تَنْبِيه
الْحَذف الَّذِي يلْزم النَّحْوِيّ النّظر فِيهِ هُوَ مَا اقتضته الصِّنَاعَة وَذَلِكَ بِأَن يجد خَبرا بِدُونِ مُبْتَدأ أَو بِالْعَكْسِ أَو شرطا بِدُونِ جَزَاء أَو بِالْعَكْسِ أَو مَعْطُوفًا بِدُونِ مَعْطُوف عَلَيْهِ أَو مَعْمُولا بِدُونِ عَامل نَحْو {ليَقُولن الله} وَنَحْو {قَالُوا خيرا} وَنَحْو خير عافاك الله وَأما قَوْلهم فِي نَحْو {سرابيل تقيكم الْحر} إِن التَّقْدِير وَالْبرد وَنَحْو {وَتلك نعْمَة تمنها عَليّ أَن عبدت بني إِسْرَائِيل} إِن التَّقْدِير وَلم تعبدني ففضول فِي فن النَّحْو وَإِنَّمَا ذَلِك للمفسر وَكَذَا قَوْلهم يحذف الْفَاعِل لعظمته وحقارة الْمَفْعُول أَو بِالْعَكْسِ أَو للْجَهْل بِهِ أَو للخوف عَلَيْهِ أَو مِنْهُ وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ تطفل مِنْهُم على صناعَة الْبَيَان وَلم أذكر بعض ذَلِك فِي كتابي جَريا على عَادَتهم وَأنْشد متمثلا
(وَهل أَنا إِلَّا من غزيَّة إِن غوت ... غويت وَإِن ترشد غزيَّة أرشد)
بل لِأَنِّي وضعت الْكتاب لإِفَادَة متعاطي التَّفْسِير والعربية جَمِيعًا وَأما قَوْلهم فِي رَاكب النَّاقة طليحان إِنَّه على حذف عاطف ومعطوف أَي والناقة فلازم لَهُم ليطابق الْخَبَر الْمخبر عَنهُ وَقيل هُوَ على حذف مُضَاف أَي أحد طليحين وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي نَحْو غُلَام زيد ضربتهما(1/853)
الْبَاب السَّادِس
من كتاب
فِي التحذير من أُمُور اشتهرت بَين المعربين وَالصَّوَاب خلَافهَا
وَهِي كَثِيرَة وَالَّذِي يحضرني الْآن مِنْهَا عشرُون موضعا
1 - أَحدهَا قَوْلهم فِي لَو إِنَّهَا حرف امْتنَاع لِامْتِنَاع وَقد بَينا الصَّوَاب فِي ذَلِك فِي فصل لَو وبسطنا القَوْل فِيهِ بِمَا لم نسبق إِلَيْهِ
2 - الثَّانِي قَوْلهم فِي إِذا غير الفجائية إِنَّهَا ظرف لما يسْتَقْبل من الزَّمَان وفيهَا معنى الشَّرْط غَالِبا وَذَلِكَ معيب من جِهَات
إِحْدَاهَا أَنهم يذكرُونَهُ فِي كل مَوضِع وَإِنَّمَا ذَلِك تَفْسِير للأداة من حَيْثُ هِيَ وعَلى المعرب أَن يبين فِي كل مَوضِع هَل هِيَ متضمنة لِمَعْنى الشَّرْط أَو لَا وَأحسن مِمَّا قَالُوهُ أَن يُقَال إِذا أُرِيد تَفْسِيرهَا من حَيْثُ هِيَ ظرف مُسْتَقْبل خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه صَالح لغير ذَلِك
وَالثَّانيَِة أَن الْعبارَة الَّتِي تلقى للمتدربين يطْلب فِيهَا الإيجاز لتخف على الْأَلْسِنَة إِذْ الْحَاجة دَاعِيَة إِلَى تكرارها وَكَانَ أخصر من قَوْلهم لما يسْتَقْبل من الزَّمَان أَن يَقُولُوا مُسْتَقْبل
وَالثَّالِثَة أَن المُرَاد أَنَّهَا ظرف مَوْضُوع للمستقبل والعبارة موهمة أَنَّهَا مَحل(1/854)
للمستقبل كَمَا تَقول الْيَوْم ظرف للسَّفر فَإِن الزَّمَان قد يَجْعَل ظرفا للزمان مجَازًا كَمَا تَقول كتبته فِي يَوْم الْخَمِيس فِي عَام كَذَا فَإِن الثَّانِي حَال من الأول فَهُوَ ظرف لَهُ على الاتساع وَلَا يكون بَدَلا مِنْهُ إِذْ لَا يُبدل الْأَكْثَر من الْأَقَل على الْأَصَح وَلَو قَالُوا ظرف مُسْتَقْبل لسلموا من الإسهاب والإبهام الْمَذْكُورين
وَالرَّابِعَة أَن قَوْلهم غَالِبا رَاجع إِلَى قَوْلهم فِيهِ معنى الشَّرْط كَذَا يفسرونه وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَن كَونه ظرفا وَكَونه للزمان وَكَونه للمستقبل لَا يتخلفن وَقد بَينا فِي بحث إِذا أَن الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك
3 - الثَّالِث قَوْلهم النَّعْت يتبع المنعوت فِي أَرْبَعَة من عشرَة وَإِنَّمَا ذَلِك فِي النَّعْت الْحَقِيقِيّ فَأَما السَّبي فَإِنَّمَا يتبع فِي اثْنَيْنِ من خَمْسَة وَاحِد من أوجه الْإِعْرَاب وَوَاحِد من التَّعْرِيف والتنكير وَأما الْإِفْرَاد والتذكير وأضدادهما فَهُوَ فِيهَا كالفعل تَقول مَرَرْت برجلَيْن قَائِم أبواهما وبرجال قَائِم آباؤهم وبرجل قَائِمَة أمه وبامرأة قَائِم أَبوهَا وَإِنَّمَا يَقُول قَائِمين أبواهما وقائمين آباؤهم من يَقُول أكلوني البراغيث وَفِي التَّنْزِيل {رَبنَا أخرجنَا من هَذِه الْقرْيَة الظَّالِم أَهلهَا} غير أَن الصّفة الرافعة للْجمع يجوز فِيهَا فِي الفصيح أَن تفرد وَأَن تكسر وَهُوَ أرجح على الْأَصَح كَقَوْلِه
111 - (بكرت عَلَيْهِ بكرَة فَوَجَدته ... قعُودا عَلَيْهِ بالصريم عواذله) وَصَحَّ الاستشهاد بِالْبَيْتِ لِأَن هَذَا الحكم ثَابت أَيْضا للْخَبَر وَالْحَال
4 - وَالرَّابِع قَوْلهم فِي نَحْو {وكلا مِنْهَا رغدا} إِن رغدا نعت مصدر(1/855)
مَحْذُوف وَمثله {وَاذْكُر رَبك كثيرا} وَقَول ابْن دُرَيْد
111 - (واشتعل المبيض فِي مسوده ... مثل اشتعال النَّار فِي جزل الغضى)
أَي أكلا رغدا وذكرا كثيرا واشتعالا مثل اشتعال النَّار
قيل وَمذهب سِيبَوَيْهٍ والمحققين خلاف ذَلِك وَأَن الْمَنْصُوب حَال من ضمير مصدر الْفِعْل وَالْأَصْل فكلاه واشتعله أَي فكلا الْأكل واشتعل الاشتعال وَدَلِيل ذَلِك قَوْلهم سير عَلَيْهِ طَويلا وَلَا يَقُولُونَ طَوِيل وَلَو كَانَ نعتا للمصدر لجَاز وبدليل أَنه لَا يحذف الْمَوْصُوف إِلَّا وَالصّفة خَاصَّة بِجِنْسِهِ تَقول رَأَيْت كَاتبا وَلَا تَقول رَأَيْت طَويلا لِأَن الْكِتَابَة خَاصَّة بِجِنْس الْإِنْسَان دون الطول
وَعِنْدِي فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ نظر أما الأول فلجواز أَن الْمَانِع من الرّفْع كَرَاهِيَة اجْتِمَاع مجازين حذف الْمَوْصُوف وتصيير الصّفة مَفْعُولا على السعَة وَلِهَذَا يَقُولُونَ دخلت الدَّار بِحَذْف فِي توسعا وَمنعُوا دخلت الْأَمر لِأَن تعلق الدُّخُول بالمعاني مجَاز وَإِسْقَاط الْخَافِض مجَاز وتوضيحه أَنهم يَفْعَلُونَ ذَلِك فِي صفة الأحيان فَيَقُولُونَ سير عَلَيْهِ زمن طَوِيل فَإِذا حذفوا الزَّمَان قَالُوا طَويلا بِالنّصب لما ذكرنَا وَأما الثَّانِي فَلِأَن التَّحْقِيق أَن حذف الْمَوْصُوف إِنَّمَا يتَوَقَّف على وجدان الدَّلِيل لَا على الِاخْتِصَاص بِدَلِيل {وألنا لَهُ الْحَدِيد أَن اعْمَلْ سابغات} أَي دروعا سابغات وَمِمَّا يقْدَح فِي قَوْلهم مَجِيء نَحْو قَوْلهم اشْتَمَل الصماء أَي الشملة الصماء والحالية متعذرة لتعريفه
5 - وَالْخَامِس قَوْلهم الْفَاء جَوَاب الشَّرْط وَالصَّوَاب أَن يُقَال رابطة لجواب الشَّرْط وَإِنَّمَا جَوَاب الشَّرْط الْجُمْلَة(1/856)
6 - وَالسَّادِس قَوْلهم الْعَطف على عاملين وَالصَّوَاب على معمولي عاملين
7 - وَالسَّابِع قَوْلهم بل حرف إضراب وَالصَّوَاب حرف اسْتِدْرَاك وإضراب فَإِنَّهَا بعد النَّفْي وَالنَّهْي بِمَنْزِلَة لَكِن سَوَاء
8 - وَالثَّامِن قَوْلهم فِي نَحْو ائْتِنِي أكرمك إِن الْفِعْل مجزوم فِي جَوَاب الْأَمر وَالصَّحِيح أَنه جَوَاب لشرط مُقَدّر وَقد يكون إِنَّمَا أَرَادوا تقريب الْمسَافَة على المتعلمين
9 - وَالتَّاسِع قَوْلهم فِي الْمُضَارع فِي مثل يقوم زيد فعل مضارع مَرْفُوع لخلوه من ناصب وجازم وَالصَّوَاب أَن يُقَال مَرْفُوع لحلوله مَحل الِاسْم وَهُوَ قَول الْبَصرِيين وَكَأن حاملهم على مَا فعلوا إِرَادَة التَّقْرِيب وَإِلَّا فَمَا بالهم يبحثون على تَصْحِيح قَول الْبَصرِيين فِي ذَلِك ثمَّ إِذا أعربوا أَو عربوا قَالُوا خلاف ذَلِك
10 - والعاشر قَوْلهم امْتنع نَحْو سَكرَان من الصّرْف للصفة وَالزِّيَادَة وَنَحْو عُثْمَان للعلمية وَالزِّيَادَة وَإِنَّمَا هَذَا قَول الْكُوفِيّين فَأَما البصريون فمذهبهم أَن الْمَانِع الزِّيَادَة المشبهة لألفي التَّأْنِيث وَلِهَذَا قَالَ الْجِرْجَانِيّ وَيَنْبَغِي أَن تعد مَوَانِع الصّرْف ثَمَانِيَة لَا تِسْعَة وَإِنَّمَا شرطت العلمية أَو الصّفة لِأَن الشّبَه لَا يتقوم إِلَّا بِأَحَدِهِمَا وَيلْزم الْكُوفِيّين أَن يمنعوا صرف نَحْو عفريت علما فَإِن أجابوا بِأَن الْمُعْتَبر هُوَ زيادتان بأعيانهما سألناهم عَن عِلّة الِاخْتِصَاص فَلَا يَجدونَ مصرفا عَن التَّعْلِيل بمشابهة ألفي التَّأْنِيث فيرجعون إِلَى مَا اعْتَبرهُ البصريون
11 - وَالْحَادِي عشر قَوْلهم فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} إِن الْوَاو نائبة عَن أَو وَلَا يعرف ذَلِك فِي اللُّغَة وَإِنَّمَا يَقُوله بعض ضعفاء المعربين والمفسرين وَأما الْآيَة فَقَالَ أَبُو طَاهِر(1/857)
حَمْزَة بن الْحُسَيْن الْأَصْفَهَانِي فِي كِتَابه الْمُسَمّى فِي كِتَابه الْمُسَمّى ب الرسَالَة المعربة عَن شرف الْإِعْرَاب القَوْل فِيهَا بِأَن الْوَاو بِمَعْنى أَو عجز عَن دَرك الْحق فاعلموا أَن الْأَعْدَاد الَّتِي تجمع قِسْمَانِ قسم يُؤْتى بِهِ ليضم بعضه إِلَى بعض وَهُوَ الْأَعْدَاد الْأُصُول نَحْو {ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم تِلْكَ عشرَة كَامِلَة} {ثَلَاثِينَ لَيْلَة وأتممناها بِعشر فتم مِيقَات ربه أَرْبَعِينَ لَيْلَة} وَقسم يُؤْتى بِهِ لَا ليضم بعضه إِلَى بعض وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ الِانْفِرَاد لَا الِاجْتِمَاع وَهُوَ الْأَعْدَاد المعدولة كهذه الْآيَة وَآيَة سُورَة فاطر وَقَالَ أَي مِنْهُم جمَاعَة ذَوُو جناحين وَجَمَاعَة ذَوُو ثَلَاثَة ثَلَاثَة وَجَمَاعَة ذَوُو أَرْبَعَة أَرْبَعَة فَكل جنس مُفْرد بِعَدَد وَقَالَ الشَّاعِر
1113 - (ولكنما أَهلِي بواد أنيسه ... ذئاب تبغى النَّاس مثنى وموحد)
وَلم يَقُولُوا ثَلَاث وخماس ويريدون ثَمَانِيَة كَمَا قَالَ تَعَالَى {ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم} وللجهل بمواقع هَذِه الْأَلْفَاظ استعملها المتنبي فِي غير مَوضِع التَّقْسِيم فَقَالَ
1114 - (أحاد أم سداس فِي أحاد ... لييلتنا المنوطة بالتنادي)(1/858)
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فَإِن قلت الَّذِي أطلق للناكح فِي الْجمع أَن يجمع بَين اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاث أَو أَربع فَمَا معنى التكرير فِي مثنى وَثَلَاث وَربَاع قلت الْخطاب للْجَمِيع فَوَجَبَ التكرير ليصيب كل ناكح يُرِيد الْجمع مَا أَرَادَهُ من الْعدَد الَّذِي أطلق لَهُ كَمَا تَقول للْجَمَاعَة اقتسموا هَذَا المَال دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ وَثَلَاثَة ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة أَرْبَعَة وَلَو أفردت لم يكن لَهُ معنى فَإِن قلت لم جَاءَ الْعَطف بِالْوَاو دون أَو قلت كَمَا جَاءَ بهَا فِي الْمِثَال الْمَذْكُور وَلَو جِئْت فِيهِ بِأَو لأعلمت أَنه لَا يسوغ لَهُم أَن يقتسموه إِلَّا على أحد أَنْوَاع هَذِه الْقِسْمَة وَلَيْسَ لَهُم أَن يجمعوا بَينهَا فيجعلوا بعض الْقِسْمَة على تَثْنِيَة وَبَعضهَا على تثليث وَبَعضهَا على تربيع وَذهب معنى تَجْوِيز الْجمع بَين أَنْوَاع الْقِسْمَة الَّذِي دلّت عَلَيْهِ الْوَاو وتحريره أَن الْوَاو دلّت على إِطْلَاق أَن يَأْخُذ الناكحون من أَرَادوا نِكَاحهَا من النِّسَاء على طَرِيق الْجمع إِن شاؤوا مُخْتَلفين فِي تِلْكَ الْأَعْدَاد وَإِن شاؤوا متفقين فِيهَا مَحْظُورًا عَلَيْهِم مَا وَرَاء ذَلِك
وأبلغ من هَذِه الْمقَالة فِي الْفساد قَول من أثبت وَاو الثَّمَانِية وَجعل مِنْهَا {سَبْعَة وثامنهم كلبهم} وَقد مضى فِي بَاب الْوَاو أَن ذَلِك لَا حَقِيقَة لَهُ وَاخْتلف فِيهَا هُنَا فَقيل عاطفة خبر هُوَ جملَة على خبر مُفْرد وَالْأَصْل هم سَبْعَة وثامنهم كلبهم وَقيل للاستئناف وَالْوَقْف على سَبْعَة وَإِن فِي الْكَلَام تقريرا لكَوْنهم سَبْعَة وَكَأَنَّهُ لما قيل سَبْعَة قيل نعم وثامنهم كلبهم واتصل الكلامان وَنَظِيره {إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة} الْآيَة فان {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} لَيْسَ من كَلَامهَا وَيُؤَيِّدهُ أَنه قد جَاءَ فِي المقالتين الْأَوليين {رجما بِالْغَيْبِ} وَلم يجِئ(1/859)
