ذلك لجاز ان يكون فعلو ان كعنفوان لان فيه ثلاثة غوالب غير الألف فإنه لا كلام في زيادة إذا امكن ثلاثة أصول غَيْرهُ: النون مع ثلاثة أصول وكذا الواو والهمزة فإن حكمت بزيادة الهمزة مع الواو فهو أفْعُوَال ولم يأت في الأوزان وإن حكمت بزيادة الهمزة مع النون فهو أُفْعُلاَن كأُسْتُقَان (1) وأقْحُوَان (2) وأُسْحُوَان (3) وإن حكمت بزيادة الواو والنون فهو فُعْلُوان كعنفوان فقد تردد بين الأُفعلان والفُعْلُوان فحكمنا بأنه أُفْعُلان لشهادة الْفَعْوَة
__________
= والذى جاء هو (فوعة) بتقديم الواو وأفعى مما حدث فيه قلب مكاني.
وكذا الافعوان واصل افعى افوع واصل أفعوان أفوعان قال أبو العلاء: زعم سيبويه ان أكثر ما يستعمل أفعى اسما فيجب على هذا أن تنون افعى والناس يقولونه
يغير تنوين وكلا الوجهين حسن ويدل على انه عندهم كالاسم لا الوصف قولهم في الجمع: الافاعى ولو كان الوصف غالبا عليه لقالوا: فعو في الجمع كما قالوا: اقنى وقنو وإنما هو مقلوب كأنه افوع من فوعة السم وهو حدته وسورته فقلب كما قالوا: عاث وعثا وتفعى الرجل إذا تنكر للقوم كأنه صار كالافعى قال: رأته على فوت الشباب وإنه * تفعى لها إخوانها ونصيرها) اه وقال في اللسان: (وفوعة السم: حدته وحرارته.
قال ابن سيده: وقد قيل: الافعوان منه فوزنه على هذا أفلعان) اه والذى غر ابن الحاجب والرضى أن سيبويه قال: إن وزن أفعى أفعل وان وزن افعوان افعلان (انظر الكتاب ح 2 ص 317، 345) وقد ذكر مثل ذلك الجوهرى في الصحاح (1) الاستقان بضم الهمزة والتاء بينهما سين مهملة ساكنة - كذا وقع في جميع الاصول وقد بحثنا عن هذه الكلمة في كتب اللغة والصرف التى بأيدينا فلم نعثر عليها ولعلها محرفة عن الا ثعبان وهو الوجه الفخم في حسن وبياض ووزنه افعلان (2) الاقحوان: نبت طيب الريح حواليه ورق ابيض ووسطه اصفر وجمعه اقاح وتصغيره اقيحيان (3) الاسحوان: الجميل الطويل والكثير الاكل (*)(2/342)
والْمَفْعَاة ولا دليل في أفْعى سواء صرفته اولا على أنه أفْعَل إذ يجوز أن يكون المنون ملحقاً بجعفر كعَلْقًى وغير المنون بنحو سَلْمى فقوله (لمجئ أفعى) فيه نظر قوله (إضْحِيَان) يقال: يوم إضحيان: أي مضئ وليلة إضْحِيانة من (ضَحِيَ) أي: ظهر وبرز ولولا الاشتقاق هنا أيضاً لعرفنا بعدم النظير أنه
إفْعِلاَن كإسْحِمَان لجبل وإرْبِيَان لنوع من السمك معروف بالروبيان لأن فِعْليَان وإفعيالاً لم يثبتا قوله (خَنْفَقِيق) هو الداهيةُ من الخَفْق وهو الاضطراب لأن فيها اضطراباً وقلقاً لمن وقع فيها وهي أيضاً مضطربة متزلزلة ولولا الاشتقاق لجاز أن يكون التضعيف هو الزائد فقط لكونه غالباً في الزيادة وتكون النون أصلية لأنها ليست من الغوالب فيكون خنفقيق مُلْحَقاً بسلسبيل بزيادة النون والتضعيف قوله (عَفَرْنًى) هو الأسد القوي المعفِّر لفريسته والْعَفَر [بالتحريك] التراب ولولا الاشتقاق لم نحكم إلا بزيادة الألف لأن النون ليست من الغوالب في موضعها وهو ملحق بسفر جل ويقال للناقة: عَفَرْناة قال: (فإنْ رَجَعَ إلَى اشْتِقَاقَيْنِ وَاضِحَيْن كأرْطًى وأوْلَقٍ حَيْثُ قِيلَ: بَعِيرٌ آرِطٌ وراط واديم ماروط وَمَرْطيّ وَرَجُلٌ مَأْلُوقٌ وَمَوْلُوقٌ جَازَ الأَمْرَانِ وكَحَسَّانٍ وَحِمَارِ قبَّانَ حَيْثُ صُرِفَ وَمُنِعَ) أقول: يجوز ان يكون ارطى فعلى لاشتقاق آرط ومأر وط منه والألف للإلحاق لقولهم أرطاة وأن يكون أفعَل بدليل راطٍ ومَرْطِيّ والأَرَطى: من شجر البَرِّ يدبغ بورقه والاونق: الجنون يجوز أن يكون فوعلاً بدليل مألوق وأن يكون أفعل بدليل مولوق وقوله (جاز الامر ان) أي: زيادة أول الحرفين وأصالة الأخير والعكس(2/343)
قوله (وكحسان وحمار قَبَّان (1)) فإن الأول يرجع إلى الحسن أو إلى الحِسِّ وهما اشتقاقان واضحان لجواز صرفه ومنع صرفه وكذا الثاني يرجع إلى الْقَببِ وهو الضُّمُور أو إلى القَبْن وهو الذهاب في الأرض وهما أيضاً
فيه واضحان لجواز صرفه ومنع صرفه فجواز صرف الكلمتين وترك صرفهما دليل على رجوعهما إلى اشتقاقين واضحين قال: (وَإلاَّ الاكثر التَّرْجِيحُ كَمَلأَكٍ قِيلَ: مَفْعَلٌ مِنَ الأَلُوكَةِ ابْنُ كَيْسَانَ: فَعْألٌ مِنَ الْملْكِ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَفْعَلٌ مِنْ لأَكَ: أي أرْسَلَ ومُوسًى مُفْعَلٌ مِنْ أوْسَيْتُ: أيْ حَلَقْتُ والْكُوفِيُّونَ فَعْلَى مِنْ مَاسَ.
وَإنْسَانٌ فِعْلاَنٌ مِنْ الأُنْسِ وَقِيلَ: إفْعَانٌ مِنْ نسي لمجئ أُنَيْسِيَان وَتَرَبُوتٌ فَعَلُوتٌ مِنَ التُّرَابِ عِنْدَ سِيْبَويه لأَنَّهُ الذَّلُولُ وَقَالَ في سُبْرُوتٍ: فعْلُولٍ وَقِيلَ: مِنَ السَّبْرِ وقَالَ في تِنْبَالَةٍ: فِعْلاَلَة وَقِيلَ: مِنَ النَّبَلِ للِصِّغَارِ لأنه الْقَصِير وَسُرِّيَّةٌ قِيلَ: مِنْ السِّرِّ وقيل: من السراة ومئونة قِيلَ: مِنْ مَانَ يَمُونُ وَقِيلَ: مِنَ الأَوْنِ لأَنَّهَا ثِقَلٌ وَقَالَ الفراء: من الاين وَأَمَّا مَنْجَنِيقٌ فإن اعْتُدَّ بِجَنْقُونَا فَمَنْفَعِيلٌ وَإلاَّ فإنِ اعْتُدَّ بَمَجَانِيقَ فَفَنْعَلِيلٌ وَإلاَّ فإنِ اعْتُدَّ بِسَلْسَبِيلٍ على الاكثر ففعلليل والا ففعلنيل وَمَجَانِيقُ يَحْتَمِلُ الثًَّلاَثَة وَمَنْجَنُونٌ مِثْلُهُ لمجئ مَنْجَنِينٍ إلاَّ في مَنْفَعِيلٍ ولولا مَنْجَنِينٌ لكَانَ فعللولا كعضر فوط وخندريس كمنجنين) اقول ل: قوله (والا) أي: ان لم يكن في الكلمة اشتقاق واضح بل فيها اشتقاق غير واضح كما في تِنْبَالة وتَرَبُوت وسبروت أو فيها اشتقاقان
__________
(1) انظر (ص 248 من هذا الجزء) (*)(2/344)
أحدهما أوضح من الآخر كما في مَلَك وموسًى وسُريِّة فالأكثر أن في كلا الموضعين الترجيح ففي الأول: أي الذي فيه اشتقاق واحد غير واضح يرجّح بعضهم غلبة
الزيادة أو عدم النظير على ذلك الاشتقاق إن عارضه واحد منهما وبعضهم يعكس ولا منع من تجويز الأمرين وإن لم يعارضه أحدهما فاعتباره أولى فمثال تعارض الاشتقاق البعيد وقلة النظير تِنْبَالَة قال سيبويه: هو فِعْلاَلة فإن فِعْلاَلاً كثير كسرداح (1) وَتِفْعَالٌ قليل كتِلْقَاءٍ وتِهْوَاءٍ كما ذكرنا في المصادر ورجح بعضهم الاشتقاق البعيد فقال: هو تِفْعَالة من النَّبَل وهو الصغار لأن القصير صغير وكذا في سُبْرُوت (2) رجَّح سيبويه عدم النظير على الاشتقاق فقال هو فعلول كعصفور وليس بفعلوت لندرته والأولى ههنا كما ذهب إليه بعضهم ترجيح الاشتقاق والحكم بكونه فعلوتا ملحقاً بعصفور - وإنْ بدر - بشهادة الاشتقاق الظاهر لأن السبروت الدليل الحاذق الذي سَبَر الطرق وخبرها وهذا اشتقاق واضح غير بعيد حتى يرجح عليه غيره ولم يحضرني مثال تعارض الاشتقاق البعيد وغلبة الزيادة ومثال مالا تعارض لشئ منهما لا لعدم
__________
(1) وقع في جميع اصول الكتاب (كسرواح) بالواو قبل الالف وهو خطأ والصواب ما اثبتناه.
والسرداح ومثله السرتاح: الناقة الكريمة (2) قال في اللسان (س ب رت) : (السيروت: الشئ القليل مال سبروت قليل والسبروتة ايضا: المفلس.
وقال أبو زيد: رجل سبروت وسبريت وامراة سبروتة وسبريتة إذا كانا فقيرين.
والسبروت: الارض الصفصف وفى الصحاح الارض القفر والسبروت الطويل) اه بتصرف.
وقال ايضا.
في مادة (س ب ر) : (والسبرور: الفقير كالسبروت حكاه أبو على وانشد تطعم المعتفين مما لديها * من جناها والعائل السبرورا قال ابن سيده: فأذا صح هذا فتاء سبروت زائدة) اه ولم يعثر فيما بين يدينا من كتب اللغة على ان السبروت بمعنى الدليل الحاذق كما قال المؤلف (*)(2/345)
النظير ولا للغلبة تَرَبُوت فسيبويه اعتبر الغلبة والاشتقاق البعيد وقال: هو من التراب لأن التَّرَبُوت الذَّلُول وفي التراب معنى الذلة قال تعالى (أَوْ مِسْكِيناً ذَا متربة) وقال بعضهم: التاء بدل من الدال.
وهو من الدرْبَة وهو قريب لو ثبت الإبدال ولو ترك اعتبار الاشتقاق أيضاً لم يكن فَعَلولاً كقَرَبُوس (1) لأن التاء من الغوالب وفي الثاني: أي الذي فيه اشتقاقان أحدهما أوضح من الآخر.
الأَكْثَرُ ترجيح الأوضح وجوّز بعضهم الأمرين وذلك نحو مَلَكٍ وأصله مَلأَكٌ بدليل قوله: 121 - فَلَسْتَ لإنْسِيّ وَلكِنْ لِمَلأَكٍ تَنَزّلَ مِنْ جو السماء يصوب (2)
__________
(1) القربوس: مقدم السرج المنحني (2) نسب البغدادي هذا البيت لعلقمة بن عَبَدَة المعروف بعلقمة الفحل ولعلقمة قصيدة على هذا الوزن والروى ومطلعها قوله: طحا بك قلب فِي الْحِسَانِ طَرُوبُ * بُعَيْدَ الشَّبَابِ عَصْرَ حَانَ مشيب يكلفني ليلى وقد شط وليها * وعادت عواد بيننا وخطوب ولم يرو بيت الشاهد في هذه القصيدة احد ممن جمع ديوان علقمة ولا ممن شرحه ولكن بعض الناشرين لديوان علقمة مع شرح الاعلم زعم ان المفضل زاد في هذه القصيدة ابياتا منها بيت الشاهد وقد رجعنا الى المفضليات والى شرحها لابن الانباري فلم نعثر على هذا البيت فيما رواه احدهما وقال ابن برى - كما في اللسان -: البيت لرجل من عبد الفيس يمدح النعمان وقيل: هولانى وجزة يمدح عبد الله بن الزبير وقيل: هو لعلقمة.
والانسى: واحد الانس ويروى في مكانه (لجني) وهو واحد الجن وقوله (ولكن الملاك) روى في مكانه صاحب اللسان (ولكن ملاكا) وخبر لكن على هذا محذوف: أي ولكن ملاكا انت
وقد يكون ملاكا على هذه الرواية معمول خبر لكن وقد حذف اسمها وخبرها جميعا والاصل ولكنك تشبه ملاكا أو نحو ذلك وجو اسمها وخبرها جميعا والاصل ولكنك تشبه ملاكا أو نحو ذلك وجو السماء: هو الهواء الذى بينها وبين الارض وبصوب: ينزل يريد ان افعالك لا تشبه افعال الانس = (*)(2/346)
وأيضاً بدليل قولهم في الجمع مَلاَئكة ألزموا الواحد التخفيف لكثرة استعماله كما ألزموا يَرَى وأرى فقال الكسائي: هو مَفْعَل من الألوكة وهي الرسالة فالمَلَك رسولٌ من قبله تعالى إلى العباد وكذا ينبغي أن يقول في قولهم (ألِكْنِي إليه) أي كن رسولي إليه: إن أصله أأْلِكْنِي ثم الئِكني ثم خفف بالنقل والحذف لزوماً وقال أبو عبيدة: ملأك مَفْعَل من لأكه أي أرسله فكأنه مَفْعَل بمعنى المصدر جعل بمعنى المفعول لأن المصادر كثيراً ما تجعل بمعنى المفعول قال 122 - * دَارٌ لِسُعْدَى إذْهِ مِنْ هَوَاكَا (1) * أي: مَهْوِيِّكَ و (ألِكْنِي) عنده ليس بمقلوب وَمَلأَك عند الكسائي بمعنى الصفة المشبهة ومذهب أبي عبيدة أولى لسلامته من ارتكاب القلب وقال ابن كيسان: هو فعأل من المِلْك لأنه مالك للامور التي جعلها الله إليه وهو اشتقاق بعيد وفَعْأل قليل لا يرتكب مثله إلا لظهور الاشتقاق كما في شمأل قوله: (موسًى) موسى التي هي موسى الحديد عند البصريين من (أوسيت) أي حلقت وهذا اشتقاق ظاهر وهو مؤنث سماعي كالقِدْرِ والنار والدار قال:
__________
= فلست بولد انسان انما انت ملاك افعاله عظيمة لا يقدر عليها احد.
والاستشهاد بالبيت في قوله (لملاك) حيث يدل على ان اصل الملك ملاك نقلت حركة الهمزة الى الساكن قبلها ثم حذفت الهمزة وذلك كما يقولون في مسألة مسلة ولكنهم
التزموا هذا التخفيف في ملك كما النزموه في ذرية ونبى على المشهور من كلام النحاة وسيأتى في باب تخفيف الهمزة (1) هذا بيت من مشطو الرجز وقلبه: * هَلْ تَعْرِفِ الدَّارَ عَلَى تِبْرَاكَا * وتبراك: موضع ببلاد بنى فقعس والاستشهاد بالبيت هنا في قوله (هواكا) حيث استعمل المصدر بمعنى اسم المفعول كما استعمل الخلق بمعنى المخلوق في قوله تعالى: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه) (*)(2/347)
123 - فإن تكن الموسى جرت فوق بظرها فما خُتِنَتْ إلاَّ ومَصَّانُ قَاعِدُ (1) وهي منصرفة قبل العلمية غير منصرفة معها كعقرب ثم تنصرف بعد التنكير وقال أبو سعيد الاموى: هو مذكر لكونه مُفْعَلاً قال أبو عبيدة: لم يسمع التذكير فيه إلا من الأُمَوي وجوز السيرافي اشتقاقه من (أسْوْت الجرح) أي أصلحته فأصله مؤْسَى بهمز الفاء وقال الفراء: هي فُعْلَى فلا تنصرف في كل حال لكونه كالبشرى وهو عنده من الْمَيْسِ لأن المزين يتبختر وهو اشتقاق بعيد قلبت عنده الياء واواً لانضمام ما قبلها على ما هو مذهب الأخفش (2) في مثله كما يجئ في باب الإعلال وأما موسى اسم رجل فقال أبو عمرو بن العلاء: هو أيضاً مُفْعَل بدليل انصرافه بعد التنكير وفُعْلَى لا ينصرف على كل حال وقال أيضاً: إنَّ مُفْعَلاً أكثر من فُعْلَى فحمل الأعجمي على الأكثر أولى وهو ممنوع لان فعلى يجئ مؤنثا لكل افعل تفضيل ومفعل لا يجئ إلا من باب أفْعَل يُفْعِل فهو عنده لا ينصرف [علماً للعجمة والعلمية وينصرف (3) ] بعد التنكير كعيسى وقال الكسائي:
__________
(1) هذا البيت لاعشى همدان من كلمة له اولها: لعمرك ما أدري وإني لسائل * أبْظْرَاءُ أمْ مَخْتُونَةٌ أُمُّ خَالِدِ وبعده بيت الشاهد وبعده قوله: ترى سَوْأةً مِنْ حَيْثُ أطْلَعَ رَأْسَهُ * تَمُرُّ عَلَيْهَا مرهفات الحدائد وفى بيت الشاهد الاقواء وهو اختلاف حركة الحرف الذى عليه روى القصيدة.
والبيت في هجاء خالد القسرى.
والمصان: الحجام لانه يمص الدماء ويقال: المراد بالمصان ابنها خالد من قولهم: يا ماص بظر امه وعلى الاول يهجوه بان امه متبذلة قليلة الحياء فكنى عن ذلك بانه قد ختنها رجل وعلى الثاني يهجوه بانها لم تخنتن حتى كبر ابنها (2) ليس هذا مذهب الاخفش وحده بل مذهب جميع النحاة (3) هذه الزيادة ساقطة من جمع النسخ المطبوعة وقد اثبتناها وقافا للخطيات (*)(2/348)
هو فُعْلىً فينبغي أن يكون ألفه للإلحاق بجخدب وإلا وجب منع صرفه بعد التنكير قوله (إنسان) الأولى أن يقال: فعلان وانيسيان شاذ كعُشَيْشِيَان على ما مر في التصغير فهو مشتق من الأنس لأنه يأنس بخلاف الوحش وقيل: هو من الإيناس: إي الابصار كقوله تعالى: (آنَسَ مِن جَانِبِ الطور نَاراً) لانه يؤنس: أي يبصر ولايجتن بخلاف الجن وقيل: إنسيان كإضْحيَان من النسيان إذ أصل الإنسان آدم وقد قال تعالى فيه: (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ويقويه تصغيره على أنيسيان والاشتقاق من النسيان في غاية البعد وارتكاب شذوذ التصغير كما في لُيَيلية أهون من ادعاء مثل ذلك الاشتقاق قوله (وسُرِّيَّة) الظاهر أنها مشتقة من السِّر وضم السين من تغييرات
النسب الشاذة كدهري وسهلي وهو إما من السِّر بمعنى الخفية لأنها أمة تُخْفَى من الحرة وهذا قول أبي بكر بن السرِيّ وإما من السِّرِّ بمعنى الجماع لأنها لذلك لا للخدمة وهذا قول السيرافي يقال: تَسَرَّرْت جارية وتَسَرَّيْت كتظنيت وقال الأخفش: هي من السرور لأنه يسر بها وقيل: هو من السَّرِيِّ: أي المختار لأنها مختارة على سائر الجواري وقيل: من السَّرَاة وهى اعلى الشئ لأنها تركب سراتها فهي على هذين القولين فُعِّيلة كمُرِّيق وهو الْعُصْفُر وهذا وزن نادر وأيضاً قولهم: (تسرَّرت) براءين - يمنعهما وإن كان تسريت يوافقهما قوله (ومئونة) يقال: هو [من] (مَانَه يَمُونه) إذا احتمل مئونته وقام بكفايته وهذا الشتقاق ظاهر واصله مَوُونة بالواو قلبت الواو المضمومة همزة وقيل: هو من الأوْن وهو أحد العِدْلَين لأن المئونة ثقل فهمزته أصلية وأصله مَأْوُنة(2/349)
كمَكْرُمَة وهو أبعد من الاشتقاق الأول لأن الثقل لازم المئونة في الأغلب وقال الفراء: هو من الأيْن وهو الاغياء وهو أبعد من الاشتقاق الثاني وأصله مأيُنَة نقلت الضمة إلى ما قبلها وقلبت الياء واواً على ما هو أصل الأخفش قوله (فإن اعتد بجَنَقُونا) حكى الفراء (جَنَقْنَاهم) وزعم أن المنجنيق مُوَلَّدة: أي أعجمية وهم إذا اشتقوا من الأعجمي خلَّطوا فيه لأنه ليس من كلامهم فقولهم (جنقونا) وقول الأعرابي (كانت بيننا حروب عُونٌ تفقأ فيها العيون مرة نُجْنَق وأخرى نُرْشَق) (1) من معنى منجنيق لا من لفظه كدَمِث ودِمَثْرٍ (2) وثَرَّة وثَرْثَار وإنما تجنبوا من كونه من تركيب جنق لأن زيادة حرفين في أول اسم غير جارٍ على الفعل كمنطلق قليل نادر عندهم وذلك كإنْقَحْل وكون منجنيق منفعيلاً لشبهة جَنَقُونا مذهبُ المتقدمين
قوله (وإلا) أي: وإن لم يعتد بحنقونا كما ذكرنا فإن اعتد بمجانيق فهو فَنْعَلِيل لأن سقوط النون في الجمع دليل زيادته فإذا ثبت زيادة النون فالميم أصل لئلا يلزم زيادة حرفين في أول اسم غير جار على الفعل قوله (وإلا) أي: وإن لم يعتد بمجانيق فيه نظر وذلك لأنه جمع منجنيق عند عامة العرب فكيف لا يعتد به؟ وفي الجمع لا يحذف من حروف
__________
(1) هذا من كلام اعرابي وقد سئل: كيف كانت حروبكم؟ فقاله والعون: جمع عوان وهى الحرب التى تقدمتها حرب اخرى ونجنق: نرمى بالمجانيق ونرشق: ترمى بالسهام والمجانيق: جمع منجنيق - بفتح الميم وكسرها - ومثله المنجنون وهى القذافة التى ترمى بها الحجارة وهو اعجمي معرب.
وهى مؤنثة قال زفر بن الحرث: لقد تركتني منجنيق ابن بحدل * احيد عن العصفور حين يطير (2) الدمث: السهل الخلق وبابه فرح ودماثة ايضا واصل ذلك من الدمث بمعنى الارض السهلة اللينة التى لا يشق السير عليها والدمثر - كسبطر وعليط وجعفر - بمعناه.
(*)(2/350)
مفرده الأصول إلا الخامس منها فحذفهم النون بعد الميم دليل على زيادتها وليس مجانيق كجَنَقُونا حتى لا يعتدَّ به لأن ذلك حكاية عن بعض الأعراب ومجانيق متفق عليه وكونه فنعليلاً مذهب سيبويه وإنما حكم بذلك لأنه ثبت له بجمعه على مجانيق زيادة النون وأصالة الميم كما ذَكَرنا ولم يحكم بزيادة النون الثانية أيضاً لوجهين: أحدهما نُدور فنعنيل بخلاف فَنْعَلِيل كَعَنْتَرِيس وهي الناقة الشديدة من الْعتْرَسَة وهي الشدة والثانى أن الأصل أصالة الحروف إلا أن يقوم على زيادتها دليل قاهر قوله (فإنِ اعتُدَّ بِسَلْسَبِيلٍ عَلَى الأَكْثَرِ) يعني إن ثبت في كلامهم فَعْلَلِيل بزيادة الياء فقط وذلك أن أكثر النحاة على أن سلسبيلاً فعلليل وقال الفراء:
بل هو فعفليل وكذا قال في درد بيس وذلك لتجويزه تكرير حرف أصلي مع توسط حرف [أصلي] بينهما كما مر وفي قول المصنف هذا أيضاً نظر وذلك لأن فعلليلاً ثابت وإن لم يثبت أن سلسبيلاً فعلليل وذلك بنحو برقعيد لقصبة في ديار بيعة وَعَلْطَميس (1) للشابة.
ولو لم يجمع منجنيق على مجانيق لكان فعلليلاً سواء ثبت بنحو بَرْقَعيد فعلليل اولا وذلك لأن جَنَقُونا كما قلنا غير معتد به والأصل أن لانحكم بزيادة حرف إلا إذا اضطررنا إليه: إما بالاشتقاق أو بعدم النظير أو بغلبة الزيادة فإن قيل: إذا لزم من الحكم بزيادة حرف وزنٌ غريب ومن الحكم بأصالته وزن [آخر] غريب فالحكم بزيادته أولى لأن ذوات الزوائد أكثر من أبنية الأصول قلت: ذاك ان لم يكن في اللفظ زائد متفق عليه والياء في نحو منجنيق
__________
(1) في القاموس: العلطميس - كزنجبيل -: من النوق الشديدة الغالية والهامة الضخمة الصلعاء والجارية التارة الحسنة القوام والكثير الاكل الشديد البلع (*)(2/351)
مقطوع بزيادته فمثل هذا البناء على أي تقدير كان من ذوات الزائد فلو لم يثبت مجانيق لكنا نجمع منجنيقا على مناجن بحذف الحرف الاخير كسفارج قوله (وإلا ففعلنيل) يعني إن لم يثبت أن سلسبيلا فَعْلَلِيل بل كان فعفليلاً كما قال الفراء فمنجنيق فعلنيل وفي هذا كما تقدم نظر لأنه وإن لم يثبت كون سلسبيل فعلليلاً بنحو بَرْقَعيد وعَلْطَميس فهو وزن ثابت على كل حال قوله (ففعلنيل) لأن الوجوه العقلية المحتملة سبعة وذلك لأن الميم إما أصلية أو زائدة فإن كانت أصلية فإن كان النونان أيضاً كذلك فهو فعلليل وإن كانا زائدين فهو فنعنيل من مَجَقَ وإن كان الأول أصلاً دون الثاني فهو
فَعْلَنيل من مَنْجَقَ وإن كان العكس فهو فنعليل من مَجْنَقَ وإن كان الميم زائداً فإن كان النونان أصليين فهو مَفْعَلِيل من نَجْنَقَ وإن كان الأول أصلاً دون الثاني فهو مفعنيل من نجق وان كان العكس فهو منفعيل من جنق ومع زيادة الميم لا يجوز ان يكون النونان ايضا زائدين لبقاء الكلمة على اصلين وهما الجيم والقاف والياء زائدة على كل تقدير إذ أمكن اعتبار ثلاثة أصول دونها فمن هذه السبعة الأوجه لا يثبت فعلليل إن لم يثبت سلسبيل على الأكثر على ما ادعى المصنف وقد ذكرنا ما عليه ومنفعيل إذ لا يزاد الميم في الأول مع أربعة أصول بعدها كما يجئ إلا في الجاري على الفعل مع غرابة الوزنين أعني منفعيلاً ومفعليلاً فيبقى بعد الثلاثة: فَنْعَنيل وفَعْلنيل ومَفْعنيل وفَنْعليل والكل نادر إلا فنعليلاً كَعَنْتَرِيس قوله (ومجانِيقُ يحتمل الثلاثة) لأنه إن كانت الميم زائدة فهو مفاعيل لاغير وإن كانت أصلية فهو إما فعاليل أو فعانيل (1) والثاني لم يثبت فهو إما مفاعيل
__________
(1) انت تعلم ان ابن الحاجب رحمه الله قد بنى كلامه في منجنيق على وجهين: الاول ان يعتد بقولهم: جنقونا والثانى ان لا يعتد به وانه حكم على منجنيق على الوجه الاول = (*)(2/352)
على ما اختاره بعضهم في منجنيق أنه من جنق وإما فَعَاليل على ما اختار سيبويه في منجنيق وأظن أن هذا اللفظ - أعني (ومجانيق يحتمل الثلاثة) - ليس من المتن إذ لا فائدة فيه لأن الجمع يعتبر وزنه بوزن واحده ويتبعه في أصالة الحروف وعدم أصالتها ولا يكون له حكم برأسه ولم يتعرض المصنف في الشرح لهذا اللفظ ولو كان من المتن لشرحه قوله (ومنجنون مثله) [أي مثل] منجنيق في احتمال الأوجه المذكورة وذلك لكون منجنين وهو لغة في منجنون يحتمل الأوجه المذكورة لكونه
كمنجنيق إلا ان احدى اللامين فيه لابد من الحكم بزيادتها إذا حكمت بأصالة الميم والنون الأولى معاً أو بأصالة أحداهما لأن التضعيف لا يكون أصلاً مع ثلاثة أصول دونه أو أربعة كما مر في أول الكتاب ويسقط من الأوجه السبعة فنعنيل وفعلنيل ومفعنيل ويجئ فعلليل وفنعليل ومفعليل ومنفعيل ويستبعد منفعيل كما ذكرنا في منجنيق ولم يجئ جن في منجنين كما جاء جنق في منجنيق حتى يرتكب هذا الوزن المستبعد ومَفْعَليل غريب وفعلليل ثابت
__________
= بأنه على زنة (منفعيل) فأصوله الجيم والنون التى بعدها والقاف والميم والنون الواقعتان في اول الكلمة زائدتان وعلى الوجه الثاني بانه يحتمل (فنعليلا) فالميم والجيم والنون الثانية والقاف اصول والنون الاولى والياء زائدتان ويحتمل (فعلليلا) فالزائد الياء ويحتمل (فعلنيلا) فالنون الثانية والياء زائدتان وعلى هذا يكون قوله (ومجانيق يحتمل الثلاثة) إشارة الى الاوزان المذكورة بعد عدم الاعتداد بجنقونا وعلى هذا يكون (مجانيق) إما على زنة (فعاليل) ان كان مفرده (فنعليلا) أو (فلاليل) ان كان مفرده (فعلليلا) أو يكون على زنة (فلانيل) إن كان مفرده (فعلنيلا) ومن هذا كله يتبين لك ان قول الرضى (أو فعانيل) خطأ والصواب ان يقول (اما فعاليل أو فلا ليل أو فلا نيل) وقوله (لأنه إن كانت الميم زائدة فهو مَفَاعيل لاغير) لا يدخل في شرح هذه العبارة من كلام المصنف ولكنه من تتمة الفروض في هذه الكلمة (ج 2 - 23) (*)(2/353)
كبر قعيد فمنجنين إما فَعْلَليل ملحق ببرقعيد بتكرير اللام والنونُ الأولى أصلية فيكون كعَرْطَليل والْعَرْطَل والْعَرْطَلِيل: الطويل وإما فَنْعَلِيل ملحق به أيضاً بزيادة النون وتكرير اللام فهو كَخَنْشَلِيل (1) وقد ذكر سيبويه
في منجنون أيضاً مثل هذين الوجهين فقال مرة: هو ملحق بعضر فوط (2) بتكرير النون فيكون رباعيًّا ملحقاً بالخماسي وقال مرة: إنه ملحق بعضر فوط بزيادة النون الأولى وإحدى النونين الأخيرين فهو إذن ثلاثي ملحق بخماسي والأولى الحكم عليه بفَعْلَلُول وعلى منجنيق بفَعْلَلِيل لعدم الدليل على زيادة النون الأولى والأولى الحكم بأصالة الحرف ما لم يمنع منه مانع وأما إحدى النونين الأخيرين فالغلبة دالة على زيادتها وجمع مَنْجَنُون ومنجنين على مناجين كذا يجمعهما عامة العرب سواء كان فنعلولا اوفعللولا لأن حذف إحدى النونين الأخيرين لكونها طرفاً أو قريبة من الطرف أولى من حذف النون التي بعد الميم والظاهر أن الزائد من المكرر هو الثاني كما يجئ إذ لو كان الاول لجاز مناجن ومناجين بالتعويض من المحذوف وترك التعويض (3) كما في سفارج وسفاريج
__________
(1) الخنشليل: المسن ويقال: عجوز خنشليل إذا كانت مسنة وفيها بقية (2) العضر فوط: دويبة (انظر ج 1 ص 9، 51) (3) اعلم ان منجنونا اما ان يكون (فنعلولا) واما ان يكون (فعللولا) ومعنى هذا ان الميم في اولها اصل والواو بين النونين الاخيرتين زائدة والنون التى بعد الميم زائدة على الاول اصلية على الثاني واحدى النونين الاخريين زائدة على الخلاف الانى ذكره في كلام المؤلف ثم اعلم ان مناجين الذى سمع في جمعه لا يقطع بالدلالة على زيادة اولى النونين الاخريين كما لا يقطع بزيادة ثانيتهما وبيان ذلك انك ان فرضت زيادة اولاهما واردت جمعه وجب ان تقول: مناجين بحذف هذه النون الزائدة وقلب الواو ياء لانها مد قبل الاخر الاصلى وان فرضت زيادة الثانية جاز لك ان تقول في الجمع: مناجين.
فتحذف النون الاخيرة والواو التى قبلها ثم تعوض عن المحذوف ياء قبل الاخر فالفرق بين الحالين ان = (*)(2/354)
قوله (ولولا منجنين لكان فعللولاً) يعني منجنين كمنجنيق فيحتمل جميع ما احتمله منجنيق من الأوزان فلذلك يحتمل منجنون ما احتمله منجنين ولولا منجنين لكان منجنون كعضر فوط وهذا قول فيه ما فيه وذلك أنا بينا أن منجنيناً لا يحتمل إلا فَعْلَليلاً على الصحيح وفنعليلاً على زيادة النون الأولى كما أجاز سيبويه وقد ضعفناه وكذ منجنون فَعْلَلُول على الصحيح وفنعلول على ما اجازه سيبويه وعلى كلا التقديرين هو ملحق بعضر فوط فما معنى قوله (ولولا منجنين لكان فعللولاً) وهو مع وجوده فعللول أيضاً؟ قوله (وخندريس (1) كمنجنين) لا شك في زيادة إحدى النونين الأخيرين في مَنْجَنين وليس ذلك في خندريس ونون خندريس أصل على الصحيح لعدم قيام الدليل على زيادتها ومن قال في منجنين إنه فَنْعَلِيل كعنتريس لم يمتنع أن يقوله في خندريس أيضاً هذا آخر ما ذكره المصنف من حكم الاشتقاق وتقسيمه أن يقال: إن كان في الاسم اشتقاق فهو إما واحد اولا والواحد اما ظاهر اولا والذي فوق الواحد إما أن يكون الجميع ظاهراً أو الجميع غير ظاهر أو بعضه ظاهراً دون الآخر فالواحد الظاهر يحكم به كما في رَعْشَنٍ (2) وبِلَغْنٍ
__________
= الياء على الاول واجبة وهى منقلبة عن الواو وعلى الثاني جائزة وهى زائدة للعوض ومن هنا تعلم ان كلام المؤلف فاسد لانه علل الحكم بزيادة الثانية بالتزامهم مناجين ووجه فساده ان هذا الالتزام لا يقطع باحد الوجهين وانما يكون مرجحا ثم هو يرجح الذى نفاه المؤلف وهو ان الاولى هي الزائدة وهذا بعينه يجرى في منجنين (1) الخندريس: القديم من الحنطة ومن الخمر قال ابن دريد: (احسبه معربا)
(2) انظر (ح 1 ص 59) وانظر ايضا (ص 333 من هذا الجزء) (*)(2/355)
والواحد غير الظاهر إن عارضه مرجح آخر من الغلبة أو خروج الكلمة عن الأصول اخْتُلف فيه: هل يحكم به أو بالمرجح [الآخر] ؟ وإن لم يعارضه فهل يحكم بالاشتقاق أو بكون الأصل أصالة الحروف؟ فيه تردد وما فوق الواحد إن كانا ظاهرين احتملهما كأوْلَقٍ وإن كان أحدهما ظاهراً دون الآخر فالأولى ترجيح الظاهر كما في مَؤُونة وسُرِّيَّة وإن كانا خفيين وفيه مرجح آخر فهل يحكم بأحدهما أو بالمرجح الآخر؟ فيه التردد المذكور فإن حكم بهما: فإن استويا احتملهما وإن كان أحدهما أظهر حكم به وإن لم يكن فيه مرجح آخر حكم بهما على الوجه المذكور وإنما قدم الاشتقاق المحقق على الغلبة وعدم النظير وكون الأصل أصالة الحروف لأن المراد بالاشتقاق كما ذكرنا اتصال إحدى الكلمتين بالأخرى كضارب بالضرب أو اتصالهما بأصل كضارب ومضروب بالضرب وهذا الاتصال أمر معنوي محقق لا مَحِيدَ عنه بخلاف الخروج عن الأوزان فإنه ربما تخرج الكلمة عن الأوزان بنظر جماعة من المستقرئين ولا تخرج في نفس الأمر إذ ربما لم يصل إليهم بعض الأوزان وبتقدير الخروج عن جميع الأوزان يجوز أن تكون الكلمة شاذة الوزن وكذا مخالفة غلبة الزيادة لا تؤدي إلى مستحيل بل غاية أمرها الشذوذ ومخالفة الأكثر وكذا مخالفة كون أصل الحروف الأصالة ثم إن فقدنا الاشتقاق ظاهراً أو خفيًّا نظرنا: فإن كان حرف الكلمة الذي هو من حروف (سألتمونيها) من الغوالب في الزيادة كما سيجئ أو كان الحكم بأصالة ذلك الحرف يزيد بناءً في أبنية الرباعي أو الخماسي الأصول أعني المجردة عن الزائد أيُّ الأمرين كان حكمنا بزيادة ذلك الحرف ولا نقول: إن
الأصل أصالة الحرف لأن الأمرين المذكورين مانعان من ذلك الأصل(2/356)
ولو تعارض الغلبة وعدم النظير رجَّحنا الغلبة كما لو كان الحكم بزيادة الغالب يؤدي إلى وزن مجهول والحكم بأصالته لا يؤدي إلى ذلك حكمنا بزيادة الغالب كما نقول في سُلَحْفِية (1) فُعَلِّية وهو وزن غريب وفُعَلِّلَة كقذ علمة غير (2) غريب وذلك لأنا نقول إذن: هذا الغريب ملحق بسبب هذه الزيادة بذلك الذي هو غير غريب فنقول: إن كان الحكم بأصالة الغالب يؤدي إلى وزن غريب في الرباعي أو الخماسي المجردين عن الزائد والحكم بزيادته يؤدي إلى غريب آخر في ذى الزيادة كتتفل (3) فإن فَعْلُلاً بضم اللام وتَفْعُلاً نادران وكذا قُنْفَخْر (4) فإن فُعْلَلاًّ وَفُنْعَلاًّ غريبان حكمنا بزيادة الغالب لأن الأوزان المزيد فيها أكثر من المجرد إلا المزيد فيه من الخماسي فإنه لا يزيد زيادةً بيِّنة على المجرد من أبنية الخماسي كما تبيَّن قبل لكن المزيد فيه منه لا يلتبس بالمجرد من الزيادة إذ الاسم المجرد لم يأت فوق الخماسي وإن كان الحكمان لا يزيد واحد منهما بناءً غريباً فالحكم بزيادة الغالب واجب لبقاء مرجح الغلبة سليماً من المعارض
__________
(1) انظر (ح 1 ص 261 هـ 3) (2) انظر (ح 1 ص 51) (3) التتفل - بفتح التاء الاولى وسكون الثانية وضم الفاء أو بضمتين بينهما سكون أو بكسر اوله وفتح ثالثه أو بفتح الاول والثالث أو بكسرهما -: الثعلب وقيل: ولده (4) القنفخر - بضم القاف وسكون النون وفتح الفاء وسكون الخاء وبكسر
اوله ايضا -: الفائق في نوعه والتار الناعم واصل البردى ولم يحك في القاموس الا مكسور الاول - كجرد حلو مثله القفاخر - كعلا بط والقفاخرى بزيادة ياء مشددة (*)(2/357)
وان كان الحكم باصالته يزيد بناءً نادراً دون الحكم بزيادته تعيَّن الحكم بالزيادة أيضاً لتطابق المرجحين على شئ واحد وإن كان الأمر بالعكس: أي الحكم بزيادته يؤدي إلى زيادة بناء غريب دون الحكم بأصالته حكم بزيادة الغالب اللالحاق كما ذكرنا في سلحفية لأنه كأنه فُعَلِّلة لكونه ملحقاً به وإن كان الحكم بأصالة الغالب والحكم بزيادته يزيد كل واحد منهما وزناً نادراً في ذي الزيادة لا في المجرد عنها حكمنا بزيادة الغالب أيضاً لثبوت المرجح بلا معارض فإن كان الحكمان لا يزيد شئ منهما بناءً غريباً في المزيد فيه أو يزيد فيه أحدهما دون الآخر حكمنا بزيادة الغالب لما ذكرنا الآن سواء وأمثلة التقديرات المذكورة لم تحضرني في حال التحرير فعلى ما ذكرنا إذا تعارض الغلبة وعدم انظير يرجح الغلبة كما يجئ في سُلَحْفية ففي تقديم المصنف عدم النظير كما يجئ من كلامه على الغلبة نظر هذا وإن كان الحرف من حروف (سألتمونيها) ليس من الغوالب ولا يؤدي أصالته إلى عدم النظير فلا بدّ من الحكم بأصالته بلا خلاف كما حكمت بأصالة الهاء والميم من درهم ولام سفر جل وميم عَلْطَميس وسينه وهذا الذي ذكرنا كله إذا لم يتعدد الغالب فان تعدد فيجئ حكمه قال: (فإنْ فُقِدَ فَبِخُرُوجِهَا عَنِ الأُصُولِ كَتَاءِ تَتْفُل وتَرْتُبٍ وَنُونِ
(الخروج عن الأوزان المشهورة من أدلة الزيادة) كُنْتَأْلٍ وَكَنَهْبُلٍ بِخِلاَفِ كَنَهْوَرٍ وَنُونِ خُنْفَسَاءَ وقُنْفَخْرٍ أوْ بِخُرُوجِ زِنَةٍ اخرى لها: كتاء تتفل وَتُرْتُبٍ مَعَ تَتْفُلٍ وَتَرْتُبٍ ونُونِ قِنْفَخْرٍ وَخُنْفُسَاءَ مَعَ قُنْفَخْرٍ وَخُنْفَسَاءَ وَهَمْزَةِ أَلَنْجَجٍ مَعَ أَلَنْجُوجٍ) أقول: التتفل ولد انثعلب يقال: أمر تَرْتُب: أي راتب ثابت من رَتَبَ(2/358)
رتوباً: أي ثبت وما كان له أن يعده في المفقود اشتقاقه إذ اشتقاقه ظاهر كما قلنا الكُنْتَأْل بالهمز: القصير الْكَنَهْبُلُ: من أشجار البادية الكَنَهْوَر: العظيم من السحاب القُنْفَخْر: الفائق في نوعه الألْنَجَجُ والألْنْجُوج (1) واليَلَنْجُوج: العود قوله (فإن فقد) أي: الاشتقاق الظاهر والخفي قوله (فبخروجها عن الأصول) أي: يعرف زيادة الحرف بخروج زنة الكلمة بتقدير أصالة الحرف لا بتقدير زيادته عن الأصول: أي الأوزان المشهورة المعروفة هذا وليس مراده بالأصول أوزان الرباعي والخماسي المجردة عن الزوائد بدليل عده ألَنْجُوجاً وخُنْفَسَاء - بفتح الفاء - في الأوزان الأصول وهذه الكلمات التي ذكرها لم يعارض عدم النظير فيها بالغلبة لأن الحروف المذكورة ليس شئ منها من الغوالب إلا همزة ألنجوج ولا تَعَارُض في ألنجوج بين الغلبة وعدم النظير لأن عدم النظير لا يرجح إذا كان يلزم بكلا التقديرين زيادة وزن في المزيد فيه إذ لا يمكن الخلاص من عدم النظير أيضاً في المزيد فيه: حكمت بزيادة الحرف أو بأصالته فالترجيح في هذه الكلمات بعدم النظير على كون الأصل أصالة الحرف
__________
(1) قال في اللسان: (والالنجج واليلنجج: عود الطيب وقيل: هو شجر غيره
يتبخر به قال ابن جنى: ان قيل لك إذا كان الزائد إذا وقع اولا لم يكن للالحاق فكيف الحقوا بالهمزة في (النجج) وبالياء في (يلنجج) والدليل على صحة الالحاق ظهور التضعيف قيل: قد علم انهم لا يلحقون بالزائد من اول الكلمة الا ان يكون معه زائد آخر فلذلك جاز الالحاق جاز الالحاق بالهمزة والباء في (النجج) و (يلنجج) لما نضم الى الهمزة والياء النون ووالالنجوج واليلنجوج كالالنجج واليلنجج: عود بتبخر به به وهو يفنعل وافنعل وقال اللحيا: عو يلنجوج والنجوج والنجج فوصف بجميع ذلك وهو عود طيب الريح) اه (*)(2/359)
وكان ينبغي أن لا يذكر المصنف ههنا إلا ما يخرج عن الأصول بأحد التقديرين دون الآخر لأنه يذكر بعد هذا ما يخرج عن الأصول بالتقديرين معاً وهو قوله (فإن خرجتا معا) وتتفل وتَرْتُب يخرج عن الأصول بكلا التقديرين إذ ليس في الأوزان الاسمية تَفْعُل وَفَعْلُل وكذا نادران وكذا خُنْفَسَاء لأن فُعْلَلاَء وفنعلاء غريبان وكذا ألنجوج لأن فَعَنْلُولاً وأفَنْعُولاً شاذان قوله (بخلاف كَنَهْور) يعني لو جعلنا نون كُنْتَأْل أصلاً لكان فُعْلَلاًّ وهو نادر بخلاف نون كَنَهْوَر فإنا إذا جعلناه أصلاً كان فَعَلْوَلا ملحقاً - بزيادة الواو - بسفر جل فلا يكون نادراً فلذا جعلنا نونه أصلاً دون نون كنتأل قوله (أو بخروج زنة أخرى لها) أي: إذا كان في كلمة لغتان وبتقدير أصالة حرف من حروف سألتمونيها في إحدى الزنتين لا تخرج تلك الزنة عن الأصول لكن الزنة الأخرى التي لتلك الزنة تخرج عن الأصول بأصالة ذلك الحرف حكمنا بزيادة ذلك الحرف في الزنتين معاً فإن تُتْفَلا بضم التاء الأولى كان يجوز أن يكون كبرثن فلا يخرج عن الأصول بتقدير أصالة التاء لكن
لما خرجت تَتْفُل بفتح التاء عن الأصول بتقدير أصالتها حكمنا بزيادة التاء في تُتْفُل - بضم التاء أيضاً تبعاً للحكم بزيادتها في تَتْفُل - بفتحها وكذا تاء تُرْتُب وكذا نون قِنْفَخْر - بكسر القاف وإن كان يجوز أن يكون فعللا كجرد حل وكذا نون خُنْفُسَاء - بضم الفاء وإن لم يمتنع لولا اللغة الأخرى أن يكون كقُرْفُصاء وكذا همزة أَلَنْجَج وإن جاز أن يكون فَعَنْلَلاً حكمنا بزيادة الحروف المذكورة لثبوت زيادتها في اللغات الأُخَر وألحق الحكم بأصالة نون خنفساء في اللغتين لأن وزن الكلمة على التقديرين من أبنية المزيد فيه إذ الألف(2/360)
والهمزة من الزيادات اتفاقاً وقد تقدم أن عدم النظير المزيد فيه بالتقديرين معاً ليس لمرجح فعلى هذا لم يعرف زيادة همزة ألَنْجُوج بعدم النظير لأنه مزيد فيه بالاتفاق إذ الواو فيه زائد من غير تردد بل عرفنا زيادة همزته وهمزة ألَنْجَج بشبهة الاشتقاق والغلبة إذ فيهما ثلاثة غوالب: الهمزة والنون والتضعيف ولا يجوز الحكم بزيادتها معاً لئلا يبقي الكلمة على حرفين فحكمنا بزيادة اثنين منها ولا يجوز الحكم بزيادة النون والتضعيف ولا بزيادة الهمزة والتضعيف لأن ألَجَ ولَنَجَ مهملان فحكمنا بزيادة الهمزة والنون فهو من لجَّ كأنه يلج في نشر الرائحة والنجج: ملحق بسفر جل بزيادة الهمزة والنون قال: (فإنْ خَرَجَتَا مَعاً فَزَائِدٌ أيضاً كَنُونِ نَرْجِسٍ وَحِنْطَأْوٍ وَنُونِ جُنْدَبٍ إذَا لَمْ يَثْبُتْ جُخْدَبٌ إلاَّ أن تَشِذَّ الزِّيَادَةُ كَمِيم مَرْزَنْجُوشٍ دُونَ نُونِهَا إذْ لَمْ تُزَدِ الْمِيمُ أوَّلاً خَامِسَةً وَنُونِ بَرْنَاسَاءَ وَأَمَّا كُنَابِيلُ فَمِثْلُ خُزَعْبِيل) أقول: الحِنْطَأو: العظيم البطن والْبَرْنَاساء والبرْنساء: الإنسان يقال:
ما أدري أي البرناساء هو والجندَب: ضرب من الجراد وهو من الجدب واشتقاقه ظاهر فلم يكن لإيراده فيما لا اشتقاق فيه وجه والجخدب: الجراد الأخضر الطويل الرجلين وكُنَابيل: أرض معروفة وهو غير منصرف قوله: (فإن خرجتا معاً) أي: خرجت الزنتان معاً بتقدير أصالة الحرف وزيادته عن الأوزان الأصول حكمنا بالزيادة أيضاً: لما قلنا من كثرة المزيد فيها وقلة المجرد عن الزائد فنقول في نرجس نَفْعِلٌ وإن لم يأت في الأسماء نَفْعَلٌ كما لم يأت فَعْلِلٌ - بكسر اللام - وأما حنطأ فقال السيرافي: الأولى أن يحكم(2/361)
باصالة جميع جروفه فيكون كجرد حل ومثله كنتأو (1) وسندأو (2) وقند أو (3) وقال الفراء في مثلها: الزائد إما النون وَحْدَها فهو فِنْعَلٌّ وإما النون مع الواو فهو فِنْعَلْوٌ وإما النون مع الهمزة فهو فِنْعَأْلٌ وجَعَلَ النون زائدة على كل حال وقال سيبويه: الواو مع ثلاثة أصول من الغوالب فيحكم بزيادتها وكل واحدة من النون والهمزة رَسِيلَتُهَا (4) فِي الأمثلة المذكورة فيجعل حكمُ إحداهما في الزيادة حكم الواو وإن لم يكونا من الغوالب والحكم بزيادة النون أولى من الحكم بزيادة الهمزة لكون زيادة النون في الوسط أكثر من زيادة الهمزة قال: وإنما لزم الواو الزائدة في الأمثلة المذكورة بعد الهمزة لأن الهمزة تخفى عند الوقف والواو تظهرها فوزنه عند سيبويه فِنْعَلْوٌ وإليه ذهب المصنف إذ لو ذهب إلى ما ذهب إليه السيرافي من أصالة الواو لم يكن يزيد في الأبنية المجردة وزنٌ بتقدير أصالة النون إذ يصير فعللا كجرد حل فعلى ما ذهب إليه ليس عدم النظير بمرجح في هذا الوزن لأنه من ذوات الزوائد بالتقديرين كما قلنا في ألَنْجُوج وخُنْفُسَاء قوله (ونون جُنْدَب إذا لم يثبت جُخْدَب) يعني إذا ثبت جخدب - بفتح الدال
- فلا يخرج جندب بأصالة النون عن الأصول والأولى أن جُنْدَباً فُنْعل ثبت جخدب اولا للاشتقاق لأن الجراد يكون سبب الْجَدْب ولهذا سمي جراداً لجَرْدِهِ وجه الأرض من النبات
__________
(1) قال في القاموس: (والكنتاو - كسند أو: الجمل الشديد والعظيم اللحية الكثها أو الحسنها) اه (2) السنداو: الخفيف وقيل: هو الجرئ المقدم وقيل: هو القصير وقيل: هو الرقيق الجسم مع عرض راس والسنداو من الابل: الفسيح في مشيه (3) القنداو: السئ الخلق والقصير من الرجال والصغير العنق الشديد الراس والجرئ المقدم (4) يريد ان كلا من الهمزة والنون تبع للواو في الحكم (*)(2/362)
قوله (إلا أن تشذ الزيادة) يعني لو أدى الحكم بزيادة الحرف إلى شذوذ الزيادة لم نحكم بزيادته ولو خرجت الكلمة بأصالته عن الأوزان أيضاً فلا يحكم بزيادة ميم مَرْزَنْجُوش (1) لأن الميم تشذ زيادتها في أول اسم غير جاز إذا كان بعده أربعة أحرف أصول أما في الجاري كَمُدَحْرِج فثابت قوله (دون نونها) أي: النون لا تشذ زيادتها فلما ثبت اصالة الميم وجب زيادة النون لأن الإسم لا يكون فوق الخماسي فهي فَعْلَنْلُولٌ قوله (ونون بَرْنَاساء) أي: أن وزنه فَعْنَالاء وإن كان غريباً غرابة فَعْلاَلاَء إذ عدم النظير لا يرجح في المزيد فيه بالتقديرين كما مر في خنفساء ونحوه.
وما يوجد في النسخ (وأما كُنَأبيل (2) فمثل خَزَعْبِيل (3)) الظن أنه وهم: إما من المصنف أو من الناسخ لأن كنابيل بالألف لا بالهمزة والألف في الوسط عنده لا يكون للإلحاق كما تقدم
قال: (فإنْ لَمْ تَخْرُجْ فَبِالْغَلَبَةِ كَالتَّضْعِيفِ فِي مَوْضِعٍ أوْ مَوْضِعَيْنِ مع (الغلبة من ادلة الزيادة) ثَلاَثَةِ أُصُولٍ للإِلْحَاقِ وَغَيْرِهِ كَقَرْدَدٍ ومر مريس وعصبصب وهمرش وعند
__________
(1) قال في اللسان: المرزجوش: نبت وزنه فعللول بوزن عضر فوط والمرزنجوش لغة فيه) اه (2) قال ياقوت في معجم البلدان: (كنابيل بالضم وبعد الالف باء موحدة ثم ياء مثناة من تحت ولام -: موضع عن الخارزنجى وغيره وقال الطرماح بن حكيم وقيل: ابن مقبل.
دعتنا بكهف من كنابيل دعوة * على عجل دهماء والركب رائح وهو من ابنية الكتاب) اه (3) الخزعبيل والخزعبل - باسقاط الياء -: الباطل والفكاهة والمزاح ومن اسماء العجب وقال ابن دريد: الخزعبيل الاحاديث المستظرفة (*)(2/363)
الاخفش اصله هنمرش كجحمرش لِعَدَمِ فَعَّلِلٍ قَالَ: وَلِذَلِكَ لَمْ يُظْهِرُوا) أقول: اعلم أنهم [إنما] حكموا بزيادة جميع الحروف الغالبة في غير المعلوم اشتقاقه لأنه علم بالاشتقاق زيادة كثير من كل واحد منها فحمل ما جهل اشتقاقه على ما علم فيه ذلك إلحاقاً للفرد المجهول حاله بالأعم الأغلب وقد ذكرنا الكلام على تقديم المصنف المعرفةَ بعدم النظير على المعرفةَ بغلبة الزيادة فلا نعيده القَرْدَد: الأرض المستوية المرمريس: الداهية وهو من الممارسة لأنها تمارس الرجال ففيه معنى الاشتقاق وان كان خفيا والمرمريس ايضا:
الاملس والعصبصب: الشديد وفيه اشتقاق ظاهر لأنه بمعنى عصيب والْهَمَّرِش: العجوز المسنة وهو عند الخيل وسيبويه ملحق بجَحْمَرِش بتضعيف الميم وقال الأخفش: بل هو فَعْلَلِلٌ والأصل هَنْمَرِش وليس فيه حرف زائد قال: النون الساكنة إنما وجب إدغامها في الميم إذا كانتا في كلمتين نحو من مالك وأما في كلمة واحدة نحو أنملة فلا تدغم وكذا لو بنيت من عَمِلَ مثل قِرْطَعْبٍ بزيادة النون قبل الميم قلت: عِنْمَلٌّ بالإظهار لئلا يلتبس بِفِعَّلٍّ لكنه أدغم في هَنْمَرِشٍ لأنه لا يلتبس بِفَعَّلِلٍ لأن فَعَّلِلاً لم يثبت في كلامهم قال: والدليل على أنه ليس مضعف العين للالحاق انا لم بجد من بنات الأربعة شيئاً ملحقاً بجَحْمَرِشٍ قال السيرافي: بل جاء في كلامهم جرو نَخْوَرِشٌ (1) : أي يخرش لكونه قد كبر
__________
(1) تقول: جرونخورش - كجحمرش - إذا تحرك وخدش ويقال: هو الخبث المقاتل ذكره في القاموس مادة (ن خ ر ش) فيدل على ان النون أصلية وذكره مرة اخرى في مادة (خ ر ش) فقال: (كلب نخورش كنفوعل - وهو من أبنية اغفلها سيبويه -: كثير الخرش) اه والقول بزيادة النون هو ما ذهب = (*)(2/364)
وأما هُمَّقِع (1) فلم يختلف فيه أنه مضعف العين لا هُنْمَقِعٌ لعدم فُعْلَلِلٍ فإذا صغرت همَّرِشاً عند الأخفش قلت: هُنَيْمِر وعند سيبويه: هُمَيْرِشٌ.
قوله (لعدم فَعَّلِلٍ) الاخفش لا يخص فَعَّلِلاً بل يقول: لم يلحق من الرباعي بجحمرش شئ لا على فَعَّلِلٍ ولا على غيره.
قوله (ولذلك لم يظهروا) أي: لعدم التباسه بغعلل إذ لم يوجد.
قال: (وَالزَّائِدُ في نَحْوِ كَرَّمَ الثَّانِي وَقَالَ الْخَلِيلُ: الأَوَّلُ وَجَوَّزَ (تعيين الزائد من حرفي التضعيف)
سِيْبَوَيْهِ الأَمْرَيْنِ) .
أقول: قال سيبويه: سألت الخليل عن الزائد في نحو سُلَّمٍ فقال: الأول لأن الواو والياء والألف يَقَعْنَ زوائد ثانية كَفَوْعَل وفَاعِل وفَيْعل وكذا قال في نحو جَلْبَبَ وَخِدَبٍّ لوقوع الواو والياء والألف زائدة ثالثة كجَدْوَل وعِثْيَر وشَمالٍ وكذا في نحو عَدَبَّس (2) لكونه كَفَدَوْكَس (3) وَعَمَيْثَل (4) وكذا قَفَعْدَدٌ (5) لكونه ككَنَهْوَر وغير الخليل جعل الزوائد هي الأخيرة في
__________
= إليه ابن سيده وتبعه أبو الفتح محمد بن عيسى العطار وقالا: ليس في الكلام نفوعل غيره والاشتقاق يؤيد ما ذهبا إليه فان الخرش هو الخدش (1) الهمقع - بضم الهاء وتشديد الميم مفتوحة بعدها قاف مكسورة فعين مهملة -: الاحمق وانثاه همقعة وهو ايضا ثمر التنضب ولا نظير له في الوزن الا زملق ويقال: همقع - كعلبط والزملق: من يقضى شهوته قبل ان يفضى الى المرأة ويقال فيه: زملق.
وزمالق - كعلبط وعلابط (2) العدبس - كعملس -: الشديد الموثق الخلق من الابل وغيرها والشرس الخلق والضخم الغليظ وكنوا ابا العدبس (3) الفدوكس كسفرجل -: الاسد والرجل الشديد وجد الاخطل التغلبي (4) عميثل - كسفرجل -: البطئ والضخم الشديد والجلد النشيط (5) الفقعدد - كسفرجل -: القصير مثل به سيبويه وفسره السيرافى (6) انظر (ح 1 ص 56) (*)(2/365)
المضعف فجعل السُّلَّم كجَدْول (1) وعِثْيَر ونحو مَهْدَد (2) كتَتْرًى (3) وخِدْبًّا (4) كخِلَفْنَة (5) وَقَفَعْدَداً كحَبْركًى (6) وقِرْشَبأ (7) كقِنْدَأوٍ (8) وصوب سيبويه كلا الوجهين وقال المصنف: لما ثبت في نحو قَرْدَدٍ (9)
أن الزائد هو الثاني لأنه جعل في مقابلة لام جعفر وأما الأول فقد كان في مقابلة العين فلم يحتج إلى الزيادة لها وحكم سائر المضعفات حكم سائر المكرر للإلحاق - حكمنا في الكل أن الزائد هو الثاني وفيه نظر لأن سائر المكررات لا يشارك المكرر للإلحاق في كون المزيد مقابلة الأصلي حتى تجعل مثلة في كون الزائد هو الثاني فالأولى الحكم بزيادة الثاني في المكرر للالحاق والحكم بزيادة أحدهما لا على التعيين في غيره وأما استدلال الخليل ومعارضيه فليس بقطعي كما رأيت.
قال: (وَلاَ تَضَاعَفُ الفَاء وَحْدَهَا وَنَحْوُ زَلْزَلَ وصيصية وقوقيت (بيان ما يضعف ومالا يضعف من الاصول) وضو ضيت رباعى وليس بتكرير لفاء ولا عين للفصل ولابذى زِيَادَةٍ لأَحَدٍ حَرْفَي لِينٍ لِدَفْعِ التَّحَكُّمِ وَكَذَلِكَ سَلْسَبِيلٌ خُمَاسِيٌّ عَلَى الأَكْثَرِ.
وقال الكوفيون: زَلْزَلَ مِنْ زل وصرصر من صر ودمدم من دم لاتفاق المعنى) .
__________
(1) العثير - كدرهم -: الغبار (2) انظر (ح 1 ص 14) (3) انظر (ح 1 ص 195 هـ 1) (4) انظر (ح 1 ص 59) (5) يقال: في خلقه خلفته: وخلفنات: أي خلاف (6) الحبركى: القراد الطويل الظهر القصير الرجلين (7) انظر (ح 1 ص 61) (8) القنداو - كجرد حل -: السئ الخاق وقيل: الجرئ المقدم (انظر ص 362 من هذا الجزء) (9) انظر (ح 1 ص 13) (*)(2/366)
أقول: قوله (ولا تضاعف الفاء وحدها) أي: لا يقال مثلاً في ضرب: ضَضْرَبَ وذلك لعلمهم أنه لا يدغم لامتناع الابتداء بالساكن فيبقى الابتداء بالمستثقل ولهذا قلَّ الفاء والعين مثلين نحو بَبْرٍ ودَدَن (1) ويقل الكراهة شيئاً إذا حصل هناك موجب الإدغام كما في أوَّل أو فصل بينهما بحرف زائد نحو كَوْكَب وقَيْقَبَان (2) [و] ليس أحد المثلين فيه زائدا بل هما أصلان وقد أجاز بعضهم تكرير الفاء وحدها مع الفصل بحرف اصلى كما يجئ بل يضاعف الفاء والعين معاً كما في مرمر يس (3) كما مر في أول الكتاب.
وقال الكوفيون في نحو زَلْزَل (4) وصَرْصَرَ (5) مما يفهم المعنى بسقوط ثالثه: إنه مكرر الفاء وحدها بشهادة الاشتقاق وهو أقوى ما يعرف به الزائد من الأصلي واستدل المصنف على أنه ليس بتكرير الفاء بأنه لا يفصل بين الحرف وما كرر منه بحرف أصلي وهذا استدلال بعين ما ينازع فيه الخصم فيكون مصادرةً لأن معنى قول الخصم إن زلزل من زل أنه فصل بين الحرف ومكرره الزائد بحرف أصلي ولم يقل أحد: إن العين مكرر مزيد في نحو زلزل وصيصية (6) لكن المصنف أراد ذكر دليل يبطل به ما قيل من تكرير الفاء وحدها وما لعله [يقال] في تكرير العين وحدها وبعض النحاة يجوز تكرير الفاء وحدها سواء كان العين مكرراً كما في زَلزَل وصيصية أو لم يكن كما في
__________
(1) الببر: ضرب من السباع شبيه بالنمر وانظر (ح 1 ص 34) (2) القيقبان: خشب تتخذ منه السروج ويطلق على السرج نفسه (3) انظر (ح 1 ص 63) (4) انظر (ح 1 ص 15) (5) انظر (ح 1 ص 62)
(6) الصيصية - بكسر الصادين وسكون الياء والياء الثانية مخففة - شوكة الحائك التى يسوى بها السداة واللحمة وصيصية البقرة: قرنها وكل شئ امتنع به وتحصن فهو صيصية وهى ايضا الوتد الذى يقلع به التمر (*)(2/367)
سلسبيل (1) إذا فصل بين المثلين حرف أصلي ولم يجوز أحد تكرير الفاء من غير فصل بحرف أصلي بين المثلين.
هذا وإن كان ثاني الكلمة ياء والثالث والرابع كالأول والثانِي نحو صيصية لم يُقل: إن إحدى الياءين من الغلبة وتكون زائدةً لأن معها ثلاثة أصول وذلك لأن هذا القول يؤدي إلى التحكم إذ ليس إحدى الياءين أولى من الأخرى وأيضاً لو قلنا إن الأولى زائدة لكان الكلمة من باب يَيْنٍ (2) وبَبْرٍ ولو قلنا بزيادة الثانية لكانت من باب قَلَقٍ وكلاهما قليل ولا يمكن الحكم بزيادتهما معاً لئلا تبقى الكلمة على حرفين وكذا لا نحكم في نحو قَوْقَيْتُ بزيادة إحدى حرفي العلة لدفع التحكم وكذا في عاعيت (3)
__________
(1) انظر (ح 1 ص 9، 50) (2) يين - بفتح الياء الاولى وسكون الثانية -: عين بواد يقال له: حورتان.
قاله الزمخشري وقال غيره يين: اسم واد بين ضاحك وضويحك وهما جبلان اسفل الفرش ذكره ابن جنى وقال نصر: يين: ناحية من اعراض المدينة على بريد منها وهى منازل اسلم بن خزاعة وقال ابن هرمة: ادار سليمى بين يين فمثعر * ابينى فما استخبرت الا لتخبري ويقال: يين بئر بوادي عباثر قال علقمة بن عبدة: وما انت ام ما ذكره ربعية * تحل بيين أو باكناف شربب (3) قال في القاموس: (وفى كتب التصريف: عاعيت عيعاء ولم يفسروه
وقال الاخفش: لا نظير لها سوى حاحيت وهاهيت) اه وتقول: عاعى إذا دعا ضانه بقوله (عا) .
و (عا) اسم صوت وقال الراجز: يا عنر هذا شجر وماء * عاعيت لو ينفعني العيعاء قال في اللسان: (وقال الليث: عا مقصورة زجر للضئين وربما قالوا: عو وعاء وعاى كل ذلك يقال والفعل منه عاعى يعاعى معاعاة وعاعاة ويقال ايضا: عوعى يعوعى عوعاة وعيعى يعيعى عيعاة وعيعاء وانشد: وان ثيابي من ثياب محرق * ولم استعرها من معاع وناعق) اه (*)(2/368)
وحاحيت (1) والأولى أن يقال في ياء قوقيت: إنها كانت واواً قلبت ياء كما في اغزيت وغازيت على ما يجئ في باب الإعلال فيكون في قوقيت في الأصل واوان كما أن في صيصية ياءين.
وقال الخليل: أصل دَهْدَيْت دَهْدَهت (2) لاستعمالهم دهدهت بمعناه ولا منع أن يقال: ياء نحو قوقيت أصلية وإنها ليست ببدل من الواو وأما نحو حَاحَى يُحَاحِي فهو عند سيبويه فَعْلَلَ يُفَعْلِل بدليل أن مصدره حَاحَاة وحيحَاء كزلزلة وزلزال وقال بعضهم: هو فَاعَل يُفَاعِل بدليل قولهم: محاحاة معاعاة وقال سيبويه: بل هو مُفَعْلَلَة للمرة كَزَلْزَلَ يزلزل مُزَلْزَلَة والأصل مُحَاحَيَة قلبت الياء ألفاً والألف الأولى عند البصريين في حَاحَى وعَاعَى ياء قلبت ألفاً وإن كانت ساكنة لانفتاح ما قبلها كما قالوا في يَيْأَس ويوجل: يَاءَسَ وياجل قالوا: وإنما اطرد قلب الياء الأولى ألفاً مع شذوذ ذلك في ياءس وطائي لانه استكره
__________
(1) حاحى: دعا معزاه بقوله: حا ويقال: حاحيت حيحاء ومحاحاة إذا صحت قال أبو زيد: حاح بضأنك وبغنمك: أي ادعها وقال: الجأنى القر الى سهوات * فيها وقد حاحيت بالذوات
قال الجوهرى: (حاء: زجر للابل بنى على الكسر لالتقاء الساكنين وقد يقصر فان اردت التنكير نونت قال سيبويه: ابدلوا الالف بالياء لشبهها بها لان قولك: حاحيت انما هو صوت بنيت منه فعلا كما ان رجلا لو اكثر من قوله (لا) لجاز ان يقول: لا ليت يريد قلت: لا ويدلك على انها ليست فاعلت قولهم: الحيحاء والعيعاء بالفتح كما قالوا: الحاحاة والهاهاة فاجرى حاحيت وعاعيت وهاهيت مجرى دعدعت إذ كن للتصويت) اه من اللسان بتصرف (2) دهدهت الحجرو دهديته: إذا دحرجته فتدهده وتدهدى كرهوا التضعيف فابدلوا ثانى المثلين ياء كما قالوا: تظنيت في تظننت وتربيت في تربيت وهذا عندهم مقصور على السماع على ما يجئ في باب الابدال (ج 2 - 24) (*)(2/369)
اجتماع ياءين بعد مثلين لو قيل: عَيْعَيت وأما في نحو صِيصيَة فاحتمل فيه ذلك لكونه اسماً وهو أخف من الفعل كما يجئ في باب الإعلال وانما جاز مجئ الواوين بعد المثلين في قَوْقَيْتُ وَضَوْضَيْت لوجوب قلب الثانية ياء كما في اغزيت وإنما قالوا في دَهْدَهْت الحجر: دَهْديته تشبيهاً للهاء لرخاوتها بالياء وأما نحو صَلْصَلْت وَزَلْزَلْت فجاز ذلك لأن الثاني حرف صحيح وهم لاجتماع حروف العلة المتماثلة أكره وإن كانت أخف من الحروف الصحيحة.
وقال بعضهم: الألفان في حاحى وعاعى وها هي (1) أصلان وليسا بمنقلبين لا عن واو ولا عن ياء لأن الأصل في جميعها الصوت الذي لا أصل لألفاته قلبت الألف الثانية ياء بعد اتصال ضمير الفاعل المتحرك كما قلبت في حبليان وذلك للقياس على سائر الألفات المنقلبة الرابعة في نحو أغْزَيْت واستغزيت وألف الإلحاق
نحو سَلْقَيْت (2) لأن ضمير الفاعل أعني النون والتاء لا يلي الألف في الماضي في نحو رَمَيْتُ وَدَعَوْتُ لأن بقاءها ألفاً دليل على كونها في تقدير الحركة إذ الواو والياء قلبتا ألفين لتحركهما وانفتاح ما قبلهما وما قبل الضمائر في الماضي يلزم سكونها فردت ألفاً أغزيت واستغزيت إلى الأصل أعني الواو ثم قلبت الواو ياء لاستثقالها رابعة فصاعداً مفتوحاً ما قبلها كما يجئ في باب الإعلال وقد جاء في بعض اللغات نحو أعْطَاتُه وأرْضَاتُه بالألف في معنى أعطيته وأرضيته ومنه قراءة الحسن (وَلا أدْرأتكُمْ به (3))
__________
(1) قال في اللسان: (وهاء زجر للابل ودعاء لها وهو مبنى عل الكسر إذا مددت وقد يقصر وتقول: ها هيت بالابل إذا دعوتها) اه (2) انظر (ح 1 ص 55، 68) (3) هذه قطعة من آية كريمة من سورة يونس ونصها الكريم (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا ادراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله افلا = (*)(2/370)
قوله (قوقيت) من قوقى الديك قوْقاةً: أي صاح وضَوْضَيْت من الضوضاء وهو الجلبة والصياح ومن صرف الغوغاء (1) فهو مثل الْقَمْقَام (2) ومن لم يصرفه فالألف للتأنيث كما في الْعَوْرَاء والألف في الفيفاء (3) زائدة لقولهم: فيف
__________
= تعقلون) .
قال القاضى البيضاوى: وقرئ (ولا ادرأكم ولا ادرأتكم) بالهمز فيهما: على لغة من يقلب الالف المبدلة من الياء همزة أو على انه من الدرء بمعنى الدفع) اه قال العلامة الشهاب (هذه قراءة الحسن وابن عباس رضى الله تعالى عنهما بهمزة ساكنة فقيل: انها مبدلة من الف منقلبة عن باء وهى لغة عقيل كما حكاه قطرب فيقولون في اعطاك: اعطاك وقيل: لغة بالحرث وقيل: الهمزة ابدلت من الياء ابتداء كما يقال في ليت لبأت وهذا على كونها غير اصلية وقد قرئ
بالالف ايضا) اه والمتبادر من عبارة المؤلف ان قراءة الحسن بالالف مع تاء المتكلم واصلها ادريتكم: أي اعلمتكم فلما وقعت الياء ساكنة مفتوحا ما قبلها قلبت هذه الياء الفا على لغة عقيل الذين يقولون في عليك ولديك واليك: علاك ولداك والاك وعلى هذا جاء قول راجزهم: طاروا علاهن فطر علاها * ناجية وناجيا اباها يريد طاروا عليهن فطر عليها ولكن في كلام الشهاب المتقدم النص على ان قراءة الحسن بالهمز نعم قد قرئ بالالف لكن هذه القراءة ليست قراءة الحسن ثم انه قد يكون ما في كلام المؤلف منسوبا الى الحسن بالهمز على ما هو المشهور من قراءته ويكون انقلاب الهمز عن الالف المنقلبة عن الياء فيصح الاستشهاد بقراءة الحسن على قلب الياء الفا إذا كان ما قبلها مفتوحا نظرا الى اصل الهمزة القريب (1) انظر (ح 1 ص 195) (2) القمقام: السيد الكثير الخير الواسع الفضل و؟ ؟ ؟ الكثير وصغار القردان وضرب من القمل شديد التشبث باصول الشعر (3) الفيفاة: المفازة لا ماء فيها ومثلها الفيف وبالفيف استدل سيبوبه على ان الف فيفاء زائدة (*)(2/371)
بمعناه وكذل الزِّيزَاء (1) والصِّيْصَاء (2) إذ ليس في الكلام فِعْلاَل إلا مصدراً كزلزال وقولهم الْمَرَوْراة (3) وِالشَّجَوْجَاة (4) نحو صَمَحْمَح (5) وَبَرَهْرَهَة (6) وليس كعَثْوَثَل (7) لأن الأول أكثر.
قال: (وَكَالْهَمْزَةِ أوَّلاً مَعَ ثَلاَثَةِ أصول فَقَطْ فَأَفْكَلَ أفْعَلَ والمخالف مخطئ وَإصْطَبْلٌ فِعْلَلٌّ كَقِرْطَعْبٍ وَالْمِيمُ كَذَلِكَ وَمُطَّرِدَةٌ في الْجَارِي عَلَى الْفِعْلِ وَالْيَاءِ زِيدَتْ مَعَ ثَلاَثَةِ أُصُول فصاعداً
إلا في أوَّلِ الرُّبَاعِيِّ إلاَّ فِيمَا يَجْرِي عَلى الْفِعْلِ وَلِذَلِكَ كَانَ يَسْتَعُور كعضر فوط وَسُلَحْفِيَة فُعَلِّيَة والأَلِفُ وَالْوَاوُ زِيدَتَا مَعَ ثَلاَثَةٍ فَصَاعِدَاً إلا في الأَوَّلِ وَلِذَلِكَ كَانَ وَرَنْتلٌ كَجَحَنْفَلٍ) أقول: لما ثبت لنا بالاشتقاق غلبة زيادة الهمزة اولا إذا كان بعدها ثلاثة أصول في نحو أحْمَرَ وَأصْغَرَ وأعَلَمَ رددنا إليه ما لم نعلم منه ذلك بالاشتقاق
__________
(1) الزيزاء - بالكسر وبالفتح ومثله الزيزى والزازية والزيزاءة والزيزاة - بكسر الاخيرتين -: ما غلظ من الارض والاكمة الصغيرة والريش أو اطرافه (2) الصيصاء: الحشف من التمر وهو ايضا حب الحنظل الذى ليس في جوفه لب (3) المروراة: الارض أو المفازة التى لا شئ فيها ووزنها فعلعلة لا فعو علة وهى واحدة المرورى.
قال سيبوبه (ح 2 ص 386) (هو بمنزلة صمحمح وليس بمنزلة عثوثل لان باب صمحمح اكثر من باب عثوثل) اه (4) يقال: ريح شجوجى وشجوجاة إذا كانت دائمة الهبوب والشجوجى والشجوجاة ايضا: العقعق وهو طائر (5) انظر (ح 1 ص 60، 253) (6) انظر (ح 1 ص 63، 253) (7) انظر (ح 1 ص 60) (*)(2/372)
كأرْنَبٍ وَأَيْدَعٍ (1) وهو قليل بالنسبة إلى الأول وبعض المتقدمين خالفوا ذلك وقالوا: ما لم نعلم بالاشتقاق زيادة همزته المصدرة حكمنا بأصالتها فقالوا: أفْكَل (2) كَجَعْفَر ورد عليهم سيبويه بوجوب
ترك صرف أفْكَل لو سمي به ولو كان فَعْلَلاً لصرف وأيضاً لو كان فَعْلَلاً لجاء في باب فعلل يفعلل فعللة ما أوله همزة قوله (إصطبل فِعْلَلٌ) لأن بعده أربعة أصول ولم يثبت بالاشتقاق غلبة زيادة الهمزة في مثله حتى يحمل عليه ما جهل اشتقاقه قوله (والميم كذلك) أي: يغلب زيادتها في الأول مع ثلاثة أصول بعدها ولا تزاد مع أربعة فصاعداً فمنبج (3) محول في الزيادة على نحو مَقْتَل ومَضْرِب حُمِل المجهول على المعلوم واما معد معزى فقد مضى حكمهما ومخالفتهما لهذا
__________
(1) الايدع: صبغ احمر وقيل: هو الزعفران وقيل: هو صمغ احمر يجلب من سقطرى تداوى به الجراحات وطائر ايضا (2) الافكل: رعدة تعلو الانسان من برد أو خوف ولا فعل له واسم الافوه الاودى الشاعر سمى بذلك لرعدة كانت فيه (3) منبج - بالفتح ثم السكون وباء موحدة مكسورة وجيم - قال ياقوت: (هو بلد قديم وما اظنه الا روميا الا ان اشتقاقه في العربية يجوز ان يكون من اشياء: يقال: نبج الرجل (كضرب) إذا قعد في لانبجة (كالشجرة) وهى الاكمة والموضع منبج ويقال: نبج الكلب ينبج (من باب ضرب) بمعنى نبح ينبح والموضع منبج ويجوز ان يكون من النبج (كالضرب) وهو طعام كانت العرب تتخذه في المجاعة يخاض الوبر في اللبن فيجدع ويؤكل ويجوز ان يكون من النبج وهو الضراط فاما الاول وهو الاكمة فلا يجوز ان يسمى به لانه على بسيط من الارض لا اكمة فيه فلم يبق الا الوجوه الثلاثة فليختر مختار منها ما اراد ... وهى مدينة كبيرة من مدن الشام بينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ وبينها وبين حلب عشرة فراسخ) اه بتصرف.
(*)(2/373)
الأصل فإذا تقدم على أربعة أصول فصاعداً كما في مَرْزَنْجُوش (1) حكم بأصالتها إلا إذا كان ما هي في أوله من الأسماء المتصلة بالافعال كلامدحرج اسم فاعل من دَحْرَجَ وَالْمُدَحْرَج اسم مفعول ومكاناً وزماناً ومصدراً وكذا الهمزة الزائدة يكون بعدها أربعة أصول في الاسم المتصل بالفعل وهي همزة وصل نحو اقشعرار واحر نجام والهمزة والميم غير الأولين لا يحكم بزيادتهما إلا بدليل ظاهر كَشَمْأَل ودُلاَمِص (2) وضَهْيَأ (3) وَزرْقُمٍ (4) ، بلى غلب زيادة الهمزة آخرا بعد الألف الزائدة إذا كان معها ثلاثة أصول فصاعدَاً، كَعِلْبَاء (5) وَسَوْدَاء وحِرْبَاء (6) وَحَمْرَاء، وأصلها الألف كما تقدم، ولو قال في موضع (الجاري على الفعل) : المتصلِ بالفعل، لكان أعم، إذا لا يقال للموضع والزمان هما جاريان على الفعل.
قوله (والياء زيدت مع ثلاثة) أي: إذا ثبت ثلاثة أُصول غير الياء فالياء زائدة، سواء كانت في الأول كيَلمع (7) ويَضْرِب، أو في الوسط كرَحيم وَفُلَّيْق (8) أو في الآخر كاللَّيَالِي، وكذا إذا كانت الياء غير المصدرة مع أربعة
__________
وقال في اللسان: (ومنبج: موضع، قال سيبويه: الميم في منبج زائدة يمنزلة الالف، لانها إنما كثرت مزيدة أولا، فموضع زيادتها كموضع الالف وكثرتها ككثرتها إذا كانت أولا في الاسم والصفة) اه (1) انظر (ص 363 من هذا الجزء) (2) انظر (ص 334 من هذا الجزء) (3) انظر (ص 339 من هذا الجزء) (4) انظر (ص 252، 334 من هذا الجزء) (5) انظر (ص 55 من هذا الجزء) (6) انظر (55 من هذا الجزء)
(7) انظر (ح 1 ص 59) (8) يجوز أن تقرأ هذه الكلمة بفتح الفاء وكسر اللام كرحيم، وهو (*)(2/374)
أصول فصاعداً كَخَيْتَعُور (1) وسَلْسَبِيل وسُلَحْفِية وأما إذا كانت مصدرة مع أربعة أصول بعدها: فإن كانت الكلمة فعلا كيد حرج فهي زائدة أيضاً وإلا فهي أصل كيستعور وهو الباطل يقال: ذهب في اليستعور وهو أيضاً بلد بالحجاز.
قوله (إلا فيما يجري على الفعل) وَهَمَ وحقه إلا في الفعل كيد حرج لأن الاسم الجاري على الفعل لا يوجد في أوله ياء والواو والألف مع ثلاثة أصول فصاعدا لا يكونان إلا زائدين في غير الأول فالواو نحو عَرُوض وعُصْفُور وقَرْطَبوس (2) وحنطاو (3) والالف كَحمار وَسِردَاح (4) وَأرْطًى (5) وَقَبَعْثَرًى (6) وأما في الأول فالألف لا يمكن وقوعها فيه والواو لا تزاد فيه مطلقاً ولذلك كان ورَنْتَل (7) كجحنفل يقال: وقع الناس في ورَنْتَل: أي في شر والجحنفل: العظيم الجحفلة (8)
__________
باطن عنق البعير في موضع الحلقوم ويجوز ان تقرا بضم الفاء وتشديد اللام مفتوحة بعدها ياء ساكنة وهو ضرب من الخوخ يتفلق عن نواه (انظر ح 1 ص 250) (1) الخيتعور: السراب ودويبة سوداء تكون على وجه الماء لا تلبث في موضع الا ريثما تطرف والداهية وتقول: هذه امراة خيتعور إذا كان ودها لا يدوم وكل شئ يتلون ولا يدوم على حال فهو خيتعور قال الشاعر: كل انثى وان بدالك مِنْهَا * آيَةُ الْحُبِّ حُبُّها خَيْتَعُورُ (2) انظر (ح 1 ص 51، 264)
(3) انظر (ح 1 ص 256) (4) انظر (ح 1 ص 57) (5) انظر (ح 1 ص 57) (6) انظر (ح 1 ص 9) (7) انظر (ح 1 ص 33) (8) الجحفلة: الشفة الغليظة.
(*)(2/375)
قال: (وَالنُّونُ كَثْرَتْ بَعْدَ الأَلِفِ آخِراً وَثَالِثَةً ساكنة نحو شرنبث وَعُرُنْدٍ واطَّرَدَتْ فِي الْمُضَارِع وَالمُطَاوِع وَالتَّاءِ فِي التَّفْعِيلِ وَنَحْوُهُ وَفِي نَحْوِ رَغَبُوتٍ وَالسِّينُ اطَّرَدَتْ في اسْتَفْعَلَ وَشَذَّتْ فِي أَسْطَاعَ قال سيبويه: هُوَ أطَاعَ فَمُضَارِعُهُ يُسْطِيعُ بالضَّمِّ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الشَّاذُّ فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَحَذْفُ التَّاءِ فَمُضَارِعُهُ بالْفَتْحِ وَعَدُّ سِينَ الْكَسْكَسَةِ غَلَطٌ لاسْتِلْزَامِهِ شينَ الْكَشْكَشَةِ) .
أقول: أي أن النون كثرت زيادتها إذا كانت أخيرة بعد ألف زائدة وقد حصل من دونها ثلاثة أحرف أصول أو أكثر كسكْرَان ونَدْمَان وزَعْفَرَان أما فَيْنَان (1) فبالاشتقاق علمنا أنه لم يحصل في الكلمة دونها ثلاثة اصول إذ هو من الفنن وكذا قولهم حَسَّان وحمار قَبَّان (2) منصرفين فبالصرف عرفنا أن النون أحد الأصول الثلاثة قوله (واطردت في المضارع) يعني نَفْعَل قوله (والمطاوع) يعني انْفَعَل وافْعَنْلَل وفروعهما من المصدر والأمر والمضارع وعندي أن حروف المضارعة حروف معنىً لا حروف مَبْنًى (3) كنوني التثنية والجمع
__________
(1) انظر (ص 339 من هذا الجزء)
(2) انظر (ص 248 من هذا الجزء) (3) يريد المؤلف بهذا ان يعترض على ابن الحاجب في عده النون الواقعة في اول المضارع من حروف الزيادة وحاصل الاعتراض ان حروف المضارعة حروف معان كالتنوين وسيأتي لابن الحاجب نفسه عدم عد التنوين من حروف الزيادة معللا ذلك بانه حرف معنى فلا وجه لعده نون المضارعة من حروف الزيادة ولكنا لو نظرنا لوجدنا ان المؤلف قد سلم لابن الحاجب عد السين في الاستفعال من حروف الزيادة مع انها دالة على معنى وكذلك سلم له عد النون في الفعل المطاوع من حروف الزيادة مع انها دالة على معنى ولا يستطيع المؤلف ولا غيره ان ينكر ان الهمزة في افعل من حروف الزيادة وكذا الالف في فاعل وتفاعل والتاء.
(*)(2/376)
والتنوين على ما تقدم في أول شرح الكافية قوله (وثَالِثَةً ساكنة) كان ينبغي أن يضم إليه قيداً آخر بأن يقول: ويكون بعد النون حرفان كَشَرَنْبَثٍ (1) وقلنسوة (2)
__________
في تفعلل وما اشبه ذلك من الحروف الدالة على المعاني في الافعال المزيد فيها وكذا الالف في اسم الفاعل من الثلاثي والميم في اسم الفاعل واسم المفعول واسم الزمان واسم المكان والمصدر الميمى وحينئذ لا وجه لانكاره ان تكون حروف المضارعة من حروف الزيادة محتجا بدلالتها على معنى بقى ان يقال: كيف يوفق بين عدم عدهم التنوين وباء الجر ولام الجر وهاء السكت من حروف الزيادة لانها دالة على معنى وبين عد حروف المضارعة وغيرها من الحروف الداخلة في الافعال والاسماء المتصلة بها مما ذكرنا مع انها دالة على معان في الكلمات الداخلة فيها والجواب: ان الحرف الدال على معنى ان كان مما يتغير به وزن الكلمة ومعناها فهو من حروف الزيادة وان لم يكن كذلك فليس من حروف الزيادة بل قد جعل أبو الحسن الاشمونى
دلالة الحرف على معنى من جملة ادلة زيادته فقال في باب التصريف عند قول ابن مالك: والحرف ان يلزم فاصل والذى * لا يلزم الزائد مثل تا احتذى (تاسعها دلالة الحرف على معنى كحروف المضارعة والف اسم الفاعل) اه (1) الشرنبث - كسفرجل والشرابث - كعلابط -: القبيح الشديد وقيل: هو الغليظ الكفين والرجلين والشرنبث ايضا: الاسد.
قال سيبويه: النون والالف يتعاوران الاسم في معنى نحو شرنبث وشرابث (2) قال في اللسان: (والقلسوة (بفتح اوله وسكون ثانيه وضم ثالثه) والقلساة (بفتح اوله وسكون ثانيه) والقلنسوة (بفتح اوله وثانيه وسكون ثالثه وضم رابعه) والقلنسية (بضم اوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه وكسر رابعه) والقلنساة (بفتح اوله وثانيه وسكون ثالثه) والقلسية (بفتح اوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه) من ملابس الراس - معروف والواو في قلنسوة للزيادة غير الالحاق وغير المعنى اما الالحاق فليس في الاسماء مثل فعللة (بفتح اوله وثانيه وثالثه مشدد مضموم) واما المعنى فليس في قلنسوة اكثر مما في قلساة.
وجمع القلنسوة والقلنسية = (*)(2/377)
وَحَبَنْطًى (1) أو أكثر من حرفين كحعنطار (2) وأما ما ذكر من (عُرُنْدٍ (3)) فليس النون فيه من الغوالب بل إنما عرفنا زيادته بالاشتقاق لانه بمعنى العرند دو العرد: اي الصلب وأيضاً بأنا لو جعلنا النون في عرند أصلية لزم زيادة بناء في أبنية الرباعي المجرد وأما زيادة النون في عَنْسَل (4) وَرَعْشن (5) فلم يعرف بالغلبة بل بالاشتقاق وكذا ذُرْنُوح في معنى ذروح (6) الشر نبث: الغليظ الكفين والرجلين ومثله الشُّرَابث - بضم الشين قوله (والتاء في التفْعيل ونَحْوِه) يعني بنحوه التَّفْعَال والتَّفَعُّل والتَّفَاعُل
والتَّفَعْلُل والافتعال والاستفعال وفروعهن واعلم أن المصنف كثيراً ما يورد في هذه الغوالب ما يعلم زيادته بالاشتقاق فإن بنى جميع ذلك على قوله قبل (فإن فقد) أي: الاشتقاق فهو غلظ وان
__________
= والقلنساة قلانس وقلاس وقلنس) اه وعده الاخير جمعا؟ ؟ طريقة علماء اللغة لانهم قد لا يفرقون ن بين الجمع واسم الجنس؟ ؟ ؟ واسم الجمع من قل انهم يريدون بالجمع كل ما يدل على الكثير واما على طريقة النحاة فهو اسم جنس جمعى لا جمع لانه ليس على وزن من أوزان الجموع (1) انظر (ح 1 ص 54، 255) (2) يقال: رجل جعنظر - كسفرجل وجعنظار إذا كان قصير الرجلين غليظ الجسم وإذا كان اكولا قويا عظيما جسيما ايضا (3) العرند والعرد - كعتل -: الشديد من كل شئ قال في اللسان: (ونون العرند بدل من الدال) اه يريد انها بدل من الدال في العرد (4) انظر (ح 1 ص 59) وكذا (ص 333 من هذا الجزء) (5) انظر (ح 1 ص 59) وكذا (ص 333 من هذا الجزء) (6) الذرنوح والذروح - كعصفور والذرحرح - بضم اوله وفتح ثانيه ورابعه وسكون ثالثه - الذرحرح - بضم اوله وثانيه ورابعه وسكون ثالثه -: دويبة اعظم قليلا من الذباب (*)(2/378)
قصد ترك ذلك وبيان الغوالب سواء عرف زيادتها بمجرد الغلبة أو بها وبشئ آخر من الاشتقاق وعدم النظير فصحيح قوله (وفي نحو رَغَبُوت) يعني إذا كانت التاء في آخر الكلمة بعد الواو الزائدة وقبلهما ثلاثة أصول فصاعداً وسيبويه لم يجعل ذلك من الغوالب فلهذا
قال في سُبْرُوت (1) فُعْلُول بل جعل الزيادة في مثله إنما تعرف بالاشتقاق كما في جَبَرُوت ومَلَكوت لأنهما من الجبر والملك وكذا الرغبوت والرحموت والرهبوت وكذا لم يجعل سيبويه التاء في الآخر بعد الياء - إذا كان قبلها ثلاثة أصول كعِفْرِيت (2) - من الغوالب فعفريت عنده عرف زيادة تائه باشتقاقه من العِفْر - بكسر العين - وهو الخبيث الداهي فهو كما عرفت زيادة التاء في التّحْلِئ (3) باشتقاقه من حَلأَتُ وفى التتفل (4) بالخروج من الأوزان وأما تاء التأنيث فحرف مَعْنًى لا حرف مبنى قوله (والسين اطردت) أي: في باب استفعل كاستكره واستحجر قوله (وشذت في أسْطَاعَ) اعلم أنه قد جاء في كلامهم أسْطَاع - بفتح الهمزة وقطعها - واختلفوا في توجيهه: فقال سيبويه: هو من باب الإفعال وأصله أطْوَعَ كأقوم أعلت الواو وقلبت ألفاً بعد نقل حركتها إلى ما قبلها ثم جعل السين عوضاً من تحرك العين الذي فاته كما جُعل الهاء في أهْرَاق - بسكون الهاء - عواضا من مثل ذلك كما يجئ ولا شك أن تحرك العين فات بسبب تحرك الفاء بحركته ومع هذا كله فإن التعويض بالسين والهاء شاذان فمضارع
__________
(1) انظر (ص 345 من هذا الجزء) (2) انظر (ح 1 ص 15، 256) (3) التحلئ: القشر على وجه الاديم مما يلى الشعر يقال: حلأ الجلد يجلؤه حلا إذا قشره (4) انظر (ص 357 من هذا الجزء) (*)(2/379)
أسطاع عند سيبويه يُسْطِيع - بالضم - ورد ذلك المبرد ظناً منه أن سيبويه يقول: السين عوض من الحركة فقال: كيف يعوض من الشئ والمعوض منه
باق؟ يعني الفتحة المنقولة إلى الفاء وليس مراد سيبويه ما ظنه بل مراده أنه عوض من تحرك العين ولا شك أن تحرك العين فات بسبب تحرك الفاء بحركته وقال القراء: أصل أسْطَاع اسْتَطَاع من باب استفعل فحذفت التاء لما يجئ في باب الإدغام (1) فبقي إسْطَاع - بكسر الهمزة - ففتحت وقطعت شاذاً فالمضارع عنده يَسْطِيع بفتح حرف المضارعة واللغة المشهورة إذا حذفت التاء من استطاع لتعذُّر الإدغام بقاء الهمزة مكسورة موصولة كما كانت قال تعالى (فما اسطاعوا) قوله (وعدسين الكسكسة غلط) رد على جار الله فإنه عده من حروف الزيادة وقال المصنف: هو حرف معنى لا حرف مبنى وأيضاً لو عد للزم شين
__________
(1) لم يذكر المؤلف شيئا عن حذف التاء في (أسطاع) في باب الادغام وإنما ذكره في باب الحذف فقال: (واسطاع يسطيع؟ ؟ ؟ الهمزة في الماضي وفتح حرف المضارعة - وأصله استطاع يستطيع وهي أشهر اللغات: أعني ترك حذف شئ منه وترك الإدغام وبعدها اِسْطَاع يَسْطِيع - بكسر الهمزة في الماضي وفتح حرف المضارعة وحذف تاء استفعل حين تعذر الإدغام مع اجتماع المتقاربين وإنما تعذر الإدغام لأنه لو نقل حركة التاء إلى ما قبلها لتحرك السين التى لا حظ لها في الحركة ولو لم ينقل لا لتقى الساكنان كما في قراءة حمزة (فراءة حمزة (فما اسطاعوا) بابدال التاء طاء وادغامها في الطاء مع بقاء سكون السين) فلما كثر استعمال هذه اللفظة بخلاف اسْتَدَانَ وقُصِد التخفيف وتعذر الإدغام حذف الأول كما في ظلت واحست والحذف ههنا أولى لان الأول وهو التاء زائد قال تعالى (فما اسطاعوا أن يظهروه) .
وأما من قال: يسطيع بضم حرف المضارعة - فماضيه أسطاع بفتح همزة القطع - وهو من باب الأفعال كما مر في باب ذى الزيادة) اه (*)(2/380)
الكشكشة (1) إذ لا فرق بينهما فيلزم كون الشين من حروف الزيادة وليس منها بالاتفاق قال: (وأمَّا اللاَّمُ فَقَلِيْلَةٌ كَزَيْدَلٍ وَعَبْدَلٍ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ فِي فَيْشَلَةٍ: فَيْعَلَةٍ مَعَ فَيْشَةٍ وَفِي هَيْقَلٍ مَعَ هَيْقٍ وَفِي طَيْسَلٍ مَعَ طَيْسٍ لِلْكَثِير وَفِي فَحْجَلٍ - كَجَعْفَرٍ - مَعَ أفْحَجَ) أقول: اعلم أن الجرمي أنكر كون اللام من حروف الزيادة ولا يرد عليه لام البعد في نحو ذلك وهنا لك لكونه حرف معنى كالتنوين فذهب إلى أن فَيْشَلَة (2) وَهَيْقَلاً وطَيْسَلاً فَيْعَلٌ والهيقل: الذكر من النعام ومثله الْهَيْقَمُ والهَيْقُ والْهِقْلُ: الفتيُّ من النعام والأنثى هِقَلَة وقال: إنه قد يكون لفظان بمعنى يظن بهما أنهما متلاقيان اشتقاقاً للتقارب في اللفظ ويكون كل واحد من
__________
(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 381) : (وأما سين الكسكة - وهى في لغة بكر بن وائل - فهى السين التى تلحقها بكاف المؤنث في الوقف إذ لو لم تلحقها لسكنت الكاف فتلتبس بكاف المذكر وجعلوا ترك السين في الوقف علامة للمذكر فيقولون: أكرمتكس فأذا وصلوا لم يأتوا بها لأن حركة الكاف اذن كافية في الفصل بين الكافين وقوم من العرب يلحقون كاف المؤنث الشين في الوقف فأذا وصلوا حذفوا وغرضهم ما مر في الحاق السين) اه وقد نسب صاحب القاموس الكسكة لتميم لا لبكر فقال: (والكسكة لتميم لا لبكر: إلحاقهم بكاف المؤنث سينا عند الوقف يقال: اكرمتكس وبكس) اه وقد نسب في القاموس الكسكشة لبنى اسد أو ربيعة وعرفها بأوسع مما عرف المؤلف فقال: (والكشكشة الهرب وكشيش الافعى وقد كشكشت وفى بنى اسد أو ربيعة إبدال الشين من كاف الخطاب للمؤنث كعليش في عليك أو زيادة شين بعد الكاف المجرورة تقول: عليكش ولا تقول: عليكش بالنصب وقد حكى كذا كش بالنصب) اه
(2) الفيش والفيشلة: رأس الذكر قال في اللسان: (وقال بعضهم: لامها زائدة كزيادتها في زيدل وعبدل وأولى لك وقد يمكن أن تكون (فيشلة) = (*)(2/381)
تركيب آخر كما في ثَرَّة وثَرْثَار ودَمْثٍ ودمثر (1) كما يجئ وكذا يقول في فَحْجَل: إنه فَعْلَل كجعفر وهو بمعنى الأفحج: أي الذي يتدانى صدرا قدميه ويتباعد عِقْبَاهما والطيْسَل والطَيْسُ: الكثير من كل شئ وكل ذلك تكلف منه والظاهر زيادة اللام في جميع ذلك فإن زيادتها ثابتة مع قلتها كما في زَيْدَل وعَبْدَل بمعنى زيد وعبد وليس كذا نحو دَمْثٍ ودَمَثْر إذ زيادة الراء لم تثبت فألجئنا إلى الحكم بأصالتها قال: (وأمَّا الْهَاء فَكَانَ الْمُبَرِّدُ لاَ يَعُدُّهَا وَلاَ يَلْزَمُهُ نَحْوُ اخْشَهْ فُإِنَّهَا حَرْفُ مَعْنًى كالتَّنْوِينِ وَبَاء الْجَرِّ وَلاَمِهِ وَإنَّمَا يَلْزَمُهُ [نحو] أُمَّهَاتٍ وَنَحْوُ * أُمَّهَتِي خِنْدِفُ وَالْيَاسُ أَبِي (2) * وَأمٌّ فُعْلٌ بدليل الأمومة وأجيب بجواز
__________
= من غير لفظ (فيشة) فتكون الياء في (فيشلة) زائدة ويكون وزنها فيعلة لأن زيادة الياء ثانية أكثر من زيادة اللام وتكون الياء في فيشة عينا فيكون اللفظان مفترنين والاصلان مختلفين ونظير هذا قولهم: رجل ضياط (بفتح اوله وتشديد ثانيه) وضيطا (بفتح اوله)) اه كلامه.
والضياط: المتمايل في مشيته وقيل الضخم الجنبين العظيم الاست والضيطار بمعناه ووزن ضياط فعال من ضاط الرجل يضيط ضيطا والضيطار فيعال من ضطر فالاصلان مختلفان والمعنى واحد (1) انظر (ص 350 من هذا الجزء) (2) البيت من مشطور الرجز وهو لقُصَيِّ بن كلاب جَدَّ النبي صلى الله عليه وسلم وقبله: إنى كدى الْحَرْبِ رَخيُّ اللَّبَبِ * عِنْدَ تَنَادِيهِمْ بِهَالٍ وَهَبِ
* مَعْتَزِمُ الصَّوْلَةِ عَالِي النسب * والرخى: المرتخي.
واللبب: ما يشد على ظهر الدابة ليمنع السرج والرحل من التأخر وارتخاء اللبب إنما يكون من كثرة جرى الدابة وهو كناية عن كثرة مبارزته للأقران.
وهال: اسم فعل تزجر به الخيل.
وهب: اسم فعل تدعى به الخيل والصولة: من قولهم: صال الفحل صولة إذا وثب على الابل يقاتلها = (*)(2/382)
أصَالَتِهَا بِدَلِيلِ تَأَمَّهْتُ فَتَكُونُ أُمَّهَةٌ كأبهة ثم حذفت الهاء أوهما أصْلاَنِ كَدَمْثٍ وَدِمَثْرٍ وَثَرَّةٍ وَثَرْثَارٍ وَلُؤْلُؤٍ وَلألٍ وَيَلْزَمُهُ نَحْوِ أَهْرَاقَ إهْرَاقَة وأبُو الْحَسَنٍ يَقُولُ: هِجْرَعٌ لِلطَّوِيلِ مِنَ الْجَرَعِ لِلْمَكَانِ السَّهْلِ وَهِبلَعٌ لِلأَكُول مِنَ الْبَلْعِ وَخُولِفَ وقال الخليل: الهر كولة لِلضَّخْمَةِ هِفْعَوْلَةٌ لأَنَّهَا تَرْكُلُ فِي مَشْيِهَا وَخُولِفَ) أقول: (والياس أبي) يريد (إلياس) فوصل الهمزة المقطوعة ضرورة قالوا: الأغلب استعمال الأمات في البهائم والأمهات في الإنسان وقد يجئ العكس قال: 124 - إذَا الأُمَّهاتُ قَبَحْنَ الْوُجُوهَ * فَرَجْتَ الظَّلاَمَ بِأُماتِكَا (1) وقال: 125 - قوَّالِ مَعْرُوفٍ وَفَعَّالِهِ * عَقَّارِ مثنى أمهات الرباع (2)
__________
= وخندف - بكسر الخاء المعجمة والدال بينهما نون ساكنة - ام مدركة بن إلياس بن مضر فهى جدة قصى وكذا إلياس بن مضر جده فيكون قد نزل الجدة منزلة الام ونزل الجد منزلة الاب فسماها اما وابا والاستشهاد بالبيت في قوله (أمهتى) حيث زاد الهاء على ام التى هي بوزن فعل بدليل الأمومة (1) البيت المروان بن الحكم و (قبحن الوجوه) بمعنى أخزينها وأدللنها
من قولهم: قبحه يقبحه - بفتح العين في الماضي والمضارع - إذا أخزاه.
و (فرجت الظلام) بمعنى كشفته لغة في فرجه تفريجا: يعنى كشفه يزيد ان امهات الناس بالفجور فأخزين أولادهن بذلك.
والاستشهاد بالبيت في قوله (أماتكا) حيث استعمل الأمات في النسان على خلاف الغالب إذ الغلب استعمال الامهات في الانسان والامات في البهائم (2) البيت من قصيدة للسفاح بن بكير اليربوعي رثى بها يحيى بن ميسرة صاحب مصعب بن الزبير وقبله: يا سيدا ما أنت من سيد * موطإ البيت رحيب الذراع (*)(2/383)
حكى صاحب كتاب العين (تأمَّهْتُ فلانةَ) : أي اتخذتها أمًّا والمشهور: تأمَّمْتها بالميم أشار المصنف بقوله (أجيب بجواز أصالتها) إلى أن أصل الأم يجوز أن يكون أُمَّهَة فحذف الهاء التي هي لام وقدر تاء التأنيث كما في قِدْرٍ ونار ولا يتمشى مثل هذا العذر في لفظ الأمومة إذ هو فُعُولة بلا خلاف ولا يجوز أن يكون فُعُوعة بحذف الهاء التي هي لام والأصل أُمُومَهَة إذ فُعوعَلَة غير موجود فهذا الجواب منه غير تام بلى قوله (أوهما أصلان) جواب آخر أقرب من الأول مع بعده لأن نحو دَمْثٍ ودِمَثْرٍ ولؤلؤ ولأل من الشاذ النادر والمتنازع فيه لا يحمل على الشاذ فالأولى القول بزيادة الهاء في الأمهة والأمهات والدَّمْث والدِّمَثْر: المكان اللين ذو الرمل وعين ثَرَّة وثَرْثَارَة: أي كثيرة الماء وعند الكوفيين الثاء الثانية في (ثرثارة) زيادة كما قلنا في زلزل وصَرْصَرَ وَدَمْدَمَ فثرة وثرثارة على قولهم من أصل واحد قوله (ويلزمه نحو أهْرَاق) ليس هاهنا شئ آخر حتى يقول المصنف نحو أهْرَاقَ
اعلم أن اللغة المشهورة أرَاق يُريق وفيها لغتان أُخريان: هَرَاق بإبدال الهمزة هاء يَهَرِيقُ - بإبقاء الهاء مفتوحة لأن الأصل يُؤَرِيق: حذفت الهمزة لاجتماع الهمزتين في الحكاية عن النفس فلما أبدلت الهمزة هاء لم يجتمع الهمزتان فقلت: يُهَرِيق مُهَرِيق مُهَرَاق والمصدر هِرَاقة هَرِقْ لا تُهَرِق
__________
= وقوله (موطأ البيت) - وما بعده صفات لسيد فهى مجرورة وقوله (عقار) مبالغة في عاقر من العقر وهو ضرب قوائم الإبل بالسيف والرباع - بكسر الراء - جمع ربع - بضم ففتح - وهو ما يولد من الابل في الربيع يريد ان المرثى لا يقول إلا فَعَل ولا يعد إلا وفى وأنه كريم ينحر أطايب الابل واحدة بعد أخرى.
والاستشهاد بالبيت في قوله (أمهات) حيث استعمله في البهائم على خلاف الغالب في الاستعمال (*)(2/384)
الهاء في كلها متحركة وقد جاء أهْرَاق - بالهمزة ثم بالهاء الساكنة - وكذا يُهْرِيق أهْرَاقة مُهْرِيق مُهْرَاقٌ أهْرِقْ لا تُهْرِق - بسكون الهاء في كلها - قال سيبويه: الهاء الساكنة عوض من تحريك العين الذي فاتها كما قلنا في أسطاع وللمبرد أن يقول: بل هذه الهاء الساكنة هي التي كانت بدلاً من الهمزة ولما تغيَّر صورة الهمزة - واللغة من باب أفْعَل وهذا الباب يلزم أولَه الهمزةُ - استنكروا خلو أوله من الهمزة فأدخلوها ذهولاً عن كون الهاء بدلاً من الهمزة ثم لما تقرر عندهم أن ما بعد همزة الإفعال ساكن لا غير أسكنوا الهاء فصار أهْرَاق وتوهُّمَات العرب غيرُ عزيزة كما قالوا في مصيبة: مصائب - بالهمزة - وفي مَسِيلٍ: مُسْلاَنُ (1) الجرَع - بفتح الراء -: المكان السهل المنقاد وهو يناسب معنى الطول ولاشك أن هذا اشتقاق خفي وهِبْلَعٌ للأكول من البلع أظهر اشتقاقاً وكذا
سَلْهَبٌ بمعنى السَّلِب وهما بمعنى الطويل والهِرْكَوْلة: الضخمة الأوراك وجاء في الهركولة الهر كلة - بكسر الهاء وضمها وتشديد الراء وسكون الكاف - والضخامة تناسب الركل لأنها لضخامتها لا تقدر أن تمشي مشياً خفيفاً بل تركل الأرض برجلها وأكثر الناس على ما قال ابن جني وهو أن الهجرع والهبلع فِعْلَلٌ وَهِرْكَوْلة فِعْلَولَة لقلة زيادة الهاء
__________
(1) يريد أن مصيبة (مفعلة) وأصلها مصوبة من صَابَ يَصُوب إذا نزل نقلت كسرة الواو إلى الصاد الساكنة قبلها فقلبت الواو ياء والقياس في جمعها أن يقال: مصاوب بتصحيح العين إلا أنهم توهموا زيادتها في المفرد فقالوا في الجمع: مصائب بالهمزة ومسيل أصله مسيل على مفعل من سال يسيل فنقلوا كسرة الياء إلى السين الساكنة قبلها توهموا فيه أنه على فعيل - كقفيز - فجمعوه على مسلان كففزان والقياس أن يقال في جمعه: مسايل لان مفعلا لا يجمع على فعلان قياسا (ج 2 - 25) (*)(2/385)
قال: (فإنْ تَعَدَّدَ الْغَالِبُ مَعَ ثَلاَثَةِ أُصُولٍ حُكِمَ بِالزِّيَادَةِ فِيهَا أو فيهما كحبنطى فإن تعين أحدهما رجح أحَدُهُمَا رُجِّحَ بخُرُوجِهَا كَمِيم مَرْيَمَ وَمَدْيَنَ وَهَمْزَةِ أيْدَعَ وَيَاءِ تَيَّحَانَ وتاء عزويت وطاء فطوطى ولام إذ لولي دون أَلفهما لِوُجُودِ فَعْوْعَلٍ وَافْعَوْعَلَ وعدم افعؤلى وافعولي وواو حولا يا دون يائها وأوَّلِ يَهْيَرٍّ والتَّضْعِيفِ دُونَ الثَّانِيَةِ وهَمْزَةِ أرْوَنَانِ دُونَ وَاوِهَا وَإنْ لَمْ يَأْتِ إلاَّ أنْبَجَانُ فَإنْ خَرَجَتَا رُجِّحَ بِأَكْثَرِهِمَا كالتَّضْعِيفِ فِي تَئِفَّانَ وَالْوَاوِ فِي كَوَأْلَلِ وَنُونِ حِنْطَأْوٍ وَوَاوِهَا فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فِيهمَا رُجِّحَ بالإِظْهَارِ الشَّاذِّ وقِيلَ: بِشُبْهَةِ الاشْتِقَاقِ وَمِنْ ثَمَّ اخْتُلِفَ في يَأْجَجَ
وَمَأْجَجَ ونحو محبب علما يُقَوِّي الضَّعِيفَ وَأُجِيبَ بِوُضُوحِ اشْتِقَاقِهِ فإنْ ثَبَتَتْ فِيهِمَا فَبِالإِظْهَارِ اتِّفَاقاً كدال مهْدَدَ فَإنْ لَمْ يَكُنْ إظْهَارٌ فَبِشُبْهَةِ الاشْتقَاقِ كَمِيم مَوْظَبَ وَمَعْلًى وَفِي تَقْدِيم أَغْلَبِهِمَا عَلَيْهَا نَظَرٌ ولِذَلِكَ قِيلَ رُمَّانٌ فُعَّالٌ لِغَلَبَتِهَا فِي نَحْوِهِ فَإِنْ ثَبَتَتْ فيهما رجح بأغلب الوزنين وقيل: بأقيسهما ومن ثم فُقِدَتْ شُبْهَةُ الاشْتِقَاقِ فِيهِمَا فَبِالأَغْلَبِ كَهَمْزَةِ أفْعًى وأوْتَكَانَ وَمِيم إمَّعَةٍ فإن ندرا احْتَمَلَهُمَا كَأسْطُوَانَةٍ إنْ ثَبَتَتْ أُفْعُوَالَةُ وَإِلا ففُعْلُوَانَة لا أفعلانة لمجئ أسَاطِينَ) .
أقول: اعلم أن الحرف الغالب زيادتهُ إذا تعدد مع عدم الاشتقاق: فإما أن يمكنَ الحكم بزيادة الجميع وذلك أن يبقى دونها ثلاثة أصول فصاعداً أولا يمكن فإن امكن حكم بزيادة الجميع.
اثنين كانا حكبنطى أو أكثر كقيقبان وهو شجر وإن لم يمكن الحكم بزيادة الجميع لبقاء الكلمة بعدها على أقل من ثلاثة فإما أن لا يخرج وزن الكلمة عن الاوزان المشهورة بتقدير زيادة شئ من تلك الغوالب أو يخرج عنها بتقدير زيادة كل واحد منها أو(2/386)
يخرج بزيادة بعض دون الآخر فإن لم يخرج بتقدير زيادة منها: فإن أن يكون في الكلمة إظهار شاذ بتقدير زيادة بعضها أو لا يكون فإن كان فإما ان يعارضه شبهة الاشتقاق اولا وأعني بالمعارضة أن الاجتناب عن الإظهار الشاذِّ يقتضي زيادة أحدهما وشبهةَ الاشتقاق تقتضي زيادةَ الآخر كما في يأجَجَ ومأجَجَ فإن التجنب عن الإظهار الشاذ يقتضي أن يكون فَعْلَلاً فيكون التضعيف للإلحاق فيكون الإظهار قياساً كما في قردد ولو كانا يَفْعَلَ ومَفْعَلاً وجب الإدغام لأن هذين الاوزنين لا يكونان للإلحاق لما ذكرنا أن الميم والياء مطرد زيادتهما في أول الكلام لمعنى وما اطرد زيادته لمعنًى لم يكن للإلحاق وشبهة
الاشتقاق تقتضي أن يكونا يَفْعَل وَمَفْعَلاً لأن يَأَجَ ومَأجَ مهملان في تراكيب كلام العرب بخلاف أجَجَ (1) فنقول: إن عارضت الإظهار الشاذَّ شبهة الاشتقاق كما في المثال المذكور قيل: إن الترجيح للإظهار الشاذ فنحكم بأن يأجَجَ فَعْلَلٌ حتى لا يكونَ الإظهارُ شاذاً وقيل: الترجيح لشبهة الاشتقاق فنحكم بأنه يَفْعَلُ وهو الأقوى عندي لأن إثبات تركيب مرفوض في كلام العرب أصعب من إثبات إظهار شاذ إذ الشاذ كثير ولا سيما في الأعلام فإن مخالفة القياس فيها غير عزيزة كَمَوْرَقٍ وَمَحْبَبٍ وحَيْوَةَ وإن لم تعارضه شبهة الاشتقاق - وذلك بأن تكون الشبهة فيهما معاً كمَهْدَدَ فإن مَهْداً وهَدًّا مستعملان.
أو لا تكون في شئ منهما أو تكون [وتكون] حاكمة بزيادة عَيْن ما يحكم بزيادة الإظهار الشاذ لو اتفق هذا التقدير ان في كلامهم - حكم بالإظهار الشاذ اتفاقاً وإن لم يكن في الكلمة
__________
(1) يقال: أج في سيره يئح ويؤج احا واجيجا إذا اسرع ويقال: أجت النار تئج وتؤج اجيجا إذا احتدمت وسمع صوت لهيها ويقال للماء الملح الشديد الملوحة: أجاج - كدخان فهذا كله يشهد لما قال المؤلف من استعمال (أج ج) (*)(2/387)
إظهار شاذ: فإما أن تثبت في أحد الوزنين شبهة الاشتقاق دون الآخر أو فيهما معاً أو لا تثبت في شئ منهما فإن ثبتت في أحدهما فإما أن يعارضها أغلب الوزنين اولا فإن عارضها بمعنى أن أغلبهما يقتضي زيادة أحدهما وشبهةَ الاشتقاق تقتضي زيادة الآخر فالأولى الحكم بالشبهة لأن ارتكاب إثبات تركيب مهمل أصعب وقيل: الأَوْلى الحكم بأغلب لاوزنين وذلك كما في رُمَّان قال الأخفش: هو فُعَّالٌ وإن كان تركيب (رمان) مهملا (1) لان فعلا أكثر من فُعْلاَن وإن لم يعارضها - وذلك بتساوي الوزنين إن اتفق ذلك أو بِكَوْن الأغْلَبِيَّة
مساعدةً للشبهة في الحكم بزيادة حرف كَمَوْظبَ ومَعْلًى فإن مَفْعَلاً أكثرُ من فَوْعَلٍ وفَعْلًى وبجعلهما فَوْعَلاً وفَعْلًى يلزم إثبات تركيب مهمل - حكم بشبهة الاشتقاق اتفاقاً فإن ثبتت شبهة الاشتقاق فيهما: فإما أن يكون أحدهما أغلب الوزنين اولا فإن تساويا احتملهما كأُرْجُوَانٍ (2) فإن أُفْعُلان في القلة كأسْحُوَانٍ وأُقْحُوَان (3) مثل فعْلُوَانَ كَعُنْفُوَانٍ (4) وعُنْظُوَانِ (5) وإن كان أحدهما أغلب فإما أن يعارضه اقيس الوزنين اولا فإن عارضه اختلف كما في مَوْرَق وترجيح الأغلب أوْلى وخاصةً في الأعلام لأن خلاف الأقيسة
__________
(1) هذا الذى ذكره المؤلف من ان تركيب (ر م ن) مهمل هو الموافق لما في كتب اللغة لكن نقل الجار بردى عن ابن الحاجب في شرح المفصل انه يحتمل ان يكون رمان من (رم م) أو من (رمن) بمعنى اقام وعلى ذلك فلا تعارض بين الغلبة وشبهة الاشتقاق في رمان (2) الارجوان: الاحمر الشديد الحمرة وقال الزجاج: الارجوان صبغ احمر شديد الحمرة (3) انظر (ص 342 من هذا الجزء) (4) انظر (ص 251 من الجزء الاول) (5) العنظوان - بضم اوله، والعنظيان - بكسر اوله -: الفاحش من الرجال والانثى عنظوانة وعنظيانة.
(*)(2/388)
فيها كثير وإن لم يعارضه رُجِّحَ بأغلبهما كما في حَوْمَان فإن فَعْلاَن أكثَرُ من فَوْعَالٍ كَتَوْرَابٍ (1) فإن فقدت شبهة الاشتقاق فيهما فإن كان أحدهما أغلب الوزنين رجح به كميم إمَّعَةٍ فان فعلة كدنبة وقنية (2) أكثرُ من إفْعَلَة كإوَزَّة وإن تساويا في القلة احتملهما كأسْطُوَانَة (3)
وإن خرجت عن الأوزانِ بتقدير زيادة كل واحد منهما ولا يكون إذن في الكلمة إظهار شاذ بأحد التقديرين لأنه إنما يكون ذلك في الأغلب إذا كان شاذاً بأحدهما قياسياً بالآخر لكونه ملحقاً بوزن ثابت وفَرْضُنَا أنه خارج عن الأوزان على كل تقدير بلى قد جاءنا الإظهار شاذاً في كليهما في بعض ذلك: رَوى الرواة يأجِجَ - بكسر الجيم - فيكون الإظهار في فَعْلِل شاذاً أيضاً كما هو شاذ في يَفْعِلَ إذ لم يجئْ مثل جَعْفِرٍ - بكسر الفاء - حتى يكون يأجِجُ ملحقاً به.
وقال سيبويه: نحو قعدد ودخلل - بفتح لا مهما الأولى - ملحق بجُنْدَب وإن كان جُنْدَب عنده فُنْعلاً، لأنه جعل النون كالاصل كما يجئ في المضاعف لقلة زيادته بين الفاء والعين.
فإذا خرجت الكلمة عن الأوزان بتقدير زيادة كل واحد من الغوالب - ولم يكن في الكلمة إظهار شاذ - نظر: فإن ثبتت في أحدهما شبهة الاشتقاق دون الآخر رجح بها كتَئِفَّانَ لأن الأَفَفَ (4) مستعمل دون تَأفٍ وإن
__________
(1) التوراب والتيراب والتورب والتيرب: التراب (2) الدنبة والدنابة والدنب: القصير والقنبة: واحدة القنب وهو العبد الآبق وضرب من الكتان (3) الاسطوانة: السارية وقوائم الدابة وهو فارسي معرب استون (4) الافف: القلة ومثله الاف - بضم الهمزة والاف ايضا: الوسخ الذى حول الظفر وقيل: هو وسخ الاذن (*)(2/389)
لم تثبت في شئ منهما كما في كَوَأْلَلٍ أو ثبتت فيهما إن اتفق ذلك كالسِّيْرِ (1) - بكسر السين - مثلاً فإن كانت إحدى الزيادتين اغلب رجح بها
كحولا يا فان فوعالا وفعلا يا خارجان عن الأوزان المشهورة إلا أنَّ زيادة الواو الساكنة أغلب من زيادة الياء المتحركة وإلا احتملهما فإن خرجت عن الأوزان بتقدير زيادة بعض دون البعض الآخر - ولا يمكن أيضاً أن يكون فيه إظهار شاذ باعتبار الوزن الذي لا يخرج به عن الأوزان المشهورة حتى يتعارض هو والخروج عن الأوزان إذ لو كان باعتباره الإظهار شاذاً لكان باعتبار الوزن الذي يخرج به عنها قياسياً: أي للإلحاق كتِلْبِبٍ (2) مثلاً وكيف يلحق بما لم يثبت؟ - فينظر: هل عارضَتْ الخروج عن الأوزان شبهةُ الاشتقاق اولا؟ فإن عارضته - وذلك بأن تكون في الوزن الذي يخرج به عن الأوزان شبهةُ الاشتقاق ولا تكون فيما لا يخرج به عنها نحو مَسْيَكٍ (3) فإنك إن جعلته فَعْيَلاً كان الوزن معدوماً لكن التركيب أعني (م س ك) موجود وإن جعلته مَفْعَلاً فالوزن موجود لكن تركيب (س ى ك) مهمل - فههنا يحتمل الوجهين، إذ يلزم من كل واحد منهما محذور ولا يجوز أن يقال: لا نحكم بزيادة أحدهما فيكون فَعْلَلاً، إذ داعي الغلبة يستحق ان
__________
(1) هكذا هو في جميع النسخ ولا يظهر له وجه لان الكلام فيما تعددت فيه الزيادة الغالبة وليس فيه زيادة ما فضلا عن زيادة متعددة ولعل الصواب (سيروان) بكسر اوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه وهو اسم بلد (2) لم نجد في القاموس ولا في اللسان (تلببا) بفك الادغام والذى فيهما تلب - كفلز وهو اسم رجل (3) كلام المؤلف صريح في انه بفتح الميم وسكون السين وفتح الياء ولم نجد له معنى في كتب اللغة وانما الذى فيها مسيك - كبخيل - وزنا ومعنى ومسيك - كسكير - بمعنى بخيل ايضا وسقاء مسيك إذا كان يحبس الماء فلا ينضح (*)(2/390)
يجاب ولا سيما إذا لزم من جعل الجميع أصولاً تركيب مهمل أيضاً فإن لم يعارض شبهةُ الاشتقاق الخروجَ عن الأوزان: بأن تكون شبهة الاشتقاق فيهما معاً كما في مَدْيَن (1) أو في الوزن الثابت كمَرْيَم (2) ، رجح بالخروج اتفاقاً فيقال: هما على وزن مَفْعَل.
قوله (بالزيادة فيها) أي: في الغوالب كما في قَيْقَبَان (3) وسَيْسَبَان (4) قوله (أو فيهما) أي: الغالبين كما في حبنطى وقد عرفت زيادة النون والألف فيه بالاشتقاق أيضاً لأنه العظيم البطن من حَبِطَتِ الماشية حَبَطاً وهو أن ينتفخ بطنها من أكل الذرق (5) قوله (فإن تعين احدهما) أي: تعين احدهما للزيادة ولم يجز الحكم بزيادتهما معا لبقاء الكلمة على اقل من ثلاثة احرف قوله (رُجِّح بخروجها) الفعل مسند إلى الجار والمجرور: أي يكون ترجيح أصالة أحدهما بخروج الزنة عن الأوزان المشهورة بتقدير زيادته فيحكم بزيادة مالا يُخْرِج الزنة عن الأوزان المشهورة إذَا قُدِّر زائداً كميم مريم فإنك لو حكمت بزيادتها بقي الزنة مَفْعَلاً وليست بخارجة عن الأوزان ولو قدرت الياء زائدا
__________
(1) مدين: اسم قرية شعيب على نبينا وعليه افضل الصلاة والسلام يجوز أن يكون اشتقاقه من مدن بالمكان إذا اقام به ويجوز ان يكون من دان إذا خضع أو من دانه دينا إذا جازاه (2) قال في اللسان: (ومريم: مفعل من رام يريم: أي برح يقال: ما يريم يفعل ذلك: أي ما يبرح) اه بتصرف وهو صريح في ان زيادة ميم مريم معلومة بالاشتقاق لا بالخروج عن الابنية الاصول على تقدير اصالتها (4) السيسبان: شجر (5) الذرق - كصرد -: بقلة (*)(2/391)
بقيت الزنة فَعْيَلاً وهي خارجة عن الأوزان (1) قوله (وهمزة أيدع) ليس بوجه لأن فيعلاً - بفتح العين - ليس بخارج عن الأوزان في الصحيح العين كصيرف وضيغم بلى ذلك خارج في المعتل العين لم يجئ إلا عين قال: * ما بال عَيْنِي كالشَّعِيبِ الْعَيَّنِ (2) * وفَيْعِلٌ - بكسر العين - كثيرٌ فيه كسَيِّد ومَيِّت وبَيِّنٍ مفقودٌ في الصحيح العَيْن قوله (وياء تَيَّحانَ) هو بفتح الياء كما قال سيبويه وقال ابن يعيشَ: يجوز كسر الياء في تَيَّحَان (3) وهيَّبان (4) فتَفْعَلانُ غير موجود وفَعَّلانُ موجودٌ كهَيَّبان فلذا حكمنا بزيادة ياء تَيَّحَانَ وهذا مما يثبت فيه الاشتقاق الظاهر وعُرفت الزيادة به إذ يقال في معناه: مِتْيَحٌ وتَيَّاحٌ ويجوز أن يكون تَيَّحَانُ وتيَّهَانُ وهَيَّبَانُ فَيْعَلانَ لا فعلان كقيقبان وسَيْسَبَانَ قوله (وتاء عزويت) ليس التاء في نحو عِفْرِيتٍ من الغوالب كما ذكرنا
__________
(1) قال في اللسان: (العثير (بكسر اوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه) : العجاج الساطع ... ولا تقل في العثير التراب: عثيرا لانه ليس في الكلام فعيل بفتح الفاء الا ضهيد وهو مصنوع ومعناه الصلب الشديد ... والعيثر والعثير (كجعفر) : الاثر الخفى مثال الغيهب وفي المثل (ماله اثر ولا عثير) ويقال: ولا عيثر مثال فيعل: أي لا يعرف راجلا فيتبين اثره ولا فارسا فيثير الغبار فرسه) اه فقد اثبت العثير وهو فعيل فقول المؤلف وصاحب اللسان ان فعيلا خارج عن الاوزان ولا يوجد في الكلام غير مسلم الا ان يقال: ان عثيرا مقلوب عيثر وهو فيعل (2) انظر (ح 1 ص 150)
(3) التيحان: الذى يعرض في كل شئ ويدخل فيما لا بعنيه والطويل ايضا (4) الهيبان: الذى يخاف الناس (*)(2/392)
فلم يكن للمصنف عدها منها فنحن انما عرفنا زيادة تاء عِزوِيت (1) دون واوه بثبوت فِعْلِيتٍ كعفريت دون فِعْوِيل قوله (وطاء قَطَوْطًى) لأن فَعْوَعَلاً موجود كعثوثل وهو المسترخي ونحن قد عرفنا زياد طاء قطوطًى بالاشتقاق لأنه بمعنى الْقَطَوَانِ: أي الذي يتبختر في مشيه وكذا اذْلَوْلَى افعوعل كاعشوشب وفَعَوْلًى وافْعَوْلى غير موجودين قوله (وواو حَوْلايا دون يائها) قد ذكرنا أن فَوْعَالاَ وَفَعْلايَا لم يثبتا إلا أن الحكم بزيادة الواو أولى لكون زيادة الواو الساكنة أكثر من زيادة الياء المتحركة وأيضاً فَوْعَالٌ كَتَوْرَاب ثابت وإن لم يثبت فَوْعَالاَ بالألف وأما فَعْلايٌ وفَعْلاَيَا فلم يثبتا قوله (وأول يَهْيَرٍّ والتضعيف) في يهير ثلاثة غوالب: التضعيفُ والياء ان فهو إما يَفْعَلُّ أو فَعْيَلٌّ أو يَفْيَعْلٌ والثلاثة نوادر ففي عدّ المصنف له فيما يخرج بأحدهما عن الأوزان دون الآخر نظر بلى إنه يقبله سيبويه فانه لم يبال بتشديد الراء وجَعلَه كالمخفف اللام وقال: يَفْعَلُ موجود كيَرْمَعٍ ويَلْمَعٍ (2) وفَعْيَلٌ معدوم والحق أن يقال: إنه يفعَلُّ من الأوزان الثلائة المذكورة إذ لو جعلناه فَعْيلاًّ لم يكن فيه شبهة الاشتقاق إذ تركيب (ي هـ ر) غير مستعمل فهو إما يفعَلُّ من الْهَيْرِ أوْ يَفْيَعْلٌ من الْهَرِّ والتضعيفُ في الأسماء أغلب زيادةً من الياء المتحركة في الأول وأيضاً يفْعَلُّ قريب من الوزن الموجود وهو يَرْمَعُ ويلمعُ وأيضاً فإن يفعلَّ ثابت وإن كان في الأفعال كيحْمَرُّ بخلاف يَفْيَعْلٍ قوله (وهمزة أرْوَنَان) لأن أفْعَلاَن جاء ولو لم يكن إلا أنْبَجَان وفَعْوَلاَنُ
لم يثبت
__________
(1) العزويت: قيل هو القصير وقال ابن دريد: هو اسم موضع (2) انظر في يلمع (ص 59 من الجزء الاول) واليرمع: الخذروف الذى يلعب به الصبيان وهو ايضا حجارة رخوة إذا فتتت انفتت (*)(2/393)
قوله (كوألل) فيه غالبان: الواوُ والتضعيفُ فجعلناهما زائدين فوزنه فَوَعْلَلٌ ملحق بسَفَرْجَل وليست الهمزة غالبة ففي عدها من الغوالب نظر وفي حِنْطَأوٍ غالب واحد وهو الواو وأما النون والهمزة فليستا بغالبتين إلا أن النون مساو للهمزة في متل هذا المثال نحو كِنْتَأو (1) وَسِنْدَأْوٍ فجعل كالغالب قوله (فإن لم تخرج الزنة في التقديرين) أي: في تقدير زيادة كل واحد من الغالبين رجح بالإظهار الشاذ: أي يكون ترجيح أصالة أحدهما بحصول الإظهار الشاذ بزيادته ويحكم بزيادة ما لم يثبت بزيادته إظهار شاذ فيحكم في مهدد بزيادة الدال فيكون ملحقا بجعفر فلا يكون الاظهار شاذا ولو جعلته مَفْعلاً من هَدَدَ لكن الإظهار شاذاً لأن مَفْعَلاً لا يكون ملحقاً كما ذكرنا قوله (وقيل بشبهة الاشتقاق) فقيل: يأجِجُ ومأجج يفْعَلُ ومَفْعَلٌ لأن في هذين الوزنين شبهة الاشتقاق لأن (اج ج) مستعمل في كلامهم وقبل: هما فَعْلَلٌ لئلا يلزم إظهارٌ شاذ وقد رَوى الرواة يأجِجَ - بكسر الجيم - فإن صحت فإنه مما يخرج بأحدهما دون الآخر إذ فَعْلِل - بكسر اللام - لم يثبت والمشهورُ الفتح في يأجَجَ ومأجَجُ وَيأجَجُ غير منصرفين: إما للوزن والعلمية والتأنيت وإما للعلمية والتأنيث وهي اسم أرض قوله (ونحوُ مَحْبَبٍ يقوي الوجه الضعيف) يعني أن محبباً من الحب مع
أن فيه إظهاراً شاذاً قوله (وأجيب بوضوح اشتقاقه) وللخصم أيضاً أن يقول: يأجَجُ أيضاً واضح الاشتقاق من أجَّ مثل مَحْبَب من حَبَّ قوله (وفي تقديم أغلبهما عليها) أي ترجيح أغلب الوزنين على شبهه الاشتقاق
__________
(1) انظر (ص 362 من هذا الجزء) .
(*)(2/394)
فإن مَوْظَبَ ومَعْلَى إن جعلتهما مَفْعلاً ففيهما شبهة الاشتقاق وإن جعلتهما فوعلاً لم تكن فيهما فشبهة الاشتقاق وأغلب الوزنين يرجحان زيادة الميم وأما رمان فإن جعلته فُعْلاَن ففيه شبهة الاشتقاق لكن ليس أغلب الوزنين وإن جعلته فُعَّالاً فليس فيه شبهة الاشتقاق إذ (ر م ن) غير مستعمل ورَمَّ مستعمل لكنه اغلب الوزنين قوله (لغلبتها في نحوه) أي لغلبة زنة فُعَّال في نحو معنى رُمَّان وهو ما ينبت من الأرض كالْقُلاَّم (1) والْجُمَّار (2) والْكُرَّاثِ والسُّلاَّء (3) والقُرَّاص (4) وفُعْلاَنُ قليل في مثل هذا المعنى قوله (فإن ثبتت فيهما) أي: ثبتت شبهة الاشتقاق في الوزنين قوله (مَوْرَقٌ) إن جعلته فوعلاً فليس بأغلب الوزنين لكنه لا يستلزم مخالفة القياس وإن جعلته مَفْعَلاً فهو أغلب الوزنين لكن فيه مخالفة القياس لان المثال الواوى لا يجئ إلا مَفْعِلاً - بكسر العين - كالموْعِد أما حومان فليس فيه خلاف الأقيسة وفَعْلاَن أكثر من فَوْعَال فجعله من (ح وم) أولى قوله (فإن نَدَرَا) أي: الوزنان (احتملهما) : أي احتمل اللفظ ذينك الوزنين وفي قوله ندرا نظر أما أولا فلأنه في اقسام ما لا يخرج الوزنان فيه عن الأوزان المشهورة فكيف يندران؟ وأما ثانياً فلأن أُفْعُلاَن قد جاء فيه اُسْحُمَان وهو
جبل والعبان في اللَّعَّاب وكذا أُقْحُوان بدليل قولك: دواء مَقْحُوّ، وَأُفْعُوَانٌ لقولهم مَفْعَاة وفَعْوة السم (5) وفُعْلُوَانُ جاء فيه عنفوان وعنظوان (6) ولعله
__________
(1) القلام: ضرب من الحمض يذكر ويؤنث.
قال الشاعر: اتونى بقلام وقالوا تعشه * وهل يأكل القلام الا الأباعر (2) الجمار: شحم النخل كانه قطعة سنام يؤكل بالعسل (3) السلاء: شوك النخل (4) القراص: نبات له زهر أصفر وحرارة كحرارة الجرجير، وحب احمر صغير (5) انظر (ص 341 من هذا الجزء) (6) انظر (ص 388 من هذا الجزء) .
(*)(2/395)
أراد كون الوزنين لقلتهما في حد الندرة وفي أرْجُوَانٍ ثلاثة غوالب: النونُ والهمزة والواوُ فيحكم بزيادة اثنين منها فهو اما افعلان كأسْحُمَانٍ أو فعْلُوَانُ كَعُنْفُوَانٍ أو افعوال ولم يثبت فبقي الأولان واحتملهما وفيهما أيضاً شبهة الاشتقاق قوله (وهمزةِ أفعىً) إذا جعلته أفْعَلَ ففيه الاشتقاق الظاهر فضلاً عن شبهته لقولهم: فَعْوَةُ السم وأرضٌ مَفْعاة فكيف أورده فيما ليس في وزنيه شبهة الاشتقاق؟ قوله (وأوتكان) الألف والنون لا كلام في زيادتهما بقي التعارض بين الواو والهمزة ووَتَك وأتَك مهملان وأفْعَلاَنُ ثابت وإن كان قليلاً كَأَنْبَجَانُ وَفَوْعَلاَنُ غير موجود فكان يجب أن يورد هذا المثال فيما تعين فيه أحدهما قوله (ومِيم إمَّعَةٍ) لأن أمَعَ وَمَمَعَ مُهْمَلاَنِ لكنَّ فِعَّلَةَ أكثر كدِنَّبَةٍ
للقصير وَالقِنَّبَةِ وَالإِمَّرَة وَإفْعَلَةُ كإوَزَّةٍ قليل وكأنه كلمة مركبة من حروف كلمتين وهما (أنا معك) كما أن الإمَّرة مركبة من (أنا مأمورك) قوله (فان ندرا احتملها) الكلامُ فيه كالكلام في قوله قبل (فإن ندرا) والعذر كالعذر قوله (إن ثبتت أفْعُوَالة) يعني إن ثبت ذلك احتمل أسْطُوَانَة الوزنين: أفعوالَةَ وفعلوانَةَ وهما الوزنان اللذان لا شبهةُ اشتقاق في الكلمة باعتبارهما وإنما قلنا: إن هذين الوزنين هما المحتملان لا أُفْعُلاَنَةُ كأسْحُمَانَ مع أن فيه شبهة الاشتقاق لثبوت السطو لأن جمعه على أساطين يمنعه إذ لو كان أفْعُلاَنَة فالطاءُ عينُ الكلمة والواوُ لامُها وفي الجمع لا يحذف لام الثلاثي فلا يجوز إذن أن يقال: حذف الواو وقلب الالف ياء حتى يكون وزن اساطين افاعين ولا يجوز ان يقال: حذف الالف وقلب الواو التي هي لام ياء فوزنه أفَاعِلْنُ، إذ هو وزن مفقود(2/396)
في الجموع والأفراد فلم يبق إلا أن يقال: هو فَعَالِينُ من تركيب (أس ط) المهمل فَأُسْطُوَانَة فُعْلُوَانَة كعُنْفُوَان من اعْتَنَفْتُ الشئ: أي استأنفته أو هو أفاعِيل من تركيب سَطَنَ المهمل أيضاً فهي أفْعُوَالَة لكن أفْعُوَالَةُ لم تثبت فلم يبق إلا أن يكون فعلوانة واساطين فعالين الحبنطى: العظيم البطن يهمز ولا يهمز.
القطوطَى والقطوان: المتبختر.
اذلو لى: انطلق في استخفاء.
حَوْلايا: اسم رجل.
الْيَهْيَرُّ وَالْيَهْيَرَّى: السراب والباطل.
يوم أرْوَنَانٌ: أي شديد ويقال: ليلة أرونَانةٌ.
عجينٌ أَنْبَجَانٌ: أي سقي ماءً كثيراً وأُحكم عجنه وبقي زماناً فارسي من النَّبْجِ وهو الجدرى وكل ما ما يتنفط ويمتلئ ماء، يقال: جاء على تِئفَّانِ ذلك وَتَئِفَّتِه وتفئته أي أوله الكوألل: القصير الْحِنْطَأو: القصير وقيل: العظيم البطن.
يأجَجُ ومَأجَجُ: موضعان(2/397)
في الجموع والأفراد فلم يبق إلا أن يقال: هو فَعَالِينُ من تركيب (أس ط) المهمل فَأُسْطُوَانَة فُعْلُوَانَة كعُنْفُوَان من اعْتَنَفْتُ الشئ: أي استأنفته أو هو أفاعِيل من تركيب سَطَنَ المهمل أيضاً فهي أفْعُوَالَة لكن أفْعُوَالَةُ لم تثبت فلم يبق إلا أن يكون فعلوانة واساطين فعالين الحبنطى: العظيم البطن يهمز ولا يهمز.
القطوطَى والقطوان: المتبختر.
اذلو لى: انطلق في استخفاء.
حَوْلايا: اسم رجل.
الْيَهْيَرُّ وَالْيَهْيَرَّى: السراب والباطل.
يوم أرْوَنَانٌ: أي شديد ويقال: ليلة أرونَانةٌ.
عجينٌ أَنْبَجَانٌ: أي سقي ماءً كثيراً وأُحكم عجنه وبقي زماناً فارسي من النَّبْجِ وهو الجدرى وكل ما ما يتنفط ويمتلئ ماء، يقال: جاء على تِئفَّانِ ذلك وَتَئِفَّتِه وتفئته أي أوله الكوألل: القصير الْحِنْطَأو: القصير وقيل: العظيم البطن.
يأجَجُ ومَأجَجُ: موضعان وأصحاب الحديت يروون يأجج بكسر الحيم وقد تقدم ذلك.
محببٌ: اسم رجل مَهْدَدُ: اسم امرأة.
مَوْظَب: اسم أرض وهو غير منصرف للعلمية والتأنيث مَعْلَى: اسم رجل وكدا مَوْرَقٌ.
الْحَوْمَانُ: الأرض الغليظة.
الإمَّعة: الذي يكون مع كل أحد(2/397)
قد تم بعون الله تعالى وحسن توفيقه - مراجعة الجزء الثاني من كتاب (شرج شافية ابن الحاجب) للعلامة رضى الدين الاستراباذى وتحقيقه والتعليق عليه في خمسة اشهر آخرها الثامن من شهر المحرم الحرام مستهل شهور عام 1358 ثمان وخمسين وثلاثمائة والف ويليه - ان شاء الله تعالى - الجزء الثالث ممفتتحه باب (الإمالة) .
نسأل الله جلت قدرته ان يعين على اكماله بمنه وفضله وحسن تيسيره.
آمين(2/398)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، قائد الغر المحجلين، سيدنا محمد بن عبد الله، وآله وصحبه أجمعين.(3/3)
قال: " الإمالة: أنْ يُنْحَى بِالْفَتْحَةِ نَحْوُ الْكَسْرَةِ، وَسَبَبُهَا قَصْدُ الْمُنَاسَبَةِ لكَسْرَةٍ أَوْ يَاءٍ، أَوْ لِكَوْنِ الأَلِفِ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ مَكْسُورٍ أَوْ يَاءٍ، أَوْ صَائِرَةً يَاءً مَفْتُوحَةً، وَلِلْفَوَاصِلِ أَوْ لإِمَالَةٍ قَبْلَهَا عَلَى وجه.
فلكسرة قَبْلَ الأَلِفِ فِي نَحْوِ عِمَادٍ وَشمْلاَلٍ، وَنَحْوُ در همان سَوَّغَهُ خَفَاءُ الْهَاءِ مَعَ شُذُوذِهِ، وتعدها فِي نَحْوِ عَالِم، وَنَحْوِ مِنَ الْكَلاَمِ قَلِيلٌ،
لعرضوها، بِخِلاَفِ نَحْو مِنْ دَارٍ، لِلرَّاءِ، وليس مقدارها الأصلى كملفظها عَلَى الأَفْصَحِ كَجَادِّ وَجَوَادِّ، بِخِلاَفِ سُكُونِ الْوَقْفِ ".
أقول: " ينحى بالفتحة " أي: تمال الفتحة نحو الكسرة: أي جانب الكسرة، ونحو الشئ: ناحيته وجهته، " ينحى " مسند إلى " نحو " ومعناه يقصد، والباء في " بالفتحة " لتعدية ينحى إلى ثاني المفعولين، وهو المقدم على الأول ههنا، وإنما لم يقل " ينحى بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء ".
لأن الإمامة على ثلاثة أنواع: وإمالة فتحة قبل الألف إلى الكسرة، فيميل الألف نحو الياء، وإمالة فتحة قبل الهاء إلى الكسرة، كما في رحمة، وإمالة فتحة قبل الراء إليها، نحو الكبر، فإمالة الفتحة نحو الكسرة شاملة للأنواع الثلاثة، ويلزم من إمالة فتحة الألف نحو الكسرة إمالة الألف نحو الياء، لأن الألف المحض لا يكون إلا بعد الفتح المحض، ويميل إلى جانب الياء بقدر إمالة الفتحة إلى جانب الكسرة ضرورة، فلما لزمتها لم يحتج إلى ذكرها.
وليست الإمالة لغة جميع العرب، وأهل الحجاز لا يميلون، وأشدهم حرصاً عليها بنو تميم، وإنما إمالة إذا بالغت في إذا بلغت في إمالة الفتحة نحو الكسرة، وما لم تبالغ فيه يسمى " بين اللفظين " و " ترقيقاً ".
والترقيق إنما يكون في الفتحة التي قبل الألف فقط.(3/4)
وسبب الإمالة إما قصد مناسبة صَوْت نطقك بالفتحة لصوت نطقك بالكسرة التي قبلها كعماد، أو بعدها كعالم، أو لصوت نطقك بياء قبلها كسَيَال (1) وشَيْبَان، أو قصدُ مناسبة صوت نطقك بالألف بصوت نطقك بأصل تلك الألف، وذلك إذا كانت منقلبة عن ياء أو واو مكسورة كباع وخاف، أو لصوت ما يصير إليه الألف في بعض المواضع كما في حُبْلَى ومِعْزًى، لقولك حبليان ومِعْزَيان، والأولى أن تقول في إمالة نحو خاف وباع: إنها للتنبيه على أصل الألف، وما
كان عليه قبل، وفي نحو حبلى ومعزى: إنها للتنبيه على الحالة التي تصير إليها الألف بعدُ في بعض الأحوال.
قوله " أو لكون الألف منقلبة عن مكسور " عبارة ركيكة، لأن تقدير الكلام قصد المناسبة لِكَوْنِ الأَلِفِ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ مَكْسُورٍ، إذ هو عطف على قوله " للكسرة " فيكون المعنى أنك تقصد مناسبة صوتك بالفتحة والألف الممالتين لكون الألف عن ياء أو لكون الألف صائرة ياء.
قوله " أو لإمالة قبلها على وجه " يجئ في موضعه.
اعلم أن أسباب الإمالة ليست بموجبة لها، بل هي المجوزة لها عند مَنْ هي في لغته، وكل موضع يحصل فيه سبب الإمالة جاز لك الفتح، فأحد الأسباب الكسرة، وهي إما قبل الألف أو بعدها، والحرف المتحرك بالكسر لا يجوز أن يكون هو الحرف الذى يليه الألف، لأنها لا تلي إلا الفتحة، فالحرف المتحرك بالكسرة إما أن يكون بينه وبين الألف حرف أو حرفان، والأول أقوى في اقتضاء الإمالة لقربها، وإذا تتابع كسرتان كحِلبْلاَب (2) ، أو كسرة وياء نحو
__________
(1) السيال: اسم جنس جمعى، واحدته سيالة - كسحابة - وهو شجر له شوك أبيض طويل، إذا نزع خرج منه اللبن، أو طال من السمر (2) الحبلاب - بكسر تين بعدهما سكون -: نبت ينبسط على الأرض وتدوم خضرته في القيظ، وله ورق أعرض من الكف، انظر (ح 1 ص 63) (*)(3/5)
كِيزَان، كان المقتضي أقوى، والتي بينها وبين الألف حزفان لا تقضى الإمالة إلا إذا كان الحرف الذي بينها وبين الألف سا كنا نحو شِمْلاَل (1) ، فإن كان متحركاً نحو عِنَباً، أو كان بين الكسرة والألف ثلاثة أحرف لم يجز الإمالة وإن أحد الأحرف سا كنا، نحو ابنتا زيد وفَتَلْت قِنَّباً (2) ، بلى إن كان الحرف المتحرك أو حرف الألف في الأول هاء نحو يريد أن يُسَفِّهَنَا، وينزعها،
فإن ناساً من العرب كثيرا يميلها، لخفاء الهاء، فكأنها معدومة، فكأنه يسفنا وينزعا، وإذا كان ما قبل الهاء التي هي حرف الألف في مثله مضموماً لم يُجْز فيه الإمالة أحَدٌ، نحو هو يضربها، لأن الهاء نع الضمة لا يجوز أن تكون كالعدم، إذاما قبل الألف لا يكون مضموما، ولخفة الهاء أجازوا في نحو مَهَارَى مِهِارَى، بإمالة الهاء والميم، لأنك كأنك قلت: مَارَى، وكذلك إن كان في الثاني أحد الثلاثة الأحرف التي بين الكسرة والألف هاء جازت الإمالة لكن على ضعف وشذوذ، نحو: درهَمَا زيد، ودرهمان، وحِبْرَها.
فإن كانت الكسرة المتقدمة من كلمة أخرى نظر: فإن كانت إحدى الكلمتين غير مستقلة أكلاهما كانت الإمالة أحسن منها إذا كانتا مستقلتين، فالإمالة في بنابؤسى وبنَّا ومنَّا أحسن منها في لزيد مال، وبعبد الله.
واعلم أن الإمالة في بعبد الله أكثر من إمالة نحو لزيد مال، لكثرة لفظ الله في كلامهم.
إذا كان سبب الإمالة ضعيفاً - لكون الكسرة بعيدة كما في نحو أن ينزعا، أو في كلمة أخرى نحو منّا وأنا ومنها - وكانت والألف موقوفا عليها كان إمالتها
__________
(1) تقول: ناقة شملال - كقر طاس - وشمليل - كقنديل - إذا كانت سريعة (2) القنب - بكسر أوله أو ضمه مع تشديد ثانية مفتوحا -: ضرب من الكتان، انظر (1 ح ص 62) (*)(3/6)
أحسن منها إذا كانت موصولة بما بعدها، لما ذكرنا في باب الوقففي قلبهم ألف أفعى في الوقف ياء دون الوصل، وهو كون الألف في الوصل يظهر جوهرها، بخلاف الوقف، فتقلب إلى حرف أظهر منها، فلذا كان ناس ممن يميل نحو أن يضربها ومنّا وبنا ومنها إذا وصلوها لم يميلوها، نحو أن يضربها زيد، ومنا ذلك، لازمة نحو عابد وعالم ومفاتيح وهابيل، قيل: والمضصل في هذا كالمتصل نحو ثلثا درهم، وغلاماً بشر، والظاهر أنها أضعف لعدم لزومها للألف، فهي كالكسرة
العارضة للإعراب في كلمة الألف، نحو على بابه، ومن ماله، فإنه يجوز الإمالة لأجلها، لكنه أضعف من جواز إمالة نحو عابد وعالم، ويجوز في نحو بباب أن تكون الإمالة للكسرة المتقدمة أو للمتأخرة أو لكلتيهما، وأما إن كانت الكسرة الإعرابية على الراء فهي كالكسرة اللازمة في كلمة الألف، نحو عالم، وذلك لأنها وإن ضعفت بالعروض لكن تكرار الراء جَبَر وهنا فكأن الكسرة عليها كسرتان، وذلك نحو: مِنَ الدَّارِ، وفي الدار، وإن كان بين الألف والكسرة المتأخرة عنها حرف، نحو: على آخِر، وعَلَى قَاتِل، فإن الكسرة لا تؤثر، وإنما أثرت المنفضلة عن الألف قبلُ ولم تؤثر بعد لأن الصعود بعد الهويّ أشق من العكس، فإن رالت الكسرة التي بعد الألف لأجل الإغدام نحو جَادّ وجَوَادّ فالأفصح أن لا يعد بها، فلا تميل الألف لأنها ساقطة في اللفظ لزوماً، وقد اعتبرها قوم ظرا إلى الأصل، كما أميل نحو " خافَ " نظراً إلى كسرتها الأصلية، كما يجئ، فأمالوا نحو جَادّ وجَوادَّ، رفعاً ونصباً وجرّاً، وبعضهم أمالها إذا كانت المدغم فيها مكسورة فقط لصيرورة الحرفين بالإدغام كحرف واحد.
فيكون " مِنْ جادّ " مثل " مِنْ مَال " وإن ذهبت الكسرة لأجل الوقف - نحو راعْ، وماشْ - اختلف أيضاً في الإمالة(3/7)
وتركها، والأكثر يميلونه، والفرق بينه وبين الأول أن سكون الوقف عارض يزول في الوصل، بخلاف سكون الحرف المدغم، وإن كانت الكسرة المقدرة في الوقف في الراء - نحو من النار، ومِنْ دار - فجواز الإمالة فيه أقوى لقوة الكسرة على الراء كما ذكرنا، فصارت لفرط القوة تؤثر مقدرةً تأثيرَها ظاهرة.
قال: " وَلا تُؤثِّرُ الْكَسْرَةُ فِي منقلبة عَنْ وَاوٍ، وَنَحْوُ مِن بَابِهِ وَمَالِهِ وَالْكِبَا شّاذ، كَمَا شَذَّ العشا والمكاو باب وَمَالٌ وَالحَجَّاجُ وَالنَّاسُ لِغَيْرِ سَبَبٍ.
وَأَمَّا إمَالَةُ الرِّبَا وَمِنْ دَارٍ فَلأَجْلِ الرَّاءِ "
أقول أظن قوله: " ولا تؤثر الكسرة في المنقلبة عن واو " وَهَماً نشأ له من قول صاحب المفضل " إنَّ إمالة الكِبَأ شاذ " قال: أي الزمخشري: " أما إمالة الربا فلأجل الراء " هذا قوله، وقال سيبويه: " ومما يميلون ألفه قولهم: مررت ببابه وأخذت من ماله في موضع الجر، شبهوه بكاتب وساجد، قال: وإمالة في هذا أضعف، لأن الكسرة لا تلزم، فضعفها سيبوته لأجل ضعف الكسرة لا لأجل أن الألف عن واو، وَلو تؤثر الكسرة في إمالة الألف منقلبةً عن واو لم يَقُل إن الإمالة ضعيفة لضعف الكسرة، بل قال: ممتنعة، لكون اللام بعدها، فتبين أنه لم يفرق في تأثير الكسرة بين الألف المنقلبة عن واو وبين غيرها، ولم أر أحداً فرق بينهما إلا الزمخشري والمصنف.
والْعَشَا: مصدر الأعشى والعشواء، والْكِبَا: الْكُنَاسة، وهو واوي لتثنيته على كِبَوَان، والمكا - بوزن العصا -: حجر الضب، (1) وبمعناه المكو
__________
(1) قال في اللسان: " والمكو (بفتح فسكون والمكا - بالفتح مقصورا -: حجر الثعلب والأرنب ونحوهما، وقيل: مجثمهما " اهـ.
وقال سيبوية (ح 2 ص 260) : " وقد قالوا البكا، والعشا، والمكا، وهو حجر الض " اهـ (*)(3/8)
وأما باب ومال فإنما تشذ إمالتهما في غير حال جر لا ميهما، قال سيبويه: قال ناس يُوثَقُ بعر بيتهم: هذا باب، وهذا مال، ورد المبرد ذلك، قال السيرافي: حكاية سيبويه عن العرب لا ترد، ويمال الحجَّاج علماً، على الشذوذ، وأما إن كان صفة فلا، وأما إمالة الحجاج علماً والناسِ أكثر من إمالة نحو " هذا باب، ومال " وأما إمالة نحو " بالناس " فليست بشاذة لأجل الكسرة.
قال: " وَالْيَاءُ إِنَّمَا تُؤَثِّر قَبْلَهَا فِي نَحْوِ سَيَالٍ وَشَيْبَانَ " أقول: الياء: إما أن تكون قبل الألف، أو بعدها:
فالتي قبلها إنما تؤثر إذا اتصلت بالألف كسَيَال، وهو شجر ذو شوك، لأن الحركة بعد الحرف، فالفتحة بعد الياء، فصارت الياء المفتوحة كالكسرة قبل الفتحة في نحو عماد، تؤثر أيضاً إذا اتصلت بحرف الألف: إما ساكنةً [نحو شَيْبَانَ] (1) أو متحركة كالْحَيَوان وَالْحَيَدَان، وإذا كانت قبل الياء التي هي حرف الألف الكائنة بعد فتحة كشوك السَّيَال، أو بعد ضمة كالْهُيَام، ودونها الياء الساكنة المتصلة بحرف الألف كَشَيْبَان، ودونها المتصلة بها المتحركة كالْحَيَدَان، وإنما كان نحو الْحَيَدان في الإمالة دون شيبان - وإن كانت الفتحة متعقبة للياء - لأن الحركة بعد الحرف، كما تكرر ذكره، ففتحة ياء حَيَدَأن فاصلة بين الياء وفتحة الياء، وإنما أثرت الكسرة في نحو شِمْلاَل مع أن بينها وبين حرف الألف حرفاً، ولم تؤثر الياء كذلك في نحو دَيْدَبان (2) وكَيْذُبَان (3) ، لأن ذلك الحرف
__________
(1) الزيادة عن الخطية (2) الديدبان: حمار الوحش، والرقيب، والطليعة، قال في القاموس إنه معرب (3) الكيذبان - بفتح الكاف وسكون الياء بعدها ذال معجمة مضمومة أو مفتوحة -: الكذاب (*)(3/9)
الفاصل بين الكسرة وحرف الألف يشترط سونه كما مر به، فلم يَفْصِل إذن بي الكسرة والفتحة الممالة ما يضاد الياء من الفتحة والضمة، وأما في نحو ديدبان وَكَيْذُبَان فالفتحة والضمة فاصلتان بين الياء والفتحة المراد إمالتها، وإذا أضْعَفَتِ الفتحةُ (1) حركَةَ الياء فكيف إذا كانت على حرف فاصل؟ وأمال بعضهم " يَدَهَأ " لخفاء الهاء كما ذكرنا في درهمان.
وإن تأخرت الياء عن الألف، فإن كانت مكسورة كمبايع (2) فالمقتضى للإماله في أقوى من المقتضي في نحو عابد، وإن كانت مفتوحة أو مضمومة
كالْمُبَايَع وَالتَّبَايُع فلا تأثر، لأن الحركة لشدة ازومها للحرف وإن كانت متعقبة لها تفُتُّ في عَضُدها، وتُشْرِبها شيئاً من جوهر نفسها، وتميلها إلى مخرجها شيئا.
قال: " وَالْمُنْقَلِبَةُ عَنْ مَكْسُورٍ نَحْوُ خَافَ، وَعَنْ يَاءٍ نَحْوُ نابٍ وَالرَّحَى وَسَالَ وَرَمَى " أقول: قوله " عن مكسور " أي واو مكسور، ليس ذلك على الإطلاق، بل ينبغي أن يقال: عن مكسور في الفعل، لأن نحو رجل مَالٌ وَنالٌ (3) وكبش (4) صَافٌ أصلها مول ونول، ومع هذا لايمان
__________
(1) يريد أن الفتحة التى هي حركة الياء في نحو الحيدا تضعف تأثير الياء في الأمالة مع أنها حركة الياء نفسها، فهى أقوى على إضعاف تأثيرها إذا كانت على حرف فاصل، فقوله " حركة الياء " حال من الفتحة مثلا (2) مبايع اسم فاعل من المبايعة، ووقع في بعض النسخ " كبايع " وهو فعل أمر من المبايعة أيضا (3) يقال: رجل مال، إذا كان كثير المال، ويقال: رجل نال، إذا كان كثير النوال: أي العطاء، (4) يقال كبش صاف، إذا كثير الصوف (*)(3/10)
قياساً، بل إمالة بعضها لو أميلت محفوظة، وذلك [لأن الكسرة] قد زالت بحيث لا تعود أصلاً: أما في الفعل نحو خاف فإن الكسرة لما كانت في بعض المواضع تنقل إلى ما قبل الألف نحو خِفْت وخفتا أجيز إمالة ما قبل الألف، والألف المنقلبة عن واو مكسورة في الاسم والفعل لا تَقع إلا عينا، أما المنقلبة عن الياء فتمال، سواء كانت الياء مفتوحة أو غيرها في الاسم أوفى الفعل: عيناً أو لاماً، كناب وغَاب وطَابَ وَبَاعَ وَهَابَ
وَرَحًى وَرَمَى، وهي إذا كانت عين فَعَلَ - في الأفعال - أولى بالإمالة منها عين فَعَل في الاسماء، لأنه ينضم إلى انقلابها عن الياء انكسار ما قبلها في بعض التصاريف كِهبتُ وَبِعْتُ، وإذا كانت لاماً انت أولى بالإمالة منها عيناً، لأن التغيير في الأواخر أولى، قال سيبويه: وكره بعض العرب إمالة نحو رَمَى لكراهة أن يصيروا إلى ما فروا منه: يعني أنهم قبلوا الياء ألفا أولا فلم يقبلوا الألف بعد ذلك ياء، قلت: وينبغي على هذا أن يكرهوا إمالة نحو باب وعابٍ وباع وهاب، لحصول العلة المذكورة.
قال: " وَالصَّائِرَةُ يَاءً مَفْتُوحَةً، نَحْوُ دَعَا وحُبْلَى وَالْعُلَى، بِخِلاَفِ جَالَ وَحَالَ " أقول: اعلم أن الألف إذا كانت في الآخر، فإما أن تكون في آخر الفعل، أو آخر الاسم فالأولى جاز إمالتها مطلقاً، لأنها إن كانت عن ياء فلها أصل في الياء وتصير ياء عند اتصال الضمائر بها، نحو رميت ويرميان، وإن كانت عن واو فإن تلك الألف تصير ياء مكسوراً ما قبلها قياساً، وذلك فيما لم يسم فاعله، نحو دُعى في دَعَا، فهو كالألف الممالة مع كون الألف في الآخر، والآخر محل التغيير، ولذلك لم يمل في قالَ وحالَ مع قولهم: قِيل وحِيل(3/11)
والثانية: أي التي في آخر الاسم إن كانت عن ياء نحو الفتى والرحى جاز إمالتها، لكونها عن ياء وصيرورتها ياء في التثنية، وإن كانت عن واو: فإن كانت رابعة فما فوقها جاز إمالتها، لصيرورتها في المثنى ياء كالاعيان والمصطفيان، وكذا الألف الزائدة، كالْحُبْلى، والذِّفْرى (1) ، والأَرْطَى (2) ، والكمَّثْرَى، والقَبْعْثَرَى (3) ، لأنها تنقب ياء في المثنى، على ما مضى في باب المثنى، وكذا ألف سُكارَى وحبَالَى وصَحَارَى، لأنك لو سميت بها (4) وثنيتها قلبت ألفاتها ياء،
وإن كانت ثالثة لم تمل قياساً، بل شاذاً، كالمَكَا والعَشَا، لأنها لا تصير ياء كما في الفعل، بل تصير في التصغير ياء قياساً كعُصَيَّة (ولا تؤثر) ، لكون سكون ما قبلها يبعدها عن صورة الألف الممالة، بخلاف نحو دُعِي وأعْلَيان، وأما نحو القُوَى والعُلَى والضُّحَى - في القرآن - فإنما جاز إمالتها لكونها رءوس الاى، فتناسب سائر الكلام التى هي رءوس الآي، وفيها سبب الإمالة.
وقال بعضهم: كل ما كان على فُعَلٍ - بضم الفاء - جاز إمالة ألفه، إذ لو منعت لكان الثلاثي المطلوب في وضعه الخفة أولُه وآخرهُ ثقيلين، إذ يكون أوله ضمةً وآخره ألفاً غير ممالة، وترك إمالتها صريح في أنها عن واو، فيكون كأن في أوله وآخره واوٌ، ولهذا يكتب الكوفيون كل ثلاثي مقصور مضموم
__________
(1) الذفرى - بكسر فسكون مقصورا - الموضع الذى يعرق من الابل خلف الاذن، انظر (ح 1 ص 70، 195) (2) الارطى - بفتح فسكون -: شجر ينبت في الرمل، واحدته ارطاة، انظر (ح 1 ص 57) (3) الْقَبَعْثَرَى: الجمل الضخم الشديد الوبر، انظر (ح 1 ص 9، 52) (4) لعل المؤلف لاحظ أن الاصل فيما يثنى أن يكون مفردا فقيد تثنية هذه الالفاظ بالتسمية بها، وإلا فان تثنية الجمع على إرادة الجماعتين غير عزيزة في كلام العرب.
(*)(3/12)
الأول بالياء، ويثنيه بعض العرب بالياء، كما مر في باب المثنى، فتقول: العُلَيَان، فعلى هذا لا يختص إمالة مثل هذه الكَلِم برؤوس الآي، ولا يحتاج في إمالة العُلى إلى أن يعلل بكون واحدة العليا، بل يجوز إمالة العُلى الذي هو مصدر أيضاً، وقال بعضهم: طلبْنا وطَلَبَنا زيدٌ، تشبيهاً لألفها بألف نحو حُبْلى حيث كانت أخيراً،
وجوزوا على هذا رأيت عبداً وأكلت عنباً " قوله والصائرةُ ياءً مفتوحة " احتراز عن نحو قيل وحيل، قال المصنف: لأن هذا صار ياء ساكنة والساكنة ضعيفة، فهي كالمعدوم، ولقائل أن يقول: لو كان ضعفها لأجل انقلابها ياء ساكنة لوجب إمالة نحو العصا، لأنها تنقلب ياء متحركة قوية بسبب الإدغام فيها نحو العِصِيّ في الجمع والعُصَيَّة في التصغير.
قوله " دَعَأ وحُبْلَى والْعُلى " لقولك: دُعِي وحُبْليان وَالْعُلَيَان قال: " والْفَوَاصِلُ نَحْوُ وَالضُّحَى، وَالإِمَالَةُ قَبْلَهَا نَحْوُ رَأَيْتُ عِمَادَا " أقول: اعلم أن الإمالة في الفواصل هي في الحقيقة إمالة للإمالة أيضاً، وذلك لأنه يمال الضُّحى لإمالة قَلَى، لتناسب رءوس الآي، فالإمالة للإمالة على ضربين: أحدهما أن تمال فتحةٌ في كلمة لإمالة فتحة في تلك الكلمة أو فيما هو كالجزء لتلك الكلمة، فالأول على ضربين: إما أن يمال الثاني لإمالة الأول، نحو عماداً، أميلت فتحة الدال وقفاً، لإمالة فتحة الميم، وجاز ذلك وإن كان الألف ألف تنوين، لأن الأواخر محل التغيير، ولبيان الألف وقفا كما في أفْعَىْ على ما مر في بابه، أو يمال الأول لإمالة الثاني، وذلك إذا كان الثاني فتحةً على الهمزة نحو رأى ونأى، أمال بضعهم فتحتي الراء والنون لإمالة فتحة الهمزة، وذلك لأن الهمزة حرف مستثقل فطُلب التخفيف معها أكثر بتعديل الصوت في مجموع الكلمة.
وأما مهارَى فإمالة الميم لأجل خفاء الهاء لا للإمالة، والثاني: أي إمالة فتحة في كلمة لإمالة فتحة فيما هو كجزء تلك الكلمة نحو قولك: مِعْزانا،(3/13)
أملت فتحة نون " نا " لإمالة فتحة الزاي، وجاز ذلك وإن كانت " نا " كلمة برأسها لكونها ضميراً متصلاً، ولكون الألف في الآخر وهو محل التغيير، ولم يُمَلْ
ألف مال في ذا مال، لكونه وسطاً، ولكون مال كلمة منفصلة لا كجزء الأول بخلاف " نا " في مِعْزَانا.
وثانيهما أن تمال فتحةٌ في كلمة لامالة مثل تلك الفتحة في نظير تلك الكلمة في الفواصل، كقوله تعالى (والضحى) ، أميل ليزاوج (قلى) ، وسهل ذلك كونه في أواخر الكلام ومواضع الوقف كما ذكرنا في نحو أفعى قال: " وَقَدْ تُمَالُ ألِفُ التَّنْوِينِ فِي نَحْوِ رَأَيْتُ زَيْدا " أقول: قال سيبويه: يقال: رأيت زيداً، كما يقال: رأيت شيبان، لكن الإمالة في نحو رأيت زيداً أضعف، لأن الألف ليست بلازمة لزوم ألف شيبان، وسهل ذلك كون الألف موقوفاً عليها، فيقصد بيانها بأن تمال إلى جانب الياء كما في حُبْلَى، ولا يقال: رأيت عَبْداً إلا عند بعضهم - كما مر - تشبيهاً بنحو حبلى، إذ لا ياء قبل الألف ولا كسرة قال: " وَالاسْتِعْلاَءُ في عير بَاب خَافَ وَغَابَ وَصَغَا مَانِعٌ قَبْلَهَا يَلِيهَا فِي كَلِمَتِهَا، وَبِحَرْفَيْنِ عَلَى رَأْي، وَبَعْدَهَا يَلِيهَا فِي كَلِمَتِهَا، وَبِحَرْفٍ وَبِحَرْفَيْنِ عَلَى الأَكْثَرِ " أقول: يعني أن حروف الاستعلاء، وهي ما يرتفع بها اللسان، ويجمعها قِظْ خُصَّ ضَغْطٍ (1) تمنع الامالة على الشرائط التى تجئ، وذلك لمناقضتها
__________
(1) قال ملا على قارى في شرح الجزرية: " قظ: أمر من قاظ بالمكان، إذا أقام به في الصيف، والخص - بضم الخاء المعجمة -: البيت من القصب، والضغط: الضيق، والمعنى أقم في وقت حرارة الصيف في خص ذى ضغط: أي اقنع من الدنيا الدنيا بمثل ذلك وما قاربه " اه (*)(3/14)
للامالة، لان اللسان ينخفض بالامالة ويرتفع بهذه الحروف، فلا جرم
لا تؤثر أسباب الامالة المذكورة معها، لأن أسباب الإمالة تقتضي خروج الفتحة عن حالها وحروف الاستعلاء تقتضي بقاءها على أصلها، فترجح الأصل، ولا تغلب حروف الاستعلاء أسبابَ الإمالة في باب خَافَ وَغَابَ وصَغَا، يعني في الألفات التي ينكسر ما قبلها في بعض التصرفات، وهي ألفات الفعل إذا كانت عيناً في الماضي الثلاثي، وهي منقلبة عن واو مكسورة كخاف أو ياء: سواء كانت في الأصل مكسورة كهاب، أولاً كغاب، وكذا إذا كانت لاماً في ماضي الفعل الثلاثي: سواء كانت واو كغَزَاً، أو ياء كبغي، وذلك لأنك تقول: خِفْتُ وَغِبْتُ وغُزِيَ وَبْغِيَ، فأجيزت الإمالة مع حروف الاستعلاء لقوة السبب: أي انكسار ما قبل الألف في بعض التصرفات، مع كون ذلك في الفعل الذي هو أحمل للتصرفات من أخويه، وكذا الألفات التي تنقلب في بعض التصرفات ياء، وهي الألفات الأخيرة: الرابعة فما فوقها: في الفعل كانت كأعْطَى ويُعْطَى، أو في الاسم كالمُعْطَى والْوُسْطَى، لقولك: أعْطَيَا ويُعْطَيَان والْمُعْطَيَان والْوُسْطَيان، فتنقلب الألف في البنية التي فيها الألف من غير تغيير تلك البنية، وأما الياء في نحو الْعُصَيَّة والْعِصيّ فلا تعتبر، لأنها عرضت في بناء آخر، فجميع الألفات المذكورة تمال، ولا تنظر إلى حروف الاستعلاء، لأن انقلاب الألف ياء لغير الامالة مطردا والبينة باقية سببٌ قوي للإمالة، فتجري عليها مع حروف الاستعلاء أيضاً قوله " قبلها يليها في كلمتها " كقاعد وخامد (1) وصاعد وغائب
__________
(1) يقال: خمدت النار تخمد - من باب قعد - خمودا، إذا سكن لهبها، ويقال: قوم خامدون لا تسمع لهم حسا، مأخوذ من خمود النار.
وفى التنزيل (*)(3/15)
وطائف (1) وضامر وظالم، وكذا إذا كان بعدها يليها في كلمتها كنا قد وعاطِس وعاصِم
وعاضد وعاطل وباخل (2) وواغل (3) ، وإذا كانت حروف الاستعلاء قبل حرف الألف فإن كانت مكسورة كالقفاف (4) والغِلاب والطِّباب (5) والضِّباب (6) والصِّحاب والخِداع والظِّماء (7) ، فلا أثر لحرف الاستعلاء، (بل تمال الفتحة والألف، لأن الكسرة المقتضية لإمالة الفتحة والألف بعد حرف الاستعلاء) على
__________
العزيز (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون) قال الزجاج: فإذا هم ساكتون قد ماتوا وصاروا بمنزلة الرماد الخامد الهامد (1) يقال: طاف به الخيال يطوف طوفا وطوفانا، إذا ألم به في النوم، قال تعالى (فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون) ويقال طاف حول الشى يطوف طوفا وطوفانا، إذا دار حوله، ورجل طائف وطاف، أصله طوف على صيغة المبالغة (2) الباخل: البخيل، وفى اللسان " ذو البخل " يريد أنه للنسب، وإنما يستقيم قوله هذا إذا سلب منه معنى الحدوث، وإلا فهو اسم فاعل وليس للنسب، (3) الواغل: الذى يدخل على القوم في طعامهم وشرابهم من غير أن يدعوه لذلك، أو من غير أن يشترك معهم في النفقة، قال عدى بن زيد العبادي: فمتى واغل ينبهم يحيوه * وتعطف عليه كف الساقى وقد وقع في الاصول " واغد " بالدال، وهو تصحيف (4) : القفاف: جمع قف - كخف - وهم الاوباش والاخلاط من الناس، وحجارة غاص بعضها ببعض (5) الطباب: جمع طبة بكسر أوله وتشديد ثانيه - وهى المستطيل من الارض والثوب والسحاب (6) الضباب - كرحال -: جمع ضب، وهو حيوان برى يشبه الورل إلا أنه دونه، والورل حيوان يشبه التمساح ويعيش في البر
(7) الظماء: جمع ظمئان، كعطاش وعطشان وزنا ومعنى (*)(3/16)
ما سبق من كون الحركة بعد الحرف، ولم يذكر سيبويه في مثله ترك الإمالة، وذكر غيره أنه ذهب بعضهم إلى امتناع الإمالة، لأجل حروف الاستعلاء، وإن كانت مكسورة، قالوا: وهو قليل، والإمالة أكثر، وكذا الإمالة في نحو " قِزْحاً " (1) كثيرة، وأما إن كانت حروف الاستعلاء متحركة بغير الكسرة كَغَوالب وصُمات (2) وخُفاف (3) فإنها تمنع الإمالة، لأنك إنما تتلفظ بالفتحة والألف بعد ثبوت حرف الاستعلاء الطالب للفتح بلا كسر بينها وبين الفتح، كما كان في قفاف، وفى تلك الحال طالب الامالة - أعنى الكسر - معدوم متوقع، ومناسبة الصوت لصوت داخل في الوجود أولى من مناسبته للمتوقع وجوده، وأما إن كانت حروف الاستعلاء ساكنة قبل حرف الألف بعد الكسرة، نحو: مصباح ومِقلاع ومِخْدام ومِطْعان، فبعض العرب لا يعتد بحرف الاستعلاء لكونه بالسكون كالميت المعدوم فيميل، وبعضهم يعتد به، لكونه أقرب إلى الالف من
__________
(1) القزح - بكسر القاف وسكون الزاى -: بزر البصل، والتابل الذى يطرح في القدر كالكمون والكزبرة، ومراد المؤلف أنه يجوز إمالة ألفه المبدلة من التنوين وقفا في حالة النصب، لان الكسرة بعد حرف الاستعلاء، فلا أثر لحرف الاستعلاء، ولا يضر الفصل بين الكسرة والالف بحرفين، لان أحدهما ساكن، فهو نظير شملال، وفى النسخ الخطية " قرحاء " بالقاف والراء والحاء ممدودا، وهو تصحيف، لان أوله مفتوح، ويدل على أن المراد ما أثبتناه قول سيبويه (ح 2 ص 261) " وقالوا رأيت قزحا، وهو أبزار القدر، ورأيت علما، فيميلون، جعلوا الكسرة كالياء " اه (2) الصمات - كغراب -: الصمت، وفى الحديث " وإذنها صماتها " أي
أن إذن البكر سكوتها (3) الخفاف - كغراب -: الخفيف، وفعال يشارك فعيلا في باب الصفة المشبهة كثيرا، إلا أن في فعال من المبالغة أكثر مما في فعيل، ومن ذلك طويل وطوال، وشجيع وشجاع، وعجيب وعجاب (*)(3/17)
الكسرة الطالبة للإمالة، قال سيبويه: كلاهما عربي له مذهب، وهذا معنى قول المصنف " وبحرفين على رأى " جعل في نحو مصباح حرف الاستعلاء قبل الألف بحرفين: أحدهما حرف الاستعلاء، والآخر الباء، والأظهر أن لا يقال: هذا الحرف قبل ذلك الحرف بحرفين، إلا إذا كان بينهما حرفان، كما قال سيبويه في نحو مناشيط (1) ومعَاليق (2) : إن حرف الاستعلاء، بعد الألف بحرفين، وإن كان حرف الاستعلاء بعد الألف وبينهما حرف كنافخ ونابغ ونافِق (3) وشاحِط (4) وناهِض وغائِظ منع من الإمالة، ولم تؤثر الكسرة، لأن الحرف أقوى من
__________
(1) قال سيبويه: " واعلم أن هذه الالفات لا يميلها أحد إلا من لا يؤخذ بلغته، لانها إذا كانت مما ينصب في غير هذه الحروف لزمها النصب فلم يفارقها في هذه الحروف، إذ كان يدخلها مع غير هذه الحروف، وكذلك إن كان شئ منها بعد الالف بحرفين، وذلك قولك: مناشيط، ومنافيخ، ومعاليق، ومقاريض، ومواعيظ، ومباليغ، ولم يمنع الحرفان النصب كما لم يمنع السين من الصاد في صويق ونحوه، وقد قال قوم المناشيط (يريد بالإمالة) حين تراخت، وهي قليلة " اه وقد بحثنا طويلا فيما بين أيدينا من كتب اللغة فلم نعثر على ما يكون مفردا قياسا لمناشيط إلا منشطا - كمكرم - وهو بمعنى النشيط، أو هو الذى ينشط إبله، وإن صح أن يكون هذا مفرده كانت الياء في مناشيط زائدة متولدة من إشباع الكسرة، مثل دوانيق وخواتيم في جميع دانق وخاتم، أو منشطا - كمقعد - وهو مصدر ميمى
بمعنى النشاط، والياء على هذا الوجه في الجمع زائدة كما كانت على الوجه السابق (2) المعاليق: جمع معلاق - بكسر فسكون - أو معلوق - بضم فسكون - وهما يستعملان فيما يعلق عليه الشئ وفى الشئ المعلق نفسه (3) نافق: اسم فاعل من نفقت السلعة تنفق - من باب نصر ينصر - نفاقا، إذا راجت وغلا سعرها، أو اسم فاعل من نفق الحيوان ينفق نفوقا - كقعد يقعد قعودا - بمعنى مات (4) الشاحط: اسم فاعل من شحط يشحط - كمنع يمنع، وكفرح يفرح - شحطا - كمنع، وشحطا - كفرح، إذا بعد (*)(3/18)
الحركة، فتصير قوية قائمة مقام قرب الكسرة من الألف، فلو أملت الألف لكان هناك استفال ظاهر بإمالة الفتحة والألف والكسرة الصريحة بعده إصعاد، وذلك صعب، وأما نحو غالِب وطالِب ففيه إصعاد ظاهر بعده اسْتِفال، وهذا أسهل، ألاَ ترى أنهم قالوا: صبقت، وَصُقْتُ، وَصَوِيق، بقلب السين صاداً لئلا يصعدوا بعد استفال، ولم يقولوا: قَصَوْت، وقِصْت، في قسوت قست وإن كان بين حرف الاستعلاء المتأخر عن الألف وبينها حرفان كمناشيط ومعاريض (1) ومعاليق ومنافيخ (2) ومباليغ (3) منع أيضاً عن الإمالة، وقال سيبويه: قد قال بعضهم المناشيط بالإمالة حين تراخت وهي قليلة.
قوله: " وبحرفين على الأكثر " إن أراد نحو مناشيط فهو مخالف لقوله " وبحرفين على رأي " في نحو مصباح، وإن أراد نحو نافخ وفاسق كما صرح به في الشرح فغلط، لأنه لا خلاف في منعه إذن للإمالة.
قوله: " قبلها يليها في كلمتها " إنما قال " في كلمتها " لأن المستعلي إن كان في كلمة أخرى قبل لم يؤثر نحو ضبط عالم فتميل، لأن المستعلي لما انفصل صار كالعدم
مع أن الاستفال بعد الإصعاد سهل.
قوله: " وبعدها يليها في كلمتها " اعلم أنه إذا كان المستعلي في كلمة بعد أخرى نحو عماد قاسم وعال قاسِم فبعضهم لا يجعلون للمستعلي المنفصل أثراً وبعضهم
__________
(1) في الحديث " إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب " قال ابن الأثير في النهاية: " المعاريض جمع معراض من التعريض، وهو خلاف التصريح من القول يقال: عرفت ذلك في معراض كلامه ومعرض كلامه بحذف الالف " اه والمعراض أيضا: سهم بلا ريش دقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حده (2) المنافيخ: جمع منفاخ، وهو كير الحداد (3) لم نجد هذا الجمع في كتب اللغة، ولعله جمع مبلغ مصدرا ميميا من بلغ، ومعناه البلوغ، والياء في الجمع من إشباع الكسرة (*)(3/19)
يجعل له تأثيراً، فلا يميل نحو أن يضربها قاسم، لجعله مثل فاقد، وكذا لا يميل نحو بمالِ قاسمٍ، لجعله مثل فالق، وكذا لا يميل نحو أن يضربها مَلِق (1) ، لكونه مثل مناشيط، وأبعد من هذا إمالة نحو بمالِ مَلِقٍ، وإنما جعلوا للمنفصل المتأخر أثراً دون المتقدم المنفصل، لما ذكرنا من أن الإصعاد بعد الاستفال أصعبُ من العكس، وإذا كان سبب الإمالة قوياً، وذلك لكون الكسرة لازمة لم يَعْزِله المستعلي المنفصلُ عَزْلَه للسبب الضعيف، أعني الكسرة العارضة، فيعزل في " على مالِ قاسم " أكثر من عزله في " عمادِ قاسم "، لان الكسرة لام " على مال " وهي السبب - ضعيفةٌ لعروضها، فالمانع الضعيف: أي المستعلي المنفصل، يستولي عليها لضعفها، وأما في نحو " عمادِ قاسم " و " عالِم قاسم " فالسبب - وهو كسرة العين في الأول واللام في الثاني - قويٌّ للزومه، فلا يستولي عليه المانع الضعيف.
هذا، وبعضهم يقول: رأيت عِرْقاً، فيميل مع القاف تشبيهاً له بفُعْلى، فهو كالوُسْطى، وهذا كما أميل نحو عِنَبَا وعَبْدَا، تشبيهاً بألف التأنيث، وذلك في حيز الشذوذ، لأن ألف التنوين إمالتها قليلة، فكيف مع المستعلي في عِرْقَا؟ قال: " والرَّاءُ غَيْرُ الْمُكْسُورَةِ إِذَا وَلِيَتِ الأَلفَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا مَنَعَتْ مَنْعَ الْمُسْتَعْلِيَةِ، وَتَغْلِبُ الْمَكْسُورَةُ بَعْدَهَا الْمُسْتَعْلِيَةَ وَغَيْرَ الْمَكْسُورَةِ، فَيُمَالُ طَارِدٌ وَغَارِمٌ وَمِنْ قَرَارِكَ، فإِذَا تباعدت فكالعدم في للمنع وَالْغَلَب عِنْدَ الأَكْثَرِ، فَيُمَالُ: هَذَا كَافِرٌ، وَيُفْتَحُ مَرَرْتُ بِقَادِرٍ، وَبَعْضُهُمْ يَعْكِسُ، وَقِيلَ: هُوَ الأَكْثَرُ " أقول: اعلم أن الراء حرف مكرر، فضمتها كضمتين، وفتحتها كفتحتين، وكسرتها ككسرتين، فصارت غير المكسورة كحرف الاستعلاء، لان
__________
(1) يقال: رجل ملق، إذا كان يعطى بلسانه ما ليس في قلبه (*)(3/20)
تكرر الضم والفتح خلاف الإمالة، فتقول: هذا راشد، وهذا فِرَاش، وهذا حمار، ورأيت حماراً، فيغلب غيرُ المكسورة سببَ الإمالة: أي الكسرة المتقدمة والمتأخرة، وكسرةُ الراء في اقتضاء الإمالة أقوى من كسرة غيرها، لأنها ككسرتين، فتمنع المستعلي المتقدم في نحو طَارِدٍ وغارم، ولا تمنعه كسرة نحو طالِبٍ وَغَالِبٍ، وتمنع الراء غير المكسورة أيضاً كما في " من قَرَارِك " لكونها أضعف من المستعلي، كما يجئ، ولا تمنع الراء المكسورة المستعلي المتأخر عنها في نحو فارِق، لما ذكرنا من صعوبة الإصعاد بعد الاستفال الظاهر، فقول المصنف إذن " وتغلب المكسورة بعدها المستعلية " ليس على إطلاقه، والراء غير المكسورة أضعف سبباً من المستعلية، فلهذا كان الإمالة في " لن يَضْربها راشد " أقوى من الإمالة في " لن يَضربها قاسم " وكان إمالة " عفراً (1) "
تشبيهاً بحبلى أولى من إمالة " علقا (2) " ومن ثم أجاز بعضهم إمالة " عمران " دون " برقان (3) " واعلم أن إمالة " في الدار " أقوى من إمالة " في دار قاسم " وإمالة " جَارم (4) " أولى من إمالة " جَارم قاسم " لوجود المستعلى في الموضعين،
__________
(1) يقال: رجل عفر - بكسر العين المهملة وسكون الفاء - إذا كان خبيثا منكرا، وأسد عفر، إذا كان شديدا (2) العلق - بالكسر -: النفيس من كل شئ، فهو صفة مشبهة، ويكون مصدر علقه وبه كفرح علوقا وعلقا إذا أحبه (3) برقان - بكسر أوله وسكون ثانيه -: قرية بخوارزم، وقرية بجرجان، ويكون البرقان جمع برق - كحمل - وزنا ومعنى، ويكون البرقان - بالكسر أيضا - الفزع، والدهش، والحيرة (4) الجارم: اسم فاعل من جرم النخل والثمر يجرمه - كضرب يضرب - إذا قطعه، وتقول: فلان جارم إذا كان قد جنى جناية، قال الشاعر * كما الناس مجروم عليه وجارم * (*)(3/21)
وإن كان منفصلاً، وإمالة " في دار قاسم " أقوى من إمالة " في مال قاسم "، لما ذكرنا من أن كسرة الراء أقوى من كسرة غيرها، وإمالة " جارم قاسم " أقوى من إمالة " في دار قاسم " للزوم كسرة الراء في الأول مع تباعد المستعلي كما كان إمالة " عابد قاسم " أولى بسبب لزوم الكسر وبعد المستعلي من إمالة " في مال قاسم " وكسرة راء نحو " حَضَارِ (1) " ككسرة راء نحو " في الدار " وإن كانت الأولى بنائية، لأنها تزول بجعله علماً لمذكر، وكسرة راء نحو " بفارّ قبل (2) " ككسرة راء نحو " في الدار قبل " لأن الحرف المشدد كحرف
واحد، ومَنْ أمال نحو جادّ وجوادّ اعتباراً بكسر الدال المقدرة لم يمل نحو " هذا جار " و " جوار " لما ذكرنا من قوة ضمة الراء وفتحتها فتمنعان الكسرة المقدرة لضعفها.
قوله: " قبلها " كراشد وفراش، ولا تكون إلا مفتوحة.
قوله: " أو بعدها " قد تكون مفتوحة ومضمومة، نحو: هذا حمار، ورأيت حماراً.
قوله " فإذا تباعدت " قد مضى حكم الراء التي تلي الألف قبلها أو بعدها، وهذا حكم الراء المتباعدة عن الألف، فنقول: إن كانت الراء بعد الألف، وبينها وبين الألف حرف كانت كالعدم في المنع، إن كانت غير مكسورة، نحو: هذا كافر، ورأيت كافراً: أي لا تمنع منع المستعلي في نحو نافق ودافق، لأنها ملحقة بالمستعلي، كما ذكرنا، فلا يكون لها قوة المستعلي، ومن ثم كان إمالة " لن
__________
(1) حضار - كقطام -: نجم، قال ابن سيده: " هو نجم يطلع قبل سهيل، فتظن الناس به أنه سهيل " اه.
ويكون " حضار " اسم فعل أمر بمعنى احضر (2) في بعض الاصول نحو " مغار " بالميم والغين المعجمة والصواب " بفار قبل " كما في سيبويه (*)(3/22)
يضربها راشد " أقوى من إمالة " لن يضربها قاسم " وبعضهم عكس وجعلها مانعة مع بعدها من الإمالة في نحو " هذا كافر " كما منع المستعلي البعيدُ في نحو نافق، وكذا إذا تباعدت المكسورة بعدها، فالأولى أنها كالعدم في الغلبة على المستعلي، فلا تغلب الراء المكسورة القاف في " بقادر " بل القاف تعمل عملها في منع كسرة الدال من اقتضاء الإمالة، وذلك لأن الراء المكسورة بَعُدَت عن الألف، بخلاف نحو " الغارب (1) " فإن الراء غلبت المستعلي لقربها من الألف،
وبعضهم عكس ههنا أيضاً، وجعلها غالبة للمستعلى: أي مجوزة للامامة، فيكون كأن بعد الألف ثلاث كسرات وقبلها مستعل واحد، وإن كانت الراء قبل الألف متباعدة مفتوحة أو مضمومة، نحو رَوَاقد وبُرُقات (2) ، فيجوز أن تجعل كالمستعلي، فلا تمال كما في " قوافل " ويجوز أن لا تجعل مثله، لكونها أضعف منه، فيمال نحو " رواقد "، وأما إن كانت مكسورة فإنها لاتغلب المستعلي قبل الألف كان المستعلي كرِقَاب أو بعدها كرِوَاق، أما في الأول فلأن المستعلي أقرب إلى الألف، وأما في الثاني فلما ذكرنا من أن المستعلي بعد الألف في غاية القوة، حتى غلب على الراء المكسورة التي هي أقرب إلى الألف منه في نحو فارض، فكيف بالمكسورة التي هي أبعد منه؟ فإمالة نحو عِفْراً وعِشْراً (3) أولى من إمالة نحو عمران، لأن الآخر محل التغيير.
__________
(1) الغارب: الكاهل، أو ما بين السنام والعنق، والجمع غوارب، ومنه ما في حديث الزبير: " ما زال يفتل في الذروة والغارب حتى أجابته عائشة إلى الخروج "، الغارب: مقدم السنام.
(2) البرقات: - بضمتين -: جمع برقة - بضم فسكون - وهى أرض ذات حجارة بيض وحمر وسود، وفى بلاد العرب برق كثيرة تنيف على المائة ذكرها صاحب القاموس (ب وق) ، والبرقة أيضا: قلة الدسم في الطعام (3) العشر - بكسر أوله وسكون ثانيه -: ورد الابل اليوم العاشر، قال في اللسان: " قال الاصمعي: إذا وردت الابل كل يوم قيل: قد وردت رفها (بكسر (*)(3/23)
قال: " وَقَدْ يُمَالُ مَا قَبْلِ هَاءِ التَّأنِيثِ فِي الْوَقْفِ، وَتَحْسُنُ فِي نَحْوِ رَحْمَةٍ، وَتَقْبُحُ فِي الرَّاءِ نَحْوُ كُدْرَةٍ، وَتَتَوَسَّطُ فِي الاسْتِعْلاءِ نَحْو حقَّةٍ "
أقول: لما كان هاء التأنيث يشابه الألف في المخرج والْخَفَاء ومن حيث المعنى لكون الألف أيضاً كثيراً للتأنيث أُميل ما قبل هاء التأنيث، كما يمال ما قبل الألف، لأن ما قبل ألف التأنيث مطرد جواز إمالته لا يمنعه شئ: لا المستعلي كما في الْوُسَطى، ولا الراء المفتوحة كالذِّكْرَى، والألفُ في الوقف أقبل للإمالة لقصد البيان، كما قلنا في باب الوقف على نحو أفْعى، فأميل ما قبل هاء التأنيث، إذ لا يكون إلا في الوقف، تشبيهاً للهاء بالألف الموقوف عليها، وأيضاً الهاء خفية، فكأن الفتحة في الآخر، والآخر محل التغيير، فباجتماع هذه الأشياء حسن إمالة ما قبل هاء التأنيث، قال سيبويه: إمالة ما قبل هاء التأنيث لغة فاشية بالبصرة والكوفة وما قرب منهما قوله " وتحسن في نحو رحمة " أي: إذا لم يكن ما قبل الهاء لا راء ولا حرف استعلاء، وتقبح في الراء لأن إمالة فتحتها كإمالة فتحتين، لتكرر الراء، فالعمل في إمالتها أكثر قوله " وتتوسط في الاستعلاء " لأنه لما أجرى الهاء مجرى الألف لم يكن كالمشبه به مطلقاً، فلم يمنع المستعلي الإمالة ههنا بالكلية كما منعها هناك، بل
__________
فسكون) فأذا وردت يوما ويوما لا قيل: وردت غبا، فأذا ارتفعت عن الغب فالضمء الربع، وليس في الورد ثلث، ثم الخمس إلى العشر، فأذا زادت فليس لها تسمية ورد، ولكن يقال: هي ترد عشرا وغبا، وعشرا وربعا، إلى العشرين، فيقال حينئذ، ضمؤها عشران، فأذا جاوزت العشرين فهى جوازئ " اه، وأسماء الاضماء المذكورة كلها بكسر فسكون كما ضبطنا في " رفه " (*)(3/24)
توسطت الإمالة معه في الحسن والقبح، ولم تقبح قبح إمالة فتحة الراء، لان سب قبحها - كما قلنا - كون إمالة فتحتها كإمالة فتحتين، وليست إمالة
فتحة المستعلي كذلك، وليس استقباح إمالة فتحة الراء وتوسط إمالة فتحة المستعلي لكون الراء أقوى في الاستعلاء من المستعلي، لأنا قد ذكرنا أن المستعلي أقوى منها، وهي ملحقة بالمستعلي ومشبهة به، فلا تبلغ درجته، والمرويّ عن الكسائي إمالة ما قبل هاء التأنيث مطلقاً، سواء كان من حروف الاستعلاء أو لا، إلا إذا كان ألفاً كالصلاة، واختار له أهل الأداء طريقاً آخر، وهو إمالة ما قبل الهاء، إلا إذا كان أحد الحروف العشرة، وهي قولك " حق ضغاط عص خظا " كالنطيحة والحاقة وقبضة وبالغة والصلاة وبسطة والقارعة وخصاصة والصاخة (1) والموعظة، وذلك لأن " قظ خص ضغط " من هذه العشرة حروف الاستعلاء، والحاء والعين شبهتا بالخاء والغين، لكونهما حلقيين مثلهما، وأما الألف فلو أميلت لأميل ما قبلها، فكان يظن أن الامالة للالف لا للهاء، أو كان أحد حروف أكهر (2) ، فإنه إذا جاءت قبل الهاء وقبلها إما ياء ساكنة أو كسرة كالأيكة (3) والخاطئة والآلهة والحافرة، أميلت فتحتها، وكذا إن كان
__________
(1) الصاخة: في الاصل اسم فاعل من صخ يصخ - كشد يشد - إذا ضرب بشئ صلب على مصمت، ثم قيل للصيحة: صاخة، لكونها تصم الاذان بشدتها، وسميت القيامة صاخة بما يتقدمها من صيحة الملك، ويقال للداهية أيضا: صاخة (2) أكهر: قد جمع في هذه الكلمة حروفا تمنع من إمالة الفتحة، ومع هذا فلهذه الكلمة معنى لغوى، فقد تكون فعلا مضارعا ماضيه كهره - كمنع - إذا قهره أو انتهره، وقرئ قوله تعالى (وأما اليتيم فلا تقهر) بالكاف بدل القاف، وقد تكون أفعل تفضيل من هذا (3) الايكة: واحدة الايك، وهو الشجر الكثير الملتف، والايكة أيضا الغيضة تنبت السدر والاراك، وقوله تعالى (كذب أصحاب الايكة المرسلين) (*)(3/25)
بين الكسرة وحروف أكهر حرف ساكن كعِبْرة ووِجْهَة، أما إذا كان قبل حروف أكهر ضمة أو فتحة كالتَّهْلُكة والْمَيْسَرة لم تمل (1) ، وكذا إن جاء قبلها ألف كالسفاهة، وإنما ألحقوا حروف أكهر بحروف الاستعلاء لمشابهة الهمزة والهاء للغين والخاء المستعليين في كونها حلقية وكون الكاف قريبة من مخرج القاف الذي هو مستعلٍ، وكذا الراء، لأن فتحتها كفتحتين كما ذكرنا، وإنما ألحقوها بالمستعلية إذا لم يكن قبلها ياء ولا كسرة لأن ذلك ينقص من مشابهتها للمستعلية، وأما الألف قبل أكهر فإنما منعت لكونها ضد الامالة قال " وَالْحُرُوف لاَ تُمَالُ، فإِنْ سُمِّيَ بِهَا فَكَالأَسْماءِ، وَأُمِيلَ بَلَى وَيا وَلاَ في إمَّا لِتَضَمُّنِهَا الْجُمْلَةَ، وَغَيرُ الْمُتَمَكِّنِ كَالْحَرْفِ، وذا وأتى ومتى كبلى، وأميل عسى لمجئ عَسَيْتُ " أقول: يعني لا تمال الحروف لعدم تصرفها، والإمالة تصرف، فنحو إمّا وإلاَّ وإن كان فيه كسرة لا يمال، كما لا يمال حَتَّى وألاَّ وهَلاَّ، فإن سميت بمثل هذه الحروف كانت الاسماء: إن كان فيها سبب الإمالة أميلت، كألف حَتَّى وألاّ وهَلاَّ، لأنها طرف رابعة كألف حُبْلَى، فتثنيتها على حَتَّيَان وألَّيَان وهَلَّيَان، وكذا إن سميت بإلى، لأن الكسرة سبب الإمالة، مع أن الألف طرف، ويثنى بالواو نحو إلَوَان، كما ذكرنا في باب المثنى، وعلى ما ذكره المصنف - وهو أن الكسرة لا تأثير لها مع الألف التي عن الواو - ينبغي أن لا تمال، ولو سميت بعَلَى وعَدَا وَخَلاَ الحرفيتين وبأمَا وألاَ لم تُمَلْ، إذ لا سبب للإمالة، وإنما أميل بَلَى لجواز السكوت
__________
قال القاضى البيضاوى: " الايكة غيضة تنبت ناعم الشجر، يريد غيضة بقرب مدين تسكنها طائفة بعث الله إليهم شعيبا وكان أجنبيا منهم " اه.
(1) كذا في.
الاصول كلها، والواجب أن يقول " فأنها لا تمال " لانه يجب اقتران الفاء بما بعد تالى أما (*)(3/26)
عليها وتضمنها معنى الجملة، إذ تقول في جواب من قال أما قام زيد " بلى " أي: بلى قام، فصار كالفعل المضمر فاعلة نحو غزا ورمى في الاستعلاء، فأميل لمشابهته الفعل، وكذا أميل يا لتضمنها معنى الفعل، وهو دعوت وناديت، فصارت كالفعل، مع أنه يحذف المنادَى ويقدر في نحو (ياليت) و (ألا يَا اسْجُدُوا) فيصير كالفعل المضمر فاعله، وكذا " لا " أي في " إمالا " إذ يحذف الشرط بعدها، تقول لشخص: افعل كذا، فيأبى، فتقول له: افعل هذا إمالا: أي إمالا تفعل ذاك، وإذا انفردت لا عن إما لم تمل وإن كانت كبلى في الإغناء عن الجملة، لكونها على حرفين، وأمايا فلان معها الياء وهو سبب الإمالة، وحكى قطرب إمالة لا من دون إمَّا نحو لا أفعل، لإفادتها معنى الجملة في بعض الأحوال كبلى.
