مختصر قواعد الإعراب
أهمية علم اللغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على هذا النبي الكريم، ونسألك اللهم أن ترضى عن الصحابة والتابعين، وأن تعمنا معهم بمغفرتك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد:
فإن علم اللغة علم له أهمية كبرى وصلة عظمى بكتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى جانب كبير من هذا العلم يقوم فهم النص واستنباط الحكم.
فإن علم اللغة -وأعني به علم النحو- يعصم اللسان من الخطأ في كتاب الله تعالى، ويعصم اللسان من الخطأ في لغة التخاطب، ويعصم اللسان من الخطأ في لغة الكتابة، أضف إلى هذا ما قلت لك أولا إنه ينبني عليه فهم النص واستنباط الحكم؛ ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في كتابه القيم "اقتضاء الصراط المستقيم"، ذكر أن اللغة العربية من الدين، وأن تعلمها فرض؛ لأن فهم نصوص الكتاب والسنة فرض، ولا يتم إلا باللغة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ثم ذكر أن من اللغة ما تعلُّمه فرض عين، ومنها ما تعلمه فرض كفاية، ولعلكم على علم بما يذكره الأصوليون في أبواب الاجتهاد عندما يذكرون أن من شروط المجتهد أن يكون عالما بالنحو.(1/1)
لكن مع هذا، ومما يؤسف عليه -وأقول: "عليه"؛ لأن هذا هو الصواب، أما قولهم: يؤسف له، هذا خطأ، قال -تعالى- في سورة يوسف: { يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ } (1) - مما يؤسف عليه أن كثيرا من الطلاب زهدوا في هذا العلم ورغبوا عنه، وصارت دراستهم له قائمة على حفظ القواعد وترديدها، مهملين الجانب المهم وأعني به الجانب التطبيقي والجانب الإعرابي؛ ولهذا صار الضعف في النحو ظاهرة بادية على كثير من الطلاب، حتى ممن تخرجوا من الجامعة.
ولا بد لطالب العلم من النحو شاء أم أبى، لكن في رأيي أن طالب النحو لا بد له من أمرين أساسيين لأجل أن يستفيد ويتقن هذه المادة:
الأمر الأول: العناية بالجانب التطبيقي والجانب الإعرابي؛ فالإعراب أمر لا بد منه؛ ولهذا من يعرف يعرب يعرف النحو، فأنت لا بد أن تعنى بموضوع الإعراب، والإعراب يحتاج منك إلى ضبط قواعد النحو من جهة وإلى كثرة الإعراب من جهة أخرى، وهناك كلمة يرددونها يقولون: كثرة المران -يعني التمرن- يحيل العاجز ذا قدرة، وانظر للطفل أول ما يقوم وأول ما يمشي.
الجانب الثاني أو الأمر الثاني لمن أراد دراسة النحو: العناية بالضوابط النحوية، يا أخواني الضوابط النحوية مهمة جدا، في النحو قواعد ثابتة لا تتغير، هذه القواعد لا بد أن تستفيدها ممن يدرسك النحو؛ لأن هذه الضوابط إما أن تكون وليدة فهم مدرسك، ولو فتشت في كتب النحو ما وجدت هذا الضابط الذي أعطاك إياه، وقد تكون أو يكون هذا الضابط موجودا في كتب النحو، ولكن يصعب وصولك إليه، أو تصل إليه ولكن لا تستطيع صياغته ولا فهمه.
فأنا أوصيكم بالعناية بهذين الأمرين والاستفادة مما يقال لكم في درس النحو، سواء في هذه الدورة أو في غيرها، والنحو لمن يعرفه سهل ولذيذ أيضا، ومن لا يعرفه ثقيل وصعب، وليس أمام الإنسان الذي شرفه الله -تعالى- بالعقل والعلم شيء صعب، ولا سيما علم اللغة.
__________
(1) - سورة يوسف آية : 84.(1/2)
وقد أحسن القائمون على هذه الدورة -جزاهم الله خير الجزاء- عندما قرروا -من تلقاء أنفسهم ابتداء- تقرير شرح هذه النبذة المختصرة التي ألفها عالم جليل ضرب في علم النحو بسهم وافر، وهو ابن هشام النحوي، والكتاب الذي معكم كتب عليه عن طريق الخطأ: "مُلحة الإعراب"، وما هو بملحة الإعراب، إنما هو مختصر قواعد الإعراب لابن هشام كما هو معلن عنه.
هذه الرسالة يبدوا أن ابن هشام ما وضع لها عنوانا؛ لأن المخطوطة... الكتاب هذا له مخطوطتان محفوظتان في المكتبة الظاهرية بدمشق، واستفدنا من هاتين المخطوطتين في تصحيح بعض الأخطاء الموجودة في المطبوعة، أما المطبوعة هذه فأنا لم أرها إلا الآن، ولا أدري هل فيها أخطاء أو لا، ولكن تصححون ما تسمعون مني؛ لأن النسخة التي معي هي نسخة مطبوعة ولكني قابلتها على النسختين المخطوطتين.
ومن حسن الحظ أن هذه الرسالة قصيرة جدا، حيث تقع في ثلاث ورقات تقريبا، وهذه عادتي أنني أحب أن أشرح متنا في خلال ستة أيام فقط، فأنا -إن شاء الله تعالى ومنه أستمد العون والتوفيق لي ولكم- سنشرح هذه الرسالة الصغيرة وفي نيتي أن أتوج كل درس بثلاث فوائد، ويكون المجموع في خلال ستة أيام حوالي ثماني عشرة فائدة، هذه الفوائد ما هي يعني ليس لها ضابط معين ولكنك تستفيد منها؛ لأنها إما ضبط قاعدة أو إشكال في آية أو غير ذلك مما سيمرّ -إن شاء الله تعالى-
مقدمة المؤلف
ونبدأ الآن بعون الله تعالى، فيقول المؤلف: بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي هذه نكتة يسيرة اختصرتها من: (قواعد الإعراب) تسهيلا على الطلاب، وتقريبا على أولي الألباب، وتنحصر في ثلاثة أبواب
المؤلف ما بدأ الكتاب بالحمدلة ولا بالصلاة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويبدو أنه ترك ذلك اختصارا، وإن كان هذا لا يؤثر على الاختصار، يقول:(1/3)
" هذه نكتة يسيرة " النكتة معناها المسألة العلمية الدقيقة التي تحتاج إلى فكر وإمعان، هذا معنى النكتة، إذا قال العالم هذه نكتة أو هذه نكت، ولعل بعضكم أو أكثركم أو كلكم يعرف كتاب ابن حجر (النكت على ابن الصلاح) اربطوا هذا بهذا، ( النكت على ابن الصلاح )، يعني جمع نكتة وهي المسألة العلمية الدقيقة التي تحتاج إلى تفكير.
وقوله رحمه الله: اختصرتها من قواعد الإعراب ابن هشام له كتاب اسمه (الإعراب عن قواعد الإعراب)، وهذا الكتاب كتاب مطبوع، وهو كتاب قيم لا يستغني عنه طالب العلم، جمع فيه ابن هشام مسائل جيدة من مسائل النحو لا توجد في كتاب آخر على هذا النسق، لا توجد في أي كتاب آخر على هذا النسق؛ ولهذا خدم العلماء هذا الكتاب (الإعراب عن قواعد الإعراب) وشرحوه، ومن شروحه مطبوعة: (مُوصِل الطلاب إلى قواعد الإعراب )، موصل بالصاد واللام (موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب)، هذا للشيخ خالد الأزهري المتوفى في أول القرن العاشر.
يقول: تسهيلا على الطلاب، وتقريبا على أولي الألباب، وتنحصر في ثلاثة أبواب يعني أن رسالتنا هذه في ثلاثة أبواب، وتبحث في ثلاث موضوعات:
الموضوع الأول في الجملة، بحث في الجملة، والموضوع الثاني: بحث في الجار والمجرور والظرف، والموضوع الثالث: في مجموعة من الأدوات يكثر دورانها في الكلام، فأراد ابن هشام أن يعطيك ضابطا لها حيث ما وجدتها تعربها بهذا الإعراب، وعددها خمس وعشرون أداة، هذا مجمل الكتاب الذي معنا.
الباب الأول
تعريف الجملة
الباب الأول: الجملة
سنسلط الأضواء تسليطا لا بأس به على الجملة، أولا: ما هي الجملة؟ لك أن تعرِّف الجملة بتعريفين، إن شئت تعريفا مختصرا موجزا، وإن شئت أن تعرِّفها تعريفا مبسطا موضحا، أنت بالخيار، فلك أن تقول: الجملة: "ما تكونت من مسند ومسند إليه"، فإذا قلت مثلا: أخوك أو جاء أخوك، فجاء مسند، وأخوك مسند إليه، إذن هذه جملة؛ لأنه وجد فيها مسند ومسند إليه.(1/4)
لك أن تعرّفها بتعريف أوضح فتقول: الجملة: "ما تكونت من فعل وفاعل، أو من مبتدأ وخبر، أو ما يُنزَّل منزلتهما"؛ فإذا قلت: حضر أخوك هذه جملة؛ لأنها تكونت من فعل وهو حضر، وأخوك وهو الفاعل، أو من مبتدأ وخبر، لو قلت مثلا: أخوك حاضر، أو ما يُنزَّل منزلتهما، المراد بذلك الفعل المبني للمجهول مع نائب الفاعل، مثل لو قيل: كُتب الدرس، أو اسم الفاعل مع مرفوعه إذا كان مبتدأ، مثل أقائم أخوك؛ لأن أقائم أخوك هل هي فعل وفاعل ؟ ما هي فعل وفاعل، هل هي مبتدأ وخبر؟ ما هي مبتدأ وخبر، إذن ينطبق عليها قولنا: أو ما ينزل منزلته؛ لأن قائم مبتدأ، أقائمٌ قائم مبتدأ وزيد فاعل سد مسد الخبر.
هذا هو معنى الجملة، ومن خلال هذا العرض يتبين أن الجملة نوعان -كما ذكر المؤلف-: إما جملة اسمية وهي ما بُدئت باسم، أو جملة فعلية وهي ما بُدئت بفعل، هذا واضح.
مما تتكون الجملة
وفيها أربع مسائل، المسألة الأولى: أن اللفظ المفيد يسمى كلاما وجملة
اللفظ المفيد يسمى كلاما ويسمى جملة، إذا قلت: جاء محمد هذا لفظ، ومعنى لفظ يعني صوت، ومعنى صوت يعني أنه مكون من حروف، مفيد، حصل إفادة لما قلت لك: حضر أخوك أو جاء أخوك، إذن يسمى كلاما ويسمى جملة، لماذا يسمى كلاما؟ لأنه أفاد؛ لأن الشرط الأساسي في اللغة بالنسبة للكلام هو الإفادة، ويسمى جملة لأنه تكون من مسند ومسند إليه.
لكن ظاهر كلام ابن هشام أن الكلام والجملة بمعنى واحد؛ لأنه قال: يسمى كلاما ويسمى جملة، وهذا رأي لبعض النحويين، يقول الكلام والجملة بمعنى واحد، إما تسميها جملة أو تسميها كلاما، واحدٌ، هذا رأي لبعض النحويين، وهو الزمخشري ذكره في كتابه المفصل، لكن الصواب خلاف ذلك، وأن الجملة غير الكلام، الجملة غير الكلام.(1/5)
فإذا قلت: جاء أخوك هذا كلام؟ نعم؛ لأنه أفاد، وجملة لأنه مركب من مسند ومسند إليه، طيب لو قلت: إن قام زيد قام عمرو، إيش رأيك في جملة "قام زيد" بنفس التركيب، إن قام زيد، جملة؟ جملة؛ لأنه مكون من مسند ومسند إليه، لكن هل هي كلام؟ ليست بكلام، لماذا؟ لأنها لم تفد، لو قلت لإنسان إن قام زيد وسكت، ما استفاد.
إذن دل على أن كل كلام جملة وليس كل جملة كلاما، خذوا هذه القاعدة كل كلام فهو جملة لازم، لكن هل كل جملة تكون كلاما؟ متى تكون الجملة كلاما، ومتى لا تكون كلاما؟ إذا أفادت الجملة فهي كلام، وإذا ما أفادت ما هي كلام؛ ولهذا ابن هشام إيش قال؟ هل عندكم في الكتاب قال: اللفظ المفيد يسمى كلاما ويسمى جملة اللفظ غير المفيد يسمى جملة ولا يسمى كلاما، هذا معنى كلامه.
ثم ذكر بعد هذا: أن الجملة تسمى اسمية إن بُدئت باسم، نحو: زيد قائم، وفعلية إن بُدئت بفعل، نحو: قام زيد والأمر واضح.
تقسيم الجملة إلى صغرى وكبرى
انتقل إلى تقسيم آخر للجملة وهو، أن الجملة قسمان: صغرى وكبرى، يقول الصغرى إن بنيت على غيرها
طيب نجيب المثال، لو قلنا: (الإسلام آدابه عالية)، الإعراب: الإسلام: مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة الرفع الضمة الظاهرة على آخره، آدابه: مبتدأ ثانٍ، عالية خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول، طيب، (الإسلام آدابه عالية) عندنا جملتان الآن في هذا التركيب:
الجملة الأولى يسميها النحويون الجملة الصغرى، وهي جملة آدابه عالية، ما قلنا إن آدابه مبتدأ ثان وعالية خبر المبتدأ الثاني؟ إذن عندي مبتدأ وخبر الآن هذه جملة صغرى، لماذا صغرى؟ لأنها وقعت خبرا عن مبتدأ الذي هو الإسلام؛ ولهذا كنت أتمنى أن ابن هشام قال في تعريف الجملة الصغرى -بدل ما قال هي التي بنيت على غيرها- كنت أتمنى أنه قال: هي المخبر بها عن مبتدأ.(1/6)
وعلى هذا نأخذ قاعدة: إذا جاء خبر المبتدأ جملة فهي جملة صغرى، وخبر المبتدأ كما يجيء مفردا مثل نقول: زيد قائم، يجيء جملة أيضا، إذا جاء جملة فالجملة هذه تسمى جملة صغرى، مع المبتدأ اللي هي جاءت خبرا له تكون جملة كبرى؛ ولهذا لو كان عندنا وسيلة الإيضاح لوضعنا على جملة الإسلام آدابه عالية خط، دائرة، هذه الجملة الكبرى، ثم جئنا لآدابه عالية ووضعنا عليها دائرة داخلية، هذه جملة صغرى؛ ولهذا الجملة الصغرى تكون داخل جملة كبرى، إذن ما هي الجملة الصغرى؟ هي التي أخبر بها عن مبتدأ، واضح ؟
ما هي الجملة الكبرى؟ هي المبتدأ الذي أخبر عنه بجملة، يعني أقرِّب لكم أكثر، إذا أردت أن تعرف الجملة الصغرى تنظر للخبر أو المبتدأ؟ الخبر، وإذا أردت أن تنظر للجملة للكبرى انظر إلى المبتدأ، طيب، الجملة الصغرى هي المبتدأ الذي أخبر عنه بجملة، والجملة الكبرى هي الجملة التي أخبر بها الصغرى، هي الجملة التي أخبر بها عن مبتدأ.
الجملة الصغرى قد تكون اسمية، مثل ما مثلت لكم: الإسلام رايته عالية، وقد تكون جملة فعلية، مثل لو قلت: الإسلام سمت تعاليمه، مثلا أو علت أحكامه أو استقامت تشريعاته، جملة فعلية، طيب إذا كان المبتدأ خبره جملة اسمية فخذ قاعدة: أنه لا بد أن يكون في الجملة أكثر من مبتدأ، هذه قاعدة، إذا كان المبتدأ خبره جملة اسمية لا بد يكون بالجملة كلها أكثر من مبتدأ، قد يكون فيها مبتدأين وقد يكون فيها أكثر من مبتدأين.(1/7)
مثاله أكثر من مبتدأين: قول الله -تعالى- في سورة الكهف: { لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي } (1) هذه الجملة ذكر أهل العلم أن أصل الجملة: لكن أنا هو الله ربي، هذا أصلها، ذكر ذلك مكي في "الكشف عن القراءات السبعة" غيره: لكن أنا هو الله ربي، لكن حصل حذف للهمزة -همزة أنا- ثم أدغمت النون في نون لكن، فصارت (لكنّا)، طيب لو قيل لك أعرب (لكن أنا هو الله ربي ) (أنا) مبتدأ أول، (هو) مبتدأ ثانٍ، (الله ) مبتدأ ثالث، (ربي ) خبر المبتدأ الثالث، (الله ربي) جملة مستقلة، هذه الجملة من المبتدأ الثالث وخبره خبر المبتدأ الثاني (هو الله ربي ) كلام تام، كدا ولّا لا؟ المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول اللي هو (أنا )، هذا هو إعراب الآية، إذا مرت عليك في القرآن قف عندها وأعربها، ستستفيد إن شاء الله من الإعراب إذا أنك مشيت على الطريقة هذه.
طيب انتهينا الآن من تقسيم الجملة إلى جملة صغرى، قال: وصغرى إن بنيت على غيرها عطيتكم تعريفا آخر، قلنا الصغرى هي المخبر بها عن المبتدأ كـ(قام أبوه) من قولك: (زيد قام أبوه) زيد مبتدأ وجملة قام أبوه خبر، وكبرى إن كان في ضمنها جملة يعني الجملة الكبرى هي التي خبرها جملة، أو قل هو المبتدأ الذي خبره جملة، هذه تصير جملة كبرى، كمجموع زيد قام أبوه.
تقسيم الجملة من حيث الإعراب
طيب المسألة الثانية وهي المهمة، قال: في الجمل التي لها محل من الإعراب
يقسم النحويون الجمل من حيث الإعراب إلى قسمين:
القسم الأول: جمل لها محل من الإعراب.
والثاني: جمل ليس لها محل من الإعراب.
وقبل أن ندخل في أخذ الجمل اللي لها محل لها من الإعراب، وهي درس الليلة، وغدا -إن شاء الله- يأتي القسم الثاني وهو الجمل التي ليس لها محل من الإعراب، وهذه سبع وهذه سبع على ما ذكر ابن هشام، والمجموع أربع عشرة جملة.
__________
(1) - سورة الكهف آية : 38.(1/8)
هذه الجمل يا أخوان بقسميها لها ضابط يحددها، الضابط هو إن كانت الجملة واقعة موقع مفرد فلها محل من الإعراب، إن كانت الجملة حالة محل مفرد، واقعة موقع مفرد، فلها محل من الإعراب، وإذا كانت الجملة ما وقعت موقع مفرد فليس لها محل من الإعراب، هذا هو الضابط.
مرة أخيرة، الضابط هو: إن كانت الجملة واقعة موقع مفرد فلها محل من الإعراب نعم، ما محلها؟ محلها محل المفرد اللي وقعت موقعه، لو ترفع الجملة وتجيب بدال الجملة؛ إعراب الجملة هو إعراب المفرد، ما يتغير، أما إذا كانت الجملة ما وقعت موقع مفرد، ولو رفعتها ووضعت بدالها مفرد ما أمكن، هذه ما محل لها من الإعراب؛ لأنه كيف يكون لها محل من الإعراب وهي ما وقعت موقع مفرد؟ ولعله بالعرض يتبين هذا الضابط.
أنواع الجمل التي لها محل من الإعراب
والجمل التي لها محل من الإعراب سبع: إحداها: الواقعة خبرا، وموضعها رفع في بابي المبتدأ وإنّ، نحو: زيد قام أبوه، وإنّ زيدا أبوه قائم، ونصب في بابي كان وكاد، نحو كان زيد أبوه قائم وكاد زيد يفعل، الجملة الواقعة حالا، الجملة الواقعة مفعولا، الجملة المضافة.
الجملة الأولى التي لها محل من الإعراب هي الجملة الخبرية، لماذا كانت الجملة الخبرية لها محل؟ لأنها وقعت موقع الخبر، والأصل في الخبر أن يكون مفردا، فإذا قلت مثال ابن هشام: زيد أبوه قائم، أنت أعرب؟
ما إعراب أبو؟ إعرابه يعني موقعه من الإعراب، رفع نصب، مرفوع بماذا؟ لا لا، زيد أبوه قائم. زيد مبتدأ.
- وأبو مبتدأ بعده، وقائم خبر.
- ما أعربت أبوه إلى الآن.
- أبوه مبتدأ ثاني مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الخمسة. -
نعم من الأسماء الخمسة، طيب وهو مضاف.. -
والهاء مضاف إليه.
- طيب وقائم؟
- قائم خبر للمبتدأ الثاني.
- أي نعم والجملة؟ -
والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الأول.(1/9)
- نعم إذن لها محل من الإعراب لأنها خبرية، لو رفعت الجملة الخبرية هذه وأتيت بمفرد، وقلت: زيد قائم أبوه، وين الخبر؟
- قائم أبوه. -
قائم أبوه؟ لا، غلط، الخبر قائم فقط، (زيد) مبتدأ و(قائم) خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة، أبوه فاعل لاسم الفاعل، إذن الخبر هنا أيش نوعه؟ مفرد، فالجملة الأولى لها محل من الإعراب لأنه وقعت موقع المفرد، أيش محلها الجملة هنا؟ في محل رفع؛ لأنها خبر عن مبتدأ، طيب فيه جملة ثانية في محل رفع؟ خبرية في محل رفع غير جملة خبر المبتدأ؟ اللي عندك في الكتاب، خبر (إن): إن زيدا أبوه قائم، أيش إعراب ( إن )؟
اللي دارج على اللسان يقول: (إن ) حرف توكيد ونصب، وهذا غلط، كيف تقول حرف توكيد ونصب؟ طيب والخبر ما عملت فيه؟ هي عاملة بالاسم وعاملة بالخبر، إذن الإعراب الجيد أن تقول: إن حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر، أو تقول حرف توكيد مشبّه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر، زيدا اسمها ( أبوه ) مبتدأ ( قائم ) خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر خبر (إن).
طيب، متى تكون الجملة الخبرية في موضع رفع؟ أنت يا أخي أنت لو سمحت، لا اللي جنبك: متى تكون الجملة الخبرية في موضع رفع؟ بنسألكم، خليكم كدا بس نحركم شوية، أه ما في مانع... هه متى تكون الجملة الخبرية في موضع رفع؟
- إذا كانت خبرا لمبتدأ.
أحسنت! إذا كانت خبرا لمبتدأ، أو خبرا لـ(إن)، أحسنت! طيب، متى تكون الجملة الخبرية في موضع نصب ؟ في موضعين: إذا كانت خبرا لكان، مثل: (كان زيد أبوه قائم)، أو خبرا لكاد، إيش مثال المؤلف: (كاد زيد يفعل)، فجملة يفعل، كاد فعل ماضٍ من أفعال المقاربة يرفع الاسم وينصب الخبر، (زيد) اسم كاد، (يفعلُ) فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره (هو) يعود على زيد، والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب خبر كاد.(1/10)
النوع الثاني من الجمل التي لها محل: الجملة الواقعة حالا: جملة الحال في محل نصب؛ لأن أصل الحال لا تكون إلا منصوبة، فإذا قلت: (جاء خالد يضحك)، فعندي جملة يضحك لها محل من الإعراب؛ لأن لو رفعتها وضعت بدلها المفرد وقلت: جاء زيد أو (جاء خالد ضاحكا)، استقام الكلام، فتكون جملة يضحك من الفعل والفاعل في محل نصب حال.
مثلها قول الله -تعالى-: { وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) } (1) (يبكون) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون لأنه من الأمثلة الخمسة، وواو الجماعة فاعل، والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب حال من واو الجماعة في قوله: (جاءوا)، ومنه أيضا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد " الواو واو الحال، (هو) مبتدأ، (ساجد) خبر، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال، حال من (العبد) "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد".
جملة الحال، وجملة الخبر لا بد فيهما من شرط أساسي، وهو أن يشتملا على رابط، جملة الخبر رابط يربطها بالمبتدأ، وجملة الحال رابط يربطها بصاحب الحال، والبحث في الرابط مدون في باب المبتدأ والخبر بالنسبة للخبرية وفي باب الحال بالنسبة للحالية.
النوع الثالث: الجملة الواقعة مفعولا: ينبغي لطالب العلم أن يعرف متى تكون الجملة مفعولا به؛ لأن الأصل في المفعول به أن يكون مفردا، هذا هو الأصل تقول مثلا: كتب خالد الدرسَ، مفعول به منصوب، لكن الجملة تأتي مفعولا به، والجملة تأتي مفعولا به في أربعة مواضع، وقد وُجدت هذه المواضع الأربعة على إحدى النسختين المخطوطتين لهذه الرسالة.
__________
(1) - سورة يوسف آية : 16.(1/11)
الجملة الأولى: الواقعة بعد القول، كقول الله -تعالى-: { قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ } (1) ( قال ) فعل ماضٍ مبني على الفتح، (إني) إن حرف توكيد مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر، وياء المتكلم ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم إن، و(عبد) خبر إن مرفوع ومضاف، ولفظ (الله) مضاف إليه، والجملة من (إن ) واسمها وخبرها في محل نصب مفعول (قال)، وإن شئت قلت في محل نصب مقول القول، مقول القول والمفعول بمعنى واحد.
وعلى هذا خذ قاعدة: إذا جاء الفعل (قال) فالجملة التي بعده تكون في محل نصب مفعول به.
الجملة الثانية التالية للمفعول الأول في باب ظن، مثل: ظننت زيدا يعرف النحو، أعرب، من يعرب؟ - (ظن) فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، والتاء ضمير مبني على الضم في محل رفع فاعل، (زيدا) مفعول أول للفعل ظن، (يعرف) فعل مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو، (النحو) مفعول به، وجملة (يعرف النحو) مفعول ثانٍ للفعل ظن. -
أحسنت جميل إذن (زيدا) هذا مفعول أول لظن؛ لأنها تنصب مفعولين، وجملة (يعرف النحو) من الفعل والفاعل المستتر والمفعول في محل نصب مفعول ثانٍ؛ لأن ظن تنصب مفعولين، فصار المفعول الثاني هنا جملة؛ ولهذا يقولون: النوع الثاني الجملة التالية للمفعول الأول بعد ظن، أو في باب ظن.
طيب، النوع الثالث: الجملة التالية للمفعول الثاني في باب أعلم، تقول أعلمت زيدا عمروا أبوه قائم، (أعلمت) فعل وفاعل، (زيدا) مفعول أول، و(عمروا) مفعول ثان، (أبوه) مبتدأ، (وقائم) خبر، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول ثالث.
__________
(1) - سورة مريم آية : 30.(1/12)
النوع الرابع من الجمل التي تقع مفعولا به، الجملة الواقعة بعد فعل معلق عن العمل، كما في قول الله -تعالى-: { لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) } (1) قد يطول الكلام هنا، لكن بما أننا ذكرناه تتميما فنشير إليه، الفعل (علم) هنا أصله ينصب مفعولين، لكن هنا لن ينصب مفعولين بسبب اللام في قوله: (لنعلم)؛ فاللام معلقة للفعل عن العمل في اللفظ لا في المحل؛ ولهذا ما عندنا مفعول أول هنا لعلم، ولا في مفعول ثاني لعلم، في جملة واحدة سدت مسد المفعولين، فالفعل (نعلم) هنا يسمى عند النحويين معلقا عن العمل، يعني ممنوع من العمل، في اللفظ لكن في المحل له عمل؛ ولهذا نقول (أي) مبتدأ، (الحزبين) مضاف إليه، (أحصى) خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب سدت مسد مفعولي علم، هذه مواضع أربعة تكون الجملة فيها مفعولا به.
الجملة الرابعة من الجمل التي لها محل من الأعراب: هي الجملة المضافة: المضاف إليها، ومحلها الجر، الجملة اللي محلها الجر لها ضابط عند النحويين، كل جملة وقعت بعد إذ أو إذا أو حيث أو بينما أو يوم، فهي في محل جر، شوف كيف قواعد النحو؟ اضبط القاعدة تعرف، يعني: إذا جاءت (إذا) وبعدها جملة تعرب الجملة أنها في محل جر، أو بعد يوم أو بعد حيث.
__________
(1) - سورة الكهف آية : 12.(1/13)
طيب، نشتغل بالأمثلة اللي ذكرها ابن هشام، المثال الأول: قول الله -تعالى-: { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ } (1) أيش إعراب (يوم)؟ ( يوم ) بدل من ( يوم) الذي قبلها، وهو قول الله -تعالى- في سورة غافر: { لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ } (2). إذن (يوم) بدل من (يوم) التي قبلها، وبدل المنصوب منصوب وعلامة نصبه الفاتحة، (هم) مبتدأ، (بارزون) خبر مرفوع بالواو؛ لأنه جمع مذكر سالم، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جر بإضافة (يوم) إليها. أيش معنى بإضافة ( يوم ) إليها؟ يعني كأنك قلت يوم مضاف وجملة (هم بارزون) مضاف إليه، ولتعرف القاعدة في النحو أن المضاف إليه ما حكمه؟ الجر، المضاف إليه مجرور دائما، فهذه جملة لها محل من الإعراب وهو الجر.
الجملة الثانية التي مثل بها ابن هشام: { يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ } (3) وكان الأولى أنه يأتي باسم الإشارة هذا، حتى ما يخطئ أحد في القراءة؛ لأن يوم خبر المبتدأ، هذا مبتدأ ويوم خبر، الآية في آخر سورة المائدة: { قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ } (4) طيب (هذا يوم) أيش محلها من الإعراب؟ -
مقول القول. -
صحيح لأنها حالا يا أخوان وين أنتم رحتم عنا؟ نقول: الإجابة في محل نصب مقول القول؛ لأنه أعطيناكم قاعدة أن ما بعد قال أو يقول أيش تكون الجملة؟ في محل نصب، ماذا قال الله؟ (هذا يوم) إذن في محل نصب مفعول به، أو في محل نصب مقول القول، طيب (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) جملة (ينفع الصادقين صدقهم) ينفع فعل مضارع، والصادقين مفعول مقدم منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم، وصدقهم فاعل مؤخر، والجملة في محل جر بإضافة يوم إليها، هذه الجملة الرابعة.
الجملة الواقعة جوابا لشرط جازم
__________
(1) - سورة غافر آية : 16.
(2) - سورة غافر آية : 15-16.
(3) - سورة المائدة آية : 119.
(4) - سورة المائدة آية : 119.(1/14)
الخامسة: الجملة الواقعة جوابا لشرط جازم بشرط أن تكون مقرونة إما بالفاء أو بإذا الفجائية
مثال ابن هشام: { مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ } (1) (من) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول يضلل، و(يضلل) فعل مضارع مجزوم بالسكون وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين، (من يضلل الله) و(الله) فاعل مرفوع بالضمة، (فلا) الفاء واقعة في جواب الشرط، ولا نافية للجنس، (هادي) اسم لا مبني على الفتح في محل نصب، (له) جار ومجرور خبر (لا)، والجملة في محل جزم جواب الشرط، وقد تحقق الشرط وهو أنها اقترنت بالفاء، واقتران جواب الشرط بالفاء هذا له مواضع ذكرها النحويون في كلامهم على الشرط.
أما النوع الثاني فهو إذا الفجائية، أولا إذا الفجائية سميت بالفجائية لأنها تدل عل المفاجأة والمباغتة؛ ولهذا مثال النحويين يقولون: خرجت فإذا السبع، يعني طالع من عند الباب، إذا السبع فيه مفاجأة هنا، فيه مباغتة، يسمونها إذا الفجائية، إذا الفجائية يا أخوان أولا أنها مختصة بالجمل الاسمية، انتبهوا لهذا، ما لها علاقة بالجمل الفعلية، الأمر الثاني أن الراجح في إعرابها أنها حرف، وكلمة حرف تريح دائما، هذه حرف يعني ماله محل من الإعراب، انتهى أمره، وهذا هو رأي ابن مالك كما ذكره ابن هشام في مغني اللبيب، أن إذا الفجائية حرف دال على المفاجأة لا محل له من الإعراب.
فالآية التي مثل بها المؤلف، وهي قوله -تعالى-: { وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) } (2) (إذا) فجائية، حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وهم مبتدأ، وجملة (يقنطون) خبر، الجملة فعلية، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط، وين الشرط؟ (إن ) و(إن) هذه أداة شرط، (تصبهم) هذا فعل الشرط.
__________
(1) - سورة الأعراف آية : 186.
(2) - سورة الروم آية : 36.(1/15)
وعلى هذا نقول إذا جاء جواب الشرط -يعني- إذا كان الشرط جازما من أدوات الشرط الجازمة، مقترنا بإذا أو بالفاء فإن جواب الشرط يكون في محل جزم، وتكون الجملة دي من ضمن الجمل التي لها محل من الإعراب.
الجملة التابعة لمفرد
الجملة السادسة: التابعة لمفرد
التابعة لمفرد يعني التي تقع صفة لمفرد، يعني الجملة التي تقع نعتا لمفرد، وإنما قال لمفرد لأن الجملة ما تكون صفة إلا للمفرد، لا بد أن يكون الموصوف مفردا، والأصل في النعت أن يكون مفردا، لكن قد يكون النعت جملة.
والفرق بين جملة النعت يا أخواني وجملة الحال -وهذا ينفع الطالب دائما- إن كان اللي قبل الجملة معرفة فهي حال، وإن كان الذي قبل الجملة نكرة فهي صفة، وأظن أن ابن هشام سيشير إلى هذه القاعدة، فإذا قلت: (جاء خالد يضحك)، أيش إعراب جملة (يضحك)؟ حال، لكن لو قلت: (جاء طالب يضحك) تكون صفة، إذن جملة (يضحك) لها محل من الإعراب، لماذا؟ لأنها تابعة لمفرد، طب أيش معنى تابعة لمفرد؟ يعني صفة لمفرد.
طيب لو أنك أردت ترفع الجملة -الضابط الذي أعطيته لك أولا للتفريق بين الجمل التي لها محل والتي ما لها محل- وأردت أن تضع بدل الجملة مفردا، أيش تقول؟ جاء رجل ضاحكٌ، ورأيت رجلا ضاحكا، ومررت برجل ضاحك.
طيب، أيش موقع جملة الصفة؟ أيش محلها من الإعراب؟ على حسب الموصوف (جاء رجل يضحك) رفع، (رأيت رجلا يضحك) نصب، (مررت برجل يضحك) في محل جر، إذن تكون في محل رفع ونصب وجر، وقد تأتي الجملة التابعة للمفرد غير جملة الصفة لكن ما أريد أن أطول عليكم وأكثر من التفريعات.
الجملة التابعة لجملة لها محل من الإعراب
الجملة الأخيرة السابعة التي لها محل من الإعراب: هي الجملة التابعة لجملة لها محل من الإعراب(1/16)
وهذا أكثر ما يكون بالعطف، إذا جاءت جملة لها محل وعطفت عليها جملة ثانية، أيش تصير الجملة المعطوفة؟ تصير لها محل من الإعراب، كد ولّا لا؟ لو قلتم مثالنا السابق: (جاء رجل يضحك ويجري)، (يضحك) لها محل لأنها صفة، و(يجري) لها محل لأنها تابعة لجملة لها محل.
إذن هذه الجملة الأخيرة ما هي جملة جديدة، ما فيها شيء جديد؛ لأنها أصلها يمكن أن نتصورها على الجمل السابقة، يمكن أن نتصورها في جميع الجمل السابقة، لو قلت زيد يكتب ويقرأ، أيش موقع جملة يكتب؟ خبر أم لا؟ خبر، ويقرأ معطوفة لها محل؟ لها محل، لو قلت: جاء زيد يضحك ويجري، يضحك حال، ويجري لها محل؛ لأنه معطوفة على جملة لها محل.
وأرجو أن تكونوا قد استفدتم من الجمل التي لها محل من الإعراب، وأرجو منكم أنكم تفتحون صدوركم لمعلومات النحو، ولا تستعجلوا بالتضايق أو التبرم من هذه المادة، فما هي إلا أيام قلائل وينتهي المتن وأنا واثق -إن شاء الله تعالى- أنكم ستستفيدون بإذن الله.
انتهى الوقت؟ الفوائد هذه غير واجبة، هذه نفل، إن كان الوقت فيه بقية أم ننتهي.
طيب نختصر هاهنا فائدتان:
الفائدة الأولى: هل تقول: عساكم طيبون، ولّا عساكم طيبين؟ الدارج على ألسنة الناس: عساكم طيبين ولّا لا؟ وهذا وجه مرجوح في العربية، وأنا أريد منكم بالذات أنكم ما تتكلمون بالأوجه المرجوحة في العربية، وعلى هذا نقول الأحسن أن تقول: عساكم طيبون، وهذا رأي شيخ النحويين سيبويه، يقول سيبويه في كتابه ونقله عنه ابن هشام في مغني اللبيب.
قبل مقدمة بسيطة، عسى أصلها تعمل عمل كان ترفع الاسم وتنصب الخبر، كما قال ابن مالك:
ككان كاد وعسى......... ... ...........................(1/17)
لكن يقول سيبويه: إذا اتصل بـ(عسى) ضمير عوملت معاملة لعل، أيش فرق لعل عن كان؟ في العمل؟ عكسها، إذن الذي يقول عساكم طيبين ألحاقها بعسى في الأصل ؛ ولّا لا؟ لأنه نصب الخبر مثل ما ينصب خبر عسى وكاد وكان، لكن لعل لو قلنا: لعلكم طيبون ولّا طيبين؟ طيبون إذن سيبويه يقول إن عسى إذا اتصل بها ضمير تصير مثل لعل، تنصب الاسم وترفع الخبر، وعلى هذا عساكم طيبون أحسن من عساكم طيبين.
وفيه مرجح آخر، هل تأخذونه؟ الكاف هل هي من ضمائر الرفع أو من ضمائر النصب؟ أو من ضمائر الجر؟ الكاف عمرها ما صارت من ضمائر الرفع، أبدا، الكاف إما من ضمائر النصب وإما من ضمائر الجر واضح، طيب لو قلنا عساكم طيبين أيش ستكون الكاف هنا؟ ما تكون اسم عسى واسم عسى يكون مرفوع؟ تأملوا شوية لو سمحتم، يعني لو قلنا طيبين، والكاف هنا اسم عسى، ما يصير أن جعلناه في محل رفع الآن؟ وهي ما تصير في محل الرفع، لكن إذا قلنا عساكم طيبون فقلنا إن عسى حرف ترجٍ بمعنى لعل، والكاف اسمها منصوب، ماشين على القاعدة، وطيبون خبر عسى، التي هي بمعنى لعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. واضح هذا؟
طيب، الفائدة الثانية والأخيرة: القاعدة يا إخوان في ما إذا التقى ساكنان، أنه يكسر الأول، هذه قاعدة، يرد عليكم دائما: وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين، كما في قول الله -تعالى-: (قالتِ امرأة العزيز) قالتِ وهي أصلها قالتْ، ها؟ ومر علينا قبل قليل التحريك بالكسر لالتقاء الساكنين. وين؟
{(1/18)
مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ } (1) أحسنتم، { مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ } (2) لكن هذه القاعدة ليست مطردة فيحرك بالكسر لالتقاء الساكنين، إلا إن وجد مانع، فأنت إذا قرأت قول الله -تعالى- في سورة البقرة: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ } (3)، ومِنَ أصلها ومِنْ النون ساكنة، ما حركت بالكسر هنا، حركت بأيش؟ بالفتح، لماذا؟ يقول لأنه لو حركت بالكسر لتوالى كسرتان؛ لأن الميم مِن مكسورة، فكنت تقول: (ومِنِ الناس) هذا فيه صعوبة، فحركت بالفتح فرارا من توالي كسرتين.