مثله فِي هَذِه الْمقَالة فَدلَّ على مخالفتها لَهما فَتكون صدقا وَلَا يرد ذَلِك بقوله تَعَالَى {مَا يعلمهُمْ إِلَّا قَلِيل} لِأَنَّهُ يُمكن أَن يكون المُرَاد مَا يعلم عدتهمْ أَو قصتهم قبل أَن نتلوها عَلَيْك إِلَّا قَلِيل من أهل الْكتاب الَّذين عرفوه من الْكتب وَكَلَام الزَّمَخْشَرِيّ يَقْتَضِي أَن الْقَلِيل هم الَّذين قَالُوا سَبْعَة فيندفع الاشكال أَيْضا وَلكنه خلاف الظَّاهِر وَقيل هِيَ وَاو الْحَال أَو الْوَاو الدَّاخِلَة على الْجُمْلَة الْمَوْصُوف بهَا لتأكيد لصوق الِاسْم بِالصّفةِ كمررت بِرَجُل وَمَعَهُ سيف فَأَما الْوَاو الأولى فَلَا حَقِيقَة لَهَا وَأما وَاو الْحَال فَأَيْنَ عَامل الْحَال إِن قدرت هم ثَلَاثَة أَو هَؤُلَاءِ ثَلَاثَة فَإِن قيل على التَّقْدِير الثَّانِي هُوَ من بَاب {وَهَذَا بعلي شَيخا} قُلْنَا الْعَامِل الْمَعْنَوِيّ لَا يحذف
12 - الثَّانِي عشر قَوْلهم الْمُؤَنَّث الْمجَازِي يجوز مَعَه التَّذْكِير والتأنيث وَهَذَا يتداوله الْفُقَهَاء فِي محاوراتهم وَالصَّوَاب تَقْيِيده بالمسند إِلَى الْمُؤَنَّث الْمجَازِي وبكون الْمسند فعلا أَو شبهه وبكون الْمُؤَنَّث ظَاهرا وَذَلِكَ نَحْو طلع الشَّمْس ويطلع الشَّمْس وأطالع الشَّمْس وَلَا يجوز هَذَا الشَّمْس وَلَا هُوَ الشَّمْس وَلَا الشَّمْس هَذَا أَو هُوَ وَلَا يجوز فِي غير ضَرُورَة الشَّمْس طلع خلافًا لِابْنِ كيسَان وَاحْتج بقوله
1115 - ( ... وَلَا أَرض أبقل إبقالها)
قَالَ وَلَيْسَ بضرورة لتمكنه من أَن يكون أبقلت ابقالها بِالنَّقْلِ ورد بِأَنا لَا نسلم أَن هَذَا الشَّاعِر مِمَّن لغته تَخْفيف الْهمزَة بِنَقْل أَو غَيره(1/860)
13 - الثَّالِث عشر قَوْلهم يَنُوب بعض حُرُوف الْجَرّ عَن بعض وَهَذَا أَيْضا مِمَّا يتداولونه ويستدلون بِهِ وتصحيحه بِإِدْخَال قد على قَوْلهم يَنُوب وَحِينَئِذٍ فيتعذر استدلالهم بِهِ إِذْ كل مَوضِع ادعوا فِيهِ ذَلِك يُقَال لَهُم فِيهِ لَا نسلم أَن هَذَا مِمَّا وَقعت فِيهِ النِّيَابَة وَلَو صَحَّ قَوْلهم لجَاز أَن يُقَال مَرَرْت فِي زيد وَدخلت من عَمْرو وكتبت إِلَى الْقَلَم على أَن الْبَصرِيين وَمن تَابعهمْ يرَوْنَ فِي الْأَمَاكِن الَّتِي ادعيت فِيهَا النِّيَابَة أَن الْحَرْف بَاقٍ على مَعْنَاهُ وَأَن الْعَامِل ضمن معنى عَامل يتَعَدَّى بذلك الْحَرْف لِأَن التَّجَوُّز فِي الْفِعْل أسهل مِنْهُ فِي الْحَرْف
14 - الرَّابِع عشر قَوْلهم إِن النكرَة إِذا اعيدت نكرَة كَانَت غير الأولى وَإِذا أُعِيدَت معرفَة أَو أُعِيدَت الْمعرفَة معرفَة أَو نكرَة كَانَ الثَّانِي عين الأول
وحملوا على ذَلِك مَا رُوِيَ لن يغلب عسر يسرين قَالَ الزّجاج ذكر الْعسر مَعَ الْألف وَاللَّام ثمَّ ثنى ذكره فَصَارَ الْمَعْنى إِن مَعَ الْعسر يسرين اه وَيشْهد للصورتين الْأَوليين أَنَّك تَقول اشْتريت فرسا ثمَّ بعث فرسا فَيكون الثَّانِي غير الأول وَلَو قلت ثمَّ بِعْت الْفرس لَكَانَ الثَّانِي عين الأول وللرابع قَول الحماسي
1116 - (صفحنا عَن بني ذهل ... وَقُلْنَا الْقَوْم إخْوَان)(1/861)
(عَسى الْأَيَّام أَن يرجعن قوما كَالَّذي كَانُوا)
وَيشكل على ذَلِك أُمُور ثَلَاثَة
أَحدهَا أَن الظَّاهِر فِي آيَة {ألم نشرح} أَن الْجُمْلَة الثَّانِيَة تكْرَار للجملة الأولى كَمَا تَقول إِن لزيد دَارا إِن لزيد دَارا وعَلى هَذَا فالثانية عين الأولى
وَالثَّانِي أَن ابْن مَسْعُود قَالَ لَو كَانَ الْعسر فِي جُحر لطلبه الْيُسْر حَتَّى يدْخل عَلَيْهِ إِنَّه لن يغلب عسر يسرين مَعَ أَن الْآيَة فِي قِرَاءَته وَفِي مصحفه مرّة وَاحِدَة فَدلَّ على مَا ادعينا من التَّأْكِيد وعَلى أَنه لم يستفد تكَرر الْيُسْر من تكرره بل هُوَ من غير ذَلِك كَأَن يكون فهمه مِمَّا فِي التنكير من التفخيم فتأوله بيسر الدَّاريْنِ
وَالثَّالِث أَن فِي التَّنْزِيل آيَات ترد هَذِه الْأَحْكَام الْأَرْبَعَة فيشكل على الأول قَوْله تَعَالَى {الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف} الْآيَة {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض إِلَه} وَالله إِلَه وَاحِد سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعَلى الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصلحا بَينهمَا صلحا وَالصُّلْح خير} فَالصُّلْح الأول خَاص وَهُوَ الصُّلْح بَين الزَّوْجَيْنِ وَالثَّانِي عَام وَلِهَذَا يسْتَدلّ بهَا على(1/862)
اسْتِحْبَاب كل صلح جَائِر وَمثله {زدناهم عذَابا فَوق الْعَذَاب} وَالشَّيْء لَا يكون فَوق نَفسه وعَلى الثَّالِث قَوْله تَعَالَى {قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء وتنزع الْملك مِمَّن تشَاء} فَإِن الْملك الأول عَام وَالثَّانِي خَاص {هَل جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان} فَإِن الأولى الْعَمَل وَالثَّانِي الثَّوَاب {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} فَإِن الأول القاتلة وَالثَّانيَِة المقتولة وَكَذَلِكَ بَقِيَّة الْآيَة وعَلى الرَّابِع {يَسْأَلك أهل الْكتاب أَن تنزل عَلَيْهِم كتابا من السَّمَاء} وَقَوله
1117 - ( ... إِذْ النَّاس نَاس وَالزَّمَان زمَان)
فَإِن الثَّانِي لَو سَاوَى الأول فِي مَفْهُومه لم يكن فِي الاخبار بِهِ عَنهُ فَائِدَة وَإِنَّمَا هَذَا من بَاب قَوْله
1118 - ( ... أَنا أَبُو النَّجْم وشعري شعري)
أَي وشعري لم يتَغَيَّر عَن حَالَته
فَإِذا ادعِي أَن الْقَاعِدَة فِيهِنَّ إِنَّمَا هِيَ مستمرة مَعَ عدم الْقَرِينَة فَأَما إِن وجدت قرينَة فالتعويل عَلَيْهَا سهل الْأَمر(1/863)
وَفِي الْكَشَّاف فَإِن قلت مَا معنى لن يغلب عسر يسرين قلت هَذَا حمل على الظَّاهِر وَبِنَاء على قُوَّة الرَّجَاء وَأَن وعد الله لَا يحمل إِلَّا على أبلغ مَا يحْتَملهُ اللَّفْظ وَالْقَوْل فِيهِ أَن الْجُمْلَة الثَّانِيَة يحْتَمل أَن تكون تكريرا لأولى كتكرير {ويل يَوْمئِذٍ للمكذبين} لتقرير مَعْنَاهَا فِي النُّفُوس وكتكرير الْمُفْرد فِي جَاءَ زيد زيد وَأَن تكون الأولى عدَّة بِأَن الْعسر مردوف باليسر لَا محَالة وَالثَّانيَِة عدَّة مستأنفة بِأَن الْعسر متبوع باليسر لَا محَالة فهما يسران على تَقْدِير الِاسْتِئْنَاف وَإِنَّمَا كَانَ الْعسر وَاحِدًا لِأَن اللَّام إِن كَانَت فِيهِ للْعهد فِي الْعسر الَّذِي كَانُوا فِيهِ فَهُوَ هُوَ لِأَن حكمه حكم زيد فِي قَوْلك إِن مَعَ زيد مَالا إِن مَعَ زيد مَالا وَإِن كَانَت للْجِنْس الَّذِي يُعلمهُ كل أحد فَهُوَ هُوَ أَيْضا وَأما الْيُسْر فمنكر متناول لبَعض الْجِنْس فَإِذا كَانَ الْكَلَام الثَّانِي مستأنفا فقد تنَاول بَعْضًا آخر وَيكون الأول مَا تيَسّر لَهُم من الْفتُوح فِي زَمَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالثَّانِي مَا تيَسّر فِي أَيَّام الْخُلَفَاء وَيحْتَمل أَن المُرَاد بهما يسر الدُّنْيَا وَيسر الْآخِرَة مثل {هَل تربصون بِنَا إِلَّا إِحْدَى الحسنيين} وهما الظفر وَالثَّوَاب اهـ مُلَخصا
وَقَالَ بَعضهم الْحق أَن فِي تَعْرِيف الأول مَا يُوجب الِاتِّحَاد وَفِي التنكير يَقع الِاحْتِمَال والقرينة تعين وبيانها هُنَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ هُوَ وَأَصْحَابه فِي عسر الدُّنْيَا فَوسعَ الله عَلَيْهِم بالفتوح والغنائم ثمَّ وعد عَلَيْهِ الصَّلَاة(1/864)
وَالسَّلَام بِأَن الْآخِرَة خيرله من الأولى فالتقدير إِن مَعَ الْعسر فِي الدُّنْيَا يسرا فِي الدُّنْيَا وَإِن مَعَ الْعسر فِي الدُّنْيَا يسرا فِي الْآخِرَة للْقطع بِأَنَّهُ لَا عسر عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة فتحققنا اتِّحَاد الْعسر وتيقنا أَن لَهُ يسرا فِي الدُّنْيَا ويسرا فِي الْآخِرَة
15 - الْخَامِس عشر قَوْلهم يجب أَن يكون الْعَامِل فِي الْحَال هُوَ الْعَامِل فِي صَاحبهَا وَهَذَا مَشْهُور فِي كتبهمْ وعَلى ألسنتهم وَلَيْسَ بِلَازِم عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَيشْهد لذَلِك أُمُور
أَحدهَا قَوْلك أعجبني وَجه زيد مُتَبَسِّمًا وصوته قَارِئًا فَإِن صَاحب الْحَال مَعْمُول للمضاف أَو الْجَار مُقَدّر وَالْحَال مَنْصُوبَة بِالْفِعْلِ
وَالثَّانِي قَوْله
1119 - (لمية موحشا طلل ... )
فَإِن صَاحب الْحَال عِنْد سِيبَوَيْهٍ النكرَة وَهُوَ عِنْده مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَلَيْسَ فَاعِلا كَمَا يَقُول الْأَخْفَش والكوفيون والناصب للْحَال الِاسْتِقْرَار الَّذِي تعلق بِهِ الظّرْف
وَالثَّالِث {وَإِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} فَإِن أمة حَال من مَعْمُول إِن وَهُوَ أمتكُم وناصب الْحَال حرف التَّنْبِيه أَو اسْم الْإِشَارَة وَمثله {وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} وَقَالَ
1120 - (هَا بَينا ذَا صَرِيح النصح فاصغ لَهُ ... )
الْعَامِل حرف التَّنْبِيه وَلَك أَن تَقول لَا نسلم أَن صَاحب الْحَال طلل بل(1/865)
ضَمِيره الْمُسْتَتر فِي الظّرْف لِأَن الْحَال حِينَئِذٍ حَال من الْمعرفَة وَأما جَوَاب ابْن خروف بِأَن الظّرْف إِنَّمَا يتَحَمَّل الضَّمِير إِذا تَأَخّر من الْمُبْتَدَأ فمخالف لإطلاقهم وَلقَوْل أبي الْفَتْح فِي
112 - ( ... عَلَيْك وَرَحْمَة الله السَّلَام)
إِن الأولى حمله على الْعَطف على ضمير الظّرْف لَا على تَقْدِيم الْمَعْطُوف على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَقد اعْترض عَلَيْهِ بِأَن تخلص عَن ضَرُورَة بِأُخْرَى وَهِي الْعَطف مَعَ عدم الْفَصْل وَلم يعْتَرض بِعَدَمِ الضَّمِير وَجَوَابه أَن عدم الْفَصْل أسهل لوروده فِي النثر ك مَرَرْت بِرَجُل سَوَاء والعدم حَتَّى قيل إِنَّه قِيَاس وَأما جَوَاب ابْن مَالك بِأَن الْحمل على طلل أولى لِأَنَّهُ ظَاهر فَإِنَّمَا يَصح لَو سَاوَى الظَّاهِر الضَّمِير فِي التَّعْرِيف وَأما الْبَوَاقِي فاتحاد الْعَامِل فِيهَا مَوْجُودا تَقْديرا إِذْ الْمَعْنى أُشير إِلَى أمتكُم وَإِلَى صِرَاطِي وتنبه لصريح النصح بَينا وَأما مسألتا الْمُضَاف إِلَيْهِ فصلاحية الْمُضَاف فيهمَا للسقوط جعل الْمُضَاف إِلَيْهِ كَأَنَّهُ مَعْمُول للْفِعْل وعَلى هَذَا فَالشَّرْط فِي الْمَسْأَلَة اتِّحَاد الْعَامِل تَحْقِيقا أَو تَقْديرا
16 - السَّادِس عشر قَوْلهم يغلب الْمُؤَنَّث على الْمُذكر فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا ضبعان فِي تَثْنِيَة ضبع للمؤنث وضبعان للمذكر إِذْ لم يَقُولُوا ضبعانان وَالثَّانيَِة التأريخ فَإِنَّهُم أَرخُوا بالليالي دون الْأَيَّام ذكر ذَلِك الْجِرْجَانِيّ وَجَمَاعَة وَهُوَ سَهْو فَإِن حَقِيقَة التغليب أَن يجْتَمع شَيْئَانِ فَيجْرِي حكم أَحدهمَا على الآخر وَلَا يجْتَمع اللَّيْل وَالنَّهَار وَلَا هُنَا تَعْبِير عَن شَيْئَيْنِ بِلَفْظ أَحدهمَا وَإِنَّمَا أرخت الْعَرَب بالليالي لسبقها إِذْ كَانَت أشهرهم قمرية وَالْقَمَر إِنَّمَا يطلع لَيْلًا وَإِنَّمَا الْمَسْأَلَة الصَّحِيحَة قَوْلك كتبته لثلاث بَين يَوْم وَلَيْلَة وضابطها أَن يكون(1/866)
مَعنا عدد مُمَيّز بمذكر ومؤنث وَكِلَاهُمَا مِمَّا لَا يعقل وفصلا من الْعدَد بِكَلِمَة بَين قَالَ
112 - (فطافت ثَلَاثًا بَين يَوْم وَلَيْلَة ... )
17 - السَّابِع عشر قَوْلهم فِي نَحْو {خلق الله السَّمَاوَات} إِن السَّمَوَات مفعول بِهِ وَالصَّوَاب أَنه مفعول مُطلق لِأَن الْمَفْعُول الْمُطلق مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الْمَفْعُول بِلَا قيد نَحْو قَوْلك ضربت ضربا وَالْمَفْعُول بِهِ مَا لَا يَقع عَلَيْهِ ذَلِك إِلَّا مُقَيّدا بِقَوْلِك بِهِ كضربت زيدا وَأَنت لَو قلت السَّمَوَات مفعول كَمَا تَقول الضَّرْب مفعول كَانَ صَحِيحا وَلَو قلت السَّمَوَات مفعول بهَا كَمَا تَقول زيد مفعول بِهِ لم يَصح
وَقد يُعَارض هَذَا بِأَن يصاغ لنَحْو السَّمَوَات فِي الْمِثَال اسْم مفعول تَامّ فَيُقَال فالسموات مخلوقة وَذَلِكَ مُخْتَصّ بالمفعول بِهِ
