هذا البحث:
... يتناول موقف د/شوقي ضيف من النحو العربي ودعوته النظرية لتجديد النحو، توافقا مع ابن مضاء ، وإلى أي مدى وُفّق في تطبيق ما دعا إليه في مقدمة كتاب الرد على النحاة.
موقف شوقي ضيف من الدرس النحوي
دراسة في المنهج و التطبيق
دكتور
علاء إسماعيل الحمزاوي
كلية الآداب ـ جامعة المنيا
** أعد هذه النسخة للمكتبة الشاملة...موقع أهل الظاهر
www.aldahereyah.net(1/1)
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
أ.د/شوقي ضيف
"هو مدرسة في إهاب دارس وأمّة في رداء فرد، فقد ألف في أكثر من ميدان، ورادَ أكثر من مجال، فشملت كتبه ودراساته مجالات عدة مثل: تفسير القرآن وتحقيق التراث وكتابة السيرة والأدب الشعبي واللغة والنحو والبلاغة والنقد، وقبل كل ذلك تذكر جهوده الرائدة في الكتابة عن الأدب العربي".
أ. د/طه وادي
(كتاب: شوقي ضيف سيرة وتحية)(1/2)
تقديم
...
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، سبحانك اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، وبعد:
فإن النحو العربي قد مر بعدة محاولات للإصلاح من منهجه، بغية تيسيره واستيعابه من قبل الناشئة والدارسين، وهذه المحاولات لم تكن قريبة العهد بنا، بل منذ أمد بعيد، وكان أبرزها وأشهرها قديما محاولة ابن مضاء القرطبي الأندلسي في كتابه "الرد على النحاة" ؛ حيث سدّد سهامه إلى نظرية العامل التي تعد الأساس الذي قام عليه البناء النحوي وما تصوره النحاة لعواملهم من تأثيرات تصنع ـ من وجهة نظرهم ـ الظواهر النحوية من رفع ونصب وجر، ثم ما تؤدي إليه من تقديرات وعلل وأقيسة ملأت النحو العربي بمسائل لا يحتاج إليها في تقويم اللسان، بل تقف حائلا بين المتكلم واكتساب ملكة لغوية سليمة.
أما المحاولات الحديثة فمتعددة، وقد بدأت مع رفاعة الطهطاوي في كتابه "التحفة المكتبية لتقريب اللغة العربية" ثم توالت بعد ذلك، فكانت جهود حفني ناصف وزملائه في كتاب "قواعد اللغة العربية"، ثم جهود علي الجارم ومصطفى أمين في كتاب "النحو الواضح"، ثم كانت محاولة إبراهيم مصطفى في كتاب "إحياء النحو"، وهي محاولة جريئة نحو "تجديد النحو وتيسيره"؛ حيث تميزت بالدعوة إلى إلغاء نظرية العامل، ولم يكن قد اطلع على كتاب ابن مضاء؛ فلم يكن مطبوعا آنذاك؛ ومن ثم فهي محاولة جديدة من وجهة نظر صاحبها، ثم جاءت محاولة الدكتور/شوقي ضيف وهي محاولة بارزة وجريئة نحو "تجديد النحو العربي وتيسيره"(1).
__________
(1) جدير بالذكر أن د/ضيف له اهتمامات نحوية واسعة، نتج عنها خمس دراسات مهمة كلها ذات فكر راقٍ جمع فيها ما بين الدراسة التاريخية والدراسة النقدية التي تحمل إبداعا وابتكارا، وهي:
ـ تحقيق كتاب الرد على النحاة لابن مضاء القرطبي 1947
ـ المدارس النحوية 1968
ـ تجديد النحو 1982
ـ تيسير النحو التعليمي قديما وحديثا مع نهج تجديده 1986
ـ تيسيرات لغوية 1990
وبالنظر إلى الكتب الخمسة نجد أن كتاب "المدارس النحوية" يمثل الجانب التاريخي الموسوعي الذي اهتم به في دراساته الأدبية، أما الكتب الباقية فهي تمثل منهجا خاصا به في تجديد النحو العربي وتيسيره؛ إذ حرص على أن يقدم صياغة جديدة للنحو تيسر فهمه وتعليمه، إيمانا منه بأن فهم اللغة قراءة وكتابة هو الخطوة الأولى لدراسة الأدب وتحقيق وجود الإنسان العربي. انظر: د.طه وادي : شوقي ضيف سيرة عالم ومسيرة إنسان ص 25 من كتاب "شوقي ضيف سيرة وتحية"(1/3)
ولعل السبب الذي جعل د/ضيف يفكر في تجديد النحو وتيسيره أنه لاحظ أن جميع البلاد العربية تشكو مر الشكوى من أن الناشئة فيها لا تحسن النحو، بل لا تحسن النطق بالعربية نطقا سليما، ورأى أن مرجع ذلك هو النحو الذي يرهق المتلقي بكثرة أبوابه وتفريعاته وأبنيته وصيغه الافتراضية التي لا تجري في الاستعمال اللغوي، وهو مع ذلك يغفل شطرا كبيرا من تصاريف العربية وأدواتها وصياغاتها؛ مما يجعل الناشئة لا تتبين كثيرا من أوضاع اللغة واستعمالاتها الدقيقة(1)
وقد بدأت هذه المحاولة عند تحقيقه لكتاب ابن مضاء "الرد على النحاة" 1947؛ حيث صنع مدخلا طويلا للكتاب قدّم من خلاله منهجا جديدا لتيسير النحو على الناشئة والدارسين، وقد استند في منهجه على ثلاثة أسس استقاها من منهج ابن مضاء في كتابه، وقد دعم منهجه ببعض النماذج التي تفصح عن تيسير النحو(2).
__________
(1) انظر: تيسير النحو التعليمي 3 والباحث يضيف إلى ذلك سببا مهما أسهم بشكل كبير في صعوبة النحو والنطق السليم للعربية هو عدم ممارسة اللغة العربية بقواعدها في الحياة اليومية، فنحن نتكلم ونتخاطب بلهجات عامية تختلف في كثير من تراكيبها عن الفصحى، وبالتالي فتعليمنا لقواعد العربية في المدارس والجامعات يماثل في الصعوبة ـ أو يزيد ـ تعليمنا للغات الأجنبية التي لا تمارس في تخاطبنا وكلامنا اليومي.
(2) يقول د/محمود فهمي حجازي إن د/شوقي ضيف أسهم برأيه في التجديد مع توثيق هذا الرأي بالأصول التراثية. انظر: جهود شوقي ضيف في الدراسات اللغوية ص 118 من كتاب "شوقي ضيف سيرة وتحية"(1/4)
وتعد محاولة د/ضيف في مدخل الرد على النحاة رفضا لكثير من قواعد النحو العربي، كما أن كتاب "الرد على النحاة" لابن مضاء كان ثورة عارمة على النحو العربي بصورته المبثوثة في كتاب سيبويه ومن تلاه من النحاة(1).
وقد ساعد د/ضيف على تقديم محاولته هذه أن وزارة التربية والتعليم ـ وزارة المعارف آنذاك ـ قد ألّفت لجنة علمية للنظر في النحو العربي ومحاولة تيسيره، وقد قدمت اللجنة تقريرا ضمنته مقترحاتها لتيسير النحو، ودرس مجمع اللغة العربية هذه المقترحات 1945 وأقر بعضها، غير أن الكتب التي أُلفت على أساسها لم تلق كثيرا من النجاح، ورأى د/ضيف أن ينهض بهذه المهمة مستندا إلى آراء ابن مضاء، فكان مدخله لتحقيق كتاب "الرد على النحاة"(2).
__________
(1) لم يكن ابن مضاء هادما للنحو، بل كان بانيا له في ثوب جديد يستحسنه المتعلم والنشء لسهولته وتحقيق هدفه، وقد انطلق ابن مضاء في ثورته من اعتناقه المذهب الظاهري في الفقه الظاهري الذي ألغى الاعتماد على كتب أهل المشرق الفقهية وما فيها من قياس وفروض تخييلية لا تستند إلى الواقع؛ ومن ثم فهي بدعة يجب تركها، فكانت الدعوة إلى الأخذ بظاهر النص. وقد سحب ابن مضاء أسس المذهب الظاهري في ثورته على الفقه المشرقي إلى النحو العربي وثار ثورته عليه؛ إيمانا منه بأن النحو علم يخدم النص القرآني ويسهم بشكل كبير في فهمه وتفسيره.
(2) للمزيد انظر: د.محمود علي مكي : الأندلس في نتاج شوقي ضيف ص 49 من كتاب "شوقي ضيف سيرة وتحية"(1/5)
ولم يتوقف د/ضيف عند الإطار النظري المصحوب ببعض النماذج لتجديد النحو كما يصوره مدخل "الرد على النحاة"، وإنما مضى طيلة السنوات التالية يعمق دراسته لهذا الموضوع إلى أن قدم في سنة 1977 إلى مجمع اللغة العربية مشروعا لتيسير النحو على أساس ما عرضه في مدخل الرد على النحاة مع إضافة بعض الأسس الأخرى، وأقر المجمع في 1979 معظم هذا المشروع، ثم أصدر د/ضيف كتابه "تجديد النحو" الذي قدم من خلاله مشروعه الكامل لتصنيف النحو تصنيفا جديدا معتمدا فيه على الأسس التي انتهى إليها في مدخل الرد على النحاة مع إضافة أسس أخرى ذكرها في مدخل كتابه تجديد النحو؛ ولذا فكتاب "تجديد النحو" هو تطبيق للمنهج الذي دعا إليه د/ضيف في مدخل الرد على النحاة، وهذا ما يتضح لنا من قوله في ختام مدخله النظري: "وأكبر الظن أننا حين نطبق على أبواب النحو ما دعا إليه ابن مضاء من منع التأويل والتقدير في الصيغ والعبارات كما نطبق على هذه الأبواب ما دعا إليه من إلغاء نظرية العامل نستطيع أن نصنف النحو تصنيفا جديدا يحقق ما نبتغيه من تيسير قواعده تيسيرا محققا، وهو تيسير لا يقوم على ادعاء النظريات، وإنما يقوم على مواجهة الحقائق النحوية وبحثها بطريقة منظمة لا تحمل ظلما لأحد، وإنما تحمل التيسير من حيث هو حاجة يريدها الناس إلى النحو في العصر الحديث"(1).
وبالنظر إلى هذا النص نجد أن د/ضيف يعطينا تصورا لتيسير النحو والأسس التي يستند إليها في ذلك، وهو تصور قائم على معطيات ابن مضاء في رده على النحاة من إلغاء نظرية العامل أساس البناء النحوي وإلغاء التقدير والتأويل في الصيغ والعبارات، ثم قام د/ضيف بتطبيق أسس ابن مضاء مع إضافة أسس أخرى على جميع أبواب النحو، فخرج بالتصنيف الذي نراه في كتاب "تجديد النحو".
__________
(1) انظر" د/شوقي ضيف : تحقيق الرد على النحاة ـ المدخل ص 67(1/6)
وهنا يمكن أن نسأل: هل نجح د/ضيف في تطبيق منهجه الذي يصوره مدخلاه في كتاب "الرد على النحاة" وكتاب "تجديد النحو" على كل أبواب النحو؟ وهل كل ما أتى به يعد من إبداعه وفكره الخاص؟ وهل آتت محاولته ثمارها، فاستقامت بها الألسنة أو أدت إلى فهمنا لقواعد العربية دونما صعوبة وعسر؟
هذه الأسئلة ـ وغيرها ـ دفعت الباحث لدراسة هذا الموضوع "موقف د/شوقي ضيف من الدرس النحوي ـ دراسة في المنهج والتطبيق" وأنا أعني بالمنهج منهجه في مدخل الرد على النحاة ومدخل تجديد النحو، والتطبيق هو تطبيق ذلك المنهج على كل أبواب النحو كما يصورها كتاب "تجديد النحو".(1)، وما تنتهي إليه الدراسة من نتائج إنما تمثل وجهة نظر الباحث.
منهج شوقي ضيف
في مدخل كتاب الردّ على النحاة
صدّر د/ضيف كتاب "الرد على النحاة" بمدخل طويل يعد تلخيصا وافيا للكتاب وما يحمل من أسس تيسير النحو العربي مع تأييد كامل وإضافات منه لآراء ابن مضاء، ويؤكد هذا قوله: "ومضى ابن مضاء على هدي المذهب الظاهري ينكر ـ في إصرار ـ نظرية العامل في النحو وما جرّت إليه من ركام الأقيسة والعلل، وقد فصّلت القول في ذلك بمدخل الكتاب ـ وهو مدخل طويل ـ تحدثت فيه عن ابن مضاء ومصنفاته .. وحللتُ آراء ابن مضاء فيه تحليلا مفصلا، موضحا دعوته إلى إلغاء نظرية العامل في النحو وما يتصل بها من العوامل المحذوفة والعلل والأقيسة والتمارين غير العملية مما لا يفيد شيئا في صحة النطق وسلامته، وأضفت إلى ذلك في المدخل رسم تصنيف جديد للنحو على ضوء آراء ابن مضاء، أقمته على ثلاثة أسس هي:
__________
(1) جدير بالذكر أن كتاب تيسير النحو للدكتور/شوقي ضيف هو شرح واف للأسس التي اعتمد عليها في تصنيفه الجديد للنحو والتي ذكرها في مدخل الرد على النحاة ومدخل تجديد النحو، وقد صدّر حديثه عن هذه الأسس بحديث عن أبرز محاولات التجديد والتيسير في النحو العربي قديما وحديثا.(1/7)
أولا: تنسيق أبواب النحو بحيث يُستغنى عن طائفة منها بردّها إلى أبواب أخرى. ثانيا: إلغاء الإعراب التقديري في الجمل والمفردات مقصورة ومنقوصة ومبنية. ثالثا: أن لا تعرب كلمة لا يفيد إعرابها شيئا في تصحيح الكلام وسلامة النطق"(1)
وإذا ما استعرضنا المدخل نجد أنه يبدأ بالحديث عن عصر الكتاب ثم المؤلف ثم وصف نسخة الكتاب .. ثم عرض مجمل لآراء المؤلف في الكتاب مع التركيز على الأسس التي أقام عليها ابن مضاء بناءه النحوي الجديد؛ ومن ثم نحاول في السطور القادمة أن نقف عند هذه الأسس لنفصح عن موقف د/ضيف منها ومن النحو العربي بعامة.
أولا: إلغاء نظرية العامل:
تعد نظرية العامل الأساس الذي أقام عليه النحاة بنيانهم النحوي أصوله وسننه، وهي أيضا الأساس الأول الذي دعا ابن مضاء إلى إلغائه، وقد هاجمها هجوما هدف منه إلى إلغائها وهدمها؛ إيمانا منه بأنها لا تفيد النحوي شيئا، يقول: "وقصدي في هذا الكتاب أن أحذف من النحو ما يستغني النحوي عنه، وأنبّه على ما أجمعوا على الخطأ فيه، فمن ذلك ادعاؤهم أن النصب والخفض والجزم لا يكون إلا بعامل لفظي، وأن الرفع منها يكون بعامل لفظي وبعامل معنوي، وعبروا عن ذلك بعبارات توهم في قولنا (ضرب زيد عمرا) أن الرفع الذي في زيد والنصب الذي في عمرو إنما أحدثه (ضرب).. وهذا بيّن الفساد"(2)
__________
(1) انظر: الرد على النحاة ص 4
(2) انظر: الرد على النحاة ص 76
ويذكر عباس حسن أن نظرية العامل ـ فضلا عن أنها تسهم في تعقيد النحو ـ تؤدي إلى إفساد الأساليب البيانية الناصعة، وإن خطرها تجاوز المسائل النحوية إلى التحكم الضار في فنون القول الأدبي الرائع. وإن حرص النحاة وتمسكهم بالعامل إنما هو آت بفضل ما تقرر في العقائد الدينية ومجادلات علم الكلام من أن لكل حادث محدثا، ولكل موجود موجدا، ولا يصح في الذهن مخلوق بغير خالق ولا مصنوع بغير صانع. انظر: اللغة والنحو بين القديم والحديث ص 196(1/8)
ورد ابن مضاء على من زعم أن نظرية العامل غرضها تيسير النحو وتسهيل تعلّمه بأنها لا تيسر ولا تسهل شيئا سوى حط كلام العرب عن رتبة البلاغة وادعاء النقصان فيما هو كامل.
وتأييدا من د/ضيف لرؤية ابن مضاء يعلق على ما سبق قائلا: "أليست فكرة العامل تجعلنا نفكر في محذوفات ومضمرات لم يقصد إليها العرب حين نطقوا بكلامهم موجزا، ولو أنهم فكروا فيها لنطقوا بها، ولخرج كلامهم من باب الإيجاز إلى باب الإطناب، وانفكت عنه مسحة الاقتصاد البليغ في التعبير"(1)
وبعد هذا التأييد يعرض د/ضيف في المدخل لتقسيم ابن مضاء للعوامل المحذوفة؛ ليدل بها على فساد نظرية العامل، وهي ثلاثة أقسام: قسم حذف لعلم المخاطب به، كقوله تعالى (وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا) يعني أنزل خيرا. وقسم حذف والكلام لا يفتقر إليه، مثل (أزيدا ضربته؟)، فإن النحاة يقدرون عاملا محذوفا عمل النصب في (زيدا) وهو عامل يفسره الفعل المذكور على نحو ما هو معروف في باب الاشتغال، ويحمل ابن مضاء على هذا التأويل الذي لا يمكن أن يكون المتكلم قد قصد إليه، ويرى أن الذي دعا النحاة إلى ذلك هو قاعدتهم التي وضعوها في باب العامل، وهي أن كل منصوب لابد له من ناصب. أما القسم الثالث فهو أكثر عنتا من القسم الثاني، إذ نرى النحاة يقدرون عوامل محذوفة في عبارات؛ لو أنها أظهرت لتغير مدلول الكلام؛ كتقديرهم في باب النداء أن المنادى في مثل (يا عبد الله) مفعول به لفعل محذوف تقديره (أدعو)، ولو قال المتكلم (أدعو عبد الله) لتغير مدلول الكلام، وأصبح خبرا بعد أن كان إنشاء.(2)
ثانيا: إلغاء العلل الثواني والثوالث:
__________
(1) انظر: د/ضيف : مدخل الرد على النحاة ص 26
(2) انظر: مدخل الرد على النحاة ص 26(1/9)
هذا هو الأساس الثاني الذي دعا إلى إلغائه ابن مضاء(1)، ليريح الناس منه، ووافقه عليه د/ضيف وكذلك الباحث، يقول ابن مضاء: "ومما يجب أن يسقط من النحو العلل الثواني والثوالث، وذلك مثل سؤال السائل عن (زيد) من قولنا (قام زيد) لمَ رُفع؟ فيقال لأنه فاعل، فيقول: ولمَ رفع الفاعل؟ فالصواب أن يقال: كذا نطقت به العرب ... ولو أجبت السائل بأن تقول له: للفرق بين الفاعل والمفعول، فلم يقنعه، وقال: فلمَ لم تعكس القضية بنصب الفاعل ورفع المفعول؟ قلنا له: لأن الفاعل قليل، فلا يكون للفعل إلا فاعل واحد، والمفعولات كثيرة، فأعطي الأثقل الذي هو الرفع للفاعل، وأعطي الأخف الذي هو النصب للمفعول، ليقل في كلامهم ما يستثقلون، ويكثر في كلامهم ما يستخفون، فلا يزيدنا ذلك علما بأن الفاعل مرفوع، ولو جهلنا ذلك لم يضرنا جهله، إذ صح عندنا رفع الفاعل الذي هو مطلوبنا باستقراء المتواتر الذي يوقع العلم"(2).