قوله: " وغير المتمكن كالحرف " لأن غير المتمكنة لعدم تصرفها تكون كالحرف، فإن سميت بها كانت الحروف المسمى بها: إن كان فيها سبب الإمالة أميلت، كإذا، للكسرة، وإنما أميل " ذا " في الإشارة لتصرفها، إذ توصف وتصغر ويوصف بها، بخلاف ما الاستفهامية فإنها لا تصغر، وأما أنَّى ومَتَى فإنما تمالان - وإن لم يسم بهما أيضاً - لإغنائهما عن الجملة، وذلك لأنك تحذف معهما الفعل، كما تقول: متى؟ لمن قال سار القوم، وكذا قوله: 126 - * أنَّى وَمِنْ أيْنَ آبَكَ الطَّرَبُ (1) *
__________
(1) هذا صدر بيت من المنسرح، وعجزه: * مِنْ حَيْثُ لا صَبْوَةٌ وَلاَ رِيَبُ * وهو مطلع قصيدة طويلة للكميت بن زيد الاسدي مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: مدح بها على بن أبى طالب فَوَرَّى عنه بذكر النبي صلى الله عليه وسلم خوفاً من بنى أمية.
والاستشهاد بالبيت على أن " أنى " قد
يستغنى بها عن الجملة، فيكون التقدير في البيت أنى آبك الطرب، فحذف الفعل (*)(3/27)
فلا تمالان إذن، إلا في الاستفهام، لأنه إنما يحذف الفعل بعدهما فيه بخلاف ما إذا كانتا للشرط.
قوله: " وأُمِيل عَسَى " إنما ذكر ذلك وإن كان فعلاً لئلا يظن به أن عدم تصرفه ألحقه بالأسماء غير المتمكنة في عدم جواز الإمالة، فقال: الفعل وإن كان غير متصرف فتصرفه أقوى من تصرف الاسم غير المتمكن والحرف، لأنه ينقلب ألفه ياء أو واواً إذا كان يائياً أو واوياً عند لحوق الضمائر بها، وإنما أميل أسماء حروف التهجي - نحو با، تا، ثا - لأنها وإن كانت أسماء مبنية كإذا وما لكن وضعها على أن تكون موقوفاً عليها، بخلاف إذا وما، فأميلت لبيان ألفاتها، كما قلبت ألف نحو أفْعَيْ في الوقف ياء، كما مر في باب الوقف، والدليل عليه أنها لاتمال إذا كملت بالمد نحو باء وتاء، وذلك لأنها لا تكون إذن موقوفاً عليها، ولقوة الداعي إلى إمالتها أميلت مع حرف الاستعلاء، نحو طا، ظا، بخلاف طالب وظالم.
قال: " وَقَدْ تُمَالُ الْفَتْحَةُ مُنْفَرِدَةً نَحْوُ مِنَ الضرر ومن الْكِبَرِ وَمِنَ الْمُحَاذَرِ " أقول: الراء المكسورة قد تمال لها الفتحة التي قبلها بلا فصل، سواء كانت على الراء كالضَّرَرِ أو على حرف الاستعلاء كالْمَطَر أو على غيرهما كالْكِبَر والْمُحَاذر، وتمال أيضاً الضمة التي قبلها نحو من السمُر ومن المنقر، وهو الركية الكثيرة الماء، ومن السرُر (1) ، وإذا أملت فتحة الذال في المحاذَر لم تُمِل الألف التي قبلها، لأن الراء لا قوة لها على إمالة فتحة ما قبلها مع إمالة الألف
__________
من الاول لدلالة الثاني عليه.
والطرب: خفة تعترى الانسان من حزن أو فرح، والصبوة: الصبا، والرِّيَب: جمع ريبة، وهي الشبهة، ومعنى البيت: كيف طربت
مع كبر سِنِّك ومع عدم وجود داعى الطرب (1) السرر - بضمتين -: ما تقطعه القابلة من سرة الصبى (*)(3/28)
التي قبل تلك الفتحة، بل لا تقوى إلا على إمالة حركة قبلها: متصلة بها كما ذكرنا، أو منفصلة عنها بحرف ساكن، كما تميل فتحةَ مِنْ عَمْرٍ وضمةَ مِنْ عُمْرٍ وكذا إذا كان الساكن واواً نحو ابن أم مَذْعُور وابن نور، قال سيبويه: " تميل الضمة وتشمها شيئاً من الكسرة، فتصير الواو مشمة شيئاً من الياء وتتبع الواو حركة ما قبلها في الإشمام كما تبعت الألف ما قبلها في الإمالة، فإن هذا الإشمام هو الإمالة " وقال الأخفش: " الالف لابد لها من كونها تابعة لما قبلها، وليس الواو كذا، فإنها قد لا يكون ما قبلها مضموما " فعلى قوله تجئ بالواو صريحة غير مشمة شيئاً من الياء بعد الضمة المشمة كسرة، وما ارتكبه الأخفش يتعذر اللفظ به ولا يتحقق، وأما قوله " قد لا يكون ما قبلها مضموماً " فنقول: أما الفتح فمسلم أنه يجئ الواو الصريح بعده، كقول، وأما الكسر والضم المشم كسرا فلا يجئ بعدهما الواو الساكنة إلا مَشُمَّة ياء، وعليك بالاختبار، وإن كان قبل الراء المكسورة ياء ساكنة قبلها فتحة نحو بِغَيْرٍ وبخَيْرٍ فلا يجوز إشمام الفتح شيئاً من الكسر، لأن إشمام الكسرَ لا يبين إذا كان بعده ياء كما يبين إشمام الضم الكسر إذا كان بعده واو، نحو مِنْ نُور، وقد يمال أيضاً لكسرة الراء فتحةُ ما قبلها وضمته - وإن كانتا منفصلتين في كلمة أخرى - نحو إن خَبَطَ رِيَاحٍ (1) وهذا خَبَطُ رِيَاحٍ، كالمطَر والْمُنقُر، فهو كإمالة الألف والفتحةِ في قَفَا رياحِ، ونحو خَبَطَ الرِّيحُ أبعد، لكون ساكن بين فتحة الطاء وكسرة الراء، ونحو خَبَطَ فَرِيدٌ أَبعد، لكون حرفٍ متحرك بينهما.
واعلم أن المستعلي بعد الراء المكسورة يَمْنَع إمالة ما قبل الراء، فلا يمَال
سين السَّرِق (2) للقاف كما مَنَعَ في نحو فارض وفارط، على ما تقدم، وأما قبل
__________
(1) الخبط - بفتحتين -: ورق العضاه من الطلح ونحوه يضرب بالعصا فيتناثر ثم يعلف الابل (2) السرق - بفتح فكسر -: مصدر سرق الشئ يسرقه سرقا، إذا أخذه خفية (*)(3/29)
الراء المكسورة فلا يمنع، ألا ترى إلى إمالة بالمطر ومِنَ الْمُنْقُر؟ وذلك لما تكرر من كون الاستفال بعد الإصعاد أسهلَ من العكس، وأما غلبة المستعلي قبل الألف الراءَ المكسورة بعدها، نحو طاردٍ وقارِب وغارِب، فلأن أسباب الإمالة إنما تميل الحركة أولاً، ثم إن كان بعدها ألف أو واو، كما في عالم ومِنْ نُورٍ، يتبعها في الإمالة، ففي نحو طارد الفتحة إلى المستعلي أقرب منها إلى الراء المكسورة، فلا جرم استولى عليها المستعلي ولم يُخَلِّهَا تؤثر فيها الراء، وأما نحو بالمطر وطِربَ، ومن الْمُنْقُر، فالراء قريبة من الحركة المراد إمالتها، لأن الألف ليست بفاصلة بينهما فاستولت عليها وغلبت المستعلِي لقوتها، لأن كسرتها ككسرتين.
واعلم أن الفتحة من دون الألف لا تمال إلا لهاء التأنيث كما مر، أو للراء المكسورة من بين أسباب الإمالة، لقوتها من بينها بتكررها، كما مر غير مرة.
قال: " تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ، يَجْمَعُهُ الإبْدَالُ وَالْحَذْفُ وَبَيْنَ بَيْنَ: أيْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَرْفِ حَرَكَتِهَا، وَقِيلَ: أوْ حَرْفِ حَرَكَةٍ مَا قَبْلَها وَشَرْطُهُ أنْ لا تَكُونَ مُبْتَدَأً بِهَا، وَهِيَ سَاكِنَةٌ وَمُتَحَرِّكَةٌ، فَالسَّاكِنَةُ تُبْدَلُ بِحَرْفِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا: كَرَاسٍ، وَبِيْرٍ، وَسُوت، وَإِلَى الْهُدَاتِنَا، وَالَّذِيتُمِنَ، وَيَقُولُو ذَنْ لِي " أقول: قوله " يجمعه الإبْدَالُ والحذف وبيْنَ بَيْنَ " أي لا يخرج من هذه
الثلاثة، لأن المجموع لا يخرج عن جامعة، ولو قال يجمع الإبدالَ والحذفَ وبينَ بينَ لم يفهم منه أنه لا ينقسم إلى غير هذه الثلاثة، لأن الشئ ربما يجمع الشئ ويجمع غيره، كما أن الاسم يجمع المنصرِف وغيرَ المنصرِف ويجمع أيضاً المبنى قوله " بينها وبين حرفِ حركتها " أي: بين الهمزة والواو إن كانت مضمومة،(3/30)
وبينها وبين الألف إن كانت مفتوحة، وبينها وبين الياء إن كانت مكسورة قوله " أو حَرْفِ حَرَكةِ ما قبلها " يعني قال بعضهم: بَيْنَ بَيْنَ على ضربين: أحدهما ما ذكر، والثاني أن يكون بينها وبين حرفِ حركة ما قبلها، وهذا الثاني على قول هذا القائل أيضاً لا يكون في كل موضع، بل في المواضع المعينة، كما في سُئِل ومُسْتَهْزئُون، على ما يجئ قوله " وشرطه أن لا تكون مُبْتَدَأَ بها " أي: شرط تخفيف الهمزة، ولا يريد بكونها مبتدأ بها أن تكون في ابتداء الكلمة، لأنها تخفف أيضاً في ابتداء الكلمة بالحذف في نحو (قَدَ افْلَحَ) والقلب في (الْهُدَى اتِنا) ونحوه، بل المراد أن تكون في ابتداء الكلام، وإنما لم تخفف إذن لأن إبدالها بتدبير حركة ما قبلها كما يجئ، وكذا حذفها بعد نقل حركتها إلى ما قبلها، وكذا المجعولة بين بين البعيدَ تُدَبَّر بحركة ما قبلها، وإذا كانت في ابتداء الكلام لم يكن قبلها شئ، وأما بين بين المشهور فيقر بها من الساكن، كما يجئ، والمبتدأ به لا يكون ساكناً ولا قريباً منه، ولم تُخَفَّف في الابتداء نوعاً آخر من التخفيف غير الثلاثة الأنواع المذكورة، لأن المبتدأ به خفيف، إذ الثقل يكون في الأواخر، على أنه قد قلبت الهمزة في بعض المواضع في الابتداء هاء، كهَرحْتُ وهَرَقْتُ وهِيَّاك، ولكن ذلك قلب شاذ ثم اعلم أن الهمزة لما كانت أدخل الحروف في الحلق ولها نبرة (1) كريهة
تجزى مجرى التهوع (2) ثقلت بذلك على لسان المتلفظ بها، فخففها قوم، وهم أكثر
__________
(1) النبرة: ارتفاع الصوت، يقال: نبر الرجل نبرة، إذا تكلم بكلمة فيها علو، قال الشاعر إنى لاسمع نبرة من قولها * فأكاد أن يغشى على سرورا (2) التهوع: تكلف القئ، وفى الحديث: كان إذا تسوك قال: أع أع، كأنه يتهوع (*)(3/31)
أهل الحجاز، ولا سيما قريش، روى عن أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه: نزل القرآن بلسان قريش، وليسوا بأصحاب نبر (1) ، ولولا أن جبرائيل عليه السلام نزل بالهمزة على النبي صلى الله عليه وسلم ما همزنا، وحققها غيرهم، والتحقيق هو الأصل كسائر الحروف، والتخفيف استحسان.
فنقول: إذا خففت فإما أن تكون ساكنة أو متحركة، وهذه قسمة حاصِرة، فالساكنة تبدل بحرف حرَكةِ ما قبلها، إذ حرف العلة أخف منها، وخاصة حرفَ علةٍ ما قبل الهمزة من جنسه، وحركة ما قبلها إما أن تكون في كلمة الهمزة أولاً، وفي الأول إما أن تكون الهمزة في الوسط كرأس وبئر ومؤمن، أو في الآخر كلم يقرأ ولم يردُؤْ ولم يُقْرِئ، وفي الثاني في نحو (الْهُدَى ائْتِنَا) و (الَّذِي اؤْتُمِنَ) و (يَقُولُ ائْذَنْ) وإنما لم تُجعل بَيْنَ بَيْنَ إذ لا حركة لها حتى تجعل بينها وبين حرف حركتها، ولم تحذف لأنها إنما تحذف بعد إلقاء حركتها على ما قبلها لتكون دليلاً عليها، والحركة إنما تلقى على الساكن، لا على المتحرك.
قال: " وَالْمُتَحَرِّكَةُ إنْ كَانَ قَبْلَهَا سَاكِنٌ وَهُوَ وَاوٌ أَوْ يَاءٌ زَائِدَتَانِ لِغَيْرِ الإِلْحَاقِ قُلِبَتْ إليْهَا وَأُدْغِمَتْ فِيهَا، كَخَطِيَّةٍ وَمَقْرُوَّةٍ
وَأُفَيِّسٍ، وَقَوْلُهُمُ الْتَزِمَ فِي نَبِيّ وَبَرِيَّةٍ، غَيْرُ صَحِيح، وَلَكِنَّهُ كَثِيرٌ، وَإِنْ كَانَ ألِفاً فَبَيْنَ بَيْنَ الْمَشْهُورُ، وَإِن كَانَ حَرْفاً صَحِيحاً أَوْ مُعْتلاً غَيْرَ ذَلِكَ نُقِلَتْ حَرَكتُهَا إِلَيْهِ وَحُذِفَتْ، نَحْوُ مَسَلَة، وَخَبٍ، وَشَي، وسو، وجيل، وحوبة، وأبو يوب، وذو مرهم، واتَّبِعِيَ مْرَهُ، وَقَاضُوَبِيكَ، وَقَدْ جَاءَ باب شئ وسوء مدغما أيضا،
__________
(1) النبر: الهمز، ومصدر نبر الحرف ينبره نبرا إذا همزه، وفى الحديث: قال رجل للنبى صلى الله عليه وسلم: يا نبئ الله، فقال: لا تنبر باسمى: أي لا تهمز، وفى رواية فقال: أنا معشر قريش لا ننبر (*)(3/32)
والتزم ذلك في باب يرى، وَأَرَى يُرِي، لِلْكَثْرَةِ، بِخِلاَفِ يَنْأى، وَأَنْأى يُنْئِي، وَكَثُر فِي سَلْ، لِلْهَمْزَتَيْنِ، وَإذَا وُقِفَ عَلَى الْمُتَطَرِّفَةِ وُقِفَ بِمُقْتَضَى الْوَقْفِ بَعْدَ التَّخْفِيفِ، فيجئ فِي هَذَا الْخَبُ وَبَريٌّ وَمَقْرُوٌّ السُّكُونُ وَالرَّوْمُ والاشمام، وكذلك شئ وَسَوٌّ، نَقَلْت أوْ أدْغَمْتَ إلاَّ أنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا ألِفاً إذَا وُقِفَ بالسُّكونِ وجَبَ قَلْبُهَا ألِفاً، إذْ لاَ نَقْلَ، وَتَعَذَّرَ التَّسْهِيلُ، فَيَجُوزُ الْقَصْرُ والتَّطْوِيلُ وَإنْ وُقِفَ بالرَّوْمِ فَالتَّسْهِيل كَالْوَصْلِ " أقول: قد مضى حكم الهمزة الساكنة، وهي قسم واحد، إذ لا يكون ما قبلها إلا متحركاً، لأنه لا يلتقي ساكنان، بلى إن سُكِّنَتْ للوقف وقبلها ساكن - وذلك مما يجوز كما مضى في باب التقاء الساكنين - فقد يجئ حكمها، وأما المتحركة فعلى قسمين، وذلك لأن ما قبلها: إما ساكن، أو متحرك، فإن سكن ما قبلها فلا يخلو ذلك الساكن من أن يكون مما يجوز تحريكه، أو لا يجوز، فما لا يجوز تحريكه الألف والواو والياء الزائدتان في بِنْية الكلمة إذا كانتا مدتين:
أي يكون ما قبلها من الحركة من جنسهما، وكذا ياء التصغير، نحو سائل ومقروء وخطيئة وأُفَيْئِس، وإنما قلنا " الزائدتان في بنية الكلمة " لأنهما إن كانتا أصليتين كالسُّوءِ (1) والسئ (2) قَبِلَتَا الحركة، لأن فاء الكلمة وعينها ولامها مما لا يمتنع من قبول الحركة وكذا يقبلان الحركة إذا لم يكونا من بنية الكلمة، نحو اتبعوا أمرهم، واتبعي أمرهم، إذ الواو والياء كلمتان مستقلتان تحتملان الحركة نحو اخْشَوُنَّ وَاخْشَيِنَّ، وأُجريَ مجراهما واو نحو: مُسْلِمُو أبيك وياء المسمى أبيك، لأنهما في الحقيقة ليستا زائدتين في بنية الكلمة، لكونهما لمعنى كالتنوين،
__________
(1) السوء - بالضم -: البرص، وكل آفة (2) السئ - بالكسر -: اللبن يكون في أطراف الاخلاف (*)(3/33)
فيحتملان الحركَة نحو مُصْطَفَوُ القوم، وَمُصْطَفَي القوم، وكذا إذا لم يكونا مدتين مع كونهما في بنية الكلمة، نحو حوأبة (1) وَجَيْألٍ (2) ، فإنهما للإلحاق في مقابلة حرف أصلي، وأما ياء التصغير فإنها وإن لم تكن مدة لكنها موضوعة على السكون، ولهذا جاز نحو أصَيْم كما مضى في باب التقاء الساكنين، والذي يجوز تحريكه ما عدا ما ذكرناه: صحيحاً كان كَمَسْأَلَةٍ، أو حرف علة كالواو والياء للإلحاق نحو حوأبة، وجَيْأَلٍ، أو الواوِ والياءِ للضمير نحو اتّبِعُوا أمره، واتبعي أمره، وكذا إن كانتا علامتي المثني والمجموع، كقاتلوا أبيك، وكقاتلي أبيك، أو كانتا من أصل الكلمة سواء كان حركة ما قبلهما من جنسهما كالسوء والسئ وذو إبل، وبذي إبل، وَضَرَبَ هُوَ أُمَّهُ، وتَضرب هِيَ أباه، وفي أبيه، وفي أمه، أو لم تكن كسوأة (3) وجَيْئَةٍ، فالواو والياء اللتان لا تقبلان الحركة إذا وليهما الهمزة وقصد التخفيف قلبت الهمزة إلى الحرف الذي قبلها وأدغم فيها، نحو مَقْرُوٍّ وَنَبِيٍّ وأُفَيِّس وهو تصغير أفْؤُس جمع فأس
وقول المصنف " زائدتان لغير الإلحاق " يعني زائدتين في بنية الكلمة حتى يخرج قاضوا أبيك، واتبعوا أمره، وإنما لم تحذف إذا كان قبلها حرف علة لا يقبل الحركة، لأن قياس حذفها - كما مر - أن تنقل أولاً حركتها إلى ما قبلها لتدل عليها، وكذا لم تجعل بَيْنَ بَيْنَ، لئلا يلزم شبه ساكنين، فلما
__________
(1) الحوأبة: الضخم من الدلاء والعلاب (2) الجيأل: الضع، والضخم من كل شئ، قال في اللسان: " قال أبو على النحوي: وربما قالوا جيل - بالتخفيف - ويتركون الياء مصححة، لان الهمزة وإن كانت ملقاة من اللفظ فهى مبقاة في النية معاملة معاملة المثبتة غير المحذوفة، ألا ترى أنهم لم يقلبوا الياء ألفا كما قلبوها في ناب ونحوه، لان الياء في نية السكون؟ قال: والجأل الضخم من كل شئ " اه.
(3) السوءة: الفرج، والفاحشة، والخلة القبيحة (*)(3/34)
امتنعا قصد التخفيف بالإدغام وإن لم يقرب مخرج الهمزة من مخرج الواو والياء، لكنهم اقتنعوا في الإدغام بأدنى مناسبة، وهو إشتراك الجميع في صفة الجهر، لاستكراههم الهمزة وانسداد سائر أبواب التخفيف كما مر، ولهذا قلبوا الثانية للإدغام إلى الأولى، مع أن القياس في إدغام المتماثلين - كما يجئ في بابه - قلب الأولى إلى الثانية، لأن حاملهم على الإدغام مع تباعد المخرجين قصد تخفيف الهمزة المستكرهة والفرار منها، فلو قلبوا الأولى إلى الثانية لوقعوا في أكثر مما فروا منه.
قوله " في نبي وبرية " قال سيبويه: " الزمهما أهل التحقيق البدل، قال: وقد بلغنا أن قوماً من أهل التحقيق يقولون: نبئ، وبريئة، وذلك قليل ردئ " يعني قليل في كلام العرب ردئ فيه، لا أنه ردئ في القياس، وهى
ثابتة في القراءات السبع، ومذهب سيبويه أن النبئ مهموز اللام، وهو الحق، خلافاً لمن قال: إنه من النباوة: أي الرفعة، وذلك لأن جمعه نُبَآءُ، وإنما جمع على أنبياء - وإن كان أَفْعِلاَءُ جَمْع فَعيل المعتل اللام كصفي وأصفياء وَفُعَلاَءُ جَمْع الصحيح اللام ككرماء وظرفاء - لأنهم لما ألزموا واحدة التخفيف صار كالمعتل اللام، نحو سخيّ، وكذا ألزم التخفيف في مصدره كالنبُوَّة، وجاء في السبع النبُوءَة - بالهمز، ولما رأى المصنف ثبوت النبئ والبريئة مهموزين في السبع حكم بأن تخفيفهما ليس بلازم، وكذا ورد في السبع النبوءة بالهمز، ومذهب سيبويه - كما ذكرناه - أن ذلك ردئ مع أنه قرئ به، ولعل القراءات السبع عنده ليست متواترة، وإلا لم يحكم برداءة ما ثبت أنه من القرآن الكريم، تعالى عنها وأما القسم الثاني: أي الواو والياء القابلتان للحركة، فالقياس فيه نقل حركة الهمزة إليهما وحذفها، وإنما لم تستثقل الضمة والكسرة على الواو والياء في قاتِلُوُ(3/35)
امك، وجازرو ابلك، وبقاتليُ أمِّك، وأَحْلِبْنِي اِبِلَكَ، لأن الحركتين ليستا في الأصل لحرفي العلة، بخلاف نحو قاضِيٌ وقاضي، فإن حركات الإعراب وإن كانت عارضة على الحرف لكنها حركاتها، وليست بمنقولة إليها فهي ألزم من الحركات المنقولة، قال سيبويه: بعض العرب يدغم آخر الكلمة في الواو والياء المبدلتين عن الهمزة المفتوحة الكائنة في صدر كلمة بعدها، نحو أونت وأبو يوب وأرمى باك، في: أو أنت، وَأبُو أَيُّوبَ، وَأَرْمِي أَبَاكَ، وكذا جميع المنفصلة بشرط كونها مفتوحة، قال: وإن كانت في كلمة واحدة حذفوا، نحو سَوَة وحَوَب، قال: وقد قال بعض هؤلاء في المتصلة أيضاً سَوَّةٌ وضَوٌّ، وَجَيَّلٌ وَمَسُوَّةٌ، وَمُسِيٌّ، جعلوا الواوات والياءات كحروف المد الزائدة في مقرُوِّ ونَبِيٍّ، وإنما لزم
الإدغام في مَشِيَّةٍ لكثرة استعمالها، وأما الهمزة المكسورة والمضمومة ضمةً وكسرةً لازمتين أو كلازمتين فلا يدغم فيها في هذا الباب، لثقله، فلا يقال في أبو أمك وأبى أمك: أبو مك وأبِيُّ أمِّكَ، ولا في ذو إبل وذي إبل: ذُوِّ بِل وذِيّ بِل ولا في سوءوا، وأسِيئِي: سُوُّوا، وأَسيِّي، لأن الضمة والكسرة كاللازمتين، وأما مسوء وبمسئ فإن الضمة والكسرة للإعراب، وهو غير ثابت، قال: وبعض العرب ينقل فتحة الهمزة أخيراً على الواو والياء قبلها يحذف، كما هو القياس، نحو لن يَجِيَك، ولَنْ يَسُوَك، وإذا كانت مضمومة أو مكسورة حذفت الهمزة لاستثقال الضمة والكسرة على الياء والواو، فيقول: هو يَجِيكَ ويَسُوك، وقد يحذف الهمزة المفتوحة نحو لن يَجِيَك ولَنْ يَسُوَك، قال: وكذا يحذف الهمزة مطلقاً بأي حركة كانت إذا كانت قبلها ألف، لامتناع نقل الحركة إليها، فيقول: هو يَشَا، فعلى هذا يقول في الجزم والوقف، لَمْ يَجِ، ولم يَسُ، ولم يَشَ، وجِه وسُه وشَه، فيقع الجزم والوقف على العين، وعلى هذا يقول في المنفصلة: يَرْمِ اخْوانه، بحذف الهمزة المكسورة مع كسرتها، لاستثقال الكسرة على الياء قبلها، ثم يحذف ياء برمى للساكنين، قال السيرافي: ومما جاء(3/36)
من الشاذ نقل بعضهم حركة الهمزة المنفصلة إلى آخر الكلمة المتحركة بحركة بنائية، نحو قَالِ اسحق، وقَالُ اسَامَةُ، وإن كانت الحركة إعرابية لم ينقل، فلا يقول: يقول اسحق، ولَنْ يقولُ اسَامَةُ، احتراماً لحركة الإعراب، قال: وبعضهم يحذف الهمزة من غير نقل الحركة إلى آخر الكلمة، فيقول: قال اسحق، وقالَ اسَامَةُ، والأول أجود، وقال بعضهم: تحذف الهمزة المنفصلة: أي التي في أول الكلمة إذا وقعت بعد الألف في آخر الكلمة، فإن كان بعد الهمزة ساكن سقطت الألف للساكنين، نحو مَا احْسَنَ زيداً، ومَا امْرُكَ، وإن كان بعدها
متحرك بقي الألف نحو مَا شَدَّ: أي ما أشد، قال: 127 - مَا شَدَّ أنفسهم وأعلمهم بما * يحمي الذمار بِهِ الْكَرِيمُ الْمُسْلِمُ (1) وربما حذف بلا علة ولا ضابط، نحو ناسٍ، في " أناس " ومع ألف الاستفهام في رأيت، فَيقال في أرَأيْتَ: أريت، وهو قراءة الكسائي في جميع ما أوله همزة الاستفهام من رأى المتصل به التاء والنون، قال أبو الأسود: 128 - أرَيْت امْرَأً كُنْتُ لم أبله * أتانى فقال أتخذنى خليلا (2)
__________
(1) هذا بيت من الكامل لم نقف على نسبة إلى قائل معين، ولا على سابقه أو لاحقه، وقوله " ما شد أنفسهم " تعجب، والذمار - ككتاب -: ما وراء الرجل مما يجب عليه أن يحميه ويدفع عنه، وسمى بذلك لما يجب على أهله من التذمر له، ويقال: فلان حمار الذمار، وفلان أمنع ذماراً من فلان، والاستشهاد بالبيت في قوله " ما شد أنفسهم " على أن أصله ما أشد أنفسهم، فحذف الهمزة، وذلك ضرورة من ضرائر الشعر (2) هذا بيت من المتقارب، وقائله أبو الاسود الدؤلى، وكان من حديثه أنه كان يجلس إلى فناء امرأة بالبصرة وكان يتحدث إليها، وكانت جميلة، فقالت له يوما: يا أبا الاسود، هل لك في أن أتزوجك، فإني صناع الكف، حسنة التدبير، (*)(3/37)
وإنما كثر ذلك في رأيت وأخواته لكثرة الاستعمال، ألا ترى إلى وجوب الحذف في يَرَى، وأرى يرى - كما يجئ - وعدم وجوبه في أخواته من يَسْأَل ويَنْأَى؟ فإذا دخلت على رأيت همزة الاستفهام شبهت بهمزة الافعال، فتحذف الهمزة جوازاً، وربما حذفت مع هل أيضاً تشبيهاً لها بهمزة الاستفهام، قال: 129 - صَاحِ هَلْ رَيْتَ أو سمعت براع *
رد في الضرع ما قرى في العلاب (1)
__________
قانعة بالميسور؟ قال: نعم، فلما تزوجها أسرعت في ماله وأفشت سره، فجمع أهلها فقال لهم: أرَيْتَ امْرَأً كُنْتُ لَمْ أبْلُهُ * ... البيت فَخَالَلْتُهُ ثُمَّ أَكْرَمْتُهُ * فَلَمْ أسْتَفِدْ مِنْ لَدَيْهِ فَتِيلاَ وَأَلْفَيْتُهُ حِينَ جَرَّبْتُهُ * كَذُوبَ الْحَدِيثِ سَرُوقاً بَخِيلاَ ثم أشهدهم أنه طلقها وأرأيت: بمعنى أخبرني، وهو معنى مجازى من باب إطلاق السبب وإرادة المسبب، وقوله " لم أبله " معناه: لم أجر به ولم أختبره، وفعله من باب نصر، و " الخليل " في الاصل الصديق الخالص المودة، وأراد به امرأته، والفتيل: الشئ الحقير.
والاستشهاد بالبيت في قوله " أريت " على أن أصله أرأيت، فحذفت الهمزة التى هي عين الفعل، وقرأ الكسائي " أريت الذى يكذب بالدين " (1) هذا البيت لاسماعيل بن يسار مولى بنى تيم بن مرة تيم قريش من كلمة له أولها: ما على رسم منزل بالجناب * لو أبان الغداة رجع الجواب والرسم: ما بقى من آثار الديار لاصقا بالارض، والجناب: موضع بعينه، وقرى: جمع، والعلاب: جمع علبة - بضم العين وسكون اللام - وهى وعاء من (*)(3/38)
وربما قدمت الهمزة التي لو بقيت بحالها لكان تخفيفها بالحذف، استكراها للحذف، فيقال في يَسْألون: يأْسَلُونَ، لأن تخفيفها إذن بالقلب لا بالحذف، قال: 130 - إذَا قَامَ قَوْمٌ يَأْسَلُونَ مَلِيكَهُمْ * عَطَاءً فَدَهْمَاءُ الَّذِي أنَا سَائِلْهُ (1)
ومثله في يَيأَسُ يَاءَسُ.
رَجَعْنا إلى ما أصَّلْنَا، فنقول: وإن كانت الهمزة بعد الألف وقصدت التخفيف لم يجز الحذف إلا على اللغة القليلة التي ذكرنا، نحو يَشَا في يشاء، لأن
__________
جلد، وقيل: من خشب، ويجمع على علب أيضا، وعليه قول جرير: لم تتلفع بفضل مئزرها * دعد ولم تسق دعد في العلب والاستشهاد بالبيت في قوله " هل ريت " على أن أصله هل رأيت، فحذف الهمزة التي هي عين الفعل تشبيها لهل الاستفهامية بالهمزة لاشتراكهما في المعنى، ورواه في اللسان " * صاح يا صاح هل سمعت براع * " ورواه صاحب الاغانى " * صاح أبصرت أو سمعت براع * " ولا شاهد في البيت على الروايتين لما نحن بصدده، ولكن في رواية الاغانى حذف همزة الاستفهام، وأصله " صاح أأبصرت " كما حذفها الكميت بن زيد الاسدي في قوله: طربت وما شوقا إلى البيض أطرب * ولا لعبا منى وذو الشيب يلعب أراد " أو ذو الشيب يلعب " فحذف الهمزة، بدليل أنه يروى " أذو الشيب يلعب ".
(4) هذا بيت من الطويل، ولم نقف له على خبر، ولا على نسبة، ولا على سابق أو لاحق، ودهماء: علم، يجوز أن يكون لانسان، أو لفرس، وهو خبر مقدم، والاسم الموصول بعده مبتدأ مؤخر، وجملة " أنا سائله " لا محل لها صلة، والاستشهاد بالبيت في قوله " يأسلون " على أن أصله يسألون فقدم الهمزة التى هي عين الفعل على فاء الفعل استكراها لتخفيفها بالحذف (*)(3/39)
الحذف حقه أن يكون بعد نقل حركة الهمزة إلى ما قبلها، ونقلُ الحركة إلى ما قبلها محال، وكذا لا يجوز قلبُها واواً أو ياء ساكنة، للساكنين (ولا متحركة) (1)
والإدغامُ، لأن الالف لا يدغم كما يجئ في بابه، فلم يبق إلا جعله بَيْنَ بَيْنَ المشهور، لأنه وإن كان قريباً من الساكن إلا أنه على كل حال متحرك، وهذا أمر مضطر إليه عند قصد التخفيف، لانسداد سائر أبواب وجوه التخفيف، ولم يكن بَيْنَ بَيْنَ البعيدَ، إذ لا حركة لما قبلها.
قوله " وإن كان صحيحاً أو مُعْتَلاًّ غير ذلك " أي: غير حروف العلة التي تقدم أنها لا تحتمل الحركة، نقلت حركة الهمزة إلى ما قبلها وحذفت، وإنما لم تجعل بَيْنَ بَيْنَ لئلا يلزم شبه الساكنين، فلا تجعل الهمزة بين بين إلا في موضع لو كان مكانها فيه ساكن لجاز، إلا مع الألف وحدها، نحو قائل وكساء كما ذكرنا، للضرورة، ولم يبدلوها حرف علة بلا نقل حركة ولا بعد نقلها، قال سيبويه: لأنهم كرهوا أن يدخلوها في بنات الواو والياء وجوز الكوفيون وبعض البصريين - كأبى زيد - قلب الهمزة حرف علة من دون نقل الحركة على وجوه مختلفة من غير قياس وضبط، فقالوا في رفء مصدر (2) رفأت: رفو،
__________
(1) في الاصول التى بين ايدينا " وكذا لا يجوز قلبُها واواً أو ياء ساكنة للساكنين والادغام - الخ " والصواب ما أثبتناه وذلك لان الاستدلال على امتناع جميع الفروض التى تحتملها الهمزة، وقد أبطل إمكان تخفيفها بنقل حركتها إلى ما قبلها بسبب أن ما قبلها غير قابل للحركة، وبقى الكلام في تخفيفها بالقلب واوا أو ياء، وهذا يحتمل وجهين: أولهما أن تكون الواو أو الياء ساكنة، وثانيهما أن تكون الواو أو الياء متحركة مع إدغام ما قبلها فيها، وعدم جواز الاول لما يلزم عليه من التقاء الساكنين غير المغتفر، وعدم جواز الثاني لما ذكره من أن الالف لا يدغم فيها (2) يقال: رفأ السفينة يرفؤها رفئا - من باب منع، إذا أدناها من الشاطئ، ورفأ الثوب يرفؤه رفئا، إذا لام خرقه وضم بعضه إلى بعض، وأصلح ما وهى (*)(3/40)
وفى خبء (1) : خَبْو، وهذا كما قالوا في الهمز الساكن المتحرك ما قبله نحو رَفَأْت وَنَشأْتُ: رَفَوْتُ وَنَشَوْتُ، وفى خبأت وقرأت: خبيت وقريب، وهذا عند سيبويه ردئ كله، وأجاز الكوفيون قياساً قلبَ الهمزة المفتوحة خاصة ألفاً بعد نقل حركتها إلى الساكن قبلها نحو المرَأةِ والكَمَأةِ وحكى سيبويه ذلك، وقال: هو قليل، ولا يجوز نقل الحركة في باب انْأَطَرَ (2) لإلزامهم نون انْفَعَل السكون قوله " والتزم ذلك في باب يَرَى وَأرَى يُري " كل ما كان من تركيب رأى سواء كان من الرؤية أو من الرأي أو الرؤيا إذا زدت عليه حرفاً آخر لبناء صيغة وسكن راؤُه وجب حذف همزته بعد نقل حركتها، إلا مَرأًى، ومِرْآة، وذلك لكثرة الاستعمال، وقد جاء إثباتها في الشعر نحو قوله: 131 - أُرِي عَيْنَيَّ مَا لَمْ ترأياه كلانا عالم بالترهات (3)
__________
منه، وقد يخفف الفعل والمصدر فيقال: رفوت الثوب والسفينة رفوا، ومنه قول ابن خراش الهذلى: رفونى وقالوا: يا خويلد لاترع * فقلت وأنكرت الوجوه: هم هم (1) الخبء: مصدر خبأ الشئ يخبؤه - كمنعه يمنعه - إذا ستره، والخبء أيضا: اسم ما خبأته، من باب تسمية المفعول بالمصدر، ومنه قوله تعالى (وهو الذى يخرج الخبء في السموات والارض) (2) انأطر: مطاوع أطره يأطره أطرا - من بابى ضرب ونصر - إذا عطفه فانعطف: أي ثناه فانثنى (3) هذا بيت الزجاجي إلى سراقة البارقى من أبيات يقولها للمختار بن عبيد، ونسبه الجاحظ في المحاسن والاضداد لرجل من خزاعة، ولم يعينه، والابيات التى نسبت لسراقة هي: ألا أبلغ أبا إسحق أنِّي * رَأَيْتُ الْبُلْقَ دُهْماً مُصْمَتَاتِ
أُرِي عَيْنَيَّ ما لم ترأياه ... البيت (*)(3/41)
ويكثر حذف الهمزة مع تحرك ما قبلها مع همزة الاستفهام في نحو أرأيت كما ذكرنا.
قوله: " وكثر في سل للهمزتين " استعمال اسأل أكثر من استعمال اجْأرْ (1) ونحوه، فصار تخفيفه بنقل حركةِ همزته إلى ما قبلها وحذفِهَا، كثيراً، بخلاف نحو اجْأَر، ولو كان كثرة التخفيف للهمزتين فقط لكان اجْأر مثله، وبعد نقل حركة الهمزة إلى السين وحذفها قال المصنف: يلزم حذف همزة الوصل وإن كان حركة السين عارضة، لان مقتضى كثرة التخفيف فيه اجتماع الهمزتين، ولو كانت الهمزة باقية لما بقيت حركتها على السين، فحذفت همزة الوصل وجوباً، وقال السيرافي: حكى بعض النحاة - يعني الأخفش - إسَلْ نحو الْحَمَرِ، قال: ويفسد
__________
كَفَرْتُ بِوَحْيِكُمْ وَجَعَلْتُ نَذْراً * عَلَيَّ قِتَالَكُمْ حَتَّى الممات وأبو إسحاق: كنية المختار، ويروى في مكانه " * ألا من مبلغ المختار عنى * " والبلق: جمع أبلق وهو من الخيل ما فيه سواد وبياض، والدهم: جمع أدهم، وهو من الخيل مثل الابلق، والترهات - بضم التاء وتشديد الراء مفتوحة أو مضمومة -: جمع ترهة - بضم التاء وتشديد الراء مفتوحة - وهى الباطل، وما لاحقيقة له، وكان سراقة قد وقع أسيرا في يدى أعوان المختار فزعم له حين أمر المختار بقتله أنه رأى الملائكة على خيل بلق يقاتلون في صفوف المختار، وأنهم الذين أسروه، فهذا معنى قوله " أُرِي عَيْنَيَّ مَا لَمْ ترأياه ".
والاستشهاد بالبيت في قوله " ترأياه " حيث أثبت الهمزة التى هي عين الكلمة لضرورة الشعر، والاستعمال جار على تخفيف هذه الكلمة بحذف همزتها بعد نقل حركتها إلى ما قبلها كما ذكر المؤلف، وقد رواه أبو الحسن الاخفش والزجاجى " * ما لم ترياه * " على الاستعمال
المطرد، وفيه حذف نون مفاعلتن (1) اجأر: فعل أمر من جأر يجأر جأرا - من باب منع - وجؤارا أيضا، إذا رفع صوته مع تضرع واستغاثة، وفى الحديث: كأنى أنظر إلى موسى له جؤار إلى ربه بالتلبية، (*)(3/42)
ما حكاه أنه ليس أحد يقول: أُقُلْ ولا أُرُدّ، وفُرِقَ بين الْحَمَرِ وإسَل بأن أصل السين الحركة، كما في سَألَ، ولام التعريف أصلها السكون، وقال سيبويه: الفرق بينهما أن همزة لام التعريف: تشبه همزة القطع في احمر بانفتاحها مبتدأة وبثباتها في الاستفهام نحو الله، وفي يا ألله أيضاً قوله " وإذا وُقِفَ على المتطرفة " اعلم أنه إذا وقف على المتحركة المتطرفة فإما أن يوقف على مذهب أهل التحقيق أو على مذهب أهل التخفيف، فالأول مضى حكمه مستوفي في باب الوقف، وأما على مذهب أهل التخفيف، فإنه تخفف الهمزة أولاً، لأن حالة الوصل متقدمة على حالة الوقف، ونَقْل الهمزة حاصل حالة الوصل، فتخفف على ما هو حق التخفيف من النقل والحذف، في نحو الخبء، والقلب والادغام في نحو برئ ومقروء، فيبقى الخبُ بتحريك الباء كالدم، ثم يوقف عليه بالسكون المحض، أو الروم، أو الإشمام، أو التضعيف، ويبقى بريّ ومقروّ مشددتين فيوقف عليهما بالإسكان والروم والإشمام، ويخفف نحو شئ وسَوْءٍ في حال الوصل بالنقل والحذف، وهو الأصل، والقلب والإدغام على قول بعضهم، كما ذكرنا، ويجوز السكون والروم والإشمام والتضعيف في الأول، ويجوز السكون والروم والإشمام ولا يجوز التضعيف في الثاني هذا إذا لم يكن ما قبل الهمزة فيه الألف، فإن كان قبل الهمزة المتطرفة ألف، وقد ذكرنا أن تخفيف مثلها بجعلها بين بين المشهور، فإذا خففتها كذلك ثم أرَدْت
الوقف عليها فإن راعيت في الوقف التخفيف الذي كان في الوصل وأبقيته وهو بين بين لم يجز لك إلا الوقف بالروم، لأن تضعيف الهمزة لا يجوز، ومع الإسكان المحض والإشمام - وهو الإسكان أيضاً - لا يجوز بين بين، لأن بين بين لا يكون إلا بشئ من الحركة، وإن لم تراع في الوقف تخفيف الوصل وأردت الوجه المشهورَ من وجوه الوقف وهو الإسكان أسكنت الهمزة المجعولة بين بين، وجاز التقاء الساكنين، لأنه في الوقف، فبطل تخفيف بين بين(3/43)
بإسكانها، فقصدت تخفيفاً آخر، ولم يتأت الحذف، إذ ذلك إنما يكون بنقل الحركة إلى ما قبل الهمزة، ولا تنقل الحركة إلا الألف، فلم يبق إلا قلب الهمزة الساكنة ألفاً، لكون الألف قبلها بمنزلة الفتحة، فصار نحو لم يقرأ، ولا يكون مع الإسكان روم ولا إشمام، لأن الحركة كانت على الحرف الذي هذه الألف بدل منه، لا على الألف حتى ترام أو تشم، كما قلنا في الوقف على هاء التأنيث، وأيضاً فالروم بإبقاء بعض الحركة، والألفُ الصريحةُ لا تحتمل ذلك، وهذا الوجه - أعني الوقف بالإسكان وقلبَ الهمزة ألفاً - أكثرُ في هذا الباب من الوقف بالروم، والهمزةُ بَيْنَ بَيْنَ، فإذا قلبتها ألفاً وقبلها ألف جاز لك إبقاء الألفين، لأن الوقف يحتمل فيه الساكنان، فيمد مدة طويلة في تقدير ألفين، ويجوز حذف أحدهما، لاجتماع المثلين، فيمد مدة قصيرة بتقدير ألف واحدة، وإن كانت الهمزة منصوبة منونة فليست متطرفة، فلا يجئ فيها هذه الفروع، بل يقلب التنوين ألفاً نحو دعاءَا، وعشاءَا قال: " وإذَا كَانَ قَبْلَها مُتَحَرْكُ فَتِسْعٌ: مَفْتُوحَةٌ وَقَبْلَهَا الثَّلاَث، وَمَكْسُورَةٌ كَذَلِكَ، وَمَضْمُومَةً كَذَلِكَ، نَحْوُ سَألَ وَمِائَةِ وَمُؤجَّلٍ وَسَئِمَ وَمُسْتَهْزِئينَ وسُئِلَ وَرَؤُوفٍ وَمُسْتَهزِئونَ ورُؤوسٍ، فَنَحْوُ مُؤَجَّلٍ
وَاوٌ، ونَحْوُ مِائَةٍ يَاءٌ، وَنَحْوُ مُسْتَهْزِئونَ وَسْئِلَ بَيْنَ بَيْنَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: الْبَعيِدُ، والْبَاقِي بَيْنَ بَيْنَ الْمَشْهُورُ، وَجَاءَ مِنْسَاةٌ وَسَالَ، وَنَحْوُ الْوَاجِي وَصْلاً، وأما: * يشجج رَأْسَهُ بِالْفَهْرَوَاجِي * فعَلَى الْقِيَاسِ، خِلاَفاً لِسِيبَوَيِهِ " أقول: اعمل أن الحكم المذكور في المتصل جار في المنفصل سواء، وأمثلته قال هذا (غلام) أحمد، وبغلام أبيك، وإن غلام أبيك، وقال إبراهيم، وبغلام إبراهيم، وهذا مال إبراهيم، وإن غلام أختك،(3/44)
وبغلام أختك، وهذا مال أختك، إذا قصدت تخفيفها متصلة كانت أو منفصلة قلبتَ المفتوحة المكسور ما قبلها كمائة ياءً مَحْضَة، لتعذر حذفها، إذ لا تحذف إلا بعد نقل الحركة، ولا تنقل الحركة إلى متحرك، ويتعذر التسهيل أيضاً، إذ تصير بين الهمزة والألف، فلما استحال مجئ الألف بعد الكسرة لم يُجَوّزوا مجئ شبه الألف أيضاً بعدها، وكذا تقلب المفتوحة المضموم ما قبلها واواً مَحْضَة كَمُوَجَّل، لمثل ما ذكرنا في مائة، فبقي بعد المثالين سبعة أمثلة، وتُسَهَّل كلها بين بين المشهور عند سيبويه، وإنما لم تخفف بالحذف لتحرك ما قبلها، ولم تخفف بالقلب كما في المثالين، لأن القصد التخفيف، وقد حصل بتسهيلها بين بين، والأصل عدم إخراج الحرف عن جوهره، وأما في المثالين فالقلب كالمضطر إليه كما ذكرنا، ومعنى التسهيل أن تأتي بها بين الهمزة وبين حرف حركتها، وتجعل الحركة التي عليها مُخْتَلَسة سَهْلة بحيث تكون كالساكنة وإن لم تَكُنْهَا، فلهذا لم تُسَهَّل الساكنُ ما قبلها لئلا يكون كالجمع بين الساكنين، بلى يجوز ذلك إذا اضطر إليه، وذلك إذا كان قبلها ألف، لتعذر سائر أنواع التخفيف كما ذكرنا، ولكون المد في الألف أكثر منه في سائر حروف اللين فيصح الاعتماد عليه كالمتحرك، كما مر في باب التقاء
الساكنين، وذهب الكوفية إلى أن المسهلة ساكنة، واحْتَجَّ على تحريكها سيبويه بحجة لا مدفع لها، وهي أنها تُسَهَّل في الشعر وبعدها ساكن في الموضع الذي لو اجتمع فيه ساكنان لانكسر البيت، كقول الأعشى: 132 - أَأَنْ رَأتْ رَجُلاً أَعْشَى أَضَرَّبِهِ * رَيْبُ الْمَنُونِ وَدَهْرٌ متبل خبل (1)
__________
هذا بيت من بحر البسيط من لامية الاعشى التي أولها: وَدِّعْ هُرَيْرَةَ إنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ * وَهَلْ تُطِيقُ وَدَاعاً أيها الرجل والأعشى: الذي لا يبصر بالليل، ويقال للذى لا يبصر بالنهار: أجهر، والريب (*)(3/45)
وعند الأخفش تُسهل السبعة بين بين المشهور، إلا اثنتين منها: المضمومة المكسورَ ما قبلها كالمستهزئون، والمكسورة المضموم ما قبلها كسُئِلَ، قال: تقلب الأولى ياء محضة والثانية واواً محضة، إذ لو سُهِّلتَا لكانت الأولى كالواو الساكنة، ولا تجئ بعد الكسرة، والثانية كالياء الساكنة، ولا تجئ بعد الضمة، كما لا تجئ الألف بعد الضمة والكسرة، وهذا الذي ذهب إليه قياساً على مُؤَجَّل ومائة وإن كان قريباً لكن لسيبويه أن يفرق ويقول: المُسهَّلَة المفتوحة لم يستحل مجيئها بعد الضم والكسْر لكن لما استحال مجئ الالف الصريح بعدهما منع مجئ شبه الألف أيضاً بعدهما، وأما الواو الساكنة فلا يستحيل مجيئها بعد الكسرة، بل يستثقل، وكذا الياء الساكنة بعد الضمة، فلم يمنع مجئ شبه الواو الساكنة بعد الكسرة وشبه الياء الساكنة بعد الضمة وذهب بعضهم في نحو مستهزِئون وسُئِل إلى بين بين البعيد، ونسب بعضهم هذا القول أيضاً إلى الأخفش، وإنما ارتكب هذا الوجه من التسهيل ههنا مَن ارتكبه وإن كان بعيداً نادراً فراراً مما لزم سيبويه في بين بين المشهور من مجئ
شبه الواو الساكنة بعد الكسر وشبه الياء الساكنة بعد الضم، كما مر، ومما لزم الأخفش من مجئ الواو الصريحة متحركة بالكسر بعد الضم في سول، ومن مجئ الياء الصريحة متحركة بالضم بعد الكسر في مستهزيون، وذلك
__________
أصله قلق النفس واضطرابها والتردد بين أمرين، والمنون، المنية، سميت المنية بذلك لان الله قد مناها: أي قدرها، ومتبل: مهلك ومبيد، وخبل: ملتو على أهله، والاستشهاد بالبيت في قوله " أأن " على تخفيف الهمزة الثانية وجعلها بين بين، وأن همزة بين بين في حكم المتحركة، إذ لو لم تكن في حكم المتحركة لانكسر البيت وبيان ذلك أن بعد الهمزة الثانية نوناً ساكنة، فلو كانت الهمزة المخففة في حكم الساكنة لا لتقى ساكنان في غير القافية، وذلك مما لا يجوز، وأيضا لما يلزم عليه من تسكين ثانى الوتد المجموع - وهو عين فعولن - في غير عروض ولا ضرب، وذلك مما لا يجوز عند كافة علماء العروض (*)(3/46)
مرفوض في كلامهم، وليس بشئ، لأنه لا يلزم سيبويه على ما ذكرنا محذور في مجئ شبه الواو الساكنة بعد الكسر وشبه الياء الساكنة بعد الضم، وكذا لا يلزم الأخفش فيما ذهب إليه أمر شنيع، لأن تخفيف الهمزة عارض غير لازم، فهو مثل رُويا (1) ، بلا إدغام.
ولا خلاف في الخمسة الباقية أن فيها بين بين المشهور.
وقد تبدل الهمزة المفتوحة ألفاً إذا انفتح ما قبلها، مثل سال، وواواً ساكنة إذا انضمت وانضم ما قبلها كرووس، وياء ساكنة إذا انكسرت وانكسر ما قبلها نحو المستهزيين، قال سيبويه: وليس ذا بقياس مُتْلَئِبٍّ، بل هو سماعي، كما قالوا: أتْلجْتُ، في أوْلَجت، فلا تقول: أتلغت (2) ، في أولغت، قال: وإذا كان في ضرورة الشعر كان قياساً، قال:
133 - رَاحَتْ بِمَسْلَمَةَ الْبِغَالُ عَشِيَّةً * فَارْعَيْ فزارة لا هناك المرتع (3)
__________
(1) في بعض النسخ " رييا " وهو مخفف " رئيا " من نحو قوله تعالى (هم أحسن أثاثا ورئيا) .
والذى أثبتناه وفاقا لبعض النسخ هو تخفيف " رؤيا " وقد ذكروا أنه يجوز الوجهان في هاتين الكلمتين: الادغام مراعاة لما صارت إليه الهمزة، وعدم الادغام نظرا إلى عروض الحرف بالتخفيف (2) في بعض النسخ " أتغلت في أوغلت " وكلا النسختين صحيح (3) هذا بيت من الكامل يقوله الفرزدق بعد أن عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق ووُلي عمر بن هُبَيْرَة الفزاري، وبعده قوله: وَلَقَدْ عَلِمْتُ إذَا فزَارَةُ أُمِّرَتْ * أنْ سَوْفَ تَطْمَعُ فِي الإِمَارَةِ أشجع عُزِلَ ابْنُ بِشْرٍ وَابْنُ عَمْروٍ قَبْلَهُ وأخُو هَرَاةَ لِمِثْلِهَا يَتَوَقَّعُ وقوله " راحت بمسلمة " أنشد في الاغانى مكانه " ولت بمسلمة ".
وقوله " أن سوف تطمع " أن مخففة من الثقيلة، وابن بشر هو عبد الملك بن بشر بن مروان، وابن عمرو هو سعيد بن عمرو بن الوليد بن عقبة، وأخو هراة هو سعيد بن (*)(3/47)
وقال: 134 - سَالتَانِي الطَّلاَقَ إذْ رَأَتَانِي * قَلَّ مَالِي، قَدْ جِئْتُمَانِي بِنُكْرٍ (1) وقال: 135 - سَالَتْ هُذَيْلٌ رَسُولَ اللهِ فَاحِشَةً * ضلت هذيل بما قالت ولم تصب (2)
__________
عبد العزيز بن الحكم بن أبي العاص، ويقال: ابن عمر وهو سعيد بن عمرو بن الحرث ابن الحكم، وأخو هراة هو سعيد بن الحرث بن الحكم.
والاستشهاد بالبيت في قوله " لاهناك " يريد لا هنأك، تقول: هنأه الطعام يهنؤه إذا ساغ ولذله بلا مشقة، فخفف
الهمزة المفتوحة المفتوح ما قبلها بقلبها ألفا ساكنة (1) هذا البيت من الخفيف، وهو لزيد بن عمرو بن نفيل القرشى العدوى، وهو أحد الذين برئوا من عبادة الاوثان في الجاهليية وطلبوا دين إبراهيم وتنسكوا.
وقبله: تلك عرساى تنطقان على عمد إلى اليوم قول زور وهتر عرساى: مثنى عرس مضاف إلى ياء المتكلم، وعرس الرجل - بكسر فسكون -: زوجه، والهتر - بفتح الهاء وسكون التاء -: مصدر هتره يهتره، إذا مزق عرضه، وبكسر الهاء وسكون التاء: اسم بمعنى الكذب، والامر العجيب، والساقط من الكلام.
واستشهاد بالبيت في قوله " سالتانى " على أن أصله سألتانى، فخفف الهمزة المفتوحة المفتوح ما قبلها بقلبها ألفا على نحو ما ذكرنا في البيت الذى قبله (2) هذا بيت من البسيط لحسان بن ثابت الانصاري رضى الله عنه من كلمة يهجو فيها هذيلا، لانهم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم أبو كبير الهذلى، فقال أبو كبير للنبى صلى الله عليه وسلم: أحل لى الزنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتحب أن يؤتى إليك مثل ذلك؟ قال: لا، قال: فارض للناس ما ترضى لنفسك، قال فادع الله أن يذهب ذلك عنى.
وقد روى كلمة حسان هذه ابن هشام في السيرة (ح 3 ص 176 طبعة المكتبة التجارية) وبعده: سالوا رسولهم ما ليس معطيهم * حتى الممات وكانوا سبة العرب (*)(3/48)
وأنشد سيبويه فيما لا يجوز في غير الشعر إلا سماعاً قول الشاعر: 135 - وَكُنْتَ أَذَلَّ مِن وتد بقاع * يشجج رأسه بالفهر وَاجِي (1) قال المصنف - وهو الحق -: إن هذا القياس ليس من ذلك، لان " واج "
__________
وَلَنْ تَرَى لِهُذَيْلٍ دَاعِياً أبَداً * يدعوا لِمَكْرُمَةٍ عَنْ مَنْزِلِ الْحَرْبِ لَقَدْ أرَادُوا خِلاَلَ الْفُحْشِ وَيْحَهُمُ * وَأنْ يُحَلُّوا حَرَاماً كَانَ فِي الْكُتُبِ
والاستشهاد بالبيت في قوله " سالت " وأصله سألت فخفف الهمزة المفتوحة المفتوح ما قبلها بقلبها ألفا، ومثله قوله: " سالوا رسولهم " في البيت الذى أنشدناه بعده (1) هذا البيت من الوافر، وهو لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت من كلمة يهجو بها عبد الرحمن بن الحكم بن أبى العاص وقبله قوله: وأما قولك الخلفاء منا * فهم منعوا وريدك من وداجى ولولاهم لكنت كحوت بحر * هو في مظلم الغمرات داجى وقوله " وداجى " هو مصدر قولك: وادج فلان فلانا بمعنى ودجه كسافر بمعنى سفر، وتقول: ودجت الدابة ودجا كوعدته وعدا، إذا قطعت ودجها، وقطع الودج للدابة كالفصد للانسان، وهوى: سقط، والغمرات: جمع غمرة، وهى في الاصل القطعة من الماء، وداج: أسود مظلم، والقاع: المستوى من الارض، ويشجج: يدل على المبالغة في الشج، والفهر - بكسر فسكون -: الحجر إذا كان ملء اليد، والواجى: اسم فاعل من وجأت عنقه أجؤها، إذا ضربتها، ويضرب المثل في الذل والمهانة بالوتد، فيقال: هو أذل من وتد بقاع، وفى هذا المعنى يقول الشاعر: ولا يقيم على ضيم يراد به * إلا الاذلان عير الحى والوتد هذا على الخسف مربوط برمته * وذا يشج فلا يرثى له أحد والاستشهاد بالبيت في قوله " واجى " وأصله الواجئ - بالهمز - فلما وقع في القافية ووقف عليه سكنت الهمزة فخففت بقلبها ياء لانكسار ما قبلها (*)(3/49)
آخر البيت، وهو موقوف عليه، فكأن آخر الكلمة همزة ساكنة قبلها كسرة كما في " لم يُقْرِئ " وقياسه التخفيف بجعلها ياء في الشعر وفي غيره، بلى إذا كان
نحو الواجي في الوصل كما تقول: مررت بالواجي يا فتى، بجعل الهمزة ياء ساكنة، فهو من هذا الباب وقد أطلق سيبويه وقال: تقلب الهمزة التي تجعل عند أهل التخفيف بين بين ألفاً إذا انفتح ما قبلها، وياء إذا انكسر ما قبلها، وواواً إذا انضم ما قبلها، والحق أن يُقَيَّد - كما قال ابن يعيش - فيقال: الهمزة المفتوحة المفتوح ما قبلها تقلب ألفاً، والمكسورة المكسور ما قبلها تقلب ياء، والمضمومة المضموم ما قبلها تقلب واواً، ولم يقيد ابن يعيش الواو والياء المقلوب إليهما بالسكون، والأولى أن يقال ياءً ساكنة، وواواً ساكنة، كما قدمنا، فعلى هذا لا يقلب نحو لَؤُم وَسَئِمَ، ألفاً، لا في الضرورة ولا في غيرها، وكذا لا يقلب نحو مستهزئون ومِائَة ياءً ساكنة، ونحو سُئِل ومُؤَجل واواً ساكنة قال: " وَالْتَزَمُوا خُذْ وَكُلْ عَلَى غَيْر قِيَاسٍ لِلْكَثْرَةِ، وَقَالُوا مر، وهو أفصح من أومر، وَأَمَّا وَأْمُرْ فَأَفْصَحُ مِنْ وَمُرْ " أقول: هذا كان حقه أن يذكر بعد قوله " والهمزتان في كلمة إن سكنت الثانية وجب قلبها "، لأن أصل خذ وكل ومر أؤخذ وأُؤكل وأؤْمر، وكان القياس قلب الثانية واواً لانضمام ما قبلها، فخففت بغير القلب، وذلك بأن حذفت الثانية لكثرة استعمالها، وعلى كل حال فالحذف أوغل في التخفيف من قلبها واواً، والتزموا هذا الحذف في خذ وكل، دون مُر، فإن الحذف فيه أفصح من القلب، وليس بلازم، هذا إذا كان مبتدأ به، وذلك لكونه أقل استعمالاً من خذ وكل، وأما إذا وقع في الدرج نحو " وأْمر " و " فأْمر " و " قلت لك اؤْمر " فإن إبقاء الهمزة فيه أكثر من الحذف، لأن علة الحذف اجتماع الهمزتين، ولا تجتمعان(3/50)
في الدرج، وجاز نحو " ومر " و " فمر " أيضاً، على قلة، لأن أصل الكلمة
أن تكون مبتدأ بها، فكأنه حذفت الهمزة (في الابتداء) أولاً، ثم وقعت تلك الكلمة المحذوفة الهمزة في الدرج، فبقيت على حالها قال: " وَإِذَا خُفِّفَ بَابُ الأَحْمَرِ فَبَقَاءُ هَمْزَةِ اللاَّمِ أَكْثَرُ، فَيُقَالُ: الَحْمَر وَلَحْمَر، وَعَلَى الأَكْثَرِ قِيلَ: مِنْ لَحْمَرِ، بِفَتْحِ النُّونِ وَفِلَحْمَرِ، بِحَذْفِ الْيَاء، وَعَلَى الأَقَلِّ جَاء (عَادَلُّولَى) وَلَمْ يَقُولُوا: اِسَلْ وَلاَ أُقُلْ لاتِّحَادِ الْكَلِمَةِ " أقول: يعني إذا نقل حركة الهمزة التي في أول الكلمة إلى لام التعريف قبلها، فتلك اللام في تقدير السكون، لوجوه: أحدها: أن أصل اللام السكون، بخلاف نحو قاف قُلْ، والثاني: كون اللام كلمة أخرى غير التي في أولها الهمزة، فهي على شَرَف الزوال، فكأنها زالت وانتقلت حركة الهمزة التي نقلت إليها إلى الهمزة، وبقيت اللام ساكنة، بخلاف قاف قُلْ، فإنها من كلمة الواو، والثالث: أن نقل حركة الهمزة إلى ما قبلها غير لازم، فكأنها لم تنقل، بخلاف نقل حركة واو قُلْ إلى ما قبلها، وأما سَلْ فحركة السين فيه ليست بلازمة لزومَ حركةِ قاف قُلْ، ولا بزائلة زوال حركة لام الأحمر، لأنه مثل قل في جميع الوجوه، إلا الثالث، فإن نقل الحركة فيه ليس لازماً لزومَ نقل حركة واو أقول، لكنه - وإنلم يلزم لزومه - أكثر من نقل حركة همزة الأحمر، ففي الأحمر بقاء الهمزة أكثر، وفي قُلْ حذف الهمزة واجب، وفي سَلْ وقع الخلاف: أوجبه المصنف كما ترى، وهو مذهب سيبويه، وأجاز الأخفش اِسَلْ، كما تقدم، وهذا كله في قُلْ مبني على أن أصله أقْوُل المأخوذ من تُقْوُلُ قبل نقل حركة الواو إلى القاف، فأما إن قلنا:(3/51)
إن قل مأخوذ من تَقُول المضموم القاف، فليس هناك همزة وصل حتى تحذف
الحركة أو تبقى لعروضها قوله " وعلى الأكثر قيل مِنَ لَحْمَرِ " يعني على جعل اللام في حكم الساكن حركوا النون لالتقاء الساكنين، وحذف ياء " في " لأجله أيضاً، ولو اعْتُدَّ بحركة اللام سكن النون، كما في " مَنْ زيد " ولم تحذف ياء في كما في " في دارك " وحكى الكسائي والفراء أن من العرب من يقلب الهمزة لاماً في مثل هذا، فيقول في الأحمر والأرض: اللَّحْمر، واللَّرْض، ولا ينقل الحركة، محافظة على سكون اللام المعرفة.
قوله " وعلى الأقل " أي: على جعل حركة اللام كاللازم ادغموا تنوين " عَادَا " الساكن في لام " الأولى " كما تقول: مَن لك، ولو جعلت اللام في تقدير السكون لحركت النون فقلت: عَادَنِ لُولَى، ولم يجز الإدغام، إذ لا يدغم الساكن في الساكن، وإنما اعتد بحركة اللام - وإن كان على الوجه الأقل - لغرض التخفيف بالإدغام، بخلاف قوله (سِيَرتَهَا الاولى) فان التخفيف يحصل ههنا لعدم الاعتداد بحركة اللام، وهو بحذف ألف (سِيرتَها) للساكنين.
قوله " لاتحاد الكلمة " كما ذكرنا في الوجه الثاني.
قال: " وَالْهَمْزَتَانِ فِي كَلِمَةٍ إِنْ سَكَنَتِ الثَّانِيَةُ وَجَبَ قَلْبُهَا كآدَمَ وايت وأوتمن، وَلَيْسَ آجَرَ مِنْهُ، لأَنَّهُ فَاعَلَ، لاَ أَفْعَلَ، لِثُبُوتِ يُؤَاجِرُ، ومِمَّا قُلْتُهُ فِيهِ: دَلَلْتُ ثَلاَثاً عَلَى أن يوجر * لاَ يَسْتَقِيمُ مُضَارِعَ آجَرْ فِعَالَةُ جاء الافعال عَزَّ * وَصِحَّةُ آجَرَ تَمْنَعُ آجَرْ وَإنْ تَحَرَّكَتْ وَسَكَنَ مَا قَبْلَهَا كَسَئّالٍ تَثْبُتُ، وَإِنْ تَحَرَّكَتْ وَتَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا قَالُوا: وَجَبَ قَلْبُ الثَّانِيَةِ يَاءً إنِ انْكَسَرَ مَا قَبْلَهَا أَوِ انْكَسَرَتْ،(3/52)
وَوَاواً فِي غَيْرِهِ نَحْوُ جَاءٍ وَأَيِمَّةٍ وأُوَيْدِمٍ وَأَوَادِمَ، وَمِنْهُ خَطَايَا فِي التَّقْدِير الأَصْلِيِّ، خِلاَفاً لِلْخَلِيل، وَقَدْ صَحَّ التَّسْهِيلُ وَالتَّحْقِيقُ فِي نَحْوَ أيمَّةٍ، وَالْتُزِمَ فِي بَابِ أُكْرِمُ حَذْفُ الثَّانِيَةِ، وحُمِلَ عَلَيْهِ أخَوَاتُهُ، وَقَدِ الْتَزَمُوا قَلْبَهَا مُفْرَدَةً ياء مَفْتُوحَةً فِي بَاب مَطَايَا، وَمِنْهُ خَطَايَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَفِي كلمتين يجوز تحقيقهما، وتخفيفهما، وَتَخْفِيفُ إِحْدَاهُمَا عَلَى قِيَاسِهَا، وَجَاءَ فِي نَحْو يَشَاءُ إلَى الْوَاوُ أيْضاً فِي الثَّانِيَةِ، وَجَاء فِي المتفقتين حذف إحداهما، وقلب الثانية كَالسَّاكِنَةِ " أقول: اعلم أن الهمزتين إذا اجتمعتا، فإما أن يكون اجتماعهما في كلمة أو في كلمتين.
فإن كان في كلمة فإما أن تتحرك الأولى فقط، أو تتحرك الثانية فقط، أو تتحركا معاً، وسكونهما معاً لا يجوز.
فإن تحركت الأولى فقط دُبّرَتِ الثانية بحركة الأولى: أي قلبَت واواً إن انضمت الأولى كأُوتُمِنَ، وياء إن انكسرت كايِتِ، وألفاً إن انفتحت كآمن، وإنما قلبت الثانية لأن الثقل منها حصل، وإنما دبرت بحركة ما قبلها لتناسب الحركةُ الحرف الذي بعدها، فتخف الكلمة، وإذا دبرت بحركة ما قبلها وليس المتحرك همزة كما في راس وبير وسوت فهو مع كونه همزة أولى.
قوله " وليس آجر منه " أي: مما اجتمع فيه همزتان والثانية ساكنة، قال: لأنه من باب فاعَل، لا أفْعَل، واستدل على ذلك بأن مضارعه يؤاجر، لا يؤجر والذي أنشده مِن قِبَلهِ - مع ركاكة لفظه - ليس فيه دليل على مدعاه، أعني أن يُؤجر لا يستعمل في مضارع آجر: قال " فِعَالة جاء " يعني أن مصدر آجر فِعَالة، وفِعَالة مصدر فَاعَل ككاتب كتاباً وقاتل قتالاً، والتاء في إجارة للوحدة، وليس بشئ، لوجهين: أحدهما أنا بينا في باب المصادر أن المرأة إنما تبني في ذوات الزيادة على المصدر المشهور المطرد، فيقال: قاتلت مقاتلة واحدة، ولا يقال: قاتلت قتالة(3/53)
لأن فِعَالاً ليس بمطرد في فَاعَلَ، وثانيهما أن إجارة لو كان مصدر فَاعَلَ للمرة لجاز آجر لغير المرة، ولم يستعمل إجاراً أصلاً، وأيضاً لم يكن استعمال إجارة إلا للمرة كما لا يستعمل نحو تسبيحة وتقديسه إلا لها.
قوله: " والاِفْعَالُ عز " يعني لا يستعمل إيجاراً، وذلك ممنوع، لأن في كتاب العين " آجرت مملوكي أوجره إيجاراً فهو مُؤجَر " وفي أساس اللغة " آجرني داره إيجاراً فهو مُؤْجِر، ولا تقل: مؤاجر، فإنه خطأ قبيح " قال: " وليس آجر هذا فاعَلَ، بل هو أفعل، وإنما الذي هو فاعَلَ آجر الأجير مؤاجرة، كقولك: شاهره وعاومه " وفي باب أفعل من جامع الغوري " آجره الله تعالى: لغة في أجَرَه مقصوراً " وفي باب فاعل منه " آجره الدار " وهكذا في ديوان الأدب، قلت: فآجره الدار من فاعل ممنوع عند صاحب الأساس جائز عند الغوري، والحق ما في أساس اللغة، لأن فاعَلَ لا يعدى إلى مفعولين إلا الذي كان يعدى في الثلاثي إلى مفعول، كنَزَعْتُ الحديث ونازعته الحديث، فآجر المتعدي إلى مفعولين إذن من باب الإفعال، فآجرتك الدار إيجاراً، مثل أكريتك الدار، وآجرت الأجير مؤاجرة: أي عقدت معه عقد الإجارة، يتعدى إلى مفعول واحد، وكأن الإجارة مصدر أجَرَ يأجُر إجارة نحو كتب يكتب كتابة: أي كان أجيراً، قال تعالى: (على أن تأجرني ثمانى حجج) ، فالإجارة كالزراعة والكتابة، كأنها صنعة، إلا أنها تستعمل في الأغلب في مصدر آجر أفعَل، كما يقام بعض المصادر مقام بعض نحو (تبتل إليه تبتيلا) والأجير من أجر يأجُر قوله: " وصحة آجر تمنع آجر " أي: صحة آجر فاعل تمنع آجر أفْعَلِ، قال في الشرح: " أي أن آجر فاعل ثابت بالاتفاق، وفاعل ذو الزيادة لابد أن يكون مبنياً من أجَرَ الثلاثي لا آجر الذي هو أفعل، فيثبت أَجَرَ الثلاثي، ولا يثبت
آجر أفعل " هذا كلامه، يا سبحان الله! ! كيف يلزم من عدم بناء فاعل(3/54)
من أفعل أن لا يكون أفعل ثابتاً؟ وهل يجوز أن يقال: أكرم غير ثابت، لأن كارم غير مبنى بل من كَرُمَ؟ وإذا تقرر ما ذكرنا ثبت أن أفعل وفاعل من تركيب (أج ر) ثابتان، وكل واحد منهما بمعنى آخر، فأفعل بمعنى أكرى، وفاعل بمعنى عقد الإجارة هذا، وإن سكنت الأولى وتحركت الثانية، فإن كان ذلك في صيغة موضوعة على التضعيف، كَسَئَّال وسُؤَّال، وجب الإدغام محافظة على وضع الصيغة، ولا يكون ذلك إلا إذا اتصلت الأولى بالفاء، وذلك أن الهمزة ثقيلة، ولا سيما ما ضعف منها، فإذا وليت الأولى أول الكلمة خفت، وأما في غير ذلك فلا يجوز، فلا يبني من قرأ نحو قُمَدِّ (1) ولا فِلِزٍّ (2) ، ويجوز اجتماعهما مع سكون الأولى وتحرك الثانية في صيغة غير موضوعة على التضعيف، وعند ذلك تقلب الثانية ياء، ولا تدغم، نحو قِرَأْيٍ، على وزن سِبَطْرٍ (3) من قرأ، ولا يخفف بنقل حركة الثانية إلى الأولى وحذفها كما في مَسَلة، لأن تلك في حكم الثانية فإن تحركتا قلبت الثانية وجوباً، ثم إن كانت الثانية لاماً قلبت ياء مطلقاً، بأي حركة تحركتا، لأن الآخر محل التخفيف، والياء أخف من الواو، وأيضاً فمخرج الياء أقرب إلى مخرج الهمز من مخرج الواو، فتقول في مثل جعفر من قرأ: قَرْأَى، قَرْأَيَان، قَرْأَوْن.
وقَرْآة، وقَرْآتان، وقَرْأيات.
وإن لم تكن الثانية لاماً
__________
(1) القمد - كعتل -: القوى الشديد، أو الغليظ.
أنظر (ح 1 ص 53) (2) الفلز - بكسر الفاء واللام بعدهما زاى مشددة -: نحاس أبيض تجعل منه القدور المفرغة، أو هو خبث الحديد، أو هو الحجارة، أو جواهر الارض كلها،
أو ما ينفيه الكير مما يذاب منها، ويقال فيه: فلز - كهجف، وفلز - كعتل - (3) السبطر - كهزبر -: الشهم الماضي، وهو الطويل أيضا، وهو أيضا الاسد يمتد عند الوثبة (*)(3/55)
فإن كانت مكسورة قلبت ياءً أيضاً، بأي حركة تحركت الأولى: بالفتحة نحو أيِمة أيِنُّ، أو بالكسر كما إذا بنيت من الأنين مثل إجْرِد (1) قلت: إِيِنُّ، وكذا لو بنيت مثل أُكْرِمَ منه قلت: أُيِنَّ، مراعاة لحركتها، ألا ترى أنك تجعلها بين الهمزة والياء في مثل هذه المواضع، إذا قصدت تخفيفها وليس قبلها همزة كما في سَئِم وسُئِل ومُسْتَهْزِئين، وتقول عند الأخفش في أُيِنَّ: أُوِن، كما ذكرنا من الخلاف في نحو سُئِل، وإن كانت مضمومة جعلتها واواً صريحة مطلقاً قياساً على التسهيل، فتقول في حكاية النفس من يَؤُبُّ: أوُبّ، ومن يَؤُم: أوُم، بواو خالصة، وفي مثل أُبْلُم (2) من أمّ: أُوُمّ، ولا يوجد مضمومة مكسور ما قبلها في كلامهم، ولو جاء إفْعُل - بكسر الهمزة وضم العين - لقلت من أم: إوُمّ عند سيبويه بالواو، وإيُم بالياء عند الأخفش كما ذكرنا في مستهزئون، وإن كانت مفتوحة فإن كانت بعد كسرة جعلتها ياء كما في نحو بئر (3) ، فتقول في نحو إصبع من أم: إيم، وإن كانت بعد ضمة جعلتها واوا، كما في جون (4) ، فتقول في تصغير آدم: أُوَيْدِم، وإن كانت بعد فتحة قلبتها واواً أيضاً عند غير المازني، فتقول في أفْعَل منك مِن الأَم، أوَم، وكذا أوَرُّ، من (8) الأر، وعند المازني: أيَمّ وأَيَرُّ، ولعله نظر إلى أن القياس على
__________
(1) الاجرد - بكسرتين بينهما ساكن كأثمد -: نبت يخرج عند الكمأة، فيستدل به عليها.
انظر (ح 1 ص 59) (2) أبلم - بضمتين بينهما سكون -: الخوص، واحدته أبلمة (أنظر ح 1 ص 56) (3) بئر - بكسر ففتح -: جمع بئرة، وهى ما خبئ وادخر
(4) جون - بضم ففتح -: جمع جونة، وأصله جؤن وجؤنة، فخففت الهمزة فيهما بقلبها واوا، والجؤنة: سلة مستديرة مغشاة أدما يجعل فيها الطيب والثياب (5) الار: مصدر أر يؤر - كشد يشد - ومعناه: السوق، والطرد، والجماع، ورمى السلح، وإيقاد النار (*)(3/56)
تسهيلها محال ههنا، إذ الهمزة في مثله تُسَهَّل بين الهمزة والألف، وقلب المتحركة ألفاً متحركة محال، فوجب قلبها لاجتماع همزتين: إما إلى الياء، أو إلى الواو، والياء أخف فقلبت إليه، وغيره نظر إلى حال التسهيل فقلبها ألفاً، ثم لما كان الألف إذا وجب تحريكها ولم تجعل همزة كما جعلت في قائل ورداء قلبت واواً كما في خَوَاتم وخَوَيْتِم قلبت الألف المنقلبة عن الهمزة واواً، فقال: أوَمّ، وأما نحو أوَادِمَ في جميع آدَمَ فلا يخالفهم فيه (1) المازني، لأن الهمزة الثانية وجب قلبها في المفرد ألفاً وهو آدم، فصار كألف عالم وخاتم وحائط، والهمزة المقلوبة واواً أو ياء وجوباً حكمُهَا حكم الواو والياء، كما ذكرنا في أول الكتاب، ويقول المازني في تصغير أيمة: أيَيْمَّة، وفى جمعه أيَامُّ، بالياء فيهما، وكذا يقول هو في تصغير أيَمّ أفعل التفضيل عنده من أم: أُيَيْمّ، بالياء، وكل ذلك مراعاة للمكبر فيهما والمفرد في أيامّ، ويوافقهم في تصغير آدم على أوَيْدم، وغيره لا يراعى حال الأصل إذا زال علة القلب في الفرع، فيقول: أوَيْمَّة وأوامّ، في تصغير أيمة وتكسيره، وإن
__________
(1) اعلم أن الجمهور والمازني جميعا متفقون على أنه يقال في جمع آدم: أوادم وفى تصغيره: أويدم، ولكن الجمهور يقدر أن هذه الواو مقلوبة عن الهمزة، فأصل أوادم عندهم أآدم، وأصل أويدم أأيدم، والمازني يجعل الواو في الجمع والتصغير منقلبة عن الالف التى في المفرد والمكبر المنقلبة عن الهمزة، ومذهب
الجمهور في هذا أرجح، لوجهين: الاول أن الجمع والتصغير يردان الاشياء إلى أصولها ما لم يمنع من ذلك مانع، والامر الثاني أن قلب الهمزة ألفا في آدم قد زال مقتضيه في أوادم وأويدم، فلا سبيل إلى ادعاء أن هذه الواو منقلبة عن الالف.
ثم إن الجمهور قاسوا على أوادم قولهم: محمد أون من على: أي أكثر أنينا، بجامع أن في كل منهما همزتين متحركتين في أول الكلمة وثانيتهما مفتوحة وليست الاولى مكسورة، ويرى المازنى قلب الثانية ياء لضرب من الاستحسان، ولا مستند له من المستعمل في كلام العرب (*)(3/57)
كانت المفتوحة بعد كسرة قلبت ياء كما في مائة، فتقول: إيَنٌّ على مثال إصْبَعٍِ من الأنين وجاء في الهمزتين المتحركتين في كلمة وجهان آخران: أحدهما ما ذكره أبو زيد عن بعض العرب أنهم يحققون الهمزتين معاً، قال: سمعت من يقول: اللهم اغفر لي خطائئي، كخطاياي بمعنى، وكذا دريئة (1) ودَرَأئئي، وقرأ جماعة من القراء - وهم أهل الكوفة وابن عامر - (أئمة) بهمزتين، وثانيهما تخفيف الثانية كتخفيف الهمزة المتحركة المتحرك ما قبلها إذا لم يكن همزة سواء، فيقول في " أئمة ": أيمة، يجعلها بين الهمزة والياء كما في سَئم، وكذا في نحو أؤمُّكَ، وغير ذلك وفي هذين الوجهين - أعني تحقيقهما وتسهيل الثانية - زاد بعضهم ألفاً بين الأولى والثانية، إذا كانت الأولى مبتدأ بها، لكراهة اجتماع الهمزتين أو شبه الهمزتين في أول الكلمة، واجتماع المثلين في أول الكلمة مكروه، ألا ترى إلى قولهم: أواصل وأوايصل؟ وإذا اجتمع في كلمة همزتان وبينهما ألف لا تقلب واحدة منهما اعتداداً بالفاصل، ألا ترى إلى مذهب من أراد
الجمع بينهما بلا تخفيف كيف يزيد بعضهم ألف الفصل، فيقول أائِمَّة، حتى لا يكون اجتماع همزتين، فكيف لا يعتد بالألف الموجودة فاصلا؟ وأما قلب همزة ذوائب واواً على سبيل الوجوب فلكونه أقصى الجموع، ولكون واحده - أي ذؤابة (2) - مقلوباً همزته في الأغلب واواً
__________
(1) الدريئة: حلقة يتعلم عليها الطعن والرمى، وهى أيضا كل ما استتر به الصياد ليختل الصيد، قال الشاعر: ولقد أرانى للرماح دريئة * من عن يمينى وأمامي (2) الذؤابة: الناصية أو منبتها.
انظر (ح 1 ص 213) (*)(3/58)
كما هو قياس التخفيف في مثله، ومع هذا كله التزام القلب في هذا الجمع على غير قياس، ورآه الأخفش قياساً، تقلب الهمزة الأولى عنده في مثله واواً وجوباً، لاجتماع الهمزتين، والفاصل ضعيف، وليس بوجه، لأن القياس مع اجتماع الهمزتين تخفيف الثانية لا الأولى قوله " جاء وأيمة " قد مضى شرحهما في أول الكتاب قوله " أويدم وأوَادم " أي: في تصغير آدم وجمعه، إذا سميت به، فإن لم تسم به فجمعة أُدْمٌ قوله " وقد صح التسهيل والتحقيق في أئمة " أي: في القراءة، ولم يجئ في القراءة قلب الهمزة الثانية في أئمة ياء صريحة، كما هو الأشهر من مذهب النحاة، بل لم يأت فيها إلا التحقيق أو تسهيل الثانية، وقد ذكرنا أن هذين الحكمين لا يختصان عند بعضهم بأئمة، بل يجريان في كل متحركتين، لكن الأشهر عند النحاة قلب الثانية ياء صريحة قوله " ومنه خطايا في التقدير الأصلي " أي: من اجتماع الهمزتين في كلمة،
وذلك أنه جمع خَطِيئة، وياء فعيلة تقلب في الجمع الأقصى همزةً، كما يجئ في باب الإعلال، نحو كبيرة وكبائر، فصار خطائئ عند سيبويه، فقلبت الثانية ياء، لما ذكرنا أن قياس همزتين في كلمة قلبُ الثانية ياء إذا تطرفت، فصار خطائي، وليس غرضه ههنا إلا اجتماع همزتين في خطايا في الأصل عند سيبويه، فقلبت ثانيتهما ياء، وأما قلب الأولى ياء مفتوحة فسيجئ عن قريب، وأما الخليل فإنه يقول أيضاً: أصله خطايئ بياء بعدها الهمزة، لكنه يقلب فيجعل الياء موضع الهمزة والهمزة موضع الياء، كما مر في أول الكتاب في نحو جاءٍ قوله " والتزم في باب أُكرِمُ حذف الثانية " القياس فيه قلب الثانية واواً(3/59)
كما في أُوَيْدم، لكنه خففت الكلمة بحذف الثانية، لكثرة الاستعمال، كما خففت في خُذْ وكُلْ بالحذف، والقياس قلبها واواً، ثم حُمِل أخواته من تُؤَكرم وَيُؤَكرم عليه، وإن لم يجتمع الهمزتان قوله " وقد التزموا قلبها مفردة ياء مفتوحة في باب مَطَايا " أعلم أن الجمع الأقصى إذا كان آخره ياء ما قبلها همزة لا يخلو من أن يكون في مفرده ألف ثانية بعدها همزة أصلية كشائية من شَأَوْت، أو منقلبة كشَائِية من شِئت أو واو كشَاوية من شَوَيْت، أو ألف ثالثة بعدها واو كإِدَاوَة وهِرَاوة، أو ياء كَدَوَاية وَسِقَاية، أو لم يكن مفرده على شئ من هذه الأوجه: سواء كان لامه همزة كخطيئة، أو لم يكن كَبَلِيَّة فالأصل في جميع جُموع هذه المفردات تخفيف الثقيلين وجوباً، أعني الياء المكسور ما قبلها والهمزة، وذلك لكون الوزن وزن أقصى الجموع، وكون هذين الثقيلين في آخره الذي هو موضع التخفيف،
وتخفيفهما بأن تقلب الياء ألفاً، والكسرة قبلها فتحة، وتقلب الهمزة ياء، وإذا قلبت الياء ألفاً جوازاً في نحو مَدارَى، مع أن ما قبل الياء ليس همزة، فالوجه وجوب القلب ههنا، لثقل الهمزة، وإنما قلبت الهمزة ياء دون الواو لكونها أخف منها وأقرب مخرجاً إلى مخرج الهمزة منها، وإنما قلبت في نحو " حَمْرَاوَانِ " واواً في الأغلب، لا ياء، طلباً للاعتدال، لأن الياء قريبة من الألف، فكأن إيقاع الياء بين الألفين جمعٌ بين ثلاث ألفات، فاستريح من توالي الأمثال إلى الواو مع ثقلها، لخفة البناء، أو لعدم لزوم اكتناف الألفين للواو في المثنى، إذ ألف التثنية غير لازمة، فلا يلزم الواو العارضة بسببها، ولما لزمت ألف التثنية في ثِنَايَان (1) بقيت الياء بحالها، وأما في الجمع الأقصى فلا
__________
(1) الثنايان مما جاء مثنى ولا واحد له، ومعناه مفرد أيضا، فهو يطلق على (*)(3/60)
تقلب واواً، لثقل البناء، ولزوم اكتناف الألفين، فيلزم الواو لو قلبت إليها، وقد جاء في جمع هَدِيَّة هَدَاوى كما في حَمْرَاوَان، وهذا شاذ، إلا عند الأخفش، فإنه رآه قياساً كما في حمراوان وخولف الأصل المذكور في موضعين: أحدهما إذا كان في مفرده ألف بعده همزة نحو شائية من شَأَوْت أو من شِئْت، فتركت الهمزة والياء بحالهما، فقيل: هؤلاء الشَّوَائِي، مراعاة في الجمع للمفرد، كما روعي في نحو حَبَالي وخَنَاثي، كما مر في باب الجمع، وثانيهما إذا كان في مفرده ألف ثالثة بعدها واو، نحو أَدَاوَى وعلاوى فقلبت الهمزة، لكن إلى الواو لا إلى الياء، لمراعاة المفرد أيضاً، وكان على هذا حق ما في مفرده ألف ثانية بعدها واو، كَشوَايا جمع شاوية، أن يراعي مفرده فيقال: شَوَاوِي، لكن لما كان أصله شَوَاوِي، فقلبت الواو التي بعد الألف همزة كما في أواول، لا كتناف حرفي العلة لألف الجمع، لم يقلب الهمزة بعده واواً، لئلا
يكون عَوْداً إلى ما فر منه، فرجع فيه من مراعاة المفرد إلى الجري على الأصل من قلب الهمزة ياء، فقيل: شَوَايَا، في جمع شاوية، وكذا في الجمع الذي في مفرده ألف بعده الياء كالدَّوَاية وَالسِّقَاية لو جمعتا هذا الجمع قيل: دَوَايا وسَقَايا، والياء في هذا أولى لوجهين: لمراعاة المفرد، وللجري على الأصل، وكذا تقول في الجمع الذي ليس في مفرده ألف بعده همزة أو ياء أو واو فقلبت الهمزة ياء والياء ألفاً، كَخَطَايَا وَبَلاَيَا وَبَرَايَا في جمع خطيئة وَبَلِيَّة وبَرِيَّة، وقد جاء فيه هدية وَهَدَاوَى، كما ذكرنا فإذا تقرر هذا فاعلم أن الألف في هذه الجموع كلها مجتلبة للجمع، ولم تكن في المفرد، والهمزة بعد الألف في شَوَاءٍ جمع شائية من شأوت هي الأصلية التي
__________
حبل واحد تشد بأحد طرفيه إحدى يدى البعير وبالاخر الاخرى، قال في اللسان: " وعلقت البعير بثنايين غير مهموز، لانه لا واحد له، وذلك إذا علقت يديه جميعا بحبل أو بطرفي حبل، وإنما لم يهمز لانه لفظ جاء مثنى لا يفرد واحده فيقال ثناء، فتركت الياء على الاصل " اه.
(*)(3/61)
كانت في المفرد، وفي شوَاء من شِئْتُ عارضة في الجمع عروضها في المفرد، والألف التي كانت في مفرديهما قلبت في الجمع واواً، وكذا ألف شاوية قلبت في الجمع واواً، أعني شَوَايَا، وقلبت واو المفرد التي كانت بعد الالف شاوية همزة كما في أوائل، ثم قلبت الهمزة ياء مفتوحة كما ذكرنا، والألف التي كانت في إداوة قلبت في الجمع همزة كما في رسائل وقلبت واوه ياء لانكسار ما قبلها، ثم قلبت الهمزة ياء (1) مفتوحة والياء ألفاً، كما في سِقَأيَة لو قيل: سَقَايَا، والياء في خطيئة تقلب همزة عند سيبويه: كما في صحائف، فيجتمع همزتان، فتقلب الثانية ياء، وتقلب الأولى ياء مفتوحة، كما في بَلاَيَا ونحوها، وتقلب الياء التي بعدها ألفاً، لأن الياء المنقلبة عن همزة على وجه الوجوب حكمها حكم الياء الأصلية، والهمزة الثانية ههنا واجبة القلب إلى الياء،
لكونها متطرفة، كما سبق تحقيقه في هذا الباب، فَخَطَايَا كهَدَايَا، قلبت ياؤها - أي الحرف الأخير - ألفاً، وقال الخليل: أصله خطايئ بالهمزة بعد الياء التي كانت في الواحد، فجعلت الياء في موضع الهمزة والهمزة في موضع الياء، ثم قلبت الهمزة التي كانت لام الكلمة ياءً مفتوحةً، فوزنه (2) فوَالِع، فقول المصنف " ومنه خطايا على القولين " أي: من باب قلب الهمزة المفتوحة ياء مفتوحة على قول الخليل وسيبويه واعلم أنه إذا توالى في كلمة أكثر من همزتين أخذت في التخفيف من الاول
__________
(1) قوله " قلبت الهمزة ياء مفتوحة ... إلخ " ليس بصحيح، فأن الهمزة في جمع إداوة قلبت واوا حملا على المفرد، لا ياء، وهذا أحد الموضعين اللذين خولف فيهما الاصل الذى أصله المؤلف من قبل، والعجب مه أنه صرح بذكر الموضعين اللذين خولف فيهما هذا الاصل ثم غفل عنه (2) قوله " فوزنه فوالع " ليس صحيحا، بل وزن خطايا فعائل عند سيبويه وفعالى - كعذاري -: عند الخليل والكوفيين، على اختلاف بينهما في التقدير، ولعله من تحريف النساخ (*)(3/62)
فخففت الهمزة الثانية، ولم تبتدئ في التخفيف من الآخر، كما فعلت ذلك في حروف العلة في نحو طَوى وَنَوَى، وذلك لفرط استثقالهم لتكرار الهمزة، فيخففون كل ثانية إذ نشأ منها الثقل، إلى أن يصلوا إلى آخر الكلمة فإن بنيت من قَرَأَ مثل سفرجل قلت: قَرَأْيَأ، حقَّقْت الأولى، وقلبت الثانية التي منها نشأ الثقل، وإنما قلبتها ياء، لا واواً، لكونها أقرب مخرجاً إلى الهمزة من الواو، وصححت الأخيرة لعدم مجامعتها إذن للهمزة وإن بنيت مثل سَفَرْجَل من الهمزات قلت: أَوَأْيأ، على قول النحاة،
وأَيَأْيَأ، على قول المازني، كما ذكرنا في قولك: هو أيَمّ منك، فتحقيق الأولى هو القياس، إذ الهمزة الأولى لا تخفف، كما مر، وأما تحقيق الثالثة فلأنك لما قلبت الثانية صارت الثالثة أولى الهمزات، ثم صارت الرابعة كالثانية مجامعة للهمزة التي قبلها، فخففت بقلبها ياء، كما ذكرنا في قرأيأ، ثم صارت الخامسة كالأولى ولو بنيت منها مثل قرطعب (1) قلت: إيئاء، قلبت الثانية ياء كما في إيت، والرابعة ألفا كما في آمن، وتبقى الخامسة بحالها كما في راء وشاء ولو بنيت منها مثل جَحْمَرِش قلت: أاأَيِئ، قُلبت الثانية كما في آمن، والرابعة كما في أيمة، وتبقى الخامسة بحالها، لعدم مجامعتها الهمزة ولو بنيت مثل قُذَعْمِلٍ قلت: أُوَأْيِئ، قلبت الثانية كما في أُوَيْدم، والرابعة كما في قِرَأى، وتبقى الخامسة بحالها فإن اجتمعت الهمزتان في كلمتين والثانية لا محالة متحركة، إذ هي أول الكلمة، فإن كانت الأولى مبتدأ بها، كهمزة الاستفهام، فحكمها حكم الهمزتين
__________
(1) القرطعب - بكسر فسكون ففتح فسكون -: السحابة، وقيل: دابة، انظر (ح 1 ص 51) (*)(3/63)
في كلمة إذا كانت الأولى مبتدأ بها كأيمة وايتمن، فلا تخفف الأولى إجماعاً، وتخفف الثانية كما ذكرنا من حالها في كلمة سواء، إلا أن تحقيق الثانية ههنا أكثر منه إذا كانتا في كلمة، لأن همزة الاستفهام كلمة برأسها، وإن كانت من حيث كونُها على حرف كجزء مما بعدها، فَمَن فَصَل هناك بالألف بين الهمزتين المتحركتين: المحققتين، أو المسهلة ثانيتهما نحو أيِمّة، فصَل ههنا أيضاً، ومن لم يفصل هناك لم يفصل ههنا أيضاً.
قال:
136 - أيَا ظَبْيَةَ الْوَعْسَاءِ بَيْنَ جُلاَجِلٍ * وَبَيْنَ النَّقَا آآنْتِ أَمْ أُمُّ سَالِم (1) وقال: 137 - حُزُقٌّ إِذَا ما الناس أبدوا فكاهة * تفكرا إياه يَعْنُونَ أَمْ قِرْدَا (2) وإذا كانت الأولى همزة استفهام والثانية همزة وصل، فإن كانت مكسورة أو مضمومة حذفت، نحو أصْطَفَى وأَصْطُفيَ، وإلا قلبت الثانية ألفاً، أو سهلت كما
__________
(1) هذا بيت من الطويل من قصيدة طويلة لذي الرمة غيلان بن عقبة، وقبله قوله: أقُولُ لِدَهْنَاوِيَّةٍ عَوْهَجٍ جَرَتْ * لَنَا بَيْنَ أعْلَى عرفة فالصرائم والدهناوية: المنسوبة إلى الدهناء، وهو موضع في بلاد تميم، وأراد ظبية، والعوهج كجوهر -: الطويلة العنق، وجرت: أراد به سنحت، وعرفة - بضم العين وسكون الراء المهملتين -: القطعة المرتفعة من الرمل، والصرائم، جمع صريمة، وهى القطعة من الرمل أيضا، وبيت الشاهد كله مقول القول، والوعساء: الارض اللينة ذات الرمل، وجلاجل - بجيمين، أو بمهملتين -: اسم مكان بعينه، والنقا: التل من الرمل، وأم سالم: كنية محبوبته مية.
والاستشها بالبيت في قوله " آأنت " حيث فصل بين الهمزتين بألف زائدة (2) هذا البيت من الطويل، وهو من كلمة لجامع بن عمرو بن مرخية الكلابي، والحزق - كعتل -: القصير العظيم البطن إذا مشى أدار أليته، وأبدوا: أظهروا، والاستشهاد بالبيت في قوله " آإياه " حيث زاد بين همزة الاستفهام والهمزة التى في أول الكلمة ألفا، على نحو ما في الشاهد السابق (*)(3/64)
تقدم، وإن لم تكن الأولى ابتداء - وذلك في غير همزة الاستفهام، ولا تكون الثانية إلا متحركة كما قلنا - فالأولى: إما أن تكون ساكنة أو متحركة، وفي كلا الوجهين قال سيبويه: إن أهل التحقيق - يعني غير أهل الحجاز -
يخففون إحداهما ويستثقلون التحقيق فيهما، كما يستثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة، قال: ليس من كلام العرب أن تلتقي الهمزتان فتحققا، فإن كانتا متحركتين فمنهم من يخفف الأولى دون الثانية، لكونها آخر الكلمة والأواخر محل التغيير، وهو قول أبي عمرو، ومنهم من يخفف الثانية دون الأولى، لأن الاستثقال منها جاء، كما فعلوا في الهمزتين في كلمة، وهو قول الخليل، وقد اختار جماعة وهم قُرّاء الكوفة وابنُ عامر التحقيقَ فيهما معاً، كما فعلوا ذلك بالهمزتين في كلمة، وهو ههنا أولى، لافتراق الهمزتين تقديراً، وأما أهل الحجاز فيستعملون التخفيف فيهما معاً كما فعلوا ذلك في الهمزة الواحدة، فمن خفف الأولى وحدها فكيفيته ما مر من الحذف أو القلب أو التسهيل، كما مر في الهمزة المفردة فليرجع إليه، ومن خفف الثانية وحدها كانت كالهمزة المتحركة بعد متحرك، فيجئ الأوجه التسعة المذكورة، فليرجع إلى أحكامها، فهي هل بعينها، فيجئ في " يشاء إلى " المذاهب الثلاثة في الثانية: بين بينَ المشهورُ، والبعيدُ، وقلبها واواً، وفي نحو هذا ءأمك (1) : التسهيل المشهورُ، والبعيدُ، وقلبُها ياء.
ونقل عن أبي عمرو حذفُ أولى المتفقتين، نحو أَوْلِياءُ أولئك، و (جاء أشراطها) ، ومن السَّماء إنْ.
ونقل عن ورش وقُنْبل (2) في ثانية
__________
(1) وقع في جميع الاصول " هذا إمك " وهو من تحريف النساخ والغفلة عن مراد المؤلف، فان غرضه التمثيل لاجتماع همزتين من كلمتين، و " ذاء " بهمزة مكسورة بعد الالف لغة في " ذا " اسم الاشارة، قال الراجز: هذائه الدفتر خير دفتر (2) قنبل - كقنفذ -: أصله الغلام الحاد الرأس الخفيف الروح، وقد لقب به محمد بن عبد الرحمن أحد القراء (*)(3/65)
المتفقتين قلبها حرف مد صريحاً: أي ألفاً إن انفتحت الأولى، وواواً إن انضمت
وياء إن انكسرت، وهذا معنى قوله " وجاء في المتفقتين حذف إحداهما، وقلب الثانية كالساكنة " ومن خففها معاً - وهم أهل الحجاز - جمع بين وجهي التخفيف المذكورين الآن.
وأما إن كانت الأولى ساكنة نحو اقرأ آية، وأقْرِئْ أباك السلام، ولم يردُؤ أبوك، ففيه أيضا أربعة مذاهب: أهلُ الحجاز يخففونهما معاً، وغيرهم يحققون: إمّا الأولى وحدها، أو الثانية وحدها، وجماعة يحققونها معاً - كما ذكرنا في المتحركتين - وهم الكوفيون، وحكى أبو زيد عن العرب مذهباً خامساً، وهو إدغام الأولى في الثانية كما في سائر الحروف، فمن خفف الأولى وحدها قلبها ألفاً إن انفتح ما قبلها، وواواً إن انضم، وياء إن انكسر، ومن خفف الثانية فقط نقل حركتها إلى الأولى الساكنة وحذَفها، وأهل الحجاز المخففون لهما معاً قلبوا الأولى ألفاً أو ياء أو واواً، وسهلوا الثانية بينَ بينَ إذا وليت الالف، لامتناع النقل إلى الالف، وحذفوها بعد نقل الحركة إلى ما قبلها إذا وليت الواو والياء، لإمكان ذلك، فيقولون: اقْرَا آية، بالألف في الأولى والتسهيل في الثانية، وأقْرِيَ أباك، بالياء المفتوحة بفتحة الهمزة المحذوفة، ولم يردوا أبوك، بالواو المفتوحة، وعليه قس نحو لم تَردُوُ امُّك، ولم تَرْدُوِ ابِلُكَ، وغير ذلك، وكذا إذا كانت الثانية وحدها ساكنة، نحو من شاءَ ائْتُمِنَ، فلا بد من تحريك أولاهما فيصير من هذا القسم الاخير.
قال: " الإِعْلاَلُ: تَغْييرُ حَرْفِ الْعِلَّةِ لِلتَّخْفِيفِ، وَيَجْمَعُهْ الْقَلْبُ، وَالْحَذْفُ، وَالإْسْكانُ.
وَحُرُوفُةُ الأَلفُ، وَالْوَاوُ، وَالْيَاءُ.
وَلاَ تكون الالف أصلا في الْمُتَمَكِّن وَلاَ فِي فِعْلٍ، وَلَكِنْ عَنْ وَاو أَوْ يَاءِ " أقول: اعلم أن لفظ الإعلال في اصطلاحهم مختص بتغيير حرف العلة: أي(3/66)
الألف والواو والياء، بالقلب أو الحذف، أو الإسكان.
ولا يقال لتغيير الهمزة بأحد الثلاثة: إعلال، نحو رَاسٍ ومَسَلَةٍ والمِرَاةِ، بل يقال: إنه تخفيف للهمزة، ولا يقال أيضاً لإبدال غير حروف العلة والهمزة، نحو هِيَّاك وعَلِجِّ (1) في إيّاكَ وعَلِيٍّ.
ولا لحذفها نحو حرفي حِرْح، ولا لإسكانها نحو إبْلٍ في إبِل، ولفظ القلب مختص في اصطلاحهم بإبدال حروف العلة والهمزة بعضها مكان بعض، والمشهور في غير الأربعة لفظ الإبدال، وكذا يستعمل في الهمزة أيضاً قوله: " للتخفيف " احتراز عن تغيير حرف العلة في الأسماء الستة نحو أبوك وأباك وأبيك، وفي المثنى وجمع السلامة المذكر نحو مُسلمان وَمُسلِمَيْن، ومَسلِمُون ومسْلِمِين، فإن ذلك للإعراب لا للتخفيف، وقد اشتهر في اصطلاحهم الحذف الإعلالي للحذف الذي يكون لعلة موجبة على سبيل الإطراد، كحذف ألف عصاً وياء قاضٍ، والحذف الترخيميُّ والحذفُ لا لعلة غير المطرد، كحذف لام يدودم وإن كان أيضاً حذفا للتخفيف قوله " ويجمعه القلبُ، والحذفُ، والإسكانُ " تفسيره كما ذكرنا في تخفيف الهمزة في قوله " يجمعه الإبدال، والحذف، وبين وبين " قوله: " وحروفه الألف، والواو، والياء " أي: حروف الاعلال، تسمى
__________
(1) هذا التمثيل غير صحيح، وذلك لان هياك أصله إياك، فهو من إبدال الهمزة، وعلج أصله على، فهو من إبدال الياء، وهو أحد حروف العلة، وبعيد أن يكون غرضه المبدل لا المبدل منه، وخير من هذا أن يمثل بأصيلال، وأصله أصيلان، فأبدل النون لاما، ومنه قول النابغة الذبيانى وقفت فيها أصيلالا أسائلها * عيت جَوَاباً وَمَا بالرَّبْعِ مِنْ أحَدِ والتمثيل بالطجع، وأصله اضطجع، فأبدلت الضاد لاما، ومنه قول الرجز: لَمَّا رأَى أنْ لاَدَعَه وَلاَ شَبَعْ * مَالَ إلى أرطاة حقف فالطجع (*)(3/67)
الثلاثة حروف العلة، لأنها تتغير ولا تبقى على حال، كالعليل المنحرف المزاج المتغير حال بحال، وتغيير هذه الحروف لطلب الخفة ليس لغاية ثقلها بل لغاية خفتها، بحيث لا تحتمل أدنى ثقل، وأيضاً لكثرتها في الكلام، لأنه إن خلت كلمة من أحدها فخلوها من أبعاضها - أعني الحركات - محال، وكلُّ كثير مستثقلٌ وإن خف قوله " ولا تكون الالف أصلا في المتمكن ": أما في الثلاثي فلأن الابتداء بالألف محال والآخر مورد الحركات الإعرابية، والوسط يتحرك في التصغير، فلم يمكن وضعها ألفاً، وأما في الرباعي فالأول والثاني والرابع لما مر في الثلاثي، والثالث لتحركه في التصغير، وأما في الخماسي فالأول والثاني والثالث لما مر في الثلاثيِّ والرباعيِّ، والخامسُ لأنه مورد الإعراب، والرابعُ لكونه معتقب الإعراب في التصغير والتكسير، وأما في الفعل الثلاثي فلتحرك ثلاثتها في الماضي، وأما في الرباعي فلاتباعه الثلاثيّ وقد ذكر بعضهم أن الألف في نحو حاحيت وعاعيت غير منقلبة كما مر في باب ذى الزيادة (1)
__________
(1) لم يذكر المؤلف النسبة بين الابدال والقلب والاعلال وتخفيف الهمزة والتعويض، وهذه الاشياء بين بعضها وبعض مناسبات وفروق، فيجمل بالباحث معرفة ما بينها من الصلات وما بينها من الفروق، وسنذكر لك حقيقة كل واحد من هذه الانواع ثم نبين وجوه الاتحاد والاختلاف فنقول: (1) الابدال في اللغة مصدر قولك: أبدلت الشئ من الشئ، إذا أقمته مقامه ويقال في هذا المعنى: أبدلته، وبدلته، وتبدلته، واستبدلته، وتبدلت به، واستبدلت به، قال سيبويه: " ويقول الرجل للرجل: اذهب معك بفلان، فيقول: معى رجل
بدله: أي رجل يغنى غناءه ويكون في مكانه " اه والابدال في اصطلاح علماء العربية: جعل حرف في مكان حرف آخر، وهو (*)(3/68)
[ ... ]
__________
عندهم لا يختص بأحرف العلة وما يشبه أحرف العلة، سواء أكان للادغام أم لم يكن، وسواء أكان لازما أم غير لازم، ولا بد فيه من أن يكون الحرف المبدل في مكان الحرف المبدل منه وإذا تأملت هذا علمت أنه لا فرق بين الابدال في اللغة والابدال في اصطلاح أهل هذه الصناعة إلا من جهة أن الاصطلاح خصه بالحروف، وقد كان في اللغة عاما في الحروف وفى غيرها (ب) وللعلماء في تفسير القلب ثلاث طرق: الاولى - وهى التى ذكرها الرضى هنا - أنه جعل حروف العلة والهمزة بعضها مكان بعض، وهو على هذا التفسير يشمل تخفيف الهمزة في نحو بير وسوتم وراس، ويخرج منه إبدال الواو والياء تاء في نحوا اتعد واتسر.
والطريق الثانية - وهى التى سلكها ان الحاجب - أنه جعل حرف مكان حرف العلة للتخفيف، فهو عنده خاص بأن يكون المقلوب حرف علة، وأن يكون القلب للتخفيف، وهو من ناحية أخرى عام في المقلوب إليه حرف العلة، فيخرج عنه تخفيف الهمزة في نحو بير وسوتم وراس وخطايا، ويدخل فيه قلب الواو والياء تاء نحو اتعد واتسر، وهمزة نحو أواصل وأجوه وأقتت والاول.
والطريق الثالثة - وهى التى سلكها غير هذين من متأخرى الصرفيين كالزمخشري وابن مالك - أنه جعل حروف العلة بعضها مكان بعض، فيخرج عنه تخفيف الهمزة وقلب حرف العلة تاء أو همزة أو غيرهما من الحروف الصحيحة، ويدخل هذان النوعان عند هؤلاء في الابدال
(ح) الاعلال في اصطلاح علماء العربية: تغيير حرف العلة بالقلب أو التسكين أو الحذف قصدا إلى التخفيف (د) تخفيف الهمزة: تغييرها بحذفها أو قلبها إلى حرف من حروف العلة، أو جعلها بين الهمزة وحروف العلة (هـ) التعويض في اللغة: جعل الشئ خلفا عن غيره، وفى الاصطلاح: جعل الحرف خلفا عن الحرف.
وللعلماء فيه مذهبان: أحدهما أنه يشترط كون الحرف المعوض في غير مكان الحرف المعوض منه، وهذا ضعيف وإن اشتهر عند الكثيرين، (*)(3/69)
[ ... ]
__________
والثانى أنه يجوز فيه أن يكون الحرف المعوض في غير مكان المعوض منه، وهو الغالب الكثير، نحو صفة وعدة، ونحو ابن واسم بناء على أنه من السمو، ويجوز أن يكون المعوض في مكان المعوض منه، كالتاء في أخت وبنت بناء على رأى، وكالالف في اسم بناء على أنه من الوسم، وكالياء في فرازيق وفريزيق، فانهما في مكان الدال من فرزدق.
فإذا علمت هذا تبين لك ما يأتي: أولا: أن بين الابدال والقلب - على الطريق الاولى - العموم والخصوص المطلق، إذ يجتمعان في إبدال حروف العلة والهمزة، وينفرد الابدال في ادكر أو الطجع ونحوهما مما ليس في حروف العلة والهمزة ثانيا: أن بين الابدال والقلب - على الطريق الثانية - العموم والخصوص المطلق أيضا، إذ يجتمعان في نحو قال وباع وميزان وكساء ورداء واتصل واتسر، وينفرد الابدال في تظنى وفى أصيلال ونحوها ثالثا: أن بين الابدال والقلب - على الطريق الثالثة - العموم والخصوص المطلق
أيضا، إذ يجتمعان في نحو قال وباع وميزان وسيد وميت، وينفرد الابدال في نحو دينار وقيراط وعلج وتميمج رابعا: أن بين الابدال والاعلال عموما وخصوصا وجهيا، إذ يجتمعان في نحو قال ورمى، وينفرد الابدال في نحو ادكر وازدحم واصطبر واضطجع، وينفرد الاعلال في نحو يقول ويبيع ويذكو ويسمو ويرمى ويقضى، ويعد ويصف، وعد وصف: أمرين من وعد ووصف خامسا: أن بين الابدال وتخفيف الهمزة عموما وخصوصا وجهيا إذ يجتمعان في نحو راس وبير ولوم، وينفرد الابدال في هراق في أراق، وهياك في إياك، وينفرد تخفيف الهمزة في نحو مسلة في مسألة وجيل في جيأل، وضو في ضوء، وشى في شئ سادسا: أن بيد الابدال والتعويض على المشهور التباين، إذ يشترط في الابدال كون المبدل في مكان المبدل منه، ويشترط في التعويض أن يكون العوض في غير مكان المعوض منه.
وعلى غير المشهور يكون بينهما العموم والخصوص المطلق، فكل (*)(3/70)
قال: " وقد اتفقتا فاءين كوعد وَيُسْر، وَعَيْنَينِ كَقُوْل وَبَيْع، وَلاَمَيْنِ كَغَزو وَرَمْيٍ، وعينا وَلاَماً كَقُوَّةٍ وَحَيَّةٍ، وَتَقَدَّمَتْ كُلُّ واحدة عَلَى الأُخْرَى: فَاءً وَعَيْناً كَيَوْم وَوَيْلٍ، وَاخْتَلَفَتَا فِي أَنَّ الْوَاوَ تَقَدَّمَتْ عَيْناً عَلَى الْيَاءِ لاَماً، بِخِلاَفِ الْعَكْسِ، وَوَاوُ حَيَوَانٍ بَدِّلٌ مِنَ الْيَاء، وَأَنَّ الْيَاءَ وَقَعَتْ فَاءً وَعَيْناً فِي يين،
__________
إبدال تعويض ولا عكس، إذ يجتمعان في نحو فرازيق، وينفرد التعويض في نحو عدة وزنة وابن سابعا: أن بين الاعلال وتخفيف الهمزة التباين، إذ الاعلال خاص بحروف العلة، وتخفيف الهمزة خاص بالهمزة بداهة، ومن أدخل الهمزة في حروف العلة أو نص عليها في تعريف الاعلال، فقال: " إنه تغيير حروف العلة أو الهمزة بالقلب
أو الحذف أو الإسكان " كان بين الاعلال وتخفيف الهمزة عنده العموم والخصوص الوجهى، إذ يجتمعان في نحو سال ومقرو، ونبى على أنه من النبأ، وينفرد الاعلال في نحو قال وباع ويقول ويبيع وقل وبع، وينفرد تخفيف الهمزة في جعلها بين بين ثامنا: أن بين الاعلال والقلب - على الطريق الاولى - العموم والخصوص الوجهى، إذ يجتمعان في نحو قال، وينفرد الاعلال في نحو يقول وقل، وينفرد القلب في نحو بير وراس، وهذا على الرأى المشهور.
أما على رأى من يجعل الهمزة من حروف العلة فيكون بين القلب والاعلال - على الطريق المذكورة - العموم والخصوص المطلق، إذ ينفرد الاعلال عن القلب في الحذف والتسكين، ويكون بينهما - على الطريق الثانيه والثالثة - العموم والخصوص المطلق، إذ يجتمعان في نحو قال ورمى وأواصل واتعد واتسر، وينفرد الاعلال في الحذف والاسكان تاسعا: أن بين الاعلال والتعويض التباين عاشرا: أن بين القلب - على الطريق الاولى - وتخفيف الهمزة العموم والخصوص الوجهى، إذ يجتمعان في نحو بير، وينفرد تخفيف الهمزة في نحو مسلة، وينفرد القلب في نحو قال.
أما على الطريق الثانية والثالثة فبينهما التباين، إذ شرط القلب أن يكون المقلوب حرفا من حروف العلة، وتخفيف الهمزة خاص بها حادى عشر: أن بين تخفيف الهمزة والتعويض التباين، وهو واضح(3/71)
وَفَاءً وَلاَماً فِي يَدَيْتُ، بِخِلافِ الْوَاوِ، إلاَّ فِي أَوَّلَ عَلَى الأَصَحِّ، وَإلاَّ فِي الْوَاوِ عَلَى وَجْهٍ، وَأَنّ الْيَاءِ وَقَعَتْ فَاءً وَعَيْناً ولاما في يبيت، بِخِلاَفِ الْوَاوِ إلاَّ فِي الْوَاوِ عَلَى وَجْهٍ " أقول: اعلم أن كون الفاء ياء والعين واواً لم يسمع إلا في يَوْم ويُوح (1) ، ولم
يسمع العكس إلا في نحو وَيْل (2) وَوَيْح (3) وَوَيْس (4) ووَيْب (5) ، واتفقتا أيضاً في كونهما عيناً ولاماً كَقَوٍّ (6) وَبَوِّ (7) وَحَيٍّ وَعِيٍّ (8) ، وكلاهما قليلان قلة كون العين واللام حلقيين كلحِحَ (9) وَبَعَّ (10) وبخ (11) ، وأهمل كونهما
__________
(1) يوح، ويوحى - كطوبى -: من أسماء الشمس، انظر (ح 1 ص 35) (2) الويل: كلمة يراد بها الدعاء بالعذاب.
انظر (ح 1 ص 35) (3) ويح: كلمة رحمة.
انظر (ح 1 ص 35) (4) ويس: كلمة تستعمل في الرحمة، وفى استملاح الصبى.
انظر (ح 1 ص 35) ، والويس أيضا: الفقر، وما يريده الانسان، فهو من أسماء الاضداد (5) ويب: كلمة بمعنى الويل.
انظر (ح 1 ص 35) .
وتستعمل أيضا بمعنى العجب، يقال: ويبا لهذا: أي عجبا له (6) القو: موضع بين فيد والنباج، وهما في طريق مكة من الكوفة، وقيل: هو واد بين اليمامة وهجر، وقيل: منزل ينزله الذاهب من البصرة إلى المدينة بعد أن يرحل من النباج، قال الشاعر: سما لك شوق بعد ما كان أقصرا * وحلت سليمى بطن قو فعرعرا (7) البو - بفتح الباء وتشديد الواو -: الحوار، وهو ولد الناقة، وقيل: البو: جلد الحوار يحشى تبنا أو ثماما أو حشيشا ثم يقرب إلى أم الفصيل لتر أمه فتدر عليه، وقيل في المثل: " حرك لها حوارها تحن " (8) العى - بكسر العين المهملة وتشديد الياء -: مصدر عيى - كرضى - وهو الحصر (9) لحح: بوزن فرح، يقال: لححت عينه، إذا لصقت بالرمص والقذى (10) يقال: بع السحاب، إذا كثر نزول مطره (11) يقال: بخ الرجل، إذ سكنت ثورة غضبه، ويقال: بخ في نومه، إذا غط (*)(3/72)
همزتين، وندر كونهما هاءين، نحو قَةَ (1) وَكَهَّ (2) في وجهي، وكون الواو عيناً والياء لاماً نحو طويت أكثر من كون العين واللام واوين كَقُوَّة، فالحمل على الأول عند خفاء الأصل أولى، فيقال: إن ذا في اسم الإشارة أصله ذَوَى لا ذَوَو (3) قوله " الواو تقدمت عيناً على الياء لاماً " هو كثير: (نحو) طَوَيْت وَنَوَيْت وَغَوِيتُ، بخلاف العكس: أي لم يأت العين ياء واللام واواً، لأن الوجه أن يكون الحرف الأخير أخف مما قبله، لتثاقل الكلمة كلما ازدادت حروفها، والحرف الأخير معْتقَب الإعراب قوله " وواو حيوان بدل من ياء " عند سيبويه وأصحابه، أبدلت منها لتوالى الياءين، وأبدلت الثانية، لأن استكراه التتالي إنما حصل لأجلها، وأيضاً لو أبدلت العين واواً لحمل على باب طَوَيْت الكثيرِ، وظن أنها أصل في موضعها، لكثرة هذا الباب، فلما قلبت الثانية واواً صارت مستنكرة في موضعها، فيتنبه بذلك على كونها غير أصل، وقال المازني: واو حَيَوان أصل، وليس في حَيِيتُ دليل على كون الثانية ياء، لجواز أن يكون كشقيت ورضيت، قلبت ياء لانكسار ما قبلها، لكن سيبويه حكم بما حكم لعدم نظيره في كلامهم لو جعل الواو أصلاً.
قوله " وأن الياء وقعت فاء وعينا في يين " هو وادٍ ولا أعلم له نظيرا
__________
(1) يقال: قه الرجل، إذا رجع في ضحكه، أو اشتد ضحكه، أو قال في ضحكه: قه (2) يقال: استنكهت السكران فكه في وجهه، إذا طلبت منه أن يخرج نفسه لتشم رائحته فأخرجه، وهو مثل جلس يجلس جلوسا
(3) انظر (ج 2 ص 36) ثم (ج 1 ص 285) فقد أشبعنا الكلام عليها هناك (*)(3/73)
قوله " إلا في أوَّل على الأصح " يعني أن فاءه وعينه واوان أيضاً على الأصح، كما مر (1) فالحق أن الواو والياء متفقتان ههنا في كون كل واحدة منهما فاء وعيناً، كل واحدة منهما في كلمة واحدة فقط (2) ، وكون الفاء والعين من جنس واحد قليل نادر في غير حروف العلة أيضاً نحو بير (3) لا لتقاء مثلين مع تعذر إدغام أولهما في الثاني، وتقل الكراهة شيئاً بوقوع فصل نحو كَوْكَب، وبحصول موجب الإدغام كما في أوَّل قوله " وفاء ولاما في يَدَيْت " أي: أصبت يده، وأنعمت قوله " إلا في الواو على وجه " ذهب أبو علي إلى أن أصل واو وَيَو لكراهة بناء الكلمة عن الواوات، ولم يجئ ذلك في الحرف الصحيح إلا لفظة بَبِّه (4) ، وذلك لكونها صوتاً، وذهب الأخفش إلى أن أصله وَوَو، لعدم تقدم الياء عيناً على الواو لاما، فتقول على مذهب أبي علي: وَيَّيْتُ واواً، قلبت الواو الأخيرة ياء كما في أعْلَيْت، وتقول في مذهب الأخفش: أوَّيْتُ، وقال ثعلب: وَوَّيْتُ، ورده ابن جني، وهو الحق، وذلك لأن الاستثقال في وَوَّيْت أكثر منه في وَوَاصل، لاجتماع ثلاث واوات واعلم أن تماثل الفاء واللام في الثلاثي قليل، وإن كانا صحيحين أيضاً كَقَلًق وَسَلَس.
قوله " وأن الياء وقعت فاء وعينا ولاما في يَيَّيْتُ " مذهب أبي علي أن
__________
(1) انظر (ج 2 ص 340 و 341) (2) هذه الجملة حال من الواو والياء (3) الببر: ضرب من السباع شبيه بالنمر انظر (ج 2 ص 367) (4) ببة: حكاية صوت صبى، ولقب لعبد الله بن الحارث وقالت أمه هند
بنت أبى سفيان وهى ترقصه: لانكحن ببه * جارية خدته مكرمة محبه * تجب أهل الكعبه (*)(3/74)
أصل الياء يَوَى، فتقول: يَوَّيْت ياء حسنة: أي كتبت ياء، وعند غيره أصله يَيَي، وكذا الخلاف بينهم في جميع ما هو على حرفين من أسماء حروف المعجم ثانية ألف، نحو باتا ثا را، فهم يقولون: بَيَّيْت وتييت وثييت، إلى آخرها، وقال أبو علي: بَوَّيْتُ إلى آخرها، وعند أبي على جمعها: أَبْوَاء وأَتْوَاء وعند غيره: أَبْيَاء وَأَتْيَاء، وإنما حكموا بذلك لورود الإمالة في جميعها، وليس بشئ، لأنه إنما تمال هذه الأسماء وهي غير متمكنة فألفاتها في ذلك الوقت أصل، كألف ماولا، وإنما يحكم على ألفاتها بكونها منقلبة إذا زيد على آخرها ألف أخرى وصيرت همزة، قياساً على نحو رداء وكساء، وذلك عند وقوعها مركبة معربة، فألحقوا إذن ألفاتها بألفات سائر المعربات في كونها منقلبة، وهي لا تمال ألفها إذن، كما مر في باب الإمالة (1) ، فلا دلالة إذن في إمالتها قبل التركيب على كون ألفاتها بعد التركيب في الأصل ياء، وإنما حكم أبو علي بكونها واواً وبأن لامها ياء لكثرة باب طَوَيْت ولويت، وكونه أغلب من باب قُوَّة وَحَييت، وأما حيوان فواوه ياء على الأصح، كما مر، وما ثانية ألف من هذه الأسماء وبعده حرف صحيح نحو دال ذال صاد ضاد كاف لام فقبل إعرابها وتكريبها لا أصل لألفاتها، لكونها غير متمكنة في الأصل، كما مر، وأما بعد إعرابها فجعلها في الأصل واواً أولى من جعلها ياء، لأن باب دار ونار أكثر من باب ناب وغاب، فتقول: ضَوَّدْتُ ضاداً، وكَوَّفت كافاً، وَدَوَّلت دالاً، والجمع أضواد وأكواف وأدوال، وأما جيم وشين وعَيْن فعينها ياء نحو بَيْت ودِيك، إذ الياء موجودة، ولا دليل على كونها عن الواو، ويجوز عند
سيبويه أن يكون أصل جيم فُعْلاً - بضم الفاء، وفِعْلاً - بكسرها - خلافا للاخفش (2)
__________
(1) انظر (ص 26) من هذا الجزء (2) اعلم أن سيبويه والاخفش قد اختلفا في الياء الساكنة المضموم ما قبلها إذا لم تكن عينا لفعلى ولا عينا لجمع: هل تقلب الضمة كسرة لتسلم الياء؟ أو تقلب (*)(3/75)
قال: " الفاء: تُقْلَبُ الْوَاوُ هَمْزَةً لُزُوماً فِي نَحْوِ أَوَاصِلَ وَأُوَيْصِلٍ، وَالأُوَلِ، إِذَا تَحَرَّكَتِ الثَّانِيَةُ، بِخِلاَفِ وُورِيَ، وَجَوَازاً فِي نَحْوِ أجُوهٍ وَأُورِيَ، وَقَالَ الْمَازِنِيُّ: وَفِي نَحْوِ إشَاحٍ، وَالْتَزَمُوهُ فِي الأَولَى حَمْلاً عَلَى الأَوَلِ، وأما أُنَاةٌ وَأَحَدٌ وَأَسْمَاءُ فَعَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ ".
أقول: اعلم أنهم استثقلوا اجتماع المثلين في أول الكلمة، فلذلك قل نحو ببر وددن، فالواوان إذا وقعتا في الصدر - والواو أثقل حروف العلة - قلبت أولاهما همزة وجوباً، إلا إذا كانت الثانية مدة منقلبة عن حرف زائد، نحو وُورِيَ في وَارَى، فإنه لا يجب قلب الأولى همزة، لعروض الثانية من جهتين: من جهة الزيادة، ومن جهة انقلابها عن الألف، ولكون المد مخففاً لبعض الثقل، وإن لم تكن الثانية مدة: سواء كانت منقلبة عن حرف زائد كأواصل وَأُوَيْصل، أو غير منقلبة عنه كأوْعَد على جَوْرَبٍ من وعد، وكذا إن كانت مدة لكنها غير منقلبة عن شئ كما تقول من وعد على وزن طُومَار (1) : أو عاد، وجب قلبُ الأولى همزة، وكذا إذا كانت الثانية منقلبة عن حرف أصلي، كما قال الخليل في فُعْل من وَأَيْتُ مخففاً: أُويٌ (2) ومن ذلك مذهب الكوفية في أُولى، فإن أصله عندهم وؤلى، ثم وولى
__________
الياء واوا لتسلم الضمة؟ ذهب سيبويه إلى الاول والاخفش إلى الثاني، وسيأتى هذا الخلاف مبسوطا ومعللا في كلام المؤلف في هذا الباب، فقول المؤلف " ويجوز عند سيبويه أن يكون أصل جيم فُعْلاً - بضم الفاء - وفِعْلاً - بكسرها -
خلافاً للأخفش " معناه أنه يتعين على قول الاخفش أن تكون على فعل - بالكسر - إذ لو كانت فعلا - بالضم - لوجب عنده قلب الياء واوا، فكان يقال: جوم، وأما على مذهب سيبويه فيجوز أن تكون الكسرة أصلية، فهو فعل - بالكسر - ويجوز أن تكون الكسرة منقلبة عن ضمة فأصله فعل - بالضم - (1) الطومار: الصحيفة.
وانظر (ح 1 ص 198، 217) (2) أصل أوى وؤى - كقفل - ثم خفف بقلب همزته الساكنة واوا كما تخفف سؤلا: فصار وويا، فاجتمع واوان في أول الكلمة فوجب قلب أولاهما همزة.
(*)(3/76)
ثم أولى، وعليه قراءة قالون (عَادَ لُؤلَى) (1) بالهمزة عند نقل حركة همزة أولى إلى لام التعريف، ورد المازني على الخليل بأن الواو في مثله عارضة غير لازمة، إذ تخفيف الهمزة في مثله غير واجب، فقال: يجوز أُويٌ ووُويٌ، لضمة الواو، لا لاجتماع الواوين، كما في وجوه وأجوه وإن كانت الثانية أصلية غير منقلبة عن شئ وجب قلب الأولى همزة: سواء كانت الثانية مدة كما في الأولى عند البصرية وأصله وولى، أو غير مدة كالأول عندهم.
وقول المصنف " إذا تحركت الثانية " هذا شرط لم يشترطه الفحول من النحاة كما رأيت من قول الخليل: أوى، في وُوى، وقال الفارسي أيضاً إذا اجتمع الواوان أبدلت الأولى منهما همزة كأويصل، ثم قال: ومن هذا قولهم الأولى في تأنيث الأول، ثم قال: وإن كانت الثانية غير لازمة لم يلزم إبدال الأولى منهما همزة كما في ووُرِي، وقال سيبويه: إذا بنيت من وعد مثل كوكب قلت: أوعد، فقد رأيت كيف خالفوا قول المصنف، وبنى المصنف على مذهبه أن قلب الأولى في أوى (2)
__________
(1) أنظر (ح 2 ص 341) (2) أصل أوى - كفتى -: ووأى - ككوكب - من وأى يئى، ثم خفف بالقاء حركة الهمزة على الساكن قبلها وحذف الهمزة، فصار ووى - كفتى - وعند المصنف أن الواوين المجتمعتين في أول الكلمة إن كانت الثانية متحركة بحركة أصلية وجب قلب الاولى همزة، وإن كانت الثانية ساكنة أو متحركة بحركة عارضة جاز قلب الاولى همزة وجاز بقاؤها، فيجوز عنده على هذا أن تقول: ووى، وأن تقول: أوى، وذلك لان حركة الواو الثانية عارضة بسبب تخفيف الهمزة، وخالفه في ذلك المؤلف المحقق تبعا لمن ذكرهم من فحول النحاة، فأوجب قلب أولى الواوين المصدرتين همزة: سواء أكانت الثانية ساكنة أم متحركة بحركة أصلية أو عارضة بشرط ألا تكون الثانية مدة منقلبة عن حرف زائد، كما في وورى، فيقول في مِثْلِ كَوْكَبٍ مِنْ وَأيْتُ مَخَفَّفاً: أوى، لاغير (*)(3/77)
- كما يجئ في مسائل التمرين - غَيْرُ واجب، وأن واواً أولى قلبت همزةً وجوباً، حملاً للواحد على الجمع هذا، وإنما قلبت الواو المستثقلة همزة لاياء لفرط التقارب بين الواو والياء، والهمزة أبعد شيئاً، فلو قلت ياء لكان كأن اجتماع الواوين المستثقل باق.
قوله " وجواز في نحو أُجُوه وأورِي " كل واو مخففة غير ما ذكرنا مضمومة ضمة لازمة: سواء كانت في أول الكلمة كوُجُوه، ووُعِد، وووري، أو في حشوها كأدْؤُر وأنْؤُر والنُّؤُور (1) فقلبها همزة جائز جوازاً مطرداً لا ينكسر، وذلك لأن الضمة بعض الواو، فكأنه اجتمع واوان، وكان قياس الواوين المجتمعين غير أول نحو طَوَوِيّ جواز قلب الأولى همزة، لكن لما كان ذلك الاجتماع بياء النسبة وهي عارضة كالعدم - كما تقرر في باب النسبة - صار الاجتماع كلا اجتماع.
هذا، وإن كان الضم على الواو للإعراب نحو هذه دَلْوُك أو للساكنين نحو اخْشَوُا القوم، لم تقلب همزة، لعروض الضمة، وإن كانت الواو المضمومة مشددة كالتقوُّل لم تقلب أيضاً همزة، لقوتها بالتشديد وصيرورتها كالحرف الصحيح قوله " وقال المازني وفي نحو إشاح " يعني أن المازني يرى قلب الواو المكسورة المصدرة همزة قياساً أيضاً، والأولى كونه سماعياً، نحو إشاح (2) وإعاء وإلْدَة (3) وإفادة (4) في ولدة ووفادة، وإنما جاء القلب في المكسورة
__________
(1) النؤور - كصبور -: دخان الشحم، والمرأة النفور من الريبة..أنظر (ح 1 ص 207) (2) الاشاح: الوشاح، وهو ما ينسج من أديم عريضا ويرصع بالجواهر تشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها (3) الالدة - بالكسر -: هي الولدة، وهى جمع ولد، وظاهر عبارة القاموس أن الالدة لا إبدال فيها، لانه ذكرها في (أل د) وإن كان قد أعادها في (ول د) (4) الافادة: الوفادة، وهى مصدر قولهم: وفد عليه يفد وفودا ووفادة، (*)(3/78)
أيضاً لأن الكسرة فيها ثقل أيضاً، وإن كان أقل من ثقل الضمة، فاستثقل ذلك في أول الكلمة دون وسطها، نحو طَوِيل وعَوِيل (1) ، لأن الابتداء بالمستثقل أشنع وأما الواو المفتوحة المصدرة فليس قلبها همزة قياساً بالاتفاق، بل جاء ذلك في أحرف، نحو أناة (2) في وَنَاةٍ، وأجَمَ في وَجَم (3) ، وأحدٍ في وَحَد، وأسْمَاء في اسم امرأة فَعْلاَء من الوسامة عند الأكثرين، وليس بجمع، لأن التسمية بالصفة أكثر من التسمية بالجمع، وقال بعض النحاة: أصل أخَذَ وخذ، بدلالة اتخذ كاتَّصَل (4)
__________
قال سيبويه (ج 2 ص 355) : " ولكن ناسا كثيرا يجرون الواو إذا كانت مكسورة مجرى المضمومة فيهمزون الواو المكسورة إذا كانت أولا، كرهوا الكسرة فيها، كما استثقل في ييجل وسيد وأشباه ذلك، فيمن ذلك قولهم: إسادة، وإعاء، وسمعناهم ينشدون البيت لابن مقبل: إلا الا فادة فاستولت ركائبنا * عند الجبابير بالبأساء والنعم " اه (1) العويل: رفع الصوت بالبكاء، وانظر (ج 2 ص 176) (2) قال في اللسان: " امرأة وناة وأناة وأنية: حليمة بطيئة القيام، الهمزة فيه بدل من الواو.
وقال اللحيانى: هي التى فيها فتور عند القيام والقعود والمشى.
وفى التهذيب: فيها فتور لنعمتها " اه بتصرف (3) الوجوم: السكوت على غيظ، وقد وجم يجم وجما ووجوما، وقالوا: أجم، على البدل (4) يريد أن بعض النحاة لما رأى أن العرب تقول: اتخذ بمعنى أخذ، والمقرر عندهم أن الهمزة لا تقلب تاء، ولذلك خطأوا المحدثين في روايتهم " أمرنى رسول الله أن أتزر " تحلل من ذلك بأن ذكر أن أخذ أصله وخذ، فاتخذ ليس من المقلوب عن الهمزة، ولكنه عن الواو، وهو رأى غير سديد، لان اتخذ يجوز أن يكون ثلاثيه المجرد تخذ بدليل قول الشاعر وهو جندب بن مرة الهذلى: تخذت غراز إثرهم دليلا * وفروا في الحجاز ليعجزوني (*)(3/79)
ولم يأت في كلام العرب كلمة أولها ياء مكسورة كما جاء ما أوله واو مضمومة إلا يِسار لغة في يَسَار لليد اليسرى، ويِقَاظ جمع يَقْظَان.
وربما فروا من اجتماع الواوين في أول الكلمة بقلب أولاهما تاء كما في تَوْرَاة وتَوْلج (1) ، وهو قليل، كما يفر من واو واحدة في أول الكلمة بقلبها تاء نحو
تراث (2) وتقوى * قال " وتُقْلَبَانِ تَاءً فِي نَحْوِ اتَّعَدَ وَاتَّسَرَ، بِخَلاَفِ اِيتَزَرَ " أقول: اعلم أن التاء قريبة من الواو في المخرج، لكون التاء من أصول الثنايا، والواو من الشفتين، ويجمعهما (3) الهَمْسُ، فتقع التاء بدلا منها كثيرا،
__________
وإذا كانت محتملة لهذا الوجه وهو وجه لا شذوذ فيه سقط الاستدلال بها على ما ذكره، وقد قرئ قوله تعالى: (لو شئت لتخذت عليه أجرا) (1) التولج: كناس الوحش، والمكان الذى تلج فيه، وأصله وولج - بزنة كوثر - من الولوج (2) التراث: المال الموروث، وانظر (ج 1 ص 207 - 216) (3) مفاد كلام المؤلف أن الواو من الحروف المهموسة، وليس كذلك، لان حروف الهمس هي المجموعة في قولهم: حثه شخص فسكت، وليست الواو منها، بل هي من الحروف المجهورة، ولذلك علل غيره من النحاة بغير هذا التعليل، قال ابن يعيش (ح 10 ص 37) : " ولما رأوا مصيرهم إلى تغيرها (يريد الواو) بتغير أحوال ما قبلها، قلبوها إلى التاء، لانها حرف جلد قوى لا يتغير بتغير أحوال ما قبله، وهو قريب المخرج من الواو، وفيه همس مناسب لين الواو " اه.
وقال أبو الحسن الاشمونى في شرحه للالفية عند قول ابن مالك ذو اللين فاتا في افتعال أبدلا * وشذ في ذى الهمز نحو ائتكلا: " أي إذا كان فاء الافتعال حرف لين: يعنى واوا أو ياء، وجب في اللغة الفصحى إبدالها تاء فيه وفى فروعه من الفعل واسمى الفاعل والمفعول لعسر النطق (*)(3/80)
لكنه مع ذلك غير مطرد، إلا في باب افْتَعَل، لما يجئ، نحو تُراث وتَجاه وتَوْلج وتَتْرَى (1) من المواترة، والتُّلَج (2) والتُّكأة (3) وتَقْوَى من وَقَيْت،
وَتَوْرَاة (4) عند البصريين فَوْعلة من وَرَى الزند، كَتوْلج، فإن كتاب الله نور
__________
بحرف اللين الساكن مع التاء لما بينهما من مقاربة المخرج ومنافاة الوصف، لان حرف اللين من المجهور والتاء من المهموس " اه.
هذا على المصطلح عليه في معنى الهمس، ولعله يريد منه معنى أوسع من المعنى: الاصطلاحي كالذى ذكره صاحب اللسان عن شمر حيث قال: " قال شمر: الهمس من الصوت والكلام: مالا غرر له في الصدر، وهو ما همس في الفم " (1) قال في اللسان: " وجاءوا تترى، وتترى (الاول غير منون والثانى منون) : أي متواترين، التاء مبدلة من الواو، قال ابن سيده: وليس هذا البدل قياسا، إنما هو في أشياء معلومة، ألا ترى أنك لا تقول في وزير: تزير، إنما تقيس على إبدال التاء من الواو في افتعل وما تصرف منها إذا كانت فاؤه واوا، فأن فاءه تقلب تاء وتدغم في تاء افتعل التى بعدها، وذلك نحو اتزن، وقوله تعالى: (ثم أرسلنا رسلنا تترى) من تتابع الاشياء وبينها فجوات وفترات، لان بين كل رسولين فترة، ومن العرب من ينونها فيجعل ألفها للالحاق بمنزلة أرطى ومعزى، ومنهم من لا يصرف، يجعل ألفا للتأنيث بمنزلة ألف سكرى وغضبى، قال الازهرى: قرأ أبو عمرو وابن كثير منونة، ووقفا بالالف، وقرأ سائر القراء تترى غير منونة " اه (2) التلج: فرخ العقاب، وهو مأخوذ من الولوج، فأصله ولج كصرد (3) التكأة - كتخمة -: العصا، وما يتكأ عليه، والرجل الكثير الاتكاء، وأصله وكأة، بدليل توكأت (4) اختلف النحويون في التوراة، فقال البصريون تاؤها بدل من الواو، وأصلها ووراة على وزن فوعلة، وذهبوا إلى أن اشتقاقها من ورى الزند، إذا أخرج النار، وذلك لان كتاب الله تعالى يهتدى به، والنار مصدر النور الذى
يهتدى به، ونصر هذا المذهب أبو على الفارسى، لان فوعلة في الكلام أكثر من تفعلة مثل الحوصلة والجوهرة والدوخلة والحوقلة، وهو مصدر قياسي لكل فعل على (*)(3/81)
وعند الكوفيين هما تَفْعله وتَفْعَلٌ، والاول أولى، لكون فَوْعَل أكثر من تَفْعل والتاء أقل مناسبة للياء منها للواو، فلذلك قل إبدالها منها، وذلك في ثِنْتَان وكِلْتا على قول (1) وإبدال التاء من الواو (في الأول) أكثر منه في غيره، نحو أحت وبنت، ولولا أداؤها لشئ من معنى التأنيث لم تبدل من الواو في الآخر، فلما كثر إبدال التاء من الواو في الأول واجتمع معه في نحو أو تعد واو تصل داعٍ إلى قلبها مطلقاً، صار قلبها تاء لازماً مطرداً، وذلك الداعي إلى مطلق القلب حصولُ التخالف في تصاريفه بالواو والياء لو لم يقلب، إذ كنت تقول: ايتَصَل، وفيما لم يسم فاعله أو تُصِل، وفي المضارع واسم الفاعل والمفعول يَوْتَصِل مُوتَصَل مُوتَصَل، وفي الأمر ايتَصِل، فلما حصل هذا الداعي إلى مطلق قلبها إلى حرف جَلْد لا يتغير في الاحوال - وللواو
__________
مثال فوعل، والحمل على الكثير أولى، وذهب قوم منهم أبو العباس المبرد إلى أن توراة تفعلة - بكسر العين - وأصلها تورية مصدر ورى - بالتضعيف - ثم نقلت حركة الياء إلى ما قبلها ثم قلبت الياء ألفا على لغة طيئ الذين يقولون: باداة وناصاة وجاراة وتوصاة في بادية وناصية وجارية وتوصية، فصار توراة والاشتقاق عندهم كالاشتقاق عند الفريق الاول، إلا أن فعل هذا مضعف العين، وضعف النحاة هذا المذهب بأن تفعلة في الاسماء قليل، وأنت لو تدبرت ما ذكرناه لعلمت أن أبا العباس لم يحمله على القليل، إذ القليل إنما هو تفعلة من الاسماء، فأما المصادر فأكثر من أن يبلغها الحصر، وهذا الوزن قياس مطرد في مصدر فعل
المضعف العين المعتل اللام كالتزكية والتعزية والتوصية ومهموز اللام كالتجزئة والتهنئة، ويأتى قليلا في صحيح اللام نحو التقدمة، ومن القليل في الاسماء التدورة وهو المكان المستدير تحيط به الجبال والتتوبة وهى اسم بمعنى التوبة، ولولا ما فيه من قلب الياء ألفا اكتفاء بجزء العلة لكان مذهبا قويا (1) انظر في الكلام على هاتين الكلمتين (ج 1 ص 221) (*)(3/82)
بانقلابها عهدٌ قديم - كان انقلابها تاء ههنا أولى، ولا سيما (و) بعدها تاء الافتعال، وبانقلابها إليها يحصل التخفيف بالإدغام فيها، والياء وإن كانت أبعد عن التاء (من الواو) وإبدالها منها أقل، كما ذكرنا، لكن شاركت الواو ههنا في لزوم التخالف لو لم تقلب، إذ كنت تقول ايتسر، وفي المبنى للمفعول أو تسر، وفي المضارع يَيْتَسِر، وفيما لم يسم فاعله يُوتَسَر، وفي الفاعل والمفعول مُوتَسِر ومُوتَسَر، فأتبعت الياء الواو في وجوب القلب والإدغام فقيل: اتَّسَر، وأما افتعل من المهموز الفاء - نحو ائتزر وائتمن - فلا تقلب ياؤه تاء، لأنه وإن وجب قلب همزته مع همزة الوصل المكسورة ياء، وحكم حروف العلاة المنقلبة عن الهمزة انقلاباً واجباً حكم حروف العلة، لا حكم الهمزة، كما تبين في موضعه، لكن لما كانت همزة الوصل لا تلزم، إذ كنت تقول نحو " قال ائتزر " فترجع الهمزة إلى أصلها، روعى أصل الهمزة، وبعض البغاددة جَوِّز قلب يائها تاء فقال: اتز واتَّسَرَ، وقرئ شاذاً (الَّذِي اتُّمِنَ أمَانَتَهُ) وبعض أهل الحجاز لا يلتفت إلى تخالف أبنية الفعل ياء وواوا، فيقول: ايتعد وايتسر، ويقول في المضارع: يا تعد ويا تسر، ولا يقول يوتعد وييتسر، استثقالاً للواو والياء بين الياء المفتوحة والفتحة، كما في ياجل وياءَسُ، واسم الفاعل موتعد وموتسر، والأمر ايتَعِدْ وايتَسِرْ، هذا عندهم قياس مطرد
قال: " وَتُقْلَبُ الْوَاوُ يَاءً إذَا انْكَسَرَ مَا قبلها، والياء واو إذَا انْضَمَّ مَا قَبْلَها، نَحْوُ مِيزَانٍ وَمِيقَاتٍ، وَمُوقِظِ وَمُوسِر " أقول: اعلم أن الواو إذا كانت ساكنة غير مدغمة وقبلها كسرة، فلا بد من قلبها ياء، سواء كانت فاء كمِيقَاتٍ أو عيناً نحو قيل (1) ، وأما إذا كانت
__________
(1) لا خلاف بين العلماء في أن أصل قيل قول - بضم القاف وكسر الواو، وقد اختلفوا في الطريق التى وصلت بها هذه الكلمة إلى ذلك، واستمع للمؤلف (*)(3/83)
لاماً فتقلب ياء وإن تحركت كالداعِي، لأن اللام محل التغيير، وإن كانت فاء متحركة مكسوراً ما قبلها لم تقلب ياء، نحو إوزَّه، وأصله إوْزَزَة، وكذا العين نحو عوَض، إلا أن تكون عين مصدرٍ معلٍّ فعلُه، نحو قام قِياماً، أو عين جمع معل واحده كديم (1) ، كما يجئ بعد، وإنما لم تقلب المتحركة التي ليست لاماً ياء لكسرة ما قبلها لقوتها بالحركة، فلا تجذبها حركة ما قبلها إلى
__________
في شرح الكافية (ج 2 ص 251) حيث يقول: " في ما اعتل عينه من الماضي الثلاثي نحو قال وباع فيما بنى للمفعول منه ثلاث لغات: قيل وبيع باشباع كسرة الفاء - وهى أفصحها، وأصلهما قول وبيع استثقلت الكسرة على حرف العلة فحذفت عند المصنف ولم تنقل إلى ما قبلها، قال: لان النقل إنما يكون إلى الساكن دون المتحرك، فبقى قول وبيع - بياء ساكنة بعد الضمة - فبعضهم يقلب إلىاء واوا لضمة ما قبلها، فيقول قول ونوع، وهى أقل اللغات، والاولى قلب الضمة كسرة في اليائى فيبقى ببيع، لان تغيير الحركة أقل من تغيير الحرف، وأيضا لانه أخف من بوع، ثم حمل " قول " عليه لانه معتل عين مثله، فكسرت فاؤه، فانقلبت الواو الساكنة ياء.
وعند الجزولى استثقلت الكسرة على الواو والياء فنقلت إلى ما قبلهما، لان الكسرة أخف من حركة ما قبلهما، وقصدهم التخفيف ما أمكن، فيجوز على
هذا نقل حركة إلى متحرك بعد حذف حركته إذا كانت حركة المنقول أخف من حركة المنقول إليه، فبقى قول وبيع، فقلبت الواو الساكنة ياء كما في ميزان، قال: وبعضهم يسكن العين ولا ينقل الكسرة إلى ما قبلها، فيبقى الواو على حالها، ويقلب الياء واوا، لضمة ما قبلها، وهذه أقلها، لثقل الضمة والواو، والاولى أولى، لخفة الكسرة والياء، وقول الجزولى أقرب، لان إعلال الكلمة بالنظر إلى نفسها أولى من حملها في العلة على غيرها، والمصنف إنما اختار حذف الكسرة لاستبعاد نقل الحركة إلى متحرك، ولا بعد فيه على ما بينا " اه (1) الديم: جمع ديمة - ككسرة وكسر - وهى المطر الدائم في سكون ليس فيه رعد ولا برق.
انظر (ح 2 ص 104) (*)(3/84)
ناحيتها، مع كونها في غير موضع التغيير، وكذا إذا كانت مدغمة، نحو اجلوذا (1) ، لأنها إذن قوية فصارت كالحرف الصحيح، وقد تقلب المدغمة ياء، نحو اجْلِيواذ، ودِيوَان، كما تقلب الحروف الصحيحة المدغمة ياء،، نحو دينار قوله " والياء واواً إذا انضم ما قبلها " إذا انضم ما قبل الياء فإن كانت ساكنة متوسطة فلا يخلو: إما أن تكون قريبة من الطرف، أو بعيدة منه.
فإن كانت بعيدة منه بأن يكون بعدها حرفان قلبت الياء واواً، سواء كانت زائدة كما في بُوطِر (2) أو أصلية كما في كُولَلٍ، على وزن سُوددٍ من الكَيْل، وكذا فُعْلِلَ يفعلل منه، نحوكولل يُكَيْلل، وسواء كانت الياء فاء كمُوقِن وأُوقِنُ، أو عيناً نحو كُولَل، إلا في فُعْلَى صفة نحو كيصى (3) وضيزى (4) وفى فعلان جمعا نحو بيضان، كما يجئ حكمهما، ولا تقلب الضمة لأجل الياء كسرة، وذلك لأن الياء بعيدة من الطرف، فلا يطلب التخفيف بتبقيتها بحالها،
بل تقلب واواً إبقاءً على الضمة، إذ الحركات إذا غيرت تغير الوزن، وبإبدال
__________
(1) الاجلواذ: مصدر اجلوذ الليل، إذا ذهب، واجلوذ بهم السير، إذا دام مع السرعة فيه.
انظر (ح 1 ص 55 و 118) (2) بوطر: مبنى للمجهول، ومعلومه بيطرت الدابة، والياء فيه زائدة للالحاق بدحرج، والبيطرة: معالجة الدواب، وانظر (ح 1 ص 3) (3) يقال: رجل كيصى، إذا كان ينزل وحده ويأكل وحده، وأصله كيصى - بالضم - قلبت الضمة كسرة لتسلم الياء، وإنما قلنا: أصله الضم، لان فعلى - بالكسر - لا يكون وصفا، وفعلى - بالضم - كثير في الصفات (4) يقال: ضاز في الحكم، إذا جار، وضازه حقه يضيزه ضيزا، إذا نقصه وبخسه، وقسمة ضيزى: أي جائرة، وأصلها ضيزى - بالضم - أبدلت الضمة كسرة لما قلنا في كيصى (*)(3/85)
الحرف لا يتغير، والإبقاء على الوزن أولى إذا لم يعارض ذلك موجب لإبقاء الياء على حالها مثل قربها من الطرف الذي هو محل التخفيف، كما في بيض، وإذا كانت الضم التي قبلها من كلمة والياء الساكنة من كلمة أخرى، نحو يَا زَيْدُ اوْأَس، قال سيبويه: يقول بعض العرب: يا زيدُ ايْأس، بالياء، تشبيهاً بقيل مُشَمًّا، واستضعفه سيبويه، وقال: يلزم أن يقال: يا غُلاَمِ اوْجَلْ، بالواو، مع كسرة ما قبلها، ولهم أن يفرقوا باستثقال الواو في أول الكلمة مع كسرة ما قبلها، بخلاف الياء المضموم ما قبلها، إذ ثبت له نظير نحو قيلَ، وإن كانت قريبة من الطرف بأن يكون بعدها حرف، فإن كان جمع أفْعَلَ كبِيضٍ وجب قلب الضمة كسرة إجماعاً، لاستثقالهم الجمع مع قرب الواو من الطرف الذي هو محل التخفيف، وحُمِل فُعْلاَنُ عليه، لكونه بمعناه، مع أن
فُعْلاً أكثر كبِيض وبِيضان، وجعل ياء فُعْلَى صفة كحِيكى (1) وضيزى كالقريبة من الطرف، لخفة الألف مع قصد الفرق بين فُعْلَى اسماً وبينها صفة والصفة أثقل والتخفيف بها أولى، فقيل طوبى في الاسم وضيزى في الصفة، وأما بِيع فأصله بُيع، حذفت كسرته ثم قلبت الضمة كسرة، وبعضهم يقول بُوع بتغيير الحرف دون الحركة حملاً على قُولَ، وإن لم تكن القريبةُ من الطرف شيئاً من هذه الأشياء كفُعْل من البَيْع وتُفْعُل منه فقد يجئ الخلاف فيها، وإن كانت الياء المضموم ما قبلها لاماً فإنه يكسر الضم نحو الترامي، وإن كانت متحركة أيضاً، ولا تقلب واواً، لأن آخر الكلمة ينبغي أن يكون خفيفاً، حتى لو كان واواً قبلها ضمة قلبت ياء والضمة كسرة كالتغازى
__________
(1) يقال: امرأة حيكى، إذا كان في مشيها تبختر واختيال، قال سيبويه: " أصلها حيكى فكرهت الياء بعد الضمة، وكسرت الحاء لتسلم الياء، والدليل على أنها فعلى أن فعلى (بكسر الفاء) لا تكون صفة البتة " اه (*)(3/86)
وإن كانت الياء المضموم ما قبلها خفيفة متحركة، فإن كانت فاء أو عيناً سلمت: سواء كانت مفتوحة كمَيسَّر وهيام (1) وعُيَبَة (2) أو مضمومة نحو تُيُسِّر وعُيُن في جمع عِيان (3) وبُيُض في جمع بَيُوض (4) كما ذكرنا في باب الجمع، وإن كانت لاماً كسرت الضمة كما ذكرنا، لأن الآخر محل التخفيف وإن كانت الياء المضموم ما قبلها مشددة سلمت نحو سُيَّل (5) ومُيَّل (6) وإن كانت أخيراً: فإن كانت الكلمة على فُعْل كلُيٍّ في جمع ألْوَى (7) جاز إبقاء الضمة وجعلها كسرة، وإن لم يكن كذلك وجب قلب الضمة كسرة، لثقل الكلمة مع قرب الضمة من الآخر نحو سلى قال: " وَتُحْذَفُ الْوَاوُ مِنْ (نحو) يَعِدُ وَيَلِدُ، لِوُقُوعِها بَيْنَ يَاءٍ وَكَسْرَةٍ
أَصْلِيَّةٍ، ومِنْ ثَمَّ لَمْ يُبْنَ مِثْلُ وَدَدْتُ - بالفتحُ - لِمَا يَلْزَمُ منْ إعْلاَلَيْن فِي يَدُّ، وَحُمِلَ أَخْوَاتُهُ نحوُ تَعِدُ وَنَعِدُ وَأَعِدُ وَصِيغَةُ أَمْرِهِ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ حُمِلَتْ فَتْحَةُ يَسَعُ وَيَضَعُ عَلَى الْعُرُوضِ، وَيوْجَلُ عَلَى الأَصْلِ، وَشُبِّهَتا
__________
(1) الهيام - كغراب -: أن يصير العاشق هائما متحيرا كالمجنون (2) يقال: رجل عيبة - كهمزة - إذا كان كثير العيب للناس (3) العيان - ككتاب -: حديدة تكون في متاع الفدان وجمعها عين - ككتب - وقد تسكن العين تخفيفا، كما قالوا في رسل: رسل، انظر (ح 2 ص 127) (4) تقول: دجاجة بيوض وبياضة، إذا كانت كثيرة البيض، ودجاجات بيض - بضمتين - انظر (ح 2 ص 128) (5) سيل: جمع سائل اسم فاعل من سال الماء يسيل (6) ميل: جمع مائل اسم فاعل من مال يميل إذا عدل عن الشئ وانحرف (7) يقال: قرن ألوى، إذا كان ملتويا معوجا، والالوى أيضا: الشديد من الرجال وغيرهم، قال امرؤ القيس: ألا رب خصم فيك ألوى رددته * نصيح على تعذاله غير مؤتل (*)(3/87)
بالتجاري والتحارب، بِخِلاَفِ اليَاءِ فِي نَحْو يَيْسِرُ وييئس، وَقَدْ جَاءَ يَئِسُ، وَجَاءَ يَاءَسُ كَمَا جَاءَ يا تعد، وَعَلَيْهِ جَاءَ مُوتَعِدٌ وَمُوتَسِرٌ فِي لُغَةِ الشَّافِعِيِّ، وَشَذِّ فِي مُضَارِع وَجِلَ يَيْجَلُ وَيَاجَلُ وَيَيجَلُ، وَتُحْذَفُ الْوَاوُ مِنْ نَحْوِ الْعِدَةِ وَالْمِقَةِ، وَنَحْوَ وِجْهَةٍ قَلِيلٌ " أقول: اعلم أن الفعل فرع على الاسم في اللفظ كما في المعنى، لأنه يحصل بسبب تغيير حركات حروف المصدر، فالمصدر كالمادة والفعل كالمركب من الصورة
والمادة، وكذا اسم الفاعل والمفعول والموضع والآلة، وجميع ما هو مشتق من المصدر، وعادتهم جارية بتخفيف الفروع كما ظهر لك فيما لا ينصرف، لأنها لاحتياجها إلى الأصول فيها ثقل معنوي، فخففوا ألفاظها تنبيهاً عليه، وفي الفعل ثقل من وجه آخر وهو أن ثلاثيه - وهو أكثره - لا يجئ ساكن العين، وأنه يجر عِيالاً كالفاعل ضرورة، والمفعول والحال والتمييز كثيراً، وأيضاً يتصل بآخر الفعل كثيراً ما يكون الفعل معه كالكلمة الواحدة - أعني الضمائر المتصلة المرفوعة - والمضارع فرع الماضي بزيادة حرف المضارعة عليه، فلذا يتبع الماضي في الإعلال كما سنبين، والأمر فرع المضارع، لأنه أخذ منه على ما تقدم، فعلى هذا صار الفعل أصلاً في باب الإعلال، لكونه فرعاً ولثقله، ثم تبعه المصدر الذي هو أصله في الاشتقاق كالعدة والإقامة والاستقامة والقيام، وسائِرُ الأسماء المتصلة بالفعل كاسم الفاعل والمفعول والموضع كقائم وَمُقيم ومُقَام على ما سيتبين بعد، وخفف المضارع لأدنى ثقل فيه، وذلك كوقوع الواو فيه بين ياء مفتوحة وكسرة: ظاهرة كما في يعد، أو مقدرة كما في يضع ويسع، فحذف الواو لمجامعتها للياء على وجه لم يمكن معه إدغام إحداهما في الأخرى كما أمكن في طيٍّ، ولا سيما مع كون الكسرة بعد الواو، والكسرة بعض الياء، ومع كون حركة ما قبل الواو غيرَ موافقة له كما وافقت في يُوعِد مضارعِ أوعد، وإنما حذفت الواو دون الياء لكونها أثقلهما، مع أن الياء علامة المضارعة، وأن(3/88)
الثقل حصل من الواو، لكونها الثانية ثم تحذف الواو مع سائر حروف المضارعة من تعد وأعد ونعد، طرداً للباب، والأمر مأخوذ من المضارع المحذوف الواو نحو تعد، ولو أخذناه أيضاً من تَوْعِد الذي هو الأصل لحذفناها أيضاً، لكونه فرعه.
وأما المصدر فلما كان أصلَ الفعل في الاشتقاق لم يجب إعلاله بإعلال
الفعل، إلا إذا كان جزء مُقْتَضِي الإعلالِ فيه ثابتاً كالكسرة في قيام، أو كان مناسباً للفعل في الزيادة المصدرة كإقامة واستقامة، فلهذا جاز حذف الواو من مصدر يعد وَإثباتُهَا نحو عِدة ووَعْد: إذ ليس فيه شئ من علة الحذف ولا المناسبة المذكورة، وإذا حذفت منه شيئاً بالإعلال لم تذهَل عن المحذوف رأساً، بل تعوض منه هاء التأنيث في الآخر كما في عدة واستقامة، وذلك لأن الإعلال فيه ليس على الأصل، إذ هو إتباع الأصل للفرع، وإنما كسر العين في عدة وأصله وَعْدٌ لأن الساكن إذا حرك فالأصل الكسر، وأيضاً ليكون كعين الفعل الذي أُجري هو مجراه (1) ، فلهذا لم يجتلب همزة الوصل بعد حذف الفاء، وإذا فتحت العين في المضارع لحرف الحلق جاز أن يفتح في المصدر أيضاً، نحو يسَع سَعةً، وجاز في بعضها أن لا يفتح نحو يهب هِبة، وقولهم في الصِّلة صُلة بالضم شاذ، وقد يجري مصدر فعُل يفعُل - بضم عينهما - إذا كان اللام حلقياً مجرى مصدر يسَع، نحو ودُع (2)
__________
(1) هذا الذى ذهب إليه المؤلف غير ما ذهب إليه أكثر النحويين، فانهم ذكروا أن أصل عدة وعد - بكسر الواو - فحذفت الواو ونقلت كسرتا إلى الساكن بعدها، وعوضت منها التاء، يدل على هذا أنهم قالوا: وتره وترا ووترة - بكسر الواو - حكاه أبو على في أماليه.
قال الجرمى: ومن العرب من يخرجه على الاصل فيقول: وعدة ووثبة أي بالكسر (2) يقال: ودع الرجل، إذا سكن واستقر ولان خلقه، فهو وادع ووديع (*)(3/89)
يودعُ دَعة، ووطُؤَ (1) يوطؤ طِئة وطأة، وذلك للتنبيه على أن حق واو مضارعه أن تكون محذوفة، لاستثقال وقوعها بين ياء مفتوحة وضمة، ولكنها لم تحذف تطبيقاً للفظ بالمعنى، إذ معنى فَعُل للطبائع اللازمة المستمرة على حال، وكذا كان حق عين مضارعة أن تكون مفتوحة، لكون اللام حلقية، وقولهم لِدَة
أصله المصدر (2) ، جُعل اسماً للمولود: كقولهم ضرب الأمير: أي مضروبه، وأما الجهة (3) والرِّقَة (4) فشاذان، لأنهما ليسا بمصدرين، فليس تأوهما بدلاً من الواو، وإنما لم يحذف الواو في نحو يَوْعِيدٍ على مثال (5) يقْطِينٍ من الوعد لضعف
__________
(1) وطؤ - بالضم -: سهل ولان، فهو وطئ (2) يقال: فلان لدة فلان، إذا كان مثله في السن، قال الشاعر: لم تلتفت للداتها * ومضت على غلوائها ومن العلماء من نظر إلى عارض الاستعمال في لدة فحكم بأن حذف الواو منها شاذ، لانها ليست مصدرا (3) اعلم أنهم قد قالوا: جهة - بالحذف - وقالوا أيضا: وجهة - بالاثبات - وعلى الثاني جاء قوله تعالى (ولكل وجهة هو موليها) ومن العلماء من ذهب إلى أن المحذوف واوه مصدر والثابت واوه اسم للمكان الذى يتوجه إليه، وعلى هذا فلا شذوذ في واحد منهما، ومنهم من ذهب إلى أنهما جميعا مصدران، وعليه فالمحذوف واوه قياس والثابت واوه شاذ، ومنهم من ذهب إلى أنهما جميعا اسمان للمكان الذى تتجه إليه، وعلى ذلك يكون المحذوف الواو شاذا والثابت الواو قياسا، ومنهم من ذهب إلى أن الجهة اسم للمكان الذى تتجه إليه والوجهة مصدر، فهما شاذان، والذى هون شذوذ وجهة على هذا أنه مصدر غير جار على فعله، إذ المسموع توجه - كتقدس، واتجه - كاتصل، ولم يسمع وجه يجه - كوعد يعد - فلما لم يوجد مضارع محذوف الفاء سهل عليهم إثباتها في المصدر (4) الرقة: اسم للفضة، ويقال: اسم للنقد: ذهبا كان أو فضة، وجمعه رقون (5) اليقطين: كل نبات انبسط على وجه الارض نحو الدباء والقرع والبطيخ والحنظل، ويخصه بعضهم بالقرع في قوله تعالى (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) (*)(3/90)
علة الحذف، وحذفها في الفعل نحو إنما كان لكونه الأصل في باب الإعلال كما مر، وحذف في يَذَر حملاً على يَدَع، لكونه بمعناه، ويدع مثل يسَع لكنه أميت (1) ماضيه، ويَجُدُ بالضم عند بني عامر (2) شاذ، وحذفُ الواو منه: إما لأن أصله يجد - بالكسر - أو لاستثقال الواو بين الياء المفتوحة والضمة في غير باب فَعُل يفعُل - بضم العين فيهما - وإنما حذفت من يَضَع مضارع وضع - بفتح العين - لكونه مكسور العين في الأصل، إذ جميع باب فعَل يفعَل بفتح العين فيهما: إما فعَل يفعُل - بضم عين المضارع - أو فعَل يفعِل - بكسر عينه - كما ذكرنا في أول الكتاب، ومضارع فَعَل من المثال الواوي لا يجئ مضموم العين كما مر هناك، فتبين أنه كان يفعل بالكسر، وأما وَسعَ يَسَعُ ووَطِئَ يَطأ فقد تبين لنا بحذف الواو أن عينهما كان مكسوراً ففتح، لحرف الحلق كما مر، ولا ثالث لهذين اللفظين، ففَتْح نحو يؤجل أصل، بدليل بقاء الواو، وإذا وقع الياء في المضارع بين ياء مفتوحة وكسرة لم تحذف كالواو، لأن اجتماع الياءين ليس في الثقل كاجتماع الواو والياء وحكى سيبويه حذف الياء في لفظين يَسَرَ البعير يَسِرُهُ (3) - من اليَسْرِ - ويَئِس يَئِس، وهما شاذان، وبعضهم يقلب الواو الواقعة بين الياء المفتوحة والفتحة ألفاً، لأن فيه ثقلاً، لكن ليس بحيث يحذف الواو له، فيقول
__________
(1) قد أثبتنا ورود الماضي تبعا للمؤلف فارجع إلى ذلك (ح 1 ص 130) (2) قد بينا القول في ذلك بيانا شافيا، وذكرنا خلاف العلماء في هذا الكلام أهو خاص بيجد أم أن بنى عامر يضمون العين في كل مثال واوى فارجع إلى ذلك التفصيل في (ح 1 ص 133) (3) قد بحثنا طويلا عن استعمال هذا الفعل محذوف الفاء في المضارع متعديا فلم نعثر على نص يفيد ذلك، وكل ما عثرنا عليه هو قولهم: يسر الرجل يسر
- كوعد يعد - فهو ياسر، إذا لعب الميسر (*)(3/91)
في يوجل: ياجل، وبعضهم يقلبها ياء، لأن الياء أخف من الواو، وبعضهم يستشنع قلب الواو ياء لا لعلة ظاهرة، فيكسر ياء المضارع ليكون انقلاب الواو ياء لوقوعها بعد كسرة، وليس الكسر فيه كالكسر في نِعْلَمُ وتِعْلَمُ، لأن من كسر ذلك لا يكسر الياء، فلا يقول: يِعْلَمُ وظاهر كلام السيرافي وأبي عليّ يدل على أن قلب واو نحو يَوْجل ألفاً أو ياء قياس، وإن قل، قال السيرافي: يقلبون الواو ألفاً في نحو يوجَلِ ويوحَل وما أشبه ذلك، فيقولون: يا جل وياحل، وقال أبو علي: أما فَعِلَ يَفْعَل نحو وَجِلَ يوْجل ووَحِلَ يوْحَلُ ففيه أربع لغات، وهذا خلاف ظاهر قول المصنف - أعني قوله " وشذ في مضارع وجِل كذا وكذا " - فإنه مفيد خصوصية الوجوه المذكورة بهذا اللفظ.
وبعضهم يقلب الياء الواقعة في المضارع بين الياء المفتوحة والفتحة ألفاً نحو يابس وياءَس، حملاً للياء على الواو، كما حملت في اتَّسَر من اليُسْرِ، على ما مر، ولا يكون ذلك إلا في المفتوح العين، كما أن نحو يا حل وياجَلَ كان فيه، قال سيبويه: وليس ذلك بمطرد، ولا يكسر الياء ههنا كما كسرت في يِيجَل، لأن ذلك في الواو لقصد عروض علة قلب الواو ياء، كما مر قوله " وكَسْرَةٍ أصْلِيةٍ " ليشمل نحو يَعِدُ ويقع، فإن أصله يَوْقِع، قال الكوفيون: إنما حذف الواو في يعد فرقاً بين المتعدي واللازم، وذلك لأنك تقول في اللازم: يَوْجَل ويَوْحَل، من غير حذف، وليس ما قالوا بشئ، إذ لو كان كذلك لم يحذف من وحَدَ يَحِدُ (1) ووجِدَ: أي حزن - يجد، وونَمَ (2) الذبابَ ينم، ووكف البيت يكف.
__________
(1) تقول: وحدت الشئ وحدا، وأوحدته، إذا أفردته، وتقول: وحد الشئ يحد حدة، إذا بان من غيره، فهو متعد ولازم (2) تقول: ونم الذباب ينم ونيما، إذا خرئ، فونيم الذباب خرؤه.
قال الفرزدق: لقد ونم الذباب عليه حتى * كأن ونيمة نقط المداد (*)(3/92)
قوله " ومن ثم لم يبن مثل ودَدْتُ " يعني ومن جهة وجوب حذف الواو الواقعة بين الياء المفتوحة والكسرة الأصلية لم يبن فَعَل - بفتح العين - من المضاعف المعتل فاؤه بالواو، إذ كان يلزم إذن أن يكون مضارعه مكسور العين كما ذكرنا في أول الكتاب، من أن مضارع فعل مفتوح العين إذا كان مثالاً واوياً يفعِل بالكسر لا غير، فكان يجب إذن حذف الواو والإدغام، فكان يجتمع إعلالان في كلمة واحدة.
وقولهم لا يجمع بين إعلالين في كلمة واحدة فيه نظر، لأنهم يجمعون بين أكثر من إعلالين في كلمة، وذلك نحو قولهم من أوَيتُ مثل إجرد (1) إيٌّ (2) ، وذلك ثلاث إعلالات، كما يتبين في مسائل التمرين، وكذا في قولهم إيَّاه (3) - مثل إوَزّة - من أويت، وفي قولهم: إيئاة (4) - مثل إوَزَّة - من وأيت جمع بين إعلالين، وكذا قولهم: حَيَّى على (5) فَيْعَل من حويت، وغير ذلك مما يكثر
__________
(1) الاجرد نبت يدل على الكمأة، انظر (ح 1 ص 59) (2) أصل " إى " إئوى، قلبت الهمزة الثانية ياء لسكونها إثر همزة مكسورة كما في إيمان، فصار " إيوى " فهذا إعلال، ثم قلبت الواو ياء، لاجتماعها مع الياء وسبق أولاهما بالسكون، ثم أدغمت الياء في الياء فصار " إيى " وهذا إعلال ثان، فلما اجتمع ثلاث ياءات فإما أن تحذف الثالثة نسيا كما قالوا في تصغير على ونحوه، وإما أن تعلها إعلال قاض، وهذا إعلال ثالث، فان جعلت الادغام إعلالا
مستقلا كان في الكلمة أربع إعلالات (3) أصل " إيَّاةٍ " إئْوَيَةٌ، قلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، وقلبت الهمزة ياء لسكونها بعد همزة مكسورة، فصار " إيواة " ثم قلبت الواو ياء لاجتماعهما مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، وأدغمت الياء في الياء فصار إياة (4) أصل " إيئاة " أو أية، قلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، وقلبت الواو ياء لسكونها إثر كسرة فصار " إيئاة " (5) أصل " حيى " حيوى - كدحرج - قلبت الياء الفا لتحركها وانفتاح (*)(3/93)
تعداده، ولعلهم قالوا ذلك في الثلاثي من الاسم والفعل، لأنه لخفته لا يحتمل إعلالاً كثيراً، على أنهم أعلوا نحو ماءٍ (1) وشاءٍ بإعلالين، لكنه قليل، واضطرب في هذا المقام كلامهم، فقال السيرافي: الإعلال الذي منعنا من جمعه في العين واللام هو أن يسكن العين واللام جميعاً من جهة الإعلال، وقال أبو علي: المكروه منه أن يكون الإعلالان على التوالي، أما إذا لم يكن كذلك كما تقول في أيمن الله: مُنُ الله، بحذف الفاء، ثم تقول بعد استعمالك مُنُ الله كثيراً: مُ الله، فليس ذلك بمكروه.
ومثل ما منع المصنف من الإعلالين في يَدُّ لا يتجنبون منه، ألا ترى أنك تقول في أفْعَل منك مِن الأَم: هو أوام أو أَيَمُّ، على المذهبين (2) تقلب الفاء وتدغم العين وهما إعلالان، وكذا في أيمة قلبوا وأدغموا، وأما نحو قِهْ وشِهْ فليس فيهما إلا إعلال واحد، لأنه مأخوذ من تقي وتشي، فحذفت اللام للوقف قوله " ولذلك حمل " يعني لأن الواو تحذف بين الياء والكسرة قوله " بخلاف الياء نحو يَيْسِر " أي: بخلاف الياء الواقعة بين الياء المفتوحة والكسرة الأصلية أو الفتحة
قوله " وقد جاء يئس " أي: بحذف الياء بين الياء المفتوحة والكسرة
__________
ما قبلها، وقلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، وأدغمت الياء في الياء فصار " حيى " (1) انظر (ح 1 ص 213) و (ح 2 ص 56 وما بعدها) (2) أصل " أوم " أو " أيم " أأمم - كأحمد - نقلت حركة أول المثلين إلى الساكن قبلهما، ثم أدغم المثلان فصار أأم، فاجتمع همزتان متحركتان ثانيتهما مفتوحة، فسيبويه والجمهور يقلبون الثانية واوا اعتبارا بنحو أوادم، والمازني يقلب الثانية ياء نظرا إلى أن الياء أخف من الواو، وليس له من مستند من مستعمل كلام العرب، وهذان هما المذهبان اللذان يعنيهما المؤلف (*)(3/94)
قال: " الْعَيْنُ تُقْلَبَانِ ألِفاً إذَا تَحَرَّكَتَا مَفُتْوحاً مَا قَبْلَهُمَا أَوْ فِي حٌكْمِهِ، فِي اسْم ثُلاثِيِّ، أَوْ فِعْلٍ ثُلاَثِيٍّ، أوْ مَحْمُولٍ عَلَيْهِ، أوِ اسْم مَحْمُولٍ عَلَيْهِمَا، نَحْوُ بَابٍ وَنَابٍ وَقَامَ وَبَاعَ وَأَقَامَ وَأَبَاعَ وَاسْتَقَامَ، وَاسْتَبَانَ، وَاسْتَكَانَ مِنْهُ، خِلافَاً لِلأْكَثَرِ، لِبُعْدِ الزِّيَادَةِ وَلِقَوْلِهِمْ اسْتِكَانَةٌ، وَنَحْوُ الإِقَامَةِ وَالاسْتِقَامَةِ، ومقام وَمَقَامٍ، بِخِلاَفِ قَوْلٍ وَبَيْعٍ، وَطَائِيٌّ وَيَاجَلُ شَاذّ، وَبِخِلاَفِ قَاوَلَ وَبَايَعَ وَقَوَّمَ وبيع وتقوم وتبيع وتقاول وَتَبَايَعَ، وَنَحْوُ الْقَوَدِ وَالصَّيَدِ وَأَخْيَلَتْ وَأغَيْلَتْ وَأَغْيَمَتْ شَاذّ " أقول: اعلم أن علة قلب الواو والياء المتحركتين المفتوح ما قبلهما ألفاً ليست في غاية المتانة، لأنهما قلبتا ألفاً للاستثقال، على ما يجئ، والواو والياء إذا انفتح ما قبلهما خفَّ ثقلهما، وإن كانتا أيضاً متحركتين، والفتحة لا تقتضي مجئ الألف بعدها اقتضاء الضمة للواو والكسرة للياء، ألا ترى إلى كثرة نحو قَوْل وَبَيْع، وعدم نحو قُيْل وبُيْع، بضم الفاء، وقِوْل وبِوْع بكسرها، لكنهما قلبتا ألفاً - مع هذا -
لأنهما وإن كانتا أخف من سائر الحروف الصحيحة لكنَّ كثرة دوران حروف العلة، وهما أثقلها، جوزت قلبهما إلى ما هو أخف منهما من حروف العلة: أي الألف، ولا سيما مع تثاقلهما بالحركة وتهيؤ سبب تخفيفهما بقلبهما ألفاً، وذلك بانفتاح ما قبلهما، لكون الفتحة مناسبة للألف، ولِوَهْنِ هذه العلة لم تقلبا ألفاً إلا إذا كانا في الطرف: أي لامين، أو قريبين منه: أي عينين، ولم يقلبا فاءين نحو أوَدُّ وأَيَلّ، وإن كانت الحركة لازمة بعد العروض، لأن التخفيف بالاخر أولى، ولو هنها تقف عن التأثير لأدنى عارض، كما يكون هناك حرف آخر هو أولى بالقلب، لكن لم يقلب لاختلال بعض شروط إعلاله، فلا يقلب إذن الحرف الذي ثبت علة قلبه لعدم قلب ما هو أولى منه بالقلب لولا اختلال شرطه، وذلك نحو طَوِيَ(3/95)
وَحيِيَ، كان اللام أولى بالقلب لو انفتح ما قبلها كما في رَوَى ونَوَى، فلما انكسر ما قبلها لم تعل، فلم تقلب العين ألفاً أيضاً، وإن اجتمع شرائط قلبها.
فإذا تقرر ضعف هذه العلة قلنا: الأصل في تأثير هذه العلة أن يكون في الفعل، لما ذكرنا من ثقله، فتليق به الخفة أكثر، أو يكون في آخر الكلمة: إما لفظاً كرِباً، أو تقديراً كغُزَاة، وذلك بأن يكون بعد الأخير حرف أصله عدم اللزوم: اسماً كانت الكلمة، أولاً، لأن الكلمة تتثاقل إذا انتهت إلى الأخير، فتليق به الخفة، وإن كانت علتها ضعيفة.
فنقول: الفعل في هذا الإعلال على ضربين: أصل، ومحمول عليه، والأصل ما يتحرك واوه أو ياؤه وينفتح ما قبلهما، نحو قَوَلَ وبَيَعَ وغَزَوَ ورَمَىَ والمحمول عليه ما ينفتح الواو والياء فيه بعد حرف كان مفتوحاً في الماضي الثلاثي، وذلك: إما في المضارع، المبني للفاعل كيَخَافُ ويَهَاب، أو المبني للمفعول
كيُخَاف ويُهَاب ويُقَال ويُبَاع، أو الماضي مما بني من ذي الزيادة: أفْعَل نحو أقَام وأبَان، واستفعل نحو استقام واستبان، أو ما بني للمفعول من مضارعهما، نحو يقام ويستبان، وشذ أعْوَلَ (1) وأَغْيَلَتِ المرأة واسْتَحْوَذَ (2) وأجود (3)
__________
(1) يقال: أعول الرجل والمرأة وأعيلا، إذا كثرت عيالهما، ويقال: أعول أيضا، إذا رفع صوته بالبكاء.
(2) استحوذ: غلب واستولى، قال تعالى: (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله) .
ويقال: استحاذ أيضا على ما يقتضيه القياس.
كما ورد في اللسان وقد ذكر عن ابن جنى مثل ما ذكره المؤلف عن سيبويه، وهو من الحوذ، وهو السوق في الاصل.
(3) يقال: أجود الفرس في العدو، بمعنى أجاد فيه، ويقال أجود الشئ، وأجاده إذا جعله جيدا، ويقال: أجاد الرجل وأجود، إذا صار ذا جواد.
(*)(3/96)
وأطْوَلَ (1) واسْتَرْوَحَ: أي شم الريح، وأطْيَبَ (2) وأخْيَلَتِ السماء وأغْيَمَتْ (3) ، وأبو زيد جَوَّز تصحيح باب الإفعال والاستفعال مطلقاً قياساً، إذا لم يكن لهما فعل ثلاثي، قال سيبويه: سمعنا جميع الشواذ جميع الشواذ المذكورة مُعَلَّة أيضاً على القياس، إلا استحوذ واستروح الريح وأغيلت، قال: ولا منع من من إعلالها، وإن لم يسمع، لأن الإعلال هو الكثير المطرد، وإنما لم تعل هذه الأفعال دلالة على أن الإعلال في مثلها غير أصل، بل هو للحمل على ما أعل، وإنما لم يحمل باب فعل التعجب على الثلاثي، نحو ما أقْوَمَه ومَا أبْيَعَه، لكونه بعدم التصرف لاحقاً بأفْعَلَ الأسمى كأبْيَضَ وأسْوَد، أو لجرْيِهِ مَجْرَى أفعل التفضيل لمشابهته له مَعْنًى، وإنما لم يحمل باب قَاوَلَ وتَقَاوَلَ وبَايَع وتَبَايَع وقَوَّم وتَقَوَّم وبَيَّن وتَبَيَّن على الثلاثي كما حمل أقْوَمَ وأبْيَنَ
واسْتَقْوَمَ واسْتَبْيَنَ عليه لأنا شرطنا كون الساكن الذي قبل الواو والياء المتحركتين منفتحاً في الماضي الثلاثي فإن قلت: أليس قد أعللت اسم الفاعل في قائل وبائع بقلب الواو والياء ألفاً، مع أن ما قبل الواو والياء ألف، ومع أنه في الاسم الذي إعلاله على خلاف الأصل، والأول في الفعل
__________
(1) تقول: أطول وأطال بمعنى، قال عمر بن أبى ربيعة: صددت فأطولت الصدود وقلما * وصال على طول الصدود يدوم (2) يقال: أطيب الشئ، إذا وجده طيبا، ويقال: أطاب أيضا بمعناه، وكذا استطيبه واستطابه وطيبه.
(3) يقال: أغيمت السماء، إذا صارت ذات غيم، وأغامت كذلك، وغامت وتغيمت وغيمت بمعناه، ويقال: أغيم القوم، إذا أصابهم غيم، وأخيلت السماء: تهيأت للمطر، وذلك إذا أرعدت وأبرقت، وهذا معنى قول المؤلف فيما سيأتي " إذا صارت خليقة بالمطر " (*)(3/97)
قلت: هو كذلك، إلا أن قائلاً وبائعاً بمعنى الثلاثي، ويعمل عمله، وهو من بابه، بخلاف قاوَلَ وبايَعَ.
فإن قلت: فأقوم واستقوم من باب آخر غير الثلاثي قلت: بلى، إلا أن ما قبل حرف العلة هو الذي كان مفتوحاً في الثلاثي، فالمقصود أن الفرع إذا كان من غير باب الأصل يحتاج في الإعلال إلى كون الساكن قبل حرف العلة هو الحرف المفتوح في الأصل قبلها، وإن كان الفرع من باب الأصل أُعِلَّ، وإن لم يكن الساكن ذاك المفتوح، بشرط أن يكون الساكن ألفا لفرط خفته
وأما إعلال قوَّم وَبَيَّن وَتَقَوَّمَ وَتَبَيَّنَ فأبعد من إعلال تَقَاوَل وَتَبَايَع وَقَاوَلَ وَبَايَعَ، لأن إدغام العين في البابين واجب وإنما لم يعمل نحو عَوِرَ وحَوِلَ لأن الأصل في الألوان والعيوب الظاهرة باب افْعَلَّ وافْعالّ، كما ذكرنا في صدر الكتاب، فالثلاثي - وإن كان أصلاً لذوات الزيادة في اللفظ - لكن لما كان هذا البابان أصلين في المعنى عُكس الأمر، فأجرى الثلاثي مجرى ذي الزيادة في التصحيح تنبيهاً على أصالته في المعنى المذكور.
ولم يعل (1) في اسْوَدَّ وَاعْوَرَّ وَاصْيَدَّ (2) لأن إعلال نحو أقْوَمَ وَاسْتَقْوَمَ
__________
(1) ظاهر هذا الكلام يفيد الدور، فانه جعل علة تصحيح الثلاثي نحو عور كونه فرعا في المعنى عن المزيد فيه نحو اعور، فإذا جعل علة تصحيح المزيد فيه كون ثلاثيه غير معل فقد جعل كل واحد منهما معللا بالاخر، اللهم إلا أن يقال: إن المزيد فيه في هذا المعنى هو الموضوع أولا فهو حين الوضع ليس له ثلاثى ألبتة، فضلا عن أن يكون له ثلاثى معل، وشرط إعلال المزيد فيه وجود ثلاثى معل له، فلما أريد وضع الثلاثي بعد ذلك وكان معناه متحدا مع المزيد فيه حمل عليه في التصحيح.
(2) يقال: اصيد الرجل - كاحمر -، إذا لوى عنقه من كبر، وأصله من (*)(3/98)
مع كونه خلاف الأصل إنما كان حملاً على الثلاثي المعل، ولا ثلاثى معلا ههنا، كما بينا، ومثله في إتباع لفظ لفظاً آخر في التصحيح تنبيهاً على كونه تابعاً له في معناه قولهم: اجْتَوَرُوا واعْتَوَرُوا (1) واعْتَوَنُوا، بمعنى تجاوروا وتعاوروا وتعاونوا، وإن لم يقصد في افْتَعَلَ معنى تَفَاعَلَ أعللته، نحو ارْتَادَ (2) واختان (3) ولما لم يُعَلَّ عَوِر وحَوِل لما ذكرنا لم يعل فرعاه أيضاً نحو أَعْوَرَ واسْتَعْوَرَ، وقد يعل باب
فَعِلَ من العيوب نحو قوله: - 138 - * أَعَارَتْ عَيْنُهُ أَمْ لَمْ تَعَارَا * (4)
__________
قولهم: اصيد البعير، إذا أصابه داء في رأسه فيخرج من أنفه مثل الزبد فيرفع رأسه عند ذلك.
(1) يقال: اعتور القوم الشئ، وتعوروه، وتعاوروه، إذا تداولوه بينهم.
(2) ارتاد الشئ وراده: طلبه في موضعه.
(3) اختان خان، قال الله تعالى (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم) .
واعلم أن افتعل من الاجوف إما أن تكون عينه ياء أو واوا، فان كانت عينه ياء أعل: سواء أكان بمعنى التفاعل نحو استافوا وابتاعوا وامتازوا، أم لم يكن نحو امتار الرجل واكتال واصطاد.
وإن كانت عينه واوا: فان كان بمعنى التفاعل صحت عينه نحو ما ذكره المؤلف من الامثلة، وإن لم يكن بمعنى التفاعل أعلت عينه نحو اشتار العسل وارتاد واختال فإذا علمت هذا تبين لك أن ما ذكره المؤلف من التفصيل خاص بواوى العين.
(4) هذا عجز بيت من الوافر، وصدره قوله: * وربت سائل عنى حفى * وهو لعمرو بن أحمر الباهلى، و " ربت " هي رب الدالة على التقليل أو التكثير وألحق بها التاء لتأنيث اللفظ، والحفى: المبادر في السؤال المستقصى له، وفى التنزيل العزيز (يسألونك كأنك حفى عنها) .
وقوله " أعارت عينه " هو بالعين المهملة وهو محل الاستشهاد بالبيت على أنه قد يعل باب فعل - بكسر العين - من العيوب (*)(3/99)
فيعل فرعاه أيضاً، نحو أعَارَ واستعار وإنما حمل على الماضي الثلاثي في هذا القلب ما انفتح واوه وياؤه ولم يحمل عليه
ما انضما فيه أو انكسرا كَيَقُومُ ويَبيع ويُقِيم، لأن الحامل على النقل في جميع ذلك مفتوحاً كان العين أو مضموماً أو مكسوراً إتباع الفرع للأصل في تسكين العين مع الدلالة على البنية، كما مر في أول الكتاب (1) ، ولا يمكن ذلك بقلب الجميع ألفاً.
وأما إذا كانت الواو والياء المتحركتان المفتوح ما قبلهما في آخر الكلمة فإنهما تقلبان ألفاً، وإن كان ذلك في اسم لا يشابه بوجه، نحو (2) ربا وربا فانهما لا يوازنان الفعل، فإن وزانه كفَتًى وعَصاً فإنهما كضَرَب، وكمِرْدًى (3) ومِبْرًى (4) فإنهما كَاعْلَم، فلا كلام في القلب وإنما لم يعل نحو النزوان والغليان للزوم اللالف والنون، فأخرجت
__________
وذلك لان عارت أصله عورت فقلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، والاكثر في هذا الباب والقياس المطرد هو التصحيح، ويروى في مكان هذه الكلمة " أغارت " وعليها لا شاهد فيه، وقوله " لم تعارا " هو مضارع عار الذى أعل، والالف في آخره منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة في الوقف.
(1) انظر (ح 1 ص 80، 81) (2) الربا - بكسر الراء -: معروف، والربا - بضم الراء -: جمع ربوة، وهى المرتفع من الارض، ووقع في بعض النسخ " نحو ربا وزنا " وهى صحيحة أيضا وفيها التمثيل للواوى واليائى، كما أن فيما أثبتناه التمثيل بوجهين من وجوه عدم موازنة الفعل.
(3) المردى: الحجر يرمى به، ويقال: فلان مردى حروب، إذا كان يرمى به فيها لشجاعته، وعليه قول أعشى باهلة يرثى أخاه المنتشر بن وهب: مردى حروب ونور يستضاء به * كما أضاء سواد الظلمة القمر (4) المبرى - بكسر الميم وسكون الباء - آلة البرى (*)(3/100)
اللام من التطرف، فصارت الواو والياء كما في الْجَوَلان والطيران فإن قيل: هلا منع التاء اللازم في نحو غُزَاة وتُقَاة من إعلال اللام (ومن التطرف) (1) كما منعت التاء اللازمة في (نحو) عَنْصُوَة (2) وقَمَحْدُوة (3) من قلب الواو ياء.
قلت: لأن الواو المضموم ما قبلها لم تقلب ياء في موضع إلا متطرفة، بخلاف قلب الواو والياء ألفاً فإنه ثبت في المتوسطة أيضاً كثيراً، كَقال ومَقَال، فلم يعتد بالتاء التى أصلها عدم اللزوم، بخلاف الألف والنون فإنهما على اللزوم هذا، ولمناسبة القلب آخر الكلمة أعل الواو والياء أخيراً هذا الإعلال، وإن كان قبلهما ألف، بشرط كون الالف زائدة، لانهما إذن في حكم العدم، وذلك نحو كساء ورداء، وأما إذا كانت أصلاً كراي وآي فلا تعلان لكون الفاصل قوياً بالأصالة، وقد تقلب الواو والياء أيضاً قريبين من الطرف وقبلهما ألف زائدة ألفاً، بشرط أن ينضم إلى العلة المقتضية للانقلاب مقتض آخر، وذلك لضعف العلة إذن بسبب فصل الألف بين الواو والياء وبين الفتحة، وبعدم كونهما في الطرف، وذلك المقتضي: إما مشابهة الفعل المعل كما يجئ وأداؤه معناه وعمله عمله كما في قائم وبائع، وإما اكتناف حرف العلة لألف الجمع الأقصى فيستثقل لاجل حرفي العلة وكون الجمع أقصى الجموع، وذلك كما في بَوائع وأَوَائل وعَيَائل، في جمع بائعة وأوَّل وعيل (4) وإما كون الواو
__________
(1) سقطت هذه العبارة من بعض النسخ (2) العنصوة - مثلثة العين ساكنة النون مضمومة الصاد - القليل المتفرق من النبت وغيره، وبقى كل شئ
(3) انظر (ج 2 ص 46 وج 1 ص 261) (4) عيل - بفتح العين وتشديد الياء مكسورة، مثل سيد وميت وهين - وهو (*)(3/101)
والياء في الجمع الأقصى الذي هما في واحدة مدتان زائدتان كعجائز وكبائر، وذلك لقصد الفرق بين المدتين الزائدتين وبين الواو والياء اللتين كان لهما في الواحد حركة، سواء كانتا أصليتين كمَقَاوِمَ ومَعَايش، في جمع مَقَامة (1) ومعيشة، أو زائدتين ملحقتين بالأصل كعَثَايرَ وجَدَاوِلَ في جمع عِثْير (2) وجَدْوَل، فإن ماله حركة أصلية أجلد وأقوى، فلا ينقلب فإذا بعدت الواو والياء من الطرف نحو طَوِاوِيسَ (3) لم ينقلبا ألفاً، كما يجئ فعلى هذا تبين كذلك أن الهمزة في نحو رِدَاء وكساء وقائل وبائع وأوائل وبوائع وعجائز وكبائر أصلها الألف المنقلبة عن الواو والياء، فلما احتيج إلى تحريك الألف وامتنع قلبها إلى الواو والياء لأنه إنما فر منهما قلبت إلى حرف يكون أنسب بها بعد الواو والياء، وهو الهمزة، لانهما حلقيتان، وإنما لم تحذف الألف الأولى للساكنين، كما هو الواجب في مثله، لكون ألف نحو قائل علامة الفاعل وألف نحو أوائل وعجائز علامة الجمع، ولو حذفت في نحو رداء لا لتبس بالمقصور، وأما الهمزة في نحو رسائل فبدل من الألف التي في الواحد لا من الألف المنقلبة عن الواو والياء.
__________
فيعل من عال يعول، إذا جار ومال، وهو واحد العيال، وهم الذين يعولهم الانسان، سموا بذلك لانهم يدعونه بالانفاق عليهم إلى الجور والميل (1) مقامة: هي في الاصل اسم مكان من قام يقوم، ثم سمى به مجلس القوم لانهم يقومون فيه، ثم سمى به القوم
(2) العثير - بوزن درهم والياء زائدة للالحاق - التراب، وانظر (ج 2 ص 184 و 366) (3) الطواويس: جمع طاووس، طائر، وهو أيضا الرجل الجميل، وهو الفضة والارض المخضرة، ووقع في بعض النسخ " طوى وريس " وهو تحريف شنيع (*)(3/102)
هذا، وإن لم يكن الواو والياء في الفعل ولا في آخر الكلمة، وذلك إذا كانتا في الأسماء في غير الطرف، فههنا نقول: لا يعل من الاسماء هذا الإعلال إلا أربعة أنواع: نوعان منها مشابهان للفعل، وإنما اعتبر ذلك لما ذكرنا من أن الأصل في الإعلال الفعل، وأن هذه العلة ليست بقوية، فهي بالفعل أولى.
أحد النوعين: ما وازن الفعل نحو باب وناب، والأصل بَوَب وَنَيَب، ورجل ومال وَنَالٌ، والأصل مَوِل (1) وَنَوِل، بكسر العين، وكذا كبش (2) صَافٌ، وقولهم الروح (3) والغيب (4) والخول (5) والقود شاذ، وكذا رجل حَوِل: أي كثير الحيلة، ورَوع: أي خائف، ولم يجئ فَعُلٌ بضم العين أجوف في الاسم لثقل الضمة، ونريد بموازنة الفعل ههنا مساواته له في عدد الحروف والحركات المعينة، وإن باينه في تعيين الزيادات وأمكنتها، فمَفْعَل على وزن يَفْعَل، وإن كانت زيادته غير زيادته، وفَاعِل موازن لِيَفْعل وزيادته غير زيادته ومكانها غير مكانها، فالاسم الثلاثي: إما أن يكون مجرداً (كما ذكرنا) ، أو مزيداً فيه، وأما الرباعي والخماسي فإنه لا يوازن الفعل منهما إلا باب جعفر
__________
(1) المول: الكثير المال، والنول: الكثير النال أي العطاء (أنظر ج 1 ص 149 (2) كبش صاف: كثير الصوف (3) الروح - بالتحريك -: تباعد بين الرجلين، ومن الطير: المتفرقة الرائحة
إلى أوكارها (4) يقال: قوم غيب - بالتحريك -: وغيب وغياب، إذا كانوا غائبين الاخيران جمعان، والاول اسم جمع (5) الخول: ما أعطاك الله من أنعام وعبيد وإماء وغيرهم من الحاشية، يطلق على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث (*)(3/103)
نحو جَهْوَرٍ (1) ، والواو والياء لا يكونان فيه إلا للإلحاق، لما تبين أن الواو والياء مع ثلاثة أصول لا يكونان إلا مزيدتين، فلا تعل إذن، محافظة على بناء الإلحاق، فالثلاثي المزيد فيه يشترط فيه أن يكون مع موازنته للفعل مبايناً له بوجه، وذلك كالحرف الزائد الذي لا يُزاد في الفعل كميم مَقَام ومُقَام وَمُسْتَقَام، فإنها في الأصل كيَحْمد ويُحْمَد ويُسْتَخْرَج، لكن الميم لا تزاد في أول الفعل، أو كالحروف التي تزاد في الفعل لكن تكون متحركة بحركة لا تحرك في الفعل بمثلها نحو تِبَاع على وزن تِفْعَل بكسر التاء وفتح العين، فإنه يوازن أعْلَم، لكنه ليس في الفعل تاء مزيدة في الأول مكسورة، وأما نحو تِعْلَم فهي لغة قوم، ومع ذلك فليست بأصل، بل للدلالة على كسر العين في الماضي كما تقدم (2) ، وقد يعل لمباينة غير المذكورتين، نحو قائم وبائع، فإنه يوازن يَفْعِل، لكن ليس الزائد في مكان الزائد، ولا هو إياه، وكان القياس أن يعل نحو مِقْوَل (3) وَمِخْيَط إذ هما بوزن اعْلَم، لكن الخليل قال: لم يعلا لكونهما مقصوري مِفْعَال، وهو غير موازن للفعل، والدليل على أن مِفْعَالاً أصل مِفْعَل اشتراكهما في كثير نحو مِخْيَط وَمِخْيَاط ومِنْحَت وَمِنْحَات.
وقد شذ مما وجب إعلاله قياساً الْمَشْورة والْمَصْيَدَة بفتح الميم، وقولهم:
__________
(1) جمهور: اسم موضع، وبنو جهور: ملوك الطوائف بالاندلس، والجهور
أيضا: الجرئ المقدم الماضي (2) أنظر (ح 1 ص 141) (3) يقال: رجل مقول ومقوال، إذا كان بينا ظريف اللسان حسن البيان وفى الصحاح الكثير القول، وقد سموا اللسان مقولا، لكونه آلة القول، قال حسان بن ثابت: لسان وسيفي صارمان كلاهما * ويبلغ ما لا يبلغ السيف مقولى (*)(3/104)
الفكاهة مَقْوَدة إلى الأذى، وَأَمَا مَرْيَم وَمَدْيَن (1) فإن جعلتهما فَعْيَلاً فلا شذوذ، إذ الياء للإلحاق، وإن جعلتهما مَفْعَلاً فشاذان، وَمَكوَزَةٌ شاذ في الأعلام.
وقال المبرد: المزيد فيه الموازن للفعل إنما يعل إذا أفاد معنى الفعل كالْمَقَام، فإنه موضع يقام فيه، وكذا الْمُقَامُ، بضم الميم، موضع يفعل فيه الإقامة، فعلى ما ذهب إليه مريم ومدين ليسا بشساذين، وإن كانا مَفعَلا، لعريهما عن معنى الفعل، وكذا نحو تفعل من البيع بكسر التاء ينبغي أن لا يعل، بل يقال: تَبِيْع.
وإنما لم يشترط التباين في الثلاثي واشترط في ذي الزيادة لأن ذلك في المزيد فيه لئلا يشتبه بالفعل لو سُمي به مُعَلاًّ، فإنه لو أعل لكان يلتبس بعد التسمية به بالفعل، بسبب سقوط الكسر والتنوين، وأما الثلاثي فكسره وتنوينه وإن كان عَلَماً يفصله عن الفعل.
وإن لم يكن ذو الزيادة الاسمي مبايناً للفعل بوجه نحو أبيض وأسود وأدون منك وأَبْيَع، ونحو إبْيَع على وزن إصْبَع من البيع ونحو تُبْيَع على وزن تُرْتَب منه، فلا يعل شئ منها ليكون فرقاً بين الأسماء والأفعال، والأفعال بالإعلال أولى، لأصالتها فيه، وأما إعلال نحو أبَانَ على قول من لم يصرفه فلكونه منقولاً
عن فعل مُعَلٍّ إلى الاسم، ومن صرفه فهو فَعَال، وليس مما نحن فيه.
وإن لم يوازن الاسم الثلاثي المزيد فيه الفعل لم يعل هذا الإعلال، فعند سيبويه لم يعل هذا الإعلال نحو الطَّوَفَان وَالْحَيَدَان والنَّزَوَان والغليان وحمار حَيَدَى (2) والصَّوَرَى (3) لخروج الاسم بهذه الزيادة اللازمة للكلمة عن وزن
__________
(1) أنظر (ح 2 ص 391، 392) (2) يقال: حمار حيدى، إذا كان يحيد عن ظله من النشاط، ولم يوصف مذكر بوصف على وزن فعلى إلا بهذه الكلمة، ويقال: حمار حيد - كميت - بالمعنى السابق (3) الصوري - بفتحات مقصورا -: موضع أو ماء قرب المدينة، وقال ابن (*)(3/105)
الفعل، بخلاف نحو الْغَارَة (1) والْقَارة (2) وَالْغَابة (3) فإنّ التاء وإن أخرجت الكلمة عن وزن الفعل لكن لما كان وضعها على العروض وإن كانت لازمة ههنا لم تكن كجزء الكلمة، فَحَوَكَةٌ (4) وَخَوَنَةٌ شاذان، ووجهه الاعتداد بالتاء، مع أن الواو ليست في الطرف، وبعض العرب يعل فَعَلان الذي عينه واو أو ياء، فيقول: دَارَان من دار يدور، وهَامَان من هام يهيم، وَدَالاَن من دَالَ يدول، وَحَالاَن من حال يحول، وهو شاذ قليل، وعند المبرد هو قياس، لجعله الألف والنون كالتاء غير مُخْرِج للكلمة عن وزن الفعل.