إِيضَاح آخر الْمَفْعُول بِهِ مَا كَانَ مَوْجُودا قبل الْفِعْل الَّذِي عمل فِيهِ ثمَّ أوقع الْفَاعِل بِهِ فعلا وَالْمَفْعُول الْمُطلق مَا كَانَ الْفِعْل الْعَامِل فِيهِ هُوَ فعل إيجاده وَالَّذِي غر أَكثر النَّحْوِيين فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَنهم يمثلون الْمَفْعُول الْمُطلق بِأَفْعَال الْعباد وهم إِنَّمَا يجْرِي على أَيْديهم إنْشَاء الْأَفْعَال لَا الذوات فتوهموا أَن الْمَفْعُول الْمُطلق لَا يكون إِلَّا حَدثا وَلَو مثلُوا بِأَفْعَال الله تَعَالَى لظهر لَهُم أَنه لَا يخْتَص بذلك لِأَن الله تَعَالَى موجد للأفعال والذوات جَمِيعًا لَا موجد لَهما فِي الْحَقِيقَة سواهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الَّذِي ذكرته الْجِرْجَانِيّ وَابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ(1/867)
وَكَذَا الْبَحْث فِي أنشأت كتابا وَعمل فلَان خيرا و {آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات}
وَزعم ابْن الْحَاجِب فِي شرح الْمفصل وَغَيره أَن الْمَفْعُول وَالْمُطلق يكون جملَة وَجعل من ذَلِك نَحْو قَالَ زيد عَمْرو منطلق وَقد مضى رده وَزعم أَيْضا فِي أنبأت زيدا عمرا فَاضلا أَن الأول مفعول بِهِ وَالثَّانِي وَالثَّالِث مفعول مُطلق لِأَنَّهُمَا نفس النبأ قَالَ بِخِلَاف الثَّانِي وَالثَّالِث فِي أعلمت زيدا عمرا فَاضلا فَإِنَّهُمَا مُتَعَلقا الْعلم لَا نَفسه وَهَذَا خطأ بل هما أَيْضا منبأ بهما لَا نفس النبأ وَهَذَا الَّذِي قَالَه لم يقلهُ أحد وَلَا يَقْتَضِيهِ النّظر الصَّحِيح
18 - الثَّامِن عشر قَوْلهم إِن كَاد إِثْبَاتهَا نفي ونفيها إِثْبَات فَإِذا قيل كَاد يفعل فَمَعْنَاه أَنه لم يفعل وَإِذا قيل لم يكد يفعل فَمَعْنَاه أَنه فعله دَلِيل لأوّل {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك عَن الَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك} وَقَوله
1123 - (كَادَت النَّفس أَن تفيض عَلَيْهِ ... )
وَدَلِيل الثَّانِي {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وَقد اشْتهر ذَلِك بَينهم حَتَّى جعله المعري لغزا فَقَالَ
(أنحوي هَذَا الْعَصْر مَا هِيَ لَفْظَة ... جرت فِي لساني جرهم وَثَمُود)
(إِذا اسْتعْملت فِي صُورَة الْجحْد أَثْبَتَت ... وَإِن أَثْبَتَت قَامَت مقَام جحود)(1/868)
وَالصَّوَاب أَن حكمهَا حكم سَائِر الْأَفْعَال فِي أَن نَفيهَا نفي وإثباتها إِثْبَات وَبَيَانه أَن مَعْنَاهَا المقاربة وَلَا شكّ أَن معنى كَاد يفعل قَارب الْفِعْل وَأَن معنى مَا كَاد يفعل مَا قَارب الْفِعْل فخبرها منفي دَائِما أما إِذا كَانَت منفية فَوَاضِح لِأَنَّهُ إِذا انْتَفَت مقاربة الْفِعْل انْتَفَى عقلا حُصُول ذَلِك الْفِعْل وَدَلِيله {إِذا أخرج يَده لم يكد يَرَاهَا} وَلِهَذَا كَانَ أبلغ من أَن يُقَال لم يرهَا لِأَن من لم ير قد يُقَارب الرُّؤْيَة وَأما إِذا كَانَت المقاربة مثبتة فَلِأَن الْإِخْبَار بِقرب الشَّيْء يَقْتَضِي عرفا عدم حُصُوله وَإِلَّا لَكَانَ الْإِخْبَار حِينَئِذٍ بحصوله لَا بمقاربة حُصُوله إِذْ لَا يحسن فِي الْعرف أَن يُقَال لمن صلى قَارب الصَّلَاة وَإِن كَانَ مَا صلى حَتَّى قَارب الصَّلَاة وَلَا فرق فِيمَا ذكرنَا بَين كَاد ويكاد فَإِن أورد على ذَلِك {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} مَعَ أَنهم قد فعلوا إِذْ المُرَاد بِالْفِعْلِ الذّبْح وَقد قَالَ تَعَالَى {فذبحوها} فَالْجَوَاب أَنه إِخْبَار عَن حَالهم فِي أول الْأَمر فَإِنَّهُم كَانُوا أَولا بعداء من ذَبحهَا بِدَلِيل مَا يُتْلَى علينا من تعنتهم وتكرر سُؤَالهمْ وَلَا كثر اسْتِعْمَال مثل هَذَا فِيمَن انْتَفَت عَنهُ مقاربة الْفِعْل أَولا ثمَّ فعله بعد ذَلِك توهم من توهم أَن هَذَا الْفِعْل بِعَيْنِه هُوَ الدَّال على حُصُول ذَلِك الْفِعْل بِعَيْنِه وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا فهم حُصُول الْفِعْل من دَلِيل آخر كَمَا فهم فِي الْآيَة من قَوْله تَعَالَى {فذبحوها}
19 - التَّاسِع عشر قَوْلهم فِي السِّين وسوف حرف تَنْفِيس وَالْأَحْسَن حرف اسْتِقْبَال لِأَنَّهُ أوضح وَمعنى التَّنْفِيس التوسيع فَإِن هَذَا الْحَرْف ينْقل الْفِعْل عَن الزَّمن الضّيق وَهُوَ الْحَال إِلَى الزَّمن الْوَاسِع وَهُوَ الِاسْتِقْبَال(1/869)
وَهَاهُنَا تَنْبِيهَانِ
أَحدهمَا أَن الزَّمَخْشَرِيّ قَالَ فِي {أُولَئِكَ سيرحمهم الله} إِن السِّين مفيدة وجود الرَّحْمَة لَا محَالة فَهِيَ مُؤَكدَة للوعد وَاعْتَرضهُ بعض الْفُضَلَاء بِأَن وجود الرَّحْمَة مُسْتَفَاد من الْفِعْل لَا من السِّين وَبِأَن الْوُجُوب الْمشَار إِلَيْهِ بقوله لَا محَالة لَا إِشْعَار للسين بِهِ وَأجِيب بِأَن السِّين مَوْضُوعَة للدلالة على الْوُقُوع مَعَ التَّأَخُّر فَإِذا كَانَ الْمقَام لَيْسَ مقَام تَأَخّر لكَونه بِشَارَة تمحضت لإِفَادَة الْوُقُوع وبتحقق الْوُقُوع يصل إِلَى دَرَجَة الْوُجُوب
الثَّانِي
قَالَ بَعضهم فِي {سَتَجِدُونَ آخَرين} السِّين للاستمرار لَا للاستقبال مثل {سَيَقُولُ السُّفَهَاء} فَإِنَّهَا نزلت بعد قَوْلهم {مَا ولاهم عَن قبلتهم} الْآيَة وَلَكِن دخلت السِّين إشعارا بالاستمرار اه
وَالْحق أَنَّهَا للاستقبال وَأَن يَقُول بِمَعْنى يسْتَمر على القَوْل وَذَلِكَ مُسْتَقْبل فَهَذَا فِي الْمُضَارع نَظِير {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا آمنُوا} فِي الْأَمر هَذَا إِن سلم أَن قَوْلهم سَابق على النُّزُول وَهُوَ خلاف الْمَفْهُوم من كَلَام الزَّمَخْشَرِيّ فَإِنَّهُ سَأَلَ مَا الْحِكْمَة فِي الْإِعْلَام بذلك قبل وُقُوعه
20 - تَمام الْعشْرين قَوْلهم فِي نَحْو جَلَست أَمَام زيد إِن زيدا مخفوض بالظرف وَالصَّوَاب أَن يُقَال مخفوض بِالْإِضَافَة فَإِنَّهُ لَا مدْخل فِي الْخَفْض لخصوصية كَون الْمُضَاف ظرفا(1/870)
خَاتِمَة
يَنْبَغِي للمعرب أَن يتَخَيَّر من الْعبارَات أوجزها وأجمعها للمعنى المُرَاد فَيَقُول فِي نَحْو ضرب فعل مَاض لم يسم فَاعله وَلَا يَقُول مَبْنِيّ لما لم يسم فَاعله لطول ذَلِك وخفائه وَأَن يَقُول فِي الْمَرْفُوع بِهِ نَائِب عَن الْفَاعِل وَلَا يَقُول مفعول مَا لم يسم فَاعله لذَلِك ولصدق هَذِه الْعبارَة على الْمَنْصُوب من نَحْو أعطي زيد دِينَارا أَلا ترى أَنه مفعول لأعطي وَأعْطِي لم يسم فَاعله وَأما النَّائِب عَن الْفَاعِل فَلَا يصدق إِلَّا على الْمَرْفُوع وَأَن يَقُول فِي قد حرف لتقليل زمن الْمَاضِي وَحدث الْآتِي ولتحقيق حَدثهمَا وَفِي أما حرف شَرط وتفصيل وتوكيد وَفِي لم حرف جزم لنفي الْمُضَارع وَقَلبه مَاضِيا وَيزِيد فِي لما الجازمة مُتَّصِلا نَفْيه متوقعا ثُبُوته وَفِي الْوَاو حرف عطف لمُجَرّد الْجمع أَو لمُطلق الْجمع وَلَا يَقُول للْجمع الْمُطلق وَفِي حَتَّى حرف عطف للْجمع والغاية وَفِي ثمَّ حرف عطف للتَّرْتِيب والمهلة وَفِي الْفَاء حرف عطف للتَّرْتِيب والتعقيب وَإِذا اختصرت فِيهِنَّ فَقل عاطف ومعطوف وناصب ومنصوب وجازم ومجزوم كَمَا تَقول جَار ومجرور(1/871)
الْبَاب السَّابِع
من كتاب
فِي كَيْفيَّة الْإِعْرَاب
والمخاطب بمعظم هَذَا الْبَاب المبتدئون
اعْلَم أَن اللَّفْظ الْمعبر عَنهُ إِن كَانَ حرفا وَاحِدًا عبر عَنهُ باسمه الْخَاص بِهِ أَو الْمُشْتَرك فَيُقَال فِي الْمُتَّصِل بِالْفِعْلِ من نَحْو ضربت التَّاء فَاعل أَو الضَّمِير فَاعل وَلَا يُقَال ت فَاعل كَمَا بَلغنِي عَن بعض المعلمين إِذْ لَا يكون اسْم ظَاهر هَكَذَا فَأَما الْكَاف الاسمية فَإِنَّهَا مُلَازمَة للاضافة فاعتمدت على الْمُضَاف إِلَيْهِ وَلِهَذَا إِذا تَكَلَّمت على إعرابها جِئْت باسمها فَقلت فِي نَحْو قَوْله
1124 - (وَمَا هداك إِلَى أَرض كعالمها ... )
الْكَاف فَاعل وَلَا تَقول ك فَاعل لزوَال مَا تعتمد عَلَيْهِ وَيجوز فِي نَحْو م الله وق نَفسك وش الثَّوْب ول هَذَا الْأَمر أَن تنطق بلفظها فَتَقول م مُبْتَدأ وَذَلِكَ على القَوْل بِأَنَّهَا بعض ايمن وَتقول ق فعل أَمر لِأَن الْحَذف فِيهِنَّ عَارض فَاعْتبر فِيهِنَّ الأَصْل وَتقول الْبَاء حرف جر وَالْوَاو حرف عطف وَلَا تنطق بلفظهما(1/872)
وَإِن كَانَ اللَّفْظ على حرفين نطق بِهِ فَقيل قد حرف تَحْقِيق وَهل حرف اسْتِفْهَام ونا فَاعل أَو مفعول وَالْأَحْسَن أَن تعبر عَنْك بِقَوْلِك الضَّمِير لِئَلَّا تنطق بالمتصل مُسْتقِلّا وَلَا يجوز أَن تنطق باسم شَيْء من ذَلِك كَرَاهِيَة الإطالة وعَلى هَذَا فَقَوْلهم أل أَقيس من قَوْلهم الْألف وَاللَّام وَقد اسْتعْمل التَّعْبِير بهما الْخَلِيل وسيبويه
وَإِن كَانَ أَكثر من ذَلِك نطق بِهِ أَيْضا فَقيل سَوف حرف اسْتِقْبَال وَضرب فعل مَاض وَضرب هَذَا اسْم وَلِهَذَا أخبر عَنْهَا بِقَوْلِك فعل مَاض وَإِنَّمَا فتحت على الْحِكَايَة يدلك على مَا ذكرنَا أَن الْفِعْل مَا دلّ على حدث وزمان وَضرب هُنَا لَا تدل على ذَلِك وَأَن الْفِعْل لَا يَخْلُو عَن الْفَاعِل فِي حَالَة التَّرْكِيب وَهَذَا لَا يَصح أَن يكون لَهُ فَاعل وَمِمَّا يُوضح لَك ذَلِك أَنَّك تَقول فِي زيد من ضرب زيد زيد مَرْفُوع بِضَرْب أَو فَاعل بِضَرْب فَتدخل الْجَار عَلَيْهِ وَقَالَ لي بَعضهم لَا دَلِيل فِي ذَلِك لِأَن الْمَعْنى بِكَلِمَة ضرب فَقلت لَهُ وَكَيف وَقع ضرب مُضَافا إِلَيْهِ مَعَ أَنه فِي ذَلِك لَيْسَ باسم فِي زعمك فَإِن قلت فَإِذا كَانَ اسْما فَكيف أخْبرت عَنهُ بِأَنَّهُ فعل قلت هُوَ نَظِير الْإِخْبَار فِي قَوْلك زيد قَائِم أَلا ترى أَنَّك أخْبرت عَن زيد بِاعْتِبَار مُسَمَّاهُ لَا بِاعْتِبَار لَفظه وَكَذَلِكَ أخْبرت عَن ضرب بِاعْتِبَار مُسَمَّاهُ وَهُوَ ضرب الَّذِي يدل على الْحَدث وَالزَّمَان فَهَذَا فِي أَنه لفظ مُسَمَّاهُ لفظ كأسماء السُّور وَأَسْمَاء حُرُوف المعجم وَمن هُنَا قلت حرف التَّعْرِيف أل فَقطعت الْهمزَة وَذَلِكَ لِأَنَّك لما نقلت اللَّفْظ من الحرفية إِلَى الاسمية أجريت عَلَيْهِ قِيَاس همزات الْأَسْمَاء كَمَا أَنَّك إِذا سميت ب إضرب قطعت همزته وَأما قَول ابْن مَالك إِن الْإِسْنَاد اللَّفْظِيّ يكون فِي الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال والحروف وَإِن الَّذِي يخْتَص بِهِ الِاسْم هُوَ الْإِسْنَاد الْمَعْنَوِيّ فَلَا تَحْقِيق فِيهِ(1/873)
وَقَالَ لي بَعضهم كَيفَ تتوهم أَن ابْن مَالك اشْتبهَ عَلَيْهِ الْأَمر فِي الِاسْم وَالْفِعْل والحرف فَقلت كَيفَ توهم ابْن مَالك أَن النَّحْوِيين كَافَّة غلطوا فِي قَوْلهم إِن الْفِعْل يخبر بِهِ وَلَا يخبر عَنهُ وَإِن الْحَرْف لَا يخبر بِهِ وَلَا عَنهُ وَمِمَّنْ قلد ابْن مَالك فِي هَذَا الْوَهم أَبُو حَيَّان
وَلَا بُد للمتكلم على الِاسْم أَن يذكر مَا يَقْتَضِي وَجه إعرابه كَقَوْلِك مُبْتَدأ خبر فَاعل مُضَاف إِلَيْهِ وَأما قَول كثير من المعربين مُضَاف أَو مَوْصُول أَو اسْم إِشَارَة فَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء لَا تسْتَحقّ إعرابا مَخْصُوصًا فالاقتصار فِي الْكَلَام عَلَيْهَا على هَذَا الْقدر لَا يعلم بِهِ موقعها من الْإِعْرَاب وَإِن كَانَ المبحوث فِيهِ مَفْعُولا عين نَوعه فَقيل مفعول مُطلق أَو مفعول بِهِ أَو لأَجله أَو مَعَه أَو فِيهِ وَجرى اصطلاحهم على أَنه إِذا قيل مفعول وَأطلق لم يرد إِلَّا الْمَفْعُول بِهِ لما كَانَ أَكثر المفاعيل دورا فِي الْكَلَام خففوا اسْمه وَإِنَّمَا كَانَ حق ذَلِك أَلا يصدق إِلَّا على الْمَفْعُول الْمُطلق وَلَكنهُمْ لَا يطلقون على ذَلِك اسْم الْمَفْعُول إِلَّا مُقَيّدا بِقَيْد الْإِطْلَاق وَإِن عين الْمَفْعُول فِيهِ فَقيل ظرف زمَان أَو مَكَان فَحسن وَلَا بُد من بَيَان مُتَعَلّقه كَمَا فِي الْجَار وَالْمَجْرُور الَّذِي لَهُ مُتَعَلق وَإِن كَانَ الْمَفْعُول بِهِ مُتَعَددًا عينت كل وَاحِد فَقلت مفعول أول أَو ثَان أَو ثَالِث
وَيَنْبَغِي أَن تعين للمبتدىء نوع الْفِعْل فَتَقول فعل مَاض أَو فعل مضارع أَو فعل أَمر وَتقول فِي نَحْو تلظى فعل مضارع أَصله تتلظى وَتقول فِي الْمَاضِي مَبْنِيّ على الْفَتْح وَفِي الْأَمر مَبْنِيّ على مَا يجْزم بِهِ مضارعه وَفِي نَحْو {يَتَرَبَّصْنَ} مَبْنِيّ على السّكُون لاتصاله بنُون الْإِنَاث وَفِي نَحْو {لينبذن} مَبْنِيّ على الْفَتْح لمباشرته لنون التوكيد وَتقول فِي الْمُضَارع المعرب مَرْفُوع لخلوله مَحل الِاسْم(1/874)