ثالثا: إلغاء القياس
__________
(1) جدير بالذكر أن ابن مضاء لم يكن بدعا في دعوته إلى إلغاء هذه العلل، فقد سبقه في ذلك الزجاجي ومن قبله ابن السراج . انظر: د/مازن المبارك: العلة النحوية ص 154
كما هاجمها بشدة من قبله ابن حزم الظاهري (ت 456) ؛ إذ يقول: "وأما علم النحو فإلى مقدمات محفوظة عن العرب الذين تزيد معرفة تفهمهم للمعاني بلغتهم، وأما العلل فيه ففاسدة" انظر: د/محمد إبراهيم البنا: تحقيق كتاب الرد على النحاة لابن مضاء ص 9
(2) انظر: د/ضيف : الرد على النحاة ص 36(1/10)
ذكر د/ضيف أن ابن مضاء أضاف إلى ما سبق طلب إلغاء القياس، وقد وقف عند أمثلة له ليبين فساده، وبدأ بتعليلهم لإعراب الفعل المضارع؛ فإنهم يذهبون إلى أنه أعرب لقياسه على الاسم، فالأصل في الاسم الإعراب، والفعل فرع، وهي فرعية يأخذها الفعل لعلتين: الأولى أنه يكون شائعا فيتخصص مثل الأسماء؛ فإن كلمة (رجل) تصلح لجميع الرجال، فإذا قلت (الرجل) اختص الاسم بعد أن كان شائعا، وهذا نفسه نراه في الفعل المضارع، فإن كلمة (يذهب) تصلح للحال والاستقبال، فإذا قلنا (سوف يذهب) اختص الفعل بالمستقبل بعد أن كان شائعا. والعلة الثانية هي لام الابتداء، إذ تدخل على المضارع كما تدخل على الاسم، فتقول: (إن زيدا ليقوم) كما تقول (إن زيدا لقائم)، وهاتان العلتان تتيحان للمضارع أن يأخذ حكم الاسم في الإعراب.(1)
وهذا كله مردود من وجهة نظر ابن مضاء؛ إذ يرى فيه إغراقا في التفسير وبعدا في التقدير، فلمَ يكون الإعراب أصلا في الاسم وفرعا في المضارع؟! إن المعقول أن يكون أصلا فيهما جميعا؛ لأن كلا منهما له أحوال متعددة مختلفة لا تعرف إلا بالإعراب؛ فلا داعي لأن نجعل الإعراب أصلا في الأسماء وفرعا في الأفعال، وإن خيرا من ذلك كله أن نقول: إن الفعل المضارع يعرب إذا لم يتصل بنون النسوة ولا بنون التوكيد، ومعنى ذلك أننا نصف أحوال الأشياء في نفسها، ولا نلجأ إلى تعليل هذه الأحوال ولا إلى فرض قياس بينها وبين غيرها؛ لأن ذلك يوقعنا في مشاكل نقيمها ولا داعي لها.
__________
(1) انظر : الرد على النحاة ص 38(1/11)
ويعلق د/ضيف على ذلك معلنا تأييده لابن مضاء قائلا: "والحق أن الإنسان لا يقرأ الصحف الأولى من شرح السيرافي على كتاب سيبويه حتى يشك في قيمة كل ما وضعه النحاة من علل وأقيسة في نحوهم، وقد يدخله القياس.. ويدخل الإنسان في أثناء ذلك في فيضان من الفروض والأوهام، وأكبر الظن أن هذا ما جعل ابن مضاء يحس إحساسا عميقا بوجوب نفي العلل والأقيسة من النحو، ورفضها(1).
رابعا: إلغاء التمارين غير العملية
هذا هو الأساس الرابع الذي قرر ابن مضاء إلغاءه ليريح الناس منه، ويسهل عليهم استيعاب قواعد اللغة العربية وفهمها، والباحث يوافقه الرأي، وهذا هو رأي د/ضيف؛ إذ يقول مؤيدا ابن مضاء: "وإذا كان من الواجب أن نلغي العلل والأقيسة من النحو حتى نخلصه من كل ما يعوق مسيره وانطلاقه، فكذلك يجب أن نلغي منه كل المسائل التي لا تفسر صيغا نطق بها العرب، وعلى رأس هذه المسائل مسألة التمارين غير العملية. ثم ساق المثال الذي أورده ابن مضاء لهذه المسائل، وهو قول النحاة: ابن من البيع على مثال (فُعْل)، فيقول قائل: (بوع) أصله (بُيع) فيبدل من الياء واوا لانضمام ما قبلها؛ لأن النطق بها ثقيل، كما قالت العرب: موقن وموسر، ومن الممكن أن يقول شخص آخر: (بيع) محتجا بأن الياء سكنت وضم ما قبلها فقلبت الضمة كسرة قياسا على (بيض وعين) في (بيضاء وعيناء).
ويقف ابن مضاء فيورد حجة كل من القولين، ويبين أن هذه التمارين شغلت النحاة والنحو بوجوه علل لا حاجة لنا بها سوى التمرين فيما لا فائدة فيه، وأي فائدة نفيدها من صيغة (بوع أو بيع)التي لم تأت بها العرب(2).
ويرى د/ضيف أن ابن مضاء محق فيما دعا إليه، وأننا لسنا في حاجة إليه، كما لسنا في حاجة إلى ما أتى به النحاة من تمارين لا تفسر صيغا عربية، وإن هذا ليحيل النحو ألغازا.
__________
(1) انظر: المرجع السابق ص 41 وما بعدها
(2) انظر: الرد على النحاة ص 43 وما بعدها(1/12)
ويضيف أن النحاة أفسدوا النحو بكثرة ما وضعوا فيه من فروع وعلل وأصول وأقيسة ومسائل غير عملية، ومن أجل هذا كله نثني على هذا الصوت الأندلسي الذي انبعث في القرن السادس الهجري يهتف: نحّوا الأقيسة والعلل والتمارين غير العملية عن النحو، فإن فيها فسادا واضطرابا كثيرا، نحّوا العامل عن النحو، فقد أتعب النحو والنحاة تعبا لم نفد منه إلا كثرة التأويل في صياغاتها وعباراتها وتقدير عوامل محذوفة ومعمولات مضمرة(1).
ففي هذه الفقرة نجد أن د/ضيف يحمد كل ما دعا إليه ابن مضاء ويثني عليه، ولم يتوقف عند ذلك، بل يعود لتكرار هذه النغمة عازما على أن يسلك مسلكه، فيقول: "وإنه لحريّ بنا الآن أن نستجيب إلى هذا النداء حتى نخلص الناس من صعوبات النحو التي ترهقهم من أمرهم عسرا، ولن يكلفنا ذلك جهدا، فقد مهّد ابن مضاء الطريق أمامنا، أليس يدعو إلى إلغاء نظرية العامل وقد طبق ذلك على أبواب من النحو؟ إذن فلنعمّم هذا التطبيق، فننصرف انصرافا تاما عنها وعن كل ما يتصل بها، وإن إلغاءها يتيح لنا أن نصنّف النحو بشكل آخر، تستمر فيه مواد النحو القديمة، ولكن يُغيَّر نسيجها ويُكيَّف على أصل آخر هو العناية بأحوال الكلمات لا بالعوامل الداخلة عليها، وكذلك الأمر بالنسبة لإلغاء كل تأويل وتقدير في الصيغ والعبارات، فذلك يريح الناس من عناء ولغو قلما فهموه، وإذا فهموه لم يحسنوا فهمه؛ لأنه يخرج في كثير من صوره عن منطق الناس ومألوف عقولهم.."(2)
__________
(1) المرجع السابق ص 44 وما بعدها
(2) انظر: الرد على النحاة ص 48(1/13)
ونتيجة لذلك عقد د/شوقي ضيف مبحثا خاصا في مدخل الرد على النحاة بعنوان "حاجة النحو إلى تصنيف جديد"، مؤكدا أن الإنسان لا يلمّ بآراء ابن مضاء، ويطيل النظر في كتب النحو حتى يحس الحاجة إلى تصنيف النحو تصنيفا جديدا، ومن ثم اعتمد د/ضيف في وضع الإطار النظري لمنهجه الجديد المصنِّف للنحو تصنيفا جديدا على مبدأين أساسين هما: الانصراف عن نظرية العامل، ومنع التأويل والتقدير في الصيغ والعبارات. والسطور القادمة توجز لنا فكر د/شوقي ضيف في تصنيف النحو تصنيفا جديدا من خلال هذين المبدأين.(1/14)
المبدأ الأول: الانصراف عن نظرية العامل:
يرى د/ضيف أن هذا هو الأصل الأول الذي ينبغي أن نتكئ عليه في التصنيف الجديد للنحو، وهو ناتج ـ كما يقول ـ من أن واجب النحوي أن يسجل ما وجد في اللغة فعلا من صيغ وعبارات، لا أن يفترض هو صيغا وأحوالا للعبارات لم ترد في اللغة، ونحن لا نقرأ بابا في النحو حتى نجدهم يعرضون لما يصحّ ولما لا يصح، مستلهمين نظرية العامل لا حقائق اللغة في كل ما يعرضون، وإذا كانت نظرية العامل هي التي دفعت النحاة إلى فروض وصور لفروض في نحوهم، فما أحرى بنا أن نتخلص منها، وأن نرفع عن النحو إصرها.. وإن إلغاء هذه النظرية يفيدنا في تنظيم أبواب النحو تنظيما جديدا يقوم على (مبدأ التجانس أو المجانسة)؛ بحيث تجمع في الباب الواحد أحواله المختلفة، فباب مثل (باب المضارع) تجمع فيه الأحوال المشابهة له من مثل بنائه على الفتح وتسكينه، وهذا يقودنا لأن نعتبر المضارع المتصل بنون التوكيد منصوبا لا مبنيا على الفتح، حتى نجانس بين حالة نصبه وحالة بنائه، أو نعتبره في الحالتين مبنيا حتى يتم التنسيق. ومثل ذلك المضارع المتصل بنون الإناث ينبغي أن نضمه إلى المضارع المجزوم، ونسميه في الحالتين مضارعا ساكنا أو مسكنا، ولا داعي لأن نسمي سكونه مرة جزما ومرة بناء، ومعنى ذلك أنه ينبغي أن نسمي الحالة باسم واحد، وأن لا نوزعها على أبواب، ولنصنع ذلك حتى لو لوحظ بعض الاختلاف أحيانا، فإن الفعل المتصل بنون التوكيد يستمر منصوبا مع الجوازم، ولكن هذا لا يغير من القاعدة العامة في نصب المضارع، فهو ينصب بعد (إن وأخواتها) وإذا اتصل بنون التوكيد حتى ولو سبقته أدوات الشرط(1).
__________
(1) انظر: الرد على النحاة ص 49 وما بعدها(1/15)
ومبدأ التجانس في التبويب يفيد في تنسيق أبواب النحو، ومثال ذلك الأسماء التي لا تنون مثل الممنوع من الصرف والمنادى المفرد واسم لا النافية للجنس التي يدرسها النحاة في أبواب متباعدة؛ فينبغي أن يضم بعضها إلى بعض ويقرن بعضها ببعض؛ لأنها تعالج حالة واحدة هي حرمانها التنوين، ويترتب على ذلك أن نوحّد التفسير للظاهرة، كأن نجعل هذه الأسماء كلها معربة أو مبنية.
وإن مبدأ التجانس ـ كما يرى د/ضيف ـ يقودنا كذلك إلى التنسيق الداخلي لأحوال الباب الواحد، بحيث تجمع فيه كل صوره وصيغه، ولنضرب مثالا بباب الفاعل، فإن النحاة يقفون عند صيغه العامة المعروفة، لكن قلما وقفوا عند صيغته التي يخرج منها من حالة الرفع إلى حالة الجر حينما يسبق بـ(مِن والباء الزائدتين) كما في قوله تعالى: (كفى بالله شهيدا) و(أسمع بهم وأبصر)(1).
__________
(1) انظر: المرجع السابق ص 53 وما بعدها(1/16)
والباحث يحمد له مبدأ التجانس، فجمع الأحوال المختلفة للباب الواحد في مكان واحد يعد مظهرا من مظاهر تيسير الدرس النحوي، غير أن مثال المضارع الذي ساقه د/ضيف يجعلنا نستفسر: هل المضارع المؤكد الذي اعتبره مضارعا منصوبا هو المضارع المسند لفاعل مفرد مذكر أو يشمل المضارع المؤكد المتصل بواو الجماعة وألف الاثنين وياء المخاطبة؟ وهو في الحالة الأولى مبني وفي الثانية معرب مرفوع، فإن كان يقصد المضارع في الحالة الأولى، فإن ذلك يؤدي إلى خلل في القاعدة؛ لأن أدوات النصب تنصب المضارع في الحالتين وإن اختلفت علامة النصب، وإن كان قصده المضارع في الحالتين فقد اعتبر نون التوكيد حرف نصب ـ مثل (إنّ المشددة) مع الأسماء ـ وهذا يحدث خللا في القاعدة من ناحية أن نون التوكيد تلحق فعل الأمر، وهو مبني في جميع حالاته أو مجزوم حسب اختلاف النحاة، فكيف تؤثر في المضارع ولا تؤثر في الأمر؟. وكذلك دمج المضارع المتصل بنون الإناث مع المضارع المجزوم يحدث خللا أو اضطرابا؛ لأنه في الحالة الأولى مبني على السكون ولا يتغير هذا البناء، بينما هو في الحالة الثانية معرب مجزوم، وتتغير حالته إذا اتصلت به نون التوكيد، فيصبح السكون ثابتا في حالة ومتغيرا في حالة أخرى، وبالتالي فالقاعدة غير مستقيمة، وهذا ما يجعلنا نحكم بأن توزيع النحاة للفعل على أبواب ما بين مبني ثابت ومعرب متغير ـ وفقا لقواعد محددة ـ أمر جيد يدل على دقتهم في المنهج.(1/17)
كذلك ضم الأبواب التي تحرم التنوين بعضها إلى بعض واعتبارها جميعا معربة أو مبنية أمر يحدث خللا في القاعدة؛ لأن حرمان التنوين في الممنوع من الصرف مرتبط ببنيته الصرفية، أما في المنادى واسم لا النافية للجنس فمرتبط بوظيفة الاسم النحوية في التركيب، فإذا شغل وظيفة أخرى اكتسب التنوين. إضافة إلى هذا فإن المبنيات ملازمة حركة بناء واحدة، أما الممنوع من الصرف فمتغير الحركة وفقا لوظيفته في الجملة. ومن ثم فهذه الرؤية تحتاج إلى إعادة نظر، وهذا ما يجعلنا نؤيد النحاة فيما قالوه بصدد هذه الأسماء.
ويقرر د/ضيف أن التصنيف الجديد للنحو يلغي كثيرا من أبواب النحو، مثل أبواب كان وأخواتها وكاد وأخواتها وظن وأخواتها وأعلم وأخواتها و(ما ولا وإن) العاملات عمل ليس، غير أن صور أمثلتها التي يحفظها الواقع اللغوي لم تخرج من كتب النحو، حيث أدمجت في أبواب أخرى أساسية، فالنواسخ الفعلية نقلت إلى الجملة الفعلية على اعتبار أن أفعالها تامة، والمرفوع بعدها فاعل والمنصوب حال أو مفعول وفقا لنوع الفعل من حيث التعدي واللزوم، أما (ما ولا وإن) فتدخل في باب المبتدأ والخبر ولا تؤثر فيهما، ونصب الخبر في جملتها مثل نصبه في قولهم (ضربي العبد مسيئا)، فـ(مسيئا) خبر لا حال كما يقول النحاة؛ تعميما للقواعد. وأما (إن وأخواتها، ولا النافية للجنس) فالاسم بعدها يعرب مبتدأ منصوبا، كما يجر بعد (ربّ وأخواتها ومِن والباء الزائدتين)(1).
__________
(1) انظر: الرد على النحاة ص 50 وما بعدها(1/18)
والباحث يرى أن كون جملة الأفعال الناقصة جملة فعلية ليس مترتبا على إلغاء نظرية العامل، بدليل أن النحاة قد اختلفوا فيها، فبينما عدها البصريون جملة اسمية عدها الكوفيون جملة فعلية دون التعرض لمسألة إلغاء نظرية العامل. والباحث يوافق د/ضيف على دمج أفعال (كاد وأخواتها، وظن وأخواتها وأعلم وأخواتها) في الجملة الفعلية أو في المفعول به كما فعل هو، لأنها أفعال تحمل أحداثا أو معاني موضوعة في إطار زمني، لكنه لا يوافق على أن تكون جملة (كان وأخواتها) جملة فعلية؛ لأنها أفعال تدخل على الجملة الاسمية، فتؤثر عليها من ناحية التركيب؛ حيث تكون عوامل رفع للمبتدأ ونصب للخبر، ويسمى المبتدأ اسمها ويسمى الخبر خبرها، وتؤثر عليها من ناحية الدلالة؛ حيث تضع الجملة الاسمية في إطار زمني محدد(1)، وتصبح الجملة حاملة دلالة التغيّر بدلا من دلالة الثبات التي هي صفة الجملة الاسمية؛ ولذلك فهي تسمى "أفعال الوجود verbes d'existence"(2) أو "الأفعال الناقصة"(3) أو "أفعال العبارة"(4)
__________
(1) انظر : Blachère : Grammaire de l'arabe classique p. 391, 395
(2) انظر : A. Roman : Grammaire de l'arabe PP. 104 , 105
(3) هي أفعال ناقصة عند البصريين وسميت ناقصة عندهم لعدم دلالتها على الحدث وتجردها للزمن فقط ، يقول ابن السراج : "..والفعل حقيقى وغير حقيقى ...وغير الحقيقى ثلاثة أضرب: أحدها أفعال مستعارة للاختصار ، ففاعلوها مفعولون فى الحقيقة نحو (مات زيد) والثانى أفعال فى اللفظ وليست بأفعال حقيقية ، وإنما تدل على الزمان فقط ، كقولك : كان عبدالله أخاك، وأصبح عبدالله عاقلا ، ليست تخبر بفعل فعله ، إنما تخبر أن عبدالله أخوك فيما مضى، وأن الصباح أتى عليه وهو عاقل .." وهى أفعال تامة عند الكوفيين ومرفوعها فاعل ومنصوبها حال. انظر ابن السراج: الأصول1/73،74 والزمخشرى: المفصل263 والسيوطى: همع الهوامع 2/62 وما بعدها
(4) انظر : ابن يعيش : شرح المفصل 7/89(1/19)
وقد تناول سيبويه هذه الأفعال في أكثر من موضع من كتابه، منها قوله الذي يوضح أن هذه الأفعال لا وظيفة لها إلا أنها تحمل زمنا ما ولا معنى فيها: ".. كان ويكون وصار ومادام وليس وما كان نحوهن من الفعل مما لا يستغنى عن الخبر تقول : كان عبدالله أخاك ، فإنما أردت أن تخبر عن الإخوة ، وأدخلت كان لتجعل ذلك فيما مضى .."(1). ويضيف مؤكدا أن الخبر فى جملتى (كان وأخواتها) و(إن وأخواتها) كالخبر فى الجملة الاسمية النواة (المبتدأ والخبر)، وذلك في قوله: "..ومما يكون بمنزلة الابتداء قولك: كان عبدالله منطلقا وليت زيدا منطلق؛ لأن هذا يحتاج إلى ما بعده كاحتياج المبتدأ إلى ما بعده"(2). ويقول أيضا: "واعلم أنه إذا وقع فى هذا الباب نكرة ومعرفة فالذى تشغل به كان المعرفة؛ لأنه حد الكلام؛ لأنهما شيء واحد، وليس بمنزلة قولك : ضرب رجل زيدا؛ لأنهما شيئان مختلفان ، وهما فى كان بمنزلتهما فى الابتداء إذا قلت: عبد الله منطلق "(3).
