شرح الرضي على الكافية - رضي الدين الأستراباذي ج 1
شرح الرضي على الكافية
رضي الدين الأستراباذي ج 1(1/)
شرح الرضى على الكافية(1/1)
جميع حقوق الطبع محفوظة 1398 ه - 1978 م جامعة قاريونس(1/2)
شرح الرضى على الكافية طبعة جديدة مصححة ومذيلة بتعليقات مفيدة الجزء الاول تصحيح وتعليق يوسف حسن عمر الاستاذ بكلية اللغة العربية والدراسات الاسلامية كلية اللغة العربية والدراسات السلامية(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله على واسع فضله، وسابغ نعمته، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وصفوة المرسلين، سيدنا محمد النبي الامين، وعلى آله وصحابته وآل بيته أجمعين،
ورضي الله تعالى عن أسلافنا وجزاهم خيرا، بما قدموا لنا من ثمار أفكارهم ونتاج عقولهم مما بذلوا فيه غاية جهدهم، وأقصى طاقتهم حتى وصل إلينا داني القطوف، شهي الثمار، وحتى تحقق بذلك قول القائل: ما ترك الاول للاخر، رحمهم الله تعالى.
وأجزل لهم المثوبة،.
وبعد، فإن المكتبة العربية تزخر بكنوز ثمينة من هذا التراث الفكري، العربي والاسلامي في مختلف العلوم، وعلى تعاقب العصور، وقد هيأ الله تعالى لكثير من هذا التراث أن يرى النور، فينتفع به الباحثون والدارسون، وطلاب المعرفة، بفضل ما بذله ويبذله الباحثون وما تقوم به الهيئات العلمية " الرسمية وغير الرسمية "، من نشر لهذه الكنوز، وتجليتها للناس وإبرازها في صورة مشرقة، تجمع إلى التحقيق العلمي الدقيق، جمال الطبع وحسن الاخراج، وفي مكتبة النحو، من هذا التراث، كتاب جليل القدر عظيم الفائدة يعرف(1/5)
قيمته كل مشتغل بهذا العلم، بما اشتمل عليه من تحقيق لمسائله واستيعاب لاهم قواعده، حتى أصبح في مقدمة المراجع لهذا العلم، وهو كتاب: " شرح الرضى على كافية ابن الحاجب "، الذي تجلى فيه جهد اثنين من أبرز العلماء وأشهرهم، عاشا معا في القرن السابع الهجري وسبق أحدهما الاخر بما يقل عن نصف قرن من الزمان، أما أحدهما، وهو أسبقهما، فهو الامام العالم الحجة: أبو عمر: عثمان بن عمر الكردي المعروف بابن الحاجب، المتوفى سنة 646 ه، وهو من أصل كردي، نشأ بمصر لان أباه كان حاجبا لاحد أمرائها فاشتهر بابن الحاجب، وقد نبغ في كثير من العلوم العربية والاسلامية ومنها علم النحو، فألف فيه
رسالة موجزة، اشتهرت باسم " الكافية "، وهي على اختصارها وشدة وجازتها، جمعت أهم مسائل النحو، وحوت جل مقاصده، وقد تسابق العلماء من بعد ابن الحاجب، إلى شرح هذه الرسالة وتوضيح مجملها ومن شروحها شرح لمؤلفها نفسه، وقد نقل عنه كثير ممن ألفوا في النحو بعد ذلك.
وأما ثانيهما فهو العلامة المحقق: " رضى الدين: محمد بن الحسن الاستراباذي المتوفى سنة 688 ه، وهو من " استراباذ " إحدي قرى " طبرستان "، وقد عاش حياته بين العراق والمدينة المنورة، وقد علم برسالة ابن الحاجب هذه وشرح مؤلفها لها، فبادر هو إلى شرحها في هذا الكتاب الذي نتحدث عنه، " كما أن لابن الحاجب رسالة صغيرة ثانية في الصرف، اسمها " الشافية " شرحها الرضي كذلك شرحا وافيا، وهي كذلك تعتبر من أهم مراجع علم الصرف وهي مطبوعة طبعا حديثا في مصر "، وجاء في مقدمة الرضى لشرحه على الكافية أنه فعل ذلك استجابة لرغبة من أحد الذين قرأوا عليه هذه الرسالة، ويقول انه أراد أن يعلق عليها ما يشبه الشرح، ثم اقتضى الحال بعد الشروح أن يتجاوز الاصول إلى الفروح،(1/6)
والحق أن كتابه هذا جاء مرجعا علميا جليل القدر عظيم الفائدة في هذا العلم، وعلى كثرة ما كتبه العلماء على رسالة الكافية من شروح وتعليقات، قد نقل كثيرون ممن جاءوا بعد الرضى عن شرحه هذا وأخذوا منه.
وامتاز الرضي في شرحه هذا باستقلال الرأي وحرية الفكر، فلم يتحيز ولم يتعصب لمذهب معين لاحد ممن سبقوه، وعلى ميله الغالب إلى مذهب البصريين، وتمجيده لامام النحو " سيبويه " وتقديره لكتابه، يختار كثيرا، بعض آراء الكوفيين ويدافع عنها، بل ان ذلك ظهر في كثير من تعبيراته، التي وردت في هذا الشرح،
وهو، إلى ذلك، قد ينفرد برأي خاص في بعض المسائل، بعد أن يعرض أقوال السابقين ويفندها، وقد يرجع بعضها ويدافع عنه دفاعا قويا.
وقد حفل شرحه هذا بشواهد من القرآن ومن الشعر، وبعض الاحاديث النبوية، وعبارات مما تضمنه كتاب نهج البلاغة المنسوب إلى الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه، فأما الشعر فقد جاء فيه ما يقرب من ألف شاهد، وقد تكفل بشرحها شرحا علميا وأدبيا وتاريخيا: العلامة عبد القادر البغدادي من علماء القرن الحادي عشر الهجري في كتاب، هو جدير، حقا بما سماه به صاحبه: " خزانة الادب، ولب لباب لسان العرب "، وكثير من الادباء وعلماء اللغة يرجعون إليه في معظم ما يكتبون، وأما شواهده القرآنية، فمما لا شك فيه أن كتاب الله تعالى هو قمة الاستشهاد على علوم اللغة العربية، وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثار خلاف بين السابقين من علماء النحو في صحة الاستشهاد به، وتحرج كثير منهم من ذلك وخلت كتب كثيرة من ذكر الاحاديث النبوية، وهو خلاف طويل لا يتسع المجال هنا لعرضه، وقد لخص ذلك: البغدادي في مقدمة خزانة الادب، ولكنهم انتهوا أخيرا إلى صحة الاستشهاد بالحديث وبدأت مؤلفاتهم تمتلئ به، فسلك الرضى مسلكهم في ذلك.(1/7)
ثم، جاء في هذا الشرح استشهاد ببعض عبارات منسوبة للامام علي بن أبي طالب، كما تقدم، ولا ريب في أن كلام علي رضي الله عنه في مقدمة ما يستشهد به، ولكن الذي منع غير الرضى من الاستشهاد بكلامه رضي الله عنه، هو ما دار حول كتاب " نهج البلاغة " من تشكيك في صحة نسبته إليه، وأنه من كلام
الشريف الرضي، أو أخيه الشريف المرتضى، وان كان بعض الباحثين يرجح نسبته إلى علي رضي الله عنه ويدافع عن ذلك، ويرد ما قيل من شبه في نسبته إليه، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال، تشيع الرضي وقد عزا بعض الباحثين السبب في استشهاد الرضي بكلام الامام علي وإطرائه لبلاغته رضي الله عنه، إلى أن الرضى رحمه الله إما أن يكون شيعيا، وإما أن يكون من سلالة الامام علي، وقد تبينت من تأملي في هذا الكتاب ما يرجح " أنه شيعي " فقد حرص في تمثيله لبعض القواعد أن يبرز هذا الاعتقاد عنده، حيث مثل لتقدم المفعول على الفاعل عند قيام القرينة بقوله: (1) " استخلف المرتضى المصطفى صلى الله عليه وسلم "، كما مثل في باب المركبات بقوله: " كما تقول: " الحسين رضي الله عنه ثالث الاثني عشر "، وهذه عبارات ناطقة بالتشيع.
تقدير العلماء لهذا الشرح وقد علق الشريف الجرجاني من علماء القرن التاسع الهجري على هذا الكتاب وناقش مؤلفه في بعض المسائل، وصحح بعض عباراته وأشار إلى ما يوجد بين
__________
(1) ص 191 من هذا الجزء.
(*)(1/8)
نسخه المخطوطة، المتعددة، من خلاف في العبارة، وقد أشار إل ذلك في اجازة منحها لمن قرأ عليه هذا الشرح كما أشار إلى قيمة هذا الكتاب، وإلى ما بذله من جهد في تصحيح نسخه المختلفة، وذلك حيث يقول: " وإن شرح الكافية، للعالم الكامل، نجم الائمة، وفاضل الامة، محمد ابن الحسن الرضى الاستراباذي، كتاب جليل الخطر، محمود الاثر، يحتوي
من أصول هذا الفن على أمهاتها...وجاء كتابه هذا كعقد نظم فيه جواهر الحكم بزواهر الكلم..الخ ما قال "، ثم يشير إلى اختلاف النسخ التي اطلع عليها لهذا الكتاب فيقول: " لكن وقع فيه تغييرات، وشئ من المحو والاثبات، وبدل بذلك نسخه تبديلا بحيث لا تجد إلى سيرتها الاولى سبيلا، " وبعد أن أشار إلى ما بذله من جهد في تصحيحه يقول: " فتصحح إلا ما نذر، أو طغى به القلم، أو زاغ البصر "، وقد نقل البغدادي في مقدمة خزانة الادب جزءا من هذه الاجازة، كذلك يقول البغدادي عن هذا الشرح وهو يتحدث عنه وعن مؤلفه: إن كتب النحو بعده صارت كالشريعة المنسوخة، ولا يتحدث عن الرضى إلا بقوله: الشارح المحقق، هذه كلمة موجزة عن الرضى، وعن كتابه " شرح الكافية " الذي ظل مخطوطا إلى أواخر القرن الهجري الماضي، حيث ظهرت المطابع في كثير من البلاد، فظهرت أول طبعة منه في تركيا سنة 1275 ه وجاء في ختام هذه الطبعة أنها قد روجعت على آخر نسخة قوبلت على نسخة المؤلف، وطبعت على هوامشه تعليقات الشريف الجرجاني التي سبقت الاشارة إليها، وهي كثيرة في بعض الصفحات حتى لقد طبع ما لم تكفه الهوامش في قصاصات صغيرة، ألصقت بين الصفحات، كما خلت صفحات كثيرة من هذه التعليقات أو اشتملت على القليل منها، وأغلب هذه التعليقات يشير إلى اختلاف النسخ، وبعضها يتضمن(1/9)
مناقشة للرضى، أو توضيحا لبعض عباراته، ومنها ما يتضمن استطرادا أو استشهادا أو تفسيرا لبعض الشواهد أو العبارات.
ولقد كانت حالة الطباعة في هذا الوقت سببا في وقوع كثير من الاخطاء كما جاءت هذه الطبعة متزاحمة الكلمات والسطور بحيث امتلات جميع الصفحات بالكلمات لا يفصل بينها فاصل يحدد مواقع الجمل، وبداية الكلام ونهايته، وليس في صفحات الكتاب كلها عنوان لبحث، وغير ذلك من الظواهر التي جعلت الصورة الاخيرة لهذه الطبعة، لا تعين القارئ على إدامة النظر في الكتاب وإمكان الانتفاع بما فيه.
وتقع هذه الطبعة في جزأين كبيرين، مجموع صفحاتهما سبعمائة صفحة، وهي مطبوعة في مطبعة " محمد لبيب " بالاستانة سنة 1275 ه كما تقدم وفي عهد السلطان عبد المجيد، ثم ظهرت بعدها طبعتان في شكل واحد وحجم واحد وينقص عدد السطور من صفحاتهما عن الطبعة السابقة فوصلت بذلك صفحات كل منهما إلى ما يزيد عن خمسين وثمانمائة صفحة، واحدى الطبعتين طبعت في مطبعة " الحاج محرم أفندي البستوي " سنة 1305 ه وطبعت الثانية بمطبعة شركة الصحافة العثمانية سنة 1310 ه، وكلتاهما في عهد السلطان عبد الحميد، وكل ما ظهر من فرق بين هاتين الطبعتين، والطبعة الاولى إنما هو زيادة عدد الصفحات فيهما عن سابقتهما بسبب اختلاف حجم الورق، فالاخطاء هي الاخطاء، وازدحام الصفحات بالكلمات والسطور، والتعليقات المطبوعة على الهوامش والقصاصات الملصقة بين الصفحات لاستيعاب هذه التعليقات وعدم العناوين، وغير ذلك، كل هذا لم يختلف في قليل ولا كثير في هاتين الطبعتين عنه في الطبعة الاولى،(1/10)
ومع كل هذه العيوب في هذه الطبعات الثلاث، كان وجودها يسد فراغا في مراجع هذا الفن على الرغم مما يلقاه الناظر فيها من صعوبات، ولكن هذه الطبعات لا يكاد يوجد منها شئ إلا أن يكون في مكتبة خاصة لبعض العلماء، أو دار من دور الكتب التي يؤمها الباحثون، وذلك يبرز، إلى حد بعيد، مدى الحاجة إلى تيسير وجود هذا الكتاب النافع بإعادة طبعه في صورة جديدة، يستفاد فيما بما وصلت إليه الطباعة في هذا العصر من التقدم والازدهار، أما إخراج الكتاب إخراجا علميا محققا يجمع شتات نسخه المخطوطة المتعددة ويحقق ما امتلا به من نصوص منقولة عن السابقين من العلماء والتي أكثر منها الرضى معزوة إلى أصحابها، فذلك أمل نرجو أن يتحقق على يد من يوفقه الله إليه، ويكون قادرا على النهوض به.
وإلى أن يتحقق هذا الرجاء، إن شاء الله تعالى، وجدت أن من الميسور أن يعاد طبع هذا الكتاب في صورة جديدة تعين على الانتفاع به بتلافي ما أشرت إليه من عيوب في الطبعات السابقة، فقد استخرت الله تعالى ونظرت في هذا الكتاب طويلا، حتى استوعبت كثيرا منه، وتعرفت ما في طبعاته السابقة من أخطاء يمكن تداركها، وتبينت طريق الرضى في عرضه لمسائل هذا العلم وأسلوبه في نقد ما يعرض له من آراء العلماء، كما تبينت ما في بعض عباراته من الغموض الذي يحتاج إلى التوضيح والتفسير، فهو عندما يقصد المبالغة في الشرح والتوضيح، يسرف في التكرار وفرض الامثلة، ويستطرد إلى ما ليس من موضوع البحث، وحين يعود إلى ما كان فيه يكون قد طال الفصل وكثر الاستطراد، وقد كان من الاخطاء التي وقعت في تلك الطبعات أن انتقلت جمل وسطور من مكانها ولم ينبه عليها أحد، وبعد طول النظر وتفهم المقصود منها أمكن، بفضل الله، وضع كل شئ في مكانه فاستقام المعني، أو كاد،(1/11)
ثم بدأت في نسخ الكتاب، متخذا أساس ذلك: النسخة التي طبعت سنة 1275 ه وفي خلال ذلك أصلحت كل ما بدا واضحا من أخطاء الطبع، وشرحت بعض المفردات اللغوية، ووضحت المقصود من بعض عبارات الرضى، ثم أبرزت بحوثه وموضوعاته بعناوين، كما بينت بدء كلام كل من ابن الحاجب والرضى، ولم يكن من ذلك شئ فيما طبع من هذا الشرح، وأشرت، في إيجاز إلى ما يتصل بما فيه من الشواهد، وحددت مواضع الايات القرآنية التي وردت فيه، وترجمت بكلمات قصيرة لاعلام النحاة واللغويين والقراء الذين، ذكرهم الرضى، وقد أكثر من ذكر النحاة الذين نقل عنهم بأسمائهم فكاد يستوعب كل من سبقوا عهده من أئمة النحو وعلمائه، حتى لقد نقل عن بعض معاصريه كابن مالك، وصاحب المغنى " منصور بن فلاح اليمني " والاندلسي (1)، وخلصت من ذلك كله، إلى أن الكتاب سيتم طبعه، إن شاء الله، في أربعة أجزاء كبار، وهذا هو الجزء الاول منها، أرجو أن يتحقق به بعض النفع، إلى أن يتهيأ له من يوفقه الله لاخراجه وتحقيقه، كما أشرت، ولعلي بذلك أكون قد أسهمت في إحياء بعض ما خلفه أسلافنا رحمهم الله، من تراث فكري نافع، على قدر ما استع له جهدي وتناولته قدرتي، وحسبي ممن يطلع على هذا العمل فيرضى عنه: دعوة صالحة، وممن يرى فيه شيئا من القصور
__________
(1) أنظر مواضع ذكرهم من فهرس الاعلام.
(*)(1/12)
أو التقصير أن يلتمس العذر ويدعو بالمغفرة، فإن العصمة لله وحده، وفوق كل ذي علم عليم، * * * وقد ألحقت بكل جزء ما يتصل به من فهرس الموضوعات التي احتواها.
وأما بقية الفهارس فإنها ستلحق بالجزء الاخير من الكتاب، إن شاء الله تعالى.
* * * والله، سبحانه، المعين على إتمامه، وهو الموفق إلى كل خير، والهادي إليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، الدكتور يوسف حسن عمر ربيع الاول 1393 ه مايو 1973 م(1/13)
شكر وتقدير يرجع الفضل في إخراج هذا الكتاب على هذه الصورة إلى فضيلة الاخ الشيخ ابرهيم رفيدة كلية اللغة العربية والدراسات الاسلامية بالبيضاء.
فما إن علم فضيلته بالجهد الذي بذلته في هذا الكتاب واطلع عليه حتى بادر بإبلاغ المسئولين في الجامعة الليبية شارحا لهم القيمة العلمية لهذا الكتاب والثمرة المرجوة من إعادة طبعه فتقرر طبعه على نفقة الجامعة الليبة، أداء لواجبها العلمي وسيرا على السنن الحميد الذي تسير عليه، من إبراز كل ما هو نافع ومفيد من التراث العربي والاسلامي، وتمشيا مع هذه النهضة العلمية المباركة التي ازدهرت في عهد ثورة ليبيا العظيمة،
فشكر الله للجميع، وجزاهم خيرا بما يسروا من النفع بهذا الكتاب، ووفقنا جميعا إلى خدمة لغتنا وديننا، وهدانا سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الدكتور يوسف حسن عمر(1/15)
مقدمة الرضى بسم الله الرحم الرحيم الحمد لله الذي جلت آلاؤه عن أن تحاط بعد، وتعالت كبرياؤه عن أن تشتمل بحد، تاهت في موامى معرفته سابلة الافهام، وغرقت في بحار عزته سابحة الاوهام، كل ما يخطر ببال ذوي الافكار فبمعزل عن حقيقة ملكوته، وجميع ما تعقد عليه ضمائر أولي الابصار فعلى خلاف ما ذاته المقدسة عليه من نعوت جبروته، وصلواته على خاتم أنبيائه، ومبلغ أنبائه، محمد بن عبد الله المبشر به قبل ميلاده، وعلى السادة الاطهار من عترته وأولاده.
وبعد فقد طلب إلي بعض من أعتنى بصلاح حاله، وأسعفه بما تسعه قدرتي من مقترحات آماله، تعليق ما يجري مجرى الشرح على مقدمة ابن الحاجب عند قراءتها علي، فانتدبت له (1) مع عوز ما يحتاج إليه الغائص في هذا اللج، والسالك لمثل هذا الفج، من الفطنة الوقادة، والبصيرة النفادة، بذلا لمسئوله، وتحقيقا لمأموله، ثم اقتضى الحال بعد الشروع، التجاوز عن (2) الاصول إلى الفروع،
__________
(1) فانتدبت له: أي أجبته إلى طلبه، يقال ندبه إلى كذا فانتدبت له، أي دعاه وطلب منه فانتدب أي فأجاب.
(2) التجاوز عن الاصول أي الانتقال منها إلى الفروع.
وكان يمكن أن يقول: تجاوز الاصول إلى الفروع.
لانه متعد بنفسه، وكأنه ضمنه معنى الانتقال أو التباعد.
فعداه بعن.
(*)(1/17)
فإن جاء مرضيا، فببركات الجناب المقدس الغروي (1)، صلوات الله على مشرفه، لاتفاقه فيه (2)، وإلا فمن قصور مؤلفه فيما ينتحيه، والله تعالى المؤمل لارشاد السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، * * *
__________
(1) الغروي المنسوب إلى الغري، والغري، معناه الحسن الجميل من كل شئ أو من الابنية والامكنة.
وقد سميت بعض المواضع والابنية باسم الغري، أشهرها الغريان اللذان بناهما جذيمة الابرش لنديميه مالك وعقيل بعد أن ماتا.
ويريد الرضى بالجناب المقدس الغروي.
المكان القريب من قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
أو من قبر الامام علي بن أبي طالب بالنجف، كما ذكر الاستاذ عبد السلام هارون في تعليقه على مقدمة خزانة الادب في الطبعة التي أخرجها، ولعل اعتماده في ذلك على أن بعض الشيعة كانوا يطلقون كلمة " الغري " على قبر علي رضي الله عنه، وأن الرضى كان شيعيا، ويترجح عندي أن المراد بالغري: القبر النبوي الشريف، لان الرضى كان من الذين تركوا العراق بعد الغزو التتاري واستقر به المقام في المدينة وألف فيها كتابيه العظيمين، شرح الكافية وشرح الشافية.
وقوله في هذه المقدمة: صلوات الله على مشرفه، ومثله في ختام الكتاب.
وكذلك في شرحه على الشافية حيث يقول: " وعلى الله المعول في أن يوفقني لاتمامه، بمنه وكرمه، وبالتوسل بمن أنا في مقدس حرمه عليه من الله أزكى السلام وعلى أولاده الغر الكرام "، كل ذلك يرجح أن مراده بالجناب المقدس الغروي: القبر النبوي الشريف، ثم إن الرضى مع كونه شيعيا لم يتحدث عن الامام علي في كتابه هذا بمثل هذا الاسلوب ولم يعقب بعد ذكره بمثل هذا الدعاء بل يكتفي بقوله رضي الله عنه، وكرم الله وجهه، مع أنه قد استشهد بكلامه كثيرا.
والله أعلم بحقيقة الحال.
(2) لاتفاقه فيه يدل على أنه ألفه في هذا المكان أو أنه بدأ ذلك فيه (*).(1/18)
الكلمة (1)
معناها.
صلتها بالكلم، اشتقاقها قال ابن الحاجب: " كلمة لفظ وضع لمعنى مفرد "، قال الرضى: اعلم أن الكلم جنس الكلمة، مثل تمر، وتمرة، وليس المجرد من التاء من هذا النوع جمعا لذي التاء، كما يجئ تحقيقه في باب الجمع، بل هو جنس حقه أن يقع على القليل والكثير، كالعسل والماء، لكن الكلم لم يستعمل (2) إلا على ما فوق الاثنين، بخلاف نحو: تمر، وضرب، وقيل ان اشتقاق الكلمة، والكلام من الكلم، وهو الجرح، لتأثيرهما في النفس،
__________
(1) كان لابد من وضع هذا العنوان، وغيره من العناوين الموجودة في هذا الكتاب، وكذلك الاشارة إلى كلام كل من المصنف: ابن الحاجب، والشارح: الرضى، قبل بدء كلام منهما، وليس شئ من ذلك كله موجودا في النسخ المطبوعة.
(2) لم يستعمل أي لم يطلق ولذلك عداه بعلى.
(*)(1/19)
وهو اشتاق بعيد (1).
وقد تطلق الكلمة مجازا على القصيدة، والجمل، يقال: كلمة شاعر، قال الله تعالى: " وتمت كلمة ربك الحسنى " (2).
واللفظ في الاصل مصدر، ثم استعمل بمعنى الملفوظ به، وهو المراد به هنا، كما استعمل القول بمعنى المقول، وهذا كما يقال: الدينار ضرب الامير، أي مضروبه.
والكلام بمعناه (3)، لكنه لم يوضع في الاصل مصدرا على الصحيح، إذ ليس على صيغة مصادر الافعال التي تنصبها على المصدر نحو كلمته كلاما، وتكلم تكلاما (4)، بل هو موضوع لجنس ما يتكلم به، سواء كان كلمة، على حرف كواو العطف أو على أكثر،
أو كان أكثر من كلمة، وسواء كان مهملا، أو، لا، (5) أما اطلاقه على المفردات فكقولك لمن تكلم بكلمة، كزيد، أو بكلمات غير مركبة تركيب الاعراب، كزيد، عمرو، بكر: هذا كلام غير مفيد، وأما اطلاقه على المهمل، فكقولك: تكلم فلان بكلام لا معنى له، فالقول، والكلام، واللفظ، من حيث أصل اللغة، بمعنى، يطلق على كل حرف: من حروف المعجم كان، أو من حروف المعاني، وعلى أكثر منه، مفيدا كان، أو، لا.
__________
(1) يرى بعض أئمة اللغة أن كل الكلمات التي تتفق في الحروف الاصلية ترجع كلها إلى معنى واحد يجمع بينها، ومن هؤلا: الامام أبو الفتح بن جني في كتابه الخصائص.
ج 1 ص 13.
وقد يخفى المعنى المشترك الذي يجمع بينها.
(2) الاية 137 من سورة الاعراف.
(3) بمعناه أي بمعنى اللفظ بالتفسير الذي ذكره، أي أنه يطلق على ما يتكلم به.
(4) جاءت الكلمتان كلاما وكلاما، هكذا في النسخة المطبوعة، بتشديد اللام.
وقد أصلحت الثانية بزيادة تاء في أولها ليتفق التمثيل مع الضابط الذي اختاره الرض لمصادر الفعل المزيد في باب المصدر من هذا الشرح، وقد كان أسهل - لولا ذلك - أن يقول: تكليما في الاول وتكلما في الثاني.
(5) المعطوف المعادل لما بعد سواء لا تلزم معه " أم " إلا إذا صرح بالهمزة مع الاول.
وتحقيق ذلك في باب العطف وباب حروف العطف من هذا الشرح.
(*)(1/20)
لكن القول اشتهر في المفيد، بخلاف اللفظ والكلام، واشتهر الكلام لغة في المركب من حرفين فصاعدا، واللفظ خاص بما يخرج من الفم من القول، فلا يقال: لفظ الله كما يقال: كلام الله وقوله، ثم، قد استعمل الكلام استعمال المصدر فقيل كلمته كلاما، كأعطى عطاء، مع أنه في الاصل لما يعطى،
وهذا كما يحكى عنهم: عجبت من دهنك لحيتك بضم الدال بمعنى دهنك بفتحها، وقد اختص الكلام في اصطلاح النحاة بما سيجئ، والمقصود من قولهم وضع اللفظ: جعله أولا لمعنى من المعاني مع قصد أن يصير متواطئا عليه بين قوم، فلا يقال - إذا استعملت اللفظ بعد وضعه في المعنى الاول -: إنك واضعة، إذ ليس جعلا أولا،، بلى (1)، ولو جعلت اللفظ الموضوع، لمعنى آخر (2) مع قصد التواطؤ، قيل انك واضعه، كما إذا سميت بزيد (3) رجلا، ولا يقال لكل لفظة بدرت من شخص لمعنى: انها موضوعة له من دون اقتران قصد التواطؤ بها، ومحرفات العوام، على هذا، ليست ألفاظا موضوعة لعدم قصد المحرف الاول إلى التواطؤ، وعلى ما فسرنا الوضع لم يكن محتاجا إلى قوله " لمعنى "، لان الوضع لا يكون إلا لمعنى، إلا أن يفسر الوضع بصوغ اللفظ، مهملا كان، أو، لا، ومع قصد التواطؤ أو، لا، فيحتاج إلى قوله " لمعنى " لكن ذلك على خلاف المشهور من اصطلاحهم،
__________
بلى: التي من حروف الجواب والرضى يستعملها كثيرا في هذا الشرح في مثل هذا المقام.
(2) متعلق بقوله: لو جعلت اللفظ.
(3) زيد في الاصل مصدر زاد يزيد زيدا، ثم سمى به.
(*)(1/21)
ومعنى اللفظ ما يعنى به: أي يراد، بمعنى المفعول، قوله " لمعنى مفرد " يعنى به المعنى الذي لا يدل جزء لفظ على جزئه، سواء كان لذلك المعنى جزء، نحو: معنى ضرب، الدال على المصدر والزمان، أو، لا جزء له كمعنى: ضرب ونصر، فالمعنى المركب على هذا، هو الذي يدل جزء لفظه على جزئه، نحو: ضرب زيد،
وعبد الله، إذا لم يكونا علمين، وأما مع العلمية فمعناهما مفرد، وكذا لفظهما، لان اللفظ المفرد: لفظ لا يدل جزؤه على جزء معناه، وهما كذلك، واللفظ المركب، الذي يدل جزؤه على جزء معناه، والمشهور في اصطلاح أهل المنطق، جعل المفرد والمركب صفة اللفظ، فيقال: اللفظ المفرد، واللفظ المركب، ولا ينبغي أن يخترع في الحدود ألفاظ، بل الواجب استعمال المشهور المتعارف منها فيها، لان الحد للتبيين، وليس له (1) أن يقول: إني أردت بالمعنى المفرد: المعنى الذي لا تركيب فيه، لان جميع الافعال - إذن (2) - تخرج عن حد الكلمة، ولو قال: الكلمة لفظ مفرد موضوع، سلم من هذا، ولم يرد عليه أيضا، الاعتراض بأن المركبات ليست بموضوعة، على ما يجئ (3) واحترز بقوله " لفظ " عن نحو الخط والعقد والنصبة والاشارة، فإنها ربما دلت بالوضع
__________
(1) أي للمصنف: ابن الحاجب، وقوله بعد ذلك لان جميع الافعال تعليل لقوله وليس له.
(2) في كتابة " إذن " خلاف طويل بين العلماء مبني على خلاف آخر في أصلها وهل هي بسيطة أو مركبة.
وقد نسب إلى المازني والمبرد القول برسمها بالنون حيث وقعت، وكذلك فعلت في كتابتها في هذا الشرح كما فعل الرضى، إلا أن تكون نصا قرآنيا، فهي كما جاء رسمها في المصحف.
(3) يأتي قريبا للمؤلف حديث عن وضع المركبات، واشارته هنا إلى احتمال الاعتراض على المصنف مبنية على ما سيجئ.
(*)(1/22)
على معنى مفرد، ليست بكلمات.
ويجوز الاحتراز بالجنس أيضا، إذا كان أخص من الفصل بوجه، وهو ههنا كذلك لان الموضوع للمعنى المفرد قد يكون لفظا وقد لا يكون (1).
واحترز بقوله " وضع " عن لفظ دال على معنى مفرد بالطبع لا بالوضع كاح، الدال
على السعال، ونحو ذلك، وعن المحرف، وعن المهمل، لانه دال أيضا على معنى كحياة المتكلم به، ولكن عقلا لا وضعا..وبقوله " لمعنى " عما صيغ لا لمعنى كالمهملات " كلعم " ونحو من الهذيانات، وقد مر الكلام على هذا الاحتراز.
وبقوله " مفرد " عن لفظ وضع للمعنى المركب نحو: عبد الله، وضرب زيد غير علمين.
فإن قيل: ان التاء في لفظ الكلمة للوحدة، لان كلمة وكلما، كتمرة وتمر، واللام (2) فيه للجنس فيتنا قضان، لدلالة الجنس على الكثرة المناقضة للوحدة.
فالجواب: أن اللام في مثله ليس للجنس ولا للعهد، كما يجئ في باب لمعرفة، ولئن سلمنا ذلك، قلنا: إن الجنس على ضربين.
أحدهما: استغراق الجنس، وهو الذي يحسن فيه لفظة " كل " كقوله تعالى: " إن الانسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا " (3)، أي كل الانسان، وإلا، لم يجز الاستثناء، لانه (4)
__________
(1) يجري هذا التعبير كثيرا على ألسنة المتحثين وفي عبارات المؤلفين، ونصوص النحويين صريحة في تخطئته.
وإذا كان بعض الباحثين يجد له وجها لوروده في قليل من الشعر، فذلك لا يخرجه عن مخالفة القواعد لانه لم يرد في كلام فصيح غير الشعر، ويغني عنه: ربما لا يكون.
(2) أي حرف التعريف، وهو رأي الرضى الذي أخذ به وإن كان كثيرا ما يقول الالف واللام.
(3) الايتان 2، 3 من سورة العصر.
(4) لانه أي الاستثناء.
(*)(1/23)
عند الجمهور من النحاة يخرج ما لولاه لوجب دخوله تحت المستثنى منه، وهذا الاستغراق مفيد للكثرة فيناقض الوحدة.
والثاني: ماهية الجنس من غير دلالة اللفظ على القلة ولا الكثرة، بل ذاك احتمال عقلي، كما في قوله تعالى: " لئن أكله الذئب " (1)، ولم يكن هناك ذئب معهود، ولم يرد استغراق
الجنس أيضا.
ومثله قولك: ادخل السوق، واشتر اللحم، وكل الخبز، فهذا النوع من الجنس لا يناقض الوحدة، إذ لا دلالة فيه على الكثرة.
والمقصود في هذا الموضع هو الثاني، أي ماهية الجنس من حيث هي هي، لان الحد إنما يذكر لبيان ماهية الشئ، لا لبيان استغراقه.
إن قيل: لم لم يقل " لفظة " ليوافق الخبر المبتدأ في التأنيث ؟ فالجواب أنه لا يجب توافقهما فيه إلا إذا كان الخبر صفة مشتقة غير سببية، نحو: هند حسنة، أوفي حكمها، كالمنسوب، أما في الجوامد فيجوز (2)، نحو: هذه الدار مكان طيب، وزيد نسمة عجيبة.
وقوله " لفظ " ههنا، وإن كان بمعنى الصفة، أي ملفوظ بها، كما ذكرنا، إلا أن أصله مصدر، ويعتبر الاصل في مثله، نحو: امرأة صوم ورجلان صوم، ورجال صوم، فلا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع.
فإن قيل: كان ينبغي أن يقول " لفظة " ليخرج عنه الكلمتان، إذ هما لفظتان، وكذا الكلمات.
قلت: لا يخرج مثل ذلك بتاء الوحدة، لان مثل قولك: قالا، وقالوا، كارطى،
__________
(1) الاية 14 من سورة يوسف.
(2) أي يجوز أن يختلف المبتدأ والخبر في ذلك.
(*)(1/24)
وبرقع (1) لفظة واحدة، وكذا كل ما يتلفظ به مرة واحدة، مع أن كل واحد من الاولين كلمتان، بخلاف الثانيين.
إن قيل: هلا استغنى بقوله " وضع " عن قوله " مفرد " لان الواضع لم يضع إلا المفردات، أما المركبات فهي إلى المستعمل، بعد وضع المفردات، لا إلى الواضع.
فالجواب أنا لا نسلم أن المركب ليس بموضوع (2)، وبيانه أن الواضع إما أن يضع ألفاظا
معينة سماعية، وتلك هي التي تحتاج في معرفتها إلى علم اللغة.
وإما أن يضع قانونا كليا يعرف به الالفاظ فهي قياسية، وذلك القانون إما أن يعرف به المفردات القياسية، وذلك كما بين أن كل اسم فاعل من الثلاثي المجرد، على وزن فاعل، ومن باب أفعل، على وزن مفعل، وكذا حال اسم المفعول، والامر، والالة، والمصغر، والجمع، ونحو ذلك، وتحتاج في معرفتها إلى علم التصريف.
وإما أن يعرف به المركبات القياسية، وذلك كما بين مثلا، أن المضاف مقدم على المضاف إليه، والفعل على الفاعل، وغير ذلك من كيفية تركيب أجزاء الكلام، وتحتاج في معرفة بعضها إلى التصريف كالمنسوب، والفعل المضارع، وفي معرفة بعضها إلى غيره من علم النحو كما ذكرنا.
إن قيل: ان في قولك: مسلمان، ومسلمون، وبصري وجميع الافعال المضارعة، جزء لفظ كل واحد منها يدل على جزء معناه إذ الواو تدل على الجمعية، والالف على التثنية، والياء على النسبة، وحروف المضارعة، على معنى في المضارع وعلى حال الفاعل أيضا.
وكذا تاء التأنيث في " قائمة "، والتنوين، ولام التعريف، وألفا التأنيث، فيجب أن يكون لفظ كل واحد منها مركبا، وكذا المعنى فلا يكون كلمة، بل كلمتين (3).
__________
(1) هو مجرد تمثيل بكلمتين مفردتين حقيقة.
(2) تقدمت الاشارة إلى ذلك قريبا.
(3) تقديره بل يكون كلمتين.
(*)(1/25)
فالجواب أن جميع ما ذكرت كلمتان، صارتا من شدة الامتزاج ككلمة واحدة، فأعرب المركب إعراب الكلمة، وذلك لعدم استقلال الحروف المتصلة في الكلم المذكورة، وكذلك الحركات الاعرابية.
ولمعاملتها معاملة الكلمة الواحدة سكن أول أجزاء الفعل في المضارع، وغير الاسم المنسوب إليه نحو: نمري وعلوي ووشوي ونحو ذلك، فتغيرت بالحرفين (1) بنية المنسوب
إليه والمضارع وصارتا من تمام بنية الكلمة.
وأما سكون لام الكلمة بلحوق التاء في نحو ضربت، فلا يوجب تغيير البينة، إذ لا تعتبر حركة اللام وسكونها في البنية، كما يجئ في أول التصريف إن شاء الله تعالى (2).
أما الفعل الماضي نحو ضرب ففيه نظر، لانه كلمة بلا خلاف، مع أن الحدث مدلول حروفه المترتبة، والاخبار عن حصول لذلك الحدث في الزمن الماضي، مدلول وزنه الطارئ على حروفه والوزن جزء اللفظ، إذ هو عبارة عن عدد الحروف مع مجموع الحركات والسكنات الموضوعة وضعا معينا.
والحركات مما يتلفظ به، فهو - إذن - كلمة مركبة من جزأين يدل كل واحد منهما على جزء معناه، وكذا نحو أسد، في جمع أسد، وكذا المصغر، ونحو رجال ومساجد، ونحو ضارب ومضرب، لان الدال على معنى التصغير والجمع والفاعل والمفعول والالة في الامثلة المذكورة: الحركات الطارئة مع الحرف الزائد، ولا يصح أن ندعي ههنا أن الوزن الطارئ كلمة صارت بالتركيب كجزء كلمة، كما ادعينا في الكلم المتقدمة، وكما يصح أن ندعي في الحركات الاعرابية، فالاعتراض بهذه الكلم اعتراض وارد، إلا أن نقيد تفسير اللفظ المركب فنقول: هو ما يدل جزؤه على جزء معناه وأحد الجزأين متعقب للاخر (3) وفي هذه الكلم المذكورة: الجزآن مسموعان معا.
__________
(1) يريد ياء النسب وحرف المضارعة.
(2) في اول شرح المؤلف على الشافية لابن الحاجب.
(3) متعقب للاخر: أي حاصل بعده، كما يدل عليه قوله في مقابله: وفي هذه الكلم: الجزآن مسموعان معا.
(*)(1/26)
اقسام الكلمة قال ابن الحاجب: " وهي اسم وفعل وحرف "
قال الرضى: إنما قدم الاسم على الفعل والحرف، لحصول الكلام من نوعه دون أخويه، نحو: زيد قائم، والمقصود من معرفة الكلم الكلام والاحوال التي تعرض له من الاعراب وغيره.
ثم قدم الفعل على الحرف، لانه، وإن لم يتات من الفعلين كلام كما تاتي من الاسمين، لكنه يكون أحد جزاي الكلام، نحو ضرب زيد، بخلاف الحرف، فانه لا يتاتي منه ومن كلمة أخرى كلام.
فان قيل: يجب أن تكون الكلمة هذه الثلاثة معا، لان الواو للجمع، فيكون نحو: أذهب زيد، ونحو مر بزيد، كلمة، لانه اسم وفعل وحرف.
فالجواب أنه كان يلزم ما قلت لو كان هذا قسمة الشئ إلى أجزائه كما تقول: السكنجبين (1) خل وعسل، وما ذكره قسمة الشئ إلى جزئياته نحو قولك الحيوان إنسان
__________
(1) السكنجبين كلمة اعجمية معناها الشراب المتخذ من حامض وحلو، ومثل لهما المؤلف بالخل والعسل.
(*)(1/27)
وفرس وبقر وغير ذلك، ونريد بالجزئي ما يدخل تحت كلي، ويصح كون الكلي خبرا عنه، نحو: الانسان حيوان، وقولهم: الواو للجمع لا يريدون به أن المعطوف والمعطوف عليه يجتمعان معا في حالة واحدة، كما يجئ في باب حروف العطف، بل المراد أنهما يجتمعان في كونهما محكوما عليهما، كما في: جاءني زيد وعمرو أو في كونهما حكمين على شئ نحو: زيد قائم وقاعد، أو في حصول مضمونيهما، نحو: قام زيد وقعد عمرو، بخلاف " أو " فإنها في الاصل لحصول أحد الشيئين، فلو قال: الكلمة اسم أو فعل أو حرف لكان المعنى: الكلمة أحد الثلاثة دون الباقين.
بلى، ان أريد الحصر مع " أو " قدم " إما " على المعطوف عليه نحو: الكلمة إما اسم أو فعل أو حرف، فتكون القضية مانعة الجمع والخلو، كما هو المذكور في مظانه.
وكذا كان ينبغي أن يذكره المصنف لان مقصوده الحصر بدليل قوله: " لانها اما أن تدل.." (1).
فإن قيل: إنك حكمت على الفعل والحرف أن كل واحد منهما كلمة، والكلمة اسم، فيجب أن يكونا اسمين.
قلت: إن أردت بقولك إن الكلمة اسم: أن لفظها اسم لدخول علامة الاسماء كاللام والتنوين عليها، فهو مغالطة لان معنى كلامك، إذن، أن الفعل كلمة من حيث المعنى.
ولفظ الكلمة اسم، وهذا لا ينتج أن الفعل اسم، لعدم اتحاد الوسط، وكذا ان أردت به أن لفظ (2) معنى الكلمة اسم، لانها لفظ دال على معنى مفرد، وكل لفظ هكذا: اسم، لانه يصح الاخبار عنه ولو بأنه دال على معنى مفرد كما تقول: ضرب دال على معنى مفرد، أو تقول: ضرب فعل ماض، فنقول: هذا أيضا مغالطة، لان معنى كلامك، وهو أن الفعل كلمة، وكل كلمة اسم: ان الفعل لفظ وضع لمعنى مفرد إذا اريد بذلك اللفظ معناه
__________
(1) فيما يأتي قريبا تحت عنوان: دليل انحصار الكلمة.
(2) هكذا جاءت هذه العبارة في النسخة المطبوعة، ولعله يريد: ان كلمة لفظ (التي جاءت في تفسير الكلمة بأنها لفظ وضع..الخ) اسم والله أعلم ؟ (*)(1/28)
الموضوع هوله، كما في، صرب زيد، وكل لفظ هكذا: اسم إذا أريد به مجرد اللفظ، كما في قولك: ضرب فعل ماض، وهذا لا ينتج أن الفع لاسم لعدم اتحاد الوسط.
فإن قيل: فإذا كان نحو " من " و " ضرب " في قولك: من حرف جر، وضرب فعل ماض، اسمين، فكيف أخبرت عنهما بأن الاول حرف والثاني، فعل وهل هذا إلا تناقض ؟ قلت: لم نرد أن " من " في هذا التركيب حرف، و " ضرب " فعل، بل المعنى أن " من " إذا استعمل في المعني الذي وضع له أولا نحو: خرجت من الكوفة: حرف، وكذا ضرب فعل ماض في نحو: ضرب زيد.
ومثله إذا قلت مدلول الفعل لا يخبر عنه، فإنك أخبرت عن قولك: مدلول الفعل،
بقولك: لا يخبر عنه، لان المراد: مدلول الفعل إذا كان تحت لفظ الفعل، لا يخبر عنه وقولك مدلول الفعل ليس كذا.
وكذا قولك: الفعل لا يسند إليه، أي الفعل إذا كان بلفظه، نحو: ضرب زيد وقصدت معناه الموضوع هو له.
وكذا قولهم: المجهول مطلقا لا يحكم عليه، أي الشئ الذي لا شعور به أصلا لا يحكم عليه، ولفظ المجهول مطلقا، مشعور بمعناه إذ هو: ما لا نعرفه.
ففي جميع ذلك مبتدآن: أحدهما محكوم عليه بشئ، وهو المذكور في لفظك، والاخر محكوم عليه بنقيض ذلك وهو المكنى بلفظك عنه.
فلا يلزم التناقض لان التناقض لا يكون إلا مع اتحاد الموضوعين (1).
__________
(1) في هذا البحث علق السيد الجرجاني في النسخة المطبوعة وناقش الرضى مناقشة طويلة في الالفاظ عند الحكم عليها وفيما اشتهر من أن الالفاظ حينئذ كلها أسماء وقال إن هذا أمر ظاهري.
وللرضى في باب العلم حديث طويل في هذا الموضوع.
(*)(1/29)
دليل انحصار الكلمة في الاقسام المذكورة قال ابن الحاجب: " لانها اما أن تدل على معنى في نفسها، أو، لا، " " الثاني الحرف، والاول إما أن يقترن بأحد الازمنة " " الثلاثة، أو، لا، الثاني الاسم، والاول الفعل، " " وقد علم بذلك حد كل واحد منها ".
قال الرضي: اعلم أن اسم " أن " ضمير الكلمة والمضاف محذوف، إما من الاسم أو من الخبر،
أي لان حالها إما دلالة، أو لانها ذات دلالة (1).
ويجوز أن يكون " أن تدل " مبتدأ محذوف الخبر، أي دلالتها ثابتة، ومثله قولك: زيد اما أن يسافر أو يقيم.
واللام في قوله " لانها " متعلق بما دل عليه قوله " وهي اسم وفعل وحرف "، إذ المعني: الكلمة محصورة في هذه الاقسام، واستدل على الحصر بأن قال: هذا اللفظ الدال على معنى مفرد، أعني الكلمة إما أن يدل على معنى في نفسه أو على معنى لا في نفسه: الثاني الحرف أعني: الكلمة الدالة على معنى لا في نفسها، والاول، أي الكلمة الدالة على معنى في نفسها، إما أن تقترن بأحد الازمنة الثلاثة، أو، لا، الثاني، الاسم، أي الكلمة الدالة على معنى في نفسها غير مقترن بأحد الازمنة الثلاثة، والاول الفعل، أي الكلمة الدالة على معنى في نفسها مقترن بأحد الازمنة الثلاثة.
فهذه قسمة دائرة بين النفي والاثبات فتكون حاصرة، أي لا يمكن الزيادة فيها ولا النقصان.
__________
(1) المناسب لما قبله أن يقول: أو: لانها إما ذات دلالة (*).(1/30)
فتبين بدليل الحصر حد كل واحد من الاقسام، لانه ذكر فيه جنس كل واحد وفصله كما بينا، والمركب من الجنس والفصل هو الحد.
الكلام معناه وكيفية تركيبه قال ابن الحاجب: " الكلام ما تضمن كلمتين بالاسناد، ولا يتأتي ذلك إلا في اسمين، أو في فعل واسم " قال الرضي: إنما قدم حد الكلمة على حد الكلام مع أن المقصود الاهم من علم النحو: معرفة الاعراب الحاصل في الكلام بسبب العقد والتركيب، لتوقف (1) الكلام على الكلمة توقف
المركب على جزئه.
ويعني بتضمنه الكلمتين: تركبه منهما وكونهما جزأيه، وذلك من دلالة المركب على كل جزء من أجزائه دلالة تضمن.
وجزءا الكلام يكونان ملفوظين، كزيد قائم، وقام زيد، ومقدرين كنعم في جواب من قال: أزيد قائم، أو، أقام زيد، أو أحدهما دون الاخر وهو إما الفعل، كما في: إن زيد قام أو الفاعل كما في: زيد قام أو المبتدأ، أو الخبر كما في قوله تعالى: " فصبر جميل " (2).
والمراد بالاسناد أن يخبر في الحال أو في الاصل بكلمة أو أكثر عن أخرى، على أن يكون المخبر عنه أهم ما يخبر عنه بذلك الخبر في الذكر وأخص به.
فقولنا أن يخبر، احتراز عن النسبة الاضافية، وعن التي بين التوابع ومتبوعاتها.
__________
(1) تعليل لقوله: إنما قدم حد الاسم.
(2) الاية 18 من سورة يوسف.
(*)(1/31)
وقولنا في الحال، كما في: قام زيد، وزيد قائم، وقولنا: أو في الاصل ليشمل الاسناد الذي في الكلام الانشائي، نحو: بعت، وأنت حر، وفي الطلبي نحو: هل أنت قائم، وليتك، أو لعلك قائم، وكذا نحو اضرب، لانه مأخوذ من: تضرب، بالاتفاق، وقياسه: لتضرب، بزيادة حرف الطلب قياسا على سائر الجمل الطلبية، فخفف بحذف اللام وحذف حرف المضارعة لكثرة الاستعمال، بدلالة قولك فيما لم يسم فاعله: لتضرب، وفي الغائب: ليضرب، وفي المتكلم: لاضرب، ولنضرب، لما قل استعمالها.
وقولنا بكلمة، كما في: زيد قائم، وقولنا أو أكثر، ليعم نحو: زيد أبوه قائم، وزيد قام أبوه، فكان على المصنف أن يقول: كلمتين أو أكثر، وليس له أن يقول: الاصل في الخبر الافراد، لانه لا دليل عليه، ويجئ فيه مزيد بحث (1)، إن شاء الله تعالى.
وقولنا: على أن يكون المخبر عنه أهم ما يخبر عنه...احتراز عن كون الفعل خبرا (2)،
أيضا، عن واحد من المنصوبات في نحو: ضرب زيد عمرا أمامك يوم الجمعة ضربة،، وضرب زيد يوم الجمعة أمامك ضربة، فإن المرفوع في الموضعين أخص بالفعل، وأهم بالذكر من المنصوبات، كما يجئ في باب المصدر، وكان على المصنف أن يقول: بالاسناد الاصلي المقصود ما تركب به لذاته، ليخرج بالاصلي اسناد المصدر واسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والظرف، فإنها مع ما أسندت إليه ليست بكلام، وأما نحو: أقائم الزيدان، فلكونه بمنزلة الفعل وبمعناه، كما في أسماء الافعال، وليخرج بقوله: المقصود ما تركب به لذاته: الاسناد الذي في خبر المبتدأ في الحال أو في الاصل، وفي الصفة والحال، والمضاف إليه إذا كانت كلها جملا، والاسناد الذي في الصلة، والذي في الجملة القسمية، لانها لتوكيد جواب القسم، والذي
__________
(1) يأتي ذلك في باب المبتدأ والخبر.
(2) يريد بكون الفعل خبرا عن أحد المنصوبات أنه حديث عنه وأن له تعلقا به، وليس المراد معنى الخبر الاصطلاحي.
(*)(1/32)
في الشرطية لانها قيد في الجزاء، فجزاء الشرط وجواب القسم كلامان (1) بخلاف الجملة الشرطية والقسمية.
والفرق بين الجملة والكلام، أن الجملة ما تضمن الاسناد الاصلي سواء كانت مقصودة لذاتها أو، لا، كالجملة التي هي خبر المبتدأ وسائر ما ذكر من الجمل، فيخرج المصدر، وأسماء الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والظرف مع ما أسندت إليه.
والكلام ما تضمن الاسناد الاصلي وكان مقصودا لذاته، فكل كلام جملة ولا ينعكس.
وإنما قال بالاسناد ولم يقل بالاخبار، لانه أعم، إذ يشمل النسبة التي في الكلام الخبري والطلبي والانشائي، كما ذكرنا.
واحترز بقوله " بالاسناد " عن بعض ما ركب من اسمين كالمضاف والمضاف إليه، والتابع ومتبوعه، وبعض المركب من الفعل والاسم، نحو: ضربك، وعن جميع الانواع
الاربعة الاخر من التركيبات الثنائية الممكنة بين الكلم الثلاث، وهي: اسم مع حرف، وفعل مع فعل، أو حرف، وحرف مع حرف.
وذلك لان أحد أجزاء الكلام هو الحكم، أي الاسناد الذي هو رابطة، ولا بد له من طرفين: مسند، ومسند إليه، والاسم بحسب الوضع يصلح لان يكون مسندا، ومسندا إليه، والفعل يصلح لكونه مسندا لا مسندا إليه، والحرف لا يصلح لاحدهما.
والتركيب العقلي الثنائي بين الثلاثة الاشياء (2)، أعني الاسم والفعل والحرف لا يعدو
__________
(1) ناقش السيد الجرجاني دعوى الرضى بأن جملة الجزاء كلام، وقال ان المعروف أن الكلام هو مجموع الشرط والجزاء وسيأتي رأي الرضى بتفصيل أكثر في قسم الافعال عند الكلام على الشرط والجزاء ! (2) جرى الرضى في تعبيره هذا على مذهب الكوفيين، إذ يجيزون في مثله تعريف الجزأين، والبصريون يقتصرون على تعريف المضاف إليه، نحو ثلاث الاثافي وخمسة الاشبار، وقد يستعمل مذهب البصريين، وقد ناقش المذهبين في بابي الاضافة والعدد.
(*)(1/33)
ستة أقسام: الاسمان، والاسم مع الفعل أو الحرف والفعل مع الفعل أو الحرف، والحرفان.
فالاسمان يكونان كلاما، لكون أحدهما مسندا والاخر مسندا إليه، وكذا الاسم مع الفعل لكون الفعل مسندا والاسم مسندا إليه.
والاسم مع الحرف لا يكون كلاما، إذ لو جعلت الاسم مسندا فلا مسند إليه، ولو جعلته مسندا إليه فلا مسند، وأما نحو: يا زيد، فسد " يا " مسد " دعوت " الانشائي (1).
والفعل مع الفعل أو الحرف لا يكون كلاما لعدم المسند إليه، وأما الحرف مع الحرف فلا مسند فيهما ولا مسند إليه.
فظهر بهذا معنى قوله " ولا يتأتى " أي: لا يتيسر الاسناد إلا في اسمين، أو فعل واسم، والباء في قوله " بالاسناد " للاستعانة أي تركب من كلمتين بهذا الرابط، أو بمعنى " مع " أي مع هذا الرابط.
__________
(1) رجح الرضى تقدير حرف النداء بدعوت: مرادا به الانشاء، قال لان الجمل الفعلية المستعملة في الانشاء أكثرها بلفظ الماضي.
(*)(1/34)
الكلام على الاسم تعريفه قال ابن الحاجب: " الاسم ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الازمنة الثلاثة ".
قال الرضى: لم يقتصر على ما تقدم، مع قوله " وقد علم بذلك حد كل واحد منها "، لانه أراد أن يصرح بحد كل واحد من الاقسام في أول صنفه، والذي تقدم لم يكن حدا مصرحا به، ولا المقصود منه الحد، بل كان المراد منه الدليل على الحصر، قوله " مادل " أي كلمة دلت، وإلا ورد عليه الخط والعقد والنصبة والاشارة، وإنما أورد لفظة " ما " مع احتمالها للكلمة وغيرها اعتمادا على ما ذكره قبل من كون الاسم أحد أقسام الكلمة في قوله " وهي اسم وفعل وحرف "، فكل اسم كلمة، لان الكلمة كلي، والاسم جزئي لها، وقوله " في نفسه " الجار والمجرور، مجرور المحل صفة لقوله " معني " والضمير البارز في " نفسه " لما، التي المراد منها الكلمة (1).
كما أن الضمير في قوله قبل
__________
(1) جملة المراد منها الكلمة: صلة الموصول (التي).
(*)(1/35)
" على معنى في نفسها " للكلمة.
وقال المصنف (1): أن الضمير في قولهم: ما دل على معنى في نفسه، وقولهم: في غيره راجع إلى " معنى "، وأن معنى: ما دل على معنى في نفسه، أي لا باعتبار غيره، كقولهم: الدار قيمتها في نفسها كذا، أي باعتبار نفسها لا باعتبار كونها في وسط البلد أو غير ذلك.
وفيه نظر، لان قولهم في حد الحرف: على معنى في غيره نقيض قولهم على معنى في نفسه، ولا يقال في مقابلة قولك قيمة الدار في نفسها كذا: قيمة الدار في غيرها كذا، بل يقال: لا في نفسها.
ومعنى الكلام على ما اخترنا، أعني جعل " في نفسه " صفة لمعنى والضمير لما: الاسم (2).
كلمة دلت على معنى ثابت في نفس تلك الكلمة، والحرف كلمة دلت على معنى ثابت في لفظ غيرها، فغير، صفة للفظ، وقد يكون اللفظ الذي فيه معنى الحرف مفردا، كالمعرف باللام، والمنكر بتنوين التنكير، وقد يكون جملة، كما في: هل زيد قائم، لان الاستفهام معنى في الجملة، إذ قيام زيد مستفهم عنه، وكذا النفي في: ما قام زيد، إذ قيام زيد منفي، فالحرف موجد لمعناه في لفظ غيره، إما مقدم عليه كما في نحو بصري، أو مؤخر عنه، كما في " الرجل "، والاكثر أن يكون معني الحرف مضمون ذلك اللفظ، فيكون متضمنا للمعنى الذي أحدث (3) فيه الحرف مع دلالته على معناه الاصلي، إلا أن هذا تضمن معنى لم يدل عليه لفظ المتضمن كما كان لفظ البيت متضمنا لمعنى الجدار ودالا عليه، بل الدال على المضمون فيما نحن فيه لفظ آخر مقترن بالمتضمن، فرجل، في قولك: الرجل، متضمن لمعنى التعريف الذي أحدث فيه اللام المقترن به، وكذا: ضرب زيد، في: هل ضرب زيد، متضمن لمعنى الاستفهام، إذ ضرب زيد، مستفهم عنه،
__________
(1) أي ابن الحاجب، وقوله هذا في شرحه على المفصل للزمخشري واسمه الايضاح، وقد أورد الجرجاني في تعليقاته هذا الرأي وشرحه، ورد على النظر الذي سيذكره الرضى.
(2) خبر عن قوله: ومعنى الكلام على ما اخترنا..الخ.
(3) أي الذي أحدثه فيه الحرف، وحذف العائد في مثله قياسي وكثير، وسيتكرر مثله.
(*)(1/36)
ولابد في المستفهم عنه من معنى الاستفهام، وموجدة فيه " هل "، وقد يكون معنى الحرف ما دل عليه غيره مطابقة، وذلك إذا كان ذلك الغير (1) لازم الاضمار كما دل همزة " أضرب "
ونون " نضرب " على معنى الضميرين اللازم اضمارهما، وقد يكون الحرف دالا على معنيين كل منهما في كلمة (2)، كحروف المضارعة الدالة على معنى في الفعل ومعنى في الفاعل.
والاغلب في معنى الحرف أن يكون معنى الاسماء الدالة على المعاني دون الاعيان، وقد تكون دالة على العين أيضا، كالهمزة في " أضرب " ونون " نضرب " وتاء " تضرب " في خطاب المذكر، فإنها تفيد معاني الفاعلين بعد الافعال.
ثم نقول: إن معنى " من " الابتداء، فمعنى " من " ومعنى لفظ الابتداء سواء، إلا أن الفرق بينهما أن الفظ الابتداء ليس مدلوله مضمون لفظ آخر، بل مدلوله معناه الذي في نفسه مطابقة، ومعني " من " مضمون لفظ آخر ينضاف ذلك المضمون إلى معنى ذلك اللفظ الاصلي، فلهذا جاز الاخبار عن لفظ الابتداء، نحو: الابتداء خير من الانتهاء، ولم يجز الاخبار عن " من " لان الابتداء الذي هو مدلولها في لفظ آخر، فكيف يخبر عن لفظ ليس معناه فيه ؟ بل في لفظ غيره، وإنما يخبر عن الشئ باعتبار المعنى الذي في نفسه مطابقة، فالحرف وحده لا معنى له أصلا، إذ هو كالعلم المنصوب بجنب شئ ليدل على أن في ذلك الشئ فائدة، فإذا انفرد عن ذلك الشئ بقي غير دال على معنى أصلا.
فظهر بهذا أن المعنى الافرادي للاسم والفعل في أنفسهما، وللحرف في غيره، ولا يصح الاعتراض على حد الحرف بالصفات، وذلك بأن يقال: إن لفظ (3) طويل، مثلا،
__________
(1) كلمة " غير " ملازمة للاضافة لفظا أو تقديرا، وهي متوغلة في الابهام فلا تتعرف، حتى مع الاضافة ومنعوا دخول حرف التعريف عليها، بعض الباحثين يبرر ذلك بأن " ال " تكون فيها حينئذ، عوضا عن المضاف إليه، وهو غير متفق عليه، ولا هو ممكن في كل موضع.
(2) المراد أن المعنيين اللذين يدل عليهما الحرف هما معا في كلمة واحدة كما مثل، وتعبيره لا يساعد على فهم هذا المراد، وربما كانت محرفة عن: كلاهما.
(3) في النسخة المطبوعة: ان معنى طويل، ولا يستقيم الكلام إلا باصلاحها إلى: لفظ طويل وذلك يظهر بالتأمل في سياق الكلام.
(*)(1/37)
في جاءني رجل طويل، موجد لمعناه أي الطول في موصوفه، حتى صار الموصوف متضمنا له.
وذلك أن معنى طويل: ذو طول، فهو دال على معنيين أحدهما قائم بالاخر، إذ الطول قائم بذو فمعناه: الطول وصاحبه، لا مجرد الطول الذي في " رجل " وإنما ذكر الموصوف قبله ليعين ذلك الصاحب الذي دل عليه طويل، وقام به الطول لا ليقوم به الطول.
واما قولهم: النعت دال على معنى في متبوعه فلكون المتبوع معينا لذلك الذي قام به المعنى ومخصصا له وكونه اياه، بل المصدر في قولك: ضرب زيد مفيد لمعنى في لفظ غيره، أعني ضاربية زيد، لكنهم احترزوا عن مثله بقولهم " دل "، أي دل بالوضع، ولم يوضع المصدر ليفيد في لفظ غيره معنى، إذ يصح أن يقال: الضرب شديد، ولا يذكر الضارب، ولا يخرج بذلك عن الوضع.
ويصح أن يعترض عليه (1) بالافعال، فإن " ضرب " وضع ليدل على ضاربية ما ارتفع به، ولا يندفع هذا الاعتراض إلا بما قال بعضهم: الحرف ما لا يدل إلا على معنى في غيره، فإن " ضرب " مفيد في نفسه الاخبار عن وقوع ضرب، وفي فاعله عن ضاربيته، بخلاف " من " فإنه لا يفيد إلا معنى الابتداء في غيره.
قوله " غير مقترن " صفة بعد صفة لقوله " معنى "، ويتبين معنى قوله " غير مقترن " ببيان قوله في حد الفعل " هو ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الازمنة الثلاثة " أي على معنى واقع في أحد الازمنة الثلاثة معينا، بحيث يكون ذلك الزمان المعين أيضا مدلول اللفظ الدال على ذلك المعنى بوضعه له أولا، فيكون الظرف والمظروف مدلول لفظ واحد بالوضع الاصلي، فيخرج عن حد الفعل نحو اضرب والقتل، وإن وجب وقوعه في أحد الازمنة الثلاثة معينا في نفس الامر، لان ذلك المعين لا يدل عليه لفظ المصدر.
__________
(1) أي على حد الحرف وهو قولهم ما دل على معنى في غيره.
(*)(1/38)
ويخرج نحو: الصبوح والغبوق، والقيلولة، والسرى، لان اللفظ وإن دل على زمان لكنه ليس أحد الازمنة الثلاثة، أي الماضي والحال والمستقبل.
وكذا يخرج نحو: خلق السموات، وقيام الساعة، لانه، وإن اقترن الحدثان (1) كل واحد منهما بأحد الازمنة معينا عند السامع، لكن لا بدلالة اللفظ عليه وضعا.
ويخرج أيضا اسما الفاعل عند اعمالهما، لانهما وإن كانا لا يعملان عندهم إلا مع اشتراط الحال أو الاستقبال، إلا أن ذلك الزمان مدلول عملهما العارض، لامدلولهما وضعا.
وكذا يخرج أسماء الافعال، لان ذلك فيها ليس بالوضع الاول، بل بالوضع الثاني، كما يجئ في بابها.
ويدخل فيه المضارع، لانه دال على أحد الازمنة الثلاثة بالوضع.
إن قلنا إنه حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال، وكذا إن قلنا أيضا، باشتراكه في الحال والاستقبال، لان اللفظ المشترك في معنيين، حقيقة فيهما، موضوع لكل واحد منهما، فهو في أصل الوضع لاحد الازمنة الثلاثة معينا، وكذا في الاستعمال، والتباس ذلك المعين على السامع لا يخل بكونه لاحدهما معينا.
وكذا تدخل الافعال الانشائية لعروض الانشاء، وكون الفعل لاحدهما معينا في الوضع، سواء كان الانشاء العارض لازما، كما في " عسى " أو غير لازم، كما في " بعت، واشتريت ".
ولا يدخل في هذا الحد لفظ الماضي، والمستقبل، والحال، إذا أريد به الفعل الذي مضى، والفعل الاتي، والفعل الحالي، لان لفظ الماضي ليس موضوعا للحدث الكائن
__________
(1) المراد: وان اقترن حدوث كل واحد..فاستعمل المصدر المعرف بأل، واعماله قليل، ومقتضى ذلك أن تقرأ كلمة " كل " بعده بالرفع، على انها فاعل للمصدر.
(*)(1/39)
فيما مضى من الزمان، بل لكل ماض في الزمان أو في المكان، نحو: مضي في الارض وكذا المستقبل والحال.
والاولى أن يقال: الفعل الفعل ما دل على معنى في نفسه مقترن بزمان من حيث الوزن، حتى لا يرد مثل هذا من الاصل، ولا يرد، أيضا، مثل الصبوح والغبوق والسرى، ولا الاسم الموضوع دالا بتركيبه على أحد الازمنة الثلاثة، كالغبور، مثلا، بمعنى كون الشئ في الماضي، أو في المستقبل، فان دلالته عل أحد الازمنة الثلاثة بالحروف المرتبة لا بالوزن، ومن ثمة تبقى هذه الدلالة مع تغير الوزن كالغابر، وغبر يغبر، والحق أنه بمعنى الماضي، أو البقاء في المكان أو الزمان، قال الله تعالى: " كانت من الغابرين " (1).
وإنما لم يفسر قوله: الازمنة الثلاثة لشهرتها في الماضي والمستقبل والحال، والحق أن مثل هذا الاهمال لا يحسن في الحدود، وكذا لفظ الاقتران مهمل غير ظاهر فيما ذكرنا من تفسيره، ولا يورد في الحدود إلا الالفاظ الصريحة المشهورة في المعنى المقصود بها.
إن قيل: إن ضمير الغائب، والاسماء الموصولة، وكاف التشبيه الاسمية وكم الخبرية، وأسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، خارجة عن حد الاسم بقوله " في نفسه ".
فالجواب: أن الضمير المذكور والاسماء الموصولة، وإن احتاجا ضرورة إلى لفظ آخر، لكن لا ليفيدا معناهما الذي هو الشئ المبهم ويحدثاه في ذلك اللفظ، فإن لفظة " الذي مثلا، تفيد معناها الذي هو الشئ المبهم في نفسها لا في صلتها، وإنما تحتاج إلى صلتها لكشف ذلك الابهام ورفعه منها، لا لاثبات ذلك الابهام في الصلة.
وكذا ضمير الغائب، فهما مبهمان، لكن اشترط فيهما من حيث الوضع أنه لا بد لهما من معين مخصص، فلذا عدا من المعارف.
وكذا اسم الاشارة، إلا أنه كثيرا ما يكتفي بقرينة غير لفظية للتخصيص، وأما الكاف
__________
(1) الاية 83 من سورة الاعراف.
(*)(1/40)
الاسمية فمعناها المثل، بخلاف الحرفية، فإن معناها التشبيه الحاصل في لفظ آخر، وكذا معنى " كم " كثير، لا الكثرة التي هي معنى فيما بعدها، بخلاف " رب " (1) عند من قال بحرفيتها، فان معناها القلة في مجرورها، وإنما وجب القول بهذا في " رب " و " كم " والكافين: الاسمية والحرفية، صونا لحدي الاسم والحرف عن الاعتراض، ولولا ذلك لكان الفرق بين الكافين وبين " رب " و " كم " بما فرقنا تحكما، لكن لما ثبت اسمية " كم " بدخول علامات الاسماء عليها، ولم يثبت مثله في " رب " وكذا في الكافين اضطررنا إلى الفرق بينهما من حيث المعنى ليسلم الحدان.
وأما اسم الاستفهام واسم الشرط فكل واحد منهما يدل على معنى في نفسه وعلى معنى في غيره، نحو قولك: أيهم ضربت ؟، وأيهم تضرب أضرب، فإن الاستفهام متعلق بمضمون الكلام، إذ تعيين مضروب المخاطب مستفهم عنه، ومعنى الشرط موجود في الشرط والجزاء، و " أي " في الموضعين دال على ذات أيضا، وهي ليست معنى فيما بعدها فسلم حد الاسم.
ويجوز الجواب عنه بما قال سيبويه (2): إن حرفي الاستفهام والشرط أعني الهمزة و " إن " حذفتا وجوبا قبل مثل هذا الاسم لكثرة الاستعمال، فكان الاصل: أأيهم ضربت و: إن أيهم تضرب أضرب، ثم تضمن " أي " معنى الاستفهام والشرط، فالمعنيان عارضان فيها وإن كانا لازمين، وكذا ما سوي " أي " من أسماء الاستفهام والشرط، نحو: من تضرب ؟ أي: أمن تضرب ؟ و " من " بمعني " أي " في التعيين في الاستفهام، وكذا:
__________
(1) من النحويين من يرى أن " رب " اسم مثل كم الخبرية، وسيذكر الشارح ذلك في الكلام عليها في باب حروف الجر، وهو يميل إلى القول بأنها اسم، سيبويه هو شيخ النحاة وإمام البصريين، وصاحب الكتاب الذي أصبح علما بالغلبة عند النحويين، واسمه عمرو بن عثمان وكنيته أبو بشر، توفي في أرجح الاقوال سنة 180 ه.
ونحن في تعليقاتنا على هذا الكتاب لن نتعرض لمن يرد اسمهم من العلماء وغيرهم إلا عند ذكره لاول مرة، فما أكثر من ذكرهم الرضى من أئمة النحو بأسمائهم، وربما أعدنا الحديث عن بعض من يقل ذكرهم..ولولا هذا لاضفنا إلى هذا الشرح مثل حجمه أو أكثر.
(*)(1/41)
من تضرب أضرب، أي: إن من تضرب أضرب، فجميع أسماء الاستفهام والشرط، بمعني " أي " الشرطية والاستفهامية.
هذا، ولو قلنا: الحرف ما لا يدل إلى على معنى في غيره لم يرد عليه الاعتراض بمثلها، وبالكاف، ورب، وكم.(1/42)
خواص الاسم قال ابن الحاجب: " ومن خواصه دخول اللام، والجر، والتنوين والاسناد إليه، والاضافة ".
قال الرضى: الفرق بين الحد والخاصة، أن الحد مطرد ومنعكس، والخاصة مطردة غير منعكسة، والمراد بالاطراد أن تضيف لفظ كل إلى الحد فتجعله مبتدأ وتجعل المحدود خبره، كقولك في قولنا الاسم ما دل على معنى في نفسه غير مقترن: كل ما دل على معنى في نفسه غير مقترن فهو اسم.
وكذا تقول في الخاصة: كل ما دخله لام التعريف فهو اسم.
والمراد بالعكس عند النحاة أن تجعل مكان هذين نقيضيهما فتقول: كل ما لم يدل على معنى في نفسه غير مقترن فليس باسم، ولا يصح أن تقول في الخاصة: كل ما لم يدخله لام التعريف فليس باسم.
وقد يقال: العكس أن يجعل المبتدأ خبرا والخبر مبتدأ مع بقاء النفي والايجاب بحاله،
وهذه عبارة المنطقيين، فتطرد قضية الحد والمحدود كلية مع جعل المحدود موضوعا، نحو: كل اسم: دال على معنى في نفسه غير مقترن، وتنعكس كلية نحو: كل دال على معنى في نفسه غير مقترن: اسم.(1/43)
وقضية الخاصة تنعكس كلية ولا تطرد كذا، نحو: كل ما دخله اللام: اسم، ولا يقال: كل اسم: يدخله اللام.
قوله " دخول اللام "، أي لام التعريف الحرفية بخلاف لام الموصول في نحو: الضارب والمضروب فانها لا تدخل إلا على فعل في صورة الاسم، كما يجئ في الموصولات، وبخلاف سائر اللامات كلام الابتداء ولام جواب " لو "، وغير ذلك.
وإنما اختصت لام التعريف بالاسم، لكونها موضوعة لتعيين الذات المدلول عليها مطابقة في نفس الدال، والفعل لا يدل على الذات إلا ضمنا، والحرف مدلوله في غيره لا في نفسه.
وأما قول الشاعر: 1 - يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا * إلى ربنا صوت الحمار اليجدع (1) فليست اللام فيه للتعريف، بل هي اسم موصول دخل على صريح الفعل لمشابهته لاسم المفعول، وهو مع ذلك شاذ قبيح لا يجي إلا في ضرورة الشعر.
وإنما اختص الجر بالاسم، لانهم قصدوا أن يوفوا الاسم لاصالته في الاعراب، حركاته الثلاث، وينقصوا من المضارع الذي هو فرعه واحدا منها، فنقصوه ما لا يكون معمول الفعل وهو الجر وأعطوه ما يكون معموله وهو الرفع والنصب.
__________
(1) البيت، كما قال البغدادي في خزانة الادب: لذي الخرق الطهوي، من أبيات يرد بها على أبي مذعور: طارق بن ديسق الثعلبي (من بني ثعلبة) وأول هذه الابيات: أتاني وعيد الثعلبي ابن ديسق * ففي أي هذا ويله يتترع
وذكر البغدادي خلافا في اسم ذي الخرق وفي أنه جاهلي.
وموضوع الاستشهاد بينه الشارح، وفي شعر ذي الخرق المشار إليه ورد شاهد آخر على مثل ذلك وهو قوله: فيستخرج اليربوع من نافقائه * ومن حجره بالشيخة اليتقصع (*)(1/44)
وأما التنوين، فاختص من جملة أقسامها الخمسة (1) بالاسم، ما ليس للترنم، فهي إذن، أربعة أقسام: أحدها للتنكير، نحو: صه، ومه، ودج (2)، وسيبويه (3)، قيل: ويختص بالصوت واسم الفعل، وأما التنوين في نحو: رب أحمد، وابراهيم، فليس يتمحض للتنكير، بل هو للتمكن أيضا، لان الاسم ينصرف، وأنا لا أرى منعا من أن يكون تنوين واحد للتمكن والتنكير معا، فرب حرف يفيد فائدتين، كالالف، والواو، في مسلمان، ومسلمون فنقول: التنوين في: رجل، يفيد التنكير أيضا، فإذا سميت بالاسم تمحضت للتمكن.
وإنما اختص تنوين التنكير بالاسماء لمثل ما ذكرنا في لام التعريف.
وثانيها للتمكن، ومعناه كون الاسم معربا، فلا يمكن إلا في الاسم، وإنما لم يجعل لاعراب المضارع علامة لعروضه.
وإنما حذفت علامة الاعراب من غير المنصرف مع كونه معربا، لمشابهته للفعل الذي الذي أصله البناء.
وثالثها للتعويض عن المضاف إليه، كحينئذ، ومررت بكل قائما، وسيجئ أن المضاف لا يكون إلا اسما.
ورابعها لمقابلة نون جمع المذكر السالم في جميع المؤنث السالم نحو: مسلمات، على الاعرف من أقوالهم، ولا معنى له إلا في الاسم.
__________
(1) يتحدث الرضى في هذا الشرح عن الالفاظ والكلمات بأسلوب المذكر مرة وبأسلوب المؤنث أخرى ولا شئ في ذلك، على اعتبار اللفظ فيذكر أو الكلمة فيؤنث.
ولكنه يسرف في ذلك إلى حد أن يجمع بين الاسلوبين
في حديث واحد.
كما يأتي بعد قليل.
(2) دج، بفتح الدال وسكون الجيم أو كسرها منونة وهو المراد هنا.
وهو اسم صوت لزجر الدجاج، وسيأتي ذكر ذلك وغيره في أسماء الاصوات من هذا الكتاب (3) المراد حين يسمى به شخص ما، فيكون نكرة.
(*)(1/45)
وإنما قالوا إنه تنوين مقابلة، إذ لو كانت للتمكن (1) لم تثبت في قوله تعالى: " من عرفات " (2)، ولو كانت للتنكير لم تثبت في الاعلام، وليست عوضا عن المضاف إليه ولا للترنم، فلم يبق إلا أن يقال هي في جمع المؤنث في مقابلة النون في جمع المذكر، لان هذا معنى مناسب، ألا ترى إلى جعلهم نصب هذا الجمع تابعا للجر، كما في جمع المذكر، فالنون (3) في جمع المذكر قائم مقام التنوين التي في الواحد، في المعنى الجامع لاقسام التنوين فقط، وهو كونه علامة تمام الاسم، وليس في النون شئ من معاني الاقسام الخمسة المذكورة، فكذلك التنوين التي في جمع المؤنث السالم علامة لتمام الاسم فقط، وليس فيها أيضا، شئ من تلك المعاني، لكنهم حطوها عن النون بسقوطها مع اللام وفي الوقف دون النون لان النون أقوى وأجلد بسبب حركتها.
وقال الربعي (4)، وجار الله (5): ان التنوين في نحو مسلمات للصرف، قال جار الله، وإنما لم تسقط في عرفات: لان التأنيث فيها ضعيف لان التاء التي كانت (6) فيها لمحض التأنيث سقطت، والتاء فيها علامة لجمع المؤنث.
وفيما قاله نظر، لان " عرفات " مؤنث وإن قلنا إنه لا علامة تأنيث فيها، لا متمحضة للتأنيث ولا مشتركة، لانه لا يعود الضمير إليها إلا مؤنثا تقول: هذه عرفات مباركا فيها ولا يجوز: مباركا فيه، إلا بتأويل بعيد (7) كما في قوله:
__________
(1) أي التنوين، وكذا في قوله لم تثبت.
(2) من الاية 198 من سورة البقرة.
(3) تحدث هنا عن النون بلفظ المذكر فقال قائم، ثم تحدث عن التنوين فوصفه بالتي..وقد أشرنا إلى
ذلك في الصحيفة السابقة.
(4) الربعي نسبة إلى ربيعة، وهو أبو الحسن علي بن عيسى الربعي من علماء القرن الخامس، أخذ عن السيرافي والفارسي، توفي ببغداد سنة 420 ه.
(5) جار الله: هو العلامة محمود بن عمر الزمخشري، أقام بمكة زمنا إلى جوار الحرم الشريف فأطلق عليه جار الله، توفي سنة 538 ه والرضى يذكره بلقبه، ونسبته.
(6) في النسخة المطبوعة: لان التاء التي فيها كانت لمحض التأنيث.
ولا يفهم المقصود منها إلا بتكلف، وإصلاحها إلى ما أثبتناه يوضح المراد منها، وربما كان ما في المطبوعة تحريفا.
(7) بأن يراد من عرفات المكان أو الموضع.
(*)(1/46)
2 - فلا مزنة ودقت ودقها * ولا أرض أبقل إبقالها (1) فتأنيثها لا يقصر عن تأنيث " مصر " الذي هو بتأويل البقعة.
والاولى عندي، أن يقال إن التنوين للصرف والتمكن، وإنما لم يسقط في نحو: من عرفات، لانه لو سقط لتبعه السكر في السقوط، وتبع النصب، وهو خلاف ما عليه الجمع السالم، إذ الكسر فيه متبوع لا تابع، فهو فيه كالتنوين في غير المنصرف للضرورة، لم يحذفا لمانع، هذا، مع أنه جور المبرد (2)، والزجاج (3)، ههنا، مع العلمية حذف التنوين وإبقاء الكسر، ويروي بيت امرئ القيس: 3 - تنورتها من أذرعات وأهلها * بيثرب أدنى دارها نظر عالى (4) بكسر التاء بلا تنوين، وبعضهم يفتح التاء في مثله مع حذف التنوين ويروى: من أذرعات، كسائر ما لا ينصرف.
فعلى هذين الوجهين: التنوين للصرف بلا خلاف، والاشهر بقاء التنوين في مثله مع العلمية أيضا.
__________
(1) إقتصر الشارح الرضى على ذكر الشطر الثاني من البيت وهو موضع الاستشهاد وقد جريت على إكمال
الشواهد ما أمكن اعتمادا على ما جاء في خزانة الادب للبغدادي.
والبيت المذكور ورد في شعر لعامر بن جوين الطائي، في وصف سحابة أمطرت مطرا غزيرا فأنبتت الارض نباتا لم تنبت أرض أخرى مثله، وموضع الشاهد قوله ولا أرض أبقل حيث ذكر الفعل المتحمل لضمير الارض باعتبارها مكانا أو موضعا وفي البيت تأويلات أخرى.
(2) المبرد هو أبو العباس محمد بن يزيد، من أشهر علماء البصرة، أخذ عن الجرمي والمازني، واتصل بعلماء الكوفة في بغداد، من أشهر آثاره العلمية كتابه الكامل في اللغة والادب، وله كتاب المقتضب في النحو، توفي سنة 285 ه.
(3) الزجاج: هو أبو إسحاق إبراهيم بن السري، لقب بالزجاج لانه كان يحترف خراطة الزجاج، عاش في بغداد وأخذ عن ثعلب والمبرد توفي سنة 310 ه.
(4) هذا أحد أبيات القصيدة اللامية المشهورة لامرئ القيس بن حجر الكندي والتي أولها: الاعم صباحا أيها الطلل البالي.
وهي من جيد شعره وقد وردت منها شواهد كثيرة في هذا الشرح، ولهذا شرح البغدادي في خزانة الادب معظم هذه القصيدة شرحا موزعا على ما ذكر من شواهدها.
أما موضع الاستشهاد فقد بينه الشارح الرضى.
(*)(1/47)
وقال بعضهم: التنوين فيه عوص من منع الفتحة.
وأما تنوين الترنم فهو في الحقيقة لترك الترنم، لانه إنما يؤتى به اشعارا بترك الترنم عند بني تميم في روي مطلق، وذلك أن الالف والواو، والياء في القوافي تصلح للترنم بما فيها من المد، فيبدل منها التنوين لمناسبته إياها، إذا قصد الاشعار بترك الترنم لخلو التنوين من المد، وهذا التنوين يلحق الفعل أيضا والمعرف باللام، قال: 4 - اقلي اللوم عاذل والعتابن * وقولي إن أصبت لقد أصابن (1) ولم يسمع دخولها الحرف، ولا يمتنع ذلك في القياس نحو نعمن (2)، في القافية.
وقد يلحق عند بعضهم الروي المقيد فيخص باسم الغالي، لان الغلو تجاوز الحد، وحد
هذا التنوين أن يكون بدلا من حرف الاطلاق دلالة على ترك الترنم، فإذا دخل القافية المقيدة فقد جاوز حده، ويخرج به الشعر عن الوزن، فهو غال بهذا الوجه أيضا، وهو، كقوله: 5 - وقاتم الاعماق خاوي المخترقن (3) فيفتح ما قبل النون تشبيها لها بالخفيفة (4)، أو يكسر للساكنين، كما في حينئذ، على ما يجئ في آخر الكتاب.
__________
(1) مطلع قصيدة طويلة لجرير.
مما هجا به الفرزدق والراعي النميري وهي إحدى النقائض ومنها البيت المشهور الذي يقول فيه مخاطبا الراعي: فغض الطرف انك من نمير * فلا كعبا بلغت ولا كلابا والشاهد فيه إلحاق تنوين الترنم بالفعل وبالمقرون بأل كما قال الشارح: وإلحاق هذا التنوين إنما يكون عند الانشاء في بعض الحالات: وهو وجه من وجوه إنشاد الشعر.
(2) التمثيل بنعم في هذا الموضع خطأ، لان آخرها ساكن والتمثيل الصحيح يكون برب مثلا، أوليت، وإنما يصلح التمثيل بنعم في النوع الذي بعده وهو الغالي.
(3) البيت، أول أرجوزة مشهورة لرؤبة بن العجاج وهي أرجوزة طويلة ومنها بعض الشواهد في هذا الشرح وبعد هذا الشاهد: " مشتبه الاعلام لماع الخفق ".
وكان رؤبة وأبوه العجاج من أشهر الرجاز، ومن العجب أن له سميا اسمه رؤبة بن العجاج، كان هو وأبوه شاعرين أيضا، ورؤبة صاحب الشاهد يكنى أبا الجحاف، أما سميه فإنه يكنى أبا بيهس.
(4) أي نون التوكيد الخفيفة.
(*)(1/48)
إنما الحق في الروي المقيد تشبيها له بالمطلق.
وإنما اختص كون الشئ مسندا إليه بالاسم، لان المسند إليه مخبر عنه، إما في الحال أو في الاصل، كما ذكرنا، ولا يخبر إلا عن لفظ دال على ذات في نفسه مطابقة، والفعل
لا يدل على الذات إلا ضمنا والحرف لا يدل على معنى في نفسه، ولهذه العلة: اختص التثنية والجمع والتأنيث والتصغير والنسبة والنداء بالاسم، وأما نحو: ضربت وضربا وضربوا، فالتأنيث والتثنية والجمع فيه راجع إلى الاسم، وكذا التصغير في نحو قوله: 6 - ياما أميلح غزلانا شدن لنا * من هؤلياء بين الضال والسمر (1) راجع إلى المفعول المتعجب منه، أي: هن مليحات والتصغير للشفقة نحو: يا بني، فهو شئ موضوع غير موضعه، كما أن التأنيث في ضربت في غير موضعه.
وأما نحو قوله تعالى: " رب ارجعون " (2) على تأويل ارجعني، وقول الحجاج (3) يا حرسي اضربا عنقه (4)، أي: اضرب، اضرب، فليس الاول بجمع والثاني بتثنية، إذ التثنية ضم مفرد إلى مثله في اللفظ غيره في المعنى، والجمع ضم مفرد إلى مثليه أو أكثر في اللفظ غيره في المعنى، و: ارجعون، و: اضربا، بمعنى التكرير كما ذكرنا، والتكرير ضم الشئ إلى مثله في اللفظ مع كونه إياه في المعنى للتأكيد والتقرير والغالب فيما يفيد التأكيد أن يذكر بلفظين فصاعدا، لكنهم اختصروا في بعض المواضع باجرائه مجرى المثنى و المجموع لمشابهته لهما من حيث إن التأكيد اللفظي، أيضا، ضم شئ
__________
(1) أحد أبيات غزلية أولها: صوراء لو نظرت يوما إلى حجر * لاثرت سقما في ذلك الحجر وهي أبيات مختلف في نسبتها فقيل انها للفرجى ونسبت لذي الرمة ولمجنون بني عامر، وغيرهم، والاستشهاد به على تصغير فعل التعجب وقد وجهه الشارح كما أن فيه شاهدا آخر على تصغير اسم الاشارة شذوذا.
(2) الاية 99 من سورة: المؤمنون.
(3) الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي.
والى العراق من قبل عبد الملك بن مروان، اشتهر بالقوة في حكمه حتى ضرب به المثل في ذلك.
(4) الشاهد فيه أن الكلام موجه إلى شخص واحد وهو الحرسي أي واحد الحرس وهم الجند الذين حول السلطان، فقوله: اضربا بصيغة التثنية يراد منها تكرير الفعل لا تكرير الفاعل (*).(1/49)
إلى مثله في اللفظ وإن كان إياه في المعنى.
فقوله: اضربا عنقه، مثل لبيك وسعديك، وقوله تعالى: " ثم ارجع البصر كرتين " (1)، في كون اللفظ في صورة المثنى وليس به.
واختص الاضافة، أعني كون الشئ مضافا بالاسم، لان المضاف إما متخصص كما في: غلام رجل، وإما متعرف، كما في غلام زيد، والتعرف والتخصص من خصائص الاسم، كما مر في لام التعريف.
وأما الاضافة في نحو: ضارب زيد وحسن الوجه ومؤدب الخدام، وإن لم تخصص المضاف ولم تعرفه، فهي فرع الاضافة المحضة، فلا يكون المضاف أيضا في مثلها إلا اسما.
ولم يذكر المصنف من خواص الاسم كونه مضافا إليه، لئلا يرد عليه مثل قوله تعالى: " يوم يجمع الله الرسول " (2) من إضافة الظروف إلى الافعال، وعده بعضهم من خواصه أيضا، واعتذروا عن الايراد المذكور بأن المضاف إليه في الحقيقة: المصدر المدلول عليه بالفعل، أي: يوم جمع الله، قيل والدليل على أن المضاف إليه هو المصدر: تعرف المضاف به مع خلو الفعل من التعريف، نحو: أتيتك يوم قدم زيد الحار، أو البارد (3)، وأما أنا فلا أضمن صحة هذا المثال ومجئ مثله في كلامهم.
والظاهر أن المضاف إليه لفظا في نحو: يوم قدم زيد: الجملة الفعلية، لا الفعل وحده، كما أن الاسمية في قولهم: أتيتك زمن الحجاج أمير، هي المضاف إليها، وأما من حيث المعنى، فالمصدر هو المضاف إليه الزمان في الجملتين.
__________
(1) الاية 4 من سورة الملك.
(2) الاية 110 من سورة المائدة (3) أي أن تعريف الحار والبار لانهما وصفان لليوم المضاف إلى جملة قدم زيد فاستفاد التعريف لان مضمون الجملة معرفة في هذا المثال، وتوقف الشارح في صحة وروده.
(*)(1/50)
المعرب والمبنى تعريف المعرب قال ابن الحاجب: " وهو معرب ومبني، فالمعرب: المركب الذي لم يشبه " " مبني الاصل ".
قال الرضى: هذا حد معرب الاسم لا مطلق المعرب، لانه في صنف الاسماء، فلا يذكر إلا أقسامها، فكأنه قال: الاسم المعرب هو الاسم المركب، وكذا جميع الحدود التي نذكرها في صنف الاسم.
ولفظ المركب يطلق على شيئين: على أحد الجزأين أو الاجزاء بالنظر إلى الجزء الاخر أو الاجزاء الاخر، كما يقال في: ضرب زيد: مثلا، إن زيدا مركب إلى ضرب، وضرب مركب إلى زيد، فهما مركبان، ويطلق على المجموع فيقال: ضرب زيد، مركب من ضرب ومن زيد.
وهذا كما تقول لاحد الخفين هو زوج الاخر، وتقول لهما معا: زوج، ومراد المصنف: المعنى الاول، وليس بمرضي، لان المركب في اصطلاحهم، في المجموع أشهر منه في كل واحد من جزأيه، أو أجزائه، فيوهم أن المعرب من الاسماء لا يكون إلا مركبا من شيئين فصاعدا، كخمسة عشر ونحوه، وهذا دأب المصنف: يورد في حدود هذه المقدمة ألفاظا(1/51)
غير مشهورة في المعنى المقصود، اعتمادا منه على عنايته (1)، وينبغي أن يختار في الحدود والرسوم أوضح الالفاظ في المعنى المراد، ويحترز عن الالفاظ المشتركة، فكيف باستعمال لفظ هو في غير المعنى المقصود أظهر.
ثم، وإن نزلنا عن هذا المقام، وسلمنا أن المركب في الظاهر هو أحد الجزأين أو
الاجزاء، فليس كل اسم مركب إلى غيره غير مشابه لمبنى الاصل: معربا، بل الاسم المركب إلى عامله، ألا ترى أن المضاف اسم مركب إلى المضاف إليه، ولا يستحق بهذا التركيب اعرابا، بل المضاف إليه يستحقه بالتركيب الاضافي، لان المضاف عامله، على قول، أو الحرف المقدر، على الاخر، كما يجئ، وكذا التابع مع متبوعه، لا يستحق أحدهما بهذا التركيب اعرابا معينا، وكذا أسماء الحروف الموجودة في أوائل السور، نحو: حم، ويس.
قوله " مبني الاصل "، هذا أيضا من ذاك (2)، لانه اصطلاح مجدد منه مراد به الحرف والفعل الماضي والامر، على ما فسره في الشرح (3).
وإن أخذنا لفظ " المبني الاصل " على ما يقتضيه اللفظ من المعنى المشهور، دخل فيه مطلق الافعال وإن كانت مضارعة، إذ أصل جميع الافعال: البناء على ما ذهب إليه البصرية: فيرد عليه اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر، وجميع باب ما لا ينصرف.
بلى، إن اختار مذهب الكوفيين من كون المضارع أصيلا في الاعراب كالاسم، لتوارد المعاني عليه كما يجئ في بابه، لم يرد عليه ما ذكرنا.
ولا يرد على تفسيره المبني الاصل بالحرف والماضي والامر: المصدر (4) في نحو:
__________
(1) أي على قصده ومراده.
(2) قوله: هذا أيضا من ذاك، إشارة ما تقدم من نقده للمصنف بأنه يورد في الحدود ألفاظا غير مشهورة في المعنى المراد منها.
(3) أي شرح ابن الحاجب على رسالته هذه (4) المصدر فاعل لقوله: لايرد...(*)(1/52)
أعجبني ضرب زيد عمرا أمس، وذلك بأن يقال: المصدر ههنا يشبه الماضي لتقديره به مع: " أن " أي: أن ضرب، وإلا لم يعمل، فهو مشابه للماضي مع أنه معرب، - لان (1) مشابهة المصدر لمطلق الفعل سبب عمله، لا مشابهته للماضي، بدليل أنه يعمل وان كان
بمعنى الحال أو الاستقبال.
وإنما ذكر في حد المعرب التركيب، وكونه غير مشابه لمبني الاصل، احترازا من قسمي المبني، وذلك لان الاسم إما أن يبنى لعدم موجب الاعراب، أعني المعاني المتعاقبة على الاسم الواحد كالفاعلية والمفعولية والاضافة، وهو (2) الاسماء المعددة تعديدا، كأسماء العدد نحو: واحد اثنان ثلاثة، وأسماء حروف التهجي، نحو: ألف، با: تا، ثا، ونحو: زيد، بكر، عمرو والاصوات، كنخ (3)، وهدع (4)، والمعاني الموجبة للاعراب إنما تحدث في الاسم عند تركيبه مع العامل فالتركيب شرط حصول موجب الاعراب، فلهذا قال: المركب، أي الاسم الذي فيه سبب الاعراب فتخرج هذه الاسماء المجردة عن السبب، ويجئ في التصريف (5) في باب التقاء الساكنين، تحقيق الكلام في الاسماء المعددة تعديدا، إن شاء الله تعالى.
وإما أن يبني مع حصول الموجب للاعراب، لوجود المانع منه، والمانع مشابهته للحرف أو للفعل على ما يجئ في باب المبني، وذلك في المضمرات والمبهمات وأسماء الافعال، والمركبات، وبعض الظروف على ما يأتي، فقوله: الذي لم يشبه مبني الاصل يخرج هذه الاسماء.
وإنما صح الاحتراز بالجنس أيضا، لكون أخص من الفصل بوجه.
__________
(1) تعليل لقوله: ولا يرد على تفسيره..إلخ.
(2) وهو أي النوع الذي يبني لعدم موجب الاعراب.
(3) نخ صوت لاناخة البعير، وفيه عدة لغات وتأتي في أسماء الاصوات.
(4) هدع بكسر الهاء صوت تسكن به صغار الابل.
(5) في شرح الشافية الذي ألفه الرضى.
(*)(1/53)
حكم المعرب من الاسماء
قال ابن الحاجب: " وحكمه أن يختلف آخره لاختلاف العوامل " " لفظا أو تقديرا " قال الرضى: هذا الذي جعله المصنف بعد تمام حد المعرب، حكما من أحكامه لازما له، جعله النحاة حد المعرب، فقالوا: المعرب: ما يختلف آخره باختلاف العامل.
قال المصنف (1)، وهو الحق (2)، يلزم منه الدور، لان المقصود ليس بمطلق اختلاف الاخر، بل اختلاف الذي يصح لغة، ومعرفة مثل هذا الاختلاف موقوفة على معرفة المعرب أولا، فإن حددنا المعرب باختلاف العامل كان معرفة المعرب متوقفة على معرفة الاختلاف توقف كل محدود على حده، فيكون دورا.
__________
(1) معترضا على الحد الذي ذكره النحاة.
(2) في بعض النسخ التي أشار إليها السيد الجرجاني: " وهذا الحد " بدلا من قوله " وهو الحق " الذي يعتبر اعتراضا من الرضى لتأييد رأي المصنف في الاعتراض على تعريف النحاة.
(*)(1/55)
هذا إن قصد تعريف حقيقة المعرب ليتميز عند المنشئ للكلام فيعطيه بعد تعقل حقيقته حقه من اختلاف الاخر.
أما إن عرف الاختلاف الصحيح لا من معرفة المعرب بل بحصول الاختلاف في كلام صحيح موثوق به، كالقرآن وغيره، جاز تعريف المعرب بذلك الاختلاف، لعدم توقف معرفته، إذن، على معرفة المعرب.
إن قيل: أي فرق بين المعرب والمبني في الحكم المذكور ؟ فإن المبني، أيضا، يختلف تقديرا، وذلك في أحد قسميه، أعني المركب منه مع العامل، نحو: جاءني هؤلاء، فهو مثل: جاءني قاض.
فالجواب: أن المعرب يختلف آخره تقديرا، أي يقدر الاعراب على حرفة الاخير،
ولا يظهر، إما للتعذر، كما في المقصور، أو للاستثقال، كما في المنقوص، بخلاف المبني، فإن الاعراب لا يقدر على حرفه الاخير، إذ المانع من الاعراب في جملته، وهو مشابهته للمبني، لا في آخره، نحو: هؤلاء، وأمس، وقد يكون في آخره أيضا كما في جملته نحو: هذا، فلهذا يقال في نحو: هؤلاء، إنه في محل الرفع أي في موضع الاسم المرفوع، بخلاف المقصور في: جاءني الفتى، فإنه يقال: إن الرفع مقدر في آخره.
قوله: " لفظا أو تقديرا " مصدران بمعنى المفعول أي يختلف آخره اختلافا ملفوظا أو مقدرا، فهما نصب (1) على المصدر، ويجوز أن يكون المضاف مقدرا، أي اختلاف لفظ أو تقدير.
معنى الاعراب قال ابن الحاجب: " الاعراب ما اختلف آخره به ".
__________
(1) فهما نصب أي منصوبان، وهو تعبير شائع على ألسنة المعربين.
(*)(1/56)
قال الرضى: هذا تمام الحد، على ما يؤذن به كلامه في الشرح (1).
سبب الاعراب في الاسم قال ابن الحاجب: " ليدل على المعاني المعتورة عليه ".
قال الرضى: بيان لعلة وضع الاعراب في الاسماء، والضمير في قوله " آخره " للمعرب وفي قوله " به " لما.
قوله " المعتورة " أي المتعاقبة، قوله " عليه " أي على المعرب، قوله " ليدل " فيه ضمير الاختلاف، أو ضمير " ما " ويعني بما: الحركات والحروف، ويدخل في عموم لفظة " ما " العامل أيضا، لانه الشئ الذي يختلف آخر المعرب به: لان الاختلاف حاصل من العامل بالالة التي هي الاعراب، فهما في الظاهر كالقاطع والسكين، وإن كان فاعل الاختلاف في الحقيقة هو المتكلم بآلة الاعراب، إلا أن النحاة جعلوا العامل كالعلة المؤثرة، وإن كان علامة لا علة، ولهذا سموه عاملا.
ويمكن الاعتذار للمصنف بناء على ظاهر اصطلاحهم، أعني أن العامل كالعلة الموجدة بأن يقال: باء الاستعانة: دخولها في الالة أكثر منه في الموجد.
ولا يعترض على الحد بكسر الاخر لاجل ياء الاضافة وياء النسبة وفتحه لاجل تاء التأنيث بأن يقال: الاعراب الذي كان على الاخر، انتفى، لاجل ياء الاضافة من غير انتقال إلى شئ آخر، وانتفى لاجل ياء النسبة وتاء التأنيث وانتقل إلى الياء والتاء بتركبهما.
__________
(1) أي في شرح الكافية، لابن الحاجب نفسه.
(*)(1/57)
مع الاسم، وهذا تغيير في الاخر، وكذا في ألف المثنى ويائه، وواو الجمع ويائه.
وذلك (1) لانه قال: الاعراب ما اختلف آخر المعرب به، والمعرب، كما ذكرنا هو المركب مع عامله، ولا يذخل العامل في المضاف إلى الياء والمنسوب والمؤنث بالتاء والمثنى والمجموع إلا بعد لحاق الاحرف المذكورة بها، لانك أخبرت، مثلا، في قولك: جاءني مسلمان، عن المثنى، ولم تخبر عن المفرد ثم تثنيه، وكذا البواقي، فقبل لحاق هذه الاحرف كان الاسم مبنيا لعدم التركيب، فلم يختلف آخر المعرب بهذه الاحرف.
ولا يقال: ان الحد غير جامع، لان التغيير في نحو مسلمان ومسلمون، ليس في الاخر، إذ الاخر هو النون، وذلك لان النون فيهما كالتنوين فكما أن التنوين لعروضه لم يخرج ما قبله عن أن يكون آخر الحروف، فكذا النونان.
قال المصنف: إنما اخترت هذا الحد، وهو مختار عبد القاهر (2)، على ما نسب إليه الاندلسي (3)، على حد (4) بعض المتأخرين: الاعراب اختلاف الاخر، لان الاختلاف أمر لا يتحقق ثبوته في الاخر حتى يسمى اعرابا.
ولهم أن يقولوا: إنك أيضا أثبت الاختلاف من حيث لا تدري بقولك: ما اختلف آخره به، ولا يختلف آخر شئ بشئ إلا وهناك اختلاف، إذ الفعل متضمن للمصدر.
وقال (5): ولو ثبت الاختلاف أيضا، فهو أمر واحد ناشئ من مجموع الضم والفتح والكسر، لا من كل واحد منها، إذ لو لزم آخر الكلمة واحد منها لم يكن هناك اختلاف،
__________
(1) مرتبط بقوله قبل قليل: ولا يعترض على الحد..(2) الامام عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني من علماء القرن الخامس.
(3) أبو محمد، القاسم بن أحمد الاندلسي، نشأ بالاندلس ونسب إليها ثم تنقل بين دمشق وبغداد حتى توفي بدمشق سنة 661 ه وكان قريب العهد من الرضى حيث عاشا معا في القرن السابع، قال السيوطي في البغية أن له شرحا على المفصل للزمخشري، ويوجد عالم آخر اسمه الاندلسي متأخر عن الرضى واسمه أبو جعفر أحمد بن يوسف الرعيني توفي سنة 779 ه.
(4) أي إنما اخترته على حد بعض المتأخرين، أي فضلته عليه.
(5) أي المصنف.
(*)(1/58)
فالاختلاف شئ واحد، والاعراب بالاتفاق ثلاثة أشياء، فكيف يكون الاعراب اختلافا.
ولهم أن يقولوا: هذا منك بناء على أن معنى الاختلاف: انقلاب حركة حركة أخرى، وانقلاب حرف حرفا آخر، والانقلاب من حيث هو هو، شئ واحد.
والحق: أن معنى قولنا: يختلف الاخر، أي يتصف بصفة لم يكن عليها قبل، فإن " زيد " مثلا في حال الافراد لم يستحق شيئا من الحركات، فلما ضممت الدال بعد التركيب في حالة الرفع، فقد اختلفت، أي انتقلت من حالة السكون إلى هذه الحركة المعينة، فقد حصل بالحركة الواحدة اختلاف في الاخر، وانتقال الاخر إلى الفتحة غير
انتقاله إلى الضمة، وكذا انتقاله إلى الكسرة، فههنا ثلاثة اختلافات مغاير بعضها لبعض بحسب تغاير الحالات المنتقل إليها، وإن كانت داخلة في مطلق الاختلاف.
فالاختلاف، إذن، ثلاثة كالاعراب، والاعراب أيضا هو الانتقالات المذكورة.
هذا إذا أعرب بالحركات، وإن أعرب بالحروف، فاختلاف الاخر، إذن أحد نوعين: إحدهما: رد حرف محذوف من الكلمة، فقط، أو رده مع القلب، كما إذا أردت، مثلا، إعراب " أب " بالحروف: رددت عليه الواو المحذوفة رفعا، ورددتها وقلبتها ألفا في النصب، وياء في الجر.
وثانيها جعل العين أو الحرف الذي زيد في الاخر لغرض بعينه، اعرابا أيضا، أو جعله مع القلب اعرابا، كما جعلت الالف والواو المزيدتين علامتين للتثنية والجمع في نحو: مسلمان ومسلمون، علامتي الرفع أيضا وجعلتهما مع القلب علامتي النصب والجر، وكذا: فوه، وذو مال، فقد اختلف حال الواو والالف رفعا، لانهما صارا لشيئين بعد ما كانا لشئ واحد.
وينبغي أن يقدر كل واحدة من الكسرتين في نحو: إن المسلمات، وبالمسلمات، غير الاخرى، فالاختلاف في آخره ثلاثة، فهما كضمتي " فلك " مفردا، و " فلك " مجموعا (1).
__________
(1) يقول النحاة: ان ضمة فلك مفردا تعتبر مثل ضمة قفل، وضمته مجموعا تقابل ضمة حمر جمع أحمر، فهما متغايرتان تقديرا.
(*)(1/59)
وكذا فتحتا نحو: إن أحمد، وبأحمد، وياءا: ان المسلمين وبالمسلمين، وإن المسلمين وبالمسلمين.
وليس كذا ألف المثنى وواو المجموع، إذا جعلتا اعرابا، لان علامتي التثنية والجمع لا يجوز حذفهما.
فتبين لك بهذا أن الاختلاف في كل اسم ثلاثة كالاعراب، وهو هو، ولو جعلنا أيضا، الاختلاف تحول حركة حركة، أو حرف حرفا، كما فهم المصنف، فهي، أيضا، ثلاثة اختلافات بحسب التحولات: تحول الضمة فتحة، وتحول الضمة كسرة وتحول الفتحة كسرة، وكذا في الحروف.
ولو جعلنا تحول الضمة فتحة غير تحول الفتحة ضمة حصل ستة اختلافات، والحق أن معنى الاختلاف: ما ذكرنا أولا وهو ثلاثة.
وقال أيضا: لو كان الاعراب هو اختلاف، لزم أن يكون الاسم في أول تركيبه غير معرب، كما لو جعل، مثلا، " زيد " اسما لشخص، ثم ركب مع عامله أول تركيب نحو: جاءني زيد، فلا اختلاف، إذ لم تتحول حركة إلى حركة بعد.
والجواب: أن معنى الاختلاف، كما ذكرنا: انتقال الاخر من السكون إلى حركة ما، ففيه، إذن، اختلاف.
ثم نقول: ولو فسرنا الاختلاف، أيضا، بانقلاب حركة حركة، لكان الالزام مشتركا بينه وبين النحاة، لقوله: ما اختلف آخره به، فما لم تنقلب حركة حركة لم يكن ما اختلف آخره به.
فإن قال: أردت ما يكون به الاختلاف، إذا كان.
قيل: العبارة الصحيحة عن مثل هذا المراد: ما يختلف آخره به، لا ما اختلاف قوله " ليدل على المعاني " تعليل لوضع الاعراب في الاسماء، اعلم أن ما يحتاج إلى التمييز بين معاني الكلم على ضربين.(1/60)
أحدهما: أن يكون في كلمة معنيان أو أكثر غير طارئ أحدهما على الاخر، كمعاني الكلم المشتركة، نحو: " القرء " في الطهر، والحيض، و " ضرب " في التأثير المعروف.
والسير، وكذا جمع الافعال المضارعة عند من قال باشتراكها، و " من " للابتداء والتبيين
والتبعيض، فمثل هذا لا يلزمه العلامة المميزة لاحد المعنيين، أو المعاني عن الاخر، لان جاعله لاحد المعنيين، واضعا كان، أو مستعملا، لم يراع فيه المعنى الاخر، حتى يخاف اللبس، فيضع العلامة لاحدهما.
والثاني: أن يكون في الكلمة معنيان أو أكثر يطرأ أحدهما أو أحدها على الاخر أو الاخر، فلا بد للطارئ ان لم يلزم، من علامة مميزة له من المطروء عليه ومن ثم احتاج كل مجاز إلى قرينة، دون الحقيقة، وهذا الطارئ غير اللازم للكلمة لا يلزم أن يطلب له أخف العلامات، بل قد تغير له صيغة الكلمة، كما في التصغير والجمع المكسر والفعل المسند إلى المفعول، كرجيل، ورجال، وضرب، وقد يجتلب له حرف دال عليه صائر كأحد حروف تلك الكلمة، كما في المثنى والجمع السالم والمنسوب والمؤنث والمعرف، نحو: مسلمان ومسلمون، ومسلمات، وزيدي، ومسلمة، والمسلم.
وقد تكون قرينة المعنى الطارئ على الكلمة كلمة أخرى مستقلة كالوصف الدال على معني في موصوفه، والمضاف إليه الدال على معنى في المضاف.
وإن كان طرءان (1) المعني لازما للكلمة، فإن كان الطارئ معنى واحد لا غير (2)، ككون الفعل عمدة فيما تركب منه ومن غيره، فلا حاجة إلى العلامة، لانها تطلب للملتبس بغيره.
وإن كان الطارئ اللازم أحد الشيئين أو الاشياء، فاللائق بالحكمة أن يطلب له أخف
__________
(1) استعمل الرضى هذا اللفظ مصدرا لطرا، وهو مصدر نادر، ولم أجده في القاموس ولا في الصحاح ولا في اللسان.
والرضي يستعمله كثيرا في هذا الكتاب.
(2) شرح الرضى في باب الاستثناء هذا الاستعمال " لا غير " شرحا وافيا.
(*)(1/61)
علامة تمكن لازمة ولا يقتصر - للتمييز - على الكلمة الاخرى التي بها طرأ ذلك المعنى، كما اقتصر في المضاف والموصوف، لان المعنى المحناج فيهما إلى العلامة غير لازم لهما،
بخلاف ما نحن فيه.
فاحتاطوا في هذا النوع أتم احتياط، حتى إن (1)، بعد ما طرأ بسببه المعنى كأن هناك علامة لازمة للكلمة الدالة على معناها الطارئ.
ومثل هذا المعنى إنما يكون في الاسم، لانه بعد وقوعه في الكلام لابد أن يعرض فيه: إما معنى كونه عمدة الكلام، أو كونه فضلة، فجعل علامته أبعاض حروف المد التي هي أخف الحروف، أعني الحركات، وجعلت في بعض الاسماء حروف المد، وهي الاسماء الستة والمثنى والمجموع بالواو والنون، لعلة نذكرها في كل واحد منها، ولم تجتلب حروف مد أجنبية لما قصد ذلك، بل جعلت في الاسماء الستة لام الكلمة أو عينها علامة، وفي المثنى والمجموع حرفا التثنية والجمع علامتين، كل ذلك لاجل التخفيف، وجعل الرفع الذي هو أقوى الحركات، للعمد وهي ثلاثة: الفاعل، والمبتدأ والخبر، وجعل النصب للفضلات سواء اقتضاها جزء الكلام بلا واسطة كغير المفعول معه من المفاعيل وكالحال والتمييز، أو اقتضاها بواسطة حرف، كالمفعول معه والمستثنى غير المفرغ، والاسماء التي تلي حروف الاضافة، أعني حروف الجر.
وإنما جعل للفضلات النصب الذي هو أضعف الحركات وأخفها لكون الفضلات أضعف من العمد وأكثر منها.
ثم أريد أن يميز بعلامة، ما هو فضلة بواسطة حرف، ولم يكن بقي من الحركات غير الكسر، فميز به، مع كونه منصوب المحل لانه فضلة.
__________
(1) هكذا جاء في النسخة المطبوعة، ولا يتم فهم المقصود إلا باعتبار أن اسمها ضمير الشأن فيكون التقدير حتى أنه بعدما طرا..كأن هناك علامة..(*)(1/62)
فصار معنى كون الاسم مضافا إليه معنى العمدة بحرف: معنى آخر منضما إلى المعنيين المذكورين علامته الجر، فإن سقط الحرف ظهر الاعراب المحلي في هذه الفضلة،
نحو: الله لافعلن، فإذا عطف على المجرور، فالحمل على الجر الظاهر أولى من الحمل على النصب المقدر، وقد يحمل على المحل كما في قوله تعالى: " وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم " (1)، بالنصب، فإن سقط الجار مع الفعل لزوما كما في الاضافة زال النصب المقدر، كما سيجئ.
ثم اعلم أن محدث هذه العماني في كل اسم هو المتكلم، وكذا محدث علاماتها لكن نسب احداث هذه العلامات إلى اللفظ الذي بواسطته قامت هذه المعاني بالاسم، فسمي عاملا، لكونه كالسبب للعلامة، كما أنه كالسبب للمعنى المعلم، فقيل: العامل في الفاعل هو الفعل، لانه به صار أحد جزأي الكلام، وكذا: العامل في كل واحد من المبتدأ والخبر هو الاخر على مذهب الكسائي (2) والفراء (3) إذ كل واحد منهما صار عمدة بالاخر، واختلف في ناصب الفضلات، فقال الفراء: هو الفعل مع الفاعل، وهو قريب على الاصل المذكور، إذ باسناد أحدهما إلى الاخر صار فضلة، فهما معا سبب كونها فضلة فيكونان، أيضا، سبب علامة الفضلة.