وَتقول مَنْصُوب بِكَذَا أَو بإضمار أَن ومجزوم بِكَذَا وَيبين علامه الرّفْع وَالنّصب والجزم وَإِن كَانَ الْفِعْل نَاقِصا نَص عَلَيْهِ فَقَالَ مثلا كَانَ فعل مَاض نَاقص رفع الِاسْم وَينصب الْخَبَر وَإِن كَانَ المعرب حَالا فِي غير مَحَله عين ذَلِك فَقيل فِي قَائِم مثلا من نَحْو قَائِم زيد خبر مقدم ليعلم أَنه فَارق مَوْضِعه الْأَصْلِيّ وليتطلب مبتدأه وَفِي نَحْو {وَلَو ترى إِذْ يتوفى الَّذين كفرُوا الْمَلَائِكَة} الَّذين مفعول مقدم ليتطلب فَاعله وَإِن كَانَ الْخَبَر مثلا غير مَقْصُود لذاته قيل خبر موطىء ليعلم أَن الْمَقْصُود مَا بعده كَقَوْلِه تَعَالَى {بل أَنْتُم قوم تجهلون} وَقَوله
1125 - (كفى بجسمي نحولا أنني رجل ... لَوْلَا مخاطبتي إياك لم ترني)
وَلِهَذَا أُعِيد الضَّمِير بعد قوم وَرجل إِلَى مَا قبلهمَا لَا إِلَيْهِمَا وَمثله الْحَال الموطئة فِي نَحْو {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا}
وَإِن كَانَ المبحوث فِيهِ حرفا بَين نَوعه وَمَعْنَاهُ وَعَمله إِن كَانَ عَاملا فَقَالَ مثلا إِن حرف توكيد تنصب الِاسْم وترفع الْخَبَر لن حرف نفي وَنصب واستقبال أَن حرف مصدري ينصب الْفِعْل الْمُضَارع لم حرف نفي يجْزم الْمُضَارع ويقلبه مَاضِيا ثمَّ بعد الْكَلَام على الْمُفْردَات يتَكَلَّم على الْجمل ألها مَحل أم لَا
فصل
وَأول مَا يحْتَرز مِنْهُ المبتدىء فِي صناعَة الْإِعْرَاب ثَلَاثَة أُمُور(1/875)
أَحدهَا أَن يلتبس عَلَيْهِ الْأَصْلِيّ بِالزَّائِدِ ومثاله أَنه إِذا سمع أَن أل من عَلَامَات الِاسْم وَأَن أحرف نأيت من عَلَامَات الْمُضَارع وَأَن تَاء الْخطاب من عَلَامَات الْمَاضِي وَأَن الْوَاو وَالْفَاء من أحرف الْعَطف وَأَن الْبَاء وَاللَّام من أحرف الْجَرّ وَأَن فعل مَا لم يسم فَاعله مضموم الأول سبق وهمه إِلَى أَن ألفيت وألهبت اسمان وَأَن أكرمت وتعلمت مضارعان وَأَن وعظ وَفسخ عاطفان ومعطوفان وَأَن نَحْو بَيت وَبَين وَلَهو وَلعب كل مِنْهَا جَار ومجرور وَأَن نَحْو أدحرج مَبْنِيّ لما لم يسم فَاعله وَقد سَمِعت من يعرب {أَلْهَاكُم التكاثر} مُبْتَدأ وخبرا فظنهما مثل قَوْلك المنطلق زيد وَنَظِير هَذَا الْوَهم قِرَاءَة كثير من الْعَوام {نَار حامية أَلْهَاكُم التكاثر} بِحَذْف الْألف كَمَا تحذف أول السُّورَة فِي الْوَصْل فَيُقَال {لخبير}
وَذكر لي عَن رجل كَبِير من الْفُقَهَاء مِمَّن يقْرَأ علم الْعَرَبيَّة أَنه اسْتشْكل قَول الشريف المرتضى
1126 - (أتبيت رَيَّان الجفون من الْكرَى ... وأبيت مِنْك بليلة الملسوع)
وَقَالَ كَيفَ ضم التَّاء من تبيت وَهِي للمخاطب لَا للمتكلم وَفتحهَا من أَبيت وَهُوَ للمتكلم لَا للمخاطب فبينت للحاكي أَن الْفِعْلَيْنِ مضارعان وَأَن التَّاء فيهمَا لَام الْكَلِمَة وَأَن الْخطاب فِي الأول مُسْتَفَاد من تَاء المضارعة والتكلم(1/876)
فِي الثَّانِي مُسْتَفَاد من الْهمزَة وَالْأول مَرْفُوع لحلوله مَحل الِاسْم وَالثَّانِي مَنْصُوب بِأَن مضمرة بعد وَاو المصاحبة على حد قَول الحطيئة
1127 - (ألم أك جاركم وَيكون بيني ... وَبَيْنكُم الْمَوَدَّة والإخاء)
وَحكى العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف أَنه قيل لبَعْضهِم مَا فعل أَبوك بحماره فَقَالَ بَاعه فَقيل لَهُ لم قلت بَاعه قَالَ فَلم قلت أَنْت بحماره فَقَالَ أَنا جررته بِالْبَاء فَقَالَ فَلم تجر باؤك وبائي لَا تجر
وَمثله من الْقيَاس الْفَاسِد مَا حَكَاهُ أَبُو بكر التاريخي فِي كتاب أَخْبَار النَّحْوِيين أَن رجلا قَالَ لسماك بِالْبَصْرَةِ بكم هَذِه السَّمَكَة فَقَالَ بدرهمان فَضَحِك الرجل فَقَالَ السماك أَنْت أَحمَق سَمِعت سِيبَوَيْهٍ يَقُول ثمنهَا دِرْهَمَانِ
وَقلت يَوْمًا ترد الْجُمْلَة الاسمية الحالية بِغَيْر وَاو فِي فصيح الْكَلَام خلافًا للزمخشري كَقَوْلِه تَعَالَى {وَيَوْم الْقِيَامَة ترى الَّذين كذبُوا على الله وُجُوههم مسودة} فَقَالَ بعض من حضر هَذِه الْوَاو فِي أَولهَا
وَقلت يَوْمًا الْفُقَهَاء يلحنون فِي قَوْلهم البايع بِغَيْر همز فَقَالَ قَائِل فقد قَالَ الله تَعَالَى {فبايعهن}
وَقَالَ الطَّبَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {أَثم إِذا مَا وَقع} إِن ثمَّ بِمَعْنى هُنَالك(1/877)
وَقَالَ جمَاعَة من المعربين فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ} فِي قِرَاءَة ابْن عَامر وَأبي بكر بنُون وَاحِدَة إِن الْفِعْل مَاض وَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ آخِره مَفْتُوحًا وَالْمُؤمنِينَ مَرْفُوعا
فَإِن قيل سكنت الْيَاء للتَّخْفِيف كَقَوْلِه
1128 - (هُوَ الْخَلِيفَة فارضوا مَا رَضِي لكم ... )
وأقيم ضمير الْمصدر مقَام الْفَاعِل
قُلْنَا الإسكان ضَرُورَة وَإِقَامَة غير الْمَفْعُول بِهِ مقَامه مَعَ وجوده ممتنعة بل إِقَامَة ضمير الْمصدر ممتنعة وَلَو كَانَ وَحده لِأَنَّهُ مُبْهَم
وَمِمَّا يشْتَبه نَحْو توَلّوا بعد الْجَازِم والناصب والقرائن تبين فَهُوَ فِي نَحْو {فَإِن توَلّوا فَقل حسبي الله} مَاض وَفِي نَحْو {وَإِن توَلّوا فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم} {فَإِن توَلّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حمل وَعَلَيْكُم مَا حملتم} مضارع وَقَوله تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان} الأول أَمر وَالثَّانِي مضارع لِأَن النَّهْي لَا يدْخل على الْأَمر وتلظى فِي {فأنذرتكم نَارا تلظى} مضارع وَإِلَّا لقيل تلظت وَكَذَا تمنى من قَوْله
1129 - (تمنى ابنتاي أَن يعِيش أَبوهُمَا ... )(1/878)
وَوهم ابْن مَالك فَجعله مَاضِيا من بَاب
1130 - ( ... وَلَا أَرض أبقل إبقالها)
وَهَذَا حمل على الضَّرُورَة من غير ضَرُورَة
وَمِمَّا يلتبس على المبتدىء أَن يَقُول فِي نَحْو مَرَرْت بقاض إِن الكسرة عَلامَة الْجَرّ حَتَّى إِن بَعضهم يسْتَشْكل قَوْله تَعَالَى {لَا ينْكِحهَا إِلَّا زَان أَو مُشْرك} وَقد سَأَلَني بَعضهم عَن ذَلِك فَقَالَ كَيفَ عطف الْمَرْفُوع على الْمَجْرُور فَقلت فَهَلا استشكلت وُرُود الْفَاعِل مجرورا وبينت لَهُ أَن الأَصْل زاني بباء مَضْمُومَة ثمَّ حذفت الضمة للاستثقال ثمَّ حذفت الْيَاء لالتقائها سَاكِنة هِيَ والتنوين فَيُقَال فِيهِ فَاعل وعلامة رَفعه ضمة مقدرَة على الْيَاء المحذوفة وَيُقَال فِي نَحْو مَرَرْت بقاض جَار ومجرور وعلامة جرة كسرة مقدرَة على الْيَاء المحذوفة وَفِي نَحْو {وَالْفَجْر وليال عشر} وَالْفَجْر جَار ومجرور وليال عاطف ومعطوف وعلامة جَرّه فَتْحة مقدرَة على الْيَاء المحذوفة وَإِنَّمَا قدرت الفتحة مَعَ خفتها لنيابتها عَن الكسرة ونائب الثقيل ثقيل وَلِهَذَا حذفت الْوَاو فِي يهب كَمَا حذفت فِي يعد وَلم تحذف فِي يوجل لِأَن فَتحته لَيست نائبة عَن الكسرة لِأَن مَاضِيَة وَجل بِالْكَسْرِ فَقِيَاس مضارعه الْفَتْح وماضيهما فعل بِالْفَتْح فَقِيَاس مضارعهما الْكسر وَقد جَاءَ يعد على ذَلِك وَأما يهب فَإِن الفتحة فِيهِ عارضة لحرف الْحلق
وَمن هُنَا أَيْضا قَالَ أَبُو الْحسن فِي يَا غُلَاما يَا غُلَام بِحَذْف الْألف وَإِن كَانَت أخف الْحُرُوف لِأَن أَصْلهَا الْيَاء(1/879)
وَمن ذَلِك أَن يُبَادر فِي نَحْو المصطفين والأعلين إِلَى الحكم بِأَنَّهُ مثنى وَالصَّوَاب أَن ينظر أَولا فِي نونه فَإِن وجدهَا مَفْتُوحَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُم عندنَا لمن المصطفين الأخيار} حكم بِأَنَّهُ جمع وَفِي الْآيَة دَلِيل ثَان وَهُوَ وَصفه بِالْجمعِ وثالث وَهُوَ دُخُول من التبعيضية عَلَيْهِ بعد {وَأَنَّهُمْ} ومحال أَن يكون الْجمع من الِاثْنَيْنِ وَقَالَ الْأَحْنَف بن قيس
113 - (تحلم عَن الأدنين واستبق ودهم ... وَلنْ تَسْتَطِيع الْحلم حَتَّى تحلما)
وَمن ذَلِك أَن يعرب الْيَاء وَالْكَاف وَالْهَاء فِي نَحْو غلامي أكرمني وغلامك أكرمك وَغُلَامه أكْرمه إعرابا وَاحِدًا أَو بعكس الصَّوَاب فَليعلم أَنَّهُنَّ إِذا اتصلن بِالْفِعْلِ كن مفعولات وَإِن اتصلن بِالِاسْمِ كن مُضَافا إلَيْهِنَّ وَيسْتَثْنى من الأول نَحْو أرأيتك زيدا مَا صنع وأبصرك زيدا فَإِن الْكَاف فيهمَا حرف خطاب وَمن الثَّانِي نَوْعَانِ نوع لَا مَحل فِيهِ لهَذِهِ الْأَلْفَاظ وَذَلِكَ نَحْو قَوْلهم ذَلِك وَتلك وإياي وَإِيَّاك وإياه فَإِنَّهُنَّ أحرف تكلم وخطاب وغيبة وَنَوع هِيَ فِيهِ فِي مَحل نصب وَذَلِكَ نَحْو الضاربك والضاربه على قَول سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ لَا يُضَاف الْوَصْف الَّذِي ب ال إِلَى عَار مِنْهَا وَنَحْو قَوْلهم لَا عهد لي بألأم قفا مِنْهُ وَلَا أوضعه بِفَتْح الْعين فالهاء فِي مَوضِع نصب كالهاء فِي الضاربة إِلَّا أَن ذَلِك مفعول وَهَذَا مشبه بالمفعول لِأَن اسْم التَّفْضِيل لَا ينصب الْمَفْعُول إِجْمَاعًا وَلَيْسَت مُضَافا إِلَيْهَا وَإِلَّا لخفض أوضع بالكسرة وعَلى ذَلِك فَإِذا قلت مَرَرْت بِرَجُل أَبيض الْوَجْه لَا أحمره فان فتحت الرَّاء فالهاء مَنْصُوبَة الْمحل وَإِن كسرتها فَهِيَ مجرورته وَمن ذَلِك قَوْله(1/880)
113 - ( ... فَإِن نِكَاحهَا مطر حرَام)
فِيمَن رَوَاهُ بجر مطر فَالضَّمِير مَنْصُوب على المفعولية وَهُوَ فاصل بَين المتضايفين
تَنْبِيه
إِذا قلت رويدك زيدا فَإِن قدرت رويدا اسْم فعل فالكاف حرف خطاب وَإِن قدرته مصدرا فَهُوَ اسْم مُضَاف اليه وَمحله الرّفْع لِأَنَّهُ فَاعل
وَالثَّانِي أَن يجْرِي لِسَانه إِلَى عبارَة اعتادها فيستعملها فِي غير محلهَا كَأَن يَقُول فِي كنت وَكَانُوا فِي النَّاقِصَة فعل وفاعل لما ألف من قَول ذَلِك فِي نَحْو فعلت وفعلوا وَأما تَسْمِيَة الأقدمين الِاسْم فَاعِلا وَالْخَبَر مَفْعُولا فَهُوَ اصْطِلَاح غير مألوف وَهُوَ مجَاز كتسميتهم الصُّورَة الجميلة دمية والمبتدىء إِنَّمَا يَقُوله على سَبِيل الْغَلَط فَلذَلِك يعاب عَلَيْهِ
وَالثَّالِث أَن يعرب شَيْئا طَالبا لشَيْء ويهمل النّظر فِي ذَلِك الْمَطْلُوب كَأَن يعرب فعلا وَلَا يتطلب فَاعله أَو مُبْتَدأ وَلَا يتَعَرَّض لخبره بل رُبمَا مر بِهِ فأعربه بِمَا لَا يسْتَحقّهُ وَنسي مَا تقدم لَهُ
فَإِن قلت فَهَل من ذَلِك قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم} الْآيَة قد أهمتهم صفة لطائفة ويظنون صفة أُخْرَى أَو(1/881)
حَال بِمَعْنى قد أهمتهم أنفسهم ظانين أَو اسْتِئْنَاف على وَجه الْبَيَان للجملة قبلهَا وَيَقُولُونَ بدل من يظنون فَكَأَنَّهُ نسي الْمُبْتَدَأ فَلم يَجْعَل شَيْئا من هَذِه الْجمل خَبرا لَهُ
قلت لَعَلَّه رأى أَن خَبره مَحْذُوف أَي وَمَعَكُمْ طَائِفَة صفتهمْ كَيْت وَكَيْت وَالظَّاهِر أَن الْجُمْلَة الأولى خبر وَأَن الَّذِي سوغ الِابْتِدَاء بالنكرة صفة مقدرَة أَي وَطَائِفَة من غَيْركُمْ مثل السّمن منوان بدرهم أَي مِنْهُ أَو اعْتِمَاده على وَاو الْحَال كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث دخلا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وبرمة على النَّار
وَسَأَلت كثيرا من الطّلبَة عَن إِعْرَاب أَحَق مَا سَأَلَ العَبْد مَوْلَاهُ فَيَقُولُونَ مَوْلَاهُ مفعول فَيبقى لَهُم الْمُبْتَدَأ بِلَا خبر وَالصَّوَاب أَنه الْخَبَر وَالْمَفْعُول الْعَائِد الْمَحْذُوف أَي سَأَلَهُ وعَلى هَذَا فَيُقَال أَحَق مَا سَأَلَ العَبْد ربه بِالرَّفْع وَعَكسه
1133 - (إِن مصابك الْمولى قَبِيح ... )
يذهب الْوَهم فِيهِ إِلَى أَن الْمولى خبر بِنَاء على أَن الْمُصَاب اسْم مفعول وَإِنَّمَا هُوَ مفعول والمصاب مصدر بِمَعْنى الْإِصَابَة بِدَلِيل مَجِيء الْخَبَر بعده وَمن هُنَا أَخطَأ من قَالَ فِي مجْلِس الواثق بِاللَّه فِي قَوْله
1134 - (أظلوم إِن مصابكم رجلا ... أهْدى السَّلَام تَحِيَّة ظلم)
إِنَّه بِرَفْع رجل وَقد مَضَت الْحِكَايَة
تَنْبِيه
قد يكون للشَّيْء إِعْرَاب إِذا كَانَ وَحده فَإِذا اتَّصل بِهِ شَيْء آخر تغير إعرابه فَيَنْبَغِي التَّحَرُّز فِي ذَلِك(1/882)