__________
(1) انظر: الكتاب 1/45 وهذا النص يؤكد أن (كان) إنما تجئ لتحدد زمن الجملة الاسمية، وليس لها دلالة حدثية . ويعدد المستشرق الفرنسى بلاشير وظائف كان وأخواتها ، فيذكر أنها أفعال تدخل على الجملة الاسمية لتحديد الزمن ، وكذلك إذا أريد دلالة النفى négation ، أو النهى prohibtion ، أو التبعية subordination ؛ حيث إن الجملة الاسمية بمفردها لا تمتلك أن تعبر عن ذلك ..وبدخول (كان) على الجملة الاسمية تصير جملة فعلية ، حيث إن المسند وضع فى حالة نصب كأى مفعول معتاد .
انظر : Blachère: Grammaire de l'arabe classique, pp. 391, 395
ويذكر برجشتراسر أن إدخال (كان) على اختلاف صيغه فى الجملة الاسمية هو الاحتياج إلى تنويعها على الأوقات ، والتفريق بين الماضى والحاضر والمستقبل .. لأن الجملة الاسمية مبهمة من جهة الأوقات . انظر : التطور النحوى 135
(2) انظر : الكتاب 1/23
(3) انظر : المرجع السابق 1/47(1/20)
ويؤكد سيبويه أن هذه الأفعال ليست كسائر الأفعال ولا تقوى قوتها فى إسنادها لضمائر النصب المتصلة، فلا يجوز إسنادها لها، يقول(1): ".. فلا نقول: كانه، بل نقول: كان إياه؛ لأن كانه قليلة ولم تستحكم هذه الحروف هاهنا، لا تقول : كاننى وليسنى ولا كانك، فصارت إيا ههنا بمنزلتها فى ضربنى إياك" ويضيف قائلا: "وتقول: أتونى ليس إياك ولا يكون إياه ؛ لأنك لا تقدر على الكاف ولا الهاء هاهنا، فصارت (إيا) بدلا من الكاف والهاء فى هذا الموضع.
ولم يفت سيبويه أن يشير إلى (كان التامة) التى تحمل معنى الوجود أو الخلق، وذلك فى قوله: "وقد يكون لكان موضع آخر يقتصر على الفاعل فيه، تقول: قد كان عبدالله أى خلق. وقد كان الأمر أى وقع الأمر، وقد دام فلان أى ثبت .. كما يكون أصبح وأمسى مرة بمنزلة كان ومرة بمنزلة قولك : استيقظوا وناموا"(2).
__________
(1) انظر : الكتاب 2/358
(2) انظر : المرجع السابق 1/46(1/21)
ومن ثم يرى الباحث أن جملة (كان وأخواتها) جملة اسمية موضوعة في إطار زمني، وأن فعل الكينونة عنصر توسيعى لها، بدليل أنه أحيانا يفقد وظيفته النحوية، فلا يرفع مبتدأ ولا ينصب خبرا، وذلك فى حالة مجيئه زائدا، ولم يفت سيبويه أن يشير إلى هذا، فذكر أنها تأتى زائدة ملغاة، فلا عمل لها، ونقل عن الخليل قوله: "إن من فضلهم كان زيدا، على إلغاء كان(1).
__________
(1) يصنف إميل بنفنيست الجمل ثلاثة أصناف : الجملة الفعلية phrase verbale ، والجملة الاسمية الخالصة phrase nominale pure ، والجملة الاسمية المبدوءة بفعل الكينونة phrase nominale à verbe êtreثم يردها إلى التقسيم الثنائى المعروف عند النحويين العرب : الجملة الاسمية والجملة الفعلية، مقررا أن الجملة المبدوءة بفعل الكينونة هى جملة فعلية فى شكلها ، ولا تتناقض فى دلالتها مع الجملة الاسمية ، ويضيف أنه عند تحليل الجملة المبدوءة بفعل الكينونة يجب أن نحللها على أنها جملة اسمية ، مستبعدين الدلالات المعجمية لفعل الكينونة. انظر: Emile Benveniste : Problèmes de la liguistique générale, pp 156, 157 , 159
ويذكر الفرنسى هنرى فليش أن هذه الأفعال أفعال إسنادية verbes prédicatifs كسائر الأفعال، وجملتها فعلية ، ثم يعود فيذكر أن هذه الأفعال غير إسنادية ولكنها تحول الجملة الاسمية إلى جملة فعلية. انظر : Fleisch : L'arabe classique p. 181 .
ويذكر جون ليونز أن فعل الكينونة (verbe être, verbe to be) فى اللغة الانجليزية والفرنسية يقوم بوظيفة الربط ، فهو رابط copule بين المسند والمسند إليه ، كما يقوم بوظيفة تحديد الزمن النحوى temps grammatical الذى تحدث فيه الجملة ، وتخلو بعض اللغات من هذا الرابط . انظر : J. Lyons : Sémantique , Linguistique p. 105
انظر : الكتاب 2/153(1/22)
عود إلى د/ضيف ومناقشة رأيه بأن (مسيئا) في جملة (ضربي العبد مسيئا) خبر منصوب لا حال، وأن الخبر في مثل (ما أنت بشرا) والمبتدأ في جملة (إن وأخواتها ولا النافية للجنس) منصوبان بدون تأثير من الحرف.
الباحث لا يتفق معه في هذا الرأي؛ حيث يؤدي إلى الاضطراب والخلل؛ لأنه يفقد القاعدة إحكامها، فلا تكون هناك قاعدة ثابتة محددة لمجئ المبتدأ أو الخبر مرفوعا أو منصوبا، واحتجاج د/ضيف بأن المبتدأ أو الخبر يأتي مجرورا أحيانا احتجاج مردود؛ لأن المبتدأ أو الخبر يجر بتأثير من الحرف، أي أن الحرف يعمل فيه الجر، وبالتالي لابد أن ينصب بتأثير من الحرف، وحينئذ نكون متفقين مع النحاة، وينحصر الخلاف بين د/ضيف والنحاة في إطلاق المصطلح، فبينما يطلق النحاة على المبتدأ ـ مثلا ـ اسم إن منصوبا، يطلق عليه د/ضيف مبتدأ منصوبا، أما لو كان د/ضيف يرى أن المبتدأ أو الخبر منصوب بدون تأثير عامل عمل فيه النصب فمردود؛ لأن ذلك يطيح بالقواعد التي أرساها النحاة، وهذا يمنعنا من رفض نظرية العامل رفضا مطلقا. ورأي د/ضيف في أن (لا النافية للجنس) تدرس في باب المبتدأ والخبر يتعارض مع رأيه في أن الأسماء المحرومة من التنوين ـ ومنها اسم لا النافية للجنس ـ ينبغي أن يضم بعضها إلى بعض وتدرس تحت باب واحد، ومثل هذا الأمر قد يحدث خللا في المنهج.
وينتقل د/ضيف إلى باب التعدي واللزوم مقررا أنه مما يجب أن يسحب من النحو فكرة التعدي واللزوم؛ لأنه يدل على العمل، واقترح أن نختار مصطلحا آخر مما ذكره بعض النحاة مثل ( أفعال واقعة وغير واقعة) أو (أفعال مجاوزة وغير مجاوزة) أو (أفعال مؤثرة وغير مؤثرة). وأنا أتساءل: إذا كان الهدف من صنع د/ضيف هذا هو تيسير النحو العربي، فأين التيسير من استبدال مصطلح بمصطلح آخر؟! ألم تشترك هذه المصطلحات جميعا في دلالاتها وتأثيرها على ما بعدها؟.(1/23)
ومن الأبواب التي لفتت انتباه د/ضيف ـ والباحث على وفاق معه ـ باب التمييز؛ إذ لاحظ أن النحاة يدرسونه في أبواب متباعدة كـ(باب العدد وباب اسم التفضيل وباب التعجب وباب المدح والذم وباب كم وكذا وباب الفعل اللازم والصفة المشبهة)، فهذه الأبواب ينبغي أن تدرس في باب واحد يجمعها مع صور المكاييل والموازين بالإضافة إلى صورة الاختصاص في مثل (نحن العربَ أكرمُ الناس)؛ حتى يفهم الباب ولا يمزق هذا التمزيق في كتب النحو. وعلى هذا النمط نستطيع أن نصنف النحو تصنيفا جديدا قائما على الدقة في التبويب من جهة، ثم على جمع صور الباب فيه وصيغه وأحواله من جهة أخرى(1).
المبدأ الثاني: منع التأويل والتقدير في الصيغ والعبارات:
هذا هو الأصل الثاني ـ كما يقول ـ الذي ينبغي أن نتكئ عليه في تصنيف النحو تصنيفا جديدا، وهو يعد ضرورة من ضرورات فهم الأساليب العربية فهما دقيقا، وتطبيق هذا الأصل أو المبدأ يريحنا من ثلاثة أشياء: إضمار المعمولات وحذف العوامل وبيان محل الجمل والمفردات المقصورة والمنقوصة والمبنية.
__________
(1) انظر: الرد على النحاة ص 54 ، 55(1/24)
أما إضمار المعمولات فنقصد بها الفاعل المضمر الذي يقدره النحاة مستترا جوازا أو وجوبا، وهو استتار وهمي لا دليل عليه، ففي جملة (زيد قام) نجد أن من التكلف اعتبار (قام) بها فاعل مستتر يعود على (زيد) وزيد معنا في الجملة، فلا داعي لتقديره مع وجوده، فالفعل يدل بمادته على الفاعل كما يدل على الحدث والزمن، ويتضح هذا في الصيغ (أعلم ونعلم وتعلم)، فلماذا نقدر فاعلا مستترا وجوبا في الصيغ الثلاث هو (أنا، نحن، أنت)؟ بل ينبغي ألا نتحدث عنه مادام لا يمكن ظهوره، وخير من ذلك أن نقول: إن (أعلم) فعل مضارع للمتكلم، ونسكت، وليس من الضروري أن يكون لكل فعل فاعل، فقد يوجد الفاعل مع فعله وقد يحذف؛ لأن الفعل يدل عليه بنفسه، ويتضح هذا أكثر في فعل التعجب وأفعال الاستثناء (خلا، عدا، حاشا) وفي (نعم وبئس) وفي باب التنازع مثل (قام وقعد الناس)، فالفاعل المضمر غير معروف، ومن ثم ينبغي ألا نتحدث عنه؛ حتى لا نحيل على أشياء لا يراها الناس في الصيغة التي يقرءونها(1).
__________
(1) انظر: الرد على النحاة ص 56 : 58(1/25)
والباحث يختلف مع د/ضيف في رأيه بإلغاء الفاعل المضمر في الفعل وفي رأيه بأن (زيدا) في جملة (زيد قام) هو الفاعل، ولا داعي لتقديره ثانية؛ والباعث على الخلاف أن الباحث يرى أن بنية الجملة العربية قائمة على عنصرين أساسين ـ مع إفادتها معنى تاما ـ هما المسند والمسند إليه، والأول يمثله الفعل والخبر والثاني يمثله الفاعل والمبتدأ، وهذا يعني ضرورة وجود العنصرين لتكوين الجملة حتى ولو حذف أحدهما أو أضمر، وما يجوز حذفه وتقديره هو المبتدأ أو الخبر، أما الفعل والفاعل فلا يجوز أن يحذف أحدهما دون الآخر، إنما يحذفان معا أو يبقيان معا. وينبغي أن نفرق بين نوعين للفاعل: فاعل نحوي وفاعل دلالي(1)، وإن لم يفرق النحاة بينهما؛ فالفاعل في مفهومهم هو ذلك الاسم المرفوع المسند إليه الفعل، وقد يحل محله ضمير، والضمير نوعان مستتر وظاهر، والمستتر نوعان: لازم، وذلك إذا كان الفعل مسندا للمتكلم (أفعلُ ونفعلُ) والمخاطب (تفعلُ وافعلْ)، وغير لازم وذلك إذا كان الفعل مسندا للغائب المذكر والمؤنث (يفعلُ وتفعلُ)(2).
ولم يختلف المحدثون كثيراً(3) عن القدماء في مفهومهم للفاعل، غير أن الباحث لا يذهب مذهبهم؛ إنما يرى(4)
__________
(1) فرق برجشتراسر بين الفاعل النحوي والفاعل الدلالي في حديثه عن الفعل المبني للمفعول؛ إذ يقول: "أما الأول فهو فعل ما لا يسمى فاعله، نحو (ضُرب زيد) فهو معدوم الفاعل وليس بمعدوم المسند إليه، فنراه أسند إلى (زيد) وهو مفعوله" انظر: التطور النحوي ص 140
(2) انظر: ابن السراج: الأصول 2/115، 116 الزمخشري: المفصل 132 و 244
وابن الحاجب: الأمالي النحوية 4/77
(3) انظر على سبيل المثال :
Blachère : Grammaire de l'arabe classique p. 391
Fleisch : L'arabe classique pp. 169 , 170
Traité de philologie arabe pp. 2/120,121
(4) انظر في ذلك:
A. Roman : Grammaire de l'arabe p. 41 , 42 , 86 : 89 , 100.(1/26)
أن الفاعل النحوي هو الضمير الملازم للفعل pronom sous-entendu du verbe ويتمثل في سوابق المضارع préfixes (حروف أنيت)، ولواحق الماضى suffixes في حالة التكلم والخطاب (تاء الفاعل ونا الفاعلين)، أما في حالة إسناد الفعل للضمير الشخصي الثالث (ضمير الغائب)، فالفاعل هو العلامة الصفرية (0) zéro ؛ لأن غياب العلامة علامة(1)، وعلى هذا فالفعل العربي يمثل جملة تامة(2) énoncé complet تسمى بالجملة النواة phrase nucléaire أو الجملة الدنيا phrase minimale عنصراها الفعل verbe وفاعله النحوي sujet sintaxique، فلا فرق بين الجمل (كتبَ كتبتُ، كتبتَ)؛ فثلاثتها تحتوى على عنصري الجملة النواة الفعل والفاعل:
... ... كتب + 0 (هو) = il a écrit
... ... ... كتبتُ .......... = j'ai écrit
... ... ... كتبتَ ......... = tu as écrit
ووفقا لهذا التحليل، فإن وظيفة الاسم المرفوع بعد الفعل أنه عنصر توسيعى وصف أو مؤكد للفاعل المضمر élément d'expantion d'identité، مثله مثل الضمير المنفصل في جملة (فعل هو) فهذا الضمير لا يمكن أن يكون فاعلا وحينما نحلل الجملة، يكون التحليل على هذا الأساس:
"فعل + 0 + هو ....... A fait + il + lui"
ولو لم يكن الفاعل كامنا في الفعل لجاز أن نسند هذا الفعل للضمير المنفصل الدال على التكلم أوالخطاب فنقول:
__________
(1) "غياب العلامة علامة" هذا هو تعبير ابن السراج . انظر: الأصول 2/115 .
(2) لا يوجد فعل بدون فاعل، وقد أدرك النحويون هذا، يقول السيرافى: "إن قال قائل: لِمَ لمْ يجعل للواحد علامة وجعل للاثنين والجماعة ؟ قيل : لأنه معلوم أن الفعل لابد له من فاعل لا يخلو منه، وقد يخلو من الاثنين والجماعة، فلذلك جعل لهما علامة لئلا يقع لبس، واكتفى بما تقدم في العقل من حاجة الفعل إلى فاعل عن علاقة ظاهرة، وإذا قيل: زيد قام هو، فالضمير الذي قام في النية و(هو) توكيد". انظر: الكتاب هامش 2/38 . ت : عبد السلام هارون.(1/27)
"فعل أنا ..... Ai fait je" "فعل أنت ..... As fait tu"
فهل يجوز هذا التركيب فى اللغة ؟ هل يجوز أن يأتى الضمير "أنا أو أنت" فاعلا لـ (فعل)؟ لا شك أن هذا التركيب غير مستقيم مع نظام الجملة العربية؛ ومن ثم فالضمير (هو) لا يكون فاعلا لـ(فعل) ، وإنما يقوم بذات الوظيفة التى يقوم بها الضميران ( أنا وأنت) إذا تليا الفعل، ومن ناحية أخرى فهو يحل محل الاسم الظاهر، إذ إننا نقول: كتب هو، وكتب زيد ، وعلى ذلك فالاسم الظاهر يقوم بنفس الوظيفة التى يقوم بها الضمير الدال عليه ومن ثم فهذا دليل واضح على أن الاسم الظاهر بعد الفعل ليس فاعلا نحويا sujet sintaxique.
وثمة دليل ثان يتمثل فى العطف corrodination ، ففى حالة عطف اسم على الاسم المرفوع بعد الفعل نجد أن الاسم الواقع بعد الفعل لا يحل محل ضمائر الوصل الفاعلية pronoms conjoints du sujet الموجودة فى (كتبت katabtu وكتبت katabta) ولكنه يحل محل ضمائر الفصل pronoms disjoints الملحقة بالجملة الفعلية، فنقول:
كتبت أنا وبكر J'ai écrit , moi et Bakr ولا نقول: كتبت وبكر
كتبت أنت وبكر Tu as écrit , toi et Bakr ولا نقول: كتبت وبكر
كتب هو وبكر Il a écrit , lui et Bakr ولا نقول: كتب وبكر
كتب زيد وبكرIl aécrit , Zayd et Bakr ولا نقول: كتب وبكر(1/28)
فالتركيب الثانى من كل مثال غير سائغ استعماله، إن لم يكن مرفوضا من قِبَل النظام اللغوي ؛ ومن ثم استوقف سيبويه كثيرا، فعقد له بابا أسماه "باب ما يحسن أن يَشرك المظهر المضمر فيما عمل وما يقبح أن يَشرك المظهر المضمر فيما عمل فيه" قائلا: "وأما ما يقبح أن يَشركه المظهر فهو المضمر فى الفعل المرفوع، وذلك قولك: فعلت وعبدالله، وأفعل وعبدالله .. فإن نعتّه حسُن أن يَشركه المظهر، وذلك قولك: ذهبتَ أنت وزيد، قال تعالى: {فاذهب أنت وربك} و{اسكن أنت وزوجك الجنة}، وذلك أنك لما وصفته حسن الكلام حيث طوّله وأكده.."(1)، ويقول أيضا: "..وإن حملت الثانى على الاسم المرفوع المضمر فهو قبيح؛ لأنك لو قلت: اذهب وزيد، كان قبيحا حتى تقول: اذهب أنت وزيد"(2). ويقول فى موضع آخر: ".. لو قلت: اقعد وأخوك كان قبيحا حتى تقول: أنت؛ لأنه قبيح أن تعطف على المرفوع المضمر"(3).
كذلك يمكننا أن نضيف دليلا ثالثا، يتمثل فى التوكيد المعنوى، فحينما نؤكد (زيدا) فى جملة "كتب زيد" نقول: كتب زيد نفسه، فإذا كان زيد هو الفاعل، فينبغى أن تستقيم القاعدة حينما يحل ضمير محل زيد، ولا خلاف بين النحويين على أن ( كتبتُ وكتبتَ وكتبَ زيد) جمل فعلية تتكون من فعل وفاعل، فهل سائغ قولنا: كتبتُ نفسى وكتبتَ نفسك، كما نقول "كتب زيدٌ نفسه"؟ .