ومنه أيضا قول الله -تعالى-: { هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ } (4) هُمُ، ما هي همْ الميم ساكنة؟ فحركت بالضم لالتقاء الساكنين، لماذا ما حركت بالكسر، قال: لأن الانتقال من الضم التي على الهاء إلى كسرة تحت الميم فيه ثقل، كان تقول: (هُمِ الذين) فحركت بالضم الميم اتباعا للهاء لأن هذا أسهل في النطق، وبهذا يا إخوان نأخذ قاعدة: أن التحريك بالكسر لالتقاء الساكنين غالب وليس بمطرد.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد. فيه أسئلة بالنحو؟
بسم الله الرحمن الرحيم هذا سائل يقول: فضيلة الشيخ، أنا طالب لا أفهم شيئا في النحو، وهذا هو الدرس الأول لي في النحو، فهل تنصحوني بالاستمرار في هذا الدرس أم ماذا؟ وكيف يُتعلم النحو؟
__________
(1) - سورة الأعراف آية : 186.
(2) - سورة الأعراف آية : 186.
(3) - سورة البقرة آية : 8.
(4) - سورة المنافقون آية : 7.(1/19)
نعم، أنصحك وغيرك أن يستمر في حضور هذا الدرس، هذا الدرس سيستفيد منه -إن شاء الله- الطالب المبتدئ والطالب المتمكن، وأرجو أن يجد كل واحد منهما بغيته، لكن هذا مشروط بشرط أساسي -خصوصا بالنسبة للطالب المبتدئ- أن يراجع ما شرح له، وهذا شرط عام في جميع الدروس، أنكم كل درس تأخذونه تحاولون استعادته مرة أخرى قبل أن يلقى عليكم الدرس الذي يليه؛ لأن الغالب أن المعلومات في جميع الفنون بعضها يوضِّح بعضا، ويكمل بعضا، فأنا أنصح هذا الأخ السائل أن يواظب على هذا الدرس، وهي ستة أيام راح منها يوم، فيستفيد إن شاء الله.
وهذا سائل يقول: أيهما أعلم وأسلم وأحكم: مذهب البصريين أم الكوفيين؟
والله البصريون -يعني- بالنسبة للرواية والسماع وتقعيد القواعد أحسن من الكوفيين، لكن مع هذا للكوفيين قواعد جيدة أحسن من قواعد البصريين، وغدا -إن شاء الله- مع قاعدة نخرم بها مذهب البصريين ونشيد فيها بمذهب الكوفيين، وهي -لأمر الله- قاعدة يؤيدها كتاب الله -تعالى- في آيات كثيرة، وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشعر العرب.
فالبصريون قواعدهم متينة وقوية، لكن يقول عنهم بعض العلماء إنهم متشددون معاندون، أما الكوفيون فمتسامحون متساهلون؛ ولهذا برز مذهب الكوفيين في بعض المسائل النحوية، وكنت أتمنى أنه يبرز مذهب الكوفيين في هذه المسائل لو تحصر في مؤلف مستقل وتطبع كان يكون فيها خير كثير، حتى ابن مالك -رحمه الله- في بعض كتبه مثل (الكافية الشافية) ترك مذهب البصريين ونص على مذهب الكوفيين، وكونه إنه يقول إن مذهب البصريين أحسن هذه قاعدة عامة، لكن للكوفيين مسائل هي من الجودة بمكان، نعم.
أحسن الله إليكم! يقول: فضيلة الشيخ، ما الفرق بين قولهم: المسند والمسند إليه، والمحكم والمحكم به، والمبتدأ والخبر؟(1/20)
ما فيه المحكم والمحكم به، بل المحكوم به والمحكوم عليه، أما محكم به ما فيه هذا، ما هو عند النحويين، هما بمعنى واحد، لكن قولهم: المسند والمسند إليه نظروا إلى ناحية الإسناد فقط، لكن قولهم: المحكوم والمحكوم عليه نظروا إلى ناحية المعنى، إذا قلت مثلا: زيد قائم، فزيد مسند إليه وقائم مسند، يعني القيام مسند إلى من؟ إلى زيد.
طيب، أين المحكوم عليه؟ المبتدأ، قاعدة خذوها: المبتدأ دائما محكوم عليه، وأين المحكوم به؟ هو الخبر؛ ولهذا تجد أن النحويين في باب المبتدأ والخبر ما يعبرون بالمسند والمسند إليه، يعبرون بالمحكوم والمحكوم عليه، يقولون: الخبر حكم والمبتدأ محكوم عليه، هكذا يقولون، العبارة الثالثة المبتدأ والخبر، العبارات الثلاث هذه مؤداها واحد، لكن ينبغي أن نعلم من كلمة محكوم و محكوم عليه ومسند ومسند إليه ما هي خاصة بباب المبتدأ والخبر، حتى في باب الفعل والفاعل، إذن الجمل الثلاث تجتمع في باب المبتدأ والخبر، وينفرد الفعل والفاعل بالمسند والمسند إليه أو المحكوم والمحكوم عليه.
أحسن الله إليكم! يقول: فضيلة الشيخ، حفظكم الله! كيف نقول: اللفظ غير المفيد جملة، مع أن غير المفيد يحتمل لعدم وجود الإسناد، وبالتالي لا يكون جملة؟ أفلا يقال اللفظ غير المفيد بحسبه؟
هم بالنسبة للإسناد ما ينظرون إلى الإفادة، الإسناد يقولون إذا وجد عندنا مسند ومسند إليه هذه جملة، فأنت إذا قلت: إن قام زيد جملة؛ لأنه وجد مسند ومسند إليه، ووجد محكوم ومحكوم عليه، لكن قضية الإفادة هذه قضية خارجة عن الإسناد، وعلى هذا الإسناد قد يكون مفيدا وقد لا يكون مفيدا، فعلى هذا ما يلزم ما ذكره الأخ من أنه يقول غير المفيد بحسبه، ما يلزم.
سؤال آخر يقول السائل: ما توجيه قراءة: (هذا يومَ) بالنصب في آية المائدة؟(1/21)
هذا فيه قراءة (هذا يومَ) يصير منصوب على الظرفية في محل رفع خبر المبتدأ، هو يصير منصوب على الظرفية، وفي قراءة سبعية -فيما أذكر- لكن قراءتنا نحن -قراءة حفص عن عاصم- هي بالرفع على أنه خبر، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد والسلام عليكم.
الجمل التي ليس لها محل من الإعراب
الجمل التي ليس لها محل من الإعراب سبع، فقال: الجملة الأولى: الابتدائية، وتسمى المستأنفة أيضا، نحو: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ } (1).
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وسلم على خاتم النبيين وإمام المتقين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد
الكلام الآن في القسم الثاني من أقسام الجمل من حيث الإعراب، وقد قلنا الليلة الماضية: إن الضابط لكون الجملة لها محل من الإعراب أو ليس لها محل هو هل الجملة وقعت موقع المفرد أو لا، فكل جملة وقعت موقع مفرد أعطيت من الإعراب ما يعطاه هذا المفرد، وكل جملة لا يصح أن تقع موقع المفرد فهي جملة ليس لها محل من الإعراب؛ والسبب واضح، اللي لها محل من الإعراب وقعت موقع مفرد، والمفردات في اللغة العربية لها إعراب غير الحروف.
أما الجملة التي ما وقعت موقع المفرد كيف يكون لها محل من الإعراب؟
ذكر ابن هشام أن الجمل التي ليس لها محل من الإعراب سبع، فقال: الجملة الأولى: الابتدائية، وتسمى المستأنفة أيضا، نحو: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ } (2).
ولو قال: المسألة الثالثة في الجمل التي لا محل لها من الإعراب، وهي أيضا سبع قوله: "أيضا" تدور في الكلام، وهي مصدر: آض يئيض أيضا، كباع يبيع بيعا، وإعرابها أنها منصوبة على المفعولية المطلقة، يعني هي مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف وجوبا.
الأولى قال: الابتدائية، وتسمى المستأنفة أيضا نحو: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ } (3).
__________
(1) - سورة القدر آية : 1.
(2) - سورة القدر آية : 1.
(3) - سورة القدر آية : 1.(1/22)
الجملة الابتدائية هي التي يبتدأ بها الكلام كما في قول الله تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) } (1) فـ( إن ): -كما قلت لكم- حرف توكيد مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر، و( نا ): اسمها؛ اسم مبني على السكون في محل نصب، و( أنزلنا ) أنزل: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بـ( نا ): الفاعل.. و( نا ) ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.. إنا أنزلنا، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. ما موقع جملة { أَنْزَلْنَاهُ } (2) من الإعراب؟ خبريات، نعم الجملة في محل رفع خبر ( إن ). هذا درس أمس.
درس اليوم: ما موقع جملة { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ } (3) ؟ لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية، وهذا واضح أنها ابتدائية؛ لأن السورة ابتدئت بهذه الجملة، وهي لا يمكن أن يقع موقعها اسم مفرد يؤدي معناها.
يقول ابن هشام -رحمه الله: وتُسمى المستأنفة أيضًا. ظاهر كلامه أن الجملة الابتدائية والمستأنفة بمعنى واحد، وهذا قول في المسألة، بينما يرى آخرون أن الابتدائية غير المستأنفة، الابتدائية على اسمها، هي التي يبتدأ بها الكلام، يعني: هي التي تقع في أول الكلام، هذه الابتدائية.
وأما المستأنفة فهي التي تقع في أثناء الكلام، ولكنها منقطعة عما قبلها من ناحية الإعراب لا من ناحية المعنى... مرة ثانية: الجملة المستأنفة هي الجملة التي تقع في أثناء الكلام منقطعة عما قبلها من جهة الإعراب لا من جهة المعنى؛ وعلى هذا فالجملة المستأنفة تختلف عن الجملة الابتدائية، وهذا الرأي رأيٌ جيد.
__________
(1) - سورة القدر آية : 1.
(2) - سورة القدر آية : 1.
(3) - سورة القدر آية : 1.(1/23)
بالنسبة للجملة الابتدائية انتهينا منها ليس لنا فيها بحث، عرفنا أنها الجملة التي تقع في أول الكلام، فلو جاء إنسان وقال: ( محمد حاضر )، نقول: محمد: مبتدأ، وحاضر: خبر، والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب؛ لأنها جملة ابتدائية، لكن سنسلط الأضواء -قدر الاستطاعة- في الجملة المستأنفة؛ لأن الجملة المستأنفة يحتاج إليها المفسرون، وقد وقعت في كتاب الله -تعالى- في آيات كثيرة.
كيف نستدل على الجملة المستأنفة؟
لنا على الجملة المستأنفة دليلان أو طريقان:
الطريق الأول: التأمل في المعنى وفي السياق؛ لأن الجملة المستأنفة تحتاج إلى تأمل ونظر في الكلام؛ ومن أمثلتها قول الله تعالى: { فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76) } (1) في سورة "يس" فقوله تعالى: { إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76) } (2) جملة مستأنفة، هل نقول: إنها ابتدائية على التعريف الذي مر؟
ليست ابتدائية؛ لأنها لم تقع في أول الكلام، إنما هي في أثناء الكلام، بل إن الظاهر لغير المتأمل يظن أنها مقول القول، يعني: { فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ } (3) ولو كانوا يقولون: إن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون، هل ينهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: { فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ } (4) ؟ إذن قوله: { فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ } (5) هذا كلام، وقوله: { إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76) } (6) هذا كلام مستأنف جديد، ما له علاقة بالكلام الأول، ما وجه ذلك؟
__________
(1) - سورة يس آية : 76.
(2) - سورة يس آية : 76.
(3) - سورة يس آية : 76.
(4) - سورة يس آية : 76.
(5) - سورة يس آية : 76.
(6) - سورة يس آية : 76.(1/24)
لو كانوا هم الذين يقولون: إن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون، تصير مقولتهم صحيحة أم خطأ؟ صحيحة، إذن ليس له معنى أن الله يقول لنبيه: { فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ } (1) لكن { فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ } (2) ما ذكر الذي قالوا، ما موجود بالآية، وقوله: { إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ } (3) هذا كلام مستأنف جديد؛ ولهذا تلاحظون في المصاحف أنه كتبت علامة للوقف اللازم.
ويمكن هنا أن نربط بين التجويد والنحو، هو أن كل موضع فيه وقف لازم فالجملة مستأنفة، ومنه أيضًا قول الله -تعالى- في سورة "يونس": { وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } (4) هل هذا من مقولهم؟ ليس من مقولهم، هذا كلام مستأنف، فإذا قيل: ما موقع جملة { إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } (5) من الإعراب؟ تقول: جملة مستأنفة ليس لها محل من الإعراب.
ومن الجمل المستأنفة في القرآن الكريم قول الله تعالى: { وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى } (6) فقوله { مَارِدٍ (7) } (7) صفة لشيطان، هل يصلح قوله: { لَا يَسَّمَّعُونَ } (8) أن يكون صفة ثانية لشيطان؟ لا، لماذا ؟ لأنهم لو كانوا لا يسمعون هل له معنى أن السماء تحفظ عنهم؟ هه؟ ليس له معنى، الشيطان الذي لا يستطيع أن يسمع لا تحفظ منه السماء، إذن دل على أن قوله: { لَا يَسَّمَّعُونَ } (9) ليس صفة للشيطان، إنما هو كلام مستأنف، فتكون جملة { لَا يَسَّمَّعُونَ } (10) جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب.
__________
(1) - سورة يس آية : 76.
(2) - سورة يس آية : 76.
(3) - سورة يس آية : 76.
(4) - سورة يونس آية : 65.
(5) - سورة يونس آية : 65.
(6) - سورة الصافات آية : 7.
(7) - سورة الصافات آية : 7.
(8) - سورة الصافات آية : 8.
(9) - سورة الصافات آية : 8.
(10) - سورة الصافات آية : 8.(1/25)
هذه العلامة الأولى التي يستدل بها على الجملة المستأنفة وهي: التأمل في المعنى والسياق؛ لأن بعض الجمل المستأنفة قد تكون خفية.
العلامة الثانية للجملة المستأنفة: أن تقع الجملة بعد حرف عطف للاستئناف.. أن تقع الجملة بعد عاطف للاستئناف، يعني لا يصلح أن يكون للعطف، من أمثلته قول الله -تعالى- في سورة "الحج" { لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ } (1) فقوله تعالى: { وَنُقِرُّ } (2) هذه جملة مستأنفة ليست معطوفة على ما قبلها، وعلى هذا: ( لِنُبَيِّنَ ) اللام هنا: للتعليل، ونُبَيِّنَ: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل جوازًا، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره نحن، والجار والمجرور ( لكم ) متعلق بـ( نُبَيّن )، ( ونقر ) الواو حرف دال على الاستئناف، ما فيه عطف هنا، حرف دال على الاستئناف، ( ونقر ) فعل مضارع مرفوع بالضمة، والفاعل ضمير مستتر, والجملة لا محل لها من الإعراب جملة مستأنفة؛ لأنها جملة مستأنفة يعني مقطوعة عما قبلها.
ومنه -أيضًا- قول الله تعالى: { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) } (3) هنا اجتمع عندنا الجملة الابتدائية والجملة المستأنفة، أين الجملة الابتدائية؟ { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) } (4) { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) } (5) الفاء للاستئناف، وجملة { صَلِّ } (6) لا محل لها من الإعراب مستأنفة.
وعلى هذا ننتهي إلى أن الجملة قد تكون ابتدائية، وقد تكون استئنافية، وهذا يسمى الاستئناف النحوي، وأما البلاغيون فلم يخضعوا للنحويين، بل إن الاستئناف عندهم بمعنى آخر ولا داعي للدخول على البلاغيين، فنحن نحويون فقط، الآن يعني.
الجملة الواقعة صلة
__________
(1) - سورة الحج آية : 5.
(2) - سورة الحج آية : 5.
(3) - سورة الكوثر آية : 1-2.
(4) - سورة الكوثر آية : 1.
(5) - سورة الكوثر آية : 2.
(6) - سورة الكوثر آية : 2.(1/26)
النوع الثاني من الجمل التي ليس لها محل من الإعراب: الجملة الواقعة صلة، نحو (جاء الذي قام أبوه).
جملة الصلة ليس لها محل من الإعراب؛ لأنها غير واقعة موقع المفرد، ومثال ابن هشام: (جاء الذي قام أبوه)، فـ( جاء ): فعل ماضٍ مبني على الفتح، ( الذي ): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل، ( قام ): فعل ماضٍ مبني على الفتح، و( أبو ): فاعل مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الخمسة، وهو مضاف والهاء مضاف إليه، ضمير متصل مبني على الضم في محل جر، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
الجملة الاعتراضية
الثالثة -قال:- المعترِضة
ويقال الجملة الاعتراضية هي التي تقع بين شيئين متلازمين؛ كالمبتدأ والخبر، أو كالفعل والفاعل، أو كالصفة والموصوف، إلى غير ذلك من مواقعها، والغرض من الجملة الاعتراضية هو التوكيد وتقوية الكلام وتحسينه، ويندرج تحت هذا معانٍ كثيرة، لكن هذا هو المقصود الأصلي أن الجملة الاعتراضية يؤتى بها للكلام وتحسينه، ومن أمثلتها مثال ابن هشام وهو قول الله تعالى: { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ } (1) الجملة الاعتراضية عند الإملائيين تكتب بين شرطتين إشارة إلى الاعتراض، فجملة { وَلَنْ تَفْعَلُوا } (2) معترضة، بين ماذا وماذا؟ بين فعل الشرط وبين جواب الشرط، لأن أصل الكلام: ( فإن لم تفعلوا فاتقوا ).
__________
(1) - سورة البقرة آية : 24.
(2) - سورة البقرة آية : 24.(1/27)
لماذا هذا الاعتراض؟ هذا الاعتراض وقع هنا موقعًا بديعًا؛ لأن الغرض منه تأكيد عجزهم عن محاكاة القرآن أو الإتيان بسورة من مثل القرآن مدى الأزمان؛ ولهذا قال العلماء: إن الله -جل وعلا- أتى بـ( لن ) دون ( لا ) لأنها أبلغ منها وأقوى في النفي في المستقبل، فـ( لن ) قوية جدًّا، صحيح أنها ما تقتضي التأبيد مثلما يقول الزمخشري المعتزلي، لكنها قوية في نفي المستقبل أقوى من ( لا )، وهذا هو السر -والله أعلم- في مجيئها في هذا الموضع، فإن قوله تعالى { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا } (1) هذا في المستقبل، لكنه أكده تأكيدًا بديعًا بقوله: { وَلَنْ تَفْعَلُوا } (2)
الإعراب: وأرجو أن تنتبهوا لما يمر من القواعد في الإعراب، { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا } (3) الآن الفعل المضارع ( تفعلوا ) مجزوم، فما الذي جزمه؟ هل هو ( إن ) الشرطية، أو ( لم ) الجازمة؟ بعض النحويين يقول الجازم هو ( لم )، لماذا؟ لأنها شديدة الاتصال بالفعل المضارع، ( لم ) ما تدخل إلا على الفعل المضارع، لكن ( إن ) تدخل على الفعل المضارع وتدخل على الفعل الماضي، بل قد يقع بعدها اسم؛ كما في قوله تعالى: { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ } (4) إذن أيهما ألصق بالمضارع ( تفعلوا )؟ ( إن ) أم ( لم )؟ ( لم ) فبعضهم يقول: هي الجازم، إضافة إلى أنها متصلة بالفعل، ما بينها وبين الفعل فاصل.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 24.
(2) - سورة البقرة آية : 24.
(3) - سورة البقرة آية : 24.
(4) - سورة التوبة آية : 6.(1/28)
بينما يرى آخرون أن ( إن ) هي الجازمة لأنها تؤثر على الفعل لفظًا ومعنى، على الفعل لفظًا الجزم يعني، ومعنى.. أيش معنى ( معنى )؟ نقطة -يا أخوان- مهمة جدًّا وهي ستأتي إن شاء الله لكن هذا موضعها، أنتم تعرفون أن ( لم ) حرف نفي وجزم وقلب؛ يعني إذا دخلت ( لم ) على الفعل المضارع اللي هو للحاضر والمستقبل قلبت معناه إلى الماضي، إذا قلت مثلا: ( لم يحضر زيد ) أيش تقصد بـ( لم يحضر زيد )؟ الزمن الماضي، إذا جاءت ( إن ) أبطلت تأثير ( لم ) ورجّعت الفعل المضارع لحالته، يكون للحاضر وللمستقبل، هذا معنى قولهم: إن ( إن ) تؤثر على المضارع لفظًا ومعنى.
وهذه النقطة ستأتينا إن شاء الله عندما يجيء الكلام على ( لم ) الجازمة للمضارع، هذا الخلاف ما ينبني عليه كبير فائدة؛ لأن المضارع مجزوم سواء جزمته ( إن ) أو جزمته ( لم ).
{ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا } (1) فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأمثلة الخمسة، والتعبير -يا أخوان- بالأمثلة الخمسة أحسن من التعبير الدارج الأفعال الخمسة، والفرق أننا لو قلنا الأفعال الخمسة يعني تصير أفعالا معينة ما تتغير، مع أن الأفعال الخمسة تتغير؛ تكون مضارع اقترنت به ألف الاثنين، أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة، ولهذا نقول من الأمثلة الخمسة، والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، والألف فارقة، طيب.
{ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا } (2) ( ولن تفعلوا ): ( الواو ): واو الاعتراض، و( لن ): حرف نصب واستقبال، و( تفعلوا ): فعل مضارع منصوب بـ( لن )، وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعل، والجملة لا محل لها من الإعراب معترضة.
(
__________
(1) - سورة البقرة آية : 24.
(2) - سورة البقرة آية : 24.(1/29)
فاتقوا ): الفاء واقعة في جواب الشرط، ( اتقوا ): فعل أمر مبني على حذف النون، يعني عندهم قاعد يقولون: فعل الأمر يُبنى على ما يُجزم به مضارعه، قاعدة دي، إذا أشكل عليك فعل الأمر مبني على ماذا؟ رجّعه إلى المضارع وانظر بما يبنى فهو بناء الأمر، ( فاتقوا ) المضارع ( يتقون )، لو دخّلنا عليه جازما: ( لم يتقوا )، إذن مجزوم بحذف النون، إذن هو الآن مبني على حذف النون، و( الواو ): واو الجماعة، والجملة في محل جزم جواب الشرط، مرت علينا أمس.(1/30)
هذا النوع الثالث وهو الجملة الاعتراضية، من أمثلتها أيضًا غير مثال المصنف قول الله تعالى: { * فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) } (1) أين الجملة الاعتراضية؟ { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) } (2) هذه الجملة اعتراضية، بين ماذا وماذا؟ بين القسم وجواب القسم، القسم: { * فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) } (3)، الجواب: { إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) } (4) هذا الأصل، يعني أصل الكلام: ( فلا أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن كريم )، لكن جاء الاعتراض في قوله تعالى: { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) } (5) يعني تأكيد أهمية هذا القسم { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) } (6) إذن هذه الجملة اعتراضية -كذا يا أخوان؟- في وسطها جملة اعتراضية ثانية؛ لأن قوله: { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ } (7) ( قسم ) موصوف، وأين الصفة؟ ( عظيم )؛ لأن الأصل: ( وإنه لقسم عظيم )، فجاءت جملة: { لَوْ تَعْلَمُونَ } (8) معترضة بين الصفة وبين الموصوف.
الجملة التفسيرية
النوع الرابع من الجمل التي ليس لها محل من الإعراب -قال: التفسيرية، نحو: { وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ } (9).
الجملة التفسيرية: هي الجملة الفضلة الكاشفة والمفسِّرة لما قبلها، هذه هي الجملة التفسيرية، هي الجملة الفضلة؛ يعني خلاف العمدة، الكاشفة والمفسرة لما قبلها.
__________
(1) - سورة الواقعة آية : 75-77.
(2) - سورة الواقعة آية : 76.
(3) - سورة الواقعة آية : 75.
(4) - سورة الواقعة آية : 77.
(5) - سورة الواقعة آية : 76.
(6) - سورة الواقعة آية : 76.
(7) - سورة الواقعة آية : 76.
(8) - سورة الواقعة آية : 76.
(9) - سورة البقرة آية : 214.(1/31)
مثال ابن هشام وهو قول الله -تعالى: { وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ } (1) فقوله تعالى: ( مثل ) يحتاج إلى تفسير؛ لأن الله -جل وعلا- لو قال: { وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ } (2) ما ندري وجه المماثلة، وما هي صفة مَن قبلنا، إذن عندنا شيء يحتاج إلى تفسير وبيان؛ فقال الله تعالى: { مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ } (3) فتكون جملة: { مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ } (4) جملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب؛ لأنها كشفت ووضّحت كلامًا قبلها.
ومن أمثلة الجملة التفسيرية قول الله تعالى: { وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا } (5) فـ( آية لهم ) ما ندري ما المراد بـ( الآية ) هنا، فلما قال: { الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا } (6) عرفنا ما هي ( الآية ) دي، إذن ما هي الآية؟ { الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا } (7)، وعلى هذا ( الأرض ): مبتدأ، وجملة ( أحييناها ): خبر، و( المَيْتَة ): صفة، والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب تفسيرية، تفسيرية لإيه؟ لقوله: ( آية ).
__________
(1) - سورة البقرة آية : 214.
(2) - سورة البقرة آية : 214.
(3) - سورة البقرة آية : 214.
(4) - سورة البقرة آية : 214.
(5) - سورة يس آية : 33.
(6) - سورة يس آية : 33.
(7) - سورة يس آية : 33.(1/32)
وهناك نوع من الجمل التفسيرية يذكره النحويون في باب الاشتغال، إذا جاء الاسم السابق منصوبًا مثل لو قلت: ( الضَّيْفَ أَكْرَمْتُهُ )، ( الضيفَ ): مفعول به منصوب لفعل محذوف يفسره المذكور، والتقدير: ( أكرمتُ الضيفَ أكرمتُه )، إذن ما موقع جملة ( أكرمتُه ).. الضيف أكرمتُه، ليس لها محل من الإعراب؛ لأنها تفسيرية، فسّرت ماذا؟ فسرت العامل المقدّر؛ لأنه لولا كلمة ( أكرمتُه )، كيف أعرف أن التقدير ( أكرمتُ الضيفَ )؟! ما أدري، إذن الذي فسر الكلام المحذوف هو قوله: ( أكرمتُه ).. الضيفَ أكرمتُه، فتكون جملة ( أكرمته ) مفسرة لا محل لها من الإعراب.
هذه هي الجملة التفسيرية، واعتبار الجملة التفسيرية من الجمل التي ليس لها محل من الإعراب، هذا هو المشهور عند النحويين، وفي رأيٍ لبعض النحويين يقول: الجملة التفسيرية حكمها حكم ما جاءت تفسيرًا له، يعني المفسَّر، فإن كان المفسَّر له محل من الإعراب فالجملة التفسيرية لها محل من الإعراب، وإن كان المفسَّر ما له محل من الإعراب فالجملة التفسيرية ما لها محل من الإعراب.
المثال الذي قلت لكم الأخير هذا ( الضيفَ أكرمتُه )، ( الضيفَ ) ما قلنا إنه مفعول لفعل محذوف فالتقدير ( أكرمتُ الضيفَ )، طيب جملة ( أكرمت الضيف ) أيش محلها من الإعراب؟
أحسنتم ابتدائية، ما لها محل من الإعراب، إذن أيش موقع جملة ( أكرمتُه ) الموجودة في الكلام ( الضيفَ أكرمتُه ) التفسيرية؟ على الرأي الثاني ما لها محل من الإعراب؛ لأنها مفسرة لجملة لا محل لها من الإعراب، واضح الكلام.(1/33)
نريد أن نأتي بجملة تفسيرية فسرت جملة لا محل لها من الإعراب على الرأي الثاني، مثل لو قلنا: ( المخلصون الواجبَ يؤدونه )، أيش إعراب ( الواجب )؟ مثل ما قلنا منذ قليل، مفعول به منصوب لفعل محذوف، والتقدير: ( المخلصون يؤدون الواجبَ يؤدونه )، إذن الجملة الأخيرة ( يؤدون ) هي التفسيرية، والجملة اللي قدرنا هي المفسِّرة، طيب الجملة التفسيرية لها محل؟ ننظر للمفسَّرة، ( المخلصون يؤدون الواجب )، أيش جملة ( يؤدون )؟ خبر المبتدأ ولّا لا؟ في محل رفع، فعلى الرأي الثاني جملة ( يؤدونه ) الأخيرة -دي- تفسيرية في محل رفع خبر.
أما على رأي ابن هشام تستريحون من التفاصيل هذه وتأخذون على أن الجملة التفسيرية ليس لها محل من الإعراب.
بقي نقطة: نحن قلنا في التفسيرية أيش؟ أنها هي؟ قبل الكاشفة؟ الفضلة، فيه نوع من الجمل التفسيرية ما هي فضلة، هي عمدة، وهي الجملة التي تقع بعض ضمير الشأن، كما في قول الله تعالى: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) } (1) فيقولون: إن جملة { اللَّهُ أَحَدٌ (1) } (2) مفسِّرة لضمير الشأن، يعني كلمة هو تحتاج إلى تفسير، { اللَّهُ أَحَدٌ (1) } (3) مفسرة، المفسرة هذه عمدة في الكلام؛ لأنها في محل رفع خبر هو مبتدأ أول، ( الله ): مبتدأ ثان، و( أحد ): خبر المبتدأ الثاني، المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول.
وبهذا يتبين لنا أن الجملة التفسيرية نوعان، فضلة ما لها محل من الإعراب، وعمدة لها محل من الإعراب، ما الضابط؟ الضابط للعمدة فقط هي اللي أنا ضبطها، ما هي الجملة التفسيرية التي لها محل من الإعراب؟ هي المفسرة لضمير الشأن، وما عداها من الجمل التفسيرية فليس لها محل من الإعراب.
جملة جواب القسم
__________
(1) - سورة الإخلاص آية : 1.
(2) - سورة الإخلاص آية : 1.
(3) - سورة الإخلاص آية : 1.(1/34)
الجملة التي تليها وهي الخامسة، هي جملة جواب القسم: كقول الله تعالى: { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ } (1).
نعم الجملة الواقعة جوابًا للقسم ليس لها محل من الإعراب؛ فإذا قلت مثلا: ( واللهِ لأَفْعَلَنَّ الْخَيْرَ )، الإعراب: ( الواو ): حرف قسم وجر، واسم الله مقسم به مجرور وعلامة جره الكسرة، ( لأفعلنَّ ) ( اللام ): واقعة في جواب القسم، و( أفعل ): فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، ونون التوكيد حرف لا محل له من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنا، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب جواب القسم، أيش معنى لا محل لها من الإعراب؟ يعني ما يمكن أن المفرد يقع موقعها، ما يمكن.
مثال ابن هشام (قال فبعزتك) الفاء للترتيب، يعني ترتيب الكلام اللاحق على السابق، والباء حرف قسم وجر، و( عزة ) اسم مجرور مقسم به مجرور، وعلامة جره الكسرة، ( فبعزتك )، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه، وجملة ( لأغوينهم ) -على الإعراب السابق-: لا محل لها من الإعراب؛ لأنها جواب القسم.
جملة جواب الشرط غير الجازم
الجملة السادسة جواب الشرط غير الجازم
أدوات الشرط غير الجازمة: ( إذا، ولو، ولولا، ولوما )، هذه أدوات شرط ولكنها لا تؤثر في الفعل، لا فعل الشرط ولا جواب الشرط؛ ولهذا جملة جواب الشرط غير الجازم ليس لها محل من الإعراب.
__________
(1) - سورة ص آية : 82.(1/35)
مثال المؤلف نكتفي به { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } (1) ( الواو ): بحسب ما قبلها، وأحب أنبه على قاعدة هنا يا أخوان: إذا طُلب منك تعرب آية أولها الواو مثلا أو بيت شعر أوله الواو، ولا تدري ما الذي قبله، فالذي يخلصك من الاعتراض أن تقول: الواو بحسب ما قبلها، نعم بحسب ما قبلها، فالآن أعطيتنا قاعدة عندما قلت: بحسب ما قبلها، يعني: إذا كان اللي قبلها يصلح للعطف فهي عاطفة، وإن كان اللي قبلها ما يصلح للعطف فهي مثلا مستأنفة، وإن كان اللي قبلها مثلا أداة شرط فهي واقعة في جواب الشرط، فهذه عبارة سليمة تسلم بها من المآخذ أو الاعتراض فهنا نقول: الواو بحسب ما قبلها.
و( لو ): حرف شرط غير جازم، وسيأتي -إن شاء الله- الكلام عليها وما معناها، وأن العبارة المشهورة "حرف امتناع لامتناع" أنها عبارة فاسدة وغير صحيحة، ولو كانت الألسن قد تعودت عليها.
( ولو شئنا ): ( شاء ): فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بنا الفاعلين، و( نا ): ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، ( لرفعناه ): اللام واقعة في جواب لو و( رفع ): فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بـ( نا ) الفاعلين، و( نا ): ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب؛ لأنها جواب شرط غير جازم.
إذن الجملة إذا وقعت جوابًا لشرط غير جازم فليس لها محل من الإعراب، ومثل إذا لو قلت مثلا: ( إذا جاء محمدٌ جئتُكَ )، فجملة ( جئتُكَ ) ليس لها محل من الإعراب؛ لأنه جواب لشرط غير جازم.
__________
(1) - سورة الأعراف آية : 176.(1/36)
طيب مر علينا الليلة الماضية أن جواب الشرط الجازم له محل من الإعراب، وأنه في محل جزم، لكن هناك قيد وهو أن تقترن بـ( الفاء ) أو بـ( إذا ) الفجائية، هنا نقول أيضًا -تابع للجملة التي معنا -: وجملة جواب الشرط الجازم إذا لم تقترن بـ( الفاء ) ولا بـ( إذا ) الفجائية، ما لها محل من الإعراب، مثاله: لو قلت: ( إن تجتهدْ تنجحْ )، فـ( إنْ ): أداة شرط جازم، ( تجتهدْ ): فعل مضارع مجزوم فعل الشرط، و( تنجحْ ): فعل مضارع مجزوم جواب الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت -وجوبًا- والجملة من الفعل والفاعل ( تنجحُ أنت ) ليس لها محل من الإعراب.
ولهذا تلاحظون إن الجزم ارتبط بالجملة ولّا ارتبط بالفعل فقط؟ ها الجزم وقع على الفعل فقط ( تنجح ) ولّا لا؟ ها؟
لا. اللي مر أمس المثال اللي مر أمس { مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ } (1) وين جواب الشرط؟ { فَلَا هَادِيَ لَهُ } (2) أين المجزوم؟ ما فيه شيء مجزوم الآن، الجملة كلها في محل جزم لكن ( إن تجتهد تنجح )، أين المجزوم؟ الفعل فقط، إذن انتهينا من موضوع الجزم، أداة الشرط أخذت الجواب، سمة الجواب، إذن تصير جملة ( تنجح أنت ).. هل نقول: إنها في محل جزم؟ لا، تصير أداة الشرط عملت مرتين، بالفعل وبالجملة، وهذا هو الصحيح.
فأنا أريد أن تفرقوا بين { مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ } (3) أين الجزم هنا؟ كل الجملة في محل جزم؛ لأنها اقترنت بـ( الفاء )، لكن ( إن تجتهدْ تنجحْ ): الجزم وقع على الفعل المضارع فقط فلا يكون الجزم أيضًا بالجملة بأكملها، هل فهمتم؟
__________
(1) - سورة الأعراف آية : 186.
(2) - سورة الأعراف آية : 186.
(3) - سورة الأعراف آية : 186.(1/37)
وبهذا نقول، يعني يصلح سؤالا لو كان فيه اختبار ... ، حطوا هذا السؤال لكن داروا الجواب لكن اللي يجاوب عليه ما يخالف، ها، هل جملة جواب الشرط الجازم لها محل من الإعراب، أو لا؟ جملة جواب الشرط الجازم -ها- هل لها محل من الإعراب، أو لا ؟ فيه تفصيل: إن اقترنت بالفاء أو بإذا الفجائية لها محل من الإعراب، وإذا لم تقترن بـ( الفاء ) ولا بـ( إذا ) الفجائية فليس لها محل من الإعراب، واضح هذا ؟
لو أردنا نعمم هل جملة الشرط لها محل من الإعراب أو لا؟ تقول فيه تفصيل: إن كان الشرط غير جازم فلا محل لها من الإعراب، وإن كان الشرط جازمًا ففيه تفصيل: إن اقترنت بالفاء لها محل من الإعراب، الجزم، وإن لم تقترن بـ( الفاء ) فليس لها محل من الإعراب.
الجملة التابعة لما لا محل له من الإعراب
الجملة الأخيرة: التابعة لما لا محل له من الإعراب
الجملة دي يا إخوان مثل السابقة التي مرت أمس، ها، أمس قلنا: إن الجملة السابعة من الجمل التي لها محل الجملة التابعة لجملة لها محل من الإعراب، وهنا عكس، وقلت لكم أمس إن الغالب فيها أن تكون الجملة المعطوفة.
إذن خذ قاعدة الآن: الجملة المعطوفة على جملة لها محل يكون لها محل، المعطوفة، والجملة المعطوفة على جملة ما لها محل ما يكون لها محل، المعطوفة، ها، الجملة المعطوفة إن كانت معطوفة على جملة لها محل لها محل هي، وإن كانت معطوفة على جملة ليس لها محل فهي ليس لها محل، منين يجيها المحل؟
فمثلا إذا قلنا: ( قام محمد )، أيش رأيكم بالجملة ( قام محمد )؟ ليس لها محل من الإعراب؛ لأنها ابتدائية، لو قلنا: ( وقعد علي )؟ ما لها محل من الإعراب؛ لأنها معطوفة على جملة ليس لها محل من الإعراب.
وبهذا نكون قد أنهينا الكلام على الجمل التي ليس لها محل من الإعراب، بقي نقطة في الموضوع، حتى ننتهي من موضوع الجمل:
الجملة الخبرية(1/38)
قال ابن هشام: الجملة الخبرية بعد النكرات المحضة صفات، وبعد المعارف المحضة أحوال، وبعد غير المحض منهما محتمِل لهما"
هذه قاعدة من قواعد النحو، لكن القاعدة تُشاب أحيانًا بنوع من التساهل فيقال الجمل بعد النكرات صفات، وبعد المعارف أحوال، وهذه الجملة ليست دقيقة، إنما الدقيقة مثل ما قال ابن هشام: الجملة بعد النكرة المحضة صفة، و الجملة بعد المعرفة المحضة حال، وبعد المفرد الذي ليس هو محضًا تحتمل الحالية والوصفية.