وقال هشام بن معاوية (4): هو الفاعل، وليس ببعيد، لانه جعل الفعل الذي هو الجزء
__________
(1) الاية 6 من سورة المائدة.
(2) الكسائي: هو أبو الحسن علي بن حمزة.
من أصل فارسي، تعلم النحو بعد أن كبر ثم صار إماما فيه وأصبح زعيم نحاة الكوفة وهو أحد القراء السبعة توفي سنة 189 ه.
(3) الفراء: هو أبو زكريا: يحيي بن زياد، أصله من الديلم وكان أعلم أهل الكوفة بالنحو بعد الكسائي.
وعنه أخذ النحو، ومع تعصبه الزائد ضد سيبويه، وجد كتاب سيبويه تحت وسادته بعد موته.
له كتاب معاني القرآن توفي سنة 207 ه.
(4) هشام بن معاوية: أبو عبد الله النحوي الكوفي كان من أبرز أصحاب الكسائي وله آراء بارزة في النحو.
وينقل عنه الرضى كثيرا ويطلق عليه: هشام الضرير لانه كان أعمى.
وقد يكتفي الرضي في النقل عنه بقوله وقال هشام، لاشتهاره (*).(1/63)
الاول بانضمامه إليه كلاما، فصار غيره من الاسماء فضلة.
وقال البصريون: العامل هو الفعل نظرا إلى كونه المقتضى للفضلات، وقول الكوفيين أقرب بناء على الاصل الممهد المذكور.
وجعل الحرف الموصل لاحد جزاي الكلام إلى الفضلة عاملا للجر في ظاهر الفضلة إذ بسببه حصل كون ذلك الاسم مضافا إليه تلك العمدة.
ثم، قد يحذف حرف الجر لزوما مع الفعل الذي أوصله الحرف إلى الفضلة لغرض التخصيص أو التعريف في الاسم كما يجئ في باب الاضافة فيزول النصب المحلي عن المجرور لفظا، لكون الناصب، أي الفعل مع الفاعل محذوفا نسيا منسيا مع حرف الجر الدال عليه، فكأن أصل: غلام زيد: غلام حصل لزيد، فإذا حذف الجار قام الاسم المراد تخصيصه أو تعريفه، مقام الحرف الجار لفظا فلا يفصل بينهما كما لم يفصل بين الحرف ومجروره.
ومعنى أيضا، لدلالته على معنى اللام في نحو: غلام زيد، إذ هو مختص بالثاني، وعلى معنى " من " في نحو: خاتم فضة، إذ هو مبين بالثاني، فيحال عمل الجر على هذا الاسم، كم أحيل على حرف الجر، كما يجئ.
فأصل الجر أن يكون علم الفضلة التي تكون بواسطة، ثم يخرج في موضعين عن كونه علم الفضلة ويبقي علما للمضاف إليه فقط: أحدهما فيما أضيف إليه الاسم، والثاني في المجرور إذا أسند إليه، نحو مر بزيد، والاصل فيهما أيضا ذلك كما بينا.
وكان قياس المستثنى غير المفرغ، بالا، والمفعول معه: الجر أيضا، إذ هما فضلتان بواسطة الحرفين، لكن لما كان الواو في الاصل للعطف، وغير مختص بأحد القبيلين، وكان " إلا " يدخل على غير الفضلة أيضا، كالمستثنى المفرغ، لم يروا إعمالهما، فبقي ما بعدهما منصوبا في اللفظ.
هذا، وأما الحروف فلا يطرأ على معانيها شئ، بل معانيها طارئة على معاني ألفاظ
أخر، كما مر في حد الاسم.
وأما الافعال فلا يلزمها إلا معنى واحد طارئ، كما مر، بلى، قد يطرأ عليها في(1/64)
بعض المواضع أحد المعنيين الملتبسين، كما في قولك: ما بالله حاجة فيظلمك (1)، على ما يجئ في قسم الافعال، فاعتبر ذلك الكوفيون، وقالوا إعراب المضارع أصلي، لا بمشابهته للاسم، خلافا للبصريين على ما يجئ في بابه.
فظهر بهذا التقرير أن الاصل في الاعراب: الاسماء دون الافعال والحروف، وأن أصل كل اسم أن يكون معربا.
فإن قيل: كيف حكم بذلك، وأصل الاسماء الافراد، وهي في حالة الافراد غير مستحقة للاعراب، كما تقدم في الاسماء المعددة ؟.
قلت: انما حكم بذلك لان الواضع لم يضع الاسماء إلا لتستعمل في الكلام مركبة، فاستعمالها مفردة مخالف لنظر الواضع، فبناء المفردات وإن كانت أصولا للمركبات عارض لها لكون استعمالها مفردة عارضا لها غير وضعي ! وقد خرج من عموم قولهم: أصل الاسماء الاعراب صنفان منها: أحدهما أسماء الاصوات، كنخ، وجه، وده (2)، لان الواضع لم يضعها إلا لتستعمل مفردة، لانها لم تكن في الاصل كلمات، كما يجئ في بابها، والثاني أسماء حروف التهجي، لانها كالحكاية لحروف التهجي التي ليس بكلم، ومن ثم كانت أوائلها تلك الحروف المحكية، إلا لفظة " لا "، فإنهم لما لم يمكنهم النطق بالالف الساكنة، توصلوا إليه باللام المتحركة، كما توصلوا إلى النطق بلام التعريف الساكنة بالالف المتحركة أعني الهمزة.
وأما " ألف " فهو اسم الهمزة لان أوله الهمزة، فينبغي أن تقول: " لا " ولا تقول:
__________
(1) يأتي في نواصب المضارع أن الفعل المضارع الواقع بعد الفاء في جواب النفي يحتمل أكثر من معنى،
ومن هنا قال الكوفيون انه تتعاقب عليه المعاني المختلفة المقتضية للاعراب كالاسم.
(2) تقدم أن: نخ صوت لاناخة الابل، ودج صوت يزجر به الدجاج، وأما جه وده، فهما لزجر الابل، وستأتي هذه الكلمات موضحة المعاني في باب أسماء الاصوات، (*)(1/65)
" لام ألف "، وأما قوله: 7 - تكتبان في الطريق لام الف (1) فمقصوده: اللام والهمزة (2)، لا صورة " لا ".
ولو نظر الواضع في الصنفين إلى وقوعهما مركبين، لكانا معربين في نظره، فلم يجز أن يصوغهما على أقل من ثلاثة أحرف، لانك لا تجد معربا على أقل من ثلاثة أحرف إلا وقد حذف منه شئ، كيد، ودم وقد صاغ كثيرا منهما (3) على حرفين، كنخ، وجه، وبا، وتا، وثا، وإنما صاغ على أقل من ثلاثة ما كان يعرف أنه يكون في التركيب مشابها للحرف، كما، ومن، وتاء الضمير، وكافه، فعلم أنه يبنى لثبوت علته فجوز بناءه على أقل من ثلاثة.
ثم نقول: لا يلزم الكسائي والفراء ما ألزما في ترافع المبتدأ والخبر، من أنه يجب تقدم كل واحد من المبتدأ والخبر على الاخر لانه يجب تقديم العامل على المعمول، فيلزم تقدم الشئ على نفسه، لان المتقدم على المتقدم على الشئ متقدم على ذلك الشئ.
وإنما لم يلزمهما ذلك، لان العامل النحوي ليس مؤثرا في الحقيقة، حتى يلزم تقدمه على أثره، بل هو علامة كما مر، ولو أوجبنا أيضا تقدمه لكونه كالسبب كما مر، قلنا: إن كل واحد من المبتدأ والخبر متقدم على صاحبه من وجه، متأخر عنه من وجه آخر، فإذا اختلفت الجهتان، فلا دور: أما تقدم المبتدأ فلان حق المنسوب أن يكون تابعا للمنسوب إليه وفرعا له، وأما تقدم الخبر فلانه محط الفائدة وهو المقصود من الجملة،
__________
(1) هذا أحد أشطار ثلاثة لابي النجم العجلي، وقبله:
أقبلت من عند زياد كالخرف * تخط رجلاي بخط مختلف..وزياد: صديق لابي النجم كان يسقيه الخمر.
(2) فكأنه قال لاما وألفا، وقيل انه قصد صورة " لا " وقيل أراد حروف المعجم وذكر منها اللام والالف على سبيل المثال.
(3) أي من النوعين اللذين تحدث عنهما، وهما أسماء الاصوات وحروف المعجم.
(*)(1/66)
لانك إنما ابتدأت بالاسم لغرض الاخبار عنه، والغرض وإن كان متأخرا في الوجود، إلا أنه متقدم في القصد، وهو العلة الغائية وهو الذي يقال فيه: أول الفكر آخر العمل فيرفع كل منهما صاحبه بالتقدم الذي فيه، فترافع المبتدأ والخبر، إذن، كعمل كلمة الشرط والشرط، كل منهما في الاخر في نحو قوله تعالى: " أيا ما تدعوا " (1)، فأداة الشرط متقدمة على الشرط، إذ هي مؤثرة لمعنى الشرط فيه، متأخرة عنه تأخر الفضلات عن العمد، فالمبتدأ والخبر، على هذا التقدير، أصلان في الرفع، كالفاعل، وليسا بمحمولين في الرفع عليه، وهو مذهب الاخفش (2)، وابن السراج (3)، ولا دليل على ما يعزى إلى الخليل (4) من كونهما فرعين على الفاعل، ولا على ما يعزى إلى سيبويه من كون المبتدأ أصل الفاعل في الرفع.
وعلى التقرير المذكور: التمييز، والحال، والمستثنى الفضلة، أصول في النصب كالمفعول، وليست بمحمولة عليه، كما هو مذهب النحاة.
ولما كان مستنكرا في ظاهر الامر ترافع المبتدأ والخبر لما تقرر في الاذهان من تقدم المؤثر على الاثر، واستحالة تقدم الشئ على مؤثره ضعف عملهما، فنسخ عملهما كثير مما دخل عليهما مؤثرا فيهما معنى، ككان، وظن، وكان، وإن، وأخواتها، وما، ولا التبرئة (5)، على ما يجئ في أبوابها، فصارت العمدة في صورة الفضلة منتصبة، وهي اسم
__________
(1) الاية 110 من سورة الاسراء
(2) الاخفش إذا أطلق كان المراد به: أبا الحسن سعيد بن مسعدة تلميذه سيبويه، وهو الاخفش الاوسط.
أما الاكبر فهو أبو الخطاب عبد الحميد شيخ سيبويه والاخفش الاصغر هو أبو الحسن علي بن سليمان تلميذ المبرد.
(3) ابن السراج هو: أبو بكر محمد بن السرى، أخذ عن المبرد وقرأ عليه كتاب سيبويه توفي سنة 310 ه (4) الخليل بن أحمد الفراهيدي أو الفرهودي، إمام في النحو واللغة وهو واضع علم العروض ونسب إليه أنه واضع علم النحو وهو شيخ سيبويه وتلميذ أبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر وغيرهما من أوائل أئمة النحو، وأكثر ما جاء في كتاب سيبويه منقول عنه.
(5) يطلق النحاة على " لا " النافية للجنس: لا التبرئة، لانها بسبب نفي معنى الخبر عن الاسم كأنها برأت الاسم من الاتصاف بمضمون الخبر.
(*)(1/67)
" ان " و " لا " التبرئة، وخبر " كان " و " كاد " ومفعولا " ظن " ووجه مشابهتها للفضلة يجئ في أبوابها.
وإنما جاز تقدم كل واحد من جزأي الجملة الاسمية على الاخر لعمل كل واحد منهما في الاخر، والعامل مقدم الرتبة على معموله، لكن الاولى تقدم المسند إليه لسبق وجود المخبر عنه على الخبر، وإن كان الخبر متقدما في الغاية ولم يلزم على هذا جواز تقدم الفاعل على الفعل لان الفاعل معمول للفعل وليس عاملا فيه، كما كان المبتدأ في الخبر (1).
ولم يعتنوا بحال المفاعيل ولم يلزموها موضعها الطبيعي أعني ما بعد العامل، لكونها فضلات.
فظهر لك أن أصل الاسماء الاعراب، فما وجدت منها مبنيا فاطلب لبنائه علة، كما نذكره في المضمرات والمبهمات وأسماء الافعال، والكنايات وبعض الظروف.
وأما أسماء الاصوات، وأسماء حروف التهجي، فبناؤهما أصلي ولا يحتاج إلى تعليل، واعرابهما في نحو قوله:
8 - تداعين باسم الشيب في متثلم * جوانبه من بصرة وسلام (2) وقوله: 9 - إذا اجتمعوا على ألف وواو * وياء، هاج بينهم جدال (3) معلل بكونها مركبين، وهو خلاف الاصل، والله أعلم بالصواب.
__________
(1) أي كما كان المبتدأ عاملا في الخبر، بناء على القول بذلك.
(2) البيت من قصيدة لذي الرمة، يصف الابل حين قطعها للقفار، وتداعين أي دعا بعضها بعضا وروي: تنادين.
والشيب اسم صوت حكاية لمشافر الابل عند الشرب يريد أن الابل شكت العطش في هذا المكان القفر الذي تهدمت جوانبه والبصرة بفتح الباء الحجارة البيض.
والسلام بكسر السين: الحجارة أيضا، أو أراد بالمتثلم: الحوض المتهدم.
(3) هذا البيت ليزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي، وهو يريد في هذا البيت ذم النحويين، روي عن الاصمعي أنه قال: أنشدني عيسى بن عمر، بيتا، هجابه النحويين وليس المراد أن البيت لعيسى بن عمر، ومعنى البيت أنهم إذا اجتمعوا وتحدثوا في سبب الاعلال في حروف العلة هاج الجدال بينهم وطالت المناقشة.
(*)(1/68)
أنواع الاعراب ودلالة كل منها على معنى قال ابن الحاجب: " وأنواعه رفع ونصب وجر، فالرفع علم الفاعلية ".
" والنصب علم المفعولية، والجر علم الاضافة ".
قال الرضى: اعلم أن الحركات في الحقيقة أبعاض حروف العلة فضم الحرف في الحقيقة، إتيان بعده بلا فصل ببعض الواو، وكسره: الاتيان بعده بجزء من الياء، وفتحه: الاتيان بعده
بشئ من الالف، وإلا، فالحركة والسكون من صفات الاجسام فلا تحل الاصوات، لكنك لما كنت تأتي عقيب الحرف بلا فصل ببعض حروف المد، سمي الحرف متحركا، كأنك حركت الحرف إلى مخرج حرف المد، وبضد ذلك: سكون الحرف، فالحركة - إذن - بعد الحرف، لكنها من فرط اتصالها به يتوهم أنها معه لا بعده بلا فصل، فإذا أشبعت الحركة وهي بعض حرف المد، صارت حرف مد تاما.
وإنما قيل لعلم الفاعل رفع، لانك إذا ضممت الشفتين لاخراج هذه الحركة ارتفعتا عن مكانهما، فالرفع من لوازم هذا الضم وتوابعه، فسمي حركة البناء ضما، وحركة الاعراب رفعا، لان دلالة الحركة على المعنى تابعة لثبوت نفس الحركة أولا.(1/69)
وكذلك نصب الفم تابع لفتحه، كأن الفم كان شيئا ساقطا فنصبته، أي أقمته بفتحك إياه، فسمي حركة البناء فتحا، وحركة الاعراب نصبا.
وأما جر الفك إلى أسفل وخفضه فهو ككسر الشئ، إذ المكسور يسقط ويهوي إلى أسفل، فسمى حركة الاعراب جرا وخفضا، وحركة البناء كسرا، لان الاولين أوضح وأظهر في المعنى المقصود من صورة الفم من الثالث، ثم: الجزم بمعنى القطع، والوقف، والسكون بمعنى واحد والحرف الجازم كالشئ القاطع للحركة أو الحرف، فسمي الاعرابي جزما والبنائي وقفا وسكونا.
وإنما سمي المعرب، لان الاعراب ابانة المعنى والكشف عنه، من قوله صلى الله عليه وآله: " الثيب يعرب عنها لسانها " أي يبين وسمي المبني مبنيا لبقائه لبقائه على حالة واحدة كالبناء المرصوص.
قوله: " فالرفع علم الفاعلية " أي علامتها، والاولى، كما بينا أن يقال: " الرفع علم كون الاسم عمدة الكلام، ولا يكون في غير العمد.
والنصب علم الفضلية في الاصل، ثم يدخل في العمد، تشبيها بالفضلات كما مضى،
وعلى قول المصنف: الرفع في الاصل علم الفاعلية والنصب علم المفعولية، ثم يكونان فيما يشابههما وأما الجر فعلم الاضافة، أي كون الاسم مضافا إليه معنى أو لفظا كما في: غلام زيد، وحسن الوجه.
فالرفع ثلاثة أشياء: الضم، والالف، والواو، في نحو: جاء مسلم، ومسلمان، ومسلمون، وأبوك.
والنصب أربعة: الفتح، والكسر، والالف، وإلياء، في نحو: إن مسلما ومسلمات وأباك، ومسلمين ومسلمين.
والجر ثلاثة أشياء: الكسر، والفتح، والياء، في نحو: يزيد، وبأحمد وبمسلمين، وبمسلمين وبأبيك.(1/70)
وكل ما سوى الضم في الرفع، والفتح في النصب، والكسر في الجر: فروعها كما يجئ، وبين الضم والرفع عموم وخصوص من وجه، أما كون الرفع أعم، فلوقوعه على الضم والالف والواو، وأما كونه أخص فلان الضم قد يكون علم العمدة كما في: جاء الرجل، وقد (1) لا يكون كما في حيث.
وكذا الكلام في النصب والجر.
وإذا اطلق الضم والفتح والكسر في عبارات البصرية، فهي لا تقع إلا على حركات غير اعرابية، بنائية كانت، كضمة " حيث " أو، لا، كضمة قاف " قفل "، ومع القرينة تطلق على حركات الاعراب أيضا، كقول المصنف بالضمة رفعا، والكوفيون يطلقون ألقاب أحد النوعين على الاخر مطلقا.
قوله " وأنواعه رفع ونصب وجر "، الرفع والنصب والجر عنده: الحركات كما ذكرنا، أو الحروف، وعلى مذهب من قال: الاعراب: الاختلاف، قال الرفع انتقال
الاخر إلى علامة العمدة، والنصب انتقاله إلى علامة الفضلة والجر انتقاله إلى علامة الاضافة والظاهر في اصطلاحهم أن الاعراب هو الاختلاف، ألا ترى أن البناء ضده، وهو عدم الاختلاف اتفاقا، ولا يطلق البناء على الحركات، وإنما جعل الاعراب في آخر الكلمة، لانه دال على وصف الاسم، أي كونه عمدة أو فضلة، والدال على الوصف بعد الموصوف.
__________
(1) أنظر هامش رقم 1 في صفة 23.
(*)(1/71)
العامل قال ابن الحاجب: " والعامل ما به يتقوم المعنى المقتضى ": قال الرضى: إنما بين العامل، لاحتياج قوله قبل (1): ويختلف آخره لاختلاف العامل، إلى بيانه، ويعني بالتقوم نحوا من (2) قيام العرض بالجوهر، فان معنى الفاعلية والمفعولية والاضافة: كون الكلمة عمدة أو فضلة أو مضافا إليها، وهي كالاعراض القائمة بالعمدة والفضلة والمضاف إليه، بسبب توسط العامل.
فالموجد كما ذكرنا لهذه المعاني هو المتكلم، والالة: العامل، ومحلها: الاسم، وكذا الموجد لعلامات هذه المعاني هو المتكلم، لكن النحاة جعلوا الالة كأنها هي الموجدة للمعاني ولعلاماتها، كما تقدم، فلهذا سميت الالات عوامل.
فالباء في قوله " به يتقوم " للاستعانة، نظرا إلى أن المسمى عاملا في الحقيقة: آلة، والمقوم هو المتكلم، وليس الباء كما في قولك قام هذا العرض بهذا المحل، ولا شك أن في لفظ المصنف ايهاما، لان الظاهر في نحو: قام به: وتقوم به: هذا المعنى الاخير.
فإذا ثبت أن العامل في الاسم: ما يحصل بوساطته في ذلك الاسم المعنى المقتضى
للاعراب، وذلك المعنى كون الاسم عمدة أو فضلة أو مضافا إليه العمدة أو الفضلة، فاعلم أن بينهم خلافا في أن العامل في المضاف إليه هو اللام المقدرة أو " من "، أو المضاف، فمن قال إنه الحرف المقدر نظر إلى أن معناه في الاصل هو الموقع المقدم لاضافة بين الفعل والمضاف إليه، إذ أصل غلام زيد: غلام حصل لزيد، فمعنى الاضافة قائم بالمضاف إليه لاجل الحرف، ولا ينكر ههنا عمل حرف الجر مقدرا، وإن ضعف مثله في نحو " خير "،
__________
(1) في البحث السابق على هذا.
(2) أي معنى قريبا من معني قيام العرض بالجوهر.
(*)(1/72)
في قول رؤبة (1)، وذلك لقوة الدال عليه بالمضاف الذي هو مختص بالمضاف إليه أو متبين به، كما أن نصب " أن " المقدرة في نحو: 10 - ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي (2) ضعيف، فإذا وقع موقعها فاء السببية، أو واو الجمع، كما يجئ في نواصب المضارع، جاز نصبها (3) مطردا، وكذا الجر برب المقدرة بعد الواو والفاء وبل، ليس بضعيف.
ومن قال إن عامل الجر هو المضاف، وهو الاولى، قال: إن حرف الجر شريعة منسوخة، والمضاف مفيد معناه، ولو كان مقدرا لكان " غلام زيد " نكرة، كغلام لزيد، فمعني كون الثاني مضافا إليه حاصل له بواسطة الاول، فهو الجار بنفسه وقال بعضهم: العامل معنى الاضافة، وليس بشئ، لانه أن أراد بالاضافة كون الاسم مضافا إليه، فهذا هو المعنى المقتضى، والعامل: ما به يتقوم المعنى المقتضى، وان أراد بها النسبة التي بين المضاف والمضاف إليه، فينبغي أن يكون العامل في الفاعل والمفعول، أيضا، النسبة التي بينها وبين الفعل، كما قال " خلف " (4): العامل في الفاعل هو الاسناد، لا الفعل.
* * *
__________
(1) أي رؤبة بن العجاج وقد قيل له: كيف أصبحت.
فقال: خير، أي بخير، أو على خير.
(2) أورد الرضى من هذا الشاهد قوله: أحضر الوغى، فقط، وهو موضع الاستشهاد على عمل أن.
النصب وهي محذوفة وليس قبلها شئ من الامور التي تأتي في النواصب.
والبيت من معلقة طرفة بن العبد.
يقول فيها بعد هذا البيت: فان كنت لا تستطيع دفع منيتي * فدعني أبادرها بما ملكت يدي (3) أي جاز عملها النصب مقدرة.
(4) هو خلف بن يوسف الاندلسي الشنتريني من إشهر نحاة المغرب روي أنه كان يحفظ كتاب سيبويه والمقتضب للمبرد وغيرهما، توفي بقرطبة سنة 532 ه.
(*)(1/73)
الاسماء المعربة وحق كل منها من أنواع الاعراب قال ابن الحاجب: " فالمفرد المنصرف، والجمع المكسر المنصرف، بالضمة رفعا، والفتحة نصبا، والكسرة جرا، جمع (1) المؤنث السالم بالفتحة والكسرة، غير المنصرف بالضمة والفتحة، أخوك وأبوك وهنوك وفوك وذو مال، مضافة إلى غير ياء المتكلم بالواو، والالف، والياء.
المثني وكلا مضافا إلى مضمر، واثنان، بالالف والياء، جمع المذكر السالم، وأولو، وعشرون وأخواتها بالواو والياء ".
قال الرضى: هذا تقسيم الاسماء المعربة بحسب اعراباتها المختلفة، وذلك أنا بينا أن الرفع ثلاثة أشياء، والنصب أربعة، والجر ثلاثة، فهو يريد بيان محال هذه الاعرابات، وأن كل واحد منها في أي معرب يكون.
فبدأ بمعربات اعرابها بالحركات لانها الاصل في الاعراب لخفتها، وقسمها ثلاثة أقسام: أحدها: ما استوفى الحركات الثلاث، كل واحدة منها في محلها، أعني الضم
في حالة الرفع، والفتح في النصب، والكسر في الجر، وهو شيئان: أحدهما: المفرد، أي الذي لا يكون مثنى، ولا مجموعها، سواء كان مضافا، أو، لا، المنصرف، احتراز عن غير المنصرف.
وكان عليه أن يضم إليه قيدا آخر، وهو ألا يكون من الاسماء الستة، ولا يجوز أن
__________
(1) بحذف حرف العطف في هذا وما بعده، وهو أسلوب يجري عليه المؤلفون كثيرا، وبعضهم يجيزه في الواو وفيه خلاف.
(*)(1/74)
يكون قوله " المفرد " احترازا عن المضاف فيخرج الاسماء الستة، إذ لو احترز عنه لوجب ألا يستوفي شئ من المضاف الحركات الثلاث.
وثانيها: الجامع لثلاثة قيود، الجمعية، احترازا عن المثنى، إذ اعرابه بالحروف، وعن المفرد، إذ قد مر ذكره، والتكسير احترازا عن السالم، لان اعراب المذكر منه بالحروف والمؤنث غير مستوف للحركات، والانصراف، احترازا عن غير المنصرف نحو مساجد وأنبياء.
وإنما أعرب الجمع المكسر اعراب المفرد، أي بجميع الحركات إذا كان منصرفا لمشابهته للمفرد بكونه صيغة مستأنفة مغيرة عن وضع مفرده، وبكون بعضه مخالفا لبعض في الصيغة كالمفردات المتخالفة الصيغ، وأيضا، لم يطرد في آخره حرف لين صالح لان يجعل اعرابا، كما في الجمع بالواو والنون.
قوله " بالضمة رفعا "، الجار والمجرور خبر المبتدأ، وقوله " رفعا " مصدر بمعنى المفعول كقولهم: الفاعل رفع أي مرفوع، وانتصابه على الحال أي مرفوعين، والعامل فيه الجار والمجرور، وذو الحال: الضمير المستكن فيه، والباء في قوله " بالضمة " بمعنى " مع "، ويجوز أن يكون المعنى: ملتبسان بالضمة، ومعنى الكلام: هما مع هذه الحركة المعينة في حال كونهما مرفوعين، أي مصاحبين لعلم العمدة.
وكذا قوله: " والفتحة نصبا "، وأمثاله، وهذا من باب العطف على عاملين مختلفين، المجوز عند المصنف قياسا، نحو: إن في الدار زيدا، والحجرة عمرا، على ما يجئ (1).
والثاني من الثلاثة الاقسام (2): ما فيه الضمة رفعا، والكسرة جرا، ونصبا، وهو شئ واحد، أعني الجمع بشرطين: أحدهما أن يكون جمع المؤنث احترازا عن جمع المذكر
__________
(1) يأتي الكلام على العطف على معمولي عاملين مختلفين وما فيه من خلاف بين النحاة، في باب العطف ان شاء الله.
(2) تقدم التنبيه على أن هذا الاستعمال للعدد مذهب الكوفيين ص 33 من هذا الجزء، هامش رقم 2 (*).(1/75)
الذي هو بالواو والياء والثاني أن يكون سالما احترازا عن المكسر المستوفي للحركات نحو رجال، أو للضم والفتح نحو مساجد.
وإنما نقص هذا الجمع الفتح واتبع الكسر، اجراء له مجرى أصله، أعني جمع المذكر السالم، على ما يجئ بعد.
والثالث: ما فيه الضمة رفعا، والفتحة نصبا وجرا، وهو أيضا، شئ واحد: غير المنصرف، مفردا كان، أو مجموعا مكسرا، نحو: أحمد، ومساجد، وإنما نقص الكسر واتبع الفتح، لما يجئ في بابه.
ثم ثني بمعربات اعرابها بالحروف، وقسمها، أيضا، ثلاثة أقسام: أحدهما: ما استوفى الحروف الثلاثة، كلا في محلها، وهي الاسماء الستة، بشرط افرادها، وكونها غير مصغرة، واضافتها إلى غير ياء المتلكم، لانها إذا ثنيت أو جمعت، فإعرابها إعراب سائر الاسماء المثناة والمجموعة، وكذلك إذا صغرت، لان المصغر منها يتحرك عينه ولامه وجوبا، ليتم وزن فعيل، وحرف العلة المجعول اعرابا يجب سكونه ليشابه الحركة، وإنما اشترط إضافتها إلى غير ياء المتكلم، لما سيجئ أن المقطوع منها عن الاضافة محرك بالحركات لما سنذكر، والمضاف إلى ياء المتكلم لا يتبين اعرابه على ما سيجئ.
وتصريحه (1) بهذه الاسماء الستة يغني عن الاحتراز عن تثنيتها وجمعها وتصغيرها.
آراء العلماء (2) في اعراب الاسماء الستة فلهم في إعراب هذه الاسماء أقوال: الاقرب عندي أن اللام في أربعة منها، وهي:
__________
(1) أي تعبيره عنها بالصورة المطلوبة في اعرابها بالحروف.
حيث مثل بها مستوفية لهذه الشروط.
(2) ما تحت هذا العنوان استمرار لكلام الرضي، وليس لشرح شئ جديد من كلام ابن الحاجب وسيأتي مثل ذلك كثيرا.
(*)(1/76)
أبوك، وأخوك، وحموك، وهنوك، أعلام للمعاني المتناوبة كالحركات، وكذا العين في الباقيين منها أعني: فوك، وذومال فهي في حال الرفع: لام الكلمة أو عينها، وعلم العمدة، وفي النصب والجر: علم الفضلة والمضاف إليه فهي مع كونها بدلا من لام الكلمة أو عينها: حرف إعراب.
وسنشيد (1) هذا الوجه بعد ذكر الاوجه المقولة فيها.
فعن سيبويه: أن هذه الاسماء ليست معربة بالحروف،، بل بحركات مقدرة على الحروف فاعرابها كاعراب المقصور،، لكن أتبعت في هذه الاسماء حركات ما قبل حروف اعرابها، حركات اعرابها، كما في " امرئ، وابنم "، ثم حذفت الضمة للاستثقال، فبقيت الواو ساكنة، وحذفت الكسرة، أيضا، للاستثقال، فانقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، وقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، والاعتراض عليه: أنه كيف خالفت الاربعة منها، أعني المحذوفة اللام، أخواتها، من " يد " و " دم "، في رد اللام في الاضافة، وأيش (2) الغرض من ردها، إذا لم يكن لاجل الاعراب بالحرف، وأيضا، اتباع حركة ما قبل الاعراب لحركة الاعراب أقل قليل (3)، وأيضا، يستفاد من الحروف، ما يستفاد من الحركات في الظاهر، فهلا نجعلها
مثلها في كونها أعلاما على المعاني، وقال المصنف: ظاهر مذهب سيبويه: أن لها اعرابين: تقديري، بالحركات، ولفظي بالحروف، قال: لانه قدر الحركة ثم قال في الواو: هي علامة الرفع، وهو ضعيف لحصول الكفاية بأحد الاعرابين، وقال الكوفيون: انها معربة بالحركات على ما قبل الحروف، وبالحروف أيضا،
__________
(1) أي نقويه ونستدل عليه.
(2) أيش: أي: أي شئ، وهو تعبير مستحدث جرى على ألسنة كثير من العلماء وهو مختصر من " أي شئ ".
(3) أي نادر جدا.
(*)(1/77)
وهو ضعيف لمثل ما ضعف له ما تأول به المصنف كلام سيبويه، وقال الاخفش (1): انها مزيدة للاعراب، كالحركات، ويتعذر ما قال في " فوك " و " ذومال "، لبقاء المعرب على حرف واحد، وذلك مالا نظير له، وقال الربعي (1): انها معربة بحركات منقولة من حروف العلة إلى ما قبلها وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وألفا لانفتاحه كما في " ياجل ".
وهو ضعيف، لان نقل حركة الاعراب إلى ما قبل حرفها لم يثبت الا وقفا بشرط سكون الحرف المنقول إليه.
وقال المازني (2): انها معربة بالحركات، والحروف ناشئة من الاشباع، كما في قوله: 11 - وانني حيثما يدني الهوي بصري * من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور (3) وقوله: 12 - ينباع من ذفري غضوب جسرة * زيافة مثل الفنيق المكدم (4) وهو، أيضا ضعيف، لان مثل ذلك لضرورة الشعر، ويسوغ حذفه بلا اختلال
إلا في الوزن، وأيضا: يبقى: " فوك " و " ذو مال " على حرف،
__________
(1) الاخفش والربعي تقدم ذكرهما وكما قلنا لن نتحدث عمن يرد ذكرهم في هذا الباب إلا عند ورود اسمه لاول مرة، إلا إذا طال العهد، أو كان ممن يقل ذكرهم في هذا الشرح.
(2) المازني هو أبو عثمان بكر بن محمد ولد بالبصرة ونشأ في بني مازن بن شيبان فنسب إليهم وهو تلميذ الاخفش سعيد بن مسعدة، توفي سنة 249 ه.
(3) استشهاد الشارح بقوله: أدنو فأنظور فقط، على اشباع ضمة الظاء حتى تولدت منها واو.
والبيت ثاني بيتين أنشدهما الفراء.
ولم ينسبهما هو ولا أحد ممن استشهد بذلك البيت.
(4) هذا البيت من معلقة عنترة العبسي، والضمير في ينباع راجع الى الرب أو الكحيل في بيت قبله وهو: وكان ربا أو كحيلا معقدا * حسن الوقود به جوانب قمقم.
(*)(1/78)
وقال الجرمى (1): انقلابها هو الاعراب، وأما هي، فاما لام، أو عين، فعلى قوله: لا يكون في الرفع اعراب ظاهر، وهو ضعيف، لدلالة الواو في الظاهر على الفاعلية كالضمة، وقال أبو علي (2): انها حروف اعراب، وتدل على الاعراب، فإن أراد أنها كانت حروف اعراب يدور الاعراب عليها، ثم جعلت كالحركات، فذلك ما اخترنا، وان أراد أن الحركات مقدرة الان مع كونها كالحركات الاعرابية، فهو ما حمل المصنف كلام سيبويه عليه، (3) وقال المصنف: ان الواو، والالف، والياء، مبدلة من لام الكلمة في أربعة منها، ومن عينها في الباقيتين، لان دليل الاعراب لا يكون من سنخ الكلمة (4)، فهي بدل، يفيد ما لم يفده المبدل منه وهو الاعراب، كتاء في " بنت "، تفيد التأنيث بخلاف الواو التي هي أصلها ولا يبقى: " ذو " و " فوك: على حرف، لقيام البدل مقام المبدل منه، هذا آخر كلامه، ويقال عليه، أي محذور يلزم من جعل الاعراب من سنخ الكلمة لغرض التخفيف، فيقتصر على ما يصلح للاعراب من سنخها كما اقتصر في المثنى والمجموع
على ما يصلح للاعراب من سنخهما، أعني علامة التثنية والجمع، إذ هي من سنخ المثنى والمجموع، ثم نقول: (5) انما جعل اعرابها بالحروف الموجودة، دون الحركة، على ما اخترنا، توطئة لجعل اعراب المثنى والمجموع بالحروف، لانهم علموا أنهم يحوجون (6) إلى اعرابها بها، لاستيفاء
__________
(1) الجرمي: أبو عمر صالح بن اسحاق، وكان معاصرا للمازني وشاركه في الاخذ عن شيوخ البصرة توفي سنة 225 ه.
(2) أبو علي: الحسن بن أحمد الفارسي أستاذ ابن جني وينقل الرضى عنه كثيرا توفي سنة 377 ه.
(3) أي وقد أبطلناه فيما تقدم.
(4) من سنخ الكلمة أي من أصلها وجوهرها.
(5) هذا ما أشار إليه من قبل بقوله: وسنشيد هذا الوجه ص 76.
(6) يحوجون بالبناء للمجهول أي تدفعهم الحاجة.
(*)(1/79)
المفرد للحركات، والحروف وان كانت فروعا للحركات في باب الاعراب لثقلها وخفة الحركات، الا أنها أقوى من حيث تولدها منها، فاستبد بالحركات المفرد الاول، وإنما كانت الحروف أقوى، لان كل حرف منها كحركتين أو أكثر، فكرهوا أن يستبد المثنى والمجموع مع كونهما فرعين للمفرد بالاعراب الاقوى، فاختاروا من جملة المفردات هذه الاسماء، وأعربوها بهذا الاقوى، ليثبت في المفردات الاعراب بالحركات التي هي الاصل في الاعراب، وبالحروف التي هي أقوى منها، مع كونها فروعا لها، وفضولها على المثنى والمجموع باستيفائها للحركات الثلاث، كلا في موضعه، وكل واحد من المثنى والمجموع لم يستوفها، ولا كان كل حرف فيهما في موضعه، وانما اختاروا هذه الاسماء بخلاف نحو " غد " لمشابهتها للمثنى، باستلزام كل واحد
منها ذاتا أخرى، كالاخ للاخ، والاب للابن، وخصوا ذلك بحال الاضافة ليظهر ذلك اللازم فتقوى المشابهة، وخصوا هذه الاسماء من بين الاسماء المفردة المشابهة للمثني، لان لام بعضها وعين الاخر حرف علة، يصلح أن يقوم مقام الحركات، فاستراحوا من كلفة اجتلاب حروف أجنبية، مع أن اللام في أربعة منها، كأنها مجلوبة للاعراب فقط، لكونها محذوفة قبل نسيا منسيا، فهي، اذن، كالحركات المجتلبة للاعراب، وكذا الواو في " فوك " لانها كانت مبدلة منها الميم في الافراد، فلم ترد إلى أصلها الا للاعراب، وأما في نحو " حر " (1) فليس لامه حرف علة، وأما نحو: ابن، واسم، فهمزة الوصل فيه بدل من اللام بدليل معاقبتها اياها في النسب نحو: ابني وبنوي، فكان لامهما ليست حرف علة، والحرف المقصود جعله كالحركات من هذه الاسماء واو، فاختاروها، لتكون الواو التي فيها أصلا، للرفع الذي هو أسبق الاعراب، فمن ثم لم يجعلوا منها نحو: " يد " و " دم "، إذ لامه ياء،
__________
(1) أي الفرج.
ولامه حاء بدليل جمعه على احراح.
(*)(1/80)
ثم نقول: جعلوا الواو يا في الجر، وألفا في النصب، ليكون الالف اعرابا مثل الفتح، والياء مثل الكسر، لا لانفتاح (1) ما قبلها وانكساره، وجعلت ساكنة للتخفيف في المعرب بالحروف التي هي أثقل من الحركات، ولتناسب الحركات التي قامت مقامها، لان الحركات أبعاض حروف المد الساكنة، وجعل ما قبلها من الحركات من جنسها للتخفيف، وللتنبيه في الاربعة منها على أن ما قبل لام الكلمة كان حرف اعراب، وأما في الباقيتين فطردا للباب، ومعنى " حموك " أبو زوجك أو أخوه أو ابنه، وبالجملة.
فالحم نسيب (2) زوج المرأة، والهن، الشئ المنكر الذي يستهجن ذكره من العورة والفعل القبيح، أو غير ذلك.
__________
(1) جاء في النسخة المطبوعة: لانفتاح بدون حرف النفي، وأشار السيد الجرجاني إلى أن في بعض النسخ: لا لانفتاح ما قبلها..وهي تتفق مع المعنى الذي يقصده الشارح فكان لابد من اثبات حرف النفي قبل قوله: لانفتاح.
(2) أي قريب زوج المرأة أيا كانت صلة القرابة فليس قاصرا على الاب أو الاخ أو الابن وان كان المستعمل في الكلام مقصورا على الاب الان.
(*)(1/81)
[ اعراب المثنى، وجمع المذكر السالم ] (1) والثاني من الثلاثة الاقسام التي اعرابها بالحروف: ما رفعه ألف، ونصبه وجره ياء، وهو المثنى وما حمل عليه، ونعني بالمثنى، كل اسم كان له مفرد ثم ألحق بآخره ألف ونون، ليدل على أن معه مثله من جنسه على ما يجيئ في باب المثنى، فلم يكن " كلا " على هذا داخلا في المثنى إذ لم يثبت " كل " في المفرد، وأما قوله: 13 - في كلت رجليها سلامى زائدة (2) فالالف محذوفة للضرورة، كما يجئ، وكذلك: اثنان، إذ لم يثبت للمفرد " اثن "، لكن " كلا " ليس بمثنى، ولا وضعه وضع المثنى، لان ألفه كألف " عصا "، بخلاف " اثنان "، فانه ليس بمثنى كما ذكرنا، لكن وضعه وضع المثنى، إذ هو كقولك: ابنان، واسمان، محذوف اللام مثلهما، لانه من الثني، وكان عليه، أن يذكر أيضا، مذروان (3)، إذ لم يستعمل مفرده، فان زعم أنه ثابت
__________
(1) وما تحت هذا العنوان أيضا استمرار لكلام الشارح الرضى.
(2) بعده: كلتاهما قد قرنت بواحدة.
وهو في وصف تعامة: والسلامي واحدة السلاميات وهي عقد الاصابع، قال البغدادي رأيت هذا البيت في حاشية الصحاح، ونقل أيضا روايته عن الفراء ولم ينسبه لاحد.
(3) المذروان طرفا الاليتين، وقد ورد استعماله في شعره عنترة:
أحولي تنفض استك مذرويها * لتقتلني فها أنذا عمارا ولا يستعمل هذا اللفظ إلا مثنى كما قال الشارح.
(*)(1/83)
في التقدير إذ كأنه كان " مذرى " ثم ثني، لم يمكنه مثل ذلك في " ثنايان " فكان عليه أن يذكره، وذلك أن معنى " ثناء "، لو استعمل: طرف الحبل، وليس في الطرف الواحد معنى الثنى، كما لم يمكن أن يقال لمفرد " اثنان ": " اثن "، إذ ليس في المفرد معنى الثني، فالثنايان: طرفا الحبل المثني، فالثني في مجموع الحبل، لا في كل واحد من طرفيه، وكان عليه، أيضا، أن يذكر ههنا: هذان، واللذان، ونحوهما، لان ظاهر مذهبه، كما ذكر في شرح المفصل: أنها صيغ موضوعة للمثنى غير مبنية على الواحد، وقال: ويدل عليه: جواز تشديد نون " هذان "، وأنهم لم يقولوا: ذيان، واللذيان (1)، فنحو ذان، واللذان، عنده، في المثنى ينبغي أن يكون مثل: عشرون، في الجمع، كلاهما صيغة موضعة وان ثبت في الظاهر ما يوهم أنه مفردها، وانما أعرب المثنى وجمع المذكر السالم بالحروف، لان الحركات استوفتها الاحاد، مع أن في آخرهما ما يصلح لان يكون اعرابا من حروف المد، ومن ثم، أعرب المكسر، وجمع المؤنث السالم بالحركات، وانما أعرابا هذا الاعراب المعين، لان الالف كان جلب (2) قبل الاعراب في المثنى علامة للتثنية، وكذا الواو في الجمع، علامة للجمع، لمناسبة الالف بخفته لقلة عدد المثنى، والواو بثقله لكثرة عدد الجمع، وهذا حكم مطرد في جميع المثنى والمجموع، نحو: ضربا، وضربوا، وأنتما، وأنتموا، وهما، وهموا، وكما، وكموا (3)، ثم أرادوا اعرابهما، فان المثنى والمجموع متقدم (4)، لا محالة، على اعرابهما،
__________
(1) لان المفرد صغر فيها وان كان التصغير فيه شاذا.
وعدم تصغير المثنى يدل على انه صيغة مستقلة كما قال.
(2) سيأتي في باب خبر كان: ان المصنف يختار وقوع خبرها فعلا ماضيا بدون تقدير قد، وقال انه لا حاجة إلى تقديرها في نحو قوله تعالى " ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل " وسيذكر آراء النحاة في ذلك ويناقشها.
(3) اقتصر على ذكر الضمير المتصل بنحو أكرمتكما وأكرمتكمو، لتحديد المراد من التمثيل.
(4) أي أن وجودهما متقدم على اعربهما.
(*)(1/84)
فجعل فيهما ما يصلح لان يكون إعرابا، وأسبق الاعراب الرفع لانه علامة العمد، كما ذكرنا، فجعلوا ألف المثنى وواو المجموع علامتي الرفع فيهما، ولم يبق من حروف اللين، التي هي أولى بالقيام مقام الحركات، إلا الياء للجر والنصب في المثنى والمجموع، والجر أولى بها، فقلبت ألف المثنى وواو الجمع في الجر ياء، فلم يبق للنصب حرف، فاتبع الجر، دون الرفع، لكونهما علامتي الفضلات، بخلاف الرفع، وترك فتح ما قبل الياء في المثنى، ابقاء على الحركة الثابتة قبل اعراب المثنى، مع عدم استثقالها، وأما الضم قبل ياء الجمع فقلب كسرا لاستثقاله قبل الياء الساكنة لو أبقى، والتباس الرفع بغيره، وبطلان السعي (1) لو قلبت الياء لضمة ما قبلها واوا، مع أن تغير الحركة أولى من تغيير الحرف، فارتفع التباس المجموع بالمثنى بسبب كسر ما قبل ياء المجموع ان حذف نوناهما بالاضافة، وكسر النون في المثنى لكونه تنوينا ساكنا في الاصل، والاصل في تحريك الساكن، إذا اضطر إليه أن يكسر، لما يجئ في التصريف، وفتح في الجمع للفرق، فحصل الاعتدال في المثنى بخفة الالف وثقل الكسرة، وفي الجمع بثقل الواو، وخفة الفتحة، وأما الياء فيهما، فطارئة للاعراب كما ذكرنا، وقال سيبويه (2): حروف المد في المثنى والمجموع حروف اعراب، فقال بعض أصحابه: الحركات مقدرة عليها قياسا على مذهبه في الاسماء الستة، فالمثنى والمجموع، إذن معربان بالحركات المقدرة كالمقصور.
وفهم الاعراب من هذه الحروف يضعف هذا القول.
وقال أبو علي (3): لا اعراب مقدر عنه سيبويه على الحروف، لان النون عوض من الحركة والتنوين، قال: وانما أبدل من الحركة مع كون انقلاب الحرف دالا على المعنى، لان الانقلاب معنى لا لفظ، فقصد الاعراب اللفظي،
__________
(1) وهو قصد جعل الياء علامة الجر والنصب.
(2) كتاب سيبويه ج 1 ص 4.
(3) أي الفارسي، وقد تقدم.
(*)(1/85)
ونقول: بأي شئ نعرب أن هذه أن هذه الحروف كانت في الاصل حروف الاعراب، ولم لا يجوز، كما اخترنا، أن يجعل ما هو علامة المثنى والمجموع قبل كونه حرف الاعراب، علامة الاعراب أيضا، فيكون علامة المثنى والمجموع وعلامة الاعراب معا، إذ لا تنافي بينهما، ثم نقول: الدال على المعنى هو الالف والواو والياء، وهي لفظية، فان قيل: كيف يكون معرب بلا حرف اعراب ؟ قلنا: ذاك انما يلزم إذا أعرب بالحركات لانها لا بد لها من الحروف فأما إذا أريد الاعراب بالحروف، فان الحرف لا يحتاج إلى حرف آخر يقوم به، وقال الاخفش، والمازني، والمبرد (1): إنها دلائل الاعراب، لا حروف الاعراب، وقال الكوفيون: هي الاعراب.
ومعنى القولين سواء، فان أرادوا أنها زيدت من أول الامر للاعراب ففيه نظر، إذ ينبغي أن يصاغ المثنى والمجموع أولا ثم يعربا.
وان أرادوا أنهم جعلوا علامتي المثنى والمجموع دلائل الاعراب، فذلك ما اخترناه، وقال الجرمي (1): هي حروف الاعراب، وانقلابها علامة الاعراب، فعلى مذهبه، يكونان في الرفع معربين بحركة مقدرة، إذ الانقلاب لم يحصل بعد، كما ذكرنا على مذهبه في الاسماء الستة.
(2).
وقال بعضهم: الاعراب بالحركات مقدر في متلو الالف والواو والياء والحروف دلائل الاعراب،
__________
(1) تقدم ذكر هؤلاء جميعا.
(2) ص 79 من هذا الجزء.
(*)(1/86)
وهذا قريب من قول الكوفيين في الاسماء الستة، والكلام عليه ما مر هناك (1)، فان قيل: علامة الاعراب لا تكون الا بعد تمام الكلمة، وأنتم اخترتم في الاسماء الستة وفي المثنى والمجموع حصولها قبل تمام حروفها، فالجواب أن حق اعراب الكلمة أن يكون بعد صوغها وحصولها بكمال حروفها وفي آخرها، لما تقدم من أن الاعراب دال على صفات الكلمة، فيكون بعد ثبوتها، فان كان بالحركات فلا بد أن يكون على حرفها الاخير، ومحل الحركة بعد الحرف، كما مر، فتكون الحركة بعد جميع حروف الكلمة، وأما إذا كان بالحروف التي هي من سنخ الكلمة، فلا بعد أن يكون الحرف آخر حروفها، ويكون الاعراب بها أيضا بعد ثبوت جميع حروف الكلمة لانها انما تجعل اعرابا بعد ثبوت كونها آخر حروف الكلمة، أما نون المثنى والمجموع، فالذي يقوي عندي، أنه كالتنوين في الواحد في معنى كونه دالا على تمام الكلمة، وانها غير مضافة، لكن الفرق بينهما ان التنوين مع افادته هذا المعنى يكون على خمسة أقسام، كما مر (2)، بخلاف النون، فانه لا يشوبها من تلك المعاني شئ.
وانما يسقط التنوين مع لام التعريف لاستكراه اجتماع حرف التعريف مع حرف يكون في بعض المواضع علامة للتنكير، ولا تسقط النون معها، لانها لا تكون للتنكير، وكذا يسقط التنوين للبناء في نحو: " يا زيد " و " لا رجل "، بخلاف النون في نحو: " يا زيدان " و " يا زيدون " و " لا مسلمين " و " لا مسلمين "، لانها ليست للتمكن
كالتنوين.
__________
(1) ص 77 من هذا الجزء.
(2) ص 45 من هذا الجزء.
(*)(1/87)
وكذا يسقط التنوين رفعا وجرا في الوقف، بخلاف النون، لانها متحركة واسكان المتحرك يكفي في الوقف، وان كان الحرف الاخير ساكنا فان كان ذلك بعد حركة الاعراب وهو التنوين فقط، حذف بعد الضم والكسر وقلب ألفا بعد الفتح لانه حرف معرض للحذف، لعدم لزومه للكلمة، وضعفه بالسكون، والوقف محل التخفيف والحذف، فخففت (1) بعد الفتح بقلبها ألفا لخفة الالف، وحذفت بعد الضم والكسر لثقل الواو والياء وقلبهما حرف علة، لما يجئ في التصريف من المناسبة بينهما، وان كان الساكن حرفا أخيرنا من جوهر الكلمة فان كان حرفا صحيحا، نحو: ليضرب، و " من "، و " كم "، بقيت (2) بحالها، وكذا ان كانت ألفا لخفتها، نحو: الفتي، وحبلي، ويخشي، وان كانت واوا، أو ياء، نحو: القاضي، ويرمي، ويدعو، فالاولى الاثبات، وجاز الحذف، كما يجئ في باب الوقف، وقال سيبيويه: النون في الاصل عوض من حركة الواحد وتنوينه معا (3)، لان حروف المد، عنده، حروف اعراب امتنعت من الحركة فجئ بالنون بعدها، عوضا من الحركة والتنوين اللذين كان المفرد يستحقهما ثمة، والحركة وان كانت مقدرة على الحروف عند بعض أصحابه، لكن لما لم تظهر كانت كالعدم، ثم انه رجح جانب الحركة مع اللام أي جعل عوضا منها بعد ما كان عوضا منهما، فثبت معها ثبات الحركة، وجانب التنوين مع الاضافة فحذف معها حذف التنوين، فهي في نحو: جاءني رجلان يا فتى، عوض منهما، وهو الاصل، وفي: الرجلان، عوض من الحركة فقط، وفي: رجلا زيد، من التنوين فقط، وفي: رجلان، وقفا، ليس عوضا منهما ولا من أحدهما، وفي نحو: يا زيدان، ولا رجلين: عوض من حركة البناء فقط،
__________
(1) يريد التنوين (2) الحديث عن الحرف الاخير من الكلمة.
وقد جرى هنا على التعبير عنه بأسلوب المؤنث: في قوله بقيت..وكذا ان كانت ألف لخفتها..الخ.
(3) كتاب سيبويه ج 1 ص 4.
(*)(1/88)
وفيما قال بعد، لان حروف العلة الدالة على ما دلت عليه الحركة، مغنية عن التعويض من الحركة، وقال بعض الكوفيين: انه تنوين، حركت للساكنين فقويت بالحركة، وهو ما اخترنا، ان ارادوا انه كالتنوين في معنى كونه علامة التمام، لا في المعاني الخمسة، وقيل: هو بدل من الحركة وحدها، وهو ضعيف لحذفها في الاضافة، وقال الفراء: هو للفرق بين المفرد المنصوب الموقوف عليه بالالف، والمثنى المرفوع، وثبوته مع اللام يضعفه، وكذا مع الياء وواو الجمع، وقيل: هو بدل من تنوينين في المثنى، ومن أكثر في المجموع، بناء على أن المثنى، كان في الاصل مفردا مكررا مرتين، والجمع مفردا مكررا أكثر منهما، ودون تصحيح (1) ذلك خرط القتاد، ومع تسليمه نقول: انهما مصوغان صيغة اسم مفرد، ككلا، ورجال، وعشرة، فلا يستحقان الا تنوينا واحدا لانه أهدر ذلك التكرير اللفظي،
__________
(1) أي دون اثباته.
وهذا مبالغة منه في الرد على هذا الرأي (*)(1/89)
[ كلا وكلتا ] (1) [ وتفصيل أحكامهما ] وأما " كلا " فاعرب اعراب المثنى، لشدة شبهه به لفظا، بكون آخره ألفا، ولا
ينفك عن الاضافة، حتى يتميز عنه بالتجرد عن النون، ومعنى، بكونه مثنى المعنى، وخص ذلك بحال إضافته إلى المضمر، وهو ثلاثة أشياء، نحو: كلاهما، وكلاكما، وكلانا، لانه إذا كان مضافا إلى المضمر فالاغلب كونه جاريا على المثنى تأكيدا له نحو جاءني الرجلان كلاهما، وجئتما كلاكما، وجئتنا كلانا، وان جاز أيضا، ان تقول: كلاهما جاءني بعد ذكر شخصين فلا يكون تأكيدا، وكذا: كلاكما جئتما، وكلانا جئنا، وإذا كان في الاغلب جاريا على المثنى، وهو موافق له معنى ولفظا، كما مر، وأصل المثنى أن يكون معربا، فالاولى جعله موافقا لمتبوعه في الاعراب، ثم طرد ذلك فيما إذا إذا لم يتبع المثنى المعرب نحو: جئنا كلانا، وجئتما كلاكما، وجاءا كلاهما، وكلاهما جاءاني، (2)
__________
(1) هذا العنوان كما تقدم في الاسماء الستة والمثنى.
وما بعده استمرار لكلام الشارح.
(2) كلاهما جاءاني بتثنية الضمير العائد على كلا أحد وجهين جائزين: والمؤلف يستعمل كلا من الوجهين.
(*)(1/91)
وأما إذا أضيف إلى المظهر فانه لا يجري على المثنى أصلا، إذ لا يقال جاءني أخواك كلا أخويك، وكنانة يعربونه، مضافا إلى المظهر أيضا اعراب المثنى، وذكر صاحب المغني (1) أن بعض العرب يثبت الالف في " كلا وكلتا " مضافين إلى المضمر في الاحوال كلها، كما في المضافين إلى المظهر، ولا أدري ما صحته ! وألف " كلا " بدل من الواو عند سيبويه، لابدال التاء منها في المؤنث كما في بنت، وأخت، ولم تبدل التاء من الياء الا في " اثنتين "، وقال السيرافي (2): هو بدل من الياء لسماع الامالة فيه، وأما الكسرة فلا تؤثر عند المصنف في امالة الالف المنقلبة عن الواو، ويجئ الكلام
عليه في باب الامالة، و " كلتا ": فعلى (3)، والالف للتانيث جعل اعرابا كما في " كلا " وانما جئ بالف التأنيث بعد التاء ولم يكن جمعا بين علامتي تأنيث، لان التاء لم تتمحض للتانيث، فلهذا جاز توسطها، بل فيها رائحة منه لكونها بدلا من اللام في المؤنث، كاخت، وبنت،
__________
(1) صاحب المغني الذي يقصده الشارح هو منصور بن فلاح اليمني من علماء القرن السابع.
وكان معاصرا للرضى فقد ذكر في كشف الظنون أنه انتهى من تأليف كتابه " المغني " سنة 672 ه والرضى انتهى من تأليف هذا الشرح سنة 686 ه.
ولم يذكره الرضى باسمه في هذا الشرح وترجم له السيوطي في بغية الوعاة ولم يذكر من مؤلفاته " المغني " ولكنه نقل عنه في كتابه: الاشباه والنظائر كثيرا، باسمه مرة، وبقوله صاحب المغني أخرى.
(2) السيرافي هو أبو سعيد بن عبد الله نشا بسيراف من بلاد فارس ورحل إلى عمان وانتهى به المطاف في بغداد وأخذ عن ابن دريد وابن السراج وشرح كتاب سيبويه توفي سنة 368 ه.
(3) ومن هنا ترسم بالياء أحيانا.
(*)(1/92)
وثنتان، ولهذا لم يفتح ما قبلها، ولم تنقلب تاء بنت وأخت في الوقف هاء، وأجاز يونس (1): أختي وبنتي، ولو كانت لمحض التأنيث لم تجز هذه الامور، والالف، أيضا، لما كانت تتغير للاعراب صارب كأنها ليست للتانيث، فجاز الجمع بينهما، وعند الجرمي: وزنه فعتل، ولم يثبت مثله في كلامهم، وعند الكوفيين: الالف في: كلا، وكلتا للتثنية، ولزم حذف نونيهما، للزومهما للاضافة، وقالوا: أصلهما " كل " المفيد للاحاطة، فخفف بحذف احدى اللامين، وزيد ألف التثنية، حتى يعرف أن المقصود: الاحاطة في المثنى، لا في الجمع، قالوا: ولم يستعمل واحدهما، إذ لا احاطة في الواحد، فلفظهما كلفظ الاثنين سواء، وقالوا: ويجوز للضرورة: استعمال الواحد، قال:
في كلت رجليها سلامى زائدة * كلتاهما مقرونة بواحدة (2) - 13 وقال: 14 - كلت كفيه توالي دائما * بجيوش من عقاب ونعم (3) والجواب: أنهما لو كانا مثنيين، لم يجز رجوع ضمير المفرد إليهما، قال: 15 - كلانا إذا ما نال شيئا أقاته * ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل (4)
__________
(1) يونس بن حبيب الضبي وكنيته أبو عبد الرحمن من أوائل أئمة النحو أخذ عن أبي عمرو بن العلاء، وواجه العرب وأخذ عنهم وتلقى عنه الكسائي والفراء، ونقل عنه سيبويه كثير في كتابه، توفي سنة 182 ه.
(2) تقدم هذا الشاهد قريبا ص 83 من هذا الجزء، بالرقم المذكور معه.
وكذلك نفعل في كل ما يتكرر ذكره من الشواهد.
(3) شرحه البغدادي وبين وجه الشاهد فيه ولم ينسبه.
(4) الارجح أن هذا البيت من أبيات لتابط شرا - ثابت بن جابر، وهو يتحدث عن الذئب الذي جاء ذكره في بيت قبل هذا.
وزعم بعضهم أنه من معلقه امرئ القيس وأنه بعد قوله في المعلقة: كان الثريا علقت في مصامها * بامراس كتان إلى صم جندل ومعنى قوله: ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل: ان كسبي وكسبك قليل، ومن يكون مثلنا في كسبه يموت من الهزال، وقيل فيه أوجه أخرى.
(*)(1/93)
وقال تعالى: " كلتا الجنتين آتت أكلها " (1)، ولوجب قلت ألفيهما نصبا وجرا، أضيفا إلى المضمر، أو إلى المظهر، كسائر التثاني، (2) وأما البيتان، فالالف حذف فيهما للضرورة بدليل فتح التاء، ولو كانت مفردة لوجب كسر التاء في قوله " في كلت " وضمه في قوله " كلت كفيه، ولكان معنى المفرد مخالفا لمعنى المثنى، واعلم أن كلا وكلتا، لا تضافان إلا إلى المعارف، لان وضعهما للتأكيد ولا يؤكد التأكيد المعنوي الا المعارف، كما يجئ في بابه،
والمضاف إليه يجب أن يكون مثنى، إما لفظا ومعنى، نحو: كلا الرجلين، أو معنى، نحو: كلانا..، ولا يجوز تفريق المثنى الا في الشعر، نحو: كلا زيد وعمرو، والحاق التاء بكلا مضافا إلى مؤنث أفصح من تجريده، نحو: كلا المراتين، ويجوز الحمل على اللفظ مرة، وعلى المعنى أخرى، قال تعالى: " كلتا الجنتين آتت أكلها "، ثم قال: " وفجرنا خلالهما نهرا " (3)، والقسم الثالث ما فيه الواو والياء، قال: إنما افردت " أولو "، وعشرون وأخواتها بالذكر، لان جمع المذكر السالم: كل اسم ثبت مفردة ثم ألحق بذلك المفرد واو ونون، دلالة على ما فوق الاثنين، وليس " أولو " و " عشرون " وأخواتها (4) كذلك، لان " أولو " موضوع وضع جمع السلامة، وليس به، إذ لم يات " أول " في المفرد، وكذا، عشرون وأخواته، وليس " عشر " و " ثلاث " و " أربع " آحادا لعشرون وثلاثون وأربعون، وان أوهم ذلك، إذ لو كان كذلك لقيل لثلاث عشرات مع كل عشرة تزيد عليها: عشرون، لان أقل الجمع ثلاثة، وكذا قيل ثلاثون للتسعة مع كل ثلاثة تزيد عليها،
__________
(1) من الاية 33 من سورة الكهف.
(2) يريد كسائر المثنيات، والكلمة هكذا وردت في النسخة المطبوعة.
(3) متصلة بالاية السابقة 33 سورة الكهف.
(4) أي أخوات عشرين.
وهي ثلاثون...إلى تسعين ويسمونها العقود.
(*)(1/94)
وأما عليون، وقلون (1)، ونحوها، فانها جمع عليه، وقلة ونحوها وان كانت على خلاف القياس، هذا قوله، ولنا أن نحد المثنى بانه اسم دال على مفردين في آخره ألف، أو ياء، ونون مزيدتان، فيدخل فيه، اثنان، وثنايان ومذروان، واللذان، وهذان، بخلاف " كلا "، فلا نحتاج إلى إفراد هذه المثنيات بالذكر، ونحد جمع المذكر السالم بانه اسم
دال على أكثر من اثنين في آخره واو، أو ياء، ونون مزيدتان، فيدخل فيه أولو، وعشرون وأخواته، وأما ذوو، فهو داخل في حد الجمع المذكور على أي وجه كان، لان واحده: ذو، قال: 16 - فلا أعني بذلك أسفليكم * ولكني أريد به الذوينا (2)
__________
(1) قلون جمع قلة، وهي لعبة للصبيان، تتخذ من الاعواد، والعصي.
(2) هذا البيت من قصيدة طويلة للكميت بن زيد يهجو بها أهل اليمن، والمعنى: لا أقصد بهجائي أراذلكم وأسافلكم وإنما أعني به الذوينا أي الملوك والاكابر وكانوا يلقبون (بذو كذا) كذي نواس وذي رعين وذي يزن الخ.
(*)(1/95)
الاعراب اللفظي والاعراب التقديري قال ابن الحاجب: " التقدير فيما تعذر، كعصا، وغلامي مطلقا، أو استثقل " كقاض رفعا وجرا، ونحو " مسلمي " رفعا، واللفظي فيما عداه "، قال الرضى: هذا بيان أن الاعراب المذكور، في أي الاسماء المعربة يكون مقدرا، وفي أيها يكون ظاهرا، صحر الاسماء المقدرة الاعراب لا مكان ضبطها فبقى ما لم يذكر منها ظاهر الاعراب، قوله " فيما تعذر "، أي في معرب تعذر اعرابه، فحذف المضاف وهو " اعراب " وأقام المضاف إليه، أعني الضمير، مقامه، فصار مرفوعا، فاستتر في الفعل، اعلم أن تقدير الاعراب لاحد شيئين: إما تعذر النطق به واستحالته وإما تعسره واستثقاله.
فالمعتذر في بابين يستحيل في كل واحد منهما على الاطلاق، أي رفعا ونصبا وجرا، الاول باب " عصا " يعني كل معرب مقصور، فانه يتعذر اعرابه لفظا في الاحوال الثلاث، لان الالف لو حاولت تحريكه لخرج عن جوهره وانقلب حرفا آخر، أي همزة، فلا(1/97)
يمكن تحريك الالف مع بقائه ألفا، والثاني باب " غلامي "، يعني كل مفرد احترازا عن نحو: غلاماي، ومسلمي، مضافا إلى ياء المتكلم فانه يتعذر الاعراب اللفظي فيه مطلقا أيضا، لان اعراب المضاف متاخر عن اضافته، وذلك لان الاسم انما يستحق الاعراب بعد تركيبه مع عامله، كما نقرر، ففي قولك: جاء غلام زيد، مثلا، لم يستحق المضاف الاعراب الا بعد كونه مسندا إليه، أي كونه عمدة الكلام، إذ هو المقتضى لرفع الاسماء، وكونه مسندا إليه مسبوق بثبوته أولا في نفسه، والمسند إليه المجئ في مثالنا ليس مطلق الغلام، بل الغلام المتصف بصفة الاضافة إلى زيد، فالاعراب مسبوق بالاضافة فالاول الاضافة ثم كون المضاف عمدة أو فضلة، ثم الاعراب.
ثم نقول: لما أضافوا الاسم المفرد إلى ياء المتكلم، التزموا أن يكون حركة ما قبل الياء كسرة لتوافقها، فلما أرادوا الاعراب بعد ذلك وجدوا محل الاعراب مشتغلا بحركة لازمة، واحتمال الحرف لحركتين متخالفتين كانتا أو متماثلتين، مستحيل ضرورة.
وكذا في نحو: قاضي في المفرد، يستحيل ظهور الاعراب فيه لوجوب ادغام حرف الاعراب.
وأما المستثقل اعرابه فشيئان، يستثقل في أحدهما رفعا وجرا، وفي الاخر رفعا، فالاول الاسم المنقوص، أي الذي حرف اعرابه ياء قبلها كسرة، فيستثقل الضم والكسر على الياء المكسور ما قبلها، وذلك محسوس لضعف الياء، وثقل الحركتين مع تحرك ما قبلها بحركة ثقيلة، فان سكن ما قبلها، وما قبل الواو، لم تستثقل الحركتان عليهما، نحو: ظبي، ودلو، وكرسي، ومغزو، وأما الفتحة فلخفتها لا تستثقل على الياء مع كسرة ما
قبلها، نحو: رايت القاضي.
ويسمى هذا النوع منقوصا لانه نقص حركتين، وسمي نحو: الفتى، والعصا، مقصورا، لكونه ضد الممدود، أو لكونه ممنوعا من مطلق الحركات، والقصر: المنع، والاول أولى، لانه لا يسمى نحو: غلامي مقصورا وان كان ممنوعا من الحركات الاعرابية أيضا.
هذا، مع أنه لا يجب اطراد الالقاب، وأيضا، مذهب النحاة أن نحو: غلامي(1/98)
مبني على ما يجئ، والمقصور من ألقاب المعرب.
والثاني: كل جمع مذكر سالم مضاف إلى ياء المتكلم، فان رفعه، وحده، مقدر فيه، وذلك نحو: جاءني مسلمي والاصل مسلموي، اجتمعت الواو والياء مع تماثلهما في اللين وأولاهما ساكنة مستعدة للادغام، فقلب أثقلهما إلى أخفهما، أعني الواو إلى الياء، إذ المراد بالادغام التخفيف، وكذا يعمل لو كانت الثانية واوا، نحو سيد وميت، وان كان القياس في ادغام المتقاربين قلب الاول إلى الثاني، كما يجئ في التصريف، ان شاء الله تعالى، وأدغم بعد القلب أولاهما في الاخرى وكسر ما قبل الياء لاتمام ما شرعوا فيه من التخفيف، ولكون الضمة قريبة من الطرف، والطرف محل التغيير، فمن ثم، لم يكسر الضم في نحو: سيل، وميل، أي لانه لم يسبقه تخفيف آخر حتى يتمم به، ولم يكن الضم قريبا من الطرف، وليست الياء الساكنة المدغمة (1)، في امتناع انضمام ما قبلها كالياء الساكنة غير المدغمة، فان ذلك (2) لا يجوز فيها، ولذا قيل في جمع أبيض: بيض، وفي " فعلى " من الطيب: طوبي، وأما المدغمة في المتحركة، فكأنها متحركة، لصيرورتها مع المتحركة كحرف واحد، فنحو سيل كهيام.
وإن كان الاسم الذي قلب واوه ياء للادغام في الياء، على أخف الاوزان، أي ثلاثيا ساكن الوسط، جوزوا، أيضا، بقاء الضم على حاله، فقالوا في جمع ألوي، لي،
فثبت أن الواو الذي هو علامة الرفع مقدر في جاءني مسلمي.
وأما في حالة الجر والنصب، فالياء باقية، الا أنها أدغمت، والمدغم ثابت، ولعله انما لم يعد نحو: جاءني صالحا القوم، وصالحو القوم، ورايت صالحي القوم، ومررت بصالحي القوم، من المقدر حرفه، لظهور عروض الحذف لان الكلمتين مستقلتان، بخلاف نحو: مسلمي، فان المضاف إليه لكونه ضميرا متصلا، كجزء المضاف.
__________
(1) أي التي تكون قريبة من الطرف.
(2) أي امتناع انضمام ما قبلها، وكان أوضح من هذا أن يقول فان ذلك يجوز فيها وتكون الاشارة إلى انضمام ما قبلها.
أو ان ذلك لا يمنتع فيها.
(*)(1/99)
وأما لفظة " في (1) " في الاحوال الثلاث، فقد دخلت في باب " غلامي " فلذا لم تفرد بالذكر.
وكان عليه أن يعد في المستثقل اعرابه: الموقوف عليه رفعا وجرا بالسكون نحو جاءني زيد، ومررت بزيد، وأن يعد في قسم المتعذر اعرابه مطلقا: المحكي في نحو: من زيد، ومن زيدا، ومن زيد، لكونه معربا مقدرا الاعراب وجوبا، لاشتغال محله بحركة الحكاية.
واعلم أن مذهب النحاة أن باب " غلامي " مبني لاضافته إلى المبنى، وخالفهم المصنف، كما رأيت، لانه عده من قسم المعرب المقدر اعرابه وهو الحق، بدليل اعراب نحو: غلامه، وغلامك، وغلاماي.
ومن أين لهم أن الاضافة إلى المبنى مطلقا سبب البناء، بل لها شرط، كما يجئ في الظروف المبنية.
فإذا عرفت المعرب الذي اعرابه مقدر، اما مطلقا، أو في بعض الاحوال دون بعض، فما بقي من المعربات: اعرابه ظاهر، وهو قوله: " واللفظي فيما عداه.
* * * ما لا ينصرف حصر العلل المانعة من الصرف ووجه مشابهته للفعل قال ابن الحاجب: غير المنصرف ما فيه علتان من تسع، أو واحدة منها تقوم " مقامهما، وهي:
__________
(1) أي لفظ " فو " مضافا إلى ياء المتكلم.
(*)(1/100)
" عدل ووصف وتأنيث ومعرفة * وعجمة ثم جمع ثم تركيب " " والنون زائدة من قبلها ألف * ووزن فعل وهذا القول تقريب " " مثل: عمر، وأحمر، وطلحة، وزينب، وابراهيم ومساجد ومعديكرب " " وعمران، وأحمد، وحكمه أن لا كسر ولا تنوين "، قال الرضى: أعلم أولا أن قول النحاة: ان الشئ الفلاني علة لكذا، لا يريدون به أنه موجب له، بل المعنى أنه شئ إذا حصل ذلك الشئ ينبغي أن يختار المتكلم ذلك الحكم، لمناسبة بين ذلك الشئ وذلك الحكم، والحكم في اصطلاح الاصوليين: ما توجبه العلة، واياه عني المصنف بقوله: " وحكمه أن: لا كسر ولا تنوين "، لان سقوط الكسر والتنوين في غير المنصرف مقتضى العلتين، وتسميتهم، أيضا، لكل واحد من الفروع في غير المنصرف سببا وعلة: مجاز، لان كل واحد منها جزء العلة لا علة تامة إذ باجتماع اثنين منها يحصل الحكم، فالعلة التامة، إذن، مجموع علتين، أو واحدة منها تقوم مقامهما، مع حصول شرط كل واحد منها وستعرف الشروط ان شاء الله تعالى: ويدخل في الحد الذي ذكره المصنف لغير المنصرف: ما دخله الكسر والتنوين
للضرورة أو التناسب، وكذا المجموع بالالف والتاء علما، والمجموع بالواو والنون علما للمؤنث، كمسلمات ومسلمون، وان لم يحذف منهما الكسر والتنوين، لثبوت العلتين في جميع ذلك.
ففي قوله بعد: " ويجوز صرفه للضرورة أو التناسب " نظر، لان الصرف، على قوله عبارة عن تعري الاسم عن السببين المعتبرين، وعن السبب القائم مقامهما، وهو في حال الضرورة، وقصد التناسب غير مجرد عنهما، فكان الوجه أن يقول، ويزول حكم غير المنصرف للضرورة أو للتناسب، لان حكم غير المنصرف حكم قد يتخلف عن العلة، بخلاف حكم المعرب أعني اختلاف الاخر باختلاف العوامل لفظا أو تقديرا فانه لا يتخلف عن علة الاعراب.
وعلى ما حد النحاة غير المنصرف أعني قولهم: هو ما لا يدخله الكسر والتنوين للسببين،(1/101)
يجوز أن يقال: يجوز صرفه للضرورة.
وكذا، على ما حد المصنف، يكون ما دخله اللام أو الاضافة مما فيه علتان من التسع غير منصرف، وعند غيره هو منصرف، سواء قالوا: ان الكسر سقط تبعا للتنوين، أو قالوا: ان الكسر والتنوين سقطا معا، وذلك أن أكثرهم قالوا: ان الاسم لما شابه الفعل، حذف لاجل مشابهته اياه علامة تمكنه التي هي التنوين، أي علامة اعرابه، لان أصل الاسم الاعراب، وأصل الفعل البناء وجعلوا ترك الصرف عبارة عن حذف التنوين، وقالوا: ثم تبعه الكسر بعد صيرورة الاسم غير منصرف، وقووا هذا القول بأنه لما لم يكن مع اللام والاضافة تنوين حتى يحذف لمنع الصرف لم يسقط الكسر، فظهر أن سقوطه لتبعية التنوين بالاصالة.
فعلى قول هؤلاء: نحو الاحمر، وأحمركم، منصرف لان التنوين لم يوجد فيحذف، كما في أحمران وأجمعون.
وقال بعضهم: انه لما شابه الفعل حذف الكسر والتنوين معا لمنع الصرف ونحو: الاحمر وأحمركم، عندهم، أيضا منصرف، لان الكسر والتنوين لم يحذفا، ولا أحدهما مع اللام والاضافة لمنع الصرف.
والاول أقرب أعني أن الكسر سقط تبعا للتنوين، وذلك أنه يعود في حال الضرورة مع التنوين تابعا له، مع أنه لا حاجة داعية إلى اعادة الكسر، إذ الوزن يستقيم بالتنوين وحده، فلو كان الكسر حذف أيضا لمنع الصرف كالتنوين، لم يعد بلا ضرورة إليه، إذ مع الضرورة، لا يرتكب الا قدر الحاجة.
وانما تبعه الكسر في الحذف، لان التنوين يحذف لا لمنع الصرف أيضا، كما في الوقف، ومع اللام والاضافة والبناء، فأرادوا النص من أول الامر على أنه لم يسقط الا لمشابهة الفعل لا للاضافة ولا للبناء ولا لشئ آخر، فحذفوا معه صورة الكسر التي لا تدخل(1/102)
الفعل، ولهذا يؤتى بنون العماد (1) في نحو: ضربني، ويضربني، وانما لم يظهر أثر منع الصرف في المثنى وجمع المذكر السالم مع اجتماع السببين نحو أحمران، ومسلمون علمين للمؤنث، لان النون فيهما ليس للتمكن كما ذكرنا حتى يحذف فيتبعه الكسر، وأيضا، فان النصب فيهما تابع للجر، فلم يتبع الجر النصب، بلى، ان سمي بهما وأعربا اعراب المفرد، أي جعل النون معتقب الاعراب، وجب منع صرفهما للعلتين، لان فيهما، اذن، تنوين التمكن، ولا يتبع نصبهما الجر.
ثم نقول: أصل الاسم الاعراب، كما ذكرنا، ثم قد يتفق مشابهته للفعل وهي على ثلاثة أضرب: احدها، وهو أقواها: أن يصير معنى الاسم: معنى الفعل سواء كما في أسماء الافعال، فيبنى الاسم، نظرا إلى أصل الفعل الذي هو البناء ويعطي عمله.
وثانيها، وهو أوسطها، أن يوافقه من حيث تركيب الحروف الاصلية ويشابهه في
شئ من المعنى كاسم الفاعل والمفعول والمصدر والصفة فيعطي عمل الافعال التي فيه معناها، ولا يبنى لضعف أمر الفعل في البناء بتطفل بعضه وهو المضارع على الاسم في الاعراب، فلا يبنى منه الا قوي المشابهة للافعال أي الذي معناه معنى الفعل سواء كاسم الفعل، وثالثها، وهو أضعفها: ألا يشابهه لفظا، ولا يتضمن معناه، ولكن يشابهه بوجد بعيد، ككونه فرعا لاصل، كما أن الافعال فرع الاسماء افادة واشتقاقا، فأما الافادة فلاحتياج الفعل في كونه كلاما إلى الاسم، واستغناء الاسم فيه (2) عنه، وأما الاشتقاق، فيجئ في باب المصدر، فلا يبنى بهذه المشابهة، لضعفها مع ضعف الفعل في البناء ولا يعطى بها عمل الفعل، لان ذلك بتضمن معناه الطالب للفاعل والمفعول
__________
(1) أي نون الوقاية، ووجه تسميتها نون العماد أنها تكون عمادا للفعل أي حاجزا وحصنا له من الكسر، وهو معنى قولهم نون الوقاية.
(2) أي في كونه كلاما لامكان تركب الكلام من اسمين.
(*)(1/103)
وهو خلو منه، بل تنزع بهذه المشابهة علامة الاعراب (1) فيكون اسما معربا بلا علامة اعراب، ثم يتبعه الكسر على قول، أو ينزع التنوين والكسر معا، كما تقدم، وانما احتيج في هذا الحكم إلى كون الاسم فرعا من جهتين، ولم يقتنع بكونه فرعا من جهة واحدة، لان المشابهة بالفرعية مشابهة غير ظاهرة ولا قوية، إذ الفرعية ليست من خصائص الفعل الظاهرة، بل يحتاج في إثباتها فيه، إلى تكلف، كما مضى، وكذا اثبات الفرعية في الاسماء بسبب هذه العلل غير ظاهر، كما يجئ، فلم تكف واحدة منها الا إذا قامت مقام اثنتين.
فان قلت: إذا شابه الاسم غير المنصرف الفعل، فقد شابهه الفعل، أيضا، فلم كان اعطاء الاسم حكم الفعل أولى من العكس ؟ فالجواب أن الاسم تطفل على الفعل فيما هو من خواص الفعل، وليس ذلك لمطلق
المشابهة بينهما، وذلك كما يصير اسم الفعل بمعنى الفعل، ويتضمن اسم الفاعل، والمفعول والصفة المشبهة والمصدر، معنى الفعل، فيتطفل الاسماء على الافعال في المعنى، فتعطى حكم الفعل، وذلك ببناء اسم الفعل وعمله عمله معا، وعمل البواقي عمله، حسب، وهذا مطرد في كل ما يعطي حكما لاجل مشايهته لنوع آخر، كما إذا اتفق مشابهة الحرف للفعل بتضمن معناه، كان واخواتها، و " ما " و " لا "، عمل عمل الفعل.
وإذا اتفق مشابهة الاسم للحرف باحتياجه إلى غيره كالموصولات، والمضمرات، والغايات، أو بتضمن معناه كأسماء الشرط والاستفهام ونحو ذلك، كما يجئ في باب المبنى، بني الاسم لتطفله على الحرف فيما يخصه، وههنا يكفي أدنى مشابهة لاجل بناء الاسم، بخلاف مشابهته للافعال، وذلك لتمكن الحرف ورسوخه في البناء، دون الفعل وإذا شابه الفعل الحرف بلزوم معنى الانشاء الذي هو بالاصالة للحرف أعطى حكم
__________
(1) أي التنوين كما هو اختياره.
(*)(1/104)
الحرف في عدم التصرف، كما في " عسي "، وفعل التعجب، وان شابه الاسم، كالمضارع أعرب، كما يجئ في بابه، فظهر أن الاسم قد يشابه الفعل والحرف، وكذا الفعل، قد يشابه الاسم الفعل والحرف، وأما الحرف فيشابه الفعل فقط.
قوله: " والنون زائدة "، نصب زائدة، على أنها حال من النون، والعامل معنى الكلام، فان معنى قوله " وهي عدل ووصف " إلى آخره: أي: تكون علل منع الصرف عدلا ووصفا، وكذا، وكذا، والنون زائدة (1).
وقد ألحق بالاسباب المذكورة ما شابه ألف التأنيث المقصورة، وهو كل ألف زائدة في آخر الاسم العلم، سواء كانت للالحاق، كما في: أرطى، وذفري، وحبنطى، أو، لا، كقبعثرى، لانها بالعلمية تمتنع من التاء كألف التأنيث، فإذا عد الالف والنون
سببا، لمشابهة ألف التأنيث بالامتناع من التاء، فعد الالف المقصورة الممتنعة من التاء، أولى، لمشابهتها لها لفظا، وامتناعا من التاء.
وأما ألف الالحاق الممدودة فلم تلحق مع العلمية بألف التأنيث الممدودة وان كانت، أيضا، ممتنعة من التاء مثل ألف التأنيث الممدودة، لاجتماع شيئين: أحدهما ضعف ما يشبهه ألف الالحاق الممدودة، أي الهمزة في نحو صحراء، في باب التأنيث، دون الالف في نحو سكري، لكون الهمزة في الاصل ألفا، والثاني كون همزة الالحاق في مقابلة الحرف الاصلي ولذلك اثر الالف والنون في نحو: سكران، لمشابهته ألف التأنيث الممدودة، لان النون ليست في مقام حرف أصلي.
وألف الالحاق المقصورة وان كانت في مقابلة حرف أصلي، لكنها تشبه علامة التأنيث الاصلية، أي الالف المقصورة، لا المنقلبة عن علامة التأنيث، أي ألف التأنيث الممدودة
__________
(1) فكأن قوله: والنون.
فاعل، فجاءت الحال من الفاعل والعامل فيما معنى الفعل.
(*)(1/105)
وأما فرعية هذه العلل، فان العدل فرع ابقاء الاسم على حاله، والوصف فرع الموصوف، والتأنيث فرع التذكير، والتعريف فرع التنكير إذ كل ما نعرفه كان مجهولا في الاصل عندنا، والعجمة في كلام العرب فرع العربية، إذا الاصل في كل كلام ألا يخالطه لسان آخر، فيكون العربية، اذن، في كلام العجم فرعا، والجمع فرع الواحد، والتركيب فرع الافراد، والالف والنون فرع ألفي التأنيث كما يجئ بعد، أو فرع ما زيدا عليه، ووزن الفعل في الاسم فرع وزن الاسم، إذا كان خاصا بالفعل، أو أوله زيادة كزيادة الفعل، لان أصل كل نوع ألا يكون فيه الوزن المختص بنوع غيره.
وههنا فروع أخر لم يعتبروها، ككون الاسم مصغرا، أو منسوبا، أو شاذا، وغير ذلك مما لا يحصى، وذلك اختيار منهم بلا علة مخصصة، قوله: " وحكمه أن: لاكسر " ولم يقل: أن: لا جر، لانه يدخله الجر عند الجمهور، إذ هو عندهم معرب،
والجر أنواع، وجره فتح، فالفتح الذي في " بأحمد " عندهم، عمل الجار، وهو يعمل الجر، لا محالة.
وقال الاخفش، والمبرد، والزجاج: غير المنصرف في حال الجر مبني على الفتح لخفته، وذلك لان مشابهته للمبني، أي الفعل، ضعيفة فحذفت علامة الاعراب مطلقا، أي التنوين، وبني في حالة واحدة فقط، واختص بالبناء في حالة الجر ليكون كالفعل المشابه في التعري من الجر.
صرف ما لا ينصرف في الضرورة والتناسب قال ابن الحاجب: " ويجوز صرفه للضرورة، أو التناسب، مثل: سلاسلا وأغلالا، وقواريرا ".
قال الرضى: قال الاخفش: ان صرف ما لا ينصرف مطلقا، أي في الشعر وغيره: لغة الشعراء، وذلك أنهم كانوا يضطرون كثيرا، لاقامة الوزن، إلى صرف مالا ينصرف فتمرن على(1/106)
ذلك ألسنتهم، فصار الامر إلى أن صرفوه في الاختيار، أيضا، وعليه حمل قوله تعالى: " سلاسلا، واغلالا، وقواريرا " (1) وقال هو والكسائي: ان صرف مالا ينصرف مطلقا لغة قوم، الا " أفعل منك "، وأنكره غيرهما، إذ ليس بمشهور عن أحد في الاختيار نحو: جاءني احمد وابراهيم، ونحو ذلك، واما للضرورة فلا خلاف في جواز صرفه فلا يصرف ما فيه الالف المقصورة لعدم الضرورة (2).
ومنع الكوفيون صرف " أفعل من " في الضرورة، لان " من " مع مجروره كالمضاف إليه، فلا ينون ما هو كالمضاف، والاصل الجواز، لان الكلام في الضرورة، وفرق بين المضاف، وما هو كالمضاف.
وجوز الكوفيون وبعض البصريين للضرورة ترك صرف المنصرف، لا مطلقا، بل بشرط العلمية دون غيرها من الاسباب لقوتها، كما نبين لك عند الكلام في تفصيل الاسباب، وذلك بكونها شرطا لكثير من الاسباب مع كونها سببا، واستشهدوا بقوله: 17 - فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في مجمع (3)
__________
(1) من الايتين 4، 15 من سورة الدهر.
(2) جوزه بعضهم واستدل عليه بقول الشاعر: اني مقسم ما ملكت فجاعل * جزءا لاخرتي ودنيا تنفع بتنوين " دنيا " والخلاف بينهم مبني على خلافهم في معنى الضرورة: هل هي ما وقع في الشعر وان كان للشاعر عنه مندوحة أو هي مالا ليس للشاعر عنه مندوحة.
(3) من أبيات للعباس بن مرداس السلمي الصحابي: قالها وقد أعطاه الرسول من غنائم حنين بعض الابل في حين أنه أعطى كثيرا من المؤلفة قلوبهم كلا منهم مائة بعير فقال العباس هذه الابيات ومنها: وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع وحصن وحابس، هما والدا: عيينة بن حصن والاقرع بن حابس وكانا ممن أعطاهما الرسول مائة بعير، فلما قال ذلك أمر النبي بارضائه، فأعطي مثل ما أعطوا.
(*)(1/107)
ومنعه الباقون، استدلالا بأن الضرورة تجوز رد الاشياء إلى أصولها فجاز صرف غير المنصرف، ولا تخرج، لاجلها، الاشياء عن أصولها، وقريب من هذا الوجه: جواز قصر الممدود في الشعر، دون مد المقصور، إلا نادرا، ومنعوا روايتهم بأن قالوا: الرواية يفوقان شيخي.
والانصاف: ان الرواية لو ثبتت عن ثقة لم يجز ردها وان ثبتت عندك رواية أخرى.
قوله: " سلاسلا " صرف ليناسب المنصرف الذي يليه، أي " أغلالا " فهو كقولهم:
هنأني الشئ ومرأني، والاصل: امرأني.
قوله: " وقواريرا " يعني إذا قرئ منونا، لا إذا وقف عليه بالالف لان الالف حينئذ، كما تحتمل أن تكون بدلا من التنوين، تحتمل أن تكون للاطلاق، كما في قوله تعالى: " الظنونا، والسبيلا، والرسولا " (1)، فلا يكون نصا فيما استشهد له من صرف غير المنصرف، وانما صرف ليناسب أواخر الاي في هذه السورة، لان أواخر الاي كالقوافي، يعتبر توافقها وتجانسها، وكذا كل كلام مسجع، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام " خير المال سكة مأبورة وفرس مأمورة " أي مؤمرة، يعني كثيرة النتاج، وقال تعالى: " والفجر " (2)، ثم قال: " يسر (3) " ويمال " سجا (4) " لموافقة: " قلى (5) ".
ما يقوم مقام علتين قال ابن الحاجب: " وما يقوم مقامهما: الجمع، وألفا التأنيث "
__________
(1) من الايات 10، 66، 67 من سورة الاحزاب.
(2) (3) الايتان 1، 4 من سورة الفجر.
(4) و (5) الايتان 2، 3 من سورة الضحى.
(*)(1/108)
قال الرضى: اعلم أن الاكثرين على أن قيام الجمع الاقصى مقام سببين وقوته، لكونه لا نظير له في الاحاد العربية.
أما نحو: ثمان، ورباع، أي الذي ألقى رباعيته، ورجل شتاح أي طويل، وحمار حزاب، أي غليظ قصير، فشواذ.
وأما نحو: الترامي والتغازي، فالاصل فيه ضم ما قبل الاخر، لكنه كسر لاجل الياء، وأما نحو: هوازن وشراحيل، علمين فمنقول عن الجمع وسيجئ حكمه، وأما يمان وشآم (1) فالالف فيهما عوض من احدى ياءى النسب، فهذا الوزن عارض لم يعتد
به، وذلك لانهما صارا إلى هذا الوزن بسبب احدى ياءي النسب، والالف الذي هو بدل من الاخرى، وياء النسب عارضة، لا يعتد بها في الوزن، نحو: جمالي وكمالي في المنسوب إلى: جمال، وكمال.
وكذا: تهام بفتح التاء في المنسوب إلى التهم بمعنى " تهامة " قال: 18 - أرقني الليلة برق بالتهم * يا لك برقا من يشقه لا يلم (2) قال سيبويه: منهم من يقول يماني وشآمي بتشديد الياء وهو قليل ويجئ وجهه في التصريف، ان شاء الله تعالى (3).
وانما لم تعد ياء النسب عارضة في: قماري، وكراسي، وعواري، وبخاتي،
__________
(1) في النسب إلى اليمن والشام (2) بعد أن شرحه البغدادي قال ان ابن الاعرابي أورده في نوادره غير منسوب لاحد وأورد بعده.
ما زال يسري منجدا حتى عتم * كان في ريقه إذا ابتسم * بلقاء تنفي الخيل عن طفل متم (3) في باب النسب من شرحه على الشافية.
(*)(1/109)
ودباسي (1)، ونحوها، لانها ثبتت في آحادها، وصيغت هذه الجموع على اعتبار تلك الياءات في الاحاد، وليس ذلك، أي اعتداد الياء في المفرد وصوغ الجمع عليه، مطردا، ألا ترى أنك لا تقول في جمع عجمي: عجامي، وان كان ياؤه للوحدة كما في بختي وقيل: ان " ثمانيا " مثل " يمان ": الالف والياء للنسب إلى الثمن الذي هو جزء الثمانية.
وفيه نظر، إذ لا معنى للنسب في " ثمان " فانه بالاضافة الى " ثمن " كالاربع إلى الربع، والخمس إلى الخمس، ولا معنى لنسب هذين العددين إلى جزأيهما، وتقدير النسب في الرباعي أنسب، فيكون منسوبا إلى الرباعية، وهي السن، ويجوز أن يقال في الثماني، انه منسوب إلى الثمانية، أي مجرد العدد، لان الثماني (2)،
لا يستعمل إلا في المعدود، والثمانية في الاصل: العدد، لا المعدود، كما تقول في صريح العدد: ستة ضعف ثلاثة، ولا تقول: ست ضعف ثلاث، وقد يجئ تحقيقه في باب العدد، فالالف فيهما، اذن، غير الالف في المنسوب إليه تقديرا، لكونه بدلا من احدى ياءي النسب، وكذلك الياء غير الياء، كما قيل في: هجان وفلك.
وقد جاء " ثمان " في الشعر غير منصرف شاذا، قال الشاعر: 19 - يحدو ثماني مولعا بلقاحها * حتى هممن بزيفة الارتاج (3)
__________
(1) القمري نوع من اليمام، والقمرة لون بين البياض والسواد.
والعواري جمع عارية أي ما يستعار.
وفي الصحاح كأنها منسوبة إلى العار.
والدبسي طائر أدكن.
(2) أي بدون تاء، ومع التاء يستعمل إذا كان المعدود مذكرا.
ولذلك قال ان ثمانية بالثاء في الاصل للمعدود.
(3) من قصيدة لابن ميادة واسمه الرماح بن يزيد من بني مرة.
وميادة اسم أمه، عاش في عهد بني أمية وأدرك العباسيين، وقبل البيت: وكأن أصل رحالها وحبالها * علقن فوق قويرح شحاج يصف ناقتة فشبهها في سرعتها بالقويرح الشحاج أي حمار الوحش.
والقويرح الذي انتهت اسنانه من الظهور.
والشحاج من أسماء حمار الوحش وهو بدل أو عطف بيان من قويرح والمراد بالثماني أتن الحمار أي الاناث.
يريد أنه يسوقها أمامه مولعا بلقاحها لتحمل وهي لا تمكنه فتهرب فهو يجري سريعا خلفها.
حتى أوشكت الاتن أن تسقط ما ارتجت وأغلقت عليه أرحامها لانهن كن حوامل.
(*)(1/110)
وهو على التوهم، لما رأي فيه معنى الجمع، ولفظة يشبه لفظ الجمع ظنه جمعا، أما سراويل فأعجمي في الاشهر، وقد قيدنا الاحاد بالعربية، أو عربي مفرد شاذ، أو جمع تقديرا، كما يجئ، وأما نحو: أكلب وأجمال، فانهما، وان لم يأت لهما نظيرا في الاحاد، الا أن كونهما جمعي قلة، وحكم جمع القلة حكم الاحاد، بدليل تصغيره على لفظه: فت في عضد جمعيتهما مع أنه نسب إلى سيبويه: أن أفعالا مفرد، ولذا، قال تعالى: " مما في بطونه " (1) والضمير للانعام، وجاز وصف المفرد به نحو: برمة
أعشار، وثوب أسمال، ونطفة أمشاج، ولم يوصف المفرد بغير هذا الوزن من الجموع.
ولا يصح الاعتذار بمجئ " أفعل " في الواحد، نحو " أدرج " في اسم موضع، لكونه منقولا من الجمع كمدائن، ولا بآجر، وآنك (2)، لانهما أعجميان، ولا بأبلم (3)، لانها لغة رديئة شاذة، والفصيح ضم الهمزة، ولا بأشد، لانه جمع شدة على غير القياس، أو هو جمع لا واحد له بدليل قوله: 20 - بلغتها واجتمعت أشدي (4) فانث الفعل.
وقال بعضهم: انما قوي حتى قام مقام السببين، لكونه نهاية جمع التكسير، أي يجمع الجمع إلى أن ينتهي إلى هذا الوزن فيرتدع، ولهذا سمي بالجمع الاقصى، نحو: كلب، وأكلب، وأكالب، ونعم وأنعام وأناعيم، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: " انكن صواحبات يوسف "، وقوله:
__________
(1) الاية: 66 من سورة النحل.
(2) الانك: من معانية: الرصاص أو الذائب منه.
(3) الابلم: خوص شجر الدوم.
(4) روي مجتمع الاشد فلا شاهد فيه.
وهو من رجز لابي نخيلة السعدي في مدح هشام بن عبد الملك.
وبلغتها بفتح التاء خطاب للمدوح.
ومن هنا قال البغدادي إنه لا يصلح للاستشهاد ثم قال: ولعل ما أورده الشارح من أرجوزة أخرى.
أي ليتم له الاستشهاد به.
(*)(1/111)
21 - جذب الصراريين بالكرور (1) جمع صراء، جمع صار بمعنى الملاح، فهما جمعا سلامة، ونحن قلنا: نهاية جمع التكسير.
وقيل: لما لم يكن له في الاحاد نظير، أشبه الاعجمي الذي لا نظير له في كلام
العرب، ففيه الجمع وشبه العجمة، وعلى هذا ففيه سببان، لا سبب كالاسببين.
وقال الجزولي (2): فيه الجمع وعدم النظير في الاحاد، وعدم النظير فيها عنده، سبب مستقل، لا يحتاج إلى الجمعية، كما ياتي في سراويل ففيه عنده، أيضا سببان والاسباب عنده أكثر من التسعة.
وقال المصنف: منع صرف مثل هذا الجمع لتكرر الجمع حقيقة، كاكالب، أو كونه على وزن جمع الجمع كمساجد، فلا أثر عنده لكونه أقصى جموع التكسير.
وأما قيام ألفي التأنيث، أعني الممدودة والمقصورة مقام سببين فللزومهما الكلمة وبناء الكلمة عليها، بخلاف تاء التأنيث فان بناءها على العروض وان اتفق في بعض الاسماء لزومها كعنصوة (3)، وقمحدوة، وحجارة، وخزاية (4)، وغيرها، كما يجئ في باب التأنيث.
__________
(1) من أرجوزة طويلة للعجاج وقبله: لايا يثانيها من الجئور: جذب الصراريين...يثانيها من الثني وهو العطف اي يميلها، وروي ينائيها من الناي أي يبعدها والجؤور مصدر سماعي بمعنى الجور وهو العدول عن القصد.
والكرور الحبال.
وجذب بالضم فاعل ينائيها.
يقول في وصف سفينته إنه لا يبعدها عن الميل والانحراف إلا جذب الصراريين بالحبال بعد لاي.
وهي صورة معروفة إلى الان في تسيير السفن.
(2) الجزولي بضم الجيم نسبة إلى جزولة بضم الجيم والزاي احدى قبائل البربر بالمغرب.
وهو من علماء القرن السادس اشتهر بمقدمة في النحو سماها الجزولية اهتم بها العلماء قال عنها في كشف الظنون أنها تسمى بالقانون: اسم الجزولي عيسى وكنيته أبو موسى توفي سنة 605 ه.
(3) العنصوة مضمومة الصاد مثله العين: القليل المتفرق من النبت.
والقمحدوة احدى الرباعيات أي الاسنان.
(4) مصدر خزي بمعنى استحيا.
(*)(1/112)
العدل صورة في الكلام ووجه منعه الصرف
قال ابن الحاجب: " فالعدل خروجه عن صيغته الاصلية، تحقيقا، كثلاث " ومثلث، وأخر، وجمع، أو تقديرا، كعمر، وباب قطام " " في تميم ".
قال الرضى: العدل اخراج الاسم عن صيغته الاصلية بغير القلب، لا للتخفيف، ولا للالحاق، ولا لمعنى، فقولنا بغير القلب، ليخرج نحو: أيس، في يئس، وقولنا: لا للتخفيف احتزار عن مقام، ومقول، وفخذ، وعنق، وقولنا ولا للالحاق، ليخرج نحو كوثر، وقولنا ولا لمعنى ليخرج نحو: رجيل ورجال، قوله: " خروجه " أي خروج الاسم، ولو قال إخراجه لكان أوفق لمعنى العدل، وهو الصرف، يقال اسم معدول أي مصروف عن بنيته، والعدول: الانصراف والخروج.
قوله: " عن صيغته الاصلية " يخرج عنه " أخر " ان قلنا انه معدول عن " الاخر "، وسحر عند من قال انه معدول غير منصرف، وأمس عند تميم، إذ هما معدولان عن السحر والامس، واللام ليست من صيغة الكلمة، لان الكلمة لم تصغ عليها، الا أن نقول:(1/113)
كأنها من صيغة الكلمة وبنيتها لشدة امتزاجها بها.
قوله " تحقيقا " نصب على المصدر، لان الخروج، اما خروج تحقيق أي خروج محقق، كرجل سوء بمعنى رجل سيئ، أو خروج تقدير، أي خروج مقدر.
ويعني بالعدل المحقق، ما يتحقق حاله بدليل يدل عليه غير كون الاسم غير منصرف، بحيث لو وجدناه، أيضا، منصرفا، لكان هناك طريق إلى معرفة كونه معدولا، بخلاف العدل المقدر، فانه الذي يصار إليه لضرورة وجدان الاسم غير منصرف وتعذر سبب اخر غير العدل، فان " عمر " مثلا، لو وجدناه منصرفا، لم نحكم قط بعد له عن عامر،
بل كان كادد.
وأما ثلاث ومثلث، فقد قام دليل على أنهما معدولان عن " ثلاثة ثلاثة " وذلك أنا وجدنا ثلاث، وثلاثة ثلاثة، بمعنى واحد، وفائدتهما تقسيم أمر ذي أجزاء على هذا العدد المعين، ولفظ القسوم عليه في غير لفظ العدد مكرر على الاطراد في كلام العرب، نحو قرات الكتاب جزءا جزءا، وجاءني القوم رجلا رجلا، وأبصرت العراق بلدا بلدا، فكان القياس في باب العدد، أيضا، التكرير، عملا بالاستقراء، والحاقا للفرد المتنازع فيه بالاعم الاغلب، فلما وجد " ثلاث " غير مكرر لفظا، حكم بان أصله لفظ مكرر، ولم يات لفظ مكرر بمعنى " ثلاث " الا " ثلاثة ثلاثة " فقيل انه أصله.
وقد جاء فعال، ومفعل في باب العدد، من واحد إلى أربعة اتفاقا وجاء فعال من عشرة في قول الكميت: 22 - ولم يستر يثوك حتى رمي * - ت فوق الرجال خصالا عشارا (1) والمبرد، والكوفيون يقيسون عليها إلى التسعة، نحو: خماس ومخمسن، وسداس
__________
(1) البيت من شعر للكميت بن زيد الاسدي يمدح به أبان بن الوليد بن عبد الملك، وقبله: رجوك ولم يبلغ العمر من * - ك عشرا ولا نبت فيك أثغارا لادنى خسا أو زكا من سنيك * إلى أربع فبقوك انفطارا (*)(1/114)
ومسدس، والسماع مفقود.
بلى، يستعمل على وزن فعال من واحد إلى عشرة مع ياتي النسب، نحو الخماسي والسداسي والسباعي والثماني والتساعي.
وعند سيبويه: أن منع الصرف في هذا للعدل والوصف.
فان قيل: الوصف في هذا المكرر عارض كعروضة في " أربع " في نحو: نسوة أربع، فكيف أثر فيه، ولم يؤثر في أربع ؟
قلت: هذا التركيب المعدول، لم يوضع الاوصفا، ولم يستعمل الا مع اعتبار معنى الوصف فيه، ووضع المعدول غير وضع المعدول عنه.
والفراء يجيز صرف هذا المعدول إذا لم يجر على الموصوف، وليس بوجه إذا الموضوع على الوصفية، كاحمر يؤثر فيه الوصف، وان لم يتبع الموصوف.
وقال ابن السراج (1) انما لم ينصرف لكون " مثنى " مثلا معدولا عن لفظ اثنين، وعن معناه أيضا، لانه عدل عن معناه مرة واحدة إلى معنى: اثنين اثنين، ففيه عدل لفظي وعدل معنوي.
وقيل ان فيه عدلا مكررا من حيث اللفظ، لان أصله كان: اثنين مرتين، فجعل مرة واحدة، ثم غير لفظ اثنين، إلى لفظ مثنى.
وقال الكوفيون، وابن كيسان (2): ان فيه العدل والتعريف، كما في عمر، إذ لا
__________
= وبعدهما الشاهد يقول: تبينوا فيك السؤدد لسنة أو سنتين.
(لادنى خسا أو زكا) والخسا الفرد والزكا الزوج وأقلهما الواحد والاثنان.
وقوله ولا نبت فيك، أي ولم يبلغ نبت فمك أسنانك أثغارا والاثغار سقوط الاسنان الرواضع، وقوله بقوك اي انتظروك حتى تكبر.
كانه يقول أبقوك.
(1) تقدم ذكره ص 67 من هذا الجزء (2) أبو الحسن محمد بن ابراهيم بن كيان.
من مشاهير النحاة الذين جمعوا في معارفهم بين مذهبي البصرة والكوفة ومهدوا لظهور المذهب البغدادي.
أخذ عن المبرد وعن ثعلب توفي سنة 299 ه.
(*)(1/115)
يدخله اللام، وإذا أجرى على النكرة فمحمول على البدل.
ولا دليل على ما قالوا، ولو كان معرفة، ولا شك أن فيه.
معنى الوصف لجرى على المعارف، وكيف يكون معرفة، وهو يقع حالا، نحو جاءني القوم مثنى ؟.
وأما " أخر " فانه جمع أخرى التي هي مؤنث آخر، وهو أفعل التفضيل بشهادة
الصرف (1)، نحو: آخر، آخران، آخرون وأواخر، وأخرى، أخريان أخريات وأخر، مثل: الافضل، الافضلان، الافضلون، والافاضل، والفضلي، الفضليان، والفضليات والفضل، فمعنى " آخر " في الاصل: أشد تأخرا، وكان، في الاصل، معنى جاءني زيد ورجل آخر، أشد تأخرا من زيد في معنى من المعاني ثم نقل إلى معنى " غير " فمعنى: رجل آخر: رجل غير زيد، ولا يستعمل إلا فيما هو من جنس المذكور أولا.
فلا يقال: جاءني زيد وحمار آخر، ولا: وامراة أخرى.
وتستعمل " أخريات " في المعنى الاول، ولا تستعمل الا مع اللام أو الاضافة، كما هو حقها، نحو: جاءني فلان في أخريات الناس، أي في الجماعات المتأخرة، وكذا: الاواخر.
فلما خرج آخر وسائر تصاريفه عن معنى التفضيل، استعملت من دون لوازم أفعل التفضيل أعني " من " والاضافة، واللام، وطوبق بالمجرد عن اللام والاضاقة ما هو له، نحو: رجلان آخران، ورجال آخرون، وامراة أخرى، وامراتان أخريان، ونسوة أخر، قيل: الدليل على عدل أخر، أنه لو كان مع " من " المقدرة كما في: الله أكبر، للزم أن يقال: بنسوة آخر، على وزن أفعل، لان أفعل التفضيل ما دام بمن ظاهرة أو مقدرة لا يجوز مطابقته لمن هوله، بل يجب افراده، ولا يجوز أن يكون بتقدير الاضافة، لان المضاف إليه لا يحذف الا مع بناء المضاف، كما في الغايات، أو مع ساد مسد المضاف إليه وهو التنوين كما في " حينئذ "، و " كلا آتينا (2) " أو، مع دلالة ما أضيف إليه تابع
__________
(1) أي بدليل تصرف الكلمة في تأنيثها وتثنيتها وجمعها كما مثل الشارح.
(2) من الاية 79 من سورة الانبياء.
(*)(1/116)
ذلك المضاف نحو قوله: 23 - إلا علالة أو بدا * هة سابح.
نهد الجزارة (1)
أخذا من استقراء كلامهم فلم يبق الا أن يكون أصله اللام.
ولمانع أن يمنع الحصر فيما ذكر من الوجوه بما ذهب إليه الخليل في أجمع وأخواته من كونها معرفات بتقدير الاضافة مع عريها من تلك الوجوه، فالاولى أن يقال في امتناع كون أخر بتقدير الاضافة، أن المضاف إليه لا يحذف إلا إذا جاز اظهاره، ولا يجوز اظهاره ههنا.
ومنع أبو علي (2) من كون " أخر " معدولا عن اللام، استدلالا بانه لو كان كذا لوجب كونه معرفة، كامس وسحر، المعدولين عن ذي اللام، وكان لا يقع صفة للنكرات كما في قوله تعالى: " من أيام أخر " (3).
وأجيب بانه معدول عن ذي اللام لفظا ومعنى، أي عدل عن التعريف إلى التنكير، ومن أين له أنه يجوز تخالف المعدول والمعدول عنه تعريفا وتنكيرا: ولو كان معنى اللام في المعدول عن ذي اللام واجبا، لوجب بناء " سحر " كما ذهب إليه بعضهم (4) لتضمنه معنى الحرف، فتعريف سيحر ليس لكونه معدولا عن ذي اللام، بل لكونه علما.
__________
(1) من أبيات للاعشى ميمون بن قيس يخاطب بها شيبان بن شهاب وكان بينهما مهاجاة وزعم شيبان أن قوم الاعشى لا يستطيعون غزوهم فقال الاعشي: وهناك يكذب ظنكم * أن لا اجتماع ولا زيارة..وقوله الاعلالة...العلالة بضم العين بقية جري الفرس والبداهة أول جرية وهو استثناء منقطع من قوله: أن لا اجتماع ولا زيارة * والسابح الفرس ونهد الجزارة بضم الجيم أي مرتفع الراس والرجلين.
(2) تقدم ذكر أبي علي الفارسي ص 79 من هذا الجزء وتكرر ذكره بعد ذلك.
(3) من الاية 184 من سورة البقرة.
وتكررت في الاية التي بعدها.
(4) هو صدر الافاضل ناصر بن علي المطرزي من خوارزم أخذ عن الزمخشري وعرف بالادب والشعر وله آراء في النحو.
حكى عنه القول بالبناء ابن هشام في أوضح المسالك - توفي سنة 610 ه.
(*)(1/117)
وذهب ابن جني (1)، إلى أن قياس " أخر " لما تجرد من اللام والاضافة أن يستعمل بمن، ويفرد لفظه في جميع الاحوال، فاخر، في قولك بنسوة أخر، معدول عن: آخر من...ويلزم على هذا القول أن يكون: آخران، وآخران، وأواخر، وأخرى وأخريات، معدولات، أيضا، عن: آخر من..الا أن أخرى وأواخر غنيان عن اعتبار العدل بالف التأنيث والجمعية، والمثنى والمجموع بالواو والنون لا يتبين فيهما حكم منع الصرف في موضع، نحو: أحمران وأجمعون كما مر، وأما أخريات فاستعمالها باللام والاضافة كما هو الاصل، ولو لم يكن أيضا يبن فيه أثر منع الصرف لكونه كعرفات.
هذا، وفي ادعاء كون ألفاظ المؤنث والمثنيين والمجموعين، معدولة عن لفظ الواحد المذكر: بعد، فالاولى ألا يدعى كون أخر وتصاريفه معدولة عن أحد لوازم أفعل التفضيل على التعيين، بل نقول هي معدولة عما كان حقها ولازمها في الاصل، أعني أحد الاشياء الثلاثة مطلقا.
وانما عدل عنه لتعريه عن معنى أفعل التضيل الذي هو المستلزم لاحدها كما يجئ في باب أفعل التفضيل، وذلك لانه صار بمعنى " غير " كما ذكرنا، فعلى هذا لا يفسر العدل بما فسره به المصنف، أعني خروجه عن صيغته الاصلية، بل نقول العدل اخراج اللفظ، كما ذكرنا (2)، عما الاصل أن يكون معه من الصيغة، أو استلزام كلمة أخرى، فيدخل فيه سحر وأمس، ونحو: ضحى، وعشية، ومساء، وبكر، معينات، لان الاصل في تخصيص اللفظ المطلق بشئ معين مما كان يقع عليه وضعا أن يكون باللام والاضافة.
ويدخل فيه الغايات أيضا نحو قبل وبعد، لقطعهما عن المضاف إليه الذي كان يقتضيه
__________
(1) ابن جني هو العالم المشهور: أبو الفتح عثمان بن جني.
ولد بالموصل ونبغ صغيرا ولزم أبا على الفارسي وأخذ عنه كثيرا حتى إنه خلفه بعد وفاته ومن أبرز آثاره العلمية: الخصائص.
وسر الصناعة والمحتسب.
توفى سنة 392 ه (2) في أول هذا الفصل.
(*)(1/118)
وضعا، فعلى هذا، إذا كان المعدول معربا، وانضم إلى عدله سبب آخر، امتنع صرفه، فلم يمنع ضحى وأخواته لعدم اعتبار لعدم اعتبار العلمية فيها كما اعتبرت في سحر، على ما يجئ.
وأما جمع، ومثله أخواته من: كتع وبصع وبتع، فالاكثرون على أنه معدول عن جمع، لانه جمع جمعاء وقياس جمع فعلاء أفعل: فعل، كحمراء وحمر.
قال أبو علي: ليس قياس كل فعلاء أن يجمع على فعل، بل (1) قياس مؤنث أفعل المجموع على فعل أيضا، واجمع مجموع على " أجمعون " لا " جمع ".