أزعم أن التركيبن الأول والثانى لا يستقيمان ونظام الجملة العربية؛ ولذا لجأ النحويون إلى إثبات ضمير منفصل يحمل دلالة الضمير المتصل، إذ يقول سيبويه: "واعلم أنه قبيح أن تصف المضمر فى الفعل بنفسك وما أشبهه؛ وذلك أنه قبيح أن تقول: فعلتَ نفسُك، إلا أن تقول: فعلتَ أنت نفسُك.."(4)، ويقول فى موضع آخر: ".. لو قلت: اذهب نفسُك، كان قبيحا حتى تقول: اذهب أنت نفسُك"(5).
__________
(1) انظر: الكتاب 2/377 ، 378.
(2) انظر: المرجع السابق 1/278
(3) انظر: المرجع نفسه 1/298
(4) انظر : المرجع نفسه 2/379
(5) انظر : المرجع نفسه 1/277(1/29)
ومن ثم فهذا يؤكد لنا أن "زيدا" ليس فاعلا نحويا وإنما هو عنصر توسيعى وصف أو توكيد élément d'expntion d'identité للفاعل النحوى مثله مثل الضمير المنفصل المؤكد للفاعل
من ناحية أخرى إذا وضعنا في الاعتبار رؤية بعض النحويين فى أنه يجوز تقديم الفاعل على فعله، فيشغل "زيد" وظيفة الفاعل فى هاتين الجملتين "قام زيد، زيد قام"، وهذا يعنى أنه يقوم بوظيفة الضمير المتصل بالفعل فى حالتى التكلم والخطاب كما في "قمتُ وقمتَ"، فهل يجوز أن نقدّم ذلك الضمير على فعله كما جاز مع زيد، فنقول:
... ... ... كتب زيد ........ زيد كتب
... ... ... كتبتُ ....... أنا كتب
... ... ... كتبتَ ....... أنت كتب(1/30)
لا شك فى أن هذا التركيب خارج على نظام الجملة العربية، ولمزيد من التأكيد على هذا الرأى نستمع لحديث سيبويه فى هذا الصدد؛ حيث يقول: "..لا يقع (أنا) فى موضع التاء التى فى (فعلت)، لا يجوز أن تقول: (فعل أنا)؛ لأنهم استغنوا بالتاء عن أنا، ولا يقع (نحن) فى موضع (نا) التى فى (فعلنا)، لا تقول: (فعل نحن) .. واعلم أنه لا يقع (أنت) فى موضع التاء التى فى (فعلت)، ولا (أنتما) فى موضع (تُما) التى فى (فعلتما) ألا ترى أنك لا تقول: (فعل أنتما)، ولا يقع (أنتم) فى موضع (تُم) التى فى (فعلتم)، ولو قلت: (فعل أنتم) لم يجز .. ولا يقع (هو) فى موضع المضمر الذى فى (فعل)، ولو قلت: (فعل هو) لم يجز إلا أن يكون صفة، ولا يجوز أن يكون (هما) فى موضع الألف التى فى (ضربا) والألف التى فى (يضربان)، ولو قلت: (ضرب هما أو يضرب هما) لم يجز، ولا يقع (هم) فى موضع الواو التى فى ضربوا ولا الواو التى مع النون فى (يضربون)، ولو قلت: (ضرب هم أو يضرب هم) لم يجز، وكذلك (هى) لا تقع موضع الإضمار الذى فى (فعلت)؛ لأن ذلك الإضمار بمنزلة الإضمار الذى له علامة، ولا يقع (هن) فى موضع النون التى فى (فعلن ويفعلن)، ولو قلت: (فعل هن) لم يجز إلا أن يكون صفة، كما لم يجز ذلك فى المذكر، فالمؤنث يجرى مجرى المذكر"(1).
وهذا دليل آخر نؤكد به أن الاسم الظاهر المرفوع بعد الفعل المسند لضمير الغائب ليس فاعلا نحويا وإنما هو عنصر توسيعى نعت أو توكيد للفاعل الضميرى sujet intérieur وإن كان هو الفاعل الدلالى sujet sémantique.
__________
(1) انظر : الكتاب 2/350،351(1/31)
ولعل حديثا للدكتور/شوقي ضيف في موضع آخر يدل بوضوح على أنه تراجع عن رأيه هذا ومال إلى رأي النحاة من ناحية وبعض المحدثين من ناحية أخرى، إذ يقول معلقا على رأي ابن مضاء واللجنة العلمية والمجمع في ذلك: "وأرى أنه كان حريا بابن مضاء واللجنة والمجمع ألا يقرروا هذه القاعدة التي تلغي الضمائر المستترة وتحيل ضمائر الرفع المتصلة البارزة حروف إشارة، كما تحيل ألف الاثنين وواو الجماعة ونون النسوة علامات عدد؛ لأن ذلك من شأنه أن يخلخل قاعدة الفاعل، إذ تارة يكون للفعل فاعل في مثل (زيد سافر إخوته) وتارة لا يكون له فاعل في مثل (زيد سافر)، والأصل في قواعد العلوم أن تكون مطردة، على أن من يتأمل ضمائر الرفع المتصلة البارزة مع الماضي يرى أنها مقتطعة من ضمائر منفصلة مقابلة لها.. ونستطيع أن نلاحظ أن مضارع المتكلم يبدأ بالهمزة الموجودة في الضمير (أنا) بينما مضارع المتكلمين مثل (نقوم) يبدأ بالنون الموجودة في (نحن) ، وكذلك مضارع المخاطب يبدأ بالتاء الموجودة في (أنت)، ولعل في ذلك ما يدل على أن النحاة كانوا في منتهى الدقة العلمية حين عدوا التاء في (قمت) ضمير رفع متصل بارز فاعل، وكذلك حين ذهبوا إلى أن مضارع المتكلم في مثل (أقوم) يحمل ضمير رفع مستتر وجوبا على أساس أنها جميعا ضمائر لا حروف، ولذا كنت أرى الإبقاء في النحو التعليمي على فكرة الضمائر المستترة جوازا ووجوبا... وأن تعرب جميعا فواعل"(1)
__________
(1) انظر: تيسير النحو التعليمي ص 42 ، 43(1/32)
وعود لحديث د/ضيف عن حذف العوامل؛ حيث يذكر أنها تتضح في قولنا: (زيد في الدار)؛ فقد زعم النحاة أن الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره (استقر أو مستقر) هو الخبر، وهذا زعم ـ كما يقول ابن مضاء ـ لا داعي له، وينبغي أن نقرر أن الجار والمجرور هو الخبر. وكذلك الأمر نجده في نواصب المضارع في نحو (ما تأتينا فتحدثنا) إذ يرى النحاة أن الفعل الثاني منصوب بـ(أن) مضمرة وجوبا، وهو تقدير لا دليل عليه.
وأكثر من هذا أن إلغاء العوامل المحذوفة يريحنا من باب مثل باب الاشتغال، ففي جملة (زيدا ضربته) نعرب زيدا مفعولا به منصوبا ولا نقدر العامل المحذوف، ويكفي أن يعود عليه ضمير منصوب. وكذلك الأمر في أبواب الإغراء والتحذير والنداء والمصادر المنصوبة، فلا داعي لأن نقدر عاملا محذوفا عمل فيها النصب، وهذا العامل لا يظهر، وهذا ما يلفتنا إلى ظاهرة مهمة في العربية، وهي أنها لغة موجزة، فلا داعي للتقدير مادام المقدر لا يظهر في الجملة ولا يحتاجه المتلقي ولا يعنيه المتكلم. ويقترح د/ضيف أن كل الصيغ التي قدر لها النحاة عوامل محذوفة تتم بها الجملة يضم بعضها إلى بعض، ويفرد لها باب خاص نسميه (باب الصيغ الشاذة) أو نسميه (باب شبه الجملة)، فمثلا في إعراب (لولا دعاؤكم..) لا نعرب (دعاؤكم) مبتدأ مرفوعا والخبر محذوف تقديره موجود، بل يكفي أن نقول (دعاؤكم) شبه جملة مرفوعة. ويرى د/ضيف أن هذا الأمر يتيح لنا أن نجمع كل الصيغ التي على هذه الشاكلة ونسميها (شبه الجملة) وتقسم ثلاثة أقسام: شبه جملة مرفوعة وشبه جملة منصوبة وشبه جملة مجرورة. ومن أمثلة شبه الجملة المرفوعة في الصيغ: بعد لولا وفي جواب الاستفهام مثل (من قام؟ فيقال: زيد) وفي جواب الشرط مثل (إن تصنع ذلك فخير) وفي القسم (لعمرك لأفعلن) وفي المصادر المرفوعة مثل (فصبر جميل) وفي المتعاطفين المرفوعين المكتفين بنفسهما مثل (كل رجل وعمله) وفي صيغة النداء المرفوعة (يا زيد). وشبه الجملة(1/33)
المنصوبة تنقاس في مثل الصيغ: الاشتغال والتحذير والإغراء والنداء المنصوب وبعد لات وفي المتعاطفين المنصوبين المكتفين بنفسهما (أهلك والليل) وفي المصادر المنصوبة (حمدا وشكرا وسبحانك) وغير هذا. وشبه الجملة المجرورة تنقاس في مثل: القسم (والله) والضمير بعد لولا (لولاك) وبعد هل (هل من رجل) وهكذا. ولا يضير اللغة أن نهمل التأويل والتقدير وأن نضع كل هذه الصيغ ومثلها تحت باب (شبه الجملة) أو باب (الصيغ الشاذة) وندرسها.
والباحث يرى أن د/ضيف محق في عدم تقدير عامل محذوف يتعلق به الجار والمجرور في قولنا (زيد في الدار) على اعتبار أن الجار والمجرور قد شغل وظيفة الخبر دون تقدير لا حاجة لإظهاره، غير أن الرأي ليس جديدا، فقد ذهب إليه بعض النحاة وفي مقدمتهم سيبويه، إذ يقول: "واعلم أن المبتدأ لابد له من أن يكون المبنى عليه شيئا هو هو أو يكون فى مكان أو زمان ، وهذه الثلاثة يذكر كل واحد منها بعد ما يبتدأ.."(1) فالمكان والزمان يمثلان الظرف المستقر. ومن الأمثلة التي ساقها سيبويه للظرف قوله: "..وأما قولهم: دارى خلف دارك فرسخا، فانتصب لأن خلف خبر للدار، وهو كلام قد عمل بعضه فى بعض واستغنى"(2).
أما المصطلح الجديد (شبه الجملة) والذي أطلقه د/ضيف على الصيغ التي لا تكوّن جملا إلا بتقدير عنصر متتم للعنصر الذي تمثله الصيغة الموجودة، وجمع تحته صيغا كثيرة مرفوعة ومنصوبة ومجرورة فيحتاج إلى إعادة نظر؛ لأنه يحدث خلطا ولبسا مع الجمل الاسمية التي يحذف فيها المبتدأ أو الخبر وجوبا أو جوازا، وكذلك الجمل الفعلية التي يحذف منها الفعل والفاعل ويبقى المفعول دالا عليها، وأما الصيغ الفعلية التي لا تحتاج إلى فاعل من وجهة نظره مثل (أعلم ونعلم)؛ لأنها صيغ مستقلة فلا أوافقه عليها.
__________
(1) انظر : الكتاب 2/127
(2) انظر : المرجع السابق 1/417(1/34)
ومصطلح (شبه الجملة) بهذه الدلالة الجديدة لم يكن د/ضيف بدعا فيه؛ إذ أشار إليه برجشتراسر في قوله: "ومن الكلام ما ليس بجملة بل هو كلمات مفردة أو تركيبات وصفية أو إضافية أو عطفية غير إسنادية، مثال لذلك النداء؛ فإن (يا حسن) ليس بجملة ولا قسم من الجملة، وهو مع ذلك كلام ويشبه الجملة في أنه مستقل بنفسه لا يحتاج إلى غيره مظهرا كان أو مقدرا، بخلاف مثل قولنا (أمسِ) جوابا عن السؤال (متى جئت)، فإن تقديره (جئت أمس)، فـ(أمس) وأمثالها جمل ناقصة، والنداء وأمثاله نسميها (أشباه الجملة)، وشبه الجملة اسم في أكثر الحالات، ولا يمكن أن يكون فعلا؛ لأن الفعل يساوي الجملة الكاملة"(1).
ويبدو أن كلام برجشتراسر أكثر دقة من كلام شوقي ضيف؛ لأنه فرق بين شبه الجملة والجملة الناقصة، فشبه الجملة يطلق على تركيب يؤدي معنى وليس بجملة كاملة ولا يحتاج إلى محذوف مقدر، والجملة الناقصة هي التي يحذف عنصراها الأساسيان أو أحدهما، كما وضّح أن الفعل لا يدخل في أشباه الجملة، إنما هو جملة كاملة؛ لأن به الفاعل وإن لم يكن ظاهرا.
ويحتمل أن يكون د/ضيف قد أخذ المصطلح من برجشتراسر، ويزيد هذا الاحتمال إذا علمنا أن المثال الذي استشهد به د/ضيف وهو (لولا دعاؤكم) قد ورد عند برجشتراسر وقال عنه: "أي لولا أن وجد دعاؤكم"(2). ولمَ لا ؟ وبرجشتراسر قد ألقى محاضراته بجامعة القاهرة في عام 1929 ، وشوقي ضيف حقق كتاب الرد على النحاة في 1947.
__________
(1) انظر: التطور النحوي 127
(2) انظر: التطور النحوي 127(1/35)
والباحث يطرح رأيا آخر مفاده أن النداء يمثل جملة مستقلة تحتوي على عنصريها الأساسين على أن حرف النداء يمثل المسند، والمنادى هو المسند إليه. وما الذي يمنع من ذلك؟! وعلى كل فإن الباحث يرى أن ما قدمه د/ضيف فيما يختص بحذف العوامل ـ باستثناء متعلق الظرف والجار والمجرور ـ لا يقدم تيسيرا للنحو العربي؛ لأنه يؤدي إلى هدم شطر كبير من الجمل العربية الكاملة بسبب استبعاد الجمل الناقصة من الجمل الكاملة ودخولها في أشباه الجمل.
ثم ينتقل د/ضيف بعد ذلك إلى الجانب الثالث الذي نكسبه من وراء منع التأويل والتقدير في الصيغ والعبارات، وهو جانب التأويل في محل الجمل والمفردات المقصورة والمنقوصة والمبنية، فمثلا في جملة (زيد يسافر أبوه) يقول النحاة بأن جملة (يسافر أبوه) في محل رفع خبر لـ(زيد)، وفي جملة (جاء الذي رأيناه أمس) يقولون: إن جملة (رأيناه أمس) لا محل لها من الإعراب، فهم يقسمون الجمل إلى جمل لها محل وجمل ليس لها محل من الإعراب، ويعددون النوعين على النحو المعروف في كتب النحو، وأولى من ذلك أن نقول: إن هذه الجملة خبر أو نعت أو حال. ويدخل في منع التأويل الجمل التي أوّلها النحاة بمصدر، وهي الجمل التي بعد (أنْ ، أنّ ، لو ، ما) مثل (يعجبني أنك سافرت) فالتقدير عند النحاة (يعجبني سفرك)، وهذه التأويلات كلها لا داعي لها، بل يجب أن ننفيها من النحو، ويكفي أن نقرر في كل باب أنه يأتي مفردا ويأتي جملة(1)، والباحث يرى أن د/ضيف محق في ذلك، ويرى أن النحاة اعتنوا بالوظيفة النحوية للفظة المفردة أكثر من اعتنائهم بوظيفة الجملة؛ ومن أجل هذا رفضوا أن يأتي الفاعل جملة.
__________
(1) انظر: الرد على النحاة ص 63، 64(1/36)
كذلك ينبغي أن نمنع التأويل في المفردات المقصورة والمنقوصة والمبنية حين تقع مبتدآت أو أخبارا أو فاعلات أو مفعولات أو غير ذلك، ويكفي أن نبين الوظيفة النحوية للكلمة في الجملة ولا نستمر، فنقول في مثل (هذا محمد): هذا مبتدأ مبني، وهذا يقودنا إلى أن نستغني عن إعراب أي كلمة لا توجد حاجة إلى إعرابها، ويتضح هذا في أدوات الشرط الاسمية، فإعرابها لا يفيد شيئا، فماذا يفيد إعراب (من) في جملة (من يقم أقم معه) بأنها مبتدأ؟ ومما ينبغي أن لا نعربه؛ لأن إعرابه لا يفيد (كم) الاستفهامية والخبرية و(أن) المخففة من الثقيلة التي يقدر النحاة اسمها ضمير شأن محذوف.
ويفصح د/شوقي عن هدفه من ذلك بأن الإعراب ليس غاية في ذاته، وإنما هو وسيلة لتصحيح النطق، ومادام إعراب أداة لا يفيدنا شيئا في لساننا ولا في نطقنا فينبغي أن لا نقف عنده ولا نفكر فيه، وينبغي أن يُنفى من النحو(1).
__________
(1) انظر: المرجع السابق ص 64 : 66(1/37)
والباحث يتفق مع د/ضيف في منع التأويل في المفردات المقصورة والمنقوصة والمبنية، إذ يكفي أن نبين وظيفة الكلمة داخل الجملة، لكن نتساءل: لماذا لم يطبق د/ضيف مبدأ التجانس على الأسماء المقصورة والمنقوصة والمبنية، فيجعلها في باب واحد مبنية أو معربة؛ إذ تشترك جميعا في عدم ظهور الحركة، كما دعا إلى ذلك في الأسماء التي تحرم التنوين؟ فتطبيق أساس ما أو مبدأ ما في موضع دون موضع يخلّ بالمنهج العام. أما الدعوة إلى الاستغناء عن إعراب أسماء الشرط وغيرها مما ذكره د/ضيف بحجة أن ذلك لا يفيد شيئا في تقويم اللسان وتصحيح النطق فذلك أمر يحتاج إلى نظر؛ لأن هناك فرقا بين بيان وظيفة الكلمة في الجملة وعلامة الإعراب التي تستحقها، فلو كان د/ضيف يقصد الاستغناء عن وظيفة الكلمة النحوية لوجب أن يسحب ذلك على كل الأسماء المقصورة والمنقوصة والمبنية؛ فكلها لا تظهر عليها علامات إعراب تساعد على النطق السليم، غير أنه لم يفعل ذلك، ولنسأل: لماذا نقول في (هذا محمد): هذا مبتدأ مبني، ولا نقول ذلك في (من) من قولنا: (من يقم أقم معه)؟ ولا فرق بينهما في تقويم اللسان وتصحيح النطق. ومن ناحية أخرى فإن الاستغناء عن إعراب أسماء الشرط ينبغي أن يسحب على أسماء الاستفهام تعميما للقاعدة، لأن كثيرا منها مشترك. أما لو كان قصده الاستغناء عن قولنا في (من يقم أقم معه): من اسم شرط مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، ويكتفي ببيان أنها اسم شرط مبني مبتدأ، لاتفقنا معه، وحينئذ تدخل أسماء الشرط في قاعدة الأسماء المبنية والمقصورة والمنقوصة.(1/38)
تعليق :
بعد هذا العرض الموجز لمدخل د/شوقي ضيف الذي صدّر به كتاب الرد على النحاة لابن مضاء يمكن أن نسجل الآتي:
ـ هذا المدخل يعد تحليلا وافيا لآراء ابن مضاء مع التأييد الكامل من د/ضيف والاستجابة لآرائه الجديدة التي تتمثل في إلغاء بعض الأسس التي قام عليها البناء النحوي بصورته المرفوضة من قِبَل ابن مضاء، وهذه الأسس هي:
1ـ إلغاء نظرية العامل.
2ـ إلغاء العلل الثواني والثوالث.
3ـ إلغاء القياس.
4ـ إلغاء التمارين غير العملية.
