحقيقي في نحو ضربته وضربني وما أشبهه" ا. هـ.
ومن مجيء خبر ليس ضميرا متصلا قول رؤبة بن العجاج، وهو أيضا من شواهد الرضي وابن يعيش:
عهدي بقومي كعديد الطيس ... إذ ذهب القوم الكرام ليسي
وليس كما تعلم فعل ليس متصرفا، بل هو فعل جامد، ومن النحاة من يذهب إلى أنه حرف.
[501] ذا البيت من كلام خليفة بن براز، وهو شاعر جاهلي، وبعده قوله:
والمرء قد يرجو الحيا ... ة مؤملا والموت دونه
والبيت من شواهد الرضي في باب الأفعال الناقصة، وشرحه البغدادي في الخزانة "4/ 47" وابن يعيش في شرح المفصل "ص1011" وابن الناظم في باب كان وأخواتها من شرح الألفية، وشرحه العيني "2/ 75 بهامش الخزانة" والنحاة يستشهدون بهذا البيت في عدة(2/678)
وكذلك قالوا أيضا "ظَنَنْتُهُ إياه"1 والضمائر لا تقع أحوالا بحال؛ فعدِمَ شروط الحال فيهما؛ فوجب أن ينتصبا نصب المفعول، لا على الحال.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إن الفعل إذا كان واقعا فإن فعل الاثنين يقع منه على الواحد والجمع، نحو: ضربا رجلا، وضربا رجالا ولا يجوز ذلك في كان؛ فإنه لا يقال كانا قائما وكانا قياما" فنقول: إنما لم يجز في "كان" كما جاز في ضرب؛ لأن المفعول في "كان" هو الفاعل في المعنى، ولا يكون الاثنان واحدا ولا جماعة، وإنما كان المفعول في "كان" هو الفاعل في المعنى؛ لأنها تدخل على المبتدأ والخبر فيصير المبتدأ [بمنزلة الفاعل، والخبر] 2 بمنزلة المفعول، وكما يجب أن يكون الخبر هو المبتدأ في المعنى نحو "زيد
__________
مواضع، أولها في قوله "تكونه" حيث جاء بخبر كان ضميرا متصلا وهو الذي من أجله جاء المؤلف بهذا البيت هنا، وقد بينا ذلك في شرح الشاهد السابق والثاني في قوله "تنفكّ" ولهم في هذه الكلمة شاهدان: أحدهما أن الشاعر قد استعمل الفعل المضارع من انفك، ولما لم يحفظ النحاة من هذا الفعل غير الماضي والمضارع حكموا بأنه فعل متصرف تصرفا ناقصا، ومن مجيء المضارع قول الشاعر:
ليس ينفك ذا غنى واعتزاز ... كل ذي عفة مقل قنوع
وقول ذي الرمة:
قلائص لا تنفك إلا مناخة ... على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا
والشاهد الثاني من هذه الكلمة أنها جاءت في هذا البيت غير مسبوقة بالنفي أو ما يضاهيه، وذلك شاذ، والقياس ذكر نفي أو نهي قبل زال وبرح وفتئ وانفك. ومثل هذا البيت في الإتيان بواحد من هذه الأفعال من غير أن يسبقه نفي أو نهي قول خداش بن زهير:
وأبرح ما أدام الله قومي ... بحمد الله منتطقا مجيدا
وهم يغتفرون أن يسقط الشاعر حرف النفي إذا كان الفعل مسبوقا بالقسم كقول امرئ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
وقول عبيد الله بن قيس الرقيات "د 189":
والله أبرح في مقدمة ... أهدي الجيوش على شكيته
حتى أفجعهم بإخوتهم ... وأسوق نسوتهم بنسويته
وقول الآخر:
لعمر أبي دهماء زالت عزيزة ... على قومها ما فتل الزند قادح
__________
1 ومن ذلك قول الشاعر:
أخي حسبتك إياه وقد ملئت ... أرجاء صدرك بالأضغان والإحن
2 زيادة لا يتم الكلام إلا بها.(2/679)
قائم"؛ فكذلك يجب أن يكون المفعول في معنى الفاعل؛ فلهذا امتنع في "كان" ما جاز في "ضرب" لا لما ادعيتم، على أنا لا نقول إن كان بمنزلة ضرب، فإن ضرب فعل حقيقي يدل على حدث وزمان، والمرفوع [به] فاعل حقيقي، والمنصوب به مفعول حقيقي، وأما "كان" فليس فعلا حقيقيا؛ بل يدل على الزمان المجرد عن الحدث، ولهذا يسمى فعلَ العبارةِ، فالمرفوع به مشبه بالفاعل والمنصوب به مشبه بالمفعول؛ فلهذا سمي المرفوع اسما، والمنصوب خبرا، ولهذا المعنى من الفرق لما كان ضرب فعلا حقيقيا جاز إذا كني عنه -نحو "ضربت زيدا"- أن يقال: فعلت بزيد، ولما كانت "كان" فعلا غير حقيقي، بل في فعليتها خلاف؛ لم يجز إذا كني عنها نحو "كنت أخاك" أن يقال: فعلت بأخيك.
وأما قولهم: "إنه يحسن أن يقال: كان زيد في حالة كذا، وكذلك يحسن أيضا في ظننت زيدا قائما: ظننت زيدا في حالة كذا؛ فدل على أن نصبهما نصب الحال" قلنا: هذا إنما يدل على الحال مع وجود شروط الحال بأسرها، ولم يوجد ذلك؛ لأنه من شروط الحال أن تأتي بعد تمام الكلام، ولم يوجد ذلك في "كان" الناقصة التي وقع فيها الخلاف دون التامة التي بمعنى وَقَعَ، ولم يوجد أيضا في المفعول الثاني لظننت التي بمعنى الظن أو العلم التي وقع فيها الخلاف، لا التي بمعنى التهمة، وكذلك من شروطها ألا تكون إلا نكرة، وكثيرا ما يقع خبر كان والمفعول الثاني لظننت معرفة، ولو كانا حالا لما جاز أن يقعا إلا نكرة؛ فلما جاز أن يقعا معرفة دل على أنهما ليسا بحال.
قولهم: "إنما جاز ذلك لأن المعرفة أقيمت مقام الحال، كما أقيمت الآلة مقام المصدر في قولهم: ضربت زيدا سوطا" قلنا: الفرق بينهما ظاهر، وذلك أنه إنما حسن أن ينصب "سوطا" على المصدر؛ لأنه نكرة قام مقام نكرة، فأفاد فائدته، فحسن أن ينصب بما نصب به لقيامه مقامه، وأما ههنا فلا يحسن أن يقوم المعرفة مقام الحال؛ لأن الحال لا تكون إلا نكرة، وهو معرفة؛ فلا يفيد أحدهما ما يفيده الآخر؛ فلا يجوز أن يقام مقامه؛ فلا يجوز أن ينصب بما نصب به.
وأما قولهم: "إن الحال قد جاء معرفة في قولهم: أرسلها العراك، وطلبته جهدك، ورجع عوده على بدئه" قلنا: هذه الألفاظ مع شذوذها وقلتها ليست أحوالا، وإنما هي مصادر دلت على أفعال في موضع الحال، فإذا قلت "أرسلها العراك" فالتقدير فيه: أرسلها تعترك العراك، على معنى تعترك الاعتراك، فأقاموا "العراك" مقام الاعتراك، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ أنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتا} [نوح: 17] ثم حذفوا "تعترك" وهو جملة في موضع الحال، وأقاموا المصدر دليلا(2/680)
عليه، كما تقول: "إنما أنت سَيْرًا" أي تسير سيرا، وكذلك قولهم "طلبته جَهْدَك"، وطاقَتَك" كأنهم قالوا: طلبته تجتهد اجتهادك، ثم حذفوا "تجتهد" وهو جملة في موضع الحال، وأقاموا المصدر دليلا عليه، وهكذا التقدير في قولهم "رَجَعَ عودَه على بدئه"، وقد ذهب بعض النحويين إلى أن "عودة" منصوب برجع نصب المفعول لا نصب المصدر؛ لأن "رجع" يكون متعديا كما يكون لازما، قال الله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 83] فعدى رجع [إلى] الكاف؛ فدل على أنه يكون متعديا، والأكثرون على الأول، وإنما أقاموا هذه المصادر مُقَامَ الأفعال في هذه المواضع؛ لأن في ألفاظ المصادر دلالة على الأفعال، على أن هذه الألفاظ شاذة لا يقاس عليها؛ فكذلك كل ما جاء من المصادر والأسماء بالألف واللام في موضع الحال؛ فإنه شاذ نادر لا يقاس عليه، والله أعلم.(2/681)
120- مسألة [القول في تقديم التمييز إذا كان العامل فعلا متصرفا] 1
اختلف الكوفيون في جواز تقديم التمييز إذا كان العامل فيه فعلا متصفا نحو "تصبب زيد عرقا، وتفقأ الكبش شحما": فذهب بضعهم إلى جوازه ووافقهم على ذلك أبو عثمان المازني وأبو العباس المبرد من البصريين. وذهب أكثر البصريين إلى أنه لا يجوز.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على جواز التقديم النقلُ والقياسُ. أما النقل فقد جاء ذلك في كلامهم، قال الشاعر:
[502]
أَتَهْجُرُ سَلْمَى بِالْفِرَاقِ حَبِيبَهَا ... وَمَا كَانَ نَفْسًا بِالْفِرَاقِ تَطِيبُ؟!
__________
[502] قد اختلف الرواة في نسبة هذا البيت؛ فنسبه قوم إلى المخبل السعدي واسمه ربيع بن ربيعة بن مالك، ونسبه آخرون إلى أعشى همدان، واسمه عبد الرحمن بن عبد الله "انظر الصبح المنير ص312 فينا" ونسبه ابن سيده لقيس بن معاذ المعروف بمجنون ليلى. والبيت من شواهد الأشموني "رقم 514" وابن عقيل "رقم 194" وابن الناظم في باب التمييز من شرح الألفية، وشرحه العيني "3/ 235 بهامش الخزانة" وابن جني في الخصائص "2/ 384" ومحل الأستشهاد من هذا البيت بقوله "وما كان نفسا بالفراق تطيب" فإن اسم كان ضمير شأن محذوف وخبرها جملة تطيب، ونفسا: تمييز نسبة، والعامل فيه هو قوله تطيب، وقد تقدم التمييز على عامله، وهذا غير جائز في سعة الكلام عند البصريين، وقد أجازه الكوفيون واستدلوا بهذا البيت ونحوه مما سنرويه لك بعد على أنه جائز لأنه وارد في كلام العرب المحتج بكلامهم. قال ابن جني في الخصائص "ومما يقبح تقديمه الاسم المميز، وإن كان ناصبه فعلا متصرفا، فلا نجيز شحما تفقأت، ولا عرقا تصببت، فأما ما أنشده أبو عثمان وتلاه فيه أبو العباس من قول المخبل:
أتهجر ليلى للفراق حبيبها ... البيت
__________
1 انظر في هذه المسألة: شرح الأشموني "3/ 159 بتحقيقنا" وشرح الأشموني مع حاشية الصبان "2/ 177 بولاق" وتصريح الشيخ خالد الأزهري "1/ 480 بولاق" وأسرار العربية للمؤلف "ص79".(2/682)
وَجْهُ الدليل أنه نصب "نفسا" على التمييز، وقدمه على العامل فيه وهو "تطيب" لأن التقدير فيه: وما كان الشأنُ والحديثُ تطيب سلمى نفسا؛ فدل على جوازه.
وأما القياس فلأن هذا العامل فعل متصرف؛ فجاز تقديم معموله عليه كسائر الأفعال المتصرفة، ألا ترى أن الفعل لما كان متصرفا -نحو قولك: "ضرب زيد عمرا"- جاز تقدم معموله عليه نحو "عمرا ضرب زيد" ولهذا ذهبتم إلى أنه يجوز تقديم الحال على العامل فيها إذا كان فعلا متصرفا نحو "راكبا جاء زيد".