وقوله: 24 - فما وجدت نساء بني نزار * حلائل أسودين وأحمرينا (2) شاذ، كما يجئ في باب الجمع، ولو كان جمع معدولا عن جمع، وفعل يصلح لجمع المذكر والمؤنث، لجاز: جاءني الرجال جمع، قال (3).
والحق أن جمعاء: اسم لا صفة وقياس جمع فعلاء اسما: فعالى في التكسير، وفعلاوات في التصحيح، كصحاري وصحراوات، فجمع معدول عن أحدهما.
ويرد عليه أن جمعاء لو كان اسما لكان أجمع أيضا، كذلك، فجمعه، إذن، على أجمعون: شاذ، إذ لا يجمع بالواو والنون الا العلم أو الوصف، كما يجئ في باب الجمع.
وأما السبب الاخر فيه، وفي " أجمع "، فعن الخليل أنه تعريف إضافي وكذا في أجمع (4)، لان الاصل في جاءني القوم أجمعون: أجمعهم أي جميعهم وقرات الكتاب أجمع: أي جميعه.
__________
(1) أي بل هو قياس لفعلاء الذي هو مؤنث أفعل المجموع على فعل أيضا.
(2) من قصيدة للاعور الكلبي: حكيم بن عياش هجا بها مضرا وقوم الكميت وكان ذلك سببا في رد الكميت عليه بقصيدة طويلة تقدم منها الشاهد السادس عشر في هذا الجزء.
(3) قال: أي أبو على الفارسي.
(4) لا حاجة إلى قوله: وكذا في اجمع لان الكلام عنه وعن جمع في
قوله وأما السبب فيه (أي في جمع) وفي الجمع.
(*)(1/119)
قيل: هو ضعيف، لان تعريف الاضافة غير معتبر في منع الصرف: وله (1) أن يقول: انما لم يعتبر ذلك مع وجود المضاف إليه، لان حكم منع الصرف لا يتبين فيه، كما يجئ، وأما مع حذفه، فما المانع من اعتباره ؟ وقال بعضهم (2): فيه التعريف الوضعي كالاعلام، أي وضع تأكيدا للمعارف بلا علامة التعريف، والمؤكد لا يكون إلا معرفة، إلا ما جوز الكوفيون من نحو قوله: 25 - قد صرت البكرة يوما أجمعا (3) مما كان المؤكد فيه محدودا، ففيهما على هذا القول شبه العلمية.
ويرد عليه: صباحا، ومساء، وبكرا، وضحى، وعتمة، وضحوة إذا كانت معينات، فانها، إذن، معارف بلا علامة مخصصة بعد العموم، كالاعلام الغالبة نحو: النجم، والصعق، ففيها العدل عن اللام مع شبه العلمية مع أن جميعها منصرفة، وأيضا، شبه العلم لم يثبت جمعه بالواو والنون بل المجموع هذا الجمع إما العلم، وإما الوصف.
وقال المصنف: فيه وفي اجمع مع العدل: الوصف الاصلي، وان صارا بالغلبة في باب التأكيد، فهما عنده، كاسود وارقم، ونحو هما.
وهذا قريب، لكن بقي الكلام في أن أجمع في الاصل من أي الصفات هو ؟ أمن باب أحمر حمراء، أم من باب الافضل والفضلي ؟ لا يجوز أن يكون من باب أحمر، لجمعه على " أجمعون "، وجمعه بالنظر إلى أصله: " فعل "، وبالنظر إلى نقله إلى الاسماء الغالبة: أفاعل، كاساود، وأداهم، قال: 26 - أتاني وعيد الحوص من آل جعفر * فيا عبد عمرو، لو نهيت الاحاوصا (4)
__________
(1) أي للخليل، وهو دفاع من الرضى عن راي الخليل.
(2) نسبب هذا الراي لابن مالك.
(3) شاهد مجهول القائل حتى قال بعض البصريين أنه مصنوع.
ونقل البغدادي عن العيني في الشواهد الكبرى أن صدره: انا إذا خطافنا تقعقعا..ورد عليه بان هذا لا يصلح للارتباط بالشاهد.
(4) من شعر الاعشى قيس مما قاله متصلا بتفضيل عامر بن الطفيل على علقمة بن علاثة الصحابي رضي الله عنه..= (*)(1/120)
فافعلون، لا يجوز فيه، لا قبل الغلبة ولا بعدها، وأيضا، أفعل فعلاء لا يجئ الا في الالوان والخلق.
والاولى أن يقال: إنه في الاصل أفعل التفضيل، بشهادة " أجمعون " وجمع، فكان معنى قولنا: قرات الكتاب أجمع، في الاصل: أنه أتم جمعا في قراءتي من كل شئ فهو تفضيل لقولهم جميع، نحو: أحمد وأشهر في المحمود والمشهور، ثم جعل بمعنى جميعه، وانمحى عنه معنى التفضيل، فعدل في اللفظ عن لوازم أفعل التفضيل الثلاثة، أعنى اللام والاضافة " ومن "، كما ذكرنا في أخر، فالجمع وآخر فيهما العدل والوصف والوزن، وأخر وجمع فيهما العدل والوصف.
ويرد على جعل أجمع من باب الافضل أن مؤنثه جمعاء، وحقه: جمعى، كاخرى.
والجواب عنه: أنه لما انمحى عنه معنى التفضيل، جاز أن يغير بعض تصاريفه عما هو قياسه.
ولما بقى فيه معنى الصفة مع أن وزنه أفعل، صار كاحمر الذي هو على أفعل وهو صفة، فجاز: جمعاء كحمراء، وإذا جاز لك أن تقول حسناء، وخشناء، وعلياء، مع أن مذكراتها: حسن وخشن وعال، لكونها (1) صفات فكيف إذا انضم إلى الصفة وزن افعل.
هذا، وكان على المصنف أن يذكر " سحر " معينا في العدل المحقق، إذ هو غير منصرف في القول المشهور، ويذكر، أيضا أمس، رفعا على لغة بني تميم، كما يجئ في الظروف المبنية، لقيام الدليل على عدلهما، وهو أن كل لفظ جنس أطلق، وأريد به فرد من أفراده معين، فلا بد فيه من لام العهد، سواء صار بالغلبة علما نحو: النجم، والصعق،
__________
= والحوص جمع أحوص وهم قوم علقمة جمعه على فعل باعتبار الوصف ثم جمعه على الاحاوص باعتبار الاسمية وعبد عمرو أحد بني الاحوص.
ومن هذا الشعر قوله: فان تتعدني اتعدك بمثلها * وسوف أزيد الباقيات القوارصا (1) يريد أن الوصف في كل من حسن وخشن وعال.
كان كافيا في مجئ مؤنثها على فعلاء فمن باب أولى إذا كان المذكر على وزن أفعل.
(*)(1/121)
أو، لا، نحو قوله تعالى: " فعصى فرعون الرسول " (1)، أخذا من استقراء كلامهم، فثبت عدل سحر، وأمس محققا، وأما علميتهما فمقدرة، كما يجئ في الظروف المبنية، قوله " أو تقديرا "، قد مضى التقدير (2).
اعلم أن ما هو على وزن فعل من الاسماء على ثلاثة أضرب: إما اسم جنس غير صفة، وذلك على ضربين: مفرد، كصرد، وهدى، وجمع كغرف وحجر، فهذه كلها منصرفة وان سمي بها إذا كان المسمى مذكرا، وإما صفة، وذلك على ثلاثة أقسام، أحدها مبالغة فاعل غير مختصة بالنداء، كحطم وختع (3) في مبالغة حاطم وخاتع، فهو كضروب في مبالغة ضارب، وثانيها مبالغة فاعل مختصة بالنداء، نحو يا فسق، ويا لكع، فهو في المذكر كفعال في المؤنث نحو يا فساق ويا لكاع، كما يجئ في باب النداء، وفعل وفعال، المختصان بالنداء، معدولان عند النحاة، بخلاف نحو حطم وختع، قالوا: لو لم يكونا معدولين، بل كانا كحطم، لم يختصا بالنداء، بل ساوقا (4) ما هما لمبالغة في شيوع الاستعمال، كما ساوق حطم في الاستعمال حاطما، ولم يختص بباب دون باب.
وأنا لا أرى في نقصان بعض الاشياء المشتركة في معنى عن بعض في التصرف، دليلا على أن الناقص معدول عن الشائع، وسيجئ لهذا مزيد بحث في أسماء الافعال.
ولما كان من مذهبهم أن جميع أنواع " فعال "، مبنية كانت، أو ممنوعة من الصرف
معدولة، وكذا " فعل " المختص بالنداء، فرعوا عليه أنك إذا سميت بها، ففعل لا ينصرف اتفاقا، نحو فسق علما، للعدل والعلمية، وكذا: فعال عند بني تميم، نحو: نزال وفجار وفساق، أعلاما، وهذا الذي قالوا: حق: لو ثبت لهم أن جميعها معدول
__________
(1) الاية 16 من سورة المزمل.
(2) أي معنى العدل التقديري.
(3) الحطم: الشديد: والختع الماهر الحاذق في الدلالة وهو أيضا من أسماء الضبع.
(4) أي سارا مثله في عدم الاختصاص بالنداء.
(*)(1/122)
ولم يثبت، ودونه خرط القتاد، كما يجئ في أسماء الافعال.
وثالث الاقسام: جمع فعلى أفعل التفضيل، ولا عدل فيها إلا في أخر وجمع وأتباعه، كما ذكرناهما.
وإما علم، وهو - ان جمع شرطين: ثبوت فاعل وعدم فعل قبل العلمية، فهو غير منصرف، كقثم (1) وجحى، لانه ثبت قاثم وجاح، وعدم قثم وجحى قبل العلمية، فحكمنا بكونه معدولا عن فاعل جنسا، وقطعنا بعدم نقله عن فعل الجنسي، فقلنا: هو علم مرتجل، أي غير منقول عن شئ، وهو معدول، وانما حملناه على كونه معدولا، ولم نجوز أن يكون مرتجلا غير معدول، كعمران وسعاد لكثرة كون فعل الجامع للشرطين، غير منصرف واضطرارنا حينئذ إلى تقدير العدل فيه على ما تقدم لئلا تنخرم القاعدة الممهدة (2)، فكل فعل علم جامع للشرطين يجهل كونه في كلامهم منصرفا أو غير منصرف فعلينا أن نقدر العدل فيه ونمنعه الصرف، الحاقا للمشكوك فيه بالاغلب.
أما " أدد " فانه وإن جمع الشرطين، لكنه سمع في كلامهم منصرفا فلا نقدر العدل فيه.
وان اختل أحد الشرطين، وذلك بالا يجئ له فاعل قبل العلمية، ولا فعل، فهو منصرف، لو جاء مثل ذلك في كلامهم، ولا أعرف له مثالا، وكذا ان جاء له فاعل قبل
العلمية مع ثبوت فعل أيضا قبلها، فهو منصرف، كحطم وختع علمين، لجواز نقله عن فعل جنسا وألا يكون معدولا عن فاعل، ولا سيما أن النقل في الاعلام أكثر وأغلب من العدل، أما عمر وزفر، علمين، فكان الواجب على هذا الاصل صرفهما، لانه كما جاء
__________
(1) القثم من أسماء الذكر من الضباع، وقثم بمعنى أعطى.
وجحى من جحا بالمكان إذا أقام، ويقال جحاه جحوا واجتحاه: بمعنى اجتاحه أي استاصله.
(2) وهي وجود سببين في الممنوع من الصرف أو واحد يقوم مقامهما.
(*)(1/123)
لهما فاعل قبل العلمية، جاء فعل أيضا، نحو: عمر جمع عمرة، والزفر: السيد، قال الاعشى (1): 27 - أخور غائب يعطيها ويسالها * يابي الظلامة منه النوفل الزفر (2) لكنهما لما سمعا غير منصرفين، حكمنا بانهما حال العلمية غير منقولين عن فعل الجنسي، بل هما معدولان عن فاعل، وان اختل الشرطان كلاهما فلا كلام في كونه منصرفا، أيضا، لو اتفق مجيئه.
فان قيل: هلا حكم في المرتجلة التي هي نحو موهب، ومكوزة، ومحبب، وحيوة، أنها معدولة عن: موهب، ومكازة، ومحب وحية ؟ قلت: لانها وان كانت خارجة عن القياس، الا أنه هذه التغييرات رجوع إلى الاصل من وجه، فكأنها ليست بمعدولة، إذ العدل خروج عن الاصل، وهذا رجوع إليه.
أما في محبب ومكوزة فظاهر، وأما موهب فانه وان كان قياس معتل الفاء بالواو أن يساغ منه مفعل بكسر العين، لكن الاصل في يفعل مفتوح العين، ان يبني منه مفعل بالفتح، فالعدول إلى الكسر في موضع وموجل مخالفة للاصل.
وانما خولف، حملا على الاكثر، وذلك لان معتل الفاء الواوي أكثر من باب يفعل بكسر العين، والموضع (3) مبني على المضارع.
وقد حكى الكوفيون: موضع بفتح الضاد على الاصل ؟
__________
(1) المراد أعشى باهلة وهو عامر بن الحارث وكنيته أبو قحفان، وجاء في بعض النسخ: الاعشى الباهلي.
(2) من قصيدة له يرثي بها المنتشر بن وهب الباهلي وهو أخو الاعشى لامه وكان قد قتل في سفره إلى حج ذي الخلصة (صنم كانوا يعبدونه) فقتله بنو نفيل بن عمر بن كلاب.
وهي قصيدة جيدة قال البغدادي: ولجودتها وندرتها نشرحها.
وشرحها كلها وذكر قصة قتل المنتشر.
وقال ان القصيدة نسبت في بعض الاراء إلى أخت المنتشر (3) يريد اسم المكان لا خصوص هذه الكلمات وهي فيما عدا ذلك مما ذكره مراد بها اللفظ نفسه.
(*)(1/124)
وأما مورق في اسم رجل، فانما صرف إما بناء على أنه فوعل، أو على أنه مفعل، لكن كونه أكثر من مفعل كما يجئ في التصريف أوهمهم أنه غير معدول عن مفعل بالكسر، وكذلك موكل علما، وأما: 28 - شمس بن مالك (1) بضم الشين، فلما لم يلزم لم يعتبر في الوزن، ولو سلمنا لزومه قلنا: انه منقول عن جمع شموس، والا لزم جواز صرفه وترك صرفه كما في هند، لان أمر العدل ظاهر وليس كالعجمة في نوح ولوط، حتى يقال إنه لا يؤثر في الثلاثي الساكن الاوسط.
وأما حيوة فان الصيغة لم تتغير، والعدل خروج عن الصيغة الاصلية، فوزن حيوة، وحية: فعلة، فلنا (2) أن نرتكب كونها معدولة، قوله " وقطام في تميم "، أي في لغة بني تميم، أما في لغة أهل الحجاز ففيها، أيضا، عدل مقدر عند النحاة، لكنها مبنية، وكلامه في المعربات غير المنصرفة، ونعني بباب " قطام "، ما هو على وزن فعال من أعلام الاعيان المؤنثة.
وذلك أن " فعال " على أربعة أقسام، كما يجئ: اسم فعل كنزال، وبناؤه ظاهر، وعلم للمصادر على راي النحاة، كفجار للفجرة، وصفة للمؤنث كفساق بمعنى فاسقه، وهما، أيضا، مبنيان باتفاق، قالوا لمشابهته (3) باب نزال، عدلا ووزنا، ولم يكتفوا في
المشابهة بالوزن لئلا يرد نحو: سحاب، وجهام، وكلام، وكهام، فانها معربة، فقالوا:
__________
(1) قال الرضى في الاستشهاد بهذا: وأما شمس بن مالك...واقتصر على ذلك ولكن البغدادي جعله أحد الشواهد لانه ورد في شعر لتابط شرا، ثابت بن جابر يرثي بها شمس بن مالك.
وهي أبيات عشرة أوردها أبو تمام في أول الحماسة في باب المراثي.
والبيت المقصود منها قوله: واني لمهد من ثنائي فقاصد * به لابن عم الصدق شمس بن مالك (2) هكذا ورد: والصواب: فليس لنا أن نرتكب ولم يشر الجرجاني إلى شئ من النسخ الاخرى يكون فيها هذا التصحيح للعبارة.
(3) المناسب: لمشابهتهما أي علم المصادر ووصف المؤنث ويمكن أن يكون التقدير: لمشابهة كل منهما.
(*)(1/125)
كما أن نزال معدول عن: انزل، ففساق وفجار في التقدير معدولتان عن فاسقة والفجرة.
والقسم الرابع: علم الاعيان المؤنثة، فغلة الحجازيين بناؤه كله، قيل لمشابهتها أيضا، لنزال، وزنا وعدلا مقدرا.
وبنو تميم افترقوا فرقتين: أكثرهم على أن ذات الراء من هذا القسم مبنية على الكسر للوزن والعدل المقدر، كحضار، وانما قدروا العدل فيها تحصيلا للكسر اللازم بسبب البناء، إذ كسر الراء مصحح للامالة المطلوبة المستحسنة.
وغير ذات الراء كقطام معربة غير منصرفة للتانيث والعلمية، ولم يحتاجوا في ترك الصرف ههنا إلى تقدير العدل، كما احتيج إليه في عمر، الا أن بعض النحاة يقدرونه فيه من غير ضرورة، لانه من باب حضار الذي وجب تقدير العدل فيه لغرض البناء الذي هو سبب الامالة، فقدروه فيه أيضا طردا للباب.
وأقلهم (1) على أن جميع هذا القسم غير منصرف، من ذوات الراء كان، أو، لا، وسيجئ الكلام على تقدير العدل في مثله في أسماء الافعال.
الوصف
وشرط تأثيره في منع الصرف قال ابن الحاجب: " الوصف، شرطه أن يكون في الاصل فلا تضره الغلبة فلذلك " " صرف: مررت بنسوة أربع، وامتنع: أسود وأرقم للحية، " " وأدهم للقيد، وضعف منع: أفعى للحية، وأجدل للصقر، " " وأخيل لطائر ".
__________
(1) أي أقل بني تميم، وهو مقابل لقوله قبل: أكثرهم (*)(1/126)
قال الرضى: قوله: " الوصف "، تقدير الكلام: شرطه أن يكون في الاصل فلذلك صرف: مررت بنسوة أربع، ولا تضره الغلبة، فلذلك امتنع: أسود وأرقم.
وأنا إلى الان لم يقم لي دليل قاطع على أن الوصف العارض غير معتد به في منع الصرف، أما قولهم: مررت بنسوة أربع مصروفا، فيجوز أن يكون الصرف لعدم شرط وزن الفعل على ما يذكر، وهو عدم قبوله للتاء، فانه يقبلها لقولهم: أربعة، لا لعدم شرط الوصف.
وليس قولهم: ان التاء في أربعة ليست بطارئة على أربع، لان أربعة للمذكر، وأربعا للمؤنث والمذكر في الرتبة قبل المؤنث بخلاف يعمل ويعملة، فان يعملة للمؤنث فالتاء طارئة، بشئ (1)، وان دققوا فيه النظر، لانه إذا جاز ألا يعتد بالوزن الاصلي في يعمل، لكونه قد يعرض له بعد، (2) ما يخرجه عن الاعتبار وهو التاء في المؤنث، فكيف يعتد بالوزن العارض في أربع مع كونه قبل، على حالة خرج بها عن شرط اعتبار الوزن، وهي اتصاله بالهاء ؟ فإذا كان الوزن في الحال حاصلا فيهما والمخرج عن اعتباره في حال أخرى، فسواء كانت تلك الحال قبل أو بعد، بل الاول ينبغي أن يكون أضعف، لانه عارض غير لازم، إذ قد يجوز في أربع للمؤنث استعمال الاصل أعني أربعة للمذكر، وفي الثاني
أعني يعملا وزن الفعل أصل لكنه غير لازم لانه يقال للمؤنث يعملة، فالوزنان متساويان في عدم اللزوم، وأربع يزيد ضعفا بعروض الوزن، على يعمل.
قوله: " فلا تضر الغلبة "، معنى الغلبة أن يكون اللفظ في أصل الوضع عاما في أشياء، ثم يصير بكثرة الاستعمال في أحدها أشهر به بحيث لا يحتاج لذلك (3) الشئ إلى قرينة، بخلاف سائر ما كان واقعا عليه، كابن عباس، فانه كان عاما يقع على كل واحد من بني
__________
(1) خير عن قوله: وليس قولهم أن الثاء في اربعة الخ..(2) بعد أي بعد جعله وصفا وفيما ياتي قوله في أربع: مع كونه قبل أي قبل جعله وصفا.
(3) أي لدلالته على ذلك الشئ.
وكذلك في قوله بعد.
فلا يحتاج له.
(*)(1/127)
العباس، ثم صار أشهر في عبد الله فلا يحتاج له إلى قرينة، بخلاف سائر أخوانه وكذا النجم، في الثريا، والبيت في الكعبة، فكذا أسود، كان عاما في كل ما فيه سواد، فكثر استعماله في الحية السوداء حتى لا يحتاج فيها إلى قرينة من الموصوف أو غيره إذا عنيت به ذلك النوع من الحيات بخلاف سائر السود، فانه لا بد لكل منها إذا قصدته من قرينة، إما الموصوف نحو: ليل أسود، أو غيره نحو: عندي أسود من الرجال، وبهذا الشرح يتبين لك أنه لا تخرج الاوصاف العامة بالغلبة عن معنى الوصفية، ولا سيما إذا لم تصر أعلاما بالغبلة، فان اعتبار الوصف مع العلمية فيه نظر، كما يجئ، وكيف يخرج عن الوصف، ومعنى الغلبة تخصيص اللفظ ببعض ما وضع له، فلا يخرج عن مطلق الوصف، بل انما يخرج عن الوصف العام، اي لا يطلق على كل ما وضع له، بلى يخرج الوصف لفظا عن كونه وصفا أي لا يتبع الموصوف لفظا، فلا يقال: قيد أدهم، لكن المقصود في باب ما لا ينصرف: الوصف من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، فبان بهذا ضعف قول المصنف في شرح قوله بعد: (1) وخالف سيبويه الاخفش، وهو قوله: ومذهب سيبويه أولى لما ثبت متقدما من اعتبار الوصفية الاصلية وان زال تحقيقها معنى، بل لا استدلال له في باب
أحمر إذا نكر بعد العلمية بباب اسود الغالب، لان معني الوصف في احمر، إذا زال بالعلمية تحقيقا لم يعد بعد التنكير، لان معنى: رب أحمر، إذن، رب مسمى باحمر، كان فيه الحمرة، أو، لا، حتى يجوز في السودان المسمى كل واحد منهم باحمر: رب أحمر لقيته، فإذا لم يعد تحقيقا لم يعتبر في منع الصرف.
ويجوز مع العلمية، أيضا بقاء معنى الوصف كما يجئ، فيجوز أن يعتبر بعدها فليس اعتبار الوصف بعد العلمية بلازم، وهو في الوصف الغالب من دون العلمية، كاسود، لازم، لبقائه بحاله قطعا.
__________
(1) في بحث الاخير من باب ما لا ينصرف عنه الكلام على تنكير نحو أحمر بعد العلمية.
(*)(1/128)
ويعضد بقاء معنى الوصف في مثله عندهم قول أبي علي في كتاب الشعر (1): الابرق، والابطح، وإن استعملا الاسماء، وكسرا تكسيرها، لم يخلع عنهما معنى الوصف، بدلالة أنهم لم يصرفوهما، ولا نحوهما، في النكرة فعلمت أن معنى الوصف مقر فيهما، وإذا أقر فيهما معنى الوصف علقت الحال والظرف بهما.
هذا لفظه، ونحن نعلم أن معنى أسود الغالب، حية فيها سواد، ومعنى أرقم حية فيها سواد وبياض، ومعنى أدهم، قيد فيه دهمة أي سواد، أي قيد من حديد لان الحديد أسود.
فلم يثبت بنحو أسود أن الوصفية الاصلية تعتبر بعد زوالها، فلا حجة، إذن، لسيبويه، في منع صرف أحمر المنكر بعد العلمية، كما أنه لم يثبت باربع: ان الوصفية العارضة لا تعتبر.
وقال بعضهم: ربما لا تعتبر الصفة في الغالبة نحو أبطح ونحوه من الغالبات فتصرف، وذلك لنقصانها عن سائر الصفات لفظا لعدم جريها على الموصوف، وان كان معنى الوصف باقيا فيها.
قوله: " وضعف منع أفعى "، معطوف على قوله: صرف..أي ولكون الوصف الاصلي معتبرا، ضعف من أفعى، لانه لم يتحقق كونه وصفا في أصل الوضع، ولا يثبت أيضا في الاستعمال نحو أيم أفعى، بل تؤهم أنها موضوعة للصفة، لما راوا أنها للحية الخبيثة الشديدة، من قولهم فعوة السم، أي شدته.
وكذا توهم الصفة في الاجدل الذي هو الصقر، أنه موضوع في الاصل للوصف، أي طائر، ذو جدل وهو الاحكام، وقد قيل للدرع جدلاء، فكأنها مؤنث أجدل.
__________
(1) لابي علي الفارسي كتاب اسمه: الايضاح الشعري.
وينقل الرضى في شرحه هذا عن الفارسي فيقول مرة عنه: كتاب الشعر، ومرة: الكتاب الشعري.
وذكر السيوطي في البغية أن للفارسي كتابا اسمه: أبيات الاعراب، فربما كان هو المقصود من كلام الرضى.
(*)(1/129)
وكذا توهم في أخيل أن معناه الاصلي: طائر ذو خيلان، ولم يثبت ما توهموه تحقيقا.
ولنا أن نقول: صرف هذه الكلمات ونحوها، لان مستعملها لا يقصد معنى الوصف مطلقا، لا عارضا ولا أصليا، فافعى وان كانت في نفسها خبيثة، وأجدل، طائرا ذاقوة (1)، وأخيل طائرا ذا خيلان، الا أنك إذا قلت مثلا: لقيت أجدلا، فمعناه هذا الجنس من الطير، من غير أن تقصد معنى القوة، كما تقول: رايت عقابا، لا تقصد فيها معنى الوصف بالشدة، وان كانت أقوى من الصقر، وليس صرفها لكونها غير موضوعة للوصف تحقيقا كما أشار إليه المصنف، فاما منع صرف مثله، فغلط ووهم.
__________
(1) أي وان كان أجدل طائرا ذاقوة.
وكذا فيما بعده.
بالعطف على قوله: وان كانت في نفسه خبيثة.
(*)(1/130)
التأنيث المانع من الصرف أنواعه وأحكامه وشرط تأثيره قال ابن الحاجب:
" التأنيث بالتاء، شرطه العلمية، والمعنوي كذلك وشرط تحتم " " تأثيره: زيادة على الثلاثة أو تحرك الاوسط أو العجمة، فهند " " يجوز صرفه، وزينب، وسقر، وماه، فقدم منصرف، " " وعقرب ممتنع ".
قال الرضى: اعلم أن التأنيث على ضربين: تأنيث بالالف وتانيث بالتاء، فما هو بالالف متحتم التأثير بلا شرط، للزوم الالف وضعا على ما مر، ولذا قام مقام سببين.
ونريد بتاء التأنيث تاء زائدة في آخر الاسم مفتوحا ما قبلها تنقلب هاء في الوقف، فنحو: أخت وبنت ليس مؤنثا بالتاء بل التاء بدل من اللام، لكنه اختص هذا الابدال بالمؤنث دون المذكر، لمناسبة التاء للتانيث، فعلى هذا لو سميت ببنت وأخت وهنت مذكرا لصرفتها، والتانيث بالتاء على ضربين: أحدهما أن يكون التاء فيه ظاهرا، فشرطه العلمية،(1/131)
سواء كان مذكرا حقيقيا كحمزة، أو مؤنثا حقيقيا، كعزة، أو، لا هذا ولا ذاك، كغرة، فالعلمية شرط تأثيره متحتما، فلا يؤثر من دون العلمية بدليل نحو: امراة قائمة، وفي قائمة الوصف الاصلي والتانيث بالتاء، فالخلل لم يجئ إلا من التأنيث، لان شرط الوصف وهو كونه وضعيا على ما ذكر المصنف حاصل، وذلك الخلل ان وضع تاء التأنيث في الاصل على العروض وعدم الثبات، تقول في قائمة: قائم، فلم يعتد بالعارض.
وإنما قلنا في الاصل، لان أصل وضعها للفرق بين المذكر والمؤنث ولا تجئ لهذا المعنى في الصفات والاسماء إلا غير لازمة للكلمة، كضاربة ومضروبة وحسنة، وامراة، ورجلة (1)، وحمارة.
وأما في غير هذا المعنى فقد تكون لازمة، كما في حجارة، وغرفة، كما يجئ في باب التأنيث.
ثم ان العلمية حيث كانت الكلمة من الكلمات العربية صيرتها مصونة عن النقصان، فتلزم التاء بسببها، فتاء عائشة كراء جعفر، صارت لازمة لا تحذف إلا في الترخيم كما يحذف الحرف الاصلي.
وانما ذلك لان التسمية باللفظ وضع له، وكل حرف وضعت الكلمة عليه لا ينفك عن الكلمة، فقولك: عائشة، في الجنس ليس موضوعا مع التاء، فإذا سميت به، فقد وضعته وضعا ثانيا مع التاء، فصار التاء كلام الكلمة في هذا الوضع.
وأما ان كانت العلمية في غير الكلم العربية، فربما تصرف العرب فيها بالنقص وتغيير الحركة وقلب الحرف، ان استثقلوها، كما في جبرائيل وميكائيل، وارسطاطاليس، فقالوا: جبريل وجبرال وجبرين، وميكال، وارسطو، وارسطاليس ونحو ذلك، وذلك لورودها على غير أوزان كلمهم الخفيفة وتركيب حروفها المناسبة مع عدم مبالاتهم بما ليس من أوضاعهم، ولذلك قالوا أعجمي فالعب به ما شئت.
__________
(1) ورد استعمال " رجلة " مؤنث رجل.
في قوله: (مزقوا جيب فتاتهم.
لم يبالوا حرمة الرجلة).
(*)(1/132)
وأما الزيادة في الاعلام، فنقول: ان كان الحرف الزائد لا يفيد معنى كالف التأنيث في نحو بشرى وذكرى، وتاء التأنيث في نحو غرقة، وألف الالحاق في نحو معزى، لم يجز زيادته، لان مثل ذلك لا يكون الا حال الوضع، وكلامنا فيما يزاد على العلم بعد وضعه، إذا استعمل على وضعه العلمي، وكذا الحكم ان لم تفد الزيادة الا ما أفاد العلم، كتاء الوحدة ولام التعريف من غير اشتراك العلم.
وان أفادت الزيادة معنى آخر، فان لم يقع لفظ العلم بذلك المعنى على ما وضع له أولا، لم يجز زوال الوضع العلمي، فلا نزيد عليه التاء المفيدة لمعنى التأنيث.
وان بقى لفظ العلم مع تلك الزيادة واقعا على ما كان موضوعا له جازت مطلقا ان لم يخرج العلم بها عن التعيين كياء النسبة وياء التصغير، وتنوين التمكن، نحو هاشمي
وطليحة، وان خرج بها عن التعيين جازت بشرط جبران التعيين بعلامته، كما في: الزيدان والزيدون، على ما يجئ في باب الاعلام.
فان قيل: فإذا صار التاء بالعلمية لازما (1)، فهلا قيل في نحو: حمزة، انه قائم مقام سببين كالالف، فتكون العلمية شرط قيامه مقام سببين، ولا تكون سببا.
قلت: لما ذكرنا من أن وضع التاء في الاصل على العروض، فلزومه عارض، فلم يبلغ مبلغ الالف التي وضعها على اللزوم.
وثانيهما أن يكون التاء مقدرا وهو الذي سماه المصنف بالمعنوي، سواء كان حقيقيا، كهند وزينب، أو غير حقيقي كحلب ومصر، والالف لا تقدر كالتاء، إذ الالف، للزومها، لا تحذف حتى تقدر، ولا تؤثر التاء مقدرة الا مع العلمية.
ولا يصح الاستدلال على كون التأنيث المعنوي أيضا مشروطا بالعلمية بانصراف نحو: حائض، وامراة جريح، كما فعل المصنف في شرحه (2)، لان المراد بالمؤنث المعنوي
__________
(1) قوله فإذا صار التاء لازما.
مما جرى عليه في تعبيراته عن الحروف والالفاظ مطلقا، انظر ص 45 من هذا الجزء هامش رقم (1) وسيعود بعد قليل إلى التأنيث.
(2) أي في شرحه على هذه الرسالة " الكافية ".
(*)(1/133)
ما كان التاء فيه مقدرا كما مر، لا المؤنث الحقيقي، وفي نحو حائض، لا تاء مقدرا، إذ لو كان كذلك غير منصرف مع كونه علما للمذكر كعقرب وليس كذلك، ولكنت تقول في تصغيره تصغير الترخيم: حييضة، كما تقول في سماء: سمية، وليس كذلك، لانك تقول فيه: حييض، الا ترى إلى نحو حائض منصرفا مع التأنيث والوصف، ومثله مع العلمية، أيضا، غير منصرف، كما يجئ.
وانما شرط فيه العلمية أيضا، لان المقدر عندهم أضعف من الظاهر وشرط الظاهر العلمية.
والفرق بينهما أن العلمية تصير التاء الظاهرة متحتمة التأثير مطلقا وان كانت الكلمة على ثلاثة ساكنة الاوسط، كشاة علما، لان العلامة ظاهرة، وأما التاء المقدرة فضعيفة، فان سد مسدها في اللفظ حرف آخر، أثرت وجوبا، والا ففيه الخلاف كما يجئ، وما يسد مسدها: الحرف الاخير في الزائد على الثلاثة، لان موضع التاء في كلامهم فوق الثلاثة ولا تزاد ثالثة، وأما نحو ثبة وشاة، فمحذوف اللام، ودليل سده مسد التاء: تصغيرهم عقربا على عقيرب من دون التاء، بخلاف: قدر فان تصغيره: قديرة، فالمؤنث بالتاء المقدرة حقيقيا كان، أولا، إذا زاد على الثلاثة وسميت به لم ينصرف، سواء سميت به مذكرا حقيقيا، أو مؤنثا حقيقيا، أو، لا هذا ولا ذاك، وذلك لان فيه تاء مقدرة وحرفا سادا مسدها فهو بمنزلة حمزة.
وان كان ثلاثيا فاما أن يكون متحرك الاوسط، أو، لا.
والاول ان سميت به مؤنثا حقيقيا كقدم في اسم امراة، أو غير حقيقي كسقر، لجهنم، فجميع النحويين على منع صرفه للتاء المقدرة، ولقيام تحرك الوسط مقام الحرف الرابع القائم مقام التاء، والدليل على قيام حركة الوسط مقام الحرف الرابع أنك تقول في حبلى: حبلي وحبلوي، ولا تقول في: جمزى إلا جمزي، كما لا تقول في: جمادى الا جمادي.(1/134)
وخالفهم ابن الانباري (1)، فجعل سقر، كهند في جواز الامرين نظرا إلى ضعف الساد مسد التاء.
وان سميت به مذكرا حقيقيا أو غير حقيقي، فلا خلاف عندهم في وجوب صرفه لعدم تقدير تاء التأنيث، وذلك كرجل سميته بسقر، وكتاب سميته بقدم، وانما لم يقدر لطران (2) التذكير في الوضع الثاني على ما ضعف تأنيثه في الوضع الاول، فعلى هذا تقول في تصغير سقر اسم رجل: سقير، وأما أذيته، وعينية لرجل فسمي بهما بعد التصغير.
وان لم يسد مسد التاء، ولا مسد الساد مسده شئ، وذلك إذا كان ثلاثيا ساكن الاوسط، فلا يخلو إما أن يكون فيه عجمة، أو، لا، فان لم يكن فان سميت به مذكرا، سواء كان حقيقيا، أو، لا، كهند، إذا جعلته اسم رجل أو اسم سيف مثلا، فلا خلاف في صرفه، وإن سميت به مؤنثا حقيقيا أو غيره، فالزجاج، وسيبويه، والمبرد (3): جزموا بامتناعه من الصرف لكونه مؤنثا بالوضعين: اللغوي، والعلمي، فظهر فيه أمر التأنيث، وغيرهم خيروا فيه بين الصرف وتركه، لفوات الساد مسد حرف التأنيث، وما يسد مسد الساد.
وكذا الخلاف فيما سكن حشوة للاعلال لا وضعا، كدار ونار، وفي الثنائي كيد اسم امراة.
وان كان فيه العجمة، كماه وجور، فان سميت به مذكرا حقيقيا، أو، لا، فالصرف لا غير، إذ هما كنوح ولوط، كما يجئ.
__________
(1) أبو بكر محمد بن القاسم، أخذ عن ثعلب وكان يمتاز بحافظة نادرة وهو الذي ينقل عنه النحاة كثيرا من الاراء توفي سنة 327 ه وهو غير أبي البركات كمال الدين بن محمد الانباري صاحب كتاب الانصاف والمتوفى سنة 577 ه والاشهر في الحديث عنه أن يقال: الانباري بدون ابن.
(2) تقدم أن هذا المصدر نادر ويستعمله المؤلف كثيرا، انظر ص 61 من هذا الجزء هامش (1).
(3) تكرر ذكر هؤلاء جميعا.
(*)(1/135)
وان سميت به مؤنثا حقيقيا أو، لا، فترك الصرف لا غير، لان العجمة، وان لم تكن سببا في الثلاثي الساكن الاوسط كما يجئ، لكن مع سقوطها عن السببية لا تقصر عن تقوية السببين حتى يصير الاسم بهما متحتم المنع.
فظهر بهذا التفضيل أن المؤنث إذا سمي به مذكر، حقيقي أو غير حقيقي، يعتبر في منع صرفه: زيادة على ثلاثة أحرف، ولا يعتبر تحرك الاوسط ولا العجمة.
وههنا شروط أخر لمنع صرف المؤنث إذا سمي به المذكر تركها المصنف: أحدها: ألا يكون ذاك المؤنث منقولا عن مذكر، فان ربابا، اسم امراة، لكن إذا سميت به مذكرا انصرف، لان الرباب قبل تسمية المؤنث به كان مذكرا بمعنى الغيم، وكذا لو سميت بنحو حائض وطالق مذكرا انصرف، لانه في الاصل لفظ مذكر وصف به المؤنث إذ معناه في الاصل شخص حائض، لان الاصل المطرد في المشتقات أن يكون المجرد من التاء منها صيغة المذكر، وذو التاء موضوعا للمؤنث، فكل نعت لمؤنث، بغير التاء فهو صيغة موضوعة للمذكر، استعملت للمؤنث.
وثانيها، ألا يكون تأنيث المؤنث الذي سمي به المذكر تأنيثا يحتاج إلى تأويل غير لازم، فان نساء، ورجال، وكل جمع مكسر خال من علامة التأنيث لو سميت به مذكرا انصرف، لان تأنيثها لاجل تأويلها بجماعة، ولا يلزم هذا التأويل، بل لنا أن نؤولها بالجمع فيكون مذكرا، ولم يبق التأنيث الحقيقي الذي كان في المفرد، ولا التذكير الحقيقي، في نحو نساء ورجال، بل تأنيثهما باعتبار التأويل بالجماعة وهو غير لازم، كما ذكرنا، وثالثها: ألا يغلب استعماله في تسمية المذكر به، وذلك لان الاسماء المؤنثة السماعية، كذراع، وعناق، وشمال، وجنوب، على أربعة أضرب، قسمة عقلية، إما أن يتساوى استعمالها مذكرة ومؤنثة، فإذا سمي بها مذكر جاز فيها الصرف وتركه، أو يغلب استعمالها مذكرة، فلا يجوز بعد تسمية المذكر بها الا الصرف أيضا، أو لا تستعمل إلا مؤنثة، فليس فيها بعد تسمية المذكر بها الا منع الصرف، أما إن عكست الامر أعني سميت المؤنث باسم المذكر حقيقيين كانا، أو، لا، فان كان الاسم ثلاثيا متحرك الاوسط، كجبل وحسن، أو زائدا على الثلاثة كجعفر، فلا كلام في منع صرفهما لظهور أمر التأنيث بالطرءان(1/136)
مع ساد مسد التاء، أو ساد مسد الساد، وان كان ثلاثيا ساكن الاوسط كزيد وبحر يسمى بمثلها امراة، فالخليل وسيبويه وأبو عمرو (1)، يمنعونه الصرف متحتما، كماه، وجور،
لظهور أمر التأنيث بالطرءان.
وأبو زيد (2)، وعيسى (3)، والجرمي (4)، يجعلونه مثل هند في جواز الامرين، ويرجحون صرفه على صرف هند نظرا إلى أصله.
قوله: " وشرط تحتم تأثيره "، أي تأثير المعنوي، والمراد به تأنيث ما التاء فيه مقدرة، سواء كان حقيقيا كزينب، أو، لا، كعقرب.
قوله: " زيادة على الثلاثة أو تحرك الاوسط أو العجمة "، أي إذا سمي به المؤنث وذلك لما ذكرنا أن آخر حروف الزائد على الثلاثة يقوم مقام التاء، وتحرك الاوسط يقوم مقام الزائد الساد مسد التاء.
وأما العجمة فانها وان لم تسد مسد التاء ولا مسد الزائد المذكور، وليست أيضا، سببا في الثلاثي الساكن الاوسط كما يجئ، لكنها مقوية للتانيث الضعيف تأثيره لكون علامته مقدرة بلا نائب، فالضعف من قبله لا من قبل العلمية، فهو المحتاج إلى التقوية لا العلمية، فلذا قال: وشرط تحتم تأثيره أي تأثير التأنيث المعنوي.
قوله: " فهند يجوز صرفه "، لخلوه من جميع شرائط التحتم الثلاث، وزينب ممتنع، للزيادة، وسقر، لتحرك الاوسط، وماه وجور للعجمة.
__________
(1) المراد أبو عمرو بن العلاء بن عمار، وأرجح الاقوال أن اسمه زبان وهو المقصود في البيت المشهور هجوت زبان ثم جئت معتذرا * من هجو زبان لم تهجو ولم تدع وهو من متقدمي النحاة، وأحد أئمة الطبقة الثانية من علماء البصرة توفي سنة 154 قالوا انه لم يترك آثارا مكتوبة لانه تنسك في آخر حياته فاحرق كتبه.
وهو أحد القراء السبعة.
(2) المراد: أبو زيد الانصاري واسمه سعيد بن أوس بن ثابت.
كان اماما نحويا ولغويا وله مؤلفات كثيرة أكثرها في اللغة ومن أشهرها النوادر توفي سنة 215 ه على الارجح.
(3) أي عيسى بن عمر الثقفي امام من متقدمي النحاة وهو ممن أخذ عنهم سيبويه.
توفي سنة 149 ه.
(4) أما الجرمي فقد تقدم ذكره أكثر من مرة.
انظر ص 79 من هذا الجزء.
(*)(1/137)
قوله: " فان سمي به مذكر، أي بالمؤنث المقدر تاؤه الذي عبر عنه بالمعنوى، قوله: " فشرطه الزيادة، أي الزيادة على الثلاثة، ولا يفيد تحرك الاوسط ولا العجمة، لضعف أمر التأنيث في الاصل بسبب تقدير علامته، فيزيل التذكير الطارئ في الوضع العلمي ذلك الامر الضعيف، الا إذا سد مسد علامته حرف، ولا تقاومه الحركة القائمة مقام الساد، ويكون ماه، وجور، إذن، كنوح ولوط، لان الجميع علم المذكر، فلا تكون التاء مقدرة، وسيجئ أن العجمة لا تأثير لها في الثلاثي الساكن الاوسط بالسببية، بل انما تؤثر بالشرطية بعد ثبوت سببين دونها، فقدم وجور منصرفان، لعدم الحرف الزائد وعقرب ممتنع، لان الباء قام مقام تاء التأنيث.(1/138)
أسماء القبائل والبلدان وأما أسماء القبائل والبلدان فان كان فيها مع العلمية سبب ظاهر بشروطه فلا كلام في منع صرفها، كباهلة، وتغلب، وبغداد، وخراسان ونحو ذلك.
وان لم يكن فالاصل فيها الاستقراء، فان وجدتهم سلكوا في صرفها أو ترك صرفها طريقة واحدة، فلا تخالفهم، كصرفهم ثقيفا، ومعدا، وحنينا ودابقا، وترك صرفهم سدوس، وخندف، وهجر، وعمان، فالصرف في القبائل بتأويل الاب، ان كان اسمه كثقيف، أو الحي، وفي الاماكن بتأويل المكان والموضع ونحوهما، وترك الصرف في القبائل بتأويل الام ان كان في الاصل، كخندف، أو القبيلة، وفي الاماكن بتأويل البقعة والبلدة ونحوهما.
وان جوزوا صرفها وترك صرفها كما في " ثمود " و " واسط "، و " قريش "، فجوزهما أيضا على التأويل المذكور.
وان جهلت كيفية استعمالهم فلك فيها الوجهان.
هذا، وربما جعلوا الاب مؤولا بالقبيلة فمنعوه الصرف، قال:(1/139)
29 - وهم قريش الاكرمون إذا انتموا * طابوا فروعا في العلا وعروقا (1) ويصفونه ببنت، نحو تميم بنت مر، وقيس بنت عيلان.
وكذا قد يؤول اسم الام بالحي فيصفونه بابن نحو باهلة بن أعصر، وباهلة امراة، وقد يؤنث ما أسند إلى اسم الاب مع صرفه بتأويل حذف مضاف مؤنث، نحو جاءتني قريش مصروفا، أي أولاد قريش قال الله تعالى: " كذبت ثمود المرسلين " (2) بصرف ثمود، على ما قرئ، فيعتبر المضاف المحذوف، كما في قوله تعالى: " وكم من قرية أهلكناها فجاءها باسنا بياتا أو هم قائلون " (3).
ويجوز أن يكون صرف مثله لتاويله بالحي، وتانيث المسند لتاويله بالقبيلة، فهو مؤول بالمذكر والمؤنث باعتبار شيئين: الاسناد والصرف ولا منع فيه.
وأما نحو قولهم: قرات هود، فان جعلته اسم النبي صلى الله عليه وسلم، على حذف المضاف، أي سورة هود، فالصرف، وان جعلته اسم السورة فترك الصرف، لانه كماه وجور.
وأما أسماء الكلم المبنية في الاصل، نحو: " ان " تنصب وترفع، و: " ضرب " فعل ماض، فالاكثر الحكاية، وان أعربتها فلك الصرف، بتأويل اللفظ، وتركه بتأويل الكلمة واللفظة (4)، ويجئ بسط القول فيها وفي أسماء حروف التهجي إذا سميت بها السور أو غيرها في باب الاعلام، إن شاء الله تعالى.
__________
(1) أورده شارحنا وتكلم عليه البغدادي واقتصر في شرحه على اشتقاق قريش وأرده له أمثله ولم ينسبه.
ولم يستشهد به غير الرضى ممن اطلعت على كتبهم.
وأما وجه الشاهد فيه فقد وضحه الشارح الرضى.
(2) الاية 141 من سورة الشعراء.
(3) الاية 4 من سورة الاعراف.
(4) وعلى هذا جرى استعمال الرضى كما قلنا غير أنه يخلط بين الاستعمالين أحيانا.
(*)(1/140)
المعرفة وشرط منعها من الصرف قال ابن الحاجب: " المعرفة شرطها أن تكون علمية ".
قال الرضى: وذلك لان المعارف خمس: المضمرات، والمبهمات، وهما مبنيان فلا مدخل لهما في غير المنصرف، إذ هو معرب.
وأما ذو اللام والمضاف فلا يمكن فيهما منع الصرف عند من قال: غير المنصرف: ما حذف منه التنوين والكسر تبعا للتنوين وإذا لم يدخلهما التنوين ليحذف فكيف يتبعه الكسر ؟ وكذا عند من قال: هو ما حذف منه الكسر والتنوين معا، وأما عند المصنف، فيمكن منع صرفهما لانه قال: هو ما فيه علتان أو واحدة قائمة مقامهما، لكنه لا يظهر فيهما عنده حكم منع الصرف، وهو أن لا كسر ولا تنوين، لمشابهتهما الفعل، فلم يبق من جملة المعارف، إلا العلم.
وانما اعتبر الخليل في " أجمع " وأخواته تعريف الاضافة لسقوط المضاف إليه منها، وتعرض المضاف لدخول التنوين، فيظهر أثر منع الصرف.
العجمة الصور الممنوعة من الصرف قال ابن الحاجب: " العجمة شرطها علمية في العجمية، وتحرك الاوسط أو زيادة "(1/141)
" على الثلاثة، فنوح منصرف، وشتر وابراهيم ممتنع ".
قال الرضى: قوله: " علمية في العجمية " أي كون الاسم علما في اللغة العجمية، أي يكون قبل استعمال العرب له علما، وليس هذا الشرط بلازم، بل الواجب ألا يستعمل في كلام العرب أولا إلا مع العلمية سواء كان قبل استعماله فيه، أيضا علما، كابراهيم واسماعيل، أو، لا، كقالون (1)، فانه الجيد بلسان الروم سمى به نافع (2) راوية عيسى، لجودة قراءته.
وانما اشترط استعمال العرب له أولا مع العلمية، لان العجمة في الاعجمي تقتضي ألا يتصرف فيه تصرف كلام العرب، ووقوعه في كلامهم يقتضي أن يتصرف فيه تصرف كلامهم، فإذا وقع أولا فيه مع العلمية، وهي منافية للام والاضافة فامتنعا معها، جاز أن يمتنع ما يعاقبهما أيضا، أعني التنوين رعاية لحق العجمة حين أمكنت، فيتبع الكسر التنوين على ما هو عادته، وبقي الاسم بعد ذلك قابلا لسائر تصرفات كلامهم على ما يقتضيه وقوعه فيه، لما تقرر أن الطارئ يزيل حكم المطروء عليه، فيقبل الاعراب وياء النسبة وياء التصغير، ويخفف ما يستثقل فيه بحذف بعض الحروف وقلب بعضها نحو: جرجان، وآذربيجان، في كركان، وآذربايجان، ونحو ذلك.
وإذا لم يقع الاعجمي في كلام العرب أولا مع العلمية، قبل اللام والاضافة إذ لا مانع، فيقبل التنوين أيضا مع الجر مع سائر التصرفات، كاللجام والفرند والبرق والبذح (3)، فيصير كالكلمة العربية، فان جعل بعد ذلك علما، كان كانه جعلت الكلمة العربية علما،
__________
(1) قالون: لقب عيسى بن مينا وكنيته أبو موسى.
وكما قال الشارح لقبه شيخه نافع بهذا اللقب لجودة قراءته، وهو أحد راويي نافع والراوي الثاني ورش، وسيأتي ذكره.
توفي قالون سنة 220 ه.
(2) نافع بن عبد الرحمن وكنيته أبو رويم اصفهاني الاصل أحد القراء السبعة توفي بالمدينة المنورة سنة 169 ه.
(3) اللجام قيل انه معرب لغام بالغين، وقيل انه عربي، والفرند معرب.
وهو بمعنى جوهر السيف، وأما البرق فهو
بفتح الباء والراء، معرب بره بمعنى صغير من الضان.
والبذح: هكذا جاءت في النسخة المطبوعة التي نقلنا عنها.
والموجود في المعاجم أن البرخ بالراء الساكنة والخاء المعجمة: كلمة عبرانية وقيل سريانية ومعناها: الرخيص: وفي اللسان: البرخ بالضبط السابق: الكبير الرخص: وكثير مما قيل انه أعجمي يرى بعض أئمة اللغة أنه عربي.
والله أعلم.
(*)(1/142)
فينظر، ان كان فهى مع العلمية سبب آخر غير العجمة منع الصرف، كنرجس، وبقم، ففيهما الوزن، وكذا: آجر مخففا، وان لم يكن: صرف كلجام علما.
ففي العجمة على ما قال المصنف: مجموع الشرطين واجب، العلمية في العجمية مع أحد الشرطين الباقيين وهو إما الزيادة أو تحرك الاوسط.
وعند سيبويه، وأكثر النحاة: تحرك الاوسط لا تأثير له في العجمة، فنحو لمك، عندهم منصرف متحتما كنوح ولوط، فهم يعتبرون الشرطين المعينين: كون الاعجمي علما في أول استعمال العرب له والزيادة على الثلاثة.
وهو أولى، وذلك أن تحرك الاوسط في المؤنث نحو سقر، انما اثر، لقيامه مقام الساد ملسد علامة التأنيث، وأما العجمة فلا علامة لها حتى يسد مسدها شئ، بل الاعجمي بمجرد كونه ثلاثيا، سكن وسطه، أو تحرك يشابه كلام العرب، ويصير كانه خارج عن وضع كلام العجم لان أكثر كلامهم على الطول، ولا يراعون الاوزان الخفيفة، بخلاف كلام العرب.
والزمخشري (1) تجاوز عما ذهب إليه المصنف، بان جعل الاعجمي إذا كان ثلاثيا ساكن الاوسط جائزا صرفه وترك صرفه مع ترجيح الصرف، فقد جوز تأثير العجمة مع سكون الوسط أيضا، فكيف لا تؤثر مع تحركه ؟ وليس بشئ (2)، لانه لم يسمع نحو: لوط غير منصرف في شئ من الكلام، والقياس المذكور أيضا، يمنعه.
والذي غره تحتم منع صرف ماه وجور، ولولا العجمة لكان مثل هند ودعد، يجوز صرفه وترك صرفه، وذهل عن أن تأثير الشئ على ضربين: إما لكونه شرطا كالزيادة على
__________
(1) تكرر ذكره، وأنظر ص 46 من هذا الجزء، وقوله تجاوز عما ذهب..معناه زاد على ما قاله المصنف.
(2) أي ما ذهب إليه الزمخشري.
(*)(1/143)
الثلاثة في التأنيث المعنوي، وإما لكونه سببا، كالعدل في: ثلاث، والعجمة في ماه وجور من القسم الاول، إذ لو كانت سببا في الثلاثي الساكن الاوسط لسمع نحو لوط غير منصرف في كلام فصيح، أو غير فصيح.
ويتبين بما تقدم علة وجوب صرف نحو لوط ونوح، وجواز منع نحو هند، مع أن كل واحد منهما، ثلاثي ساكن الاوسط، وذلك أن خفة الاول ألحقته بالعربي، وأيضا فالتانيث له معنى ثبوتي في الاصل، وله علامة مقدرة تظهر في بعض التصرفات وهو التصغير، بخلاف العجمة، فانه لا معنى لها ثبوتي، بل معناها أمر عدمي، وهو أن الكلمة ليست من أوضاع العرب، ولا علامة لها مقدرة، فالتانيث أقوى منها.
قوله: " وشتر " وهو حصن بأران (1)، ويجوز أن يقال: ان امتناعه من الصرف لاجل تأويله باليقعة أو القلعة، الا أن يقول: انه لا يستعمل إلا مذكرا فلا يرجع إليه إلا ضمير المذكر، لكن ذلك مما لم لم يثبت فالمثال الصحيح، لمك، لانه اسم أبي نوح عليه السلام
__________
(1) أران: على وزن شداد أقليم باذربيجان.
وهو أيضا اسم قلعة بقزوين.
(*)(1/144)
الجمع صيغة منتهى الجموع وما حمل عليها قال ابن الحاجب: " الجمع شرطه صيغة منتهى الجموع بغير هاء، كمساجد "
" ومصابيح، وأما نحو: فرازنة فمنصرف، وحضاجر علما " " للضبع غير منصرف لانه منقول عن الجمع، وسراويل إذا لم " يصرف، وهو الاكثر، فقد قيل: أعجمي حمل على " " موازنه، وقيل عربي جمع سروالة تقديرا، وإذا صرف فلا " " اشكال، ونحو: جوار، رفعا وجرا كقاض ".
قال الرضى: قوله: " صيغة منتهى الجموع " أي وزن غاية جموع التكسير، لانه، يجمع الاسم " جمع التكسير جمعا بعد جمع فإذا وصل إلى هذا الوزن امتنع جمعه التكسير كجمع كلب على أكلب، وجمع أكلب على أكالب، وكجمع نعم على أنعام وجمع أنعام على أناعيم.
وانما قيدنا بغاية جمع التكسير، لانه لا يمتنع جمعه جمع السلامة، وان لم يكن قياسا مطردا، على ما يجئ في التصريف في باب الجمع، نحو قوله صلى الله عليه وسلم:(1/145)
" انكن صواحبات يوسف " وقوله: جذب الصراريين بالكرور (1) 21 وقوله: 30 - وإذا الرجال راوا يزيد رايتهم * خضع الرقاب نواكسي الابصار (2) كما ذكره أبو علي في الحجة (3).
وضابط هذه الصيغة: أن يكون أولها مفتوحا، وثالثها ألفا وبعدها حرفان، أدغم أحدهما في الاخر، أو، لا، كمساجد، ودواب، أو ثلاثة ساكنة الوسط، فلو فات هذه الصيغة لم تؤثر الجميعة، كما في حمر، وحسان، مع أن في كل واحد منهما الجميعة والصفة.
وانما شرط في هذه الصيغة أن تكون بغير هاء احترازا عن نحو: ملائكة لان التاء
تقرب اللفظ من وزن المفرد، نحو كراهية وطواعية وعلانية، فتكسر من قوة جمعيتة، فلا يقوم مقام السببين، ولا سيما على مذهب من قال إن قيامه مقامهما لكونه لا نظير له في الاحاد، كما ذكرنا قبل، ولا يلزم منع ثمان ورباع وحزاب، وان حصلت فيها صيغة منتهى الجموع لان هذه الصيغة شرط السبب، والمؤثر هو المشروط مع الشرط.
قوله: " وحضاجر علما للضبع غير منصرف "، قوله علما حال من الضمير الذي في
__________
(1) تقدم هذا الشاهد في ص 112 من هذا الجزء.
(2) هذا البيت للفرزدق من قصيدة في مدح بني المهلب وخص من بينهم يزيد بن المهلب بن أبي صفرة أحد شجعان العرب وكرمائهم.
فيقول الفرزدق في هذا الشعر.
فلا مدحن بني المهلب مدحة * غراء ظاهرة على الاشعار ثم قال: أما يزيد فانه تابي له * نفس موطنة على المقدار ورداه شعب المنية بالقنا * فتدر كل معاند نعار تدر أي تسيل الدم من كل معاند نعار والمعاند العرق إذا سال فلم يرقا، والنعار الذي يفور منه الدم، هذا وروى البيت نواكس بدون جمع التصحيح.
وتحدث البغدادي في هذا البيت كثيرا.
(3) الحجة: من مؤلفات أبي علي الفارسي وهو في توجيه القراءات السبع.
(*)(1/146)
" غير منصرف "، أي لا ينصرف في حال كونه علما للضبع.
والضبع لا يطلق الا على الانثى، والذكر ضبعان.
وذلك لانه لا يبقى، إذن، فيه معنى الجمع، إذ يقع على كل واحدة منها، وهي علم للجنس، لا لواحدة معينة، فهي كاسامة للاسد، على ما يجئ في باب الاعلام، ففيه، إذن الشرط وحده وهو الصيغة من دون معنى الجمع، فكان ينبغي أن يكون منصرفا كثمان ورباع.
والجواب عنه عند المصنف أن الجمع الاقصى إذا سمي به لا ينصرف لان المعتبر،
أن يكون في الاصل كما ذكرنا في الوصف، فلا يضر زوال الجمع، بالعلمية لعروض الزوال، فلا أثر على هذا القول للعلمية في منع مساجد علما، بل المؤثر: الجمعية الاصلية القائمة مقام سببين.
فان قيل: أليس يين الجمعية والعلمية تضاد، كما يذكر المصنف بعد من تضاد الوصف والعلمية (1) ؟ فالجواب: ليسا بمتضادتين، ويصح اعتبار حقيقة الجمعية مع العلمية، كما يسمى جماعة معينة من الرجال بكرام.
مثلا، فيكون معناه: هذه الجماعة المسماة بهذا اللفظ، فيكون معنى الجمعية باقيا، وهذا كما سمي بابانين (2) جبلان فروعي مع العلمية معنى التثنية، فهما، وان جعلا كشئ واحد مسمى بلفظ المثنى، لكن يفهم من معنى: أبانين، معنى التثنية، إذ معناه هذان الجبلان المعينان، فلا تنافي بين العلمية، والجمعية أو التثنية.
والاولى، عندي، ألا تنافي أيضا بين الوصف والعلمية، وأما قول المصنف بعد في الشرح: إن العلمية تفيد الخصوص، والصفة تفيد العموم فتنافتا، فنقول: الاطلاق لا ينافي الخصوص إلا إذا كان الاطلاق قيدا، كما يقال: الوصف لا بد فيه ألا يكون
__________
(1) ياتي هذا البحث عند الكلام على تنكير نحو أحمر بعد كونه علما.
(2) أبانين: متالع وأبان جبلان متقابلان لبني فزارة أطلق عليهما معا اسم: أبانان.
(*)(1/147)
لا عاما ولا خاصا بل لا بد فيه من الاطلاق، ولا نسلم أن هذا القيد شرط في الصفة، لانك تقول هذا العالم، وكل عالم، والاول خاص والثاني عام وكلاهما وصفان (1).
وان أراد المصنف بالاطلاق العموم، قلنا: لا نسلم أن ماهية الوصف لا بد فيها من معنى العموم، بل الصفة المرادة في باب منع الصرف أن يكون الاسم وضع دالا على معنى غير الشمول وصاحبه صحيح التبعية لما يخصص ذلك الصاحب، كما يجئ في باب الوصف (2)، فإذا ثبت في اسم أن دلالته على ما ذكرنا، وصحة تبعيته لذلك المخصص وضعيتان، فلا
يضره في منع الصرف عروض ما يمنع جريه على ذلك المخصص وتبعيته له، ألا ترى أن نحو أسود وأرقم عرض فيه ما يمنع الجري وهو الغلبة، لكن لما كان المعنى الموضوع له الوصف، وهو العرض وصاحبه باقيا لم يضره ذلك العارض.
على أن لي في اعتبار كون دلالة الاسم على المعنى وصاحبه وضعية في باب منع الصرف، نظرا، كما ذكرنا في أربع، فنقول.
يمكن أن يعتبر في حاتم معنى الحتم، فيكون دالا على معنى وصاحبه، لكن عرض له المانع من الجري وهو العلمية، كما عرض في نحو أسود وأرقم: الغلبة المانعة من الجري، فالعلمية ههنا كالغلبة هناك، لا فرق بينهما الا أن الكلمة بالعلمية تصير أخص منها بالغلبة وحدها، لان العلمية تخصصها بذات واحدة، والغلبة بنوع واحد، بلى، الفرق بين العلمية والغلبة مطلقا: ان الغلبة لا تنفك عن مراعاة معنى الوصف كما في أسود وأرقم، والاكثر في العلمية عدم مراعاته، والدليل على امكان لمح الوصف مع العلمية قولهم، انما سميت هانئا لتهنا، وقول حسان:
__________
(1) وصفان: روعي معنى كلا فاخبر عنهما بالمثنى وهو حائز والمؤلف يستعمل الوجهين.
(2) هذا الذي ذكره هنا هو تعريف النعت كما يجئ في الكلام على التوابع.
(*)(1/148)
31 - وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد (1) وأيضا، فنحن نعلم أن اللقب، كالمظفر، وقفة، من الاعلام، واللقب هو الذي يعتبر فيه المدح أو الذم، فيمكن فيه معنى الوصف الاصلي.
ويؤكد هذا قول النحاة: انما تدخل اللام على الاعلام التي أصلها المصادر والصفات، كالفضل والعباس للمح الوصفية الاصلية، فلو لم يجتمع الوصف مع العلمية فكيف لمح ؟، ولو كانت الصفة من حيث هي هي، تقتضي العموم وتنافي الخصوص لم يجز نحو: هذا العالم فانه خاص بالضرورة مع اعتبار معنى الوصف فيه.
فان قلت: فإذا لم يكن بينهما تناف، فلم لم يمتنع (2): هانئ، ومحمد، في المثل والبيت المذكورين، وكذا كل علم ملموح فيه الوصف الاصلي ؟ قلت: كذا كان يجب، الا أن المقصود الاهم الاعم في وضع الاعلام لما كان تخصيص المسمى بها، سواء لمح فيها المعنى الاصلي كما في اللقب، أو لم يلمح كتسميتهم الاحمر بالاسود وبالعكس، وكان المعنى الاصلي انما يلمح لمحا خفيا فيها، ويوما إليه إيماء مختلسا في بعض الاعلام، لم يعتد بذلك الوصف الاصلي لكونه كالمنسوخ مع لمحه، وكذا نقول في الجمعية في نحو مساجد علما: انما لم تعتبر وان لم تنافها العلمية، وأمكن لمحها في بعض الاعلام، لان المقصود الاهم في وضع العلم غير معنى الجمعية.
فإذا ثبت أن معنى الوصف والجمعية لا يعتبران في الموضع الذي يصح لمحهما فيه، فكيف بالاعتبار في نحو: مساجد اسم رجل الذي لم يلمح فيه معنى الجمع، وفي حاتم، إذا لم يلمح فيه معنى الوصف.
__________
(1) من أبيات لحسان بن ثابت الانصاري في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وقال البغدادي انه أول الابيات بعده: نبي أتانا بعد ياس وفترة * من الرسل والاوثان في الارض تعبد قال وذلك فالصواب فيه: شق له من اسمه بدون عطف وان لزم منه أن يكون في البيت الخرم: ثم نقل عن المواهب اللدنية أبياتا أخرى فيها هذا البيت ثالث الابيات وقبله: وضم الالة اسم النبي إلى اسمه * إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له..الخ ثم قال وعلى هذا فرواية البيت بالواو صحيحة.
(2) أي لم لم يمتنع كل من اللفظين من الصرف للعلمية والوصف.
(*)(1/149)
فالاولى، إذن، في منع صرف: مساجد علما: ما قال أبو علي، وهو أن فيه العلمية وشبه العجمة، حيث لم يكن له في الاحاد نظير، كما أن الاعجمي ليس يشبه العربي، فيزيد عنده في الاسباب شبه العجمة.
وعند الجزولى: فيه سببان تامان، غير مبني أحدهما على سبب آخر، كما قال أبو علي إن فيه شبه العجمة، وذلك أن الجزولي يعد عدم النظير في الاحاد سببا من الاسباب كالعلمية والوصفية وغيرهما، ولم يعده شرط السبب كما فعل غيره، وكان سعيد الاخفش (1) يصرف نحو مساجد علما لزوال السبب وهو الجمع، وهو خلاف المستعمل عندهم.
قوله: " وسراويل "، الاكثرون على أنه غير منصرف، قال: 32 - أتى دونها ذب الرياد كانه * فتى فارسي في سراويل رامح (2) واختلف في تعليله، فعند سيبويه وتبعه أبو علي: أنه اسم أعجمي مفرد، عرب كما عرب الاجر، ولكنه أشبه من كلامهم ما لا ينصرف قطعا نحو قناديل، فحمل على ما يناسبه فمنع الصرف، ولم يمنع الاجر، مخففا، لان جمع ما وازنه ليس ممنوعا من الصرف، ألا ترى إلى نحو أكلب وأبحر، فعلى قوله: ليس فيه من الاسباب شئ، لان العجمة شرطها العلمية، وفيه التأنيث المعنوي، وشرطه، أيضا، العلمية، وأما الصيغة فليست سببا، بل هي شرط لسبب الجمعية الا عند الجزولي.
فسيبويه يمنعه الصرف لا لسبب، بل لموازنة غير المنصرف، وقال الجزولي: فيه عدم النظير والعجمة الجنسية، ويجوز له أن يعتبرها في هذا الوزن خاصة لا في غيره،
__________
(1) الاخفش المشهور: اسمه سعيد، كما تقدم وفي النسخة المطبوعة: سعيد بن الاخفش.
(2) البيت لتميم بن أبي بن مقبل في وصف الثور الوحشي فشبه ما على قوائمه من الشعر الغزير بالسراويل.
وخص الفتى الفارسي لان لباس الفرس السراويل.
وعنهم أخذت.
وروى البغدادي أن أبا هلال العسكري نسب البيت للراعي.
قال والصواب ما قدمناه.
أي انه لتميم بن أبي بن مقبل..ويختصر اسم هذا الشاعر فيقال تميم بن مقبل.
(*)(1/150)
لاطراد منع صرف جميع ما على هذا الوزن.
وقال المبرد: هو عربي جمع سروالة، والسروالة قطعة خرقة، قال: 33 - عليه من اللؤم سروالة * فليس يرق لمستعطف (1) ويشكل عليه: أن اطلاق لفظ الجمع على الواحد، لم يجئ في الاجناس، فلا يقال لرجل: رجال، بلى، جاء ذلك في الاعلام، كمدائن في مدينة معينة.
وجوابه: أن الجمع فيه مقدر لا محقق، كالعدل في عمر، وذلك أن لنا قاعدة ممهدة: أن ما على هذا الوزن لا ينصرف الا للجمعية، ولم تتحقق فيه لكونه لالة مفردة (2)، فقدرناها لئلا تنخرم القاعدة، وأيضا، إذا اشتمل الشئ على الاقطاع (3)، جاز لك أن تطلق اسم تلك الاقطاع على المجتمع منها، كبرمة أعشار.
وليس للخصم أن يقول: ان مثل هذا مختص بوزن أفعال، لانه قد جاء نحو قوله: 34 - جاء الشتاء وقميصي أخلاق * شراذم يعجب منه التواق (4) وشراذم لفظ جمع بالاتفاق.
وقد نسب إلى سيبويه أن أفعالا مفرد.
وقال أبو الحسن (5): ان من العرب من يصرف سراويل لكونه مفردا.
__________
(1) وجه الاستشهاد بالبيت على ما ذهب إليه المبرد ظاهر.
ولكنهم قالوا ان البيت مصنوع، أو أنه مجهول القائل.
وإذا كان جمع سروالة فكان المعنى عليه قطعة من اللوم.
ولا يتفق مع الذم المقصود من البيت.
(2) أي لان السراويل موضوع لشئ مفرد وهو اللباس المعين.
(3) أي الاجزاء.
(4) شراذم أي قطع.
والتواق بالتاء المثناة وآخره قاف.
قال البغدادي نقلا عن الفراء وغيره انه اسم ابن الشاعر.
ولم يذكر أحد اسم هذا الشاعر أكثر من أنه بعض الاعراب.
وروى: النواق بالنون.
والنواق: الذي يرود الامور ويصلح ما فسد منها.
فكأنه يريد به الرفاء.
(5) يريد به الاخفش الاوسط سعيد بن مسعدة وتقدم ذكره.
(*)(1/151)
ونسب بعضهم إلى سيبويه أنه يقول بانصرافه أيضا، نظرا إلى قوله " عرب كما عرب الاجر "، وهو غلط، لان تشبيه سيبويه (1) له بالاجر لاجل الثعريب فقط، لا لكونه منصرفا مثله، ألا ترى إلى قوله بعد " الا أنه أشبه من كلامهم ما لا ينصرف ".
قوله: " وإذا صرف فلا اشكال " لان السبب أعني الجمعية غير حاصل، فلا يفيد الشرط وحده.
هذا، ويمكن تقدير الجمع في سراويل مطلقا، صرف، أو لم يصرف، وذلك لاختصاص هذا الوزن بالجمع، فمن لم يصرفه فنظرا إلى ذلك المقدر ومن صرفه فلزواله بوقوعه على الواحد، وكذا يجوز في نحو حمار حزاب، أن يقدر الجمع، وذلك لتجويز بعضهم فيه الصرف وتركه، نحو رايت حمارا حزابي وحزابيا، فنقول: هو جمع حزباء أي الارض الغليظة والجمع الحزابي كالصحارى بالتخفيف.
قوله: " ونحو جوار " أي المنقوص من هذا الجمع، اعلم أن الاكثر على أن " جوار " في اللفظ كقاض رفعا وجرا، وقد جاء عن بعض العرب في الجر جواري، قال الفرزدق: 35 - فلو كان عبد الله مولى هجوته * ولكن عبد الله مولى مواليا (2) وقال آخر: 36 - له ما رات عين البصير وفوقه * سماء الاله فوق سبع سمائيا (3)
__________
(1) انظر سيبويه ج 2 ص 16.
(2) هو بيت مفرد قاله الفرزدق يهجو عبد الله بن أبي اسحاق الحضرمي وكان يخطئه في شعره قالوا ولذلك صواب البيت: لو كان لانه شئ قبله يعطف عليه فيكون البيت مخروما.
(3) سمائي جمع سماء، فهو منقوص ممنوع من الصرف على وزن منتهى الجموع.
فكان القياس سماء وفيه مخالفة أخرى وهي جمع سماء على صيغة منتهى الجموع مع ابقاء الهمزة العارضة وانظر الخزانة والبيت من قصيدة لامية بن أبي الصلت يقول فيها: ألا كل شئ هالك غير ربنا * ولله ميراث الذي كان فانيا
قال البغدادي: الضمير في له في بيت الشاهد يرجع إلى الذي كان فانيا في هذا البيت وشرح الابيات.
(*)(1/152)
وهي قليلة، واختارها الكسائي، وأبو زيد، وعيسى بن عمر، ولا خلاف في النصب أنه جواري وأنه غير منصرف.
ثم اختلفوا في كون جوار، رفعا وجرا، منصرفا أو غير منصرف.
فقال الزجاج (1): ان تنوينه للصرف، وذلك أن الاعلال مقدم على منع الصرف لان الاعلال سبب قوي، وهو الاستثقال الظاهر المحسوس في الكلمة، وأما منع الصرف فسببه ضعيف، إذ هو مشابهة غير ظاهرة بين الاسم والفعل، على ما تبين قبل، قالوا (2): فسقط الاسم بعد الاعلال عن وزان (3) أقصى الجموع الذي هو الشرط، فصار منصرفا.
والاعتراض عليه أن الياء الساقط في حكم الثابت بدليل كسرة الراء في: جاءتني جوار، وكسر الراء حكم لفظي كالمنع من الصرف، فاعتبار أحدهما دون الاخر تحكم، وكل ما حذف لاعلال موجب فهو بمنزلة الباقي، كعم وشج، والا كان كالمعدوم، كيد ودم، ومن ثم صرف جندل، وذلذل (4)، مقصوري جنادل وذلاذل.
وقال المبرد: التنوين عوض من حركة الياء، ومنع الصرف مقدم على الاعلال، وأصله: جواري بالتنوين ثم جواري بحذفها، ثم جواري بحذف الحركة ثم جوار، بتعويض التنوين من الحركة، ليخف الثقل بحذف الياء للساكنين.
وقال سيبويه (5)، والخليل: ان التنوين عوض من الياء، ففسر بعضهم هذا القول بان منع الصرف مقدم على الاعلال، فاصله: جواري بالتنوين، ثم جواري بحذفها ثم جواري بحذف الحركة للاستثقال ثم جوار بحذف الياء، لاستثقال الياء المكسور ما قبلها في غير المنصرف الثقيل بسبب الفرعية، وانما أبدل التنوين من الياء ليقطع التنوين الحاصل طمع الياء الساقطة في الرجوع، إذ يلزم اجتماع الساكنين لو رجعت.
__________
(1) تقدم ذكره أكثر من مرة انظر ص 47 من هذا الجزء.
(2) لعله أراد الزجاج ومن وافقه فعبر بقالوا
(3) أي عن موازنة الجمع الاقصى.
(4) الذلذل.
مختصر من الذلاذل.
وهي أسفل القميص مما يلي الارض.
(5) كتاب سيبويه ج 2 ص 57.
(*)(1/153)
والاعتراض عليه وعلى مذهب المبرد: أنه لو كان منع الصرف مقدما على الاعلال، لوجب الفتح في قولك: مررت بجواري، كما في اللغة القليلة، الخبيثة، وذلك لان منع الصرف يقتضي شيئين: حذف التنوين وتبعية الكسر له في السقوط وصيرورته فتحا، وأيضا يلزم أن يقال: جاء الجوار ومررت بالجوار عند سيبويه بحذف الياء، لان الكلمة لا تخف بالالف واللام، وثقل الفرعية باق معهما.
وفسر السيرافي (1)، وهو الحق، قول سيبويه بان أصله جواري بالتنوين والاعلال مقدم على منع الصرف لما ذكرنا فحذف الياء لالتقاء الساكنين، ثم وجد بعد الاعلال صيغة الجمع الاقصى حاصلة تقديرا، لان المحذوف للاعلال كالثابت، بخلاف المحذوف نسيا، كما ذكرنا، فحذف تنوين الصرف ثم خافوا رجوع الياء لزوال الساكنين في غير المنصرف المستثقل لفظا بكونه منقوصا، ومعنى بالفرعية، فعوض التنوين من الياء، بخلاف نحو: أحوى وأشقى، فانه قدم الاعلال في مثلهما أيضا، ووجد علة منع الصرف بعد الاعلال حاصلة، لان ألف أحوى المنون ثابت تقديرا، فهو على وزن أفعل، فحذف تنوين الصرف، لكن لم يعوض التنوين من الالف المحذوفة ولا من حركة اللام، كما فعل في جوار، لان أحوى، بالالف أخف منه بالتنوين، وأما جوار فهو بالتنوين أخف منه بالياء، والخفة اللفظية مقصودة في غير المنصرف بقدر ما يمكن، تنبيها بذلك على ثقله المعنوي بكونه متصفا بالفرعيتين، ألا ترى أنك تقول: خطايا، وبرايا، وأداوي بلا تنوين اتفاقا، لما انقلبت الياء ألفا في الجمع الاقصى.
وكل غير منصرف منقوص حكمه حكم جوار فيما ذكرنا، ويجئ فيه الخلاف المذكور، نحو قاض اسم امراة، وأعيل تصغير أعلى.
وإذا جعل هذا النوع أعني جوار وأعيل علما، فيونس يجعل حاله مخالفا لحاله في التنكير، وذلك بانه يقدم منع الصرف على الاعلال، فتبقى الياء ساكنة في الرفع، ومفتوحة في النصب والجر، نحو جاءتني جواري وقاضي وأعيلي، بياء ساكنة، ورايت جواري
__________
(1) هذا التفسير مثبت على هامش كتاب سيبويه ج 2 ص 57 نقلا عن شرح السيرافي.
(*)(1/154)
و قاضي وأعيلي، ومررت بجواري وقاضي وأعيلي بياء مفتوحة في الحالين.
وانما قدم منع الصرف لان العلمية سبب قوي في باب منع الصرف، حتى منع الكوفيون الصرف لها وحدها في نحو قوله: فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في مجمع (1) - 17 كما تقدم.
وأما عند سيبويه والخليل، فحال نحو جوار وأعيل علما كان أو نكرة سواء.
واعلم أنك إذا صغرت نحو: أحوى، قلت: أحي بحذف الياء الاخيرة نسيا، لكونها متطرفة بعد ياء مكسورة مشددة في غير فعل أو جار مجراه، كاحيي، والمحيي، وقياس مثلها الحذف نسيا كما يجئ في التصريف ان شاء الله تعالى، فسيبويه بعد حذف الياء نسيا يمنع الصرف لانه بقي في أوله زيادة دالة على وزن الفعل، وعيسى بن عمر، يصرفه لنقصانه عن الوزن بحذف الياء نسيا، بخلاف نحو جوار، فان الياء كالثابت بدليل كسرة الراء كما ذكرنا، فلم يسقط عن وزن أقصى الجموع.
والاولى قول سيبويه، ألا ترى أنك لا تصرف نحو: يعد، ويضع، علما وإن كان قد سقط حرف من وزن الفعل.
وأبو عمرو بن العلاء لا يحذف الياء الثالثة من نحو أحى نسيا، بل يعله إعلال أعيل، وذلك لان في أول الكلمة الزيادة التي في الفعل وهي الهمزة، بخلاف عطى تصغير عطاء، فجعله كالجاري مجرى الفعل، أعني المحيي، في الاعلال، فاحي عنده كاعيل سواء،
في الاعلال ومنع الصرف وتعويض التنوين من الياء كما ذكرنا.
وبعضهم يقول: أحيو، في تصغير أحوى كاسيود في تصغير أسود، كما يجئ في التصريف، ويكون في الصرف وتركه كاعيل، على الخلاف المذكور.
__________
(1) تقدم هذا الشاهد في صفحة 107 من هذا الجزء.
(*)(1/155)
التركيب شرط تأثيره في منع الصرف قال ابن الحاجب: " التركيب شرطه العلمية، وألا يكون باضافة ولا إسناد ".
" مثل بعلبك ".
قال الرضى: إنما كان شرط التركيب العلمية لان الكلمتين معا تدخلان في وضع العلم، فيؤمن حذف إحداهما، إذ العلمية، كما قلنا، تؤمن من النقصان ولولاها لكان التركيب عرضة للانفكاك والزوال.
قوله، " وألا يكون باضافة ولا إسناد "، لانه لو كان باحدهما، وجب إبقاء الجزاين على حالهما قبل العلمية، كما يجئ في باب المبنيات.
وكان عليه أن يقول: ولا معربا جزؤه الاخير قبل العلمية، ليخرج نحو: " ان زيدا " علما، وكذلك نحو: " ما زيد ".
ويقول أيضا: وألا يكون الثاني مما يبنى قبل العلمية ليخرج نحو: سيبويه، وخمسة عشر علما فان الافصح، إذن، مراعاة البناء الاول، على ما يجئ في باب المبنيات.(1/156)
المختوم بالالف والنون
شرطه، وبيان وجه تأثير هما في منع الصرف قال ابن الحاجب: " ما فيه ألف ونون، ان كان اسما فشرطه العلمية كعمران " " أوصفة فانتفاء فعلانة، وقيل وجود فعلي، ومن ثم " " اختلف في رحمن، دون سكران وندمان ".
قال الرضى: اعلم أن الالف والنون إنما تؤثران، لمشابهتهما ألف التأنيث الممدودة من جهة امتناع دخول تاء التأنيث عليهما معا، وبفوات هذه الجهة يسقط الالف والنون عن التأثير.
وتشابهها، أيضا، بوجوه أخر، لا يضر فوتها، نحو تساوي الصدرين وزنا، فسكر من سكران، كحمر من حمراء، وكون الزائدين في نحو سكران مختصين بالمذكر، كما أن الزائدين في نحو حمراء مختصان بالمؤنث، وكون المؤنث في نحو سكران صيغة أخرى مخالفة للمذكر، كما أن المذكر في نحو حمراء كذلك، وهذه الاوجه الثلاثة موجودة في فعلان فعلى، غيرها حاصلة في عمران، وعثمان، وغطفان ونحوها.(1/157)
وتشابهها أيضا بوجهين آخرين، لا يفيدان من دون الامتناع من التاء، وهما زيادة الالف والنون معا كزيادة زائدي حمراء معا، وكون الزائد الاول في الموضعين ألفا، فانه اجتمع الوجهان في ندمان وعريان مع انصرافهما، فالاصل، على هذا، هو الامتناع من تاء التأنيث.
وقال المبرد: جهة الشبه أن النون في الاصل كانت همزة بدليل قلبها إليها في صنعاني وبهراني، في النسب إلى صنعاء وبهراء.
وليس بوجه، إذ لا مناسبة بين الهمزة والنون حتى يقال: ان النون أبدل منها، وأما صنعاني وبهراني فالقياس صنعاوي وبهراوي، كحمراوي، فابدلوا النون من الواو شاذا
وذلك للمناسبة التي بينهما، ألا ترى إلى ادغام النون في الواو، وجر أهم على هذا الابدال قولهم في النسب إلى اللحية والرقبة: لحياني، ورقباني، بزيادة النون من غير أن تبدل من حرف، فزيادتها مع كونها مبدلة من حرف يناسبها، أولى.
ثم أنهم بعد اتفاقهم على أن تأثير الالف والنون لاجل مشابهة ألف التأنيث، اختلفوا، وقال الاكثرون: تحتاج إلى سبب آخر، ولا تقوم بنفسها مقام سببين كالالف لنقصان المشبه عن المشبه به، وذلك الاخر إما العلمية كعمران، وإما الصفة كما في سكران.
وذهب بعضهم إلى أنها كالالف غير محتاجة إلى سبب آخر، فالعلمية عندهم، في نحو عمران ليست سببا، بل شرط الالف والنون، إذ بها يمتنع عن زيادة التاء، وهذا الانتفاء هو شرطها، سواء كانت مع العلمية أو الوصف، والوصف عندهم في نحن سكران لا سبب ولا شرط.
والاول أولى، لضعفها فلا تقوم مقام علتين.
قوله: " ان كان اسما " أي غير صفة، وانما شرط فيه العلمية ليؤمن بها من دخول التاء كما ذكرنا في التأنيث بالتاء.
قوله: " أو صفة فانتفاء فعلانة "، عطف باو، على عاملين مختلفين، عطف صفة، على كان، وقوله: فانتفاء على " إن "، لان التقدير: أو إن كان صفة فشرطه انتفاء فعلانة،(1/158)
وليس هذا مما جوز المصنف مثله كما يجئ في باب العطف.
وقوله: " وقيل وجود فعلي "، والاول أولى لان وجود " فعلي " ليس مقصودا لذاته، بل المطلوب منه انتفاء التاء، لان كل ما يجئ منه " فعلى " لا يجئ " فعلانة " في لغتهم، الا عند بعض بني أسد، فانهم يقولون في كل فعلان جاء منه فعلى: فعلانة أيضا، نحو غضبانة وسكرانة فيصرفون، اذن، فعلان فعلى، وهذا دليل قوي على أن المعتبر في تأثير الالف والنون انتفاء التاء، لا وجود فعلي، فإذا كان المقصود من وجود فعلي انتقاء التاء،
وقد حصل هذا المقصود في رحمن، لا بواسطة وجود رحمي، بل لانهم خصصوا هذه اللفظة بالباري تعالى، فلم يطلقوه على غيره ولم يضعوا منه مؤنثا، لا من لفظه، أعني بالتاء، ولا من غير لفظه أعني فعلى، فيجب أن يكون غير منصرف.
فان قلت: لا نسلم أن وجود فعلى مطلوب ليتطرق به إلى انتفاء فعلانة بل هو مقصود بذاته لانه يحصل بوجودها مشابهة بين الالف والنون وبين ألف التأنيث، لكون مؤنث هذا على غير لفظه، كما أن مذكر ذاك على غير لفظه.
قلت: هذا الوجه، وان كان يحصل به بينهما مشابهة، الا أنه ليس وجها للمشابهة ضروريا، بحيث لا يؤثر الالف والنون بدونه، بل الوجه الضروري، كما ذكرنا، في في التأثير: انتفاء التاء، ألا ترى إلى عدم انصراف مروان، وعثمان بمجرد انتفاء التاء، التاء، من دون وجود فعلى.
ثم نقول: منع الصرف في رحمن: أولى، لان الممنوع من الصرف مما هو على هذا الوزن وصفا في كلام العرب أكثر من المصروف فثبت بهذا أيضا أن اشتراط انتفاء التاء، أولى من اشتراط وجود فعلى.
وللخصم أن يقول: بل الصرف فيما يشك فيه هل صرفته العرب أو، لا: أولى لانه الاصل.
وهكذا (1) الخلاف بينهم قائم في فعلان صفة، هل انتفى منه فعلانة، أو، لا، وهل
__________
(1) هذا تلخيص لما تقدم من حكم فعلان الوصف (*)(1/159)
وجد له فعلى، أو، لا فبعضهم يصرفه لان الصرف هو الاصل وبعضهم يمنعه الصرف، لانه الغالب في فعلان.
وقد جاء عريان في ضرورة الشعر ممنوع الصرف تشبيها بباب سكران، قال: 37 - كم دون بيشة من خرق ومن علم *
كانه لامع عريان مسلوب (1) وقد جاءت ألفاظ تحتمل نونها الاصالة، فتكون مصروفة إذا سميت بها وتحتمل الزيادة فلا تصرف، نحو: حسان، وقبان، فهما إما من الحسن والقبن، فيصرفان، وإما من الحس والقب فلا يصرفان، وكذا نحو: شيطان ورمان.
وقال الاخفش: إذا سميت باصيلال (2) منعت الصرف، لان اللام بدل من النون، كما لا تصرف إذا سميت بهراق، إذ الهاء بدل من الهمزة.
قوله: " ومن ثم اختلف في رحمن "، يعني ومن أجل الاختلاف في الشرط، فمن قال الشرط: انتفاء فعلانة، لم يصرفه في قولك: الله رحمن رحيم، لحصول الشرط، إذ لم يجئ رحمانة، ومن قال: الشرط وجود فعلى، صرفه، إذ لم يجئ رحمى، ولم يختلف في منع سكران لحصول الشرط على المذهبين، ولا في صرف ندمان، لانتفاء الشرط على المذهبين.
__________
(1) البيت لذي الرمة.
وروى كم دون مية، وهو الاسم الذي يتردد في شعره.
والحزق الارض الواسعة والعلم الجبل.
شبهه برجل عريات قد سلب ثوبه.
ثم يصف الارض الواسعة بعد ذلك فيقول: كان حرباءها في كل هاجرة * ذو شيبة من رجال الهند مصلوب يقصد استقبال الحرباء للشمس وهي فوق أغصان الشجر.
(2) أي على اعتبار انه تصغير أصيل المفرد تصغيرا شاذا بزيادة ألف ونون ثم ابدال النون لاما - وفيه وجه ضعيف انه تصغير أصلان جمع أصيل.
(*)(1/160)
وزن الفعل تحديد الاوزان المؤثرة في منع الصرف قال ابن الحاجب:
" وزن الفعل شرطه أن يختص بالفعل، كشمر، وضرب " " أو يكون أوله زيادة كزيادته، غير قابل للتاء، ومن ثم " " امتنع أحمر، وانصرف يعمل ".
قال الرضى: لمجئ يعملة بالتاء (1)، قوله: يختص بالفعل نحو شمر " فان هذا الوزن لم يات في الاسماء الا أعجميا، نحو: بقم، ونحو شلم لبيت المقدس.
وكلامنا في كلام العرب، أو منقولا عن الفعل نحو: شمر، لفرس، وبذر لماء، وعثر لموضع، وخضم لرجل، فاصل هذه الكلمات كلها أفعال، ونحو يزيد، ويشكر ونرجس خواص، لعدم هذه
__________
(1) هكذا جاءت هذه العبارة ويحتمل أنها من المتن.
غير أن أسلوب الاختصار الذي جرى عليه ابن الحاحب رجح أنها من كلام الرضى وأنه بدا بها قبل أن يبدا في الشرح.
(*)(1/161)
الاوزان في أجناس الكلمات العربية، فيزيد ويشكر في الاسماء منقولان، ونرجس أعجمي، ونحو تنضب، ويرمع وأعصر، اصبع، وتدرا، وإثمد من الغالبة في الفعل.
وأما فعل فمن الخواص إذ لم يات فعل في أسماء الاجناس الا دئل لدويبة وقيل: ان العرب قد تنقل الفعل إلى إسماء الاجناس وان كان قليلا، كقوله صلى الله عليه وسلم: " ان الله تعالى نهاكم عن قيل وقال "، وقولهم لطائر: تبشر، ولاخر تنوط، لتنويطه عشه، فيجوز في مثل دئل بمعنى دويبة، أن يكون منقولا من فعل ما لم يسم فاعله من قولهم: دئل فيه أي أسرع، والدالان: مشي سريع، وأما دئل علما، فيجوز أن يكون من ذلك، ويجوز أن يكون منقولا من دال، والتغيير دلالة النقل إلى العلم، كما قيل: شمس بن مالك (1)، فيكون في دئل، علما " الوزن والعدل مع العلمية، وان صح ما نقل: أن الوعل لغة في الوعل، والرئم بمعنى الاست، فهما شاذان.
قوله: " أو يكون أوله زيادة كزيادة "، أي أول وزن الفعل الذي في الاسم، زيادة
كزيادة الفعل من حروف " أتين (2) " وغيرها.
فاولق، المشتق من مالوق، إذا سمي به انصرف، لان الهمزة أصلية وكذا أيقق علما لكونه ملحقا بجعفر، كمهدد فالهمزة أصلية، ولو كان أفعل لوجب الادغام، كاشد، وأحب، وأما ألبب، علما فممنوع من الصرف لكونه منقولا من جمع " لب " والفلك شاذ، ولم يات في الكلام فعلل حتى يكون ملحقا به، ونون نهشل، أصلية لصرفه مع العلمية.
والنحاة قالوا في موضع قول المصنف: أو يكون أوله زيادة كزيادته: " أو يغلب عليه "، أي يكون ذلك الوزن في الافعال أكثر منه في الاسماء، حتى يصح أن يقال: وزن الفعل،
__________
(1) أنظر الشاهد رقم 28 في ص 125 من هذا الجزء.
(2) الحروف الاربعة التي تسمى حروف المضارعة جمعت في كلمات كثيرة ليسهل حفظها.
ومن ذلك قول الشارح أتين، وهو بصورة فعل ماض مسند إلى نون النسوة.
(*)(1/162)
فيضاف إلى الفعل، إذ لو غلب الوزن في الاسماء، أو تساوى فيه الفعل والاسم، لم يقل إنه وزن الفعل.
والذي حمل المصنف على مخالفتهم شيئان: أحدهما أنه رأى " فاعل " في الافعال، أغلب، ولو سميت بخاتم لانصراف اتفاقا، فلو كانت الغلبة في الافعال معتبرة، لم ينصرف، والدليل على غلبته في الافعال أن باب المفاعلة أكثر من أن يحصى، والماضي منه، فاعل، وفاعل الاسمي أقل قليل (1)، كخاتم، وعالم وساسم، والثاني أنه راى أن نحو: أحمد وأحمر، لا ينصرف، وعنده أن هذا الوزن في الاسم أكثر منه في الفعل قال: لان كل فعل ثلاثي ليس من الالوان والعيوب، يجئ منه أفعل التفضيل، ومنهما يجئ: أفعل فعلاء، كاحمر وأعور، وكلاهما اسمان.
وأما افعل الفعلي، فلم يجئ إلا ماضيا للافعال (2) من بعض الافعال الثلاثية، كاخرج،
وأذهب، لا من كلها، فلم يسمع نحو: أقتل وأنصر، ولذا رد على الاخفش: قياس أحسب وأخال وأظن وأوجد وأزعم، على: أعلم وأرى، قال: ويجئ أفعل ماضيا للافعال من غير ما جاء منه فعل ثلاثي قليلا، كاشحم وألحم وأتمر، ويقابله في الاسماء ومن غير الفعل الفعل الثلاثي أيضا في القلة نحو: إيدع، وأفكل، وأرنب.
ولقائل أن يقول على قوله: (أفعل فعلاء لم يجئ من جميع الافعال الثلاثية): بلى، جاء، على ما اخترت أنت من مذهب البصريين وهو أن أفعل التعجب فعل، ومن كل ما يجئ منه أفعل التفضيل، يجئ منه أفعل التعجب الفعلي، والذي جاء في فعل يفعل مفتوحي العين، وفي فعل يفعل بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع من حكاية النفس في المضارع نحو: أذهب وأحمد، يزيد على: أفعل فعلاء، إذ لا يجئ (3) من غير باب فعل يفعل إلا قليلا، كاشيب، على ما يجئ في التصريف ان شاء الله تعالى.
__________
(1) أي نادر وقد سبق له مثل هذا التعبير.
(2) يقصد المصدر الذي على وزن إفعال بكسر الهمزة نحو اكرام.
(3) أي باب افعل فعلاء.
(*)(1/163)
لكن الانصاف أن الغلبة في أفعل الفعلي ليست بظاهرة، إذ كون الوزن غالبا في أحد القبيلين، لا يمكن الحكم به الا بعد الاحاطة بجميع أوزان القبيلين، وهو إما متعذر أو متعسر، ولا سيما على المبتدئ، فلا يصح أن تجعل الغلبة شرط وزن الفعل.
وفيه نظر، إذ ربما يمكن معرفة ذلك بمجرد كون ذلك الوزن قياسيا في أحدهما دون الاخر، كما نعرف، مثلا، أن: إفعل، في الفعل مثلا قياس في الامر من يفعل الكثير الغالب كاذهب واحمد، وليس في الاسم قياسا في شئ، كاصبع، وأيضا، كون الوزن خاصا باحد القبيلين، وهو القائل به في نحو شمر، وضرب، لا يمكن إلا بالاحاطة بجميع اوزان القبيل الاخر، وهو متعذر، أو متعسر.
وانما اشترط في وزن الفعل تصديره بالزيادة المذكورة لكون هذه الزيادة قياسية في جميع الافعال المتصرفة، دون الاسماء، إذ لا فعل متصرف الا وله مضارع، ولا يخلو المضارع من الزيادة في أوله.
وأما غير المتصرف، كنعم، وبئس، وعسى، فاقل قليل، فصارت هذه الزيادة، لاطرادها في جميع الافعال دون الاسماء أشد اختصاصا بالفعل، فجرت الوزن، وان كان مشتركا، إلى جانب الفعل، حتى صح أن يقال: هو وزن الفعل، وأيضا فان هذه الزوائد في الفعل لا تكون الا لمعنى، وأما في الاسماء، فقد تكون لمعنى كاحمر، وأفضل منك، وقد لا تكون (1)، كارنب وأفكل وأيدع، فكأنها لم تزد فيها، فصارت بالفعل أشهر وأخص، لان أصل الزيادات أن تكون لمعنى.
وانما اشترط مع هذا الشرط ألا يكون الوزن مما تلحقه تاء التأنيث ولا يكون عرضة له، لان الوزن بهذه التاء يخرج من أوزان الفعل، إذ الفعل لا تلحقه هذه التاء، فكما تجر الزيادة المتصدرة الوزن الى جانب الفعل، تجره التاء الى جانب الاسم لاختصاصها بالاسم، وتترجح التاء في الجر، إذ الوزن في الاسم، فانصرف: أرمل ويعمل مع الوصف
__________
(1) أنظر هامش رقم (1) في ص 23 من هذا الجزء.
(*)(1/164)
الاصلي السليم من الخلل، والوزن المشروط بتصدر الزيادة، لجواز الحاق التاء نحو: أرملة، ويعملة أما الحاق التاء باسودة في الحية، فلا يضر، لان هذا اللحاق عارض بسبب غلبة هذا اللفظ في الاسماء، والاصل أن يقال في مؤنثه: سوداء، هذا، والاوزان الخاصة كثيرة نحو: استفعل واستفعل واستفعل، واستبرق أعجمي، ومنها تفاعل وتفوعل وتفاعل، ودحرج ودحرج (1)، وافتعل وافتعل وافتعل، وكذا: انفعل وانفعل وانفعل، وغير ذلك.
وإذا سميت بنرجس بكسر النون، وترتب بضم التاء الاولى، فالصرف واجب لعدم الوزن، والزيادة المذكورة شرط الوزن فلا تؤثر من دون المشروط.
ولم يصرفهما (الزجاج (2) نظرا إلى وزنيهما المشهورين، أعني نرجس على وزن نضرب، وترتب على وزن تقتل.
) وإذا غير وزن الفعل عما كان عليه، فان كان بابدال الزيادة المعتبرة في أوله حرفا آخر، كهراق وهرق (3) فانه لا يضر ذلك بوزن الفعل، وان كان الهاء لا اختصاص له بالفعل كالهمزة، وذلك لعدم لزوم ذلك الابدال، لان الاكثر في الاستعمال: أراق وأرق.
وان كان التغيير بغير ذلك، فان كان بعد التغيير: الزيادة المعتبرة حاصلة فلا يضر ذلك
__________
(1) المقصود من التمثيل بمادة دحرج هو الماضي المبني للمجهول والامر فقط، بخلاف بقية ما مثل به فان المقصود منه الماضي معلوما ومجهولا والامر.
وفي النسخة المطبوعة جاءت كلمة دحرج ثلاث مرات كغيرها من الصيغ، وواضح أن الثالثة زائدة فحذفتها.
(2) ما بين هذين القوسين، وقع في غير موضعه من صفحة 56 من النسخة المطبوعة فاضطرب المعنى.
وقد وفق الله إلى إزالة هذا الاضطراب بالنظر في معنى الكلام حتى استقام الامر.
(3) هرق، أي أرق، فعل أمر من أراق الماء.
(*)(1/165)
التغيير أيضا، لانهما تحرز (1) وزن الفعل وتدل عليه، نحو: يعد ويهب، وكذا المحذوف نحو: تقل وتبع وتخف من قولك لم تقل ولم تبع ولم تخف، وكذا المحذوف اللام نحو: يخش، ويرم، ويغز، وكذا: اخش، وارم، واغز، لان همزة الوصل بالفعل أيضا أخص لانها مطردة في الفعل، إذ لا فعل ثلاثي متصرف الا وقياس أمره أن يكون بهمزة الوصل، ونحو: عد، وقل، أصله الهمزة لو لم يتحرك في المضارع ما بعد حرف المضارعة.
فإذا سميت بفعل محذوف العين أو اللام لاجل الجزم أو الوقت، رددت المحذوف لان
سقوطه انما كان للجزم والوقف الجاري مجراه، والجزم لا يكون في الاسماء فتقول في المسى بتقل واخش: جاءني تقول واخشى، وكذا في المسمى بقل وبع: جاءني قول " وبيع "، (2) وان لم يكن في المغير الزيادة المعتبرة المصدرة، وكان التغيير لازما كالمسى بقل، وبع، وعد، أو بقيل وبيع، لم يعتبر الوزن الفائت الاصلي تقول: جاءني قيل " وبيع "، وفي: قل وبع وخف، جاء قول وبيع وخاف.
وان لم يكن التغيير لازما، كما يقال في علم: علم، فهو عند سيبويه يضر أيضا بالوزن، كما في رد وبيع، وقال المبرد: ان كان التغيير قبل النقل أخل بالوزن، لانه لا يجامع، إذن، العلمية، وأما ان كان بعد النقل والتسمية كما إذا سمي بعلم ثم خفف فالوزن معتبر لانه: جامع الوزن العلمية، وزوال الوزن فيه يكون عارضا غير لازم، وأما التغيير في الاول فهو في العلمية لازم، إذ لم يصادفه الوزن العلمي إلا مخففا.
هذا، واعلم أن الوزن المشترك فيه بين الاسم والفعل الذي لا اختصاص له بالفعل بوجه، لا يؤثر مطلقا، خلافا ليونس، فانه اعتبر وزن الفعل مطلقا، سواء غلب على الفعل أول لم يغلب، فمنع الصرف في نحو جبل وعضد وكتف، وجعفر، وحاتم، أعلاما.
__________
(1) لانها تحرز وزن الفعل أي تدل عليه كما فسر الشارح وهي من الحزر أي التخمين.
والتقدير عن طريق الظن، وهو نوع من الدلالة.
(2) قوله وكذا في المسمى بعل وبع: استطراد، ولا دخل له بمنع الصرف.
كما سيذكر بعد ذلك.
(*)(1/166)
واعتبره عيسى بن عمر بشرط كونه منقولا عن الفعل نحو: كعسب، واستدل بقوله: 38 - أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * متى أضع العمامة تعرفوني (1) والجواب أنه ان كان علما فمحكي، لكون الفعل سمي به مع الضمير فيكون جملة، كيزيد في قوله: 39 - نبئت أخوالي بني يزيد * ظلما علينا لهم فديد (2)
وان لم يكن علما فهو صفة موصوف مقدر، أي أنا ابن رجل جلا أمره أي انكشف، أوجلا الامور أي كشفها، وفيه ضعف، لان الموصوف بالجمل لا يقدر الا بشرط نذكره في باب الصفة (3)، وأما بغير ذلك فقليل نادر (4)، ولا سيما إذا لزم منه إضافة غير الظرف إلى الجملة.
تنكير الممنوع من الصرف وما يترتب عليه قال ابن الحاجب: " وما فيه علمية مؤثرة إذ نكر صرف، لما تبين أنها لا تجامع " " مؤثرة إلا ما هي شرط فيه، الا العدل ووزن الفعل، وهما "
__________
(1) هو أول أبيات لسحيم بن وتيل الرياحي كما حقق ذلك البغدادي ورد على من زعم أنه للعرجى كما خطا العيني حيث نسبه إلى سحيم عبد بني الحسحاس، ثم أورد معه أبياتا للمثقب العبدي.
كما نفى البغدادي أن يكون علما بقوله ليس في نسب سحيم من اسمه جلا..وقال ان لفظ جلا يطلق على كل منكشف واضح.
وأفاض في توجيه البيت: وشرحه، (2) وجه الشاهد واضح كما شرحه الرضى.
فيزيد بضم الدال في موضع الجر دليل على أنه محكي من جملة.
ورواه بعضهم: بني تزيد بالثاء الفوقية وقال ابن الحاجب إنه خطا وإنما ذلك اسم آخر وهو منقول من الفعل فقط فهو مثل تغلب.
وهو تزيد بن حلوان.
تنسب إليه البرود التزيدية.
(3) هو أن يكون الموصوف بعض اسم متقدم مجرور بمن أو في...نحو منا ظعن ومنا أقام: أي فريق..(4) مثل قوله: " ترمى بكفي كان من أرمى البشر "، (*)(1/167)
" متضادان، فلا يكون الا أحدهما، فإذا نكر بقي بلا سبب، أو " " على سبب واحد ".
قال الرضى:
يعني بكون العلمية مؤثرة أن يكون منع صرف الاسم موقوفا عليها، وذلك على ثلاثة أضرب: لانها إما أن تكون سببا لا غير، أو شرطا لا غير، أو شرطا وسببا معا.
فالاول في موضعين اتفاقا: أحدهما أن تكون مع العدل في اسم لم يوضع الا علما، كعمر، وقطام في تميم، والثاني أن تكون مع الوزن سواء كان الاسم ممنوع الصرف قبل العلمية، كاحمر، أو، لا كاصبع، واثمد، ويزيد، ويشكر.
وفي موضعين على الخلاف، الاول: باب مساجد علما فان العلمية سبب فيه عند أبي علي والجزولي، والسبب الثاني عند أبي علي شبه العجمة، وعند الجزولي عدم النظير في الاحاد، وليست سببا عند المصنف لاعتباره الجمع الاصلي، فيكون، إذن، نحو: ثمان ورباع علمين، منصرفا عند المصنف غير منصرف عند غيره.
وأما سراويل علما فعند سيبويه فيه العلمية والتانيث المعنوي، وقد يذكر لكن التأنيث أغلب، فلذلك اعتبر، كما مر، في التأنيث، فقال سراويل كعقرب إذا سمي به، وعند الجزولي فيه العلمية والتانيث والعجمة وعدم النظير، وكان القياس يقتضي ألا تؤثر العلمية عنده لحصول الاكتفاء بالعملية الجنسية عنده وعدم النظير، لكن عادته (1) ألا يلغي سببا فيقول: في حمراء علما، سببان.
الثاني من الموضعين: كل عدل كان قبل العلمية ممنوع الصرف، نحو مثنى وثلاث، فالاخفش، وأبو علي، وأكثر النحاة، يصرفونه لزوال الوصف بالعلمية وزوال العدل ببطلان معنى العدد.
__________
(1) أي الجزولي.
(*)(1/168)
وذهب الجرمي وابن بابشاذ (1) إلى منع صرفه اعتبارا للعدل الاصلي مع العلمية، وهو قياس قول سيبويه، في أحمر، المنكر بعد العلمية، ولا تنافي بين العدل والعلمية بدليل عمر، وأما أخر وجمع علمين فغير منصرفين، عند سيبويه اعتبارا للعدل الاصلي مع
العلمية، وكذا لكع، لان فيه العدل، كما ذكرنا عندهم، وأما ان سميت بفضل من قولك: الفضل، فانه ينصرف إذ لا عدل في الاصل.
والاخفش والكوفيون يصرفون أخر وجمع ولكع أعلاما، إذ العلمية وضع آخر.
وقول سيبويه أقرب، لان العدل أمر لفظي، وبالعلمية لم يتغير اللفظ، وعكس سيبويه الامر في: سحر، إذا سمي به غير ما وضع له أولا من ظرف زمان أو ظرف مكان أو رجل أو غيره، فجعله منصرفا، ولعل ذلك لظهور فعل في باب العدل نحو عمر، وزفر، ولكع، عندهم، بخلاف فعل.
والثاني، أعني كون العلمية شرطا لا غير ففي موضع واحد على الخلاف، وهو: الالف والنون مع العلمية، سبب قائم مقام سببين عند بعضهم، والعلمية شرطه، وفي الحقيقة: الشرط انتقاء التاء وهو معلل باحد ثلاثة أشياء: العلمية، كما في عمران، ووجود فعلى كما في سكران، واختصاص اللفظ كما في رحمن، وعند الباقين: الالف والنون سبب والعلمية سبب آخر.
كما مر، فان العلمية شرطهما عند بعضهم في الاسم نحو: عمران وعثمان، لانه يمتنع بها من التاء فتشابه ألف التأنيث، فتقوم مثلها مقام سببين، وعند الباقين: العلمية سبب معها كما مر.
والثالث: أعني أن تكون العلمية شرطا وسببا معا في أربعة مواضع اتفاقا: في المؤنث بالتاء لفظا أو تقديرا، وفي الاعجمي، وفي المركب، وفي ذي الالف الزائدة المقصورة.
__________
(1) اسمه طاهر بن أحمد بن باب بن شاذ.
بتخفيف الذال ومعنى شاذ: الفرح والسرور.
هكذا في البغية للسيوطي.
وربما يكون قد ركب من اسم جديه: باب وشاذ اسم واحد.
والمعروف أن كلمة بابشاذ كلمة أعجمية معناها الفرح والسرور.
وقد كان ابن بابشاذ إماما في العربية.
ورد العراق تاجرا في اللؤلؤ.
وعاش بمصر زمنا وتوفي بها سنة 469 ه.
(*)(1/169)
وحال العلمية غير المؤثرة على ضربين: إما ألا تجامع السبب وذلك مع الوصف،
على ما ذكره المصنف، وقد ذكرنا أنها تجامعه، لكن الوصف لا يعتبر معها، وإما أن تجامع ولا تؤثر، وهو إذا كانت مع ألف التأنيث نحو صحراء، وبشرى، خلافا للجزولي، فانه لا يلغي سببا، فهذا حال العلمية في جميع باب ما لا ينصرف، رجعنا إلى شرح كلام المصنف، فنقول: إنما انصرف كل ما فيه علمية مؤثرة إذا نكر، لان جميع ما العلمية المؤثرة شرط فيه فقط، أو شرط وسبب معا، خمسة أشياء: التأنيث بالتاء والعجمة والتركيب والالف المقصورة الزائدة والالف والنون في الاسم، فلو فرضنا اجتماعها في اسم مع استحالة مجامعة الالف المقصورة للالف والنون، وأقصى ما يمكن اجتماعه من هذه: العلمية والتانيث والعجمة والتركيب، كما في: أذربيجان، لكان يزول تأثير الجميع بزوال العلمية، لان الشروط لا يؤثر بدون الشرط.
وجميع ما العلمية المؤثرة سبب فيه ثلاثة أشياء: العدل والوزن وشبه العجمة، أو عدم النظير في الاحاد في باب مساجد، على الخلاف المذكور، ولا يجتمع اثنان منها مع العلمية المؤثرة لوجهين: الاول: أن كل واحد منها يضاد الاخرين، لان أوزان العدل إما: فعال، أو مفعل، أو فعل أو فعل، أو فعل، أو فعال، كثلاث ومثلث وأخر وسحر وأمس عند تميم وقطام عندهم أيضا، وليس شئ منها وزن الفعل ولا أوزان الجمع الاقصى، وليس الجمع أيضا من أوزان الفعل، الثاني أنه لو لم يتضاد الثلاثة أيضا، لم يجتمع مع العلمية المؤثرة اثنان منها، إذ العلم يكون، إذن، منقولا مما اجتمع فيه اثنان منها فلم تكن العلمية الطارئة مؤثرة، لاستقلالهما بمنع الصرف قبل ورود العلمية: فإذا ثبت أنه لا يجتمع مع العلمية اثنان منها ثبت أنه لا يكون معها إلا أحدها، فإذا نكر ذلك الاسم بقي على سبب واحد فيصرف.
هذا غاية ما يمكن أن يتمحل لتمشية قول المصنف.(1/170)
ويمكن أن يرتكب عدم التضاد بين العدل والوزن، كما قلنا في دئل، وكما يمكن أن يقال في " إصمت " علم المكان القفر، إذ إصله " أصمت " بضمتين فعدل إلى إصمت في حال العلمية، ولم تطرا العلمية فيه على وزن الفعل والعدل حتى يقال ليست بمؤثرة لاستقلالهما بالتأثير دونها، لانه إنما عدل علما كما قلنا في " شمس بن مالك " (1)، فإذا نكر مثله بقي فيه الوزن والعدل فلا ينصرف، لان العدل وإن حصل فيه لاجل العلمية، لكنه لا يخرج العلم إذا نكر عن صيغته، ومن أين له أن صيغة العدل محصورة فيما ذكر من الاوزان ؟ هذا كله إن قلنا إن العلم بعد التنكير لا يعتبر أصله، كما هو مذهب الاخفش، وإن اعتبرنا، كما هو مذهب سيبويه، السبب الاصلي الذي ألغيناه لاجل العلمية، قلنا في ثلاث ومثلث وبابهما: إنها لا تنصرف لاعتبار الوصف الاصلي مع العدل، كما في أحمر.