وإيمانا بفكر ابن مضاء حاول د/ضيف أن يضع تصورا لتصنيف النحو تصنيفا جديدا ييسره ويذلل صعوباته، وينقيه من الشوائب التي تعوق دون فهمه، وأقام تصوره في رسم تصنيفه الجديد على ثلاثة أسس هي:
1ـ تنسيق أبواب النحو تنسيقا يؤدي إلى الاستغناء عن بعض أبوابه بردها إلى أبواب أخرى؛ اعتمادا على مبدأ التجانس بين أبواب النحو.
2ـ إلغاء الإعرابين التقديري والمحلي في الجمل والمفردات المقصورة والمنقوصة والمبنية.
3ـ إهمال الإعراب ما لم يفد شيئا في تصحيح الكلام وسلامة النطق.
وقد خلص د/ضيف إلى هذه الأسس من خلال مبدأين رئيسين دعا إليهما، نتيجة هضمه واستيعابه لفكر ابن مضاء، وهما:
1ـ الانصراف عن نظرية العامل.
2ـ منع التأويل والتقدير في الصيغ والعبارات.
وحاول د/ضيف أن يطبق أسس منهجه الجديد على بعض أبواب النحو في هذا المدخل، وقد وُفّق في كثير منها، وبعضها لم يوفق فيه؛ فلم يطبقه ـ من وجهة نظر الباحث ـ وقد بيّنا ذلك في موضعه.
ـ هذا المدخل يعد ثورة من د/ضيف على النحو العربي بصورته المبثوثة في مصادر النحو القديمة منذ سيبويه، كما كان كتاب ابن مضاء أكبر ثورة على النحو العربي ونحاة المشرق، وهذا يعود إلى أن د/ضيف نهَج نهْج ابن مضاء واهتدى بآرائه في رفضه للنحو العربي بصورته عند سيبويه ومن تلاه.(1/39)
ـ ينبغي ألا ننسى أن د/ضيف قد حقق كتاب ابن مضاء (الرد على النحاة) في سنة 1947 ، وهذا يعني أن ما انتهى إليه من جديد يمثل فكره في تلك الفترة، وهو يعد فكرا ناضجا نتيجة فهم جيد لفكر ابن مضاء وتمثّل لآرائه تمثّلا أجود. وهذا يقودنا لطرح هذا السؤال: هل توقف فكر د/ضيف عند هذا الحد طوال السنوات التالية؟ أو تطور في نفس الاتجاه؟ أو أخذ اتجاها مغايرا نحو إعادة تصنيف النحو تصنيفا جديدا؟ هذا ما نحاول أن نجيب عنه في السطور القادمة.(1/40)
منهج شوقي ضيف في مدخل كتاب تجديد النحو
كان نشر كتاب (الرد على النحاة) باعثا للدكتور/شوقي ضيف على التفكير في تجديد النحو بعرضه عرضا حديثا على أسس قويمة تصفّيه وتنقّيه وتجعله داني القطوف للناشئة. وقد اعتمد د/ضيف في إعادة بناء النحو بناء جديدا على ستة أسس؛ ثلاثة منها انتهى إليها فكره عند تحقيق كتاب (الرد على النحاة)، والثلاثة الأخرى اهتدى إليها نتيجة فكر متجدد وعمل دءوب ورغبة ملحّة في تجديد النحو العربي طيلة السنوات التالية لتحقيق كتاب الرد على النحاة، فقد قدّم لمجمع اللغة العربية مشروعا في 1977 لتيسير النحو معتمدا فيه على الأسس الثلاثة السابقة مع أساس رابع اهتدى إليه آنذاك، وفي 1981 اهتدى إلى أساسين آخرين نتيجة سمو فكره وحرصه الشديد على تجديد النحو وتيسيره، فصار يمتلك ستة أسس يستطيع بها أن يعيد تصنيف النحو تصنيفا جديدا ييسره ويذلل صعوباته للدارسين، فيفهمونه وبالتالي يفهمون أساليب العربية المجسدة في القرآن الكريم والحديث الشريف والتراث الأدبي. والأسس الستة هي:
1ـ إعادة تنسيق أبواب النحو تنسيقا يؤدي إلى الاستغناء عن طائفة منها بردها إلى أبواب أخرى.
2ـ إلغاء الإعرابين التقديري والمحلي في الجمل والمفردات المقصورة والمنقوصة والمبنية.
3ـ الإعراب لصحة النطق. (إهمال الإعراب ما لم يُفِد في سلامة النطق).
4ـ وضع تعريفات وضوابط دقيقة لبعض أبواب النحو.
5ـ حذف زوائد كثيرة من أبواب النحو تُعرض فيه دون حاجة إليها.
6ـ زيادة إضافات لبعض الأبواب؛ لتمثّل الصياغة العربية تمثّلا دقيقا
واستطاع د/ضيف بفضل هذه الأسس أن يعيد تبويب النحو وتصنيفه تصنيفا جديدا، وقدّمه للدارسين وقراء العربية في كتاب أصدره سنة 1982 بعنوان ( تجديد النحو) مكوّنا من مدخل وستة أقسام: قسمين للصرف وأربعة للنحو.
ويعدّ هذا المدخل استمكالا لمنهجه السابق في التصنيف الجديد للنحو، والذي بدأه بمدخل مماثل صدّر به كتاب (الرد على النحاة)؛ وهذا المدخل فصّل فيه د/ضيف الحديث عن الأسس الستة التي استند إليها في تصنيفه الجديد للنحو؛ ومن ثم نقف عند هذا المدخل ـ كما وقفنا عند سابقه ـ لنبرز أهم ما فيه من فكر جديد لصاحبه نحو إعادة تصنيف النحو تصنيفا جديدا، مع نقاشه ـ ما احتجنا إلى النقاش ـ في بعض آرائه وتسجيل وجهة نظر الباحث وفاقا أو خلافا معه، علما بأن الخلاف لا ينقص من فكر الآخر ورؤيته، كما أنه لا يفسد للود قضية.
أسس تجديد النحو في الكتاب
**********************
الأساس الأول : إعادة تنسيق أبواب النحو(1):
__________
(1) انظر: د/شوقي ضيف: تجديد النحو 11 : 23 وتيسير النحو 49 : 53 (بتصرف)(1/41)
هذا التنسيق الجديد لأبواب النحو جعل الكتاب في ستة أقسام شملت العديد من المباحث، وقد بدأها صاحبها بمبحث في نطق الكلمة وهو مقتبس من علم التجويد، ثم أعقبه بمباحث صرفية حول أبنية الفعل وأقسامه وتصاريفه وأنواع الحروف وأقسام الاسم المتنوعة تنوعا واسعا، ولم يعنَ بفكرة الموازين ولا بباب الإعلال؛ لأن ذلك يدخل على المباحث الصرفية تعقيدا وصورا للكلمات مفترضة لم تجر على الألسنة، ثم انتقل بعد ذلك إلى المباحث النحوية، فتحدث عن المرفوعات بادئا بالمبتدأ والخبر ركني الجملة الاسمية، ثم إن وأخواتها ولا النافية للجنس والفاعل ونائبه، ثم انتقل إلى المنصوبات فتحدث عن المفعولات والاستثناء والحال والتمييز والنداء على التوالي، ثم صيغ الفعل ثم العدد ثم الممنوع من الصرف ثم عمل المصادر والمشتقات ثم حروف الزيادة، ثم انتقل بعد ذلك إلى الإضافات كالذكر والحذف والتقديم والتأخير وأنواع الجمل.
وفي ضوء هذا التنسيق الجديد ألغى د/ضيف من أبواب النحو ثمانية عشر بابا هي: باب كان وأخواتها، وباب ما ولا ولات العاملات عمل ليس، وباب كاد وأخواتها، وباب ظن وأخواتها، وباب أعلم وأخواتها، وباب التنازع، وباب الاشتغال، وباب الصفة المشبهة، وباب اسم التفضيل، وباب التعجب، وباب المدح والذم، وباب كنايات العدد، وباب الاختصاص، وباب التحذير، وباب الإغراء، وباب الترخيم، وباب الاستغاثة، وباب الندبة. ونقل باب الإضافة وباب التوابع إلى تقسيمات الاسم في القسم الثاني من الكتاب.(1/42)
وإلغاء هذه الأبواب لا يعني خروجها أو خروج أمثلتها من كتب النحو، بل أدمجت في أبواب أخرى رآها د/ضيف أحق بها، فأبواب (كان وكاد وظن وأعلم) انتقلت إلى باب المفعول به على اعتبار أنها أفعال تامة، ومرفوعها فاعل ومنصوبها حال أو مفعول وفقا لنوع الفعل من حيث التعدي واللزوم، وترتب على ذلك إلغاء باب (ما ولا ولات)؛ لأنها مشبهات بـ(ليس) وقد انتقلت إلى باب المفعول، وقرر د/ضيف إلغاء (لا) لأنها ليس لها نماذج، وأما (لات) الواردة مرة واحدة في القرآن الكريم فقد رأى أنها حرف لنفي الظرف، وتدخل فيما أسماه بـ(شبه الجملة)، وأما (ما) التي ورد لها أكثر من نموذج قرآني فقد رأى أن ما بعدها مبتدأ مرفوع وخبر منصوب بنزع الخافض وليس بتأثير من (ما)(1).
__________
(1) هذا هو رأي الكوفيين؛ فقد ذكر السيوطي أنهم زعموا أن (ما) لا تعمل في لغة الحجازيين، وإنما المرفوع بعدها باق على ما كان عليه قبل دخولها، والمنصوب على إسقاط الباء؛ لأن العرب لا تكاد تنطق بها إلا بالباء، فإذا حذفوها عوضوا منها النصب كما هو المعهود عند حذف حرف الجر، وليفرقوا بين الخبر المقدر فيه الباء وغيره. وهذا الرأي مردود بكثير من الحروف الجارة حذفت ولم ينصب ما بعدها. انظر: همع الهوامع 2/110(1/43)
والباحث يحمد للدكتور/ضيف رأيه في إلغاء أبواب (كان وكاد وظن وأعلم) واندماجها في باب المفعول به، على الرغم من خلافه معه في أن جملة (كان وأخواتها) و(كاد وأخواتها) جمل فعلية، كما يوافقه على إلغاء (لا) العاملة عمل ليس؛ لكنه يختلف معه في (ما ولات)، وتعليله لنصب الخبر مع (ما) بنزع الخافض غير مقبول؛ لأن الأصل في الخبر أن يأتي بدون خافض، ثم يسبقه الخافض لدلالة التوكيد، كما تدخل (من) الزائدة على المبتدأ، وأما تحويل جملة (لات) إلى شبه جملة من أجل إلغاء (لات) فهو خلل في نظام الجملة القائم على عنصرين أساسين، ويصعب أن نفهم الآية (فنادوا ولات حين مناص) إلا إذا قدرنا عنصرا محذوفا في جملة (لات)؛ وأرى أن يلحق الحرفان بالمبتدأ والخبر، مع الإقرار بتأثيرهما على رفع المبتدأ ونصب الخبر، كما يؤثر الخافض فيهما.
وفي تبريره لإلغاء باب التنازع عرض د/ضيف لرؤيتي البصريين والكوفيين في الفعل العامل في الفاعل أو المفعول، ورأي البصريين أن العمل للفعل الثاني لقربه ومعمول الأول مضمر، ورأي الكوفيين أن الفعل العامل هو الأول لسبقه ومعمول الثاني مضمر، ثم خطّأ د/ضيف كلا الرأيين محتجا بأن النصوص العربية الموثوقة تشهد بأن الفعلين يتسلطان على المعمول دون إضمار في الأول ولا في الثاني، ثم ذهب مذهب سيبويه في أنه لا يوجد تنازع بين عاملين على معمول واحد، بل دائما العمل للفعل الثاني، ورأى د/ضيف أن النحاة افترضوا صورا للتنازع لم يشهدها الواقع اللغوي، ومن ثم يجب أن تلغى من النحو، ولا يبقى إلا ما له نماذج في الاستعمال اللغوي الموثوق، ونقل هذه النماذج إلى باب الذكر والحذف موزعة على مبحثي حذف الفاعل وحذف المفعول، تبعا للمعمول المحذوف.(1/44)
والباحث يتفق مع د/ضيف في إلغاء باب التنازع وتوزيع صوره المستعملة في اللغة على أبواب أخرى، غير أنه يختلف معه في حذف الفاعل، فالفاعل من وجهة نظري لا يحذف وإنما هو ملازم للفعل مضمر فيه، وعلى ذلك توضع صورة التنازع الخاصة به في باب الفاعل المضمر أو الضميري، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ليس هناك دليل بيّن على أن العمل للفعل الثاني، فلمَ لا يكون العمل للأول ومعمول الثاني مضمر؟ وهذا ما قرره الكوفيون، وفي نظري أن رأيهم أقرب؛ لأن الإضمار بعد الإظهار أفضل وأولى منه قبل الإظهار، وعلى هذا جاءت لغة القرآن الكريم في مثل قوله تعالى: "ما ودعك ربك وما قلى" الضحى3 فالمفعول ذكر مع الفعل الأول وقدّر مع الفعل الثاني.
وفي تبريره لإلغاء باب الاشتغال ذكر د/ضيف أن كثيرا من صور الاشتغال مصطنعة من النحاة وليس لها واقع لغوي، بل ليس له إلا صورة واحدة هي التي وردت في القرآن كثيرا، كما في قوله تعالى: (والأنعام خلقها)، وهذه الصورة إما أن تساق في باب المبتدأ والخبر على اعتبار أن الاسم مرفوع مبتدأ والجملة الفعلية خبر، أو تساق في باب المفعول به الذي حذف فعله.
والباحث يتفق مع د/ضيف في رأيه هذا، ويذكّر بأمر مهم، وهو أن د/ضيف خالف هنا رأيه بإلغاء نظرية العامل ومنع التأويل والتقدير؛ لأنه قدّر فعلا محذوفا عمل في الاسم المفعول النصب، وهذا يحدث خللا في تطبيق المنهج الذي دعا إليه، لاسيما أنه قرر سلفا أن (زيدا) في جملة (زيدا ضربته) مفعول به ولكن لا نقّدر له عاملا محذوفا(1)، واقترح أن يدرج الاسم المنصوب على الاشتغال تحت باب (شبه الجملة)، ولو كان د/ضيف فعل ذلك قصدا، فهو قد وقف موقفا وسطا بين ابن مضاء الذي ألغى الباب برمته والنحاة الذين أضافوا للباب صورا لتراكيب نحوية مفترضة، وحسبه من التيسير أنه حذف هذه الصور المفترضة، ونقل الصور المستعملة إلى باب المفعول، فهذا يخفف من العبء.
__________
(1) انظر: الرد على النحاة 59(1/45)
أما أبواب التفضيل والتعجب والصفة المشبهة والمدح والذم وكنايات العدد والاختصاص فألغيت وأدمجت أمثلتها بمناقشتها في باب التمييز الذي نسّقه د/ضيف تنسيقا جديدا يحمد له، وضُمّ بابا التحذير والإغراء إلى باب الذكر والحذف على اعتبار أنهما مفعولان حذف فعلاهما وفاعلاهما، والباحث يعود فيذكر بأن د/ضيف عدل عن رأيه بإلغاء نظرية العامل ومنع التقدير والتأويل؛ إذ قدّر هنا فعلا محذوف عمل في الاسم المفعول النصب؛ وهذا يؤكد حدوث خلل في المنهج، لاسيما أن د/ضيف دعا إلى إطلاق مصطلح (شبه الجملة) على عدة تراكيب في العربية؛ منها تركيبا التحذير والإغراء(1).
وأما بابا الاستغاثة والندبة فقد ألحقا بباب النداء دون حاجة إلى إعرابهما، وأما باب الترخيم فألغي لأنه ليس له صور حية في اللغة، إنما هو لهجة قديمة مهجورة. والباحث يذكّر بأن التراث الشعري قد حفظ لنا صورة الترخيم(2)
أما نقل باب الإضافة وباب التوابع إلى تقسيمات الاسم فلا نوافق عليه؛ لأن الإضافة والتوابع موضوعات نحوية تمثل أنماطا من أنماط التراكيب العربية، فكيف تعالج في القسم الصرفي الذي يعالج بنية الاسم؟ إن هذا الأمر يحدث خلطا بين موضوع الدرس النحوي وموضوع الدرس الصرفي؛ ومن ثم ينبغي أن يدرجا في القسم النحوي؛ فهو بهما أولى.
__________
(1) انظر : الرد على النحاة ص 61
(2) من صور الترخيم قول امرئ القيس في معلقته:
أفاطم مهلا بعض هذا التدلّل وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي(1/46)
ومن الأبواب التي دعا إلى إلغائها في مدخل الرد على النحاة، ولم يلغها ولم يدمجها في باب آخر في تطبيق منهجه في كتاب تجديد النحو باب (إن وأخواتها) و(باب لا النافية للجنس)؛ حيث قرر في المدخل الأول أن يلغى هذا الباب، وتدمج أمثلته في باب المبتدأ والخبر على أن يعرب الاسم المنصوب مبتدأ منصوبا، ولمَ لا والمبتدأ يجر بعد رب وأخواتها؟ إذن فلا مانع من أن ينصب كما يجر(1). والباحث سبق أن أعلن رأيه المخالف لرأي د/ضيف هذا، وفي عودة د/ضيف عن رأيه هنا إلى آراء النحاة تأييد لرأي الباحث، غير أن في ذلك هدما لمنهجه الذي أرساه في مدخل الرد على النحاة.
وعلى الرغم من الخلاف في الرأي مع د/ضيف أحيانا، فإن من ينظر في أبواب النحو التي سجلها د/ضيف في كتابه يلحظ أن النحو ظل في التصنيف الجديد محافظا على هيكله العام مع عرض الصيغ المتنوعة للعربية عرضا تفصيليا، وأن الأبواب التي ألغيت لم تحذف صورها، فهي مبثوثة في أبواب أخرى، وأعتقد أن رجوع د/ضيف عن بعض آرائه قد أسهم في تشكيل أبواب الكتاب على النحو الذي نراه فيه، وفي هذا التشكيل ما ييسر النحو للدارسين.
الأساس الثاني: إلغاء الإعراب التقديري والإعراب المحلي(2):
هذا هو الأساس الثاني الذي دعا إليه د/ضيف باهتداء من ابن مضاء واللجنة الوزارية في مقترحاتها سنة 1938 ، فرأى أن يقال في (جاء الفتى): الفتى فاعل محله الرفع، وفي (هذا زيد): هذا مبتدأ محله الرفع، وفي ذلك تعميم للمصطلح، وفي (زيد يكتب): يكتب جملة فعلية خبر، فنعيّن وظيفة الجملة دون ذكر محلها من الإعراب. ورتّب د/ضيف على إلغاء هذا الإعراب:
__________
(1) انظر: الرد على النحاة ص 51 ، 52
(2) لمزيد من التوضيح راجع تجديد النحو ص 24 : 26 وتيسير النحو 56 : 58(1/47)
1ـ إلغاء تقدير متعلق الظرف والجار والمجرور: فهما اللذان يشغلان الوظيفة النحوية، ولا يتعلقان بمحذوف تقديره مستقر أو استقر كما زعم بعض النحاة، فنقول في (زيد عندك): عندك : خبر، ولا نقول بأنه متعلق بمحذوف خبر.
2ـ إلغاء عمل (أن) المصدرية مقدرة: اعترض ابن مضاء على تقدير (أن) الناصبة بعد فاء السببية وواو المعية، ورأى أن المضارع منصوب بالحرف مباشرة، وبذلك أخذ د/ضيف في الكتاب.