قالوا: ولا يجوز أن يقال: "تقديم الحال على العامل فيها لا يجوز عندكم ولا تقولون به، فكيف يجوز لكم الاستدلال بما لا يجوز عندكم ولا تقولون به؟ " لأنا نقول: كان القياس يقتضي أن يجوز تقديم الحال على العامل فيها إذا كان فعلا متصرفا، إلا أنه لم يجز لدليل دل عليه، وذلك لما يؤدي إليه من تقديم المضمر على المظهر على ما بينا في مسألة الحال، فبقينا فيما عداه على الأصل، وجاز لنا
__________
فنقابله برواية الزجاجي وإسماعيل بن نصر وأبي إسحاق:
وما كان نفسي بالفراق تطيب
فرواية برواية، والقياس من بعد حاكم، وذلك أن المميز هو الفاعل في المعنى، ألا ترى أن أصل الكلام: تصبب عرقي، وتفقأ شحمي، ثم نقل الفعل فصار في اللفظ لي، فخرج الفاعل في الأصل مميزا، فكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل فكذلك لا يجوز تقديم المميز إذا كان هو الفاعل في المعنى على الفعل" ا. هـ كلامه.
ومما جاء فيه تقديم التمييز -سوى هذا البيت الذي وجدوا فيه رواية أخرى يتمسكون بها- قول ربيعة بن مقروم الضبي:
رددت بمثل السيد نهد مقلص ... كميش إذا عطفاه ماء تحلبا
وقول الآخر:
إذا المرء عينا قر بالعيش مثريا ... ولم يعن بالإحسان كان مذمما
وقول الآخر:
ضيعت حزمي في إبعادي الأملا ... وما ارعويت وشيبا رأسي اشتعلا
وقد اقتنع بهذه الشواهد أبو عثمان المازني وأبو العباس المبرّد والكسائي وأبو عمر الجرمي فذهبوا إلى جواز تقديم التمييز على عامله إذا كان هذا العامل فعلا متصرفا.
والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم، وأعز وأكرم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللهم إني أحمدك أحب الحمد إليك، وأطيب الحمد عندك، وأشكرك شكرا يوالي نعمك ويكافئ مزيدك، وأبتهل إليك أن تتقبل عملي، وتجعله لديك في سجل الحسنات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء، يا رب العالمين، آمين.(2/683)
أن نستدل به عليكم وإن كنا لا نقول به، لأنكم تقولون به؛ فصلح أن يكون إلزاما عليكم.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز تقديمه على العام فيه، وذلك لأنه هو الفاعل في المعنى، ألا ترى أنك إذا قلت "تصبب زيد عرقا، وتفقأ الكبش شحما" أن المتصبب هو العرق والمتفقئ هو الشحم، وكذلك لو قلت "حسن زيد غلاما، ودابة" لم يكن له حظ في الفعل من جهة المعنى، بل الفاعل في المعنى هو الغلام والدابة؛ فلما كان هو الفاعل في المعنى لم يجز تقديمه كما لو كان فاعلا لفظا.
قالوا: ولا يلزم على كلامنا الحال حيث يجوز تقديمها على العامل فيها نحو "راكبا جاء زيدا" فإن راكبا فاعل في المعنى ومع هذا يجوز تقديمه؛ لأنا نقول: الفرق بينهما ظاهر، وذلك لأنك إذا قلت "جاء زيد راكبا" فزيد هو الفاعل لفظا ومعنى، وإذا استوفى الفعل فاعله من جهة اللفظ والمعنى صار "راكبا" بمنزلة المفعول المختص باستيفاء الفعل فاعله من كل وجه؛ فجاز تقديمه كالمفعول نحو "عمرا ضرب زيد" بخلاف التمييز؛ فإنك إذا قلت "تصبب زيد عرقا، وتفقأ الكبش شحما، وحسن زيد غلاما" لم يكن زيد هو الفاعل في المعنى، بل الفاعل في المعنى هو العرق والشحم [والغلام] ، فلم يكن عرقا وشحما وغلاما بمنزلة المفعول من هذا الوجه؛ لأن [353] الفعل استوفى فاعله لفظا لا معنى، فلم يجز تقديمه كما جاز تقديم الفاعل1، وكذلك قولهم: "امتلأ الإناء ماء" فإنه وإن لم يكن مثل "تصبب زيد عرقا" لأنه لا يمكن أن تقول "امتلأ ماء الإناء" كما يمكن أن تقول "تصبب عرق زيد" إلا أنه لما كان يملأ الإناء كان فاعلا على الحقيقة.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما ما استدلوا به من قول الشاعر:
[503]
أَتَهْجُرُ سَلْمَى بِالْفِرَاقِ حَبِيبَهَا ... وَمَا كَانَ نَفْسًا بِالْفِرَاقِ تَطِيبُ
فإن الرواية الصحيحة:
[502]
وما كان نفسي بالفراق تطيب
وذلك لا حجة فيه، ولئن سلمنا صحة ما رويتموه فنقول: نصب "نفسا" بفعل مقدر، كأنه قال أعني نفسا، لا على التمييز، ولو قدرنا ما ذكرتموه فإنما جاء في الشعر قليلا على طريق الشذوذ؛ فلا يكون فيه حجة.
وأما قولهم: "إنه فعل متصرف فجاز تقديم معموله عليه كسائر الأفعال
__________
1 كذا، وهو خطأ وصوابه "كما جاز تقديم الحال".(2/684)
المتصرفة إلى آخر ما قرروه" قلنا: الفرق بينهما ظاهر، وذلك لأن المنصوب في "ضَرَبَ زيد عمرا" منصوب لفظا ومعنى، وأما المنصوب في نحو "تصبب زيد عرقا" فإنه وإن لم يكن فاعلا لفظا فإنه فاعل معنى، فبان الفرق بينهما.
وأما احتجاجهم بتقديم الحال على العامل فيها فلا حجة لهم فيه؛ لأنهم لا يقولون به، ولا يعتقدون صحته، فكيف يجوز أن يستدلوا على الخصم بما لا يعتقدون صحته؟ قولهم: "كان القياس يقتضي أن يجوز تقديم الحال على العامل فيها، إلا أنه لم يجز عندنا لدليل دل عليه، وهو ما يؤدي إليه من تقديم المضمر على المظهر" قلنا: وكذلك نقول ههنا: كان القياس يقتضي أنه يجوز تقديم التمييز على العامل فيه، إلا أنه لم يجز عندنا لدليل دل عليه، وهو أن التمييز في المعنى هو الفاعل، والفاعل لا يجوز تقديمه على الفعل على ما بَيَّنَّا، وإذا جاز لكم أن تتركوا جواز التقديم هناك لدليل جاز لنا أن نتركه ههنا لدليل، على أنَّا قد بَيَّنَّا فساد ما ذهبتم إليه وصحة ما ذهبنا إليه، والله أعلم.(2/685)
121- مسألة: [القول في "رُبَّ" اسم هو أو حرف؟] 1
ذهب الكوفيون إلى أن "رب" اسم. وذهب البصريون إلى أنه حرف جر.
أما الكوفيون فإنهم احتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه اسم حملا على "كم" لأن "كم" للعدد والتكثير، و"رب" للعدد والتقليل، فكما أن كم اسم فكذلك رب.
والذي يدل على أن رب ليست بحرف جر أنها تخالف حروف الجر، وذلك في أربعة أشياء؛ أحدها: أنها لا تقع إلا في صدر الكلام، وحروف الجر لا تقع في صدر الكلام، وإنما تقع متوسطة؛ لأنها إنما دخلت رابطة بين الأسماء والأفعال. والثاني: أنها لا تعمل إلا في نكرة وحروف الجر تعمل في النكرة والمعرفة. والثالث: أنها لا تعمل إلا في نكرة موصوفة، وحروف الجر تعمل في نكرة موصوفة وغير موصوفة، والرابع: أنه لا يجوز عندكم إظهار الفعل الذي تتعلق به. وكونه على خلاف الحروف في هذه الأشياء دليل على أنه ليس بحرف.
والذي يدل دلالة ظاهرة على أنه ليس بحرف أنه يدخله الحذف فيقال في رب "رب" قال الله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] قرئ بالتخفيف كما قرئ بالتشديد، وفيها أربع لغات: ُربَّ ورُبَ ورَبَّ ورَبَ -بضم الراء وتشديد الباء وتخفيفها، وفتح الراء وتشديد الباء وتخفيفها- فدل على أنها ليست بحرف.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أنها حرف أنها لا يحسن فيها علامات الأسماء ولا علامات الأفعال، وأنها قد جاءت لمعنى في غيرها كالحرف، وهو تقليل ما دخلت عليه نحو "رب رجل يفهم" أي ذلك قليل.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إنما قلنا إنها اسم حملا
__________
1 انظر في هذه المسألة: أسرار العربية للمؤلف "ص104 وما بعدها" وشرح الرضي على الكافية "2/ 307" وخزانة الأدب للبغدادي "4/ 184 بولاق".(2/686)
على كم؛ لأن كم للعدد والتكثير، ورب للعدد والتقليل "قلنا: لا نسلم أنها للعدد، وإنما هي للتقليل فقط، على أن "كم" إنما حكم بأنها اسم لأنه يحسن فيها علامات الأسماء، نحو حروف الجر، نحو: بكم رجل مررت، وما أشبه ذلك. وجواز الإخبار عنه، نحو: كم رجلا لحاك، وهذا غير موجود في "رب" فدل على الفرق بينهما.
وأما قولهم: "إنها تخالف حروف الجر في أربعة أشياء: أحدها أنها لا تقع إلا في صدر الكلام: قلنا: إنما لا تقع إلا في صدر الكلام لأن معناها التقليل، وتقليل الشيء يقارب نفيه، فأشبهت حرف النفي، وحرف النفي له صدر الكلام.
وقولهم في الثاني "إنها لا تعمل إلا في نكرة" قلنا: لأنها لما كان معناها التقليل والنكرة تدل على الكثرة وجب ألا تدخل إلا على النكرة التي تدل على الكثرة؛ ليصح فيها معنى التقليل.
وقولهم في الثالث: "إنها لا تعمل إلا في نكرة موصوفة" قلنا: لأنهم جعلوا ذلك عوضًاعن حذف الفعل الذي تتعلق به، وقد يظهر ذلك الفعل في ضرورة الشعر.
وقولهم في الرابع: "إنه لا يجوز إظهار الفعل الذي تعلق به "قلنا: فعلوا ذلك إيجازا واختصارا، ألا ترى أنك إذا قلت: رب رجل يعلم" كان التقدير فيه: رب رجل يعلم أدركت، أو لقيت؛ فحذف لدلالة الحال عليه، كما حذفت في قوله تعالى: {وَأدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} [النمل: 12] إلى قوله تعالى: {إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} [النمل: 12] ولم يذكر مرسلا؛ لدلالة الحال عليه. والحذف على سبيل الوجوب والجواز لدلالة الحال عليه، والحذف على سبيل الوجوب والجواز لدلالة الحال كثير في كلامهم.
وأما قولهم: "إنه يدخله الحذف، والحذف لا يدخل الحرف" قلنا: لا نسلم؛ فإنه قد جاء الحذف في الحرف؛ فإن "أن" المشددة يجوز تخفيفها، وهي حرف، وكذلك حكى أبو العباس أحمد بن يحيى من أصحابكم في "سوف" [سف أفعل، و1 سو أفعل] فحذفتم الواو والفاء، وإذا جاز عندكم حذف حرفين فكيف يجوز أن تمنعوا جواز حذف حرف واحد؟ والله أعلم.
يقول المعتز بالله تعالى وحده، أبو رجاء محمد محيي الدين بن عبد المجيد: الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
__________
1 زيادة يقتضيها الكلام.(2/687)
وبعد؛ فقد أتممت بحمد الله تعالى ومعونته مراجعة كتاب "الإنصاف، في مسائل الخلاف، بين النحويين الكوفيين والبصريين" الذي صَنَّفَه الإمام كمال الدين أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد الأنباري، النحوي، المولود في عام 513، والمتوفى في عام 577 من الهجرة، وهو كتاب فريد في بابه، لم ينشر للناطقين بالضاد كتاب آخر في موضوعه، وإن يكن لأسلافنا رضي الله عنهم في هذا الموضوع عدة مصنفات كلها حَريٌّ بالإخراج والذيوع.