وفرق بعضهم بين هذا الباب وباب أحمر، بان قال: الوصف ههنا لا يثبت من دون العدد، وقد زال العدد بالتسمية ولا يرجع بعد التنكير، إذ معنى: رب ثلاث، رب مسمى بهذا اللفظ، بخلاف أحمر المنكر فانه لا منع أن يكون معنى رب أحمر، رب مسمى بهذا اللفظ فيه الحمرة.
والذي يقوي عندي: أن الزائل بالكلية لا يعتبر، وصفا كان أو غيره، في باب أحمر، كان، أو في غيره، وسيأتي تمام الكلام عليه في موضعه.
وقياس قول سيبويه في أحمر: أن ينصرف أخر وجمع بعد التنكير، لانهما من باب أفعل التفضيل كما ذكرنا، وسيأتي أن أفعل التفضيل لا يعتبر فيه الوصف بعد التنكير.
وإذا نكر سحر بعد التسمية به، فالواجب الصرف، لانه لا علمية فيه، إذن،
__________
(1) انظر ص 125 من هذا الجزء.
(*)(1/171)
ولا عدل، إذ العدل إنما ثبت له قبل التسمية به لكون المراد به سحر يومك، وكذا أمس رفعا عند بني تميم.
وإذا نكرت مساجد بعد التسمية به فهو غير منصرف عند الاكثرين، أما عند المصنف فلانه يعتبر الجمع الاصلي مع العلمية التي ظاهرها مناقض له.
فكيف لا يعتبره بعد التنكير ؟ وأما عند الجزولي فلسبب واحد وهو عدم النظير في الاحاد وشبه سبب آخر، يعني الجمع، إذ لفظه لفظه.
ونسب أبو علي إلى الاخفش أنه لا يصرفه بعد التنكير أيضا، ويفرق بينه وبين أحمر، بان علامة الجمع باقية فيه بعد التنكير بخلاف نحو أحمر، إذ مثل هذا الورق قد يكون غير صفة كارنب وأفكل.
وقال العبدي: لا فرق بينه وبين أحمر، ولا نص للاخفش في ترك صرفه.
وقول الجزولي أولى.
وإذا نكرت سراويل بعد التسمية فهو عند المبرد كمساجد، إذ هو جمع سروالة، وقياس قول سيبويه أيضا ترك الصرف.
إذ هو أعجمي حمل على موازنه كما كان قبل التسمية، وكذا قياس قول الجزولي: يعتبر فيه عدم النظير والعجمة الجنسية، كما اعتبرها قبل العلمية.
ومن صرفه قبل التسمية يصرفه، أيضا، بعدها.
وأما الكلام في أحمر بعد التنكير، فسيجئ، ومثله: فعلان الصفة، إذا سمي به ثم نكر، سواء: يصرفه الاخفش خلافا لسيبويه.
__________
(1) اسمه: أحمد بن بكر وكفيته أبو طالب أحد أئمة النحو المشهورين أخذ عن السيرافي والفارسي ومعاصريهما وقال السيوطي في البغية أن عقله اختل آخر حياته وتوفي سنة 406 ه.
(*)(1/172)
وقال الاخفش: لو سميت باسم مركب آخر جزاية ذو ألف التأنيث أو الجمع الاقصى، نحو: معدى صحراء، أو معدى مساجد ثم نكرته صرفته لان الاسم الاخير بعد التسمية صار جزء الكلمة فليس مجموع الكلمة، إذن، ذا ألف التأنيث ولا الجمع الاقصى حتى يمتنعا عن الصرف بعد التنكير، والاخرون لم يصرفوهما بعد التنكير نظرا إلى إفرادهما، وقول الاخفش إن مجموع الكلمة ليس ذا ألف التأنيث مع جعل الجزء الاخير كجزء الكلمة ممنوع، وأما قوله: مجموع الكلمة ليس الجمع الاقصى فمسلم.
قوله " مؤثرة " حال، ومفعول تجامع: " ما " ويعني بما هي شرط فيه: التأنيث بالتاء، والعجمة والتركيب والالف والنون في الموضوع اسما.
قوله " إلا العدل " مستثنى مما بقي من المستثنى منه المقدر الذي استثنى منه لفظة " ما " بعد استثنائها، أي لا تجامع سببا غير السبب الدي هي شرط فيه إلا العدل، فكلا المستثنيين من ذلك المقدر، نحو قولك: ما ضربت إلا زيدا إلا عمرا، أي ما ضربت أحدا غير زيد إلا عمرا.
فالعلمية المؤثرة تجامع الاربعة الاشياء، وهي شرط فيها.
وتجامع العدل والوزن وليست شرطا فيهما، بل هي سبب معهما.
فان كانت في اسم واحد مع الاربعة الاول كاذربيجان، فإذا نكر بقي بلا سبب لزوال شرط الاربعة الاسباب.
وكذا إن كانت مع اثنين أو ثلاثة من الاربعة، وإن كانت مع العدل أو الوزن، قال: ولا يمكن أن تكون معهما معا لتضادهما، فلا تكون إلا مع أحدهما كما في نحو: عمر، وأحمد.
فإذا نكر الاسم بقي على سبب واحد، قال وإنما قلت: وهما متضادان، ليصح حكمي الكلي بكون كل ما فيه علمية مؤثرة منصرفا بعد التنكير، إذ لو لم يتضادا وجاز اجتماعهما مع العلمية المؤثرة في اسم، لكان ذلك الاسم غير منصرف بعد التنكير لبقاء السببين المستغنيين عن العلمية المؤثرة، وأما بيان تضادهما فما تقدم.
واعترض على قوله بان قيل: لم يكن محتاجا إلى هذا الاحتراز لان كلامه في العلمية المؤثرة، ولو اتفق اجتماعهما لم تكن العلمية مؤثرة، لان مثل هذا العلم، لو وقع، لكان منقولا عن اسم فيه العدل ووزن الفعل، فلا تؤثر فيه العلمية الطارئة، كما في حمراء،(1/173)
وسعدى علمين، بلى، لو كانت الاسباب الثلاثة مجتمعة بحيث لم يطرا بعضها على بعض لجاز أن يقال: إن حكم منع الصرف منسوب إلى اثنين منها غير معينين فيكون للعلمية تأثير ما، بكونها أحد الثلاثة المؤثر اثنان منها.
ويمكن أن يجوز اجتماعها ويمنع طرءان العلمية، إذن، على الوزن والعدل، كما في نحو: إصمت (1) على ما مر، إذ لو لم يتضادا أيضا واجتمعا في اسم لم تكن العلمية مؤثرة معهما، إذا كانت العلمية، إذن، طارئة عليهما بعد استقلالهما بالتأثير.
والجواب عن الاعتراض: منع وجوب طرءان العلمية على الوزن والعدل، إذن، كما ذكرنا في إصمت.
والاعتراض الحق إن يمنع التضاد بينهما، وذلك بمنع حصر أوزان العدل فيما ذكر قبل، كما بينا.
__________
(1) اصمت بقطع همزته مكسورة علم على مفازة، وقد حدث فيه بعد العلمية تغيير عن صيغته الاصلية لان أصله فعل أمر من صمت وميم الامر مضمومة، وقد ورد في شعر الراعي النميري.
وياتي شاهدا في هذا الشرح في باب العلم، في الجزء الثالث من هذه الطبعة.
(*)(1/174)
تنكير نحو أحمر والخلاف فيه بين سيبويه والاخفش قال ابن الحاجب: " وخالف سيبويه الاخفش في مثل أحمر علما ثم ينكر "
" اعتبارا للصفة بعد التنكير، ولا يلزم باب حاتم لما يلزم " " من إيهام اعتبار متضادين في حكم واحد ".
قال الرضى: قوله: " اعتبارا "، منصوب على أنه حال من سيبويه، أي خالف سيبويه معتبرا، أو مصدر لقوله: خالف، إذ معناه: اعتبر سيبويه دون الاخفش.
قوله: " ولا يلزم باب حاتم " هذا جواب عن إلزام الاخفش لسيبويه في اعتبار الصفة بعد زوالها، وتقريره: أن الوصف الاصلي لو جاز اعتباره لكان باب حاتم غير منصرف، للعلمية الحالية، والوصف الاصلي.
فأجاب المصنف عن سيبويه بان هذا الالزام لا يلزمه، لان في حاتم ما يمنع من اعتبار(1/175)
ذلك الوصف الزائل بخلاف أحمر المنكر، وذلك المانع: اجتماع المتضادين، وهما الوصف والعلمية، إذ الوصف يقتضي العموم والعلمية الخصوص، وبين العموم والخصوص تناف.
قوله " في حكم واحد " يعني في الحكم بمنع الصرف، لانك تحتاج في هذا الحكم إلى اجتماع سببين، فتكون قد جمعت المتضادين في حالة واحدة ولو لم يكن اعتبار المتضادين في حكم واحد، جاز إذ لا يلزم اجتماعهما في حالة واحدة، كما إذا حكمنا بجمع أحمر على حمر، لان أصله صفة، وعلى أحامر، لاجل العلمية، فقد حصل في هذه اللفظة متضادان لكن بحكمين فلم يجتمعا في حالة، فإذا نكر أحمر، فانه يصح اعتبار الوصف، وليس معنى الاعتبار أن يرجح معنى الصفة الاصلية، حتى يكون معنى رب أحمر: رب شخص فيه معنى الحمرة، بل معنى رب أحمر: رب شخص مسمى بهذا اللفظ، سواء كان أسود، أو أبيض، أو أحمر.
فمعني اعتبار الوصف الاصلي بعد التنكير، أنه كالثابت مع زواله لكونه أصليا، وزوال ما يضاده وهو العلمية، فصار اللفظ بحيث
لو أراد مريد إثبات معنى الوصف الاصلي فيه، لجاز بالنظر إلى اللفظ، لزوال المانع.
هذا، والحق أن اعتبار ما زال بالكلية ولم يبق منه شئ: خلاف الاصل، إذ المعدوم من كل وجه، لا يؤثر بمجرد تقدير كونه موجودا.
فالاولى أن يقال: ان اعتبر معنى الوصف الاصلي في حال التسمية، كما لو سمى، مثلا، باحمر: من فيه حمرة، وقصد ذلك، ثم نكر، جاز اعتبار الوصف بعد التنكير لبقائه في حال العلمية أيضا، لكنه لم يعتبر فيها، لان المقصود الاهم في وضع الاعلام المنقولة: غير ما وضعت له لغة، ولذلك نراها في الاغلب مجردة عن المعنى الاصلي، كزيد، (1) وعمرو، وقليلا ما يلمح ذلك.
وإن كان لم يعتبر في وضع العلم الوصف الاصلي، بل قطع النظر عنه بالكلية،
__________
(1) لان أصل زيد: مصدر زاد، وأصل عمر: الحياة والبقاء.
(*)(1/176)
كما لو سمى باحمر: أشقر أو أسود، لم يعتبر بعد التنكير أيضا.
وقال الاخفش في كتاب الاوسط: (1) إن خلافه في نحو أحمر، إنما هو في مقتضى القياس.
وأما السماع فهو على منع الصرف.
هذا كله في أفعل فعلاء وكذا فعلان فعلى.
وأما أفعل التفضيل نحو: أعلم، فانك إذا سميت به ثم نكرته، فان كان مجردا من " من " التفضيلية، انصرف إجماعا، ولا يعتبر فيه سيبويه الوصف الاصلي، كما اعتبر في نحو أحمر، وإن كان مع " من " لم يصرف إجماعا بلا خلاف من الاخفش، كما كان في أحمر.
أما الاول فلضعف أفعل التفضيل في معنى الوصف، ولذا لا يعمل في الظاهر كما يعمل أفعل فعلاء، فإذا تجرد من " من " التبس بافعل الاسمي الذي لا معنى للوصف فيه كافكل (2) وأيدع، ولا يظهر فيه معنى الوصف.
وأما أفعل فعلاء، فثبوت عمله في الظاهر قبل العلمية وإشعار لفظه بالالوان والخلق الظاهرة في الوصف، يكفي في بيان كونه موضوعا صفة،.
فإذا اتصل أفعل " يمن " فقد تميز عن نحو أفكل، وظهر فيه معنى التفضيل الذي هو وصف.
وأما الثاني فانما وافق الاخفش سيبويه.
في منع الصرف مع " من " لظهور وصفه، إذن، كما ذكرنا، ولكون " من " مع مجرورها كالمضاف إليه.
ومن تمام أفعل التفضيل من حيث المعنى الوضعي، فلو نون لكان الثاني متصلا منفصلا، لان التنوين يشعر بالانفصال، بسبب وجود علامة الوصف أعني " من " بخلاف باب أحمر لعريه عن
__________
(1) اسم كتاب من مؤلفات الاخفش في النحو.
وله من المؤلفات: المسائل الكبير وغيره.
(2) الافكل على وزن أحمر: الرعدة والارتعاش.
والابدع بوزن أحمر أيضا: الزعفران.
(*)(1/177)
العلامة الدالة على الوصف.
ولو سميت رجلا باجمع الذي يؤكد به، ثم نكرته، صرفته البتة إجماعا.
لكونه في معنى الوصف، أخفى من أفعل التفضيل، لانه كان بمعنى " كل " قبل العلمية، وانمحى عنه معنى الوصف على ما تقدم في " جمع ".
هذا حكم جميع ما لا ينصرف في حال العلمية وبعدها.
التصغير وتاثيره في الممنوع من الصرف ثم اعلم أن التصغير يخل، من أسباب منع الصرف، بالعدل عن وزن إلى آخر، فانه يزول الوزن المعدول إليه بالتصغير، وذلك الوزن مراعى في العدل، إذ العدل أمر لفظي.
وكذا الجمع الاقصى، يجتل بالتصغير لوجوب رده إلى واحده فيقال في: رباع
ومساجد: ربيع ومسيجد.
ولو سميت بالجمع المذكر ثم صغرته، انصرف أيضا لزوال علامة الجمع ووزنه المعتبر.
وإذا صغرت سراويل علما لم ينصرف لان التصغير لا يذهب بالتأنيث المعنوي الذي يكون فيه، فيكون كعناق (1)، إذا صغر بعد التسمية به، ويختل بالتصغير، أيضا، وزن الفعل، إن لم يكن أوله زيادة كزيادة الفعل،
__________
(1) اسم لانثى المعز.
(*)(1/178)
كخضيضم ودحيرج في: خضم ودحرج، وأما إن كان أوله زيادة كزيادته فان التصغير لا يزيله كما تقول في تصغير أحمد ونرجس ويشكر وتغلب: أحيمد، ونريجس ويشيكر وتغليب، لانه على وزن مضارع فيعل، نحو: بيطر يبيطر.
وأما ان عرض الوزن في المصغر ولم يكن في المكبر، كما تقول في تضارب علما: تضيرب، وفي تحلي (1): تحيلي، فبعضهم لا يعتبره لعروضه.
والاكثرون يعتبرونه، لان التصغير وضع مستانف.
قال بعضهم يعتبر الوصف العارض في التصغير لكونه بناء مستانفا كما اعتد بالوصف العارض في نحو مثنى وثلاث لكونه وضعا مستانفا، فلا يتصرف: أدير.
تصغير أدور، للوزن والوصف العارض في التصغير، والدليل على عروض الوصف في التصغير قولهم: غليمون، ورجيلون.
في جمع مصغر غلام ورجل، قال، فكان القياس أن ينصرف العلم في نحو حميزة تصغير حمزة لعروض الوصف المنافي للعلمية، إلا أنه لما لم يكن ظاهرا في التصغير لم يعتدوا به.
والدليل على خفاء معنى الوصف في المصغر عدم جريه (2)، فلا يقال: شخص رجيل.
وفيما قال نظر، إذ لو لم يكن ظاهرا لم يعتدوا به في أدير.
والاولى أن يقال: لا تنافي بين الوصف والعلمية كما ذكرنا، لان الوصف المعتبر
في باب منع الصرف، هو الذي وضع صحيح التبعية لمما يخصص الذات المبهمة المدلول عليها، كما ذكرنا قبل، وذلك لان الفرعية إنما تتبين في مثل هذا الوصف، وهي المطلوبة في غير المنصرف.
وأما التنافي بين الوصف والعلمية، فقد ذكرنا ما عليه.
وأما الالف والنون فنقول: إن بقي الالف في التصغير كما كان، فلا يخل التصغير
__________
(1) التحلئ بكسر التاء ما يتساقط من الجلد إذا حك بسكين أو نحوه.
(2) أي عدم تبعيته لموصوف قبله كغيره من المشتقات.
(*)(1/179)
بهما، نحو سكيران وعثيمان في سكران وعثمان.
وإن انقلب ياء كما تقول في سلطان علما سليطين فانه يخل بهما، ومعرفة ما يقلب ألفه مما لا يقلب، تتبين في التصريف في باب التصغير.
فعلى هذا: التصغير يخل بالعدل عن وزن وبالجمع مطلقا وبالالف والنون وبالوزن من وجه دون وجه، ولا يخل بالوصف والعلمية، والتانيث والتركيب والعجمة.
الاضافة وحرف التعريف مع ما لا ينصرف قال ابن الحاجب: " وجميع الباب باللام والاضافة ينجر بالكسرة ".
قال الرضى: أي كان بدونهما ينجر بالفتح، فصار بسببهما ينجر بالكسر.
اعلم أن من ذهب في منع غير المنصرف الكسر إلى أنه لاجل تبعية التنوين المحذوف لمنع الصرف، قال لم يحذف الكسر مع اللام والاضافة، لانه لم يحذف التنوين معهما لمنع الصرف حتى يتبعها الكسر بل حذفت لانها لا تجامعهما، إذ التنوين دليل تمام الاسم، وإضافته مشعرة بعدم تمامه فتنافرا، وأما تنافر اللام والتنوين فقد مر في بيان
نوني المثنى والمجموع.
ويجوز أن يقال: لما عاقبت اللام والاضافة التنوين صارتا كالعوض منه فكأنه ثابت فلم يحذف الكسر.
ومن لم يقل بتبعية الكسر للتنوين قال: لم يحذف مع اللام والاضافة، لانهما من خواص الاسماء فترجح بهما جانب الاسمية فضعف شبه الفعل، فكأنه ليس فيه علتان من تسع، فدخله الكسر، فعلى هذا صار الاسم بهما منصرفا، وعلى الوجه الاول:(1/180)
هو باق على حاله من عدم الانصراف [ إذ ] (1) لا سبب في الاسم، وقد ذكرنا هل يكون الاسم بهما منصرفا، أو باقيا على عدم الانصراف في أول باب ما لا ينصرف (2).
ويرد على الثاني أن كون الاسم فاعلا ومفعولا ومضافا إليه بحرف جر ظاهر أو مقدر من خواص الاسم، أيضا، ولا يعود الكسر، فالاول أولى.
__________
(1) زيادة لا بد منها لاستقامة الكلام.
(2) ص 101 من هذا الجزء.
(*)(1/181)
المرفوعات بيان علة الرفع في الاسم قال ابن الحاجب: " المرفوعات هو ما اشتمل على علم الفاعلية ".
قال القرطبي: قدم المرفوعات على المنصوبات والمجرورات، لان المرفوع عمدة الكلام كالفاعل والمبتدا والخبر، والبواقي محمولة عليها، والمنصوب في الاصل فضلة لكن يشتبه بها
بعض العمد، كاسم " ان " وخبر " كان " وأخواتها، وخبر " ما " و " لا "، والمجرور في الاصل منصوب المحل كما تقدم تحقيقه.
قوله: " هو ما اشتمل " ذكر الضمير مع رجوعه إلى المؤنث، أي المرفوعات نظرا إلى خبر الضمير، أعني " ما " لان المبتدا هو الخبر، فيجوز مطابقة المبتدا له، كمطابقته للمعود إلى، ومثله قولهم: من كانت أمك (1).
__________
(1) روي بنصب " أمك ".
فيكون التأنيث في الضمير المستتر في كانت مع أنه عائد إلى من باعتبار أن الخبر مؤنث.
(*)(1/183)
ويعني باشتماله على علم (1) الفاعلية تضمنه إياه بحيث يكون علم الفاعلية أحد أجزائه، ويعني بعلم الفاعلية: الضم والالف والواو، إذا دل كل واحد منها على كون الاسم الذي هو في آخره عمدة الكلام، فكل ما فيه أحد هذه الاشياء مرفوع.
والاولى، على ما اخترناه قبل أن يقال: المرفوعات ما اشتمل على علم العمدة، لان الرفع في المبتدا والخبر وغيرهما من العمد ليس بمحمول على رفع الفاعل، كما بينا، بل هو أصل في جميع العمد على ما تقرر قبل.
__________
(1) علم أي علامة وتتكرر هذه الكلمة في هذا الشرح كثيرا مرادا بها ذلك.
(*)(1/184)
الفاعل تعريفه قال ابن الحاجب: " فمنه الفاعل.
وهو ما أسند إليه الفعل أو شبهه وقدم " " عليه على جهة قيامة به مثل قام زيد، وزيد قام أبوه ".
قال الرضى:
أي فمما اشتمل على علم الفاعلية، وقال بعد: ومنها المبتدا والخبر، حملا على معنى " ما ".
وإنما قدم الفاعل على سائر المرفوعات بناء منه على أنه أصل المرفوعات، ولهذا سمى الرفع علم الفاعلية، وقد ذكرنا ما عليه (1).
قوله: " ما أسند إليه "، قد عرفت في حد الكلام معنى الاسناد، ولم يقل: ما أخبر بالفعل عنه، ليدخل فيه فاعل الفعل الانشائي، نحو: بعت، وهل ضرب زيد، ونحوه.
__________
(1) أنظر بحث الاعراب وسببه في الاسماء ص 57 من هذا الجزء.
(*)(1/185)
قوله: " أو شبهه "، يعني به اسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والمصدر، واسم الفعل، ولم يقل، أو معناه فيدخل الظرف والجار والمجرور المرتفع بهما الضمير في نحو: زيد قدامك، أو في الدار، أو الظاهر، نحو: زيد أمامك غلامه، لكون الرافع في الحقيقة عنده: الفعل أو اسم الفاعل المقدر، خلافا لمن قال: إنه الظرف والجار، على ما يجئ في باب المبتدا.
قوله: " وقدم عليه "، الضمير فيه للفعل أو شبهه، وفي " عليه " لما، واحترز بقوله: وقدم عليه، عن المبتدا، لان نحو: زيد، في قولك: زيد قام، مسند إليه قام، لان قام خبر عنه، والمسند إليه هو المخبر عنه في الحال أو في الاصل، كما مر في حد الكلام (1)، فكل خبر يرفع ضمير المبتدا.
يجوز أن يقال: هو مسند إلى المبتدا، وأن يقال هو مسند إلى ذلك الضمير والمجموع مسند إلى المبتدا، وكل رافع لغير ضمير المبتدا فهو ومرفوعه مسند إلى المبتدا، وكل خبر غير رافع لشئ كالجوامد فهو، وحده، مسند إلى المبتدا، نحو: أنت زيد.
إن قيل: فالمبتدا في قولك: قائم زيد، يدخل في حد الفاعل لان المسند قدم عليه.
قلت: هو مؤخر تقديرا، وتقديمه كلا تقديم.
قوله: " على جهة قيامه به "، أي قيام الفعل أو شبهه، والضمير في " به " لما، أي
على طريقة قيامه به وشكله، سواء كان قائما به، أو، لا، يقال: عملت هذا على وجه عملك وعلى جهته، أي على طرزه وطريقته.
والجار في قوله على جهة، متعلق باسند، أو صفة لمصدره، أي إسنادا على طريقة إسناد القيام، ويعني بتلك الجهة: ألا يغير صيغة الفعل إلى: فعل، ويفعل، وأشباههما، وذلك أن طريقة إسناد الفعل القائم مصدره بالفاعل حقيقة، نحو ظرف زيد: عدم
__________
(1) ص 31 من هذا الجزء.
(*)(1/186)
التغيير، فكل ما أسند الفعل إليه على هذا النمط من الاسناد: فاعل عند النحاة، وإن لم يكن الفعل قائما به على الحقيقة كالامور النسبية، نحو: قرب ويعد، وكذا الافعال المتعدية نحو ضرب وقتل، لان الضرب نسبة بين الضارب والمضروب، لا يقوم باحدهما دون الاخر، بل بهما، لصدوره عن أحدهما ووقوعه على الاخر.
وبقوله: على جهة قيامه به يخرج مفعول ما لم يسم فاعله، وهو عند عبد القاهر.
والزمخشري (1)، فاعل اصطلاحا، فلا يحترزان عنه ليدخل في الحد.
وعند من حد بهذا الحد، ليس بفاعل، وخلافهم لفظي راجع إلى أنه هل يقال له في اصطلاح النحاة فاعل، أو، لا، وليس خلافا معنويا.
وتمثيله بزيد قائم أبوه، لرفع شبه الفعل للفاعل، ليس نصا فيما قصد، لاحتمال كون " قائم " خبرا مقدما على " أبوه "، ولو قال: أبواه.
لكان نصا.
والعامل في الفاعل: المسند، خلافا لخلف (2)، فانه قال هو الاسناد، وقد ذكرنا في حد الاعراب علة وجوب تقدم الفعل على الفاعل.
مرتبة الفاعل بعد الفعل قال ابن الحاجب:
" والاصل أن يلي فعله، فلذلك جاز: ضرب غلامه زيد ".
" وامتنع: ضرب غلامه زيدا ".
قال الرضى: قوله: " يلي فعله " أي يكون بعده بلا فصل، من قولك: وليك الشئ أي قرب منك.
__________
(1) تقدم ذكر عبد القاهر الجرجاني ص 58 والزمخشري ص 46 من هذا الجزء.
(2) خلف بن يونسف الشنترين من علماء الاندلس تقدم ذكره ص 73 من هذا الجزء.
(*)(1/187)
قوله: " فلذلك جاز "، أي جواز هذه المسالة معلل بكون الاصل في الفاعل أن يلي الفعل، وذلك إن يقال: إنما جاز: ضرب غلامه زيد، مع أن ما يرجع إليه الضمير: مؤخر عنه، لان " زيد " فاعل وأصله أن يلي الفعل، فهو متقدم على الضمير تقديرا، وكذلك عدم جواز: ضرب غلامه زيدا، معلل بما ذكر، وذلك بان يقال: إنما لم يجز ضرب غلامه زيدا، لان " غلامه " فاعل، وأصل الفاعل أن يلي الفعل، فهو مقدم على زيد، لفظا وأصلا، فيكون الضمير قبل الذكر، ولا يجوز ذكر ضمير مفسره بعده، إلا في ضمير الشان لغرض تفخيم الشان بذكره مبهما ثم مفسرا، ليكون أوقع في النفس كما يجئ.
وليس هذا الغرض مقصودا فيما نحن فيه، أو في الضمير الذي يجئ مفسره فيما بعده منصوبا على التمييز، لان ذلك المنصوب لايجاء به إلا لغرض رفع الابهام عن الضمير، فلا يلبس، بخلاف " زيدا " في مسالتنا، فان مجيئه، ليكون مفعولا، لا لكونه للتمييز فقط، وأنت إذا جئت بعد المبهم بشئ: الغرض من مجيئك به تفسيره فقط لم يبق الابهام، وأما إذا جئت بعده بشئ: الغرض الاصلي منه غير التفسير كالمفعول ههنا، فلا يكفي في التفسير، لانه يحمل على ما هو المراد الاصلي منه، ويبقى الابهام بحاله.
فمن ثم منع الفراء، والكسائي في باب التنازع إعمال الثاني إذا توجه الاول إلى
المتنازع فيه بالفاعلية، كما يجئ خلافا للبصرية.
وقد جوز الاخفش وتبعه ابن جني، نحو: ضرب غلامه زيدا، أي اتصال ضمير المفعول به بالفاعل مع تقدم الفاعل لشدة اقتضاء الفعل للمفعول به كاقتضائه للفاعل، واستشهد (1) بقوله: 40 - جزى ربه عني عدي بن حاتم * جزاء الكلاب العاويات وقد فعل (2)
__________
(1) استشهد: أي الاخفش، وتبعه ابن جني.
وقد تقدم ذكر كل منهما.
(2) البيت لابي الاسود الدؤلي في عدي بن حاتم الطائي.
وفي شعر للنابغة الذبياني: جزى الله عبسا عبس آل بفيض * جزاء الكلاب العاويات وقد فعل واشتبه هذا على ابن جني فنسب بيت الشاهد للنابغة.
(*)(1/188)
وبقوله: 41 - لما عصى أصحابه مصعبا * أدى إليه الكيل صاعا بصاع (1) ويجوز التأويل برب الجزاء، وأصحاب العصيان، وبقوله: 42 - ألا ليت شعري هل يلومن قومه * زهيرا على ما جر من كل جانب (2) والاولى تجويز ما ذهبا إليه، لكن على قلة، وليس للبصرية منعه مع قولهم في باب التنازع بما قالوا.
(3) وكذا نقول: يحسن: أعطيت درهمه زيدا: لان مرتبة المفعول الاولى قبل الثاني، وإن تأخر عنه لكونه فاعلا معنى، كما يجئ في باب مفعول ما لم يسم فاعله.
ويقل نحو: أعطيت صاحبه الدرهم، قلة: ضرب غلامه زيدا.
وكذا إذا كان للفعل مفعول يتعدي إليه الفعل بنفسه، فمرتبته أقدم مما يتعدى إليه الفعل بحرف الجر، ظاهرا، نحو: قتلت باخيه زيدا، أو مقدرا، نحو: اخترت قومه زيدا، أي من قومه.
فمن ثم حسن رجوع الضمير إلى المتأخر في المسالتين.
__________
(1) البيت من قصيدة في المفضليات للسفاح بن بكير يرثي بها يحيى بن شداد من بني يربوع، ومصعب هو
مصعب بن الزبير.
ومعنى أدى إليه الكيل صاعا بصاع أنه كافاه بفعله: احسانا باحسان واساءة.
(2) من شعر أبي جندب بن مرة القروي - شاهر جاهلي - يذكرون أنه كان مريضا وكان له جار.
قتله زهير اللحياني من بني لحيان وقتل امراته فلما أبل جندب من مرضه استعان باخوان له واغار على بني لحيان وقتل منهم وسبى من نسائهم وذراريهم وباع سبيه في قبيلتي لخم وغالب، وقال هذا الشعر.
وبعده: بكفي زهير عصبة العرج منهم * ومن بيع في الركبين لخم وغالب.
(3) سيأتي في باب التنازع قول البصريين بعود الضمير على المتأخر لفظا ورتبة.
(*)(1/189)
الترتيب بين الفاعل والمفعول قال ابن الحاجب: " وإذا انتفى الاعراب لفظا فيهما والقرينة، أو كان مضمرا " " متصلا، أو وقع مفعوله بعد " الا "، أو معناها وجب تقديمه ".
قال الرضى: هذا بيان لما يعرض فيوجب تقديم الفاعل على المفعول بعد أن كان جائز التاخير عنه.
قوله: " لفظا "، منصوب على التمييز، اي انتفى لفظ الاعراب لا تقديره، قوله: " فيهما "، أي في الفاعل والمفعول به الذي دل عليه سياق الكلام، أي إذا انتفى الاعراب اللفظي في الفاعل والمفعول معا، مع انتفاء القرينة الدالة على تمييز أحدهما عن الاخر وجب تقديم الفاعل لانه إذا انتفت العلامة الموضوعة للتمييز بينهما أي الاعراب، لمانع، والقرائن اللفظية والمعنوية التي قد توجد في بعض المواضع دالة على تعيين أحدهما من الاخر، كما يجئ فليلزم كل واحد منهما مركزه ليعرفا بالمكان الاصلي.
والقرينة اللفظية كالاعراب الظاهر في تابع أحدهما أو كليهما نحو: ضرب موسى
عيسى الظريف (1)، واتصال علامة الفاعل بالفعل نحو ضربت موسى حبلى، أو اتصال ضمير الثاني بالاول نحو: ضرب فتاه موسى.
__________
(1) أي أنه إذا رفع الوصف كان الاول مفعولا وهو موسى.
وإذا نصب كان الثاني أي عيسى هو المفعول.
(*)(1/190)
والمعنوية نحو: أكل الكمثري موسى، واستخلف المرتضى المصطفى صلى الله عليه وسلم (1)، ونحو ذلك.
وكذا إن كان الفاعل ضميرا متصلا، وجب تقديمه على المفعول، سواء كان المفعول اسما ظاهرا، كضربت زيدا، أو مضمرا منفصلا، كما ضربت إلا إياك، أو مضمرا متصلا، كضربتك، لئلا يصير المتصل منفصلا.
فان قيل: ففي المثال الذي أوردته أخيرا، أعني ضربتك، صار الذي هو ضمير متصل منفصلا عن عامله.
قلت: لما كان التاء فاعلا وضميرا متصلا، وكلا الامرين موجب للاتصال بالعامل صار بهما (2) كبعض حروف الفعل، ألا ترى إلى إسكان لام ضربت بخلاف: ضربك، وذلك أنهم لا يجيزون توالي أربع حركات في كلمة واحدة، فلما صار هذا المركب كالكلمة الواحدة عاملوه معاملتها فصار ضمير المفعول في ضربتك كانه اتصل بالعامل.
أما لو تقدم المفعول على الفاعل مع اتصالهما لكان الفاعل المتصل غير متصل بعامله، ولا بما هو كالجزء من عامله، لان المفعول، وإن كان من حيث كون ضميرا متصلا كالجزء، لكنه من حيث كونه مفعولا، فضلة.
قوله: " أو وقع مفعوله بعد " إلا "، أي مفعول الفاعل نحو قولك: ما ضرب زيد إلا عمرا.
وينبغي أن تعرف أولا، أنك إذا ذكرت قبل أداة الاستثناء معمولا خاصا للعامل فيما بعدها وجب أن يكون ما لذلك المتقدم من الفاعلية أو المفعولية، أو الحالية، أو غير
ذلك محصورا في المتأخر، وما لذلك المتأخر من تلك المعاني باقيا على الاحتمال، لم يدخله
__________
(1) هذا التمثيل مما يدل على تشيع الرضى.
فهو يريد بالمرتضى علي بن ابي طالب رضي الله عنه وتلك هي عقيدة الشيعة.
(2) بهما أي بكونه فاعلا وكونه متصلا.
(*)(1/191)
الخصوص ولا العموم، كما إذا قلت مثلا: ما ضرب زيد إلا عمرا، فضاربية زيد محصورة في عمرو، أي ليس ضاربا لاحد إلا لعمرو، وأما مضربية عمرو، فعلى الاحتمال، أي يجوز أن يكون مضروبا لغير زيد أيضا، وبالعكس لو قلت ما ضرب عمرا إلا زيد.
مضروبية عمرو، مقصورة على زيد، أي لم يضربه إلا زيد، وضاربية زيد باقية على الاحتمال، أي يصح أن يكون ضاربا لغير عمرو، أيضا، وكذا في نحو: ما جاء زيد إلا راكبا، يجوز أن تكون حالة الركوب لغير زيد، أيضا، بخلاف: ما جاء راكبا إلا زيد.
فإذا تقرر هذا تبين أن ضرب زيد، في قولك ما ضرب زيد إلا عمرا مقصور على عمرو، ومضروبية عمرو، على الاحتمال، فلو قدمت عمرا على زيد فاما أن تقدمه عليه من دون " إلا " نحو: ما ضرب عمرا إلا زيد، وفيه انعكاس المعنى، إذ تصير المضروبية خاصة والضاربية باقية على الاحتمال.
فلا يجوز، وإما أن تقدمه عليه مع إلا، نحو: ما ضرب إلا عمرا زيد، فعند هذا نقول: إن أردت أن عمرا وزيد مستثنيان معا والمراد: ما ضرب أحدا أحد، إلا عمرا زيد، اختل أيضا، لان مضروبية عمرو في أصل المسالة أعني في: ما ضرب زيد إلا عمرا، كانت على الاحتمال، وبالتقدير المذكور الان.
صارت مضروبيتة مختصة بزيد، لان الاحتمال المذكور فيما بعد " إلا "، إنما يكون في الفاعل إذا ذكرت مفعولا خاصا نحو: ما ضربني إلا زيد.
وكذا يكون في المفعول إذا ذكرت فاعلا خاصا نحو: ما ضربت إلا زيدا، أما إذا لم تذكرهما، أو ذكرتهما
عامين، فليس فيما بعد " إلا " إلا الاحتمال المذكور، فاعلا كان، أو مفعولا، نحو: ما ضرب إلا زيد، وما ضرب احد إلا زيد، في الفاعل، وما ضرب إلا زيدا، وما ضرب أحد إلا زيدا، في المفعول، وكذا إذا ذكرت فاعلا ومفعولا عامين، نحو: ما ضرب أحد أحدا، إلا زيدا عمرا بقي المستثنيان غير محتملين، وإنما كان كذا إذ ليس هناك غير ذلك المفعول العام شئ يتعلق به الفاعل المستثنى، وكذا، ليس غير ذلك الفاعل العام شئ يتعلق به المفعول المستثنى، كما كان حين ذكرتهما خاصين، فيكون في: ما ضرب إلا عمرا زيد: المضروبية المطلقة مقصورة على عمرو، والضاربية المطلقة مقصورة على زيد، وتختص مضروبية عمرو بزيد وهو عكس المعنى.(1/192)
هذا مع أن استثناء شيئين باداة واحدة، بلا عطف غير جائز مطلقا عند الاكثرين، لضعف أداة الاستثناء، إذ الاصل فيه " إلا " وهي حرف.
فلا يستثنى بها شيئان، لا على وجه البدل ولا على غيره، فلا تقول في البدل ماسخا أحد بشئ إلا عمرو بدرهم، ولا تقول في غير البدل: ماسخا أحد بشئ إلا عمرو الدينار (1).
ويجوز مطلقا عند جماعة، وبعضهم فصلوا فقالوا: إن كان المستثنى منهما مذكورين، والمستثنيان بدلين منهما جاز، نحو: ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا، وذلك لان الاسمين بكونهما بدلين مما قبل إلا كأنهما واقعان موقع ما أبدلا منهما، أي كأنهما وقعا قبل " إلا "، وليسا بمستثنيين، فكانك قلت: ضرب زيد عمرا ومثل هذا عند الاولين بدل (2)، ومعمول عامل مضمر من جنس الاول، لا بدلان، والتقدير: ما ضرب أحد أحدا إلا زيد، ضرب عمرا.
وإن كان المستثنى منهما مقدرين: نحو: ما ضرب إلا زيد عمرا، أو كان أحدهما مذكورا دون الاخر نحو: ما ضرب القوم إلا بعضهم بعضا أو كلاهما مذكورين، لكن المستثنيين لم يبدلا منهما نحو: ما ضرب أحد بشئ إلا زيدا، أو الازيد السوط، لم يجز،
لان المستثنيين، إذن، ليسا كالواقعين قبل إلا، وهي تضعف عن استثناء شيئين إلا على الوجه المذكور.
فان استدل من أجاز مطلقا بقوله تعالى: " وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الراي " (3)، فانه لم يذكر المستثنى منهما، والتقدير: وما نراك اتبعك أحد في حالة إلا أراذلنا في بادي الراي، أي بلا روية، فلغيرهم أن يعتذروا بانه منصوب بفعل مقدر،
__________
(1) أي برفع عمرو، بدلا من أحد، وجر الدينار، بدلا من شئ، (2) أي أن الاول بدل والثاني معمول عامل مضمر أي محذوف.
كما سيشرح بالمثال، (3) الاية 27 من سورة هود، (*)(1/193)
أي اتبعوا في بادي الراي، أو بان الظرف يكفيه رائحة الفعل، فيجوز فيه ما لا يجوز في غيره.
وإن أردت في أصل المسالة، أعني: ما ضرب إلا عمرا زيد: أن زيدا مقدم معنى وليس بمستثنى وأن المراد: ما ضرب زيد الا عمرا.
فالمعنى لا ينعكس ولا يلزم استثناء شيئين باداة واحدة.
إلا أن أكثر النحاة منعوا أن يعمل ما قبل " إلا " فيما بعد المستثنى بها إلا أن يكون معموله الواقع بعد المستثنى هو المستثنى منه، نحو: ما جاءني إلا زيدا أحد، أو تابعا للمستثنى نحو: ما جاءني إلا زيد الظريف أو معمولا لغير العامل في المستثنى نحو: قولك: رايتك إذ لم يبق إلا الموت ضاحكا، وذلك أن ما بعد " إلا " من حيث المعنى من جملة مستانفة غير الجملة الاولى، لان قولك ما جاءني إلا زيد بمعنى: ما جاءني غير زيد وجاءني زيد، فاختصر الكلام، وجعلت الجملتان واحدة، فالاولى ألا يتوغل المعمول في الحيز الاجنبي عن عامله، أما المستثنى فانه على طرف ذلك الحيز غير متوغل فيه، وانما جاز وقوع المستثنى منه وتابع المستثنى بعد المستثنى لان المستثنى له تعلق بهما من وجه، فكأنه وكل واحد منهما كالشئ الواحد،
وأما نحو " ضاحكا " فليس في الحيز الاجنبي من عامله، إذ قولك: إذ لم يبق إلا الموت معمول رايتك وضاحكا معموله الاخر.
فإذا ثبت هذا، فان وقع معمول آخر لما قبل " الا " بعد المستثنى غير الثلاثة المذكورة.
إما مرفوع أو منصوب.
ولا يكون إلا في الشعر كقوله: 43 - كان لم يمت حي سواك ولم تقم * على أحد الا عليك النوائح (1)
__________
(1) من أبيات لاشجع السلمي.
وهو متاخر.
حيث كان يمدح الرشيد والبرامكة.
قال البغدادي: وشعره لا يحتج به فكان حقه أن يؤخره على البيت الذي بعده.
وقصده بذلك أن يتحقق الاستشهاد بالبيت الاتي ثم ياتي هذا البيت فيكون تمثيلا لا استشهادا.
وهذا مبني على ما استقر عليه راي المتقدمين من تحديد الزمن الذي ينتهي عنده الاستشهاد بالشعر.
والابيات في الامالي (2 - 118) منسوبة لاشجع أيضا.
وقال محقق الامالي ان الابيات في شرح الحماسة للتبريزي لمطيع بن أياس في رثاء بحيى بن زياد وهي أبيات جيدة وبعد هذا البيت: لئن حسنت فيك المراتي وذكرها * لقد حسنت من قبل فيك المدائح (*)(1/194)
وكقوله: 44 - لا أشتهي يا قوم إلا كارها * باب الامير ولا دفاع الحاجب (1) أضمروا له عاملا آخر من جنس الاول، أي قامت النوائح، وأشتهي باب الامير كارها.
والكسائي جوز مطلقا عمل ما قبل " إلا " فيما بعد المستثنى بها سواء كان العمل رفعا أو نصبا، صريحا كان النصب كما ذكرنا، أو، لا، كما في قولك: ما مررت إلا راكبا بزيد، في الشعر وفي غيره بلا تقدير ناصب ولا رافع.
وابن الانباري جوز رفع ما بعد المستثنى فقط، دون النصب.
فتبين لك، على هذا، أن ما قبل " إلا " لا يعمل فيما بعد المستثنى على الاصح سواء كان ذلك أيضا، مستثنى، أو، لا، كما مضى، فلا يجوز في: ما ضرب زيد إلا عمرا: ما ضرب عمرا إلا زيد.
وإنما قلت في بيان المسالة: معمولا خاصا لانه إذا كان المعمول عاما.
نحو: ما ضرب أحد إلا زيدا فلا يقال إن مضروبية زيد باقية على الاحتمال، لانه لم يبق بعد " أحد " شئ يمكن أن يضرب زيدا، كما كان في: ما ضرب زيد إلا عمرا: أمكن أن يضرب عمرا غير زيد.
قوله: أو معناها يعني ما في " إنما " من معنى الحصر.
وذلك أن المشهور عند النحاة والاصوليين أن معنى: إنما ضرب زيد عمرا: ما ضرب زيد إلا عمرا، فان قدمت المفعول على هذا، انعكس الحصر، كما ذكرنا في: ما ضرب زيد إلا عمرا.
__________
(1) من أبيات لموسى بن جابر الحنفي من بني حنيفة وبعده بيتان يقول فيهما: ومن الرجال أسنة مذروبة * ومزيدون شهودهم كالغائب منهم أسود لا ترام وبعضهم * مما قمشت وضم حبل الحاطب أما معنى البيت فواضح ووجه الاستشهاد به بينه الشارح.
(*)(1/195)
وقد خالف بعض الاصوليين في إفادته الحصر، استدلالا بنحو قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الاعمال بالنيات "، و " إنما الولاء للمعتق ".
وأجيب بان المراد في الخبرين: التأكيد، فكأنه ليس عمل إلا بالنية، وليس الولاء إلا بالعتق، كقوله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ".
وجوب تأخير الفاعل قال ابن الحاجب: " وإذا اتصل به ضمير مفعول أو وقع بعد " إلا " أو معناها ".
" أو اتصل مفعوله وهو غير متصل، وجب تأخيره ".
قال الرضى:
بيان لما يعرض فيوجب مخالفة الاصل أي تأخير الفاعل عن المفعول، قوله: " اتصل به " أي بالفاعل ضمير مفعول راجع إلى مفعول وجب تأخير الفاعل عند الاكثرين، ومثاله: ضرب زيدا غلامه، إذ لو قدمته لكان إضمارا قبل الذكر لفظا وأصلا، كما مر (1).
وينبغي أن يجوز عند الاخفش وابن جنى كما تقدم (2).
وكذا الحكم لو اتصل ضمير المفعول بصلة الفاعل أو صفته، نحو: ضرب زيدا الذي ضرب غلامه، وأكرم هندا رجل ضربها.
هكذا قيل، ولو قيل يجوز أكرم هندا رجل ضربها لجاز، لان الفصل بين الوصف والموصوف بالاجنبي غير ممتنع، بخلاف الصلة والموصول، إذ الاتصال الذي بين الاولين أقل مما بين الاخيرين.
__________
(1) في الكلام على وجوب تقديم الفاعل وتاخير المفعول ص 187 من هذا الجزء.
(2) الموضع المتقدم.
(*)(1/196)
قوله: " أو وقع بعد إلا " أي وقع الفاعل، نحو ما ضرب عمرا إلا زيد، أو معناها نحو: إنما ضرب عمرا زيد، وإنما وجب تأخير الفاعل ههنا لما ذكرنا بعينه في وجوب تقديمه في: ما ضرب زيد إلا عمرا، فان مضروبية ما قبل إلا محصورة فيما بعدها، والضاربية محتملة، فلو قدمت الفاعل بلا " إلا " انعكس المعنى، ولو قدمته معها لجاء المحذور المذكور (1).
جواز حذف الفعل ووجوبه قال ابن الحاجب: " وقد يحذف الفعل لقيام قرينة، جوازا في مثل: زيد، لمن " " قال: من قام ؟ و: ليبك يزيد ضارع لخصومة ووجوبا.
في " " مثل: " وإن أحد من المشركين استجارك "، وقد يحذفان ".
" معا، مثل: نعم لمن قال: أقام زيد ؟ ".
قال الرضى: قوله: " لقيام قرينة جوازا ".
لا يحذف شئ من الاشياء إلا لقيام قرينة، سواء كان الحذف جائزا أو واجبا.
قوله: " زيد، لمن قال من قام "، الظاهر أن " زيد " مبتدا لا فاعل لان مطابقة الجواب للسؤال أولى، ومن ثم قالوا في جواب " ماذا " إذا كان " ذا " بمعنى " الذي ".
إنه رفع، لان السؤال بجملة اسمية بخلاف ما إذا كان " ذا " زائدا، فان الاولى نصب الجواب، كما يجئ في باب الموصولات، وأيضا فالسؤال عن القائم لا عن الفعل، والاهم تقديم المسئول عنه، فالاولى أن يقدر: زيد قام، بلى، قولهم: ان لا حظية فلا ألية، برفع حظية من باب حذف الفعل بلا خلاف.
أي: ان لا يتفق لك حظية
__________
(1) على التفضيل السابق في تأخير المفعول إذا كان محصورا ص 191 من هذا الجزء.
(*)(1/197)
من النساء، فانا لا ألية، أي غير مقصرة فيما تحظى به النسوان عند أزواجهن من الخدمة والتصنع.
وروى النصب فيهما على تقدير: إن لا أكن حظية فلا أكون ألية.
قوله: 45 - ليبك يزيد ضارع لخصومة (1)...هذا أيضا من جنس الاول أي مما القرينة فيه السؤال، إلا أن السؤال ههنا مقدر مدلول عليه بلفظ الفعل المبني للمفعول، لانه يلتبس الفاعل، إذن، على السامع فيسأل عنه فكأنه لما قال: ليبك يزيد، سال سائل: من يبكيه، فقيل: ضارع، أي يبكيه ضارع، والسؤال في الاول مصرح به.
والبيت للحارث بن نهيك وعجزه: * ومختبط مما تطيح الطوائح (1)
يقال: بكيته أي بكيت عليه بحذف حرف الجر لكثرة الاستعمال وليس بقياس، كما يجئ في باب المتعدي، وغير المتعدي من قسم الافعال.
والضارع: الذليل، من قولهم: ضرع ضراعة.
قوله: لخصومة، متعلق بضارع وإن لم يعتمد على شئ، لان الجار والمجرور يكتفي برائحة الفعل، أي يبكيه من يضرع ويذل لاجل الخصومة فان يزيد، كان ملجا وظهرا للاذلاء والضعفاء، والمختبط: الذي ياتيك للمعروف من غير وسيلة، يقال: اختبطني فلان، وأصله من: خبطت الشجرة إذا ضربتها بالعصا ليسقط ورقها، مما تطيح،
__________
(1) قد وفى الشارح البيت حقه من التوضيح.
لانه من عبارة ابن الحاجب.
والبيت لنهشل بن حري في رثاء يزيد بن نهشل ونسب لكثير غيره وحقق البغدادي أنها لنشهل وقبل هذا البيت ببضعة أبيات: لعمري لئن أمسى يزيد بن نهشل * حشا جدت تسفى عليه الروائح لقد كان ممن يبسط الكف للندى * إذا ضن بالخير الاكف الشحائح (*)(1/198)
أي تذهب وتهلك، والطوائح بمعنى المطيحات، يقال طوحته الطوائح وأطاحته الطوائح، أي ذهبت به ورمت به، ولا يقال: المطوحات ولا المطيحات، وهو إما على حذف الزوائد، مثل: أورس فهو وراس، وأعشب فهو عاشب، أو على النسب، مثل ماء دافق أي ذو دفق.
يقال: طاح يطوح، مثل: قال يقول، وطاح يطيح وهو واوى من باب فعل يفعل بكسر العين فيهما عند الخليل.
وقوله مما تطيح متعلق بمختبط، أي يسال من أجل إذهاب الوقائع ماله، و " ما مصدرية " أو، بيبكي المقدر، أي يبكي لاجل إهلاك المنايا يزيد، ويجوز أن تكون " ما " بمعنى التي، أي لاجل خلال الكرم التي طوحتها الطوائح، وتطيح على كل تقدير: حكاية حال ماضية: يورد الماضي بصورة الحال إذا كان الامر هائلا لتصويره للمخاطب،
نحو: لقيت الاسد، فاضربه فاقتله.
قوله: " ووجوبا في مثل: " وان أحد من المشركين استجارك " (1)، إنما كان الحذف واجبا مع وجود المفسر نحو: استجارك، الظاهر، لان الغرض من الاتيان بهذا الظاهر: تفسير المقدر، فلو أظهرته لم تحتج إلى مفسر لان الابهام المحوج إلى التفسير، إنما كان لاجل التقدير، ومع الاظهار لا إبهام، والغرض من الابهام ثم التفسير، إحداث وقع في النفوس ذلك المبهم، لان النفوس تتشوق، إذا سمعت المبهم، إلى العلم بالمقصود منه، وأيضا، في ذكر الشئ مرتين: مبهما ثم مفسرا توكيد ليس في ذكره مرة، وإنما لم يحكم بكون " أحد " مبتدا، واستجارك خبره لعلمهم بالاستقراء باختصاص حرف الشرط بالفعلية.
على أنه نسب إلى الاخفش جواز وقوع الاسمية بعدها بشرط كون الخبر فعلا، فمثالنا، على مذهبه، إذن، ليس من قبيل ما نحن فيه.
__________
(1) الاية 6 من سورة التوبة.
(*)(1/199)
ويبطل ما نسب إليه بوجوب النصب في: ان زيدا ضربته، إلا على ما أجازه بعض الكوفيين من نحو: 46 - لا تجزعي إن منفس أهلكته * فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي ومع ذلك، ما أولوه إلا باضمار فعل رافع لمنفس، أي إن هلك منفس وهو مع ذلك مردود، على ما يجئ الكلام عليه بعد.
وجميع ما ذكرنا من الوفاق والخلاف يطرد في نحو: لو ذات سوار لطمتني (2)، و: هلا زيد قام، أعني كل حرف لا يليه إلا الفعل.
ومفسر الفعل المقدر إما فعل صريح كما مر، أو حرف يؤدي معنى الفعل مثل " أن " الموضوعة للثبوت والتحقيق، فهي، إذن، دالة على ثبت وتحقق، والتزم أن
يكون خبرها فعلا كما يجئ في قسم الحروف ليكون " أن " مشعرا بمعنى الفعل المقدر، وخبرها في صورة ذلك الفعل، أعني الفعل الماضي، فيكونان معا كالفعل الصريح المفسر، وذلك بعد " لو " خاصة، نحو قوله تعالى: " لو أن الله هذاني (3) "، أي لو ثبت وتحقق أن الله هداني، فان، مع ما في حيزها فاعل ذلك الفعل المقدر.
قوله: " وقد يحذفان معا مثل: نعم "، أي يحذف الفعل والفاعل معا، أما حذف
__________
(1) هو آخر أبيات للنمر بن تولب.
شاعر صحابي.
أولها: قالت لتعذلني من الليل اسمع * سفه تبيتك الملامة فاهجعي لا تجزعي لغد وأمر غد له * أتعجلين الشر ما لم تمنعي أي اتتعجلين.
ينهاها عن تعجل الشر ما دامت غير ممنوعة من الخير.
(2) هذا من كلام حاتم الطائي، وهو كلام صار مثلا، قال ذلك حين لطمته جارية.
ويقصد بذات السوار الحرة.
وكان أسيرا مرة.
فقالت امراة الرجل الذي لجاريتها مري هذا الاسير ليفصد لنا الناقة.
حتى نشوى دمها.
فقالت له الجارية ذلك، فنحر الناقة نحرا فلطمته الجارية وقالت له إنما قلت لك افصدها، فقال هكذا فزدي انه.
أي فصدي بابدال الصاد زايا..ثم قال لو ذات سوار لطمتني.
(3) الاية 57 من سورة الزمر.
(*)(1/200)
الفاعل وحده، فلم يثبت إلا عند الكسائي، كما يجئ في باب التنازع.
وإنما حكم بعد " نعم " بحذف الفعل والفاعل معا، لان " نعم " حرف لا يفيد معناه الافرادي إلا بانضمامه إلى غيره كما سبق في حد الاسم، وههنا أفاد المعنى الكلامي، فلا بد من تقدير الكلام المدلول عليه بقرينة الكلام الذي صدقه " نعم " وذلك الكلام في مثالنا جملة فعلية، فيقدر بعد " نعم " جملة فعلية، وإذا كان السؤال بجملة إسمية، كان المقدر بعد " نعم " اسمية، كما يقال: أزيد قائم فتقول: نعم، أي نعم زيد قائم.
وحذف الجملتين بعد حرف التصديق جائز لا واجب، ولذا قال: وقد يحذفان.
التنازع حقيقته وصور وقوعه قال ابن الحاجب: " وإذا تنازع الفعلان ظاهرا بعدهما، فقد يكون في الفاعلية " " مثل: ضربني وأكرمني زيد، وفي المفعولية، مثل ضربت " " وأكرمت زيدا، وفي الفاعلية والمفعولية مختلفين ".
قال الرضى: اعلم أنه لو قال: الفعلان فصاعدا، أو شبههما ليشمل اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة، نحو: أنا قاتل وضارب زيدا وليشمل.
أيضا، أكثر من عاملين نحو: ضربت وأهنت وأكرمت زيدا، لكان أعم، لكنه اقتصر على الاصل وهو الفعل، وعلى أول المتعددات وهو الاثنان.
قوله: " ظاهرا بعدهما "، إنما قال ذلك بعض المضمرات لا يصح تنازعه، وذلك لان المضمر المتنازع، لا يخلو من أن يكون متصلا، أو منفصلا، ويستحيل التنازع(1/201)
في المضمر المتصل بالعامل الاخير مرفوعا ومنصوبا، لان التنازع إنما يكون حيث يمكن أن يعمل في المتنازع فيه وهو في مكانه: كل واحد من المتنازعين لو خلاه الاخير، والعامل الاول يستحيل عمله في المضمر المتصل بالعامل الاخير، لان المتصل يجب اتصاله بعامله، أو بما هو كجزئه، ولا يتصل بعامل آخر، وأما المنفصل، فإن كان مرفوعا، نحو: ما ضرب وما أكرم إلا أنا، وكذا الظاهر الواقع هذا الموقع، نحو ما قام وما قعد إلا زيد، فلا يجوز أن يكون أيضا من باب التنازع على الوجه الذي التزمه البصريون وهو أن الاول إذا توجه إلى المتنازع (1) بالفاعلية وألغيته، فلا بد أن يكون في العامل الملغى ضمير موافق للمتنازع، وإنما لم يجز أن يكون منه إذ
لو كان الملغى ههنا هو الاول وأضمرت فيه ضميرا مطابقا للمتنازع، فإن كان بدون " إلا " صار هكذا: ما ضربت، وما أكرم إلا أنا، وما قام.
أي هو، أعني زيدا، وما قعد إلا زيد، فيكون " إلا أنا " مستثنى من المتعدد المقدر في: ما أكرم، و: " الا زيد " مستثنى من المتعدد المقدر في: ما قعد، ولا يجوز أن يكونا مستثنيين من: ما ضربت، وما قام، لانه لا متعدد فيهما، لا ظاهرا ولا مقدرا، فيصير الضرب والقيام منفيين عن المتنازع بعدما كان مثبتين له، وشرط باب التنازع ألا يختلف المعني بالاضمار في الملغي.
وإن كان الاضمار في الملغى مع " الا " قلت في الاول ما ضرب إلا أنا وما أكرم إلا أنا إذ لا يمكن اتصال الضمير مع الفصل بإلا، فلا يكون من باب التنازع، لان الملغى في باب التنازع إما أن يكون خاليا من العمل في المتنازع وفي نائبه أعني الضمير، كضربت، وأكرمني زيد، وكذا ضرب وأكرمت هند، عند الكسائي (2)، أو يكون فيه نائب عن المتنازع أعني الضمير في نحو: ضربا وأكرمت الزيدين، ليظهر كونه ملغى وكون الاخر هو المعمل، ولا يظهر في " إلا أنا " الذي بعد ما ضرب، نيابة عن " إلا
__________
(1) أي المتنازع فيه.
والرضى يعبر عنه في هذا البحث كثيرا بالمتنازع فقط بصيغة اسم المفعول.
وهو تعبير سليم لان مادة تنازع متعدية بنفسها.
وقد يقول المتنازع فيه.
(2) يعني بحذف الفاعل من الاول وعدم اضماره وسيأتي.
(*)(1/202)
أنا " الذي بعد: ما أكرم، كما ظهرت في ألف ضربا نيابة عن الزيدين في قولك: ضربا وأكرمت الزيدين، فلا يظهر كون: ما ضرب ملغى، وكون: ما أكرم معملا، إذ لكل منهما من الفاعل مثل ما للاخر على السواء، وكان يجب أن تقول في الثاني: ما قام إلا هو، وما قعد إلا زيد، ولا يستعمل مثله في كلامهم، بل المستعمل: ما قام وما قعد إلا زيد.
ويجوز أن يكون هذا من باب التنازع عند الكسائي، ويكون الفاعل محذوفا من
الاول مع إعماله للثاني، كما هو مذهبه على ما يجئ.
ويلزم البصريين أيضا في هذا المقام متابعة الكسائي في مذهبه، لانهم يوافقونه ههنا في أن هذا من باب الحذف لا من باب الاضمار، لانهم حذفوا الفاعل مع " الا " لدلالة الثاني عليه، لانه هو.
وكل ما ذكرنا على إعمال الاول في المنفصل المرفوع يجئ مثله في إعمال الثاني فيه.
وإن كان المتنازع فيه منفصلا منصوبا، نحو ما ضربت وما أكرمت إلا إياك، جاز أن يكون من باب التنازع، وتكون قد حذفت المفعول مع " إلا " من الاول مع إعمال الثاني، أو من الثاني مع إعمال الاول، إذ المفعول يجوز حذفه بخلاف الفاعل، وكذا المجرور المنصوب المحل، نحو قمت وقعدت بك.
فعلى هذا، يجوز التنازع في المضمر المنفصل (1) والمجرور، ولا سيما إذا تقدم ذلك الضمير على العاملين، نحو: إياك ضربت وأكرمت.
فقول المصنف " ظاهرا " غير وارد مورده، وكذا قوله " بعدهما "، لا حاجة إليه، إذ قد يتنازعان فيما هو قبلهما، إذا كان منصوبا، نحو: زيدا ضربت وقتلت، وبك قمت، وقعدت، وإياك ضربت وأكرمت.
قوله: " فقد يكون في الفاعلية "، أي يكون التنازع.
__________
(1) أي غير المرفوع.
وتقدم قريبا أنه لا يجوز التنازع في الضمير المنفصل المرفوع الواقع بعد الا.
(*)(1/203)
اعلم أن العاملين في التنازع على ضربين، إذ هما إما متفقان أو مختلفان، والمتفقان على ثلاثة أضرب، لانهما إما أن يتفقا في التنازع في الفاعلية حسب، نحو: ضربني وأكرمني زيد، أو في المفعولية حسب، نحو: ضربت وأكرمت زيدا، أو في الفاعلية والمفعولية معا.
نحو: ضرب وأكرم زيد عمرا، ولم يذكر المصنف هذا الثالث، لانه يتبين بالقسمين الاولين، لانهما إذا تنازعا في الفاعلية والمفعولية معا، فقد تنازعا في الفاعلية وتنازعا أيضا في المفعولية.
والمختلفان على ضربين، لانه اما أن يطلب الاول الفاعلية، والثاني المفعولية، نحو: ضربني وأكرمت زيدا، أو بالعكس نحو: ضربت وأكرمني زيد، فقوله: " مختلفين " حال من الفعيلن، لان معنى قوله: فقد يكون أي التنازع: فقد يتنازعان، أي فقد يتنازع الفعلان في الفاعلية والمفعولية مختلفين، واحترز بقوله مختلفين، عن القسم الثالث من أقسام المتفقين لانهما تنازعا في ذلك القسم في الفاعلية والمفعولية أيضا، لكن متفقين في التنازع، وإنما احترز عنه، لان هذا القسم كما ذكرنا يتبين من القسمين الاولين حتى لا يتكرر بعض الاقسام.
اختيار كل من البصريين والكوفيين قال ابن الحاجب: " ويختار البصريون إعمال الثاني، والكوفيون الاول ".
قال الرضى: أي البصريون يقولون: المختار إعمال الثاني مع تجويز إعمال الاول.
وكذا الكوفيون: يختارون إعمال الاول مع تجويز إعمال الثاني.
وإنما اختار البصريون إعمال الثاني لانه أقرب الطالبين إلى المطلوب فالاولى أن(1/204)
يستبد به دون الابعد، وأيضا لو أعملت الاول في العطف في نحو: قام وقعد زيد، لفصلت بين العامل ومعموله بأجنبي بلا ضرورة ولعطفت على الشئ وقد بقيت منه بقية، وكلاهما خلاف الاصل.
ولا تجئ هذه العلة في غير العطف نحو: جاءني لاكرمه زيد، وكاد يخرج زيد.
وقال الكوفيون: إعمال الاول أولى لانه أول الطالبين، واحتياجه إلى ذلك المطلوب أقدم من احتاج الثاني، ولا شك مع الاستقراء أن إعمال الثاني أكثر في كلامهم.
قوله: الاول، أي إعمال الاول: أثر إعمال الثاني قال ابن الحاجب: " فإن أعملت الثاني، أضمرت الفاعل في الاول على وفق ".
" الظاهر، دون الحذف خلافا للكساني، وجاز، خلافا ".
" للفراء، مثل ضربني وضربت زيدا، وحذفت المفعول إن " " استغنيت عنه وإلا أظهرت ".
قال الرضى: هذا بيان أنه إذا أعملت الثاني على ما هو اختيار البصريين فكيف يكون حال الاول، فقال: الاول، إذن، إما أن يطلب المتنازع للفاعلية أو للمفعولية، فإن كان الاول، نحو: ضربني وأكرمت زيدا.
فالبصريون يضمرون في الاول فاعلا مطابقا للاسم المتنازع، في الافراد والثنية والجمع والتذكير والتأنيث، فتقول: ضربني وأكرمت زيدا.
ضرباني وأكرمت الزيدين، ضربوني وأكرمت الزيدين، ضربتني وأكرمت هندا، ضربتاني وأكرمت الهندين، ضربنني وأكرمت الهندات.
والكسائي يحذف الفاعل من الاول حذرا من الاضمار قبل الذكر، كما ذكرنا(1/205)
قبل، فحاله كما قيل: 47 - فكنت كالساعي إلى مثعب * موائلا من سبل الراعد (1) وذلك لان حذف الفاعل أشنع من الاضمار قبل الذكر، لانه قد جاء يعده ما يفسره في الجملة، وإن لم يجئ لمحض التفسير، كما جاء في نحو ربه رجلا.
فهو يقول: ضربني وأكرمت زيدا أو الزيدين أو الزيدين أو هندا أو الهندين أو الهندات.
ونقل المصنف عن الفراء منع هذه المسألة أي إعمال الثاني إذا طلب الاول للفاعلية (2)،
وقال إنه يوجب إعمال الاول في مثل هذا، والنقل الصحيح عن الفراء في مثل هذا أن الثاني إن طلب أيضا للفاعلية نحو: ضرب وأكرم زيد جاز أن تعمل العاملين في المتنازع، فيكون الاسم الواحد فاعلا للفعلين.
لكن اجتماع المؤثرين التامين على أثر واحد مدلول على فساده في الاصول.
وهم يجرون عوامل النحو كالمؤثرات الحقيقية، قال: وجاز أن تأتي بفاعل الاول ضميرا بعد المتنازع، نحو ضربني وأكرمني زيد هو، جئت بالمنفصل لتعذر المتصل بلزوم الاضمار قبل اللذكر.
وإن طلب الثاني للمفعولية مع طلب الفعل الاول له الاجل الفاعلية.
نحو ضربني وأكرمت زيدا هو، تعين عنده الاتيان بالضمير بعد المتنازع كما رأيت، كل هذا حذرا مما لزم البصريين والكسائي من الاضمار قبل الذكر، أو حذف الفاعل.
قوله: " وحذفت المفعول إن استغنيت عنه وإلا أظهرت ".
يعني إذا أعملت الثاني
__________
(1) ليس هذا شاهدا على قاعدة وإنما هو تمثيل لحال الكسائي حيث فر من الاضمار قبل الذكر فحذف الفاعل.
فهو كقولهم وقع فيما فر منه لانه هرب من محظور فوقع في محظور أشد.
والمثعب مسيل الماء في الوادي.
وسبل الراعد يريد به المطر.
والساعي اللاجئ والذاهب والموائل الذي يتخذ موئلا أي ملجا، والبيت من شعر سعيد بن حسان كما قال العيني.
وقبله: قررت من معن وافلاسه * إلى اليزيدي أبي واقد ومعن هو ابن زائدة الجواد المشهور.
واليزيدي أحد أبناء يزيد بن عبد الملك ويقصد أن كلا منهما لكرمه وكثرة انفاقه قد أفلس.
(2) جرى الرضى على هذا الاستعمال كثيرا وهو تعدية طلب باللام.
(*)(1/206)
وطلب الاول للمفعولية فالواجب حذف المفعول.
وافق البصريون ههنا الكسائي في حذف المفعول بخلاف الفاعل، لان الحذف هناك أيضا، كان الوجه، للزوم الاضمار قبل الذكر إلا أنه تعذر، لان الفاعل لا يحذف، وفي المفعول: هذا المانع مرتفع لانه فضلة يحذف في السعة، فكيف مع مثل هذا المحوج، أي الاضمار قبل الذكر، قوله:
" إن استغنيت عنه " في مثل ضربت وأكرمني زيد، لا تقول: ضربته وأكرمني زيد.
وقال المالكي (1): يجوز ذلك على قلة.
قوله: " والا أظهرت " يعني إن لم تستغن عن المفعول أظهرت، وذلك لكونه أحد مفعولي باب " عملت " مع ذكر الاخر، فإنه لا يجوز حذفه على ما هو المشهور عندهم، وذلك لكون مضمون الفعلين هو المفعول الحقيقي، لان المعلوم في قولك علمت زيدا قائما: مصدر المفعول الثاني مضافا إلى الاول، أي علمت قيام زيد، بخلاف مفعولي " أعطيت " فإن كل واحد منهما مفعول به، إذ زيد في قولك أعطيت زيدا درهما: معطي، وكذا الدرهم، ولا يجوز، أيضا إضماره لكونه إضمارا قبل الذكر في المفعول لا في الفاعل، فلم يبق بعد تعذر الحذف والاضمار، إلا الاظهار.
واعترض على هذا بأنه يجوز في السعة وإن كان قليلا، حذف أحد مفعولي باب علمت عند قيام القرينة، لان كل واحد منهما في الظاهر منصوب برأسه، ظاهر في المفعولية، كمفعولي أعطيت.
وقد جاء ذلك في القرآن والشعر، قال الله تعالى: " ولا يحسبن الذين يبخلون بما
__________
(1) نقل الرضى في هذا الشرح في مواضع كثيرة عن الامام جمال الدين بن مالك النحوي المعروف صاحب الالفية والتسهيل..وسماه كثيرا باسم المشهور: ابن مالك: وجاءت بعض نقوله منسوبة إلى المالكي، كما هنا.
ولم أجد من اسمه المالكي من النحويين ممن سبقوا الرضى أو عاصروه وقد رجحت أنه يقصد بقوله المالكي: ابن المالك أيضا.
إذ أن بعض ما نقله منسوبا إلى المالكي معروف أنه من آراء ابن مالك.
وفي هذا الموضع بالذات وجدت هذا الراي منسوبا إلى ابن مالك في التسهيل وان كان في الالفية أوجب الحذف.
انظر شرح الاشموني في باب التنازع.
وليس عجيبا أن ينقل الرضى عن ابن مالك المعاصر له فقد نقل عن غيره من المعاصرين ومنهم منصور بن فلاح الذي عبر عنه بصاحب المغني انظر ص 92 من هذا الجزء، (*)(1/207)
آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم " (1) أي بخلهم هو خيرا، فحذف أولهما، وقال:
48 - لا تخلنا على غرائك إنا * طالما قد وشى بنا الاعداء (2) أي لا تخلنا أذلاء، فحذف ثانيهما.
سلمنا أنه امتنع الحذف، لم امتنع الاضمار، نحو حسبنيه وحسبت زيدا قائما.
قوله: " لكونه إضمارا قبل الذكر في المفعول "، قلنا: ان جاز الحذف في هذا المفعول فاحذف وإن لم يجز فهو كالفاعل، فيجز فيه أيضا، الاضمار قبل الذكر، لمشاركته الفاعل في علة جواز الاضمار قبل الذكر، وهي امتناع حذفه، سلمنا أنه يمتنع الاضمار قبل الذكر في مطلق المفعول، لم لا يجوز إضماره بعد الذكر، كما هو مذهب الفراء في: ضربني وأكرمت زيدا هو، فنقول ههنا: حسبني وحسبت زيدا قائما إياه، كما ذكر السيرافي، هذا، والحق أن يقال في هذا الاخير: إن الفصل بين المبتدأ والخبر بالاجنبي قبيح، ولا سيما إذا صارا في تقدير اسم مفرد بسبب كون مضمونهما مفعولا حقيقيا، لعلمت وبابه.
__________
(1) الاية 180 من سورة آل عمران.
(2) هذا البيت من معلقة الحارث بن حلزة اليشكري التي أولها آذنتنا ببينها أسماء * رب ثاو يمل منه الثواء والخطاب في قوله لا تخلنا.
للواشي الذي يقصده في البيت السابق على هذا يقوله: أيها الناطق المرقش عنا * عند عمرو وهل لذاك انتهاء والمعنى كما قال الشارح لا تخلنا اذلاء وغرائك بمعنى اغرائك أي اغرائك الملك بنا.
وبعده: فبقينا على الشماتة تنمي * نا جدود وعزة قعساء.
(*)(1/208)
إعمال الاول وما يترتب عليه قال ابن الحاجب:
" وإن أعملت الاول أضمرت الفاعل في الثاني، والمفعول " " على المختار، إلا أن يمنع مانع فتظهر ".
قال الرضى: هذا بيان أنه إذا أعملت الاول على ما هو المختار عند الكوفيين فكيف يكون حال الثاني، فقال: لا يخلو إما أن يطلبه للفاعلية أو للمفعولية، فتقول في الاول: ضربت وضربني زيدا، وضربت وضرباني الزيدين، وضربت وضربوني الزيدين، وضربت وضربتني هندا، وضربت وضربتاني الهندين، وضربت وضربنني الهندات، تضمر الفاعل في الثاني على وفق الظاهر بلا خلاف من أحد، لانه ليس إضمارا قبل الذكر، لكون المتنازع من حيث كونه معمولا للاول مقدما على العامل الثاني تقديرا، وإن كان مؤخرا لفظا.
قوله: " والمفعول على المختار " أي وأضمرت المفعول أيضا في الثاني كالفاعل على الوجه المختار، فيكون ضميرا بارزا، ولا تحذفه، نحو ضربني وضربته زيد، ويجوز حذفه أيضا لكونه فضلة، أما اختيار الاضمار فلان الثاني أقرب الطالبين، فالاولى، إذا لم يحظ بمطلوبة مع الامكان أن يشغل بما يقوم مقام المطلوب ويخلفه.
حتى يترك ذلك المطلوب للابعد الذي حقه ألا يعمل مع وجود الاقرب، وحتى لا يظن بسبب عدم تأثيره فيه مع القرب أنه ليس مطلوبه وأنه موجه إلى غيره.
فلما اتفق البصريون والكوفيون في مثل هذه المسالة، أعني عند إعمال الاول وطلب(1/209)
الثاني للمفعول: على أن المختار أضمار المفعول في الثاني، كان خلو الثاني عن الضمير في قوله تعالى: " هاؤم اقرؤوا كتابيه " (1)، وقوله تعالى " آتوني أفرغ عليه قطرا " (2)، دليلا للبصريين على أن المختار إعمال الثاني، وإلا كان أفصح الكلام أي القرآن، على غير المختار، أي على حذف المفعول من الثاني عند إعمال الاول.
قوله: " إلا أن يمنع مانع فتظهر "، على المختار، وذلك إذا كان ذلك المفعول أحد مفعولي باب علمت ويلزم من إضماره مطابقا للمعود إليه مخالفة بينه وبين المفعول الاول في الافراد أو التثنية أو الجمع، أو التذكير أو التأنيث، نحو: حسبني وحسبتهما منطلقين الزيدان منطلقا.
قال المصنف، لم يجز حذف منطلقين، لكونه ثاني مفعولي حسبت، ولا أضماره لانك لو أضمرته مثني ليطابق المفعول الاول، إذ هما مبتدا وخبر في الاصل وتطابقهما في الافراد والتثنية والجمع والتذكير والتانيث واجب، لخالف المعود إليه، وهو منطلقا، ولو أضمرته مفردا ليطابق المرجوع إليه لخالف المفعول الاول، فلما امتنع الحذف والاضمار، وجب إظهاره.
هذا كلامه، والكلام على عدم جواز حذف أحد مفعولي حسبت، قد سبق، ولو سلم له لم يسلم وجوب المطابقة بين الضمير والمعود إليه، إذا لم تلبس المخالفة بينهما، قال تعالى: " وإن كانت واحدة " (3) وقبله: " فإن كن نساء " (3)، والضمير للاولاد.
فالاضمار قد ياتي على المعنى المقصود، فيجوز: حسبني وحسبتهما إياهما الزيدان منطلقا، وان كان المعود إليه مفردا.
مراعاة للمسند إليه وكذا نقول: حسبت وحسباني اياه الزيدين قائمين، وحسبت وحسبتني اياه هندا قائمة، وحسبتني وحسبتها إياها هند قائما.
وفي كل هذا، القبح حاصل لفصل الاجنبي بين العامل والمعمول، وفي بعضها بين المبتدا والخبر في الاصل.
__________
(1) الاية 19 من سورة الحاقة (2) الاية 96 من سورة الكهف.
(3) الاية 11 من سورة النساء.
(*)(1/210)
صورة ليست من التنازع ورد على استدلال
قال ابن الحاجب: " وقول امرئ القيس: كفاني ولم أطلب قليل من المال (1)، ليس منه " " لفساد المعنى ".
قال الرضى: هذا جواب عن استدلال الكوفية بهذا البيت في كون إعمال الاول هو المختار، وذلك أنهم قالوا: الشاعر فصيح، وقد أعمل الاول بلا ضرورة، إذ لو أعمل الثاني لم ينكسر عليه الوزن، ولا غيره، وأيضا لو أعمل الثاني لم يلزمه محذور، إذ كان يكون الفاعل مضمرا في " كفاني "، فاختار إعمال الاول مع أنه لزمه شئ غير مختار بالاتفاق، وهو حذف المفعول من الثاني، كما مر، وفيه دليل على أن إعمال الاول مختار عند الفصحاء، إذ العاقل لا يختار أحد الامرين مع لزوم مشقة ومكروه له في ذلك الامر دون الامر الاخر، إلا لزيادة ذلك الذي اختاره في الحسن على الاخر.
__________
(1) ياتي تمام البيت في الشرح وهو من قصيدة امرئ القيس بن حجر صاحب المعلقة والقصيدة التي منها الشاهد تقدم بعضها شاهدا في ص 47 من هذا الجزء.
وشرح الرضى هذا البيت شرحا لا مجال للزيادة عليه.
(*)(1/211)
أجاب البصرية بان هذا الاستدلال إنما يصح إذا كان هذا البيت من باب التنازع، وليس منه لفساد المعنى.
وبيانه مبني على مقدمة، وهي أن " لو " تنفي شرطها وجزاءها (1) سواء كانا مثبتين أو منفيين، فإن كانا مثبتين وجب انتفاؤهما، نحو لو كان لي مال لحججت، فالحج ووجود المال منفيان، وإن كانا منفيين، وجب ثبوتهما لان نفي النفي إثبات، نحو لو لم تزرني لم أكرمك، فالزيارة والاكرام مثبتان، وإن كان أحدهما مثبتا دون الاخر، وجب ثبوب المنفي وانتفاء المثبت، نحو: لو لم تشتمني أكرمتك، ولو شتمتني لم أكرمك.
رجعنا إلى بيان فساد معنى البيت لو كان من باب التنازع، فنقول:
أوله: 49 - فلو أن ما أسعى لادنى معيشة...وقوله: أن ما أسعى لادنى معيشة، شرط " لو "، أي لو ثبت أن سعيي لادني معيشة، فيكون المعنى: لم يثبت أن سعيي لادنى معيشة، أي: أن طلبي: لقليل من المال، وقوله: كفاني، جزاء " لو " وقوله: لم أطلب قليل من المال عطف عليه، فيكون حكمه حكم الجواب، فيكون عدم طلب قليل من المال منفيا، أي ثبت أن طلبي: لقليل من المال، وهو إثبات لما نفاه بعينه في المصراع الاول، فيكون تناقضا فيفسد المعنى.
فإن قال الكوفي: إن التناقض إنما جاء لجعلك الواو في: ولم أطلب للعطف، ونحن نقول إن الواو للحال.
فالجواب: انك تكون إذن، مستشهدا بما يحتمل العطف الراجح، والحال المرجوح، إذ واو العطف اكثر من واو الحال، والاستشهاد ينبغي أن يكون بالراجح، أو بما هو
__________
(1) هذا المشهور عند النجاة ويسمونها حرف امتناع لامنتاع.
وقد ناقش ابن هشام في المغني هذا القول ورد عليه وقال إنه لا يستقيم في كثير من الامثلة.
(*)(1/212)
نص في المقصود، لا بما يحتمله وغيره على السواء، فكيف إذا كان غير المقصود راجحا والمقصود مرجوحا.
فإن قلت: فالام توجه قوله: ولم أطلب إذا لم يكن موجها إلى قليل ؟ قلنا: قيل إلى المجد المحذوف المدلول عليه بقوله بعد: ولكنما أسعى لمجد مؤثل * وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي والمعنى: لو كان سعيي لتحصيل أقل ما يعاش به، لكنت أكتفي بذلك لانه قد حصل لي ذلك، ولم أكن أطلب المجد.
والاظهر أن مفعول: لم أطلب محذوف نسيا، كما في قوله تعالى: " يقبض ويبسط " (1)،
أي له القبض والبسط، وكذا ههنا: معنى البيت: لو كان سعيي لقليل من المال لمنعني ما وجدته منه عن السعي، ولم يكن مني طلب، مع ذلك الوجدان، بل كنت أستقر، وأطمئن، ولكني أسعى لتحصيل مجد مؤثل أي مؤصل مدخر لنفسي ولعقبي، يرجع إليه عند التفاخر.
واعلم أنه قد يتنازع الفعلان المتعديان إلى ثلاثة، خلافا للجرمي، نحو أعلمت وأعلمني زيد عمرا قائما، على إعمال الثاني وحذف مفاعيل الاول، وأعلمني، وأعلمته إياه زيد عمرا قائما على إعمال الاول وإضمار مفاعيل الثاني، والاولى أن يقال: وأعلمته ذلك، قصدا للاختصار، إذ مفعول " علمت " في الحقيقة، كما ذكرنا، هو مضمون المفعولين، فيكون " ذلك " إشارة إليه، وإنما منعه الجرمي لعدم السماع.
وكذا: يتنازع فعلا تعجب، خلافا لبعضهم، نظرا إلى قلة تصرف فعل التعجب، تقول: ما أحسن، وما أكرم زيدا، على إعمال الثاني وحذف مفعول الاول، وما أحسن وما أكرمه زيدا، على أعمال الاول (2).
__________
(1) الاية 245 من سورة البقرة.
(2) يعني مع اضمار المفعول في الثاني من فعلى التعجب.
(*)(1/213)
نائب الفاعل الاشياء التي تنوب عن الفاعل قال ابن الحاجب: " مفعول ما لم يسم فاعله: كل مفعول حذف فاعله وأقيم هو " " مقامه، وشرطه أن تغير صيغة الفعل إلى فعل ويفعل ولا يقع " " المفعول الثاني من باب علمت، ولا الثالث من باب أعلمت، " " والمفعول له والمفعول معه كذلك، وإذا وجد المفعول به تعين " " له.
تقول: ضرب زيد، يوم الجمعة أمام الامير ضربا شديدا " " في داره، فتعين زيد، فإن لم يكن فالجميع سواء، والاول من "
" باب أعطيت أولى من الثاني ".
قال الرضى: قولهم: مفعول ما لم يسم فاعله، أي مفعول الفعل الذي لم يسم فاعله، وقولهم: فعل ما لم يسم فاعله، أي فعل المفعول الذي يسم فاعله، أضيف الفعل إلى المفعول لانه صيغ له.(1/215)
قوله: " الى فعل ويفعل " أي إلى فعل ويفعل ونظائرهما مما يضم أوله في الماضي ويكسر ما قبل آخره، حتى يعم نحو: أفعل، وافتعل، واستفعل، وفعل، وفوعل، وفعلل، وتفعلل، وأمثالها، ويضم أوله ويفتح ما قبل آخره في المضارع حتى يعم يفتعل، ويستفعل ويفعلل وأمثالها، لكنه اقتصر على الثلاثي لكونه أصلا للرباعي وذي الزيادة.
قوله: " ولا يقع المفعول الثاني من باب علمت ولا الثالث من باب أعلمت "، اعلم أن الثالث من باب أعلمت هو الثاني من باب علمت، كما يجئ في بابه، والذي زاد بسبب الهمزة هو المفعول الاول، إذ معنى أعلمت زيدا عمرا فاضلا: صيرت زيدا يعلم عمرا فاضلا، والثاني والثالث مفعولا " علمت " فكل ما ثبت للمفعول الثاني من باب " علمت "، يثبت لثالث مفاعيل " أعلمت " فنقول: إذا كان ثاني مفعولي علمت ظرفا غير متصرف، أو جارا ومجرورا، أو جملة، نحو: علمت زيدا عندك، أو أبوه منطلق أو في الدار، لم يقم مقام الفاعل، إذ معنى الظرف الذي لا يتصرف، لزوم نصبه على الظرفية أو انجراره بمن، نحو: من قبلك، والجار لا ينوب مع المفعول به الصريح كما يجئ.
والجملة، كما لا تقع فاعلا: لا تقع موقعه أيضا.
بلى، إذا كانت محكية جاز قيامها مقامه، لكونها بمعنى المفرد، أي اللفظ، نحو قوله تعالى: " وقيل يا أرض ابلعي ماءك " (1) أي قيل هذا القول وهذا اللفظ، وكذا قد تجئ الجملة في مقام الفاعل، ومفعول ما لم يسم فاعله وهي في الحقيقة مؤولة بالاسم
الذي تضمنته، كقوله تعالى: " وتبين لكم كيف فعلنا بهم " (2)، وقوله تعالى: " أولم يهدلهم كم أهلكنا " (3).
أي تبين لكم فعلنا بهم، وألم يهدلهم اهلاكنا، فيصح نحو: بين لكم كيف فعلنا: وما أجازه الكسائي، والفراء من قيام الجملة التي هي خبر لكان وجعل، مقام
__________
(1) الاية 44 من سورة هود.
(2) الاية 45 من سورة إبراهيم.
(3) الاية 26 من سورة السجدة.
(*)(1/216)
الفاعل، نحو: كين يقام، وجعل يفعل، فبعيد لوجهين: أحدهما: أن هذين الفعلين من عوامل المبتدا والخبر، وما حذف في هذا الباب فليس بمنوي، ولا يحذف المبتدا إلا مع كونه منويا، فلا ينوب على هذا، خبر كان المفرد، أيضا، عن الفاعل نحو: كين قائم، وقد أجازه الفراء دون الكسائي.
والثاني: أن الجملة لا تقوم مقام الفاعل إلا محكية، أو مؤولة بالصدر المضمون، ولا معنى لكين القيام.
والمتقدمون منعوا من قيام ثاني مفعولي " علمت " مطلقا مقام الفاعل، قالوا: لانه مسند أسند إلى المفعول الاول، فلو قام مقام الفاعل والفاعل مسند إليه، صار في حالة واحدة مسندا ومسندا إليه فلا يجوز.
وفيما قالوا نظر، لان كون الشئ مسندا إلى شئ ومسندا إليه شئ آخر في حالة واحدة، لا يضر، كما في قولنا: أعجبني ضرب زيد عمرا، فاعجبني مسند إلى ضرب، وضرب مسند إلى زيد، ولو كان لفظ مسندا إلى شئ، أسند أي ذلك الشئ إلى ذلك اللفظ بعينه لم يجز، وهذا كما يكون الشئ مضافا، ومضافا إليه بالنسبة إلى شيئين، كغلام في قولك: فرس غلام زيد.
وأما المتأخرون فقالوا: يجوز نيابته عن الفاعل إذا لم يلتبس، كما إذا كان نكرة،
وأول المفعولين معرفة نحو: ظن زيدا قائم، لان التنكير يرشد إلى أنه هو الخبر في الاصل.
والذي أرى، أنه يجوز قياسا نيابته عن الفاعل، معرفة كان أو نكرة، واللبس مرتفع مع إلزام كل من المفعولين مركزة، وذلك بان يكون ما كان خبرا في الاصل بعدما كان مبتدا (1)، فلا يجوز في نحو: علمت زيدا أباك، مع اللبس تقديم الثاني على الاول، وهذا كما قلنا في نحو: ضرب موسى عيسى، وكذا في نحو: أعلمتك زيدا أباك، فإذا لزم كل واحد مركزه لم يلتس إذا قام مقام الفاعل وهو في مكانه.
__________
(1) أي واقعا بعد ما كان مبتدا.
(*)(1/217)
وليس معنى قيام المفعول مقام الفاعل أن يلي الفعل بلا فصل، بل معناه أن يرتفع بالفعل إرتفاع الفاعل، فتقول: علم زيدا أبوك، والمرفوع ثاني المفعولين، وأعلمك زيدا أبوك، والمرفوع ثالث المفاعيل، وكذا يجب حفظ المراتب في باب " أعطيت " إذا ألبست مخالفته، نحو: أعطيت زيدا أخاك، فإن لم تلبس لقرينة جاز العدول، كقوله تعالى: " أفرايت من اتخذ إلهه هواه " (1).
هذا الذي قلنا من حيث القياس، ولا شك أن السماع لم يات إلا بقيام أول مفعولي علمت، لكون مرتبته بعد الفاعل بلا فصل، والجار أحق بصقبه.
وكذا: لم يسمع إلا قيام أول مفاعيل " أعلمت " كقوله: 50 - نبتت عمرا غير شاكر نعمتي * والكفر مخبثة لنفس المنعم (2) لانه في الحقيقة: فاعل " علم "، إذ معنى: أعلم زيد عمرا منطلقا، علم زيد عمرا منطلقا.
وقيام ثاني مفاعيل " أعلمت " مقام الفاعل أولى من حيث القياس.
من قيام ثالثها، كما كان قيام أول مفعولي " علمت " أولى، فتقول: أعلمك زيدا أباك، ولا يلبس
مع لزوم كل مركزه.
قوله: " والمفعول له والمفعول معه كذلك "، إنما لا يقومان مقام الفاعل، لان النائب منابه ينبغي أن يكون مثله في كونه من ضروريات الفعل من حيث المعنى، وإن جاز ألا يذكر لفظا، كما أن الفاعل من ضروريات الفعل، ولا شك أن الفعل لا بد له
__________
(1) الاية 23 من سورة الجاثية.
(2) من معلقة عنترة بن شداد العبسي.
والكفر: انكار النعمة وجحدها.
ومعنى أنه مخبثة لنفس المنعم أنه سبب لتغير نفس المنعم.
والشطر الثاني يجري مجرى المثل.
(*)(1/218)
من مصدر، إذ هو جزؤه، وكذا لا بد له من زمان ومكان يقع فيهما، ولا بد للمتعدي من مفعول يقع عليه، وكذا المجرور مفعول به لكن بواسطة حرف الجر، ولهذا كان كل مجرور ليس من ضروريات الفعل لم يقم مقام الفاعل، كالمجرور بلام التعليل، نحو: جئتك للسمن، فلا يقال: جئ للسمن، إذ رب فعل بلا غرض، لكونه عبثا، فمن ثم لم يقم المفعول له مقام الفاعل، وإنما لم يقم المفعول معه مقامه، إذ هو مصاحب، ورب فعل يفعل بلا مصاحب، مع أن معه الواو التي أصلها العطف وهي دليل الانفصال، والفاعل كجزء الفعل، ولو حذفتها لم يعرف كونه مفعولا معه،.
وكذا التمييز، والمستثنى ليسا من ضرورياته، وأجاز الكسائي نيابة التمييز، لكونه في الاصل فاعلا، فقال في: طاب زيد نفسا: طيبت نفس زيد، وأما الحال فإنها، وإن كانت من ضروريات الفعل، لكن قلة مجيئها في الكلام منعتها من النيابة عن الفاعل الذي لا بد لكل فعل منه.
قوله: " وإذا وجد المفعول به تعين له، " أي للقيام مقام الفاعل، وذلك لكون طلب الفعل للمفعول به بعد الفاعل أشد منه لسائر المنصوبات.
هذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون، ووافقهم بعض المتأخرين فذهبوا إلى أن
قيام المفعول به المجرور مقام الفاعل أولى، لا أنه واجب، استدلالا بالقراءة الشاذة: " لولا نزل عليه القران " (1)، بالنصب، ويقول الشاعر: 51 - ولو ولدت قفيرة جرو كلب * لسب بذلك الجرو الكلابا (2) وامثاله،
__________
(1) الاية 32 من سورة الفرقان.
(2) قفيرة بصيغة التصغير اسم أم الفرزدق.
والبيت من قصيدة جرير التي أولها: اقلي اللوم عاذل والعتابا * وقولي ان اصبت لقد أصابا وهي في هجاء الفرزدق وتقدم هذا المطلع شاهدا في هذا الجزء.
(*)(1/219)
ومنع الجزولي نيابة المنصوب لسقوط الجار مع وجود المفعول به المنصوب من غير حذف الجار كما في: 52 - أمرتك الخير فافعل ما أمرت به * فقد تركتك ذا مال وذا نشب (1) والوجه الجواز، لالتحاقه بالمفعول به الصريح.
والاخفش أجاز نيابة الظرف والمصدر مع وجود المفعول به بشرط تقدمهما على المفعول به ووصفهما، والشرط في المفعول المطلق القائم مقام الفاعل أن يكون ملفوظا به.
وقد أجاز سيبويه إضمار المصدر المعهود، فيقال لمن ينتظر العقود: قد قعد، أو الخروج: قد خرج، بناء على قرينة التوقع أي قعد القعود المتوقع.
ويجوز نيابة المصدر المدلول عليه بغير لفظ العامل إذا كان المصدر مفعولا به نحو قولك: قمت فاستحسن، أي استحسن قيامي.
ويشترط في المفعول المطلق، أيضا، ألا يكون لمجرد التوكيد إذ النائب عن الفاعل يجب أن يكون مثله في إفادة ما لم يفده الفعل حتى يتبين احتياج الفعل إليه، ليصيرا
معا كلاما، فلو قلت: ضرب ضرب لم يجز، لان " ضرب " مستغن بدلالته على " ضرب " عن قولك: ضرب، بل يقال: ضرب ضربة أو: الضرب الفلاني، ولذلك قال المصنف ضربا شديدا، وكذا يشترط الفائدة المتجددة في كل ما ينوب عن الفاعل، فلا يقال: ضرب شئ، ولا: جلس مكان أو زمان أو في موضع، لان هذه الاشياء معلومة من الفعل، ولا فائدة متجددة في ذكرها.
__________
(1) هذا بيت ورد في شعر شاعرين أحدهما أعشى طرود.
ولم يعرف من اسمه إلا هذا والاخر مختلف في اسمه، وكلا الشعرين يذكر نصيحة تلقاها الشاعر من أبيه أو غيره والبيت بروايتيه في خزانة الادب: الشاهد رقم 52.
(*)(1/220)
ويشترط في الظرف النائب أن يكون متصرفا ملفوظا به، وقد أجاز بعضهم في غير المتصرف نحو: قعد عندك، وليس بوجه، وأجاز بعضهم في غير الملفوظ به مع القرينة، نحو: أنت في دار ضرب، أي ضرب فيها.
وقوله تعالى: " كل أولئك كان عنه مسئولا " (1): عنه مرفوع المحل، بمسئولا المقدر المفسر بمسئولا الظاهر، كما في قوله تعالى، " وان أحد من المشركين استجارك " (2)، لكن ليس في " مسئولا " المفسر ضمير كما كان في: استجارك المفسر، وذلك لاصالة الفعل في رفع المسند إليه، فلا يجوز خلوه منه، بخلاف اسمي الفاعل والمفعول.
والاكثرون على أنه إذا فقد المفعول به تساوت البواقي، في النيابة ولم يفضل بعضها بعضا، ورجح بعضهم الجار والمجرور منها، لانها مفعول به لكن بواسطة حرف، ورجح بعضهم الظرفين (3) والمصدر لانها مفاعيل بلا واسطة، وبعضهم المفعول المطلق لان دلالة الفعل عليه أكثر.
والاولى أن يقال: كل ما كان أدخل في عناية المتكلم واهتمامه بذكره وتخصيص الفعل به فهو أولى بالنيابة، وذلك أذن (4) اختياره.
قوله: " من باب أعطيت " أي مما له مفعولان أولهما ليس بمبتدأ، وإنما كان اولى، لان فيه معنى الفاعلية، دون الثاني، ففي أعطيت زيدا درهما، زيد عاط، أي آخذ، والدرهم معطو، وفي كسوت عمرا جبة: عمرو مكتس، والجبة مكتساة، وكذا في غيره.
__________
(1) الاية 36 من سورة الاسراء.
(2) الاية 6 من سورة التوبة وتقدمت.
(3) أي ظرف الزمان وظرف المكان.
(4) إذن بكسر الهمزة وسكون الذال أي أنه في هذه الحالة يكون الاهتمام بذكره وعناية المتكلم به مرجحا لاختياره وعلامة على جعله نائبا عن الفاعل.
(*)(1/221)
المبتدأ والخبر تعريف كل منهما وصور الخبر قال ابن الحاجب: " ومنها المبتدأ والخبر، فالمبتدأ هو الاسم المجرد عن العوامل " " اللفظية مسندا إليه، أو الصفة الواقعة بعد حرف النفي وألف " الاستفهام رافعة لظاهر، مثل زيد قائم، وما قائم الزيدان " " وأقائم الزيدان فإن طابقت مفردا جاز الامران، والخبر هو " " المجرد.
المسند المغاير للصفة المذكورة ".
قال الرضي: اعلم أن المبتدأ اسم مشترك بين ماهيتين، فلا يمكن جمعهما في حد، لان الحد مبين للماهية بجميع أجزائها، فإذا اختلف الشيئان في الماهية لم يجتمعا في حد، فأفرد المصنف لكل منهما حدا، وقدم منهما ما هو الاكثر في كلامهم.(1/223)
وفسر الزمخشري والمصنف، العوامل اللفظية في حد المبتدأ، بنواسخ المبتدأ وهي: كان، وإن، وظن، وأخواتها، وما، ولا، والاولى أن نطلق ولا نخص عاملا دون عامل صونا للحد عن اللفظ المجمل، ونجيب عن قولهم: بحسبك زيد، وما في الدار من أحد.
بزيادة الباء ومن، فكأنهما معدومان وعن قولهم.
في نحو: إن زيدا منطلق وعمرو، ان " عمرو " معطوف على محل اسم ان، لكونه مرفوع المحل بالابتداء، أو بجواب قريب من الاول (1)، وذلك أن لفظة " إن " لعدم تغييرها معنى الجملة صارت كالحروف الزائدة التي لا فائدة فيها إلا التأكيد.
لكنه يشكل بقولهم: لا رجل ظريف في الدار، حملا لرفع هذه الصفة على محل الاسم الذي هو المبتدأ، ان اخترنا مذهب الاخفش والمبرد، وهو أن " لا " هذه عاملة وخبرها مرفوع بها واسمها منصوب المحل.
ووجه الاشكال هو أن " لا " ليس زائدا ولا جاريا مجرى الزائد، فاسمها، إذن، ليس بمجرد عن العامل اللفظي، وهو مبتدأ، وإلا لم يجز الحمل على موضعه بالرفع.
ولا يشكل إن اخترنا مذهب سيبويه، وهو أن " لا " هذه ليست بعاملة والخبر مرفوع لكونه خبر المبتدأ.
فإن قيل: نحن لا نحمل الصفة المرفوعة على اسمها وحده، بل على محل المركب الذي هو " لا " مع اسمها، وهذا المركب مجرد عن العوامل.
فالجواب أنه قد خرج، إذن، هذا المركب عن حد المبتدأ بقولهم هو الاسم المجرد، وليس هذا المركب باسم، بل هو حرف مع اسم، إلا أن يقال: إنه بالتركيب صار كاسم واحد، لكن الاعتراض وارد على كل حال على مذهب من أجاز رفع صفة " لا " التبرئة، إذا كان مضافا، نحو: لا غلام رجل ظريف في الدار، لانه لا يصح فيه
__________
(1) أي القول بزيادة الباء في بحسبك زيد.
وزيادة " من " في: ما في الدار من أحد.
(*)(1/224)
فيه دعوى التركيب وصيرورتهما كاسم واحد.
قوله: " الاسم المجرد "، لا يرد عليه نحو، تسمع بالمعيدي لا أن تراه، وقوله تعالى: " سواء عليهم أأنذرتهم " (1)، عند من قال: أأنذرتهم مبتدأ، لتأويلهما بالاسم، أي سماعك بالمعيدي، وسواء عليهم إنذارك وتركه.
ولو قال: المبتدأ: الاسم المسند إليه، لدخل فيه الفاعل، ولو اقتصر على قوله: الاسم المجرد عن العوامل اللفظية، لدخل فيه الاسماء التي لا تركب مع عاملها، نحو: واحد، إثنان، والخبر، والمبتدأ الثاني، فبقوله مسندا إليه خرجت الثلاثة.
قوله: " أو الصفة الواقعة..إلى آخره " هذا هو حد المبتدأ الثاني (2).
والنحاة تكلفوا إدخال هذا، أيضا، في حد المبتدأ الاول، فقالوا إن خبره محذوف لسد فاعله مسد الخبر، وليس بشئ، بل لم يكن لهذا المبتدأ أصلا من خبر، حتى يحذف ويسد غيره مسده، ولو تكلفت له تقدير خبر لم يتأت، إذ هو في المعنى كالفعل، والفعل لا خبر له، فمن ثم، تم بفاعله كلاما من بين جميع اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة، ولهذا أيضا، لا يصغر ولا يوصف ولا يعرف ولا يثنى ولا يجمع إلا على لغة أكلوني البراغيث.
ويعني بالصفة: اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، قوله: " رافعة لظاهر "، احتراز عن نحو: أقائمان الزيدان، و: أقائمون الزيدون، فإنه خبر، ويريد بالظاهر ما كان بارزا غير مستكن، سواء كان مظهرا، نحو أقائم الزيدان، أو مضمرا كقولك بعد ذكر الزيدين: أقائم هما، فإن قولك " هما " فاعل مع كونه مضمرا،.
__________
(1) الاية 6 من سورة البقرة.
(2) يريد النوع الثاني من المبتدأ.
وهو الوصف الرافع لفاعل يغني عن الخبر.
وقد كرر هذا التعبير في هذا الباب مريدا به هذا النوع.
(*)(1/225)
قوله " بعد حرف النفي وألف الاستفهام "، وكذا بعد " هل " الاستفهامية، نحو: ما قائم الزيدان، وإن قائم الزيدان، وأقائم الزيدون، وهل حسن الزيدان.
والاخفش، والكوفيون جوزوا رفع الصفة للظاهر على أنه فاعل لها من غير اعتماد على استفهام أو النفي، نحو: قائم الزيدان، كما يجيزون في نحو: في الدار زيد، أن يعمل الظرف بلا اعتماد، وأجري نحو: غير قائم الزيدان، مجرى: ما قائم الزيدان، لكونه بمعناه، قال: 53 - غير مأسوف على زمن * ينقضي بالهم والحزن (1) ومثل ذلك: أقل رجل يقول ذلك إلا زيد، عند أبي علي، كما يجئ في باب الاستثناء، وكذا قولهم: خطيئة يوم لا أصيد فيه، أي: قل رجل يقول ذلك، ويخطئ يوم لا أصيد فيه، أي يقل ويندر، فهذه كلها مبتدآت لا أخبار لها لما فيها من معنى الفعل.
ولا تدخل نواسخ المبتدأ عليها لما فيها من معنى النفي فتلزم الصدر، و " رب " (2) عند أبي علي، مبتدأ لا خبر له.
كأقل رجل لما فيه من معنى التقليل الذي هو قريب من النفي، كما يجئ في باب حروف الجر.
ويجوز عند الاخفش والفراء: ان قائما الزيدان، وسوغ الكوفيون هذا الاستعمال في " ظن " أيضا، نحو: ظننت قائما الزيدان: وكلاهما بعيد عن القياس، لان الصفة لا تصير مع فاعلها جملة كالفعل إلا مع
__________
(1) هذا من شعر أبي نواس: الحسن بن هانئ.
وبعده: إنما يرجو الحياة فتى * عاش في أمن من المحن وأبو نواس من المحدثين الذين جاءوا بعد انقضاء عهد الاحتجاج بالشعر قال البغدادي: أورده على أنه مثال لا شاهد.
وفي البيت أوجه أخرى من الاعراب.
(2) يأتي في حروف الجر بيان المذاهب في أن رب اسم أو حرف.
والرضى يميل إلى رأي الفارسي في أنها اسم.
وسيأتي أنه يستشكل القول بحرفيتها وكذلك يستشكل القول باسميتها.
(*)(1/226)
دخول معنى يناسب الفعل عليها، كمعنى النفي والاستفهام، أو دخول ما لا بد من تقديرها فعلا بعده كاللام الموصولة، وأما إن وظن، فليسا من ذينك في ذينك في شئ، بل هما يطلبان الاسمية، فلا يصح تقديرها فعلا بعدهما.
وأما العامل في المبتدأ، فقال البصريون: هو الابتداء، وفسروه بتجريد الاسم عن العوامل للاسناد إليه، ويكون معنى الابتداء في المبتدأ الثاني (1) تجريد الاسم عن العوامل لاسناده إلى شئ.
واعترض بأن التجريد أمر عدمي فلا يؤثر وأجيب بأن العوامل في كلام العرب علامات في الحقيقة لا مؤثرات والعدم المخصوص أعني عدم الشئ المعين يصح أن يكون علامة لشئ لخصوصيته.
وفسر الجزولي الابتداء بجعل الاسم في صدر الكلام لفظا تحقيقا.
أو تقديرا للاسناد إليه أو لاسناده (2)، حتى يسلم من الاعتراض بأن التجريد أمر عدمي فلا يؤثر.
ثم قال المتأخرون كالزمخشري والجزولي: هذا الابتداء هو العامل في الخبر أيضا، لطلبه لهما على السواء.
ونقل الاندلسي عن سيبويه أن العامل في الخبر هو المبتدأ، ويحكي هذا عن أبي علي وأبي الفتح (3).
وقال الكسائي والفراء: هما يترافعان، وقد قوينا هذا في حد العامل.
وقال بعضهم: المبتدأ الاول يرتفع بإسناد الخبر إليه، كما قال خلف في ارتفاع الفاعل، وقال الكوفيون: المبتدأ الاول يرتفع بالضمير العائد من الخبر إليه، لاشتراطهم الضمير في الخبر الجامد أيضا، كما يجئ.
__________
(1) أي النوع الثاني من نوعي المبتدأ كما تقدم.
(2) ليشمل الوصف المكتفي بمرفوعه.
(3) أي ابن جني وتقدم ذكره.
(*)(1/227)
قوله: " فإن طابقت مفردا جاز الامران "، أي إن كانت الصفة المذكورة مطابقة للمرفوع بعدها في الافراد، جاز الامران: كونها مبتدأ ما بعدها فاعلها، وكونها خبرا عما بعدها.
فنقول: الصفة الواقعة بعد حرف الاستفهام وحرف النفي، إما أن تكون مفردة، أو، لا، فإن كانت مفردة فالمسند إليه بعدها إما مفرد، أو، لا.
والمفردة المفرد ما بعدها تحتمل وجهين كما ذكرنا الان، (1) والمفردة التي ما بعدها ليس بمفرد مبتدأ لا غير، ما بعدها فاعلها، والتي ليست بمفردة فلا بد من مطابقة ما بعدها لها، نحو: أقائمان الزيدان، وأقائمون الزيدون، والاظهر أنها خبر عما بعدها وتحتمل أن تكون مبتدأ ما بعدها فاعلها على لغة " يتعاقبون فيكم ملائكة " (2).
والعامل في المبتدأ الثاني: تجريده عن العوامل لاسناده إلى شئ آخر، وعلى ما اخترنا في حد العامل يترافع هو وفاعله كالمبتدأ الاول.
وخبره لان كون كل واحد منهما عمدة يقوم بالاخر كالمبتدأ والخبر.
قوله: " والخبر هو المجرد "، دخل فيه المبتدأ الاول والثاني.
والاسماء المعدودة.
قوله: " المسند " أخرج منه المبتدأ الاول والاسماء المعدودة.
قوله: " المغاير للصفة المذكورة " أخرج منه المبتدأ الثاني.
__________
(1) في أول التقسيم الذي بدأ به قبل سطرين، (2) النحاة يطلقون عل اللغة التي تجمع بين الفاعل الظاهر وعلامة التثنية أو الجمع في الفعل: لغة " أكلوني البراغيث " وتقدم الشارح بها.
ويطلقون عليها أيضا لغة " يتعاقبون فيكم ملائكة " بناء على ما قيل إنه ورد في حديث: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار وقد رد المحققون هذا بأن المذكور في كلام النحاة جزء من الحديث.
وهو بتمامه: إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم: ملائكة بالليل وملائكة بالنهار.
وبهذا تكون: ملائكة بالليل: بدل مما قبلها، وما قبلها كلام تام.
(*)(1/228)
الاصل في المبتدأ التقديم قال ابن الحاجب: " وأصل المبتدأ التقديم، ومن ثم جاز: في داره ".
" زيد، امتنع: صاحبها في الدار ".
قال الرضى: إنما كان أصل المبتدأ التقديم، لانه محكوم عليه، ولا بد من وجوده قبل الحكم، فقصد في اللفظ أيضا، أن يكون ذكره قبل ذكر الحكم عليه.
وأما تقديم الحكم في الجملة الفعلية، فلكونه عاملا في المحكوم عليه، ومرتبة العامل قبل المعمول.
وإنما اعتبر هذا الامر اللفظي أعني العمل، وألغى الامر المعنوي أعنى تقدم المحكوم عليه على الحكم، لان العمل طارئ، والاعتبار بالطارئ دون المطروء عليه.
وأما وجوب تقديم الحكم في نحو: أقائم الزيدان، مع أن كل واحد عامل في(1/229)
الاخر على الصحيح (1)، فلكون الصفة فرعا على الفعل في العمل، وقيل إنما قدم الفعل في الفعلية لكون الفعل محتاجا إلى الاسم واستغناء الاسم عنه، فأرادوا في الجملة المركبة منهما تتميم الناقص بالكامل، وقصدوا أيضا الايذان من أول الامر أنها فعلية، فلو قدم الفاعل لم تتعين للفعلية من أول الامر، إذ (2) يمكن صيرورته كلاما باسم آخر.
قوله: " ومن ثم " أي ومن جهة كون الاصل في المبتدأ التقديم جازت هذه المسألة، يعني إن قيل: لم جازت، وفيها إضمار قبل الذكر ؟ قلنا إن أصل المبتدأ التقديم، فالتقدير: زيد في داره، فالمعود إليه بعد الضمير لفظا وقبله تقديرا.
قوله: " وامتنع صاحبها في الدار " امتناع هذه أيضا معلل بكون أصل المبتدأ التقديم، فيكون الضمير في " صاحبها " راجعا إلى الدار المؤخر عن صاحبها، لفظا وأصلا فيكون ضميرا قبل الذكر فلا يجوز، ومن جوز ثمة، ضرب غلامه زيدا، ينبغي أن يجوز هذا، لان طلب المبتدأ لخبره كطلب الفعل للمفعول بل أشد.
وكان ترتيب الكلام يقتضي أن يذكر المصنف ههنا، المواضع التي يجب فيها تقديم المبتدأ، والمواضع التي يجب فيها تأخيره، ثم يذكر المواضع التي يصح فيها تنكير المبتدأ.
مسوغات الابتداء بالنكرة قال ابن الحاجب: " وقد يكون المبتدأ نكرة، إذا تخصصت بوجه ما ".
__________
(1) تقدمت الاشارة إلى أن الرضى يرجح أن المبتدأ والخبر يترافعان: وهنا يقصد أن الخبر رافع للمبتدأ الذي هو وصف معتمد على الاستفهام والوصف بحكم عمل الفعل رافع له.
(2) أي قبل أن يذكر الفعل الذي فرضنا تأخيره عن الفاعل: يمكن حمل الكلام على أنه جملة اسمية بإضافة اسم آخر إلى ذلك الاسم الذي قدمناه.
(*)(1/230)
" مثل " ولعبد مؤمن خير من مشرك " (1)، و: أرجل في الدار " " أم امرأة، و: ما أحد خير منك، وشر أهر ذا ناب و: في " الدار رجل.
و: سلام عليك ".
قال الرضى: اعلم أن جمهور النحاة على أن يجب كون المبتدأ معرفة أو نكرة فيها تخصيص ما، قال المصنف، لانه محكوم عليه، والحكم على الشئ لا يكون إلا بعد معرفته، وهذه العلة تطرد في الفاعل مع أنهم لا يشترطون فيه التعريف ولا التخصيص، وأما قول المصنف إن الفاعل يختص بالحكم المتقدم عليه، فوهم، لانه إذا حصل تخصيصه بالحكم فقط
كان بغير الحكم غير مخصص، فتكون قد حكمت على الشئ قبل معرفته، وقد قال إن الحكم على الشئ لا يكون إلا بعد معرفته.
وقال ابن الدهان (2)، وما أحسن ما قال، إذا حصلت الفائدة فأخبر عن أي نكرة شئت، وذلك لان الغرض من الكلام إفادة المخاطب فإذا حصلت، جاز الحكم، سواء تخصص المحكوم عليه بشئ أو، لا.
فضابط تجويز الاخبار عن المبتدأ وعن الفاعل، سواء كانا معرفتين أو نكرتين مختصتين بوجه أو نكرتين غير مختصتين، شئ واحد وهو عدم علم المخاطب بحصول ذلك الحكم للمحكوم عليه، فلو علم في المعرفة ذلك، كما لو علم قيام زيد مثلا فقلت زيد قائم، عد لغوا، ولو لم يكن يعلم كون رجل ما من الرجال قائما في الدار، جاز لك أن تقول: رجل قائم في الدار وإن لم تتخصص النكرة بوجه.