3ـ إلغاء العلامات الفرعية في الإعراب: وهذا يعني أن كل علامة أصلية في موضعها، ولا تنوب علامة عن علامة، وطبق د/ضيف هذا المبدأ في الكتاب.
الأساس الثالث: الإعراب لصحة النطق(1):
انطلق د/ضيف في هذا الأساس من مبدأ أن الإعراب ليس غاية في ذاته، وإنما هو وسيلة لصحة النطق، فإن لم يصحح نطقا فلا فائدة منه، ورتب على ذلك إلغاء إعراب (لاسيما وبعض أدوات الاستثناء وأدوات الشرط الاسمية وكم الاستفهامية والخبرية وأن المخففة من الثقيلة وكأن المخففة).
وهو يرى أن (أنْ) المخففة في مثل قوله تعالى (أفلا يرون أن لا يرجعُ إليهم قولا ولا يملكُ لهم نفعا ولا ضرا) هي أداة ربط لا أكثر ولا أقل، مثلها مثل (أن) في الآية (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك)، ومثلها كأنْ الخفيفة(2).
__________
(1) انظر: تجديد النحو 26 : 30 وتيسير النحو 58 : 60
(2) أعتقد أن د/ضيف ليس بدعا في ذلك، فقد ذكر من قبل الفرنسي بلاشير أن العربية الفصحى l'arabe classique عرفت بناء لغويا استخدمته فى اللغة الأدبية يقوم على الربط بالتبعية بين الجملة الأساسية والجملة التابعة ، وأدوات الربط لم تخرج عن "أن المخففة ، وأنّ المشددة " وكذلك التركيبات التى تدخلان فيها مثل "على أن، حتى أن ، طال أن ، كثر أن ..." وتستخدم أن الخفيفة للتعبير عن الرغبة والنية كما فى قولك "أريد أن أذهب" وتستخدم الأخرى للتعبير عن الحقائق والتوكيد. انظر: Blachère : Grammaire de l'arabe classique p. 432(1/48)
وأما (لاسيما) فقد تكلف النحاة عناء شديدا لا داعي له؛ لأن ما بعدها يجوز فيه الرفع والنصب والجر، فلمَ العناء فيما لا يفيد؟ وطبيعي أن يلغى إعرابها.
كذلك ينبغي أن يلغى إعراب أفعال الاستثناء، وخير لنا أن نعربها أدوات استثناء وما بعدها مستثنى منصوب(1). وكذلك ينبغي أن تعرب (غير، سوى) في الاستثناء حالا(2). كذلك ينبغي أن يخرج الاستثناء المفرغ من باب الاستثناء؛ لأنه قصر وتخصيص وليس استثناء عملا بقرار اللجنة الوزارية.
__________
(1) جدير بالذكر أن د/ضيف أقر فيما بعد بأنها أفعال حذف فاعلها؛ حيث عقد مبحثا بعنوان (استغناء الفعل الثلاثي المبني للمعلوم بمادته عن الفاعل في صيغ مطردة) وذكر أن من ذلك أفعال الاستثناء. انظر له : تيسيرات لغوية ص 30
(2) أكد د/ضيف رأيه بأن (غير وسوى) ينبغي إخراجهما من باب الاستثناء إلى باب الحال، وذلك في كتابه : تيسيرات لغوية ص 122 وما بعدها(1/49)
وعلى هذا ينبغي إلغاء إعراب (كم) الاستفهامية والخبرية، ويكتفى ببيان أنها استفهامية أو خبرية(1). وكذلك أسماء الشرط (من ما مهما أي أين أنى حيثما متى إذا كيفما) ينبغي أن يلغى إعرابها؛ لأن إعرابها لا يفيد شيئا في صحة النطق(2).
__________
(1) لم يستقر على رأيه هذا؛ حيث عاد فذكر أن (كم) تعرب كما أعربها النحاة، وذلك في تعليقه على قوله تعالى (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون)؛ إذ قال: "لا نعرب (كم) مفعولا به للفعل (يروا) السابق لها، وإنما تعرب مفعولا به للفعل التالي لها (أهلكنا). تيسيرات لغوية ص 103
(2) كذلك هنا لم يستقر د/ضيف على رأيه هذا، حيث عاد فذكر تحت باب عقده باسم (الصدارة لأسماء الاستفهام والشرط) أن أدوات الشرط كأدوات الاستفهام لا يعمل فيها عامل قبلها إلا إذا وقعت بعد حرف جر أو اسم مضاف، فإنها تجر مثل قولنا (بمن تستعن أستعن)، ثم قال: "أما (من) فبحسب مواقعها من الكلام، فقد تكون مبتدأ في مثل (من يقم أقم معه) وقد تكون مفعولا به كما في (من يضلل الله فلا هادي له)..." انظر: تيسيرات لغوية ص 109(1/50)
والباحث يتفق معه في ضرورة إلغاء إعراب (لاسيما) واعتبار (أنْ وكأنْ) المخففتين مجرد أداتي ربط، كما يتفق معه في إلغاء إعراب أفعال الاستثناء، وعلى إخراج الاستثناء المفرغ من باب الاستثناء، لكنه يرى الإبقاء على إعراب (غير وسوى) في باب الاستثناء كما ذكر النحاة، أما الدعوة إلى إلغاء إعراب (كم) الاستفهامية والخبرية وأسماء الشرط، فللباحث رأي آخر، سلف ذكره، ونعيده هنا تأكيدا، فالدعوة إلى الإلغاء بحجة أن ذلك لا يفيد شيئا في تقويم اللسان وتصحيح النطق فذلك أمر يحتاج إلى نظر؛ لأن هناك فرقا بين بيان وظيفة الكلمة في الجملة وعلامة الإعراب التي تستحقها، فلو كان د/ضيف يقصد الاستغناء عن وظيفة الكلمة النحوية لوجب أن يسحب ذلك على كل الأسماء المقصورة والمنقوصة والمبنية؛ فكلها لا تظهر عليها علامات إعراب تساعد على النطق السليم، غير أنه لم يفعل ذلك، ولنسأل: لماذا نقول في (هذا محمد): هذا مبتدأ مبني، ولا نقول ذلك في (من) من قولنا: (من يقم أقم معه)؟ ولا فرق بينهما في تقويم اللسان وتصحيح النطق. ومن ناحية أخرى فإن الاستغناء عن إعراب أسماء الشرط ينبغي أن يسحب على أسماء الاستفهام تعميما للقاعدة، لأن كثيرا منها مشترك. أما لو كان قصده الاستغناء عن القول بأن من اسم شرط مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، ويكتفي ببيان أنها اسم شرط مبني مبتدأ، لاتفقنا معه، وحينئذ تدخل أسماء الشرط في قاعدة الأسماء المبنية والمقصورة والمنقوصة. وعلى كل فقد عدل عن رأيه في (أفعال الاستثناء وكم وأسماء الشرط) في موضع آخر(1)، ولا أدري أهو فعل ذلك قصدا أم بغير قصد؟ وعدوله عن رأيه يحدث خللا في المنهج الذي رسمه لإعادة تصنيف النحو، غير أني أحمد له ذلك في بعض الآراء، ففي عدوله خير للنحو.
الأساس الرابع: وضع تعريفات وضوابط دقيقة:(2)
__________
(1) انظر: د/ضيف : تيسيرات لغوية ص 103 : 109
(2) انظر: تجديد النحو ص 30 : 34 وتيسير النحو ص 60 : 61(1/51)
هذا الأساس أضافه د/ضيف إلى الأسس الثلاثة السابقة في سنة 1977 حينما قدم مشروعا إلى المجمع لتيسير النحو، وهو وضع تعريفات وضوابط دقيقة لبعض أبواب النحو التي لم يتح لها أن تُعرّف تعريفا سديدا من النحاة. ووقف د/ضيف في هذا الأساس عند المفعول المطلق والمفعول معه والحال. ثم عرض لتعريف ابن هشام للمصطلحات الثلاثة(1) مبينا أنها مضطربة وغير دقيقة، ثم وضع هو تعريفا لكل منها على النحو التالي:
ـ المفعول المطلق: هو عند ابن هشام "اسم يؤكد عامله أو يبين نوعه أو عدده"، وعند د/ضيف هو "اسم منصوب يؤكد عامله أو يصفه أو يبينه ضربا من التبيين" وتدخل في كلمة (ضربا من التبيين) جميع الصيغ التي تنوب عن المفعول المطلق.
ـ المفعول معه : هو عند ابن هشام "اسم فضلة تالٍ لواو بمعنى (مع) تالية لجملة ذات فعل أو اسم فيه معناه وحروفه"، وعند د/ضيف هو "اسم منصوب تال لواو غير عاطفة بمعنى مع".
ـ الحال : هو عند ابن هشام "وصف فضلة مذكور لبيان الهيئة"، وعند د/ضيف هو "صفة لصاحبها نكرة مؤقتة منصوبة".
والباحث لا يختلف مع د/ضيف في تعريفه للمصطلحات الثلاثة، غير أنه يفضّل أن يكون تعريف الحال: "اسم نكرة منصوبة صفة مؤقتة لصاحبها"، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تعريفه للمفعول المطلق يؤكد على العودة إلى نظرية العامل؛ إذ يقول: " اسم يؤكد عامله.." أي فعله الذي عمل فيه النصب.
الأساس الخامس : حذف زوائد كثيرة:(2)
__________
(1) اعتمد د/ضيف في تعريف ابن هشام للمصطلحات الثلاثة على كتابه أوضح المسالك
(2) انظر: تجديد النحو ص 34 : 41 وتيسير النحو ص 61 : 63(1/52)
رأى د/ضيف أن من تيسير النحو وتجديده حذف بعض الزوائد التي لا تخل بالقواعد العامة، فرأى أن تحذف شروط اسم التفضيل وشروط فعل التعجب؛ فالأمثلة فيهما تغني عن ذكر الشروط، وقواعد اسم الآلة؛ لأنه يعتمد على السماع، وشروط التصغير وصيغه التي لا تجري على الألسنة كتصغير فعل التعجب، ومعظم قواعد النسب التي لا حاجة لنا بها الآن، وأكثر شروط تقديم المبتدأ وجوبا وتقديم الخبر وجوبا، وجعل ذلك في باب التقديم والتأخير، وكذلك شروط حذف المبتدأ وحذف الخبر، وجعل ذلك في باب الذكر والحذف، وحذف إعمال ليت مع (ما) الكافة، لعدم استعمالها في الواقع اللغوي، وحذف ما يسمى بالعطف على (إن واسمها)، ورأى أنه مبتدأ خبره محذوف لدلالة السياق عليه، وكذلك ما قرره النحاة من أن نعت (اسم إن) و(اسم لا النافية للجنس) أو توكيده أو البدل منه يجوز فيه الرفع والنصب، فحذف وجه الرفع مكتفيا بالنصب تيسيرا على الدارسين، وحذف من الكتاب وجوه الإعراب المتعددة في (لا حول ولا قوة إلا بالله)، كما حذف شروطا وأحوالا كثيرة للمفعول معه، كما حذف كثيرا من كلام النحاة عن تابع المنادى وما يجوز فيه من رفع ونصب بحجة أن كل أمثلته من اصطناع النحاة، علما بأن القرآن يقول: (يا جبال أوبي معه والطيرَُ)، كما حذف عمل المصدر منكرا ومعرفا بـ(ال)؛ لأنه غير مستعمل في اللغة، وكذلك إضافة المصدر لمفعوله قبل الفاعل، كما حذف ما أسماه النحاة بـ(فاعل سد مسد الخبر)(1)؛ لأن أمثلته غير موثوقة ولم ترد في القرآن وغير مستعملة في اللغة. والباحث يوافقه الرأي في كل ذلك؛ تيسيرا للنحو على الدارسين.
__________
(1) إعراب (الزيدان) في (أقائم الزيدان) فاعلا سد مسد الخبر تعوزه الدقة؛ حيث اجتمع في الجملة عنصران كلاهما مسند إليه (المبتدأ والفاعل) وغاب عنصر المسند (الخبر) عن الجملة.(1/53)
الأساس السادس : إضافات متنوعة:(1)
هذه الإضافات كثيرة ومتنوعة؛ هدفها توضيح الصياغة العربية في نفس دارس النحو، ومن تلك الإضافات المبحث الخاص بقواعد النطق، وعلته في ذلك أن قواعد النطق كانت تدرّس للناشئة قديما مع حفظهم للقرآن الكريم، أما الآن والناشئة لا يهتمون بحفظ القرآن فلابد أن يتعلموها من خلال كتاب النحو. وقد شملت هذه الإضافات الحديث عن تاء التأنيث ودلالاته المتنوعة ونوني الجمع والمثنى على أنهما بدل من التنوين في المفرد، والفرق بين اسم الجمع واسم الجنس الجمعي(2)، ونون الوقاية، وتحدث عن المضاف والمضاف إليه والتابع والمتبوع في القسم الصرفي، كما أشار في الأقسام النحوية إلى أن جمع ما لا يعقل في الكون والطبيعة والأشياء يعامل مع الخبر والنعت والفعل معاملة الكلمة المفردة، وهذه الإضافة جيدة وإن كان ذلك معروفا في الاستعمال اللغوي، لكن النحويين لم يفردوا لذلك بابا أو فصلا. وأضاف في الممنوع من الصرف صيغ (أُخَر، أحاد، موحد)، كما اعتبر تخصيص باب للذكر والحذف، والتقديم والتأخير من الإضافات، وأنا أخالفه الرأي؛ لأن النحاة ذكروا ذلك كلا في موضعه مثلما فعل هو مع باب التنازع؛ حيث ألغاه وذكر صوره المستعملة في باب الفاعل والمفعول. فهو يدعو إلى التخفيف من أبواب النحو في بداية الكتاب ويعد ذلك
__________
(1) انظر: تجديد النحو 41 : 43 وهو في تيسير النحو (63 : 64) بعنوان (استكمالات لنواقص ضرورية) ودلالته أن نحونا بحاجة ماسة لهذه الاستكمالات؛ فهي تختلف عن دلالته هنا.
(2) ذكر د/ضيف أن اسم الجمع يحمل دلالة الجمع، غير أنه لا واحد له من لفظه، وهو يجمع ويثنى مثل (أمة/أمم، شعب/شعوب)، واسم الجنس الجمعي يأتي من مفرده بحذف تائه أو يائه، وهو يثنى ويجمع مثل (شجرة/شجر/أشجار، تركي/ترك/أتراك). تجديد النحو ص 98 والباحث يرى أن اسم الجنس الجمعي لا يثنى، أما الجمع مثل (أشجار وأتراك) فيمكن أن يكون جمعا للمفرد؛ لأنه جمع تكسير.(1/54)
تيسيرا ثم يزيد هو أبوابا!! فهذا تناقض في المنهج ويمثل ثقلا على الدارسين.
تعليق:
بعد هذا العرض لمنهج د/ضيف في مدخل تجديد النحو نسجل الآتي:
ـ أضاف ثلاثة أسس أخرى إلى الثلاثة الأولى؛ لتصبح ستة أسس لا غنى عنها في التصنيف الجديد للنحو العربي من وجهة نظره.
ـ ترتب على هذه الأسس إلغاء ثمانية عشر بابا من النحو، ودمج أمثلتها في أبواب أخرى إلا قليلا منها رأى حذفها لعدم استعمالها في الواقع اللغوي.
ـ قليل مما دعا إليه في مدخل الرد على النحاة تراجع عنه في مدخل تجديد النحو، مثل دعوته إلى إلغاء باب (إن وأخواتها). وفي ذلك حمد له وخير للنحو.
ـ دعا إلى إلغاء الإعرابين التقديري والمحلي في الجمل والمفردات المقصورة والمنقوصة والمبنية، وإلغاء متعلق الظرف والجار والمجرور، وإلغاء (أن) مقدرة ناصبة للمضارع بعد أدوات أخرى مثل (فاء السببية).
ـ جعل الإعراب لصحة النطق، فما لم يصحح نطقا فلا حاجة له؛ ولذا دعا إلى إلغاء إعراب أفعال الاستثناء ولاسيما وأنْ المخففة من الثقيلة وكم الاستفهامية والخبرية وأسماء الشرط.
ـ وضع تعريفات جديدة لبعض الأبواب النحوية، وترتب عليها إلغاء شروط وقواعد كثيرة للنحاة لإحكام تلك الأبواب. كما دعا إلى حذف كثير من القواعد والشروط التي وضعها النحاة في معظم الأبواب ولا حاجة للدارس بها.
ـ دعا إلى تزويد الكتاب بإضافات متنوعة رأى أهميتها لاستكمال منهجه.
ـ خلاف الباحث معه في بعض آرائه لا يمنع من القول بأن منهجه يحمل تيسيرا ما للنحو وتغييرا في تبويبه، وهو استكمال لمنهجه في مدخل الرد على النحاة، ولكن هل نجح د/ضيف ووفّق في تطبيق هذا المنهج بصورته الأخيرة في كتابه (تجديد النحو)؟ وهل آتى ثماره؟ هذا ما نحاول أن نجيب عنه في السطور القادمة.(1/55)
تطبيق المنهج في كتاب تجديد النحو
النحو التطبيقي في الكتاب موزع على ستة أقسام على النحو التالي:
القسم الأول(1): في نطق الكلمة وأقسام الفعل وتصاريفه وأنواع الحروف. ونطق الكلمة هو أحد المباحث التي أضافها د/ضيف إلى الدرس النحوي، وللباحث اعتراض على دمج مبحث نطق الكلمة و(ال) الشمسية والقمرية في القسم الخاص بالفعل، وكان الأفضل أن يستقل نطق الكلمة بقسم مستقل، وهي ليست أقرب للفعل منها للاسم. وفي مبحث نطق الكلمة وضع د/ضيف عنوانا جانبيا باسم (مخارج الحروف)، وكان الأولى أن يسميه (مخارج الأصوات)؛ لأن الحرف هو الرمز المكتوب للصوت المنطوق، لكن د/ضيف سار على نهج القدماء في المصطلح رغم دعوته إلى مخالفتهم واعتراضه على منهجهم النحوي. وفي (أنواع الحروف) تحدث عن حروف المعاني فقط دون الإشارة إلى المصطلح، وكان ينبغي أن يشير إلى حروف المباني التي تبنى منها الكلمات كما فعل القدماء، لكنه لم يفعل فعلهم! وكونه يدمج الدراسة الصوتية في الدرس النحوي هو منهج القدماء، والفرق بينه وبينهم أنهم كانوا يعرضون للجانب الصوتي بعد الانتهاء من الدرس النحوي والصرفي، وإنما هو جعل الدراسة الصوتية في مقدمة الدراسة الصرفية والنحوية، وهذا هو منهج المحدثين. وهذا التنوع يحدث خللا في المنهج.
وحينما تعرض للفعل المضعف مثل (صدّ وارتدّ) لم يقدم تفسيرا للإدغام وفك الإدغام، واكتفى بقوله: إنهما "يحتجان إلى نظر"(2)، وفي عرضه لبناء الفعل المضارع وإعرابه رفعا ونصبا وجزما لم يخرج فيه عن المألوف النحوي، وبالتالي لم يطبق منهجه الذي دعا إليه بصدد هذا الشأن، وهو أن المضارع المبني على الفتح يضم إلى المضارع المنصوب، والمضارع المبني على السكون يضم إلى المضارع المجزوم، ويكون كلاهما مجزوما أو مبنيا(3).