وقد يسر الله تعالى لي -بعد أكثر من خمسة عشر عاما من إخراجه لأول مرة، وبعد أن نشر الكتاب ثلاث مرات- أن أنجز بعض ما وعدت به قراء العربية أن أخرج لهم مع هذا الكتاب شرحا يبين غوامضه، ويجلي فرائده، ويَتَرَصَّد مسالكه ومَسَاربه، ويكون فَيْصَلًا على أحكامه: يقر صحيحها، وينقض ما جانب فيه الجادة، وقد تضخم بذلك حجم الكتاب فصار ضعف الأصل أو يزيد، وإن كان في الأجل بقية وفي القوس مَنْزَع عدت إليه فأضفت ونقحت وهذبت، والله سبحانه المسئول أن يتولانا بفضله، وينفحنا بتأييده وتوفيقه.(2/688)
فهارس كتاب الإنصاف
...
فهارس كتب الإنصاف:
فهرس الشواهد:
حرف الهمزة
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
62 طلبوا صُلْحَنَا ولا تأَوَانٍ فأجبنا أن ليس حين بقاء 90
76........... رُجْمَ به الشيطان من هوائه 102
236 وبلد عامية أعماؤه كأنّ لون أرضه سماؤه 430
261 فتجمع أَيْمُنٌ منا ومنكم بمُقْسَمَةٍ تَمُورُ بها الدماء 334
374 فلا والله ما يُلْفَى لما بي ولا لِلِمَا بهم أبدا دَوَاء 465
384 قلت لشيبان: ادْنُ من لقائه كما تُغَدِّي القوم من شوائه 482
415 تذهل الشيخ عن بنيه، وتبدي عن خدام العَقِيلَةُ العَذْرَاء ُ 544
454 قد علمت أمّ أبي السَّعْلَاء وعلمت ذاك مع الجراء 614
أن نِعْمَ مأكولا على الْخَواء يا لك من تمر ومن شَيْشَاءِ
يَنْشَبُ في المَسْعَل واللهَاءِ
456 سيغنيني الذي أغناك عني فلا فَقْرٌ يدوم ولا غناء 615
حرف الباء الموحدة
23 وكيف تُوَاصِل من أصبحت خَلَالَتُهُ كأبي مَرْحَبِ؟ 53
41 ولما أن تحمَّل آل ليلى سمعت ببينهم نعب الغرابا 73
43 وكُمْتًا مُدَمَّاة كأن متونها جرى فوقها واستشعرت لون مذهب 74
46 فمن يَكُ أمسى بالمدينة رحله فإني وقيَّار بها لغريب 78
55 ألا يا اسلمي يا تِرْبَ أسماء من ترب ألا يا اسلمي حُيِّيتِ عنّي وعن صحبي 84
58 وقالت: ألا يا اسمع نَعِظْكَ بخُطَّة فقلت: سمعيا فانطقي وأَصِيبي 85
64 والله ما ليلي بنَامَ صاحبُه ولا مخالِطِ اللّيَان جَانِبُهْ 92
73 فإن أَهْجُهُ يضجر كما ضجر بازل من الأُدْمِ دَبْرَتَ صَفْحَتَاهُ وغَارِبُهْ 101(2/691)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
83 فَمَا قومي بثعلبة بن بكر ولا بفَزَارَة َالشُّعْرِ الرِّقَابَا 109
96 لما تَعَيَّا بالقَلُوص ورَحْلِهَا كَفَى الله كعبًا ما تعيّا به كَعْبُ 133
701 إن من لَامَ في بني بنت حسان أَلُمْهُ وأَعْصِهِ في الخُطُوبِ 147
116 أَجِدَّكَ لست الدهر رائي رامةٍ ولا عاقل إلا وأنت جَنيبُ 155
ولا مُصْعِدٍ في المصعدين لِمَنْعِج ولا هابط ما عشت هَضْبَ شَطِيبِ 156
117 مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا بِبَيْنٍ غُرَابُهَا 158
119 كأن وَرِيدَيْهِ رشاءا خُلْبِ 161
135 لك الخير علَّلْنَا بها، علَّ ساعة تَمُرُّ، وسهواء من الليل يذهب 178
157 بها كل خَوَّار إلى كُلِّ صَعْلَةٍ ضهول ورفض المذرعات القراهب 217
163 فما لي إلا آل أحمد شيعة وما لي إلا مَشْعَبَ الحق مشعب 223
170 ألم تعلمن يا رب أنْ ربّ دَعْوَةٍ دَعَوْتُكَ فيها مخلصا لو أُجَابُهَا 232
177 يمُرُّون بالدَّهْنَا خفافًا عيابُهُم ويخرجن من دَاِرين بُجْرَ الحَقَائِبِ 237
على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلا زريق المال ندل الثعالب 238
180 وكل من ظن أن الموت مخطئة معلل بسواء الحق مكذوب 240
197 يا ليت أم العمرو كانت صاحبي مكان من أشتى على الركائب 258
202 وإني حبست اليوم والأمس قبله ببابك حتى كادت الشمس تغرب 261
206 فلست بذي نيرب في الصديق ومناع خير وسَبَّابَهَا 270
219 أبَا عُرْوَ لا تَبْعَدْ فكلُّ ابنِ حُرَّةِ سَيَدْعُوهُ دَاعِي مِيتَهٍ فَيُجِيبُ 285
227 أرِقُّ لأَرْحَامٍ أَرَاهَا قَرِيبَةً لحَارِ بنِ كَعْبٍ لا لَجَرْمِ وَرَاسِبِ 290
256 وما زُرْتُ سَلْمَى أن تكون حَبِيبَةً إِلَيَّ، ولا دَيْنٍ بها أنا طَالِبُه 326
277 كلانا يا يزيد يحب ليلى بِفِيَّ وفِيكَ مِنْ ليلى التُّرَاب 362
282 كلاهما حين جَدَّ الجَرْيُ بينهما قد أَقْلَعَا، وكلا أَنْفَيهِمَا رَابِي 365
284 لكنَّه شَاقَهُ أَنْ قيل ذا رَجَبٌ يا ليت عِدَّةَ حَوْلٍ كلِّهِ رَجَبُ 369
289 حتى إذ قَمِلَتْ بُطُونُكُمُ ورَأَيتُمُ أَبْنَاءَكُمْ شَبُّوا 375
وقَلَبْتًُمُ ظَهْرَ المِجَنِّ لَنَا إنّ اللَّئِيمَ العَاجِزُ الخَبُّ 376(2/692)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
292 فاليوم قَرَّبْتَ تَهْجُونَا وتَشْتِمُنَا فاذهب فما بك والأيامِ من عَجَبِ 380
319 وَمُصْعَبُ حِينَ جَدَّ الأَمْـ ـر أكثرُها وأطيبُها 409
331 أنا أبو دهبل وَهْبٌ لِوَهَبْ من جُمَحٍ، والعزُّ فيهم والحَسَبْ 416
333 فَبَيْنَاهُ يَشْرِي رَحْلَهُ قال قَائلٌ: لمن جَمَلٌ رِخْوُ المِلَاطِ نَجِيبُ 417
337 فما له من مجد تلِيدٍ، ومَالَهُ من الريح فضلٌ لا الجنوبُ ولا الصَّبَا 421
385 أنِخْ فاصْطَبِغْ قُرْصًا إذا اعتادك الهَوَى بِزَيْتٍ كما يَكْفِيكَ فَقْدَ الحَبَائِبِ 483
387 وإني امرؤ عن عصبة خِنْدِفِيّةِ أَبَتْ للأَعَادِي أنْ تَدِيخَ رِقَابُها 487
400 وللْخَيْلِ أَيَّامٌ؛ فَمَنْ يَصْطَبِرْ لهَا ويعرف لها أيَّامَهَا الخَيْرَ تُعْقِبِ 509
410 أَقِلِّي اللَّوْمَ عاذلَ والعتابَنْ وقولي: إنْ أَصَبْتُ لقد أَصَابَن 539
461 ولكنَّما أُهْدِي لِقَيْس هَدِيَّةً بِفِيَّ مِنِ اهداها لك الدَّهر إِثْلِبُ 620
469 فإن تَعْهَدِينِي وَلِي لِمَّةٌ فإنَّ الحَوَادِثَ أَوْدَى بِهَا 629
482 أرى رجلا منهم أسيفا كأنما يضُمُّ إلى كَشْحَيهِ كفًّا مُخَضَّبَا 638
491.............. باتَتَ تُكَرْكِرُهُ الجنوب 651
502 أَتَهْجُرُ سَلْمَى بالفِرَاقِ حبيبَهَا وما كان نفسًا بالفراقِ تَطِيبُ؟! 682
حرف التاء المثناة
19 رحم الله أَعْظُمًا دَفَنُوها بِسِجِسْتَان طَلْحَةَ الطّلَحَات 35
21 يرى أَرْبَاقَهُم مُتَقَلِّدِيهَا كما صَدِئَ الحديد على الكُمَاة 51
70 يا لعنَ الله بني السِّعْلَاتِ عمرو بن مَيْمُونٍ شِرَارِ النَّاتِ 97
136136 عل صروف الدهر أو دولاتها تدلنا اللمة من لماتها 178
191 كُلِّفَ من عَنَائِهِ وشِقْوَتِهْ بِنْتَ ثَمَانِي عَشْرَةٍ مِنْ حِجَّتِهْ 252
يا مُرَّ يا ابْنَ واقعٍ يا أَنْتَا أنت الذي طَلّقْتَ عامَ جُعْتَا 560
204 حتى إذا اصْطَبَحْتَ واغْتَبَقْتَا أقبلت معتادًا لما تَرَكْتَا
قد أحسن الله وقد أَسَأْتَا 226
239 بَلْ جَوْزِ تَيْهَاءَ كَظَهْرِ الحَجَفَتْ [قطعتها إذا المها تجوفت] 313
244 فإنَّ المَاءَ ماءُ أبي وجَدِّي وبئري ذُو حفرت وذُو طَوَيْتُ 318(2/693)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
245 فلو أنَّ الأَطِبَّا كانُ حَوْلِي وكان مع الأَطِبَّاءِ الشُّفَاةُ 443
إذا ما أذهبوا أَلَمًا بقلبي وإن قيل الشُّقَاةُ هُمُ الأسَاةُ 443
291 وقلت له: يا عَزَّ كُلّ مُلِمَّةٍ إذا وُطِّنَتْ يومًا لها النفسُ ذَلَّتِ 378
421 بِأَيْدِي رِجَالٍ لم يَشِيمُوا سُيُوفَهُمْ ولم تَكْثُرِ القَتْلَى بِهَا حين سُلّتِ 548
431 أخوك أخو مُكَاشَرَةٍ وضِحْكٍ حَيَّاكَ الإلهُ وكيف أَنْتَا 561
من يَكُ ذا بتٍّ فهذا بتِّي مُصَيِّفٌ مُقَيِّظٌ مُشَتِّي 596
447 تَخِذْتُهُ من نَعَجَاتٍ سِتِّ سُودٍ جِعَادٍ من نِعَاجِ الدّشْتِ 596
479 يا أيُّها الراكب المُزْجِي مَطِيَّتَهُ سائل بني أسدٍ: ما هذه الصَّوْتُ؟ 636
حرف الثاء المثلثة
305........ ...... ألا فَالبَثَا شَهْرَيْنِ أَوْ نِصْفَ ثَالِثِ 395
حرف الجيم
168 [نحن بني ضبة أصحاب الفلج] نضرب بالسيف ونرجو بالفَرَجْ 230
271 كَأَنَّ أصواتَ من إِيغَالِهِنَّ بنا أَوَاخِرَ المَيْسِ أَصْوَاتُ الفَرَارِيج 354
377 متى تأتنا تُلْمِمْ بنا في ديارنا تجد حطبًا جزلًا ونارًا تَأَجَّجَا 476
390 كأنَّمَا ضَرَبَتْ قُدَّامَ أعيُنِهَا قُطْنًا بِمُسْتَحْصِدِ الأوتار مَحْلُوجِ 495
436 [أَوْمَتْ بعينيها من الهَوْدَج] لولاك هذا العام لم أَحْجُج 569
حرف الحاء المهملة
9 وأنتِ من الغوائل حين تُرْمَى ومِنْ ذَمِّ الرجال بِمُنْتَزَاح 23
28 فتًى ما ابنُ الأغَرِّ إذا شَتَوْنَا وحبُّ الزَّاد في شَهْرَيْ قُمَاح 57
145 دأبت إلى أن ينبت الظل بعدما تقاصر حتى كاد في الآل يمصح
وجيف المطايا، ثم قلت لصحبتي ولم ينزلوا: أبردتم فتروحوا 187
330 من صَدَّ عن نِيرَانِهَا أنا ابنُ قَيْسٍ لا بَرَاحُ 303
281 فكلتاهما قد خُطَّ لي في صَحِيفَةٍ فلا العيش أهواهُ ولا الموتُ أَرْوَحُ 364
301 بَدَتْ مثل قَرْنِ الشمس في رَوْنَقِ الضُّحَى وصُورَتِهَا أو أَنْتِ في العَيْنِ أَمْلَحُ 391(2/694)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
365 وطِرْتُ بِمُنْصُلِي في يَعْمَلَاتِ دوامي الأيدِ يَخْبِطْنَ السَّرِيحَا 443
371 [ربع عفاة الدهر طولا فامحى] قد كاد من طول البِلَى أن يَمْصَحَا 460
394 ياليت بَعْلَكِ في الوَغَى متقلّدًا سيفًا ورُمْحًا 500
416 تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مُغْبَرٌّ قبيحُ 544