نحن مر علينا أمس إن من بين الجمل التي لها محل من الإعراب الجملة الواقعة صفة، وشرط الجملة الواقعة صفة أن يكون الموصوف نكرة، هذا شرط أساسي يا أخوان، الجملة التي تكون صفة لا بد يكون الموصوف نكرة ومحضة أيضًا، فمثلا لو قلت: ( مررتُ برجلٍ يكتبُ )، ( رجل ): نكرة، ومعنى نكرة يعني ما فيها أي شيء يقربها من المعرفة، هذا معنى محضة يعني بعيدة جدًّا من التعريف، إذن نقول: إن جملة ( يكتب ): صفة؛ لأنها وقعت بعد نكرة محضة.. يتضح لكم بعد شوية بس ما تستعجلوا.
إذا قلت: ( مررتُ برجلٍ جالسٍ يكتبُ )، شوف الآن كلمة ( رجل ) قربت شوية من المعرفة ليش؟ بوصفها بـ( جالس ) كدا ولّا لا؟ إذن هل نقول: إن كلمة ( رجل ) هنا نكرة محضة ولّا فيها شائبة تعريف؟ ورائحة تعريف؟ فيها، هذا معنى قول ابن هشام: الجمل بعد النكرات المحضة صفات، ما معنى المحضة؟ علق في نسختك اكتب: المحضة هي النكرة التي ليس فيها شيء يقربها من المعرفة، ما مثال الذي يقربها من المعرفة؟ الصفة.. مثاله الصفة.(1/39)
مثِّل للنكرة المحضة؟ مررت برجل يكتب.. من الأمثلة: مثال مر علينا أمس ونسينا أن نعربه وأنا حريص على إعراب الآيات التي تمر بالمتن، مع الأمثلة، إن شاء الله كل ما يمر علينا نريد أن نعربه، تأخذون يعني مران بالإعراب، الآية اللي مرت علينا أمس في الجملة التابعة لمفرد، هي قول الله تعالى: { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ } (1) فـ( من ): 8حرف جر، و( قبل ): اسم مجرور بـ( من )، والجار والمجرور متعلق بالفعل بأول الآية في سورة "البقرة" قول الله تعالى: { أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ } (2) آه هذه آية المنافقون. أيوة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ } (3) آية "البقرة" هذه، طيب قوله: { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ } (4) ( أن ): حرف مصدري ونصب، و( يأتي ): فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة، ( يوم ): فاعل مرفوع بالضمة، أي يأتي يومٌ، ( لا ): نافية عاملة عمل ليس ترفع الاسم وتنصب الخبر، ( بيع ): اسم لا، ( فيه )، خبر ( لا )، والجملة من لا واسمها وخبرها في محل رفع صفة لـ( يوم ).
ومثل قول الله تعالى: { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ } (5) أيش إعراب جملة ( ترجعون )؟ في محل نصب صفة لـ( يوم )، ومنه قول الله تعالى: { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ } (6) جملة { لَا رَيْبَ فِيهِ } (7) في محل جر صفة لـ( يوم )، إذن مثَّلنا ( يوم ) مرفوعًا ومنصوبًا ومجرورًا، وهو من قبيل النكرة المحضة، طيب.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 254.
(2) - سورة البقرة آية : 254.
(3) - سورة البقرة آية : 254.
(4) - سورة البقرة آية : 254.
(5) - سورة البقرة آية : 281.
(6) - سورة آل عمران آية : 25.
(7) - سورة البقرة آية : 2.(1/40)
قال هنا: نحو { حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ } (1) ( حتى ): حرف غاية ونصب، و( تُنَزِّلَ ): فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنت، تنزل أنت، و( علينا ): جار ومجرور متعلق بـ( تنزل )، ( كتابًا ): مفعول به منصوب، ( نقرؤه ): فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والهاء مفعول، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره نحن، والجملة في محل نصب صفة لـ( كتابًا ).
قال: وبعد المعارف أحوال يعني بعد المعارف المحضة، ما المراد بالمعرفة المحضة؟ اعكس الكلام الأول، ما قلته لك النكرة المحضة التي ليس فيها رائحة تعريف، المعرفة المحضة التي ليس فيها رائحة تنكير، مثل العلم، لو قلت: ( رأيتُ زيدًا يكتبُ )، جملة يكتب أيش؟ حال منين؟ من زيد، وزيد معرفة محضة، طيب.
قال: وبعد غير المحض منهما محتمل لهما الضمير الأول منهما يعود على المعرفة و النكرة وقوله: محتمل لهما، يعني للحالية والوصفية، مثاله: ( مررتُ برجلٍ صالحٍ يصلي )، ( يصلي ) الجملة هل هي صفة أو حال؟ محتمل؛ لأنك إن نظرت لكلمة ( رجل ) أصلها فهي نكرة والجمل بعد النكرات صفات، وإن نظرت إلى الصفة اللي بعدها وأنها قربت من المعرفة فجملة ( يصلي ) حال؛ ولهذا من يعربها صفة إعرابه صحيح، ومن يعربها حالًا إعرابه صحيح، لماذا؟ لأن لكل منهما وجهة نظر.
__________
(1) - سورة الإسراء آية : 93.(1/41)
هذا مثال أيش؟ مثال للنكرة غير المحضة، المعرفة غير المحضة كما في قول الله تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا } (1) جملة { يَحْمِلُ أَسْفَارًا } (2) هل هي صفة للحمار أو حال؟ إن نظرنا إلى ( ال ) الداخلة على كلمة ( الحمار ) ( ال ) في أصلها تفيد التعريف، إذن تصير جملة ( يحمل ) حالا؛ لأنه دخلت عليه ( ال ) قرب من المعرفة، لكن إن نظرنا إلى أن ( الحمار ) لا يُراد به حمارًا معينًا؛ فهو إذن نكرة فتصير جملة ( يحمل ) صفة.
مثال المؤلف: { وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ } (3) جملة ( نسلخ ) إما صفة للّيل أو حال، لماذا؟ الليل إن نظرت إلى أل الداخلة عليه يمكن تقول إنه معرفة الآن؛ لأن الأصل في ( ال ) أنها للتعريف، فتصير جملة ( نسلخ ) وقعت بعد معرفة، والجمل بعد المعارف أحوال، لكن هل هي معرفة محضة؟ غير محضة لماذا؟ لأنه قد يقول قائل (ال) هنا ما أفادت كلمة الليل تعريفًا، يسمونها ( ال ) الجنسية و( ال ) الجنسية لا تفيد التعريف، فيبقى ( الليل ) على تنكيره.
وعلى هذا نقول: الجملة إن وقعت بعد معرفة غير محضة أو بعد نكرة غير محضة، فلك أن تعربها حالا ولك أن تعربها صفة؛ لأنك إن أعربتها حالا فباعتبار، وإن أعربتها صفة فباعتبار آخر، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد.
الفوائد ضاق الوقت اليوم -نعم.
فيه فائدة واحدة اليوم، أنا وعدتكم بها الليلة الماضية، لم تسألوني أمس عن البصريين والكوفيين، لكن تحتاج وقتًا أطول، ويبدو أن الدرس العام سيأخذ مبدأ القلة من الليلة القادمة فما فوق، يعني نحن الآن أردنا أننا نأخذ درسين الليلة الماضية واليوم أطول قدر ممكن أما الدروس الباقية إن شاء الله فسيكون هناك نصيب أوفر من الفوائد التي أعطيكم إياها.
__________
(1) - سورة الجمعة آية : 5.
(2) - سورة الجمعة آية : 5.
(3) - سورة يس آية : 37.(1/42)
الفائدة التي نقولها الآن وهي قد مرت تقريبًا في الإعراب، وهي مهمة يقع فيها بعض الطلاب بالغلط هي يذكرها النحويون من باب التطفل على الإملائيين: متى تُكتب الألف بعد الواو، ومتى تُترك؟
تكتب الألف بعد الواو في حالة واحدة وهي ما إذا كانت الواو واو الجماعة، تقول مثلا: ( الطلاب خرجوا ولم ينتظروا )، فهنا في الكتابة تكتب الألف، ومر في الإعراب أعربتها لكم، قلت: والألف فارقة، ليش يقولون فارقة؟ يعني تفرق بين واو الجماعة وغيرها، اللي غيرها هو إيه؟ اللي غيره واوان:
الواو الأولى: الواو الأصلية اللي هي من بنية الفعل، مثل: ( محمد يدعو )، إذا كتبت ( محمد يدعو ) ما تكتب الألف بعد الواو.
والواو الثانية: واو جمع المذكر السالم إذا حذفت النون، وإلا إذا كانت النون موجودة أصلا ما فيه مجال للألف، لكن إذا قيل مثلا: ( أولو العلم هم أولو الفضل )، تكتب الألف بعد الواو؟ ما تكتبها ويخطئ من يكتبها.
إذن صارت الألف تكتب في موضع واحد وهو أيش؟ بعد واو الجماعة، وتترك في موضعين: بعد الواو الأصلية اللي من بنية الفعل، يعني إذا كان الفعل معتلا بالواو، مثل يدعو يسمو ينمو، واو جمع المذكر السالم إذا حذفت أيش؟ النون.
لكن أحب أن أقول لكم نقطة لئلا تقعوا فيما وقع فيه بعض المحققين للكتب، من المتقدمين من يكتب الألف بعد واو الفعل، من المتقدمين ما هم كلهم مَن لو مثلا يكتب ( محمد يدعو ) يكتبون الألف، وأنتم عندكم كتاب أظنه "التسهيل في الفقه" لو ترجع للمخطوطة تجد أن اللي كتب المخطوطة يكتب الألف بعد الواو في جميع الأفعال، ما ينظر الواو جماعة أو غيره.(1/43)
ولهذا بعض اللي حققوا الكتاب يكتبون هكذا في المخطوطة يعني الألف، والصواب حذفها، وهذا غلط ما نقول والصواب حذفها، لأن بعد المتقدمين -وقد نص على هذه بعض المؤلفين- أنه يجوز كتابة الألف بعد واو الفعل الأصلية، لكن الإملائيين المتأخرين وكثير من المتقدمين ما يكتبونها، كما نص على هذا صاحب كتاب "المطالع النصرية"، اكتبوا يا إخوان الكتاب ده واشتروه، الكتاب هذا كان مطبوعًا قديمًا وكان مفقودًا في الأسواق، وهو يعتبر من أحسن الكتب في الإملاء على الإطلاق، لا يدانيه كتاب هذا الكتاب "المطالع النصرية" من حسن الحظ إنه صُوِّر وطُبع، موجود في المكتبات، في مجلد يقع، لكن هذا الكتاب يغنيك عن أي كتاب إملائي.
فإذن إن رأيت إن من المتقدمين من يكتب الألف بعد الواو الأصلية فلا تقل الفعل إنه خطأ، لكن يمكن أن تقول الأولى هو حذفها، والله أعلم.
وصلى على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله.
الكتاب مؤلفه اسمه نصر الهويلمي اسمه "المطالعة النصرية" نعم يوجد أي أسئلة -نعم-
س: أحسن الله إليكم! فضيلة الشيخ، يقول: ما هو أفضل كتاب في إعراب القرآن ؟
ج: الكتب في إعراب القرآن نوعان: كتب للمتقدمين، وكتب للمتأخرين، وكتب إعراب القرآن فيها صعوبة؛ نظرًا لتعدد الأوجه في الإعراب، وقد ذكر العلماء أن تعدد أو كثرة الاختلاف في إعراب الآيات دليل على أن هذا القرآن معجز، هذا ذكره الشيخ محمد عُظيْمة - رحمه الله - في كتاب "دراسات لأساليب القرآن"، ذكر في الجزء الأول مقدمات رائعة جدًّا، لكن ذكر منها لماذا يكثر اختلاف المتقدمين والمتأخرين في إعراب الآيات؟(1/44)
قال هذا يدلك على أن القرآن أنه معجز، وإنه ما يمكن أن يكون هناك اتفاق في الغالب على إعراب واحد، لكن من مزايا كتب المتأخرين أنها تغنيك عن كثرة الأوجه الإعرابية، وأما كتب المتقدمين فلا ريب أننا عيال عليهم، ومنها كتاب "التبيان في إعراب القرآن" للعُكْبَرِيّ، هذا كتاب جيد، وفيه أيضًا "المشكل من إعراب القرآن المكي" لابن أبي طالب القيسي، وكتب التفسير "كالبحر المحيط" و"حاشية الجَمل على الجلالين" يضربان للإعراب بسهم وافر، أما بالنسبة للمتأخرين كتاب جيد مثل إعراب القرآن لمحمود صافي هذا جيد وسهل التناول.
س: أحسن الله إليكم! هنا آية لم تعرب وهي قوله تعالى: { وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) } (1) ؟
الواو أيش؟ بحسب ما قبلها، ( لا ): ناهية، ( تَمْنُنْ ): فعل مضارع مجزوم بـ( لا ) وعلامة جزمه السكون، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنت، وسأعطيكم إن شاء الله قاعدة تميزون متى نقول: مستتر وجوبًا، ومتى نقول: مستتر جوازًا، { وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) } (2) ( تستكثر ) بعض اللي يقرءون يغلطون فيُسكِّن الفعل في حالة الوصل على أساس أن الأفعال اللي قبله كلها مسكنة { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) } (3) ( ولا تمننْ [ تستكثرْ ] ولربك فاصبر ).. هذا غلط المفروض يقول: (ولا تمنن [ تستكثرُ ] ولربك..) لأنه مرفوع، هذا في حالة الوصل أما في حالة الوقف معروف إنك تسكن، إذن نقول (تستكثرُ): فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنت، والجملة في محل نصب حال من فاعل تمنُنْ. انتهت أسئلة؟ فيه هناك سؤال
س: يقول السائل ما معنى: ليس لها محل من الإعراب؟
__________
(1) - سورة المدثر آية : 6.
(2) - سورة المدثر آية : 6.
(3) - سورة المدثر آية : 1-5.(1/45)
ج: قلنا هذا في الليلة الماضية إن معنى: ليس لها محل من الإعراب: الأصل يا أخوان في الإعراب ما هو للجمل، الأصل في الإعراب أنه للمفرد، يقال: مبتدأ، خبر، فاعل، مفعول، الأصل في الإعراب أنه للمفردات، إذا كان فيه جملة قائمة مقام مفرد وجاءت مكان مفرد ألا يقال إن لها محلا من الإعراب، ما هو محلها؟ هو إعراب المفرد، جاءت محله إذن تأخذ إعرابه، أما الجملة اللي ما وقعت أصلا موقع مفرد منين نجيب لها محل من الإعراب؟! فهمتم هذا؟
إذا سمعتم أنهم يقولون: جملة لها محل من الإعراب يعني أنها جالسة مكان مفرد له محل من الإعراب وأخذت إعرابه، لكن إذا قالوا: جملة ما لها محل من الإعراب، أصلا ما وقعت موقع مفرد، فمن أين يؤتى لها بمحل من الإعراب. هذا المعنى والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله.
الباب الثاني
الجار والمجرور والظرف
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
معنا الآن الباب الثاني من الأبواب الثلاثة لهذه الرسالة المختصرة وهو يتعلق بالجار والمجرور والظرف، والكلام فيهما في أربع مسائل:
المسألة الأولى: حاجتهما إلى متعلَّق، الثانية: حكمهما بعد المعرفة والنكرة، المسألة الثالثة: حذف المتعلق وكيفية تقديره، والمسألة الرابعة: حكم الاسم المرفوع بعدهما.
الحقيقة أن هذه المسائل الأربع -بعد توفيق الله تعالى وإعانته على شرحها- كفيلة بإعطائنا صورة واضحة بل وكافية لكل ما يحتاجه الطالب فيما يتعلق بالظرف أو بالجار والمجرور من الناحية الإعرابية.
فأولًا وهي المسألة الأولى: حاجتهما إلى متعلَّق، ما هو المتعلَّق؟(1/46)
المتعلَّق هو ما يعمل في الظرف أو في الجار والمجرور ويبين معناهما والمراد بهما، يمر في الإعراب يقال: جار ومجرور متعلق بكذا، من الطلاب من لا يعرف معنى متعلق بكذا، فما هو معنى المتعلِّق، ما المتعلِّق وما المتعلَّق به.
المتعلِّق: هو الجار والمجرور أو الظرف، والمتعلَّق به ما ذكر ابن هشام عندما قال المسألة الأولى لا بد من تعلقهما بفعل أو بما في معناه، المثال: إذا قلت: ( جئتُ من البيتِ )، فـ( مِن البيت ) هذا جار ومجرور، أين الذي وضحه في الكلام وبيّن المراد به؟ أنت لو قلت: ( من البيت ) ما فُهم المقصود، فلما قلت: ( جئتُ من البيتِ ) صار قولك: ( من البيت ) متعلقًا بالفعل ( جئتُ).
فلو قيل: أعرب تقول: ( جئت ): فعل وفاعل، ( جاء ): فعل ماضٍ مبني على الفتح والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل، و( من ): حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، و( البيت ): اسم مجرور بـ( من ) وعلامة جره الكسرة، والجار والمجرور متعلق بالفعل ( جئتُ ).
إذن التعلق ارتباط بين الجار والمجرور وبين العامل، سواء أكان فعلًا أم وصفًا، لو قلت: ( صمتُ يومَ الخميس )، فـ( صمتُ ): فعل وفاعل، ( يوم ): ظرف زمان منصوب، أين الناصب له؟ ( يوم ) أين الناصب له؟ ( صمتُ )، إذن هو متعلق به، لكن الغالب في الظروف المنصوبة على الظرفية يكتفون بقولهم: منصوبة بالفعل صمت يعني أنه متعلق به وأنه هو العامل فيه.
إذا قلت مثلا: ( أجالسٌ أخوك في المسجد ): الهمزة للاستفهام، و( جالس ): مبتدأ، ( أخوك ): فاعل سد مسد الخبر، مثل ما مر مرفوع بالواو، والضمير مضاف إليه، ( في المسجد ): ( في ): حرف جر، و( المسجد ): اسم مجرور بـ( في )، والجار والمجرور متعلق باسم الفاعل ( جالس ). أليس اسم الفاعل هو الذي وضح الجار والمجرور، وبين المراد به وعمل فيه؟ فيكون متعلقًا به.(1/47)
والمراد بالعمل هو أنهم يقولون: الجار والمجرور مفعول به في المعنى، وأما بالنسبة للظرف - كما قلت لكم - إن الظرف يكون منصوبًا، والنصب له ما قبله من فعل أو غيره، ولعله بهذا اتضح لنا أن المراد بالمتعلق هو ما يوضح الجار والمجرور ويبينه ويعمل فيه.
مثال آخر: لو قلت: ( جُلِسَ في المسجد )، ( جُلس ): فعل ماض مبني للمجهول، وأنت تعرف أن الفعل المبني للمجهول يستدعي نائب فاعل، وليس في الكلام غير الجار والمجرور، إذن أكيد أنه هو نائب الفاعل، وعلى هذا تقول: ( في المسجد ): جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل.
من هذا المثال والذي قبله نستفيد أن المتعلق له وصفان: الوصف الأول أنه يبين ويحدد المراد بالجار والمجرور، والوصف الثاني أنه هو الذي يعمل في الجار والمجرور... نائب فاعل، أين الذي عمل فيه؟ الفعل ( جُلس ) إذن ماذا نقول عن جُلس؟ متعلَّق، وماذا نقول عن الجار والمجرور؟ متعلِّق، لعلكم فهمتم هذا إن شاء الله.
الجار والمجرور والظرف - كما ذكر ابن هشام - يتعلقان إما بالفعل وهذا هو الأصل، مثل ( جئت من البيت )، ( سافرت إلى مكة )، أو يتعلق بوصف وهو ما فيه معنى الفعل، مثل اسم الفاعل: ( أجالس أخوك في المسجد )، أو اسم المفعول كما في الآية التي ذكرها المؤلف { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } (1) الجار والمجرور ( عليهم ) متعلق بـ( المغضوب ) والمغضوب من أي الأوصاف؟ اسم مفعول.
المتعلَّق نوعان:
النوع الأول: أن يكون مذكورا. وهذا هو الأصل، مثل الأمثلة اللي مرت علينا، المتعلَّق مذكور، إذا قلت: جُلس في البيت، أو جُلس في المسجد. المتعلَّق مذكور.
__________
(1) - سورة الفاتحة آية : 7.(1/48)
النوع الثاني: أن يكون المتعلَّق محذوفا. ويحذف المتعلَّق في أربعة مواضع، وهو عنوان المسألة إيه؟ الثالثة اللي عطيتكم (حذف المتعلَّق)، إذن نترك موضوع الحذف. والأصل هو أن يكون المتعلَّق مذكورا في الكلام، لكن هنا نقطة مهمة طرقها ابن هشام، وهي: هل كل حرف جر مع مجروره يحتاج إلى متعلَّق؟ أو فيه بعض المجرورات ما تحتاج إلى متعلَّق؟
الجواب يقول: إنه لا بد من تعلقهما بفعل أو بما في معناه، وقد اجتمعا في قوله -تعالى-: { أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } (1)
اجتمع في هذه الآية أن الجار والمجرور تعلق بفعل، وتعلق بما فيه معنى الفعل، فقوله -سبحانه-: { أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } (2) (على) حرف جر، طبعا (أنعمت) فعل وفاعل، (أنعم) فعل ماض مبني على السكون لا محل له من الإعراب، والتاء ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل، (أنعمت)، (عليهم): (على) حرف جر، والهاء... الهاء ما نقول: (هم). انتبهوا! الهاء فقط؛ لأن (هم) من ضمائر الرفع المنفصلة، لكن الهاء هي اللي تيجي في محل جر، فالهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بـ (على)، والميم علامة الجمع، والجار والمجرور متعلق بالفعل أنعمت، إذن ما نوع المتعلَّق؟ نوعه أيش؟ فعل، هذا النوع هو اللي يقصده ابن هشام عندما قال: وقد اجتمعا.
النوع الثاني: ما فيه معنى الفعل. واللي فيه معنى الفعل مثل: اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة مثلا، أو أفعل التفضيل، أو اسم التفضيل، قال: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ } (3) (غير) صفة للاسم الموصول، (صراط) مضاف، و(الذين) مضاف إليه في محل جر. إذن الموصول محله جر، فتكون (غير) صفة مجرورة، وصفة المجرور مجرور. (غير).
__________
(1) - سورة الفاتحة آية : 7.
(2) - سورة الفاتحة آية : 7.
(3) - سورة الفاتحة آية : 7.(1/49)
غير: مضاف و(المغضوب عليهم) مضاف إليه (المغضوب)، (عليهم) مثلما قلنا في (عليهم) الأولى، لكن الفرق بينهما في المحل الإعرابي، الجار والمجرور الأول في محل نصب؛ لأني قلت لكم: إن الجار والمجرور في محل نصب مفعول به من جهة المعنى، طيب (المغضوب عليهم) اسم المفعول ماذا يعمل؟ يعمل عمل الفعل المبني للمجهول، يعني: يرفع نائب فاعل، وعلى هذا نقول (عليهم): جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل.
حروف الجر التي لا تحتاج إلى متعلَّق
ويستثنى من حروف الجر أربعة لا تتعلق بشيء هناك نوع من حروف الجر ما تحتاج إلى متعلَّق.
قال: الباء الزائدة
التعبير بالباء الزائدة فيه نظر، ولو قال: الحروف الزائدة كالباء، كان أشمل؛ لأن هل الزيادة خاصة بالباء؟ لا، الحروف الزائدة غير الباء مثل: (من) تأتي زائدة، فلو قال: الحرف الزائد كالباء، كان أشمل. فالحرف الزائد لا يحتاج إلى متعلَّق، مثل قول الله -تعالى-: { كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } (1)
(كفى) فعل ماض مبني على فتح مقدر، لا محل له من الإعراب (كفى)، (بالله) الباء: حرف جر زائد إعرابا مؤكِّد معنى. خذوها القاعدة دي، هذه طريقة إعراب الحروف الزائدة في القرآن، ما تقول: حرف جر زائد وتمشي، لا؛ لأن الحرف الجر الزائد في الأصل، أو الزائد في الأصل ليس له معنى، لكن في القرآن لا يوجد فيه شيء ليس له معنى؛ ولهذا ذكر ابن هشام نفسه في كتابه (قواعد الإعراب)، وقال: (ينبغي لمن يعرب القرآن أن يتحاشى وصف الحرف بالزيادة؛ لأن الزائد هو الذي ليس له معنى، وليس في القرآن شيء ليس له معنى). ومثل هذا قال الزركشي في كتابه (البرهان في علوم القرآن).
__________
(1) - سورة الرعد آية : 43.(1/50)
إذن القاعدة في إعراب الحروف الزائدة في القرآن أن تقول: (زائد إعرابا مؤكِّد معنًى). لفظ الجلالة بالله: فاعل كفى مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. لا تستطيلوا يا إخوان هذا الإعراب، هذا الإعراب مثابة ختم، لكل حرف زائد تقول الكلام هذا، إلا أنك قد تقول فاعل مرفوع، أو مفعول به منصوب، لكن الكلام لا يتغير، إذن لفظ الجلالة هنا فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. (حسيبا) تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
فحرف... ها؟ (شهيدا) كالثاني حسيبا، هو حسيبا وشهيدا كلاهما تمييز، نعم من المتكلم؟ كفى فعل ماض مبني على فتح مقدر، إذن حرف الجر الزائد هنا مع مجروره ما له متعلَّق، كأني ببعضكم يقول: لماذا حرف الجر الزائد ما له متعلَّق؟
والجواب: أن أصل حرف الجر يأتي للربط في الكلام، حرف الجر الأصلي يأتي للربط في الكلام، مثل قولك: جئت من البيت، أنت تريد إنك تربط بين المجيء وبين البيت، صار الجار والمجرور يحتاج إلى متعلَّق، لكن حرف الجر الزائد ما جاء للربط، إنما جاء لغرض التوكيد، ومن ثم فلا يحتاج إلى متعلَّق، فهمتم الجواب يا إخوان؟(1/51)
يعني الجواب مرة تاني: لماذا حرف الجر الزائد ما يحتاج إلى متعلَّق؟ والجواب: أن حرف الجر الزائد جاء للتوكيد، بخلاف حرف الجر الأصلي، فقد جاء للربط، وما جاء للربط -يعني ربط الكلام بعضه ببعض- فهو بحاجة إلى متعلَّق. ومن الحروف الزائدة قول الله -تعالى-: { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ } (1) فهل: حرف استفهام مبني على السكون لا محل له من الإعراب، (من) حرف جر زائد إعرابا مؤكد معنى (من)، خالق: مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة -مثل الكلام السابق- منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، (غير) خبر المبتدأ، (غير) مضاف، ولفظ الجلالة مضاف إليه { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ } (2) مثل أيضا: قول الله -تعالى-: { مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ } (3) الآن حرف الجر الزائد (من) ما هو الباء، كما في الآية اللي قبل، (من بشير)، من: حرف جر زائد إعرابا مؤكد معنى، بشير: فاعل جاء مرفوع بضمة مقدرة... إلى آخره.
طيب، مثال أخير، قد يكون تكثير الأمثلة فيه فائدة: { مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ } (4) من: حرف جر زائد إعرابا مؤكد معنى، تفاوت: مفعول به منصوب لترى، وعلامة نصبه فتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة جرف الجر الزائد.
حرف الجر الشبيه بالزائد
الثاني الذي لا يحتاج إلى متعلَّق. قال: (لعل)، نحو:
............................... ... لعل أبي المغوار منك قريب
النوع الثاني مما لا يحتاج إلى متعلَّق: حرف الجر الشبيه بالزائد. الشبيه بالزائد مثل: لعل. الأصل في لعل كما تعلمون أنه حرف مشبه بالفعل، ينصب الاسم ويرفع الخبر، لكن بعض العرب وهم عقيل يستعملونها حرف جر، فيقولون مثلا: لعل زيدٍ يأتي. فيعتبرونها حرف جر، وهنا ساق ابن هشام هذا البيت من أشعارهم، يقول:
..........................................
__________
(1) - سورة فاطر آية : 3.
(2) - سورة فاطر آية : 3.
(3) - سورة المائدة آية : 19.
(4) - سورة الملك آية : 3.(1/52)
... لعل أبي المغوار منك قريب
لو كانت (لعل) على أصلها تنصب الاسم وترفع الخبر، كان يقول: لعل أبا. لما قال: أبي. دل على أنها حرف جر، والإعراب أن تقول: لعل: حرف جر شبيه بالزائد، أبي: مبتدأ، مبتدأ مرفوع بالواو، والتي منع من ظهورها الياء التي جاءت من أجل الجر؛ لأن الياء منين جاءت؟ بسبب حرف الجر، ونحن نريد الواو. فهنا نقول: أبي: مبتدأ مرفوع بواو مقدرة منع من مجيئها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، ما هي بحركة هنا، لكن من باب التسامح في الإعراب يقال حركة ما في مانع (لعل أبي)، وعلى هذا كلمة (أبي) من جهة اللفظ مجرورة، لكن من جهة المحل مرفوعة، وتأخذونها قاعدة في حروف الجر الزائدة: أن الاسم اللي يدخل عليه حرف الجر باللفظ مجرور، لكن في المحل على حسب: قد يكون مرفوعا، وقد يكون منصوبا، فهكذا هنا كلمة (أبي)، و(أبي) مضاف، و(المغوار) مضاف إليه مجرور.
وقوله قريب: هذا هو خبر المبتدأ، وهذا هو الدليل على أن أبي، أنه مبتدأ، وعلى هذا نقول: إن الجار والمجرور -لعل- لا يحتاج إلى متعلَّق؛ لأنه حرف جر زائد، أو شبيه بالزائد، ها؟ شبيه بالزائد.
طيب، هل تريدون أن تعرفوا الفرق بين حرف الجر الأصلي والزائد والشبيه بالزائد؟
الجواب: نعم. حرف الجر الأصلي له صفتان: الصفة الأولى: له معنى خاص. الصفة الثانية: له متعلَّق.
هذا حرف الجر الأصلي، له معنى خاص، مثل في: للظرفية، على: للاستعلاء، إلى: انتهاء الغاية. إذن كل حروف الجر الأصلية لا بد لها من معنى، بعضها قد يكون له أكثر من معنى.
الوصف الثاني وهو أيش؟ يحتاج إلى متعلَّق، كما قلت لكم في أول الكلام. حرف الجر الزائد ينعدم فيه الوصفان، ليس له معنى خاص، وليس له متعلَّق، نعم، حرف الجر الزائد يا إخوان، ما جاء إلا لغرض التوكيد؛ ولهذا كل حروف الجر الزائدة ما لها إلا التوكيد فقط، إذن هل هذا معنى خاص؟ هذا معنى عام.(1/53)
الوصف الثاني العدمي: لا تحتاج إلى متعلَّق، حرف الجر الشبيه بالزائد، خذ وصفا من الأول ووصفا من الثاني، خذ وصفا من الأول له معنى، وخذ وصفا من الثاني ليس له متعلَّق؛ ولهذا سموه (شبيه بالزائد)، يعني: له علاقة بحرف الجر الأصلي أنه يشبهه من جهة المعنى، أن له معنى خاص، ولهذا (لعل) اللي مرت علينا دي أيش معناها؟ ها؟ الترجي. إذن لها معنى خاص لكنها لا تحتاج إلى متعلَّق.
والخلاصة: أن حروف الجر من حيث الأصالة وعدمها ثلاثة أنواع: حرف جر أصلي: وهو ما له معنى خاص ويحتاج إلى متعلَّق، حرف جر زائد: ليس له معنى خاص ولا يحتاج إلى متعلَّق، كذا؟ حرف جر شبيه بالزائد: له معنى خاص ولا يحتاج إلى متعلَّق.
حرف الجر لولا
الثالث اللي ذكره ابن هشام: الذي لا يحتاج إلى متعلَّق: (لولا)، كقولك:
لولاك في ذا العام لم أحجج ... .............................................
أظن عندكم بالنسخة المطبوعة: (كقولك)، ولّا لا؟
وهذا في الواقع وجد واحدة من المخطوطتين، لكن المخطوطة الثانية وهي الصواب قال: (كقوله). هذا أصوب؛ لأن هذا شطر من بيت الشعر ينسب للعرجي، إذن تكتب في نسختك: لعل الصواب (كقوله)، كما في المخطوطة الأخرى لهذه الرسالة.
(لولا) إذا دخل عليها، إذا اتصلت بالضمير فهي حرف جر، لو قلت: لولاك، لولاي، لولاه، حرف جر الآن، وهي حرف جر شبيه بالزائد، ليه شبيه بالزائد؟ لأن له معنى، وهو أنه حرف امتناع لوجود، لكنها لا تحتاج إلى متعلَّق.(1/54)
طيب، كيف تعرب لولاك؟ تقول: لولا: حرف امتناع لوجود وجر شبيه بالزائد. وعلى هذا نقول: لا تكون (لولا) من حروف الجر، إلا إذا اتصلت بالضمير، أما لو دخلت على الاسم الظاهر، مثل: لولا زيد لأتيتك، هنا ليست بحرف جر، لكن إذا اتصلت بضمير فهي حرف جر، الكاف: لها محلان من الإعراب: فهي في محل جر بـ(لولا)، وهي في محل رفع مبتدأ، هكذا يقول شيخ النحويين سيبويه، يعربها هكذا، يقول: الكاف لها محلان: بالنسبة للظاهر في محل جر؛ لأنه دخل عليها حرف جر، وبالنسبة للمحل في محل رفع مبتدأ، والخبر محذوف وجوبا. والتقدير في البيت الذي معنا: لولاكِ موجودة في ذا العام لم أحجج.
وقوله: (في ذا العام)، في: حرف جر، وذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر، العام هنا قاعدة، اكتبوها عندكم مفيدة، إذا جاء بعد اسم الإشارة اسم محلى بـ(أل)، فلك أن تعربه بدلا، أو عطف بيان، أو صفة، لكن إن كان مشتقا، فالأحسن أن يكون صفة، مثل لو قلت: مررت بهذا القائم. القائم مشتق لأنه اسم فاعل، أحسن أنك تعربه صفة، وإن كان جامدا، مثل الكلمة اللي معنا دي (العام)، فالأحسن أن تعربه بدلا أو عطف بيان، هذه قاعدة الاسم المحلى بـ(أل) بعد إيه؟ بعد اسم الإشارة.
وقوله: (لم أحجج)، لم -كما سيأتي إن شاء الله-: حرف نفي وجزم وقلب، وأحجج: فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر لأجل الروي.
حرف التشبيه
الحرف الرابع الذي لا يحتاج إلى متعلَّق: كاف التشبيه. نحو: زيد كعمرو.(1/55)
حرف التشبيه كونه ما يحتاج إلى متعلَّق، هذا رأي لبعض النحويين، وإلا فإن ابن هشام رجح في (مغني اللبيب) أن حرف الجر الدال على التشبيه حرف جر أصلي، حكمه حكم غيره من الحروف، يحتاج إلى متعلَّق، واضح؟ ابن هشام هنا جرى على قول بعض النحويين، والقول الثاني -وهو الأرجح-: أن كاف التشبيه حرف جر أصلي، وحروف الجر الأصلية تحتاج إلى متعلَّق؛ ولهذا تقول: زيد مبتدأ مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، كعمرو: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. وننتهي إلى أن حرف الجر الذي يحتاج إلى متعلَّق هو حرف الجر الأصلي، وأما حرف الجر الزائد والشبيه بالزائد، فهذا لا يحتاج إلى متعلَّق، وبهذا نكون قد أنهينا المسألة الأولى، وهي الأساس في الموضوع، المسائل الباقية أمرها سهل.
ما هي المسألة الأولى؟ احتياج الجار والمجرور وكذا الظرف إلى متعلَّق، وبينا ما يحتاج إلى متعلَّق، وما لا يحتاج إلى متعلَّق.
حكم الجملة بعد المعرفة والنكرة
المسألة الثانية: حكمهما بعد المعرفة والنكرة حكم الجملة
هذه إحالة على ما تقدم، مر علينا في الليلة الماضية: الجمل بعد النكرات المحضة صفات، وبعد المعارف المحضة أحوال، وبعد غير المحض محتمل، هكذا الجار والمجرور، والظرف أيضا.
طيب، إذا قلت: مررت برجل، مررت بطائر يغرد. أيش موقع جملة يغرد؟ صفة. كذا؟ لأن طائر نكرة محضة، لو رفعت الجملة ووضعت بدلها جارا ومجرورا أو ظرفا، ما يتغير الإعراب. لو قلت: مررت بطائر على غصن، تقول: (على غصن): جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لطائر. لو وضعت بدله ظرفا، وقلت: مررت بطائر فوق غصن. فوق: ظرف مكان منصوب متعلق بمحذوف صفة لطائر. واضح هذا إن شاء الله.(1/56)
المعرفة: لو قلت: مررت بزيد يكتب. يكتب، جملة يكتب مثلما مر في محل نصب حال من زيد؛ لأنه معرفة، لو قلت: مررت بزيد على كرسي. على كرسي: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من زيد، والتقدير مررت بزيد كائنا على كرسي، هذا المحذوف، كيف يتضح لكم؟ هذا المحذوف. ولعلكم تلاحظون بهذا كأننا دخلنا بالنوع الثاني من أنواع المتعلَّق، اللي هو أيش؟ المتعلَّق المحذوف. نحن عملنا الأول بالمتعلَّق المذكور، لكن الآن المتعلَّق موجود ولّا محذوف؟ محذوف.
طيب، لو قلت: مررت بزيد فوق كرسي. الظرف هنا متعلق بمحذوف حال من زيد، ولّا لا؟ مررت بزيد كائنا على كرسي. طيب، ليش نقول كائنا؟ لأنه حال والحال منصوب، طيب الأول: مررت برجل على كرسي. أيش نقول: كائنٍ -أحسنتم-؛ لأنه صفة.
طيب، لو قلت: مررت برجل صالح يصلي. مثال أمس، (يصلي) تصلح أن تكون صفة؛ لأن رجل نكرة، ويصلح أن تكون حالا؛ لأن رجل وصف، لما وصف قرب من المعرفة، طيب شيل الجملة الآن وضع بدلها جارا ومجرورا، لو قلت مثلا: مررت برجل صالح على كرسي. على كرسي: متعلق بمحذوف صفة أو حال.
طيب، ألا تلاحظون أنه سيختلف التقدير؟ لأنه إن كان صفة، سيكون التقدير: مررت برجل صالح كائن على كرسي، وإن كان حال ستقول: مررت برجل صالح كائنا على كرسي. يبدو أنكم سلكتم الجادة، وهذا هو الظن بكم، هذا هو الظن بكم، لكن واضح اليوم أنكم متجاوبون من خلال الدرس اللي مر، وهذا دليل على أنكم -إن شاء الله- تستفيدون، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم.
حكم الجملة بعد الجار والمجرور
يقول: فيتعين كونهما صفتين في نحو: رأيت طائرا على غصن. هذا الجار والمجرور، أو فوق غصن، هذا أيش؟ الظرف. وكونهما حالين في نحو: { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ } (1) وقولُك أو وقولِك: رأيت الهلال بين السحاب.