من ذَلِك مَا أَنْت وَمَا شَأْنك فَإِنَّهُمَا مُبْتَدأ وَخبر إِذا لم تأت بعدهمَا بِنَحْوِ قَوْلك وزيدا فَإِن جِئْت بِهِ فَأَنت مَرْفُوع بِفعل مَحْذُوف وَالْأَصْل مَا تصنع أَو مَا تكون فَلَمَّا حذف الْفِعْل برز الضَّمِير وانفصل وارتفاعه بالفاعلية أَو على أَنه اسْم لَكَانَ وشأنك بِتَقْدِير مَا يكون وَمَا فيهمَا فِي مَوضِع نصب خَبرا ليَكُون أَو مَفْعُولا لتصنع وَمثل ذَلِك كَيفَ أَنْت وزيدا إِلَّا أَنَّك إِذا قدرت تصنع كَانَ كَيفَ حَالا إِذْ لَا تقع مَفْعُولا بِهِ
وَكَذَلِكَ يخْتَلف إِعْرَاب الشَّيْء بِاعْتِبَار الْمحل الَّذِي يحل فِيهِ وَسَأَلت طَالبا مَا حَقِيقَة كَانَ إِذا ذكرت فِي قَوْلك مَا أحسن زيدا فَقَالَ زَائِدَة بِنَاء مِنْهُ على أَن الْمِثَال المسؤول عَنهُ مَا كَانَ أحسن زيدا وَلَيْسَ فِي السُّؤَال تعْيين ذَلِك وَالصَّوَاب الاستفصال فَإِنَّهَا فِي هَذَا الْموضع زَائِدَة كَمَا ذكر وَلَيْسَ لَهَا اسْم وَلَا خبر لِأَنَّهَا قد جرت مجْرى الْحُرُوف كَمَا أَن قل فِي قَلما يقوم زيد لما اسْتعْملت اسْتِعْمَال مَا النافية لم تحتج لفاعل هَذَا قَول الْفَارِسِي والمحققين وَعند أبي سعيد هِيَ تَامَّة وفاعلها ضمير الْكَوْن وَعند بَعضهم هِيَ نَاقِصَة وَاسْمهَا ضمير مَا وَالْجُمْلَة بعْدهَا خَبَرهَا وَإِن ذكرت بعد فعل التَّعَجُّب وَجب الْإِتْيَان قبلهَا بِمَا المصدرية وَقيل مَا أحسن مَا كَانَ زيد وَكَانَ تَامَّة وَأَجَازَ بَعضهم أَنَّهَا نَاقِصَة على تَقْدِير مَا اسْما مَوْصُولا وَأَن ينصب زيد على أَنه الْخَبَر أَي مَا أحسن الَّذِي كَانَ زيدا ورد بِأَن مَا أحسن زيدا مغن عَنهُ(1/883)
الْبَاب الثَّامِن
من الْكتاب
فِي ذكر أُمُور كُلية يتَخَرَّج عَلَيْهَا مَالا ينْحَصر من الصُّور الْجُزْئِيَّة
وَهِي إِحْدَى عشرَة قَاعِدَة
الْقَاعِدَة الأولى
قد يعْطى الشَّيْء حكم مَا أشبهه فِي مَعْنَاهُ أَو فِي لَفظه أَو فيهمَا
1 - فَأَما الأول فَلهُ صور كَثِيرَة
إِحْدَاهَا دُخُول الْبَاء فِي خبر أَن فِي قَوْله تَعَالَى {أَو لم يرَوا أَن الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلم يعي بخلقهن بِقَادِر} لِأَنَّهُ فِي معنى أَو لَيْسَ الله بِقَادِر وَالَّذِي سهل ذَلِك التَّقْدِير تبَاعد مَا بَينهمَا وَلِهَذَا لم تدخل فِي {أولم يرَوا أَن الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض قَادر على أَن يخلق مثلهم}
وَمثله إِدْخَال الْبَاء فِي {كفى بِاللَّه شَهِيدا} لما دخله من معنى اكتف بِاللَّه شَهِيدا بِخِلَاف قَوْله
1135 - (قَلِيل مِنْك يَكْفِينِي وَلَكِن ... )(1/884)
وَفِي قَوْله
1136 - ( ... سود المحاجر لَا يقْرَأن بالسور)
لما دخله من معنى لَا يتقربن بِقِرَاءَة السُّور وَلِهَذَا قَالَ السُّهيْلي لَا يجوز أَن تَقول وصل إِلَيّ كتابك فَقَرَأت بِهِ على حد قَوْله
( ... لَا يقْرَأن بالسور)
لِأَنَّهُ عَار عَن معنى التَّقَرُّب
وَالثَّانيَِة جَوَاز حذف خبر الْمُبْتَدَأ فِي نَحْو إِن زيدا قَائِم وَعَمْرو اكْتِفَاء بِخَبَر إِن لما كَانَ إِن زيدا قَائِم فِي معنى زيد قَائِم وَلِهَذَا لم يجز لَيْت زيدا قَائِم وَعَمْرو
وَالثَّالِثَة جَوَاز أَنا زيدا غير ضَارب لما كَانَ فِي معنى أَنا زيدا لَا أضْرب وَلَوْلَا ذَلِك لم يجز إِذْ لَا يتَقَدَّم الْمُضَاف إِلَيْهِ على الْمُضَاف فَكَذَا لَا يتَقَدَّم معموله لَا تَقول أَنا زيدا أول ضَارب أَو مثل ضَارب وَدَلِيل الْمَسْأَلَة قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ فِي الْخِصَام غير مُبين} وَقَول الشَّاعِر
1137 - (فَتى هُوَ حَقًا غير ملغ توله ... وَلَا تتَّخذ يَوْمًا سواهُ خَلِيلًا)
وَقَوله
1138 - (إِن امْرأ خصني يَوْمًا مودته ... على التنائي لعندي غير مكفور)
وَيحْتَمل أَن يكون مِنْهُ {فَذَلِك يَوْمئِذٍ يَوْم عسير على الْكَافرين غير يسير}(1/885)
وَيحْتَمل تعلق على بعسير أَو بِمَحْذُوف هُوَ نعت لَهُ أَو حَال من ضَمِيره وَلَو قلت جَاءَنِي غير ضَارب زيدا لم يجز التَّقْدِيم لِأَن النَّافِي هُنَا لَا يحل مَكَان غير
وَالرَّابِعَة جَوَاز غير قَائِم الزيدان لما كَانَ فِي معنى مَا قَائِم الزيدان وَلَوْلَا ذَلِك لم يجز لِأَن الْمُبْتَدَأ إِمَّا أَن يكون ذَا خبر أَو ذَا مَرْفُوع يُغني عَن الْخَبَر وَدَلِيل الْمَسْأَلَة قَوْله
1139 - (غير لاه عداك فاطرح اللَّهْو ... وَلَا تغترر بِعَارِض سلم)
وَهُوَ أحسن مَا قيل فِي بَيت أبي نواس
1140 - (غير مأسوف على زمن ... يَنْقَضِي بالهم والحزن)
وَالْخَامِسَة إعطاؤهم ضَارب زيد الْآن أَو غَدا حكم ضَارب زيدا فِي التنكير لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَلِهَذَا وصفوا بِهِ النكرَة ونصبوه على الْحَال وخفضوه بِرَبّ وأدخلوا عَلَيْهِ ال وَأَجَازَ بَعضهم تَقْدِيم حَال مجروره عَلَيْهِ نَحْو هَذَا ملتوتا شَارِب السويق كَمَا يتَقَدَّم عَلَيْهِ حَال منصوبه وَلَا يجوز شَيْء من ذَلِك إِذا أُرِيد الْمُضِيّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ فِي معنى الناصب
وَالسَّادِسَة وَقع الِاسْتِثْنَاء المفرغ فِي الْإِيجَاب فِي نَحْو {وَإِنَّهَا لكبيرة إِلَّا على الخاشعين} {ويأبى الله إِلَّا أَن يتم نوره} لما كَانَ الْمَعْنى وَإِنَّهَا لَا تسهل إِلَّا على الخاشعين وَلَا يُرِيد الله إِلَّا أَن يتم نوره
السَّابِعَة الْعَطف ب وَلَا بعد الايجاب فِي نَحْو(1/886)
114 - ( ... أَبى الله أَن أسمو بِأم وَلَا أَب)
لما كَانَ مَعْنَاهُ قَالَ الله لي لَا تسم بِأم وَلَا أَب
الثَّامِنَة زِيَادَة لَا فِي قَوْله تَعَالَى {مَا مَنعك أَلا تسْجد} قَالَ ابْن السَّيِّد الْمَانِع من الشَّيْء آمُر للممنوع أَلا يفعل فَكَأَنَّهُ قيل مَا الَّذِي قَالَ لَك لَا تسْجد وَالْأَقْرَب عِنْدِي أَن يقدر فِي الأول لم يرد الله لي وَفِي الثَّانِي مَا الَّذِي أَمرك يُوضحهُ فِي هَذَا أَن الناهية لَا تصاحب الناصبة بِخِلَاف النافية
التَّاسِعَة تعدِي رَضِي ب على فِي قَوْله
114 - (إِذا رضيت عَليّ بَنو قُشَيْر ... )
لما كَانَ رَضِي عَنهُ بِمَعْنى أقبل عَلَيْهِ بِوَجْه وده وَقَالَ الْكسَائي إِنَّمَا جَازَ هَذَا حملا على نقيضه وَهُوَ سخط
الْعَاشِرَة رفع الْمُسْتَثْنى على إِبْدَاله من الْمُوجب فِي قِرَاءَة بَعضهم {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا} لما كَانَ مَعْنَاهُ لم يَكُونُوا مِنْهُ بِدَلِيل {فَمن شرب مِنْهُ فَلَيْسَ مني} وَقيل إِلَّا وَمَا بعْدهَا صفة فَقيل إِن الضَّمِير يُوصف فِي هَذَا الْبَاب وَقيل مُرَادهم بِالصّفةِ عطف الْبَيَان وَهَذَا لَا يخلص من الِاعْتِرَاض إِن كَانَ لَازِما لِأَن عطف الْبَيَان كالنعت فَلَا يتبع الضَّمِير وَقيل قَلِيل مُبْتَدأ حذف خَبره أَي لم يشْربُوا(1/887)
الْحَادِيَة عشرَة تذكير الاشارة فِي قَوْله تَعَالَى {فذانك برهانان} مَعَ أَن الْمشَار اليه الْيَد والعصا وهما مؤنثان وَلَكِن الْمُبْتَدَأ عين الْخَبَر فِي الْمَعْنى والبرهان مُذَكّر وَمثله {ثمَّ لم تكن فتنتهم إِلَّا أَن قَالُوا} فِيمَن نصب الْفِتْنَة وأنث الْفِعْل
الثَّانِيَة عشرَة قَوْلهم علمت زيد من هُوَ بِرَفْع زيد جَوَازًا لِأَنَّهُ نفس من فِي الْمَعْنى
الثَّالِثَة عشرَة قَوْلهم إِن أحدا لَا يَقُول ذَلِك فأوقع أحدا فِي الْإِثْبَات لِأَنَّهُ نفس الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي يَقُول وَالضَّمِير فِي سِيَاق النَّفْي فَكَأَن أحدا كَذَلِك وَقَالَ
1143 - (فِي لَيْلَة لَا نرى بهَا أحدا ... يَحْكِي علينا إِلَّا كواكبها)
فَرفع كواكبها بَدَلا من ضمير يَحْكِي لِأَنَّهُ رَاجع إِلَى أحدا وَهُوَ وَاقع فِي سِيَاق غير الايجاب فَكَانَ الضَّمِير كَذَلِك
وَهَذَا الْبَاب وَاسع وَلَقَد حكى أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء أَنه سمع شخصا من أهل الْيمن يَقُول فلَان لغوب أَتَتْهُ كتابي فاحتقرها فَقَالَ لَهُ كَيفَ قلت أَتَتْهُ كتابي فَقَالَ أَلَيْسَ الْكتاب فِي معنى الصَّحِيفَة
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة لرؤبة بن العجاج لما أنْشد
1144 - (فِيهَا خطوط من سَواد وبلق ... كَأَنَّهُ فِي الْجلد توليع البهق)(1/888)
إِن أردْت الخطوط فَقل كَأَنَّهَا أَو السوَاد والبلق فَقل كَأَنَّهُمَا فَقَالَ أردْت ذَلِك وَيلك
وَقَالُوا مَرَرْت بِرَجُل أبي عشرَة نَفسه وبقوم عرب كلهم وبقاع عرفج كُله بِرَفْع التوكيد فِيهِنَّ فَرفعُوا الْفَاعِل بالأسماء الجامدة وأكدوه لما لحظوا فِيهَا الْمَعْنى إِذْ كَانَ الْعَرَب بِمَعْنى الفصحاء والعرفج بِمَعْنى الخشن وَالْأَب بِمَعْنى الْوَالِد
تَنْبِيهَانِ
الأول أَنه وَقع فِي كَلَامهم أبلغ مِمَّا ذكرنَا من تنزيلهم لفظا مَوْجُودا منزلَة لفظ آخر لكَونه بِمَعْنَاهُ وَهُوَ تنزيلهم اللَّفْظ الْمَعْدُوم الصَّالح للوجود بِمَنْزِلَة الْمَوْجُود كَمَا فِي قَوْله
1145 - (بدا لي أَنِّي لست مدرك مَا مضى ... وَلَا سَابق شَيْئا إِذا كَانَ جائيا)
وَقد مضى ذَلِك
وَالثَّانِي
أَنه لَيْسَ بِلَازِم أَن يعْطى الشَّيْء حكم مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ أَلا ترى أَن الْمصدر قد لَا يعْطى حكم أَن أَو أَن وصلتهما وَبِالْعَكْسِ دَلِيل الأول أَنهم لم يعطوه حكمهمَا فِي جَوَاز حذف الْجَار وَلَا فِي سدهما مسد جزأي الاسناد ثمَّ إِنَّهُم شركوا بَين أَن وَأَن فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فِي بَاب ظن وخصوا أَن الْخَفِيفَة وصلتها بسدها مسدهما فِي بَاب عَسى وخصوا الشَّدِيدَة بذلك فِي بَاب لَو وَدَلِيل الثَّانِي أَنَّهُمَا لَا يعطيان حكمه فِي النِّيَابَة عَن ظرف الزَّمَان تَقول عجبت من قيامك وَعَجِبت أَن تقوم وَأَنَّك قَائِم وَلَا يجوز عجبت قيامك وشذ قَوْله(1/889)
1146 - (فإياك إياك المراء فَإِنَّهُ ... إِلَى الشَّرّ دُعَاء وللشر جالب)
فأجري الْمصدر مجْرى أَن يفعل فِي حذف الْجَار وَتقول حسبت أَنه قَائِم أَو أَن قَامَ وَلَا تَقول حسبت قيامك حَتَّى تذكر الْخَبَر وَتقول عَسى أَن تقوم وَيمْتَنع عَسى أَنَّك قَائِم وَمثلهَا فِي ذَلِك لَعَلَّ وَتقول لَو أَنَّك تقوم وَلَا تَقول لَو أَن تقوم وَتقول جئْتُك صَلَاة الْعَصْر وَلَا يجوز جئْتُك أَن تصلي الْعَصْر خلافًا لِابْنِ جني والزمخشري
2 - وَالثَّانِي وَهُوَ مَا أعطي حكم الشَّيْء الْمُشبه لَهُ فِي لَفظه دون مَعْنَاهُ لَهُ صور كَثِيرَة أَيْضا
إِحْدَاهَا زِيَادَة إِن بعد مَا المصدرية الظَّرْفِيَّة وَبعد مَا الَّتِي بِمَعْنى الَّذِي لِأَنَّهُمَا بِلَفْظ مَا النافية كَقَوْلِه
1147 - (ورج الْفَتى للخير مَا إِن رَأَيْته ... على السن خيرا لَا يزَال يزِيد)
وَقَوله
1148 - (يرجي الْمَرْء مَا إِن لَا يرَاهُ ... وَتعرض دون أدناه الخطوب)
فهذان محمولان على نَحْو قَوْله
1149 - (مَا إِن رَأَيْت وَلَا سَمِعت بِمثلِهِ ... كَالْيَوْمِ هانىء أينق جرب)(1/890)
الثَّانِيَة دُخُول لَام الابتدء على مَا النافية حملا لَهَا فِي اللَّفْظ على مَا الموصولة الْوَاقِعَة مُبْتَدأ كَقَوْلِه
1150 - (لما أغفلت شكرك فاصطنعني ... فَكيف وَمن عطائك جلّ مَالِي)
فَهَذَا مَحْمُول فِي اللَّفْظ على نَحْو قَوْلك لما تَصنعهُ حسن
الثَّالِثَة توكيد الْمُضَارع بالنُّون بعد لَا النافية حملا لَهَا فِي اللَّفْظ على لَا الناهية نَحْو {ادخُلُوا مَسَاكِنكُمْ لَا يحطمنكم سُلَيْمَان وَجُنُوده} وَنَحْو {وَاتَّقوا فتْنَة لَا تصيبن الَّذين ظلمُوا مِنْكُم خَاصَّة} فَهَذَا مَحْمُول فِي اللَّفْظ على نَحْو {وَلَا تحسبن الله غافلا} وَمن أَولهَا على النَّهْي لم يحْتَج إِلَى هَذَا
الرَّابِعَة حذف الْفَاعِل فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {أسمع بهم وَأبْصر} لما كَانَ أحسن بزيد مشبها فِي اللَّفْظ لِقَوْلِك امرر بزيد
الْخَامِسَة دُخُول لَام الِابْتِدَاء بعد إِن الَّتِي بِمَعْنى نعم لشبهها فِي اللَّفْظ بِأَن الْمُؤَكّدَة قَالَه بَعضهم فِي قِرَاءَة من قَرَأَ {إِن هَذَانِ لساحران} وَقد مضى الْبَحْث فِيهَا
السَّادِسَة قَوْلهم اللَّهُمَّ اغْفِر لنا أيتها الْعِصَابَة بِضَم أَيَّة وَرفع صفتهَا كَمَا يُقَال يَا أيتها الْعِصَابَة وَإِنَّمَا كَانَ حَقّهمَا وجوب النصب كَقَوْلِهِم نَحن الْعَرَب أقرى النَّاس للضيف وَلكنهَا لما كَانَت فِي اللَّفْظ بِمَنْزِلَة المستعملة فِي النداء أَعْطَيْت حكمهَا وَإِن انْتَفَى مُوجب الْبناء وَأما نَحن الْعَرَب فِي الْمِثَال فَإِنَّهُ لَا(1/891)