تغير كل ذي طعم ولون وقلَّ بشاشة الوجه المليح 545
468 إن السماحة والمُرُوءَةَ ضُمِّنَا قبرًا بمَرْوَ على الطريق الوَاضِحِ 628
حرف الخاء المعجمة
89 موانع للأسرار إلا لأهلها ويُخْلِفْنَ ما ظنَّ الغَيورُ المُشَفْشَفُ 120
ألا يا غرابَ البَيْنِ قد هِجْتَ لَوْعَةً فَوَيْحَكَ خَبِّرْنِي بما أنت تَصْرُخُ 207
أبالبَيْنِ من لُبْنَى؟ فإن كنت صَادِقًا فلا زال عظم من جناحك يفضخ 208
154 ولا زِلتَ من عَذْبِ المياه منفّرًا وَوَكْرُكَ مهدوم وبيضك مُشْدَخُ 208
ولا زال رامٍ قد أصابك سهمُهُ فلا أنت في أَمْن ولا أنت تُفْرِخ ُ 208
وأبصرتُ قبل الموت لحمك مُنْضَجًا على حَرِّ جَمْرِ النار يُشْوَى ويُطْبَخُ 208
231 واللهِ لولا أن تَحُسَّ الطُّبَّخُ بِي الجحيمَ حين لا مُسْتَصْرَخُ 304
حرف الدال المهملة
17 ألم يأتِيكَ والأنباء تَنْمِي بما لَاقَتْ لَبُونُ بني زِيَاد 26
27 بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وبَنَاتُنَا بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الأَبَاعِدِ 56
34 قالت أمامة لما جئتُ زائِرَها: هلَّا رمَيْتَ بِبَعْضِ الأَسْهُم السُّودِ 62
لا دَرَّ دَرُّكِ؛ إنِّي قد رميتُهُمُ لولا حُدِدْتُ ولا عُذْرَى لمَحْدُود 62
49 على مثلها أَمْضِي إذا قال صاحبي: ألا لَيْتَنِي أَفْدِيكَ منها وأَفْتَدِي 80
82 قدني من نصر الخبيبين قدي ليس الإمام بالشحيح الملحد 107
101 وقفت فيها أصيلانا أسائلها أعيت جوابا، وما بالربع من أحد 218
129 يلومونني في حب ليلى عواذلي ولكنني من حبها لكميد 169
156 شَدَخَتْ غُرَّةُ السَّوَابِقِ فيهم في وجوه إلى اللّمَام الجِعَاد 216
159 وَقَفَتُ فيها أُصَيْلَالًا أُسَائِلُهَا أَعَيَتْ جَوَابًا، وما بالرَّبْعِ مِن أَحَدِ 218(2/695)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
إلا الأَََوَارِيَّ لأيًا ما أُبَيِّنُهَا والنُّؤْيُ كالحوض بالمظلومة الجَلدِ 219
165 ولا أَرَى فاعلًا في الناس يُشْبِهُهُ وما أُحَاشِي مِنَ الأقوامِ من أحدٍ 226
173 أَزَمَانَ من يُرِدِ الصَّنِيعَةَ يُصْطَنَعْ فينا، ومن يرد الزَّهَادَةَ يُزْهَدِ 236
194 رَعَيْتُهَا أَكْرَمَ عُودٍ عُودًا الصِّلَّ والصِّفْصِلَّ واليَعْضِيدَا 256
والخَازِبَازِ السَّنِمَ المَجُودَا حيث يدعو عامرٌ مسعودَا 257
207 مُعَاوِيَ إِنَّنَا بَشَرٌ فَأَسْجِحْ فَلَسْنَا بَالجِبَالِ ولا الحَدِيدا 271
أَدبرُوهَا بني حربٍ عليكم ولا تَرْمُوا بِهَا الغَرَضَ البَعِيدَا 271
210 أَلَا حَيَّ نَدْمَانِي عُمَيْرَ بْنَ عَامِرٍ إذا ما تَلَاقَيْنَا مِنَ اليَوْمِ أو غَدَا 310
222 هُذَيْلِيَةٌ تَدْعُو إذا هي فَاخَرَتْ أبًا هُذَلِيًّا من غَطَارِفَةٍ نُجْدِ 287
223 أَوْدَى ابْنُ جُلْهُمَ عَبَّادٌ بِصِرْمَتِهِ إنَّ ابْنَ جُلْهُمَ أَمْسَى حَيَّةَ الوَادِي 288
247 وأَخُو الغَوَان متى يَشَأْ يَضْرِمْنَهُ ويَكُنَّ أعداءَ بُعَيْدَ وِدَادِ 442
265 فَزَجَجْتُهَا بِمَزَجَّةٍ زَجَّ القَلُوصَ أَبِي مَزَادَهْ 349
274 في كِلْتَ رجليها سُلَامَى وَاحِدَهْ كِلْتَاهُمَا مَقْرُونَةٌ بِزَائِدَهْ 359
285 إذا القَعُودُ كَرَّ فِيهَا حَفَدَا يومًا جديدًا كلّهُ مُطَرَّدا 370
290 حتى إذا أَسْلَكُوهُم في قُتَائِدَةٍ شَلَّا كما تَطْرُدُ الجَمَّالَةُ الشَّرُدَا 377
302 قالت: ألا لَيْتَمَا هذَ الحَمَامُ لَنَا إِلَى حَمَامَتِنَا، أو نِصْفُهُ فَقَدِ 392
318 وقَائِلَةٍ ما بَالُ دَوْسَرَ بَعْدَنَا صَحَا قَلْبُهُ عن آلِ ليلى وعن هِنْدِ 408
323 لو شَهْدَ عاد من زمان عَادِ لَابْتزَّهَا مَبَارِكَ الجِلَادِ 411
326 غَلَبَ المَسَامِيحَ الوَلِيدُ سَمَاحَةً وكَفَى قريش المُعْضِلَاتِ وسَادَهَا 413
328 لقوم فكانوا هُمُ المُنْفِدِينَ شرابهمُ قبلَ إنفادِهَا 414
368 أَلَا أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الوَغَى وأن أشهد اللَّذَّات هل أنت مُخْلِدِي 456
يا صاحبي فَدَتْ نفسي نفوسكما وحيثما كنتما لَاقَيْتُمَا رَشَدَا 459
370 أن تَحْمِلَا حاجةً لِي خَفّ مَحْمِلُهَا تصنعا نعمةً عندي بها وَيَدَا 460
أن تَقْرَآنِ على أسماء ويَحْكُمَا منِّي السلام، وأن لا تُشْعِرا أحدا 460
379 جاءت كبيرٌ كما أخفِّرَهَا والقوم صيدٌ كأنهم رَمِدُوا 478(2/696)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
408 شلَّت يمينُك إن قَتَلْت لمُسْلِمَا كُتِبَتْ عليك عُقُوَبةُ المُتَعَمِّدِ 526
413 [وإيَّاكَ والمَيْتَاتِ لا تَقْرَبَنَّهَا] ولا تَعْبُدِ الشيطان، واللهَ فاعبدا 541
425 فَظَلْتُ في شَرٍّ من اللَّذْ كِيدَا كاللَّذْ تَزَبَّى زُبْيَةً فَاصْطِيدَا 553
455 إنما الفقر والغناء من الله؛ فهذا يعطي، وهذا يُحَد 615
458 ولا تجعليني كامرئ ليس هَمُّهُ كهمِّي، ولا يغني غَنَائِي ومَشْهَدِي 618
472 هنيئا لسعد ما اقتضى بعد وقعتي بناقة سعد والعَشِيَّةُ بَارِدُ 632
483 فوقعتُ بين قُتُودِ عَنْسٍ ضامر لحَّاظَةٍ طَفَلَ العَشِيِّ سِنَادِ 640
حرف الراء المهملة
6 الله يعلم أنَّا في تَلَفُّتِنَا يوم الفِرَاقِ إلى إخواننا صُوَرُ 21
وأنني حيثما يَثْنِي الهوى بصري من حيثما سلكوا أدنو فَأَنْظُورُ 22
22 وشرُّ المنايا ميِّت وَسْطَ أهْلِهِ كَهُلْكِ الفَتَى قد أسلم الحَيَّ حَاضِرُهْ 52
25 كأن عَذِيرَهُم بجنوب سِلَّى نَعَامٌ قَاقَ في بلد قِفَارِ 54
26 قليلٌ عيبُهُ، والعيبُ جمٌّ ولكنَّ الغِنَى ربٌّ غَفُورٌ 54
48 إني ضَمِنْتُ لِمَنْ أَتَانِي ما جَنَى وأَبَى، فكنتُ وكان غَيْرَ غَدُورِ 80
51 ألَا يا اسْلَمِي يا هندُ هندَ بنِي بَدْرِ وإنْ كَانَ حيَّانَا عِدًى آخر الدَّهْرِ 83
52 ألا يا اسلمِي يا دار ميَّ على البِلَى ولا زال مُنْهَلًّا بِجَرْعَائِكِ القَطْرُ 83
65 ما لك عندي غيرُ سهم وحَجَر، وغير كبدَاءَ شديدة الوَتَر
جادت بِكَفَّيْ كان من أَرْمَى البشر 94
68 يا لعَنْةَ ُالله والأقوام كلهمُ والصالحين على سِمْعَانَ من جَارِ 97
71 يا قَاتَلَ الله صِبْيَانًا تجيء بهم أم الهُنَيْبِر من زَنْدٍ لها وَارِي 98
72 ما أَقَلَّت قَدَم نَاعِلَهَا نَعِمَ السَّاعُونَ في الأمر المُبِرّ 100
74 إذا هدرت شقاشقه ونشبت له الأظافر ترك له المدار 101
75 هيجها نضح من الطل سحر وهزت الريح الندي حين قطر
لو عصر منها البن والمسك انعصر 102
77 ألم يخز التفرق جند كسرى ونفخوا في مدائنهم فطاروا 102(2/697)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
78 يا ما أميلح غزلانا شدنَّ لنا من هَاؤُليَّائكُنَّ الضال والسمر 104
92 وأبيض من ماء الحديد كأنه شهاب بدا والليل داج عساكره 123
94 حراجيج ما تنفك إلا مناخة على الخسف أو نرمي بها بلد اقفرا 127
100 بحسبك في القوم أن يعلموا بأنك فيهم غني مضر 137
102 ألا هل أتاها والحوادث جمة بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا 138
103 إن امرأ غره منكن واحدة بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور 142
105 لا تتركني فيهم شطيرا إني إذن أهلك أو أطيرا 144
109 فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي ولكني زنجي عظيم المشافر 148
112 غداة أحلت لابن أصرم طعنة حصين عبيطات السدائف والخمر 152
131 يا أبا الأسود لم أسلمتني لهموم طارقات وذكر 171
132 فهياك والأمر الذي إن توسعت موارده ضاقت عليك المصادر 174
139 تربص بها الأيام عل صروفها سترمي بها في جاحم متسعر 180
149: تفاقد قومي إذ يبيعون مهجتي بجارية، بهرا لهم بعدها بهرا 194
151 ولما رأيت الخيل تتري أثائجا علمت بأن اليوم أمس فاجر 196
152 وإني لَتَعْرُونِي لذكراك نُفْضَةٌ كما انْتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ 205
الناس أَلْبٌ علينا فيكَ ليس لنا إلا السُّيُوفَ وأَطْرَافَ القَنَا وَزَر 224
174 على حين من تَلْبَثْ عليه ذنُوبُه يجد فَقْدَهَا وفي المقام تَدَابُرُ 236
189 تَؤُمُ سِنَانًا وكم دُونَهُ من الأرض مَحْدُودِبًا غارُهَا 249
198 باعد أَمَّ العَمْرِو من أسِيرِهَا حُرَّاسُ أَبْوَابٍ عَلَى قُصُورِهَا 258
201 ولقد جنيتك أَكْمُؤا وعَسَاقِلَا ولقد نهيتك عن بنات الأَوْبَر 260
208 كشحًا طَوَى من بَلَدٍ مُخْتَارًا مِنْ يَأْسِهِ اليَائِسِ أو حِذَارَا 271
211 فَيَا الغُلَامَان اللّذَانِ فَرَّا إيَّاكُمَا أن تَكْسِبَانِي شَرًّا 274
218 خُذُوا حَظَّكُمْ يا آل عِكْرِمَ واحْفَظُوا أَوَاصِرَنَا والرِّحْمُ بالغَيْبِ تُذْكَرُ 284
232 لِمَنِ الدِّيَارُ بِقُنَّةِ الحِجْرِ أَقْوَيْنَ مِنْ حِجَجٍ ومِنْ دَهْرِ 306
238 مِثْلِكِ أو خَيْرٍ تَرَكْتُ رَذِيَّةً تُقَلِّبُ عينيها إذا طَارَ طَائِرُ 312
246 إذا ما شاء ضَرُّوا من أرادوا ولا يَأْلُوهُمُ أحدٌ ضِرَارًا 319(2/698)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
249 ليس تخفى يَسَارَتِي قَدْرَ يوم ولقد يُخْفِ شِيمَتِي إِعْسَارِي 320
257 إن الذي أغناك يغنيني جَيْر واللهُ نَفَّاحُ اليَدَينِ بالخير 331
260 إنَّ امْرَأَ خَصَّنِي عمدًا مودَّتَهُ على التَّنَائِي لَعِنْدِي غَيْرُ مَكْفُورِ 333