__________
(1) انظر: تجديد النحو ص 47 : 83
(2) انظر: المرجع السابق ص 68
(3) انظر: الرد على النحاة ص 50(1/56)
القسم الثاني(1) في أقسام الاسم وتصاريفه وأنواعه، وفيه تحدث عن أبنية الاسم وأنواعه من حيث التعريف والتنكير، والتذكير والتأنيث، والصحة والاعتلال، والإفراد والتثنية والجمع، وفرق بين نوني المثنى والجمع ونون الأفعال الخمسة، ودلّل على أن النون في المثنى والجمع بدل من التنوين في المفرد. ثم تحدث عن اسم الذات واسم المعنى، وبالتالي تحدث عن المصادر والمشتقات وأنواعها، ثم تحدث عن الإعراب والبناء وعلامات الإعراب وأنواع المبنيات، ثم تحدث عن الاسم المضاف وغير المضاف وأنواع الإضافة، والتابع والمتبوع وأنواع التوابع، ثم التصغير والنسب.
ولاحظ الباحث أن في حديث د/ضيف عن الضمائر لم يخرج عما جاء في كتب النحو، وردد مصطلحاتهم، واستوقف الباحث مصطلح (ضمير مستتر جوازا) الذي لم يلفت انتباه د/ضيف، فهذا المصطلح غير دقيق؛ لأن معناه أنه يجوز ظهوره، وليس هذا هو المقصود، فإن ظهر لا يعرب فاعلا، إنما يعرب توكيدا للفاعل المستتر، كما في الآية (فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يملّ هو فليملل وليه بالعدل ـ البقرة 282) والمقصود به أن الاسم الدال عليه يمكن أن يظهر؛ ولذا فالمصطلح غير متوافق مع المقصود منه؛ ومن ثم ينبغي أن نبحث عن مصطلح يتوافق مع مقصوده النحوي. كما استوقف الباحث رأي د/ضيف في أن جملة (خالد ثيابه نظيفة) من بدل الاشتمال(2)، على أن المبدل منه المبتدأ، والباحث يرى أن هذه الجملة مركبة من اسم مفرد وخبر جملة اسمية، وهذا هو المألوف في كتب النحو، ود/ضيف نفسه ذكر ذلك في حديثه عن أقسام الخبر، فهو يأتي مفردا وجملة فعلية وجملة اسمية مثل (زيد شعره جيد)(3)
__________
(1) انظر: تجديد النحو ص 85 : 133
(2) انظر: المرجع السابق ص 130
(3) انظر: المرجع نفسه ص 139(1/57)
ويمكن القول بأن د/ضيف في كل هذا لم يخرج عن مألوف النحو إلا أنه ضم بعض المباحث النحوية إلى القسم الصرفي، مثل البناء والإعراب والإضافة والتوابع، وأنا أرى أن دمج هذه الأبواب في زمرة الدرس الصرفي أمر يحدث خلطا واضطرابا لدي الدارس بين الدرس الصرفي والدرس النحوي، وغني عن القول أن الصرف يعالج بنية الكلمة، والنحو يعالج وظيفة الكلمة داخل الجملة وما يطرأ عليها من علامات إعراب وفقا لوظيفتها النحوية في الجملة.
القسم الثالث في المرفوعات(1)، وقد بدأها بالمبتدأ والخبر ثم إن وأخواتها ولا النافية للجنس، ثم الفاعل ونائبه، وتحدث عنها حديث النحاة ـ إلا قليلا ـ من تعريف للمبتدأ والخبر ومجئ المبتدأ نكرة وضميرا متصلا، وتطابق المبتدأ والخبر وأنواع الخبر وتعدده ومجئ الخبر لجمع ما لا يعقل مفردا مؤنثا والربط بين المبتدأ وجملة الخبر، وحذف المبتدأ والخبر وتقدم الخبر على المبتدأ، ولام الابتداء ومواضع كسر همزة (إنّ) وفتحها، ودخول (ما) الكافة على إن وأخواتها، وحذف خبر لا النافية للجنس والفرق بين لا النافية للجنس ولا النافية للواحد ولا المكررة، وتعريف الفاعل وتأخره عن فعله ظاهرا أو ضميرا، والجمع بين الضمير والاسم الظاهر، وتذكير الفعل وتأنيثه مع الفاعل وحذف الفاعل ومجيئه جملة ومجيئه مجرورا لفظا، وهكذا.
والحديث بهذا الشكل المبثوث في الكتاب يدعو الباحث إلى التوقف قليلا ليسجل وجهة نظره على النحو الآتي:
ـ د/ضيف لم يتحدث عن خبر المبتدأ المنصوب بعد (ما) العاملة عمل (ليس) عند النحاة، وهو قد دعا في منهجه إلى إلغائها ودمج أمثلتها في باب المبتدأ والخبر.
__________
(1) انظر: تجديد النحو ص 135 : 160(1/58)
ـ ذكر أن المبتدأ يأتي ضميرا متصلا، وساق له أمثلة؛ منها (لولاك ولولاه) كما نقول (لولا أنت)، فالكاف والهاء مبتدآن(1)، وهذا مخالف لمنهجه الذي اقترح فيه أن الاسم بعد لولا مثل (لولا دعاؤكم) لا يعرب مبتدأ، وإنما يعرب شبه جملة مرفوعة، وإذا كان بعد لولا ضمير متصل مثل (لولاه ولولاك) فهو شبه جملة مجرورة(2)، فإن كان تراجعه مقصودا فأنا أحمد له ذلك، غير أنه يخلّ بالمنهج.
ـ في معرض حديثه عن أقسام الخبر ذكر د/ضيف أن الخبر يأتي جملة فعلية مثل (زيد يذاكر)، وفي سياق حديثه عن الربط بين المبتدأ وجملة الخبر قال: "تحتاج جملة الخبر فعلية أو اسمية إلى رابط يربطها بالمبتدأ، وهو غالبا ضمير مثل (الفضيلة تزين الإنسان) ففي (تزين) ضمير مستتر تقديره (هو) فاعل يعود على المبتدأ الفضيلة" وأكّد رأيه هذا في مواضع أخرى(3)، منها حديثه عن الفاعل بأنه لا يتقدم على فعله، وإذا تقدم يصبح مبتدأ ويخلفه مع الفعل ضمير يعود عليه من ضمائر الرفع المتصلة مستترة أو بارزة، مثل: (زيد عرف والزيدون عرفوا)(4). ورأيه هذا يناقض رأيه المؤيد لابن مضاء في عدم تقدير فاعل مستتر في الفعل في مثل (زيد يسافر)(5)، وهذا ما يجعلنا نؤكد ما ذكرناه سابقا من أن ذلك يعد إخلالا بالمنهج وهدما لبعض أسسه؛ حتى لو كان قد قصد التراجع عن رأيه الأول، وهو تراجع محمود، غير أننا لا نملك دليلا على ذلك.
__________
(1) انظر: المرجع السابق ص 139
(2) راجع كتاب الرد على النحاة ص 60
(3) انظر: تجديد النحو ص 139، 142، 146، 148
(4) انظر: المرجع السابق ص 153
(5) انظر: الرد على النحاة ص 57(1/59)
ـ في حديثه عن الربط بين المبتدأ والخبر ذكر د/ضيف أن الربط يكون بالفاء والواو، وساق مثالا للواو من العامية هو (كل فولة ولِها كيال) وقد صرح هو بذلك في قوله: "ولغتنا العامية تحل الواو محل الفاء في هذا التعبير"(1). وأنا لا أوافقه على ذلك؛ لأنه يحدث اضطرابا لدى الدارس وخلطا بين تراكيب الفصحى وتراكيب العامية، ومعروف أن كتب النحو تعالج تراكيب الفصحى، ود/ضيف نفسه قد سبقني هذا الرأي في مكان آخر، يقول فيه: "وضع القواعد في الفصحى على أساس ما يجري في ألسنة العامة غير مقبول".(2)
__________
(1) انظر: تجديد النحو ص 143 وربما يكون د/ضيف قد تأثر في رأيه هذا بالمستشرق الألماني برجشتراسر، إذ يقول الأخير: إن إحلال الواو محل الفاء في الجملة الاسمية بين المبتدأ والخبر أمر معروف في اللهجات العربية الدارجة، نحو (كل بلاد ولها زي) وهذه الواو قريبة من واو الحال". انظر: التطور النحوي ص 138
(2) انظر: تيسيرات لغوية ص 106 ورأي د/ضيف هذا ناتج من حرصه الشديد على الفصحى لغة القرآن الكريم، فهو يرى أن العامية تقطع الروابط والصلات بين العرب؛ لأنه لغة محلية لا يفهمها سوى أفراد شعبها؛ ولعل هذا ما جعله يشيد بالأقسام العربية من الإذاعات الأجنبية في تمسكها بالعربية الفصيحة دون لحن، على العكس تماما من وسائل الإعلام العربية (المسموعة والمرئية)، فهي تسهم بشكل كبير في قطع الصلات والروابط بين أبناء العربية بفضل استعمالها العاميات المحلية بديلا عن الفصحى.
لمزيد من ذلك انظر: شبكة الانترنت (شوقي ضيف ـ مواقفه في الحفاظ على اللغة)(1/60)
ـ في حديثه عن (ما) الكافة لـ(إن وأخواتها) لم يزد د/ضيف عما سجله النحاة من أن (ما) تكف هذه الحروف عن العمل. وكنت أتمنى أن يزيد فيوضح دلالة (ما) في الجملة، خصوصا أنها وردت في القرآن، ولا أعتقد أنها وردت في القرآن لتكف الحرف عن العمل، وإنما دخلت لتضع جملة (إنّ) في نطاق المبالغة والمزيد من التوكيد من خلال القصر والحصر، فكأن (ما) أضافت إلى توكيد الجملة بـ(إن) توكيدا آخر، كما في قوله تعالى(إنما المؤمنون إخوة ـ الحجرات10).
ـ على الرغم من أن د/ضيف اتفق مع ابن مضاء في أن (ألف الاثنين وواو الجماعة ونون النسوة) علامات عدد مثلها مثل تاء التأنيث في (قالتْ)، وليست ضمائر فاعلية، واستدل على رأيه بأن هذه العلامات ترد مع الفاعل في الجملة، وهي لغة قرآنية معروفة عند العرب(1)، أقول: على الرغم من ذلك فإن د/ضيف يقرّ بأن (ألف الاثنين وواو الجماعة ونون النسوة) ضمائر فاعلية، ثم يصف اللغة التي تجمع فاعلا ظاهرا مع فاعل ضميري بأنها لغة شاذة خارجة على قواعد النحو، وينبغي إهمالها(2). وأنا أعجب له من هذا الوصف!! وكنت أتمنى ألا يتراجع عن رأيه المؤيد لابن مضاء، ففي تراجعه إخلال بالمنهج، فضلا عن أنه وصف لغة قرآنية بأنها لغة شاذة ينبغي إهمالها لإهمال قاعدتها.
__________
(1) انظر: الرد على النحاة ص 30 ومن أمثلتها في القرآن قوله تعالى: "ثم عموا وصموا كثير منهم" المائدة 71 وقوله تعالى: "وأسروا النجوى الذين ظلموا.." الأنبياء 3
(2) انظر: تجديد النحو ص 153 ، 154(1/61)
ـ في حديثه عن الفاعل عقد عنوانا باسم (حذف الفاعل)، وذكر فيه أن الأصل أن كل فعل لابد له من فاعل، إما اسم ظاهر أو ضمير مستتر أو بارز، غير أنه جاء في اللغة فعلان يليهما فاعل واحد، مثل (أقبل وتكلم زيد)، فزيد فاعل للفعل الثاني وحذف من الفعل الأول لدلالة السياق عليه.(1) والباحث يرى أن د/ضيف هنا خالف رأيا سابقا له يقول: "ليس من الضروري أن يكون لكل فعل فاعل.."(2) وأنا أتفق معه في رأيه الأخير، ومن ثم فلا يوجد فعل بدون فاعل، ولا يحذف الفاعل، وإنما يكون ضميرا مستترا في الفعل.
ـ في حديثه عن نائب الفاعل، ذكر د/ضيف مصطلحي (مبني للمعلوم) و(مبني للمجهول)، وكنت أنتظر منه أن يستخدم مصطلحي (البناء للفاعل) و(البناء للمفعول)؛ لأن البناء يعني الإسناد، وحينما يحذف الفاعل الدلالي يسند الفعل للمفعول، ويصبح المفعول مسندا إليه أو فاعلا نحويا(3).
__________
(1) انظر: المرجع السابق ص 156
(2) انظر: الرد على النحاة 57
(3) فرق برجشتراسر بين الفاعل الدلالي والفاعل النحوي (المسند إليه) تفريقا دقيقا في حديثه عن الفعل المبني للمفعول؛ حيث يقول: "أما الأول فهو فعل ما لا يسمى فاعله، نحو (ضُرب زيد) فهو معدوم الفاعل وليس بمعدوم المسند إليه، فتراه أسند إلى (زيد) وهو مفعوله"
انظر: التطور النحوي 140(1/62)
القسم الرابع في المنصوبات(1) وبدأها بالمفعول به وقد أدرج فيه أمثلة (كان وأخواتها، وكاد وأخواتها، وظن وأخواتها، وأعلم وأخواتها)، وذلك في حديثه عن الأفعال اللازمة والأفعال المتعدية، وتحدث عن الترتيب بين الفاعل والمفعول، وحذف المفعول، ومجئ المفعول مجرورا وحقه النصب، ومجيئه منصوبا وحقه الجر. ثم تحدث بعد ذلك عن المفعول المطلق وما ينوب عنه، ثم المفعول فيه وأفاض في الحديث عن أنواع الظروف المعربة والمبنية، ثم تحدث عن المفعول له، ثم المفعول معه، ثم انتقل إلى باب الاستثناء وتحدث عن أدوات الاستثناء حديث النحاة، ثم انتقل إلى باب الحال وأفاض في الحديث عنه وفقا للتعريف الذي وضعه له، ثم تحدث بعد ذلك عن التمييز بصورته الجديدة المنسقة تنسيقا جيدا، حيث أدرج تحتها كل الأبواب التي دعا إلى إلغائها ووضع أمثلتها في باب التمييز، ثم انتقل إلى النداء فتحدث عنه بإيجاز وفقا لمنهج النحاة.
وللباحث تعليق على قسم المنصوبات يخلص فيما يلي :
ـ في عرضه للمفعول به اتبع د/ضيف منهجه الجديد في النحو؛ حيث تناول فيه ما أسماه النحاة بـ(الأفعال الناقصة). كما طبقه في المفعول معه والحال، وطبقه بدقة في باب التمييز؛ حيث أدرج فيه الأبواب التي رأى أن تلغي وتدمج فيه، كالتفضيل والتعجب والعدد وغيره.
ـ في باقي الأبواب اتبع منهج النحاة، وخالف منهجه الجديد في إطلاقه مصطلح (الأفعال اللازمة والأفعال المتعدية)؛ حيث دعا من قبل إلى إلغائه واختيار مصطلح آخر من مصطلحات النحاة (أفعال واقعة وغير واقعة، أو أفعال مجاوزة وغير مجاوزة، أو أفعال مؤثرة وغير مؤثرة)، كما خالفه في اعتبار (غير وسوى) أداتي استثناء، يعربان إعراب ما بعد (إلا) وقد قرر من قبل أنهما حال، وحجته في ذلك اتباع جمهور النحاة، وهي حجة غير مقبولة تخلخل المنهج الجديد، ورغم ذلك فرأيه الموافق لجمهور النحاة أفضل.
__________
(1) انظر: تجديد النحو ص 161 : 197(1/63)
القسم الخامس(1) وهو تكملات لأبواب النحو السابقة، وفيه تحدث عن صيغ الفعل الثلاثة ودلالاتها الزمنية، والإعراب والبناء فيها وساقه هذا الحديث إلى الحديث عن الشرط وأدواته، ثم انتقل بعد ذلك للعدد، ثم إلى الممنوع من الصرف، ثم عمل المصادر والمشتقات عمل الفعل، وختم القسم بحديث عن حروف الزيادة.
والحديث في موضوعات هذا القسم جاء على نسق حديث النحاة؛ ومن أهم ما لفت نظر الباحث فيه:
ـ أن د/ضيف لم يطبق مبدأ التجانس الذي دعا إليه في منهجه، وساق له مثالا بالمضارع المنصوب والمضارع المبني المتصل بنون التوكيد، وكذلك المضارع المجزوم والمضارع المبني مع نون النسوة؛ وقال فيهما: "فباب مثل الفعل المضارع المعرب تجمع فيه الأحوال المشابهة من مثل بنائه على الفتح وتسكينه، وإن مجرد جمعنا لمثل ذلك ليجعلنا نلتفت إلى أن الفعل المضارع المتصل بنون التوكيد ينبغي أن لا نعتبره مبنيا على الفتح، وإنما نعتبره منصوبا حتى نجانس بين حالة نصب المضارع وحالة بنائه مع نون التوكيد، أو نعتبره في الحالين مبنيا حتى يتم التنسيق في الباب. ومثل ذلك الفعل المضارع المتصل بنون الإناث فينبغي أن نضمه إلى المضارع المجزوم، ونسمي المضارع في الحالين مضارعا ساكنا أو مسكنا، ولا داعيَ لأن نسمي سكونه مرة جزما ومرة بناء، وهذا يعني أننا نسمي الحالة باسم واحد ولا نوزعها على أبواب"(2). وعلى الرغم من خلافنا معه في هذا التصور فإن عدم الأخذ به في التطبيق يخلّ بالمنهج.
__________
(1) انظر: تجديد النحو ص 199 : 231
(2) انظر: الرد على النحاة ص 50(1/64)
ـ حديث د/ضيف عن الجملة الشرطية حديث طيب موجز، غير أنه لم يشر إلى النمط الذي يتقدم فيه اسم ظاهر على الفعل في جملة الشرط، كما في قوله تعالى: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره .."، وللنحاة حديث طويل، فمنهم من اعتبر الاسم فاعلا مقدما، ومنهم من اعتبره فاعلا حذف فعله يفسره الفعل الذي بعده(1)، والباحث يتساءل: لمَ لا يعرب الاسم المتقدم مبتدأ والفعل مع فاعله الضميري خبر؟ ومن ثم كنت أتمنى أن يخوض د/ضيف في هذا الحديث؛ ليقول كلمته التي يراها وفقا لمنهجه الجديد.
ـ اعتبر د/شوقي أن (إنْ ولو) في تركيب مثل (افعل الخير وإن لم يقدّر لك)، و(أحب الناس ولو آذوك) أداتي وصل لا يحتجان إلى جواب؛ لأنهما خرجا عن شرطيتهما(2). وهو رأي جيد.
__________
(1) انظر: ابن يعيش : شرح المفصل ج9/ 9 : 10
(2) انظر: تجديد النحو ص 211 ومن اللغويين الذين أخرجوا هذه التراكيب من الجملة الشرطية الفرنسي بلاشير وأطلق عليها الجملة الإضرابية proposition concessive
انظر : Blachère : Ibid p. 467(1/65)
القسم السادس(1) وهو قسم خاص بالإضافات المتنوعة التي رأى د/ضيف أن من الضروري إضافتها إلى الدرس النحوي وفقا لمنهجه الجديد، وهذه الإضافات شملت الحديث عن الذكر والحذف، كحذف المبتدأ والخبر والفاعل مع فعله وبدون فعله وحذف المفعول وحذف كان وفاعلها والتمييز والمضاف إليه وحذف جواب الشرط أو القسم بقرينة أو لدلالة السياق عليه. ثم الحديث عن التقديم والتأخير بين المبتدأ والخبر، وبين المفعول والفعل وفاعله، ثم الحديث عن أنواع الجمل في العربية وفقا للوظيفة النحوية للجملة وقد وزعها توزيعا جديدا مغايرا لتوزيع القدماء للجمل، وهو توزيع جيد؛ حيث قسمها إلى جمل مستقلة وجمل خاضعة، والأولى تشمل الجملة المستأنفة والجملة الحوارية والجملة المعترضة والجملة المفسرة والجملة المعطوفة على إحدى هذا الجمل، والثانية تشمل جملة الخبر وجملة الفاعل أو نائبه وجملة المفعول وجملة الحال وجملة التابع وجملة الصلة وجملة المضاف إليه وجملة جواب الشرط وجملة جواب القسم.