فإن قيل: كيف أخرج التاء الاسم عن وزن الفعل في يعمله (5) حتى انصرف ولم تخرجه في نحو غَارَة فأعل.
__________
الاعرابي: هو واد في بلاد مزينة من المدينة، وقالوا في قول أبى الطيب المتنبي: - ولاح لها صور والصباح * ولاح الشغور لها والضحى إنه خطأ، والصواب الصوري - بالالف في آخره - (1) الغارة: اسم من قولهم: أغار على القوم إغارة، إذا دفع عليهم الخيل
(2) القارة: الجبل الصغير ينقطع عن الجبال، أو هو الصخرة العظيمة.
أو الصخرة السوداء، والقارة أيضا: قبيلة من العرب، وفيهم المثل السائر: قد أنصف القارة من راماها (3) في بعض النسخ الغاية - بالياء المثناة في مكان الباء الموحدة - وهى صحيحة أيضا.
(4) حوكة: جمع حائك، وهو اسم فاعل من حاك الثوب يحيكه حوكا وحياكة، إذا نسجه، وقد جاء " حاكة " على القياس (5) اليعملة: الناقة النجيبة التى تصبر على العمل والسير، وهم يقولون: أعملت الناقة، إذا ركبتها في السفر، وقال الخليل: اليعملة لا يوصف بها إلا النوق، قال غيره: يقال للجمل: يعمل، وهو اسم له من العمل، قال الشاعر: إذلا أزال على أقتاد ناجية * صهباء يعملة أو يعمل جمل (*)(3/106)
قلت: لأنه لو لم يعتد بالمخرج في نحو يعمله يظهر أثر الموازنة على المخرج عن الموازنة: أي على التاء، وذلك الأثر سقوط الجر والتنوين، بخلاف أثر الإعلال.
ونحو جَوَلاَن وَحَيَدَان عند المبرد شاذ خارج عن القياس، فإن أورد عليه نَزَوَان وَغلَيَان، وقيل: إن اللام بالتغيير أولى، أجاب بأنه لو قلب لزم الحذف، فيلتبس فَعَلانَ بفَعَال، إد يبقى نزَان وَغَلاَن، وكذا قال الأخفش في حمار حَيَدَى والصَّوَرَى: إنهما شاذان وجعل ألف التأنيث كالتاء غير مخرجة للكلمة عن وزن الفعل، والأولى قول سيبويه، لما ذكرنا.
فإن قيل: كيف أعل نحو الْعِيَاذ وَاللَّيَاذ بإعلال فعله، وَلم يُعَلَّ نحو الطَّيَران والدَّوَرَان والتَّقْوَال والتَّسْيَار بإعلال أفعالها، وكلاهما لا يوازن فعليهما،
فإن كان جَرْيُ المصدر على الفعل وعمله عمله في نحو عِيَاذٍ كافياً في إعلاله فليكن كذلك في طَيَرَان وَغَلَيَان.
قلت: طلب الكسرة لقلب الواو التي بعدها ياء أشدُّ من طلب الفتحة تقلب الواو والياء التي بعدها ألفاً ألا ترى إلى كثرة نحو قَوْلٍ وبَيْع، وقلة نحو بُيْع، وعدم نحو قوْل بكسر الفاء وسكون الواو، فبأدنى مشابهة بين المصدر وفعله يعل المصدر بقلب واوه ياء لانكسار ما قبلها لقوة الداعي إليه، وإذا بنيت من غزا ورمى مثل جَبَرُوت (1) فالقياس غزوت ورَمَيُوت، لخروج الاسم بهذه الزيادة عن
__________
ومن هنا تعلم أن اليعملة اسم وليست علما ولا صفة حتى يدعى لها أنها ممنوعة من الصرف لولا التاء التى أخرجتها عن وزن الفعل، لكونها من خصائص الاسماء وهذا الذى ذكرناه هو مذهب سيبويه في هذه الكلمة، وقد نص على أن يفعل لم يأت وصفا، وذهب غيره إلى أن اليعملة وصف منقول من مضارع عمل، وعلى هذا يتجه كلام المؤلف (1) الجبروت: الكبر والقهر، انظر (ح 1 ص 152) (*)(3/107)
موازنة الفعل، وبعضهم يقلبهما ألفين ويحذفهما للساكنين، وذلك لعدم الاعتداد بالواو والتاء ولم يعل نحل النَّوَال والسَّيَال (1) والطويل والْغَيْور والْقَوُول والتَّقْوَال والتَّسْيَار والمواعيد والمياسير لعدم موازنة الفعل، وقيل: للالتباس لو أعل، إذ يلزم الحذف، ورد بأنه كان ينبغي الإعلال إن كان سببه حاصلاً كما في قائل وبائع وكساء ورداء، ثم التحريك وجعله كما في الأمثلة المذكورة.
وثاني النوعين المذكورين: الاسم الذي فيه واو أو ياء مفتوح، إذا كان مصدراً قياسياً جارياً على نمط فعله في ثبوت زيادات المصدر في مثل مواضعها من
الفعل، كأقْوَام واسْتِقْوَام، فلمناسبته التامة مع فعله أعل إعلاله بنقل حركتهما إلى ما قبلهما وقلبهما ألفاً، ولم يعل نحو الطيران الدوران والنزوان والغليان علة فعله مع تحرك حرُوف العلة فيه وانفتاح ما قبلها لضعف مناسبتهما.
والنوعان الآخران من الأنواع الأربعة من باب الجمع الأقصى، وهما باب بَوائع وَعجَائز، وإنما أعلا الإعلال المذكور وإن لم يشابها الفعل لألف الجمع في أحدهما وقصد الفرق في الآخر كما تقدم شرحهما هذا، ولضعف هذه العلة - أعني تحرك الواو والياء وانفتاح ما قبلهما - في إيجاب القلب ترد الألف إلى أصلها من الواو والياء، ويحتمل تحركهما وانفتاح ما قبلها إذا أدَّى ترك الرد إلى اللبس: في الفعل كان، أو في الاسم، وذلك إذا لقي الألف حرف ساكن بعدها لو أبقى الألف معه على حالها سقطت والتبس، فالفعل نحو غَزَوَا ورميا، فإن ألف الضمير اتصل بغزا ورمى معلين، ولو لم يردوا الألف إلى أصلها لسقطت للساكنين والتبس المسند إلى ضمير المثنى بالمسند إلى ضمير
__________
(1) السيال: اسم جنس جمعى واحدته سيالة - كسحابة - وهو شجر له شوك أبيض طويل، انظر (ص 5 من هذا الجزء) (*)(3/108)
المفرد أو إلى الظاهر، وكذا يَرْضَيَانَ، لأنه كان يسقط النون جزماً (1) ، وأما في ارْضَيَا فلكونه فرع يَرْضَيَان، والاسم نحو الصَّلَوَات والْفَتَيَات، لو حذفت الألف للساكنين لا لتبس الجمع بالواحد، ونحو الفَتَيان والرَّحَيَان إذ لو لم يرد لا لتبس المثنى بالمفرد عند الإضافة، وأما نحو الْفَتَيَيْن والرحيين فلكونهما فرعي الفتيان والرحيان، كما تبين في أول شرح الكافية، ومع ياء النسب ترد الألف المحذوفة في نحو عصى ورجى المنونين، لزوال الساكنين: أي الألف والتنوين، وبعد ردها تقلبها واواً لأجل ياء النسب، كما قلبتها في العصا
والرحى لما نسبت إليهما، ولا نقول: إن الألف المحذوفة ترد إلى أصلها من الواو والياء، وإنما لم تحذف الألف للياء الساكنة اللاحقة بها لما ذكرنا في باب النسب، وبعد رد جميع الحروف المذكورة وتحريكها لم تقلها ألفاً مع تحركها وانفتاح ما قبلها، لعروض الحركة عليها، ولأنه إنما فر من الألف حتى لا يلتبس بعد الحذف، فكيف يعاد إلى ما فر منه؟ وأما رد الألف إلى أصلها في نحو هل تَرَيَنَّ وَتَرْضَيَنَّ، والأصل هل ترى وترضى، فليس لخوف الالتباس، بل للقياس على هل تغزون وَتَرْمِيَنَّ، وإنما رد اللام في نحو ارْضَيَنَّ ولا تَرْضَيَنَّ وكذا في نحو اغْزُوَنَّ وَارْمِيَنَّ ولا تغزون ولا تَرْمِيَنَّ لأن الفعل مع النون
__________
(1) قول المؤلف جزما معناه قطعا، وليس المراد به الجزم الذى هو حالة من حالات إعراب الفعل المضارع، وذلك لان هذه الحالة لا يقع فيها اللبس على فرض إعلال يرضيان، لانك كنت تقول في المسند إلى ضمير الواحد: محمد لم يرض - بحذف لام الفعل للجزم - وكنت تقول: المحمدان لم يرضا - بألف هي ضمير المثنى - فلا لبس حينئذ، فثبت أن جزما لا ينبغى أن يحمل على حالة الاعراب المذكورة، وصورة الالتباس إنما تقع في حالة النصب، لانك تقول: محمد لن يرضى والمحمدان لن يرضا، والالف في الاول لام الفعل وفى الثاني ضمير التثنية، ونريد أن ننبهك إلى أن اللبس حينئذ في النطق لا في الرسم (*)(3/109)
ليس موقوفاً ولا مجزوماً، وحذف اللام إنما كان للجزم أو الوقف، ولم تقلب الياء في ارْضَيَنَّ ولا تَرْضَيَنَّ ألفاً بعد الرد لكون حركتها عارضة لأجل النون التي هي كلمة مستقلة، وأيضاً لئلا يلزم منه حذف الألف فيؤدي إلى ما فر منه، وكذا في نحو ارْضَوُنَّ وارْضَيِنَّ يا امرأة، لم تقلبا لعروض الحركة لما ذكرنا في باب التقاء الساكنين، ولكون الواو والياء اسمين مستقلين، فلا يغيران،
ولأن الواو والياء لا تقلبان ألفاً إلا إذا كان ما قبلهما من حروف كلمتها مفتوحا، وههنا الواو كلمة أخرى، وأيضاً لو غيرا بالقلب لحذفا بلا دليل عليهما، كما كان في اغْزُنَّ واغْزِنَّ وإن لم يؤد حذف الألف للساكنين إلى اللبس لم يرد نحو يَرْضَوْن وتُغْزَين وترضين والمصطفون والْمُصْطَفَيْنَ وغَزَوْا ورَمَوْا وغَزَتْ وَرَمَتْ قوله " تحركتا " أي: في الأصل فيخرج نحو ضَوٍ وشَيٍ مخففتين، حركة لازمة، ليخرج نحو غَزَوَأ وَرَمَيَا وَعَصَوَان وارْضَيَنَّ وجَوَزَات وبَيَضَات، عند بني تميم، وإنما قلبا في نحو الْعَصَا والرَّحَى وإن كانت الحركة الإعرابية عارضة، لأن نوعها وإن كان عارضاً لكن جنسها لازم، إذ لابد لكل معرب بالحركات من حركة ما رفعا أو نصبا أو جرا قوله " أو في حكمه " أي: في حكم الفتح، نحو أقْوَل وأبْيَع ومُقْوَم ومُبْيَع قوله " في فعل ثلاثي " كقال وطال وخاف وباع وهاب قوله " أو محمول عليه " كأقام وأبان واستقام واستبان، وقد يكون الفعل الثلاثي محمولاً على الثلاثي، كيَخَاف ويُقَال ويَهَاب، لأن الأصل في الإعلال الماضي، والمضارع فرعه فيعتل باعتلاله، وذلك لأنه هو الماضي بزيادة حرف المضارعة عليه قوله " أو اسم محمول عليهما " أي: على الفعل الثلاثي كباب ودار وكبش(3/110)
صَافٍ، وعلى الفعل المحمول عليه كمُقَام والاستقامة قوله " بخلاف قول وبَيْع " أي: بخلاف ما كان الواو والياء فيه ساكنين مفتوحاً ما قبلهما قوله " وطائي وياجل شاذ " قد ذكرنا حكم طائي في باب النسب، وكذا
ذكرنا أن نحو يَاجَل مطرد، وإن كان ضعيفاً، وكذا ذكرنا أن بعض الحجازيين يقلب الواو الساكنة ألفاً قياساً في مضارع نحو ايتعد وايتسر، وبعض بني تميم يقلبون واو نحو أوْلاد: أي جمع ما فاؤه واو، ألفاً قياساً، فيقول: آلاد، وطئ يفتحون ما قبل الياء إذا تحركت بفتحة غير إعرابية وكانت طرفاً وانكسر ما قبلها، لتنقلب الياء ألفاً، وذلك لكون الطرف محل التغيير والتخفيف، وشرط فتحة الياء لتنقل إلى ما قبلها، وشرط كونها غير إعرابية، لئلا تكون عارضة فيعتد بها، وشرط انكسار ما قبلها لأن الكسر أخو السكون، على ما تبين في باب التقاء الساكنين، فتكون كأنك نقلت الفتح إلى الساكن، كما في أقْوَم، قال نَسْتَوْقِدُ النَّبْلَ بالحضيض * ونصطاد نُفُوساً بُنَتْ عَلَى الْكَرَمِ (1) وإن توسطت الياء بسبب التاء اللازمة نحو نَاصَاة في نَاصِِية فقليل غير مطرد قوله " بخلاف قاولَ وبَايَعَ " أي: بخلاف الثاني المزيد فيه، إذا كان ما قبل الواو والياء ساكناً، ولم يكن ذلك للساكن حرفاً كان مفتوحاً في الثلاثي قوله " أخْيَلَتِ السماء " أي: صارت خليقة بالمطر، وأغيلت المرأة: أي أرضعت على الحبل، ومثله اسْتَصْوَب واسْتَرْوَح الريح، وعند أبي زيد التصحيح
__________
(1) قد مضى شرح هذا البيت مفصلا (ح 1 ص 124) (*)(3/111)
قياس في مثله، إذا لم يكن له فعل ثلاثي كاسْتَنْوَقَ (1) ، وعند سيبويه نحو اسْتَنْوَقَ أيضاً شاذ، والقياس إعلاله طرداً للباب كما أعل سائف (2) وخائل (3) في النسبة، وإن لم يأت منه فعل معل، طردا لباب فاعِلٍ في إعلاله علة واحدة، وإذا طرد باب تَعِد ونَعِد وأعِد فهذا أولى
قال: " وَصَحَّ بَابُ قَوِيَ وَهَوَى لِلإِعْلاَلَيْنِ، وَبَابُ طَوِيَ وَحَيِيَ لأنه فَرْعُهُ أوْ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ يَقَايُ وَيَطَايُ وَيَحَاي، وَكَثُرَ الإِدْغَامُ فِي بَابِ حَيِيَ لِلْمِثْلَيْنِ، وَقَدْ يُكْسَرُ الْفَاءُ، بخِلاَفِ بَابِ قَوِيَ، لان الاعلال قَبْلَ الإِدْغَامِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا يَحْيَى وَيَقْوَى وَاحْوَاوَى يَحْوَاوِي وَارْعَوَى يَرْعَوي، فلم يدغموا، وجاء احو يواء واحوياء، ومن قال اشهباب قال احوواه كَاقْتِتَالٍ، وَمَنْ أدْغَمَ اقْتِتَالاً قَالَ: حِوَّاء، وَجَازَ الإِدْغَامُ فِي أُحْيِيَ وَاسْتُحِيِيَ بِخِلاَفِ أَحْيَى وَاسْتَحْيَى، وَأَمَّا امْتِنَاعُهُمْ فِي يُحْيِي وَيَسْتَحْيِي فَلِئَلاً يَنْضَمُّ مَا رُفِضَ ضَمَّهُ، وَلَمْ يَبْنُوا مِنْ بَابِ قَوِيَ مِثْلَ ضَرَبَ وَلاَ شَرْفَ كَرَاهَةَ قَوَوْتُ وَقَوُوتُ، وَنَحْوُ الْقُوَّةِ وَالْصُّوَّةِ وَالْبَوِّ وَالْجَوِّ مُحْتَمَلٌ لِلإِدْغَامِ " أقول: قوله " باب قوي " أي: فَعِل بالكسر مما عينه ولامه واو، ولابد من
__________
(1) استنوق الجمل: تشبه بالناقة، وهو مثل يضرب لمن يخلط الشئ بغيره انظر (ح 1 ص 86) (2) يقال: سافه يسيفه فهو سائف، إذا ضربه بالسيف، ويقال: رجل سائف: أي ذو سيف، فهو على الاول اسم فاعل، وإعلاله اصل، وعلى الثاني للنسبة كلا بن وتامر، وإعلاله بالحمل على الاول، طردا لباب فاعل كما قال المؤلف (3) يقال: خال يخال فهو خائل، إذا ظن، ويقال: رجل خائل، إذا كان ذا خيلاء، فهو على النسب في قول أكثر أهل اللغة، والقول في إعلال اللفظين كالقول في سائف، ومنهم من ذهب إلى أن الخائل المتكبر اسم فاعل فاعلا له بالاصل لا بالحمل (*)(3/112)
قلب الواو ياء، لانكسار ما قبلها، كما يجئ بعد أن كل واو في آخر الكلمة مكسور ما قبلها: متحركة كانت أو ساكنة، قلبت ياء للاستثقال، والاشتغال
بإعلال الأطراف أسبق من الاشتغال بإعلال الوسط: إما بالقلب، أو بالإدغام، لما عرفت، فبعد قلب الثانية ياء لو قلبت الأولى ألفاً لاجتمع إعلالان على ثلاثي ولا يجوز، كما مر، وأما هَوَى فقد أعللت اللام أيضاً بقلبها ألفاً، فلم يكن لك سبيل إلى إعلال العين، حذَراً من الإعلالين، و " قَوِي " من المضاعف بالواو بدليل القوة، " وحيى " من المضاعف بالياء، إلا عند المازنى، وهوى مما عينه واو ولامه ياء، وكذا طَوِيَ، بدليل طَيَّان (1) ، ولم يُعَلَّ في حَيِيَ بقلب العين عند المازني، لأن أصله حَيِوَ عنده، أو لأنه مثل طَوِيَ كما يجئ قوله " وباب طَوِيَ وَحَيِيَ " يعني لم يعلا وإن لم يلزم إعلالان، لانهما فرعا هوى، وَذلك لأن فَعَلَ - بفتح العين - في الأفعال أكثر من أخَوَيْه، لكونه أخف، والخفة مطلوبة في الفعل، وهو أيضاً أكثر تصرفاً، لأن مضارعه يأتي على ثلاثة أوجه، دون مضارعها ثم ذكر علة أخرى لتركهم إعلال عين ثلاثة من الأفعال المذكورة، وهي ما على فَعِلَ - بكسر العين - وذلك أن كل أجوف من باب فَعِلَ قلبت عينه في الماضي ألفاً تقلب عينه في المضارع أيضاً، نحو خاف يخاف، وهاب يهاب، فلو قالوا في الماضي: قايَ وَطَايَ وَحَايَ لقالوا في المضارع: يَقَايُ ويطاى ويحاي، وضم لام
__________
(1) طيان: صفة مشبهة من قولهم: طوى يطوى - كفرح يفرح - إذا جاع وخلا بطنه، كقولهم: شبعان من شبع، وريان من روى، وضمآن من ضمئ، ووجه دلالة طيان على أن لام طوى ياء قلب الواو التى هي العين ياء وإدغامها في الياء، وأصله على هذا طويان، ولو لم تكن اللام ياء لما قبل: طيان، بل كان يقال: طوان، انظر (ح 1 ص 211) (*)(3/113)
المضارع إذا كان ياء مرفوض مع سكون ما قبله أيضاً، بخلاف الاسم، نحو ظَبْي
وآي ورَاي، وذلك لثقل الفعل كما ذكرنا، ويجوز أن يقال في هوى أيضاً مثله، وهو أن كل أجوف من باب فَعَلَ تسكن عينه بقلبها ألفاً وجب تسكين عين مضارعة ونقل حركته إلى ما قبله، نحو قال يَقُول وبَاع يبيع وَطاح يَطِيح (1) والأصل يَطْوِح فكان يجب أن يقال يَهِيُّ مشدداً في مضارع هاي، ولا يجئ في آخر الفعل المضارع ياء مشددة، لأنه مورد الإعراب مع ثقل الفعل، وأما في الاسم فذلك جائز لخفته، نحو حَيٍّ، ويجوز كما قدمنا أن نعلل ترك إعلالهم عين طَوِيَ وَحَيِيَ بامتناع إعلال لامهما الذي كان أولى بالإعلال لو انفتح ما قبله، لكونه آخر الكلمة.
قوله " وكثر الإدغام في باب حَيِيَ " قال سيبويه: الإدغام أكثر والأُخرى عربية كثيرة (2) ، وإنما كان أكثر لأن اجتماع المثلين المتحركين مستثقل، ويشترط في جواز الإدغام في مثله: أي فيما تحرك حرف العلة فيه، لزومُ حركة الثاني، نحو حَيَّ، حَيَّا، حَيُّوا، حَيَّتْ، حَيَّتَا، قال: 139 - عَيُّوا بأَمرِهِمُ كَمَا * عَيَّتْ ببيضتها الحمامه جعلت لها عودين من * نشم وآخر من ثمامة (3)
__________
(1) انظر (ح 1 ص 81، 115) (2) هذه عبارة سيبويه (ح 2 ص 387) وقد استظهر أبو الحسن الاشمونى من عبارة ابن مالك أن مذهبه كون الفك أجود من الادغام مع اعترافه بكونهما فصيحين، وقد علل جواز الوجهين في حيى بأن من أدغم نظر إلى حقيقة الامر فيه، وهى اجتماع مثلين متحركين وحركة ثانيهما لازمة، من فك نظر إلى أن حركة الماضي وإن كانت لازمة فيه إلا أنها كالمفارقة، بسبب عدم وجودها في المضارع، ففارق بهذا نحو شدد يشدد، إذ الحركة في الماضي والمضارع (3) هذا الشاهد من مجزوء الكامل المرفل، وهو لعبيد بن الابرص من (*)(3/114)
وإن كانت حركة الثاني لاجل حرف عارض غير لازم لم يدغم، كما في محيية ومحييان، فان الحركة لاجل التاء التى هي في الصفة ولالف المثنى، وهما عارضان لا يلزمان الكلمة، وكذا الحركات الاعرابية، نحو قوله تعالى: (أن يحيى الموتى) وقولك: رأيت مُعْيياً وإن كانت الحركة لازمة في نفس الأمر كما في حَيِيَ، أو لأجل حرف عارض لازم كما في تَحْيِيَة وَأَحْيِيَة جمع حَيَاء (1) جاز الإدغام والإظهار، إذ التاء في مثله لازمة، بخلاف تاء الصفة، وكذا يجوز في جمع عَيِيٍّ أعيياء وأعِيَّاء، للزوم الألف، والإدغام في هذا النوع أيضاً أولى، كما كان في حَيَّ وأَحِيَّ وإنما اشترط للإدغام في هذا الباب لزوم حركة الثاني بخلاف باب يَرُدُّ وَيَمَسُّ، لأن مطلق الحركة في الصحيح يلزم الحرف الثاني، إلا أن يدخله ما يوجب سكونه، كلم يَرْدُدْ ويَرْدُدْن، وأما في المعتل نحو مُعْيِية ورأيت
__________
كلمة له يبكى فيها قومه بنى أسد حين قتلهم حجر الكندى أبو امرئ القيس الشاعر لمنعهم الاتاوة التى كان قد فرضها عليهم، وأول هذه الكلمة قوله: يَا عَيْنُ مَا فَابْكِي بَنِي * أسد فهم أهْلُ النِّدَامَهْ أهْلُ الْقِبَابَ الْحُمْرِ وَالنِّعَم * الْمُؤْبَّلِ والمدامه " ما " زائدة، والقباب: جمع قبة، وكانت لا تكون إلا للرؤساء والاشراف، والنعم: المال الراعى: إبلا أو غيرها، وقيل: يختص بالابل، والمؤبل: المتخذ للقنية، والمدامة: الخمر.
والاستشهاد بالبيت في قوله " عيوا " حيث أدغم المثلين في الفعل المسند لواو الجماعة (1) الاحيية: جمع حياء، مثل قذال وأقذلة، والحياء هو الفرج من ذوات
الخف والظلف والسباع (*)(3/115)
مُعْيِياً فيسكن الثاني بلا دخول شئ، نحو مُعْي، فلم يروا إدغام حرف فيما هو كالساكن، وحيث أظهرت الياء سواء كانت واجبة الإظهار كما في مُحْيِيَة أو جائزته كما في حَيِيَ، وانكسرت، فإخفاء كسرها أحسن من إظهاره، ليكون كالإدغام، فإن الكسر مستثقل، وإن انفتحت الأولى، كما تقول في تثنية الْحَيَا: (1) حَيَيَان، جاز الإخفاء والتبيين، والتبيين أولى، لعدم الاستثقال، ولا يجوز هاهنا الإدغام، لعدم لزوم ألف التثنية، ومَنْ أظهر في حَيِيَ قال في الجمع حَيُوا مخففاً كخَشُوا، قال: 140 - وكنا حسبناهم فوارس كهمس * حيوا بَعْدَ مَا مَاتُوا مِنَ الدَّهْرِ أَعْصُرَا (2) قوله " وقد تكسر الفاء " يعنى في حى المبنى للفاعل، والظاهر أنه غلط نقله من المفصل (3) ، وإنما أورد سيبويه في المبنى للمفعول حُيَّ وحى،
__________
(1) الحيا - مقصورا -: الخصب والمطر، وتثنيته حييان مثل فتى وفتان (2) هذا بيت من الطويل، وهو من شواهد سيبويه (ح 2 ص 387) وهو من كلمة أولها - فيما رواه صاحب الاغانى -: فلِلَّه عَيْنَا مَنْ رَأَى مِنْ فَوَارِسٍ * أكَرَّ عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْهُمْ وَأَصْبَرَا وَأَكْرَمَ لَوْ لاَقَوْا سَدَاداً مُقَارِباً * وَلَكِنْ لَقُوا طَمًّا مِنَ الْبَحْرِ أخضرا وقد نسبت هذه الابيات لابي حزابة التميمي، وهو الوليد بن حنيفة، شاعر من شعراء الدولة الأموية، وقيل: هي لمودود العنبري، وكهمس: أبو حي من العرب.
والاستشهاد بالبيت في قوله " حيوا " بتخفيف الياء مضمومة على لغة من قال في الماضي: حيى بالفك، مثلما تقول: رضوا في رضى، ورواية الاغانى " وحتى حسبناهم "
(3) عبارة جار الله: " وقد أجروا نحو حيى وعيى مجرى قى وفنى، فلم يعلوه، وأكثرهم يدغم فيقول: حى وعى - بفتح الفاء وكسر - كما قيل لى ولى في جمع (*)(3/116)
كقولهم في الاسم في جمع قَرْن أَلْوَى: قُرُونٌ لِيٌّ - بالضم والكسر - (1) فإن قيل: كيف وجب كسر الضم في غير فُعْلٍ نحو مُسْلِمِيّ وَعُتِيّ وَجُثِيّ وغُزْوِيّ على مثال عُصْفُورٍ من الغزو، وجاز الوجهان في فُعْل؟ قيل: لأن فُعْلاً يلتبس بفِعْل فجاز إبقاء الضم فيه دلالة على أصل البنية وفي غيره لا يلتبس بِنْية ببنية، أو يقال: المجوز لضم فُعْل قبل الياء خفة البناء، وقال السيرافي: يجوز أن يقال لِيٌّ: بالكسر في جمع أَلْوَى، كبيض في جمع أبْيَضَ، جعل الياء الساكنة المدغمة كغير المدغمة، وَحِيَّ في حُيَّ كَقِيلَ وبيع
__________
ألوى، قال الله تعالى (ويحيى من حى عن بينة) وقال عبيد: عيوا بأمرهم كما * عيت ببيضتها الحمامه اه كلام الزمخشري ولم يتعرض ابن يعيش لذلك في شرحه، ولا خطأ جار الله في شئ مما قاله، وقد بحثنا من كتب القراءات كتاب النشر لابن الجزرى ووجوه قراءات القرآن للعكبرى، ومن كتب التفسير كتاب الكشاف، والبيضاوي والشهاب الخفاجى، والبحر المحيط لابي حيان، فلم نجد أحدا من هؤلاء ذكر أنه قرئ في قوله تعالى: (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة) بالادغام مع كسر الحاء، ثم بحثنا من كتب النحو واللغة: لسان العرب لابن المكرم (ح ى ى - ع ى ى) والقاموس المحيط، وكتاب سيبويه وأوضح المسالك لابن هشام، والاشمونى، والهمع للسيوطي، والكافية الشافية لابن مالك، فلم نجد أحد من هؤلاء جميعا ذكر أن
حى ونحوه من المبنى للمعلوم إذا أدغم جاز كسر فائه، فإذا علمت هذا تبين لك أن وجه تخطئة المؤلف للزمخشري عدم النقل عن أحد من النحاة وعدم وروده في كلام العرب، ولعل الزمخشري إنما حكى ذلك لوجه من القياس كما يشعر به تنظيره (لى) - جمع ألوى - وإن كان قوله " وأكثرهم يدغم فيقول " ظاهرا في النقل عن العرب (1) تقول: قرن ألوى، إذا كان شديد الالتواء (*)(3/117)
وقالوا في الاسم: حياة ودواة وَنَوَاة، وشذ غَايَة وغَاي، وَرَاية ورَاي، وآية وثاية، (1) والقياس غوَاة أو غيَاة، والأول أولى، لأن باب طَوَيْت أكثر من باب حَييَ، وإنما قلنا بشذوذ ذلك لأن الأولى إعلال الآخر كما في هَوَى ونَوَى وقال الفراء وجماعة من المتقدمين في آية: إنه ساكن العين، والأصل أيّة وأى قلبت العين الساكنة ألفا، لفتح ما قبلها كما في طائى وياجل (2) وعاب، وهو ههنا أولى، لاجتماع الياءين وقال الكسائي: آيية، على وزن فاعلة، فكرهوا اجتماع الياءين مع انكسار أولاهما، فحذفت الاولى وعلى جميع الوجوه لا يخلو من شذوذ في الحذف (3) والقلب
__________
(1) الثاية: مأوى الابل، وعلم بقدر قعدة الانسان، وأصلها ثوى لاثيى، لان باب طوى أكثر من باب حيى، وكان مقتضى القياس أن تقلب اللام ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، ولان الاعلال باللام أولى كما فعلوا في النوى والحيا، ولكنهم أعلوا العين بقلبها ألفا على خلاف مقتضى القياس فصار ثايا.
وانظر في الكلام على بقية هذه الالفاظ (ح 2 ص 51) (2) العاب: أصله العيب - بفتح فسكون - فقلبت الياء ألفا أكتفاء بجزء العلة وهو انفتاح ما قبلها، ومثله الذام والقاب في نحو (قاب قوسين) ومثله " آد " بمعنى القوة من نحو قوله تعالى (والسماء بنيناها بأيد) ومثله " رادة " في قولهم: ريح
ريدة ورادة، إذا كانت لينة الهبوب، ومثله الذان بمنى الذين - بفتح الذال وسكون الياء - وهو العيب، ومن العلماء من زعم أن المقلوب من هذه الالفاظ مفتوح العين، وأن كل كلمة من هذه الكلمات قد وردت على لغتين، وحينئذ يكون القلب مستوفيا علته (3) ليس بك حاجة إلى بيان الوجوه وما يلزم على كل وجه من الشذوذ إذا رجعت إلى ما كتبناه في (ح 2 ص 51) ولاحظت أن الاعلال بالام أولى منه بالعين، وأن العين لا تعل إذا كانت اللام حرف علة سواء أعلت بالفعل أم لم تعل، وأن علة انقلاب الواو والياء ألفا هي تحركهما وانفتاح ما قبلهما، فأذا طبقت هذه القواعد على الاقوال التى ذكرناها في الموضع المشار إليه ظهر لك أن كل قول منها لا يخلو من شذوذ.
(*)(3/118)
ويمكن أن يقال: الوجهان أيضا في غاية وثاية وراية واعلم أن في استحيا لغتين: لغة أهل الحجاز استحيا يستحيي - بياءين - مستحى مستحيا منه، على وزن استرعى يسترعى سواء، ولغة بنى تميم استحى يستحى، بتحريك الحاء وحذف إحدى الياءين فمذهب الخليل أنه مبنى على حيى معلا إعلال هاب وباع، فكأنه قيل: حاى، فكما تقول في باع: استبعت، تقول في حاى: استحيت، وإنما بنى على حاى المرفوض، لان حق حيى إعلال عينه لما امتنع إعلال لامه، فاستحى على هذا في الاصل استحاى كاستباع، حذفت حركة الياء، إذ لم يوجد في كلامهم لام الماضي ياء متحركة ساكنا ما قبلها، فالتقى ساكنان، فحذفت أولاهما، ثم قلبت الياء الساكنة ألفاً لانفتاح ما قبلها كما في ياجل وطائى، وكذا تقول في المضارع: إن حقه يَسْتَحيِيُ كيستبيع، حذفت حركة الياء، إذ لا نظير له في الأفعال، ثم حذفت الياء الأولى للساكنين، والأمر منه اسْتَحِ،
وحق مصدره على هذا اسْتِحَاءة كاستباعة، ولا يستعمل، واسم الفاعل مُسْتَحٍ، والأصل مُسْتَحْيِيٌ فأعل إعلال المضارع، والمفعول مُسْتَحًى منه، وأصله مُسْتَحَايٌ حذفت حركة الياء كما في يستحاى، وأعل إعلال استحاي، وقد مر، وفيما ذهب إليه الخليل ضعف لا يخفي للارتكابات المكروهة وقال غيره - واختاره المازني -: إن الياء الأولى في جميع هذه التصرفات حذفت كما في أحَسْت وظِلْتُ ومِسْتُ، لأن حقّ المثلين الإدغام، فلما امتنع حذفت الأولى، لكونه أشبه شئ بالإدغام، وقال المازني: لو حذفت للساكنين لم تحذف في المثنى نحو اسْتَحَيَا ولقالوا: اسْتَحَايا كاستباعا قوله " بخلاف باب قوي " يعني أن قَوِيَ من مضاعف الواو، بدليل القوة كما أن حييَ من مضاعف الياء، لكنه إنما جاز إدغام حيي بخلاف قوي فلم(3/119)
يُقَل قَوَّ كما قيل حَيَّ، لأن قلب الواو ياء إعلال في الطرف، وإدغام العين في اللام إعلال في الوسط، والأول أولى لما ذكرنا غير مرة، ولذلك ابتدئ بإدغام أيمّة قبل قلب همزة الساكن ألفاً، لانفتاح ما قبله كما ذكرنا في أول الكتاب، (1) وأيضاً قويَ بقلب الواو ياء أخف منه بإدغام الواو في الواو، والطريق المؤدي إلى زيادة الخفة أولى بالسلوك مما ليس كذلك قوله " ولذلك قالوا يَحْيَا " أي: لم يقولوا يَحيُّ مع أنهم أدغموا في الماضي، لأن الإعلال قبل الإدغام، وأيضاً الكلمة بالإعلال أخف منها بالإدغام، ولذلك قيل: يَقَْوَى، لا يَقَوُّ، وأيضاً لا يجوز الإدغام في يَحْيَى ويَقْوَى، لعدم لزوم حركة الثاني، وهو شرط الإدغام في مثله كما تقدم قوله " احْوَاوَى " هو افْعَالَلَ من الْحوَّة (2) وأصله احْوَاوَوَ، ولم يدغم، بل أعل، لسبق الإعلال على الإدغام، ولكون الكلمة به أخف، وكذا يَحْوَاوِي
في مضارعه، والحركة في آخره عارضة، وكذا ارْعَوَى، وهو من باب افْعَلَ كاحْمَرَّ، وأصله ارْعَوَوَ كاحْمَرَرَ، ومصدر احْوَاوَى احْوِيوَاء كاحْمِيرَار، واحْوِيّاء، ولم يذكر سيبويه إلا هذا، فمن قال: احْوِيوَاء بلا قلب وإدغام فلكون الياء عارضاً في المصدر للكسرة وأصلها الألف في احْوَاوَى، فصارت لعروضها لا يعتد بها كما لا يعتد بواو سُويرَ وقُووِلَ، لكونها بدلاً من الألف في ساير (3) وقاول، وسيبويه نظر إلى كون المصدر أصلاً للفعل، فلا يكون الياء بدلاً من الألف، بل الالف في الفعل بدل من الياء في المصدر
__________
(1) أنظر (ح 1 ص 27) (2) الحوة - بضم الحاء وتشديد الواو -: سواد إلى الخضرة، أو حمرة إلى السواد.
انظر (ح 1 ص 208، 232، 233) (3) هذه العلة التى ذكرها المؤلف ههنا لعدم إعلال سوير بقلب واوه ياء ثم إدغامها في الياء ولعدم الادغام في قوول، هي العلة التى ذكرها سيبويه، وهى التى (*)(3/120)
قوله " ومن قال اشهباب " يعني أن باب افْعِلاَل مقصور افْعِيلاَل في بعض الكلمات،: يقال احميرار واحمرار، واشهيباب واشهباب (1) ، فيقال على ذلك في احويواء، احْوِوَاء، فيجتمع الواوان كما يجتمع التاءان في اقتتال، وإن لم يكن احوواء من باب اقتتال، وسيجئ في باب الإدغام أنه قد يدغم نحو اقْتَتَل يقتتل اقتتالاً فيقال: قِتَّال، فيقال أيضاً هنا: حِوَّاء، والواوان المدغم إحداهما في الأخرى لا يستثقلان في الوسط كما يستثقلان في الطرف، فيقال حَوَّى يَحَوِّي، بفتح الحاء فيهما، أو حِوَّى يَحِوِّي، بكسر الحاءَين (2) ، حِوَّاء نحو قتل يقتل قتالاً
__________
اختارها متأخرو النحاة كابن مالك وشراح كلامه، لكن ابن الحاجب ذكر في باب
الادغام أن عدم القلب في سوير وعدم الادغام في قوول لخوف الالتباس بنحو سير مبنيا للمجهول من نحو قوله تعالى: (وإذا الجبال سيرت) وبنحو قول مبنيا للمجهول من قول - بالتضعيف - وأيد المؤلف كلامه هناك حيث قال " وعند سيبويه والخليل أن سُويِرَ وقُووِلَ لم يدغما لكون الواوين عارضين، وقول المصنف أولى، وهو أنهما لم يدغما، لخوف الالتباس، لأن العارض إذا كان لازماً فهو كالأصلي، ومن ثم يدغم إينة - كامعة - وأول - كابلم - مع عروض الواو الياء " اه، وخلط بين العلتين في الكلام على قلب الواو ياء إذا اجتمعت مع الياء وسبقت إحداهما ساكنة.
(1) الشهبة: البياض الذى غلب على السواد، وقد قالوا: اشهب الفرس اشهبابا واشهاب اشهيبابا، إذا غلب بياضه سواده، هذا قول أكثر أهل اللغة، وقال أبو عبيدة: الشهبة في ألوان الخيل: أن تشق معظم ألوانها شعرة أو شعرات بيض كمتا كانت أو شقرا أودهما.
(2) وجه كسر الحاء في " حوى " أنه لما قصد الادغام سكن أول المثلين فالتقى ساكنان: الحاء التى هي فاء الكلمة، والواو التى هي عينها، فحرك أول الساكنين بالكسر الذى هو الاصل في التخلص من التقاء الساكنين، وحذفت همزة الوصل استغناء عنها، وأما " حوى " بفتح الحاء فوجهه أنه لما أريد الادغام نقلت حركة أول المثلين إلى الساكن قبله وحذفت همزة الوصل استغناء عنها.
(*)(3/121)
وإذا بنيت من حَيِيَ ورَمَى مثل احْمَرَّ قلت: احْيَيَا وارْمَيَا، والإعلال قبل الإدغام.
وإذا بنيت مثل احْمَارَّ منهما قلت: احْيَايَا وارْمايَا، وفي المثنى احْيَيَيَا وارْمَيَيَا واحْيَايَيَا وَارْمَايَيَا، ولا يجوز الإدغام لعروض الحركة في الأخيرة، لأجل ألف المثنى، وتقول في الجمع: احييوا، واحيايوا، فإذا لزمت الحركة
- وذلك فيما لم يسم فاعله نحو احْيُيِيَ وارْمُيِيَ وَاحْيُويِيَ وَارْمُويِيَ واحْيُيِيَا واحيييوا وَاحْيُوييَا واحْيُوييُو - جاز الإدغام، فتقول: أُحْيِيَّ وأصله أُحْيُيَّ كسرت الياء المضمومة كما في مُسْلِمِيَّ، واحْيِيَّا واحْيِيُّوا واحْيُويَّ وَاحْيُويَّا واحْيُويُّوا، وفي المضارع: يُحْيَيى ويَرْمَيى ويَحْيَايى ويَرْمَايى، ولا يجوز إدغام الواو في احْيُويِيَ كما لم يدغم في سُوير، كما ذكرنا، وتقول في اسم الفاعل: مُحْيَيِيَةٌ وَمُحْيَايِيَة، ولا يجوز الإدغام، لعروض الحركة، بل إخفاء الكسر أولى من الإظهار كما بينا وتقول في مصدر احْيَيا: احْيِيَاء، وفي مصدر احْيَايَا احْيِيَّاء بالإدغام، ومن لم يدغم في احْويَواء لكون الياء بدلاً من الألف ينبغي أن لا يدغم أيضا ههنا، لكنه مستثقل، ومن أدغم في اقتتل يقتتل اقتتالا قال ههنا: حَيَّا يَحَيِّى حِيَّاء.
قوله " وجاز الإدغام في أُحْيِيَ واسْتُحْييَ " من أدغم قال: أحِيَّ أُحِيَّا أُحِيُّوا وَاسْتُحِيَّ اسْتُحِيّاً اسْتُحِيُّوا، وذلك للزوم الحركة، ومن لم يدغم قال أُحْيِيَ أُحْيِيا أُحْيُوا، نحو أُرْمِيَ أُرْمِيَا، أُرْمُوا، وفي اسْتُحْيِيَ ثلاث لغات، هذه أصلها، وثانيتها الإدغام، وثالثتها حذف الياء الأولى كما في اسْتَحَى عند بني تميم، وتقول في مضارع أحيَا واسْتَحْيا: يُحْيِي ويَسْتَحْيِي، من غير إدغام، لعدم لزوم الحركة.
قوله " ومن ثم لم يُبنَ من باب قَوِي " أي: من مضاعف الواو " فَعَلَ " (*)(3/122)
بالفتح كراهة اجتماع الواوين إذا اتصل بالماضي الضمير المرفوع، وأما فَعُلَ - بالضم - فلو بنى منه لحصلت الواوان من دون اتصال الضمير، إذ لم يكن تقلب الواو التي هي عين لما لم تكن علة القلب في اللام حاصلة، كما ذكرنا في حَيِي وطَوِيَ، ولم تكن تقلب الثانية ياء لضمة ما قبلها كما في الأدْلِي، لأن ذلك في الاسم كما
يأتي، ألا ترى إلى نحو سَرُوَ؟ قوله " ونحو الْقُوَّة والصُّوَّة (1) " جواب سؤال، كأنه قيل: فإذا لم ينوا من باب قَوِيَ مخافة الواوين، فلم احتملوا ذلك في القوة؟ فقال: لأن الإدغام ههنا حاصل، فخفت الكلمة به، ولو كان الإدغام مقدماً على الإعلال أيضاً لم يجز ذلك في الفعل كما جاز في الاسم، لثقل الواوين في الفعل الذي هو ثقيل قال " وَصَحَّ بَابُ مَا أَفْعَلَهُ لِعَدَمِ تَصَرُّفِهِ، وَأَفْعَلُ مِنْهُ مُحْمُولٌ عَلَيْهِ أَوْ لِلَّبْسِ بِالْفِعْلِ، وَازْدَوَجُوا وَاجْتَوَرُوا، لأَنَّهُ بِمَعْنَى تَفَاعَلُوا، وَبَابُ اعْوَارَّ وَاسْوَادَّ لِلَّبْس، وَعَوِرَ وَسَوِد، لأنَّهُ بِمَعْنَاهُ، وما تَصَرَّفَ مِمَّا صَحَّ صَحِيحُ أيْضاً كَأَعْوَرْتُهُ وَاسْتَعْوَرْتُهُ وَمُقَاوِلٍ وَمُبَايعٍ وَعَاوِرٍ وَأَسْوَدَ، وَمَنْ قَالَ: عَارَ قَالَ: أَعَارَ واسْتَعَارَ وَعَائِرٌ، وَصَحَّ تَقْوَالٌ وَتَسْيَارٌ لِلَّبْسِ، ومقوال ومخياط للبس، ومقول ومخيط مَحْذُوفانِ مِنْهُمَا، أَوْ (لأَنَّهُمَا) بِمَعْنَاهُمَا، وأُعِلَّ نَحْوُ يَقُومُ وَيَبِيعُ وَمَقُومٍ وَمَبِيع بِغَيْرِ ذَلِكَ، لِلَّبْس وَنَحْوُ جَوَادٍ وَطَويلٍ وَغَيُورٍ لٍِلإلْبَاسِ بِفَاعِلٍ أَوْ بِفَعَلَ أَوْ لأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ عَلَى الْفِعْلِ وَلاَ مُوَافِقٍ، وَنَحْوُ الْجَوَلاَنِ وَالْحَيَوَانِ وَالصَّوَرَى وَالْحَيَدَى، للتنبيه
__________
(1) الصوة: جماعة السباع، وهى أيضا حجر ينصب في الفيافي والمفازة المجهولة ليستدل به على الطريق، وتجمع على صوى، نظير مدية ومدى، كما جاء في حديث أبى هريرة (إن للاسلام صوى ومنارا كمنار الطريق) أراد أن للاسلام طرائق وأعلاما يهتدى بها.
(*)(3/123)
بِحَرَكَتِهِ عَلَى حَرَكَةِ مُسَمَّاهُ، وَالْمَوَتَانُ، لأنَّهُ نَقِيضهُ، أَوْ لأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ وَلاَ مُوَافِقٍ، وَنَحْوُ أَدْوُرٍ وَأَعْيُنٍ لِلإِلْبَاس، أَوْ لأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ وَلاَ مُخَالِفٍ، وَنَحْوُ جَدْوِلٍ وَخِرْوَعٍ وَعُلَيْبٍ، لِمُحَافَظَةِ الإِلْحَاقِ أَوْ للسكون المحض "
أقول: قد تبين بما قدمت في أول هذا الباب علة تركهم إعلال الاشياء المذكورة، ولنفسر ألفاظ المصنف قوله " لعدم تصرفه " يعنى أن الأصل في الإعلال الفعل، لما ذكرنا من ثقله، ولم يعل باب التعجب نحو ما أقوله وأقول به - وإن كانا فعلين على الاصح - لمشابهتهما بعدم التصرف للاسماء، فصارا كأفعل التفضيل وأفعل الصفة قوله " وأفعل منه " أي: أفعل التفضيل محمول عليه: أي مشابه لافعل التعجب، لان التعجب من الشئ لكونه أفضل في معنى من المعاني من غيره، ولذلك تساويا في كثير من الاحكام كما تبين في بابيهما، ولا وجه لقوله " محمول عليه " لانه اسم، وأصل الاسم أن لا يعل هذا الاعلال كما ذكرنا، وقد يعل من جملة الاسماء الاقسام المذكورة كما مر، وشرط القسم المزيد فيه الموازن للفعل إذا قصدنا إعلال عينه أن يكون مخالفا للفعل بوجه كما تقدم، وهذا لا يخالف الفعل بشئ، فكان يكفى قوله " أو للبس بالفعل " قوله " وباب اعوار واسواد للبس " أي: لو قلبت الواو ألفاً ونقلت حركتها إلى ما قبلها لكان يسقط همزة الوصل وإحدى الألفين، فيبقى سادّ وعارّ فيلتبس بفاعل المضاعف، ولا وجه لقوله " للبس " لأنه إنما يُعْتذر لعدم الإعلال إذا حصل هناك علته ولم يعل، وعلة الإعلال فيما سكن ما قبل واوه أو يائه كونه فرعاً لما ثبت إعلاله، كما في أقام واستقام، ولم يعل عَوِرَ وسَوِدَ حتى يحمل اعْوارّ واسوادّ عليهما، بل الأمر بالعكس، بلى لو سئل كيف لم يعل اعوار واسواد(3/124)
وظاهرهما أنهما مثل أقوم، فالجواب أن بينهما فرقا، وذلك أن العلة حاصلة في أقوم دون اعوَارَّ قوله " وما تصرف..إلى آخره " أي: لم يعل نحو استعَوْر وأَعْوَر وإن
كانا في الظاهر كاستقوم وأقوم، لأن أصلهما ليس معلاً حتى يحملا في الإعلال عليه، وكذلك عاوِرٌ ومُقَاوِل ومُبَايعٌ لم يعل إعلال نحو قائل وبائع، لأن إعلال نحو قائل للحمل على فعله المعل، وأفعال هذه الأشياء غير معلة قوله " وتَقْوَال وتسيار للبس " يعني أن نحوه وإن كان مصدراً لفعل معل لم يعل ولم يجر مجراه كما أجرى إقامة واستقامة مجرى أقام واستقام، لئلا يلتبس بعد الإعلال بفَعَال، هذا قوله، والوجه ما تقدم من أن المصدر لا يعل عينه هذا الإعلال إلا أن يكون مصدراً مطرداً مساوياً لفعله في ثبوت الزيادة فيه في مثل موضعها من الفعل، كإقامة واستقامة، وليس نحو تقوال وتسيار كذا، وأما إعلال نحو قيام وعياذ بقلب الواو ياء وإن لم يساو الفعل بأحد الوجهين فلما ذكرنا من أن علة قلب الواو ياء لكسرة ما قبلها أمتن من علة قلب الواو ألفاً لفتحة ما قبلها.
قوله " ومقوالٌ ومخياطٌ للبس " يعني أنه آلة جارية على الفعل فكان سبيله في الإعلال سبيل الفعل، لكنه لم يعل للبس بِفِعَال، والحق أن يقال: لم يثبت فيه علة الإعلال، وهي موازنة الفعل، فكيف يعل؟ وليس كل اسم متصل بالفعل يعل هذا الإعلال.
قوله " ومِقْوَلٌ وَمِخْيَطٌ " هذا يحتاج إلى العذر، لأنه موازن للأمر نحو اذهب وأحمد، وفيه المخالفة بالميم المزيدة في الأول، فكان الوجه الإعلال، فالعذر أنه مقصور من مفعال، فأجرى مجرى أصله، ولنا أن لا نقول: إنه فرعه، بل نقول: هما أصلان، ومفعل محمول على مفعال في ترك الإعلال، لكونه بمعناه، وهذا(3/125)
أولى، إذا موافقته لمعناه لا تدل على أنه فرعه.
قوله " بغير ذلك " أي: لم تقلب عينها ألفاً كما قلبت في أصولها لئلا يلتبس
وزن بوزن كما تكرر ذكرنا له قوله " للإلباس بفاعِل " أي: لو حركت الألف الثانية بعد الإعلال كما في قائل لا لتبس فَعَالٌ وَفَعُول وفَعِيل بفاعِل، ولو حذفت الألف بعد قلبها لا لتبس بفَعَل - المفتوح العين والفاء - والحق أن يقال: إنها لم تعل، لأنها ليست مما ذكرنا من أقسام الاسم التي تعل قوله " ونحو الجَوَلان " هذا عجيب، فإن حركة اللفظ لا تناسب حركة المعنى إلا بالاشتراك اللفظي، إذ معنى حركة اللفظ أن تجئ بعد الحرف بشئ من الواو والياء والألف كما هو مشهور، وحركة المعنى على فراسخ من هذا، فكيف ينبه بإحداهما على الأخرى؟ فالوجه قوله " أو لأنه ليس بجِار " أي كإقامة واستقامة كما ذكرنا من مناسبته للفعل، ولا موافق: أي موازن له موازنة مَقام ومُقام وباب ودار.
قوله " للإلباس " أي: بالفعل.
قوله " ولا مخالف " لأن شرط الموازن الموازنة المذكورة مخالفته بوجه حتى لا يلتبس بالفعل.
قوله " لمحافظة الالحاق " فإن الملحق لا يعل بحذف حركة ولا نقلها ولا حذف حرف لئلا يخالف الملحق به، فيبطل غرض الالحاق إلا إذا كان الاعلال في الاخر فإنه يعل لان الأواخر محل التغيير، ولأن سقوط حركة الآخر كالْمِعْزَى لا يخل بالوزن كما ذكرنا في أول الكتاب (1) ، وسقوط الحرف الأخير لأجل التنوين كلا سقوط كمعزًى لأن التنوين غير لازم للكلمة.
__________
(1) انظر (ح 1 ص 58) (*)(3/126)
قوله " عُلْيَب " (1) وَهو عند الأخفش ملحق بجُخْدَب، وعند سيبويه
للإلحاق أيضاً كسودَد، وإن لم يأت عنده فعلل كما يجئ بعد.
قوله " أو للسكون المحض " هذا هو الحق لا الأول، لأن الواو والياء الساكن ما قبلهما إنما تقلبان ألفاً لكون ذلك الساكن مفتوحاً في أصل تلك الكلمة، ولم يثبت فيما نحن فيه حركة في الأصل.
قال: " وتُقْلَبَانِ هَمْزَةً فِي نَحْوِ قَائِم وَبَائِعٍ الْمُعْتَلِّ فِعْلُهُ بِخِلاَفِ نحو عَاوِرِ، وَنَحْوُ شَاكِ وَشَاكٌ شاذ، في نَحْو جَاءٍ قَوْلاَنِ، قَالَ الْخَلِيلُ: مَقْلُوبٌ كالشَّاكِي وَقِيلَ: عَلَى الْقِيَاسِ، وَفِي نحْوِ أَوَائِلَ وَبَوَائِعَ مِمَّا وَقَعَتَا فيهِ بَعْدَ ألِفِ بَابِ مَسَاجِدَ وَقَبْلَهَا وَاوٌ أَوْ يَاءٌ، بِخِلاَفِ عَوَاوِيرَ وَطَوَاوِيسَ، وَضَيَاوِنُ شَاذّ، وصَحَّ عَوَاوِرُ، وَأُعِلَّ عيَائِيلٌ لأنَّ الأَصْلَ عَوَاوِيرُ فَحُذِفَتْ وَعَيَائِلُ فَأُشْبِعَ، وَلَمْ يَفْعَلُوهُ في باب معايش ومقاوم للفرق بينه بين بَابِ رَسَائِلَ وَعَجَائِزَ وَصَحَائِفَ، وَجَاءَ مَعَائِشُ بِالْهَمْزِ عَلَى ضَعْفٍ، وَالْتُزٍمَ هَمْزُ مَصَائِبَ.
" أقول: كل ما في هذا الفصل قد تقدم ذكره بتعليله، وقول النحاة في هذا الباب: تقلب الواو والياء همزة، ليس بمحمول على الحقيقة، وذلك لأنه قلبت العين ألفاً ثم قلبت الألف همزة، فكأنه قلبت الواو والياء همزة.
__________
(1) العليب، بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه -: موضع بتهامة.
قال جرير: غضبت طهية أن سببت مجاشعا * عضوا بصم حجارة من عليب ويقال: هو واد فيه نخل، قال أبو دهبل: فما ذر قرن الشمس حتى تبينت * بعليب نخلا مشرفا ومخيما وذلك لان النخل لا يكون في رءوس الجبال، فانه يطلب الدفء (*)(3/127)
قوله " بخلاف نحو عاوِرِ " يعني ان اسم الفاعل محمول على الفعل في الإعلال
كما تقدم، فلما صح فعله هو أيضاً قوله " ونحو شَاكٍ وشاكٌ شاذ " يعني أن بعض العرب يقلب العين إلى موضع اللام في بعض أسماء الفاعلين من الأجوف، فيعله إعلال قاض، قال: 141 - * لاَثٍ بِهِ الأَشَاءُ وَالْعُبْرِيُّ * (1) وقال: 142 - فتعرفوني، إنني أنا ذاكم * شاك سلاحي في الحوادث معلم (4)
__________
(1) هذا بيت من الرجز المشطور، وهو للعجاج يصف أيكة، وقبله: في أيْكِةٍ فَلاَ هُوَ الضْحيُّ * وَلاَ يَلُوحُ نَبْتُهُ الشَّتِيُّ لاثٍ به ... البيت * فتم من قوامها القومي الايكة: غيضة تنبت السدر والاراك، والضَّحِيُّ: البارز للشمس، وهو فَعِيل من ضَحِيَ يضحى - كرضى يرضى -، ولاث: أصله لائث، تقول: نبات لائث، ولاث، إذا التف واجتمع بعضه على بعض، وأصله من لاث يلوث، إذا اجتمع والتف، والاشاء - بالفتح والمد -: صغار النخل، واحدته أشاءة، والعبرى: مالا شوك فيه من السدر.
وما فيه شوك منه يسمى الضال، ويقال: العبرى ما نبت على شطوط الانهار.
والقوام - بالفتح -: الاعتدال، والقومي: القامة وحسن الطول.
والاستشهاد بالبيت في قوله " لاث " على أن أصله لاوث فقدمت الثاء على الواو فصار لاثو، ثم قلبت الواو ياء لتطرفها إثر كسرة، ثم أعل إعلال قاض.
(2) هذا البيت من الكامل، وهو لطريف بن تميم العنبري.
وقبله قوله: أو كلما وردت عكاظ قبيلة * بعثوا إلى عريفهم يتوسم وعكاظ: سوق من أسواق العرب قريبة من عرفات كانوا يجتمعون فيها من نصف ذى القعدة إلى هلال ذى الحجة، والعريف: النقيب، وهو دون الرئيس
الاعلى، ويتوسم: يتفرس، وشاك: أصله شاوك فقدمت الكاف على الواو، ثم (*)(3/128)
وهذا هو الذي غر الخليل حتى ارتكب في جميع اسم الفاعل من الأجوف المهموز اللام القلبَ، فقال: إذا كانوا يقلبون في الصحيح اللام خوفاً من الهمزة الواحدة بعد الألف فهم من اجتماع همزتين أفر، وهكذا لما رآهم قالوا في جمع شائع: شَوَاعٍ (1) بالقلب، قال: فهو في نحو خَطَايا ومَطَايا وجَوَاءٍ وشَوَاءٍ أولى، والجواب أنهم إنما التجئوا إلى القلب في لاثٍ وشاكٍ خوفاً من الهمزة بعد الألف، وأما في نحو جاءٍ فيلزم همزة واحدة بعد الألف، سواء قلبت اللام إلى موضع العين أولاً، قال سيبويه: وأكثر العرب يقولون: لاثٌ وشاكٌ - بحذف العين - فكأنهم قلبوا العين ألفاً ثم حذفوا العين للساكنين، ولم يحركوها فراراً من الهمزة، والظاهر أن المحذوفة هي الثانية، لأن الأولى علامة الفاعلية، ويجوز أن يكون أصل لاثٍ وشاكٍ لَوِث وشَوِك مبالغة لائث كعَمِل في عامل ولبث في لابث،
__________
أعلت بقلب الواو ياء، ثم عومل معاملة قاض، ومعلم بزنة اسم الفاعل أو المفعول الذى أعلم نفسه في الحرب بعلامة ليعرف بها، وكانوا لا يأتون عكاظ إلا ملثمين مخافة الاسر.
والاستشهاد بالبيت في قوله " شاك " على أنه اسم فاعل من شاك يشوك لانه من الشوكة، ويقال: هو اسم فاعل من شك في نحو قول عنترة: فشككت بالرمح الاصم ثيابه * ليس الكريم على القنا بمحرم وأصله على هذا شاكك، فقلبوا ثانى المثلين ياء، كما قالوا: أمليت في أمللت، ثم عومل معاملة قاض، ويقال: هو بزنة فعل - بفتح فكسر - وأصله شوك قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، ووجه رابع وهو أن أصله شاوك على وزن فاعل فقلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها مع عدم الاعتداد بالالف ثم حذفت الالف الثانية التى هي عين الكلمة، وعلى الثالث والرابع تجرى حركات الاعراب
على الكاف، بخلاف الوجهين الاولين فانه عليهما يعرب إعراب المنقوص، فان كانت رواية البيت بكسر الكاف لم يجر فيه إلا الوجهان: الاول والثانى، وإن كانت الرواية بضمها لم يجر فيه إلا الثالث والرابع (1) انظر (ح 1 ص 22) (*)(3/129)
فيكونان ككبش صَافٍ ويوم راحٍ، وقد مضى البحث في جاءٍ في أول الكتاب (1) قوله " وفي نحو أوائل " يعني إذا اكتنف حرفا علة ألفَ باب مساجد قلبت الثانية ألفاً، للقرب من الطرف واجتماع حرفي علة بينهما فاصل ضعيف، ثم تقلب الثانية همزة كما في قائل وبائع، على ما تقدم، سواء كان كلاهما واواً كما في أواول، أو كلاهما ياء كما في بيع وبيايع، أو الأول واواً والثاني ياء كما في بَوَايع جمع بَوْيَعة فَوْعَلة من البيع، أو بالعكس نحو عَيَايل جمع عَيِّل، وأصله عَيْوِل، لأنه من عال يَعُول، وكان قياس ضَيَاوِن (2) ضَيَائن، بالهمز، لكنه شذ في الجمع كما شذ في المفرد، وليس ذلك بمطرد، ألا ترى أنك تقول: بنات ألْبَبِه (3) بفك الإدغام، فإذا جمعت قلت بَنَات ألاَبِّه مدغماً، والمسموع من جميع ذلك
__________
(1) انظر (ح 1 ص 25) (2) الضياون: جمع ضيون، والضيون: السنور الذكر، (3) " بنات ألببه " أجمع العلماء في رواية هذه الكلمة على الفك، واختلفوا في ضبطها، فرواها جماعة بفتح الباء الاولى على أنه أفعل تفضيل من قولهم: رجل لب - كسمح - إذا كان عاقلا، والضمير عائد على الحى والقبيلة، فكأنه قيل: بنات أعقل هذا الحى، ورواها قوم بضم الباء الاولى على أنه جمع لب، نحو قول الكميت: إليكم ذوى آل النبي تطلعت * نوازع من قلبى ظماء وألبب
وبنات ألبب - على هذا الوجه الاخير -: اسم لعروق متصلة بالقلب تكون منها الرقة، وقد قالت أعرابية: تأبى له ذاك بنات ألببى، انظر (ح 1 ص 254) ثم اعلم أن هذا الذى ذكره المؤلف ههنا من أنك تدغم في الجمع هو ما ذكره في التصغير، وظاهر عبارته يفيد أنه ليس لك إلا الادغام في التصغير والجمع، لان الفك في الواحد والمكبر شاذ، والشاذ لا يلجئ إلى شاذ مثله، ولكن العلماء قد نقلوا في الجمع والتصغير جميعا الوجهين: الادغام، والفك، وارجع ثانيا إلى المواضع الذى أحلناك عليه من الجزء الاول (*)(3/130)
ما اكتنف ألف الجمع فيه واوان، وقاس سيبويه الثلاثة الباقية عليه، لاستثقال الياءين والياء والواو كاستثقال الواوين، وقال الأخفش: القياس أن لا يهمز في الياءين، ولا في الياء والواو، لأن اجتماعهما ليس كاجتماع الواوين، وأما رائع جمع بائعة، فإنما همز لكونه جمع ما همز عينه، فإذا بنيت اسم الفاعل من حَيِيَ وشَوَى قلت حَايٍ بالياء وشاوٍ كقاضٍ، وتقول في جمعهما لغير العقلاء: حَوَايَا وشَوَايَا عند سيبويه، لوقوع ألف الجمع بين واو وياء في جمع حَايٍ وبين واوين في جمع شاوٍ، ولا تتبع جمع شاوٍ واحده (1) كما فعلت في جمع إدَاوَة إذ لو اتبعت لقلت شوَاوَى، فكان فراراً إلى ما فر منه، على ما ذكرناه في تخفيف الهمزة، وتقول على مذهب الأخفش: حَوَايٍ بالياء، وأما شَوَايا فلا خلاف فيه لاجتماع الواوين قوله " بخلاف عواوير وطواويس " يعني إذا بَعُدت حروف العلة التي بعد ألف الجمع عن الطرف لم تقلبها ألفاً، سواء كان المكتنفان واوين كطواويس، أو ياءين كبياييع جمع بَيَّاع، أو مختلفين كقياويم جمع قيَّام وبوابيع جمع بياع على وزن تَوْرَاب من باع، لو جمعت الاسماء المذكورة هذه الجموع، وأما عَوَاوِر جمع عُوَّار وهو الْقَذَى فلأن أصله عواوير فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة، قال:
143 - وَكَحَّلَ العينين بالعواور (2)
__________
(1) في نسخة " ولا تتبع الجمعين واحديهما، كما فعلت في جمع إدَاوَة، إذ لو أتبعت جمع حاى واحده لقلت أيضا حوايا، ولو أتبعت جمع شاو لقلت شوايا، فكان فرارا - الخ " (2) هذا البيت من مشطور الرجز، وهو لجندل بن المثنى الطهوى يخاطب فيه امرأته، وقبله قوله: غرك أن تقاربت أبا عرى * وَأنْ رَأَيْتِ الدَّهْرَ ذَا الدَّوائِرِ * حنى عظامي وأراه ثاغرى * وقوله " تقاربت أبا عرى " قيل: معناه دنت من منازلنا، وهو كناى عن لزوم (*)(3/131)
وعيائيل بالهمز لأن أصله عيائل: إذ هو حمع عَيِّل كسيد، وهو الفقير، فأشبع الكسرة، قال 144 - فِيهَا عَيَائِيلُ أُسُودٌ ونمر (1)
__________
الدار وعدم خروجه للنجعة واستمناح الملوك، لضعفه وكبره، ويقال: معناه قلت فهو كناية عن الفقر، والدوائر: جمع دائرة، وهى اسم فاعل من دار يدور، وأراد بها المصائب والنوائب، وحنى عظامي: قوسها، وإنما يكون ذلك عند الشيخوخة والكبر، وثاغرى: اسم فاعل من ثغره: أي كسر ثغره: أي أسنانه، والعواور: جمع عوار - بضم العين وتشديد الواو - وهو القذى يسقط في العين فيؤذيها.
والاستشهاد بالبيت في قوله " بالعواور " حيث صحح الواو الثانية مع قربها من الاخر، وذلك لان أصله العواوير، فلما اضطر الشاعر حذف الواو (1) هذا البيت من مشطور الرجز، وهو لحكيم بن معية الربعي من بنى تميم، وقبله قوله:
أحمى قناة صلبة ما تنكسر * صماء تمت في نياف مشمخر حفت بأطواد عظام وسمر * في أشب الغيطان ملتف الحظر أحمى: مضارع حمى قومه - كرمى - حماية، إذا منعهم ودافع عنهم، والقناة: الرمح، والصلبة: الشديدة القوية، والصماء: التى يكون جوفها غير فارغ، وتمت: كملت واستوت في منبتها، والنياف - ككتاب -: العالي المرتفع، وأراد جبلا، وأجود منابت الرماح قمم الجبال، وأصله نواف فقلبت الواو ياء شذوذا، لانه ليس بمصدر ولا يجمع ومشمخر: اسم فاعل من اشمخر: أي علا وارتفع، وحفت: أحيطت، والاطواد: جمع طود، وهو الجبل، والسمر: اسم جنس جمعى واحدته سمرة، وهو نوع من الشجر عظيم طويل، والاشب - بفتح فكسر -: الملتف الذى لا يمكن الدخول فيه إلا بشدة، والحظر: يقال: هو بفتح الحاء وكسر الظاء، وهو الموضع الذى يحيط به الشجر، ويقال: هو بضمتين، وهو جمع حظيرة، والعيائيل: جمع عيل - بتشديد الياء وكسرها - وهو فيعل من عال يعيل إذا تبختر أو من عال الفرس يعيل إذا تكفأ في مشيه وتمايل، وذلك لكرمه، ويقال: اشتقاقه من عال يعيل إذا افتقر، والنمر - بضمتين -: جمع نمر - بفتح فكسر - وقياسه (*)(3/132)
روعي الأصل في الجمعين هذا كله في الجمع، وأما إن وقع مثل ذلك في غير الجمع فإن سيبويه يقلب الثاني أيضا ألفاً ثم همزة، فيقول: عُوَائر وقُوَائم، على وزن فُوَاعل من عَوِر وقَامَ، وكذا يقول في مُطَاء ورُمَاء وحُيَاء وشُوَاء من مَطَا ورَمَى وحَيِيَ وشَوَى، فيصير ثاني المكتنفين في الجميع (1) همزة، لأنه وإن فات ثقل الجمع إلا أن ضم أوله ألحقه ثقلاما، قال: لا تقلب الهمزة ههنا ياء مفتوحة، وَالياء بعدها ألفا، كما فعل في الجمع، فلا يقال مُطَايا ورُمَايا وحُيَايا
وشُوايا، لئلا يلتبس ببناء شُكَاعى (2) وحُبارى، ويجوز أن يقال: إن ثقل
__________
نمور، فحذفت الواو.
والاستشهاد بالبيت في قوله " عيائيل " حيث أبقى الهمزة المنقلبة عن الياء، لانه لم يعتد بالمدة التى قبل الطرف، لانها للاشباع وليست في مقابلة حرف في المفرد (1) قوله " فيصير ثاني المكتنفين في الجميع همزة " غير مستقيم، وذلك أنه لم يكتنف الالف حرفا علة إلا في حياى وشواى، وأما مطاء ورماء فليسا كذلك كما هو ظاهر، والذى أوقع المؤلف في ذلك أنه نقل عبارة سيبويه فخلط بين نوعين من الامثلة ميز سيبويه أحدهما عن الاخر، وهاك عبارته (ح 2 ص 385) : " وفواعل منهما (يريد: حوى وشوى) بمنزلة فواعل (يريد الجمع) في أنك تهمز ولا تبدل من الهمزة ياء، كما فعلت ذلك في عورت، وذلك قولك عوائر، ولا يكون أمثل حالا من فواعل وأوائل، وذلك قولك: شواء، وأما فعائل من بنات الياء والواو فمطاء ورماء، لانها ليست همزة لحقت في جمع، وإنما هي بمنزلة مفاعل من شأوت وفاعل من جئت، لانها لم تخرج على مثال مفاعل، وهى في هذا المثال بمنزلة فاعل من جئت، فهمزتها بمنزلة همزة فعال من حييث، وإن جمعت قلت: مطاء، لانها لم تعرض في الجمع " اه (2) الشكاعى: نبت دقيق العيدان صغير أخضر وله زهرة حمراء، والناس يتداوون به.
قال عمرو بن أحمر الباهلى - وكان قد تداوى به وشفى -: شربت الشكاعى والتددت ألدة * وأقبلت أفواه العروق المكاويا (*)(3/133)
الضمة ليس كثقل الجمعية، فلم يطلب معها غاية التخفيف كما طلبت مع الجمع الأقصى، بل اقتصر على شئ منه، وذلك بقلب ثاني المكتنفين ألفاً، ثم همزة، قال سيبويه: فإن جمعت مُطَاءٍ قلت: مطاءٍ لا مَطَايَا، لأن الهمزة كانت في
المفرد ولم تعرض في الجمع، فهو مثل شَوَاءٍ جمع شائية كما تقدم في تخفيف الهمزة، والأخفش والزجاج لا يغيران ثاني المكتنفين في غير الجمع، فيقولان: عُوَاوِر وقُوَاوم ومُطَاوٍ ورُمَايٍ وحُيَاي وشُوَايٍ، لخفة المفرد قوله " ولم يفعلوه في باب مَعَايش " أي: فيما وقع بعد ألف الجمع فيه واو أو ياء ليست بمدة زائدة، سواء كانت أصلية كما في مُقِيمة ومَقَاوِم ومُرِيبة ومَرَايب، أو زائدة كما في جَدَاول وعَثَاير، فتبقى على حالها: أما الأصلية فلأصالتها، وأما الزائدة المتحركة فلقوتها بالحركة وكونها للإلحاق بحرف أصلي، وإن كانت الواو والياء مدة زائدة في المفرد قلبت ألفاً ثم همزة، كما في تَنَائِف وكبائر، وقد يهمز معايش، تشبيهاً لمعيشة بفَعِيلة، والأكثر ترك الهمز، وكذا قد يهمز المنائر في جمع مَنَارة، تشبيهاً لها بفَعَالَة، والفصيح المناور، والتزم الهمز في المصائب تشبيهاً لمصيبة بفعيلة، كما جمع مَسِيل على مُسْلاَن تشبيهاً له بفعيل أو توهما، وهي - أعني مصائب ومنائر ومعائش - بالهمز شاذة قال: " وَتُقْلبُ يَاءُ فُعْلَى اسْماً وَاوَاً فِي نحو طوى وَكوسَى، وَلا تُقْلَبُ فِي الصِّفَةِ، وَلَكِنْ يُكْسَرُ مَا قَبْلَهَا لِتْسَلَمَ الْيَاءُ، نَحْوُ مِشْيَةٍ حِيكى وَقِسْمَة ضِيزَى، وَكَذَلِكَ بَابُ بِيضٍ، وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِ ذلك، فَقَالَ سِيبَوَيْهِ: الْقِيَاسُ الثَّانِي: فَنَحْوُ مَضُوْفَةٍ شَاذّ عِنْدَهُ، وَنَحْوُ مَعِيشَةٍ يَجُوزُ أنْ يَكُون مَفْعِلَةَ وَمَفْعُلَة، وَقَالَ الأَخْفَشُ: الْقِيَاسُ الأَوَّلُ، فَمَضُوفَةُ قِيَاسٌ عِنْدَهُ، وَمَعِيشَةٌ مَفْعِلَةٌ، وَإلاَّ لَزِمَ مَعُوشَة وَعَلَيْهِمَا لَوْ بُنِيَ مِنَ الْبَيْعِ مِثْلُ تُرْتُب لَقِيلَ: تُبِيعٌ وَتُبُوعٌ "(3/134)
أقول: قوله " طوبى " أما أن يكون مصدراً كالرُّجْعَى، قال تعالى: (طوبى لهم) أي: طيباً لهم، كقوله تعالى (تعسا لهم) ، وإما أن يكون مؤنثاً
للأطيب، فحقه الطُّوبَى، باللام، وحكمه حكم الأسماء، كما قال سيبويه: هذا باب ما تقلب فيه الياء واواً، وذلك إذا كان اسماً كالطوبى والكوسى، قال: لأنها لا تكون وصفاً بغير الألف واللام، فأجري مجرى الأسماء التي لا تكون وصفاً بغير الألف واللام، لأنها لا تستعمل مع " مِنْ " كما هو معلوم، وأما مع الإضافة فإن المضاف إليه يبين الموصوف، لأن أفعل التفضيل بعضُ ما يضاف إليه، فلا تقول: عندي جارية حُسْنَى الجواري، لأن الجواري تدل على الموصوف، فلما لم تكن فُعْلَى بغير لام صفةً ولم تتصرف في الوصفية تصرف سائر الصفات جرت مجرى الأسماء، ولقلة معنى الوصف في أفعل التفضيل انصرف المجرد منه من " من " إذا نكر بعد العلمية اتفاقاً، بخلاف باب أحمر، فإن فيه خلافا كما مر في بابه (1) يقال: مِشْيَةٌ حِيكَى، إذا كان فيها حَيَكَان: أي تبختر، قال سيبويه: هو فُعْلَى بالضم لا فِعْلَى بالكسر، لأن فِعْلَى لا تكون صفة، وإما عزهاة (2)
__________
(1) قد ذكرنا ذلك فيما مضى ونقلنا لك العبارة التى يشير إليها هنا من شرح الكافية فارجع إليه في (ح 2 ص 169) (2) العزهاة: الذى لا يطرب للهو.
وأعلم أن العلماء قد اختلفوا في مجئ فعلى - بكسر فسكون - صفة، فأثبته قوم ونفاه شيخ هذه الصناعة سيبويه، وذكر أنه لا يجئ صفة إلا بالتاء (ح 2 ص 321) ، فأما من أثبتوه فقد ذكروا من أمثلته عزهى، وسعلى، وكيصى، قد رد عليهم أنصار سيبويه بانكار الاولين، وقالوا: لا نعرفها إلا بالتاء، وأما المثال الثالث فلا يلزم أن يكون فعلى - بكسر الفاء - وإنما يجوز أن يكون أصله فعلى - بالضم - فقلبت الضمة كسرة لتسلم الياء، والالف في الثلاثة للالحاق: أما في الاولين فللا لحاق بدرهم، وأما في الثالث فللالحاق بجخدب (*)(3/135)
فهو بالتاء، وقد أثبت بعضهم رَجِلٌ كِيصَى للذي يأكل وحده، ويجوز أن يكون فُعْلَى بالضم فيكون ملحقاً بجُخْدَب، كما في سُودَد وعُوطَط (1) ، ولا يضر تغيير الضمة بالإلحاق، لأن المقصود من الإلحاق - وهو استقامة الوزن والسجع ونحو ذلك - لا يتفاوت به، وإنما قلبت في الاسم دون الصفة فرقاً بينهما، وكانت الصفة أولى بالياء لثقلها قوله " وكذلك باب بِيض " يعني جمع أفْعَلَ وفَعْلاَء، وذلك لثقل الجمع وقد يترك في باب بِيض جمع أبْيَضَ الضمةُ بحالها فتقلب الياء واواً، وذلك لخفة الوزن قوله " واختلف في غير ذلك " أي: في غير فُعْلٍ وفُعْلَى الجمع والصفة، سواء كان على فُعْلٍ كما إذا بنيت على وزن بُرْدٍ من البيع، أو على غير وزن فُعْل فسيبويه يقلب الضمة كسرة، لتسلم الياء، ولا تقلب الياء واواً، لأن الأول أقل تغييراً، والأخفشُ يعكس الأمر، مستدلاً باتفاقهم على قلب الياء - إذا كانت فاء - واواً لضمة ما قبلهما، نحو مُوسِرٍ، وأجيب بأن ذلك للبعد من الطرف، بخلاف ما إذا كانت الياء قريبة من الآخر، كما فيما نحن فيه قوله " فمضوفة (2) شاذ " لأن المضوفة الشدة، وهي من الضيافة، لأنها تحتاج في دفعها إلى انضياف بعض إلى بعض، وهو يائي، لقولهم: ضَيَّفَهُ
__________
(1) اختلف العلماء في هذه الكلمة فجعلها بعضهم جع عائط، وأصله على هذا عوط بطاء واحدة، مثل حائل وحول، فزيدت الطاء الثانية كما تزيد في زيد دالا فتقول: زيدد، وكما تزيد في خرج جيما فنقول: خرجج، ونحو ذلك، وذهب بعض العلماء إلى أن عوططا مصدر عاطت الناقة تعوط عوطا وعوططا، إذا لم تحمل أول عام تطرق فيه، (2) قد وردت هذه الكلمة في قول أبى جندب بن مرة الهذلى:
وَكُنْتُ إذَا جَاري دَعَا لِمَضُوفَةٍ * أشمِّرُ حَتَّى ينصف الساق مئزري (*)(3/136)
قال: " وَتُقْلَبُ الْوَاوُ الْمَكْسُورُ مَا قَبْلَهَا فِي الْمَصَادِرِ يَاءً نَحْوُ قِيَاماً وَعِيَاذاً وَقِيَماً، لإِعْلاَلِ أًفْعَالِهَا، وَحَالَ حِوَلاً شَاذٌّ كَالْقَوَدِ، بِخِلاَفِ مَصْدَرِ نَحْوِ لاَوَذَ، وَفِي نَحْوِ جِيَادٍ وَدِيَارٍ وَرِيَاحٍ وَتِيَرٍ وَدِيمٍ، لإِعْلاَلِ الْمُفْرَدِ، وَشَذَّ طِيَالٌ، وَصَحَّ رَوَاءٌ جَمْعُ رَيَّانَ، كَرَاهَةَ إِعْلاَلَيْنِ، وَنِوَاءٌ جَمْعُ نَاوٍ، وَفِي نَحْوِ رِيَاضٍ وَثِيَابٍ، لِسُكُونِهَا فِي الْوَاحِدِ مَعَ الأَلِفِ بَعْدَهِا، بِخِلاَفِ كِوَزَةٍ وَعِوَدَةٍ، وَأَمَّا ثِيرَةَ فَشَاذّ " أقول: كان حق الواو المتحركة المكسور ما قبلها أن لا تقلب ياء، إلا في آخر الكلمة، نحو رأيت الَغَازِيَ، كما أن الياء المتحركة المضموم ما قبلها لا تقلب واواً كالتَّرَامِي والْهُيَام والْعُيَبَة، وذلك لأن اقتضاء الكسرة للياء بعدها كاقتضاء الضمة للواو بعدها، والواو والياء يتقَوَّيَان بالحركة، فلا يَقْدِر كسرةُ ما قبل أحدهما وضم ما قبل الآخر على قلبها، وإذا كانا مضعفين فهما أشد قوة نحو اجْلِوَّاذ وَبُيَّع، واجْلِيوَاذٌ ودِيوَانٌ شاذان، لكنه قد يعرض للواو المتحركة غير المتطرفة المكسور ما قبلها ما يقتضي قلبها ياء، وهو الحمل على غيره كما في قام قياما، لم يثبت ذلك في الياء المتحركة غير المتطرفة المضموم ما قبلها، فبقيت على الأصل، فنقول: قلبت الواو المذكورة ياء لثلاثة أشياء: أحدها: أن تكون الكلمة مصدرا لفعل مُعَل نحو عاذ عِيَاذاً واقْتَادَ اقْتِيَاداً، ولا نريد كون الفعل مُعَلاًّ بهذا الإعلال، بل كون الفعل أعِلَّ إعلالاً ما، كما أن الواو في عِيَاذٍ قلبت ياء لإعلال عَاذَ بقلب الواو ألفاً، وتصحيح الواو في حَالَ حِوَلا شاذ كشذوذ تصحيح الواو في الْقَوَد، بخلاف مصدر نحو لاَوَذَ، لأن فعله مصحح،
ولم يقلب نحو عِوَض، لأنه ليس بمصدر، وقوله تعالى (دِيناً (1) قِيَماً) في الاصل مصدر
__________
(1) قد وصف بقيم في الاية الكريمة، والاصل في هذه الياء الواو، لانها (*)(3/137)
وثانيها: أن تكون الكلمة جمعاً لواحد أعلت عينه بقلبها ألفاً كما في تَارَة وتِيَرٍ، أو ياء كما في دِيمَةٍ ودِيَم ورِيحٍ ورِيَاحٍ، وشذ طِيَالٌ جمع طويل، إذ لم تعل عين واحده، وصح رِوَاء مع أن واحدهً مُعَلِ العين، أعني رَيَّان، كما صح هَوَى وطَوَى، كراهة الإعلالين، وصح نِوَاء جمع ناو: أي سمين (1) ، لأنه لم يعل واو واحدة، ولو أعل أيضاً لم يجز إعلال الجمع، لاجتماع إعلالين وثالثها - وهو أضعفها، ومن ثم احتاج إلى شرط آخر، هو كون الألف بعد الواو الواقعة بعد الكسر - كون الكلمة جمعاً لواحد ساكن عينه، كَحِيَاض وثِيَابٍ ورِيَاض، وإنما احتيج إلى شرط آخر لأن واو الواحد لم تعل، بل فيها شَبَهُ الإعلال، وهو كونها ساكنة، لأن السكون يجعلها ميتة فكأنها معلة، وإنما أثر الشرط المذكور لأن كون الواو بين الكسرة والألف كأنه جمع بين حروف العلة الثلاثة، فيقلب أثقلها: أي الواو، إلى ما يجانس حركة ما قبلها: أي الياء، وهذا الشرط - وإن لم يكن شرطا في الأولين نحو قيم وتير وديم - لكنه يقويهما، فلهذا جُوِّز تصحيح حِوَلا، وإن كان مصدر فعل فعل معل، وجاز ثيرة
__________
من قام يقوم، وظاهر الامر أن قلب الواو ياء شاذ، لان قياس القلب لا يكون إلا في المصدر أو الجمع، وقد أراد المؤلف أن يبين أن القلب في هذه الكلمة قياسي وأن ظاهر الامر غير مراعى، فحملها على أنها في الاصل مصدر قام، مثل الصغر والكبر، ثم نقل من المصدرية إلى الوصفية، فوصف به كما يوصف بعدل ورضا، وغور في نحو قوله تعالى (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا ... الاية) وأبقى على أصله من الاعلال
(1) يقال: نوت الناقة تنوى نيا ونواية ونواية - بفتح النون وكسرها - فهى ناوية من نوق نواء، إذا سمنت، وكذلك يقال للجمل والرجل والمرأة والفرس، قال أبو النجم: أو كالمكسر لا تؤوب جياده * إلا غوانم وهى غير نواء (*)(3/138)
مع ثِوَرَة لحمله على ثيران، وصح خِوَان (1) وصِوَان (2) ، لأنه ليس بجمع قال " وَتُقْلَبُ الْوَاوُ عَيْناً أَوْ لاَماً أَوْ غَيْرَهُمَا يَاءً إذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ يَاءٍ وَسَكَنَ السَّابِقُ، وَتُدْغَمُ وَيُكْسَرُ مَا قَبْلَهَا إن كَانَ ضَمَّةً، كَسَيِّدٍ وَأَيَّام وَدَيَّار وَقَيَّام وَقَيُّوم وَدُلَيَّةٍ وَطَيٍّ وَمَرْمِيٍّ ونحو مُسْلِمِيَّ رَفْعاً، وَجَاءَ لُيٌّ فِي جَمْعِ أَلْوَى - بَالْكَسْرِ وَالضَّمِّ - وَأَمًّا نَحْوُ ضيون وَحَيْوَة وَنَهُوٍّ فَشَاذٌ، وَصُيَّم وَقُيَّم شَاذ، وقَوْلُهُ * فَمَا أرَّقَ النُّيَّام إلاَّ سَلاَمُهَا * أشَذُّ " أقول: قوله " عيناً " كما في طيٍّ وسَيِّد وأيَّام ودَيَّار وقَيَّام وقَيُّوم، إذ أصلها أيْوَام وقَيْوَام وقَيْوُوم، على فَيْعال وفَيْعُول، ولو كانا فَعَّالاً وفَعُّولاً لقيل قوَّام وقَوُّوم قوله " لاما " كما في دُلَيَّة، وأصله دُلَيْوَة قوله " أو غيرهما " كما في مَرْمِيّ ومُسْلمِيّ، إذ الواو في الأول للمفعول، والثاني واو الجمع اعلم أن الواو والياء - وإن لم يتقاربا في المخرج (3) حتى يدغم أحدهما في الآخر كما في ادّكر (4) واتَّعَد (5) - لكن لما استثقل اجتماعهما اكتفى
__________
(1) انظر (ح 1 ص 110، 111) (2) الصوان - ككتاب وغراب -: ما تصان فيه الثياب، وقد قالوا فيه: صيان بقلب الواو ياء على غير قياس
(3) مخرج الواو ما بين الشفتين، ومخرج الياء وسط اللسان وما يحاذيه من الحنك الاعلى (4) أصل ادكر اذتكر بوزن افتعل من الذكر، استثقل مجئ التاء، وهى من الحروف المهموسة، بعد الذال وهى من المجهورة، فأبدلت التاء دالا، لانها توافق التاء في المخرج وتوافق الذال في الصفة: أي الجهر، فصار إذ دكر، فيجوز فيه حينئذ ثلاثة أوجه: الاظهار، والادغام بقلب الدال ذالا، والادغام بقلب الذال دالا، وأقل الثلاثة الادغام بقلب الدال ذالا (5) أصل أتعد إو تعد فقلبت الواو تاء وأدغمت في التاء (*)(3/139)
لتخفيفهما بالإدغام بأدنى مناسبة بينهما، وهي كونهما من حروف المد واللين، وجَرَّأهم على التخفيف الإدغامي فيهما كون أولهما ساكناً، فإن شرط الادغام سكون الاولى، فقلبت الواو إلى الياء، سواء تقدمت الواو أو تأخرت، وإن كان القياس في إدغام المتقاربين قلب الأول إلى الثاني، وإنما فعل ذلك ليحصل التخفيف المقصود، لأن الواو والياء ليستا بأثقل من الواو المضعفة، وإنما لم يدغم في سُوير وتُبُويع، قال الخليل: لأن الواو ليست بلازمة، بل حكمها حكم الألف التي هي بدل منها، لأن الأصل ساير وتبايع، فكما أن الألف التي هي أصل هذه الواو لا تدغم في شئ، فكذلك الواو التي هي بدل منها، ولذلك لم يدغم نحو قوول وتقوول، وأيضاً لو أدغم نحو سِوير وتُسُوِير وقُووِل وتقوول لا لتبس بفُعِّل وتُفُعِّل، وليس ترك الإدغام فيه لمجرد المد، إذ المد إنما يمنع من الإدغام إذا كان في آخر كلمة، نحو قوله (قالوا وأقبلوا) و (في يوم) أما في الكلمة الواحدة فلا، نحو مَغْزُوّ ومَرْمِيّ، وذلك لأن الكلمتين بعرض الزوال، فاجتمع مع خوف زوال المد عدم الاتصال التام، ولا تدغِمْ أيضاً في نحو ديوان واجْلِيواذ،
لأن القلب عارض على غير القياس، وبزول ذلك في جمع ديوان وتصغيره نحو دَوَاوين ودُوَيْوِين، وتقول في اجليواذ: اجلوذ (على الأكثر) ولو كان ديوان فِيعَالاً لوجب قلب الواو ياء وإدغام الياء فيها كما في أيام، لكنه فِعَّال، قلبت الواو ياء على غير القياس كما قلب في قِيَراط، وجمعه قَرَاريط، وكذا لا تدغِم إذا خففت في نحو رُؤْيا ورُؤْيَة بقلب الهمزة واواً، بل تقول: رُويَا ورُويةَ، وبعض العرب يقلب ويدغم فيقول: رُيَّا ورُيَّة، ولا يجوز ذلك في سوير وبويع على حال، لحصول الالتباس بباب فُعِّل، بخلاف نحو رُيَّا ورُيَّة، ويقيس عليه بعض النحاة فيقول في تخفيف قوي: قَيَّ، وإذا خففت نحو رؤية ونُؤْى وأدغمت جاز الضم والكسر، كما في ليّ جمع ألوى، كما ذكرنا، وكذا إذا بنيت مثل فُعْلٍ(3/140)
من وايت وخففت الهمزة بالقلب قلت: وِيّ (1) وَوُيّ، وكذا فُعْل من شَوَيْت شُيّ وشِيّ، وأما حَيْوَة فقلبت الياء الثانية واواً في العلم خاصة، لأن الأعلام كثيراً ما تغير إلى خلاف ما يجب أن تكون الكلمة عليه، تنبيهاً على خروجها عن وضعها الأصلي كموهب (2) وموظب (3)
__________
(1) أصل وى وؤى - كقفل - فخففت الهمزة بقلبها واوا كما في لوم وسوت، فصار وويا - بواوين أولاهما مضمومة والثانية ساكنة - أما ابن الحاجب فيرى في ذلك عدم وجوب قلب أولى الواوين همزة، لسكون الثاني، ويجوز عنده بقاء الواوين، لان الثانية منقلبة عن همزة انقلابا جائزا فحكمها حكم الهمزة، فلا يجب قلبها ياء، ويجوز قلب الواو الثانية ياء، لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون على مذهب من يقيس من النحاة على قول العرب ريا ورية - مخففي رؤيا ورؤية - وأما المؤلف فانه أوجب قلب أولى الواوين همزة في هذا، وحكاه عن الخليل وجمهور النحويين، وندد على المصنف انفراده باشتراط تحرك ثانية الواوين، ثم بعد هذا: إما أن
لا تقلب الواو الثانية ياء وإما أن تقلب على نحو ما قدمنا، فإذا علمت هذا تبين لك أن أقول المؤلف " وى بضم الواو وكسرها " غير مستقيم على ما ارتضاه هو فيما سبق في فصل قلب الواو همزة، وهو مستقيم على أحد الوجهين اللذين يجوزان عند ابن الحاجب (2) موهب: اسم رجل، قال أباق الدبيرى: قد أخذتنى نعسة أردن * وموهب مبز بها مصن قال سيبويه: " جاءوا به على مفعل لانه اسم ليس على الفعل، إذ لو كان على الفعل لكان مفعلا " اه.
يريد أنهم بنوه على مفعل بفتح العين لما ذكر، ولو انهم جاءوا به على مذهب الفعل لقالوا موهب - بالكسر - كما هو قياس المصدر واسم الزمان والمكان من المثال الواوى، وقال في اللسان: " وقد يكون ذلك لمكان العلمية، لان الاعلام مما تغير عن القياس " اه (3) قال في اللسان: " وموظب - بفتح الظاء - أرض معروفة، وقال أبو العلاء: هو موضع مبرك إبل بنى سعد مما يلى أطراف مكة، وهو شاذ كمروق، (*)(3/141)
ومَكْوَزَة (1) وشُمْس (2) ، ونحو ذلك، وعند المازني واو حَيْوَة أصل، كما ذكرنا في الْحَيَوان، وأما نهُوٌّ فأصله نَهْويٌ لأنه فَعُول من النهي، يقال: فلان نَهُوّ عن المنكر: أي مبالغ في النهي عنه، وقياسه نهى
__________
وكقولهم: ادخلوا موحد موحد، قال ابن سيده: وإنما حق هذا كله الكسر، لان آتى الفعل منه إنما هو على يفعل كيعد، قال خداش بن زهير: كذبت عليكم أو عدوني وعللوا * بى الارض والاقوام قردان موظبا
أي عليكم بى وبهجائى يا قردان موظب، إذا كنت في سفر فاقطعوا بذكرى الارض، قال: وهذا نادر، وقياسه موظب (بالكسر) وقال ياقوت: " القياس أن كل ما كان من الكلام فاؤه حرف علة فان المفعل منه مكسور العين مثل موعد ومورد وموحل إلا ما شذ مثل مورق اسم موضع، وموزن وموكل موضع، وموهب وموظب اسمان لرجلين، وموحد في العدد " اه.
ومورق اسم رجل، قال الاعشى: فما أنت إن دامت عليك بخالد * كما لم يخلد قبل ساسا ومورق ومن ذلك موزع، وهو موضع باليمن من مدن تهائم اليمن، ومنها، موزن، وهو تل، ويقال: بلد بالجزيرة وفيه يقول كثير: كأنهم قصرا مصابيح راهب * بموزن روى بالسليط ذبالها (1) قال في اللسان: " وكويز ومكوزة اسمان، شذ مكوزة عن حد ما تحتمله الاسماء الاعلام من الشذوذ، نحو قولهم: محبب ورجاء بن حيوة، وسمت العرب مكوزة ومكوازا " اه.
ووجه الشذوذ في مكوزة أنه لم يعل بالنقل والقلب على نحو ما في مقالة ومنارة، وهذا عند غير المبرد، وأما عنده فلا شذوذ، لان شرط الاعلال أن يكون الاسم متضمنا معنى الفعل (2) شمس - بضم فسكون -: هو شمس بن مالك، قال تأبط شرا: وإنى لمهد من ثنائي فقاصد * به لابن عم الصدق شمس بن مالك (*)(3/142)
قوله " وصُيَّم وقًَيَّم شاذ " يعني أن حق الواو إذا جامعت الياء وأولاهما ساكنة قلبها ياء، وههنا اجتمعت الواوان وأولاهما ساكنة فقلبتا ياءين، فلذا شذ، والأولى أن يذكر شذوذ مثله بعد ذكر فصل دُلِيٍّ ومَرْضِيٍّ، وذلك لأن الواو المشددة - وإن قربت من الحرف الصحيح - لكنها تقلب ياء إذا
وقعت في الجمع طرفاً، لثقل الجمع، وكون الطرف محل التخفيف، فهي في قُوَّم وصُوَّم لم تقع طرفاً، ومع ذلك قلبت ياء، فهو شاذ، ووجه القلب فيه - مع ذلك - قربه من الطرف في الجمع، ويجئ بعدُ أن القلب في مثله قياسي، وإنما كان النُّيَّام أشذ لكونه أبعد من الطرف، قال 145 - أَلاَ طَرَقَتْنَامَيَّةُ ابْنَهُ مُنْذِرٍ * فَمَا أَرَّقَ النيام إلا سلامها (1) قال: " وَتُسْكَّنَانِ وَتُنْقَلُ حَرَكَتُهُمَا فِي نَحْوِ يَقُومُ وَيَبِيعُ: لِلَبْسِهِ بِبَابِ يَخَافُ، وَمَفْعُلٌ وَمَفْعِلٌ كَذَلِكَ، وَمَفْعُولٌ نَحْوُ مَقُولٍ وَمَبِيعٍ كَذَلِكَ، وَالمَحْذُوفُ عِنْدَ سِيبَوَيْه وَاوُ مَفْعُولٍ، وَعِنْدَ الأَخْفَشِ الْعَيْنُ، وَانْقَلَبَتْ وَاوُ مَفْعُولٍ
__________
وشمس بن مالك هو الشنفرى الازدي العداء صاحب تأبط شرا وعمرو بن براق في اللصوصية والعدو، ويقال: بطن من الازد من مالك بن فهم (1) هذا بيت من الطويل، قائله ذو الرمة، وروى صدره * ألاَ خَيَّلَتْ مَيُّ وَقَدْ نَامَ صحبتي * وروى عجزه * فما أرق التهويم إلا سلامها * طرقتنا: زارتنا ليلا، والتخييل: بعث الخيال، ومى: معشوقة الشاعر، والتأريق: التسهيد، والتهويم: أصله النوم الخفيف، وأراد به هنا النائمين.
والاستشهاد بالبيت في الرواية المشهورة على أن النُّيَّام أشذُّ من صميم، وذلك لان الواو في صوم قريبة من الطرف، فعوملت معاملة الواو الواقعة طرفا، كما في عتى وجثى جمعى عات وجاث، بخلافها في النيام فانها بعيدة من الطرف، فلم يكن لمعاملتها معاملة الواو الواقعة طرفا وجه(3/143)
عِنْدَهُ يَاءً لِلْكَسْرَة فَخَالَفَا أصْلَيْهِمَا، وَشَذَّ مَشِيبٌ وَمَهُوبٌ، وَكَثُرَ نَحْوُ
مبيوع، وقل نحو مصوون، وَإعْلاَلُ تَلْوُونَ وَيَسْتَحْيي قَلِيلٌ، وَتُحْذَفَانِ فِي نَحْو قُلْتُ وَبِعْتُ وَقُلْنَ وَبِعْنَ، وَيُكْسَرُ الأَوَّلُ إنْ كَانَتِ الْعَيْنُ يَاءً أَوْ مَكْسُورَةً، وَيُضَمُّ فِي غَيْرِهِ، وَلَمْ يَفْعَلُوهُ فِي لَسْتُ، لِشَبَهِ الحرْفِ، وَمَنْ ثَمَّ سَكَّنُوا اليَاء، وَفِي قُلْ وَبعْ، لأنهُ عَنْ تَقُولُ وَتَبِيعُ، وَفِي الإِقَامَةِ والاسْتِقَامَةِ، وَيَجُوزُ الحذْفُ فِي نحو سيد وميت وكينونة وَقَيَّلُولَةٍ " أقول: إذا تحرك الواو والياء وسكن ما قبلهما فالقياس أن لا يعلا بنقل ولا بقلب، لأن ذلك خفيف، لكن إن اتفق أن يكون ذلك في فعل قد أعل أصله بإسكان العين، أو في اسم محمول عليه سُكّن عين ذلك الفعل والمحمول عليه، إتباعاً لأصله، وبعد الإسكان تنقل الحركة إلى ذلك الساكن المتقدم، تنبيهاً على البنية، لأن أوزان الفعل إنما تختلف بحركات العين، وإنما كان الأصل في هذا الإسكان الفعل دون الاسم لكونه أثقل، على ما مر في أول الباب، ويشترط أن يكون الساكن الذي ينقل الحركة إليه له عِرْقٌ في التحرك: أي يكون متحركاً في ذلك الأصل، فلذا لم ينقل في نحو قاول وبايع وقَوَّل وبَيّع، ونقل في أقام ويُقيم، فإن لم يسكن في الأصل لم يسكن في الفرع أيضاً، فلذا صح العين في يَعْوَر وأعْوَر ويُعْوِر واسْتَعْوَر ويَسْتَعْور، فإذا نقلت الحركات إلى ما قبل الواو والياء نظر: فإن كانت الحركة فتحة قلبت الواو والياء ألفاً، لأنه إذا أمكن إعلال الفرع بعين ما أعل به الأصل فهو أولى، وإن كانت كسرة أو ضمة لم يمكن قلبهما ألفاً، لأن الألف لا تلى إلى الفتح فيبقيان بحالهما، إلا الواو التي كانت مكسورة فانه تقلب ياء، لصيرورتها ساكنة مكسوراً ما قبلها، نحو يَطِيح وأصله يطوح (1) ويُقِيم وأصله يقوم،
__________
(1) أنظر الجزء الاول من هذا الكتاب (ص 81 و 115) (*)(3/144)
فعلى هذا تقول: يَخَاف ويَهَاب ويَقُوم ويَبيع ويَطيح ويُقيم قوله " للبسه بباب يخاف " يعني أنه لم يعلا بإعلال ما ضيهما مع أن الماضي أصل المضارع، وذلك بأن يقال: إن الواو والياء متحركان وما قبلهما في تقدير الفتح بالنظر إلى الأصل الذي هو الماضي، فيقلبان ألفاً، فيقال: يَقَأم ويَبَاع، وذلك لأنه لو أعلا كذلك لا لتبسا بباب يخاف واعلم أن الاسم الذي يحمل على الفعل في هذا النقل نوعان: أحدهما: الثلاثي المزيد فيه الموازن للفعل الموازنة المذكورة قبل في قلب الواو والياء ألفاً، مع مباينته للفعل: إما بحرف زائد لا يزاد في الفعل كميم مَقَام ومُقَام ومُقْوُم، على وزن مُدْهُن من قام ومقم، فإنها على وزن يَفْعَل وَيُفْعَل وافْعُل أمراً ويُفْعِلُ، أو بحرف يزاد مثله في الفعل متحرك بحركة لا يُحَرِّك في الفعل بمثلها، نحو تِبَاع وتِبِيع، فإن التاء المكسورة لا تكون في أول الفعل، إلا على لغة، وقد ذكرنا الوجه فيه، وعند المبرد يشترط مع الموازنة والمخالفة المذكورتين شرطٌ آخر، وهو أن يكون من الأسماء المتصلة بالأفعال، فلذا لم يعل مَرْيَمُ وَمَدْيَنُ، وليسا عنده بشاذين، فلا يعل عنده تِقْوَل وتِبْيَع المبنيان من القول والبيع وغير ذلك، إذ ليس فيهما معنى الفعل، فإن لم يكن مخالفاً بما ذكرنا نحو أَطْوَلَ منك وأَسْوَد وتَقْوُلٍ وتَقْولٍ وأَقْوُل على وزن تَنْصُر وتَضْرِب واقْتُل، وكذا أَعْيُن وأدْوُر، لم يعلّ الإعلال المذكور لئلا يلتبس بالفعل عند التسمية، كما مر قبل، إنما لم ينقل في نحو أخْوِنَة وأصْوِنة وإن صيره التاء مبايناً للفعل كالميم في الأول لأن التاء وإن كانت ههنا لازمة فوضعها على عدم اللزوم، فهى ههنا كما في أسْوَدَة تأنيث أسود في الحية، فكأن التاء معدوم، ولم ينقل في نحو أهْوناء وأبيناء لان الالف التأنيث للزومه وكونه كجزء الكلمة أخرجها عن موازنة الفعل المذكور كإخراج الألف في الصَّوَرَى والْحَيَدَى، والألف والنون في(3/145)
الطيران والجولان، كما ذكرنا قيل، ومن العرب من ينقل كسرة الياء في أَبْيِنَاء، فيقول: أبِينَاء، لا لمشابهة الفعل، وإلا نَقَلَ في أهْوِناء أيضاً، بل لكراهة الكسر على الياء، وهما مثلان، كما حذفت الضمة في نُورٍ جمع نَوَارٍ استثقالاً للضمة على الواو، فأعل بالنقل: في نحو أبيناء خاصة مع عدم الموازنة المذكورة، لشدة الاستثقال، وعَدَمُ الإعلال في نحو أبيناء أكثر، بل النقل شاذ، بخلاف نحو نُور في جمع نَوَار فإن الإسكان فيه أكثر لكون الواو المضمومة أثقل من الياء المكسورة حتى عد شاذا في نحو قوله: * بِالأَكُفِّ اللاَّمِعَاتِ سُوُرْ (1) * وهو جمع سِوَار، وأصل مَفْعُول أن يكون مُفْعَلاً فيوازن يُفْعَل، زيدت الواو لما ذكرنا في بابه (2) ،
__________
(1) قد مضى شرح هذا الشاهد في (ح 2 ص 127، 128) (2) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 189: " وكان قياسه (يريد اسم المفعول) أن يكون على زنة مضارعه، كما في اسم الفاعل، فيقال: ضرب يضرب فهو مضرب، لكنهم لما أداهم حذف الهمزة في باب أفعل إلى مفعل قصدوا تغيير أحدهما للفرق، فغيروا الثلاثي لما ثبت التغيير في أخيه، وهو اسم الفاعل، لانه وإن كان في مطلق الحركات والسكنات كمضارعه، لكن ليس الزيادة في موضع الزيادة في الفاعل ولا الحركات في أكثرها كحركاته، نحو ينصر فهو ناصر، ويحمد فهو حامد، وأما اسم الفاعل من أفعل فهو كمضارعه في موضع الزيادة وفى عين الحركات فغيروه بزيادة الواو، ففتحوا الميم لئلا يتوالى ضمتان بعدهما واو، وهو مستثقل قليلا كمغرود وملمول وعصفور، فبقى اسم المفعول من الثلاثي بعد التغيير المذكور كالجاري على الفعل، لان ضمة الميم مقدرة والواو في حكم الحرف الناشئ من
الاشباع كقوله: " أدنو فأنطور " اه وقوله " أدنو فأنظور " قطعة من بيت هو: وأنني حيثما يثنى الهوى بصرى * من حيث ما سلكوا أدنوا فأنظور (*)(3/146)
فلما كان أصله الموازنة أعل بإسكان العين، ولولا ذلك لم يعل، وأما سائر أسماء المفعولين فتوازن أفعالها المبنية للمفعول مع المباينة بالميم المصدرة واعلم أن أصل مَقُول مَقُوُول، نقلت حركة العين إلى ما قبلها، فاجْتمع ساكنان، فسيبويه يحذف الثانية دون الأولى، وإن كان القياس حذف الأولى إذا اجتمع ساكنان والأولى مدة، وإنما حكم بذلك لأنه رأى الياء في اسم المفعول اليائي ثابتاً بعد الإعلال نحو مَبِيع، فحدَسَ أن الواو هي الساقطة عنه، ثم طرد هذا الحكم في الأجوف الواوي، وإنما خولف عنده باب التقاء الساكنين ههنا بحذف الثاني لأن الكلمة تصير به أخَفّ منها بحذف الأول، وأيضاً يحصل الفرق بين المفعولين الواوي واليائي، ولو حذف الأول لا لتبسا، فلما حذف واو مَبْيُوع كسرت الضمة لتسلم الياء كما هو قياس قول سيبويه في نحو تُبِيع من البيع، وأما الأخفش فإنه يحذف الساكن الأول في الواوي واليائي، كما هو قياس التقاء الساكنين، فقيل له: فينبغي أن يبقى عندك مَبُوع، فما هذه الياء في مبيع؟ فقال: لما نقلت الضمة إلى ما قبلها كسرت الضمة لأجل الياء قبل حذف الياء، ثم حذفت الياء للساكنين، ثم قلبت الواو ياء للكسرة، وفيه نظر، لأن الياء إنما تستحق قلب ضمة ما قبلها كسرة إذا كانت مما يبقى، لا مما يحذف، فالأولى أن يقال على مذهبه: حذفت الياء أولاً، ثم قلبت الضمة كسرة، فانقلبت الواو ياء، وذلك للفرق بين الواوي واليائي، قوله " فخالفا أصليهما " أما مخالفة سيبويه فلأنه حذف ثاني الساكنين،
وأصله وأصلُ غيره حذفُ أولهما (1) وأما مخالفة الأخفش أصله فلان أصله
__________
(1) اعلم أن الاصل عند سيبويه في التقاء الساكنين حذف أولهما إذا كان حرف مد، وحرف المد هو حرف العلة المسبوق بحركة تجانسه، نحو لم يخف ولم يبع (*)(3/147)
أن الياء الساكنة تقلب واواً لانضمام ما قبلها، وإن كانت الياء مما يبقى، وقد كسر ههنا ضم ما قبل الياء مع أن الياء مما يحذف قوله " وشذ مَشِيب " في مَشُوب من شَاب يَشُوب (1) ومَنِيل في مَنُول (2) من نَال ينول: أي أعطى، ومَلِيم في مَلُوم (3) ، كأنها بنيت على شيب ونيل
__________
ولم يقل، وههنا في اسم المفعول من الاجوف اليائى بعد أن نقلت حركة الياء إلى الساكن الصحيح قبلها لا تبقى الياء حرف مد، لان ما قبلها ضمة، وهى حركة غير مجانسة، فإذا حذف الياء لا يقال: إنه خالف أصله، لانه حذف حرفا ساكنا غير مد، وإنما دعا إلى ذلك خوف الالباس بين الواوى واليائى، فان قلت: ففى الاجوف الواوى أول الساكنين بعد نقل حركته إلى ما قبله واو مضموم ما قبلها فهو حرف مد، وقد قدر سيبويه حذفه فخالف أصله ههنا.
قلنا: إنه لما حذف واو مفعول من اليائى لقصد الفرق بين الواوى واليائى لم يكن من حذف واو مفعول في الواوى أيضا، لئلا يلزم الفرق بين المتجانسين وطردا للباب على غرار واحد.
وانظر (ج 2 ص 225 - 227) (1) من ذلك قول السليك بن السلكة السعدى: سيكفيك صرب القم لحم معرص * وماء قدور في القصاع مشيب الصرب: اللبن الحامض، والمعرص - بعين وصاد مهملتين -: الموضوع في العرصة ليجف، ويروى مغرض - بمعجمتين - وهو الطرى، ويروى معرض - بمهملة
ومعجمة - وهو الذى لم ينضج بعد (2) قد بحثنا طويلا عن شاهد يدل على استعمال هذه الكلمة على الوجه الذى ذكره المؤلف لم نعثر عليه، ولكن سيبويه قد حكى أنهم يقولون: غار منيل ومنول انظر سيبويه (ج 2 ص 363) وقد نقل ابن جنى في شرحه على تصريف المازنى عن الفارسى تفسير ذلك حيث قال: معناه ينال فيه (3) لم يكن نصيب هذه الكلمة بعد البحث عن شاهد لها أحسن حالا من سابقتها (*)(3/148)
ولِيمَ، كما شذ مَهُوب (1) من الهيبة، كأنه بنى على هُوبَ قوله " وكثر نحو مَبْيُوع ومخيوط " قال: 116 - قَدْ كَانَ قَوْمُكَ يَحْسَبُونَكَ سَيِّداً * وَإخَالُ أنَّكَ سَيِّدٌ مَغْيُونُ (2) وهي لغةُ تميمية قوله " وقَلَّ نحو مَصْوُون " لكون الواوين أثقل من الواو والياء، ومنع سيبويه ذلك (3) وقال: لا نعلمهم أتموا الواوات، وحكى الكسائي خاتم
__________
(1) من ذلك قول حميد بن ثور الهلالي يصف قطاة: وتأوى إلى زغب مساكين دونهم * فلا لا تخطاه الرفاق مهوب فلا: اسم جنس جمعى واحدته فلاة (2) هذا البيت للعباس بن مرداس السلمى يقول لكليب بن عيينة السلمى، وقبله: أكُلَيْبُ، مَالَكَ كُلَّ يَوْمٍ ظَالِماً * وَالظُّلْمُ أنْكَدُ غبه ملعون أنكد: يعسر الخروج منه، وغبه: عاقبته، ومعيون: يروى بالعين المهملة ومعناه المصاب بالعين، من عانه يعينه، والقياس أن يقال: هو معين، والصواب
في الرواية الموافق للمعنى (مغيون) بالغين المعجمة من قولهم: غين عليه، إذا غطى، وفى الحديث: إنه ليغان على قلبى، والاصل فيه الغين، وهو لغة في الغيم، قال الشاعر: كأنى بين خافيتى عقاب * أصاب حمامة في يوم غين والاستشهاد بالبيت في قوله (مغيون) حيث تمم اسم المفعول من الاجوف اليائى، وهى لغة تميمية، ومثله قول علقمة: حتى تذكر بيضات وهيجه * يوم رذاذ عليه الدجن مغيون قال سيبويه (ح 2 ص 363) : " وبعض العرب يخرجه (يريد اسم المفعول من الاجوف) على الاصل فيقول: مخيوط ومبيوع، فشبهوها بصيود وغيور، حيث (*)(3/149)
مَصْوُوغ، وأجاز فيه كله أن يأتي على الأصل قياساً قوله " وتحذفان في قُلْت وبِعْت " إلى قوله " ويضم في غيره " مضى شرحه في أول الكتاب قوله " ولم يفعلوه في لَسْتُ " أي: لم يكسروا اللام مع أنه يائي من باب فَعِل المكسور العين، وأحدهما يكفي للكسر كبِعت وخِفت، فكيف بهما جميعاً؟ وذلك لأنه لما لم يَتَصَرَّف حذفت الكسرة نسياً ولم تنقل إلى ما قبل الياء، فصار ليس كليت قوله " ومن ثم سكنوا الياء " أي: لم يقلبوا الياء ألفاً لأن ذلك تصرف، كما أن نقل حركة الياء إلى ما قبلها تصرف، فلما كان الفعل غير متصرف لم يتصرف فيه بقلب ولا نقل، بل حذفت الحركة نسياً، والدليل على أن العين كانت مكسورة أن فتحة العين لا تحذف، فلا يقال في ضرب: ضَرَب، كما يقال في عَلِم: عَلْم، وباب فُعل - بالضم - لا يجئ فيه الأجوف اليائي إلا هَيُؤ، وهو شاذ
قوله " وفي قل وبع " عطف على نحو قلت وبعت قوله " لأنه عَنْ تقول وتبيع " يعني إنما أعل قُلْ وبعْ بالنقل (1) لكونهما عن تقول وتبيع
__________
كان بعدها حرف ساكن ولم تكن بعد الالف فتهمز، ولا نعلمهم أتموا في الواوات، لان الواوات أثقل عليهم من الياءات، ومنها يفرون إلى الياء، فكرهوا اجتماعهما مع الضمة " اه (1) هكذا وردت هذه العبارة في جميع أصول الكتاب، وأنت لو تأملت في عبارة ابن الحاجب وفى تعليل الرضى تبين لك أن الصواب أن يقال: إنما أعل قل وبع بالحذف، لان قول ابن الحاجب " وفى قل وبع " معطوف على قوله " في نحو قلت وبعت " وهو معمول لقوله " وتحذفان " فكأنه قال: وتحذفان في قُلْ وَبعْ لأنهُ عَنْ تَقُولُ وتبيع.
ثم إن أخذ الامر من المضارع بعد نقل حركة العين إلى الفاء ليس فيه إلا حذف العين للتخلص من التقاء الساكنين، وعلى الجملة: ليس في (*)(3/150)
قوله " وفي الإقامة والاستقامة " هذا هو النوع الثاني مما تنقل حركة عينه إلى ما قبله، وضابطه ما ذكرنا قبل من كونه مصدراً قياسياً مساوياً لفعله في ثبوت زيادات المصدر بعينها في مثل مواضعها من الفعل، والذي ذكره المصنف من حذف الألف المنقلبة عن الواو والياء في نحو الإقامة والإبانة مذهب الأخفش، وعند الخليل وسيبويه أن المحذوفة هي الزائدة، كما قالا في واو مفعول، وقول الأخفش أولى (1) قياساً على غيره مما التقى فيه ساكنان
__________
فعل الامر نقل إلا على فرض أخذه من المضارع قبل نقل حركة العين إلى الفاء ولو قرأت قول الرضى " لكونها عن تقول وتبيع " بسكون الفاء وضم الواو وكسر الياء صح الكلام، لان في الامر حينئذ إعلالا بالنقل والحذف، ولكن
هذه القراءة تخالف عبارة ابن الحاجب، وتخالف أيضا ما قرره الرضى مرارا (1) قد رجح ابن الحاجب والرضى هنا رأى الاخفش، وهما تابعان في هذا لابي عثمان المازنى حيث رجح مذهب الاخفش في مفعول وفى إفعال، إذ يقول في كتابه التصريف: " وزعم الخليل وسيبويه أنك إذا قلت: مبيع ومفعول، فالذاهب لا لتقاء الساكنين واو مفعول، وقال الخليل: إذا قلت مبيوع فألقيت حركة الياء على الباء وسكنت الياء التى هي عين الفعل وبعدها واو مفعول فاجتمع ساكنان، فحذفت واو مفعول، وكانت أولى بالحذف، لانها زائدة، وكان حذفها أولى، ولم تحذف الياء، لانها عين الفعل، وكذلك مقول، الواو الباقية عين الفعل، والمحذوفة واو مفعول، وكان أبو الحسن يزعم أن المحذوفة عين الفعل والباقية واو مفعول، فسألته عن مبيع، فقلت: ألا ترى أن الباقي في مبيع الياء ولو كانت واو مفعول لكانت مبوع؟ فقال: إنهم لما أسكنوا ياء مبيوع وألقوا حركتها على الباء انضمت الباء وصارت بعدها ياء ساكنة فأبدلت مكان الضمة كسرة للياء التى بعدها، ثم حذفت الياء بعد أن ألزمت الباء كسرة للياء التى حذفتها، فوافقت واو مفعول الباء مكسورة، فانقلبت ياء للكسرة التى قبلها، كما انقلبت واو ميزان وميعاد ياء للكسرة التى قبلها، وكلا الوجهين حسن جميل، وقول الاخفش أقيس، فإذا قلت من أفعلت مصدرا نحو أقام إقامة وأخاف إخافة فقد حذفت من إقامة وإخافة ألفا، لالتقاء(3/151)
قوله " ويجوز الحذف في نحو سيِّد وميّت وكَيَّنُونة وقيَّلولة " فيه نظر، وذلك لأن الحذف جائز في نحو سيِّد وميّت، واجب في كيَّنونة، إلا في ضرورة الشعر، قال: 147 - ياليت أنَّا ضَمَّنَا سَفِينَهْ * حَتَّى يَعُودَ الْوَصْلُ كَيَّنُونَهْ (1) اعلم أن نحو سيِّد وميّت عند سيبويه فَيْعل - بكسر العين - وكَيْنونة وقَيْلولة - عنده
كيَّنُونة وقيَّلولة - بفتح العين - على وزن عيضموز (3) إلا أن اللام مكررة في كَيّنونة والتاء لازمة، ولما لم يوجد في غير الاجوف بناء فَيْعِلٍ - بكسر العين - ولا فيعَلُولة في المصادر حكم بعضهم بأن أصل سيد وميت فَيْعَل - بفتح العين - كصيرف
__________
الساكنين، فالخليل وسيبويه يزعمان أن المحذوفة هي الالف التى تلى آخر الحرف، وهى نظيرة واو مفعول في مقول ومخوف، وأبو الحسن يرى أن موضع العين هو المحذوف، وقياسه ما ذكرت لك " اه.
ولابي السعادات هبة الله بن الشجرى بحث مستفيض في أماليه ذكره في المجلس الحادى والثلاثين ثم عاد له مرة أخرى في المجلس السادس والاربعين، وقد ذكر فيه حجة سيبويه والخليل وحجج الاخفش ثم رجح مذهب الشيخين ونقض أدلة المخالف لهما فانظره في الموضع الذى ذكرناه، ولم يمنعنا من نقله إلا فرط طوله (1) هذا البيت من الرجز أنشده المبرد وابن جنى وابن برى، وذكر المبرد قبله: قد فارقت قرينها القرينه * وشحطت عن دارها الظعينه وقرينها: مفعول مقدم على الفاعل، والقرينة: الزوجة، وشحطت: بعدت، والظعينة: المرأة ما دامت في الهودج، والمراد هنا المرأة مطلقا، وكينونة: مصدر كان، والاستشهاد بالبيت في قوله " كينونة " بتشديد الياء مفتوحة فان هذا يدل على أن الكينونة - بسكون الياء - مخفف منه، ووجه الدلالة على هذا أن الشاعر لما اضطر راجع الاصل المهجور (2) العيضموز: العجوز والناقة الضخمة انظر (ح 1 ص 263) (*)(3/152)
فكسر كما في بِصرى - بكسر الفاء - ودهري - بالضم - على غير القياس قال سيبويه (1) : لو كان مفتوح العين لم يغير هيبان (2) وتيحان (3)
__________
(1) قال سيبويه (ح 2 ص 371 و 372) : " وكان الخليل يقول: سيد فيعل وإن لم يكن فيعل في غير المعتل، لانهم قد يخصون المعتل بالبناء لا يخصون به غيره من غير المعتل، ألا تراهم قالوا: كينونة، والقيدود لانه الطويل في غير السماء، وإنما هو من قاد يقود، ألا ترى أنك تقول: جمل منقاد وأقود، فأصلهما فيعلولة، وليس في غير المعتل فيعلول مصدرا، وقالوا: قضاة، فجاءوا به على فعلة في الجمع، ولا يكون في غير المعتل للجمع، ولو أرادوا فيعل لتركوه مفتوحا كما قالوا: تيحان وهيبان، وقد قال غيره هو فيعل (بفتح العين) ، لانه ليس في غير المعتل فيعل (بكسر العين) وقالوا: غيرت الحركة، لان الحركة قد تقلب إذا غير الاسم، ألا تراهم قالوا: بصرى، وقالوا: أموى، وقالوا: أخت، وأصله الفتح، وقالوا: دهري؟ فكذلك غيروا حركة فيعل، وقول الخليل أعجب إلى، لانه قد جاء في المعتل بناء لم يجئ في غيره، ولانهم قالوا: هيبان وتيحان فلم يكسروا، وقد قال بعض العرب: * ما بال عينى كالشعيب العين * فانما يحمل هذا على الاضطراد حيث تركوها مفتوحة فيما ذكرت لك، ووجدت بناء في المعتل لم يكن في غيره ولا تحمله على الشاذ الذى لا يطرد، فقد وجدت سبيلا إلى أن يكون فيعلا (بكسر العين) وأما قولهم: ميت وهين ولين فأنهم يحذفون العين كما يحذفون الهمزة من هائر لاستثقالهم الياءات كذلك حذفوها في كينونة وقيدودة وصيرورة لما كانوا يحذفونها في العدد الاقل ألزموهن الحذف إذا كثر عددهن وبلغن الغاية في العدد إلا حرفا واحدا، وإنما أرادوا بهن مثال عيضموز " اه (2) الهيبان: الجبان، وهو أيضا الراعى، وزبد أفواه الابل، والتيس، والتراب، وسموا به، وقد حكى صاحب القاموس أنه ورد مكسورا أيضا، وهو
خلاف عبارة سيبويه (3) التيحان: الذى يتعرض لكل شئ ويدخل فيما لا يعنيه، وقال (*)(3/153)
ولجاز الاستعمال شائعاً، ولم يسمع من الأجوف فَيْعل إلاّ عَيَّنٌ قال: مَا بَالُ عَيْنِي كَالشَّعِيبِ الْعَيَّنِ (1) وقال الفراء - تجنباً أيضاً من بناء فيِعِلٍ - بكسر العين -: أصل نحو جيد جَوِيد كطوِيل، فقلبت الواو إلى موضع الياء والياء إلى موضع الواو، ثم قلبت الواو ياء وأدغمت كما في طيٍّ، وقال في طويل: إنه شاذ، قال: وإنما صار هذا الإعلال قياساً في الصفة المشبهة لكونها كالفعل وعملها عمله، فإن لم يكن صفة كعويل لم يعل هذا الإعلال، وقال في كيْنُونة ونحوها: أصلها كُونونة كبُهْلول (2) وصندوق، ففتحوا الفاء لان أكثر ما يجئ من هذه المصادر ذوات الياء نحو صارَ صيرورة، وسار سيرورة، ففتحوه حتى تسلم الياء، لأن الباب للياء، ثم حملوا ذوات الواو على ذوات الياء، فقلبوا الواو ياء في كينونة حملاً على صيرورة، وهذا كما قال في قضاة: إن أصله قُضًّى كَغُزًّى، فاستثقلوا التشديد على العين، فخففوا وعوضوا من الحرف المحذوف التاء، وقول سيبويه في ذلك كله هو الاولى، وهو أن بعض الأبواب قد يختص ببعض الأحكام فلا محذور من اختصاص الأجوف ببناء فَيْعِل - بكسر العين - وغير الاجوف ببناء فيعَل - بفتحها - وإذا جاز عند الفراء اختصاص فعِيل الأجوف بتقديم الياء على العين، وعند ذلك الاخر ببناء فَيْعَل، - بالفتح - إلى فيعِلٍ بالكسر فما المانع من اختصاصه ببناء فيعِل، وكذا لا محذور من اختصاص مصدر الاجوف بفيعلولة وحمع الناقص بفُعَلة - بضم الفاء -، وقول الفراء: إنهم حملوا الواو على الياء لأن الباب للياء، ليس بشئ، لأن المصادر على هذا الوزن قليلة، وما جاء منها
__________
الازهرى: هو الذى يتعرض لكل مكرمة وأمر شديد، ويقال: فرس تيحان، إذا كان شديد الجرى، وحكى في اللسان الكسر فيه أيضا (1) قد سبق شرح هذا الشاهد فارجع إليه (ح 1 ص 150) (2) البهلول: السيد الجامع لكل خير، والضحاك أيضا (*)(3/154)
فذوات الواو منها قريبة في العدد من ذوات الياء أو مثلها، نحو كينونة، وقيدودة (1) ، وحال حيلولة، وإنما لزم الحذف في نحو كينونة وسيدودة (2) دون سيّد وميّت لأن نهاية الاسم أن يكون على سبعة أحرف بالزيادة، وهذه على ستة، وقد لزمها تاء التأنيث، فلما جاز التخفيف فيما هو أقل منها نحو سيد لزم التخفيف فيما كثر حروفه، أعني نحو كينونة، ويقل الحذف في نحو فَيْعَلان، قالوا: رَيْحان وأصله رَيَّحَان، وأصله رَيْوَحان من الرَّوْح قال: " وَفِي بَابِ قِيلَ وَبِيع ثَلاَثُ لُغَاتٍ: الْيَاءُ، والإِشْمَامُ، وَالْوَاوُ، فإنِ اتَّصَلَ بِهِ مَا يُسَكِّنُ لاَمَهُ نَحْوُ بُِعْتَ يَا عَبْدُ وَقُِلْتَ يا قَوْلُ، فَالْكَسْرُ وَالإِشْمَامُ وَالضَّمُّ، وَبَابُ اخْتِيرَ وانْقِيدَ مِثْلُهُ فِيهَا، بخلاف أُقِيمَ واستقيم " أقول: قد مضى شرح هذا في شرح الكافية (3) قوله " ما يسكن لامه " أي: تاء الضمير ونونه، فإذا اتصل به ذلك حذفت العين، ويبقى الفاء مكسوراً كسراً صريحاً، وهو الأشهر، كما هو كذلك قبل الحذف، ويجوز إشمام الكسرة شيئاً من الضم، كما جاز قبل الحذف، وضمه
__________
(1) القيدودة: مصدر قدت الدابة أقودها كالقيادة والمقادة والتقواد والقود، وقد جاءت القيدودة وصفا بمعنى الطويلة في غير صعود (2) السيدودة: مصدر ساد الرجل قومه يسودهم، ومثله السود والسودد والسيادة، وقد وقع في أصول الكتاب " سيرورة " براءين في مكان الدالين،
وذلك غير متفق مع ما سبق للمؤلف (ح 1 ص 152، 153) حيث ذكر في مصادر الاجوف اليائى الفعلولة ومثل له بالصيرورة والشيخوخة، وذكر في مصادر الواوى منه الفيعلولة ومثل له بالكينونة، وظاهر هذا أن الذى يخفف هو الواوى.
والذى يستفاد من عبارة سيبويه التى قدمناها لك قريبا أن الفيعلولة جاءت في اليائى والواوي جميعا (3) انظر (ح 2 ص 250، 251) من شرح الكافية (*)(3/155)
صريحاً كما كان قبل الحذف، وإذا قامت قرينة على أن المراد به المعلوم أو المجهول نحو قُلْتَ يا قَوْلُ، وبُعْتَ يا عَبْدُ، وخُفْتَ يا هَوْلُ، جاز الضم الصريح في الأول والكسر الصريح في الأخيرين بناء على القرينة، وإن لم تقم قرينة فالأولى الكسر أو الإشمام في الأول والضم أو الإشمام في الأخيرين قوله " وباب اختير وانقيد " يعني باب افْتُعِل وانْفُعِل من الأجوف مثل فُعِل في جواز الأوجه الثلاثة، لأن الضم والإشمام إنما جاء من ضم ما قبل الواو والياء، وأما في أقيم واسْتُقِيم وأصلهما أقْوِم واسْتُقْوِم فليس ما قبل حرف العلة مضموماً، فلا يجوز إلا الكسر الصريح قال " وَشَرْطُ إعْلاَلِ الْعَيْنِ فِي الاسْمِ غَيْرِ الثُّلاَثِيِّ وَالْجَارِي عَلَى الْفِعَلِ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ مُوَافَقَهُ الْفِعْل حَرَكَةً وسُكُوناً مَعَ مُخَالَفَةٍ بِزِيَادَةِ أَوْ بِنْيَةٍ مَخْصُوصَتَيْنِ فَلِذَلِكَ لَوْ بَنَيْتَ مِنَ الْبَيْعِ مِثْلَ مَضْرِبٍ وَتَحْلِئ قُلْتَ مَبِيعٌ وتِبِيعٌ مُعَلاًّ وَمِثْلَ تَضْربُ قُلْتَ تَبْيعٌ مُصَحَّحاً " أقول: قوله " غير الثلاثي " لأن الثلاثي لا يشترط فيه مع موازنة الفعل المذكورة مخالفته قوله " والجاري على الفعل " أي: وغير الجاري، ونعني بالجاري المصدر نحو
الإقامة والاستقامة، واسمي الفاعل والمفعول من الثلاثي وغيره، ويجوز أن يقال فيهما بالموازنة: أما فاعل فعلى وزني يَفْعِل، باعتبار الحركات والسكنات، وأما مفعول كمقتول فإن الواو فيه على خلاف الأصل، والأصل فيه مُفْعَل كيُفْعَل على ما ذكرنا قوله " مما لم يذكر " لم يحتج إليه، لانه لابد لكل اسم قلب عينه ألفاً، سواء كان مما ذكر أو لم يذكر، من الموافقة المذكورة في الثلاثي والمزيد فيه، مع المخالفة المذكورة في المزيد فيه، وكذا في نقل حركة العين المزيد فيه إلى(3/156)
الساكن الذي قبله، كما ذكرنا، إلا في نحو الإقامة والاستقامة، فإن فيه قلباً ونقلاً مع عدم الموافقة المذكورة، وذلك لما ذكرنا قبل من المناسبة التامة لفعله، وإلا في باب بَوَائع، فإن فيه قلباً مع عدمها أيضاً، وذلك للثقل البالغ كما مر (1) قال " اللاَّمُ، تُقْلَبَانِ ألِفاً إذَا تَحَرَّكَتَا وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهُمَا إِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُمَأ مُوجِبٌ لِلْفَتْحٍ، كَغَزَا وَرَمَى وَيَقْوَى وَيَحْيَى وَعَصاً ورَحًى (2) بِخِلاَفِ غَزَوْتُ وَرَمَيْتُ وَغَزَوْنَا وَرَمَيْنَا وَيَخْشَيْنَ وَيَأبَيْنَ وَغَزْوٍ وَرَمْي، وَبِخِلاَفِ غَزَوْا ورَمَيَا وَعَصَوَانِ وَرَحَيَانِ لِلإِلْبَاسِ، واخْشَيَا نَحْوُهُ، لأنَّهُ مِنْ بَابِ لَنْ يَخْشَيَا، وَاخشَيَنَّ لِشَبهِهِ بِذَلِكَ، بِخِلاَفِ اخْشَوْا وَاخْشَوَنَّ وَاخْشَيْ وَاخْشَينَّ " أقول: اعلم أن الواو والياء إذا تحركتا وانفتح ما قبلهما وهما لامان قلبتا ألفين، وإن لم تكونا في الاسم الجاري على الفعل، ولا الموازن له، كرِباً وزِنًى، أو كانا فيما يوازن الفعل بلا مخالفة له، كما في أحْوَى وأشْقَى، وإنما اشترط الجريان أو المشابهة المذكورة في العين دون اللام لأن اللام محل التغيير فيؤثر في
قلبها العلة الضعيفة: أي تحركها وانفتاح ما قبلها قوله " إن لم يكن بعدهمأ موجب للفتح " احتراز عن نحو غَزَوَا ورَمَيَا في الماضي وتَرْضَيَان وتُغْزَوَان في المضارع، وعَصَوَان وَرَحَيان في الاسم، فإن ألف الضمير في غَزَوَا وَيَرْضَيان وألف التثنية في عَصَوَان وَرَحَيَان إنما ألحقتا بالألف المنقلبة عن الواو والياء فردت الألف التي هي لام إلى أصلها من الواو والياء، إذ لو لم ترد لالتبس المثنى في الماضي بالمفرد ومثنى المضارع ومثنى الاسم
__________
(1) انظر (ص 101) من هذا الجزء (2) كذا في جميع النسخ المطبوعة من المتن ومن شروح الشافية، وفى الخطية " وفتى " (*)(3/157)
بالمفرد، عند سقوط النون، فلو قلبت الواو والياء إلى الألف بعد رد الألف إليهما لحصل الوقوع فيما فُر منه، أعني الالتباس، وإنما لم يقلب في اخْشَيَا لكونه فرع يَخْشَيَان المؤدي إلى اللبس لو قلبت لامه، وإنما لم يقلب في اخْشَيَنَّ لعروض حركة الياء لأجل النون على ما تقدم، فالحق أن يقال: لم تقلب حروف العلة المتحركة لأجل إلحاق ألف الضمير في غَزَوَا ورَمَيَا، وألف المثنى والجمع في نحو عَصَوَان وصَلَوات، ونون التأكيد في نحو ارْضَيَنَّ، ألفاً، لعروض حركاتها لأجل هذه اللواحق، فإنها وإن كانت أصلها الحركة إلا أنها لولا هذه اللواحق لم تتحرك، فحركتها إذن عارضة، ولا يقلب الواو والياء ألفاً إذا تحركتا بحركة عارضة، ويَرْضَيَان ويُغْزَوَان وعَصَوَان ورحيان هذه اللواحق كما ذكرنا أوجبت رجوع الألفات إلى أصولها لئلا يلتبس، ولم يقلب الواو والياء ألفاً بعد الرد إلى الأصل لئلا يكون رجوعاً إلى ما فر منه.
قوله " لشبهه بذلك " يعني أن النون اللاحق بالفعل من غير توسط ضمير
بينهما مثل الألف، فقولك اخْشَيَنَّ مثل اخْشَيَا، وقد ذكرنا ما على هذا الكلام في آخر شرح (1) الكافية، فالأولى أن عدم القلب في اخْشَيَنَّ لأن اللام قد
__________
(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 378) : " لما كان النون بعد الضمير البارز صار كالكلمة المنفصلة، لان الضمير فاصل، ولما لم يكن ضمير بارز كان النون كالضمير المتصل، هذا زبدة كلامه (يريد ابن الحاجب) ، ويرد عليه أن المتصل ليس هو الالف فقط بل الياء والواو في ارضوا وارضى متصلان أيضا وأنت لا تثبت اللام كما تثبتها مع الالف، فليس قوله إذن " فكالمتصل " على إطلاقه بصحيح، وأيضا يحتاج إلى التعليل فيما قاس النون عليه من المتصل والمنفصل إذا سئل مثلا لم لم تحذف اللام في اخشيا وارميا واغزوا كما حذفت في اخش وارم واغز ولم ضمت الواو في ارضوا الرجل وكسرت الياء في ارضى الرجل ولم تحذفا كما في ارموا الرجل وارمي الغرض؟ وكل علة تذكرها في المحمول عليه فهى مطردة في المحمول فما فائدة الحمل؟ وإنما يحمل الشئ على الشئ إذا لم يكن المحمول (*)(3/158)
رد كما ذكرنا هناك (1) فلو قلب لوجب حذفه فلم يتبين رده، وفي اخْشَيا لكونه فرع يخشيان، ولا نقول بعروض الحركة، إذ لو لم يعتد بالحركة في مثله لم يرد العين في خَافَا وخَافَنَّ قوله " كغزا ورمى ويقوى ويحيى وعصا ورحَى " أمثله لما تحرك الواو والياء فيه وانفتح ما قبلهما ولم يكن بعدهما موجب للفتح فقلبا ألفين قوله " بخلاف غزوت ورميت وغزونا ورمينا ويخشين ويأبين " أمثلة لما انفتح ما قبل الواو والياء فيه وسكنا فلم يقلبا قوله " وغَزْوٍ ورَمْي " مثالان لما تحرك واوه وياؤه وسكن ما قبلهما فلم يقلبا ولم يكن كأقْوَم أي مفتوح حرف العلة فرعاً لما انفتح ما قبلها حتى يحمل عليه
قوله " وبخلاف غَزَوَا وَرَمَيَا " إلى قوله " لشبهة بذلك " أمثلة لما تحرك واوه وياؤه وانفتح ما قبلهما وكان بعدهما موجب لبقائهما بلا قلب قوله " بخلاف اخشَوْا واخشَوُنَّ واخْشَيْ واخشَيِنَّ " يعني أن أصلها اخْشَيُوا وَاخْشيُونَّ واخشيي واخْشَيِينَّ فقلبت الياء ألفاً وحذفت، لأن حذف اللام ههنا لا يلبس كما كان يلبس في يخشَيَان لو حذفت، فلم يحذف، وحمل اخشيا عليه، لأنه فرعه وإن لم يلبس، وحمل اخشَيَنَّ على اخشَيَا لمشابهة النون في مثله للألف، ولمانع أن يمنع أن أصل اخشَوْا اخشَيْوا، وأصل اخشَيْ اخشَيِي، وذلك لأن الواو
__________
في ثبوت العلة فيه كالمحمول عليه، بل يشابهه من وجه فيلحق به لاجل تلك المشابهة وإن لم تثبت العلة في المحمول كحمل ان على الفعل المتعدى وإن لم تكن في إن العلة المقتضية الرفع والنصب كما كانت في المتعدى " اه (2) قال في شرح الكافية (2: 376) : " وإنما ردت اللامات المحذوفة للجزم أو الوقف في نحو لتغزون واغزون ولترمين وارمين ولتخشين واخشين لان حذفها كان للجزم أو للوقف الجارى مجراه، ومع قصد البناء على الفتح للتركيب لا جزم ولا وقف " اه (*)(3/159)
والألف والياء كل واحد منها فاعل يلحق الفعل كما يلحق زيد من رمي زيد لا فرق بينهما، إلا أن اتصال الضمير أشد، ولا يلزم أن يلحق الفاعل أصل الفعل، بل يلحقه بعد الإعلال، لأنه ما لم ينقَّح أصل الكلمة ولم تعط مطلوبَها في ذاتها لم يلحق بها مطلوبُها الخارجي فإن قيل: فلم لم يقل غَزَاتُ وَرَمَاتُ، في غَزَوْتُ وَرَمَيْت قلت: تنبيهاً على عدم تقدير الحركة في حرف العلة، كما ذكرنا في ذي الزيادة (1) والدليل على أن الضمائر تلحق الكلمات بعد تخفيفها قولهم: رُضْيُوا وَغُزْيُوا
بإسكان العين للتخفيف، كما قيل في عُصِرَ: عُصْر، ولو لحق الواو رضي ورمي مكسور العين وجب حذف الياء للساكنين، لأن الضمة على الياء بعد الكسرة تحذف، فيلتقى ساكنان: الياء، والواو، فإذا كان الضمير يلحق الفعل بعد التخفيف النادر القليل فما ظنك بالتخفيف الواجب المطرد؟ ولو سلم أيضاً أن الأصل اخشيوا واخشيي فإن الحركة عارضة لأجل الضمير فلا تقلب لأجلها الياء ألفاً (كما مر مراراً) والحق أن يقال: إن أصل اخَشَوْا وَاخشَيْ اخشَ لحقته الواو والياء، وأصل اخشَوُنّ خشين اخشَوْا واخشَيْ لحقته النون فحركت الواو والياء للساكنين، ولم يحذفا، لأنهما ليسا بمدتين كما في اغزُنّ وارمِنّ، ولا يجوز حذف كلمة تامة، أعني الضميرين بلا دليل عليهما، ولم يقلب الواو والياء ألفاً في اخشَوُنّ واخْشَيِنّ، لأن كل واحد منهما كلمة برأسها فلا يغيران بالكلية، وأيضاً حركتهما عارضة للساكنين كما ذكرنا قال: " وَتُقْلَبُ الْوَاوُ يَاءً إذَا وَقَعَتْ مَكْسُوراً مَا قَبْلَهَا، أَوْ رَابِعَةً فَصَاعِداً وَلَمْ يَنْضَمَّ مَا قَبْلَهَا، كَدُعِيَ وَرُضِيَ وَالغَازِي، وَأغْزَيْتُ وَتَغَزَّيْتُ واستغزيت
__________
(1) انظر (ج 2 ص 370) (*)(3/160)
وَيُغْزَيَان ويَرْضَيَانِ، بِخِلاَفِ يَدْعُو وَيَغْزُو، وَقِنْيَةٌ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي دِنْيَا شَاذٌّ، وطيِّئٌ تَقْلِبُ الْيَاءَ فِي بَابِ رَضِيَ وَبَقِيَ وَدُعِيَ أَلِفاً وتقلب الواو طرفاً بَعْدَ ضَمَّةِ فِي كُلِّ مُتَمَكِّنٍ يَاءً فَتَنْقَلِبُ الضَّمَّةُ كَسْرَةً كَمَا انْقَلَبَتْ فِي التَّرَامِي وَالتَّجَارِي - فَيَصِيرُ مِنْ بَابِ قاض، نحو أدل وَقَلَنْسٍ، بخِلاَفِ قَلَنْسُوَةٍ وَقَمَحْدُوَةٍ، وَبِخِلاَفِ الْعَيْنِ كَالْقُوَبَاءِ وَالْخُيَلاَءِ، وَلا أَثَرَ لِلْمَدَّةِ الْفَاصِلَةِ فِي الجَمْعِ إلاَّ فِي الإِعْرَابِ، نَحْوَ عُتِيٍّ وُجُثِيٍّ، بِخِلاَفِ
الْمُفْرَدِ، وَقَدْ تُكْسَرُ الْفَاءُ لِلإتْبَاعِ فَيُقَالُ: عِتيٌّ وَجِثِيٌّ، وَنَحْوُ نُحُوٍّ شَاذّ، وَقَدْ جَاءَ نَحْوُ مَعْدِيٍّ وَمَغْزِيٍّ كَثِيراً، وَالْقِيَاسُ الْوَاوُ " أقول: اعلم أن الواو المتحركة المكسور ما قبلها لا تقلب ياء لتقويها بالحركة إلا بشرطين: أحدهما أن تكون لاماً، لأن الآخر محل التغيير، فهي إذن تقلب ياء، سواء كانت في اسم كرأيت الْغَازِيَ، أو فعل: مبنياً للفاعل كان كَرَضِيَ من الرضوان، أو للمفعول كدُعِيَ، وسواء صارت في حكم الوسط بمجئ حرف لازم للكلمة بعدها نحو غَزِيَانِ على فَعِلاَنَ من الغزو، وغَزِيَة على فَعِلَةَ منه، مع لزوم التاء كما في عَنْصُوَةَ، أو لم تَصِر كما في غازية، وقولهم مَقَاتِوَة في جمع مقتوى شاذ (1) ووجه تصحيحه
__________
(1) تقول: قتوت أقتو قتوا ومقتى مثل غزوت أغزو غزوا ومغزى، ومعناه كنت خادما للملوك.
قال الشاعر: إنى امرؤ من بنى فزارة لا * أحسن قتو الملوك والخببا وقد قالوا للخادم: مقتوى - بفتح الميم وتشديد الياء آخره - وكأنهم نسبوه إلى المقتى الذى هو مصدر ميمى بمعنى خدمة الملوك، وقالوا: مقتوين بمعنى خدم الملوك، مثل قول عمرو بن كلثوم التغلبي: بأى مشيئة عمرو بن هند * تكون لقيلكم فيها قطينا؟ تهددنا وأوعدنا رويدا، * متى كنا لامك مقتويا؟ (*)(3/161)
[ ... ]
__________
وقد اختلف العلماء في ضبطه وتخريجه، فضبطه أبو الحسن الاخفش بضم الميم وكسر الواو، على أنه جمع مقتو اسم فاعل من اقتوى، وأصله مقتوو بوزن مفعلل قلبت الواو الاخيرة ياء، لتطرفها إثر كسرة، ثم يعل ويجمع كما يعل ويجمع قاض،
وأصل اقتوى اقتوو، قلبت الواو الثانية ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، ولم يدغموا كما يدغمون في احمر، لان الاعلال مقدم على الادغام، وذلك كما في ارعوى، ويدل لصحة ما ذهب إليه أبو الحسن قول يزيد بن الحكم يعاتب ابن عمه: تبدل خليلا بن كشكلك شكله * فإنى خليلا صالحا بك مقتوى وذهب غير واحد من الامة الى أن مقتوين بفتح الميم وكسر الواو، ولهم فيه تخريجان ستسمعهما بعد فيما نحكيه من أقوالهم، وحكى أبو زيد وحده فتح الواو مع أن الميم مفتوحة قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 153) في الكلام على مواضع تاء التأنيث: " السادس أن تدخل أيضا على الجمع الاقصى دلالة على أن واحده منسوب كالاشاعثة والمشاهدة في جمع أشعثي ومشهدي، وذلك أنهم لما أرداوا أن يجمعوا المنسوب جمع التكسير وجب حذف ياءى النسب، لان ياء النسب والجمع لا يجتمعان، فلا يقال في النسبة إلى رجال: رجالى بل رجلى كما يجئ في باب النسبة إن شاء الله، فحذفت ياء النسبة ثم جمع بالتاء فصار التاء كالبدل من الياء كما أبدلت من الياء في نحو فرازنة وجحاجحة كما يجئ، وإنما أبدلت منها لتشابه الياء والتاء في كونهما للوحدة كتمرة ورومي، وللمبالغة كعلامة ودوارى، ولكونهما زائدتين لا لمعنى في بعض المواضع كظلمة وكرسي، وقد تحذف ياء النسب إذا جمع الاسم جمع السلامة بالواو والنون لكن لا وجوبا كما في جمع التكسير، وإنما يكون هذا في اسم تكسيره - لو جمع - على وزن الجمع الاقصى كالاشعرون والاعجمون في جمع أشعرى وأعجمي وكذا المقتوون والمقاتوة في جمع مقتوى، قال: * متى كنا لامك مقتوينا * والتاء في مثل هذا المكسر لازمة، لكونها بدلا عن الياء ولو كان جمع المعرب أو جمع المنسوب غير الجمع الاقصى لم تأت فيه بالتاء فلا تقول في جمع فارسي: (*)(3/162)
[ ... ]
__________
فرسة، بل فرس، ولا في جمع لجام: لجمة، بل لجم، وكأن اختصاص الاقصى بذلك ليرجع الاسم بسبب التاء إلى أصله من الانصراف " اه.
وقال أيضا في باب جمع السلامة (ح 2 ص 172) ما نصه: " وحكى عن أبى عبيدة وأبى زيد جعل نون مقتوين معتقب الاعراب، ولعل ذلك لان القياس مقتويون - بياء النسب - فلما حذف ياء النسب صار مقتوون كقلون وقوله: * متى كنا لامك مقتوينا * الالف فيه بدل من التنوين إن كان النون معتقب الاعراب، وإلا فالالف للاطلاق، وحيا جميعا: رجل مقتوين، ورجلان مقتوين، ورجال مقتوين، قال أبو زيد: وكذا للمرأة والمرأتين والنساء، ولعل سبب تجرئهم على جعل مقتوين للمثنى والمفرد المذكر والمؤنث مع كونه في الاصل جمع المذكر كثرة مخالفته للجموع، وذلك من ثلاثة أوجه: كون النون معتقب الاعراب، وحذف ياء النسب الذى في الواحد وهو مقتوى، وإلحاق علامة الجمع بما بقى منه وهو مقتو مع عدم استعماله، ولو استعمل لقلب واوه ألفا فقيل: مقتى، ولجمع على مقتون - كأعلون - لا على مقتوون، وإنما قلنا: إن واحده مقتو المحذوف الياء كما قال سيبويه في المهلبون والمهالبة: إنه سمى كل واحد منهم باسم من نسب إليه، فكان كلا منهم مهلب، لان الجمع في الظاهر للمحذوف منه ياء النسب، ويجوز أن يقال: إن ياء النسب في مثل مقتوون والاشعرون والاعجمون حذف بعد جمعه بالواو والنون، وكان الاصل مقتويون وأشعريون وأعجميون، وحكى أبو زيد في مقتوين فتح الواو قبل الياء في من جعل النون معتقب الاعراب نحو مقتوين، وذلك أيضا لتغييره عن صورة الجمع بالكلية لما خالف ما عليه جمع السلامة " اه
وقال أبو الحس الاخفش في شرح نوادر أبى زيد (188) : القياس - وهو مسموع من العرب أيضا - فتح الواو من مقتوين فنقول: مقتوين: فيكون الواحد مقتى فاعلم، مثل مصطفى فاعلم، ومصطفين إذا جمعت، ومن قال مقتوين فكسر الواو فانه يفرده في الواحد والتثنية والجمع والمؤنث، لانه عنده مصدر فيصير بمنزلة قولهم: رجل عدل وفطر وصوم ورضى وما أشبهه، وذلك أن المصدر لا يثنى ولا (*)(3/163)
إجراؤه مجرى مَقْتَوِين كما ذكرنا في جمع السلامة، وقالوا: خِنْذَوَةُ (1) بالواو، لئلا يلتبس فِعْلِوَة القليل بفعلية الكثير كعفرية (2) ونفرية (3)
__________
يجمع، لانه جنس واحد، فإذا قلت رجل عدل وما أشبهه فتقديره عندنا رجل ذو عدل فحذفت ذو وأقمت عدلا مقامه فجرى مجرى قوله عز وجل (واسأل القرية) وهذا في المصادر بمنزلة قولهم: إنما فلان الاسد وفلانة الشمس يريدون مثل الاسد ومثل الشمس، فإذا حذفوا مرفوعا جعلوا مكانه مرفوعا، وكذلك يفعلون في النصب والخفض فأما أبو العباس محمد بن يزيد فأخبرني أن جمع مقتوين عند كثير من العرب مقاتوة، فهذا يدلك على أنه في هذه الحكاية غير مصدر وليس بجمع مطرد عليه باب، ولكنه بمنزلة الباقر والجامل والكليب والعبيد، فهذه كلها ما أشبهها عندنا أسماء للجميع وليست بمطردة، وهى - وإن كان لفظها من لفظ الواحد - بمنزلة نفر ورهط وقوم وما أشبهه، ويقال: مقت الرجل إذا خدم، فهذا بين في هذا الحرف " اه (1) قال في اللسان: " والخنذوة (بضمتين بينهما سكون) : الشعبة من الجبل، مثل بها سيبويه، وفسرها السيرافى.
قال: ووجدت في بعض النسخ حنذوة (بالحاء المهملة) ، وفى بعضها جنذوة (بالجيم المعجمة) ، وخنذوة بالخاء معجمة أقعد بذلك يشتقها من الخنذيذ (وهو الجبل الطويل المشرف الضخم) وحكيت
خنذوة - بكسر الخاء - وهو قبيح، لانه لا يجتمع كسرة وضمة بعدها واو، وليس بينهما إلا ساكن، لان الساكن غير معتد به، فكأنه خذوة (بكسر الخاء وضم الذال) وحكيت: جنذوة وخنذوة وحنذوة (بكسر الاول والثالث وسكون الثاني في الجميع) لغات في جميع ذلك، حكاه بعض أهل اللغة، وكذلك وجد في بعض نسخ كتاب سيبويه، وهذا لا يعضده القياس ولا السماع، أما الكسرة فانها توجب قلب الواو ياء وإن كان بعدها ما يقع عليه الاعراب وهو الهاء، وقد نفى سيبويه مثل ذلك، وأما السماع فلم يجئ لها نظير، وإنما ذكرت هذه الكلمة بالحاء والخاء والجيم، لان نسخ كتاب سيبويه اختلفت فيها " اه (2) العفرية: الخبيث المنكر، وأسد عفرية: شديد.
انظر (ح 1 ص 255، 256) (3) نفرية: إتباع لعفرية، يقال: عفرية نفرية، كما يقال: عفريت نفريت (*)(3/164)
وهِبْرِية (1) ونحوها، ولو خففت رَضِيَ وغُزِي قلت: رَضْيَ وغُزْي، كما تقول في عَلِم وعُصِر: عَلْمَ وعُصْرَ، ولا تُرد الياء إلى أصلها من الواو مع زوال الكسرة في التخفيف، لعروض زوالها، وقالوا: رَضْيُوا وغُزْيُوا، فاعتد بالكسرة المقدرة من جهة قلب الواو ياء، ولم يعتدوا بها من جهة إثبات ضمة الياء، ولو اعتدوا بها من كل جهة لقيل: رضوا وغزوا، استثقالاً لضمة الياء بعد الكسرة، فلم يتبين كون الواو لاحقاً برضى وغزى المخففين، وثانيهما: أن تكون عيناً في اسم محمول على غيره، كما في قِيَام ودِيَار ورِيَاض، على ما مضى وأما الياء المتحركة المضموم ما قبلها فإن لم تقع لاماً ولم تنكسر كما في هُيَام وعُيَبَة وعُيُن (2) جمع عِيان لم تقلب واواً، لتقويها بالحركة مع توسطها، وإن انكسرت كما في بِيعَ فقد مضى حكمها (3) وإن وقعت لاماً فإن كان يلزمها الفتح
قلبت الياء واواً لانضمام، ما قبلها، لأن الاخر محل التغيير، وبلزوم الفتح لا يستثقل في الأخير واو مضموم ما قبلها، كما لم يستثقل في هُوَ، وذلك إما في الفعل كرمو الرجل زيد، من الرمي، وإن خففت ضمة العين لم تتغير الواو، لعروض التخفيف تقول: رَمْوَ الرجلُ، كما تقول في ظَرُف ظَرْفَ، أو في الاسم، وإنما يكون ذلك فيه إذا جاء بعدها زائد لازم موجب لفتح ما قبله كأُرْمُوَان، من الرمي على وزن أُسْحُمان (4) فلم يستثقل، كما لم يستثقل في عُنْفُوَان وأقْحُوَان وَقَمَحْدُوَة لكون الواو كأنها ليست لاماً، وكُرمُوَة على وزن فُعُلة من رَمَيْت، إذا لزم التاء، وإن لم تلزم قلت رُمِية ورُم، بقلب الواو ياء والضمة كسرة لكونها
__________
(1) هبرية - كشرذمة -: ما طار من زغب القطن، وما طار من الريش أيضا، وما يتعلق بأسفل الشعر من وسخ الرأس (2) انظر (ص 87 من هذا الجزء) (3) انظر (ص 86 من هذا الجزء) (4) انظر (ح 2 ص 395) (*)(3/165)
في حكم المتطرفة، وكذا إذا كانت ضمة ما قبل الياء المتحركة على واو وجب قلب الضمة كسرة، وإن لزم الحرف الذى يلى الياء، نحو طويان بكسر الواو على وزن فَعُلان - بضم العين - من طوى ومطوية على وزن مسربة منه (1) ، لان نحو قوونا تقلب واوه الاخيرة ياء كما يجئ، فكيف تقلب ياء طويان واوا؟ وإن لم يلزمها الفتح كالتجاري والتمارى قلبت الضمة كسرة، ولم تقلب الياء واواً، لاستثقال كون أثقل حروف العلة: أي الواو، وقبلها أثقلُ الحركات: أي الضمة، مَوْرِداً للإعراب، وأما بَهُوَ الرجل يَبْهُو بمعنى بَهِيَ يَبْهَى أي صار بَهيًّا كما ذكرنا في أول الكتاب، فإنما قلبت ياء بَهُوَ واواً مع كونه مَوْرداً للإعراب،
لما ذكرنا هناك فليرجع (2) إليه، وكذا تقلب الضمة كسرة إذا كانت الياء التي هي مورد للإعراب مشدَّدة نحو رُمِيّ، على وزن قُمُدّ (3) من الرمي قوله " أو رابعة فصاعداً " تقلب الواو الرابعة فصاعداً المفتوح ما قبلها المتطرفة ياء بشرطين: أحدهما أن لا يجوز قلبها ألفاً إما لسكون الواو كما في أغْزَيْت واسْتَغْزَيت، أو للإلباس كما في يُغْزَيَان وَيَرْضَيَان وَأَعْلَيَان، على ما تقدم، وذلك أن قصدهم التخفيف، فما دام يمكنهم قلبها ألفاً لم تقلب ياء، إذ الألف أخف، وثانيهما: أن لا يجئ بعدها حرف لازم يجعلها في حكم المتوسط، كما جاء في مِذْرَوَان (4) وإنما قلبت الواو المذكورة ياء لوقوعها موضعاً يليق به الخفة، لكونها
__________
(1) المسربة - بضم الراء، وتفتح -: الشعر الدقيق النابت وسط الصدر إلى البطن، وفى الصحاح: الشعر المستدق الذى يخرج من الصدر إلى السرة، قال سيبويه " ليست المسربة على المكان ولا المصدر، وإنما هي اسم الشعر " (2) انظر (ح 1 ص 73، 76) (3) انظر (ح 1 ص 53) (4) المذروان: طرفا الالية، وذلك مما لا يستعمل إلا مثنى، وتقول: جاء فلان ينفض مذرويه، إذا جاءك باغيا متهددا، قال عنترة بن شداد العبسى يخاطب عمارة بن زياد العبسى: أحولى تنفض استك مذرويها * لتقتلني فهأنذا عمارا (*)(3/166)
رابعة ومتطرفة وتعذُّرِ غاية التخفيف، أعني قلبها ألفاً، (لسكونها لفظاً أو تقديراً) كما ذكرنا، فقلبت إلى حرف أخف من الواو، وهو الياء، وقيل: إنما قلبت الواو المذكورة ياء لانقلابها ياء في بعض التصرفات، نحو أغْزَيْتُ وغَازَيْتُ، فإن مضارعهما أُغْزِي وأُغَازِي، وأما في تَغَزَّيْت وَتَغَأزَيْت فإنه وإن لم تقلب الواو ياء في مضارعيهما: أعنى أتغزى وأتعازى، لكن تعزيت وَتَغَازَيْتُ فرعاً أغْزَيْت
وغازيت المقلوب واوهما ياء، وهذه علة ضعيفة كما ترى لا تطرد في نحو الأَعْلَيَان، ولو كان قلب الواو ياء في المضارع يوجب قلبها في الماضي ياء لكان قلبها يا في نفس الماضي أولى بالإيجاب، فكان ينبغي أن يقال غَزَيْتُ، لقولهم غُزِي، وأيضاً المضارع فرع الماضي لفظاً فكيف انعكس الأمر؟ فكان على المصنف أن يقول: ولم يضم ما قبلها ولم يجز قبلها ألفاً، ليخرج نحو أَغْزَى، وليس أيضاً قوله " ولم ينضم ما قبلها " على الإطلاق، بل الشرط أن لا ينضم ما قبلها في الفعل نحو يَغْزُو ويَدْعُو، وأما في الاسم فيقلب ياء نحو الأدْلى جمع الدَّلْو والتغازي، وكان الأولى به أن يقول مكان قوله ولم ينضم ما قبلها: وانفتح ما قبلها، وأن يؤخر ذكر نحو يدعو إلى قوله " وتقلب الواو طرفاً بعد ضمة " كما نذكر، وقوله " وقِنْيَة (1) وهو ابنُ عمي دِنْيَا (2) شاذ " وذلك لانك قلبت الواو
__________
(1) القنية - بكسر القاف وضمها -: ما يقتنيه الانسان لنفسه لا للتجارة، ويقال فيه: قنوة - بكسر أوله وضمه، انظر (ح 2 ص 43) .
هذا ما ذكره الكوفيون فهى عندهم ذات وجهين، فلا شذوذ فيه، ولم يحك البصريون إلا الواوى فقنية - بالكسر - شاذ عندهم لعدم اتصال الكسرة بالواو.
وقنية - بضم القاف -: فرع قية - بكسرها - ضموا بعد قلب الواو ياء (2) يقولون: هو ابن عمى أو ابن خالي أو عمتى أو خالتي أو ابن أخى أو أختى دنية ودنيا - بكسر الدال فيهما مع تنوين المقصور وترك تنوينه - ودنيا - بضم الدال غير منون -: أي لاصق القرابة، وفى معناه هو ان عمى لحا (*)(3/167)
التي هي لام ياءً مع فصل الساكن بينها وبين الكسرة (قبلها) ، ووجه ذلك مع شذوذه كون الواو لاماً وكون الساكن كالعدم، وقِنْيَة من الواوي، لقولك: قَنَوْت، والأولى أن يقال: هو من قَنَيْت، لأن لامه ذات وجهين، ومنه قُنْيَان
بضم القاف.
قوله " وطيئ تقلب " قد مضى شرحه في هذا الباب، وهذا حكم مطرد عندهم: سواء كان أصل الياء الواو، كما في رَضِي ودُعي، أولاً، نحو بَقي.
قوله " وتقلب الواو طرفاً بعد ضمة " إلى قوله " كالقوباء والخيلاء " إذا وقعت الواو لاماً بعد ضمة أصلية طرفاً كما في الأدْلُو، أو في حكم الطرف: بأن يأتي بعدها حرف غير لازم، كتاء التأنيث غير لازمة نحو التَّغَازية أو ألف تثنية كالتَّغَازِيان في مثنى التغازي، وكان ذلك في اسم متمكن، وجب قلب الواو ياء والضمة قبلها كسرة، لأن الواو المضموم ما قبلها ثقيل على ثقيل، ولا سيما إذا تطرفت، وخاصة في الاسم المتمكن، فإنه إذن مَوْطِئ أقدام حركات الإعراب المختلفة، فتقلب الواو ياء ثم تقلب الضمة كسرة، ولا يبتدأ بقلب الضمة كسرة لأن تخفيف الآخر أولى، فإذا لم تكن لاماً وانفتحت نحو الْقُوبَاء لم تقلب ياء، وكذا إذا انضمت فإن سكن ما بعدها نحو الْحُوُول جاز إبقاؤها وجاز قلبها همزة، وإن تحرك جب إسكانها كالنُّور في جمع نَوَار، وإن انكسرت بقيت بحالها نحو أُوِدُّ على وزن أُكْرِم من الود، وأما قيل - وأصله قُوِل - فلما مر في شرح الكافية (1) وكذا إذا كانت لاماً لكن بعدها حرف لازم كتاء التأنيث في نحو عَنْصُوَة وقمحدوة، والألف والنون لغير المثنى كأفْعُوَان وَأُقْحَوان، لم تقلب ياء، إلا أن تكون الضمة قبل الواو على واو أيضاً، فإنه تقلب الواو ياء لفرط الثقل، وإن وليها حرف لازم نحو قَوِيَة وَقَوِيَان على وزن سَمُرَة وسَبُعَان، ولا يدغم، لأن الاعلال قبل
__________
(1) قد ذكرنا ذلك قريبا فارجع إليه في (ص 83 من هذا الجزء) (*)(3/168)
الإدغام، وكذا لا تقلب الواو ياء إذا لم تكن الضمة لازمة نحو أبوك وفوك وأخوك، وكذا خُطُوات فإن الألف والتاء غير لازمة كتا تغازية، لكن ضمة
الطاء عارضة في الجمع، ويجوز إسكانها، وكذا لا تقلب إذا كانت في الفعل كسَرُوَ وَيَسْرُو ويَدْعُو، وذلك لأن الفعل وإن كان أثقل من الاسم فالتخفيف به أولى وأليق، كما تكرره ذكره، ولكن صيرورة الكلمة فعلاً ليست إلا بالوزن، كما تقدم، لأن أصله المصدر كما تقرر، وهو ينتقل إلى الفعلية بالبنية فقط، فالمصدر كالمادة والفعل كالمركب من المادة والصورة، فلما كانت الفعلية تحدث بالبنية فقط واختلاف أبنية الأفعال الثلاثية وتمايز بعضها عن بعض بحركة العين فقط، احتاطوا في حفظ تلك الحركة، ولذلك لا تحذف إذا لم يتميز بالنقل إلى ما قبلها كما في قُلْتُ وبعت، بخلاف هِبْتُ وخفْت وطُلْتُ ويَقُول وَيخَاف، على ما تبين في أول الكتاب، ولذلك قالوا رَمُو الرجل، بخلاف نحو الترامي، فثبت أنه لا يجوز كسر ضمة سَرُو ويَدْعُو لئلا يلتبس بناء ببناء، وكذا لا تقلب ياء إذا كانت في اسم وتلزمها الفتحة، نحو هُوَ، لم يأت إلا هذا، وإنما اغتفر ذلك فيه لقلة الثقل، بكونه على حرفين، ولزوم الفتح لواوه، والتباسه بالمؤنث لو قلبت.
وإنما ذكر الْخُيَلاَء مع الْقُوبَاء - مع أن كلامه في الواو المضموم ما قبلها دون الياء المضموم ما قبلها - لأن الياء المضموم ما قبلها في حكم الواو المضموم ما قبلها، في وجوب قلب الضمة معها كسرة، حيث يجب قلب ضمة ما قبل الواو كالترامي والترامية، على ما قدمنا، وعدم وجوب قلبها حيث لا يجب قلبها مع الواو، وقال الفراء: سِيَرَاء (1) في الأصل فُعَلاَء، بالضم، فكسر لأجل الياء،
__________
(1) السيراء - بكسر السين وفتح الياء، وتسكن -: ضرب من البرود، وقيل: هو ثوب فيه خطوط كالسيور تعمل من القز، وقيل: برود يخالطها حرير، وقيل: هي ثياب من ثياب اليمن، والسيراء أيضا: الذهب، وقيل: الذهب الصافى، وقال (*)(3/169)
كما تقول بيوت وعيون وبييت وعِيَيْن، في الجمع والتصغير، قال السيرافي:
الذي قاله ليس ببعيد لأنا لم نر اسماً على فِعَلاَء - بكسر الفاء - إلا الْعِنَبَاءِ بمعنى العنب والسِّيَرَاء والْحِوَلاَء (1) بمعنى الحُوَلاء - بضم الحاء - قوله " ولا أثر للمدة الفاصلة في الجمع " أعلم أن الواو المتطرفة المضموم ما قبلها في الاسم المتمكن، إن كانت مشددة قوية بعض القوة، ثم: إما أن يجب القلب مع ذاك، أو يكون أولى، أو يكون تركه أولى.
فما يجب فيه قلبها شيئان: أحدهما: ما تكون الضمة فيه على الواو أيضاً كما تقول غُزْوِيّ على وزن عُصْفور من الغزو، ومنه مَقْوِيّ مفعول من القوة،
__________
الجوهرى: والسيراء - بكسر السين وفتح الراء والمد -: برد فيه خطوط صفر، قال النابغة: صفراء كالسيراء أكمل خلقها * كالغصن في غلوائه المتأود وفى الحديث " أهدى إليه أكيدر دومة حلة سيراء " قال ابن الاثير: هو نوع من البرود يخالطه حرير كالسوير، وهو فعلاء من السير القد (أي الجلد) .
قال: هكذا روى على هذه الصفة.
قال: وقال بعض المتأخرين إنما هو على الاضافة، واحتج بأن سيبويه قال: لم تأت فعلاء صفة لكن اسما، وشرح السيراء بالحرير الصافى، ومعناه حلة حرير، وفى الحديث: أعطى عليا بردا سيراء، وقال: اجعله خمرا، وفى حديث عمر: رأى حلة سيراء تباع، والسيراء أيضا: ضرب من النبت، والجريدة من جرائد النخل، ثم انظر (ج 2 ص 330) (1) الحولاء - بكسر الحاء، وضمها، مع فتح الواو فيهما -: جلدة خضراء مملوءة ماء تخرج مع الولد، فيها خطوط حمر وخضر، وقد قالوا: نزلوا في مثل حولاء الناقة، يريدون الخصب وكثرة الماء والخضرة، وفى القاموس: " والحولاء كالعنباء والسيراء، ولا رابع لها " اه (*)(3/170)
والثاني جمع على فُعُول كجاثٍ وَجُثِيّ (1) وعَصاً وعُصِيِّ، ومنه قِسِيّ بعد القلب، وقد شذ نُحُوٌّ جمع نَحْو، يقال: إنه لينظر في نُحُوّ كثيرة: أي جهات، وكذا نُجُوٌّ جمع نجو، وهو السحاب، وبُهُوّ، جمع بَهْو وهو الصدر، وأبُوٌّ وأخُوٌّ، جمع أب وأخ، ولا يقاس عليه، خلافاً للفراء.
وما كان القلب فيه أولى ويجوز تركه: فهو كل مَفْعُول ليس الضمة فيه على الواو، لكنه من باب فَعِل بالكسر، نحو مَرْضِيٍّ، فإنه أكثر من مَرْضو، إتباعاً للفعل الماضي.
وما كان ترك القلب فيه أولى كل مصدر على فُعُول كَجُثُوّ وَعتُوُ، ومن قلب فلإعلال الفعل، فإن لم تتطرف الواو لم تقلب كالأخوة والأبوة وندر القلب في أفْعُول وأفعولة كأُغْزُوٍّ وأُغْزُوَّة، وقد جاء أُدْعُوَّةَ وأدْعِيَّة (2) ومنه الأُدْحِيّ (3) وكذا في الْفَعُول والفَعُولة، ويجوز أن يكون الألِيَّة بمعنى القسم فَعُولةً وفَعِيلة، وهو واوي (4) ، لقولهم الأَلْوَة بمعناه، وكذا في اسم مفعول
__________
(1) جاث: اسم فاعل من جثا يجثو ويجثى، كدعا وكرمى - ومعناه جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه، والجثى: جمع الجاثى، وأصله جثوو فقلبت الواو المتطرفة ياء، ثم قلبت الواو قبلها ياء أيضا لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، ثم قلبت ضمة الثاء كسرة (2) يقال: بينهم أدعية يتداعون بها - بضم الهمزة وسكون الدال وكسر العين مع تشديد الياء - والادعوة: مثله، هي الاغلوطة، وذلك نحو قول الشاعر: أدعيك ما مستحقبات مع السرى * حسان وما آثارها بحسان أراد السيوف (3) الادحى والادحية - بضم الهمزة أو كسرها مع سكون الدال وكسر الحاء - ويقال: أدحوة، وهى مبيض النعام في الرمل، سميت بذلك لان النعامة تدحو الرمل:
أي تبسطه برجلها ثم تبيض فيه، وليس للنعام عش (6) الالية - بفتح الهمزة وكسر اللام وتشديد الياء -: اليمين، قال الشاعر: على ألية إن كنت أدرى * أينقص حب ليلى أم يزيد (*)(3/171)
ليس الضمة فيه على الواو، ولا هو من باب فَعِلَ بالكسر، كَمَغْزُو، ويقال: أرض مَسْنُوَّةٍ (1) ومَسْنِيَّة، قال: 148 - * أَنَا اللَّيْثُ مَعْدِيًّا عَلَيْهِ وعاديا (2) * وقد يعل الإعلال الذي لامه همزة، وذلك بعد تخفيف الهمزة، كقولهم.
__________
وقال الاخر: قليل الالالياء حافظ ليمينه * وإن سبقت منه الالية برت والالوة: بمعناه، والذى يتجه عندنا أن الالية فعيلة، وأصلها أليوة، فقلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، ثم أدغمتا، ويبعد عندنا أن تكون فعولة، لانه كان يجب أن يقال: ألوة - كعدوة - والقول بأن الواو قلبت ياء شذوذا لا داعى له ما دام للكلمة محمل صحيح (1) أصل هذه الكلمة من السانية، وهى الدلو العظيمة التى يستقى بها، والسانى الساقى، وتقول: سنا الارض يسنوها، إذا سقاها، وأرض مسنوة ومسنية: اسما مفعول من ذلك.
قال في اللسان: " ولم يعرف سيبويه سنيتها، وأما مسنية عنده فعلى يسنوها، وإنما قلبوا الواو ياء لخفتها وقربها من الطرف " اه (2) هذا عجز بيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثى، وصدره قوله: * وقد علمت عرسي مليكة أننى * والبيت من قصيدة طويلة له يقولها وهو أسير عند تيم الرباب يوم الكلاب، ومطلعها قوله:
ألا لا تلوماني كفى اللوم مابيا * فما لكما في اللوم خير ولا ليا وعرس الرجل - بكسر فسكون - امرأته، ومليكة: اسمها، وهو بضم أوله وفتح ثانيه، والاستشهاد بالبيت في قوله " معديا " حيث جاء به معلا، وهو من عدا يعدو، وكان حقه أن يقول: معدوا، كما تقول دعوته فهو مدعو وغزوته فهو مغزو، ولكنه شبهه بالجمع فأعله، ومنهم من يجعله جاريا على عدى المبنى للمجهول: أي فلما أعل فعله أعل هو حملا عليه كما قالوا: مرضى، لقولهم رضى: بالاعلال.
(*)(3/172)
مَخْبيٌّ (1) ، والأصل مَخْبُوّ وقد جاء في جمع فَتًى مع كونه يائياً فُتُوٌّ شاذاً (2) ، كما شذ نُحُوٌّ لعدم قلب الواو ياء.
ويجوز لك في فاء مفعول: جمعاً كان، أو غيره، بعد قلب الواو ياء، أن تُتْبعه العينَ، وأن لا تتبعه، نحو عنى وَدُلِيٍّ.
ويجوز لك في عين فُعَّل جمعاً من الأجوف الواوي نحو صُوَّم وقُوَّل قلبُهَا ياء، نحو صُيَّم وَقُيَّل، والتصحيح أولى، وإنما جاز لك لكونه جمعاً، ولقرب الواو من الطرف.
ولا يجوز في حُوَّل حُيَّل (3) لكونه مفرداً، وحكم المصنف قبل هذا بشذوذ قلب واو نحو صُوَّم ياء هذا القلب، وكلام سيبويه يشعر بكونه قياساً، وأما قوله: * فَمَا أَرَّقَ النُّيَّامَ إلاَّ سَلاَمُهَا (4) * فشاذ، للبعد من الطرف.
قال: " وَتُقْلَبَانِ هَمْزَةً إذَا وَقَعَتَا طَرَفاً بَعْدَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ نَحْوُ كِسَاءٍ وَرِدَاءٍ بِخِلاَفِ رَايٍ وثَايٍ، وَيُعْتَدُّ بِتَاءِ التَّأنِيثِ قِيَاساً نَحْوُ شَقَاوَةٍ وَسِقَايَةٍ، ونَحْوُ صَلاَءَةٍ وعَظَاءَةٍ وَعَبَاءَةٍ شَاذٌّ "
أقول: إنما تقلب الواو والياء المذكورتان ألفاً ثم همزة لما ذكرنا قبل في قلب الواو والياء (ألفاً) لتحركهما وانفتاح ما قبلها، ثم يجتمع الساكنان، فلا يحذف
__________
(1) أصل مخبى مخبوء اسم مفعول من خبأته مهموز اللام، فخففت الهمزة في اسم المفعول بقلبها واوا، ثم أدغمت في واو مفعول فصار مخبوا، ثم أعل شذوذا بقلب الواو ياء: إما حملا له على الجمع، وإما إجراء له عل خبى مخفف خبئ، على نحو ما ذكرناه في معدى (2) انظر (ج 2 ص 257 و 258) (3) الحول - كسكر - الشديد الاحتيال (4) (انظر ص 143 من هذا الجزء) (*)(3/173)
الأول مع كونه مدة، لئلا يلتبس بناء ببناء، بل يقلب الثاني إلى حرف قابل للحركة مناسب للألف، وهو الهمزة، لكونهما حلقيين، إذ الأول مدة لاحظ لها في الحركة، ولا سبيل إلى قلب الثاني واواً أو ياء، لأنه إنما فُرَّ منهما، ولكون تحرك الواو والياء وانفتاح ما قبلهما سبباً ضعيفاً في قلبهما ألفاً، ولا سيما إذا فصل بينهما وبين حة ألف يمنعه عن التأثير وقوع حرف لازم بعد الواو والياء، لأن قلبهما ألفاً مع ضعف العلة إنما كان لتطرفها، إذ الآخر محل التغيير، وذلك الحرف نحو تاء التأنيث إذا لزمت الكلمة كالنّقاوة (1) والنِّهاية، وألف التثنية إذا كان لازماً كالثِّنَايَان (2) إذ لم يأت ثِناء للواحد، والألف والنون لغير التثنية كغَزوان ورمَايَان على وزن سَلاَمان (3) من الغزو والرمي، فإن كانت التاء غير لازمة - وهي التاء الفارقة بين المذكر والمؤنث في الصفات - كَسَقَّاءة وغَزَّاءة لقولهم: سقاء وغزاء، وتاء الوحدة القياسية نحو اسْتِقَاءَةَ واصْطِفَاءَة، أو ألف المثنى غير اللازمة نحو كساءان ورد امان، قلبتا، لكونهما كالمتطرفتين،
وإنما جاز عَظَاءة وعَظَايَة (4)
__________
(1) انظر (ج 1 ص 156) (2) انظر (ص 60 من هذا الجزء) (3) سلامان: وردت هذه الكلمة مضبوطة بضبط القلم في نسخ القاموس بضم السين، وفى اللسان ضبطت بالفتح بضبط القلم أيضا، وصرت ياقوت في المعجم بأنها بفتح السين أو كسرها، والسلامان: شجر، واسم ماء لبنى شيبان، وبطنان: أحدهما في قضاعة، والاخر في الازد (4) العظاءة - بظاء مشالة مفتوحة وبالمد، ويقال فيها عظاية بالياء -: دويبة أكبر من الوزغة، وتسمى شحمة الارض، وهى أنواع كثيرة منها الابيض والاحمر والاصفر والاخضر، وكلها منقطة بالسواد، قال في اللسان: " قال ابن جنى: وأما قولهم عظاءة وعباءة وصلاءة فقد كان ينبغى لما لحقت الهاء آخرا وجرى (*)(3/174)
[ ... ]
__________
الاعراب عليها وقويت الياء بعدها عن الطرف، ألا تهمز، وألا يقال إلا عظاية وعباية وصلاية، فيقتصر على التصحيح دون الاعلال، وألا يجوز فيه الامران، كما اقتصر في نهاية وغباوة وشقاوة وسعاية ورماية على التصحيح دون الاعلال، إلا أن الخليل رحمه الله قد علل ذلك فقال: إنهم إنما بنوا الواحد على الجمع، فلما كانوا يقولون عظاء وعباء وصلاء فيلزمهم إعلال الياء لوقوعها طرفا أدخلوا الهاء وقد انقلبت اللام همزة فبقيت اللام معتلة بعد الهاء كما كانت معتلة قبلها، قال: فان قيل: أو لست تعلم أن الواحد أقدم في الرتبة من الجمع وأن الجمع فرع على الواحد؟ فكيف جاز للاصل وهو عظاءة أن يبنى على الفرع وهو عظاء؟ وهل هذا إلا كما عابه أصحابك على الفراء في قوله: إن الفعل الماضي إنما بنى على الفتح لانه حمل على التثنية، فقيل: ضرب
لقولهم: ضربا، فمن أين جاز للخليل أن يحمل الواحد على الجمع؟ ولم يجز للفراء أن يحمل الواحد على التثنية؟ فالجواب أن الانفصال من هذه الزيادة يكون من وجهين: أحدهما أن بين الواحد من المضارعة ما ليس بين الواحد والتثنية، ألا تراك تقول: قصر وقصور، وقصرا وقصورا، وقصر وقصور، فتعرب الجمع إعراب الواحد، وتجد حرف إعراب الجمع حرف إعراب الواحد، ولست تجد في التثنية شيئا من ذلك، إنما هو قصران أو قصرين، فهذا مذهب غير مذهب قصر وقصور، أو لا ترى إلى الواحد تختلف معانيه كاختلاف معاني الجمع لانه قد يكون جمع أكثر من جمع كما يكون الواحد مخالفا للواحد في أشياء كثيرة، وأنت لا تجد هذا إذا ثنيت، إنما تنتظم التثنية ما في الواحد البتة، وهى لضرب من العدد البتة، لا يكون اثنان اكثر من اثنين كما تكون جماعة أكثر من جماعة، هذا هو الامر الغالب، وإن كانت التثنية قد يراد بها في بعض المواضع أكثر من الاثنين فان ذلك قليل لا يبلغ اختلاف أحوال الجمع في الكثرة والقلة، فلما كانت بين الواحد والجمع هذه النسبة وهذه المقاربة جاز للخليل أن يحمل الواحد على الجمع، ولما بعد الواحد من التثنية في معانيه ومواقعه لم يجز للفراء أن يحمل الواحد على التثنية، كما حمل الخليل الواحد على الجماعة " اه (*)(3/175)
وعَبَاءة (1) وعَبَاية وصَلاَءَة وَصَلاَية (2) بالهمز والياء - وإن كانت التاء فيها أيضاً للوحدة كما في استقاءة واصطفاءة - لكون تاء الوحدة في المصدر قياسية كثيرة، فعروضها ظاهر، بخلاف اسم العين، فإن ما يكون الفرق بين مفرده وجنسه بالتاء (منه) سماعي قليل: من المخلوقات كان أو من غيرها، كَتَمْرَة وتُفَّاحة وسَفِينة ولَبِنة، فجاز الهمزة في الاسماء الثلاثة نظر إلى عدم لزوم التاء، إذ يقال: عَبَاء، وعَظاء، وصَلاء، في الجنس، وجاز الياء لأن الأصل لزوم التاء، إذ
ليست قياسية كما قلنا، فصارت كتاء النَّقَاوة والنِّهاية، ولكون تاء الوحدة في اسم العين كاللازمة جاز قَلَنْسُوَة (3) وعَرْقُوَة، (4) ، وإن كان اسم الجنس منهما قَلَنْسِياً وَعَرْقِياً، وليس شَقَاوَة وشَقَاء كَعَظَاية وعَظَاء، إذ ليس شقاوة للواحد وشقاء للجنس، بل كل منهما للجنس، وقياس الوحدة الشَّقْوّة، فليس أصل شَقَاوة شقاء ثم زيدت التاء، فلهذا ألزمته الواو دون عباءة وعباية نحو غَبَاوَة، وإنما منع وقوعُ حرف لازم عن القلب في باب شقاوة وخزاية (5) وباب قمحدوة (6) ولم يمنع في باب غَزِيان وغَزِية فَعِلان وَفَعِلَة - بكسر العين - وإن جعلنا الألف والتاء فيه لازمين أيضاً، لقوة علة القلب في الأخير دون الأولين، ولذلك قلبت الواو مع فصل حرف صحيح بين الكسرة وبينها في نحو دِنْيَا.
قوله " بعد ألف زائدة " لأنها تكون إذن كالعدم، فيكون الواو والياء
__________
(1) العباءة والعباية: ضرب من الاكسية واسع فيه خطوط سود كبار (2) الصلاية الصلاءة: مدق الطيب، انظر (ح 2 ص 130) (3) القلنسوة: من لباس الرأس (انظر ج 2 ص 377) (4) العرقوة: خشبة في فم الدلو يمسك منها (5) الخزاية: الاستحياء (6) انظر (ج 2 ص 46) (*)(3/176)
المتحركتان كأنهما وقعتا بعد فتحة، وأما رَاي (1) وثَاي (2) فالألف - لانقلابها عن حرف أصلي - معتد بها قوله " ونحو عَظَاءة وصَلاءة وعَباءة شاذ " قد ذكرنا ما يُخْرِجها عن الشذوذ، ولو اتفق غير هذه الثلاثة في مثل حالها من غير المصادر المزيد فيها لجاز فيه أيضاً الوجهان قياساً، والهمزة في نحو عِلْبَاء (3) وَحِرْبَاء (4) من الملحقات أصلها الألف
المنقلبة عن الياء الزائدة للإلحاق، بدليل تأنيثهم لمثلها كَدِرْحَايَة (5) وَدِعْكَاية (6) والتاء لازمة كما في خَزَاية، فلذا لم تقلب الياء، بخلاف حرباءة (4) قال: " وَتُقْلَبُ الْيَاءُ وَاواً فِي فَعْلَى اسْماً كتقوى ويقوى، بِخِلاَفِ الصِّفَةِ، نَحْوُ صَدْيَا وَرَيَّا، وَتُقْلَبُ الْوَاوُ فِي فُعْلَى اسْماً كالدُّنْيَا وَالْعُلْيَا، وَشَذ نَحْوُ الْقُصْوَى وحُرْوَى، بِخِلاَفِ الصِّفَةِ كالْغُزْوَى، وَلَمْ يُفْرَقْ فِي فَعْلَى مِنَ الْوَاوِ نَحْوُ دَعْوَى وَشَهْوَى، وَلاَ فِي فُعْلَى مِنَ الْيَاء نَحْوُ الْفُتْيَا وَالْقُضَيَا " أقول: الناقص إن كان على فَعْلَى - بفتح الفاء -: فإما أن يكون واوياً، أو يائياً، والواوي لا تقلب واوه ياء، لا في الاسم كالدَّعْوَى والْفَتْوَى، ولا في الصفة نحو شَهْوَى مؤنث شَهْوَان، لاعتدال أول الكلمة وآخرها بالفتحة والواو، فلو قلبت ياء لصار طرفا الكلمة خفيفين، وأما اليائي منه فقصد فيه التعديل أولاً
__________
(1) الراى: اسم جنس جمعى واحده راية، وفى بعض النسخ " زاى " وهى صحيحة أيضا (2) الثاى: اسم جنس جمعى واحده ثاية، وهى علم صغير (انظر ص 118 من هذا الجزء) (3) العلباء: عصب عنق البعير (انظر ح 2 ص 55) (4) الحرباء: ذكر أم حبين (انظر ج 2 ص 55) (5) الدرحاية: الرجل الكثير اللحم القصير (انظر ج 2 ص 43) (6) الدعكاية: الرجل الكثير اللحم طال أو قصر (*)(3/177)
فعدّل الاسم الذي هو أسبق من الصفة بقلب يائه واواً، فلما وُصل إلى الصفة خلّيت بلا قلب، للفرق قوله " البَقْوى " من الإبقاء، وهو الرحمة والرعاية، ولا استدلال في رَيَّا،
لجواز أن يكون قلب واوه ياء لاجتماع الواو والياء وسكون أسبقهما (1) وإذا كان الناقص على فُعْلَى - بضم الفاء - فلا يخلو: إما أن يكون واوياً، أو يائياً، وكل واحد منهما إما اسم، أو صفة، فالثاني لا تقلب لامه: اسماً كان أو صفة، لحصول الاعتدال في الكلمة بثقل الضمة في أولها وخفة الياء في آخرها، فلو قلبت واواً لكان طرفا الكلمة ثقيلين، وأما الواوي فحصل فيه نوع ثقل بكون الضمة في أول الكلمة والواو قرب الآخر، فقُصِد فيه مع التخفيف الفرقُ بين الاسم والصفة، فقلبت الواو ياء في الاسم، دون الصفة، لكون الاسم أسبق من الصفة فعدّل بقلب واوه ياء، فلما صل إلى الصفة خلّيت، لأجل الفرق بينهما.
وذكر سيبويه من فُعْلَى الاسمية الدُّنْيا والْعُلْيَا والْقُصْيَا، وإن كانت تأنيث الأدنى والأعلى والأقصى أفعل التفضيل، إذ الفُعْلى الذي هو مؤنث الأفعل حكمه عند سيبويه حكم الأسماء، لأنها لا تكون وصفاً بغير الألف واللام، فأجريت مجرى الأسماء التي لا تكون وصفاً (بغير الألف واللام) ، كما تقدم في هذا الباب، فعلى هذا في جعل المصنف الْقُصْوَى اسماً والْغُزْوى (والْقُضْيَا تأنيثي الأغزى والأقضى صفةً نظرٌ، لأن القصوى (أيضاً) تأنيث الأقصى، قال سيبويه: وقد قالوا الْقُصْوَى فلم يقلبوا واوها ياء، لأنها قد تكون صفة بالألف واللام، فعلى مذهب
__________
(1) نقول: بل يستدل بريا على أن لام الصفة التى على فعلى - بالفتح - إن كانت ياء لم تقلب واوا، للفرق بين الاسم والصفة، وذلك لان أصله رويا، بزنة عطشى ولو قلبت لقيل روى - بتشديد الواو - ولما لم تقلب اللام واوا قلبت العين التى هي واو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، فهذا القلب لم يحصل إلا لانهم لم يقلبوا الياء التى هي لام واوا، ولو قلبوها لما وجد المقتضى لقلب الواو ياء (*)(3/178)
سيبويه الْغُزْوى وكل مؤنث لأفعل التفضيل لامه واو قياسه الياء، لجريه مجرى
الأسماء، قال السيرافي: لم أجد سيبويه ذكر صفة على فُعْلَى بالضم مما لامه واو إلا ما يستعمل بالألف واللام، نحو الدّنْيَا والْعُلْيَا، وما أشبه ذلك، وهذه عند سيبويه كالأسماء، قال: وإنما أراد أن فُعْلَى من ذوات الواو إذا كانت صفة تكون على أصلها، وإن كان لا يحفظ من كلامهم شئ من ذلك على فُعْلَى، لأن القياس حمل الشئ على أصله حتى يتبين أنه خارج عن أصله شاذ عن بابه، وحُزْوَى: اسم موضع وأما فِعْلَى بكسر الفاء من الناقص فلا تقلب واوه ياء، ولا ياؤه واواً، سواء كان اسماً أو صفة، لا ن الكسرة ليست في ثقل الضمة، ولا في خفة الفتحة، بل هي تتوسط بينهما، فيحصل لها اعتدال مع الياء ومع الواو، والأصل في قلب ياء فعلى - بالفتح - وواو فُعْلَى - بالضم - إنما كان طلب الاعتدال، لا الفرق بين الوصف والاسم، ألا ترى إلى عدم الفرق بينهما في فَعْلَى الواوي المفتوح فاؤه وفُعْلَى اليائي المضموم فاؤه لما كان الاعتدال فيهما حاصلاً؟ وأما أمثلة فعلى الواوى بسكر الفاء اسماً وصفة واليائي كذلك فعزيزة قال: " وَتُقْلَبُ الْيَاءُ إذَا وَقَعَتْ بَعْدَ هَمْزَةٍ بَعْدَ أَلفٍ فِي بَابِ مَسَاجِدِ وَلَيْسَ مُفْرَدُهَا كَذَلِكَ ألِفاً، وَالْهَمْزَةُ يَاءً، نَحْوُ مَطَايَا وَرَكَايَا، وخطايا على القولين، وصلا يا جمع المهموز وغيره، وشوا يا جَمْعِ شَاوِيَةٍ، بِخِلاَفِ شَوَاءٍ جَمْعِ شَائِيَةٍ مِنْ شَأَوْتُ، وَبِخِلاَفِ شَوَاءٍ وَجَوَاءٍ جَمْعَيْ شَائِيَةٍ وَجَائِيَةٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا، وَقَدْ جَاءَ أَدَاوَى وَعَلاَوَى وَهَرَاوَى مُرَاعَاةً لِلْمُفْرَدِ " أقول: قد مر في باب تخفيف الهمزة شرح جميع هذا (1) ، فلنشرح ههنا ألفاظ المصنف
__________
(1) انظر (ص 59 - 62 من هذا الجزء) (*)(3/179)
قول " في باب مساجد " أي: في باب الجمع الأقصى الذي بعد ألفه حرفان قوله " وليس مفردها كذلك " أي: ليس بعد ألف مفرده همزة بعدها ياء، احتراز عن نحو شَائِيَةٍ وَشَوَاءٍ من شَأَوْتُ أو شِئْتُ، وإنما شرط في قلب همزة الجمع ياءً ويائه ألفاً أن لا يكون المفرد كذلك، إذ لو كان كذلك لترك في الجمع بلا قلب، ليطابق الجمع مفرده، ألا ترى إلى قولهم في جمع حُبْلَى: حَبَالَى، وفي جمع إدَاوَة: أدَاوَى (1) ، وفي جمع شائيه: شَوَاءٍ، تطبيقاً للجمع بالمفرد؟ وسيبويه لا يشترط في القلب المذكور أن لا يكون المفرد كذلك، بل يشترط فيه كون الهمزة في الجمع عارضة، فقال بناء على هذا: إن من ذهب مذهب الخليل في قلب الهمزة في هذا الباب كما في شَوَاعٍ (2) ينبغي أن يقول في فعاعل من جَاءَ وساء جَيَاءٍ وَسَواءٍ جمعى جئ وسئ كَسَيِّد، لأن الهمزة على مذهب الخليل هي التي في الواحد، وليست عارضة وإنما جعلت العين التي أصلها الواو والياء طرفاً، هذا كلامه، ومن لم يذهب مذهب الخليل من قلب الهمزة إلى موضع اللام يقول: جَيَايَا وَسَوَايَا فإن قيل: يلزم سيبويه أن يقول في جمع شائية من شئت: شوايا، لأن الهمزة في الجمع عارضة عنده، كما هي عارضة في المفرد قلنا: إنه أراد بعروضها في الجمع أنها لم تكن في المفرد همزة، وهمزة شَوَاءٍ من شئت كانت في المفرد أيضاً همزة، فلم تكن عارضة في الجمع بهذا التأويل ويلزم الخليل أن يقول في جمع خطيئة: خَطَاءٍ، بناء على شرط سيبويه، إذ الهمزة على مذهب الخليل غير عارضة في الجمع، ولم يقل به أحد، فظهر أن الأولى أن يقال: الشرط أن لا يكون المفرد كذلك، حتى يطرد على مذهب الخليل
__________
(1) أنظر (ج 1 ص 31) (2) أنظر (ج 1 ص 22) (*)(3/180)
وغيره، فلا يقال: خَطَاءٍ وَجَيَاءٍ وَسَوَاءٍ، على شئ من المذاهب، لأن آحادها ليست كذلك قوله " مطايا وركايا " جمع مطيَّة (1) وركيَّة فَعِيلة من الناقص، وهما مثالان لشئ واحد، وأما خطايا فهو جمع خطيئة فعيلة من مهموز اللام، ففي مَطَايا كان بعد الألف همزة بعدها ياء، لأن ياء فَعِيلة في الجمع الأقصى همزة، وكذا في خَطَايا على المذهبين: أما على مذهب سيبويه فلأنك تقلب ياء فعيلة في الجمع همزة، فيجتمع همزتان متحركتان أولاهما مكسورة، فتقلب الثانية ياء وجوباً، وأما على مذهب الخليل فلأن أصله خطايئ بياء بعدها همزة، ثم قلبت الهمزة إلى موضع الياء، فقوله خطايا " على القولين " أي: غلى قولي الخليل وسيبويه، فتقلب على المذهبين الهمزة ياء، والياء ألفاً، لأن واحده: أي خطيئة، لم يكن فيه ألف بعده همزة بعدها ياء، حتى يطابق به الجمع قوله " وصَلاَيا جمع المهموز وغيره " أي: صلاية وصلاءة، لأن جمع فعالة فَعَائل بالهمز (3) كَحَمَائل، فيصير جمع صلاءة بهمزتين كجمع خطيئة عند غير الخليل، فتقلب الثانية ياء مثلها، وجمع صلاية صلائي بهمزة بعدها ياء قوله " فيهما " أي: في شَوَاءٍ جمع شائية من شِئْتُ مشيئةً، وفي جَوَاء جمع جائية من جئت مجيئاً، وكلاهما من باب واحد، إذ هما أجوفان
__________
(1) المطية: الدابة، سميت بذلك لانها تمطو في سيرها، أو لان الراكب يعلو مطاها، وهو ظهرها، فعلى الاول هي فعيلة بمعنى فاعلة، وعلى الثاني هي فعيلة بمعنى مفعولة، وأصلها على الوجهين مطيوة، قلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، ثم أدغمتا (2) الركية: البئر، فعيلة بمعنى مفعولة من ركاها يركوها، أي: حفرها
(3) الحمائل: جمع حمالة - بزنة سحابة - وهى الدية، سميت بذلك لان أقارب القاتل يتحملونها (*)(3/181)
مهموز اللام، فلم يحتج إلى قوله " فيهما " وليس القولان في شَوَاءِ جمع شائية من شأوت، إذ لا قلب فيه عند الخليل، لأنه إنما يقلب خوفاً من اجتماع الهمزتين قوله " وقد جاء أدَاوَى " كل ما كان في واحده ألف ثالثة بعدها واو وجمعته الجمع الأقصى قلبت ألفه همزة، كما تقلب في جمع رسالة، وقلبت الواو ياء، ثم قلبت الهمزة واواً، تطبيقاً للجمع بالمفرد، وقد قالوا: هداوى في جمع هَدِيَّة، قلبوا الهمزة واواً لوقوعها بين الألفين كما في حَمْرَاوَان، وهو عند الأخفش قياسي، وعند غيره شاذ قال: " وَتُسَكَّنَأن فِي بَابِ يَغُزُو وَيَرْمِي مَرْفُوعَيْنِ، وَالْغَازِي والرَّامِي مَرْفُوعاً وَمَجْرُوراً، وَالتَّحْرِيكُ فِي الرَّفْعِ وَالْجَرِّ فِي الْيَاءِ شَاذٌّ، كالسُّكُونِ فِي النَّصْبِ وَالإِثْبَاتِ فِيهِمَا وَفِي الأَلِفِ فِي الْجَزْمِ " أقول: إنما سكن الواو في نحو يغزو، وهذا مختص بالفعل، لا يكون في الاسم، كما ذكرنا، لاستثقال الواو المضمومة بعد الضمة، إذ يجتمع الثقلاء في آخر الفعل مع ثقله، فخفف الأخير، وهو الضمة، لأن الحركة بعد الحرف، وكذا تسكن الياء المضمومة بعد الكسرة، وهذا أقل ثقلاً من الأول، ويكون في الاسم والفعل، نحو هو يَرْمي، وجاء الرَّامِي، وإنما ذكر الغازي والرامي ليبين أن الياء التي أصلها الواو كالأصلية، وكذا تسكن الياء المكسورة بعد الكسرة، لاجتماع الأمثال، كما في الواو المضمومة بعد الضمة، والأول أثقل، وهذا يكون في الاسم نحو بالرَّامي، وفي الفعل كارِمي، وأصله أرميى قوله: " والتحريك في الرفع في الياء شاذ " أما الرفع فكقول الشاعر:
149 - * مَوَالِيٌ كَكِبَاشِ الْعُوسِ سحاح (1) *
__________
(1) هذا عجز بيت من البسيط لجرير بن عطية، وصدره قوله: * قد كان يذهب بالدنيا وبهجتها * (*)(3/182)
وقوم من العرب يجرون الواو والياء مجرى الصحيح في الاختيار، فيحركون ياء الرامي رفعاً وجراً، وياء يرمي رفعاً، وكذا واو يغزو رفعاً، قال: 150 - * كَجَوَاريٍ يَلْعَبْنَ بالصَّحْرَاءِ * (1) قوله " كالسكون في النصب " أما في الواو فكقوله: 151 - فَمَا سَوَّدَتْنِي عَامِرٌ عَنْ وِرَاثَةٍ * أبى الله أن أسمو بأم وَلاَ أَبِ (2) وأما في الياء فكقوله: فَلَوْ أنَّ وَاشٍ بِالْيَمَامَةِ داره * وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا (3)
__________
وقوله " كاد " يروى في مكانه " كان " وقوله: " وبهجتها " يروى في مكانه " ولذتها " والموالي: جمع مولى، وله معان كثيرة منها السيد - وهو المراد هنا - والعبد وابن العم والناصر.
والكباش: جمع كبش، والعوس: اسم مكان أو قبيلة، وسحاح: جمع ساح، وهو السمين، تقول: سحت الشاء تسح - بالكسر - سحوحا: أي سمنت.
والاستشهاد بالبيت في قوله " موالى " حيث حرك الياء بالضم شذوذا (1) هذا عجز بيت من الكامل لم نعرف قائله، وصدره قوله: * ما إن رأيت ولا أرى في مدتي * ومعنى مفرداته واضح.
والاستشهاد به في قوله " كجواري " حيث حرك
الياء بالكسر شذوذا (2) هذا بيت من الطويل لعامر بن الطفيل الجعدى، وسودتنى جعلتني سيدا، وعامر قبيلة.
والاستشهاد به في قوله: " أن أسمو " حيث سكن الواو في حال النصب وذلك شاذ (3) قد سبق شرح هذا البيت فارجع إليه في (ح 1 ص 177) .