يكون منادى لكَونه بأل فَأعْطِي الحكم الَّذِي يسْتَحقّهُ فِي نَفسه وَأما نَحْو نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث فَوَاجِب النصب سَوَاء اعْتبر حَاله أَو حَال مَا يُشبههُ وَهُوَ المنادى
السَّابِعَة بِنَاء بَاب حذام فِي لُغَة الْحجاز على الْكسر تَشْبِيها لَهَا بداراك ونزال وَذَلِكَ مَشْهُور فِي المعارف وَرُبمَا جَاءَ فِي غَيرهَا وَعَلِيهِ وَجه قَوْله
115 - (يَا لَيْت حظي من جداك الصافي ... وَالْفضل أَن تتركني كفاف)
فَالْأَصْل كفافا فَهُوَ حَال أَو ترك كفاف فمصدر وَمِنْه عِنْد أبي حَاتِم قَوْله
115 - (جَاءَت لتصرعني فَقلت لَهَا اقصري ... إِنِّي امْرُؤ صرعي عَلَيْك حرَام)
وَلَيْسَ كَذَلِك إِذْ لَيْسَ لفعله فَاعل أَو فاعلة فَالْأولى قَول الْفَارِسِي إِن أَصله حرامي كَقَوْلِه
1153 - ( ... والدهر بالإنسان دواري)
ثمَّ خفف وَلَو أقوى لَكَانَ أولى وَأما قَوْله 1154 (طلبُوا صلحنا ولات أَوَان ... فأجبنا أَن لَيْسَ حِين بَقَاء)
فعلة بنائِهِ قطعه عَن الاضافة وَلَكِن عِلّة كَسره وَكَونه لم يسْلك بِهِ فِي الضَّم مَسْلَك قبل وَبعد شبهه بنزال(1/892)
الثَّامِنَة بِنَاء حاشا فِي {وقلن حاش لله} لشبهها فِي اللَّفْظ بحاشا الحرفية وَالدَّلِيل على اسميتها قِرَاءَة بَعضهم حاشا بِالتَّنْوِينِ على إعرابها كَمَا تَقول تَنْزِيها لله وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهَا لَيست حرفا لدخولها على الْحَرْف وَلَا فعلا إِذْ لَيْسَ بعْدهَا اسْم مَنْصُوب بهَا وَزعم بَعضهم أَنَّهَا فعل حذف مَفْعُوله أَي جَانب يُوسُف الْمعْصِيَة لأجل الله وَهَذَا التَّأْوِيل لَا يَتَأَتَّى فِي كل مَوضِع يُقَال لَك أتفعل كَذَا أَو أفعلت كَذَا فَتَقول حاشا لله فَإِنَّمَا هَذِه بِمَعْنى تبرأت لله بَرَاءَة من هَذَا الْفِعْل وَمن نونها أعْربهَا على إِلْغَاء هَذَا الشّبَه كَمَا أَن بني تَمِيم أعربوا بَاب حذام لذَلِك
التَّاسِعَة قَول بعض الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قَصرنَا الصَّلَاة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر مَا كُنَّا قطّ وآمنه فأوقع قطّ بعد مَا المصدرية كَمَا تقع بعد مَا النافية
الْعَاشِرَة إِعْطَاء الْحَرْف حكم مقاربه فِي الْمخْرج حَتَّى أدغم فِيهِ نَحْو {خلق كل شَيْء} و (لَك قصورا) وَحَتَّى اجْتمعَا رويين كَقَوْلِه
1155 - (بني إِن الْبر شَيْء هَين ... الْمنطق الطّيب والطعيم)
وَقَول أبي جهل(1/893)
1156 - (مَا تنقم الْحَرْب الْعوَان مني ... بازل عَاميْنِ حَدِيث سني)
( ... لمثل هَذَا ولدتني أُمِّي)
وَقَول آخر
1157 - (إِذا ركبت فاجعلوني وسطا ... إِنِّي كَبِير لَا أُطِيق العندا)
وَيُسمى ذَلِك إكفاء
3 - وَالثَّالِث وَهُوَ مَا أعطي حكم الشَّيْء لمشابهته لَهُ لفظا وَمعنى نَحْو اسْم التَّفْضِيل وأفعل فِي التَّعَجُّب فَإِنَّهُم منعُوا أفعل التَّفْضِيل إِن يرفع الظَّاهِر لشبهه ب أفعل فِي التَّعَجُّب وزنا وأصلا وإفادة للْمُبَالَغَة وأجازوا تَصْغِير أفعل فِي التَّعَجُّب لشبهه بأفعل التَّفْضِيل فِيمَا ذكرنَا قَالَ
1158 - (يَا مَا أميلح غزلانا شدن لنا ... )
وَلم يسمع ذَلِك إِلَّا فِي أحسن وأملح ذكره الْجَوْهَرِي وَلَكِن النَّحْوِيين مَعَ هَذَا قاسوه وَلم يحك ابْن مَالك اقتياسه إِلَّا عَن ابْن كيسَان وَلَيْسَ كَذَلِك قَالَ أَبُو بكر ابْن الْأَنْبَارِي وَلَا يُقَال إِلَّا لمن صغر سنه
الْقَاعِدَة الثَّانِيَة
أَن الشَّيْء يعْطى حكم الشَّيْء إِذا جاوره
كَقَوْل بَعضهم هَذَا جُحر ضَب خرب بِالْجَرِّ وَالْأَكْثَر الرّفْع وَقَالَ(1/894)
1159 - ( ... كَبِير أنَاس فِي بجاد مزمل)
وَقيل بِهِ فِي {وحور عين} فِيمَن جرهما فَإِن الْعَطف على {ولدان مخلدون} لَا على {بأكواب وأباريق} إِذْ لَيْسَ الْمَعْنى أَن الْولدَان يطوفون عَلَيْهِم بالحور وَقيل الْعَطف على {جنَّات} وَكَأَنَّهُ قيل المقربون فِي جنَّات وَفَاكِهَة وَلحم طير وحور وَقيل على أكواب بِاعْتِبَار الْمَعْنى إِذْ معنى {يطوف عَلَيْهِم ولدان مخلدون بأكواب} ينعمون بأكواب وَقيل فِي {وأرجلكم} بالخفض إِنَّه عطف على {أَيْدِيكُم} لَا على {رؤوسكم} إِذْ الأرجل مغسولة لَا ممسوحة وَلكنه خفض لمجاورة رؤوسكم وَالَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَن خفض الْجوَار يكون فِي النَّعْت قَلِيلا كَمَا مثلنَا وَفِي التوكيد نَادرا كَقَوْلِه
1160 - (يَا صَاح بلغ ذَوي الزَّوْجَات كلهم ... أَن لَيْسَ وصل إِذا انْحَلَّت عرا الذَّنب)
قَالَ الْفراء أنشدنيه أَبُو الْجراح بخفض كلهم فَقلت لَهُ هلا قلت كلهم يَعْنِي بِالنّصب فَقَالَ هُوَ خير من الَّذِي قلته أَنا ثمَّ استنشدته إِيَّاه فأنشدنيه بالخفض وَلَا يكون فِي النسق لِأَن العاطف يمْنَع من التجاور وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ(1/895)
لما كَانَت الأرجل من بَين الْأَعْضَاء الثَّلَاثَة المغسولة تغسل بصب المَاء عَلَيْهَا كَانَت مَظَنَّة الْإِسْرَاف المذموم شرعا فعطفت على الْمَمْسُوح لَا لتمسح وَلَكِن لينبه على وجوب الاقتصاد فِي صب المَاء عَلَيْهَا وَقيل {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} فجيء بالغاية إمَاطَة لظن من يظنّ أَنَّهَا ممسوحة لِأَن الْمسْح لم تضرب لَهُ غَايَة فِي الشَّرِيعَة انْتهى
تَنْبِيه
أنكر السيرافي وَابْن جني الْخَفْض على الْجوَار وتأولا قَوْلهم خرب بِالْجَرِّ على أَنه صفة لضب
ثمَّ قَالَ السيرافي الأَصْل خرب الْجُحر مِنْهُ بتنوين خرب وَرفع الْجُحر ثمَّ حذف الضَّمِير للْعلم بِهِ وحول الْإِسْنَاد إِلَى ضمير الضَّب وخفض الْجُحر كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل حسن الْوَجْه بِالْإِضَافَة وَالْأَصْل حسن الْوَجْه مِنْهُ ثمَّ أَتَى بضمير الْجُحر مَكَانَهُ لتقدم ذكره فاستتر
وَقَالَ ابْن جني الأَصْل خرب جُحْره ثمَّ أنيب الْمُضَاف إِلَيْهِ عَن الْمُضَاف فارتفع واستتر
ويلزمهما استتار الضَّمِير مَعَ جَرَيَان الصّفة على غير من هِيَ لَهُ وَذَلِكَ لَا يجوز عِنْد الْبَصرِيين وَإِن أَمن اللّبْس وَقَول السيرافي إِن هَذَا مثل مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبَوَاهُ لَا قَاعِدين مَرْدُود لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يجوز فِي الْوَصْف الثَّانِي دون الأول على مَا سَيَأْتِي
وَمن ذَلِك قَوْلهم هنأني ومرأني وَالْأَصْل أمرأني وَقَوْلهمْ هُوَ رِجْس نجس بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْجِيم وَالْأَصْل نجس بفتحة فكسرة كَذَا قَالُوا وَإِنَّمَا يتم هَذَا أَن لَو كَانُوا لَا يَقُولُونَ هُنَا نجس بفتحة فكسرة وَحِينَئِذٍ فَيكون مَحل الاستشهاد إِنَّمَا هُوَ الِالْتِزَام للتناسب وَأما إِذا لم يلْتَزم فَهَذَا جَائِز بِدُونِ تقدم(1/896)
رِجْس إِذْ يُقَال فعل بكسرة فَسُكُون فِي كل فعل بفتحة فكسرة نَحْو كتف وَلبن ونبق وَقَوْلهمْ أَخذه مَا قدم وَمَا حدث بِضَم دَال حدث وَقِرَاءَة جمَاعَة {سلاسل وأغلالا} بِصَرْف سلاسل وَفِي الحَدِيث ارْجِعْنَ مَأْزُورَات غير مَأْجُورَات وَالْأَصْل موزورات بِالْوَاو لِأَنَّهُ من الْوزر وَقِرَاءَة أبي حَيَّة / يؤقنون / بِالْهَمْزَةِ وَقَوله
116 - (أحب المؤقدين إِلَيّ مؤسى ... وجعدة إِذْ أضاءهما الْوقُود)
بهمز المؤقدين ومؤسى على إِعْطَاء الْوَاو الْمُجَاورَة للضمة حكم الْوَاو المضمومة فهمزت كَمَا قيل فِي وُجُوه أجوه وَفِي وقتت أقتت وَمن ذَلِك قَوْلهم فِي صَوْم صيم حملا على قَوْلهم فِي عصو عصي وَكَانَ أَبُو عَليّ ينشد فِي مثل ذَلِك
( ... قد يُؤْخَذ الْجَار بجرم الْجَار)
الْقَاعِدَة الثَّالِثَة
قد يشربون لفظا معنى لفظ فيعطونه حكمه وَيُسمى ذَلِك تضمينا
وَفَائِدَته أَن تُؤدِّي كلمة مؤدى كَلِمَتَيْنِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أَلا ترى كَيفَ(1/897)
رَجَعَ معنى {وَلَا تعد عَيْنَاك عَنْهُم} إِلَى قَوْلك وَلَا تقتحم عَيْنَاك مجاوزتين إِلَى غَيرهم {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم} أَي وَلَا تضموها إِلَيْهَا آكلين اه
وَمن مثل ذَلِك أَيْضا قَوْله تَعَالَى {الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم} ضمن الرَّفَث معنى الْإِفْضَاء فعدي بإلى مثل {وَقد أفْضى بَعْضكُم إِلَى بعض} وَإِنَّمَا أصل الرَّفَث أَن يتَعَدَّى بِالْبَاء يُقَال أرفث فلَان بامرأته وَقَوله تَعَالَى {وَمَا يَفْعَلُوا من خير فَلَنْ يكفروه} أَي فَلَنْ يحرموه أَي فَلَنْ يحرموا ثَوَابه وَلِهَذَا عدي إِلَى اثْنَيْنِ لَا إِلَى وَاحِد وَقَوله تَعَالَى {وَلَا تعزموا عقدَة النِّكَاح} أَي لَا تنووا وَلِهَذَا عدي بِنَفسِهِ لَا بعلى وَقَوله تَعَالَى {لَا يسمعُونَ إِلَى الملإ الْأَعْلَى} أَي لَا يصغون وَقَوْلهمْ سمع الله لمن حَمده أَي اسْتَجَابَ فعدي يسمع فِي الأول بإلى وَفِي الثَّانِي بِاللَّامِ وَإِنَّمَا أَصله أَن يتَعَدَّى بِنَفسِهِ مثل {يَوْم يسمعُونَ الصَّيْحَة} وَقَوله تَعَالَى {وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح} أَي يُمَيّز وَلِهَذَا عدي ب من لَا بِنَفسِهِ وَقَوله تَعَالَى {للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم} أَي يمتنعون من وَطْء نِسَائِهِم بِالْحلف فَلهَذَا عدي بِمن وَلما خَفِي التَّضْمِين على بَعضهم فِي الْآيَة(1/898)
وَرَأى أَنه لَا يُقَال حلف من كَذَا بل حلف عَلَيْهِ قَالَ من مُتَعَلقَة بِمَعْنى للَّذين كَمَا تَقول لي مِنْك مبرة قَالَ وَأما قَول الْفُقَهَاء آلى من امْرَأَته فغلط أوقعهم فِيهِ عدم فهم الْمُتَعَلّق فِي الْآيَة
وَقَالَ أَبُو كَبِير الْهُذلِيّ
116 - (حملت بِهِ فِي لَيْلَة مزؤودة ... كرها وَعقد نطاقها لم يحلل)
وَقَالَ قبله
(مِمَّن حملن بِهِ وَهن عواقد ... حبك النطاق فشب غير مهبل)
مزؤودة أَي مَذْعُورَة ويروى بِالْجَرِّ صفة لليلة مثل {وَاللَّيْل إِذا يسر} وَبِالنَّصبِ حَالا من الْمَرْأَة وَلَيْسَ بِقَوي مَعَ أَنه الْحَقِيقَة لِأَن ذكر اللَّيْلَة حِينَئِذٍ لَا كَبِير فَائِدَة فِيهِ وَالشَّاهِد فيهمَا أَنه ضمن حمل معنى علق وَلَوْلَا ذَلِك لعدي بِنَفسِهِ مثل {حَملته أمه كرها}
وَقَالَ الفرزدق
1163 - (كَيفَ تراني قالبا مجني ... قد قتل الله زيادا عني)
أَي صرفه عني بِالْقَتْلِ
وَهُوَ كثير قَالَ أَبُو الْفَتْح فِي كتاب التَّمام أَحسب لَو جمع مَا جَاءَ مِنْهُ لجاء مِنْهُ كتاب يكون مئين أوراقا(1/899)
الْقَاعِدَة الرَّابِعَة
أَنهم يغلبُونَ على الشَّيْء مَا لغيره لتناسب بَينهمَا أَو اخْتِلَاط
فَلهَذَا قَالُوا الْأَبَوَيْنِ فِي الْأَب وَالأُم وَمِنْه {ولأبويه لكل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس} وَفِي الْأَب وَالْخَالَة وَمِنْه {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش} والمشرقين والمغربين وَمثله الخافقان فِي الْمشرق وَالْمغْرب وَإِنَّمَا الخافق الْمغرب ثمَّ إِنَّمَا سمي خافقا مجَازًا وَإِنَّمَا هُوَ مخفوق فِيهِ والقمرين فِي الشَّمْس وَالْقَمَر قَالَ المتنبي
1164 - (واستقبلت قمر السَّمَاء بوجهها ... فأرتني القمرين فِي وَقت مَعًا)
أَي الشَّمْس وَهُوَ وَجههَا وقمر السَّمَاء وَقَالَ التبريزي يجوز أَنه أَرَادَ قمرا وقمرا لِأَنَّهُ لَا يجْتَمع قمران فِي لَيْلَة كَمَا أَنه لَا تَجْتَمِع الشَّمْس وَالْقَمَر اه وَمَا ذَكرْنَاهُ أمدح والقمران فِي الْعرف الشَّمْس وَالْقَمَر وَقيل إِن مِنْهُ قَول الفرزدق
1165 - (أَخذنَا بآفاق السَّمَاء عَلَيْكُم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع)
وَقيل إِنَّمَا أَرَادَ مُحَمَّدًا والخليل عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام لِأَن نسبه رَاجع إِلَيْهِمَا بِوَجْه وَإِن المُرَاد بالنجوم الصَّحَابَة وَقَالُوا العمرين فِي أبي بكر وَعمر وَقيل المُرَاد عمر بن الْخطاب وَعمر بن عبد الْعَزِيز فَلَا تَغْلِيب وَيرد بِأَنَّهُ قيل لعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ نَسْأَلك سيرة العمرين قَالَ نعم قَالَ قَتَادَة(1/900)