__________
(1) - سورة القصص آية : 79.(1/57)
فقوله { فِي زِينَتِهِ } (1) جار ومجرور متعلق بمحذوف حال، وين صاحب الحال؟ فاعل (خرج) وهو معرفة؛ لأنه يعود على قارون، وزينة: مضاف، والضمير مضاف إليه، والتقدير -والله أعلم-: فخرج على قومه كائنا في زينته، خرج على قومه كائنا في زينته.
أيش إعراب بين؟ نعم، متعلق بمحذوف حال؛ لأن الهلال معرفة.
متى يحذف المتعلق وكيفية تقديره
قال: ويحتملان الوجهين في نحو: هذا ثمر يانع على أغصانه
الآن ثمر نكرة، لكنها وصفت، فلما وصفت قربت من المعرفة.
طيب، النقطة الثالثة أو المسألة الثالثة: حذف المتعلَّق وكيفية تقديره. اعلم أن متعلَّق الجار والمجرور وكذا الظرف يحذف في أربع مسائل:
المسألة الأولى: إذا كان خبرا. يعني: الظرف والجار والمجرور.
الثانية: إذا كان صفة.
الثالثة: إذا كان حالا.
والرابع: إذا كان صلة.
ففي هذه المسائل الأربع لا يوجد المتعلَّق في ظاهر الكلام، وإنما هو محذوف، فإذا قلت: خالد في الدار. هنا من أي المسائل الأربع؟ خبر. فتقول: خالد مبتدأ مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، في: حرف جر، والدار: اسم مجرور بفي وعلامة جره الكسرة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، شبه متعلق بمحذوف، لكن مسألتنا الأولى نقول: متعلق بكذا، يعني: باللي موجود عندنا بالكلام، لكن إذا كان المجرور خبرا، يكون متعلق بمحذوف وجوبا، ما هي استحبابا؟ لا، وجوبا، يعني يجب عليك أنك تحذف المتعلَّق، هذا المتعلَّق لك أن تقدره اسما، ولك أن تقدره فعلا، لك أن تجعل التقدير: زيد كائن، أو خالد كائن في الدار، وين الخبر الآن؟ كائن هو الخبر. لأن قلنا: إن الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر. إذن المحذوف هو الخبر، كائن نوعه اسم، اسم لأنه اسم فاعل، لك أن تقول: زيد أو خالد استقر في الدار. فتقدر المحذوف فعلا، ولهذا تجد ابن مالك يقول في الألفية:
وأخبروا بظرف أو بحرف جر ... ناوين...........
__________
(1) - سورة القصص آية : 79.(1/58)
يعني: المتعلَّق المقدر.
............................. ... ناوين معنى كائن............
هذا الاسم.
............................. ... أو استقر............
هذا الفعل.
الثاني: الصفة. مثل لو قلت: مررت برجل على كرسي، أو مررت برجل عندك. أيش إعراب (على كرسي)؟ جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لرجل. أيش إعراب (عندك)؟ ظرف منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف صفة لرجل. لك أن تقول: مررت برجل كائنٍ في الدار، أو كائن عندك، أو استقر في الدار، أو استقر عندك، يصلح.
النوع الثالث: الحال. وكما مر علينا يا إخوان، ما فيه فرق بين الصفة والحال، بالنسبة للظرف والجار والمجرور والجملة، إلا أن الأول يصير معرفة ولّا يصير نكرة، كذا؟ إن كان الأول نكرة تشتغل على أن المسالة صفة، وإن كان الأول معرفة، تشتغل على أن المسالة حال، فتقول: مررت بزيد في الدار، أو مررت بزيد عندك. ما متعلَّق الجار والمجرور أو الظرف؟ حال من زيد، والتقدير: مررت بزيد كائنا في الدار، أو مررت بزيد كائنا عندك، أو مررت بزيد استقر في الدار، أو استقر عندك.
النوع الرابع والأخير مما يحذف فيه المتعلَّق: الصلة (صلة الموصول).(1/59)
مثل لو قلت: جاء الذي في المسجد. جاء: فعل ماض مبني على الفتح، الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل، في المسجد: جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، والتقدير... هنا التقدير يختلف عن التقدير في المسائل الثلاثة الأوَل، نحن خيرناك في الثلاث مسائل، لكن في هذه المسألة ما فيه تخيير، أنت ملزم بأن تقدر فعلا، ويكون التقدير: جاء الذي استقر في الدار. ولا يصح عندهم تقول: جاء الذي مستقر في الدار. لماذا؟ لأنك إذا قلت: استقر. فيه ضمير مستتر تقديره هو يعود على الذي، اللي هو العائد، إذن عندي جملة الآن من فعل وفاعل، وهم يقولون: إن صلة الموصول لا بد أن تكون جملة، فكيف أحصل على الجملة إذا كانت الصلة جار ومجرور؟ منين أجيب الجملة؟ أقدر المتعلق فعلا ولّا لا؟ إذا قدرت المتعلق فعلا، يطلع عندي جملة؟ يطلع عندي جملة، لكن لو قدرت المتعلق اسما، ما يطلع عندي جملة؛ لأني إذا قلت: جاء الذي مستقر هو في الدار. صحيح (مستقر) ما فيها ضمير مستتر، لكن يقولون: اسم الفاعل مستقر، وفاعلها المستتر ليس بجملة، ما فيه جملة هنا، إذن كيف أحصل على جملة؟ إذا قدرت المتعلق فعلا، أما إذا قدرت المتعلق اسما، ما أحصل على جملة.
ولهذا تجد ابن مالك في باب الموصول لما ذكر الصلة، ذكر إن الصلة لا بد تكون جملة، أو شبه جملة، وشبه الجملة: الظرف، والجار والمجرور. والظرف والجار والمجرور راجعان إلى الجملة، كيف نرجعهما إلى الجملة؟ نقدر المتعلق فعلا، فنكون قد رجعناهما إلى الجملة، يقول:
وجملة وشبهها الذي وُصلْ ... به كمن عند الذي ابنه كفل(1/60)
فالخلاصة يا إخوان: أن الجار والمجرور والظرف يحذف متعلقهما في أربع مسائل، وأنت مخير في أن تقدر المتعلق اسما أو تقدره فعلا إلا في باب الصلة فلا بد أن تقدر المتعلق فعلا، والسبب في هذا أن الصلة لا بد أن تكون جملة، فكيف أحصل على الجملة من المتعلق المحذوف؟ أقدره فعلا، لكن الخبر، الخبر لازم يصير جملة؟ لا، الخبر يصير مفردا ويكون جملة، الحال تكون مفردا وتكون جملة، الصفة تكون مفردا وتكون جملة، إذن الأنواع الثلاثة دي لما كانت في الأصل، تأتي مفردا وتأتي جملة، صرت مخيرا في المتعلق، ها؟ لأنك إن قدرته جملة بالنسبة للصفة، الصفة تجيء جملة إن قدرته اسما، يعني: مفردا، الصفة تيجي مفردا وهكذا الخبر، وهكذا الحال، لكن في الصلة، لما كان الأصل في الصلة أن تكون جملة، قالوا: إذا كانت الصلة ظرفا، أو جارا ومجرورا، فلا بد أن يكون المتعلق فعلا؛ لأجل نرجع إلى الأصل. وما هو الأصل؟ ما هو الأصل؟ الجملة. الأصل هو الجملة.
طيب، المسألة الرابعة والأخيرة، ما عنوانها؟ أيش حكم الاسم المرفوع بعدهما؟
يأتي اسم مرفوع بعد الظرف، أو بعد الجار والمجرور. وقد اختلف النحويون في إعراب الاسم المرفوع بعد الظرف، أو بعد الجار والمجرور في هذه المواضع الأربعة اللي مرت: أن يكون خبرا، أو صلة، أو صفة، أو صلة. وسنزيد عليهما موضعين كما ذكر ابن هشام، وهما: أن يكون قبل الظرف أو المجرور استفهام، أو نفي.
المواضع التي يعمل فيها الظرف والجار والمجرور
يقول: إذا وقع أحدهما -يعني الظرف أو الجار والمجرور- صفة، أو صلة، أو خبرا، أو حالا، قال نحو: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ } (1).
هذه هي المواضع الأربعة، أو معتمدا على نفي أو استفهام، جاز رفعه للفاعل.
طيب إذا قلت مثلا: زيد في الدار أخوه. الآن وقع بعد الجار والمجرور اسم مرفوع، علام مشى عليه ابن هشام؟ إن الإعراب كالآتي:
__________
(1) - سورة البقرة آية : 19.(1/61)
زيد: مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة الرفع الضمة الظاهرة على آخره، في الدار: جار ومجرور متعلق -الكلام اللي مر- بمحذوف خبر المبتدأ، (زيد في الدار)، أبوه أو أخوه أو عمه أو خاله، أبوه: فاعل للجار والمجرور. شوف الآن الجار والمجرور رفع الفاعل، فاعل للجار والمجرور، وعلامة رفعه الواو وهو مضاف والضمير مضاف إليه، ما الذي حصل؟ إن الجار والمجرور عمل الرفع، ولّا لا؟ عمل الرفع.
أما الإعراب الثاني: زيد: مبتدأ، وفي الدار: خبر مقدم، وأبوه: مبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ والخبر خبر المبتدأ الأول زيد. لكن أي الإعرابين أحسن؟
ابن هشام هنا في المختصر أعرض عن الإعراب الثاني، أعطاك الإعراب الأول فقط، وهو أيش؟ إن كل اسم مرفوع بعد الظرف أو الجار والمجرور، تعربه على أنه أيش؟ فاعل للجار والمجرور أو الظرف، ترك الإعراب الثاني. ذكر هو الإعراب الثاني في المطول (المغني اللبيب)، لكن وصف الإعراب هذا بأنه قول الحذاق من النحويين، كابن مالك وغيره. إذن الحذاق من النحويين إذا رأوا الاسم المرفوع بعد الظرف أو الجار والمجرور، يعربونه على أنه أيش؟ فاعل، ظاهر، طيب.
من الأمثلة... كم المواضع اللي يعمل فيها الجار والمجرور الرفع على الفاعلية والظرف؟ المواضع كم هي؟ ستة مواضع ولّا لا؟(1/62)
طيب، لو رجعنا إلى المواضع السابقة ومثلنا لبعضها، لو قلت: مررت برجل معه كتاب. نحن لو قلنا: مررت برجل. طبعا (في الدار) هذه صفة، لكن لو قلت: معه كتاب. من يعرب؟ ها من يعرب؟ نعم. مررت برجل: الجار والمجرور برجل متعلق بـ(مررت)، إذن أيش نوع المتعلق هنا مذكور ولّا محذوف؟ ها مذكور هذا هو الأصل، وهنا بالمثال اجتمع نوعا المتعلق المذكور والمحذوف، مررت برجل، (معه) مع: ظرف منصوب على الظرفية، صحيح لكن لا بد تقول: معه: (مع) ظرف منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف صفة لرجل؛ لأنه مر علينا المسألة التي قضينا... إذن الظرف هنا أيش محله من الإعراب؟ متعلق بمحذوف صفة لرجل. يعني: كأنك قلت: مررت برجل كائن معه كتاب، (معه). إذن الظرف هنا صفة. كتاب؟ بالظرف يعني: فاعل للظرف، فاعل للظرف، إذن الظرف اللي معنا الآن أيش موقعه من الإعراب؟ صفة عمل الرفع؟ عمل الرفع.
وبهذا يتبين لنا أن الظرف أو الجار والمجرور، إذا وقع صفة، أو حالا، أو خبرا، أو صلة، أو سبق بنفي، أو باستفهام، فإنه يجوز أن يرفع ما بعدهما على الفاعلية. أما الإعراب الثاني في مثالنا الأخير: معه: خبر مقدم، كتاب: مبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جر... ها؟ صفة لرجل.
طيب، شوف أمثلة المؤلف قال نحو: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ } (1).
__________
(1) - سورة البقرة آية : 19.(1/63)
أو كصيب... هنا (أو): حرف عطف للتقسيم، وكصيب: هذا متعلق بمحذوف يستفاد من سياق الآية؛ لأن الله -جل وعلا- قال: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا } (1) هذا المثل الأول، ثم قال: (أو كصيب) إذن يصير التقدير: أو مثلهم كصيب. وإن جرينا على هذا الإعراب ها؟ سيكون كصيب: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ مقدر، التقدير: أو مثلهم كصيب. من السماء: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لـ (صيب). يعني: أو كصيب نازل من السماء. فيه: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة ثانية لـ (صيب)، ظلمات: فاعل للجار والمجرور. الإعراب الثاني ما هو؟
فيه: خبر مقدم، وظلمات: مبتدأ مؤخر، والجملة صفة ثانية، إذن الجار والمجرور هنا عمل الرفع، لماذا عمل الرفع؟ لأنه وقع صفة، يقولون: الجار والمجرور إذا وقع صفة يتقوى، وإذا تقوى صح أن يرفع غيره، أو وقع خبرا، أو وقع حالا، أو اعتمد على استفهام، أو اعتمد على نفي، يتقوى، مثال اللي يعتمد على استفهام، إذا قلت: يقول الله -تعالى-: { أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } (2) فالهمزة هنا للاستفهام، وفي الله: جار ومجرور متعلق بمحذوف، شك: فاعل للجار والمجرور.
الإعراب الثاني: في الله: خبر مقدم وشك مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب، وفاطر: صفة. ها... نعم؟ يعني: صفة لاسم الجلالة (لفظ الله) وهو مضاف، والسماوات مضاف إليه، والأرض معطوف عليه.
وبهذا يتبين لنا أن الاسم المرفوع بعد الجار والمجرور، أو الظرف، فيه إعرابان: إما أن يعرب مبتدأ، أو نأخذ الأعراب الأول اللي مشينا عليه: إما أن يعرب فاعلا، وهذا قول الحذاق من النحويين، وإما أن يعرب مبتدأ مؤخرا، والجار والمجرور أو الظرف الذي قبله خبرا مقدما، وبهذا نكون قد أنهينا هذه المسائل في باب الظرف والجار والمجرور.
من الفوائد التي نريد أن نذكرها:
__________
(1) - سورة البقرة آية : 17.
(2) - سورة إبراهيم آية : 10.(1/64)
تعرفون القاعدة: أن حرف العلة في الفعل المضارع لا يحذف إلا لدخول جازم. مثل لو قلت مثلا: محمد لم يدع، ولم يرض، ولم يرم. كيف تكتب لم يدع؟ عين فقط وعليها ضمة، ولهذا تقول في الإعراب: (يدع): فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الواو، والضمة قبلها دليل عليها، ومثله لم يرض، ومثله لم يرم.
الذي أريد أن أقوله لكم: إنه قد يحذف حرف العلة لغير جازم، إما لقصد التخفيف، أو لرعاية الفواصل، وهذا وجد في القرآن في مواضع، فمثلا في سورة هود: { يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ } (1) لو فتحت المصحف تجد (يأت) تاء فقط وتحتها كسرة، وين حرف العلة؟ حذف. هل فيه جازم هنا؟ ما فيه جازم. فيعلل العلماء بأن الحذف هنا للتخفيف. طيب كيف أعرب يأت؟ فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة رسما للتخفيف.
ومثل أيضا قول الله -تعالى- في سورة الكهف: { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } (2) أصله (نبغي)، مع أنه ما فيه جازم هنا، إذن نبغي: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخفيف. مثال ثالث وأخير: قول الله -تعالى- في سورة الفجر: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) } (3) بالوقف يعني، وبالوصل (يسرِ)، ما فيها ياء في المصحف، مع أن أصلها (يسري)، ولا فيه جازم هنا، فأين ذهبت الياء؟ يقولون: هنا حذفت الياء رعاية للفواصل، وهي { وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) } (4) إلى آخره، كلها آخرها كسر، فحذفت الياء رعاية للفواصل.
الفائدة الثانية:
نسمع في أيام العشر (عشر ذي الحجة) قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " الخطباء بعضهم يقول: كيومَ. وبعضهم يقول: كيومِ. فما الأرجح من هذين الإعرابين؟
__________
(1) - سورة هود آية : 105.
(2) - سورة الكهف آية : 64.
(3) - سورة الفجر آية : 4.
(4) - سورة الفجر آية : 1-3.(1/65)
الأرجح كيومَ، تكون الكاف حرف جر، ويوم: ظرف مبني على الفتح في محل جر، أما كيومِ الكاف: حرف جر، ويوم: اسم مجرور بالكاف وعلامة جره الكسرة. لكن الإعراب الأول أحسن، لماذا؟ الفعل اللي بعد يوم ما هو؟ (ولدَ) ولد: فعل ماض، وتعرف أن الفعل الماضي حكمه إنه مبني، فكونك تبني الظرف يتناسب مع بناء الفعل، هذا أحسن، لكن لو كسرت الظرف صار معربا الآن؛ لأنه مجرور، وبعده فعل مبني ما يصير فيه تناسب هنا، ها... ما فيه تناسب، إذن الأحسن أن الخطيب يقول: رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه، نكتفي بهاتين الفائدتين. والله أعلم.
نعم؟ الإعراب الأول تقول: (يوم) ظرف مبني على الفتح في محل جر، هذا هو الأرجح. يقول ابن مالك عن المسألة دي:
وابن................................ ... ...........................
هذا البناء
.............. أو أعرب ما كإذ قد أجري ... واختر بنا متلو فعل بني
اللي بعده فعل مبني يكون الراجح هو أيش؟ هو البناء.
.................................. ... واختر بنا متلو فعل بني
نعم هل يوجد أسئلة.
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ. سائل يقول: ما رأيكم في منظومة "الدرة اليتيمة" في النحو للمبتدئ؟ وما هو أفضل شرح لها؟ وهل شرحتها في إحدى دروسك؟
ج: لم أشرحها في أي درس من دروسي، ولكنها جيدة، هي من المنظومات الجيدة، ولها شرح مطبوع، لكني لا أذكر من الشارح، إن لها شرحا مطبوعا ما أذكر الشارح له، لكنها هي من النظم الجيد في النحو. نعم.
أحسن الله إليكم، سائل يقول: يذكر في كتب اللغة أن صيغة أفعل التفضيل تدل على تفضيل شيء على آخر، وعلى المقارنة بينهما، والمشاركة في أصل الصفة، كيف إذن يوجه قوله -تعالى-: { أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) } (1) ؟ وقولنا: "الله أكبر"؟ جزاكم الله خيرا.
__________
(1) - سورة المؤمنون آية : 14.(1/66)
ج: نعم، هي القاعدة في باب اسم التفضيل: أن الأصل من مجيئه هو عقد مقارنة بين شيئين اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر فيها. لكن يقرر النحويون مسألة، فيقولون: قد يخرج أفعل التفضيل أو اسم التفضيل عن أصلة، فلا يراد به التفضيل، وإنما يكون بمنزلة الصفة المشبهة، وهذا يا إخوان فيه أمثلة كثيرة في القرآن، وقد تتبعها فضيلة الشيخ محمد عبد الخالق عظيمة -عليه رحمة الله- في كتابه القيم "دراسات لأساليب القرآن الكريم"، تتبع الآيات اللي في القرآن التي ما أريد بها اسم التفضيل حقيقة وسردها، خذ مثلا قول الله -تعالى-: { وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ } (1) هل العبد المشرك فيه خيرية حتى يصير المؤمن خيرا منه؟ لا.
انظر مثلا إلى قول الله -تعالى-: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) } (2) هل يمكن إن الردّ إلى غير الله والرسول يكون فيه خيرية؟ لا. فأنا أنصح الأخ السائل هذا؛ لأجل أن يأخذ المسألة واضحة ويروي غليله منها، أنه يرجع لكتاب "دراسات لأساليب القرآن"، في باب أفعل التفضيل، وسيجد أمثلة كثيرة جدا، ومنها المثال اللي ذكرت، إذن قولنا: الله أكبر. ما هو أفعل التفضيل هنا على بابه، يصير المعنى الله كبير صفة مشبهة؟ نعم.
س: أحسن الله إليكم، يقول: هل يصح أن نعرب (بالله) في قولنا: (كفى بالله)، بأن (بالله) شبه جملة الجار، والمجرور في محل رفع برفع الفاعل؟
__________
(1) - سورة البقرة آية : 221.
(2) - سورة النساء آية : 59.(1/67)
ج: هذا ما يصلح؛ لأن اللي ييجي في محل رفع فاعل هو يعني ما... يعني ما في حرف جر أصلي، لكن حرف الجر الزائد أصلا ما له تأثير إلا في اللفظ فقط، إلا في اللفظ فقط، إذن هنا لفظ الجلالة هو الفاعل قطعا، لأن حرف الجر يؤثر باللفظ فقط، لكن المحل باق على أصله، فما دام أن لفظ الجلالة هو الفاعل، لا يؤثر عليه حرف الجر إلا بالنسبة للفظ فقط، فعلى هذا ما يصح الإعراب. نعم.
أحسن الله إليك، سائل يقول: فضلا، لو أعدتم توجيه الآية: { لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى } (1) بكونها مستأنفة وليست وصفية؟
ج: نعم، يعني قالوا: إنها مستأنفة؛ لأنها لو كانت وصفية لصار المعنى: { وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ } (2) والشيطان اللي ما يستطيع أن يتسمع، ما له داعي أن السماء تحفظ منه، إنما السماء تحفظ منين؟ ممن يتسمع، وعلى هذا تصير الآية: { وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) } (3) انتهت الجملة، { لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى } (4) هذا تصير جملة مستأنفة.
أحسن الله إليكم. يقول -أحسن الله إليكم-، سائل يقول: في قوله -تعالى-: { وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ } (5) هل الخبر آية أم الجار والمجرور؟
ج: الأصل الجار والمجرور، خذوها قاعدة يا إخوان، وهذه قد تشكل على بعض الطلاب بالإعراب: الجار والمجرور، أو الاسم المجرور بحرف جر أصلي ما يصير مبتدأ أبدا، ما يصير مبتدأ، لازم يصير خبرا، فهمتوا؟
__________
(1) - سورة الصافات آية : 8.
(2) - سورة الصافات آية : 7-8.
(3) - سورة الصافات آية : 7.
(4) - سورة الصافات آية : 8.
(5) - سورة يس آية : 37.(1/68)
يعني لو قلت مثلا: في الدار زيد. ما يصلح تقول: الدار مبتدأ لأنها هي الأول؛ لأن حرف الجر الأصلي يمنع من كون الكلمة مبتدأ، وعلى هذا (في الدار) خبر مقدم، وزيد مثلا هو المبتدأ المؤخر، فهنا قوله: { وَآَيَةٌ لَهُمُ } (1) ما يصلح هنا أن يكون (لهم) هو المبتدأ، بل (آية) هنا تكون هي المبتدأ، و(لهم): هي الخبر. ويمكن أن يعرب (آية): مبتدأ، و(لهم): صفة، ويكون (الليل) هو الخبر على أحد الأعاريب. أما على الإعراب اللي مر علينا فهو الليل: مبتدأ، وجملة نسلخ منه النهار: هي الخبر، والجملة مستأنفة... ما هي مستأنفة، تفسيرية؛ لقوله: (الليل).
أحسن الله إليكم سائل يقول: أرجو إعادة القاعدة: إذا جاء الاسم المحلى بعد اسم الإشارة ماذا يكون؟
ج: الاسم المحلى بعد اسم الإشارة يصح أن يعرب بدلا، أو عطف بيان، أو صفة، لكن إن كان مشتقا، فالأحسن أن يكون نعتا، مثل لو قلت: مررت بهذا القائم، القائم مشتق (اسم فاعل)، وإن كان جامدا، مثل: رجل، غلام، امرأة، فالأحسن أن يكون بدلا، أو عطف بيان، مثل لو قلت: مررت بهذا الرجل.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم.
متى يحذف حرف العلة لغير جازم
طيب، شوف أمثلة المؤلف قال نحو: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ } (2)
__________
(1) - سورة يس آية : 37.
(2) - سورة البقرة آية : 19.(1/69)
أو كصيب... هنا (أو): حرف عطف للتقسيم، وكصيب: هذا متعلق بمحذوف يستفاد من سياق الآية؛ لأن الله -جل وعلا- قال: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا } (1) هذا المثل الأول، ثم قال: (أو كصيب) إذن يصير التقدير: أو مثلهم كصيب. وإن جرينا على هذا الإعراب ها؟ سيكون كصيب: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ مقدر، التقدير: أو مثلهم كصيب. من السماء: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لـ (صيب). يعني: أو كصيب نازل من السماء. فيه: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة ثانية لـ (صيب)، ظلمات: فاعل للجار والمجرور. الإعراب الثاني ما هو؟
فيه: خبر مقدم، وظلمات: مبتدأ مؤخر، والجملة صفة ثانية، إذن الجار والمجرور هنا عمل الرفع، لماذا عمل الرفع؟ لأنه وقع صفة، يقولون: الجار والمجرور إذا وقع صفة يتقوى، وإذا تقوى صح أن يرفع غيره، أو وقع خبرا، أو وقع حالا، أو اعتمد على استفهام، أو اعتمد على نفي، يتقوى، مثال اللي يعتمد على استفهام، إذا قلت: يقول الله -تعالى-: { أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } (2) فالهمزة هنا للاستفهام، وفي الله: جار ومجرور متعلق بمحذوف، شك: فاعل للجار والمجرور.
الإعراب الثاني: في الله: خبر مقدم وشك مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب، وفاطر: صفة. ها... نعم؟ يعني: صفة لاسم الجلالة (لفظ الله) وهو مضاف، والسماوات مضاف إليه، والأرض معطوف عليه.
وبهذا يتبين لنا أن الاسم المرفوع بعد الجار والمجرور، أو الظرف، فيه إعرابان: إما أن يعرب مبتدأ، أو نأخذ الأعراب الأول اللي مشينا عليه: إما أن يعرب فاعلا، وهذا قول الحذاق من النحويين، وإما أن يعرب مبتدأ مؤخرا، والجار والمجرور أو الظرف الذي قبله خبرا مقدما، وبهذا نكون قد أنهينا هذه المسائل في باب الظرف والجار والمجرور.
من الفوائد التي نريد أن نذكرها:
__________
(1) - سورة البقرة آية : 17.
(2) - سورة إبراهيم آية : 10.(1/70)
تعرفون القاعدة: أن حرف العلة في الفعل المضارع لا يحذف إلا لدخول جازم. مثل لو قلت مثلا: محمد لم يدع، ولم يرض، ولم يرم. كيف تكتب لم يدع؟ عين فقط وعليها ضمة، ولهذا تقول في الإعراب: (يدع): فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الواو، والضمة قبلها دليل عليها، ومثله لم يرض، ومثله لم يرم.
الذي أريد أن أقوله لكم: إنه قد يحذف حرف العلة لغير جازم، إما لقصد التخفيف، أو لرعاية الفواصل، وهذا وجد في القرآن في مواضع، فمثلا في سورة هود: { يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ } (1) لو فتحت المصحف تجد (يأت) تاء فقط وتحتها كسرة، وين حرف العلة؟ حذف. هل فيه جازم هنا؟ ما فيه جازم. فيعلل العلماء بأن الحذف هنا للتخفيف. طيب كيف أعرب يأت؟ فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة رسما للتخفيف.
ومثل أيضا قول الله -تعالى- في سورة الكهف: { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } (2) أصله (نبغي)، مع أنه ما فيه جازم هنا، إذن نبغي: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخفيف. مثال ثالث وأخير: قول الله -تعالى- في سورة الفجر: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) } (3) بالوقف يعني، وبالوصل (يسرِ)، ما فيها ياء في المصحف، مع أن أصلها (يسري)، ولا فيه جازم هنا، فأين ذهبت الياء؟ يقولون: هنا حذفت الياء رعاية للفواصل، وهي { وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) } (4) إلى آخره، كلها آخرها كسر، فحذفت الياء رعاية للفواصل.
الفائدة الثانية:
نسمع في أيام العشر (عشر ذي الحجة) قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " الخطباء بعضهم يقول: كيومَ. وبعضهم يقول: كيومِ. فما الأرجح من هذين الإعرابين؟
__________
(1) - سورة هود آية : 105.
(2) - سورة الكهف آية : 64.
(3) - سورة الفجر آية : 4.
(4) - سورة الفجر آية : 1-3.(1/71)
الأرجح كيومَ، تكون الكاف حرف جر، ويوم: ظرف مبني على الفتح في محل جر، أما كيومِ الكاف: حرف جر، ويوم: اسم مجرور بالكاف وعلامة جره الكسرة. لكن الإعراب الأول أحسن، لماذا؟ الفعل اللي بعد يوم ما هو؟ (ولدَ) ولد: فعل ماض، وتعرف أن الفعل الماضي حكمه إنه مبني، فكونك تبني الظرف يتناسب مع بناء الفعل، هذا أحسن، لكن لو كسرت الظرف صار معربا الآن؛ لأنه مجرور، وبعده فعل مبني ما يصير فيه تناسب هنا، ها... ما فيه تناسب، إذن الأحسن أن الخطيب يقول: رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه، نكتفي بهاتين الفائدتين. والله أعلم.
نعم؟ الإعراب الأول تقول: (يوم) ظرف مبني على الفتح في محل جر، هذا هو الأرجح. يقول ابن مالك عن المسألة دي:
وابن................................ ... ...........................
هذا البناء
.............. أو أعرب ما كإذ قد أجري ... واختر بنا متلو فعل بني
اللي بعده فعل مبني يكون الراجح هو أيش؟ هو البناء.
.................................. ... واختر بنا متلو فعل بني
نعم.
أسئلة وردت على المحاضرة
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ. سائل يقول: ما رأيكم في منظومة "الدرة اليتيمة" في النحو للمبتدئ؟ وما هو أفضل شرح لها؟ وهل شرحتها في إحدى دروسك؟
ج: لم أشرحها في أي درس من دروسي، ولكنها جيدة، هي من المنظومات الجيدة، ولها شرح مطبوع، لكني لا أذكر من الشارح، إن لها شرحا مطبوعا ما أذكر الشارح له، لكنها هي من النظم الجيد في النحو. نعم.
أحسن الله إليكم، سائل يقول: يذكر في كتب اللغة أن صيغة أفعل التفضيل تدل على تفضيل شيء على آخر، وعلى المقارنة بينهما، والمشاركة في أصل الصفة، كيف إذن يوجه قوله -تعالى-: { أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) } (1) ؟ وقولنا: "الله أكبر"؟ جزاكم الله خيرا.
__________
(1) - سورة المؤمنون آية : 14.(1/72)
ج: نعم، هي القاعدة في باب اسم التفضيل: أن الأصل من مجيئه هو عقد مقارنة بين شيئين اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر فيها. لكن يقرر النحويون مسألة، فيقولون: قد يخرج أفعل التفضيل أو اسم التفضيل عن أصلة، فلا يراد به التفضيل، وإنما يكون بمنزلة الصفة المشبهة، وهذا يا إخوان فيه أمثلة كثيرة في القرآن، وقد تتبعها فضيلة الشيخ محمد عبد الخالق عظيمة -عليه رحمة الله- في كتابه القيم "دراسات لأساليب القرآن الكريم"، تتبع الآيات اللي في القرآن التي ما أريد بها اسم التفضيل حقيقة وسردها، خذ مثلا قول الله -تعالى-: { وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ } (1) هل العبد المشرك فيه خيرية حتى يصير المؤمن خيرا منه؟ لا.
انظر مثلا إلى قول الله -تعالى-: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) } (2) هل يمكن إن الردّ إلى غير الله والرسول يكون فيه خيرية؟ لا. فأنا أنصح الأخ السائل هذا؛ لأجل أن يأخذ المسألة واضحة ويروي غليله منها، أنه يرجع لكتاب "دراسات لأساليب القرآن"، في باب أفعل التفضيل، وسيجد أمثلة كثيرة جدا، ومنها المثال اللي ذكرت، إذن قولنا: الله أكبر. ما هو أفعل التفضيل هنا على بابه، يصير المعنى الله كبير صفة مشبهة؟ نعم.
س: أحسن الله إليكم، يقول: هل يصح أن نعرب (بالله) في قولنا: (كفى بالله)، بأن (بالله) شبه جملة الجار، والمجرور في محل رفع برفع الفاعل؟
__________
(1) - سورة البقرة آية : 221.
(2) - سورة النساء آية : 59.(1/73)
ج: هذا ما يصلح؛ لأن اللي ييجي في محل رفع فاعل هو يعني ما... يعني ما في حرف جر أصلي، لكن حرف الجر الزائد أصلا ما له تأثير إلا في اللفظ فقط، إلا في اللفظ فقط، إذن هنا لفظ الجلالة هو الفاعل قطعا، لأن حرف الجر يؤثر باللفظ فقط، لكن المحل باق على أصله، فما دام أن لفظ الجلالة هو الفاعل، لا يؤثر عليه حرف الجر إلا بالنسبة للفظ فقط، فعلى هذا ما يصح الإعراب. نعم.
أحسن الله إليك، سائل يقول: فضلا، لو أعدتم توجيه الآية: { لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى } (1) بكونها مستأنفة وليست وصفية؟
ج: نعم، يعني قالوا: إنها مستأنفة؛ لأنها لو كانت وصفية لصار المعنى: { وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ } (2) والشيطان اللي ما يستطيع أن يتسمع، ما له داعي أن السماء تحفظ منه، إنما السماء تحفظ منين؟ ممن يتسمع، وعلى هذا تصير الآية: { وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) } (3) انتهت الجملة، { لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى } (4) هذا تصير جملة مستأنفة.
أحسن الله إليكم. يقول -أحسن الله إليكم-، سائل يقول: في قوله -تعالى-: { وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ } (5) هل الخبر آية أم الجار والمجرور؟
ج: الأصل الجار والمجرور، خذوها قاعدة يا إخوان، وهذه قد تشكل على بعض الطلاب بالإعراب: الجار والمجرور، أو الاسم المجرور بحرف جر أصلي ما يصير مبتدأ أبدا، ما يصير مبتدأ، لازم يصير خبرا، فهمتوا؟
__________
(1) - سورة الصافات آية : 8.
(2) - سورة الصافات آية : 7-8.
(3) - سورة الصافات آية : 7.
(4) - سورة الصافات آية : 8.
(5) - سورة يس آية : 37.(1/74)
يعني لو قلت مثلا: في الدار زيد. ما يصلح تقول: الدار مبتدأ لأنها هي الأول؛ لأن حرف الجر الأصلي يمنع من كون الكلمة مبتدأ، وعلى هذا (في الدار) خبر مقدم، وزيد مثلا هو المبتدأ المؤخر، فهنا قوله: { وَآَيَةٌ لَهُمُ } (1) ما يصلح هنا أن يكون (لهم) هو المبتدأ، بل (آية) هنا تكون هي المبتدأ، و(لهم): هي الخبر. ويمكن أن يعرب (آية): مبتدأ، و(لهم): صفة، ويكون (الليل) هو الخبر على أحد الأعاريب. أما على الإعراب اللي مر علينا فهو الليل: مبتدأ، وجملة نسلخ منه النهار: هي الخبر، والجملة مستأنفة... ما هي مستأنفة، تفسيرية؛ لقوله: (الليل).
أحسن الله إليكم سائل يقول: أرجو إعادة القاعدة: إذا جاء الاسم المحلى بعد اسم الإشارة ماذا يكون؟
ج: الاسم المحلى بعد اسم الإشارة يصح أن يعرب بدلا، أو عطف بيان، أو صفة، لكن إن كان مشتقا، فالأحسن أن يكون نعتا، مثل لو قلت: مررت بهذا القائم، القائم مشتق (اسم فاعل)، وإن كان جامدا، مثل: رجل، غلام، امرأة، فالأحسن أن يكون بدلا، أو عطف بيان، مثل لو قلت: مررت بهذا الرجل.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم.
أدوات الإعراب
الكلام الآن في الباب الثالث والأخير في هذه الرسالة المختصرة، وموضوعه: ما يقال عند ذكر الأدوات التي يكثر دورها في الكلام
يقول رحمه الله: وهي خمس وعشرون يقال في الواو: حرف عطف لمطلق الجمع. الحرف الثاني: (حتى) حرف عطف لمطلق الجمع والغاية.
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد
__________
(1) - سورة يس آية : 37.(1/75)
الكلام الآن عن الباب الثالث والأخير في هذه الرسالة المختصرة وموضوعه ما يقال عند ذكر الأدوات التي يكثر دورها في الكلام ابن هشام -رحمه الله تعالى- رأى بسعة اطلاعه وما يحتاجه الطالب في الإعراب، فوجد أن هناك أدوات يتكرر ذكرها في الإعراب، ويحتاجها الطالب في غالب ما يطلب من الإعراب، فرأى أن يجمع من هذه الأدوات ما يحتاجه الطالب، ويبين العبارة التي تقال في إعراب كل أداة، والنحويون عندما يعبرون بالأدوات، يريدون ما يشمل الأسماء والحروف، فمثلا: (قد) أداة، وهي حرف، و(من) الشرطية أداة، وهي اسم.
فقول ابن هشام هنا: " الأدوات ". يشمل الحروف والأسماء. ولا بد أن تعلم أن هناك فرقا بين قولنا: هذه الأداة اسم، أو هذه الأداة حرف. إن كانت حرفا، فليس لها محل من الإعراب، أما إن كانت اسما، فأنت مطالب ببيان موقعها من الإعراب. وهذه الأدوات التي ذكرها ابن هشام، منها ما هو حروف ليس له محل من الإعراب، ومنها ما هو أدوات لها محل، أو أسماء لها محل من الإعراب.
يقول -رحمه الله-: وهي خمس وعشرون
وفي المطبوع عندكم: خمسة وعشرون. والظاهر أن هذا خطأ مطبعي موجود في بعض النسخ، لكن بالرجوع للمخطوطة، فيها خمس وعشرون. ثم هذا هو الموافق للقاعدة: وهي أن العدد من ثلاثة إلى عشرة عكس المعدود؛ لأن التقدير: وهي خمس وعشرون أداة. وإن كان للعلماء كلام في العدد إذا حذف تمييزه، العدد إذا حذف تمييزه، أنه يجوز فيه التذكير ويجوز فيه التأنيث، إذا كان التمييز غير موجود.(1/76)
المقصود أن الموجود في المخطوطة: وهي خمس وعشرون. يقال في الواو: حرف عطف لمطلق الجمع. المراد بالجمع: التشريك بين المتعاطفين في الحكم. هذا مراد النحويين بالجمع التشريك بين المتعاطفين في الحكم، فإذا قلت: نجح خالد ومحمد. فما الذي أفادته الواو؟ أفادت الجمع بين المعطوف وهو محمد، والمعطوف عليه وهو خالد في الحكم، جمعت بينهما في الحكم، هذا معنى كونها لمطلق الجمع، وهذا يدل على أن الواو ليس لها علاقة بالترتيب ولا عدم الترتيب، الواو ما تدل على ترتيب ولا على عدم ترتيب، إلا إن وجد قرينة؛ لأنك إذا قلت: جاء خالد وعمرو. الواو تدل على أنهما اشتركا في المجيء، لكن هل تدل الواو على أن خالدا هو الأول؟ أو أن عمرا هو الأول؟ أو أنهما جاءا معا؟ الواو لا تدل على شيء من ذلك؛ ولهذا قال العلماء: إن الواو تعطف المصاحب، وتعطف اللاحق، وتعطف المتأخر.