وكذا تقول: كوكب انقض الساعة، قال الله تعالى: " وجوه يومئذ ناضرة " (3).
__________
(1) الاية 221 من سورة البقرة.
(2) هو أبو محمد ناصح الدين: سعيد بن المبارك البغدادي من علماء القرن السادس عاش في بغداد ومات بالموصل سنة 569 ه وله آراء ومؤلفات في النحو.
(3) الاية 22 من سورة القيامة.
(*)(1/231)
وكذلك في الفاعل: لا يجوز مع علم المخاطب بقيام زيد أن تقول قام زيد، ويجوز مع عدم علمه بقيام رجل في الدار أن تقول: قام في الدار رجل.
ولا أنكر أن وقوع المبتدأ معرفة أكثر من وقوعه نكرة، لاشتباه الخبر بالصفة في كثير من المواضع بخلاف الفاعل، فإن فعله لتقدمه عليه وجوبا لا يلتبس بصفته.
ثم نقول: يقع المبتدأ نكرة من غير تخصيص في كثير من المواضع: أحدها: ما التعجبية، على مذهب سيبويه، كما يجئ في بابه.
والثاني: المبتدأ الذي هو فاعل في المعنى نحو: شر أهر ذا ناب، وأمر أقعده عن الحرب، وشر ما ألجاك إلى مخة عرقوب (1).
الثالث المبتدأ الذي خبره ظرف أو جار ومجرور.
الرابع: كلمات الاستفهام، نحو: من عندك، و: ما حدت ؟ أو ما يقع بعد حرف الاستفهام، نحو: أرجل في الدار ؟ وهل رجل في الدار ؟ و: أرجل في الدار أم امراة.
الخامس: ما بعد واو الحال، نحو، ما أراك إلا شخص يضربك.
السادس: بعد " أما " نحو: أما غلام فليس عندك، و: أما جارية فلا أملكها.
السابع: الجواب: نحو قولك رجل في جواب من جاءك، أي رجل جاءني، لان السؤال بالاسمية، فالجواب بمثلها أولى.
وغير ذلك مما لا يحصى ولا ضابط له، كقولهم شهر ثرى، وشهر ترى، وشهر
__________
(1) المخة: القطعة من المخ.
ومن معاني المخ ما يوجد داخل العظم من دهن، والعرقوب عصب غليظ موتر فوق رجل الانسان وهو في الدابة بمنزلة الركبة في رجليها الخليفتين.
والمعنى الاصلي لهذا التعبير أن الضرورة تلجئ الانسان إلى أكل هذا الشئ الذي لا يحرص عليه أحد.
وهو مثل يضرب في الحاجة إلى اللئيم، (*)(1/232)
مرعي (1)، وقولهم: أمت في حجر لا فيك، وقوله تعالى: " وجوه يومئذ ناضرة " (2).
أما قول المصنف في " ما " التعجبية، وفي نحو: شر أهر ذا ناب، ان ذلك لما كان في المعني فاعلا، والفاعل يختص بالحكم المتقدم عليه، فكذا يختص هذا أيضا، فقد ذكرنا ما عليه، وهو أن المحكوم عليه إذا اختص بعين الحكم فأنت حاكم على غير المختص، فلا يتم قولهم، إذن، في تعليل كون المبتدأ معرفة أو مختصا: إن الحكم ينبغي أن يكون على مختص، ولو كفى الاختصاص الحاصل من الخبر، لجاز الابتداء بأي نكرة كانت، سواء تقدم الخبر عليها، أو تأخر، لان المخصص في الصورتين
حاصل على الجملة، فظهر بما ذكرنا أن قول المصنف في نحو: في الدار رجل، أن المبتدأ يخصص المتقدم: ليس بشئ، وأما قوله في نحو: أرجل في الدار أم امرأة: إن التخصيص حاصل عند المتكلم لانه يعلم كون أحدهما في الدار، فنقول: لو كفى الاختصاص الحاصل عند المتكلم في جواز تنكير المبتدأ، لجاز الابتداء بأي نكرة كانت، إذا كانت مخصوصة عند المتكلم، بل إنما يطلب الاختصاص في المبتدأ عند المخاطب، على ما ذكروا.
ولو كان المجوز للتنكير في: أرجل في الدار أم امرأة، معرفة المتكلم بكون أحدهما في الدار، للزم امتناع: أرجل في الدار ؟ وهل رجل في الدار ؟ وأرجل في الدار أو امرأة، لعدم لفظة " أم " الدالة على حصول الخبر عند المتكلم، وعدم شئ آخر يتخصص به المبتدأ: وقوله في " ما أحد خير منك "، إن وجه التخصيص فيه: أن النكرة في سياق
__________
(1) الثرى التراب أو الندي منه.
وتقول العرب: شهر ثرى وشهر ترى وشهر مرعى.
يريدون أن السماء تمطر فيبتل التراب، ثم يخرج النبات فيكون منظرا تراه العيون، ثم يطول ويكبر فترعاه الانعام ! (2) تقدمت قريبا.
(*)(1/233)
النفي تفيد العموم، فقولك " أحد " عم جنس الانس، حيث لم يبق أحد منهم.
ففيه نظر، وذلك أن التخصيص: أن يجعل لبعض من الجملة شئ ليس لسائر أمثاله، وأنت إذا قلت: ما أحد خير منك، فالقصد أن هذا الحكم وهو عدم الخيرية ثابت لكل فرد فرد، فلم يتخصص بعض الافراد، لاجل العموم، بشئ، وكيف ذلك، والخصوص ضد العموم، بل الحق أن يقال: إنما جاز ذلك، لانك عينت المحكوم عليه، وهو كل فرد فرد، ولو حكمت بعدم الخيرية على واحد غير معين لم يحصل
للمخاطب فائدة لعدم تعين المحكوم عليه، أما إذا بينت أن حكمي على الواحد: حكمي على كل فرد فرد فقد تعين المحكوم عليه، وهو كل فرد فرد، وكذلك كلمات الشرط، نحو: من صمت نجا، تحصل الفائدة فيها بسبب التعين الحاصل من العموم، لا بسبب تخصصها بشئ.
وقد اضطربت أقوالهم فيها، فاختار الاندلسي أن الخبر هو الشرط دون الجزء، لجواز خلوه من الضمير إذا ارتفعت كلمة الشرط بالابتداء، دون الشرط، فإنه إذا ارتفعت كلمة الشرط على الابتداء فلا بد للشرط من ضمير نحو: من قام قمت، وفي الدعاء: من كان الناس ثقته ورجاءه فأنت ثقتي ورجائي.
وقيل: الخبر هو الشرط والجزاء معا، لصيرورتها بسبب كلمة الشرط، كالجملة الواحدة.
وقيل كلمة الشرط مبتدأ لا خبر له.
هذا ما قيل فيها، ويمكن أن يقال، على مذهب سيبويه: إن كلمات (1) الشرط والاستفهام كانت مع حروف الشرط وحرف الاستفهام، فحذفا لكثرة الاستعمال، على ما ذكرنا في حد الاسم: إن كلمات (2) الشرط إما فاعلة لفعل مقدر، أو مفعولة له، أو للظاهر،
__________
(1) بيان لمذهب سيبويه.
(2) مرتبط بقوله: ويمكن أن يقال.
(*)(1/234)
فقولك: من قام قمت: اي إن من قام أي ان إنسان قام كقوله تعالى: " إن امرؤ هلك " (1)، وقولك: من ضربت ضربته، أي إن من ضربت أي إن إنسانا ضربت، فهو مفعول للفعل الظاهر، وقولك: من ضربته ضربته، أي إن من ضربته، فهو مفعول للفعل المقدر المفسر بالظاهر، وكذا في " ما "، نحو: ما كان فليكن كذا، هو فاعل، وفي: ما فعلت أفعل، هو مفعول للفعل الظاهر بعده، وفي: ما فعلته أفعله.
مفعول للفعل المقدر، وما تفعل أفعل، وما تفعله أفعله.
وكذا في كلمات الاستفهام.
وقوله: في سلام عليك، إنه مختص بنسبته إلى السلام، لان أصله: سلمت سلاما، فسلاما المنصوب منسوب إلى المتكلم، فإذا رفعته فهو باق على ما كان عليه في حال النصب، غير مطرد في جميع الدعاء، إذ ليس معنى: ويل لك، ويلي لك، لان معنى: ويل: الهلاك، ولو قدرت، أيضا، ويلك لك، لكان خلفا من القول، بل المراد مطلق الهلاك، فالاولى أن يقال: تنكيره لرعاية أصله حين كان مصدرا منصوبا، ولا تخصيص فيه، إذ تخصيصه بالنظر إلى المخاطب إنما كان بذكر الفعل الناصب والمسند إليه، وإنما تأخر الخبر عنه مع كونه جارا ومجرورا لتقديم الاهم، وللتبادر (2) إلى ما هو المراد، إذ لو قدمت الخبر وقلت: عليك، فقبل أن تقول سلام، ربما يذهب الوهم إلى اللعنة، فيظن أن المراد: عليك اللعنة، ولهذا، انخزل أبو تمام، وترك الانشاد على ما يحكي، لما ابتدأ القصيدة وقال: 54 - على مثلها من أربع وملاعب (3).
__________
(1) الاية 176 من سورة النساء.
(2) يريد المبادرة أي المسارعة.
(3) هذا ليس شاهدا بالمعنى الاصطلاحي، وإن كان بعض المتقدمين يجوزون الاستشهاد بكلام أبي تمام ومن هو في درجته.
ولكن الرضى ذكره استطرادا لتوضيح المعنى الذي ذهب إليه في شرح قولهم سلام عليك.
من أن تأخير الخبر انما هو للمبادرة إلى المراد وخشية أن يوضع في مكان المبتدأ " لو قدم الخبر " شئ غير المقصود كما حدث مع أبي تمام.
والبيت مطلع قصيدة لابي تمام: حبيب بن أوس * في مدح أبي دلف العجلي.
ومن جيد أبياتها قوله: تكاد عطاياه يجن جنونها * إذا لم يعوذها بنغمة طالب(1/235)
فعارضه شخص كان حاضرا، وقال: لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وبعد المصراع: تذال مصونات الدموع السواكب
هذا، مع أن " سلام " لا يجوز أن يكون بمعنى مصدر سلمت، لان سلمت مشتق من: سلام عليك، كلبيت من لبيك.
وسبحلت من سبحان الله، فمعنى سلمت، قلت سلام عليك، كما أن لبيت وسبحلت: بمعنى قلت: لبيك الله وسبحان الله، فمعنى سلام الذي هو بمعنى مصدر سلمت قول سلام عليك.
فعلى ما فسر المصنف ينبغي أن يكون معنى سلام عليك، قول للفظ سلام عليك، وليس كذا، بل سلام في قولك: سلام عليك، بمعنى مصدر سلمك الله، أي جعلك سالما، فالاصل: سلمك الله سلاما، ثم حذف الفعل لكثرة الاستعمال فبقي المصدر منصوبا، وكان النصب يدل على الفعل، والفعل على الحدوث، فلما قصدوا دوام نزول سلام الله عليه، واستمراره أزالوا النصب الدال على الحدوث، فرفعوا سلام.
وكذا أصل: ويل لك هلكت ويلا، أي هلاكا، فرفعوه بعد حذف الفعل، نفضا لغبار معنى الحدوث.(1/236)
الخبر يكون جملة صور الجملة وشروطها قال ابن الحاجب: " والخبر قد يكون جملة، نحو: زيد أبوه قائم، وزيد " " قام أبوه، فلا بد من عائد، وقد يحذف ".
قال الرضى: اعلم أن خبر المبتدأ، قد يكون جملة اسمية أو فعلية، كما مثل به المصنف، وإنما جاز أن يكون جملة لتضمنها للحكم المطلوب من الخبر، كتضمن المفرد له، وقال ابن الانباري وبعض الكوفيين، لا يصح أن تكون طلبية، لان الخبر ما يحتمل الصدق والكذب، وهو وهم، وإنما أتوا (1)، من قبل إيهام لفظ خبر المبتدأ، وليس المراد بخبر
المبتدأ عند النحاة ما يحتمل الصدق والكذب كما أن الفاعل عندهم ليس من فعل شيئا، ففي قولك: زيد عندك، يسمون الظرف خبرا، مع أنه لا يحتمل الصدق
__________
(1) أي وإنما أتاهم الغلط من قبل إيهام.
الخ..(*)(1/237)
والكذب، بل الخبر عندهم ما ذكره المصنف، وهو المجرد المسند المغاير للصفة المذكورة.
ويدل على جواز كونها طلبية قوله تعالى: " بل أنتم لا مرحبا بكم " (1)، وأيضا، اتفقوا على جواز الرفع في نحو قولهم: أما زيد فاضربه.
وقال ثعلب: لا يجوز أن يكون قسمية (2)، نحو زيد والله لاضربنه، والاولى الجواز، إذ لا منع.
قوله: " فلا بد من عائد "، لا تخلو الجملة الواقعة خبرا من أن تكون هي المبتدأ معنى، أو، لا: فإن كانت لم تحتج إلى الضمير، كما في ضمير الشأن، نحو: هو زيد قائم، وكما في قولك: مقولي: زيد قائم لارتباطها به بلا ضمير، لانها هو.
وإن لم تكن إياه فلا بد من ضمير، ظاهر أو مقدر.
وقد يقام الظاهر مقام الضمير.
وإنما احتاجت إلى الضمير، لان الجملة في الاصل كلام مستقل، فإذا قصدت جعلها جزء الكلام فلا بد من رابطة تربطها بالجزء الاخر، وتلك الرابطة هي الضمير، إذ هو الموضوع لمثل هذا الغرض، فمن ثم قيل في بعض الاخبار، كما يجئ، إن الظاهر قائم مقام الضمير.
وهذا الضمير الرابط يجوز حذفه قياسا وسماعا فالقياس في موضع وهو أن يكون الضمير مجرورا بمن والجملة الخبرية ابتدائية.
والمبتدأ فيها جزء من المبتدأ الاول، نحو: البر: الكر (3) بستين، أي الكر منه لان جزئيته تشعر بالضمير فيحذف الجار والمجرور معا، فإن كان المبتدأ الثاني نكرة فالجار والمجرور صفة له، نحو: السمن منوان بدرهم
__________
(1) الاية 60 من سورة ص.
(2) أي لا يجوز أن يكون الخبر جملة قسمية.
(3) الكر بضم الكاف مكيال معروف عندهم: كالصاع.
(*)(1/238)
وكذا إذا كان معروفا باللام، كما في البر الكر منه بستين، لان التعريف غير مقصود قصده، فهو كقوله: 55 - ولقد أمر على اللئيم يسبني * فمضيت ثمت قلت لا يعنيني (1) ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في الخبر، والعامل فيه الخبر، أي: البر الكر كائن بستين كائنا منه.
قال الفراء: ويحذف أيضا قياسا إذا كان الضمير منصوبا مفعولا به والمبتدأ " كل " قال: 56 - قد أصبحت أم الخيار تدعى * علي ذنبا كله لم أصنع (2) وقال: 57 - ثلاث كلهن قتلت عمدا * فأخزى الله رابعة تعود (3) قال: لان " كلهم ضربت " بمعنى الجحد، أي ما منهم إلا ضربت.
وقال السيرافي: ليس هذ بحجة، إذ كل موجب يتهيا رده إلى الجحد، كما تقول في: زيد ضربت: ما زيد إلا مضروب، ثم يقال له: لا تأثير للجحد في جواز حذف الضمير معه.
والسماع في غير ذلك.
__________
(1) قال البغدادي انه لرجل من بني سلول وهو أحد بيتين، ثانيهما قوله: غضبان ممتلئا على إهابه * إني وحقك سخطه يرضيني (2) الدليل على جوازه قراءة ابن عامر: وكل وعد الله الحسنى " الحديد آية 10 ".
وهذا الشاهد من أرجوزة لابي النجم العجلي.
وهو مطلعها ومن الارجوزة أبيات وردت في شواهد النحو منها قوله:
يا ابنة عما لا تلومي واهجعي * لا يخرق اللوم حجاب مسمعي (3) مثل الذي قبله في الاستشهاد.
قال البغدادي انه من أبيات سيبويه ولم يعرف قائله ولا أي شئ قبله ولا بعده.
والبيت في سيبويه ج 1 ص 44 (*)(1/239)
أما في المجرور فنحو قوله تعالى: " ولمن صبر وغفر، إن ذلك لمن عزم الامور " (1)، أي إن ذلك منه.
وأما في المنصوب فيشترط كونه بفعل لفظا، قال: 58 - فأقبلت زحفا على الركبتين * فثوب لبست وثوب أجر (2) أو بصفة محلا، نحو: أنا زيد ضارب، ولا يختص مع كونه سماعيا بالشعر خلافا للكوفيين.
وأما المرفوع فلا يحذف لكونه عمدة، وقد يحذف في الصلة في بعض الاحوال لكونها أشد ارتباطا بالموصول من المبتدأ، كما يجئ في باب الموصولات، وجواز حذف الضمير في الصلة أحسن منه في الصفة، لكون اتصالها بالموصل أشد، إذ لا غنى للموصول عنها، وهما بتقدير مفرد نحو قوله تعالى: " أهذا الذي بعث الله رسولا " (3)، ثم الحذف بعدها في الصفة أحسن منه في خبر المبتدأ، نحو: جاءني رجل ضربت، لانها مع الموصوف جزء الجملة، بخلاف الخبر فإنه مع المبتدأ جملة، فالتخفيف فيما هو مع غيره ككلمة أولى.
وإنما كان الحذف في الصفة أنقض حسنا منه في الصلة، إذ ليست الصفة من ضروريات الموصوف، كما كانت الصلة من لوازم الموصول وضرورياته.
فالحذف في الجملة إذا كانت خبرا للمبتدأ، على ما قال سيبويه، يجوز في الشعر بلا وصف ضعف، وهو في غيره ضعيف.
__________
(1) الاية 43 من سورة الشورى.
(2) من قصيدة لامرئ القيس وهو من شواهد سيبويه ج 1 ص 44.
ويروى الشطر الاول: فلما دنوت تسديتها...وبعده في القصيدة: ولم يرنا كالئ كاشح * ولم يفش منا لدى البيت سر.
والكالئ الحارس والرقيب.
والكاشح: المبغض.
ومن القصيدة شواهد أخرى في هذا الشرح، وفي غيره من كتب النحو.
(3) الاية 41 من سورة الفرقان.
(*)(1/240)
وأما وضع الظاهر مقام الضمير، فإن كان في معرض التفخيم جاز قياسا كقوله تعالى: " الحاقة، ما الحاقة " (1)، أي: ما هي، وإن لم يكن فعند سيبويه يجوز في الشعر بشرط أن يكون بلفظ الاول، قال: 59 - لعمرك ما معن بتارك حقه * ولا منسئ معن ولا متيسر (2) بجر منسئ، فإذا رفعته فهو خبر مقدم على المبتدأ، وقال: 60 - لا أرى الموت يسبق الموت شئ * نغص الموت ذا الغني والفقيرا (3) وإن لم يكن بلفظ الاول لم يجز عنده.
وقال الاخفش: يجوز وإن لم يكن بلفظ الاول، في الشعر كان أو في غيره، قال: 61 - إذا المرء لم يغش الكريهة أو شكت * حبال الهوينا بالفتى أن تقطعا (4) وليس هذا في خبر المبتدأ، قال: ويجوز: زيد قام أبو طاهر، إذا كان زيد يكني
__________
(1) أول سورة الحاقة.
1 و 2.
(2) أول بيتين للفرزدق وبعده: أتطلب يا عوران فضل نبيذهم * وعندك يا عوران زق موكر ومراده بمعن: رجل كان يبيع بالنسيئة وكان يضرب به المثل في شدة التقاضي.
قال البغدادي: أخطا من قال ان المراد به معن بن زائدة، أحد أجواد والعرب، قال لانه متاخر عن الفرزدق.
(3) الاستشهاد به كالذي قبله.
والبيت من قصيدة لعدي بن زيد، وهو الصحيح وقيل انها لابنه سوادة بن عدى، وأولها: طال ليلي أراقب التنويرا * أرقب الليل بالصباح بصيرا
ضمنها كثيرا من الحكم.
وعدي بن زيد من شعراء الجاهلية في عهد النعمان بن المنذر، (4) شاهد على جواز إعادة الاسم بغير لفظ الاول وأجازه الاخفش ومنعه سيبويه.
كما قال الشارح، وهو من أبيات لشاعر اسمه الكلحبة العريني أو اليربوعي واسمه هبيرة بن عبد مناف، وهي أبيات حماسية يخاطب فيها حزيمة بن طارق من بني تغلب وكان قد أغار على بني مالك فاستصرخوا بني يربوع فهزموه واستخلصوا منه ما كان قد سباه.
وقد ورد مثل هذا البيت في شعر لشبيب بن البرصاء وهو شاعر أموي.
ولم يتغير فيه إلا القافية وهو: إذا المرء لم يغش الكريهة أو شكت * حبال الهوينى بالفتى أن تجذما (*)(1/241)
بابي طاهر، قال الله تعالى: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا " (1).
ومنع بعضهم في غير التفخيم مطلقا، ولا وجه له، لوروده.
__________
(1) الاية 30 من سورة الكهف.
(*)(1/242)
كيفية تقدير الخبر إذا كان ظرفا قال ابن الحاجب: " وما وقع ظرفا فالاكثر أنه مقدر بجملة ".
قال الرضى: أي ظرفا، أو جارا ومجرورا، ولم يذكره لجريه مجراه في جميع أحكامه حتى سماه بعضهم ظرفا اصطلاحا.
وانتصاب الظرف خبرا للمبتدأ عند الكوفيين على الخلاف، يعنون أن (1) الخبر لما كان هو المبتدا في النحو: زيد قاتم، أو كانه هو في: " وازواجه أمهاتهم " (2)، ارتفع ارتفاعه،
ولما كان مخالفا له بحيث لا يطلق اسم الخبر على المبتدأ، فلا يقال في نحو زيد عندك، ان زيدا " عنده " خالفه (3) في الاعراب، فيكون العامل عندهم معنويا وهو معنى المخالفة
__________
(1) زيادة يقتضيها المعنى (2) الاية 6 من سورة الاحزاب (3) قوله خالفه جواب: لما كان مخالفا له، (*)(1/243)
التى اتصف بها الخبر، ولا يحتاج عندهم إلى تقدير شئ يتعلق به الخبر.
وأما البصريون فقالوا: لا بد للظرف من محذوف يتعلق به، لفظي (1)، إذ مخالفة الشئ للشئ لا توجب نصبه.
وقال بعض النحاة: العامل فيه المبتدأ.
وقال البصريون: الظرف منصوب على أنه مفعول فيه، كما أنه كذلك اتفاقا في نحو: جسلت أمامك، وخرجت يوم الجمعة، والجار والمجرور منصوب المحل على أنه مفعول به، كما أنه كذلك اتفاقا في نحو: مررت بزيد، إلا أن العامل ههنا مقدر.
وينبغي أن يكون ذلك العامل من الافعال العامة، أي مما لا يخلو منه قعل نحو: كائن، وحاصل، ليكون الظرف دالا عليه، ولو كان خاصا كاكل وشارب، وضارب وناصر، لم يجز لعدم الدليل عليه.
وقد يحذف خاص لقيام الدليل، نحو: من لك بالمهذب، أي من يضمن، ولا يجوز عند الجمهور إظهار هذا العامل أصلا لقيام القرينة على تعيينه وسد الظرف مسده، كما يجئ في: لولا زيد لكان كذا، فلا يقال: زيد كائن في الدار، وقال ابن جني بجوازه، ولا شاهد له.
وأما قوله تعالى: " فلما راه مستقرا عنده " (2)، فمعناه ساكنا غير متحرك، وليس بمعنى " كائنا ".
وكذا حال الظرف في ثلاثة مواضع أخر: الصفة، والصلة، والحال، وفيما عدا
__________
(1) لفظي صفة لقوله " محذوف " ولا معنى له هنا إلا أن يكون المراد أن العامل في هذه الحالة يكون لفظيا لا معنويا، كما أن قوله بعد ذلك: إذ مخالفة: يقصد بها التعليل لقول البصريين وعدم اعترافهم بان الخبر منصوب في هذه الحالة.
(2) الاية 40 من سورة النمل.
(*)(1/244)
المواضع الاربعة، لا يتعلق الظرف والجار والمجرور إلا بملفوظ موجود.
وأكثرهم على أن المحذوف المتعلق به: فعل، لانا نحتاج إلى ذلك المحذوف للتعلق، وإنما يتعلق الظرف باسم الفاعل في نحو: أنا مار بزيد لمشابهته للفعل، فإذا احتجنا إلى المتعلق به فالاصل أولى، وأيضا، للقياس على: الذي في الدار زيد، و: كل رجل في الدار فله درهم، والمتعلق في الموضعين فعل، لا غير، كما ياتي.
وذهب ابن السراج (1)، وأبو الفتح (2)، إلى أنه اسم لكونه مفردا والاصل في خبر المبتدأ أن يكون مفردا.
ولمانع أن يمنع.
قالوا: إنما كان أصله الافراد، لانه القول المقتضي نسبة أمر إلى آخر.
فينبغي أن يكون المنسوب شيئا واحدا كالمنسوب إليه، وإلا لكانت هناك نسبتان أو أكثر، فيكون خبران أو أكثر، لا خبر واحد، فالتقدير في: زيد ضرب غلامه: زيد مالك لغلام ضارب.
والجواب: أن المنسوب يكون شيئا واحدا كما قلتم، لكنه ذو نسبة في نفسه فلا نقدره بالمفرد، فالمنسوب إلى زيد في الصورة المذكورة: ضرب غلامه، الذي تضمنته الجملة.
قالوا: إنه يفصل بالظرف بين " أما " وجوابها، ولا يفصل بينهما إلا بالمفرد، كما يجئ.
والجواب: أن الظرف في مثله ليس بمستقر، أي بمتعلق بمحذوف بل هو منصوب
بالملفوظ بعد الفاء، نحو: أما قدامك فزيد قائم، فهو كالمفعول به في نحو، أما زيدا
__________
(1) تقدم ذكره ص 67 من هذا الجزء.
(2) كنيته ابن جني.
وتقدم ذكره كثيرا.
(*)(1/245)
فانا ضارب، كما يجئ في حروف الشرط.
واعلم أن صيرورة الجملة ذات محل من الاعراب بعد أن لم تكن، لا يدل على كونها بتقدير المفرد، بل يكفي في صيرورتها ذات محل وقوعها موقع المفرد.
وإن كان بعد الظرف معمول، نحو: زيد خلفك واقفا، فعند أبي علي (1)، هو معمول الظرف لقيامه مقام العامل، ومن ثم وجب حذفه.
وقال غيره: هو للعامل المقدر، لان الظرف جامد لا يلاقي الفعل في تركيبه ملاقاة اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والمصدر، له.
وكذا الخلاف في أن الخبر أيهما هو.
ثم ذهب السيرافي إلى أن الضمير حذف مع المتعلق، وذهب أبو علي ومن تابعه إلى أنه انتقل إلى الظرف، لانه يؤكد، كقوله: 62 - فإن يك جثماني بارض سواكم * فإن فؤادي عندك الدهر أجمع (2) ويعطف عليه، كقوله: 63 - ألا يا نخلة من ذات عرق * عليك ورحمة الله السلام (3)
__________
(1) أي الفارسي، وتكرر ذكره (2) لان " أجمع " تأكيد للضمير المستقر في الظرف " عندك ".
والبيت من قصيدة لجميل بن معمر صاحب بثينة.
وقبله: ألا تتقين الله فيمن قتلته * فامسى إليكم خاشعا يتضرع، (3) أي أن قوله ورحمة الله معطوف على ضمير السلام المستقر في الخبر " عليك " والمبتدأ متقدم بحسب الاصل.
وكنى بالنخلة في البيت عن المراة ونسب البيت إلى الاحوص.
وهو أحد ثلاثة أبيات أوردها البغدادي وقد كرر هذا الشاهد برقم 110 في باب المنادى، وفي حديثه عنه هنا قال انه لا يعرف قائله.
ثم قال وينسب إلى الاحوص.
ولما أعاده ذكر الابيات الثلاثة وهو أولها وبعده: سالت الناس عنك فاخبروني * هنا من ذاك تكرهه الكرام وليس بما أحل الله عيب * إذا هو لم يخالطه الحرام (*)(1/246)
وينتصب عنه الحال، كقوله تعالى: " ففي الجنة خالدين فيها " (1).
قال أبو علي، وادعى بعضهم أنه مجمع عليه: إن الظرف إذا اعتمد على موصول، أو موصوف، أو ذي حال، أو حرف استفهام، أو حرف نفي، فانه يجوز أن يرفع الظاهر، لتقويه بالاعتماد، كاسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة، وكذا قال: إذا وقعت بعده " أن " المصدرية، كقوله تعالى " ومن آياته أنك ترى الارض خاشعة " (2)، لا صريح المصدر، أما قوله: 64 - أحقا بنى أبناء سلمى بن جندل * تهددكم إياي وسط المجالس (3) فلاعتماد الظرف.
قيل: إنما عمل في " أن " بلا اعتماد لشبهها بالمضمر في أنها لا توصف مثله.
ويجوز أن يقال في جميع ذلك: ان الظرف خبر قد تقدم على مبتدئه، أما في غير المواضع المذكورة، نحو: في الدار رجل، فالمرفوع مبتدأ، مقدم الخبر.
وعند الكوفيين والاخفش في أحد قوليه، هو فاعل للظرف لتضمنه معنى الفعل، كما قالوا في نحو: قائم زيد.
وإنما قال الكوفيون ذلك، لاعتقادهم أن الخبر لا يتقدم على المبتدأ، مفردا كان أو جملة، فيوجبون ارتفاع " زيد " في نحو: في الدار زيد، وقائم زيد، على الفاعلية،
__________
(1) الاية 108 من سورة هود.
(2) الاية 39 من سورة فصلت، (3) أي ان قوله: تهددكم فاعل لحقا، لاعتماده على الاستفهام، وتقديره: أفي حق تهددكم.
والبيت للاسود ابن يعفر: جاهلي، يخاطب جماعة من بني جندل تهددوه في فرس غنمها مع أمهار لها.
فرد إليهم الفرس وأبقى الامهار فهددوه فرد عليهم تهديدهم في قصة ذكرها البغدادي وذكر ما قاله من الشعر في ذلك.
(*)(1/247)
لئلا يتقدم الضمير على مفسره.
وليس بشئ، لان حق المبتدأ التقدم، فالضمير متاخر تقديرا، كما في: ضرب غلامه زيد.
وأما الاخفش فلا يوجب ذلك، بل يجوز ارتفاعه بالابتدا أيضا، إذ هو يجوز تقدم الخبر على المبتدأ، لكن لما أجاز عمل الصفة بلا اعتماد أجاز كون " زيد " في قائم زيد، فاعلا، أيضا.
وله في جواز عمل الظرف بلا اعتماد قولان، وذلك لان الظرف أضعف في عمل الفعل من الصفة، وثبوت الاجماع على جواز: في داره زيد، يصحح تقديم الخبر ويمنع كون زيد فاعلا وإلا لزم الاضمار قبل الذكر، ومنع بعض البصريين من نحو: في داره قيام زيد، وفي دارها عبد هند، وذلك لان المبتدأ حقه التقديم فجاز عود الضمير من الخبر إليه.
نحو: في داره زيد، فأما ما أضيف إليه المبتدأ، فليس له التقدم الاصلي.
والاولى جواز ذلك، كما ذهب إليه الاخفش، وذلك لانه عرض للمضاف إليه بسبب التركيب الاضافي الحاصل بينه وبين المبتدأ وصيرورته معه كاسم واحد، مرتبة التقديم تبعا للمبتدأ وإن لم يكن له ذلك في الاصل.
وقد ورد في كلامهم: في أكفانه درج الميت.
واعلم أن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن اسم عين، ولا حالا منه، ولا صفة له،
لعدم الفائدة، إلا في موضعين (1): أحدهما: أن يشبه العين المعنى في حدوثها وقتا دون وقت، نحو: الليلة الهلال، الثاني: أن يعلم إضافة معنى إليه تقديرا نحو قال امرئ
__________
(1) جاء في بعض نسخ هذا الشرح التي أشار إليها الجرجاني في تعليقاته بهامش المطبوعة: أنها ثلاثة.
وأن الثالث هو أن يكون اسم العين عاما واسم الزمان خاصا ومثل له بقوله تعالى: ليس لوقعتها كاذبة، (الواقعة آية 2).
! وذلك على أن كاذبة اسم الفاعل وقيل إنه مصدر والتقدير ليس لوقعتها تكذيب فيكون خبرا عن اسم معنى، (*)(1/248)
القيس: اليوم خمر وغدا أمر (1).
أي شرب خمر، وقوله: 65 - أكل عام نعم تحوونه * يلقحه قوم وتنتجونه (2) أي حوايته، ولو قلت: الارض يوم الجمعة، وزيد يوم السبت لم يجز، لانه لا فائدة لتخصيص حصول شئ بزمان هو في غيره حاصل مثله.
ويكون ظرف الزمان خبرا عن اسم معنى بشرط حدوثه، ثم ينظر، فإن استغرق ذلك المعنى جميع الزمان أو أكثره وكان الزمان نكرة رفع غالبا، نحو: الصوم يوم، والسير شهر، إذا كان السير في أكثره لانه باستغراقه إياه كأنه هو، ولا سيما مع التنكير المناسب للخبرية.
ويجوز نصب هذا الزمان المنكر، وجره بفي نحو: الصوم في يوم، أو يوما، خلافا للكوفيين، وذلك أن " في " عندهم، توجب التبعيض، فلا يجيزون: صمت في يوم الجمعة، بل يوجبون النصب.
والاولى جوازه، كما هو مذهب البصريين، ولا يعلم إفادة " في " للتبعيض.
وإن كان الزمان معرفة، نحو: الصوم يوم الجمعة لم يكن الرفع غالبا كما في الاول عند البصريين، وأوجب الكوفيون النصب، كما أوجبوه في المنكر للعلة المذكورة.
فإن وقع الفعل لا في أكثر الزمان، سواء كان الزمان معرفا أو منكرا، فالاغلب
نصبه أو جره بفي، اتفاقا بين الفريقين، نحو: الخروج يوما.
أو في يوم، والسير يوم الجمعة أو في يوم الجمعة.
__________
(1) من قول امرئ القيس الكندي قاله حين أخبر بموت أبيه وهو على الشراب.
(2) أي بتقدير مضاف قبل " نعم " تقديره حواية.
وهذا مما قيل في أحد أيام العرب وهو يوم الكلاب الثاني.
وقاتله رجل من بني ضبه قال بعضهم انه قيس بن حصين بن يزيد وهو من الارجاز التي كان يتبادلها الفرسان في هذا اليوم.
وجاء في آخر هذا الرجز قوله: أيهات أيهات لما ترجونه.
ويريد هيهات هيهات.
(*)(1/249)
وأما قوله تعالى: " الحج أشهر معلومات " (1) فلتأكيد أمر الحج ودعاء الناس إلى الاستعداد له حتى كان أفعال الحج مستغرقه لجميع الاشهر الثلاثة.
وإذا كان ظرف المكان خبرا عن اسم عين، سواء كان اسم مكان أو، لا فإن كان غير متصرف، نحو زيد عندك، فلا كلام في امتناع رفعه، وإن كان متصرفا وهو نكرة فالرفع راجح، نحو: أنت مني مكان قريب، ودارك مني يمين أو شمال، وهو باق على الظرفية عند البصريين، والمضاف محذوف، إما من المبتدأ، أي مكانك مني مكان قريب، أو من الخبر، أي أنت مني ذو مكان قريب، ومثله عند الكوفيين بمعنى اسم الفاعل فيجب رفعه، وليس بظرف، كما يجئ عن قريب.
وإن كان معرفة فالرفع مرجوع، نحو: زيد خلفك، وداري أمامك، وذلك لان أصل الخبر التنكير، ومع ذلك، فرفع المعرفة لا يختص بالشعر نحو قوله: 66 - شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة * يد الدهر الا جبرئيل أمامها (2) خلافا للجرمي والكوفيين.
وإذا كان المكان في موضع الخبر عن عين، والمراد تعيين المنزلة من قرب أو بعد، قال سيبويه: لا يستعمل منه إلا ما استعملته العرب، فلا تقل: هو مني مجلسك، ومتكأة زيد، ومربط الفرس، قال: ولو أظهرت المكان في هذه الاشياء، جاز نحو: هو مني
مكان مجلسك ومكان متكأة زيد، وذلك أن المكان يستعمل قياسا في تعيين القرب أو البعد.
ومما استعملته العرب، قولهم: هو مني مزجر الكلب، أي مهان، ومقعد القابلة،
__________
(1) الاية 197 من سورة البقرة.
(2) الشاهد رفع الظرف: أمام.
لانه معرف، فهو خبر عن جبرئيل وهو لغة في جبريل وقوله يد الدهر منصوب على الظرفية بمعنى مدى الدهر وطول الدهر.
وشهدنا أي شهدنا الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وهو من شعر كعب بن مالك الانصاري ونسبه بعضهم إلى حسان بن ثابت.
(*)(1/250)
أي قريب، وكذا معقد الازار ومقعد الخائن، وهو مني مناط الثريا، أي بعيد، قال أبو ذؤيب: 67 - فوردن والعيوق مقعد رابئ ال * ضرباء فوق النجم لا يتتلع (1) أي عال مشرف، كالامين على الياسرين (2) فإنه أعلى منهم ليشرف عليهم، كي لا يخونوا (3).
قال بعضهم: ما كان من هذه الظروف بمعنى القرب نحو معقد الازار، فجعله ظرفا أولى من رفعه، وما كان منها في معنى البعد، كمناط الثريا فرفعه أولى، قال: لان الظرف حاو للمظروف فقربه من المظروف يحقق له الاحتواء، وبعده عنه يبعده عن الاحتواء.
وفيه نظر، وذلك لان الظرف في قولك: أنت مني مناط الثريا ليس بعيدا من المظروف، بل هو محتو عليه، لكنهما بعيدان عن المتكلم.
ويجب رفع كل واحد من ظرفي الزمان والمكان إذا كان متصرفا ومؤقتا محدودا، وأخبرت به عن اسم عين لارادة تقدير المسافة القريبة، أو البعيدة، نحو: دارك مني فرسخ، وأنت مني بريد، ومنزلك مني ليلة.
أي: ذات مسافة فرسخ على حذف مضاف بعد مضاف، وكذا: ذو مسافة سرى ليلة، ومني متعلق بمدلول الخبر، أي بعيدة مني
هذا القدر.
__________
(1) من قصيدة أبي ذؤيب الهذلي المشورة في رثاء بنيه.
والعيوق كوكب يطلع حيال الثريا، والضرباء جمع ضريب وهو الذي يضرب القداح، وهو الموكل بها ! (2) أي الذين يلعبون الميسر، (3) كتب البغدادي في هذا الموضع على شاهد أورده بعد قوله فوردن والعيوق وهو قوله: انصب للمنية تعتريهم * رجالي أم هم درج السيول وليس هذا الشاهد في النسخة المطبوعة ولعله موجود في النسخة التي أخذ منها البغدادي شواهده.
ولم ينبه أحد ممن علقوا على خزانة الادب على ذلك.
ولم يشيروا إلى عدم وجوده في شرح الرضى.
والبيت من شعر ابراهيم ابن هرمة.
(*)(1/251)
وكذا قولهم: هو مني فوت اليد، إي: إذا مددت يدي لم أنله، وهو مني دعوة الرجل، أي: إذا صاح الرجل لم (1) تبلغه صيحته، والتقدير: ذو مكان فوت اليد، وذو مكان بلوغ دعوة الرجل.
وأما انتصاب نحو قولك: داري خلف دارك فرسخين، وميلا.
وبريدا، أو يوما وليلة، فلان الخبر هو " خلف دارك " ونصبها على الحال عند المبرد، من الضمير في الخبر، أي ذات مسافة فرسخين.
وعلى التمييز عند الجمهور، وهو تمييز عن النسبة، أي تباعدت فرسخين، فالفرسخان مبعدان لها، كما أن الماء في: امتلاء الاناء ماء، مالئ.
ويجوز أن ينتصب على المصدر كقولك: دنوت أنملة، أي دنو أنملة كما قيل في قوله تعالى: " ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات " (2).
ويجوز رفعها، وخلف، ظرف للخبر، أي ذات مسافة فرسخين خلف دارك، أو هما خبران.
وكذا قولهم: داري من خلف دارك فرسخين أو فرسخان، لان دخول " من " في مثله، وخروجها على السواء.
كما في قولك: جئت قبلك، ومن قبلك.
قال أبو عمرو (3): إذا دخلت " من " وجب الرفع في الظروف التي بعد المجرور، لان التمييز فضلة، وبدخول " من " خرج الكلام عن التمام، وليس بشئ، إذا يقال: داري من خلف دارك ويسكت عليه.
__________
(1) مقتضى تفسيره الاتي للمثال أن تكون " لم " زائدة.
(2) آية 32 سورة الزخرف.
(3) المراد أبو عمرو بن العلاء وتقدم ذكره أكثر من مرة.
انظر ص 137 من هذا الجزء.
(*)(1/252)
ويجوز أيضا، أنت مني فرسخين بالنصب، على أن " مني " خبر المبتدأ، أي من أشياعي، وفرسخين: حال، أي ذوي سير فرسخين أو على الظرف أي في فرسخين، أي أنت من أشياعي ما سرنا فرسخين، كقوله صلى الله عليه وسلم: " سلمان منا ".
واعلم أن نحو: خلف، وقدام، ومن الظروف: ظروف عند البصريين، أضيفت أو لم تضف، وترك الاضافة قليل عندهم.
وهي عند الكوفيين لا تكون ظروفا إلا مع الاضافة، أما عند الافراد فهي بمعني اسم الفاعل، فمعنى جلست خلفا، عندهم أي متاخرا، نصب على الحال، وقام مكانا طيبا، أي مغتبطا، فإذا وقعت خبرا عن المبتدأ وجب عندهم رفعها، نحو أنت خلف وقدام، أي متاخر، ومتقدم، والبصرية تجوز نصبها على قلة، كما ذكرنا، وأما رفعها عندهم فعلى حذف المضاف، كما مر، وهي باقية على الظرفية، وهو الاولى، إذ خروج الشئ عن معناه خلاف الاصل فلا يرتكب ما أمكن حمله على عدم خروجه عنه.
وقوله: 68 - وساغ لي الشراب وكنت قبلا * أكاد أغص بالماء الحميم (1)
أي قبل ذلك، يقوي مذهب البصريين.
__________
(1) روي مثله بقافية أخرى..بالماء الفرات والذي هنا من أبيات ليزيد بن الصعق قالها وقد انتقم لنفسه من الربيع ابن زياد العبسي وكنيته أبو حريث وكان الربيع قد أغار على يزيد وقومه فلم يتمكن منهم فاخذ ابلا لجيرانه فاقسم يزيد بن الصعق لينتقمن، فلما تحقق له الوفاء بقسمه قال: الا أبلغ لديك أبا حريث * وعاقبة الملامة للمليم وقبل الشاهد: فنمت الليل إذ أوقعت فيكم * قبائل عامر وبني تميم...وساغ الخ أما البيت الاخر: الذي آخره بالماء الفرات فلم ينسبه أحد ولم يذكروا شيئا قبله ولا بعده.
وقال العيني إن بيت الشاهد لعبد الله بن يعرب بن معاوية وكان له ثار فادركه والذي أثبتناه هنا منقول من خزانة الادب للبغدادي.(1/253)
واعلم أن " اليوم " إذا وقع خبرا عن لفظي الجمعة والسبت جاز نصبه على ضعفه، لكونهما في الاصل مصدرين، فمعنى: اليوم الجمعة أو السبت: أي الاجتماع، أو السكون، والاولى رفعه لغلبة الجمعة والسبت في معنى اليومين.
ولا يجوز نصب " اليوم " خبرا عن الاحد، والاثنين، إذ هما بمعنى اليومين، واليوم لا يكون في اليوم، وأجازه الفراء، وهشام (1)، وذلك لتأويلهما اليوم بالان، كما يقال: أنا اليوم، أفعل كذا، أي الان.
فمعنى: اليوم الاحد، أي الان الاحد، والان أعم من الاحد فيصح أن يكون ظرفه.
هذا، ولنذكر طرفا مما يتعلق بخبر المبتدأ، إذا كان مفردا.
فنقول: هو إما مشتق أو جامد، وكلاهما إما أن يغاير المبتدأ لفظا، أو، لا.
والاول: إما أن يتحد به معنى، نحو: زيد أخوك، وزيد قائم، أو يغايره معنى أيضا، والمغاير، يقع خبرا عنه إما لمساواته في معنى كقوله تعالى: " وأزواجه أمهاتهم " (2)،
أو لحذف المضاف من المبتدأ، أو الخبر نحو: داري منك فرسخان، أي بعد داري فرسخان، أو داري منك ذات مسافة فرسخين، أو لكون واحد من المبتدأ والخبر معنى والاخر عينا.
ولزوم ذلك المعنى لتلك العين حتى صار كأنه هي، كقول الخنساء: 96 - ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت * فإنما هي إقبال وإدبار (3)
__________
(1) المراد به هشام بن معاوية ويقال له هشام الضرير وهو من متقدمي الكوفيين وتقدم ذكره في هذا الجزء ص 63.
أما الفراء فقد تكرر ذكره كثيرا (2) الاية من سورة الاحزاب وتقدمت قبل ذلك.
(3) من قصيدة لها في رثاء أخيها صخر، أولها: قذى بعينك أم بالعين عوار * أم أقفرت إذ خلت من أهلها الدار وبيت الشاهد في وصف ناقة شبهت بها نفسها.
فان قبله فما عجول على بوتطيف به * قد ساعدتها على التحنان أظار وبعده: لا تسمن الدهر في أرض وإن رتعت * وإنما هي تحنان وتسجار يوما بأوجد مني حين فارقني * صخر وللدهر إحلاء وامرار (*)(1/254)
وقوله تعالى: " ولكن البر من آمن " (1)، وان قدرنا المضاف في مثله في المبتدأ، أي لكن ذا البر من آمن، وحالها إقبال، أو في الخبر نحو: بر من آمن، وذات إقبال.
أو جعلنا المصدر بمعنى الصفة، نحو: ولكن البار، وهي مقبلة، جاز، لكنه يخلو من معنى المبالغة.
والثاني أي الذي لا يغاير المبتدأ لفظا، يذكر للدلالة على الشهرة، أو عدم التغير، كقوله: 70 - أنا أبو النجم وشعري شعري (2).
أي: هو المشهور المعروف بنفسه لا بشئ آخر، كما يقال مثلا: شعري مليح، وتقول: أنا أنا، أي ما تغيرت عما كنت، قال:
71 - رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع * فقلت وأنكرت الوجوه هم هم (3) وأما الجامد فإن كان مؤولا بالمشتق نحو قولك: هذا القاع عرفج كله أي غليظ، تحمل الضمير، فكله ههنا تأكيد للضمير، ويجوز أن يكون مبتدأ مؤخرا عن الخبر.
وإن لم يكن مؤولا به، لم يتحمله خلافا للكسائي، فكأنه نظر إلى أن معنى: زيد أخوك، متصف بالاخوة، وهذا زيد، أي متصف بالزيدية أو محكوم عليه بكذا،
__________
(1) الاية 177 من سورة البقرة.
(2) من أرجوزه لابي النجم العجلي وبعده: لله دري ما أجن صدري * من كلمات باقيات الحر تنام عيني وفؤادي يسري * مع العفاريت بارض قفر (3) لابي خراش الهذلي من قصيدة يذكر فيها تفلته من أعداء له كانوا يترصدونه، ومعنى رقوني: سكنوني أي فعلوا ما يطمئنني ويجعلني أسكن إليهم ولكني عرفت خدعتهم.
لانهم هم أعدائي الذين يقصدون قتلي ! (*)(1/255)
وذلك لان الخبر عرض فيه معنى الاسناد بعد أن لم يكن، فلا بد من رابط، وهو الذي يقدره أهل المنطق بين المبتدأ والخبر، فالجامد كله، على هذا، متحمل للضمير عند الكسائي، لكنه كما لم يشابه الفعل، لم يرفع الظاهر كالمشتق، وكذا لم يجر على ذلك الضمير تابع لخفائه، وأما المشتق فهو متحمل للضمير اتفاقا، إن لم يرفع الظاهر.
خبرا كان، أو نعتا، أو حالا، فيستكن فيه إن جرى على من هوله، نحو زيد قائم، وإن جرى على غير من هوله، أكد المستكن به بمنفصل، خبرا كان المتحمل للضمير، نحو: أنا زيد ضاربه أنا، أو نعتا، نحو: لقيت رجلا ضاربه أنا، أو حالا نحو: لقيك زيد مكرمه أنت، أو صلة نحو: الضاربة أنا: زيد، وإن أمن اللبس جاز ترك الضمير المنفصل في هذه الصور عند الكوفية، وأما البصرية فأوجبوه طردا، نحو: هند: زيد ضاربته هي، وتمام البحث فيه يجئ في باب الاضمار (1) إن شاء الله تعالى:
وجوب تقديم المبتدأ قال ابن الحاجب: " وإذا كان المبتدأ مشتملا على ما له صدر الكلام مثل من " " أبوك، أو كانا معرفتين، أو متساويين مثل: أفضل منك " " أفضل مني، أو كان الخبر فعلا له مثل: زيد قام، وجب " " تقديمه ".
قال الرضي: قوله: " من أبوك "، مبني على مذهب سيبويه، وذلك لانه يخبر عنده بمعرفة عن
__________
(1) أي في باب الضمائر من قسم المبنيات.
(*)(1/256)
نكرة مضمنة استفهاما، أو نكرة هي أفعل التفضيل مقدم " على خبره، والجملة صفة لما قبلها، نحو مررت برجل أفضل منه أبوه.
وغير سيبويه على أن مثل هذين خبران مقدمان، والمثال المتفق عليه في مثل هذا المقام: من قام ؟ وما جاء بك ؟ وأيهم قام ؟ ومن قام قمت.
وإنما كان للشرط والاستفهام والعرض والتمني ونحو ذلك مما يغير معنى الكلام، مرتبة التصدر، لان السامع يبنى الكلام الذي لم يصدر بالمغير على أصله، فلو جوز أن يجئ بعده ما يغيره، لم يدر السامع إذا سمع بذلك المغير: أهو راجع إلى ما قبله بالتغيير، أو مغير لما سيجئ بعده من الكلام، فيتشوش لذلك ذهنه.
وكذلك حكم المضاف إلى أداة الشرط أو الاستفهام، يجب تصدره نحو: غلام من قام ؟، وغلام من يقم أقم ؟ لان معنى الشرط والاستفهام يسري إلى المضاف، وإلا لم يجز تقدمه على ماله الصدر.
قوله: " أو كانا معرفتين، أو متساويين "، ليس على الاطلاق بل يجوز تأخر المبتدأ عن الخبر، معرفتين أو متساويين مع قيام القرينة المعنوية الدالة على تعيين المبتدأ، كما في قوله: 72 - بنونا بنو أبنائنا.
وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الاباعد (1) وذلك لانا نعرف أن الخبر محط الفائدة، فما يكون فيه التشبيه الذي تذكر الجملة لاجله فهو الخبر، كقولك: أبو يوسف أبو حنيفة، أي مثل أبي حنيفة، ولو أردت تشبيه أبي حنيفة بأبي يوسف، فأبو يوسف هو الخبر، ومثله قول أبي تمام:
__________
(1) لانه يريد تشبيه بني الابناء بالابناء فيكون المبتدأ هو المشبه والخبر هو المشبه به.
وحمله بعضهم على ظاهره وقال إنه من عكس التشبيه، قال البغدادي بعد أن شرح البيت انه مع شهرته في كتب النحو لا يعرف قائله.
وهو كذلك في غير كتب النحو، وان بعضهم نسبه إلى الفرزدق.
ثم قال والله أغلم بحقيقة الحال.
(*)(1/257)
73 - لعاب الافاعي القاتلات لعابه * وأرى الجني اشتارته أيد عواسل (1) أي: بنو أبنائنا مثل بنينا، ولعابه مثل لعاب الافاعي.
قوله: " أو كان الخبر فعلا له "، أي فعلا مسندا إلى ضمير المبتدأ، نحو زيد قام، فإنه لو قدم: اشتبه المبتدأ بالفاعل.
فإن قيل: فليجز إن كان الضمير بارزا، نحو: الزيدان قاما، والزيدون قاموا.
قلت يشتبه المبتدأ بالبدل من الضمير، أو بالفاعل على لغة: يتعاقبون فيكم ملائكة، أو نقول، منع ذلك حملا على المفرد.
مع أنه قيل في قوله تعالى: " ثم عموا وصموا كثير منهم " (2)، وقوله تعالى: " وأسروا النجوى الذين ظلموا " (3)، إن " كثير " والذين، مبتدان مقدما الخبرين.
ويجب، أيضا تأخير الخبر إذا اقترن بالفاء، نحو: الذي يأتيني فله درهم، نظرا إلى أصل الفاء الذي هو التعقيب، وأيضا لكونها فاء الجزاء، وهو عقب الشرط،
لاستحقاق أداته صدر الكلام.
ويجب، أيضا، تأخير الخبر إذا جاء بعد " إلا " لفظا أو معنى، نحو: ما زيد إلا قائم، وإنما زيد قائم، لانك إن قدمته من غير " إلا " انعكس المعنى، كما ذكرنا في تقديم الفاعل وتأخيره، ولا يجوز التقديم مع " إلا " لما يجئ في باب الاستثناء.
__________
(1) قوله ومثله على أنه لا يريد الاستشهاد بناء على ما سبق التنبيه إليه من أن المتقدمين لا يستشهدون بشعر أبي تمام، والبيت من قصيدة له في وصف القلم يقول قبله مخاطبا محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم لك القلم الاعلى الذي بشباته * يصاب من الامر الكلى والمفاصل (2) الاية 71 من سورة المائدة.
(3) الاية 3 من سورة الانبياء.
(*)(1/258)
ويجب أيضا تأخير الخبر، إذا اقترن المبتدأ بلام الابتداء، نحو: لزيد قائم، أو كان ضمير الشأن.
للزوم تصدرهما.
تقديم الخبر وجوبا قال ابن الحاجب: " وإذا تضمن الخبر المفرد ما له صدر الكلام مثل: أين زيد " " أو كان مصححا، مثل في الدار رجل، أو لمتعلقه ضمير في " " المبتدأ، مثل: على التمرة مثلها زبدا، أو عن " أن " مثل: " " عندي أنك قائم، وجب تقديمه ".
قال الرضى: هذا بيان لموجبات تقديم الخبر، وإنما قال: الخبر المفرد، لانه إن كان جملة متضمنة لما يقتضي صدر الكلام، لم يجب تقديمه، نحو: زيد من أبوه ؟ إذ الاستفهام وسائر ما يقتضي صدر الكلام يكفيها أن تقع صدر جملة من الجمل بحيث لا يتقدم عليها أحد ركني تلك الجملة ولا ما صار من تمامها من الكلم المغيرة لمعناها، كان وأخواتها
وسائر ما يحدث معنى من المعاني في والجملة التي يدخلها، فلا يقال: إن من يأتني أشكره.
وأما قولهم: علمت أيهم في الدار، فإن الفعل لما كان من أفعال القلوب، وليس أثرها المعنوي بظاهر كأفعال العلاج فإنها محسوسة الاثار كالضرب والمشي، جوز تقديمه على الكلام المصدر بأداة الاستفهام والنفي ولام الابتداء، مع تأثيره فيه معنى، مع أن تقدمه كلا تقدم، إذ معنى ظننت زيدا قائما: زيد قائم في ظني، ومنع من العمل فيه ظاهرا، احتراما للفظ المقتضي للصدر.
وأما قولهم: الذي ما يضرب، والذي إن تضربه يضربك، فإن الموصول وإن كان مع الصلة ككلمة واحدة، إلا أنه لا يؤثر في صلته معنى، ونحو قولهم: زيد من أبوه،(1/259)
وعمرو في دار من هو، أولى بالجواز، لان المبتدأ كما أنه لا يؤثر معنى من المعاني في الخبر، ليس هو معه، أيضا، كالمفرد، كما كان الموصول مع صلته كذلك.
فإن قيل: كيف الجمع بين قوله ههنا: أين مفرد (1)، وقوله قبل: وما وقع ظرفا فالاكثر أنه مقدر بجملة.
قلت: لا شك أن لفظ " أين " اسم مفرد في الوضع، سواء قدر بالجملة أو بالمفرد، فأين في: أين زيد، مفرد واقع موقع الجملة على الاصح، فيصح أن يقال: إنه خبر مفرد.
وإن كان الاستفهام ظرفا متعلقا بالخبر المفرد الملفوظ به وجب تقديمه على المبتدأ، إما مع الخبر، نحو: علام راكب زيد، أو بدونه نحو: علام زيد راكب.
قوله: " وإذا تضمن الخبر المفرد "، اعلم أنه لا يقع من جملة مقتضيات الصدر، خبرا مفردا، إلا كلمة الاستفهام، نحو: من زيد، أو مضاف إليها، نحو: غلام من زيد ؟ قوله: " أو كان مصححا "، أي كان الخبر، أي تقدمه مصححا لمجئ المبتدأ
نكرة، على ما ذكر قبل في جواز تنكير المبتدأ، أن تقدم حكم النكرة عليها، خصصها حتى جاز وقوعها مبتدأ، وقد قلنا عليه ما فيه كفاية.
والاولى أن يقال في ايجاب تقدم الظرف خبرا عن المبتدأ المنكر، في الاغلب مما لا يتضمن معنى الدعاء: إن العلة فيه خوف لبس الخبر بالصفة مع كثرة استعمال الظرف خبرا، فلو قل وقوع الظرف خبرا عن المنكر، اغتفر ذلك اللبس القليل، كما في قوله تعالى: " وجوه يومئذ ناضرة، ووجوه يومئذ باسرة " (2).
__________
(1) في تمثيله للخبر المفرد المتضمن ما له صدر الكلام بقوله: أين زيد، (2) الايتان 22 و 24، من سورة القيامة.
(*)(1/260)
وتقديم الخبر غير الظرف على المبتدأ، لا يرفع اللبس ولا يعينه للخبرية إذ لو قلت في رجل قائم: قائم رجل، احتمل كون رجل خبرا عن قائم، أو بدلا منه، وأما الظرف فإنه إذا تقدم تعين للخبرية بسبب انتصابه لفظا أو محلا، هذا كله على مذهب سيبويه.
وأما على مذهب الاخفش والكوفيين، فالظرف عامل في الاسم الذي بعده، فليس، إذن، من هذا الباب.
قولنا في الاغلب، احتراز عن قولهم: أمت في حجر لا فيك، (1) وقولنا مما لا يتضمن معنى الدعاء، احتراز عن نحو: سلام عليك.
وويل لك، فإن الاغلب تأخير الخبر، لما ذكرنا قبل.
قوله: " أو لمتعلقه " أي لمتعلق الخبر بكسر اللام، ونعني بالمتعلق جزء الخبر، فقولك: على التمرة خبر، والمجرور جزؤه، ويجوز أن يريد بالخبر ذلك المقدر، لان الجار والمجرور متعلق به، والمجرور وحده يتعلق بعامله، لان الجار ليس بمتعلق في الحقيقة، بل بسبب تعلق المجرور بعامله القاصر.
يعني إذا اتصل بالمبتدأ ضمير يرجع إلى جزء الخبر، وجب تقديم الخبر حتى لا يلزم
ضمير قبل الذكر، فلو قلت: مثلها زبدا على التمرة، لكان مثل: صاحبها في الدار، وقد تقدم امتناعه، وإذا كان الضمير في صفة المبتدأ، نحو على التمرة زبد مثلها، جاز تأخير الخبر عن المبتدأ بان يتوسط بينه وبين صفته، نحو: زبد على التمرة مثلها، إذ الفصل بين الصفة والموصوف جائز.
فإن تقدم المفسر المتعلق بالخبر على المبتدأ ذي الضمير وتأخر الخبر عنه نحو: في الدار مالكها نائم جاز عند البصريين، وعند هشام من الكوفيين خلافا للباقين، وكأن المانع نظر إلى أن المفسر مرتبته التأخر لتعلقه بالخبر، وليس بشئ لان التقدم اللفظي كاف في صحة عود الضمير.
__________
(1) الامت الاعوجاج وعدم الاستقامة، (*)(1/261)
ألا ترى إلى قوله تعالى: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه " (1)، ووافق الكسائي البصريين في جواز نحو: زيدا غلامه ضارب، لا في نحو: زيدا غلامه ضرب، وكأنه نظر إلى شدة طلب الفعل لمفعوله، فكأن مفعوله متأخر عنه، بخلاف اسم الفاعل، فإن طلبه له بالمشابهة.
والاولى: الجواز في الكل، لما ذكرنا من الاكتفاء بالتقدم اللفظي.
قوله: " أو عن أن " يعني: أو كان الخبر عن أن مع أسمها وخبرها.
يريد: إذا كان: أن مع صلتها مبتدأ وجب تقديم خبرها عليها، وقد تقدم أنها مع صلتها فاعل عند أبي علي، إذا كان الخبر ظرفا.
وإنما تعين تقديم الخبر لئلا يلتبس بإن المكسورة، لانك لو جئت بالخبر، بعد خبر أن المفتوحة، إما ظرفا نحو: أن زيدا قائم عندي، أو غير ظرف نحو: أن زيدا قائم حق، لاشتبهت المفتوحة بالمكسورة، ولم تدفع الفتحة الخفية اللبس، لكون الموقع موقع المكسورة، لان لها صدر الكلام بخلاف المفتوحة، كما يجئ في باب الحروف
المشبهة بالفعل.
ولا يرفع مجئ خبر المبتدأ بعد خبر " أن " اللبس أيضا، إذ ربما يظن أنه خبر بعد خبر لان المكسورة، أو يظن في الظرف تعلقه بخبر " أن "، وإذا تقدم الخبر على " أن " عرف أنه خبر المبتدأ، وأنه ليس في حيز " أن " المفتوحة، إذ هي حرف موصول، ويجئ في باب الموصول أن ما في حيز الصلة لا يتقدم على الموصول، ولا ما في حيز خبر " إن " المكسورة، لان لها الصدر، فإذا تعين أن المقدم خبر، والمكسورة مع اسمها وخبرها لا يصح أن تكون مبتدأ، لانها جملة والمبتدأ مفرد، تعين أن ما بعد الخبر هي أن المفتوحة لا غير.
__________
(1) الاية 124 من سورة البقرة.
(*)(1/262)
وإذا كانت " أن " المفتوحة مع صلتها بعد " أما " نحو: أما أنك خارج فلا أصدقه، فإنها تتقدم على خبرها، لما نذكر في حروف الشرط: أن الجملة التامة، لا تتوسط بين " أما " وفائها.
ويجب أيضا، تأخير المبتدأ الذي بعد " الا " لفظا نحو: ما قائم إلا زيد، أو معنى، نحو: إنما قائم زيد، لانك إن قدمته من دون " الا " انعكس الحصر، وإن قدمته مع " إلا " لم يجز لتقدم أداة الاستثناء على الحكم في الاستثناء المفرغ، ولا يجوز ذلك، كما يجئ في باب الاستثناء.
وإذا كان تقديم الخبر يفهم منه معنى لا يفهم بتأخيره، وجب التقديم، نحو قولك: تميمي أنا، إذا كان المراد التفاخر بتميم، أو غير ذلك مما يقدم له الخبر.
تعدد الخبر قال ابن الحاجب: " وقد يتعدد الخبر، مثل زيد عالم عاقل ".
قال الرضى: اعلم أن تعدد الخبر، أما أن يكون بعطف أو بغيره، فالاول نحو: زيد عالم وعاقل، وليس قولك: هما عالم وعاقل من هذا، لان كلامنا فيما تعدد فيه الخبر عن شئ واحد، وههنا، الخبر عنه بالمعالم غير المخبر عنه بالجاهل.
والثاني على ضربين، لان الاخبار المتعددة، إما أن تكون متضادة أو، لا، وليس ما تعدد لفظا دون معنى، من هذا في الحقيقة، نحو: زيد جائع نائع، لانهما بمعنى واحد والثاني في الحقيقة تأكيد للاول.
فإن لم تكن متضادة، كقوله تعالى: " وهو الغفور الودود، ذو العرش المجيد،(1/263)
فعال لما يريد " (1)، ففي كل واحد ضمير يرجع إلى المبتدأ، إن كان مشتقا، ولا إشكال فيه.
وإن كانت متضادة فهي على ضربين: إما ان يتصف جزء المبتدأ ببعض تلك الاخبار، والجزء الاخر بالخبر الاخر، أو يتصف المجموع بكل واحد منهما، فالاول نحو قولك للابلق: هذا أبيض أسود.
وليس هو في الحقيقة مما تعدد فيه الخبر، لانه مثل قولك: هما عالم، وجاهل، إلا أن الفرق بينهما أن الضمير في كل واحد من: عالم، وجاهل، لا يرجع إلى مجموع المبتدأ، بل المعنى: هما رجل عالم ورجل جاهل.
وأما الضمير في كل واحد من: أبيض، وأسود، فإنه يرجع إلى مجموع المبتدأ، بدليل مطابقتهما له إفرادا وتثنية وجمعا، كقولك: هما أبيضان أسودان، وهم بيض سود.
وإنما جاز ذلك مع أن المراد: بعضه أبيض وبعضه أسود، كما أن المراد بالاول: أحدهما عالم والاخر جاهل، لاتصال البعضين بخلاف جزأيهما، فإن كل واحد منهما منفصل عن الاخر.
وإذا جاز إسناد الشئ إلى الشئ، مع أن المسند إليه في الحقيقة متعلقه الخارج
عنه مع قيام القرينة، نحو: هذا حسن الغلام بنصب الغلام وجره، فلان يجوز إسناد الشئ إلى الشئ مع أن المسند إليه في الحقيقة جزء المسند إليه في الظاهر: أولى، وهذا كما تقول: النارنج أحمر، أي ظاهر قشره، ومنه قولهم: زيد حسن الوجه وحسن وجه وحسن وجها، نصبا وجرا.
وأما الثاني، أعني ما اتصف فيه المجموع بكل واحد منهما، نحو: هذا حلو حامض، فلا إشكال فيه، لان الضمير يرجع من كل واحد من الخبرين إلى مجموع المبتدأ، إذ المعنى: في جميع أجزائه حلاوة وفيها كلها حموضة، لانه امتزج الطعمان في جميع
__________
(1) الايات 14، 15، 16 من سورة البروج.
(*)(1/264)
أجزائه، وانكسر أحدهما بالاخر، وحصل بالانكسار كيفية متوسطة بينهما.
واعلم أنه يجوز أن يعطف أحد الخبرين على الاخر، مع اتصاف مجموع المبتدأ بكل واحد من الخبرين، تقول: زيد كريم شجاع، وزيد كريم وشجاع، كما يعطف بعض الاوصاف على بعض نحو قوله: 74 - إلى الملك القرم وابن الهمام * وليث الكتيبة في المزدحم (1) وكذا ما هو بمنزلته في رجوع الضمير من كل واحد من الخبرين إلى مجموع المبتدأ، نحو: هذا أبيض وأسود، وهذا حلو وحامض، وأما إذا لم يرجع ضمير كل واحد إلى مجموع المبتدأ، نحو: هما عالم وجاهل فلا بد من الواو، لان المبتدأ مفكوك تقديرا.
__________
(1) وضح الشارح وجه الاستشهاد وبعده: وذا الرأي حين تغم الامور * بذات الصليل وذات اللجم وذا الرأي منصوب على المدح والقرم بفتح القاف: السيد، والمراد بالمزدحم المكان الذي يكثر فيه الازدحام أي ميدان القتال، والبيت غير منسوب في الخزانة، ولكنه أورد البيت الذي بعده وسكت عن نسبه، مكتفيا بقوله: ان الفراء استشهد به، وان ابن الانباري أورده في كتاب الانصاف في مسائل الخلاف وزاد بعده
البيت الذي أشرنا إليه فيما تقدم، ولا عشى قيس قصيدة على هذا الوزن منها قوله: إلى المرء قيس أطيل السري * وآخذ من كل حي عصم، وهو من الشواهد النحوية في هذا الشرح وفي شرح الشافية للرضى أيضا، (*)(1/265)
اقتران الخبر بالفاء قال ابن الحاجب: " وقد يتضمن المبتدأ معنى الشرط، فيصح دخول الفاء.
في " " الخبر، وذلك: الاسم الموصول بفعل أو ظرف، والنكرة ".
" الموصوفة بهما، مثل: الذي يأتيني، أو في الدار فله درهم ".
" وكل رجل يأتيني، أو في الدار، فله درهم، وليت، ولعل " " مانعان باتفاق، وألحق بعضهم " أن " بهما ".
قال الرضى: اعلم أن الفاء تدخل على خبر المبتدأ الواقع بعد " أما " وجوبا، نحو أما زيد فقائم، ولا تحذف إلا لضرورة، كقوله: 75 - فإما القتال لا قتال لديكم * ولكن سيرا في عراض المواكب (1)
__________
(1) قوله ولكن سيرا، تقديره: ولكن لكم سيرا فيكون اسم لكن، ويصح أن يكون اسمها محذوفا تقديره ولكنكم تسيرون سيرا، فيكون منصوبا على أنه مفعول مطلق.
وهو للحارث بن خالد المخزومي، يعبر قوما فروا من المعركة وقبله: فضحتم قريشا بالفرار وأنتم * قمدون سودان عظام المناكب وقمدون: أي طوال.
- (*)(1/267)
أو لاضمار القول كقوله تعالى: " فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم " (1)، أي
فيقال لهم: أكفرتم، وتجئ علة الاتيان بالفاء في خبر مثل هذا المبتدأ في حروف الشرط.
وتدخل جوازا في خبر مبتدأ مذكور ههنا، وهو شيئان: أحدهما الاسم الموصول، إما بفعل أو ظرف، ويدخل في قولنا: الموصول، اللام الموصولة أيضا في نحو: " الزانية والزاني فاجلدوا " (2) وصلتها لا تكون إلا فعلا في صورة اسم الفاعل أو المفعول، كما يجئ في الاسماء الموصولة.
والاغلب الاعم في الموصول الذي يدخل في خبره الفاء: أن يكون عاما، وصلته مستقبلة، كما في أسماء الشرط وفعل الشرط، نحو، من تضرب أضرب، وقد يكون خاصا وصلته ماضية، كقوله تعالى: " إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات " (3)، الاية، لان الاية مسوقة للحكاية عن جماعة مخصوصين حصل منهم الفتن، أي الاحراق، وكذا قوله تعالى: " وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم " (4)، وقد يكون الموصول خاصا وصلته مستقبلة، كقوله تعالى: " قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم " (5)، إذ لا يريد كل موت تفرون منه يلقاكم، إذ رب موت فر منه الشخص فما لاقاه ذلك النوع كموت بالقتل بالسيف مثلا، ولاقاه نوع آخر منه، فالمعنى: هذه الماهية التي تفرون منها تلاقيكم، وجاز دخول الفاء في خبر المبتدأ ههنا وإن لم يكن موصولا، لانه موصوف بالموصول، وقد يقع الماضي بعد الموصول المذكور وهو بمعنى المستقبل لتضمنه معنى الشرط، كقولك: الذي أتاني فله درهم، والموصول بالظرف نحو: الذي قدامك أو في الدار فله درهم.
وإنما وصل المبتدأ الذي في خبره الفاء، أو وصف بالفعل أو الظرف فقط، لكون الموصول والموصوف ككلمة الشرط، والخبر كالجزاء الذي يدخله الفاء، وأما الصلة والصفة فيكونان كالشرط.
__________
(1) الاية 106 من سورة آل عمران.
(2) الاية 2 من سورة النور.
(3) الاية 10 من سورة البروج.
(4) الاية 6 من سورة الحشر.
(5) الاية 8 من سورة الجمعة.
(*)(1/268)
وكان حق الموصول على هذا.
ألا يكون إلا مبهما كأسماء الشرط نحو من وما، الشرطيتين، وإنما جاز ألا يكون مبهما، كما في قوله تعالى: " ان الذين فتنوا " لانه دخيل في معنى الشرط.
وكذا كان حق الصلة ألا تكون الا فعلا مستقبل المعنى كشرط من وما، إلا أنه لما لم يكن شرطا في الحقيقة جاز ألا يكون صريحا في الفعلية بل يكون مما يقدر معه الفعل كالظرف والجار والمجرور، وألا يكون مستقبل المعنى كقوله تعالى: " إن الذين فتنوا "، وكذا كان حق الخبر أن تلزمه الفاء لكونه كالجزاء، فمن حيث إنه ليس جزاء الشرط حقيقة جاز تجريده منها مع قصد السببية، نحو: الذي يأتيني له درهم.
ولا يلزم مع الفاء أن يكون الاول سببا للثاني، بل اللازم أن يكون ما بعد الفاء لازما لمضمون ما قبلها، كما في جميع الشرط والجزاء.
ففي قوله تعالى: " قل إن الموت الذي تفرون منه " الاية: الملاقاة لازمة للفرار، وليس الفرار سببا لملاقاة، وكذا في قوله تعالى: " وما بكم من نعمة فمن الله " (1).
كون النعمة منه تعالى لازم لحصولها معنى.
فلا يغرنك قول بعضهم: إن الشرط سبب الجزاء، ويجئ تحقيقه في حروف الشرط إن شاء الله تعالى.
والثاني: النكرة العامة الموصوفة بالفعل أو الظرف أو الجار، نحو: كل رجل يأتيني، أو أمامك، أو في الدار فله درهم.
وقد تجئ صفتها، أيضا، ماضيا مستقبل المعنى، نحو: كل رجل أتاك غدا فله درهم، لما ذكرنا في الموصول.
__________
(1) الاية 53 من سورة النحل.
(*)(1/269)
وقد تدخل الفاء على خبر " كل " وإن كان مضافا إلى غير موصوف، نحو: كل رجل
فله درهم، لمضارعته لكلمات الشرط في الابهام.
وكذا إن كان مضافا إلى موصوف (1) بغير الثلاثة المذكورة نحو: كل رجل عالم فله درهم.
وعند سيبويه لا تدخل على خبر غير ما ذكرنا من المبتدآت.
والاخفش يجيز زيادتها في جميع خبر المبتدأ، نحو زيد فوجد، وأنشد: 76 - وقائله: خولان فانكح فتاتهم * وأكرومة الحيين خلو كماهيا (2) وسيبويه يؤول مثله بنحو: هذه خولان فانكح.
قوله: " وليت ولعل مانعان باتفاق "، جميع نواسخ المبتدأ تمنع دخول الفاء في خبر المبتدأ المذكور، إلا ما نذكره.
وذلك لانه إنما دخله الفاء لمشابهة المبتدأ لكلمة الشرط، ويلزمها التصدر، ولا يدخله نواسخ الابتدا، لان تلك النواسخ تؤثر في معنى الجملة، وقد تقدم أن ما يؤثر في الجملة لا يدخل على جملة مصدرة بلازم التصدر، إلا أن هذا المبتدأ لكونه غير راسخ العرق في الشرطية، جاز أن يدخله ما لا يؤثر في الجملة المتأخرة معنى ظاهرا، وهو " إن " نحو " إن الذين فتنوا المؤمنين " الاية.
وألحق المالكي (3) بها " أن " المفتوحة، ولكن، من غير سماع، لكنه (4) لما رأى أنه
__________
(1) في النسخة المطبوعة: إلى غير موصوف بغير الثلاثة، ومن الواضح أن لفظ (غير) الاولى لا معنى لها.
(2) قالوا انها لو كانت زائدة كما يرى الاخفش لترجح النصب لانه واقع قبل الطلب.
وهذا البيت من الابيات المجهولة القائل وهو في كتاب سيبويه ج 1 ص 70 وقالوا ان في كتاب سيبويه خمسين بيتا لم يعرف قائلوها ويكتفون في الاستشهاد بها بأن يقولوا انها من أبيات سيبويه ثقة منهم بأمانته وصدقه فيما يرويه.
(3) المالكي.
تقدم أنه ابن مالك.
وهذا الذي نسبه إليه هنا معروف أنه رأى لابن مالك وانظر ص 207 من هذا الجزء.
(4) أي لكنه لما رأى كذا ألحقهما بإن.
(*)(1/270)
يجوز العطف بالرفع على محل اسم " لكن "، كما يجوز على محل اسم " ان " كما يجئ في الحروف المشبهة بالفعل.
وكذا أجرى بعضهم " أن " المفتوحة في جواز رفع المعطوف على اسمها مجرى المكسورة، على ما يجئ في الموضع المشار إليه.
وأما كلمات الشرط الجازمة الثابتة الاقدام في الشرطية، فلا يدخلها شئ من نواسخ الابتداء إلا في الضرورة، فيضمر مع ذلك.
بعدها، ضمير الشأن، حتى لا تخرج كلمات الشرط في التقدير عن التصدر في جملها، وذلك نحو قوله: 77 - إن من يدخل الكنيسة يوما * يلق فيها جاذرا وظباء (1) قوله: " وألحق بعضهم أن بهما "، أي ألحق " ان " في المنع من دخول الفاء بليت ولعل، قال المصنف اتباعا لعبد القاهر (2): إن هذا الملحق: سيبويه خلافا للاخفش، ونقل العبدي (3)، وأبو البقاء (4)، وابن يعيش (5).
أن المجوز لدخول الفاء مع " ان " سيبويه خلافا للاخفش.
قوله: " وليت ولعل مانعان بالاتفاق "، لا وجه لتخصيصهما، بل كل ناسخ للابتداء هكذا سوى ما استثنى.
__________
(1) الشاهد دخول ان على من الشرطية بدليل جزم الفعل بعدها وجزم الجواب كذلك.
وذلك منع من جعلها اسم ان فيكون اسمها ضمير الشأن والجملة خبرها.
والبيت من شعر الاخطل التغلبي والنصراني.
(2) أي عبد القاهر الجرجاني وتقدم ذكره في هذا الجزء ص 59.
(3) انظر ص 172 من هذا الجزء، (4) يريد العكبري شارح ديوان المتنبي وله قدم راسخة في اللغة والنحو وهو أبو البقاء عبد الله بن الحسين توفي سنة 616.
(5) ابن يعيش هو موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش.
نشأ بحلب ورحل إلى بغداد وله شرح المفصل للزمخشري
توفي سنة 643 ه وكنيته أبو البقاء.
وربما كان المراد الرضى بأبي البقاء هو ابن يعيش فتكون الواو التي بين الاسمين زائدة.
وهذا مجرد احتمال.
(*)(1/271)
وما ذكره المصنف من أن امتناع دخول الفاء خبر ليت ولعل، للزوم التناقص وذلك لان ما بعد الفاء الجزائية لا يكون إلا خبرا، أي محتملا للصدق والكذب وخبر ليت ولعل لا يحتملان ذلك، ليس بشئ، لصحة قولك: إن جاءك زيد فاضربه، قال الله تعالى: " إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم " (1).
حذف المبتدأ وحذف الخبر متى يجب ومتى يجوز قال ابن الحاجب: " وقد يحذف المبتدأ لقيام قرينة، جوازا كقول المستهل.
والهلال " " والله، والخبر جوازا نحو: خرجت فإذا السبع، ووجوبا " " فيما التزم في موضعه غيره، نحو: لولا علي لهلك.
عمر، " " وضربي زيدا قائما، وكل رجل وضيعته، ولعمرك لافعلن " " كذا ".
قال الرضى: المستهل: المبصر للهلال، وقد ذكرنا أنه ذكرنا أنه لا يحذف شئ، لا وجوبا ولا جوازا إلا مع قرينة دالة على تعيينه.
اعلم أنه قد يحذف المبتدأ وجوبا، إذا قطع النعت بالرفع، كما يجئ في بابه، نحو: الحمد لله أهل الحمد، أي هو أهل الحمد.
__________
(1) الاية 21 من سورة آل عمران.
(*)(1/272)
وإنما وجب حذفه ليعلم أنه كان في الاصل صفة فقطع لقصد المدح، أو الذم، أو الترحم، كما يجئ، فلو ظهر المبتدأ لم يتبين ذلك.
ويحذف وجوبا، أيضا، عند من قال في نحو: نعم الرجل زيد، إن تقديره: هو زيد، وفيه نظر، على ما يجئ في بابه.
قوله: " جوازا ووجوبا "، نصب على المصدر، أي حذفا واجبا أو جائزا، وإذا في قوله: إذا السبع للمفاجاة.
واختلف فيها، فنقل عن المبرد أنها ظرف مكان، فعلى قوله يجوز أن تكون خبر المبتدأ الذي بعدها، أي: فبالمكان السبع، فتقول، على هذا، مررت فإذا زيد قائما، وإذا، عنده، متعلق بكائن وشبهه من متعلقات الظروف العامة، ولا يجوز، على قوله، أن يكون " إذا " مضافا إلى الجملة الاسمية المحذوفة الخبر، إذ لا يضاف من ظروف المكان إلى الجمل إلا " حيث " على ما يجئ في الظروف المبنية.
وما ذكره لا يطرد في جميع مواضع " إذا " المفاجاة، إذلا معنى لقولك: فبالمكان السبع بالباب في تأويل: خرجت فإذا السبع بالباب.
وقال الزجاج: إن " إذا " المفاجاة ظرف زمان، فعلى قوله، يجوز أن تكون في قولهم: فإذا السبع، خبرا عما بعدها بتقدير مضاف، أي فإذا حصول السبع، أي ففي ذلك الوقت حصوله، لان ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة، كما مر، ويجوز أن يكون الخبر محذوفا، وإذا، ظرف لذلك الخبر غير ساد مسده، أي ففي ذلك الوقت السبع بالباب، فحذف " بالباب " لدلالة قرينة " خرجت " عليه، ويجوز أن يكون ظرف الزمان مضافا إلى الجملة الاسمية وعامله محذوف على ما قال المصنف، أي ففاجات وقت وجود السبع بالباب، إلا أنه إخراج لاذا، عن الظرفية، إذ هو، إذن، مفعول به لفاجات، ولا حاجة إلى هذه الكلفة، فان " إذا " الظرفية غير متصرفة على
الصحيح.(1/273)
ونقل عن ابن بري (1)، أن " إذا " المفاجاة حرف، فعلى هذا، خبر المبتدأ في نحو: فإذا السبع، محذوف بلا خلاف.
وأما الفاء الداخلة على " إذا " المفاجاة، فنقل عن الزيادي (2)، أنها جواب شرط مقدر، ولعله أراد أنها فاء السببية التي المراد منها (3) لزوم ما بعدها لما قبلها، كما تقدم، أي مفاجاة السبع لازمة للخروج.
وقال المازني، هي زائدة، وليس بشئ، إذ لا يجوز حذفها.
وقال أبو بكر مبرمان (4)، هي للعطف حملا على المعنى، أي خرجت ففاجات كذا، وهو قريب.
قوله: " التزم في موضعه "، يقال ألزمته الشئ فالتزمه، أي قبل ملازمته أي في خبر التزم العرب ذكر غير الخبر المقدر في موضعه، فيحذف الخبر وجوبا في موضع يكون فيه مع القرينة الدالة على تعيين الخبر المقدر من بين سائر الاخبار، لفظ ساد مسد ذلك الخبر، وهو في أربعة أبواب على ما ذكره المصنف.
أولها: المبتدأ الذي بعد " لولا " هذا على مذهب البصريين.
وقال الفراء: لولا هي الرافعة للاسم الذي بعدها لاختصاصها بالاسماء كسائر العوامل، وقال الكسائي: الاسم بعدها فاعل لفعل مقدر.
كما في قوله: لو ذات سوار لطمتني،
__________
(1) هو أبو محمد عبد الله بن بري المصري أصله من القدس ولكنه نشا بمصر توفي سنة 582 ه.
(2) الزيادي واسمه إبراهيم بن سفيان ينتهي نسبة إلى زياد بن أبيه.
من المتقدمين أدرك سيبويه وقرأ عليه كتابه ولم يتمه.
وروى عن أبي عبيدة والاصمعي.
توفي سنة 249 ه.
(3) التي: المراد منها الخ جملة المراد منها الخ صلة التي.
(4) أبو بكر محمد بن علي العسكري تلميذ المبرد والزجاج شرح كتاب سيبويه.
وكان يضن بعلمه إلا باجر.
توفي سنة 345 ه ولعل تسمية مبرمان من البرم وهو الضجر، ومما قيل فيه: " لقد أبرمتنا يا مبرمان " وانظر بغية الوعاة للسيوطي، (*)(1/274)
وهو قريب من وجه، وذلك أن الظاهر منها أنها " لو " التي تفيد امتناع الاول لامتناع الثاني، كما يجئ في حروف الشرط.
دخلت على " لا " وكانت لازمة للفعل لكونها حرف شرط فتبقى مع دخولها على " لا " على ذلك الاقتضاء، ومعناها مع " لا " أيضا، باق على ما كان، كما بقي مع غير " لا " من حروف النفي، فمعنى لولا على لهلك عمر، لو لم يوجد علي لهلك عمر، ينتفي الاول، أي انتفى انتفاء وجود على لانتفاء هلاك عمر، وانتفاء الانتفاء ثبوت، فمن ثم، كان " لولا " مفيدة ثبوت الاول وانتفاء الثاني، كافادة " لو " في قولك: لو لم تأتني شتمتك، كما مر في بيان قوله: ولو أن ما أسعى لادنى معيشة * كفاني ولم أطلب قليل من المال (1) - 49 لكن منع البصريين من هذا التقدير، وحملهم على أن قالوا " لولا " كلمة بنفسها، وليست " لو " الداخلة على " لا " أن الفعل بعد " لو " إذا أضمر وجوبا، فلا بد من الاتيان بمفسر كما مر في باب الفاعل، وليس بعد " لولا " مفسر، وأيضا، لفظ " لا "، لا يدخل على الماضي في غير الدعاء وجواب القسم إلا مكررا في الاغلب، كما يجئ في قسم الحروف، ولا تكرير بعد " لولا "، فقال البصريون: الاسم المرفوع بعده مبتدأ، ولا يجوز أن يكون جواب لولا خبره، كما مر في: أما زيد فقائم، لكونه جملة خالية عن العائد إلى المبتدأ في الاغلب، كما في: لولا على لهلك عمر، فخبره محذوف وجوبا لحصول شرطي وجوب الحذف، أحدهما القرينة الدالة على الخبر المعين، وهي لفظة " لولا " (2) إذ هي موضوعة لتدل على انتفاء الملزوم، فلولا، دالة على أن الخبر الذي بعدها " موجود "، لا قائم، ولا قاعد، ولا غير ذلك من أنواع الخبر، والثاني: اللفظ الساد مسد الخبر وهو جواب لولا.
وربما دخلت " لولا " هذه على الفعلية، قال:
__________
(1) تقدم هذا الشاهد في باب التنازع من هذا الجزء.
(2) القرينة بحسب ما فسر الشارح هي لو.
فقط وليست لولا كلها، فيكون المعنى أن لو دلت على انتفاء الملزوم...ثم ياتي بعد ذلك قوله: فلولا دالة على أن الخبر هو لفظ موجود، لانه بعد نفي انتفاء الملزوم ياتي الوجود..(*)(1/275)
78 - قالت أمامة لما جئت زائرها * هلا رميت ببعض الاسهم السود لادر درك إني قد رميتهم * لولا حددت ولا عذري لمحدود (1) وثانيها: كل مبتدأ يكون مصذرا صريحا، نحو ضربي، أو بمعنى المصدر وهو أفعل التفضيل مضافا إلى المصدر، لانه بعض ما يضاف إليه، كما يجئ في بابه، نحو: أخطب ما يكون أي كون، وأكثر شربي السويق، ويكون المصدر مضافا إلى الفاعل نحو: ضر بي زيدا، أو إلى المفعول، نحو ضر بي زيد، أو إليهما، نحو: تضاربنا، وبعد ذلك حال، منهما معا في المعنى، نحو ضر بي زيدا قائمين، أو تضاربنا قائمين، أو من أحدهما نحو: ضر بي هندا قائما أو قائمة.
ويقع هذا الحال فعلا أيضا خلافا للفراء، نحو: علمي بزيد، كان ذا مال.
ويقال: سمع أذني زيدا يقول ذاك، أي سمع أذني كلام زيد، على حذف المضاف.
وإن كانت الحال المذكورة جملة اسمية، فعند غير الكسائي يجب معها واو الحال نحو: ضر بي زيدا وغلامه قائم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد "، إذ الحال فضلة وقد وقعت موقع العمدة فيجب معها علامة الحالية، إذ كل واقع غير موقعه ينكر.
وجوز الكسائي تجردها عن الواو، لوقوعها موقع خبر المبتدأ، فتقول: ضربي زيدا أبوه قائم، كما في قوله: كلمته فوه إلى في.
ويجوز عند الكسائي إتباع المصدر المذكور بالتوابع، نحو: ضربي زيدا كله أو
ضربي زيدا الشديد، قائما.
__________
(1) البيتان للجموح الظفري.
وأمامة امراته.
وقد لامته على أنه انهزم دون أي يرمي عدوه بما معه من نبل معلمة بسواد وكان قد أقسم لا يرجع عن عدوه قبل أن يرميه بها كلها فلما رجع والنبال معه لامته امراته فقال هذين البيتين وبيتين آخرين يصف فيهما كثرة الاعداء وأنهم أحاطوا به حتى خشي الموت.
(*)(1/276)
ومنعه غيره لغلبة معنى الفعل عليه، ولهذا ذهب ابن درستويه (1) إلى أن هذا المبتدأ، لا خبر له لكونه بمعنى الفعل، إذ المعنى: ما أضرب زيدا إلا قائما، ولم يسمع الاتباع مع الاستقراء.
وفي خبر مثل هذا المبتدأ أقوال: ذهب ابن درستويه، وابن بابشاذ (2)، إلى أنه لا خبر له لكونه بمعنى الفعل كما قلنا، فمعنى ضربي زيدا قائما: أضربه قائما، وهو نحو: أقائم الزيدان، عندهما، وذهب الكوفيون إلى أن نحو: قائما، حال من معمول المصدر لفظا ومعنى، والعامل فيه المصدر الذي هو مبتدأ، وخبر المبتدأ مقدر بعد الحال وجوبا، أي ضربي زيدا قائما حاصل.
وذهب الاخفش إلى أن الخبر الذي سدت الحال مسده: مصدر مضاف إلى صاحب الحال، أي ضر بي زيدا ضربه قائما، أي ما ضربي إياه إلا هذا الضرب المقيد، وكذا أكثر شربي السويق شربه ملتوتا.
وذهب البصريون إلى أنه حال من معمول المصدر معنى لا لفظا، والعامل في الحال محذوف، أي ضربي زيدا حاصل إذا كان قائما، والدليل على بطلان مذهب الكوفية، أن كلهم متفقون على أن معنى ضربي زيدا قائما: ما أضرب زيدا إلا قائما، وهذا المعنى المتفق عليه لا يستفاد إلا من تقدير البصرية والاخفش وبيانه مبني على مقدمة، وهي أن اسم الجنس، أعني الذي يقع على القليل والكثير بلفظ الواحد، إذا استعمل ولم تقم
قرينة تخصصه ببعض ما يقع عليه، فهو في الظاهر لاستغراق الجنس، أخذا من استقراء كلامهم، فمعنى: التراب يابس، والماء بارد، أن كل ما فيه هاتان الماهيتان حاله كذا،
__________
(1) هو أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه.
فارسي الاصل وأقام ببغداد وأخذ عن المبرد وثعلب وغيرهم.
وكان من المتعصبين للمذهب البصري.
توفي سنة 347 ه.
(2) تقدم ذكره ص 169 من هذا الجزء، (*)(1/277)
فلو قلت، مع قولهم: النوم ينقص الطهارة: إن النوم مع الجلوس لا ينقضها، لكان مناقضا لظاهر ذلك اللفظ، وإذا قامت قرينة الخصوص فهو للخصوص، نحو: اشتر اللحم، واشرب الماء، لان شراء الجميع وشرب الجميع ممتنعان.
فإذا تقرر هذا، قلنا إن الجنس الذي هو مصدر غير مقيد عند البصرية بحال تخصصه، بل الحال عندهم قيد في الخبر فيبقى الجنس على العموم، فيكون المعنى: كل ضرب مني واقع على زيد حاصل في حال القيام، وهذا المعنى مطابق للمعنى المتفق عليه، أعني ما أضرب زيدا إلا قائما.
وأما عند الكوفية فالجنس عندهم مقيد بالحال المخصص له فيكون المعنى: ضربي زيدا المختص بحال القيام حاصل، وهو غير مطابق للمعني المتفق عليه لانه لا يمتنع من حصول الضرب المقيد بالقيام، حصول الضرب المقيد بالقعود، أيضا، في وقت آخر، فليس في تقديرهم، إذن، معنى الحصر المراد المتفق عليه، وبهذا يبطل مذهب ابن درستويه أيضا، لانه لا حصر في قولك: أضرب زيدا قائما.
وما يفسد مذهب الكوفية خاصة، زيادة على ما تقدم، من جهة اللفظ، أنه ليس في تقديرهم ما يسد مسد الخبر، لان مقام الخبر، عندهم، بعد الحال، وليس بعدها لفظ واقع موقع الخبر، وقد تقدم أن الخبر لا يحذف وجوبا إلا إذا سد مسدة لفظ، وكذا نقول في قولهم: أكثر شربي السويق ملتوتا، إن معناه أن شربي له ملتوتا أكثر
من شربه غير ملتوت، فلو قدرناه على مذهب الكوفية، أكثر شربي السويق ملتوتا حاصل، لم يحصل هذا المعنى المتفق عليه، إذ يجوز أن تقول هذا اللفظ وتريد، إذن، من شربه ملتوتا عشر مرات وغير ملتوت ألف مرة، وتريد باكثر شربي السويق ملتوتا تسع مرات مثلا، فانه أكثر شربه ملتوتا (1).
__________
(1) خلاصة هذه (العملية الحسابية) من الشارح أن معنى الحصر لا يستفاد من تقدير الكوفيين وهذا البحث من مباحث حذف الخبر طال فيه كلام النحويين وأبدوا فيه مقدرة فائقة على الجدل والاخذ والرد ووكتبت فيه بحوث خاصة.
انظر الاشباه والنظائر للسيوطي.
(*)(1/278)
ويرد على مذهب الاخفش حذف المصدر مع بقاء معموله، وذلك عندهم ممتنع إذ هو بتقدير " أن " الموصولة مع الفعل، والموصول لا يحذف، إلا أن يقال: إذا قامت قرينة قوية دالة عليه فلا باس بحذفه كما قال سيبويه في باب المفعول معه، إن تقدير: مالك وزيدا، مالك وملابستك زيدا.
هذا، والقرينة الدالة على تعيين الخبر الذي هو حاصل عند البصريين هي الاخبار عن الضرب بكونه مقيدا بالقيام، لانه لا يمكن تقييده إلا بعد حصوله، واللفظ الساد مسد الخبر هو الحال، فقد حصل شرطا وجوب الحذف.
وأصله عندهم: ضربي زيدا حاصل إذا كان قائما، وليس " إذا " للاستقبال ههنا بل هو للاستمرار، كما في نحو قوله تعالى: " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض " (1) وقوله: " وإذا ما غضبوا هم يغفرون " (2) ومثله كثير، حذف حاصل كما يحذف متعلقات الظروف العامة، نحو زيد عندك، والركض في الميدان، فبقي إذا كان قائما، ثم حذف إذا مع شرطه العامل في الحال وأقيم الحال مقام الظرف لان في الحال معنى الظرفية، إذ معنى جاءني زيد راكبا: أي في وقت ركوب فالحال قائم مقام الظرف القائم مقام الخبر، فيكون الحال قائما مقام الخبر،
فان قيل: لم لا تكون " كان " المقدرة ناقصة، وقائما خبرها ؟ قيل: لان مثل هذا المنصوب، أي الذي يجئ بعد المصدر المضبوط بالضوابط المذكورة لا يكون إلا نكرة، لم يسمع مع كثرته إلا كذا فلو كان خبر " كان " لجاز تعريفه ولسمع ذلك مع طول الاستقراء، هذا ما قيل، وفيه تكلفات كثيرة (3).
__________
(1) الاية 11 من سورة البقرة.
(2) الاية 37 من سورة الشورى.
(3) وفيه تكلفات كثيرة: زيادة في بعض النسخ أشار إليها الجرجاني في تعليقاته.
رايت أن في اثباتها فائدة للدخول على قوله بعد ذلك: والذي يظهر لي...الخ.
وانظر الهامش التالي رقم 2.
(*)(1/279)
والذي يظهر لي أن تقديره بنحو: ضربي زيدا يلابسه قائما إذا أردت الحال عن المفعول في المعنى، وضربي زيد، يلابسه قائما إذا كان عن الفاعل في المعنى، أولى.
ثم نقول: حذف المفعول الذي هو ذو الحال، فبقي: ضربي زيدا يلابس قائما.
ويجوز حذف ذي الحال، على ما أورد (1)، مع قيام القرينة، تقول: الذي ضربت قائما زيد، أي ضربته، ثم حذف يلابس، الذي هو خبر المبتدأ والعامل في الحال، وقام الحال مقامه، كما تقول: راشدا مهديا، أي سر راشدا مهديا، فنكون على هذا مستريحين من حذف " إذا " مع شرطه الذي هو العامل، ولم يثبت مثله في كلامهم، ولا نحتاج إلى الاستدلال على أن " كان " تامة لا ناقصة.
وعلى مذهب من جوز أن يعمل في الحال غير العامل في صاحبها، يجوز أن يكون التقدير: ضربي زيدا حاصل قائما فيكون العامل " حاصل "، وذو الحال معمول ضربي، (وفيه تكلفات كثيرة) (2) من حذف " إذا " مع الجملة المضاف إليها، ولم يثبت في غير هذا المكان، ومن العدول عن ظاهر معنى " كان " الناقصة إلى معنى التامة، وذلك لان معنى قولهم حاصل إذا كان قائما ظاهر في معنى الناقصة، ومن قيام الحال مقام الظرف، ولا نظير له.
والذي أوقعهم في هذا، وأوقع غيرهم فيما لزمهم: التزامهم اتحاد العامل في الحال وصاحبها، بلا دليل دلهم عليه ولا ضرورة ألجاتهم إليه،.
والحق أنه يجوز اختلاف العاملين على ما ذهب إليه المالكي (3).
__________
(1) أي على ما سيورده الشارح ويذكره في باب الحال ان شاء الله.
هذا ما ظهر والله أعلم.
(2) يبدو أن هذا الكلام وما بعده حقه أن يكون بعد قوله سابقا وفيه تكلفات كثيرة وينتهي عند قوله: والحق أنه يجوز اختلاف العاملين..على ما ذهب إليه المالكي ثم ياتي بعد ذلك قوله وعلى مذهب من جوز أن يعمل في الحال الخ ثم يرتبط به قوله بعد كلمة المالكي..فنقول تقديره..الخ ولعل الامر بعد ذلك يكون واضحا ان شاء الله.
(3) أي ابن مالك صاحب الالفية كما رجحنا عند ذكره أول مرة ص 207 من هذا الجزء.
(*)(1/280)
فنقول: تقديره: ضربي زيدا حاصل قائما، والعامل في الحال " حاصل " وفي صاحبها " ضربي "، وهو الياء، أو زيدا، فنقول: حذفنا " كائن " أو " حاصل " العامل في الحال لكونه عاما شاملا لجميع الافعال كما حذفناه في نحو: زيد عندك أو في الدار، لمشابهة الحال للظرف، والحذف في كليهما واجب لقيام الحال والظرف مقام العامل، كما تقدم بيانه.
واعلم أنه يجوز رفع الحال الساد مسد الخبر عن أفعل، المضاف إلى " ما " المصدرية الموصولة بكان أو يكون، نحو: أخطب ما يكون الامير قائم، هذا عند الاخفش والمبرد، ومنعه سيبويه، والاولى جوازه، لانك جعلت ذلك الكون أخطب، مجازا، فجاز جعله قائما، أيضا.
ولا يجوز مثل ذلك بعد مصدر صريح إلا في الضرورة، فلا نقول: ضر بي زيدا قائم، إذ لا مجاز في أول الكلام، ولا شك أن المجاز يؤنس بالمجاز.
ويجوز أن يقدر في أفعل المذكور زمان مضاف إلى " ما يكون " بخلاف نحو:
أكثر شربي السويق، وضربي زيدا، وذلك لكثرة وقوع " ما " المصدرية مقام الظرف نحو قولك: ما ذر شارق، فيكون التقدير: أخطب أوقات ما يكون الامير قائم، أي أوقات كون الامير، فتكون قد جعلت الوقت أخطب وقائما، كما يقال: نهاره صائم، وليله قائم ويرجح هذا التقدير أنه سمع: أخطب ما يكون الامير يوم الجمعة برفع يوم الجمعة، وأيضا كثرة وقوع " ما " المصدرية زمانا، وكثرة وقوع الزمان مسندا إليه الواقع فيه، كقوله: 79 - لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى * ونمت وما ليل المطى بنائم (1)
__________
(1) البيت لجرير يرد على الفرزدق.
وفي أول القصيدة يخاطب أم غيلان قالوا انها بنت جرير: وقبل هذا الشاهد: تقول لنا سلمى: من القوم، ان رات * وجوها عتاقا لوحت بالسمائم والسمائم جمع سموم وهي الريح الحارة (*)(1/281)
ومنع المبرد من نحو قولك: أحسن ما يكون زيد القيام، وذلك لان " أحسن " في الحقيقة: زيد، فلا يخبر عنه بنفس القيام.
وأجازه الزجاج وهو الاولى، لانك جعلت " أحسن " وإن كان في الحقيقة زيدا: مصدرا، وذلك باضافته إلى " ما " المصدرية.
قوله: " وكل رجل وضيعته " الضيعة في اللغة العقار، وهي ههنا كناية عن الصنعة.
وضابط هذا: كل مبتدأ عطف عليه بالواو التي بمعنى " مع " وفيه مذهبان: قال الكوفيون " وضيعته " خبر المبتدأ، لان الواو بمعنى " مع " فكانك قلت: كل رجل مع ضيعته، فإذا صرحت بمع، لم تحتج إلى تقدير الخبر، فكذا مع الواو التي بمعناه، فلا يكون هذا المثال، إذن، مما نحن فيه، أي مما حذف خبره.
وفيه نظر لان الواو، وإن كانت بمعنى " مع " تكون في اللفظ للعطف في غير المفعول معه، فإذا كان " وضيعته " عطفا على المبتدأ لم يكن خبرا.
فان قيل يجوز أن يكون رفع ما بعد الواو منقولا عن الواو لكونها خبر المبتدأ كما هو مذهب السيرافي، في نصب المفعول معه، على ما يجئ في بابه، وذلك أنه يقول: النصب الذي على المفعول معه هو الذي كان في الاصل على " مع " فلما قام الواو مقامه، لم يمكن أن يكون عليها لكونها في الاصل حرفا فانتقل إلى ما بعدها.
فالجواب: أن " مع " إذا وقع خبرا عن المبتدأ لا يستحق الرفع لفظا، حتى ينقل إلى ما بعده، بل يكون منصوبا لفظا على الظرفية مرفوعا محلا لقيامه مقام الخبر، نحو: زيد معك، كما تقول: زيد عندك،.
وقال البصريون: الخبر محذوف، أي كل رجل وضيعته مقرونان، وفيه أيضا، إشكال، إذ ليس في تقديرهم لفظ يسد مسد الخبر فكيف حذف وجوبا ؟ وإنما قلنا ذلك لان الخبر مثنى فمحله بعد المعطوف، وليس بعد المعطوف لفظ يسد مسد الخبر.
ولو جاز أن نقول إن المعطوف ساد مسد الخبر المحذوف بعده، لم يصح الاعتراض(1/282)
على تقدير الكوفيين، في قولك: ضربي زيدا قائما حاصل، بانه ليس هناك ما يسد مسد الخبر، إذ لهم أن يقولوا، أيضا، تأخر الحال عن محله سد مسد الخبر.
ولو تكلفنا، وقلنا: التقدير كل رجل مقرون وضيعته، أي هو مقرون بضيعته، وضيعته مقرونة به، كما تقول: زيد قائم وعمرو، ثم حذف " مقرون " وأقيم المعطوف مقامه، لبقي البحث في حذف خبر المعطوف وجوبا من غير ساد مسده.
ويجوز أن يقال عند ذلك: أن المعطوف أجرى مجرى المعطوف عليه في وجوب حذف خبره.
والظاهر أن حذف الخبر في مثله غالب لا واجب، وفي نهج البلاغة: (1) " وأنتم والساعة في قرن واحد "، فلا يكون إذن من هذا الباب، فلا يرد الاشكال.
قال الكوفيون، إن ولي معطوفا على مبتدأ فعل لاحدهما واقع على الاخر جاز أن
يكون ذلك الفعل خبرا عنهما، سواء دل ذلك الفعل على التفاعل، أو، لا، فالاول نحو: زيد والريح يباريها، فيباريها خبر عنهما لكونه بمعنى متباريان، والثاني نحو: زيد وعمرو يضربه، وقريب منه قول أمير المؤمنين على رضي الله عنه: " فهم والجنة كمن قد رآها "، وإنما جاز ذلك لتضمن الخبر ضميريهما.
والبصريون يمنعون مثل هذه، على أن يكون الفعل خبرا، إذ الفعل في ذلك كالصفة، فلا يقال: زيد وعمرو ضاربه بالاتفاق، ويجوزونها على أن يكون الفعل حالا، لا غير، فزيد والريح، عندهم مثل: كل رجل وضيعته، ويياريها حال.
__________
(1) أي من كلام الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
والرضى يستشهد كثير بما ورد في نهج البلاغة منسوبا للامام علي، وكلامه رضي الله عنه في مقدمة الكلام الذي يستشهد به بعد كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولكن كثيرا من العلماء ينازع في نسبة نهج البلاغة إلى علي.
ولولا هذا لكثر الاستشهاد بما ورد فيه.
وبعض العلماء صحح نسبة الكتاب إلى علي ودافع عن كل ما أثير من شبه حول نسبته إليه.
والله أعلم بحقيقة الحال.
وما أورده الرضى هنامن خطبة في نهج البلاغة ج 2 ص 82 طبعة الحلبي سنة 1963 إخراج محمد أبو الفضل ابراهيم: وبعد الجملة المذكورة: وكانها قد جاءت باشراطها.
(*)(1/283)
واعلم أنه قد يغني ما أضيف إليه المبتدأ عن المعطوف فيطابقهما الخبر، كما يقال: راكب الناقة طليحان، وقولك: مقاتل زيد قويان، أي زيد ومن يقاومه زيد: قويان.
قوله: " لعمرك لافعلن "، ضابطه، كل مبتدأ في الجملة القسمية متعين للقسم، نحو: لعمرك، وأيمن الله.
كما يجئ في باب القسم، فان تعينه للقسم دال على تعين الخبر المحذوف، أي: لعمرك ما أقسم به، وجواب القسم ساد مسد الخبر المحذوف، والعمر والعمر بمعنى ولا يستعمل مع اللام إلا المفتوحة، لان القسم موضع التخفيف لكثرة استعماله.
وقد يستعمل لعمرك في قسم السؤال أيضا، نحو لعمرك لتفعلن.
وقد ترك المصنف قسما آخر مما يجب فيه حذف الخبر، وهو إذا كان الخبر ظرفا متعلقا بالمتعلق العام نحو: زيد قدامك أو في الدار على ما ذكرنا قبل.
وتجويز ابن جني إظهار ذلك المتعلق، ليس بوجه، لان الامرين: أي الدلالة على تعين الخبر والسد بشئ آخر مسده حاصلان فوجب الحذف.
ولعل المصنف إنما ترك ذكره لكون هذا الساد مسد الخبر مرفوع المحل بكونه خبرا دون سائر ما تقدم مما سد مسد الخبر.
ثم اعلم أن الاغلب في الاستعمال تعريف المبتدأ لان الاصل كون المسند إليه معلوما، وكذا الاصل تنكير الخبر، لانه مسند، فشابه الفعل، والفعل خال من التعريف والتنكير، كما ذكرنا في أول الكتاب ولا يصح تجريد الاسم عنهما فجردناه مما يطرا ويحتاج إلى العلامة وهو التعريف، وأبقيناه على الاصل فكان نكرة.
وإنما كان الاصل في الاسناد.
الفعل دون الاسم لان الاسم يصلح لكونه مسندا ومسندا إليه، والفعل مختص بكونه مسندا لا غير، فصار الاسناد لازما له دون الاسم.
وأما قول النحاة أصل الخبر التنكير لان المسند ينبغي أن يكون مجهولا فليس بشئ، لان المسند ينبغي أن يكون معلوما كالمسند إليه.(1/284)
وإنما الذي ينبغي أن يكون مجهولا هو انتساب ذلك المسند إلى المسند إليه فالمجهول في قولك: زيد أخوك هو انتساب أخوة المخاطب إلى زيد، وإسناده إليه، لا أخوته.
وإذ تعددت المبتدات، نحو: زيد أبوه، أخوه، عمه خاله، ابنه، بنته، صهرها.
جاريته، سيدها، صديقه، قادم.
فالمبتدأ الاخير مع خبره خبر عما قبله بلا فصل، فصديقه قادم، خبر عن سيدها، وهكذا إلى المبتدأ الاول، فتكون الجملة التي بعد الاول، وهي مركبة من جمل خبرا عن الاول، ويضاف كل واحد من المبتدات إلى ضمير متلوه إلا المبتدأ الاول.
وإن لم تضف المبتدات، كل واحد منها إلى ضمير ما قبله، فانك تاتي بالعوائد بعد خبر المبتدأ الاخير، فيكون آخر العوائد لاول المبتدات وما قبل الاخر لما بعد أول المبتدات وهكذا على الترتيب.
وذلك نحو: هند، زيد، عمرو، بكر، خالد قائم عنده في داره بامره معها، فكانك قلت: بكر خالد قائم عنده ومعناه بكر مع خالد، ثم جعلت هذه الجملة أي بكر مع خالد، خبرا عن عمرو، مع رابطة في داره، فكانك قلت: عمرو بكر مع خالد في داره، أي عمرو داره مشتملة على بكر وخالد، ثم تجعل هذه الجملة خبرا عن زيد مع رابطة بامره، فكانك قلت: زيد عمرو داره مشتملة على بكر وخالد بامره، أي بامر زيد، أي زيد أمر عمرا بجمع خالد وبكر، ثم تجعل هذه الجملة خبرا عن هند مع رابطة معها، فكانك قلت: هند زيد أمر عمرا بجمع بكر وخالد معها.
وعلى هذا القياس إن كانت المبتدات أكثر.
(1)
__________
(1) دل الشارح بهذا على مقدرة فائقة وبراعة عظيمة في تطبيق قواعد النحو.
وما أجدر مثل هذه الفروض أن يدخل في باب كباب الاخبار بالذي والالف واللام الذي وضعوه للتدريب والتمرين.
(*)(1/285)
خبر إن وإخواتها تعريفه وأحكامه قال ابن الحاجب: " خبر إن وأخواتها، هو المسند بعد دخول هذه الحروف، نحو " إن زيدا قائم، وأمره كأمر خبر المبتدأ، إلا في تقديمه إلا إذا " " كان ظرفا ".
قال الرضى: اعلم أنه لما كان مذهبه أن الاصل في رفع الاسماء الفاعل، وفي نصبها المفعول، لم يكن
له بد من أن يدعي أن كل مرفوع أو منصوب غيرهما، فهما مشبهان بهما من وجه، كما يقال إن المبتدأ يشبه الفاعل لكونه مسندا إليه، والخبر يشبهه لكونه ثاني جزاي الجملة، والخبر إن وأخواتها يشبهه لكون عامله، أي إن واخواتها، مشابها للفعل المتعدي، إلا أنه قدم منصوبه على مرفوعه تنبيها بفرعية العمل على فرعية العامل، وخبر " لا " التبرئة مشبه بخبر إن، المشبه للفاعل، واسم " ما " الحجازية مشبه لاسم ليس الذي هو فاعل، وقد تبين بهذا وجه مشابهة اسم ان، واسم " لا " التبرئة وخبر ما الحجازية للمفعول.
وكذا نقول إن الحال والتمييز والمستثنى المنصوب مشابهة للمفعول بكونها فضلات.
وأما من قال، وهو الحق، إن الرفع علامة العمد، فاعلة كانت أو، لا، والنصب علامة الفضلات، مفعولة كانت أو، لا، فلا يحتاج إلى تشبيه هذه المرفوعات بالفاعل،(1/287)
بل يحتاج في نصب بعض العمد، وهي اسم ان، وأخواتها، واسم لا التبرئة، وخبر كان وأخواتها، وخبر ما الحجازية، إلى تشبيهها بالفضلة، فيقول، إن " إن " وأخواتها، لما شابهت الفعل المتعدي، كما يجئ في بابها، علمت رفعا ونصبا مثله، ولم يقدم الرفع على النصب، كما قدم في " ما " الحجازية، لان معنى " ما " ومعنى الفعل الذي يعمل عمله، أعني ليس، شئ واحد، فكان ترتيب معموليها كترتيب معمولي " ليس "، أعني تقديم المرفوع على المنصوب، تطبيقا للفظ بالمعنى.