والاستشهاد به هنا في قوله " واش " حيث حذف الياء في حالة النصب كما تحذف في حالة (*)(3/183)
وقوله: 152 - كَأَنَّ أَيْدِيهِنَّ بِالْقَاعِ الْقَرِقْ * أَيْدِي جَوَارٍ يَتَعَاطَيْنَ الْوَرِقْ (1) قوله " والإثبات فيهما " أما في الواو فكقوله: 153 - هَجَوْتَ زَبَّانَ ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِراً * من هجو زبان لم تَهْجُو وَلَمْ تَدَعِ (2) وأما في الياء فكقوله: 154 - أَلَمْ يَأتِيكَ وَالأَنْبَاءُ تنمي * بما لاقت لبون بني زياد (3)
__________
الرفع والجر، ونريد أن ننبهك هنا على أن ابن قتيبة قد روى هذا البيت في الشعراء (ص 314) .
وكذلك أبو الفرج الاصفهانى في الاغانى (ح 2 ص 69 دار الكتب) * فلو كان واش باليمامة داره * فلا شاهد في البيت على هذه الرواية (1) نسب ابن رشيق هذا الشاهد إلى رؤبة بن العجاج، والضمير في
" أيديهن " يرجع إلى الابل، والقاع: المكان المستوى، والقرق - ككتف -: الاملس، ويقال: هو الخشن الذى فيه الحصى.
ويتعاطين: يناول بعضهن بعضا والورق: الفضة، والمراد الدراهم، والاستشهاد بالبيت في قوله " كأن أيديهن " حيث سكن الياء في حال النصب كما تسكن في حال الرفع، وهو شاذ (2) ينسب هذا البيت لابي عمرو بن العلاء، واسمه زبان، ويروى على هذا " هجوت " و " لم تهجو " بالخطاب، ومن الناس من ينسبه لشاعر كان يهجو أبا عمرو بن العلاء، ويرويه " هجوت " و " لم أهجو ولم أدع ".
والاستشهاد بالبيت في قوله " لم أهجو " حيث أثبت الواو ساكنة مع الجازم وذلك شاذ (3) هذا البيت مطلع قصيدة لقيس بن زهير العبسى، والانباء: جمع نبأ (*)(3/184)
فتقدر لأجل الضرورة الضمةُ في الواو والياء ليحذفها الجازم، لأن الجازم لابد له من عمل، وتقديرها في الياء أكثر وأولى، لان الضمة على الواو أثقل منها على الياء.
قوله " وفي الألف في الجزم " أي: إثبات الألف في الجزم كإثبات الواو والياء في الجزم كقوله: 155 - * وَلاَ تَرَضَّاهَا وَلاَ تَمَلَّقِ (1) * وتقدير الضم في الألف أبعد، لأنها لا تحتمل الحركة قال: " وَتُحْذَفَانِ فِي نَحْوِ يَغْزُونَ وَيَرْمُونَ وَاغْزُنَّ وَاغْزِنَّ وَارْمُنَّ وَارْمِنَّ " أقول: أصل يَغْزُونَ يغزو، لحقه واو الجمع، فحذف الواو الأولى للساكنين وأصل يَرْمُونَ يرمي، لحقه واو الجمع فحذف الياء للساكنين، ثم ضمت الميم لتسلم الواو، إذ هي كلمة تامة لا تتغير، أصل اغْزُنَّ اغزوا، لحقه النون المشدَّدة، فسقطت الواو للساكنين، وكذا اغْزِنَّ وارمن، لان الاصل
__________
وهو الخبر وزنا ومعنى، ويقال: النبأ خاص بما كان ذا شأن والخبر عام، وتنمى تزيد وتكثر، والباء في بما لاقت يقال: هي زائدة، و " ما " فاعلي يأتي، ويقال هي أصلية متعلقة بتنمى وفاعل " يأتي " على هذا ضمير مستتر عائد على مفهوم من المقام: أي ألم يأتيك هو: أي الخبر، واللبون: الناقة ذات اللبن.
والاستشهاد بالبيت في قوله " ألم يأتيك " حيث أثبت الياء ساكنة مع الجازم الذى يقتضى حذفها، وهو شاذ (1) هذا بيت من مشطور الرجز، ينسب لرؤبة، وقبله: * إذَا العَجُوزُ غَضِبَتْ فَطَلِّق * وترضاها: أصله تترضاها فحذف إحدى التاءين.
والاستشهاد به في هذا اللفظ حيث أثبت الالف مع لا الناهية الجازمة التى تقتضي حذف حرف العلة، وذلك شاذ (*)(3/185)
ارمو وارْمِي، ولا تقول: إن الأصل ارْمِيُوا وارْمِيي، لأن الفاعل يدخل على الفعل بعد إعلاله، كما تقدم.
قال: " وَنَحْوُ يَدٍ وَدَمٍ وَاسْمٍ وَابْنٍ وَأَخٍ وأخْتٍ لَيْسَ بِقِيَاسٍ " أقول: يعني حذف اللام في هذه الأسماء ليس لعلة قياسية، بل لمجرد التخفيف، فلهذا دار الإعراب على آخر ما بقي، وأما أخت فليس بمحذوف اللام، بل التاء بدل من لامه هذا آخر باب الإعلال، ولنضف إليه ما يليق به، فنقول: إذا اجتمع ياءان، فإن لم تكن الأخيرة لاماً، فإن سكنت الأولى أدغمت كَبَيِّع وَبَيَّاع، وإن سكنت الثانية أو تحركتا فحكم كل واحدة منهما حكمُها مفردة كَبُيَيْت، وكما إذا بنيت من يَيْنٍ مثلَ باع قلت: يَانَ، وإن بنيت مثلَ
هَيَام (1) قلت: يَيَانٍ وإن كانت الأخيرة لاماً، فإن سكنت أولاهما أدغمت في الثانية كحيّ، وإن سكنت الأخيرة سلمتا كحييت، وإن تحركتا: فإن جاز قلب الثانية ألفاً قلبت نحو حَيَاة، وإن لم يجز: فإما أن تلزمَ حركةُ الثانية، أولا، فإن لزمت فإن لم يجز إدغام الأولى في الثانية فالأولى قلب الثانية واواً كما في حَيَوان، وإنما لم يجز الإدغام لأن فَعَلان من المضاعف نحو ردَدَان لا يدغم، كما يجئ في باب الإدغام، وإنما لم يجز قلب الثانية ألفا لعدم مُوازنة الفِعْل كما مر، وإنما قلبت واواً لاستثقال اجتماع الياءين المتحركتين وامتناع تغيير ذلك الاستثقال بالوجه الأخف من الإدغام أو قلب الثاني ألفاً، وإنما قلبت الثانية دون الأولى لأن استثقال الاجتماع بها حصل، وإنما جاز قلب اللام واواً مع أن الأخير ينبغي أن يكون حرفا خفيفا
__________
(1) الهيام - كسحاب وغراب -: ما لا يتماسك من الرمل، فهو ينهار أبدا، وكغراب: شدة العشق، وداء يصيب الابل من ماء تشربه مستنقعا (*)(3/186)
لأن لزوم الألف والنون جعلها متوسطة، كما قالوا في عُنْفُوَان (1) وعُنْصُوَة (2) كما مر، وقال سيبويه: القياس حَيَيَان، فلم يَقْلِب الثانية، وحيَوَان عنده شاذ، وكذا قال في فَعَلان من الْقُوّة قَوَوَان، كما يجئ، وكذا تقول: حَيَوى كَجَفَلَى (3) وقياس سيبويه حَيَيى، وكذا تقول على وزن السُبعان من حَيَّ حَيُوَان، وإنما لم تدغم كما أدغمت في رَدُدَان فقلت: رَدَّان على ما يجئ في باب الإدغام، لأن الإعلال قبل الإدغام، وقياس سيبويه حيَّانٌ - بالإدغام - لأنه لا يقلب في مثله، وإن جاز الإدغام فلك الإدغام وتركه كَحِييَ وَحَيَّ وَحَيِيَان - بالكسر - وَحَيّان، والإدغام أكثر كما مر (4) ، إذ هو أخف، وإن لم تلزم حركة الثاني نحو لَنْ يُحْيِيَ وجب تصحيحهما مُظْهَرَيْن، وإخفاء كسرة الأولى أَوْلَى
وإن اجتمع ثلاث ياءات: فإما أن تكون الاخيرة لاما، أولا فإن كانت لاماً: فإما أن تكون الأولى مدغمة في الثانية، أو الثانية في الثالثة، أو لا يكون شئ منهما مدغما في شئ فإن كانت الأولى مدغمة في الثانية: فإما أن يكون ذلك في الفعل أو الجاري
__________
(1) عنفوان الشئ: أوله أنظر (ح 1 ص 251) (2) العنصوة - مثلثة العين -: القليل المتفرق من النبت والشعر وغيرهما، أنظر (ص 101 من هذا الجزء) (3) في بعض المطبوعات " كتملى " بالتاء المثناة، وبعضها " كثملى " بالمثلثة وكلاهما خطأ، والصواب ما أثبتناه، والجفلى: الدعوة العامة، ويقابلها " النقرى " قال طرفة: نحن في المشتاة ندعو الجفلى * لا ترى الادب فينا ينتقر يقال: دعى فلان في النقرى لا في الجفلى، أي دعى في الدعوة الخاصة لا في الدعوة العامة.
(4) أنظر (ص 114 من هذا الجزء) (*)(3/187)
عليه، أولاً، فإن كان في أحدهما جعلت الثانية كأنها لم تسبقها ياء، نحو حَيَّا وحيَّيْت وَيُحَيِّي، وَالْمُحَيِّي، وَالْمُحَيَّي.
هو مثل عَزَّى، يعزى، المعزى، الْمُعَزِّي، وإنما لم تحذف الثالثة المكسور ما قبلها في الفعل نَسياً نحو يُحَيِّي مع استثقال ذلك كما حذفت في مُعَيِّية إبقاء على حركة العين في الفعل، إذ بها تختلف أوزان الفِعْل، ووزن الفعل تجب مراعاته، كما مرّ في تعليل امتناع قلب واو نحو يَدْعُو ياء، ثم أُجرى الجاري على الفعل كالْمُحَيِّي مُجْرَى الفعل في ترك
حذف الياءِ الثالثة نَسْياً، وإن لم يكن ذلك في الفعل ولا في الجاري عليه فإن جاز قلب الثالثة ألفاً - وذلك إذا كانت المشددة مفتوحة والأخيرة طرفاً - قلبت، كما في إيَّاة على وزن إوَزَّة من أوَيْتُ، والأصل إئْوَيَةٌ، ثم إيوَية، ثم إيية، وإن لم يجز ذلك، وهو لأمرين: أحدهما أن تتوسط الأخيرة مع انفتاح المشددة لمجئ حرف موضوع على اللزوم في كل موضع، كالألف والنون التي لغير المثنى، فإذا كان كذا قلبت الثالثة واواً كما تقول إذا بنيت على فَيْعَلاَن من حَيِي: حَيَّوَان، لأنه أثقل من حَيَوَان مخففاً، وعند سيبويه حَيَّيَان كما مر، وثانيهما أن تنضم المشددة أو تنكسر، فإذا كان كذا كُسِرَت المضمومة وحذفت الثالثة نسياً، لاستثقال الياءات في الطرف مع انكسار المشددة منها نحو مُعَيَّة، والأصل مُعَيِّية، ونحو حَنَيٍّ على وزن كَنَهْبُل (1) من حَيِيَ، والأصل حَنَيُّيٌ ثم حَنَيِّيٌ، وكذا تحذف الأخيرة نَسْياً وإن جاء بعدها حرف لازم، كما تقول في تصغير أشْوَيَان: على وزن أنْبَجَانٍ (2) من الشتى أشيويان، ثم أشييان، ثم أُشَيَّان، وخالف أبو عمرو فيما وازن الفعل، وأوله زيادة كزيادته، فلم يحذف
__________
(1) الكنهبل: شجر من أشجار البادية، انظر (ح 2 ص 359) (2) يقال: عجين أنبجان - بفتح الباء - إذا كان منتفخا، ولا نظير له في هذا الوزن إلا يوم أرونان، وهو الشديد.
انظر (ح 2 ص 397) (*)(3/188)
الثالثة نَسْياً، فقال أحَيٍّ في نصغيرا أحْوَى كما مر في التصغير (1) .
وإن كانت الثانية مدغمة في الثالثة: فإن كان ما قبل الاولى ساكنا لم يغير شئ منها نحو ظَبْيِيٍّ وَقَرَأْيِيٍّ في النسب، وَرِمْيِيٍّ على وزن بِرْطِيلِ (2) من الرَّمْي، وإن كان ما قبل الأولى متحركاً: فإن كانت الأولى ثانية الكلمة سلمت الياءات، نحو حِيَيِّ كهِجَفٍّ (3) وَحُيِيّ كقُمُدٍّ، (4) والأصل حُيُيٌّ
- بضم العين - وَحَيِيٍّ من الحياء، لخفة الكلمة، وإن كانت ثالثتها جعلت واو، سواء كان ما قبلها مفتوحاً، كما إذا بنيت من الرمي مثل حَمَصِيصَة، (5) تقول: رَموِيَّة، مثل رَحَوِيَّة في النسب، ولم تقلب الياء الأولى ألفاً، أمَّا في النسب فلعروض الحركة، وأما في غير النسب فلعدم موازنته للفعل، وكما إذا بنيت من الرمي على وزن حَلَكُوك (6) قلت رَمَوِيّ، والأصل رَمَيُوي ثم رَمَيِيّ، ثم رَمَوِيّ، أو كان ما قبلها مكسوراً نحو عَمَوِيّ فإنك تفتح الكسر لتسلم الواو، وإنما قلبت إحدى الياءات في هذه الأمثلة لاستثقال الياءات، وإنما لم تقلب الأخيرة كما في حَيَوان وإن كان التغيير بالأخير أولى لقوتها بالتشديد، ولهذا لم تحذف الثالثة (نسياً) كما حذفت معيية، والحذف والقلب قبل ياء النسب أبعد لكونها علامة، وإن كانت الأولى رابعة الكلمة: فإن كانت قبل ياء النسب حذفت، على الأصح، كما في قَاضِيٍّ، لاجتماع الياءات مع تثاقل الكلمة وكون
__________
(1) أنظر (ح 1 ص 232، 233) (2) البرطيل - كقنديل -: الرشوة، وحجر طويل صلب ينقر به الرحى، والمعول أيضا (3) الهجف: الظليم المسن، والجائع أيضا، انظر (ح 1 ص 28) (4) القمد - كعتل -: الطويل، والشديد أيضا، انظر (ح 1 ص 53) (5) الحمصيصة: بقلة رملية حامضة، انظر (ح 1 ص 272) (6) الحلكوك - كقربوس -: الشديد السواد (*)(3/189)
الأولى آخر الكلمة، إذ ياء النسب عارضة، ويجوز قَاضَوِي، كما مر في النسب (1) ، وإن لم تكن قبل ياء النسب لم تحذف، لأنها ليست آخر الكلمة، بل تقلب واواً، كما قلبت وهي ثالثة الكلمة، تقول على وزن خَيْتَعُور (2) من الرمي:
رَيْمَويّ، والأصل رَيْمَيُوي، قلبت الواو ياء، وأدغمتها في الأخيرة، ثم كسرت الضمة، وقلبت الياء واواً، وكذا إذا بنيت مثل خَنْفِقَيق (3) من بكى قلت: بَنْكَوِيّ وإن لم يكن شئ منهما مدغما في شئ، فإن كانت الثالثة تستحق قلبها ألفاً قلبت، كما إذا بنى من حَيِيَ مثل احْمَرَّ، قلبتها ألفاً نحو احْيَيَى، ثم إن أدغمت كما في اقْتَتَلَ قلت: حَيّى، وإن لم تدغم قلبت الثانية واوا، نحو احْيَوَى، كما في حَيَوَان، وإن لم تستحق كما إذا بنى من حيى مثل هدبد (4) وجندل (5) جاز لك حذف الثالة نَسْياً، لكون الثقل أكثر مما في مُعَيِّية فتقول: حُياً وَحَياً، بقلب الثانية ألفاً لتحركها طرفاً وانفتاح ما قبلها، وجاز لك قلب الثانية واواً كما في حَيَوان، فتسلم الثالثة (6) لزوال اجتماع الياءات، فيصير حيويا
__________
انظر (ح 2 ص 44، 45) (2) الخيتعور: السراب، وكل ما لا يدوم على حالة، والمرأة السيئة الخلق، والدنيا، والداهية (3) الخنفقيق: الداهية، والسريعة جدا من النوق والظلمان (4) الهدبد: اللبن الخائر، وانظر (ح 1 ص 49) (5) الجندل: موضع فيه الحجارة، انظر (ح 1 ص 51) (6) المراد بالسلامة ههنا: ما يقابل الحذف نسيا والادغام والقلب واوا، فشمل الاعلال كاعلال قاض، ألا ترى أنه قال: فيصير حيويا: أي في حالة النصب، وكذا تقول: الحيوى، كما تقول القاضى، فان جاء مرفوعا أو مجرورا منونا قلت: حيو، بحذف الياء الثالثة (*)(3/190)
وَحَيَوياً، وكما إذا بنيت من قضى مثل جَحْمَرِش (1) قلت: قَضْياً بحذف
الأخيرة نسياً، وقلب الثانية ألفاً، وقَضْيَوٍ، بقلب (2) الثانية واواً، وإنما لم تقلب الثالثة واواً لأن آخر الكلمة بالتخفيف أولى، وأيضاً لو قلبتها إياها لبقي اجتماع الياءين الأوليين بحاله، وأما الأولى فلم تقلب، لأن الثقل إنما حصل من الثانية والثالثة، ولم تقلب الأولى في حَيَيٍ كَجَندَل، لأنها لم يقلب مثلها ألفاً في الفعل نحو حَيِيَ كما مر فكيف تقلب في اسم لم يوازن الفعل وإن لم تكن الياء الأخيرة لاماً بقيت الياءات على حالها بلا قلب، ولا حذف، كما تقول في تصغير أُسْوَار (3) أُسَيِّير وإن اجتمع أربع ياءات كما إذا بنى من حَيِيَ على وزن جَحْمَرِش قلت: حَيَّيِيٌ، أدغمت الأولى في الثانية فيصيران كياء واحدة وقلبت الثالثة واواً كما قلنا في المبنى على وزن جَنَدِل، فتسلم الرابعة نحو حَيَّوٍ، ويجوز لك حذف الأخيرة نسياً لكونها أثقل منها في نحو مُعَيِّية، فتقلب الثالثة ألفا لترحكها وانفتاح ما قبلها نحو حَيًّا، كما قلنا قبل.
وإذا بنيت مثل (4) سَلْسَبيل قلت: حَيَّوِيّ، وإذا
__________
(1) الجحمرش: العجوز المسنة، وانظر (ح 1 ص 51) (2) الياء الثالثة أعلت كاعلال قاض، فتقول: القضيوى، ورأيت قضيويا، وهذا قضيو، ومررت بقضيو، ولكون هذا الاعلال من غير موضوع كلام المؤلف وهو مما لا يخفى لم يتعرض لبيانه (3) الاسوار - بالضم والكسر -: قائد الفرس، والجيد الرمى بالسهام والثابت على ظهر الفرس، وجمعه أساورة، وأساور بغير تاء، والاسوار - بالضم أيضا -: لغة في السوار (4) السلسبيل: اسم عين في الجنة، وهو وصف أيضا، يقال: شراب سلسبيل، إذا كان سائغا سهل المدخل في الحلق.
انظر (ج 1 ص 9، 50) واعلم أن كلام المؤلف ههنا فيما اجتمع فيه أربع ياءات وأنت لو بنيت من (*)(3/191)
بنيت مثل قِرْطَعْب (1) قلت: حِيَّيّ، لم تقلب ثانية المشددتين واواً كما في حَيَوَان، لأنها آخر الكلمة فلا تبدل حرفاً أثقل مما كان، ولم تحذف كما في مُعَيِّية، لأن حذفها حذف حرفين، واحتمل اجتماعهما، لان تشديدهما قوَّاهما، وإذا جاز نحو طَيِّيّ وأُمَيِّيّ - على قول - مع أن الأولين آخر الكلمة إذ ياء النسب عارضة فهذا أجوز، وإذا بنيت مثل قَذَعْمِل (2) قلت: حُيَيّ، أدغمت الثانية في الثالثة، وحذفت الرابعة كما في مُعَيِّية، وهو ههنا أولى، ولم تقلب المضعفة واو لصيرورتها بالتضعيف قَوِيَّة كالحرف الصحيح، فيبقى حُيَيّ وتقول على وزن قذ عميلة من قَضَى: قُضَيِّيَّة، والمازني لم يُجَوِّزْ من قَضَى إلا قُضَوِية، كما في النسب، وغيرُه جَوَّز مع قضوية قُضَيِّيَّةٌ بتشديدين أكثر من تجويز أمَيِّيّ، والذي أرى أنه لا يجوز إلا فضيية، بياءين مشددتين، إذ الأخيرتان قويتاً بالتضعيف، فلم تحذفا كما حذفت الثالثة في مُعَيِّيَة، والأوليان ليستا في آخر الكلمة حتى يحذف أضعفهما: أي أولهما الساكن، كما حذفت في أُمَوِيّ، فإذا بنيت من شَوَى على وزن عصفور قلت: شُويُويٌ، ثم قلبت الواوين ياءين وأدغمتهما في الياءين فصار شُيِّيٌّ - بكسر ضمة المشددة الأولى - فيجوز كسر الفاء أيضاً، كما في عُتِي، وقال سيبويه: شُوِويّ، قياساً على طَوَوِيّ وحَيَوِيّ في النسب إلى حَيٍّ وَطَيٍّ أَوْ شُيِّيٌّ، كما قيل طَيِّيّ، وكذا إذا بنيت من طوى
__________
حيى على مثال سلسبيل لاجتمع خمس ياءات، فالصواب أن يقول إذا بنيت من قضى مثل سلسبيل قلت: قضيوى، والاصل قضيي، قلبت الثانية واواً كما في حَيَوان (1) القرطعب: السحابة.
انظر (ح 1 ص 51) (2) القذعمل: القصير الضخم من الابل، وأصله قذعميل، والقذعمله الناقة القصيرة الضخمة، ومثلها القذعميلة، ويقال: ما في السماء قذعملة: أي شئ من
السحاب، وما أصبت منه قذعميلا: أي شيئا (*)(3/192)
على وزن بَيْقُورٍ (1) قلت: طَيْوُويٌ، ثم قلبتَ الواو الأولى ياء، وأدغمتَ الياء الساكنة فيها، ثم قلبتَ الواو الثانية ياء وأدغمتَها في الأخيرة، ثم كسرت الياء المضمومة فتقول: طَيِّيّ، وعند سيبويه طَيْوِيّ أيضاً كالمنسوب إلى حيّ، هذا كله في الأربع ياءات إذا لم تكن الأخيرتان للنسبة، فإن كانتا لها كالمنسوب إلى حَيّ، وَطَيّ، وَعَلِيّ، وقُصَيّ، وتحيّة، وَمُحَيّ فقد مضى في باب النسب حكمها (2) وقد مضى أيضاً أن ياء التصغير تحذف كما في أمَويّ إن دخلت النسبة على التصغير، وأما إن دخل التصغير على النسبة لم تحذفها أُرَيِّيَّةَ (3) - بياءين مشددتين - هذا كله حكم الياءات فأما حكم الواوات فنقول: إن اجتمع واوان فإن سكنت ثانيتهما: فإن كانت طرفاً لم يمكن أن تكون الأولى مفتوحة ولا مضمومة إلا والثانية منفصلة، نحو لم يَرْوَوْا ومُرْوُو زيدٍ، لأنهم يستثقلون الواوين بلا إدغام في آخر الكلمة الذي هو محل التخفيف، فلذلك لم يبنوا مثل قَوَوْتُ وقَوُوتُ، فلا بد لو كانا في كلمة من انكسار الأولى لتنقلب الثانية ياء، نحو قَوِيتُ، وإن كانت الأخيرة وسطا جاز اجتماعهما، نحو قَوُولٍ، وإن تحركتا: فإن كان ذلك في أول الكلمة قلبت الأولى همزة كما في أواصل، وإن كان ذلك في الوسط فإن جاز الإدغام أدغمت، كما إذا بنيت من القُوّة على فَعُلاَن - بضم العين - قلتَ:
__________
(1) البيقور: اسم جمع دال على جماعة البقر، كالباقر، والبقير، والباقور، قال الشاعر: لا در در رجال خاب سعيهم * يستمطرون لدى الازمات بالعشر أجاعل أنت بيقورا مسلعة * ذريعة لك بين الله والمطر؟
(2) انظر في النسب إلى حَيٍّ وَطَيٍّ (ح 2 ص 49، 50) .
وفى النسب إلى على وقصى (ح 2 ص 22) .
وفى النسب إلى تحية ومحى (ح 2 ص 45) (3) أريية: تصغير أروية، وانظر (ح 1 ص 235، 236، 237) (*)(3/193)
قَوَّانٌ عند المبرد، والأولى أن لا تدغم بل تقلب الثانية ياء كما يجئ في باب الإدغام، ومن لم يدغم في حَيِيَ جاز أن لا يدغم في نحو قَوُوَان، بل يقلب الثانية ياء.
ويقلب ضمة ما قبلها كسرة، كما مر في هذا الباب، لأن الإعلال قبل الإدغام، وهذا قول الجرمي، وإن لم يجز الإدغام كما إذا بنيت على فَعَلاَن - بفتح العين - من القوة، قال سيبويه: تقول: قَوَوَان، كما قال من حَيِيَ: حَيَيَان، والأولى أن يقال: قَوَيَان، لاستثقال الواوين، فلما لم يجز التخفيف بالإدغام خفف بقلب إحداهما ياء، وإذا قلبت الياء واواً في حيوان لكراهة اجتماع الياءَين فقلب الثانية ياء في قَوَوَان لكون الواو أثقل أولى، ولو بنيت على فَعِلان - بكسر العين - انقلبت الثانية ياء للكسرة، لأن الإعلال قبل الإدغام كما تقدم، وإن كان ذلك في الطرف: فإن انفتحت الأولى لزوماً قلبت الثانية ألفاً كما في الْقُوَى والصُّوَى (1) وَيَقْوَى وَأقْوَى، وأما في طَوَوِيّ منسوباً إلى طَيّ فلعروض فتحة الأولى، وأما في قُوَوِيٍّ منسوباً إلى قُوّى علماً (2) فلعروض حركة الثانية، وإن كانت الأولى مكسورة أو مضمومة قلبت الثانية ياء، كقَوْيٍ وقَوِيٍ - على وزن عضُد وفخِذ - من القُوّة، وإن سكنت أولى الواوين فإن كانتا في الوسط سلمتا من القلب كقُووِلَ إلا في نحو قُوّل على ما تقدم، وإن كانتا في الطرف: فإن كانت الكلمة ثلاثية لم تقلب إلا إذا
__________
(1) الصوى: جمع - صوة - كقوة - وهى جماعة السباع، وهى أيضا حجر يكون علامة في الطريق، وانظر (ص 123 من هذا الجزء)
(2) إنما قيد قوى بكونه علما احترازا عنه جمعا، فأنه يرد في النسبة إليه إلى واحده فيقال قوى - بضم القاف وتشديد الواو - وهذا على رأى جمهور النحاة الذين يوجبون رد الجميع إلى واحده عند النسبة إليه، وأما على رأى من يجيز النسب إلى لفظ الجمع فلا محل لتقييد قوى بكونه علما، وتكون النسبة إليه حينئذ قووى علما كان أو جمعا (*)(3/194)
انكسر ما قبلها، نحو قَوٍّ وقُوٍّ، وتقول على وزن حِبْرٍ: قِيّ، وإن كانت الكلمة على أكثر من ثلاثة صحت المفتوح ما قبلها نحو غَزَوٍّ، وانقلبت المكسور ما قبلها ياء وجوباً كغِزِيّ - على وزن فِلِز (1) - والمضموم ما قبلها جازا في المذكر المفرد نحو غُزُوّ، وغُزِيّ، كعُتُوّ وَعُتِيّ، ووجوباً في الجمع كُدِلِيِّ وإن اجتمع ثلاث واوات فإن كانت الأخيرة لاماً: فإما أن تكون الأولى مدغمة في الثانية أو الثانية في الثالثة أو ليس شئ منها مدغما في شئ، ففي الأول تقلب الثالثة ألفاً إن انفتح ما قبلها كقَوٍّي والْمُقَوَّى، وياءً إن انكسر كيُقَوِّي وَالْمُقَوِّي، أو انضم كقُوٍّ على وزن بُرْثُن (2) من القوة، وفي الثاني تقلب المشددة ياء مشددة: انفتح ما قبلها كقِوَيٍّ - على وزن هجف (3) أو قمطر - أو انكسر كقِوِيّ - على وزن فِلِزٍّ - أو انضم كقُويٍّ - على وزن قُمُدَّ - بكسر ذلك الضم، فيجوز كسر الفاء إتباعاً كعِتِيٍّ وذلك لثقل الواوات المتحرك ما قبلها بخلاف نحو حُيِيّ فإن الياء أخف، وكذا إذا كانت أولى الواوات ثالثة الكلمة وتحرك ما قبلها نحو غَزَويٍّ - على وزن حَلكُوك - فإن سكن ما قبلها: فإن انفتحت الأولى سلم الجميع، نحو غِزْوَوٍّ - على وزن قِرْشَبٍّ (5) أو قِرْطَعْبٍ - وإن انضمت أو انكسرت قلبت
__________
(1) الفلز - بكسر الفاء واللام وتشديد الزاى -: نحاس أبيض تجعل منه
القدور، أو هو جواهر الارض كلها، والرجل الغليظ الشديد والضريبة تجرب عليها السيوف، وفيه لغتان أخريان: كهجف وعتل، ومراد المؤلف هنا اللغة الاولى.
(2) البرثن: هو للسبع والطير كالاصابع للانسان، وانظر (ح 1 ص 51) (3) الهجف: الظليم المسن، وانظر ص 189 من هذا الجزء) (4) القمطر: ما تصان فيه الكتب، وانظر (ح 1 ص 3، 51) (5) القرشب: الضخم الطويل من الرجال، وانظر (ح 1 ص 61) (*)(3/195)
المشددة ياء وكسرت الضمة.
كَمَقْوِيٍّ وَغُزْوِيٍّ - كعُصْفور - من الغزو، وإن لم تكن إحداهما مدغمة في الأخرى قلبت الأخيرة ألفاً: إن انفتح ما قبلها، وياء إن انكسر نحو اقَوَوَى على وزن احمرر - فإن أدغمت قلت قَوي، وإن لم تدغم قلبتَ الثانية ياء على قياس قويان، وهو ههنا أولى، فتقول: اقوَيَا يَقْويِي وتقول في نحو هُدَبِد وَجَنَدِل من القوة: قُوَوٍ، وقَوَوٍ - بقلب الثالثة ياء - لكسرة ما قبلها، ولا تدغم الأولى في الثانية مع لزوم حركة الثانية، محافظة على بناء الإلحاق، وأيضاً لعدم مشابهة الفعل هذا والأولى أن لا يبنى من الأسماء المزيد فيها غير المتصلة بالفعل ما يؤدي إلى مثل هذا الثقل كما يجئ في أول باب الإدغام وإن اجتمعت الثلاث الواوات في الوسط بقيت على حالها نحو قُوُّولٍ على وزن سُبُّوح وَاقْوَوَّلَ كاغْدَوْدَن (1) ، والأخفش يقلب الأخيرة في اقوَوَّل ياء، فتنقلب الثانية ياء أيضاً، وسيبويه لم يبال بذلك، لتوسطها، وينبغي للأخفش أن يقول في قُووِل: قُويل، إلا أن يعتذر بخفة واو المد، وإنما لم يقلب الاخفش في نحو اقووول لكون الوسطى كالألف، لأنها بدل منه، ألا ترى أنه لم يقلب
أوَّل وَاوَيْ وُورِيَ همزةً وجوباً لمثل ذلك؟ وإذا اجتمع أربع واوات فالواجب قلب الثالثة والرابعة ياء إن كانت الثالثة مدغمة في الرابعة نحو قوَّيٌ - على وزن قِرْطَعْبٍ - من القوة، لأنه أثقل من نحو غِزْوَوٍّ، وإن لم تكن مدغمة فيها قلبت الأخيرة ألفاً إن انفتح ما قبلها، وياء إن انكسر، وتبقى الثالثة بحالها عند سيبويه نحو قَوَّوٍ - على وزن جحمرش -، لأنه إذن كاقْوَوَّلَ وتقول على وزن قُذَعْمِلٍ: قُوَوٍّ، وعلى وزن اغدَوْدَن اقْووَّى، والأخفش يقلب الثالثة ياء فتقول قوى - كجحمرش -
__________
(1) اغدودن النبت: طال، وانظر (ح 1 ص 68، 112) (*)(3/196)
وقُوَيٍّ كقذعمل - واقْوَيَّا - كاغدودن - لاستثقال الواوات، فتنقلب القريبة من الطرف ياء، ولا تقلب الواو الثالثة في قَوَّوٍ - كجحمرش - ألفاً، كما لم تقلب واو قَوِيَ كما مر، والله أعلم بالصواب قال: " الإِبْدالُ: جَعْلُ حَرْفٍ مَكَانَ حَرفٍ غَيْرِهِ، وَيُعْرَفُ بِأمْثِلَةِ اشْتِقَاقِهِ كَتُرَاثٍ وَأجُوهٍ، وَبِقلَّةِ اسْتِعْمَالِهِ كالثَّعَالِي، وبكونه فرعا والحرف زائد كضويوب، وَبِكَونِهِ فَرْعاً وَهُوَ أَصْلٌ كَمُوَيْهٍ، وَبِلُزُوم بِنَاءٍ مَجْهُولٍ نَحْوُ هَرَاقَ وَاصْطَبَرَ وادَّارَكَ " أقول: الإبدال في اصطلاحهم أعم من قلب الهمزة، ومن قلب الواو، والياء، والألف، لكنه ذكر قلب الهمزة في تخفيف الهمزة مشروحاً، وذكر قلب الواو والياء، والألف في الإعلال مبسوطاً، فهو يشير في هذا الباب إلى كل واحد منها مجملاً، ويذكر فيه إبدال غيرها مفصلاً، ويعنى بأمثلة اشتقاقه الأمثلة التي اشتقت مما اشتق منه الكلمة التي فيها الابدال، كترات (1) فإن أمثلة اشتقاقه في وَرِثَ يرث وارثٍ موروثٍ، وجميعها مشتق من الوِرَاثة، كما
أن تراثاً مشتق منها، وكذا تَوَجّه ومُواجهة ووَجِيه مشتقة من الوجه الذي أُجُوه مشتق منه، فإذا كان في جميع أمثلة اشتقاقه مكان حرف واحد منه حرفٌ آخَرُ عرفت أن الحرف الذي فيه بدل مما هو ثابت في مكانه في أمثلة اشتقاقه.
قوله " وبقلة استعماله " أي: بقلة استعمال اللفظ الذي فيه البدل، يعني إذا كان لفظان بمعنى واحد ولا فرق بينهما لفظاً إلا بحرف في أحدهما يمكن أن يكون بدلاً من الحرف الذي في الآخر فإن كان أحدهما أقل استعمالاً من الآخر فذلك الحرف في ذلك الأقل استعمالاً بدل من الحرف الذي في مثل ذلك الموضع
__________
(1) التراث - كغراب -: المال الموروث، انظر (ح 1 ص 207) (*)(3/197)
من الأكثر استعمالاً، كما ذكرنا في أول الكتاب (1) في معرفة القلب، والثعالِي والثعالب بمعنى واحد، والأول أقل استعمالاً من الثاني قوله " وبكونه فرعاً والحرف زائد " أي بكون لفظٍ فرعاً للفظ، كما أن المصغر فرع المكبر، وفي مكان حرفٍ في الأصل حرفٌ في الفرع يمكن أن يكون بدلاً منه كما أن واو ضويرب بدل من ألف ضارب، أو يكونَ حرفُ الأصل بدلاً من حرفِ الفرع، كما أن ألف ماء وهمزته بدلان من الواو والهاء اللذين في مُوَيْه، فأنت بفرعية لفظ للفظ ومخالفة حرفِ أحدهما لحرف الآخر لا تعرف إلا أن أحدهما بدل من الآخر ولا تعرف أيُّهما بدل من الآخر، بل معرفة ذلك موقوفة على شئ آخر، وهو أن يُنْظر في الفرع، فإن زال فيه موجب الإبدال الذي في الأصل كما زال في مُوَيْه علة قلب الواو ألفاً بانضمام ما قبلها، وعلة قلب الهاء همزة - وهي وقوع الهاء التي هي كحرف العلة بعد الألف التي كالزائدة - عرفت أن حرف الفرع أصل، وإن عرض في الفرع علة الإبدال التي لم تكن في الأصل كما عرض بضم فاء ضُوَيْرِب علة قلب ألف ضارب
واواً عرفت أن حرف الفرع فرع قوله " وبكونه فرعاً " أي: بكون لفظه فرعاً " والحرف زائد ": أي الحرف الذي هو مبدل منه زائد كألف ضارب قوله " وهو أصل " أي: الحرف المبدل منه أصل كواو مويه وهائه، ولا شك في انغلاق ألفاظه ههنا قوله " وبلزوم بناء مجهول " أي: يعرف الإبدال بأنك لو لم تحكم في كلمة بكون حرف فيها بدلاً من الآخر لَزِمَ بناء مجهول، كما أنك لو لم تحكم بأن هاء
__________
(1) انظر (ح 1 ص 24) (*)(3/198)
هَرَاق (1) بدل وكذا طاء اصْطَبر والدال الأولى من ادَّارك لزم بناء هَفْعَل وافْطَعَل وافَّاعَلَ وهي أبنية مجهولة، ولقائل أن يمنع ذلك في افْطَعَل وافَّاعل، وذلك أن كل ما هو من هذين البناءين افتعل وتفاعل، وفاء الأول حرف إطباق وفاء الثاني دال أو تاء أو ثاء أو غير ذلك مما يجئ في بابه، فإن بعد فاء الأول طاء وجوبا وقبل فاء الثاني حرفاً مدغماً فيه جوازاً فهما بناءان مطردان لا مجهولان، بلى يعرف كون الحرفين في البناءين بدلين بأن الطاء لا تجئ في مكان تاء الافتعال إلا إذا كان قبلها حرف إطباق، وهي مناسبة للتاء في المخرج ولما قبلها من حروف الإطباق بالإطباق فيغلب على الظن إبدال التاء طاء لاستثقالها بعد حرف الإطباق ومناسبة الطاء لحرف الإطباق والتاء، وكذا الكلام في الحرف المدغم في نحو ادَّكر واثاقل.
قال: " وحروفه أنصت يوم جد طَاهٍ زَلَّ، وقول بعضهم: اسْتَنْجَدَهُ يَوْمَ طَالَ وَهُمٌ في نَقْص الصَّادِ والزَّاي لِثُبُوتِ صِرَاطٍ وَزَقَرَ، وَفِي زِيَادَة السِّينِ، وَلَوْ أَوْرَدَ اسَّمَعَ وَرَدَ اذَّكَرَ وَاظَّلَمَ "
أقول: يعني بحروف الإبدال الحروف التي قد تكون بدلاً من حروف أخر، فأما الحروف التي هذه الحروف بدل منها فتجئ عند التفصيل.
قوله: " وقولهم استنجده يوم طال " قوْل صاحب المفصل، ولم يعد سيبويه في باب البدل الصاد والزاي، وعدهما السيرافي في آخر الباب، وعد معهما شين الكشكشة التي هي بدل من كاف المؤنث قال: 156 - تَضْحَكُ مِنِّي أنْ رَأَتْنِي أحْتَرِشْ * وَلَوْ حَرَشْتِ لَكَشَفْتِ عن حرش (2)
__________
(1) انظر في كلمة " هراق " (ح 2 ص 384، 385) (2) هذا البيت من الرجز، وقد استشهد به المؤلف في شرح الكافية أيضا (الشاهد 956) ولم ينسبه البغدادي في شرح الكتابين، وأحترش: مضارع (*)(3/199)
وأما التي تزاد بعد كاف المؤنث نحو أكر متِكش فليست من هذا، ولم يعد سيبويه السين كما عدها الزمخشري، ولا وجه له، قالوا: وجاء الثاء بدلاً من الفاء، حكى أبو على عن يعقوب ثروغ (1) الدلو، وفروغها، وهو من التفريغ، وكذا الباء من الميم، حكى أبو علي عن الأصمعي: ما اسْبُك: أي ما اسْمُك؟ وقد جاء الحاء في الشعر بدلاً من الخاء شاذاً، قال: 157 - يَنْفُحْنَ مِنْهُ لَهَباً مَنْفُوحاً * لمعا يرى لا ذاكيا مقدوحا (4) قال رؤبة: 158 - غَمْرُ الأَجَارِي كَرِيمُ السِّنْحِ * أبْلَجُ لَمْ يُولَدْ بِنَجْمِ الشح (2)
__________
من الاحتراش، وهو صيد الضب خاصة، ويقال: حرشه يحرشه - من باب ضرب - واحترشه كذلك، وأصله أن يدخل الحارش يده في جحر الضب
ويحركها فيظنه الضب حية فيخرج ذنبه ليضربها به فيصيده، وحرشت وكشفت بكسر التاء، على خطاب الانثى، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، والاستشهاد به في قوله " حرش " حيث أبدل من كاف خطاب المؤنثة، وأصله " حرك " وهذه لغة بني عمرو بن تميم (1) ثروغ الدلو: جمع ثرغ - بفتح فسكون - وهو ما بين عراقى الدلو، والثاء فيه بدل من الفاء، ويقال: فرغ، وفراغ - ككتاب - وفى القاموس: الفرغ مخرج الماء من الدلو بين العراقى (2) هذا البيت من الرجز المشطور، ولم نعرف قائله، وقد أنشده ابن جنى في سر الصناعة عن ابن الاعرابي ولم ينسبه، وينفحن - بالحاء المهملة - أصله ينفخن - بالخاء المعجمة - فأبدل الخاء حاء، واللهب: ما تطاير من ألسنة النيران، والذاكى: الشديد الوهج.
ومقدوح: اسم مفعول، من قدح الزند ونحوه، إذا أخرج منه النار، والاستشهاد بالبيت في " ينفحن " حيث أبدل الخاء المعجمة حاء مهملة (3) هذا بيت لرؤبة بن العجاج ذكر البغدادي أنه من قصيدة له يمدح فيها (*)(3/200)
وجاء الراء بدلاً من اللام شاذاً، كقولهم في الدِّرع: نَثْرَةٌ (1) وَنَثْلَةٌ (2) وذلك لأنهم قالوا: نَثَلَ عليه دِرْعَه، ولم يقولوا: نَثَرَهَا، فاللام أعم تصرفاً، فهي الأصل، والفاء تكون بدلاً من الثاء، حكى أبو علي عن يعقوب: قام زيد فُمَّ عَمْرو، وقالوا: جَدَث وجَدَف (3) والفاءُ بدل، لقولهم: أجداث، ولم يقولوا: أجداف، وجاء الكاف بدلاً عن القاف، يقال: عربي كُحٌّ (4) وقُحٌّ وجاء في
__________
أبان بن الوليد البجلى، وقد رجعنا إلى ديوانه فوجدنا هذه القصيدة، وأولها إنى على جنابة التنحي * وعض ذاك المغرم الملح لا أبتغى سيب اللئيم القح * قد كان من نحنحة وأح
* يحكى سعال الشرق الابح * ولكنا لم نجد بيت الشاهد في هذه القصيدة، ووجدناه في زيادات الديوان من أبيان هكذا: فابتكرت عاذلة لا تلحى * قالت ولم تلح وكانت تلح عليك سيب الخلفاء البجح * غمر الاجارى كريم السنح أبلج لم يولد بنجم الشح * بكل خشباء وكل سفح والغمر - بفتح فسكون -: الماء الكثير الساتر، والاجاري: جمع إجريا - بكسر الهمزة والراء بينهما جيم ساكنة وبعد الراء ياء مشددة - وهو ضرب من الجرى، والسنح - بكسر فسكون -: الاصل، وأصله السنخ - بالخاء - فأبدل منها حاء مهملة، وهو محل الاستشهاد بالبيت، والشح: البخل (1) النثرة: الدرع السلسة الملبس، أو الواسعة، ومثلها النثلة: الراء بدل من اللام، قالوا: نثل الدرع ينثلها - من باب ضرب - إذا ألقاها عنه، ولم يقولوا: نثرها.
(2) الجدث: القبر، وجمعه أجدث وأجداث، وقالوا فيه: جدف، فأبدلوا من الثاء فاء، كما قالوا: فوم في ثوم (3) الكح: هو القح - بالقاف - وهو الخالص من كل شئ، يقولون: لئيم قح، إذا كان معرقا في اللؤم، وأعرابى قح، إذا لم يدخل الامصار ولم يختلط بأهلها.
(*)(3/201)
الجمع أقْحَاح، ولم يقولوا: أكحاح، وجاء الكاف بدل من التاء، قال: 159 - يا ابن الزبير طالما عصيكا * وطالما عنيتنا إِلَيْكَا * لَنَضْرِبَنْ بِسَيْفِنَا قَفَيْكا (1) *
ويجوز أن يكون وضَعَ الضمير المنصوب مقام المرفوع، وتكون العين في تميم بدلاً من الهمزة في أن وهي عنعنة تميم، قال:
__________
(1) هذا البيت من الرجز المشطور، أنشده أبو زيد في نوادره، ونسبه لراجز من حمير ولم يعينه، وأنشده صاحب اللسان غير منسوب إلى أحد، وابن الزبير: أراد به عبد الله بن الزبير بن العوام حوارى النبي صلى الله عليه وسلم، و " عصيكا " أراد به عصيت، و " عنيتنا " من العناء وهو الجهد والمشقة، و " قفيكا " أراد به قفاك فأبدل الالف ياء مع الاضافة إلى الكاف كما تبدلها هذيل عند الاضافة إلى ياء المتكلم، نحو قول أبي ذؤيب سبقوا هوى وأعنقوا لهواهمو * فتخرموا ولكل جنب مصرع وعليها قرئ قوله تعالى (فمن تبع هدى) .
والاستشهاد بالبيت في قوله " عصيكا " وقد اختلف العلماء في تخريجه، فذهب بعضهم إلى أنه من وضع ضمير النصب موضع ضمير الرفع، كما تراهم فعلوا ذلك في قولهم " لولاى ولولاك ولولاه " وفى قولهم " عساك وعساه " من نحو قول رؤبة.
تقول بنتى قد أنى أناكا * يا أبتا علك أو عساكا وذهب أبو الفتح ابن جنى تبعا لشيخه أبى على أبى على الفارسى إلى أنه من إبدال الحرف مكان الحرف إبدالا تصريفيا، قال ابن جنى: " أبدل الكاف من التاء لانها أختها في الهمس، وكان سحيم إذا أنشد شعرا قال: أحسنك والله، يريد أحسنت " اه (*)(3/202)
160 - أعَنْ تَرَسَّمْتَ مِنْ خَرْقَاءَ مَنْزِلَةً * مَاءُ الصَّبَابَةِ مِنْ عَيْنَيْكَ مَسْجُومُ (1) وإنما لم يعدّ المصنف هذه الأشياء لقلتها وكونها شواذ قوله " وزيادة السين " قالوا: السين بدل من الشين في السِّدَّة وَالشِّدَّة
ورجل مَشْدُود وَمَسْدُود، والشين أصل، لكونها أكثر تصرفاً، وقالوا في اسْتَخَذ: إن أصله اتخذ من التخذ، فهي بدل من التاء، وقيل أيضاً: أصلها اسْتَخَذ فأذن لا حجة فيه، وبمثله تمسّك الزمخشري، لا باسَّمَعَ كما قال المصنف، وإنما لم يعدّ سين نحو اسَّمَع والذال والظاء في اذَّكَر وَاظَّلَم في حروف البدل لأن البدل في هذه الأشياء ليس مقصودا بذاته، بل لما كان السين والذال والظاء مقاربة للتاء في المخرج وقصد الإدغام ولم يمكن في المتقاربين إلا بجلعهما متماثلين قلبت التاء سيناً وذالاً وظاء، لما سيجئ في باب الإدغام، فلما كان البدل لأجل الإدغام لم يعتد به.
قال: " فَالْهَمْزَةُ تُبَدَل مِنْ حُرُوفِ اللِّينِ وَالْعَيْنِ وَالْهَاءِ، فَمِنَ اللِّينِ إعْلاَلٌ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ كِسَاءٍ وَرِدَاءٍ وَقَائِلٍ وَبَائِعٍ وَأَوَاصِلَ، وَجَائِزٌ فِي أجُوهٍ وَأُورِيَ، وَأَمَّا نَحْوُ دَأَبَّةٍ وَشَأَبَّةٍ وَالْعَأْلَمِ وَبَأْزٍ وَشِئْمَةٌ وَمُؤقِدٍ فَشَاذَ، وأَبَابُ بَحْرٍ أَشَذُّ، وَمَاءٌ شَاذ " أقول: قوله " في نحو كساء ورداء " ضابطه كل واو وياء متطرفتين، أصليتين كانتا ككساء ورداء، أولاً كَعِلْبَاءٍ (2) ورِدَاء، في ترخيم رداوى،
__________
(1) هذا بيت من البسيط، وهو مطلع قصيدة لذى الرمة غيلان بن عقبة، وأعن: يروى في مكانه أأن - بهمزة استفهام داخلة على أن المصدرية، ومن رواه أعن فقد أبدل الهمزة عينا، وترسمت: تبينت ونظرت، والاصل فيه ترسم الدار: أي تعرف رسمها.
وخرقاء: لقب مية صاحبته، والصبابة: رقة الشوق، ومسجوم: سائل منسكب.
والاستشهاد بالبيت في " أعن " حيث أبدل الهمزة عينا (2) علباء: انظر (ص 177 من هذا الجزء) (*)(3/203)
واقعتين بعد ألف زائدة، فإنهما تقلبان ألفين، ثم تقلب الألف همزة، كما تقدم.
قوله " وقائل وبائع " ضابطه كل واو وياء هي عين فاعِلٍ الْمُعَلّ فعله أو
فاعِلٍ الكائن للنسب كسائف (1) ، لكونه كاسم الفاعل من ساف يسيف، فإنه تقلب الواو والياء ألفاً ثم تقلب الألف همزة، كما تبين قبل.
قوله " وأواصل " ضابطه كل واوين في أول الكلمة ليست ثانيتهما زائدة منقلبة عن حرف آخر، نحو أَوَاصِلَ وأواعد من وعد على وزن جَوْرَب وأوعاد على وزن طُومار (2) فإنه تقلب أولاهما همزة قوله " أُجوه وأُورِيَ " ضابطه كل واو مضمومة ضمة لازمة: في الأول كانت، أو في الوسط، والتي في الأول سواء كانت بعدها واو زائدة منقلبة عن حرف كأُورِي، أولا كأجُوه، قولنا " ضمة لازمة " احتراز عن ضمة الإعراب، والضمة للساكنين، وعند المازني هذا القلب مطرد في الواو المتصدرة المكسورة أيضاً نحو إفَادَة وَإشَاح قوله " نحو دَأبَّة " ذكرنا حاله في التقاء الساكنين، وكذا حال الْمُشْتئِقِ في قوله: * صَبْراً فَقَدْ هَيَّجْتِ شَوْقَ الْمُشْتَئِقِ (3) * فقد حرك الشاعر الألف بعد قلبها همزة للضرورة، وحكى الفراء في غير الضرورة رجل مَئِل: أي كثير المال، وقالوا: لبَّأَ الرجل بالحج، وعن العجاج أنه كان يهمز العالم والخاتم، وليس ذلك فراراً من الساكنين، ولكن لتقارب مخرجي الألف والهمزة، وأنشد قوله:
__________
(1) سائف: انظر (ص 112 من هذا الجزء) (2) الطومار: الصحيفة، انظر (ج 1 ص 198، 217) (3) قد مضى في شرح هذا البيت فارجع إليه في (ج 2 ص 250) (*)(3/204)
161 - يادار سلمى يا سلمى ثم اسلمي *
فخندف هامة هذا العألم (1) بالهمز، وذلك لان ألف عام تأسيس لا يجوز معها إلا مثل السَّاحِم (2) اللاَّزِم، فلما قال: اسْلَمِي همز العألم، ليجري القيافة على منهاج واحد في عدم التأسيس، وحكى اللحياني عنهم بَأُزٌ وأصل ألفه واو، بدليل أبواز، وقالوا: الشِّئْمة (3) ، أصلها الياء، كما قالوا: قطع الله أدْيَه: أي يَدْيَه فردوا اللام (4)
__________
(1) هذا الشاهد من الرجز، وهو للعجاج، وليس البيتان اللذان أنشدهما المؤلف متصلين في الارجوزة، والاول منهما مطلعها، وبعده: * بسمسم أو عن يمين سمسم * وإنما يذكر النحاة هذين البيتين معا - وإن لم يكنا متصلين - ليبينوا أن الارجوزة، مبنية من أولها على غير التأسيس.
والاستشهاد به في قوله " العألم " بالهمز، وأصله العالم، فهمزه لئلا يكون بعضها مؤسسا وبعضها غير مؤسس، وقد همز " الخاتم " في هذه الارجوزة أيضا في قوله: عند كريم منهمو مكرم * معلم آى الهدى معلم * مبارك من أنبياء خأتم * (2) الساجم: اسم فاعل من قولك: سجمت الدمع: أي صببته، ويقولون: سجمت العين الدمع وسجمت السحابة المطر، فالدمع والمطر مسجومان، وربما قالوا: دمع ساجم على النسب (3) الشئمة: الطبيعة، وأصله الشيمة بالياء فهمز (4) قولهم " قطع الله أديه " هو بفتح الهمزة وسكون الدال، وأصلها قطع الله يديه، برد اللام فقلبوا الياء همزة، قال ابن جنى في المحتسب: " وقلبت الياء همزة في قولهم: قطع الله أديه، يريدون يده، فردوا اللام المحذوفة، وأعادوا العين إلى سكونها " (*)(3/205)
وأبدلوا الياء الأولى همزة، كذا قال ابن جني، ويقال: في أسنانه ألل: أي يلل.
قوله " مؤقد " أنشد أبو علي 162 - * لَحَبُّ الْمُؤْقِدِيْنِ إليَّ مُؤْسَى (1) * بهمز واو الموقدين وموسى، وقرئ (بِالسُّؤْقِ وَالأَعْنَاقِ) مهموزاً، قيل: وجه ذلك أن الواو لما جاورت الضمة صارت كأنها مضمومة، والواو المضمومة تهمز، نحو نَؤُور وَغُؤُور
__________
(1) هذا صدر بيت من الوافر، وعجزه: * وجعدة إذا أضاءهما الوقود * وهو لجرير بن عطية بن الخطفى من قصيدة له يمدح بها هشام بن عبد الملك بن مروان، ومطلعها قوله: عفا النسران بعدك والوحيد * ولا يبقى لحدته جديد وقبل بيت الشاهد قوله: نظرنا نار جعدة هل نراها * أبعد غال ضوءك أم همود قوله " لحب المؤقدين " رويت هذه العبارة على عدة أوجه: أحدها " أحب المؤقدين " على أنه أفعل تفضيل مضاف إلى جمع المذكر، وثانيها " لحب المؤقدين " بلام الابتداء وبعدها أفعل تفضيل مضاف إلى جمع المذكر، وأصله لاحب المؤقدين فحذفت الهمزة كما حذفها الشاعر في قوله.
وزادني كلفا بالحب أن منعت * وحب شئ إلي الانسان ما منعا وكما حذفت كثيرا في خير وشر، وثالثها " لحب المؤقدان " باللام بعدها فعل تعجب كالذى في قول الشاعر: فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها * وحب بها مقتولة حين تقتل
وموسى وجعدة ابنا الشاعر، والوقود: مصدر وقدت النار وقودا، ويقال: هو اسم لما توقد به النار (انظر ح 1 ص 15، 160) (*)(3/206)
قوله " وأباب بحر أشذ " إنما كان أشذ إذ لم يثبت قلبت العين همزة في موضع بخلاف قلب الواو والياء والألف، فإنها تقلب همزة، أنشد الأصمعي 163 - * أُبَابُ بَحْرٍ ضَاحِكٍ هَزُوقِ (1) * الهزوق: المستغرق في الضحك، قال ابن جني: أباب من أبَّ إذا تهيأ، قال: 164 - * وَكَانَ طَوَى كَشْحاً وَأبَّ لِيَذْهَبَا (2) * وذلك لأن البحر يتهيأ للموج، قال: وإن قلت: هو بدل من العين فهو
__________
(1) هذا البيت من بحر الرجز لم نقف على نسبته إلى من قاله، والاباب: قيل: هو العباب - كغراب - وهو معظم الماء وكثرته وارتفاعه، وقيل: هو فعال من أب: أي تهيأ وذلك لان البحر يتهيأ لما يزخر به، فالهمزة على الاولى بدل من العين، كما أبدلها الشاعر منها في قوله: أريني جَوَاداً مَاتَ هَزْلاً لأَلَّنِي * أرَى مَا تَرَيْنَ أوْ بَخِيلاً مخلدا أراد لعلنى، وهمزة أباب على الوجه الثاني أصل، وضاحك: كناية عن امتلاء البحر، وزهوق: مرتفع، ويروى هزوق " بتقديم الهاء (2) هذا عجز بيت للاعشى ميمون، وصدره مع بيت سابق هكذا: فأبلغ بنى سعد بن قيس بأننى * عتبت فلما لم أجد لى معتبا صرمت ولم أصرمكم، وكصارم * أخ قد طوى كشحا وأب ليذهبا ومن هذا تعلم أن النحاة - ومنهم المؤلف - قد غيروا في إنشاد هذا الشاهد، وقوله " طوى كشحا " كناية، يقولون: طوى فلان كشحه على كذا، إذا أضمره في قلبه وستره، ويقولون: طوى فلان كشحه، إذا أعرض بوده، وأب: تهيأ،
وبابه نصر، والاستشهاد بالبيت في قوله " أب " بمعنى تهيأ، فأنه يدل على أن الا باب في قول الشاعر: * أباب بحر ضاحك هزوق * فعال وهمزته أصلية (*)(3/207)
وجه، لكنه غير قوي، ومن قال: إنه بدل منه، فلقرب مخرجيهما، ولذا أبدّل منه العين، نحو قوله * أعَنْ تَرَسَّمْتَ مِنْ خَرْقَاءَ مَنْزِلَةً (1) ... البيت * قوله " وماء شاذ " هو شاذ لكنه لازم، وأصله مَوَه، قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم شبه الهاء بحرف اللين لخفائها، فكأنها واوا أو ياء واقعة طرفاً بعد الألف الزائدة، فقلبت ألفاً، ثم همزة، وقالوا أيضاً في أمْوَاه: أمواء، لمثل هذا، قال: 165 - وَبَلْدَةٍ قَالِصَةٍ أَمْوَاؤُهَا يَسْتَنُّ فِي رَأْدِ الضُّحَى أَفْيَاؤُهَا (2) قيل: آل أصله أهل ثم أَألْ - بقلب الهاء همزة - ثم آل - بقلب الهمزة ألفاً - وذلك لأنه لم يثبت قلب الهاء ألفا وثبت قلبها همزة، فالحمل على ما ثبت مثله أولى، وقال الكسائي: أصله أوَل، لأنهم يؤولون إلى أصل، وحكى أبو عبيدة في هَلْ فَعَّلْتَ؟: أَلْ فَعَلْتَ؟ وقيل: إن أصل ألاّ في التحضيض هلا قال: " وَالأَلِفُ مِنْ أُخْتَيْهَا وَالْهَمْزَةِ، فَمِنْ أُخْتَيْهَا لازم في نحو قال وباع
__________
(1) قد سبق قريبا شرح هذا الشاهد فارجع إليه في (ص 203 من هذا الجزء) (2) هذا الشاهد من الرجز المشطور، ولم يتيسر لنا الوقوف على قائله، وقوله " وبلدة " الواو فيه واو رب، و " قالصة " اسم فاعل من قَلَصَ الماء في البئر إذا
ارتفع، و " أمواؤها " جمع ماء، و " يستن " معناه يجرى في السنن، وهو الطريق و " رأد الضحى " ارتفاعه، و " أفياؤها " جمع فئ، وهو الظل.
والاستشهاد بالبيت في قوله " أمواؤها " وللعلماء فيه وجهان: أحدهما أن أصلها أمواهها، فقلب الهاء همزة، كما قلبها في المفرد، والوجه الثاني أن هذه الهمزة هي الهمزة التى في الواحد (*)(3/208)
وَآلٍ عَلَى رَأْي، وَنَحْوُ يَاجَلُ ضَعِيفٌ، وَطَائِيٌّ شاذٌّ لاَزِمٌ، وَمِنْ الْهَمْزَةِ فِي نَحْوِ رَأْسٍ، وَمِنَ الْهَاءِ فِي آلٍ عَلَى رَأْي " أقول: قوله " قال وباع " ضابطه كل واو وياء تحركتا وانفتح ما قبلهما، على الشروط المذكورة في باب الإعلال، قوله " ونحو يَاجَلُ ضعيف " أي: وإن كان مطردا في بعض اللغات، كما ذكرنا في باب الإعلال، وضعفه لقلب الواو الساكنة المفتوح ما قبلها ألفاً قوله " وطائي شاذ " وذلك لما ذكرنا، لكنه واجب قوله " في نحو رأس " مطرد لكنه غير لازم إلا عند أهل الحجاز، وضابطه كل همزة ساكنة مفتوح ما قبلها، وفي نحو آدم لازم ويبدل من النون والتنوين وقفاً في نحو رأيت زيدَا وَلَنَسْفَعَا قال: " والياء مع أختيها وَمِنْ الْهَمْزَةِ وَمِنْ أَحَدِ حَرْفِي الْمُضَاعَفِ وَالنُّونِ وَالْعَيْنِ وَالْبَاءِ وَالسِّينِ وَالثَّاءِ، فَمِنْ أُخْتَيْهَا لاَزِمٌ فِي نَحْوِ مِيقَّاتٍ وَغَازٍ وَأَدْل وَقِيَامٍ وَحِيَاضٍ وَمَفَاتِيحَ وَمْفَيْتِيح وَدِيمَ وَسَيِّد، وَشَاذٌّ فِي نَحْوِ حُبْلَى وَصُيَّم وَصِبْيَةٍ وَيَيْجَلُ، وَمِنَ الْهَمْزَةِ فِي نَحْوِ ذِيبٍ، وَمِنَ الْبَاقِي مَسْمُوعٌ كَثِيرٌ فِي نحو أمليت وَقَصَّيْت وَفِي نَحْوِ أَنَاسِيَّ، وَأَمَّا الضَّفَادِي وَالثّعَالِي وَالسَّادِي وَالثَّالِي فَضَعِيفٌ "
أقول: قوله " في نحو ميقات " ضابطه أن يسكن الواو وقبله كسرة، وضابط نحو غازٍ أن يتطرف الواو وقبله كسرة، وضابط نحو أدْلٍ أن يتطرف الواو المضموم ما قبلها على الشرط المذكور، وضابط نحو قِيَام أن تكون العين واواً مكسوراً ما قبلها في مصدر أعِلَّ فعله، وضابط نحو حِياضٍ أن تكون العين واواً في جمع قد سكن عين مفرده، وقبل الواو كسرة، وبعده ألف، وضابط نحو دِيَم أن تكون الواو عيناً قبلها كسرة في جمع ما قد قلبت عينه، وضابط نحو سيِّد أن (*)(3/209)
يجتمع الواو والياء وتسكن أولاهما، وضابط نحو أغزيت أن تقع الواو رابعة فصاعداً متطرفة مفتوحاً ما قبلها على الشرط المذكور قوله " شاذ في نحو حُبْلَى وَصُيَّم " قد ذكرنا في باب الوقف أن حُبْلَى بالياء مطرد عند فزارة، فكان الأولى أن يقول ضعيف لا شاذ، وكذا ذكرنا أن نحو صُيَّم مطرد وإن كان ضعيفاً، وكذا نحو يَيْجَل، قال أبو علي: هو قياس عند قوم وإن كان ضعيفاً، وحكم الزمخشري بشذوذه، وصِبْيَة وَثِيرَةٌ شاذّ كما ذكرنا قوله " ومن الهمزة " هو واجب في نحو إيت، ومطرد غير لازم في نحو ذيب، وتبدل الياء مكان الواو والألف في نحو مُسْلِمَان وَمُسْلِمُونَ، وفي نحو (قراطيس) وقريطيس لكسر ما قبل الألف، وكذا الألف التي بعد ياء التصغير، نحو حُمَيِّر قوله " كثير في نحو أمليت وَقَصَّيْت " يعني بنحوه ثلاثياً مزيدا فيه يجتمع فيه مثلان ولا يمكن الإدغام لسكون الثاني، نحو أمْلَلْتُ، أو ثلاثة أمثال أولها مدغم في الثاني، فلا يمكن الإدغام في الثالث نحو قَصَّيْت وَتَقَضِّيَ البازي (2) ، فيكره اجتماع الأمثال، ولا طريق لهم إلى الإدغام فيستريحون إلى قلب الثاني ياء لزيادة الاستثقال، وإن كان ثلاثياً مجرداً لم يقلب الثاني، فلا يقال في مددت
مديت، أما قولهم " فَلاَ وَرَبْيِك " أي رَبِّك فشاذ، وأبدلوا أيضاً من أول حرفي التضعيف في وزن فِعَّال، إذا كان اسماً، لا مصدراً، ياء، نحو ديماس (3)
__________
(2) تقضى البازى: مصدر تقضض، بمعنى انقض وقد وقع ذلك في قول العجاج: إذا الكرام ابتدروا الباع بدر * تقضى البازى إذا البازى كسر (3) الديماس - بكسر الدال، وتفتح -: الكن، والحمام، وجمعوه على دماميس ودياميس (*)(3/210)
وديباج (1) ودينار وقيراط وشيراز، فيمن قال: دَمَاميس وَدَبَابيج ودنانير وقراريط وشراريز، وهذا الإبدال قياس، إذ لا يجئ فِعَّال غير المصدر إلا وأول حرفي تضعيفه مبدل ياء، فرقاً بين الاسم والمصدر، ولا يبدل في المصدر نحو كذّب كذَّاباً، فإن كان الاسم بالهاء كالصِّنَّارة (2) وَالدِّنَّامَةِ (3) لم يبدل، للأمن من الالتباس، وأما من قال دياميس وديابيج فيجوز أن يكون لم يردهما إلى الأصل وإن زالت الكسرة للزوم الياء في آحادهما ويجوز أن يكون آحادهما على وزن فِيعَال في الأصل من غير أن يكون الياء بدلاً من حرف التضعيف، وأما قولهم شواريز بالواو في شيراز فمبنى على أن أصله شِوْرَاز، وإن لم يكن فوعال في كلامهم، ويجوز أن يكون شواريز أصلها شياريز فأبدلت الياء واواً تشبيهاً للياء بالألف في نحو خَاتمٍ وَخَوَاتم فيكون أصله شيراز، وجاز اجْلِيوَاذ (4) واخْريَواط (5) في مصدر اجْلَوَّذ واخْرَوَّط قوله " أناسيّ " يجوز أن يكون جمع إنسى فلا تكون الياء بدلا من النون، كذا قال المبرد، وأن يكون جمع إنسان، والاصل أناسين، وقد
__________
(1) الديباج - بكسر الدال، وتفتح -: الثياب المتخذة من الابريسم، وتجمع على دبابيج وديابيج
(2) الصنارة - بكسر الصاد المهملة وتشديد النون -: شجرة تعظم وتتسع وليس لها نور ولا ثمر، وهو واسع الورق، وورقه شبيه بورق الكرم، والاكثر فيه تخفيف النون، وجمعه صنار (3) الدنامة والدنمة: القصير من كل شئ (4) اجلوذ الليل: ذهب، واجلوذ بهم السير، إذا دام مع السرعة، انظر (ح 1 ص 55، 112) (5) اخروط: أسرع.
أنظر (ح 1 ص 112) (*)(3/211)
يستعمل أيضا.
فيكون كالظرابى في جمع الظربان (1) وأما العين والباء والسين والثاء، فكقوله: 166 - وَمَنْهَلٍ لَيْسَ لَهُ حَوَازِقُ * وَلِضَفَادِي جمه نقانق (2) وقوله: 167 - لها أشارير من لحم تتمره * من الثعالي ووخز من أرانيها (3)
__________
(1) الظربان - بفتح فكسر، والظرباء -: دابة تشبه القرد على قدر الهر.
انظر (ح 1 ص 198) (2) هذا الشاهد من الرجز المشطور، ولم نقف له على قائل، ويقال: صنعه خلف الاحمر، والمنهل: أصله اسم مكان من نهل بمعنى شرب، ثم استعمل في المورد من الماء، والحوازق: يروى بالحاء المهملة والزاى، وهى الجوانب، ويقال: الحوازق: الجماعات، يريد أنه بعيد مخوف لا يجسر أحد على الدنو منه، والضفادى: الضفادع، واحدها ضفدعة، والجم: أصله الكثير، وما اجتمع من الماء في البئر، ويراد به هنا ماء المنهل لاضافته إلى الضمير العائد إليه، والنقانق:
جمع نقنقة، وهو الصوت المتكرر.
والاستشهاد بالبيت في قوله " ضفادى " حيث قلب العين ياء وأصله ضفادع (3) هذا بيت من البسيط من قصيدة لابي كاهل اليشكرى - وقبله: كأن رحلى على شغواء حادرة * ظمياء قد بل من طل خوافيها والشغواء: العقاب التى في رأسها بياض، وحادرة: نازلة من عال، ويروى حاذرة، ومعناه المتيقظة، والظمياء: العطشى إلى دم الصيد، والطل: المطر الضعيف، والخوافى: جمع خافية، وهى أربع ريشات في جناح الطائر، والاشارير: جمع إشرارة - بكسر الهمزة - وهى اللحم القديد، وتتمره: تجففه، ويروى متمرة، اسم مفعول من ذلك، وروى منصوبا ومجرورا، وصحفه المبرد.
فرواه مثمرة بالمثلثة.
والثعالى: الثعالب، والوخز: قطع اللحم واحدتها وخزة، والارانى: الارانب، والاستشهاد به في قوله " من الثعالى " وقوله " أرانيها " حيث قلب الباء في كل منهما ياء، وأصله " من الثعالب " " وأرانبها " (*)(3/212)
وقوله: 168 - إِذَا مَا عُدَّ أَرْبَعَةٌ فِسَالٌ * فَزَوْجُكِ خَامِسٌ وَأَبُوكِ سَادِي (1) وقوله: 169 - يفديك يازرع أبي وخالي * قد مر يومان وهذا الثالي (2) * وأنت بالهجران لا تبالي * وقد يبدل الياء من الجيم، يقال: شيرة وشييرة في شجرة وشجيرة.
قال: " وَالْوَاوُ مِنْ أُخْتَيْهَا وَمِنَ الْهَمْزَةِ، فَمنْ أُخْتَيْهَا لاَزِمٌ فِي نَحْوِ ضَوَارِبَ وَضُوَيْرِبٍ وَرَحَوِيٍّ وَعَصَوِيٍّ وَمُوقِنٍ وَطُوبَى وَبُوطِرَ وَبَقْوَى، وشَاذّ
ضَعيفٌ فِي هَذَا أَمْرٌ مَمْضُوّ عَلَيْهِ وَنَهُوٌّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَجِبَاوَةٍ، وَمِنَ الْهَمْزِ فِي نَحْوِ جُؤَنَةٍ وَجُؤْنٍ " أقول: قوله " ضَوَارب وضُوَيْرب " ضابطه الجمع الأقصى لفاعِلٍ أو فاعَلٍ كحائِطٍ وخَاتَمٍ، أو مصغرهما، وإنما قلبت واواً في فوَاعل حملاً على فُوَيْعل، لأن التصغير والتكسير من واد واحد، وبينهما تناسب في أشياء، كما مر في بابيهما، وكذا تقلب الألف واواً في ضورب وتضورب.
__________
(1) هذا بيت من الوافر، وينسب إلى النابغة الجعدى يهجو فيه ليلى الاخيلية، وينسب أيضا للحادرة، والفسال: جمع فسل، وهو الرذل من الرجال، وقد فسل الرجل فسالة وفسولة.
والاستشهاد به في قوله " سادى " حيث قلب السين ياء وأصله " سادس " (2) هذا الشاهد من الرجز المشطور، ولم نقف له على قائل، وزرع - بضم فسكون -: مرخم زرعة، والاستشهاد به في قوله " الثالى " حيث قلب الثاء ياء، وأصله الثالث.
(*)(3/213)
قوله " عَصَويّ وَرَحَويّ " ضابطه الألف الثالثة أو الرابعة إذا لحقها ياء النسب، فإنك تقلب الألف واواً، سواء كانت عن واو أو عن ياء، لمجئ الياء المشددة بعدها، وقد مر (1) في باب النسب وباب الإعلال وَجْهُ قلبها واواً، ووجه عدم قلبها ألفا مع تحريكها وانفتاح ما قبلها.
قوله: " موقن وطُوبَى وبوطر " ضابطه كل ياء ساكنة غير مدغمة مضموم ما قبلها بعدها حرفان أو أكثر، إلا في نحو بِيضَان (2) وحِيكَى وضِيزى (3) ، وقولنا " حرفان أو أكثر " احتراز عن نحو بيض.
قوله " وبقوى " ضابطه كل ياء هي لام لفَعْلى اسماً، وكذا يقلب الياء واواً
في نحو عَمَوِيّ قياساً.
قوله " أمر مَمْضُوٌّ عليه " أصله مَمْضُويٌ، لأنه من مضى يمضي، وكذا نَهُوّ عن المنكر أصله نَهُويٌ، كأنه قلب الياء واواً ليكون موافقاً لأَمُور، لأنهم يقولون: هو أَمُورٌ بالمعروف ونهو عن المنكر، ولو قلبوا الواو ياء على القياس لكُسِرَت الضمة فصار نَهِيّاً، فلم يطابق أمُوراً، وقالوا: الْفُتُوَّة (4) والندُوَّة (5) والأصل الْفُتُويَة والنُّدُويَة، وشربت مَشُوًَّا ومَشِيًّا، وهو الدواء
__________
(1) قد ذكر المؤلف علة انقلاب الالف في عصار ورحا واوا في عصوى ورحوى في باب النسب (ح 2 ص 38) وذكر وجه عدم قلب الواو في عصوى ورحوى ألفاً مع تحركها وانفتاح ما قبلها في باب النسب (ح 2 ص 38) أيضا، وفى باب الاعلال (ص 158 من هذا الجزء) (2) انظر (ص 158 من هذا الجزء) (3) انظر (ص 85 من هذا الجزء) (4) الفتوة: الشباب وحداثة السن، انظر (ح 2 ص 257، 258) (5) الندوة: مصدر ندى، يقال: نديت ليلتنا ندى وندوة، إذا نزل فيها مطر خفيف قدر ما يبل وجه الارض (*)(3/214)
الذي يُمْشي البطن، وقالوا: جَبَيْتُ الخراج جِبَاية وَجِبَاوَة، والكل شاذ قوله " ومن الهمزة ": وجوباً في نحو أو من، وجوازاً في نحو جُونَة وجون (1) كما مر في تخفيف الهمز، ويجب أيضا في نحو حَمْرَاوان على الأعرف، وحَمْرَاوات وحَمْرَاوِيّ، وضعف أفعو في أَفْعَيِ كما مر في باب الوقف (2) قال: " وَالْمِيمُ مِنَ الْوَاوِ وَاللاَّمِ وَالنُّونِ وَالْبَاءِ، فَمِنَ الْوَاوِ لاَزِمٌ فِي فَمٍ وَحْدَهُ وضَعِيفٌ فِي لاَم التَّعْريفِ، وَهِي طَائِيَّةٌ، وَمِنَ النُّونِ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ عَنْبَرِ
وشَنْبَاءَ، وَضَعِيفٌ فِي الْبَنَامِ وَطَامَهُ اللهُ عَلَى الْخَيْرِ، وَمِنَ الْبَاءِ في بنات مخر وَمَا زِلْتُ رَاتِماً وَمِنْ كَثَمٍ " أقول: لم يبدل الميم من الواو إلا في فَم، وهذا بدل لازم، وقد ذكرنا في باب الاضافة أن أصله فَوْهٌ، بدليل أَفْوَاهٍ وأفوه وَفُوَيْهَة وتَفَوَّهْتُ، حذفت الهاء لخفائها، ثم أبدلت الواو ميما لئلا تسقط فيبقى المعرب على حرف، وقال الأخفش: الميم فيه بدل من الهاء، وذلك أن أصله فوْه، ثم قلب فصار فَهْو، ثم حذفت الواو وجعلت الهاء ميماً، واستدل على ذلك بقول الشاعر: * هُمَا نَفَثَا فِي فِيَّ مِنْ فَمَوَيْهِمَا (3) * فهو عنده كقوله: 170 - * لا تقلواها وادلواها دلوا * إن مع اليوم أخاه غدوا (4)
__________
(1) الجؤنة: سلة مستديرة مغشاة جلدا يجعل فيها الطيب والثياب (انظر ص 56 من هذا الجزء) (2) انظر الكلام على هذا في (ح 2 ص 285، 286) (3) قد مضى شرح هذا الشاهد في (ح 2 ص 66) (4) هذا بيت من الرجز، ولم نقف على قائله، وتقلواها: مضارع مسند لالف الاثنين، وأصله من قلا الحمار الاتان يَقْلُوها قَلْواً، إذا طردها وساقها، (*)(3/215)
في رد المحذوف للضرورة، والميم والواو شفويتان، والميم تناسب اللام والنون لكونهما مجهورتين وبين الشديدة والرخوة قوله " وضعيف في لام التعريف " قال عليه السلام: " لَيْسَ مِنْ امْبرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَر "
قوله " ومن النون لازم " ضابطه كل نون ساكنة قبل الباء: في كلمة كَعَنْبَرٍ، أو كلمتين نحو سَمِيعٌ بَصِير وذلك أنه يتعسر التصريح بالنون الساكنة قبل الباء، لأن النون الساكنة يجب إخفاؤها مع غير حروف الحلق كما يجئ في الإدغام، والنون الخفية ليست إلا في الغنة التي مُعْتَمَدُها الأنف فقط، والباء معتمدها الشفة، ويتعسر اعتمادان متواليان على مَخْرَجي النفس المتباعدين فطلبت حرف تقلب النون إليها متوسطة بين النون والباء، فوجدت هي الميم، لأن فيه الغنة كالنون، وهو شفوي كالباء، وأما إذا تحركت النون نحو شنب (1) ونحوه فليست النون مجرد الغنة، بل أكثر معتمدها الفم بسبب تحركها، فلا جرم انقلب ميماً، وضعف إبدالها من النون المتحركة، كما قال رؤبة: 171 - ياهال ذات المنطق التمتام * وكفك المخضب البنام (2)
__________
والمراد لا تعنفا في سوقها، وادلواها: مضارع مسند لالف الاثنين كذلك، وتقول: دلوت الناقة دلوا، إذا سيرتها رويدا، يريد لا تشقا على هذه الناقة وارفقا بها، وغدوا: يريد به غدا، برد اللام المحذوفة، ومثله قول لبيد: وَمَا النَّاسُ إلاَّ كَالدِّيَارِ وَأَهْلُهَا * بِها يَوْمَ حلوها، وغدوا بلاقع وكذلك قول عبد المطلب بن هاشم في بعض الروايات: لا يغلبن صليبهم * ومحالهم غدوا محالك (1) الشنب: ماء ورقة وعذوبة وبرد في الاسنان، وفعله شنب - كفرح - والفم أشنب، والمرأة شنباء، وقد قلبوا النون ميما فقالوا شمباء (2) هذا الشاهد من بحر الرجز، ينسب لرؤبة بن العجاج، وهال: مرخم (*)(3/216)
ويقال: طَامَه الله على الخير: أي طانه، من الطينة (1) : أي جبله، قال: 172 - * ألاَ تِلْكَ نَفْسٌ طِينَ مِنْهَا حَيَاؤُهَا (2) * ولم يسمع لطام تصرف،
بنات بَخر وَبَنَات مخر: سحائب يأتين قُبُلَ الصيف بيض منتصبات في السماء، وقال ابن السري: هو مشتق من البخار، وقال ابن جني: لو قيل إن بنات مخر من المخر بمعنى الشق من قوله تعالى: (وَتَرَى الفلك فِيهِ مواخر) لم يبعد.
قال أبو عمرو الشيباني: يقال: ما زلت رَاتِماً على هذا، وراتباً: أي مقيماً، فالميم بدل من الباء، لأنه يقال: رَتَمَ مثل رَتَبَ، قال ابن جني: يحتمل أن تكون الميم أصلاً من الرَّتَمَة، وهى خيط يشد على الإصبع لتستذكر به الحاجة، وهو أيضاً ضرب من الشجر، قال:
__________
هالة، وأصلها الدائرة حول القمر، ثم سمى به، والتمتام: الذي فيه تمتمة: أي تردد في الكلام.
والاستشهاد بالبيت في قوله " البنام " حيث قلب النون ميما وأصله البنان.
(1) الطينة: الجبلة والطبيعة (2) هذا عجز بيت من الطويل، أنشده أبو محرز خلف بن محرز الاحمر، وهو مع بيت سابق عليه قوله: لَئِنْ كَانَتِ الدُّنْيَا لَهُ قَدْ تَزَيَّنَتْ * عَلَى الأَرْضِ حَتَّى ضَاقَ عَنْهَا فَضَاؤُهَا لَقَدْ كَانَ حُرّاً يستحى أن يضمه * إلى تِلْكَ نَفْسٌ طِينَ فِيهَا حياؤها ومنه تعلم أن عجز البيت الذى رواه المؤلف قد صحف عليه من ثلاثة أوجه: الاول " إلى " إذا وضع بدلها " ألا " الاستفتاحية، الثاني قوله " فيها " الذى وضع بدله " منها ".
وفى بعض نسخ الشرح " ألا كل نفس " وهى التى شرح عليها البغدادي، فهذا هو التحريف الثالث.
والاستشهاد بالبيت في قوله " طين " ومعناه جبل، وهذا يدل على أن قولهم: طانه الله معناه جبله (*)(3/217)
173 - هل ينفعنك اليوم إن همت بهم * كثرة مَا تُوصِي وَتَعْقَادُ الرَّتَمْ (1) وذلك أنه كان الرجل منهم إذا أراد سفراً عمد إلى غُصْنَين من شجرتين يقرب أحدهما من الآخر ويعقد أحدهما بصاحبه، فإن عاد ورأى الغصنين معقودين بحالهما قال: إن امرأته لم تَخُنه، وإلا قال: إنها خانته.
وقال يعقوب: يقال: رأيناه من كَثَم: أي كثب أي قرب، ويتصرف في كثب يقال: أكْثَبَ الأمر: أي قرب قال: " وَالنُّونُ مِنَ الْوَاوِ وَاللاَّمِ شَاذٌّ فِي صَنْعَانِيٍّ وَبَهْرَانِيٍّ وَضَعِيفٌ فِي لَعَنَّ " أقول: قوله " في صنعاني وبهراني " منسوبان إلى صَنْعَاء وبَهْرَاء، فعند سيبويه النون بدل من الواو، لأن القياس صَنْعَاوِي، كما تقول في حمراء: حَمْرَاوِي، وهما متقاربان بما فيهما من الغنة، وأيضاً هما بين الشديدة والرخوة وهما مجهروتان، وقال المبرد: بل أصل همزة فَعْلاَء النون، واستدل عليه برجوعها إلى الأصل في صنعاني وبهراني، كما ذكرنا في باب مالا ينصرف، (2)
__________
(1) هذا بيت من الرجز لم نقف له على قائل، وينفعنك: مضارع مؤكد بالنون الخفيفة، لوقوعه بعد الاستفهام، وفاعله قوله " كثرة ما تعطى ".
وإن: شرطية، والرتم: اسم جنس جمعى واحده رتمة، والرتمة: الخيط الذى يشد في الإصبع لتستذكر به الحاجة، والاستشهاد به في قوله " الرتم " وهو مأخوذ من الرتمة، وذلك يدل على أن الميم أصلية وليست مبدلة من الباء، وهذا أحد وجهين للعلماء في قولهم: ما زلت راتما: أي مقيما، وهو وجه ذكره ابن جنى ونقله عنه المؤلف بتوجيه، والوجه الاخر أن الميم بدل من الباء، وهو وجه ذكره أبو عمرو الشيباني كما قال المؤلف، لانهم يقولون: مازلت راتبا، وما زلت راتما، بمعنى واحد.
(2) قد نقلنا لك عبارته التى يشير إليها، واستكملنا بحث هذه المسألة في (ح 2 ص 58، 59) (*)(3/218)
والأولى مذهب سيبويه، إذ لا مناسبة بين الهمزة والنون قوله " وضعيف في لَعَنَّ " قيل: النون بدل من اللام، لأن لعل أكثر تصرفاً، وقيل: هما أصلان لأن الحرف قليل التصرف قال: " وَالتَّاءُ مِنَ الْوَاوِ وَالْيَاءِ وَالسِّين وَالْبَاءِ والصَّادِ، فَمِنَ الْوَاوِ والْيَاءِ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ اتَّعَدَ وَاتَّسَرَ عَلَى الأَفْصَحِ، وشَاذّ فِي نَحْوِ أَتْلَجَهُ وَفِي طَسْتِ وَحْدَهُ وَفِي الذَّعَالِتِ ولَصْت ضَعِيفٌ " أقول: قوله " نحو اتعد واتسر " أي: كل واو أو ياء هو فاء افتعل كما مر في باب الإعلال قوله " أتلجه " قال: 174 - رُبَّ رَامٍ مِنْ بَنِي ثُعَلٍ * مُتْلِجٍ كَفَّيْهِ فِي قُتَرِه (1) وضربه حتى أَتْكَأَه (2) ، ومنه تُجَاه (3) وتُكَلة (4) وتيقور (5)
__________
(1) هذا بيت من المديد، وهو مطلع قصيدة لامرئ القيس بن حجر الكندى بعده: قَدْ أتَتْهُ الْوَحْشُ وَارِدَةً * فَتَنَحَّى النَّزْعُ فِي يسره وثعل - كعمر -: أبو قبيلة من طى يقال: إنه أرمى العرب، وهو ثعل بن عمرو ابن الغوث بن طى، ومتلج: اسم فاعل من أولج: أي أدخل، وأصله مولج، فأبدل من الواو تاء، والقتر، جمع قُتْرَة - بضم فسكون - وهي حظيرة يكَمُن فيها الصياد لئلا يراه الصيد فينفر، ويروى " في ستره "، والاستشهاد بالبيت في قوله " متلج " حيث بدل التاء من الواو كما ذكرنا
(2) اتكأه: أصلها أوكأه، فأبدل من الواو تاء، ومعناه وسده، وقيل: معنى أتكأه ألقاه على جانبه الايسر، وقيل: ألقاه على هيئة المتكئ (3) تقول: قعد فلان تجاه فلان، أي تلقاءه، والتاء بدل من الواو، وأصله من المواجهة (4) انظر (ج 1 ص 215) (5) التيقور: الوقار، وهى فيعول، وأصلها ويقور، فأبدلت الواو تاء، قال العجاج: * فإن يكن أمسى البلى تيقورى * (*)(3/219)
من الوقار، وتُخَمة (1) وتهمة (2) وتقوى (3) وَتُقَاة وَتَتْرَى (4) من المواترة وتَوْراة من الْوَرْي (5) وهو فَوْعَلة لندور تفعلة، وكذا تولج (6) وتوأم (7) وأُخْت وبنت (8) وَهَنْتٌ وأَسْنَتُوا (9) من السَّنة قوله " طست " لان جمعه طُسُوس لا طُسُوت قوله " وحده " إنما قال ذلك مع قولهم سِتّ لأن الإبدال فيه لاجل
__________
(1) التخمة: الثقل الذى يصيبك من الطعام.
انظر (ح 1 ص 216) (2) التهمة: ظن السوء.
انظر (ح 1 ص 216) (3) التقوى: اسم من وقيت، وأصلها الحفظ، ثم استعملت في مخافة الله، وأصل تقوى وقوى، فأبدلت الواو تاء (4) تترى: أصلها وترى من المواترة وهى المتابعة، أبدلت واوها تاء إبدالا غير قياسي، وانظر (ح 1 ص 195 وص 81 من هذا الجزء) (5) انظر (ص 81 من هذا الجزء) (6) انظر (ص 80 من هذا الجزء) (7) التوأم: الذى يولد مع غيره في بطن: اثنين فصاعدا من جميع الحيوان، وهو من الوئام الذى هو الوفاق، سمى بذلك لانهما يتوافقان في السن، وأصله
ووءم بزنة فوعل كجوهر، فأبدلت الواو الاولى تاء كراهة اجتماع الواوين في صدر الكلمة، وحمله على ذلك أولى من حمله على تفعل، لان فوعلا أكثر من تفعل، وانظر (ح 2 ص 167) (8) قد استوفينا الكلام على هذه الالفاظ في (1 ص 220) وفى (ح 2 ص 255 - 257) فارجع إليها هناك (9) يقال: أسنت القوم، إذا أجدبوا، وأصلها من السنة، فلامها في الاصل واو، وأصل اسنتوا على هذا اسنووا فأبدلت الواو تاء.
وانظر (ح 1 ص 221) (*)(3/220)
الادغام، وهى تركيب التسديس، وقال: 175 - يَا قَاتَلَ اللهُ بَنِي السِّعْلاَة * عَمْرِو بْنِ يِرْبُوع شِرَارَ النَّاتِ * غيْرِ أعفاء ولا أكيات (1) * وهو نادر قوله " ذعالت " قال: 176 - صَفْقَةَ ذِي ذَعَالِتٍ سُمُولِ * بَيْعَ امْرِئٍ لَيْسَ بِمُسْتَقِيل (2) أي: ذعالب، قال ابن جني: ينبغي أن تكونا لغتين، قال: وَغَيْرُ بعيد أن تبدل التاء من الباء، إذ قد أبدلت من الواو، وهى شريكة الباء من الشفة،
__________
(1) هذه أبيات من الرجز المشطور، وهى لعلباء بن أرقم اليشكرى يهجو فيها بنى عمرو بن مسعود، وقيل بنى عمرو بن يربوع ويقال لهم: بنو السعلاة، وذلك أنهم زعموا أن عمرو بن يربوع تزوج سعلاة: أي غولا، فأولدها بنين، وقوله " يا قاتل الله " المنادى فيه محذوف، والجملة بعده دعائية، وقوله عمرو بن
يربوع - بالجر - بدل من السعلاة، وكأنه قال بنى عمرو بن يربوع، وأعفاء: جمع عفيف، وأكيات: أصله أكياس جمع كيس، بتشديد الياء مكسورة - والاستشهاد بالبيت في قوله " النات " وفى قوله " أكيات " حيث أبدل السين تاء (2) هذا الشاهد من الرجز المشطور، وقائله أعرابي من بنى عوف بن سعد، هكذا ذكروه ولم يعينوه.
وصفقة: منصوب على أنه مفعول مطلق، وتقول: صفقت له بالبيع صفقا، إذا أنفذت البيع وأمضيته، وكانوا إذا أبرموا بيعا صفق أحد المتبايعين بيده على يد الاخر: أي ضرب، فكان ذلك علامة على إمضائه، والذعالت: الذعالب، وهى جمع ذعلبة - بكسرتين بينهما سكون - وهو طرف الثوب أو ما تقطع منه، وسمول: جمع سمل - كأسد وأسود - وهو الخلق البالى والمستقيل: الذى يطلب فسخ البيع، والاستشهاد بالبيت في قوله " ذعالت " حيث أبدل الباء تاء على ما بيناه (*)(3/221)
هذا كلامه، والأولى أن أصلها الباء، لأن الذعالب أكثر استعمالاً، وهو بمعنى الذعاليب، واحدها ذُعْلُوب، وهي قطع الخرق الأخلاق وقالوا في لص: لَصْت: وجمعوه على اللُّصُوت أيضاً، قال: 177 - فَتَرَكْنَ نَهْداً عُيّلاً أبْنَاؤُهَا * وَبَنِي كِنَانَة كَاللُّصُوتِ الْمُرَّدِ (1) وجاء بدلاً من الطاء، قالوا: فُسْتَاطٌ في فسطاط (2) قال: " وَالْهَاءُ مِنَ الْهَمْزَةِ وَالأَلِفِ وَالْيَاءِ وَالتَّاءِ، فَمِنَ الْهَمْزَةِ مَسْمُوعٌ فِي هَرَقْتُ وَهَرَحْتُ وَهِيَّاكَ وَلَهِنَّكَ وَهِنْ فَعَلْتَ، في طيئ، وَهَذَا الَّذِي فِي أذَا الَّذِي، وَمِنَ الأَلِفِ شَاذٌّ في أَنَهُ وَحَيَّهلهْ وفى مه مستف؟ ؟ وَفِي يَاهَنَاهْ عَلَى رَأي، وَمِنَ الْيَاءِ فِي هذِهِ، وَمِنَ التَّاءِ في باب رحمة؟ قفا "
أقول: يقال هَنَرتُ الثوب: أي أنرته (3) وَهَرَحْتُ الدابة: أي أرَحْتَها،
__________
(1) هذا البيت من بحر الكامل، وقد نسبه الصاغانى في العباب إلا عبد الاسود ابن عامر بن جوين الطائى، وتهد: أبو قبيلة من اليمن، وعيل: جمع عائل - كصوم جمع صائم - من عال يعيل يعيل عيلة، إذا افتقر، ومُرَّد: جمع مارد، من مَرَدَ من باب نصر، إذا خبث وعتا، وربما كان من مرد بمعنى مرن ودرب.
ومعنى البيت أنهم تركوا أبناء هذه القبيلة فقراء، لانهم قتلوا آباءهم، وكذلك قتلوا آباء بنى كنانة فجعلوهم فقراء حتى صاروا من شدة الفقر كاللصوص المرد.
والاستشهاد بالبيت في قوله " كاللصوت " حيث أبدل الشاعر الصاد تاء (2) الفسطاط: ضرب من الابنية دون السرداق يكون في السفر، وانظر (ح 1 ص 17) (3) يقال: نرت الثوب أنيره - من باب باع - وأنرته، ونيرته - بالتضعيف - إذا جعلت له علما، ويقال للعلم: النير - بالكسر - روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: لولا أن عمر نهى عن النير لم نر بالعلم بأسا، ولكنه نهى عن النير (*)(3/222)
وحكى اللحيانى: هردت الشئ: أي أردته، أُهَريدَه، بفتح الهاء، كهرقته أُهَريقه، وقال: 178 - فَهِيَّاكَ وَالأَمْرَ الَّذِي إنْ تَوَسَّعَتْ * مَوَارِدُهُ ضَاقَتْ عليك المصادر (1) والهاء بدل، لان إياك أكثر، وقد مضى الكلام في لهنك في الحروف المشبهة بالفعل (2) وطيئ تقلب همزة إن الشرطية هاء، وحكى قطرب: هزيد
__________
(1) هذا البيت من الطويل، وقد أورد أبو تمام في باب الأدب من الحماسة ونسبه في كتاب مختار أشعار القبائل إلى طفيل الغنوى، والموارد: جمع مورد،
وهو المدخل، والمصادر: جمع مصدر، وهو المخرج.
والاستشهاد بالبيت في قوله " فهياك " حيث أبدل الهمزة هاء (2) قال المؤلف في شرح الكافية (ج 2 ص 332) : " واعلم أن من العرب من يقول: لهنك لرجل صدق، قال: لهنا لمقضى علينا التهاجر قال: لهنى لاشقى الناس إن كنت غارما وقد يحذف اللام، وهو قليل، قال: ألا ياسنا برق على قلل الحمى * لهنك من برق على كريم وفيه ثلاثة مذاهب: أحدها لسيبويه، وهو أن الهاء بدل من همزة إن كاياك وهياك، فلما غيرت صورة إن بقلب همزتها هاء جاز مجامعة اللام إياها بعد الامتناع، والثانى قول الفراء، وهو أن أصله: والله إنك، كما روى عن أبى أدهم الكلابي: له ربى لا أقول ذلك، بقصر اللام، ثم حذف حرف الجر، كما يقال: الله لافعلن، وحذفت لام التعريف أيضا، كما يقال: لاه أبوك، أي لله أبوك، ثم حذفت ألف فعال كما يحذف من الممدود إذا قصر، كما يقال: الحصاد، والحصد، قال: ألا لا بارك الله في سهيل * إذ ما الله بارك في الرجال (*)(3/223)
منطلق، في ألف الاستفهام، أنشد الاخفش: 179 - وأتت صواحبها فقلن هذا الذي * مَنَحَ الْمَوَدَّةَ غَيْرَنَا وَجَفَانَا (1) أي: أذا الذي، ويقال في أيا في النداء: هَيَا، وفي أما والله: هَمَا قوله " أَنهْ " قيل: الهاء بدل من الألف في الوقف، لأن الألف في الوقف،
أكثر استعمالاً من الهاء، وقد ذكر في الوقف أن الهاء للسكت كما في قِهْ ورَهْ، وكذا في حَيَّهَلهْ، وأما قولهم " مَهْ " فالأولى كون هائها بدلاً من الألف، كما في قوله: 180 - قَدْ وَرَدَتْ مِنْ أَمْكِنَهْ * من ههنا وَمنْ هُنَهْ (2) ويجوز أن يقال: حذف الألف من ما الاستفهامية غير المجرورة كما يحذف من ما المجرورة.
نحو فِيمَ وإلاَمَ، ثم دُعِمَ بهاء السكت كما في رَهْ وقِهْ
__________
ثم حذفت همزة إنك، وفيما قال تكلفات كثيرة، والثالث: ما حكى المفضل ابن سلمة عن بعضهم أن أصله لله إنك، واللام للقسم، فعمل به ما عمل في مذهب الفراء، وقول الفراء أقرب من هذا، لانه يقال: لهنك لقائم، بلا تعجب " اه (1) هذا بيت من الكامل، قال البغدادي: " وقائله مجهول، ويشبه أن يكون من شعر عمر بن أبي ربيعة المخزومى، فأنه في غالب شعره أن النساء يتعشقنه " اه.
وقد راجعنا ديوان عمر بن أبى ربيعة فوجدنا له قصيدة على هذا الروى أولها: يا رب إنك قد علمت بأنها * أهوى عبادك كلهم إنسانا ولم نجد فيها هذا البيت كما لم نجد على هذا الروى غير هذه القصيدة.
وقد قال في اللسان: " أنشده اللحيانى عن الكسائي لجميل.
وقوله " وأتت صواحبها " هو في اللسان " وأتى صواحبها ".
والصواحب: جمع صاحبة، والاستشهاد به في قوله " هذا الذى " حيث أبدل الهمزة التى للاستفهام هاء، وأصله " أذا الذى " (2) هذا بيت من الرجز المجزوء لم نعرف قائله، والضمير في وردت للابل.
والاستشهاد بالبيت في قوله " هنه " حيث أبدل الالف هاء للوقف، وأصله هنا (*)(3/224)
قوله " في ياهناه " قد ذكرنا الخلاف (1) فيه وأن الهاء فيه للسكت عند أبي زيد والأخفش والكوفيين، وبدل من الواو عند البصريين، وأصله عندهم هَنَاوٌ
لقولهم هَنَوَات، وقيل: الهاء أصل، وهو ضعيف لقلة باب سَلَس وقَلَق، وهاءُ هذه بدل من الياء كما ذكرنا في الوقف عند بني تميم، فليرجع إليه في معرفته (2) ولا يطرد هذا في كل ياء، فلا يقال في الذي: الذهْ قوله " ومن التاء في رحمة وقفا " مضى في الوقف (3)
__________
(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 129) : " ومنه (يريد من كنايات الاعلام) يا هناه للمنادى غير المصرح باسمه تقول في التذكير: يا هن، وياهنان، ويا هنون، وفى التأنيث: يا هنة، ويا هنتان، ويا هنات، وقد يلى أواخرهن ما يلى أواخر المندوب وإن لم تكن مندوبة، تقول: يا هناه - بضم الهاء - في الاكثر، وقد تكسر كا ذكرنا في المندوب، وهذه الهاء تزاد في السعة وصلا ووقفا مع أنها في الاصل هاء السكت، كما قال: * يا مرحباه بحمار ناجيه * وقال: * يا رب يا رباه إياك أسل * في حال الضرورة، هذا قول الكوفيين وبعض البصريين، ولما رأى أكثر البصريين ثبوت الهاء وصلا في السعة أعنى في هناه مضمومة ظنوا أنها لام الكلمة التى هي واو في هنوات كما أبدلت هاء في هنيهة، وقال بعضهم: هي بدل من الهمزة المبدلة من الواو إبدالها في كساء - وإن لم يستعمل هناه - كما أبدلوا في " إياك " فقالو: هياك، ومجئ الكسر في هاء هناه يقوى مذهب الكوفيين، وأيضا اختصاص الالف والهاء بالنداء، وأيضا لحاق الالف والهاء في جميع تصاريفه وصلا ووقفا - على ما حكى الاخفش - نحو يا هناه، ويا هناناه أو يا هنانيه، كما مر في المندوب، ويا هنوناه، ويا هنتاه، ويا هنتاناه أو يا هنتانيه، ويا هناتاه " اه (2) انظر (ح 2 ص 286، 287)
(3) انظر (ح 2 ص 288 وما بعدها) (*)(3/225)
قال: " واللَّامُ مِنَ النُّونِ وَالضَّادِ فِي أُصْيَلاَلٍ قَلِيلٌ، وفِي الْطَجَعَ ردئ " أقول: أصل أُصَيْلاَل أُصَيْلاَن، وهو إن كان جمع أصيل كرغيف ورغفان، وهو الظاهر، فهو شاذ من وجهين: أحدهما إبدال اللام من النون، والثاني تصغير جمع الكثرة على لفظه، وإن كان أُصْلاَنٌ واحداً كرُمَّان وقُرْبَان، - مع أنه لم يستعمل - فشذوذه من جهة واحدة، وهي قلب النون لاماً، قال الأخفش: لو سميت به لم ينصرف، لأن النون كالثابتة، يدل على ذلك ثبات الألف في التصغير كما في سُكَيْرَان، وكذا هَرَاق إذا سميت به غَيْرُ منصرف، لأن الهمزة في حكم الثابت قوله " الْطَجع " من قوله: لَمَّا رأَى أنْ لاَدَعَه وَلاَ شَبَعْ * مَالَ إلى أرطاة حقف فالطجع (1) قال: " والطَّاءُ مِنَ التَّاءِ لاَزِمٌ فِي اصْطَبَرَ، وشاذٌّ فِي فَحَصْطُ " أقول: قوله " في اصْطَبر " يعني إذا كان فاء افتعل أحد الحروف المطبقة المستعلية، وَهِيَ الصَّادُ والضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ، وذلك لأن التاء مهموسة لا إطباق فيها، وهذه الحروف مجهورة مطبقة، فاختاروا حرفاً مستعلياً من مخرج التاء، وهو الطاء، فجعلوه مكان التاء، لأنه مناسب للتاء في المخرج والصادِ والضاد والظاء في الاطباق قوله " وشذ في فَحَصْطُ " هذه لغة بني تميم، وليست بالكثيرة، أعني جعل الضمير طاء إذا كان لام الكلمة صادا أو ضاداً، وكذا بعد الطاء والظاء، نحو فحصط برجلي، (2)
__________
(1) قد سبق شرح هذا البيت فارجع إليه في (ح 2 ص 324)
(2) فحصط: أصلها فحصت، فأبدلت تاء الضمير طاء، والفحص: البحث، وفعله من باب فتح (*)(3/226)
وحِصْط عنه (1) : أي حِدْتُ وَأَحَطّ (2) وحفط (3) وإنما قلَّ ذلك لأن تاء الضمير كلمة تامة، فلا تغير، وأيضاً هو كلمة برأسها، فكان القياس أن لا تؤثر حروف الإطباق فيها، ومَنْ قلبَه فلكونه على حرف واحد كالجزء مما قبله، بدليل تسكين ما قبله، فهو مثل تاء افتعل قال: " وَالدَّالُ مِنَ التَّاءِ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ ازْدَجَرَ وَادَّكَرَ، وشَاذٌّ فِي نَحْوِ فُزْدُ واجْدَمَعُوا واجدز وَدَوْلج " أقول: إذا كان فاء افتعل أحلا ثلاثة أحرف: الزاي، والدال، والذال، قلبت تاء الافتعال دالاً، وأدغمت الدال والذال فيها، نحو أدَّانَ وادكر، كما يجئ، وقد يجوز أن لا يدغم الذال نحو إذ دكر، والقلب الذي للإدغام ليس مما نحن فيه، كما ذكرنا في أول هذا الباب، والحروف الثلاثة مجهورة، والتاء مهموسة، فقلبت التاء دالاً، لأن الدال مناسبة للذال والزاي في الجهر، وللتاء في المخرج، فتوسط بين التاء وبينهما، وإنما أدغمت الذال في الدال دون الزاي لقرب مخرجها من مخرج الدال وبُعْدِ مخرج الزاي منها قوله " وادّكر " قلبُ التاء دالاً بعد الذال المعجمة لازم، وبعد القلب الإدغامُ أكثر من تركه، فإن أدغمت فإما أن تقلب الأولى إلى الثانية، أو بالعكس، كما يجئ في باب الإدغام
__________
(1) حصط: أصلها حصت، فأبدلت تاء الضمير طاء، وتقول: حاص عن الشئ يحيص حيصا وحيصة وحيوطا ومحيصا ومحاصا وحيصانا، إذا حاد عنه وعدل.
(2) أصل أحط: أحطت، فأبدلت تاء الضمير طاء، ثم أدغمت الطاء في الطاء، وتقول: أحاط بالشئ يحيط به إحاطة، إذا أحدق به كله من جوانبه، وكل من أحرز الشئ كله وبلغ علمه أقصاه فقد أحاط به (3) أصل حفظ: حفظت، فأبدلت التاء طاء، ثم أبدلت الظاء المعجمة طاء مهملة، ثم أدغمت الطاء في الطاء (*)(3/227)
قوله " وشاذ في فُزْدُ " حاله كحال فَحَصْطُ، وقد ذكرناه، وكذا شذ قلبه بعد الدال، نحو جُدْدُ في جُدْتُ، وقد شذ قلب تاء الافتعال بعد الجيم، لأن الجيم وإن كانت مجهورة والتاء مهموسة إلا أنها أقرب إلى التاء من الزاي والذال، فيسهل النطق بالتاء بعد الجيم، ويصعب بعد الزاي والذال، قال: 181 - فَقُلْتُ لِصَاحِبي لاَ تَحْبِسَانَا * بِنَزْعِ أصُولِهِ وَاجْدَزَّ شِيحَا (1) ولا يقاس على المسموع منه، فلا يقال اجْدَرَأَ (2) واجْدَرَحَ (3) ، والدولج:
__________
(1) هذا البيت من الوافر، وهو من كلمة لمضرس بن ربعى الفقعسى، وأولها قوله: وَضَيْفٍ جَاءَنَا وَاللَّيْلُ دَاج * وَرِيحُ القُرِّ تَحْفِزُ منه روحا وقوله " والليل داج " معناه مظلم، والقر - بالضم -: البرد، وتحفز: تدفع، وقوله " فقلت لصاحبي الخ " خاطب الواحد بخطاب الاثنين في قوله " لا تحبسانا " ثم عاد إلى الافراد في قوله " واجدز شيحا " وليس هذا بأبعد من قول سويد ابن كراع العكلى: فإن تزجراني يا ابن عفان انزجر * وإن تدعانى أحم عرضا ممنعا ويروى في بيت الشاهد:
* فقلت لحاطبي لا تحبسني * والكلام على هذه الرواية جار على مهيع واحد.
والمعنى لا تؤخرنا عن شئ اللحم بتشاغلك بنزع أصول الحطب، بل اكتف بقطع ما فوق وجه الارض منه، والاستشهاد بالبيت في قوله " واجدز " وهو افتعل من الجز، وأصله اجتز، وبه يروى، فأبدل التاء دالا إبدالا غير قياسي (2) اجدرأ: هو افتعل من الجرأة التى هي الاقدام على الشئ، وأصله اجترأ فأبدل التاء دالا (3) اجدرح: هو افتعل من الجرح، وأصله اجترح، فأبدل التاء دالا، (*)(3/228)
الكناس، من الولوج، قلبت الواو تاء، ثم قلبت التاء دالاً، وذلك لأن التولج أكثر استعمالاً من دولج، وقلبت التاء دالاً في ازدجر واجد مع لتناسب الصوت، كما في صَوِيق، بخلاف دَوْلج.
قوله: " وَالْجِيمُ مِنَ الْيَاءِ الْمُشدَّدَةِ فِي الْوَقْفِ، فِي نَحْوِ فُقَيْمِجٍّ، وَهُوَ شَاذٌّ ومِنْ غَيْرِ الْمُشَدَّدَةِ فِي نَحْوِ * لاَهُمَّ إنْ كُنْتَ قَبِلْتَ حَجَّتِجْ * أشذ، ومِنَ الْيَاءِ الْمَفْتُوحَةِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ * حَتَّى إذَا مَا أَمْسَجَتْ وَأَمْسَجَا * أشَذُّ " الجيم والياء أختان في الجهر، إلا أن الجيم شديدة، فإذا شُدّدت الياء صارت قريبة غاية القرب منها، وهما من وسط اللسان، والجيم أبين في الوقف من الياء، فطلب البيان في الوقف، إذ عنده يخفي الحرف الموقوف عليه، ولهذا يقال في حُبْلَيْ - بالياء -: حُبْلَوْ بالواو - وقد تقلب الياء المشددة لا للوقف جيما، قال: 182 - كأن في أذنا بهن الشُّوَّلِ * مِنْ عَبَسِ الصَّيْفِ قُرُونَ الاجل (1)
__________
ومن هذا تقول: جرح فلان الاثم واجترحه، إذا كسبه، قال تعالى (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات)
(1) هذا الشاهد بيتان من مشطور الرجز من أرجوزة طويلة لأبي النجم العِجْلي أولها: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الأَجْلَلِ * الْوَاسِعِ الْفَضْلِ الْوَهُوبِ الْمُجْزِلِ والضمير في أذنابهن عائد للابل، والشول: جمع شائل، وتقول: شالت الناقة بذنبها تشول، إدا رفعته للقاح وقد انقطع لبنها، والعبس - بفتحتين -: ما يعلق بأذناب الإبل من أبعارها وأبوالها فيجف عليها، وأضافه إلى الصيف، لانه يكون في ذلك الوقت أجف وأيبس، والاجل - بكسر الهمزة وضمها مع تشديد الجيم مفتوحة -: الوعل، وهو تيس الجبل.
شبه ما يعلق بأذناب النوق في زمن الصيف بقرون التيس الجبلى في صلابته ويبسه، والاستشهاد بالبيت في قوله " الاجل " حيث أبدل الياء المشددة جيما في غير الوقف (*)(3/229)
وقد جاء في المخففة في الوقف، لكنه أقل من المشددة، وذلك أيضاً لبيان الياء في الوقف، وقد جاء من الياء في غير الوقف، قال: 183 - * حَتَّى إذَا مَا أمْسَجَتْ وَأَمْسَجَا (1) * أي: أمْسَيَتْ وأمْسَى، فلما أبدلت جيماً لم ينقلب ألفاً، ولم يسقط للساكنين، كالياء في أَمْسَتْ وأَمْسَى، وفي قوله " في الياء المخففة أشذ " دلالة على أن ذلك في المشددة شاذ، وإنما كان في المخففة أقل لأن الجيم أنسب بالياء المشددة، كما قلنا، وإنما كان في نحو أمْسَجَتْ أشذَّ لأن الأصل أن يبدل في الوقف لبيان الياء، والياء في مثله ليس بموقوف عليه.
قال: " والصَّادُ مِنَ السِّينِ الَّتِي بَعْدَهَا غَيْنٌ أو خَاءٌ أَوْ قَافٌ أَوْ طَاءٌ جَوَازاً، نَحْوُ أصْبَغَ، وصَلَخَ، وَمَسَّ صَقَرَ، وصِرَاطٍ " أقول: أعلم أن هذه الحروف مجهورة مستعلية، والسين مهموس مُسْتَفِل،
فكرهوا الخروج منه إلى هذه الحروف، لثقله فأبدلوا من السين صاداً، لأنها توافق السين في الهمس والصفير، وتوافق هذه الحروف في الاستعلاء، فتجانس الصوت بعد القلب، وهذا العمل شبيه بالإمالة في تقريب الصوت بعضه من بعض، فإن تأخرت السين عن هذه الحروف لم يسغ فيها من الإبدال ما ساغ وهي متقدمة، لأنها إذا تأخرت كان المتكلم منحدراً بالصوت من عال، ولا يثقل ذلك ثقَلَ التصعُّد من مُنْخَفِضٍ، فلا تقول في قست: قِصْت، وهذه الحروف تجوِّز القلب: متصلةً بالسين كانت كصَقَر، أو منفصلة بحرف نحو صَلَخَ، أو بحرفين أو ثلاثة
__________
(1) هذا بيت من الرجز المشطور لم نعثر له على نسبة إلى قائل ولا على سابق أو لاحق، ونسبه بعض العلماء إلى العجاج، وقد اختلفوا في الضمير في قوله " أمسجت وأمسجا " فقيل: هما عائدان إلى أتان وعير، وقيل: هما عائدان إلى نعامة وظليم، والاستشهاد في قوله " أمسجت وأمسجا " حيث أبدل الياء المخففة جيما في غير الوقف، قال في اللسان: " أبدل مكان الياء حرفا جلدا شبيها بها، لتصح له القافية والوزن " اه (*)(3/230)
نحو صَمْلَقٍ (1) وصِرَاطٍ، وَصَمَالِيقَ (2) ، وهذا القلب قياس، لكنه غير واجب، ولا يجوز قلب السين في مثلها زاياً خالصة، إلا فيما سمع نحو الزِّرَاط، وذلك لأن الطاء تشابه الدال قوله: " وَالزَّايُ مِنَ السِّينِ وَالصَّادِ الْوَاقِعَتَيْنِ قَبْلَ الدَّالِ سَاكِنَتَيْنِ، نَحْوُ يَزْدُلُ، وَهَكَذَا فَزْدِي أنَهْ " السين حرف مهموس، والدال مجهور، فكرهوا الخروج من حرف إلى حرف ينافيه، ولا سيما إذا كانت الأولى ساكنة، لأن الحركة بعد الحرف، وهي جزءُ حرفِ لينٍ حائلٌ بين الحرفين، فقربوا السين من الدال، بأن
قلبوها زاياً، لان الزاي من مخرج السين ومثلها في الصفير، وتوافق الدالَ في الجهر، فيتجانس الصوتان، ولا يجوز ههنا أن تُشْرَبَ السينُ صوتَ الزاي، كما يفعل ذلك في الصاد، نحو يَصْدُرُ، لأن في الصاد إطباقاً، فضارعوا لئلا يذهب الإطباق بالقلب، وليست السين كذلك، ويجوز في الصاد الساكنة الواقعة قبل الدال قبلها زايا صريحة وإشرابها صَوْتَ الزاي، أما الإبدال فلأن الصاد مطبقة مهموسة رِخْوَة وقد جاورَت الدال بلا حائل من حركة وغيرها، والدال مجهورة شديدة غير مطبقة، ولم يبدلوا الدال كما في تاء افْتَعَلَ نحو اصْطَبَرَ لأنها ليست بزائدة كالتاء، فتكون أولى بالتغيير، فغيروا الأولى لضعفها بالسكون، بأن قَرَّبوها من الدال، بأن قلبوها زاياً خالصة، فتناسبت الاصوات، لان الزاى
__________
(1) الصملق: السملق، وهو الارض المستوية، وقيل: القفر الذى لا نبات فيه، والقاع المستوى الاملس، قال: جميل: ألم تسل الربع القديم فينطق * وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق (2) الصماليق: السماليق، قال في اللسان: " وحكى سيبويه صماليق، قال ابن سيده: ولا أدرى ما كسر إلا أن يكونوا قد قالوا: صملقة، في هذا المعنى، فعوض من الهاء، كما حكى مواعيظ " اه (*)(3/231)
من مخرج الصاد وأختها في الصفير، وهي تناسب الدال في الجهر وعدم الإطباق، وَمَنْ ضارع: أن نحى بالصاد نحو الزاي، ولم يقلبها زاياً خالصة، فللمحافظة على فضيلة الأطباق، كما ذكرنا.
قوله " فزدِي أنه " قول حاتم الطائي لما وقع في أسر قوم فغزا رِجَالُهُمْ وبقي مع النسوة فأمَرْنه بالفصد فنحر، وقال: هكذا فزدى (1) أَنَهْ، وأنه تأكيد للياء قال: " وَقَدْ ضُورِعَ بالصَّادِ الزَّايُ دُونَهَا وَضُورِعَ بِهَا مُتَحَرِّكَةً أَيْضاً،
نَحْوُ صَدَرَ وَصَدَقَ، وَالْبَيَانُ أَكْثَرُ فِيهِمَا، وَنَحْوُ مسَّ زَقَرَ كَلْبِيَّةٌ، وَأَجْدَرُ وَأَشْدَقُ بِالْمُضَارَعَةِ قَلِيلٌ " أقول: قوله " ضورع بالصاد الزاي " أي: جعل الصاد مضارعاً للزاي، بأن يُنْحَى بالصاد نحو الزاي، فقولك " ضارع " كان يتعدى إلى المشابَه - بفتح الباء - بنفسه، فجعل متعدياً إلى المشابِه - بكسر الباء - بحرف الجر قوله " دونها " أي: دون السين: أي لم تُشَمَّ السين صوت الزاي، بل قلبت زاياً صريحة، لما ذكرنا من أنه لا إطباق فيه حتى يحافظ عليه قوله " وضورع بها " أي: بالصاد الزايُ متحركةً أيضاً: أي إذا تحركت الصاد وبعدها دال أشِمَّ الصادُ صوتَ الزاي، ولا يجوز قلبها زاياً صريحة، لوقوع الحركة فاصلةً بينهما، وأيضاً فإن لحرف يَقْوَى بالحركة، فلم يقلب، فلم يبق إلا المضارعة للمجاورة، والإشمامُ وفيها أقل منه في الساكنة، إذ هي محمولة فيه على الساكنة التي إنما غيرت لضعفها بالسكون، فإن فصل بينهما أكثر من حركة كالحرف والحرفين لم تستمر المضارعة، بل يقتصر على ما سمع من العرب، كلفظ الصاد والمصادر والصراط، لأن الطاء كالدال قوله " والبيان أكثر فيهما " أي: في السين الساكنة الواقعة قبل الدال،
__________
(1) انظر (ح 2 ص 294، 295) و (ح 1 ص 43) (*)(3/232)
والصاد الواقعة قبلها: سكنت الدال أو تحركت، ولو روى " منهما " لكان الْمَعْنَى من المضارعة والقلب، ويعني بالبيان الإتيان بالصاد والسين صريحين بلا قلب ولا إشراب صوت، ففي الصاد الساكنة قبل الدال البيان أكثر، ثم المضارعة، ثم قلبها زاياً قوله " وَمَسَّ زَقَرَ كَلْبِيَّة " أي: قبيلة كلب تقلب السين الواقعة قبل
القاف زاياً، كما يقلبها غيرهم صاداً، وذلك لأنه لما تباين السين والقاف لكون السين مهموسة والقاف مجهورة أبدلوها زاياً، لمناسبة الزاي للسين في المخرج والصفير، وللقاف في الجهر قوله " وَأَجْدَرَ وَأَشْدَقُ (1) " يعني إشرابُ الجيم والشين المعجمتين الواقعتين قبل الدال صوتَ الزاي قليلٌ، وهذا خلاف ما قاله سيبويه، فإنه قال في إشراب مثل هذا الشين صوتَ الزاي: " إن البيان أكثر وأعرف، وهذا عربي كثير " وإنما بضارع بالشين الزايُ إذا كانت ساكنة قبل الدال، لأنها تشابه الصاد والسين اللَّذَين يقلبان إلى الزاي، وذلك بكونها مهموسةً رخوةً مثلهما، وإذا أجريت في الشين الصوتَ رأيت ذلك بين طرف لسانك وأعلى الثَّّنِيَّتين موضع الصاد والسين، ثم إن الجيم حملت على الشين وإن لم يكن في الجيم من مشابهة الصاد السين مثْلُ ما بينهما وبين الشين، وذلك لأن الجيم من مخرج الشين، فعمل بها ما عمل بالشين، ولا يجوز أن يجعل الشين والجيم زاياً خالصة كالصاد والسين، لأنهما ليستا من مخرجهما قال: " الإِدْغَامُ: أنْ تَأْتِي بِحَرْفَيْن سَاكِنٍ فَمُتَحَرِّك مِنْ مُخْرَجٍ وَاحِدٍ
__________
(1) الاشدق: الواسع الشدق، وهو جانب الفم، ويقال: رجل أشدق، إذا كان متفوها ذابيان، وقد قالوا لعمر بن سعيد: الاشدق، لانه كان أحد خطباء العرب.
(*)(3/233)
مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَيَكُونُ فِي الْمِثْلَيْنِ وَالْمُتَقَارِبَيْنِ، فَالْمِثْلاَنِ وَاجِبٌ عِنْدَ سُكُونِ الأَوَّلِ إلاَّ فِي الْهَمْزَتَيْنِ إلا في نحو السأال والدأاث، وإلا في الالفين لتعذره، وإلا فِي نَحْو قُوِولَ لِلإِلْبَاسِ وَفِي نَحْو تُووِي وَرِيياً - عَلَى الْمُخْتَارِ - إِذَا خَفَّفْتَ، وَفِي نَحْوِ قَالُوا وَمَا، وَفِي يَوْم، وَعِنْدَ تَحَرُّكِهِمَا فِي كَلِمَةٍ
وَلاَ إِلْحَاقَ وَلاَ لَبْس نَحْوُ رَدَّ يَرُدُّ، إلاَّ فِي نَحْوُ حَيِيَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِلاَّ فِي نَحْوِ اقْتَتَلَ وَتَتَنَزَّلُ وَتَتَبَاعَدُ، وَسَيَأْتِي، وَتُنْقَلُ حَرَكَتُهُ إنْ كَانَ قَبْلَهُ سَاكِنٌ غَيْرُ لِينٍ نَحْوُ يَرُدُّ، وَسُكُونُ الْوَقْفِ كَالْحَرَكَةِ، وَنَحْوُ مَكَّنَنِي وَيُمَكِّنُنِي وَمَنَاسِكُكُمْ وَمَا سَلَكَكُمْ مِنْ بَابِ كلمتين، وَمُمْتَنِعٌ فِي الْهَمْزَةِ عَلَى الأَكْثَرِ وَفِي الأَلِف وَعِنْدَ سُكُونِ الثَّانِي لِغَيْرِ الْوَقْفِ نَحْوِ ظَلِلْتُ وَرَسُولُ الْحَسَنِ، وَتِمِيمٌ تًدْغِمُ فِي نَحْوِ رُدَّ وَلَمْ يَرُدَّ، وَعِنْدَ الإِلْحَاقِ وَاللَّبْسِ بِزْنَةٍ أُخْرَى نَحْو قَرْدَدٍ وَسُرُر، وعِنْدَ سَاكِنٍ صَحْيحٍ قَبْلَهُمَا في كلمتين نَحْوُ قَرْمُ مَالِكٍ، وَحُمِلَ قَوْلُ القُرَّاءِ عَلَى الإِخْفَاء، وَجَائِزٌ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ " أقول: قوله " الإدغام أن تأتي بحرفين ساكن فمتحرك " يعني أن المتحرك يكون بعد الساكن (1) وإلا فليس بُدٌّ من الفصل: أي فك أحد الحرفين من الآخر، لأن الحركة بعد الحرف قوله " من غير فصل " أي: فكّ، احتراز عن نحو رييا (2) فإنك تأتى
__________
(1) يريد أن الادغام لا يكون إلا مع سكون الاول، لانه لو كان متحركا والحركة بعد الحرف فلا يتأتى النطق بالحرفين دفعة واحدة، لان الحركة فاصلة بينهما، ولا يكفى أيضا في تحقق الادغام سكون الاول وتحرك الثاني، بل لابد مع ذلك من وصل الحرفين في النطق لئلا تسكت بعد نطقك بالحرف الاول، ولذا قال ابن الحاجب: " الإِدْغَامُ أنْ تَأْتِي بِحَرْفَيْن سَاكِنٍ فَمُتَحَرِّك مِنْ مُخْرَجٍ وَاحِدٍ مِنْ غير فصل " (2) انظر (ح 1 ص 28) (*)(3/234)
بياء ساكنة فياء متحركة، وهما من مخرج واحد، وليس بإدغام، لأنك فككت إحداهما عن الأخرى، وإنما الإدغام وصل حرف ساكن بحرف مثله متحرك
بلا سكتة على الأول، بحيث يعتمد بهما على المخرج اعتمادةً واحدة قوية، ولا يحترز به عن الحرف الفاصل أو الحركة الفاصلة بين المثلين، لخروجه بقوله " ساكن فمتحرك " والادغام في اللغة: إدخال الشئ في الشئ، يقال: أدغمت اللجام في فم الدابة: أي أدخلته فيه، وليس إدغام الحرف في الحرف إدخاله فيه على الحقيقة، بل هو إيصاله به من غير أن يفك بينهما قوله " في المثماثلين والمتقاربين " لا يمكن إدغام المتقاربين إلا بعد جعلهما متماثلين، لأن الإدغام إخراج الحرفين من مخرج واحد دفعة واحدة باعتماد تام، ولا يمكن إخراج المتقاربين من مخرج واحد، لأن لكل حرف مخرجاً على حدة، والذي أرى أنه ليس الإدغام الإتيان بحرفين، بل هو الإتيان بحرف واحد مع اعتماد على مخرجه قويّ: سواء كان ذلك الحرف متحركاً نحو يمدُّ زيد، أو ساكناً نحو يمدّ، وقفاً، فعلى هذا ليس قوله " ساكن فمتحرك " أيضاً بوجه، لأنه يجوز تسكين المدغم فيه اتفاقاً: إما لأنه يجوز في الوقف الجمع بين الساكنين عند من قال هما حرفان، وإما لأنه حرف واحد على ما اخترنا، وإن كان كالحرفين الساكن أولهما من حيث الاعتماد التام، وقوله " ساكن فمتحرك " وقوله " من غير فصل " كالمتناقضين، لأنه لا يمكن مجئ حرفين أحدهما عقيب الآخر إلا مع الفك بينهما، وإن لم تفك بينهما فليس أحدهما عقيب الآخر قوله " فالمثلان واجب عند سكون الأول " جعل الإدغام ثلاثة أقسام: واجباً، وممتنعاً، وجائزاً، فذكر الواجب والممتنع، وما بقي فجائز، فالواجب من(3/235)
قوله " واجب " إلى قوله " من باب كلمتين " والممتنع من قوله " وممتنع " إلى قوله " على الإخفاء "
قوله " عند سكون الأول " أي يجب الإدغام إذا سكن أول المثلين: كانا في كلمة كالشدّ والمدّ، أو في كلمتين متصلتين نحو اسْمَعْ عِلماً قوله " إلا في الهمزتين " ليس الإطلاق بوجه، بل الوجه أن يقال: الهمز الساكن الذى بعده همز متحرك: إما أن يكونا في كلمة، أو في كلمتين، فإن كانا في كلمة أدغم الأول إذا كانا في صيغة موضوعة على التضعيف، كما ذكرنا في تخفيف الهمزة (1) ، وفي غير ذلك لا يدغم، نحو قِرَأْيٍ على وزن قِمَطَرٍ (من قرأ) وإن كانا في كلمتين نحو اقْرَأَ آية، وأَقْرِئ أباك، وَلْيَقْرَأ أبوك، فعند أكثر العرب على ما ذهب إليه يونس والخليل يجب تخفيف الهمزة، فلا يلتقي همزتان، وزعموا أن ابن أبي إسحق كان يحقق الهمزتين، وأناس معه، قال سيبويه: وهي رَدِيئة، وقال: فيجب الإدغام في قول هؤلاء مع سكون الأولى، ويجوز ذلك إذا تحركتا نحو قَرَأَ أبُوكَ، قال السيرافي: توهم بعض القراء أن سيبويه أنكر إدغام الهمزة، وليس الامر على ما توهموا، بل إنما أنكره على على مذهب من يخفف الهمزة، كما هو المختار عنده، وقد بين سيبويه ذلك بقوله: ويجوز الادغام في قول هؤلاء (2) ، يعني على تلك اللغة الرديئة قوله: " الدأاث " (3) اسم واد، الصَّغَاني مخفف الهمز على وزن كَلاَم وسَلاَم.
__________
(1) انظر (ص 33 وما بعدها من هذا الجزء) (2) في أصول هذا الكتاب " ويجب الادغام ... الخ " وهو تحريف، وما أثبتناه عن كتاب سيبويه (ح 2 ص 410) وهو الصواب (3) ذكره ياقوت بتشديد ثانيه مفتوحا، وهو ما ذكره ابن الحاجب، وقد ذكر أيضا أنه اسم موضع، ويصح أن تكون الدأاث صيغة مبالغة من دأث الطعام يدأثه - كفتح - إذا أكله (*)(3/236)
قوله: " وإلا في الألف " لما قال: " واجب عند سكون الأول " ولم يقل: مع تحرك الثاني، أوهم أن الألف يدغم في مثله، لأنه قد يلتقي ألفان، وذلك إذا وقفت على نحو السماء، والبناء، بالإسكان كما مر في تخفيف الهمزة (1) فإنك تجمع فيه بين ألفين، ولا يجوز الإدغام، لأن الإدغام اتّصال الحرف الساكن بالمتحرك، كما مر، والألف لا يكون متحركاً، والحق أنه لم يحتج إلى هذا الاستثناء، لأنه ذكر في حد الإدغام أنه الإتيان بحرفين: ساكن فمتحرك، والألف لا يكون متحركاً.
قوله: " وإلا في نحو قُووِل " اعلم أن الواو والياء الساكنين إذا وليهما مثلهما متحركاً، فلا يخلو من أن يكون الواو والياء مدتين، أولا، فإن لم يكونا مدتين وجب إدغام أولهما في الثاني: في كلمة كانا كَقَوَّل وسيَّر، أو في كلمتين نحو (تولوا واستغنى الله) واخْشَيْ يَاسِراً، وإن كانا مدتين: فإما أن يكون أصلهما حرفاً آخر قلب إليهما، أولاً، فإن لم يكن فإن كانا في كلمة وجب الإدغام، سواء كان أصل الثاني حرفاً آخر، كَمَقْرُوٍّ وَبَرِيٍّ وعليٍّ، أولاً، كمغزُوٍّ ومرميٍّ، وإنما وجب الإدغام في الأول: أعني مقروّاً وبريّاً وعليّاً - وإن لم يكن القلب في الثاني واجباً - لأن الغرض من قلب الثاني إلى الأول في مثله طلب التخفيف بالإدغام، فلو لم يدغموا لكان نقضاً للغرض، ووجب الإدغام في الثاني: أعني نحو مغزوٍّ ومرميٍّ، لأن مدة الواو والياء الأوَّلين لم تثبت في اللفظ قط، فلم يكن إدغامهما يزيل عنهما شيئاً وجب لهما، بل لم يقع الكلمتان في أول الوضع إلا مع إدغام الواو والياء في مثلهما، وإن كانا في كلمتين، نحو قالوا وما، وفي يوم، وظلموا وافداً، واظلمي ياسراً، لم يجز الإدغام، لأنه يثبت للواو والياء إذن في الكلمتين مد، وإدغامهما فيما عرض انضمامه إليهما من الواو والياء في أول الكلمتين مزيل
__________
(1) انظر (43 وما بعدها من هذا الجزء) (*)(3/237)
لفضيلة المد التي ثبتت لهما قبل انضمام الكلمة الثانية إلى الأولى، وإن كان أصل الواو والياء حرفاً آخر قلب إلى الواو والياء، فإن كان القلب لأجل الإدغام وجب الإدغام نحو مرميٍّ، وأصله مَرْمُوي، لئلا يبطل الغرض من القلب، فإن لم يكن القلب لأجل الإدغام فإن كان لازماً نظر، فإن كانت الكلمة التي فيها المثلان وزناً قياسياً يلتبس بسبب الإدغام بوزن آخر قياسي لم يدغم، نحو قُووِل فإنه فِعْلُ ما لم يسم فاعله قياساً، ولو أدغم الواو فيه في الواو لا لتبس بفُعِّل الذي: هو فِعْل ما لم يسم فاعله قياساً لفَعَّل، وإن لم يلزم التباس وزن قياسي بوزن قياسي أدغم نحو إيَّنَةٍ على وزن أفْعَلَة من الأين، وأُوَّلٍ على وزن أُبْلُم (1) من الأوْل، وذلك لأن القلب لما كان لازماً صار الواو والياء كالأصليتين، والالتباس في مثله وإن وقع في بعض الصور لا يبالى به، لان الوزن ليس بقياسي، فيستمر اللبس، وإن لم يكن القلب لازماً نحو رييا وتووى فالأصل الإظهار، لأن الواو والياء عارضان غير لازمين كما في بِيرٍ وسُوتُ، فهما كالهمزتين، والهمز لا يدغم في الواو والياء ما دام همزاً، وأجاز بعضهم الادغام نظر إلى ظاهر اجتماع المثلين، وعليه قولهم: ريا ورية، في رُؤْيَا ورُؤْية، وعند سيبويه والخليل أن سُويِرَ وقُووِلَ لم يدغما لكون الواوين عارضين، وقول المصنف أولى، وهو أنهما لم يدغما لخوف الالتباس، لأن العارض إذا كان لازماً فهو كالأصلي، ومن ثم يدغم إيَّنَةٌ وأُوَّلٌ مع عروض الواو والياء.
قوله " وعند تحركهما " عطف على قوله " عند سكون الأول ": أي يجب الإدغام إذا تحرك المثلان في كلمة اعلم أنهم يستثقلون التضعيف غاية الاستثقال إذ على اللسان كلفة شديدة في
الرجوع إلى المخرج بعد انتقاله عنه، ولهذا الثقل لم يصوغوا من الأسماء ولا الافعال
__________
(1) الابلم - بضمتين بينهما ساكن - هو الخوص (انظر ج 1 ص 56) (*)(3/238)
رباعياً أو خماسياً فيه حرفان أصليان متماثلان متصلان، لثقل البناءين، وثقل التقاء المثلين، ولا سيما مع أصالتهما، فلا ترى رباعياً من الأسماء والأفعال ولا خماسياً من الأسماء فيه حرفان كذلك إلا واحدهما زائد: إما للالحقاق أو لغيره، كما مر في ذي الزيادة، (1) ولم يبنوا ثلاثياً فاؤه وعينه متماثلان إلا نادراً نحو دَدَن (2) وببر (3) بل إنما ضعفوا حيث يمكنهم الإدغام، وذلك بتماثل العين واللام، إذ الفاء لو أدغم في العين وجب إسكانه، ولا يبتدأ بالساكن، وليس في الأسماء، التى لا توازن الأفعال ذو زيادة في أوله أو وسطه مثلان متحركان، إذ لا موجب في مثله للإدغام، لأن الإدغام إنما يكون في الاسم مع تحرك الحرفين إذا شابه الفعل الثقيل وزناً كما يجئ، وإلا بقي المتماثلان بلا إدغام، فتصير الكلمة ثقيلة بترك إدغام المثلين، وبكونها مَزيداً فيها، فلم يبن من الأسماء المزيد فيها غير الموازنة للفعل ما يؤدي إلى مثل هذا الثقل، بل يجئ فيما زيد فيه من الأفعال والأسماء الموازنة لها ما في أوله أو وسطه مثلان مقترنان، وذلك لكثرة التصرف في الفعل قياساً، فربما اتفق فيه بسببه مثل ذلك، فنقول: لا يخلو مثله من أن يكون من ذي زيادة الثلاثي أو من ذي زيادة الرباعي، فمن ذي زيادة الثلاثي بابان يتفق في أولهما مثلان متحركان، نحو تَتَرَّس (4) ، وتَتارَك (5) وباب يتففق في وسطه مثلان متحركان نحو اقْتَتَلَ، ومن ذي زيادة الرباعي باب يتفق في أوله ذلك نحو تَتَدَحْرَجُ، فأما ذو زيادة الرباعي فلا يخفف بالادغام،
__________
(1) ذكره في الجزء الاول (ص 61 وما بعدها)
(2) الددن: اللهو واللعب.
انظر (ح 1 ص 34) (3) الببر: حيوان شبيه بالنمر.
انظر (ح 1 ص 34، ح 2 ص 367) وفى بعض النسخ يين، وهو اسم واد.
وانظر (ح 2 ص 368) (4) يقال: تترس الرجل، إذا لبس الترس يتستر به، ويقال: تترس القوم بالقوم، إذا جعلوهم أمامهم يتقون بهم العدو (5) يقال: تتارك الرجلان الامر، إذا تركه كل واحد منهما لصاحبه (*)(3/239)
إذ لو أدغمتَ لاحتجت إلى همزة الوصل فيؤدي إلى الثقل عند القصد إلى التخفيف، بل الاولى إبقاؤهما، ويجوز حذف أحدهما، كما يجئ، وأما ذو زيادة الثلاثي: فإن كان المثلان في أوله فأما أن يكون ماضياً كتَتَرَّس وَتَتَارك، أو مضارعاً كَتتنَزَّل وَتَتَثَاقَلُ، فالأولى في الماضي الإظهار، ويجوز الإدغام مع اجتلاب همزة الوصل في الابتداء، وكذا إذا كان فاءُ تَفَعَّلَ وتفاعل مقارباً للتاء في المخرج نحو اطير واثاقل على ما يجئ، فإذا أدغمت في الماضي أدغمت في المضارع والأمر والمصدر واسم الفاعل والمفعول وكل اسم أو فعل هو من متصرفاته، نحو يتَّرَّسُ، وَمُتَّرِّس، وَيتَّارك، وَمُتَّارِكٍ، ويَطَّيَّرُ، وَيَثَّاقَلَ ومُطَّيِّرٍ وَمُثَّاقِل، وإن كان مضارعاً جاز الإظهار والحذف والإدغام نحو تَتَنَزَّلُ وَتَنَزَّلُ، وإذا أدغم لم يجتلب له همزة الوصل كما في الماضي، لثقل المضارع، بخلاف الماضي، بلا لا يدغم إلا في الدرج ليكتفي بحركة ما قبله، نحو قَال تَّنزَّلُ، وإن كان المثلان في وسط ذي الزيادة الثلاثي فلك الإظهار والإدغام نحو اقتتل وقتل كما يجئ هذا، وإنما جاز الإدغام في مصادر الأبواب المذكورة وإن لم توازن الفعل لشدة مشابهتها لأفعالها، كما ذكرنا في تعليل قلب نحو إقامة واستقامة (1) هذا حكم اجتماع المثلين في أول الكلمة وفي وسطها، وأما إن كان المثلان
في آخر الكلمة وهو الكثير الشائع في كلامهم ومما يجئ في الثلاثي وفي المزيد فيه في الأسماء وفي الأفعال فهو على ثلاثة أقسام: إما أن يتحركا، أو يسكن أولهما، أو يسكن ثانيهما، فإن تحركا: فإن كان أولهما مدغماً فيه امتنع الإدغام، نحو ردَّدَ، لأنهم لو أدغموا الثاني في الثالث فلابد من نقل حركته إلى الأول، فيبقى ردَدَّ، ولا يجوز، إذ التغيير إذن لا يخرجه إلى حال أخف من الأولى، وكذا إن كان التضعيف للإلحاق امتنع الإدغام: في الاسم كان كقردَدٍ (2) ، أو
__________
(1) انظر (ص 108 من هذا الجزء) (2) القردد: ما ارتفع من الارض، واسم جبل، وانظر (ح 1 ص 13) (*)(3/240)
في الفعل كجلبَب، لأن الغرض بالإلحاق الوزن، فلا يكسر ذلك الوزن بالإدغام، وأما سقوط الألف في نحو أرطّى فإنه غير لازم، بل هو للتنوين العارض الذي يزول باللام أو الإضافة، وإن لم يكن التضعيف أحد المذكورين: فإن كان الأول حرف علة نحو حَيِيَ وَقَوِيَ فقد مضى حكمه، وإن لم يكن: فإما أن يكون في الفعل، أو في الاسم، فإن كان في الفعل وجب الإدغام: لكونه في الفعل الثقيل، وفي الآخِر الذي هو محل التغيير، وقد شذ نحو قوله: 184 - مَهْلاً أعاذلَ قَدْ جَرَّبْتِ مِنْ خُلُقِي * أنِّي أجُودُ لأَقْوَامٍ وَإِنْ ضَنِنُوا (1) وهو ضرورة، وإن كان في الاسم: فإما أن يكون في ثلاثي مجرد من الزيادة، أو في ثلاثي مزيد فيه، ولا يدغم في القسمين إلا إذا شابها الفعل، لما ذكرنا في باب الإعلال (2) من ثقل الفعل، فالتخفيف به أليق، فالثلاثي المجرد إنما يدغم إذا وازن الفعل نحو رجل صَبٌّ (3) ، قال الخليل: هو فَعِلٌ - بكسر العين -، لأن صَبِبْتُ صَبَابَةً فأنا صَبٌّ كَقَنِعْتُ قناعة فأنا قَنِع، وكذا
طَبٌّ (4) طبب، وشذ رجل ضَفِفٌ (5) والوجه ضَفٌّ، ولو بنيت مثل
__________
(1) هذا بيت من البسيط، وقائله قعنب بن أم صاحب.
ومهلا: اسم مصدر يراد به الامر، والهمزة في أعاذل للنداء، وعاذل: مرخم عاذلة، وهو في الاصل اسم فاعل من العذل، وهو اللوم في تسخط، وضننوا: بخلوا.
والاستشهاد بالبيت في قوله " ضننوا " حيث فك ما يجب إدغامه وهو شاذ لا يجوز ارتكابه في الكلام (2) انظر (88 من هذا الجزء) (3) الصبابة: رقة الشوق، تقول: رجل صب، وهى صبة، وصب إليه صبابة: أي كلف واشتاق (4) الطب - بتثليث الطاء -: الرجل الحاذق الماهر في عمله، والطبيب مثله، تقول: طب يطب - كظل يظل - فهو طب ومتطبب وطبيب، وطبه يطبه - كمده يمده - أي: داواه، وفلان طب بهذا الامر: أي عالم به (5) تقول: هذا رجل ضف الحال، إذا كان رقيقه، والضفف - بفتحتين - (*)(3/241)
نَدُسٍ (1) من رَدَّ قلت: رَدٌّ بالإدغام، وكان القياس أن يدغم ما هو على فَعَل كَشَررٍ وَقَصَصٍ وَعَدَدٍ، لموازنته الفعل، لكنه لما كان الإدغام لمشابهة الفعل الثقيل، وكان مثل هذا الاسم في غاية الخفة، لكونه مفتوح الفاء والعين، ألا ترى إلى تخفيفهم نحو كبِدٍ وعَضُدٍ دون نحو جَمَل؟ تركوا الإدغام فيه، وأيضاً لو أدغم فَعَلٌ مع خفته لا لتبس بفَعْلٍ - ساكن العين -، فيكثر الالتباس، بخلاف فَعِلٍ وفَعُل - بكسر العين وضمها - فإنهما قليلان في المضاعف، فلم يكترث بالالتباس القليل، وإنما اطرد قلب العين في فَعَلٍ نحو دار وباب ونار وناب، ولم يجز فيه الإدغام مع أن الخفة حاصلة قبل القلب كما هي حاصلة قبل الإدغام، لان القلب لا يوجب التباس فَعَلٍ بِفَعْلٍ، إذ بالألف يعرف أنه كان متحرك العين لا ساكنها، بخلاف الإدغام
وقد جاء لأجل الخفة كثير من المعتل على فَعَل غير معل نحو قرد (2) ومَيَلٍ (3) وغَيَبٍ (4) وصَيَدٍ (5) وخَوَنَةٍ وحَوَكَةٍ (6) ، ولم يدغم نحو سُرُرٍ (7) وسُرَر (8)
__________
كثرة العيال، أو كثرة الايدى على الطعام، أو أن تكون الاكلة أكثر من الطعام، أو الضيق والشدة، وقد راجعنا كتب اللغة فوجدنا المستعمل هو ما ذكرنا بالادغام، فلعل الفك الذى حكاه المؤلف لغة قليلة (1) الندس - كعضد، وفى لغة أخرى - ككنف -: هو الفهم الفطن (2) القود: هو أن تقتل القاتل بمن قتله (3) الميل - بالتحريك -: ما كان خلقة في إنسان أو بناء، والفعل كفرح، تقول: ميل يميل فهو أميل (4) الغيب - بفتحتين -: القوم الغائبون (5) الصيد - بفتحتين -: ميل العنق، وقد صيد فهو أصيد (6) الحوكة - بفتحات -: جمع حائك، وتقول: حاك الثوب حوكا وحياكا وحياكة: فهو حائك من قوم حاكة وحوكة، الاولى على القياس، والثانية شاذة في القياس كثيرة في السماع (7) السرر - بضمتين -: جمع سرير وهو معروف (8) السرر - بضم ففتح -: جمع سرة (*)(3/242)
وقِدَد (1) وكذا رِدِدٌ على وزن إبل من رَدّ، لعدم موازنة الفعل، وأما قولهم: عَمِيمة وعُمٌّ (2) فمخفف كما يخفف غير المضاعف نحو عُنْق ورُسْل وبُونٌ في جمع بِوَانٍ (3) والقياس بُوُن كعِيَان وعُيُن (4) ، فإذا اتصل بآخر الاسم الثلاثي الرازن للفعل حرف لازم كألف التأنيث أو الألف والنون لم يمنع ذلك من الإدغام كما منع من الإعلال في نحو الطَّيَران والْحَيَدَى (5) ، لأن ثقل إظهار المثلين أكثر من
ثقل ترك قلب الواو ألفاً، فصار الحرف اللازم مع لزومه كالعدم، فنقول: من رَدّ على فَعَلاَنَ: رَدَدَان، كشَرَرٍ، وعلى فَعِلان وفَعُلاَن بكسر العين وضمها: رَدّان، بالإدغام، وعلى فُعُلان - بضمتين - وفعلان - بكسرتين -: رُدُدَان ورِدِدَان، وعلى فُعَلاَن - بضم الفاء وفتح العين -: رُدَدان، كله بالإظهار، وكذا الاسم الثلاثي المزيد فيه يدغم أيضاً إذا وازن الفعل، نحو مُسْتَعِدّ ومُسْتَعَدّ ومَرَدّ، وهو على وزن يَفْعَل، ومُدُقّ، وهو على وزن انْصُر، وَرَادٍّ، وهو كيضرب، ولا يشترط في الإدغام مع الموازنة المخالفة بحركة أو حرف في الاولى ليس في الفعل،، كما اشترط ذلك في الإعلال، فيدغم نحو أدَقّ وَأشَدَّ، وإن لم يخالف
__________
(1) القدد - بكسر ففتح -: جمع قدة، وهى الفرقة من الناس يكون هوى كل واحد على حدة، ومنه قوله تعالى (كنا طرائق قددا) : أي فرقا مختلفة الاهواء (2) تقول: نخلة عميمة: أي طويلة، ونخل عم - بضمتين - وقد يقال: عم - بالادغام.
(3) البوان - ككتاب، وكغراب -: أحد أعمدة الخباء، انظر (ح 2 ص 127، 208) (4) العيان - بكسر أوله -: حديدة الفدان، وجمعه عين - بضمتين - (5) الحيدى - بفتحات -: مشية المختال، وتقول: حمار حيدى، إذا كان يحيد عن ظله نشاطا ولم يوصف مذكر بما على فعلى سوى ذلك (*)(3/243)
الفعل، ولا يعل نحو أقْوَل وأطْوَل، وذلك لما ذكرنا من أن ثقل إظهار التضعيف أكثر من ثقل ترك الإعلال، وقوله 185 - * تَشْكُو الْوَجَى مِنْ أَظْلَلٍ وأظْلَلِ (1) * شاذ ضرورة
وإن كان الساكن هو الأول فقد مر حكمه وإن كان الساكن هو الثاني فهو على ضربين: أحدهما أن تحذف الحركة لموجب، ولا يجوز أن يحرك بحركة أخرى، ما دام ذلك الموجب باقياً، وذلك هو الفعل إذا اتصل به تاء الضمير أو نونه، نحو رددت ورددنا ورددن ويرددان وَارْدُدْنَ، والثاني: أن تحذف الحركة لموجب، ثم قد تعرض ضرورةٌ يُحَرَّك الحرف لأجلها بغير الحركة المحذوفة، مع وجود ذلك الموجب، وذلك الفعل المجزومُ أو الموقوف، نحو لم يَرْدُدْ وارْدُدْ، فإنه حذف منه الحركة الإعرابية، ثم إنه قد يتحرك ثاني المثلين فيهما لالتقاء الساكنين، نحو ارْدُدِ الْقَوْم، ولم يَرْدُدِ الْقَوْمَ فالقسم الأول - أعني رَدَدْت ورَدَدْنا وَيَرْدُدْنَ وارْدُدْنَ - المشهور فيه إثبات الحرفين بلا إدغام، وجاء في لغة بكر بن وائل وغيرهم الإدغام أيضا، نحو
__________
(1) هذا بيت من الرجز المشطور من أرجوزة لأبي النجم العِجْلي أولها: * الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الاجلل * وبعد البيت الشاهد قوله: * مِنْ طُولِ إمْلاَلٍ وظَهْرِ مُمْلَلٍ * والوجى: الحفى، يزيد أنه حمل على إله في السير حتى اشتكت الحفى، والاظلل: باطن خف البعير، والاملال: مصدر قولك: أمله، وأمل عليه، إذا أنأمه.
والاستشهاد بالبيت في قوله: أظلل حيث فك الادغام ضرورة (*)(3/244)
رُدَّنَ ويَرُدَّنَ، بفتح الثاني، وهو شاذ قليل، وبعضهم يزيد ألفاً بعد الإدغام، نحو رَدَّاتُ ورَدَّانَ، ليبقى ما قبل هذه الضمائر ساكناً كما في غير المدغم، نحو ضربت وضربن، وجاء في لغة سليم قليلاً - وربما استعمله غيرهم - حَذْفُ
العين أيضاً في مثله، وذلك لكراهتهم اجتماع المثلين، فحذفوا ما حقه الإدغام: أعني أول المثلين، لما تعذر الإدغام، فإن كان ما قبل الأول ساكناً أوجبوا نقل حركة الأول إليه، نحو أحَسْنَ وَيُحِسْنَ، ومنه قوله تعالى: (وَقَرْنَ (1) فِي بيوتكن) على أحد الوجوه، وإن كان ما قبل الأول متحركاً جاز حذف حركة الأول ونقلها إلى ما قبله إن كانت كسرة أو ضمة، قالوا: ظَلْتُ - بفتح الفاء وكسرها - وكذا في لَبُبْت لَبْتُ ولُبْتُ - بفتح الفاء وضمها - وذلك لبيان وزن الفعل كما بينا في ضمة قُلْت وكسرة بِعْتُ، وهذا الحذف عندهم في الماضي أكثر منه في المضارع والأمر، وقد جاء الحذف في مثله والحرفان في كلمتين إذا كان الثاني لام التعريف، نحو عَلْمَاءِ: أي على الماء، وأما قولهم عَلَّرْضٍ فقياس، لأنه نقل حركة الهمزة إلى لام التعريف، ثم اعتد بالحركة المنقولة
__________
(1) اعلم أن قولنا: قر الرجل في مكانه، قد ورد من باب علم يعلم، ومن باب ضرب يضرب.
ثم اعلم أن هذه الاية الكريمة قد قرئ فيها بالاتمام، وبالحذف مع كسر القاف، وبالحذف مع فتح القاف: أما الاتمام فلا شئ فيه، وأما الحذف مع كسر القاف فتخريجه على أن الفعل من باب ضرب يضرب، ولا شئ فيه من جهة القواعد، ولكن فيه استعمال أقل اللغتين، وذلك لان مجئ الفعل من باب علم أكثر من مجيئه من باب ضرب، وزعم بعضهم أن الفعل في هذه الاية - على قراءة الكسر - من المثال المحذوف الفاء، وأصله وقريقر، وأما قراءة الفتح فالفعل عليها من باب علم ألبتة، لان هذه الفتحة التى على القاف منقولة من أول المثلين، وقد اختلف العلماء في تخريجها فذهب قوم إلى أن الفعل من المضعف وأنه قد حذفت عينه أو لامه مع أن العين مفتوحة، وذهب قوم إلى أن الفعل أمر من الاجوف، وأصله قار يقار مثل خاف يخاف (*)(3/245)
فأدغم لام عَلَى فيها، وكذا قالوا في جَلاَ الأمْرَ وَسلاَ الإِقامة: جَلَّمْرَ وسَلِّقَامة، وفيه اعتداد بحركة اللام من حيث الإدغام، وترك الاعتداد بها من حيث حذف ألف عَلَى وَجَلاَ.
وجاء الحذف في المتقاربين في كلمتين إذا كان الثاني لام التعريف نحو بَلْعَنْبَرِ، وبَلْحَارِث وَبَلْكَعْب، وليس بقياس والقسم الثاني: أعني نحو رُدّ ولم يرُدَّ، لغة أهل الحجاز فيه ترك الإدغام، وأجاز غيرهم الإدغام أيضاً، لأن أصل الحرف الثاني الحركة، وهى إن انتفت بالعارض: أعني الجزم والوقف، لكن لا يمتنع دخول الحركة الأخرى عليه: أعني الحركة: لالتقاء الساكنين، فجوز الإدغام فيما لم يعرض فيه تلك الحركة أيضاً، نحو رُدَّ زيداً، ولم يُردّ زيداً، فإذا أدغم حرك الثاني بما ذكرناه في باب التقاء الساكنين (1) ، وقد جاء في التنزيل أيضاً ذلك، قال تعالى (لاَ تضار والدة) ، وإن سكن الحرف المدغم فيه للوقف فبقاء الإدغام فيه أكثر وأشهر، لعروض السكون، وعدم لزومه، إذ قد تثبت تلك الحركة المحذوفة فيه بعينها، وذلك في الوصل، فيكون جمعاً بين الساكنين، وهو مغتفر في الوقف، وقد يجوز حذف أحد المثلين أيضاً نحو هو يفر، وقفاً - بالتشديد والتخفيف - فهذه أحكام اجتماع المثلين في كلمة واحدة فإن كان ما قبل أول المثلين فيما قصد الإدغام فيه ساكناً: سواء تحرك المثلان كيردد، أو سكن ثانيهما كلم يردد، فإن كان الساكن حرف مد: أي الألف والواو والياء الساكنين اللذين ما قبلهما من الحركة من جنسهما، وجب حذف الحركة، نحو مادَّ وَتُمُودَّ الثوب، وكذا ياء التصغير، إذ هو لازم السكون، فلا يحتمل الحركة نحو أُصَيْمَ (2) ومُدَيْقٍ (3) وجاز التقاء الساكنين في جميع ذلك
__________
(1) انظر (ح 2 ص 243) (2) أصيم: تصغير أصم، وهو وصف من الصمم
(3) مديق: تصغير مدق - بضمتين - وهو آلة يدق بها (*)(3/246)
كله، لأنه على حده كما مر في بابه (1) ، وإن كان الساكن غير ذلك نقل حركة أول المثلين إليه سواء كان حرف لين كإوَزَّةَ (2) وَأَوَدُّ (3) وَأَيَلُّ (4) ، أولا، نحو مستعدو ومستَعَدَّ هذا.
وإن كان المثلان في كلمتين: فإن كان أولهما ساكناً فقط وليس بمد وجب الإدغام كما ذكرنا، سواء كان همزاً نحو اقرَأْ آية، إذا لم تخفف، أو غير همز، نحو قلْ لِزيد، وإن كان ثاني المثلين ساكناً فقط وجب إثباتهما إلا فيما إذا كان الثاني لام التعريف فقط، فإنه قد جاء في الشذوذ حذف أولهما أيضاً كما مر، نحو عَلْمَاءِ، وذلك لكثرة لام التعريف في كلامهم، فطُلِب التخفيف بالحذف لَمَّا تعذر الإدغام، وكذا جاء الحذف في بعض المتقاربين نحو بَلْحَارِث وَبَلْعَنْبَر، وقال سيبويه: وكذا يفعلون بكل قبيلة يظهر فيها لام التعريف، فلا يحذفون في بَني النَّجَّار، لإدغام اللام في نون النجار، وإن كانا متحركين: فإن كان ما قبل أول المثلين متحركاً نحو مكنني ويُمَكِّنُنِي وطُبع قلوبهم، أو كان ساكناً هو حرف مد نحو قالَ لَهُم، وقيلَ لَهم، وعمود داود، وتظلمونني، وتظلمينني، أولين غير مد نحو ثوب بَّكر، وجيب بَّكر وجاز الإدغام، وإن كان ذلك في الهمز أيضا نحو رداء أبَّيك، وقرأ أبَّوك، فيمن يحقق الهمزتين، وإن كان الساكن حرفاً صحيحاً لم يجز الإدغام، وأما ما نسب إلى أبي عمرو من الإدغام في نحو (خُذِ العفو وأمر) و (شهر رمضان) فليس بإدغام حقيقي، بَل هو إخفاء أول المثلين إخفاء يشبه الإدغام، فتجوز بإطلاق اسم الإدغام على الإخفاء لما كان الإخفاء قريباً منه، والدليل على أنه إخفاء لا إدغام أنه روي عنه الاشمام والروم
__________
(1) انظر (ح 2 ص 212 وما بعدها)
(2) انظر (ح 1 ص 27 وما بعدها) (3، 4) انظر (ح 1 ص 27) (*)(3/247)
في نحو (شهر رمضان) و (الخلد جزاء) إجراء للوصل مجرى الوقف، والرَّوْم: هو الإتيان ببعض الحركة، وتحريك الحرف المدغم محال، فلك في كل مثلين في كلمتين قبلهما حرف صحيح إخفاء الأول منهما واعلم أن أحسن ما يكون الإدغام فيما جاز لك فيه الإدغام من كلمتين أن يتوالى خمسة أحرف فصاعداً متحركة مع المثلين المتحركين، نحو جَعَلْ لَكَ، وذهبْ بِمالك، ونحو نَزَعْ عُمْرُ، وَنَزَعْ عُلَبْطٌ، والإظهار فيما قبل أول المثلين فيه حرف مدّ أحسن من الإظهار فيما قبل أول المثلين فيه حرف متحرك، والإظهار في الواو والياء اللتين ليستا بمد نحو ثَوْبٍ بَكْر وجيب بَكر أحسن منه في الألف والواو والياء المدتين، لأن المد يقوم مقام الحركة، وإنما جاز الإدغام في نحو ثوب بكر وجيب بكر ولم يجز في نحو (خُذِ العفو وأمر) لأن الواو والياء الساكنين فيهما مد على الجملة وإن لم تكن حركة ما قبلهما من جنسهما، إلا أن مدهما أقل من مدهما إذا كان حركة ما قبلهما من جنسهما، ولوجود المد فيهما مطلقاً يمد وَرْش نحو سوءة وشئ، كما يمد نحو سئ والسُّوءِ، وإنما لم يجز نقل حركة أول المثلين في كلمتين إلى الساكن قبله للإدغام في نحو (العفو وأمر) ، وجاز ذلك في كلمة واحدة نحو مُدُقٍّ ومستعِدٍّ وأوَدُّ وأيَلُّ لأن اجتماع المثلين لازم إذا كان في كلمة، فجاز لذلك اللازم الثقيل تغيير بنية الكلمة وأما إذا كانا في كلمتين فإنه لا يجوز تغيير بنية الكلمة لشئ عارض غير لازم قوله " مكَّنني ويمكِّنني من باب كلمتين " يعني يجوز فيه إدغام الكلمة وتركه، لأنه من باب كلمتين، وإن كان الثاني كجزء الكلمة
قوله " إلا في الهمزتين " قد ذكرنا أن الإدغام فيهما واجب عند من يحقق الهمزتين(3/248)
قوله " في نحو السَّئَّال " قد مضى شرحه في باب تخفيف الهمزة (1) قوله " وفي نحو تُووِي وَرِيْياً " يعني إذا كانت الأولى منقلبة من الهمز على سبيل الجواز لا الوجوب قوله " وفي نحو قالوا وما " يعني إذا كان الأول مداً، وهما في كلمتين قوله " ولا إلحاق " احتراز عن نحو قَرْدَدٍ وَجَلْبَبَ قوله " ولا لبس " احتراز عن نحو طَلَلٍ وَسُرُرٍ قوله " وفي نحو حَيِيَ " أي: فيما المثلان فيه ياءان ولا علة لقلب ثانيهما ألفاً وحركته لازمة قوله " في نحو اقتتل " أي: فيما المثلان فيه في الوسط قوله " تتنزل وتتباعد " أي: فيما المثلان فيه في الأول قوله " فتنقل حركته " أي: إذا كانا في كلمة قوله " غير لين " احتراز عن نحو رادّ وَتُمُودّ وأُصَيْمّ، وليس له هذا الإطلاق، بل الواجب أن يقول: غير مد ولا ياء تصغير، لأن نحو أود وأيل تقل فيه الحركة إلى الساكن مع أنه حرف لين قوله " وسكون الوقف " لا يريد بالوقف البناء في نحو رُدَّ، أمراً، بل الوقف في نحو جاءني زَيْدْ - بالإسكان - دون الروم والإشمام قوله " في الهمز على الأكثر " قد ذكرنا أنه لا يمتنع عند أهل التحقيق، بل الإدغام واجب عند سكون الأول، وجائز عند تحركهما في كلمتين، نحو قرأ أّبوك
قوله " تدغم في نحو رُدّ ولم يَرُدّ " أي: تدغم إذا كان الثاني ساكناً للجزم أو لكون الكلمة مبنية على السكون
__________
(1) انظر (ص 55 من هذا الجزء) (*)(3/249)
قوله " وعند الإلحاق " عطف على قوله في الهمز: أي يمتنع عند الإلحاق قوله " في كلمتين " لأن ذك لا يمتنع في كلمة نحو أُصَيْمّ وَمُدَيْقّ قوله " وجائز فيما سوى ذلك " أي: سوى الواجب والممتنع، وذلك إذا تحركا في كلمتين وليس قبل الأول ساكن صحيح نحو " طبع على " يجوز لك فيه الإدغام وتركه قال: " الْمُتِقَارِبَانِ، وَنَعْنِي بِهِمَا مَا تَقَارَبَا فِي المخرح أوْ فِي صِفَةٍ تَقُومُ مَقَامَهُ، وَمَخَارِجُ الْحُرُوفِ سِتَّةَ عَشَرَ تَقْرِيباً، وَإلاَّ فَلِكُلٍّ مَخْرَجٌ، فَلِلْهَمْزَة وَالْهَاءِ والألف أقصى الحلق، وللعين والحاء وَسَطُهُ، وَلِلْغَيْنِ وَالْخَاءِ أدْنَاهُ، وَلِلْقَافِ أقْصَى اللِّسَانِ وَمَا فَوْقَهُ مِنَ الْحَنَكِ، وَلِلْكَافِ مِنْهُمَا مَا يَلِيهِمَا، وللجيم والشين والياء وسط اللسان وَمَا فَوْقَهُ مِنَ الْحَنَكِ، وَلِلضَّادِ أوَّلُ أُحْدَى حَافَتَيْهِ وَمَا يَلِيهِمَا مِنَ الأَضْرَاسِ، وَلِلاَّمِ مَا دُونَ طَرَفِ اللِّسَانِ إلَى مُنْتَهَاهُ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَلِلرَّاءِ مِنْهُمَا مَا يَلِيهِمَا، وَلِلنُّونِ مِنْهُمَا مَا يَلِيِهِمَا، وَلِلطَّاءِ وَالدَّالِ وَالتَّاءِ طَرَفُ اللِّسَانِ وَأصُولُ الثَّنَايَا، وَلِلصَّادِ وَالزَّاي وَالسِّينِ طََرَفُ اللِّسَانِ وَالثَّنَايَا، وَلِلظَّاءِ وَالذَّالِ وَالثَّاءِ طَرَفُ اللِّسَانِ وَطَرَفُ الثَّنَايَا، وَلِلْفَاءِ بَاطِنُ الشَّفَةِ السُّفْلَى وَطَرَفُ الثَّنَايَا الْعُلْيَا، وَلِلبَاءِ وَالمِيمِ وَالوَاوِ مَا بَيْنَ الشَّفَتَيْنِ " أقول: قوله " أو في صفة تقوم مقامه " يعني بها نحو الشدة والرخاو والجهر وَالْهَمْس والإطباق والاستعلاء وغير ذلك مما يذكر بعد
قوله " وَإلاَّ فلكل مخرج " لأن الصوتَ السَّاذَجَ الذي هو محل الحروف - والحروف هيئة عارضة له - غَيرُ مخالف بعضُه بعضاً في الحقيقة، بل إنما تختلف بالجهارة واللين والغلظ والرقة، ولا أثر لمثلها في اختلاف الحروف، لأن الحرف الواحد قد يكون مجهوراً وخفياً، فإذا كان ساذجُ الصوت الذي هو مادة الحرف ليس(3/250)
بأنواع مختلفة، فلولا اختلاف أوضاع آلة الحروف - وأعني بآلتها مواضعَ تكونها في اللسان والحلق والسن والنِّطع (1) والشفة، وهي المسماة بالمخارج - لم تختلف الحروف، إذ لا شئ هناك يمكن اختلاف الحروف بِسببه إلا مادتها وآلتها، ويمكن أن يقال: إن اختلافها قد يحصل مع اتحاد المخرج بسبب اختلاف وضع الآلة من شدة الاعتماد وسهولته وغير ذلك، فلا يلزم أن يكون لكل حرف مخرج قوله " فللهمزة والهاء والألف أقصى الحلق، وللعين والحاء وسطه، وللغين والخاء أدناه " أي: أدناه إلى الفم، وهو رأس الحلق، هذا ترتيب سيبويه ابتدأ من حروف المعجم بما يكون من أقصى الحلق، وَتَدَرَّج إلى أن ختم بما مخرجه الشفه، والظاهر من ترتيبه أن الهاء في أقصى الحلق أرفع من الهمزة، والالف أرفع من الهاء، ومذهب الأخفش أن الألف مع الهاء، لاقدامها ولا خلفها، قال ابن جني: لو كانا من مخرج لكان ينقلب الألف هاء لا همزة إذا حركتها.
ولمانع أن يمنع من انقلاب الألف همزة بالتحريك، والحاء في وسط الحلق أرفع من العين، والخاء في أدنى الحلق أعلى من الغين، وكان الخليل يقول: الألف اللينة والواو والياء والهمزة هوائية: أي أنها من هواء الفم لا تقع على مَدْرَجَة من مدارج الحلق ولا مدارج اللسان، قال: وأقصى الحروف كلها في الحلق العين، وأرفع منها الحاء، وبعدها الهاء، ثم بعدهما إلى الفم الغين والخاء، والخاء أرفع من الغين
__________
(1) قال في اللسان: " النطع (بكسر أوله وسكون ثانيه) والنطع (بكسر أوله وفتح ثانيه) والنطع (بفتحتين) والنطعة (بكسر ففتح) : ما ظهر من غار الفم الاعلى، وهى الجلدة الملتزقة بعضم الخليفاء فيها آثار كالتخريز، وهناك موقع اللسان في الحنك " اه.
(*)(3/251)
قوله " وللكاف منهما " أي: من أقصى اللسان وما فوقه " ما يليهما " أي ما يقرب منهما إلى خارج الفم قوله " وللجيم والشين والياء وسط اللسان وما فوقه من الحنك " الجيم أقرب إلى أصل اللسان، وبعده إلى خارج الفم الشين، وبعده إلى خارجه الياء، قال سيبويه: بين وسط اللسان وبين وسط الحنك الأعلى مخرج الجيم والشين والياء قوله " وللضاد أول إحدى حافتيه " الحافة: الجانب، وللسان حافتان من أصله إلى رأسه كحافتي الوادي، ويريد بأول الحافة ما يلي أصل اللسان، وبآخر الحافة ما يلي رأسه قوله " وما يليهما من الأضراس " اعلم أن الأسنان اثنتان وثلاثون سنا: ست عشرة في الفك الأعلى، ومثلها في الفك الأسفل، فمنها الثنايا، وهي أربع من قدام: ثنتان من فوق، ومثلهما من أسفل، ثم الرّبَاعِيَات، وهي أربع أيضاً: رباعيتان من فوق يمنة ويسرة، ومثلهما من أسفل، وخلفهما الأنياب الأربع: نابان ضاحتكان من فوق يمنة ويسرة، ومثلهما من أسفل، وخلف الأنياب الضواحكُ، وهي أربع: ضاحكتان من فوق يمنة ويسرة، ومثلهما من أسفل، وخلف الضواحِكِ الأضراسُ، وهي ست عشرة: ثمان من فوق: أربع يمنة وأربع يسرة، ومثلها من أسفل.
ومن الناس من ينبت له خلف الأضراس النواجذُ، وهي أربع من كل جانب: ثنتان فوق، وثنتان أسفل، فيصير ستاً وثلاثين سنا، فأنت تخرج
الضد من أقصى إحدى حافتي اللسان إلى قريب من رأس اللسان، ومنتهاه أول مخرج اللام، هذا الذي ذكرناه مخرج الضاد من اللسان إلى قريب من رأس اللسان، وموضعها من الأسنان نفس الأضراس العليا، فيكون مخرجها بين الأضراس وبين أقصى إحدى حافتي اللسان، وأكثر ما تخرج من الجانب الأيمن، على ما يؤذن به كلام سيبويه وصرح به السيرافي، ويقال للضاد: طويل،(3/252)
لأنه من أقصى الحافة إلى أدنى الحافة: أي إلى أول مخرج اللام، فاستغرق أكثر الحافة قوله " واللام ما دون طرف اللسان " يريد بما دون طرفه ما يقارب رأس اللسان من جانب ظهره إلى منتهاه: أي إلى رأس اللسان قوله " وما فوق ذلك " أي: ما فوق ما دون طرف اللسان إلى رأسه، وهو من الحنك ما فوق الثنية، وعبارة سيبويه (1) " من بين أدنى حافة اللسان إلى منتهى طرفه، وبين ما يليها من الحنك الأعلى مما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية "، واللام ابتداؤه - على ما قال سيبويه - من الضاحك إلى الثنية، لأن الضاد يخرج من بين الأضراس وحافة اللسان، واللام يخرج من فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية، لا من نفس الأسنان وحافة اللسان، وجميع علماء هذا الفن على ذكر سيبويه، والمصنف خالفهم كما ترى، وليس بصواب قوله " وللراء منهما " أي: ما دون طرف اللسان إلى منتهاه وما فوق ذلك قوله " ما يليهما " أي: ما يقرب الموضعين إلى جانب ظهر اللسان، فالنون أقرب إلى رأس اللسان من الراء، وقال سيبويه: مخرج النون بين طرف اللسان إلى رأسه، وبين فويق الثنايا، ومخرجُ الراء هو مخرج النون، غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلاً، لا نحرافه إلى اللام: أي الراء مائل إلى اللام
قوله " وللصاد والزاي والسين طرف اللسان والثنايا " كذا قال ابن جني والزمخشري، يعنون أنها تخرج من بين رأس اللسان والثنايا من غير أن يتصل طرف اللسان بالثنايا كما اتصل بأصولها لإخراج الطاء والدال، بل يحاذيها
__________
(1) عبارة سيبويه (ح 2 ص 405) هكذا: " ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الاعلى وما فويق الضاحك والباب والرباعية والثنية مخرج اللام " اه (*)(3/253)
ويسامتها وعبارة سيبويه " مما بين طرف اللسان وطرف الثنايا مخرج الزاي والسين والصاد " فعلى ما قال مخرج هذه الحروف هو مخرج النون قوله " طرف اللسان وطرف الثنايا " أي: رءوس الثنايا العليا، وقال الخليل: العين والحاء والهاء والغين والخاء حلقية، لأن مبتدأها من الحلق، والقاف والكاف لَهَوِيَّتَان، إذ هما من اللَّهَاة، والجيم والشين والضاد شَجْرِية، لأن مبدأها من شَجْر الفم: أي مَفْرَجه، والصاد والزاي والسين أسَلِية، وَأسَلَة اللسان: مُسْتَدَقّ طرفه، والطاء والدال والتاء نِطَعِيَّة: لأن مبدأها من نِطَع الغار الأعلى، والظاء والذال والثاء لِثَوِيَّة، والراء واللام والنون ذلقية، وذلق كل شئ: تحديد طرفه، والفاء والباء والميم شَفَوية، أو شفهية، والواو والياء والألف والهمزة هَوَائية، إذ هي من الهواء لا يتعلق بها شئ، وخالف الفراء سيبويه في موضعين: أحدهما أنه جعل مخرج الياء والواو واحداً، والآخر أنه جعل الفاء والميم بين الشفتين، وأحسن الأقوال ما ذكره سيبويه، وعليه العلماء بعده.
قال: " وَمَخْرَج الْمُتَفَرِّع وَاضِحْ، وَالْفَصِيحُ ثَمَانِيَةٌ: هَمْزَةُ بَيْنَ بَيْنَ (وَهِيَ) ثَلاَثَةٌ، وَالنُّونُ الْخَفِيَّةُ نَحْوُ عَنْكَ، وَأَلِفُ الإِمَالَةِ، وَلاَمُ التَّفْخِيم، وَالصَّادُ كالزَّاي وَالشِّينُ كالْجِيم.
وَأَمَّا الصَّادُ كالسِّينِ والطَّاءُ كالتَّاء وَالْفَاءُ كالْبَاءِ
وَالضَّادُ الضَّعِيفَةُ وَالْكَافُ كَالْجِيم فَمُسْتَهْجَنَةٌ.
وَأَمَّا الْجِيمُ كالكاف والجيم كالشَّين فَلاَ يَتَحَقَّقُ " أقول: يعني بالمتفرع حرفاً يتفرع عن هذه الحروف المذكورة قبل بإشرابها صَوْتاً من غيرها، فهمزة بين بين ثلاثة ذكرناها في تخفيف الهمزة (1) : ما بين الهمزة والألف، وما بينها وبين الواو، وما بينها وبين الياء.
قوله " النون الخفية " قيل: إن الرواية عن سيبويه " الخفيفة " قال السيرافي يجب أن يقال " الخفية " لان التفسير يدل عليه، إذ هي نون ساكنة غير
__________
(1) انظر (ص 30 وما بعدها من هذا الجزء) (*)(3/254)
ظاهرة مخرجها من الخيشوم فقط، وإنما تجئ قبل الحروف الخمسة عشر التي تذكر عند ذكر أحوال النون، قال السيرافي: ولو تكلف متكلف إخراجها من الفم مع هذه الخمسة عشر لأمكن بعلاج وعسر.
قوله: " وألف الإمالة " يسميها سيبويه ألف الترخيم، لأن الترخيم تليين الصوت، قال: لَهَا بَشَرٌ مِثْلُ الْحَرِيرِ وَمَنْطِقٌ * رخيم الحواشى لاهراء وَلاَ نَزْرُ قوله " ولام التفخيم " يعني بها اللام التي تلي الصاد أو الضاد أو الطاء، إذا كانت هذه الحروف مفتوحة أو ساكنة، كالصلوة وَيَصْلَوْن، فإن بعضهم يفخمها، وكذا لام " الله " إذا كان قبلها ضمة أو فتحة.
ولم يذكر المصنف ألف التفخيم، وذكرها سيبويه في الحروف المستحسنة، وهي الألف التي يُنْحَى بها نحو الواو، كالصلوة والزكوة والحيوة، وهي لغة أهل الحجاز، وزعموا أن كَتْبَهُم لهذه الكلمات بالواو على هذه اللغة.
قوله " الصاد كالزاي " قد ذكرنا في نحو يَصْدُق وَصَدَق.
قوله " والشين كالجيم " ذكرها سيبويه في الحروف المستحسنة، وذكر الجيم التي كالشين في المستهجنة، وكلتاهما شئ واحد، لكنه إنما استحسن الشين المشربة صوت الجيم لأنه إنما يفعل ذلك بها إذا كانت الشين ساكنة قبل الدَّال، والدَّال مجهورة شديدة والشين مهموسة رخوة تنافي جوهر الدال، ولا سيما إذا كانت
__________
(1) هذا بيت من بحر الطويل من قصيدة لذى الرمة، والبشر: اسم جنس جمعى واحده بشرة، وبشرة الانسان: ظاهر بدنه، والمنطق مصدر ميمى بمعنى النطق، والرخيم: الناعم اللين، والهراء - كغراب -: المنطق الفاسد، ويقال: هو الكثير، وهو أنسب لمقابلته بالنزر وهو القليل.
والاستشهاد بالبيت على أن الرخيم معناه الصوت اللين، فالترخيم بمعنى تليين الصوت (*)(3/255)
ساكنة، لأن الحركة تُخْرج الحرف عن جوهرة فتُشْرَب الشين صوت الجيم التي هي مجهورة شديدة كالدال لتناسب الصوت، فلا جرم استحسن، وإنما استهجن الجيم التي كالشين لأنها إنما يفعل ذلك بها إذا سكنت وبعدها دال أو تاء، نحو اجتمعوا وأجْدَر، وليس بين الجيم والدال، ولا بينها وبين التاء تباين، بل هما شديدتان، لكن الطبع ربما يميل لاجتماع الشديدين إلى السلاسة واللين فيشرب الجيم ما يقاربه في المخرج، وهو الشين، فالفرار من المتنافيين مستحسن، والفرار من المثلين مستهجن، فصار الحرف الواحد مستحسناً في موضع، ومستهجناً في موضع آخر، بحسب موقعه قوله " وأما الصاد كالسين " قربها بعضهم من السين لكونهما من مخرج واحد، والطاء التى كالتاء تكون في كلام عجم أهل المشرق كثيراً، لأن الطاء في أصل لغتهم معدومة فإذا نطقوا بها تكلفوا ما ليس في لغتهم، فنطقوا بشئ بين الطاء والتاء
قوله " والفاء كالباء " قال السيرافي: هي كثيرة في لغة العجم وهي على ضربين: أحدهما لفظ الباء أغلب عليه من الفاء، والآخر لفظ الفاء أغلب عليه من الباء، وقد جعلا حرفين من حروفهم سوى الباء والفاء المخلصين، قال: وأظن أن العرب إنما أخذوا ذلك من العجم لمخالطتهم إياهم قوله " الضاد الضعيفة " قال السيرافي: إنها لغة قوم ليس في لغتهم ضاد، فإذا احتاجوا إلى التكلم بها في العربية اعْتَضَلَت عليهم، فربما أخرجوها ظاء، لإخراجهم إياها من طرف اللسان وأطراف الثنايا، وربما تكلفوا إخراجها من مخرج الضاد فلم يتأتَّ لهم فخرجت بين الضاد والظاء، وفى حاشية كتاب ابن مبرمان: الضاد الضعيفة كما يقال في اثْرُدْ له: اضْرُدْ له، يقربون التاء من الضاد، قال سيبويه: تكلف الضاد الضعيفة من الجانب الأيسر أخف، قال(3/256)
السيرافي: لأن الجانب الأيمن قد اعتاد الضاد الصحيحة، وإخراج الضعيفة من موضع اعتاد الصحيحة أصعب من إخراجها من موضع لم يعتد الصحيحة قوله " والكاف كالجيم " نحو جافر في كافر، وكذا الجيم التي كالكاف، يقولون في جَمَل: كَمَل، وفي رَجُل: ركُل، وهي فاشية في أهل البحرين، وهما جميعا شئ واحد، إلا أن أصل أحدهما الجيم وأصل الآخر الكاف، كما ذكرنا في الجيم كالشين والشينِ كالجيم، إلا أن الشين كالجيم مستحسنة وعكسَه مستهجن، والكاف كالجيم وعكسهُ مستهجنان، فقوله " لا يتحقق " فيه نظر، وكأنه ظن أن مرادهم بالجيم كالشين حرف آخر غير الشين كالجيم، وكذا ظن أن مرادهم بالجيم كالكاف غير مرادهم بالكاف كالجيم، وهو وهم ومن المتفرعة القاف بين القاف والكاف، قال السيرافي: هو مثل الكاف التي كالجيم والجيم التي كالكاف
ومنها أيضاً الجيم التي كالزاي والشين التي كالزاي، على ما ذكرنا في أَجْدَر وأشدق ومنها أيضاً الياء كالواو في قُيِل وبُيع - بالإشمام، والواو كالياء في مذعور وابن نور، كما ذكرنا في باب الامالة قال: " وَمِنْهَا الْمَجْهُورَةُ وَالْمَهْمْوسَة، وَمِنْها الشَّدِيدَةُ وَالرِّخْوَةُ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمِنْهَا المطبقة والمنفتحة، ومنها المستعلية وَالْمُنْخَِفضَةُ، وَمِنْهَا حُرُوفُ الذَّلاَقَةِ وَالْمُصْمَتَهُ، وَمِنْهَا حُرُوفُ الْقَلْقَلَةِ وَالضَّفِيرِ وَاللَّيِّنةُ وَالْمْنْحَرِفُ وَالْمُكَرَّرُ وَالْهَاوِي وَالْمَهْتُوت.
فَالْمَجْهُورَة مَا يَنْحَصِرُ جَرْيُ النَّفَس مَعَ تَحَرُّكِه وَهِيَ مَا عَدَا حُرُوفِ (سَتَشْحَثُكَ خَصَفَهْ) ، وَالْمَهْمُوسَةِ بِخِلاَفِهَا وَمُثلاً بققق وككك، وخالف بعضهم فجعل الضاد والظاء والذال والزاي والعين والغين والياء من المهموسة، والكاف(3/257)
وَالتَّاءَ مِنَ الْمَجْهُورَةِ، وَرَأى أَنَّ الشِّدَّةَ تُؤكِّدُ الْجَهْرَ، وَالشَّدِيدَةُ: مَا يَنْحَصِرُ جَرْيُ صَوْتِهِ عِنْدَ إِسْكَانِهِ فِي مَخْرَجِهِ فَلاَ يَجْرِي، وَيَجْمَعُهَا (أجِدُكَ قَطَبْتَ) وَالرِّخْوَةُ بِخِلافِهَا، وَمَا بَيْنَهُمَا مَا لاَ يَتِمُّ لَهُ الانْحِصَارُ وَلاَ الْجَرْيُ، وَيَجْمَعُهَا (لِمَ يَرُوعُنَا) ، وَمَثِّلَتْ بِالْحَجِّ وَالطَّشِّ وَالْخَلِّ، وَالْمُطْبَقَةُ مَا يُنْطَبَقُ عَلَى مَخْرَجِهِ الْحَنَكُ، وَهِيَ الصَّادُ والضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ، وَالْمُنْفَتِحَةُ بِخِلاَفِهَا، وَالْمُسْتَعْلِيَةُ مَا يَرْتَفِعُ اللِّسَانُ بِهَا إلَى الْحَنَكِ وَهِيَ الْمُطْبَقَةُ وَالْخَاءُ وَالْغَيْنُ وَالْقَافُ، وَالْمُنْخَفِضَةُ بِخِلاَفِهَا، وَحُرُوفُ الذَّلاقَةِ مَا لا ينفعك رباعى أو خماسى عن شئ مِنْهَا لِسُهُولَتِهَا، وَيَجْمعُهَا (مُرْ بِنَفَل) والمصمتة بِخِلاَفِهَا لأَنَّهُ صُمِتَ عَنْهَا فِي بِنَاءِ رُبَاعِيٍّ أَوْ خُمَاسِيٍّ مِنْهَا، وحروف القلقلة ما ينضم إلى الشدة فيها ضغط في الوقف، (ويجمعها قد طبج) ، وَحُرُوفُ الصَّفيِرِ
مَا يُصْفَرُ بِهَا، وَهِيَ الصَّادُ وَالزَّايُ وَالسِّينَ، وَاللَّيِّنَةُ حُرُوفُ اللِّينِ، وَالْمُنْحَرِفُ اللاَّمُ، لأَنَّ اللِّسَانَ يَنْحَرِفُ بِهِ، وَالْمُكَرَّرُ الرَّاءُ، لِتَعَثرِ اللسَانِ بِهِ، وَالْهَاوِي الأَلِفُ، لاتِّسَاعِ هَوَاءِ الصَّوْتِ بِهِ، وَالْمَهْتُوتُ التَّاءُ، لِخِفَائِهَا " أقول: إنما سميت الحروف المذكورة مجهورة لانه لابد في بيانه وإخراجها من جَهْرٍ ما، ولا يتهيأ النطق بها إلا كذلك، كالقاف والعين، بخلاف المهموس، فإنه يتهيأ لك أن تنطق به ويسمع منك خفياً كما يمكنك أن تجهر به، والجهر: رفع الصوت، والهمس: إخفاؤه، وإنما يكون مجهوراً لأنك تشبع الاعتماد في موضعه، فمن إشباع الاعتماد ارتفاع الصوت، ومن ضعف الاعتماد يحصل الهمس والإخفاء، فإذا أشبعت الاعتماد فإن جرى الصوت كما في الضاد والظاء والزاي والعين والغين والياء فهي مجهورة رخوة، وإن اشبعته ولم يجر الصوت كالقاف والجيم والطاء والدال فهي مجهورة شديدة، قيل: والمجهورة تخرج أصواتها من الصدر، والمهموسة تخرج أصواتها من مخارجها في الفم، وذلك مما(3/258)
يرخى الصوت فيخرج الصوت من الفم ضعيفاً، ثم إن أردت الجهر بها وإسماعها أتبعت صوتها بصوت من الصدر ليفهم، وتَمتحن المجهورة بأن تكررها مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة: رفعت صوتك بها أو أخفيته: سواء أشبعت الحركات حتى تتولّد الحروف، نحو قاقاقا، وقوقوقو، وقى قي قي، أو لم تشبعها نحو قَقَقَ، فإنك ترى الصوت يجرى ولا ينقطع، ولا يجري النفس إلا بعد انقضاء الاعتماد وسكون الصوت، وأما مع الصوت فلا يجري ذلك، لأن النفس الخارج من الصدر - وهو مركب الصوت - يحتبس إذا اشتدَّ اعتماد الناطق على مخرج الحرف، إذ الاعتماد على موضع من الحلق والفم يحبس النفس وإن لم يكن هناك صوت، وإنما يجري النفس إذا ضعف الاعتماد، وإنما كررت الحرف في الامتحان لأنك لو نطقت
بواحد من المجهورة غير مكرر فعقيب فراغك منه يجري النفس بلا فصل، فيظن أن النفس إنما خرج مع المجهورة لا بعده، فإذا تكرر وطال زمان الحرف ولم يخرج مع تلك الحروف المكررة نَفَس عرفت أن النطق بالحروف هو الحابس للنفس، وإنما حُرِّكت الحروف لأن التكرير من دون الحركة محال، وإنما جاز إشباع الحركات لأن الواو والالف والياء مجهورة فلا يجري مع صوتها النفس، وأما المهموسة فإنك إذا كررتها مع إشباع الحركة أو بدونه فإن جوهرها لضعف الاعتماد على مخارجها لا يحبس النفس، فيخرج النفس ويجري كما يجري الصوت بها، نحو كَكَكَ، فالقاف والكاف قريباً المخرج، ورأيت كيف كان أحدهما مجهوراً والآخر مهموساً، وقس على القاف والكاف سائر المجهورة والمهموسة فنقول جميع حروف الهجاء على ضربين: مهموسة وهي حروف (سَتَشْحَثكَ خَصَفَه) بالهاء في خصفه للوقف، ومعنى الكلام ستشحذ عليك: أي تَتَكَدَّى، والشحاذ والشحاث: المُتَكَدِّي، وخصفة: اسم امرأة، وما بقي من الحروف مجهورة، وهي قولك: ظِلُّ قَوٍّ رَبَضَ إِذْ غَزَا جُنْدٌ مُطِيع(3/259)
ثم تنقسم جميع حروف التهجي قسمة مستأنفة ثلاثة أقسام: شديدة، ورخوة، وما بينهما، والحروف الشديدة (أجدك قطبت) ونعنى بالشديدة ما إذا أسكنته ونطقت به لم يجر الصوت، والرخوة: ما يجري الصوت عند النطق بها، والفرق بين الشديدة والمجهورة أن الشديدة لا يجري الصوت عند النطق بها، بل إنك تسمع به في آن ثم ينقطع، والمجهورة لا اعتبار فيها بعدم جري الصوت، بل الاعتبار فيها بعدم جري النفس عند التصويت بها، وبعضهم أخرج من المجهورة: أي من حروف (ظِلُّ قَوٍّ) السَّبعة الأحرف التي من الرخوة: أي الضاد والظاء والذال والزاي والعين والغين والياء، فيبقى منها الحروف الشديدة: (أي أجدك قطبت)
وأربعة أحرفٍ مما بين الشديدة والرخوة: أي من حروف (لِمَ يَرُوعُنَا) وهي اللام والميم والواو والنون، فيكون مجموع المجهورة عنده أثني عشر، وهي حروف (وَلِمَنْ أجِدُكَ قَطَبْتَ) ، وهذا القائل ظن أن الرخاوة تنافي الجهر، وليس بشئ، لان الرخاوة أن يجري الصوت بالحرف عند إسكانه كالنَّبْر، والجهر: رفع الصوت بالحرف: سواء جرى الصوت، أو لم يجر، وعلامته عدم حرى النَّفَس.
وإنما اعتبر في امتحان الشديدة والرخوة إسكان الحروف لأنك لو حركتها والحركات أبعاض الواو والالف والياء فيها رخاوة ما لَجَرَت الحركات لشدة اتصالها بالحروف الشديدة إلى شئ من الرخاوة، فلم تتبين شدتها.
وقوله في الشديدة " ما ينحصر جري صوته عند إسكانه في مخرجه " متعلق بينحصر: أي ينحصر في مخرجه عند إسكانه، وإنما جعل حروف (لِمَ يَرُوعُنَا) بين الشديدة والرخوة لان الشديدة هي التى ينحصر الصوت في مواضعها عند الوقف، وهذه الأحرف الثمانية ينحصر الصوت في مواضعها عند الوقف، لكن تعرض لها أعراض توجب خروج الصوت من غير مواضعها، أما العين فينحصر الصوت عند مخرجه، لكن لقربه من الحاء التي هي مهموسة ينسَلّ(3/260)
صوته شيئاً قليلاً، فكأنك وقفت على الحاء، وأما اللام فمخرحها - أعني طرف اللسان - لا يتجافى عن موضعه من الحنك عند النطق به، فلا يجري منه صوت، لكنه لما لم يسدّ طريق بالكلية كالدال والتاء بل انحرف طرف اللسان عند النطق به خرج الصوت عند النطق به من مُسْتَدَقّ اللسان فويق مخرجه، وأما الميم والنون فإن الصوت لا يخرج من موضعيهما من الفم، لكن لما كان لهما مخرجان في الفم وفي الخيشوم جرى به الصوت من الأنف دون الفم، لأنك لو أمسكت أنفك لم يجر الصوت بهما، وأما
الراء فلم يجر الصوت في ابتداء النطق به، لكنه جرى شيئاً لانحرافه وميله إلى اللام، كما قلنا في العين المائلة إلى الحاء، وأيضاً الراء مكرر، فإذا تكرر جرى الصوت معه في أثناء التكرر، وكذلك الواو والياء والألف لا يجري الصوت معها كثيراً، لكن لما كانت مخارجها تتسع لهواء الصوت أشد من اتساع غيرها من المجهورة كان الصوت معها يكثر فيجرى منه شئ، واتساع مخرج الألف لهواء صوته أكثر من اتساع مخرجي الواو والياء لهواء صوتهما، فلذلك سمي الهاوي: أي ذات الهواء، كالناشب (1) والنابل (2) ، وإنما كان الاتساع للألف أكثر لأنك تضم شفتيك للواو فيتضيق المخرج وترفع لسانك قبل الحنك للياء، وأما الألف فلا تعمل له شيئاً من هذا، بل تفرج المخرج، فأوسعهن مخارجا الألف، ثم الياء، ثم الواو، وهذه الحروف أخْفَى الحروف، لاتساع مخارجها، وأخفاهن الألف، لأن سعة مخرجها أكثر
__________
(1) الناشب: صاحب النشاب، والنشاب - كرمان -: النبل، والواحدة نشابة - كرمانة - (2) النابل: صاحب النبل، أو صانعه مثل النبال، والنبل: السهام، ولا واحد له من لفظه، ويقال: واحده نبلة (*)(3/261)
قوله " المطبقة ما ينطبق معه الحنك على اللسان " لأنك ترفع اللسان إليه فيصير الحنك كالطبق على اللسان، فتكون الحروف التي تخرج بينهما مطبقاً عليها قوله " على مخرجه " ليس بمطرد، لأن مخرج الضاد حافة اللسان، وحافة اللسان تنطبق على الأضراس كما ذكرنا، وباقي اللسان ينطبق عليه الحنك، قال سيبويه: لولا الإطباق في الصاد لكان سيناً، وفي الظاء كان ذالاً، وفي الطاء كان دالاً، ولخرجت الضاد من الكلام، لانه ليس شئ من الحروف من موضعها غيرها
قوله " والمنفتحة بخلافها " لأنه ينفتح ما بين اللسان والحنك عند النطق بها، والمستعلية: ما يرتفع بسببها اللسان، وهي المطبقة والخاء والغين المعجتمان والقاف، لأنه يرتفع اللسان بهذه الثلاثة أيضاً، لكن لا إلى حد انطباق الحنك عليها، والمنخفضة: ما ينخفض معه اللسان ولا يرتفع، وهي كل ما عدا المستعلية قوله " حروف الذلاقة " الذَّلاَقة: الفصاحة والخفة في الكلام، وهذه الحروف أخفّ الحروف، ولا ينفك رباعي ولا خماسي من حرف منها إلا شاذّاً، كالْعَسْجَد (1) وَالدَّهْدَقة (2) وَالزَّهْزَقَة (3) وَالْعَسَطُوس (4) ، وذلك لأن الرباعي والخماسي ثقيلان، فلم يخليا من حرف سهل على اللسان خفيف، والمصمتة: ضد حروف الذلاقة، والشئ الْمُصْمَت هو الذي لا جوف له، فيكون ثقيلاً، سميت بذلك لثقلها على اللسان، بخلاف حروف الذلاقة، وقيل: إنما سميت بذلك لأنها أُصْمِتَتْ عن أن يبني منها وحدها رباعي أو خماسى،
__________
(1) العسجدة: الذهب، وهو أيضا الجوهر كله كالدر والياقوت، ويقال: بعير عسجد، إذا كان ضخما (2) الدهدقة: مصدر قولك: دهدق اللحم، إذا كسره وقطعه وكسر عظامه (3) الزهزقة: شدة الضحك وهى أيضا ترقيص الام الصبى (4) العسطوس - كقربوس -: وربما شددت سينه الاولى: شجرة كالخيزران تكون بالجزيرة، وهو أيضا رأس النصارى (*)(3/262)
والأول أولى، لأنها ضد حروف الذلاقة في المعنى، فمضادَّتُهَا لها في الاسم أنسب قوله " وحروف القلقلة " إنما سميت حروف القلقلة لأنها يصحبها ضغط اللسان في مخرجها في الوقف مع شدة الصوت المتصعد من الصدر، وهذا الضغط التام يمنع خروج ذلك الصوت، فإذا أردت بيانها للمخاطب احْتَجْتَ إلى قلقلة
اللسان وتحريكه عن موضعه حتى يخرج صوتها فيسمع، وبعض العرب أشدّ صوتاً كأنهم الذين يرومون الحركة في الوقف، وبعض الحروف إذا وقفت عليها خرج معها مثل النفخة ولم تنضغط ضغط الأول، وهي الظاء والذال والضاد والزاي، فإن الضاد تجد المنفذ بين الأضراس، والظاء والذال والزاي تجد منفذاً من بين الثنايا وأما الحروف المهموسة فكلها تقف عليها مع نفخ لأنهن يجرين مع النفس، وبعض العرب أشد نفخاً، كأنهم الذين يرومون الحركة في الوقف وبعض الحروف لا يصحبها في الوقف لا صوت كما في القلقلة، ولا نفخ كما في المهموسة، ولا شبه نفخ كما في الحروف الأربعة، وهو اللام والنون والميم والعين والغين والهمزة، أما عدم الصوت فلأنه لم يتصعّد من الصدر صوت يحتاج إلى إخراجه، وأيضاً لم يحصل ضغط تام، وأما عدم النفخ فلأن اللام والنون لا يجدان منفذاً كما وجدت الحروف الأربعة بين الأسنان وذلك لأنهما ارتفعتا عن الثنايا، وكذلك الميم، لأنك تضم الشفتين بها، وأما العين والغين والهمزة فإنك لو أردت النفخ من مواضعها لم يمكن، ولا يكون شئ من النفخ والصوت في الوصل نحو أذْهِبْ زيداً، وخذهما، واحرسهما، وذلك لاتصال الحرف الثاني به فلا يبقى لا صوت ولا نفخ قوله " قد طبج " الطَّبْجُ: ضرب اليد على مجوف، وإنما سمي اللام منحرفاً لأن اللسان ينحرف عن النطق به، ومخرجه من اللسان - أعني طرفه - لا يتجافى عن موضعه من الحنك، وليس يخرج الصوت من ذلك المخرج،(3/263)
بل يتجافى ناحيتها مستدقُّ اللسان، ولا تعترضان الصوت، بل تخليان طريقه، ويخرج الصوت من تينك الناحيتين، وإنما سمي الراء مكرراً لأن طرف اللسان إذا تكلم به كأنه يتعثر: أي يقوم فيعثر، للتكرير الذي فيه، ولذلك كانت
حركته كحركتين، كما تبين في باب الإمالة (1) ، ومعنى الهاوي ذُو الْهَوَاء كما ذكرنا، وإنما سُمّيَ التاء مهتوتاً لأن الهتّ سَرْدُ الكلام على سرعة، فهو حرف خفيف لا يصعب التكلم به على سرعة.
قال: " وَمَتَى قُصِد إِدْغَامُ أَحَدِ الْمُتَقَارِبَيْنِ فَلاَ بُدَّ مِنَ الْقَلَبِ، وَالْقِيَاسُ قَلْبُ الأَوَّلِ إلاَّ لِعَارِضٍ في نحو إذ بحتودا واذبحاذه، في جُمْلَةٍ مِنْ تَاءِ الافْتِعَالِ لِنَحْوِهِ وَلِكَثْرَةِ تَغَيُّرِهَا، وَمَحُّمْ فِي مَعَهُمْ ضَعِيفٌ، وَسِتٌّ أصْلُهُ سِدْسٌ شَاذٌّ لاَزِمٌ " أقول: شرع في بيان إدغام المتقاربة بعضها في بعض، وقدم مقدمة يعرف بها كيفية إدغامها، ثم ذكر مقدمة أخرى يعرف بها ما لم يجز إدغامه منها في مقاربه، وهي قوله " ولا يدغم منها في كلمة " إلى قوله " فالهاء في الحاء " إنما كان القياس قلب الأول إلى الثاني دون العكس لأن الإدغام تغيير الحرف الأول بإيصاله إلى الثاني وجعله معه كحرف واحد.
فلما كان لابد للأول من التغيير بعد صيرورة المتقاربين مثلين ابتدأتَ بتغييره بالقلب قوله " إلا لعارض " اعلم انه قد يعرض ما يمنع من القياس المذكور، وهو شيئان: أحدهما: كون الأول أخف من الثاني، وهو إما في حرفين حلقيين أولهما أعلى من الثاني، وذلك إذا قصد إدغام الحاء إما في العين أو في الهاء فقط، ولا يدغم حلقيٌّ في حلقي آخر أدخل كما يجئ لو إنما أدغمت الحاء في أحد الحرفين مع أن حروف الحلق يقل فيها الإدغام - كما يجئ - لثقلها، فلهذا قلّ المضاعف منها كما
__________
(1) انظر (ص 20 من هذا الجزء) (*)(3/264)
يجئ، فلم يدغم بعضها في بعض في كلمتين أيضاً في الأغلب، لئلا يكون شبه
مضاعف مصوغ منها، وإنما أدغمت الحاء في أحدهما لشدة مقاربة الحاء لهما، وإنما قلبت الثاني إلى الأول في نحو اذْبَحْ عَتُوداً (1) واذبح هذه، مع أن القياس العكس، لأن أنزلها في الحلق أثقلها، فأثقلها الهمزة ثم الهاء، ثم العين ثم الغين ثم الحاء ثم الخاء، فالحاء أخف من الغين والخاء، والمقصود من الإدغام التخفيف، فلو قلبت الأولى التي هي أخف إلى الثانية التي هي أثقل لمشت خفة الإدغام بثقل الحرف المقلوب إليه فكأنه لم يدغم شئ في شئ، وأما في الواو والياء في نحو سيد وأصله سَيْوِد وذلك لثقل الواو كما مر في باب الإعلال وثانيهما كون الحرف الأول ذا فضيلة ليست في الثاني، فيُبْقى عليها بترك قلبه إلى الثاني، ولا يدغم في مثل هذا كما يجئ، إلا أن يكون الثاني زائداً فلا يبالي بقلبه وتغييره على خلاف القياس، نحو اسَّمَع وَازَّان ومعنى قوله " لنحوه ولكثرة تغيرها " أي: لكون الالف أخف من الثاني ولكثرة تغير التاء لغير الإدغام كما في اضطراب واصطبر قوله " ومحمُّ معه ضعيف " كان القياس الأوَّلُ: أي قلب الأول إلى الثاني، أن يقال مَهُّم، بقلب العين هاء، وقياس العارض، وهو كون الثاني: أي الهاءِ أدخَلَ في الحلق وأثقل، أن يقلب الثاني إلى الأول فيقال مَعُّمْ، فاستثقل كلاهما، ولهذا كان تضعيف الهاء نحو قَةَ (2) وَكَهَّ (3) السكرانُ، والعين نحو دَعَّ (4) وكَعَّ (5) قليلاً جداً، واستثقل أيضاً ترك الإدغام لأن كل واحدة منهما
__________
(1) العتود: ولد المعز (2) قه الرجل: اشتد ضحكه.