264 وقد ذَكَرَتْ لِي بِالكثيب مُؤَالفًا قِلَاصَ سُلَيْمٍ أو قِلَاصَ بني بكر 336
فَقَالَ فريقُ القومِ لما نَشَدْتُهُمْ: نعم، وفريق: ليْمُنُ اللهِ ما ندري 337
266 تمرُّ على ما تستمرُّ، وقد شَفَتْ غَلَائِلَ عبدُ القَيْسِ منها صُدُورِهَا 350
273 وقَرَّبَ جانب الغربي يَأْدُو مَدَبَّ السَّيلِ، واجتنب الشِّعَارَا 356
278 كِلَانا ثَقَلَيْنَا وَاثِقٌ بِغَنِيمَةٍ وقد قَدَرَ الرَّحمن ما هو قادر 361
295 لا يَبْعَدَنْ قومي الذين هُمُ سَمُّ العُدَاةِ وآفةُ الجُزْرِ 383
النازلون بكل مُعْتَرَكٍ والطيبين مَعَاقِدَ الأَزْرِ 384
298 أَكُلَّ امْرِئٍ تَحْسَبِينَ امْرَأً ونارٍ تَوَقَّدُ بالليل نَارَا 386
304 بالله يا ظَبَيَاتِ القَاعِ قُلْنَ لَنَا: ليلاي منكنّ أَمْ ليلى من البَشَرِ؟ 394
309 فلتأتينك قصائد، وليدفعن جيشا إليك قوادم الأكوار 400
310 طَلَبَ الأَزَارِقَ بِالكَتَائِبِ إذ هَوَتْ بِشَبِيبِ غَائِلَةِ الثُّغُورِ غَدُورُ 403
312 إذا قال غَاوٍ من تَنْوخَ قصيدةً بها جَرَبٌ عُدَّتْ على بِزَوْبَرَا 404
314 أُؤَمِّلُ أَنْ أَعِيشَ وأَنَّ يَوْمِي بأَوَّلَ أَوْ بَأَهْوَنَ أَوْ جُبَارِ 406
أَوِ التَّالي دُبَارَ؛ فإن أَفُتْهُ فَمُؤْنِسَ أو عَرُوبةً أو شِيَارِ 406
315 فَأَوْفَضْنَ عنها وهي تَرْعُو حُشَاشَةً بِذِي نَفْسِهَا والسَّيْفُ عُرْيَانُ أَحْمَرُ 406
316 قالت أميمة ما لِثَابِتَ شاخصًا عَارِي الأَشَاجِعِ نَاحِلًا كالمُنْصُلِ 407
327 قامت تُبَكِّيهِ على قبره من لي من بعدك يا عَامِرُ 413
تَرَكَتْنِي في الدَّار ذَا غُرْبَةٍ قد ذلَّ من ليس له ناصرُ 414
332 أخشى على دَيْسَمَ من بُعْدِ الثَّرَى أبى قضاءُ اللهِ إلا ما ترى 417
334 تراه كأن الله يَجْدَعُ أنفه وعينيه إن مولاه ثاب له وفر 419
335 له زجل كأنه صوتٌ حادٍ إذا طلب الوسيقة أو زَمِيرُ 420
336 أو مُعْبَرُ الظَّهْرِ يَنْأَى عن وَلِيَّتِهِ ما حجَّ ربُّهُ في الدنيَا ولا اعْتَمَرَا 420
339 وأيقن أن الخيل إن تَلْتَبِسْ به يكن لفَسِيل النخل بعده آبِرُ 421(2/699)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
341 لأَعْلِطَنَّهُ وسمًا لا يُفَارِقُهُ كما يُحَز بحمَّى المَيسَمِ البَحِرُ 422
353 من كان لا يزعم أني شاعر فيدن مني تَنْهَهُ المَزَاجِرُ 434
354 ولأنت أشجع من أسامة إذ دُعِيَتْ نَزَالِ وَلَجَّ في الذُّعْر 435
362.............. حَذَارِ من أرماحنا حَذَارِ 438
363.............. "نَظَارِ كي أركبها نَظَارِ" 439
367 فَأُبْتُ إلى فهمٍ وما كدت آئِبًا وكم مثلها فارقْتُها وهي تَصْفِرُ 450
380 وطَرْفَكَ إما جئتنا فاصْرِفَنَّهُ كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر 479
389 لَعِبَ الرِّيَاحُ بها وغَيَّرَهَا بَعْدِي سَوَافِي المُورِ والقَطْرِ 493
403 فَلَمَ أَرْقِهِ إِنْ يَنْجُ مِنْهَا، وإِنْ يَمُتْ فطعنةُ لا غُسٍّ ولا بِمُغَمَّرِ 513
406 وسمعتَ حَلْفَتَهَا التي حَلَفَتْ وإنْ كانَ سَمْعُكَ غير ذِي وَقْرِ 519
420 لَتَجِدَنِّي بالأمير بَرًّا وبالقَنَاة مِدْعَسًا مِكَرَّا 547
"إذا غُطَيْفُ السُّلَمِيُّ فَرَّا" 547
423 فلم أَرَ بيتًا كان أحسنَ بهجةً من اللَّذْ لَهُ من آلِ عَزَّةَ عامرُ 552
427 اللَّذِ لَوْ شَاءَ لَكَانَتْ بَرَّا أو جَبَلًا أصمَّ مُشْمَخِرًّا 556
438 بالباعث الوارث الأموات قد ضَمِنَتْ إيّاهُمُ الأرض في دَهْرِ الدَّهَارِيرِ 572
445 لكم مَسٍْجِدَا اللهِ المَزُورَان والحَصَى لكم قِبْصُهُ من بين أَثْرَى وأقتَرَا 592
450 "أنا ابْنُ مَاوِيَّةَ إذ جَدَّ الَّنقُزْ" "وجاءت الخيل أثافي زمر" 602
451 أنا جريرٌ كُنْيَتِي أَبُو عَمِرْأَضْرِبُ بالسَّيْفِ وسَعْدٌ في القَصِرْ 603
"أجُبُنًا وغَيرَة خَلْفَ السِّتِرْ" 603
470 أَلَا هَلَكَ الشِّهَابُ المُسْتَنِيرُ ومِدْرَهُنَا الكَمِيُّ إذا نُغِيرُ 631
وحَمَّالُ المِئِينَ إذا أَلَمَّتْ بنا الحدثانُ، والأنف النّصُورُ 632
473 وإنَّ كلابا هذه عَشْرُ أَبْطُنٍ وأنت بريء من قبائلها العَشْرِ 633
474 وقائع في مضر تسعةٌ وفي وائلٍ كانت العاشرة 633
475 وكان مِجَنِّي دون من كنت أتقي ثلاثُ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ ومُعْصِرُ 634
477 قَبَائِلُنَا سَبْعٌ، وأَنْتُم ثلاثةٌ وللسَّبْعُ خيرٌ من ثلاثٍ وأكثرُ 635(2/700)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
480 [أزيد بن مصبوح، فلو غيركم جني غفرنا] وكانت من سجيتنا الغفر 637
484 عهدي بها في الحي قد سُرْبِلَتْ بيضاء مثل المهرة الضامر 640
488 حتى عظامي وأراه ثاغري وكحل العينين بالعواور 646
490 وتبرد برد رداء العروس بالصيف رقرقت فيه العبيرا 650
493 من آل صَعْفُوقٍ وأتباع أخر الطامعين لا يبالون الغمر 659
495 وكنت متى أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر 662
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه، ولا عن بعضه أنت صابر 662
حرف الزاي
196 مثل الكلاب تهر عند درابها ورمت لهازمها من الخزباز 257
220 إما تريني اليوم أم حمز قاربت بين عنقي وجمزي 285
حرف السين المهملة
67 بئس مقام الشيخ أمرس أمرس إما على قعو، وإما اقْعَنْسِسِ 95
160 وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس 219
161 خلا أن العتاق من المطايا حَسِيَنَ به فهن إليه شوس 222
373 اضرب عنك الهموم طارقها ضربك بالسوط قونس الفرس 463
حرف الصاد المهملة
122 أكاشره وأعلم أن كلانا على ما ساء صاحبه حريص 362
276 كلا أخويكم كان فرعا دعامة ولكنهم زادوا وأصبحت ناقصا 362
حرف الضاد المعجمة
57 أَمَسْلَمَ يا اسمع يا بن كل خليفة ويا سائس الدنيا ويا جبل الأرض 85
90 جارية في درعها الفضفاض تقطع الحديث بالإيماض 121
أبيض من أخت بني أباض
241 قولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا هلم فإن المشرفي الفرائض 317
242 أظنك دون المال ذو جئت تبتغي ستلقاك بيض للنفوس قوابض 317(2/701)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
243 يغادر محض الماء ذُوهُوَ مَحْضُهُ على إثره إن كان للماء من محض 317
يروِّي العروق الباليات من البلى من العَرْفَجِ النجدي ذو باد والحمض 318
253 ولا أرَ من ألقى عليه رداءه على أنه قد سُلّ عن ماجد محض 322
320 وممن ولدوا عامر ذو الطول وذو العرض 409
حرف الطاء المهملة
66 حتى إذا جن الظلام واختلط جاءوا بضيح هل رأيت الذئب قط 95
240 فحور قد لهوت بهن عين نواعم في المروط وفي الرباط 314
396............. شرَّاب ألبان وتمر وأقط 502
حرف العين المهملة
7 هجوتَ زبان ثم جئت معتذرا من هجو زبان لم تهجو ولم تدعِ 22
32 أبا خراشة أما أنت ذا نفر فإن قومي لم تأكلهم الضبع 60
91 يقول الخَنَاوَ أبغض العجم ناطقا إلى ربنا صوت الحمار اليجدع 122
ويستخرج اليربوع من نافقائه ومن جحره بالشيحة اليتقصع 123
106 فلو أن حُقَّ اليوم منكم إقامه وإن كان سرح قد مضى فتسرعا 146
124 عبأت له رمحا طويلا وأنه كأن قبس يعلى بها حين تشرع 165
137 ولا تهين الفقير؛ علك أن تركع يوما والدهر قد رفعه 179
147 فلا تكثروا لومي؛ فإن أخاكما بذكراه ليلى العامرية مولع 188
175 على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت: ألما تصحُ والشيب وازع؟ 236
186 كم بجود مقرف نال العُلى وشريف بخله قد وضعه 247
187 كم في بني بكر بن سعد سيد ضخم الدسيعة ماجد نفاع 248
287............... قد صَرَّتِ البكرة يوما أجمعا 373
306 ليت شعري عن خليلي ما الذي غاله في الحب حتى وَدَعَهْ؟ 397
307 فَسَعَى مَسْعَاتَهُ في قَوْمِهِ ثُمَّ لم يَبْلُغْ ولا عَجْزَا وَدَعْ 397
317 فما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع 407
322 تمد عليهم من يمين وأَشْمُلِ بحور له من عهد عاد وتبعا 411(2/702)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
338 فإن يك غثا أو سمينا فإنني سأجعل عينيه لنفسه مَقْنَعَا 421
358 مناعها من إبل مناعها أما ترى الموت لدى أرباعها 437
375 أردت لكيما أن تطير بقربتي فتتركها شنا ببيداء بلقع 473
386 لقد عذلتني أم عمرو، ولم أكن مقالتها ما كنت حيا لأسمعا 485
399 فمن نحن نؤمنه يَبِتْ وهو آمن ومن لا نُجِرْهُ يُمْسِ منا مفزَّعا 506
401 يا أقرع بن حابس يا أقرع إنك إن يصرع أخوك تصرع 511
419 حميد الذي أمجٌ دارُهُ أخو الخمر ذو الشيبة الأصلع 546
حرف الغين المعجمة
252 ولكن ببدر سائلوا عن بلائنا على الناد، والأنباء بالغيب تبلغ 322
حرف الفاء
13 تنفي يداها الحصى في كل هاجرة نفي الدراهيم تنقاد الصياريف 24
47 نحن بما عندنا، وأنت بما عندك راضٍ، والرأي مختلف 79
87 إذا نُهِيَ السفيه جرى إليه وخالف، والسفيه إلى خلاف 114
113 وعضُّ زمان يابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلَّفِ 153
280 فكلتاهما خرَّت وأسجد رأسها كما سجدت نصرانة لم تحنَّفِ 364
293 تُعَلَّقُ في مثل السواري سيوفنا وما بينها والكعب غُوطٌ نفانفُ 380