وأما " إن " فليست بمعنى الفعل المتعدي على السواء، بل معناها يشبه معناه من وجه، وكذا لفظها لفظه، والمشابهة قوية، كما يجئ في بابها، فاعطيت عمل الفعل في حال قوته، وهو إذا تصرف في معموله بتقديم النصب على الرفع.
وعند الكوفيين، إن خبر " إن " وأخواتها، وكذا خبر " لا " التبرئة، مرفوع بما ارتفع به حين كان خبر المبتدأ، لا بالحروف، لضعفها عن عملين.
ومذهب البصريين أولى، لان اقتضاءها للجزأين على السواء، فالاولى أن تعمل فيهما،
ولا سيما مع مشابهة قوية بالفعل المتعدي.
قوله: " بعد دخول هذه الحروف "، يخرج خبر المبتدأ وكل ما كان أصله ذلك سوى خبر هذه الحروف، لكن دخل فيه غير المحدود، فإن نحو " حسنا " في قولك: إن رجلا حسنا غلامه في الدار، مسند إلى " غلامه " بعد دخول " إن "، وليس بخبرها، وكذا يرد على حد خبر " لا " التبرئة نحو: لا رجل حسنا غلامه في الدار، وكذا يرد على حد اسم " ما " و " لا " المشبهتين بليس، نحو: ما زيد الظريف غلامه في الدار، فإن " غلامه " مسند إليه، مع أنه ليس باسم " ما "، وكذا يرد على حده لخبر المبتدأ بقوله: المجرد المسند إلى آخره..صفة المبتدأ في نحو قوله تعالى: " ولعبد مؤمن خير " (1).
__________
(1) الاية 221 من سورة البقرة.
وتقدمت.
(*)(1/288)
ولو قال هناك: المغاير للصفة المذكورة وتابع المبتدأ، وقال ههنا: المسند بعد دخولها الذي كان في الاصل خبر المبتدأ، وفي اسم " ما " هو المسند إليه الذي كان في الاصل مبتدأ، سلم من الاعتراض.
قوله: " وأمره " أي حاله وشأنه كأمر خبر المبتدأ، أي في أقسامه من كونه مفردا وجملة، وفي أحكامه من كونه متحدا، ومتعددا، ومثبتا (1)، ومحذوفا، وغير ذلك، وفي شرائطه من أنه إذا كان جملة فلا بد من الضمير، ولا يحذف إلا إذا علم.
قوله " إلا في تقديمه " أي ليس أمره كأمر خبر المبتدأ في تقديمه فإنه لا يجوز تقديمه على اسم " إن "، وقد جاز تقديم الخبر على المبتدأ، وإنما ذلك لان هذه الحروف فروع على الفعل في العمل، كما يجئ في بابها، فأريد أن يكون عملها فرعيا أيضا، والعمل الفرعي للفعل: أن يتقدم المنصوب على المرفوع، والاصلي أن يتقدم المرفوع على المنصوب، كما عرفت في باب الفاعل عند قوله: والاصلي أن يلي فعله، فلما أعملت العمل لفرعيتها لم يتصرف في معموليها بتقديم ثانيهما على الاول، كما تصرف في معمولي الفعل، لنقصانها
عن درجة الفعل، وقد يخالف خبرها خبر المبتدأ في غير ما ذكر أيضا، وذلك أن خبرها لا يكون مفردا متضمنا ما له صدر الكلام، كما يجئ في قسم الحروف.
قوله " إلا أن يكون ظرفا "، استثناء من قوله " في تقديمه " الذي كان منفيا لكونه مستثنى من الموجب، فيكون المستثنى الثاني موجبا لكونه من منفى، أي ليس أمره كأمر خبر المبتدأ في تقديمه إلا إذا كان ظرفا، فإن حكمه، إذن، حكمه في جواز التقديم إذا كان الاسم معرفة، نحو قوله تعالى: " إن إلينا إيابهم، ثم إن علينا حسابهم " (2)، وفي وجوبه إذا كان الاسم نكرة، نحو: إن من البيان لسحرا، وإنما جاز تقديم الخبر ظرفا لتوسعهم في الظروف ما لا يتوسع في غيرها، لان كل شئ من المحدثات لا بد أن يكون في زمان أو مكان، فصارت مع كل شئ كقريبه ولم تكن أجنبية منه، فدخلت حيث لا يدخل
__________
(1) أي مذكورا في اللفظ.
(2) الايتان 25، 26 من سورة الغاشية.
(*)(1/289)
غيرها، كالمحارم يدخلون حيث لا يدخل الاجنبي، وأجري الجار والمجرور مجراه لمناسبة بينهما، إذ كل ظرف في التقدير جار ومجرور، والجار محتاج إلى الفعل أو معناه، كاحتياج الظرف.
خبر لا التي لنفي الجنس قال ابن الحاجب: " خبر " لا " التي لنفي الجنس، هو المسند بعد دخولها، نحو: " " لا غلام رجل ظريف فيها، ويحذف كثيرا، وبنو تميم لا " " يثبتونه ".
قال الرضى:
وجه مشابهته للفاعل: مشابهته لخبر " إن " المشابه للفاعل، فهو مشبه بالمشبه، ووجه مشابهة " لا " التبرئة لان، أن " لا " للمبالغة في النفي، لكونها لنفي الجنس، كما أن " إن " للمبالغة في الاثبات.
وقيل: حملت عليها حمل النقيض على النقيض.
وارتفاع خبر " لا " بها، إن لم يكن اسمها مبنيا عند جميع النحاة (1)، وإن كان اسمها مبنيا، نحو: لا رجل ظريف، قال سيبويه: ارتفاعه بكونه خبر المبتدأ، ولا رجل، مرفوع المحل بالابتداء، وذلك لانه لما صار الاسم الذي كان معربا، بسببها مبنيا، وصار دخولها عليه سبب بنائه مع قربه منها، استبعد أن يكون الخبر البعيد منها يستحق بسببها
__________
(1) لا يتفق هذا مع قوله عن الكوفيين فيما تقدم ان خبر ان وخبر لا مرفوع بما ارتفع به حين كان خبر المبتدأ.
وربما كان يقصد بجميع النحاة: جميع البصريين.
(*)(1/290)
اعرابا، فبقي على أصله من الرفع بالابتداء.
وهو عند غيره مرفوع بلا، كما كان مع اسمها المنصوب بها، قال المصنف: ليس هنا تمثيل النحاة لارتفاع خبر " لا " بنحو: لا رجل ظريف، بحسن (1)، لانه في الظاهر صفة لاسم " لا " والمثال ينبغي أن يكون ظاهرا فيما يمثل له ويستقبح إذا كان فيه احتمال ما مثل له واحتمال غيره على السواء، وأقبح منه، إذا كان غير ما مثل له أظهر، ومثالهم كذلك، لان خبر " لا " يحذف كثيرا، فظريف في: لا رجل ظريف، في الصفة أظهر.
وقال (2): في مثالنا، لا يحتمل " ظريف " إلا الخبر، لان المضاف المنفي بلا، لا يوصف إلا بالمنصوب.
والذي ذهب إليه من امتناع وصف المضاف المنفي بلا: بالمرفوع مذهب جماعة من النحاة: وقد خولفوا فيه، وجوزوا رفعه حملا على المحل.
وذلك لان " لا " هذه مشبهة بان، فكما يجوز في توابع اسم " إن " وإن كان معربا،
الحمل على المحل، فكذا في توابع اسم " لا " معربا كان أو مبنيا.
وللاولين أن يفرقوا بين " لا " و " إن " في هذا الباب، بان " إن " لا تزيل معنى الابتداء بل معناها توكيد مضمون الجملة، فكان المبتدأ باق على حاله، فجاز الحمل على المحل، بخلاف " لا "، فإن معنى الجملة يتغير بها عما كانت عليه، فلا يجوز أن تقدر كالعدم، ويجعل الاسم بعدها كالمبتدأ به، كما فعل مع " إن ".
وكان مقتضى ذلك: ألا يجوز الحمل على محل اسمها إلا أنهم جوزوا ذلك إذا كان اسمها مبنيا، لانه إذا كان معربا، فالحمل على الاعراب الظاهر، أي النصب، أولى من الرفع البعيد الذي إن اعتبر، فلكونه أصلا في هذا الاسم مع مشابهة " لا " لان التي الابتداء معها كالباقي، أما إذا كان مبنيا فنصبه بعيد كرفعه، لان النصب فيه صار بسبب البناء
__________
(1) بحسن خبر قوله ليس هنا تمثيل النحاة.
(2) أي المصنف أيضا.
(*)(1/291)
فتحا، فصار نصب تابعه حملا على فتحه المشابه للنصب بعروضه بلا، وزواله بزوالها، مساويا لرفع توابعه، حملا على رفعه الذي كان له في الاصل، لان كل واحد منهما بعيد.
قوله: " ظريف فيها " لا فائدة في إيراد هذا الظرف بعد الخبر، ولا معنى له إن علقناه بالخبر، إذ يكون المعنى: ليس لغلام رجل ظرافة في الدار، وهذا معنى سمج.
ومثاله، أيضا ظاهر بسبب هذا الظرف، في كون " ظريف " صفة لغلام رجل والظرف خبر " لا "، والمعنى: ليس في الدار غلام رجل ظريف، ولو قال: لا غلام رجل قائم فيها، لكان أظهر من جهة المعنى في كون " فيها " متعلقا بالخبر.
قوله: " وبنو تميم لا يثبتونه إلا إذا كان ظرفا "، اقتدى فيه بجار الله (1)، قال الجزولي: بنو تميم لا يلفظون به إلا أن يكون ظرفا، قال الاندلسي: لا أدري من أين نقله، ولعله قاسه، قال: والحق: أن بني تميم يحذفونه وجوبا، إذا كان جوابا، أو قامت قرينة غير
السؤال دالة عليه، وإذا لم تقم فلا يجوز حذفه راسا، إذ لا دليل عليه بل بنو تميم، إذن، كاهل الحجاز في إيجاب الاتيان به، فعلى هذا القول: يجب إثباته مع عدم القرينة عند بني تميم وغيرهم ومع وجودها يكثر الحذف عند أهل الحجاز، ويجب عند بني تميم.
اسم ما، ولا المشبهتين بليس قال ابن الحاجب: " اسم " ما " و " لا " المشبهتين بليس هو المسند بعد "
__________
(1) أي الزمخشري، وقد تقدم.
وكذا الجزولى.
والاندلسي.
(*)(1/292)
" دخولهما نحو: ما زيد قائما، ولا رجل أفضل منك، " " وهو في " لا " شاذ ".
قال الرضى: اسم " ما " وخبرها، قد يكونان معرفتين، أو أحدهما، نحو: ما زيد قائما، وما زيد هو الظريف.
وأما الجملة الاسمية التي تدخلها " لا " فاما أن يكون المبتدأ فيها معرفة مع تكرير " لا "، نحو: لا زيد فيها ولا عمرو، أو يكون جزاها نكرتين، نحو: لا رجل قائم.
قوله: " وهو في " لا " شاذ "، أي عمل ليس في (1) " لا " شاذ، قالوا يجئ في الشعر نحو قوله: 80 - من صد عن نيرانها * فأنا ابن قيس لا براح (2) والظاهر أنه، لا تعمل " لا " عمل ليس، لا شاذا، ولا قياسا، ولم يوجد في شئ من كلامهم خبر " لا " منصوبا كخبر " ما " وليس.
وهي في نحو: لا براح، " ولا مستصرخ "، الاولى أن يقال هي التي في نحو: لا إله إلا الله، أي " لا " التبرئة، إلا أنه يجوز لها أن تهمل مكررة نحو: لا حول ولا قوة ويجب ذلك مع الفصل بين اسمها وبينها ومع المعرفة ويشذ في غير ذلك نحو: لا براح، وذلك لضعفها في العمل، كما يجئ في المنصوبات عند ذكر اسمها.
والظاهر فيها الاستغراق مع ارتفاع المبتدأ المنكر بعدها، لان النكرة في سياق غير
__________
(1) أي بالنسبة للا.
(2) من قصيدة لسعد بن مالك بن قيس بن ثعلبة أحد سادات بني بكر بن وائل وفرسانها في الجاهلية.
وهو يعرض فيها بالحارث بن عباد لقعوده عن الحرب التي شبت بين بكر وتغلب بسبب قتل جساس لكليب.
واول القصيدة: يا بؤس للحرب التي * وضعت أراهط فاستراحوا وتعريضه بالحارث في قوله في بيت الشاهد: من صد عن نيرانها.
الخ...(*)(1/293)
الموجب، للعموم على الظاهر، سواء كانت مع " لا " أو ليس، أو غيرهما من حروف النفي أو النهي والاستفهام.
ويحتمل أن تكون لغير الاستغراق مع القرينة، فيجوز: لا رجل في الدار بل رجلان، وأما إذا انتصب اسمها أو انفتح فهي نص في الاستغراق، كما أن: ما جاءني رجل ظاهر في الاستغراق، ويجوز العدول عنه للقرينة، نحو: ما جاءني رجل بل رجلان، وما جاءني من رجل نص في الاستغراق، فلا يجوز: ما جاءني من رجل بل رجلان.
المنصوبات المعنى العام للمنصوبات قال ابن الحاجب: " المنصوبات هو ما اشتمل على علم المفعولية ".
قال الرضى: قد تبين شرحه بما ذكرنا في حد المرفوعات (1).
وعلم الفضلة كما تقدم في أول الكتاب أربعة، الفتحة والكسرة والالف والياء، نحو: رايت زيدا، ومسلمات، وأباك ومسلمين، ومسلمين.
وقد قسم النحاة المنصوبات قسمين، أصلا في النصب، يعنون به المفعولات الخمسة، ومحمولا عليه، وهو غير المفعولات من الحال والتمييز وغير ذلك.
والذي جعلوه غير المفعولات يمكن أن يدخل بعضها في حيز المفاعيل فيقال للحال:
__________
(1) ص 183 من هذا الجزء (*)(1/294)
هو مفعول مع قيد مضمونه، إذ المجئ في جاءني زيد راكبا: فعل مع قيد الركوب الذي هو مضمون راكبا، ويقال للمستثنى: هو المفعول بشرط إخراجه، وكانهم آثروا التخفيف في التسمية، والمفعول بلا قيد شئ آخر هو المفعول المطلق، كما يجئ، ففي جعل المفعول معه، والمفعول له أصلا في النصب لكونهما مفعولين، وجعل المستثنى والحال فرعين مع أنهما أيضا مفعولان، نظر، وإن كان الاصالة في النصب بسبب كون الشئ من ضروريات معنى الفعل، فالحال كذلك دون المفعول معه والمفعول له، إذ رب فعل بلا علة ولا مصاحب ولا فعل إلا وهو واقع على حالة من الموقع والموقع عليه.
والحق أن يقال: النصب علامة الفضلات في الاصل، فيدخل فيها المفاعيل الخمسة والحال والتمييز، والمستثنى، وأما سائر المنصوبات فعمد، شبهت بالفضلات كاسم " إن " واسم " لا " التبرئة، وخبر " ما " الحجازية، وخبر كان وأخواتها.
المفعول المطلق معناه قال ابن الحاجب:
" فمنه المفعول المطلق، وهم اسم ما فعله فاعل فعل " " مذكور بمعناه ".
قال الرضى: قدم المفعول المطلق لانه المفعول الحقيقي الذي أوجده فاعل الفعل المذكور، وفعله، ولاجل قيام هذا المفعول، به صار فاعلا لان ضاربية زيد في قولك: ضرب زيد ضربا، لاجل حصول هذا المصدر منه.
أما المفعول به نحو: ضربت زيدا، والمفعول فيه، نحو ضربت قدامك يوم الجمعة، فليسا مما فعله فاعل الفعل المذكور وأوجده، وكذا المفعول معه، وأما المفعول له، وإن كان مفعولا للفاعل وصادرا منه، إلا أن فاعليته ليست لقيام هذا المفعول، به، ألا ترى أن كون(1/295)
المتكلم زائرا في قولك زرتك طمعا، ليس لاجل قيام الطمع به بل لاجل الزيارة.
فبان أن المفعول المطلق أخص بالفاعل من المفعول له، فهو أحق بتقديم ذكره، وأيضا، لا فعل إلا وله مفعول مطلق، لان طلب الفعل الرافع للفاعل، له، أشد من طلبه لغيره، ألا ترى أنه كما يقع على فاعله بصوغه على صورة اسم فاعل منه، يقع على المفعول به بصوغه على صورة اسم مفعول منه، بلا قيد آخر، ففي قولك: ضرب زيد عمرا، يوم الجمعة وخالدا اكراما لك: زيد ضارب، وعمرو مضروب، وأما يوم الجمعة فمضروب فيه، وخالد، مضروب معه، واكراما مضروب له، فتعليق ذلك الفعل بالمفعول به بتغيير صيغته من غير قيد آخر، نحو: ضرب زيد، وأما إلى غيره فبحرف جر، نحو ضرب في يوم الجمعة، وأما قولهم: سير فرسخان، وصيد يوم كذا، فمجاز قليل، وكذا: فرسخ مسير ويوم مصيد، وهو على حذف الجر للاتساع، كما في نحو: استغفرت الله دنبا.
قال سيبويه في قولهم: جئتك خفوق النجم، أصله، حين خفوق النجم، فاتسع في الكلام واختصر، قال: وليس هذا في سعة الكلام بابعد من قولهم: صيد عليه يومان،
وولد له ستون عاما، وسير عليه فرسخان، يعني أنك جعلت المفعول فيه كالمفعول، اتساعا واختصارا فجعله، كما ترى في غاية البعد.
وقدم المفعول فيه على المفعول له والمفعول معه لان احتياج الفعل منا إلى الزمان والمكان ضروري، بخلاف العلة والمصاحب، وقدم المفعول له عليه المفعول معه، إذ الفعل الذي لا علة له ولا غرض، قليل، بخلاف الفعل بلا مصاحب فإنه أكثر منه مع المصاحب، وأيضا، يصل الفعل إليه بواسطة الواو، بخلاف سائر المفاعيل، ولولا مراعاة التسمية، كما قلنا، لكان تقديم الحال على المفعول له والمفعول معه، أولى، إذ الفعل لا يخلو من حال من حيث المعنى.
وإنما سمي ما نحن فيه مفعولا مطلقا، لانه ليس مقيدا لكونه مفعولا حقيقيا بحرف جر، كالمفعول به والمفعول فيه، والمفعول له والمفعول معه.
قوله: " هو اسم ما فعله "، قال: إنما قلت ههنا: اسم بخلاف سائر الحدود، ليخرج(1/296)
نحو: ضربت، الثاني، في قولك: ضربت ضربت، فإنه شئ فعله المتكلم الذي هو فاعل الفعل المذكور.
قلت، إن أراد بقوله: فعله المتكلم، أوجدوه بالقول، أي قاله، فالمقول في الحقيقة وإن كان مفعولا، إلا أن الفعل في ظاهر اصطلاحهم يطلق على غير القول، فيقال: هذا مقول وهذا مفعول فلم يكن، إذن داخلا في قوله: ما فعله حتى يخرج بقوله: اسم، وأيضا ضربت، باعتبار أنه مقول، ليس بفعل، بل هو اسم، لان المراد: هذا اللفظ المقول، فلا يخرج بقوله: اسم ما فعله لكونه اسما، وبتاويله باللفظ يدخل في الحد جميع المفاعيل، فإن لفظ " زيدا " ويوم الجمعة، وأمامك،: لفظ أوجده الفاعل بالقول في قولك: ضربت زيدا يوم الجمعة أمامك.
وإن أراد، وهو الظاهر، بقوله: فعله، أن فعل مضمونه الذي هو الضرب فلم يكن
داخلا حتى يخرج، لانه، إذن، فعل مضمونه، ولم يفعله.
هذا، ويعني باسم ما فعله: اسم الحدث الذي فعله.
ويخرج عن هذا الحد، نحو ضربا في: ما ضربت ضربا، لانه لم يفعل فاعل المذكور ههنا فعلا، إلا أن يقول: النفي فرع الاثبات فجرى مجراه وألحق به، وكذا نحو: مات موتا، وفني فناء: جار مجرى ما فعله الفاعل.
واحترز بقوله: فاعل فعل مذكور عن نحو: أعجبني الضرب، فإن الضرب فعله فاعل فعل ما، لكن لم يفعله فاعل الفعل الذي هو أعجب، لان فاعله الضرب، وهو لا يفعل نفسه، وكذا: استحسنت الضرب.
قوله: " مذكور " صفة فعل، وكذا قوله بمعناه، والضمير في " معناه "، عائد إلى: اسم، أو إلى " ما "، قوله: " بمعناه " احتراز عن نحو: كرهت قيامي، فإن " قيامي " اسم لما فعله المتكلم، وهو فاعل الفعل المذكور، لكن ليس كرهت، بمعنى قيامي، يبطل(1/297)
هذا الحد بنحو: كرهت كراهتي، وأحببت حبي، وأبغضت بغضي على أن المنصوبات مفعول بها (1).
أنواع المفعول المطلق وحكمه من حيث التثنية والجمع قال ابن الحاجب: " ويكون للتأكيد والنوع والعدد، نحو: جلست جلوسا " " وجلسة، وجلسة، فالاول لا يثنى ولا يجمع، بخلاف " " أخويه ".
قال الرضى: المراد بالتأكيد، المصدر الذي هو مضمون الفعل بلا زيادة شئ عليه، ومن وصف،
أو عدد، وهو في الحقيقة تأكيد لذلك المصدر المضمون، لكنهم سموه تأكيدا للفعل توسعا، فقولك: ضربت بمعنى: أحدثت ضربا، فلما ذكرت بعده ضربا، صار بمنزلة قولك: أحدثت ضربا ضربا، فظهر أنه تأكيد للمصدر المضمون وحده، لا للاخبار والزمان اللذين تضمنهما الفعل.
ويعني بالنوع المصدر الموصوف، وذلك علي ضروب، لانه إما أن يكون موضوعا على معنى الوصف كالقهقري، والقرفصاء، وكالجلسة والركبة، لان الفعلة للمصدر المختص بصفة من الصفات، كصفة الحسن أو القبح، أو الشدة أو الضعف، أو غير ذلك، فالجلسة
__________
(1) لانه يصدق على: كراهتي، وحبي، أنهما مفعولان لفاعل فعل مذكور وأن معنى الكراهة والحب موجود في كرهت وأحببت.
واجيب عن ذلك بان الكراهة والحب مفعولان لفاعل الفعلين المذكورين لا بحسب هذا الفعل بل بحسب فعل آخر كما قال السيد الجرجاني في تعليقاته على هذا الشرح.
(*)(1/298)
ليست مطابقة للجلوس.
وربما يذكر بعدها ما يعين ذلك الوصف نحو جلسة حسنة، وربما يترك نحو: جلست جلسة.
وإما أن يوصف بصفة مع ثبوت الموصوف نحو: جلست جلوسا حسنا، أو مع حذفه، نحو: عمل صالحا أي عملا صالحا، ومنه: ضربت ضرب الامير، لانك حذفت الموصوف ثم حذفت المضاف من الصفة، والاصل: ضربته ضربا مثل ضرب الامير، وذلك لانك لا تفعل فعل غيرك.
وإما أن يكون اسما صريحا مبنيا كونه بمعنى المصدر، إما بمن نحو: ضربته أنواعا من الضرب، وإما بالاضافة، وذلك إما في أي، نحو ضربته أي ضرب.
وإما في أفعل التفضيل نحو: ضربته أشد الضرب، وقدمت خير مقدم، لان " أيا " وأفعل التفضيل بعض ما يضافان إليه كما يجئ في باب الاضافة.
ويجوز أن يكون هذا مما حذف موصوفه، أي: ضربا أي ضرب، وضربا أشد الضرب.
وأما في بعض، وكل، نحو ضربته بعض الضرب أو كل الضرب، أو غير مبين في اللفظ، نحو: ضربته أنواعا وأجناسا.
وإما أن يكون مصدرا مثنى أو مجموعا لبيان اختلاف الانواع، نحو: ضربته ضربين أي مختلفين، قال تعالى: " وتظنون بالله الظنونا " (1)، أو معرفا بلام العهد، كما إذا أشرت إلى ضرب معهود شديد أو ضعيف أو غير ذلك، فتقول: ضربته ذلك الضرب، ونحو: القرفصاء في: قعد القرفصاء، والقهقري في: رجع القهقري مصدر بنفسه كما ذكرنا، عند سيبويه، وقال المبرد هو في الاصل صفة المصدر، أي القعدة القرفصاء والرجوع
__________
(1) الاية 10 من سورة الاحزاب.
(*)(1/299)
القهقري، وعند بعض الكوفيين: هو منصوب بفعل مشتق من لفظة، وإن لم يستعمل، فكأنه قيل، تقهقر القهقري وتقرفص القرفصاء، ونحوه، وعدم سماع وقوع هذه الاسماء وصفا لشئ، وعدم سماع أفعالها يضعف المذهبين، إذ هو إثبات حكم بلا دليل.
ويعني بالعدد: ما يدل على عدد المرات معينا كان أو، لا، وهو إما مصدر موضوع له، نحو: ضربته ضربة وضربتين وضربات، أو مصدر موصوف بما يدل عليه نحو ضربته ضربا كثيرا، وأما عدد صريح مميز بالمصدر نحو: ضربته ثلاث ضربات، قال الله تعالى: " فاجلدوهم ثمانين جلدة " (1) أو مجرد عن التمييز نحو: ضربته ألفا، ويجوز أن يكون المجرد صفة لمصدر محذوف أي ضربا ألفا، وأما آلة موضوعة موضع المصدر نحو: ضربته سوطا وسوطين وأسواطا، والاصل ضربته ضربة بسوط فحذف المصدر المراد به العدد، وأقيم الالة مقامه دالة على العدد بافرادها، وكذا في ضربت ضربتين بسوط، أو ضربات بسوط وضعت الالة مقام المثنى والمجموع مثناة أو مجموعة، فقيل ضربته سوطين وأسواطا وتثنيتها وجمعها تثنية المصدر وجمعه لا تثنية الالة وجمعها، لانك ربما قلت ضربته سوطين وأسواطا
مع أنك لم تضربه العدد المذكور إلا بسوط واحد، لكنك ثنيت الالة وجمعتها لقيامها مقام المصدر المثنى والمجموع، ويجوز أن يكون أصل: ضربته سوطا: ضربته ضربة سوط، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
وقد اجتمع في هذا القسم أي فيما قام فيه الالة مقام المصدر: النوع والعدد، كما اجتمعا في نحو قولك: ضربته ضربين وضروبا قاصدا اختلاف الانواع.
قوله " فالاول لا يثنى ولا يجمع "، إذ المراد بالتأكيد: ما تضمنه الفعل بلا زيادة عليه، ولم يتضمن الفعل إلا الماهية من حيث هي هي، والقصد إلى الماهية من حيث هي هي يكون مع قطع النظر عن قلتها وكثرتها، والتثنية والجمع، لا يكونان إلا مع النظر إلى كثرتها، فتناقضا.
__________
(1) الاية 4 من سورة النور.
(*)(1/300)
قوله: " بخلاف أخويه "، يعني النوع والعدد، وذلك لان النوع قد يكون نوعين فصاعدا، وكذا قد يكون العدد اثنين فصاعدا.(1/301)
المفعول المطلق يكون من غير لفظ فعله قال ابن الحاجب: " وقد يكون بغير لفظه، نحو قعدت جلوسا ".
قال الرضى: أي قد يكون المصدر بغير لفظ الفعل، وذلك إما مصدر أو غير مصدر، والمصدر على ضربين، إما أن يلاقي الفعل في الاشتقاق نحو قوله تعالى: " وتبتل إليه تبتيلا " (1) و: " والله أنبتكم من الارض نباتا " (2)، وإما ألا يلاقيه فيه، نحو قعدت جلوسا.
ومذهب سيبويه في كليهما أن المصدر منصوب بفعله المقدر، أي تبتل إليه وبتل تبتيلا، وأنبتكم من الارض فنبتم نباتا وقعدت وجلست جلوسا.
ومذهب المازني والمبرد والسيرافي، أنه منصوب بالفعل الظاهر، وهو أولى، لان الاصل عدم التقدير بلا ضرورة ملجئة إليه.
وأما غير المصدر فقذ ذكرنا طرفا منه، ومن جملته الضمير الراجع إلى مضمون عامله نحو قوله:
__________
(1) الاية 8 من سورة المزمل.
(2) الاية 17 من سورة نوح.
(*)(1/303)
81 - هذا سراقة للقرآن يدرسه * والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب (1) أي يدرس الدرس، أو إلى غير مضمون عامله نحو: أعجبني الضرب الذي ضربته أو اسم الاشارة المشار به إلى غير مضمون عامله نحو أعجبني ضربي، فضربت ذاك ومن غير المصدر نحو: أعطيته عطاء، وكلمته كلاما فإنهما ليسا بمصدرين لشئ من الافعال.
__________
(1) البيت في هجاء رجل كان يكثر من قراءة القران ولكنه كان يرائي بذلك لانه كان يقبل الرشوة من الناس ويحرص عليها.
وهو من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف قائلها والبيت في سيبويه ج 1 ص 427.
(*)(1/304)
حذف العامل في المفعول المطلق جوازا ووجوبا قال ابن الحاجب: " وقد يحذف الفعل لقيام قرينة جوازا كقولك لمن قدم: خير " " مقدم، ووجوبا، سماعا مثل: سقيا ورعيا، وخيبة، " " وجدعا، وحمدا وشكرا، وعجبا ".
قال الرضى: اعلم أنه لا بد في الواجب الحذف والجائز من القرينة.
قوله " سماعا...وقياسا "، نصب على المصدر بفعل محذوف، أي بعضه يسمع حذفه وجوبا سماعا، ولا يقاس عليه، وبعض يقاس عليه في وجوب الحذف قياسا.
وأقول: الذي أرى أن هذه المصادر وأمثالها إن لم يات بعدها ما يبينها ويعين ما تعلقت به من فاعل أو مفعول إما بحرف جر، أو باضافة المصدر إليه، فليست مما يجب حذف فعله، بل يجوز: نحو: سقاك الله سقيا، ورعاك الله رعيا، وجدعك جدعا، وشكرت شكرا وحمدت حمدا.(1/305)
وفي نهج البلاغة في الخطبة البكالية (1): " نحمده على عظيم إحسانه، ونير برهانه، ونوامى فضله وامتنانه، حمدا يكون لحقه أداء ".
وأما ما بين فاعله بالاضافة نحو: كتاب الله، وصبغة الله وسنة الله ووعد الله، وحنانيك ودواليك، أو بين مفعوله بالاضافة نحو: ضرب الرقاب وسبحان الله ولبيك وسعديك ومعاذ الله، أو بين فاعله بحرف جر نحو: بؤسا لك أي شدة، وسحقا لك أي بعدا، وكذا بعدا لك، أو بين مفعوله بحرف جر، نحو: عقرا لك أي جرحا، وجدعا لك، والجدع قطع الانف أو الاذن، أو الشفة أو اليد، وشكرا لك وحمدا لك، وعجبا منك، فيجب حذف الفعل في جميع هذا قياسا.
والمراد بالقياس أن يكون هناك ضابط كلي، يحذف الفعل حيث حصل ذلك الضابط، والضابط ههنا ما ذكرنا من ذكر الفاعل والمفعول بعد المصدر مضافا إليه أو بحرف الجر، لا لبيان النوع، احترازا عن نحو قوله تعالى، " وقد مكروا مكرهم " (2) و: " وسعى لها سعيها " (3).
وإنما وجب حذف الفعل مع هذا الضابط، لان حق الفاعل والمفعول به أن يعمل فيهما
الفعل ويتصلان به، فاستحسن حذف الفعل في بعض المواضع إما إبانة لقصد الدوام واللزوم بحذف ما هو موضوع للحدوث والتجدد، أي الفعل، في نحو: حمدا لك، وشكرا لك، وعجبا منك، ومعاذ الله، وسبحان الله.
وإما لتقدم ما يدل عليه، كما في قوله تعالى: " كتاب الله عليكم " (4)، و " صبغة الله " (5)، و: " وعد الله " (6)، أو لكون الكلام مما يستحسن الفراغ منه بالسرعة، نحو:
__________
(1) البكالية نسبة الى بكالة.
قبيلة من اليمن، منها عوف البكالي حاجب سيدنا علي رضي الله عنه وفي نهج البلاغة ج 1 ص 429 طبعة الحلبي سنة 1963.
أنه هو الذي روى هذه الخطبة.
(2) الاية 46 من سورة ابراهيم.
(3) الاية 19 من سورة الاسراء (4) الاية 24 من سورة النساء (5) الاية 138 من سورة البقرة.
(6) الاية 6 من سورة الروم.
(*)(1/306)
لبيك وسعديك ودواليك وهذا ذيك وهجاجيك، فبقي المصدر مبهما لا يدرى ما تعلق به من فاعل أو مفعول، فذكر ما هو مقصود المتكلم من أحدهما بعد المصدر، ليختص به، فلما بينتهما بعد المصدر بالاضافة أو بحرف الجر، قبح اظهار الفعل، بل لم يجز، فلا يقال: كتب كتاب الله ووعد وعد الله، واضربوا ضرب الرقاب، وأسبح سبحان الله وأحمد حمدا لك، وغفر الله غفرا لك، وذلك لما ذكرنا من أن حق الفاعل والمفعول أن يتصلا بالفعل معمولين له، فلما حذف الفعل لاحد الدواعي المذكورة، وبين المصدر المبهم إما بالاضافة أو بحرف الجر، فلو ظهر الفعل، رجع الفاعل أو المفعول إلى مكانه ومركزه بعد الفعل متصلا بالفعل ومعمولا له فوزانه (1) وزان نحو قوله تعالى: " إن امرؤ هلك " (2).
وأما قولهم: حردت حرده، وحمدت حمده، وقصدت قصده ونحوت نحوه، ونحو ذلك، فيس انتصاب الاسماء في ذلك على المصدر، بل هو مفعول به، على جعل المصدر بمعنى المفول، كقوله:
82 - دار لسعدى اذه من هواكا (3) والمعنى: قصدت به جهته التي ينبغي أن يقصدها من يطلبه، ويجوز أن يكون المعنى: حردته حرده الذي يليق به، وحمدته حمده الذي ينبغي، فيكون مضافا لبيان النوع، كما في قوله: " وقد مكروا مكرهم " (4)، و " وفعلت فعلتك " (5)، وقوله تعالى " وسعى لها سعيها " (6).
والجار والمجرور بعد هذه المصادر في محل الرفع على أنه خبر المبتدا الواجب حذفه، ليلي الفاعل أو المفعول، المصدر الذي صار بعد حذف الفعل كانه قائم مقام الفعل، كما
__________
(1) أي قياسه مثل قوله تعالى ان امرؤ هلك في حذف الفعل وجوبا لوجود ما يفسره.
(2) الاية 176 من سورة النساء.
وتقدمت.
(3) هذا رجز أوله: هل تعرف الدار على تبراكا.
وتبراك اسم موضع.
وهذا الشاهد من الشواهد الخمسين التي لم يعرف قائلوها وهو في كتاب سيبويه ج 1 ص 9.
(4) الاية 49 سورة ابراهيم وتقدمت قريبا.
(5) الاية 19 من سورة الشعراء.
(6) الاية 19 من سورة الاسراء وتقدمت.
(*)(1/307)
كان ولي الفعل، والمعنى: هو لك، أي هذا الدعاء لك، وكذا كل ما قبله " من " التبيينية المبينة للمعارف نحو قوله تعالى: " وما بكم من نعمة فمن الله " (1)، إن جعلنا " ما " بمعنى الذي وأما المبينة للنكرة فهي صفة لها، كما لو جعلنا " ما " في الاية نكرة.
وقد بين، أيضا، بعض أنواع المفعول به اللازم إضمار فعله بحرف الجر (2) نحو: مرحبا بك، وأهلا بفلان، أي هذا الدعاء مختص بك، هذا أن فسرت مرحبا بموضع الرحب، أي أتيت موضعا رحيبا، وإن فسرته بالمصدر أي رحب موضعك مرحبا أي رحبا، فهو من هذا الباب.
والجملة المفسرة المحذوفة المبتدأ، لا محل لها لانها مستانفة.
ثم اعلم أن هذه المصادر مع الحال المذكورة من استحسان حذف فعلها للدواعي المذكورة، إما أن يتوغل في حذف فعلها بحيث لا ينوى قبلها تقديرا بل يصير المصدر عوضا منه وقائما مقامه كالمصادر الصائرة أسماء أفعال، كما يجئ في بابها، نحو: هيهات ورويد، وشتان، فتبني، لقيامها مقام المبني، ولا يكون لها، إذن، محل من الاعراب كما لم يكن للفعل الذي قامت مقامه، وبناؤها على الفتح أكثر، إذن، لتبقى مبنية على الاعراب الذي استحقته حال المصدرية، فيرجع، إذن، في استعمال الفاعل والمفعول بعدها إلى الوجه الذي كانا يستعملان عليه مع الفعل، لصيرورة المصدر كالفعل، فيقال هيهات زيد.
ويجوز أن يراعى أصلها في المصدرية مع كونها أسماء أفعال فيستعمل الفاعل والمفعول بعدها استعمالهما مع المصدر، قال الله تعالى: " هيهات هيهات لما توعدون " (3)، فهو بمنزلة: بعدا لما توعدون استعمالا، وأما في المعنى، فهيهات اسم فعل، وإلا لم يبن.
__________
(1) الاية 53 من سورة النحل.
وتقدمت.
(2) متعلق بقوله وقد بين.
(3) الاية 36 من سورة المؤمنون.
(*)(1/308)
وإما ألا يتوغل في حذف فعلها، بل يكون فعلها مقدرا قبلها، لينصبها، كالمصادر المذكورة ههنا، وهذه المصادر كأنها قائمة مقام الفعل كالمصادر الاولى من حيث لم تستعمل أفعالها قبلها، لكنها ليست قائمة مقام أفعالها، إذ لو قامت مقامها لم تقدر قبلها فلم تكن تنتصب، فبانتصابها عرفنا أن الفعل مقدر قبلها، وببناء الاولى عرفنا قيامها مقام أفعالها.
وقد يجوز في بعض المصادر أن يستعمل الاستعمالين، أعني يكون مصدرا واسم فعل، نحو: رويد زيد، ورويد زيدا، وبله زيد وبله زيدا.
ويجوز أن يكون " حاشي " من هذا الباب، فيكون حاشى زيد، مصدرا مضافا، كرويد زيد، بدليل القراءة الشاذة " حاشا لله " منونا، ويكون: حاشى لزيد اسم فعل مستعملا استعمال المصادر، كما ذكرنا في هيهات لزيد.
ومن جملة المصادر القياسية المضبوطة بالضابط المذكور: مصادر لم توضع أفعالها، نحو: دفرا له أي نتنا، وبهرا أي تعسا، أما بهرا بمعنى غلبة، فله فعل مستعمل، فهما مثل القهقرى والقرفصاء، أعني أن جميعها مصادر لا فعل لها على مذهب سيبويه، إلا أن الفرق بينها، أن دفرا، وبهرا، لم يستعمل ناصبهما وبينا بحرف جر، بخلاف: نحو: القرفصاء فانه استعمل ناصبه من غير لفظه، والناصب المقدر لدفرا وبهرا، أيضا فعل من غير لفظهما، والتقدير: أنتنت دفرا وتعست بهرا.
ومنها أسماء أعيان هي آلة مقامة مقام المصادر، نحو: تربا لك وجندلا، أي رميت رميا بترب وجندل، فهذا مثل: ضربته سوطا، والفرق بينهما مثل الفرق بين بهرا والقهقرى.
ومنها صفات قائمة مقام المصدر، نحو هنيئا لك، أي هناءة، وعائذا بك أي عياذا وهي مثل: قم قائما اي قياما،، وتعال جائيا، والفرق بينهما ما ذكرنا في القسمين المذكورين وقد قيل في هذا القسم إنه نصب على الحال المؤكدة، كما قيل في: قم قائما.
ومنها أسماء أصوات قامت مقام المصادر، كاها منك، أي توجعا، وواها لك أي طيبا، وأفا، وافة لك أي كراهة، فيقدر لجميعها أفعال بمعناها ويلزم إضمار ناصب(1/309)
ما كان في الاصل صوتا، وإن لم يبين بالجار نحو: أيها، أي كفا، وويها أي زيادة.
وذلك أن الاصوات بعيدة من الاشتقاق والتصرف، والمصدر أصل في باب التصرف والاشتقاق، إذ جميع أنواع الافعال والاسماء المتصلة بها صادرة عنه (1) على الصحيح من المذهب، فلما صار ما لا يشتق منه قائما مقام المشتق منه قطع عنه الفعل الناصب له نصب المفعول المطلق لانه في الاغلب يكون مشتقا من مفعوله المطلق.
والاصوات القائمة مقام المصادر، يجوز اعرابها نصبا، إلا أن تكون على حرفين ثانيهما حرف مد، نحو: وي لزيد، وذلك نحو آها وواها، وويها، ويجوز إبقاؤها على البناء الاصلي، نحو " أف " لكما " (2)، وأوه على إخواني، وآه من ذنوبي.
والظاهر أن: ويلك وويحك، وويسك وويبك، من هذا الباب، وأصلها كلها: وي على ما قال الفراء، جئ بلام الجر بعدها مفتوحة مع المضمر، نحو: وي لك ووي له، ثم خلط اللام بوي، حتى صارت لام الكلمة، كما خلط اللام بيا، في قوله: 83 - فخير نحن عند الناس منكم * إذا الداعي المثوب قال يالا (3) فصار معربا باتمامه ثلاثيا (4)، فجاز أن يدخل بعدها لام أخرى، نحو ويلا لك، لصيرورة الاولى لام الكلمة، ثم نقل إلى باب المبتدا، فقيل ويل لك، كما قيل في سلام عليك، ثم جعل ويح، وويب، وويس، كنايات عن ويل، وهذا كما قالوا: قاتله الله بمعنى
__________
(1) ومن الادلة على ذلك تسميته مصدرا، أي مكان الصدور لان غيره صدر عنه كما قال الشارح.
ويضطر الكوفيون الى أن يقولوا - على مذهبهم - ان كلمة (مصدر) مصدر ميمي وليست اسم مكان.
وان المصدر الميمي مؤول باسم الفاعل أي الصادر عن غيره وفيه من التكلف ما لا يخفى.
(2) الاية 17 من سورة الاحقاف.
(3) المثوب معناه المستغيث الذي يدعو الناس لنصرته وأصله أنه كان يلوح بثوبه ليراه الناس فيغيثونه.
وبعده: ولم تثق العواتق من غيور * بغيرته وخلين الحجالا وهما بيتان أوردهما أبو زيد الانصاري في نوادره ونسبهما إلى زهير بن مسعود الضبي كما قال البغدادي في الخزانة (4) أي بعد أن أصبح ثلاثيا.
(*)(1/310)
قتله ثم استبشعوها فكنوا عنها بقاتعه وكاتعه، ثم صار بعض الاصوات القائمة مقام المصادر قائما مقام الفعل، فصار اسم فعل، نحو: صه ومه، وإيه، وغير ذلك مما سنذكره في أسماء الافعال، كما يقوم المصدر الاصلي مقام الفعل فيصير اسم فعل على ما مر قبل.
ويجوز في كل صوت يدعى صيرورته اسم فعل أن يقال ببقائه على مصدريته، ويكون بناؤه نظرا إلى أصله حين كان صوتا، لا لكونه اسم فعل، فصه أنت وزيد، نحو: ضربا أنت وزيد، وذلك لانا علمنا صيرورة المصادر أسماء أفعال بكونها مبنية، كما ذكرنا، فإذا كان لنا طريق إلى بناء هذه الاسماء غير كونها أسماء أفعال، وهو النظر إلى أصلها فلا ضرورة تلجئنا إلى كونها أسماء أفعال.
ومن المصادر المضبوطة بالضابط المذكور، قولهم عمرك الله وقعدك الله، بفتح القاف، قال المازني سمعت كسرها ممن لا أثق به، وهما عند سيبويه، منصوبان على المصدر، وقد استعمل فعل عمرك، بخلاف قعدك، قال: 84 - عمرتك الله إلا ما ذكرت لنا * هل كنت جارتنا أيام ذي سلم (1) ولا يقال: قعدتك الله.
وأكثر ما يستعملان في قسم السؤال، فيكون جوابهما ما فيه الطلب كالامر والنهي، قال: 85 - قعيدك ألا تسمعيني ملامة * ولا تنكئي قرح الفؤاد فييجعا (2)
__________
(1) قوله إلا ما ذكرت: استثناء والمعنى ما أسالك إلا هذا.
وقال بعضهم ان همزة الا مفتوحة وهي أداة تحضيض وما زائدة.
وهو من شعر الاحوص الانصاري وقبله: إذ كنت أنكر من سلمى فقلت لها * لما التقينا وما بالعهد من قدم والاوجه الاعرابية في هذا الاسلوب كثيرة أشار الشارح إلى بعضها.
(2) هو من قصيدة لمتمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك وهي من أحسن المراثي، وقول الشارح: ان زائدة أي في قوله ألا تسمعيني فتكون لا ناهية، ونكا القرح ازالة ما عليه من قشر قبل أن يبرا، وييجعا بكسر الياء الاولى في المضارع وذلك أدى إلى قلب الواو ياء، وأصله يوجع.
(*)(1/311)
و " أن " زائدة، وقال:
86 - أيها المنكح الثريا سهيلا * عمرك الله كيف يلتقيان (1) هي شامية إذا ما استهلت * وسهيل إذا استهل يماني وقد ذكر الجوهري (2) استعمال قعدك وعمرك في القسم الذي لا سؤال فيه، قال: يقال: قعدك لا آتيك وكذا قعيدك، وقعدك الله لا آتيك وقعيدك الله لا آتيك، وعمر الله ما فعلت كذا، وعمرك الله ما فعلت كذا، قال ابن يعيش (3): لا يستعملان إلا في القسم.
قال الجوهري: وقد جاء عمرك الله في غير القسم، واستشهد بقوله: " عمرك الله كيف يلتقيان " وقال: المعنى، سالت الله أن يطيل عمرك، ولم يرد القسم، وقد ذكرنا في البيت أنه قسم السؤال.
والاصل عند سيبويه: عمرتك الله تعميرا، فحذف الزوائد من المصدر وأقيم مقام الفعل مضافا إلى المفعول به الاول، وكذا قعدك الله تقديرا (4) ومعنى: عمرتك: أعطيتك عمرا بان سالت الله أن يعمرك، فلما ضمن عمر معنى السؤال تعدى إلى المفعول الثاني، أعني " الله " وكذا قعدتك الله وإن لم يستعمل، أي جعلتك قاعدا متمكنا بالسؤال من الله.
وأجاز الاخفش رفع " الله " في عمرك، ليكون فاعلا أي عمرك الله تعميرا، ويجوز ألا يكون انتصابهما على المصدر، ويكون التقدير: أسال الله عمرك، أي أسال الله تعميرك وأسال الله قعدك، أي تقعيدك وتمكينك، على حذف الزوائد، وأسال، متعد إلى مفعولين، أو يكون المعنى: أسال بحق تعميرك الله، أي اعتقادك بقاءه وأبديته وبتقعيدك الله، أي نسبتك إياه إلى القعود أي الدوام والتمكن.
__________
(1) البيتان من شعر عمر بن أبي ربيعة المخزومي، قالوا انه أراد بالثريا وسهيل شخصين معينين وضرب لهما المثل في البيت الثاني بالثريا وسهيل الكوكبين المعروفين.
(2) الجوهري: اسماعيل بن حماد صاحب كتاب الصحاح المشهور من علماء القرن الرابع.
(3) ابن يعيش شارح مفصل الزمخشري.
وتقدم ذكره.
ص 271 من هذا الجزء.
(4) أي يقال تقديره قعدتك الله ولكن ليس له فعل مستعمل.
(*)(1/312)
فيكون انتصابهما بحذف حرف القسم، نحو: الله لافعلن، وهما مصدران محذوفا الزوائد مضافان إلى الفاعل، و " الله " مفعول به للمصدرين.
ويجوز أن يكون معنى: قعدك الله بكسر القاف: بحق قعدك أي قعيدك، أي ملازمك العالم باحوالك وهو الله، فالله عطف بيان لقعدك ويؤيد هذا التأويل قولهم قعيدك الله بمعناه، فالقعد والقعيد بمعنى المقاعد، كالحلف والحليف، فعلي هذا، مذهب سيبويه، وهو أن نصبهما على المصدر وعلى تأويلهما باسال تعميرك وتقعيدك ليس معنى القسم ظاهرا فيهما، مع أنهما لا يستعملان إلا في القسم، كما ذكرنا، إلا أن يقال: لما كانا للدعاء للمخاطب جريا مجرى السؤال، لانه قد يبتدا السؤال بالدعاء للمسئول، كانه قيل: طول الله عمرك، افعل لي كذا وكذا.(1/313)
حذف عامل المصدر المكرر أو المحصور قال ابن الحاجب: " وقياسا في مواضع، منها ما وقع مثبتا بعد نفي أو معنى نفي داخل " " على اسم لا يكون خبرا عنه، أو وقع مكررا مثل: ما زيد إلا " " أسيرا، وما أنت إلاسير البريد، وإنما أنت سيرا، وزيد سيرا " " سيرا.
" قال الرضى: قوله " ما وقع مثبتا إلى آخره "، هذا مصدر يجب حذف فعله، باجتماع شيئين: أحدهما أن يكون ناصبه خبرا عن شئ لو جعلت هذا المصدر خبرا عنه، لم يكن إلا مجازا، لكونه صاحب (1) ذلك المصدر، والثاني أن يكون المصدر مكررا، أو بعد " إلا " أو معناها،
نحو: ما زيد إلا سيرا، وما الدهر إلا تقلبا، وإنما أنت سيرا، وزيدا سيرا سيرا، والمنون (2) تقريعا تقريعا.
__________
(1) يعني أن " زيدا " في مثل زيد سيرا.
هو صاحب السير، وليس هو نفس السير.
(2) أي الموت: يريد أنه يقرع الانسان ويوبخه.
بمعنى أنه يحثه دائما على العمل.
(*)(1/315)
وكذا إن دخل على المبتدا نواسخه، نحو: إن زيدا سيرا سيرا، ويجوز أن يكون نحو: ما كان زيد إلا سيرا، من هذا.
وإنما وجب حذف الفعل، لان المقصود من مثل هذا الحصر أو التكرير وصف الشئ بدوام حصول الفعل منه ولزومه له، ووضع الفعل على التجدد والحدوث، وإن كان يستمعل المضارع في بضع المواضع للدوام أيضا، نحو قولك: زيد يؤوي الطريد ويؤمن الخائف، والله يقبض ويبسط، وذلك، أيضا، لمشابهته لاسم الفاعل الذي لا دلالة فيه وضعا على الزمان، فلما كان المراد التنصيص على الدوام واللزوم، لم يستعمل العامل أصلا، لكونه: إما فعلا، وهو موضوع على التجدد، أو اسم فاعل، وهو مع العمل كالفعل بمشابهته فصار العامل لازم الحذف، فان أرادوا زيادة المبالغة جعلوا المصدر نفسه خبرا عنه، نحو: زيد سير سير وما زيد إلا سير كما ذكرنا في المبتدا في قولها: فانما هي اقبال وادبار (1) - 69 فينمحي، إذن عن الكلام معنى الحدوث أصلا، لعدم صريح الفعل وعدم المفعول المطلق الدال عليه، ولمثل هذا المعنى، أعني زيادة المبالغة في الدوام، رفعوا بعض المصادر المنصوبة التي قدمنا أن فاعلها ومفعولها يبين بالاضافة أو حرف الجر بعد حذف الفعل لزوما، تبينا لمعنى الدوام، قال: 87 - عجب لتلك قضية وإقامتي * فيكم على تلك القضية أعجب (2)
__________
(1) تقدم هذا الشاهد في ص 254 من هذا الجزء.
(2) هذا أحد أبيات قالها ضمر بن ضمرة بن جابر النهشلي - جاهلي - وله قصيدة طويلة تختلف عباراتها كثيرا.
وأبرز ما فيها أنه يعتب على أمه التي كانت تؤثر أخاه عليه، واسمه جندب، ثم يكلفونه بالمهمات الشاقة ويستريح جندب.
ولذلك يقول في هذا الشعر: أمن السوية أن إذا استغنيتم * وأمنتم فانا البعيد الا جنب وإذا تكون كريهة أدعى لها * وإذا يحاس الحيس يدعى جندب والحيس طعام يصنع نم اللبن والتمر والسمن.
ويحاس أي يصنع.
وختمها بقوله: هذا لعمركم الصغار بعينه * لا أم لي ان كان ذاك ولا أب (*)(1/316)
قال سيبويه: سمعنا بعض من يوثق به وقد قيل له كيف أصبحت، قال: حمد لله وثناء عليه، ومنه سلام عليك، وويل لك.
قوله: " مثبتا بعد نفي " إنما شرطهما، لانه لو كان منفيا، نحو: ما زيد سيرا، أو لم يكن بعد نفي نحو: زيد سير، لم يكن فيه معنى الحصر المفيد للدوام فلم يجب حذف الفعل، إذ قصده (1) هو الموجب لحذف الفعل كما ذكرنا.
قوله: " داخل على اسم " صفة لنفي، وليس دخول النفي على الاسم المذكور شرطا، وذلك لانه لا يجوز كما قلنا، في نحو: ما كان زيد إلا سيرا، وما وجدتك إلا سير البريد، أن يكون انتصاب المصدر على أنه مفعول مطلق، كما يجوز أن يكون، لكونه خبر الفعلين، مجازا، فالشرط، إذن ما ذكرنا، أعني كون ناصبه خبرا عن شئ لا يكون هو أي المصدر خبرا عنه إلا مجازا.
قوله: " أو معنى نفي "، يريد به ما في " إنما " من معنى الحصر، نحو: إنما زيد سيرا.
واعلم أن هذا المصدر الذي بعد " إلا " أو معناها، قد يكون منكرا، كما ذكرنا،
ومعرفا، إما بالاضافة نحو: ما زيد إلا سير البريد، أو باللام نحو: ما زيد إلا السير، وكذا يجئ مكررا نحو: ما زيد إلا سيرا سيرا قالوا: فحينئذ يكون حذف الفعل أوجب، لقيام الاول مقامه.
قوله: " أو وقع مكررا "، فيه نوع إخلال، لان مراده: أو وقع مكررا بعد اسم لا يكون خبرا عنه، حتى لا يرد عليه نحو قوله تعالى: " دكت الارض دكا دكا " (2)، ولا يعطى لفظه هذه الفائدة إلا بتكلف (3).
__________
(1) إذ قصده: أي قصد الدوام.
(2) الاية 21 من سورة الفجر.
(3) لانه لم يذكر إلا كونه مكررا.
مع أن المراد أن يكون مكررا بعد اسم لا يصح أن يكون هو خبرا عنه.
والتكلف الذي أشار إليه الشارح هو أن يعتبر معطوفا على قوله: وقع مثبتا وأن يقدر بعده مثل المذكور بعد وقع مثبتا وهو قوله على اسم لا يكون الخ.
والحق أنه تكلف لا يؤدي إلى نتيجة.
(*)(1/317)
المصدر التفضيلي قال ابن الحاجب: " ومنها ما وقع تفصيلا لاثر مضمون جملة متقدمة مثل " " قوله تعالى: " فشدوا الوثاق فاما منا بعد وإما فداء " (1).
قال الرضى: يعني بمضمون الجملة: مصدرها مضافا إلى الفاعل أو المفعول، فمضمون " شدوا الوثاق ": شد الوثاق، ويعني باثر ذلك المضمون فائدته ومقصوده وغرضه المطلوب منه، وسماه أثرا، لان الغرض من الشئ يحصل بعد حصول ذلك الشئ، كالاثر الذي يكون بعد المؤثر.
ويعني بتفصيل ذلك الغرض بيان أنواعه المحتملة.
واعلم أن ضابط هذا القسم أن تذكر جملة طلبية أو خبرية تتضمن مصدرا يطلب منه فوائد وأغراض، فإذا ذكرت تلك الفوائد والاغراض بالفاظ مصادر منصوبة على أنها مفعولة مطلقة عقيب تلك الجملة، وجب حذف أفعالها، وذلك لان تلك الاغراض تحصل من ذلك المصدر المضمون، فيصح أن يقوم ما تضمن ذلك المصدر أعني الجملة المتقدمة، مقام ما يتضمن تلك الاغراض، أي أفعالها الناصبة لها، فلما صح ذلك، وتكررت تلك الفوائد، استثقل ذكر أفعالها قبلها، فالزم قيام متضمن المصدر الذي هي أغراضه مقام متضمناته، فوجب حذفها، فقوله تعالى: " شدوا الوثاق " جملة تتضمن شد الوثاق، والمطلوب من شد الوثاق إما قتل، أو استرقاق، أو من، أو فداء، فقد فصل الله تعالى هذا المطلوب بقوله: " فاما منا بعد وإما فداء "، وتقول في الخبرية: زيد يكتب، فقراءة بعد أو بيعا، وعمرو يشتري طعاما، فاما بيعا وإما أكلا، ونحو ذلك.
__________
(1) الاية 4 من سورة محمد.
(*)(1/318)
المصدر التشبيهي قال ابن الحاجب: " ومنها ما وقع للتشبيه، علاجا بعد جملة مشتملة على اسم " " بمعناه وصاحبه، مثل: مررت بزيد فإذا له صوت، صوت " " حمار، وصراخ صراخ الثكلى ".
قال الرضى: يعني أن قوله: صوت حمار مصدر فائدته التشبيه، إذ المعنى: مثل صوت الحمار قوله: " بعد جملة "، يعني بها نحو: له صوت، وهذه الجملة مشتملة على اسم بمعنى هذا المصدر المنصوب، وهو المبتدا المرفوع، وهي مشتملة، أيضا على صاحب ذلك الاسم، أي الذي قام به ذلك الحدث، وهو الضمير المجرور باللام في مسالتنا، وكان ينبغي أن
يضم إليه شرطا آخر، وهو أن يكون معنى ذلك الاسم المضمون للجملة الذي هو بمعنى المصدر المنصوب، عارضا لصاحبه غير لازم، حتى يخرج نحو قولهم: له علم علم الفقهاء، وله هدى هدى الصلحاء، فان الثاني، إذن، يكون مرفوعا لا غير، لان الجملة المتقدمة، لا تدل إذن، على معنى الفعل، أعني على الحدث.
وأكثر النحاة على أن هذا المصدر منصوب بفعل مقدر بين الجملة المتقدمة والمصدر، يدل عليه الجملة المتقدمة دلالة تامة مغنية عنه، فلهذا وجب حذفه، فالاصل: له صوت يصوته صوت حمار، أي تصويت حمار فاقيم الاسم مقام المصدر كما في أعطى عطاء، وكلم كلاما، وظاهر كلام سيبويه، أن المصدر منصوب بقوله: له صوت، لا بفعل مقدر.
قال سيبويه (1): وإنما انتصب لانك مررت به في حال تصويت ومعالجة، يعني أن
__________
(1) كتاب سيبويه ج 1 ص 178 (*)(1/319)
هذه الجملة الاسمية بمعنى الفعل والفاعل، فهي بمعنى يصوت، لانها تدل على المصدر الحادث وعلى ما قام به ذلك المصدر، وقد اقترن بالجملة ما دل على زمان ذلك المصدر الحادث أي الحال الماضية، وهو لفظ مررت، في مسالتنا، فالمجموع كالفعل والفاعل وهذا وجه قوي.
وقد قيل إن العامل في المصدر المنصوب: الاسم الذي بمعناه في الجملة المتقدمة، لان المعنى: فإذا له تصويت والتصويت مصدر يعمل عمل فعله إذا لم يكن مفعولا مطلقا، كما يجئ في باب المصدر (1)، فهو كما تقول عجبت من ضربك ضرب الامير، وكقولك: ضربك ضرب زيد خير من ضرب عمرو ضربه.
وفي هذا تردد، لان المصدر عندهم لا يعمل عمل الفعل إلا إذا صح تقديره بان وفعل منه، ويسمج، لو قلت: مررت فإذا له أن يصرخ صراخ الثكلى، بمعنى له صراخ
فانه قطع بحصول الفعل (2).
وعلى الوجهين الاخرين لا يكون من هذا الباب، لان عامله ظاهر ويجوز أن يدعي القول الثاني من هذه الاقوال الثلاثة في نحو قوله تعالى: " صنع الله " (3)، و " وعد الله " (4) و " كتاب الله " (5)، وصبغة الله (6) لان قبلها ما يؤدي معنى أفعالها، فيقال: هذه المصادر منصوبة بالمذكورة قبلها، لقيامها مقام أفعالها.
وأجاز غير سيبويه رفع هذا المصدر المنصوب أعني نحو: صوت حمار وصراخ الثكلى، إما على البدل وإما على الوصف وذلك على أحد وجهين: قال الخليل (7): على حذف المضاف،
__________
(1) المراد باب المصدر من هذا الكتاب فقد تحدث فيه عن المصدر واعماله عمل الفعل.
وأما باب المصدر من جهة أوزانه المختلفة فهو في شرحه على الشافية لابن الحاجب أيضا.
(2) يعني أن جملة له أن يصوت أو يصرخ لا تعطي قطعا بحصول الفعل بخلاف له صراخ.
(3) الاية 88 من سورة النحل (4) الاية 5 من سورة الروم.
(5) الاية 24 من سورة النساء (6) الاية 138 من سورة البقرة وتقدم معظم ما هنا.
(7) هذا منقول عن الخليل في كتاب سيبويه ج 1 ص 181.
(*)(1/320)
أي مثل صوت حمار، فيجيز، إذن تعريفه، مع كون الموصوف غير معرفة، لان مثل: لا يتعرف بالاضافة، وبني عليه أنه يجوز: هذا رجل أخو زيد على الوصف، أي مثل أخي زيد، ورد عليه سيبويه وقال: لو جاز هذا لجاز: هذا قصير الطويل، أي مثل الطويل.
وقال غير الخليل: هو جامد مؤول بالمشتق، أي له صوت منكر، كما تقول: مررت برجل أسد، أي جرئ، ومثله قليل، كما يجئ في باب الوصف، فإذا تعرف فهو عند هؤلاء: بدل لا غير.
فإذا انتصب المصدر، أعني نحو صوتا حسنا، جاز أن يكون حالا، على أحد التاويلين
المذكورين في الوصف.
وذو الحال: الضمير المستكن في " له ".
وأما إذا لم يكن المصدر للتشبيه وجاء موصوفا نحو: فإذا له صوت صوت حسن، فقال سيبويه (1): يجب رفعه على أحد وجهين، إما على أنه بدل من الاول، أو وصف له، وإنما حكم فيه بالبدل لا التوكيد اللفظي، كما في جاء زيد زيد، لان الثاني مع وصفه صار كاسم واحد يفيد ما لم يفده الاول، ولو لم يكن معه الصفة، لكان تأكيدا لا غير.
ومن جعله وصفا، مع أن معنى الوصف ليس فيه، فلكونه مع وصفه كاسم واحد، ألا ترى أنهم جعلوا الحال الموطئة حالا، لان في وصفه معنى الحالية كما في قوله تعالى: " إنا أنزلناه قرانا عربيا " (2).
وهذا كما قال سيبويه في نحو: لا ماء ماء باردا: فان كررت فصار وصفا، فانت فيه بالخيار، إن شئت نونت وإن شئت لم تنون، جعل الثاني لكونه تكريرا للاول موصوفا
__________
(1) كتاب سيبويه ج 1 - 182.
(2) الاية 2 من سورة يوسف.
(*)(1/321)
بشئ، كالوصف للاول.
ومن جعله بدلا، فان معنى الوصف في تابعه في الظاهر لا فيه.
ولا منع، عندي، أن يكون الثاني، أعني: صوت حسن، تأكيدا لفظيا، كما يجئ في باب النداء.
وأجاز الخليل في هذا المصدر الموصوف، النصب أيضا، إما على المصدر، أو على الحال.
وإنما اختار سيبويه الاتباع في الثاني دون النصب على المصدر، لكونه بلفظ الاول ومعناه، فالاولى أن نجعل الثاني مع تابعه تابعا للاول حتى يكون تابع الثاني كتابع الاول.
وإذا جاء بعد الجملة المذكورة صفة للمصدر المضمون من غير تكرير المصدر فالاولى الاتباع، ويجوز النصب على حذف المصدر الموصوف، نحو له صوت حسن، ويجوز: حسنا، أي صوتا حسنا، وكذا إن خلت الجملة المتقدمة من صاحب الاسم الذي بمعنى المصدر، فالاولى إتباع المصدر وإن كان للتشبيه، وصفا أو بدلا، كما ذكرنا، نحو: مررت فإذا في الدار صوت صوت حمار، وإنما ضعف نصبه لان الجملة المتقدمة، إذن، ليست كالفعل لخلوها مما أسند إليه الحدث معنى، ولا بد للفعل من مسند إليه، وقد أجازوا النصب فيه على المصدر أو الحال، كما مر.
وروي في بيت رؤبة: 88 - فيها ازدهاف أيما ازدهاف (1)
__________
(1) هو من أرجوزة طويلة لرؤبة بن العجاج يعاتب فيها أباه، أولها: انك لم تنصف أبا الحجاف * وكان يرضى منك بالانصاف وأبو الحجاف كنية رؤبة.
قالوا ان رؤبة وأباه خرجا يريدان سليمان بن عبد الملك وهما في الطريق قال العجاج لرؤبة: أبوك راجز وأنت مفحم قال رؤبة فقلت له أفاقول فقال قل.
فقلت أرجوزة فلما سمعها أسكتني.
وفوجئت حين وصلنا إلى سليمان أنه ينشدها، وأعطاه سليمان جائزة.
فحرمني منها.
وهي قصة طريقة في خزانة الادب.
(*)(1/322)
نصب أيما، مع أن لم يذكر صاحب الاسم ولا الموصوف، وهو في غاية الضعف، فالوجه الاتباع في مثله.
المصدر المؤكد لنفسه وجوب حذف عامله قال ابن الحاجب: " ومنه ما وقع مضمون جملة لا محتمل لها غيره، مثل: له على "
" ألف درهم اعترافا، ويسمى توكيدا لنفسه ".
قال الرضى: يعني بكون المصدر مضمونا لجملة لا تحتمل تلك الجملة من جميع المصادر إلا ذاك المصدر، فلا محتمل لها، إذن، من المصادر إلا ذاك المصدر، ولهذا قيل إن المصدر الظاهر يؤكد نفسه، فاعترافا، في: له علي ألف اعترافا يؤكد الاعتراف الذي تضمنته الجملة المذكورة، كما أن المصدر مؤكد لنفسه في نحو ضربت ضربا، إلا أن المؤكد ههنا مضمون المفرد أي الفعل من دون الفاعل، لان الفعل يدل وحده على المصدر والزمان، وأما في مسالتنا فالاعتراف مضمون الجملة الاسمية بكمالها لا مضمون أحد جزايها،.
ومنه قولهم: الله أكبر دعوة الحق، لان " الله أكبر " أول الاذان الذي هو الدعاء الحق، إذ هو دعاء إلى الصلاة، فدعوة الحق، كرجل صدق، وحمار سوء، ومنه قوله: 89 - إني لامنحك الصدود وإنني * قسما إليك مع الصدود لاميل (1)
__________
(1) يعني أن قوله " قسما " تأكيد للمعنى المستفاد من قوله " وانني مع الصدود لاميل إليك " لما فيه من التحقيق والتاكيد المستفادين من إن واللام.
فكان قال في كل من الجملتين الاولى والثانية: أقسم قسما، والبيت من قصيدة جيدة للاحوص الانصاري في مدح عمر بن عبد الغزيز، وهو الثاني بعد مطلعها الذي يقول فيه: = (*)(1/323)
لان " قسما " بمعنى التأكيد، وهو الحاصل في الكلام السابق، بسبب " ان " واللام.
فالمصدر المؤكد لنفسه هو الذي يؤكد جملة تدل على ذلك المصدر نصا، ومنه: " صبغة الله، وصنع الله، وكتاب الله " ونحوها، لان ما تقدمها من الكلام نص على معاني هذه المصادر.
وجئ بالمصادر مضافة إلى الفاعل، لانه حصل الياس من إظهار فعلها كما تقدم، ففي مثل هذه المصادر ضابطان لوجوب أفعالها، الاضافة المذكورة، وكونها تأكيدا لانفسها، ولا يمتنع في كل ما هو تأكيد لنفسه من المصادر أن يقال: الجملة المتقدمة عاملة
فيه، لنيابتها عن الافعال الناصبة، وتاديتها معناها، كما قلنا في نحو: لزيد صوت: صوت حمار، فلا يكون من المنصوب باللازم اضماره.
المصدر المؤكد لغيره حذف عامله وجوبا قال ابن الحاجب: " ومنها ما وقع مضمون جملة لها محتمل غيره، نحو: زيد قائم " " حقا، ويسمى توكيدا لغيره ".
قال الرضى: اعلم أن قولك: زيد قائم حقا، مثل رجع زيد القهقرى في أن المصدر في كليهما مؤكد لما يحتمل غيره، إلا أن المحتمل في الاول جملة، وفي الثاني مفرد، أعني مجرد الفعل من دون الفاعل.
__________
= يا بيت عاتكة الذي أتعزل * حذر العدا وبه الفؤاد موكل إني لامنحك..الخ.
ومن أبياتها من شواهد النحو قوله: ولو ان ما عالجت لين فؤادها * فقسا، استلين به للان الجندل (*)(1/324)
واعلم أن المؤكد لغيره في الحقيقة مؤكد لنفسه، وإلا فليس بمؤكد، لان معنى التأكيد تقوية الثابت بان تكرره، وإذا لم يكن الشئ ثابتا فكيف يقوى ؟ وإذا كان ثابتا فمكرره إنما يؤكد نفسه.
وبيان كونه مؤكدا لنفسه أن جميع الامثلة الموردة للمؤكد لغيره، إما صريح القول أو ما هو في معنى القول، قال تعالى: " ذلك عيسى بن مريم قول الحق " (1)، وقولهم: هذا القول لا قولك، أي هذا هو القول الحق لا أقول مثل قولك، إنه باطل، وهذا زيد غير ما تقول، " ما " فيه مصدرية، أي قولا غير قولك، ومعنى هذا زيد كمعنى قوله:
أنا أبو النجم وشعري شعري (2) - 70 أي هذا هو ذلك المشهور الممدوح، لا كما تقول في حقه من ضد ذلك، وقولك: هذا زيد حقا أي قولا حقا، وكذا: هذا عبد الله حقا، والحق لا الباطل، وكذا قول أبي طالب: 90 - إذن لاتبعناه على خير حالة * من الدهر جدا غير قول التهازل (3) أي قولا جدا، وكذا قولك: لافعلته البتة، أي قطعت بالفعل وجزمت به قطعة واحدة، والمعنى: أنه ليس فيه تردد بحيث أجزم به ثم يبدو لي ثم أجزم به مرة أخرى، فيكون قطعتان أو أكثر بل هو قطعة واحدة لا يثنى فيها النظر، وكذا قولهم: افعله البتة، أي جزمت بان تفعله وقطعت به قطعة، فالبتة بمعنى القول المقطوع به، وكان اللام فيها في الاصل للعهد أي القطعة المعلومة التي لا تردد فيها (4).
__________
(1) الاية 34 من سورة مريم.
(2) تقدم هذا الشاهد في ص 255 من هذا الجزء.
(3) الضمير في قوله: لاتبعناه راجع إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام والبيت من قصيدة منسوبة في سيرة ابن هشام لابي طالب بن عبد المطلب عم النبي.
وقد أوردها البغدادي وشرحها وهي تتضمن دفاعا عن النبي وذما في أعدائه الذين آذوه، وفيها يقول: كذبتم وبيت الله نبزى محمدا * ولما نطاعن دونه ونقاتل نبزى محمدا أي نغلب عليه ويؤخذ منا.
وبيت الشاهد جواب قسم في قوله في بيت قبله: فو الله لولا أن أجئ بسبة * تجر على أشياخنا في المحافل (4) وقالوا ان همزتها لم تسمع إلا بالقطع والقياس وصلها.
ولا شك أنه أولى في الاستعمال.
(*)(1/325)
فنقول التقدير الاصلي في مثل هذا المصدر أن تجعل الجملة المتقدمة مفعولا بها لقلت، وهذا المصدر مفعولا مطلقا لقلت، بيانا للنوع، فالقول الناصب مدلول الجملة المتقدمة،
لان المتكلم إذا تكلم بالجملة فهي مقولة، فمعنى جميع هذه المصادر، إن كانت بعد الجملة الخبرية: قولا حقا مطابقا للخارج، وهذا المعنى تدل عليه الجملة السابقة نصا بحيث لا احتمال لغيره من حيث مدلول اللفظ، إذ جميع الاخبار من حيث اللفظ لا تدل إلا على الصدق، وأما الكذب فليس بمدلول اللفظ، بل هو نقيض مدلوله، وأما قولهم: الخبر محتمل للصدق والكذب، فليس مرادهم أن الكذب مدلول لفظ الخبر كالصدق، بل المراد أنه يحتمل الكذب من حيث العقل، أي لا يمتنع عقلا ألا يكون مدلول اللفظ ثابتا.
وكذا ما يجئ بعد الامر والنهي من المؤكد لغيره كالبتة، يدلان عليه دلالة نص، لان الامر قاطع بطلب الفعل، والناهي قاطع بطلب تركه وأما قولهم: أجدك لا تفعل كذا، قال: 91 - خليلي هبا طالما قد رقدتما * أجد كما لا تقضيان كراكما (1) ولا يستعمل إلا مع النفي، فليس مؤكدا للفعل المذكور بعده، كما توهم بعضهم، إذ لو أكد قوله: لا تقضيان كراكما، لكان مؤكدا لمضمون المفرد أعني الفعل بلا فاعل، فيكون نحو: رجع زيد القهقرى لان عدم القضاء يكون، إذن، هو المحتمل للجد وغيره، فيكون كالرجوع المحتمل للقهقرى وغيرها.
فان قلت: جدكما، مضمون عدم قضاء المخاطبين لان ذلك قد يكون جدا، وقد
__________
(1) وضح الشارح وجه الاستشهاد بما فيه كفاية.
وهذا البيت من شعر لقس بن ساعدة الايادي من أفصح خطباء الجاهلية وله شعر قليل وهذا البيت أول الابيات أوردها البغدادي وذكر معها قصة غريبة تتضمن أنه قالها في رثاء أخوين أو صديقين له كان يعيش إلى جانب قبريهما ينتظر الموت مثلهما.
وبعد هذا البيت: ألم تعلما أني بسمعان مفردا * ومالي فيه من خليل سواكما مقيم على قبريكما لست بارحا * طوال الليالي أو يجيب صداكما وسمعان اسم موضع.
ومفردا، هكذا ورد منصوبا.
فيكون خبر أني قوله بسمعان ومفردا حال أي اني باق بسمعان حال كوني مفردا، وذكر البغدادي خلافا في نسبة هذا الشعر إلى غير قس بن ساعدة.
(*)(1/326)
يكون هزلا، فيكون مؤكدا للجملة لا للمفرد.
قلت: عدم القضاء هو المحتمل للجد والهزل سواء أسندته إلى المخاطبين أو غيرهما، ويعارض بنحو: زيد رجع القهقرى، فان القهقرى في هذا المثال بيان لرجوع زيد لا للرجوع المطلق، فثبت أن جدكما مبين لمضمون المفرد، ونحن إنما جعلنا المصدر مؤكدا لغيره إذا أكد مضمون القول الذي هو مضمون الجملة لكونها مقولة.
ولا يجوز أن يقدر: أجد كما أقول لا تقضيان، كما قدرنا في بيت أبي طالب: أقول اتبعناه على كل حالة جدا، لفساد المعنى، فنصب أجدك، إذن، بطرح الباء، والمعنى: أبجد منك، كما قال الاصمعي (1)،.
ومثله قوله: أحقا بني أبناء سلمى بن جندل * تهددكم إياي وسط المجالس (2) - 64 أي أفي حق، ومعنى حقا، وجدا، متقاربان.
أو نقول: انتصابه على الحال، كما في فعلته جهدك على الخلاف الذي يجئ فيه.
والفاعل في أجدكما، الفعل (3) الذي بعده إذا لم يكن مصدرا بما، لان لها صدر الكلام، ويجوز أن يقال: هو بتقدير: أتجدان جدا، ثم بين ما يسال عن الجد فيه وهو: لا تقضيان، فيكون، إذن، مما يجب حذف فعله بضابط إضافته إلى الفاعل.
فقد تبين لك بما قدمنا أن جميع المصادر المؤكدة لغيرها، ينبغي أن تكون مدلولة الجملة
__________
(1) الامام عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع..أوصل السيوطي نسبه إلى عدنان، أحد أئمة اللغة السابقين.
عاصر سيبويه، وتناظرا، وأخذ عن أبي عمرو بن العلاء وغيره.
توفي سنة 256 ه.
(2) تقدم ذكر هذا الشاهد في صفحة 247 من هذا الجزء.
(3) قال البغدادي نقلا عن أبي حيان: إن، لا تفعل، أي الفعل المنفي بعد أجدك، عند أبي علي - أي الفارسي - حال أو على اضمار " ان " وارتفع الفعل.
فيمكن أن يكون قول الشارح الرضى أن الفاعل هو الفعل الذي بعده مرادا به هذا.
(*)(1/327)
المتقدمة بحيث لا تحتمل من حيث اللفظ سواها، كما في المؤكدة لنفسها، ويقوي ذلك أنه لا يجوز لك أن تقول: زيد قائم غير حق أو هو عبد الله قولا باطلا لان اللفظ السابق لا يدل عليه، فظهر أن قولهم في نحو: متى زيد قائم ظنك، إن ظنك مصدر مؤكد لغيره كحقا في قولك زيد قائم حقا، ليس بشئ (1)، إذ ليس قولك زيد قائم دالا على ظن المخاطب نصا فانتصابه بنزع الخافص، كما قيل في: أجدك، أو على المصدر لكنه غير مؤكد، ولا يجوز اظهار ناصبه لكونه مضافا إلى فاعله.
فإذا ثبت هذا قلنا: إنما قيل لمثل هذه المصادر مؤكد لغيره مع أن اللفظ السابق دال عليه نصا، لانك إنما تؤكد بمثل هذا التأكيد إذا توهم المخاطب ثبوت نقيض الجملة السابقة في نفس الامر وغلب في ذهنه كذب مدلولها، فكانك أكدت باللفظ النص في معنى (2)، لفظا محتملا لذلك المعنى ولنقيضه، والنص غير المحتمل، فلذلك قيل مؤكد لغيره، وأما المؤكد لنفسه فلا يذكر لمثل هذا الغرض فيسمى توكيدا لنفسه، وهذه عبارة المتأخرين، وسيبويه يسمى المؤكد لنفسه التأكيد الخاص، والمؤكد لغيره التأكيد العام.
وقال المصنف: معنى التوكيد لغيره، أي التوكيد لدفع احتمال غيره، وليس بشئ، لانه في مقابلة التوكيد لنفسه، فينبغي أن يكون " الغير " (3) مؤكدا كالنفس.
وإنما وجب حذف الفعل الناصب في المؤكد لنفسه ولغيره، لكون الجملتين كالنائبتين عن الناصب من حيث الدلالة عليه، وقائمين مقامه، أعني قبل المصدر، فلا يجوز تقدم المصدرين على الجملتين لكونهما كالعامل الضعيف.
قال الزجاج، ولا يمتنع التوسط، نحو: زيد حقا أخوك.
وأنا، لا أرى باسا بارتكاب كون الجملتين بانفسهما عاملتين في المصدرين لافادتهما
__________
(1) خبر قوله فظهر أن قولهم...الخ (2) أي الذي هو نص في معنى، وقوله بعد ذلك لفظا محتملا، مفعولا، مفعول أكدت، (3) انظر التعليق رقم 1 ص 37 من هذا الجزء.
(*)(1/328)
معنى الفعل، كما ذكرنا فلا يتقدم المصدران عليهما لضعف العامل، فلا يكونان، إذن، من هذا الباب.
المصادر المثناة لقصد التكرير قال ابن الحاجب: " ومنها ما وقع مثنى نحو: لبيك وسعديك " قال الرضى: ليس وقوعه مثنى من الضوابط التي يعرف بها وجوب حذف فعله، سواء كان المراد بالتثنية التكرير كقوله تعالى: " ثم ارجع البصر كرتين " (1)، أي رجعا مكررا، أو كان لغير التكرير، نحو: ضربته ضربتين أي مختلفتين بل الضابط لوجوب الحذف في هذا وأمثاله إضافته إلى الفاعل أو المفعول كما ذكرنا قبل.
ولبيك مثنى عند سيبويه، مفرد، كلدى، عند يونس، قلب ألفه ياء لما أضيف إلى المضمر كالف لدى، وليس بوجه، لبقاء يائه مضافا (2) إلى الظاهر، قال: 92 - دعوت لما نابني مسورا * فلبى، فلبي يدى مسور (3) قال أبو علي معتذرا ليونس: يجوز أن يقال: أجري الشاعر الوصل مجرى الوقف على لغة من وقف على أفعى، أفعى بالياء.
وأصل لبيك: ألب لك إلبابين، أي أقيم لخدمتك وامتثال مامورك ولا أبرح مكاني كالمقيم في موضع، والتثنية للتكرير كما في قوله تعالى: " ثم ارجع البصر كرتين " (4)،
__________
(1) الاية 4 من سورة الملك (2) أي عند إضافته إلى الظاهر.
(3) هذا من أبيات سيبويه التي لم يعرف قائلها وهو في كتاب سيبويه ج 1 ص 76.
(4) تقدمت قبل قليل.
(*)(1/329)
والمعنى: إلبابا كثيرا متتاليا، فحذف الفعل، وأقيم المصدر مقامه وحذف زوائده ورد إلى الثلاثي، ثم حذف حرف الجر من المفعول وأضيف المصدر إليه، كل ذلك ليفرغ المجيب بالسرعة من التلبية فيتفرغ لاستماع المأمورية حتى يمتثله، ويجوز أن يكون من: لب بالمكان بمعنى: ألب، فلا يكون محذوف الزوائد.
وأما قولهم: لبى يلبي فهو مشتق من: لبيك، لان معنى: لبى: قال لبيك كما أن معنى: سبح وسلم ويسمل، قال سبحان الله، وسلام عليك، وبسم الله، وأما سبح بمعنى نزه وسلم بمعنى جعله سالما، فلم يشتقا من سبحان الله وسلام عليك.
وسعديك مثل لبيك، أي أسعدك أي أعينك إسعادين، إلا أن أسعد يتعدى بنفسه بخلاف ألب فانه يتعدى باللام (1).
وقولهم: دواليك (2)، أي تداول الامر دوالين، وهذا ذيك أي أسرع إسراعين، قال: 93 - ضربا هذا ذيك وطعنا وخضا (3).
أي ضربا يقال فيه هذا ذيك، كقوله: 94 - جاءوا بمذق هل رايت الذئب قط (4) وهجاجيك، أي كف كفين، كلها مصادر لا تستعمل إلا للتكرير، بخلاف: حنانيك،
__________
(1) لعله أراد بانه يتعدى باللام حين تكون معناه الاجابة، ولكن الاصل أنه يتعدى بالباء لقولهم ألب بالمكان أي أقام.
(2) اعتبر البغدادي هذه الكلمة اشارة إلى شاهد وهو قول سحيم عبد بني الحسحاس: إذا شق برد شق بالبرد مثله * دواليك حتى كلنا غير لابس وشرح الشاهد وذكر ما فيه من روايات وذكر ما يتعلق به وبقائله، كعادته.
وهو من رجز للعجاج في مدح الحجاج بن يوسف الثقفي وفيها يقول في وصف من قاتلهم الحجاج: تجزيهم بالطعن طعنا فرضا * وتارة يلقون قرضا قرضا..الخ
(4) أي كما أن التقدير هنا: جاءوا بمذق يقال فيه: هل رايت..وهذا الرجز أورده الكامل في عدة أشطار منسوبا إلى أحد الرجاز وان كان بعض شراح الشواهد ينسبه للعجاج.
وقبله: حتى إذا جن الظلام واختلط.
أي أنهم جاءوه بهذا المذق في الظلام حتى لا يراه، يصفهم بالبخل.
(*)(1/330)
ومثلها حواليك، وإن كان ظرفا، فانه يستعمل حنان، وحوال، قال: 95 - فقالت: حنان، ما أتى بك ههنا * أذو نسب أم أنت بالحي عارف (1) ومعنى حنانيك أي تحنن تحننا بعد تحنن.
أنواع أخرى من المصادر التى يحذف عاملها وجوبا ومن المصادر الواجب حذف فعلها قياسا، أيضا، كل ما كان توبيخا، مع استفهام ان، أو، لا، نحو قوله: 96 - أرضى وذؤبان الخطوب تنوشني (2) و: أمكرا وأنت في الحديد، وقياما قد علم الله، وأقياما وقد قعد الناس.
وإنما وجب حذف الفعل فيه حرصا على انزجار الموبخ عما أنكر عليه، وقد استعملت الصفات مقام المصادر في التوبيخ نحو: أقائما وقد قعد الناس، وأقائما قد علم الله، وقد قيل إنها أحوال، كما يجئ في باب الحال.
ومما يشبه أن يكون قياسا، كل مصدر عطف على جملة بالواو والمراد بالعطف تأكيد
__________
(1) أورده سيبويه في كتابه ج 1 ص 171 وقال ان " حنان " خبر مبتدا محذوف.
أي شاني حنان، وأصله أحن حنانا فحذف الفعل ورفع المصدر لتكون الجملة اسمية مقيدة للدوام، وهو من أبيات لشاعر اسمه المنذر بن درهم الكلبي في أبيات غزلية يقول فيها: وأحدت عهد من أمية نظرة * على جانب العلياء إذا أنا واقف فقالت حنان...وبعده فقلت لها ذو حاجة ومسلم * فصم علينا المازق المتضايق (2) لم أجد تكملة لهذا الشطر.
واكتفى البغدادي بان شرحه ولم يتعرض لنسبته بنفي ولا اثبات.
والذؤبان جمع ذئب واضافة إلى الخطوب تجعله كناية عن الاحداث الشديدة التي تشبه الذئاب.
تنوشني: تصيبني وتنالني.
(*)(1/331)
المعطوف عليه وتبيينه، كما يقول المجيب: نعم ونعمة عين، أي وأنعم عينك إنعاما، أي أقرها، فحذف الزوائد وأضيف إلى المفعول، أو: نعمت عينك نعمة، أي قرة، وهذا مضبوط بضابط الاضافة أيضا، كما تقدم.
ويقول الراد، لا أفعل ذلك ولا كيدا ولاهما، وهو مصدر كاد أي قرب، ويقال أيضا، ولا كودا، ولا مكادة، ويقول الراد على الناهي: لافعلن ذلك ورغما وهوانا، وتقول: اغتديت ولا اغتداء الغراب، واهتديت ولا اهتداء القطا، أي ولا اغتديت اغتداء الغراب بل أسرع من ذلك.
وإنما وجب حذف الفعل في هذه المصادر لدلالة المعطوف عليه على الفعل المقدر وإغنائه عنه.
ومن القياسات " وتبتل إليه تبتيلا " (1) عند سيبويه، وهذا آخر القياسات.
قيام الجملة مقام المصدر وقد جاءت الجملة قائمة مقام المصدر، وهي " فاها لفيك " (2)، أي فا الداهية، والمعنى دهيت دهيا، والاصل فوها لفيك أي إلى فيك، واللام بمعنى إلى، كما تقول في الحال:
__________
(1) الاية 8 من سورة المزمل وتقدمت.
(2) قولهم: فاها لفيك.
استعمال مقصود به الدعاء كما قال الشارح وقد استعمله أحد الشعراء في بيت هو: فقلت له فاها لفيك فانها * قلوص امرئ فاريك ما أنت حاذره وأورد سيبويه.
ج 1 - 159، والخطاب فيه لاسد كان يريد ناقة الشاعر لان قبله: تحسب هواس وأيقن أنني * بها مفتد من واحد لا أغامره
وهواس من أسماء الاسد، ومعناه أن هذا الاسد حسب أو أيقن أنني أتركه يفترس الناقة وأفتدي نفسي بها وأني لا أغامره ولا أقاتله.
فاجبته داعيا عليه وقلت له انها ناقة انسان سيقربك ما تخشاه أي الموت، وقال البغدادي نقلا عن الجرمي أنها لابي سدرة الاعرابي وهو شاعر اسلامي معاصر لجرير والفرزدق، وقد اعتبره البغدادي أحد شواهد هذا الشرح لتمثيل الشارح بقوله: فاها لفيك.
(*)(1/332)
كلمته فاه إلى في، أي مشافها، ويجوز أن تكون هذا أيضا بمعنى المصدر، أي كلمته مشافهة، إلا أنه لا يجب حذف ناصبه، كما وجب ذلك في: فاها لفيك.
ثم جعلت الجملة التي هي فوها لفيك بمعنى المصدر أي أصابته داهية فانمحى عنها معنى المبتدا والخبر وكذا صار معنى: فاه إلى في، مشافهة أو مشافها من غير أن يفهم من المضاف والمضاف إليه معنى، ومن الجار والمجرور معنى آخر، فلما صارت الجملة بمعنى المفرد، أعرب منها ما قبل الاعراب، وهو الجزء الاول باعراب المفرد الذي صارت بمعناه، وهو المصدر، أو الحال فقيل في: فوها، وفوه: فاها وفاه، ترك المضاف إليه والجار والمجرور على ما كانا عليه، وقيل انتصاب فاها على أنه مفعول به، أي جعل الله " فا " الداهية إلى فيك أي جعلها مشافهتك.
المفعول به تعريفه، وأنواع الفعل المتعدي قال ابن الحاجب: " المفعول به ما وقع عليه فعل الفاعل، نحو: ضربت " " زيدا وأعطيت عمرا درهما ".
قال الرضى: قوله: " ما وقع عليه فعل الفاعل "، لفظ جار الله (1)، يريد ما وقع عليه، أو جرى مجرى الواقع، ليدخل فيه المنصوب في: ما ضربت زيدا، وأوجدت ضربا، وأحدثت
قتلا، فكانك أوقعت عدم الضرب على زيد (2)، وكان الضرب كان شيئا أوقعت عليه الايجاد (3).
__________
(1) أي أن عبارة الزمخشري في المفصل: ما وقع عليه فعل الفاعل.
فاخذها ابن الحاجب عنه،.
(2) أي في ما ضربت زيدا.
(3) أي في قولك أوجدت ضربا، ومثله أحدثت قتلا.
(*)(1/333)
وفسر المصنف وقوع الفعل، بتعلقه بما لا يعقل إلا به، فعلى تفسيره ينبغي أن تكون المجرورات في: مررت بزيد، وقربت من عمرو، وبعدت من بكر، وسرت من البصرة إلى الكوفة: مفعولا بها، ولا شك أنه يقال إنها مفعول بها لكن بواسطة حرف جر، ومطلق لفظ المفعول به لا يقع على هذه الاشياء في اصطلاحهم، وكلامنا في المطلق (1).
وأيضا، فان معنى اشترك في قولهم: اشترك زيد وعمرو، لا يفهم بعد إسنادك إياه إلى زيد إلا بشئ آخر وهو عمرو، أو غيره، وليس بمفعول في الاصطلاح.
والاقرب في رسم المفعول به أن يقال: هو ما يصح أن يعبر عنه باسم مفعول غير مقيد مصوغ من عامله المثبت أو المجعول مثبتا (2)،.
فبقولنا: اسم مفعول غير مقيد مصوغ من عامله، يخرج عنه جميع المعمولات، أما المفعول المطلق، فلان الضرب في قولك ضربت ضربا، وأحدثت ضربا، وإن كان مفعولا للمتكلم في المثالين، إلا أنه لا يقال في الاول: أن ضربا مضروب، ويقال في الثاني إنه محدث.
وأما سائر المفاعيل فيطلق عليها اسم المفعول المصوغ من عامله لكن مقيدا بحرف الجر، كما يقال في سرت اليوم فرسخا وجئت وزيد إكراما لك ان اليوم مسير فيه وكذا فرسخا، وزيدا مفعول معه، واكراما مفعول له، وكذا في قولك: مررت بزيد، وقمت إلى زيد، زيد ممرور به ومقوم إليه، وزيدا في: قربت زيدا، وجئت زيدا، وبعث زيدا مالا، وكلت زيدا طعاما، وبغيت زيدا شرا، وأمثالها ملحق بالمفعول به بحذف حرف الجر،
لانه مقروب منه ومجئ إليه ومبيع منه ومكيل له ومبغي له.
وأفعال القلوب في الحقيقة لا تتعدى إلا إلى مفعول واحد وهو مضمون الجزء الثاني مضافا إلى الاول، فالمعلوم في: علمت زيدا قائما: قيام زيد، لكن نصبهما معا لتعلقه
__________
(1) في لفظ المفعول به إذا أطلق ولم يقيد بحرف جر أو بواسطة.
(2) أي ليشمل الفعل المنفي.
(*)(1/334)
بمضمونهما، ولذا قل حذف أحدهما من دون الاخر، مع أنهما في الاصل مبتدا وخبر، لانك لو حذفت أحدهما لكنت كالحاذف بعض الكلمة.
وباب كسوت وأعطيت، متعد إلى مفعولين حقيقة، لكن أولهما مفعول هذا الفعل الظاهر، إذ زيد في قولك: كسوت زيدا جبة وأعطيت زيدا جبة: مكسو ومعطى، وثانيهما مفعول مطاوع هذا الفعل، إذ الجبة مكتساة ومعطوة أي ماخوذة، وكذا نحو.
أحفرت زيدا النهر، " زيدا " محفر والنهر محفور، فالمعنى: حملت زيدا على أن يكتسي الجبة ويعطوها (1) ويحفر النهر، وليس انتصاب الثاني في مثله بالمطاوع المقدر كما قال بعضهم، أي أحفرته فحفر النهر، لانك تقول: أحفرته النهر فلم يحفره، بل انتصاب المفعولين بالفعل الظاهر لانه متضمن لمعنى الحمل على ذلك الفعل المطاوع، أي حملته على أن يحفر النهر كما مر.
وباب أعلمتك زيدا قائما، في الحقيقة متعد إلى مفعولين فان المعلم هو المخاطب وقيام زيد هو المعلوم، كما قلنا في كسوت وأعطيت، فنصب الثاني والثالث، لكونهما معا متضمنين لمفعوله الثاني، كما قلنا في علمت.
وقولهم: المفعول به: الضمير يرجع إلى الالف واللام، أي الذي يفعل به فعل، أي يعامل بالفعل ويوقع عليه، يقال فعلت به فعلا، قال تعالى: " وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم " (2)، وكذا الضمير في المفعول فيه، وله، ومعه.
وأما ناصب المفعول، فالفعل عند البصريين أو شبهه، بناء على أنه به يتقوم المعنى المقتضي للرفع، أي الفاعلية، أو المعنى المقتضى للنصب أي المفعولية.
وقال الفراء هو افعل والفاعل، وقال هشام بن معاوية من الكوفيين هو الفاعل، وقد
__________
(1) أي يتناولها.
(2) الاية 9 من سورة الاحقاف.
(*)(1/335)
ذكرنا في حد العامل أن هذين القولين أولى، بناء على أن النصب علامة الفضلة لا علامة المفعولية، وقال خلف من الكوفيين: إن عامله: كونه مفعولا، كما فال في الفاعل إن عامله الاسناد، على ما تقدم.(1/336)
تقديم المفعول على الفعل قال ابن الحاجب: " وقد يتقدم على الفعل ".
قال الرضى: هذا الحكم ليس مختصا بالمفعول به، بل المفعولات الخمسة فيه سواء، إلا المفعول معه، وذلك لمراعاة أصل الواو، إذ هي في الاصل للعطف، فموضعها أثناء الكلام.
ويجب تأخير منصوب الفعل إن كان بنون تأكيد مشددة أو مخففه فلا يقال: زيدا اضربن، ولعل ذلك لكون تقديم المنصوب على الفعل دليلا، في ظاهر الامر على أن الفعل غير مهم وإلا لم يؤخر عن مرتبته أي الصدر وتوكيد الفعل مؤذن بكونه مهما، فيتنافران في الظاهر.
وكذا يجب تأخيره عنه لو اشتبه المنصوب بغيره بسبب التقديم، كما في: ضرب
موسى عيسى، إذ لو قلت: عيسى ضرب موسى لظن أن المقدم مبتدا، وكذا لو كان الناصب فعل التعجب نحو: ما أحسن زيد لانه لا يتصرف في معموله كما يجئ.
وكذا لو كان الفعل صلة للحرف، نحو: عجبت من أن تضرب زيدا، لانه لا يفصل بين الحروف الموصولة وصلتها، كما يجئ في الموصولات، ويجب تقديم منصوب الفعل(1/337)
عليه إن تضمن المنصوب معنى الاستفهام أو الشرط، أو أضيف إلى ما تضمن أحدهما، نحو: أيهم ضربت وأي حين تركب أركب، وغلام أيهم ضربت، وغلام من لقيت فأكرمه.
وكذا إن كان المنصوب معمولا لما بعد الفاء التي في جواب " أما "، إذا لم يكن له منصوب سواه، نحو قوله تعالى: " فاما اليتيم فلا تقهر " (1) وذلك لما يجئ في حروف الشرط من أنه لا بد من نائب مناب الشرط المحذوف بعد أما، ولو كان له منصوب آخر جاز أن تقدم أيهما شئت وتخلي (2) الاخر بعد عامله، نحو أما يوم الجمعة فاضرب زيدا، وكذا إن سد شرط آخر مسد شرط " أما "، نحو: أما إن لقيت زيدا فاضرب خالدا: لم يجب تقديم المنصوب.
ومنع الكوفيون نحو: زيدا غلامه ضرب، لان " زيدا " متاخر في التقدير من وجوه: أحدها بالنظر إلى " غلامه " لانه من تمام خبره، والثاني بالنظر إلى " ضرب " لانه معموله، والثالث بالنظر إلى فاعل " ضرب " لانه مفعوله، فبقي الضمير المتصل بغلامه كانه لا مفسر له قبله، بخلاف قوله تعالى: " وإذا ابتلى ابراهيم ربه " (3) لان المنصوب متاخر من جهة المفعولية فقط، وبخلاف: زيدا ضرب غلامه، فانه متاخر من جهة المعمولية والمفعولية، وأجازه البصرية، وهو الحق، اكتفاء بالتقدم اللفظي.
وكذا منع الكوفيون نحو: غلامه أو غلام أخيه ضرب زيد، وأي شئ أراد أخذ زيد، على أن في " أراد ضمير زيد، وذلك لان المفسر في هذه الصورة هو الفاعل، ولا يجوز
أن تقدره قبل المفعول المقدم على الفعل، لان الفاعل لا يتقدم على الفعل فكيف يفسر ما هو متقدم وليس بمقدم تقديرا، وهذا بخلاف: ضرب غلامه زيد، فان مرتبة المفسر قبل الضمير، ويجوز تقديمه عليه، وأجازه البصريون، وهو الحق، نظرا إلى أن مرتبة المفعول
__________
(1) الاية 9 من سورة الضحى (2) وتخلى الاخر أي تبقيه بعد عامله ومعنى التخلية الترك.
(3) الاية 124 من سورة البقرة.
(*)(1/338)
بعد الفاعل، فإذا لم يجز تقديم المفسر وحده أي الفاعل، أخرنا ما اتصل به المفسر، فنقول إن تقدير: غلامه ضرب زيد: ضرب زيد غلامه، وكذا منعوا نحو: ما طعامك أكل إلا زيد، لانك حذفت الفاعل الذي هو الاصل والعمدة، واعتنيت بالمفعول الذي هو فضلة وذلك بان قدمته على الفعل، وأجازة البصريون، وهو أولى، لان المستثنى سد مسد الفاعل.
واعلم أنه لا يوقع فعل فاعله ضمير متصل على مفسره الظاهر، أي لا ينصبه، فلا يقال: زيدا ضرب، كما يجئ في المنصوب على شريطة التفسير.
حذف ناصب المفعول جوازا ووجوبا - مواضع الحذف الواجب السماعية قال ابن الحاجب: " وقد يحذف الفعل لقيام قرينة، جوازا كقولك زيدا لمن قال: " " من أضرب، ووجوبا في أربعة مواضع: الاول سماعي نحو: " " امرءا ونفسه، و: " انتهوا خيرا لكم " (1)، وأهلا وسهلا ".
قال الرضى: القرينة الدالة على تعيين المحذوف قد تكون لفظية، كما إذا قال شخص، من أضرب ؟
__________
(1) الاية 171 من سورة النساء.
(*)(1/339)
فتقول زيدا، وقد تكون حالية، كما إذا رايت شخصا في يده خشبة قاصدا لضرب شخص فتقول: زيدا.
قوله: " امرءا ونفسه " أي دع امرءا، والواو بمعنى " مع " أو للعطف.
وعلة وجوب الحذف في السماعيات كثرة الاستعمال، وإنما كانت سماعية لعدم ضابط يعرف به ثبوت علة وسبب الحذف، أي كثرة الاستعمال، بخلاف المنادى فان الضابط كونه منادى.
وقوله تعالى: " انتهوا خيرا لكم " تفسير سيبويه: انتهوا عن التثليث وائتوا خيرا لكم، وقال الكسائي التقدير: انتهوا يكن خيرا لكم، وليس بوجه، لان " كان " لا يقدر قياسا، فلا يقال: عبد الله المقتول، أي كن ذلك، وقال الفراء: لو كان على إضمار " كان " لجاز: اتق الله محسنا، أي تكن محسنا، وهو عنده بتقدير: انتهوا انتهاء خيرا لكم، وقولهم: حسبك خيرا لك، ووراءك أوسع لك، بتقدير: حسبك وائت خيرا لك، ووراءك وائت مكانا أوسع لك يقوي مذهب سيبويه، أي تقدير " أئت " في الاية، وكذا قوله: 97 - فواعديه سرحتي مالك * أو الربا بينهما أسهلا (1) وكذا قولهم، انته أمرا قاصدا، أي انته عن هذا وائت أمرا قاصدا.
وقرينة " ائت " في هذا المواضع، أنك نهيت في الاول عن شئ ثم جئت بعده بما لا تنهى عنه بل هو مما يؤمر به، فيجب أن ينتصب بائت أو اقصد أو ما يفيد هذا المعنى، وليس قولهم: أمرا قاصدا، مما يجب حذف فعله على ما ذكره سيبويه، وأورده الزمخشري
__________
(1) هو من شعر عمر بن أبي ربيعة في احدى قصائده الغزلية التي يسلك فيها أسلوب القصة والمحاورة.
وبعده إن جاء فليات على بغلة * اني أخاف المهر أن يصهلا
وروى بيت الشاهد بما يخرجه عن الاستشهاد وهو: سلمى، عديه سرحتي مالك * أو الربا دونهما منزلا وسرحتا مالك، والربا، موضعان معينان.
(*)(1/340)
في ذلك وأورد سيبويه (1) " وانتهوا خيرا لكم " وحسبك خيرا لك، فيما وجب إضمار فعله ولعله سمع: انته وائت أمرا قاصدا باظهار ناصب " أمرا " ولم يسمع إظهار ناصب " خيرا لكم " وخيرا لك، وإلا فالثلاثة متقاربة المعنى، ومعنى: أمرا قاصدا: ذا قصد، والقصد في الامر خلاف القصور والافراط، قال: 98 - كلا طرفي قصد الامور ذميم (2) قوله: " أهلا " أي أتيت أهلا لا أجانب، وسهلا، أي وطئت مكانا سهلا عليك لا وعرا.
وقال المبرد: هي منصوبة على المصدر، أي رحبت بلادك مرحبا أي رحبا، وأهلت أهلا أي تأهلت تأهلا فقدر له فعلا وإن لم يكن له فعل كما قيل في نحو القهقري على نحو ما ذكرنا، وسهل موضعك سهلا على وضع " سهلا " موضع سهولة.
ومن الواجب إضمار فعلها سماعا، قولهم: هذا ولا زعماتك، كان المخاطب كان يزعم زعمات كاذبة، فلما ظهر ما يخالف ذلك، من قول عليه سيماء الصدق صادر من غيره، قيل له: هذا ولا زعماتك، أي هذا الحق، ولا أتوهم زعماتك ويجوز أن يكون التقدير: أزعم هذا ولا أزعم زعماتك، أو أزعم هذا، ولا تزعم زعماتك.
ومنها قولهم: من أنت زيدا، وأصله أن رجلا غير معروف بفضيلة يسعى بزيد، وكان اسم رجل مشهور، فانكر ذلك عليه أي: من أنت ذاكرا زيدا أو تذكر زيدا، وانتصاب ذاكرا على الحال من معنى: من أنت، أي من تكون ؟ كما قيل في: كيف
__________
(1) الكتاب ج 1 ص 143.
(2) ورد هذا الشطر وهو يجري مجرى المثل، في قول شاعر لم يذكر أحد اسمه وإنما ورد في كتاب " العباب في
شرح أبيات الاداب " كما قال البغدادي ألفه ابن سناء الملك وضمنه أبياتا واشطارا تتضمن حكما ومواعظ، وهو عجز أحد بيتين هما: عليك باوساط الامور فانها * طريق إلى نهج الصواب قويم ولا تلك فيها مفرطا أو مفرطا * كلاطر في قصد الامور ذميم وقد تضمن كثير من الشعر هذا الشطر.
والله أعلم بحقيقة الحال.
(*)(1/341)
أنت وقصعة من ثريت، أي كيف تكون، ويقال هذا أيضا فيمن ذكر عظيما بسوء، أي من أنت تذكر زيدا، ويروي زيد بالرفع، أي: كلامك زيد، نحو كلمته فوه إلى في، والنصب أقوى وأشهر.
ومنها قولهم: عذيرك من فلان، والعذير: إما بمعنى العاذر كالسميع أو المعذر، كالاليم بمعنى المؤلم، وأعذر وعذر بمعنى، ويجوز أن يكون العذير بمعنى العذر، إلا أن الفعيل في مصدر غير الاصوات قليل، كالنكير، وأما في الاصوات كالصهيل والنئيم فكثير، والعذير أيضا، الحال يحاولها المرء يعذر عليها، قال: 99 - جاري لا تستنكري عذيري * سيرى وإشفاقي على بعيري (1) بين بقوله: سيرى وإشفاقي، الحال التي ينبغي أن يعذر فيها ولا يلام علبها، يقال هذا إذا أساء شخص الصنيع إلى المخاطب، أي أحضر عاذرك أو عذرك أو الحال التي تعذر فيها ولا تلام، وهي فعل المكروه إلى ذلك الشخص، أي لك العذر فيما تجازيه لسوء صنيعه إليك.
ومن في " من فلان " أي من أجل الاساءة إليه وإيذائه، أي أنت ذو عذر فيما تعامله به من المكروه.
ومنه ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لابي بكر: أعذرني من عائشة " (2) أي من جهة تأديبها وتعريكها، وفي الخبر: " لن يهلك حتى يعذروا من أنفسهم " أي يقيموا العذر بسبب كثرة ذنوبهم، لمعذبهم ومهلكهم، فمعني من أنفسهم أي من جهة
أنفسهم وإهلاكها.
ويقال: من يعذرني من فلان أي من أجل إيذائي إياه، أي: لي عذر في إيذائه فهل ههنا من يعذرني.
__________
(1) هو أول رجز للعلاج وبعده: كثرة الحديث عن شقوري.
ووجه الاستشهاد به وضحه الشارح.
(2) قال ابن الاثير في (النهاية) في غريب الحديث والاثر: مادة " عذر " ما خلاصته: واستعذر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر من عائشة.
كان قد عتب عليها في شئ فقال لابي بكر: كن عذيري من عائشة ان أدبتها.
أو اعذرني منها..ومثله في لسان العرب.
(*)(1/342)
ومنها قولهم: أهلك والليل، إن كان فيه الواو بمعنى " مع "، فالمعنى: الحق أهلك مع الليل، أي لا يسبقك الليل إليهم، وإن كانت للعطف، انتصب الليل بفعل آخر غير ناصب " أهلك "، أي الحق أهلك واسبق الليل.
ومنها: كليها وتمرا، أي أعطني كليهما وتمرا، وأصله أنه قال شخص بين يديه زبد وسنام وتمر، لاخر: أي هذين تريد، مشيرا إلى الزبد والسنام، فقال ذلك الاخر ذلك.
ومنها قولهم الكلاب على البقر، أي أرسل، و: أحشفا وسوء كيلة أي أتجمع حشفا، و: كل شئ ولا شتيمة حر، أي اصنع كل شئ ولا ترتكب شتمية حر و: إن تأتني فاهل الليل وأهل النهار أي فتاتي أهل الليل وأهل النهار، أي أهلا لك بالليل والنهار، و: ديار الاحبة، أي اذكرها، وقولهم: كاليوم رجلا، أي ما رايت كرجل اليوم رجلا، على حذف ناصب " رجلا " وحذف ما أضيف إلى اليوم، وكاليوم حال مقدم من " رجلا "، وقد يقال: كلاهما بالرفع وتمرا، وكل شئ ولا شتمية حر، أي كلاهما لي، وكل شئ أمم، (1).
ووجوب الحذف في جميع ما ذكر وأمثالها، لكونها أمثالا أو كالمثل في كثرة الاستعمال والامثال لا تغير.
واعلم أن المفعول به يحذف كثيرا، إلا في أفعال القلوب، كما يجئ في بابها، وكذا المتعجب منه، فانه لا يحذف إلا مع قيام القرينة على تعيينه، نحو: ما أحسنك وأجمل، إذ لا فائدة من التعجب من دون المتجب منه، ولا يحذف المجاب به نحو: ضربت زيدا في جواب من قال: من ضربت، إذ هو مقصود الكلام، وكذا إذا كان مستثنى نحو: ما ضربت إلا زيدا.
وما حذف من المفعول به فهو على ضربين:
__________
(1) أي سهل هين.
(*)(1/343)
إما منوي، كما في قوله تعالى: " يغفر لمن يشاء " (1) أي لمن يشاؤه.
أو غير منوي، وذلك إما لتضمين الفعل معنى اللازم كقوله تعالى: " يخالفون عن أمره " (2)، أي يعدلون، وقوله: 100 - وإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها * إلى الضيف بجرح في عراقبها نصلى (3) أي يؤثر بالجرح.
وإما للمبالغة بترك التقييد كما تقول: فلان يعطي ويمنع، قال الله تعالى: " والله يقبض ويبسط " (4).
المنادى قال ابن الحاجب: " والثاني المنادى وهو المطلوب إقباله بحرف نائب " " مناب أدعو، لفظا أو تقديرا " قال الرضى: قوله: " المطلوب إقباله "، إي الذي تطلب منه أن يقبل عليك بوجهه، قال المصنف:
__________
(1) الاية 129 من سورة آل عمران.
(2) الاية 63 من سورة النور.
(3) من قصيدة لذي الرمة يقول في آخرها: فما لام يوما من أخ وهو صادق * خاي ولا اعتلت على ضيفها إبلي إذا كان فيها الرسل لم تات دونه * فصالي ولو كانت عجافا ولا أهلي وان تعتذر بالمحل...* الخ والمحل انقطاع المطر وقصد به انقطاع اللبن من ضروعها يقول إذا لم يكن فيها لبن للضيف عقرتها عوضا عن اللبن.
(4) الاية 245 من سورة البقرة.
(*)(1/344)
المطلوب إقباله، أخرج المندوب لانه المتفجع عليه، لا المطلوب إقباله، وبحرف نائب مناب أدعو خرج نحو " زيد " في قولك: أطلب إقبال زيد.
وقد تصلف (1) المصنف بهذا الحد، وقال إن الزمخشري لم يحد المنادى لاشكاله وذلك لانه لو حد بامر معنوي، أي كونه مطلوب الاقبال دخل فيه " زيد " في أطلب إقبال زيد، ولو حد بامر اللفظي، أي ما دخل عليه " يا " وأخواتها دخل فيه المندوب، وليس بمنادي.
والظاهر أن جار الله لم يحده لظهوره (2) لا لاشكاله فان المنادى عنده: كل ما دخله " يا " وأخواتها، والمندوب عنده منادى على وجه التفجع، كما صرح به لما فصل أحكام المنادى في الاعراب والبناء.
وكذا الظاهر من كلام سيبويه (3) أنه منادى، كما قال الجزولي: المندوب منادى على وجه التفجع، فإذا قلت: يا محمداه فكانك تناديه وتقول له: تعال فاني مشتاق إليك، ومنه قولهم في المراثي: لا تبعد، أي لا تهلك، كأنهم من ضنهم بالميت عن الموت تصوروه حيا فكرهوا موته فقالوا لا تبعد، أي لا بعدت ولا هلكت، وكذا المندوب المتوجع عليه
نحو: وا ويلاه وواثبوراه وواحزناه، أي: احضر حتى يتعجب من فظاعتك.
والدليل على أنه مدعو، قوله تعالى: " لا تدعو اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا " (4)، أمرهم بقول: واثبوراه.
وكذا المستغاث منادى دخله معنى الاستغاثة، وكذا المتعجب منه منادى دخله معنى التعجب، فمعنى: يا للماء، ويا للدواهي: احضرا، حتى يتعجب منكما، وكذا لا يرد
__________
(1) تصلف.
أي أخذه الكبر وسيأتي بيان أنه لا وجه لهذا الادعاء.