انظر (ص 73 من هذا الجزء) (3) كه السكران: أخرج نفسه.
انظر (ص 73 من هذا الجزء) (4) الدع: الدفع العنيف، وفى التنزيل (فذلك الذى يدع اليتيم) : أي يدفعه بعنف
(5) كع الرجل: جبن، وهو من باب نصر وضرب وعلم، انظر (ح 1 ص 134) (*)(3/265)
مستثقلة لنزولها في الحلق فكيف بهما مجتمعين مع تنافرهما؟ إذ العين مجهورة والهاء مهموسة، فطلبوا حرفاً مناسباً لهما أخف منهما، وهو الحاء: أما كونه أخف فلأنه أعلى منهما في الحلق، ولذلك كثر نحو مَحَّ (1) وَدَحَّ (2) وَزَحَّ (3) بخلاف دَعّ وَكَعَّ وَكَهَّ وَقَهَّ، وأما مناسبته للعين فلانهما من وسط الحلق، وأما الهاء فبالهمس والرخاوة، فلذا قلب بعض بني تميم العين والهاء حاءين وأدغم أحدهما في الآخر نحو مَحُّم ومحَّاؤلاء، في معهم ومع هؤلاء، والأكثر ترك القلب والإدغام لعروض اجتماعهما، وكذا قولك سِتّ أصله سِدْس، بدلالة التسديس وبين الدال والسين تقارب في المخرج، لأن كليهما من طرف اللسان، فلو قلب، الدال سيناً كما هو القياس اجتمع ثلاث سينات، ولا يجوز قلب السين دالاً خوفاً من زوال فضيلة الصفير، ومع تقارب الدال والسين في المخرج بينهما تنافر في الصفة، لأن الدال مجهورة شديدة والسين مهموسة رخوة، فتقاربهما داع إلى ترك اجتماعهما مُظهرين، وكذا تنافرهما وقلب أحدهما إلى الآخر ممتنع، كما مر، فلم يبق إلا قلبهما إلى حرف يناسبها، وهو التاء، لأنها من مخرج الدال ومثل السين في الهمس قال: " وَلاَ يُدْغَمُ مِنْهَا فِي كَلِمَةٍ مَا يُؤَدِّي إلَى لَبْسٍ بِتَرْكِيبٍ آخَرَ، نَحْوُ وَطَدَ وَشَاةٍ زَنْمَاءَ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَقُولُوا: وَطْداً وَلاَ وَتْداً، بل قَالُوا: طِدَةٌ وتِدَةً لِمَا يَلْزَمُ مِنْ ثِقَلٍ أَوْ لَبْسٍ، بِخِلاَفِ نَحْوِ امَّحَى واطَّيَّرَ وَجَاءَ وَدٌّ فِي وَتِدٍ فِي تميم "
__________
(1) مح الثوب: كنصر وضرب -: بلى (2) الدح: الدس والنكاح، وهو أيضا الدفع في القفا
(3) تقول: زحه يزحه - كمده يمده -، إذا نحاه عن موضعه ودفعه وجذبه في عجلة (*)(3/266)
أقول: إذا اجتمع من المتقاربة شيئان: فإن كانا في كلمتين نحو مَنْ مِثْلك فإنه يدغم أحدُهما في الآخر، ولا يُباليَ باللبس لو عرض، لأنهما في معرض الانفكاك، فإذا انفكا يعرف أصل كل واحد منهما، ثم إن تحركا لم يجب الإدغام ولم يتأكد، وإن سكن الأول فقد يجب كالنون في حروف (يرملون) ، وكلام التعريف فيما سنذكر، ولا يجب في غيرهما، بل يتأكد ولا سيما إذا اشتد التقارب، وإن كانا في كلمة: فإن تحركا وألبس الإدغامُ مثالاً بمثال لم يدغم، كما في وَطَدَ (1) : أي أحكم، ووتَدَ: أي ضرب الوَتِد، وكذا في الاسم، نحو وَتِدٍ، وإن لم يُلْبس جاز الإدغام نحو ازَّمَّلَ (2) فِي تَزَمَّلَ، لأن افَّعَّل - بتضعيف الفاء والعين - ليس من أبنيتهم، بل لا يجئ إلا وقد أُدغم في فائه تاء تَفَعَّلَ كاتَّرَّك وازَّمَّلَ، ومن ثم لا تقول: اقَّطَعَ واضَّرَبَ، وإن كان أولهما ساكناً: فإن ألبس ولم يكن تقاربها كاملا بقى الاول عير مدغم، نحو قِنْوَانٍ (3) وَصِنْوَانٍ (4) وبُنْيَانٍ وَقِنْيَةٍ (5) وبِنْية وكُنْيَة ومُنْيَةٍ وقَنْوَاءَ (6)
__________
(1) قال في اللسان: " وطد الشئ يطده وطدا وطدة فهو موطود ووطيد: أثبته وثقله، والتوطيد مثله " ومثله في القاموس: ومنه تعلم أن قول ابن الحاجب " وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَقُولُوا: وَطْداً " غير سديد، وكذا دعواه أنه لم يرد الوتد، فقد ذكر صاحبا القاموس واللسان أنه يقال: وتدالوا تديتده وتداوتدة، إذا ثبته، وقد وجه الرضى ما ذكره ابن الحاجب.
بأنه جرى على لغة بعض العرب (2) تقول: تزمل في ثوبه، وازمل، إذا تلفف.
وفى التنزيل (يأيها المزمل قم الليل إلا قليلا)
(3) القنوان: جمع قنو، وهو من النخلة بمنزلة العنقود من العنب (4) صنوان: جمع صنو، وهو الاخ الشقيق.
انظر (ج 2 ص 93) (5) القنية - بضم فسكون أو بكسر فسكون - ما يتخذه الانسان من الغنم ونحوها لنفسه لا للتجارة، وانظر (ج 2 ص 43) (6) تقول: رجل أقنى الانف، وامرأة قنواء الانف إذا كان أعلى أنفهما مرتفعا ووسطه محدودبا، وهو من علامة الكرم عندهم.
(*)(3/267)
وشاةٍ زَنَماءَ (1) وَغَنَم زُنْم، وإن كان تقاربهما كاملاً جاز الإظهار نظر إلى الالتباس بالإدغام وجاز الإدغام نظراً إلى شدة التقارب، وذلك نحو وتَدَ يتِدُ وتْداً وَوَطَدَ يَطِدُ وَطْداً وعِتْدَانٍ في جمع عَتُودٍ ومنهم من يدغم التاء في الدال فيقول وتَدَ يتِدُ ودّاً وعَتُوداً وعِدَّانا، قال الأخطل: 191 - واذكر غدانة عدانا مزنمة * من الْحَبَلَّقِ تُبْنَى حَوْلَها الصِّيَرُ (2) ومنه قولهم ودٌّ في وَتدٍ، خففه بنو تميم بحذف كسرة التاء نحو كَبْدٍ وفَخْذٍ كما مر في أول الكتاب (3) فقالوا بعد الإسكان: ودّ، ولم يجز في لغتهم وتْدٌ - بسكون التاء مظهرة - كما قيل عِتْدَان، لكثرة استعمال هذه اللفظة فيستثقل، وجمعه على أوتاد يزيل اللبس، ولم يجز الإدغام في نحو وَطْدٍ لئلا تزول فضيلة الإطباق، ومن العرب من يلتزم تِدَةً وَطِدَةً في مصدر ووطَد خوفاً من الاستثقال لو قيل: وَتْداً ووَطْداً غير مدغمتين، ومن الالتباس لو قيل: ودّاً، وكذا يلتزم في وتد الحجازية: أعنى كسر التاء، ما ذكرنا
__________
(1) الزنمة - بالتحريك - شئ يقطع من أذن البعير فيترك معلقا، يفعل
بكرامها، يقال: بعير زنم وأزنم ومزنم - كمعظم - وناقة زنمة وزنماء ومزنمة (2) هذا البيت للاخطل التغلبي من قصيدة يمدح فيها عبد الملك بن مروان، وغدانة - بضم الغين المعجمة وبعدها دال مهملة - قبيلة من تميم، أبوها غدانة بن يربوع، " وعدانا " أصله عتدانا، والعتدان: جمع عَتُود، وهو الْجَذَعُ من أولاد المعز، والمزنمة: ذات الزنمة، وَالْحَبَلَّق - بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة وتشديد اللام: - أولاد المعز، والصير: جمع صيرة، وهى الحضيرة، يهجو هؤلاء القوم بأنهم رعاة لا ذكر لهم ولا شرف - والاستشهاد بالبيت في قوله " عدانا " فان أصله عتدان فأبدل التاء دالا ثم أدغم الدال في الدال (3) انظر (ح 1 ص 39 وما بعدها) (*)(3/268)
وإنما لم يبنوا صيغة تقع فيها النون الساكنة قبل الراء واللام نحو قَنرٍ وعَنْلٍ، لأن الإدغام لا يجوز فيه كما جاز في عِتْدَانٍ، لأن التاء والدال أشد تقارباً من النون واللام والراء، بدليل إدغام كل واحد من الدال والتاء في الآخر، بخلاف الراء واللام فإنهما لا يدغمان في النون كما يدغم النون فيهما في كلمتين نحو من ربك وَمَنْ لك، لأن الإدغام إذن عارض غير لازم، فعلى هذا لو قيل نحو قَنْرٍ وعَنْلٍ لم يجز الإدغام لما ذكرنا، فلم يبق إلا الإظهار وهو مستثقل، لأن النون قريبة المخرج من اللام والراء، فكأنهما مثلان، وعتدان ووتدا وتدا بفك الإدغام ضعيف قليل لا يقاس عليه، وأما زَنْمَاء وصِنْوان ونحوهما بالإظهار فإنما جاز لعدم كمال التقارب بين الحرفين وإن لم يلبس إدغام أحد المتقاربين في الآخر في كلمة أدغم نحو امَّحَى، لأن افَّعَلَ ليس سن أبنيتهم بتكرير الفاء إلا مدغماً فيه نون انْفَعَل كامَّحى، أو مدغماً في تاء افْتَعل كادَّكَر، على ما يجئ، ومن ثم لم يُقَل: اضَّرَب واقَّطَع، قال
الخليل: وتقول في انفعل من وجلت: اوَّجَل ومن اليسر ايَّسَر * قوله " أو لَبْسٍ " أي: لو أدغم * قوله " وفي تميم " أي: في لغة تميم وهي إسكان كسرة عين فَعِل نحو كبد في كبد قال: " ولم تدغم حُرُوفُ (ضَوِيَ مِشْفَرٌ) فيما يُقارِبُهَا لِزِيَادَةِ صِفَتِهَا، وَنَحْوُ سَيِّد وَلَيَّةٍ إنَّمَا أُدْغِمَا لأَنَّ الإعْلاَلَ صَيَّرَهُمَا مِثْلَيْنِ، وَأُدْغِمَتِ النُّونُ فِي اللاّمِ والرَّاءِ لِكَرَاهَةِ نَبْرَتِهَا، وَفِي الْمِيمِ - وَإنْ لَمْ يَتَقَارَبَا - لغنتها، وَفِي الْوَاو وَالْيَاءِ لإِمْكَانِ بَقَائِهَا، وَقَدْ جَاءَ لِبَعْض شَّأنهِمْ وَاغْفِر لي، ونَخْسِف بِّهِمْ، وَلاَ حُرُوفُ الصَّفِيرِ فِي غَيْرِهَا، لِفَوَاتِ (صِفَتِهَا) ، وَلا الْمُطْبَقَةُ فِي غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ إِطْبَاقٍ عَلَى الأَفْصَح، وَلا حَرْفُ حَلْقٍ فِي أَدْخَلَ مِنْهُ إلاَّ الْحَاءُ فِي الْعَيْنِ وَالْهَاءِ، وَمِنْ ثَمَّ قالُوا فِيهِمَا اذْبَحَّتُوداً وابحاذه " (*)(3/269)
أقول: اعلم أن إدغام أحد المتقاربين في الآخر في كلمة إذا لم يلبس ليس إلا في أبواب يسيرة، نحو انْفَعل وَافْتَعل وَتَفَعَّل وتفاعل وَفَنْعلِلٍ، نحو امَّحى واسمَع وازَّمَّل وادَّارَك وَهَمَّرِشٍ (1) وأما غير ذلك فَمُلْبِس لا يجوز إلا مع شدة التقارب وسكون الأول نحو وَدّ وَعِدّان، ومع ذلك فهو قليل، والغالب في إدغام أحد المتقاربين في الآخر إنما يكون في كلمتين وفي انفعل وافتعل وتَفَعَّل وتفاعل وفنعلل.
فنقول: المانع من إدغام أحد المتقاربين في الآخر شيئان: أحدهما اتصاف الأول بصفة ليست في الثاني، فلا يدغم الأول في الثاني إبقاء على تلك الصفة، فمن ثم لم تدغم حروف (ضَوِيَ مِشْفَرٌ) (2) فيما ليس فيه صفة المدغم، وجاز إدغام الواو والياء من هذه الحروف أحَدِهما في الآخر، لأن فضيلة اللين التى في أحدهما لا تذهب
بإدغامه في الآخر، إذ المدغم فيه أيضاً متصف باللين، ولم تدغم حروف الصفير فيما ليس فيه صفير إلا في باب افتعل كاسَّمَع وازَّانَ، ولا حروف الإطباق في غيرها بلا إطباق إلا في باب الافتعال نحو اطَّرب، وذلك لزوال المانع فيه بقلب الثاني إلى حروف الصفير وإلى حروف الإطباق، وذلك لكون الثاني زائداً فلا يستنكر تغيره، وفضيلة الضاد الاستطالة، وفضيلة الواو والياء اللِّينُ، وفضيلة الميم الغنة، وفضيلة الشين التفشي والرخاوة، فلا تُدغم في الجيم مع تقاربهما في المخرج، وفضيلة الفاء التأفيف وهو صوت يخرج من الفم مع النطق بالفاء، وفضيلة الراء التكرير، وأيضاً لو أدغم لكان كمضعف أُدغم في غيره نحو ردَّدَ، ولا يجوز قوله " ونحو سَيِّد وَلَيِّة " اعتراض على نفسه، وذلك أنه قرر أن الواو والياء
__________
(1) الهمرش: العجوز المسنة.
انظر (ج 2 ص 364) (2) ضوى: هزل، والمشفر - بزنة منير - الشفة، أو خاص بالبعير (*)(3/270)
لا يدغم أحدهما في مقاربه، فكأنه قال: كيف أدغِمَ أحدهما في الآخر في سيّد وليّ؟ ثم أجاب بأن قلب الواو إلى الياء لو كان للإدغام لورد ذلك، لكنه إنما قلبت ياء لاستثقال اجتماعهما لا للادغام، ولهذا تقلب الواو ياء: سواء كانت أولى أو ثانية، ولو كان القلب لإدغام أحد المتقاربين في الآخر لقلبت الأولى إلى الثانية فقط، كما هو القياس، ثم بعد القلب اجتمع ياءان أولاهما ساكنة فوجب الإدغام، فهذا من باب إدغام المتماثلين لامن إدغام المتقاربين، وفي هذا الجواب نظر، لأن القلب لو كان لمجرد استثقال اجتماعهما لقلب الواو ياء، وأولاهما متحركة كطويل وطَوَيْت، فعرفنا أن القلب من أول الأمر لأجل الإدغام وذلك لأن الواو والياء تقاربتا في الصفة، وهى كونهما لينتين ومجهورتين وبين الشديدة والرخوة
وإن لم يتقاربا في المخرج، فأدعمت إحداهما في الأخرى وقلبت الواو، وإن كانت ثانية، لأن القصد التخفيف بالإدغام، والواو المشددة ليست بأخف من الواو والياء كما قلنا في اذْبَحَّتوداً واذَبَحَّاذِهِ، فجعل التقارب في الصفة كالتقارب في المخرج، وجرّأهم على الإدغام أيضاً سكون الأول وكونه بذاك عرضة للإدغام، وأما فضيلة اللين فلا تذهب - كما قلنا - لأن كل واحدة منهما متصفة بتلك الصفة.
قوله " وأدغمت النون في اللام " اعتراض آخر على نفسه، وذلك أن فضيلة الغُنَّة تذهب بالإدغام، وأجلب المصنف بأنها وإن كانت تذهب بالإدغام لكنهم اغتفروا ذلك، لأن النون نبرة: أي رفع صوت، وهذا جواب فيه نظر أيضاً، لأنه إن كان الموجب للإدغام النيرة فَلْتُخْفَ بلا إدغام كما تخفى مع القاف والكاف والدال والتاء وغيرهما، كما يجئ والحق أن يقال: إن للنون مخرجين: أحدهما في الفم، والآخر في الخيشوم إذ لابد فيها من الغنة، وإذا أردت إخراجها في حالة واحدة من المخرجين، فلا(3/271)
بد فيها من اعتماد قوي وعلاج شديد، إذ الاعتماد على المخرجين في حالة واحدة أقوى من الاعتماد على مخرج واحد والحروف التي هي غير النون على ضربين: أحدهما يحتاج إلى اعتماد قوي وهي حروف الحلق، والآخر لا يحتاج إلى ذلك، وهي حروف الفم والشفة، فالنون وحروف الحلق متساويان في الاحتياج إلى فضل اعتماد وإعمال لالة الصوت، وهى: أي النون إما أن تكون ساكنة أو متحركة، فإذا كانت ساكنة وبعدها غير حرف الحلق فهناك داعيان إلى إخفائها أحدهما سكونها، لأن الاعتماد على الحرف الساكن أقل من الاعتماد على
الحرف المتحرك، والآخر كون الحرف الذي لا يحتاج في إخراجه إلى فضل اعتماد عقيب النون بلا فصل، ليجري الاعتمادان على نسق واحد، فأخفيت النون الساكنة قبل غير حروف الحلق فإن حصل للنون الساكنة مع الحروف التي بعدها من غير حروف الحلق قرب مخرج كاللام والراء، أو قرب صفة كالميم، لأن فيه أيضاً غنة، وكالواو والياء، لأن النون معهما من المجهورة وما بين الشديدة والرخوة وجب إدغام النون في تلك الحروف، لأن القصد الإخفاء، والتقارب داع إلى غاية الأخفاء التي هي الإدغام وإن لم يكن هناك قرب لا في المخرج ولا في الصفة أخفي النون بقلة الاعتماد، وذلك بأن يقتصر على أحد مخرجيه ولا يمكن أن يكون ذلك إلا الخيشوم، وذلك لان الاعتماد فيها على مخرجها من الفم يستلزم الاعتماد على الخيشوم بخلاف العكس، فيقتصر على مخرج الخيشوم فيحصل النون الخفية، ثم بعد ذلك إن تنافرت هي والحرف الذى يجئ بعدها، وَهي الباء فقط، كما في عَنْبَرٍ قلبت تلك النون الخفية إلى حرف متوسط بين النون وذلك الحرف، وهي الميم، كما ذكرنا(3/272)
في باب الإبدال، (1) وإن لم يتنافرا بقيت خفية كما في غير الباء من سِوَى حروف الحلق، أما مع الحلقية فلا تخفى، لأن حرف الحلق يحتاج إلى فضل اعتماد فتجري النون على أصلها من فضل الاعتماد، ليجري الاعتماد على نسق واحد، ومن الناس من يخفي النون قبل الغين والخاء المعجمتين، لكونهما قريبتين من حروف الفم، وكذلك النون الساكنة الموقوف عليها يخرجها من المخرجين، لأن الحرف الموقوف عليه يحتاج إلى فضل بيان كما مر في باب الوقف (2) ومن ثم يقال: أفعَيْ وأَفْعَوْ، وكذلك النون المتحركة - قبل أي حرف كانت -
تُخْرَجُ من المخرجين، لاحتياجها إلى فصل اعتماد، فإذا أدغمتَ النون في حروف يرمُلُون نَظَرْت: فإن كان المدغمُ فيه اللامَ والراء فالأولى ترك الغنة، لأن النون تقاربهما في المخرج وفي الصفة أيضاً، لأن الثلاثة مجهورة وبين الشديدة والرخوة، فاغتفر ذهاب الغنة مع كونها فضيلة للنون، للقرب في المخرج والصفة وإن كان المدغم فيه واواً أو ياء فالأولى الغنة لوجهين: أحدهما أن مقاربة النون إياهما بالصفة لا بالمخرج، فالأولى أن لا يغتفر ذهاب فضيلة النون: أي الغنة رأساً لمثل هذا القرب غير الكامل، بل ينبغي أن يكون للنون معهما حالة بين الإخفاء والإدغام، وهي الحالة التي فوق الإخفاء ودون الادغام التام، فيبقى شئ من الغنة وإن كان المدغم فيه ميماً أدغم إدغاماً تاماً، لان فضيلة الغنة حاصلة في المدغم فيه، إذ في الميم غنة وإن كانت أقل من غنة النون، وبعض العرب يدغمها في اللام والراء مع الغنة أيضاً ضناً بفضيلة النون، فلا يكون الإدغام إذا إدغاما تاما،
__________
(1) انظر (ص 216 من هذا الجزء) (2) انظر (ج 2 ص 286) (*)(3/273)
وبعضهم ترك الغنة مع الواو والياء اقتصارا في الإدغام التام على التقارب في المخرج أو الصفة هذا، ومذهب سيبويه وسائر النحاة أن إدغام النون في اللام والراءِ والواوِ والياءِ مع الغنة أيضاً إدغام تام، والغنة ليست من النون، لأن النون مقلوبة إلى الحرف الذي بعدها، بل إنما أُشْرِبَ صَوْتُ الفم غنة، قال سيبويه: " لا تدغم النون في شئ من الحروف حتى تحول إلى جنس ذلك الحرف، فإذا أدغمت في
حرف فمخرجها مخرج ذلك الحرف، فلا يمكن إدغامها في هذه الحروف حتى تكون مثلهن سواء في كل شئ، وهذه الحروف لاحظ لها في الخيشوم وإنما يشرب صوت الفم غنة " هذا كلامه قوله " وفي الميم وإن لم يتقاربا " ليس باعتراض لكنه شئ عرض في أثناء الاعتراض قوله " وفي الواو والياء لإمكان بقائها " اعتراض وجواب: أي لإمكان بقاء الغنة: أما على ما اخترناه فالغنة للنون التي هي كالمدغمة، وأما على ما قال النحاة فلا شراب الواو والياء المضعفين غنة قوله " وقد جاء لبعض شأنهم واغفر لي ونَخْسِف بِّهم " نقل عن بعض القراء الإدغام في مثله، وحذاق أهل الاداء على أن المراد بالإدغام في مثله الإخفاء، وتعبيرهم عنه بلفظ الإدغام تجوز لأن الإخفاء قريب من الإدغام، ولو كان ذلك إدغاماً لا لتقى ساكنان لا على حدِّه في نحو لبَعْض شَّأنهم، وأجاز الكسائي والفراء إدغامَ الراء في اللام قياساً كراهة لتكرير اللام، وأبو عمرو يأتي بالميم المتحركة المتحرك ما قبلها خفيَّة إذا كان بعدها باء نحو (بأعلم بالشاكرين) وأصحابه يسمون ذلك إدغاماً مجازاً وهو إخفاء قوله " ولا حروف الصفير في غيرها " لئلا تذهب فضيلة الصفير، وإنما يدغم بعضها في بعض كما يجئ(3/274)
قوله " ولا المطبقة في غيرها " تقول: احفظ ذّلِك، واحفَظ ثَّابتاً، بالإدغام مع الإطباق وتركه، وإبقاؤه أفصح كما يجئ قوله " ولا حرْفُ حلق في أدخل منه " اعلم أن الإدغام في حروف الحلق غير قوي، فإن المضاعف من الهاء قليل، نحو كَهَّ الرجلُ ورجل فَهٌّ (1) ، وأما
الالف والهمزة فلم يجئ منهما مضاعف، وكذا المضاعف من العين قليل، نحو دعّ وكعّ، وكان حق الحاء أن تكون أقل في باب التضعيف من الغين والخاء، لأنه أنزل منهما في الحلق، لكنه إنما كثر نحو بَحَّ (2) وزَحّ (3) وصحّ (4) وفحّ (5) ، وغير ذلك لكونه مهموساً رخواً، والهمس والرخاوة أسهل على الناطق من الشدة والجهر، والغين لا تجئ عيناً ولاماً معاً إلا مع حاجز (6) كالضَّغِيغَة (7) ،
__________
(1) رجل فه، وفهيه، وفهفه، إذا كان عييا (2) بح الرجل - من باب علم وفتح - إذا أصابته بحة، وهى بضم الباء: خشونة وغلظ في الصوت (3) انظر (ص 266 من هذا الجزء) (4) صح الرجل فهو صحيح، إذا ذهب مرضه، أو برئ من كل عيب (5) فحت الافعى: صوتت من فيها، وبابه قعد (6) لم يصب المؤلف في هذا الذى زعمه من أن الغين لا تكون عين الكلمة ولامها إلا مع حاجز بين العين واللام، فقد ورد الفغة، وهو تضوع الرائحة، قالوا: فغتنى الرائحة - بتشديد الغين - إذا فاحت.
وقالوا: الطغ - بتشديد الغين - وهو الثور.
وقالوا: صغ، إذا أكل كثيرا.
وقالوا: شغ البعير ببوله، إذا فرقه، وشغ القوم: تفرقوا (7) الذى في القاموس: الضغيغ - كأمير -: الخصب، وأقمت عنده في ضغيغ دهره: أي قدر تمامه.
وبهاء: الروضة الناضرة، والعجين الرقين، والجماعة من الناس يختلطون، وخبز الارز المرقق، ومن العيش الناعم الغض.
ولم نعثر على المعنى الذى ذكره الشارح (*)(3/275)
وهي اللبن المحْقُون حتى تشتد حموضته، والخاء أكثر منه، لأنه أقرب إلى الفم،
وأيضاً هي مهموسة رخوة كالحاء نحو المخ والفخ ورخّ: أي نكح، والغين مجهورة كالعين، وإنما قل تضعيفها لصعوبتها وتكلف إخراجها مخففة فكيف بها مضعفة، فعلى هذا ثبت قلة إدغام المتقاربين من حروف الحلق، وسيجئ، فإن اتفق أدغم الأنزل في الأعلى نحو اجْبَه حَّاتماً (1) كما يجئ بعد، فإن اتفق كون الثاني أنزل لم يدغم إلا أن يكون بينهما قرب قريب، ويدغم إذ ذاك بمخالفة شرط إدغام المتقاربين، وذلك بأن يقلب الثاني إلى الأول، وذلك كالحاء التي بعدها العين أو الهاء، نحو اذبَحَّتُودا واذبَحَّاذه إذ لو قلب الأول إلى الثاني لم يكن أخف منه قبل الإدغام قوله " ومن ثم قالوا إذ بحتودا " أي: ومن أجل أن إدغام حرف الحلق في أدخل منه لا يجوز لأجل الثقل قلبوا الثاني لما اتفق مثل ذلك إلى الأول حتى لا يكون ثقل قال: " فَالْهَاءُ فِي الْحَاءِ وَالْعَيْنُ فِي الْحَاءِ وَالْحَاءُ فِي الْهَاءِ وَالْعَيْنِ بِقَلْبِهِمَا حَاءَيْنِ، وَجَاءَ (فَمَنْ زُحْزِع عَّنِ النَّارِ) وَالْغَيْنُ فِي الْخَاءِ وَالْخَاءُ فِي الَغَيْنِ " أقول: أخذ في التفصيل بعد ما أجمل، فالهمزة والألف لا يدغمان كما ذكر، وأما الهاء فتدغم في الحاء فقط، نحو اجْبَه حَّاتماً (1) ، والبيان أحسن، لأن حروف الحلق ليست بأصل في التضعيف في كلمة كما ذكرنا، وقل ذلك في كلمتين أيضاً، والإدغام عربي حسن، لقرب المخرجين، ولأنهما مهموسان رخوان، ولا تدغم الهاء في الغين وإن كانت الغين أقرب مخرجاً إلى الهاء من الحاء، لأن الهاء مهموسة رخوة كالحاء، والغين مجهورة بين الشديدة والرخوة وأما العين فتدغم في الحاء، وذلك لقرب المخرج نحو ارْفَع حَّاتماً، قال
__________
(1) تقول: جبهه - مثل منع - أي ضرب جبهته (*)(3/276)
سيبويه: الإدغام والبيان حسنان، لأنهما من مخرج واحد، وتدغم العين في الهاء أيضاً ولكن بعد قلبهما حاءين نحو مَحُّمْ ومَحَّاؤلاء، والبيان أكثر، ولا يجوز ههنا - كما ذكرنا قبل - قلبُ الأول إلى الثاني ولا قلبُ الثاني إلى الأول، فقلبا حاء لما مر، ولم يفعلوا مثل ذلك إذا تقدم الهاء على العين نحو اجْبَهْ عَلِيّاً، فلم يقولوا: اجْبَه هَّلِيّاً، لأن قياس إدغام الأنزل في الأعلى بقلب الأول إلى الثاني قياس مطرد غير منكسر، وقد تعذر عليهم ذلك لثقل تضعيف العين فتركوا الإدغام رأساً وأما الحاء فلا تدغم فيما فوقها لأن الغين التي هي أقرب مخرجاً إليها من الخاء مجهورة، والحاء مهموسة والخاء المعجمة - وإن كانت مثلها مهموسة - لكن مخرجها بعيد من مخرج الحاء فالحاء المهملة تدغم في أدخل منها، وهو شيئان الهاء والعين بأن تقلبا حاءين كاذبحَّتُودا واذبَحَّاذه كما مر قوله " وجاء فمن زحزع عَّن النَّارِ " قرأ أبو عمرو بالإدغام بقلب الحاء عيناً وأما الغين فإنه يدغم في الخاء، لأن الخاء أعلى منه نحو ادْمَغ خَّلَفاً، (1) قال سيبويه: البيان أحسن والإدغام حسن وأما الخاء فتدغم في الغين نحو اسْلُخ غَّنمك، والبيان أحسن والإدغام حسن ولكن لا كحسن إدغام الغين في الخاء معجمتين، وذلك لأن الخاء أعلى من الغين ولأن تضعيف الخاء كثير وتضعيف الغين لم يأت إلا مع الفصل كما ذكرنا، وإنما جاز إدغام الخاء في الغين معجمتين بقلب الأول إلى الثاني مع أن الأول أعلى من الثاني لأن مخرجهما أدنى مخارج الحلق إلى اللسان، ألا ترى إلى قول بعض
__________
(1) تقول: دمغ الرجل الرجل - من باب منع ونصر - إذا ضرب دماغه، أو إذا شجه حتى بلغت الشجة الدماغ، وتقول: دمغت الشمس فلانا، إذا آلمت دماغه (*)(3/277)
العرب منخُل ومُنغَل (1) بإخفاء النون قبلهما كما تخفى قبل حروف الفم، ولم يجز مثل ذلك الإدغامِ في الحاء والعين فلم يقولوا إذبعتودا لبعدهما من الفم قال: " وَالْقَافُ فِي الْكَافِ وَالْكَافُ فِي الْقَافِ وَالْجِيمُ فِي الشَّينِ " أقول: أما القاف فيدغم في الكاف بقلب الأول إلى الثاني نحو الْحَق كَّلَدَة (2) ، قال سيبويه: البيان أحسن والإدغام حسن، لقرب المخرجين وتقاربهما في الشدة وأما الكاف فإنما يدغم في القاف نحو انْهَك قَّطَناً (3) بقلب الأول إلى الثاني، والإدغام حسن والبيان أحسن، لأن القاف أدخل، قال سيبويه: إنما كان البيان أحسن لأن مخرجها أقرب مخارج اللسان إلى الحلق فشبهت بالخاء مع الغين كما شبه أقرب مخارج الحلق إلى اللسان بحروف اللسان فيما ذكرنا من البيان والإدغام وأما الجيم فإنما يدغم في الشين نحو ابْعج شَبَثاً، فالإدغام والبيان حسنان لأنهما من مخرج واحد، وقد أدغمها أبو عمرو في التاء في قوله تعالى (ذى المعارج تعرج) ، وهو نادر، والشين لا يدغم في شئ مما يقاربه كما ذكرنا، وقد روى عن أبي عمرو إدغامُها في السين في قوله تعالى (ذِي العرش سَبِيلاً) ، وكذا يدغم أبو عمرو السين فيها في قوله تعالى (الرأس شيبا) مع أنها من حروف الصفير، لكونهما من حروف التفشي والصوت، فكأنهما من مخرج واحد - وإن تباعد مخرجاهما - كما ذكرنا في إدغام الواو والياء أحدهما في الآخر ونحاة البصرة يمنعون إدغام الشين في السين والعكس
__________
(1) نغل الاديم - من باب علم - أي: فسد في الدباغ، وأنغله الدابغ فهو منغل (2) كلدة - بفتحات -: علم رجل، وممن سمى به كلدة بن حنبل الصحابي،
وأبو الحارث بن كلدة الصحابي، وأحد أطباء العرب، وأبو كلدة: كنية الضبعان (3) القطن - بفتحتين -: ما بين الوركين، وهر أصل ذنب الطائر - (*)(3/278)
قال: " وَالَّلامُ الْمُعَرِّفَةُ تُدْغَمُ وُجُوباً فِي مِثْلِهَا وَفِي ثَلاَثَةَ عَشَر حرفا، وغير الْمُعَرِّفَةِ لاَزِمٌ فِي نَحْوِ (بَلْ ران، وَجَائِزٌ فِي الْبَوَاقِي) أقول: يريد بالثلاثةَ عشر النونَ والراء والدال والتاء والصاد والزاي والسين والطاء والظاء والثاء والذال والضاد والشين، وإنما أدغمت في هذه الحروف وجوبا لكثرة لام المَعْرِفة في الكلام وفرط موافقتها لهذه الحروف، لأن جميع هذه الحروف من طرف اللسان كاللام إلا الضاد والشين، وهما يخالطان حروف طرف اللسان أيضاً أما الضاد فلأنها استطالت لرخاوتها حتى اتصلت بمخرج اللام كما مر، وكذا الشين حتى اتصلت بمخرج الطاء، وإذا كانت اللام الساكنة غيرَ المعرفة نحو لام هل وبل وقل فهي في إدغامها في الحروف المذكورة على أقسام: أحدُها: أن يكون الإدغام أحسن من الإظهار، وذلك مع الراء لقرب مخرجيهما، ولك أن لا تدغم نحو هَلْ رَأيت، قال سيبويه: ترك الإدغام هو لغة أهل الحجاز، وهي عربية جائزة، ففي قول المصنف " لازم في نحو (بَلْ ران) " نظر، بلى لزم ذلك في لام هل وبل وقل خاصة مع الراء في القرآن، والقرآن أثر يتبع ويليه في الحسن إدغام اللام الساكنة في الطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين، وذلك لأنهن تراخين عن اللام إلى الثنايا وليس فيهن انحراف نحو اللام كما كان في الراء، ووجه جواز الإدغام فيها أن آخر مخرج اللام قريب من مخرجها، واللام معها من حروف طرف اللسان ويليه في الحسن إدغامها في الظاء والثاء والذال، لأنهن من أطراف الثنايا
وقارَبْن مخرج الفاء، وإنما كان الإدغام مع الطاء والدال والتاء والزاي والسين أقوى منه مع هذه الثلاثة لأن اللام لم تنزل إلى أطراف الثنايا كما لم تنزل الطاء وأخواتها إليها، بخلاف الثلاثة(3/279)
ويليه إدغامها في الضاد والشين، لأنهما ليسا من طرف اللسان كالمذكورة، لكنه جاز الإدغام فيهما لا تصال مخرجهما بطرف اللسان كما مر، وإدغام اللام الساكنة في النون أقبح من جميع ما مر، قال سيبويه: لأن النون تدغم في الواو والياء والراء والميم كما تدغم في اللام، فكما لا تدغم هذه الحروف في النون كان ينبغي أن لا تدغم اللام فيها أيضا قال: " وَالنُّونُ السَّاكِنَةُ تُدْغَمُ وَجُوباً فِي حُرُوف (يَرْمُلُون) وَالأَفْصَحُ إبْقَاءُ غُنَّتها فِي الَْوَاوِ والْيَاءِ وَإِذْهَابُهَا فِي اللاَّمِ وَالرَّاءِ، وَتُقْلَبُ مِيماً قَبْلَ الْبَاءِ، وَتُخْفَى فِي غَيْرِ حُرُوف الْحَلْقِ، فَيَكُونُ لَهَا خَمْسُ أحْوَالٍ، وَالْمُتَحَرِّكَةُ تُدْغَمُ جَوازاً " أقول: قد مر بيان هذه كلها قوله " والمتحركة تدغم جوازاً " يعني تدعم جوازاً في حروف يرمُلُون بعد إسكانها، قال سيبويه: لم نسمعهم أسكنوا النون المتحركة مع الحروف التي تُخْفَى النون الساكنة قبلها، كالسين والقاف والكاف وسائر حروف الفم، نحو خَتَنَ سُليمان، قال: وإن قيل ذلك لم يستنكر واعلم أن مجاورة الساكن للحرف بعده أشد من مجاورة المتحرك، لأن الحركة بعد المتحرك، وهي جزء من حروف اللين، فهي فاصلة بين المتحرك وبين ما يليه قال: " وَالتَّاءُ والدال والذال وَالظَّاءُ وَالطَّاءُ وَالثَاءُ يُدْغَمُ بَعْضُهَا فِي
بَعْضٍ، وَفِي الصَّادِ وَالزَّاي وَالسِّين، وَالإِطْبَاقُ فِي نَحْوِ فَرَّطْتُ إنْ كَانَ مَعَ إدْغَام فَهُوَ إتْيَانٌ بِطَاءٍ أُخْرَى، وَجَمْعٌ بَيْنَ ساكنين، بِخِلاَفِ غُنَّةِ النُّونِ فِي مَنَ يَّقُولُ، وَالصَّادُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ يُدْغَمُ بعضها بَعْضٍ، وَالْبَاءُ فِي الْمِيمِ - وَالْفَاءِ "(3/280)
أقول: اعلم أن كل واحد من الستة المذكورة أولاً يدغم في الخمسة الباقية، وفي الثلاثة المذكورة أخيراً، فإدغام الطاء فَرَط دَّارِمٌ (1) أو ذابل أو ظالم أو تاجر أو ثامر (2) أو صابر أو زاجر أو سامر وإدغام الدال جرد طَّارد أو ذابل أو ظالم أو تاجر أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر وإدغام الذال نبذ طَّارد أو دارم أو ذابل أو تاجر أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر.
وإدغام الظاء غلظ طَّارد أو دارم أو ذابل أو تاجر أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر.
وإدغام التاء سكت طَّارد أو دارم أو ذابل أو ظالم أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر.
وإدغام الثاء عبث طَّارد أو دارم أو ذابل أو ظالم أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر.
فإذا أدغمت حروف الإطباق فيما لا إطباق فيه فالأفصح إبقاء الإطباق لئلا تذهب فضيلة الحرف، وبعض العرب يذهب الإطباق بالكلية، قال سيبويه: ومما أخلصت فيه الطاء تاء سماعاً من العرب حُتُّهُمْ أي حُطْتهم، وقال: ذهاب
__________
(1) دارم: أصله اسم فاعل من درم القنفذ يدرم - من باب ضرب - إذا قارب الخطوفى عجلة، وسموا به، فممن سمى به دارِم بن مالك بن حنظلة أبو حى من تميم، وكان يسمى بحرا، لان أباه أتاه قوم في حمالة فقال له: يا بحر ائتنى بخريطة المال، فجاءه يحملها وهو يدرم تحتها (2) الثامر: الذى خرج ثمره (*)(3/281)
إطباق الطاء مع الدال أمثل قليلاً من ذهاب إطباقها مع التاء، لأن الدال كالطاء في الجهر والتاء مهموسة، ومع بقاء الإطباق تردد المصنف في أنه هل هناك إدغام صريح أو إخفاء لحرف الاطباق مسمى بالادغام لتقاربهما، فقال: إن كان الاطباق مع الادغام الصريح فذلك لا يكون إلا بأن يقلب حرف الإطباق - كالطاء مثلاً في فرَّطْتُ - تاء وتدغمها في التاء إدغاماً صريحاً، ثم تأتي بطاء أخرى ساكنة قبل الحرف المدغم، وذلك لأن الإطباق من دون حرف الإطباق متعذر فيلزم الجمع بين ساكنين، قال: وليس كذلك إبقاء الغنة مع النون المدغمة في الواو والياء إدغاماً صريحاً، لأن الغنة قد تكون لا مع حرف الغنة، وذلك بأن تُشْرِبَ الواوَ والياءَ المضعفين غنة في الخيشوم، ولا تقدر على إشراب التاء المضعفة إطباقاً، إذ الإطباق لا يكون إلا مع حرف الإطباق، قال: والحق أنه ليس مع الإطباق إدغام صريح بل هو إخفاء يسمى بالإدغام لشبهه به كما يسمى الإخفاء في نحو (لِبَعْض شَّأْنِهِمْ) و (الْعَفْو وَّأْمُرُ) إدغاماً واعلم أنه إذا كان أول المتقاربين ساكناً والثاني ضمير مرفوع متصل فكأنهما في الكلمة الواحدة التي لا يلبس الإدغام فيها، وذلك لشدة اتصال الضمير.
ثم إن اشتد تقارب الحرفين لزم الإدغام كما في عدت وزدت، بخلاف الكلمتين المستقلتين نحو أعد تَّمرك فإنه يجوز ترك الإدغام إذن، والإدغام أحسن، وبخلاف
ما لم يشتد فيه التقارب نحو عُذْتُ واعلم أن الأحرف الستة المذكورة أعني الطاء والظاء والدال والذال والتاء والثاء تدغم في الضاد والشين المعجمتين أيضاً، لكن إدغامها فيهما أقل من إدغام بعضها في بعض، ومن إدغامها في الصاد والزاي والسين، لأن الضاد والشين ليستا من طرف اللسان كالتسعة الأحرف المذكورة، وإنما جاز ذلك لأن الضاد والشين كما ذكرنا استطالتا حتى قربتا من حروف طرف اللسان، وإدغام هذه(3/282)
الحروف في الضاد أقوى من إدغامها في الشين، لأن الضاد قريب من التثنية باستطالتها، وهذه الحروف من الثنايا، بخلاف الشين وأيضاً الضاد مطبقة والإطباق فضيلة تقصد أكثر مما يقصد إلى التفشي، وأيضاً لم تتجاف الضاد عن الموضع الذي قربت فيه من الظاء تجافى الشين، بل لزمت ذلك الموضع وقد جاء في القراءة إدغام التاء في الجيم نحو (وَجَبَتْ جنوبها) قوله " والصاد والزاي والسين يدغم بعضها في بعض " فإن أدغمت الصاد في أختيها فالأولى إبقاء الإطباق كما مر، قال سيبويه: إدغام حروف الصفير بعضها في بعض أكثر من إدغام الظاء والثاء والذال بعضها من بعض، لأن الثلاثة الأخيرة إذا وقفت عليها رأيها طرف اللسان خارجاً عن أطراف الثنايا، بخلاف حروف الصفير، والاعتماد بالإدغام على الحرف المنحصر بالأسنان أسهل منه على الحرف الرخو الخارج عن رءوس الأسنان قوله " والباء في الميم والفاء " هو نحو اضرب مَّالكاً أو فاجرا قال: " وَقَدْ تُدْغَمُ تَاءُ افْتَعَلَ فِي مِثْلِهَا فَيُقَالُ: قَتَّلَ وَقِتَّلَ، وعليهما مقتلون ومقتلون، وَقَدْ جَاءَ مُرُدفِينَ إتْبَاعاً، وَتُدْغَمُ الثاء فِيهَا وُجُوباً عَلَى الْوِجْهَيْنِ نَحْوُ اثَّأرَ وَاتَّأرَ، وَتُدْغَمُ فِيهَا السِّين شَاذًّا عَلَى الشَّاذِّ نَحْوُ اسَّمَعَ، لامْتِنَاع
اتَّمَعَ، وَتُقْلَبُ بَعْدَ حُرُوفِ الإِطْبَاقِ طَاءً، فَتُدْغَمُ فِيهَا وُجُوباً في اطَّلَبَ وَجَوَازَاً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي اظْطَلَمَ، وَجَاءَتِ الثَّلاَثُ فِي * ويُظْلَمُ أحيانا فيضطلم * وَشَاذّاً عَلَى الشَّاذِّ فِي اصَّبَرَ وَاضَّرَبَ، لامْتِنَاعِ اطَّبَرَ واطَّرَبَ، وَتُقْلَبُ مَعَ الدَّالِ والذَّال وَالزَّاي دَالاً فتدغم وجوبا في ادَّانَ، وَقَويّاً في ادَّكَرَ، وَجَاءَ اذكر واذ دكر، وضعيفا في ازَّانَ، لامْتِنَاعِ ادَّانَ، وَنَحْوُ خَبَطُّ وحِصْطُ وَفُزْدُ وَعُدُّ فِي خَبَطْتُ وحصت وَفُزْتُ وعُدْتُ شَاذٌّ " أقول: اعلم أنه إذا كان فاء افتعل تاء وجب إدغامها في التاء، لما قدمنا أن(3/283)
المثلين إذا التقيا وأولهما ساكن وجب الإدغام: في كلمة كانا، أو في كلمتين، وذلك نحو اتَّرَكَ واتَّرَسَ، وإذا كان عينه تاء جاز الإدغام وتركه، لما قدمنا أن المثلين المتحركين إذا لم يكونا في الأخير لم يجب الادغام، فتقول: اقْتَتَلَ وقَتَّل، وقال سيبويه: إنما لم يلزم الإدغام في نحو اقْتَتَل لأن التاء الثانية لا تلزم الأُولى، ألا ترى إلى نحو اجتمع وازتدع؟ فالمثلان فيه كأنهما في كلمتين من حيث عدم التلازم، فإذا أدغمت فإما أن تنقل حركة أولهما إلى فاء الكلمة كما هو الرسم في نحو يمُد ويَعض ويفِر فتستغني عن همزة الوصل، وإنما وجب حذف الهمزة ههنا ولم يجب في باب ألحمرلان أصل لام التعريف السكون وأصل فاء الكلمة الحركة كما قلنا في سَلْ (1) ، وإما أن تحذف حركة أولهما فيلتقي ساكنان: فاء الفعل، وتاء افتعل، فتكسر الفاء، لأن الساكن إذا حرك فالكسر أولى، فتسقط همزة الوصل بتحرك ما بعدها، وإنما لم يجز حذف حركة أول المثلين في نحو يرُدُّ ويعَض ويفِرُّ لما ذكرنا في باب الإعلال (2) من أنه يجب المحافظة على حركة العين في الفعل، إذ بها يتميز بعض أبوابه عن بعض، وقال سيبويه: إنما جاز حذف الحركة ههنا دون نحو يرد ويعض لأنه يجوز في نحوه الإظهار والإخفاء والإدغام: أي في نحو
اقتتل، بخلاف نحو يردّ ويُعَضّ ويفرّ، فإنه يجب فيه الإدغام، وكذا في رُدّ وعضَّ وفِرَّ عند بني تميم، فلما تصرفوا في الأول بالأوجه الثلاثة أجازوا التصرف فيه بحذف حركة أول المثلين أيضاً، قال الفراء: بل لابد من نقل حركة أولهما إلى الفاء، فأما كسرة قِتَّل فهي الفتحة ليكون دليلاً على همزة الوصل المكسورة المحذوفة، وإنما قال ذلك لأنه رأى امتناع حذف الحركة في باب يُردّ ويعَضّ، والجواب عنه ما مضى
__________
(1) انظر (ص 51 من هذا الجزء) (2) انظر (ص 100 و 145 من هذا الجزء) ثم انظر (ج 1 ص 76 و 80 و 81) (*)(3/284)
وتقول في مضارع اقتتل المدغم يَقَتَّل - بنقل الفتحة إلى القاف - كما في الماضي، ويَقِتِّل - بكسر القاف - كما في الماضي سواء، وأجاز بعضهم حذف حركة أولهما من غير أن يحرك القاف بحركة، فيجمع بين ساكنين، وهو وجه ضعيف ينكره أكثر الناس، والأولى أن ما روي من مثله من العرب اختلاس حركة، لا إسكان تام، ويجوز في نحو يَقِتِّل - بكسر القاف - أن تُكسر الياء إتباعاً للقاف، فتقول: يِقِتِّل كما في مِنْخِرٍ ومِنْتِنٍ، ومنه القراءة (أَمْ مَنْ لاَ يِهِدِّي) بكسر الياء والهاء وتقول في اسم الفاعل: مُقِتَلِّ - بكسر القاف وفتحها - ولا يجوز كسر الميم اتباعاً كما جاز كسر حرف المضارع، لأن حرف المضارع متعوِّد للكسر لغير الاتباع أيضاً نحو إعْلَمُ ونِعْلَمُ، لكن لا يكسر الياء إلا لداع آخر كما في يِيجَل ويِقِتِّل، وأما نحو مِنْتِنٍ في مُنْتِنٍ فشاذ، وقد قرأ أهل مكة (مُرُدِّفِينَ) بإتباع الثاني للأول كما في رُدُّ ولم يرُدُّ، وذلك بحذف حركة أول المتقاربين وتحريك
ما قبله بحركة الاتباع لإزالة الساكنين وإذا كان عين افتعل مقاربا للتاء لم تدغم التاء فيه إلا قليلاً، لأن الإدغام في غير الآخر خلاف الأصل كما ذكرنا، ولا سيما إذا أدى إلى تحريك الساكن بعد تسكين المتحرك، وأما الإدغام في نحو ادّكر فإنه وإن كان في غير الآخر لكنه لم يؤد إلى تحريك ولا تسكين، وفي نحو ازَّمَّلَ أدى إلى تسكين فقط، وإذا جاز إظهار المثلين في مثل اقتَتَل وكان هو الأكثر فكيف بالمتقاربين، وإنما جاز الإدغام إذا كان العين دالاً كَيَهِدِّي ومُرَدِّفِينَ، أو صاداً كيخِصِّمُون، ولا يمنع القياس من إدغام تاء افتعل فيما يدغم فيه التاء من التسعة الأحرف المذكورة كالزاي في ارتزق، والسين في اقْتَسَر، (1) والثاء في اعتَثَر، (2) والطاء في
__________
(1) تقول: قسره على الامر، واقتسره عليه، إذا قهره وغلبه عليه (2) اعتثر: اتخذ لنفسه عاثورا، والعاثور: البئر، وما أعد ليقع فيه غيره (*)(3/285)
ارتطم، (1) والظاء في اعتَظَل، (2) والذال في اعتذر، والصاد والدال في اختصم واهتدى، والضاد في اختضر (3) وإذا كان فاء افتعل مقارباً في المخرج لتائه وذلك إذا كانت الفاء أحد ثمانية الأحرف التي ذكرنا أن التاء تدغم فيها لكونها من طرف اللسان كالتاء، وهي الدال والذال والطاء والظاء والثاء والصاد والسين والزاي، وتضم إلى الثمانية الضاد، لما ذكرنا من أنها باستطالتها قربت من حروف طرف اللسان، وأما الشين فبعيدة منها كما ذكرنا، فإذا كان كذا جاز لك إدغام فاء افتعل في تائه أكثر من جواز إدغام تائه في عينه، تقول في الدال: ادَّانَ، وفي الذال: اذَّكَرَ، وفي الطاء: اطَّلَبَ، وفي الظاء: اظَّلم، وفي الثاء: اثَّرد (4) ، وفي الصاد: اصَّبَر، وفي السين: اسَّمَع، وفي الزاي: ازان، وفى الضاد: اصجع، وإنما قلبت
التاء في هذه الأمثلة إلى الفاء خلافاً لما هو حق إدغام أحد المتقاربين من قلب الأول إلى الثاني، لأن الثاني زائد دون الأول، وفي الطاء والظاء والصاد والضاد والسين والزاي لا يجوز قلب الأول إلى الثاني، لئلا تذهب فضيلة الإطباق والصفير.
ويجوز مع الثاء المثلثة قلب الأول إلى الثاني كما هو حق الإدغام، تقول: اثأر (5) ، واترد
__________
(1) ارتطم: مطاوع رطمت الرجل، إذا أوقعته في أمر لا يقدر على الخروج منه (2) تقول: اعتظلت الكلاب والجراد، إذا ركب بعضها بعضا (3) تقول: اختضرت الكلا، إذا جززته وهو أخضر، وقد قالوا من ذلك: اختضر الرجل، إذا مات في طراءة السن (4) تقول: اثرد الخبز، إذا فته ليصنعه ثريدا (5) اثأر: أدرك ثأره (*)(3/286)
ومع الحروف المذكورة يجوز أن لا تخفف الكلمة بالادغام، لكون المتقاربين في وسط الكلمة، والغالب في الإدغام آخر الكلمة، كما مر، فتخففها بقلب التاء إلى حرف يكون أقرب إلى فاء الكلمة من التاء فتقربها إلى حروف الإطباق الثلاثة: أي الصاد والضاد والظاء المعجمة، بأت تجعل في التاء إطباقاً فتصير طاء، لأن الطاء هو التاء بالإطباق، وتقربها إلى الزاي والذال المعجمة بأن تجعل التاء دالاً، لأن الدال مجهورة شديدة كالزاي والذال، والتاء مهموسة، والدال أقرب حروف طرف اللسان إلى التاء، فتقول: ازدان واذ دكر - على ما روى أبو عمرو - ومنع
سيبويه إذ دكر وأوجب الإدغام، وقال: إنما منعهم أن يقولوا مذدكر كما قالوا: مزدان، أن كل واحد من الدال والذال قد يدغم في صاحبه في الانفصال فلم يجز في الكلمة الواحدة إلا الإدغام ويجوز مع السين والثاء أن تبقى تاء الافتعال بحالها، لأن السين والثاء مهموستان كالتاء، فتقول: اثْتَأَرَ واسْتَمع، فليسا بمتباعدين حتى يُقَرَّب أحدهما من الآخر وإنما وجب تخفيف الكلمات مع غير الثاء والسين إما بالإدغام أو بغيره كما مضى لكثرة استعمال افتعل، فيستثقل فيه أدنى ثقل، ويجوز - بعد قلب التاء التي بعد الظاء المعجمة طاء وقلب التي بعد الذال المعجمة دالاً نحو اظْطَلم واذْدَكر - أن تدغم الظاء في الطاء والذال في الدال بقلب الأول إلى الثاني في الموضعين كما هو حق إدغام المتقاربين، فتقول: اطَّلم وادَّكر - بالطاء والدال المهملتين - قال سيبويه: وقد قال بعضهم: مُطَّجِع في مُضْطَجع، يدغم الضاد في الطاء مع أنها من حروف (ضَوِيَ مِشْفَرٌ) وقال: قد شبه بعض العرب ممن ترضى عربيته الصاد والضاد والطاء والظاء مع تاء الضمير بهن في افتعل، لشدة اتصال، تاء الضمير بالفعل كاتصال تاء الافتعال بما(3/287)
قبلها، فتقول: فَحَصْطُ برجلي، وحِصْط عنه، وخبطُّهُ، وحفطه، فتقلب في جميعها تاء الضمير طاء مهملة قال: وكذا يقول بعضهم: عُدُّه - بقلب التاء دالاً - كما في ادَّان، قال السيرافي: وقياس هذه اللغة أن تقلب تاء الضمير دالاً إذا كان قبلها دال أو ذال أو زاي كما في افتعل، لكن سيبويه لم يحكه عنهم إلا في الدال المهملة ولشدة اتصال تاء الضمير بما قبله كان الإدغام في نحو أخذت وبعثت
وحفظت أولى وأكثر منه في نحو احفظ تلك، وخذ تلك، وابعث تلك، وقلب ما قبل تاء الافتعال أكثر من قلب ما قبل تاء الضمير طاء أو دالاً نحو فحصط وحفط وفُزْدُ وَعُدَّ، لأنها على كل حال كلمة وإن كانت كالجزء واعلم أنه لم يدغم التاء في استطاع واستَدَانَ لأن الإدغام يقتضي تحريك السين التي لا تتحرك ولاحظ لها في الحركة، وأيضاً فإن الثاني في حكم السكون، لأن حركته عارضة منقولة إليه مما بعده، وقراءة حمزة اسْطَاعَ بالإدغام شاذ قوله " وتدغم التاء فيها وجوباً " فيه نظر، لأن سيبويه ذكر أنه يقال: مثْتَرِدٌ، ومُتَّرِدٌ، ونحوه قوله " على الوجهين " أي: على قلب الأول إلى الثاني وقلب الثاني إلى الأول قوله " تدغم فيها السين شاذاً على الشاذ " أي: أن إدغام السين في غير حروف الصفير شاذ، وقلب ثاني المتقاربين إلى الأول شاذ، وإنما ارتكب قلب الثاني لامتناع اتَّمَعَ، فإنه تذهب إذن فضيلة الصفير، وقد زال كراهة الشذوذ الأول لسبب الشذوذ الثاني، لأنك إذا قلبت الثاني سيناً لم تدغم السين إلا في حروف الصفير قوله " وجاءت الثلاث " أي: الطاء والظاء المشددتان، والظاء المعجمة قبل الطاء المهملة، وأول البيت:(3/288)
192 - * هُوَ الْجَوَادُ الَّذِي يُعْطِيكَ نَائِلَهُ * عَفْواً (1) قوله " وشاذاً على الشاذ في اصَّبَرَ واضَّرَبَ " عطف على قوله " وجوباً في اطَّلَبَ " يعني يقال: اصَّبَرَ واضَّرَبَ - بصاد وضاد مشددتين - والشذوذ الأول إدغام الصاد الذي هو حرف الصفير في غير الصفير أي الطاء، وكذا إدغام الضاد المعجمة، والشذوذ الثاني قلب الثاني إلى الأول، وقد مر أن الشذوذ الثاني
يدفع مضرة الأول، والأولى أن يقول: إن تاء الافتعال قلبت صاداً أو ضاداً من أول الأمر، وأدغمت الصاد والضاد فيها كما ذكر قبل، إذ لا دليل على قلبه طاء أولاً ثم قلب الطاءِ صاداً أو ضاداً قوله " لامتناع اطبر واطرب " يعني: إنما قلب الثاني إلى الأول لامتناع قلب الأول إلى الثاني، لئلا يذهب الصفير والاستطالة قوله " وقويا في ادكر " بالدال المشددة المهملة قوله " وجاء اذَّكرَ " أي: بالذال المشددة المعجمة اعلم أنه لما كان الإدغام بقلب الثاني إلى الأول على خلاف القياس كان
__________
(1) هذا بيت لزهير بن أبى سلمى المزني، من قصيدة له يمدح فيها هرم ابن سنان المرى، وأولها قوله: قِفْ بِالدِّيَارِ الَّتِي لَمْ يَعْفُها الْقِدَمُ * بَلَى، وَغَيَّرَهَا الأَرْوَاحُ وَالدِّيَمُ والجواد: الكريم، والنائل: العطاء، وقوله " عفوا " معناه سهلا من غير مطل ولا تسويف، وقوله " يظلم أحيانا " معناه أنه يُطلب منه في غير وقت الطلب السائل ما سأله وتكلفه لذلك قبولا للظلم، والاستشهاد بالبيت في قوله " فيظلم " فقد روى بثلاثة أوجه أولها " فيظطلم " باظهار كل من الحرفين، وثانيها " فيظلم " بقلب الطاء المهملة معجمة والادغام، وثالثها " فيطلم " بقلب الظاء المعجمة طاء مهملة والادغام، وحكى ابن جني في سر الصناعة أنه روى بوجه رابع، وهو " فينظلم " بالنون على ينفعل من الظلم، ورواه سيبويه بالادغام على الوجهين (*)(3/289)
الأغلب مع الصاد والضاد والظاء المعجمة قلب تاء الافتعال طاء بلا إدغام، لأن قلب الأول إلى الثاني فيها ممتنع، واظطلم واضطرب واصطبر أولى من غيرها، وكذا ازْدَان - بالدال - أولى من ازَّان - بالزاي - وادَّكر - بالدال
المهملة - أولى من اذَّكر - بالذال المعجمة، وكذا اتَّغَرَ - بالتاء - أولى من اثَّغر - بالثاء المثلثة - وإبقاء التاء بحالها في استمع أولى من اسَّمَعَ، ولا منع من إدغام اللام في التاء، وإن لم يسمع نحو اتَّمَع في الْتَمَعَ، لأن اللام يدغم في التاء كما تقدم قال: " وَقَدْ تُدْغَمُ تَاءُ نَحْوَ تَتَنَزَّلُ وَتَتَنَابَزُوا وَصْلاً وَلَيْسَ قَبْلَهَا سَاكِنٌ صَحِيحٌ، وَتَاءُ تَفَعَّلَ وَتَفَاعَلَ فِيمَا تُدْغَمُ فِيهِ التَّاءُ، فَتُجْلَبُ هَمْزَةُ الْوَصْل ابْتِدَاءً نحْوَ اطَّيَّرُوا وازَّيَّنُوا واثَّاقَلُوا وادَّارَأُوا، وَنَحْوُ اسطَّاعَ مُدْغَماً مَعَ بَقَاءِ صَوْتِ السِّينِ نَادِرٌ " أقول: إذا كان في أول مضارع تَفَعَّلَ وتَفَاعَل تاء فيجتمع تاءان جاز لك أن تخففهما وأن لا تخففهما، والتخفيف بشيئين: حذف أحدهما، والإدغام، والحذفُ أكثر، فإذا حذفت فمذهب سيبويه أن المحذوفة هي الثانية، لأن الثقل منها نشأ، ولأن حروف المضارعة زيدت على تاء تَفَعَّل لتكون علامة، والطارئ يزيل الثابت إذا كره اجتماعهما، وقال سيبويه: لأنها هي التي تدغم في تترَّس، وتطيَّر، وقال الكوفيون: المحذوفة هي الأولى، وجوز بعضهم الأمرين، وإذا حذفت لم تدغم التاء الباقية فيما بعدها وإن ما ثلها، نحو تَتَارَكُ، أو قاربها نحو تَذَكَّرُون، لئلا يجمع في أول الكلمة بين حذف وإدغام مع أن قياسهما أن يكونا في الآخر، وإذا أدغمت فإنك لا تدغم إلا إذا كان قبلها ما آخره متحرك نحو قَال تنَزَّل، وقَال تَّنَابَزُوا، أو آخره مد نحو قالوا تَّنَزَّلُ قَالا تَّنَابزُوا، وقُولي تَّابع، ويزاد في تمكين حرف المد، فإن لم يكن قبلها شئ(3/290)
لم يدغموا، إذ لو أدغم لاجتلب لها همزة الوصل، وحروف المضارع لابد لها من التصدر لقوة دلالتها، وأيضاً تتثاقل الكلمة، بخلاف الماضي، فإنك إذا قلت:
اتَّابَع واتَّبَعَ، لم يستثقل استثقال اتَّنَزَّلُ، واتَّنَابَزُون، وكذا لا يدغم إذا كان قبله ساكن غير مد: سواء كان ليناً نحو لو تتنابزون، أو غيره نحو هل تتنابزون، إذ يحتاج إذن إلى تحريك ذلك الساكن، ولا تفي الخفة الحاصلة من الإدغام بالثقل الحاصل من تحريك ذلك الساكن، وظهر بما شرحنا أن الاولى أن يقول المصنف: وليس قبلها ساكن غير مدة، وقراءة البزى (كُنْتُم تَّمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) و (ألْفِ شَهْر تَّنَزَّلُ) - بالإدغام فيهما والجمع بين ساكنين - ليست بتلك القوة وإذا كان الفعل المضارع مبنياً للمفعول نحو تُتَدارك وتُتَحَمَّل لم يجز الحذف ولا الإدغام، لاختلاف الحركتين، فلا تستثقلان كما تستثقل الحركتان المتفقتان، وأيضا يقع لبس بين تتفعل وتفعل من التَّفْعِيل لو حذفت التاء الثانية وبين تُتَفَعَّلُ وتَتفَعَّل لو حذفت الأولى قوله " وتاء تَفَعَّل وَتَفَاعَل فيما تُدْغَمُ فيه التاءُ " أي: تاء الماضي من البابين تدغم في الفاء إذا كانت إحدى الحروف الاثني عشر التي ذكرنا أن التاء تدغم فيها، وهي التاء نحو اتَّرَّسَ، والطاء نحو اطَّيَّر، والدال نحو ادَّارَأْتم، والظاء نحو اظَّالموا، والذال نحو إذا كروا، والثاء نحو اثّاقَلْتُم، والصاد نحو اصَّابَرْتم، والزاي نحو ازَّيَّن، والسين نحو اسمع واسَّاقَطَ، والضاد نحو اضَّاربوا واضَّرَع، والشين نحو اشَّاجَروا، والجيم نحو اجَّاءَرُوا (1) ، وهذا الإدغام مطرد في الماضي والمضارع والأمر والمصدر وأسمى الفاعل والمفعول
__________
(1) أصل اجاءروا: تجاءروا، وهو تفاعل من الجؤار، والجؤار: رفع الصوت (*)(3/291)
قوله " ونحو اسْطَاع " قراءة حمزة (فَمَا اسْطَّاعُوا أَنْ يَظْهَرُوه) وخطَّأَه
النحاة، قال أبو علي: لما لم يمكن إلقاء حركة التاء على السين التي لا تتحرك أبداً جمع بين الساكنين قال: " الْحَذْفُ الاْعْلاَلِيُّ وَالتَّرْخِيمِيُّ قَدْ تقدم، وَجَاءَ غَيْرُهُ فِي تَفَعَّلُ وتَفَاعَلُ، وَفِي نَحْوِ مِسْتُ وَأَحَسْتُ، وَظِلْتُ وَإسْطَاعَ يَسْطِيع، وَجَاءَ يَسْتِيعُ، وَقَالُوا بَلْعَنْبَرِ وَعَلْمَاءِ ومِلْمَاءِ فِي بَنِي الْعَنْبَرِ وَعَلَى الْمَاءِ وَمِنَ الْمَاءِ، وَأمَّا نَحْو يَتَسِعُ وَيَتَقِي فَشَاذٌّ، وَعَلَيْهِ جَاءَ * تَق اللهِ فِينَا وَالْكِتَابَ الَّذِي تَتْلُو * بِخِلافِ تَخِذَ يتخذ فَإِنَّهُ أَصْلٌ وَاسْتَخَذَ مِنَ اسْتَتْخَذَ، وَقِيلَ: أبْدِلَ مِنْ تَاءِ اتَّخَذَ وَهُوَ أشَذُّ وَنَحْوُ تُبَشِّرُونِي وَإنِّي قد تقدم " أقول: يعني بالحذف الإعلالي ما حذف مطرداً لعلة، كعَصاً وقَاضٍ، وبالترخيمي ما حذف غير مطرد كما في يَدٍ وَدَمٍ قوله في نحو " تَفَعَّلُ وَتَفَاعَلُ " يعني في مضارع تَفَعَّلَ وَتَفَاعَل مع تاء المضارعة، كما تقدم قوله " وفي نحو مِسْت وَأَحَسْتُ وظِلْتُ " تقَدَّم حكمه في أول باب (2) الإدغام قوله " وَاسْطَاعَ يَسْطِيع " بكسر الهمزة في الماضي وفتح حرف المضارعة، وأصله استطاع يستطيع، وهي أشهر اللغات، أعني ترك حذف شئ منه وترك الإدغام، وبعدها اِسْطَاع بسطيع، بكسر الهمزة في الماضي وفتح حرف المضارعة وحذف تاء استفعل حين تعذر الإدغام مع اجتماع المتقاربين، وإنما تعذر الإدغام لأنه لو نقل حركة التاء إلى ما قبلها لتحركت السين التي لاحظ لها في الحركة، ولو لم ينقل لالتقى الساكنان، كما في قراءة حمزة، فلما كثر استعمال هذه اللفظة - بخلاف اسْتَدَانَ - وقُصِد التخفيف وتعذر الإدغام حذف الأول كما في ظلت
__________
(1) انظر (ص 245 من هذا الجزء) (*)(3/292)
وأحست، والحذف ههنا أولى، لأن الأول - وهو التاء - زائد، قال تعالى (فما اسطاعوا أن يظهروه) وأما من قال يُسْطِيع - بضم حرف المضارعة - فماضيه اسْطَأع بفتح همزة القطع، وهو من باب الإفعال، كما مر في باب ذي الزيادة (1) ، وجاء في كلامهم اسْتَاعَ - بكسر همزة الوصل - يَسْتِيع - بفتح حرف المضارعة، قال سيبويه: إن شئت قلت: حُذِفَت التاء، لأنه في مقام الحرف المدغم، ثم جعل مكان الطاء تاء، ليكون ما بعد السين مهموساً مثلها، كما قالوا ازْدَانَ ليكون ما بعد الزاي مجهوراً مثله، وإن شئت قلت: حذفت الطاء، لأن التكرير منها نشأ، وتركت الزيادة كما تركت في تَقَيْتُ، وأصله اتَّقَيْتُ كما يأتي قوله " وقالوا بَلْعَنْبَر " قد ذكرنا حكمه في أول باب (2) الإدغام، وإن سيبويه قال: مثل هذا الحذف قياس في كل قبيلة يظهر فيها لام المعرفة في اللفظ بخلاف نحو بني النجار قوله " وأما نحو يَتَسِع ويَتَقِي " قد حذفت التاء الأولى من ثلاث كلمات يَتَّسِع ويَتَّقِي ويَتَّخِذ، فقيل: يَتَسِع ويَتَقِي ويَتَخِذ، وذلك لكثرة الاستعمال، وهو مع هذا شاذ، وتقول في اسم الفاعل: مُتَقٍ، سماعاً، وكذا قياس متَّخِذ ومتَّسِع، ولم يجئْ الحذف في مواضي الثلاثة إلا في ماضي يَتَقِي، يقال: تَقَى، وأصله اتَّقَى، فحذفت الهمزة بسبب حذف الساكن الذي بعدها، ولو كان تَقَى فَعَل كَرَمى لقلت في المضارع يَتْقِي كَيْرمِي، بسكون التاء، وفي الأمر اتْقِ كارْمِ (3) ، وقال الزجاج: أصل اتَّخذ حذفت التاء منه كما في تَقَى، ولو كان كما قال لما قَيل تَخَذ - بفتح الحاء - بل تخذ يتخذ تخذا كجهل
__________
(1) انظر (ج 2 ص 380) (2) انظر (ص 246، 247 من هذا الجزء) (3) انظر (ج 1 ص 157) (*)(3/293)
يجْهَل جهلاً بمعنى أخذ يأخذ أخذاً، وليس من تركيبه، وفي تَقَى خلافٌ، قال المبرد: فاؤه محذوف والتاء زائدة، فوزنه تَعَلَ، وقال الزجاج: التاء: بدل من الواو كما في تُكَأَة وتُرَاثٍ، وهو الأولى قوله " اسْتَخَذَ " قال سيبويه عن بعض العرب: اسْتَخَذَ فلان أرضاً بمعنى اتَّخَذ، قال: ويجوز أن يكون أصله اسْتَتْخَذ من تَخِذَ يَتْخَذُ تَخْذاً فحذفت التاء الثانية كما قيل في اسْتَاع: إنه حذف الطاء، وذلك لأن التكرير من الثاني، قال: ويجوز أن يكون السين بدلاً من تاء اتَّخَذَ الأولى، لكونهما مهموستين، ومثله الْطَجَع بإبدال اللام مكان الضاد لمشابهتها لها في الانحراف، لأنهم كرهوا حَرْفَيْ إطباق كما كرهوا في الأول التضعيف، وإنما كان هذا الوجه أشذ لان العادة الفرار من المتقاربين إلى الإدغام، والأمر ههنا بالعكس، ولا نظير له قوله " تُبَشِّرُونِي وَإنِّي قد تقدم " أي في الكافية في باب الضمير في نون الوقايه.
(1) قال: " وهذه مسائل التمرين.
مَعْنَى قَوْلِهِمْ: كَيْفَ تبنى مِنْ كَذَا مِثْلَ كَذَا: أيْ إذَا رَكَّبْتَ مِنْهَا زِنَتَهَا وَعَمِلْتَ مَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ فَكَيْفَ تَنْطِقُ بِهِ، وَقِيَاسُ قَوْل أبِي عَلِيٌّ أَنْ تَزِيدَ وَتَحْذِفَ مَا حَذَفْتَ في الاصل
__________
إذا اجتمعت نون الرفع ونون الوقاية في كلمة فلك فيها ثلاث لغات: أولاها: إبقاؤهما من غير إدغام، نحو تضربونني، وعليه قوله تعالى: (لم تؤذونني) وثانيتها: إبقاؤهما مع الادغام، وعليه قوله تعالى: (أغير الله تأمروني أعبد) وثالثتها: أن تحذف إحداهما وتكتفي بواحدة، وهذه اللغة هي التى يشير إليها المؤلف(3/294)
قِيَاساً، وَقِيَاسُ آخَرِين أنْ تَحْذِفَ المحذوف قِيَاساً أَوْ غَيْرَ قِيَاسِ، فَمِثْلُ محوى ممن ضَرَبَ مُضَرِبِيٌّ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: مُضَرِيٌّ وَمِثْلُ اسْمٍ وَغَدٍ مِنْ دَعَا دِعْوٌ وَدَعْوٌ لا إدغ وَلاَ دَعٌ خِلاَفاً لِلآخَرِين، وَمِثْلُ صَحَائِفَ مِنْ دَعَا دَعَايَأ باتّفَاقٍ إذ لاحذف فِي الأَصْلِ " أقول: اعلم أن هذه المسائل لأبواب التصريف كباب الإخبار لأبواب النحو قوله " منها " الضمير راجع إلى " كذا " في قوله " من كذا " لأنه بمعنى الكلمة واللفظة، وفي قوله " زنتها " راجع إلى كذا في قوله: مثل كذا، لأنه بمعنى الصيغة أو البنية، وفي قوله " تنطق به " إلى " مثل ": أي كيف تنطق بهذا المبنى بعد العمل المذكور فيه قوله " وعملت ما يقتضيه القياس " أي: عملت في هذه الزنة المركبة ما يقتضيه القياس التصريفي من القلب أو الحذف أو الإدغام إن كان في هذه الزنة أسبابُ هذه الأحكام، وعند الجرمي لا يجوز بناء ما لم تبنه العرب لمعنًى كضرْبَبٍ ونحوه، وليس بوجه، لأن بناء مثله ليس ليستعمل في الكلام لِمَعْنًى حتى يكون إثباتاً لوضع غير ثابت بل هو للامتحان والتدريب (1) ، وقال سيبويه: يجوز صوغ وزن ثبت في كلام العرب مثله، فتقول: ضربب وضرنبب على وزن جعفر وشرنبث، بخلاف ما لم يثبت مثله في كلامهم، فلا يبنى من ضرب وغيره مثل جالينوس، لان فاعيلولا وفاعينولا لم يثبتا في كلامهم، وأجاز الأخفش صوغ وزن لم يثبت في كلامهم أيضاً، للامتحان والتدريب، بأن يقال: لو ثبت مثل هذا الوزن في كلامهم كيف كان ينطق به، فيمكن أن يكون في مثل هذا الصوغ فائدة التدريب والتجريب
__________
(1) ذهب أبو على الفارسى وأبو الفتح ابن جنى إلى أن تكرير اللام للالحاق
أمر مقيس مطرد مقصود به معنى، وهو زيادة المعنى، وقد ذكرنا ذلك في أول هذا الكتاب (انظر ج 1 ص 64) (*)(3/295)
فنقول: إذا بنيت من كلمة ما يوازن كلمة حذف منها شئ ففيه بعد البناء ثلاثة مذاهب: مذهب الجمهور أنك لا تحذف في الصيغة المبنية إلا ما يقتضيه قياسها، ولا ينظر إلى حذف الثابت في الصيغة الْمُمَثَّل بها: سواء كان الحذف فيها قياسياً كحذف ياءين في مُحَويٌّ، أو غيرَ قياسي كحذف اللام من اسم، فتقو مُضَرِبِيٌّ من ضرب على وزن مُحَوِيٍّ، ودِعْوٌ من دَعَا على وزن اسم، ولا تقول: مُضَرِيّ وإدْعٌ، إذ ليس في الصيغتين المبنيتين علة الحذف، وهذا الذي قالوا هو الحق، إذ لا تعل الكلمة بعلة ثابتة في غيرها إلا إذا كان ذلك الغير أصلها، كما في أقامَ وقِيامٍ وقال أبو علي: تَحذِف وتَزيد في الصيغة المبنية ما زيد أو حذف في الصيغة الممثل بها قياساً، فتقول في مُضَرِبِيّ: مُضَرِيٌّ، لأن حذف الياءين في مُحَوِيّ قياسٌ كما مر في باب النسب، (1) وأما إن كان الحذف في الممثل بها غير قياس لم تَحْذِف ولم تَزِد في المبنية، فيقال: دِعْوٌ، في المبنى من دَعَا على وزن اسْمٍ، لأن حذف اللام من اسم غير قياس وقال الباقون: إنه يحذف في الفرع ما حذف في الأصل ويزاد فيه ما زيد في الأصل، قياساً أو غير قياس، فيقولون مضرى وإدع ودع كاسم وسِمٍ، لأن القصد تمثيل الفرع بالأصل هذا الخلاف كله في الحذف، وأما الزيادة فلا خلاف في أنه يزاد في الفرع كما زيد في الاصل إلا إذا كان المزيد عوضاً من المحذوف، فيكون فيه الخلاف
كهمزة الوصل في اسم، وكذا لا خلاف في أنه يقلب في الفرع كما يقلب في الأصل، فيقال على وزن أيسَ من الضرب: رَضِبَ: وتقول في دَعَا على وزن صحائف:
__________
(1) انظر (ج 2 ص 9 و 22) ، ثم انظر (ج 2 ص 30 و 31) (*)(3/296)
دَعَايَا، وأصله دعائِوُ، فلما لم يكن في صحائف الذي هو الأصل حذف لم يختلف في دَعَايَا، بل أعل علة اقتضاها هو، وهي قلب الهمزة ياء مفتوحة والياء بعدها ألفا كما مر في بابه (1) قوله " أن تزيد وتحذف " أي: في الفرع، وهو الصيغة المبنية قوله " في الأصل " أي: في الكلمة الممثل بها قوله " أو غير قياس " أي: أن تزيد وتحذف في الفرع ما حذفت وزدت في الأصل: قياساً كان أو غير قياس قوله " مَحَوِيٌّ " مثال للأصل المحذوف منه شئ قياسا قوله " اسم وغد " لما حذف منه شئ غير قياس، ففي " اسم " حذف اللام وريد همزة الوصل عوضاً منه حذفاً غير قياسي، وفي " غَدٍ " حذف اللام غير قياس وأصل غد غدْوٌ - بسكون العين - قال: لاَ تَقْلُوَاهَا وادلواها دلوا * إن مع الْيَوْمِ أَخَاهُ غَدْوَا (2) وأما إن كانت في الأصل علةُ قلبِ حرف ليست في الفرع فلا خلاف في أنه لا يقلب في الفرع، فيقال على وزن أوائِلَ من القتل أقَاتِلَ، وكذا الإدغام قال: " وَمِثْلُ عَنْسَلٍ مِنْ عَمِلَ عَنْمَلٌ، وَمِنْ باع وقال بنيع وقنول بِإِظْهَارِ النُّونِ فِيهِنّ لِلإِلْبَاس بفَعَّل، وَمِثْلُ قَنْفَخْرٍ مِنْ عَمِلَ عِنْمَلٌّ، وَمِنْ بَاعَ وَقَالَ بِنْيَعٌّ وَقِنْوَلٌّ بالإظْهَارِ، لِلإِلْبَاسِ بِعَلَّكْدٍ فِيهِنَّ، وَلا يُبْنَى مِثْلُ جَحنْفَلٍ مِنْ كَسَرتُ أو جَعَلْتُ، لِرَفْضِهِمْ مِثْلَهُ، لِمَا يَلْزَمُ مِنْ ثِقَلٍ أوْ لَبْس "
أقول: قد ذكرنا أنه لا يدغم أحد المتقاربين في الآخر في كلمة إذا أدى إلى اللبس، فلو قيل بَيَّعَ وَقَوَّل بالإدغام لا لتبس بفعل، وهو إن كان
__________
(1) انظر (ص 59 - 62 و 130 و 179 من هذا الجزء) (2) قد مر شرح هذا البيت، فارجع إليه في (ص 215 من هذا الجزء) (*)(3/297)
مختصا بالافعال لكنه يُظن أنه عَلَمٌ مُنَكَّر، فلذا يدخله الكسر والتنوين، وَالْعِلَّكْدُ: الغليظ قوله " لما يَلْزَمُ مِنْ ثِقَل " لأن إدغام النون الساكنة في الراء واللام واجب، لتقارب المخرجين، وأما الواو والياء والميم فليس قربها من النون الساكنة كقرب الراء واللام منها، فلذا جاء صِنْوَانٌ وبُنْيَانٌ وزَنْمَاءُ ولم يجئ نحو قَنْرٍ وقَنْلٍ كما تقدم قوله " أو لبس " يعني يلتبس بنحو شَفَلَّحٍ وهو ثَمَرُ الْكَبَر وإذا بنيت من كسر مثل احر نجم فللمبرد فيه قولان: أحدهما أنه لا يجوز لانه لابد من الإدغام فيبطل لفظ الحرف الذي به ألحق الكلمة بغيرها، والآخر الجواز، إذ ليس في الكلام افْعَلَّلَ فيعلم أنه افْعَنْلَلَ، ولا يجوز أن تلقى حركة الراء الأولى إلى الراء التي هي بدل من النون، لئلا يبطل وزن الإلحاق ولئلا يلتبس بباب اقشَعَرَّ وإذا بنيت من ضرب مثل اقشعر - وأصله اقشَعْرَرَ - فعند المازني، وحكاه عن النحويين -: إدغام الباء الأولى الساكنة في الثانية نحو اضْرَبَّبَ، بباء مشددة بعدها باء مخففة، وعند الأخفش اضربَبَّ، بباء مخففة بعدها باء مشددة، ليكون كالملحق به: أعني اقْشَعَرَّ، فاكسَرَّر على هذا يلتبس باضْرَبَّبَ على قول المازني، فلا يصح إذن قول المبرد، إذ ليس في الكلام افْعَلَّل، والحق
أنه ليس المراد بمثل هذا البناء الالحاق كما يجئ قال: " وَمِثْلُ أُبْلُمٍ مِنْ وَأَيْتً أُوءٍ، وَمِنَ أَوَيْتُ أُوٍّ مُدْغَماً، لِوُجُوبِ الْوَاوِ، بِخِلاَفِ تُووِي، وَمِثْلُ إجرد من أويت إئ، وَمِنْ أَوَيْتُ إيٌّ فِيمَنْ قَالَ: أُحَيٌّ، وَمَنْ قَالَ أُحَيٍّ قَالَ: إيٍّ " أقول: قوله " أُوءٍ " أصله أُوْؤُيٌ فأعل إعلال تَجَارٍ مصدر تَجَارَيْنَا: أي(3/298)
قلبت ضمة ما قبلها الياء كسرة، ثم أعل إعلال قاضٍ، وأُوٍّ أصله أُؤْوُيٌ، قلبت الهمزة الثانية واواً وجوباً كما في أو من، فوجب إدغام الواو كما تقدم في أول بالكتاب (1) أن الواو والياء المنقلبتين عن الهمزة وجوباً كأنهما غير منقلبتين عنها، وإن كان الانقلاب جائزاً فحكمها في الأظهر حكم الهمزة كرِيياً وتُووِي، فصار أُوُّياً فأعل إعلال تَجَارٍ قوله " إجْرد " هو نبت يَخْرج عند الكمأة يستدل به عليها قوله " إئ " أصله إوْئِيٌ، قلبت الواو ياء كما في ميزان وأعل إعلال قاض قوله " إيٌّ " أصله ائْوِيٌ، قلبت الهمزة ياء وجوباً كما في إيت فصار إيوياً أعل إعلال معيِّيَة، بحذف الياء الثالثة نسيا، فتدر حركات الإعراب على الياء المشدَّدة، وعلى ما نسب الأندلسي إلى الكوفيين - كما ذكرنا في باب التصغير - وهو إعلالهم مثلَه إعلال قاض، تقول جاءني أيٌّ ومررت بإيٌّ ورأيت إيّاً قال: " ومثله إوَزَّة مِنْ وَأَيْتُ إيِئَاةٌ وَمِنْ أَوَيْتُ إيَّاةُ مُدْغَماً " أقول: أصل إوَزَّة إوْزَزَةٌ كإصبع، لأن أفَعْلة ليست بموجودة، والهمزة زائدة دون التضعيف، لقولهم وَزٌّ أيضاً بمعناها، فأصل إيئاة أو أية، قلبت الواو ياء كما في ميزان، والياء ألفاً كما في مَرْماة، وأصل إيَّاةٍ إئْوَيَةٌ، قلبت الياء ألفاً كما ذكرنا، وقلبت الهمزة ياء وجوباً كما في إيت صار إيواةً، أعل إعلال سيِّد صار إياة
قال: " وَمِثْلُ اطْلَخَمَّ مِنْ وَأَيْتُ إِيأَيّا، وَمِنْ أوَيْتُ إيوَيّاً " أقول: اطلخم واطْرَخَمَّ أي تكبر، أصله اطْلَخْمَمَ بدليل اطْلَخْمَمْتُ، وفي الأمر اطْلَخْمِمْ - بسكون الخاء في الموضعين - فأصل إيأَيَّا إوْ أَيَّيَ، أدغمت الياء الساكنة في المتحرك وقلبت الياء الأخيرة ألفاً وقلبت الواو ياء كما في ميزان، صار إيأيَّا، فقد اجتمع في الكلمة ثلاث إعلالات كما ترى، وهم
__________
(2) انظر (ج 1 ص 25 وما بعدها) (*)(3/299)
يمنعون من اثنين، وأصل إيوَيَّا إئْوَيَّيَ، قلبت الياء ألفاً وأدغمت الياء في الياء وقلبت الهمزة ياء كما في إيت ولم يعل إعلال سيّد، لأن قلب الهمزة ياء وإن كان واجباً مع الهمزة الأولى لكنها غير لازمة للكلمة، لكونها همزة وصل تسقط في الدرج نحو قال ائْوَيَّا، فحكم الياء إذن حكم الهمزة قال: " وَسُئِلَ أُبُو عَلِيٍّ عَنْ مِثْلِ مَا شَاءَ اللهُ مِنْ أَوْلَقٍ فَقَالَ: مَا أَلِقَ الأْلاَقُ عَلَى الأَصْلِ واللاَّقُ عَلَى اللَّفْظِ، والأَلِقُ عَلَى وَجْهٍ، بَنَى عَلَى أَنَّهُ فَوْعَلٌ " أقول: يعني أن أبا علي جعل الواو من أَوْلَقٍ زائدة والهمزة أصلية، فإذا جعلته على وزن شَاءَ وهو فَعِلَ قلت: ألِقَ، وأصل الله الإلاه عند سيبويه، فتقول منه: الالاق، وحذفت الهمزة من الالاه قيسا كما في الأرض والأسماء، لكن غلبة الحذف كما في الإلاه شاذة، وكذا إدغام اللام في اللام، لأنهما متحركان في أول الكلمة، وخاصة مع عروض التقائهما، لكن جرأهم على ذلك كون اللام كجزء ما دخلته، وكونها في حكم السكون، إذ الحركة التي عليها للهمزة وأيضاً كثرة استعمال هذه اللفظة جوزت فيها من التخفيف في الأغلب ما لم يكن في غيرها، ويجوز عند أبي على أن يقال: مَا أَلِقَ الإِلاقُ، من غير تخفيف الهمزة، بنقل حركتها وحذفها، وذلك لأن مثل هذا الحذف وإن كان قياساً في
الأصل والفرع، لتحرك الهمزة وسكون ما قبلهما، إلا أن مثل هذا الحذف إذا كانت الهمزة في أول الكلمة نحو قَدْ أَفْلَحَ أَقَلُّ منه في غير الأول، لأن الساكن إذن غير لازم، إذ ليس جزءَ كلمةِ الهمزة كما كان في غير الأول، واللام كلمة على كل حال، وإن كانت كجزء الداخلة هي فيها، فتخفيف الارض والسماء أقل من تخفيف نحو مسألة وخبء، ويجوز عنده أيضاً أن تنقل حركتها إلى ما قبلها، لأن ذلك قياس في الفرع وإن قل، مع كون اللام كالجزء وهو مطرد غالب في الأصل، فقوله " ما أَلِقَ الإِلاَق " يجوز أن يكون مخففاً وغير مخفف، لأن كتابتهما سواء(3/300)
قوله " واللاَّقُ عَلَى اللفظ " أي: بإدغام اللام في اللام كما في لفظة الله، لكن سهل أمر الادغام في لفظة الله كثرة استعماله، بخلاف الإلاق قوله " والأَلِقُ على وجه " يعني به أحد مذهبي سيبويه، وهو أن أصل الله اللِّيِهُ، من لاَهَ: أي تستر، لتستر ما هيته عن البصائر وذاته عن الأبصار، فيكن وزنه فَعِلاً، فالأَلق عليه، وليس في " الأَلِق " علة قلب العين ألفاً كما كانت في الله قال: " وَأَجَابَ فِي بِاسْمٍ بِالْقٍ أَوْ بُالْق عَلَى ذَلِكَ " أقول: أي على أن أَوْلَقا فَوْعل قيل له: كيف تقول مثل باسم من أَوْلِقٍ، قال: بِالق أو بُالق، لأن أصل اسم سموا أو سمو، حذفت اللام شاذا وجئ بهمزة الوصل، وأبو علي لا يحذف في الفرع ما حذف في الأصل غير قياس قال: " وسأل أبو على ابن خَالَوَيهِ عَنْ مِثْلِ مُسْطَارٍ من آءَةٍ فَظَنَّه مُفْعَالاً، وَتَحَيَّرَ فَقَالَ أبو عل مُسْئَاءٌ فَأَجَابَ عَلَى أَصْلِهِ وَعَلَى الأَكْثَرِ مُسْتَئَاءٌ " أقول: المْسْطار: الخمر، قيل: هو معرب، وإذا كان عربياً فكأنه مصدر مثل المْسْتَخرِج، بمعنى اسم الفاعل من اسْتَطاره: أي طيَّره قال:
193 - مَتَى مَا تَلْقَنِي فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ * رَوادِفُ ألْيَتَيْكَ وَتُسْتَطَارَا (1) ويجوز أن يكون اسم مفعول، قيل: ذلك لهديرها وغليانها، وأصله
__________
(1) هذا الشاهد من بحر الوافر، وهو من كلمة لعنترة بن شداد العبسى يهجو فيها عمارة بن زياد العبسى.
وقوله " ترجف " يروى مكانه " ترعد " بالبناء للمجهول، وقوله " فردين " حال من الفاعل والمفعول في " تلقني " وقوله " روادف " يروى في مكانه " روانف " والروانف: جمع رانفة، وهى طرف الالية، وقوله " تستنطار " فعل مضارع مبنى للمجهول ماضيه المبنى للمعلوم استطار، وتقول: استطار هذا الامر فلانا، إذا طيره وأهاجه.
والاستشهاد بالبيت في قوله " وتستطارا " والمراد معناه الذى ذكرناه (*)(3/301)
مستطارٌ، والحق أن الحذف في مثله ليس بمطرد، فلا يقال: اسْطَالَ يَسْطِيل واسْطَاب يَسْطِيب، وآءة في الأصل أَوَأَةٌ، لأن سيبويه قال: إذا أشكل عليك الالف في موضع العين فاحْمِلهُ على الواو، لأن الأجوف الواوي أكثر فتصغيرها أُوَيْأة، فقوله: مستئاءٌ في الأصل مُسْتأْوَوٌ قوله " على أصله " يعني حذفه في الفرع ما حذف في الأصل قياساً وإن لم يثبت في الفرع علة الحذف، فَحُذِفت التاء في مُسْئَاءٍ كما حذفت في مُسْطَار، لاجتماع التاء والطاء، والأوْلى - كما قلنا - أن حذف التاء في مُسْطاع ليس بقياس، فلا يحذف في مستطاب ولا مستطيل ونحوهما، وآءَة نبت على وزن عَاعَة، وهو من باب سَلَسٍ وقَلَقٍ، وهو باب قليل وخاصة إذا كان الأول والآخر همزة مع ثقلها، ومثلها أجاء والاءةً وأشاءة عند سيبويه، وحمل على ذلك أنه لم يُسْمَعْ أَلاَيَة وأشَايَة، وقلَّ ألاوة وأشاوة كعباية وسقاوة، وقالوا في أباءة، وهي الأجمة: إن أصلها أباية وإن لم يسمع، لأن فيها معنى الإباء لامتناعها بما
يَنْبُت فيها من القصب وغيره من السلُوك، وليس في إشاءة وألاءة مثل هذا الاشتقاق قوله " وعلى الأكثر " أي على القول الأكثر، وهو أنه لا يُحذف ولا يُزاد في الفرع إلا إذا ثبتت علته، ولو كان مُسْطار مُفْعالاً من السَّطر لقلت من آءة مُؤْوَاءٌ قال: " وَسَأَلَ ابْنُ جِنِّي ابْنَ خَالَوَيْهِ عَنْ مِثْلِ كَوْكَبٍ مِنْ وَأيْتُ مَخَفَّفاً مَجْمُوعاً جَمْع السَّلاَمَةِ مُضَافاً إلى يَاءِ الْمُتَكَلِّم فَتَحَيَّرَ أيْضاً فَقَالَ ابْنُ جِنّي: أوى "
__________
(1) الالاءة - مثل سحابة - واحدة الالاء - كسحاب - وهو شجر مر (2) الاشاءة - مثل سحابة - واحدة الاشاء، وهو صغار النخل، قال ابن القطاع، همزته أصلية، عن سيبويه.
وتوهم الجوهرى أنها مبدلة فأتى بها في المعتل (*)(3/302)
أقول: إذا بنيت من وأيت مثل كوكب قلت: وَوْأَيٌ، أعلت الياء كما في فتى، فقلت: ووأى فإذا خففت همزته بنقل حركتها إلى ما قبلها وحذفها قلت: وَوًى، قلبت الواو الأولى همزة كما في أَوَاصِلَ صار أَوًى قال المصنف: الواو الثانية في تقدير السكون، فلو قلت وَوًى من غير قلب جاز قلت: لو كانت الواو الثانية ساكنة أيضاً نحو وَوْأًى وجب الإعلال كما مر تحقيقه في باب الإعلال (1) ، فإذا جمع أوًى وهو كفَتًى جمع السلامة بالواو والنون صار أَوَوْن، فإذا أضفته إلى ياء المتكلم سَقَطت النون وبقي أوَوْيَ، تقلب الواو وتدغم كما في مُسْلِمِيَّ قال: " وَمِثْلُ عَنْكَبُوتِ من بعت ببععوت " أقول: لا إشكال فيه، لأنك جعلت العين وهو لام الكلمة ككاف
العنكبوت مكرراً وجعلت مكان الواو والتاء الزائدتين مثلهما في الفرع كما مر في أول الكتاب (2) قال: " وَمِثْلُ اطْمَأنَّ ابْيَعَّعَ مُصَحَّحاً " أقول: أصل اطمأن اطمأْنَنَ بدليل اطمأننت واطمأنِنِ في الأمر قوله " مصححاً " فيه نظر، لأن نحو اسْوَدّ وابْيَضَّ إنما امتنع من الاعلال لان ثلاثية ليس مُعلاً حتى يحمل عليه كما حمل أقام على قام، أولانا لو أعللناهما لصار ساد وباضَّ فالتبسا بفَاعَلَ، وليس الوجهان حاصلين في ابيَعَّعَ، إذ ثلاثية معل، ولا يلتبس لو قيل باعَّعَ، وأما سكون ما بعد الياء فليس بمانع، إذ مثل هذين الساكنين جائز اجتماعهما، نحو الضالين، والأخفش يقول في مثله: ابْيَعَعَّ
__________
(1) انظر (ص 77 من هذا الجزء) (2) انظر (ج 1 ص 12 وما بعدها) (*)(3/303)
بتشديد العين الثانية كما ذكرنا في أول مسائل التمرين قال: " وَمِثْلُ اغْدوْدَنَ منْ قُلْتُ اقْوَوَّلَ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: اقْوَيَّلَ، لِلْوَاوَاتِ، وَمِثْلُ اغْدُودِنَ مِنْ قُلْتُ وَبِعْتُ اقْوَووِلَ وَابْيُويعَ مَظْهَراً " أقول: قد ذكرنا الخلاف في نحو اقوَوَّلَ في آخر باب الإعلال (1) ، وإنما لم يدغم نحو أقوُوول وابْيُويعَ، لأن الواو في حكم الألف التي هي أصلها في المبْنِيِّ للفاعل كما ذكرنا من قول الخليل في قُووِلَ وبُويعَ، ولو عللنا بما علل المصنف هناك وهو خوف الالتباس كما مر في باب الإعلال (2) لجاز إدغام اقْوُوول وابْيُوِيع إذ لا يلتبسان بشئ إلا أن تذهب في نحو اضْرَبَّبَ على وزن اقْشَعَرَّ مذهب المازني من تشديد الباء الأولى، فإنه يقع اللبس إذن بالمبني للمفعول منه.
قال: " وَمِثْلُ مَضْرُوبٍ مِنَ الْقُوَّةِ مَقْوِيٌّ، ومِثْلُ عَصْفُورٍ قُوِّيٌّ، وَمِنَ
الْغَزْوِ غزْوِيٌّ، وَمِثْلُ عَضُدٍ مِنْ قَضَيْتُ قَضٍ، وَمِثْلُ قُذَعْمِلَةٍ قُضَيَّةٌ كَمُعيَّة في التصغير، ومثل قذعميلة قُضَوِيَّةٌ، وَمِثْلُ حَمَصِيصَةٍ قَضَوِيَّةٌ فَتَقْلِبُ كَرَحَوِيَّةٍ، وَمِثْلُ مَلَكُوتٍ قَضَوُوتٌ، ومَثْلُ جَحْمَرِشٍ قَضْيَيٍ، وَمِنْ حَيِيتُ حَيَّوٍ ".
أقول: قد ذكرنا في آخر باب الإعلال من أحكام الياءات المجتمعة والواوات المجتمعة ما ينحل به مثل هذه العقود.
أصل مقوى مقووو، وكذا أصل غروى غزووو، أدغمت الثانية في الثالثة وقلبت المشددة ياء، لاجتماع الواوات كما ذكرنا أنك تقول من قَوِي على وزن قُمُدٍّ: قُوِيٌّ وكذا في قُووُووٍ على وزن عصفور، وهو أولى لاجتماع أربع
__________
(1) انظر (ص 193 وما بعدها من هذا الجزء) .
(2) انظر (ص 145 من هذا الجزء) .
(*)(3/304)
واوات، وقد مر حكمها، وأصْلُ قضٍ قَضُيٌ، أعل إعلال تَرَامٍ مصدر ترامينا.
قوله " قُضَيَّة كمُعَيَّة " أصلها قُضَيِّيَة، وقد ذكرنا قبلُ أن الأولى في المبنى على وزن قُذْعْمِيلة من قَضَى قُضَيِّيَّة - بياءين مشددتين - قوله " قَضَويَّة " في المبنى على وزن حَمَصِيصَة قد ذكرناه هناك (1) قوله " ومثلُ مَلَكُوتٍ قَضَوُوتٌ " قد ذكرنا في باب الإعلال أن الأصل أن يقال: غَزَوُوت ورَمَيُوتٌ ورَضَيُوت كَجَبَرُوتٍ من غَزَوْتُ ورَمَيْتُ، لِخروج الاسم بهذه الزيادة عن موازنة الفعل، فلا يقلب الواو والياء كما لا يقلب في الصَّوَرَي وَالْحَيَدى، وأن بعضهم يقلبهما ألفين ويحذفهما للساكنين، لعدم الاعتداد بالواو والياء.
قوله " ومثل جَحْمَرِشٍ قَضْيَي " يعني تعلة إعلال قاض والأولى كما ذكرنا في آخر باب الإعلال: حذف الثالثة نسياً، ثم قلب الثانية ألفاً، أو قلب الثانية واو فتسلم الثالثة.
قوله " حَيَّوٍ " قد ذكرنا هناك أنه يجوز حَيَّو وحَيّاً.
قال: " وَمِثْلُ حِلِبْلاَبٍ قِضِيضَاءٌ، وَمِثْلُ دَحْرَجْتُ من قَرَأَ قَرَأَيْتُ، وَمِثْلُ سِبَطْرٍ قِرَأيٌ، وَمِثْلُ اطْمَأْنَنْتُ اقرأيأت، ومضارعه يقرئيئ كَيَقْرَعِيعُ " أقول: العين واللام في حِلِبْلاَبٍ مكررتان على الصحيح، كما ذكرنا في صَمْحْمَحٍ، فكررتهما مثله في قِضِيضَاءٍ، وكذا تقول من الغزو: غِزِيزَاءٍ بقلب الواو والياء المتطرفين ألفاً ثم همزة كما في رداء وكساء، وكذا تقول على وزن صمحمح: قَضَيْضًى وغَزَوْزًى، وأصل قرأيت قرأ أت بهمزتين، قلبت الثانية ألفاً كما في آمن، ولا يكون قبل تاء الضمير ونونه في كلامهم، بل
__________
(1) انظر (ص 192 من هذا الجزء) .
(*)(3/305)
يكون قبلهما إما واو أو ياء نحو دعوت ورميت وأغزيت، ولا يجوز الواو هنا، لكونها رابعة ساكنة وقبلها فتحة، فيجب قبلها ياء كما في أغزيت، فقلبت الألف من أول الأمر ياء.
قوله " قرَأْيٌ " قد ذكرنا في تخفيف الهمزة أن الهمزتين إذا التقتا وسكنت أولاهما والثانية طرف قلبت ياء.
قوله " اقْرَأْيَأْت " هذا على مذهب المازني كما ذكرنا في باب تخفيف الهمزة عند ذكر اجتماع أكثر من همزتين (1) وعند النحاة اقرأ وأت، وإنما قال في المضارع يَقْرئِيئُ لكونه ملحقاً بيطمئنُّ بقلب حركة الهمزة الثانية إلى الأولى كما في الأصل، ثم قلبت الثانية ياء لكسر الأولى، ولو أعللناه بما فيه من العلة لقلنا
يَقْرَأْيِئُ عند المازني، وَيَقْرَأْوِئُ عند غيره، ولم تُنقَل حركة الياء أو الواو إلى ما قبلها كما قلنا في يُقِيم ويَبيع ويُبين، لأن ذلك لإتباعه للماضي في الإعلال بالإسكان كما مر في باب الإعلال (2) ولم تسكن ههنا الياء في الماضي.
والحق أن بناءهم لامثال الابنية المذكورة ليس مرادهم به الالحاق، بل المراد به أنه لو اتفق مثلها في كلامهم كيف كانت تعل، ومن ثم قال المازنى في نحو اقشعر من الضرب: اضربب - بتشديد الباء الاولى - ولو كان ملحقا لم يجز ذلك، فالاولى على هذا في مضارع اقرأيأت أو اقرأ وأت يقرأيئ أو يقرأوئ.
هذا آخر ما ذكره المصنف من مسائل التمرين، ولنضم إليه شيئاً آخر فنقول: إذا بنيت من قَوِي مثل بَيْقُور (3) قلت: قَيُّوٌ، والأصل قَيْوُووٌ، قلبتَ الواو
__________
(1) انظر (ص 52 وما بعدها من هذا الجزء) .
(2) انظر (ص 143 وما بعدها من هذا الجزء) .
(3) البيقور: اسم جمع دال على جماعة البقر، كالباقر، والبقير، وانظر (ص 193 من هذا الجزء) .
(*)(3/306)
الأولى ياء وأدغمتَ الياء فيها كما في سيد، وأدغمت الواو الثانية في الثالثة ولم تقلبهما ياءين لكونهما في المفرد، كما لم يُقلب في مغزوٍّ، ولم تَنقل حركة العين إلى ما قبلها كما فعلت ذلك في مَقْوُول ومَبْيُوعِ، لأن العين واللام إذا كانا حرفي علة لم تعل العين: سواء أعلت اللام كما في قَوِي وثَوَى (1) أو لم تعل كما في هَوِي على ما مضى في باب الإعلال (2) وإذا بنيت على وزن صَيْرَف من حَوَى وقَوِيَ قلت حَيًّا وقَيّاً، والأصل حَيْوَيٌ وقَيْوَوٌ، أدغمت الياء في الواو بعد قلبها ياء كما في سيِّد، وقلبت الواو ألفاً لحصول علته، قال السيرافي: اجتمع ههنا إعلالان، لكن الذي مَنَعْنَا من اجتماع الإعلالين أن تسكن العين واللام
جميعاً من جهة الإعلال، وفَيْعَل - بفتح العين - في الأجوف نادر، كقوله: * مَا بَالُ عَيْنِي كَالشَّعِيبِ الْعَيَّنِ (3) * فالوجه أن يبنى من حَوَى وقَوِيَ على فَيْعِل - بالكسر - فيصير حَيٌّ وقيٌّ، فتحذف الياءُ الثالثة نسياً كما في مُعَيَّة، وتقول على وزن نَزَوانٍ (4) من قَوِيَ: قَوَوَانٌ، لا يدغم، لما ذكرنا في باب الإدغام من عدم إدغام نحو رَدَدَانٍ (5) ولم يقلب آخر الواوين ألفاً لعدم موازنة الفعل كما ذكرنا في باب الإعلال، (6) هذا قول سيبويه، والأولى أن يقال: قَوَيَان بقلب الثانية ياء كما ذكرنا في آخر باب الاعلال (7) .
__________
(1) ثوى يثوى - مثل رمى يرمى - ثواء - بفتح الثاء -: أي أقام، قال: * رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّوَاءُ * (2) انظر (ص 112 وما بعدها من هذا الجزء) .
(3) قد مر شرح هذا الشاهد فانظره في (ج 1 ص 150) .
(4) النزوان: الوثبان، ولا يقال إلا للشاء والدواب والبقر في معنى السفاد، وانظر (ج 1 ص 156) .
(5) انظر (ص 243 من هذا الجزء) .
(6) انظر (ص 145 من هذا الجزء) .
(7) انظر (ص 194 من هذا الجزء) .
(*)(3/307)
وتقول على وزن فَعُلان - بضم العين - من قَوِي وحَيِيَ: قَوِيانٌ وحَيَّانٌ، بقلب الواو الثانية ياء والضمة قبلها كسرة، والأصل قَوُوَانُ، والألف والنون وإن كانتا لازمتين كتاء عَنْصُوَةٍ (1) وَقَرْنُوَة (2) إلا أن كون الضمة على الواو هو الذي أوجب القلب كما تقول: غَزْوُيَة على وزن قرنوة، وقال سيبويه: تقول: قَووَان، وقد غلط فيه، لموافقته على أنه تقول: غَزْوُيَةٌ على وزن قَرْنُوَةٍ
وتقول في فَعِلاَنَ - بكسر العين - من حيي: حَيَّان بالإدغام، لأن رَدَدَانا واجب الإدغام، وحَيِيَان أيضاً، لأن الأصل في باب الإدغام أعني الفعل في مثله يجوز فكه، نحو حَيِي وحى، تقل من قَوِي: قَوِيَانٌ، بقلب الثانية ياء، لتقدم الإعلال على الإدغام كما مر (3) ولكون الكلمة بالإعلال أخف منها بالإدغام، ومن خفف نحو كبد باسكان العين وقال في قَوِيانٍ: قَوْيَانٌ - بسكون الواو - ولا يُعله إعلال طَيٍّ ولَيَّةٍ، لعروض سكون الواو، ومن قال في رُؤْيا المخففة: رُيَّا فاعتد بالعارض، قال ههنا: قَيَّان، وتقول من قوى وشوى وحَيِيَ على وزن فَيْعِلانَ - بكسر العين -: قَيَّان وشَيَّان وحَيَّان، والأصل في الأولين قَيْوِيان وشَيْوِيَان، أُعلاَّ إعلال سيد وحذفت الياء الثالثة من الثلاثة نسياً، كما في معيية، وتقول في تصغير أشْوِيَانٍ: أُشِّيَيان وتقول من أوَيْت على وزن فَيْعِلانَ - بكسر العين -: أيِّيَان، والأصل أيْوِيَانٌ وإذا بنيت فَعْلُلَةً من رَمَيْتُ قلت: رَمْيُوَة، قلبت الياء الأخيرة واواً لانضمام ما قبلها، ومثلَ أُسْحمان (4) منه: أُرْمُوان، ومن حَيِيَ: أحيوان، ولا تدغم،
__________
(1) العنصوة: القليل المتفرق من النبت، انظر (ص 161 101 من هذا الجزء) .
(2) القرنوة: نوع من العشب، انظر (ج 2 ص 44) .
(3) انظر (ص 120 من هذا الجزء) .
(4) أسحمان: جبل، انظر (ج 2 ص 395) .
(*)(3/308)
لأن الإعلال قبل الإدغام، ولا تُستثقل الواو في مثله للزوم الحروف الذي بعدها: أي التاء، والألف والنون، كما مر في باب الإعلال (1) وتقول في فَوْعَلَّة - مشددة اللام - من غَزَوْت: غَوْزَوَّةٌ، وفي أُفْعُلَّة: اغْزُوَّة،
وفي فُعَلٍّ: غُزُوٌّ، لا تُقلب الواو المشددة المضموم ما قبلها في أُفْعُلَّة وَفُعُلٍّ ياء، كما لم تقلب في مدعو، بل ترك القلب ههنا أولى، لأن اسم المفعول قد يتبع الفعل الذي هو بمعناه، نحو غُزِي (2) ، وأما نحو أُدْعِيَّةٍ (3) في أُدْعُوَّةٍ فقليل نادر، فإن اعتُدّ به قيل في أُغزُوّة: أُغْزِيَّة.
وتقول في أُفْعُلَّةٍ من رميت: أُرْمِيَّة - بكسر الميم - كما في مُضِيٍّ، والأصل مُضُويٌ وتقول في فوعلة من الرمي: رَوْمَية، وليست في الأصل فَوْعَلَلَة، وإلا قيل: رَوْمَيَاة.
وتقول في فَعَلٍّ: رَمَيٌّ، وليس أصله رَمْيَياً، وإلا قيل: رَمْياً (4) ، وكذلك نحو هيى وهَبَيَّةٍ للصبي والصبية.
وتقول على وزن كَوَأْلَلٍ (5) والواو إحدى اللامين زائدتان من القوة:
__________
(1) انظر (ص 176 من هذا الجزء) .
(2) يريد أن اسم المفعول قد يحمل على الفعل المبنى للمجهول كما قالوا من عدا عليه يعدو: معدى عليه، حملا على عدى عليه.
(3) انظر (ص 171 من هذا الجزء) .
(4) يريد أن رمييا - بفتح الراء والميم وتشديد الياء - ليس أصله رمييا - بفتح فسكون -، لانه لو كان كذلك لقلبت الياء الثانية ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم تعامل معاملة عصى (5) الكوألل - بزنة سفرجل -: القصير مع غلظ وشدة (ج 1 ص 256) (*)(3/309)
قَوَوًّى عند سيبويه، وَقَوَيَّا عند الأخفش كما مر (1) ، وعلى وزن (2) عِتْوَلٍ من قَوِيَ: قِيّاً، والأصل قَوْوَوٌ، قلبت الواو الأخيرة ألفاً لتحركها وانفتاح
ما قبلها، والواو الأولى ياء كما في ميزان، والواو الثانية ياء أدغم فيها الياء كما في سيد.
وإذا بنيت مثل عِفْرِيَة من غَزَوْت قلت: غزوية، والاصل غزوة، ومن الرَّمي رِمْيِيَةٌ، ولا يجوز الإدغام كما في أَحْيِيَة، مع لزوم التاء في الموضعين، لأن رِمْيِيَة كعِفْرية، وهو ملحق بزِبْرجَةٍ، وأَحْيِيَة ليس ملحقاً، كذا قيل، والأولى أن هذا البناء ليس للإلحاق كما مر، ولو جمعت هَبَيّاً على فَعَالِلَ قلت: هبايّ كدَوَابّ، ولو بنيت على فعاليل من رميت قلت: رمايِيَّ، ويجوز رَمَاوِيّ، لاجتماع الياءات كما في سِقَاوِيّ، ولا يجوز بالهمز، لعدم تطرف الياء.
وكذا فَعَالِيلُ وَمَفَاعيلُ من حَيِيَ نحو حَيَايِيَّ، وَمَحَاييَّ وَحَيَاوِيَّ، ومَحَاوِيَّ، قال سيبويه: ولو حُذفت إحدى الياءات في جميعها لم يبعد، لأنه قد يستثقل الياءان في نحو أثافِيَّ (3) فيخفف بحذف إحداهما، فيقال: أثَافٍ، فما ظنك بالثلاث؟ وحذف ياء مفاعيل ثابت وإن لم يجتمع ياءان نحو قراقير وقراقر (4)
__________
(1) انظر (ص 196 من هذا الجزء) (2) هذا الذى ذكره المؤلف ينبغى أن يكون على زنة درهم ليطابق ما ذكره من التصريف، ولكن الذى وقع في الاصول عثول - بالثاء المثلثة - ولا يصح ذلك لان العثول مشدد الاخر، فغيرناه إلى عتول - بالتاء المثناة - وقد ضبطه المجد في القاموس بزنة درهم، وإن كان الشارح الزبيدى حكاه مشددا، وهو الذى لاغناء عنده للنساء (4) الاثافي: جمع أثفية، وهى حجر يوضع فوقه القدر، انظر (ج 2 ص 162) (3) القراقير: جمع قرقور، والقرور - بزنة عصفور، السفينة مطلقا، أو الطويلة خاصة، (انظر ج 2 ص 162) (*)(3/310)
وجراميز وجرامز (1) ، قال سيبويه: إلا أن من يحذف في هذه الأمثلة التي اجتمعت (فيها) (2) ثلاث ياءات يلتزم الحذف، لكونها أثقل من أثافى وعوارى (3)
حتى يكون فرقا بين الياءات والياءين، وتقول في فعاليل من غَزَوْت: غَزَاوِيّ فلا تغير الواو لعدم اجتماع الأمثال كما في رمياني وهذا آخر ما أردناه إيراده، ولك أن تقس على هذا ما ماثله بعد إتقانك الأصول المتقدمة في باب الإعلال وغيره والله الموفق للصواب تمت مقدمة التصريف، والحمد لله رب العالمين
__________
(1) الجراميز: جمع جمر موز، والجرموز - بزنة عصفور - حوض مرتفع النواحى، أو حوض صغير (2) زيادة يقتضيها المقام (3) العوارى: جمع عارية، وهى بتشديد الياء منسوبة إلى العار، انظر (ج 2 ص 164) (*)(3/311)
قال: " الْخَط تَصْوِيرُ اللَّفْظِ بِحُرُوفِ هِجَائِهِ إلاّ أسْمَاءَ الْحُرُوفِ إذَا قُصِدَ بِهَا الْمُسَمَّى، نَحْوُ قَوْلِكَ: اكْتُبْ جِيم، عَيْن، فا، رَا، فَإِنَّكَ تَكْتُبُ هَذِهِ الصُّورَةَ (جَعْفَر) لأَنَّهَا مُسَمَّاهَا خَطُّا وَلْفظاً، وَلِذَلِكَ قَالَ الْخَلِيلُ لَمَّا سَأَلَهُمْ كَيْفَ تَنْطِقُونَ بِالْجِيم مِنْ جَعْفَرٍ فقالوا: جِيمٌ، فقال: إنَّمَا نَطَقْتُمْ بالاسْم ولم تنطقوا بالمسئول عَنْهُ، وَالْجَوَابُ جَهْ، لأنه الْمُسَمَّى، فَإنْ سُمِّيَ بِهَا مُسَمَّى آخَرُ كُتِبَتْ كَغَيْرِها نحو ياسِين وحَامِيم، وَفِي الْمُصْحَفِ عَلَى أصْلِهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ، نَحْوُ يس وحَم " أقول: حق كل لفظ أن يكتب بحروف هجائه: أي بحروف الهجاء التي ركب ذلك اللفظ منها إن كان مركباً، وإلا فبحرف هجائه: سواء كان المراد باللفظ ما يصح كتابته كأسماء حروف التهجي نحو ألف باتا ثا جيم، وكلفظ الشعر والقرآن ونحو ذلك، أو مالا يصح كتابته كزيد والرجل والضرب واليوم وغيرها، وكذا كان حق حروف أسماء التهجي في فواتح السور، لكنها لا تكتب بحروف
هجائها، بل تكتب كذا (ن والقلم، ق والقرآن) ولا يكتب (نون والقلم) ولعل ذلك لما توهم السفَرَة (1) الأول للمصاحف أن هذه الأسماء عبارة عن الأعداد كما روى عن بعضهم أن هذه الأسماء كنايات عن أعمار قوم وآجال آخرين، وذلك أن أسماء حروف التهجي قد تُصَوَّر مسمياتها إذا قصد التخفيف في الكتابة، نحو قولهم: كُلُّ جَ بَ، وكذا كتابتهم نحو قولهم: الكلمات ثلاث: االاسم، ب الفعل، ج الحروف، فعلى هذا في قوله " إلا أسماء الحروف إذا قصد المسمى " نظر، لأن تلك الأسماء مع قصد المسمى تكتب بحروف هجائها أيضاً، ألا ترى أنه تكتب هكذا: اكتب جيم عين فاء راء، ولا تكتب
__________
(1) السفرة - بفتحات - جمع سافر، وهو اسم دال على النسب، ومعناه صاحب السفر، وهو الكتاب الكبير، وقد يراد منه الكاتب (*)(3/312)
هكذا: اكتب جَ عَ فَ رَ، والذي يختلف فيه الحال أنك إذا نسبت الكتابة إلى لفظ على جهة المفعولية فإنه ينظر: هل يمكن كتابة مسماه، أولاً، فإن لم يمكن نحو كتبت زيد ورجل، فالمراد أنك كتبت هذا اللفظ بحروف هجائه، وإن أمكن كتابة مسماه نحو كتبت الشعر والقرآن وجيم وعين وفاء وراء، فالظاهر أن المراد به مسمى اللفظ، فتريد بقولك: كتبت الشعر والبيت، أنك كتبت مثلا: * قفانبك مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ * البيت (1) وبقولك: كتبت القرآن، أنك كتبت مثلاً بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، السورة، وبقولك: كتبت جيم عين فاء راء أنك كتبت جعفر، ويجوز مع القرينة أن تريد بقولك: كتبت الشعر والبيت والقرآن، أنك كتبت صورة حروف تهجي هذه الألفاظ
والبحث في أن المراد باللفظ هو الاسم أو المسمى غيرُ البحث في أن ذلك اللفظ كيف يصور في الكتابة، والمراد بقوله " الخط تصوير اللفظ بحروف هجائه " هو الثاني دون الأول قوله " إذا قصد بها المسمى " أي: حروف التهجي قوله " جيم عين فا را " لا تُعْرب شيئاً من هذه الأسماء وإن كانت مركبة مع العامل كما في قولك: كتبت ماء، وأبصرت جيماً، لئلا يظن أنك كتبت كل واحدة من هذه الأحرف الأربعة منفصلة من البواقي، ولم تكتب حروف كل واحدة، فلم تُعرب الأسماء ولم تأت بواو العطف نحو اكتب جيم، وعين، وفاء، وراء، بل وصلت في اللفظ بعضها ببعض تنبيهاً على اتصال مسمياتها بعضها ببعض، لكونها حروف كلمة واحدة
__________
(1) تقدم شرح هذا البيت فانظره في (ج 2 ص 316) (*)(3/313)
قوله " مسماها خطاً " ظاهر، لأن المسمى جيم مثلاً هذه الصورة جَ، لأنك إذا أمرت بكتابة جيم كتبت هكذا جَ، وكذا هو مسماة لفظاً، لأنك إذا أمرت بأن تتلفظ بجيم قلت: جَهْ قوله " ولذلك قال الخليل " أي: لكون جعفر مسمى جيم عين فار را لفظاً رد الخليل على أصحابه لما سألهم عن جيم جعفر كيف تنطقون به: أي كيف تتلفظون بمسمى هذا اللفظ وهو جيم؟ وذلك لأن المراد بكل لفظ مسماه إذا أمكن إرادته نحو ضربت زيداً: أي مسمى هذا اللفظ، وأما إذا لم يمكن نحو قرأت زيداً وكتبت زيداً فالمراد بأولهما اللفظ وبالثاني حروف هجاء اللفظ قوله " إنما نطقتم بالاسم " لأن جيم الذي هو على وزن فِعْل اسم لهذا المسمى، وهو جَهْ
قوله " فإن فإن سمي بها مسمى آخر " أي: سمي بأسماء حروف التهجي، كما لو سمي بدال مثلاً شخص قوله " كتبت كغيرها " أي: كتبت ألفاظها بحروف هجائها، فإذا قيل: اكتب دال يكتب هكذا " دال " كما يكتب: زيد قوله " وفي المصحف على أصلها " أي: يكتب مسمى أسماء حروف التهجي، ولا تكتب تلك الأسماء بحروف هجائها قوله " على الوجهين " أي: سواء كانت هذه الفواتح أسماءً لحروف التهجي كما قال الزمخشري: " إن المراد بها التنبيه على أن القرآن مركب من هذه الحروف كألفاظكم التي تتلفظون بها فعارِضوه إن قدرتم " فهي إذن تَحَدٍّ لهم، أو لم تكن، وذلك بأن تكون أسماء السور كما قال بعضهم، أو أسماء أشخاص كما قيل: إن يس وطه اسمان للنبي صلى الله عليه وسلم، وق اسم جبل، ون اسم للدواة، وغير ذلك أو تكون أبعاض الكلم كما نسب إلى ابن عباس رضي الله(3/314)
عنه أنه قال في ألم: إن معناه أنا الله أعلم، وغير ذلك مما قيل فيها قال: " وَالأَصْلُ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ أَنْ تُكْتَبَ بِصُورَةِ لَفْظَها بِتَقْدِيرِ الابْتِدَاءِ بِهَا وَالْوَقْفِ عَلَيْهَا، فَمِنْ ثم كتب نحو ره زيداً، وقِهْ زَيْداً بِالْهَاءِ، ومِثْلُ مَهْ أَنْتَ، ومجئ، مَهْ جِئْتَ، بِالْهَاءِ أيْضاً، بخِلافِ الْجَارِّ، نَحْوَ حَتَّامَ وَإلاَمَ وَعَلاَمَ، لِشِدَّة الاتِّصَالِ بِالْحَرْفِ، وَمِنْ ثَمَّ كُتِبَتْ مَعَهَا بألِفَاتٍ وكُتِبَ مِمَّ وَعَمَّ بِغَيْرِ نُونٍ، فإِنْ قَصَدْتَ إلى الْهَاءِ كَتَبْتها وَرَدَدْتَ الْيَاءَ وَغَيْرَهَا إنْ شِئْتَ " أقول: أصل كل كلمة في الكتابة أن ينظر إليها مفردةً مستقلة عما قبلها وما بعدها، فلا جرم تكتب بصورتها مبتدأ بها وموقوفاً عليها، فكتب
مَنِ " ابْنُك " بهمزة الوصل، لأنك لو ابتدأت بها فلا بد من همزة الوصل، وكتب " ره زيداً " و " قه زيداً " بالهاء، لأنك إذا وقفت على ره فلا بد من الهاء قوله " ومِثْلُ مَهْ أَنْتَ؟ ومجئ مَهْ جِئْتَ؟ " قد ذكرنا في باب الوقف أن ما الاستفهامية المجرورة بالاسم يجب أن تقف عليها بالهاء، وفي المجرورة بالحرف يجوز إلحاق الهاء وتركه، وذلك لأن " ما " شديدة الاتصال بالحرف، لعدم استقلال الحرف دون ما يتصل به قله " ومِن ثَمَّ كتبت " أي: من شدة اتصال " ما " بالحرف كتبت حتى وإلى وعلى بألفات، ولم تكتب بالياء، وذلك لأن كتابتها بالياء إنما كانت لانقلاب ألف على وإلى الياء مع الضمير، نحو عليك وإليه، ومع ما الاستفهامية التي هي كالجزء صارتا نحْوَ غُلام وكَلام، فلا يدخلون الضمير، ولأن حتى تمال اسماً لكون الألف رابعة طرفاً ومع ما الاستفهامية لا تكون طرفاً، وكذا إلى اسماً أميلت، لكون ألفها طرفاً مع الكسرة قبلها وانقلابها ياء مع الضمير ومع " ما " لا تكون طرفاً(3/315)
قوله " وكتب مِمَّ وعَمَّ بغير نون " أي: من جهة اتصال " ما " بالحرف لم يكتب عَنْ مَهْ ومِنْ مَهْ - بالنون - بل حذفت النون المدغمة خطًّا كما يحذف كل حرف مدغم في الآخَرِ في كلمة واحدة، نحو هَمَّرشٍ وأصله هَنْمَرشٌ (1) وامَّحَى أصله انْمَحَى قوله " فإن قَصَدْتَ إلى الهاء " يعني أنك إذا قلت: ممَّ جئت؟ وعمَّ يتساءلون؟ وقصدت أنك لو وقفت على مِمَّ وعمَّ ألحقتهما هاء السكت وجب عليك إلحاق هاء السكت في الكتابة، لأنك تكون إذا معتبراً لما الاستفهامية مستقلة بنفسها، فتردّ نون من وعن، ويكتب هكذا: من مه جئت؟ وعن
مه يتساءلون؟ قوله " ورددت الياء " يعني في " عَلَى مَهْ " و " حتَّى مه " قوله " وغيرها " يعنى النون في " مِنْ مَهْ جئت " قوله " إن شئت " يرجع إلى رد الياء وغيرها لا إلى كتابة الهاء، لأن كتابتها إذن واجبة، لكن أنت مخير مع كَتْبَةِ الهاء بين رد النون والياء، وترك ردهما، فإن رددتهما فنظرا إلى الهاء، لأنها إنما اتصلت نظراً إلى استقلال " ما " بنفسها، وإن لم ترد فنظرا إلى عدم استقلال حروف الجر دون ما، فيكون " علامه " مثل كيفه، وأينه، كأن الهاء لحقت آخر كلمة واحدة محركة بحركة غير إعرابية ولا مُشْبِهة لها قال: " وَمِنْ ثَمَّ كُتِبَ أنَا زَيْدٌ بِالأَلِفِ، وَمِنْهُ لكِنَّا هُوَ اللهُ، وَمِنْ ثَمَّ كُتِبَتْ تاءِ التَأْنِيثِ في نَحْو رَحْمَةٍ وَتُخَمَةٍ هَاء، وَفِيمَنْ وَقَفَ بِالتَّاءِ تَاءً، بِخِلاَفِ أُخْتٍ وَبِنْتٍ وَبَابِ قَائِمَاتٍ وباب قامت هند "
__________
(1) الهمرش - بزنة جحمرش -: العجوز المضطربة الخلق، أو العجوز المسنة انظر (ح 1 ص 61) ثم انظر (ح 2 ص 364) (*)(3/316)
أقول: يعني ومن جهة أن مبني الكتابة على الوقف قوله " ومنه لَكِنَّا " يعني إذا لم يقرأ بالألف، فإنه يكتب بالألف في تلك القراءة أيضاً، لأن أصله لَكِن أنا (1) قوله " وفيمَنْ وقف " مر في باب الوقف أن بعضهم يقف عليها بالتاء نحو كظ الجحفَتْ (2) قوله " بخلاف أخت " أي: ولا يوقف على تاء أخت وبنت بالهاء لأنها بدل من لام الكلمة وليست بتاء التأنيث، بل فيها رائحة من التأنيث، بكونها بدلاً
من اللام في المؤنث دون المذكر، وكذا تاء قائما ليست للتأنيث صرفا، بل علامة الجمع، لكن خصت بجمع المؤنث لكون التاء مناسبة للتأنيث، ومن قال كيف البنون والبناة - بالهاء - وجب أن يكتبها بالهاء، وهو قليل، ويعني بباب قائمات جمعَ سلامة المؤنث، وبباب قامت الفعلَ الماضي المتصلَ به تاء التأنيث قال: " وَمِنْ ثَمَّ كُتِبَ الْمُنَوَّنُ الْمَنْصُوبُ بالأَلِفِ، وَغَيْرُهُ بِالْحَذْفِ وَإذَنْ بِالأَلِفِ عَلَى الأَكْثَر، وَكَذَا اضْرِبَنْ، وَكَانَ قِيَاسُ اضْرِبُنْ بِوَاوٍ وَألِفٍ، واضْرِبِنْ بِيَاءٍ، وَهَلْ تَضْرِبُنْ بِوَاوٍ وَنُونٍ، وَهَلْ تَضْرِبِن بِيَاءٍ وَنُونٍ، وَلَكِنَّهُمْ كَتَبُوهُ عَلَى لَفْظِهِ لِعُسْرِ تَبَيُّنِهِ أَوْ لِعَدَمِ تَبَيُّنِ قَصْدِهَا، وَقَدْ يُجْرَى اضْرِبَنْ مُجْرَاهُ " أقول: قوله " وغيره " أي: غير المنصوب المنون، وهو إما المرفوع والمجرور
__________
(1) قد مضى بيان ذلك على التفصيل في باب الوقف فارجع إليه في (ح 2 ص 295) (2) هذه كلمة من بيت من بحر الرجز، وهو مع ما قبله: مَا ضَرَّهَا أمْ مَا عَلَيْهَا لَوْ شَفَتْ * مُتَيَّماً بِنَظْرَةٍ وَأَسْعَفَتْ بل جوز تيهاء كظهر الحجفت وانظره مشروحا شرحا وافيا في (ح 2 ص 277 وما بعدها) (*)(3/317)
المنونان كجاءني زيد ومررت بزيد، أو غير المنون: مرفوعاً كان أو منصوباً أو مجروراً، كجاءني الرجل ورأيت الرجل ومررت بالرجل، أو مَبْنياً قوله " وإذن بالألف على الأكثر " وذلك لما تبين في الوقف أن الأكثر في إذن الوقف عليه بالألف، فلذا كان أكثر ما يكتب بالألف، والمازني يقف عليه بالنون فيكتبه بالنون، وأما اضْرِبَنْ فلا كلام في أن الوقف عليه بالألف، فالأكثر يكتبونه بالألف، ومن كتبه بالنون فلحمله على أخويه: أي اضربن
واضربن، كما يجئ، وإنما كان قياس اضربُنْ بالواو والألف لما تقدم في شرح الكافية أنك إذا وقفت على النون الخفيفة المضموم ما قبلها أو المكسور هو ردَدْتَ ما حذف لأجل النون: من الواو والياء في نحو اضربوا واضربي، ومن الواو والنون في هل تضربونَ، ومن الياء والنون في هل تضربين، فكان الحق أن يكتب كذلك بناء للكتابة على الوقف، لكن لم يكتب في الحالين إلا بالنون، لعسر تبيّنه: أي لأنه يعسر معرفة أن الموقوف عليه من اضربُنْ واضْربِنْ وهل تضربُنْ وهل تضرِبنْ كذلك: أي ترجع في الوقف الحروف المحذوفة، فإنه لا يَعْرَف ذلك إلا حاذق بعلم الإعراب، فلما تعسر معرفة ذلك على الكُتَّاب كتبوه على الظاهر، وأما معرفة أن الوقف على اضْرِبَنْ - بفتح الباء - بالألف فليست بمتعسرة، إذ هو في اللفظ كزيداً ورجلاً قوله " أو لعدم تبين قصدها " أي: لو كتبت بالواو والياء، والواو والنون، والياء والنون، لم يتبين: أي لم يعلم هل هو مما لحقه نون التوكيد أو مما لم يلحقه ذلك، وأما المفرد المذكر نحو اضربَا فلم يلتبس، لأن المفرد المذكر لا يلحقه ألف، وبعضهم خاف التباسه بالمثنى فكتبه بالنون، أو يقول: كتبه كذلك حملا على اضربُنْ واضربِنْ، لأنه من نوعهما، وهذا معنى قوله " وقد يُجْرى اضربن مجراه "(3/318)
قوله " تَبَيُّنِ قَصْدِها " أي: المقصود منها: أي من الكلمات المكتوبة، فهو مصدر بمعنى المفعول، أو بمعنى تَبَيُّنِ أنك قصدتها: أي قصدت النون، فيكون المصدر بمعناه قال: " وَمِنْ ثَمَّ كُتِبَ بَابُ قَاضٍ بِغَيْرِ يَاءٍ، وَبَابُ الْقَاضِي بِالْيَاءِ عَلَى الأَفْصَحِ فِيهِمَا، وَمِنْ ثَمَّ كُتِبَ نَحْوُ بَزَيْدٍ وَلِزَيْدٍ وَكَزَيْدٍ مُتَّصِلاً، لأَنًّهُ لا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَكُتِبَ نَحْوُ مِنْكَ وَمِنْكُمْ وَضَرَبَكُمْ متَّصِلاً، لأنَّهُ
لا يُبْتَدَأُ بِهِ " أقول: إنما لم تكتب الباء واللام والكاف غير متصلة لكونها على حرف ولا يوقف عليه، ولو كان لعدم الوقوف عليها لكتب نحو من زيد على زيد متصلاً، وإنما لم يبتدأ بالمضمرات المذكورة لكونها متصلة، وأما نحو بكم وبك فقد اجتمع فيه الامران قال: " وَالنَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا لاَ صُورَةَ لَهُ تَخُصُّهُ، وَفِيمَا خُولِفَ بِوَصْلٍ أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ بَدَلٍ، فَالأَوَّلُ الْهَمْزَةُ وَهُوَ أَوَّلٌ وَوَسَطٌ وَآخِرٌ الأَوَّلُ أَلِفٌ مُطْلَقاً نَحْوُ أحَدٍ وَأُحَدٍ وَإبِل، وَالْوَسَطُ: إمَّا سَاكِنٌ فَيُكْتَبُ بِحَرْفِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهُ مِثْلُ يَأكُلُ وَيُؤْمِنُ وَبِئْسَ، وَإمَّا مُتَحَرِّكٌ قَبْلَهُ سَاكِنٌ فَيُكْتَبُ بِحَرْفِ حَرَكَتِهِ مثل يسأل ويلؤم ويسم، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْذِفُهَا إنْ كَانَ تَخْفِيفُهَا بِالنَّقْلِ أَوِ الإِدْغَام، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْذِفُ الْمَفْتُوحَةَ فَقَطْ، وَالأَكْثَرُ عَلَى حَذْفِ الْمَفْتُوحَةِ بَعْدَ الأَلِفِ، نَحْوُ سَاءَلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْذِفَهَا فِي الْجَمِيعِ، وَإمَّا مُتَحَرِّكٌ وَقَبْلَهُ متحرك فيكتب عَلَى نَحْوِ مَا يُسَهَّلُ، فَلِذَلِكَ كُتِبَ نَحْوُ مُؤَجَّلٍ بِالْوَاوِ وَنَحْوُ فِئَةٍ بِالْيَاءِ، وَكُتِبَ نَحْوُ سَألَ وَلَؤُمَ وَيَئِسَ وَمِنْ مُقْرِئِكَ ورُؤُوسِ بِحَرْفِ حَرَكَتِهِ، وَجَاءَ فِي سُئِلَ وَيُقْرِئُكَ الْقَوْلاَنِ، وَالآخِرُ إنْ كَانَ مَا قَبْلَهُ سَاكِناًَ حُذِفَ،(3/319)
نحو خبء وخبء وخبئا، وإن كان متحركا كاكتب بِحَرْفِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهُ كيْفَ كَانَ، نَحْوُ قَرَأَ وَيُقْرِئُ وَرَدُؤَ وَلَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يُقْرِئْ وَلَمْ يَرْدُؤْ، وَالطَّرَفُ الَّذِي لاَ يُوقَفُ على لاتِّصَالِ غَيْرِهِ كَالْوَسَطِ نَحْوُ جُزْؤُكَ وَجُزْأَكَ وَجُزْئِك، وَنَحْوُ رِدْؤُكَ وَرِدْأََكَ وَردْئِكَ، وَنَحْوُ يَقْرَؤُهُ وَيُقْرِئُكَ، إلا فِي نَحْوِ مَقْرُوءَة وَبَرِيئَة، بِخِلافِ الأَوَّلِ الْمُتَّصِلِ بِهِ غَيْرُهُ، نَحْوُ بِأحَدٍ
وَكَأَحَدٍ وَلأَحَدٍ، بِخِلاَفِ لِئَلاَّ، لِكَثْرَتِهِ، أَوْ لِكَرَاهَةِ صُورَتِهِ، وَبِخِلاَفِ لَئِنْ، لِكَثْرَتِهِ، وَكُلُّ هَمْزَةٍ بَعْدَهَا حَرْفُ مَدٍّ كصُورَتِهَا تُحْذَفُ نَحْوَ خَطَئَا في النَّصْبِ وَمُسْتَهْزِؤُونَ ومستهزءين، وَقَدْ تُكْتَبُ بِالْيَاءِ، بِخِلاَفِ قَرَأَا ويقرأ ان لِلَّبْسِ، وَبِخِلاَفِ نَحْوِ مُسْتَهْزِئَيْنِ فِي الْمُثَنَّى لِعَدَمِ الْمَدِّ، وَبِخِلاَفِ نَحْوِ ردَائِي وَنَحْوِهِ فِي الأَكْثَرِ، لِمُغَايَرَةِ الصُّورَةِ، أوْ لِلْفَتْحِ الأَصْلِيِّ، وَبِخِلاَفِ نَحْوِ حِنَّائِيٍّ فِي الأَكْثَرِ، لِلْمُغَايَرَةِ وَالتَّشْدِيدِ، وَبِخِلاَفِ لَمْ تَقْرَئِي لِلْمُغَايَرَةِ وَاللَّبْسِ " أقول: قدم للكتابة أصلاً، وهو كونها مبنية على الابتداء والوقف، ثم شرع في التفصيل، فذكر أولاً حال، لحرف الذي ليس له صورة مخصوصة، بل له صورة مشتركة، وتستعار له صورة غيره، وهو الهمزة، وذلك أن صورة الألف: أعني هذه (أ) لمّأ كانت مشتركة في الاصل بين الألف والهمزة - ولفظة الألف كانت مختصة بالهمزة، لأن أول الألف همزة، وقياس حروف التهجي أن تكون أولَ حرف من أسمائها كالتاء والجيم وغيرها، ثم كثر تخفيف الهمزة، ولا سيما في لغة أهل الحجاز، فإنهم لا يحققونها ما أمكن التخفيف - استعير للهمزة في الخط وإن لم تخفف صورة ما يقلب إليه إذا خففت، وهي صورة الواو والياء ثم يعلّم على تلك الصورة المستعارة بصورة العين البتراء هكذا (ء) ليتعين كونها همزة، وإنما جعلت العين علامة الهمزة لتقارب مخرجيهما، فإن لم تكن الهمزة في موضع التخفيف(3/320)
وذلك إذا كانت مبتدأ بها كتبت بصورتها الأصلية المشتركة أعني هذه (ا) نحو إبل وأحد وأَحَد، وكذلك تكتب بهذه الصورة إذا خففت بقلبها ألفاً، نحو راس ثم نقول: إذا كانت الهمزة وسطاً ساكنة متحركاً ما قبلها كتبت بمقتضى حركة ما قبلها نحو يُؤمن ويأكل وبِئْس، لأنها تخفف هكذا (ا) إذا خففت
وتكتب الوسط المتحركة المتحرك ما قبلها نحو مؤجَّل بالواو وفئة بالياء والخمسة بحرف حركته نحو سأل ولؤُم ويئس ومِن مقرئِك ورؤُوس، وأما الاثنان الباقيان نحو سُئِل ويُقْرئُك فعلى مذهب سيبويه بحرف حركته، وعلى مذهب الأخفش بحرف حركة ما قبله، كل ذلك بناء على التخفيف، كما تقدم في باب تخفيف الهمزة وكذا يكتب الوسط الذي قبله ألف باعتبار حركته، لأن تخفيفه باعتبارها فيكتب نحو سأل بالألف والتساؤل بالواو وسائل بالياء، والأكثرون على ترك صورة الهمزة المفتوحة بعد الألف استثقالاً للألفين، فيكتبون ساءَل بألف واحدة وكذا المقروء والنبئ، وكذا يتركون صورة الهمزة التي بعدها الواو إذا كان حق الهمزة أن تكتب واواً لولا ذلك الواو نحو رءوس، وكذا في نحو سئامة ومستهزءين، إلا إذا أدى إلى اللبس، نحو قرأا ويقرأ ان ومستهزئين كما يجئ، ويكتب الأخير المتحرك ما قبله بحرف حركة ما قبله سواء كان متحركاً كما في يقرأ ويردُؤ ويُقْرِئ، أو ساكناً كما في لَمْ يَقْرَأْ ولم يردُؤْ ولم يُقْرِئْ، وذلك لأن الحركة تسقط في الوقف، ومبنى الخط على الوقف فتدبر الهمزةُ بحركة ما قبلها وأما إن كانت الأخيرة في حكم الوسط وهو إذا اتصل بها غير مستقل فهي في حكم المتوسطة، نحو يقرَؤُه ويقرئُه ونحو ذلك، وكان قياس نحو السماء والبناء أن تكتب همزته بالألف لأن الأكثر قلب مثلها ألفاً في الوقف كما مر في باب(3/321)
تخفيف الهمزة (1) ، لكنه استكره صورة ألفين، ولذا لم تكتب في نحو قولك: علمت نبئاً، صورة للهمزة هذا كله حكم كتابتها إذا كانت مما تخفف بالقلب بلا إدغام، فإن كانت
تخفف بالحذف، فإن كانت أخيراً فإنها تحذف في الخط أيضا نحو خبء، وجزء ودفء، وذلك لأن الآخِر محل التخفيف بالحذف خطا كما هو محل التخفيف لفظاً، وإن كان في الوسط كيسأل ويُسْئِم ويَلْؤُم، أو في حكم الوسط باتصال غير مستقل بها نحو جُزْأَكَ وجُزْؤُكَ وجُزْئِكَ، فالأكثر أنها لا تحذف خطّاً وإن كان التخفيف بحذفها، وذلك لأن حذفك في الخط لما هو ثابت لفظاً خلاف القياس اغتفر ذلك في الآخر الذي هو محل التخفيف، فيبقى الوسط ثابتاً على أصله فلما لم يحذف ولم تبن كتابتها على التخفيف أعيرت صورةَ حرفِ حركتها، لأن حركتها أقرب الأشياء إليها فكتبت مسألة وَيَلْؤُم ويسم وسَوْءة وجُزْأَكَ وجُزْؤُك وجُزْئِكَ بتدبير حركة الهمزات، وإن كانت تخفف بالقلب مع الإدغام حذفت في الخط سواء كانت في الطرف كالمقروء والنبئ، أو في الوسط كالقَرُوآء على وزن البَروكاء (2) أو في حكم الوسط كالبريّة والمقروَّة، وذلك لأنك في اللفظ تقلبها إلى الحرف الذي قبلها وتجعلها مع ذلك الحرف بالإدغام كحرف واحد، فكذا جعلت في الخط هذا، وبعضهم يبني الكتابة في الوسط أيضاً على التخفيف فيحذفها خطاً في كل ما يخفف فيه لفظاً بالحذف أو الإدغام، وبعضهم يحذف المفتوحة فقط لكثرة مجيئها نحو مَسَلَة، ويَسَلُ، وإنما لم تكتب الهمزة في أول الكلمة إلا بالألف وإن كانت قد تخفف بالحذف كما في الأرْض وقَدَ أفْلح لأن مبنى الخط على الوقف
__________
(1) انظر (ص 43، 44 من هذا الجزء) (2) البروكاء: الثبات في الحرب، وانظر (ح 1 ص 248) (*)(3/322)
والابتداء، وإذا كانت الكلمة التي في أولها الهمزة مبتدأ بها لم تخفف همزتها فتكتب بالصورة التي كانت لها في الأصل وإن كانت مشتركة
فإن قيل: إذا اتصل بآخر الكلمة غير مستقل نحو جزؤه ويجزئه تجعل الهمزة التي حقها الحذف كالمتوسطة فهلا تجعل المصدرة التي حقها هذه الصورة (ا) إذا اتصل بها غير مستقل نحو الأرْض وبأحُد ولأحَد كالمتوسطة قلت: لأني إذا جعلت الهمز الذي حقه الحذف ذا صورة فقد رددته من الحذف الذي هو أبعد الأشياء من أصله أعني كونه على هذه الصورة (ا) إلى ما هو قريب من أصله وهو تصورة بصورة ما وإن لم تكن صورته الأصلية، وإذا غيرت ما حقه هذه الصورة أي المصورة بالحذف أو بإعارتها صورة الواو والياء فقد أخرجت الشئ عن أصله إلى غيره، فلهذا لم تجعل المصدرة في الخط كالمتوسطة إلا في لِئَلاَّ كما يجئ قوله " فيما لا صورة له تخصه " إنما قال ذلك لأن هذه الصورة (ا) مشتركة في أصل الوضع بين الهمزة والألف كما مضى قوله " فيما خولف ": أي خولف به عن أصل الكتابة الذي كان حق الخط أن يكون عليه قوله " الأول الألف مطلقاً ": أي مضمومة كانت أو مفتوحة أو مكسورة، وذلك لما قلنا قوله " يكتب بحرف حركته " إلا أن يكون تخفيفه بالادغام كسؤال على وزن طومَارٍ (1) فإنه يحذف كما ذكرنا قوله " ومنهم من يحذف المفتوحة " أي: يحذف من جملة ما يخفف بالنقل
__________
(1) الطومار: الصحيفة.
وانظر (ح 1 ص 198، 217) ثم انظر (ص 76 من هذا الجزء) (*)(3/323)
المفتوحة فقط نحو يسئل ومسألة، ولا يحذف نحو يلؤُم ويُسْئِم
قوله " والأكثر على حذف المفتوحة " أي: أن الأكثرين يحذفون المفتوحة فقط بعد الألف نحو ساءَلَ، ولا يحذفونها بعد ساكن آخر، ولا يحذفون غير المفتوحة بعد ساكن قوله " ومنهم من يحذفها في الجميع " أي: يحذف الهمزة المتوسطة الساكن ما قبلها، سواء خففت بالقلب أو بالحذف أو بالإدغام قوله " كيف كان " أي: متحركاً أو ساكناً قوله " إلا في نحو مقروة وبرية " إذ حقها الإدغام كما ذكرنا قوله " لئلا لكثرته " أي لكثرة استعماله صار لام لئلا متصلاً بالهمزة وإن كان متصلاً بلا، فصارت الثلاثة ككلمة واحدة نحو فئة قوله " أو لكراهة صورته " أي لو كتب هكذا (لا لا) قوله " وكل همزة بعدها حرف مد " في الوسط كانت كرءوف ونئيم وسئال أو في الطرف نحو خَطئاً في النصب ومستهزؤون ومستهزءين، حذفت إذا لم يلتبس لاجتماع المثلين، والأكثر على أن الياء لا تحذف، لأن صورتها ليست مستقلة كنئيم ومستهزئين، وهذا معنى قوله " وقد يكتب الياء " وأما في الطرف فقد يكتب الياءان لاختلاف صورتيهما نحو ردائي قوله " بخلاف قرأا ويقرأ ان " فإنهما لو كتبا بألف واحدة لا لتبس قرأا بالمسند إلى ضمير الواحد ويقرأ ان بالمسند إلى ضمير جمع المؤنث قوله " بخلاف مستهزئَين في المثنى لعدم المد " ليس بتعليل جيّد، لأن المد لا تأثير له في الخط، بل إنما كان الحذف لاجتماع المثلين خطا، وهو حاصل: سواء كان الثاني مداً أو غير مد، بل الوجه الصحيح أن يقال: إن الأصل أن لا تحذف الياء كما ذكرنا لخفة كتابتها على الواو كما ذكرنا، بخلاف الواوين والألفين مع(3/324)
أن أصل مستهزئين وهو مستهزئان ثبت فيه للهمز صورة، فحمل الفرع عليه في ثوبتها، وأما أصل مستهزئين في الجمع فلم يكن للهمز فيه صورة نحو مستهزءون لاجتماع الواوين فحمل الفرع عليه قوله " أو للفتح الأصلي " يعني لم يكن في الأصل مداً، وقد ذكرنا ما عليه، وكذا قوله " للتشديد " أي: لم يكن مداً قوله " واللبسِ " أي: يلتبس بلم تقرى من القرى قال: " وَأَمَّا الْوَصْلُ فَقَدْ وَصَلُوا الْحُرُوفِ وَشِبْهَهَا بِمَا الْحَرْفِيَّةِ، نَحْوَ إنما إلهكم إله وَأَيْنَمَا تَكُنْ أَكُنْ وَكُلَّمَا أَتَيْتَنِي أَكرَمْتُك، بِخِلاَفِ إن ما عِنْدِي حَسْنٌ وَأَيْنَ مَا وَعَدْتَنِي وَكُلُّ مَا عِنْدِي حَسَنٌ، وَكَذَلِكَ عَنْ مَا وَمِنْ مَا فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقَدْ تُكْتَبَانِ مُتَّصِلَتَيْنِ مُطْلَقاً لِوُجُوبِ الإدْغَام، وَلَمْ يَصِلُوا مَتَى، لِمَا يَلْزَمُ مِنْ تَغْيِيرِ الْيَاءِ، وَوَصَلُوا أَنِ النَّاصِبَةِ لِلْفِعْل مَعَ لاَ بِخِلاَفِ الْمُخَفَّفَةِ نَحْوُ عَلِمْتُ أَنْ لا يَقُومُ، وَوَصَلُوا إنِ الشَّرْطِيَّةَ بِلاَ وَمَا، نَحْوُ إِلاَّ تفعلوه وإما تخافن، وَحُذِفَتِ النُّونُ فِي الْجَمِيعِ، لِتَأكِيدِ الاتصال، ووصلوا نَحْوَ يَوْمَئِذٍ وَحِينَئِذٍ فِي مَذْهَبِ الْبِنَاءِ فَمِنْ ثَم كُتِبَتِ الْهَمْزَةُ يَاءً، وَكَتَبُوا نَحْوَ الرَّجُل عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مُتَّصِلاً، لأنَّ الْهَمْزَةَ كَالْعَدَمِ، أَوِ اخْتِصَاراً لِلْكَثْرَةِ ".
أقول: قوله " الحروف وشِبْهَهَا " أي: الأسماء التي فيها معنى الشرط أو الاستفهام نحو أينما وحيثما وكلما، وكان ينبغي أن يقول: بما الحرفية غير المصدرية، لأن " ما " المصدرية حرفيية على الأكثر ومع هذا تكتب منفصلة نحو إن ما صنعت عجب: أي صنعك عجب، وإنما كتب المصدرية منفصلة مع كونها حرفية غير مستقلة أيضاً تنبيهاً على كونها مع ما بعدها كاسم واحد، فهي من تمام ما بعدها لا ما قبلها قوله " في الوجهين " أي: إن كان " ما " حرفا نحو عما قليل ومما خطيئاتهم(3/325)
وصلت، لأن الأولى والثانية حرفان ولهما اتصال آخر من حيث وجوب إدغام آخر الأولى في أول الثانية، وإن كانت " ما " اسمية نحو بعدت عن ما رأيت، وأخذت من ما أخذت، فصلت لانفصال الاسمية لسبب استقلالها، وقد تكتب الاسمية أيضاً متصلة، لكونها كالحرفية لفظاً على حرفين، ولمشابهتها لها معنى، ولكثرة الاستعمال، ولاتصالها اللفظي بالإدغام، وهو معنى قوله " لوجوب الإدغام " وقوله " مطلقاً " أي: اسمية كانت أو حرفية قوله " متى " يعني في قولهم: متى ما تركَبْ أركب قوله " لما يلزم من تغيير الياء " يعني لو وصلتَ كتبت الياء ألفاً فيكتب متى ما كعلام وإلام وحتام، ولا أدري أي فساد يلزم من كتب ياء متى ألفاً كما كتبت في عَلاَمَ وإلام؟ والظاهر أنها لم توصل لقلة استعمالها معها، بخلاف عَلاَمَ وإلام قوله " أنِ الناصبة للفعل " في لئلا، المخففة، لأن الناصبة متصلة بما بعدها معنى من حيث كونها مصدرية ولفظاً من حيث الإدغام، والمخففة وإن كانت كذلك إلا أنها منفصلة تقديرا بدخلوها على ضمير شأن مقدر بخلاف الناصبة.
قوله " ووصلوا إن الشرطية بلا وما دون المخففة والزائدة " نحو أنْ لا أظنك من الكاذبين، وأنْ ما قلتُ حَسَن، لكثرة استعمال إن الشرطية وتأثيرها في الشرط بخلافهما قوله " وحذفت النون في الجميع " أي: لم يكتب هكذا: منْما وعنْما ولئنْلا وإنْلاَ وإنْما، بنون ظاهرة، بل أدغم مع الاتصال المذكور لتأكيد الاتصال، وإنما ذكر هذه لأنه لم يَذكر قبلُ إلا الاتصالَ، والاتصال غير الإدغام كما صورنا.
قوله " في مذهبِ البناء " أي: إذا بنى الظرف المقدم على إذ، لأن البناء
دليل شدة اتصال الظرف بإذ، والأكثر كتابتهما متصلين على مذهب الإعراب(3/326)
أيضاً، حملاً على البناء، لأنه أكثر من الإعراب قوله " فمن ثم " أي: من جهة اتصال الظرف بإذ وكون الهمزة متوسطة كتبت ياء كما في سَئِم، وإلا فالهمزة في الأوّل، فكان حقها أن تكتب ألفاً كما في بأحد ولإبل قوله " على المذهبين " أي: مذهب الخليل وسيبويه: أما على مذهب سيبويه فظاهر، لأن اللام وحدها هي المعرفة، فهي لا تستقل حتى تكتب منفصلة، وأما على مذهب الخليل وهو كونها كبَلْ وهَل، فإنما كتبت متصلة أيضاً لأن الهمزة وإن لم تكن للوصل عنده لكنها تحذف في الدرج فصارت كالعدم، أو يقال: الألف واللام كثيرة الاستعمال فخفف خطَّا بخلاف هل وبل قال: " وَأَمَّا الزَّيَادَةُ فَإِنَّهُمْ زَادُوا بَعْدَ وَاوِ الْجَمْعِ الْمُتَطَرِّفَةِ فِي الْفِعْلِ ألِفاً نَحْوُ أكَلُوا وَشَرِبُوا فرقا بينها فِي التَّأْكِيدِ بِأَلِفٍ، وَفِي الْمَفْعُولِ بِغَيْرِ ألِفٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُهَا فِي نَحْوِ شَارِبُوا الْمَاء، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحذِفُهَا فِي الْجَمِيعِ، وَزَادُوا فِي مَائَةِ أَلِفاً فَرْقاً بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِنْهُ، وَأَلْحَقُوا الْمُثَنَّى بِهِ، بِخِلافِ الْجَمْعِ وَزَادُوا فِي عَمْرٍو وَاواً فَرْقاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ مَعَ الْكَثْرَةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَزِيدُوهُ فِي النَّصْبِ، وَزَادُوا فِي أُولئِكَ وَاواً فَرْقاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِلَيْكَ، وَأُجْرِي أُولاَءِ عَلَيْهِ، وَزَادُوا فِي أولِي وَاواً فَرْقاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ إلَى، وَأَجْرِيَ أُولُو عَلَيْهِ ".
أقول: قوله " المتطرفة " احتراز عن نحو ضربوهم وضربوك وضربوه، والأصل أن لا تكتب الألف إلا في واو الجمع المنفصلة، نحو مَرُّوا، وعَبَروا إذ المتصلة لا تلتبس بواو العطف، إذ هي لا تكتب إلا منفصلة، لكنه طرد
الحكم في الجميع، كما أنه كتب في نحو عبروا وإن لم يأت بعده ما يمكن أن يكون(3/327)
معطوفاً، لما كان يلبس في بضع المواضع، نحو إن عبروا ضربتهم قوله " بخلاف يدعو ويغزو " لأن الواو التي هي اللام لا تنفصل عن الكلمة كواو الجمع حتى لا تلتبس بواو العطف، وهي من تمام الكلمة: متصلة كانت في الخط كيدعو، أو منفصلة كيغزو قوله " في التأكيد بألف " لأن الواو إذن متطرفة، بخلاف واو ضربوهم، إذا كان " هم " مفعولاً، والأكثرون لا يكتبون الألف في واو الجمع الاسمي نحو شاربو الماء، لكونه أقلَّ استعمالاً من الفعل المتصل به واو الجمع، فلم يبال اللبس فيه إن وقع لقلته، ومنهم من يحذف الألف في الفعل والاسم لندور الالتباس فيهما، وإنما ألحق مائتان بمائة في إلحاق الألف دون مئات ومئين وإن لم يحصل اللبس لا في المثنى ولا في المجموع، لأن لفظ المفرد باق في المثنى، بخلاف الجمع، إذ تاء المفرد تسقط فيه قال: " وأما النقص فَإِنَّهُمْ كَتَبُوا كُلَّ مُشَدَّدٍ مِنْ كَلِمَةٍ حَرْفاً وَاحِداً نَحْوُ شَدَّ وَمَدَّ وَادّكَرَ، وَأُجْرِي، نَحْوُ قَتَتُّ مُجْرَاهُ، بِخِلاَفِ نَحْوُ وَعَدْتُ وَاجْبَهْهُ، وَبِخِلاَفِ لاَم التَّعْرِيفِ مُطْلَقاً نَحْوُ اللَّحْمِ وَالرَّجُلِ، لِكَوْنِهِمَا كَلِمَتَيْنِ، وَلِكَثْرَةِ اللَّبْسِ، بِخِلاَفِ الَّذِي وَالَّتي وَالَّذِينَ لِكَوْنِهَا لاَ تَنْفَصِلُ، وَنَحْوُ اللذَيْنِ فِي التَّثْنِيَةِ بِلاَمَيْنِ لِلْفَرْقِ، وَحُمِلَ اللتين عليه، وكذا اللاءون وَأخَوَاتُهُ، وَنَحْوُ عَمَّ وَمِمَّ وَإمَّا وَإلاَّ لَيْسَ بِقِيَاسٍ، وَنَقَصُوا مِنْ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الألِفَ لَكَثْرَتِهِ بِخِلاَفِ بِاسْمِ اللهِ وَباسْم رَبِّكَ وَنَحْوهِ، وَكَذَلِكَ الألفُ مِنَ اسم الله والرحمن مُطْلَقاً، وَنَقَصُوا مِنْ نَحْوِ لِلرَّجُلِ وَلَلرَّجُلُ وَلِلْدَّارِ وَلَلدَّارُ جَرّاً وَابْتِدَاءً الأَلِفَ لِئَلاَّ يَلْتَبِسَ بالنَّفِي، بِخِلاَفِ بِالرَّجُلِ وَنَحْوِهِ، وَنَقَصُوا مَعَ
الألفِ واللاَّمِ مِمَّا فِي أَوَّلِهِ لامٌ نَحْوُ لِلَّحْمِ ولِلَّبَنِ كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ ثَلاثِ لامَاتٍ، وَنَقَصُوا مِنْ نَحْوِ أَبْنُكَ بَارٍّ في الاسْتِفْهَامِ وَأصْطَفَى البنات ألَفَ الْوَصْلِ، وجَاءَ(3/328)
فِي الرَّجُلُ الأمْرَانِ، وَنَقَصُوا مِنِ ابْنٍ إِذَا وَقَعَ صِفَةً بَيْنَ عَلَمَيْنِ أَلِفَهُ مِثْلُ هَذَا زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، بِخِلاَفِ زَيْدٌ ابْنُ عَمْرٍو، وَبِخِلاَفِ الْمُثَنَّى، وَنَقُصُوا أَلِفَ هَا مَعَ اسْم الإِشَارَةِ نَحْوُ هَذَا وَهَذِهِ وَهَذَانِ وهؤلاءِ، بِخِلاَفِ هَاتَا وَهَاتِي لِقِلْتِهِ، فَإِنْ جَاءَتِ الْكَافُ رُدَّتْ، نَحْوُ هاذاك وهاذانك، لاتِّصَالِ الْكَافِ وَنَقصُوا الأَلِفِ مِنْ ذَلِكَ وأولئك، ومن الثلث والثلثين، وَمِنْ لَكِنْ وَلَكِنَّ، وَنَقَصَ كَثِيرٌ الْوَاوَ مِنْ داوَدُ وَالألَفَ مِنْ إبراهيم وإسماعيل وإسحق وَبَعْضُهُمْ الألِفَ مِنْ عُثْمَان وسُلَيْمَانَ وَمُعَاوِيَةَ " أقول: قوله " كل مشدد من كلمة " احتراز من نحو شكر رَبَّكَ قوله " شد ومد " مثال لمثلين في كلمة قوله " ادكر " مثال المتقاربين في كلمة وإنما كتب المشدَّد حرفاً في كلمة للزوم جعلهما في اللفظ كحرف بالتشديد، فجعلا في الخط حرفاً، وأما إذا كانا في كلمتين فلا يلزم جعلهما كحرف في اللفظ فلم يجعلا أيضا حرف في الخط، وأيضاً فإن مبنى الكتابة على الوقف والابتداء، وإذا كان كذا فلا يلتقي إذن مثلان ولا متقاربان حتى يكتبا حرفاً قوله " وأجري قََتَتُّ " وذلك لكون التاء بكونه فاعلاً وضميراً متصلاً كجزء الفعل، فجعلا في الخط حرفاً، لوجوب الإدغام بسبب تماثلهما، وأما في وعدت فلم يكتبا حرفاً لعدم لزوم الإدغام وعدم تماثلهما في الخط، ولا اجْبَهْهُ، لأنهما وإن كانا مثلين والثاني ضمير متصل لكنه ليس كالجزء من الفعل، لكونه فضله، إذ هو مفعول
قوله " وبخلاف لام التعريف مطلقاً " أي: سواء كان بعدها لام كاللحم، أو غيرها مما تدغم فيه كالرجل، فإنها لا تنقص في الخط في الموضعين، لكون لام التعريف وما دخلته كلمتين، وقد احترز عنه بقوله " في كلمة " وأما(3/329)
اتصال تاء قَتَتّ فهو أشد من اتصال كل اسم متصل باسم، لما ذكرنا من الوجهين، مع أنه قد يكتب قَتَتُّ بثلاث تاءات قوله " ولكثرة اللبس " يعني لو كتب هكذا الحم وارجل لا لتبس بالمجرد عن اللام إذا دخل عليه همزة الاستفهام أو حرف النداء، وأما الذى التى واللذين في الجمع فإنه لا لَبْسَ فيها، إذ اللام لازمة لها، فلا يلتبس بالمجرد الداخل عليه الهمزة، وإنما يكتب اللَّذيْن في التثنية بلام وإن كانت في الأصل لام التعريف أيضاً فرقاً بين المثنى والمجموع، وحمل اللذان رفعا عليه، وكذا اللتان واللَّتَيْنِ، وإن لم يكن ليس، إجراءً لباب المثنى مجرى واحداً، وكان إثبات اللام في المثنى أولى منه في الجمع، لكون المثنى أخف معنى من الجمع، فخفف الجمع لفظاً دلالة على ثقل معناه قوله " وكذا الاءون وأخواته " أي اللاتي، واللائي، واللواتي، واللواءِ، وذلك لانها أجريت مجرى اللاء الذي لو كتب بلام واحدة لا لتبس بألاَ قوله " ليس بقياس " لأنهما كلمتان، وكذا لئلا، وكان حق المشدد أن يكتب حرفين، وهذا وإن كان على خلاف القياس إلا أن وجه كتابتهما حرفاً واحداً ما تقدم في ذكر الوصل من شدة الاتصال وكثرة الاستعمال قوله " لكثرته " أي حذف ألف اسْمٍ إذا كان في البسملة لكثرة استعمالها بخلاف نحو باسم ربك، فإنها ليست كثيرة الاستعمال، وكذا إذا اقتصرت على باسم الله، نحو: باسم الله أصول
قوله " الله والرحمن مطلقاً " أي: سواء كانا في البسلمة أولاً قوله " جراً وابتداء " أي: سواء كانت اللام جارة أو لام الابتداء قوله " لئلا يلتبس بالنفي " إذ لو كتب هكذا لا لرجل التبس بلا لرجل ولا للنفي، وأما نحو بالرجل وكالرجل فلا يلتبس بشئ(3/330)
قوله " كراهية اجتماع ثلاث لامات " يعني لو كتب هكذا اللَّحْم، وفيما قال نظر، لأن الأحوط في مثله أن يكتب بثلاث لامات، لئلا يلتبس المعرف بالمنكر قوله " أبْنُكَ بار، وأصطفى البنات " يعني إذا دخلت همزة الاستفهام على همزة وصل مكسورة أو مضمومة فإنهم يحذفون همزة الوصل خطاً كراهة اجتماع ألفين، ودلالة على وجوب حذفهما لفظاً، بخلاف نحو الرجل فإنه يجوز فيه الحذف كراهة اجتماعهما خطاً، ويجوز الإثبات دلالة على إثباتهما لفظاً قوله " إذا وقع صفة " احتراز من كونه خبر المبتدأ نحو: زَيْدٌ ابْنُ عَمْرٍو، وقوله " بين علمين " احتراز من مثل جاءني زيد ابن أخينا، والرجل ابن زيد، والعالم ابن الفاضل، وذلك لأن الابن الجامع للوصفين كثير الاستعمال فحذف ألف ابن خطا كما حذف تنوين موصوفه لفظاً.
على ما ذكرنا في باب النداء، ونقص التنوين خطاً من كل منون فرقاً بين النون الأصلي والنون العارض غير اللازم، وأما نون اضْرِبَنْ فانما كتبت لعسر تبيها، عن ما تقدم، بخلاف التنوين، فإنه لازم لكل معرب لا مانع فيه منه، فيعرف إذن ثبوته بعدم المانع، وإن لم يثبت خطاً قوله " ونقصوا ألف ها مع اسم الاشارة " لكثرة استعمالها معه وأما هاتا وهاتي فقليلان، فإن جاءت الكاف ردت ألف " ها " فيما حذفت منه لقلة استعمال اسم الإشارة المصدر بحرف التنبيه المكسوع بحرف الخطاب
قوله " لاتصال الكاف " يعني أن الكاف لكونها حرفاً وجب اتصالها بالكلمة لفظاً، إذ صارت كجزئها فتثاقلت الكلمة فخففت بحذف ألف ها، وفيما قال بعد، لأن الكلمة لم تتثاقل خطا، إذ الألف منفصلة، فلم يحصل بكون الكاف حرفاً امتزاج في الخط بين ثلاث كلمات، وكلامنا في الخط لا في اللفظ إلا أن يقول: نقصوا في الخط تنبيهاً على الامتزاج المعنوي.(3/331)
قوله " نقصوا الألف من ذلك وأولئك ومن الثلث والثلثين " وذلك لكثرة الاستعمال، ونقص كثير من الكتاب الواو من داود، لاجتماع الواوين، وبعضهم يكتبها، ونقص بعضهم الألف من عثمان وسليمان ومعاوية، والقدماء من وراقي الكوفة (كانوا) ينقصون على الإطراد الألف المتوسطة إذا كانت متصلة بما قبلها نحو الكفرون والناصرون وسلطن ونحوه.
قال: " وَأَمَّا الْبَدَلْ فَإِنَّهُمْ كَتَبُوا كُلَّ ألِفٍ رَابِعَةٍ فَصَاعِداً فِي اسْمِ أَوْ فِعْلٍ يَاءً إلاَّ فِيمَا قَبْلَهَا يَاءٌ إلاَّ فِي نَحْوَ يَحْيَى وَرَيَّى عَلَمَيْنِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِن كَانَتْ عَنْ يَاءٍ كُتِبَتْ يَاءً وَإِلاَّ فَبِالألِفِ، ومنهم من يكتب الباب كله بالاف وَعَلَى كُتْبِهِ بِالْيَاءِ فإِنْ كَانَ مُنَوَّناً فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَهُوَ قِيَاسُ الْمُبَرِّدِ، وَقَيِاسُ الْمَازِنِيِّ بِالألِفِ، وَقِيَاسُ سِيبَوَيْهِ: الْمَنْصُوبُ بِالأَلِفِ وَمَا سِوَاهُ بِالْيَاءِ، وَيُتَعَرَّفُ الْوَاوُ مِنْ الْيَاءِ بِالتَّثْنِيَةِ نَحْوُ فَتَيَانِ وَعَصَوَانِ وَبِالْجَمْعِ نَحْوُ الْفَتَيَاتِ وَالْقَنَوَاتِ وَبِالْمَرَّةِ نَحْوُ رَمْيَةٍ وَغَزْوةٍ وَبِالنَّوْعِ نَحْوُ رِمْيَةٍ وَغِزْوَةٍ، وَبِرَدِّ الْفِعْلِ إلى نَفْسِكَ نَحْوُ رَمَيْتُ وَغَزَوْتُ: وَبالمُضَارَع نَحْوُ يَرْمِي وَيَغْزُو، وَبِكَوْنِ الْفَاءِ وَاواً نَحْوُ وَعَى، وَبِكَوْنِ الْعَيْنِ وَاواً نَحْوُ شَوَى إلاَّ مَا شَذَّ نَحْوُ الْقُوى وَالصُّوَا، فإِنْ جُهِلَتْ: فَإنْ أمِيلَتْ فَالْيَاءُ نَحْوُ مَتَى، وَإلاَّ فَالأَلِفُ وَإِنَّمَا كَتَبُوا لَدَى بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِم لَدَيْكَ وَكِلاَ كُتِبَتْ عَلَى الْوَجْهَيْن
لاحْتِمَالِهَا، وَأمَّا الْحُرُوفُ فَلَمْ يُكْتَبْ مِنْهَا بِالْيَاءِ غَيْرُ بَلَى وَإلَى وَعَلَى وَحَتَّى، وَالله أعلم بالصواب ".
أقول: إنما كتبت الألف الرابعة المذكورة ياء دلالة على الإمالة، وعلى انقلابها ياءً، نحو يُغْزَيَان وَيَرْضَيَان وأغْزَيْت وأَعْلَيَان ومُصْطَفَيَانَ ونحوها، وإن كان قبلها ياء كتبت ألفاً، وإن كانت على الصفة المذكورة أيضاً نحو أحْيَا وَاسْتَحْيا، كراهة لاجتماع يَاءَيْنِ، وإن اختلفا صورة، إلا فِي نَحْوَ يَحْيَى ورَيَّى عَلَمَيْنِ،(3/332)
وكذا ما أشبههما، فإنه يكتب بالياء، فرقاً بين العلم وغيره، والعلم بالياء أولى، لكونه أقل فيحتمل فيه الثقل.
قوله " وأما الثالثة " أي: الألف الثالثة.
قوله " ومنهم من يكتب الباب كله " أي: جميع باب المقصورة: ثالثة كانت، أو رابعة، أو فوقها، عن الياء كانت أو عن غيرها، بالألف على الأصل، وقد كتبت الصلاة والزكاة بالواو، دلالة على ألف التفخيم، كما مر قوله " فإن كان منوناً " أي: اسماً مقصوراً منوناً، لأن الذي في آخره ألف وهو منون لا يكون إلا اسماً مقصوراً قوله " ويتعرف الياء من الواو " لما ذكر في الثلاثي أنه يكتب بياء إن كانت ألفه عن ياء وإلا فبالألف ذكر ما يعرف به الثلاثي الواوي من اليائي قوله " بالتثنية " أي: إن سمعت، وكذا إن سمع الجمع، وغير ذلك قوله " وبالمضارع " كما مر في باب المضارع من أن الناقص الواوي مضموم العين، واليائي مكسورها قوله " وبكون الفاء واواً " كما مر في أول باب الإعلال قوله " وإنما كتبوا لدى " وإن لم تمل بالياء لقولهم لَدَيْك
قوله " لاحتمالها " لأن قلبها في كلتا تاءً مشعرٌ بكون اللام واو كما في أخت، قال المصنف: وإمالتها تدل على الياء، لأن الكسرة لاتمال لها ألف ثالثة عن واو، وقد مر الكلام عليه في باب الإمالة قوله " غير بلى " وذلك لإمالتها قوله " وإلى وعلى " وذلك لقولهم: إليك، وعليك، وأما حَتَّى فللحمل على إلى والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي العربي وآله الأطياب، وسَلَّم تسليماً كثيراً(3/333)
قد اعتمدنا في تصحيح هذا الكتاب - سوى جميع النسخ المطبوعة - على نسخة خطية فرغ ناسخها من كتابتها في شهر صفر الخير من عام سبع وخمسين وسبعمائة، وقد وجد بآخر هذه النسخة ما نصه: " والحمد لله رب العالمين، وصلاته على سيدنا محمد وعترته الطاهرين، وسلم تسليما كثيرا، وفق الله تعالى لاتمام تصنيفه في ربيع الاول سنة ثمان وثمانين وستمائة بالحضرة الشريفة المقدسة الغروية على مشرفها أفضل التحية والسلام ".
فنهاية تأليف هذا الشرح هي سنة وفاة الشارح رحمه الله، وبين كتابة النسخة التى اعتمدنا عليها في تصحيح الكتاب ووفاة المؤلف تسعة وستون عاما.
والله الموفق والمستعان، وهو وحده الذى يجزى المحسنين(3/334)
قد تم - بعون الله تعالى، وحسن توفيقه - مراجعة الجزء الثالث من كتاب " شرح شافية ابن الحاجب " للعلامة رضى الدين الاسترابادي، وتحقيقه، والتعليق عليه، في ستة أشهر آخرها ليلة الاثنين المبارك الموافق 24 من شهر رمضان
قوله " وإلى وعلى " وذلك لقولهم: إليك، وعليك، وأما حَتَّى فللحمل على إلى والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي العربي وآله الأطياب، وسَلَّم تسليما كثيرا(3/335)
قد اعتمدنا في تصحيح هذا الكتاب - سوى جميع النسخ المطبوعة - على نسخة خطية فرغ ناسخها من كتابتها في شهر صفر الخير من عام سبع وخمسين وسبعمائة، وقد وجد بآخر هذه النسخة ما نصه: " والحمد لله رب العالمين، وصلاته على سيدنا محمد وعترته الطاهرين، وسلم تسليما كثيرا، وفق الله تعالى لاتمام تصنيفه في ربيع الاول سنة ثمان وثمانين وستمائة بالحضرة الشريفة المقدسة الغروية على مشرفها أفضل التحية والسلام ".
فنهاية تأليف هذا الشرح هي سنة وفاة الشارح رحمه الله، وبين كتابة النسخة التى اعتمدنا عليها في تصحيح الكتاب ووفاة المؤلف تسعة وستون عاما.
والله الموفق والمستعان، وهو وحده الذى يجزى المحسنين(3/334)
قد تم - بعون الله تعالى، وحسن توفيقه - مراجعة الجزء الثالث من كتاب " شرح شافية ابن الحاجب " للعلامة رضى الدين الاسترابادي، وتحقيقه، والتعليق عليه، في ستة أشهر آخرها ليلة الاثنين المبارك الموافق 24 من شهر رمضان المبارك عام ثمان وخمسين بعد الثلثمائة والالف من هجرة الرسول الاكرم سيدنا محمد ابن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبه ينتهى هذا الكتاب، وسنلحقه - إن شاء الله تعالى - بشرح شواهده للعلامة عبد القادر البغدادي المتوفى في عام 1093 من الهجرة(3/335)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه الْعَوْنُ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد أفضل المرسلين، وعلى آله وأصحابه الطاهرين، وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين وبعد، فلما فَرَغْتُ بتوفيق الله من شرح شواهد الكافية لنجم الأئمة الشيخ الرَّضي الأستراباذي (1) ، رحمه الله وتجاوز عنه، رأيتُ أن ألحق به شرح أبيات شواهد الشافية له أيضاً، وهي مائة وستة وتسعون بيتاً (2) ، لكونهما ككتاب واحد مَتْناً وشَرْحاً، فكذلك ينبغي أن يكون شرح أبياتهما وأشار إليَّ بعض الأفاضل بأن أضم إليها أبيات شرح المحقق العلامة أحمد ابن الحسن الجاربردي التي انفرد بها، لمسيس الحاجة إليها لكثرة تداولها تدريساً ومراجعة، حتى يعم النفع، وهي اثنان وخمسون بيتاً، فأجبته إلى ذلك وشرعت مسعينا بالله ذي الطَّوْل والإعانة، في يوم الخميس الرابع والعشرين من جمادى الآخرة من سنة تسع وسبعين وألف، أسأل الله إتمامه، والنفع به، آمين
__________
(1) الاستراباذى: نسبة إلى مدينة أستراباذ، وهى بفتح الهمزة وسكون السين بعدها تاء مثناة مفتوحة وآخره ذال معجمة: بلدة كبيرة مشهورة من أعمال طبرستان بين سارية وجرجان
(2) ترك المؤلف بعض الشواهد فلم يتكلم عليها، ولعل عذره في ذلك اختلاف النسخ، وتجد ذلك موضحا تمام التوضيح في حواشينا على شرح الشافية، فقد نبهنا هناك على الابيات التى لم يشرحها، وذكرنا ما سقط منها من بعض نسخ الشرح (*)(4/3)
أبنية الاسم أنشد الجاربردي (ص 19) (من الرجز) 1 - فهو ذا، فَقَدْ رَجَا النَّاسُ الْغِيَرْ * مِنْ أمْرِهِمْ عَلَى يَدَيْكَ وَالثُّؤَرْ (1)
مِنْ آلِ صَعْفُوقٍ وَأتْبَاعٍ أُخَرْ * الطَّامِعِينَ لا يبالون الغمر (2) على أن صَعْفُوقاً على فَعْلُول بالفتح نادر، وهو الذي قَلَّ وجوده وإن كان على القياس، والشاذ: هو الذي على خلاف القياس، وإن كان كثيراً، والضعيف: هو الذي في ثبوته كلام قال الإمام أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقي في كتاب المعربات: صعفوق اسم أعجمي، وقد تكلمت به العرب، يقال: بنو صعفوق خَوَلٌ باليمامة، وقال العجاج: * فهو ذا لقد رجا الناس الغير * إلى آخر الأبيات، وقال يخاطب عمر بن عبيد الله بن معمر " هوذا " أي الأمر هو الذي ذكرته من مدحى لعمر، " والغير ": أي رجوا أن يتغير أمرهم من فساد إلى صلاح بإمارتك ونظرك في أمرهم وَدَفْعَ الخوارج عنهم، والثؤر: جمع ثُؤْرَةٍ، وهو الثأر، أي أمّلوا أن تثأر بمن قتلت الخوارج من المسلمين انتهى، ونقله الجاربردى وعمر بن عبيد الله هذا كان عبد الملك بن مروان وَلاَّه حَرْبَ أبي فُدَيْكٍ الحروري، فأوقع به، وأراد العجاج تحقير أمر الخوارج، فوصفهم بأنهم سوقة
__________
(1) في ديوان العجاج (ص 16) * ها فهو ذا، فقد رجا ... * وفى أصول الكتاب * ... لقد رجا الناس ... * (2) في شرح الجاربردى * الطاعمين ... * وفى أصول كتابنا * الطاعنين ... * وفى ديوان العجاج * من طامعين ... * (*)(4/4)
وعبيد، وأتباع، اجْتمعوا إلى (أبي) فُديك، وليسوا ممن يقاتل على حسب ويرجع إلى دين صحيح ومنصب، والرواية هنا " فهو ذا فقد رجا " بسكون هاء (1) فهو، ومعناه خذا أبا فديك، فهو هذا قد أمكنك، والناس قد رجوا أن يغير الله هذه الحال على يديك، ويثأر لهم من الخوارج، والثؤرة بالهمزة كعُقْدة، وجمعها ثؤر كعُقَد،
بمعنى الثأر أيضاً بالهمز، ويسهل، وَهو الحقد، يقال: ثأرت القتيل، وثأرت به، من باب نفع، إذا قتلت قاتله، وقد جمعهما الشاعر فقال (من الطويل) : طَلَبْتُ بِهِ ثَأْري فَأدْرَكْتُ ثؤرثى * بَني عَامِرٍ هَلْ كُنْتُ فِي ثُؤْرَتِي نِكْسا (2) والنكس - بالكسر -: الضعيف العاجز، والغير - بكسر ففتح - اسم من قولك: غيرت الشئ تغييراً، ويأتي جمع غِيرَةٍ أيضاً، بمعنى الدية، وليس هذا بمراد هنا، يقال: غارنى الرجل يغيرني: أي أعطاني الدية، والاسم الْغِيَرة بالكسر وجمعها غِير، قال هُدْبَةُ بن الْخَشْرَم (من البسيط) : لَنَجْدَعَنَّ بِأَيْدِينَا أُنُوفَكُمُ * بَنِي أمَيَّةَ إنْ لَمْ تَقْبَلُوا الْغِيرَا قال ابن السيد في شرح أدب الكاتب: بنو صَعْفوق كانوا يخدمون السلطان باليمامة، كان معاوية بن أبي سفيان قد صَيَّرَهُمْ بها، وقال الأصمعي: صعفوق قرية باليمامة، كان ينزلها خَوَلُ السلطان، وقال ابن الأعرابي: يقال هو صَعْفَقِي فيهم، والصعافقة: قوم من بقايا الأمم الخالية باليمامة ضلت أنسابهم، وقيل: هم الذين يشهدون الأسواق ولا بضائع لهم فيشترون ويبيعون ويأخذون الأرباح، انتهى *
__________
(1) أي على حذف حرفين من أول البيت، وهو محتمل عند بعض العروضيين، ومجازه عندهم أنه حذف الثاني الساكن، ثم خرم بحذف الحرف الاول، ومنع ذلك الخليل (2) في اللسان (مادة ث أر) * شفيت به نفسي ... بنى مالك ... * وفيه أيضا * قتلت به ثأري ... * على أن الثأر هو الرجل المطلوب بدم حميمك (*)(4/5)
وفي العباب قال الليث: الصعافقة خَوَلٌ لبني مروان أنزلهم اليمامة (1) ، ومروان بن أبي حَفْصَةَ منهم، ولا يجئ في الكلام فَعْلُول إلا صعفوق، والصعافقة قوم يشهدون السوق للتجارة وليس لهم رءوس أموال، فإذا اشترى التجار شيئاً دخلوا معهم،
الواحد منهم صَعْفَقِي وصَعْفَق، وجمعهم صعافقة وصعافيق.
قال: والصَّعْفوق: اللئيم من الرجال، وهم الصعافقة، كان آباؤهم عبيداً فاستعربوا، قال العجاج: * من الصَّعَافيق وأتباع أخر * (و) قال أعرابي: ما هؤلاء الصعافقة حَوْلَكَ؟ ويقال: هم بالحجاز مسكنهم، وهم رُذَالَةُ الناس، انتهى ما قاله الليث، وقال غيره: صَعْفُوق: قرية باليمامة قد شُقَّ فيها قناة يجرى منا نهر كبير، وبعضهم يقول صعفوق بالهاء، وصعفوق لا ينصرف للعجمة والمعرفة ووزنه نادر، انتهى كلام العباب.
واعلم أن العرب إذا عربت كلمة أعجمية لا تلتزم إلحاقها بأوزانهم، بل قد تلحقها وهو الأكثر، وقد تتركها على حالها فلا تلحقها، قال سيبويه في الاسم المعرب من العجم وهم ما عدا العرب: ربما ألحقوه بأبنية كلامهم، وربما لم يلحقوه، وذكر مما ألحق بأبنيتهم قولهم درهم بهرج، وما لم يلحق نحو آجُرّ وفِرند وإبريسم، وتحقيقه أن تلك الكلمة المعربة لا تخلو من أن تكون مغيرة بنوع تصرف من تبديل وتغيير حركة، أولا تكون مغيرة أصلاً، وعلى كل من التقديرين لا تخلو من أن تكون ملحقة بأبنيتهم، أولا، فالأقسام أربعة: أحدها ما لم تتغير ولم تكن ملحقة كخراسان، وثانيها ما لم تتغير ولكن كانت ملحقة كَخُرَّم، وثالثها ما تغيرت ولكن لم تكن ملحقة بها كآجُرٍّ، ورابعها ما تغيرت وكانت ملحقة بها كدِرْهَم وَصَعْفوق من القسم الثالث، وليست بكلمة فارسية إذ الصاد والقاف مهجوران في لغة الفرس، إلا إن كانا في كلمة دخيلة في لغتهم.
وفي قوله " من آل صعفوق " إشكال من جهة إضافة " آل " فإنهم قالوا:
__________
(1) سبق قريبا عن ابن السيد أن الذى أنزلهم اليمامة معاوية (*)(4/6)
إنها لا تضاف إلا لمن له شرف وخطر، وصعفوق قد عرفت حاله، ولا يرد هذا عَلَى
الرواية الأخرى، وهي * من الصعافيق وأتباع أخر * وأبو فُدَيْك المذكور بضم الفاء وفتح الدال، وهو أبو فديك عبد الله بن ثور من بني قيس بن ثعلبة الخارجي، كان أولاً من أتباع نافع بن الأزرق رئيس الخوارج، ثم صار أميراً عليهم في مدة ابن الزبير، وكان الخوارج متغلبين عَلَى البحرين وما والاها، فلما كانت سنة اثنتين وسبعين من الهجرة بعث خالد بن عبد الله أمير البصرة أخاه أمية بن عبد الله في جند كثيف على أبي فديك إلى البحرين، فهزمه أبو فديك، فكتب إلى عبد الملك بن مروان بذلك، فأمر عبد الملك عمر بن عبيد الله ابن معمر أن يندب الناس مع أهل الكوفة والبصرة ويسير إلى قتاله، فانتدب معه عشرةُ آلاف، وسار بهم حتى انتهوا إلى البحرين، فالتقوا، واصطفوا للقتال، فحمل أبو فديك وأصحابه حَمْلة رجل واحد فكشفوا الميسرة، ثم رجع أهل الميسرة وقاتلوا واشتد قتالهم حتى دخلوا عسكر الخوارج، وحمل أهل الميمنة حتى استباحوا عسكر الخوارج، وقتلوا أبا فديك وستة آلاف من أصحابه، وأسروا ثمانمائة، وذلك في سنة ثلاث وسبعين من الهجرة، كذا في تاريخ النويري والعجاج: شاعر راجز إسلامي قد ترجمناه في الشاهد الواحد والعشرين من شواهد شرح الكافية وأنشد الشارح، وهو الشاهد الثاني، للحماسي (من البسيط) (1) : 2 - نَحْوَ الأُمَيْلِحِ مِنْ سَمْنَان مُبْتَكِراً * بِفِتْيَةٍ فيهِم الْمَرَّارُ وَالحَكَمُ على أنه لا دليل في منع صرف سَمْنَان فيه على كونه فَعْلاَن، لجواز كونه فعلالاً، وامتناع صرفه لكونه علم أرض، وفيه رد على الجار بردى في زعمه أن
__________
(1) في نسخة: وأنشد الشارح وهو للحماسي الشاهد الثاني.
(*)(4/7)
منع الصرف للتعريف والزيادة، وإنما يدل على كونه فعلان ما سيجئ من أن التضعيف في الرباعي والخماسي لا يكون إلا زائداً، إلا أن يُفْصَل أحد المثلين بحرف أصلى كزلزال.
والحماسي: منسوب إلى كتاب الحماسة، وهو مجموعة أشعار من شعر الجاهلية والإسلام انتقاها واختارها أبو تمَّام حبيب بن أوس الطائي الشاعر المشهور، وقد وقع الإجماع من النقاد على أنه لم يتفق في اختيار المقطعات أنْقَى (1) مما جمعه أبو تمام في كتاب الحماسة، وَلا في اختيار المقصدات أو في مما دوَّنه المفضل في المفضليات، وقد رتب أبو تمام ما اختاره على ثمانية أبواب: أولها باب الحماسة، وآخرها باب الملح، وقد اشتهر تسميته بالجزء الأول منه، والحماسة: الشجاعة، وقد جرت عادة المصنفين إذا استشهدوا بشئ مما فيه أن يقولوا قال الحماسي، ونحوه، والمراد الشاعر المذكور في كتاب الحماسة، تنويهاً برفعة ما فيه من الأشعار، فإن جميع ما فيه مما يصح به الاستشهاد، ولأنه قد يتعذر أولا يحضر معرفة قائله فينسب إليه.
والبيت المذكور من قصيدة طويلة في الحماسة لزياد بن منقذ العدوي (2) التميمي، ولم يقل غير هذه القصيدة، ولم يقل أحد مثلها في جودة جميع أبياتها، وكان قد نزل بصنعاء (اليمن) فاجتواها ولم توافقه فَذَمَّها في هذه القصيدة، ومدح بلاده وأهله، وذكر اشتياقهُ إلى قومه وأهله وإلى وطنه ببطن الرُّمَّةِ (3) وهو واد بنجد، وقبل البيت:
__________
(1) في نسخة " أبقى " ولها وجه (2) في شرح الحماسة (ج 3 ص 180) أنه زياد بن حمل بن سعد بن عميرة بن حريث، ويقال زياد بن منقذ (3) الرمة: بضم الراء، والميم مفتوحة مشددة أو مخففة، وهو قاع عظيم
بنجد تنصب فيه أودية، قاله في القاموس (*)(4/8)
ياليت شعرى متى أغدوا تُعَارِضُنِي * جَرْدَاءُ سابِحَةٌ أوْ سَابِحٌ قُدُمُ (1) تمنى أن يكون في بلاده راكباً ذاهباً إلى الأُمَيْلح مع أخويه وأصحابه، وَالْجَرْدَاءُ: الفرس القصيرة الشعر، وقصر الشعر في الخيل محمود، لأنه إنما يكون في كرائمها، والفرس السابحة: اللينة الْجَري لا تتعب راكبها كأنها تسبح في سيرها وجريها، وَالْقُدُم - بضمتي القاف والدال - بمعنى المتقدم يوصف به المذكر والمؤنث.
ومعارضة الخيل: أن تخرج عن جادّة الطريق فتذهب في عرضها لنشاطها، وقوله " نَحْوَ الأُمَيْلِح إلخ " نحو بمعنى جهة وجانب، وهو ظرف متعلق بأغدو، والأميلح على وزن مصغر الأملَح.
قال ياقوت في معجم البلدان وتبعه الصاغاني في العباب: هو ماء لبني ربيعة الجوع (2) ، وأنشد هذين البيتين لزياد بن منقذ المذكور، وقالا: (و) المرَّار والحكم أخواه (3) وَسَمْنان من ديار الشاعر بنجد، وقال الشراح: هو ماء لبني ربيعة، وليس كما قالوا، بل الماء هو الأُمَيْلِح، وفي القاموس: سَمْنَان بالفتح موضع، وبالكسر بلد، وبالضم حبل، وليست هذه الكلمة في الصحاح، وقال أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم: سَمْنَان كَسَكْران مدينة بين الري ونيسابور، وسُمْنان بالضم جبل في ديار بني أسد، وقال أبو حاتم: في ديار بني تميم، انتهى.
وهذا الضبط مخالف لشراح الحماسة فإنهم ضبطوه بالفتح كما هنا، ومُبْتكراً: حال من فاعل أغدو: أي ذاهباً في بُكرة النهار، وهي أوله، وصلته محذوفة: أي نحو
__________
(1) في الحماسة * بل ليت شعرى ... * ومثله في معجم البلدان لياقوت (مادة أميلح) ، وفيهما * نحو الاميلح أو سمنان * (2) ربيعة الجوع بالاضافة: من تميم، وفى تميم ربيعتان: إحداهما هذه وهى الكبرى، وأبوها ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، والثانية ربيعة الصغرى (ويقال
الوسطى) .
وأبوها ربيعة بن حنظلة بن مالك (3) في شرح الحماسة عن الاصمعي أن المرار أخو الشاعر والحكم ابن عمه (*)(4/9)
الأميلح، ويجوز أن يكون من " ابتكرت إلى الشئ " أي أسرعت إليه، كما يقال: بكَّرْت إليه تبكيراً، وبَكَرْت إليه بُكوراً، من باب قعد، والباء في قوله " بفتية " بمعنى (مع) متعلقة بمتبكرا.
والفتية: جمع فتيّ، على وزن غَنِيٍّ، وهو الشاب القوي، كصبية جمع صبيّ وعِلْيه جمع علي، ويجوز أن يكون جمع فَتىً كعصاً، وهو الشاب، والمَرَّار بفتح الميم وتشديد الراء، والْحَكَمُ بفتحتين.
و" من سمنان " حال من الأميلح، وقد نسب جماعة هذه القصيدة إلى المرَّار، وهذا البيت يَرُدُّ عليهم، وبطن الرمة قال أبو العلاء المعري: يُروى بتشديد الميم وتخفيفها، وهو واد بنجد، وقال ياقوت: الرمة بالتخفيف ذكره أبو منصور في باب ورم وخففه ولم يذكر التشديد، وقال: بطن الرمة واد معروف بعالية نجد وقال السكوني: هو منزل لاهل البصرة إذا أرداوا المدينة، بها يجتمع أهل الكوفة والبصرة، وقد أطال عليه وأطاب وزياد بن منقذ شاعر إسلامي من معاصري الفرزدق وجرير، وقد ترجمناه مع أخيه المرار، وشرحنا أبياتاً من هذه القصيدة في الشاهد التاسع والسبعين بعد الثلاثمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث (من الطويل) : 3 - جرئ مَتَى يُظْلَمْ يُعَاقِبْ بِظُلْمِهِ * سَرِيعاً، وَإِنْ لاَ يُبْد بِالظُّلْمِ يَظْلِمِ على أن " يُبْدَ " أصله يبدأ بالهمز، فقلبت الهمزة ألفاً لانفتاح ما قبلها، ثم حذفت للجازم، وهو إن، قال أبو جعفر النحوي في شرح معلقة زهير بن أبي سُلْمَى
ونقله الخطيب التبريزي في شرحه: قوله " وإن لايبد بالظلم " الأصل فيه الهمزة، من بدأ يبدأ، إلا أنه لما اضطر أبدل من الهمزة ألفاً، ثم حذفت (1) الالف للجزم
__________
(1) في شرح القصائد العشر للتبريزي (ص 118) الذى نقل المؤلف عنه " ثم حذف الالف " (*)(4/10)
وهذا من أقبح الضرورات، وحكى (عن) سيبويه أن أبا زيد قال له: من العرب من يقول قرَيتُ في قرأتُ، فقال سيبويه: فكيف أقول في المستقبل؟ قال: تقول اقرأ، فقال سيبويه: كان يجب أن تقول أقْرِي، حتى يكون مثل رميت أرمي، وإنما أنكر سيبويه هذا لأنه إنما يجئ فَعَلْت أفْعَلُ إذا كانت لام الفعل أو عينه من حروف الحلق، ولا يكاد يكون هذا في الألف، إلا أنهم قد حكوا أبي يأبى، فجاء على فَعَلَ يَفعَل، قال أبو إسحق (قال إسماعيل بن إسحاق) (1) إنما جاء هذا في الألف لمضارعتها حروف الحلق، فشبهت بالهمزة، يعني فشبهت بقولهم قرأ يقرأ انتهى و " جرئ " بالجر صفة لأسد في بيت (2) قبله، المراد به حُصَيْن بن ضَمْضم، ويجوز رفعه ونصبه على القطع، و " يُظْلَمْ " و " يُبْدَ " كلاهما بالبناء للمفعول، و " يعاقب " و " يظلم " كلاهما بالبناء للفاعل، والجرئ، ذو الجراءة والشجاعة، يقول: هو شجاع متى ظُلم عاقب الظالم بظلمه سريعاً، وإن لم يظلمه أحد ظلم الناس إظهاراً لعزة نفسه وجراءته، وسريعاً حال أو صفة مصدر: أي يعاقب عقاباً سريعاً وهذا البيت من معلقة زهير المذكور، وقد شرح ما قبله وما بعده وسبب نظمها في الشاهد السادس والخمسين بعد المائة، وفي الشاهد الثاني بعد الخمسمائة وزهير شاعر جاهلي، تقدمت ترجمته في الشاهد الثامن (والثلاثين بعد المائة) من شرح شواهد شرح الكافية
__________
(1) سقطت هذه العبارة من أصول الكتاب عامة، وهى ثابتة في شرح القصائد العشر للتبريزي، وفى شرح أبى جعفر " قال أبو إسحاق قال إسماعيل بن إسحاق قاضى بغداد " (2) هذا البيت هو قوله: - لدى أسد شاكى السلاح مقذف * له لبد أظفاره لم تقلم (*)(4/11)
وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع من (الطويل) 4 - رَأَيْتُ الْولِيدَ بْنَ اليزيد مباركا * شديدا بأعباء الخلافة كَاهِلُهْ على أن دخول اللام في الدُّئل علماً منقولاً من فعل مبني للمفعول، كدخولها على يزيد من قوله " الوليد بن اليزيد " وقد تكلم الشارح المحقق على لام اليزيد في باب المنادى وفي باب العلم من شرح الكافية والبيت من قصيدة لابن مَيَّادة مدح بها الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان الأموي وترجمة ابن ميادة تقدمت في الشاهد التاسع عشر من أوائل شرح أبيات شرح الكافية وأعباء: جمع عبء كالحمل وزناً ومعنى، والكاهل: ما بين الكتفين وتقدم شرحه مفصلاً في الشاهد التاسع عشر من شرح الكافية وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس (من المنسرح) : 5 - جاءوا بجيش لو قيس معرسه * ما كَانَ إلاَّ كَمُعْرَسِ الدّئِلِ على أن الدُّئل فيه اسم جنس لدويبه شبيهة بابن عُرْس، قال الصاغاني في العباب:
دَأَل يَدْألُ دَأْلاً وَدَأَلاَناً ودَأَلَى: أي ختل، قال: * وأنا أمشي الدألى حوالكا (1) *
__________
(1) هذا بيت من الرجز ذكر في اللسان أن سيبويه أنشده فيما تضعه العرب على ألسنة البهائم لضب يخاطب ابنه، وقبل هذا البيت: - * أهدموا بيتك لا أبالكا * (*)(4/12)
وقال أبو زيد: هي مشية شبيهة بالختل ومشي المثقل.
وذكر الأصمعي في صفة مشي الخيل الدأَلاَن مشي يقارب فيه الخطو ويُبْطَأ (1) فيه كأنه مثقل، والدئل: دويبة شبيهةٌ بابن عرس، قال كعب بن مالك الأنصاري رضي الله تعالى عنه في جيش أبي سفيان الذين وردوا المدينة في غزوة السويق وأحرقوا النخيل ثم انصرفوا (من المنسرح) : جاءوا بجيش لوفيس معرسه * ما كان إلا كمعرس الدئل عار مِنَ النَّسْلِ والثَّرَاءِ وَمِنْ * أَبْطَالِ أَهْلِ الْبَطْحَاءِ والأسَلِ قال ثعلب: لا نعلم اسماً جاء على فُعِل غير هذا، قال الأخفش: وإلى المسمى بهذا الاسم نسب أبو الأسود الدؤلي إلا أنهم فتحوا الهمزة في النسبة استثقالا لتوالي كسرتين مع ياءي النسب، كما ينسب إلى نَمِرٍ نَمَرِيّ، وربما قالوا أبو الأسود الدُّولي، بلا همز، قلبوا الهمزة واواً لأن الهمزة إذا انفتحت وكانت قبلها ضمة فتخفيفها أن تقلبها واواً محضة، كما قالوا في مؤن مون، انتهى.
وإنما قيل لها غزوة السويق لان أبا سفيان قبل إسلامه رضى الله عنه لما غزا المدينة في مائتي راكب بعد غزوة بدر فحرق بعض نخل المدينة وقتل قوما من الانصار خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ موضعا يقال له قرقوة الكدر فقر أبو سفيان، وجعل أصحابه يلقون مزاود السويق يتخففون للفرار، فسميت
غزوة السويق وقوله " لو قيس معرسه " هو من القياس والتخمين، والمعرس - بضم الميم وفتح الراء - مكان النزول من آخر الليل، والاشهر فيه معرس - بتشديد الراء
__________
(1) كذا في أصول الكتاب، والذى في الصحاح واللسان عن الاصمعي " ويبغى فيه " وباقى العبارة كما هنا بنصها، وفى عبارة ابن برى تفسير ذلك حيث قال: " والدألان بالدال مشى الذى كأنه يسعى في مشيه من النشاط " اه (*)(4/13)
المفتوحة - يقال: عرس تعريسا، إذا نزل آخر الليل، وصف جيش أبى سفيان بالقلة والحقارة، يقول: لو قدر مكانهم عند تعريسهم كان كمكان هذه الدابة عند تعريسها.