وقد لفت نظر الباحث عدة أمور:
ـ عدّد د/ضيف مواضع الحذف والتقديم والتأخير في المبتدأ والخبر، وفي ذلك مخالفة لمنهجه الذي دعا فيه إلى التخلص من زيادات كثيرة منها شروط الحذف والتقديم والتأخير في المبتدأ والخبر.
__________
(1) انظر: تجديد النحو ص 233 : 264(1/66)
ـ في حديثه عن حذف المبتدأ ذكر أنه يحذف إذا دل على العموم مثل (من أحسن فلنفسه) أي فإحسانه لنفسه، وهذه الصور تكثر في العربية مثل (إن تعف عنه فابنك) أي فهو ابنك بحذف المبتدأ، وفي حديثه عن حذف الخبر ذكر أنه يحذف مع (لولا) لدلالة السياق عليه مثل (لولا النيل لكانت مصر صحراء) أي لولا النيل موجود. وهنا نلحظ أنه تراجع عن رأيه في أن الصيغ مثل (فلنفسه) و(فابنك) و(لولا النيل) لا تعتبر جملا، وإنما هي شبه جملة مرفوعة.(1) وهذا التراجع نراه في مواضع كثيرة للحذف سواء في الجملة الفعلية أو الجملة الاسمية، وعلى الرغم من ذلك فإن في التراجع خير للنحو وللدارسين، غير أنه يخلخل المنهج الذي أرساه لتجديد النحو وتيسيره.
ـ حديثه عن (الذكر والحذف) يناقض أساسا قويا من أسس منهجه الجديد وهو منع التأويل والتقدير، حيث جاء حديثه متوافقا مع حديث النحاة، غير أنه أوجز وأبان في صورة مختصرة ما أفرد له النحاة صفحات كثيرة.
ـ ذكر د/ضيف أن الفاعل يحذف مع فعله وبدونه، وأنا أوفقه على الأولى ولا أوافقه على الثانية، وقد بيّنت من قبلُ أن الفاعل ملازم لفعله لا يفارقه.
ـ في باب المفعول المطلق ذكر أن (حقا) في مثل (هذا هو الرأي حقا) تعرب مفعولا مطلقا مؤكدا لفعله(2)، وفي موضع آخر ذكر أن (حقا) في مثل (هو أبوه حقا) تعرب حالا(3)، وهذا يحدث اضطرابا لدى الدارس؛ لأنه لا يدري أيُّ الرأيين صواب، فيأخذ به؟
ـ ذكر في إشارة سريعة أن نون المضارع في فعل الكينونة (يكون) تحذف أحيانا حين تجزم مثل (لم يك مخلصا)(4)، وكنت أتمنى أن يعرض لشروط حذفها ولو بإيجاز، حتى تتضح الصورة كاملة أمام الدارس.
__________
(1) انظر : الرد على النحاة ص 60 : 61
(2) انظر: تجديد النحو ص 240
(3) انظر: المرجع السابق ص 184
(4) انظر : المرجع نفسه ص 243(1/67)
ـ في حديثه عن الجملة التابعة ذكر أن الجملة تعطف على جملة مثل (زيد يعمل ويتقن عمله)؛ فجملة (يتقن) معطوفة على جملة (يعمل)(1)، وهذا مخالف لرأي سابق له يقول بأن الأفعال يعطف بعضها على بعض مثل (ذاكر محمد واجتهد فتفوق)(2). وهذا الأمر يحدث خلطا واضطرابا لدى الدارس؛ لأن الدارس لا يدري أيُّ رأييه أصوب، ومن وجهة نظري أن الأول هو الأصوب؛ لأن كل فعل يمثل جملة تامة، ولا يوجد فعل بدون فاعله.
خاتمة البحث
يسجل الباحث أهم ما انتهى إليه من نتائج تمثل وجهة نظره، وهي :
ـ التفكير في تجديد النحو يعود إلى أن د/شوقي ضيف قد لاحظ أن جميع البلاد العربية تشكو مر الشكوى من أن الناشئة فيها لا تحسن النحو، بل لا تحسن النطق بالعربية نطقا سليما، ورأى أن مرجع ذلك هو النحو الذي يرهق المتلقي بكثرة أبوابه وأبنيته وصيغه الافتراضية التي لا تجري في الاستعمال اللغوي، وهو مع ذلك يغفل شطرا كبيرا من تصاريف العربية وأدواتها وصياغاتها؛ مما يجعل الناشئة لا تتبين كثيرا من أوضاع اللغة واستعمالاتها الدقيقة.
ـ بدأت الدعوة إلى تجديد النحو وإعادة تصنيفه وتبويبه بشكل جديد عند د/شوقي مع تحقيقه كتاب الرد على النحاة في سنة 1947، وكان المنطلق الفكري لشوقي ضيف هو تأثره برؤية ابن مضاء الرافضة للنحو العربي بصورته المشرقية، واستمرت فكرة التجديد قائمة متطورة حتى استوت على سوقها في 1982 حيث بلورها د/ضيف وأخرجها في كتابه تجديد النحو.
ـ مرّت فكرة التجديد حتى إخراجها بثلاث مراحل: المرحلة الأولى يمثلها مدخل الرد على النحاة في 1947 والمرحلة الثانية يمثلها مشروعه الذي قدّمه للمجمع في الفترة ما بين 1977: 1981 لتيسير النحو، والمرحلة الثالثة هي خلاصة ما سبق منذ 1947 حتى 1982 ويمثلها كتاب (تجديد النحو).
__________
(1) انظر: نفسه ص 261
(2) انظر: نفسه ص 127(1/68)
ـ مدخل كتاب الرد على النحاة يعد تحليلا وافيا لآراء ابن مضاء مع التأييد الكامل من د/ضيف والاستجابة لآرائه الجديدة التي تتمثل في إلغاء بعض الأسس التي قام عليها البناء النحوي بصورته المرفوضة من قِبَل ابن مضاء، وهي: إلغاء نظرية العامل، وإلغاء العلل الثواني والثوالث، وإلغاء القياس وإلغاء التمارين غير العملية. وإيمانا بفكر ابن مضاء وضع د/ضيف تصورا لتصنيف النحو تصنيفا جديدا ييسره، وينقيه من الشوائب التي تعوق دون فهمه، وقد أقامه على ثلاثة أسس:
1ـ تنسيق أبواب النحو تنسيقا يؤدي إلى الاستغناء عن بعض أبوابه بردها إلى أبواب أخرى؛ اعتمادا على مبدأ التجانس بين أبواب النحو.
2ـ إلغاء الإعراب التقديري والإعراب المحلي في الجمل والمفردات المقصورة والمنقوصة والمبنية.
3ـ إهمال الإعراب ما لم يفد شيئا في تصحيح الكلام وسلامة النطق.
وقد خلص د/ضيف إلى هذه الأسس من خلال مبدأين رئيسين دعا إليهما، نتيجة هضمه واستيعابه لفكر ابن مضاء، وهما: الانصراف عن نظرية العامل، ومنع التأويل والتقدير في الصيغ والعبارات. وحاول د/ضيف أن يطبق أسس منهجه الجديد على بعض أبواب النحو في هذا المدخل، وقد وُفّق في كثير منها، وبعضها لم يوفق فيه؛ فلم يطبقه ـ من وجهة نظر الباحث ـ وقد بيّنا ذلك في موضعه.
ـ هذا المدخل يعد اعتراضا من د/ضيف على النحو العربي بصورته المبثوثة في مصادر النحو القديمة منذ سيبويه، كما كان كتاب ابن مضاء ثورة على النحو العربي ونحاة المشرق، وهذا يعود إلى أن د/ضيف نهَج نهْج ابن مضاء واهتدى بآرائه في رفضه للنحو العربي بصورته عند سيبويه ومن تلاه من النحاة.
ـ في مدخله الثاني لكتاب تجديد النحو أضاف د/ضيف ثلاثة أسس أخرى للأسس السالفة الذكر؛ لتصبح ستة أسس لا غنى عنها في التصنيف الجديد للنحو العربي من وجهة نظره، وهي:(1/69)
1ـ تنسيق أبواب النحو تنسيقا يؤدي إلى الاستغناء عن بعض أبوابه بردها إلى أبواب أخرى؛ اعتمادا على مبدأ التجانس بين أبواب النحو.
2ـ إلغاء الإعراب التقديري والإعراب المحلي في الجمل والمفردات المقصورة والمنقوصة والمبنية.
3ـ إهمال الإعراب ما لم يفد شيئا في تصحيح الكلام وسلامة النطق.
4ـ وضع تعريفات وضوابط دقيقة لبعض أبواب النحو.
5ـ حذف زوائد كثيرة من أبواب النحو تُعرض فيه دون حاجة إليها.
6ـ زيادة إضافات ضرورية لبعض الأبواب؛ لتمثّل الصياغة العربية وأوضاعها تمثّلا دقيقا. وقد ترتب عليها:
ـ إلغاء ثمانية عشر بابا من النحو، ودمج أمثلتها في أبواب أخرى إلا قليلا جدا منها رأى حذفها لعدم وجود لها في الواقع اللغوي.
ـ كما ترتب عليها إلغاء الإعراب التقديري والمحلي في الجمل والمفردات المقصورة والمنقوصة والمبنية، وإلغاء متعلق الظرف والجار والمجرور، وإلغاء (أن) مقدرة ناصبة للمضارع بعد أدوات أخرى مثل فاء السببية.
ـ جعل الإعراب لصحة النطق، فما لم يصحح نطقا فلا حاجة إليه؛ ولذا دعا إلى إلغاء إعراب أفعال الاستثناء ولاسيما وأنْ المخففة من الثقيلة وكم الاستفهامية والخبرية وأسماء الشرط.
ـ ترتب على وضع التعريفات الجديدة لبعض الأبواب النحوية إلغاء شروط وقواعد كثيرة للنحاة لإحكام تلك الأبواب. كما دعا د/ضيف إلى حذف كثير من القواعد والشروط التي وضعها النحاة في معظم الأبواب ولا حاجة للدارس بها.
ـ تزويد الكتاب بمجموعة إضافات متنوعة رأى أهميتها لاستكمال منهجه.
ـ قليل مما دعا إليه في مدخل الرد على النحاة تراجع عنه في مدخل تجديد النحو، وفي ذلك حمد له وخير للنحو.
ـ مهما يكن من خلاف مع د/ضيف فإن منهجه بهذا الشكل منهج محمود يحمل تيسيرا للنحو وتجديدا في تبويبه؛ مما يؤكد أن د/شوقي ضيف ذو فكر متعمق ورؤية علمية ثاقبة.(1/70)
ـ فإذا ما وصلنا إلى التطبيق نجد أن المنهج الذي دعا إليه قد طبقه جيدا بشكل عام من حيث التبويب والتصنيف الجديد، وفقا للأسس التي استند إليها في إعادة التصنيف، أما في التحليلات الداخلية للموضوعات فلم يطبق منهجه في كثير مما دعا إليه، فمثلا لم يستطع الخروج من تأثير نظرية العامل في تطبيق منهجه على الرغم من النقد الشديد الذي وجهه لها ودعا إلى إلغائها، كما لم يطبق مبدأ التجانس بين أبواب النحو حتى على الفعل المضارع الذي ساقه مثلا عليه في حديثه عن المنهج. وقد تراجع أثناء التطبيق عن كثير من آرائه في المنهج، فتراجع ـ أو لم يطبق ـ عما أسماه بـ(شبه الجملة)، فلم نجد له أثرا يذكر في التطبيق، كما جاء حديثه عن الذكر والحذف مناقضا لأساس قوي من أسس منهجه وهو منع التأويل والتقدير في الصيغ والعبارات. بل إنه تراجع في مدخل تجديد النحو عن بعض آرائه التي طرحها في مدخل الرد على النحاة. وفي تراجعه خير له وللنحو، على الرغم من أنه يخل بالمنهج إن لم يفسده. ولعل من المصادفة أن معظم اختلاف الباحث معه كان في الآراء التي تراجع عنها في التطبيق؛ ولذا حمدتُ له ذلك.
ـ بصفة عامة وإنصافا للمنهج وصاحبه يمكن القول بأن كتاب تجديد النحو يقدم تصنيفا جديدا محافظا على البناء الأساسي لأبواب النحو العربي، ويسهم بشكل ما في تيسير النحو واستيعابه من قبل الدارسين بجهد محدود، وحسبه أنه خفّض عدد الأبواب النحوية دون حذف، ورفع عن الدارسين إصر الشروط والقواعد التي ملأت كتب النحو والتراكيب والصور النحوية المصطنعة من قبل النحاة دون إخلال بالقواعد الأساسية التي يلزم الدارس معرفتها.(1/71)
ـ مع كل ما سلف من رؤى فإني أرى أن هذا التصنيف الجديد للنحو لم تُؤتَ ثمارُه حتى الآن، فمازال النحو يُدرَس في المدارس والجامعات وفقا لمنهج النحويين القدماء وبخاصة البصريون، وبالتالي فهو لم يسهم في النطق السليم للعربية وفهمها فهما جيدا كما رجا منه صاحبه، ولا أبالغ إذا قلت بأن هذا الكتاب بمنهجه الجديد في النحو لا يعرفه إلا المتخصصون في الدراسات اللغوية العربية، ولعل السبب في ذلك يعود إلى القائمين على نظام التعليم في العالم العربي؛ فأعتقد أنهم غير مؤمنين ولا قانعين بأن المنهج الجديد الذي قدمه د/شوقي ضيف يصلح بديلا لمنهج النحاة القدماء رغم تيسيره المحدود؛ لخروجه عليهم في كثير من الأمر.(1/72)
مراجع البحث
أولا: المصادر:
**********************
ـ د/شوقي ضيف :
ـ تحقيق كتاب الرد على النحاة لابن مضاء . ط/دار المعارف 1982
ـ تجديد النحو . ط/دار المعارف ـ مصر 1982
ـ تيسير النحو التعليمي مع نهج تجديده . دار المعارف 1986
ثانيا: المراجع:
*********************
ـ برجشتراسر :
... ـ التطور النحوي للغة العربية ط/الخانجي مصر 1982
ـ ابن الحاجب :
... ـ الأمالي النحوية. تحقيق هادي حسن حمودة ط1/بيروت 1985
ـ الزمخشري :
... ـ المفصل في علم العربية. ط2/بيروت. بدون تاريخ
ـ ابن السراج :
... ـ الأصول في النحو. تحقيق: عبدالمحسن الفتلي ط3/بيروت 1988
ـ سيبويه:
الكتاب. ت: عبد السلام هارون ط ج1/1977 ج2/1968 ج3/1973
ـ السيوطي :
... ـ همع الهوامع. ت: د/عبد العال سالم مكرم. ط/ الكويت 1975
ـ د/شوقي ضيف :
... ـ تيسيرات لغوية. ط/دار المعارف مصر 1990
ـ د/طه وادي وآخرون:
... ـ شوقي ضيف سيرة وتحية ط/دار المعارف مصر 1992
ـ عباس حسن :
... ـ اللغة والنحو بين القديم والحديث ط 2/دار المعارف 1971
ـ د/مازن المبارك:
... ـ العلة النحوية نشأتها وتطورها ط3/دار الفكر 1981
ـ د/محمد إبراهيم البنا:
... ـ تحقيق كتاب الرد على النحاة لابن مضاء ط أولى 1979
ـ ابن يعيش :
ـ شرح المفصل. ط عالم الكتب بيروت ـ بدون تاريخ
- André Roman :
Grammaire de l'arabe . 1990
- Blachère :
Grammaire de l'arabe classique . Paris 1975
- Emile Benveniste :
Problèmes de linguistique générale V. 1. Gallimard 1996
- Hassan Hamzé :
La position du sujet du verbe dans la pensée des grammairiens arabes . Lyon 1997.
- Fleisch :
... L'arabe classique . Beyrouth 1968
... Traité de philologie arabe . Beyrouth 1961
- John Lyons :
Sémantique et linguistique . Paris 1990(1/73)
الفهرس
تقديم ... 5
منهج شوقي ضيف ... 10
في مدخل كتاب الردّ على النحاة ... 10
أولا: إلغاء نظرية العامل: ... 11
ثانيا: إلغاء العلل الثواني والثوالث: ... 13
ثالثا: إلغاء القياس ... 14
رابعا: إلغاء التمارين غير العملية ... 15
المبدأ الأول: الانصراف عن نظرية العامل: ... 17
المبدأ الثاني: منع التأويل والتقدير في الصيغ والعبارات: ... 25
تعليق : ... 37
منهج شوقي ضيف ... 39
في مدخل كتاب تجديد النحو ... 39
أسس تجديد النحو في الكتاب ... 42
الأساس الأول : إعادة تنسيق أبواب النحو: ... 42
الأساس الثاني إلغاء الإعرابين التقديري والمحلي: ... 47
الأساس الثالث: الإعراب لصحة النطق: ... 48
الأساس الرابع: وضع تعريفات وضوابط دقيقة: ... 51
الأساس الخامس : حذف زوائد كثيرة: ... 52
الأساس السادس : إضافات متنوعة: ... 53
تعليق: ... 54
تطبيق المنهج ... 55
في كتاب تجديد النحو ... 55
خاتمة البحث ... 67
قائمة المصادر والمراجع ... 73(1/74)
المؤلف هو
ـ د/علاء إسماعيل الحمزاوي ـ من مواليد 1967م المنيا ـ مصر.
ـ حصل على درجة الليسانس في الآداب (لغة عربية) 1990 جامعة المنيا (جيد جدا).
ـ حصل على دبلوم الدراسات العليا (تمهيدي الماجستير) 1992 جامعة المنيا (جيد).
ـ حصل على درجة الماجستير في العلوم اللغوية 1995 جامعة المنيا (ممتاز).
ـ حصل على درجة الدكتوراه في العلوم اللغوية 1998 بمرتبة الشرف من جامعة المنيا وجامعة لوميير (كلية اللغات والترجمة) بفرنسا.
ـ يعمل أستاذا مساعدا للعلوم اللغوية بجامعة المنيا وبجامعة القصيم (إعارة).
له من الدرسات والبحوث
ـ قراءة عاصم برواية حفص دراسة صرفية نحوية.
ـ التعبير الاصطلاحي في الأمثال العربية دراسة تركيبية دلالية.
ـ الأفعال اللاشخصية في القرآن الكريم تحليل تركيبي دلالي في ضوء علم اللغة التقابلي.
ـ الجملة الدنيا والجملة الموسعة في كتاب سيبويه دراسة وصفية تحليلية.
ـ السلب مفهومه ومظاهره في العربية دراسة تطبيقية على "شجرة البؤس".
ـ البنى التركيبية للأمثال العامية دراسة وصفية تحليلية.
ـ الأمثال العربية والعامية مقارنة دلالية.
ـ موقف شوقي ضيف من الدرس النحوي دراسة في المنهج والتطبيق.
ـ دور اللهجة في التقعيد النحوي دراسة إحصائية تحليلية في ضوء "همع" السيوطي.
ـ معايير الوقف والابتداء عند الأشموني في ضوء الاقتضاء الدلالي والصناعة النحوية.
ـ نحو العربية (رؤية جديدة للنحو العربي) لـ(أندريه رومان) ـ ترجمة عن الفرنسية.(1/75)