أعتق الْعمرَان فَمن بَينهمَا من الْخُلَفَاء أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَهَذَا المُرَاد بِهِ عمر وَعمر وَقَالُوا العجاجين فِي رؤبة والعجاج والمروتين فِي الصَّفَا والمروة
وَلأَجل الِاخْتِلَاط أطلقت من على مَا لَا يعقل فِي نَحْو {فَمنهمْ من يمشي على بَطْنه وَمِنْهُم من يمشي على رجلَيْنِ وَمِنْهُم من يمشي على أَربع} فَإِن الِاخْتِلَاط حَاصِل فِي الْعُمُوم السَّابِق فِي قَوْله تَعَالَى {كل دَابَّة من مَاء} وَفِي {من يمشي على رجلَيْنِ} اخْتِلَاط آخر فِي عبارَة التَّفْصِيل فَإِنَّهُ يعم الْإِنْسَان والطائر وَاسم المخاطبين على الغائبين فِي قَوْله تَعَالَى {اعبدوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم وَالَّذين من قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} لِأَن لَعَلَّ مُتَعَلقَة ب خَلقكُم لَا ب اعبدوا والمذكرين على الْمُؤَنَّث حَتَّى عدت مِنْهُم فِي {وَكَانَت من القانتين} وَالْمَلَائِكَة على إِبْلِيس حَتَّى اسْتثْنِي مِنْهُم فِي {فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَالِاسْتِثْنَاء مُتَّصِل لِأَنَّهُ وَاحِد من بَين أظهر الألوف من الْمَلَائِكَة فغلبوا عَلَيْهِ فِي فسجدوا ثمَّ اسْتثْنى مِنْهُم اسْتثِْنَاء أحدهم ثمَّ قَالَ وَيجوز أَن يكون مُنْقَطِعًا
وَمن التغليب {أَو لتعودن فِي ملتنا} بعد {لنخرجنك يَا شُعَيْب وَالَّذين آمنُوا مَعَك من قريتنا} فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يكن فِي ملتهم قطّ بِخِلَاف الَّذين آمنُوا مَعَه وَمثله {جعل لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا وَمن الْأَنْعَام أَزْوَاجًا يذرؤكم فِيهِ}(1/901)
) فَإِن الْخطاب فِيهِ شَامِل للعقلاء والأنعام فغلب المخاطبون والعاقلون على الغائبين والأنعام وَمعنى يذرؤكم فِيهِ يبثكم ويكثركم فِي هَذَا التَّدْبِير وَهُوَ أَن جعل للنَّاس وللأنعام أَزْوَاجًا حَتَّى حصل بَينهم التوالد فَجعل هَذَا التَّدْبِير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير فَلهَذَا جِيءَ ب فِي دون الْبَاء وَنَظِيره {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} وَزعم جمَاعَة أَن مِنْهُ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} وَنَحْو {بل أَنْتُم قوم تجهلون} وَإِنَّمَا هَذَا من مُرَاعَاة الْمَعْنى وَالْأول من مُرَاعَاة اللَّفْظ
الْقَاعِدَة الْخَامِسَة
أَنهم يعبرون بِالْفِعْلِ عَن أُمُور
أَحدهَا وُقُوعه وَهُوَ الأَصْل
وَالثَّانِي مشارفته نَحْو {وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء فبلغن أَجلهنَّ فأمسكوهن} أَي فشارفن انْقِضَاء الْعدة {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم} أَي وَالَّذين يشارفون الْمَوْت وَترك الْأزْوَاج يوصون وَصِيَّة {وليخش الَّذين لَو تركُوا من خَلفهم ذُرِّيَّة} أَي لَو شارفوا أَن يتْركُوا وَقد مَضَت فِي فصل لَو(1/902)
ونظائرها وَمِمَّا لم يتَقَدَّم ذكره قَوْله
1166 - (إِلَى ملك كَاد الْجبَال لفقده ... تَزُول وَزَالَ الراسيات من الصخر)
الثَّالِث إِرَادَته وَأكْثر مَا يكون ذَلِك بعد أَدَاة الشَّرْط نَحْو {فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه} {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا} {إِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن} {وَإِن حكمت فاحكم بَينهم بِالْقِسْطِ} {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} {إِذا تناجيتم فَلَا تتناجوا بالإثم والعدوان} {إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا} الْآيَة {إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن} وَفِي الصَّحِيح إِذا أَتَى أحدكُم الْجُمُعَة فليغتسل
وَمِنْه فِي غَيره {فأخرجنا من كَانَ فِيهَا من الْمُؤمنِينَ فَمَا وجدنَا فِيهَا غير بَيت من الْمُسلمين} أَي فأردنا الْإِخْرَاج {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم ثمَّ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم} لِأَن ثمَّ للتَّرْتِيب وَلَا يُمكن هُنَا مَعَ الْحمل على الظَّاهِر فَإِذا حمل خلقنَا وصورنا على إِرَادَة الْخلق والتصوير لم يشكل وَقيل(1/903)
هما على حذف مضافين أَي خلقنَا أَبَاكُم فِي صورنا أَبَاكُم وَمثله {وَكم من قَرْيَة أهلكناها فَجَاءَهَا بأسنا} أَي أردنَا إهلاكها {ثمَّ دنا فَتَدَلَّى} أَي أَرَادَ الدنو من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَدَلَّى فَتعلق فِي الْهَوَاء وَهَذَا أولى من قَول من ادّعى الْقلب فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ وَأَن التَّقْدِير وَكم من قَرْيَة جاءها بأسنا فأهلكناها ثمَّ تدلى فَدَنَا وَقَالَ
1167 - (فارقنا قبل أَن نفارقه ... لما قضى من جماعنا وطرا)
أَي أَرَادَ فراقنا
وَفِي كَلَامهم عكس هَذَا وَهُوَ التَّعْبِير بِإِرَادَة الْفِعْل عَن إيجاده نَحْو {ويريدون أَن يفرقُوا بَين الله وَرُسُله} بِدَلِيل أَنه قوبل بقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلم يفرقُوا بَين أحد مِنْهُم}
وَالرَّابِع الْقُدْرَة عَلَيْهِ نَحْو {وَعدا علينا إِنَّا كُنَّا فاعلين} أَي قَادِرين على الْإِعَادَة وأصل ذَلِك أَن الْفِعْل يتسبب عَن الْإِرَادَة وَالْقُدْرَة وهم يُقِيمُونَ السَّبَب مقَام الْمُسَبّب وَبِالْعَكْسِ فَالْأول نَحْو {ونبلو أخباركم} أَي ونعلم أخباركم لِأَن الِابْتِلَاء الاختبار وبالاختيار يحصل الْعلم وَقَوله تَعَالَى {هَل يَسْتَطِيع رَبك} الْآيَة فِي قِرَاءَة غير الْكسَائي يَسْتَطِيع بالغيبة وَرَبك(1/904)
بِالرَّفْع مَعْنَاهُ هَل يفعل رَبك فَعبر عَن الْفِعْل بالاستطاعة لِأَنَّهَا شَرطه أَي هَل ينزل علينا رَبك مائدة إِن دَعوته وَمثله {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} أَي لن نؤاخذه فَعبر عَن الْمُؤَاخَذَة بشرطها وَهُوَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا وَأما قِرَاءَة الْكسَائي فتقديرها هَل تَسْتَطِيع سُؤال رَبك فَحذف الْمُضَاف أَو هَل تطلب طَاعَة رَبك فِي إِنْزَال الْمَائِدَة أَي استجابته
وَمن الثَّانِي {فَاتَّقُوا النَّار} أَي فَاتَّقُوا العناد الْمُوجب للنار
الْقَاعِدَة السَّادِسَة
أَنهم يعبرون عَن الْمَاضِي والآتي كَمَا يعبرون عَن الشَّيْء الْحَاضِر
قصدا لإحضاره فِي الذِّهْن حَتَّى كَأَنَّهُ مشَاهد حَالَة الْإِخْبَار نَحْو {وَإِن رَبك ليحكم بَينهم يَوْم الْقِيَامَة} لِأَن لَام الِابْتِدَاء للْحَال وَنَحْو {هَذَا من شيعته وَهَذَا من عدوه} إِذْ لَيْسَ المُرَاد تقريب الرجلَيْن من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا تَقول هَذَا كتابك فَخذه وَإِنَّمَا الاشارة كَانَت اليهما فِي ذَلِك الْوَقْت هَكَذَا فحكيت وَمثله {وَالله الَّذِي أرسل الرِّيَاح فتثير سحابا} قصد بقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فتثير إِحْضَار تِلْكَ الصُّورَة البديعة الدَّالَّة على الْقُدْرَة الباهرة(1/905)
من إثارة السَّحَاب تبدو أَولا قطعا ثمَّ تتضام متقلبة بَين أطوار حَتَّى تصير ركاما وَمِنْه {ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون} أَي فَكَانَ {وَمن يُشْرك بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خر من السَّمَاء فتخطفه الطير أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق} {ونريد أَن نمن على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض} إِلَى قَوْله تَعَالَى {ونري فِرْعَوْن وهامان} وَمِنْه عِنْد الْجُمْهُور {وكلبهم باسط ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} أَي يبسط ذِرَاعَيْهِ بِدَلِيل {ونقلبهم} وَلم يقل وقلبناهم وَبِهَذَا التَّقْرِير ينْدَفع قَول الْكسَائي وَهِشَام إِن اسْم الْفَاعِل الَّذِي بِمَعْنى الْمَاضِي يعْمل وَمثله {وَالله مخرج مَا كُنْتُم تكتمون} إِلَّا أَن هَذَا على حِكَايَة حَال كَانَت مُسْتَقْبلَة وَقت التدارؤ وَفِي الْآيَة الأولى حكيت الْحَال الْمَاضِيَة وَمثلهَا قَوْله
1168 - (جَارِيَة فِي رَمَضَان الْمَاضِي ... تقطع الحَدِيث بالإيماض)
وَلَوْلَا حِكَايَة الْحَال فِي قَول حسان
1169 - (يغشون حَتَّى لَا تهر كلابهم ... )(1/906)
لم يَصح الرّفْع لِأَنَّهُ لَا يرفع إِلَّا وَهُوَ للْحَال وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَقُول الرَّسُول} بِالرَّفْع
الْقَاعِدَة السَّابِعَة
إِن اللَّفْظ قد يكون على تَقْدِير وَذَلِكَ الْمُقدر على تَقْدِير آخر
نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآن أَن يفترى من دون الله} فَإِن يفترى مؤول بالافتراء والافتراء مؤول بمفترى وَقَالَ
1170 - (لعمرك مَا الفتيان أَن تنْبت اللحى ... ولكنما الفتيان كل فَتى ندي)
وَقَالُوا عَسى زيد أَن يقوم فَقيل هُوَ على ذَلِك وَقيل على حذف مُضَاف أَي عَسى أَمر زيد أَو عَسى زيد صَاحب الْقيام وَقيل أَن زَائِدَة وَيَردهُ عدم صلاحيتها للسقوط فِي الْأَكْثَر وَأَنَّهَا قد عملت والزائدة لَا تعْمل خلافًا لأبي الْحسن وَأما قَول أبي الْفَتْح فِي بَيت الحماسة
117 - (حَتَّى يكون غزيزا فِي نُفُوسهم ... أَو أَن يبين جَمِيعًا وَهُوَ مُخْتَار)
يجوز كَون أَن زَائِدَة فَلِأَن النصب هُنَا يكون بالْعَطْف لَا بِأَن وَقيل فِي {ثمَّ يعودون لما قَالُوا} إِن مَا قَالُوا بِمَعْنى القَوْل وَالْقَوْل بِتَأْوِيل الْمَقُول أَي يعودون للمقول فِيهِنَّ لفظ الظِّهَار وَهن الزَّوْجَات وَقَالَ أَبُو الْبَقَاء فِي {حَتَّى}(1/907)
تنفقوا مِمَّا تحبون) يجوز عِنْد أبي عَليّ كَون مَا مَصْدَرِيَّة والمصدر فِي تَأْوِيل اسْم الْمَفْعُول اه وَهَذَا يَقْتَضِي أَن غير أبي عَليّ لَا يُجِيز ذَلِك وَقَالَ السيرافي إِذا قيل قَامُوا مَا خلا زيدا وَمَا عدا زيدا فَمَا مَصْدَرِيَّة وَهِي وصلتها حَال وَفِيه معنى الِاسْتِثْنَاء قَالَ ابْن مَالك فَوَقَعت الْحَال معرفَة لتأولها بالنكرة اه والتأويل خالين عَن زيد ومتجاوزين زيدا وَأما قَول ابْن خروف والشلوبين إِن مَا وصلتها نصب على الِاسْتِثْنَاء فغلط لِأَن معنى الِاسْتِثْنَاء قَائِم بِمَا بعدهمَا لَا بهما والمنصوب على معنى لَا يَلِيق ذَلِك الْمَعْنى بِغَيْرِهِ
الْقَاعِدَة الثَّامِنَة
كثيرا مَا يغْتَفر فِي الثواني مَا لَا يغْتَفر فِي الْأَوَائِل
فَمن ذَلِك كل شَاة وسخلتها بدرهم
و117 - (وَأي فَتى هيجاء أَنْت وجارها ... )
وَرب رجل وأخيه و (إِن نَشأ ننزل عَلَيْهِم من السَّمَاء آيَة فظلت) وَلَا يجوز كل سخلتها وَلَا أَي جارها وَلَا رب أَخِيه وَلَا يجوز إِن يقم زيد قَامَ عَمْرو فِي الْأَصَح إِلَّا فِي الشّعْر كَقَوْلِه
1173 - (إِن يسمعوا سبة طاروا بهَا فَرحا ... عني وَمَا يسمعوا من صَالح دفنُوا)
إِذْ لَا تُضَاف كل وَأي إِلَى معرفَة مُفْردَة كَمَا أَن اسْم التَّفْضِيل كَذَلِك(1/908)
وَلَا تجر رب إِلَّا النكرات وَلَا يكون فِي النثر فعل الشَّرْط مضارعا وَالْجَوَاب مَاضِيا وَقَالَ الشَّاعِر
1174 - (إِن تركبوا فركوب الْخَيل عادتنا ... أَو تَنْزِلُونَ فَإنَّا معشر نزل)
فَقَالَ يُونُس أَرَادَ أَو أَنْتُم تَنْزِلُونَ فعطف الْجُمْلَة الاسمية على جملَة الشَّرْط وَجعل سِيبَوَيْهٍ ذَلِك من الْعَطف على التَّوَهُّم قَالَ فَكَأَنَّهُ قَالَ أتركبون فَذَلِك عادتنا أَو تَنْزِلُونَ فَنحْن معروفون بذلك وَيَقُولُونَ مَرَرْت بِرَجُل قَائِم أَبَوَاهُ لَا قَاعِدين وَيمْتَنع قَائِمين لَا قَاعد أَبَوَاهُ على إِعْمَال الثَّانِي وربط الأول بِالْمَعْنَى
الْقَاعِدَة التَّاسِعَة
انهم يتسعون فِي الظّرْف وَالْمَجْرُور مَا لَا يتسعون فِي غَيرهمَا
فَلذَلِك فصلوا بهما الْفِعْل النَّاقِص من معموله نَحْو كَانَ فِي الدَّار أَو عنْدك زيد جَالِسا وَفعل التَّعَجُّب من المتعجب مِنْهُ نَحْو مَا أحسن فِي الهيجاء لِقَاء زيد وَمَا أثبت عِنْد الْحَرْب زيدا وَبَين الْحَرْف النَّاسِخ ومنسوخه نَحْو قَوْله