والنسل: الولد، والثراء: الكثرة، وأهل البطحاء: قريش، وهم الذين ينزلون الشعب بين جبلى مكة، وهم قريش البطاح، وقريش الظواهر: الذين ينزلون خارج الشعب، وقريش البطاح أكرم من قريش الظواهر، والاسل: الرماح وكان أبو سفيان نذر بعد بدر أن لا يمس رأسه ماء حتى يغزو محمدا صلى الله عليه وسلم، قال صاحب الاغانى: قال أبو سفيان وهو يتجهز من مكة المكرمة خارجا إلى المدينة المنورة أبياتا من شعر يحرض فيها قريشا (من المنسرح) : كروا عى يثرب وجمعهم * فان ما جمعوا لكم نفل إن يك يوم القليب كان لهم * فان ما بعده لكم دول آليت لا أقرب النساء ولا * يمس رأسي وجلدي الغسل حتي تبيروا قبائل الاوس * والخزرج إن الفؤاد مشتعل فأجابه كعب بن مالك رضى الله عنه (من المنسرح) : يا لهف أم المستمحين على * جيش بن حرب بالحرة الفشل
جاءوا بجيش لو قيس معرسه * ما كان إلا كمعرس الدئل عار من النصر والثراء ومن * أبطال أهل النكاء والاسل والنكاء: بمعنى النكاية وكعب بن مالك الانصاري شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدمت ترجمته في الشاهد السادس والستين من شواهد (شرح) الكافية.
وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس (من الطويل) : 6 - وحب بها مقتولة حين يقتل(4/14)
على أن فَعُل الذي فيه معنى التعجب يقال (فيه) فعل كما هنا، فان حب بضم الحاء أصلها حبب بفتح العين حول فتح عينه إلى الضم للمدح والتعجب، فصار حبب، ثم نقلنا ضمة العين إلى الفاء بعد حذف حركتها فصار حب، بضم الحاء، ويجوز حذف ضمة العين دون نقلها فيصير حب بفتح الحاء، والباء في " بها " زائدة، والضمير فاعل حب، وهو راجع إلى الخمر، و " مقتولة " حال منه، والقتل: مزج الخمر بالماء حتى تذهب حدتها، فكأنها قتلت بالماء، وهذا عجز، وصدره: * فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها * وهو من أبيات في وصف الخمر من قصيدة للاخطل النصراني، وتقدم الكلام عليها مفصلا في الشاهد الواحد والسبعين بعد السبعمائة من شواهد (شرح) الكافية.
وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع، وهو من شواهد سيبويه (من الرجز) 7 - لو عصر منها المسك والبان انعصر على أنه سكن عين الفعل في الفعل المبنى للمجهول كراهة لتوالى الثقيلين في
الثلاثي الخفيف، وكذا قول القطامى (من الوافر) ألم يخز التفرق جند كسرى * ونفخوا من مدائنهم فطاروا قال سيبويه في باب ما يسكن تخفيفا وهو في الاصل عندهم متحرك: وذلك قولهم في فخذ فخذ، وفى كبد كبد، وفى عضد عضد، وفى كرم كرم، وفى علم علم، وهى لغة بنى بكر بن وائل وأناس كثير من بنى تميم، وقالوا في مثل: لَمْ يُحْرَمْ مَنْ فُصْدَ له، وقال أبو النجم: * لو عصر منها المسك والبان انعصر * يريد عصر(4/15)
وإنما حملهم على هذا أنهم كرهوا أن يرفعوا ألسنتهم عن المفتوح إلى المكسور والمفتوح أخف عليهم فكرهوا أن ينتقلوا من الاخف إلى الاثقل، وكرهوا في في عصر الكسرة بعد الضمة كما يكرهون الواو مع الياء في مواضع، ومع هذا إنه بناء ليس من كلامهم إلا في الموضع من الفعل، فكرهوا أن يحولوا ألسنتهم إلى الاستثقال، انتهى كلامه وقال الاعلم في شرح شواهده: الشاهد في تسكين الثاني من عصر طلبا للاستخفاف، وهى لغة فاشية في تغلب بن وائل، وأبو النجم من عجل، وهم من بكر بن وائل، واستعمل لغتهم، ووصف شعرا يتعهد بالبان والمسك ويكثر فيه منهما حتى لو عصرا منه لسالا، انتهى وبهذا يعلم أن في نسبة هذه التفريعات إلى تميم تقصيرا من الشارح المحقق، رحمه الله وقوله " إن أبا النجم تميمي " لا أصل له، فانه من بكر بن وائل، فان أبا النجم شاعر إسلامى، واسمه الفصل بن قدامة بن عبيد الله بن عبد الله بن الحارث بن
عبدة بن الياس بن العوف بن ربيعة بن عجل بن لجيم بن صعب بن على بن بكر ابن وائل، وقد ترجمناه في الشاهد السابع من شواهد شرح الكافية، وهذا البيت من رجز له يصف فيه امرأة بكثرة الطيب، وقبله: كأنما في نشرها إذا نشر * فغمة روضات تردين الزهر هيجها نضح من الطل سحر * وهزت الريح الندى حتى قطر لو عصر منها البان والمسك انعصر النشر: الرائحة الطيبة، " ونشر " بمعنى أنتشر، والفغمة بفتح الفاء وسكون الغين المعجمة بعدها ميم: الرائحة التى تملا الانوف، ولا تكون إلا من الطيب، يقال منه: فغمتني رائحة الطيب، إذا سدت خياشيمك، شبه رائحة المرأة الطيبة برائحة(4/16)
الروضات، وجملة " تردين الزهر " صفة لروضات: أي لبسن النور كالرداء، وعنده يكون كمال طيب الروضات، والروضة: الموضع المعجب بالزهور، قيل: سميت بذلك لاستراضة المياه السائلة إليها: أي لسكونها بها، والزهر بفتح الهاء وسكونها: النور، قالوا: ولا يسمى النور زهرا حتى يستقيم ويتفتح، وقال ابن قتيبة: حتى يصفر، وقبل التفتح هو برعوم، وأزهر النبت: أخرج زهره، و " هيجها " الضمير للروضات بتقدير مضاف: أي هيج رائحتها، يقال: هاج الشئ يهيج هياجا بالكسر وهيجان: ثار، وهجته، يتعدى ولا يتعدى، وهيجته بالتشديد مبالغة، وهذا من تمام وصف الروضات، فانه يزداد طيبها بما ذكره، و " نضح " فاعل هيجها، والنضح بالحاء المهملة: الرش، والطل: المطر الضعيف، وسحر: منصوب على الظرفية، وسكن على لغة ربيعة، وهزت: حركت، وقوله " لو عصر منها " الضمير للمرأة التى تغزل فيها، وقال الجواليقي في شرح أدب الكاتب: قيل: بل الضمير في منها يعود إلى الروضة، أي المسك ينعصر من
الروضة، هذا ما نقله، وهو بعيد، وروى " لو عصر منه " بتذكير الضمير، كما رواه سيبويه، فالضمير راجع إلى الفرع المذكور قبل في قوله: بيضاء لا يشبع منها من نظر * خود يغطى الفرع منها المؤتزر والخود بفتح الخاء المعجمة: الجارية الناعمة، والجمع خود بالضم، والفرع بفتح الفاء وآخره عين مهملة: شعر الرأس بتمامه، والمؤتزر: محل الازار، وهو الكفل حيث يعقد الازار، وقوله " البان " نائب الفاعل لعصر على تقدير مضاف: أي دهن البان، وقوله " والمسك " الواو بمعنى أو، ولهذا قال " انعصر " بالافراد، ولم يقل انعصرا، بضمير التثنية، ورواه ابن جنى في المنصف وهو شرح تصريف المازنى: * لو عصر البان يوما لا نعصر * وعلى هذا الرواية لا إشكال فيه، والمسك: معروف، معرب مشك بالفارسية، بضم الميم وسكون الشين المعجمة، وانعصر: سال وجرى بالانعصار(4/17)
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثامن (من الطويل) 8 - وَمَا كُلُّ مُبْتَاعٍ وَلَوْ سَلفَ صَفْقُهُ * بِرَاجِعِ مَا قَدْ فَاتَهُ برداد على أن أصله سلف بفتح اللام، وتسكين العين المفتوحة شاذ ضرورة، قال سيبويه في ذلك الباب: وأما ما توالت فيه الفتحتان فإنهم لا يسكنون منه، لان الفتح أخف عليهم من الضم والكسر، كما أن الالف أخف من الواو والياء، وذلك نحو جمل وحمل ونحو ذلك، انتهى وقد أورده ابن عصفور في كتاب الضرائر، فقال: فأما نقص الحركة فمنه حذفهم الفتحة من عين فعل مبالغة في التخفيف، نحو قول الراجز (من الرجز) على محالات عكسن عكسا * إذا تسداها طلايا غلسا
يريد غلسا، وقول الاخر (من الطويل) * وما كل مغبون ولو سلف صفقه * يريد سلف، وقول الاخر (من الطويل) وقالوا ترابى فقلت صدقتم * أبى من تراب خلقه الله آدم يريد خلقه الله، وقول أبى خراش (من الطويل) ولحم امرئ لم تطعم الطير مثله * عشية أمسى لا يبين من البكم يريد من البكم، انتهى وقد تكلف له ابن جني في شرح تصريف المازنى فقال: هذا من الشاذ عند أصحابنا، ويحتمل عندي وجها (آخر) (1) وهو أن يكون مخففا من فعل مكسور العين، ولكنه فعل غير مستعمل، إلا أنه في تقدير الاستعمال وإن لم ينطق به، كما أن قولهم تفرقوا عباديد وشماطيط كأنهم قد نطقوا فيه بالواحد من (هذين) (2) الجمعين
__________
(1، 2) الزيادة من شرح تصريف المازني لابن جني الذى نقل عنه المؤلف (ورقه رقم 20 من نسخة خطية) (*)(4/18)
وإن لم يكن مستعملا في اللفظ، وكأنهم استغنوا بسلف هذا المفتوح عن ذلك المكسور أن ينطقوا به غير مسكن، وإذا كانوا قد جاءوا بجموع لم ينطقوا لها بآحاد مع أن الجمع لا يكون إلا عن واحد، فأن يستغنى (بفعل) عن فعل من لفظه ومعناه وليس بينهما إلا فتحة عين هذا وكسرة عين ذلك أجدر، وأرى أنهم استغنوا بالمفتوح عن المكسور لخفة الفتحة، فهذا ما يحتمله القياس، وهو أحسن من أن تحمل الكلمة على الشذوذ ما وجدت لها ضربا من القياس (1) فإن قلت: فإنا لم نسمعهم يقولون يسلف بفتح اللام فما تنكر أن يكون هذا يدل على أنهم لا يريدون سلف على وجه، إذ لو كان مرادا عندهم لقالوا في مضارعه
يسلف، كما أن من يقول قد علم فيسكن عين الفعل لا يقول في مضارعه إلا يعلم فالجواب أنهم (لما) لم ينطقوا بالمكسور على وجه واستغنوا عنه بالمفتوح صار عندهم كالمرفوض الذى لا أصل له، وأجمعوا على مضارع المفتوح (2) ، هذا كلامه والبيت من قصيدة للاخطل النصراني، وعدتها ستة عشر بيتا، وهذا أولها، ويليه: أتغضب قيس أن هجوت ابن مسمع * وما قطعوا بالعز باطن وادى وكنا إذا احمر القنا عند معرك * نرى الارض أحلى من ظهور جياد كما ازدحمت شرف نهال لمورد * أبت لا تناهي دونه لذياد وقد ناشدته طلة الشيخ بعدما * مضت حقبة لا ينثنى لنشاد
__________
(1) الذى في شرح تصريف المازني لابن جنى: " وهو أحسن من أن تحمل الكلمة على الشذوذ مرة ما قد وجدت له ضربا من القياس " ولعل ما في الاصل كتابنا أحسن (2) في الاصول التى بأيدينا " وأجمعوا على المضارع المفتوح " وهو خطا والصواب ما أثبتناه نقلا عن شرح تصريف المازنى وذلك لانهم إنما قالوا يسلف كيضرب وهذا مضارع الماضي المفتوح العين، وليس هو المضارع المفتوح (*)(4/19)
رأت بارقات بالاكف كأنها * مصابيح سرج أوقدت بمداد وطلته تبكى وتضرب نحرها * وتحسب أن الموت كل عتاد وما كل مغبون ولو سلف صفقه البيت وقوله " أتغضب قيس " الخ ابن مسمع - بكسر الميم الاولى وفتح الثانية، هو مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب أحد بنى قيس بن ثعلبة، وقوله " وما قطعوا " وصفهم بالذل، والواو ضمير قيس باعتبار الحى والقبيلة، وقوله
" وكنا إذا احمر القنا " أي بدم القتلى، وصف قومه بزيادة الشجاعة في أنهم يرغبون في المجالدة بالسيوف وهم مشاة أكثر من التطاعن بالقنا على ظهور الخيل، وقوله " كما ازدحمت شرف - الخ " يقول: نحن نقع على الموت ونزدحم عليه كما تزدحم الابل العطاش على مورد ولا تنتهى عنه بطرد، والشرف بالضم: جمع شارف، وهى الناقة المسنة، والنهال: جمع ناهلة اسم فاعل من النهل بفتحتين، وهو العطش، ويأتى بمعنى الرى أيضا، وليس بمراد هنا، وذياد: مصدر ذاد الراعى إبله عن الماء يذودها ذودا وذيادا، إذا منعها، وقوله " وقد ناشدته - الخ " أي تسأله وتقسم عليه، والطلة بفتح الطاء المهملة: الزوجة، والحقبة بكسر الحاء المهملة: المدة، ولا ينثنى: لا ينزجر، ونشاد: مصدر ناشده مناشدة ونشادا، وقوله " رأت بارقات " أي رأت سيوفا لامعة كالسرج التى أمدت بمداد من الدهن، وقوله " وطلته تبكى " أي زوجته تبكى عليه، والنحر: الصدر، وهو في الاصل موضع القلادة من الصدر، وقوله " وتحسب أن الموت - الخ " قال جامع ديوانه السكرى: يقول: تحسب أن الموت بكل فج وطريق، وكل ما هيأته لشئ وأعددته فهو عتاد بالفتح، وقوله " وما كل مبتاع - الخ " المبتاع: المشترى، ورواية السكرى وابن قتيبة في في أدب الكاتب " وما كل مغبون " من غبنه في البيع والشراء غبنا -(4/20)
من باب ضرب - مثل غلبه، فانغبن، وغبنه: أي نقصه، وغبن بالبناء للمفعول فهو مغبون: أي منقوص في الثمن أو غيره، كذا في المصباح، وسلف بمعنى مضى ووجب، والهاء في " صفقه " ضمير المبتاع والمغبون، قال السكرى: وصفقه إيجابه البيع، والصفق: مصدر صفق البائع صفقا، إذا ضرب بيده على (يد) صاحبه عند المبايعة بينهما، وقوله " براجع ما قد فاته " رواه السكرى بالباء
فتكون زائدة في خبر ما النافية، وراجع اسم فاعل مضاف إلى " ما " الواقعة على المبيع أو الثمن، ورواه غيره " يراجع " بالمثناة التحتية على أنه مضارع من الرجوع (1) ، وما مفعوله، وفاعله ضمير المغبون أو المبتاع، وقوله " برداد " الباء للسببية متعلقة براجع أو بيراجع، والرداد بكسر الراء مصدر راد البائع صاحبه مرادة وردادا، إذا فاسخه البيع قال ابن السيد في شرح أدب الكاتب: ذكر ابن قتيبة أن هذا البيت للاخطل، ولم أجده في ديوان شعره الذى رواه أبو على البغدادي، ولعله قد وقع في رواية أخرى، انتهى والاخطل شاعر نصراني من بنى تغلب، كان معاصرا للفرزدق وجرير، وقد ترجمناه في الشاهد الثاني والسبعين من أوائل شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع (من الرجز) 9 - فَبَاتَ مُنْتَصْباً وَمَا تكردسا * إذا أحس نبأة توجسا على أن أصله منتصبا بكسر الصاد فسكنت، وكذا قولهم " أراك منتفخا " أصله منتفخا بكسر الفاء، وهو اسم فاعل من انتصب بمعنى قام ووقف، وأورده الشارح المحقق في باب الابتداء أيضا، وكذا أورده أبو على في كتاب نقض الهاذور، وابن جنى في كتاب الخصائص، قال: ومما أجرى
__________
(1) الصواب " من المراجعة " (*)(4/21)
فيه بعض الحروف مجرى جميعه قوله: - * فبات منتصبا وما تكردسا * فأجرى منتصبا مجرى فخذ فأسكن ثانيه، وعليه حكاية الكتاب أراك منتفخا انتهى
وتكردس: بمعنى انقبض واجتمع بعضه إلى بعض، يريد ما سقط أعلاه إلى أسفله لانه متوجس خائف لا ينام والبيت من رجز للعجاج (1) في وصف ثور وحشى، ورواه الصاغانى في العباب: فبات منتصا، بتشديد الصاد، على أنه من المنصة: أي مرتفعا، قال في مادته: وانتصت العروس على المنصة لترى من بين النساء: أي ارتفعت، عن الليث (2) ، وأنشد هذا البيت، وأورده في باب كردس أيضا، قال: التكردس: الانقباض واجتماع بعضه إلى بعض، قال العجاج يصف ثورا: - * فبات منتصا وما تكردسا * والعجاج راجز إسلامى في الدولة الاموية، وقد ترجمناه في الشاهد الواحد والعشرين من أوائل (شرح) أبيات شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد العاشر، وهو من شواهد سيبويه (من الطويل) 10 - * وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوَانِ * على أن أصله " لم يلده " بكسر اللام، فسكنت وفتحت الدال، قال (3) سيبويه: ومما أشبه الاول فيما ليس على ثلاثة أحرف قولهم: أراك متنفخا،
__________
(1) هو في الديوان ص 32 - ورواه * فبات منتصا ... * كما ذكر المؤلف عن الصاغانى (2) في نسخة عن اللبس (3) أنظر كتاب سيبويه (1: 340 و 2: 258) (*)(4/22)
تسكن الفاء، تريد منتفخا، فما بعد النون بمنزلة كبد، ومن ذلك قولهم انطلق فيفتحون (1) القاف لئلا يلتقى ساكنان، كما فعلوه ذلك بأين وأشباهها، حدثنا بذلك الخليل عن العرب، وأنشد (نا) بيتا وهو لرجل من أزد السراة عَجِبْتُ لِمَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ ابٌ * وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوَانِ
وسمعناه من العرب كما أنشده الخليل، ففتحوا الدال كيلا يلتقى ساكنان، وحيث أسكنوا موضع العين حركوا الدال، انتهى قال الاعلم (2) : أراد يلده فسكن اللام المكسورة تخفيفا كقولهم في علم علم فسكنت لامه قبل ساكن الجزم، وتحركت الدال لالتقاء الساكنين بحركة أقرب المتحركات إليها، وهى الفتحة، إذ الياء مفتوحة، وحمل الدال عليها غير معتد باللام (3) الساكنة، لانها حاجز غير حصين وقوله " عجبت لمولود - الخ " أراد بالمولود عيسى بن مريم عليهما السلام، وأراد بذى ولذ آدم عليه السلام، وبعده: وذى شامة سوداء في حر وجهه * مجللة لا تنقضي لاوان ويكمل في تسع وخمس شبابه * ويهرم في سبع مضت وثمان وأراد من هذين البيتين القمر، وقد شرحنا هذه الابيات بأكثر مما هنا في باب الترخيم من شرح شواهد شرح الكافية الماضي وأنشد بعده، وهو الشاهد الحادي عشر (من الكامل)
__________
(1) الذى في سيبويه (ج 2 ص 258) : " بفتح القاف " (2) الموضع الذى ذكر الاعلم فيه هذا الكلام ليس هو الموضع الذى نهنا عليه في الكلمة السابقة، وإنما ذكره في (ج 1 ص 341) .
وقد نقل المؤلف عبارة الاعلم بالمعنى على خلاف عادته في النقل (3) كان في أصول الكتاب " غير مقيد " والصحيح عن عبارة الاعلم (*)(4/23)
11 - يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ * زَيَّافَةٍ مِثْلِ الفنيق المكدم على أن أصله ينبع، وتولدت الالف من إشباع فتحة الباء، وفاعل ينباع
ضمير الرب - بضم الراء - وهو شبيه الدبس، وهو في بيت قبله (1) شبه العرق السائل من رأس هذه الناقة وعنقها برب يترشح، وعرق الابل أسود، والذفرى بكسر الذال المعجمة والقصر: الموضع الذى يعرق من الابل خلف الاذن، والغضوب: الناقة الصعبة الشديدة، شبهت بالغضوب من الانسان، والجسرة بفتح الجيم: الناقة الماضية في سيرها، وقيل: الضخمة القوية، والزيافة: المتبخترة في مشيها، مبالغة زائفة، من زاف زيفا - بالزاى المعجمة - إذا تبختر في مشيه، والفنيق، بفتح الفاء وكسر النون: الفحل المكرم الذى لا يؤذى ولا يركب لكرامته، والمكدم: اسم مفعول قياسه أن يكون من أكدمه، لكنهم لم ينقلوا إلا كدمه ثلاثيا من الباب الاول والثانى، قالوا: الكدم العض بأدنى الفم كما يكدم الحمار، وروى المقرم بدله، على وزنه، وهو البعير الذى لا يحمل عليه ولا يذلل وإنما هو للفحلة (2) بكسر الفاء
__________
(1) البيت المشار إليه هو قوله: - وكأن ربا أو كحيلا معقدا * حش الوقود به جوانب قمقم والرب: ذكره المؤلف.
والكحيل: القطران، شبه عرق الناقة بالرب أو القطران، والمعقد: الذى أوقد تحته حتى انعقد وغلظ، والوقود - بفتح الواو - الحطب، وارتفاعه لانه فاعل حش، وجوانب مفعوله، ويجوز أن يكون حش لازما بمعنى احتش فالوقود فاعله وانتصاب " جوانب قمقم " على الظرفية، والقمقم: كما في اللسان ضرب من الاتية (2) يقال: بعير ذو فحلة بكسر فسكون، إذا كان صالحا للافتحال: أي اتخاذه فحلا، والفحلة التلقيح، ويقال: إنه لبين الفحولة - بالضم - والفحالة والفحلة - بكسرها - بالمعنى السابق (*)(4/24)
وهذا البيت من معلقة عنترة، وقد شرحناه بأوفى من هذا في الشاهد الثاني عشر من أوائل شرح الكافية وأنشد الجار بردى (1) بعده، وهو الشاهد الثاني عشر (من الوافر) 12 - وأنت من العوائل حيث ترمى * ومن ذم الرجال بمتنزاح على أن الالف تولدت من إشباع فتحة ما قبلها قال ابن جني في سر الصناعة: هكذا أنشدناه أبو على لابن هرمة يرثى ابنه وقال: أراد بمنتزح، فأشبع فتحة الزاى، انتهى وقال الصاغاني في العباب: وانتزح: ابتعد، وأنت بمنتزح من كذا: أي ببعد منه، قال إبراهيم بن على بن محمد بن سلمة بن عامر بن هرمة يمدح بعض القرشيين وكان قاضيا لجعفر بن سليمان بن على: فأنت من الغوائل حيث تنمى (2) * ومن ذم الرجال بمنتزاح إلا أنه أشبع فتحة الزاى فتولدت الالف، هكذا أنشده بعض أهل اللغة، وفى شعره " بمستراح " فلا ضرورة، انتهى والغوائل: جمع غائلة، وهى الفساد والشر، وقال الكسائي: الغوائل: الدواهي، وترمى بالبناء للمفعول مسند إلى ضمير الغوائل، وكذا تنمى يقال: نمى الشئ ينمى، من باب رمى، نماء، بالفتح والمد، أي كثر، وفى لغة ينمو نموا، من باب قعد، ويتعدى بالهمزة والتضعيف وابن هرمة بفتح الهاء وسكون الراء المهملة بعدها ميم: شاعر من مخضرمي الدولتين، وهو آخر من يستشهد بكلامه
__________
(1) أنظر صفحة 41 من شرح الجاربردى على الشافية طبع الاستانة، وفيها ... وعن ذم الرجال ... (2) في نسخة " حين تنمى " (*)(4/25)
وقد ترجمناه في الشاهد الثامن والستين من أوائل شواهد شرح الكافية وأنشد الجاربردى (1) أيضا بعده، وهو الشاهد الثالث عشر (من البسيط) والشمس طالعة ليست بكاسفة * تبكى عليك نجوم الليل والقمرا على أن تبكى للمغالبة، ونجوم الليل مفعولة، وهى مغلوبة بالبكاء، فان الشمس غلبت النجوم بكثرة البكاء، ثم حكى قولين آخرين: أحدهما نصب النجوم بكاسفة، ثانيهما نصبها على المفعول معه، بتقدير الواو التى بمعنى مع، والوجه الاول نقله عن الجوهرى، ولم يتعرض له ابن بري في أماليه على صحاحه ولا الصفدي في حاشيته، وقال الصاغاني في العباب: وكسفت الشمس تكسف كسوفا وكسفها الله، يتعدى ولا يتعدى، قال جرير يرثى عمر بن عبد العزيز: فالشمس كاسفة، ليست بطالعة * تبكى عليك نجوم الليل والقمرا هكذا الرواية: أي أن الشمس كاسفة تبكى عليك الدهر، والنحاة يروونه مغيرا، وهو * الشمس طالعة ليست بكاسفة، أي ليست تكسف ضوء النجوم مع طلوعها، لقلة ضوئها وبكائها عليك، انتهى فكاسفة على روايته بمعنى منكسفة، من الفعل اللازم، وجملة " تبكى " خبر بعد خبر، أو صفة لكاسفة، وقوله " الدهر " أي: أبدا أشار به إلى أن نصب النجوم على الظرف كما يأتي بيانه، وأشار إلى أن قوله ليست بطالعة بمعنى كاسفة، إذ المراد من طلوعها إضاءتها، فإذا ذهب نورها فكأنها غير طالعة
__________
(1) أنظر صفحة 42 من شرح الجاربردى على الشافية طبع الاستانة وفيها * فالشمس طالعة ليست بكاسفة * وكذا في العقد الفريد (2: 236 طبع بولاق) وفى الديوان (304) * فالشمس كاسفة ليست بطالعة * وكذا في القاموس مادة
(ك س ف) وفى الصحاح مادة (ب ك ى) * الشمس طالعة ليست بكاسفة * وكذا فيه مادة (ك س ف) (*)(4/26)
وقد تبعه صاحب القاموس فرواه كروايته، وقال: " أي كاسفة لموتك تبكى أبدا، ووهم الجوهرى فغير الرواية بقوله * فالشمس طالعة ليست بكاسفة * وتكلف لمعناه " انتهى وقوله " تكلف لمعناه " يعنى أنه جعله من باب المغالبة، وتغليط الجوهرى في الرواية المذكورة غير جيد، فإنها رواية البصريين، وما صححه تبعا لصاحب العباب رواية الكوفيين.
قال ابن خلف في شرح شواهد سيبويه: اختلف الرواة في هذا البيت، فرواه البصريون * الشمس طالعة ليست بكاسفة * ورواه الكوفيون * الشمس كاسفة ليست بطالعة * ورواه بعض الرواة بنصب النجوم، وبعض آخر برفعها، وقد اختلف أصحاب المعاني وأهل العلم من الرواة وذوو المعرفة بالاعراب من النحاة في تفسير وجوه هذه الروايات وقياسها في العربية، ومن روى * الشمس طالعة ليست بكاسفة * فإنه استعظم أن تطلع ولا تنكسف مع المصاب به، ومثل هذا قول الاخر (هو لليلى بنت طريف الخارجية ترثى أخاها الوليد) (من الطويل) أيا شجر الخابور مالك مورقا * كأنك لم تجزع على ابن طريف ومعناه عند بعضهم تغلب ببكائها عليك نجوم الليل، وفى هذا التأويل وجهان: أحدهما أن يراد بالنجوم والقمر حقيقتهما ادعاء، ثانيهما أن يراد بهما سادات الناس والاماثل، وقال آخرون: " نجوم " مفعول تبكى من غير اعتبار المغالبة، والمعنى أن الشمس تبكى عليك مدة نجوم الليل والقمر، فنصب على الظرف، وحكى عن العرب لا أكلمك سعد العشيرة: أي زمانه، وقال جماعة: إن نجوم الليل
منصوبة بكاسفة، والقمر معطوف عليها، وهذا أشهر الاجوبة وأقربها مأخذا، والمعنى أن الشمس لم تقو على كسف النجوم والقمر لاظلامها وكسوفها، انتهى كلام ابن خلف(4/27)
وممن رواه كذلك ابن عبد ربه في العقد الفريد (1) ، وقال: يقول إن الشمس طالعة وليست بكاسفة نجوم الليل لشدة الغم والكرب الذى فيه الناس وكذا رواه الاخفش المجاشعى في كتاب المعاياة، وقال: أراد الشمس طالعة ولا ضوء لها، فترى مع طلوعها النجوم بادية لم يكسفها ضوء الشمس، فليست بكاسفة نجوم الليل والقمر وكذا رواه اللبلى في شرح فصيح ثعلب، وقال: يعنى أن الشمس طالعة ليست مغطية نجوم الليل والقمر وهؤلاء الثلاثة جعلوا نجوم الليل منصوبة بكاسفة وكذا رواه السيد المرتضى (2) في أماليه ونقل في نصب النجوم ثلاثة أقوال: أولها نصبهما بكاسفة، وقال: أراد أن الشمس طالعة وليست مع طلوعها كاسفة نجوم الليل والقمر، لان عظم الرزء قد سلبها ضوءها، فلم يناف طلوعها ظهور الكواكب، ثانيها: أن نصبها على الظرف، قال: كأنه أخبر بأن الشمس تبكيه ما طلعت النجوم (وظهر القمر) (3) ثالثها: على المغالبة، وهو أن يكون القمر والنجوم باكين الشمس على هذا المرثى المفقود، فبكتهن أي غلبتهن بالبكاء وكذا رواه المبرد في (4) الكامل " الشمس طالعة " وقال: وأما قوله نجوم
__________
(1) ذكره في (ج 2 ص 336 طبع بولاق) مع البيتين السابقين عليه وسيذكرهما المؤلف، وليس في الموضع الذى أشرنا إليه من العقد الكلام الذى
نقله عنه المؤلف في شرح البيت (2) انظر أمالى المرتضى (ج 1 ص 39) (3) الزيادة التى بين قوسين عن أمالى المرتضى في الموضع المذكور (4) أنظر كامل المبرد (ج 1 ص 402 طبع المطبعة الخيرية سنة 1308) تر أن جميع الزيادات الموجودة بين قوسين مثبتة فيها (*)(4/28)
الليل والقمر ففيه أقاويل كلها جيد، فمنها أن تنصب (1) نجوم الليل (والقمرا بقوله) بكاسفة، يقول: الشمس طالعة ليست بكاسفة نجوم الليل والقمر، وإنما تكسف النجوم (والقمر) بإفراط ضيائها، فإذا كانت من الحزن عليه قد ذهب ضياؤها ظهرت الكواكب، ويجوز أن يكون نجوم الليل والقمر أراد بهما الظرف، يقول تبكى (الشمس) عليك مدة نجوم الليل والقمر كقولك تبكى عليك الدهر والشهر، وتبكى عليك الليل والنهار يافتى، ويكون (1) تبكى عليك (الشمس) النجوم كقولك: أبكيت زيدا على فلان، وقد قال في هذا المعنى (أحد المحدثين شيئا مليحا وهو) أحمد أخو أشجع السلمى، يقوله لنصر بن شبث العقيلى، وكان أوقع بقوم من بنى تغلب بموضع يعرف بالسواجين (من الكامل) : لله سيف في يدى نصر * في حده ماء الردى يجرى أوقع نصر بالسواجين ما * لم يوقع الجحاف بالبشر أبكى بنى بكر على تغلب * وتغلبا أبكى على بكر ويكون تبكى عليك نجوم الليل والقمر على أن تكون الواو في معنى مع، وإذا كانت كذلك فكأن قبل الاسم (الذى يليه أو بعده) فعل، انتصب لانه في المعنى مفعول وصل إليه الفعل فنصبه، ونظير ذلك استوى الماء والخشبة، لانك لم ترد استوى الماء واستوت الخشبة ولو أردت ذلك لم يكن إلا الرفع، ولكن
التقدير ساوى الماء الخشبة، انتهى كلامه، ولم يذكر معنى المغالبة فيه قال ابن السيد فيما كتبه عليه: الوجه الاول (هو) أصح في المعنى، وهو أن ينصب نجوم الليل والقمر بكاسفة، لان في هذا إخبار بأن الشمس قد ذهب نورها
__________
(1) في الاصل " أن نصب " والتصحيح عن الكامل في الموضع المذكور (2) هذا وجه آخر غير نصب نجوم الليل على الظرف، ومفاده أن انتصابها على المفعولية (*)(4/29)
لفرط الحزن فلم تمنع الدرارى من النجوم أن تظهر، وهذا هو الذى يذكره الشعراء عند تهويل الرزية بالمفقود، انتهى وطالعته في نسختين صحيحتين جدا من الكامل مضبوطة بالرفع على الخبرية، وجملة " ليست بكاسفة " صفة لطالعة، وجملة " تبكى " خبر ثان وزعم الفيومى في المصباح (1) أن طالعة وتبكى حالان، فانه قال: في البيت تقديم وتأخير، والتقدير الشمس في حال طلوعها وبكائها عليك لبست تكسف النجوم والقمر لعدم ضوئها، هذا كلامه وقال ابن خلف: يجوز أن تكون جملة " تبكى " حالا إما من الشمس أو من التاء في ليست (2) كأنه قال: ليست في حال بكاء، وقد تكون سادة مسد خبر ليس، انتهى والوجه الاول مأخوذ من كلام ابن السيد في شرح أبيات المعاني، وهو إنما يتمشى على مذهب سيبويه القائل بجواز مجئ الحال من المبتدأ، والوجه الثاني فاسد، لان بكاءها بيان لكسفها النجوم، والوجه الثالث خطأ معنى وإعرابا (3) وقول المبرد " يجوز أن يكون أراد بهما الظرف " يريد أن الشاعر أقامهما مقام مصدر محذوف هو المراد به معنى الظرف، فكأنه قال: دوام نجوم الليل
والقمر: أي في مدة دوامهما، فحذف المضاف وأعرب المضاف إليه باعرابه، ويكون
__________
(1) أنظر مادة (ك س ف) من المصباح (2) العبارة غير صحيحة فنيا لان التاء حرف دال على التأنيث فلا يجئ منه الحال، وغرضه أن طالعة حال من الضمير المستتر في ليس المدلول على تأنيثه بالتاء (3) أما فساده معنى فلان حاصل تقدير الكلام: ليست الشمس موجودة في حال بكاء عليك، وهذا غير المراد، وأما فساده من جهة الاعراب فلان محل سد الحال مسد الخبر إذا كان المبتدأ مصدرا صريحا أو مؤولا أو كان اسم تفضيل مضافا إلى المصدر وليس هذا واحدا منها (*)(4/30)
مراده من النجوم الدهر، ومن القمر الشهر ويرد على هذا الوجه وعلى الاوجه الثلاثة الاتية وعلى وجه المغالبة أن كاسفة يكون من الفعل اللازم فلا يصح المعنى به لانه حينئذ يكون نافيا للكسوف عن الشمس في ذاتها، وإذا لم تنكسف الشمس في ذاتها فلا حزن لها على المذكور، وهو ضد ما أراده الشارح، وهذا لايرد على الوجه الاول المتعدى، فانه لم ينف عن الشمس الانكساف في ذاتها، إنما نفى عنها أن تكسف غيرها لذهاب نورها وانكسافها في ذاتها ويجاب بمنع جعله من اللازم، فيكون من المتعدى، ويقدر له مفعول محذوف، وتقديره ليست بكاسفة شيئا، فحذف للتعميم، والمعنى يدل عليه، كما تقول: زيد (غير) ضارب وقول ابن السّيد فيما كتبه على الكامل " إن قدر كاسفة بمعنى منكسفة صح الوجه الاول فقط " غير صحيح، فتأمل، ويريد بالوجه الاول النصب على الضرف، وبما ذكرنا ظهر وجه رجحان نصب النجوم بكاسفة على غيره،
وهو منشأ من صوب رواية والشمس كاسفة وقول المبرد " ويكون تبكى عليك النجوم كقولك أبكيت زيدا على فلان " يريد أن تبكى في البيت بضم (1) التاء مضارع أبكاه على فلان بمعنى جعله باكيا عليه ويرد على هذا أيضا أن الا بكاء على الشئ كالبكاء عليه سببهما الحزن، ونفى الكسوف مناقض لذلك، ويجاب بما ذكرنا
__________
(1) ذلك لان بكى المتعدى معناه فيما لو قلت بكيت زيدا أنك بكيت عليه فأما إن أردت معنى هيجت بكاءه على آخر فأنك تقول أبكيته، والذى في الكامل " بكيت زيدا على فلان " فالتاء مفتوحه لانه مضارع الثلاثي (*)(4/31)
وقول المبرد " ويكون تبكى عليك نجوم الليل والقمرا على أن تكون الواو في معنى مع " يريد رفع النجوم بتبكى والواو بعدها بمعنى مع، ولم يذكر أبو حيان في الارتشاف غير هذا الوجه في البيت، قال فيه: قال الاستاذ أبو على: إذا كان العطف نصا على معنى مع وكان حقيقة في المعنى ضعف النصب، كقولك: قام زيد وعمرو، فهذا لا يقال بالنصب إلا إن سمع، ومنه: - * تبكى عليك نجوم الليل والقمرا * أي مع القمر، انتهى وقال ابن الملا في شرح المغنى: وأما تجويز رفع النجوم على أنها فاعل تبكى ونصب القمر على أنه مفعول معه فانه وإن صح معناه لكنه يؤدى إلى عدم ارتباط المصراع بالاول، وألا يكون للمصراع الاول معنى يناسب المقام إلا على رواية
* فالشمس كاسفة ليست طالعة * هذا كلامه، وهو مختل من وجوه: الاول: كيف جاز له أن يقول " وإن صح معناه " مع قوله " لا يكون للمصراع الاول معنى يناسب المقام " وهل هو إلا تناقض؟ الثاني قوله " يؤدى إلى عدم ارتباط المصراع الثاني بالاول " لا مانع منه، فان جملته مستأنفة، وكاسفه بمعنى منكسفة، فيكون استعظاما لطلوع الشمس عدم انكسافها مع عظم المصيبة، فيكون أنكر طلوعها كذلك مع أن النجوم مع القمر تبكى عليه، الثالث أن ما أورده على هذا الوجه وارد على وجه المغالبة ونصب النجوم على الظرف أيضا، وقد ذكرهما هو ولم يتنبه له، الرابع: لا ينحصر معنى المصراع الاول على رواية " فالشمس كاسفة " لما ذكرنا آنفا، ولما قدمنا من تقدير المفعول ولم يذكر المبرد نصب النجوم " بتبكى " بفتح التاء لا على وجه المغالبة ولا على(4/32)
غيرها، وهما قولان آخران، وقد نقلناهما، ولم يذكر أيضا نصب النجوم على حذف واو المفعول معه، وهو قول نقله ابن السيد في شرح أبيات المعاني، قال: " الرابع من الوجوه التى ذكرها النحاة في نصب النجوم، أن يكون أراد التى في معنى مع، فكأنه قال: تبكى عليك ونجوم الليل والقمر: أي مع نجوم الليل والقمر، فيكون مفعولا معه، وقد حذف الواو، وهذا أبعدها " اه، ووجه الابعدية أن هذه الواو لم يثبت حذفها ولا بأس بشرح أصل كاسفة بعد الفراغ من الاعراب، قال القيومى في المصباح: كسفت الشمس من باب ضرب كسوفا، وكذلك القمر، قاله ابن فارس والازهري، وقال ابن القوطية أيضا: كسف القمر والشمس والوجه: تغير، وكسفها الله كسفا، من باب ضرب أيضا، يتعدى ولا يتعدي، والمصدر فارق، ونقل
" انكسف الشمس " فبعضهم يجعله مطاوعا، مثل كسرته فانكسر، وعليه حديث رواه أبو عبيد وغيره " انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " وبعضهم يجعله غلطا فيقول: كسفتها فكسفت هي لا غير، وقيل: الكسوف ذهاب البعض والخسوف ذهاب الكل، وقال أبو زيد: كسفت الشمس كسوفا اسودت بالنهار، وكسفت الشمس النجوم غلب ضوءها على النجوم فلم يبد منها شئ والبيت من أبيات ثلاثة لجرير قالها لما نعى إليه عمر بن عبد العزيز بن مروان رحمه الله تعالى، وهى: نعى النعاة أمير المؤمنين لنا * يا خير من حج بيت الله واعتمرا (1) حملت أمرا عظيما فاضطلعت به * وقمت فيه بأمر الله يا عمرا فالشمس طالعة ... البيت
__________
(1) في الديوان: تنعى النعاة ... * وفيه: فاصطبرت له، وفى الكامل: حملت أمرا جسيما فاصطبرت له * وفيه: بحق الله ... * (*)(4/33)
في المصباح: " نعيت الميت نعيا، من باب نفع، أخبرت بموته، فهو منعى، واسم الفعل المنعي والمنعاة، بفتح الميم فيهما مع القصر، والفاعل نعى على فعيل، يقال: جاء نعيه أي ناعيه، وهو الذى يخبر بموته، ويكون النعى خبرا أيضا " انتهى، والنعاة: جمع ناع كقضاة جمع قاض، وأراد بأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، ولى الخلافة بعهد ابن عمه سليمان بن عبد الملك في صفر سنة تسع وتسعين، فقدمت إليه مراكب الخلافة فلم يركبها، وركب فرس نفسه، ومنع من سب على كرم الله وجهه آخر الخطبة، وجعل مكانه (إن الله يأمر بالعدل والاحسان) الاية (1) ، ومناقبه كثيرة ألف فيها جلدا حافلا الامام ابن الجوزى، ومات بدير سمعان سنة إحدى ومائة، وقوله " يا خير من حج الخ "
أي: فقلت يا خير الخ، وقال ابن الملا: منصوب بتقدير قائلين، وقوله " حملت أمرا " هو بالبناء للمفعول وتشديد الميم، والخطاب، وأراد بالامر العظيم الخلافة، واضطلع بهذا الامر: إذا قدر عليه كأنه قويت ضلوعه بحمله، والالف في " يا عمرا " ألف الندبة، وبه استشهد ابن هشام في المغنى وفى شرح الالفية (2) ، قال المبرد في الكامل: قوله " يا عمرا ندبة، أراد يا عمراه، وإنما الالف للندبة وحدها، والهاء تزاد في الوقف لخفاء الالف، فإذا وصلت لم تزدها، تقول: يا عمرا ذا الفضل، فإذا وقفت قلت: يا عمراه، فحذف الهاء في القافية لاستغنائه عنها ".
اه وجوز الاخفش المجاشعى في كتاب المعاياة أن تكون الالف هي المبدلة من ياء المتكلم، وأن يكون عمر منادى منكرا منصوبا وألفه بدل من نون التنوين،
__________
(1) ويقال: بل جعل مكان سب على قوله تعالى: (ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان - الاية) (2) أنظر مغنى اللبيب (حرف الالف) وأنظر أوضح المسالك (2: 128) (*)(4/34)
وهذه عبارته: وإنما نصب أبو على يا عمراه أضافه إلى نفسه أو لم يضفه، وجعله نكرة، كما قال الاخر (وهو الاحوص) (من الوافر) سلام الله يا مطرا عليها * وليس عليك يا مطر السلام جعل مطرا نكرة فنصب، وقال بعضهم: هو معرفة.
ولكنه لما نونه قام التنوين مقام الاضافة فنصب كما ينصب المضاف، انتهى كلامه.
ونقل هذه الوجوه ابن السّيد فيما كتبه على الكامل عن الفارسى، قال: أجاز الفارسى في " يا عمرا " أن يكون أضافه إلى نفسه كما قال " هو لابي النجم) (من الرجز) * يا ابنة عما لا تلومى واهجعي *
وأجاز أن يكون على معنى الندبة، وأجاز أن يكون جعله نكرة، كما قال * سلام الله يا مطرا عليها * قال: وقيل في قوله " يا مطرا " إنها معرفة، ولكنه لما نونه قام التنوين مقام الاضافة فنصبه كما ينصب المضاف، وهو قول عيسى بن عمر، انتهى وقوله " فالشمس طالعة - الخ " أورد المصراع الثاني صاحب الكشاف (1) في سورة الدخان عند قصة مهلك قوم فرعون وتوريث نعمهم، وهو قوله تعالى (كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والارض) قال: إذا مات رجل خطير قالت العرب في تعظيم مهلكه: بكت عليه السماء والارض، وبكته الريح.
وأظلمت له الشمس، وفى الحديث " ما من مؤمن مات في غربة غابت فيها بواكيه إلا بكته (2) السماء والارض " وقال جرير: * تبكى عليك نجوم الليل والقمرا *
__________
(1) أنظر تفسير الكشاف للزمخشري (ج 2 ص 314 بولاق سنة 1281) (2) الذى في الكشاف " إلا بكت عليه السماء والارض، وفيه بعد ذكر قول جرير ذكر بيت ليلى بنت طريف الخارجية الذى تقدم ذكره في هذا الكتاب (*)(4/35)
وذلك على سبيل التمثيل والتخييل، مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه، وكذلك ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما من بكاء مصلى المؤمن وآثاره في الارض ومصاعد عمله ومهابط رزقه في السماء تمثيل، ونفى ذلك عنهم في قوله تعالى (فما بكت عليهم السماء والارض) فيه تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده فيقال فيه بكت عليه السماء والارض، وعن الحسن رحمه الله فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين، يعنى فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الارض، انتهى.
وهذا ملخص من أوائل) أمالى الشريف المرتضى، وفيها زيادة، ونحن نلخص ما فيها أيضا، قال (1) : في الاية وجوه أربعة من التأويل، أولها: أن المراد أهل السماء والارض، فحذف كقوله تعالى (واسأل القرية) ، ثانيها: أنه تعالى أراد المبالغة في وصف القوم بصغر القدر وسقوط المنزلة، لان العرب إذا أخبرت عن عظم المصاب بالهالك قالت: كسفت الشمس لفقده، وأظلم القمر، وبكاه الليل والنهار والسماء والارض، يريدون بذلك المبالغة في عظم الامر وشمول ضرره، قال جرير: الشمس طالعة - البيت، وقال يزيد بن مفرغ (من الكامل) الريح تبكى شجوها * والبرق يلمع في الغمامه وهذا صنيعهم في وصف كل أمر جل خطبه وعظم موقعه، فيصفون النهار بالظلام، وأن الكواكب طعت نهارا لفقد نور الشمس وضوئها، قال النابغة (من البسيط) تبدو كواكبه والشمس طالعة * لا النور نور ولا الاظلام إظلام ثالثها: أن يكون معنى الاية الاخبار عن أنه لا أحد أخذ بثأرهم، ولا انتصر لهم، لان العرب كانت لا تبكى على القتيل إلا بعد الاخذ بثأره، فكنى الله تعالى بهذا اللفظ عن فقد الانتصار والاخذ بالثأر، على مذهب القوم الذين خوطبوا
__________
(1) أنظر الامالى (1: 38) (*)(4/36)
بالقرآن، رابعها: أن يكون ذلك كناية عن أنه لم يكن لهم في الارض عمل صالح يرفع إلى السماء، ويطابقه ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الاية قيل له: أو تبكيان على أحد؟ قال: نعم، مصلاه في الارض ومصعد عمله في السماء، وروى عن أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما من مؤمن إلا وله باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه،
فإذا مات بكيا عليه " ومعنى البكاء هنا الاخبار عن الاختلال بعده، كما يقال: بكى منزل فلان بعده، قال مزاحم (من الطويل) بكت دارهم من أجلهم فتهللت * دموعي، فأى الجازعين ألوم؟ ويمكن في الاية وجه خامس، وهو أن يكون البكاء كناية عن المطر والسقيا، لان العرب تشبه المطر بالبكاء، ويكون المعنى أن السماء لم تسق قبورهم، ولم تجد على قبورهم، على مذهب العرب، لانهم يستسقون السحاب لقبور من فقدوه من أعزائهم، ويستنبتون لمواقع حفرهم والرياض، قال النابغة (1) (من الطويل) فلا زال قبر بين تبني وجاسم * عليه من الوسمى طل ووابل فينبت حوذانا وعوفا منورا * سأتبعه من خير ما قال قائل وكانوا يجرون هذا الدعاء مجرى الاسترحام ومسألة الله لهم الرضوان، والفعل
__________
(1) البيتان للنابغة الذبيانى من قصيدة يرثى فيها النعمان بن الحرث بن أبى شمر الغساني، وأولهما في رواية الاصمعي سقى الغيث قبرا بين بصرى وجاسم * بغيث من الوسمى قطر ووابل وتبنى، وبصرى، وجاسم: مواضع بالشام.
والوسمى: أول المطر، والطل: الخفيف منه، والوابل: الكثير، والحوذان، والعوف: نبتان، وأولها أطيب رائحة (*)(4/37)
الذى أضيف إلى السماء وإن كان لا تجوز إضافته إلى الارض فقد يصح بتقدير فعل، فيكون المعنى أن السماء لم تسق قبورهم وأن الارض لم تعشب عليها، وكل هذا كناية عن حرمانهم رحمة الله ورضوانه، انتهى.
وجرير شاعر إسلامى، ترجمناه في الشاهد الرابع من أوائل شرح الكافية
وأنشد بعده (من الطويل) 6 - * وحب بها مقتولة حين تقتل * على أن أصل حب حبب بكسر العين، ثم نقل إلى فعل بضم العين للمدح والتعجب، ثم حذفت الضمة وأدغم، فصار " حب " بفتح الحاء، ويجوز نقل الضمة إليها كما تقدم قال الصاغانى في العباب: تقول: ما كنت حبيبا ولقد حَبِبْتَ بالكسر: أي صرت حبيباً، قال الاصمعي: قولهم " حب بفلان إلى " معناه ما أحبه إلى، وقال الفراء: معناه حبب بضم الباء، ثم أسكنت وأدغمت في الثانية، انتهى وقال ابن مالك في التسهيل: وقد يرد حب بضم الحاء بنقل ضم العين إلى الفاء.
قال: وكذا كل فعل حلقي الفاء مراد به مدح أو تعجب: أي نحو حسن الرجل أدبا، فتقول: حسن الرجل أدبا ولم أعرف وجه تقييد الشارح المحقق حب المنقول إلى المدح بكونه من حبب بكسر العين، مع أن أصل المنقول إلى المدح والذم يجوز أن يكون عينه مضموما أو مفتوحا أو مكسورا، سواء كان من فعل لازم أو متعد، وقد جاء حب متعديا من بابين، فإنه يقال: حببته أحبه، من باب ضرب، والقياس أحبه بالضم، لكنه غير مستعمل، ويقال: حببته أحبه من باب تعب، كما في المصباح، فيجوز نقل أحدهما إلى فعل بضم العين للمدح والباء في " بها " زائدة، والضمير فاعل حب، وقد تقدم شرحه في الشاهد السادس(4/38)
وأنشد بعده، وهو الشاهد الرابع عشر، 14 - بعد ما متأملي وهو قطعة من بيت وهو (من الطويل)
قَعَدْتُ لَهُ وَصُحْبَتِي بَيْنَ ضَارِجٍ * وَبَيْنَ الْعُذَيْبِ بَعْدَما مُتَأَمَّلِي على أنه يجوز على أحد التأويلين أن يكون أصله بعد بضم العين أصالة.
ألحق بفعل المدح والتعجب ثم حذفت الضمة تخفيفا، والتأويل الثاني فيه أن يكون سكون العين أصليا، وتكون بعد ظرفا، لا فعل مدح وتعجب قال الرياشى: بعد هنا روى بفتح الباء، وبعد تحتمل معنيين: أحدهما أن المعنى بعد، ثم حذفت الضمة، ويجوز أن يكون المعنى بعد ما تأملت، انتهى، فما على هذا الوجه زائدة لا غير، " ومتأملي " مضاف إليه بعد، وعلى الوجه الاول يجوز أن تكون زائدة، و " ومتأملي " فاعل بعد وهو مضاف إلى الياء، والرفع فيه مقدر، والمخصوص بالمدح محذوف، ويجوز أن تكون اسما نكرة منصوبة المحل على التمييز للضمير المستتر في بعد، ومتأملي هو المخصوص بالمدح والتعجب، فتكون " ما " فيه كما في قوله تعالى (فنعما هي) وعلى تقدير الفعلية قد روى بضم الباء وفتحها، قال العسكري في كتاب التصحيف: رواه أبو إسحق الزيادي عن الاصمعي " بعد " مضمومة الباء، ومعناه يا بعد ما تأميلت، على التعجب، أي تثبت في النظر أين تسقى، ورواه أبو حاتم بفتح الباء، وقال: خفف بعد فأسكن العين وبقيت الباء مفتوحة، مثل كرم وكرم، انتهى.
وهذا يرد على ابن مالك، فإنه نقل فيه ضمة العين إلى الفاء مع أنها ليست بحرف حلقى، وأما الشارح المحقق فانه لم يقيد في شرح الكافية جواز نقل الضم بكون الفاء حرفا حلقيا، بل أطلق، ومثل بهذا البيت بعينه، والبيت من معلقة امرئ القيس، وقبله: أصاح ترى برقا أريك وميضه * كلمع اليدين في حبى مكلل(4/39)
يضئ سناه أو مصابيح راهب * أهان السليط بالذبال المفتل والهمزة للنداء، وصاح مرخم صاحب، وحذفت همزة الاستفهام بعده للضرورة،
والوميض: اللمعان، واللمع: التحرك والتحريك جميعا، والحبي بالحاء المهملة وكسر الموحدة: السحاب المتراكم، سمى به لانه حبا بعضه إلى بعض: أي تراكم وجعله مكللا لانه صار كالاكليل لاسفله، ومنه قولهم: كللت الرجل، إذا توجته، ويروى " مكلل " بكسر اللام اسم فاعل من كلل تكليلا، إذا تبسم، يقول لصاحبه: يا صاحبي هل ترى برقا أريك لمعانه في سحاب متراكم صار أعلاه كالاكليل لاسفله أو في سحاب متبسم بالبرق يشبه برقه تحريك اليدين، يريد يتحرك كتحرك اليدين، وتقديره أريك وميضه في حبى مكلل كلمع اليدين شبه لمعان البرق وتحركه بتحرك اليدين، وقوله " يضئ سناه " السنا بالقصر: الضوء والسليط: الزيت، وقيل: الشيرج، والذبال: جمع ذبالة، وهى الفتيلة، ومعنى " أهان السليط " أنه لم يعزه وأكثر الايقاد به، يقول: هذا البرق يتلالا ضوءه فهو يشبه في تحركه لمع اليدين أو مصابيح الرهبان التى أميلت فتائلها بصب الزيت عليها في الاضاءة، يريد أن تحركه يحكى تحرك اليدين، وضوءه يحكى ضوء مصابيح الرهبان، فمصابيح بالجر معطوف على لمع، وقوله " قعدت له - الخ " ضارج والعذيب: مكانان، يقول: قعدت لذلك البرق أنظر من أين يجئ بالمطر، ثم تعجب من بعد تأمله.
وقال الزوزنى: قعدت للنظر إلى السحاب وأصحابي بين هذين الموضعين (وكنت معهم) (1) فبعد متأملي وهو المنظور إليه: أي بعد السحاب الذى كنت أنظر إليه وأرقب مطره وأشيم برقه، يريد أنه نظر إلى هذا السحاب من مكان بعيد فتعجب من بعد نظره.
انتهى وترجمة امرئ القيس تقدمت في الشاهد التاسع والأربعين من شواهد شرح الكافية، وتقدم شرح هذا البيت أيضا في الشاهد السبعين بعد السبعمائة منه
__________
(1) هذه العبارة ليست في شرح الزوزنى (*)(4/40)
وأنشد بعده، وهو الشاهد الخامس عشر، وهو من شواهد سيبويه (1) (من الطويل) 15 - وَقَفْتُ عَلى رَبْعٍ لمَيَّةَ نَاقَتِي * فما زِلْتُ أَبْكِي عِنْدَهُ وَأُخَاطِبُهْ وَأُسْقِيهِ حتى كادمما أبثه * تكلمني أحجاره وملاعبه على أن " أسقيه " بمعنى أدعو له بالسقيا، مضارع أسقاه قال سيبويه (1) ، وقالوا: أسقيته في معنى سقيته فدخلت على فعلت، ثم أنشد البيتين، قال أبو الحسن الاخفش في شرح (2) نوادر أبى زيد: قالوا في أسقاه الله، إنه في معنى سقاه الله، وأنشدوا قول لبيد (من الوافر) سقى قومي بنى مجد وأسقي * نميرا والقمائل من هلال قال الاصمعي: هما يفترقان، (وهذا الذى أذهب إليه) (3) فمعنى سقيته أعطيته ماء لسقيه، ومعنى أسقيته جعلت جعلت له ماء يشربه أو عرضته لذلك، أو دعوت له، كل هذا يحتمله هذا اللفظ، وأنشد قول ذى الرمة: * وَقَفْتُ عَلى رَبْعٍ لمَيَّةَ ناقتي * البيتين قوله " وأسقيه " أدعو له بالسقيا، وهذا أشبه بكلام العرب، وقال ابن الاعرابي: معناه أسقيه من دمعى، وهذا غير بعيد من ذلك المعنى: أي أجعل له سقيا من دمعى على سبيل الاغراق والافراط، كما قال (من الطويل) : وصلت دما بالدمع حتى كأنما * يذاب بعينى لؤلؤ وعقيق انتهى
__________
(1) انظر كتاب سيبويه (ج 2 ص 235) (2) انظر نوادر أبى زيد (ص 213) ، وفيها في بيت لبيد " بنى نجد " والذى في الاصل كرواية الاعلم في شرح شواهد سيبويه (ج 2 ص 235) (3) الزيادة عن شرح الاخفش لنوادر أبى زيد (ص 213) (*)(4/41)
وقال الاعلم: قوله " وأسقيه " معناه أدعو له بالسقيا، يقال: سقيته، إذا ناولته الشراب، وأسقيته (إذا جعلت له سقيا يشرب منه، وأسقيته وسقيته) (1) إذا قلت له سقيا لك، وبعضهم يجيز سقيته وأسقيته بمعنى إذا ناولته ماء يشربه، واحتج بقول الشاعر: * سقى قومي بنى مجد - البيت * والاصمعى ينكره ويتهم قائله (2) ، انتهى.
وقوله " وقفت على ربع - الخ " هذا مطلع قصيدة طويلة لذى الرمة، ووقفت الدابة وقفا ووقوفا: أي منعتها عن السير، ووقفت هي أيضا، يتعدى ولا يتعدى، ووقفت الدار وقفا: حبستها في سبيل الله، وأوقفت الدار والدابة بالالف لغة تميم، وأنكرها الاصمعي، وقال: الكلام وقفت بغير ألف.
وحكى بعضهم ما يمسك باليد يقال فيه أوقفته بالالف، وما لا يمسك باليد يقال وقفته بغير ألف والفصيح وقفت بغير ألف في جميع الباب، إلا في قولك: ما أوقفك ها هنا، وأنت تريد أي شأن حملك على الوقوف، فان سألت عن شخص قلت: من وقفك، بغير ألف.
كذا في المصباح، والربع: الدار حيث كانت، وأما المربع فالمنزل في الربيع خاصة، ومية: اسم محبوبة ذى الرمة، وقوله " وأسقيه " معطوف على أخاطبه، " وأبثه " بفتح الهمزة وضمها، يقال: بثثته ما في نفسي وأبثثته، إذا أخبرته بما تنطوى عليه وتسره، و " الملاعب " جمع ملعب، وهو الموضع الذى يلعب فيه الصبيان وترجمة ذى الرمة تقدمت في الشاهد الثامن من أول شرح الكافية
__________
(1) الزيادة عن شرح شواهد سيبويه للاعلم (ج 2 ص 235) (2) في الاعلم زيادة " لانه لو كان عربيا مطبوعا لم يجمع بين لغتين لم يعتد
إلا إحداهما " (*)(4/42)
وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس عشر، وهو من شواهد سيبويه (من البسيط) 16 - ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها * حَتَّى أَتَيْتُ أبَا عَمْرِو بْنِ عمار على أن أفتح وأغلق فيه بمعنى أفتح وأغلق بالتشديد، قال سيبويه في باب افتراق فعلت وأفعلت في الفعل للمعنى ما نصه: " وقالوا أغلقت الباب وغلقت الابواب حين كثروا العمل (1) ، وإن قلت أغلقت الابواب كان عربيا جيدا، (و) (2) قال الفرزدق: * ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها * البيت وقال أيضا في الباب الذى يليه وهو باب دخول فعلت على فعلت، الاول بالتشديد والثانى بالتخفيف " نحو كسرته وقطعته فإذا أردت كثرة العمل قلت كسرته وقطعته " إلى أن قال: " واعلم أن التخفيف في هذا حائز كله (3) عربي، إلا أن فعلت إدخالها لتبيين الكثر، وقد يدخل في هذا التخفيف، قال الفرزدق * مَا زِلْتُ أَفْتَحُ أبوابا وأغلقها * البيت وفتحت في هذا أحسن، وقد قال جل ذكره (جنات عدن مفتحة لهم الابواب) انتهى.
فظهر أن كليهما مبالغة، لا في أغلقها فقط، ولهذا نبه عليهما الشارح المحقق وقال الاعلم: " الشاهد في جواز دخول أفعلت على فعلت فيما يراد به التكثير، يقال: فتحت الابواب وأغلقتها، والاكثر فتحتها وغلقتها، لان الابواب جماعة فيكثر الفعل الواقع عليها " انتهى واقتصر ابن السراج في الاصول على التنبيه على أغلقها فقط، قال: " يجئ
__________
(1) في سيبويه (ج 2 ص 237) زيادة قوله: " وستري نظير ذلك في باب
فعلت (بالتشديد) إن شاء الله " (2) الزيادة عن كتاب سيبويه في الموضع السابق (3) في الاصول: " أن التخفيف في هذا كله جائز عربي " والتصحيح عن سيبويه في الموضع السابق (*)(4/43)
أفعلت في معنى فعلت، كما جاءت فعلت في معناها: أقللت وأكثرت في قللت وكثرت، وقالوا: أغلقت الابواب وغلقت، قال الفرزدق: ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها ... البيت، انتهى وأورد سيبويه هذا البيت أيضا في باب ما يذهب التنوين فيه من الاسماء (1) قال: " وتقول هذا أبو عمرو بن العلاء، لان الكنية كالاسم الغالب، ألا ترى أنك تقول: هذا زيد بن أبى عمرو، فتذهب التنوين كما تذهبه في قولك: هذا زيد ابن عمرو، لانه اسم غالب (2) ، وقال الفرزدق في أبى عمرو بن العلاء: * ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها * البيت قال الأعلم " الشاهد فيه حذف التنوين من أبى عمرو، لان الكنية في الشهرة والاستعمال بمنزلة الاسم العلم (فيحذف التنوين منها إذا نعتت بابن مضاف إلى علم كما يحذف التنوين من الاسم) (3) وأراد أبا عمرو بن العلاء بن عمار " انتهى.
وزعم ابن السيرافي في شرح أبيات سيبويه أن عمارا جد من أجداده، ورد عليه الاسود أبو محمد الأعرابي في فرحة الاديب بأن عمارا جده الادنى، وليس بجد من أجداده، وهو أبو عمرو زبان بن العلاء بن عمار المازنى، من بنى مازن ابن مالك بن عمرو بن تميم، وأنشد بعد ذلك البيت بيتين آخرين، وهما: حتى أتيت فتى محضا ضريبته * مر المريرة حرا وابن أحرار
ينميه من مازن في فرع نبعتها * أصل كريم وفرع غير خوار
__________
(1) انظر كتاب سيبويه (ج 2 ص 147) وما بعدها (2) في كتاب سيبويه هنا زيادة قوله " وتصديق ذلك قول العرب هذا رجل من بنى أبى بكر بن كنانة " (3) الزيادة عن شرح الاعلم لشواهد سيبويه (ج 2 ص 148) (*)(4/44)
والضريبة: الطبيعة، يعنى أنه أصل كريم لا يخالط طبعه لؤم، والمحض: الخالص الذى لا يخالطه شئ آخر، والمريرة: العزيمة، يعنى أنه شديد الانفة تعاف نفسه أن يفعل أفعالا غير عالية، وينميه: ينسبه ويرفعه، وفاعله أصل، والفرع: شريف قومه، والفرع الغصن والاعلى من كل شئ، والفرع الشجرة، والنبعة: شجرة، والفرع الثاني مقابل الاصل، وهو مأخوذ من فرع الشجرة، والخوار: الضعيف وقال بعض من كتب على أبيات سيبويه: أراد بقوله " أفتح أبوابا وأغلقها " أنى كشفت عن أحوال الناس وفتشتهم فلم أر فيهم مثل أبى عمرو وقال ابن السيد في شرح أدب الكاتب: " الفتح والاغلاق هنا مثلان لما استغلق عليه من الامور وما انفتح، وأحسب الفرزدق يعنى أبا عمرو بن العلاء " وأقول: كأنهما لم يقفا على ما في طبقات النحاة لابي بكر محمد التاريخي فانه روى بسند إلى الاصمعي أنه قال: حدثنى أبو عمرو بن العلاء قال: دخل على الفرزدق فغلقت أبوابا ثم أبوابا، ثم فتحت أبوابا ثم أبوابا، فأنشأ الفرزدق: * مَا زِلْتُ أَفْتَحُ أَبْوَاباً وأغلقها * البيت وقال التاريخي أيضا: حدثنا أحمد بن عبيد، قال: حدثنا الاصمعي، قال: دخل الفرزدق على أبى عمرو بن العلاء وصعد إلى غرف فقال " ما زلت أفتح أبوابا " البيت وقال أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالى: إن أبا عمرو بن العلاء كان
هاربا من الحجاج مستترا، فجاء الفرزدق يزوره في تلك الحالة، فكان كلما يفتح له باب يغلق بعد دخوله، إلى أن وصل إليه، فأنشده هذه الابيات وترجمة الفرزدق تقدمت في شرح الشاهد الثلاثين من أوائل شواهد شرح الكافية وأبو عمر بن العلاء هو أحد القراء السبعة، كان رحمه الله من أعلم الناس بالقرآن ولغاته وتفسيره وعربيته، وكان إماما في الشعر والنحو واللغة وأيام العرب(4/45)
أصله من كازرون، وولد بمكة شرفها الله تعالى سنة ثمان، وقيل تسع وستين، ونشأ بالبصرة، ومات بالكوفة سنة أربع، وقيل خمس وخمسين ومائة، واختلف في اسمه: فقيل زبان بفتح الزاى المعجمة وتشديد الباء الموحدة، وهو الصحيح، وقيل: العريان، وقيل: محبوب، وقيل: يحيى، وقيل: عيينة: وقيل اسمه كنيته، ويرده كلام سيبويه، واشتهر بأبيه العلاء، لان أباه كان على طراز الحجاج (1) ، وكان مشهورا معروفا، وجده عمار كان من أصحاب أمير المؤمنين على ابن أبى طالب، وقرأ أبو عمرو على مجاهد وعكرمة وعطاء وأبى العالية ويحيى بن يعمرو سعيد بن جبير، ويروى أنه قرأ على ابن كثير رحمه الله مع أنه في درجته تتمة: قد وقع البيت في أبيات جيمية للراعي النميري وهى (من البسيط) : ومرسل ورسول غير متهم * وحاجة غير مزجاة من الحاج طاوعته بعد ما طال النجى بنا * وظن أنى عليه غير منعاج ما زال يفتح أبوابا ويغلقها * دوني وأفتح بابا بعد إرتاج حتى أضاء سراج دونه بقر * حمر الانامل عين طرفها ساج وبعده أبيات أخر أوردها الامدي في ترجمته من المؤلف والمختلف، والمبرد في أوائل الكامل وشرحها، وأراد بالمرسل نفسه، يقول: هي حاجة مكتومة إنما يرسل
إلى امرأة فهو يكتمها، والمزجاة: اليسيرة، والنجى: المناجاة، جاء به على فعيل كالصهيل ومنعاج: منعطف، وأراد بالبقر النساء، والعرب تكنى عن المرأة بالبقرة والنعجة وساج: ساكن، ولا أدرى أيهما أخذه من صاحبه، والله أعلم وأنشد بعده وهو الشاهد السابع عشر (من الكامل) : 17 - * إن البغاث بأرضنا يستنسر * على أن يستنسر معناه يصير كالنسر في القوة، قال القالى في أماليه: قال الاصمعي: من أمثال العرب إن البغات الخ، يضرب مثلا للرجل يكون ضعيفا
__________
(1) أي: كان فيما على نسج ثياب الحجاج (*)(4/46)
ثم يقوى، قال القالى: سمعت هذا المثل من أبى المياس، وفسره لى فقال: يعود الضعيف بأرضنا قويا، ثم سألت عن أصل هذا المثل أبا بكر بن دريد فقال: البغاث ضعاف الطير، والنسر أقوى منها، فيقول: إن الضعيف يصير كالنسر في قوته، انتهى وفى الصحاح: قال ابن السكيت: البغاث طائر أبغث إلى الغبرة دوين الرخمة بطئ الطيران، وفى المثل " إن البغاث بأرضنا يستنسر " أي من جاورنا عزبنا، وقال يونس: فمن جعل البغاث واحدا بغثان، مثل غزال وغزلان ومن قال للذكر والانثي بغاثة فالجمع بغاث، مثل نعامة ونعام، وقال الفراء: بغاث الطير شرارها ومالا يصيد منها، وبغاث وبغاث وبغاث ثلاث لغات وكتب ابن برى على ما نقله عن ابن السكيت: هذا غلط من وجهين: أحدهما أن البغاث اسم جنس واحده بغاثة مثل حمام وحمامة، وأبغث صفة، بدليل قولهم أبغث بين البغثة، كما تقول أحمر بين الحمرة، وجمعه بغث، مثل أحمر وحمر، وقد يجمع على أباغث لما استعل استعمال الاسماء، كما قالوا أبطح وأباطح، والثانى
أن البغاث ما لا يصيد من الطير، وأما الابغت من الطير فهو ما كان لونه أغبر، وقد يكون صائدا وغير صائد، انتهى وهو مصراع من الشعر، ولم أقف على تتمته بعد التتبع وبذل الجهد، والله أعلم وأنشد بعده، وهو الشاهد الثامن عشر (من الرجز) 18 - إِنِّي أَرَى النّعَاسَ يَغْرَنْدَيني * أَطْرُدُهُ عنى ويسر ندينى على أن هذين الفعلين قد جاءا متعديين في الظاهر، والاصل يغرندى علي، ويسرندى علي، أي يغلب ويتسلط، وحمل ابن هشام في المغنى تعديهما على الشذوذ، وقال: ولا ثالث لهما، وقال ابن جني في شرح تصريف المازني: افعليت على ضربين: متعد وغير متعد، فالمتعدى نحو قول الراجز:(4/47)
قد جعل النعاس يغرندينى * أدفعه عنى ويسرندينى وغير المتعدى نحو قولهم: احر نبى الديك، انتهى.
وتبعه السخاوى في سفر السعادة فقال: السرندى هو الجرئ الشديد، ومنه قولهم: اسرنداه، إذا ركبه، وأنشد الرجز، وكذا في الصحاح، قال: اسرنداه اعتلاه، والاسرنداء: الاغرنداء، والمسرندى: الذى يعلوك ويغلبك، وأنشد الرجز، ولم يتعرض له ابن بري في أماليه عليه بشئ، ولا الصفدي في حاشيته عليه، وقلما خلا عن هذا الرجز كتاب من علم الصرف، ومع ذلك لم يعرف قائله، والله أعلم.
المضارع وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع عشر: 19 - بُنَتْ على الْكَرَمِ هو قطعة من بيت وهو (من المنسرح) : نَسْتَوْقِدُ النبل بالحضيض ونصطاد * نُفُوساً بُنَتْ عَلَى الْكَرَمِ
على أن أصله بنيت، وطئ تفتح قياساً ما قبل الياء إذا تحركت الياء بفتحة غير إعرابية، فتنقلب الياء ألفاً، وكانت طرفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار بُنَاتْ فحذفت الألف لالتقاء الساكنين قال ابن جني في إعراب الحماسة: هذه لغة طائية، وهو كثير، إلا أنه ينبغي أن تعْلم أن الكسرة المبدلة في نحو هذا فتحةً مُبَقَّاة الحكم غير مَنْسِية ولا مطروحة الاعتداد بها، ألا ترى أن من قال في بَقِيَ بَقَا وفى رضى رضا لا يقول في مضارعه إلا يَبْقَى ألبتة، ولو كان الفعل مبنياً على فَعَل أو مُنْصَرِفاً به عن إرادة فَعِلَ معنى كما انصرف به عنه لفظاً لوجب أن تقول في رَضَا: يَرْضُو، كما تقول في غَزَا: يغزو، وفي فَنَا يفْنُو، لأنه عندي من الواوي، وذلك أنه من معنى الْفِناء للدار وغيرها، إلى آخر ما ذكره(4/48)
وهذا البيت قبله بيت وهو (من المنسرح) : نَحْنُ حَبَسْنَا بَنِي جَدِيلَةَ فِي * نَارٍ مِنَ الْحَرْبِ جَحْمَةِ الضَّرَمِ نستوقد النبل إلخ وأوردهما أبو تمام في أوائل الحماسة (1) ، ونسبهما إلى بعض بني بولان من طى، وبَوْلان - بفتح الموحدة وسكون الواو - علم مرتجل من البَوْل.
قال أبو العلاء المعري: يجوز أن يكون اشتقاقه من البال، وهو الخلد والحال، وجَدِيلة - بفتح الجيم - حي من طي، وهو المراد هنا، وجديلة حي من الأزد أيضاً، وحي من قيس عيلان أيضاً، وجحمة - بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة - مصدر جَحَمَت النار، فهي جاحمة: أي اضطرمت والتهبت، ومنه الجحيم، والضرم - بفتحتين - التهاب النار، وقد ضَرِمَت واضطرمت وتضرمت.
يقول: حبسنا هؤلاء القوم على نار من الحرب شديدة الاضطرام والالتهاب وقوله " نستوقد النبل: إلخ " نستوقد بالنون، والنَّبل - بفتح النون -
السهام مفعولُهُ، يقول: تنفذ سهامنها في الرَّمِيَّة حتى تصل إلى حضيض الجبل فتخرج النار، لشدة رمينا وقوة سواعدنا، ونصيد بها نفوساً مبنية على الكرم، يعني أنا نقتل الرؤساء، وهذا من فصيح الكلام، كأنه جعل خروج النار من الحجر عند ضربهم النبل له استيقاداً منهم لها، والحضيض: قرار الجبل وأسفله، وروي " تستوقد النبل " (2) بالمثناة الفوقية، والنبل فاعله، وروى أبو محمد
__________
(1) انظر شرح الحماسة للتبريزي (ج 1 ص 86) فقد أخذ المؤلف أكثر ما كتبه على هذا الشاهد منه وإن لم يجر ذكره (2) أشار التبريزي في الموضع المذكور إلى هذه الرواية ولكنه جعل فاعل تستوقد ضميرا مستترا عائدا إلى الحرب في البيت السابق وجعل النبل منصوبا على أنه مفعول به (*)(4/49)
الأعرابي فيما نقض به على أبي عبد الله النمري أول شارح للحماسة هذين البيتين لرجل من بني الْقَيْن على وجه لا شاهد فيه، وهو كذا نستوقد النبل بالحضيض ونقتاد * نفوساً صِيْغَتْ على كرم قال: وهذا البيتان لرجل من بَلْقين، وسبب ذلك أن القين بن جَسْر وطيئاً كانوا حُلَفَاء، ثم لم تزل كلب بأوس بن حارثة حتى قاتل القين يوم مَلَكَان (1) فحبستهم بنو القين ثلاثة أيام ولياليها، لا يقدرون على الماء، فنزلوا على حكم الحارث بن زهدم أخي بني كنانة بن (2) القين، فقال شاعر القين يومئذ هذين البيتين، انتهى.
وأنشد بعده، وهو الشاهد العشرون (من الرمل) 20 - لَيْتَ شِعْرِي عَنْ خَلِيْلِي مَا الذي * غاله في الحب حتى وَدَعَهْ على أن ماضي يدع، وهو ودع، لم يستعمل إلا ضرورة، وبالغ سيبويه فقال: (3) " أماتوا ماضي يدع " أي لم يستعملوه، لا في نثر ولا في نظم، وقالوا أيضاً:
لم يستعمل مصدره ولا اسم فاعله ولا اسم مفعوله، مع أن الجميع قد ورد، فالأقرب الحكم بالشذوذ، لا بالإماتة، ولا بالضرورة، كما قال ابن جني في المحتسب، قال: قرأ (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ) خفيفة النبي صلى الله عليه وسلم، وعروة بن الزبير، وهذه قليلة الاستعمال
__________
(1) ملكان: ضبطه ياقوت بفتحات، وضبطه في القاموس مثله أو بكسر الميم وسكون اللام، وقالا: هو جبل بالطائف، وذكر ياقوت أنه يقال: ملكان، بفتح الميم وكسر اللام، وأنه واد لهذيل على ليلة من مكة وأسفله بكنانة (2) في بعض النسخ " أخى بنى بنانة بن القين " وهو تحريف، والترجيح عن نسخة أخرى وعن شرح الحماسة للتبريزي عند شرحه لهذين البيتين (ج 1 ص 86) (3) عبارة سيبويه (ج 2 ص 256) : " كما أن يدع ويذر على ودعت ووذرت وإن لم يستعمل " (*)(4/50)
وقال الصاغانى في العباب: وقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم أصل هذه اللغة فيما روى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ (ما ودعك) مخففة، وكذلك قرأ عروة ومقاتل وأبو حَيْوَة وإبراهيم وابن أبي عبلة ويزيد النحوي، انتهى وقال ابن الأثير في النهاية عند حديث " لينتهين أقوام عن ودعتهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم " أي: عن تركهم إياها والتخلف عنها، يقال: ودع الشئ يَدَعُهُ وَدْعاً، إذا تركه، والنحاة يقولون " إن العرب أماتوا ماضي يدع ومصدره، واستغنوا عنه بترك " والنبي عليه السلام أفصح، وإنما يحمل قولهم على قلة استعماله، فهو شاذ في الاستعمال فصيح في القياس، وقد جاء في غير حديث، حتى قرئ (به (1)) قوله تعالى (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وما قلى) بالتخفيف، انتهى
وكذا في التقريب لنور الدين محمود ابن صاحب المصباح أحمد بن محمد الفيومي، قال: ودعت الشئ وَدْعاً تركته، وقرئ (مَا وَدَّعَكَ ربك) مخففاً ومنه " مَنْ وَدَعَه الناس لشره " و " عَنْ وَدْعهم الجمعات " وقوله " غير مُوَدَّع ربنا ولا مكفور (2) " أي غير متروك ولا مفقود، يريد الطعام، أو المراد الله تعالى أي غير متروك الطاعة أو غير متروك الطلب إليه والسؤال منه، كما قال " غير مستغنى عنه "، وبكسر الدال أي غير تارك طاعتك ربنا، وقيل: هو من الوداع، انتهى وقال أبوه في المصباح: ودعته أدعه وَدْعاً، تركته، وأصل المضارع الكسر، ومن ثَمَّ حذفت الواو، ثم فتح لمكان حرف الحلق، قال بعض المتقدمين: وزعمت النحاة أن العرب أماتت ماضي يدع ومصدره واسم الفاعل، وقد قرأ مجاهد وعروة ومقاتل وابن أبي عبلة ويزيد النحوي (ما ودعك ربك) بالتخفيف،
__________
(1) الزيادة عن النهاية لابن الاثير (2) وقع الحديث هكذا في اللسان وفى النهاية، ولكن لا يتم الاستشهاد به على هذه الرواية (*)(4/51)
وفي الحديث " لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات " أي عن تركهم، فقد رويت هذه الكلمة عن أفصح العرب ونقلت من طريق القراء فكيف يكون إماتة، وقد جاء الماضي في بعض الأشعار، وما هذه سبيله فيجوز القول بقلة الاستعمال، ولا يجوز القول بالإماتة، انتهى وقد روى الماضي (1) في أبيات أخر: قال سويد بن أبي كاهل اليشكري يصف نفسه (من الرمل) وَرِثَ الْبِغَضَةَ عن آبائِهِ * حافظ العقل لما كان استمع فَسَعَى مَسْعَاتُهُمْ في قَوْمِهِ * ثُمَّ لَمْ يَظْفَرْ وَلاَ عَجْزاً وَدَعْ ويروى * ولا شيئاً ودع *
وقال آخر (من المنسرح) وكانَ مَا قدموا لأنفسهم * أكْثَرَ نَفْعاً مِنَ الَّذي وَدَعُوا
__________
(1) قال التبريزي في شرح الحماسة (ج 2 ص 85) : " وقوله: أرى ضيعة الاموال أن لا يضمه * إمام، ولا في أهله المال يودع يجوز أن يكون يودع في معنى يترك، وتلك لغة قليلة، وقد حكوا ودع في معنى ترك، فإذا بنى الفعل على ما لم يسم فاعله وجب أن يقال ودع يودع، وقد روى أن بعضهم قرأ (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى) ، وروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنشدوا بيتا ينسب إلى أبى الاسود الدؤلى: لَيْتَ شِعْرِي عَنْ خَلِيْلِي مَا الَّذِي * غَالَهُ في الود حتى ودعه ويجوز أن يكون يودع في البيت المتقدم محمولا على الوديعة كما قال: وما المال والاهلون إلا وديعة * ولابد من أن تسترد الودائع اه كلامه، والبيت الاول الذى أنشده لغالب بن الحر بن ثعلبة الطائى والبيت الاخير في كلامه للبيد بن ربيعة العامري (*)(4/52)
وأما اسم الفاعل فقد جاء في شعر رواه أبو عَلِيّ (1) في البصريات، وهو (من الطويل) فَأَيُّهُمَا مَا أتْبَعَنَّ فَإِنَّنِي * حَزِينٌ عَلَى ترك الَّذِي أنَا وَادِعُ وأما اسم المفعول فقد جاء في شعر خُفَاف بن نُدْبَة الصحابي، وهو (من الطويل) إذَا ما استَحَمَّت أرْضُهُ مِنْ سَمَائِهِ * جرى وهو مودع وواعد مصدق أي: متروك لا يضرب ولا يزجر وهذا البيت من أبيات لأنس بن زنيم قالها لعبيد الله بن زياد بن سُمَيَّة وهي: سَلْ أمِيري مَا الَّذِي غَيَّرَهُ * عَنْ وِصَالِي الْيَوْمَ حَتَّى وَدَعَهْ
لا تُهِنِّي بَعْدَ إكْرَامِكَ لِي * فَشَدِيدٌ عَادَةٌ مُنْتَزَعَهْ لاَ يَكُنْ وَعْدُكَ برقا خلبا * إنَّ خَيْرَ الْبَرْقِ مَا الْغَيْثُ مَعَهْ كَمْ بِجُودٍ مُقْرِفٍ نَالَ الْعُلَى * وَشَرِيفٍ بُخْلُهُ قَدْ وضَعَهْ وتقدم شرح هذه الأبيات مع ترجمة قائلها في الشاهد التاسع والثمانين بعد الأربعمائة من شرح شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الحادى والعشرون (من الكامل) : 21 - لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة * تدع الصَّوَادِيَ لاَ يَجُدْنَ غَلِيلاً على أن ضم الجيم من يَجُد لغة بني عامر، كما هو في هذا البيت، ومراده هذه اللفظة بخصوصها، ووجه ضعفها الشذوذ بخروجها عن القياس والاستعمال، وكسر الجيم هو القوي فيها، وقد سمع، قال السيرافي: إنهم يقولون ذلك في يجد
__________
(1) في أصول هذا الكتاب كلها " أبو يعلى " وهو تحريف من النساخ، لان صاحب البصريات هو أبو على الفارسى الحسن بن أحمد بن عبد الغفار المتوفى ببغداد في عام 277 هـ، ويؤيد هذا قول صاحب اللسان: وقد جاء في بيت أنشده الفارسى في البصريات " اه، ثم ذكر هذا البيت نفسه (*)(4/53)
من الْمَوْجَدَة والْوِجْدَان، وبنو عامر في غير يجد كغيرهم، وكذا قال صاحب الصحاح، وأطلق صاحب العباب وتبعه صاحب القاموس فحكيا الضم في هذه الكلمة، ولم يذكرا بني عامر، قال السيرافي: وروى " يجدن " بالكسر في البيت، وصرح الفارابي وغيره بقصر لغة بني عامر بن صعصعة على هذه اللفظة، وكذا جرى عليه أبو الحسن بن عصفور، فقال: وشذ من فَعَل الذي فاؤه واو لفظة واحدة، فجاءت بالضم، وهي وجدَ يَجُد، قال: وأصله يَوْجِد، فحذفت الواو لكون الضمة هنا شاذة، والأصل الكسر، انتهى
وزعم ابن مالك في التسهيل أن لغة بني عامر فيما فاؤه واو من المثال ضم العين: أي فيقولون: وَعَدَ يَعُد وَوَلَد يَلُدُ، ونحو ذلك، بضم العين ورده أبو حيان في الارتشاف، قال: ويجد من الموجدة والوجدان بضم الجيم شاذ، وقيل: لغة عامرية في هذا الحرف خاصة، وجَعْل ابن مالك ذلك قانوناً كلياً لغة بني عامر في كل ما فاؤه واو من فعل ليس بصحيح، انتهى وكذا اعترض عليه شراحه كابن عقيل والمرادي، ويشهد لهم قول ابن جني في سر الصناعة: ضم الجيم من يَجُد لغة شاذة (غير معتد بها (1)) لضعفها وعدم نظيرها ومخالفتها ما عليه الكافة فما هو بخلاف وضعها، وقال أيضاً في شرح تصريف المازني: فأما قول الشاعر * لا يَجُدْنَ غَلِيلاَ * فشاذ، والضمة عارضة، ولذلك حذفت الفاء كما حذفت في يَقَع وَيَزَعَ، وإن كانت الفتحة هناك لأن الكسرة هي الأصل، وإنما الفتح عارض (2) ، انتهى
__________
(1) هذه الكلمة غير موجودة في كتاب سر الصناعة لابن جنى في باب حرف الواو (نسخة خطية محفوظة في مكتبتنا الخاصة) (2) في شرح تصريف المازنى: " لان الكسر هو الاصل " (نسخة خطية محفوظة في مكتبتنا الخاصة) (*)(4/54)
وهذا التوجيه هو التوجيه الأول من توجيهي الشارح، وأما توجيهه الثاني وهو أن تكون الضمة أصلية - فيرده مجئ الكسر في هذه الكلمة كما نقلنا.
والبيت الذي أنشده الشارح المحقق ليس للبيد العامري، وإنما هو لجرير، وهو تميمي، وهو في هذا تابع للجوهري، قال في صحاحه: وجد مطلوبه يجده وجودا ويجده أيضا بالضم لغة بنى عامر (1) ، لا نظير لها في باب المثال، قال لبيد وهو عامري * لو شئت قد نقع الفؤاد - البيت * قال ابن بري في أمالية
على الصحاح: البيت لجرير، وليس للبيد كما زعم، وكذا نسبة الصاغاني في العباب لجرير، وأنشد هذه الأبيات الثلاثة له، وهي أول قصيدة هجا بها الفرزدق: لَمْ أرَ مِثْلَكَ يا أُمَامُ خَلِيلاً * أنْأَى بِحَاجَتِنا وأَحْسَنَ قِيلاً لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة * تدع الصوادي لاَ يَجُدْنَ غَليلا (2) بِالْعَذْبِ في رَصْفِ الْقِلاَتِ مَقِيلُهُ * قَضُّ الأَبَاطِحِ لا يَزَالُ ظَليلا (3) وأمامُ: مرخم أُمامة بضم الهمزة اسم امرأة، والخليل: الصديق، والأنثى خليلة، كذا في العباب، وإنما لم يؤنثه هنا للحمل على صديق، فإنه يقال: رجل صديق وامرأة صديق، وأنأى: وصف لخليل، وهو أفعل تفضيل من النأي،
__________
(1) في الصحاح: " لغة عامرية " (2) في الديوان، وشرح تصريف المازنى، وسر الصناعة: " تدع الحوائم " والحوائم: العطاش واحدها حائم (3) في أصول الكتاب هنا: " بالعذب من " والتصحيح عن اللسان والديوان، ووقع في اللسان مادة (وج د) رضف القلات (بالضاد المعجمة محركة) وهو تحريف من وجهين لان الرضف بالمعجمة الساكنة الحجارة المحماة تطرح في اللبن ليذهب وخمه ولا يصلح ههنا والتحريك غير موجود (*)(4/55)
وهو البعد، والباء متعلقة به، والقيل: القول، يريد أنها تقول ما لا تفعل، فقولها قريب حَسن مُطِمعٌ في حصول المراد، وهي أبعد بحصوله له من كل شئ، وزعم العيني أن قوله أنأى بحاجتنا من قولهم: أناءه الحمل، إذا أثقله، ونقله السيوطي في شرح أبيات المغنى، وهو غير صحيح، لأن أفعل التفضيل لا يكون إلا من الثلاثي، وكأن المراد من حسن القول قرب المأمول، ويقابله بعده، لا إثقاله، قال
صاحب الصحاح: وأناءه الحمل مثال أناعه: أي أثقله، (وأماله) (1) ويقال أيضاً: ناء به الحمل، إذا أثقله، فيتعدى بالباء والهمزة، وهو من ناء ينوء نَوْءاً، إذا نهض بِجَهد ومشقة، وناء بالحمل: إذا نهض به مثقلاً، وقوله " لو شئت - إلخ " بكسر التاء خطاب لأمامة، وجملة " قد نقع الفؤاد " جواب لو، قال ابن هشام في المغني: وورد جواب لو الماضي مقروناً بقد، وهو غريب، كقول جرير * لو شئت قد نقع الفؤاد - البيت * ونظيره في الشذوذ اقتران جواب لولا بها، كقول جرير أيضاً * لَوْلاَ رَجَاؤكَ قَدْ قَتَّلْتَ أَوْلاَدِي * انتهى.
و" نقع " بالنون والقاف، يقال: نقع زيد بالماء: أي ارتوى منه، وشرب حتى نقع: أي شفي غليله، والغليل - بالغين المعجمة - حرارة العطش، قال ابن بري: يقال نقع الفؤاد رَوِي، ونقع الماء العطش: أذهبه، نَقْعاً ونُقُوعاً فيهما، والماء الناقع: العذب الْمَرْوي، وقوله " بشربه " متعلق بنقع، والشربة: المرة من الشرب، وأراد به ماء ريقها، وروى بدله " بِمَشْرِب " وهو مصدر ميمي، وقوله " تدع الصوادى " فاعل تدع ضمير الشربة، ومعناه تترك، والصوادي: جمع صادية: أي الفرقة الصادية، أو هو جمع صادٍ.
والصَّدى: الْعَطْش، والصادي: العطشان، يقول: لو ذاقت الفرق الصوادي من تلك الشربة
__________
(1) الزيادة عن صحاح الجوهرى (*)(4/56)
لتركتهم بلا عطش، وجملة " لا يجدن غليلا " حال من الصوادي، ومن العجيب قول نظام الأعرج في شرحه: الصوادي في البيت النخيل الطوال على ما في الصحاح، وقوله " بالعذب " متعلق بشَرْبة، والباء بمعنى من، أي بشربة من الماء العذب، وهو وصف من عَذُب الماء - بالضم - عذوبة: أي ساغ
مشربه، و " في رصف " حال منه، والرصف بفتح الراء وسكون الصاد المهملتين (1) الحجارة المرصوف بعضها إلى بعض، والْقِلاَت - بكسر القاف - جمع قلتٍ بفتحها وسكون اللام - وهي النقرة في الصخرة أو الجبل يستنقع فيها ماء السماء، ومقيلة بالقاف: أي موضع الماء العذب، وهو مبتدأ، وقوله " قِضُّ الأباطح " خبره، وَالْقَضُّ - بكسر القاف وتشديد الضاد المعجمة - الحصى الصغار والأرض ذات الحصى أيضاً، وهو مضاف إلى الأباطح جمع أبطح، وهو كل مكان متسع، والماء الموصوف بهذين الوصفين يكون أصفى المياه وأطيبها وترجمة جرير تقدمت في الشاهد الرابع من أول شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والعشرون (من الرجز) : 22 - بنيتي سَيِّدَةَ الْبَنَاتِ * عِيشي وَلاَ نَأْمَنُ أنْ تَمَاتِي على أنه جاء تَمَاتُ مضارع مِتّ بكسر الميم كتخاف مضارع خِفت، وزاد ابن القطاع حرفين آخرين على ما ذكره الشارح المحقق من الحرفين، وهما كِدْتَ تَكُود وجِدْتَ تَجُودُ بكسر أول الماضي فيهما، وجاء فيهما تكاد وتجاد وبنيتي: منادى بحرف نداء مقدر، وهو مصغر بنت مضاف إلى ياء المتكلم وسيدة: بالنصب نعت له، ويجوز رفعه، وعيشي: دعاء لها بأن تعيش
__________
(1) الذى في اللسان أنه بفتح الراء والصاد المهملتين (*)(4/57)
وهذا الرجز كذا أنشده الجوهري في الصحاح غير معْزُوٍّ إلى قائله، ولم يكتب عليه ابن بري شيئاً في أماليه عليه، ولا الصفدي في حاشيته، وقال الصاغاني في العباب: قد مات يموت ويمات أيضاً، وأكثر من يتكلم بها طئ وقد تكلم بها سائر العرب، قال: * بُنَيّ يَا سَيِّدَةَ الْبَنَاتِ *
هكذا أنشده ابن دريد، وأنشد غيره بُنَيَّتِي يا خِيْرَةَ الْبَنَاتِ * عِيشِي، وَلاَ يُؤْمَنُ أنْ تَمَاتِي ويروى " ولا يؤمن بأن (1) " ويروى " نأمَن أنْ " وقال يونس في كتاب اللغات: إن يَميت لغة فيها، انتهى وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والعشرون: (من الرجز) 23 - فإنه أهل لان يؤ كرما * على أنه شاذ، والقياس يُكْرَمَ بحذف الهمزة، وهذا المقدار أورده الجوهري في صحاحه في مادة كرم غير معزو إلى قائله، ولا كتب عليه ابن بري شيئاً في أماليه، ولا الصفدي في حاشيته عليه، وهو مشهور في كتب العربية قلما خلا عنه كتاب، وقد بالغت في مراجعة المواد والمظانّ فلم أجد قائله ولا تتمته، وقال العيني: تقدم الكلام عليه مستوفى في شواهد باب النعت وفي شواهد نوني التوكيد وأقول: لم يذكره فيهما أصلاً، فضلاً أن عن يستوفى الكلام عليه
__________
(1) كذا في عامة الاصول، وليس بشئ، لان وزن البيت يختل، إلا أن تسكن النون من " يؤمن " ضرورة.
(*)(4/58)
وقال الجاربردى (1) أوله: * شَيْخٌ عَلَى كُرْسِيِّهِ مُعَمَّما * وأقول: هذا من قصيدة مرَجَّزة منها: يَحْسَبَهُ الْجَاهِلُ مَا لَمْ َيَعْلَمَا * شَيْخَاَ عَلَى كُرْسِيِّهِ مُعَمَّمَا لَوْ أَنَّهُ أَبَانَ أوْ تَكَلَّمَا * لَكَانَ إيَّاهُ وَلكِنْ أَعْجَمَا وقد شرحناها في الشاهد التاسع والأربعين بعد التسعمائة من آخر شواهد
شرح الكافية، وليس في تلك القصيدة * فإنه أهل لان يؤ كرما * وأنشد الجاربردي (2) ، وهو الشاهد الرابع والعشرون، وهو من شواهد سيبويه (3) (من السريع) : لَمْ يَبْقَ مِنْ آيٍ بِهَا يُحَلَّيْنْ * غَيْرَ رَمَادٍ وَحُطَامٍ كِنْفَيْنْ وَغَيْرَ وَدٍّ جَاذِلٍ أوْ وَدَّيْنْ * وَصَالِيَاتٍ كَكَما يُؤَثْفَيْنْ على أن يؤثفين بالهمز شاذ، والقياس يُثْفَيْنَ جاء على الأصل المهجور لضرورة الشعر ووزنه يُؤَفْعَلْنَ بزيادة الياء والهمزة، وهذا أحد قولين، ومعناه جعلت أثافي جمع أُثْفِيَّة، وعليه فَأُثْفِيَّة أُفْعُولَة أصلها أُثْفُوية قلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت الفاء لتبقى الياء على حالها، واستدلوا على زيادة الهمزة بقول العرب: ثَفَّيْتُ القدر، إذا جعلتها على الأثافي، والقول الثاني - وهو لجماعة - أن وزنه يُفَعْلَيْنَ، فالهمزة أصل ووزن أثفية على هذا فُعْلِيَّة، واستدلوا بقول النابغة (من البسيط) :
__________
(1 و 2) انظر شرح الجار بردى (ص 58) (3) انظره (ج 2 ص 331) ، وقد جعلوا الشاهد من بحر الرجز (*)(4/59)
لا تَقْذِفَنِّي بِرُكْنٍ لاَ كِفَاءَ لَهُ * وَإِنْ تَأَثَّفَكَ الأَعْداءُ بالرِّفَدِ (1) فقوله تَأَثَّفَكَ وزنه تَفَعَّلَكَ لا يصح فيه غيره، ولو كان من ثَفَّيْتُ القِدْرَ لقال تَثَفَّاك، ومعنى البيت صار أعدائي حولك كالاثافى تَظَافُراً، قال ابن جني في شرح تصريف المازني: وَيُفَعْلَيْنَ أولى من يؤفعلن، لانه لا ضرورة فيه، قال أبو الفتح بن جني: يقال أثْفَيْتُ القدر وَأَثَّفْتُها وثَفَّيْتُها، إذا أصلحت تحتها الأثافي، وقال صاحب الصحاح: ثَفَّيْتُ القدر تَثْفِيَةً، وضعتها على الأثافي، وَأَثْفَيْتُها
جعلت لها أثافي، وأنشد البيت وهذا الشعر لخِطَام الْمُجَاشِعِي، ونسبه الصقلي شارح أبيات الإيضاح للفارسي، والجوهري في الصحاح، إلى هِمْيَان بن قُحَافَة، وأوله: حَيِّ دِيَارَ الْحَيِّ بَيْنَ السَّهْبَيْنْ * وَطَلْحَةِ الدَّوْمِ وَقَدْ تَعَفَّيْنْ و " حَيِّ " أمر من التحية، والحي: القبيلة، والسهبان: موضع، وكذا طلحة الدوم، والنون في تَعَفَّيْنَ ضمير ديار الحي، وَتَعَفَّى بمعنى عفا اللازم.
يقال: عفا المنزل يَعْفُو عُفُوّاً، إذا درس، والآي: جمع آية بمعنى العلامة.
والتَّحْلِية: الوصف يقال: حَلَّيْتُ الرجل مثلاً، إذا وصفته، يقول: لم يبق من علامات حلولهم في ديارهم تُحلّيها وتصفها غير ما ذكر، ومن: زائدة، وآي فاعل، وغير منصوب على الاستثناء، وجملة يُحَلَّيْنَ صفة لآي، وبها متعلق به.
والخُطَامُ بضم المهملة: ما تكسر من الحطب، والمراد به دِقُّ الشجر الذي قطعوه فظلوا به الخيام، ورماد مضاف إلى كَنْفَيْن ويجوز تنوينه، وكنف بفتح الكاف وسكون النون الناحية والجانب.
وأصله بفتح النون سكنها للضرورة أي رماد من جانبي الموضع.
وقيل الكِنْفُ هنا بكسر الكاف وسكون النون، وهو خرج يضع فيه
__________
(1) الرفد - بكسر أوله وفتح ثانيه: جمع رفدة - بكسر فسكون - وهى العصبة من الناس، يقول: لا ترمنى منك بما لا مثل ولا أستطيع دفعه وإن احتوشك الاعداء متعاونين (*)(4/60)
الراعي أشياءه: فيكون المعنى رماد ملء كنفين، والجاذل بالجيم والذال المعجمة المنتصب، جَذْلَ جُذُولاً: انتصب وثبت، والْوَدّ: الوتد، وأراد بالصاليات الأثافي الثلاثة التي توضع عليها القدر لأنها صليت بالنار أي أحرقت حتى اسودَّت وهي معطوفة على " حطام " أي وغير أثافي صاليات بالنار، وليست الواو واو رُبَّ
كما توهمه ابن يَسْعَوْنَ.
وروى بدلها " وغير سُفْع " جمع أسفع، أراد به الأثافي أيضاً لأنها قد سفعتها النار أي سودتها وغيرت لونها، وروى أيضا " وما ثلات " أي منتصبات، يقول: إن هذه الأثافي تدل على قرب عهد بالعمارة ببقائها على الحال التي وضعتها عليه أهل العمارة فكانت لذلك أجلب للشوق والتذكار، وقوله " ككما " قيل: الكاف الأولى حرف والثانية اسم بمعنى مثل، وقيل: مؤكدة للأولى، وقيل: زائدة، قال أبو علي: " ما " في ككما يجوز أن تكون مصدرية كأنه قال مثل الإثفاء، ويجوز أن تكون موصولة بمنزلة الذي، وقال ابن السيد: الكافان لا يتعلقان بشئ، فإن الأولى زائدة والثانية قد جرت مجرى الأسماء لدخول الجار عليها، ولو سقطت الأولى وجب أن تكون الثانية متعلقة بمحذوف صفة لمصدر مقدر محمول على معنى الصاليات لأنها نابت مناب مُثْفَيَات فكأنه قال: ومثفيات إثفاء مثل إثفائها حين نصبت للقدر، ولابد من هذا التقدير ليصح اللفظ والمعنى، وقد شرحنا أبياتاً أخر من هذه القصيدة وترجمنا قائلها في الشاهد الخامس والثلاثين بعد المائة من شواهد شرح الكافية الصفة المشبهة وأنشد فيها، وهو الشاهد الخامس والعشرون، وهو من شواهد سيبويه (1) (من الرجز) 25 - * مَا بَالُ عَيْنِي كالشعيب العين *
__________
(1) انظر (ج 2 ص 372) (*)(4/61)
على أنه لم يأت على فَيْعَل بفتح العين شئ من الصفة المشبهة غير حرف واحد في المعتل وهو عَيَّنٌ، قال الأعلم: الشاهد فيه بناء الْعَيَّن على فَيْعَل بالفتح، وهذا شاذ في المعتل لم يسمع إلا في هذه الكلمة وكان قياسها أن تكسر العين فيقال
عَيِّن كما قيل سيِّد وهيَّن وليِّن، ونحو هذا، وهذا بناء يختص به المعتل ولا يكون في الصحيح كما يختص الصحيح بفَيْعَل مفتوحة العين نحو صَيْرَفٍ وحَيْدَرٍ، وهو كثير، انتهى وقال ابن السيد في شرح أدب الكاتب: وجدت في نسخة من شعر رؤبة بخط أبي يعقوب إسحق بن إبراهيم بن الجنيد قرأها على أبى بكر بن دريد (وعليها خط ابن دريد وإجازته) (1) العَيِّن بكسر الياء، وقال: العين الذي قد رَقَّ (2) وتهيأ للخرق، انتهى وكذا قال ياقوت في هامش الصحاح، قال: أنشده سيبويه على فَيْعَل بفتح العين، وقال: ولم يجئ غير عَيَّن في المعتل، وهو نادر، والقياس فَيْعِل بكسر العين، والذي وجدته في شرح رجز رؤبة العين بكسر الياء ولا يجوز فتحها، انتهى.
والبيت أول أرجوزة بن العجاج، وبعده (3) : وَبَعْضُ أَعْرَاضِ الشَّجُونِ الشُّجَّنِ * دَارٌ كَرَقْمِ الكَاتِبِ الُمُرَقِّنِ * بَيْنَ نَقَا المُلْقَى وَبَيْنَ الأَجْؤُن * قوله " ما بال عيني " ما استفهامية مبتدأ أو خبر مقدم، وبال خبر أو مبتدأ مؤخر، وهو بمعنى الشأن والحال، وقوله " كالشعيب " في موضع الحال، والشعيب - بفتح الشين المعجمة -
__________
(1) الزيادة عن شرح أدب الكاتب لابن السيد البطليوسى (ص 472) (2) في الاصول " تمزق وتهيأ للخرق " والتصويب عن شرح أدب الكاتب (3) انظر أراجيز رؤية (160) (*)(4/62)
قال ابن دريد في الجمهرة: المزادة الصغيرة.
قال الجواليقي في شرح أدب الكاتب: " هي في الأصل صفة غالبة، فعيل
بمعنى مفعول، والعين: التي فيها عيون، فهي تسيل، وهو يشبهون خروج الدمع من العين بخروج الماء من خرز (1) المزادة، قال: كأنهما مزادتا مستعجل " انتهى وقال الجوهري " يقال: بالجلد عَيَنٌ، وهي دوائر رقيقة، وذلك عيب.
تقول منه: تعين الجلد، وسقاء عين ومتعين " وأنشد البيت.
وكتب ابن بري في أمالية على صحاحه: العين الجديد في لغة طئ قال الطرماح (من الطويل) قَدِ اخْضَلَّ مِنْهَا كُلُّ بَالٍ وَعَيِّنٍ * وَجَفَّ الرَّوَايا (2) بِالْمَلاَ الْمُتَبَاطِنِ انتهى.
وقال الأعلم: " الشَّعيبُ: القربة، والعين: الخَلَقُ البالية، شبه عينه لسيلان دمعها بالقربة الخلق في سيلان مائها من بين خرزها لبلاها وقدمها " اه وقوله " وبعض أعراض إلخ " قال ابن السيد: دار خبر بعض، والمُرَقِّن: الذي ينقط الكتاب، والْمُلْقَى والاجؤن مكانان، كذا وجدته الملقي مضموم الميم مفتوح القاف، والأجؤن مضموم الواو مهموزاً كأنه جمع جُؤن، ووجدته في غيره الاجون مفتوح الواو غير مهموز، انتهى وترجمة رؤبة تقدمت في الشاهد الخامس من أوائل شرح الكافية: المصدر أنشد فيه، وهو الشاهد السادس والعشرون: (من البسيط)
__________
(1) الخرز - بضم أوله وفتح ثانيه: جمع خرزة - كغرفة - وهى كل ثقبة وخيطها (2) الروايا: جمع راوية، وهى المزادة، والملا: موضع، وهو أيضا الصحراء، والمتباطن: المنخفض (*)(4/63)
26 - إن الخليط أجد والبين فَانْجَرَدُوا * وَأخْلَفُوكَ عِدَا الأَمْرِ الَّذِي وَعَدُوا
على أن الفراء قال في قوله تعالى (مِّن بَعْدِ غلبهم سيغلبون) يجوز أن يكون في الأصل غلبتهم بالتاء، فحذفت التاء كما حذفت من " عدا الأمر " في البيت والأصل عدة الأمر، وهذا كلام الجوهري في الصحاح وأقول: لم يورد الفراء هذا البيت عند هذه الآية، وهذا نصه في تفسيرها " وقوله من بعد غلبهم كلام العرب غلبته غلبة، فإذا أضافا أسقطوا الهاء كما أسقطوها في قوله تعالى (وإقام الصلاة) والكلام إقامة الصلاة " انتهى.
وإنما أورده عند تفسير الآية الأخرى من سورة النور قال: " وأما قوله تعالى (وإقام الصلاة) فإن المصدر من ذوات الثلاثة إذا قلت: أفعلت كقولك أقمت وأجبت، يقال فيه: إقامة وإجابة، ولا تسقط منه الهاء، وإنما أدخلت لأن الحرف قد سقطت منه العين، كان ينبغي أن يقال: إقْوَاماً فلما سكنت الواو (1) وبعدها ألف الإفعال فسكنتا فسقطت الأولى منهما فجعلوا الهاء كأنها تكثير للحرف، ومثله مما أسقط منه بعضه فجعلت فيه الهاء، قوله وعدته عدة ووجدت المال جدةً ولما أسقطت الواو من أوله كثر من آخره بالهاء وإنما استجيز سقوط الهاء من (وإقام الصلاة) لإضافتهم إياه، وقالوا: الخافض وما خفض بمنزلة الحرف الواحد، فلذلك أسقطوها في الإضافة، وقول الشاعر: * إن الخليط أجدوا البين - إلخ * يريد عدة الأمر، فاستجاز إسقاط الهاء حين أضافها " انتهى كلامه والبيت للفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، قال الجوهري: الخليط: المخالط، كالنديم المنادمُ والجليس المجالسُ، وهو واحد وجمع، قال: إنَّ
__________
(1) أي بعد نقل حركتها إلى الساكن قيلها(4/64)
* إنَّ الخليط أجدوا البين فانصرموا *
وقوله " أجدوا " في العباب: وأجدَّه: صيّره جديداً، فالبين مفعوله، وهو بمعنى البعد والفراق هنا، وقوله " فانجردوا " بالجيم: أي بعدوا، في العباب: وانجرد بنا السير: أي امتد وطال، وروى بدله " فانصرموا ": أي انقطعوا عنا ببعدهم والفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، واسمه عبد العزى، ابن عبد المطلب بن هاشم، كان من شعراء الهاشميين وفصحائهم، توفي في زمن الوليد بن عبد الملك حكي أنه كان بالمدينة تاجر يسمى العقرب، وكان أمطل الناس، فعامله الفضل، وكان أشد الناس تقاضياً، فلما حل المال قعد الفضل بباب العقرب يقرع، وعقربٌ على سجيّته في المطل، فلما أعياه قال يهجوه (من السريع) : قَدْ تَجَرَتْ فِي سُوقِنَا عَقْرَبٌ * لاَ مَرْحَباً بِالْعَقْرَبِ التَّاجِرَهْ كُلُّ عَدُوٍّ كَيدُهُ فِي اسْتِهِ * فَغَيْرُ مَخْشِيّ وَلاَ ضَائِرَهْ إن عَادَتِ الْعَقْرَبُ عُدْنا لَهَا * وَكَانَت النَّعْلُ لَهَا حَاضِرَهْ وكان الفضل شديد الأُدمة ولذلك قال (من الرمل) : وَأَنَا الأَخْضَرُ مَنْ يَعْرِفُنِي * أَخْضَرُ الْجِلْدَةِ فِي بَيْتِ الْعَرَبْ مَنْ يُسَاجِلْنِي يُسَاجِلْ مَاجِداً * يَمْلأُ الدَّلْوَ إلى عَقْدِ الْكَرَبْ وسمعه الفرزدق ينشد هذا الشعر فنزع ثيابه وقال: أنا أساجله، فقال له: من أنت؟ فلما انتسب له لبس ثيابه وقال (له) : والله لا يساجلك إلا من عض بأير أبيه، وهو هاشمي الأبوين، أمه بنت العباس بن عبد المطلب وإنما أتته الأدمة من قبل جدته وكانت حبشية وأنشد الجاربردي (1) وهو الشاهد السابع والعشرين (من الوافر) :
__________
(1) انظره في ص 63 من شرح الجاربردى (*)(4/65)
27 - بكت عين وَحُقَّ لَهَا بُكَاهَا *
وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلاَ الْعَوِيلُ (1) وهو مطلع قصيدة في رثاء حمزة رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم لما استشهد في غزوة أحد.
واختلف في قائلها، فقيل: هي لحسان بن ثابت رضي الله عنه، وليست في ديوانه، وقال عبد الملك بن هشام في السيرة: " قال ابن إسحاق: هي لعبد الله ابن رَوَاحَة، وقد أنشدنيها أبو زيد الأنصاري (لكعب بن مالك) (2) وهؤلاء الثلاثة هم شعراء النبي صلى الله عليه وسلم " وقد أورد ابن هشام القصيدة في غزوة أحد وهذه أبيات منها بعده: عَلَى أسَدِ الإِلَهِ غَدَاةَ قَالُوا * أحمزة ذاكم الرجل القتيل أصبب المُسْلِمُونَ بِهِ جَمِيعاً * هُنَاكَ وَقَدْ أُصِيبَ بِهِ الرَّسُولُ أيَا يَعْلَى لَكَ الأَرْكَانُ هُدَّتْ * وَأَنْتَ الْمَاجِدُ البَرُّ الْوَصُولُ عَلَيْكَ سَلاَمُ رَبِّكَ في جِنَانٍ * مُخَالِطُهَا نَعِيمٌ لاَ يَزُولُ ألاَ يَا هَاشِمُ الأَخْيَارُ صَبْراً * فَكُلُّ فَعَالِكُمْ حَسَنٌ جَمِيلُ رَسُولُ الله مُصْطَبِرٌ كَرِيمٌ * بِأَمْرِ الله يَنْطِقُ إذْ يَقُولُ قوله " وحق لها بكاها " أي صار البكاء لها حقاً لازماً، وحكى الأزهري: ما أغنى فلان شيئاً، بالغين والعين، أي: لم ينفع في مهم ولم يكف مؤنة.
فيكون المفعول هنا محذوفا " والعويل " اسم من أعول عليه إعوالاً وهو البكاء والصراخ، وقوله " على أسد الإله " متعلق بالبكاء أو العويل على سبيل التنازع،
__________
كذا في الجاربردى وفى اللسان (ب ك ى) وفى سيرة ابن هشام (ح 3 ص 148) ووقع في الاصول محرفا (ولا يغنى) (2) الزيادة عن سيرة ابن هشام (ح 3 ص 148) ولا يتم الكلام إلا بها (*)(4/66)
وأسد الله: لقب سيدنا حمزة، والألف في قوله " أحمزة " للاستفهام، و " أبو يعلى " كنيته رضي الله عنه، وأنشد الشارح وهو الشاهد الثامن والعشرون (من الرجز) : 28 - فَهْيَ تُنَزِّي دَلْوهَا تَنْزِيَّا كَمَا تُنَزِّي شَهْلَةٌ صَبِيَّا على أن مجئ المصدر المعتل اللام لفعَّل على تَفْعِيل ضرورة، والقياس أن على تَفْعِلَة كتكرمة، وأورده أبو عبيد القاسم بن سلام في الغريب المصنف في باب نعوت الخرقاء والعجوز كذا * بات ينزي دلوه تنزيا * وقال: هي الشهيرة (1) والشهلة يعني العجوز، وخص الشهلة لأنها أضعف من الشابة فهي تنزي الصبي: أي ترقصه بثقل وضعف، والمعنى هذه المرأة تحرك دلوها في الاستقاء وترفعها وتخفضها عند الاستقاء لتمتلئ تحريكاً مثل تحريك عجوز صبيها في ترقيصها إياه وقال ابن يعيش: يقال: امرأة شهلة، إذا كانت نَصَفاً وصار كالاسم لها بالغلبة، ولا يقال ذلك للرجال، وفي المصباح: نزا يَنْزُو من باب قتل، ونَزَواناً، بمعنى وثب، ويتعدى بالهمزة والتضعيف، فيقال: أنزاه إنزاء ونزاه تنزيةً، وهذا الشعر مشهور في كتب اللغة وغيرها، ولم يذكر أحد تتمته ولا قائله والله أعلم وأنشد بعده وهو الشاهد التاسع والعشرون (من الطويل) : 29 - بُثَيْنُ الْزَمِي " لاَ " إنَّ لاَ إن لزمته * على كثرة الواشين أي معون
__________
(1) الشهبرة والشهربة لغتان بمعنى العجوز الكبيرة، والرجل شهبر وشهربة عن ابن السكيت، وقال الازهرى: ويقال للرجل: شهبر (*)(4/67)
على أن السيرافي قال: أصله معونة، فحذفت التاء لضرورة الشعر، وأجاز ابن جني في شرح تعريف المازني أن يكون كذا وأن يكون جمع معونة، وكذا أجاز الوجهين في مَكْرُم ومأْلُكٍ، وأورده ابن عصفور في كتاب الضرائر في ترخيم الاسم في غير النداء للضرورة والبيت من قصيدة لجميل بن عبد الله بن مَعْمَرٍ العذري.
يقول: إن سألك سائل يابثين هل كان بينك وبين جميل وصل فقولي: لا، فإن فها عوناً على الواشين (و) دفعاً لشرهم، و " بثين " مرخم بثينة منادى وهو اسم محبوبته.
يقول: ردي على الواشين قولهم، وإذا سألوك شيئاً فقولي: " لا " فإنهم إذا عرفوا منك ذلك انصرفوا عنك وتركوك، فيكون لزوم كلمة " لا " عوناً عليهم، و " أيُّ " دالة على الكمال مرفوعةً خبرُ إن: أي إن " لا " معونة أيُّ معونة، وبعده: وَنُبِّئْتُ قَوْماً فِيكِ قَدْ نَذَرُوا دَمِي * فَلَيْتَ الرِّجَالَ الْمُوعِدِيَّ لَقُونِي إذا ما رَأَوْنِي طَالِعاً مِنْ ثَنِيَّةٍ * يَقُولُونَ مَنْ هذَا وَقَدْ عَرَفُونِي وترجمة جميل تقدمت في الشاهد الثاني والستين من أوائل شواهد شرح الكافية.
وأنشد بعده وهو الشاهد الثلاثون (من الرجز) : 30 - * لِيَوْمِ رَوْعٍ أوْ فَعَالِ مَكْرُمِ * لما تقدم قبله وقال الفراء عند تفسير قوله تعالى (وَجَعَلْنَا لمهلكهم) من سورة الكهف: فأما قول الشاعر: * ليوم روع أو فعال مكرم * فإنه جمع مكرمة، ومثله قول الآخر:(4/68)
* على كثرة الواشين أي معون * أراد جمع معونة، وكان الكسائي يقول: هما مَفْعُل نادران لا يقياس عليهما، وقد ذهب مذهباً، إلا أني أجد الوجه الأول أجمل للعربية مما قال، انتهى قال ابن السيرافي في شرح أبيات إصلاح المنطق، والجواليقي (1) في شرح أبيات أدب الكاتب: قبله * وَهْوَ إذَا مَا هُزَّ لِلتَّقَدُّمِ * وقالا: يقول: إذا هُزَّ في يوم روع تقدم وقاتل، وكذا إن هَزَّ في عطاء وَجُودٍ أعطى وجاد، يصفه بالشجاعة والجود، انتهى وهُزَّ بالبناء للمفعول: من هَزَزْتهُ هزاً من باب قتل حركته فاهتز، والرَّوْع بالفتح: الفزع، الْفَعَال بفتح الفاء: الوصف الحسن والقبيح أيضاً، فيقال: هو قبيح الْفَعَال، كما يقال: هو حسن الْفَعَال، ولهذا خصصه بما بعده بالإضافة، ويكون مصدراً أيضاً، يقال: فعل فَعَالاً، كذهب ذَهَاباً، والْمَكْرُمة - بضم الراء - اسم من الكرم، وفعل الخير مكرمة: أي سبب للكرم أو التكريم، من كرم الشئ إذا نفس وعز وقال ابن السيد في شرح أبيات أدب الكاتب: البيت لأبي الأخزر الحماني، وقبله: * مَرْوَانُ مَرْوَانُ أخُو الْيَوْمِ الْيَمِي * كذا رواه سيبويه، وروى غيره: * مَرْوَانُ يَا مَرْوانُ لِليَوْمِ الْيَمِي * وقوله " الْيَمي " صفة لليوم من لفظه، كما قالوا: يوم أَيْوَمُ، وليل أَلْيل، ووزنه فَعِل على مثال حَذِر، وأصله اليَوِمُ فنقلت (2) اللام إلى موضع العين فصار الْيَمِوُ،
فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها
__________
(1) انظره في شرح الجواليقى (ص 400) (2) في نسخة " قلبت " ولها وجه (*)(4/69)
وقال السيرافي: أصله أخُو اليومِ اليَوْمُ، كما قال الاخر (من الرجز) : * إنَّ مَعَ الْيَوْمِ أخَاهُ غدوا * فقدم الميم بضمتها إلى موضع الواو، فصار الْيَمُو، فوقعت الواو طرفاً وقبلها ضمة، فقلبت ياء، وكسر ما قبلها، كما قيل في جمع دلو أدْلٍ، فموضع اليمي على قول السيرافي رفع، وموضعه على القول الأول خفض، وهذا التأويل الذي تأوله السيرافي هو الظاهر من مذهب سيبويه، وهو تأويل لا يصح إلا على رواية من روى " أخو اليوم اليمي " وأما من رواه * مروان يا مروان لليوم اليمي * فلا يكون موضع اليمي إلا خفضاً على الصفة، وكذلك لا يمتنع أن يكون موضعهُ خفضاً على من روى " أخو اليوم اليمي " ويكون معناه أن مروان أخو اليوم الشديد الذي يُفرِّج غمه ويجلي همه، وهو أشبه بمعنى الشعر، لأن البيتين لا يلتئمان على تفسير السيرافي ومذهب سيبويه، وأنشد المبرد في كتاب الأزمنة: * نِعْمَ أخُو الْهَيْجَاءِ فِي الْيَوْمِ الْيَمِي * وهذا يدل أيضا على أن اليمى في موضع خفض، وكذلك قال المبرد، وإليه ذهب ابن السكيت، انتهى.
ومروان هو ابن محمد بن مروان بن الحكم بن العاص، وأبو الأخزر راجز إسلامي اسمه قتيبة، والأخزر بالخاء والزاي المعجمتين وآخره راء مهملة، والْحِمَّاني منسوب إلى حِمّان بكسر المهملة وتشديد الميم وأنشد بعده، وهو الشاهد الحادي والثلاثون (من الوافر) 31 - * كَفَى بِالنَّأْيِ مِنْ أَسْمَاءَ كَافِي * على أن " كافي " اسم فاعل منصوب على الحالية من النأي، وهو فاعل كفى،
والباء زائدة، وهذه الحال مؤكدة لعاملها وهو كفى، وحذف النصب منه كما حذف من قوله " فلو أن واشٍ " وذلك إما على لغة ربيعة فإنهم يسكنون المنصوب، وإما لضرورة الشعر، وقد حذفت الياء منهما لالتقائها ساكنة مع سكون نون التنوين،(4/70)
والنأي: البعد، ومن: متعلقة به، وأسماء: اسم امرأة أصله وَسْمَاء من الْوَسَامَة، وهي الحسن وهذا صدر بيت، وعجزه: * وَلَيْس لِنَأْيِهَا إذْ طَالَ شَافِ * وشاف: اسم ليس، ولنأيها: متعلق به، وإذ تعليلية، وفاعل طال ضمير النأي، والخبر محذوف أي عندي أو موجود والبيت مطلع قصيدة لبشر بن أبي خَازِم، وهو جاهلي، وتقدم شرحه وترجمة بشر في الشاهد الثالث والعشرين بعد الثلاثمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والثلاثون (من الطويل) 32 - * فَلَوْ أَنَّ وَاشٍ بِالْيَمَامَةِ داره * تمامه: * ودارى بأعلى حضر موت اهْتَدَى لِيَا * وتقدم توجيهه والواشي: الذي يُزَوِّق الكلام ليُفُسد بين متحابين، واليمامة: اسم بلد بين نجد والحجاز، وَحَضْرَمَوْت - بفتح الميم وضمها -: مدينة باليمن، غير متصرف، واللام في " ليا " بمعنى إلى والبيت من قصيدة لمجنون بني عامر تقدم الكلام عليه في الشاهد الخامس والثمانين بعد الثمانمائة من شواهد شرح الكافية
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والثلاثون، وهو من شواهد سيبويه (1) (من الطويل)
__________
(1) انظره في كتاب سيبويه (ج 1 ص 173) (*)(4/71)
33 - ألم ترني عاهدت ربي وإنني * لَبَيْنَ رِتَاجِ قَائماً وَمَقَامِ عَلَى حَلْفَةٍ لا أشْتُمُ الدَّهْر مسلما * ولا خارجا من في زور كَلاَمِ على أن قوله " خارجاً " عند سيبويه مصدرٌ حذف عامله: أي ولا يخرج خروجاً، وعند عيسى بن عمر حال معطوف على الجملة الحالية وهي " لا أشتم " وهذا نص سيبويه: وأما قول الفرزدق: عَلَى حَلْفَةٍ لا أشتم الدهر مسلما * ولا خارجا من فِيَّ زُورُ كَلاَمِ فإنما أراد ولا يخرج فيما استقبل، كأنه قال: ولا يخرج خروجاً، ألا تراه ذكر عاهدت في البيت الذي قبله، فقال " ألَمْ ترني عاهدت ربي إلخ " على حَلْفَةٍ، ولو حمله على أنه نفى شيئاً هو فيه ولم يرد أن يحمله على " عاهدت " جاز (1) وإلى هذا الوجه كان يذهب عيسى (بن عمر) فيما نُرَى، لأنه لم يكن يحمله عَلَى " عاهدت " انتهى، فجملة " لا أشتم " على قول سيبويه جواب القسم لقوله عاهدت، وقوله " ولا خارجاً " بتقدير ولا يخرج خروجاً، معطوف على جواب القسم وجعل خارجاً في موضع خروجاً، كأنه قال حلفت بعهد الله لا أشتم الدهر مسلماً ولا يخرج من فيَّ زور كلام، فلا أشتم ولا يخرج هما جواب القسم فيما يستقبل من الاوقات قال المبرد في الكامل: (2) وقوله " ولا خارجاً " إنما وضع اسم الفاعل في موضع المصدر، أراد لا أشتم الدهر مسلما، ولا يخرج خروجاً من فيّ زور كلام، لأنه على ذا أقسم، والمصدر يقع في موضع اسم الفاعل، يقال: ماءٌ غَوْرٌ: أي غائر (كما قال الله عزّ وجلَّ: (إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً) ويقال: رجُلٌ عَدْلٌ: أي عادل،
وَيَوْم غَمٌّ: أي غامٌّ) (3) وهذا كثير جداً، فعلى هذا جاء المصدر على فاعل كما جاء اسم الفاعل على المصدر، قُمْ قائماً، فيوضع في موضع (قولك) (3) قم قياما،
__________
(1) في سيبويه " لجاز " (2) انظر كتاب الكامل (1: 71) (3) الزيادة عن الكامل، وسقطت من جميع النسخ (*)(4/72)
وجاء من المصدر على لفظ فاعل حروف منها فُلِجَ فَالِجاً (وعوفي عافية) ، انتهى.
وقد قيل: إن الجواب يجوز أن يكون جواباً لقوله " عَلَى حَلْفة " ويكون تقدير الكلام ألم ترني عاهدت ربي على أني أحلف لا أشتم ولا يخرج من فيّ كلام قبيح ومعنى قول سيبويه " نفى شيئاً هو فيه ": أي نفى ما في الحال، ولم ينف المستقبل.
وفسّر المبرد في الكامل قول عيسى بن عمر " إنَّ خارجاً حال " قال: وكان عيسى بن عمر يقول: إنما قوله " لا أشتم " حال، فأراد عاهدت ربي في هذه الحال وأنا غير شاتم ولا خارج من فيّ زور كلام، ولم يذكر الذي عاهد عليه، انتهى.
والفعل المستقبل يكون في معنى الحال، كقوله: جاز زيد يضحك، وجعل العامل في الحال على مذهب عيسى بن عمر " عاهدت " كأنه قال: عاهدت ربي لا شاتماً الدَّهْرَ، والمعنى موجباً على نفسي ذلك ومقدار ذلك، كذا شرح المبرد والزجاج قول عيسى بن عمر قال السيرافي: وكلام سيبويه الذي حكاه عن عيسى يخالفه، وهو قوله: لأنه لم يكن يحمله على " عاهدت " وإذا لم يكن العامل في الحال " عاهدت " كان
عاملها " ألم ترني " كأنه قال: ألم ترني لا شاتماً مسلماً ولا خارجا من فِيَّ زور كلام، وهذا الوجه ذكره أبو بكر مَبْرَمَان (1) ، وهذا يعجبني، لأن " عاهدت " في موضع المفعول الثاني، فقد تم المفعولان بعاهدت، وإما حَلفة (2) وهذا أجود منه
__________
(1) في الاصول " مبرجان " وهو تحريف، قال المجد في القاموس: " ومبرمان لقب أبى بكر الازمى " (2) هذا معطوف على قوله " ألم ترنى " في قوله " كان عاملها ألم ترنى " وكان من حق الكلام أن يقول: كان عاملها إما ألم ترنى الخ وإما حلفة.
(*)(4/73)
كأنه قال: على أن حلفت لا شاتماً ولا خارجاً، انتهى وذهب الفراء في تفسير سورة القيامة إلى أنهما حالان، والعامل " عاهدت " قال: إنما نصب خارجاً لأنه أراد عاهدت ربي لا شاتماً أحداً ولا خارجاً من فِيَّ زور كلام، وقوله " لا أشتم " في موضع نصب، انتهى وأيد ابن هشام في المغنى (1) قول سيبويه، فقال: والذي عليه المحققون أن خارجاً مفعول مطلق، والاصل ولا يخرج خروجاً، (ثم حذف الفعل، وأناب الوصف عن المصدر، كما عكس في قوله تعالى: (إِنْ أصبح ماؤكم غورا)) (2) لأن المراد أنه حلف بين باب الكعبة وبين مقام إبراهيماً أنه لا يشتم (مسلماً) (2) في المستقبل ولا يتكلم بزور، لا أنه حلف في حال اتصافه بهذين الوصفين على شئ آخر، انتهى وبهذا أيضاً يرد على ما ذهب إليه بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل فإنه بعد أن قرر مذهب سيبويه قال: قلت: لا يبعد أن يكون قوله " لا أشتم " بياناً لما عاهد عليه ربه على وجه الاستئناف، كأن قائلاً قال: ما الذي عاهدت عليه ربك؟ فقال: لا أشتم، والمعنى ألم ترني يعني رأيتني عاهدت ربي على أمر هو أني لا أشتم طول الدهر مسلما ولا يخرج من في زور كلام: أي كونه على حلفة:
أي حالفاً بالله على ذلك، فوقع القسم مؤكِّداً لما عاهد عليه ربه، ويجوز أن يكون المعاهد عليه محذوفا، والتقدير عاهدت ربي على حسن السيرة أو ترك ما لا يعني، ثم خص عدم الشتم للمسلم وعدم خروج الكلام الزور عن فيه تأكيداً لنفيهما عن نفسه، وقوله " على حلفة " في هذا الوجه يجوز أن يتعلق بمحذوف قدرناه، وأن يتعلق بقوله " لا أشتم " كأنه قال: عاهدت ربي على حسن السيرة حالفاً بالله على
__________
(1) في مبحث الجمل التى لا محل لها من الاعراب، في جملة جواب القسم (2) الزيادة عن المغنى في الموضع المذكور (*)(4/74)
ذلك، أو عاهدت ربي على ذلك حالفاً بالله لا أشتم طول الدهر مسلماً خصوصاً ولا أهجوه ولا يخرج من فيّ كلام زور، هذا كلامه وقوله " وإنني لبين رتاج " بكسر همزة فإن جملتها حالية، وقول " لبين رتاج ومقام " خبر إنّ، وقائماً - وروى بدله " واقفاً " - حال من الضمير المستقر في الطرف، وروي بالرفع فهو خبر ثان، أو هو خبر إنَّ والظرف متعلِّقة كقولك إن زيداً لفي الدار قائم، والرتاج - بكسر الراء وآخره جيم - قال (1) المبرد: الرتاج: غَلَق الباب، ويقال: باب مُرْتج: أي مغلق، ويقال: أُرْتج على فلان: أي غلق عليه الكلام، انتهى.
وقال ابن السّيد فيما كتبه على الكامل: الرِّتاج الْغَلَق، وذكره صاحب العين، وأنشد هذا البيت، وقال: يعني باب البيت ومقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ويدل على هذا قول أبى شجرة السلمي: * مثل الرتاج إذَا مَا لَزَّهُ الْغَلَقُ * فهذا يدل على أن الرتاج غير الغلق، ومما يقوي قول المبرد في الرتاج قولً الحطيئة * إلى عَجُزٍ كَالْبَابِ شُدَّ رِتَاجُهُ * انتهى
وفي العباب الرَّتجُ بالتحريك - الباب العظيم، وكذلك الرِّتاج، ومنه رتاج الكعبة، ويقال: الرتاج الْمُغَلَق (2) وعليه باب صغير، انتهى و " أشتم " جاء من باب ضرب ونصر قال المبرد (1) : التقى الحسن والفرزدق في جنازة، فقال الفرزدق للحسن: أتدري ما يقول الناس يا أبا سعيد؟ (قال: وما يقولون؟ قال) (3) : يقولون
__________
(1) انظر الكامل (1: 70 و 71) (2) يريد الباب المغلق وعليه باب صغير (3) الزيادة عن الكامل (1: 70) (*)(4/75)
اجتمع في هذه الجنازة خير الناس وشر الناس، فقال الحسن: كلا، لستُ بخير الناس ولستَ بشرهم، ولكن ما أعددت لهذا اليوم؟ فقال: شَهَادَة أن لا إله إلا الله منذ ستون سنةً، وخمسَ نجائب لاَ يُدْرَكْنَ، يعني الصلوات الخمس، فتزعم التميمية (1) أن الفرزدق رؤي في النوم فقيل له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي (فقيل له: بأى شئ؟ فقال) (3) بالكلمة التي نَازَعَنِيهَا الحسن، وحدّثني العباس بن الفرج (الرياشي) في إسنادٍ له ذكره، قال: كان الفرزدق يخرج من منزله فيرى بني تميم والمصاحف في حجورهم فيسر بذلك وَيَجْذَل به، ويقول: إيه فِدَاءً (2) لكم أبي وأمي، كذا والله كان آباؤكم، ونظر إليه أبو هريرة الدَّوْسيُّ رضي الله عنه فقال (له) : مهما فعلت فَقَنَّطَكَ الناس فلا تقنط من رحمة الله، ثم نظر إلى قدميه فقال: إني أرى لك قدمين لطيفتين فابتغ لهما موقفاً صالحاً يوم القيامة والفرزدق يقول في آخر عمره حين تعلق بأستار الكعبة وعاهد الله أن لا يكذب ولا يشتم مسلماً: ألَمْ تَرَنِي عَاهَدْتُ رَبِّي وَإنَّنِي * لَبَيْنَ رِتَاجٍ قَائِماً وَمَقَامِ
إلى آخر البيتين.
وقال ابن السّيد فيما كتبه على كامله: قوله " والتقى الحسن والفرزدق في جنازة ذكر الهيثم بن عدى بن أبي بكر بن عياش أن الفرزدق لقي الحسن رحمه الله في جنازة عِمْرَان بن مِلْحَان أبي رجاء العطاردي، سنة خمس ومائة،
__________
(1) في الكامل " فيزعم بعض التميمية " (2) في الكامل " فدى " مكسورا مقصورا، واستدركه أبو الحسن الاخفش فقال: إنما هو فداء لكم، من فتح قصر لا غير، ومن كسر مده لكنه كسر الممدود على هذه الرواية.
(*)(4/76)
في أول خلافة هشام بن عبد الملك فكلّمه بما ذكره المبرد، ثم انصرف الفرزدق فقال: من (الطويل) : ألَمْ تَرَ أنَّ النَّاسَ مَاتَ كَبِيرُهُم * وَقَدْ كَانَ قَبْلَ الْبَعْثِ بَعْثِ مُحَمَّدِ وَلَمْ يُغْنِ عَنْهُ عَيْشُ سَبْعِينَ حِجَّةً * وَسِتِّينَ لَمَّا بَانَ غَيْرَ مُوَسَّدِ إلى حُفْرَةٍ غَبْرَاءَ يُكْرَهُ وِرْدُها * سِوَى أنَّهَا مَثْوَى وَضِيع وَسَيِّدِ نَرُوحُ وَنَغْدُو وَالحُتُوفُ أمَامنا * يَضَعْنَ لَنَا حَتْفَ الرَّدَى كلَّ مَرْصَدِ وَقَدْ قَالَ لِي مَاذَا تُعِدُّ لِمَا تَرَى * فَقِيهٌ إذَا مَا قَال غَيْرُ مَفَنَّدِ فَقُلْتُ لَهُ أعْدَدْتُ لِلْبَعْثِ وَالَّذِي * أُرَادُ بِهِ أنِّي شِهيدٌ بِأَحْمَدِ وَأَنْ لاَ إله غَيْرُ رَبِّي هُوَ الَّذِي * يُمِيتُ وَيُحْيِي يَوْمَ بَعْثٍ وَمَوْعِدِ فهذا الذى أعددت لا شئ غَيْرُهُ * وَإنْ قُلْتَ لِي أكْثِرْ مِنَ الْخَيْرِ وَازْدَدِ فَقَالَ قدِ اعْتَصَمْتَ بِالْخَيْرِ كُلِّهِ * تَمَسَّكْ بهذا يَا فَرَزْدَقُ تَرْشُدِ وذكر الأصبهاني عن محمد بن سلام أنها كانت جنازة النَّوار زوج الفرزدق.
وبعده قوله:
أطَعْتُكَ يَا إبْلِيسُ سَبْعِينَ حِجَّةً (1) * فَلَمَّا انْتَهَى شَيْبِي وَتَمَّ تَمَامِي رَجَعْتُ إلَى رَبِّي وَأَيْقَنْتُ أنَّنِي * مُلاَقٍ لأَيَّامِ الْمَنُونِ حِمَامي وهي قصيدة مطولة أنشدها يعقوب بن السكيت، انتهى ما كتبه ابن السيد.
وفي أمالي السيد الشريف (2) المرتضى رحمه الله تعالى روى أن الفرزدق
__________
(1) كذا في الديوان، وفى أمال المرتضى (1: 46) " تسعين حجة " وفيه " فلما قضى عمرى " وفيه " فزعت إلى ربى " وفيه " لايام الحتوف " (2) انظر أمالى المرتضى (1: 46) (*)(4/77)
تعلق بأستار الكعبة، وعاهد الله على ترك الهجاء والقذف اللذين (كان) ارتكبهما وقال: ألم ترني عاهدت ربي، إلى آخر الأبيات الأربعة.
ثم حدث عن أبي عبيد الله الْمَرْزُباني بسند له أن الحسن البصري شهد جنازة النَّوَار امرأة الفرزدق، وكان الفرزدق حاضراً، فقال له الحسن وهو عند القبر: يا أبا فراس، ما أعددت لهذا المضجع؟ فقال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانون سنة فقال له الحسن: هذا العمود فأين الطُّنُبُ؟ وفي رواية أخرى أنه قال: نِعْمَ ما أعدت، ثم قال الفرزدق في الحال: أخَافُ وَرَاءَ الْقَبْرِ إنْ لَمْ يُعَافِنِي * اشَدَّ مِنَ الْمَوْتِ التِهَاباً وأضيقا إذا جاءني يوم القيامة قائد * عنيف وسواق يسوق الفرزدقا لَقَدْ خَابَ مِنْ أوْلاَدِ آدَمَ مَنْ مَشَى * إلى النَّارِ مَغْلُولَ الْقِلاََدَةِ أزْرَقَا يُقَادُ إلَى نَارِ الْجَحيمِ مُسَرْبَلاً * سَرَابيلَ قَطْرَانٍ لِبَاساً مُحَرِّقا قال: فرأيت الحسن يدخل بعضه في بعض، ثم قال: حَسْبُك، ويقال: إن رجلاً رأى الفرزدق في منامه (1) بعد موته، فقال: ما فعل الله بك؟ فقال:
عفى عني بتلك الأبيات، انتهى.
وقال محمد بن حبيب في شرح المناقضات: إن الفرزدق حَجَّ فعاهد الله بين الباب والمقام أن لا يهجو أحداً وأن يُقيِّد نفسه حتى يجمع القرآن حفظاً، فلما قدم البصرة قَيَّدَ نفسَهُ وحلف أن لا يُطْلق قيده عنه حتى يجمع القرآن، وقال * ألم ترني عاهدت ربي ... * الأبيات، وبلغ نساء بني مجاشع فحش الْبَعِيث وجرير بهنَّ فأتين الفرزدق مقيداً فقلن: قبح الله قَيْدَكَ وقدهتك جرير عورات نسائك، فأغضبنه ففض قيده وقال قصيدة يجيبهما، منها:
__________
(1) في أمالى المرتضى " بعد موته في منامه " (*)(4/78)
فَإِنْ يَكُ قَيْدِي كَانَ نَذْراً نَذرْتُهُ * فَمَا بِيَ عَنْ أحْسَابِ قَوْمِي مِنْ شُغْلِ أنَا الضَّامِنُ الرَّاعِي عَلَيْهِمْ، وَإنَّمَا * يُدَافِعُ عَنْ أحْسَابِهِمْ أنَا أَوْ مِثْلِي (1) والقصيدة التي البيت الشاهد منها أوردها الخضر الموصلي في شواهد التفسيرين، عند قوله تعالى (وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رسولا) وقد مرت ترجمة الفرزدق في الشاهد الثلاثين من شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الرابع والثلاثون (من الطويل) 34 - لَقِيْتُ بِدَرْبِ الْقُلَّةِ الْفَجرَ لَقْيَةً * شَفَتْ كَمَدِي وَاللَّيْلُ فِيهِ قَتِيلُ على أنه يجوز أن يأتي مصدر لقيته على لَقْيَةٍ قياساً كما في البيت وهو من قصيدة للمتنبي مدح فيها سيف الدولة أولها: لَيَالِيَّ بَعْدَ الظَّاعِنِينَ شُكُولُ * طِوَالٌ، وَلَيْلُ الْعَاشِقِينَ طَوِيلُ إلى أن قال " لقيت بدرب القلة - إلخ " يريد أن الليل انقضى وبدت تباشير
الصبح وقد وافى المكان فشفى لقاء الصبح كمده والليل قتيل في الفجر، لأنه ينقضي بطلوعه، وقد أخذ بعضهم هذا المعنى وكشف عنه فقال: وَلَمَّا رَأَيْتُ الصّبْحَ قَدْ سَلَّ سَيْفَهُ * وَوَلَّى انْهِزَاماً لَيْلُهُ وَكَوَاكِبُهْ وَلاَحَ احْمِرَارٌ قُلْتُ قَدْ ذُبِحَ الدجى * وهذا دَمٌ قَدْ ضَمَّخَ الأَرْضَ سَاكِبُهُ كذا في شرح الواحدي، والكمد: الحزن المكتوم، وهو مصدر من باب تَعِب، وكأنه لقي من الليل سَهَراً وكآبةً وطولاً فأكمده ذلك، ثم فرح بلقاء
__________
(1) كذا في النقائض والديوان، ويرويه النحاة " أنا الذائد الحامى الذمار " وانظر معاهد التنصيص (119 بولاق) وانظر دلائل الاعجاز للجرجاني (253 المنار) (*)(4/79)
الصباح فجعل الفجر قاتلا لليل شافياً له منه، ودَرْبُ القلة بضم القاف - موضع فرب ملطية (1) كان سيف الدولة غزا تلك النواحي في سنة اثنين وأربعين وثلثمائة، وذكر المتنبي المواضع التي غزاها في تلك السنة في هذه القصيدة وأنشد بعده، وهو الشاهد الخامس والثلاثون (من البسيط) : 35 - هَا إنْ تا عِذْرةٌ إنْ لَمْ تَكُنْ قُبِلَتْ * فَإنَّ صَاحِبَها قَدْ تَاهَ فِي الْبَلَدِ على أن عِذره - بكسر العين - مصدر للنوع بتقدير صفة معلومة بقرينة الحال: أي عذر بليغ، والوجه أن هذا الوصف مفعوم من التنوين وهذا البيت من قصيدة للنابغة الذبياني اعتذر بها إلى النعمان بن المنذر ملك الحيرة بعد أن هرب منه إلى ملوك غَسَّان في الشام لما اتُّهِمَ بامرأته المتجردة وأراد قتله وأرسل إلى النعمان قصائد يتنَصَّل (بها) عما اتهم به ويعتذر إليه عن هروبه وإقامته عند ملوك غسان، وقد شرحنا حاله في الشاهد الرابع بعد المائة من شواهد شرح الكافية
وقبل هذا البيت: نُبِّئْتُ أنَّ أبَا قاَبُوسَ أوْعَدَنِي * وَلاَ قَرَارَ عَلَى زَأْرٍ من الاسد (2)
__________
(1) ملطية - بفتح أوله وثانيه وسكون الطاء وتخفيف الياء، والعامة تقوله بتشديد الياء وكسر الطاء -: بلدة من بلاد الروم مشهورة تتاخم الشام وفيها يقول المتنبي: وكرت فمرت في دماء ملطية * ملطية أم للبنين ثكول ويقول أبو فراس: وألهبن لهبي عرقة وملطية * وعاد إلى موزار منهن زائر (2) في الديوان " أنبئت " وفيه " ولا مقام " والبيت الذى ذكره المؤلف ليس متصلا ببيت الشاهد، وبيت الشاهد آخر القصيدة كما قال (*)(4/80)
وهما آخر القصيدة.
ونبئت - بالبناء للمفعول - بمعنى أخبرت، وأبو قابوس: كنية النعمان، وقابوس معرب كاووس اسم ملك من ملوك العجم، وأوعد - بالألف - لا يكون إلا في الشر، بمعنى هددني، والزأر: مصدر زَأرَ الأسدُ إذا صَوَّت بحنق، وهو تمثيل لغضبه، وقوله " ها إن تا عذرة " استشهد به الشارح في باب اسم الإشارة وفي هاء التنبيه من شرح الكافية، على أن الفصْل بين " ها " وبين اسم الإشارة بغير " أنا " وأخواته قليل، والفاصل هنا " إنَّ "، وتا: اسم إشارة للمؤنث، بمعنى هذه، وروي أيضاً " ها إن ذي عِذْرَة "، والإشارة لما ذكر في قصيدته من يمينه على أنه لم يأت بشئ يكرهه، وقيل: الإشارة للقصيدة: أي إن هذه القصيدة ذات عذرة، وقال بعضهم: التقدير أن عذرتي هذه عِذْرَة، والعِذْرة - بالكسر - اسم للعذر بالضم، قال صاحب الصحاح: يقال: عَذَرْته فيما صنع أعْذِره عذرا، والاسم الْمَعْذِرة والْعُذْرى، وكذلك العِذْرَة وهي مثل
الرِّكبة والجلْسة وأنشد هذا البيت، وفي المصباح عَذَرته فيما صنع عُذْراً، من باب ضرب، رفعت عند اللوم فهو معذور: أي غير ملوم وقوله " إن لم تكن نفعت فإن صاحبها " المحدث عنه في الجميع العِذْرَة، وأراد بصاحب العذرة نفسه وتاه الإنسان يتيه تَيْهاً: ضل عن الطريق، وأراد لازمه وهو الهلاك، والمعنى إن لم تقبل عذري فترضى عني فإني أضل في البلدة التي أنا فيها لما أنا فيه من عظيم الدهشة الحاصلة من وعيدك والنابغة الذبيانى شاعر جاهلي، وقد ترجمناه هناك:(4/81)
أسماء الزمان والمكان أنشد الجار بردى فيهما: كَأَنَّ مَجِرَّ الرَّامِسَاتِ ذُيُولَهَا * عَلَيْهِ قَضِيمٌ نَمَّقَتْهُ الصَّوَانِعُ وسيأتي شرحه إن شاء الله تعالى في أول باب المنسوب الآلة أنشد فيها، وهو الشاهد السادس والثلاثون (من الرجز) 36 - يَمَّمْنَ أعدادا بلبني أوأجا * مُضْفْدِعَاتٍ كُلُّها مُطَحْلِبَهْ على أنه يقال: مُضَفْدِع ومُطَحْلِب، بوزن اسم الفاعل، بمعنى كثير الضفادع وكثير الطحالب والبيت أورده الجوهري في مادة الضفدع، وقال: يريد مياهاً كثيرة الضفادع وقال الصاغاني في العباب: وضَفْدَعَ الماء، إذا صارت فيه الضفادع، وأنشد البيت أيضاً ويمَّمْن بمعنى قَصَدْنَ، بنون الإناث، والأعداد: جمع عِدّ بكسر العين المهملة،
وهو الماء الذي له مادَّة لا تنقطع كماء العين وماء البئر، ولُبْنَى - بضم اللام وسكون الموحدة بعدها نون وألف مقصورة - اسم جبل، وروي بدله " سَلْمى " وهو اسم جبل أيضا لطئ، وكذلك أجأجبل لطي بفتح الهمزة بعدها جيم، والأكثر همز آخره، قال امرؤ القيس: أبَتْ أَجَأٌ أنْ تُسْلِمَ الْعَامَ جَارَهَا * فَمَنْ شَاءَ فَلْيَنْهَضْ لَهَا مِنْ مُقَاتِلِ (1) وقد لا يهمز، كما في البيت، وكما قال العجاج: * فإنْ تَصِرْ لَيْلَى بسلمى أو أجا *
__________
(1) " من " ههنا ليست للتبعيض، بل هي بيانية، والمعنى من شاء من المقاتلين أن ينهض لمحاربة أهل أجأ فليفعل (*)(4/82)
وقوله " بلبنى " الجار متعلق بمحذوف صفة لأعداد، وقوله " مضفدعات " صفة ثانية لأعداد، وكلها مبتدأ، والضمير للأعداد، ومطحلبة خبر المبتدأ، والجملة صفة ثالثة، والطُّحْلُب - بضم الطاء واللام ويجوز فتح اللام - شئ أخضر لزج يخلق في الماء ويعلوه، يقال: ماء طَحِل - بفتح فكسر - أي كثير طحلبه، وعين طحلة كذلك، ومطحلب قليل ولبيد رضي الله عنه هو شاعر صحابي من بني عامر، وقد تقدم ترجمته في الشاهد الثاني والعشرين بعد المائة من شواهد شرح الكافية المصغر أنشد فيه، وهو الشاهد السابع والثلاثون (من البسيط) 37 - يَا مَا أُمَيْلِحَ غِزْلأَناً شَدَنَّ لَنَا * مِنْ هو ليائكن الضَّالِ وَالسَّمُرِ على أن تصغير أميلح من قبيل تصغير لُطَيّف ونحوه، يريد أن التصغير في فعل التعجب راجع إلى المفعول المتعجب منه، أي هذه الغزلان مُلَيِّحات، قال
سيبويه (1) : أرادوا تصغير الموصوف بالملاحة، كأنهم قالوا مُلَيِّح، لكنهم عدلوا عن ذلك وهم يعنون الأول، ومن عادتهم أن يلفظوا بالشئ وهم يريدون شيئاً آخر، وقد أوردنا ما يتعلق به مفصلاً في الشاهد السادس من أوائل شرح الكافية
__________
(1) نقل المؤلف عبارة سيبويه بالمعنى وإليك العتارة نقلا عن سيبويه (2: 135) " وسألت الخليل عن قول العرب ما أميلحه فقال: لم يكن ينبغى أن يكون في القياس لان الفعل لا يحقر، وإنما تحقر الاسماء لانها توصف بما يعظم ويهون، والافعال لا توصف فكرهوا أن تكون الافعال كالاسماء لمخالفتها إياها في أشياء كثيرة ولكنهم حقروا هذا اللفظ، وإنما يعنون الذى تصفه بالملح كأنك قلت مليح شبهوه بالشئ الذى تلفظ به وأنت تعنى شيئا آخر نحو قولك يطؤهم الطريق وصيد عليه يومان ونحو هذا كثير في الكلام، وليس شئ من الفعل ولا شئ مما سمى به الفعل يحقر إلا هذا وحده وما أشبهه من قولك ما أفعله " اه (*)(4/83)
ويا: حرف نداء، والمنادى محذوف، والتقدير يا صاحبي، وما: استفهامية تعجبية (1) ، وأملح: فعل تعجب من الملاحة وهي البهجة وحسن المنظر، وفعله ملح الشئ بالضم مَلاَحَة، وغزلاناً: مفعول فعل التعجب، جمع غزال، وهو ولد الظبية، قال أبو حاتم: الظبي أوَّلَ ما يولد طَلىً، ثم هو غزال، والأنثى غزالة، فإذا قوي وتحرك فهو شَادِن، فإذا بلغ ستة أشهر أو سبعة أشهر فهو خِشْفٌ، والرَّشَأَ: الفتي من الظباء، فإذا أثنى فهو ظبي، ولا يزال ثَنِيّاً حتى يموت والأنثى ثنية وظبية، والثَّنِيُّ على فَعِيل: الذي يُلقي ثنيّتَهُ أي سنة من ذوات الظلف والحافر في السنة الثالثة، وشَدَنَّ: من شَدَنَ الغزال بالفتح يَشْدُن بالضم شدونا، إذا قوي وطلع قرْنَاه واستغنى عن أمه، والنون الثانية ضمير الغزلان، وجملة " شدن " صفة غزلان، ولنا ومن: متعلقان بشدن، وقوله " من هو ليائكن " هو مصغر هؤلاء
شذوذاً، وأصله أولاء - بالمد والقصر - وها: للتنبيه، وأولى: اسم إشارة يشار به إلى جمع، سواء كان مذكراً أو مؤنثاً، عاقلاً أو غير عاقل، والكاف حرف خطاب، والنون حرف أيضاً لجمع الإناث، وقد استشهد به النحاة على دخول التنبيه عليه وعلى تصغيره شذوذا، ورواه الجوهرى " من هؤ لياء بَيْنَ بين الضال والسمر " وقال: لم يصغروا من العل غير هذا، وغير قولهم " ما أحَيْسِنه " والضال: عطف بيان لاسم الإشارة، وهو السدر البري، جمع ضالة، ولهذا صح إتباعه لاسم الإشارة إلى الجمع، وألفه منقلبة من الياء، والسِّدر: شجر النبق، والسَّمُر بفتح السين وضم الميم: جمع سَمُرة، وهو شجر الطَّلح، وهو شجر عظيم شائك والبيت من جملة أبيات اختلف في قائلها، وعدتها، وقد ذكرنا الكلام عليه مستوفى هناك في الشاهد السادس
__________
(1) في نسخة " تعجيبية " (*)(4/84)
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثامن والثلاثون: 38 - وَكُلُّ أُنَاسٍ سَوْفَ تَدْخُلُ بينهم * دويهية تصفر منها الأنامل على أن تصغير دُوَيْهية قريب من التصغير للتعظيم، وحقق الشارح المحقق أن تصغيرها للتحقير، قال: إذ المراد بها الموت: أي يجيئهم ما يحتقرونه مع أنه عظيم في نفسه تصفر منه الأنامل، والقول بأن تصغيرها للتعظيم هو قول الكوفيين، وسوف هنا للتحقيق والتأكيد، والداهية: مصيبة الدهر، مشتقة من الدَّهْي بفتح الدال وسكون الهاء، وهو النكر، فإن كل واحد ينكرها ولا يقبلها، ودَهَاه الأمر يَدْهَاه إذا أصابه بمكروه، ورواه ابن دريد في الجمهرة " خُوَيْخِيَةٌ تصفر - إلخ " وقال: الْخُويْخِيَة الداهية، وهو بخاءين معجمتين مصغر الْخَوْخَة
بالفتح، وهي الباب الصغير، وكذا روى الطوسي أيضاً عن أبي عمرو، وقال: يقول: ينفتح عليهم باب يدخل عليهم منه الشر، وإذا مات الرجل أو قتل اصفرت أنامله واسودَّت أظافره.
وقيل: المراد من الأنامل الأظفار، فإن صفرتها لا تكون إلا بالموت والبيت من قصيدة للبيد، رضى الله عنه، ابن عامر الصحابي، وتقدم شرح أبيات منها مع ترجمته في الشاهد الثالث والعشرين بعد المائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع والثلاثون (من الطويل) 39 - فُوَيْقَ جُبَيْلٍ شَاهِقِ الرأس لم تكن * لتبلغه حتى تكِلَّ وتَعْمَلاَ على أنه استُدل لمجئ التصغير بتصغير جبيل في البيت قال ابن (1) : يعيش: للتصغير معان ثلاثة: تحقير ما يتوهم (2) أنه عظيم كرجيل
__________
(1) انظر شرح المفصل لابن يعيش " 5: 113 مصر " (2) في شرح المفصل " ما يجوز أن يتوهم أنه الخ " وكذا في الذى بعده (*)(4/85)
وتقليل ما يتوهَّم أنه كثير كدُرَيْهِمَات، وتقريب ما يجوز أن يتوهم أنه بعيد كبُعَيْدِ العصر وقُبَيْلَ الفجر، وأضاف الكوفيون قسماً رابعاً يسمونه تصغير التعظيم، كقول الشاعر: * دُوَيْهِيَة تصفرُّ منْها الأنامل * والمراد التعظيم، إذ لا داهية أعظم من الموت، وقال آخر: * فويق جبيل شاق الرأس - البيت * قال " جبيل " ثم قال " شاهق الرأس " وهو العالي، فدل على أنه أراد تفخيم شأنه، وهذا ليس من أصول البصريين، وجميع ما ذكروه راجع إلى معنى التحقير، فأما قولهم " دويهية " فالمراد أن أصغر الأشياء قد يفسد الأمور العظام، فحتف
النفوس قد يكون بصغير الأمر الذي لا يؤبه له، وأما " فويق جبيل " فالمراد أنه صغير العرض دقيق الرأس شاق المصعد لطوله وعلوه، انتهى ومن الكوفيين أبو حنيفة الدِّيَنَوريُّ، قال في كتاب النبات: وإنما صغر الجبل على وجه التعظيم، كما قالوا للداهية: دويهية، ولم يرد التحقير، وكيف قد قال " شاهق الرأس " وكذا قال ابن السكيت في شرحه للبيت، قال: يقول: هو صغير العرض ذاهب في السماء، وفويق جبيل أراد أن يكبره بتصغيره كما قال * وكل أناس سوف ... البيت * ويروى " سامق الرأس " و " شاهق الرأس " و " شامخ الرأس " والجميع واحد، انتهى وتبعهم ابن هشام في (1) المغني، فقال: ونظير رب في إفادة التكثير تارة والتقليل أخرى صيغ التصغير، تقول حجير ورجيل فتكون للتقليل، وقال:
__________
(1) في مباحث " رب " من الباب الاول من كتاب المغنى (*)(4/86)
* فُوَيْقَ جُبَيْلٍ شَامِخٍ لَنْ تَنَالَهُ - البيت (1) * وقال لبيد رضي الله عنه: * وكل أناس سوف - البيت * ولم يتعرض له شراحه بشئ قال الشمني: تمثيله بجبيل ودُويهية للتكثير، وبحجير ورجيل للتقليل، مبنى على عدم الفرق بين التعظيم والتكثير وبين التحقير والتقليل، انتهى.
وقال ابن الملا: والتصغير في كل من فويق وجبيل ليس للتقليل الذي يراد به التحقير، لأن وصفه بما ذكر مناف لحقارته، بل هو للتعظيم، وأريد بالدويهية
الموت، ومن ثم قلنا إن تصغيرها للتعظيم إذ لا داهية أعظم من الموت، ومن زعم أن الداهية إذا كانت عظيمة كانت سريعة الوصول فالتصغير لتقليل المدة فقد تَكَلَّفَ، أو أن التصغير على حسب احتقار الناس لها وتهاونهم فيها: أي يجيئهم ما يحتقرونه مع أنه عظيم في نفس الامر فقد تعسَّف، هذا كلامه وهذا مجرد دعوى من غير بيان للتكلف والتعسف والبيت من قصيدة لأوس بن حَجَر في وصف قوس، ولابد من نقل أبيات قبله حتى يتضح معناه، قال بعد ستة أبيات من القصيدة: وَإنِّي امْرُؤٌ أعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ بَعْدَما * رَأَيْتُ لَهَا نَاباً مِنَ الشَّرِّ أعْصَلاَ أصَمَّ رُدَيَنِيّاً كَأَنَّ كُعُوبَهُ * نَوَى الْقَسْبِ عَرَّاصاً مُزَجًّى مُنَصَّلا عَلَيْهِ كَمِصْبَاحٍ الْعَزِيزِ يَشْبُّهُ * لِفِصْحٍ ويَحْشُوهُ الذُّبَالَ الْمُفَتَّلا وَأَبْيَضَ هِنْدِيًّا كَأنَّ غِرَارَهُ * تَلأْلُؤُ بَرْقٍ في حَبِيّ تَكَلَّلاَ إِذَا سُلَّ مِنْ غِمْدٍ تأكَّلَ أَثْرُهُ * عَلَى مِثْلِ مِسْحَاةِ اللُّجَيْنِ تأكلا
__________
(1) تمامه في هذه الرواية: * بقنته حتى تكل وتعملا * (*)(4/87)
كَأَنَّ مَدَبَّ النَّمْلِ يَتَّبِعُ الرُّبَا * وَمَدْرَجَ ذَرٍّ خَافَ بَرْداً فَأَسْهَلاَ عَلَى صَفْحَتَيْهِ بَعْدَ حينِ جِلاَئِهِ * كَفَى بِالَّذِي أُبْلي وَأَنْعَتُ مُنْصُلاَ وَمَبْضُوعَةً مِنْ رَأْسِ فَرْعٍ شَظِيَّةً * بِطَوْدٍ تَرَاهٌ بالسَّحَابِ مُجَلَّلاَ عَلَى ظَهْرِ صَفْوَانٍ كَأَنَّ مُتُونَهُ * عُلِلْنَ بدُهْنٍ يُزْلِقُ الْمُتَنَزِّلاَ يُطِيفُ بِهَا رَاعٍ يُجَشِّم نَفْسَهُ * ليكلأَ فِيهَا طَرْفَهُ مُتَأَمِّلاَ فَلاَقَى امْرأً مِنْ بَيْدَعَان وَأَسْمَحَتْ * قَرُونَتُهُ بِالْيَأْسِ.
مِنْهَا وَعَجَّلاَ فَقَالَ لَهُ هَلْ تَذْكُرَنَّ مخيرا * يَدُلُّ عَلَى غُنْمٍ وَيْقْصُرُ مُعْمِلاَ
عَلَى خَيْرِ مَا أَبْصَرْتَهَا مِنْ بِضَاعَةٍ * لِمُلْتَمِسٍ بَيْعاً بِهَا أَوْ تَبَكُّلاَ فُوَيْقَ جُبَيْلٍ شَامِخِ الرَّأْسِ لَمْ تَكُنْ * لِتَبْلُغَهُ حَتَّى تَكِل وَتَعْمَلاَ فَأَبْصَرَ ألْهَاباً مِنَ الطَّوْدِ دُونَهَا * يَرَى بَيْنَ رَأْسِي كُلِّ نِيقَيْنِ مَهْبِلاَ فَأَشْرَطَ فِيهَا نَفْسَه وَهُوَ مُعْصِمٌ * وَأَلْقَى بِأَسْبَابٍ لَهُ وَتَوَكَّلاَ وقَدْ أكَلَتْ أظْفَارَهُ الْصَّخْرُ كلما * تعيا عليه طول مرقى تَسَهَّلاَ فَمَا زَالَ حَتَّى نَالَهَا وَهْوَ مُعْصِمٌ * عَلَى مَوْطِنٍ لَوْ زَلَّ عَنْهُ تَفَصَّلاَ فَلَمَّا نَجَا مِنْ ذَلِكَ الْكَرْبِ لَمْ يَزَلْ * يُمظِّعُهَا مَاءَ اللِّحَاءِ لِتَذْبُلاَ فَلَمَّا قَضى مِما يُرِيدُ قَضَاءَهُ * وَصَلَّبَهَا حِرْصاً عَلَيْهَا فَأَطْوَلاَ أَمَرَّ عَلَيْهَا ذات حد دعالها * رَفِيقاً بِأَخْذٍ بِالْمَداوِسِ صَيْقَلاَ فَجَرَّدَهَا صَفْرَاءَ لاَ الطُّولُ عَابَهَا * وَلاَ قِصَرٌ أزْرَى بِهَا فَتَعَطَّلاَ ثم وصفها بعشرة أبيات وقال: فَذَاكَ عَتَادِي في الْحُرُوبِ إِذَا الْتَظَتْ * وَأرْدَفَ بَأْسٌ مِنْ حُروبٍ وَأَعْجَلاَ قوله " وإني امرؤ أعددت ": أي هيأت عدة، و " أعصل " بمهملتين أعوج قال ابن السكيت في شرحه: يقول: هي حرب قَدُمَتْ وَأَسَنَّت فهو أشد لها وقوله " أصم ردينيا إلخ " هو مفعول أعددت: والأصم: المصمت الذي لا جوف له(4/88)
وموصوفه محذوف أي رمحاً أصم، والرمح الرُّدَيْنِيُّ منسوب إلى ردينة بالتصغير وهي امرأة كانت تقوم الرماح وكان زوجها سَمْهَرٌ أيضاً يقوم الرماح، يقال لرماحه السمهرية، قال ابن السكيت: الكعب الأنبوب، ويسمون العقدة كعباً، وهو المراد هنا، والقَسْبُ: تمر يابس نواه مر صلب، والعرص - بمهملات - الشديد الاضطراب، والمُزَجَّى: الذي جعل له زُجٌّ بضم الزاي وتشديد الجيم، وهي الحديدة التي في أسفل الرمح تغرز في الأرض، والْمُنَصَّلُ: الذي جعل له نصل، وهو السنان
وقوله " عليه كمصباح العزيز إلخ " المصباح: السراج، والعزيز: الملك، وسراجه أشد ضوءاً، وَيَشُبُّهُ: يوقده، والفِصْح بالكسر - يوم فطر النصارى، والذبال بالضم الفتائل، وكل فتيلة ذبالة، ويحشوه: أي يحشو موضع الفتائل، يقول: على ذلك الرمح الأصم سراج كسراج الملك من توقده لارتفاع ناره، ثم وصف الرمح بثلاثة أبياتٍ أُخَر.
وقال " وأبيض هنديّاً إلخ " هو معطوف على أصم: أي وأعددت أيضاً أبيض هنديّاً وهو السيف، والغرار بكسر المعجمة حد السيف، والحبي: ما حبا من السحاب أي ارتفع وأشرف، وتكلَّل السحاب: صار بعضه فوق بعض، وهو أشد لإضاءة البرق، وقوله " إذا سل من غمد إلخ " سَلَلْت السيف من غمده: أي أخرجته من قرابه، وتأكل: توهج واشتد، وأثر السيف بالفتح: جوهره، والمِسْحَاة بالكسر إناء من فضة، وهو القدح، واللجين الفضة، يقول على متن سيف كأنه فضة، وقوله " كأن مَدَبَّ النمل إلخ " الْمَدَبُّ الموضع الذي يدب فيه، والرّبا جمع رَبْوَة وهو ما ارتفع من الأرض، والْمَدْرج كالمدب وزناً ومعنى، وإنما يتبع النمل الربا لأنه يفر من الندى، يقول: اشتد على النمل البرد في أعلى الوادي فأسهل أي أتى السهل فاستبان أثره، قوله " على صفحتيه " متعلق بمدب النمل، والجِلاء: الصقل قال ابن السكيت: أُبلِي - بضم الهمزة - أشفيك من نعته وأحدثك عنه ويقال أبْلِنِي يميناً أي طيِّب نفسي، وَالْمُنْصُل - بضم الميم والصاد - السيف.
وقوله ومبضوعة(4/89)
هو معطوف على أصم أيضاً: أي وأعددت قوساً مبضوعة أي مقطوعة، والفرع أعلى الشجرة، والشظية - بفتح الشين وكسر الظاء المعجمتين - الشقة والفلقة، وهي صفة لمبضوعة، والباء في بطود متعلقة بمحذوف حال من رأس فرعٍ، وجملة " تراه إلخ " صفة لطود، والرؤية بصرية، ومفعولها الهاء الراجعة إلى طود، ومجللاً حال من الهاء، وهو اسم مفعول من جلله بمعنى غطاه وألبسه، وبالسحاب متعلق
به، وقوله " على ظهر صفوان إلخ " قال ابن السكيت: يقول: نبتت على حجر يزلق الرجل المتنزل لملاسته، وَعُلِلْنَ سقين مرة بعد مرة، وقوله " يطيف بها راع إلخ " قال ابن السكيت: يطيف بهذه القوس المبضوعة راعٍ أي حافظٌ ليجعل طرفه كالئاً يحفظ منها منظراً، والكالئ الحافظ، وقوله " فلاقى امرء امن بيدعان إلخ " قال ابن السكيت: " فعجل به اليأس: أي لم يتحبَّس به اليأس، هذا الذي رآها لاقى امرءا من بيدعان وهو حي من اليمن من أزد السراة.
وقد استشعر اليأس منها، فاستشار الآخر فقال: هل تذكر رجلاً يصيب الغنم ويقصر العمل: أي يجئ بعمل قصير، أراد أنهما تشاورا فدله على الذي رأى فعجلا، يقول: كان نسي أنه يئس منها فلما دله عليها عجَّل إلى ما قال، وأسمحت قرونته وقرينته جميعاً وهي النفس باليأس: أي تابعته نفسه علي اليأس ولم تنازعه، وهذا مثل قولك: لقي فلان فلاناً ونسي ما أتى إليه: أي وقد نسي، انتهى كلامه، وقوله " فقال له هل إلخ " أي: هل تذكرن رجلاً يدل على غنيمة، ويقصر معملاً: أي ويقل العمل والعناء: وقوله " على خير ما أبصرتها " قال ابن السكيت: " أي فقال هل تدل على خير ما أبصرتها؟ أي: خير ما أبصرت من بضائع الناس، والتبكل: التغنم، يقال: تبكل أي تغنم إن أراد بيعاً أو غنماً، وقال: المتبكل الذي يتأكل بها الناس يقول لهذا سوف أبيعك ولهذا سوف أعيرك " انتهى وقال أبو حنيفة في كتاب النبات: ميدعان حي من أزد السراة، وهم أهل(4/90)
جبال، شجيرة، يقول: إما لأن يبريها وإما لأن يتخذها معاشاً لصيد أو غزو، والتبكل التكسب من ها هنا وها هنا وأصل البكل الخلط، والقواسون يطلبون هذه العيدان العتق من مظانها من منابتها، حيث كانت من السهول والوعور، ويستدلون عليها الرِّعاء وقناص الوعول ويجعلون فيها الجعائل وربما أبصروا
الشجرة منها بحيث لا يستطيعه راق ولا نازل فيتدلون عليها بالحبال في المهاوي والمهالك كما يتدلى من يشتار العسل على الوقاب (1) وأخبرني بعض الأعراب: قال يطلب القواسون هذه العيدان الْعُتْق فإن وجدوها مستحكمة اقتطوها، وإن لم تكن مستحكمة حوضوا حولها وحملوا إليها الماء، فربما ربوها كذلك سنين حتى تستحكم، قال: وإذا وجد الرعاء منها شجرة دلوا عليها القواس وأخذوا على ذلك ثواباً، فقلت له: وكم تبلغ القوس عندكم؟ فقال: (تبلغ) إذا كانت جيدة خمسمائة درهم، وقد ذكر أوس ابن احجر كل ذلك في وصفه القوس فقال في منَعَة منبت عودها: ومبضوعة من رأس فرع إلى آخر أبيات ثلاثة، ثم قال ثم ذكر استرشاده مَنْ عسى أن يدله فقال: فلاقى امرأ من ميدعان إلى آخر أبيات ثلاثة.
ثم قال ثمّ وصف امتناع منبتها وتدلِّيه عليه بالحبال فُوَيق جبيل شاهق الرأس إلى آخر الابيات، وقوله " فويق " مصغر فوق، وهو ظرف متعلق بأبصرتها من قوله " على خير ما أبصرتها " في البيت المتقدم، والبلوغ: الوصول، وَكَلّ يَكِلّ من باب ضرب كلالة تعب وأعيا، ويتعدى بالالف، وتعمل: أي تجتهد في العمل، فهو مضمن معنى الاجتهاد ولهذا لم يتعد، وأصله التعدي، يقال: عملته أعمله عملاً من باب فرح: أي صنعته، والاجتهاد مقدم في المعنى على الكلال، ولا مانع من تأخره لفظاً لأن
__________
(1) الوقاب: جمع وقب وهو الكوة والنقرة في الجبل يجتمع فيها الماء (*)(4/91)
الواو لمطلق الجمع لا تفيد ترتيبا، فقد يكون مدخلوها متقدماً على سابقه باللفظ، كقوله تعالى (وَمِنْكَ ومن نوح) وروي " وَتُعْمِلا " بضم التاء وكسر الميم، والمعنى وتجهد نفسك أو غيرك فالمفعول محذوف، وأصل أعمل تعديه إلى مفعولين، تقول: أعْمَلْتُهُ كذا أي جعلته عاملاً له، وروي البيت كذا أيضاً: فُوَيْقَ جُبَيْلٍ شَامِخٍ لَنْ تَنَالَهُ * بِقُنَّتِهِ حتى تكل وتعملا
والنيل: الاصابة والوصول إلى الشئ، وقنة الجبل - بضم القاف وتشديد النون - أعلاه كقلته، باللام، وقوله " فأبصصر ألهاباً - إلخ " جمع لِهْب بكسر اللام وسكون الهاء، قال الجوهري: هو الفرجة والهواء يكون بين الجبلين، وأنشد هذا البيت، والطود: الجبل، ودونها أي دون المبضوعة، ودون هنا: بمعنى أمام، وفاعل أبضر ضمير الرجل من ميدعان، والنيق - بكسر النون - المشرف من الجبل، والْمَهْبِل - بفتح الميم وكسر الموحدة - المهوي والمهلك، قال أبو حنيفة: ثم ذكر تدليه عليها بالحبال ومخاطرته بنفسه فقال " فأشرط فيها نفسه - إلى آخر أبيات ثلاثة " وقال ابن السكيت: أشرط نفسه: جعلها علماً للموت، ومنه أشراط الساعة، ويقال: أشرط نفسه في ذلك ذلك الأمر: أي خاطر بها، والْمُعْصِم والْمُعْتَصِم واحد، وهو المتعلق: أي متعلقاً بالحبل، فذلك الذي ألقى من أسباب حباله، والسبب: الحبل، والجمع أسباب، ويصلح أن يكون الواحد سبّاًَ بالكسر، قال أبو ذؤيب * تَدَلَّى عَلَيْهَا بَيْنَ سِبّ وَخَيْطَةٍ فالسِّب: الحبل، والخيطة: الوتد، انتهى.
وتَوَكَّل: أي اعتمد على الله، وقوله " وقد أكلت أظفاره " قال ابن السكيت يتوصل من مكان ثم ينزل بعده وروي " طول مَرْقىً تَوَصَّلا " أي توصل من مكان إلى مكان، كقولك: اجعل هذه وُصْلَةً، وقوله " فما زال حتى نالها " قال ابن السكيت: مُعْصِمٌ: مشفق،(4/92)
والموطن: الموضع الذي صار إليه، انتهى، وتفصل: تقطع: وقوله " فأقبل لا يرجو - إلخ " قال ابن السكيت يقول: عسى أن أفلت وأنجو، وقوله " فلما نجا من ذلك الكرب " هو الشدة، ويمظعها بالظاء المعجمة والعين المهملة، وَاللِّحاء بكسر اللام، قشر العود، وقال ابن السكيت يمظعها: يشربا، يقال: مظع الأديم
الودك: أي شربه، يقول: لم يزل يسقيها ماء لحائها ليكون أجود لها، ولو قشر اللحاء عنها لأفسدها، وقوله " فلما قضى مما يريد - إلخ " صَلَّبها: يبسها، يقال: ثمرة مصلبة: أي يابسة، وأطول: أطال، وقوله " أمر عليها - إلخ " قال ابن السكيت: الرفيق: الحاذق، والمداوس: المصاقل، واحدها مدْوَسٌ، وهو الذي يصقل به، وقوله " فجردها صفراء - إلخ " قال ابن السكيت: يقول: لو كانت قصيرة لتعطلت وكانت أصغر من أن يرمي عنها ولم تعب من طول فتُعَطَّل: تترك لا تتخذ قوساً، وقوله " فذاك عَتَادي - إلخ " الإشارة راجعة إلى الرمح والسيف والقوس، وَالْعَتَاد: العُدة، والتظت: التهبت.
ويعجبنى قوله بعد هذا بأربعة أبيات: وَإنِّي وَجَدْتُ النَّاسَ إلاَّ أقَلَّهُمْ * خِفَافَ الْعُهُودِ يُسْرِعُونَ التَّنَقُّلا بَنِي أُمِّ ذِي الْمَالِ الْكَثِيرِ يَرَوْنَهُ * وَإنْ كَانَ عَبْداً سَيِّد الامر حجفلا وَهُمْ لِمُقِلِّ الْمَالِ أوْلاَدُ عَلَّةٍ * وَإنْ كَانَ مَحْضاً فِي الْعَشِيرَةِ مَخْوَلاَ وَلَيْسَ أخْوكَ الدَّائِمُ الْعَهْدِ بِالَّذِي * يَذُمُّكَ إنْ وَلَّى وَيُرْضِيكَ مُقْبِلاَ وَلَكِنْ أخُوكَ الناءِ مَا كُنْتُ آمِنَاً * وَصَاحِبُكَ الأَدْنَى إذَا الأَمْرُ أعْضَلاَ وهذا آخر القصيدة: وأراد التنقل عن المودة، وجحفل: كثير الأتباع، وجيش جحفل: إذا كان كثير الأصوات، وقوله " وهم لمقل المال - إلخ " أي: يبغضون من لا مال له وإن كان شريفاً، والمحض: الخالص النسب، ومُخْوَل - بفتح الواو - كثير الأخوال، والناء: البعيد، حذفت الياء لضرورة الشعر،(4/93)
وروي النأي على المصدر، قال ابن السكيت: صَيَّر المصدر في موضع الصفة، وأعضل الأمر: اشتد وأوس بن حجر شاعر جاهلي بفتحتي الحاء المهملة والجيم، وتقدمت ترجمته
في الشاهد الرابع عشر بعد الثلاثمائة من شواهد شرح الكافية.
وأنشد بعده، وهو الشاهد الأربعون، وهو من شواهد سيبويه (من الرجز، أو السريع) : 40 - وَمَهْمَهَيْنَ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنْ * ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنْ على أن الشاعر إذا قال قصيدة قبل رويها ياء أو واو ساكنة مفتوح ما قبلها فهي مردفة، ولزمه أن يأتي (بالردف) في جميع القصيدة، كما في هذين البيتين، وتقدم بعض منها في الشاهد الرابع والعشرين * لَمْ يَبْقَ مَنْ آيٍ بِهَا يُحَلَّيْنْ * وقوله " ومهمين - إلخ " الواو واو ربَّ، والْمَهْمَهُ: القَفْر المخوف، والْقَذَف - بفتح القاف والذال المعجمة بعدها فاء - البعيد من الأرض، والْمَرْت - بفتح الميم وسكون الراء المهملة - الأرض التي لا ماء فيها ولا نبات، وَالظَّهر: ما ارتفع من الأرض، شبهه بظهر ترس في ارتفاعه وَتَعَرِّيه من النبت، وجواب رب المقدرة هو قوله * جُبْتُهُمَا بالنَّعْتِ لا بِالنَّعْتَيْنْ * من جاب الوادي يجوبه جَوْباً، إذا قطعه بالسير فيه، وقد نُعِتَا لي مرةً واحدة فلم أحتج إلى أن ينعتا لى مرة ثانية، وصف نفسه بالحذق والمهارة، والعرب تفتخر بمعرفة الطرق وتقدم شرحه بأكثر من هذا في الشاهد الخامس والثلاثين بعد المائة، وفي الشاهد الثالث والسبعين بعد الخمسائة، من شواهد الكافية(4/94)
وأنشد بعده، وهو الشاهد الحادي والأربعون (من الهزج) : 41 - وَقَدْ أَغْدُو على أشقر * يَغْتَالُ الصَّحَارِيَّا على أنه جمع صحراء، فلما قلبت الألف بعد الراء في الجمع ياء قلبت الهمزة التي أصلها ألف التأنيث ياء أيضاً، وهذا أصل كل جمع لنحو صحراء، ثم يخفف بحذف
الياء الأولى فيصير صَحَارِيَ بكسر الراء وتخفيف الياء مثل مَدَارِيَ، ويجوز أن تبدل الكسرة فتحة فتقلب الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها كما فعلوا في مَدَاري، وهذان الوجهان هما المستعملان، والأول أصل متروك يوجد في الشعر وقد تقدم الكلام عليه بأبسط من هذا في الشاهد الثاني والخمسين بعد الخمسمائة.
وأغدو: مضارع غدا غُدُوّاً إذا ذهب غدوة، وهي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، والأشقر من الخيل: الذي حمرته صافية، والشُّقْرَة في الإنسان: حمرة يعلوها بياض، ويغتال: يُهْلك، يقال: اغتاله أي أهلكه، واستعار يغتال لقطع المسافة بسرعة شديدة، فإن أصل اغتاله بمعنى قتله على غفلة، والصحراء من الأرض: الفضاء الواسع، والشعر للوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والأربعون 42 - حِمّى لاَ يُحَلُّ الدَّهْرَ إلاَّ بِأَمْرِنَا * وَلاَ نَسْأَلُ الأَقْوَامَ عَهْدَ الْمَيْاثِقِ على أنه حُكِيَ أن المياثق لغة لبعض العرب، وهو جمع ميثاق، وأصله مِوثاق قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، فكان القياس في الجمع أن ترجع الواو، لزوال موجب قلبها ياء قال أبو الحسن (1) الأخفش فيما كتبه على أمالي أبي زيد: رواه الفراء
__________
(1) انظر كتاب النوادر لابي زيد (ص 64) (*)(4/95)
" عَقْدَ المياثق " أخبرنا بذلك عنه ثعلب، وهذا شاذ، والرواية " عهد المواثق " وهو أجود وأشهر (1) ورواه الصاغاني في العباب بالياء عن ابن الأعرابي، قال: الميثاق العهد،
وأخْذُ الميثاق بمعنى الاسْتحلاف، وصارت الواو ياء لانكسار ما قبلها، والجمع المواثق والمياثيق على اللفظ، وقد جاء في الشعر المياثق، أنشد ابن الأعرابي لعياض ابن دُرَّة الطَّائي: * حمى لا يحل الدهر ... البيت * انتهى وراه أبو زيد الأنصاري في أماليه على القياس، قال: وقال عياض بن أم دُرَّة الطائي، وهو جاهلي: وَكُنَّا إذَا الدِّينُ الْغُلُبَّى بَرَى لَنَا * إذَا مَا حَلَلْنَاهُ مُصَابَ الْبَوَارِقِ حِمىً لا يحل الدَّهْر إلاَّ بإِذْنِنَا * وَلاَ نَسْأَلُ الأَقْوَامَ عَهْدَ الْمَوَاثِقِ الدين: الطاعة، والغلبي: المغالبة، ويرى لنا: عرض، يَبْرِي بَرْياً، وانبرى ينبري انبراء، انتهى.
قال أبو الحسن الأخفش: قال أبو سعيد: حِفْظِي عياض بن درة، انتهى فعهد المواثق فيه شذوذ واحد، وهو حذف الياء من مواثيق، وفي عهد المياثق شذوذان: عدم رجوع الواو، وحذف الياء بعد المثلثة، ولا يخفى أن الْغُلُبَّى - بضم الغين واللام وتشديد الموحدة - ليس مصدراً للمفاعلة، إنما هو أحد مصادر غلبة يغلبه غَلْباً بسكون اللام وَغَلَبَاً بتحريكها وغَلَبَة بإلحاق الهاء وَغَلاَبية كَعَلانية وَغُلَبَّة كحُزَقَّة وَغُلُبَّى ومَغْلَبَة بفتح اللام، كذا في العباب، وَالْمَصَاب بفتح الميم: اسم مكان من صابه المطر إذا مطر، والصوب: نزول المطر، والبوارق: جمع بارقة، وهي سحابة ذات برق
__________
(1) عبارة الاخفش " والرواية الاولى أجود وأشهر " (*)(4/96)
وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث والأربعون (من الوافر) : 43 - وقاءٌ مَّا مُعَيَّةُ مِنْ أبِيهِ * لِمَنْ أوْفَى بِعَهْدٍ أوْ بِعَقْدِ
على أن مُعَيَّة مصغر مُعاوِية، حذفت ألفه عند التصغير فصار مُعَيْوِية، فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت فيها فصار مُعَيِّية بثلاث ياءات، فحذف الياء الثالثة التي هي لام الفعل وفتحت الثانية لأجل الهاء فصار مُعَيَّة، على وزن مُفَيْعة، كذا قال ابن يعيش وفي الجمهرة لابن دريد: وَفَى يفي وفاء وأوفى يوفي، لغتان فصيحتان، قال الشاعر * وقاء ما معيه من أبيه * البيت معية: هو ابن الصمة أخو دريد، وكان الصمة قتل في جوار بَيْبة (1) بن سفيان بن مجاشع، وكان مُعَيَّة أسيراً في أيديهم، فقال الصمة وهو يكيد بنفسه هذه القصيدة، يقول: أما إذا غدرتم فأطلقوا عن ابني مُعَية، فإن فيه وقاء مني، انتهى كلامه والوقاء - بكسر الواو وفتحها بعدها قاف - هو ما وقيت به شيئاً، وما زائدة، والعهد: الأمان والمواثق (2) والذِّمَّة، وَالْعَقْد: إحكام العهد من عَقْدَتُ الحبلَ عَقْداً والصِّمَّة - بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم - فارس شاعر جاهلي من بني جُشَم بن معاوية بن بكر بن هوازن، وهو والد دُرَيْد بن الصمة الذي قتل في غزوة حُنَيْنٍ كافراً
__________
(1) بيبة - بفتح الموحدة بعدها ياء مثناة ساكنة فموحدة - سيد مجاشع، وهو أبو الحارث ابن بيبة الذى خلفه في سيادة قومه (2) لعله " والمواثق " حتى يطابق التفسير المفسر (*)(4/97)
وأنشد الجاربردي (1) ، وهو الشاهد الرابع والأربعون 44 - وَهْوَ إذَا الْحَرْبُ هَفَا عُقَابُهُ * مِرْجَمُ حَرْبٍ تَلْتَظِي حِرَابُهُ
على أن الحرب قد يكون مذكراً كما في البيت، فإن الهاء من " عُقَابه " ضمير الحرب وهذا الرجز أورده الجوهري في الصحاح (2) ، ونقل كلامه الجاربرديُّ برمته، وهو فيه غير منسوب لأحد، ولم يتكلم عليه ابن بري في أماليه بشئ، وقد وقع في بعض نسخ الصحاح " تلتقي " بدل " تلتظي " وقال الصفدي في حاشيته عليه: الذي رواه ابن الأعرابي " تلتظي حرابه " بدل " تلتقي " وكذا هو بخط الجوهري، والذي وجدته بخط ياقوت " تلتقي " والصواب " تلتظي " كما رواه ابن الأعرابي، انتهى.
" وهو " ضمير الممدوح بالشجاعة، قال الجوهري: وهفا الطائر بجناحه: أي خَفَقَ وطار، وأنشد هذا الرجز، وَالْعُقَاب - بالضم - من أعظم جوارح الطير، شبه الحرب الشديدة به، وَالْمِرْجَم - بكسر الميم وفتح الجيم - قال الجوهري: ورجل مِرْجَم: أي شديد كأنه يُرْجَم به معاديه، والرجم الرمي بالحجارة، انتهى.
وأضافه إلى الحر لانه لا يُرْجم على الأعداء فيها، وتلتظي: تلتهب، جملة حالية، والحراب - بالكسر - جمع حربة، يريد أن لها بريقاً كشُعْلة النار، وصحَّفه الجار برى بالجيم، فقال: وجراب البئر جوفها من أسفلها إلى أعلاها، انتهى.
والهاء ضمير مرجم، وإذا: ظرف متعلق بمرجم وأنشد بعده، وهو الشاهد الخامس والاربعون (من الرجز)
__________
(1) انظر الجاربردى " ص 88 " ووقع فيه (من جم حرب) وهو تحريف ظاهر.
(2) انظر الصحاح (مادة: ح ر ب) و (هـ ف ا) (*)(4/98)
45 - إنَّا وَجَدْنَا عُرُسَ الْحَنَّاطِ * لَئِيمَةً مَذْمُومَةَ الْحُوَّاط
على أن الْعُرُسُ مؤنثة، بدليل لئيمة ومذمومة، وَالعُرُس: بضمتين وبضمة فسكون، قال الجوهري: والعرس طعام الوليمة، يذكر ويؤنث، قال الراجز: إنَّا وَجَدْنَا عُرُسَ الْحَنَّاطِ * لَئِيمَةً مَذْمُومَةَ الْحُوَّاط * نَدْعَى مَعَ النَّسَّاجِ وَالْخَيَّاطِ * والجمع الأعراس وَالْعُرُسَات، وقد أعْرَس فلان: أي اتخذ عُرُساً، وأعرس بأهله إذا بنى بها، وكذلك إذا غشيها، ولا تقل عَرَّس (أي بالتشديد) والعامة تقوله، انتهى.
وكذا قال صاحب العباب وزاد بعد البيت الثالث * وَكُلِّ عِلْجٍ شَخِمِ الآباطِ * ثم قال: وقال دُكَيْن وقد أتى عُرْساً فحجب، فرجز بهم، فقيل: من أنت؟ فقال: دكين، فقال (من مشطور الرجز) : تَجَمَّعَ النَّاسُ وَقَالُوا عُرْسُ * إذَا قِصَاعٌ كَالأَكُفِّ خَمْسُ وَدُعِيَتْ قَيْسٌ وَجَاءَتْ عَبْسُ فَفُقِئَتْ عَيْنٌ وَفَاظَتْ نَفْسُ (1) انتهى وأورد ابن السكيت في إصلاح المنطق الرجز الأول، وقال شارح أبياته ابن السيرافي: الْحَنّاط: بائع الحنطة، والْحَوَّاط: الذين أحاطوا بالعرس، وذمها لأن المدعوين فيها الحاكة والخياطون، انتهى.
ولم يتكلم عليه ابن بري في أماليه على
__________
(1) روى الجوهرى في مادة " ف ى ظ " البيت الاول والرابع، وترك الثاني والثالث وفيه " اجتمع الناس - الخ ".
وفى بعض نسخ الاصل " وفاضت نفس " بالضاد المعجمة، وكل العلماء يجيزون أن تقول: فاظت نفس فلان، إلا الاصمعي فانه كان ينكرها، وهو تابع لابي عمرو بن العلاء.
(*)(4/99)
الصحاح بشئ، ولا الصفدي في حاشيته عليه وكتب ياقوت الموصلي الخطّاط على هامش الصحاح: الْحُوَّاط: القوم الذين يقومون على رءوس الناس في الدعوات، والرجز لدكين الراجز، انتهى: ونُدعَى: بضم النون وفتح العين، والْعِلج - بكسر العين - الرجل من كفار العجم، وَالشَّخِم - بفتح الشين وكسر الخاء المعجمتين - المنتن ودكين بالتصغير: راجز إسلامي من معاصري الفرزدق وجرير، وهو دكين ابن رجاء من بني فقيم، ومدح عمر ابن عبد العزيز وهو والي المدينة وله معه حكاية أوردها ابن قتيبة في كتاب (1) الشعراء وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس والأربعون (من المتقارب) 46 - * عَلَيْهِ مِنَ اللُّؤْمِ سِرْوَالَةٌ * على أن السِّرْوَالَة واحد السراويل، وتمامه * فَلَيْسَ يَرِقُّ لِمُسْتَعْطِفِ * وقائله مجهول حتى قيل: إنه مصنوع واللؤم بالهمز الشح ودناءة الآباء، وتقدم الكلام عليه في الشاهد الثالث والثلاثين من شرح شواهد الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع والأربعون، وهو من شواهد سيبويه (2) (من الرجز) قَدْ رَوِيَتْ إلاَّ الدُّهَيْدِهِينَا * قُلَيِّصَاتٍ وَأُبَيْكِرِينا 47 - على أنه كان القياس دُهَيْدِهَات وَأبَيْكِرَات قال سيبويه (2) الدَّهْدَاه
__________
(1) انظر كتاب الشعراء لابن قتيبة (ص 387 طبع أوربة) (2) أنظر الكتاب " 2: 142 " وفيه " قد شربت إلا دهيد هينا " (*)(4/100)
حاشية الابل، فكأنه حقر دهاده فرده إلى الواحد، وهو دَهْداه، وأدخل الياء والنون كما تدخل في أرضين وسنين، وذلك حين اضطر في الكلام إلى أن يدخل ياء التصغير، وأما أبيكرينا فانه جمع الا بكر (كما يُجْمَعَ الْجُزْرَ وَالطُّرُق فتقول جُزُرات وَطُرُقَات) (1) ولكنه أدخل الياء والنون كما أدخلها في الدُّهَيْدِهِين.
انتهى كلامه وقال ابن جني في سر الصناعة عند سَرْد ما جمع بالواو والنون من كل مؤنث معنوي كأرض أو مؤنث بالتاء محذوف اللام كُثَبة، ما نصُّه: " فإن قلت: فما بالهم قالوا: * قَدْ رَوِيْتَ إلاَّ الدُّهَيْدِهِينَا * إلخ فجمعوا تصغير دَهْدَاه، وهو الحاشية من الإبل، وَأَبْكُراً، وهو جمع بَكْر بالواو والنون، وليسا من جنس ما ذكر؟ فالجواب أن أبكراً جمع بكر، وكل جمع فتأنيثه سائغ مستمر لأنه جماعة في المعنى، وكأنه قد كان ينبغي أبْكِرَة، وإذا ثبت أن أفْعُلا من أمثلة الجموع يجوز في الاستعمال والقياس تأنيثه، فصار إذن جمعهم إياها بالواو والنون في قوله " أُبَيْكرونا " إنما هو عوض من الهاء المقدرة، فجرى مجرى أرض في قولهم، وأما " دهيدهينا " فإن واحده دَهْدَاه فهو نظير الصِّرْمة فكأن الهاء فيها لتأنيث الفرقة، كما أن الهاء في عصبة لتأنيث الجماعة، فكأنه كان في التقدير دهداهة، فجمع الواو والنون تعويضاً من الهاء المقدرة، قال أبو علي: وحسن أيضاً جمعه بالواو والنون أنه قد حذفت ألف دهداه في التحقير، ولو جاء على الأصل لقيل دُهَيْدِيه، فواحد " دهيدهينا " إنما هو دُهَيْدِه، وقد حذفت الألف من مكبره، فكان ذلك أيضا مستهلا للواو والنون وداعياً إلى التعويض بهما، انتهى.
__________
(1) الزيادة عن سيبويه في الموضع المذكور (*)(4/101)
والبيتان من رجز أورده أبو عبيد في الغريب المصنف، قال: الحاشية صغار الإبل، والدَّهْداه مثل ذلك، قال الراجز: يَا وَهْبُ فَابْدأ بِبَنِي أبينَا * ثُمَّتَ ثَنِّ بِبَنِي أخِينَا وَجِيرَةِ الْبَيْتِ الْمُجَاوِرِينَا * قَدْ رَوِيَتْ إلاَّ الدُّهَيْدِهِينَا إلاَّ ثَلاَثِينَ وَأرْبَعِينَا * قُلَيِّصَاتٍ وَأُبَيْكِرِينَا وقليصات: جمع مصغر قَلُوص، وهي الناقة الشابة، وأبَيْكِرِين: جمع أبيكر مصغر أبْكُر، وهو جمع بَكْر بالفتح، وهو في الإبل بمنزلة الشاب في الناس.
وقد تكلمنا عليه بأبسط من هذا الشاهد الثالث والثمانين بعد الخمسمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده وهو الشاهد الثامن والأربعون (من السريع) : 48 - * فِي كُلِّ يَوْمٍ ماو كل ليلاوه * على أن " ليلاه " في معنى ليلة، وعليه جاء التصغير في قولهم: لُيَيْلية، وجاء الجمع أيضاً في قولهم اللَّيَالي قال ابن جني في باب الاستغناء بالشئ عن الشئ من الخصائص (1) : " ومن ذلك استغناؤهم بليلة عَنْ لَيْلاه، وعليها جَاءتْ لَيالٍ، على أن ابن الأعرابي قد أنشد: في كُلِّ يَوْمٍ مّا وَكُلِّ لَيْلاَهْ * حَتَّى يَقُولُ كُلُّ رَاءٍ إذْ رَآهْ * يَا وَيْحَهُ منْ جَمَلٍ ما أَشْقَاهْ * وهذا شاذ لم يسمع إلا من هذه الجهة وقال في المحتسب أيضاً: " فأمَّا أهَالٍ فكقولهم ليال، كأن واحدهما أهلات
__________
(1) انظر كتاب الخصائص ": 275 " (*)(4/102)
ولَيْلاَه، وقد مر بنا تصديقاً لقول سيبويه فإن واحدهما في التقدير ليلاة ما أنشده ابن الأعرابي: في كُلِّ يَوْمٍ مّا وَكُلِّ ليلاه * حتى يقول من رآه إذْ رَآهْ وقال السيوطي في شرح أبيات المغني: ونقل ابن جني في ذي القد (1) عن أبي علي أنه أراد " وكل ليلة " ثم أشبع فتحة اللام، فصارت ليلاة، انتهى: وفي العباب للصاغاني " يقال: كان الأصل ليلاه فحذفت الألف لأن تصغيرها لُيَيْلِية " وقال الفراء: ليلة كانت في الاصل ليلية، ولذلك صغرت لييلية، ومثلها الكيكةً البيضةُ، كانت في الأصل كيكية، وجمعها الكياكي، انتهى.
" في كل يوم ما - إلخ " متعلق الجار في بيت قبله لم أقف عليه، والمعنى أعمله في كل يوم وكل ليلة، وأنشد السيوطي بعده البيتين فقال ابن الملا في شرح المغنى: في متعلقة بقوله ما أشقاه، ولم يذكر البيت الآخر، وما زائدة، ورواه ابن الملا " في كل ما يوم " وقال: ما زائدة، وقوله " إذ رآه " بحذف الهمزة، وهي عين الكلمة، والْوَيْح: كلمة ترحم تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، ومن " جمل " بيان للضمير في ويحه، " ما أشقاه " تعجب وهذا الرجز لم أقف على قائله، والله أعلم به وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع والأربعون (من البسيط) : 49 - أمَا أقاتل عن ديني على فرس * ولا كذا رَجُلاً إلاَّ بِأَصْحَابِ على أن رجلاً بمعنى راجل، قال ابن يعيش (2) : ومن تصغير الشاذ قولهم رُوَيْجل في تصغير رجل، وقياسه رجيل، كأنهم صغروا راجلاً في معنى رجل وإن لم
__________
(1) كذا في الاصول، وهو تصحيف لم يتضح لنا وجه الصواب فيه، وقد رجعنا الى النسخ المطبوعة والخطية من شرح أبيات المغنى للسيوطي فلم نجد هذا النقل
عند الكلام على هذا الشاهد، وقد مرت عبارة ابن جنى نقلا عن الخصائص (2) انظر شرح المفصل " 5: 133 " وفيه في رواية البيت " أو هكذا رجلا " (*)(4/103)
لم يظهر به استعمال، كما قالوا: رجل في معنى راجل، وأنشد البيت، ثم قال: فكأنهم صغروا لفظاً وهم يريدون آخر والمعنى فيهما واحد، انتهى.
وفي نوادر أبي زيد (1) قال حُيي بن وائل وأدرك قطريّاً (ابن الفجاءة) (2) الخارجي أحَدَ بني مازن: أما أقاتل عن ديني على فرس * ولا كذا رجلا إلا بأصحاب لقد لقيت إذن شراً وأدركني * ما كنت أزعم في خَصْمي مِنَ العاب قال أبو عمر الجرمي (3) : رجل راجل، قال السكري: قوله رجلاً معناه راجل، كما يقول العرب جاءنا فلان حافياً رجلاً أي راجلاً كأنه قال: أما أقاتل فارساً ولا كما أنا راجلاً إلا ومعي أصحاب لقد لقيت إذن شرّاً لو أني أقاتل وحدي ويقال راجل ورجال، قال تعالى: (فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) وكذلك (يأتوك رجالا (وعلى كل ضامر) (4)) ورَاجِلُ وَرَجْلَةٌ وَرَجُلٌ وَرِجَالٌ ورُجَالَى، والعاب العيب انتهى.
والأول: ما بعد الآية على وزن فاعل، والثاني على وزن فَعْلَةٍ: - بفتح الفاء وسكون العين - والثالث: على وزن فَعْل بفتح الفاء وسكون العين، والرابع: على وزن فعَّال بضم الفاء وتشديد العين، والخامس: فُعَالَى بضم الفاء وتخفيف العين والقصر، قوله " لقيت إذاً شرّاً لو أني أقاتل وحدي " كذا رأيته في نسخة قديمة صحيحة، ورواه أبو الحسن الأخفش: أي إني أقاتل وحدي أي " إني " موضع " لو " والمعنى عليه كما يظهر بالتأمل، ويؤيده أن غير أبي زيد روى أن حُيي بن وائل خرج راجلاً يقاتل السلطان، فقيل له: أتخرج راجلاً (تقاتل) (4) ؟ فقال: أما أقاتلهم إلا على فرس، كذا قال الأخفش، وقال: قال أبو حاتم: قوله " أما
__________
(1) انظر النوادر " ص 5 " (2) الزيادة عن النوادر في الموضع المذكور (3) هذا الكلام بعينه في نوادر أبى زيد " ص 5 " عن أبى حاتم، وسيأتى التصريح به (4) الزيادة عن تعليقات أبى الحسن الاخفش على نوادر أبى زيد (*)(4/104)
مخفف الميم مفتوح الألف، واحترز بهذا الضبط عن القراءة بكسر الهمزة وتشديد الميم فتكون أما بالتخفيف استفتاحية وحيى - بضم الحاء المهملة وفتح المثناة التحتانية الأولى وتشديد الثانية -: رجل من الخوارج وفي نسخ الشرح " أو هكذا رجلاَ إلا بأصحاب " وكذا في شرح الجاربردي في باب الجمع، وقال: معنى البيت الإنكار على من يرى أن مقاتلة هذا الشاعر لا تجوز إلا حال مصاحبته مع أصحابه، فقال: لم لا أقاتل منفرداً سواء أكون فارساً أو راجلاً، انتهى.