فأنت مثلا إذا نظرت إلى قول الله -تعالى-: { فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ } (1) أين المعطوف؟ "أصحاب السفينة". المعطوف عليه؟ الهاء، في قوله: { فَأَنْجَيْنَاهُ } (2) عطفت ماذا؟ عطفت المصاحب؛ لأن إنجاء نوح -عليه الصلاة والسلام- وأصحاب السفينة، كان في آن واحد، فيقال: إنها عطفت المصاحب.
إذا مثلا نظرت إلى قول الله -تعالى-: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ } (3) المعطوف (إبراهيم)، المعطوف عليه (نوحا). ما زمن إبراهيم بالنسبة إلى نوح عليهما الصلاة والسلام؟ متأخر ولّا لا؟ إذن عطفت المتأخر، عطفت المتأخر.
__________
(1) - سورة العنكبوت آية : 15.
(2) - سورة العنكبوت آية : 15.
(3) - سورة الحديد آية : 26.(1/77)
إذا مثلا نظرت إلى قول الله -تعالى-: { كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ } (1) { وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ } (2) هذا هو المعطوف، اللي من قبل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة للرسول - صلى الله عليه وسلم - متقدمون، إذن هنا عطفت المتقدم.
والخلاصة: أن الواو في أصل وضعها في اللغة العربية لمطلق الجمع، أما الدلالة على الترتيب أو عدم الترتيب، فهذا يحتاج إلى قرينة.
الثاني: الحرف الثاني: (حتى) حرف عطف لمطلق الجمع والغاية.
حتى العاطفة تفيد شيئين: تفيد الجمع بين المتعاطفين في الحكم، وتفيد معنى ثانيا، وهو الدلالة على الغاية، والمراد بالغاية النهاية، مثل لو قلت: وصل الحجاج مزدلفة حتى المشاة، فهنا حتى أفادت شيئين: أولا الجمع، أنها جمعت بين المعطوف وهو (المشاة)، والحجاج والمقصود بهم الراكبون، جمعت بينهما في الوصول، يعني: كلهم وصلوا. المعنى الثاني: أنها دلت على الغاية والنهاية، فإذا سمعت قائلا يقول: وصل الحجاج إلى مزدلفة حتى المشاة. تستفيد أنه لم يبق في عرفة أحد؛ لأنها دلت على الغاية وعلى النهاية، وعلى هذا نقول في الإعراب: وصل: فعل ماض مبني على الفتح والحجاج فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، حتى: حرف عطف مبني على السكون لا محل له من الإعراب، المشاة: معطوف على (الحجاج)، والمعطوف على المرفوع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
__________
(1) - سورة الشورى آية : 3.
(2) - سورة الشورى آية : 3.(1/78)
ولعل من باب الفائدة أن أقول لكم: إن (حتى) في اللغة العربية أربعة أنواع؛ حتى تعرف مواضعها عند الإعراب، وكأن ابن هشام أراد الاختصار وإلا لذكرها، النوع الأول: هو حتى العاطفة التي سمعتم، النوع الثاني: حتى الجارة للاسم الصريح، كما في قول الله -تعالى-: { سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) } (1) فحتى: حرف جر، ومطلع: اسم مجرور بـ(حتى) وعلامة جره الكسرة الظاهرة. فحتى من حروف الجر، لكنها هنا جرت الاسم الصريح، يعني: غير المؤول.
النوع الثالث: (حتى) الجارة للاسم المؤول، من أن المصدرية والفعل المضارع، والفرق بين حتى الثانية والثالثة: أن حتى الثانية تذكر في باب حروف الجر، لكن حتى الثالثة وإن كانت جارة، لكنها تذكر مع نواصب الفعل المضارع -مع نواصب الفعل المضارع -، كما في قول الله -تعالى-: { لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) } (2) فحتى: حرف غاية وجر، يرجع: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد حتى، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، إلينا: جار ومجرور متعلق بأيش؟ بـ(يرجع)، موسى: فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بـ(حتى)، ويكون التقدير -والله أعلم-: لن نبرح عليه عاكفين حتى رجوع موسى.
إذن حتى هنا صارت النهاية أنها جارة، لكن ما فرقها عن الجارة الثانية اللي قبله؟ الثانية جرت الاسم الصريح، والثالثة جرت المصدر المؤول، والتفريق بينهما: إذا رأيت (حتى) بحروف الجر، اعرف أنها هي الجارة للاسم الصريح، وإذا رأيتها مع نواصب الفعل المضارع، اعرف أنها هي الجارة للمصدر المؤول.
__________
(1) - سورة القدر آية : 5.
(2) - سورة طه آية : 91.(1/79)
النوع الرابع لـ(حتى): (حتى) الابتدائية. وحتى الابتدائية هي التي تدخل على الجملة الاسمية، وتكون الجملة التي بعدها مستأنفة لا محل لها من الإعراب، هذه تسمى (حتى الابتدائية). ومن أمثلتها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث الصحيح المتفق عليه: " ما يصيب المؤمن من هم ولا حزن ولا نصب ولا أذى، حتى الشوكةُ يشاكها، إلا كفر الله بها خطاياه ".
فحتى هنا ابتدائية، الشوكة مبتدأ، إذا قيل: ابتدائية معنى اللي بعدها مبتدأ مرفوع وعلامة رفع الضمة الظاهرة على آخره، وجملة يشاكها خبر المبتدأ الجملة، صغرى ولّا كبرى؟ ها...؟ صغرى، وجملة الشوكة (يشاكها) كبرى. ويشاك: فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو، يعود على المؤمن مستتر جوازا. والهاء مفعول، والجملة من المبتدأ، والخبر جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب، وحتى كما قلنا هي حتى الابتدائية.
من أدوات الإعراب (الفاء)
الحرف أو الأداة الثالثة، قال: وفي (الفاء): حرف عطف للترتيب والتعقيب.
يعني أن الفاء تفيد شيئين: الترتيب، ومعناه: مجيء الثاني بعد الأول. هذا معنى الترتيب: مجيء الثاني بعد الأول. والتعقيب: مجيء الثاني بعد الأول بلا مهلة. يعني: بلا فاصل زمني. تقول: دخل محمدٌ فعمرو. إذا كان دخول عمرو بعد محمد مباشرة، هذا معنى أنها للترتيب والتعقيب.
ويقول النحويون: إن التعقيب في كل شيء بحسبه، فأنت يصح أن تقول: ( دخل محمد فعمرو ) إذا كان وراءه مباشرة، ويصح أن تقول: ( دخلت المدينة فمكة ) إذا لم يكن بين مكة والمدينة إلا الطريق، لكن لو فرض أنك جلست بالمدينة ما يصلح العطف بالفاء هنا، لكن مع هذا أنت تقول: دخلت المدينة فمكة، فيه فاصل بين مكة والمدينة، فيه فاصل الذي هو الطريق.(1/80)
طيب كيف أفادت الفاء الترتيب والتعقيب مع أنه فيه فاصل؟ لأنهم يقولون الفاصل في كل شيء بحسبه، ويقصدون أنه مثل المثال، هذا لا بد من الفاصل؛ لأنه ما في إنسان يدخل المدينة فمكة إلا بواسطة الطريق بينهما، ومن أمثلتهم التي يقولونها إنها صحيحة، يقولون: تزوج محمد فولد له، مع أنه بين الزواج والولادة على أقل تقدير تسعة أشهر.
لكن يقولون التعقيب في كل موضع بحسبه، ويدل على هذا قول الله -تعالى-: { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) } (1) مع أنه ما هو على طول يموت؛ الميت يدفن، يغسل، يكفن ويصلى عليه، وقد يجلس مدة كما في هذا الزمن قبل ما يدفن لانتظار فُلان وَلَّا عِلَّان، لكن لماذا جاءت تلك؟ دليل على أنه ما في بعد الوفاة إلا القبر، هذا معنى قولهم: "التعقيب في كل شيء بحسبه".
من أدوات الإعراب (ثم)
الأداة الرابعة ثم: حرف عطف؛ للترتيب والمهلة.
الترتيب مر معناه، المهلة مجيء الثاني بعد الأول بفاصل زمني، ولهذا قال -تعالى-: { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) } (2) ؛ لأن الزمن بين الموت والبعث والنشور طويل، فجاءت ( ثم )، فأنت تقول: ( دخل زيد ثم عمرو )، إذا كان بينهما فاصل زمني.
من أدوات الإعراب (قد)
الخامسة ( قد ): قال: وفي ( قد ) حرف تحقيق وتوقع وتقليل.
__________
(1) - سورة عبس آية : 21.
(2) - سورة عبس آية : 21-22.(1/81)
المراد بـ ( قد ) هنا هي قد الحرفية، وكأن ابن هشام أعرض عن ( قد ) الاسمية لقلة وجودها في الكلام، التي يكثر ورودها في الكلام هي ( قد ) الحرفية، ( قد ) الحرفية على حسب السياق تفيد واحدا من هذه المعاني الثلاثة: إما أن تفيد التحقيق، وهذا إذا دخلت على الفعل الماضي والمضارع، وأقوى ما تكون إذا دخلت على الفعل الماضي، بل هذا أكثر مواضعها، قال الله -تعالى-: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) } (1) الإعراب: ( قد ): حرف تحقيق مبني على السكون لا محل له من الإعراب، ( أفلح ): فعل ماضٍ مبني على الفتح، و( المؤمنون ) فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم، ( والنون ) عوض عن التنوين في الاسم المفرد.
و( قد ) تكون في المضارع كما في قول الله -تعالى-: { * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ } (2) وكما في قوله -تعالى-: { قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ } (3) فقد ذكروا أن ( قد ) في مثل هاتين الآيتين وإن كانت داخلة على فعل مضارع لكنها للتحقيق.
الثاني: ( التوقع )، وهي تدخل على الفعل الماضي، والتوقع في الفعل المضارع أكثر، ومن التوقع في الفعل الماضي قول المقيم: ( قد قامت الصلاة )؛ لأن الجماعة في المسجد يتوقعون وينتظرون، فتكون في قوله: ( قد قامت الصلاة ) تفيد ماذا؟ التوقع، يعنى ما كانوا يتوقعونه حصل، وتكون في الفعل المضارع، وهذا هو الغالب والكثير، للتوقع، تقول مثلا: ( قد ينزل المطر )، ( قد يأتي محمد )، فهنا تفيد التوقع.
المتكلم الذي يقول الكلام بها يتوقع فتكون حرف ( قد ) إذا أردت الإعراب ( قد ) حرف توقع، و( قام ) فعل ماض مبنى على الفتح، و( التاء ) للتأنيث، وحركت بالكسر لالتقاء الساكنين و( الصلاة ) فاعل.
__________
(1) - سورة المؤمنون آية : 1.
(2) - سورة الأحزاب آية : 18.
(3) - سورة النور آية : 64.(1/82)
المعنى الثالث ( لقد ) قال إيش؟ التقليل، التقليل خاص بالفعل المضارع، خاص بالفعل المضارع، مثاله: ( قد يصدق الكذوب )، ( قد يجود البخيل )، فهنا ماذا تفيد ( قد )؟ تفيد التقليل؛ يعني أن الكذوب وإن صدق لكن صدقه في مقابل كذبه قليل، والبخيل قد يجود بشيء من المال ولكن جوده بمقابل بخله قليل.
ونازع بعض النحويين في دلالة ( قد ) على التقليل، وقال إن ( قد ) لا تفيد التقليل، وإنما التقليل مستفاد من السياق، فإنك لو قلت: ( يجود البخيل ) معلوم التقليل بدون قد, ولو قلت: ( يصدق الكذوب ) معلوم التقليل بدون قد، والخطب في هذا سهل، إن جاءت قد فهي تدل على التقليل، وإن ما جاءت فالكلام يفيد التقليل، وعند الإعراب تقول: ( قد ) حرف تقليل مبني على السكون لا محل له من الإعراب، ( يجود ): فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، ( والبخيل ) فاعل.
من أدوات الإعراب (السين وسوف)
الحرف الذي يليه قالوا: وفي ( السين ) و( سوف ) حرف استقبال، وهو خير من قول كثير منهم: حرف تنفيس.
أولا: معنى التنفيس هو التوسيع؛ لأن السين وسوف تنقلان المضارع من زمن الحال الضيق إلى الزمن المستقبل الواسع، فأنت إذا قلت لزميلك: (أزورك إن شاء الله ) هذا قد يدل على الحال وعلى المستقبل, لكن إذا قلت: "سأزورك إن شاء الله"، العرب في كلامهم -يا إخوان- عندهم تذوق للأساليب، أما نحن فسدت ألسنتنا وما صرنا نميز بين هذا اللفظ وهذا اللفظ، بل صرنا ننتقد بعض الأساليب اللغوية ونقول: كيف تدل على كذا، كيف تدل على كذا.
والعيب فينا على حد قول الشاعر:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ ... وينكر الفم طعم الماء من سقم
فالعرب إذا قال الواحد منهم: ( سأزورك ) دل على أنه فسح المجال، بل بعض النحويين إذا قال: ( سوف أزورك ) يدل على أنه فسح المجال أكثر؛ لأن البصريين يقولون: دلالة ( سوف ) على الاستقبال أوسع من دلالة ( السين ) على الاستقبال.(1/83)
أما الكوفيون يقولون لا: ( هما ) بمعنى واحد، الاستقبال، المقصود -يا إخوان- أن ( السين ) و( سوف ) عند الإعراب تقول: حرف استقبال، فإذا قلت: ( سأزورك ) السين حرف استقبال مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، و( أزور ) فعل مضارع، ( سوف أزورك ) ( سوف ) حرف استقبال، و( أزورك ) فعل مضارع مرفوع.
وابن هشام يقول: إن التعبير بالاستقبال خير من التعبير في التنفيس لماذا؟ لأنه أوضح؛ لأن بعض الناس فئة تقول: حرف تنفيس، ما يدري إيش المعنى، لكن إذا قلت: حرف استقبال فهم المراد، وقد علمتم أن تأثير ( السين ) و(سوف ) على الفعل المضارع أنهما ينقلانه من زمن الحال الضيق إلى زمن الاستقبال الواسع.
هناك فرق بين ( السين ) و( سوف ) من وجهين: فرق مختلف فيه، قلته لكم ما هو؟ ها؟ أنت ها.. أحسنت، وهو أن ( سوف ) أوسع في الاستقبال من السين، هذا مختلف فيه، أما الفارق الثاني المجمع عليه فهو أن ( سوف ) تدخل عليها اللام كما في قول الله -تعالى-: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) } (1) وهي إما لام الابتداء، أو واقعة في جواب قسم مقدر.
أما السين فلا تدخل عليها اللام، وهنا فائدة، يقولون: لا يجمع بين السين وهل؛ لأن أصل ( هل ) تخلص المضارع للاستقبال، ولهذا ما يصح أن تقول لزميلك: ( هل ستأتي ) ما دام أنك أتيت بـ ( هل ) يكون الصواب في التعبير أن تقول ها.. ( هل تأتي ) ولا تأتي بـ ( السين ) التي تدل على الاستقبال؛ لأنه وجود ( هل ) التي يقولون: إنها إذا دخلت على الفعل المضارع خلصته للاستقبال.
من أدوات الإعراب (لم)
والأداة التي تليها ( لم ) حرف جزم لنفي المضارع وقلبه ( ماضيا ).
__________
(1) - سورة الضحى آية : 5.(1/84)
نعم، يعني: إن ( لم ) تؤثر على المضارع تأثيرا لفظيا، وهو الجزم، وتأثيرا معنويا، وهو النفي، وقلب معناه ( من الاستقبال إلى الماضي )، فإذا قلت: ( يحضر الضيف ) هذا مضارع يدل على الحال، يعني: يمكن الآن يحضر، ويدل على الاستقبال، لكن إذا قلت: ( لم يحضر الضيف ) الذي حصل أن ( لم ) قلبت الفعل المضارع من المستقبل إلى الماضي؛ لأنك أنت عندما تقول: ( لم يحضر الضيف ) تقصد لم يحضر في الزمن الماضي.
ولهذا يقولون في إعراب: ( لم يحضر الضيف )، ( لم ): حرف نفي وجزم وقلب، ( يحضر ): فعل مضارع مجزوم بـ (لم) وعلامة جزمه السكون، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين، ( لم يحضرِ الضَّيفُ ) ( والضيف ) فاعل مرفوع بالضمة، هذه ( لم ).
من أدوات الإعراب (لما)
الأداة التي تليها، قال: ويزاد في ( لما ) النافية، ويقال: متصلٌ نفيه متوقعٌ ثبوته.
( لمَّا ) يقول: النافية، ليه قال: النافية؟ لأن فيه ( لما ) ستأتي غدا إن شاء الله هي ( لما ) الشرطية التي تسمى ( لما ) الوجودية، أما التي معنا الآن فهي ( لما ) النافية، ( لما ) النافية مثل ( لم ) حرف نفي وجزم وقلب، لكن تختلف عن ( لم ) في شيئين:
الأول: قال عنها: ( متصلٌ نفيه ) يعني أن المنفي بـ ( لما ) متصل إلى زمان النطق، يعني وأنت تنطق بالكلام المنفي موجود، مثاله بل يوضحه: ( لما تشرق الشمس ) يعني: إذا كان باقي على الإشراق مثلا دقيقة أو دقيقتين، وقلت: ( لما تشرق الشمس ) يعني: عدم الإشراق الذي هو النفي متصل إلى وقت النطق إلى زمن الحال.
((1/85)
متوقعٌ ثبوته ) طبعا إذا كان متصل هذا النفي إلى زمن الحال فمعنى هذا أن الثبوت متوقع، ولهذا يصح أن تقول: ( لما تشرق الشمس ) وقد أشرقت، فأنت نفيت إلى زمن النطق ثم المنفي انتهى، طلعت الشمس، ولهذا قال -تعالى- في سورة ص: { بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) } (1) يعني إلى الآن، إلى زمن نزول الآية ما ذاقوا العذاب، ولكن ذوقهم للعذاب متوقع.
ومنه أيضا قول الله -تعالى-: { وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } (2) يعني إلى نزول الآية ما دخل الإيمان في قلوبهم، ولكنه متوقع، فيقولون: إن ( لما ) تدل على شيئين:
الشيء الأول: أن منفيَّها متصل إلى زمن النطق، هذا لا بد منه.
لا بد وأنت تتكلم بـ ( لما ) يصير الشيء اللي تريد تنفيه ما زال النفي، يعني لا زال النفي مستمرا إلى نطقك.
الأمر الثاني: أن الثبوت الذي هو زوال النفي أنه إيش؟ متوقع؛ ولهذا يصح أن تقول: ( لما يحضر الضيف )، وقد يحضر، يعني حضوره متوقع.
ولهذا يقولون إنك ما تنفي بـ ( لما ) إلا شيء متوقع، إذا كان مجيء الضيف قريبا يصح أنك تقول: ( لما يحضر الضيف )، وقد يحضر، هذان المعنيان زيادة على المعاني الثلاثة في ( لم )، وبهذا تكون ( لما ) تدل على خمسة أشياء: ( الجزم - والنفي - والقلب - واتصال نفيها إلى زمن الحال "يعني إلى زمن النطق" - وتوقع ثبوته ).
من أدوات الإعراب (لن)
وفي ( لن ) حرف نفي ونصب واستقبال.
__________
(1) - سورة ص آية : 8.
(2) - سورة الحجرات آية : 14.(1/86)
حرف نفي، نعم تفيد ( لن ) النفي، ( ونصب ): تنصب الفعل المضارع بنفسها، ( واستقبال ): تخلص الفعل المضارع للمستقبل، بدل ما هو يصلح للزمن الحاضر إذا دخلت عليه صار للمستقبل، كما في قول الله -تعالى-: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } (1) ( لن ) حرف نفي ونصب واستقبال، ( تنالوا ) فعل مضارع منصوب بـ ( لن ) وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأمثلة الخمسة، ( واو الجماعة ) ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، ( والألف ) فارقة، إشمعنا فارقة؟ أحسنتم، يعني: تفرق بين الواو الأصلية وبين واو الجماعة.
( لن تنالوا البر )، ( البر) -نعم- مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، ( حتى ) رجعت علينا حتى مرة ثانية، أي الحتاءات هذا؟ ها.. نعم، هذه حتى التي تجر المصدر المؤول، يا إخوان خذوها قاعدة، إذا دخلت حتى على الفعل المضارع ونصبته -نعم - تعلم أنها جارة للمصدر المؤول، ولهذا نقول: "حتى تنفقوا": فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد ( حتى )، وهو منصوب بحذف النون كالذي قبله، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بـ ( حتى )، والتقدير -والله أعلم- "لن تنالوا البر حتى إنفاقكم مما تحبون" يعني إلى أن تنفقوا مما تحبون، هذا مثال ( لن ).
من أدوات الإعراب (إذن)
كم من الأدوات أخذنا؟ العاشرة وَلَّا الحادية عشرة؟ هذا العاشر، ( إذن ) طيب.
قال: وفي ( إذن ) حرف جوابٍ وجزاءٍ ونصب.
( إذن ) لا تذكر إلا مع نواصب الفعل المضارع، هذا ما كانت كتب النحو يذكرونه مع نواصب الفعل المضارع.
فإذا قال لك زميلك: ( سأزورك غدا إن شاء الله ) فقلت له: ( إذن أكرمك )، الذي حصل أولا أنك أجبته؛ لأنه لما قال لك: سأزورك غدا، لو أنك سكتَّ ما يدري هل أنت وافقت على الزيارة وَلَّا لأ، فلما قلت: ( إذن أكرمك ) كأنك أجبته بالموافقة؛ ولهذا يقول عندك إيش؟ حرف جواب.
__________
(1) - سورة آل عمران آية : 92.(1/87)
الأمر الثاني: أنك جعلت جزاء مجيئه الإكرام، ولهذا يقول: وجزاء.
الثالث: نصب، وهي تنصب المضارع بنفسها، فتقول في الإعراب: ( إذن ) حرف جواب وجزاء ونصب، ( أكرم ) فعل مضارع منصوب بـ ( إذن ) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، ( والفاعل ) ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا، ( والكاف ) ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.
( إذن أكرمك ) لكن لعل من باب الفائدة أن نقول لكم: إن إذن ما تنصب الفعل المضارع إلا بثلاثة شروط، إذا اختل واحد منها ترفع الفعل المضارع الذي بعدها ولا يجوز لك أن تنصبه:
الشرط الأول: أن تكون مصدرة، ومعنى مصدرة يعني في أول جملتها، أما لو تأخرت ما يصلح، ففي المثال الذي مر تصدرت، يعني: صارت في أول جملتها، فلو قلت في المثال السابق: ( أخي إذن يكرمك ) ما يصلح النصب هنا؛ لأنها لم تتصدر بل سبقت بكلام، يرفع الفعل المضارع بعدها، تقول: ( يكرمُك ) ولا تقل: ( يكرمَك ).
الشرط الثاني: الشرط الثاني من شروط ( إذن ) أن يكون المضارع بعدها مستقبلا، أما لو كان للحال يرفع، مثل لو إنسان حدثك بحديث فلما انتهى من حديثه قلت: ( إذن أصدقك ) تقصد إذن أصدقك الآن، ولا إذن أصدقك غدا، الآن، إذن الفعل الذي بعد إذن هو مستقبل ولا للحال؟ للحال، ولا يمكن إنسان يحدثك بكلام وتقول: غدا إن شاء الله أصدقك هذا ما يصلح، إنما الآن تصدقه أو تكذبه. إذن ما حكم المضارع بعد إذن؟ لا بد أن يرفع لأنه غير مستقبل.
الثالث: ألا يفصل بينها وبين المضارع بفاصل، فإن فصل بينها وبين المضارع بفاصل رفع المضارع، فلو قلت مثلا المثال السابق: ( إذن أخي يكرمك )، ( إذن أخي يكرمك )، حصل بينه وبين المضارع فاصل، لا تؤثر في المضارع يكونُ مرفوعا، لكن استثنوا فاصلا واحدا لا يؤثر وهو ( القسم )، القسم لا يؤثر، فتقول في المثال السابق: ( إذن والله أكرمَك ) بالنصب؛ لأن الفصل بالقسم كلا فصل.
من أدوات الإعراب (لو)(1/88)
الأداة الأخيرة في درس الليلة ( لو ) وما أدراك ما لو.
يقول ابن هشام: لو: حرفٌ يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه
وهو خير من قول كثير منهم ( حرف امتناع لامتناع ) وأظنني وعدتكم بهذا في ليلة مضت.
الكلام على ( لو ) فيه نوع من الدقة، ( فألقي نحو ما أقول السمع وأجمع حواف الكلمات جمعا ) الآن نحن محتاجون إلى شيئين: إثبات صحة عبارة: " حرف امتناع لما يليه واستلزامه لتاليه "، وتفنيد عبارة " حرف امتناع لامتناع "، ولكن يبدو لي أنه أحسن وسيلة هي عرض الأمثلة أولًا، فسأعرض الآن عددًا من الأمثلة ومن خلالها نستنتج القاعدة.
لو قلت: ( لو جاء زيدٌ لأكرمته )، هنا دلت ( لو ) على شيئين: الشيء الأول: امتناع الشرط، أين شرطها؟ يعني فعل الشرط، ( جاء زيد ) هذا فعل الشرط، طيب الذي يقول لك: ( لو جاء زيد ) تفهم إن زيد جاء ولا ما جاء؟ ما جاء، ولهذا يقول النحويون- أقول النقطة دي طالما أنها مهمة- يقولون: إن ( لو ) تفيد أن الشرط ممتنع دائما، الشرط ممتنع دائما، ما وقع، لأن من قال لك: لو كان كذا فهمت أنه ما وقع، الظاهر -يا إخوان- الذي يقول لك: ( لو كان كذا ) تفهم أنه ما وقع شيء، فالذي يقول لك: ( لو جاء زيد ) معناه أنه ما جاء.
إذن نقول ( لو ) دلت على ( شيئين ):
الشيء الأول: امتناع تاليها. ما المراد بتاليها عندك في المثل؟ علق على قول تاليها، اكتب المراد بتاليها هو الشرط، أو ما يليها -امتناع ما يليها- تاليها - ها.. طيب، إذن ( لو ) تدل على أن فعل الشرط الممتنع كذا ولا لأ، طيب، نجيء للجواب، يا إخوان الجواب هو الذي فيه الإشكال بالعبارة التي ذكرها ابن هشام، الآن مثالنا هذا الجواب حاصل ولا ممتنع؟ ممتنع ولا لأ؟ إذن لو ما باللغة العربية إلا هذا المثال، صح أن نقول ( لو ) حرف امتناع لامتناع، امتنع الإكرام لامتناع المجيء، طيب.(1/89)
لكن على عبارة ابن هشام المجيء يستلزم الإكرام، المجيء لو حصل يستلزم الإكرام, يستلزم ولّا كان يقول الذي يقول ( لو جئتني لأكرمتك ) يصير يكذب! هذا الأمر الثاني الذي تدل عليه ( لو ) وهو أن شرطها يستلزمها جوابها، يعني يستدعي جوابها، يعني أن المجيء ماذا يستلزم؟ الإكرام، ويستدعي الإكرام ويقتضي الإكرام.
الخلاصة إذن: ( لو جاء زيدٌ لأكرمته ) دلت ( لو ) على شيئين:
الشيء الأول: أن شرطها ممتنع. واضح يا إخوان.
الثاني: أن شرطها يستلزم جوابها؛ لأن قوله: "واستلزام ما يليه"، ما المراد بالذي يليه، الجواب "الذي يليه"، يلي ماذا؟ الذي يلي فعل الشرط، وجواب الشرط، واضح هذا، طيب.
وعرفتم أن بهذا المثال لا يصح أن يقول: إنها حرف امتناع لامتناع، طيب.
مثال ثاني ( لو كانت الشمس موجودة كان النهار موجودا ) الآن نحن نقول ( لو كانت الشمس موجودة كان النهار موجودا ) اللي يقول لك: لو كانت الشمس موجودة يدل على أنها غير موجودة، ها.. يدل على أنها غير موجودة.
إذن ( لو ) حرف امتناع، إذن وجود الشمس ممتنع، لا تنسوا -يا إخوان- أن ( لو ) دائما تفيد أن الشرط ممتنع، يعني ما وجد، طيب. ( كان النهار موجودا ) وجود الشمس يستلزم وجود النهار، هل يوجد نهار بدون شمس؟ إذن المثال ده مثل المثال الذي قبله، وجود الشمس يستلزم وجود النهار، كما أن وجود المجيء يستلزم وجود الإكرام.
أما ظهر لكم، إذن المثال الثاني يدل على أن ( لو ) تفيد شيئين:
امتناع تاليها اللي هو الشرط واستلزامه لما، لما يليها، طيب.
مثال ثالث: ( لو كانت الشمس موجودة كان الضوء موجودا ) الشرط حاصل ولا ممتنع؟ ممتنع، طيب.
وجود الشمس يستلزم وجود الضوء، واضح هذا؟ طيب.
سنرجع الآن مرة ثانية إلى الأمثلة.
المثال الأول: قلنا ( لو جاء زيدٌ لأكرمته ) امتنع الإكرام، يمتنع الإكرام لامتناع المجيء؟ صح ولا لأ؟ طيب.(1/90)
المثال الثاني: يمتنع وجود النهار لعدم وجود الشمس، صح؟ هل يمتنع وجود الضوء لعدم وجود الشمس، ولا قد لا توجد الشمس ويوجد ضوء؟ قد لا توجد الشمس ويوجد ضوء، الآن أنتم شوفوا ما في ضوء الآن، في ضوء مع أن الشمس ما هي موجودة.
إذن، لا ما هو المقصود ضوء الشمس، المقصود ضوء في الكون عموما، لا لا، الضمير الله يهديك، الضمير الآن ( لو جاء زيدٌ لأكرمته ) الآن المتكلم هو الذي يتكلم بهذا الكلام، وقول: ( لأكرمته )( الضمير يعود على زيد، ها.. طيب.
خذ الآن الكلام وبعدين اللي يناقش ما فيه مانع، يناقش ويسأل.
إذن صار المثال الأخير ينقض القاعدة لمرات، إن ( لو ) ما هي حرف امتناع لامتناع، إلا لو كان يمتنع الضوء لامتناع الشمس، لكن قد يوجد ضوء مع أن الشمس ممتنعة واضح؟ طيب.
مثال آخر يوضح هذه النقطة بالذات: ( لو ركب المسافر الطائرة لبلغ غايته ) يعني قضى شغله.
طيب ( لو ركب المسافر ) معناه ما ركب، إذن حرف امتناع، امتنع الشرط، يستلزم أنه ما يبلغ غايته؟ ها.. بنفس المثال ذاته بأنه ما يبلغ غايته، لكن بل بالنسبة للمثال هذا مثل المثال الذي قبله، هل المسافر يمتنع ببلوغ غايته لامتناع ركوبه الطائرة، أو قد يبلغ غايته بسبب آخر؟ قد يركب سيارة ويبلغ غايته.
إذن نقول: إنه لو في المثال الأخير ليست حرف امتناع لامتناع، لأننا لو قلنا حرف امتناع لامتناع إيش يصير المعنى؟ امتنع بلوغ المسافر غايته لامتناع ركوبه الطيارة، وهذا المسافر إذا ما ركب الطائرة ما يبلغ غايته؟ لا، قد يبلغ غايته بوسيلة أخرى، مثل الضوء، قد يوجد الضوء وبوسيلة أخرى غير الشمس.(1/91)
وهذا معنى قولنا، أو قول ابن هشام "إن لو حرفٌ يقتضي امتناع تاليه -ما يليه- واستلزامه لتاليه" وأنه أحسن، بل وأصوب من قولهم: "حرف امتناع لامتناع"، لأنه أحيانا قد يمتنع الجواب، وأحيانا ما يمتنع، طيب هل تريدون ضابطا لامتناع الجواب أو عدم امتناع الجواب؟ نعم، الضابط إن كان الجواب ما له سبب إلا الشرط، امتنع، مثل وجود النهار له سبب غير الشمس؟ يا إخوان... ما له سبب غير الشمس، إذن إذا كان الجواب ليس له سبب إلا الشرط امتنع الجواب مثل امتناع الشرط، أما إذا كان الجواب له سبب آخر غير الشرط فقد يمتنع بالنسبة للشرط الموجود ولا يمتنع بالنسبة لسبب آخر، الضوء قد يمتنع بالنسبة للشمس، لكن قد يوجد ضوء بسبب شيء آخر، المسافر قد ما يبلغ غايته إذا ما ركب الطائرة، لكن قد يبلغ غايته إذا ركب السيارة.
إذن وجود الضوء له سبب غير الشمس ولا لأ؟ له سبب ولا لأ؟ وجود النهار له سبب غير الشمس ولا لأ؟ ما له سبب، بلوغ المسافر غايته له سبب غير ركوب الطائرة؟ له سبب.
إذن خذوها قاعدة: إذا كان الجواب ليس له سبب إلا الشرط امتنع، ويصح تجيء العبارة "حرف امتناع لامتناع".
أما إذا كان الجواب له سبب غير الشرط، هنا ما يصح أن نقول: حرف امتناع لامتناع، وعلى هذا نترك العبارة هذه "حرف امتناع لامتناع" ونختار العبارة السليمة وهي: "إنه حرف يدل على امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه" وهذا هو الذي أيده النحويين ومنهم ابن مالك، كما في بعض نسخ التسهيل، وابن هشام، ومنهم المرادي في كتابه ( الجنى الداني في حروف المعاني ).
سنكتفي بهذا القدر من الأدوات.(1/92)
هل تنشطون لبعض الفوائد؟ طيب، كثير من الطلاب ما يدري متى يكون الضمير مستترا وجوبا ومستترا جوازا، وهناك قاعدة جيدة وهي: أن الضمير إذا كان تقديره ( أنا أو نحن أو أنت ) فهو مستتر وجوبا، إذا جئت تقدر الضمير، تقول مثلا: الفاعل ضمير مستتر؛ هل تقول: وجوبا أو جوازا، إن كان الضمير الذي ستقدره تقديره ( أنا ) أو( نحن ) أو( أنت ) فهو مستتر وجوبا.
أما إذا كان الضمير الذي ستقدره تقديره ( هو ) أو( هي ) فهذا يكون مستترا جوازا إلا في مسائل يسيرة، يكون مستترا جوازا مع أن تقديره ( هو ) أو( هي ) وهي ثلاث مسائل، المسألة الأولى: أفعال الاستثناء مثل ( ما خلا ) و( ما عدا ) و( ليس ) و( لا يكون ) فالضمائر مع هذه الأفعال كلها تقديرها هو لكنها مستترة وجوبا.
المسألة الثانية: مع فعل التعجب، الضمير مع فعل التعجب، إذا قلت: ( ما أجمل الصدق ) في (أجمل ) ضمير مستتر تقديره هو مستتر وجوبا.
المسألة الثالثة: فاعل نعم أو بئس، إذا كان مفسرا بالتمييز مثل ( نعم صديقا الكتاب ) ففاعل نعم هنا ضمير مستتر وجوبا تقديره هو يعود على التمييز.
من الفوائد:
الإعراب ثلاثة أنواع: إعراب ظاهر، وإعراب تقديري، وإعراب محلي، هذه أنواع الإعراب في الكلام، الإعراب الظاهر هذا هو الأصل؛ حيث -يعني- لا داعي للإعراب التقديري ولا للمحلي، يعني: إذا لم يوجد سبب يكون الإعراب ظاهرا، مثل لو قلت مثلا: ( الصدق نافعٌ ) هذا إعراب ظاهر؛ لأن (الصدق): مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، و(نافع): خبر مرفوع بالضمة الظاهرة. هذا يسمى إعرابا ظاهرا، والأصل في الإعراب أن يكون ظاهرا.(1/93)
النوع الثاني: يسمى الإعراب التقديري، الإعراب التقديري له أربعة مواضع: الاسم المتصل بياء المتكلم مثل ( هذا كتابي )، والاسم المقصور، والاسم المنقوص، والفعل المعتل إما بالواو أو بالألف أو بالياء، وهذا الفعل المعتل فيه استثناءات، مثل حالة النصب تظهر الفتحة مع المعتل بالواو والمعتل بالياء، يعني أعطيكم قواعد وعليكم التفصيل.
النوع الثالث: يسمى الإعراب المحلي، الإعراب المحلي له موضعان.
الموضع الأول في الأسماء المبنية، كل اسم مبني، فإعرابه في المحل، والموضع الثاني في الجمل التي مرت علينا، الجملة التي لا محل لها من الإعراب، ولهذا مر علينا جمل: في محل رفع، في محل نصب، في محل جزم، في محل جر.
والفرق بين الإعراب التقديري والمحلي أنهما يشتركان، أنه ما في حركة ظاهرة، لكن الإعراب التقديري يكون على آخر حرف في الكلمة مقدرة عليه الحركة على آخر حرف، إذا قلت مثلا: ( جاء الفتى )، نقول: ( الفتى ) فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف لأنها آخر شيء على الألف منع من ظهورها اشتغال المحل.
وهكذا بالنسبة للمنقوص، وهكذا بالنسبة للفعل المعتل في بعض أحواله، وهكذا بالنسبة للاسم المتصل بياء المتكلم ولهذا يقال: إن المعتل مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، يعني: على الحرف الأخير من الكلمة.
أما الإعراب المحلي ما هو على حرف معين، على الكلمة بأكملها، فلو قلت مثلا: ( هذا مجدٌ )، ( هاء ): حرف تنبيه، ( ذا ): اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع، الرفع على الذال ولّا على الألف ولّا على الجميع؟ على الجميع، وهكذا بالنسبة للجمل، إذا قلت: والجملة في محل رفع، هل الرفع واقع على حرف معين، على الجملة بأكملها، والله أعلم.(1/94)
س: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، هذا سائل يقول: أنا طالب أعجمي ولا أجد صعوبة في دراسة النحو والصرف وما يتعلق بالقواعد وفهم الأساليب، ولكني أحيانا لا أجد المفردات والأساليب المناسبة للتعبير عما أريد، فما نصيحتك في تكوين هذه الملكة، وجزاك الله خيرا؟
ج: تكوين هذه الملكة لا بد أن يكون بالرجوع إلى معاجم اللغة من جهة، وبالنسبة أيضا إلى الكتب التي تبحث في المفردات والأدوات من جهة أخرى -يا إخوان- الأدوات التي درسنا بعضا منها وسنكملها إن شاء الله في الليلتين القادمتين، كانت في أول الأمر مبثوثة في كتب التفسير وفي كتب النحو، ثم نهض العلماء وأفردوها في مصنفات مستقلة ورتبوها ترتيبا بديعا، مثل ابن هشام في ( مغني اللبيب ) ومثل المرادي في كتابه ( الجنى الداني في حروف المعاني )، ومثل المالقي في كتابه ( رصف المباني في حروف المعاني ) فهذا الأخ السائل لا بد وأن يكون الملكة التي يسأل عنها بواسطة الرجوع إلى هذين النوعين من الكتب، نعم.