313 إلى ابن أم أناس أرحل ناقتي عمرو فتُبْلِغُ حاجتي أو تُزْحِفُ 405
372 فإني قد رأيت بدار قومي نوائب كنت في لخم أخافه 462
376 قد يكسب المال الهدانُ الجافي بغير لا عصف ولا اصطراف 474
418 عمرو الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مُسْنِتُونَ عِجَافُ 545
422 اللذ بأسفله صحراء واسعة واللّذ بأعلاه سيل مده الجُرُف 552
489 موانع للأسرار إلا لأهلها ويخلفن ما ظن الغيور المشفشف 649
حرف القاف
11 إذا العجوز غضبت فطلِّق ولا ترضَّاها ولا تمَلَّقِ 23(2/703)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
20 وإن امرأ أسرى إليك ودونه من الأرض موماة وبيداء سملق 50
لمحقوقة أن تستجيبي دعاءه وأن تعلمي أن المعان موفق 51
30 من يلقَ يومًا على علَّاتِهِ هرما يلقَ السماحة منه والنَّدى خُلُقَا 58
35 فما الدنيا بباقاة لحي ولا حيّ على الدنيا بباق 63
114 وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة، ما بقينا في شقاق 154
121 أما والله أن لو كنت حرا وما بالحر أنت ولا العتيق 162
127 فلو أنك في يوم الرَّخاء سألتني فراقك لم أبخل وأنت صديق 166
133 يا خال هلا قلت إذ أعطيتني هيّاك هياك وحنواء العنق 174
140 حتى يقول الجاهل المنطَّق لَعَنَّ هذا معه معلَّق 181
148 أفنى تلادي وما جمَّعت من نشب قرع القواقيز أفواه الأباريق 188
184................ لواحق الأقراب فيها كالمَقَقْ 246
233 حبت بغام راحلتي عناقًا وما هي -ويب غيرك- بالعناق 307
250 سيفي، وما كنا بنجد، وما قرقر قمر الواد بالشاهق 321
258 رضيعي لبان ثدي أمٍّ تحالفا بأسحم داجٍ عوض لا نتفرق 331
286 زحرت به ليلة كلها فجئت به مؤيدًا خَنْفَقِيقَا 370
294 هلا سألت بذي الجَمَاجِمِ عنهم وأبي نعيم ذي اللواء المحرق 381
347 فلتكن أبعد العداة من الصلح من النجم جارُهُ العَيُّوقُ 429
397 فمتى واغل يَنْبُهُمْ يُحَيُّوهُ وتعطف عليه كأس الساقي 505
443 عدس ما لعباد عليك إمارة أمِنْتِ، وهذا تحملين طليق 589
466 أيا جارتا بِينِي فإنك طالقه كذاك أمور الناس غادٍ وطارقه 626
حرف الكاف
2 والله أسماك سُمّى مباركا آثرك الله به إيثَارَكَا 14
138 [تقول بنتي: قد أني أناكا] يا أبتا علك أو عساكا 180
143 يا أيها المائح دلوي دونكما إني رأيت الناس يحمدونكا
يثنون خيرا ويمجدونكا 184(2/704)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
179 تَجَانَفُ عن جو اليمامة ناقتي وما قَصَدَتْ من أهلها لسوائكا 240
185 يا عاذلي دعني من عذلكا مثليَ لا يقبل من مثلكا 245
352 على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي لك الويل حرّ الوجه أو يبكِ من بكى 433
357 تََرَاكِهَا من إبل تَرَاكِهَا أما ترى الموت لدى أوراكها 437
404 يا حكم الوارث عن عبد الملك أوديت إن لم تحبُ حبو المُعْتَنِكْ 515
424 لن تنفعي ذا حاجة وينفعك وتجعلين اللذ معي في اللذ معك 552
430 [هل تعرف الدار على تبراكا] أتتك عنس تقطع الأراكا 558
439 [أتتك عنس تقطع الأراكا] إليك حتى بلغت إيَّاكا 573
444 أقول له والرمح يأطر مَتْنَهُ: تأمَّلْ خفافا؛ إنني أنا ذلكا 591
حرف اللام
8 خود أناة كالمهاة عطبول كأن في أنيابها القرنفول 22
10 أقول إذا خرت على الكلكال يا ناقتا ما جُلْتِ من مجال 23
14 كأني بفتخاء الجناحين لقوة على عجل مني أطأطئ شيمالي 25
15 لما نزلنا نصبنا ظل أخْبِيَةٍ وفار للقوم باللحم المراجيل 25
16 لا عهد لي بنيضال أصبحت كالشن البال 26
36 وما الدنيا بباقية بحزن أجل، لا، لا، ولا برخاء بال 63
38.............. وأي أمر سيء لا فَعَلَهْ 65
39 فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني، ولم أطلب، قليل من المال 71
ولكنما أسعى لمجد مؤثل وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي 78
40 فردَّ على الفؤاد هوًى عميدًا وسُوئِلَ لو يُبِينُ لنا السؤالا 72
وقد نَغْنَى بها ونرى عصورا بها يَقْتَدْنَنَا الخُرُدَ الخِدَالَا 73
60 ثُمَّتْ قمنا إلى جرد مسومة أعرافهن لأيدينا مناديل 88
79 ما أقدر الله أن يدني على شحط مَنْ دَارُهُ الحزن من دَارُهُ صُولُ 105
80 ألا فتى من بني ذبيان يحملني وليس حاملني إلا ابن حمَّالِ 106
85 ولقد أغتدي وما صقَعَ الديك على أدهم أجشَّ الصَّهِيلَا 110(2/705)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
86 وكل أناس سوف تدخل بينهم دُوَيْهِيَةٌ تصفر منها الأنامل 113
93 لما دعاني السَّمهريُّ أجبته بأبيض من ماء الحديد صقيل 125
95 حتى لحقنا بهم تعدى فوارسنا كأننا رَعْنُ قُفٍّ يرفع الآلا 128
108 ولكن من لا يَلْقَ أمرًا ينوبه بعدَّته ينزل به وهو أعزل 148
110 فليت دفعتَ الهمَّ عني ساعة فبتنا على ما خيَّلت ناعمي بال 149
120 في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يَحْفَى وينتعلُ 162
وقد عَلِمَ الصِّبْيَة المُرْمِلُونَ إذا اغبَرَّ أفْقٌ وهبَّت شمالا 167
128 وخلَّت عن أولادها المرضعات ولم ترَ عينٌ لمزن بلالا
بأنك الربيع وغيث مريع وقدما هناك تكون الثمالا 168
130 لهنَّك من عبسية لوسيمة على هنوات كاذب من يقولها 170
142 دعيني أطوِّف في البلاد لعلني أفيد غنى فيه لذي الحق محمل 183
144 ما إن يمسّ الأرض إلا منكب منه، وحرف الساق، طيَّ المحمل 186
155 إن كان ما بلغت عني فلامني صديقي، وشلت من يديّ الأنامل 208
وكفنت وحدي منذرا في ردائه وصادف حوطا من أعادي قاتل 208
169 أزهير أن يشب القَذَالُ فإنه رب هيضلٍ لجبٍ لففت بِهَيضَلٍ 231
171 لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة في غصون ذات أوقال 233
172 رددنا لشعثاء الرسول، ولا أرى كيومئذ شيئا تُردّ رسائله 235
188 كم نالني منهم فضلا على عدم إذ لا أكاد من الإقتار أحتمل 249
190 على أنني بعد ما قد مضى ثلاثون للهجر حولًا كميلا 250
يذكِّرنيك حنين العَجُول ونوح الحمامة تدعو هديلا 251
199 وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا شديدا بأعباء الخلافة كاهله 259
209 فإن لم تجد من دون عدنان والدا ودون معد فلتزعك العواذل 272
226 أبو حنش يؤرّقني، وطلق وعمار، وآونة أُثَالا 290
234 لقد خفت حتى لا تزيد مخافتي على وَعِلٍ في ذي المطارة عاقل 308
237 رسم دار وقفت في طلله كدت أقضي الحياة من جلله 312
259 أليس قليلا نظرة إن نظرتُهَا إليك؟ وكلا ليس منك قليل 332(2/706)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
262 طرن انقطاعة أوتار مُحَظْرَبَةٍ في أقوس نازعتها أيمن شُمُلَا 335
263.............. يأتي لها من أيمن وأشمل 341
270 كما خُطّ الكتاب بكف يوما يهودي يقارب أو يزيل 353
288 فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى بنا بطن حِقْفٍ ذي قفاف عقنقل 374
299 قلت إذا أقبلت وزهر تهادى كنعاج الملا تعسفن رملا 388
300 ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه ما لم يكن وأب له لينالا 389
308 ممن حملن به وهن عواقد حبك النطاق فشب غير مهبَّل 399
311 نصروا نبيهم وشدوا أزره بحنين يوم تواكل الأبطال 404
316 قالت أميمة ما لثابت شاخصا عاري الأشاجع ناحلا كالمُنْصُلِ 407
325 ولسنا إذا عُدّ الحصى بأقلة وإن معدَّ اليوم مُودٍ ذليلها 412
340 أنا ابن كلاب وابن أوس؛ فمنيكن قناعه مَغْطِيا فإني مجتلى 422
342 لي والد شيخ تهضه غيبتي وأظن أن نفاد عمره عاجل 422
344 ما أنت بالحكم التُّرْضَى حكومته ولا البليغ ولا ذي الرأي والجدل 424
348 لتبعد إذ نأى جدواك عني فلا أشقى عليك ولا أبالي 429
350 محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من أمر تبالا 432
356 فدعوا نزال فكنت أول نازل وعلام أركبه إذا لم أنزل 436
359 نعاء أبا ليلى لكل طِمِرَّةٍ وجرداء مثل القوس سمح حُجُولُهَا 437
360 نعاء ابن ليلى للسماحة والندى وأيدي شمال باردات الأنامل 438
361 نعاء جذاما غير موت ولا قتل ولكن فراقا للدَّعائم والأصل 438
364 فما وجد النَّهدي وجدا وجدتُهُ ولا وجد العذريُّ قبل جميل 442
369 فلم أرَ مثلها خُبَاسَةَ واجد ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله 457
378 إن يغدروا أو يجبنوا أو يبخلوا لا يحفلوا 476
يغدوا عليك مُرَجَّلين كأنهم لم يفعلوا 477
382 اسمع حديثا كما يوما تحدثه عن ظهر غيب إذا ما سائل سألا 480
383 يقلب عينيه كما لأخَافَهُ تَشَاوَسْ رويدا إنني من تأمل 481
391.............. كأن نسج العنكبوت المرمل 495(2/707)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
398 صعدة ثابتة في حائر أينما تُمَيِّلْهَا تَمِلْ 505
411 وقد كنت من سلمى سِنِينَ ثَمَانِيًا على صير أم ما يُمِرّ وما يَحْلُنْ 540
412 قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخل فحومل 540
414 فألفيته غير مستعتب ولا ذاكر الله إلا قليلا 543
428 بيناه في دار صدق قد أقام بها حينا يعللنا وما نعلله 557
432 فلست بآتيه ولا أستطيعه ولك اسقني إن كان مَاؤُك ذا فضل 561
433 أصاح ترى برقًا أريك وميضه كَلَمْعِ اليدين في حَبِيِّ مُكَلَّلِ 562