(2) هذا وجه التصلف الذي اتهم به المصنف، لانه فرض أن تعريف المنادى خفي على الزمخشري وأنه جاء بما لم يات به الزمخشري.
(3) قال سيبويه في كتابه ج 1 ص 321: والمندوب مدعو.
ولكن متفجع عليه.
(4) الاية 14 من سورة الفرقان.
(*)(1/345)
عليه المخصوص فانه يقول: هو منادى، نقل إلى معنى الاختصاص، والعارض غير معتد به.
وانتصاب المنادى عند سيبويه على أنه مفعول به، وناصبه الفعل المقدر، وأصله، عنده، يا أدعو زيدا، فحذف الفعل حذفا لازما لكثرة الاستعمال، ولدلالة حرف النداء عليه وإفادة فائدة، وأجاز المبرد نصب المنادى على (1) حرف النداء، لسده مسد الفعل، وليس ببعيد، لانه يمال إمالة الفعل، فلا يكون، إذن، من هذا الباب أي ما انتصب المفعول به بعامل واجب الحذف.
وعلى المذهبين، فيازيد جملة، وليس المنادى أحد جزاي الجملة، فعند سيبويه: جزءا الجملة، أي الفعل والفاعل مقدران، وعند المبرد: حرف النداء سد مسد أحد جزاي الجملة أي الفعل، والفاعل مقدر، ولا منع من دعوى سده مسدهما، والمفعول به ههنا على المذهبين واجب الذكر لفظا أو تقديرا، إذ لا نداء بدون المنادى،.
وما أورد (2) ههنا إلزاما، من أن الفعل لو كان مقدرا، أو كان " يا " عوضا منه، لكان جملة خبرية، غير لازم، لان الفعل مقصود به الانشاء، فالاولى أن يقدر بلفظ الماضي، أي دعوت، أو ناديت، لان الاغلب في الافعال الانشائية مجيئها بلفظ الماضي.
وقال أبو علي في بعض كلامه: إن " يا " وأخواته أسماء أفعال، ومنع بان أسماء الافعال لا تكون على أقل من حرفين والهمزة من أدوات النداء، ويمكن أن يقال: خالف أخواتها لكثرة استعمال النداء فجوز في أداته ما لم يجوز في غيرها، ألا ترى إلى الترخيم، ومنع أيضا، بان الضمير فيه لا يكون لغائب لعدم تقدم ذكره ولا لمتكلم لان اسم الفعل لا يضمر فيه ضمير المتكلم.
والجواب: أن اسم كل فعل يجري مجرى ذلك الفعل في كون فاعله ظاهرا أو مضمرا
__________
(1) هكذا وردت ولعلها بمعنى أن نصب المنادى محمول على حرف النداء.
وربما كانت محرفة.
(2) أي ما أورده بعض الناقدين لهذين الرايين...وخبر هذا الكلام قوله: غير لازم.
(*)(1/346)
غائبا أو متكلم أو مخاطبا، لكن لا يبرز في اسم الفعل شئ من الضمائر، تقول: صه، في المفرد المذكر والمؤنث، وكذا في مثناهما، ومجموعهما، وإذا كانت أداة النداء بمعنى فعل المتكلم استتر فيه ضميره فيكون، كما قال بعضهم، في أف، أنه بمعنى أتضجر أو تضجرت وفي: أوه، أنه بمعنى أتوجع أو توجعت.
وقيل: لو كان اسم فعل، لتم من دون المنادى لكونه جملة، والجواب أنه قد يعرض للجملة، لا تستقل كلاما إلا (1) بوجوده، كالجملة القسمية والشرطية، والنداء لا بد له من منادى.
واعلم أنه قد ينصب عامل المنادى، المصدر اتفاقا، نحو: يا زيد دعاء حقا، ويجوز أن يكون (2) مثل: الله أكبر دعوة الحق، وزيد قائم حقا، أي منتصبا بعامل مقدر، كما قيل فيهما.
وأجاز المبرد نصبه للحال، نحو يا زيد قائما، إذا ناديته في حال قيامه قال: ومنه: 101 - يا بؤس للجهل ضرارا باقوام (3) والظاهر أن عامله بؤس، الذي بمعنى الشدة، وهو مضاف إلى صاحب الحال أعني الجهل تقديرا لزيادة اللام فهو مثل: أعجبني مجئ زيد راكبا.
__________
(1) زيادة لا بد منها وليست في المطبوعة.
(2) أن يكون هذا المثال أي يا زيد دعاء حقا.
(3) هذا عجز بيت صدره: قالت بنو عامر خالوا بني اسد.
وخالوا من المخالاة، أي تاركوهم، وهو مطلع أبيات للنابغة الذبياني، قالها لزرعة العامري، وقد بعث بنو عامر إلى بني ذبيان أن اتركوا بني أسد واقطعوا ما بينكم وبينهم من الحلف، فسفه النابغة أحلامهم واتهمهم بالجهل ويقول بعد هذا البيت: بابي البلاء فلا نبغي بهم بدلا * ولا نريد خلاء بعد إحكام فصالحونا جميعا ان بدا لكم * ولا تقولوا لنا أمثالها عام وقوله عام: مرخم عامر: يريد يا عامر أي بني عامر.
ينهاهم أن يعودوا لمثل ذلك.
(*)(1/347)
أحكام المنادى المفرد المعرفة قال ابن الحاجب: " ويبنى على ما يرفع به إن كان مفردا معرفة، مثل " " يا زيد ويا رجل، ويا زيدان ويا زيدون ".
قال الرضى: إنما قال ما يرفع به ليكون أعم من قوله: يبنى على الضم، فان نحو: يا زيدان ويا زيدون خارج منه، وما يرفع به الاسم: الضم والالف والواو.
وقال الكسائي: المنادى المفرد المعرفة مرفوع لتجرده عن العوامل اللفظية، ولا يعني
أن التجرد فيه عامل الرفع كما قال بعضهم في المبتدا بل المراد به أنه لم يكن فيه سبب البناء حتى يبنى فلا بد فيه من الاعراب، ثم إنا لو جررناه لشابه المضاف إلى ياء المتكلم إذا حذف الياء، ولو فتحناه لشابه غير المنصرف، فرفعناه ولم ننونه، ليكون فرقا بينه وبين ما رفع بعامل رافع.
ولا يعترض عليه بالمبتدا فان العامل فيه عنده هو الخبر، قال: وإنما نصب المنادى المضاف لطوله ولان المنصوبات في كلام العرب أكثر، فهو عنده، مرفوع أو منصوب بلا عامل.(1/349)
وقال الفراء: أصل يا زيد، يا زيدا ليكون المنادى بين الصوتين ثم اكتفى بيا، ونوى الالف فصار كالغايات فبني على الضم، وفتح المضاف لوقوع إليه موقع الالف في يا زيدا، فحركته عنده، ليست نصبا.
ولا أدري ما يقول في نصب المضارع والمفرد النكرة، ولم لا يجري المضاف مجراهما في كونه منصوبا.
قوله " مفردا " أي الذي لا يكون مضافا ولا مضارعا له، فيدخل فيه نحو: يا زيدان ويا زيدون، ويعني بالمعرفة ما كان مقصودا قصده، سواء تعرف بالنداء، أو كان معرفة قبله، فيضم نحو: يا زيد ويا رجل، ويا هذا ويا أنت، والضم مقدر في المنقوص والمقصور نحو يا قاضى ويا فتى، وفي المبني قبل النداء نحو: يا هذا، ويا هؤلاء ويونس يحذف الياء في المنقوص ويعوض منها تنوينا فيقول: يا قاض، لانه لم يعهد لام المنقوص ثابتا مع السكون بلا لام أو إضافة، ولا يحذف في: يا مرى من الاراءة، خوفا من الاجحاف بالكلمة وانما بني المفرد المعرفة لوقوعه موقع الكاف الاسمية المشابهة لفظا ومعنى لكاف الخطاب الحرفية، وكونه مثلها إفرادا وتعريفا وذلك لان يا زيد بمنزلة أدعوك، وهذا الكاف مشابه
للكاف في " ذلك " لفظا ومعنى.
وإنما قلنا ذلك لما تقرر أن الاسم لا يبنى إلا لمشابهة الحرف بوجه أو الفعل، ولا يبنى لمشابهة الاسم المبني.
وأما المضاف والمضارع له، فلم يبنيا لأنهما ليسا كالكاف إفرادا ولم يبن المفرد المنكر لأنه ليس مثلها تعريفا ولم يقع موقعها.
وإن وقع المضمر منادى، جاز: يا أنت نظرا الى المظهر، قال: 102 - يا أبجر بن أبجر يا أنتا * أنت الذي طلقت عام جعتا (1)
__________
(1) في رواية: يا مر بن واقع.
وهو المقصود بالخطاب وهذا رجز لسالم بن دارة وقد كان هو ومرة بن واقع = (*)(1/350)
وجاز: يا إياك نظرا الى كونه مفعولا، كما ورد في كلام الأحوص يا إياك قد كفيتك قاله لأبيه لما أراد أن يتكلم.
وإذا اضطر إلى تنوين المنادى المضموم، اقتصر على القدر المضطر إليه من التنوين، قال: 103 - سلام الله يا مطر عليها * وليس عليك يا مطر السلام (2) وعند يونس: ينصب (3) رجوعا به إلى حركته الاعرابية لما اضطر إلى إزالة البناء بتنوين التمكن.
وإنما بني المفرد على الحركة لأن له عرقا في الاعراب، وبني على الضم فرقا بين حركتي المنادى المعرب نحو يا قوم ويا قومنا وحركة المبني نحو يا قوم، كما عملوا ذلك في نحو قبلك ومن قبلك ومن قبل.
المنادى المفرد مع لام الاستغاثة نصب المنادى قال ابن الحاجب: " ويخفض بلام الاستغاثة نحو: يالزيد ويفتح لالحاق ألفها "
__________
= في ركبين: كل منهما مع قومه، فنزل كل منهما يحدو الابل وكان بينهما ضغن فقال كل منهما رجزا غمز فيه الاخر.
وكان قوله يا أبجر في الرواية التي أوردها الشارح نداء له بوصفه.
(1) قالوا ان الاحوص الانصاري وفد هو وأبوه على معاوية، فخطب الاحوص ثم قام أبوه ليخطب فقال له الاحوص هذا الكلام.
(2) هذا من شعر للاحوص يخاطب به مطرا زوج أخت امراته، وقد كان في سفر بعد زواجه فقالت له امراته مل بنا نزور أختي فأجابها ونزلوا بها فأكرمتهم وكانت جميلة ولما جاء زوجها مطر قالت له قم فسلم على صهرك فازدراه الاحوص وراى أنه لا يليق باخت زوجته وقال هذا الشعر وكاد يقع بينهما شجار عظيم.
(3) نقل هذا الراي سيبويه عن عيسى بن عمر.
ج 1 ص 313.
(*)(1/351)
" ولا لام، نحو يا زيدا، وينصب ما سواهما، نحو: يا عبد الله " " ويا طالعا جبلا، ويا رجلا لغير معين ".
قال الرضى: هذه اللام المفتوحة تدخل المنادى إذا استغيث به نحو يا الله أو تعجب منه، نحو: يا للماء ويا للدواهي، وهى لام التخصيص أدخلت علامة للاستغاثة والتعجب.
وأنما اختيرت من بين الحروف لمناسبة معناها لمعناهما، إذ المستغاث مخصوص من بين أمثاله بالدعاء وكذا المتعجب منه مخصوص من بين أمثاله بالاستحضار لغرابته، فاللام معدية لأدعو المقدر، عند سيبويه، أو لحرف النداء القائم مقامه عند المبرد، إلى المفعول، وجاز ذلك مع أن " أدعو " متعد بنفسه، لضعفه بالإضمار، أو لضعف النائب منابه، ألا ترى أنك تقول ضربي لزيد حسن، وأنا ضارب لزيد " ولا يجوز: ضربت لزيد، وإنما فتحت لام الجر في المستغاث لاجتماع شيئين: أحدهما الفرق بين المستغاث (1)، والمستغاث له وذلك لأنه قد يلي " يا " ما هو مستغاث له بكسر اللام والمنادى محذوف، نحو: يا للمظلوم، ويا للضعيف، أي يا قوم..والثاني وقوع المستغاث موقع الضمير الذي تفتح
لام الجر معه، لما يجئ في حروف الجر.
فان عطف بغير " يا " نحو قوله: 104 - يا للكهول وللشبان للعجب (2) كسرت لام المعطوف لان الفراق بينه وبين المستغاث له حاصل بعطفه على المستغاث، وإن عطفت مع " يا " فلا بد من فتح لام المعطوف أيضا، نحو قوله: 105 - يا لعطافنا ويا لرياح * وأبي الحشرج الفتى النفاح (3)
__________
(1) قد يعبر عنه في بعض الاوقات بالمستغاث به.
(2) هذا عجز بيت صدره: يبكيك ناء بعيد الدار مغترب * قال البغدادي ولم ينسبه أحد إلى قائله.
(3) عطاف ورياح وأبو الحشرج أسماء رجال، والنفاح المعطاء.
وأورد البغدادي قبله: يا لقومي من للعلا والمساعي * يا لقومي من للندى والسماح = (*)(1/352)
وإنما يكسر لام المستغاث له لعدم وقوعه موقع الضمير نحو قوله: يا لله للمسلمين، وفتحت اللام في المتعجب منه لوقوعه موقع الضمير فقط، ويطرد كسر لامه على تأويل أنه مدعو له والمنادى محذوف، نحو يا للدواهي ويا للماء ويا للفليقة (1).
وحكى الفراء عن بعضهم أن أصل يالزيد: يا آل زيد فخفف، وهو ضعيف لانه يقال ذلك فيما لا آل له نحو يا للدواهي، ويا لله ونحوهما.
وقد يستعمل المستغاث له بمن نحو: 106 - فيا لله من ألم الفراق (2).
وهو متعلق بما دل عليه ما قبله من الكلام، أي استغيث بالله من ألم الفراق، وما أما اللام الداخلة في المستغاث له فهي متعلقة بما تعلقت به اللام الاولى، فمعنى يا لله للمسلمين: أخص الله بالدعاء لاجل المسلمين.
وقد يستغنى عن المستغاث له إذا كان معلوما، وقد تدخل اللام المفتوحة على المنادى
المهدد، نحو: يالزيد لاقتلنك، قال مهلهل: 107 - يالبكر انشروا لي كليبا * يا لبكر أين أين الفرار (3) وقولهم أن هذا لام الاستغاثة، كانه استغاث بهم لنشر كليب واستغاث بهم للفرار، تكلف، ولا معنى للاستغاثه ههنا، لا حقيقة ولا مجازا.
__________
= وقال ان الشاعر يرثي رجالا من قومه ويقول لم يبق للعلا والمساعي من يقوم بها بعدهم، ثم قال انه من الشواهد الخمسين التي لم يعرف قائلوها، وهو في سيبويه: ج 1 - ص 319.
(1) الفليقة الداهية.
والعياذ بالله.
(3) هذا من شعر لعبيد الله بن الحر الجعفي في رثاء الحسين بن علي رضي الله عنهما يقول فيه: ولو أني أواسيه بنفسي * لنلت كرامة يوم التلاقي مع ابن المصطفى نفسي فداه * فيا لله من ألم الفراق (3) هو مما قاله المهلهل بن ربيعة أخو كليب الذي قتله جساس بن مرة ونشبت بسبب قتله حرب البسوس.
وقوله: أنشروا بفتح الهمزة وكسر الشين من قوله تعالى ثم إذا شاء أنشره، أي أحياه من موته، وشعر المهلهل في هذه المناسبة كثير، وقصة مقتل أخيه ملات الكتب.
(*)(1/353)
ولا يجوز دخول اللام على المنادى في غير المعاني المذكورة، فلو قلت: يا لزيد قد كان كذا وكذا وأنت تحدثه لم يجز.
ولا يستعمل من حروف النداء في الاستغاثة والتعجب، إلا " يا " وحدها، لكونها أشهر في النداء، فكانت أولى بان يتوسع فيها باستعمالها في المنادى المستغاث به والمتجب منه.
قوله: " ولا لام "، قال الخليل: اللام بدل من الزيادة في آخر المستغاث به والمتعجب منه، فكل واحد من اللام والالف يعاقب صاحبه، في الاستغاثة والتعجب ولا يجتمعان.
وحكم هذه الزيادة كحكم زيادة المندوب فتكون مرة واوا، ومرة ياء، ومرة ألفا، كزيادة المندوب على ما يجئ.
وإنما صار المستغاث به والمتجب منه معربين عند اللام وإن كان مفردين معرفتين، لان علة البناء في المنادى ضعيفة، لانه (1) لمشابهته للاسم المبني المشابه للحرف، فغلب اللام المقتضية للجر، حرف النداء المقتضي للبناء، لضعفه في اقتضاء البناء على ما قلنا مع كونه أبعد من مقتضى الجر.
قوله: " وينصب ما سواهما " أي ينصب ما سوى المفرد المعرفة والمستغاث، مع اللام كان أو مع الالف.
وما سواهما ثلاثة أقسام: المضاف والمضارع له والمفرد النكرة، ويعنون بالمضارع للمضاف اسما يجئ بعده شئ من تمامه إما معمول للاول، نحو: يا طالعا جبلا، ويا حسنا وجهه، ويا خيرا من زيد، وإما معطوف عليه عطف النسق على أن يكون المعطوف مع المعطوف عليه اسما لشئ واحد، نحو: يا ثلاثة وثلاثين لان المجموع اسم لعدد معين كاربعة وخمسة فهو كخمسة عشر، إلا أنه لم يركب لفظه.
ولا فرق في مثل هذا العدد المعطوف بعضه على بعض بين أن يكون علما، أو، لا،
__________
(1) أي البناء.
(*)(1/354)
فانه مضارع للمضاف، وهذا ظاهر مذهب سيبويه (1)، وكذا تقول: لا ثلاثة وثلاثين عندي.
وقال الاندلسي وابن يعيش: هو إنما يضارع المضاف إذا كان علما، وإلا فلا، فيقال عندهما: في غير العلم: يا ثلاثة والثلاثون أو الثلاثين، كيا زيد والحارث، إذا قصد جماعة معينة، وإلا قلت: يا ثلاثة وثلاثين، نحو: يا رجلا وامراة لغير معين.
والاول أولى لطوله قبل النداء، وارتباط بعضه ببعض من حيث المعنى، كما في: يا خيرا من زيد، بل أشد.
وإما نعت هو جملة أو ظرف، نحو قولك: يا حليما لا يعجل، ويا جوادا لا يبخل، قال:
108 - أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله * جرير ولكن في كليب تواضع (2) وقال: 109 - أعبدا حل في شعبى غريبا * ألوما لا أبالك واغترابا (3) وقال:
__________
(1) كتاب سيبويه ج 1 ص 320.
(2) جملة: لا شاعر اليوم مثله، صفة للمنادى وبسببها كان شبيها بالمضاف.
والبيت من قصيدة للصلتان العبدي.
قيل ان جريرا والفرزدق حكماه: فقضى بتفوق الفرزدق وقومه من ناحية الشرف، وحكم بان جريرا أشعر.
وأول القصيدة: أنا الصلتاني الذي قد علمتم * متى ما يحكم فهو بالحكم صادع ومنها بعد الشاهد: جرير أشد الشاعرين شكيمة * ولكن علته الباذخات الفوارع (3) هو مثل البيت السابق في وصف المنادى بالجملة.
وهو من أبيات لجرير في هجاء شاعر اسمه: العباس بن يزيد الكندي وكان قد عارض جريرا لما هجا الراعي النميري وقال: إذا غضبت عليك بنو تميم * حسبت الناس كلهم غضابا وقال العباس بن يزيد في معارضته يذم جريرا وكان العباس مقيما بشعبي وهي غير ديار قومه: لقد غضبت علي بنو تميم * فما نكات بغضبتها ذيابا فرد عليه جرير بهذه الابيات يقول في أولها:.
ستطلع من ذرا شعبى قواف * على الكندي تلتهب التهابا وفيها إقذاع وفحش كثير، وأوردها البغدادي وشرحها.
(*)(1/355)
110 - أدارا بحزوى هجت للعين عبرة * فماء الهوى يرفض أو يترقرق (1) وقال:
ألا يا نخلة من ذات عرق * عليك ورحمة الله السلام (2) - 63 فكل هذا، مضارع للمضاف، سواء جعلته علما أو، لا، وإذا لم تجعله علما جاز أن يتعرف بالقصد، كما في: يا رجل، وألا يتعرف لعدم القصد، كيا رجلا، فتقول في النكرة: يا حسنا وجهه ظريفا ويا ثلاثة وثلاثين ظرفاء، ويا عبدا حل في شعبي غريبا.
وتقول في المعرفة: يا حسنا وجهه الظريف، ويا ثلاثة وثلاثين الظرفاء، وكان القياس في الموصوف بالجملة أو الظرف أيضا، أن يجوز (3) نحو: يا حليما لا يعجل، القدوس، وأدارا بحزوي، الدارسة، لكن كره وصف الشئ بالمعرفة بعد وصفه بالنكرة (4)، فالوجه ألا يوصف إلا بالنكرة، على تقدير أنه كان موصوفا بجميع تلك الصفات المنكرة قبل النداء، فتقول: يا حليما لا يعجل: غفار الذنوب.
هذا، وإن لم يكن المعطوف مع المعطوف عليه اسما لشئ واحد، بل كل منهما اسم لشئ مستقل، نحو: يا رجل وامراة، أو لم يكن الوصف بالجملة، أو الظرف، فليس متبوعها مضارعا للمضاف، لانه يجوز جعله مفردا معرفة مستقلا، فتقول: يا رجل وامراة،
__________
(1) هذا مطلع قصيدة لذي الرمة، وحزوى بضم الحاء موضع بديار بني تميم.
ومن هذه القصيدة قوله: وانسان عيني يحسر الماء تارة * فيبدو وتارات يجم فيفرق وهو من الشواهد النحوية.
وقد ورد مثل هذا المطلع في قصيدة لزهير بن جناب وهو شاعر جاهلي إذ يقول فيا دار سلمى هجت للعين عبرة * فماء الهوى يرفض أو يترقرق (2) المنادى هنا موصوف بشبه الجملة وهو قوله: من ذات عرق وهو موضع بالحجاز.
وتقدم هذا الشاهد في باب المبتدا والخبر وهو الشاهد رقم 63.
وقد كرره هنا ولم ينبه إلى تقدم ذكره وقد أشرنا إلى ذلك في الموضع السابق.
(3) أي أن يجوز نعته بعد ذلك بنعت معرف منصوب.
(4) لانه وصف أولا بالجملة، وهي لا تكون إلا وصفا للنكرة.
(*)(1/356)
ويا رجل الظريف، ولا يجوز مع قصد التعريف يا رجلا وامراة، ويا رجلا ظريفا، بخلاف نحو: يا ثلاثة وثلاثين إذ الاول لا يستعمل من دون الثاني من حيث المعنى، وبخلاف نحو: يا حليما لا يعجل، لان الجملة والظرف، لا يكونان صفة للمعرفة، ألا ترى أنك لا تقول في باب " لا ": لا حليما لا يعجل، ولا غلاما من الغلمان في الدار لان الجملة والظرف يصح وقوعهما وصفا للنكرة، فظهر أنهم مضطرون إلى جعل نحو: يا حليما لا يعجل، وأدارا بحزوى: مضارعا للمضاف مع قصد التعريف أيضا، بخلاف نحو: يا رجلا ظريفا.
فان قيل: اجعل الجملة أو الظرف صلة للذي، وقد صح وصفا للمعرفة: قيل: يبعد الكلام، إذن، جدا عن أصله بزيادة الموصول، والنداء موضع الاختصار، ألا ترى إلى الترخيم وحذف حرف النداء.
وصرح الكسائي والفراء: بتجويز نحو: يا رجلا راكبا، لمعين، لجعله من قبيل المضارع للمضاف، حتى إنهما أجازا: يا راكبا لمعين على حذف الموصوف،.
وفي كلام سيبويه، أيضا، ما يشعر بجوازه.
وفيه إشكال، لاستلزام لا رجلا راكبا، ولا قائل به.
وأما سائر التوابع من البدل وعطف البيان والتاكيد، فلا يجوز أن يكون المنادى بها مضارعا للمضاف، لان شيئا منها ليس مع متبوعها اسما لمسمى واحد، كما في: ثلاثة وثلاثين في العدد، فلا يلزم من ضم متبوعاتها فساد.
كما لزم في نحو: يا حليما لا يعجل.
قوله: " يا ويا رجلا لغير معين "، الفراء والكسائي لا يجيزان النكرة مفردة بل يوجبان الصفة، نحو يا رجلا ظريفا، ونحو قوله: 111 - فيا راكبا إما عرضت فبلغن * نداماي من نجران أن لا تلاقيا (1)
__________
(1) عرضت أي جئت العروض وهي مكة وما حولها وقيل معناه إذا تعرضت وظهرت.
والبيت من قصيدة لعبد يغوث الحارثي اليمني.
كان قد اسر في يوم الكلاب الثاني وانتهى أمر أسره إلى رجل اسمه عصمة بن أبير التيمي.
فقال عبد يغوث وقد عرف أنه مقتول: يا بني تميم: اقتلوني قتلة كريمة، فجاءه عصمة بشراب فسقاه وقطع عرقة الاكحل وتركه ينزف وترك عنده رجلين فاخذا يوبخان عبد يغوث ويلومانه على أنه كان يريد غزوهم فقال هذه القصيدة وأولها: = (*)(1/357)
إنما جاز عندهما، إما لكون راكبا وصفا لموصوف مقدر، أي يا رجلا راكبا، أو لكونه معرفة، ولا يرى البصريون باسا بكون المنادى نكرة غير موصوفة لا في اللفظ ولا في التقدير، إذ لا مانع من ذلك.
وأجاز ثعلب، ضم المنادى المضاف، والمضارع له، إذا جاز دخول اللام عليهما، نحو: يا ضارب الرجل، ويا ضاربا رجلا، وإن لم يجز دخول اللام، نحو: يا عبد الله، ويا خيرا من زيد، ولم يجز ضمهما.
ولعل ذلك في المضاف لكون جواز دخول اللام فيه دليلا على أن الاضافة غير حقيقة، وأن المضاف كالمفرد، ولذلك جاز: يا زيد الحسن الوجه، برفع الوصف اتفاقا، ولم يجز في: يا زيد ذا المال إلا النصب، وأجرى المضارع للمضاف، إذا صلح اللام مجرى المضاف.
__________
= ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا * فما لكما في اللوم خير ولا ليا وهي قصيدة جيدة، ولمالك بن الريب قصيدة تشبهها في الوزن والقافية وفيها بيت مثل بيت الشاهد، جعل بعض شراح الشواهد ينسبون البيت الذي هنا لمالك، وإنما بيت مالك هو: فيا صاحبي أما عرضت فبلغن * بني مازن والريب أن لا تلاقيا وقد أوردها البغدادي.
(*)(1/358)
توابع المنادى قال ابن الحاجب:
" توابع المنادى المبني المفردة، من التأكيد والصفة، وعطف " " البيان، والمعطوف بحرف، الممتنع دخول " يا " عليه ترفع " " على لفظه، وتنصب على محله، نحو: يا زيد العاقل، " " والعاقل، والخليل في المعطوف يختار الرفع، وأبو عمرو، " " النصب، وأبو العباس: إن كان كالحسن فكالخليل، وإلا، " " فكابي عمرو، والمضافة المعنوية تنصب، والبدل والمعطوف " " غير ما ذكر، حكمه حكم المستقل مطلقا، والعلم الموصوف " بابن مضاف إلى علم آخر، يختار فتحه ".
قال الرضى: كان عليه أن يقول: توابع المنادى المبني غير المستغاث الذي في آخره زيادة الاستغاثة، فان توابعه لا ترفع نحو: يا زيدا وعمرا، ولا يجوز: عمرو، لان المتبوع مبني على الفتح وكذا توابع المنادى المجرور باللام، لا تكون إلا مجرورة، تقول: يا لزيد وعمرو، ولا يجوز رفعها ونصبها لظهور إعراب المتبوع، وأما نحو (1): ضرب زيد وعمرو، فسيجئ
__________
(1) أي اتباع المجرور بالاضافة إلى المصدر باعتبار محله.
(*)(1/359)
الكلام عليه في باب الاضافة.
وقال الاصمعي (1): لا يوصف المنادى المضموم لشبهه بالمضمر الذي لا يجوز وصفه، فارتفاع نحو: الظريف، في قولك: يا زيد الظريف، على التقدير: أنت الظريف، وانتصابه على تقدير أعني الظريف.
وليس بشئ، إذ لا يلزم من مشابهته له كونه مثله في جميع أحكامه.
ثم نقول: توابع المنادى على ضربين، إما بدل أو عطف نسق مجرد من اللام، أو غيرهما من
بقية التوابع الخمسة، وهي: النعت والتاكيد وعطف البيان وعطف النسق ذو اللام.
والضرب الاول كالمنادى المستقل، أي كالمنادى الذي باشره حرف النداء، سواء كانا مفردين، أو، لا، وكان متبوعهما مضموما، أو، لا، فتقول: يا زيد ورجلا إذا قصدت التنكير، كما تقول: يا رجلا، وتقول: يا زيد، ورجل، إذا قصدت التعريف وكذا: يا عبد الله ورجلا، ويا عبد الله ورجل.
وكذا إذا كان مضافا أو مضارعا له، نحو: يا زيد وعبد الله، ويا عبد الله وطالعا جبلا.
وتقول في البدل: يا زيد أخانا، ويا عبد الله أخ، وذلك لان البدل ساد مسد المبدل منه والاول في حكم الساقط، وعطف النسق من حيث المعنى منادى مستانف، فإذا لم يكن معه في اللفظ ما يمنع مباشرة حرف النداء، أعني اللام، جعل في اللفظ كالمنادى المستأنف الذي باشره حرف النداء، هذا ما نص عليه سيبويه (2)، وأجاز: يا زيد وعمرا على الموضع إذ بين ما باشره حرف النداء حقيقة، وبين ما هو في حكم المباشر فرق، قالوا، ونظير ذلك: رب شاة وسخلتها (3).
__________
(1) تقدم ذكره ص 327 من هذا الجزء.
(2) هذا البحث في كتاب سيبويه ج 1 ص 305 وما بعدها.
(3) أي انه عطف سخلتها مع اضافته إلى الضمير على مجرور رب وهو نكرة.
والرضى يرى أن مثل هذا المضاف نكرة أيضا.
(*)(1/360)
وعلى ما أجاز، لا يمتنع نحو: يا زيد وعمرو بالرفع حملا على اللفظ، وكذا أجاز: يا عبد الله وزيدا بالنصب، وكل ذلك بناء على أنه قد يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع وكذا البدل، ساد مسد المتبوع وجائز قيامه مقامه، فجاز أن يكون في اللفظ كالنداء المستأنف.
والذي أرى، أن عطف البيان هو البدل كما يجئ في التوابع، فيطرد فيه حكم البدل
نحو: يا عالم زيد، ويا ذا المال بكر، بالضم فيهما، ويجوز في البدل ألا يجعل كالمستقل فيقال: يا عالم زيد بالرفع كما يجئ في التوابع.
فان قيل: فإذا كان البدل والمعطوف المجرد عن اللام في حكم ما باشره الحرف المباشر لمتبوعهما، فليجز: لا رجل غلام لعمرو في البدل، ولا غلام وجارية في العطف.
قلت: لم يطرد ذلك فيه، إما لان بناء " اسم " للتركيب على ما قيل ولا تركيب مع كون أحد جزاي المركب مقدرا، وإما لان عمل " لا " ضعيف لضعف مشابهتها لان، كما يجئ في بابها، ألا ترى إلى انعزالها عن العمل بالفصل بينها وبين معمولها، نحو: " لا فيها غول " (1) وإلى جواز انعزالها بتكرر اسمها، فإذا ضعفت عن التأثير مع ظهورها فكيف تؤثر مع تقديرها، بخلاف " يا "، على أنه قد جاء: لا غلام وجارية بالفتح في المعطوف.
وأما الضرب الثاني من التوابع، أعني النعت والتاكيد وعطف البيان، عند النحاة، وعطف النسق ذا اللام، فنقول: إن كانت تابعة للمنادى المعرب تبعته إعرابا، معارف كانت أو نكرات، إذ لا محل لمتبوعها.
وقال الاخفش في عطف النسق ذي اللام التابع للمعرب: إنه يجوز فيه الرفع أيضا، نحو: يا رجلا والحارث، ويا عبد الله والحارث، وذلك لقوة حكم كونه في حكم المستأنف
__________
(1) الاية 47 من سورة الصافات.
(*)(1/361)
معنى، وكانه باشره حرف النداء كما تقول في يا أيها الرجل، وكذا أجاز ضم عطف البيان المفرد التابع للمعرب نحو: يا أخانا زيد، وقال إن هذا موضع قد اطرد فيه المرفوع، وهو غريب، لم يذكره غيره، وقد قدمنا أن عطف البيان هو البدل فيلزم، إذن، ضمه، إذا كان مفردا، تبع المعرب أو المبني.
وإن كانت التوابع المذكورة تابعة للمنادى المبنى على ما يرفع به، سواء كانت الضمة
ظاهرة أو مقدرة، نحو: يا زيد ويا قاضي ويا فتى ويا هذا، فلا تخلو التوابع من أن تكون مضافة، أو، لا، والمضافة إما لفظية كما في: يا زيد الحسن الوجه، قال: 112 - يا ذا المخوفنا بمقتل شيخه * حجر، تمني صاحب الاحلام (1) وكذا المضارع للمضاف، نحو يا هؤلاء العشرون رجلا، وإما معنوية نحو: يا زيد المال، والاولى حكمها حكم المفردات، لان إضافتها كلا اضافة، فيجوز فيها الرفع والنصب، لانها، إذن، في حكم المضارع للمضاف، والمضارع إذا كان تابعا للمضموم ليس واجب النصب كالمضاف، أما إذا كان منادى فحكمه حكم المضاف في وجوب النصب، والثانية أي المضافة إضافة معنوية، يجب نصبها، نحو: يا زيد أبا عمرو، في عطف البيان، ويا زيد ذا المال في الوصف، ويا تميم كلكم في التأكيد، وجاز، يا تميم كلهم (2) نظرا إلى لفظ تميم، قبل النداء، لان الخطاب فيه عارض، وعطف النسق ذوا اللام لا يكون مضافا إضافة حقيقية.
__________
(1) هذا من شعر عبيد الابرص الاسدي من فحول شعراء الجاهلية.
وكان قومه هم الذين قتلوا حجرا، والد امرئ القيس وكان امرؤ القيس جادا في الاخذ بثار أبيه ومما قاله في ذلك.
والله لا يذهب شيخي باطلا * حتى أبير مالكا وكاهلا القاتلين الملك الحلاحلا * خير معد حسبا ونائلا ومالك وكاهل حيان من بني أسد، فرد عليه عبيد بن الابرص تهديده وقال: يا ذا المخوفنا بقت * - ل أبيه إذلالا وحينا الخ الابيات ومنها: إنا إذا عض الثقا * ف براس صعدتنا لوينا نحمي حقيقتنا وبع * - ض القوم يسقط بينا بينا (2) واضح ان الوجهين الجائزين من جهة عود الضمير مخاطبا أو غائبا.
(*)(1/362)
وابن الانباري (1) يجيز في هذه المضافات الرفع أيضا، كما في المفرد.
وإن لم تكن التوابع المذكورة مضافة، جاز رفعها ونصبها، تقول في الوصف: يا زيد الظريف والظريف، وفي عطف البيان عند النحاة: يا عالم زيد وزيدا، وفي التأكيد: يا تميم أجمعون وأجمعين، وفي المعطوف ذي اللام: يا زيد والحارث والحارث، وأما التوكيد اللفظي فان حكمه في الاغلب حكم الاول إعرابا وبناء، نحو: يا زيد زيد، لانه هو هو لفظا ومعنى، فكان حرف النداء باشره لما باشر الاول.
وقد يجوز إعرابه رفعا ونصبا، قال رؤية: 113 - إني وأسطار سطرن سطرا * لقائل يا نصر نصر نصرا (2) وفي جعل أبي علي، وجار الله: يا زيد زيد بدلا، وجعلا سيبويه إياه (3) عطف بيان، نظر لان البدل وعطف البيان، يفيد ان ما لا يفيده الاول، من غير معنى التأكيد، والثاني فيما نحن فيه لا يفيد إلا التأكيد، فان وصفت الثاني، نحو: يا زيد زيد الطويل، فابو عمرو يضم الثاني أيضا على أنه توكيد لفظي للاول موصوف، أو بدل منه بما حصل له من الوصف، كما في قوله تعالي: " بالناصية ناصية كاذية " (4)، كما ذكرنا في لزيد صوت، صوت حسن، ولا يجوز أن يكون الثاني مع وصفه وصفا للاول، كما جاز هناك، لان العلم لا يوصف به، وحكى يونس عن رؤية أنه كان يقول: يا زيد زيدا الطويل، بنصب زيد الثاني على أنه توكيد مثل يا تميم أجمعين، فلا يمتنع، إذن، رفعه، وذلك لانك لما وصفته
__________
(1) أنظر هامش 1 ص 135 من هذا الجزء.
(2) مراده بقوله وأسطار سطرن سطر أي تسطيرا: القرآن الكريم أي وحق أسطار المصحف.
واختلفوا في كلمة نصر المكررة في البيت.
وأرجح ما قيل أن نصر الاول هو حاجب نصر بن سيار.
وقد منعه من الدخول.
ونصر الثاني هو الاول وهو محل الشاهد من حيث جواز رفعه ونصبه.
والثالث مصدر وهو دعاء لنصر الحاجب بدليل ما بعده وهو قوله: بلغك الله فبلغ نصرا * نصر بن سيار يثبنى وفرا
فكأنه قال: نصرك الله نصرا.
بلغك الله ما تريد.
فبلغ الخ.
(3) في سيبويه ج 1 ص 304.
(4) الاية 15، 16 من سورة العلق.
(*)(1/363)
صار مع صفته كالوصف للاول، فعلى هذا يكون رفع زيد الثاني ونصبه مع الوصف أكثر منهما لو لم يوصف، لصيرورته مع الوصف كالوصف الاول، كما يجئ في قولهم: لا ماء ماء باردا.
ثم اعلم أنه جاز الرفع في المفرد حملا على اللفظ، ولم يجز في المضاف عند غير ابن الانباري، لان النصب في توابع المنادى المضموم، كان هو القياس، لان التوابع الخمسة إنما وضعت تابعة للمعرب في إعرابه، لا للمبني في بنائه، ألا ترى أنك لا تقول: جاءني هؤلاء الكرام بجر الصفة.
حملا على اللفظ، بل يجب رفعها على المحل، لكن لما كانت الضمة التي هي الحركة البنائية تحدث في المنادى بحدوث حرف النداء وتزول بزواله، صارت كالرفع وصار حرف النداء كالعامل لها، وكذلك فتحة: لا رجل، فلمشابهة الضمة للرفعة (1) جاز أن ترفع التوابع المفردة، لانها كالتابعة للمرفوع، وقلل شيئا من استنكار تبعية حركة الاعراب لحركة البناء التي هي خلاف الاصل كون (2) الرفع غير بعيد في هذا التابع المفرد، لانه لو كان منادى لتحرك بشبه الرفع أي الضم، بخلاف التابع المضاف إذ المنادى المضاف واجب النصب.
وأما ابن الانباري فلم ينظر إلى تصور وقوعها موقع المنادى، بل نظر إلى مشابهة متبوعها للمرفوع، وتابع المرفوع مرفوع، سواء كان مضافا أو مفردا، وليس ببعيد في القياس، لكنه لم يثبت.
فان قيل: فلم لم يجز بناء التوابع المفردة ولا سيما الوصف منها كما جاز في: لا رجل ظريف، فكنت تقول: يا زيد الظريف، واللام لا تمنع البناء، كما لم تمنع في: الخمسة عشر.
قلت: إنما جاز ذلك في " لا " لان المنفى في الحقيقة هو الوصف، لا الموصوف، فكان
__________
(1) الرفعة تعبير مستحدث من الرضى.
وقد شاكل به كلمة الضمة.
(2) فاعل: قلل شيئا من استنكار...(*)(1/364)
" لا " باشرت الوصف، وذلك لان معنى لا رجل ظريف فيها، لا ظرافة في الرجال الذين فيها، فالمنفي مضمون الصفة، فهي لنفي الظرفاء لا لنفي الرجال، فكأنه قيل: لا ظريف فيها، بخلاف: يا زيد الظريف، فان المنادى لفظا ومعنى هو المتبوع، فبان الفرق، على أنه أورد الاخفش في " مسائله " (1) الكبير: إن بعضهم يقول في الوصف وعطف البيان نحو: يا زيد الطويل، ويا عالم زيد إنهما مبنيان على الضم كما في البدل، وقد قدمنا أن عطف البيان هو البدل.
قوله: " والخليل في المعطوف يختار الرفع "، أي في المنسوق ذي اللام وإنما اختار الرفع مع نجويز النصب، نظرا إلى المعنى، لانه منادى مستقل معنى، وإن لم يصح مباشرة حرف النداء له، فالرفع أولى، تنبيها على استقلاله معنى، كما في يا أيها الرجل.
وأبو عمرو بن العلاء يختار النصب لانه، لاجل اللام، يمتنع وقوعه موقع المتبوع، فاستبعد أن تجعل حركته كحركة ما باشره الحرف، وكان الوجه أن ينظر إلى كونه تابعا، والوجه في التوابع أن تتبع متبوعاتها في الاعراب لا في البناء.
ويلزم الخليل وأبا عمرو، نظرا إلى العلتين المذكورتين، اختيار الرفع أو النصب في التابع المذكور مع كون المتبوع غير المضموم.
قوله: " وأبو العباس، أن كان كالحسن فكالخليل "، أي المبرد يوافق الخليل في اختيار الرفع إذا كان ذو اللام مثل الحسن في عروض اللام، وجواز حذفها، فكأنه، إذن مجرد عن اللام، ويوافق أبا عمرو في اختيار النصب مع لزوم اللام، كما في الصعق، لامتناع مباشرة حرف النداء له مطلقا، فكيف يضم ؟.
__________
(1) كتاب المسائل الكبير، أحد مؤلفات الاخفش، وله الاوسط، والمسائل الصغير.
(*)(1/365)
حرف التعريف لزومه وعروضه في العلم ويحتاج ههنا إلى معرفة لزوم اللام وعروضها في الاعلام، وذلك بان ينظر إلى العلم، فان كان غالبا، أي كان في الاصل للجنس ثم كثر استعماله لواحد من ذلك الجنس، لخصلة مختصة به من بين ذلك الجنس، ولا بد أن يكون وقت استعماله لذلك الواحد قبل العلمية، مع لام العهد، ليفيد الاختصاص به، وصار بكثرة الاستعمال علما له، ويسمى ذلك بالعلم الاتفاقي، كانت (1) اللام في مثله لازمة، لانه لم يصر علما إلا مع اللام فصارت كبعض حروف ذلك العلم، وذلك إما في الاسم كالبيت (2)، والنجم (3)، والكتاب (4)، وإما في الصفة كالصعق.
(5).
__________
(1) جواب قوله: فان كان غالبا...الخ (2) غلب البيت على الكعبة.
(3) غلب النجم على الثريا.
(4) في عرف النحاة إذا أطلق الكتاب أريد منه كتاب سيبويه.
(5) الصعق رجل من بني كلاب.
قالوا انه كان يطعم الناس بتهامة فهبت ريح سفت في جفانه التراب فسبها فرمي بصاعقة فقتلته وقيل فيه.
وان خويلدا فابكي عليه * قتيل الريح في البلد التهامي.
فعرف بالصعق وعرف بعض أولاده بابن الصعق.
(*)(1/367)
ومن الاعلام الاتفاقية ما يكون بالاضافة نحو ابن عباس، وابن الزبير.
وإن لم يكن غالبا فاما أن يكون منقولا من الصفة أو المصدر، أو، لا والمنقول من أحدهما كالعباس والحسن والحسين والفضل والعلاء والنضر، تكون اللام فيه عارضة غير
لازمة، لانها لم تصر مع اللام أعلاما حتى تكون كاحد أجزائها، بل إنما دخلت اللام في مثلها بعد العلمية، وإن لم يكن العلم محتاجا إلى التعريف وذلك للمح الوصفية الاصلية، ومدح المسمى بها إن كانت متضمنة للمدح كالحسن والحسين، وذمه إن كانت متضمنة للذم، كالقبيح، والجهم، لو سمي بهما، فكانك أخرجتها عن العلمية وأطلقتها على المسمين أوصافا، ومن ثم قيل في المثل: إنما سميت هانئا لتهنا.
والصفات قبل العلمية إذا استعملت في بعض ما تصلح له، كانت مع اللام، كالضارب لبعض الموصوفين بالضرب، وكذا المصادر، أجريت مجرى الصفات لانه قد يوصف بها نحو صوم وزور وعدل.
وليس جواز دخول اللام في الاعلام المنقولة عن الوصف والمصدر مطردا، ألا ترى أنك لا تقول في محمد، وعلي: المحمد، والعلي، بل يجوز دخول اللام في أكثرها.
وما ليس منقولا من الوصف والمصدر، فان كان في الاصل المنقول منه معنى المدح أو الذم، فالاولى جواز لمح الاصل، نحو: الاسد في المسمى باسد، والكلب في المسمى بكلب، قالوا بنو الليث في بني ليث بن بكر بن مناة.
وإن لم يكن في الاصل المنقول منه ذلك، لم تدخله اللام، إلا إذا وقع اشتراك اتفاقي، فحينئذ، إما أن تضيف العلم أو تعرفه باللام، وإن كان في الاصل فعلا، وليسا بمطردين قياسيين، قال: 114 - علا زيدنا يوم النقا راس زيد كم * بابيض ماضي الشفرتين يماني (1)
__________
(1) يوم النقا: مراد به يوم معين كان عند النقا وهو الكثيب من الرمل.
جاء في الكامل للمبرد: وقال رجل من طئ وكان رجل منهم اسمه زيد قتل آخر من بني أسد اسمه زيد أيضا: ثم أقيد القاتل، فقال الطائي مفتخرا: = (*)(1/368)
115 وقال: رايت الوليد بن اليزيد مباركا * شديدا باحناء الخلافة كاهله وأما أعلام أيام الاسبوع، كالاحد والاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس، فمن الغوالب
فتلزمها اللام، وقد يجرد " اثنان " (2) من اللام دون أخواته، نحو قولهم: هذا يوم اثنين مباركا فيه.
وإنما حكمنا بكونها غالبة، وإن لم يثبت الثلاثاء والاربعاء والخميس، أجناسا بمعنى الثالث والرابع والخامس، محافظة على القاعدة الممهدة، في كون الاعلام اللازمة لامها في الاصل أجناسا صارت بالغلبة أعلاما مع لام العهد، فيقدر كونها أجناسا، وكذا في نحو: الثريا والدبران، والعيوق والسماك، وإن لم تثبت ألفاظها أجناسا، ولم نعرف في بعضها أيضا، معنى شاملا للمسمى المعين ولاخواته، كما عرفنا في الثلاثاء والاربعاء، وربما يكون في هذه الاعلام ما ثبت لفظه جنسا، لكن لا يعرف كيفيته غلبته في واحد من جنسه، كالمشتري في الكواكب المعين، فانا لا ندري ما معنى الاشتراء فيه، ولذلك قال سيبويه: وما لم يعرف من هذه الجنس أصله فملحق بما عرف، وعند المصنف: ما لزمته اللام من الاعلام التي لم يثبت استعماله ألفاظها في الجنس الشامل لذلك المعين ولغيره، كالثلاثاء والاربعاء والدبران والمشتري، ليست من الغوالب، لان العلم الغالب: ما كان جنسا ثم صار بالغلبة علما، قال: بل هي أسماء موضوعة لمسمياتها.
__________
= علا زيدنا يوم النقا...البيت وبعده: قان تقتلوا زيدا بزيد فانما * أقادكم السلطان بعد زمان يريد أن زيدنا انما قتل قودا بحكم السلطان، وروي يوم الحمى، بدل يوم النقا.
(1) المراد به الوليد بن عبد الملك بن مروان.
وقائل هذا البيت هو ابن ميادة من قصيدة في مدح الوليد المذكور: أولها: ألا تسال الربع الذي ليس ناطقا * واني على أن لا يبين لسائله وقيل بيت الشاهد: هممت بقول صادق أن أقوله * واني على رغم العدو لقائله وبعده:
أضاء سراج الملك فوق جبينه * غداة تناجى بالنجاح قوابله (2) اسم اليوم المعين.
(*)(1/369)
وإنما ارتكب سيبويه تلك الطريقة، إجراء للازم لامها مجرى واحدا في التقدير، لما أمكن، وكان الاكثر ما ثبت جنسيته، ثم اختص بواحد من الجنس، فالحق القليل بالاعم الاغلب.
فالغوالب عند سيبويه، على أربعة أقسام: أحدها ما ثبتت جنسيته لفظا ويعرف فيه المعنى العام الشامل للمسمى المعين ولاخواته، كالنجم والصعق وابن عباس، وثانيها ما يعرف فيه ذلك المعنى ولم يثبت جنسية لفظه كالثلاثاء، وثالثها ما لا يعرف فيه ذلك المعنى وثبتت، جنسية لفظه كالمشتري، ورابعها ما لا يعرف فيه ذلك المعنى ولم يثبت جنسية لفظه، كالدبران والعيوق للكوكبين لمن لا يعرف معنى العوق والديور، فيهما، هذا بطوله.
ومذهب المبرد (1) ليس ما أحال عليه المصنف، ولا يدل عليه كلامه، وذلك أنه قال، إن كانت اللام في العلم، اخترت مذهب الخليل، لان الالف واللام لا معنى لهما فيه ولا يفيدان التغريف، بل يلمح بهما الوصفية الاصلية فقط، فكأنه مجرد عنهما لان تعريفه بالعلمية، قال وإن كانت اللام في الجنس اخترت مذهب أبي عمرو، لان اللام، إذن، تفيد التعريف فليس الاسم كالمجرد عنها، فعلى هذا، مذهب المبرد في الحسن والصعق معا اختيار الرفع لان اللام لا تفيد التعريف، وهذا كما ترى، خلاف ما نسب إليه المصنف.
قوله: " والمضافة المعنوية " أي التوابع المضافة، وهي في مقابلة قوله قبل: وتوابع المبني المفرد، وليس في نسخ الكافية (2) تقييد المضافة بالمعنوية ولا بد منه، لان اللفظية، كما ذكرنا، جارية مجرى المفردة، وذكر في شرح المفصل في تجويز الرفع في نحو: يا ذا المخوفنا، وفي نحو: 116 - يا صاح يا ذا الضامر العنس * والرحل ذي الاقتاب والحلس (3)
__________
(1) رجوع إلى الموضوع الاصلي وهو التعليق على ما قاله المصنف من مذهب المبرد ومناقشته في ذلك وبيان المذهب الصحيح للمبرد.
وما سبق كان استطرادا لبيان الاعلام الغالبة.
(2) أي نسخ المتن التي نقل منها وكتب عليها شرحه هذا.
(3) هذا من شواهد سيبويه ج 1 ص 306 ونسبة بعض شراح أبيات الكتاب لخزز بن لوذان السدوسي، ونسبه = (*)(1/370)
مع أنهما مضافان،: علتين (1) احداهما أن صفة اسم الاشارة لا تكون إلا مفردة، كما يجئ في باب الوصف، فكأنه قال: يا ذا الرجل الضامر العنس، فالصفة في الحقيقة مفردة: والثانية أن اللام في المضامر والمخوف اسم موصول، مع صلته في حكم المفرد وإن كان مضارعا للمضاف، فكأنه قال: الذي ضمرت عنسه، ولو كان: الذي ضمرت عنسه، يقبل الحركة لم تكن إلا الرفع، فكذا ما كان مثله.
وتزول علتاه في قولك: يا زيد الحسن الوجه، فان الموصوف ليس بالاسم الاشارة، ولا يكون الالف واللام، موصولا إلا في اسم الفاعل أو المفعول، ويجوز رفع الوصف اتفاقا، فالاولى ما قدمناه وهو أن المضاف اللفظي وإن كان مضارعا للمضاف لكن لا يجري تابعا مجرى المضاف في وجوب النصب، بل إنما يجري مجراه إذا كان منادى.
قوله: " غير ما ذكر "، أي غير ذي اللام، قول: " مطلقا " أي مفردين كانا، أو لا، وكان متبوعهما مضموما، أو، لا.
قوله: " والعلم الموصوف بابن "، حكم " ابنة " حكم " ابن " فيما ذكز، وأما بنت فليست مثلهما في النداء، أما في غير النداء ففي جريها مجراهما وجهان، الاولى المنع، لان التخفيف معهما لفظا وخطا، إنما هو لكثرة الاستعمال، ولم يكثر استعمال " بنت "، والشرط أن يكون العلم موصوفا بابن متصلا بموصوفه، احتراز عن نحو: يا زيد الظريف ابن عمرو، فانه لا يفتح المنادى في مثله، إذ مثله غير كثير الاستعمال، فالشروط أربعة: وهي كون المنادى علما، احترازا عن نحو يا رجل ابن زيد وكونه موصوفا بابن،
احترازا عن نحو: يا زيد: ابن عمرو في الدار على أن ابن عمرو، مبتدا (2)، وكون ابن متصلا كما ذكرنا، وكونه مضافا إلى علم، احترازا عن نحو: يا زيد ابن أخينا، فإذا
__________
= صاحب الاغاني لخالد بن المهاجر وزاد بعده: تسرى النهار ولست تاركه * وتجد سيرا كلما تمسي وصواب البيت الثاني: سير النهار فلست تاركه، لان تسري من السرى وهو لا يكون إلا ليلا.
(1) مفعول قوله وذكر في شرح المفصل.
(2) أي أن جملة: ابن عمرو في الدار.
هي اخبار لزيد بمضمونها بعد ندائه.
(*)(1/371)
اجتمعت الشروط، اختير فتح المنادى، ولا يجب، وقد ذهب بعضهم إلى وجوبه.
وإنما اختير فتح المنادى مع هذه الشروط، لكثرة وقوع المنادى جامعا لها، والكثرة مناسبة للتخفيف، فخففوه لفظا بفتحه، وسهل ذلك كون الفتحة حركته المستحقة في الاصل، لكونه مفعولا.
وخففوه خطا بحذف ألف ابن، وابنة (1).
والكوفيون يجوزون فتح المنادى العلم الموصوف باي صفة منصوبة كانت، نحو: يا زيد ذا المال.
وبعض البصريين يجوزون فتح المنادى المفرد المعرفة، علما كان، أو، لا إذا وقع موصوفا بابن، الواقع بين متفقي اللفظ، نحو يا عالم بن العالم.
والعلم المتصف بابن وابنة، الجامع للشرائط الاربع في غير النداء يخفف بحذف تنوينه وجوبا، وبحذف ألف " ابن " خطا، أيضا نحو جاءني زيد بن عمرو.
وقوله: 117 - جارية من قيس بن ثعلبة (2) شاذ.
وإن اختل إحدى الشرائط لم يحذف التنوين، ولا الالف خطا، والمعتبر في كل ما
ذكرنا لفظ ابن، وابنة، لا تثنيتهما وجمعهما، وتصغيرهما، لانه لا يكثر استعمالهما كذلك، وكذا المعتبر كون العلم الموصوف مفردا، لان المثنى والمجموع ليسا بعلمين، أيضا، ولا يكثر استعمالها.
__________
(1) قيد ذلك علماء الرسم.
بان يكون لفظ ابن غير واقع في أول السطر، وإلا رسمت الالف قبله ولو اجتمعت كل هذا الشروط.
(2) هو مطلع أرجوزة للاغلب العجلي يقصد به امراة من العرب اسمها " كلبة " وكانت بينه وبينها مهاجاة وفي الارجوزة التي منها الشاهد فحش كثير.
(*)(1/372)
نداء المعرف بالالف واللام قال ابن الحاجب: " وإذا نودي المعرف باللام قيل: يا أيها الرجل، ويا هذا الرجل " " ويا أيهذا الرجل، والتزموا رفع الرجل لانه مقصود، وتوابعه " " لانها توابع معرب، وقالوا: يا ألله خاصة ".
قال الرضى: لو دخل اللام المنادى، فاما أن يبنى معها وهو بعيد، لكون اللام معاقبة للتنوين فهي كالتنوين، فمن ثم قل بناء الاسم معها كالخمسة عشر وأخواته، والان، فاستكره دخولها مطردا في المنادى المبني.
وإما أن يعرب، وهو أيضا، بعيد، لحصول علة البناء، وهي وقوع المنادى موقع الكاف وكونه مثله في الافراد والتعريف.
وقال بعضهم إنما لم يجمعوا بينهما، كراهة اجتماع حرفي التعريف، وفيه نظر، لان اجتماع حرفين في أحدهما من الفائدة ما في الاخر وزيادة، لا يستنكر، كما في: لقد،(1/373)
وألا إن (1)، على ما يجئ في موضعيهما، قالوا: وليس المحذور اجتماع التعريفين المتغايرين بدليل قولك: يا هذا، ويا عبد الله، ويا أنت، ويا ألله، بل الممتنع اجتماع أداتي التعريف لحصول الاستغناء باحدهما.
وقال المبرد، في الاعلام، إنها تنكر ثم تعرف بحرف النداء، ولا يتم ما قال في: يا ألله، ويا عبد الله (2).
وقال المازني، في اسم الاشارة: ينكر ثم يجبر بحرف النداء، ومن ثم لا يقال: هذا أقبل، أي يا هذا.
ولا حاجة إلى ما ارتكبا، إذ لا منع من كون الشئ المعين مواجها مقصودا بالنداء، وأي محذور من اجتماع مثل هذين التعريفين، هذا، ولما قصدوا الفصل بين حرف النداء واللام (3) بشئ، طلبوا اسما مبهما غير دال على ماهية معينة، محتاجا بالوضع في الدلالة عليها إلى شئ آخر، يقع النداء في الظاهر على هذا الاسم المبهم لشدة احتياجه إلى مخصصه الذي هو ذو اللام.
وذلك أن من ضرورة المنادى أن يكون متميز الماهية، وإن لم يكن معلوم الذات، فلا معنى لنحو، يا شئ، ويا موجود، إلا أن يكنى بمثلهما عن أن المخاطب، ما فيه شئ، مما يكون في العقلاء إلا أنه يقع عليه اسم الشئ والموجود، وهذا مجاز، وكلامنا في الحقيقة.
فوجدوا الاسم المتصف بالصفة المذكورة " أيا " بشرط قطعه عن الاضافة، إذ هي تخصصه، نحو: أي رجل، واسم الاشارة، وأما لفظ شئ، وما بمعنى شئ، فانهما وإن كانا مبهمين، لكن لم يوضعا على أن يزال إبهامهما بالتخصيص، بخلاف: أي،
__________
(1) اجتمع في " لقد " لام التوكيد وحرف التحقيق، وفي " ألا إن " حرفان يستفتح بهما الكلام ويدلان على الثبوت وتزيد " ان " بافادتها التوكيد.
(2) لان لفظ الجلالة لا يقبل التنكير ولو فرضا، والعلم المضاف إلى لفظ الجلالة انما اكتسب التعريف منها.
(3) أي حرف التعريف.
(*)(1/374)
واسم الاشارة، فانهما وضعا مبهمين مشروطا إزالة إبهامهما بشئ، أما اسم الاشارة فبالاشارة الحسية، أو بالوصف، وأما أي، فباسم آخر بعده.
وأما ضمير الغائب فانه وضع مبهما مشروطا إزالة إبهامه بما قبله لا بما بعده، وإن اتفق ذلك (1)، فالاغلب أن يكون منكرا، كما في: ربه رجلا، وأما نحو: رايته زيدا فقليل، وأما الموصول فانه وإن أزال إبهامه ما بعده، لكنه جملة.
ثم نقول: إن " أيا " المقطوع عن الاضافة، أحوج إلى الوصف من اسم الاشارة، لانه، كما ذكرنا، وضع مبهما مزال الابهام باسم بعده بخلاف اسم الاشارة فانه قد يزول إبهامه بالاشارة الحسية.
فلهذا قد يقتصر على: يا هذا، دون: يا أيها، ومن ثم جوز بعضهم في نعت: يا هذا: النصب والرفع كما في: يا زيد الظريف، وأوجب رفع نعت " أي ".
وفصل بعضهم في وصف: يا هذا، فقال: إن كان لبيان الماهية نحو: يا هذا الرجل، وجب الرفع لانه مستغنى عنه، والاجاز الرفع والنصب، نحو: يا هذا الطويل رفعا ونصبا.
وأما المازني والزجاج فجوزا النصب والرفع في وصف اسم الاشارة وأي، قياسا على على نحو: يا زيد الظريف، ولم يثبت.
وإنما قطع " أي " المتوصل به إلى نداء ذي اللام عن الاضافة، لما ذكرنا، من قصد الابهام، وأيضا، لو لم يقطع عن الاضافة لكان منصوبا، وكذا ذو اللام الذي هو وصفه، فلم يمكن التنبيه بنصبه، على كونه مقصودا بالنداء، كما أمكن بلزوم الرفع وترك النصب.
وأبدل هاء التنبيه من المضاف إليه (2)، لانه لم يكن يخلو من مضاف إليه أو من تنوين قائم مقامه، نحو: (أيا ما تدعوا " (3)، وليس هذا موضع التنوين، وأيضا، التنوين بدل
__________
(1) أي ازالة ابهامه بما بعده.
(2) أي جئ بها بدلا منه (3) الاية 110 من سورة الاسراء.
(*)(1/375)
من مضاف إليه معلوم مقدر، كما في قوله تعالى: " ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات " (1)، و " كلا هدينا " (2) والقصد ههنا الابهام، وهاء التنبيه أيضا مناسب للنداء، إذ النداء أيضا تنبيه، ثم، لكون اسم الاشارة أوضح من " أي " وصف " أي " به في بعض المواضع نحو: يا أيهذا، فيقتصر عليه.
وإنما توصل باي إلى نداء اسم الاشارة لان اسم الاشارة في الاصل ما يشار به للمخاطب إلى شئ، فهو في أصل الوضع لغير المخاطب، ولهذا يؤتى فيه بحروف الخطاب كما يجئ في بابه، فتحوشي في بعض الاماكن من أن يدخله حرف يجعله مخاطبا أي حرف النداء، ففصل بينهما باي في بعض المواضع، لتناكرهما في الظاهر، ثم قد يوصف هذا الوصف باسم الجنس نحو يا أيهذا الرجل، فعلى ما ذكرنا، ليس هذا التركيب مصوغا لاجل نداء المعرف باللام، على ما أوما إليه المصنف، بل لاجل نداء اسم الاشارة، بدليل اقتصارهم كثيرا على نحو يا أيهذا من دون الوصف باسم الجنس.
وقال الاخفش في: يا أيها الرجل: أي موصول وذو اللام بعده خبر مبتدا محذوف والجملة صلة أي، وأنما وجب حذف هذا المبتدا لمناسبة التخفيف للمنادى، ولا سيما إذا زيد عليه كلمتان أعني أيها، ويصح تقوية مذهبه بكثرة وقوع " أي " موصولة في غير هذا الموضع، وندور كونها موصوفة، كما يجئ في باب الموصولات.
قيل: لو كانت موصولة لكانت مضارعة للمضاف فوجب نصبها، والجواب، أنه إذا حذف صدر صلتها فالاغلب بناؤها على الضم كما ياتي في الموصول، فحرف النداء، على هذا، يكون داخلا على اسم مبني على الضم فلم يغيره وإن كان مضارعا للمضاف، كما في قولك: يا من قال كذا.
والاكثرون على أن ذا اللام وصف لاسم الاشارة في النداء وغيره، لانه اسم دال على
__________
(1) الاية 32 من سورة الزخرف (2) الاية 84 من سورة الانعام.
(*)(1/376)
معنى في تلك الذات المبهمة وهو الرجولية، وهذا حد النعت كما يجئ، أي ما دل على معنى في متبوعه.
وقال بعضهم هو عطف بيان لعدم الاشتقاق.
والجواب أن الاشتقاق ليس بشرط في الوصف، كما يجئ في بابه، ولا يوصف اسم الاشارة إلا باسم الجنس المعرف باللام كما ياتي في باب النعت، أما اسم الجنس فلانه هو الدال على الماهية من بين الاسماء، والمحتاج إليه في نعت اسم الاشارة بيان ماهية المشار إليه فمن ثم قبح نعتها من الصفات المشتقة إلا بما يخص بعض الماهيات نحو هذا العالم، فقبح: هذا الابيض.
وأما التعريف باللام فلان تعيين الماهية حصل من لفظ الجنس وتعيين الفرد من أفرادها، من اسم الاشارة، فلم يبق إلا تطابق النعت والمنعوت مع أنهما كلمتان بمنزلة قولك: الرجل المعهود، لان لفظ هذا، لا يفيد إلا تعيين الفرد الذي دل عليه الرجل، وهذه الفائدة تحصل من لام العهد، فظهر شدة احتياج المبهم إلى صفته، فمن ثم لا يجوز الفصل بين النعت والمنعوت ههنا، فلا تقول: هذا اليوم الرجل، كما يجوز في غير هذا النوع، ولا، يجوز، أيضا، تفريق صفاته نحو: هؤلاء الرجل والفرس والبقر.
قوله: " والتزموا رفع الرجل "، أي اسم الجنس الواقع صفة لاي، وهذا، وإن كان القياس جواز نصبه أيضا، كما في: يا زيد الظريف، لكن نبهوا بالتزام رفعه على كونه مقصودا بالنداء، فكأنه باشره حرف النداء، وأما الظريف، في: يا زيد الظريف، فليس مقصودا بالنداء، بل المقصود: زيد، وقد ذكرنا الخلاف في تجويز نصبه قبيل.
قوله: وتوابعه "، أي التزموا رفع توابعه.
اعلم أن تابع تابع المنادى عند النحاة مثل متبوعه مطلقا، إن كان تابع المنادى مرفوعا أو منصوبا يحمل تابع التابع على ظاهر إعراب التابع، سواء كان المنادى " أي "، أو " هذا "، أو غيرهما، تقول في غيرهما: يا زيد الطويل ذو الجمة، إذا جعلته صفة للطويل وإن حملته على زيد، نصبت، ومن نصب الطويل، نصب ذا الجمة لا غير، كان نعتا للطويل أو لزيد.(1/377)
وأما في " أي " فان التابع الذي يجئ بعد وصفه لا يكون إلا تابعا لوصف " أي " لانه هو المنادى في الحقيقة، وأي، وصلة إليه.
فعلى هذا، إذا كان ذلك التابع مضافا معنويا فالواجب الرفع نحو: يا أيها الرجل دو المال، ولا يجوز: يا أيها الرجل وعبد الله، لان المعطوف في حكم المعطوف عليه، فيجب، إذن، أذن يكون عبد الله، صفة " أي "، ولا يجوز لانه لا يوصف إلا بذي اللام، ويجوز: يا أيها الرجل الحسن الوجه، كما يجوز يا أيها الحسن الوجه، وكذا يجوز: يا أيها الفاضل والحسن الوجه.
وإن أبدل من وصف " أي "، فان جعل المبدل منه في حكم الطرح لم يجز إلا أن يكون البدل مما يجوز كونه صفة لاي، أعني الجنس ذا اللام، فلا تقول: يا أيها الرجل زيد، وإن لم يجعل المبدل منه في حكم الطرح جاز يا أيها الرجل زيد، برفع زيد، وسيجئ في باب البدل أنه يجوز جعل المبدل منه في حكم الطرح، وتركه (1)، نحو يا عالم زيد بالضم، ويا عالم زيد وزيدا بالرفع والنصب، ولا يجوز: نحو يا أيها الرجل زيد، بضم زيد، بدلا من أي، لما تقدم: أن التابع الذي بعد وصف " أي " لا يتبع " أي ".
وأما إذا جئت به بعد وصف اسم الاشارة، فيجوز فيه الامران لان اسم الاشارة قد يستبد من دون وصفه، فتقول: يا هذا الرجل زيد وذو المال حملا على الوصف، وزيد بالضم، وذا المال حملا على هذا.
وإذا كان ذلك التابع عطف نسق مجردا عن اللام، لم يجز إلا حمله علي هذا، نحو يا هذا الرجل وذو الجمة، لانك لو حملته على الوصف، كان وصفا لهذا، واسم الاشارة لا يوصف إلا بذي اللام كما قلنا في " أي ".
ولا يجوز (2) عطف المضاف لا رفعا ولا نصبا على المفرد الذي هو صفة للمنادى المضموم
__________
(1) أي ترك جعله في حكم الطرح.
(2) جاء في بعض النسخ نسبة هذا الراي للاندلسي (القاسم بن أحمد) ويؤيد ذلك قوله بعد قليل: قال: فلم يبق إلا النصب.
(*)(1/378)
نحو يا زيد الطويل وذو الجمة، أما النصب فلان المنصوب لا يعطف على المرفوع، وأما الرفع فلان حق المعطوف جواز قيامه مقام المعطوف عليه، ولا يجوز: يا زيد ذو الجمة برفع " ذو ".
قال: فلم يبق إلا النصب عطفا على زيد.
وأجاز المازني الرفع حملا على الطويل، ويمنع من كون المعطوف كالمعطوف عليه في كل ما يجب له ويمتنع عليه، ألا ترى إلى قولهم: يا زيد والحارث، ولا يجوز: يا الحارث.
والجواب أنه كان القياس امتناع نحو يا زيد والحارث، لكنه إنما جاز لان المانع من نحو: يا الحارث، اجتماع " يا " واللام لفظا، ولم يجتمعا في يا زيد والحارث فهو مثل يا أيها الرجل من حيث إنهما اجتمعا في الصورتين تقديرا، لا لفظا.
قوله " لانها توابع معرب "، يومئ إلى أن المعرب لا محل له، وإلى أنه لا يحمل على محله، وترك ظاهر إعرابه.
وفي الموضعين نظر.
أما الاول، فلان المضاف إليه إضافة غير محضة، له محل (1) من الاعراب مع كونه
معربا لفظا، نحو: حسن الوجه، ومؤدب الخدام وضارب زيد، وكذا ما أضيف إليه المصدر، قال: 118 - حتى تهجر في الرواح وهاجها * طلب المعقب حقه المظلوم (2)
__________
(1) يريد بالمحل: ملاحظة معناه من حيث كونه فاعلا أو مفعولا.
ولا يريد أنه مبني له محل من الاعراب.
ويسميه النحاة العطف على المعنى.
(2) من قصيدة للبيد بن ربيعة في وصف حمار الوحش وانثاه، وكان قد وصف ناقة أولا ثم شبهها بحمار الوحش الذي يطارد أنثاه.
فيكون شديد السرعة.
وهاجها أي أزعجها وكان شانه معها شان الغريم المظلوم الذي يطالب بحقه.
(*)(1/379)
وأما الثاني فانه وإن كان ظاهر كلام سيبويه منع الحمل على موضع ما أضيف إليه اسما الفاعل والمفعول، والصفة المشبهة والمصدر وإن جاء في الظاهر ما يوهم خلاف ذلك فهو يضمر له عاملا كقوله في ضارب زيد وعمرا، إن التقدير ضارب زيد وضارب عمرا، ولا يجيز في نحو حسن الوجه واليد، الرفع في المعطوف كل ذلك كراهة لمخالفة التابع لظاهر إعراب المتبوع إلى المحل الخفي، لكنه يشكل باتفاقهم على جواز العطف على محل اسم إن في نحو إن زيدا منطلق وعمرو، وله أن يرتكب أن الجملة غير المؤكدة، أعني عمرو مع خبره المقدر، عطف على الجملة المؤكدة، أعني: أن مع اسمه وخبره ولا نقول إن الاسم عطف على الاسم، وكذا القول في نحو: 119 - فان لم تجد من دون عدنان والدا * ودون معد فلتزعك العواذل (1) وقوله 120 - معاوى إننا بشر فاسجح * فلسنا بالجبال ولا الحديدا (2) إن المنصوب عطف على الجار والمجرور.
قوله: " والتزموا رفع الرجل "، كانه جواب عن سؤال مقدر، وهو أنه، إذا كان صفة للمنادى المضموم، فلم لم يجز فيه النصب كما في يا زيد الظريف.
__________
(1) وهذا أيضا من شعر لبيد من قصيدة جيدة مشهورة تتضمن كثيرا من الحكم والمواعظ وهي التي أولها: ألا تسالان المرء ماذا يحاول * أنحب فيقضي أم ضلال وباطل وقيل بيت الشاهد: فقولا له ان كان يقسم أمره * ألما يعظك الدهر أمك هابل إلى أن قال: فان أنت لم تصدقك نفسك فانشب * لعلك تهديك القرون الاوائل (2) من شعر لعقيبة بن هبيرة الاسدي يخاطب معاوية بن أبي سفيان.
ورواه بعضهم بالجر فلا شاهد فيه، وصحح الزمخشري أن المنصوب من شعر آخر لعبد الله بن الزبير الاسدي والزبير بفتح الزاي وهو غير عبد الله بن الزبير بضمها، وكلاهما خطاب لمعاوية.
(*)(1/380)
قوله: وتوابعه "، كانه جواب عن سؤال وارد على الجواب عن السؤال الاول، أي: إذا كان هو المقصود بالنداء، والمقصود بالنداء كالمنادى المضموم، فالوجه أن يجوز في توابعه ما جاز في توابع المنادى المضموم.
فعلى هذا صار نحو الرجل في: يا أيها الرجل: كالنعامة، إذا قيل: لم وجب رفعه قيل هو المنادى المفرد الذي باشرة حرف النداء، لكونه مقصودا دون موصوفه.
فإذا قيل فيجب، إذن أن يجوز في توابعه ما جاز في توابع المنادى المضموم، قيل: ليس هو المنادى المضموم، بل مثله (1).
قوله: " وقالوا يا الله خاصة "، يعني لم يدخل حرف النداء من جملة ما فيه اللام إلا لفظة " الله "، قيل إنما جاز ذلك لاجتماع شيئين في هذه اللام، لزومها للكملة، فلا يقال " لاه " إلا نادرا.
قال: 121 - كحلفة من أبي رباح * يسمعها لاهه الكبار (2) وكونها بدلا من همزة " إله " فلا يجمع بينهما إلا قليلا، قال:
__________
(1) هذا التشبيه الذي ذكره الرضى.
جاء في آخره مضطرب العبارة في النسخة المطبوعة وقد أصلحته بما يتفق مع المعنى المقصود من ذكر المثل.
(2) نسب البغدادي إلى بعضهم أنه يرويه " لاهم " مخفف من: اللهم.
ثم أريد به اللذات وبذلك لا يتفق مع ايراده هنا لما أراد، ووصفه بالكبار يرجح ما ذهب إليه الرضى.
وأبو رباح هو حصن بين بدر من بني حنيفة، كان قتل رجلا، فطلب منه أن يحلف ما قتله أو يعطي الدية، فحلف ولكنه قتل بعد ذلك قصاصا فضرب به المثل في الحلف الذي لا يغني ولا ينفع صاحبه.
وهو من قصيدة للاعشى ميمون بن قيس، أولها: ألم تروا ارما وعادا * أفناهم الليل والنهار وقيل بيت الشاهد يقول مخاطبا قوما أنكروا أخذ رجل اسمه عرار وحلفوا، أقسمتم حلفا جهارا * ان نحن ما عندنا عرار فكأنه يقول لهم: ان حلفكم هذا كحلف أبي رباح.
(*)(1/381)
122 - معاذ الاله أن تكون كظبية * ولا دمية ولا عقيلة ربرب (1) وأما النجم، والصعق، والذي وبابه، فان لامها لازمة لكنها ليست بدلا من الفاء، وأما " الناس " فان اللام فيه عوض من الفاء وأصله أناس، ولا يجتمعان إلا في الشعر كقوله: 123 - إن المنايا يطلعن على الاناس الامنينا (2) إلا أنها ليست لازمة، إذ يقال في السعة ناس.
فقالوا: أصله الاله، فعال بمعنى مفعول، والالاهة: العبادة، وأله بفتح العين أي عبد، فاله بمعنى مالوه، أي معبود، فالله، في الاصل، من الاعلام الغالبة، كالصعق، كانه كان عاما في كل معبود ثم اختص بالمعبود بالحق، لانه أولى من يؤله، أي يعبد،
وصار مع لام العهد علما له، فلكثرة استعمال هذه اللفظة، صار تخفيف همزتها أغلب من تركه، وصار الالف واللام كالعوض من الهمزة لقلة اجتماعهما.
ولا نقول اجتماعهما يختص حال الضرورة كما قلنا في الاناس، وذلك أنه قد يجئ " الاله " في السعة، أو ورد أبو الفرج الاصفهاني (3) أن أمية بن خلف كان يسمى عبد الرحمن ابن أمية، ابن الاله.
فلما خففت الهمزة، نقلت حركتها إلى ما قبلها، كما هو القياس وحذفت فصار: ألله (4)، ثم أسكنوا اللام الاولى وأدغموها في الثانية، ولا تدغم لو خففت نحو الالاهة
__________
(1) هذا أحد أبيات للبعيث بن حريث.
مما أورده أبو تمام في ديوان الحماسة.
وأولها: خيال لام السلسبيل ودونها * مسيرة شهر للبريد المذبب والمذبب بباءين من ذبب في سيرة إذا أسرع.
والدمية الصورة من العاج ونحوه وعقيلة بمعنى كريمة أو مختارة من بين من هي منهم والربوب القطيع من بقر الوحش، وبعد أن نفى أن تكون شيئا من ذلك كله قال بعد بيت الشاهد: ولكنها زادت على الحسن كله * كمالا ومن طيب على كل طيب في هذا الامر بحث طويل في خزانة الادب نقلا عن أئمة اللغة.
وهذا أحد أبيات لذي جدن الحميري أحد أذواء اليمن وبعده: فيد عنهم شتى وقد * كانوا جميعا وافرينا (3) في كتابه الاغاني (4) أي بفتح الهمزة وكسر اللام الاولى وفتح الثانية مخفضتين.
(*)(1/382)
بمعنى العيادة، لان التخفيف مع عروضه غير غالب، كما غلب في " الله "، فكان اللامين لم يلتقيا.
والاكثر في " يا الله " قطع الهمزة، وذلك للايذان من أول الامر أن الالف واللام خرجا عما كانا عليه في الاصل وصارا كجزء الكلمة حتى لا يستكره اجتماع " يا " واللام،
فلو كانا بقيا على أصلهما لسقطت الهمزة في الدرج، إذ همزة اللام المعرفة همزة وصل.
وحكى أبو علي، يا الله بالوصل على الاصل.
وجوز سيبويه أن يكون " الله " من: لاه يليه ليها، أي استتر.
فيقال في قطع همزته واجتماع اللام و " يا "، إن هذا اللفظ اختص باشياء لا تجوز في غيره كاختصاص مسماه تعالى، وخواصه في: اللهم، وتالله، وآلله، وها الله ذا، والله مجرورا بحرف مقدر في السعة و: أفالله لتفعلن، بقطع الهمزة كما يجئ في باب القسم.
وقوله: 124 - من اجلك يا التي تيمت قبلبي * وأنت بخيلة بالوصل عني (1) شاذ ووجه جوازه مع الشذوذ لزوم اللام، وقوله: 125 - فيا الغلامان اللذان فرا * إياكما أن تبغياني شرا (2) أشذ، وبعض الكوفيين يجوز دخول " يا " على ذي اللام مطلقا في السعة،.
والميمان في " اللهم " عوض من " يا "، أخر، تبركا بالابتداء باسم الله تعالى، وقال
__________
(1) هذا من الشواهد الخمسين التي وردت في كتاب سيبويه ولم يعرف لها قائل.
وهو في كتاب سيبويه ج 1 ص 31 ومن أجلك يقرا بنقل الهمزة للوزن، وروى فديتك بالتي..الخ.
(2) بيت شائع في كثير من كتب النحو.
ولم يذكر أحد له قائلا ولا ضم إليه شيئا آخر، ووجه كونه أشذ مما قبله أن اللام في التي لازمة وفي " الغلامان " لا هي لازمة ولا عوض من شئ، ورواه البغدادي: ان تكسبانا شرا من قولهم كسبته مالا أي جعلته يكسبه.
(*)(1/383)
الفراء: أصله: يا ألله أمنا بالخير، فخفف بحذف الهمزة، وليس بوجه، لانك تقول: اللهم لا تؤمهم بالخير.
ويجمع بين " يا " والميم المشددة، ضرورة، قال:
126 - إني إذا ما حدث ألما * أقول يا اللهم يا اللهما (1) وقد يزداد " ما " في آخره، قال: 127 - وما عليك أن تقولي كلما * سبحت أو صليت يا اللهم ما اردد علينا شيخنا مسلما (2) ولا يوصف " اللهم " عند سيبويه، كما لا يوصف أخواته، أعني الاسماء المختصة بالنداء، نحو: يا هناه، ويا نومان، ويا ملكعان وفل، وقد أجاز المبرد وصفه لانه بمنزلة: يا الله، وقد يقال يا الله الكريم، وقد استشهد بقوله تعالى: " قل اللهم فاطر السموات والارض " (3).
وهو عند سيبويه، على النداء المستأنف.
ولا أرى في الاسماء المختصة بالنداء مانعا من الوصف، بلى، السماع مفقود فيها.
__________
(1) لم يذكر أحد ممن كتب على هذا الشاهد نسبة إلى قائل معين.
قال البغدادي: وزعم العيني أنه لابي خراش الهذلي، قال وقبله: ان تغفر اللهم تغفر جما...قال البغدادي: وهذا خطا، لان البيت الذي زعم أنه قبله بيت مفرد، وليس لابي خراش وانما لامية بن أبي الصلت.
أخذه أبو خراش وضم إليه بيتا.
فكان يقول وهو يسعى بين الصفا والمروة: لاهم هذا خامس ان تما * أتمه الله وقد أتما ان تغفر اللهم تغفر جما * وأي عبد لك لا ألما وتمثل النبي صلى الله عليه وسلم ببيت أمية.
(2) وهذا أيضا من الشواهد التي لم ينسبها أحد لقائل.
ومضمونه أنه يامر زوجته أو ابنته بالدعاء كلما صلت أو سبحت ليعود إليها سالما (3) الاية 46 من سورة الزمر.
(*)(1/384)
تكرير المنادى المفرد قال ابن الحاجب:
" ولك في مثل: يا تيم تيم عدى: الضم والنصب ".
قال الرضى: يعني بمثله: المنادى المكرر إذا ولى الثاني اسم مجرور بالاضافة، فالثاني واجب النصب، ولك في الاول الضم والنصب، قال: 128 - يا تيم تيم عدى لا أبالكم * لا يلقينكم في سواة عمر (1) وقال: 129 - يا زيد زيد اليعملات الذبل * تطاول الليل عليك فانزل (2)
__________
(1) هذا من شعر جرير.
يهجر عمر بن لجا اليتمي.
وكان عمر قد هجا جريرا فرد عليه جرير بهذه القصيدة وأفحش فيها وسب أمه وأسمها برزة.
ولما توعد جرير قوم عمر بان يهجوهم أتوه بعمر موثقا وحكموه فيه فاعرض عن هجوهم.
(2) اليعملات: الابل القوية على العمل والذبل جمع ذابل وهي التي ضمرت من طول السفر، وروي: تطاول الليل هديت فانزل.
وهذا الرجز لعبد الله بن رواحة.
الصحابي الانصاري.
ومراده بزيد: زيد بن أرقم، وكان يتيما في حجر عبد الله بن رواحة وسافر معه في غزوة وسمع عبد الله يقول شعرا يتمنى فيه الشهادة فبكى زيد فقال له عبد الله بعد أن خفقه بالدرة: وما عليك يالكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل، وكان مردفا خلفه على حقيبة الرحل.
وقيل ان المقصود بزيد: هو زيد بن حارثة.
واستبعد ذلك البغدادي قال: لان زيد بن حارثة كان هو أمير الجيش في غزوة مؤتة.
(*)(1/385)
أما الضم في الاول فواضع، لانه منادى مفرد معرفة، والثاني عطف بيان وهو البدل على ما ياتي في بابه.
وأما نصب الاول، فقال سيبويه: إن " تيم " الثاني مقحم بين المضاف والمضاف إليه وهو تأكيد لفظي لتيم الاول، وقد مر في توابع المنادى المبني أن التأكيد اللفظي في الاغلب حكمه حكم الاول، وحركته حركته، إعرابية كانت أو بنائية، كما أن الاول محذوف التنوين للاضافة فكذلك الثاني مع أنه ليس بمضاف، وشبهه سيبويه باللام المقحمة بين
المضاف والمضاف إليه في: " لا أبالك "، لتاكيد اللام المقدرة.
وإنما جئ بتاكيد المضاف لفظا بينه وبين المضاف إليه، لا بعد المضاف إليه، لئلا يستنكر بقاء الثاني بلا مضاف إليه، ولا تنوين معوض عنه ولا بناء على الضم، وجاز الفصل به بينهما في السعة على أنه لا يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه إلا في الضرورة، وذلك بالظرف خاصة في الاغلب كما يجئ في باب الاضافة، لانك لما كررت الاول بلفظه وحركته بلا تغيير، صار كان الثاني هو الاول، وكانه لا فصل هناك، ألا ترى أنك تقول: إن إن زيدا قائم، مع قولهم لا يفصل بين " إن " واسمها، إلا بالظرف، وتقول: لا لا رجل في الدار مع أن النكرة المفصول بينها وبين " لاء " (1) التبرئة واجبة الرفع كقوله تعالى: " لا فيها غول " (2)، وقال: 130 - فلا والله لا يلفى لما بي * ولا للما بهم أبدا دواء (3)
__________
(1) هكذا استعملها الرضى.
وكرر ذلك.
ووجه ذلك أن كلمة " لا " حين تصير اسما وثانيها معتل.
يضعف ثانيها وتضعيف الالف يجعلها هكذا لانه بعد اجتماع الالفين تبدل الثانية منها همزة.
وانظر حديث الرضى عن التسمية بالادوات والحروف في باب العلم.
(2) الاية 47 من سورة الصافات، وتقدمت.
(3) من قصيدة لمسلم بن معبد الوالبي.
نسبة إلى والبة بن الحارث ينتهي نسبه إلى خزيمة بن مدركة.
وكان غائبا فكتب ابله لعامل الصدقات.
وظن مسلم أن رفيعا الوالبي، خال مسلم وابن عمه، ظن أنه أغرى عمال الصدقة فقال هذه القصيدة يشكو ما حدث من رفيع وقومه ووصف ابله وكانها تشكو مما حدث ويقول في هذا..يقصد الابل إذا ذكر العريف لها اقشعرت * ومس جلودها منه انزواء = (*)(1/386)
مع أن حروف الجر لا تدخل إلا في الاسم..ويمكن إن يكون قوله:
131 - وصاليات ككما يؤثفين (1) من هذا، فلا يكون في البيت دليل على اسمية الكاف الثانية.
وقال المبرد إن " تيم " الاولى مضاف إلى " عدى " مقدر يدل عليه هذا الظاهر، ولم يبدل من المضاف إليه التنوين، كما أبدل في قوله تعالى " كلا هدينا " (2)، لان القرينة الدالة على المحذوف موجودة بعد مثل المضاف، أعني " عدى " الظاهر الذي أضيف إليه " تيم " الثاني، فكان المضاف إليه الاول لم يحذف، وإذا جاز حذف المضاف إليه في مثله مع اختلاف المضافين نحو قوله: 132 - يا من راى عارضا أسر به * بين ذراعي وجبهة الاسد (3)
__________
= والعريف هو رفيع الوالبي الذي تقدم ذكره.
وروي البيت على هذا الوجه: فلا والله لا يلفى لمابي * وما بهم من البلوى شفاء ولا شاهد فيه على هذا.
(1) الصاليات: الاثافي التي صليت بالنار أي أحرقت حتى اسودت.
وهو شطر من قصيدة لخطام المجاشعي، قال البغدادي ان من لا يجيد العروض يظنها من بحر الرجز، وإنما هي من السريع، وأولها: حي ديار الحي بين السهبين * وطلحة الدوم وقد تعفين لم يبق من آي بها يحلين * إلى أن قال وصاليات ككما يؤثفين ومنها قوله: ومهميهين فذفين مرتين * ظهراهما مثل ظهور الترسين (2) الاية 84 من سورة الانعام.
وتكررت.
(3) هو من شعر الفرزدق يصف سحابا اعترض بين نوء الذراع ونوء الجبهة، وكذلك الذراعان وهي منازل القمر.
ويقولون ان انواء الاسد وهي التي أشار إليها من أحسن الانواء التي يحمدها العرب ويسرون بها.
(*)(1/387)
وقولهم: نصف وربع درهم، فهو مع اتفاقهما أجوز، لان كثرة التكرار أدعى إلى الاستكراه فهو عند المبرد في الاصل مضاف ومضاف إليه، بعدهما مثلهما.
وعند سيبويه ليست الاضافة مكررة.
وقال بعضهم بعد موافقة المبرد في أن أصله: يا تيم عدى تيم عدى، إن تيم الاول مضاف إلى عدى الظاهر، والذي أضيف إليه الثاني محذوف، قال: لما حذف المضاف إليه من الثاني بقي: يا تيم عدى تيم فقدم تيم على عدى، لما ذكرنا في قول سيبويه، وكذا يقول هذا القائل في نحو: ذراعي وجبهة الاسد، إلا أنه لا يطرد له ههنا أن يقول إن الفصل كلا فصل لان المضاف الثاني ليس بلفظ الاول، كما كان في: تيم تيم عدى، فالاولى قول المبرد.
وقد أجاز السيرافي وجها رابعا في نحو: يا تيم تيم عدى، وهو أنه كان في الاصل: يا تيم بالضم، تيم عدى، ففتح اتباعا لنصب الثاني، كما في: يا زيد بن عمرو، وهذا كما ذكرنا في قوله: والعلم الموصوف بابن، إن الكوفيين يجوزون فتح المنادى العلم الموصوف بمنصوب، أي صفة كان، لان " تيم " عطف بيان للاول، فهو كالوصف في التبيين.(1/388)
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم قال ابن الحاجب: " والمضاف إلى ياء المتكلم يجوز فيه: يا غلامي، ويا غلامي " " ويا غلام ويا غلاما، وبالهاء وقفا، وقالوا يا أبي ويا أمي " " ويا أبت ويا أمت فتحا وكسرا، وبالالف دون الياء، ويا ابن " أم ويا ابن عم خاصة مثل باب يا غلامي، ويا ابن أم " " ويا ابن عم ".
قال الرضى: اختلف في ياء المتكلم، فقال بعضهم أصلها الفتح، لان واضع المفردات ينظر إلى الكلمة حال إفرادها دون تركيبها، فكل كلمة على حرف واحد كواو العطف وفائه، وباء الجر ولامه، وياء المتكلم: أصلها الحركة، لئلا يبتدأ بالساكن، وأصل حركتها الفتح لان الواحد ولا سيما حرف العلة ضعيف لا يحتمل الحركة الثقيلة من الضمة والكسرة، وقال بعضهم: أصلها الاسكان، وهو أولى لان السكون هو الاصل، وقولهم: الواضع ينظر إلى الكلمة حال إفرادها ممنوع، وظاهر، أنه نظر في المضمرات إلى حال تركيبها بدليل وضعها مرفوعة ومنصوبة ومجرورة، والاعراب لا يكون إلى حالة التركيب.(1/389)
ولو لم ينظر في الكلمات إلى حال تركيبها لم يطرد وضعه للكلم التي ليس فيها حال التركيب علة البناء على ثلاثة أحرف فما زاد، بل جاز وضعها على حرف أو حرفين، كما وضع ياء الضمير وكافه، ونحو " ما " و " من "، هذا، وعلى كل حال، فلا شك أن إسكان ياء المتكلم أكثر استعمالا إذا لم يلزم اجتماع الساكنين، وذلك لعدم الاحتياج.
إذن، إلى حركتها، لوقوعها أبدا بعد كلمة أخرى فلا يبتدأ بها مع كونها حرف علة، وهذان أعني الفتح والسكون، مطردان في غير النداء أيضا، نحو: جاءني غلامي، وأما: يا غلام بحذف الياء في النداء فلان النداء موضع تخفيف، ألا ترى إلى الترخيم وذلك لان المقصود غيره فيقصد الفراغ من النداء بسرعة، ليتخلص إلى المقصود من الكلام، فخفف يا غلامي بوجهين: حذف الياء وإبقاء الكسرة دليلا عليها، وقلب الياء ألفا، لان الالف والفتحة أخف من الياء والكسرة، وهذان الوجهان لا يكونان في كل منادى مضاف إلى ياء المتكلم، بل في الاسم الذي غلب عليه الاضافة إلى الياء واشتهر بها لتدل الشهرة على الياء المغيرة بالحذف أو القلب فلا تقول: يا عدو، ويا عدوا.
وقد جاء شاذا في المنادى: يا غلام ويا أب، اجتزاء بالفتح عن الالف، وأما فتح:
يا بني وأصله: يا بنيا فليس بشاذ كما شذ يا غلام،، لاجتماع الياءين.
وقد يضم في النداء ما قبل الياء المحذوفة، وذلك في الاسم الغالب عليه الاضافة إلى الياء، للعلم بالمراد منه، ومنه القراءة الشاذة: " رب احكم " (1)، وربما ورد في الندرة: الحذف والقلب في غير النداء، لكن الحذف في الفواصل والقوافي ليس بنادر طلبا للازدواج قوله: " وبالهاء وقفا "، إذا وقفت على: يا غلاما، فبالهاء لبيان الالف، كما يجئ في الوقف، وإذا وقفت على: يا غلامي بسكون الياء وصلا، فالوقف عليها بالسكون أجود، ويجوز حذفها، وإسكان ما قبلها، كما تقف على ما حذف ياوه وصلا، وذلك على مذهب من وقف على القاضي باسكان الضاد، كما يجئ في الوقف.
__________
(1) الاية 112 من سورة الانبياء.
(*)(1/390)
وإذا وقفت على: يا غلامي بفتح الياء وصلا، جاز الاسكان للوقف، وجاز إلحاق هاء السكت مع إبقاء الفتح.
قوله: " وقالوا يا أبي ويا أمي "، يطرد فيهما ما في سائر المنادى المضاف إلى الياء، ويزيدان عليها بجواز إبدال الياء تاء تأنيث، هذا عند البصريين، قالوا: والدليل على أنها بدل منها أنهم لا يجمعون بينهما، وإنما أبدلت تاء التأنيث لانها تدل في بعض المواضع على التفخيم كما في علامة ونسابة.
والاب والام مظنتا التفخيم، ودليل كونها للتانيث انقلابها في الوقف هاء.
وقال الكوفيون التاء للتانيث وياء الاضافة مقدرة بعدها، ولو كان الامر كما قالوا لسمع يا أبتي ويا أمتي أيضا (1).
ويجوز حذف هذه التاء المبدلة من الياء للترخيم فيلزم فتح ما قبلها، نحو: يا أب ويا أم، على ما حكى يونس، لئلا تلتبس بنداء الاب والام بلا تاء.
والفراء يقف عليها بالتاء، لانها ليست للتانيث المحض، كما في أخت وبنت، والاولى
الوقف بالهاء لانفتاح ما قبلها كما في ظلمة، وغرفة، بخلاف تاء أخت وبنت، فمن وقف عليها بالتاء كتبها تاء ومن وقف بالهاء كتبها هاء، لان مبني الخط على الوقف.
وإنما تفتح هذه التاء لانها بدل عن ياء حركتها الفتح لو حركت.
وقال اندلسي: أصل يا أبت ويا أمت: يا أبتا ويا أمتا، فحذف الالف، وهو ضعيف لان الالف خفيفة لا تستثقل فتحذف.
وأما حذفها في يا ابن أم ويا ابن عم فمحتمل للثقل الحاصل بالتركيب، وقيل: يا أبت ويا أمت، وأنهما رخما بحذف التاء ثم ردت التاء مفتوحة كما يجئ من نحو قوله:
__________
(1) سمع هذا شذوذا، جاء في شواهد العيني، وهو أيضا، في شرح الاشموني: أيا أبتي لا زلت فينا فاننا * لنا أمل في العيش ما دمت عائشا (*)(1/391)
133 - كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسيه بطئ الكواكب (1) وقد يقال: يا أبت ويا أمت بالضم، وهو أقل من الاول، وكسر التاء فيهما أكثر، لمناسبة الكسرة للياء التي هي أصلها، وجاز: يا أبتا ويا أمتا، لانه جمع بين عوضين بخلاف: يا أبتي ويا أمتي فانه لا يجوز لانه جمع بين العوض والمعوض منه.
وقوله: " ويا ابن أم ويا ابن عم خاصة مثل باب: يا غلامي "، المضاف إلى ياء المتكلم إذا أضيف إليه المنادى فهو كما أضيف إليه غيره إلا الام والعم إذا أضيف إليهما " ابن " أو " بنت " منادى فانه يجوز فيهما تخفيف الياء قياسا بالحذف أو القلب ألفا لكثرة الاستعمال بخلاف غيرهما فانه لم يكثر استعمال نحو: يا غلام أخي، فعلى هذا، يجوز فيهما ما جاز في باب غلامي من الاربعة الاوجه (2)، ويزيدان عليه باطراد فتح الميم نحو: يا ابن أم ويا ابن عم اجتزاء بالفتحة عن الالف، لزيادة استثقاله، فبولغ في تخفيفه أكثر من تخفيف: يا غلام، ولهذا كان حذف الياء فيهما مع فتح الميم أو كسرها أكثر من حذف " ياء " نحو يا غلامي.
الترخيم حكمه، ومعناه قال ابن الحاجب: " وترخيم المنادى جائز، وهو في غير ضرورة، وهو " " حذف في آخره تخفيفا ".
__________
(1) هو مفتتح قصيدة من أحسن قصائد النابغة الذبياني، وهي في مدح عمرو بن الحارث بن أبي شمر الغساني، كان قد سعي بالنابغة فهرب إلى الشام، سعى بن مرة بن ربيعة بن قزيع إلى النعمان بن المنذر..وبعد هذا " المطلع " تطاول حتى قلت ليس بمنقض * وليس الذي يرعى النجوم بايب.
(2) من الاربعة الاوجه.
جرى الراضي على هذا الاستعمال كثيرا وقد أشرنا إلى ذلك وأنه مذهب الكوفيين ومذهب البصريين أن يقال من أربعة الاوجه.
وقد ناقش الرضى كلا من المذهبين في باب الاضافة وباب العدد.
(*)(1/392)
قال الرضى: إنما كثر الترخيم في المنادى دون غيره لكثرته، ولكون المقصود في النداء هو المنادى له (1)، فقصد بسرعة الفراغ من النداء الافضاء إلى المقصود بحذف آخره اعتباطا.
قوله: " وهو حذف في آخره نخفيفا "، يعنون بالحذف للتخفيف ما لم يكن له موجب، كما كان في باب قاض وعصا، وإلا فكل حذف لا بد فيه من تخفيف، ويقولون لهذا، أيضا.
حذف بلا علة، وحذف الاعتباط مع أنه لا بد في كل حذف من قصد التخفيف، وهو علة فهذا اصطلاح منهم، وهذا الذي ذكره، إن كان حد الترخيم، خرج منه ترخيم غير المنادى، فان أردنا الحد الشامل لجميع أقسامه قلنا، هو حذف آخر الكلمة اعتباطا جوازا، فيخرج منه حذف التنوين والحركة وقفا، لانهما بعد آخر الكلمة، ويدخل فيه حذف التاء، والجزء الاخير من نحو: بعلبك، لان المحذوف صار آخر الكلمة، بدلالة تعاقب الاعراب عليه ويخرج
منه حذف الياء من نحو يا غلام إذ المضاف إليه ليس آخر الكلمة.
ألا ترى الى أن مورد الاعراب ما قبله، ويخرج منه الحذف في باب عصا وقاض لان الحذف لا لعلة الاعتباط ويخرج أيضا.
حذف لام نحو: يد ودم لانه واجب، (2) شروط الترخيم قال ابن الحاجب: " وشرطه ألا يكون مضافا ولا مستغاثا ولا جملة، ولا يكون "
__________
(1) أي الشئ الذي ينادي الانسان من أجله.
(2) لا يريد أنه واجب كالذي يكون واجبا لعلة.
بل يريد أنه مطرد وملتزم.
(*)(1/393)
" إما علما زائدا على ثلاثة أحرف، وإما بتاء التأنيث "، قال الرضى: شروط ترخيم المنادى خمسة، أربعة منها عدمية متعينة وهي ألا يكون مضافا، ولا مضارعا له، وألا يكون مستغاثا ولا يكون مندوبا ولا يكون جملة، والشرط الاخير ثبوتي غير متعين، بل هو أحد شرطين: أحدهما كونه علما زائدا على ثلاثة أحرف، والثاني كونه بتاء تأنيث وإنما لم يذكر المصنف مضارع المضاف لان حكمه حكم المضاف، وإنما لم يقل ولا مندوبا لان المندوب عنده ليس بمنادي كما مضى، وأجاز الكوفيون ترخيم المضاف، ويقع الحذف في آخر الاسم الثاني نحو قوله: 134 - خذوا حظكم يا آل عكرم واذكروا * أواصرنا والرحم بالغيب تذكر (1) وقوله 135 - أبا عرو لا تبعد فكل ابن حرة * سيدعوه داعي ميتة فيجيب (2) أي يا آل عكرمة، وأبا عروة، وهو عند البصريين ضرورة في غير المنادى، كما في قول ذي
الرمة:
__________
(1) المراد: يا آل عكرمة.
وهذا أحد أبيات لزهير بن أبي سلمى يخاطب بها بني سليم حين بلغه أنهم يريدون الاغارة على غطفان فاخذ يحذرهم ويذكرهم بما بين القبلتين من قربى.
وفي هذه الابيات يقول: خذوا حظكم من ودنا ان قربنا * إذا ضر سنتا الحرب نار تسعر وإنا واياكم إلى ما نسومكم * لمثلان أو أنتم إلى الصلح أفقر (2) هو مثل البيت السابق في ترخيم المركب الاضافي بحذف آخر المضاف إليه، وأصله: أبا عروة.
وقوله لا تبعد بفتح العين معناه لا تهلك.
وهو دعاء بعدم الهلاك وان كان المرثى قد هلك.
وجرت عادتهم باستعمال هذا الدعاء للميت يعبرون بذلك عن استعظام موته فكأنهم لا يصدقون أنه مات فيدعون له بعدم الموت، أو يريدون الدعاء له بان يبقى ذكره، وقال البغدادي.
انه أراد بالحرة المراة مطلقا أو انه قيد بالحرة ليكون المعنى ان أبناء الاماء أولى بان يموتوا.
ولم ينسب هذا الشاهد لقائل معين.
(*)(1/394)
136 - ديار مية إذ مي مساعفة * ولا يرى مثلها عجم ولا عرب (1) وقول المتني: 137 - لله ما فعل الصوارم والقنا * في عمرو حاب وضبة الاغنام (2) وبعض العرب يرخم الجملة بحذف عجزها نحو: يا تابط، والفراء والاخفش جوزا ترخيم الثلاثي المتحرك الاوسط علما لان حركة الاوسط كالحرف الرابع، فيرخمان نحو: رجل علما، ونقل ابن الخشاب (3) عن الكوفيين جواز ترخيم الثلاثي علما، سكن أوسط أو تحرك، ويجوز ترخيم غير المنادى للضرورة وإن خلا من تأنيث وعلمية على تقدير الاستقلال كان، أو على نية المحذوف عند سيبويه، والمبرد يوجب تقدير الاستقلال، واستدل سيبويه بقوله: 138 - ألا أضحت حبالكم رماما * وأضحت منك شاسعة أماما (4) أي أمامة،
__________
(1) الشاهد كما قصد الشارح ترخيم مية إلى مي في غير النداء.
وقال سيبويه ج 1 ص 141: وأما قول ذي الرمة..فزعم يونس أنه كان يسميها مرة ميا ومرة مية، فلا ترخيم فيه ولا ضرورة.
وقوله ديار مية بنصب ديار على تقدير أذكر، وقيل إنه بدل من دار في بيت قبله وهو: لا بل هو الشوق من دار تخونها * مرا سحاب ومرا بارح ترب وهذان البيتان من قصيدة طويلة في الغزل من أحسن قصائد ذي الرمة.
(2) حاب: ترخيم حابس والاصل عمرو حابس وهو عمرو بن حابس الذي أوقع به سيف الدولة وهو من بني أسد، وبني ضبة الذين وصفهم المتنبي بالاغنام، وهذا اما أن يكون تمثيلا فقد ذكر الشاهد قبله واما أن يكون استشهادا والرضى يستشهد بشعر المتنبي وأمثاله كابي تمام.
(3) ابن الخشاب هو أبو محمد عبد الله بن أحمد البغدادي من علماء القرن السادس توفي سنة 567 ه.
(4) استدل به سيبويه ج 1 ص 342 على جواز الترخيم على كل من اللغتين: لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر، في الضرورة والمبرد يقصر ترخيم الضرورة على نية الاستقلال، وهذا البيت يرد عليه.
وهو مطلع قصيدة لجرير، وبعده: = (*)(1/395)
وإنما لم يجز ترخيم المضاف والمضاف إليه، على ما اختاره البصرية ولا ترخيم الجملة علمين، لانهما إذا سمى بهما يراعى حال جزايهما قبل العلمية من استقلال كل واحد من الجزاين باعرابه على ما يجئ في باب التركيب، فلما كان كل واحد من جزايهما مستقلا من حيث اللفظ أي الاعراب لمراعاة حالهما قبل العلمية، وانمحى، بعد العلمية، عن كل واحد من جزائهما معنى الاستقلال، لان عبد الله، وتابط شرا، من حيث المعنى كزيد وروعي اللفظ والمعنى معا، لم يمكن الحذف من الاول نظرا إلى المعنى، إذ ليس باخر الاجزاء، ولم يمكن حذف الثاني ولا حذف آخر الثاني نظرا إلى اللفظ، فامتنع الترخيم فيهما بالكلية، ويجوز أن يعلل امتناع ترخيم المضاف والمضاف إليه، بان المضاف إليه لم يمتزج امتزاجا تاما بحيث يصح حذفه باسره أو حذف آخره بدليل أن إعراب المضاف باق والاعراب لا يكون
الا في آخر الكلمة، ولم يكن، أيضا، منفصلا عن المضاف بحيث يصح حذف آخر المضاف للترخيم بدليل حذف التنوين وهو علامة تمام الكلمة منه لاجل المضاف إليه، فهو متصل بالمضاف إليه بالنظر إلى سقوط التنوين من المضاف، منفصل عنه لبقاء الاعراب على المضاف كما كان.
فلم يصح ترخيم أحدهما، والمضارع للمضاف حكمه حكم المضاف، وإنما لم يرخم المستغاث المجرور باللام لعدم ظهور أثر النداء فيه من النصب، أو البناء، فلم يورد عليه الترخيم الذي هو من خصائص المنادى، وهذه العلة تطرد في ترك ترخيم المضاف والجملة علمين.
وامتنع الترخيم في المستغاث الذي في آخره زيادة المد، لان الزيادة تنافي الحذف، وكذا المندوب لان الاغلب فيه زيادة مدة في آخره لاظهار التفجع وتشهير المندوب (1)، وغير المزيد فيه قليل نادر.
__________
= يشق بها العساقل موجدات * وكل عرندس ينفي اللغاما والعساقل جمع عسقول وهو السراب.
قال البغدادي وليس المراد بالعساقل الكماة كما زعم العيني، لانه يصف قطع الابل للفياني راجعة بامامة.
والموجدات الابل القوية والعرندس كسفرجل الجمل الشديد، واللغام ما يخرج من فم البعير من الزبد لنشاطه.
(1) تشهير المندوب أي اظهار شهرته.
(*)(1/396)
قوله: " ويكون إما علما زائدا على ثلاثة أحرف "، إنما اشترط العلمية في الترخيم لكثرة نداء العلم فناسبه التخفيف بالترخيم مع أنه لشهرته، فيما (1) بقي منه دليل على ما ألقي.
وإنما اشترط في العلم زيادة على الثلاثة لانهم كرهوا نقص الاسم نقصا قياسيا مطردا عن أقل أبنية المعرب أي عن الثلاثي بلا علة ظاهرة موجبة، بخلاف نحو: يد، ودم فان النقص فيه وإن كان بلا علة، لكنه قليل غير قياسي، والشذوذ لا يعبا به، وبخلاف نحو: عم وشج، وعصا وإن كان قياسيا لكنه لعلة ظاهرة ملجئة إلى الحذف.
فان قلت: المنادى المرخم مبني، والاسماء المبنية تكون على أقل من ثلاثة أحرف، نحو: " ما " و " من ".
قلت: البناء فيه عارض فهو في حكم المعرب، وضمه مشبه للرفع على ما بينا قبل.
وإذا لم يكن موصوفا بالزيادة على الثلاثة، فالشرط كونه بتاء تأنيث نحو: شاة وثبة، فانه يرخم وإن لم يكن علما، ولا زائدا على الثلاثة، وذلك لان وضع التاء على الزوال وعدم اللزوم، كما في باب ما لا ينصرف، فيكفيه أدنى مقتض للسقوط، فكيف إذا وقع موقعا يكثر فيه سقوط الحرف الاصلي، أعني آخر المنادى.
وإنما لم يبال ببقاء نحو ثبة وشاة، بعد الترخيم على حرفين لان بقاءه كذلك ليس لاجل الترخيم بل مع التاء أيضا كان ناقصا عن ثلاثة، إذ التاء كلمة أخرى لكنها امتزجت بما قبلها بحيث صارت معتقب الاعراب فالامر فيه كما قيل في المثل: " قبل البكاء كنت عابسة " وقبل النعاس كنت مضمرة " (2)، ولو اعتبرنا سد التاء مسد لام الكلمة بكونه معتقب الاعراب، قلنا: لما كان بناؤه على عدم اللزوم، لم يكترث بما يصبر إليه حال الكلمة بعده،
__________
(1) أي يكون في باقيه دليل على المحذوف.
(2) أي أن حذف التاء من نحو ثبة لم يغير شيئا ولم يات بجديد لانه على حرفين مع التاء وبدونها، وكل من العبارتين مثل يضرب للبخيل يعتذر بالاعدام وقلة ما عنده، ونصفها في مجمع الامثال: قبل البكاء كان وجهك عابسا، وقبل النعاس كنت مصفرة - من الاصفرار.
(*).(1/397)
والدليل على عدم لزومه، حذفه في جمع السلامة، نحو عرفات، وتقديره في نحو الدار والشمس، وليس لالفي التأنيث هذه الاحوال.
قال سيبويه: كل اسم في آخره تاء، فان حذف التاء منه في كلام العرب أكثر، كان الاسم مع التاء ثلاثة، أو أكثر، وسواء كان الاسم علما، أو، لا، ولغلبة الترخيم فيه عومل آخر المرخم منه في بعض المواضع معاملة المرخم، أعني التاء كما في قوله:
كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسية بطئ الكواكب (1) - 133 فصار في المنادى غير المرخم وجهان: ضم التاء وفتحها.
ثم اعلم أن الذين يحذفون، وهم الاكثرون، على ما قلنا، إذا وقفوا، ألحقوا باخره الهاء فيقولون في يا طلح: يا طلحه، وقليلا ما يوقف بسكون الحاء، لانهم يلحقون هاء السكت، في الوقف، باخر ما ليست حركة آخره إعرابية ولا مشبهة بها، نحو ره، وفه، وإنه، وحيهله، وإن لم يكن هناك في الوصل حرف ينقلب هاء في الوقف، فالحاقه بما كان هناك هاء في الاصل أولى، ويغني عن الهاء في الشعر، ألف الاطلاق نحو قوله: 139 - قفي قبل التفرق يا ضباعا * ولا يك موقف منك الوداعا (2) ولا يرخم لغير ضرورة منادى لم يستوف الشروط، إلا ما شذ من نحو، يا صاح، ومع شذوذه فالوجه في ترخيمه كثرة استعماله،.
وليس: أطرق كرا، (3) منه، لان الكرا، ذكر الكروان.
__________
(1) تقدم هذا البيت قريبا ص 392 من هذا الجزء.
(2) أصله ضباعة فحذف التاء للترخيم وأتى بالف الاطلاق لان آخر الشعر يعتبر موقوفا عليه ولو قرئ متصلا، ونقل البغدادي أن هذه المسالة لا يستدل عليها بالشعر لان هذه الالف للاطلاق تكون في الشعر وان لم يكن محذوفا منه شئ.
وهذا البيت مطلع قصيدة للقطامي (عمير بن شييم التغلبي) يمدح بها زفر بن الحارث الكلابي وكان قد حال بين أعدائه وبينه حين أرادوا أسر القطامي، ومن أبياتها: وخير الامر ما استقبلت منه * وليس بان تتبعه اتباعا (3) اعتبره البغدادي شاهدا وقال انه من الرجز بعد أن ذكر جملة أطرق كرا مرتين ونقل أقوال اللغويين في أنه مرادف للكروان أو مرخم منه.