س: وهذا سائل يقول: ما الفرق بين ( إذن ) بالنون و( إذا ) بالألف؟
ج: هما بمعنى واحد، لكن هم مجمعون على أن ( إذن ) إذا كانت ناصبة للفعل المضارع فإنها تكتب ( بالنون ) هذا سؤال إملائي، إذا عملت إذا بصفة الفعل المضارع يعني الأمثلة التي مرت علينا يا إخوان، مر علينا أمثلة عملت فيها ( إذن ) ونصبت المضارع بتوفر الشروط، ومر علينا أمثلة ما عملت فيها ( إذن ) فمن الإملائيين من يقول: إن عملت كتبت بالنون، وإن أهملت كتبت بالألف مع التنوين، وبعضهم يقول: لأ، تكتبها بالنون مطلقا سواءٌ كانت عاملة أو غير عاملة.
وقد فصل في المسألة كتاب، صاحب كتاب ( المطالعة المصرية ) الذي قلت لكم: إن هذا من أحسن الكتب في الإملاء، فَفَصَّل في المسألة ولكن إجابةً للسؤال كما قلنا، إن كانت عاملة تكتب بالنون، وإن كانت غير عاملة فخلاف: بعضهم يقول: تكتب بالنون، وبعضهم يقول: لا، تكتب بالألف بدون نون. نعم.(1/95)
س: أحسن الله إليك، هذا سائل يقول: هل تذكرون لنا سلمًا يترقى به طالب العلم في فن النحو، مع ذكر أجود الشروح التي تفيد الطالب لهذا السلم؟
ج: أظن أنكم في أعلى السلم، كيف تسألون عن سلم تبدءون به من الأول، الظن بكم أنكم إما في منتصف السلم أو في أعلى السلم، وأنا لا أستبعد أن فيه عددا من الإخوان الذين يحضرون ويستفيدون أن عندهم من معلومات النحو الشيء الكثير، لكن العلماء يذكرون أنه ينبغي لطالب العلم عموما أن يتدرج في التعلم، فيذكرون ( المتون لجميع الفنون )، وهذا السجع غير متكلف.
ولهذا قيل لبعضهم: ما أحسن السجع؟ قال: ما خف على السمع. قيل: مثل ماذا؟ قال: مثل هذا، لأنه جاءه بمثل لكنه ما يدرى هو بالمثال ولّا الجواب الأول هو مثال، الجواب الأول فيه مثال؟ فيه مثال، أحسن السجع ما خف على السمع، جواب ومثال في آن واحد، لكن يبدو أن الشخص هذا عنده ثروة لغوية.
يقوم يسأله قال: مثل ماذا؟ قال مثل هذا. فالمقصود أن النحو يذكرون الأجرومية. يعني تكاد أن تكون الأجرومية محل إجماع، إنه أول ما يبدأ بها الطالب، لكن الأجرومية في ظاهرها ما فيها معلومات وافية في النحو إلا إذا درست على شيخ متخصص، وأذكر أن الشاطبي -رحمه الله- في الموافقات لما تكلم على العلم والتعلم، قال: "إنه ينبغي لطالب العلم إذا أراد أن يدرس متنا من المتون أنه يكون على شيخ متخصص؛ لأن المتخصص يفيدك ما لا يفيدك غيره".
فالأجرومية تعتبر في البداية، بعدها في نظري ( متن القطر ) لابن هشام، أنا درست متن القطر ودرست شرح القطر لابن هشام، وشرحت أيضا القطر وإنه مطبوع، فتبين لي أن متن القطر هو الذي يلي الأجرومية؛ لأنه مناسب جِدًّا وإذا جمعت مع متن القطر أو ما بعد متن القطر رسالة ابن هشام ( الإعراب عن قواعد الإعراب ) اللي مختصره الرسالة اللي معنا هذه، يكون هذا جيدا، وفي رأيي: إنه إذا درس الإنسان -يعني- القطر مع شروحه المطبوعة فهذا خير كثير، نعم.(1/96)
س: وهذه سائلة عبر الإنترنت تقول: هل الواو التي للعطف تفيد المغايرة؟
ج: هذا هو الأصل، بل إن النحويين والمفسرين إذا أرادوا أن يستدلوا على المغايرة قالوا: بدليل العطف والعطف يقتضي المغايرة، إذ هذه قاعدة عندهم، لكن لكل قاعدة في الغالب استثناءات؛ قد تكون الواو ما تقتضي المغايرة، أنت لو قلت: ( جاء زيدٌ وعمرو ) تقتضي المغايرة، لكن إذا سمعت قول الشاعر:
فقددت الأديم لراهشَيْه ... وألفى قولها كذبًا ومينًا
الكذب والمين بمعنى واحد، لكن نستطيع أن نقول: إن الغالب في الواو أنها للمغايرة، لكن قد لا تقتضي المغايرة. نعم.
س: أحسن الله إليك، يقول السائل: هل كلمة ( أشياء ) ممنوعة من الصرف أم لا؟
ج: ممنوعة من الصرف، أقول: ممنوعة من الصرف لأنها مختومة بألف التأنيث الممدودة؛ ولهذا ما تقول: "أشياءً" تقول: "أشياءَ"، نعم.
س:وهذا سائل يقول: ما الفرق بين الجملة الصغرى والكبرى؛ لأني لم أحضر هذا الدرس؟
ج: ما الفرق بين الجملة الكبرى والصغرى؟ الجملة الكبرى: هي التي أخبر عنها بجملة. هذه الكبرى، والجملة الصغرى: هي الجملة التي وقعت خبرًا عن مبتدأ. كذا ولّا لأ؟ الجملة الكبرى: هي الجملة التي وقع الخبر فيها جملة، والجملة الصغرى هي التي وقعت خبرا عن مبتدأ، فإذا قلت مثلا، المثال الذي مر علينا: ( الإسلام آدابه عالية ) إذا وضعت عليها دائرة هذه جملة كبرى، إذا جئت بجملة: ( آدابه عالية ) هذه جملة صغرى، نعم.
س: أحسن الله إليك، سائل يقول: أرجو إعطاء نبذة مختصرة عن كتاب دراسات لأسلوب القرآن وكيفية الاستفادة منه.(1/97)
ج: هذا الكتاب كتاب قيم جدا، وقد بذل فيه المؤلف -رحمه الله، وهو محمد عبد الخالق عظيمة- جهدا عظيما، قد لا يقوم بهذا الجهد رجل واحد، ولا يُقيِّمُ الجهد في هذا الكتاب إلا من تردد فيه وسبر غوره، هذا الكتاب درس فيه المؤلف أساليب القرآن الكريم عموما، وقد نستطيع أن نقول: إن ما في آية في القرآن إلا موجودة في الكتاب على أقل تقدير، ولا فيه آيات قد تكررت كثيرا.
المؤلف بدأ الكتاب أولا بفوائد عظيمة جدا موجودة في مطلع الجزء الأول، ومما ذكر أنه يجب الاحتكام إلى القرآن الكريم في قواعد اللغة، وإن القرآن يجب أن يعول عليه، وإن ما -يعني- يرد من بعض النحويين أنهم يستدلون ببيت شعر ويأولون آية كريمة أن هذا لا ينبغي.
فينبغي أن يحتكم للقرآن في التقعيد، قواعد اللغة العربية، وما جاء في القرآن فهو القاعدة وليس في بيت لشاعر جاهلي قد لا يعرف أصله من فصله، ثم بعد هذا بدأ بالأدوات مرتبة على حروف المعجم ودرسها دراسة بديعة، ونقل من جميع كتب اللغة وكتب التفسير وكتب الحديث، ويسرد الآيات، ثم بعد هذا في الأجزاء الباقية تطرق لأبواب النحو عموما، ومن مزايا الكتاب النقول الموثقة بالجزء والصفحة، وقد ينقل من كتب لم تصل إلينا ولكنها عنده هو، والمقصود بهذا أن هذا الكتاب كتاب قيم جدا ونافع ولا سيما للمتخصصين في النحو، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من أدوات الإعراب (لما الوجودية)
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد.
فلا زال الكلام موصولا فيما يتعلق بالأدوات التي يكثر دورها في الكلام، وقد مضى في الليلة الماضية الكلام على إحدى عشرة أداة، والكلام يبدأ الآن على الأداة الثانية عشرة.
يقول ابن هشام -رحمه الله تعالى-: ( وفي لما الوجودية ) في نحو ( لما ) جاء زيد أكرمته حرف وجود لوجود(1/98)
مر علينا في الليلة الماضية ( لما ) وهذه ( لما ) والفرق بينهما أن التي مرت أمس هي ( لما ) الحرفية الجازمة للفعل المضارع، التي مرت مختصةٌ بالدخول على الفعل المضارع ولهذا يذكرونها في عداد جوازم الفعل المضارع، ويسمونها ( لما ) الحرفية لأنه مجمع على أنها حرف، تقول: ( لما تشرق الشمس )، فـ ( لما ) حرف نفيٍ وجزمٍ وقلب و( تشرق ) فعل مضارع مجزوم بـ ( لما ) وعلامة جزمه السكون.
أما ( لما ) التي معنا فهي من عداد أدوات الشرط، بعدها فعل شرط ثم الجواب، ومثال ابن هشام قال: ( لما جاء زيد أكرمته ) ما معناها، حرف وجود لوجود، يعني: وُجد الإكرام لوجود المجيء، فنقول في الإعراب: ( لما ) حرف وجود لوجود، وبعضهم يقول: حرف وجوب -بالباء- لوجوب، والمعنى واحد. ( جاء ) فعل ماض مبني على الفتح، و( زيد ) فاعل، وهذا فعل الشرط، ( أكرمته ) أكرم فعل ماض و( التاء ) فاعل و( الهاء ) مفعول، والجملة جواب الشرط، و( لما ) من أدوات الشرط غير الجازمة، فرقها عن ( لما ) الحرفية كما قلت لكم: إن ( لما ) الحرفية لا تدخل إلا على الفعل المضارع، هذه بالعكس لا تدخل إلا على الفعل الماضي لفظا ومعنى، أو معنًى فقط.(1/99)
ما هو الفعل الماضي لفظًا ومعنى؟ مثل ( كتب - دخل ) هذا فعل ماضٍ لفظًا ومعنًى، لكن -يا إخوان- أحيانا في كتب النحو، يقولون: الفعل الماضي معنى كبير، الفعل الماضي معنى هو المضارع الذي دخلت عليه ( لم )، مر علينا الليلة الماضية أن ( لم ) إذا دخلت على الفعل المضارع اللي هو للحال والاستقبال، ماذا عملت فيه؟ قلبته إلى الماضي، هذا الذي يذكره النحويون أحيانا ويقولون: الفعل الماضي معنًى، إذن ( لما ) اللي معنا اللي هي الوجودية تدخل على الفعل الماضي لفظا ومعنى وعلى الفعل الماضي معنى، إن شئت تتبدل كلمة الفعل الماضي معنى بالفعل المضارع الذي دخلت عليه ( لم ) يكون المعنى صحيحا، يكون المعنى صحيحا، مثاله تقول: ( لو لم يأت زيد ما أكرمته ) هذا تلاحظون فرقا بين هذه الكلمة والتي قبلها من جهة المعنى، المعنى واحد، ماذا نفهم من ( لو لم يأتي زيد ما أكرمته)؟ إنه حصل الإكرام لمجيء زيد.
من أدوات الإعراب (لولا)
الأداة الثالثة عشرة: ( لولا ) حرف امتناع لوجود، نحو ( لولا زيد لأكرمتك ).
معنى "حرف امتناع لوجود" يعني: امتنع الجواب لوجود الشرط، ولولا هذه تدخل على الجمل الاسمية وما بعدها يكون مبتدأ والخبر محذوف في الغالب وجوبا.
إذن ( لولا ) تدخل على الجملة الاسمية والذي بعدها يعرب مبتدأ وخبر هذا المبتدأ في غالب الأحوال يكون محذوفا، مثال ابن هشام: ( لولا زيد لأكرمتك )، ( لولا ) حرف امتناع لوجود مبني على السكون لا محل له من الإعراب، ( زيدٌ ) مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والخبر محذوف وجوبا، والتقدير ( لولا زيد موجود لأتيتك )، ( اللام ) واقعة في جواب لولا، ( وأتيتك ) ( أتى ) فعل ماض مبني على الفتح المقدر، و( التاء ) فاعل و( الكاف ) مفعول، والجملة لا محل لها من الإعراب جواب شرط غير جازم.(1/100)
ومنه قول الله -تعالى-: { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ } (1) إعراب الآية مثل إعراب هذا المثال.
من أدوات الإعراب (نعم)
الأداة الرابعة عشرة: وفي ( نعم ) حرف تصديقٍ ووعدٍ وإعلام.
( نعم ) لها في اللغة ثلاثة معان: أن تكون حرف تصديق متى؟ بعد الخبر.
الثانية: أن تكون حرف وعد متى؟ بعد الطلب.
الثالث: أن تكون حرف إعلام متى؟ بعد الاستفهام، إذن إن جاءت نعم بعد الخبر فهي للتصديق مثل: لو قال لك إنسان: ( جاء محمد ) فقلت: نعم، ماذا تريد بقولك: نعم؟ تريد تصديق خبره،يعني: بدل ما تقول: صدقت في قولك: "جاء زيد" اكتفيت بقولك: نعم، فنعم بعد الإخبار تكون للتصديق، ( فجاء ) فعل ماض ( وزيد ) فاعل، هذا كلام المتكلم، كلام المخاطب ماذا قال؟ ( نعم ) حرف تصديق لا محل له من الإعراب.
الثاني: أن تكون بعد الطلب، إذا جاءت بعد الطلب فهي حرف وعد، إذا قيل: ( حافظ على الصلاة ) فقلت: ( نعم ) معنى نعم؟ يعني تعده بأنك ستنفذ هذا الأمر وتحافظ على الصلاة، إذن ( نعم ) بعد الطلب حرف وعد، أو قال لك مثلا أبوك: ( اذهب إلى السوق ) فقلت: ( نعم ) ماذا يفهم منك؟ أنك ستنفذ هذا الأمر، إذن هي بعد الطلب للوعد.
الثالث: بعد الاستفهام للإعلام، هل حضر أخوك؟ فتقول: نعم. ما الذي حصل بـ( نعم )؟ الإعلام بالثبوت، أعلمته بثبوت حضور أخيه أو أخيك، فهي إذن بعد الاستفهام للإعلام، ولهذا تجد أن البلاغيين يعرفون الاستفهام بأنه: طلب العلم بشيء لم يكن معلوما من قبل. فأنت إذا قلت له: ( نعم ) أعلمته بشيء لم يكن يعرفه من قبل، إذ لو كان يعرف ما قال لك: "هل حضر أخوك"، فإذا قال لك: هل حضر أخوك؟ وقلت: نعم، ما الذي حصل بنعم، حصل إعلام السائل بأن الأخ قد حضر، أظنه ظاهرا.
من أدوات الإعراب (أجل)
الأداة التي تليها هي ( أجل ) حرف لتصديق الخبر.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 251.(1/101)
"حرف لتصديق الخبر"، لو قال: حرف جواب لتصديق الخبر، كان أوضح، هنا ( أجل ) إذا كانت حرف تصديق مثل ( نعم ) بعد الخبر، ها.. ابن هشام قال: إن ( أجل ) حرف لتصديق الخبر، إذن هي مثل ( نعم ) إذا وقعت بعد الخبر، فإذا قال لك مثلا: ( حضر الضيف ) فقلت: نعم، هذا تصديق مثل ما مر، إذا قال: ( حضر الضيف ) وقلت: ( أجل ) حصل التصديق أيضا، إذن ( أجل ) مثل ( نعم ) تأتي لتصديق الخبر.
من أدوات الإعراب (بلى)
وفي ( بلى ) حرفٌ لإيجاب النفي
ما معني إيجاب النفي؟ إيجاب النفي يعني إثبات النفي، لو شلنا كلمة "إيجاب" ووضعنا بدلها "إثبات" ما تغير شيء، والمعنى أن ( بلى ) لا تأتي إلا بعد النفي، هذه قاعدتها: ( بلى ) لا تأتي إلا بعد النفي، سواء جاء مع النفي استفهام أم لا، ماذا تفيد ( بلى ) يقول ابن هشام: لإيجاب النفي. يعني لإثبات النفي، ما معنى لإثبات النفي؟ يعني: أن ( بلى ) تبطل النفي وتلغيه وتحول الكلام إلى إثبات، مثاله لو قال إنسان: ( أليس زيدٌ قائما ) فقلنا: ( بلى ) يعني إيه؟ يعني زيد قائم، أين النفي اللي في السؤال؟ أزالته بلى؛ ولهذا ابن هشام يقول: ( بلى ) لإيجاب النفي، معنى لإيجاب النفي؟ يعني لإبطال النفي، تبطل النفي وتحول الكلام إلى إيش؟ إلى إثبات، أفهمتم؟ ها.. فيها غموض هي؟.. وما هو بالعيب فيها هي.. في ماذا غموض؟ لكن العيب فينا وفي أفهامنا؛ هي واضحة في حد ذاتها، لكن بعدنا عن اللغة، كل العرب القدامى ما يحتاجون إلى الكلام هذا كله.
إذن نقول: إن بلى لإيجاب النفي، أصل ( بلى) من شرطها أن تسبق بنفي، فإذا قال لك إنسان: ( أليس زيد قائما ) الآن السؤال إثبات ولّا نفي؟ السؤال نفي الآن، أليس زيد قائما، فإذا جاءت ( بلى ) ألغت النفي وحولت الكلام إلى إثبات، فإذا قال لك: ( أليس زيد قائما ) وقلت: ( بلى ) ماذا يفهم من كلامك: ( بلى )؟ أن زيدا قائم.(1/102)
طيب نوضحه بالقرآن، قال الله -تعالى-: { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا } (1) هذا نفي الآن { قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ } (2) ماذا عملت ( بلى ) أبطلت النفي، أبطلت النفي السابق وألغته لأنه لما قالوا: { قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ } (3) صار النفي السابق قد زال وقد ألغي، مثال آخر: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } (4) تذكر كتب اللغة عن ابن عباس أنه قال: لو قالوا: ( نعم ) لكفروا، لماذا؟ لأن ( نعم ) بعد النفي تبقي النفي، فإذا قلت: ( أليس زيد بقائم ) فقال لك: ( نعم ) إيش المعنى؟ ليس زيد بقائم؛ لأنها تبقي النفي ( نعم )، لكن ( بلى ) تبطل النفي وتحول النفي إلى إيه؟ إلى إيجاب، يعني: إلى إثبات، والدليل هذه الآية الأخيرة: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } (5) إذن هنا نأخذ قاعدة وهي أن ( بلى ) لا تأتي إلا بعد النفي، سواء سبق النفي باستفهام مثل: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } (6) أما لم يسبق باستفهام مثل الآية الأولى: { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا } (7) ما في استفهام هنا، ماذا تفيد ( بلى )؟ تفيد إيجاب النفي، ما معنى إيجاب النفي؟ يعني إلغاء النفي وإبطال النفي وتحويل الكلام إلى إثبات، أما ( نعم ) إذ لو جاءت في هذا الموضع لأبقت النفي على ما هو عليه.
من أدوات الإعراب (إذ)
وفي ( إذ ) بالسكون ظرف لما مضي من الزمان.
__________
(1) - سورة التغابن آية : 7.
(2) - سورة التغابن آية : 7.
(3) - سورة التغابن آية : 7.
(4) - سورة الأعراف آية : 172.
(5) - سورة الأعراف آية : 172.
(6) - سورة الأعراف آية : 172.
(7) - سورة التغابن آية : 7.(1/103)
نعم ( إذ ) معدودة من الظروف، إذن إعرابها ما يتغير، تقول: ( دخلت المسجد إذ أذن المؤذن )، الإعراب: ( دخلت ) فعل وفاعل، ( المسجد ) مفعول به منصوب، ( إذ ) ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب على الظرفية، هذا إعراب ( إذ ) دائما ما يتغير، إلا أنها أحيانا قد تجيء للمستقبل، ولكن هذا قليل فيها، الكثير فيها أنها لما مضى من الزمان، واللي وقعت في القرآن في بعض الآيات للمستقبل، كما في قوله -تعالى-: { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ } (1) هذا ماض ولّا مستقبل؟ مستقبل، لكن الكثير فيها أنها لما مضى.
فأنت مثل الآية الكريمة تقول: ظرف لما يستقبل من الزمان، في الآية، لكن بالمثال: ( دخلت المسجد إذ أذن المؤذن ) تقول: اسم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية، ( وأذن ) فعل ماض، ( والمؤذن ) فاعل، طيب جملة ( أذن المؤذن ) أنتم ما محلها من الإعراب؟ ها.. أحسنت، في محل جر بالإضافة، هذا النوع مر علينا من ضمن الجمل التي لا محل لها من الإعراب، الجملة المضاف إليها هنا ( إذ ) مضاف وجملة ( أذن المؤذن ) في محل جر مضافة إليها ( إذ ).
من أدوات الإعراب (إذا الظرفية الشرطية)
وفي ( إذا ) ظرف مستقبل خافض لشرطه منصوب بجوابه.
( إذا ) نوعان:
النوع الأول ظرفية شرطية وهي التي ذكرها ابن هشام هنا، وهي الكثيرة.
__________
(1) - سورة غافر آية : 70-71.(1/104)
والثانية ظرفية فقط، وليست بشرطية، والفرق بينهما واضح، إذا كانت شرطية لها فعل شرط ولها جواب شرط، فلو قلت مثلا: ( إذا جاء زيد أكرمتك ) هنا إيه؟ ظرفية وشرطية أيضا، لأنها فعل شرط ولها جواب، الإعراب، ذكر الإعراب ابن هشام ( إذا ) ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه، وهذا يحتاج إلى بيان قوله: " خافض لشرطه " أين أداة الشرط؟ ( إذا )، أين الشرط؟ ( جاء زيد ) ما مر علينا أن الجملة تكون في محل جر بعد ( إذا ) و( إذ ) و( لما ) و( بين ) ( وبينما ).
إذن أي كلمة تقع بعد ( إذا ) فهي في محل جر، إذن الآن ( إذا ) هو الخافض لشرطه، معنى "الخافض لشرطه" يعني هو الذي جر الشرط، جملة ( جاء زيد ) ما محلها من الإعراب؟ في محل جر، أين الذي جرها؟ ( إذا )، إذن هذا معنى قول ابن هشام "خافض لشرطه" يعني دائما ( إذا ) هي التي تجر فعل الشرط أو جملة الشرط بمعنى أدق "منصوب بجوابه" وين جواب الشرط؟ أكرمتك.
طيب نحتاج هنا مقدمة بسيطة لو سمحتم حتى ندخل على الجزئية دي. إذا قلت (صمت يوم الخميس) فيوم ظرف منصوب على الظرفية. أين الناصب له (صمت) لماذا؟ لأن الصيام وقع يوم الخميس. ولهذا من قواعد النحويين. إن الناصب لا الظرف اللي وقع فيه الظرف. اللي وقع فيها الظرف هو الناصب لا الظرف (جئت يوم الخميس) ما الذي وقع في يوم الخميس؟ المجيء. إذن الفعل جاء هو الذي نصب يوم. (صمت يوم الخميس) ما الذي وقع في يوم الخميس؟ الصيام. إذن الذي نصب يوم هو الفعل صام. قاعدة عندهم، الذي ينصب الظرف هو اللي وقع بالظرف.
نجيء لمثالنا ذا (إذا جاء زيد أكرمتك) ما الذي وقع في وقت مجيء زيد؟ الإكرام. الذي وقع في الظرف وهو المجيء هو الإكرام ولا لأ؟ إذن الناصب لإذا هو أكرم. وأكرم إيش محله من الكلام؟ أليس هو جواب الشرط؟ جواب الشرط. إذن هذا معنى قول (ابن هشام) (إذا خافض لشرطه منصوب بجوابه).(1/105)
ولعل من الطريف أن نقول: إن إذا عملت في الشرط والجواب عمل بإذا كما تصورت إذا عملت في الشرط وهي التي جرت الشرط في محل جر. والجواب هو الذي نصب إذا لأنه نقول إنه منصوب بجوابه فأنت تأمل في الجملة (إذا جاء زيد أكرمتك) جملة جاء في محل جر والجار هو (إذا). إذن خافض لشرطه والخافض معناها الجر.
(إذا) ظرف منصوب. ما الذي نصبه؟ الجواب لماذا؟ لأن الجواب وقع بالشرط. الإكرام وقع في وقت المجيء عسى أن تكونوا فهمتم.
طيب هذه الظرفية الشرطية. الظرفية الذي ما هي شرطية أمرها سهل. مثالها قول الله تعالى { وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) } (1) كيف نعرب { وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) } (2) ؟ (الواو) حرف قسم وجر. (والليل) اسم مقسم به مجرور وعلامة جره الكسرة. (إذا) ظرف منصوب على الظرفية ولا هي شرطية هنا. وهي مضاف وجملة (سجى) مضاف إليه.
المقصود إذن أن (إذا) في اللغة العربية الذي يعني ابن هشام نوعان: إما ظرفية شرطية، وإما ظرفية فقط يعني ليست بشرطية. والفرق واضح { وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) } (3) هل في فعل شرط وجواب شرط؟ ما في شيء.
من أدوات الإعراب (كلا)
الأداة التي تليها (كلا) كلا حرف ردع وزجر وبمعنى (حقا).
كلا على حسب ما ذكر ابن هشام لها معنيان. المعنى الأول: قال حرف ردع وزجر. متى تكون حرف ردع وزجر؟ إذا تقدم عليها ما يقتضي الردع والزجر. الثاني: قال وبمعنى (حقا).
__________
(1) - سورة الضحى آية : 2.
(2) - سورة الضحى آية : 2.
(3) - سورة الضحى آية : 2.(1/106)
مثال الأولى { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا } (1) يعني ليس هو أساطير الأولين. إذن هذا ردع وزجر عن الكلام السابق { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا } (2) إذن ردع عن الكلام السابق وزجر وإبطال والمعنى أن القرآن ليس أساطير الأولين.
الثاني أن تكون بمعنى حقا وهذا في مقام الإثبات كما في قوله تعالى { كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) } (3) المعنى حقا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى، وكما في قوله تعالى { كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) } (4) يعني حقا والسياق والتأمل في المعنى هو الذي يحدد نوعية (كلا) وتأتي (كلا) لمعنى آخر ثالث وهو أنها تكون حرف جواب. (هل حضر أخوك) فتقول (كلا).
وقد عني العلماء ب (كلا) وأفردوا فيها مصنفات مستقلة مثل ما فعل مكي ابن أبي طالب القيسي ويقول العلماء: إن (كلا) وردت في القرآن في ثلاثة وثلاثين موضعا. في خمس عشرة سورة كلها في النصف الأخير يعني من سورة الكهف فما دون.
ولهذا يقول الناظم.
وما نزلت كلا بيثرب فاعلما ... ..............................
يقولون السور التي فيها كلا كلها مكية، ما نزلت كلا في المدينة. يقول:
وما نزلت كلا بيثرب فاعلما ... ولا هي في النصف من جزئه الأعلى
يعني من الكهف فما فوق للبقرة ما في كلمة كلا إنما هي في النصف الثاني من القرآن.
من أدوات الإعراب (لا)
فصل: وتكون (لا) نافية نحو { لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ } (5) وناهية نحو { لَا تَقُمْ } (6) وزائدة للتوكيد نحو { لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ } (7)
__________
(1) - سورة المطففين آية : 13-14.
(2) - سورة المطففين آية : 13-14.
(3) - سورة العلق آية : 6.
(4) - سورة المدثر آية : 54.
(5) - سورة الصافات آية : 35.
(6) - سورة التوبة آية : 108.
(7) - سورة الحديد آية : 29.(1/107)
لا في اللغة أنواع أربعة: الأول أن تكون نافية، والنافية قد تكون عاملة وقد تكون غير عاملة، لكن خذ قاعدة أن (لا) لا تكون عاملة إلا إذا دخلت على اسم. فإن دخلت على الفعل فليست عاملة، إذ (لا) العاملة نوعان لا ثالث لهما: إما عاملة عمل إن التي تسمى لا النافية للجنس، وإما عاملة عمل ليس التي تسمى لا النافية للواحد.
مثال العاملة عمل (إن) المثال الذي ساقه (ابن هشام) وهي كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فلا نافية عاملة عمل (إن) تنصب الاسم وترفع الخبر نافية للجنس (إله) اسمها مبني على الفتح في محل نصب. (إلا) أداة حصر وقبل (إلا) خبر (لا) محذوف والتقدير (لا إله معبود بحق إلا الله) والنحويون -رحمهم الله- يتسامحون أو يتساهلون في التقدير هنا فيقولون تقدير الخبر (لا إله موجود) وهذا ليس بصحيح. فما أكثر الآلهة الموجودة التي تعبد من دون الله تعالى بشتى صورها وأشكالها حتى من بني آدم.
فالصواب إذن في التقدير إما أن يقال (لا إله حق) لأنه الذي غير الله جل وعلا باطل أو يقال (لا إله معبود بحق) هذا الخبر، خبر لا النافية للجنس و (إلا) أداة حصر (واسم الجلالة) بدل من الضمير المستتر في الخبر لأن معبود فيه ضمير معبود هو، والضمير محله رافع لأنه نائب فاعل لأن المعبود يسمى مفعول. فيكون اسم الجلالة بدلا من الضمير المرفوع وبدل المرفوع مرفوع. هذا هو إعراب هذه الجملة.
وفي رأي لبعض النحويين ولكنه معترض عليه. يقول: إن الكلام ما يحتاج إلى تقدير وأن قولنا (إلا الله)هو الخبر. ولكن هذا منقوض يعني بأمور لا داعي للإطالة بذكرها. هذا هو إعراب هذه الكلمة وهذه (لا) العاملة عمل (إن).(1/108)
العاملة عمل (ليس) مرت علينا في قول الله تعالى { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ } (1) { لَا بَيْعٌ فِيهِ } (2) فلا نافية عاملة عمل (ليس) (وبيع) اسمها (والجار والمجرور) هو خبرها.
النوع الثاني (الناهية) قبل الناهية. لا النافية الداخلة على الأفعال لا تعمل. ما تعمل تدخل على الفعل المضارع فلا تعمل تقول (محمد لا يؤدي واجبه) (لا يؤدي واجبه) فلا تعمل. الفعل بعدها مرفوع والكثير الغالب أنها ما تدخل إلا على المضارع. وقد تدخل لا النافية على الفعل الماضي بقلة وقد جاء في القرآن قول الله تعالى { فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) } (3) دخولها على الماضي أقل من دخولها على المضارع.
إذن ما الفرق بين لا العاملة وغير العاملة؟ العاملة هي الداخلة على الأسماء، وغير العاملة هي الداخلة على الأفعال طيب (لا الناهية) واضحة مثل (لا تقم) وهي مختصة بالفعل المضارع وهي تجزمه.
أسقط (ابن هشام) (لا الدعائية) فلم يذكرها لا في المختصر والرسالة التي معنا. ولا في المطول وهو (قواعد الإعراب) ولا في مطول المطول وهو (مغني اللبيب) ما تعرض لها وقد تعرض لها صاحب كتاب (رصف المباني) والحقيقة أن ذكرها مهم (لا الدعائية) لأنه وقعت في القرآن الكريم بكثرة مثل { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا } (4) { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا } (5) ما تسمى ذي ناهية. من باب الأدب مع الله جل وعلا. فيقال في إعراب { لَا تُؤَاخِذْنَا } (6) لا دعائية جازمة للفعل المضارع (وتؤاخذ) فعل مضارع مجزوم.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 254.
(2) - سورة البقرة آية : 254.
(3) - سورة القيامة آية : 31.
(4) - سورة البقرة آية : 286.
(5) - سورة آل عمران آية : 8.
(6) - سورة البقرة آية : 286.(1/109)
الثالثة باعتبار كلام (ابن هشام) والرابعة باعتبار ما أضفنا من الدعائية (لا الزائدة) والزائدة لا تكون إلا لقصد التوكيد ويمثلون لها بقول الله تعالى { لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ } (1) فلئلا (لا) هذه للتوكيد. يعني لتحقيق علم أهل الكتاب. لأنها لو لم تكن زائدة للتوكيد أين تروح؟ ها - تصير نافية. ولو نفت لفسد المعنى قطعا لو كانت نافية فسد المعنى لصار يعني يصير المعنى لأجل أن أهل الكتاب ما يعلمون وهذا ليس هو المراد بالآية؟
من أدوات الإعراب (إن)
الأداة قبل الأخيرة (إن)، إن أنواع: شرطية نحو (إن تقم أقم)، الثانية (نافية) نحو { إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا } (2).
إن أنواع: شرطية نحو (إن تقم أقم) إن حرف شرط جازم مبني على السكون لا محل له من الإعراب (تقم) فعل مضارع مجزوم؛ لأنه فعل الشرط (والفاعل) ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنت) (أقم) فعل مضارع مجزوم؛ لأنه جواب الشرط والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنا) والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب.
الثانية (نافية) نحو { إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا } (3) إن النافية في لغة جمهور العرب ليس لها عمل ما تعمل، ولو وقع بعدها جملة اسمية ففي هذه الآية الكريمة { إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا } (4) المعنى والله أعلم (ما عندكم من سلطان) يعني من حجة، فإن هنا نافية حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب. (عند) ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم. وهو مضاف (والكاف) مضاف إليه ضمير متصل مبني على الضم في محل جر. (والميم) علامة الجمع. { إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ } (5) مِن: حرف زائد إعرابا مؤكد معنى. { سُلْطَانٍ } (6) مبتدأ مؤخر.
__________
(1) - سورة الحديد آية : 29.
(2) - سورة يونس آية : 68.
(3) - سورة يونس آية : 68.
(4) - سورة يونس آية : 68.
(5) - سورة يونس آية : 68.
(6) - سورة يونس آية : 68.(1/110)
طيب من يكمل لي هذا الإعراب. أنا أعطيتكم القاعدة بإعراب حرف الجر الزائد. ها نعم............. أحسنت. يقول { سُلْطَانٍ } (1) مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة منعا من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف جر الزائد. { إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا } (2) (الباء) حرف جر (وها) حرف تنبيه و(ذا) اسم إشارة مبني على السكون في محل جر (والجار والمجرور) متعلق بمحذوف صفة لسلطان. (صفة لسلطان) لأنه مر علينا إن الجار والمجرور إذا وقع بعد نكرة يصير صفة.
هذه هي (إن) النافية. ما حكمها؟ لا تعمل في لغة. نعم - في لغة جمهور العرب. إلا أهل العالية على الخلاف في المراد بهم. قيل إن أهل العالية قبائل في عوالي المدينة يرفعون بها الاسم وينصبون بها الخبر. ومما أثر عنهم من نثرهم أنهم قالوا (إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية) (إن أحد خيرا) لما قالوا خيرا دليل على أنها رفعت الاسم (أحد) ونصبت الخبر (خيرا) (إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية).
المعنى الثالث (لإن) زائدة نحو (ما إن زيد قائم) زائدة لإيه؟ لتوكيد النفي. لأن أصل (ما) نافية. إذ إن لتوكيد النفي فتقول (ما) نافية مهملة. ما العمل هنا ما؟ والذي أبطل عمله مجيء (إن) بعدها يبطل عملها كما قال (ابن مالك):
إعمال ما إعمال ليس ... أعملت ما دون إن
يعني إذا جاءت (إن) أبطلت عمل (ما). إذن (ما) هنا مالها عمل.
فتقول (ما) حرف نفي مهمل (إن) زائدة للتوكيد. (زيد) مبتدأ (قائم) خبر قائم خبر. متى زيدت هنا (إن) قبل ما ولا بعدها؟ بعدها. طيب قد تزاد قبله وإذ زيدت قبلها يعني إذا جاءت (إن) قبل (ما) قصدي تصير (إن) شرطية (وما) هي الزائدة. تنعكس المسألة. كما في قول الله تعالى { وَإِمَّا تَخَافَنَّ } (3) أصلها (وإن ما) أين الزائدة الآن؟ (ما) وعلى هذا نأخذ قاعدة.
__________
(1) - سورة يونس آية : 68.
(2) - سورة يونس آية : 68.
(3) - سورة الأنفال آية : 58.(1/111)
إذا اجتمعت (إن وما) فإن تقدمت (إن) فالزائد ها - (ما) وإن تقدمت ما فالزائد (إن) ومخففة من الثقيلة نحو { وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ } (1) ونحو { إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) } (2) "إن كل نفس لمَا عليها حافظ" في قراءة من خفف الميم.
هنا تلاحظون أن (ابن هشام) مع أن الرسالة مختصرة مثل (لإن) المخففة بمثالين. وهذا يمكن ماله نظير بالرسالة. لماذا مثل لـ (إن) المخففة بمثالين. والجواب أن (إن) في الآية الأولى عاملة وفي الثانية غير عاملة. (إن) المخففة. أنتم تعرفون (إن) تنصب الاسم وترفع الخبر فتخفف ومعنى التخفيف أنه يزال تشديدها ويؤتى بدله بالسكون. فبدل ما تصير إن. بدل ما هي (إن) تصير (إن).
إذا خففت ما الذي يحدث لها؟ يبطل عملها. يصير الذي بعدها مبتدأ مرفوعا وخبرا مرفوعا. ما العمل؟ مثل لو قلت (إن زيد لقائم) فإن مخففة من الثقيلة مهملة (زيد) مبتدأ (اللام) فارقة. (قائم) خبر.
وقد تعمل تنصب الاسم كما في الآية الثانية التي ساقها ابن هشام ولكن عملها إيش ؟ قليل. يقول (ابن مالك)
............................ ... وخففت (إن) فقل العمل
طيب الآية الأولى التي ساقها ابن هشام { وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ } (3) هنا القراءة المشهورة عندنا إن الآية في سورة هود (وإن كلا) إذن على القراءة المشهورة ليس في الآية شاهد لبحثنا. لأن بحثنا فيه إن المخففة. وقراءتنا هذه قراءة (حفص عن عاصم) هذه مشددة المثقلة. هذه ما لنا فيها بحث.
__________
(1) - سورة هود آية : 111.
(2) - سورة الطارق آية : 4.
(3) - سورة هود آية : 111.(1/112)
إنما البحث على قراءة التخفيف وهي قراءة (نافع المدني - وابن كثير المكي - وأبي بكر) فقرأ ثلاثة من السبعة قرأوها بالتخفيف يعني بالتسكين. فقالوا (وإن كلا) الإعراب (إن) مخففة من الثقيلة تنصب الاسم وترفع الخبر لأنها عاملة (كلا) اسمها منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة والجملة بعدها هي الخبر.
في قوله تعالى (إن كل نفس لمَا عليها حافظ) ابن هشام يقول في قراءة من خفف الميم. من خفف الميم. (عاصم وحمزة وابن عامر) قرءوا بالتثقيل { إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) } (1) لما لكن على قراءة من عدى هؤلاء وهم بقية السبعة (إن كل نفس لمَا).