437 ركاب حُسَيْل أشهر الصيف بُدَّنُ وناقة عمرو ما يحلَّ لها رحل 569
ويزعم حسل أنه فرع قومه وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل 569
442 إذا ما أتيت بني مالك فسلم على أيهم أفضل 587
446 لعمري لأنت البيت أكرم أهله وأقعد في أفيائه بالأصائل 594
448 أأن رأت رجلا أعشى أضرَّ به ريب الزمان ودهر مفسد خبل 598
449 فإنّك لا تدري متى الموت جائئٌ ولكن أقصى مدة الموت عاجل 600
452 أرتني حجلا على ساقها فهش الفؤاد لذاك الحجل 603
فقلت ولم أخف عن صاحبي: ألا بأبي أصل تلك الرجل 603
453 علمنا إخواننا بنو عجل شرب النبيذ واصطفافا بالرجل 604
457 لم نرحب بأن شخصت، ولكن مرحبا بالرضاء منك وأهلا 616
459 فعادى عِدَاء بين ثور ونعجة دراكا، ولم ينضخ بماء فيغسل 618
460 والقارح العدَّا وكل طمرة ما إن تنال يد الطويل قذالها 619
465 حصان رزان ما تُزَنّ بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل 625
471 إن الأمور إذا الأحداث دَبَّرَها دون الشيوخ ترى في بعضها خللا 632
476 ثلاثة أنفس وثلاث ذود لقد جار الزمان على عيالي 635
481 إذ هي أحوى، من الربعي، حاجبه والعين بالإثمد الحاري مكحول 638
485 تهون بعد الأرض عني فريدة كناز البضيع سهوة المشي بازل 641
487 [نسل وجد الهائم المغتل] ببازل وجناء أو عيهلِّ 642
496 ويلمه رجلا تأبى به غبنًا إذا تجرَّد، لا خالٌ، ولا بخلُ 667(2/708)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
497 ويلمه مسعر حرب إذا ألقي فيها وعليه الشَّلِيلْ 668
499 [ف] أرسلا العراك [ولم يذدها ولم يشفق على نغص الدخال] 677
حرف الميم
1............. فإنه أهل لأن يؤكرما 12
3 وعامنا أعجبنا مقدمه يدعى أبا السمح وقرضاب سُمُهْ
مبتركا لكل عظم يلحُمُهْ
4 باسم الذي في كل سورة سمه قد وردت على طريق تعلمه 15
12 ينباع من دفرى غضوب جسرة زيافة مثل الفنيق المكدم 24
18.............. وعقبة الأعقاب في الشهر الأصم 34
33 فطلقها فلست لها بند وإلا يعلُ مفرقك الحسام 61
37 إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما 64
42 ولكن نصفا لو سببت وسبني بنو عبد شمس من مناف وهاشم 74
45 قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنى غريمها 76
50 ألست بنعم الجار يؤلف بيته أخا قلة أو معدم المال مصرما 81
53 ألا يا اسلمي لا صرم لي اليوم فاطما ولا أبدا ما دام وصلك دائما 84
56 يا دار سلمى يا اسلمي ثم اسلمي بسمسم وعن يمين سمسم 85
59 ماويَّ بل رُبَّتما غارة شعواء كاللذعة بالميسم 87
61 العاطفون تحين ما من عاطف والمطعمون زمان أين المطعم 89
69 يا لعنة الله على أهل الرَّقَمْ أهل الحمير والوقير والخزم 97
84 ونأخذ بعده بذناب عيش أجب الظهر ليس له سنام 109
88 صددت وأطولت الصدود، وقلما وصال على طول الصدود يدوم 117
99 بحسبك أن قد سدت أخزم كلها لكل أناس سادة ودعائم 137
104 لقد ولد الأخيطل ام سوء على قمع استها صلب وشام 142
ويوما تلاقينا بوجه مقسم كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم 164
125 وخيفاء ألقى الليث فيها ذراعه فَسَرَّت وسَاءَتْ كل ماشٍ ومُضْرِمِ 165(2/709)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
تمشي بها الدرماء تسحب قصبها كأن بطن حبلى ذات أونين مُتْئمِ 166
126 فتعلمي أن قد كلفت بكم ثم افعلي ما شئت عن علم 166
134 ولست بلوَّام على الأمر بعد ما يفوت، ولكن علّ أن أتقدما 178
141 ألا يا صاحبي قفا لغَنَّا نرى العرصات أو أثر الخيام 182
146 حتى تهجَّر في الرَّوَاح وهاجها طلب المعقب حقه المظلومُ 187
150 لقد لمتنا يا أم غيلان في السُّرَى ونمت، وما ليلُ المطيّ بنائم 196
153 ألا يا سيالات الدحائل بالضحى عليكن من بين السَّيَال سلام 207
ولا زال منهل الربيع إذا جرى عليكن منه وابل ورهام 207
166 حاشى أبي ثوبان؛ إن به ضنا على الملحاة والشتم 228
183 يا أسدي لم أكلته لمه؟ لو خافك الله عليه حرمه
فما قربت لحمه ولا دمه 243
192 سلام الله يا مطرا عليها وليس عليك يا مطر السلام 253
195 يا خازباز أرسل اللَّهَازِمَا إني أخاف أن تكون لازما 257
200 أما ودماء مائرات تخالها على قنة العُزّى وبالنسر عندما
وما سبح الرهبان في كل بيعة أبيل الأبيلين المسيح ابن مريما
لقد ذاق منا عامر يوم لعلع حسامًا إذا ما هُزَّ بالكف صمَّمَا 259
203.............. فإن الأولاء يعلمونك منهم 261
205 قالت بنو عامر: خالوا بني أسد، يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام 269
214 إني إذا ما حدث ألما أقول يا اللهم يا اللهما 280
215 وما عليك أن تقولي كلما سبحت أو صليت يا اللهم ما" 282
أردد علينا شيخنا مسلّما 280
216.............. غفرت أو عذَّبت يا اللهما 280
217 هما نفثا في فيّ من فمويهما على النابح العاوي أشدّ رجام 282
221 بكل قريشي على مهابة سريع إلى داعي الندى والتكرُّم 286
224 ألا أضحت حبالكم رماما وأضحت منك شاسعة أماما 288
225 إن ابن حارث إن أشتق لرؤيته أو أمتدحه فإن الناس قد علموا 289(2/710)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
229 أقول وما قولي عليك بسبَّة إليك ابن سلمى أنت حافر زمزم 299
حفيرة إبراهيم يوم ابن هاجر وركضة جبريل على عهد آدم 299
235 كانت فريضة ما تقول كما أن الزناء فريضة الرجم 308
248 كفاك كف لا تليق درهما جودا، وأخرى تعطِ بالسيف الدَّمَا 320
268 فأصبحت بعد خط بهجتها كأن قفرا رسومها قلما 352
269 لما رأت ساتيدما استعبرت لله در اليوم من لامها 352
272 هما أخوا في الحرب من لا أخا له إذا خاف يوما نبوة فدعاهما 354
275 كلا أخوينا ذو رجال، كأنهم أسود الشرى من كل أغلب ضيغم 361
279 كلا يومي أمامه يوم صد وإن لم نأتها إلا لماما 363
296 إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم 384
وذا الرأي حين تغم الأمور بذات الصليل وذات اللُّجُم 384
303 فيا ظبية الوعساء بين جلاجل وبين النَّقَا آأنت أم أم سالم؟ 394
321 من سبأ الحاضرين مأرب إذ يبنون من دون سيله العرما 410
330 إن تميما خلقت ملموما قوما ترى واحدهم صِهْميما 416
343 [القاطنات البيت غير الريم] قواطنا مكة من ورق الحمي 423
349 بل بلد ملءُ الفجاج قَتَمُهْ لا يُشْتَرَى كَتّانُهُ وجَهْرَمُهْ 431
355 عرضنا نزال فلم ينزلوا وكانت نزال عليهم أطم 436
381.............. لا تظلم الناس كما لا تظلم 482
393 فعلا فروع الأيهُقَانِ وأَطْفَلَتْ بالجلهتين ظباؤها ونعامها 500
402 وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب ما لي ولا حرم 512
407 أولئك قومي إن هجوني هجوتهم وأعبد أن تهجى تميم بدارم 523
409 يحسبه الجاهل ما لم يعلما شيخا على كرسيه معمما 538
429 إذاه سِيمَ الخسف آلي بقسم بالله لا يأخذ إلا ما احتكم 557
441 ولقد أبيت من الفتاة بمنزل فأبيت لا حرج ولا محروم 583
463.............. ......... جُمَادَيَيْنِ حُسُومًا 622
464.............. ......... جماديين حرام 623(2/711)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
467 تمخضت المنون له بيوم أَنَى، ولكل حاملة تمام 626
478 فمضى وقدمها، وكانت عادة منه إذا هي عرَّدَتْ إقدامها 636
486 بكرت بهاجر شية مقطورة تروي المحاجر بازل علكوم 641
حرف النون
24 أكل عام نعم تحوُونه يلحقه قوم وتنتجونه؟ 53
29 كلا يومي طوالة وصل أروى ظنون، آن مطرح الظنون 57
31 أصاب الملوك فأفناهم وأخرج من بيته ذا جدن 59
54 ألا يا اسلمي قبل الفراق ظعينا تحية من أمسى إليك حزينا 84
63 نولي قبل يوم نأيي جمانا وصلينا كما زعمت تلانا 91
81 امتلأ الحوض وقال: قطني مهلا، رويدا، قد ملأت بطني 107
118 وصدر مشرق النحر كأن ثدييه حقان 160
158 وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان 217
176 على حين انحنيت وشاب رأسي فأي فتى دعوت وأي حين؟ 237
178 ولا ينطق المكروه من كان منهم إذا جلسوا منا ولا من سوائنا 239
182 وابذل سوام المال إنْ نَ سواءها دهما وجونا 341
193 تفقأ فوقه القلع السواري وجن الخازباز به جنونا 256
212 فديتك يا التي تيّمت قلبي وأنت بخيلة بالود عني 275
228 فلو أنا على حجر ذبحنا جرى الدميان بالخبر اليقين 292
254 فلست بمدرك ما فات مني بلهف، ولا بليتَ، ولا لوانّي 322
255 لاه ابن عمك لا أفضلت في حَسَب عني، ولا أنت ديَّاني فتخروني 325
267 يُطِفْنَ بحوزي المراتع لم تُرَعْ بواديه من قرع القسي الكنائن 351
283.............. وصاني العجاج فيما وصني 367
346 لقتم أنت يا بن خير قريش فتقضَّى حوائج المسلمينا 427
351 فقلت ادعي وأدعُ؛ فإن أندى لصوت أن يُنَادِيَ دَاعِيَانِ 432
388 داويت عين أبي الدَّهيق بمطلِهِ حتى المصيف ويغلو القعدانُ 490(2/712)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
392 إذا ما الغانيات برزن يوما وزججن الحواجب والعيونا 499
435 أتطمع فينا من أراق دماءنا ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن 568
440 كأنا يوم قُرَّى إنما نقتُلُ إيَّانا 573