وهذا المعنى مراده قطعاً، لكن في أخذه من البيت خفاء وفي تركيبه (1) تعقيد وقلاقة وينظر في هذا الاستثناء (2) ثم رأيت في أمالي الصحاح لابن بري قال بعد أن نقل كلام أبي زيد ما نصه: وقال ابن الأعرابي: قوله " ولا كذا ": أي ما ترى رجلاً (3) ، وقال المفضل: أمَا خفيفة بمعنى ألا، وألا تنبيه يكون بعدها أمر أو نهي أو إخبار (فالذي بعد أما هنا إخبار) (4) كأنه قال: أما أقاتل فارساً وراجلاً، وقال أبو علي في الحجة بعد أن حكى عن أبي زيد ما تقدم: فرجُل على ما حكى أبو زيد صفة ومثله نَدُسٌ وفطن وحذر
__________
(1) في نسخ الاصل وفى تركبه، وهو تحريف (2) قد نظرنا في هذا الاستثناء على المعنى الذى ذكره الجاربردى فوجدناه
استثناء مفرغا والمستثنى منه المقدر عموم الاحوال، وكأن في الاستفهام الذى أجاب عنه الشاعر بالبيت الشاهد حذف الواو مع ما عطفت، وكأنهم قالوا له: أتخرج راجلا ومنفردا (3) الذى في اللسان عن ابن الاعرابي: " أي ما ترى رجلا كذا " (4) الزيادة عن اللسان عن المفضل وهى ضرورية (*)(4/105)
وأحرف نحوها، ومعنى البيت كأنه يقول: اعلموا أني أقاتل عن ديني وعن حسبي وليس تحتي فرس ولا معي أصحاب، انتهى كلام ابن بري المنسوب أنشد فيه، وهو الشاهد الخمسون (من الطويل) : 50 - كَأَنَّ مَجَرَّ الرَّامِسَاتِ ذُيُولَهَا * عَلَيْهِ قَضِيمٌ نَمَّقَتْهُ الصَّوانِعُ عَلَى أن فيه حذف مضاف، والتقدير كان أثر مجر أو موضع مجر، ومَجَرٌّ مصدر ميمي مضاف لفاعله، وذيولها: مفعوله، ولا يجوز أن يكون اسم مكان، فإنه لا يرفع فضلاً عن أن ينصب، وكذا اسم الزمان والآلة، وإنما كان بتقدير مضاف لأنه إن كان مصدراً فلا يصلح الإخبار عنه بقضيم، وإن كان اسم مكان فلا يصح نصبه المفعولَ، وروي بجر " ذيولها " فيكون بدلاً من الرامسات بدلَ بعض، وعليه فالمجر اسم مكان ولا حذف وقال ابن بري في شرح أبيات الإيضاح لأبي علي.
قال أبو الحجاج: بل لابد من اعتقاد محذوفات ثلاثة يصح بها المعنى، تقديرها كأنَّ أثر موضع مجر الرامسات ذيولَهَا نَقْشُ قضيم، والرامسات: الرياح الشديدة الهبوب، من الرَّمْس وهو الدفن، وذيولها: مآخيرها، وذلك أن أوائلها تجئ بشدة ثم تسكن، والقضيم - بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة - حصير منسوج خيوطة سيور،
وقال ابن بري: القضيم الجلد الأبيض عن الأصمعي وغيره، وقال يعقوب: الصحيفة البيضاء، وقال أيضاً: هو النِّطَع الأبيض، وقال صاحب العين: هو الحصير المنسوج تكون خيوطه سيوراً بلغة أهل الحجاز، شبه آثار الديار بنقش على ظهر مِبْنَاة، انتهى قال شارح ديوان النابغة: شبه آثار هذه الرامسات في هذا الرسم بحصير من(4/106)
جريد أو أدم برمله الصوانع: أي تعمله وتخرزه، ومن فسر القضيم بجلد أبيض يكتب فيه كالأندلسي وابن يعيش والجاربردي لم يصب، فإن الصوانع جمع صانعة، والمعهود في نساء العرب النسيج وما أشبهه لا الكاتبة، والمعنى يقتضيه أيضاً، فإن الرَّمْل الذي تمر عليه الريح يشبه الحصير المنسوج، والعرب لا تعرف الكتابة رجالها فضلا عن نسائها، وإنما حدث فيها الخَطُّ والكتابة في الإسلام وقال بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل: يقول: كأن أثر جرّ الرياح الرامسات ذيولها على ذلك الربع قضيم: أي خطوط قضيم زينته بالكتابة النساء الحاذقات للكتابة، أو كان موضع الرامسات قضيم، شبه أثار جر الرياح بالخطوط في القضيم، أو موضِعَهَا الذي (1) هبّت عليه بالقضيم الْمُنَمَّق، وفي البيت سؤال وجواب، أما السؤال فإن المجَر اسم مكان، وقد عمل في ذيولها، وبيان كونه اسم مكان أنه أخبر عنه بقضيم، ولا يستقيم المجر بمعنى الجر لأنه يؤدي إلى تشبيهه وهو معنى بالرَّقِّ وهو عين، ولا معنى لذلك، والجواب أن اسم المكان لا يعمل باستقراء لُغتهم، وإذا وجدنا ما يخالفه وجب تأويله، وله هنا تأويلان: أحدهما: تقدير مضاف قبل مجر، والمجر مصدر، والتقدير كأنَّ موضع جر الرامسات، وهو خير من تقدير أثر، لئلا يحصل ما هرب عنه من الإخبار بقضيم إذ الأثر يشبه بالكتابة لا بالرق، وغرضنا هنا التشبيه بالرق، ولقائل أن يقول:
لعل من قال إن تقديره كان أثر جر الرامسات قدر قبل قضيم مضافاً محذوفاً، وهو خطوط قضيم، فيصح المعنى، والثاني: أن يكون مجر موضعاً على ظاهره، والمضاف محذوف من الرامسات، كأنه قال: مجرجر الرامسات، هذا كلامه وهو ملخص من شرح المفصل للاندلسي، وقد نقله ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل، ورد قوله " تقدير موضع خير من تقدير أثر " بأنه لا فرق بينهما لان أثر الجر وموضع الجر واحد، إلا أن يتوهم متوهم أن أثره ما بقي من فعله، وموضعه مكان فعله، انتهى:
__________
(1) في أصول الكتاب " التى " وهو تحريف (*)(4/107)
وقوله " والثاني أن يكون مجر موضعاً - إلخ " قال الأندلسي: والوجه الثاني أن يكون مجر موضعاً على ظاهره، والمضاف محذوف من الرامسات، كأنه قال: كأن مجرجر الرامسات، ويتأكد هذا بأمرين: أحدهما: مطابقة المشبه بالمشبه به، لأن فيه ذكر الموضع أولاً والأثر ثانياً، كما أن المشبه به ذكر فيه الرق أولاً والتنميق ثانياً، والآخر أن المحذوف مدلول عليه بمجر لان مجرا معناه الجر، فلم يقدر إلا بما دلَّ عليه، بخلاف التقدير الأول، فإن المؤدي إليه امتناع استقامته في الظاهر، وهو موجود بعينه ها هنا مع الوجهين الآخرين، ويضعف من جهة أن " ذيولها " تكون منصوبة بمصدر مقدر، والنصب بالمصدر المقدر لا يكاد يوجد، ومن أجل ذلك قدم التقدير الأول، انتهى.
والبيت من قصيدة للنابغة الذبياني، قال بعد بيتين من أولها: تَوَهَّمْتُ آياتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا * لِسِتَّةِ أعوام واذ الْعَامُ سَابِعُ رَمَادٌ ككُحْلِ الْعَيْنِ ما إنْ تُبينُهُ * وَنُؤْيٌ كجِذْمِ الْحَوْضِ أثْلَمُ خَاشِعُ كَأَنَّ مَجَرَّ الرَّامِسَاتِ ذيولها * عليه قضيم نمقته الصَّوانِعُ عَلَى ظَهْرِ مِبْنَاة جَديدٍ سُيُورُهَا * يَطُوفُ بِهَا وَسْطَ اللَّطِيمَةِ بَائِعُ
توهمت: تفرست، وآيات الدار: علامات دار الحبيبة لا ندراسها، واللام بمعنى بعد، ورمادٌ ونؤيٌ استئناف لتفسير بعض الآيات: أي بعض الآيات رماد وبعضها نُؤْي، وإنْ: زائدة، وتبينه: تظهره، وفاعله إما ضمير ديار الحبيبة وإما ضمير المخاطب، والنؤى - بضم النون وسكون الهمزة - حفيرة تحفر حول الخباء، ويجعل تُرَابها حاجزاً لئلا يدخل المطر، والْجَذْمُ بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة: الأصل، والباقي.
والخاشع: اللاطئ بالأرض قد اطمأن وذهب شخوصه، وقوله " كأن مجر الخ " ضمير عليه راجع إلى النؤى، وقال بعض شراح الشواهد: راجع إلى الربع، وليس الربع مذكوراً في الشعر، وإنما قاله على(4/108)
التخمين، ونمقته: حسنته، والصوانع: جمع صانعة، من الصنع بالضم وهو إجادة الْفِعْل، وليس كل فعل صنعا (1) ، ولا يجوز نسبته إلى الحيوان غير الآدمي ولا إلى الجمادات وإن كان الفعل ينسب إليها، وقوله " على ظهر مبناة - إلخ " الْمِبْنَاة - بكسر الميم وسكون الموحدة بعدها نون - النطع بكسر فسكون وبفتحتين وكعنب بساط من أديم، وقال ابن برى: الْمِبْنَاةَ هي كَالْخِدْرِ تتخذ للعروس يبني بها زوجها فيه (2) ، ولذلك سميت مِبْنَاةً، وكانوا ينقشون النِّطْع بالقضيم وهي الصحف البيض تقطع وينقش بها الأدم تلزق عليه وتخرز، وقال الأصمعي: كانوا يجعلون الحصير المزين المنقوش على نطع ثم يطوفون به للبيع، قال قطرب: وسمي المسك لطيمة لأنه يجعل على الملاطم، وهي الخدود، انتهى.
وقال غيره: واللطيمة بفتح اللام وكسر الطاء سوق فيها بز وطيب، يقول: القضيم الذي هو الحصير على هذا النطع يطوف بها بائع في الموسم، قال الأصمعي: كان من يبيع متاعاً يفرش نطعاً وَيَضَع عليه متاعه، والنطع يسمى مبناة، فيقول: نشر هذا التاجر حصيراً على نِطَعٍ، وإنما سميت مبناة لأنها كانت تتخذ قباباً، والقبة والبناء سواء،
والانطاع يبني بها القباب والنابغة الذبياني شاعر جاهلي ترجمناه في الشاهد بعد المائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الحادي والخمسون (من الرجز) : 51 - * ذَكَّرْتَنِي الطعن وكنت ناسيا *
__________
(1) في الاصول " وليس كل صنع فعلا " وهو مخالف لما ذكره من قبل ومن بعد في تفسير الصنع، إذ الصنع فعل وزيادة قيد، فهو أخص مطلقا، والفعل أعم مطلقا، فكل صنع فعل وليس كل فعل صنعا (2) في أصول الكتاب " فيها " والانسب لما قبله ولما بعده ما ذكرناه (*)(4/109)
على أنه مثل يضرب في الحديث يستذكر به حديث غيره وأول من قاله رُهَيْم ابن حَزْن الْهِلاَلِي، وكان انتقل بأهله وماله من بلده يريد بلداً آخر، فاعترضه قوم من بني تغلب، فعرفوه وهو لا يعرفهم، فقالوا له: خَلِّ ما معك وانج بنفسك، قال لهم: دونكم المالَ ولا تتعرضوا لِلْحُرَم، فقال له بعضهم: إن أردت أن نفعل ذلك فألقِ رمحك، فقال: وإن معي لَرُمْحاً؟ فشدَّ عليهم، فجعل يقتل واحداً بعد واحد، وهو يرتجز ويقول: رُدُّوا عَلَى أقْرَبِهَا الأقَاصِيَا * إنَّ لَهَا بالمَشْرِفِيِّ حَادِيَا * ذَكَّرْتَنِي الطَّعْنَ وَكُنْتُ نَاسِيَا * وقيل: إن أصله أن رجلاً حمل على رجل ليقتله، وكان في يد المحمول عليه رمح فأنساه الدهش ما في يده، فقال له الحامل: ألْقِ الرمح، فقال الآخر: إن معي رمحاً لا أشعر به؟ * ذَكَّرْتَنِي الطَّعْنَ وَكُنْتُ نَاسِيَا *
فحمل على صاحبه فطعنه حتى قتله أو هزمه، يضرب في تذكر الشئ بغيره، ويقال: إن الحامل صخر بن معاوية السلمي، والمحمول عليه يزيد بن الصَّعِق، كذا في غاية الوسائل إلى معرفة الأوائل تأليف إسماعيل بن هبة الله الموصلي الشافعي، واقتصر الزمخشري في مستقصى الأمثال على القول الأول والثالث وقوله " ردوا على أقربها " الضمير للإبل، والأقاصي: جمع أقصى وهو البعيد، والْمَشْرِفي - بفتح الميم والراء - السيف نسبة إلى مشارف على خلاف القياس (1) ، ومَشَارِف - بفتح الميم - اسم قرية يعمل فيها السيوف الجيدة،
__________
(1) اعلم أن العلماء قد اختلفوا في مشارف، أهو اسم لجمع من القرى يقال لكل قرية منها مشرف أم هو اسم لقرية واحدة، وأصله جمع فسمى به، فمن ذهب إلى الاول فان النسب إليه حينئذ بقولهم مشرفى قياس، لانه جمع والجمع (*)(4/110)
والحادي: السائق، ورُهَيْم: مصغر رُهْم بضم الراء وسكون الهاء، وروي مكبراً أيضاً، وحَزْن - بفتح الهاء وسكون الزاي - وهو شاعر جاهلي وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والخمسون (من السريع) 52 - وَكُنْتُ كَالسَّاعِي إلى مثعب * موائلا من سبل، الرَّاعِدِ ضربه هنا مثلاً، وهو كقوله: المُسْتَجِيرُ بِعُمْرِهِ عِنْدَ كُرْبَتِهِ * كَالْمُسْتَجِيرِ مِنَ الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ والبيت لسعيد بن حسان، وقبله: فَرَرْتُ مِنْ مَعْنٍ وَإفْلاَسِهِ إلَى الْيَزِيديّ أبِي وَافِدِ ومعن: هو معن بن زائدة الجواد المشهور المضروب (مثلاً) في الجود والكرم، وكان من أمراء الدولة الأموية والدولة العباسية، وإنما قال " وإفلاسه " لأن الإفلاس لازم للكرام في أكثر الأيام، واليزيدي: هو أحد أولاد يزيد بن عبد الملك،
والساعي: من سَعَى الرجل إلى صاحبه: أي ذهب إليها، وَالْمَثْعب - بفتح الميم وسكون المثلثة وفتح العين المهملة - قال الجوهري: هو أحد مثاعب الحياض، وانثعب الماء: جرى في المثعب، والْمُوائل: اسم فاعل من واءل منه على وزن فاعَل: أي طلب النجاة وهرب، والْمَوْئل: الملجأ، وقد وأل يَئل وَأْلاً، أي لجأ، والسبل بالسين المهملة والباء الموحدة المفتوحتين: هو المطر، والراعد: سحاب ذو رعد، ويقال: رَعَدَتْ السماء رَعْداً من باب قتل ورُعُوداً: لاح منها الرعد، يقول أنا في التجائي إليه كالهارب من السحاب ملتجئأً إلى الميزاب، فقد وقعت في أشد مما هربت منه، ولم أر هذين البيتين إلا في تاريخ يمين الدولة محمود بن سبكتكين للعتبي، أوردهما تمثيلاً، ونسبهما إلى سعيد المذكور.
__________
(1) يرد إلى أصله، ومن ذهب إلى الثاني فالواجب أن ينسب إليه على لفظه فقيال مشار في، ومشرفي شاذ، وهذا هو الذى ذهب إليه المؤلف (*)(4/111)
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والخمسون (من الطويل) : 53 - وَلَسْتُ بِنَحْوِيّ يَلُوكُ لِسَانَهُ * وَلكِنْ سَلِيقِيٌّ أقول فأعرب على أن السليقي في النسبة لسليقة شاذ قال صاحب العباب: السليقة: الطبيعة، يقال: فلان يتكلم بالسليقة: أي بطبعة لا عن تعلم، وفي حديث أبي الأسود الدؤلي أنه وضع النحو حين اضطرب كلام العرب فغلبت السليقية: أي اللغة التي يسترسل فيها المتكلم بها على سليقته من غير تعهد إعراب ولا تجنب لحن، قال: * وَلَسْتُ بِنَحْوِيّ يَلُوكُ لِسَانَه * البيت ولم يتكلم عليه ابن بري في أماليه على الصحاح، ولا الصفدي في حاشيته عليه، وكذا أورده ابن الأثير في النهاية غير منسوب إلى قائله
والنحوي: الرجل المنسوب إلى علم النحو، ويلوك لسانه: من لاك الشئ في فمه، إذا عَلَكَهُ، يريد التكلف والتصنع في الكلام، وسليقي: خبر مبتدأ محذوف: أي أنا سليقي، والقياس سَلَقي كحنفي في النسبة إلى حنيفة، وأعرب: من الإعراب، وهو القول المفصح عما في الضمير، وجملة " أقول - إلخ " صفة كاشفة لسليقي.
ولم أقف على قائله، والله سبحانه أعلم وأنشد بعده، وهو الشاهد الرابع والخمسون (من الوافر) 54 - جَرَى الدَّمَيَانِ بالْخَبَرِ الْيَقِينِ على أنه شاذ، والقياس الدَّمَانِ، لما سيأتي في البيت الذي بعده وقد أوردنا ما قيل فيه مستوفى في الشاهد الخامس والستين بعد الخمسمائة من شرح شواهد شرح الكافية(4/112)
وهذا المصراع من أبيات ثلاثة لعلي بن بَدَّالٍ السّلمِيِّ، رواها ابن دريد في المجتبى، وهي: لَعَمْرِكَ إنَّنِي وَأَبا رَباحٍ * عَلَى حَالِ التكاشر منذ حين لا بغضه وَيُبْغِضُنِي وَأَيْضاً * يَرَانِي دُونَه وَأَرَاهُ دُونِي وَلَوْ أنَّا عَلَى جُحْرٍ ذُبِحْنَا * جَرَى الدَّمَيَانِ بِالْخَبَرِ الْيَقِينِ والتكاشر: المباسطة في الكشر وهو التبسم، ورواه ابن دريد في الجمهرة كذا * عَلَى طُولِ التَّجَاوُرِ مُنْذُ حِينِ * والْجُحْرُ - بضم الجيم وسكون الحاء -: الشق في الأرض، وقوله " جرى الدميان إلخ " أراد بالخبر اليقين ما اشتهر عند العرب من أنه لا يمتزج دم المتباغضين،
وهذا تلميح، قال ابن الأعرابي: معناه لم يختلط دمي ودمه من بغضي له وبغضه لي، بل يجري دمي يَمْنَةً ودمه يسرة وقد استقصينا الكلام على معناه وإعلاله هناك، فليراجع ثمة وأنشد بعده، وهو الشاهد الخامس والخمسون (من الكامل) : 55 - يَدَيَانِ بَيْضَاوَانِ عِنْدَ مُحَلِّم على أنه شاذ، والقياس يَدان بدون رَدِّ اللام المحذوفة، لأن هذه اللام لم ترد عند الإضافة إذا قلت: يَدُه قال ابن يعيش: وإذا لم يرجع الحرف الساقط في الإضافة لم يرجع في التثنية، ومثاله يَدٌ وَدَمٌ، فإنك تقول دَمَانِ ويَدَانِ، فلا ترد الذاهب، لانه لايرد في الإضافة، فأما قوله: * يَدَيَانِ بَيْضَاوَانِ ... البيت *(4/113)
وقول الاخر: * جَرَى الدَّمَيَانِ ... البيت * وحمله (1) أصحابنا على القلة والشذوذ وجعلوه من قبيل الضرور، والذى أراه أن بعض العرب يقول في اليد يَداً في الأحوال كلها، يجعله مقصوراً كرحىً وفَتىً، وتثنيته على هذه اللغة يَدَيَانِ، مثل رَحَيَانِ، يقال منقوصاً ومقصوراً، وعليه قول الشاعر: فَلَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا * وَلَكنْ عَلَى أقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدَّمَا انتهى: وقد أشبعنا الكلام عليه في الشاهد الرابع والستين بعد الخمسمائة، وتمامه: * قَدْ يَمْنَعَانِكَ أنْ تُضَامَ وَتُهْضَمَا *
ومُحَلِّم - بكسر اللام -: اسم رجل، وضامه يضيمه بمعنى ظلمه، وكذا، هضمه وفيه روايات أخر ذكرناها هناك وأنشد هنا الجار بردى، وهو الشاهد السادس والخمسون (من الطويل) 56 - فَلَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا * وَلَكنْ عَلَى أقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدَّمَا على أن دما أصله دَمَيٌ تحرك الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفاً فصار دماً كما في البيت، وهذا إنما يتم إذا كان فتح الميم قبل حذف اللام، وعلى أنّ يقطر بالمثناة التحتية، وعلى أن الدما بمعنى الدم، وفي كل منها بحث ذكرناه مفصلاً في الشاهد السادس والستين بعد الخمسمائة من شواهد شرح الكافية، والاعقاب:
__________
(1) كذا في الاصول وفى شرح المفصل لابن يعيش (4: 151) وخير من هذا أن يقال " فحمله أصحابنا " على أن يكون ذلك جواب أما، وتوجيه عبارته ان يجعل الجواب محذوفا مقترنا بالفاء والمذكور معطوف عليه (*)(4/114)
جمع عَقِب - بفتح فكسر - وهو مؤخر القدم، والكلوم: جمع كَلْم - بفتح فسكون - وهو الجرح، يقول إذا جرحنا في الحرب كانت الجراحات في مقدمنا لا في مؤخرنا، وسالت الدماء على أقدامنا لا على أعقابنا، وتقدم بقية الكلام هناك وأنشد بعده وهو الشاهد السابع والخمسون (من الطويل) : 57 - هُمَا نَفَثَا فِي فِي مِنْ فَمَوَيْهِمَا عَلَى أنه من قال في التثنية فموان قال في النسبة فموي، وفيه الجمع بين البدل والمبْدَل منه وهي الميم والواو، وتقدم بسط الكلام عليه في الشاهد السادس والعشرين بعد الثلاثمائة من شرح شواهد شرح الكافية، وتمامه * عَلَى النَّابِحِ الْعَاوِي أشَدَّ رِجَامِ *
وضمير التثنية لا بليس وابن إبليس، ونفثا: ألْقَيَا على لساني، وأراد بالنابح هنا من تعرض لهجوه من الشعراء، وأصله في الكلب، ومثله العاوي، والرِّجام: مصدر راجَمة بالحجارة: أي راماه، وراجم فلان عن قومه إذا دفع عنهم، جعل الهجاء في مقابلة الهجاء كالمراجعة، لجعله الهاجي كالكلب النابح والبيت آخر قصيدة للفرزدق قالها في آخر عمره تائباً إلى الله تعالى مما فرط منه من مهاجاته الناس، وذمّ فيها إبليس لإغوائه إياه في شبابه، وقد أوردنا غالب أبيات القصيدة هناك وأنشد بعده وهو الشاهد الثامن والخمسون (من الطويل) 58 - تَزَوَّجْتُهَا رَامِيَّةً هُرْمُزِيَّةً * بِفَضْلِ الَّذِي أَعْطى الأَمِيرُ مِنَ الرِّزْقِ على أن جاء النسبة إلى الجزأين في رامهرمز، قال أبو حيان في الارتشاف: وتركيب الْمَزْج تحذف الجزء الثاني منه، فتقول في بعلبك: بَعْلِيٌّ، وأجاز الجرمي(4/115)
النسب إلى الجزء الثاني مقتصراً عليه، فتقول: بَكّيٌّ، وغير الجرمي كأبي حاتم لا يجيز ذلك إلا منسوباً إليهما قياساً على " رامية هرمزية " أو يقتصر على الاول، انتهى قال ياقوت في معجم البلدان: معنى رام بالفارسية المراد والمقصود، وهرمز أحد الا كاسرة، فكأن هذه اللفظة مركبة معناها المقصود هرمز وقال حمزة: رامهرمز: اسم مختصر من رامهرمز أزدشير، وهي مدينة مشهورة بنواحي خورستان، والعامة يسمونها رامز كسلاً مهم من غير تتمة اللفظ، وفي رامهرمز يجتمع النخل والجوز والثلج والاترج، وليس ذلك يجتمع بغيرها من مدن خورستان، وقد ذكرها الشعراء، فقال وَرْدُ بن الوَرْدِ الجعدي:
أمُغْتَرِباً أصْبَحْتُ في رَامَهُرْمُز * ألا كُلُّ كَعْبِيٍّ هُنَاكَ غَرِيبُ إذَا رَاحَ رَكْبٌ مُصْعِدُونَ فَقَلْبُهُ * مَعَ الْمُصْعِدِينَ الرَّائِحِينَ جَنِيبُ وَلاَ خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إذَا لَمْ تَزُرْ بِهَا * حَبِيباً وَلَمْ يَطْرَبْ إلَيْكَ حَبِيبُ انتهى وقوله " رام بمعنى المقصود " هذا غير معروف في تلك اللغة، وإنما معناها عندهم: المطيع، والمنقاد، واسم يوم من أيام كل شهر.
والفضل: الزيادة، والرزق: ما يعطى الجندي في الشهر أو في السنة من بيت مال المسلمين والبيت أنشده صاحب العباب ولم يَعْزُهُ إلى أحد، وقال الشاطبي: أنشده السيرافي غُفلاً، ولم أقف على قائله ولا تتمته، والله أعلم وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع والخمسون (من الطويل) 59 - * طَبيبٌ بِمَا أَعْيَا النِّطَاسِيَّ حِذْيَمَا * على أن الأصل " ابْن حذيم " فحذف ابن لظهور المراد وشهرته عند المخاطب، وهو بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح المثناة التحتية، قال ابن الأثير(4/116)
في المرصع: ابن حِذْيَم: شاعر في قديم الدهر، يقال: إنه كان طبيباً حاذقاً يضرب به المثل في الطب، فيقال: أطَبُّ بالكي من ابن حِذْيم، وسمّاه أوس حِذْيَماً فقال * عَلِيمٌ بِمَا أعْيَا النِّطَاسِيَّ حِذْيَماً * انتهى: وقال ابن السكيت في شرح ديوان أوس: حِذْيَمٌ: رجل من تيم الرباب، وكان متطببا عالماً، هذا كلامه فعنده أن الطبيب حذيم لا ابن حذيم، وتبعه صاحب القاموس، فلا حذف
فيه ولا شاهد، وبقية الكلام عليه مذكورة في الشاهد الرابع عشر بعد الثلاثمائة وهذا عجز، وصدره: * فَهَلْ لَكُمُ فيهَا إلَيَّ فَإِنَّنِي * وهو من أبيات لأوس بن حجر قالها لبني الحارث بن سَدُوس بن شيبان، وهم أهل القرية باليمامة حيث افتسموا معزاه، وقد شُرِحَت هناك، وقوله " فهل لكم فيها " أي: في ردها، والضمير للمعزي وقوله " بما أعيا " فاعله ضمير ما الموصولة الواقعة على الداء: أي أنني حاذق بالداء الذي أعجز الأطباء في مداواته، والنِّطاسي بكسر النون - قال ابن السكيت: هو العالم الشديد النظر في الأمور وبعده (من الطويل) : فأُخْرِجَكُمُ مِنْ ثَوْبٍ شَمْطَاءَ عَارِكٍ * مُشَهَّرَةٍ بَلَّتْ أسَافِلَهُ دَماً والشمطاء: المرأة في رأسها شَمَط - بالتحريك - وهو بياض شعر الرأس يخالطه سواد، والعارك: الحائض، ومشهرة: من الشهرة، وهو وضوح الأمر، يقول: هل لكم ميل في ردِّ مِعْزَاي إليَّ فأخرجكم من سبة شنعاء تلطخ أعراضكم وتدنسها كما تدنس الحائض ثوبها بالدم فأغسله عنكم، وهذا مثل ضربه(4/117)
وأنشد بعده، وهو الشاهد الستون (من الطويل) 60 - وما أنا كنتي وما أنا عاجن * وشر الرِّجَالِ الْكُنْتُنِيُّ وعَاجِنُ على أنه قيل في النسبة إلى كنتُ " كنتي " بلا نون، " وكنتني " بنون، في الصحاح: قال أبو عمرو: يقال للرجل إذا شاخ: كنتي، كأنه نسب إلى قوله كنت في شبابي كذا، وأنشد البيت كذا (من الطويل) فَأَصْبَحْتُ كُنْتَيًّا وَأَصْبَحْتُ عَاجِناً * وشَرُّ خِصَالِ الْمَرْءِ كُنْتُ وعَاجِنُ وقال في مادة عجن أيضاً: وعجن الرجل إذا نهض معتمداً على الأرض من
الكبر، أنشد البيت أيضاً.
ولم يتعرض له ابن برى بشئ ولا الصفدي فيما كتبا عليه، وكذلك أورده ابن يعيش ثم قال: ومنهم من قال كنتني فزاد نون الوقاية مع ضمير الفاعل، كأنه حافظ على لفظ كنت ليسلم كنت من الكسرة، قال الشاعر أنشده ثعلب (من الطويل) وما أنا كنتي وما أنا عاجن * وشَرُّ الرِّجَالِ الْكُنْتُنِيُّ وعَاجِنُ وقد أعاب أبو العباس كنتياً (1) ، وقال: هو خطأ وقال ابن جني في سر الصناعة: أنشد أبو زيد (من الوافر) إذَا مَا كُنْتَ مُلْتَمِساً لِقُوتٍ * فَلاَ تَصْرُخْ بِكُنْتِيّ كَبِيرُ وأنشد أحمد بن يحيى (من الطويل) فَأَصْبَحْتُ كُنْتيّاً وَأَصْبَحْتُ عَاجِناً * وَشَر خِصَالِ الْمَرْءِ كُنْتُ وَعَاجِنُ فقوله " كنتياً " معناه أن يقول: كنت أفعل في شبابي كذا، وكنت في حداثتي أصنع كذا، و " كنت " فعل وفاعله التاء، ومن الأصول المستمرة أنك لو سميت رجلاً بجملة مركبة من فعل وفاعل ثم أضفت إليه: أي نسبت لأوقعت الإضافة على الصدر وحذفت الفاعل، وعلى ذلك قالوا في النسبة إلى تأبط شراً: تأبطي، وفي قمت: قومي، حذفوا التاء وحركت الميم بالكسرة التي تجلبها ياء الإضافة، فلما تحركت
__________
(1) الذى في ابن يعيش (ج 6 ص 8) : " وما أنت ... وقد عاب أبو العباس كنتنيا " (*)(4/118)
رجعت الواو التي كانت سقطت لسكونها تلك الواو عين الفعل من قام فقلت قومِيّ، وكَذا كان القياس أن تقول في كنت: كُونِيٌّ، تحذف التاء لأنها الفاعل وتحرك النون فترد الواو التي هي عين الفعل، فقولهم " كنتي " وإقرارهم التاء مع الياء الإضافة يدل على أنهم قد أجروا ضميرا الفاعل مع الفعل مجرى دَال زيد من زائه ويائه، وكأنهم نَبَّهوا بهذا على اعتقادهم قوة اتصال الفعل بالفاعل، وأنهما قد
حلا جميعاً محل الجزء الواحد، انتهى كلامه ولم أقف على قائله والله أعلم.
وأنشد بعده (من الكامل) 11 - يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ وتقدم شرحه في الشاهد الحادي عشر وأنشد بعده، وهو البيت الحادي والستون (من الطويل) 61 - وَمَا أنَا وَحْدِي قُلْتُ ذَا الشِّعْرَ كله * ولكن لشعري فيك مِنْ نَفْسِهِ شِعْرُ وهو من قصيدة للمتنبي يمدح بها على بن عامر الأنطاكي، قال الواحدي: يقول ما انفردت أنا بإنشاء هذا الشعر، ولكن أعانني شعري على مدحك لأنه أراد مدحك كما أردته، والمعنى من قول أبي تمام (من البسيط) تَغَايَرَ الشِّعْرُ فِيهِ إذْ سَهِرْتُ لَهُ * حَتَّى تَكَادُ قَوَافِيهِ سَتَقْتَتِلُ انتهى، ومثله للمتنبي أيضاً (من الطويل) لك الحمد في الدار الَّذِي لِيَ لَفْظُهُ * وَإنَّكَ مُعْطِيهِ وَإنِّيَ نَاظِمُ وقد أكثر الناس تداول هذا المعنى، قال ابن الرومي (من الوافر) وَدُونَك مِنْ أقَاوِيلِي مَديحاً * غَدَاً لَكَ دُرُّهُ وَلِيَ النِّظَامُ(4/119)
وقال أبو إسحق الغزي (من الطويل) مَعَانِيْكَ فِي الأَشْعَارِ تَنْظِمُ نَفْسَهَا * وَمَنْ لَمْ يَخُنْهُ السَّجْلُ والشَّطَنُ اسْتَقَى وله أيضاً: (من الطويل) وَمَا أنَا فِي مَدْحِيكَ إلاَّ كماسِحٍ * بِكَفَّيْهِ مَتْنَ السَّيْفِ وَهْوَ صَقِيلُ وقال تميم بن المعز (من الطويل)
وَسَارَ بِمَدْحِي فِيكَ كُلُّ مُهَجِّرٍ * وَغَنَّى به فِي السَّهْلِ وَالْوَعْرِ مَنْ يَحْدُو وصَاغَتْ لَهُ عُلْيَاكَ حُسْناً وَزينَةً * وَحِيكَ بِهَا مِنْ حَلِيْ ألْفَاظِهَا بُرْدُ وَلَيْسَ لِكُلِّ النَّاسِ يُسْتَحْسَنُ الثَّنَا * كَمَا لَيْسَ فِي كُلِّ الطُّلاَ يَحْسُن الْعِقْدُ وقال الخفاجي (من الطويل) وَلِي فِيكَ مِنْ عز الْقَوَافِي قَصَائِدٌ * تُقَبِّلُ أفْوَاهَ الرُّوَاةِ لَهَا رَشْفاً وَمَا أدَّعِي دُرَّ الْكَلاَمِ لأَنَّهُ * صِفَاتُكَ إلا أنَّنِي لا أُحْسِنُ الرَّصْفا وقال ابن المعلم (من البسيط) أخّذْتُ مِنْكَ الَّذِي أُثْنِي عَلَيْكَ بِهِ * فَأَنْتَ لاَ أَنَا بالنُّعْمَى مُؤَلِّفُهُ فَمَا أتَيْتُ بِشِعْرٍ بِتُّ أنْظِمُهُ * لِلْمَدْحِ فِيكَ وَلاَ شِعْرٍ أُصَنِّفُهُ وقال الصفي الحلي: (من الخفيف) لَيْسَ لِي فِي صِفَاتِ مَجْدِكَ فَضْلٌ * هِي أبْدَتْ لَنَا بَدِيعَ الْمَعَانِي كُلَّمَا بَدَّعَتْ سَجَايَاكَ مَعْنًى * نَظَمَتْ فِكْرَتِي وَخَطَّ بَنَانِي وقال ابن قلاقس (من الوافر) وَمِنْكَ وَفِيكَ تَنْتَظِمُ الْقَوَافِي * وَمَنْ وَجَدَ الْمَقَالَ الرَّحْبَ قَالاَ وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والستون: (من البسيط) 62 - دَعِ الْمَكَارِمَ لاَ تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا * وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أنْتَ الطاعم الكاسي(4/120)
على أن الطاعم والكاسي للنسبة: أي ذو كسوة وذو طعام والبيت من قصيدة للحطيئة هجا بها الزبرقان بن بدر، قال شارح ديوانه: أي أنك ترضى بأن تشبع وتلبس، يقال: كَسِيَ الرجل يَكْسَى إذا اكتسى، ولما بلغ الزبرقان قول الحطيئة " دع المكارم - البيت " استعدى عليه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، فقال يا أمير المؤمنين، هجاني، قال: أنشدني الذي هجاك
فأنشده الزبرقان قول الحطيئة هذا، فقال عمر: ما أراه هجاك ولكنه مدحك، فقال الزبرقان: اجعل بيني وبينه حسان بن ثابت، فبعث عمر رضي الله عنه إلى حسان، فلما أتاه أنشده قول الحطيئة، فقال حسان: يا أمير المؤمنين ما هجاه ولكن سلح عليه، انتهى.
وقد ذكرنا في الشاهد الرابع عشر بعد المائتين من شواهد شرح الكافية سبب هجو الحطيئة للزبرقان، ومن هذه القصيدة أزْمَعْتُ يَأساً مُبِيناً مِنْ نَوَالِكُمُ * ولن ترى طاردا للحر كَالْيَاسِ وما أحسن هذا البيت: مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لاَ يَعْدَمْ جَوَازِيَهُ * لاَ يَذْهَبُ الْعُرْفُ بَيْنَ الله وَالنَّاسِ وترجمة الحطيئة تقدمت في الشاهد التاسع والأربعين بعد المائة من شرح شواهد شرح الكافية.
الجمع أنشد فيه، وهو الشاهد الثالث والستون، وهو من شواهد سيبويه: من الكامل) 63 - عَنْ مُبْرِقَاتٍ بِالْبُرِينَ وَتَبْدُو * بالأَكُفِّ اللاَّمِعَاتِ سُوُرْ على أن ضم الواو لضرورة الشعر وهذا نص سيبويه " وأما فُعُل فإن الواو فيه تسكن لاجتماع الضمتين والواو(4/121)
فجعلوا الإسكان فيها نظيراً للهمزة في الواو في أدؤر وقؤول، وذلك قولهم: عوان وعون، ونَوَار ونُور، وقَوُول، وقوم قُولٌ، وألزموا هذا الاسكان، إذ كانوا يسكنون غير المعتل نحو رسل وعضد ونحو ذلك، ولذلك آثروا الإسكان فيها على الهمزة حيث كان مثالها يسكن للاستثقال، ولم يكن لادؤر وقؤول مثال من غير المعتل
يسكن فيشبه به ويجوز تثقيله في الثعر كما يضعفون فيه مالا يضعف في الكلام، قال الشاعر وهو عدي بن زيد: * وَفِي الأَكْفِّ اللاَّمِعَاتِ سُوُرْ * انتهى كلامه.
قال الأعلم: الشاهد فيه تحريك الواو من سُوُرْ بالضم على الأصل تشبيهاً للمعتل بالصحيح عند الضرورة، فالمستعمل في هذا تسكين الثاني تخفيفا، إذ كان التخفيف جائزاً في الصحيح في مثل الحُمْر والرُّسْل، فلما كان في الصحيح جائزاً مع خفته كان في المعتل لازماً لثقله، والسُّوُر: جمع سِور.
وأراد بالأكف المعاصم فسماها باسمها لقربها منها، انتهى.
وقال ابن جني في شرح تصريف المازني: تثقيل مثل هذا إنما يجئ لضرورة الشعر كقوله: (من المتقارب) أغَرُّ الثَّنَايَا أحَمُّ اللِّثَاثِ * تَمْنَحُهُ سُوُكَ الإِسْحِلِ وحكى أبو زيد رجل جواد وقوم جُوْدٌ وجُودُ، قال: وقالوا رجل قوول من قوم قُوُل، وقولهم سُوُر جمع سِوَار وسُوُك جمع سِواك، ولم أسمع شيئاً من هذا مهموزاً وهمزه جائز في القياس لأن الضمة في الواو لازمة، فإن كانوا قد أجمعوا على ترك همزهِ فإنما فعلوا ذلك لئلا يكثر تثقيل هذا الضرب في كلامهم فيحتاجوا إلى همزة هرباً من الضمة في الواو، فحسموا المادة أصلاً بأن ألزموه التخفيف في الأمر العام لا غير، انتهى.(4/122)
والبيت من قصية لعدي بن زيد بن أيوب العبادي أولها: قَدْ حَانَ إنْ صَحَوْتَ أنْ تُقْصِرْ وَقَدْ أتَى لما عهدتَ عُصُرْ عَنْ مُبْرِقَاتٍ بِالْبُرِيْنَ وَتَبْدُو البيت
بِيضٌ عَلَيْهِنَّ الدِّمَقْسُ وَفِي ال * أَعْنَاقِ مِنْ تحت الاكفة ذر كَالْبِيضِ في الرَّوْضِ المُنَوِّرِ قد * أفْضَى بِهِنَّ إلى الكثيب نُهر بِأرج من أرْدَانِهِنَّ مَعَ المسك * الزّكِيِّ زنبق وقُطُر جَارَيْتُهُنَّ فِي الشَّبَابِ وَإذْ * قَلْبِي بِأَحْكَامِ الْحَوَادِثِ غِرْ قوله " قد حان " أي: قرب، وإن: شرطية، وجوابها محذوف يدل عليه ما قبلها، وصحوت: خطاب لنفسه، والصحو: الافاقة من السكر، وروي " لو صحوت " ولو للتمني، وقيل: شرطيةٌ ما قبلها دليل جوابها، وقوله " أن تقصر " بفتح أنْ وهي مع ما بعدها في تأويل مصدر مرفوع فاعل " حَانَ " وسكن الراء للوقف، وقيل: إنها مهملة هنا، وتُقْصر مرفوع، وهي لغة لبعض العرب يُجْرُونها مُجْرَى ما، وتقصر من أقصر عن الشئ إذا كف عنه وانزجر، قال الجوهري: أقصرت عنه كففت ونزعت مع القدرة عليه، فإن عجزت قلت قَصَرْت بلا ألف، وقوله " وقد أتى - إلخ " جملة حالية من فاعل تقصر، وقيل: جملة اعتراضيه، وعُصُر فاعل أتى، وهو بضمتين بمعنى الْعَصْر بفتح فسكون، واللام بمعنى على، والمعنى أتى زمن الشيوخة على ما عهدت من زمن الشباب، وقوله " عن مبرقات " متعلق بتقصر، قال صاحب العباب: أبرقت المرأة إذا تحسنت وتزينت: ثم قال: وبرقت المرأة إذا تحسنت وتعرضت مثل أبرقت، وَالْبُرِين: جمع بُرَة - بضم الباء - وهي الْخِلْخَالُ يكون في أرْجل النساء، وهذا الجمع على(4/123)
خلاف القياس (1) ، وتبدو: تظهر، وفاعله ضمير المبرقات، والفعل معطوف على مُبْرِقات لأنه في معنى يُبْرِقن، والباء في " بالأكف " بمعنى على متعلقة بمحذوف خبر مقدم، وسُوُر: جمع سوار، هو ما تلبسه النساء في سواعدهن، مبتدأ مؤخر، والجملة حال من فاعل تبدو المستتر، والرابط إما محذوف: أي وعلى الأكف منها، وإما
" أل " في الأكف، لأنها عوض (2) عن الضمير، والأصل " وبأكفها " والمعنى قد مضى دَهْرٌ بعد شبابك، فقد حان أن تكف عن النساء التي تتزين بزينتها وتظهر للرجال بها وقد روى الأندلسي - وتبعه بعضهم - هذين البيتين كذا: قَدْ آنَ لَوْ صَحَوْتَ أنْ تُقْصِرْ * وَقَدْ أتَى لِمَا عَهَدْتَ عُصُرْ عَنْ مُبْرِقَاتٍ بِالْبُرَى وَتَذَرْ * وَفِي الأَكُفِّ اللاَّمِعَاتِ سُوُرْ وقال: الْبُرَى بالقصر جمع بُرّة، وهي الحلقة، والمراد هنا الحلى، والباء للتعدية، وقوله " تذر " عطف على " تقصر " وقوله " وفي الأكف " يريد في أذرع الأكف لأن السوار إنما يكون في الذراع لا الأكف، هذا كلامه وقوله " بيض " جمع بَيْضاء: أي حسناء، وَالدِّمْقْسُ - بكسر الدال وفتح الميم -: الحرير الأبيض، والأكفَّة: جمع كفاف بالكسر، كأسْوُرَة جمع سِوار، والكفاف: الخياطة الثانية، والشل: الخياطة الأولى، وقوله " كالْبَيْضِ " بالفتح جمع بيضة النعام، والمنوِّر: بكسر الواو المشددة، و " نهر " بضمتين: جمع نَهَر بفتحتين، ويَأْدَج: يفوح، " وقُطُر " بضمتين: العود الذي يتبخر به، وقوله
__________
(1) لانه جمع كما يكون جمع المذكر السالم، مع أن مفرده ليس علما ولا صفة لمذكر عاقل، وأيضا لم يسلم بناء واحده، فهو مخالف للقياس من وجهين: كون مفرده مما لا يجمع هذا الجمع، وكون الجمع لم يسلم فيه بناء الواحد (2) نيابة أل عن الضمير إنما هو مذهب الكوفيين (*)(4/124)
" جاريتُهُنَّ " التفات من الخطاب إلى التكلم، " وغر " بكسر العين المعجمة، يقال: رجل غر: أي غير مجرب للأمور وعدي بن زيد شاعر جاهلي تقدمت ترجمته في الشاهد الستين من شرح
شواهد شرح الكافية وأنشد الجاربردي هنا (1) (من البسيط) 49 - أمَا أُقَاتِلُ عَنْ دِينِي عَلَى فَرَسِي * أوْ هكَذَا رَجُلاً إلاَّ بِأَصْحَابِي وتقدم شرحه في الشاهد التاسع والأربعين وأنشد بعده أيضاً، وهو الشاهد الرابع والستون (من الكامل) 64 - مَا زِلْتَ تَحْسِبُ كُلَّ شئ بَعْدَهُمْ * خَيْلاً تَكُرُّ عَلَيْكُمُ وَرِجَالاَ على أن " رِجَالاً " فيه بمعنى رَجَّالَة بفتح الراء وتشديد الجيم جمع راجل، هذا معناه، وأما لفظه فهو جمع رَجُل - بفتح فضم - صفة مشبهة بمعنى راجل، وكذا رجال في قول الأخطل.
وَبَنُو غَدَانَةَ شَاخِصٌ أبْصَارُهُم * يَسْعَوْنَ تَحْتَ بُطُونِهِنَّ رِجَالاً قال السكري في شرحه الرِّجَال المشاة الرَّجَّالة والبيت من قصيدة لجرير هجا بها الأخطل التغلبي النصراني وكان الأخطل هجا جريراً قبل بقصيدة مطلعها: كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أمْ رَأَيْتَ بِوَاسِطٍ * غَلَسَ الظَّلاَمِ مِنَ الرَّبَابِ خَيَالاَ فعارضه جرير بهذه القصيدة، وهى إحدى الملحمات ومطلعها:
__________
(1) انظر شرح الجاربردى (ص 131) (*)(4/125)
حَيِّ الْغّدَاةَ بِرَامَةَ الأَطْلاَلاَ * رَسْماً تَقَادَمَ عَهْدُهُ فَأَحَالاَ إلى أن قال: قَبَحَ الإلهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ إنها * هانت على معاطسا وسبالا عَبَدُوا الصَّلِيبَ وَكَذَّبُوا بِمُحَمَّدٍ * وَبِجِبْرِيلَ وَكَذَّبُوا مِيكَالاَ
لا تطلبن خؤولة من تغلب * الزنح أكْرَمُ مِنْهُمُ أخْوَالاَ لَوْ أنَّ تَغْلِبَ جَمَّعَتْ أحسابها * يوم التفاضل لَمْ تَزِنْ مِثْقَالاَ وَالتَّغْلِبِيُّ إذَا تَنَحْنَحَ لِلْقِرَى * حَكَّ أسْتَهُ وَتَمَثَّلَ الأَمْثَالاَ إلى أن خاطبه وقال: أنِسِيتَ قَوْمَكَ بِالْجَزِيرَةِ بَعْدَمَا * كَانَتْ عُقُوبَتُهُ عَلَيْكَ نَكَالاَ ألاَّ سأَلْتَ غثاء دجلة عَنْكُمُ * وَالْخَامِعَاتِ تُجَزِّرُ الأَوْصَالاَ حَمَلَتْ عَلَيْكَ حُمَاةُ قَيْس خَيْلُهُمْ * شُعُثاً عوابس تحمل الابطالا ما زلت تحسب كل شئ بَعْدَهَا * خَيْلاً تَشُدُّ عَلَيْكُمُ ورِجَالاَ زُفَرُ الرَّئِيسُ أبُو الْهُذَيْلِ أتاكُمُ * فَسَبَا النِّسَاءَ وَأحْرَزَ الأَمْوَالاَ وأشار بهذه الأبيات إلى ما جرى على تغلب بجزيرة ابن عمر (1) من القتل والسبي والنهب وكان سبب هذه الوقيعة بهم أن بني تغلب لما قتلوا عمير بن الحباب في موضع قرب الثرثار من تكريت أتى أخوه تميمُ بن الحباب زفرَ بن الحارث وسأله الأخذ بثأره فكره ذلك، فشجعه ابنه الهذيل بن زفر، فرضي، فتوجه تميم بمن معه من
__________
(1) قوله " ابن عمر " ليس هو ابن عمر بن الخطاب كما يظنه العوام بل هو ابن عمر من بلدة برقعيد، كذا في هامش نسخ الاصل، وفى معجم ياقوت: جريرة ابن عمر بلدة فوق الموصل بينهما ثلاثة أيام وستاق مخصب واسع الخيرات، واحسب أو أول من عمرها الحسن بن عمر بن خطاب التغلبي اه (*)(4/126)
قيس حتى انتهوا إلى الثرثار، فوجه زفر زيد بن حُمْرَان في خيل إلى بني فدو كس من تغلب فقتل رجالهم واستباح نساءهم، وبعث ابنه الهذيل إلى بني كعب بن زهير فقتلهم قتلاً ذريعاً، وبعث مسلم بن ربيعة إلى ناحية أخرى فأسرف في قتلهم،
وبلغ ذلك بني تغلب فارتحلوا يريدون عبور دجلة، فلحقهم زفر بالكحيل، وهو نهر على أسفل الموصل على عشرة فراسخ، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وترجل أصحاب زفر أجمعون، وبقي زفر على بغلة له، فقتلوهم من ليلتهم، وبقروا بطون النساء، وكان من غرق في دجلة أكثر ممن قتل بالسيف وقوله " ألا سألت غثاء دجلة " الْغُثاء - بالضم والمد -: ما يطفو على الماء من حطب وزبد ونحوه، يريد به من قتل من تغلب، والخامعات - بالخاء المعجمة -: الضباع، وتجوز: تقطع، والأوصال: جمع وصل - بالكسر - وهو مفصل العضو، يريد أنها تأكل قتلاهم، وقوله " ما زلت تحسب إلخ " خطاب للأخطل، وضمير " بعدها " للجزيرة وروي " بعدهم " فالضمير لقيس ومن معهم، وتكر عليكم: تحمل عليكم، وكذا " نشد " بمعناه، وقد أخذ المتنبي هذا المعنى فقال (من البسيط) وَضَاقَتِ الأَرْضُ حَتَّى كَانَ هَارِبُهُمْ * إذَا رأى غير شئ ظَنَّهُ رَجُلاَ وقد كرر جرير هذا المعنى فقال في قصيدة أخرى (من الطويل) وَلَوْ أنَّهَا عُصْفُورَةٌ لَحَسِبْتَهَا * مُسَوَّمَةً تَدْعُو عُبَيْداً وأزْنَمَا والمسومة: الخيل المعلمة في الحرب، وعبيد بالتصغير، وأزنم بالزاي والنون: قبيلتان من يربوع، قال صاحب مناقب الشبان - عند هذا البيت - نظيرُهُ قول جرير أيضاً: * ما زِلت تحسب كل شئ بعدهم * البيت ويروى أن الأخطل لما سمع هذا البيت قال: قد استعان عليه بالقرآن، يعني قوله تعالى: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) والمعنى في الآية بأجل لفظ وأحسن(4/127)
اختصار، وقريب من هذا البيت وليس مثله قول الآخر (من الطويل) إذَا خَفَقَ الْعُصْفُورُ طَارَ فُؤَادُهُ * وَلَيْثٌ حَدِيدُ النَّابِ عِنْدَ الثَّرَائِدِ
انتهى.
وقد أنشده صاحب الكشاف عند تفسير (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عليهم) قال: ومنه أخذ الأخطل: * مَا زِلْتَ تَحْسَبُ كل شئ بَعْدَهُمْ * انتهى، وصوابه ومنه أخذ جرير كما ذكرنا.
وترجمة جرير تقدمت في الشاهد الرابع من شواهد شرح الكافية.
وأنشد بعده أيضاً، وهو الشاهد الخامس والستون (من الرجز) 65 - فَتَسْتَرِيْحَ النَّفْسُ مِنْ زَفْرَاتِهَا على أن إسكان الفاء من زَفْرَاتِهَا ضرورة، والقياس فتحها، قال ابن عصفور في كتاب الضرائر في فصل نقص الحركة للضرورة: ومنه قول ذي الرمة (من الطويل) .
أبَتْ ذِكَرٌ عَوَّدْنَ أحْشَاءَ قَلْبِهِ * خُفُوقاً وَرَفْضَاتُ الْهَوَى فِي الْمَفَاصِلِ حكم لرفضات وهي اسم بحكم الصفة، ألا ترى أن رفضات جمع رَفْضة، ورفضة اسم، والاسم إذا كان على وزن فَعْلَة، وكان صحيح العين فإنه إذا جمع بالألف والتاء لم يكن بد من تحريك عينه اتباعاً لحركة فائه نحو جَفْنَة وَجَفَنَات، وإذا كان صفة بقيت العين على سكونها، نحو ضخمة وضخمات، وإنما فعلوا ذلك فرقاً بين الاسم والصفة، وكان الاسم أولى بالتحريك لخفته، واحتمل لذلك ثقل الحركة، وأيضاً فإن الصفة تشبه الفعل لأنها ثانية عن الاسم غير الصفة، كما أن الفعل ثان عن الاسم، فكما أن الفعل إذا لحقته علامة جمع نحو ضربوا ويضربون(4/128)
لم يغير، فكذلك لم تغير الصفة إذا لحقتها علامتا الجمع وهما الألف والتاء، فكان ينبغي على هذا أن يقول: إلا أنه لما اضطر إلى التسكين حكم لها بحكم الصفة
فسكن العين، ومما يبين لك صحة ما ذكرته من أن تسكين العين إنما هو بالحمل على الصفة أن أكثر ما جاء ذلك في الشعر إنما هو مصدر لقوة شبه المصدر باسم الفاعل الذي هو صفة، ألا ترى أن كل واحد منهما قد يقع موقع صاحبه، يقال: رجل عَدْل: أي عادل، فوقه المصدر موقع اسم الفاعل، وقال تعالى (لَيْسَ لوقعتها كاذبة) أي كذب، فوقع كاذبة وهو اسم الفاعل موقع كذب وهو مصدر، انتهى.
وهذا البيت من رجز أوله: عَلَّ صُرُوفَ الدَّهْرِ أوْ دَوَلاَتِهَا * يُدِلْنَنَا اللَّمَّةَ مِنْ لَمَّاتِهَا فَتَسْتَرِيحَ النَّفْسُ مِنْ زَفْرَاتِهَا * وَتَنْقَعَ الْغُلَّةَ مِنْ غُلاَّتِهَا وفيه شواهد: الأول علّ بفتح اللام وكسرها، استدل به البصريون على أن عل أصله عل واللام في أولها زائدة، وردوا على الكوفيين في زعمهم أنها أصلية، وقد ذكرنا ما يتعلق به في الحروف المشبهة بالفعل من شرح شواهد شرح الكافية.
الثاني: روى بجر " صروف " واستدل به على أن عَلَّ حرف جر، وقد تقدم الكلام عليه هناك.
الثالث: نصب المضارع بأن بعد الفاء في جواب الترجي وهو نصب " تستريح " قال الفراء عند تفسير قوله تعالى (لعلى أبلغ الاسباب أسباب السموات فأطلع) بالرفع يرده على قوله " أبلغ " ومن جعله جواباً للعلي نصبه، وقد قرأ به بعض القراء، قال: وأنشدني بعض العرب * عَلَّ صُرُوفُ الدَّهْرِ * إلى آخر الابيات الثلاثة الاول، وقال: فنصب على الجواب بلعل، وأنشده أيضاً في سورة " عَبَسَ " قال: قد اجتمع القراء على (فتنفعه الذكرى) بالرفع، ولو كان نصباً على جواب الفاء للعلَّ كان صواباً، أنشدني بعضهم * عَلَّ صروف الدهر * إلى آخر الأبيات الأربعة.
ولم يذكر قائل الرجز في الموضعين.(4/129)
وتبع ابن مالك الفراء لوروده في النظم والكلام الفصيح، كما تقدم.
قال أبو حيان في الارتشاف: وذهب الكوفيون إلى أنه يجوز أن ينتصب الفعل بعد الفاء في جواب الرجاء، وزعموا أن لعل يكون استفهاماً، وذهب البصريون إلى منع ذلك، والترجي عندهم في حكم الواجب، قيل: والصحيح مذهب البصريين لوجوده نظماً ونثراً، ومنه قوله تعالى (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى) في قراءة عاصم، وهي (قراءة) من متواتر السبع، ويمكن تأويل النصب، انتهى.
وقد ذكر تأويله ابن هشام في الباب الرابع من المغنى، قال: وقيل في قراءة حفص (لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطَّلِعَ) بالنصب: إنه عطف على معنى لعلي أبلغ، وهو لعلي أن أبلغ، فإنَّ خبر لَعَلِّي يقترن بأن كثيراً، نحو قوله عليه السلام: " فلعل بعضكم أن يكون ألْحَنَ بحجته من بعض " ويحتمل أنه عطف على الأسباب على حد: * وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي * ومع هذين الاحتمالين يندفع قول الكوفي: إن في هذه القراءة حجة على جواز النصب في جواب الترجي حملاً له على التمني، انتهى.
وقوله " عَلَّ صروف الدهر " جمع صَرْفٍ كَفَلْسٍ وفُلُوس، وهو الحادثة والنائبة المغيِّرة من حال إلى حال بالتصرف، وضمير " دولاتها " لصروف الدهر، والدَّوْلة: بفتح الدال وضمها، قال الأزهري: هي الانتقال من حال الضر والبؤس إلى حال الغبطة والسرور، وقال أبو عبيد: الدولة بالضم: اسم الشئ الذي يُتَدَاوَلَ به بعينه، والدَّوْلَةُ بالفتح: الفعل، وقيل: الدولة في الحرب أن تدال إحدى الفئتين على الأخرى، يقال: كانت لنا عليهم الدَّوْلَة، والدُّولة بالضم في المال، يقال: صار الفئ دُولَةً بينهم يتداولونه مرة لهذا ومرة لهذا(4/130)
كذا في العباب، وقوله " يُدِلْننا " هو مضارع أداله مسند إلى النون ضمير الصروف، أو ضمير الدولات، ونا: مفعوله كما تقول من أقام: إن النِّساء يقمننا، قال صاحب العباب: الإدالة: الغلبة، يقال: اللهم أدِلْنِي على فلان وانصرني عليه، وتداولته الأيدي: أخذته هذه مرة وهذه مرة، وقوله تعالى (وَتِلْكَ الايام نداولها بين الناس) أي: نديرها، من دال: أي دار، انتهى: وقال ابن الأثير في النهاية: وفي حديث وفد ثفيف " نُدَال عليهم ويُدَالُون علينا " الإدالة: الغلبة، يقال: أديل لنا على أعدائنا: أي نصرنا عليهم، وكانت الدولة لنا، والدولة: الانتقال من حال الشدة إلى حال الرخاء، ومنه حديث أبي سفيان وهرقل " ندال عليه ويدال علينا " أي: نغلبه مرة ويغلبنا أخرى، ومنه حديث الحجاج " يوشك أن تُدَالَ الأرض منا " أي تجعل لها الكرة والدولة علينا فتأكل لحومنا كما نأكل ثمارها وتشرب دماءنا كما نشرب مياهها، انتهى كلامه.
فعرف من هذا كله أن الادالة متعدية إلى مفعول واحد صريحاً، وإلى الثاني بحرف جر، فضمير المتكلم مع الغير مفعوله وأما اللَّمَّة فمنصوبة على نزع الخافض: أي على اللمة، ولم يصب العيني في قوله: " واللمة مفعول ثان ليدلننا " انتهى.
واللَّمة بفتح اللام، قال الجوهري: هي الشدة، وأنشد هذا البيت.
وفي النهاية لابن الأثير: وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه " لابن آدم لَمَّتَان لَمَّة من الملك ولَمَّة من الشيطان " اللَّمة: الهمة والخطرة تقطع في القلب، أراد إلمام الملك أو الشيطان به والقرب منه، فما كان من خطرات الخير فهو من الملك، وما كان من خطرات الشر فهو من الشيطان، انتهى وهذا المعنى أنسب، وروي في بعض الكتب " يدْلينَنا " بمثناة تحتية بعد اللام، وهو مضارع أدْلَى دَلْوَهُ في البئر إدْلاَء: أي أرسلها، وهذا لا مناسبة له، وهو تحريف من النساخ، وقوله " من لماتها " متعلق بمحذوف حال من اللمة، ويجوز أن يكون وصفاً لها لكون اللمة معرفة بلام الجنس فتكون قريبة من النكرة،(4/131)
وقال العينى صفة للمة تقديره اللمة الكائنة من لماتها، هذا كلامه فتأمله (1) وقوله " فتستريح النفس " نصب تستريح بأن المقدرة بعد الفاء في جواب الرجاء، والنفس فاعل، واللام عوض عن الياء: أي نفسي، والزفرة، الاسم من زفر يزفر من باب ضرب زَفِيرا، والزفير: اغتراق النفس محركة بالشدة، وأنشد الجوهري هذا البيت هنا ونبه على أن تسكين الفاء ضرورة، وقوله " وتنقع الغلة " بالنصب معطوف على تستريح، والفاعل ضمير النفس، والغلة مفعولة، ونقع من باب نفع، في الصحاح: ونقع الماء العطش نقعاً ونُقُوعاً: أي سكنه، وفي المثل " الرشف أنقع " أي: أن الشراب يتشرف قليلا قليلا للعطش وأنجع وإن كان فيه بطء، والغلة بضم المعجمة وهي حرارة العطش.
وأنشد بعده أيضاً، وهو الشاهد السادس والستون (من الطويل) : 66 - * أخُو بيضات رائح متاوب * بلى أن بَيَضَاتٍ بفتح العين جاء على لغة هذيل، فإنهم يفتحون العين في جمع فعلة صحيحاً كان أو معتلاً.
وهذا صدر، وعجزه: * رفيقٌ بِمَسْحِ الْمُنْكِبَيْنِ سَبُوحُ * قال بعض فضلاء العجم في شراح أبيات المفصل: الرائح: الذي يسير، والمتأوب الذي يسير (2) ، يصف ظليماً، وهو ذكر النعامة، شبه به ناقته، فيقول: ناقتي في سرعة سيرها ظليم له بيضات يسير ليلاً ونهاراً ليصل إلى بيضاته رفيق يمسح المنكبين
__________
(1) هو صحيح لا غبار عليه، ولا ندرى كيف يلمز العينى في ذلك مع أنه يقرر جواز كون الجار والمجرور صفة للمحلي بأل الجنسية.
(2) كذا، ولعله " الرائح: الذى يسير نهار، والمتأوب: الذى يسير ليلا " (*)(4/132)
عالم بتحريكهما في السير سبوح حسن الجري، وإنما جعله أخا بيضات ليدل على زيادة سرعته في السير لأنه موصوف بالسرعة، وإذا قصد بيضاته يكون أسرع، انتهى.
وهذا البيت لم أقف على تتمته ولا قائله، والله أعلم، وقد ذكرنا في شرحه ما أمكننا في الشاهد الثالث والتسعين بعد الخمسمائة من شرح شواهد شرح الكافية.
وأنشد الشارح المحقق، وهو الشاهد السابع والستون، وهو من شواهد سيبويه (من البسيط) : 67 - * في أقواس نَازَعَتْهَا أيْمُنٌ شُمُلاَ * على أن شُمُلا بضمتين جمع شمال بالكسر، قال سيبويه: وقالوا أذرع وذراع حيث كان مؤنثة ولا يجاوز بها هذا البناء، وإن عَنَوْا الأكثر كما فعل ذلك بالأكف والأرجل، وقالوا شِمال وأشمل وقد كسرت على الزيادة التي فيها فقالوا شَمَائِلَ كما قالوا في الرسالة رَسَائِلَ إذ كانت مؤنثة مثلها، وقالوا شمل فجاءوا بها على قياس جدد، وقال الأزرق العنبري: طِرْنَ انْقِطَاعَةَ أوْتَارِ مُحَظُرَبَةٍ * فِي أقْوُسٍ نَازَعَتْهَا أيْمُنٌ شُمُلاَ انتهى.
قال الأعلم: " الشاهد في جمعه شِمَالاً على شُمُلٍ تشبيهاً بِجِدَارٍ وجُدُر، لأن البناء واحد، والمستعمل أشْمَلُ في القليل، لأن الشمال مؤنثة، وشمائل في الكثير، وصف طيرا فشبه صوت طيرانها بسرعة بصوت أوتار انقطعت عند الجذب والنزع عن القوس، وأوقع التشبيه على الانقطاع لأنه سبب الصوت المشبه به، وأنث الانقطاع لتحديد المرة الواحدة منه، والمحظربة: المحكمة الفتل الشديدة، والأقوس: جمع قوس، وقوله نازعتها أيمن شملا أي جذبت هذه إلى ناحية وهذه إلى ناحية
أخرى لأن جاذب الوتر تخالف يمينه شماله في جذبها وتُنَازَعها " انتهى.(4/133)
والحظربة بالحاء المهملة والظاء المعجمة - كالحضربة بالضاد المعجمة بدلها: شدة الفتل ووتر محظرب ومحضرب، كذا في العباب.
وقوله " نازعتها " الضمير المؤنث ضمير الأوتار، ونازع يتعدى إلى مفعول واحد، يقال: نازعه في كذا، فأيمن فاعله، وشُمَلاَ مفعوله، فتعديته إلى ضمير الأوتار من قبيل الحذف والإيصال، والتقدير نازعت اليمين شمالَهَا في جذب الأوتار: أي غالبت الأيمن الأشمل في جذبها ومدها، يقال: نزع الرجل في القوس أو الوتر، إذا مد أحدهما.
والأزرق العنبري لم أقف على ترجمته ولا على أصل شعره هذا، والله أعلم وأنشد بعده، وهو الشاهد الثامن والستون (من الرجز) 68 - * حَتَّى رَمَى مَجْهُولَهُ بالأَجْنُنِ * على أن جمع جنين على أجنن شاذ، والجنين: الولد ما دام في بطن أمه، لأنه جُنَّ: أي ستر قال السخاوي في سفر السعادة: أجنن جمع جنين، ويروى قول رؤبة: - * إذا رمى مجهوله بالأجْبُنِ * بالباء على أنه جمع جبين، وبالنون على أنه جمع جنين، فمن رواه بالباء فمعناه ينظرون ما قدامهم من بُعد الطريق، ومن رواه بالنون فمعناه أنه يُسْقط الأجنة، وذكر الروايتين العبدي وعيزر، انتهى وعلى الروايتين الجمع شاذ، لأن كلاً من المفردين مذكر، والقياس في أفْعُل أن يكون جمع فعيل إذا كان مؤنثاً وهذا البيت من أرجوزة طويلة مدح بها بلال بن أبي بُرْدَةَ وذكر فيها قطع المفاوز والقفار حتى وصل إليه، قال: تَفْتَنُ طُولَ الْبَلَدِ الْمُفَنَّنِ * إذَا رَمَتْ مَجْهُولَهُ بالأَجُبُنِ
وَخَلَّطَتْ كُلُّ دِلاَث علجن * غوج البرج الآجُرِ الْمُلَبَّنِ(4/134)
بَلَّغْنَ أقْوَالاً مَضَتْ لا تَنْثَنِي * أبْقَى وأمْضِي مِنْ حِدَادِ الأَذْأَنِ وصف إبله بشدة السير قال شارح ديوانه: قوله " تفتن " يقول: تشق هذا الطريق في عُرض البلد وقوله: " المفنن " وهو الذي على غير جهة واحدة، انتهى وقوله: " إذا رمت " هكذا رأيته في نسختين صحيحتين من ديوانه، وفاعل " رمت " ضمير الإبل، وضمير " مجهوله " للبلد، والطريق المجهول: الذي لا يسلكه أحد لعدم مائه ونباته، فلا يكون فيه علامة يستدل بها و " الأجبن " - بالجيم والموحدة - كذا رأيته، قال شارح ديوانه: هو جمع جبين، يقول: قد استقبلته ثم رمته بوجوهها، ومعناه على رواية " الأجنن " بالنون أن هذه النوق من شدة وخْدِهِنَّ وفرط جَهْدهنَّ يسقطن أجنتهن بمجهول هذا البلد، ففيه قلب، والأصل حتى رمت أجنتها بمجهوله، والدِّلاَثَ بالكسر -: هي اللَّيَّنة الأعطاف والْعَلْجَن: الناقة المكتنزة اللحم، والغوج - بفتح الغين المعجمة والجيم - اللَّيِّنة الصدر، قال شارحه: يقول: كأنها برج من آجر لبنٍ قد طبح، وقوله " بَلَّغْنَ " من التبليغ، وأبقى وأمضى أفعل تفضيل صفة لاقوال، وحِدَاد: جمع حديد بمعنى قاطع، قال شارحه: يقال: أزْأَنَ وَيَزْأَنَ وأزنِي وَيَزْنِي، منسوب إلى ذي يَزَن، و " بلغن " جواب إذا وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع والستون (من الطويل) 69 - ... وَمَا لَوْمِي أخِي مِنْ شِمَالِيَا * على أن شمالاً بمعنى الطبع يكون واحداً وجمعاً، والمراد هنا الجمع: أي من شمائلي.
قال سيبويه: " وزعم أبو الخطاب أن بعضهم يجعل الشمال جمعاً " وقال السيرافي(4/135)
" هو في هذا البيت جمع " وتبعه ابن جني، قال في سر الصناعة: " وقالوا أيضاً في جمع شمال، وهي الخليقة والطبع: شمال، قال عبد يغوث: * وما لومي أخي من شماليا * أي من شمائلي " انتهى.
وإنما قيدوا الشمال بمعنى الطبع للاحتراز عن الشمال بمعنى الريح المعروفة، فإنها لم يقل أحد إنها تكون جمعاً ومفرداً، وفي شينها الفتح والكسر، بخلاف معنى الطبع فإن شينها مكسورة لا غير، وإنما جعلوه هنا جمعاً لأجل من التبعيضية، كما يأتي في البيت الآتي وقد ذكر جمهور اللغويين أنه مفرد، وجمعه شمائل، قال (من الوافر) هم قَوْمِي وَقَدْ أنْكَرْتُ مِنْهُمْ * شَمَائِلَ بَدَّلُوهَا مِنْ شِمَالِي وأجاز أبو علي الفارسي في الإيضاح أن يكون ما في البيت مفرداً وجمعاً، وغلب الإفراد، قال أحد الشراح أبياته: ألا ترى أنه يسوغ أن يكون المعنى وما لومي أخي من طبعي، فلذلك لم يجعله نصافى الجمعية، والدليل على أنه قد يكون جمعاً قول لبيد رحمه الله: * هم قَوْمِي وَقَدْ أنْكَرْتُ مِنْهُمْ * - البيت ومثل شمال " عِصَام " حكى أبو زيد أنه يكون واحداً وجمعاً، والعصام: ما يُشَدُّ به الدلو والقربة، ومثلهما دلاص وهجان، تقول: ناقة هجان ونوق هجان، وردع دلاص وأدرع دلاص، إلا أن مجئ دلاص وهجان في حال الجمع على صيغة المفرد أحسن من مجئ شمال وعصام في حال الجمع على صيغة المفرد، على أنهما صفتان، وقيل: الصفة تكسر على فِعال،
نحو ظريف وظِرَاف، وفِعَال أحق بفعيل، ألا ترى أن كل واحد منهما ثلاثي(4/136)
ثالثه حرف لين زائد فحسن تكسيره (تكسيرَهُ) لذلك، فأما قولهم رجل جُنُب ورجال جُنُب فليس من هذا الباب، وإن كان فُعُل من أبنية الجمع، بل من قبيل الوصف بالمصدر، لأنك تقول: رجلان جُنُب، فتصف به الاثنين، ولا تقول ناقتان هجان، ولا درعان دلاص، وكذلك ما كان من الأسماء واقعاً على الواحد والجمع، ولم يكن على وزن من أوزان الجموع، ليس من باب دِلاَص نحو حَشَم، تقول: هم حَشَم لي، وهذا الغلام حشم لي، وهذا أسَدٌ عِنَاش، ومن كلام عمرو بن معدي كرب يوم القادسية " يا معشر المسلمين، كونوا أسُداً عِنّاشاً " بل نعتقد في حشم أن يكون مفرداً، واسم جمع، وأما عِنَاش فالوصف به من قبيل الوصف بالمصدر، يقال: عانشة: أي عانقة، فتقول على هذا: هما أسدان عِنَاش وهذا المصراع من قصيدة طويلة لعبد يغوث الحارثي، وهو جاهلي، وقد شرحناها كاملة في الشاهد الخامس عشر بعد المائة من شرح شواهد شرح الكافية، وقبله: ألا لا تُلُومَانِي كَفَى اللَّوْمَ مَا بِيَا * فمَالَكُمَا فِي اللَّوْمِ خَيْرٌ وَلا لِيَا ألَمْ تَعْلَمَا أنَّ الْمَلاَمَةَ نَفْعُهَا * قَلِيلٌ وَمَا لَوْمِي أخِي مِنْ شماليا وقليل: ضد كثير، ويستعمل بمعنى النفي، وهو المراد هنا، بدليل قوله " فما لكما في اللوم خير ولا ليا " يقول: اللوم على الفائت قليل نفعه لا يُجْدِي إسماعه ولا سمعه شيئاً فلذلك طهرت منه شمالي وصنت عنه مقالي، والخطاب لمن أسره، وهو أبو عِصْمَةَ من تَيْم الرباب، وقوله " وما لومي إلخ " جملة معطوفة على أنَّ وصلتها، وساغ ذلك
لأنها مصدرة بما النافية، والجملة إذا كانت كذلك جاز تعليق فعل القلب الداخل(4/137)
عليها ووقوعها موقع مفعوليه، كما أنَّ أنَّ وصلتها تقع موقعها، وقد يجوز أن تكون معطوفة على قوله في البيت قبله " فما لكما اللوم خير ولا ليا "، ويكون قوله " ألم تعلما أن الملامة نفعها قليل " جملة اعترض بها بين المعطوف والمعطوف عليه، ولا ينبغي أن تجعل معطوفة على قوله " ألم تعلما " لأن الجملتين ليستا لمقام واحد وأنشد بعده، وهو الشاهد السبعون (من الرجز) : 60 - دَعْهَا فَمَا النَّحْوِيُّ مِنْ صَدِيقِهَا * على أن صديقاً فيه جمع، لان من للتبعيض، ولا يصح أن يكون النحوي بعض صديق، بل يكون بعض الأصدقاء، كأنه قال: دعها فما النحوي من أصدقائها، كما تقول: دعني فما أنت من أشكالي، وفعيل من صيغ الجمع كالكليب والعبيد، ومثله قول قعنب ابن أم صاحب (من البسيطٍ) مَا بَالُ قَوْمٍ صَدِيقٍ ثُمَّ لَيْسَ لَهُمْ * دِيْنٌ وَلَيْسَ لَهُمْ عَهْدٌ إذَا اتُّمِنُوا وقول جرير: (من الطويل) دَعَوْنَ الْهَوَى ثُمَّ ارْتَمَيْنَ قُلُوبَنَا * بِأَعْيُنِ أَعْدَاءٍ وَهُنَّ صَدِيقُ وحكى أبو حاتم عن أهل الحجاز أنهم يقولون: حدثني بعض صديقي والنحوي: العالم بصنعه الإعراب، والنحوي أيضاً: المنسوب إلى نَحْو، بطن من العرب، وهو نَحْو بن شمس بن عمرو بن غالب بن الأزد قال الصاغاني في العباب: قال ابن دريد: أخبرنا أبو عثمان عن التَّوَّزِيّ، قال: كان رؤبة يقعدُ بعد صلاة الجمعة في رَحْبة بني تميم فينشد، ويجتمع الناس إليه، فازحموا يوماً، فضيَّقوا الطريق، فأقبلت عجوز معها شئ تحمله، فقال رؤبة:
تَنَحَّ لِلْعَجُوزِ عَنْ طَرِيقِها * قدْ أقْبَلَتْ رَائِحَةً مِنْ سُوقِهَا(4/138)
دَعْهَا فَمَا النَّحْوِيُّ مِنْ صَدِيقِهَا أي: من أصدقائها، انتهى وقال أحد شراح أبيات الإيضاح للفارسي: ولعل المخاطب على هذه الحكاية رجل من نحو بن شمس، وقيل: إن المخاطب بقوله " دعها " يونس بن حبيب النحوي، وذلك أن رؤبة كان يسير ومعه أمه إذ لقيهما يونس، فجعل يداعب والدة رؤبة ويمنعها الطريق، فخاطبه رؤبة بهذه الأبيات، وقيل: هذا الشعر لامرأة من العرب خاطبت به أبا زيد الأنصاري، قال ابن الأنباري: مرت امرأة من العرب بأبي زيد النحوي وأصحابه، وقد منعوا الطريق، فلم يمكنها أن تجوز، فخاطبته بالأبيات: أي أن هؤلاء إنما لازموك لصداقتهم، وأنا لست كذلك، فدعني أسير وينبغي أن يجعل الألف واللام في " النحوي " للجنس، كأنه قال: ما هذا الجنس من صيدقها، لأنك إن لم تجعل أل كذلك لزم أن يكون الظاهر واقعاً موقع ضمير المخاطب في غير نداء ولا اختصاص، ألا ترى أنه يخاطب النحوي، فكان ينبغي أن يقول: فما أنت من صديقها وأنشد بعده، وهو الشاهد الحادي والسبعون (من البسيط) 71 - إنَّ مِنَ القوم موجودا خليفته * وما خليف أبي وهب بِمَوْجُودِ على أن خليفاً قد ورد بمعنى خليفة، فيكون جمعُ خليف على خلفاء وجمع خليفة على خلائف قال أبو حاتم: إنه يقال خليف، وجمعه خلفاء، واستشهد له بهذا البيت، ولم يحفظ سيبويه ولا أبو عمرو خليفاً، بل جعلا خُلَفَاء تكسير خليفة من أجل أنه
لا يقع إلا على مذكر، فحمل على المعنى(4/139)
قال أحد شراح أبيات الإيضاح للفارسي: إن كان لم يثبت خليف بمعنى خليفة إلا في هذا البيت، وهو الأظهر، فلا حجة فيه، لأنه يحتمل أن يكون مما رخم في غير النداء، ضرورة نحو قوله (من الرجز) * لِيَوْم رَوْعٍ أو فَعَالِ مكرُمِ * يريد مكرمة، انتهى والبيت آخر أبيات خمسة لأوس بن حَجَر التميمي الجاهلي، وهي: يَا عَيْنُ جُودِي عَلَى عَمْرِو بنِ مَسْعُودِ * أهْلِ الْعَفَافِ وَأهْلِ الْحَزْمِ وَالْجُودِ أوْدَى رَبِيعُ الصَّعَالِيكَ الأَلَى انْتَجَعُوا * وَكُلُّ مَا فَوْقَهَا مِنْ صَالِحٍ مُودِ الْمُطْعِمُ الْحَيِّ والأَمْوَات إنْ نَزَلُوا * شَحْمَ السَّنَامِ مِنَ الْكُومِ الْمَقَاحيدِ وَالْوَاهِبِ الْمَائَةِ الْمَعكاء يَشْفَعُهَا يَوْمَ النِّضَالِ بِأُخْرَى غَيْرَ مَجْهُودِ إنَّ مِنَ الْقَوْمِ مَوْجُوداً خَلِيفَتُهُ البيت وعمرو بن مسعود: ابْنُ عدي الأسدي، وهو المقول فيه وفي خالد بن نضلة الأسدي (من الطويل) : ألاَ بَكَرَ النَّاعِي بِخَيْرَيْ بَنِي أسَدْ * بِعَمْرِو بُنِ مسعود وبالسيد الصَّمَدْ قال ابن هشام في السيرة: هما اللذان قتلهما النعمان بن المنذر اللخمي وبنى عليهما الْغَرِيَيْنِ بظهر الكوفة.
وقال القالي في الذيل: إن الذي قتلهما المنذر، ومن أجلهما اتخذ يوم البؤس ويوم النعيم.
وقال ابن السيرافى في شرح إصلاح المنطق: إن الذي قتلهما كسرى.
وأودى: هلك، واسم الفاعل مُودٍ، والصُّعْلُوك: الفقير، والكوم: جمع(4/140)
كَوْمَاء، وهي الناقة السمينة، والمَقَاحيد: جمع مقحاد، وهى الناقة العظيمة السنام، والمعكاء - بكسر الميم والمد - الإبل الغِلاظ الشداد، والنِّضَال: المحاربة بالسهام.
قال ابن حبيب: العرب تقول: فلان خليفة فلان، إذا قام مقامه وفعل فعله، وإن لم يستخلفه، وأنشد هذه الأبيات، وأبو وهب: كنية عمرو بن مسعود، يقول الشاعر: إذا مات أحد خلفه من يقوم مقامه ويفعل مثل فعله، إلا أبا وهب، فإنه لم يخلفه أحد في وجوه وشجاعته.
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والسبعون (من الرجز) : 72 - * أخَذْتِ خَاتَامِي بِغَيْرِ حَقٍّ * على أن خاتا ما لغة في خاتم، وعليه جاء في الجمع خواتيم.
وقال المبرد في الكامل: فَاعَالٌ نظيره من الكلام سَابَاطٌ وَخَاتَامٌ، قال الراجز (من الرجز) : يَا مَيُّ ذَاتَ الْجَوْرَبِ الْمُنْشَقِّ * أخَذْتِ خَاتَامِي بِغَيْرِ حَقِّ انتهى وقال أبو الحسن الأخفش فيما كتبه عليه: " يقال خَاتَم بفتح التاء وكسرها، وخَيْتَام على وزن دَيَّار، وخاتام على وزن سَابَاط " انتهى.
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والسبعون (من الوافر) : 73 - * وَمِثْلِي في غَوَائِبِكُمْ قَلِيلُ * على أنه جمع غائب، وهو جمع شاذ قال الشاطبي في شرح الألفية: ذكر السيرافي أنه وجد غير ذلك، قال عتيبة بن الحارث لجزء بن سعد (من الوافر) :
أُحَامِي عَنْ ذِمَارِ بَنِي أبيكمْ * وَمِثْلِي في غَوَائِبِكُمْ قَليلُ(4/141)
فقال جَزْءْ: نعم، وفي شواهدنا، قال: وهذا جمع غائب وشاهد من الناس، انتهى.
وأحامي: من الحماية: وهى الحظ، والذمار: بكسر الذال المعجمة، قال صاحب الصحاح: وقولهم " فلان حامي الذمار " إي إذا ذُمِّر (1) وغَضِبَ حمى، و " فلان أمنع ذماراً من فلان " ويقال: الذمار: ما وراء الرجل مما يحقُّ عليه أن يحميه، لأنهم قالوا: حامي الذمار، كما قالوا: حامي الحقيقة، وسمي ذماراً لأنه يجب على أهله التذمر له، وسميت حقيقة لأنه يحق على أهلها الدفع عنها، " وظل يتذمر على فلان " إذا تنكر له وأوعده.
وأنشد بعده، وهو الشاهد الرابع والسبعون (من الكامل) : 74 - وَإذَا الرِّجَالُ رَأوْا يَزِيدَ رَأيْتَهُمْ * خُضُعَ الرِّقَابِ نَوَاكِسَ الأَبْصَارِ على أن جمع ناكس على نواكس مما هو وصف غالب أصل، وأنه في الشعر شائع حسن، قاله المبرد.
أقول: الذي قاله المبرد في الكامل بعد إنشاد هذا البيت إنما هو " وفي هذا البيت شئ يستطرفه النحويون، وهو أنهم لا يجمعون ما كان من فاعل نعتاً على فَوَاعِل، لئلا يلتبس بالمؤنث، لا يقولون: ضَارِب وضوارب، لأنهم قالوا: ضاربة وضوارب، ولم يأت هذا إلا في حرفين: أحدهما فوارس، لأن هذا مما لا يستعمل في النساء، فأمنوا الالتباس، ويقولون في المثل " هو هالك في الهوالك " فأجروه على أصله لكثرة الاستعمال، لأنه مثل، فلما احتاج الفرزدق لضرورة الشعر إجراه على أصله، فقال " نَوَاكس الأبصار " ولا يكون
__________
(1) أي: استثير (*)(4/142)
مثل هذا أبداً إلا ضرورة، انتهى كلامه، فتأمله مع ما نقلوه عنه، وقد ذكرنا في الشاهد الثلاثين من شواهد شرح الكافية أن ما جمع من هذا النمط إحدى عشرة كلمة (1) ، وقد ذكرنا هناك - مما يتعلق بشرح البيت مستوفى، وشرح القصيدة، وذكر سببها، مع ترجمة يزيد والفرزدق - ما فيه كفاية، ويزيد هو يزيد بن الْمُهَلَّب بن أبي صفرة أحد الشجعان والكرماء، كان والياً على خُراسان من قبل بني أمية.
وأنشد بعده (من الهزج) : لَقَدْ أغْدُو عَلَى أشْقَرَ يَغْتَالُ الصَّحَارِيا وتقدم شرحه في الشاهد الواحد والأربعين من هذا الكتاب.
وأنشد بعده، وهو الشاهد الخامس والسبعون (من الوافر) : 75 - * فَمَا وَجَدَتْ بَنَاتُ بَنِي نِزَارٍ * حَلاَئِلَ أسْوَدِينَ وَأَحْمَريْنَا على أنه جمع أسود وأحمر جمع تصحيح لضرورة الشعر.
وحلائل: مفعول وجدت، وهو جمع حليل، وهو زوج المرأة.
والبيت من قصيدة لحكيم الأعور هجا بها قبائل مُضَر، وتقدم الكلام عليه في الشاهد الرابع والعشرين من أوائل شرح شواهد شرح الكافية
__________
(1) ذكرنا هذه الكلمات في شرحنا على الشافية عند الكلام على هذا البيت (ج 2 ص 154) (*)(4/143)
وأنشد الجاربردي هنا، وهو الشاهد السادس والسبعون (من الطويل) :
76 - أتَانِي وَعِيدُ الْحُوصِ مِنْ آلِ جَعْفَرٍ فَيَا عَبْدَ عَمْرٍو لَوْ نَهَيْتَ الأَحَاوِصا على أن الأحوص بالنظر إلى كونه في الأصل وصفاً جمع على الحوص، وبالنظر إلى الاسمية جمع على أحَاوص والبيت من قصيدة للأعشى ميمون هجا بها عَلْقَمَة بن عُلاَثَةَ الصحابي، وأراد بالحوص والأحاوص أولاد الأحوص بن جعفر، وهم: عوف بن الأحوص، وعمرو بن الأحوص، وشُرَيح بن الاحوص، وربيعة بن الأحوص والأحوص: اسمه ربيعة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وسمي الأحوص لضيق كان في عينه، قال صاحب الصحاح: والْحَوَص بمهملتين مفتوحتين: ضيق في مؤخر العين، والرجل أحوص وعلقمة هو عَلْقَمَة بن عُلاَثة بن عوف بن الأحوص المذكور، وعبد عمرو وهو ابن شريح بن الأحوص، فهو ابن عم علقمة وكان سبب هجو الأعشى أن علقمة كان تهدده بالقتل، وقد شرحناه بقدر الكافية في الشاهد السادس والعشرين من شواهد الكافية وأنشد بعده (من الرجز) * مَا بَالُ عيني كالشعيب العين * وتقدم شرحه في الشاهد الخامس والعشرين من هذا الكتاب وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع والسبعون (من الطويل) 77 - * جَنَى النَّحْلِ فِي ألْبَانِ عُوذٍ مَطَافِلِ * على أن العرب جَوَّزُوا في جمع مُفْعِل المؤنث زيادة الياء وتركها، وعلى الترك(4/144)
جاء مطافل، فإنه جمع مُطْفِل: أي امرأة ذات طفل، وجاء المطافيل أيضاً في جمعه
بزيادة الياء في بيت بعده، فإن المصراع من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي، وهذان بيتان منا في التعزل: وَإن حَدِيثاً مِنْكِ لَوْ تَبْذُلِينَهُ * جَنَى النَّحْلِ فِي ألْبَانِ عُوذٍ مَطَافِلِ مَطَافِيلَ أبْكَارٌ حَدِيثٌ نَتَاجُهَا * تُشَابُ بِمَاءٍ مِثْلِ مَاءِ الْمَفَاصِلِ يقول: إن حلاوة حديثك لو تفضلت به حلاوةُ العسل مَشُوباً باللبن والجني: أصله الثمر المجتَنَى، فاستعاره، والعوذ: الحديثات النِّتاج، واحدها عائذ - بالعين المهملة والذال المعجمة - قال السكري في شرح أشعار الهذليين: " ألبان العوذ أطيب، لأنها إذا عتقَ لبنها تغير، يقول: حديثك كأنه العسل ممزوجاً بألبان الإبل، وقال الإمام المرزوقي في شرحه: مطافل جمع مُطْفِل وهي التي معها طفلها، وإنما انكر قوله حديثاً منك ليبين أن موقع كلامها منه على كل وجه ذلك الموقع، ودل بقوله لو تبذلينه على تمنعها وتعذر ذلك من جهتها " انتهى.
وقال ابن هشام في شرح بانت سعاد: " العوذ: جمع عائذ، وهي القريبة العهد بالنتاج من الظباء والإبل والخيل، فإذا تجاوزت عشرة أيام من يوم نتاجها أو خمسة عشر فهي مطفل، وسميت بذلك لأن معها طفلها، وجمعها مطافل، والمطافيل بالياء إشباع " انتهى.
وقال شارح ديوان الأعشى: " العوذ: الحديثات العهد بالنِّتاج قبل أن توفي خمس عشرة ليلة، ثم هي مطفل بعده " وقال ابن خلف: " هي الحديثة العهد بالنِّتاج كان معها ولدٌ أو لم يكن، وهو جمع عائذ، وهو جمع غريب، ونظيره حائل وحُوْل، وفارِه وفُرْه "، وقال الأعلم: " وسميت عائذاً لأن ولدها يعوذ بها لصغره، وبني على فاعل لأنه على نية النسب، لا على ما يوجب التصريف، كما قالوا عيشة راضية " انتهى.
والبكر(4/145)
- بالكسر - التي ولدت بطناً واحداً، وخصها لأن لبنها أطيب الألبان، والحديث: نقيض القديم، والنِّتاج: اسم يجمع وضع جميع البهائم، وقد خصَّ بعضهم الغنم بالولادة، ويُشَاب: يخلط، والمفاصل: الحجارة الصلبة المتراصفة، وقيل ما بين الجبلين، وقيل: منفصل الجبل من الرمة يكون بينهما رضراض وحصى صغار يصفو ماؤه، وروي عن الأصمعي، وقيل: ماء المفاصل هنا شئ يسيل من المفصلين إذا قطع أحدهما من الآخر، شبيه بالماء الصافي، قال أحد شراح أبيات الإيضاح للفارسي: " شبه ما بخلت به من حديثها بعسل مجعول في ألبان هذه النوق ممزوجاً بماء شبيه في الرقة والصفاء بماء المفاصل، واختار ابن يَسْعَوْنَ أن يراد بالمفاصل في البيت الحجارة المتراصفة في بطن المسيل لصفاء مائه وبرده، قال: ويؤيده قول ذي الرمة (من الطويل) : وَنِلْتُ سِقاطاً مِنْ حَدِيثٍ كأنَّهُ * جنى النخل مَمْزُوجاً بِمَاءِ الْوَقَائِعِ لأن الوقائع جمع وقية، وهى منقع ماء في الجبل، وأن يرا بماء المفاصل في البيت ما يسيل من بين المفصلين إذا قطع أحدهما من الآخر أحق وأخلق، ويكون قد شبّه الماء في صفائه ورقته بماء المفاصل، إذ لو أراد المعنى الأول لكان الوجه أن يجعله مشوباً بماء المفاصل لا بمثله، لأن ما يشبَّه من المياه بماء المفاصل دونه في الصفاء والرقة، فلما قال " بماء مثل ماء المفاصل " دل على أن المراد ما ذكرته، وقد قيل في قول الشاعر (من الطويل) : * عُقَارٌ كماء النئ ليست بخمطة * إنه شبه الخمر نماء النئ في الصفاء، وقيل: في الْحُمْرَة، فيكون على أحد القولين مثل قول أبي ذؤيب الهذلي " إلى هنا كلام شارح أبيات الإيضاح، وقوله " مطافيل أبكار ... إلخ " قال الإمام المرزوقي: " مطافيل بدل من قوله عوذ مطافل، وأشبع الكسرة في الفاء للزومها، فحدثت الياء، والأبكار: التي(4/146)
وضعت بطناً واحداً، لأن ذلك أول نتاجها: فهى أبكار، وأولادها أبكار، وعلى هذا قالوا: باكورة الربيع، ولبنها أطيب وأشهى، فلذلك خصه وجعله مزاجاً وقوله تُشَاب في موضع الصفة لالبان عوذ: أي مشوبة بماء متناهٍ في الصفاء، وقيل في المفاصل: إنها المواضع التي ينفصل فيها السيل من الجبل حيث يكون الرضراض، فينقطع الماء به ويصفو إذا جرى فيه، وهذا قول الأصمعي وأبي عمرو، واعترض عليه فقيل: هلا قال " بماء من مياه المفاصل " وما له يشبه به ولا يجعله منه؟ فقيل: هذا كما يقال: مثل فلان لا يفعل كذا، والمراد أنه في نفسه لا يفعل، لا أنه أثبت له مثل ينتفي ذلك عنه، ألا ترى أنه لو جعل ذلك لنظيره لكان المدح لا يعلق به، وقد عُلم أن القصد إلى مدحه، وعلى هذا قد حمل قوله تعالى: (ليس كمثله شئ) وقال أبو نصر: أراد بالمفاصل مفاصل الجبل حيث يقطر الوَشْلُ، وذلك أصفى من مياه المناقع والعيون، وقال بعضهم: أراد تشاب بماء كالدمع صفاء، فالمفاصل شئون الرأس، وهي تسمى مفاصل ومواصل، والدمع منها يخرج، وهذا كما يقال: جئتك بخمرة كماء العين وأصفى من الدمع، فالتشبيه حاصل في هذا الوجه، وهو عندي حسن والمراد بماء العين الدمع لا غير، وقال أبو سعيد: ماء المفاصل الدم، وأراد بالماء الخمر، وشبَّهها به، وقال ابن الأعرابي: ماء المفاصل ماء اللحم النئ، شبَّه حمرته بحمرته، وعِهْدَة هذين القولين عليهما دوني " هذا كلام المروزقى، وحديث: بمعنى حادث، والنتاج: الولادة، وتُشَاب: من الشَّوْب وهو الخَلْط والُمَزْجُ، والمفاصل: جمع مَفْصِل - بفتح الأول وكسر الثالث.
وأبو ذؤيب الهذلي شاعر مخضرم إسلامي تقدمت ترجمته في الشاهد السابع والستين من شرح شواهد شرح الكافية(4/147)
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثامن والسبعون (من الطويل) : 78 - * مَعَ الصُّبْحِ رَكْبٌ مِنْ أُحَاظَةَ مُجْفِلُ * على أن ركباً لفظه مفرد، بدليل عود الضمير إليه من صفته مفرداً، وهو مُجْفِلٌ.
وهذا المصراع عجز، وصدره: * فَعَبَّتْ غِشَاشاً ثُمَّ مرت كأنها * وهو بيت منن أبيات لامية العرب للشَّنْفَرَى، في وصف قطا وَرَدَتْ ماء وأنه سبقها إليه فشربت فضْلَتَهُ.
وقوله " فعبت غشاشاً - إلخ " العب: شرب الماء بلا مَصّ، قال ثعلب: عَبَّ يعب، إذا شَرِب الماء فصبه في الحلق صبا، وفاعل " عَبَّتْ " ضمير القطا، و " غِشَاشاً " بكسر الغين المعجمة بعدها شينان معجمتان - قال بعض أهل اللغة: معناه على عجلة، وقال بعض آخر: أي قليلاً أو غير مرئ، يقول: وردت القطا على عجل ثم صدرت في بقايا من ظلمة الفجر، وهذا يلد على قوة سرعتها، وقوله " من أحاظة " متعلق بمحذوف على أنه صفة لركب، وأحاظة - بضم الهمزة بعدها حاء مهملة وظاء مشالة معجمة - قبيلة من الأزد في اليمن، ومجفل: صفة ثانية لركب، وهو بالجيم اسم فاعل من أجفل بمعنى أسرع، و " الركب " قال ابن قتيبة في أدب الكاتب: أصحاب الإبل، وهم العشرة ونحو ذلك، قال شارحه ابن ابن السَّيِّد: هذا الذي قاله ابن قتيبة قاله غير واحد، وحكى يعقوب عن عمارة ابن عقيل قال: لا أقول راكب إلا لراكب البعير خاصة، وأقول: فارس وبَغَّال وحَمَّار، ويقوي هذا الذي قاله قول قُرَيْطٍ العنبري (من البسيط) : فَلَيْتَ لِي بِهِمُ قَوْماً إذَا رَكِبُوا * شَنُّوا الإغَارَةَ فُرْسَاناً ورُكْبَانَا
والقياس يوجب أن هذا غلط، والسماع يعضد ذلك، ولو قالوا إن هذا هو(4/148)
الأكثر في الاستعمال لكان له وجه، وأما القطع على أنه لا يقال راكب ولا ركب إلا لاصحاب الابل خاصة فغير صحيح، لأنه لا خلاف بين اللغويين في أنه يقال: ركبت الفرس، وركبت البغل، وركبت الحمار، واسم الفاعل من ذلك راكب، وإذا كثرت الفعل قلت: رَكَّاب ورَكُوب، وقد قال تعالى: (والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وزينة) فأوقع الركوب على الجميع، وقال امرؤ القيس (من المتقارب) : * إذَا ركبوا الخيل واستلاموا * وقال زيد الخيل (من الطويل) : * وَيَرْكَبُ يَوْمَ الرَّوْعِ فِينَا فَوَارِسُ * وهذا كثير في الشعر وغيره، وقد قال تعالى: (فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) وهذا اللفظ لا يدل على تخصيص شئ بشئ، بل اقترانه بقوله (فَرِجَالاً) يدل على أنه يقع على كل ما يقع على الأرض، ونحوه قول الراجز (من الرجز) : بَنيْتَه بِعْصْبَةٍ من ماليا * أخشى ركيبا أو رُجَيْلاً عَادِياً فجعل الرَّكْب ضد الرَّجْل، وضد الرَّجْل يدخل فيه راكب الفرس وراكب الحمار وغيرهما، وقول ابن قتيبة أيضاً " إن الركب العشرة ونحو ذلك " غَلَطٌ آخر، لأن الله تعالى قال: (والركب أسفل منكم) يعنى مشركي قريش يوم بدر، وكانوا تسعمائة وبضعا وخمسين، والذى قال يعقوب في الركب هم العشرة فما فوقها، وهذا صحيح، وأظن أن ابن قتيبة أراد ذلك فغلط في النقل، انتهى كلام ابن السيد وقد تكلمنا على هذا البيت بأبسط من هذا في الشاهد السابع والخمسين بعد
الخمسمائة من شرح شواهد شرح الكافية(4/149)
وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع والسبعون (من الرجز) 79 - * أخْشَى رُكَيْباً أوْ رُجَيْلاً عَادِياً * على أن رَكْباً اسم جمع، ولفظه مفرد، بدليل تصغيره على لفظه كما تصغر المفردات، قال ابن جني في شرح تصريف المازني: " جميع ما كان اسماً للجمع تحقِّره على لفظه، أخبرنا أبو علي أن أبا عثمان أنشده (من الرجز) بَنيْتَه بِعْصْبَةٍ مِنْ مَالِيا * أخْشَى رُكَيْباً أوْ رُجَيْلاً عَادِيَا فهذان تحقير رَكْب ورَجْل، وهما اسمان للجمع بمنزلة ركَّاب ورَجَّالة، وكان أبو الحسن يقول في تحقير ركب: رُوَيْكِبُون: لأنه جمع كسر عليه راكب، وقولهم " رُكيْب " يدل على خلاف مذهبه، وهو قول سيبويه، وهو الصواب انتهى.
والشعر لا حيحة بنُ الْجُلاَح، وهو هكذا: بَنَيْتُ بَعْدَ مُسْتَظَلّ ضاحيا * بَنَيْتُهُ بِعْصْبَةٍ مِنْ مَالِيَا وَالشَّرُّ مِمَّا يَتْبَعُ الْقَوَاضِيَا * أخْشَى رُكَيْباً أو رُجَيْلاً عَادِيا وأنشد صاحب الكشاف البيت الأخير عند تفسير قوله تعالى: (حرسا شديدا) من سورة الجن، على أن الحرس) اسم مفرد بمعنى الْحُرَّاس كالْخَدَم بمعنى الْخُدَّام وكالرَّجْل والرَّكْب في البيت فإنهما بمعنى الرجالة والرُّكَّاب وقال شارح أبيات التفسيرين خضر الموصلي: هذا البيت كأنه في وصف حِصْنٍ بناه ليمنعه من الحوادث لم أطلع له على خبر، انتهى أقول: أورد خبره الأصفهاني في الأغاني، قال: كان لأحيحة بن الْجُلاَح أُطُمان أُطُمٌ في قومه يقال له المستظل، وهو الذي تحصَّن فيه حين قاتل تُبَّعاً أبا كرب
الحميري، وأطمه الضَّحْيَان بالعُصْبة في أرضه التي يقال لها الغيابة، بناه بحجارة سود بني عليه مَنَارَة بيضاء مثل الْقَصَّة، ثم جعل عليها مثلها، يراها الراكب من مسيرة،(4/150)
وكانت الآطام عِزَّهُمْ وحصونهم يتحرَّزونَ فيها من عدوهم، ويزعمون أنه لما بناه هو وغلام له أشرف ثم قال: لقد بنيت حصناً حصيناً ما بنى مثله رجل من العرب أمنع منه، ولقد عرفت موضع حجر منه لو نزع لوقع جميعاً، فقال غلامه: أنا أعرفه، قال: فأرنيه يا بني، قال: هو هذا، وصرف إليه رأسه، فلما رأى أحيحة أنه قد عرفه دفعه من رأس الأطم فوقع على رأسه فمات، حتى لا يعرف ذلك الحجر أحد، ولما بناه قال: * بَنَيْتُ بَعْدَ مُسْتَظَلّ ضَاحِيَا * الأبيات الأربعة قال: وكان أحيحة سَيِّد قومه الأوس، وكان رجلاً صَنَعاً للمال شحيحاً عليه يبيع بيع الربا بالمدينة، حتى كاد يحيط بأموالهم، وكانت له تسع وتسعون بئراً كلها يُنْضح عليها، انتهى.
قال الزمخشري في كتاب الأمكنة: عَصْبة: موضع بقباء، وأنشد الشعر المذكور، انتهى.
وقال السمهودي في تاريخ المدينة المنورة: أطم يقال له مستظل عند بئر غرس كان لأحيحة ثم صار لبني عبد المنذر، انتهى.
وقال صاحب الصحاح: والاطم (مثل الأجم (1)) يخفف ويثقل، والجمع آطام، وهي حصون لأهل المدينة، والواحدة أطَمَةٌ بفتحات، انتهى.
و" المستظل " معناه موضع الاستظلال، و " الضَّحْيان " بمعنى الضاحي، وهو البارز غير المستتر، وكأنه سَمَّاه بهما، ولما لم يستقم له في الشعر الضَّحْيَان جاء بالآخر موضعه، وعَصْبَة بفتح العين وسكون الصاد المهملتين فباء موحدة،
وليس لهذه الكلمات ذكر في معجم ما استعجم لأبي عبيد البكري، ولا في
__________
(1) سقطت هذه الكلمة من بعض النسخ، وهى ثابتة في بعض (*)(4/151)
في الصحاح، ولما لم يقف ابن بري على هذا النقل ظن أن العصبة الرجال، فقال في شرح أبيات الإيضاح للفارسي: العصبة من الرجال نحو العشرة، واستعارها للجزء من المال، وعلى هذا تكون من صفةً للعصبة متعلقة بمحذوف، ويجوز أن يريد بالعصبة الرجال ومِنْ متعلقة ببنيته: أي بنيته من مالي بعصبة، والباء متعلقة بمحذوف: أي مستعيناً بعصبة، ويروى " غاديا " بالغين المعجمة من الاغتداء، هذا كلامه.
وقوله " والشر " هو ضد الخير، أراد أن الشر يتبع الأمور المقضية المحتمة وقوله " أخشى ركيباً - إلخ " صغر الرَّكْب والرَّجْل للتقليل، وإذا كان يخشاهما مع قلتهما فخشيته مع كثرتهما من باب أولى، والركب: اسم جمع راكب، وقال صاحب المصباح: وراكب الدابة جمعه ركب كصاحب وصحب، وكذا قال في الرَّجْل، قال: الراجل: خلاف الفارس، وجمعه رَجْل، مثل صاحب وصحب، وكان ينبغي أن يقول: والراجل خلاف الراكب، و " عاديا " صفة رجيْلاً، وصفة " ركيباً " محذوفة لدلالة الثاني عليه، وهو من عدا عليه يعدو عَدْوا وعُدْوَاناً وعَدَاء، بالفتح والمد، إذا ظلم وتجاوز الحد.
وأحيحة بن الْجُلاَح جاهلي، وأُحَيْحَة بضم الهمزة وفتح الحاءين المهملتين بينهما ياء تصغير، والجُلاَح - بضم الجيم وتخفيف اللام وآخره حَاء مهملة - وقد ذكرنا نسبة وترجمته في شرح الشاهد السابع والعشرين بعد المائتين من شرح شواهد شرح الكافية.
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثمانون (من الرجز) :
80 - * وَفَاضِحٍ مُفْتَضِحٍ في أرهطه * على أن الا رهط مفرد الأراهط، والأرْهط جمع رهط - بفتح فسكون - قال(4/152)
الصاغاني في العُباب: رَهْط الرجل: قومه وقبيلته، يقال: هم رهطه دِنْيَةً، والرهط: ما دون العشرة من الرجال لا تكون فيهم امرأة، وليس له واحد من لفظه، مثل ذَوْدٍ، وقال بعضهم: الرَّهْط عند العرب: عدد يجمع من سبعة إلى عشرة، قال ابن دريد: وربما جاوز ذلك قليلاً، وما دون السبعة إلى الثلاثة النفر، وقد يحرك فيقال: الرَّهْط، والجمع أرهط، وأنشد الأصمعي: * وَفَاضِحٍ مُفْتَضِحٍ فِي أرْهُطِهْ * انتهى.
وقد ورد رجز رؤبة بن العجاج أيضاً، قال (من الرجز) : * وَهْوَ الذَّلِيْلُ نَفَراً فِي أَرْهُطِهْ * وبهذا يرد على أبى على الفارسي في زعمه أن اسم الجمع كرَكْب ورَجْل ورَهْط وطَيْر لا يجمع جمع قلة، وقد قالوا أيضاً: قوم وأقوام، قال في المسائل البغدادية: حكى سيبويه أطيار، وحمله على أنه جمع طائر، مثل صاحب وأصحاب، وشَاهِدٍ وأشهاد، وفَلُو وأفلاء، لأن فَلوًّا مثل فاعل في الزيادة والزنة (1) ، فإن قال قائل: هلا حمله على أنه جمع طَيْر؟ قيل له: لا يكون عنده إلا جمع طائر، لأن طائراً زعم أنه جمع على طير مثل تَاجر وَتَجْر، وإذا كان مثل تَجْر ورَكْب لم يجز جمعه، ألا ترى أنه لم نجز ذلك (2) في جمع الجمع؟ ويمتنع جمع هذا أيضاً من جهة القياس، لأن تَجْراً وبابه يراد به الكثرة، فحكمه إذا جمع أن يراد به التكثير، وأفْعَال لا يراد به الكثرة، بل خلافها، فإن قيل: فهلا جاز جمعه على أفْعَال كما جاز إبِلاَنِ؟ قيل له: هذا قليل لا يقاس عليه، فإن
قيل: فهلا جاز تكسيره كما جاز تحقيره؟ حكى سيبويه رَجْلٌ ورُجَيْلٌ، وكما
__________
(1) يريد في عدد الحروف دون الحركات (2) في نسخة " لم نجز جواز ذلك " (*)(4/153)
قرأت على أبي بكر عن أبي العباس عن أبي عثمان قال: أنشدني الأصمعي لأحَيْحة بن الْجُلاَح: * أخْشَى رُكَيْباً أوْ رُجَيْلاً عَادِيُا * قيل: لا ينبغي أن يجوز التكسير من حيث جاز التصغير، وذاك أن هذا الاسم على بناء الآحاد، والمراد به الكثرة، فلو كسر كما صغر لكان في ذلك إجراؤه مجرى الآحاد وإزالته عما وضع له من الدلالة على الكثرة، إذ كان يكون في ذلك مساواته له من جهة البناء والتكسير والتحقير والحديث عنه كالحديث عن الآحاد، نحو ما أنشده أبو الحسن (من الطويل) : * لَهُمْ جَامِلٌ لا يهدأ اللَّيْلَ سَامِرُهْ * وهذا كل جهاته أو عامته، فيجب إذا صغر أن لا يكسر فيكون بتولد تكسيره منفصلاً مما يراد به الآحاد دون الكثرة، ومتميزا بها منها، على أن ركيباً في البيت يجوز أن يكون محقراً على حذف الزيادة كباب أزْهَر وزُهَير، فإن قال قائل: أليس أشياء من باب رَكْب وتَجْرٍ وجَامِلٍ، وقد حدثكم أبو بكر عن أبى عباس قال علماؤنا عن الأصمعي قال: وقف أعرابي على خلف الأحمر، فقال: إن عندك لأشَاوَى، فكسر أشياء على أشَاوى، فما أنكرت أن يجوز جمع طير وبابه؟ قيل له: هذا أشبه، لأنه مكسر على بناء يكون للكثير، وأطيار للقليل، وهذا ردئ لخروجه إلى حيز الآحاد، وهذه حكاية نادرة، لا يجب
القياس عليها فإن قيل: أليس ضأن من هذا الباب لأنه جمع ضائِن، كما أن طيْراً جمع طائر، فقد قيل: ضأن وضئين، كما قالوا: عبد وعبيد، وكلب وكليب، فما أنكرت(4/154)
أن يجوز تكسير طير وركب وبابه كما جاز تكسير ضأن إذ هو مثله؟ قيل له: ليس ضئين عندنا جمع ضأن، إنما هو جمع ضائن، وليس ضائن بجمع، إنما هو واحد، ألا تراهم قالوا: ضائنة، فأنثوا، وقالوا: ضوائن، فكسروا، ولو كان جمعاً لم يكسر كما لا يكسر ركب وجامل ونحوه، هذا كلام أبي علي وقول الشاعر " وفاضح مفتضح - إلخ " الفضيحة: العيب، وفَضَحه فَضْحاً من باب نفع، كشف عيبه، فتقديره: وكاشف عيب رهطه ومُنْكَشِفٍ عيبُه في رَهْطِهِ وهذا البيت لم أقف على قائله، ولا عَلَى تتمته، والله أعلم وأنشد بعده (من السريع) : * فِي كُلِّ يَوْمٍ مَا وَكُلِّ لَيلاَهْ * وتقدم شرحه في الشاهد الثامن والأربعين وأنشد بعده، وهو الشاهد الحادي والثمانون (من الرجز) : 81 * بِأَعْيُنَاتٍ لَمْ يُخَالِطْهَا الْقَذَى * على أنه يجوز في الشعر أن يجمع الجمع كما هنا، فإنَّ أعْيُناً جمع عَيْن، وقد جمع بالألف والتاء والقذى: ما يسقط في العين أو في الشراب، وَقَذِيَتْ عينه تَقْذَى قَذًى، إذا سقطت في عينه قَذَاه، وقَذَتْ عينه تَقذِي قَذْياً: أخرجت القذى، وَأَقْذَيْت عينه: رميت فيها القذى، وقذيتها تقذية: إذا أخرجت منها القذى(4/155)
التقاء الساكنين أنشد فيه، وهو الشاهد الثاني والثمانون (من الرجز) : 82 - أقْبَلْتُ مِنْ عِنْدِ زِيَادٍ كَالْخَرِفْ * تَخُطُّ رِجْلاَيَ بخط مختلف * تكثبان في الطريق لام الف * على أن الشاعر نقل فتحة همزة ألف إلى ميم لام وأورده الشارح المحقق في شرح الكافية على أن مقصوده اللام والهمزة، لا صورة " لا "، فيكون معناه أنه تارة يمشى مستقيما فتخط رجلاه خطا شبيها بالالف، وتارة يمشى معوجا فتخط رجلاه خطا شبيها باللام وقد تقدم الكلام عليه هناك في شرح الشاهد السابع من أوله بمالا مزيد عليه وهذه الابيات الثلاثة لابي النجم، وهو راجز إسلامى، قال الصولى: كان لابي النجم العجلى صديق يسقيه الشراب فينصرف من عنده ثملا، وأنشد له هذه الابيات.
والخرف - بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء - صفة مشبهة من خرف الرجل خرفا من باب تعب، إذ افسد عقله لكبره، وخط على الارض خطا: أعلم علامة، و " كتب " بالتخفيف والتثقيل، وتثقيله هنا لتكثير الفعل.
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والثمانون (من المتقارب) : 83 - لها متنتان خطاتا كَمَا * أكَبَّ عَلَى سَاعِدَيْهِ النَّمِرْ على أن بعضهم جوز رَدَّ الالف مستشهدا بخظاتا، فإنه يقال: خظا يخظو، إذا تحرك، وكان من حقه أن يقول: خضتا، كما يقال: غزتا، تثنية غزت، إلا أنه رد الالف التى كانت سقطت لاجتماع الساكنين في الواحد، ولما تحركت(4/156)
تاء التأنيث لاجل ألف التثنية رجعت الالف المحذوفة للساكنين، وهذا قول الكسائي.
وقال الفراء: أراد " خضاتان "، فهو مثنى حذفت نونه للضرورة، كما قال أبو داود (من الهزج) : ومتناه خطاتان * كز حلوف من الهضب قال ابن قتيبة في أبيات المعاني: يقال: لحمه خظا بظا، إذا كان كثير اللحم صلبه، والزحلوف: الحجر الاملس، وقال امرؤ القيس: * لها متنتان خظاتا * - إلخ ويقال: هو خاظى البضيع، إذا كان كثير اللحم مكتنزه، وقوله " خظاتا " فيه قولان: أحدهما أنه أراد خظاتان كما قال أبو دواد، فحذفت نون الاثنين، يقال: متن خظاة ومتنه خظاة، والاخر أنه أراد خظتا: أي ارتفعتا، فاضطر فزاد ألفا، والقول الاول أجود، وقوله " كَمَا أكَبَّ عَلَى سَاعِدَيْهِ النَّمِرْ " أراد كان فوق متنها نمرا باركا لكثرة لحم المتن " انتهى كلام ابن قتيبة.
وأيد ابن جنى قول الكسائي، قال في سر الصناعة: وأما قول امرئ القيس: * لها متنتان خظاتا ... البيت * فإن الكسائي قال: أراد خظتا، فلما حرك التاء رد الالف التى هي بدل من لام الفعل، لانها إنما كانت حذفت لسكونها وسكون التاء، فلما حركت التاء ردها، فقال: خظاتا، ويلزمه على هذا أن يقول في قضتا وغزتا: قضاتا وغزاتا، إلا أن له أن يقول: إن الشاعر لما اضطر أجرى الحركة العارضة مجرى الحركة اللازمة في نحو قولا وبيعا وخافا، وذهب الفراء إلى أنه أراد خظاتان، فحذف النون، كما قال أبو داود الايادي
* ومتنان خظاتان * كزحلوف من الهضب *(4/157)
وأنشد الفراء أيضا: (من الرجز) * يا حبذا عينا سليمى والفما * قال: أراد والفمان، يعنى الفم والانف، فثناهما بلفظ الفم للتجاور الذى بينهما، وأجاز الفراء أيضا أن تنصبه على أنه مفعول معه، كأنه قال: مع الفم، ومذهب الكسائي في " خظاتا " أقيس عندي من قول الفراء، لان حذف نون التثنية شئ غير معروف، فأما " والفما " فقد يجوز أن ينصب بفعل مضمر، كأنه قال: وأحب الفم، ويجوز أن يكون الفم في موضع رفع إلا أنه اسم مقصور بمنزلة عصا، وعليه جاء بيت الفرزدق: * هُمَا نَفَثَا فِي مِنْ فَمَوَيْهِمَا * فاعرفه، ومما يؤيد عندي مذهب الكسائي أنه أراد خظتا فلما حرك التاء وإن كانت الحركة عارضة غير لازمة رد الالف التى هي بدل من الواو التى هي لام الفعل، كقولهم " الحمر " في الاحمر، و " لبيض " في الابيض، ألا ترى أنهم اعتدوا بحركة الهمزة المحذوفة لما ألقوها على اللام المعرفة، فأجروا ما ليس بلازم مجرى اللازم؟ ونحو من ذلك قراءتهم (لكنا هو الله ربى) وأصلها لكن أنا، فلما حذفت الهمزة للتخفيف وألقيت فتحتها على نون لكن صار التقدير لكننا فلما اجتمع حرفان مثلان متحركان كره ذلك كما كره شدد وجلل، فأسكنوا النون الاولى، وأدغموها في الثانية فصار لكنا، كما أسكنوا الحرف الاول من شدد وجلل، وأدغموه في الثاني فقالوا: شد وجل، أفلا ترى أنهم أجروا المنفصل وهو لكن أنا مجرى المتصل في شد وجل، ولم يقرأ أحد لكننا مظهرا، فهل ذلك إلا لاعتدادهم بالحركة وإن كانت غير لازمة؟ وعلى هذا قالوا (سل بنى إسرائيل)
وأصله اسال، فلما خففت الهمزة فحذفت وألقيت حركتها على السين قبلها اعتد بها فحذفت همزة الوصل لتحرك الحرف بعدها، ونظائر هذا كثير، ومنها قولهم في تخفيف(4/158)
رؤيا: ريا، وأصلها رويا، إلا أنهم أجروا الواو في رويا وإن كانت بدلا من الهمزة مجرى الواو اللازمة فأبدلوها ياء وأدغموها في الياء بعدها، فقالوا: ريا، كما قالوا: طويت طيا وشويت شيا، وأصلهما طويا وشويا، ثم أبدلوا الواو ياء وأدغموها في الياء فعلى هذا قالوا: ريا، ومن اعتد بالهمزة المنوية وراعى حكمها - وهو الاكثر والاقيس - لم يدغم فقال: رويا، فهذا كله وغيره مما يطول ذكره، يشهد باجرائهم غير اللازم مجرى اللازم ويقوى مذهب الكسائي، إلا أن للفراء أن يحتج لقوله ببيت أبى داود * ومتنان خظاتان * فهذا يقوى أن خظاتا تقديره خظاتان وأنشدوا بيتا آخر، وهو قوله: (من الطويل) لنا أعنز لبن ثلاث فبعضها * لاولادها ثنتا وما بيننا عنز تقديره ثنتان، فحذف النون " وهذا آخر كلام ابن جنى (1) وبقى في البيت قول ثالث، وهو أن خظاتا مثنى حذفت نونه للاضافة إلى قوله " كما أكب " وهو قول أبى العباس المبرد، نقل عنه ياقوت الحموى في معجم الادباء في ترجمة أبى العباس أحمد الشهير بثعلب رحمه الرب، ونقله عنه أيضا علم الدين السخاوى في سفر السعادة، وعبارتهما واحدة، قالا: قال أحمد بن يحيى ثعلب: دخلت على محمد بن عبد الله فإذا عنده أبو العباس المبرد وجماعة من أصحابه وكتابه، فلما قعدت قال لى محمد بن عبد الله: ما تقول في بيت امرئ القيس * لها متنتان خظاتا ... البيت * قال: فقلت: أما الغريب فانه يقال: لحم خظا بظا، إذا كان صلبا مكتنزا، ووصفه بقوله " كما أكب على ساعديه " أي في صلابة النمر إذا اعتمد على يديه،
والمتن: الطريقة من عن يمين الصلب وشماله، وأما الاعراب فإنه خظتا، فلما
__________
(1) لو تصفحت كلام ابن جنى في حرف النون من سر الصناعة لوجدت المؤلف لم ينقله بنصه الكامل بل تصرف فيه بعض التصرف من غير إخلال بالمقصود (*)(4/159)
تحركت التاء أعاد الالف من أجل الحركة والفتحة، فأقبل بوجهه على المبرد، فقال: أعز الله الامير، إنما أراد في " خظاتا " الاضافة، أضاف خظاتا إلى كما، قال ثعلب فقلت له: ما قال هذا أحد! ! فقال: بلى سيبويه يقوله، فقلت لمحمد بن عبد الله: ما قال هذا سيبويه قط، وهذا كتابه فليحضر، ثم قلت: وما حاجتنا إلى الكتاب؟ أيقال: مررت بالزيدين ظريفي عمرو، فيضاف نعت الشئ إلى غيره؟ فقال محمد لصحة طبعه -: والله ما يقال هذا، ونظر إلى محمد بن يزيد، فأمسك ولم يقل شيئا، ونهض المجلس، وزاد ياقوت في آخر هذه الحكاية " لا أدرى لم لا يجوز هذا، وما أظن أحد ينكرا قول القائل: رأيت الفرسين مركوبي زيد، ولا الغلامين عبدى عمرو، ولا الثوبين دراعتي (1) زيد، ومثله مررت بالزيدين ظريفي عمرو، فيكون مضافا إلى عمرو وهو صفة زيد، وهذا ظاهر لكل متأمل " هذا كلامه وأقول: هذه الامثلة كلها أبدال لا نعوت، لعدم الربط وهذا البيت من جملة أبيات في وصف فرس من قصيدة لامرئ القيس قد شرحناها في الشاهد العشرين بعد السبعمائة من شرح شواهد شرح الكافية وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع والثمانون: (من المنسرح) 84 - لا تُهِينَ الْفَقِيرَ عَلَّكَ أنْ * تَرْكَعَ يَوْماً وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ على أن أصله " لا تهينن الفقير " فحذفت نون التوكيد الخفيفة لالتقاء الساكنين، وبقيت الفتحة دليلا عليها وهذا آخر أبيات للاضبط بين قريع السعدى، وقبله:
قد يجمع المال غير آكله * ويأكل المال غير من جمعه
__________
(1) الدراعة: ثوب لا يكون إلا من صوف، وهو المدرعة أيضا، ويقال: تمدرع، إذا لبسه (*)(4/160)
فاقبل من الدهر ما أتاك به * من قر عينا بعيشه نفعه وصل حبال البعيد إن وصل الحبل * وأقص القريب إن قطعه وهى أكثر من هذا، وقد شرحناها في الشاهد الرابع والخمسين بعد التسعمائة من آخر شرح شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الخامس والثمانون، وهو من شواهد سيبويه (من الرجز) : 85 - يستوعب البوعين من جريره * مِنْ لَدُ لَحْيَيْهِ إِلَى مَنْحُورِهِ على أن أصله " من لدن " فحذفت النون قال سيبويه: " فأما لدن فالموضع الذى هو أول الغاية، وهو اسم يكون ظرفا، يدلك على أنه اسم قولهم: من لدن، وقد يحذف بعض العرب النون حتى يصير على حرفين، قال الراجز غيلان * يستوعب البوعين ... إلى آخر البيتين " * قال الاعلم: " أراد أن لد محذوفة من لدن منوية النون فلذلك بقيت على حركتها، ولو كانت مما بنى على حرفين للزمها السكون كعن ونحوها، وصف بعيرا أو فرسا بطول العنق، فجعله يستوعب من حبله الذى يوثق به، مقدار باعين، فيما بين لحييه ونحره، والمنحور والنحر: الصدر، واللحى: العظم الاسفل من الشدق، وسمى بذلك لقلة لحمه، كأن اللحم لحى عنه: أي قشر، والبوع: مصدر بعت الشئ بوعا إذا ذرعته بباعك، والجرير: الحبل " انتهى كلامه
وقبلهما: يتبعن شهما لان من ضريره * من المهارى رد في حجوره قوله يتبعن إلخ " أي: يتبع الابل جملا " شهما ": أي حديد النفس ذكى(4/161)
القلب، والضرير - بالضاد المعجمة -: النفس وشدتها، يقال: ناقة ذات ضرير، إذا كانت شديدة النفس بطيئة اللغوب، والضرير من الدواب: الصبور على كل شئ، كذا في العباب: يريد أنه لان شئ من شدة نفسه وامتناعه، ولو كانت نفسه على ما كانت عليه من الصعوبة لشق عليها، وقوله " من المهاوى " أي: من الابل المهارى نسبة إلى مهرة.
قال صاحب العباب: ومهرة بن حيدان أبو قبيلة من اليمن تنسب إليه الابل المهرية، والجمع المهارى، وإن شئت خففت الياء فقلت المهارى كالصحارى والصحارى وقوله " رد في حجوره " أي: في كرم أمهاته، يريد أنه من نسل إبل كرام.
وقوله " يستوعب البوعين الخ " بفتح المواحدة، قال صاحب العباب: قال الليث البوع والباع لغتان.
فلا حاجة إلى ما تكلفه الاعلم، والجرير - بفتح الجيم -: الحبل، يريد أن طويل الحبل الذى هو مقوده من لحيبه إلى موضع نحره مقدار باعين، يريد طول عنقه وقوله " من لد لحييه " مثل لحى - بفتح اللام وسكون الحاء المهملة - وهو العظم الذى ينبت عليه الاسنان، والمنحور: بضم الميم وبعد النون حاء مهملة، كذا في العباب، وهو لغة في النحر لمنحر، ومعناه أعلى الصدر، وهو الموضع الذى تقع عليه القلادة والموضع الذى ينحر فيه الهدى وغيره، وصحفه الجوهرى فرواه بالخاء المعجمة، وقال: المنخور لغة في المنخر، وأنشده، وكذا رواه أيضا في مادة
لدن، ونبه ابن بري في أمالية عليه، قال: " وصواب إنشاده كما أنشده سيبويه " إلى منحوره " بالحاء، والمنحور النحر، وهو المنحر، وصف هذا الشاعر فرسا بطول العنق فجعله يستوعب من حبله مقدار باعين من لحييه إلى نحره " انتهى.
وكذا قال في مادة (ل د ن) ، وصوابه يصف كما ذكرنا، وتبعه الصفدى في حاشيته على(4/162)
الصحاح، وقال: هذا الذى عليه العلماء، ولا معنى فيه لما قاله الجوهرى، ورواه الصاغانى في العباب بالوجهين: بالحاء المهملة، والمعجمة، في المادتين، قال: ويروى منخوره بالخاء المعجمة أيضا، ويروى حنجوره، فزاد رواية ثالثة، وهى بضم الحاء المهملة وبعد النون جيم، لغة في الحنجرة كحيدرة، وهى الحلقوم ونسب ابن برى أيضا هذا الرجز إلى غيلان بن حريث الربعي، وتقدم في الشاهد الثالث والسبعين بعد السبعمائة من شرح شواهد شرح الكافية أنى لم أقف على ترجمة، والله أعلم به وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس والثمانون: (من الرجز) 86 - * وحاتم الطائى وهاب المئى * على أنه حذف التنوين من حاتم لضرورة الشعر، وقبله * حيدة خالي ولقيط وعلى * والبيتان من رجز لامرأة تفتخر بأخوالها من اليمن، وأورده الشارح المحقق في شرح الكافية على أن المئى أصله عند الاخفش المئين، حذفت النون الجمع للضرورة.
وقد شرحناه مفصلا بما لا مزيد عليه مع بقية في الشاهد الرابع والأربعين بعد الخمسمائة هناك فارجع إليه وأنشد بعده: (من الطويل) عَجِبْتُ لِمَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ ابٌ * وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوَانِ
وتقدم الكلام عليه في الشاهد العاشر من هذا الكتاب وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع والثمانون، وهو من شواهد سيبويه: (من الوافر) 87 - فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُمَيرٍ * فَلاَ كَعْباً بَلَغْتَ وَلاَ كِلاَبَا(4/163)
على أن يونس سمعهم ينشدونه بفتح الضاد من قوله: فغض، قال سيبويه: " ومنهم من يدعه إذا جاء بالالف واللام على حاله مفتوحا، يجعله في جميع الاشياء كإن، وزعم يونس أنه سمعهم يقولون: * فغض الطرف ... البيت * " انتهى ونسب الزمخشري في المفصل الفتح الى بنى اسد، قال: " ومنهم من فتح وهم بنو أسد، قال: فغض الطرف، ونمير بالتصغير: أبو قبيلة، وهو نمير بن عامر ابن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة ابن قيس بن عيلان بن مضر، وكعب وكلاب أخوان، وهما ابنا ربيعة بن عامر ابن صعصعة، فنمير وربيعة أخوان وأمهما رقية بنت جُشَم بن معاوية بن بكر بن هوازن، قال ابن الكلبى في الجمهرة: ولد ربيعة بن عامر كلابا وإليه البيت، وكعبا وإليه العقد، كان إذا كان في ولد ربيعة جوار تولوا هم ذلك دون ولد أبيه، ومن أولاد ربيعة كليب بالتصغير وعامر والحرث، فهؤلاء الخمسة أولاد ربيعة لا غير و " غض " فعل أمر من غض طرفه وصوته، ومن طرفه وصوته، غضا، من باب قتل، إذا خفضهما، وغض الطرف: إرخاء الجفون، والطرف: نظر العين، يقول: لا تفتح عينيك بتحديق كنظر العزيز، بل انظر الذليل بغض وتغميض: فإن قبيلتك بنى نمير لم يشرفوا كشرف بنى أخى نمير، وأنت خامل،
ولبنى عمك النباهة والذكر، فلا نلت رتبة كعب في السيادة ولا بلغت منزلة كلاب في العز، والتفضيل بين الاقارب عند العرب ممض مؤلم تأثيره أشد من الهجاء المقذع.
والبيت من قصيدة لجرير هجا بها الراعى النميري مطلعها: أقلى اللوام عاذل والعتابا * وقوله إن أصبت لقد أصابا(4/164)
وسبب هجوه أن الراعي كان شاعر مضر وذا سنِّها، ولما قدم البصرة دخل بين جرير والفرزدق، فقال: (من الكامل) يَا صَاحِبَيَّ دَنَا الأَصِيلُ فَسِيرَا * غَلَبَ الْفَرَزْدَقُ فِي الْهِجَاءِ جَرِيرَا فلقيه جرير، فقال له: إني وابن عمي الفرزدق نستب صباحاً ومساءً، وما عليك من غلبة الغالب والمغلوب، فإما أن تكف عنا، وإما أن تُغَلِّبَنِي، فقال له الراعي: صدقت، لا أبعدك (الله) من خير، فبينما هما في القول إذ رآهما جندل بن الراعي فأقبل على فرس له فضرب بغلة أبيه وقال له: مالك يراك الناس واقفاً على كلب بني كليب، فصرفه عنه، فقال جرير: أما والله لأثقلن رواحلك، ثم أقبل إلى منزله وقال لروايته: زد في دهن سراجك الليلة وأعدد لَوْحاً ودواة، ثم أقبل على هجاء بني نمير، فلم يزل يمل حتى ورد عليه قوله: * فغض الطرف إنك من نمير ... البيت * فقال: حسبك أطفئ سراجك ونم، فرغت منه ثم إن جريراً أتم القصيدة بعد وسماها الدامغة حتى إذا أصبح ورأى الراعي في سوق الإبل أنشده إياها حتى وصل إلى قوله أجَنْدَلُ، مَا تَقُولُ بَنُو نُمَيْرٍ * إذَا مَا الأَيْرُ في اسْتِ أبِيكَ غَابَا؟ فقال الراعي: شراً والله تقول، إلى أن قال:
إذَا غَضِبَتْ عَلَيْكَ بَنُو تَمِيمٍ * رَأَيْتَ النَّاسَ كُلَّهُمُ غِضَابَا فغُضَّ الطَّرف إنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ * ... البيت قال ابن رشيق في العمدة: " وممن وضعه ما قيل فيه من الشعر حتى أنكر نسبه وسقط على رتبته وعيب بفضيلته: بنو نمير، كانوا جمرة (1) من جمرات العرب إذا سئل أحدهم: ممن الرجل؟ فخَّمَ لفظه ومدَّ صوته وقال: من بني نمير، إلى أن صنع جرير قصيدته التي هجا بها الراعي فسهر لها فطالت ليلته إلى أن قال:
__________
(1) الجمرة: القبيلة التى لا تحالف غيرها اعتدادا بنفسها (*)(4/165)
* فغض الطرف إنك من نمير البيت * فأطفأ سراجه ونام، وقال: والله قد أخزيتهم آخر الدهر، فلم يرفعوا رأساً بعدها إلا نكس بهذا البيت، حتى إن مولى لبني باهلة كان يرد سوق البصرة ممتاراً، فيصيح به بنو نمير: يَا جُوَاذِبَ (1) باهلة، فَقصَّ الخبر على مَوَاليه، وقد ضجر من ذلك، فقالوا له: إذا نبزوك فقل لهم * فغض الطرف إنك من نمير * ومر بهم بعد ذلك فنبزوه، وأراد البيت فنسيه، فقال: غض وإلا جاءك ما تكره، فكفوا عنه ولم يعرضوا له بعدها، ومرت امراة ببعض مجالس بني نمير، فأداموا النظر إليها فقالت: قبحكم الله يا بني نمير، ما قبلتم قول الله عزّ وجلّ (قل للمؤمنين يغضو من أبصاهم) ولا قول الشاعر: فَغُضَّ الطَّرْفِ إنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ ... البيت وهذه القصيدة تسميها العرب الفاضحة، وقيل: سماها جرير الدامغة، تركت بني نمير بالبصرة ينتسبون إلى عامر بن صعصعة ويتجاوزون أباهم نميراً إلى أبيه هرباً من ذكر نمير وفراراً مما وسم به من الفضيحة وقد تكلمنا عليه بأبسط من هذا في الشاهد الرابع من أول شرح شواهد
شرح الكافية وقد خبط خبط عشواء في هذا البيت بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصَّل، قال: " البيت لجرير يهجو به الفرزدق، لأن نميراً أبو قبيلة من قيس وهو نمير بن عامر بن صعصعة، بن مجاشع من أجداد الفرزدق، وكعب وكلاب في قريش " هذا كلامه، وفيه خلل من وجوه: الأول أن المهجو نميري والفرزدق تميمي، الثاني أن صعصعة والدَ عامر ليس جد الفرزدق، الثالث أن صعصعة جد الفرزدق ليس ابنَ مجاشع، وإنما هو صعصعة بن ناجية بن عقال ابن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارِم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد
__________
(1) في الاصول " يا جؤداب " وهو تصحيف، والجواذب: شسع النعل (*)(4/166)
مناة بن تميم، أن صعصعة هذا ليس من أجداد الفرزدق، وإنما هو جده الأقرب، لأن الفرزدق ابنُ غالب بن صعصعة، الخامس أن كعباً وكلاباً في البيت ليسا من قريش، وإنما هما ابنا ربيعة أخي نمير، والله أعلم وأنشد الجار بردى هنا، وهو الشاهد الثامن والثمانون (من الكامل) : 88 - ذُمَّ الْمَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى * وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُوْلَئِكَ الأَيَّامِ على أنه روى ذُمَّ بفتح الميم وكسرها وهو من قصيدة لجرير، مطلعها: سَرَتِ الْهُمُومُ فَبِتْنَ غَيْرَ نِيَامِ * وَأَخُو الْهُمُومِ يَرَومُ كُلَّ مَرَامِ وأورده في المفصل في باب الإشارة أيضاً، على أن " أولئك " يستعمل في العقلاء وغير العقلاء، كقوله تعالى: (إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كان عنه مسئولا) وأورده البيضاوي - بَيَّض الله وجهه يوم تبيض
وجوه - أيضاً عند الآية، قال العيني: ويروى " الأقوام " بدل " الأيام " وحينئذٍ لا شاهد فيه، وزعم ابن عطية أن هذه الرواية هي الصواب، وأن الطبري غلط إذ أنشد " الأيام " وأن الزجاج اتبعه في هذا الغلط، انتهى و " ذُمَّ " فعل أمرٍ، و " العيش " معطوف على المنازل، والمعنى أنه تأسف على منزله باللِّوى وأيام مضت له فيه، وأنه لم يتهنَّ بعيش بعد تلك الأيام، ولا راق له منزل وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع والثمانون (من الرجز) : 89 - يا عجبا لقد رأيت عجبا * حمار قبان يسوق أرنبا خاطمها زأمها أن تذهبا * فقلت: أرْدِفْنِي، فَقَالَ: مَرْحَبَا على أن أبا زيد حكى عن أيوب السختياني دأبَّة وشَأَبَّة وأنشد هذا الشعر(4/167)
أقول: لم ينشد أبو زيد هذا الرجز، لا في نوادره، ولا في كتاب الهمز، ولا نقل عن أيوب، وإنما قال في آخر كتاب الهمز: وسمعت رجلاً من بني كلاب يكنى أبا الأصنع يقول: هذه دأبَّة، وهذه شأبة، وهي امرأة مَأدَّة، وهذا شأبّ، ومأدّ، فيهمز الألف في كل هذه الحروف، وذلك أنه ثقل عليه إسكان حرفين مَعاً وإن كان الأصل الآخر منهما التحريك، كما استثقل بعض العرب في الوقف إسكان الحرفين في قولهم: اضْرِبُهْ، أكْرِمُهْ، أحْبِسُهْ، قال: (من الرجز) * قَدْ قُلْتُ لِلسَّائِلِ قَدْهُ أعْجِلُهُ * انتهى.
وهذا آخر كتاب الهمز، ويشهد لما قلنا كلام ابن جني في أكثر تآليفه، قال في شرح تصريف المازني ومنه أخذ الشارح هذا الفصل: إن
الألف إذا حركت صارت همزة، كقراءة أيوب السختياني (وَلاَ الضَّألِّين) لما حرَّك الألف لسكونها وسكون اللام الأولى بعدها انقلبت همزة، وحكى أبو العباس عن أبي عثمان عن أبي زيد أنه قال: سمعت عمرو بن عبيد يهمز (فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلاَ جَأنٌّ) فظننته قد لحن إلى أن سمعت العرب يقولون (1) شأبَّة ودأبَّة، قال أبو العباس: فقلت لأبي عثمان: أتقيس هذا؟ قال: لا ولا أقبله، وقال الراجز: * خاطِمَها زَأمَّها أنْ تّذْهَبَا * وجاء في شعر كثيّر " احْمَأَرَّتِ (2) " يريد احْمَارَّتِ، كما أراد الأول
__________
(1) في نسخة " تقول " (2) قد وردت هذه الكلمة في بيت من الشعر لكثير عزة، وذلك قوله: وأنت ابن ليلى خير قومك مشهدا * إذا ما احمارت بالعبيط العوامل (*)(4/168)
زَامَّها، فهذه الهمزات في هذا الموضع إنما وجبت عن تحريك الألف لسكونها وسكون ما بعدها، انتهى وقال في سر الصناعة: " فأما إبدال الهمزة من الألف فنحو ما حكى عن أيوب السختياني أنه قرأ (ولا الضَّألِّين) فهمز الألف، وذلك أنه كره اجتماع الساكنين الالف واللام الأولى، فحرك الألف لاجتماعهما، فانقلب همزة، لأن الألف حرف ضعيف واسع المخرج لا يحمل الحركة، فإذا اضطروا إلى تحريكه قلبوه إلى أقرب الحروف منه وهو الهمزة، وعلى ذلك ما حكاه أبو زيد فيما قرأته على أبي علي في كتاب الهمز عنه من قولهم: دأبَّة وشأبَّة ومأدة، وأنشدت الكافة: * يَا عَجَبَا لقد رأيت عجبا *
إلى آخر الأبيات يريد زامّها.
وحكى أبو العباس، عن أبي عثمان، عن أبي زيد، قال: سمعت عمرو بن عبيد يقرأ (إنْسٌ وَلا جأن) فظننته قد لحن، حتى سمعت العرب تقول: دأبّة، وشأبة، قال أبو العباس: فقلت لأبي عثمان: أتقيس ذلك؟ قال: لا ولا أقبلها.
وقال آخر (من الطويل) وَبَعْدَ انْتِهَاض الشَّيْبِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * عَلَى لِمَّتِي حَتَّى اشْعَألَ بَهِيمُهَا
__________
(1) وكان كثير كثيرا ما يهمز، وذلك نحو قوله أيضا: نمت لابي بكر لسان تتابعت * بعارفة منه فخصت وعمت ولِلأَرْضِ أمَّا سُودُهَا فَتَجَلَّلَتْ * بَيَاضاً، وَأمَّا بِيضُها فادهأمت ومن ذلك قوله أيضا: تأرض أخفاف المناخة منهم * مكان التى قد بعدت فاز لامت واز لامت: أي ذهبت فمضت، وقيل: ارتفعت في سيرها (*)(4/169)
يريد اشعال، من قوله تعالى (واشتعل الرأس شيبا) فهذا لا همز فيه، وقال دُكَيْنٌ (من الرجز) رَاكِدةٌ مِخْلاتُهُ وَمَحْلَبُه * وَجُلُّهُ حَتَّى ابْيَأَضَّ مَلْبَبُهُ يريد ابْيَاضَّ، فهمز، وقرأت على أن أبي الفرج علي بن الحسين لكُثَيِّر من الطويل) ولِلأَرْضِ أمَّا سُودُهَا فَتَجَلَّلَتْ * بَيَاضاً وَأمَّا بِيضُها فَادْهَأمَّتِ يريد ادْهَامَّتْ، وقد كاد يتسع هذا عنهم، وحكى عنهم في الوقف هذه حُبلأ يريد حُبْلى، ورأيت رَجُلاً، يريد رجلاً، فالهمزة في رجلأ إنما هي بدل من الألف التي هي عوض من التنوين في الوقف، ولا ينبغي أن يحمل على أنها بدل
من النون، لقرب ما بين الهمزة والألف وبعد ما بينها وبين النون، ولأن حبلى لا تنوين لها، وحكى أيضاً هو يَضْرِبُهأ، وهذا كله في الوقف، فإذا وصلت قلت: هو يضربها يا هذا، ورأيت حبلى أمس " انتهى كلامه.
وقال في الخصائص في باب شواذ الهمز: وإذا تحركت الألف انقلبت همزة، من ذلك قراءة أيوب السختياني (ولا الضَّألِّين) وحكى أبو العباس عن أبي عثمان عن أبي زيد، قال: سمعت عمرو بن عبيد - إلى آخر الحكاية، وأنشدوا قوله: * يَا عَجَبَا لَقَد رَأَيْتُ عَجَبَا * إلى آخر الأبيات.
وقال أيضاً في المحتَسب: " ومن ذلك قراءة أيوب السختياني (وَلاَ الضِّألِّين) ذكر بعض أصحابنا أن أيوب سئل عن هذه الهمزة، فقال: هي بدل من المدة لالتقاء الساكنين.
واعلم أن أصل هذا ونحوه الضالين، وهو الفاعلون من ضَلَّ يضلُّ، فكره اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد على غير الصور المحتملة في ذلك، فأسكنت اللام الأولى، وأدغمت في الآخرة، فالتقى(4/170)
ساكنان: الألف، واللام الأولى المدغمة، فزيد في مدة الألف، واعتمدت وطأة المد، فكان ذلك نحواً من تحريك الألف، وذلك أن الحرف يزيد صوتاً بحركاته، كما يزيد صوت الألف بإشباع مدته، وحكى أبو العباس عن أبي عثمان عن أبي زيد قال: سمعت عمر بن عبيد - إلى آخر الحكاية، ثم أورد أمثلة كثيرة، ونظائر عديدة، وقال: وفيه أكثر من هذا، ولولا كراهية الإملال لأتينا به، على أنه مثبت في أماكن من تآليفنا، وقد ذكرنا من هذا الضرب في كتابنا الموسوم بالخصائص ما فيه كافٍ من غيره " وقال صاحب الصحاح: " وحمَار قَبَّان دويبة، وهو فَعْلاَن، من قبّ لأن
العرب لا تصرفه، وهو معرفة عندهم، ولو كان فَعَّالاً لصرفته، تقول: رأيت قطيعاً من حمر قبان، وقال: يَا عَجَباً وَقَد رَأَيْتُ عَجَباً * حِمَارَ قَبَّانَ يَسُوقُ أرْنَبَا " انتهى ولم يكتب عليه ابن بري شيئاً في أماليه، ولا الصفدي في حاشيته وقال السيوطي في ديوان الحيوان وهو مختصر حياة الحيوان: " حمار قَبَّان: دويبة مستديرة تتولد من الأماكن النَّدِيَّة، على ظهرها مثل المِجَنِّ مرتفعة الظهر، كأن ظهرها قبة، إذا مشت لا يرى منها سوى أطراف رجليها، وهي أقل سواداً من الخنفساء، وأصغر منها، على قدر الدينار، ولها ستة أرجل، تألف أماكن السباخ وذكر الحاحظ في التبيان أن رأسها لا يرى عند المشي، ولا ترى إلا أن تنقلب على وجهها، لأن أمام وجهها حاجزاً مستديراً، وأكثر ما تظهر بالليل، قال: ومن حمار قبان نوع ضامر البطن غير مستدير، والناس يسمونه أبا شحيمة، والظاهر أنه صغار حمار قبان، وأنه بعدُ يأخذ في الكبر، قال:(4/171)
وأهل اليمن يطلقون حمار قبان على دويبة فوق الجرادة من نوع الفراش وفي مفردات ابن البيطار: حمار قبان يسمى حمار البيت أيضاً، ومن أمثالهم " هو أذَلُّ من حمار قَبَّان " انتهى كلام السيوطي وقال الجوهري في مادة (زم) : تقول زَمَمْتُ النعل وزممت البعير، خطمته وأنشد هذا الرجز ثانياً والخطام: هو الزمام، وخاطِمَها بالنصب: حال من حمار قبان، والإضافة لفظية، والتقدير خاطماً إيَّاهَا، ويجوز رفعه أنه خبر مبتدأ محذوف: أي
هو خاطمها، وزامها مثل خاطمها، لان تأكيد له، وقوله " أن تذهبا " بتقدير اللام: أي لتذهب معه، أو بتقدير مضاف وهو صلة لخاطمها: أي خوف أن تذهب وتفر منه، وقوله " فقلت أردفني " أي: فقلت لحمار قبان: اجعلني رِدْفاً لك أركب على الأرنب خلفك، فقال: اركب مرحباً بك، وقوله " يا عجبا " يا للتنبيه، وعجباً منصوب على المصدرية: أي أعجب عجبا، فهو منون، ويجوز أن يكون يا للنداء، وعجباً منادى، والأصل يا عجبي، فقلبت ياء المتكلم ألفاً، وعلى هذا هو غير منون، وهذا يشبه أن يكون من خرافات العرب، ولم أقف على شرح له.
وقد رأيت البيت الشاهد في رجز آخر، قال السيوطي رحمه الله في ديوان الحيوان في الكلام على الضب: " قال أبو عمر الْجَرْمي: سألت أبا عبيد عن قول الراجز: أَهَدَمُوا بَيْتَكَ لاَ أبَالَكَا * وَأنا أمْشِي الدَّألَى حَوَالَكَا فقلت: لمن هذا الشعر؟ قال: تقول العرب: هذا يقوله الضب لولده الْحِسْل أيامَ كانت الأشياء تتكلم، والعرب تقول: لما كان كل شئ يتكلم خَاطَرَ الضب الضِّفْدَعَ أيهما أصبر على الظمأ، وكان للضفدع حينئذٍ الذنب، وكان الضب ممسوح(4/172)
الذنب، قالوا: فصبر الضفدع يوماً، ثم نادت: يا ضب ورداً ورداً.
فقال الضب: أصْبَحَ قلب صَرِدا * لا يشتهي أن يَرِدا إلاَّ عَرَاداً عَرِدَا * وَصِلِّيَاناً بَرِدَا وعَنْكَثَا مُلْتَبِدا.
فلما كان اليوم الثالث قالت الضفدع: يا ضب ورداً ورداً، فلم يجبها، فلما لم يجبها بادرت إلى الماء، وتبعها الضب، فأخذ ذنبها، وأنشد:
خَاطِمَهَا زَأمَّهَا أنْ تَذَهَبَا * وَجربَ الضَّبُّ فَقَالَ جَرِّبَا ألا أرى لِي ذَنَباً مُرَكَّبَا " انتهى كلامه.
والدِّأَلى بفتحات، قال صاحب العباب: " دأل يَدْألُ دَأْلاً وَدَأَلاَناً ودَأَلَى: أي ختل، قال: * وأنا أمشي الدألى حوالكا * وقال أبو زيد: هي مشية شبيهة بالختل ومشي المثقل، وذكر الأصمعي في صفة مشي الختل الدألاَنُ: مشي يقارب فيه الخطو ويُبْغى فيه، كأنه مثقل من حمل " انتهى وقوله " صَرِداً " بفتح الصاد المهملة وكسر الراء، قال الجوهري: صَرِد الرجل بالكسر يَصْرَد صَرَداً فهو صرِد ومِصْرَاد، يجد البر سريعاً، قال: أصْبَحَ قَلْبِي صَرِدا * لا يَشْتَهي أنْ يَرِدَا.
انتهى وقوله " إلا عَراداً عِرَدَا " العراد بفتح العين المهملة وآخره دال: اسم نبت كذا في الصحاح، وأنشد البيت، والْعِرَد: وصف له من لفظه للتوكيد، والمبالغة في كلامهم كقولهم: شعر شاعر: وَلَيْلَة ليلاء.
وقال خضر الموصلي في شرح أبيات التفسيرين: الْعَرِد: الصلب من كل شئ، وقيل: هو الجراد، وهذا(4/173)
كلامه، وقوله " وصليانا بردا " بكسر الصاد وللام المشددة بعدها مثناة تحتية، قال السخاوي في سفر السعادة: (و) صِلِّيَانٌ فعْلِيان، والواحدة صليانة، وهي بقلة، وهو مأخوذ من الضمة، والصلة: واحدة الصلال، وهى القطع من الأمطار المتفرقة التي يقع منها الشئ بعد الشئ، وقيل للعشب الصِّلِّيان من ذلك، سمي باسم المطر، وقال الجرمي: الصليان: نبات، ويقولون لمن يسرع في اليمين ولا
يتوقف " لقد جَذَّهَا جذَّ الصّلِّيَانة "، لأن العير إذا ارتعى جذ الصِّلِّيانة واقتلعها من أصلها، وجَذَّ: مصدر مضاف إلى المفعول، ويقولون: الصِّليان خبز الإبل، انتهى.
" وبرد " بمعنى بارد وهذا البيت أورده صاحب الكشاف عند قوله تعالى (وملح أجاج) على قراءة من قرأ (مَلِحٌ) بفتح الميم وكسر اللام، على أنه تخفيف مالح كبَرِد في البيت من بارد وقوله " عَنكثاً مُلْتَبِدا " العنكث: بفتح العين المهملة وسكون النون وبعد الكاف ثاء مثلثة، قال صاحب الصحاح: هو اسم نبت، وأنشد البيت، والملتبد: المجتمع بعضه فوق بعض، يقال: التبد الشجر.
إذا كثر ورقه، وفي كل بيت أنشده الجوهري من هذه الأبيات يقول: قال الساجع، بناء على أن الرجز عنده سجع وليس بشعر، وهو مذهب بعض العروضيين، وأورد ابن بري الأبيات الخمسة في مادة عنكث، وقال: هذا مما تحكيه العرب على ألسنة البهائم، زعموا أنه اختصم الضب والضفدع، فقالت الضفدع: أنا أصْبُر منك عن الماء، وقال الضب: أنا أصبر منك، فقال الضفدع: تعالى حتى نرعى فيعلم أينا أصبر، فَرَعَيَا يومهما، فاشتد عطش الضفدع، فجعلت تقول: وِرْداً يا ضب، فقال الضب: * أصْبَحَ قَلْبِي صَرِدا * إلى آخر الأبيات، فبادرت الضفدع إلى الماء، إلى آخر الحكاية(4/174)
وأنشد بعده، وهو الشاهد التسعون (من الرجز) 90 - يَا دَارَ مَيَّ بد كاديك الْبُرَقْ * صَبْراً فَقَدْ هَيَّجْتِ شَوْقَ الْمُشْتَئِقْ على أن أصله المشتاق فقلب الألف همزة وحركها بالكسر لان الالف بد
من واو مكسورة، قال ابن جني في سر الصناعة: " أنشد الفراء: * يا دارمي بد كاديك * إلخ والقول فيه عندي أنه اضطر إلى حكرة الألف التي قبل القاف من المشتاق، لأنها تقابل لام مستفعلن، فَلمَّا حركها انقلبت همزة، إلا أنه حركها بالكسر لأنه أراد الكسرة التي كانت في الواو المنقلبة الألف عنها، وذلك أنه مُفْتَعِلٌ من الشوق، وأصله مُشْتَوِق ثم قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، فلما احتاج إلى حركة الألف حركها بمثل الكسرة التي كانت في الواو التي هي أصل للألف، ونحو هذا ما حكاه الفراء أيضاً عنهم من قولهم: رجل مَئِل، إذا كان كثير المال، وأصلها مَوِلٌ كحَذِرٌ، يقال: مال الرجل يمَال، إذا كثر ماله، وأصلها مَوِلَ يَمْوَل مثل خاف يخاف، من الواو، وقالوا: رجل خاف كقولهم رجل مالٌ وأصلهما خَوِفٌ ومَوِلٌ، انقلبت الواو ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار خافٌ ومالٌ، ثم إنهم أتوا بالكسرة التي كانت في واو مَوِلٍ فحركوا بها الألف في مال فانقلبت همزة فقالوا مثل " انتهى كلامه و " مي " اسم امرأة، ودكاديك: جمع دكداك، وهو الرمل المتلبد في الأرض ولم يرتفع، والبُرَق: جمع برقة بالضم وهى غلظ حجارة ورمل، ورواه الجوهري " بالدَّكاديك البُرَق " بالوصف لا بالإضافة، وقوله " صبرا " مفعول مطلق: أي اصبري صبرا، أو مفعول به لفعل محذوف: أي أعطيني صبرا، وروى بدله(4/175)
" سَقْيا ": أي سقاكِ الله سقياً، دعاء لها بالسقي، على عادة العرب في طلب السقي لمنازل أحبابهم.
قال ابن المستوفي هذان البيتان أنشدهما الفراء لرؤبة، ومثله (من الرجز) : سُقِيتِ مِنْ وَدْقِ (1) السَّحَابِ الْمُنْبَعِقْ (2) *
يَكَادُ قَلْبِي مِنْ هَوَاكِ يَحْتَرِقْ كَذَا دُعَاءُ كُلِّ صِبٍّ مُشْتَئِقْ الابتداء أنشد فيه، وهو الشاهد الحادي والتسعون (من الرجز) : 91 - بِاسْمِ الَّذِي فِي كُلِّ سُورَةٍ سِمُهْ * على أنه يقال: سِمٌ بدون همزة وصل قال ابن جني في شرح تصريف المازني: " روى بكسر السين وضمها، والباء من " باسم " متعلق بأرسل في بيت قبله، وهو: أرْسَلَ فِيهَا بَازِلاً يُقَرِّمُهْ * فَهْوَ بِهَا يَنْحُو طَرِيقاً يَعْلَمُهْ باسْمِ الَّذِي في كُلِّ سُورَةٍ سِمُهْ وهذه الأبيات الثلاثة أوردها أبو زيد في نوادره (3) .
وقال: " هي لرجل زعموا أنه من كلب " والضمير المستتر " في أرسل " للراعي، والبارز من " فيها " للإبل، و " البازل ": البعير الذي انشق نابه، وهو في السنة التاسعة، و " يقرمه " يتركه عن الاستعمال
__________
(1) الودق: المطر: شديده وهينه، والمراد هنا الشديد (2) المنبعق: المندفع بالماء (3) انظر النوادر (ص 166) (*)(4/176)
ليتقوى لِلفِحْلة، والمعنى أرسل هذا الراعي باسم الذي في كل سورة يذكر اسمه هذا الفحلَ في هذه الإبل فهو أي البازل ينحو بها أي يقصد بالإبل المذكورة، طريقاً يلعمه لاعتياده بتلك الفعلة وقال خضر الموصلي شارح شواهد التفسيرين: البيت من رجز لرؤبة بن
العجاج، أوله * قُلْتُ لِزيرٍ لَمْ تَصِلْهُ مَرْيَمُهْ * انتهى.
أقول: قد فتشت (1) هذه الأرجوزة مراراً فلم أجد فيها البيت الشاهد، وقد تبعه شيخنا الشهاب الخفاجي في حاشيته على البيضاوي، ونقل ما سطره من غير مراجعة، وأورد أبو زيد بعد تلك الأبيات ما نصه، وأنشدني أعرابي (من البسيط) أنَا الْحُبَابُ الَّذِي يَكْفِي سِمُي نَسَبي * إذَا الْقَمِيصُ تعَدَّى وَسْمَهُ النَّسَبُ الأصمعي: الوسم: تغير النجار، وقال: فَدَعْ عَنْكَ ذِكْرَ اللَّهْوِ وَاعْمِدْ لِمِدْحَةٍ * لِخَيْر يَمَانٍ كُلِّها حَيْثُ إنْتَمَى لأوْضَحِهَا وَجْهاًَ وَأَكْرَمِهَا أباً وَأَسْمَحِهَا كَفّاً وَأَعْلَنِهَا سُمَا انتهى.
وسُمِي - بضم السين وكسرها، والياء ضمير المتكلم - والنجار بكسر لنون بعدها جيم: الأصل، وسُمَا في اليبت الثاني - بضم السين والقصر - لغة في الاسم، وهو أعدل شاهد في هذه اللغة، وأنشده ابن جني في شرح تصريف المازني، وقال: ويروى " سِماً " فمن كسر السين فالألف عنده للوصل بمنزلة الألف في قول الاخر (من البسيط)
__________
(1) وقد فتشنا أراجيز رؤبة فلم نجد هذه الابيات في الارجوزة التى ذكر الموصلي أولها (*)(4/177)
* يَا دَارَ عَمْرَةَ مِنْ مُحْتَلِّهَا الْجَرَعَا * (1) ولا يجوز أن تكون لام الفعل، لأنا لا نعلمهم قالوا: هذا سِمىً بوزن رِضاً، وأما من ضم السين فعندي يحتمل أمرين: أحدهما ما عليه الناس، وهو
أن تكون ألف الوصل، بمنزلتها في قول من يكسر السين، والوجه الآخر: أن تكون لام الفعل، بمنزلة الألف في القافية التي قبلها وهي " انتمى "، ويكون هذا التأويل على قول من قال: هذا سُمىً، بوزن هدى، إلا أنه حذف اللام لالتقاء الساكنين، يريد أنه منصوب منون حذفت ألفه لالتقاء الساكنين، انتهى.
وأقول: يرد على الوجه الأول أنه يبقي الشعر بلا رَوي، وهو فاسد، وأما قوله في الوجه الثاني " إلا أنه حذف لالتقاء الساكنين وهذه الألف هي المبدلة من التنوين للوقف " فهذا فاسد أيضاً، للزومه (2) عدم الروي، وقد حقق الشارح المحقق فيما يأتي في الشاهد الثالث بعد المائة عن السيرافي أنه استدل على أن الألف لام الكلمة لمجيئها رَويا في النصب وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والتسعون (من الطويل) 92 - * وَقَالَ اضرِبِ السَّاقَيْنِ إمُّكَ هَابِلُ * على أنه روي بكسر همزة " إمك " إتباعاً لكسرة نون الساقين والذي رواه ابن جني في أول المحتسب على غير (3) هذا، قال عند قراءة
__________
(1) هذا صدر بيت هو مطلع قصيدة * هيجت لى الهم والاحزان والوجعا * (2) كذا، وصوابه " لاستلزامه عدم الورى " (3) لا تنافى بين ما ذكره ابن جنى وما ذكره الشارح المحقق، بل الذى ذكره ابن جنى لا يتحقق إلا بعد أن يتحقق ما ذكره الشارح، وذلك أن الشاعر لم يتبع الميم للهمزة إلا بعد أن أتبع الهمزة للنون، فالبيت شاهد لهما جميعا (*)(4/178)
من قرأ (الحمْدِ لله) بكسر الدال إتباعاً لكسرة اللام: ومثل هذا في إتباع الإعراب البناءَ ما حكاه صاحب الكتاب في قولهم بعضهم
* وَقَالَ اضْرِبِ السَّاقَيْنِ إمِّكَ هَابِلُ * كسر الميم لكسرة الهمزة، انتهى كلامه و " هابل " من هَبِلَتْهُ أمه: أي ثكلته وعدمته، وفعله كفرح يفرح، وهابل هنا على النسبة: أي ذات هَبَل، كحائض وطالق، و " اضرب " فعل أمر، و " الساقين " مفعوله، وجملة " إمك هابل " دعائية وهذا المصراع لم أقف على تتمته، ولا على قائله وأنشد الجاربردى، وهو الشاهد الثالث والتسعون (من الكامل) : 93 - وَلَقَدْ لَحَنْتُ لَكُمْ لِكَيْمَا تَفْقَهُوا * وَاللَّحْنُ يَفْهَمُهُ ذَوُو الأَلْبَابِ على أن صاحب الكشاف قال: اللحن أن تَلْحَنَ بكلامك: أي تميله إلى نحو من الأنحاء، ليفطن له صاحبك، وَأنشد البيت، وأورده عند تفسير قوله تعالى (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول) وكذا أورده الجوهري، قال: " واللَّحَن بالتحريك: الفطنة، وقد لَحِن بالكسر، وفي الحديث " وَلَعَلَّ أحدكم أَلْحَنُ بحجته " أي أفطن لها من الآخر، أبو زيد: لَحَنْتُ بالفتح لَحْناً، إذا قلت له قولاً يفهمه عنك، ويخفى على غيره، ولَحِنه هو عني بالكسر يَلْحَنه لَحْناً: أي فهمه، وألحنته أنا إياه، ولاحنت الناس: فاطنتهم، قال الفزاري (من الخفيف) وَحَدِيثٍ ألَذهُ وَهْوَ مِمَّا * يَنْعَتُ النَّاعِتُونَ يُوزَنُ وَزْنَا مَنْطِقٌ رَائِعٌ وَتَلْحَنُ أحْيَا * نَاً وخَيْرُ الْحَدِيثِ مَا كَانَ لَحْنَا يريد أنها تتكلم وهي تريد غيره، وَتُعَرِّض في حديثها فتزيله عن جهته من فطنتها وذكائها، كما قال تعالى (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لحن القول) أي: في فَحْوَاه(4/179)
ومعناه، وقال القَتَّال الكلابي (من الكامل) :
وَلَقَدْ وَحَيْتُ لَكُمْ لِكَيْمَا تَفْهَمُوا * وَلَحَنْتُ لَحْناً لَيسَ بِالْمُرْتَابِ وكأن اللحن في العربية راجع إلى هذا، لأنه من العدول عن الصواب " انتهى كلامه والوحي: الإشارة والكتابة والرسالة والكلام الخفي، ولم يعرف خضر الموصلي شارح أبيات التفسيرين تتمة البيت ومنشأه، ولم يزد على نفس كلام الجوهرى سوى ترجمة قائله وهو من قصيدة أوردها السكري في كتاب اللصوص قال: " كان عمرو ابن سلمة بن سكن بن قريط بن عبد بن أبي بكر بن كلاب قد أسلم رضي الله عنه، ووفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستقطعه حمىً بين الشقراء والسعدية، وهما ماءان تسعة أميال في ستة أميال، فأقطعها إياه فأحماها إياه زماناً، ثم هلك عمرو بن سلمة وقام بعده حُجْر بن عمرو (1) فأحماها، ثم إن نفراً من بنى جعفر ابن كلاب فيهم أجدُر بن بشر بن عامر بن مالك بن جعفر استرعوه خيلهم، فأرعاهم، فأرسلوا نعمهم مع خيلهم بغير إذنه، فغضب حُجْر وأراد إخراجهم فقاتلوه بالعصي والحجارة، وظهر عليهم حُجْر، ثم إن القوم تداعوا إلى الصلح على أن يدع كل قوم ما فيهم من الجراحات، فتواعدوا الصلح بالغداة وكان أخ لحُجْر يدعى سعيد بن عمرو متنحيا عن الحمى عند امرأة من بني بكر تداويه من سِلْعة (2) كانت بحلقه، فبلغه الخبر وأقبل يريد أخاه حتى إذا كان في المنتصف
__________
(1) كان في الاصل " جحوش ابن عمر " والتصويب عن ياقوت في مادة (الشقراء) من معجم البلدان (2) السلعة - بكسر أوله، أو فتحه، مع سكون الثاني فيهما، وبفتح أوله وثانيه، وبكسر أوله وفتح ثانيه -: الخراج، والغدة (*)(4/180)
ما بين رحلهم والحي غَدَر الجعفريون فاحتملوا عند المساء فمضوا وخلفوا ثلاثة فوارس: أحدهم قراد بن الأجدر بن بشر، فلقوا سعيد بن عمرو، فحمل قراد بن الأجدر عليه بالرمح فقتله، فبلغ الخبر حُجْراً وأوقد نار الحرب واجتمع إليه جمع من بني بكر، فخرج يطلب جعفراً حتى لحقهم، فقال بنو جعفر: ثأركم قراد ابن الأجدر، وقد هرب، وهذا أخوه جُنادة بن الأجدر، قال: إنا لحاملون عليكم أو تعطونا وفاء حتى نرى رأينا، فلما عرفوا منهم الجد اتقوهم بجُنادة وأمه ميسون بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب، فدفعوه إلى حجر، فسار بجُنادة قليلاً فضرب عنقه بأخيه، وكان القتَّال أرسل إلى بني جعفر أن لا تعطوهم رهينة فإنهم يقتلونه، فلم يطيعوه، فقال القتال في ذلك قصيدة، وهذه أبيات منها بعد ثمانية عشر بيتاً: وَلَقَد لَحَنْتُ لَكُمْ لِكَيْمَا تَفْهَمُوا * وَوَحَيْتُ وَحْياً لَيْسَ بِالْمُرْتَابِ وَلَقَدْ بَعَثْتُ إلَيْكُمُ بصَحِيْفَةٍ * عَرَبِيَّةٍ مِنِّي مَعَ ابْنِ عُقَابِ وَمَعَ ابْنِ قَارِبَةَ السَّفِيرِ كَأَنَّمَا * وَثِقُوا بِرَأْي عُتَيْبَةَ بْنِ شِهَابِ أمَّا ابْنُ مَيْسُونَ الْمُقَادُ فِإنَّهُ * رَدَّ الرِّجَالَ بِهِ عَلَى الأَعْقَابِ هَلَكَ الَّذِينَ تمالئوا في قَتْلِهِ * وَنَجَوْتُ مِنْهُ طَاهِرَ الأَثْوَابِ يُسْقَوْنَ مَاءَ الْمُهْلِ كُلَّ عَشِيَّةٍ * يُجْزَوْنَ مَا كَسَبُوا مَعَ الكُتَّابِ هَلاَّ قَتَلْتُمْ قَاتِلاً بِقَتِيْلِهِ * فَيَكُونَ عِنْدَ الله أوْفَقَ بَابِ بَعْدَ الَّذِي مَا حَلْتُمُ عَنْ نَفْسِهِ * وَقَتَلْتُمُوهُ غَيْرَ ذِي أسْبَابِ وَيَكُونُ أبْرَأَ لِلصُّدُورِ مِنَ الْجَوَى * وَأَقَلَّ تَخْزَاءً غداة عِتَابِ لَنْ تُفْلِحُوا أبَداً وَلَوْ أسْمَنْتُمْ * وَرَعَيْتُمُ القفرات في الاعشاب وهذا آخر القصيدة قال السكري: ابن عُقاب - بالضم -: رجل من بني جعفر بن كلاب، وعُقَابُ(4/181)
أمه سوداء نوبية، وابن قاربة: مولى لقريش كان وجَّه به، وعتيبة بن الحرث ابن شهاب اليربوعي كان فارس تميم كلها، وكان ذا رأي في الحرب وشجاعة ويُمْن نقيبة (1) ، وابن ميسون هو جُنادة بن أجدر، وتمالئوا: اتفقوا، والتخزاء - بالفتح - مصدر كالخزي بمعنى الفضيحة والقتال هو أحد بني بكر بن كلاب شاعر إسلامي في الدولة المروانية، وقد ترجمناه في الشاهد الخامس بعد السبعمائة من شرح شواهد شرح الكافية والبيتان اللذان أوردهما الجوهري هما لمالك ابن أسماء بن خارجة بن حصين ابن حذيفة بن بدر الفزاري، كان الحجاج تزوج أخته هنداً وولاه أصفهان، ولهما خبر أورده الأصبهاني في الأغاني قال " أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم قال: حدثني أبي قال: قلت للجاحظ: إني قرأت في فصل من كتابك البيان والتبيين أن مما يستحسن من النساء اللحن في الكلام فاستشهدت ببيتي مالك بن أسماء، قال: هو كذلك، فقلت: أما سمعت بخبر هند بنت أسماء بن خارجة مع الحجاج حين لحنت كلامها، فعاب ذلك عليها، فاحتجت ببيتي أخيها، فقال لها: إن أخاك أراد أن المرأة فطنة، فهي تلحن بالكلام غير الظاهر المعنى تستر معناه وتُوَرِّي عنه وتفهمه من أراد تعريفه بالتعريض، كما قال تعالى (ولتعرفنهم في لحن القول) ولم يرد الخطأ من الكلام، والخطأ لا يستحسن من أحد، فوجم الجاحظ ساعة ثم قال: لو وقع لي هذا الخبر لما قلت ما تقدم، فقلت له: فاصلحه، فقال: الآن وقد صار الكتاب في الآفاق؟ " انتهى.
وقال العسكري في كتاب التصحيف: " أخبرني محمد بن يحيى قال: حدثنى يحيى بن المنجم قال: حدثني أبي قال: قلت للجاحظ: مثلك في علمك
__________
(1) النقيبة: النفس، والعقل، والمشورة، ونفاذ الرأى، والاظهر ههنا المشورة
يريد أنه إذا أشار بشئ فاتبعوه عاد عليهم بالخير والبركة (*)(4/182)
ومقدارك من الأدب تقول: يستظرف من الجارية أن تكون غير فصيحة وأن يعتري منطقها اللحن، وتقول: قال مالك بن أسماء في بعض نسائه وكانت لا تصيب وربما لحنت * وخير الكلام ما كان لحنا *؟ وتفسره على أنه أراد اللحن في الإعراب، وإنما وصفها بالظرف والفطنة وأنها تورى في لفظها عن أشياء قال: قد فطنت لذلك بعد، قلت: فغيره، قال: كيف لي بما سارت به الركبان " انتهى.
ونقل هذا الخبر عن العسكري السيد المرتضى في أول أماليه المسماة بغرر الفرائد ودرر القلائد وقال: " وقد تبع الجاحظ على هذا الغلط ابنُ قتيبة في كتابه المعروف بعيون الأخبار، وأورد أبيات الفزاري، واعتذر بها من لحن إن أصيب في كتابه " وكذا نقل السهيلي تَغليطَ الجاحظ وابن قتيبة في غزوة الخندق من كتابه الروض الأنف وأنشد بعده، وهو الشاهد الرابع والتسعون: (من الطويل) 94 - إذَا جَاوَزَ الإِثْنَيْنِ سِرٌّ فَإِنَّهُ * بِنَثٍّ وَتَكْثِيرِ الْوُشَاةِ قَمينُ على أن قطع همزة الإثنين شاذ في ضرورة الشعر، قال ابن عصفور في كتاب الضرائر: ومنها قطع همزة الوصل في الدرج إجراء لها مجراها حال الابتداء بها، وأكثر ما يكون ذلك في أول النصف الثاني من البيت، لتعذر الوقف على الأنصاف التي هي الصدور، نحو قول حسان رضي الله عنه (من البسيط) : لَتَسْمَعُنَّ وَشِيكاً فِي دِيَارِكُمُ * الله أكْبَرُ يَا ثَارَاتِ عُثْمَانَا وقال الآخر (من السريع) لاَ نَسَبَ الْيَوْمَ وَلاَ خلة * إتسع الحرق عَلَى الرَّاقِعِ
وقد يقطع في حشو البيت، وذلك قليل، ومنه قول قيس بن الخطيم: إذَا جَاوَزَ الإثْنَيْنِ سِرٌّ فَإنَّهُ ... البيت(4/183)
وقول جميل: (من الطويل) ألاَ لاَ أرَى إثْنَيْنِ أحْسَنَ شِيْمَةً * عَلَى حَدَثَانِ الدَّهْرِ مِنِّي وَمِنْ جُمْلِ وأنشد قدامه: (من الرجز) يَا نَفْسُ صَبْراً كُلُّ حَيٍ لاَقٍ * وَكُلُّ إثْنَيْنِ إلى افْتِرَاقِ انتهى.
وقد أنشد أبو زيد (1) بيت جميل في نوادره، وكتب عليه أبو الحسن الأخفش: " أخبرنا أبو العباس محمد بن يزيد أنه لا اختلاف بين أصحابه أن الرواية * ألا لا أرى خِلَّين * وهذه هي الرواية والأولى (2) ليست بثَبَتٍ، وإنما رواها أبو زيد والاخفش (3) على الشذوذ فليسا يعتدان بها، وكذلك أخبرنا في البيت الذي يعزى إلى قيس بن الحطيم وهو: إذَا ضيَّعَ الإثْنَانِ سِرّاً فَإنَّهُ * بِنَثٍ وَتَكْثَيرِ الْوُشَاةِ قَمِينُ قال: الرواية * إذا جاوز الخلين سر * قال: وهذه أشياء ربما يخطر ببال النحوي أنها تجوز على بعد في القياس، فربما غير الرواية " انتهى.
وهذا غير جيد، فإنه يقتضي عدم الوثوق برواية الثقات، وهم مأمونون فيما ينقلونه وقال ابن المستوفي: " وقال سيبويه في بيت قيس بن الحطيم: إنما هو * إذا جاوز الخلين سر * ولكنه صنع، والذي في شعره الإثنين، وهو أعم من الخلين وأتم في الدعوى " انتهى.
ولا يخفى أن سيبويه لم يورد هذا البيت في كتابه البتة، وليس من دأبه
__________
(1) انظر النوادر (ص 204)
(2) وقع في أصول الكتاب " وهذه الرواية الاولى ليست بثبت " وفى النوادر " وهذه الرواية، والاولى ليست بثبت " (3) المراد به أبو الخطاب الاخفش الكبير شيخ سيبويه ورصيف أبى زيد (*)(4/184)
الطعن في الرواية كالمبرد، وقدسها قلمه، فنسب إلى سيبويه كلام المبرد ومثله (1) قول الصّلتان العبدي: (من المتقارب) وسرك مَا كَانَ عِنْدَ امْرِئٍ * وَسِرُّ الثَّلاَثَةِ غَيْرُ الْخَفِيّ ومثله قول الآخر: (من الطويل) فَلاَ تَجْعَلَنْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ثَالِثاً * وَكُلُّ حَدِيثٍ جَاوَزَ اثنين شائع أقول: قد بالغ في كتم السر، فقال: المراد من الاثنين الشفتان لا شخصان، وقوله " فإنه بنث " - بفتح النون وتشديد المثلثة - مصدر مؤنث الحديث ينثه نثا إذا أفشاه وروى " ببث " - بموحدتين - وعليها اقتصر الجاربردي فقال: يقال بث الخبر: أي نشره، وروي أيضاً " فإنه بنشر " وضمير فإنه للسر، والباء متعلقة بقمين بمعنى جدير وخليق وحَرِيّ ولائق، وكلها ألفاظ مترادفة وقوله " وتكثير " بالجر معطوف على نث، وهو مصدر مضاف إلى المفعول: أي السر المجاوز اثنين يكثر الأعداء والوشاة، وهو جمع واش، وهو النمام الذي يزوق الكلام ويحسنه عند نقله على جهة الإفساد، وقال بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل: هو مصدر مضاف إلى الفاعل، ومفعوله محذوف: أي وتكثيرِ الوشاة ذلك السر والبيت من أبيات لقيس بن الخطيم رواها له القالي في أماليه، وهي: أجود بمضمون التِّلاَدِ وَإنَّنِي * بِسِرِّكِ عَمَّنْ سَالَنِي لَضَنِينُ (2) إذَا جَاوَزَ الإثْنَيْنِ سِرٌ فإنه * بنث وتكثير الوشاة قمين
__________
(1) يريد في هذا البيت والذى بعده أنهما مثل بيت الشاهد في المعنى لا في قطع همزة الوصل (2) سألني مخفف سألني مثل قول حسان: سالت هذيل رسول الله فاحشة * ضلت هذيل بما قالت ولم تصب (*)(4/185)
وَإنْ ضَيَّعَ الإخْوَانُ سِرّاً فَإنَّنِي * كَتُومٌ لأَسْرَارِ الْعَشِيرِ أمِينُ يَكُونُ لَهُ عِنْدِي إذَا مَا ضَمِنْتُهُ * مَكَانٌ بِسَوْدَاء الْفُؤَادِ كَنِينُ ويروى: ... إذَا مَا ائْتُمِنْتُهُ * مَقَرٌّ بِسَوْدَاء الْفُؤَادِ كَنِينُ سَلِي مَنْ جَلِيسِي في النَّدِيِّ وَمَأْلَفِي * وَمن هو لِي عِنْدَ الصَّفَاءِ خَدِينُ وَأيَّ أخِي حَرْبٍ إذَا هِيَ شَمَّرَتْ * وَمِدْرَهِ خَصْمٍ يَا نَوَارُ أكُونُ وَهَلْ يَحْذَرُ الْجَارُ الْغَرِيبُ فجِيْعَتِي * وَخَوْني، وبعض المقرفين خئون وَمَا لَمَعَتْ عَيْنِي لِغِرَّةِ جَارَتِي * وَلاَ وَدَّعَتْ بِالذَّمِّ حِينَ تَبِينِ (أبَا الذَّمَّ آبَاءٌ نَمَتْنِي جُدُودُهُمْ * وَفِعْلِي بِفِعْلِ الصَّالِحِينَ مُعينُ فَهَذَا كما قد تَعْلَمِينَ وإنَّنِي * لَجَلْدٌ عَلَى رَيْبِ الخُطُوبِ مَتِينُ) (1) وإنِّي لأَعْتَامُ الرِّجَالِ بخُلَّتِي * إلَى (2) الرَّأْيِ فِي الأَحْدَاثِ حِينَ تَحِينُ فَأُبْرِي لَهُمْ صَبْرِي وأُصْفِي مَوَدَّتِي * وَسِرُّكِ عِنْدِي بَعْدَ ذَاكِ مَصُونُ أُمِرُّ عَلَى الْبَاغِي وَيَغْلُظُ جَانِبي * وَذُو الْوُدِّ أحلو لى لَهُ وَأَلِينُ هذا ما أورده القالي، وهذا المقدار هو الموجود في ديوانه، والتلاد: كل مال قديم، والمضنون: اسم مفعول من ضن بالشئ يضن من باب تعِب ضنا وضِنّة - بالكسر - إذا بخل به فهو ضنين، وأراد بالتلاد المضنون به، وقوله " سالني "
بالألف وأصلها الهمزة، والعشير: المعاشر، وكنين: مكنون، أي مستور محفوظ،
__________
(1) سقط هذان البيتان من أصل الكتاب، وهما ثابتان في الامالى (ح 2 ص 177 طبع دار الكتب) ، وقد شرح المؤلف بعض ألفاظهما (2) كذا في أصول الكتاب، وعليها شرح المؤلف، والثابت في الاولى " أولى الرأى " أي: أصحاب الرأى، فهو من وصف الرجال (*)(4/186)
والندي: المجلس، والخدين: الصديق، والمدره - بكسر الميم وآخره هاء - من دَرَه عن القوم يدرَه - بالفتح - إذا تكلم عنهم ودفع فهو مدره، ونَوَار: اسم امرأة، والفجيعة: المكروه، والخون: الخيانة، والمقرفُ - بضم الميم وكسر الراء -: من أبوه غير أصيل، ولمعت: نظرت، والغرة - بالكسر -: الغفلة، ونمتني: رفعتني، و " جدودهم " فاعله، وأعتام: أقصد، وهو من العيمة، وأصله شدة شهوة اللبن، والخُلَّة: - بالضم - الصداقة، و " إلى " بمعنى مع، وأبْري: مضارع أبرأ إبراء بمعنى شفاه، وقلب الهمزة ياء لانكسار ما قبلها، و " أصْفِي مَوَدَّتِي " أجعلها صافية، وأمِرُّ من أمَرَّ الشئ: أي صار مرا، وأحلو لى: أصير حلواً وقيس بن الخطيم: شاعر جاهلي تقدمت ترجمته في الشاهد الخامس بعد الخمسمائة من شرح شواهد شرح الكافية وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس والتسعون، وهو من شواهد سيبويه (من الكامل) : وَلاَ تُبَادِرُ فِي الشِّتَاءِ وَلِيدَنَا * ألقِدْرَ تُنْزِلُهَا بِغَيْرِ جِعَالِ على أن قطع ألف " ألقدر " لضرورة الشعر قال سيبويه: وتذهب ألف الوصل إذا كان قبلها كلام، إلا أن تقطع كلامك، وتستأنف به، كما قالت الشعراء في الأنصاف، لأنها مواضع فصول،
فإنما ابتدأوا بعد قطع، قال الشاعر: * وَلاَ تُبَادِر فِي الشِّتَاءِ * البيت * وقبل البيت: يَا كَنَّةً مَا، كُنْتِ غَيْرَ لَئِيمَةٍ * للضَّيْفِ مِثْلَ الرَّوْضَةِ الْمِحْلاَلِ مَا إنْ تُبَيِّتُنَا بِصَوْت صلب * فيبيت منه القوم في بلبال وَلا تُبَادِرِ فِي الشِّتَاءِ وَلِيدَنَا البيت(4/187)
والكنة - بفتح الكاف وتشديد النون - امرأة الابن، وما: زائدة أو إبهامية، قال الزمخشري في تفسير (مَثَلاً مَا بَعُوضَةً) : ما إبهامية، وهي التي إذا اقترنت بنكرة زاد إبهامها وشياعها، كقولك: أعْطِني كتاباً مَا، تريد أي كتاب كان، أو صلة للتأكيد، كالتي في قوله تعالى (فَبِمَا نَقْضِهِم) انتهى.
والإبهامية تؤكد ما أفاده تنكير الاسم قبلها: إما فخامة: أيْ كنة أيَّ كنة، أو حقارة نحو أعطه شيئاً ما، أو نوعية نحو اضربه مَّا، ويجوز أن تكون استفهامية خبراً لكُنْت: أي أي شئ كُنْتِ، ويكون " غَيْرَ لئيمة " صفة لكنَّة، والروضة المحلال: التي تحمل المارَّ بها على الحلول حولها للنظر إلى حسنها وبهجتها، والصوت الصُّلَّب: الشديد، بضم الصاد وتشديد اللام، والْبَلْبَال: الغم والحزن، وتبادر: من " بَادَرَه " أي سبقه، وفاعله ضمير الكنة، و " وليدنا " مفعوله، والمراد بالشتاء زمن القحط، فإن الشتاء زمن الشدة عند العرب لعدم نبات الأرض، والوليد: الصبي الصغير، والخادم أيضاً، والجِعَال - بكسر الجيم - الخرقة ينزل بها القدر، يريد أنها لا شَرَهَ لها للطعام، وهذا أمر ممدوح، ويجوز في القدر رفعها ونصبها ونسب ابن عصفور البيت إلى لبيد العامري الصحابي رضي الله تعالى عنه
وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس والتسعون (من الوافر) : 96 - أَأَلْخَيْرُ الَّذِي أنَا أبْتَغِيهِ * أمِ الشَّرُّ الَّذِي هُوَ يَبْتَغِينِي على أن همزة الوصل في الخير بين، وقبله: وَمَا أدْرِي إذَا يَمَّمْتُ وَجْهاً * أريدُ الْخَيْرَ أيُّهُمَا يَلِينِي قال الفراء عند تفسير قوله تعالى (أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ من ربه) قال: أيُّهما (1) وأما ذكر الخير وحده فلأنَّ المعنى يُعَرَّف أن المبتغي للخير مُتَّقٍ للشر، انتهى
__________
(1) يريد أي الشخصين أقرب إلى الخير: من كان على بينة من ربه، ومن لم يكن (*)(4/188)
وشوائع (1) والملهاة وأصلها الْمَاهَةُ (2) ، وَأَمْهَيْتُ الحديد (3) في أَمَهْتُهُ، ونحو جَاءٍ عند الخليل، وقد يُقدَّمُ متلوُّ الآخر على العين نحو طَأمَنَ وأصله طَمْأنَ (4) لأنه من الطُّمَأْنِينَة، ومنه اطْمَأَنَّ يطمئنُّ اطمئناناً، وقد تُقَدَّمُ العين على الفاء كما في أَيِسَ وَجَاهٍ وأيْنُقٍ والآراء والآبار والآدُرِ (5) ، وتقدم اللا على الفاء كما في أشياء على الأصح، وقد تؤخر الفاء عن اللام كما في الحادي وأصله الواحد
__________
الثلاثة فيما ورد مجرورا بالكسرة، فأما المرفوع والمنصوب بالفتحة على الحرف الصحيح فلا يجئ الا أحد
الوجهين، وإن كان على غير ذلك فهو على ما ذكر آخرا ليس غير (1) شوائع: جمع شائعة، تقول: أخبار شائعة وشوائع إذا كانت منتشرة، وكذا تقول شاعية وشواع بالقلب، وتقول: جاءت الخيل شوائع وشواعي: أي متفرقة (2) الماهة: واحدة الماء، وهو الماء، قاله في اللسان، والمهاة - بفتح الميم - الحجارة البيض التى تبرق، وهى البلورة التى تبص لشدة بياضها، وهى الدرة أيضا، والمهاة - بضم الميم - ماء الفحل، وإذا استقرأت أمثلة القلب المكانى علمت أنه لابد بين معنى اللفظ المقلوب والمقلوب عنه من المناسبة لكن لا يلزم أن يكون هو نفسه، بل يجوز أن يكون مما شبه بمعنى المقلوب عنه أو من بعض أفراده، قال ابن منظور: " المهو من السيوف: الرقيق، وقيل: هو الكثير الفرند، وزنه فلع، مقلوب من لفظ ماه، قال ابن جنى: وذلك لانه أدق حتى صار كالماء " اه (3) تقول: أمهيت الحديدة إذا سقيتها الماء وأحددتها ورققتها وتقول: اماه الرجل السكين وغيرها إذا سقاها الماء وذلك حين حين تسنها به، ومثل ذلك قولهم في حفر البئر أمهى وأماه إذا انتهى إلى الماء (4) طأمن الرجل الرجل: إذا سكنه، والطمأنينة: السكون، والذى ذهب إليه المؤلف من أن طأمن مقلوب عن طمأن هو ما ذهب إليه أبو عمرو بن العلاء وسيبويه ذهب إلى أن طمأن مقلوب عن طأمن، انظر اللسان فان فيه حجة الامامين وتفصيل المذهبين (5) الجاه: المنزلة والقدر عند السطان: وأصله وجه قدمت العين فيه على الفاء ثم حركت الواو، لان الكلمة لما لحقها القلب ضعفت فغبروها بتحريك ما كان ساكنا (*)(4/189)
قال ابن رشيق في العمدة: ومن مليح ما رويته في الموازنة والتعديل قول ذي الرمة: أستحدث الركب من أشياعهم خبرا * أم راجع القلب من أطرابه طرب (لأن قوله " أستحدث الركب ") (1) موازن لقوله " أم راجع القلب " وقوله " عن أشياعهم خبرا " موازن لقوله، " من أطرابه طرب " وذو الرمة: شاعر في الدولة الأموية، عصريُّ الفرزدق وجرير وتقدمت ترجمته في الشاهد الثامن من أول شرح شواهد الكافية وأنشد بعده (من الرجز) * فَبَاتَ مُنْتَصْباً وما تكردسا * وتقدم شرحه في الشاهد التاسع من هذا الكتاب وأنشد هنا الجاربردي، وهو الشاهد الثامن والتسعون (من البسيط) 98 - وَقُمْتُ لِلزَّورِ مُرْتَاعاً وَأَرَّقَنِي * فَقُلْتُ أهْيَ سَرَتْ أمْ عَادَنِي حُلُمُ على أن سكون الهاء من " أهْيَ " عارض، ولهذا لم يؤت بألف الوصل،
والإسكان مع همزة الاستفهام قليل، وقيل: ضعيف.
والبيت من قصيدة لِلْمَرَّار العدوي، وقبله: زَارَتْ رُوَيْقَةُ شُعْثاً بَعْدَ مَا هَجَعُوا * لَدَى نَوَاحِلَ فِي أرْسَاغِها الْخَدَمُ يقول: زار خيالُ رويقة قوماً شُعْثاً غُبْراً بعد ما ناموا عند إبل ضوامر شدت في أرساغها سيور القد لشدة سيرها وتأثير الكَلال فيها.
والزَّوْر: مصدر من الزائر المراد به طيفها، يريد أني قمت لاجل الطيف
__________
(1) سقطت هذه العبارة من أصول الكتاب، وانظر (العمدة لابن رشيق: 2 - 19 طبع المكتبة التجارية) (*)(4/190)
منتبهاً مذعوراً للقائه، وأرقني لما لم يَحْصَل اجتماع محقق، ثم ارتبت لعدم الاجتماع: هل كان على التحقيق أو كان ذلك في المنام؟ ويجوز أن يريد فقمت للطيف وأنا في النوم إجلالاً في حال كوني مذعوراً لاستعظامها، وأرقني ذلك لما انتبهت فلم أجد شيئاً محققاً، ثم من فرط صبابته شك أهي في التحقيق سرت أم كان ذلك حلماً، على عادتهم في مبالغاتهم.
وقد تكلمنا عليه وعلى غالب القصيدة وترجمة قائلها في شرح الشاهد التاسع والسبعين بعد الثلثمائة من شرح شواهد شرح الكافية.
الوقف أنشد فيه، وهو الشاهد التاسع والتسعون (من المتقارب) 99 - * وَآخُذُ مِنْ كُل حَيّ عُصُمْ * على أن أصله عُصُماً، ووقف عليه في لغة ربيعة بالسكون، فإنهم يجيزون تسكين المنصوب المنون في الوقف.
وهذا المصراع من قصيدة للأعشى ميمون مدح بها قيس بن معدي كرب،
وقبله: - وَيَهْمَاءَ تَعْزِفُ جِنَّانُها * مَنَاهِلُهَا آجِنَاتٌ سُدُمْ قَطَعْتُ بِرَسَّامَةٍ جَسْرَةٍ * عذافرة كالفنيق القطم إلَى الْمَرْءِ قَيْسٍ أُطِيلُ السُّرَى * وَآخُذُ مِنْ كُلِّ حَيٍ عُصُمْ قوله " ويهماء " الواو واو رب -، واليهماء - بفتح المثناة التحتية -: الفلاة التي لا يُهْتَدى فيها، وتعزف - بالعين المهملة والزاي المعجمة - أي: تصوتُ، والجنان - بكسر الجيم - جمع جانّ، والمنهل: المورد، والآجن: الماء التغير المطعم واللون، والسدُم - بضم السين والدال المهملتين - وهي البئر المدفونة، وقوله " قطعت " جواب رب المقدرة، وهو العامل في محل يهماء النصب، والرسَّامة:(4/191)
الناقة التي تؤثر في الأرض من شدة الوطء، والجَسْرَة - بفتح الجيم - الناقة القوية، ومثلها الْعُذافرة، والفنيق - بفتح الفاء وكسر النون - الفحل العظيم الخلق، والقطم - بفتح القاف وكسر الطاء - وصف من قطم الفحل بالكسر: أي هاج للضِّراب، وهو في هذه الحالة أقوى ما يكون، وقوله " إلى المرء " أراد المرء المستغرق لخصائص أفراد الرجال، وقيس: بدل منه أو عطف بيان، والسري: السير، وهذه طريقة المتقدمين في التخلص إلى المديح، وهو أنهم يصفون الْفَيَافِي وقطعها بسير الإبل وذكر ما يقاسون من الشدائد في الوصول إلى الممدوح ليوجبوا عليه ذمَّة ويُجْزِل لهم الصلة والإكرام، و " آخذ " معطوف على أطيل، والحي: القبيلة، والْعُصُم: مفعول آخذ، قال ابن جني: هو بضمتين جمع عِصَام، وعصام القربة، وكاؤها وعروتها أيضاً، يعني عَهْداً يبلغ به وقال ابن هشام صاحب السيرة النبوية: هو بكسر ففتح جمع عِصْمة، وهي الحبل والسبب، وإنما كان يأخذ من كل قبيلة إلى أخرى عهداً لأن له في كل قبيلة
أعداء ممن هجاهم أو ممن يكره ممدوحه فيخشى القتل أو غيره فيأخذ عهداً ليصل بالسلامة إلى ممدوحه.
وقد تكلمنا عليه بأبسط من هذا في شرح الشاهد الرابع والعشرين بعد الثلاثمائة من شرح شواهد شرح الكافية.
وأنشد هنا قول الشاطبي رحمه الله، وبه تُوفَّى المائة.
100 - وَفِي هَاءِ تَأْنِيثٍ وَميم الجميع قل * وَعَارِض شكل لم يكونا ليدخلا وفي الهاء للإضمار قوم أبوهما * ومن قبله ضم أو الكسر مثلا أو اماهما واو وياء، وبعضهم * يُرَى لَهُمَا فِي كُلِّ حَالٍ مُحَلِّلاَ على أن ابن الحاجب ظن أن الشاطبي أراد بقوله " وبعضهم يرى لهما في كل حال(4/192)
محللاً " كلَّ حال من أحوال هاء التأنيث وميم الجمع وعارض الشكل وهاء المذكر، كما وهم بعض شراح كلامه أيضاً، فأجاز ابن الحاجب بناءً على هذا الوهم الرَّوْمَ والإشمام في الاربعة، وإنما معنى قول " الشَاطبي في كل حال " من أحوال هاء الضمير فقط.
أقول: شرح الجعبرى كما ذكره الشارح، ثم نقل أن بعضهم جعله عاما في هذه الثلاثة وغيرها، قال: وتوهم بعضهم في كل حال من أحوال الحرف الموقوف عليه، ومنها النصب، وهذا صرف للكلام إلى غير ما فرض، وغلط في النقل، انتهى وكذا شرح أبو شامة، على ما ذكره الشارح المحقق، وكذا شرح السمين، لكنه عمم في آخر كلامه، وهذه عبارته: قوله " وبعضهم يرى لهما في كل حال محللا " إشارة إلى أن بعض أهل الاراء حلل الروم والاشمام: أي جوزهما: في هاء الاضمار في كل حال، حتى في الحال التى منع فيها، وهى ما إذا كانت الهاء مضمومة بعد ضمة أو واو مكسورة بعد كسرة أو ياء، فيروم ويشم ونحو (يعلمه) و (بمزحزحه) و (عقلوه)
و (لابيه) ، وممن ذهب إلى جواز الروم والاشمام مطلقا أبو جعفر النحاس، وليس هو مذهب القراء.
وقد تحصل مما تقدم أن الامر دائر في الروم والاشمام بين ثلاثة أشياء: استثناء هَاء التَّأْنِيثِ ومِيمِ الْجَمْعِ وَالْحَرَكَةِ العارضة، وهذا أشهر المذاهب، الثاني استثناء هذه الثلاثة مع هاء الكناية بالشرط المتقدم عند بعض أهل الاراء، الثالث عدم استثناء شئ من ذلك، وهو الذى عبر عنه بقوله " وبعضهم يرى لهما في كل حال محللا " انتهى كلامه.
فقوله " وهذا أشهر المذاهب " يؤكد (1) ما حكاه ابن الحاجب من جوازهما في الثلاثة أيضا، وقول الشارح المحقق " لم أر أحداً من القراء ولا من النحاة ذكر أنهما يجوزان في أحد الثلاثة " وهم، فإن بعض القراء صرح بجوازهما في ميم
__________
(1) في نسخة " يؤيد " (*)(4/193)
الجمع، قال أبو شامة والسمين: وما ذكره الناظم من منع الروم والاشمام في ميم الجمع هو المشهور، وهو اختيار أبى عمرو الدانى وغيره، وخالف في ذلك مكى فجوزهما فيها، قال (مكى) : ميم الجمع أغفل القراء الكلام عليها، والذى يجب فيها على قياس شرطهم أن يجوز فيها الروم والاشمام، لانهم يقولون: لا فرق بين حركة الاعراب وحركة البناء في جواز الروم والاشمام، فالذي يشم ويروم حركة النص غير مفارق له، والذى لا يروم حركة الميم خارج عن النص بغير رواية، اللهم إلا أن يوجد الاستثناء فيها منصوصا، فيجب الرجوع إليه إذا صح، وليس ذلك بموجود، ومما يقوى جواز ذلك فيها نصهم على هاء الكناية بالروم والاشمام، فهى مثل الهاء لانها توصل بحرف بعدها حركة، كما توصل الهاء، وتحذف ذلك الحرف في الوقف كما تحذف مع الهاء، فهى مثلها في هذا، غير أن
الهاء أخفى منها، فلذلك امتنعت الهاء من الروم والاشمام إذا كانت حركتها مثل حركة ما قبلها أو كان قبلها ساكن من جنس حركتها، وهذا لا يكون في الميم، لانها ليست بالخفية، ولو كانت في هذا مثل الهاء لم يجز الإشمام في يقوم ويحكم، وليس في جوازه اختلاف، وليس قول من يمنع ذلك لأن الميم من الشفتين بشئ، لاجماع الجميع على الروم والإشمام في الميم التي في أواخر الأفعال والأسماء التي ليست للجمع، ولو تم له منع الإشمام فيها لم يتم له منع الروم، إلى آخر ما فصله.
قال السمين: فمكي جوز ذلك فيها لثلاثة أوجه: أحدها الدخول في عموم نص القراء على جوازهما في المتحرك، ولم يستثنوا من ذلك ميم الجمع، فالمتمسك بذلك فيها غير خارج عن النص ولا مفارق له، الثاني القياس على هاء الإضمار، بل جعل الميم أولى بذلك لعدم خفائها، الثالث إفساد علة من عَلَّلَ منعهما فيها بأنها من حروف الشفتين، وقد أغلظ الداني في الرد على مكي، وفرق بين ميم(4/194)
الجمع وهاء الكناية، ورُدَّ على الداني في ذلك كما فصله السمين وقول الشاطبي: " وفي هاء تأنيث " قال أبو شامة: هذا مشروع فيما يمتنع فيه الروم والإشمام على رأي القراء، والألف في " يكونا " و " ليدخلا " يرجع إلى الروم والإشمام، أي: لم يقعا في هذه المواضع الثلاثة حيث كانت، انتهى، ومفهومه أنهما يجوزان في الثلاثة عند غير القراء وقوله " وعارض شكل " قال السمين: أي عارض الحركة، وذلك على قسمين: الأول ما عرض تحريكه لالتقاء الساكنين، نحو: (ومن يُشَاقّ الله) (وإن امرؤ) و (قالت اخرج) و (قل الله) والثاني ما عرض تحريكه بالنقل، نحو: (من استبرق) و (من أجل ذلك) و (قد أفلح) وكلا القسمين ممتنع
فيه الروم والإشمام، ثم قال: واعلم أنهما يمتنعان في حركة التقاء الساكنين، إذا كان الساكنان من كلمتين، نحو (ومن يشاق الله) و (عَصَوُا الرسول) أو من كلمة واحدة وأحدهما التنوين، نحو يومئذٍ وحينئذٍ، أما إذا كان الساكنان في كلمة واحدة وليس أحدهما تنويناً فإن الرَّوْم والإشمام جائزان في تلك الحركة وإن كانت حركة التقاء الساكنين، لوجود علة الحركة وصلاً ووقفاً، وذلك نحو (وَمَنْ يُشَاقّ الله) فالروم فيه غير ممتنع، لأن الساكن الذي وجدت الحركة من أجله موجود في الوصل والوقف، بخلاف ما مر، فإن الساكن الذي وجدت الحركة من أجله معدوم في الوقف حيث كان بعضه من كلمة أخرى، وفي بعضه تنويناً، وبهذا يعلم أن إطلاق من أطلق منع دخول الروم والإشمام في حركة التقاء الساكنين ليس بجيد، انتهى وهذا أيضاً يرد على الشارح في قوله " لم أرد أحداً من القراء أجازهما في أحد الثلاثة المذكورة " وقول الشاطبي " وفي الهاء للإضمار " إلى آخر البيتين، قال السمين: أخبر(4/195)
عن قوم من أهل القرآن أنهم أبو أي امتنعوا من الرَّوْمِ والإشمام في هاء الضمير بشرط أن يكون قبلها ضمة أو كسرة أو واو أو ياء ساكنة، وذلك نحو (يعلمه) و (بمزحزه) و (عقلوه) و (لأبيه) فكل هذه الأمثلة الأربعة وما أشبهها لايدخل فيها روم ولا إشمام.