الإعراب على كلامهم: (إن) مخففة من الثقيلة مهملة (كل) مبتدأ مرفوع بالضمة (كل) مضاف. (ونفس) مضاف إليه. (لمَا) بالتخفيف مثل ابن هشام (لما) (اللام) صلة للتوكيد. يعني ما أقصد يا إخوان وأقول لام (اللام) للتوكيد (وما) التي بعد (اللام) صلة للتوكيد (عليها حافظ) (عليها) خبر مقدم (وحافظ) مبتدأ مؤخر والجملة في محل رفع إيش؟ خبر المبتدأ لأنه لو قلنا (إن) هنا غير عاملة. خبر المبتدأ الذي هو (كل). يقولون والتقدير (إن كل نفس لعليها حافظ) لعليها. ليه نقول لعليها؛ لأنهم قالوا إن ما - إنها صلة للتوكيد - هذه على قراءة من خفف وهي التي يتم بها الاستدلال على أن (إن) مخففة من الثقيلة. ومهملة وهذا غرض ابن هشام من الآية.
أما على قراءة عاصم وحمزة وابن عامر فليس في الآية شاهد لماذا؟ لأن (إن) نافية. إن نافية ما مر علينا قبل قليل أن (إن) تجيء نافية؟ هذا نافية على قراءة التثقيل. تثقيل (لما) والإعراب (إن) نافية حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب (كل) مبتدأ (نفس) مضاف إليه (لما) بمعنى (إلا) يعني حرف إثبات بمعنى (إلا) (وعليها حافظ) خبر المبتدأ.
__________
(1) - سورة الطارق آية : 4.(1/113)
إذن ما في فرق بين القراءتين إلا هل (إن) نافية أو أنها مخففة من الثقيلة، والذي على كلا القراءتين (كل) مبتدأ وعلى كلا القراءتين جملة (عليها حافظ) خبر المبتدأ هذا معنى كلام ابن هشام.
من أدوات الإعراب (أن)
وترد (أن) حرفا مصدريا ينصب المضارع نحو { وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي } (1) ومخففة من الثقيلة نحو { عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ } (2) ومفسرة وهي الواقعة بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه نحو { فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ } (3) الأخيرة زائدة للتوكيد { فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ } (4).
طيب وترد (أن) الحرف الأخير في درس الليلة وترد (أن) حرفا مصدريا ينصب المضارع نحو { وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي } (5) هذا واضح وهو أن (أن) من نواصب الفعل المضارع بل يقول النحويون إنها من أقوى النواصب؛ لأنها تعمل ظاهرة ومقدرة، موجودة تعمل. محذوفة ما هي موجودة في الكلام تعمل. وهذا يدل على إيه؟ على قوتها.
الإعراب (الواو) هنا عاطفة. على أساس الآية التي قبلها (والذي) اسم موصول نعت لأن الآية التي قبلها { إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) } (6) إلى أن قال... { وَالَّذِي أَطْمَعُ } (7) إذن كل الأسماء الموصولة نعت لرب العالمين. هذا مثله (أطمع) فعل مضارع مرفوع بالضمة اختصر الإعراب. والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنا) والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. (أن) حرف مصدري ونصب (يغفر) فعل مضارع منصوب (بأن) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنا).
{
__________
(1) - سورة الشعراء آية : 82.
(2) - سورة المزمل آية : 20.
(3) - سورة المؤمنون آية : 27.
(4) - سورة يوسف آية : 96.
(5) - سورة الشعراء آية : 82.
(6) - سورة الشعراء آية : 77-78.
(7) - سورة الشعراء آية : 82.(1/114)
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ } (1) وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف لأن الفعل أطمع يتعدى بأي شيء؟ بالباء تقول (أطمع بهذا الكتاب) إذن يصير التقدير والله أعلم (والذي أطمع بمغفرة خطيئتي) (بمغفرة خطيئتي) خطيئة مفعول به منصوب وعلامة نصبه فتحه مقدرة على ما قبل ياء المتكلم. منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. يا إخوان هذه قاعدة غائبة القاعدة هذه: أي اسم يتصل بياء المتكلم هذا إعرابه (مرفوع - منصوب - مجرور) بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة.
يقصدون بالحركة المناسبة. أننا نحن نريد الآن آخر الكلمة ما هو التاء (خطيئة) المفروض أن التاء يصير عليها فتحة، لكن ياء المتكلم تريد أن الذي قبلها يكون مكسورا. إذن منع من ظهورها الفتحة حركة المناسبة. يعني مناسبة ياء المتكلم. وخطيئة مضاف وياء المتكلم مضاف إليه. ضمير متصل مبني على السكون في محل جر.
هذه الناصبة ومخففة من الثقيلة نحو (علم أن سيكون) أن تنصب الاسم وترفع الخبر لكنها تخفف، إذا خففت تختلف عن (إن) إذا خففت (أن) إذا خففت بقى عملها لازم. الثاني أن يكون اسمها محذوفا دائما. ما لها اسم بالكلام. اسمها محذوف ويكون خبرها الجملة التي بعدها.
الآية التي معنا { عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ } (2) طيب. قد يقول قائل كيف أعرف أنا أنَّ (أن) هذه مخففة ولا ناصبة للفعل المضارع؟ فهمت السؤال، نقول: نعم أنت على حق قد تشتبه أن الناصبة بأن المخففة، لكن هناك علامات تميز أن المخففة من أن الناصبة للمضارع. إذا رأيت (السين) بعد أن اعرف أنها مخففة. إذا رأيت (سوف) بعد (السين) اعرف أنها مخففة. إذا رأيت جملة اسمية بعد (أن) اعرف أنها مخففة. إذن هنا مخففة من الثقيلة.
__________
(1) - سورة الشعراء آية : 82.
(2) - سورة المزمل آية : 20.(1/115)
فتقول في الإعراب (علم) فعل ماض ينصب مفعولين. (أن) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف. غايبة الجملة هذه. بانت المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف، قد يظهر اسمها في بعض التراكيب. لكن نسبة ظهور اسمها ما يقارن بنسبة حذف اسمها إذن خذ القاعدة هذه أن (السين) إيش حرف استقبال (يكون) فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة وهو فعل ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر (أن سيكون) منكم: خبر مقدم نختصر (مرضى) اسم يكون مؤخرا مرفوع بضمة مقدرة على الألف. والجملة ها الجملة في محل رفع. يعني جملة (يكون) مع اسمها وخبرها في محل رفع خبر أن المخففة.
ومفسرة وهي الواقعة بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه نحو { فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ } (1).
معنى (أن المفسرة) يعني التي تأتي للتوضيح والبيان هذا معنى المفسرة. يعني أن ما بعدها تفسير وتوضيح وبيان لشيء تقدم.
الآية الكريمة (فأوحينا إليه) الآن إلى هذا الحد هل نعرف ما أوحى الله تعالى لنوح أو ما نعرفه؟ ما نعرفه ما ندري ما هو نوع الموحى به. لكن لما قال { أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا } (2) حصل تفسير للموحى به ولهذا يقولون: إن ضابط (أن) المفسرة هي التي تسبق بجملة فيها معنى القول دون حروفه فيها معنى القول دون حروفه.
يعني قول الله تعالى { فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ } (3) أليست تؤدي معنى (قلنا له) - ها - إذن فيها معنى القول دون حروف القول، فتكون أن مفسرة.
__________
(1) - سورة المؤمنون آية : 27.
(2) - سورة المؤمنون آية : 27.
(3) - سورة المؤمنون آية : 27.(1/116)
ومثلها أيضا قول الله تعالى { إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) } (1) ماذا { أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ } (2) مفسرة. فالإعراب (فأوحينا) الفاء بحسب ما قبلها (وأوحينا) فعل وفاعل (وإليه) جار ومجرور متعلق بأوحينا (أن) مفسرة، حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب (اصنع) فعل أمر مبني على السكون وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنت ) يعود على (نوح) عليه الصلاة والسلام (والفلك) مفعول به منصوب (والجملة) مَن يكمل - أكمل -...... أين الذي يقول في محل رفع والذي يقول في محل جر... أحسنت. الجملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب.
أليست جملة (اصنع الفلك) فسرت الموحى به إذن هذه جملة تفسيرية. إذن نقول وجملة (اصنع) لا محل لها من الإعراب تفسيرية واضح.
الأخيرة زائدة للتوكيد { فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ } (3) الزائدة يا إخوان لها موضعان: الموضع الأول أن تقع بعد (لما) والموضع الثاني أن تقع قبل (لو) خذها قاعدة. إذا رأيت (أن) بعد (لمَّا) فهي زائدة للتوكيد، وإذا رأيت (أن) قبل (لو) فهي زائدة للتوكيد.
الإعراب (الفاء) بحسب ما قبلها (لمَّا) أول درس اليوم حرف وجود لوجود (لمَّا) ماذا جواب (لما) هنا { فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ } (4) (ألقاه) هذا جواب (لما) إذن ماذا نقول في (لما)؟ حرف وجود لوجود. (فلما أن) (أن) حرف زائد إعرابا مؤكد معنى { فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ } (5) إلى آخره إعرابه واضح. وبهذا نكون قد أنهينا الكلام على ما تيسر من هذه الأدوات.
من الفوائد التي رأينا أن نتحفكم بها يمر في كتب التفسير يقولون حال مقدرة.
__________
(1) - سورة طه آية : 38.
(2) - سورة طه آية : 39.
(3) - سورة يوسف آية : 96.
(4) - سورة يوسف آية : 96.
(5) - سورة يوسف آية : 96.(1/117)
كتب التفسير أو في الكتب التي تعرب القرآن. يقولون حال مقدرة وقد يكون بعض القراء يقرأ حال مقدرة ولا يدري ما معناها. فلهذا أقول لكم: اعلم أن الحال من الناحية الزمنية نوعان: حال مقارنة، وحال مقدرة.
الحال المقارنة: هي التي تقع مع عاملها في زمان واحد. وإن شئت قل الحال المقارنة هي التي تقارن عاملها. إذا قلت (أقبل خالد يضحك) مثلا أو (أقبل خالد راكبا). الحال راكبا والعامل. العامل في الحال (أقبل) وصاحب الحال (خالد) أليس زمن الحال وهو الركوب وزمن الإقبال واحد؟ يعني الحال حاصلة في زمان عاملها. ما تقدمت ولا تأخرت.
طيب.. بضدها تتبين الأشياء. لو قيل (ادخلوا المسجد سامعين المحاضرة) (ادخلوا المسجد سامعين المحاضرة) وبدأوا يدخلون. هل سماعهم المحاضرة وقت الدخول ولا بعد ما يدخلون ويجلسون يستمعون؟ إذن الحال الآن. مقارنة لعاملها أو متأخرة. إذن هذه تسمى حال إيش؟ حال مقدرة، وهي التي يحصل زمنها بعد زمن عاملها أو قل هي التي يتأخر زمنها عن زمن حاملها.
أمثلتها في القرآن. قول الله تعالى { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) } (1) خالدين: حال من الواو. وين العامل بالحال؟ ادخلوا هل هم وقت الدخول خالدين ولا بعدما يدخلون الجنة. نسأل الله أن يجعلنا جميعا من أهل الجنة. بعد ما يدخلون الجنة يبدأ الخلود. إذن الحال مقدرة ولا مقارنة ؟ مقدرة.
ومنها أيضا قول الله تعالى { وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا } (2) وقت النحت تصير بيوت ولا بعد ما يتم النحت والتنسيق والتنظيم تصير بيوتا؟ إذن حال مقارنة ولا مقدرة؟ مقدرة.
__________
(1) - سورة الزمر آية : 73.
(2) - سورة الأعراف آية : 74.(1/118)
طيب.. من الفوائد التي يمكن أن نأخذها وهذه ذكرتنا أننا نسينا نقطة في الإعراب في الآيات التي مرت. في يا إخوان قاعدة مهمة جدا. ينبغي للطالب أن يستفيدها. يجهلها كثير من الطلاب. تعرفون أن مثل (علم - وظن - وحسب) تنصب مفعولين. نقول (ظننت زيدا قائما). زيدا مفعول أول. وقائما: مفعول ثان.
لكن وقع في القرآن الكريم آيات كثيرة وفي كلام العرب جاء بعد (ظن أو حسب أو علم) (أن) مع اسمها وخبرها أو (أن) الناصبة للمضارع.
فيقول العلماء: إنه إذا جاءت (أن) مع اسمها وخبرها بعد الفعل الذي ينصب مفعولين. ما فيها الآن مفعولان. تصير (أن) مع اسمها وخبرها سدت مسد المفعولين. وإذا جاءت (أن) الناصبة للمضارع بعد (حسب أو ظن أو علم) تكون قد سدت مسد المفعولين.
هذه قاعدة مهمة جدا يمكن أن تكتبوها. فتقول القاعدة: إنه إذا جاء فعل ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر - نعم - في حد تكلم. هذا الآن شوية شوية هو الذي كتابته ضعيفة ما يصلح يمشي معي أنا. أنا الذي يمشي معي هو الذي يكتب قبل أن أنطق هو الذي يكتب قبل أن أنطق.
إذن نقول القاعدة: إنه إذا جاء فعل ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ أو الخبر مثل (علم أو حسب أو ظن) وبعده (أن) مع اسمها وخبرها أو (أن) الناصبة للمضارع. فإن المصدر المؤول من (أن) مع اسمها وخبرها أو من (أن) يسد مسد المفعولين.
طيب.. الآية التي مرت علينا يا إخوان. نبدأ بها هي الأولى. { عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى } (1) أنا قلت لكم في الإعراب: (علم) فعل ماض ينصب مفعولين. وأنهينا الإعراب ولا بينا المفعولين. فعلى قاعدتنا هذه نقول: و (أن) يعني المخففة من الثقيلة ولا لأ؟ و(أن) المخففة من الثقيلة مع اسمها وخبرها في محل نصب سدت مسد مفعولي علم.
__________
(1) - سورة المزمل آية : 20.(1/119)
مثال آخر { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا } (1) أين مفعولا (حسب) المفعول الأول والثاني؟ ما في مفعول أول ولا ثان. { أَنْ يُتْرَكُوا } (2) أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر سدت مسد مفعولي حسب { وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ } (3) (أن) هنا مخففة من الثقيلة وهي مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي (ظن) وأكتفي بهاتين القاعدتين لئلا أطيل عليكم. فيه أسئلة اليوم.
بسم الله. فضيلة الشيخ، هذا السؤال تكرر وهو الطلب أو طلب الدلالة على دروسكم والمداومة عليها وهل هي مسجلة وأين توجد؟ إيش يقول؟ يقول: طلب الدلالة على دروسكم أين توجد وهل هي مسجلة؟
ج: ليس هناك دروس تستحق أنه يسأل من. يعني هذا السؤال على الملأ. أنا لي دروس في اللغة وفي الحديث وفي الفقه وفي الأصول.
أما الدروس بالنسبة للغة فلي شرح مسجل لقطر الندى (لابن هشام) وهو شرح مطبوع، وأظن أن الشرح المسجل يوجد عند تسجيلات الاستقامة في عنيزة، وأنا من بريدة، الثاني شرح الألفية وهذا مع الأسف فيه سقط وخلل في التسجيل، وإلا شرحنا الألفية مرتين، المرة الأولى وقفنا عند الصرف، والمرة الثانية بدأنا من أول بيت إلى آخر بيت، وموجودة أظن عند تسجيلات الاستقامة بعنيزة ولكنها مخرومة فيها سقط.
وهناك شرح لبلوغ المرام أول البلوغ يعني إنه درس جديد. شرحنا ما يقرب من أربعمائة وثلاثين حديثا. هذا أظنه موجودا في تسجيلات المجتمع في بريدة، وفي دروس أخرى لا داعي لذكرها. نعم.
أحسن الله إليكم. هذا سؤال مكرر أيضا وهو تقدير أو كلمة التوحيد إذا قدرنا الخبر فقلنا (لا إله حق) فماذا يكون تقدير لفظ الجلالة؟
__________
(1) - سورة العنكبوت آية : 2.
(2) - سورة العنكبوت آية : 2.
(3) - سورة التوبة آية : 118.(1/120)
أصل حق فيها ضمير مستتر. فضمير الجلالة مطلقا فاسم الجلالة مطلقا بدل من الضمير المستتر في الخبر؛ لأن الخبر سيكون مشتقا، إما معبود أو حق أو نحو ذلك من المشتقات، فعلى هذا يكون لفظ الجلالة الذي بعد (إلا) بدل، أو بدلا من الضمير المستتر في الخبر. نعم
وفي رسالة في المكتبة (لعلي بن سلطان القاري) من العلماء المتقدمين عنوانه (إعراب كلمة التوحيد) ولكن كأنه يميل إلى أن الكلام ما فيه تقدير. لكن أذكر أن (ابن هشام) أظن في (ابن هشام) أو غيره نسيت، أبطل أنه ما في تقدير، وقال: إنه ما يصلح أن يكون ما بعد إلا هو الخبر ما يصلح، وذكر أوجها لا داعي لذكرها الآن - نعم.
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ. يقول هل (بلى) التي ذكرها المؤلف هي نفسها (بلى) الإضرابية؟
لا، هذه (بلى) وتلك (بل) التي يذكرون في باب العطف هي (بل) أما (بلى) هذه ما تسمى للإضراب، و (بل) ثنائية (وبلى) ثلاثية وبينهما فرق؛ ولهذا (بلى) ما يتعرض لها النحويون؛ لأن لها تأثيرا في الكلام في الناحية الإعرابية أو الناحية يعني المربوطة بغيرها مثل (بل) مربوطة بالعطف تفيد العطف.
المقصود إن (بل) غير (بلى)، (بل) هي التي تأتي للإضراب الإبطالي أو الانتقالي، أما (بلى) فهذه لا توصف بأنها حرف إضراب، إنما هي حرف جواب -نعم.
أحسن الله إليكم. وهذا سائل عبر الشبكة يقول. ذكروا أن (كلا) بمعنى (ألا) الاستفتاحية فهل هذا وجيه؟ وجزاكم الله خيرا.
ذكروا هذا، ذكروا بأن (كلا) قد تأتي بمعنى (إلا) وذكر هذا ابن هشام وغيره، لكن استعمال (كلا) بمعنى (إلا) هذا قليل، والكثير فيها هو كما قلنا إما أنها للردع والزجر أو أنها بمعنى حقا، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم.
من أدوات الإعراب (من الشرطية)
وترد (من) شرطية نحو { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } (1).
__________
(1) - سورة النساء آية : 123.(1/121)
بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد.
فقد بقي من الكلام على الأدوات التي يكثر دورها في الكلام. بقي الكلام على ثلاث أدوات، ومضى الكلام على ثنتين وعشرين. الكلام الآن في (من) (وأي) بالتشديد (وما) هذه الأدوات الثلاث بالنسبة لمن لا تكون إلا اسما. يعني ما تكون حرفا.
وأنا قلت لكم في بداية الكلام على الأدوات: إن هذه الأدوات التي ذكرها (ابن هشام) منها ما هو أسماء ومنها ما هو حروف، والفرق ما كان حرفا فلا محل له من الإعراب فيكون أمره سهلا، وما كان اسما فلابد أن يعرف محله من الإعراب.
(فمن) لا تكون إلا اسما، (وأي) لا تكون إلا اسما، وأما (ما) فإنها تكون اسما وتكون حرفا.
أما (من) فقد ذكر لها (ابن هشام) أربعة معان قال: وترد (من) شرطية نحو { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } (1)
فـ (من) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ (يعمل) فعل مضارع فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه السكون (والفاعل) ضمير مستتر جوازا تقديره (هو) يعود على (من) والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ. خبر المبتدأ وهذا على أرجح الأقوال.
وإلا نحن إذا قلنا: إن (من) الشرطية مبتدأ وقع الخلاف بين علماء النحو في الخبر، لكن كون الخبر هو فعل الشرط مع فاعله هذا أيسر الأقوال وأحسنها.
(
__________
(1) - سورة النساء آية : 123.(1/122)
سوءا) مفعول به منصوب ليعمل وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا } (1) يجزى: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة وهو الألف، والفتحة قبلها دليل عليها، وهذا جواب الشرط. والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره (هو) يعود على من، والجار والمجرور (به) متعلق بالفعل يجزى، أو نقول (يجزى) لأنه هنا (يجزى) فعل مضارع مبني للمجهول - نعم - وعلى هذا نقول نائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره (هو) يعود على من.
(ومن) الشرطية قد تكون مبتدأ وقد تكون مفعولا به. وهذا مما يحتاجه الطالب. والقاعدة: إن وقع بعد (من) فعل لازم أو فعل متعد أخذ مفعوله فهي مبتدأ، وإن وقع بعدها فعل متعد لم يأخذ مفعوله فإن أداة الشرط تكون في المفعول.
ففي الفعل اللازم تقول العرب (من يكثر كلامه يكثر ملامه) الفعل هنا يكثر من الأفعال اللازمة ليس من الأفعال المتعدية، يعني لا ينصب مفعولا في اللغة العربية.
إذن تكون أداة الشرط محلها من الإعراب مبتدأ؛ لأن أولها فعل لازم، فإن وليها فعل متعد فما الحكم؟ إن أخذ مفعوله مثل الآية التي أعربنا؛ فتكون أداة الشرط مبتدأ، وإن وليها فعل متعد؛ ما أخذ مفعوله تكون هي المفعول، مثل لو قلت (من تساعد أساعد) أين مفعول تساعد؟ ما أخذ مفعوله لكن لو فرض أنه قال (من تساعده) يصير أخذ المفعول الآن التي هي الهاء.
إذن لما قال (من تساعد) ما أخذ المفعول الفعل. إذن تكون أداة الشرط هي المفعول وتقول في الإعراب (من) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول (أساعد).
من أدوات الإعراب (من الاستفهامية)
واستفهامية نحو { مَنْ بَعَثَنَا } (2).
__________
(1) - سورة النساء آية : 123.
(2) - سورة يس آية : 52.(1/123)
الأداة الثانية واستفهامية نحو { مَنْ بَعَثَنَا } (1) من تكون استفهامية وإذا وقعت (من) استفهامية فهي مبتدأ؛ لأنها من الألفاظ التي لها الصدارة، (فمن) اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وجملة (بعثنا) (بعث) فعل ماض مبني على الفتح (ونا) ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره (هو) والجملة في محل خبر المبتدأ.
من أدوات الإعراب (من الموصولة)
الثالث قال (وموصولة)
تأتي (من) اسما موصولا بمعنى (الذي) وقد يعبر عنها في بعض كتب النحو بالمعرفة الناقصة. إذا مر عليك معرفة ناقصة اعلم أن المراد (من) الموصولة. وإنما يقولون لها معرفة ناقصة؛ لأنها كسائر الأسماء الموصولة تحتاج إلى صلة لتكمل معناها وتسمى معرفة ناقصة.
من أمثلة (من) قول الله تعالى { وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ } (2) التقدير والله أعلم (ومن الشياطين الذين يغوصون) (فمن) حرف جر، والشياطين اسم مجرور بمن وعلامة جره الكسرة؛ لأنه جمع تكسير، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، (من) اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. { وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ } (3) (يغوصون) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون لأنه من الأمثلة الخمسة و(واو الجماعة) فاعل، وجملة (يغوصون) - أيش أخذنا من الجمل، لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
من أدوات الإعراب (من النكرة الموصوفة)
(ونكرة موصوفة) نحو (مررت بمن معجب لك).
__________
(1) - سورة يس آية : 52.
(2) - سورة الأنبياء آية : 82.
(3) - سورة الأنبياء آية : 82.(1/124)
الأداة الرابعة أو المعنى الرابع (لمَن) قال (ونكرة موصوفة) نحو (مررت بمن معجب لك) (من) تأتي نكرة موصوفة، يقصدون بنكرة موصوفة يعني وقع بعدها صفة لابد، ما تسمى من نكرة موصوفة إلا إذا كان بعدها صفة، فإن لم يقع بعدها صفة تسمى نكرة غير مقصودة، وعلى أي حال النكرة الموصوفة وغير الموصوفة كلاهما له محل من الإعراب؛ لإننا قلنا: إن (من) اسم وما كان اسما فله محل من الإعراب.
مثال ابن هشام (مررت بمن معجب لك) إذا كانت (من) نكرة موصوفة فإن معناها إنسان، لو رفعتها ووضعت بدلها كلمة (إنسان) استقام الكلام، فيصح أن تقول: (مررت بإنسان معجب لك) يعني أنه أعجبك (فمررت) فعل وفاعل (والباء) حرف جر (من) نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل جر (معجب ) صفة لمن؟ وصفة المجرور مجرور. والجار والمجرور بمن متعلق (بمررت). (لك) جار ومجرور متعلق (بمعجب).
ومن الأمثلة أيضا على من (رب من نصحته استفاد) فهنا من نكرة. ما الدليل؟ موصوفة؟ ما الدليل. أما كونها نكرة؛ فلأن رُبَّ دخلت عليها. رُبَّ: لا تدخل إلا على نكرة. وأما كونها موصوفة؛ فلأنها وقع بعدها جملة نصحته (رب من نصحته) فهي صفة (لمن).
والإعراب: (رب) حرف جر شبيه بالزائد مبني على الفتح لا محل له من الإعراب (من) مبتدأ هو مبني على السكون في محل جر برب وفي محل رفع مبتدأ. وفي محل رفع مبتدأ مثل ما مر علينا بـ (لولاك) لولاك: قلنا إن في محل جر بلولا وفي محل رافع مبتدأ هذه مثله.
إذن (رب من) (من) نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل جر (برب) وفي محل رفع مبتدأ (نصحته) الجملة نختصر حتى نمشي. الجملة في محل رفع صفة (لمن) لأن (من) مبتدأ. فتكون الجملة في محل رفع صفة (لمن). (رب من نصحته استفاد) جملة استفاد في محل رفع خبر المبتدأ. أين المبتدأ؟ مَنْ، المبتدأ هو مَنْ. وهذا معنى قول (ابن هشام) هنا (ونكرة موصوفة) نحو (مررت بمن معجب لك).(1/125)
ولا يشكل علينا إعراب جملة (رب من نصحته) إن صفة لأن قلنا لكم فيما مضى: إن الجمل بعد النكرات صفات. ما دام إن (من) نكرة فتكون الجملة التي بعدها صفة لها.
أما إذا لم يقع بعدها جملة فإنها تكون نكرة غير موصوفة، مثل لو قلت (رب مَن زارنا) المعنى إيه؟ رب إنسان زارنا. فالإعراب كما تقدم بالنسبة لرب وبالنسبة لمن ما تغير شيء، الذي سيتغير إنك تقول: (من) نكرة غير موصوفة؛ لأن مالها صفة بالكلام.
طيب جملة زارنا، جملة (زارنا) خبر المبتدأ الذي هو (من) والاحتياج إلى الخبر مقدم على الاحتياج على الوصفية. هذه أنواع (من) الواقعة نكرة. كم نوع؟ نوعان: نكرة موصوفة إن وصفت بجملة أو بغيرها، ونكرة غير موصوفة إن لم توصف.
من أدوات الإعراب (أي)
قال: وترد (أي) شرطية نحو { أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } (1). الثاني من أنواع (أي): (أي) الاستفهامية نحو { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا } (2). الثالث من أنواع (أي): صفة، نحو (مررت برجلٍ أيِّ رجل).
(أي) من أسماء الشرط الجازمة، وإعرابها في الآية (أيا) اسم شرط جازم منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره (أيا) لأنه مفعول مقدم لتدعو. (أيا)
(ما) حرف زائد إعرابا مؤكد معنى، التنوين يا إخوان في (أيا) عوض عن المضاف إليه. التقدير (أيَّ اسمٍ تدعوه فله الأسماء الحسنى). تدعو فعل مضارع مجزوم (بأي) وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأمثلة الخمسة، وواو الجماعة فاعل وهو مجزوم؛ لأنه فعل الشرط { فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } (3) مر علينا هذا لأن الفاء واقعة في جواب الشرط (وله) خبر مقدم. (والأسماء) مبتدأ مؤخر (والحسنى) صفة. والجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط؛ لأنه مر علينا أن الجملة إذا اقترنت (بالفاء) بعد شرط جازم فإنها تكون في محل جزم.
__________
(1) - سورة الإسراء آية : 110.
(2) - سورة التوبة آية : 124.
(3) - سورة الإسراء آية : 110.(1/126)
وهذه الأدوات فيها تفاصيل. ولكن بما أن (ابن هشام) لم يتعرض لها نتركها.
الثاني من أنواع (أي): (أي) الاستفهامية نحو { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا } (1) (فأي) مبتدأ. مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؛ لأنه أضيفت هنا و(أي) مضاف (والكاف) مضاف إليه مبني على الضم في محل جر. (والميم) علامة الجمع. { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ } (2) زاد فعل ماض، فعل ماض مبني على الفتح، انتبه يعني تقول فعل ماض. بعض الطلاب يقول فعل ماضي يثبت الياء وهذا غلط. تقول فعل ماض مبني على الفتح والتاء للتأنيث. (والهاء) ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول مقدم. (زادته) مفعول أول. مفعول أول (زادته) الهاء. هذه (ها) حرف تنبيه. (ذه) اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع فاعل (زادته هذه) (إيمانا): هذا هو المفعول الثاني.
الثالث من أنواع (أي): صفة، نحو (مررت برجلٍ أيِّ رجل) ها - كيف؟ (أي) الموصولة نعم. الثالثة هي (أي) الموصولة. ومثالها قول الله تعالى { ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ } (3) (ثم) عاطفة (واللام) واقعة في جواب قسم مقدر. ويا إخوان إذا مرت (اللام) مجردة ما قبل قسم. إذ كيف أعرف أنها لام القسم؟ إذا أكد المضارع بالنون فهي لام القسم. لأن الأصل المضارع ما يؤكد بنون التوكيد إلا إذا وقع جوابا للقسم.
__________
(1) - سورة التوبة آية : 124.
(2) - سورة التوبة آية : 124.
(3) - سورة مريم آية : 69.(1/127)
إذن نقول هنا (اللام) واقعة في جواب قسم مقدر (وننزع) فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد. (ونون التوكيد) حرف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره (نحن) ثم لننزعن (من كل شيعة) جار ومجرور متعلق بننزع (وكل) مضاف (وشيعة) مضاف إليه. (من كل شيعة) (أيهم) (أي) اسم موصول مبني على الضم في محل نصب مفعول ننزع (وأي) مضاف (والهاء) مضاف إليه (والميم) علامة الجمع. (أيهم) (أشد). خبر لمبتدأ محذوف؛ لأن هذه صلة الموصول والصلة ما تكون إلا جملة (أشد). خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هو). (أيهم هو أشد).
الرابعة هي (أي) الوصفية: مثل (مررت برجل أيِّ رجل) (أي) هنا صفة. يقولون والغرض من الوصف بأي الدلالة على الكمال. يعني كأنه قال (مررت برجل كامل في الرجال) هذه أي.
ولهذا أبو داود -رحمه الله- في السنن ساق حديثا في قصة نذر أخت سعد بن عبادة لما أخت عقبة بن عامر لما ندرت أن تحج وهي ماشية. ساق أبو داود الحديث من رواية عبيد الله بن زحر ثم قال " وكان أيما رجل " قال العلماء: إن هذه العبارة تعتبر من أبي داود توثيقا لهذا الرجل ؛ لأنهم لا يقولون فلان. (أيما رجل) إلا إذا قصدوا المدح. فهكذا هنا إذا قلنا (مررت رجل أي رجل) فهذه صفة والمراد بها الدلالة على الكمال. (فمررت) فعل وفاعل (وبرجل) جار ومجرور متعلق بمررت (أي) صفة لرجل وصفة المجرور مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
ليت (ابن هشام) أورد (أي) الحالية لأنها قريبة من (أي) الوصفية إلا أن الذي قبل (أي) الوصفية نكرة والذي قبل (أي) الحالية معرفة. وأي الوصفية تتغير في الإعراب. (وأي) الحالية لابد أن تكون منصوبة؛ لأن الحال حكمها النصب. فتقول في (أي) الحالية (مررت بزيد) ها (أي رجل) أيا رجل فلا تتغير وتكون (أيا) حال منصوبة.
من أدوات الإعراب (أي الموصولة إلى نداء ما فيه أل)(1/128)
ووصلة إلى نداء ما فيه (أل) نحو قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ } (1).
المعنى الأخير (لأي): قال ووصلة إلى نداء ما فيه (أل)، القاعدة يا إخوان في باب النداء: أن (أي) لا تدخل على ما فيه أل. فلا تقول (يا الطالب) أو تقول (يا الرجل) لكن العرب عملت واسطة النداء الأسماء التي فيها (أل) ما هي الواسطة؟ الإتيان (بأي) ولهذا (أي) قال ابن هشام: إنها واصلة. ما معنى واصلة؟ يعني وسيلة لنداء ما فيه أل.
لماذا يؤتي بهذه الوسيلة؟ لأن (ياء) النداء لا تدخل على اسم فيه (أل) إلا ما استثني كاسم الله تعالى، فالمثال الذي مثل به (ابن هشام) قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ } (2) (فيا) حرف نداء مبنى على السكون لا محل له عن الإعراب. (أي) منادى. الآن صار المنادى ما هو الاسم الذي فيه (أل). صار المنادي هو (أي).
ويا إخوان الإعراب هذا ما يتغير. كل ما مر عليك في القرآن { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا } (3) { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } (4) مثلا فإن هذا هو الإعراب. دائما تأخذها قاعدة تقول (يا) حرف نداء. (أي) منادى مبني على الضم في محل نصب. (الإنسان) نعت (لأي). (أي) ما محلها؟ مبنية على الضم. إذن الإنسان نعت مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
ومثله أيضا { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } (5) (الناس) نعت ومثله أيضا { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) } (6) الكافرون: نعت لا يتغير هذا الإعراب أبدا.
من أدوات الإعراب (ما الموصولة)
وترد (ما) اسما موصولا، نحو: { مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ } (7).
__________
(1) - سورة الانفطار آية : 6.
(2) - سورة الانفطار آية : 6.
(3) - سورة البقرة آية : 104.
(4) - سورة البقرة آية : 21.
(5) - سورة البقرة آية : 21.
(6) - سورة الكافرون آية : 1.
(7) - سورة النحل آية : 96.(1/129)
الأداة الأخيرة (ما)، والكلام على ما طويل؛ لأن هناك (ما) الاسمية و (ما) الحرفية، فيقول: ترد (ما) اسما موصولا، نحو: { مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ } (1)، لعلكم تذكرون أني قلتم لكم قبل قليل: إن (مَنْ) الموصولة تسمى معرفة أيش؟ ناقصة، لماذا؟ لأنها تحتاج إلى صلة، هكذا (ما) التي عندنا هذه، (ما) الموصولة معرفة ناقصة؛ لأنها تحتاج إلى صلة.
مثالها { مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ } (2) (ما) اسم موصول بمعنى الذي؛ لأن التقدير: الذي عندكم ينفد، مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، ما عند، من يعرب (عند) أنت ... ... مبني وللا منصوب؟ منصوب على الظرفية في محل متعلق بمحذوف خبر وللا صلة؟ صلة، أيش تقدير المحذوف؟ مستقر وللا استقرّ؟ استقر؛ لأننا قلنا: المتعلق الجار والمجرور والظرف إن كان صلة لا بد أن يكون فعلا، إذا نقول هنا: (عِنْدَ) ظرف مكان منصوب متعلق بمحذوف صلة، و(عند) مضاف، والكاف مضاف إليه، والميم علامة الجمع، يعني متعلق بمحذوف صلة الموصول لا محل له من الإعراب، ما عندكم ينفد: فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضمة، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره (هو) يعود على ما الموصولة، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، يعني خبر (ما) الموصولة (ما عندكم ينفذ)
من أدوات الإعراب (ما الشرطية)
وشرطا نحو: { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ } (3).
(ما) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول مقدم لتفعلوا؛ لأن -يا إخوان- ما الشرطية مثل مَنْ الشرطية في الإعراب الذي قلته لكم، يعني إن وقع بعد فعل لازم فهي مبتدأ، إن وقع بعد فعل متعدٍ أخذ مفعوله فيه مبتدأ، إن وقع بعد فعل متعدٍ ما أخذ مفعوله مثل الآية هذه تكون هي المفعول.
__________
(1) - سورة النحل آية : 96.
(2) - سورة النحل آية : 96.
(3) - سورة البقرة آية : 197.(1/130)
إذًا ما هنا مفعول تفعلون، ما تفعلوا، وتفعلوا: فعل مضارع مجزوم، فعل الشرط، وعلامة جزمه حذف النون، والواو فاعل، مِنْ: حرف جر، (مِنْ) هنا بيانية، وخير: اسم مجرور بمن، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال، "من خير يعلمه الله": يعلم جواب الشرط فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون؛ لأنه فعل الشرط، والهاء مفعول، ولفظ (الله) فاعل، طيب..
من أدوات الإعراب (ما الاستفهامية)
واستفهامية { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) } (1).
(ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، (تلك) "تِ": اسم إشارة مبني على السكون الظاهر على الياء المحذوفة؛ لأن الأصل اسم الإشارة هذا هو (تي) بالتاء والياء، ولهذا يقول ابن مالك:
بذا لمفرد مذكر أشر ... بذي وذه تتا تي تاء
إذًا تي مكونة من التاء والياء، أين الياء هنا؟ حذفت لالتقاء الساكنين؛ لأن الياء ساكنة واللام في تلك ساكنة، إذًا قلبنا اللي هو السكون على الياء المحذوفة فتقول: (تي) اسم إشارة مبني على السكون على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، مبني على السكون في محل رفع خبر المبتدأ.
اليوم الدرس كله إعراب، لكن يا إخوان ما تسمعونه من الإعراب معظمه قواعد لا تتغير، وهذا اللي يجعلنا واللي كان نعرب باختصار ونمشي، لكن الإعراب أهم من الدروس النظرية، وتعداد الأمثلة وتعداد القواعد، الإعراب أهم؛ لأنه هو المقصود، فلا تضيقوا بذلك ذرعا.
إذن نقول: إن (تي) مبني على السكون في محل رفع خبر المبتدأ، وين المبتدأ؟ ما الاستفهامية، واللام حرف دال على البعد، والكاف حرف دال على الخطاب لا محل له من الإعراب، "وما تلك"، (بيمينك) جار ومجرور متعلق بمحذوف حال، والعامل في الحال اسم الإشارة؛ لأن النحويين يذكرون في باب الحال أن اسم الإشارة يصلح أن يعمل في الحال، "وما تلك بيمينك"، (يا موسى) يا: حرف نداء، و(موسى) منادى مبني على الضم المقدر في محل نصب.
__________
(1) - سورة طه آية : 17.(1/131)
من أدوات الإعراب (ما التعجبية)
وتعجبا، نحو: (ما أحسن زيدا).