462 [فسوته لا تنقضي شهرينه] شَهْرَي ربيع وجماديينه 622
492 قد فارقت قرينها القرينه وشحطت عن دارها الظعينه 657
يا ليتنا قد ضمنا سفينه حتى يعود الوصل كينونه 657
494 ما بال عيني كالشعيب العيَّن [وبعض أعراض الشجون الشجن
دار كرقم الكاتب المرقن بين نقا الملقي وبين الأجون] 660
500 دعِ الخمر يشربها الغواة؛ فإنني رأيت أخاها مغنيا بمكانها 677
فإنْ لا يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها 678
501 تنفك تسمع ما حييت بهالك حتى تكونه 678
حرف الهاء1
5 إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها 18
44 ولقد أرى تَغُنَى به سيفانةٌ تصبي الحليم ومثلها أصباه 75
64 والله ما ليلي بنام صاحبه ولا مخالط الليان جانبه 92
73 فإن أهجه يضجر كما ضجر بازل من الأدم دَبْرَت صفحتاه وغاربه 101
117 مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا ببين غرابها 157
181 أَكُرُّ على الكتيبة لا أبالي أفيها كان حتفي أم سواها 240
213 مبارك هو ومن سماه على اسمك اللهم يا ألله 277
236 وبلد عامية أعماؤه كأن لون أرضه سماؤه 311
251 ما بال هَمّ عميد بات يطرقني بالواد من هند إذ نعدو عواديها؟ 321
269 لما رأت ساتيدما استعبرت لله در اليوم من لامها 352
297 وكل قوم أطاعوا أمر مرشدهم إلا نُمَيرًا أطاعت أمر غاويها 384
__________
1 وضعنا في هذه القافية الأبيات التي آخرها هاء -وإن لم تكن الهاء حرف الروي الذي بنيت عليه الكلمة- تيسير على من لا إلمام لهم بعلم القافية، ووضعناها مرة أخرى في موضعها اللائق بها.(2/713)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
الظاعنين ولما يُظْعِنُوا أحدا والقائلون: لمن دار نُخَلِّيهَا 385
319 [207] ومصعب حين جدَّ الأمر أكثرها وأطيبها 409
325 ولسنا إذا عُدّ الحصى بأقلَّةٍ وإن معدَّ اليوم مود ذليلُهَا 412
326 غلب المساميح الوليد سماحة وكَفَى قريش المعضلات وَسَادَهَا 413
328 لقوم فكانوا هم المنفدين شرابهم قبل إنفادها 414
349 بل بلد ملء الفجاج قَتَمُهْ لا يشترى كَتّانُهُ وجَهْرَمُهْ 431
357 تَرَاكِها من إبل تَرَاكِهَا أما ترى الموت لدى أوراكها 437
358 مناعها من إبل مناعها أما ترى الموت لدى أرباعها 437
359 نعاء أبا ليلى لكل طمرة وجرداء مثل القوس سمح حجولها 437
349 فلم أرَ مثلها خُبَاسةَ واجدٍ ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله 457
372 فإني قد رأيت بدار قومي نوائب كنت في لخم أخافه 462
384 قلت لشيبان: ادْنُ من لقائه كما تغدِّي القوم من شوائه 482
387 وإني امرؤ من عصبة خِنْدِفِيّةٍ أبت للأعادي أن تديخ رقابها 487
393 فعلا فروع الأيهقان وأطفلت بالجهلتين ظباؤها ونعامها 500
395 علفتها تبنا وماء باردا حتى شتت همَّالة عيناها 501
405 إذا رضيت عليَّ بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها 516
428 بيناه في دار صدق قد قام بها حينا يعلّلنا وما نعلّله 557
460 والقارحَ العَدَّا وكل طِمِرَّةٍ ما إن تنال يد الطويل قَذَالَهَا 619
462 [فسوته لا تنقضي شهرينه] شهري ربيع وجماديينه 622
466 أيا جارتا بيني فإنك طالقه ذاك أمور الناس غادٍ وطارقهْ 626
469 فإن تعهديني ولي لمَّةٌ إن الحوادث أودى بها 629
474 وقائع في مضر تسعة في وائل كانت العاشرة 633
500 دع الخمر يشربها الغواة؛ فإنني رأيت أخاها مغنيا بمكانها 677
فإن لا يكنها أو تكنه فإنه خوها غذته أمه بلبانها 678
501 تنفك تسمع ما حييت هالك حتى تكونه 678(2/714)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
حرف الواو
111 فليت كَفَافًا كان خَيْرُكَ كُلّهُ وشَرُّكَ عَنِّي ما ارتوى الماء مرتوي 150
434 وأنت امرؤ لولاي طحت كما هوى بأجرامه من قُلَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِي 566
حرف الألف اللينة
352 على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي لك الويل حر الوجه أو يبكِ من بكى 433
حرف الياء
97 عميرة ودِّعْ إن تجهَّزت غاديا كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا 136
98 أعان علي الدهر إذ حلّ بَرْكُهُ كفى الدهر لو وكّلته بي كافيا 137
115 بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئا إذا كان جائيا 155
162 وبلدة ليس بها طُورِي ولا خلا الجن بها إنسيّ 223
305 ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث إلى ذاكما ما غيبتني غيابيا 395
329 يا بئر يا بئر بني عدي لأنزحن قعرك بالدُّليِّ 415
حتى تعودي أقطع الوَلِيّ 415
345 بل القوم الرسول الله فيهم هم أهل الحكومة من قُصَيِّ 425
417 حيدة خالي ولقيط وعلي وحاتم الطائي وهَّابَ المِئِي 545
426 وليس المال فاعلمه بمال من الأقوام، إلا للذيِّ 555
يريد به العلاء ويمتهنه لأقربِ أقربيه وللقَصِيِّ 555
498 لقد أغدو على أشقر يغتال الصَّحَارِيَا 672(2/715)
فهرس المحتويات:
60- مسألة: القول في الفصل بين المضاف والمضاف إليه 349
61- مسألة: هل تجوز إضافة الاسم إلى اسم يوافقه في المعنى؟ 356
62- مسألة: "كلا" و"كلتا" مثنيان لفظا ومعنى، أو معنى فقط؟ 359
63- مسألة: هل يجوز توكيد النكرة توكيدا معنويا؟ 369
64- مسألة: هل يجوز أن تجيء واو العطف زائدة؟ 374
65- مسألة: هل يجوز العطف على الضمير المخفوض؟ 379
66- مسألة: العطف على الضمير المرفوع المتصل في اختيار الكلام 388
67- مسألة: هل تأتي "أو" بمعني الواو، وبمعنى "بل"؟ 391
68- مسألة: هل يجوز أن يعطف بلكن بعد الإيجاب؟ 396
69- مسألة: هل يجوز صرف أفعل التفضيل في ضرورة الشعر؟ 399
70- مسألة: منع صرف ما ينصرف في ضرورة الشعر 403
71- مسألة: القول في علة بناء "الآن"؟ 424
72- مسألة: فعل الأمر معرب أو مبني؟ 427
73- مسألة: القول في علة إعراب الفعل المضارع 446
74- مسألة: القول في رفع الفعل المضارع 448
75- مسألة: عامل النصب في الفعل المضارع بعد واو المعية 452
76- مسألة: عامل النصب في الفعل المضارع بعد فاء السببية 454
77- مسألة: هل تعمل "أن" المصدرية محذوفة من غير بدل؟ 456
78- مسألة: هل يجوز أن تأتي "كي" حرف جر؟ 465
79- مسألة: القول في ناصب المضارع بعد لام التعليل 469
80- مسألة: هل يجوز إظهار "أن" المصدرية بعد "لكي" وبعد حتى؟ 473
81- مسألة: هل يجوز مجيء "كما" بمعنى "كيما" وينصب بعدها المضارع؟ 478
82- مسألة: هل تنصب لام الجحود بنفسها؟ وهل يتقدم معمول منصوبها عليها؟ 485
83- مسألة: هل تنصب "حتى" الفعل المضارع بنفسها؟ 489
84- مسألة: عامل الجزم في جواب الشرط 493
85- مسألة: عامل الرفع في الاسم المرفوع بعد "إن" الشرطية 504(2/717)
86- مسألة: هل يجوز تقديم اسم مرفوع أو منصوب في جملة جواب الشرط؟ وما يترتب عليه؟ 508
87- مسألة: القول في تقديم المفعول بالجزاء على حرف الشرط 511
88- مسألة: القول في "إن" الشرطية، هل تقع بمعنى إذا؟ 518
89- مسألة: القول في "إن" الواقعة بعد "ما" أنافية مؤكدة أم زائدة 522
90- مسألة: القول في معنى "إن" ومعنى اللام بعدها 526
91- مسألة: هل يجازى بكيف؟ 529
92- مسألة: السين مقتطعة من سوف أو أصل برأسه 532
93- مسألة: المحذوف من التاءين المبدوء بهما المضارع 534
94- مسألة: هل تدخل نون التوكيد الخفيفة على فعل الاثنين وفعل جماعة النسوة؟ 536
95- مسألة: الحروف التي وضع الاسم عليها في "ذا" و"الذي 551
96- مسألة: الحروف التي وضع عليها الاسم في "هو" و"هي 557
97- مسألة: القول في هل يقال "لولاي" و"لولاك"؟ وموضع الضمائر 564
98- مسألة: الضمير في "إياك" وأخواتها 570
99- مسألة: المسألة الزنبورية 576
100- مسألة: ضمير الفصل 579
101- مسألة: مراتب المعارف 581
102- مسألة: "أي" الموصولة معربة دائما أو مبنية أحيانا؟ 583
103- مسألة: هل تأتي ألفاظ الإشارة أسماء موصولة؟ 589
104- مسألة: هل يكون للاسم المحلى بأل صلة كصلة الموصول؟ 594
105- مسألة: همزة بَيْنَ بَيْنَ متحركة أو ساكنة؟ 598
106- مسألة: هل يوقف بنقل الحركة على المنصوب المحلى بأل الساكن ما قبل آخره؟ 602
107- مسألة: القول في أصل حركة همزة الوصل 606
108- مسألة: هل يجوز نقل حركة همزة الوصل إلى الساكن قبلها؟ 610
109- مسألة: هل يجوز مد المقصور في ضرورة الشعر؟ 614
110- مسألة: هل يحذف آخر المقصور والممدود عند التثنية إذا كثرت حروفهما؟ 621
111- مسألة: القول في المؤنث بغير علامة تأنيث مما على زنة اسم الفاعل 625
112- مسألة: القول عِلَّةُ حذف الواو من "يعد" ونحوه 644(2/718)
رقم الشاهد الشاهد الصفحة
113- مسألة: وزن الخماسي المكرر ثانيه وثالثه 649
114- مسألة: هل في كل رباعي وخماسي من الأسماء زيادة؟ 654
115- مسألة: وزن "سيد وميت" ونحوهما 656
116- مسألة: وزن "خطايا" ونحوه 663
117- مسألة: وزن "إنسان" وأصل اشتقاقه 667
118- مسألة: وزن أشياء 670
119- مسألة: علام ينتصب خبر "كان" وثاني مفعولي "ظننت"؟ 676
120- مسألة: القول في تقديم التمييز إذا كان العامل فعلا متصرفا 682
121- مسألة: القول في "ربَّ" اسم هو أو حرف 686(2/719)