1175 - (فَلَا تلحني فِيهَا فَإِن بحبها ... أَخَاك مصاب الْقلب جم بلابله)
وَبَين الِاسْتِفْهَام وَالْقَوْل الْجَارِي مجْرى الظَّن كَقَوْلِه
1176 - (أبعد بعد تَقول الدَّار جَامِعَة ... )(1/909)
وَبَين الْمُضَاف وحرف الْجَرّ ومجرورهما وَبَين إِذن وَلنْ ومنصوبهما نَحْو هَذَا غُلَام وَالله زيد واشتريته بوالله دِرْهَم وَقَوله
1177 - (إِذن وَالله نرميهم بِحَرب ... )
وَقَوله
1178 - (لن مَا رَأَيْت أَبَا يزِيد مُقَاتِلًا ... أدع الْقِتَال وَأشْهد الهيجاء)
وقدموهما خبرين على الِاسْم فِي بَاب إِن نَحْو {إِن فِي ذَلِك لعبرة} ومعمولين للْخَبَر فِي بَاب مَا نَحْو مَا فِي الدَّار زيد جَالِسا وَقَوله
1179 - ( ... فَمَا كل حِين من تؤاتي مؤاتيا)
فان كَانَ الْمَعْمُول غَيرهمَا بَطل عَملهَا كَقَوْلِه
1180 - ( ... وَمَا كل من وافى منى أَنا عَارِف)
ومعمولين لصلة ال نَحْو {وَكَانُوا فِيهِ من الزاهدين} فِي قَول وعَلى الْفِعْل الْمَنْفِيّ ب مَا فِي نَحْو قَوْله
118 - ( ... وَنحن عَن فضلك مَا استغنينا)
قيل وعَلى إِن مَعْمُولا لخبرها فِي نَحْو أما بعد فَإِنِّي أفعل كَذَا وَكَذَا وَقَوله(1/910)
118 - (أَبَا خراشة أما أَنْت ذَا نفر ... فَإِن قومِي لم تأكلهم الضبع)
وعَلى الْعَامِل الْمَعْنَوِيّ فِي نَحْو قَوْلهم أكل يَوْم لَك ثوب
وَأَقُول أما مَسْأَلَة أما فَاعْلَم أَنه إِذا تَلَاهَا ظرف وَلم يل الْفَاء مَا يمْتَنع تقدم معموله عَلَيْهِ نَحْو أما فِي الدَّار أَو عنْدك فزيد جَالس جَازَ كَونه مَعْمُولا لأما أَو لما بعد الْفَاء فَإِن تَلا الْفَاء مَا لَا يتَقَدَّم معموله عَلَيْهِ نَحْو أما زيدا أَو الْيَوْم فَإِنِّي ضَارب فالعامل فِيهِ عِنْد الْمَازِني أما فَتَصِح مَسْأَلَة الظّرْف فَقَط لِأَن الْحُرُوف لَا تنصب الْمَفْعُول بِهِ وَعند الْمبرد تجوز مَسْأَلَة الظّرْف من وَجْهَيْن وَمَسْأَلَة الْمَفْعُول بِهِ من جِهَة إِعْمَال مَا بعد الْفَاء وَاحْتج بِأَن أما وضعت على أَن مَا بعد فَاء جوابها يتَقَدَّم بعضه فاصلا بَينهَا وَبَين أما وَجوزهُ بَعضهم فِي الظّرْف دون الْمَفْعُول بِهِ وَأما قَوْله
أما أَنْت ذَا نفر
فَلَيْسَ الْمَعْنى على تعلقه بِمَا بعد الْفَاء بل هُوَ مُتَعَلق تعلق الْمَفْعُول لأَجله بِفعل مَحْذُوف وَالتَّقْدِير أَلِهَذَا فخرت عَليّ وَأما الْمَسْأَلَة الْأَخِيرَة فَمن أجَاز زيد جَالِسا فِي الدَّار لم يكن ذَلِك مُخْتَصًّا عِنْده بالظرف
الْقَاعِدَة الْعَاشِرَة
من فنون كَلَامهم الْقلب
وَأكْثر وُقُوعه فِي الشّعْر كَقَوْل حسان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
1183 - (كَأَن سبيئة من بَيت رَأس ... يكون مزاجها عسل وَمَاء)(1/911)
فِيمَن نصب المزاج فَجعل الْمعرفَة الْخَبَر والنكرة الِاسْم وتأوله الْفَارِسِي على أَن انتصاب المزاج على الظَّرْفِيَّة المجازية وَالْأولَى رفع المزاج وَنصب الْعَسَل وَقد رُوِيَ كَذَلِك أَيْضا فارتفاع مَاء بِتَقْدِير وخالطها مَاء ويروى برفعهن على إِضْمَار الشَّأْن وَأما قَول ابْن أَسد إِن كَانَ زَائِدَة فخطأ لِأَنَّهَا لَا تزاد بِلَفْظ الْمُضَارع بِقِيَاس وَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى ذَلِك هُنَا وَقَول رؤبة
1184 - (ومهمه مغبرة أرجاؤه ... كَأَن لون أرضه سماؤه)
أَي كَأَن لون سمائه لغبرتها لون أرضه فعكس التَّشْبِيه مُبَالغَة وَحذف الْمُضَاف وَقَالَ آخر
1185 - (فَإِن أَنْت لاقيت فِي نجدة ... فَلَا يتهيبك أَن تقدما)
أَي تتهيبها وَقَالَ ابْن مقبل
1186 - (وَلَا تهيبني الموماة أركبها ... إِذا تجاوبت الأصداء بِالسحرِ)
أَي وَلَا أتهيبها وَقَالَ كَعْب
1187 - (كَأَن أَوب ذراعيها إِذا عرقت ... وَقد تلفع بالقور العساقيل)
القور جمع قارة وَهِي الْجَبَل الصَّغِير والعساقيل اسْم لأوائل السراب وَلَا وَاحِد لَهُ والتلفع الاشتمال وَقَالَ عُرْوَة بن الْورْد(1/912)
1188 - (فديت بِنَفسِهِ نَفسِي وَمَالِي ... وَمَا آلوك إِلَّا مَا أُطِيق)
وَقَالَ الْقطَامِي
1189 - (فَلَمَّا أَن جرى سمن عَلَيْهَا ... كَمَا طينت بالفدن السياعا)
الفدن الْقصر والسياع الطين وَمِنْه فِي الْكَلَام أدخلت القلنسوة فِي رَأْسِي وَعرضت النَّاقة على الْحَوْض وعرضتها على المَاء قَالَه الْجَوْهَرِي وَجَمَاعَة مِنْهُم السكاكي والزمخشري وَجعل مِنْهُ {وَيَوْم يعرض الَّذين كفرُوا على النَّار} وَفِي كتاب التَّوسعَة ليعقوب بن إِسْحَاق السّكيت إِن عرضت الْحَوْض على النَّاقة مقلوب وَقَالَ آخر لَا قلب فِي وَاحِد مِنْهُمَا وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّان ورد على قَول الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْآيَة
وَزعم بَعضهم فِي قَول المتنبي
1190 - (وعذلت أهل الْعِشْق حَتَّى ذقته ... فعجبت كَيفَ يَمُوت من لَا يعشق)
أَن أَصله كَيفَ لَا يَمُوت من يعشق وَالصَّوَاب خِلَافه وَأَن المُرَاد أَنه صَار يرى أَن لَا سَبَب للْمَوْت سوى الْعِشْق وَيُقَال إِذا طلعت الجوزاء انتصب الْعود فِي الحرباء أَي انتصب الحرباء فِي الْعود وَقَالَ ثَعْلَب فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ فِي سلسلة ذرعها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسلكوه} إِن الْمَعْنى اسلكوا فِيهِ سلسلة وَقيل(1/913)
إِن مِنْهُ {وَكم من قَرْيَة أهلكناها فَجَاءَهَا بأسنا} {ثمَّ دنا فَتَدَلَّى} وَقد مضى تأويلهما وَنقل الْجَوْهَرِي فِي {فَكَانَ قاب قوسين} أَن أَصله قابي قَوس فقلبت التَّثْنِيَة بِالْإِفْرَادِ وَهُوَ حسن إِن فسر القاب بِمَا بَين مقبض الْقوس وسيتها أَي طرفها وَلها طرفان فَلهُ قابان وَنَظِير هَذَا إنشاد ابْن الْأَعرَابِي
119 - (إِذا أحسن ابْن الْعم بعد إساءة ... فلست لشري فعله بحمول)
أَي فلست لشر فَعَلَيهِ
قيل وَمن الْقلب {اذْهَبْ بكتابي هَذَا} الْآيَة وَأجِيب بِأَن الْمَعْنى ثمَّ تول عَنْهُم إِلَى مَكَان يقرب مِنْهُم ليَكُون مَا يَقُولُونَهُ بمسمع مِنْك فَانْظُر مَاذَا يرجعُونَ وَقيل فِي {فعميت عَلَيْكُم} إِن الْمَعْنى فعميتم عَنْهَا وَفِي {حقيق على أَن لَا أَقُول} الْآيَة فِيمَن جر بعلى أَو وصلتها على أَن الْمَعْنى حقيق عَليّ بإدخالها على يَاء الْمُتَكَلّم كَمَا قَرَأَ نَافِع وَقيل ضمن حقيق معنى حَرِيص وَفِي {مَا إِن مفاتحه لتنوء بالعصبة} إِن الْمَعْنى لتنوء الْعصبَة بهَا أَي لتنهض بهَا متثاقلة وَقيل الْبَاء للتعدية كالهمزة أَي لتنيء الْعصبَة أَي تجعلها تنهض متثاقلة(1/914)
الْقَاعِدَة الْحَادِيَة عشرَة
من ملح كَلَامهم تقارض اللَّفْظَيْنِ فِي الْأَحْكَام
وَلذَلِك أمثله
أَحدهَا إِعْطَاء غير حكم إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاء بهَا نَحْو {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر} فِيمَن نصب غير وَإِعْطَاء إِلَّا حكم غير فِي الْوَصْف بهَا نَحْو {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا}
وَالثَّانِي إِعْطَاء أَن المصدرية حكم مَا المصدرية فِي الإهمال كَقَوْلِه
119 - (أَن تقرأان على أَسمَاء ويحكما ... مني السَّلَام وَألا تشعرا أحدا)
الشَّاهِد فِي أَن الأولى وَلَيْسَت مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة بِدَلِيل أَن المعطوفة عَلَيْهَا وإعمال مَا حملا على أَن كَمَا رُوِيَ من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَمَا تَكُونُوا يُولى عَلَيْكُم ذكره ابْن الْحَاجِب وَالْمَعْرُوف فِي الرِّوَايَة كَمَا تَكُونُونَ
وَالثَّالِث إِعْطَاء إِن الشّرطِيَّة حكم لَو فِي الإهمال كَمَا رُوِيَ فِي الحَدِيث فإلا ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك وَإِعْطَاء لَو حكم إِن فِي الْجَزْم كَقَوْلِه
1193 - (لَو يَشَأْ طَار بهَا ذُو ميعة ... )
ذكر الثَّانِي ابْن الشجري وخرجه غَيره على أَنه جَاءَ على لُغَة من يَقُول شا(1/915)
يشا بِالْألف ثمَّ أبدلت الْألف همزَة على حد قَول بَعضهم العألم والخأتم بِالْهَمْزَةِ وَيُؤَيِّدهُ أَنه لَا يجوز مَجِيء إِن الشّرطِيَّة فِي هَذَا الْموضع لِأَنَّهُ إِخْبَار عَمَّا مضى فَالْمَعْنى لَو شَاءَ وَبِهَذَا يقْدَح أَيْضا فِي تَخْرِيج الحَدِيث السَّابِق على مَا ذكر وَهُوَ تَخْرِيج ابْن مَالك وَالظَّاهِر أَنه يتَخَرَّج على إِجْرَاء المعتل مجْرى الصَّحِيح كَقِرَاءَة قنبل {إِنَّه من يتق ويصبر فَإِن الله} بِإِثْبَات يَاء يَتَّقِي وَجزم يصبر
وَالرَّابِع إِعْطَاء إِذا حكم مَتى فِي الْجَزْم بهَا كَقَوْلِه
1194 - ( ... وَإِذا تصبك خصَاصَة فَتحمل)
وإهمال مَتى حكما لَهَا بِحكم إِذا كَقَوْل عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَأَنه مَتى يقوم مقامك لَا يسمع النَّاس
وَالْخَامِس إِعْطَاء لم حكم لن فِي عمل النصب ذكره بَعضهم مستشهدا بِقِرَاءَة بَعضهم {ألم نشرح} بِفَتْح الْحَاء وَفِيه نظر إِذا لَا تحل لن هُنَا وَإِنَّمَا يَصح أَو يحسن حمل الشَّيْء على مَا يحل مَحَله كَمَا قدمنَا وَقيل أَصله نشرحن ثمَّ حذفت النُّون الْخَفِيفَة وَبَقِي الْفَتْح دَلِيلا عَلَيْهَا وَفِي هَذَا شذوذان توكيد الْمَنْفِيّ بلم مَعَ أَنه كالفعل الْمَاضِي فِي الْمَعْنى وَحذف النُّون لغير مُقْتَض مَعَ أَن الْمُؤَكّد لَا يَلِيق بِهِ الْحَذف وَإِعْطَاء لن حكم لم فِي الْجَزْم كَقَوْلِه
1195 - (لن يخب الْآن من رجائك من ... حرك من دون بابك الحلقه) الرِّوَايَة بِكَسْر الْبَاء(1/916)
وَالسَّادِس إِعْطَاء مَا النافية حكم لَيْسَ فِي الإعمال وَهِي لُغَة أهل الْحجاز نَحْو {مَا هَذَا بشرا} وَإِعْطَاء لَيْسَ حكم مَا فِي الإهمال عِنْد انْتِقَاض النَّفْي بإلا كَقَوْلِهِم لَيْسَ الطّيب إِلَّا الْمسك وَهِي لُغَة بني تَمِيم
وَالسَّابِع إِعْطَاء عَسى حكم لَعَلَّ فِي الْعَمَل كَقَوْلِه
1196 - ( ... يَا أبتا علك أَو عساكا)
وَإِعْطَاء لَعَلَّ حكم عَسى فِي اقتران خَبَرهَا بِأَن وَمِنْه الحَدِيث فَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض
وَالثَّامِن إِعْطَاء الْفَاعِل إِعْرَاب الْمَفْعُول وعسكه عِنْد أَمن اللّبْس كَقَوْلِهِم خرق الثَّوْب المسمار وَكسر الزّجاج الْحجر وَقَالَ الشَّاعِر
1197 - (مثل القنافذ هداجون قد بلغت ... نَجْرَان أَو بلغت سوءاتهم هجر)
وَسمع أَيْضا نصبهما كَقَوْلِه
1198 - ( ... قد سَالم الْحَيَّات مِنْهُ القدما)
وَفِي رِوَايَة من نصب الْحَيَّات وَقيل القدما تَثْنِيَة حذفت نونه للضَّرُورَة كَقَوْلِه
1199 - (هما خطتا إِمَّا إسار ومنة ... )(1/917)
فِيمَن رَوَاهُ بِرَفْع إسار ومنة وَسمع أَيْضا رفعهما كَقَوْلِه
1200 - (إِن من صَاد عقعقا لمشوم ... كَيفَ من صَاد عقعقان وبوم)
وَالتَّاسِع إِعْطَاء الْحسن الْوَجْه حكم الضَّارِب الرجل فِي النصب وَإِعْطَاء الضَّارِب الرجل حكم الْحسن الْوَجْه فِي الْجَرّ
والعاشر إِعْطَاء أفعل فِي التَّعَجُّب حكم أفعل التَّفْضِيل فِي جَوَاز التصغير وَإِعْطَاء أفعل التَّفْضِيل حكم أفعل فِي التَّعَجُّب فِي أَنه لَا يرفع الظَّاهِر وَقد مر ذَلِك
وَلَو ذكرت أحرف الْجَرّ وَدخُول بَعْضهَا على بعض فِي مَعْنَاهُ لجاء من ذَلِك أمثله كَثِيرَة
وَهَذَا آخر مَا تيَسّر إِيرَاده فِي هَذَا التَّأْلِيف وأسأل الله الَّذِي من عَليّ بإنشائه وإتمامه فِي الْبَلَد الْحَرَام فِي شهر ذِي الْقعدَة الْحَرَام وَيسر عَليّ إتْمَام مَا ألحقت بِهِ من الزَّوَائِد فِي شهر رَجَب الْحَرَام أَن يحرم وَجْهي على النَّار وَأَن يتَجَاوَز عَمَّا تحملته من الأوزار وَأَن يوقظني من رقدة الْغَفْلَة قبل الْفَوْت وَأَن يلطف بِي عِنْد معالجة سَكَرَات الْمَوْت وَأَن يفعل ذَلِك بأهلي وأحبائي وَجَمِيع الْمُسلمين وَأَن يهدي أشرف صلواته وأزكى تحياته إِلَى أشرف الْعَالمين وَإِمَام العاملين مُحَمَّد نَبِي الرَّحْمَة الكاشف فِي يَوْم الْمَحْشَر بِشَفَاعَتِهِ الْغُمَّة وعَلى أَهله الهادين وَأَصْحَابه الَّذين شادوا لنا قَوَاعِد الدّين وَأَن يسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين(1/918)