(ما) التعجبية دائما تكون مبتدأ، خذوها قاعدة، (ما) التعجبية لا تكون إلا مبتدأ، وهي نكرة تامة، فنقول: (ما) تعجبية مبتدأ بمعنى شيء، يعني اسم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، وصيغة التعجب -يا إخوان- ما تغير إعرابه أبدا، هذا إعراب صيغة التعجب في أي مكان تمر عليك، احفظها، (ما) تعجبية مبتدأ، أحسن فعل ماضٍ مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره، القاعدة التي أعطيتكم، يعني قلنا أن الضمير إذا كان تقديره يكون مستتر جوازا، لكن من ضمن المستثنيات مع التعجب، إذًا نقول هنا فاعل أحسن ضمير مستتر وجوبا تقديره (هو) يعود على (ما)، و (زيدا) مفعول به منصوب، والجملة في محل رفع خبر (ما) التعجبية.
إذا لا زلنا الآن في ما الاسمية في (ما) الاسمية، لأن جميع ما التي مرت علينا كلها لا محل لها من الإعراب.
من أدوات الإعراب (ما النكرة الموصوفة)
ونكرة موصوفة، (مررت بما معجب لك).
هنا مثل (من) اللي مرت علينا إنها تكون نكرة موصوفة، لأن معنى نكرة موصوفة أنه جاء بعدها صفة، فمثال ابن هشام مررت: فعل وفاعل، وبما: ما حرف جر، وما نكرة موصوفة اسم مبني على السكون في محل جر، والجار والمجرور متعلق بمررت.
وإذا كانت -يا إخوان- ما تكون بمعنى شيء، انتظر الفرق، (مَنْ) ما معناها؟ إنسان، (ما) معناها شيء، وصيغة تقدير: مررت بشيء معجب لك، طيب ليش (مَنْ) تكون للإنسان و(ما) تكون شيئا؟ أنت...أحسنت؛ لأن (مَنْ) للعاقل و(ما) لغير العاقل، ومعجب: صفة؛ لأنها نكرة موصوفة، صفة لما، والجار والمجرور (لك) متعلق بمعجب.(1/132)
مثال آخر: (رُبَّ ما كرهته نفعك)، انتبه لكتابة (رُبَّ) ما توصل مع (ما)؛ إنما تقول (رب) و(ما) وحدها، (رُبَّ ما كرهته نفعك) طيب رُبَّ، واحد يعرب (رُبَّ) نعم، رب حرف جر وللا ما هو حرف جر؟ (مِنْ) حرف جر، و(في) حرف جر، ها، مَنْ؟ نعم، (رُبَّ) حرف جر شبيه بالزائد مَرَّ علينا إعرابه في مثال مر، طيب رب، (ما) مَنْ يعرب (ما) رُبَّ مَا، مر علينا، نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ، يعني في محل جر برب، ولكن المقصود الأصلي أنها في محل رفع مبتدأ، "رب ما"، كرهته: أيش موقع جملة كرهته؟ صفة لما، وللا لا؟ ولهذا قلنا ما نكرة موصوفة، أين خبر المبتدأ (ما)؟ أنت يا أخي، أيش محله من الإعراب؟ محله رفع، في محل رفع خبر، وفي هذا يتبين لنا أن (مَنْ) تكون نكرة موصوفة، وأن (مَا) تكون نكرة موصوفة، ليس بينهما فرق في الإعراب، لكن الفرق في المعنى، إن (مَنْ) بمعنى إنسان، و(ما) بمعنى شيء. طيب.
من أدوات الإعراب ( ما النكرة الموصوف بها)
ونكرة موصوفًا بها، نحو { مَثَلًا مَا بَعُوضَةً } (1).
ونكرة موصوفة، قال: ونكرة موصوفًا بها، الآن صارت هي الصفة، انتبهوا، صارت الآن هي الصفة، مثالها قول الله تعالى: { * إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً } (2) فـ(مثلا) مفعول به منصوب ليضرب، "أن يضرب مثلا"، (ما) صفة لمَثَل مبنية على السكون في محل نصب، إذا انعكست الآن، عكس التي قبلها التي قبلها هي التي تحتاج إلى صفة، أحسنت، أما الآن هي التي أصبحت صفة، ولهذا نقول في إعراب (مثلا ما)، مثلا: مفعول يضرب، وما: صفة لمثل، بعوضة: بدل من ما أو عطف بيان؛ لأن المراد بقول الله -تعالى- { مَثَلًا مَا } (3) هو أيش؟ هو البعوضة، يعني المثل هو البعوضة.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 26.
(2) - سورة البقرة آية : 26.
(3) - سورة البقرة آية : 26.(1/133)
فإذًا ما تكون نكرة، صفة لاسم قبلها، إما للدلالة على التحقير، يعني على حقارة الشيء، أو للدلالة على التعظيم، فهنا فيها معنى الدلالة على التحقير، يعني: إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا بالغا في الحقارة بعوضة فما فوقها، وقد تأتي لإفادة التعظيم، يعني المعنى: لأمر عظيم مثلا قول الزباء: (لأمر ما جدع قصير أنفه)، أيش إعراب ما هنا؟ لأمر ما، صفة لأمر، والتقدير: لأمر عظيم جدع قصير أنفه. فعلى هذا تكون (ما) نكرة موصوفا بها.
من أدوات الإعراب ( ما معرفة تامة)
ومعرفة تامة { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ } (1).
المراد بالمعرفة التامة: هي التي يقع بعدها اسم مفرد، يسمونها معرفة تامة؛ لأن المعرفة الناقصة تحتاج إلى صلة، والصلة ما تكون مفردا، ولهذا قال المعرفة التامة هي التي يقع بعدها مفرد، مثال ابن هشام قول الله تعالى: { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ } (2) إذا الفاء هنا اتضح أنها واقعة في جواب الشرط، (نِعِمَّا) أصلها نِعْمَ مَا، لكن حصل إدغام، حصل إدغام، فنعم: فعل ماضٍ جامد لإنشاء المدح، و(ما): فاعل معرفة تامة، والتقدير: فنعم الشيء، هي: مخصوص بالمدح مبتدأ مؤخر، وجملة "نعم" من الفعل والفاعل في محل رفع خبر مقدم.
وتعرفون أن إعراب المخصوص فيه خلاف بين النحويين، لكن القاعدة عند العلماء أنه متى أمكن إعراب الكلام على وجه لا تحتاج فيه إلى تقدير فهو أولى، فهو أولى، وبعضهم يقول: إن المخصوص بالمدح يكون خبرا لمبتدأ محذوف، لكن كونه يكون مبتدأ مؤخرا والجملة التي قبله خبر مقدم هذا أحسن.
__________
(1) - سورة البقرة آية : 271.
(2) - سورة البقرة آية : 271.(1/134)
طيب لو قلت مثلا، لو قلت: (نِعْمَ القائدُ خالد) يعني أريد أعطيكم فائدة هنا الآن حين آتي بالمثال، طبعا نعم: فعل ماضٍ، والقائد فاعل، وخالد هو المخصوص بالمدح، على ما قلنا خالد مبتدأ مؤخر وجملة "نعم القائد" خبر مقدم، في الإعراب الثاني يكون خالد خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "نعم القائد هو خالد"، هذا الإعراب الثاني فيه حذف، والإعراب الأول فيه تقديم وتأخير، ولهذا فيه إعراب ثالث ذكره بعض المتقدمين، واستحسنه جمع من المتأخرين، وهو أن الكلام ما فيه حذف ولا فيه تقديم ولا تأخير، فيكون قوله خالد بدلا من الفاعل، وبدل المرفوع مرفوع، ولا تقديم وتأخير ولا حذف.
من أدوات الإعراب ( ما النافية)
قال: وترد حرفًا، فتكون نافية، نحو: { مَا هَذَا بَشَرًا } (1).
انتهينا -والحمد لله- من (ما) الاسمية، جاءت (ما) الحرفية، وهي خفيفة الظل؛ لأن ما الحرفية لسنا مسئولين عن إعرابها؛ لأنها حرف والحرف ليس له محل من الإعراب، ولهذا قالوا وترد حرفا هذا معطوف على قوله أيش؟ وترد (ما) اسما قال: وترد حرفًا، فتكون نافية، نحو: { مَا هَذَا بَشَرًا } (2)، هنا (ما) عملت، فرفعت الاسم ونصبت الخبر على لغة الحجازيين، فتقول: (ما) حجازية ترفع الاسم، فهي نافية ترفع الاسم وتنصب الخبر، (هذا) هاء: حرف تنبيه، وذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع اسم (ما)، بشرا: خبر (ما) منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، ولغة الحجازيين هي اللي وردت في القرآن صراحة في هذه الآية وفي قوله تعالى في سورة المجادلة: { مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } (3) فعملت هنا، رفعت الاسم ونصبت الخبر.
من أدوات الإعراب ( ما المصدرية)
ومصدرية، نحو: { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } (4).
__________
(1) - سورة يوسف آية : 31.
(2) - سورة يوسف آية : 31.
(3) - سورة المجادلة آية : 2.
(4) - سورة آل عمران آية : 118.(1/135)
عندكم (عنتم)؟ ها -لا- هذا يعتبر من النقص، أيش الإفادة من (ودوا ما) ما نستفيد شيئا، المفروض إن الناسخ، والغريب إنه حتى في المخطوطة ما هي موجودة، المفروض أن الناسخ أتى بـ(عنتم)، لما دام أن ما مصدرية سنؤولها بمصدر، كيف نؤولها بمصدر ونحن لا نعرف الذي بعدها؟ فهنا (ما) مصدرية، ودوا: فعل وفاعل، وَدَّ: فعل ماض مبني على الضم والواو فاعل، والألف فارقة، (ما) مصدرية، حرف مصدري لا محل له من الإعراب؛ لأن ما تعمل (ما)، عنتم: فعل وفاعل، عنت فعل ماض، عنت فعل ماض، والميم علامة الجمع، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره: (أنتم عنتم)، وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول (ودوا)، والتقدير: ودوا عنتكم.
طيب.. لعل من باب الفائدة، نعم.. أيش تقول؟ أيش يقول؟ أين الفاعل؟ التاء مدغمة صحيح، فاتني الإدغام، نعم التاء هنا هي الفاعل؛ لأن الفعل عنت أدغم فيه تاء الفاعل، ولهذا شددت، فنقول: إن (عنت) فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، والتاء ضمير متصل مبني على الضم أو على الفتح لأنه للمخاطبين، والميم علامة الجمع، والجملة- و (ما) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول (عنت)، مفعول (ودوا)، والتقدير: ودوا عنتكم، إذا صححوا -يا إخوان- الفاعل إنه بدل ما هو ضمير مستتر هو التاء المدغمة في تاء عنت.(1/136)
لعل من باب الفائدة هنا أن نقول لكم: إن (ما) المصدرية نوعان: مصدرية ظرفية، ومصدرية غير ظرفية، الإعراب + مصدرية غير ظرفية؛ لأنه مصدر، هذا فقط ما في ظرف زمان أو مكان مثلا، لكن في مثل قول الله تعالى: { وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا } (1) يقولون: إن (ما) هنا مصدرية ظرفية مصدرية، مصدرية لماذا؟ لأنها تُقَدّر بمصدر، ظرفية لماذا؟ لأنه يقدر الظرف بعد المصدر، فتقول في إعراب (ما) مصدرية ظرفية، (دمت) دام: فعل ماض يرفع الاسم وينصب الخبر، والتاء اسمها، حيا: خبرها، و (ما) وما دخلت عليه في تأويل مصدر، والتقدير: وأوصاني بالصلاة والزكاة مدة دوامي، مدة تدل على أنها ظرفية، دوامي على أنها مصدرية، وعلى هذا فـ(ما) المصدرية نوعان.
من أدوات الإعراب ( ما الكافة)
قال: وكافة، نحو: { إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ } (2).
(ما) الكافة هي التي تدخل على الأحرف المشبهة بالفعل أو على بعض حروف الجر، على بعض حروف الجر، فإذا دخلت (ما) على إن وأخواتها كَفَّتها عن العمل، يقول ابن مالك:
ووصل ما بذي الحروف مبطل
1@إعمالها وقد يُبَقّى العمل
فالآية الكريمة (إنما) إِنَّ: حرف مكفوف عن العمل، (ما) طبعا يا إخوان المعنى موجود اللي هو التوكيد، إذن هو حرف يفيد التوكيد، لكنّ العمل بطل, (ما) كافة، وقد تمر عليكم في بعض كتب النحو باسم (ما) المهيئة، يقولون لأنها تهيئ الأدوات للدخول على الأفعال، والصحيح ما تدخل إلا على الاسم، على المبتدأ والخبر، لكن إذا دخلت عليها ما هيأتها للدخول على الأفعال، كما في قول الله تعالى: { تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا } (3) شوف كيف دخلت (كأنّ) على الفعل (يساقون)، والسبب ما هو؟ وجود (ما).
__________
(1) - سورة مريم آية : 31.
(2) - سورة النساء آية : 171.
(3) - سورة الأنفال آية : 6.(1/137)
فإلهنا، إنما الله: مبتدأ، إله: خبر، واحد صفة، وقد تدخل علي بعض حروف الجر كما في قول الله تعالى: ربما -في قراءة التخفيف- { رُبَمَا يَوَدُّ } (1) فـ(رُبَّ) هنا ما لها عمل بسبب وجود (ما)، ولا ما لها عمل فقط، دخلت على أيش؟ على فعل، مع إنها حرف جر تجر الأسماء، لكن لما دخلت عليها (ما) هيأتها للدخول على أيش؟ على الأفعال.
من أدوات الإعراب ( ما الزائدة للتوكيد)
الأخير: زائدة للتوكيد { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } (2).
الفاء هنا بحسب ما قبلها، وهي عند التأمل استئنافية، الباء حرف جر، (ما) حرف زائد إعرابًا مؤكِّد معنًى، فبما، رحمة: مجرور بالباء؛ لأنه لو ما جَرَّت بالباء ما صارت ما زائدة، إذا جرت لأنها زائدة، لكن لو كانت ما كافة كان ما تجر الباء، فكونها جرت دليل على أن ما زائدة، يعنى زائدة إعرابا، مؤكدة معنى "فبما رحمة"، (من الله): جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لرحمة، وجملة (لنت لهم): لا محل لها من الإعراب مستأنفة لا محل لها من الإعراب مستأنفة.
ومثالها أيضا قول الله تعالى: { عَمَّا قَلِيلٍ } (3) الأصل (عن ما)، فـ(عن): حرف جار، و (ما) حرف زائد إعرابا مؤكد معنى، (قليل): اسم مجرور بعن وعلامة جره الكسرة.
خاتمة وفوائد
يقول: فهذا يعنى الإشارة إلى ما ذُكِر من هذه القواعد المختصرة، يقول: فهذا -مع التوفيق- كافٍ إن شاء الله تعالى، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه وتابعيه وأحزابه، صلاة دائمة إلى يوم الدين. (آمين).
__________
(1) - سورة الحجر آية : 2.
(2) - سورة آل عمران آية : 159.
(3) - سورة المؤمنون آية : 40.(1/138)
أحسن ابن هشام أنه ربط الكفاية بأمرين: الأمر الأول التوفيق؛ لأنه إذا وفَّق الله -تعالى- واستفاد الطالب من هذه القواعد حصل المقصود، والأمر الثاني أنه لا استفادة ولا كفاية إلا بمشيئة الله تعالى، فقال: فهذا -مع التوفيق- كافٍ إن شاء الله تعالى، والحمد لله وحدَه يا إخوان، كلمة (وَحْدَه) ما فيها (وَحْدُه)، ولا فيها (وَحْدِه) بالجر، ملازمة للنصب على الحال حيثما وقعت، حال دائما، وهي وإن كانت معرفة لكنها مؤولة بالنكرة.
وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه وتابعيه وأحزابه
قوله: "وعلى آله" هذا جمع لا مفرد له من لفظه، والمراد بآله هنا أهل بيته -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن العلماء يقولون: إن ذكر الآل فقط فالمراد أتباعه على دينه إلى يوم القيامة، وان ذكر مع الآل الأتباع والأصحاب يكون المراد بالآل أهل بيته - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه، وتابعيه وأحزابه، صلاة دائمة إلى يوم الدين، آمين
و(آمين) اسم فعل أمر مبني على الفتح، اسم فعل أمر مبني على الفتح معناه استجب.
طيب.. أسئلة أم فوائد؟.. ها. فوائد..ها... طيب
من الفوائد، بعض الطلاب بين المصدر والمفعول المطلق، ما يدري أيش الفرق بينهما، المصدر -يا إخوان- والمفعول المطلق بينهما عموم وخصوص من وجه، يجتمعان في شيء، وينفرد المصدر في شيء، وينفرد المفعول المطلق في شيء، ما كان مصدرا منصوبا فهو مصدر ومفعول مطلق في آن واحد، إذا قلت مثلا: ثارت البراكين ثورانا، فثارت: فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء للتأنيث، والبراكين فاعل، ثورانا: إن قلت مفعول مطلق صحيح، منصوب على المفعولية المطلقة، وإن قلت مصدر منصوب صحيح، إذًا يجتمعان في كل مصدر منصوب.(1/139)
ينفرد المصدر فيما رُفِع أو جُرّ، ما رفع أو جُرّ يتعين أن يكون مصدرا، ولا يجوز أن يكون مفعولا مطلقا، ليه؟ لأن المفعول المطلق لا يكون إلا منصوبا، فمثلا لو قلت لشخص: أعجبتني قراءتك، (قراءة) هنا أيش؟ مصدر، مصدر مرفوع، هل يصح أن نقول إنه مفعول مطلق؟ لا، لأنه غير منصوب، أو تقول مثلا: سُررت من قراءتك، مفعول مطلق؟ لا؛ لأنه غير منصوب.
الثالث ينفرد المفعول المطلق في الأشياء التي تنوب عن المصدر، التي يذكرها النحويين، مثل الآلة، إذا قلت مثلا: ضربته سوطا، أيش إعراب سوطا؟ مفعول مطلق منصوب، وعلامة نصبه الفتحة، ولا يصح أن يكون مصدرا؛ لأن أصله نائب عن المصدر؛ لأن أصل الكلام: ضربته ضرب سوط، حُذِفَ المصدر وبقيت الآلة. فالنحويين يذكرون أشياء، يقولون: الأشياء التي تنوب عن المصدر ما إعرابها؟ مفعول مطلق، مفعول مطلق منصوب.
من الفوائد، إنه في فرق بين علامة الإعراب وعلامة البناء، تعرفون اللغة العربية فيها أسماء معربة وفيها أسماء مبنية، عند الإعراب تقول: مرفوعة بالضمة في مثل جَاءَ خَالِدٌ،، خالد: مرفوع بالضمة، لكن في البناء تقول: مبني على الضم، لو قلت مثلا في مثل حيثُ، يعني هي مبنية على الضم مثلا، أو الفعل الماضي إذا اتصلت به واو الجماعة يكون مبنيا على الضم.
إذًا في الإعراب تقول: مرفوع - منصوب - مجرور، لكن في البناء تجيب كلمة مبني، طيب أيش الفرق بين مرفوع ومبني؟ الفرق بينهما إن معنى مرفوع بالضمة أنه لو زال الأمر الذي أحدث الرفع زالت الضمة، لكن مبنى، البناء يلزم الثبوت والدوام، إذا قيل مبني على الفتح، مبني على السكون، مبني على الضم، مهما تغيرت العوامل البناء ما يتغير، ما يتغير، ولهذا تقول مثلا في الاسم الموصول: جاء مَنْ زارنا بالأمس، رأيت مَنْ زارنا بالأمس، مررت بمَنْ زارنا بالأمس، فلا يتغير.(1/140)
من الفوائد التي يمكن أن نأتي بها فيه نوع من أنواع المفعول لأجله، تعرفون المفعول لأجله؟ هو المصدر الذي يكون علة لما قبله، مثل: جئت رغبةً في العلم مثلا، لكن فيه نوع من المفعول لأجله وقع في القرآن الكريم مقدرا بأَنْ المصدرية وما دخلت عليه على حَذْفِ مضاف، مثل قول الله تعالى: { يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } (1) (أن تضلوا)، أن: مصدرية، وتضلوا: فعل مضارع منصوب بأن بحذف النون، هذا مر علينا وانتهينا منه وعرفناه، أَنْ وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول لأجله على حذف مضاف، والتقدير يبين الله لكم كراهة أن تضلوا، أو خشية أن تضلوا، هذا نوع من أنواع المفعول لأجله.
مثال آخر: قول الله تعالى: { إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا } (2) أَنْ وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول لأجله على حذف مضاف، والتقدير -والله أعلم-: فتبينوا خشية أن تصيبوا، أو كراهة أن تصيبوا.
نكتفي بهذا القدر، وأسأل الله -تعالى- أن ينفعنا بما سمعنا.
س: فضيلة الشيخ، سائل يقول: فضيلة الشيخ، أحسن الله إليكم ورفع درجاتكم، هل هناك فرق بين قولنا اسم الجلالة وبين قولنا لفظ الجلالة؟ وكذلك قولنا في إعراب الاسم المجرور: علامة جره الكسرة الظاهرة على آخره أو قولنا تحت آخره، وإن كان ثَمَّ فرق فما الصواب في ذلك؟
__________
(1) - سورة النساء آية : 176.
(2) - سورة الحجرات آية : 6.(1/141)
ج: أما بالنسبة للأول فمن العلماء المتأخرين مَنْ لا يرى كلمة اسم الجلالة، ويقول أن كلمة الجلالة هذه كلمة محدثة ليس لها أصل، لكن من المشكل في هذا أنها مدسوسة في كتب النحو، فقد يكون التخلص منها فيه نوع من العسر، وإنه لو قيل الله مثلا والله يعني هذا اللفظ قد يكون أحسن من كلمة ولفظ الجلالة أو قولنا اسم الجلالة؛ لأن كلمة الجلالة هذه -على حسب ما ذكره بعض العلماء- أنها كلمة محدثة وليس لها أصل، يعني في الشرع، كأنه يقول -يعني- وإن ذكرها النحويين في كتب الإعراب إلا أنه ينبغي التخلي عنها، ولكن يبدو لي أنا أن الأمر -إن شاء الله- يعني سهل؛ لأنها يعني يمكن نقول إنه بالنسبة للنحويين مما عمّت به البلوى، إنه لا بد أن يقول الإنسان الكلام هذا في الإعراب، وأنتم تعرفون أن الشيء التي تعم به البلوى يدخله الخفيف، نعم.
أما قولك في بقية السؤال: تحت آخره أو على آخره، فلا ريب إنه عند التدقيق تحت آخره أحسن، لكن جرت عبارة المعربين أن يقول على آخره، أيضا الخطب في هذا سهل. نعم.
س: أحسن الله إليكم، هذا سائل يسأل عن ترجمتكم وكيفية طلبكم للعلم ؟
ج: هذا سؤال ما يصلح؛ لأنني أنا لم أصل أنني أُسأل مثل هذا السؤال، ولكن أمامكم كتب العلماء المتقدمين والعلماء المتأخرين اقرءوا في سيرهم، واعرفوا كيف طلبوا العلم، أما مثلي أنا فلست من أئمة هذا الشأن لقصور باعي وعدم نباهتي واطلاعي، فأنا أعتذر، وأشكر الأخ السائل، أعتذر عن الإجابة عن هذا السؤال.
لكن يا شيخ لعل يعني هذا السائل لا نحرمه ما أراد، فترجمة الشيخ لعلها موجودة في موقع الجامع على الإنترنت، فليراجع الموقع، نعم يا إخوان طلبوا مني بعد الدرس العام الماضي -درس الأصول- لمحة موجزة، فلزّموا علي وإلا أنا لا أريد أن أكتب ترجمة لنفسي؛ ولا أذكر شيئا من هذا؛ لأني أرى أنني أقل من أن أصل إلى هذا المستوى. نعم.(1/142)
كذلك تكملة لهذا ترد أسئلة تطلب دروس الشيخ فهي التي أقيمت في هذا الجامع، الدروس التي أقيمت في هذا الجامع موجودة على الإنترنت مفرغة، يعني مكتوبة ومسموعة، من أرادها سيجدها -إن شاء الله تعالى- في موقع الجامع.
س: وهذا سائل أيضا يقول: ذكرتم -حفظكم الله- أن (لو) في بعض سوره يجوز أن يقال فيه حرف امتناع لامتناع، ففي هذا الحال هل يجوز أن يطبق عليه القاعدة العامة التي رجحها ابن هشام، وهي أن (لو) حرف يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه؟
ج: نعم، عبارة ابن هشام تنطبق على جميع الأمثلة، لكن عبارة "حرف امتناع لامتناع" -مثل ما مرّ علينا- تنطبق على بعض الأمثلة دون بعض، وهل نحن نريد أن نضع قواعد لبعض الأمثلة أو قواعد عامة؟ قواعد عامة، ولهذا أكثر ابن هشام في "مغني اللبيب" قال: ينبغي لمن يدرّس الطلاب المبتدئين، الطلاب المبتدئين غيركم، إنه يختار لهم العبارات السهلة الموجزة؛ لأنها هي العبارة التي يمكن حفظها، فنحن لا نريد أن نقول بعض الأمثلة يقال حرف امتناع لامتناع وبعض الأمثلة يقال كذا وكذا، نريد أن نضع قاعدةً واحدة لجميع الأمثلة، إذًا عبارة "حرف يدل على امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه" عليها مدخل؟ ما عليها مدخل، إذا نختار العبارة هذه ونترك العبارة الثانية، ولنضرب مثلا: لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا، فقال في الإعراب: حرف امتناع لامتناع، يصلح هنا؟ يصلح هنا، لكن عبارته هذه ما تطرد في جميع الأمثلة.
س: هذا يقول: نحن ندرس اللغة العربية، وأنت تتكلم أحيانا بلغة أهل القصيم، فهل لغة أهل القصيم قريبة من اللغة الصحيحة؟(1/143)
ج: أنا ما أدري ماذا يقصد، كلامي أنا بأهل القصيم؟ إن كان يقصد إلقائي الدرس فأنا هذه عادتي أن لا ألقي دروسي إلا باللغة العربية، مع إني ما أبرئ ساحتي من اللحن، لكن أجتهد أحيانا أن يكون درسي باللغة العربية الفصحى، لكن إن كان السائل يقصد الدرس الذي ألقيه باللغة العربية هو لغة أهل القصيم هذا ما هو صحيح، أهل القصيم اتغيروا اليوم، ما يتكلموا باللغة العربية، الآن حلّت اللهجة العامية محل اللغة العربية، والحقيقية أنا لقيت + مجلة فرحت به وبعلمكم به، فيه مجلة المجمع اللغوي القاهري، هذه مجلة تصدر في مصر، مجلة عظيمة جدا يكتب فيها علماء متقدمون على درجة كبيرة من التمكن في اللغة العربية، وقد صدر منها ثمانون عددا، أذكر إنه في بعض أعدادها تكلموا عن اللغة العربية، لكن قال إنه لا يلزم في لغة التخاطب مع عموم الناس أنك تتكلم باللغة العربية، يعني مع عموم الناس أيش؟ تتكلم بلهجتهم، وهذا قد يؤيده قول على - رضي الله عنه - "حدثوا الناس بما يعرفون".
أنا -مثلا- أعرف اللغة العربية أعرف الفاعل والمفعول، لو أطرق على إنسان الباب أليس من مقتضى اللغة العربية إني أقول: ناد أباك وللا لا؟ نادِ أباك؛ لأنه مفعول به منصوب، لو أقول نادِ أباك يمكن يغلق الباب في وجهه ويروح، ++.
إذًا أنا ملزم أن أقول له نادي أبوك، مع أن "نادي أبوك" غلط في اللغة العربية، إذًا نحن وإن كنا نعرف اللغة العربية لكن في مخاطبة العوام ننزل معهم في مستواهم، لو تروح لسوق الخضار وللا سوق التمر وللا غيره ما تقدر مع صاحب الدكان ولا غيره أنك تتكلم اللغة العربية، كان يقولك ما عندنا شيء يباع، ما نبيع، فأنت تنزل معه وتتكلم معه على حسب لهجته، فأنا -الحقيقة- فرحت بهذه الكلمة، ويمكن أنا أقول اللغة العربية أستعملها في مجال الكتابة، في مجال مثلا تلاوة القرآن الكريم، في مجال الخطابة من الخطيب والمحاضر والملقي للدروس يتكلم بالغة العربية الفصحى، هذا هو المطلوب.(1/144)
س: أحسن الله إليكم، هذا طالب يقول: الطالب مبتدع، لعله يقصد مبتدئ، بأي فن يبدأ الحديث أو التوحيد أو اللغة، أيهما أفضل؟ يعني عموم كلامه يقول بأي فن يبدأ في طلب العلم؟ هو طالب مبتدئ.
ج: لا ريب أن جميع العلوم مستندة إلى اللغة، وهذا إنما يقال للإنسان ليس عنده حصيلة من اللغة أصلا، أما الإنسان عنده حصيلة لا بأس بها أو مقدمات مبدئية، هذا يُطلب منه إنه يقرأ باللغة ويدرس اللغة، لكن يبدأ بالأهم فالأهم، أما إنسان لا يعرف من اللغة شيئا كيف يعرف كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لأنهما بلسان عربي مبين.
السؤال الأخير
س: يا فضيلة الشيخ، نأسف لفراقك، ما إعراب كلمة: المرء يعجز لا محالة.
ج: (لا محالة) لا نافية للجنس، ومحالةَ: اسمها مبني على الفتح، والخبر محذوف دائما في مثل هذا التركيب، مثل: (لا محالة)، أو (لا بد) اسمها محذوف.
وأنا أيضا أأسف لفراقكم والالتقاء بمثل هذه الوجوه الطيبة، ولكن في الختام أسأل الله -تعالى- الذي جمعنا في هذا المكان المبارك أن يجمعنا في جنات النعيم ووالدينا، وأن ينفعنا بما سمعنا من قواعد اللغة وبما تسمعون من المعلومات الأخرى، وأستودعكم الله -سبحانه وتعالى-، وأسأل الله -تعالى- لي ولكم التوفيق، وصلي الله على نبينا محمد وعلي آله وصحبه.
أسئلة وردت على المحاضرة
فيه أسئلة؟
س: فضيلة الشيخ، سائل يقول: فضيلة الشيخ، أحسن الله إليكم ورفع درجاتكم، هل هناك فرق بين قولنا اسم الجلالة وبين قولنا لفظ الجلالة؟ وكذلك قولنا في إعراب الاسم المجرور: علامة جره الكسرة الظاهرة على آخره أو قولنا تحت آخره، وإن كان ثَمَّ فرق فما الصواب في ذلك؟(1/145)
ج: أما بالنسبة للأول فمن العلماء المتأخرين مَنْ لا يرى كلمة اسم الجلالة، ويقول أن كلمة الجلالة هذه كلمة محدثة ليس لها أصل، لكن من المشكل في هذا أنها مدسوسة في كتب النحو، فقد يكون التخلص منها فيه نوع من العسر، وإنه لو قيل الله مثلا والله يعني هذا اللفظ قد يكون أحسن من كلمة ولفظ الجلالة أو قولنا اسم الجلالة؛ لأن كلمة الجلالة هذه -على حسب ما ذكره بعض العلماء- أنها كلمة محدثة وليس لها أصل، يعني في الشرع، كأنه يقول -يعني- وإن ذكرها النحويين في كتب الإعراب إلا أنه ينبغي التخلي عنها، ولكن يبدو لي أنا أن الأمر -إن شاء الله- يعني سهل؛ لأنها يعني يمكن نقول إنه بالنسبة للنحويين مما عمّت به البلوى، إنه لا بد أن يقول الإنسان الكلام هذا في الإعراب، وأنتم تعرفون أن الشيء التي تعم به البلوى يدخله الخفيف، نعم.
أما قولك في بقية السؤال: تحت آخره أو على آخره، فلا ريب إنه عند التدقيق تحت آخره أحسن، لكن جرت عبارة المعربين أن يقول على آخره، أيضا الخطب في هذا سهل. نعم.
س: أحسن الله إليكم، هذا سائل يسأل عن ترجمتكم وكيفية طلبكم للعلم ؟
ج: هذا سؤال ما يصلح؛ لأنني أنا لم أصل أنني أُسأل مثل هذا السؤال، ولكن أمامكم كتب العلماء المتقدمين والعلماء المتأخرين اقرءوا في سيرهم، واعرفوا كيف طلبوا العلم، أما مثلي أنا فلست من أئمة هذا الشأن لقصور باعي وعدم نباهتي واطلاعي، فأنا أعتذر، وأشكر الأخ السائل، أعتذر عن الإجابة عن هذا السؤال.
لكن يا شيخ لعل يعني هذا السائل لا نحرمه ما أراد، فترجمة الشيخ لعلها موجودة في موقع الجامع على الإنترنت، فليراجع الموقع، نعم يا إخوان طلبوا مني بعد الدرس العام الماضي -درس الأصول- لمحة موجزة، فلزّموا علي وإلا أنا لا أريد أن أكتب ترجمة لنفسي؛ ولا أذكر شيئا من هذا؛ لأني أرى أنني أقل من أن أصل إلى هذا المستوى. نعم.(1/146)
كذلك تكملة لهذا ترد أسئلة تطلب دروس الشيخ فهي التي أقيمت في هذا الجامع، الدروس التي أقيمت في هذا الجامع موجودة على الإنترنت مفرغة، يعني مكتوبة ومسموعة، من أرادها سيجدها -إن شاء الله تعالى- في موقع الجامع.
س: وهذا سائل أيضا يقول: ذكرتم -حفظكم الله- أن (لو) في بعض سوره يجوز أن يقال فيه حرف امتناع لامتناع، ففي هذا الحال هل يجوز أن يطبق عليه القاعدة العامة التي رجحها ابن هشام، وهي أن (لو) حرف يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه؟
ج: نعم، عبارة ابن هشام تنطبق على جميع الأمثلة، لكن عبارة "حرف امتناع لامتناع" -مثل ما مرّ علينا- تنطبق على بعض الأمثلة دون بعض، وهل نحن نريد أن نضع قواعد لبعض الأمثلة أو قواعد عامة؟ قواعد عامة، ولهذا أكثر ابن هشام في "مغني اللبيب" قال: ينبغي لمن يدرّس الطلاب المبتدئين، الطلاب المبتدئين غيركم، إنه يختار لهم العبارات السهلة الموجزة؛ لأنها هي العبارة التي يمكن حفظها، فنحن لا نريد أن نقول بعض الأمثلة يقال حرف امتناع لامتناع وبعض الأمثلة يقال كذا وكذا، نريد أن نضع قاعدةً واحدة لجميع الأمثلة، إذًا عبارة "حرف يدل على امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه" عليها مدخل؟ ما عليها مدخل، إذا نختار العبارة هذه ونترك العبارة الثانية، ولنضرب مثلا: لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا، فقال في الإعراب: حرف امتناع لامتناع، يصلح هنا؟ يصلح هنا، لكن عبارته هذه ما تطرد في جميع الأمثلة.
س: هذا يقول: نحن ندرس اللغة العربية، وأنت تتكلم أحيانا بلغة أهل القصيم، فهل لغة أهل القصيم قريبة من اللغة الصحيحة؟(1/147)
ج: أنا ما أدري ماذا يقصد، كلامي أنا بأهل القصيم؟ إن كان يقصد إلقائي الدرس فأنا هذه عادتي أن لا ألقي دروسي إلا باللغة العربية، مع إني ما أبرئ ساحتي من اللحن، لكن أجتهد أحيانا أن يكون درسي باللغة العربية الفصحى، لكن إن كان السائل يقصد الدرس الذي ألقيه باللغة العربية هو لغة أهل القصيم هذا ما هو صحيح، أهل القصيم اتغيروا اليوم، ما يتكلموا باللغة العربية، الآن حلّت اللهجة العامية محل اللغة العربية، والحقيقية أنا لقيت + مجلة فرحت به وبعلمكم به، فيه مجلة المجمع اللغوي القاهري، هذه مجلة تصدر في مصر، مجلة عظيمة جدا يكتب فيها علماء متقدمون على درجة كبيرة من التمكن في اللغة العربية، وقد صدر منها ثمانون عددا، أذكر إنه في بعض أعدادها تكلموا عن اللغة العربية، لكن قال إنه لا يلزم في لغة التخاطب مع عموم الناس أنك تتكلم باللغة العربية، يعني مع عموم الناس أيش؟ تتكلم بلهجتهم، وهذا قد يؤيده قول على - رضي الله عنه - "حدثوا الناس بما يعرفون".
أنا -مثلا- أعرف اللغة العربية أعرف الفاعل والمفعول، لو أطرق على إنسان الباب أليس من مقتضى اللغة العربية إني أقول: ناد أباك وللا لا؟ نادِ أباك؛ لأنه مفعول به منصوب، لو أقول نادِ أباك يمكن يغلق الباب في وجهه ويروح، ++.
إذًا أنا ملزم أن أقول له نادي أبوك، مع أن "نادي أبوك" غلط في اللغة العربية، إذًا نحن وإن كنا نعرف اللغة العربية لكن في مخاطبة العوام ننزل معهم في مستواهم، لو تروح لسوق الخضار وللا سوق التمر وللا غيره ما تقدر مع صاحب الدكان ولا غيره أنك تتكلم اللغة العربية، كان يقولك ما عندنا شيء يباع، ما نبيع، فأنت تنزل معه وتتكلم معه على حسب لهجته، فأنا -الحقيقة- فرحت بهذه الكلمة، ويمكن أنا أقول اللغة العربية أستعملها في مجال الكتابة، في مجال مثلا تلاوة القرآن الكريم، في مجال الخطابة من الخطيب والمحاضر والملقي للدروس يتكلم بالغة العربية الفصحى، هذا هو المطلوب.(1/148)
س: أحسن الله إليكم، هذا طالب يقول: الطالب مبتدع، لعله يقصد مبتدئ، بأي فن يبدأ الحديث أو التوحيد أو اللغة، أيهما أفضل؟ يعني عموم كلامه يقول بأي فن يبدأ في طلب العلم؟ هو طالب مبتدئ.
ج: لا ريب أن جميع العلوم مستندة إلى اللغة، وهذا إنما يقال للإنسان ليس عنده حصيلة من اللغة أصلا، أما الإنسان عنده حصيلة لا بأس بها أو مقدمات مبدئية، هذا يُطلب منه إنه يقرأ باللغة ويدرس اللغة، لكن يبدأ بالأهم فالأهم، أما إنسان لا يعرف من اللغة شيئا كيف يعرف كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لأنهما بلسان عربي مبين.
السؤال الأخير
س: يا فضيلة الشيخ، نأسف لفراقك، ما إعراب كلمة: المرء يعجز لا محالة.
ج: (لا محالة) لا نافية للجنس، ومحالةَ: اسمها مبني على الفتح، والخبر محذوف دائما في مثل هذا التركيب، مثل: (لا محالة)، أو (لا بد) اسمها محذوف.
وأنا أيضا أأسف لفراقكم والالتقاء بمثل هذه الوجوه الطيبة، ولكن في الختام أسأل الله -تعالى- الذي جمعنا في هذا المكان المبارك أن يجمعنا في جنات النعيم ووالدينا، وأن ينفعنا بما سمعنا من قواعد اللغة وبما تسمعون من المعلومات الأخرى، وأستودعكم الله -سبحانه وتعالى-، وأسأل الله -تعالى- لي ولكم التوفيق، وصلي الله على نبينا محمد وعلي آله وصحبه.(1/149)