وقوله " وفي الهاء " الظاهر أنه متعلق بمقدر: أي أعني في الهاء، ولا يجوز تعلقه بقوله " أبوهما " لأن القاعدة تمنع من تقديم المعمول حيث لا يتقدم العامل عندهم، و " أبوهما " لا يجوز تقديمه على " قوم " لأنه صفة له أو خبر، وعلى كلا التقديرين تقديمه ممتنع، لأن الصفة لا تتقدم على موصوفها والخبر الفعلي لا يتقدم على مبتدئه (1)
وقوله " للإضمار " حال من الهاء أي كائنة للإضمار، وقوله " قوم " مبتدأ، وفي خبره قولان: أحدهما أنه محذوف تقديره ومن القراء قوم، " وأبوهما " على هذا في موضع النعت للمبتدأ، والثاني أنه قوله " أبوهما " وحينئذٍ يقال: ما المسوغ للابتداء بقوم، وهو نكرة؟ والجواب أن المسوغ له العطف، وهو معدود من المسوغات، والإباء: الامتناع، وقوله " ومن قبله ضم " مبتدأ مؤخر قدم خبره عليه، والهاء في " قبله " فيها وجهان ذكرهما أبو شامة: أحدهما أنه تعود على الإضمار، وهذا وإن كان مساعداً له من حيث اللفظ إلا أنه غير ظاهر من حيث المعنى إذ الإضمار معنى من المعاني، فلا يتحقق أن يكون قبله ضم، والثاني أنها تعود على الهاء، وهذا واضح: أي ومن قبل الهاء ضم، قال أبو شامة: ولو قال قبلها لجاز على هذا، وكان أحسن
__________
(1) هذا الذى ذكره من أن الخبر الفعلى لايتقدم على المبتدأ ليس على إطلاقه بل هو مخصوص بما إذا كان الفعل مسندا إلى ضمير الواحد نحو قولك " محمد حضر " فأما إذا كان الفعل مسندا إلى ضمير الاثنين نحو " المحمدان حضرا " أو إلى ضمير الجمع نحو " المحمدون حضروا " فانه يجوز التقديم فتقول: حضرا المحمدان، وحضروا المحمدون.
(*)(4/196)
لأنه أوضح، والوزن مُواتٍ له، والجملة من قوله " ومن قبله " ضم في موضع الحال من الهاء: أي أبوهما في الهاء للإضمار والحال أن قبلها ضماً أو كسراً، وقوله " أو الكسر " عطف على " ضم " عطف معرفة على نكرة، وأو للتنويع، وقوله " مُثِّلاَ " جملة فعلية في موضع الحال أو في موضع رفع، فإن كانت حالاً ففي صاحبها ثلاثة أوجه: أحدها أنه الكسر، والثاني أنه الضم، فإن قيل: كيف ساغ مجيئها من نكرة؟ فجوابه أن سيبويه، يرى ذلك، أو تقول: العطف يسوغه كما سوغ الابتداء، وقد ذكروا أن كل ما سوغ الابتداء بنكرة سوغ مجئ الحال منها، والثالث أنه الضمير
المستتر في الخبر، وهو قوله " ومن قبله "، وهو في الحقيقة راجع لأحد القولين المتقدمين، فإن الضمير المستتر عائد على الضم أو الكسر، وحيث جعلناه حالاً من أحدهما فالحال في الآخر مرادة، وإنما استغنى عنها لدلالة المعنى، ولأن العطف بأو، وهو يقتضي الإفراد، وإن كانت في موضع رفع فهى صفة لقولهم ضم، وحينئذٍ يكون الحال من قوله " أو الكسر " لدلالة صفة الأول عليها، فإنه لا فرق بين الصفة والحال معنى، والألف في " مثلا " الظاهر أنها للإطلاق، لأن العطف بأو، وجوز أبو شامة أن تكون للتثنية، فتعود على قوله ضم أو الكسر، ومعنى مُثِّلَ شُخِّص من مَثُل بين يديه: أي شخَص، ومنه قول العلماء: مثل له المسألة: أي شخصها له، وقوله " أو أماهما " أو عاطفة على ضم أو كسر، فالضمير في " أماها " للضم والكسر، ويعني بأمَّيْهما الواو والياء، ولذلك بينهما بقوله " واو وياء " أي: أم الضم الواو وأم الكسر الياء، فهو من باب اللف والنشر، لأن كل واحد يليق بصاحبه للتجانس المعروف، ونقل حركة همزة " أما هما " إلى واو " أو " فضمها، وأسقط همزة " أما هما " على قاعدة النقل، وأم الشئ: أصله، وقوله " واو وياء " بدل من أما هما، وقوله " أو أماهما " بناء منه على المذهب الصحيح، وهو أن الحرف أصل الحركة، وَالحركة مُتَوَلِّدَة منه، وقيل بالعكس(4/197)
وقد سبق الناظم إلى هذه العبارة الحصري في قصيدته المشهورة حيث يقول (من الطويل) : وَأشْمِمْ وَرُمْ مَا لَمْ تَقِفْ بَعْدَ ضَمَّةٍ * وَلاَ كَسْرَةٍ أوْ بَعْدَ أُمِّيْهِما فَادْرِ وقوله " وبعضهم " مبتدأ، والضمير للقراء، للعلم بهم، و " يُرَى " مبني للمفعول، ومرفوعة ضمير بعضهم، و " لهما "، و " في كال حال " متعلقاً منه بمحللاً، ومحللاً: مفعول ثان للرؤية، والمحلل: اسم فاعل من حلل الشئ تحليلاً: أي
جعله حلالاً، ضد حرَّمه، إذا منعه: أي أن بعضهم أباح ذلك في كل حال والشاطبي: هو القاسم (1) بن فيرة بن خلف بن أحمد الرُّعَيْني الشاطبي نسبة إلى شاطبة قرية بجزيرة الأندلس كان إماماً في القرآن والحديث والنحو واللغة في شدة ذكاء، وكراماته تلوح منه، ولد آخر سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، فيكون عمره أقل من اثنين وخمسين سنة (2) ، وهذه القصيدة في القراءات السبع سماها حرز الأماني ووجه التهاني، ولها شروح تفوت الحصر، وأجلها هذه الشروح الثلاثة، وشرح، الإمام علم الدين السخاوي تلميذ المصنف، وهو أول من شرحها، وشرح أبي عبد الله الفاسي، رحمهم الله تعالى ونفعنا بعلومهم وأنشد بعده، وهو الشاهد الواحد بعد المائة (من الرجز) 101 - * بل جوز تيهاء كظهر الحجفت *
__________
(1) في الاصول " هو أبو القاسم " وليس صحيحا، والتصويب عن بغية الوعاة للسيوطي (2) هذه التفريع غير ظاهر، لانه إنما يتم بعد ذكر سنة وفاته، وجميع أصول الكتاب خالية من ذلك، وقد توفى القاسم بن فيرة في جمادى الاولى من عام 590 تسعين وخمسمائة من الهجرة، وانظر ترجمته في البغية (379) (*)(4/198)
على أنه يجوز الرَّوم والإشمام عند من يقف بالتاء، فيجوز في " الحجفت " الروم دون الإشمام قال السمين في شرح الشاطبية: وفي قول الناظم رحمه الله تعالى " وفي هاء تأنيث " شبهة على أنه لو لم تبدل التاء هاء في الوقف، وذلك كما رسمت بعض التاءات بالتاء دون الهاء، نحو (جَنَّتُ نَعيم) و (رحمْتُ رَبِّك) و (بقِيَّتُ الله فإن الروم والإشمام بعد خلاف تلك التاء لانتفاء العلتين المانعتين من روم الهاء
وإشمامها، أعني كون الحركة فيها نفسها وكونها غير مشبهة ألف التأنيث، وقد نص مكي على ذلك، فقال: لم يختلف القراء في هاء التأنيث أنهم يقفون عليها بالاسكان، ولا يجوز الروم والإشمام فيها، لأن الوقف على حرف لم يكن عليه إعراب إنما هو بدل من الحرف الذي كان عليه الإعراب، إلا أن تقف على شئ منها بالتاء إتباعاً لخط المصحف، فإنك تروم وتشم إذا شئت، لأنك تقف على الحرف الذي كانت الحركة لازمة له فيحسن الروم والإشمام، انتهى وقال ابن جني في سر الصناعة: من العرب من يُجْري الوقف مجرى الوصل فيقول في الوقف: هذا طلحت، وعليه السلام والرحمت، وأنشدنا أبو علي: * بَلْ جَوْزِتَيْهَاءَ كَظَهْرِ الْحَجَفَتْ * انتهى وقال الصاغاني في العباب: ومن العرب من إذا سكت على الهاء جعلها تاء، وهو طيئ، فقال: هذا طلحت، وخبز الذُّرَتْ وقال ابن المستوفي أيضاً: وجدت في كتاب أنها لغة طيئ وقوله " بل جوزتَيْهاء " قال الصاغاني في " بل ": ربما وضعوا بل موضع رب، قال سؤر الذئب * بَلْ جَوْزَتَيْهَاءَ كَظَهْرِ الْحَجَفَتْ *(4/199)
أي: رب جوزتَيْهَاء، كما يوضع الحرف موضع غيره، والجوز - بفتح الجيم وآخره زاي معجمة - الوسط، وجوز كل شئ: وسطه، والجمع أجواز، والتيهاء - بفتح المثناة الفوقية - المفازة التي يتيه فيها سالكها: أي يتحير، والحجفة - بفتح الحاء المهملة والجيم والفاء - الترس، قال عبد القاهر: يقولون تيهاء كظهر المجنّ، يريدون الملاسة، وقال ابن المستوفي: شبه التيهاء بظهر
المجن في الملاسة، والشئ قد يشبه بالشئ ويراد منهما معنى فيهما، " كظهر الحجفت " إنما أراد أن التيهاء ملساء لا أعلام فيها كظهر الحجفة ملاسةً، ولم يرد أنها مثله في المقدار، انتهى وذكر الوسط ليدل على أنه تَوَسَّط المفازة ليصف نفسه بالقوة والجلادة، قال صاحب العباب: يقال للترس إذا كان من جلود ليس فيه خشب ولا عَقَب: حَجَفَة، ودَرَقَة، وأنشد البيت لسُؤر الذئب، وكذا قال الجوهري، وقال: قال الراجز: مَا بَالُ عَيْنِي عَنْ كَرَاهَا قَدْ جَفَتْ * مُسبِلَةً تَسْتَنُّ لَمَّا عَرَفَتْ دَاراً لِلَيْلَى بَعْدَ حَوْلٍ قَدْ عَفَتْ * بَلْ جَوْزِتَيْهَاءَ كَظَهْرِ الْحَجَفَتْ انتهى.
قال ابن بري في أمالية على الصحاح: هذا الرجز لسؤر الذئب، وصواب إنشاده: مَا بَالُ عَيْنِي عَنْ كَرَاهَا قَدْ جَفَتْ * وَشفَّهَا مِنْ حُزْنِهَا مَا كُلِفَتْ كَأَنَّ عُوَّاراً بِهَا أوْ طُرِفَتْ * مُسْبَلَةً تَسْتَنُّ لم عَرَفَتْ دَاراً لِلَيْلَى بَعْدَ حَوْلٍ قَدْ عَفَتْ * كَأَنَّهَا مَهَارِقٌ قَدْ زخرفت تسمع للحلى إذا ما انصرمت * كَزَجَلِ الرِّيحِ إذَا مَا زَفْزَفَتْ(4/200)
مَا ضَرَّهَا أمْ مَا عَلَيْهَا لَوْ شَفَتْ * منيما بِنَظْرَةٍ وَأَسْعَفَتْ (1) بَل جَوْزِتَيْهَاءَ كَظَهْرِ الْحَجَفَتْ * قَطعْتُها إذَا الْمَهَا تَجَوَّفَتْ مَآزِقاً إلَى ذَرَاهَا أهْدَفَتْ (2) انتهى ما أورده وقوله " ما بال عيني " ما استفهامية مبتدأ، وبال: خبره، والبال: الشأن والحال،
وعن: متعلقة بجفت، والكرى: النوم، قال الخوارزمي: جفت أي انقطعت عن كراها، انتهى.
وهو بالجيم، وهو من جفا الشئ عن كذا وتجافى عنه: أي نبا عنه وتباعد، وجملة " قد جفت " حال من العين، و " شفها " من شفَّه الهم يشفه: أي هزله وأنحله، و " كُلِفت " بالبناء للمفعول، والعُوَار - بضم العين وتشديد الواو، وهو ما يسقط في العين فتدمع، يقال: بعينه عُوَّار: أي قذى، ومثله العائر، " وطُرِفَت " بالبناء للمفعول، من طَرَفْتُ عينه طَرْفاً - من باب ضرب - إذا أصبتها بشئ، فدمعت.
فهى مطروفة، ومسلبة: أي تصب دمعها، من أسبلت الماء: أي صببته، وتَسْتَنَّ: تجري بدمعها، من سَنَنْتُ الماء، إذا أرسلته إرسالاً من غير تفريق، وقوله " دارا لليلى " مفعول عرفت، وعفت: ذهبت آثارها وانمحت معالمها، وقوله " كأنها " أي كأن ليلى،
__________
(1) في اللسان (ح ج ف) زيادة بيت بعد هذا البيت وهو * قد تبلت فؤاده وشغفت * (2) في اللسان (ح ج ف - أرن) " مآرنا إلى ذراها - الخ " والمآرن: جمع إران على غير لفظه كمحاسن ومشابه، أو جمع مئران، وهو كناس الوحش، وأصله على هذا الوجه مآرين، كما قال جرير: قد بدلت ساكن الارام بعدهم * والباقر الخنس يبحثن المآرينا فحذف الياء كما حذفت في قوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) وكما قال الراجز وجمع عوارا: * وكحل العينين بالعواور * (*)(4/201)
والمهارق: جمع مُهْرَق، وهي الصحيفة البيضاء يكتب (1) فيها، شبهها بالكاغد لصقالته وبياضه ونعومته، وزُخْرفت: زينت بالذهب، والزخرف: الذهب،
والحَلْي - بفتح فسكون - ما تتزين به المرأة كالْخَلْخَال والسِّوار، وانصرفت: ذهبت فمشت، وزَجَلُ الريح: صوتها، وهو بفتح الزاي والجيم، وزفزفت - بزاءين معجمتين وفاءين - أي هبت بشدة، وقوله " قَطَعْتُهَا " هو جواب رُبَّ المقدرة بعد بل، والمها - بالفتح -: جمع مهاة، وهي البقرة الوحشية، والمأزق: جمع مَأْزِق، وهو المضيق، وذَرَاها - بفتح الذال - أي: ناحيتها، وأهدفت: قربت، قال شمر: الإهداف الدنو من الشئ والاستقبال له وأنشد الجاربردي بعد هذا البيت، وهو الشاهد الثاني بعد المائة (من الرجز) 102 - * بَلْ مَهْمَهٍ قَطَعْتُ بَعْدَ مَهَمَهِ * على أن رُبَّ بعد بل مقدرة، والجر بها والمهمة: المفازة البعيدة الأطراف، ومفعول " قطعت " محذوف، وهو ضمير المهمة: أي قطعتها وتجاوزتها وهذا البيت نُسِبَ إلى رؤبة، ورجعت إلى ديوانه فلم أجده فيه، ونسب إلى والده العجاج، قال العيني: لم أجده في ديوانه، والله تعالى أعلم وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث بعد المائة (من الرجز) : 103 - وَرُبَّ ضَيْفٍ طَرَقَ الْحَيَّ سرى * صادف زادا وحديثا ما اشتهى
__________
(1) هو فارسي معرب، وزنته كزنة اسم المفعول من الرباعي، قال حسان: كم للمنازل من شهر وأحوال * لال أسماء مثل المهرق البالى (*)(4/202)
* إنَّ الْحَدِيثَ جَانِبٌ مِنَ الْقِرَى * على أن السيرافي استدلَّ على كون الاف لام الكلمة في الأحوال أنها
جاءت رَوِيّاً في النصب، فألف " سرى " لام الكلمة، لا أنها بدل من نون التنوين للوقف، إذ لا يجوز أن تكون رويا مع الألف الأصلية كألف " اشتهى " و " القرى " وبما حقق الشارح المحقق من مذهب سيبويه يُرَدُّ على ابن هشام اللخمي في شرح المقصورة الدريدية عند قوله (من الرجز) فاستنزل الزَّبَّاءَ قَسْراً وَهْيَ مِنْ * عُقَابِ لَوْحِ الْجَوِّ أعْلَى مُنْتَمَى (1) قال في شرحه: قوله " منتمى " قد غلط فيه، لأن العرب لا تقف بالتنوين، ومنتمي هنا منصوب على التمييز، والوقف فيه عند سيبويه على الألف المبدلة من التنوين، هذا كلامه.
وقال أبو حيان في الارتشاف: " والمقصور المنون يوقف عليه بالألف، وفيه مذاهب: أحدها أن الألف بدل من التنوين، واستصحب حذف الألف المنقلبة.
وصلاً ووقفاً، وهو مذهب أبي الحسن والفراء والمازني وأبي علي في التذكرة، والثاني أنها الألف المنقلبة، لما حذف التنوين عادت مطلقاً، وهو مروي عن أبي عمرو والكسائي والكوفيين وسيبويه والخليل فيما قال أبو جعفر الباذش، والثالث اعتباره بالصحيح، فالألف في النصب بدل من التنوين، وفي الرفع والجر هي بدل من لام الفعل، وذهب إليه أبو علي في أحد قوليه، ونسبه أكثر الناس إلى سيبويه ومعظم النحويين، انتهى.
وهذا من رجز أورده أبو تمام في باب الأضياف والمديح من الحماسة، قال: وقال الشماخ في عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أخي أسد الله علي كرَّم الله وجههما.
__________
(1) لوح الجو - بضم اللام - أعلاه (*)(4/203)
إنك يا ابن جَعْفَرٍ خَيْرُ فَتَى * وَنِعْمَ مَأْوَى طَارِقٍ إذَا أتَى
وَرُبَّ ضَيْفٍ طَرَقَ الحَيَّ سُرَى * صَادَفَ زَاداً وَحَدِيثاً ما اشْتَهَى إنَّ الحَدِيثَ طَرَفٌ مِنَ الْقِرَى * ثُم اللِّحَافُ بَعْدَ ذَاكَ فِي الذَّرى انتهى.
وفي الأغاني أن الشماخ خرج يوماً يريد المدينة، فلقيه عَرَابة بن أوس، وكان سيداً من سادات قومه، وجواداً، فسأله عما أقدمه المدينة، فقال: أردت أن أمتار لأهلي، وكان معه بعيران، فأوقرهما له براً وتمراً، وكساه وبَرَّهُ وأكرمه، فخرج عن المدينة وامتدحه بقصيدته التي يقول فيها (من الوافر) رَأَيْتُ عَرَابَةَ الأَوْسِيَّ يَسْمُو * إلى الْخَيْرَاتِ مُنْقَطِعَ الْقَرِينِ إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ * تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ ولما سمع ابن دَأبٍ كلام الشماخ في عبد الله بن عبد جعفر بن أبي طالب * إنَّكَ يا ابن جعفر نعم الفتى * إلى آخر الأبيات، قال: العجب للشماخ، يقول هذا في عبد الله بن جعفر، ويقول في عرابة بن أوس: إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ * تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ باليمين ابن جعفر كان أحق بهذا من عرابة، انتهى.
قال عبد اللطيف البغدادي في شرح نقد الشعر لقدامة قول الشماخ: * رأيت عَرَابَةَ الأوسيّ * البيت - معناه علمته كذا وصح عندي ذلك منه، ويجوز أن يكون هنا بمعنى أبصرته، وهو الأمثل عندي، ويكون " يسمو " حالاً، وذلك أن المشاهدة أدل شئ على صحة الأمر، فلا دليل أقوى منها، والخيرات هي: الأفعال المعتدلة المتوسطة بين طرفين هما شر، فكأنه قال: شاهدت منه أفعال الخير والفضائل، وقوله " إذا ما راية رفعت لمجد " هذا استعارة: أي إذا حدث أمر يقتضي فعل مكرمة ويفتقر فيه أن يضطلع به ربُّ فضيلة وشرف تلقَّاهَا(4/204)
عرابة باليمين: أي بقوة وبطش واجتهاد وانشراح صدر، وفي قوله " تلقاها " ما يشعر بهذا المعنى أشدَّ من قوله أخذها، وهذا البيت دل به على الأخلاق العتيدة والفضائل النفسية، وأما البيت الأول فدل به على الأفعال الحميدة والخيرات المشاهدة، فصار البيت الأول توطئة للثاني، وكالدال عليه والمثبت له، فإن الأفعال المشاهدة سابقة في الإحساس لما في النفس ودالة عليه، فتلمح ذلك وأعجب لشرف طباع هؤلاء كيف تسمو بهم جَوْدَةُ القريحة وصحة الفكرة والروية إلى مثل هذا، انتهى كلامه.
ومثله للمبرد في الكامل قال: قوله " تلقاها عرابة باليمين " قال أصحاب المعاني معناه بالقوة، وقالوا مثل ذلك في قوله تعالى (والسموات مطويات بيمينه) وقال معاوية لَعَرَابةَ بن أوس الأنصاري: بم سُدْت قومك؟ قال: لست بسيدهم، ولكني رجل منهم، فعزم عليه، فقال: أعطيتُ في نائبتهم، وحملت عن سفيههم وشَدَدْتُ على يَدَي حليمهم، فمن فعل منهم مثل فعلي فهو مثلي، ومن قَصَّر عنه فأنا أفضل منه، ومن تجاوزني فهو أفضل مني، وكان سبب ارتفاع عرابة أنه قدم من سفر فجمعه الطريق والشماخ بن الضرار الْمُرِّي فتحادثا، فقال له عَرَابَة: ما الذي أقدمك المدينة؟ قال: قدمت لأمتار منها، فملأ له عرابة رواحله براً وتمراً وأتحفه بغير ذلك، فقال الشماخ * رأيت عَرَابة الأوسي يسمو * إلى آخر الابيات انتهى.
وأما عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب فقد قال ابن عبد ربه (1) في العقد الفريد: أجواد أهل الإسلام أحد عشر رجلاً في عصر واحد لم يكن قبلهم ولا بعدهم مثلهم، فأجواد أهل الحجاز ثلاثة في عصر واحد: عبيد الله بن العباس، وعبد الله بن جعفر، وسعيد بن العاص، إلى أن قال: ومن جود عبد الله بن جعفر أن عبد الرحمن بن
__________
(1) انظر العقد الفريد لابن عبد ربه (1: 112) (*)(4/205)
عمار (1) دخل على نَخَّاس يعرض قِيَاناً له، فعلق واحدة منهن، فشهر بذكرها حتى مشي إليه عطاء وطاووس ومجاهد يعذولنه، فكان جوابه (من البسيط) يَلُومُنِي فِيكِ أقْوَامٌ أجَالِسُهُمْ * فَمَا أبالِي أطَارَ اللَّوْمُ أمْ وَقَعَا فانتهى خبره إلى عبد الله بن جعفر، فلم يكن له همٌّ غيره، فحج فبعث إلى مَوْلى الجارية، فاشتراها منه بأربعين ألف درهم، وأمر قيمة جواريه أن تزينها وتحليها ففعلت، وبلغ الناس قدومه فدخلوا عليه، فقال: ما لى لا أرى ابن عمار (1) زارنا؟ فأخبر الشيخ، فأتاه مسلماً، فلما أراد أن ينهض استجلسه، ثم قال: ما فعل حب فلانة؟ قال: في اللحم والمخ والعصب! قال: أتعرفها لو رأيتها؟ قال (2) نعم، فأمر بها مباركاً لك فيها، فلما ولى قال: يا غلام، احمل معه مائة ألف درهم ينعم بها معها، فبكى عبد الرحمن وقال: يا أهل البيت، لقد خصكم الله بشرف ما خصَّ به أحداً قبلكم من صُلْب آدم، فهنيئاً لكم هذه النعمة وبورك لكم فيها، ومن جوده أيضاً أنه أعطى امرأة سألته مالاً عظيماً، فقيل له: إنها لا تعرفك، وكان يرضيها اليسير، قال: إن كان يرضيها اليسير فإني لا أرضى إلا بالكثير، وإن كاتت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي، هذا ما أورده ابن عبد ربه.
وزعم الخطيب التبريزي في شرح الحماسة، وتبعه العيني، أن المخاطب بقوله * إنك يا ابن جعفر * إلى آخر الشعر، هو عبد الله بن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه، وهذا لا يصلح، فإن الشماخ صحابي وجعفر كان في زمن هارون الرشيد، والصواب أيضاً أن يقول: جعفر الصادق بن محمد الباقر.
وقوله " خير فتى " أي الجامع المروءة، وقوله " ونعم مأوى طارق "
__________
(1) في العقد " بن أبى عمار " (2) في العقد " لو أدخلت الجنة لم أنكرها " (*)(4/206)
الطارق: الذي يأتي ليلاً، والْمَأْوَى: اسم مكان من أوى إلى منزله يأوي، من باب ضرب، أويا: أي قام، وهو فاعل " نِعْمَ "، وجَاءَ الفاعل هنا منكراً على قلة، والكثير الغالب تعريفه باللام، حكى الأخفش أن ناساً من العرب يرفعون بنعم النكرة مفردة ومضافة، نحو نعم امرؤ زيد، ونعم صاحب قوم عمروٌ، وقد روى أيضاً: إنك يا ابن جَعْفَرٍ نِعْمَ الْفَتى * وَخَيْرُهُمْ لِطارقٍ إذَا أتَى وقوله " طرق الحي سرى " الطُرُوق: الإتيان ليلاً، والحي: القبيلة، والسُّرَى: جمع سُرْية (1) بضم السين وفتحها، يقال: سَرَيْنَا سَرْيَة من الليل بالضم والفتح، قال أبو زيد: ويكون السُّرى أولَ الليل وأوسطه وآخره، وهو في البيت على حذف: أي طروق سُرىً، وقال الخطيب التبريزي، وتبعه العيني: سُرىً أي ليلاً، لأن السري لا يكون إلا ليلاً، وقوله " صادف " جواب رب، وما: مصدرية ظرفية، والقرى: الضيافة، والذرى - بالفتح: الكَنَفُ وَالناحية.
وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه (من الرمل) : 104 - وَقَبِيلٌ مِنْ لُكَيْزٍ شَاهِد * رَهْطُ مَرْجُومٍ وَرَهْطُ ابن الْمُعَلْ على أنه قد يحذف الألف المقصورة في ضرورة الشعر، كما حذف الألف هنا من " الْمُعَلْ "
__________
(1) الذى في اللسان والقاموس أن السرى بمعنى السرية - بضم السين أو فتحها - والذى نراه أنه سرى في هذا البيت منصوب على أنه مفعول مطلق أو على أنه
ظرف مثل قولك: أزورك قدوم الحواج (*)(4/207)
قال سيبويه لا يقولون في جَمَل جَمْل، أي بسكون الميم، لأن الفتحة أخف عليهم والألفَ، فمن ثمة لم تحذف الألف، إن لم يضطر شاعر فيشبهها بالياء، لأنها أختها، وهي قد تذهب مع التنوين، قال لبيد رضي الله عنه حيث اضطر: وَقَبِيلٌ مِنْ لكيز شاهد * رهط مرجوم ورهط ابن المعل قال الأعلم: الشاهد فيه حذف ألف الْمُعَلَّى في الوقف ضرورة، تشبيهاً بما يحذف من الياءات في الأسماء المنقوصة، نحو قاضٍ وغازٍ، وهذا من أقبح الضرورة، لأن الألف لا تستثقل كما تستثقل الياء والواو، وكذلك الفتحة، لأنها من الألف، انتهى.
وقال أبو علي في المسائل العسكرية: ومما حذف في الضرورة مما لا يستحسن حذفه في حال السعة الالف (1) من " المعل " في القيافة تشبيهاً بالياء في قوله: * وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثم لا يَفْرْ * فكما حذفت الياء في القوافي والفواصل كذلك حذف منه الألف ولم يكن (ليحذف (2) لأن من يقول: (ما كنا نَبْغْ) يقول: (والليل إذا يَغْشَى) فلا يحذف، كما أن الذين يقولون: " هذا عَمْرْو " يقولون: رأيت عَمْراً، إلا أن " المعلَّى " في الضرورة لا يمتنع، للتشبيه، ويؤكد ذلك أن أبا الحسن قد أنشد (من الوافر) : فَلَسْتُ بِمُدْرِكٍ مَا فَاتَ مِنِّي * بِلَهْفَ وَلاَ بِلَيْتَ وَلاَ لواتى فقال " ليت " وهو يريد ليتني، فحذف النون مع الضمير للضرورة، ثم
__________
(1) في الاصول " حذف الالف " وله وجه بعيد
(2) زيادة لابد منها (*)(4/208)
أبدل من الياء الألف، ثم حذف، وقد يمكن أن يكون " يا ابن أم " على هذا كأنه محذوف منه مثل قول من قال (من الرجز) : * يا ابنة عما لا تلومني وَاهْجَعِي * فأبدل ثم حذف، وعلى هذا تأويل أبو عثمان قول من قرأ: " يَا أبَتَ لِمَ تَعْبُدُ " انتهى أقول: ألف " يا ابن أم " وألف " يا أبَتَ " كلمة، لأنها ضمير المتكلم فهي مستقلة، وليست كألف المُعَلى، فإنها جزء كلمة، فليست مثلها، واعتبر ابن عصفور في كتاب الضرائر حذف اللام الثانية مع الألف، قال: وقد يحذف المشدد ويحذف حرف بعده، ومن ذلك قول لبيد: * ورهط ابن المعل * يريد المعلى، وقول النابغة: (من الوافر) إذَا حَاوَلْتَ فِي أسَدٍ فُجُوراً * فَإِنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنْ يريد مني، انتهى وعدُّ بيت النابغة من الضرورة غير جيد، قال سيبويه في " باب ما يحذف من الأسماء من الياءات في الوقف التي لا تذهب في الوصل (ولا يلحقها تنوين) (1) : وتركها في الوقف أقيس وأكثر، لأنها في هذه الحال، ولأنها ياء لا يلحقها التنوين على كل حال، فشبهوها بياء " قاضي " لأنها ياء بعد كسرة ساكنة في اسم وَذلك قولك: هذا غلام، وأنت تريد هذا غلامي، (وقد أسقانْ وأسقنْ، وأنت تريد أسقاني وأسقني، لأن ني اسم) (1) و (قد) (1) قرأ أبو عمرو (فَيَقُولُ رَبِّي أكْرَمَنْ) و (رَبِّي أهَانَنْ) على الوقف، وقال النابغة: (من الوافر)
__________
(1) ما بين القوسين ثابت في كلام سيبويه، ولكنه غير موجود في الاصول التى
بأيدينا.
أنظر كتاب سيبويه (ح 2 ص 289) (*)(4/209)
* فَإنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنْ * انتهى.
وقال الأعلم: الشاهد فيه حذف الضمير من قوله: " مِنِّي " وهو جائز في الكلام، كما قرئ في الوقف (أكرَمَنْ) و (أهَانَنْ) يقول: هذا لعيينة بن حصن الفزارى، وكان قد دعاه وقومه لمقاطعة بنى أسد ونقضض حِلْفهم، فأبى عليه وتوعده، وأراد بالفجور: نقض الحلف، انتهى وقال " وقبيلٌ من لُكَيْز إلخ " قبيل: مبتدأ، و " من لكيز " في موضع الصفة له، وشاهد: خبره، والقبيل: العريف والكفيل، وهذا هو المناسب هنا، لأنه كما قال الأعلم: " وصف لبيد رضي الله عنه مقاماً فاخر فيه قبائل ربيعة بقبيلته من مضر " انتهى ولا يناسبه أن يكون القبيل بمعنى الجماعة تكون من الثلاثة فصاعداً من قوم شتى من الزنج والروم والعرب، وقال العيني: القبيل هنا بمعنى القبيلة، ولم أره كذا في كتب اللغة، ولكيز - بضم اللام وفتح الكاف وآخره زاي معجمة -: أبو قبيلة، وهو لكيز بن أفْصى - بالفاء والصاد المهملة والألف - ابن عبد القيس بن أفصى بن دُعْمِيّ - بضم الدال وسكون المهملة وكسر الميم وتشديد الياء - ابن جَدِيلة - بالجيم - ابن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، وكان لكيز عاقاً لأمه لَيْلى، وكانت تحبه، وكان شقيقه شَنٌّ باراً بها، فحملها شَنٌّ ذات يوم فجعلت تقول: فَدَيْت لُكَيزاً، فرمى بها شن من بعيرها، وكانت عجوزاً كبيرة، فماتت، فقال شنَّ: دونَكَ لكيزُ جَعَرَاتِ (1) أُمِّك، وقال: " يَحْمِلُ شَنٌّ ويُفَدَّى لُكَيز " فذهبت مثلاً، فولد لكيز وديعة
وصُبَاحاً - بضم الصاد - ونُكْره - بضم النون - وكل منهم بطن، ثم
__________
(1) الجعرات: جمع جعرة، وهو ما ليس من العذرة في الدبر (*)(4/210)
صار في أولاد كل منهم بطون، كذا في جمهرة الأنساب، وشاهد: بمعنى حاضر، وبه روي أيضاض، والرهط: قوم الرجل وقبيلته، والرهط أيضاً: ما دون العشرة من الرجال لا تكون فيهم امرأة، ومرجوم: بالجيم، قال ابن دريد في الجمهرة هو لقب رجل من العرب، كان سيداً ففاخر رجلاً من قومه إلى بعض ملوك الحيرة، فقال له: " قد رَجَمْتُك بالشرف "، فسمي مرجوماً، وأنشد هذا البيت، وكذا في التصحيف للعسكري، قال: " وفي فرسان عبد القيس مرجوم بن عبد القيس بعد الراء جيم، قال الشاعر: * رَهْطُ مَرْجُومٍ وَرَهْطُ ابنِ الْمُعَلّ * وإنما سمي مرجوماً لأنه نافر رجلاً إلى النعمان فقال له النعمان: " قد رَجَمَكَ بالشرف " فسمي مرجوماً، وإنما ذكرته لان من لا يعرفه يصحفه بمرحوم - بحاء غير معجمة، وأما مرحوم بن عبد العزيز - بالحاء غير المعجمة - فرجل من محدثي البصرة " انتهى ورهط مرجوم: بالرفع خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو رهط مرجوم، ويجوز نصبه بتقدير أعني، وقال العيني: " رهط مرجوم بالرفع بدل من قبيل أو عطف بيان " هذا كلامه فتأمله (1) .
وقال الأعلم: " مرجوم وابن المعل سيدان من لُكَيز " وهذه نسبة مرجوم من الجمهرة، قال: " مرجوم هو ابن عبد عمرو بن قيس بن شهاب بن زياد بن عبد الله بن زياد بن عَصَر - بتحريك المهملات - بن عمرو بن عوف بن بكر بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز " وأما المعلى فقد قال ابن
دريد في الجمهرة: " هو جد الجارود بشر بن عمرو بن المعلى " انتهى والجارود: اسمه بشر، وسمي الجارود لبيت قاله بعض الشعراء (من الطويل) :
__________
(1) الخطأ في تجويزه عطف البيان، لكون الثاني معرفة والاول نكرة، وشرطه التوافق (*)(4/211)
* كما جردا الْجَارُود بَكْرَ بْنَ وَائِلِ * (1) وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابنه المنذر بن الجارود استعمله علي بن أبي طالب رضي الله عنه على فارس، وعبد الله بن الجارود كان رأس عبد القيس، واجتمعت إلى القبائل من أهل البصرة وأهل الكوفة فقاتلوا الحجاج فظفر بهم، فأخذه الحجاج فصلبه، والحكم بن المنذر بن الجارود سيد عبد القيس (2) مات في حبس الحجاج الذي يعرف بالدِّيماس، وهذه نسبته من الجمهرة: الجارود: هو بشر بن حَنَش بن المعلى، وهو الحارث بن يزيد بن حارثة بن معاوية بن ثعلبة بن جذيمة بن عوف بن بكر بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز المذكور، ولم أقف على ما قبل البيت وبعده حتى أورده.
ولبيد رضي الله عنه صحابي تقدمت ترجمته في الشاهد الثاني والعشرين بعد المائة من شرح شواهد شرح الكافية وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس بعد المائة وهو من شواهد سيبويه (من الرجز) 105 - خَالِي عُوَيْفٌ وأبو علج * المطعمان اللحم بالعشج
__________
(1) في اللسان (ج ر د) والجارود العبدى: رجل من الصحابة، واسمه بشر ابن عمرو، وسمى الجارود لانه فر بأبله إلى أخواله من بنى شيبان وبابله داء ففشى ذلك الداء في إبل أخواله فأهلكها، وفيه يقول الشاعر: * لقد جَرَدَ الْجَارُود بَكْرَ بْنَ وَائِلِ *
ومعناه شتم عليهم، وقيل: استأصل ما عندهم، وللجارود حديث، وقد صحب النبي صلى الله عليه وسلم وقتل بفارس في عقبة الطين (2) وهو الذى عناه الشاعر بقوله: يا حكم بن المنذر بن الجارود * سرادق المجد عليك ممدود وهو من شواهد سيبويه (*)(4/212)
وبالغداة فلق البرنج * يقلع بالود وبالصيصج على أن بعض بني سعد يبدلون الياء، شديدة كانت أو خفية، جيماً في الوقف، كما في قوافي هذه الأبيات، فإن الجيم في أواخر ما عدا الأخير بدل من ياء مشددة، وأما الاخير فالجيم فيه بدل من ياء خفيفة، كما يأتي بيانه وإنما حركها الشاعر هنا لأنه أجرى الوصل مجرى الوقف، قال سيبويه: " وأما ناس من بني سعد فإنهم يبدلون الجيم مكان الياء في الوقف، لأنها خفية، فأبدلوا من موضعها أبين الحروف، وذلك قولهم: هذا تميمجُّ، يريدون تميميّ، وهذا علج، يريدون عليّ، وسمعت بعضهم يقول: عربانجّ يريدون عربانيّ، وحدثني من سمعهم يقولون: خَالِي عُوَيْفٌ وَأَبُو عَلِجِّ * الْمُطْعِمَانِ اللحم بالْعَشِجِّ * وَبِالْغَدَاةِ فِلَقَ الْبَرْنِجِّ * يريدون بالعشى والبرنى، فزعم أنهم أنشدوه هكذا " انتهى كلامه ولم يذكر إجراء الوصل مجرى الوقف، وذكره الزمخشري في المفصل، وكلام ابن جني في سر الصناعة وغيره ككلام سيبويه، قال ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل: " ومتى خرج هذا الإبدال عن هذين الشرطين، وهما الياء المشددة والوقف، عدوه شاذاً، ولذلك قال الزمخشري: وقد أجرى الوصل مجرى الوقف "
انتهى.
وهذه الأبيات لبدوي، قال ابن جني في سر الصناعة: " قرأت على أبي بكر، عن بعض أصحاب بن السكيت، عن يعقوب، قال: قال الأصمعي: حدثني خلف، قال: أنشدني رجل من أهل البادية: * عَمِّي عُوَيْفٌ وأبُو عَلجِّ *(4/213)
إلى آخر الأبيات الأربعة يريد أبو علي وبالعشي والصيصَية، وهي قرن البقرة " انتهى.
وقال شارح شواهد أبي علي الفارسي: " جاء به أبو علي شاهداً على أن ناساً من العرب يبدلون من الياء جيماً، لما كان الوقف على الحرف يخفيه والإدغام فيه يقتضي الإظهار ويستدعيه أبدلوا من الياء المشددة في الوقف الجيم، لأنها أبين، وهي قريبة من مخرجها، وزعم أبو الفتح أنه احتاج إلى جيم مشددة للقافية، فحذف الياء ثم ألحق ياء النسب كما ألحقوها في الصفات مبالغة، وإن لم يكن منسوباً في المعنى نحو أحْمَريٌّ في أحمر، ثم أبدل من الياء المشددة جيماً، ثم قال: وما علمت أحداً تعرض لتفسيره قبلي، سوى أبي علي فيما أظن، قال الشيخ: أقرب من هذا وأشبه بالمعنى أن يكون أراد الصيصاء، وهو ردي التمر الذي لا يعقد نوى، ألحقته بقنديل فقال: صيصئ، ثم أبدل من الياء جيماً في الوقف، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف في هذا " انتهى كلامه افتخر بخاله أو بعميه، والمطعمان: صفة لهما، واللحم والشحم: مفعوله، والعشي: قيل: ما بين الزوال إلى الغروب، وقيل: هو آخر النهار، وقيل: من الزوال إلى الصباح، وقيل: من صلاة المغرب إلى الْعَتْمة، كذا في المصباح، والغداة: الضحوة، والفِلَق - بكسر الفاء وفتح اللام - جمع فِلقَة، وهي القطعة
وروي " قِطَعَ " بدله، وروى أيضاً " كُتَلَ البرنج " وهو جمع كُتْلَة - بضم الكاف - قال الجوهري: الكتلة: القطعة المجتمعة من الصمغ وغيره، والبَرْنِي - بفتح الموحدة -: نوع من أجود التمر، ونقل السهيلي أنه عجمي، ومعناه حمل مبارك، قال: " بر " حمل و " نى " جيد، وأدخلته العرب في كلامها وتكلمت به، كذا في المصباح، وأقول: " بَرْ " في لغة ثمرة الشجرة أيّ شجرة كانت، وأما حملها فهو عندهم " بارْ " بزيادة ألف، والفرق أن " بَرْ " الثمر الذي يؤكل، وأما " بارْ " فعام سواء كان مما يؤكل أم لا، فصوابه أن يقول: " بَرْ " ثمر الشجر لا حملها، وأما " نى "(4/214)
فأصله نيك - بكسر النون، فعند التعريب حذفت الكاف وشددت الياء، و " نيك " في لغة الفرس الجيد، ويُقْلَع بالبناء للمفعول، ونائب الفاعل ضمير البرنج، وَالجملة حال منه، وقال العيني: صفة له، والود، بفتح الواو لغة في وَتِدٍ، والصيصِيَة بكسر الصادين وتخفيف الياء: القرن، واحد الصِّيصِي، والجمع الصياصِي، وصياصِي البقر: قرونها، وكان يقلع التمر المرصوص بالوتد وبالقرن، قال ابن المستوفي: الصيصي: جمع صيصِيَة، وهي القرن، كأنه شدد في الوقف على لغة من يشدد ثم أبدل، وزادها أن أجرى الوقف مجرى الوصل، كما قال (من الرجز) : * مِثْلَ الْحَرِيقِ وَافَقَ الْقَصَبَّا * وقال الزمخشري في الحواشي: " شدد ياء الصيصي في الوقف كما لو وقف على القاضي " انتهى وقال ابن جني في شرح تصريف المازني: " الذي عندي فيه أنه لما اضطر إلى جيم مشددة عَدَل فيه إلى لفظ النسب، وإن لم يكن منسوباً في المعنى، كما تقول: أحمر وأحْمَرِيّ، وهو كثير في كلامهم، فإذا كان الأمر كذلك جاز أن يراد بالصيصج لفظ النسب، فلما اعتزمت على ذلك حذفت تاء التأنيث، لأنها لا تجتمع
مع ياء النسبة، فلما حذفت الهاء بقيت الكلمة في التقدير صيصٍ بمنزلة قاضٍ، فلما ألحقها ياء النسبة حذفت الياء لياء النسبة، كما تقول في النسبة إلى قاض: قاضيّ، فصارت في التقدير صيصيّ، ثم إنها أبدلت من الياء المشددة الجيم، كما فعلت في القوافي التي قبلها، فصارت صيصجّ، كما ترى، فهذا الذي عندي في هذا، وما رأيت أحدا من عرض لتفسيره، إلا أن يكون أبا علي فيما أظنه " انتهى وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس بعد المائة (من الرجز) : 106 - يَا رَبِّ إن كنت قبلت حجتج * فلا يزال شاحج يأتيك بج(4/215)
أقمر نهات ينزى وفرنج على أنه أبدل الجيم من الياء الخفيفة، وأصله حِجَّتي وبِي ووَفْرَتي، بياء المتكلم في الثلاثة وأنشد أبو زيد هذه الأبيات الثلاثة في أوائل الجزء الثالث من نوادره، قال: " قال المفضل: أنشدني أبو الغول هذه لبعض أهل اليمن " ولم يخطر ببال أبي علي ولا على بال ابن جني رواية هذه الأبيات عن أبي زيد في نوادره، ولهذا نسباها إلى الفراء، وقالا: أنشدها الفراء، ولو خطرت ببالهما لم يعدلا عنه إلى الفراء البتة، لأن لهما غراماً بالنقل عن نوادره، ولو أمكنها أن لا ينقلا شيئاً إلا منها فعلا، قال ابن جني في سر الصناعة: " وكان شيخنا أبو علي يكاد يصلي بنوادر أَبي زيد إعظاماَ لها، وقال لي وقت قراءتي إياها عليه: ليس فيها حرف إلا لأبي زيد تحته غرض ما، وهو كذلك، لأنها محشوة بالنكت والأسرار " انتهى كلامه رحمه الله ولله در الشارح المحقق في سعة إطلاعه، فإنه لم يشاركه أحد في نقل هذه
الأبيات عن أبي زيد إلا ابن المستوفي وقد ذهب ابن عصفور في كتاب الضرائر إلى أن إبدال الياء الخفيفة جيماً خاص بالشعر، ولم أره لغيره، قال: " ومنها إبدالهم الجيم من الياء الخفيفة، نحو قول هِمْيَان بن قُحَافَة (من الرجز) (1) * يُطِيرُ عَنْهَا الْوَبَرَ الْصُّهَابِجَا * يريد الصُّهَابيَّ، فحذف إحدى الياءين تخفيفاً، وأبدل من الأخرى جيماً، لتتفق القوافي، وسهل ذلك كون الجيم والياء متقاربين في المخرج، ومثل ذلك قول الآخر، أنشده الفراء:
__________
(1) انظر سمط الالى في شرح أمالى على القالى (ص 572) (*)(4/216)
* يَا رَبِّ إنْ كُنْتَ قَبِلَتَ حِجَّتِجْ * إلى آخر الأبيات يريد حجتي، ويأتيك بي، ويُنَزِّي وفرتي، فأبدل من الياء جيماً، وقول الآخر (من الرجز) : * حَتَّى إذَا مَا أمسحت وَأَمْسَجَا * يريد أمْسَتْ وأمْسَى: لأنه رَدَّهما إلى أصلهما وهو أمْسَيَتْ وأمْسَيَا، ثم أبدل الياء جيماً لتقاربهما لما اضطر إلى ذلك " انتهى وجعله ابن المستوفي من الشاذ، قال: " ومن الإبدال الشاذ قوله، وهو مما أنشده أبو زيد: * يَا رَبِّ إنْ كُنْتَ قَبِلْتَ حِجَّتِجْ * وهذا أسهل من الاول، لانه أورد الشاعر في الوقف، إلا أن الياء غير مشددة " انتهى وقوله " يا ربن إن كنت " أنشده الزمخشري في المفصل " لاَهُمَّ إن كنت "
وكذا أنشده ابن مالك في شرح الشافية، والحجة - بالكسر -: المرة من الحج، قال القيومى في المصباح: " حج حجا من باب قتل: قصد، فهو حاج، هذا أصله، ثم قصر استعماله في الشرع على قصد الكعبة للحج أو العمرة، يقال: ما حج ولكن دَجّ، فالحج: القصد للنسك، والدج: القصد للتجارة، والاسم الحج بالكسر، والحجة المرة بالكسر، على غير قياس، والجمع حِجَجٌ، مثل سِدْرَة وسدَر، قال ثعلب: قياسه الفتح، ولم يسمع من العرب، وبها سمي الشهر ذو الحجة بالكسر، وبعضهم يفتح في الشهر، وجمعه ذوات الحجة " انتهى والشاحج - بالشين المعجمة والحاء المهملة قبل الجيم -: البغل والحمار، من شَحَجَ البغل والحمار والغراب - بالفتح - يشحج - بالفتح والكسر - شَحِيجاً وشُحاجاً، إذا صوت، وقال بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل: " قال(4/217)
صدر الأفاضل: أراد بشاحج حماراً: أي عَيْراً، قيل في نسخة الطباخي بخطه: شبه ناقته أو جملة، بالعَيْر " انتهى وروى ابن جني عن أبي علي في سر الصناعة " شامخ " أيضاً بالخاء المعجمة بعد الميم، وقال: يعني بعيراً مستكبراً، انتهى.
وهذا لا يناسبه " أقمر نهات " وقوله " يأتيك " يأتي بيتك بي، والأقمر: الأبيض، والنَّهَّات: النَّهَّاق، يقال: نَهَتَ الحمار يَنْهِتُ - بالكسر - أي نهق، ونَهَت الأسد أيضاً: أي زأر، والنهيت: دون الزئير، وينزى - بالنون والزاي المعجمة -: أي يحرك، والتنزيه: التحريك، والْوَفْرَة بالفاء: الشعر إلى شحمة الأذن، قال ابن المستوفي: أي يحرك لسرعة مشيه، وقال بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل قيل: عبر بالوَفْرَة عن نفسه كما يعبر بالناصية تسمية للمحل باسم الخال، يقول: اللهم
إن قبلت حجتي هذه فلا تزال دابتي تأتي بيتك وأنا عليها محرك وَفْرَتي أو جسدي في سيرها إلى بيتك: أي إن علمت أن حجتي هذه مقبولة فأنا أبداً أزور بيتك وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع بعد المائة (من الرجز) : 107 - الله نجاك بكفي مسلمت * مِنْ بَعْدِ مَا وَبَعْدِ مَا وَبَعْدِ مَتْ صَارَتْ نُفُوسُ الْقَوْمِ عِنْد الْغَلْصَمَتْ * وَكَادَتْ الْحُرَّةُ أنْ تُدْعَى أمَتْ على أن هاء التأنيث في نحو مَسْلَمَتْ وَالْغًلْصَمَتْ وأمَتْ بعضُ العرب يقف عليها بالتاء كما هنا، وأبو الخطاب من مشايخ سيبويه، وهذا الكلام نقله عنه سيبويه في كتابه بدون هذا الشعر، وهذا نصه (1) : " أما كل اسم مُنَوَّن فإنه
__________
(1) انظر كتاب سيبويه (2: 281) تعلم أنه لم ينقل العبارة بحروفها، ولكنه تصرف فيها (*)(4/218)
يلحقه في حال النصب في الوقف الألف، كراهية أن يكون التنوين بمنزلة النون اللازمة للحرف، ومثل هذا في الاختلاف الحرف الذي فيه تاء التأنيث، فعلامة التأنيث - إذَا وَصَلْته - التاءُ، وإذا وقفت ألحقت الهاء، أرادوا أن يفرقوا بين هذه التاء والتاء التي هي من نفس الحرف نحو تاء ألْقَتِّ (1) وما هو بمنزلة ما هو من نفس الحرف نحو تاء سَنْبَتَة (2) وتاء عِفْرِيت، لأنهم أرادوا أن يلحقوها ببناء قحطبة وقنديل، وكذلك التاء في بنْتٍ وأُخت: لأن الاسمين ألحقا بالتاء ببناء عُمْر وعِدْل، وفرقوا بينها وبين منطلقات لأنها كأنها منفصلة من الأول، وتاء الجميع أقرب إلى التاء التي بمنزلة ما هو من نفس الحرف من تاء طلحة، لأن تاء طلحة كأنها منفصلة، وزعم أبو الخطاب أن نَاساً من العرب يقولون في الوقف: طَلْحَتْ، كما قالوا في تاء الجميع قولاً واحداً في الوقف والوصل " انتهى كلام
سيبويه وقال ابن جني في سر الصناعة: " فأما قولهم قائمة وقاعدة فإنما الهاء في الوقف بدل من التاء في الوصل، والتاء هي الأصل، فإن قيل: وما الدليل على أن التاء هي الأصل وأن الهاء بدل منها؟ فالجواب أن الوصل ما يُجْرَى فيه الأشياء على أصولها، والوقف من مواضع التغيير، ألا ترى أن من قال في الوقف: هذا بَكُرْ، ومررت بَبَكِرْ، فنقل الضمة والكسرة إلى الكاف في الوقف، فإنه إذا وصل أجرى الأمر على حقيقته، وكذلك من قال في الوقف هذا خالِدّ، وهو يجعلّ، فإنه إذا وصل خفف الدال واللام، على أن من العرب من
__________
(1) القت: اسم للكذب، ومنه الحديث " لا يدخل الجنة قتات " هو النمام أو المتسمع أحاديث الناس (2) هذا التمثيل في نص كلام سيبويه، وقد اعترضه أبو سعيد السيرافى بأن هذا المثال مما يوقف عليه بالهاء لا التاء فكان ينبغى أن يمثل بسنبت ونحوه مما يوقف عليه بالتاء (*)(4/219)
يجري الوقف مجرى الوصل، فيقول في الوقف: هذا طلحت، وعليه السلام والرحمت، وأنشدنا أبو علي (من الرجز) : * بَلْ جَوْزِتَيْهَاءَ كَظَهْرِ الْحَجَفَتْ * وأخبرنا بعض أصحابنا يرفعه بإسناده إلى قُطْرُب أنه أشد (من الرجز) : الله نجاك بكفي مسلمت * من بعدما وبعدما وَبَعْدِمَتْ صَارَتْ نُفُوسُ الْقَوْمِ عِنْدَ الْغَلْصَمَتْ * وَكَادَتِ الْحُرَّةُ أنْ تُدْعَى أمَتْ فلما كان الوصل مما يُجْرَى فيه الأشياء على أصولها في غالب الأمر، وكان الوقف مما يغير فيه الأشياء عن أصولها، ورأينا علم التأنيث في الوصل تاء نحو قائِمَتَانِ وقائمتكم، وفي الوقف هاءً نحو ضاربَهْ، علمنا أن الهاء في الوقف بدل
من التاء في الوصل، وأما قوله " وبعد مت " فأصله " وبعد ما " فأبدل من الألف في التغيير هاء، فصارت " وبَعْدِمه " كما أبدلها الآخر من الألف فقال فيما أخبرنا به بعض أصحابنا يرفعه بإسناده إلى قُطْرُب (من الرجز المجزوء) : قَدْ وَرَدَتْ مِنْ أمْكِنَهْ * من ها هنا وَمِنْ هُنَهْ يريد " ومن هنا " فأبدل من الألف في الوقف هاء، فصار التقدير على هذا " مِنْ بَعْدِ مَا وَبَعْدِ مَا وبعدمَهْ " ثم أبدل الهاء تاء ليوافق بقية القوافي التي تليها، ولا تختلف، وشجعه على ذلك شبه الهاء المقدرة بهاء التأنيث في طلحة وحمزة، ولما كان يراهم يقولون في بعض المواضع في الوقف: هذا طَلْحَتْ، قال هو أيضاً: " وبعدمَتْ " فأبدل الهاء المبدلة من الألف تاء تشبيهاً لفظيّاً، وأما ما قرأته على محمد بن الحسن من قول الآخر (من المتقارب) : إذَا اعْتزَلَتْ مِنْ مَقَامِ الْقَرِينِ * فَيَا حُسْنَ شَمْلَتِهَا شَمْلَتَا فقال فيه: إنه شبه هاء التأنيث في " شملة " بالتاء الأصلية في نحو بَيْت وَصوت، فألحقها في الوقف عليها ألفاً، كما تقول: رأيت بيتاً، فَشَمْلَتَا على هذا(4/220)
منصوب على التمييز، كما تقول: يا حُسْنَ وجهها وَجْهاً: أي مِنْ وجه " انتهى كلام ابن جني باختصار.
فقول الشارح المحقق " والظاهر أن هؤلاء لا يقولون في النصب رأيت أمَتَا " يريد أنهم لا يقولون في الاختيار، وأما في الضرورة فقد قيل، كما نقله ابن جني في " شَمْلَتَا ".
وروى ابن عصفور الشعر في كتاب الضرائر بالهاء على الأصل، قال: " ومنه إبدال ألف " ما " و " ها هنا " هاء في الوقف عند الاضطرار إلى ذلك نحو قوله: الله نَجَّاكَ بِكَفِّي مَسْلَمَهْ * مِنْ بَعْدِمَا وَبَعْدِمَا وَبَعْدِمَهْ
يريد " وبعدما " وقوله: قَدْ وردت من أمكنه * من ههنا وههنه يريد " وها هنا " وسهل ذلك كون الألف والهاء من مخرج واحد " انتهى.
وهذا الشعر لم أقف على قائله.
وقوله " الله نجاك - إلخ " الله: مبتدأ، وجملة " نجاك " خبره، ونجاه من الهلاك تنجيةً: أي خلَّصَه، ويقال: أنجاه، أيضاً، وبه رواه ابن هشام في شرح الألفية، و " بكَفَّي " الباء متعلقة بنجاك، وكفي: مثنى كف، قال الأزهري: الكف الراحة مع الأصابع، سميت بذلك لأنها تكف الأذى عن البدن، وأراد بالكف اليد، من إطلاق الجزء على الكل، واليد: من المنكب إلى أطراف الأصابع، والمراد من اليد هنا الدفع، يقال: مالي بهذا الأمر يد، ولا يدان، لأن المباشرة والدفاع إنما تكون باليد، فكأن يَدَيْه معدومتان لعجزه عن الدفع، وإنما ثنى لأن كمال الدفع بهما، قال ابن الأثير في النهاية: " في الحديث " عليكم بالجماعة فإن يد الله عليها " كناية عن الحفظ والدفاع عن أهل الضر، كأنهم خصوا بواقية الله وحسن دفاعه، ومنه الحديث الآخر " يَدُ الله على الجماعة " أي أن الجماعة المتفقة من أهل الإسلام في كَنَف الله ووقايته "(4/221)
ومَسْلَمة - بفتح الميم واللام - الظاهر أنه مسلمة بن عبد الملك بن مروان، وقوله " من بعدما " الأصل من بعدما صارت نفوس القوم فكرر " من بعدما " ثلاث مرات للتهويل، وأبدل ألف ما الثالثة هاء فتاء للقافية، وقوله " صارت نفوس القوم " متصل في التقرير ببعدما الأولى، ويقدر للثانية والثالثة مثلها، أولا يقدر، لأنهما كررا لمجرد التهويل، و " ما " قيل: هي كافة لبعد عن الإضافة ومهيئتها للدخول على الجملة الفعلية، وقيل: مصدرية، وهو الأولى، لأن فيه إبقاء " بعد "
على أصلها من الإضافة، ولأنها لو لم تكن مضافة لنونت، كذا قال ابن هشام في المغني، والنفوس: جمع نفس، وهي الروح، يقال: جاد بنفسه، وخرجت نفسه، وهي مؤنثة، قال تعالى: (خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) وإن أريد بها الشخص فمذكرة، كذا في المصباح، والْغَلْصَمَة - بالفتح: رأس الحلقوم، وهو الموضع النّاتئ في الحلق، والجمع غَلاَصم، كذا فيه أيضاً، و " كادت " معطوف على صارت، والحرة: خلاف الأمة، والحر: خلاف العبد، وأصل الحر الخالص من الاختلاط بشئ غيره، فالحر والحرة مأخوذان منه، لأنهما خلصا من الرق، يقول: كاد الأعداء يُسْبَوْنَ فتصير الحرة أمة، و " تدعى " بالبناء للمفعول: أي تسمى، وجاءت أن في خبر كاد على أحد الجائزين وأنشد الجاربردي هنا، وهو الشاهد الثامن بعد المائة (من الرجز) 108 - لَوْ كُنْتُ أدْرِي فَعَلَيَّ بَدَنَهْ * مِنْ كَثْرَةِ التَّخْلِيطِ أنِّي مَنْ أنَهْ على أنه يوقف على " أنا " بالهاء قليلاً، كما في البيت قال ابن جني في سر الصناعة: " فأما قولهم في الوقف على " أنَ فَعَلْتُ ": أنا، وَأَنَهْ، فالوجه أن تكون الهاء في " أنَهْ " بدلاً من الألف في " أنا " لأن الأكثر في الاستعمال إنما هو أنا بالألف، والهاء قليلة جداً، فهي بدل من الألف، ويجوز(4/222)
أن تكون الهاء أيضاً في " أنَهْ " أُلحقت لبيان الحركة كما ألحقت الألف، وَلا تكون بدلاً منها، بل قائمة بنفسها " انتهى والبدنة: ناقة أو بقرة أو بعير، ولا تقع على الشاة، وقال بعض الأئمة: البدنة هي الإبل خاصة، وإنما ألحقت البقرة بالإبل بالسُّنَّة، وقوله " من كثرة " متعلق بالفعل المنفي ضمناً: أي ما أدري من كثرة التخليط، والتخليط في الأمر:
الإفساد فيه، و " أنِّي " بفتح الهمزة، ومَنْ: مبتدأ، وأنَهْ: خبره، وقيل بالعكس، والجملة في محل رفع خبر أنِّي، وجملة " أنِّي من أنه " في محل نصب سادة مسد مفعولي أدري، وروى صدره الشارح المحقق رحمه الله في شرح الكافية " إنْ كُنْتُ أدْرِي " بإن الشرطية وهذا البيت لم أقف على أثر منه وأنشد هنا، وهو الشاهد التاسع بعد المائة (من الوافر) : 109 - أنَا سَيْفُ الْعَشِيرَةِ فَاعْرِفُونِي * حُمَيْداً قَدْ تَذَرَّيْتُ السِّنَامَا على أن إثبات ألف " أنا " في الوصل لضرورة الشعر، كما في البيت، والقياس حذفها فيه وتقدم ما يتعلق به في الشاهد الثامن والسبعين بعد الثلاثمائة من شرح شواهد شرح الكافية وَ " حُمَيْداً " روي مصغراً ومكبراً، وهو بدل من الياء في " فاعرفوني " لبيان الاسم، أو هو منصوب على المدح بتقدير أعني، وَ " تَذَرَّيْتُ السنام " بمعنى علوته، وهو من الذروة بالكسر والضم، وهو أعلى السنام، وحقيقته علوت ذروة السنام، وقائله حميد بن بحدل الكلبى، وتقدمت ترجمته هناك(4/223)
وأنشد بعده، وهو الشاهد العاشر بعد المائة (من الرمل) 110 - يَا أبَا الأَسَودِ لِمْ خَلَّيْتَنِي * لِهُمُومٍ طَارِقَاتٍ وَذِكَرْ على أنه سكن الميم من " لِمْ " إجراء للوصل مجرى الوقف وتقدم أيضاً ما يتعلق به في الشاهد السادس عشر بعد الخمسمائة من شرح شواهد شرح الكافية
و" لِمْ " معناه لاجل أي شئ، وَخَلَّيْتَنِي: تركتني، وروي " أسْلَمْتَنِي " وروي أيضاً " خَذَّلْتَنِي "، والطروق: المجئ ليلاً، وإنما جعل الهموم طارقات لأن أكثر ما يعتري الإنسان في الليل حيث يجمع فكره ويخلو بَالُهُ فيتذكر ما فيه من الهموم المؤلمة، و " ذِكَر " بكسر ففتح جمع ذكر على غير قياس وأنشد بعده، وهو الشاهد الحادس عشر بعد المائة (من الوافر) : 111 - عَلَى مَا قَامَ يَشْتِمُنِي لَئِيمٌ * كَخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ فِي دَمَانِ على أن بع العرب لا يحذف ألف " ما " الاستفهامية المجرورة وتقدم أيضاً ما يتعلق به في الشاهد السادس والثلاثين بعد الأربعمائة من شرح شواهد شرح الكافية وصواب العجز: * كخنزير تَمَرَّغَ في رماد * (1) لأن القافية دالية، وهو من أبيات لحسَّان بن ثابت شرحناها هناك وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاثنى عشر بعد المائة (من الرجز) : 112 - * قَالَتْ سُلَيْمَى اشْتَرْ لَنَا سَوِيقا *
__________
(1) هذا هو الموجود في نسخ الشارح التى بأيدينا (*)(4/224)
على أن الشاعر سكن الراء، وهي عين الفعل، وكان حقها الكسر، كأنه توهم أنها لام الفعل فسكن الامر (1) وأبو الخطاب: من مشايخ سيبويه، وما نقله عنه الشارح هو في كتاب سيبويه، وليس فيه هذا الشعر، وهذا نصه: " وزعم أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقولون: ادْعِه، من دعوت، فيكسرون العين، كأنها لما كانت في موضع الجزم توهموا أنها ساكنة، إذ كانت آخر شئ في الكلمة في موضع
الجزم، فيكسرون حيث كانت الدال ساكنة، لأنه لا يلتقي ساكنان، كما قالوا: رديا يا فتى، وهذه لغة رديئة، وإنما هو غلط، كما قال زهير (من الطويل) : بَدَالِيَ أنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ مَا مَضَى * وَلاَ سَابِقٍ شيئا إذا كان حائيا " انتهى.
وأورده ابن عصفور في الضرائر الشعرية، قال: " فإن كانت الضمة والكسرة اللتان في آخر الكلمة عَلاَمتي بناء اتفق النحويون على جواز حذفها في الشعر تخفيفاً، نحو قول أبى نخيلة (من الرجز) : إذا اعوجبن قُلْتُ صَاحِبْ قَوّمِ * بالدَّوِّ أمْثَالَ السَّفِينِ العُوَّم وقال العذافى الكندي (من الرجز) قَالَتْ سُلَيْمَى اشْتَرْ لَنَا دقيقا * وهات خبر الْبُرِّ أوْ سَوِيقَا وقال الآخر (من الرجز) فاحذ وَلاَ تَكْتَرْ كَرِيّاً أهْوَجَا * عِلْجاً إذَا سَاقَ بِنَا عَفَنْجَجَا وقال الآخر (من الوافر) : وَمَنْ يَتَّقْ فإن الله معه * ورزق الله موتاب وَغَادي ألا ترى أن الأصل: صاحِبُ قَوِّمِ، واشتر، ولا تكتر كريا، ومن يتق
__________
(1) في نسخة " فسكن اللام " وما هنا أدق (*)(4/225)
فإن الله معه، إلا أنه أسكن إجراء للمتصل مجرى المنفصل أو إجراء للوصل مجرى الوقف، كما تقدم في تسكين المرفوع والمخفوض؟ فأما قراءة من قرأ (ويَخْشَ الله ويَتَّقْهِ) فسكن القاف يريد ويتقه بكسرها، فإن التسكين فيها أحسن من التسكين في اشتر لنا وَأمثاله، لشدة اتصال الضمير بما قبله " انتهى وقال شارح شواهد أبي علي الفارسي: " لما كانت الياء في هذا الفعل حرف
علة، وكانت تحذف في حالتي الجزم والأمر وتبقى الكسرة في الراء قبلها دالة عليها، اغتفر هذا الشاعر كونها منتهى الكلمة فحذفها للأمر، شبَّه الوصل بالوقف، أو شبّه المتصل بالمنفصل، وهذا أشبهَ " أشْرَبْ (1) "، لأنه لم يخل بإعراب، لأن اتصال اللام بمتعلقها أشد من اتصال غيره، أو حذف الياء تخفيفاً كما حذفها من لا أدْرِ ولا أُبَالِ، ثم أدخل الجازم، ولم يعتد بما حذفه فأسكن للجزم كما أسكن لم أُبَلِهْ قبل أن يحرك لالتقاء الساكنين " انتهى كلامه والبيت الأول من الأربعة من شواهد سيبويه قال الأعلم: " الشاهد تسكين باء صاحبْ ضرورة، وهو يريد يا صاحبُ - بالضم - وهذا من أقبح الضرورة، والدوُّ: الصحراء، وأراد بأمثال السفين: رواحل محملة تقطع الصحراء كقطع السفن البحر " انتهى.
والبيت الشاهد من رجز أورده أبو زيد في نوادره لرجل من كندة يقال له العذافر، وهو: قَالَتْ سليمى اشتر لنا سويقا * وهات بُرَّ الْبَخْسِ أوْ دَقِيقَا واعْجَل بِلَحْمٍ نَتَّخِذْ خُرِدْيقا * واشْتَرْ وَعَجَّل خَادِمَاً لَبيقا واصْبُغْ ثِيَابِي صَبَغاً تَحْقِيقَا * مِنْ جَيِّدِ الْعُصْفُرِ لاَ تشريفا
__________
(1) يشير إلى قول امرئ القيسي فاليوم أشرب غير مستحقب * إثما من الله ولا واغل (*)(4/226)
الخرديق: المرقة باللحم، وتشريقاً: مشرق قليل الصبغ، واصبغ واصبغ: لغتان " انتهى.
وزاد بعدها أبو محمد الأعرابي ضالَّة الأديب سبعة أبيات، وهي: يَا سَلْمُ لَوْ كُنْتُ لِذَا مُطِيقَا
لَمَا جَعَلْتُ عَيْشَكُمْ تَرْمِيقَا فَارْضَيْ بِضَيْحِ الرَّائِبِ الممذوقا وارضى بِحَبِّ الْحَنْظَلِ الْمَدْقُوقَا فَبَرَّقَتْ وَصَفَّقَتْ تَصْفِيقَا ثُمَّ غَدَتْ تَلْتَحِمُ الطَّرِيقَا نَحْوَ الأَمِيرِ تَبْتَغِي التَّطْلِيقَا وقال: هذه الأبيات لسُكَيْن بن نضرة عبدٍ لبَجيلة، وكان تزوج بصرية فكلفته عيش العراق والسويق: ما يجعل من الحنطة والشعير، معروف، والبر - بالضم - الحنطة والقمح، والبخس - بفتح الموحدة وسكون الخاء المعجمة وآخره سين مهملة -: أرض تنبت من غير سقى، ورواه أبو محمد الأعرابي كذا: * وهَاتِ خُبْزَ الْبُرِّ أوْ دَقِيقَا * والخُرديق - بضم الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة - قال أبو الحسن فيما كتبه على نوادر أبي زيد: الخُرْديق بالفارسية: المرقة مرقة الشحم بالتابل، واللَّبيق: الحاذق، واللباقة: الحذاقة، واصبغ - بفتح الباء وضمها - من بابي نفَع وقتَل وفي لغة من باب ضرب، والصَّبَغ - بفتحتين - لغة في سكون الباء، وقوله " يا سَلُمُ " هو مرخم سَلْمَى، وكنتُ - بضم التاء - والترميق: ضيق المعيشة، وفلان مُرَمَّق العيش: أي ضيقة، ويروى: ترنيقاً - بالنون موضع(4/227)
الميم - وهو التكدير، قال ابن الأعرابي: رنَّق الماء ترنيقاً: أي كدره، والضَّيْح - بإعجام الأول وإهمال الآخر - وهو اللبن الرقيق من كثرة الماء، والمذق: الخلط، وارْضَيْ: أمر بالرضا في الموضعين، وبرقت: أي عبنها، وتلتحم الطريق:
أي تسده بكثرة الناس عليها من صياحها وشرها وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث عشر بعد المائة (من الوافر) : 113 - وَمَنْ يتق فإن الله معه * وَرِزْقُ الله مُؤْتَابٌ وَغَادِي لما تقدم قبله من تسكين الآخر، والقياس كسر القاف، وقد أورده الجوهري في موضعين من صحاحه: في مادة (أوب) قال: آب رجع، وأتَابَ مثل آب فَعَلَ وافْتَعَلَ بمعنى، وأنشد البيت، وأورده ثانياً في مادة الوقاية فأصل مؤتاب بهمز الواو، لأن الهمزة فاء الكلمة، والألف مبدلة من واو هي عين الكلمة ولم أقف على تتمته، ولا على قائله، ولم يكتب ابن بري ولا الصفدي عليه شيئاً في الموضعين.
وأنشد الجاربردي، وهو الشاهد الرابع عشر بعد المائة (من الرجز) : 114 - يَا رَبِّ يَا رَبَّاهُ إيَّاكَ أسَلْ * عَفْرَاءَ يَا رَبَّاهُ مِنْ قَبْلِ الأَجَلْ * فَإنَّ عَفْرَاءَ مِنَ الدُّنْيَا الأَمَلْ * على أن إلحاق هاء السكت في الوصل لضرورة الشعر، وحرّكَهَا بالكسر، ورُوِي ضمها أيضا.
وقد تكملنا عليه في الشاهد الثاني والثلاثين بعد الخمسمائة من شرح شواهد شرح الكافية.(4/228)
وأنشد بعده، وهو الشاهد الخامس عشر، وهو من شواهد سيبويه: (من الكامل) 115 - وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وَبَعْضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لاَ يَفرْ على أن أصله يفري، فحذفت الياء، وسكنت الراء، للوقف على القافية، ولا يبالون بتغير وزن الشعر وَانكساره
قال سيبويه: (1) " واعلم أن الياءات والواوات اللاتي هن لامات إذا كان ما قبلها حرف الروي فُعل بها ما فُعل بالياء والواو اللتين ألحقتا للمد في القوافي، لأنها تكون في المدة بمنزلة الملحقة، ويكون ما قبلها رَوِياً، كما كان ما قبل تلك رَوِياً، فلما ساوتها في هذه المنزلة ألقحت بها في المنزلة الأخرى، وذلك قولهم لزهير: * وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُم لاَ يَفْرْ * وكذلك " يغزو " لو كانت في قافية كنت حاذفها إن شئت، وهذه اللامات لا تحذف في الكلام، وما حذف منهن في الكلام فهو هاهنا أجدر أن يحذف، إذ كنت تحذف هنا مالا يحذف في الكلام انتهى كلامه.
قال الأعلم (1) : " الشاهد فيه حذف الياء في الوقف من قوله يَفْري فيمن سكن الراء، ولم يطلق القافية للترنم، وإثبات الياء أكثر وأقيس، لأنه فِعْل لا يدخله التنوين ويعاقب ياءه في الوصل، فيحذف لذلك في الوقف كقاض وغاز وما أشبههما " انتهى.
وقال شارح شواهد أبي علي الفارسي: " جاء شاهداً على أن مثل هذه الياء في الفواصل والقوافي حُذِف: حذف الياء لثقلها، ثم أسكن الراء للوقف، كما يفعل ذلك في الفواصل من كتاب الله، ولا يفعلون ذلك في الألف لخفتها إلا في ضرورة الشعر، كما قال (من الرمل) :
__________
(1) انظر كتاب سيبويه (2: 289) (*)(4/229)
رهط مرجوم ورهط ابْنِ الْمُعَلّ أراد المعلَّى، فحذف، وشبه الألف بالياء ضرورة " انتهى كلامه.
والبيت من قصيدة لزهير بن أبي سلمى مدح بها هَرِمَ بن سِنان المري، وقد شرحنا ثلاثة أبيات من أولها في الشاهد السابع والستين بعد الأربعمائة من شرح
شواهد شرح الكافية.
وقوله " ولأنت تفري إلخ " هذا مثل ضربه لممدوحه، وهو هَرِم بن سنان المري، والمراد العزم، و " تفري " بالفاء تقطع، يقال: فريت الاديم، إذا قطعته على وجه الإصلاح، وأفريته - بزيادة ألف - إذا قطعته على وجه الإفساد، والخَلْق: أحد معانيه التقدير، وهو المراد هنا، يقال: خلقت الأديم، إذا قدرته لتقطعه، فضربه هنا مثلاً لتقدير الأمر وتدبيره ثم إمضائه وتنفيذ العزم فيه، والمعنى أنك إذا تهيأت لأمر مضيت له وأنفذته ولم تعجز عنه، وبعض القوم يقدر الأمر وَيتهيأ له ثم لا يعزم عليه ولا يمضيه عجزاً وضعف همة: وأنشد بعده * رَهْطً مرجوم ورهط بن المعل * على أن أصله ان المعلَّى فحذفت الألف، لضرورة الشعر، وهو عجز وصدره: * وَقَبِيلٌ مِنْ لُكَيْزٍ شَاهِدٌ * وتقدم شرحه في الشاهد الثالث بعد المائة من هذا الكتاب.
وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس عشر بعد المائة (من الكامل) : 116 - وَلأَنْتَ أشْجَعُ مِنْ أسامة إذ * دعيت نزال ولج فِي الذُّعْرْ(4/230)
على أنه حذف الياء من " لا يَفْر " في البيت السابق تبعاً لحذف الياء من " الذُّعْر " في هذا البيت، والياء في " الذعر " إذا أطلقت القافية ولم تسكن تنشأ من كسرة الراء، فهي زائدة حصلت من الإشباع، بخلاف " يفري " فإنها لام الكلمة.
وهذا البيت قبل البيت السابق في القصيدة، وليس البيت في شعر زهير
كما أنشده، فإن المصراع الأول أجنبي، وإنما قوله: وَلَنِعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أنْتَ إذَا * دُعِيَتْ نَزَالِ وَلُجَّ فِي الذُّعْرْ وذاك المصراع إنما هو للمسَيَّب بن عَلَس، وهو قوله من قصيدة (من الكامل) : وَلأَنْتَ أشْجَعُ مِنْ أُسَامَةَ إذْ * يَقَعُ الصُّرَاخُ ولُجَّ في الدعر فالبيت مركب من شعرين، تبع فيه صاحب الصحاح، وقد حققنا الكلام فيه وفي القصيدتين في الشاهد السابع والستين بعد الأربعمائة.
وأسامة - بضم الهمزة - معرفة علم للأسد، " ودعيت " بالبنال للمفعول، و " نزال " في محل رفع نائب الفاعل، ونزال بالكسر: اسم فعل أمر بمعنى أنزل، وقد استدل الشارح المحقق وغيره بهذا البيت على أن فَعَالِ الامرى مؤنث، ولهذا أنث لها الفعل المسند إليها، ومعنى دعاء الأبطال بعضهم بعضاً بنزال أن الحرب إذا اشتدت بهم وتزاحموا فلم يمكنهم التطاعن بالرماح تَدَاعَوْا بالنزول عن الخيل والتضارب بالسيوف، ومعنى " لُجَّ في الذعر " بالبناء للمفعول: تتابع الناس في الفزع، وهو من اللِّجاج في الشئ، وهو النمادى فيه.
وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع عشر بعد المائة (من الطويل) :(4/231)
117 - وَقَدْ كُنْتُ مِنْ سَلْمَى سِنِينَ ثمانيا * على صِيرِ أمْرٍ مَا يُمِرُّ وَمَا يَحْلْ على أنه حذف الواو من " يَحْل " للوقف، وهي لام الكلمة، كما حذفت واو الإشباع من " الثقل " في البيت الذي هو بعده.
وهو مطلع قصيدة لزهير بن أبي سلمى مدح بها سنان بن أبي حارثة المري.
وصحا: أفاق: أي رجع عقله إليه، وأقفر: صار قفراً لا أنيس به، والتعانيق:
موضع، وكذا الثقل - بكسر المثلثة وسكون القاف - موضع، يقول أفاق قلبي من حُبِّ سلمى لبعدها منه، وقد كان لا يفيق من شدة التباس حبها به، وقوله: و " قد كنت من سلمى - إلخ " الصِّير - بكسر الصاد المهملة -: الإشراف على الشئ والقرب منه، يقال: أنا من حاجتي على صير: أي على طرف منها، وإشراف من قضائها، وفى الصحاح: " وأمر الشئ: صار مرا، وكذلك مر الشئ يمر بالفتح مرارة، وأمره غيره ومَرَّه " انتهى.
وأنشد العسكري هذا البيت في كتاب التصحيف، وقال: " على صِير أمْرٍ " على منتهاه ويقال: صِيره وصَيْرُورَتَهُ، قال أبو عمرو: أي على شَرَف أمرٍ، والياء من يُمرُّ مضمومة، لأن اللغة العليا أمر الشئ يُمر إمراراً، وهو مذهب البصريين وابن الأعرابي، وأهل بغداد يقولون: مر الشئ، قالوا: من العرب من يقول: مر الشئ يَمَرَ مَرَارَة، انتهى.
و" يحلو " مضارع حَلاَ الشئ: أي صار حلواً، وأما أحْلَى فمعناه أن يجعله حُلواً، يقال: فلان لا يحلو ولا يمر: أي لا يأتي بحلو ولا مر، وقوله " ما يمر وما يحلو " أي: لم يكن الأمر الذي بيني وبينهما مراً فأيأس منه، ولا حلواً فأرجوه، وهذا مثل، وإنما يريد أنها كانت لا تصرمه فيحمله ذلك على اليأس والسلو ولا(4/232)
تواصله كل المواصلة فيهون أمرها عليه، ويشفَي قلبه منها، يقول: كنت في هذه السنين بين يأس وطمع، ولم أيئس منها فيمِر عيشي ولم أطمع أن تصلني فيحلو، وأنشد بعده، وهذا الشاهد الثامن عشر بعد المائة (من الطويل) 118 - صَحَا الْقَلْبُ عَنْ سَلْمَى وَقَدْ كَادَ لاَ يَسْلْ * وأَقْفَرَ مِنْ سَلْمَى التَّعَانِيقُ فَالثِّقْلْ على أنه حذفت واو الإطلاق من " الثقل " فسكن اللام للوقف، وهذه
الواو ناشئة من إشباع ضمة اللام، وقد تقدم شرحه وأنشد بعده وهو الشاهد التاسع عشر بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: من الرجز) 119 - دَايَنْتُ أرْوَى وَالدُّيّونُ تقضى * فمطلت بعضا وأدت بعظا على أن الألف لا يجوز حذفها في الوقف قال سيبويه: " وأما يخشى ويرضى ونحوهما فإنه لا يحذف منهن الألف، لأن هذه الألف لما كانت تثبت في الكلام جعلت بمنزلة ألف النصب التي تكون في الوقف بدلاً من التنوين، فكما تبيِّن تلك الألف في القوافي فلا تحذف، كذلك لا تحذف هذه، فلو كانت تحذف في الكلام ولا تمد إلا في القوافي لحذفت ألف يخشى كما حذفت ياء يقضى، حيث شبهتها بالياء التي في " الأَيَّامِي " فإذا ثبتت التي بمنزلة التنوين في القوافي لم تكن التي هي لام أسوأ حالاً منها، ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول (من الطويل) : * ... لَمْ يَعْلَمْ لَنَا النَّاسُ مُصْرَعْ * فتحذف الألف؟ لأن هذا لا يكون في الكلام، فهو في القوافي لا يكون،(4/233)
فإنما فعلوا ذلك بيقضي ويغزو لأن بناءهما لا يخرج نظيره إلا في القوافى، وإن شئت حذفته فإنما ألحقتا بما لا يخرج في الكلام، وألحقت تلك بما يثبت على كل حال، ألا ترى أنك تقول: دَايَنْتُ أرْوَى وَالدُّيُونُ تُقْضَى * فَمَطَلَتْ بَعْضَاً وَأَدَّتْ بَعْضَا فكما لا تحذف ألف بعضاً كذلك لا تحذف ألف تُقْضَى " (1) انتهى.
وقوله " في الأيَّامِي " هو قطعة من بيت لجرير عليه رحمة ربه القدير، وهو:
(من الكامل) أيْهَاتَ مَنْزِلُنَا بِنَعْفِ سُوَيْقَةٍ * كانَتْ مُبَارَكَةً مِنَ الايامى وقول: " لم يعلم لنا الناس إلخ " فهو أيضاً قطعة من بيت ليزيد بن الطثريَّة (2) ، وهو: (من الطويل) فَبِتْنَا تَحِيدُ الْوَحْشُ عَنَّا كَأَنَّنَا * قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا
__________
(1) انظر كتاب سيبويه (ح 2 ص 300) (2) في الاغانى (ح 8 ص 155 طبع دار الكتب) : " والطثرية أمه فيما أخبرني به على بن سليمان الاخفش عن السكرى عن محمد بن حبيب، امرأه من طثر (بفتح فسكون) وهم حى من اليمن عدادهم في جرم، وقال غيره: إن طثرا من عنز ابن وائل إخوة بكر بن وائل ... وزعم بعض البصريين أن الطثرية أم يزيد كانت مولعة باخراج زبد اللبن فسميت الطثرية، وطثرة اللبن: زبدته " اه وفى القاموس (ط ث ر) " والطثرية محركة: أم يزيد بن الطثرية الشاعر القشيرى "، ولم يخالفه المرتضى في شرحه.
وفى ابن خلكان (2: 299) " والطثرية: بفتح الطاء وسكون الثاء وبعدها راء ثم ياء النسب وهاء، وهى أم يزيد ينسب إليها، وهى من بنى طثر بن عنز بن وائل، والطثر: الخصب وكثرة اللبن، يقال: إن أمه كانت مولعة بأخراج زبد اللبن " اه(4/234)
وَ " أرْوَى " بالقصر اسم امرأة.
يقول: أسلفتها محبة ووُدّاً توجب المكافأة عليها فلم تجازني على فعلي وهذا مطلع أرجوزة لرؤبة بن العجاج، إنما هي غَزَل وافتخار، قال الأصمعي: هي من رجز رؤبة القديم، وبعدهما:
وَهْي تَرَى ذَا حَاجَةٍ مُؤْتَضَّا * ذَا مُعْضٍ لَوْلاً تَرُدُّ الْمَعْضَا فَقُلْتُ قَوْلاً عَرَبِيًّا غَضَّا * لَوْ كَانَ خَرْزاً فِي الكُلاَ مَابَضَّا (1) قال الجوهري: يقال أضَّنِي إليك كذا وكذا يَؤُضُّنِي وَيَئْضُّني: أي الجأني واضطرني، وائتَضَّنِي إليه ائتضاضاً: أي اضطرني إليه، قال الراجز: * وَهْي تَرَى ذَا حَاجَةٍ مُؤْتَضَّا * انتهى.
وقوله " ذَا مَعَضٍ إلخ " هو بالعين المهملة، قال الجوهري: مَعِضْتُ من ذلك الأمر أمْعَضُ مَعَضاً.
وامتعضت منه، إذا غضبت وشق عليك، قال الراجز: * ذَا مَعَضٍ لَوْلاَ تَرُدُّ الْمَعْضَا * انتهى.
يريد أن فعله من باب فرِح، وجاء في مصدره تسكين العين أيضاً، كما في البيت، وترد بالبناء للفاعل، والغض - بالغين المعجمة -: الطريّ.
وقوله: " لو كان خَرْزاً في الكُلا " مرادهُ ما بضَّ منها بلل: أي لم يسل لإحكامه تتمة: لم يذكر الشارح المحقق حكم ألف الإطلاق التي لم يلحقها التنوين، وحكمُها جواز حذفها سواء كانت في اسم أم فعل، وقد ذكرها سيبويه، قال: " إذا أنشدوا ولم يترنموا فعلى ثلاثة أوجه: ثالثها أن يُجْرُوا القوافي مُجْراها لو كانت
__________
(1) انظر هذه الابيات في ديوان رؤبة (ص 79) (*)(4/235)
في الكلام ولم تكن قوافي شعر، جعلوه كالكلام حيث لم يترنموا وتركوا المدة (لعلمهم أنها في أصل البناء) (1) ، سمعناهم يقولون لجرير: (من الوافر) * أقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ وَالْعِتَابْ *
وللأخطل: (من البسيط) * وَاسْأَلْ بِمَصْقَلَة الْبَكْرِيِّ مَا فَعَلْ * وكان هذا أخف عليهم، ويقولون: (من الرجز) * قَدْ رَابَنِي حَفْصٌ فَحَرِّكْ حَفْصَا * يثبتون الألف، لأنها كذلك في الكلام " انتهى.
قال الأعلم: " الشاهد فيه حذف الألف من " ما فعلا " حيث لم يرد الترنم، وهذا في المنصوب غير المنون جائز حسن، مثله في الكلام، ولا فرق بينه وبين المخفوض والمرفوع في الحذف والسكون، ما لم يريدوا التغني، وقوله " قد رابني حفص إلخ ": " الشاهد فيه إثبات الألف في قوله " حفصاً " لأنه منون ولا يحذف في الكلام إلا على ضعف كالمُعَلْ " انتهى.
وأنشد بعده، وهو الشاهد العشرون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: (من البسيط) 120 - لاَ يُبْعِدِ الله إخْوَاناً تَرَكْتُهُمُ * لَمْ أدْرِ بَعْدَ غَدَاةِ الْعَيْنِ مَا صَنَعْ على أن أصله " صنعوا " فحذفت واو الضمير للوقف، وإن كان ينكسر الشعر بحذفها، فإنهم لا يبالون للوقف.
قال سيبويه: " وزعم الخليل أن ياء يقضي وواو إذا كانت واحدة منهما
__________
(1) الزيادة من كتاب سيبويه (ح 2 ص 299) (*)(4/236)
حرف الروي (لم تحذف، لأنها ليست بوصل حينئذٍ، وهي حرف روي) كما أن القاف في: * وقَاتِم الأعماق خَاوِي الْمٌخْتَرَقْ *
(حرف الروي) ، وكما لا تحذف هذه القاف لا تحذف واحدة منهما، وقد دعاهم حذف ياء يقضي إلى أن حذف ناس كثير من قيس وأسد الواوَ والياء اللتين هما علامة المضمر، ولم تكثر واحدة منهما في الحذف ككثرة ياء يقضي، لأنهما تجيئان لمعنى الأسماء، وليستا حرفين بنيا على ما قبلهما، فهما بمنزلة الهاء في قوله: (من الطويل) * يَا عَجَبَا لِلدَّهْرِ شَتَّى طَرَائِقُهْ * سمعت ممن يروي هذا الشعر من العرب ينشده (من البسيط) : لاَ يُبْعِدِ الله أصْحَاباً تَرَكْتُهُمْ * لَمْ أدْرِ بَعْدَ غَدَاةِ الْبَيْنِ مَا صَنَعْ يريد ما صنعوا.
وقال (من الكامل) * يَا دَارَ عَبْلَةَ بِالْجِوَاءِ تَكَلَّمْ * يريد تكلمي ".
مع أبيات أخر قال الأعلم: " الشاهد فيه حذف واو الجماعة من صنعوا، كما تحذف الواو الزائدة، إذا لم يريدوا الترنم، وهذا قبيح لما تقدم من العلة " (1) انتهى.
والبيت من قصيدة لتميم بن أُبَيِّ بن مُقْبِل، وقبله: نَاطَ الْفُؤَادُ مَنَاطاً لاَ يُلاَئِمُهُ * حَيَّانِ دَاعٍ لإصْعَادٍ وَمُنْدَفِعُ حَيٌّ مَحَاضِرُهُمْ شَتَّى ويَجْمَعُهُمْ * دَوْمُ الأَيَادِي وَفَاثُورٌ إذَا انْتَجَعُوا لاَ يُبْعِدِ الله أصحابا تركتهم * ... البيت
__________
(1) يريد بالذى تقدم أن الواو اسم جاء لمعنى فلا يحسن حذفه كما تحذف حروف الترنم إذا كانت زائدة(4/237)
ناط الشئ ينوط نوطاً: أي علَّقه، فالفؤاد مفعوله، وحَيَّان: فاعله، والحي: القبيلة، وداع ومندفع: بدل من حيان، وأصعد من بلد بكذا إلى بلد كذا إصعاداً،
إذا سافر من بلد سفلى إلى بلد عليا، وأصعد إصعاداً، إذا ارتقى شَرَفاً، كذا في المصباح، ومندفع: منحدر إلى أسفل، وَالْمَحَاضِر: الذين يحضرن المياه، في الصِّحاح " يقال: على الماء حاضر، وقوم حُضَّار إذا حضروا المياه، ومحاضر " وشَتَّى: جمع شتيت بمعنى متفرق، ودوْم الأيادي: موضع، وهو فاعل يجمعهم، وفاثُورٌ - بالفاء والمثلثة - معطوف على دوم، قال ياقوت في معجم البلدان: فاثُور: موضع أو واد بنجد، وأنشد هذا البيت، وإذا: ظرف ليجمعهم، وانتجع القوم: إذا ذهبوا لطلب الكلأ في موضعه وقوله " لا يُبْعِد الله إلخ " لفظه إخبار ومعناه دعاء، ويجوز أن يقرأ بالجزم على أنه دعاء صورة النهي، و " يبعد " مضارع أبعده بمعنى أهلكه، ويجوز أن يكون بمعنى بعّده تبعيداً: أي جعله بعيدا، و " إخوانا " مفعلوله، وتركتهم: فارقتهم، والبين: الفراق، وما: استفهامية وتميم: شاعر إسلامى معاصر للفرزدق وجرير وقد ترجمناه في الشاهد الثاني والثلاثين من شرح شواهد شرك الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الواحد والعشرون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: (من الكامل) 121 - يَا دَارَ عَبْلَةَ بِالْجِوَاءِ تَكَلَّمْ * وَعِمِي صَبَاحاًَ دَارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمْ على أن أصله تكلمي، واسلمي، حذف ضمير المخاطبة منهما - وهو الياء - للوقف والبيت من أوائل معلقة عنترة بن شداد العبسي، وعبلة - بالعين المهملة(4/238)
والموحدة -: اسم امرأة، والجواء - بكسر الجيم والمد -: اسم موضع، قال يونس: سئل أبو عمرو بن العلاء عن قول عنترة: وعِمِي صَبَاحاً، فقال: هو
من قولهم: يَعِم المطرُ ويَعِم البحرُ إذا كثر زبده، وكأن يدعو لدارها بكثرة الاستسقاء والخير، وقال الأصمعي: عِمْ وانْعَمْ واحد: أي كن ذا نعمة وأهل إلا أن عِمْ أكثر في كلام العرب، وأنشد بيت امرئ القيس (من الطويل) : الأعم صباحا أيها الطلل البالى * وهل يعمن من كان في العصر الخالى وقد استقصينا ما قيل في هذه الكلمة في الشاهد الثالث من أول شرح شواهد شرح الكافية.
و" دار عبلة " منادى، وحرف النداء محذوف، يقول: يا دار حبيبتي بهذا الموضع تكلمي، وأخبريني عن أهلك ما فعلوا، ثم أضرب عن استخبارها إلى تحيتها فقال: طاب عيشك في صباحك، وسلمت يادار حبيبتي.
وقد ترجمنا عنترة مع شرح شئ من هذه القصيدة، وبيان التسمية وعدد المعلقات في الشاهد الثاني عشر من أوائل شرح شواهد شرح الكافية.
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والعشرون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه (من الطويل) 122 - * خَلِيْلَيَّ طِيْرَا بِالتَّفَرُّقِ أوقعا * على أنه لا يجوز حذف الالف من " قعا " للوقف لانه ضمير مثنى، قال سيبويه: " وأنشدنا الخليل: * خَلِيْلَيَّ طِيْرَا بِالتَّفَرُّقِ أوْقَعَا * فلم يحذف الألف كما لم يحذفها من تُقْضَى "، قال الأعلم: " أراد أن الالف من قوله " قعا " لا تحذف كما لا تحذف ألف تُقْضى، يقال: وقع الطائر، إذا نزل بالأرض، والوقوع: ضد الطيران " انتهى.(4/239)
وخليليَّ: مثنى خليل مضاف إلى ياء المتكلم، و " طيرا " فعل أمر الطيران
مسند إلى ضمير الخليلين، و " قَعَا " فعل أمر من الوقوع مسند إلى ضميرهما، ومعموله محذوف، بدليل ما قبله: أي به ولم أقف على تتمته ولا على قائله والله تعالى أعلم وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والعشرون بعد المائة (من البسيط) : 123 - تَعَثَّرَتْ بِهِ فِي الأَفْوَاهِ ألسنها * والبرد في الطرق وَالأَقْلاَمُ فِي الْكُتُبِ على أنه إذا كان قبل هاء الضمير متحرك فلا بد من الصلة، إلا أن يضطر شاعر فيحذفها، كما حذفها المتنبي من قوله " به "، قال ابن جني في سر الصناعة: " ومن حذف الواو في نحو: (من الوافر) له رجل كَأَنَّهُ صَوْتُ حَادٍ * إذَا طَلَبَ الْوَسِيقَةَ أوْ زَئِيرُ وقول الآخر: (من البسيط) وَأَشْرَبُ الْمَاءَ مَا بِي نَحْوَهُ عَطَشٌ * إلاَّ لأَنَّ عُيُونَهُ سَيْلُ وَادِيهَا لم يَقُلْ في نحو " رأيتها " و " نظرتها " إلا بإثبات الألف، وذلك لخفة الألف وثقل الواو، إلا أنا قد روينا عن قطرب بيتاً حذفت فيه هذه الألف تشبيهاً بالواو والياء لما بينهما وبينها من الشبه، وهو قوله: (من البسيط) أعْلَقْتُ بِالذِّيْبِ حَبْلاً ثُمَ قُلْتُ لَهُ * الْحَقْ بِأَهْلِكَ وَاسْلَمْ أيُّهَا الذِّيبُ أما تَقُودُ بِهِ شَاةً فَتَأْكُلَهَا * أوْ أَنْ تَبيعَهُ فِي بَعْضِ الأَرَاكِيبِ يريد تبيعها، فحذفت الألف، وهذا شاذ " انتهى.
وقافية البيت الثاني مُقَواة.(4/240)
والبيت من قصيدة للمتنبي نظمها في الكوفة بعد رجوعه إليها من مصر رَثَى
بها خَوْلَة أخت سيف الدولة بن حمدان البكري، وتوفيت بميَّا فَارِقِينَ، من ديار بكر، لثلاث بقين من جمادى الآخرة من سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة ورد خبر موتها العراق، فرثاها بهذه القصيدة في شعبان وأرسلها إليه، وقبله: طَوَى الجَزِيرَةَ حَتَّى جَاءَنِي خَبَرٌ * فَزِعْتُ فِيهِ بآمَالي إلَى الْكَذِبِ حَتَّى إذَا لَمْ يَدَعْ لِي صِدْقُهُ أمَلاً * شَرِقْتُ بِالدَّمْعِ حَتَّى كَادَ يَشْرَقُ بِي تَعَثَّرَتْ بِهِ فِي الأَفْوَاهِ ألْسُنَهَا ... البيت طَيُّ البلاد: قطعها بالسير، والجزيرة: بلد يتصل بأرض الموصل، والفزع إلى الشئ: الاعتصام به والالتجاء إليه، والشَّرَقُ: الغصص، وتعثر الألسن: توقفها عن الإبانة، مستعار من عثار الرِّجْل، والبُرْد - بالضم - رجال يحملون الرسائل على دواب تتخذ لهم، الواحد منها يريد، يقول: طوى أرض الجزيرة خبر هذه المتوفاة مسرعاً غير متوقف حتى طرقني بغتة، وورد عليَّ فجأة، ففزعت بآمالي فيه إلى تكذيب صدقه ومخادعة نفسي في أمره، ثم قال: حتى إذا لم يدع لي صدقُهُ أملاً أتعلل بانتظاره ورجاء أخدع نفسي بارتقابه أعلنت بالحزن، واستشفيت بالدمع فأذريت منه ما أشرقني تتابعه، وأدهشني ترادفه، حتى كدت أولمه كتألمي به وأُشرقه كشرَقِي به، ثم قال: تعثرت الألسن بذلك الخبر في الأفواه فلم تظهره لشنعته، ولم تفصح به لجلالته، وكذلك تعثرت به البُرد في الطرق استعظاماً لحمله، والأقلام في الكتب استكراهاً لذكره وقد أوردنا ما يتعلق به بأبسط من هذا في الشاهد السادس والثمانين بعد الأربعمائة من شرح شواهد شرح الكافية(4/241)
وأنشد بعده: (من الرمل)
* رَهْطُ مَرْجُومٍ وَرَهْطُ ابْنِ الْمُعَلْ * وتقدم شرحه في الشاهد الثالث بعد المائة وأنشد بعده، وهو الشاهد الرابع والعشرون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: (من الطويل) 124 - * قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ * على أن حرف الإطلاق لا يلحق الكلمة في الوقف إلا في الشعر إذا أريد التغني والترنم، كما ألحقت الياء لام منزل، ولولا الشعر لكانت اللام ساكنة، قال سيبويه في باب وجوه القوافي في الإنشاد: " أما إذا ترنموا فإنهم يلحقون الألف والياء والواو ما ينون وما لا ينون، لأنهم أرادوا مدّ الصوت، وذلك قولهم لامرئ القيس: * قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ * وقال في النصب ليزيد بن الطثَرية: (من الطويل) فَبِتْنَا تَحِيدُ الْوَحْشُ عَنَّا كَأَنَّنَا * قتيلان لم يَعْلَمْ لَنَا النَّاسُ مَصْرَعا وقال في الرفع للأعشى: (من الطويل) * هُرَيْرَةَ وَدِّعْهَا وَإنْ لاَمَ لاَئِمُ * هذا ما ينون فيه، وما لا ينون فيه قولهم لجرير: (من الوافر) * أقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ وَالْعِتَابَا * وقال في الرفع لجرير أيضاً: (من الوافر) * سُقِيتِ الْغَيْثَ أيَّتُهَا الْخِيَامُ * وقال في الجر لجرير أيضاً: (من الكامل) * كَانَتْ مُبَارَكَةً مِنَ الأَيَّامِ *(4/242)
وإنما ألحقوا هذه المدة في حروف الروي لأن الشعر وضع للغناء والترنم، فألحقوا كل حرف الذي حركته منه، فإذا أنشدوا ولم يترنموا فعلى ثلاثة أوجه: أمّا أهل الحجاز فَيَدَعُون هذه القوافي: ما نون منها، وما لم ينون، على حالها في الترنم، ليفرقوا بينه وبين الكلام الذي لم يوضع للغناء، وأما ناس كثير من بني تميم فإنهم يبدلون مكان المدة النونَ فيما ينوّن وفيما لم ينوّن لما لم يريدوا الترنم أبدلوا مكان المدة نوناً، ولفظوا بتمام البناء وما هو منه، كما فعل أهل الحجاز ذلك بحروف المد، سمعناهم يقولون للعجاج: (من الرجز) * يَا أبَتَا عَلَّكَ أوْ عَسَاكَنْ * و * يَا صَاحِ مَا هَاجَ الدُّمُوعَ الذُّرَّفَنْ * وقال العجاج: * مِنْ طَلَلٍ كالاتحمى أنهجن * وكذلك الجر والرفع، والمكسور والمفتوح والمضموم في جميع هذا كالمجرور والمنصوب والمرفوع، وأما الثالث فأن يُجْرُوا القوافي مُجْراها لو كانت في الكلام ولم تكن قوافي شعر، جعلوه كالكلام حيث لم يترنموا وتركوا المدة (لعلمهم أنها في أصل البناء) (1) ، سمعناهم يقولون لجرير: (من الوافر) * أقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ وَالْعِتَابْ * وللأخطل: (من البسيط) * وَاسْأَلْ بِمَصْقَلَة الْبَكْرِيِّ مَا فَعَلْ * وكان هذا أخف عليهم.
ويقولون: (من الرجز) * قَدْ رَابَنِي حَفْصٌ فحرك حفصا *
__________
(1) هذه الزيادة عن سيبويه (2: 299) (*)(4/243)
يثبتون الألف لأنها كذلك في الكلام " انتهى كلام سيبويه، ونقلناه برمته، لأن الشارح المحقق لم يورد مسائله بتمامها والمصراع صدره، وعجزه * بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فحومل * والبيت مطلع معلقة امرئ القيس، وقد شرحناه شرحاً وافياً في الشاهد السابع والثمانين بعد الثمانمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد الخامس والعشرون بعد المائة: (من الخفيف) 125 - * آذنتنا بِبَيْنِهَا أسْمَاءُو * على أن واو الإطلاق لحقت الهمزة من " أسماء " في الوقف لإرادة الترنم، ولو كان في نثر لكنت الهمزة ولما جاز إلحاق الواو لها والمصراع صدر، وعجزه: * رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّوَاءُ * والبيت مطلع معلقة الحارث بن حلزة اليشكرى، وبعده: آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا ثُمَّ وَلَّتْ * لَيْتَ شِعْرِي مَتَى يَكُونُ اللِّقَاءُ و " آذنتنا " أعلمتنا، قال تعالى: (فَقُلْ آذنتكم على سواء) قال ابن السكيت: يقال: آذن يُؤْذن إيذَاناً، وأذَّن يُؤَذِّنُ تَأْذيناً، والاسم الأذَان، بمعنى الإعلام، والبين: الفراق، مَصْدَر بَانَ يَبِينُ بَيْنَاً وَبَيْنُونَة، وأسماء: اسم امرأة، لا ينصرف للعلمية والتأنيث، وأصله وَسْمَاء، أبدلت الواو همزة، ووزنه فَعْلاء، من الوَسْم والوَسَامَة: أي الحسن والجمال، ولم يصب النحاس في شرح المعلقة في زعمه أنه قبل العلمية جمع اسم (1) قال: ولو سميت به رجلا
__________
(1) عدم تصويب أبى جعفر النحاس في ذلك غير سديد، فان هذا مذهب (*)(4/244)
لكان الأكثر فيه الصرف، لأنه جمع اسم، وقد قال: إنه لا ينصرف إذا سميت به رجلاً لأن الأصل أن يكون اسماً لمؤنث فقد صار بمنزلة زينب " انتهى وقوله " رُب ثاو - إلخ " أرسله مثلاً، والتقدير رب شخص ثاوٍ، وجواب رُبَّ العامل في محل مجرورها هو يُمَل بالبناء للمفعول، بمعنى يُسْأَم، يقال: مَلِلْتُه أمَلُّه ورجل مَلُول ومَلُولة، والهاء للمبالغة، والثاوي: المقيم، يقال: ثَوَى يَثْوِي ثَوَاءً وَثَوَاية، إذا أقام، يقول: أعلمتنا أسماء بمفارقتها إيانا: أي بعزمها على فراقنا، ورب مقيم تُمَل إقامته، ولم تكن أسماء ممن يُمَلّ وإن طال إقامتها.
وتقدم ترجمته مع شرح أبيات من هذه المعلقة وذكر سببها في الشاهد الثامن والأربعين من شرح شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس والعشرون بعد المائة (من الطويل) 126 - وَمُسْتَلْئمٍ كَشَّفْتُ بِالرُّمْحِ ذَيْلَهُ * أقَمْتُ بِعَضْبٍ ذِي شَقَاشِقَ مَيْلَهُ لما تقدم قبله والواو واو رب، والمستلئم: اسم فاعل من استلأم الرجُل: أي لبس الَّلأمة، واللأمة بالهمز: الدرع، وكشفت - بالتشديد - للمبالغة، وذيله: مفعوله، يعني طعنته بالرمح فسقط عن فرسه وانكشف ذيله، وأقمت: بمعنى عَدّلْت تعديلاً، والْعَضْب - بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة -: السيف القاطع، وهنا مستعار للسان (1) ، شبه به للتأثير والإيلام، والشقاشق: جمع شِقْشِقة
__________
(1) للفراء، نعم الاول مذهب سيبويه، وهو أرجح المذهبين، لكون النقل إلى العلمية من الصفة أكثر من النقل من الجمع.
(1) دعاه إلى ذلك التصحيف، والرواية " بعضب دى سفاسق " والسفاسق: جمع سفسقة، وهى فرند السيف، وانظر اللسان.
(*)(4/245)
بكسر الشين، وهى شئ كالرئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج، ويشبه الفصيح المنطبق بالفحل الهادر، ولسانه بشقشقته، وميله: اعوجاجه، وهو مفعول أقمت وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع والعشرون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه (من الرجز) : 127 - بِبَازِلٍ وَجْنَاءَ أوْ عَيْهَلِّ على أنهم جوزوا في الشعر تحريك اللام المضعف لأجل حرف الإطلاق مع أن حقه السكون في غير الشعر كما جوزوا فيه أن يحركوا لأجل المجئ بحرف الإطلاق ما حقه السكون في غيره قال سيبويه: " وأما التضعيف فقولك: هذا خالدّ، وهو يجعلّ، (وهذا فَرَجّ) (1) حدثنا بذلك الخليل عن العرب، ومن ثمَّ قالت العرب (في الشعر) (1) في القوافي سَبْسَبَّا تريد السَّبْسَبَ، وعيهلُّ تريد العيهلُ، لأن التضعيف لما كان في كلامهم في الوقف أتبعوه الياء في الوصل والواو على ذلك.
كما يلحقون الواو والياء في القوافي فيما لا تدخله واو ولا ياء في الكلام، وأجروا الألف مجراهما، لأنها شريكتهما في القوافي، ويمد بها في غير موضع التنوين، (ويلحقونها في غير التنوين) (1) ، فألحقوها بها فيما ينون في الكلام، وجعلت سَبْسَب كأنه مما لا تلحقه الألف في النصب، إذا وقفت، قال رجل من بني أسد (من الرجز) * بِبَازِلٍ وجْنَاء أوْ عَيْهَلِّ * وقال رؤبة: (من الرجز) لَقَدْ خَشِيْتُ أنْ أرَى جَدَبَّا * في عامنا ذا بعد ما أخصبا أراد جَدْباً، وقال رؤبة: (من الرجز)
__________
(1) هذه الزيادة عن كتاب سيبويه (2: 282) (*)(4/246)
* بَدْءٌ يُحبُّ الْخُلُقَ الأضْخَمَّا * فعلوا هذا إذ كان من كلامهم أن يضعفوا " انتهى كلامه وقوله " ومن ثمة قالت العرب في الشعر سبسبَّا تريد السبب، وعيهلِّ تريد العيهل " صريحٌ في أنه ضرورة، وكذا صرح الأعلم بقوله: " الشاهد فيه تشديد عيهلِّ في الوصل ضرورة، وأراد جَدْباً فشدد الباء ضرورة، وحرك الدال بحركة الباء قبل التشديد لالتقاء الساكنين، وكذلك شدد أخْصبَّا للضرورة " انتهى.
فقول الشارح المحقق " وليس في كلام سيبويه ما يدل على كون مثله شاذا أو ضرورة " مخالفٌ لنصه وقد أورده ابن السراج في باب الضرائر الشعرية من كتابه الأصول، قال: " الثاني إجراؤهم الوصل كالوقف، من ذلك قولهم في الشعر للضرورة في نصب) (1) سَبْسَب وكلكل رأيت سبسباً وكلكلاً، ولا يجوز مثل هذا في الكلام، إلا أن تخفف، وإنما جاز هذا في الضرورة لأنك كنت تقول في الوقف في الرفع والجر: هذا سَبْسَبُّ، ومررت بِسَبْسَبِّ، فتثقل على أنه متحرك الآخرِ في الوصل، لأنك إذا ثقلت لم يجز أن يكون الحرف الآخر إلا متحركاً، لأنه لا يلتقي ساكنان، فلما اضطر إليه في النصب أجراه على حاله في الوقف، وكذلك فعل به في القوافي المرفوعة والمجرورة في الوصل، ثم أنشد أبيات سيبويه، وقال: فهذا أجراء في الوصل على حده في الوقف " انتهى.
وكذلك عدة ابن عصفور ضرورة في كتاب الضرائر، وقد نقلنا مثله من المسائل العسكرية لأبي علي في الشاهد الثاني والأربعين بعد الأربعمائة من شواهد شرح الكافية
__________
(1) سقطت هذه الكلمة من بعض النسخ (*)(4/247)
وقال ابن جني في شرح تصريف المازني: " التثقيل إنما يكون في الوقف، ليعلم باجتماع الساكنين في الوقف أنه متحرك في الوصل، حرصاً على البيان، لأنه معلوم أنه لا يجتمع في الوصل ساكنان، وعلى هذا قالوا: خالد وهو يجعل، فإذا وصلوه قالوا: خالد أنى، وهو يجعلُ لك، فكان سبيله إذا أطلق في الأضخم بالنصب أن يزيل الثقيل، إلا أنه أجراه في الوصل مجراه في الوقف للضرورة، ومثله: (من الرجز) * بِبَازِلٍ وَجْنَاءَ أوْ عَيْهَلِّ * يريد الْعَيْهَل، وهذا أكثر من أن أضبطه لك لسعته وكثرته " وقال في المحتسب أيضاً: " وقد كان ينبغي - إذ كان إنما شدد عوضاً من الإطلاق - أنه إذا أطلق عاد إلى التخفيف إلا أن العرب قد تجري الوصل مجرى الوقف تارة، وتارة الوقف مجرى الوصل " انتهى.
والبيت من أرجوزة طويلة لمنظور بن مَرْثَد الأسدي، وقيل: لمنظور بن حَبَّة (1) الأسدي، أولها: لَيْتَ شَبَابِي (كان) (2) لِلأَوَّلِّ * وَغَضَّ عَيْشٍ قَدْ خَلاَ أرْغَلِّ شدد لام أوَّل، وأرغلُ كذلك، وهو بالغين المعجمة، قال صاحب العباب " وعيش أرغَل وأغرل: أي واسع " * مَنْ لِي مِنْ هِجْرَانِ لَيْلََى مَنْ لِي * * وَالْحَبْلِ مِنْ حبالها المنحل *
__________
(1) منظور بن حبة هو بعينه منظور بن مرثد، قال المجد: " ومنظور بن حبة راجز، وحبة أمه، وأبوه مرثد " اه
(2) هذه زيادة يقتضيها الوزن، وقد بحثنا عن هذا البيت في كثير من المظان لنثبت لفظ الشاعر نفسه فلم نجده، فأثبتنا ما يقتضيه المقام (*)(4/248)
قال أبو علي في المسائل العسكرية: " المنحل لا يخلو من أن يكون محمولاً على الحبل أو الحبال، وكلا الأمرين قبيح " تَعَرَّضَتْ لِي بِمَكَانٍ حِلِّ * تَعَرُّضَ الْمُهْرَةِ في الطِّوَلِّ * تَعَرُّضاً لَمْ تَعْدُ عَنْ قَتْلاً لِي (1) * قال أبو علي: قال " أبو الحسن (1) : يكون " عَنْ قَتْلاً لي " على الحكاية، ويكون يريد أنْ، فأبدل منها العين في لغة من يقولون في أنَّ: عَنَّ، وتسمى عنعنة تميم " انتهى.
والطول بكسر الطاء وتخفيف اللام، وشددت لما ذكرنا، وهو الحبل الذي يطول للدابة فترعى فيه، ورواه صاحب العباب: * تَعَرُّضاً لَمْ تَأْلُ عَنْ قَتِلٍ لِي * أي: لم تقصر عن قتل، وهذا ظاهر لا يحتاج إلى تأويل: تَرَى مَرَادَ نِسْعِهِ الْمُدْخَلِّ * بَيْنَ رَجَى الْحَيْزُومِ وَالْمَرْحَلِّ * مِثْلَ الزَّحَالِيفِ بِنَعْفِ التَّلِّ * وقال ابن جني في سر الصناعة: " يريد الْمُدْخَلَ والْمَرْحَلَ فشدد "، إلى أن قال: إنْ تَبْخَلِي يَا جُمْلُ أوْ تَعْتَلِّي * أوْ تصبحي في الظاعن المولى
__________
(1) هذان وجهان ذكرهما ابن المكرم عن ابن برى، وذكر وجها ثالثا عن سيبويه عن الخليل، قال: أراد عن قتلى، فلما أدخل عليه لاما مشددة كما أدخل نونا مشددة في قول دهلب بن قريع جارية ليست من الوخشن * كأن مجرى دمعها المستن
قطنة من أجود القطن * أحب منك موضع القرطن وصار الاعراب فيه - فتح اللام الاولى كما تفتح في قولك مررت بتمر وبتمرة وبرجل وبرجلين " اه (*)(4/249)
نُسَلِّ وَجْدَ الْهَائِمِ الْمُغْتَلِّ * بِبَازِلٍ وجْنَاءَ أوْ عَيْهَلِّ كَأَنَّ مَهْوَاهَا عَلَى الْكَلْكَلِّ * وَمَوْقِعاً مِنْ ثَفِنَاتٍ زل موقع كفى راهب يضلى * في غَبَشِ الصُّبْحِ وَفِي التَّجَلِّي جُمل: اسم امرأة - بضم الجيم - وتعتلى: من الاعتلاال وهو التمارض والتمسك بحجة، ونُسَلّ: من التسلية، وهي تطييب النفس، وهو جواب الشرط، والمغتل - بالغين المعجمة -: الذي قد اغتل جوفه من الشوق والحب والحزن، كغُلة العطش، و " ببازل " متعلق بنُسل، والبازل: الداخل في السنة التاسعة من الإبل ذكراً كان أم أنثى، والوجناء: الناقة الشديدة، والعيهلِّ: الناقة الطويلة، ومَهْواها: مصدر ميمي بمعنى السقوط، والكلكل: الصدر، قال أبو علي: " استعمال العيهل والكلكل بتخفيف اللام، قدر الوقف عليه فضاعف إرادة للبيان، وهذا ينبغي أن يكون في الوقف دون الوصل، لأن ما يتصل به في الوصل يبين الحرف وحركته، ويضطر الشاعر فيجري الوصل بهذه الإطلاقات في القوافي مجرى الوقف، وقد جاء ذلك في النصب أيضاً، قال: (من الرجز) * مثل الحريق وَافَقَ الْقَصَبَّا * وَهَذَا لاَ يَنْبَغي أن يكون في السعة " انتهى والثفنة - بفتح المثلثة وكسر الفاء بعدها نون - وهو ما يقع على الأرض من أعضاء الإبل إذا استناخ وغلظ كالركبتين، وزُلُّ - بضم الزاي -: جمع
أزَلّ، وهو الخفيف، شبّه الأعضاء الخشنة من الناقة بكثرة الاستناخة بكفي راهب قد خشنتا من كثرة اعتماده عليهما في السجود، والغَبَش - بفتحتين -: بقية الليل، وأراد بالتجلي النهار، قال السخاوي في سفر السعادة: " وهذا الشعر لمنظور بن مرثد الأسَدِي، وقد روي لغيره، ويزاد فيه:(4/250)
إن صَحَّ عَنْ دَاعِي الْهَوَى الْمُضِلِّ * ضَحْوة نَاسِي الشَّوْقِ مُسْتَبلِّ أوْ تَعْدُنِي عَنْ حَاجِهَا حاجٌ لِي * نُسَلِّ وَجْدَ الْهَائِمِ الْمُغْتَلِّ " انتهى.
ومستَبِل: من أبلّ من مرضه، إذا صح وتوجه إلى العافية، وتَعْدُنِي: تتجاوزني، وحاج: جمع حاجة وقد تكلمنا على هذه الأبيات في شواهد شرح الكافية بأبسط من هذا.
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثامن والعشرون بعد المائة: (من الوافر) 128 - * وَلاَ تُبْقِي خُمُورَ الأَنْدَرِينَا * على أن (حق) (1) نون الأندرين في الكلام السكون عند الوقف وهذا عجز وصدره: * ألاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِينَا * وهو مطلع معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي و " ألا " حرف يفتتح به الكلام ومعناه التنبيه، وهِبِّي: فعل أمر مسند إلى ضمير المخاطبة، ومعناه قومي من نومك يقال: هب من نومه يُهب - بالضم - هبا، إذا انتبه وقام من موضعه، والصَّحْن: الكبير الواسع، واصْبِحِينَا: اسقينا الصَّبُوح، وهو الشرب بالغداة، وهو خلاف الغَبُوق، يقال: صَبَحَه صَبْحاً - من باب نفع - واصطبح: أي شرب الصبوح، والعرب
تسمي شرب الغداة صَبُوحاً - بفتح الصاد - وشُرب نصف النهار قَيْلاً - بفتح القاف - وشرب العشاء غَبُوقاً - بفتح الغين - وشرب الليل فحمة -
__________
(1) كان الاصل " على أن نون الاندرين في الكلام على السكون ... الخ " وهو غير ظاهر المعنى فأثبتنا ما ترى ليستقيم الكلام (*)(4/251)
بفتح الفاء وسكون المهملة - وشرب السحر جَاشِرِيَّةً - بالجيم والشين المعجمة - وقد نظمها محمد التَّوجيّ (1) فقال: (من الطويل) صَبُوحٌ وَقَيْل وَالْغَبُوقُ وَفَحْمَةٌ * لَدَى الْعَرَبِ الْعَرْبَاءِ يَا صَاحِ تُعْتَبَرْ لِشُرْبِ غَدَاةٍ والظَّهِيْرَةِ وَالْعَشَا * وَلَيْلٍ، وَشُرْبُ الْجَاشِرِيَّةِ بِالسَّحَرْ وقوله " ولا تبقى إلخ " أبقيت الشئ وبقَّيته بمعنى: أي لا تبقيها لغيرنا وتسقيها سوانا، والمعنى ولا تدخري خمر هذه القرية.
والأندرينُ: قرية بالشام، وهي معدن الخمر، وقيل: إنما هي أندر، وجمعها بما حولها، وقيل: إنها أندرون، وفيها لغتان: منهم من يرفعه بالواو ويجره وينصبه بالياء، وَيفتح النون في كل ذلك، ولهذا قال " خمور الأندرينا " ومنهم من يجعل الإعراب على النون ويجعل ما قبلها ياء في كل حال، وإنما فتح (2) هنا في موضع الجر لأنه لا ينصرف للعلمية والتأنيث، أو للعلمية والعجمة وقال أبو إسحق: " ويجوز أن تأتي بالواو، ويحتمل الإعراب على النون، ويكون مثل زيتون، وخبرنا بهذا أبو العباس المبرد، ولا أعلم أحداً سبقه إليه " وقال أبو عبيد في معجم ما استعجم: " الأنْدَرِينُ: قرية بالشام، وقال الطوسي: قرية من قرى الجزيرة، وأنشد هذا البيت " وقال ياقوت في معجم البلدان: " الأندرين: اسم قرية في جنوبي حلب، بينهما مسيرة يوم للراكب، في طرف البرية ليس بعدها عمارة، وهي الآن خراب ليس إلا بقية جُدُر، وإياها عنى عمرو بن كلثوم بقوله:
* وَلاَ تُبْقِي خُمُورَ الأَنْدَرِينَا * وهذا ما لا شك فيه، سألت عنه ذوى المعرفة من أهل حلب فكل وافق
__________
(1) نسبة إلى توج، وهى مدينة بفارس قريبة من كازرون، فتحت في أيام عمر ابن الخطاب، وأمير المسلمين في الموقعة مجاشع بن مسعود (2) غير مستقيم لوجود ال، بل هو على اللغة الاولى لا غير.
(*)(4/252)
عليه، وقد تكلف جماعة اللغويين لَمَّا لم يعرفوا حقيقة اسم هذه القرية، وألجأتهم الحيرة إلى أن شرحوا هذه اللفظة من هذا بضروب الشروح، فقال صاحب الصحاح: الأندر: اسم قرية بالشام، إذا نسبت إليها تقول: هؤلاء الأندريون، وذكر البيت، ثم قال: لما نسب الخمر إلى هذه القرية اجتمعت ثلاث ياءات فخففها للضرورة كما قال الآخر: (من الوافر) * وَمَا عِلْمِي بِسِحْرِ الْبَابِلِينَا * وقال صاحب كتاب العين: الأندريّ، ويجمع الأندرين (يقال: هم الفتيان يجتمعون من مواضع شتى، وأنشد البيت وقال الأزهري: الأنْدَر قرية بالشأم فيها كروم، وجمعها الأندرين) (1) فكأنه على هذا المعنى أراد الأندريين فخفف ياء النسبة، كما قال الأشعرين في الأشعريين، وهذا حسن منهم، صحيحُ القياس، ما لم يعرف حقيقة اسم هذا الموضع، فأما إذا عرفت فلا افتقار بنا إلى هذا التكلف " انتهى باختصار وتقدم ذكر هذه المعلقة مع ترجمة ناظمها في الشاهد الثامن والثمانين بعد المائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده وهو الشاهد التاسع والعشرون بعد المائة: (من الكامل) 129 - لَعِبَ الرِّيَاحُ بِهَا وغَيَّرَهَا * بَعْدِي سَوَافِي الْمُورِ وَالْقَطْرِ
على أن تحريك الراء بالكَسْر لأجل حرف الإطلاق وهو الياء (2) ، وليس بشاذ اتفاقاً، مع أن حقه السكون في غير الشعر
__________
(1) الزيادة من ياقوت (2) هذا الذى أثبتناه هو الموافق لروى القصيدة التى منها هذا البيت، ووقع في الاصول " على أن تحريك الراء بالضم لاجل حرف الاطلاق وهو الواو " وهو خطأ ظاهر (*)(4/253)
والبيت من قصيدة لزهير بن أبي سلمى، وقبله وهو مطلع القصيدة لِمَنِ الدِّيَارُ بِقُنَّةِ الْحَجْرِ * أقْوَيْنَ مِنْ حِجَجٍ وَمِنْ شَهْرِ وهذا الاستفهام تعجب من شدة خرابها حتى كأنها لا تعرف ولا يعرف سكانها، وقنة الشئ - بضم القاف وتشديد النون -: أعلاه، وحَجْر - بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم -: قصبة اليمامة، وأل فيه زائدة لضرورة الشعر، وقيل: العَلَم إنما هو الْحَجْرِ بأل، وأقوين: أقفرن، يقال: أقوت الدار إذا خلت من سكانها، والحِجَجُ - بكسر الحاء المهملة وَفتح الجيم الأولى -: جمع حِجَّة - بالكسر أيضاً - وهي السنة، وأراد بالشهر الشهور فوضع الواحد موضع الجمع اكتفاء به، والسوافي: جمع سافية اسم فاعل من سفت الريح التراب سفياً، إذا ذرته والمورُ - بضم الميم -: الغبار بالريح، والقطر: المطر قال أبو عبيد: " ليس للقطر سواف، ولكنه أشركه في الجر " أقول: ليس هذا من الجر على الجوار، لأنه لا يكون في النسق، ووجهه أن الرياح السوافي تذري التراب من الأرض وتنزل المطر من السحاب وقد شرحنا هذين البيتين شرحاً وافياً في الشاهد الرابع والسبعين بعد السبعمائة من شواهد شرح الكافية
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثلاثون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: (من الرجز) 130 - لَقَدْ خشيت أن أرى جدبا * في عامنا ذا بَعْدَ مَا أخْصَبَّا إنَّ الدَّبَا فَوْقَ الْمُتُونِ دبا * وهبت الريح بمور هبا تترك ما أبْقَى الدَّبَا سَبْسَبَّا * كَأَنَّهُ السَّيْلُ إذَا اسْلَحَبَّا أو الْحَرِيقُ وَافَقَ الْقَصَبَّا * وَالتِّبْنَ وَالْحَلْفَاءَ فَالْتَهَبَّا(4/254)
على أن تحريك المضعف للوقف كثير، وليس ضرورة عند سيبويه تقدم قبله أن هذا النقل خلاف نصه، وهو في هذا تابع لقول المفصل: " وقد يُجْرَى الوصل مجرى الوقف، منه قوله: * مثل الحريف وَافَقَ الْقَصَبَّا * ولا يختص بحال الضرورة، يقولون: ثَلَثَهَرْبعة، وفي التنزيل (لَكِنَّا هُوَ الله رَبِّي) " انتهى وقد رد عليه الأندلسي في شرحه قال: " جمع في هذا الفصل بين ما لا يجوز إلا في الضرورة وبين ما يجوز في غيرها، فقوله " ولا يختص هذا بحال الضرورة " ينبغي أن يكون في آخر الفصل حتى يرجع إلى ثلثهر بعة، و (لَكِنَا هُوَ الله رَبِّي) أو يعني به أن التشديد في الوقف لا يختص بالضرورة، فأما أن يعني به أن تحريك المشدد لأجل الوقف يجوز في غير الضرورة فمما لا يعرف، فإنه من المشهور أن من جملة المعدود في الضرورات تشديد المخفف، وأصله الوقف، ثم للشاعر أن يجري الوصل محرى الوقف، بل غير سيبويه لا يجيز التشديد في المنصوب إلا في الشعر، فكيف لا يختص هذا بالضرورة " انتهى.
ونقله ابن المستوفي وسلمه، قال: " إنما أراد الزمخشري بقوله " ولا يختص
بالضرورة " ما ذكره من قوله " وقد يجري الوصل مجرى الوقف " ولم يرد أن تحريك المشدد لأجل الوقف جائز، ولهذا علله بثَلَثهَرْبَعَة، و (لَكِنَّا هُوَ الله رَبِّي) ، فلا شبهة في أن هذين الموضعين أُجري فيهما الوصل مُجْرَى الوقف، وهما من كلام فصحاء العرب والوارد في الكتاب العزيز، وأما إسناده البيت لِيُرِيكَ صورة إجراء الوصل مجرى الوقف لا أنه ممن يخفى عليك ذلك " انتهى.
وبالغ ابن يعيش في شرحه فعمم، قال: " قد يُجْرى الوصل مجرى الوقف، وبابه الشعر، ولا يكون في حال الاختيار، من ذلك قولهم: السَبْسَبَّا والْكَلْكَلَّ،(4/255)
وربما جاء ذلك في غير الشعر تشبيهاً بالشعر، ومن ذلك ما حكاه سيبويه من قولهم في العدد: ثلثهر بعة، ومنه (لَكِنَّا هُوَ الله رَبِّي) في قراءة ابن عامر بإثبات الألف " هذا كلامه وهو غير جيد، والأولى التفصيل، وحرره ابن عصفور بقوله في كتاب الضرائر: " ومنها تضعيف الآخر في الوصل إجراء له مجرى الوقف، نحو قول ربيعة بن صُبيح (من الرجز) : * تَتْرُكُ ما أبْقَى الدَّبَا سَبْسَبَّا * الأبيات فشدد آخر سَبْسَبَّا والْقَصَبَّا وَالْتَهَبَّا في الوصل ضرورة، وكأنه شدّد وهو ينوي الوقف على الباء نفسها، ثم وصل القافية بالألف فاجتمع له ساكنان فحرك الباء وأبقى التضعيف، لأنه لم يَعْتَدّ بالحركة لكونها عارضة، بل أجرى الوصل مجرى الوقف، ومثل ذلك قول الآخر: بَبَازِلٍ وَجْنَاءَ أوْ عَيْهِلِّ * كَأَنَّ مَهْوَاهَا عَلَى الْكَلْكَلْ يريد أو عيهلِ وعلى الكلكلِ، فشدد " انتهى.
وقال شارح شواهد أبي علي الفارسي: " جلبه شاهداً على أن الشاعر لم
يحدث فيه أكثر من القطع لألف الوصل " (1) وهذه الأبيات الثمانية نسبها الشارح المحقق تبعاً لابن السيرافي وغيره إلى رؤبة، وقد فتشت ديوانه فلم أجدها فيه (2) وقال أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب: " توهم ابن السيرافى أن الاراجيز
__________
(1) في الاصول " على أن الشاعر إذا لم يحدث فيه الخ " وكلمة (إذا) لم يظهر لنا وجه إثباتها فحذفناها، والظاهر أن مراد شارح شواهد أبى على بقطع همزة الوصل كلمة أخصبا، وكأنه جعلها من باب احمر ونحوه (2) قد فتشنا ديوان أراجيز رؤبة فوجدنا هذه الاحد عشر بيتا مسطورة في زيادات ديوانه (169) التى عثر عليها ناشره في كتب غير الديوان منسوبة إليه (*)(4/256)
كلها لرؤبة، لأجل أن رؤبة كان راجزاً، وهذه عامية، وليست الأبيات لرؤبة، بل هي من شوارد الرجز لا يعرف قائلها، والأبيات التي جاء بها مختل أكثرها، والصواب: إنِّي لَأَرْجُو (1) أنْ أَرَى جَدَبَّا * فِي عَامِكُمْ ذَا بَعْدَ مَا أخْصَبَّا إذَا الدَّبَا فَوْقَ الْمُتُونِ دبا * وهبت الريح بمور هبا تترك ما أَبْقَى الدَّبَا سَبْسَبَّا * أوْ كَالْحَرِيقِ وَافَقَ الْقَصَبَّا والتَّبْنَ وَالْحَلْفَاءَ فَالْتَهَبَّا * كَأَنَّهُ السَّيْلُ إذَا اسْلَحَبَّا وتمام الأبيات ولا يتم معنى البيت إلا بها: حَتى تَرَى الْبُوَيْزِلَ الأَزَبَّا * والسَّدَسَ الضُّواضِيَ الْمُحِبَّا مِنْ عَدَمِ الْمَرْعَى قَدِ اجْلَعَبَّا " انتهى.
قلت: بقي بيت آخر لم يورده، وهو:
* تبًّا لأَصْحَابِ الشَّوِيِّ تَبَّا * ونسبها ابن عصفور وابن يَسْعَونَ نقلاً عن الْجَرْمي والسخاوي إلى ربيعة بن صُبيح، وكذا قال شارح أبي علي الفارسي والله أعلم.
وأورد الابيات ابن هشام اللخمس في شرح أبيات الجمل كرواية الشارح، وقال: أخبر أنه إنما خاف الْجَدْب لأجل الجراد الذي هبَّ في متون الأرض، فأكل ما مر عليه، ثم هبت الريح فاقتلعت ما أبقى الدبّا ولم تترك شيئاً من المرعى
__________
(1) المحفوظ - وهو الموافق لما رواه الشارح المحقق ولما في زيادات الديوان - * لقد خشيت أن أرى جدبا * وفيه " في عامنا " وفى " إن الدبا " وفيه " كأنه الحريق " وفيه " الارزبا " وفيه " قد اقرعبا " (*)(4/257)
ولا غيره، فشبهها بالسيل في حمله ما يمر عليه، أو بالنار إذا وافقت القصب والتبن وَالحلفاء، فإنها تحطم جميعها وقوله بعد " ما أخصبا " ما: مُهَيِّئة عند المبرد، ومَصْدَرِيَّة عند سيبويه " انتهى.
ورواية أبي محمد الأعرابي دعاء على المخاطبين بخلاف الرواية الأولى فإنها إخبار عما وقع، وأرى بصرية، والجَدْب - بفتح الجيم وسكون الدال -: نقيض الخِصْب والرخاء، ومكان جذب أيضاً وجَدِيب: بين الجدوبة، وأرض جَدبة، وأجدب القوم: أصابهم الجدب، وَأجْدَبْتُ أرض كذا: وجَدْتُهَا جدبة، قال السخاوي في سفر السعادة: " وَجَدَبَّا أصله جدْبَا بإسكان الدال، وإنما حركها لالتقاء الساكنين حين شدد الباء، وإنما حركها بالفتح لأنها أقرب الحركات إليه " وقال في موضع آخر: " وشدد الباء في الشعر في الوصل تشبيهاً
بحال الوقف " وقال أبو الفتح: " لا يقال في هذا إنه وقف ولا وصل " وقوله " أخصبا " هو من الخِصب - بالكسر - نقيض الجدب، وأخصبت، ومكان مُخْصب وخَصِيب وأخْصَبَ القوم إذا صاروا إلى الخصب.
قال السخاوي و " أما قوله: أخبا (فإنه) يروى بفتح الهمزة وكسرها، فالفتح على أنه أخْصَبَ يُخْصب إخصاباً، وشدَّد الباء، كما قال: القصَبَّا، ومن رواه بالكسر كان مثل احْمَرّ، إلا أنه قطع همزة الوصل " انتهى.
وكل منهما ضرورة إلا أن تشديد الباء أخف من قطع همزة الوصل، فإنه لحن في غير الشعر، وقول العيني: " جدبا بتشد الباء هو نقيض الْخِصْب، وقوله: أخصبا بتشديد الباء ماض من الخصب " لا يعرف منه هل الدال مفتوحة أم لا ولا يعرف هل حركة الهمزة من أخصبا مفتوحة أم مكسورة.
وقوله " إن الدبا إلخ " يروى بكسر همزة إن وبفتحها، وعلى رواية " إذ الدبا " إذا شرطية وجوابها(4/258)
تترك، والدّبا - بفتح الدال بعدها موحدة - قال صاحب الصحاح: " هو الجراد قبل أن يطير، الواحدة دَبَاة " والمُتُون: جمع مَتْن، وهو المكان الذي فيه صلابة وارتفاع، ودبّ: تَحَرَّك، من دب على الأرض يدب دبيباً، وكل ماش على الأرض دابة ودبيب، والألف للإطلاق، وتشديد الباء أصلي لا للوقف، وفاعل دب ضمير الدبا، وفيه جناسُ شِبه الاشتقاق، وقوله " بمور " الباء متعلقة بهبَّت، والمور - بضم الميم -: الغبار، والسَّبْسَبُ - كجعفر -: القفر، والمفازة، وتشديد الباء للضرورة، وهو المفعول الثاني لتترك، و " ما " هو المفعول الأول إن كان ترك بمعنى جعل وصير، وإن كان بمعنى خلَّى المتعدي إلى مفعول واحد وهو " ما " الواقعة على النبات، فسبسبٌ حال من " ما " وفاعل تترك ضمير الريح، والمرادُ كَسَبْسَبٍ، على التشبيه، وأراد تترك الريح المكان
الذي أبقى فيه الدبا شيئاً من النبات أجرد لا شئ فيه، لأنها جَفَّفَتْ النبت وحملته من مكان إلى مكان، ورواه بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل: * تَتْرُكُ مَا انْتَحَى الدِّبَا سَبْسَبَّا * وقال: المراد انتحاه: أي قصده، فحذف الراجع إلى الموصول، وقوله " كأنه " أي كأن الدبا، واسْلَحَبَّ اسلحباباً بالسين والحاء المهملتين: أي امتد امتداداً، هذا على الرواية المشهورة، وأما على رواية أبي محمد الأعرابي فهو متأخر عن البيتين بعده، ويكون ضمير " كأنه " للحريق: أي كأن صوت التهاب النار في القصب والحلفاء والتبن صوت السيل وجريه، ويكون على روايته قوله " أو كالحريق " معطوفاً على قوله " سَبْسَبَّا "، فيكون الجار والمجرور في محل نصب، وروى السخاوي الأبيات بالرواية المشهورة، وقال: " وأنشده أبو علي " مِثْل الحريق " بدل قوله " أو كالحريق " فيكون منصوباً على الحال من الضمير في اسلحبا: أي اسلحب مثل الحريق، أو على أنه نعت لمصدر محذوف:(4/259)
أي اسلحبابا مثل اسلحباب الحريق: أي امتد الدبا وانتشر امتداد النار في القصب والتبن والحلفاء " وقال العيني: قوله " مثل الحريق " هكذا هو في رواية سيبويه، وفي رواية أبي على " أو كالحريق ".
أقول: ليس هذا البيت من شواهد سيبويه البتة، وإنما أورد سيبويه البيتين الأولين فقط، والنقل عن أبي علي معكوس، وتشديد الباء من القصبّا والتهبّا ضرورة، والتبن بكسر المثناة وتسكين الموحدة، والحلفاء: نبت في الماء، قال أبو زيد: واحدتها حَلَفة، مثل قصبة وطرفة، وقال الأصمعي حَلِفَة بكسر اللام، وقوله " حتى ترى البويزل إلخ " هو مصغر البازل من بزل البعير بزولاً من باب قعد، إذا فطرَ نابه بدخوله في السنة التاسعة، فهو بازل، يستوي
فيه المذكر والمؤنث، والأزَبّ - بالزاي المعجمة -: وصف من الزبب، وهو طول الشعر وكثرته، وبعير أزَبّ، ولا يكاد يكون الأزب إلاَّ نفوراً، لأنه ينبت على حاجبيه شعيرات، فإذا ضربته الريح نفر، وقال السخاوي: الإرْزَبُّ - بكسر الهمزة وسكون الراء المهملة بعدها زاى - قال الارزب الضخم الشديد، وقوله " والسَّدَسَ الضُّوَاضِيّ إلخ " السَّدسَ - بفتحتين -: السن التي قبل البازل يستوي فيه المذكر والمؤنث، لأن الإناث في الأسنان كلها بالهاء إلا السَّدَس والسديس والبازل، قال صاحب الصحاح، والضُوَاضِي: بضادين معجمتين الأولى مضمومة، وهو الجمل الضخم، كذا في القاموس، والمحب - بفتح الحاء -: المحبوب، واجلعب: بالجيم، في الصحاح: " واجلعب الرجل اجْلِعْبَاباً، إذا اضطجع وامتد وانتصب، واجلعبَّ في السير إذا مضى وجدَّ " انتهى، ورواه السخاوي قد اقْرَعَبَّا: بالقاف والراء والعين المهملتين، وقال: " اقرعب: اجتمع وتقبَّض من الضر، أي الهزل " انتهى: وليست هذه المادة في الصحاح، والجملة حال من البُوَيْزِل والسدُس، والألف للتثنية، وَترى بصرية، الشّوِيّ بفتح الشين(4/260)
المعجمة وكسر الواو، قال السخاوي: هو الشاء (1) وقال العيني: " تَبًّا: أيْ خسراناً وهلاكاً لأصحاب الشاء، لانها أقل احتمالا للشدة " انتهى.
وفي الصحاح: والشاة من الغنم: تذكر وتؤنث، وأصلها شاهة، وجمعها في القلة شِيَاه بالهاء، وفي الكثرة شاء، وجمع الشاء شَويّ.
وأنشد بعده وهو الشاهد الحادي والثلاثون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه (من الرجز) 131 - عَجِبْتُ وَالدَّهْرُ كَثِيرٌ عَجَبُهْ * من عنزي سبني لم أضربه
على أن ضمة الباء منقولة من الهاء إليها للوقف قال سيبويه: " هذا باب الساكن الذي تحركه في الوقف إذا كان بعده هاء المذكر الذي هو علامة الإضمار ليكون أبين لها كما أردت ذلك في الهمزة، وذلك قولك ضَرَبْتُهْ واضْرِبْهْ، وقَدُهْ وَمِنُهْ وَعَنُهْ، سمعنا ذلك من العرب، ألقوا عليه حركة الهاء حيث حركوا لتبيانها، قال زياد الأعجم: عَجِبْتُ وَالدَّهْرُ كَثِيرٌ عَجَبُهْ * من عنزي سبني لَمْ أضْرِبُهْ وقال أبو النجم: (من الرجز) * فقربن هذا وهذا أزحله " اه * قال الأعلم: " الشاهد فيه نقل حركة الهاء إلى الباء في الأول، وإلى اللام في الثاني ليكون أبين في الوقف، لأن مجيئها ساكنة بعد ساكن أخفى لها، وعَنَزَةُ: قبيلة من ربيعة بن نزار، وهم عَنَزَة بن أسد بن ربيعة، وزياد الأعجم من عبد القيس، وسمي الأعجم للكنة كانت فيه، ومعنى أزْحِلُه أبعده " انتهى
__________
(1) في نسخة الشياه (*)(4/261)
وهو بالزاي المعجمة والحاء المهملة، يقال: زَحَلَ عن مكانه زحولاً: أي تنحى وتباعد وزحَّلْتُهُ تَزْحيلاً: بَعَّدْتُهُ، و " من عَنَزِيّ " متعلق بعجبت، وما بينهما اعتراض.
وأنشد بعده، وهو الشاهد الثاني والثلاثون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: (من الرجز) 132 - بالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإنْ شَرًّافَا * وَلاَ أُرِيدُ الشر إلا أن تا على أنه يوقف على حرف واحد فيوصل بألف كما هنا، والتقدير وإن شرا فشر، ولا أريد الشر إلا أن تشاء.
ولم يورد سيبويه هذا البيت في باب من أبواب الوقف، وإنما أورده في باب إرادة اللفظ بالحرف الواحد من أبواب التسمية، وهذا نصه: (1) " قال الخليل يوماً وسأل أصحابه: كيف تقولون إذا أردتم أن تلفضوا بالكاف التي في لكَ، والكاف التي في مَالِكَ، والباء التي في ضَرَبَ؟ فقيل له: تقول: باء، كاف، فقال: إنما جئتم بالاسم ولم تلفظوا بالحرف، وقال: أقول: كَهْ، وبَه، فقلنا: لِمَ ألحقت الهاء؟ فقال: رأيتهم قالوا عِهْ فألحقوا هاء (حتى صيروها يستطاع الكلام بها) ، لأنه لا يلفظ بحرف، فإن وصلت قلت " ك وب فاعلم يا فتى "، كما تقول " ع يا فتى " فهذه طريقة كل حرف كان متحركاً، وقد يجوز أن تكون الألف هنا بمنزلة الهاء، لقربها منها وشَبَهِها بها، فتقول: " با " و " كا " كما تقول: " أنا " وسمعت من العرب من يقول: " ألا تاء، بلى فا " فإنما أرادوا ألاَ تفعل وبَلَى فافعل، ولكنه قطع كما كان قاطعاً بالألف في " أنا "،
__________
(1) انظر (ج 2 ص 61 من كتاب سيبويه) (*)(4/262)
وشركت الألف الهاء كشركتها في قوله " أنا "، بينوها بالألف كبيانهم بالهاء في هِية وهُنَّة وبَغْلَتيَة، قال الراجز: بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإنْ شَرّاً فا * وَلاَ أُرِيدُ الشَّرَّ إلاَّ أنْ تَأ يريد إن شرا فشر، ولا أريد الشر إلا أن تشاء " انتهى كلامه.
قال الأعلم: " الشاهد في لفظه بالفاء " من قوله " فشرٌّ " والتاء من قوله " تشاء " ولما لفظ بهما وفصلهما مما بعدهما ألحقهما الألف للسكت عوضا من الهاء التى يوقف عليها، كما قالوا " أنا " و " حيِّهلا " في الوقف، والمعنى أجزيك بالخير خيراتٍ، وإن كان منك شر كان مني مثله، ولا أريد الشر إلا أن تشاء، فحذف لعلم السامع " انتهى.
وكذا أورده المبرد في الكامل قال: " حدثني أصحابنا عن الأصمعي، وذكره سيبويه في كتابه، ولم يذكر قائله، ولكن الأصمعي قال: كان أخوان متجاوران لا يكلم واحد منهما صاحبه سائر سنته حتى يأتي وقت الرَّعي فيقول أحدهما للاخر " ألا تا " فيقول الاخر " بلى فا " يريد ألا تنهض فيقول الآخر: بلى فانهض، وحكس سيبويه في كتابه * بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإنْ شَرّاً فَا * إلخ يريد إن شرا فشر ولا أريد الشر إلا أن تريد " انتهى.
وهذا على رواية الألف الواحدة، وأما الرواية بألف بعد همزة في البيت فقد قال ابن جني في سر الصناعة: " أنشدنا أبو علي: بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإنْ شرا فأا * ولا أريد الشر إلاَّ أنْ تأا والقول في ذلك أنه يريد " فا " و " تا " ثم زاد على الألف ألفاً أخرى توكيداً كما تشبع الفتحة، فتصير ألفاً كما تقدم، فلما التقت ألفان حَرَّكَ الأولى فانقلبت همزة، وقد أنشدنا أيضاً " فا " و " تا " بألف واحدة " انتهى.(4/263)
وفيه أمور: أحدها: ظاهر كلام هؤلاء جوازه، وبه صرح الشارح المحقق تبعاً لجماعة منهم الفراء، قال في تفسير سورة (ق) : " ويقال: إن (ق) جبل محيط بالأرض، فإن يكن كذلك فكأنه في موضع رفع: أي هو قاف، والله أعلم، وكان لرفعه أن يظهر لأنه اسم وليس بهجاء، فلعل القاف وحدها ذكرت من اسمه كما قال الشاعر: (من السريع) * قُلْنَا لَهَا قِفِي فقالت فاف * ذكرت القاف وأرادت القاف من الوقف: أي إني واقفة " انتهى.
ومنهم أبو إسحق الزجاج رحمه الله، قال في أول سورة البقرة: " وأختار من
هذه الأقوال التي حكينا في (ألم) بعضَ ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو أن العرب تنطق بالحرف الواحد تدل على الكلمة التي هو منها، قال الشاعر: قُلْتُ لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَافْ * لاَ تَحْسَبِي أنَا نَسِيناً الإيْجَافْ فنطق بقاف فقط يريد قالت: أقف، وقال الشاعر أيضا: (من السريع) نا دوهم أنْ ألْجِمُوا ألاَ تَا * قَالُوا جَمِيعاً كُلُّهُمْ ألافا تفسيره نادوهم أن ألجموا، ألا تركبون؟ قالوا جميعاً ألا فاركبوا، فإنما نطق بتا وفا كما نطق الاول بقاف، وأنشد بعض أهل اللغة للُقَيْمِ بن أوس: بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإنْ شَرًّافَا * وَلاَ أُرِيدُ الشَّرَّ إلاَّ أنْ تَا أنشده جميع البصريين هكذا " انتهى.
وتبعه الإمام البيضاوي فقال: " ويجوز أن تكون إشارة إلى كلمات هي منها، اقتَصَرَتْ عليها اقتصار الشاعر في قوله: * قُلْتُ لَهَا قِفِي، فَقَالَتْ: قَافْ * كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الألف آلاء الله، واللام لطفه، والميم ملكه، وعنه أنه " ألر " و " حم " و " ن " مجموعها(4/264)
الرحمن، وعنه أن " ألم " معناه أنا الله أعلم، ونحو ذلك في سائر الفواتح، وعنه أن الألف من الله، واللام من جبريل والميم من محمد: أي القرآن منزل من الله عزّ وجلّ بلسان جبريل على محمد صلى الله تعالى عليهما وسلم " انتهى.
ومنهم ابن جني قاله في باب (شجاعة العربية) (1) من الخصائص، وقال أيضاً في المحتَسب عند توجيه قراءة (يَا حَسْرَهْ عَلَى الْعِبَاد) من سورة يس: " قرأ جماعة (يَا حَسْرَهْ) بالهاء ساكنة، وفيه نظر، لأن قوله (عَلَى الْعِبَاد) متعلقة بها أو صفة لها، وكلاهما لا يحسن الوقوف عليها دونه، ووجهه عندي أن العرب إذا
أخبرت عن الشئ غير معتمد ولا معتزمةٍ عليه أسرعت فيه، ولم تتأن على اللفظ المعبر به عنه، وذلك كقوله: * قُلْنَا لها قفى، فقالت: قاف * معناه وقفت، فاقتصر من جملة الكلمة على حرف منها تهاونا بالحال وتثاقلا عن الاجابة واعتماد المقال ... إلى آخر ما ذكره ".
وذهب جماعة إلى أن هذا ضرورة لا يجوز في فصيح الكلام، قال المبرد بعد ما نقلناه عنه: " وهذا ما تستعمله الحكماء، فانه يقال: إن اللسان إذا كثرت حركته رقت عذبته (2) ... إلى آخر ما ذكره " ومنهم أبو الحسن الاخفش، قال فيما كتبه على نوادر أبي زيد: " وهذا الحذف كالايماء والاشارة، يقع من بعض العرب لفهم بعض عن بعض ما يريد، وليس هذا هو البيان، لان البيان ما لم يكن محذوفا وكان مستوفى شائعا، حدثنا أبو العباس المبرد قال: حدثنا أصحابنا عن الاصمعي قال: كان أخوان من العرب يجتمعان في موضع لا يكلم أحدهما الاخر إلا في وقت النجعة (3) ، فإنه يقول
__________
(1) كذا، وانظر الخصائص (1: 299) (2) عذبة اللسان طرفه الدقيق، يريد درب على الكلام ومرن عليه (3) النجعة - بالضم -: طلب الكلا من مواضعه، ويتجوز به في غير ذلك (*)(4/265)
لاخيه " ألا تا " فيقول الاخر " بلى فا " يريد ألا ترحل وألا تنتجع؟ فيقول الاخر: بلى فارحل، بلى فانتجع، وأما ما رواه أبو زيد * إلا أن تأا * فإن هذا من أقبح الضرورات، وذلك أنه لما اضطر حرك ألف الاطلاق، فخرجت عن حروف المد واللين فصارت همزة " انتهى.
ومنهم المرزبانى، قال في كتاب الموشح: " زعم أبو عبيدة أن حكيم بن
معية التميمي قال: (من الرجز) قد وعدتني أم عمرو أن تا * تدهن رأسي (1) وتفليني وا * وَتَمْسَحَ الْقَنْفَاءَ حتى تَنْتا (2) * وقال آخر: * بالخير خيرات وإن شرافا * إلخ يريد فشر، أو يريد إلا أن تريد، قال: فسألت عن ذلك الأصمعي، فقال: هذا لى بصحيح في كلامهم، وإنما يتكلمون به أحياناً، قال: وكان رجلان من العرب أخوان ربما مكثا عامة يومهما لا يتكلمان، قال: ثم يقول أحدهما " ألاتا " يريد ألا تفعل، فيقول صاحبه " بلى فا " يريد فافعل، وليس هذا بكلام مستعمل في كلامهم " انتهى.
ومنهم ابن عصفور، قال في كتاب الضرائر: " ومنه قول الآخر: نَادُوهُمْ أنْ ألْجِمُوا ألاَتَا * قَالُوا جَمِيعاً كُلُّهُمْ ألاَفا يريد قالوا: ألا تركبون، ألاَ فاركبوا، فحذف الجملة التى هي اركبوا،
__________
(1) في اللسان " تمسح رأسي " (2) القنفاء: فيشلة الذكر، وقوله " تنتا " ليس بعض كلمة كسابقه ولكن (تنتأ) فخفف الهمزة بقلبها ألفا، وقد ضبطت في موشح المرزبانى بكسر التاء الاولى، وهو خطا، ومعنى " تنتأ " ترتفع وتنتفخ (*)(4/266)
واكتفى بحرف العطف وهو الفاء، ولولا الضرورة لم يجز ذلك، وكذلك أيضاً اكتفاؤه بالتاء من " تركبون "، وحذف سائر الجملة إنما ساغ للضرورة، ومثل ذلك قول الآخر: بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإنْ شَرّاً فأا * ولا أريد الشر دلا أنْ تَأا
أراد فأصابك الشر، فاكتفى بالفاء والهمزة وحذف ما بعدهما وأطلق الهمزة بالألف، وأراد بقوله " إلا أنْ تأا " إلا أن تأبى الخير، فاكتفى بالتاء والهمزة وحذف ما بعدهما وحرك الهمزة بالفتح وأطلقها بالالف، ونحو من ذلك قول الآخر: * قُلْتُ لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَافْ * يريد قد وقفتُ، فاكتفت بالقاف، ومثل ذلك أيضاً - إلا أن الدليل على المحذوف متأخر عنه - قوله: قَدْ وَعَدَتْنِي أُمُّ عمرو أن تا * تدهن رأسي وتلفيني وَا * وَتَمْسَحَ الْقَنْفَاءَ حَتَّى تَنْتَا * ألا ترى أنه حذف ما بعد التاء والواو من غير أن يتقدم له دليل على ذلك المحذوف، ثم أعادها مع ما كان قد حذفه ليبين المعنى الذي أراده قبل " انتهى.
والرجز الذي أنشده ابن عصفور مختصر، رواه بتمامه أبو علي بن المستنير المعروف بقطرب في كتاب الرد على أهل الإلحاد في آي القرآن، قال: " قال غيلان: نَادَوْهُمُ أنْ ألْجِمُوا ألاتَا * ثُمَّ تَنَادُوا بَعْدَ تِلْكَ الضَّوْضَا * مِنْهُمْ بِهَابٍ وَهَلٍ وَبَابَا * وأنشد قطرب قبله: (من الرجز) مَا للظليم عال (1) كيف لا يا * يَنْقَدُّ عَنْهُ جِلْدَه إذَا يَا
__________
(1) في الاصول " عال " - بالعين المهملة - والمعنى يحتمل أن يكون من قولهم: عال عولا، بمعنى زاد، والمراد أنه زاد في جريه، فكأنه متعجبا: أي شئ ثبت (*)(4/267)
* أهْبَى (1) الترابُ فَوْقَهُ إهْبَايَا * قال يا ثم ابتدأ كلامه " انتهى.
الأمر الثاني (2) أن الرجز الذي أنشده الشارح وسيبويه إنما هو " فأا "
و" تأا " بهمزة بعدها ألف، كما أنشده أبو زيد في نوادره، قال فيها: " قال لُقَيْم ابن أوس من بني أبي ربيعة بن مالك: إنْ شِئْتِ أشْرَفْنَا كِلاَنَا فَدَعَا * الله جَهْداً (3) رَبَّهُ فَأَسْمَعَا بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإنْ شرا فأا * ولا أريد الشرَّ إلاَّ أنْ تَأا أجاب بها امرأته إذ تقول له: قَطَّعَكَ الله الكَرِيمُ (4) قِطَعاً * فَوْقَ الثُّمَامِ قِصَداً مُرَصَّعا (5) تَاللهِ مَا عَدَّيْتَ إلاَّ رُبَعاً * جَمَّعْتُ فيهِ مَهْرَ بِنْتِي أجْمَعَا وقوله " إن شرا فأا " أراد فالشر، فأقام الألف مقام القافية، وقوله " إلا أن تأا " إلا أن تشائي ذلك، وقولها: " ما عديتَ إلا رُبعاً " ما سقت وصرفت إلينا إلا ربعاً من مهر ابنتي " انتهى كلام أبي زيد، وكذا أسنده ابن عصفور في
__________
(1) للظليم، وقد جرى حتى لا ينشق عنه جلده إذا يجرى جريا يثير التراب فوقه إثارة؟ و " يجرى " في كلامنا هو الذى اقتطع منه " يا " في قوله " إذا يا " (1) تقول: أهبى الفرس التراب، إذا أثاره بحوافره (2) هذا هو الامر الثاني من الامور التى ذكر الاول منها قبل ذلك بمرحلة طويلة، فانظر (ص 263) (3) في نسخة " جهرا " بالراء، ولها وجه وما أثبتناه عن نوادر أبى زيد (ص 126) وعن نسخة أخرى في النوادر " المليك " (5) كذا في نسخة من الاصول، وهى التى سيشرح عليها المؤلف، وفى أخرى " موضعا " وهى التى توافق ما في كتاب النوادر (ص 126) (*)(4/268)
كتاب الضرائر، وأبو حيان في الارتشاف، قال فيه: " وقد يوقف على حرف
واحد كحرف المضارعة يليه ألف نحو قوله: جَارِيَةٌ قَدْ وعَدَتْنِي أنْ تَا * تَدْهَنَ رَأْسِي وَتُفَلِّينِي وَا * وَتَمْسَحَ القَنْفَاءَ حَتَّى تَنْتَا * أو يؤتى بهمزة بعد لحرف بعدها ألف، نحو قوله: بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإنْ شرا فأا * ولا أريد الشر إلا أن تَأا يريد فشرّاً وإلا أن تشاء " انتهى.
فلا يستقيم على هذا إلا أن يهمز فأا وتأا لتكون الهمزة بإزاء العين في " دَعَا " و " أسْمَعَا " قال السيرافي: " وكذا أنشد هذا الشعر، وأراد فأفعل، فحذف وأطلق الهمزة بالألف لأنها مفتوحة، وقال أبو زيد أراد فالشرَّ إن أردْتَ إلخ، والذي ذكرته (1) آثر في نفسي، لأن فيه همزة مفتوحة، والذي ذكره أبو زيد ليس فيه همزة إلا أن تقطع ألف الوصل من الشر، وفيه قبح، وقول أبي زيد في " إلاَّ أنْ تأا " إنه أراد تشائي: يعني أنه حذف الشين والألف واكتفى بالتاء والهمزة وأطلقها للقافية، والهمزة مكسورة من تشَائِي لأن الخطاب لمؤنث، والهمزة من تأا مفتوحة، وأحب إليّ من قول (1) ما قاله إلا أن تأبَى الخير " انتهى.
وتقدير ابن عصفور فأصابك الشر مثل تقدير فأفعل، وعلى هذا التدقيق يضمحل قولهم: قد يوقف على حرف فيوصل بهمزة تليها ألف، وأصل الهمزة ألف قلبت همزة، لأنه يكون إنما وقعت على حرفين من الكلمة مع ألف الإطلاق، وفي جعل الهمزة كالعين في " دَعَا " و " أسْمَعَا " عيب من عيوب القافية، وهو الإكفاء، (2) وسهله قرب مخرج العين والهمزة، وتقدير المبرد في الكامل وتبعه بعضهم
__________
(1) في الاصول " والذى ذكره أثر " وفيها " وأحب إلى من قوله ما قاله " وهو عندنا تحريف صوابه ما ذكرناه (2) الاكفاء: اختلاف الروى بحروف متقاربة المخارج (*)(4/269)
خطأ، لأن الأصل في هذا الباب إذا لفظ بالحرف أن يترك على حركته ويزاد عليه في الوقف هاء السكت أو ألف الوصل، كما أجاز سيبويه أن يوقف بالألف في المفتوحة عوضاً من الهاء، والتاء من " تريد " مضمومة فكان يلزم إبقاء ضمتها، ولا يصح ذلك في الشعر، إلا أن تقول: إنه فتحها من أجل ألف الإطلاق بعدها، فيحتاج إلى تعليل آخر.
الأمر الثالث أن هذا الشعر خطاب لامرأة، فيجب أن يكون المقدَّر مؤنثاً كما قدره أبو زيد، وتقديره مذكراً غفلة عن سياق الشعر وأصله.
وقوله " إن شِئْتِ أشرفنا إلخ " بكسر التاء من شئت خطاب لامرأته، وأشرفنا: أي عَلَوْنا شَرَفاً - بفتحتين - وهو المكان العالي، وكلانا: تأكيد ل " نَا " وكلا: مفرد اللفظ مثنى المعنى، ويجوز مراعاة كل منهما، ولهذا أعاد الضمير من دَعَا إليها مفرداً: أي دعا كل منا، ولو أعاد الضمير باعتبار معناه لقال دَعَوَا وقطع همزة الوصل لضرورة الشعر، ورَبَّهُ: بدل منه، وجَهْداً: منصوب مفعول مطلق بتقدير مضاف: أي دعاء جهد، أو حال بتقدير جاهداً، والجهد - بالفتح -: الوُسْع والطاقة، و " أسْمَعَا " من أسْمَعت زيداً: أي أبلغته، فهو سميع، والدعاء يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه، وإلى ثان بحرف جر، يقال: دعوت الله أن يفعل كذا: أي يفعل كذا، ودعوت الله: أي ابتهلت إليه بالسؤال ورغبت فيما عنده، والتقدير هنا أن يجْزِي أحدَنا بمقابلة الخير خيراتٍ، وإن كان فعله شرّاً فأصابه بشر، ولا أريد لكِ الشر إلا أن تأبى الخير ومن هنا تعرف أن تقدير ابن عصفور هو الجيد، لا تقدير السيرافي، وأن شرح الأعلم من قبيل الرجم بالظنون وقوله " قطَّعك الله الكريم قِطَعاً ".
هو دعاء عليه، والقِطَع: جمع قِطْعَة،
والثمام - بالثاء المثلثة -: نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص، والْقِصَد: جمع قصدة، وهى القطعة من الشئ إذا انكسر، كَكِسَر جمع كِسْرَة،(4/270)
وَالْمُرَصعُ - بفتح الصاد المهملة المشددة -: الْمُلْقَى وَالْمُطَّرح، والرُّبَع - بضم وفتح الموحدة - هو الفصيل يُنتج في الربيع في أول النتاج والأنثى رُبَعَة ولقيم بن أوس: شاعر إسلامي وأما الشعر الآخر * قُلْتُ لَهَا قِفِي: فقالت قَافْ * فهو أول رجز لِلْوَلِيد بن عقبة بن أبي معيط، أورد بقيته أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني في ترجمته، قال: " لما شُهد على الوليد بن عقبة عند عثمان ابن عفان - رضي الله عنه ربه الملك المنَّان - بِشُرْبِ الخمر وكتب إليه يأمره بالشخوص فخرج وخرج معه قوم فيهم عدي بن حاتم رضي الله عنه، فنزل الوليد يوماً يَسُوق بهم، فقال يرتجز: قُلْتُ لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَافْ * لاَ تَحْسَبِينَا قَدْ نَسِينَا الإيجَافْ وَالنَّشَوَاتِ مِنْ مُعْتَّقٍ صَافْ (1) * وَعَزْفَ قَيْنَاتٍ عَلَيْنَا عُزَافْ فقال له عدي: إلى أين تذهب بنا؟ أقم وقد تخيل في العصام كعادته في حاشيته القاضي شيئاً حتى أخرجه عن موضع الاستشهاد، قال: " ويمكن أن يكون أمْراً من قَافَاهُ بمعنى قَفَاه: أي تبعه فإن فَاعَلَ يجئ بمعنى فَعَلَ، نحو سافر، ويناسب كل المناسبة بما قبله وبما بعده، فيقول: قلت لها قِفِي حتى تستريحي من نَصَب السفر والسير، فقالت قاف: أي قافِني واتبعني ولا تصاحبني في السير، فإنكم قد فَتَرْتَ وحصل لك الكَلاَل، فقلت: لا تحسبينا ... الخ، بل كان المقصود استراحتك " هذا كلامه.
وفيه أن فَاعَلَ بمعنى فَعَلَ سماعي، كما نصوا عليه في علم الصرف،
__________
(1) في الاغانى (5: 131 طبع دار) * والنشوات من عتيق أوصاف * (*)(4/271)
والإيجاف: متعدي وَجَف الفرسُ والبعير وَجيفاً، إذا عدا، وأوجفته، إذا أعْدَيته، وهو العنف في السير، وقولهم " ما حصل بإيجاف " أي: بإعمال الخيل والرِّكاب في تحصيله بالسير، ورجل نَشْوَان مثل سَكْرَان، و " من مُعَتَّق " أي: من خمر مُعَتَّق، والْعَزْف - بالعين المهملة والزاي المعجمة -: مصدر من عَزَف عَزْفاً من باب ضرب، وإذا لعب بالمَعَازف، وهي آلات يضرب بها، الواحد عَزْف كفَلْس على غير قياس، والمعزف - بكسر الميم -: نوع من الطنابير (1) يتخذه أهل اليمن، وقيل: إنه العود، وقال الجوهري: المعازف الملاهي، والْقَيْنَة - بفتح القاف -: الأمَة البيضاء، مغنيةً كانت أو غيرها وقيل: تختص بالمغنية، وعُزَّاف - بالضم -: جمع عازفة، وروي أيضاً: * وَعَزْفَ قَيْنَاتٍ لَنَا بِمِعْزَافْ * وأصله مِعْزَفٌ، فتولدت الألف من إشباع الفتحة.
والوليد بن عقبة: هو أخو عثمان بن عفان رضي الله عنه لأمِّه، وكان فاسقاً، وولي لعثمان رضي الله عنه الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، فشرب الخمر، وشُهد عليه بذلك، فَحَدَّه وعزله.
وأما الشعر الثالث، وهو: * قَد وعدتني أم عمرو وأن تَا * إلخ فقد رواه ابن الأعرابي في نوادره كذا: * جَارِيَةٌ قَد وَعَدَتْنِي أنْ تَا * إلخ
والْقَنْفَاء: بفتح القاف وسكون النون بعدها فاء، قال الليث: الأذن القنفاء أذن المعزى إذا كانت غليضة كأنها نعل مخصوفة، ومن الإنسان إذا كانت لا أُطرَ لها، والكمرة القنفاء: أي رأس الذكر.
__________
(1) وقع في الاصول محرفا " نوع من الضنابير " (*)(4/272)
وكان لهمام بن مرة ثلاث بنات آلى أن لا يزوجهن أبداً، فلما طالت بهن العزوبة قالت إحداهن بيتاً وأسمعته كأنها لا تعلم أنه يسمع ذلك، فقالت: أهَمَّامُ بْنَ مُرَّةَ إنَّ هَمِّي * لَفِي اللاَّئِي يَكُونُ مَعَ الرِّجَالِ فأعطاها سَيْفاً، وقال: السيف يكون مع الرجال، فقالت لها التي تليها: ما صنعت شيئا! ولكني أقول: أهمام بن مُرَّةَ إنَّ هَمِّي * لَفِي قَنْفَاءَ مُشْرِفَةِ الْقَذَالِ فقال: وما قَنْفاء؟ تريدين مِعْزًى؟ فقالت الصغرى: ما صنعت شيئا! ولكني أقول: أهمام بْنَ مُرَّةَ إنَّ هَمِّي * لَفِي عود أسَد بِهِ مَبَالِي فقال: أخزاكن الله! ! وزوجهن.
وأنشد غير الليث: وَأُمَّ مَثوَايَ تُدَرِّي لِمَّتِي * وَتَغْمِزُ الَقْنفَاءَ ذَاتَ الْفَرْوَةِ و " تَنْتَا " مضارع نتا نُتُوًّا، وفي المثل " تُحًقِّرُهُ ويَنْتا " أي: يرتفع، وكل شئ يرتفع فهو ناتٍ، وهو مهموز، وقد سَهَّل الشاعر همزة هنا ألفا، يريد ثمن ذكره فينعط.
وهذا الشعر لحُكَيم بن مُعَيَّة التميمي، كما قال المرزُباني، وحكيم بالتصغير، ومُعَية: تصغير معاوية، وهو راجز إسلامي قد ترجمناه في الشاهد الرابع والأربعين
بعد الثلاثمائة، من شواهد شرح الكافية.
وأما الشعر الرابع، وهو * نَادَوْهُمُ ألاَ ألْجِمُوا ألاَتَا * إلخ فقد رواه أبو علي القالي في كتاب المقصور والممدود، كذا: " قال الراجز: ثُمَّ تَنَادَوْا بَعْدَ تِلْكَ الضَّوْضَا * منهم بهاب وبهل ويايا نَادَاهُمْ ألاَ ألْجِمُوا ألاَتَا * قَالُوا جَمِيعاً كُلُّهُم ألاَفَا(4/273)
والضوضا يمد ويقصر، قال الفراء: الضوضاء ممدود جمع ضوضاة " انتهى وفي الصحاح الضَّوْضَاة أصوات الناس.
وجلبتهم، يقال: ضَوْضَوَ بلا همز وضَوْضَيْت " انتهى، ولم يذكر لا ممدوداً ولا مقصوراً وهاب: زجر للإبل، وَهَل: بمعنى هَلاً، وهي كلمة استعجال وحث، ويايا هي يا حرف الندا كررت للتأكيد وهذا الرجز لم أقف على قائله، والله أعلم وأنشد بعده، وهو الشاهد الثالث والثلاثون بعد المائة: (من الرجز) 133 - لمَّا رَأَى أن لا دعه ولا شبع * مال إلى أرطاة حقف فالطجع على أن تاء التأنيث في دعه هاء في الوصل، لأنه أجراه مجرى الوقف لضرورة الشعر، وظاهر كلام الفراء أنه غير ضرورة، قال في تفسير قوله تعالى (أرجه وأخاه) " جاء في التفسير احبسهما عندك ولا تقتلهما، والإرجاء: تأخير الامر، وقد جزم الهاء حمزة والأعمش، وهي لغة للعرب، يقفون على الهاء المكني عنها في الوصل إذا تحرك ما قبلها، أنشدني بعضهم: (من الرجز) أنْحَى عَلَيَّ الدَّهْرُ رِجْلاً وَيَدَا (1) * يُقْسِمُ لاَ يُصْلِحُ إلا أفْسَدَا فَيُصْلِحُ الْيَوْمَ وَيُفْسِدُهْ غدا
__________
(1) هذه الابيات لدويد بن زيد بن نهد أحد المعمرين، وهى في " الشعراء " لابن قتيبة (ص 36) وأمالى المرتضى (ح 1 ص 172) .
ووقع فيهما ألقى على الدهر رجلا ويدا * والدهر ما أصلح يوما فسدا والبيت الثالث في الشعراء: * يصلحه اليوم ويفسده غدا * وفى أمالى المرتضى: يصلح ما أفسده اليوم غدا (*)(4/274)
وكذلكك يفعلون بهاء التأنيث، فيقولون: هذه طَلْحَهْ قد أقبلت بالجزم، أنشدني بعضهم: * لَمَّا رَأَى أنْ لاَدَعَهْ وَلاَ شَبِعْ * انتهى وقد أورده الزمخشري في المفصل على أن اللام أبدلت من الضاد في " فالطجع " وأصله فاضطجع، وكذلك أورده المراديّ وابن هشام في شرح الألفية، قال ابن جني في سر الصناعة: " وأما قول الراجز: فالطجع فأبدل الضاد لاماً وهو شاذ، وقد روي فاضْطَجَعَ، وروي أيضاً فاطجَّع، وَيروى أيضاً فاضَّجَع " انتهى.
وهذا البيت قبله يَا رُبَّ أبَّازٍ مِنَ الْعَفرِ صَدَعْ * تَقَّبَّضَ الذِّئْبُ إلَيْهِ وَاجْتَمَعْ وقد أنشدهما ابن السكيت في باب فَعَل وفعَّل من إصلاح المنطق، و " يا " حرف التنبيه، ورب لإنشاء التكثير، وأباز - بتشديد الموحدة وآخره زاي معجمة - قال صاحب الصحاح: أبز الظبى يأبز (من باب ضرب) : (1) أي قفز في عدوه فهو أباز، وأنشد هذا البيت، وصحفه بعض أفاضل العجم بالإبَّان، فقال في شرح أبيات المفصل: " يا رُبَّ المنادى محذوف يريد يا قوم، والإبَّان: الوقت،
والعُفر: جمع أعفر، وهو الأبيض الذي ليس بشديد البياض، وشاة عفراء يعلو بياضها حمرة، والصَّدَع: الوَعِل، تقبض إليه: تزوى إليه وانضم، " صَدَعٌ " مبتدأ ومن العفر بيان له، وبهذا صح وقوعه مبتدأ، وتقبض خبره، والجملة صفة إبان والعائد محذوف: أي تقبض فيه " هذا كلامه وهو خبط عشواء، فإن قوله من العُفْرِ صفة لمجرور رُب، وصَدَعٌ صفة ثانية، وتقبض جواب رُب، قال صاحب الصحاح تبعاً لابن السكيت: " ورجل
__________
(1) ولا شاهد فيه فوق أن معناه غير مستقيم مع ما قبله ووقع في الاصول " انحوا على " وهو تحريف (1) هذه الجملة ثابتة في الاصول التى بأيدينا، وبالرجوع الى الصحاح لم نجدها فيه (*)(4/275)
صَدعٌ بالتسكين، وقد يحرك، وهو الخفيف اللحم، وأما الوعِلُ فلا يقال فيه إلا بالتحريك، وهو الوسط منها، ليس بالعظيم ولا بالصغير، ولكنه وعِل بين وَعِلين، وكذلك هو من الظباء والْحُمُرِ، قال الراجز * يَا رُبَّ أبَّازٍ مِنَ الْوَعْلِ صَدَعْ * " انتهى وتقبض: جمع قوائمه ليثب على الظبي، وقوله " لما رأى إلخ " رأى هنا عِلْمية: وفاعله ضمير الذئب وأن مخففة من الثقيلة: واسمها ضمير الشأن، ولا نافية للجنس، وخبرها محذوف: أي له، والجملة خبر أن المخففة، وَالدّعَة: الراحة والسكون، قال الجوهري: " والدعة: الخفض، والهاء عوض من الواو، تقول منه: وَدُع الرجل - بالضم - فهو وديع: أي ساكن، وَوَادِع أيضاً " وَالشَّبع - بكسر الشين وفتح الموحدة - نقى الجوع، وأما الشِّبع - مع تسكين الموحدة - فهو ما أشبعك من شئ ".
قال صاحب الصحاح: " الأرطي: شجر من شجر الرمل والواحدة أرطأة، قال الراجز:
مَالَ إلَى أرْطَأَةِ حِقْفٍ فَاضْطَجَعْ " انتهى والحقف - بكسر الحاء وسكون القاف -: التل المعوج من الرمل، واضطجع: وضع جنبه بالأرض، يقول: لما رأى الذئب أنه لا يشبع من الظبي ولا يدركه وقد تعب في طلبه إلى الأرطأة فاضطجع عندها، ونسب ياقوت هذه الأبيات الأربعة فيما كتبه على هامش الصحاح إلى منظور بن حبة الأسدي، وكذلك نسبها العيني، ولم يتعرض لها ابن بري ولا الصفدي في المواضع الثلاثة من الصحاح.
المقصور أنشد فيه وهو الشاهد الرابع والثلاثون بعد المائة: (من البسيط)(4/276)
134 - في ليلة من جمادى ذات أندية * لا يبصر الكلب في ظَلْمَائِهَا الطُّنُبَا على أنه شذ (جمع) (1) ندًى على أندية كما في البيت، قال ابن جني في إعراب الحماسة: " اختلف في أندية هذه، فقال أبو الحسن: كسرندى على نِداء كجبل وجبال، ثم كسِر نِدَاء على أندية كرداء وأردية، وقال محمد بن يزيد هو جمع نَدِيّ كقول سَلاَمَة بن جندل: (من البسيط) يَوْمَانِ يَوْمُ مَقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ * وَيَوْمُ سَيرٍ إلى الاعداء تأويب وذهب غيرهما إلى أنه كسر فَعَلاً على أفْعُلَ كزمن وأزمن، وجَبَلٍ وأجْبُلٍ فصار أنْدٍ كأيْدٍ، ثم أنِّثَ أفْعُلَ هذه بالتاء، فصارت أندية كما أنث فِحَالَةٌ، وذكورةٌ، وبُعُولَةٌ، وأندية على هذا أفْعُلة - بالضم - لا أفعِلة - بالكسر - وذهب آخرون إلى أنه كسر فَعَلا على أفْعِلة: وركب به مذهب الشذوذ، وهذا وإن كان شاذاً فإن له عندي وجهاً من القياس صالحاً، ونظيراً من السماع مؤنساً: أما السماع
فقولهم في تكسير قفا ورحى: أقفية وأرحية، حكاهما الفراء وابن السكيت فيما علمت الآن، وأما وجه قياس الجمع فهو أن العرب قد تُجري الفتحة مجرى الألف، ألا تراهم لم يقولوا الإضافة إلى جَمَزَى وبَشَكَى (إلاَّ جَمَزِيّ، وَبَشَكِيّ) (2) كما لا يقولون في حُبَارى، إلا حباريّ، ومشابهة الحركة للحرف أكثر ما يذهب إليه، فكأن فَعَلاً على هذا فَعَالٌ، وفَعَالٌ مما يكسر على أفعلة نحو غزال وأغزلة وشراب وأشربة، وكذلك كسَّر نَدًى ورحىً وقفاً على أندية وأرحية وأقفية، وكما شبهت الحركة بالحرف فكذلك شبه الحرف بالحركة، فقالوا حياء وأحياء، وعزاء وأعزاء، وعراء وأعراء ومن الصحيح جواد وأجواد، فكأن كل واحد من هذه الاحاد فعل (3)
__________
(1) هذه زيادة يقتضيها المقام (2) سقطت هذه من نسخ الاصل وكأن الناسخ حسبهما تكرارا.
(3) في الاصل فعال، وليس له وجه.
(*)(4/277)
عندهم، وأجود تكسير ندَىً أنداءٌ، كما قال الشماخ: (من الطويل) إذا سقط الانداء صيغت وَأُشْعِرَتْ * حَبِيراً وَلَمْ تُدْرَجْ عَلَيْهَا الْمَعَاوِزُ (1) وقد تقصَّيْتُ هذا الموضع في كتاب سر الصناعة " انتهى كلامه.
أقول: ذكره في فصل الواو من ذلك الكتاب.
وقال السهيلي في الروض الأنف: " أندية، جَمَعَ نَدىً على نِدَاء مثل جمَلَ وجِمَال، ثم جمع الجمع على أفْعِلَةٍ، وهذا بعيد في القياس، لأن الجمع الكثير لا يجمع وفِعَال من أبنية الجمع الكثير، وقد قيل: إنه جمع نديّ، وَالندِيّ: المجلس، وهذا لا يشبه معنى البيت، ولكنه جاء على مثال أفْعِلَة، لأنه في معنى الأهوية والأشتية ونحو ذلك، وأقرب من ذلك أنه في معنى الرذاذ والرشاش، وهما يجمعان على أفعله " انتهى.
وقريب منه قول الخُوَارِزمي: " ندًى وإن كان في نفسه فَعَلاً لكنه بالنظر إلى ما يقابله - وهو الجفاف - فَعَالٌ، فمن ثم كسروه على أفعلة " وقول السهيلي " لا يشبه معنى البيت " قد يمنع، ويكون معناه في ليلة من ليالي الشتاء ذات مجالس يجلس فيها الأشراف والأغنياء لإطعام الفقراء، فإنهم كانوا إذا اشتد الزمان وَفشا القحط، وذلك يكون عند العرب في الشتاء، يجلسون في مجالسهم ويلعبون بالميسر، وينحرون الجزر، ويُفرقونها على الفقراء.
والبيت من قصيدة لِمُرَّة بن مِحْكَان، أوردها أبو تمام في باب الأضياف والمديح من الحماسة، وقبله: أقُولُ وَالضَّيْفُ مَخْشِيٌّ ذَمَامَتُهُ * عَلَى الْكَرِيمِ وَحَقُّ الضَّيْفِ قَد وَجَبَا يَا رَبَّةَ الْبَيْتِ قُوْمِي غَيْرَ صَاغِرَةٍ * ضُمِّي إلَيْكِ رحَالَ الْقَوْمِ وَالقُرُبَا فِي لَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى ذات أندية * لا يبصر الكلب في ظلمائها الطنبا
__________
(1) انظر ديوان الشماخ (ص 50) (*)(4/278)
لاَ يَنْبَحُ الْكَلْبُ فِيهَا غَيْرَ واحِدَةٍ * حَتَّى يَلُفَّ عَلَى خَيْشُومِهِ الذَّنَبَا وَخَيِّرِيهِمْ أنُدْنِيهِمْ إلَى سَعَةٍ * مِنْ سَاحَةِ الدَّارِ أمْ نَبْنِي لَهُمْ قُبَبَا؟ مخشي: اسم مفعول من الخشية، وهي الخوف، وذَمَامَة: نائب الفاعل، وهى بمعنى الذم، وقوله " ياربة البيت " هو مقول القول، وربة البيت: صاحبته، يريد امرأته، و " غير " منصوب على الحال، وصاغرة: من الصغار - بالفتح - وهو الذلة، وضمي: اجمعي، والرحال - بالحاء المهملة -: جمع رحل، وهو كل شئ يعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير وحِلْس وَرَسَن، والقرُبُ - بضمتين -: جمع قِراب، وقِرَاب السيف - بالكسر -: جفنه وهو وعاء يكون فيه السيف بغمده وحمالته، وقوله " في ليلة " هو متعلق بقومي، وقيل ب " ضُمِّي " لقربه، وقوله
" من جمادى " متعلق بمحذوف صفة لليلة، ومن للتبعيض، وإن كانت للبيان كانت متعلقة بمحذوف حال من ليلة، كقوله تعالى (مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذهب) والشاهد في " مِنْ " الثانية فإن الأولى ابتدائية، واخطأ العينى في قوله: من جمادى صفة لليلة، ومن للبيان.
قال السهيلي: " أراد بجمادى الشهر، وكان هذا الاسم قد وقع على هذا الشهر في زمن جمود الماء، ثم انتقل بالأهلة، وبقي الاسم عليه وإن كان في الصيف والقيظ، وكذلك أكثر (1) هذه الشهور العربية سميت بأسماء مأخوذة من أحوال السنة الشمسية، ثم لزمتها وإن خرجت تلك الأوقات " انتهى.
وينبغي أن يعتبر أصل الوضع، وإلا فلا فائدة في ذكر اسم شهر لا يدل على شدة البر وجمود الماء، والشاعر إسلامى وليس ممن أدرك زمن وضع الشهور، ويجوز أن يلاحَظ في الأعلام أصل وضعها.
قال ابن الأنباري: " أسماء الشهور كلها مذكرة إلا جمادى، فهما مؤنثان
__________
(1) كذا في السهيلي (ج 2 ص 155) ووقع في الاصول " أشهر هذه الشهور " (*)(4/279)
تقول: مضت جمادى بما، فإن جاء تذكير جمادى في شع فهو ذهاب إلى معنى الشهر، وهي غير مصروفة للتأنيث والعلمية، والأولى والآخرة صفة لها، فإن الآخرة بمعنى المتأخرة، ولا يقال: جمادى الأخرى، لأن الأخرى بمعنى الواحدة فتتناول المتقدمة والمتأخرة فيخصل اللبس، ويحكى أن العرب حين وضعت الشهور وافق وضع الأزمنة فاشتق للشهر معان من تلك الأزمنة، ثم كثر حتى استعملوها في الأهلة وإن لم توافق ذلك الزمان، فقالوا: رمضان، لما أرمض الارض من شدة الحر، وشوال، لما شالت الإبل بأذنابها للطروق، وذو القَعدة لما ذللوا القِعدان للركوب، وذو الحِجة لما حجوا، والمحرم، لما حرموا القتال والتجارة،
وصفر لما غزوا فتركوا ديار القوم صِفراً، وشهر ربيع، لما أربعت الأرض وأمرعت، وجمادى، لما جمد الماء، ورجب لما رجبوا الشجر، وشعبان لما أشعبوا العود " وقوله " ذات أندية " بجر ذات بمعنى صاحب صفة لليلة، وأندية جمع نَدًى، وهو أصل المطر، والندى البلل، وبعضهم يقلو ما سقط آخر الليل فهو ندى، وأما الذي يسقط أوله فهو السَّدَى: - بفتح السين المهملة - على وزنه من باب تعب، فهي ندية مثل تقية، ويعدى بالهمزة والتضعيف، وجملة " لا يبصر الحيوانات الكلب إلخ " صفة أخرى لليلة، وخَصَّ الكلب المدجج الذي لا يبين إلاَّ عيناه، والطنب - بضمتين، وسكون النون - لغة، وهو الحبل الذي تشد به الخيمة ونحوها، والجمع أطناب كعُنُق وأعناق، وقول العوام طَنَب - بفتحتين - لا أصل له، و " في " متعلقة يبصر، وروي بدلها " من " وهي بمعْناها وقال العيني: للتعليل، والظلماء هنا بمعنى الظلمة، ويأتي وصفاً أيضاً يقال: ليلة ظلماء والليلة الظلماء، وقوله لا ينبح الكلب إلخ من باب ضرب، وفي لغة من باب نفع، والنُّباح - بالضم -: صوته، والخيشوم الأنف، وإنما يلف ذنبه(4/280)
على أنفه لشدة البرد فلا يقدر أن ينبح وقوله " وخَيِّرِيهِمْ أنُدْنِيهِمْ " الهمزة للاستفهام، والإدناء التقريب، وروي أيضاً: مَاذَا ترَيْنَ أنُدْنِيهِمْ لأرْحُلِنَا * مِنَ الْبَيْتِ جَانِب أمْ نَبْنِي لَهُمْ قُبَبَا يقال: بنى الخيمة إذا ضربها وأقامها، والقبب: جمع قبة، وهي الخيمة المدورة.
ومرة بن محكان شاعر إسلامي من معاصري الفرزدق وجرير، وهو بضم الميم وتشديد الراء، ومحكان - بفتح الميم وسكون الحاء المهملة - على وزن غضبان: مصدر مَحَكَ يَمْحَك محكاً من باب نفع إذا لج في الأمر فهو محك وماحك، ورجل محكان إذا كان لجوجاً عسر الخلق، ويقال أيضاً: أمحك وامتحك في الغضب:
أي لج، والمماحكة: الملاجة، وضبطه العسكري في كتاب التصحيف بكسر الميم لا غير وهو خلاف ما قالوا والله أعلم.
قال ابن قتيبة في كتاب " الشعراء " مُرَّة بن محكان السعدي هو من سعد بن زيد مناة بن تميم، من بطن يقال لهم: رُبَيْع بالتصغير، وكان مرة سيد بني ربيع، وكان يقال له: أبو الأضياف، وقتله صاحب شرطة مُصْعَب بن الزبير، ولا عقب له، وهو القائل في الأضياف من تلك القصيدة: (من البسيط) وَقُلْتُ لَمَّا غَدَوْا أُوصي قَعِيدَتَنَا * غَذِّي بَنِيكِ فَلَنْ تَلْقَيْهِمُ حِقَبَا أدعى أباهم ولم أقرب بِأٌمِّهِمِ * وَقَدْ عَمِرَتْ وَلَمْ أعْرِفْ لََهُمْ نَسَبَا أنَا ابْنُ مَحْكَان أخوا لى بنو مطر * أنمى إليهم وكانو مَعْشَراً نُجُبَا انتهى.
تتمة: قد وقع المصراع الأول من البيت الشاهد في شعر آخر، قال ابن هشام صاحب السيرة النبوية عند ذكر ما قيل من الشعر يوم أحد: قال بن اسحق(4/281)
" وكان " مما قيل من الشعر يوم أحد قول هُبَيْرَة بن أبي وهب (من البسيط) مَا بَالُ هَمٍ عَمِيدٍ بَاتَ يَطْرُقُنِي * بِالْوُدِّ هِنْدَ إذْ تَعْدُوا عَوَادِيهَا بَاتَتْ تُعَاتِبُنِي هِنْدٌ وتغذلنى * وَالْحَرْبُ قَدْ شَغَلَتْ عَنِّي مَوَالِيهَا إلى أن قال بعد خمسة عشر بيتاً: وَلَيْلةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جازِرُهَا * يَخْتَصُّ بالنَّقَرَى الْمُثْرِينَ دَاعِيهَا فِي لَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى ذَاتِ أنْدِيةٍ * جَرْبَاً جُمَادِيَّةٍ قدبت أَسْرِيهَا لاَ يَنْبَحُ الْكَلْبُ فِيهَا غَيْرَ وَاحِدَةٍ * مِنَ الْقَرِيسِ وَلاَ تَسْرِي أفَاعِيهَا ثم بعد أن أتمها وأنشد جوابها لحسان بن ثابت رضي الله عنه قال: وبيت هبيرة الذي يقول فيه * وليلة يصلى بالفرث جازرها * الخ يروى الجنوب أخت
عمرو ذي الْكَلْب الهذلي في أبيات لها في غير يوم أحد " انتهى.
وقال السهيلي في الروض: " قد شرطنا الإضراب عن شرح شعر الكفرة والمفاخرين لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا من آمن منهم، لكنه ذكر في شعر هبيرة الذى بدأ به بيتين ليسا من شعره، فلذلك ذكرتهما، وهما: * وليلة يصطلي بالفرث * البيت و * في ليلة من جمادى ... * البيت قوله يصطلي بالفرث: أي يستدفئ به من شدة البرد، و " يختص بالنَّقَرَى المثرين ": يختص الأغنياء طلباً لمكافأتهم وليأكل عندهم، يصف شدة الزمان، قال يعقوب في الألفاظ: ونسبها لهذلي، وكذلك قال ابن هشام في هذين البيتين: إنهما ليسا لهبيرة، ونسبهما لجنوبَ أخت عمرو ذي الكلب الهذلي " انتهى.
وجنوب هذه أمرأة من هذيل، جاهلية، قد ترجمناه في الشاهد التاسع والستين بعد السبعمائة من شواهد شرح الكافية، فيكون مرة بن محكان قد أخذ المصراع الأول من شعرها، وكذلك يكون " لا ينبح الكلب فيها غير واحدة "(4/282)
هذا المصراع ليس له، وقولها " جرباً جُمَادية " أي: لا نجوم تظهر فيها، وجُمَادِيَّةٍ منسوبة إلى جُمَادى.
أي لشدة البرد، ويروى " حَيْرَى جماديّة " يحار السالك فيها من شدة الظلام، والفرث: السرجين الذي يخرج من الكرش، والنَّقَرى - بفتح النون والقاف وبالقصر -: الضيافة الخاصة لافراد، والجفى على وزنها - بالجيم والفاء -: الضيافة العامة، والمثرين: مفعول مقدم، وداعيها فاعل مؤخر، والقريس - بفتح القاف وآخره سين مهملة -: البرد الشديد.
ذو الزيادة أنشد فيه، وهو الشاهد الخامس والثلاثون بعد المائة: (من الرجز)
135 - * تُجاوِبُ القوس بترنموتها * على أن " ترْنَمُوتاً " بمعنى الترنم، فالواو والتاءان زوائد، وصوابه.
* تْجَاوِبُ الصَّوْتَ بتَرْنَمُوتِهَا * قال ابن جني في سر الصناعة: " وزيدت التاء أيضاً خامسةً في نحو مَلَكوت وجبروت ورغبوت ورهبوت ورحموت وطاغوت، وسادسة في نحو عَنْكَبُوت وتَرْنَمُوت، وهو صوت ترنم القوس عند الإنباض، قال الراجز: * تْجَاوِبُ الْقَوْسَ بِتَرْنَمُوتِهَا * أي: بترنمها " انتهى.
وقال أيضاً في شرح تصريف المازني: " وأمّا ترنموت فيدل على زيادة تائه أيضاً أنه بمعنى الترنم، قال الراجز: * تجاوب القوس بترنموتها * أي: بترنمها، ومثال عَنْكَبُوت فَعْلَلُوت، ومثال تَرْنَموت تَفْعَلُوت " انتهى.
وقال صاحب الصحاح: " والترنموت: الترنم، زاد فيه الواو والتاء، كما زادوا(4/283)
في مَلَكُوت، قال أبو تراب: أنشدني الغَنَوِي: في القوس تُجَاوِبُ الصَّوْتَ بِتَرْنَمُوتِهَا * تَسْتَخْرِجُ الْحَبَّةَ مِنْ تابوتها يعنى حبة القلب من الجوف " انتهى.
فعرف أن الشارح المحقق تبع ابن جني في ذكر القوس موضع الصوت، والصواب ما أنشده الجوهري.
قال ابن بري في أمالية عليه: " قبل البيتين: * شِرْيَانَةٌ تُرْزِمُ مِنْ عُنُوتِهَا * والشريانة - بكسر الشين المعجمة وفتحها -: شرج تتخذ منه القِسِيّ،
قال الدِّينَوَرِيُّ في كتاب النبات: " هو من جيد العيدان، وهو من نبات الجبال، قال أبو زياد: وتصنع القياس من الشريان، قال: وقوس الشريان جيدة إلا أنها سوداء مشربة حمرة، وهي أخف في اليدين من قوس النبع والشَّوْحَط، وزعموا أن عود الشِّرْيان لا يكاد يَعْوَجّ، وقال الفراء: هي الشريان بالفتح والكسر ".
اه وتُرْزم - بتقديم المهملة على المعجمة - بمعنى أنّت وصوَّتت (1) من أرزمت الناقة إرزاماً، والاسم الرَّزَمَة - بالتحريك - وهو صوت تخرجه من حلقها لا تفتح به فاها، وذلك على ولدها حين تَرْأَمه، والحنين أشد من الرَّزَمَة، والْعُنُوت (2) : جمع عَنَتْ - بفتح العين المهملة والنون - وهو الوقوع في أمر شاق، وقوله " تجاوب الصوت " أي: صوت الصيد، يعني إذا أحَسَّت بصوت حَيَوَان أجابته بترنم وترها، والتابوت هنا: القلب، ووزنه فاعول
__________
(1) كذا، والاولى أن يقول " بمعنى تئن وتصوت " (2) هكذا وقع في الاصول كلها، والذى في اللسان " عنتوتها " والعنتوت: الحز في القوس، ولا معنى لما ذكره المؤلف (*)(4/284)
وزعم الجوهري أنه فَعَلُوت من التوب، ورد عليه، قال الراغب: التابوت: وعاء يمر قَدْرُهْ، ويسمى القلب تابوت الحكمة، وسَفْط العلم، وبَيْتَه وأنشد بعده، وهو الشاهد السادس والثلاثون بعد المائة: (من الرجز) 136 - * رَبَّيْتُهُ حَتَّى إذَا تَمَعْدَدَا * على أن وزنه عند عند سيبويه تَفَعْلَلَ، ومعناه غَلُظ واشْتَدَّ، قال ابن دريد في الجمهرة: " تمعدد الغلام، إذا صلب واشتد، وبعده: * كَانَ جَزَائِي بالعصا أنْ أجْلَدَا *
وتقدم الكلام عليه في الشاهد الثاني والأربعين بعد الستمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع والثلاثون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: (من الرجز) 137 - * بِشِيَةٍ كَشِيَةِ الْمُمَرْجَلِ * على أن الْمُمَرْجَل وزنه عند سيبويه مُفَعْلَل قال سيبويه: " جعلت المراجل ميمها من نفس الحرف حيث قال العجاج * بشبة كَشِيَةِ الْمُمَرْجَلِ * الممرجل: ضرب من ثياب الوشي " قال الأعلم: " استشهد به على أن ميم الممرجل أصلية، وهي ضرب من ثياب الوشي تصنع بدرات كالمِرْجَل، وهو القدر، لثباتها في الممرجل، وهو عنده مُفَعْلَلْ، فالميم الثانية فاء الفعل، لأن مفعلالا لا يوجد في الكلام، وغيره يزعم أن ممرجلاً ممفعلٍ، وأن ميميه زائدتان، ويحتج لمجيئها زائدتين في مثل(4/285)
هذا بقولهم: تَمَدْرَعَت الجارية، إذا لبست المدرع، وهو ضرب من الثياب كالدرع، وبقولهم: تمسكن الرجل، إذا صار مسكيناً، والمسكين من السكون، وميمه زائدة، وهذا قريب، إلا أن سيبويه حمل الممرجل على الأكثر في الكلام، لقلة مُمَفْعل (وكثرة مُفَعْلَل) والشيه: هي اللون يخالطه لون آخر، ومنه سمي الْوَشْي لاختلاف ألوانه، كأنه شُبِّه في البيت اختلاف لون الثور الوحشي لما فيه من البياض والسواد بِوَشْي المراجل واختلافه " انتهى وفي العباب للصاغاني: " والمِرْجَل - بالكسر -: قدر من نحاس، وقال الليث: والْمَرَاجِل: ضرب من برود اليمن، واحدها مرجل - بفتحها -
وثوب مُرَجَّل: أي معلم " انتهى ولم يذكر مُمَرْجلاً وأنشد بعده، وهو الشاهد الثامن والثلاثون بعد المائة: (من الطويل) 138 - * عَلَى إثْرِنَا أذْيَالَ مِرْطٍ مُرَجَّلِ * وهو عجز، وصدره: * فَقُمْتُ بِهَا أمْشِي تَجُرُّ وَرَاءَنَا * على أن المرجل معناه الذي فيه صورة الرجال أقول: لم يروه شراح المعلقات بالجيم، وإنما رووه بالحاء المهملة، قال أبو جعفر النحوي والخطيب التبريزي: " الْمُرَحَّل الذي فيه صورة الرِّحَال بالوشي، وقال الزوزني: " الْمُرَحَّل: الْمُنَقَّش بنقوش تشبه رحال (1) الإبل، يقال: ثوب مُرَحَّل، وفي هذا الثوب ترحيل " وما رواه بالجيم إلا الصاغاني
__________
(1) كان في الاصول " رجال الادب " وهو تحريف واضح، والتصويب عن شرح الزوزنى للمعلقات (*)(4/286)
في العباب، قال: " روي مُرَّجَّل بالجيم: أي معلم، بالحاء أي موشى شبيهاً بالرحال " هذا كلامه وعلى تقدير ثبوت المرجل - بالجيم - يعني الذي فيه صورة الرجال كيف يكون دليلاً لكون الممرجل يعني الذي فيه نقوش على صورة المراجل، فإن تشبيه كل منهما خلاف تشبيه الآخر، ولعل في نسختنا من الشرح كلاماً ساقطاً، فإن الذي فيها إنما هو " والممرجل: الثوب الذي يكون فيه نقوش على صورة المراجل، كما قال امرؤ القيس * على إثرنا - إلخ " ولعل الساقط بعد قوله على صورة المراجل " كما أن المرجل الثوب الذي فيه صورة الرجال كما قال امرؤ القيس - إلخ " (1)
والله سبحانه وتعالى أعلم والمرط - بكسر الميم -: كساء من خز، أومر عِزّي، أو من صوف، وقد تسمى المُلاَءة مِرْطاً، يقول: أخرجتها من خدرها وهي تمشي تجر مرطها على أثرنا لتعفَّى به آثار أقدامنا وقد تقدم شرحة بأبسط من هذا مع أبيات أخر من هذه المعلقة في الشاهد الواحد والتسعين بعد الثمانمائة من شواهد شرح الكافية وأنشد بعده، وهو الشاهد التاسع والثلاثون بعد المائة، وهو من شواهد سيبويه: (من الطويل) 139 - فلست لا نسى ولكن لملأك * تنزل من جو السَّمَاءِ يَصُوبُ على أن مَلَكاً مَلأَك، كما في البيت قال سيبويه: " اجتمع أكثرهم على ترك الهمزة في مَلَك، وأصله الهمز - وأنشد البيت، قال: وقالوا مألكة وملاكة، وإنما يريدون رسالة " انتهى
__________
(1) هذا الكلام ثابت في نسخ الشرح التى بأيدينا(4/287)