(*)(1/398)
وقال المبرد هو مرخم كروان، ولا ضرورة إلى ما قال مع ذكرنا من المحمل الصحيح
ويجوز وصف المرخم، إلا عند الفراء وابن السراج، قال: 140 - فقالوا تعال يا يزي بن مخرم * فقلت لهم إني حليف صداء (1) وكانهما رايا الوصف من تمام الموصوف لكونه دالا على معنى فيه، فإذا رخمت الكلمة بحذف شئ من جوهرها لا يزاد عليها شئ آخر من الخارج، فعلى هذا لا يمتنع عندهما مجئ سائر التوابع.
__________
(1) استدل به على ان المرخم يجوز وصفه، ويزي مرخم يزيد، وهو يزيد بن المخرم أحد أشراف بني الحارث من اليمن، وهو قائل هذا البيت، وروي البيت: فقلتم تعال...فقلت لكم.
وصداء: حي من اليمن كان يزيد محالفا لهم.
وقد قتل في يوم الكلاب الثاني.
(*)(1/399)
ما يحذف من المرخم قال ابن الحاجب: " فان كان في آخره زيادتان في حكم الواحدة كاسماء.
ومروان، " " أو حرف صحيح قبله مدة وهو أكثر من أربعة أحرف " " حذفتا، وإن كان مركبا حذف الاسم الاخير وإن كان غير " " ذلك فحرف واحد ".
قال الرضى: قسم ما يحذف للترخيم ثلاثة أقسام، وهو إما حرفان، أو كلمة، أو حرف واحد.
فحذف الحرفين في موضعين: أحدهما إذا كان في آخر الكلمة زيادتان في حكم الواحدة بمعنى أنهما زيدتا معا، لا أنهما معا بمعنى واحد، لان كل واحدة في مسلمان وكذا في مسملون، بمعنى آخر (1)، فلما زيدتا معا حدفتا معا، وهاتان الزيادتان سبعة أصناف: زيادتا التثنية نحو: زيدان، ويضربان علمين، وزيادتا جمع المذكر السالم، نحو:
مسلمون، ويسلمون، علمين، وزيادتا جمع المؤنث السالم نحو مسلمات، وزيادتا نحو
__________
(1) أي بمعنى غير معنى الحرف الاخر.
(*)(1/401)
مروان وعثمان وندمان وخراسان، وياء النسب وما أشبهها، نحو كوفي ورومي، وكرسي، وألفا التأنيث كصحراء وهمزة الالحاق مع الالف التي قبلها كما في حرباء وعلباء.
قوله: " أسماء " هذا إذا جعلناها " فعلاء " من الوسامة، أي الحسن، على ما هو مذهب سيبويه، لا أفعالا جمع اسم، على ما هو مذهب غيره، لانه يكون، إذن، من باب عمار (1)، لا من باب حمراء، ورجح مذهب سيبويه بان التسمية بالصفات أكثر منها بالمجموع، ورجح مذهب غيره بان قلب الواو المفتوحة همزة لم يات إلا في " أحد "، وأيضا لم يثبت في الصفات: أسماء بمعنى الجميلة، ولا وسماء، حتى يكون، أسماء، علما، منقولا منه وعلى مذهب سيبويه إذا سميت به رجلا، لم ينصرف لالفي التأنيث وعند غيره ينصرف لانه مثل رباب، إذا سمي به رجل، في كونه قبل تسمية المؤنث به مذكرا.
قوله: " أو حرف صحيح "، كان عليه أن يقول: حرف صحيح غير تاء التأنيث قبله مدة زائدة، وذلك لانه لا يحذف في نحو: عفرناة وسعلاة، إلا التاء وحدها، وذلك لكونها كلمة واحدة وإن كانت على حرف، فاكتفى بها، وكذا إذا كانت المدة غير زائدة لم تحذف، كما في مستماح ومستميح (2)، ونقل عن الاخفش جواز حذف المدة الاصلية أيضا، والمشهور خلافه.
ونعني بالمدة: ألفا، أو واوا، أو ياء ساكنين، ما قبلهما من الحركة من جنسهما، فلا تحذف مع الحرف الاخير: الواو والياء المتحركتين في نحو: كنهور (3)، ومشريف (4)، لتحصينهما بالحركة وتقويهما بها،.
ولا تحذفهما أيضا إذا لم يكن ما قبلهما من جنسهما، سواء كانا للالحاق نحو سنور،
__________
(1) أي من النوع الذي فيه ألف زائدة قبل آخره الذي هو من بنية الكلمة.
(2) الاول اسم مفعول والثاني اسم فاعل من: استماح، بمعنى طلب الميح وهو العطية.
(3) الكنهور السحاب العظيم.
(4) شريف الزرع قطع ما طال منه فهو مشريف.
(*)(1/402)
وبرذون، ملحقان بجردحل، أو لم يكونا له، كعليق (1)، وقبيط (2)، وذلك لمشابهتهما، إذن، للحروف الصحيحة، بقلة المدة فيهما، لان المد في الاغلب لا يكون إلا في الالف، والواو والياء اللتين حركة ما قبلهما من جنسهما.
وأما مذهب " ورش " (3) في مد نحو: الموت، والحسين، وقفا فمما انفرد به.
وإنما حذف الحرفان ههنا لانه كان الاولى حذف المد الزائد، لكن لما لم يكن آخرا، والترخيم حذف الاخر، لم يجز حذفه، فلما حذف الحرف الاخير صار متطرفا فتبعه في السقوط.
ولو قال: يحذف حرفان فيما قبل آخره حرف مد وهو أكثر من أربعة لعم نحو عمار ومروان ولكنه فصل هذا التفصيل تنبها على تخالف علتي الحذف في الصنفين، كما ذكرنا.
قوله: " وهو أكثر من أربعة أحرف "، إنما اشترط هذا، لئلا يبقى بعد الحذف على حرفين.
والفراء يجيز حذف المد أيضا في نحو: سعيد، وعمود، وعماد، لكن لا يوجبه كما في نحو: عمار ومسكين ومنصور.
قوله: " وهو أكثر من أربعة أحرف ": قيد في قوله، أو حرف صحيح قبله مدة، لا في قوله: " زيادتان في حكم الواحدة "، لان نحو: يدان، ودمان، وثبون، وقلون (4)، ودمى: يرخم بحذف زيادتين للترخيم لان بقاء الكلمة على حرفين فيه، ليس لاجل الترخيم بل قبله كان كذلك كما قلنا في نحو: ثبة، وشاة.
__________
(1) العليق.
نبت يتعلق بالشجر، ويقال فيه العليقي.
(2) القبيط بتشديد الباء ويقال له أيضا القبيطي مقصورا مثل العليقي، وهو نوع من الحلوى يسمونه الناطف.
(3) ورش، لقب عثمان بن سعيد المصري أحد راويي نافع بن عبد الرحمن الليثي أحد القراء السبعة، وراوياه ورش وقالون، توفي ورش سنة 197 ه بمصر وتقدم ذكر قالون ونافع انظر ص 142 من هذا الجزء.
(4) قلون جمع قلة محذوفة اللام وهي لعبة للصبيان تتخذ من العصي.
(*)(1/403)
وذهب الجرمى، إلى منع حذف الحرفين في نحو: يدان وثبون، ودمى، والاول أولى.
وإنما لم يحذف زيادتا: ثبون، لانهما غيرتا بناء الواحد، فكأنه ليس جمع المذكر السالم، وكانه مثل ثمود.
وأجاز الفراء حذف الهمزة دون الالف في نحو: حمراء، والمشهور حذف الزيادتين معا وبعضهم يجوز: يا حمراء بفتح الهمزة قياسا على ذي التاء في نحو قوله: " كليني لهم يا أميمة ناصب " (1)، والوجه المنع لان اختصاص ذي التاء بذلك لما ذكرنا من كثرة وقوع الترخيم فيه فعومل غير المرخم منه معاملة المرخم، ولا كذلك ذو الالف.
وبعض الكوفيين يمنع من ترخيم المؤنث بالهمزة على لغة الضم، لئلا يلتبس بالمذكر.
وكذلك لا يجيز بعضهم لمثله (2) ترخيم المثنى وجمع المؤنث السالم على لغة الضم لئلا يلتبسا بالمفرد، ولا يجيز ترخيم جمع المذكر السالم مطلقا، وكذا لا يجوز ترخيم المنسوب مطلقا نحو زيدي، إذ لو ضم لالتبس بنداء المنسوب إليه، ولو كسر لالتبس بالمضاف إلى الياء.
وهذا كما منع سيبويه من ترخيم نحو قائمه وقاعدة غير علم على لغة الضم أيضا، لان له مذكرا فيشتبه به، وأما إذا كان علما، فيجوز على لغة الضم أيضا، إذ لا مذكر له، إذن، من لفظه فيلتبس به، قال المصنف: الظاهر جواز الضم في نحو قائمة علما كان أو، لا.
أقول: لا شك أن اللبس فيما قال سيبويه أغلب وأكثر، لكونه غير علم، بخلاف
__________
(1) انظر ص 392 من هذا الجزء.
(2) أي لمثل ما تقدم من التعليل وهو خوف اللبس.
(*)(1/404)
ما ذكره غيره، لان جميعها مشروط بالعملية، واشتهار المسمى بعلمه مما يزيل اللبس في الغالب.
ثم الحق، أن كل موضع قامت فيه قرينة تزيل اللبس جاز ترخيم جميع ما ذكر، على نية الضم (1) كان، أو، لا، وإلا فلا.
والفراء يحذف الساكن أيضا في الاسم الذي قبل آخره ساكن، نحو هرقل وسبطر (2)، على نية المحذوف، لئلا يشبه الحرف نحو نعم وأجل.
وهو ضعيف، لان معنى نية المحذوف أن المحذوف كالملفوظ، (3) والكوفيون يحذفون في نحو حولا يا، وبردرايا، الاحرف الثلاثة، أعني الالفين مع الياء التي بينهسا كزيادة الجمع، والبصريون يجتزئون بحذف الالف الاخيرة لتحصين الياء قبلها بحركنها من الحذف.
قوله: " وإن كان مركبا حذف الاسم الاخير "، لما أريد حذف شئ منه وكان موضع اتصال الكلمتين كالمفصل، والكلمتان كعظمتين متصلتين عنده، فهو أقبل للفك من مفاصل (4) المتصل بعضها ببعض، لانه قريب العهد بالالتئام بسبب التركيب العارض: جذف (5) الجزء الاخير بكماله، فإذا رخمت خمسة عشر قلت: يا خمسة أقبل، وفي الوقف تقلب التاء هاء في اللغتين ولا تخليها تاء (6)، لانها تلك التاء التي كانت في خمسة قبل أن يضم إليها عشر، كما أنك لو سميت رجلا بمسلمتين قلت في الوقف يا مسلمه بالهاء، لان التاء تطرفت لفظا، ولا يوقف على تاء التأنيث (7) إلا في بعض اللغات.
__________
(1) يقصد على كل من اللغتين في المرخم لغة من ينوي المحذوف، ولغة من لا ينويه، والعبارة هكذا في النسخ المطبوعة.
(2) هرقل اسم ملك الروم، وسبطر أي ممتد أو طويل.
(3) أي فالشبه بالحرف موجود.
(4) أي من مفاصل الكلمات المتصل بعضها ببعض.
(5) جواب قوله: لما أريد حذف شئ منه.
(6) أي لا تبقها تاء.
(7) أي ببقائها تاء من غير ابدال.
(*)(1/405)
قالوا: فإذا رخمت اثنا عشر واثنتا عشرة، واثني عشر واثنتي عشرة، حذفت " عشر " مع الالف والياء، لان " عشر " بمنزلة النون المحذوفة، فكانك ترخم: اثنان، واثنتان، واثنين واثنتين (1)، ومن ثم لا ئضاف اثنا عشر، كما يضاف ثلاثة عشر وأخواتها، كما يجئ في باب المركب، قال المصنف: فيه نظر من جهة أن الثاني اسم براسه، ولا يلزم من معاقبته للنون حذف الالف معه، حذفها (2) مع النون.
قوله: " وإن كان غير ذلك فحرف واحد "، أي غير ما حذف منه حرفان وهو ذو زيادتين في حكم الواحدة، وذو حرف صحيح غير التاء قبله مدة زائدة، وغير ما حذف منه كلمة، وهو المركب.
حكم آخر المرخم بعد الحذف قال ابن الحاجب: " وهو في حكم الثابت على الاكثر، فيقال: يا حار " " ويا ثمو، ويا كرو، وقد يجعل اسما براسه فيقال " " يا حار ويا ثمي ويا كرا " ؟ قال الرضي: أي المحذوف للترخيم في حكم ما ثبت، فبقي الحرف الذي صار آخر الكلمة بعد
الترخيم على ما كان عليه، وكان القياس أن يكون جعل ما بقي بعد الترخيم اسما براسه هو (3)
__________
(1) أي بحسب صورته الاعرابية قبل الترخيم.
(2) أي مثل حذفها مع النون.
(3) خبر يكون، في قوله وكان القياس أن يكون.
(*)(1/406)
الاكثر، لان المعلوم من استقراء كلامهم أن المحذوف لعلة موجبة قياسية كما في عصا وقاض، في حكم الثابت فلذا بقي ما قبل المحذوف من الحرف على حركته، وأن المحذوف لا لعلة موجبة قياسية، كان لم تفن بالامس (1)، فلذا صار ما قبل المحذوف في نحو غد، ويد، ودم معتقب الاعراب، وذلك لانهم لو قصدوا كونه كالثابت لم يحذفوه لا لعلة موجبة.
لكن لما كان (2) الترخيم لعلة قياسية مطردة قريبة من الايجاب لطلبهم التخفيف في النداء باقصى ما يمكن حتى فعلوا بالمضاف إلى ياء المتكلم الذي فيه أدنى ثقل، لكونه في صورة المنقوص، ما رايت (3)، وفي نحو: يا زيد بن عمرو، ما هو المشهور من فتح الضم، وذلك لما قدمنا من أن النداء مع كثرته في الكلام ليس مقصودا بالذات، بل هو لتنبيه المخاطب ليصغي إلى ما يجئ بعده من الكلام المنادى له، فصار حذف الترخيم مطردا كالواجب فعومل المرخم في الاغلب معاملة نحو عصا وقاض مما الحذف فيه مطرد واجب.
ومن جعله اسما براسه نظر إلى أنه، وإن كان قياسيا مطردا لكنه ليس بواجب.
فإذا كان المحذوف منوي الثبوت، لم يغير ما بقي إلا في مواضع بعضها مختلف فيه وبعضها متفق عليه، فمنها: اسم أزال الترخيم سبب حذف حرف لين منه، قال الجمهور في نحو: أعلون، وقاضون، على هذه اللغة: يا أعلى ويا قاضي برجوع الالف والياء، لانه زال، في اللفظ، الساكن الاخير الذي حذفا له، وقال المصنف، ونعم ما قال، لو قيل يا أعل ويا قاض في هذه اللغة، لم يبعد، لان الساكن الاخير كالثابت لفظا.
ولا خلاف في رد الالف والياء في اللغة القليلة أي لغة الضم لزوال الساكنين لفظا وتقديرا.
ومنها اسم يبقى بعد المحذوف منه حرف أصلي السكون كان مدغما في ذلك المحذوف وقبله ألف، نحو: أسحار (4)، بفتح الهمزة وكسرها والكسر أكثر، وهو نبت، فسيبويه
__________
(1) أي يكون محذوفا نسيا منسيا.
كما يعبر الرضى في مثله.
(2) هذا تعليل لمخالفتهم ما كان يجب أن يكون هو القياس والاكثر.
(3) من الاوجه السابقة في المنادى المضاف لياء المتكلم.
(4) أسحار بكسر الهمزة، ويؤنث بالتاء، ونفتح الهمزة أيضا: بقلة تأكلها الدواب فتسمن.
(*)(1/407)
يتبع الحرف الساكن ما قبله من الفتحة والالف فيقول: يا أسحار بالفتح، لانه التقى ساكنان ففتح الاخير اتباعا لما قبله، كما في قوله: 141 - عجبت لمولود وليس له أب * وذي ولد لم يلده أبوان (1) وقولهم: انطلق في تخفيف: انطلق، وذلك لانه لما تصرف فيه بعد الترخيم بضم رائه على الاستقلال، شابه الفعل الذي هو الاصل في التصرف، فحرك بالفتح لازالة الساكنين، دون الكسر، إتباعا لما قبله كما أتبع في الفعل وصيانة له من الكسر ما أمكن، نحو لم يلده، وانطلق، ولم يضار بالفتح على الوجه المختار.
وغير سيبويه يجيز في نحو: أسحار مرخما: الكسر أيضا للساكنين على حاله، على هذه اللغة، أي الكثيرة، كما في هرق.
والفراء يحذف الراء الاولى، أيضا في أسحار مع الالف قبلها، والساكن المدغم في نحو إرزب، بناء على أصله في هرق، فاما إذا لم يكن المدغم أصلي السكون فانه يرد إلى حركته إن لزم ساكنان اتفاقا منهم، تقول في المسمى بتحاب (2): يا تحاب، وفي راد، يا راد وفي مضار اسم مفعول: يا مضار، وإن لم يلزم ساكنان فالنحاة يبقون الساكن على سكونه إذ المدغم فيه كالثابت.
__________
(1) الشاهد في قوله لم يلده، بفتح الياء وسكون اللام وفتح الدال وأصله يلده مضارع ولد.
مجزوما بلم فلما سكنت اللام حركت الدال بالفتح، وروي: ألا، رب مولود.
وهذا أحد أبيات ثلاثة، أراد بهذا منها: آدم، وعيسى عليهما السلام، فان عيسى لا أب له وآدم ذو الاولاد ولم يلده أبوان.
ومن عجب أن البغدادي نقل خلافا في المراد بالشطر الثاني وقال ان بعضهم يقول ان المراد به البيضة وأطال الرد عليهم..ويريد بالبيتين الباقيين القمر: وهما قوله: وذي شامة سوداء في حر وجهه * مخلدة لا تنقضي لاوان ويكمل في خمس وتسع شبابه * ويهرم في سبع معا وثمان وقال البغدادي ان هذه الابيات لرجل من أزد السراة.
وما أشبه هذه الابيات بابيات الالغاز..وقد أورد سيبويه بيت الشاهد أيضا في ج 1 ص 341، لمثل ما استشهد له الرضى.
(2) أي الفعل الماضي من وزن تفاعل من الحب.
(*)(1/408)
والفراء يرد الساكن إلى أصل حركته، لانه لا يرى، كما ذكرنا، سكون الحرف الاخير في الترخيم، فيقول: يا محمر بكسر الراء، ويا مقر بسكون القاف وبفتح العين في مقر، ولا يحذف الحرف الساكن كما في نحو خدب، لانه قادر على إزالة سكون الاخير بغير الحذف، وذلك بان يرده إلى أصله، ولم يمكن ذلك في خدب، إذ لم يكن للساكن أصل في الحركة.
وما ذهب إليه الفراء من رد المدغم إلى أصل حركته قياس مذهب الجمهور في قولهم يا قاضي ويا أعلى في المسمى بقاضون وأعلون، إلا أن الفارسي فرق بينهما بان للياء في قاضي أصلا في الثبوت في بعض المواضع نحو رايت قاضيا، وقاضية، بخلاف الكسر في محمر، فانه لم يثبت في موضع من المواضع.
ومنها نحو ثمود، فانه يجوز عند الجمهور جعل المحذوف منوي الثبوت بعد حدف الدال فقط، فتقول: يا ثمو، لان الواو في التقدير ليس آخر كلمة، ومنع الفراء من ذلك، لان
الواو في الظاهر آخر الكلمة وقبلها ضمة، وهذا كما قال في ترخيم هرقل على نية المحذوف إنه لا يجوز إبقاء الحرف الساكن لئلا يشبه الحرف، قال فإذا قصدت جعل حرف (1) محذوف ثمود في حكم الثابت حذفت الواو أيضا، بناء على مذهبه من تجويز: يا عم وياسع ويا عم في ترخيم عمود وسعيد وعماد، كما مر.
وإذا جعل المرخم اسما براسه ضم ما قبل المحذوف لفظا إن كان صحيحا أو في حكمه، نحو: يا حار، ويا مرو ويا قري، في حارث ومروة وقرية، وتقديرا إن كان ياء مكسورا ما قبلها، أو ألفا، نحو: يا قاضي ويا مشترا، في قاضية ومشتراة.
وإن كان واو بعد ضمة كما في قلنسوة، وثمود، أبدلت الواو ياء والضمة كسرة، نحو: يا قلنسي ويا ثمى، وفي الكثيرة قلت يا ثمو ويا قلنسو، لانه لم يات في كلام العرب اسم متمكن آخره واو قبلها ضمة إلا وتقلب الواو ياء والضمة كسرة، نحو التغازي
__________
(1) كلمة " حرف " لا لزوم لها والكلام بدونها مستقيم ومؤد إلى المقصود.
(*)(1/409)
والادلى (1)، لما يجئ في التصريف في باب الاعلال، والمنادى في حكم المتمكن لعروض بنائه.
وإن كان ما قبل المحذوف ياء، أو واوا بعد فتحة قلبتها ألفا، تقول في: غليان ونزوان: يا غلي، ويا نزا، وفي الكثيرة يا غلي ويا نزولانك إذا نويت المحذوف لم يوازنا الفعل تقديرا حتى تقلب ألفا بخلاف ما إذا لم تنوه، كما يجئ في التصريف (2) إن شاء الله تعالى.
وإن كان واوا، أو ياء بعد ألف زائدة، قلبت همزة، نحو يا شقاء ويا خزاء في شقاوة وخزاية (3)، وفي الكثيرة يا شقاو ويا خزاي، لان كل واو أو ياء تطرفت بعد ألف زائدة قلبت ألفا ثم همزة، كما في رداء وكساء، لان (4) مثل هذه الواو والياء إنما تقلبان إلفا ثم همزة إذا تطرفتا، كما يجئ في التصريف.
وإن كان ما قبل المحذوف ثاني الكلمة وهو حرف لين، فان عرفت ما حذف من الاصول رددته، لاما كياشاه في ترخيم شاة، أو فاء، كما تقول في ترخيم: شية، ودية:
يا وشي ويا ودي، يرد العين إلى سكونها عند الاخفش، ويا وشي ويا ودي بابقاء حركة العين عند سيبويه، والاول أولى، لان تحريك العين، إنما كان لحذف الفاء، كما يجئ في باب النسب، فان الاخفش يقول: وشئ وسيبويه يقول: وشوي.
وإن لم تعرف ثالث الاصول، ضعفت الثاني ذا اللين، كما تقول يا لاء في المسمى بلات.
وإن لم يكن الثاني حرف لين لم ترد المحذوف، كما تقول: ياثب ويا عد في ثبة وعدة، كل ذلك لان المنادى المضموم حكمه حكم المعربات كما مر، ولا يجئ في المعربات اسم
__________
(1) الادلى جمع " دلو " على وزن أفعل.
(2) من شروط قلب الواو والياء ألفا إذا تحرك أحدهما وانفتح ما قبله ألا يكون في آخر الكلمة زيادة مختصة بالاسماء كالالف والنون وهو شرط مختلف فيه بين سيبويه وغيره.
(3) الخزاية مصدر خزي بمعنى استحيا.
(4) يريد أن الواو والباء في شقاو، وخزاي بعد الترخيم على نية المحذوف لم تتطرفا وان كان قبلهما ألف زائدة لان التاء المحذوفة للترخيم ثابتة تمنعهما من التطرف.
ولا شك أن في عبارته تكرارا وأنها غير مستقيمة.
(*)(1/410)
ثانيه حرف لين لئلا يسقط ذلك اللين مع التنوين للساكنين فيبقى المعرب على حرف واحد.
وإن أدت هذه اللغة، أي القلى إلى قلب ما لا يكون منقلبا، كما يرخم حبليان وحبلوي فقد ذكر المبرد أنها لا تجوز، إذن، لانها تؤدي إلى كون ألف فعلى منقلبا عن ياء أو واو، ولم تعهد إلا للتانيث، غير منقلبة عن شئ.
وقياس قول الاخفش (1) جوازها، لانه يكون، إذن ملحقا بجخدب، بفتح الدال.
وأما السيرافي فاجازها وإن لم يثبت فعللا، قال لان هذا شئ عرض وليس ببنية أصلية وكذا ذكر المبرد عن المازني في كل ما أدى نية الاستقلال فيه إلى وزن لا نظير له، أنه لا يرخمه إلا على نية المحذوف، وذلك نحو طيلسان على لغة كسر اللام، وفرذدق، وقذعمل،
وسعود وهندلع وعنفوان.
وأجاز السيرافي ترخيم جميعها على نية الاستقلال نظرا إلى أن المثل ليست باصلية، ألا ترى أنه يجوز اتفاقا أن تقول في منصور: على نية الاستقلال يا منص، وفي خضم يا خض مع أن مفع وفع، ليسا من أبنيتهم، فتقول: يا طيلس، ويا فرزد، ويا قذعم، ويا سعي، ويا هندل ويا عنفي.
قالوا، وإذا رخمت صحراوي على القلي، قلبت الواو همزة، فلو أزالته عن النداء لصرفته لان همزته، إذن، ليست منقلبة عن ألف التأنيث، بل هي منقلبة عن الواو المنقلبة عن الهمز المنقلب عن ألف التأنيث فبعد التأنيث فيها، والاولى ألا تصرفه نظرا إلى الاصل.
__________
(1) أي قوله في اثبات فعلل بضم الفاء وفتح ما قبل الاخر في أوزان الرباعي المجرد.
(*)(1/411)
المندوب معناه، وحكمه في الاعراب والبناء قال ابن الحاجب: " وقد استعملوا صيغة النداء في المندوب وهو المتفجع عليه، " " بيا، أو، وا، واختص بوا، وحكمه في الاعراب والبناء حكم " " المنادى، ولك زيادة الالف في آخره ".
قال الرضى: هذا منه بناء على أن المندوب غير المنادى، وقد ذكرنا ما عليه (1)، فلا نعيده.
قوله: " المتفجع عليه " دخل فيه المجرور في نحو: تفجعت على زيد، فلما قال: بيا، أو، وا، خرج، وكل منادى يدخله معنى من المعاني كالاستغاثة والتعجب والندبة لا يستعمل فيه إلا حرف النداء المشهور، أعني " يا " كما ذكرنا دون أخواتها، لانها أمها "
فتصرفت ودخلت في جميع أنواعه،.
وقد أخل المصنف باحد قسمي المندوب وهو المتوجع منه، نحو: واحزنا ووايلا، وواثبورا.
قوله: " واختص بوا "، يعني اختص لفظ المندوب بالندبة بسبب لفظة " وا "، فوازيد، مختص بالندبة، ويا زيد، مشترك بين الندبة والنداء.
وقيل قد يستعمل " وا " في النداء المحض، وهو قليل.
قوله: " وحكمه في الاعراب والبناء حكم المنادى "، فيقال: وا زيد، وا عبد الله، وا طالعا جيلا، إذا كان معروفا معينا.
__________
(1) انظر ص 345 من هذا الجزء.
(*)(1/412)
وكذا توابعه، كتوابع المنادى على التفضيل المذكور، وذلك لانه منادى في الاصل لحقه معنى الندبة.
وقال المصنف بناء على مذهبه أعنى أن المندوب مخصوص بالمتفجع عليه، كما أن المنادى مخصوص، فاستعمل لفظ المنادى في المندوب لاشتراكهما في معنى المخصوص، وكثيرا ما يحمل العرب بابا على باب آخر، مع اختلافهما، لاشتراكهما في أمر عام، كقولهم في باب الاختصاص: أما أنا فافعل كذا أيها الرجل، فاستعمل فيه صورة النداء، لمشاركته في معنى الاختصاص كما سيجئ.
قوله: " ولك زيادة الالف في آخره "، أي لك إلحاق الالف آخر المندوب، ويجوز ألا تلحقه، سواء كان مع يا، أو، وا.
وقال الاندلسي: يجب إلحاقها مع " يا "، لئلا يلتبس بالنداء المحض، والاولى أن يقال: إن دلت قرينة حال على الندبة كنت مخيرا مع " يا " أيضا "، وإلا وجب الالحاق معها، تقول: يا محمد، يا علي بلا إلحاق،.
وجوز الكوفيون الاستغناء بالفتحة عن ألف الندبة نحو: يا زيد، ووازيد، ولم يثبت.
وقد يلحق هذا الالف المنادى غير المندوب، قال ابن السراج (1): تقول في نداء البعيد: يا زيداه، والهالك في غاية البعد، ومنه قولهم: يا هناه في المنادى غير المصرح باسمه.
__________
(1) تقدم ذكره وانظر ص 67 من هذا الجزء.
(*)(1/413)
الحاق أحرف العلة باخر المندوب قال ابن الحاجب: " فان خفت اللبس قلت، واغلامكيه، وواغلامكموه ".
قال الرضى: آخر الكلمة لا يخلو من أن يكون ساكنا أو متحركا، والمتحرك إما أن تكون حركته إعرابية أو، لا، والمعرب بالحركات لا يلحقه إلا الالف.
ويقدر الاعراب، نحو: واضرب الرجلا، في المسمى بضرب الرجل، وكذا: واضربت الرجلاه، ووا غلام الرجلاه.
والفراء يجوز إتباع المدة للحركات قياسا على مدة الانكار، نحو واصرب الرجلوه، ووا عبد الملكية، ولم يثبت.
وإنما غيرت الحركة الاعرابية لاجل مدة الندبة، دون مدة الانكار لان الندبة من مواضع مد الصوت إعلاما بالمصيبة فاختاروا فيها الالف دون الواو والياء، لان المد فيها أكثر منه في الواو والياء، فلا تقلب الالف واوا، ولا ياء إلا للضرورة، كما يجئ، وأما الانكار فلا يطلب مدا تاما، فليس أصل مده أن يكون بالالف، بل حروف العلة فيه سواء، وللفراء أن يقول: الاولى أن يحافظ على الحركات الاعرابية ما أمكن.
هذا، وإن لم تكن الحركة إعرابية، ولم يؤد الحاق الالف إلى اللبس كما في قطام،
وحذام وحيث، أعلاما مشهورة فالاجود الالف، لانها الاصل في مدة الندبة، كما ذكرنا فلا تقلب إلا للبس.
وقال الاندلسي والمصنف، تتبعها مدة من جنسها، ولا تغير حركة البناء للزومها.(1/414)
قال سيبويه: وتقول في ندبة يا زيد ويا غلام يعني ما سقط منه ياء الاضافة: وا زيداه، ووا غلاماه، فتحت الكسرة كما فتحت الضمة في يا زيد.
قلت، ولو اخترنا ههنا مختار الاندلسي: إتباع المدة للحركة غير الاعرابية كان أولى، لحصول اللبس.
وقلب الالف ياء بعد نون التثنية التي بعد الالف أكثر من سلامتها فوا زيدانيه أكثر من وازيد اناه، لئلا يشتبه المثنى بفعلان، وأما التي بعد الياء فالالف هو الوجه، نحو قوله: واجمجمتي الشاميتيناه (1)، وإن كانت الحركة غير إعرابية، وأدى الالف إلى اللبس اتبعتها حرفا من جنسها اتفاقا، نحو: وا غلامكيه في غلام المخاطبة، لئلا يلتبس بغلام المخاطب، ووامنهوه في المسمى بمنه لئلا يلتبس بالمسمى بمنها، ولا يجوز في النداء المحض، يا غلامك لاستحالة خطاب المضاف.
والمضاف إليه معا في حالة، وأما المندوب فلما لم يكن مخاطبا في الحقيقة بل متفجعا عليه، جاز: وا غلامكاه.
والساكن لا يخلو إما أن يكون تنوينا، أو ألفا، أو، واوا، أو ياء، أو ميم جمع أو غيرها.
فالتنوين يحذف للساكنين، نحو: وا غلام زيداه، وإنما حذفت (2) مع مدة الندبة دون مدة الانكار لان الاصل المندوب المنادى الذي هو محل التخفيف.
وأجاز الفراء في المنون المندوب ثلاثة أوجه أخرى: أحدها فتحها (2) لاجل ألف الندبة والثاني حذفها (2) للساكنين واتباع المدة حركة ما قبلها نحو: وا غلام زيديه، بناء على مذهبه
في جواز إتباع مدة الندبة للحركات الاعرابية، والثالث كسرها (2) للساكنين وإتباع المدة
__________
(1) ياتي شرحه قريبا.
(2) في هذه المواضع الاربعة يتحدث الشارح عن التنوين باسلوب المؤنث كما ترى، وفي أول الحديث يقول: فالتنوين يحذف.
وتكررت الاشارة إلى هذه الصنيع من شارحنا المحقق.
(*)(1/415)
لكسرتها، كما في مدة الانكار.
وما ذكرناه أولا هو المشهور المستعمل.
وإن كان ألفا حذفتها لالف الندبة، عند النحاة، نحو: وا معلاه ووا غلامكماه، لان حذف أول الساكنين إذا كان مدا، هو القياس، كما يجئ في التصريف، وقال المصنف: بل استغنى بها عن ألف الندبة،.
وإن كان واوا، أو ياء، فان كانت الحركة فيها مقدرة، حركتها بالفتح، نحو يا قاضياه ويا راضياه ويا رامياه ويا يرمياه ويا سمندواه.
وأما إذا ندبت يا غلامي، بسكون الياء، فكذا تقول عند سيبويه يا غلامياه لان أصلها الفتح عنده، وأجاز المبرد يا غلاماه بحذف الياء للساكنين ولم يذكر سقوطها في المضاف إلى المضاف إلى الياء، نحو: وا انقطاع ظهراه، قال السيرافي: والقياس فيهما واحد، يجوز سقوطها لاجتماع الساكنين، قال المصنف: الحذف ليس بوجه، وقال: نحو: وا غلاميه أوجه، إما لان أصلها السكون فيمن قال بذلك، فلا يزيد عليها مدة أخرى، كما يجئ، وإما لان السكون العارض فيه كالاصلي، بدليل قولك وا مصطفاه ولا ترد الالف إلى أصلها استغناء بها عن ألف الندبة، بخلاف التثنية، فانك تقلب لها ألف المقصور نحو مصطفيان، وذلك للزوم ألف التثنية في المثنى بخلاف مدة الندبة فانها لا تلزم المندوب.
أما قوله (1) أصلها السكون فقد تقدم أن ذلك مختلف فيه، وأما قوله: السكون العارض فيه كالاصلي، فنقول: ذلك في الالف لكونها كالف الندبة في الصورة، فجاز أن تغنى
عنها كما ذهبت إليه، وأما الياء فلا، لقولك يا قاضياه في يا قاضي.
وإن لم يكن للواو والياء أصل في الحركة، فان كانتا مدتين، أي ما قبلهما من الحركة من جنسهما نحو: وا غلامهوه، ووا أخا غلامهي ووا اضربوا، ووا اضربي، إذا سمي بها،
__________
(1) مناقشة للمصنف في تعليله لما رآه من قوله: الحذف ليس بوجه.
(*)(1/416)
فانك تكتفي بما فيهما من المد عن ألف الندبة لكون مدهما أصليا، بخلاف مد نحو: يا قاضي فان أصل هذه الياء الحركة، وألف الندبة ليست لازمة للمندوب كما ذكرنا، فقد (1) لا يؤتى بها، مع أنه ليس في آخر المندوب مد، نحو: وازيد، فكيف إذا كان في آخره مد أصلي.
وإن لم يكونا مدتين، جئت بالف الندبة بعدهما، إن شئت، نحو: وا قائل لواه ويا قائل كياه (2).
وأما ميم الجمع فلا ياتي بعدها ألف الندبة لئلا يلتبس المجموع بالمثنى، نحو: وا غلامكموه ووا أخا غلا مهمي، والواو والياء بعدها اما اللتان حذفتا في الجمع للاستثقال، كما يجئ في المضمرات ردتا لمدة الندبة واستغنى بهما عن ألف الندبة كما قلنا في غلامهو وغلامهي، وإما ألفا المد، فقلبتا واوا، وياء للبس.
وأما الساكن غير هذه الاشياء فيفتح ويلحق ألفا، نحو: يا مناه في المسمى بمن.
وسيبويه يجيز نحو: واقنسروناه، إذ لا منع، وقال الكوفيون: المسمى بالجمع السالم المذكر إن أعربته بالحروف لا يجوز ندبته، كما لا يجوز تثنيته وجمعه، فلا يجوز: وازيدوناه، وإن أعربته بالحركات وجعلت النون معتقب الاعراب، ولا بد، إذن، من أن تلزمه الياء، كما يجئ في باب الاعلام جاز ندبته، نحو: وا زيديناه، واقنسريناه.
وكذا يلزم على مذهبهم أنك إذا سميت بالمثنى وأعربنه بالحركات وألزمته الالف جاز ندبته وإلا فلا، وليس بشئ، إذ لا مناسبة بين الندبة وبين التثنية والجمع حتى تمتنع فيما
امتنعا فيه.
وتقول في المسمى باثني عند سيبويه، واثنا عشراه بالالف في اثني لانه غير مضاف، وعشر معاقب للنون فكانك قلت وا اثنان،.
__________
(1) أنظر هامش رقم (1) في ص 23 من هذا الجزء.
(2) أي قائل " لو " وقائل " كي ".
(*)(1/417)
وقال الكوفيون، واثني عشراه بالياء، تشبيها له بالمضاف لان نون المثنى لا تسقط إلا في الاضافة فكأنه مضاف، وأجاز ابن كيسان (1) الوجهين.
__________
(1) تقدم ذكره، انظر ص 115 من هذا الجزء.
(*)(1/418)
إلحاق الهاء بالمندوب في الوقف قال ابن الحاجب: " ولك الهاء في الوقف ".
قال الرضى: يعني أن إلحاق هاء السكت بعد زيادة الندبة، واوا كانت، أو ياء، أو ألفا، جائز في الوقف لا واجب، وبعضهم يوجبها مع الالف لئلا يلتبس المندوب بالمضاف إلى ياء المتكلم المقلوبة ألفا، نحو: يا غلاما، وينبغي ألا يجب عند هذا القائل مع وا، لانها تكفي في الفرق بين الندبة والنداء، وليس ما قال بوجه، لان الالف المنقلبة عن ياء المتكلم، قد تلحقها الهاء في الوقف، كما مر (1)، فاللبس، إذن، حاصل مع الهاء أيضا، والفارق هو القرينة.
وإنما ألحقوا هذه الهاء، بيانا لحرف المد، ولا سيما الالف لخفائها فإذا جئت بعدها بهاء ساكنة تبينت، كما تتبين بها الحركة في: غلاميه، على ما يجئ في بابه من التصريف (2)، وهذه الهاء تحذف وصلا، وربما ثبتت في الشعر، إما مكسورة للساكنين، أو مضمومة بعد
الالف والواو، تشبيها بهاء الضمير الواقعة بعدهما.
__________
(1) انظر ص 390 من هذا الجزء.
(2) في باب الوقف.
في شرح الشافية.
(*)(1/419)
وبعضهم يفتحها بعد الالف لمناسبة الالف قبلها.
وإثباتها في الاصل لاجراء الوصل مجرى الوقف، قال: 142 - يا مرحباه بحمار ناجية (1) والكوفيون يثبتونها وصلا ووقفا في الشعر وغيره.
__________
(1) ناجية، اسم شخص ومن معانيه: الناقة السريعة.
وليس مرادا هنا.
بل هو مجرور بالاضافة إلى حمار.
وأراد به صاحب الحمار، أو صاحبته، وقال ابن يعيش - (9 - 46) ان بعده: إذا أتي قريته للسانية، ثم قال انه مثل قول عروة بن حزام العذري: يا مرحباه بحمار عفراء * إذا أتى قريته بما شاء ولم ينسب بيت الشاهد في الخزانة ولا في غيره.
(*)(1/420)
لا يندب إلا المعروف قال ابن الحاجب: " ولا يندب إلا المعروف، فلا يقال: وا رجلاه، وامتنع " " وازيد الطويلاه خلافا ليونس ".
قال الرضى: هذا الذي ذكره في المتفجع عليه، وأما المتوجع منه، فانك تقول: وا مصيبتاه، وليست بمعروفة.
ويعني بالمعروف: المشهور، علما كان، أو، لا، فلو كان علما غير مشهور لم يندب
وكذا غيره من المعارف، فلا يقال: وا هذاه،.
وإنما ذلك لتحصيل عذر النادب في الندبة، لانه إذا كان المندوب مشهورا، لا يلام النادب في الندبة عليه، ولو لم يكن علما وكان المتفجع عليه مشهورا بذلك الاسم جاز ندبته، تقول يا ضاربا زيداه، إذا كان زيد رجلا عظيما، وقد ضربه المتفجع عليه واشتهر به.
وكذلك: يا حسنا وجههوه في المشهور بذلك.
فضابط المندوب أن يكون معرفة مشهورا، سواء كان تعريفه قبل الندبة أو بحرف الندبة،(1/421)
تقول: وامن قلع باب خيبراه (1)، وا من حفر بئز زمزماه (2)، لاشتهار الرجلين بذلك.
وموضع مدة الندبة آخر المضاف إليه، وإن كان المندوب في الحقيقة هو المضاف، نحو: وا أمير المؤمنيناه، والمندوب هو الامير، إلا أنك أردت ندبة المضاف إلى المؤمنين فلو ألحقت مدتها بالمضاف لانفك من المضاف إليه، فالحقتها المضاف إليه والمراد المضاف، كما تقول: حب رماني وإن لم تكن ملكت الرمان، بل الحب فقط.
وكذا تقول في المضارع للمضاف: وا طالعا جبلاه، وكذا تلحقها آخر الصلة نحو: وامن حفر بئر زمزماه، وكذا قال يونس والكوفيون إنك تلحقها آخر الصفة لا آخر الموصوف نحو: وازيد الظريفاه.
وقال الخليل وسيبويه، بل تلحقها آخر الموصوف نحو: وا زيداه الظريف، لان اتصال الموصوف بصفته لفظا أقل من اتصال المضاف بالمضاف إليه والموصول بصلته.
وليونس أن يقول: إنه متصل بها على الجملة لفظا واتصاله بها في المعنى أتم من اتصال الموصول بصلته، والمضاف بالمضاف إليه، وإن كان في اللفظ أنقص، وذلك لانه يطلق اسم الصفة على موصوفها ولا يطلق المضاف إليه على المضاف، ولا الصلة على موصولها.
وحكى يونس أن رجلا ضاع له قد حان فقال: واجمجمتي الشاميتيناه (3) والجمجمة القدح.
وحكى الكوفيون: وارجلا مسجاه، وقد استشهد الكوفيون بهذا على جواز ندبة غير المعروف، وهو شاذ عند البصريين.
__________
(1) يريد سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقد جاء في بعض كتب السير أن علي بن أبي طالب كان يحمل راية المسلمين في غزوة خيبر وكان المسلمون يحاصرونها وأن عليا خلع باب أحد حصون خبير وبذلك تم فتحها وانتصر المسلمون، وهم يذكرون هذا لبيان قوة علي الجسمية.
(2) هذا يراد منه عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) أشرنا إلى أن شرح هذا التعبير سيأتي قريبا.
ص 415 من هذا الجزء.
(*)(1/422)
وحكى الاندلسي عن الكوفيين أنهم ربما نونوا المندوب في الوصل، نحو: وا زيدا يا هذا (1) !
__________
(1) قوله: يا هذا.
لبيان أن المراد الوصل فيما قبله.
وهم يستعملون هذا الاسلوب لبيان ذلك.
وربما قالوا بدل يا هذا: يا فتى..بعد الكلام الذي يراد بيان أنه موصول كما يفعل المبرد.
(*)(1/423)
حدف حرف النداء [ قال ابن الحاجب: ] " ويجوز حذف حرف النداء، إلا مع اسم الجنس والاشارة " " والمستغاث والمندوب، نحو: يوسف أعرض عن هذا (1) وأيها " " الرجل، وشذ: أصبح ليل، وافتد مخنوق وأطرق كرا ".
[ قال الرضى: ] يعني بالجنس ما كان نكرة قبل النداء، سواء تعرف بالنداء، كيا رجل، أو لم يتعرف، كيا رجلا، وسواء كان مفردا أو مضافا أو مضارعا له، نحو: يا غلام فاضل، ويا حسن الوجه، ويا ضاربا زيدا، قصدت بهذه الثلاثة واحدا بعينه، أو، لا،
وإنما لا تحذف من النكرة، لان حرف التنبيه إنما يستغنى عنه إذا كان المنادى مقبلا عليك متنبها لما تقول، ولا يكون هذا إلا في المعرفة، لانها مقصودة قصدها،
__________
(1) الاية 29 من سورة يوسف.
(*)(1/425)
وإنما لا تحذفه من المعرفة المتعرفة بحرف النداء، إذ هي، إذن، حرف تعريف، وحرف التعريف لا يحذف مما تعرف به، حتى لا يظن بقاؤه على أصل التنكير، ألا ترى أن لام التعريف لا تحذف من المتعرف بها، وحرف النداء أولى منها بعدم الحذف، إذ هي مفيدة مع التعريف: التنبيه والخطاب، وكان ينبغي ألا يحذف من " أي " أيضا، إذ هو، أيضا، جنس متعرف بالنداء، إلا أن المقصود بالنداء، لما كان وصفه، كما تقدم وهو معرفة قبل النداء باللام جاز حذفه، ألا ترى أنه لا يجوز الحذف من: يا أيهذا، من غير أن تصف هذا بذي اللام، كما لا يجوز الحذف من: يا هذا، فثبت أن الاعتبار في حذف حرف النداء من " أي " بوصفه، نحو: أيها الرجل، أو بوصف وصفه نحو: أيهذا الرجل.
وإنما لم يجز الحذف عند البصريين مع اسم الاشارة وإن كان متعرفا قبل النداء.
لما ذكرنا قبل من أنه موضوع في الاصل لما يشار إليه للمخاطب، وبين كون الاسم مشارا إليه وكونه منادى، أي مخاطبا تنافر ظاهر، فلما أخرج في النداء عن ذلك الاصل وجعل مخاطبا، احتيج إلى علامة ظاهرة تدل على تغييره وجعله مخاطبا وهي حرف النداء، والكوفيون جوزوا حذف الحرف من اسم الاشارة، اعتبارا بكونه معرفة قبل النداء، واستشهادا بقوله تعالى: " ثم أنتم هؤلاء " (1).
وليس في الاية دليل، لان هؤلاء خبر المبتدا، كما يجئ في الحروف، فبقي على هذا من المعارف التي يجوز حذف الحرف منها: العلم والمضاف إلى أي معرفة كانت، والموصولات.
وأما المضمرات، فيشذ نداؤها، نحو: يا أنت، ويا إياك،
تقول في الموصولات: من لا يزال محسنا أحسن إلي، ومن قال في ضبط ما يحذف منه الحرف: إنه يحذف مما لا يوصف به " أي "،
__________
(1) الاية 85 من سورة البقرة.
(*)(1/426)
يلزمه جواز الحذف في: يا غلام رجل، ويا خيرا من زيد، مع تنكيرهما، وذلك مما لا يجوز، وإنما لم يجز الحذف من المستغاث والمتعجب منه والمندوب، أما المستغاث به، فللمبالغة في تنبيهه باظهار حرف التنبيه لكون المستغاث له أمرا مهما، وأما المتعجب منه والمندوب فلانهما مناديان مجازا، ولا يقصد فيهما حقيقة التنبيه والاقبال، كما في النداء المحض، فلما نقلا عن النداء إلى معنى آخر مع بقاء معنى النداء فيهما مجازا، لزما لفظ علم النداء.
تنبيها على الحقيقة المنقولين هما منها، ولم يذكر المصنف لفظة " الله " فيما لا يحذف منه الحرف وهي منه لانه لا يحذف الحرف منه إلا مع إبدال الميمين منه في آخره نحو اللهم، وذلك لان حق ما فيه اللام أن يتوصل إلى ندائه باي أو باسم الاشارة فلما حذفت الوصلة مع هذه اللفظة لكثرة ندائها لم يحذف الحرف منه، لئلا يكون إجحافا، قوله: " أصبح ليل "، أي ادخل في الصباح، وصر صبحا، قالته أم جندب زوجة امرئ القيس، تبرما به، وكان مفركا، ويقال انه سالها عن سبب تفريكهن (1) له، فقالت له، لانك ثقيل الصدر خفيف العجز سريع الاراقة، بطئ الافاقة، قوله: اطرق كرا، (2) رقية يصيدون بها الكرا، يقولون: أطرق كرا إن النعام في القرى، ما إن أرى هنا كرا، فيسكن ويطرق حتى يصاد، وهذه مثل رقية الضبع: خامري أم عامر.
والمعنى أن النعام الذي هو أكبر منك قد اصطيد وحمل إلى القرى فلا تخلى (3) أيضا،
ومثل ذلك قولهم: افتد مخنوق، قاله شخص وقع فيه الليل على سليك بن السلكة (4)،
__________
(1) أي تفريك النساء له أي اتهامه بانه مفرك، وقد جاء شرح المفرك في اجابة زوجته.
(2) انظر ص 398 من هذا الجزء.
(3) أي فلا تترك.
(4) أحد صعاليك العرب مثل الشنفري وتابط شرا.
(*)(1/427)
وهو نائم مستلق فخنقه، وقال: افتد مخنوق، فقال له سليك: الليل طويل وأنت مقمر، أي أنت آمن من أن أغتالك ففيم استعجالك في الاسر، ثم ضغطه سليك فضرط، فقال سليك أضرطا وأنت الاعلى، فذهب كلها أمثالا،(1/428)
حذف المنادى قال ابن الحاحب: " وقد يحذف المنادى لقيام القرينة، نحو: ألا يا اسجدوا ".
قال الرضى: المنادى مفعول به، فيجوز حذفه، إذا قامت قرينة دالة عليه بخلاف سائر المفعول به (1)، فانه قد يحذف نسيا منسيا، كما تقدم.
قوله: " ألا يا اسجدوا " (2) بتخفيف " ألا " على أنها حرف تنبيه، و " يا " حرف النداء، أي: يا قوم اسجدوا، ومن قرأ: ألا يسجدوا بتشديد اللام، فان ناصبة للمضارع، أدغمت نونها في لام " لا " ويسجدوا فعل مضارع سقط نونه بالنصب، أي: فهم لا يهتدون لان يسجدوا، و " لا " زائدة، أو نقول: أن لا يسجدوا، بدل من السبيل، أي فصدهم عن السجود، ويجوز أن يكون بدلا من قوله: أعمالهم، فلا تكون " لا " زائدة، أي فزين لهم الشيطان أن لا يسجدوا.
__________
(1) أي سائر أنواع المفعول به.
(2) الاية 25 من سورة النحل وقد ربطها في الشرح بالاية 24 التي قبلها.
(*)(1/429)
الاسماء الملازمة للنداء هذا، واعلم أنه قد جاءت أسماء لا تستعمل في غير النداء، وهي: فل وفلة، وليس فل، ترخيم فلان وإلا لم يجز في المذكر إلا فلا، إلا على مذهب الفراء كما تقدم من تجويزه نحو: يا عم في عماد، ولو كان ترخيم فلان لقيل في المؤنث يا فلان بحذف تاء فلانة.
ومن ذلك: يا مكرمان، ويا ملامان، ويا نومان، أي يا كريم ويا لئيم ويا نائم، وكذا يا ملكعان، أي يا لكع، وكل ما هو على مفعلان فهو مختص بالنداء، والغالب فيه السب.
ومن الابنية المختصة بالنداء: كل ما هو على فعل في سب المذكر وفعال في سب المؤنث، نحو: خبث ولكع، وخباث ولكاع، وفعال هذه قياسية عند سيبويه كالتي بمعنى الامر من الثلاثي، وكذا فعل في مذكرها، ومفعلان سماعي.
وربما اضطر الشاعر إلى استعمال بعض الاسماء المذكورة غير منادى، كقوله: 143 - في لجة أمسك فلانا عن فل (1) وقال: 144 - أطوف ما أطوف ثم آوى * إلى بيت قعيدته لكاع (2) ولم يسمع شئ من الاسماء المختصة بالنداء موصوفا.
__________
(1) هذا من أرجوزة العجاج التي أولها: الحمد لله العلي الاجلل..وهو مرتبط بقوله في وصف الناقة: تثير أيديها عجاج القسطل...وقبل هذا الشطر: تدافع الشيب ولم تقتل.
أي لم تقتتل، وروى تقتل بكسر التاء والقاف، بعد ادغام التاءين.
ومنها كثير من الشواهد.
(2) هذا بيت مفرد قاله الحطيئة الشاعر في هجاء امراته.
فقد روا أنه هجا نفسه وأباه وأمه وزوجته.
(*)(1/430)
المنصوب على الاختصاص ومما أصله النداء باب الاختصاص، وذلك أن تاتي باي وتجريه مجراه في النداء من ضمه والمجئ بهاء التنبيه في مقام المضاف إليه ووصف " أي " بذي اللام، وذلك بعد ضمير المتكلم الخاص كانا وإني، أو المشارك فيه نحو: نحن وإننا، لغرض بيان اختصاص مدلول ذلك الضمير من بين أمثاله بما نسب إليه، وهو إما في معرض التفاخر، نحو: أنا أكرم الضيف أيها الرجل، أي أنا أختص من بين الرجال باكرام الضيف، أو في معرض التصاغر (1)، نحو: أنا المسكين أيها الرجل، أي مختصا بالمسكنة من بين الرجال، أو لمجرد بيان المقصود بذلك الضمير، لا للافتخار ولا للتصاغر، نحو: أنا أدخل أيها الرجل ونحن نقر أيها القوم، فكل هذا في صورة النداء وليس به، بل المراد بصفة " أي " هو ما دل عليه ضمير المتكلم السابق، لا المخاطب، وإنما نقل من باب النداء إلى باب الاختصاص لمشاركته معنوية بين البابين، إذ المنادى، أيضا، مختص بالخطاب من بين أمثاله.
ولا يجوز في باب الاختصاص إظهار حرف النداء مع " أي " لانه لم يبق فيه معنى النداء، لا حقيقة كما في يا زيد، ولا مجازا كما بقي في المتعجب منه والمندوب، فكره استعمال علم النداء في الخالي عن معناه بالكلية.
وحال ظاهر " أي " ووصفه من ضم الاول ولزوم رفع الثاني كحالها في النداء، لكن مجموع نحو: أيها الرجل في باب الاختصاص في محل النصب، لوقوعه موقع الحال، أي مختصا من بين الرجال.
وهذا كما قيل في نحو: سواء أقمت أم قعدت، إن: أقمت أم قعدت، وإن كان
__________
(1) يريد التواضع.
(*)(1/431)
في الظاهر جملة معطوفة على جملة، إلا أنه في الحقيقة بتقدير مبتدا عطف عليه اسم آخر، أي سواء قيامك وقعودك، كما يجئ في باب حروف العطف.
وقد يقوم مقام " أي " المذكور، اسم منصوب دال على المراد من الضمير المذكور، إما معرف باللام نحو: نحن العرب أقرى للنزل، أو مضاف نحو قوله صلى الله عليه وسلم: " إنا معاشر الانبياء فينا بك ء " أي قلة كلام، وقولهم: نحن آل فلان كرماء،.
وربما كان المنصوب علما، قال: 145 - بنا تميما يكشف الضباب (1) قال أبو عمرو: ان العرب نصبت في الاختصاص أربعة أشياء: معشر، وآل، وأهل، وبني، قال: 146 - إنا بني ضبة لا نفر (2) أقول: لا شك أن هذه الاربعة المذكورة أكثر استعمالا في باب الاختصاص، ولكن ليس الاختصاص محصورا فيها.
قال المصنف، المعرف باللام ليس منقولا عن النداء، لان المنادى لا يكون ذا لام، ونحو أيها الرجل منقول عنه قطعا، والمضاف يحتمل الامرين، أن يكون منقولا عن المنادى ونصبه بيا المقدرة، كما في أيها الرجل، وإن ينتصب بفعل مقدر، كاعني أو أختص، أو أمدح، قال والنقل خلاف الاصل، فالاولى أن ينتصب انتصاب نحو: نحن العرب.
هذا كلامه، والاولى أن يقال: الجميع منقول عن النداء، وانتصابه انتصاب النادى إجراء لباب الاختصاص مجرى واحدا.
__________
(1) هو من أرجوزة لرؤبة بن العجاج، وهو تميمي.
(2) لم يرد هذا الشاهد في غير هذا الكتاب.
واكتفى البغدادي بان فسر ضبة فقال هو ضبة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر، وبين وجه الاستشهاد به.
(*)(1/432)
ثم نقول: لكنهم جوزوا النصب ودخول اللام في نحو: نحن العرب، لانه ليس بمنادي حقيقة، ولانه، لا يظهر في باب الاختصاص حرف النداء المكروه مجامعته للام.
وقد ياتي الاختصاص باللام أو الاضافة بعد ضمير المخاطب، نحو سبحانك الله العظيم، وبك أهل الرحمة أتوسل.
قالوا: وإن كان الاختصاص باللام أو الاضافة بعد ضمير الغائب نحو: مررت به الفاسق، أو بعد الظاهر نحو: الحمد لله الحميد، أو كان المختص منكرا، فليس من هذا الباب، بل هو منصوب إما على المدح نحو: الحمد لله الحميد، أو الذم نحو: " وامراته حمالة الحطب " (1)، أو الترحم نحو قوله: 147 - لنا يوم وللكروان يوم * تطير البائسات ولا نطبر (2) وقوله: 148 - وياوي إلى نسوة عطل * وشعثا مراضيع مثل السعالى (3)
__________
(1) الاية 4 من سورة المسد.
(2) الكروان بكسر الكاف: جمع كروان بفتح الكاف والراء، وقد يكون جمع كرا.
لما تقدم أن الكرا ذكر الكروان.
وانظر ص 398 من هذا الجزء.
والبيت من قصيدة لطرفة بن العبد يهجو عمرو بن المنذر الذي كان قد رشح أخاه قابوس للملك بعده فجعل طرفة والمتلمس في صحابة أخيه قابوس.
وكان قابوس مشغولا باللهو والصيد يركض للصيد فيركضان معه فيعودان وقد أعياهما التعب فيصبح قابوس من اليوم الثاني جالسا للشراب فيقف طرفة والمتلمس ببابه إلى العشي.
فلما ضجر طرفة بهذا، قال قصيدة منها: فليت لنا مكان الملك عمرو * رغوثا حول قبتنا تدور الرغوث النعجة المرضع.
إلى أن يقول في وصف ما كان من قابوس: لعمرك ان قابوس بن هند * ليخلط ملكه نوك كثير قسمت الدهر في زمن رخي * كذاك الملك يقصد أو يجور..الخ (3) شعثا جمع شعثاء وهو منصوب على الترحم.
وهو من قصيدة لامية بن أبي عائذ الهذلي يصف في مقدمتها
الصياد الذي يغيب في الصيد ثم يعود إلى نسائه وقد ساءت حالهن لعدم وجود ما يصلحن به شانهن وشان أولادهن.
(*)(1/433)
بفعل لا يظهر، وهو أعني، أو أخص في الجميع، أو أمدح أو أذم أو أترحم، كل في موضعه.
هذا ما قيل، ولو قيل في الجميع بالنقل من النداء لم يبعد، لان في الجميع معنى الاختصاص، فنكون قد أجرينا هذا الباب مجرى واحدا.
وكما ينصب على الذم ما هو المراد مما قبله، نحو قوله تعالى: وامراته حمالة الحطب "، ينصب عليه، ما يشبه به في القبح شئ مما قبله، كقوله: 149 - لحا الله جرما كلما ذر شارق * وجوه قرود هارشت فازبارت (1) وقال: 150 - أقارع عوف لا أحاول غيرها * وجوه قرود تبتغي من تجادع (2) واعلم أنه ليس لك في قولك: يا أيها الرجل وعبد الله، المسلمين، أن تجعل المسلمين صفة للرجل وعبد الله، لاختلاف إعرابها فهو مثل قولك: اصنع ما سر أباك وأحب أخوك الصالحين، فاما أن تنصبه على المدح، أو ترفعه عليه، أي هما المسلمان وأعني الصالحين، كما يجئ في باب النعت.
__________
(1) لحا الله: دعاء عليهم وهو ماخوذ من اللحو وهو نزع ما على العود من قشر.
والمهارشة بين الكلاب تكون بتحريض بعضها على بعض.
وازبارت: انتفشت حتى ظهر أصل شعرها أي انها تجمعت للوثوب.
والبيت من شعر عمرو بن معد يكرب الزبيدي.
وهو صحابي.
ويهجو جرما، وهي قبيلة من قضاعة، استعان بها عمرو على قبيلة أخرى اسمها نهد، واشتغل هو وقوعه باعداء آخرين ففرت جرم ولم تصمد في قتال نهد وكان ذلك سببا في انهزام عمرو بن معد يكرب.
فقال أبياتا في ذلك، ومنها قوله: علام تقول الرمح يثقل عاتقي * إذا أنا لم أطعن به إذا الخيل كرت
(2) هو من احدى قصائد النابغة الذبياني التي يعتذر فيها إلى النعمان بن المنذر وهي من أشهر قصائده.
وأول هذه القصيدة: عفا ذو حس من قرتني فالفوارع * فجنبا أريك فالتلاع الدوافع توهمت آيات لها فعرفتها * لستة أعوام وذا العام سابع وقبل الشاهد: لعمري وما عمري علي بهين * لقد نطقت بطلا علي الاقارع (*)(1/434)
وأما إذا قلت: يا زيد وعمرو، الطويلين أو الطويلان، فهما صفتان لاتفاق الموصوفين إعرابا وبناء.
وإذا قلت يا هؤلاء وزيد، الطوال، لم يكن الطوال وصفا، بل عطف بيان، لانه لا يفصل بين اسم الاشارة وصفته كما مر،.
وعلى الجملة: كل اسم فيه معنى الوصف ويمتنع كونه وصفا جاريا على الموصوف، لمانع لفظي، يرفع أو ينصب على المدح أو الذم أو الترحم ان كان فيه معنى من هذه المعاني وإلا فهو عطف بيان، لان فيه شرحا وبيانا كالوصف.(1/435)
المنصوب على شريطة التفسير ضابطه قال ابن الحاجب: " الثالث (1): ما أضمر عامله على شريطة التفسير، وهو كل " " اسم بعده فعل أو شبهه مشتغل عنه بضميره أو متعلقه لو سلط " " عليه هو أو مناسبه لنصبه، نحو: زيدا ضربته وزيدا مررت " " به، وزيدا ضربت غلامه، وزيدا حبست عليه، ينصب "
" بفعل يفسره ما بعده، أي ضربت وجاوزت وأهنت ولابست ".
قال الرضى: إنما وجب إضمار الفعل ههنا، لان المفسر كالعوض من الناصب ولم يؤت به إلا عند تقدير الناصب ليفسره، فاظهار الفعل يغني عن تفسيره فحكم الناصب ههنا كحكم الرافع
__________
(1) أي مما حذف الفعل فيه وجوبا قياسا.
(*)(1/437)
في نحو قوله تعالى: " وإن أحد من مشركين استجارك " (1)، كما ذكرنا في باب الفاعل.
وهذا عند الكسائي والفراء، ليس مما ناصبه مضمر، بل الناصب لهذا الاسم عندهما لفظ الفعل المتأخر عنه، إما لذاته إن صح المعنى واللفظ بتسليطه عليه، نحو: زيدا ضربته، فضربت عامل في زيدا، كما أنه عامل في ضميره، وإما لغيره ان اختل المعنى بتسليطه عليه فالعامل فيه: ما دل عليه ذلك الظاهر وسد مسده كما في: زيدا مررت به، وعمرا ضربت أخاه، فالعامل في زيدا هو قولك مررت به لسده مسد جاوزت، وفي عمرا: ضربت أخاه لسده مسد أهنت وليس قبل الاسم في الموضعين فعل مضمر ناصب عندهما.
وإنما جاز عندهما أن يعمل الفعل الطالب لمفعول واحد في ذلك المفعول وفي ضميره معا في حالة واحدة، لان الضمير في المعنى هو الظاهر فيكون فائدة تسليطه على الضمير بعد تسليطه على الظاهر المقدم، تأكيد إيقاع الفعل عليه، وليس الضمير المؤخر عندهما، باحد التوابع الخمسة، لانه لو جعل مثلا تأكيدا أو بدلا أو عطف بيان لوجب أن يكون الضمير مثل الظاهر إعرابا في جميع المثل وليس كذا، ألا ترى إلى قولهم: زيدا مررت به، وزيدا ضربت غلامه.
ولو قيل على مذهبهما إن المنتصب بعد الفعل الظاهر أو شبهه سواء كان ضميرا أو متعلقه هو بدل الكل من المنصوب المتقدم لكان قولا، فالضمير في: زيدا ضربته، بدل من زيدا، وكذا الجار والمجرور في: زيدا مررت به، إذ المعنى زيدا جاوزته، وكذا أخاه
في قولك: زيدا ضربت أخاه، بدل من زيدا، على حذف المضاف من زيدا، أي: متعلق زيد ضربت أخاه، وكذا في قولك: زيدا ضربت عمرا في داره وزيدا لقيت عمرا وأخاه، بتقدير: ملابس زيد ضربت، وملابس زيد لقيت، ثم بينت الملابس بقولك عمرا في داره، فانه ملابس زيد بكونه مضروبا في داره، وبقولك: عمرا وأخاه فانه ملابس زيد بكونه ملقيا لك هو وأخو زيد، وإن كان الملابسة في الصورتين بعيدة، كما يجئ
__________
(1) الاية 6 من سورة التوبة وتقدمت.
(*)(1/438)
في مذهب البصريين أيضا.
واختار البصريون كون المنصوب معمولا لفعل مقدر يفسره ما بعده قياسا على المرفوع في: " إن امرؤ هلك " (1)، مع أنه قد ذهب شاذ منهم (2) إلى أن المرفوع في مثله مبتدا لا فاعل كما تقدم في باب الفاعل.
ولا يجوز للكوفي أن يرتكب أن ارتفاع " امرؤ "، بهلك المؤخر، كما ارتكب في هذا الباب أن انتصاب الاسم بهذا المتأخر، لان الفعل، باتفاق (3) من جميع النحاة، لا يرفع ما قبله.
قوله: " كل اسم بعده فعل "، احتراز عن نحو " زيد أبوك " ولا يريد بقوله بعده أن يليه الفعل متصلا به، بل أن يكون الفعل أو شبهه جزء الكلام الذي بعده، نحو زيدا عمرو ضربه، وزيدا أنت ضاربه،.
قوله: " أو شبهه "، ليشمل نحو: زيدا أنا ضاربه، أو أنا محبوس عليه، ويعني بشبه الفعل اسمي الفاعل والمفعول، إما المصدر فلا يكون مفسرا في هذا الباب لان ما لا ينصب بنفسه لو سلط، لا يفسر كما يجئ، ومنصوب المصدر لا يتقدم عليه، وكذا الصفة المشبهة، لا تنصب ما قبلها، وشبه الفعل إنما يفسر إذا لم يصدر الاسم بحرف لازم الفعل، إما إذا كان مصدرا به فلا يكون المفسر إلا فعلا سواء فسر الرافع أو الناصب، نحو إن
زيد قام، وإن زيدا ضربته.
ولا بد لشبه الفعل مما يعتمد عليه، إما قبل الاسم المحدود، نحو: زيد هندا ضاربها
__________
(1) الاية 176 من سورة النساء.
(2) أي من النحاة.
(3) دعوى أن ذلك محل اتفاق من جميع النحاة غير مسلمة حتى ان أراد نحاة البصرة لان منهم من يجوز ذلك في الضرورة، والكوفيون يجوزون مطلقا.
وقد أشار إلى ذلك السيد الجرجاني في تعليقاته.
واكتفى بان قال: فيه نظر.
(*)(1/439)
أو بعده نحو: زيدا أنت محبوس عليه، وزيدا ضاربه عمرو، وكذا حرف الاستفهام وحرف النفي، نحو: أزيدا ضاربه العمران، وما زيدا ضاربه البكران ! والا لم ينصب ضمير الاسم المحدود ولا متعلقه لا لفظا ولا محلا، فلا يجوز: زيدا ضاربه العمران، كما يجوز زيدا يضربه العمران.
قوله: " مشتغل عنه بضميره " أي مشتغل عن العمل في ذلك الاسم التقدم بالعمل في الضمير الراجع إليه، أي إنما لم يعمل في الاسم المتقدم بسبب العمل في ضميره، ولولا ذلك لعمل فيه، وهو احتراز عن نحو: زيدا ضربت، فانه ليس من هذا الباب، لان عامله ظاهر وهو الفعل المؤخر، وعن نحو: زيد قام، وزيد قائم، أيضا، لان هذا الفعل وشبهه لا يعمل الرفع فيما قبله حتى يقال إنه اشتغل عنه بضميره، فظهر أن قوله بعد: لو سلط عليه هو أو مناسبه لنصبه، غير محتاج إليه، مع قوله: مشتغل عنه، لان معناه كما ذكرنا أنه لولا الضمير لعمل في ذلك المتقدم، والفعل لا يرفع ما قبله لما تقرر في مظانه (1)، فلم يبق إلا النصب، فمعنى مشتغل عنه بضميره: مشتغل عن نصبه بضميره، أي لو سلط عليه ولم يشتغل بضميره لنصبه،.
قوله " أو متعلقه " أي مشتغل بضميره أو بما يتعلق به ذلك الضمير، والتعلق يكون
من وجوه كثيرة نحو كونه مضافا إلى ذلك الضمير، نحو: زيدا ضربت غلامه، ومنه نحو: زيدا ضربت عمرا وأخاه، لان الفعل مشتغل بذلك المضاف لكن بواسطة العطف، أو موصوفا بعامل ذلك الضمير أو موصولا له نحو: زيدا ضربت رجلا يحبه، وزيدا ضربت الذي يحبه، أو ما عطف عليه موصوف عامل الضمير أو موصوله نحو: زيدا لقيت عمرا ورجلا يضربه وزيدا لقيت عمرا والذي يضربه، وغير ذلك من التعلقات.
وقوله: 151 - فكلا أراهم أصبحوا يعقلونه * صحيحات مال طالعات بمخرم (2)
__________
(1) انظر ما تقدم في أول الباب من قوله ان الفعل لا يرفع ما قبله باتفاق.
(2) هذا من معلقة زهير بن أبي سلمى.
التي أولها: أمن أم أوفى دمنه لم تكلم * بحومانة الدراج فالمتثلم = (*)(1/440)
مما اشتغل الفعل فيه بنفس الضمير، إذ التقدير يعقلون كلا.
وضابط التعلق أن يكون ضمير المنصوب من تتمة المنصوب بالمفسر، وليس الشرط أن يكون الضمير منصوبا لفظا أو محلا، كما ظن بعضهم، نظرا إلى نحو: زيدا ضربته أو مررت به، أو أنا ضاربه، بل الشرط انتصابه لفظا أو محلا أو انتصاب متعلقه كذلك، ألا ترى أنك تقول: هندا ضربت من تملكه أو مررت بمن تملكه، والضمير مرفوع والمعنى ضربت مملوكها ومررت بمملوكها.
واحترز بقوله مشتغل عنه بضميره وبقوله لو سلط عليه هو أو مناسبة لنصبه، عن أن يتوسط بين الاسم والفعل كلمة واجبة التصدر، كإن وأخواتها، نحو: زيد إني ضربته، وعمرو ليتك تضربه، وأما أن المفتوحة، فانه وإن لم يجب تصدرها لكن لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، لكونها حرفا مصدريا.
ومن الواجب تصدرها: " كم "، نحو: زيد كم ضربته، وحرفا الاستفهام نحو:
زيد هل ضربته، أو: أضربته، وكذا العرض، نحو: زيد ألا تضربه، وحرف التحضيض نحو: زيد هلا ضربته أو ألا أو لولا أو لوما، وكذا ألا للمتني، نحو: هند ألا رجل يضربها، ولام الابتداء نحو: زيد لعمرو يضربه، وكذا، ما وإن، من جملة حروف النفي، نحو: زيد ما ضربته، بخلاف لم، ولن، ولا، فيجوز: عمرا لم أضربه ولا أضربه ولن أضربه، إذ العامل يتخطاها قال:
__________
= وهو يتحدث في بيت الشاهد وما يتصل به من القصيدة عما فعله الحارث بن عوف وهرم بن سنان المريان من السعي في الصلح بين عبس وذبيان في حرب داحس والغبراء.
وما تحملاه من الديات عن الفريقين: وذلك حيث يقول: تداركتما عبسا وذبيان بعدما * تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم وعطر منشم.
مثل ضربه زهير.
والاصل فيه أن امراة من العرب كانت تبيع الطيب واسمها منشم، تحالف قوم على القتال معا حتى يموتوا ووضعوا أيديهم في عطر هذه المراة وأقسموا، فضرب ذلك مثلا للتصميم على القتال.
وقوله في بيت الشاهد: فكلا: أي كل واحد ممن قتلوا في هذه الحرب، يعقلونه أي يدفعون عقله وديته.
صحيحات مال: المال عند العرب الابل.
ومراده بصحيحات أي مدفوعة عاجلة لا عدة ولا مطلا.
والمخرم الثنية من الجبل وقصده بذلك أنها كانت ظاهرة يراها الناس.
(*)(1/441)
قد أصبحت أم الخيار تدعي * علي ذنبا كله لم أصنع (1) - 56 يروى برفع كله، ونصبه، أما لن فقيل ذلك فيها لكونها نقيضة " سوف " التي يتخطاها العامل نحو: زيدا سوف أضرب، وأما " لم " فلا متزاجها بالفعل بتغييرها معناه إلى الماضي حتى صارت كجزئه، وأما " لا " فلكثرتها في الكلام حتى إنها تقع بين الحرف ومعموله، نحو: كنت بلا مال، وأريد ألا تخرج، ومع هذا كله، فالرفع بالابتداء في الاسم الواقع قبل هذه الاحرف الثلاثة راجح، نظرا إلى كونها للنفي الذي حقه صدر الكلام كغيره مما يغير معنى الكلام، أكثر من رجحانه عند تجرد الفعل عنها نحو: زيد ضربته.
ومن الواجب تصدرها: حروف الشرط نحو: زيد ان ضربته يضربك وزيد لو ضربته ضربك، وكذا: زيد إن قام أضربه، لانه لا يعمل الشرط ولا الجزاء فيما قبل أداة الشرط، كما هو مذهب البصريين على ما يجئ في بابه.
وأما الكوفيون فيجوزون تقديم معمول الجزاء على أداة الشرط نحو: زيدا إن قام أضرب، وأما معمول الشرط فاجازه الكسائي دون الفراء، نحو: زيدا إن تضرب يضربك.
ومنها الاسماء التي فيها معنى الاستفهام أو الشرط نحو: هند من يضربها أضربه، وأيكم يضربها.
واحترز به أيضا عن الاسم الذى بعده فعل التعجب، لانه لا يتصرف في معموله بالتقديم عليه نحو: زيد ما أحسنه وأحسن به، وكذا: أفعل التفضيل في نحو: زيد أنت أكرم عليه أم عمرو، وكذا المضاف إليه، لانه لا يعمل فيما قبل المضاف، فيجب الرفع في نحو: زيد حين تضربه يموت، وكذا اسم الفعل لانه لا يعمل فيما قبله على مذهب البصرية نحو: زيد هاته، وكذا الصلة والصفة، إذ هما لا يعملان في الموصول والموصوف،
__________
(1) تقدم هذا الشاهد في صحيفة 239 من هذا الجزء.
(*)(1/442)
لان الصلة والصفة مع الموصول والموصوف في تأويل اسم مفرد فلو عملتا فيهما لكان كل واحدة منهما مع مفعولها عليها كلاما فالرفع، إذن، واجب في نحو: أيهم أضربه حر، على أن " أيا " موصول وكذا قولك: رجل لقيته كريم، وكذا لا تعمل الصلة والصفة فيما قبل الموصول والموصوف، فيجب الرفع في: زيد أن تضربه خير، وزيد رجل يضربه موفق، وإنما لم تعملا فيما قبلهما، كراهة لوقوع المعمول حيث لا يمكن وقوع العامل، ولذا لم يعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف، وكذا جواب القسم، لا يعمل فيما قبل القسم، فيجب الرفع في: زيد، والله لا أضربه، لان القسم له الصدر لتاثيره في الكلام، وكذا، لا يعمل ما بعد " إلا " فيما قبلها، فيجب الرفع في: ما رجل إلا أعطيته كذا، وذلك لما ذكرنا في
باب الفاعل: ان ما بعد " الا " من حيث الحقيقة جملة مستانفة، لكن صيرت الجملتان في صورة جملة، قصدا للاختصار فاقتصر على عمل ما قبل " الا " فيما يليها فقط ولم يجوز عمله فيما بعد ذلك على الاصح كما ذكرنا، فكيف يصح أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، ومثل هذا العمل فيما هو جملة واحدة على الحقيقة، خلاف الاصل، لان الاصل في العامل أن يتقدم على معموله.
وكذا احترز به عن اسم بعده فعل مسند إلى ضمير متصل راجع إليه نحو: زيد ظنه منطلقا، والزيدان ظناهما منطلقين، لانه لا يجوز في هذا الاسم إلا الرفع على الابتداء، وذلك أنك لو سلطت عليه الفعل المؤخر وقلت: زيدا ظن منطلقا لم يجز لان المفعول المقدم على الفعل لا يفسر الضمير المسند إليه ذلك الفعل، إلا إذا كان الضمير منفصلا فلا يقال: زيدا ضرب، على أن الضمير عائد إلى زيد، ويجوز ذلك في المنفصل، نحو: زيدا لم يضرب إلا هو، وإنما لم يجز الاول أعني نحو زيدا ضرب، ولا العكس أعني كون الفاعل مفسرا للمفعول إذا كان ضميرا متصلا نحو: ضربه زيد، على أن " زيد " مفسر للضمير المتقدم لان القياس ألا يكون التخالف المعنوي بين المفسر والمفسر هو الغالب المشهور حتى يكون تفسيره له ظاهرا، ونحن نعلم أن تخالف الفاعل والمفعول وتغايرهما هو المشهور، فلهذا لم يجز: زيدا أعطيته، على أن الضمير لزيد، وأن المعنى أعطيته نفسه، لان المشهور تغاير المفعولين في مثله، ولما لم يكن المفعول الاول في باب ظن هو المفعول حقيقة، بل المفعول في المعنى هو مصدر المفعول الثاني مضافا إلى الاول، كما يجئ في بابه، جاز نحو: زيد ظنه قائما والضمير لزيد، وكان قياس هذا أن يجوز، أيضا نحو: زيدا ظن منطلقا،(1/443)
وظن مسند إلى ضمير زيد، لكن كره احتياج الفاعل لذاته، إلى أن يتقدم عليه ما هو في صورة المفعول مع تأخره رتبة.
وأما نحو ضرب زيدا سيده وما ضرب زيدا إلا عمرو، فالاحتياج إلى تقدم المفعول ليس لذات الفاعل، بل هو للضمير المضاف إليه، ولاجل
" الا " كما تبين قبل، وأما إذا كل واحد من الفاعل والمفعول ضميرا منفصلا فيجوز أن تقول في الفاعل: زيدا لم يضرب إلا هو، وفي المفعول: اياه ضرب زيد، لان المنفصل من حيث انفصاله واستقلاله صار كالاسم الظاهر حتى جاز فيه ما لا يجوز في المضمرات، نحو إياك ضربت تجمع بين ضميري الفاعل والمفعول لواحد ومثله: لا تضرب إلا إياك، ولا يجوز مثله في المتصلين، هذا، وقد جوز بعضهم نحو: غلام هند ضربت على قلة والضمير لهند، إذ ليس نفس المفعول هو المفسر.
وكذا جاز إيقاع الفعل المسند إلى الضمير المتصل على موصول بالفعل العامل في المفسر نحو: التي ضربت زيدا ضرب، أي: ضرب زيد التي ضربته، وهو كالاول معنى، كانك قلت: ضاربة زيد ضرب، ومنع الفراء المسالتين.
وينبغي لمن جوز تفسير ما أضيف إليه المفعول المقدم، للفاعل في نحو: غلام هند ضربت، أن يجوز تفسير ما أضيف إليه الفاعل، للمفعول أيضا، نحو: ضربها غلام هند، لان المضاف إليه كجزء المضاف فيكون معه في نية التقدم كما كان معه في نية التاخير في ضرب غلامه زيدا.
والذي أرى: أنه كما لا يفسر الفاعل المفعول إذا كان متصلا وكذا العكس، كما ذكرنا، كذلك لا يفسر ما أضيف إليه الفاعل المفعول فلا يجوز: ضربها غلام هند، وكذا لا يفسر ما أضيف إليه المفعول الفاعل فلا يجوز: غلام هند ضربت، كما اختار الفراء، إذ السماع في المسالتين مفقود، والقياس أيضا يدفعهما لان الفاعل لا يجوز احتياجه(1/444)
للتفسير (1) إلى نفس المفعول، فلا يحتاج إلى ذيله أيضا، وكذا المفعول لا يجوز احتياجه للتفسير إلى نفس الفاعل فكذا إلى ذيله أيضا، أما نحو: ضرب زيدا سيده وضرب زيد
سيده فان ذيل كل واحد منهما محتاج للتفسير إلى نفس الاخر فلا يستنكر.
وكذا يحترز بقوله مشتغل عنه وبقوله لو سلط عليه لنصبه، عما بعد واو العطف وفائه وغيرهما من حروف العطف، وكذا فاء السببية الواقعة موقعها، فان ما بعد هذه الحروف لا يعمل فيما قبلها لانها دلائل على أن ما بعدها من ذيول ما قبلها فكره وقوع معمول ما بعدها، قبلها، إذ ينعكس الامر، إذن، أي يكون شئ مما قبلها من ذيول ما بعدها.
وأما نحو قوله تعالى: " إذا جاء نصر الله والفتح "، إلى قوله: " فسبح " (2)، فانما عمل ما بعد الفاء فيما قبلها أي في " إذا " على المذهب الصحيح كما يجئ في الظروف المبنية أن العامل في إذا جزاؤها لا شرطها (3)، لان الفاء زائدة لكن موقعها موقع السببية وصورتها لتدل على لزوم ما بعدها لما قبلها لزوم الجزاء للشرط، كما يجئ تحقيقه في الظروف المبنية.
وأما نحو قوله تعالى: " وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر " (4)، وقوله تعالى: " وأما بنعمة ربك فحدث " (5)، فالفاء في الجميع للسببية، وجاز مع ذلك، عمل ما بعدها فيما قبلها لوقوع الفاء غير موقعها للغرض الذي نذكره في حروف الشرط.
فعلى هذا، يخرج من هذا الباب نحو قوله تعالى: " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " (6)، على مذهب المبرد كما يجئ ونحو قوله: كل رجل ياتيني فانا أكرمه،
__________
(1) أي لا يجوز أن يكون احتياجه إلى نفس المفعول من أجل التفسير، وكذا فيما بعده.
(2) سورة النصر.
(3) بين النحويين خلاف في ناصب " إذا " الشرطية اختار الرضى منه أن الناصب جزاؤها وسيأتي تفصيل ذلك، كما قال، في الظروف المبنية.
(4) الايات 3، 4، 5 من سورة المدثر.
(5) الاية 11 من سورة الضحى.
(6) الاية 2 من سورة النور.
(*)(1/445)
لانها فاء السببية الواقعة موقعها، إذ هي داخلة على الجزاء لتضمن الموصول والموصوف معنى كلمة الشرط، وكون الصلة والصفة كالشرط، فما بعد الفاء لا غير، كالجزاء، بلى، لو لم يتضمن الموصول والموصوف معنى الشرط وقلنا إن الشرط مقدر، أي أن الاصل اما يكن شئ فاجلدوا الزانية والزاني، ثم عمل به ما عمل بنحو قوله تعالى: " وربك فكبر، وأما بنعمة ربك فحدث "، كما يجئ في حروف الشرط، وشغل: اجلدوا بمتعلق الضمير، لكان من هذا الباب، كما في قوله تعالى: " هذا فليذوقوه " (1)، على بعض التأويلات ويجوز أن يكون بتقدير: هذا كذا، فليذوقوه، وبمعنى: أما هذا فليذوقوه، وبمعنى: هذا حميم فليذوقوه.
ويخرج أيضا بالقيد المذكور: الفعل الذي لا يكون الاسم المتقدم عليه من جملته، بل من جملة أخرى، فانه لا يكون من هذا الباب إذ لو سلط عليه لو ينصبه، لانه لا ينصب الفعل إلا ما هو من جملته وذيوله، فخرج على هذا أيضا، قوله تعالى: " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما "، عند سيبويه، إذ التقدير عنده: فيما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني، فاجلدوا، وكذا يخرج: زيد اضربته أو لا تضربنه، لان الفعل المؤكد بالنون لا يعمل فيما قبله كما تقدم.
قال البصريون: إنما لم يجز نصب الاسم المذكور إلا قبل ما لو سلط عليه هو أو مناسبه لنصبه، لان المفسر عوض عن الناصب ودال عليه، فلا أقل من أن يكون مستعدا للنصب وعلى شفا العمل بحيث لو لم نشغله بنائب الاسم المنصوب المتقدم أعني بضميره أو متعلقه لنصبه، فما لم يصلح هو أو مناسبه للنصب لولا الضمير، أو متعلقه، لم يكن مفسرا أيضا، هذا زبدة كلامهم.
فان قيل: اشتراط هذا القول يقتضي فساد كون الناصب مقدرا مفسرا بالظاهر، ويؤدي إلى صحة مذهب الكسائي والفراء، أي أن الناصب هو المتأخر، وذلك لانه لو
__________
(1) الاية 57 من سورة ص، وقد ذكر الشارح بقية التأويلات.
(*)(1/446)
وجب أن يكون مفسر العامل بحيث لولا اشتغاله بضمير المعمول لكان هو العامل، لوجب اطراده في تفسير عامل الرفع في نحو: " ان امرؤ هلك " (1)، إذ لا فارق، فكان يجب ألا يتاخر المفسر عن المرفوع، إذ لا يعمل الفعل الرفع فيما قبله (2).
قيل: إن الاصل في المفسر أن يصلح للعمل في معمول المفسر، كما ذكرنا فان لم يصلح وكان له محمل غير التفسير حمل عليه، وإن لم يكن له محمل آخر، اضطر إلى جعله مفسرا مع امتناع كونه عاملا، ففي نحو: زيد هل ضربته، وهلا ضربته، للفعل محمل آخر غير التفسير وهو كونه خبر المبتدا فحملناه عليه، لما لم يصلح للعمل في زيد، فاما في نحو: " إن امرؤ هلك "، و: لو ذات سوار لطمتني، فلم يكن للفعل محمل آخر، إذ لو جعلناه خبر المبتدا لكان حرف الشرط داخلا على الاسمية، ولا يجوز، فعلى ما تقرر، لا يحمل الفعل على التفسير في زيد قام، لما لم يضطر إليه، وكذا في: أزيد قام، بل نقول هو، مبتدا لا فاعل فعل مقدر، وإن كانت الهمزة بالفعل أولى، لانا لم نضطر إلى جعل الفعل مفسرا، إذ الهمزة تدخل على الاسمية أيضا، وهذا مذهب سيبويه والجرمي.
واختار الاخفش في نحو: أزيد قام، أن يرفع زيد بفعل مقدر مفسر بالظاهر نظرا إلى همزة الاستفهام.
ومن ثم قال سيبويه في نحو: أأنت زيد ضربته، إن رفع زيد أولى، لان " أنت " مبتدا لا فاعل على ما قدمناه فبقي خبر المبتدا وهو: زيد ضربته، بلا همزة استفهام فرفعه أولى من نصبه لما سنبين في شرح قوله: عند عدم قرينة خلافه (3).
وأما إذا كان الفاصل بين همزة الاستفهام والاسم المحدود (4)، ظرفا نحو: اليوم
__________
(1) الاية 176 من سورة النساء، وتقدمت أكثر من مرة.
(2) انظر الهامش (1) من صحيفة 208 من هذا الجزء.
(3) في مواضع ترجيح الرفع.
وستاتي قريبا.
(4) أي المشتغل عنه.
(*)(1/447)
زيدا ضربته، فالمختار النصب اتفاقا لكون الظرف متعلقا بالفعل، فالاولى بهمزة الاستفهام إذن، أن تقدر داخلة على الفعل.
وقال الاخفش في: أأنت زيد ضربته، إن نصب زيد أولى بالنظر إلى همزة الاستفهام، وأنت، فاعل فعل مقدر وزيدا مفعوله، أي أضربت زيدا ضربته فلما حذفت الفعل انفصل ضمير الفاعل المتصل ونظر سيبويه أدق، بناء على أن الفعل الذي لا يصلح للعمل بنفسه لا يحمل على تفسيره للعامل ما كان عند مندوحة.
ويلزم الاخفش تجويز ارتفاع زيد بالفا علية في نحو زيد قام وإن لم يكن مختارا.
فعلى هذا، مفسر الرافع لا يكون إلا فعلا، إذ لا يضطر إلى اضمار الفعل الرافع إلا بعد حرف لازم للفعل كحرف الشرط وحروف التخصيص، وأما مفسر الناصب فقد يكون شبه فعل، لانه قد يفسره بلا ضرورة إلى كونه مفسرا، كما ذكرنا، نحو: زيدا أنا ضاربه.
قوله: " أو مناسبه لنصبه "، ليس في أكثر النسخ هذه اللفظة، أعني أو مناسبه، والظاهر أنها ملحقة ولم تكن في الاصل، إذ المصنف لم يتعرض لها في الشرح (1)، والحق أنه لا بعد منها، والاخرج نحو: زيدا مررت به، وأيضا، نحو: زيدا ضربت غلامه، لانه لابد ههنا من مناسب حتى ينصب زيدا، لان التسليط يعتبر فيه صحة المعنى ولو سلطت ضربت على زيدا في هذا الموضع لنصبه، لكن لا يصح المعنى، لانك لم تقصد أنك ضربت زيدا انفسه، بل قصدت إلى أنك أهننه يضرب غلامه، فالمناسب، إذن، يطلب في موضعين: أحدهما أن يكون الفعل أو شبهه واقعا على ذلك الاسم لكن لا يمكنه أن يتعدى إليه بحرف جر، نحو زيدا مررت به، قال الله تعالى: " فريقا هدى وفريقا حق
عليهم الضلالة " (2)، والثاني: ألا يكون الفعل الظاهر أو شبهه واقعا عليه، بل على متعلقه،
__________
(1) أي في شرحه على رسالة " الكافية ".
(2) الاية 30 من سورة الاعراف.
(*)(1/448)
وقد عرفت المراد بالمتعلق، نحو: زيدا ضربت غلامه، أو مررت بغلامه.
والاولى عند قصد التسليط فيما اشتغل فيه المفسر بمتعلق الضمير بلا حرف جر، أن يسلط ذلك الفعل بعينه على الاسم المحدود بعد تقدير ذلك المتعلق مضافا إلى الاسم كما تقول في: زيدا ضربت غلامه، زيدا ضربت أي غلام زيد، فنقول: إذا حصل ضابطان: أحدهما أن يكون بعد الاسم فعل أو شبهه، والثاني أن يكون الفعل أو شبهه مشتغلا عن نصب الاسم بضميره أو بمتعلق الضمير، فسواء كان قبل ذلك الاسم اسم آخر مرقوع أو منصوب لفظا أو محلا، يمكن نصب ذلك الفعل أو شبهه أو مناسبهما، أو رفعه، لذلك الاسم أيضا أو لا يكون (1)، لا يختلف الحكم فيه، فالاسم المرفوع قبله نحو: أزيد عمرا ضربه، سيبويه ينصب عمرا، بضرب المقدر بعد زيد المبتدا، خبرا عنه، أي أزيد ضرب عمرا ضربه.
والاخفش يجوز ارتفاع زيد بكونه فاعلا لضرب المقدر قبل زيد وعمرا مفعوله، أي: أضرب زيد عمرا ضربه، كما تقدم من مذهبيهما، وأما في نحو: إن زيد عمرا ضربه فالفعل متحتم قبل المرفوع، والاسم المنصوب لفظا قبله، نحو: اليوم عمرا ضربته، والمنصوب محلا: أبالسوط زيدا ضربته.
وقد تقدم أنه يجوز أن يتاخر عن الاسم المحدود قبل، اسم آخر وليس يجب أن يليه الفعل أو شبهه، نحو: أ الخوان اللحم أكل عليه و: أزيدا أنت محبوس عليه، وقد يكتنفه اسمان نحو: اليوم الخوان اللحم أكل عليه، أو: إن زيد عمرا اليوم ضربه، وقد يتوالى اسمان منصوبان لمقدرين أو أكثر، نحو: أزيدا أخاه ضربته، أي أأهنت زيدا ضربت أخاه ضربته، و: أزيدا أخاه غلامه ضربته، أي ألا بست زيدا أهنت أخاه ضربت غلامه
ضربته.
قوله: " ينصب بفعل يفسره ما بعده "، التفسير كما ذكر على ضربين: إما أن يكون
__________
(1) مقابل قوله فسواء كان..وحقه أن يقول: أو لم يكن.
(*)(1/449)
المفسر عين لفظ المفسر، كزيدا ضربته أي ضربت زيدا ضربته، أو يكون لفظ المفسر دالا على معنى المفسر واللفظ غير اللفظ، كما في: مررت به، وضربت غلامه وحبست عليه، وهذا الثاني على ثلاثة أقسام، لانه إن أمكن أن يقدر ما هو بمعنى الفعل الظاهر من غير نظر إلى معمول لذلك الفعل الظاهر خاص، بل مع أي معمول كان فهو الاولى، نحو: زيدا مررت به، فان " جاوزت " المقدر قبل " زيدا " بمعنى مررت، سواء كان مررت عاملا في: بك أو في به أو في بغلامك أو في باخيك، أو في أي شئ كان، لا يتفاوت معناه باعتبار المفاعيل.
وإن لم يمكن هذا، فانظر إلى معنى ذلك الفعل الظاهر مع معموله المعين الخاص الذي نصبه ذلك الفعل المقدر، فقدر ذلك المعنى، وذلك نحو: زيدا ضربت غلامه، فان " أهنت " المقدر ههنا قبل زيد، ليس بمعنى ضربت مطلقا مع أي معمول كان، بل هو معناه مع " غلامه أو أخاه أو صديقه " أو ما جرى مجرى ذلك، ألا ترى أنك لو قلت: زيدا ضربت عدوه لم يكن معنى " ضربت عدوه ": أهنت زيدا، بل المعنى: أكرمت زيدا ضربت عدوه، فظهر أن " أهنت " المقدر، بمعنى الفعل الظاهر مع بعض معمولاته دون بعض، بخلاف " جاوزت " فانه بمعنى " مررت " مع أي معمول كان.
وإن لم يمكن هذا الثاني أيضا، أضمرت معنى " لابست " فانه يطرد في كل فعل مشتغل بضمير أو بمتعلق الضمير، أي متعلق كان.
ولنا أن نقول في تعيين المقدر رافعا كان أو ناصبا، إنك تنظر، فان كان المفسر عاملا في ضمير الاسم المتقدم بلا واسطة، قدرت لفظ ذلك المفسر بعينه، كما في: إن زيد
قام، وإن زيد ضربته، وإن عمل في الضمير بواسطة حرف جر نحو: إن زيد مر به، وإن زيد مررت به، فلك أن تضمر فعل الملابسة مطلقا أي إن لوبس زيد، وإن لابست زيدا، وكذا في: إن الخوان أكل عليه، وإن الخوان أكلت عليه، أي: إن لوبس الخوان وإن لابسته، وأما إن قلت آلخوان أكل عليه اللحم، فانك تضمر لابس وفاعله ما اسندت إليه الفعل المبني للمفول، أي ألابس اللحم الخوان أكل عليه اللحم، وكذا: السوط ضرب به زيد.(1/450)
ولك أن تفصل بان تقول: ان كان هناك فعل متعد إلى ذلك الضمير بنفسه بمعنى ذلك اللازم، أضمرته، كما في: إن زيد مر به، وإن زيدا مررت به، أي إن جووز زيد، وإن جاوزت زيدا، والا ففعل الملابسة، كما ذكرنا في: آلخوان أكل عليه، وآلخوان أكلت عليه.
وإن كان المفسر عاملا في متعلق الضمير فلك أن تضمر فعل الملابسة مطلقا، أي فيما عمل فيه بحرف الجر أو بنفسه، نحو: إن زيد ضرب غلامه، وإن زيدا ضربت غلامه أي: إن لوبس زيد، وإن لابست زيدا، وكذا في: أزيد مر بغلامه وإن زيدا مررت بغلامه.
ولك أن تفصل فتضمر في العامل بنفسه ذلك الفعل الظاهر بعينه مع مضاف إلى ذلك الاسم المذكور، فتقول في: إن زيد ضرب غلامه وفي: إن زيدا ضربت غلامه: إن ضرب متعلق زيد ضرب غلامه، وإن ضربت متعلق زيد ضربت غلامه، فيكون الفعل الظاهر تفسيرا للمقدر، ومعمول الظاهر تفسيرا للمتعلق المذكور.
وكذا في نحو: إن زيد لقي عمرو وأخوه، وإن زيدا لقيت عمرا وأخاه مع بعد معنى الملابسة ههنا كما تقدم في مثل مذهب الكسائي.
والتفصيل أولى من إضمار الملابسة مطلقا، لانه يتعذر إضمارها للمرفوع في: إن زيد
قام غلامه، بل المعنى: إن قام متعلق زيد قام غلامه.
وتضمر العامل في متعلق الضمير بواسطة حرف الجر فعلا متعديا بمعنى ذلك الفعل اللازم إن وجد متعديا مع المضاف المذكور، فتقول في: إن زيد مر بغلامه، وإن زيدا مررتا بغلامه: إن التقدير إن جووز متعلق زيد، مر بغلامه، وإن جاوزت متعلق زيد مررت بغلامه.
وإن لم يوجد متعد بمعناه، فالملابسة، نحو: إن زيد أكل على خوانه، وإن زيدا أكلت على خوانه، أي إن لوبس زيدا أكل على خوانه، وإن لابست زيدا أكلت على خوانه.(1/451)
هذا، وإن جاء في جميع الصور المذكورة قبل الاسم المذكور، ظرف أو جار، نحو: اليوم زيدا ضربته، وأبا لسوط زيدا ضربته، لم يتفاوت الامر، لان الفعل المقدر يعمل في ذلك الظرف أيضا والجار أيضا، وأما إن جاء قبل الاسم المذكور، مرفوع، فان كان المفسر مما يعمل فيهما مع استقامة المعنى، كما في: إن زيد عمرا ضربه، أي إن ضرب زيد عمرا ضربه، فلا إشكال، وكذا في: إن زيدا عمرو ضربه، وإلا أضمرت فعل الملابسة كما في: إن اللحم الخوان أكل عليه، أي إن لابس اللحم الخوان أكل عليه.
تفصيل أحكام الاسم المشتغل عنه اختيار الرفع قال ابن الحاجب: " ويختار الرفع بالابتداء عند عدم قرينة خلافه، أو عند وجود " " قرينة أقوى منها، كاما مع غير الطلب وإذا، للمفاجاة ".
قال الرضى:
حال الاسم المحدود، لا يعدو أربعة أقسام: إما أن يختار رفعه، أو يختار نصبه، أو يجب نصبه، أو يستوي رفعه ونصبه، ولم يذكر جمهور النحاة ما وجب رفعه، وأثبته ابن كيسان (1)، قال وذلك إذا كان الفعل مشتغلا بمجرور، به تحقق فاعلية الفاعل بان يكون آلة الفعل نحو: السوط ضرب به زيد، لانه لما حقق فاعلية الفاعل فكأنه فاعل مرفوع،
__________
(1) تقدم ذكره، ص 115 من هذا الجزء.
(*)(1/452)
وقد تقرر أنه لا يجوز نصب الاسم المذكور إلا إذا اشتغل الفعل عنه بمنصوب.
وهذا الذي ذكره (1)، قياس بارد، والوجه جواز نصبه لكون الفعل مشتغلا عنه بمنصوب محلا، بلى، ما بعد إذا المفاجاة واجب الرفع في نحو: خرجت فإذا زيد يضربه عمرو، كما يجئ.
ثم اعلم أن المصنف بدا بما يختار رفعه، لان الرفع هو الاصل لعدم احتياجه إلى حذف عامل، فقال: يختار الرفع بالابتداء، فبين بقوله بالابتداء عامل الرفع في جميع ما يجوز رفعه في هذا الباب حتى لا يظن أن رافعه فعل، كما أن ناصبه إذا نصبت، فعل.
قوله: " عند عدم قرينة خلافه "، الضمير في خلافه للرفع، وخلاف الرفع ههنا: النصب لان هذا الاسم المذكور، إما أن يرفع بالابتداء، أو ينصب بفعل مقدر، أما الجر فلا يدخله، لانه لا يكون إلا بجار، وكلامنا في اسم ينتصب لفظا بما بعده لو سلط عليه (2).
والمعنى: يختار رفع هذا الاسم المذكور عند عدم قرائن النصب الموجبة له والقرائن التي يختار معها النصب، والتي يتساوى معها الامران، على ما يجئ شرحها، ومثال ذلك زيد ضربته، ولا يريد مطلق قرينة النصب لان المفسر قرينة النصب (3)، ومع عدمه ليس الاسم مما نحن فيه، بل يريد قرائن النصب التي سنذكرها على ما أشرنا إليه.
وإنما اختير الرفع على النصب مع ذلك التقدير، لاحتياج النصب إلى حذف الفعل واضماره، والاصل عدمهما، بخلاف الرفع فانه بعامل معنوي عندهم لم يظهر قط في
اللفظ حتى يقال حذف وأضمر، وعلى ما اخترنا (4) في رفع المبتدا، نقول: إنما اختير
__________
(1) أي الذي ذكره ابن كيسان.
(2) أي يكون العامل مقتضيا للنصب مباشرة حتى لا يقال ان المجرور منصوب تقديرا.
(3) أي انه قرينة عامة على أن الاسم صالح للنصب وإلا لم يكن من باب الاشتغال.
(4) انظر في باب المبتدا والخبر ص 227 من هذا الجزء.
(*)(1/453)
الرفع على النصب لانه بعامل ظاهر دون النصب.
قوله: " أو عند وجود أقوى منها "، أي عند وجود قرينة للرفع هي أقوي من قرينة النصب، وقرينة الرفع التي تجامع قرينة النصب وتكون أقوى منها، شيئان فقط، على ما ذكروا " أما " و " إذا " المفاجاة، أما " أما " فتجامع ثلاث قرائن للنصب هي مع إحداها مغلوبة ومع الاخريين غالبة.
أما الاولى، فالطلب على ما ياتي، والاخريان: عطف الجملة التي بعدها على فعلية، وكونها جوابا لجملة استفهامية فعلية.
وأما " إذا " فلا تجامع من قرائن النصب إلا واحدة، و " إذا " غالبة عليها، وتلك القرينة، كون الجملة المصدرة بها معطوفة على فعلية، كما يجئ.
أما " أما " فانما يرجح الرفع معها على النصب مع القرينتين المذكورتين، لان ترجح النصب في مثلهما بغير " أما " إنما كان لمراعاة التناسب بين المعطوف والمعطوف عليه في كونهما فعليتين، نحو: قام زيد وعمرا أكرمته، أو لقصد التناسب بين السؤال والجواب في كونهما فعليتين، نحو: زيدا أكرمته في جواب من قال: أيهم أكرمت، فإذا صدرت الجملتان باما، نحو: قام زيد، وأما عمرو فقد أكرمته، وأما زيد فقد أعطيته دينارا في جواب: أيهم أعطيت، فان " أما " من الحروف التي يبتدا بعدها الكلام ويستانف، ولا ينظر معها إلى ما قبلها فلم يمكن قصد التناسب معها، لكون وضعها لضد مناسبة ما بعدها لما قبلها،
أعني الاستئناف، فرجعت بسببها الجملة إلى ما كانت في الاصل عليه، وهو اختيار الرفع للسلامة من الحذف والتقدير، فاما، في الحقيقة ليست مقتضية للرفع، لان وقوع الاسمية، والفعلية بعدها على السواء، نحو قوله تعالى: " فاما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر " (1) لكن عملها في الصورتين، أنها منعت مقتضى النصب من التأثير فبقي مقتضى الرفع بحاله، وهو كون الاصل سلامة الكلام من الحذف والتقدير، وأما " حتى " في نحو قوله:
__________
(1) الايتان 9، 10 من سورة الضحى.
(*)(1/454)
152 - ألقى الصحيفة كي يخفف رحله * والزاد حتى نعله ألقاها (1) فهي وإن كانت يستانف بعدها الكلام، إلا أنها ليست متمحضة للاستئناف كاما، ألا ترى أنها تقع في أول الكلام كاما، فلم يكن الرفع بعدها أولى، فهي كسائر حروف العطف لظهورها في ذلك الباب.
وأما إذا كانت " أما " مع الطلب، وهو الامر والنهي والدعاء فقط، لان سائر (2) أنواع الطلب نحو زيد هل ضربته وزيد ليتك تضربه، وألا تضربه، يجب رفع الاسم معها كما تقدم.
فاما مع الثلاثة (3) فهي مغلوبة، نحو: أما زيدا فأكرمه، وأما بكرا فلا تضربه، وأما عمرا فرحمه الله تعالى.
وإنما صارت مغلوبة، لان وقوع هذه الاشياء خبرا للمبتدا قليل في الاستعمال، وذلك لان كون الجملة الطلبية فعلية، أولى إن أمكن، لاختصاص الطلب بالفعل، ألا ترى إلى اقتضاء حروف الطلب للفعل، كحرف الاستفهام والعرض والتحضيض.
وأما قوله تعالى: " بل أنتم لا مرحبا بكم " (4)، فلم يمكن جعلها فعلية، بتغيير إعراب، كما أمكن ذلك في نحو: زيد اضربه، وكذا في نحو: هل زيد ضارب، وزيد هل هل ضربته، وعمرو ألا تضربه.
__________
(1) قائله: أبو مروان النحوي يذكر قصة المتلمس وما حدث له مع طرفة حين غضب عليهما عمرو بن المنذر وكتب لهما كتابين إلى عامله بالبحرين أوهمهما أنه طلب منه أن يعطيهما جائزة، وفي الطريق فتح المتلمس كتابه فوجد فيه انه يامر عامله بقتلهما فالقى الصحيفة في النهر وهرب ولم يرض طرفة بفتح رسالته وذهب بها إلى عامل الملك بالبحرين فقتله وكان ذلك بسبب هجوهما له.
وانظر الشاهد رقم 148 في ص 433 من هذا الجزء.
ويقول أبو مروان بعد هذا البيت: ومضى يظن بريد عمرو خلفه * خوفا وفارق أرضه وقلاها (2) أي بقيتها مثل الاستفهام والتمني وغيرهما.
(3) أي الامر والنهي والدعاء.
(4) الاية 60 من سورة ص.
(*)(1/455)
وأما قولهم: إن قلة نحو: زيد اضربه، ولا تضربه بالرفع لمناقضة الخبر الذي هو محتمل للصدق والكذب لهذه الثلاثة الطلبية التي لا تحتملها إلا بتأويل بعيد مخرج (1) للامر والنهي والدعاء عن حقيقتها كقولك في زيد اضربه: زيد أطلب منك ضربه، فمنقوض (2) بانه يكثر في الجملة الاسمية تصدرها بما يخرجها عن كونها خبرية، مع أنه يسمى بها الخبر خبر المبتدا، نحو: أزيد منطلق ؟ وليتك عندنا، وكذا يكثر: زيد من أبوه، وعمرو هل ضربته، وزيد ليتك قتلته، ولا يجب في خبر المبتدا احتماله للصدوق والكذب، وإنما سمي خبرا اصطلاحيا، كما أن الفاعل سمي به (3) فاعلا، ولم يصدر الفعل منه في بعض المواضع.
فنقول: لما كان الطلب من قرائن النصب كما ذكرنا، و " أما " ليست من قرائن الرفع، كما بينا، بقي التعارض في: أما زيد فاضربه، بين الطلب، وأصالة السلامة من الحذف والتقدير، وترجيح الطلب لكثرة استعمال الحذف والتقدير في كلامهم، وقلة استعمال الطلبية اسمية، مع إمكان جعلها فعلية بمجرد تغيير إعراب.
وأما " إذا " المفاجاة، فهي في ضعف الاستئناف بعدها مثل حتى، ولهذا لا تقع في صدر كلام من دون أن يتقدمها شئ، كما تقع " أما " لكن النحاة قالوا: إنها إذا جامعت حرفا عاطفا على الجملة الفعلية، فهي غالبة على العطف، بمعنى أن الرفع، إذن، أولى من النصب مع جواز النصب، نحو: قام زيد وإذا بكر يضربه عمرو.
وفيما قالوا نطر، وذلك اتفقوا على أنها لا تجئ بعدها إلا الاسمية، فرقا بينها وبين " إذا " الشرطية من أول الامر، فقياس هذا وجوب الرفع بعدها مع مجيئها بعد العاطف، بلى، لو سمع نصب ما بعدها مع العاطف المذكور، لكان لهم أن يقولوا: خالفت أصلها في هذا الموضع الخاص رعاية للتناسب المطلوب عندهم، وفي غير هذا الموضع يجب
__________
(1) صفة لتاويل وقوله بعد ذلك كقولك في: زيد أضربه..الخ بيان لهذا التأويل البعيد.
(2) أي هذا القول الذي حكاه عنهم.
(3) أي بالاصطلاح.
(*)(1/456)
رفعها، نحو: زيد في الدار وإذا عمرو يضربه، وأما مع عدم السماع فالاصل منعه بناء على الاجماع المذكور.
اختيار النصب قال ابن الحاجب: " ويختار النصب بالعطف على جملة فعلية للتناسب وبعد حرفي " " النفي والاستفهام، وإذا الشرطية وحيث، وفي الامر والنهي، " " وعند خوف لبس المفسر بالصفة مثل " إنا كل شئ خلقناه " " بقدر (1) ".
قال الرضى: هذه قرائن يختار معها النصب في الاسم المذكور.
قوله: " بالعطف على جملة فعلية، نحو: قام زيد، وعمرا أكرمته، وكذا مع " لكن " وبل " وذلك لتناسب المعطوف والمعطوف عليه في كونهما فعليتين، وكذا في: مررت برجل ضارب عمرا وهندا يقتلها، لعطفه على مشابه الفعل.
وأما في نحو: أحسن بزيد، وعمرو يضربه، فلا يترجح النصب، لكون فعل التعجب لجموده وتجرده عن معنى العروض، لاحقا بالاسماء.
كذا قال سيبويه، والظاهر أن الثانية اعتراضية لا معطوفة، قوله: " وبعد حروف النفي "، هي: لا، وما، وإن، نحو قوله:
__________
(1) الاية 49 من سورة القمر.
(*)(1/457)
153 - فلا حسبا فخرت به لتيم * ولا جدا إذا ازدحم الجدود (1) وكذا ما زيدا ضربته.
وإنما اختير النصب فيها مع جواز الرفع، لان النفي في الحقيقة لمضمون الفعل، فايلاؤه لفظا أو تقديرا لما ينفي مضمونه أولى، وليس " لم " و " لما " و " لن " من هذه الجملة (2)، إذ هي عاملة في المضارع، ولا يقدر معمولها لضعفها في العمل، فلا يقال: لم زيدا تضربه، ولا: لن بكرا تقتله، كما يقال: إن زيدا تضربه أو ضربته، لقوة " إن " بجزمها للفعلين، وأما ليس، فيمن قال أنه حرف، فليس أيضا من هذا الباب، لان ما بعده واجب الرفع بكونه اسمه والجملة بعده خبره، نحو: وليس زيد ضربته، وبعض من قال بحرفيتها جوز إلغاءها عن العمل، الغاء " ما " (3)، استدلالا بقولهم: ليس الطيب إلا المسك كما يجئ في باب " ما "، ويحمل عليه قولهم: ليس خلق الله مثله، أي ما خلق الله..فيجيز: ليس زيدا ضربته، على إلغاء " ليس ".
والوجه أن ليس خلق الله..من باب توجيه الفعلين إلى مرفوع واحد، وخلق، خبر ليس، ويجوز أن يكون اسم ليس، فيه (4) وفي قولك: ليس زيدا ضربته: ضمير الشان،
والمفسر جملة فعلية، كما في قوله تعالى: " فانها لا تعمي الابصار " (5).
قوله: " وحرف الاستفهام "، علة أولويته بالفعل كعلة أولوية حرف النفي به، قال سيبويه: ليس جواز الرفع في الهمزة كجوازه في نحو: قام زيد وعمرو كلمته، يعني أن
__________
(1) روي بالوجهين: الرفع والنصب.
وهو من شعر جرير يهجو الفرزدق وفي هذه القصيدة يقول جرير: ويقضي الامر حين تغيب تيم * ولا يستاذنون وهم شهود وفيها أيضا: أتيما تجعلون إلى تميم * بعيد فضل بينهما بعيد (2) أي من جملة حروف النفي التي يترجح النصب بعدها.
(3) أي مثل إلغاء " ما ".
(4) أي في المثال: ليس خلق الله مثله.
(5) الاية 46 من سورة الحج.
(*)(1/458)
الرفع في الثاني أحسن، فليس طلب المشاكلة بين المعطوف والمعطوف عليه إذا كان المعطوف عليه جملة فعلية في اقتضاء النصب، كهمزة الاستفهام، بل الهمزة أشد اقتضاء له، وكذا جعل سيبويه الرفع بعد حروف النفي أحسن منه بعد الهمزة، وذلك لان الجملة مع الهمزة تصير طلبية، وكون الطلبية فعلية، أولى إن أمكن، كما ذكرنا، ولا تصير مع حرف النفي طلبية.
واعلم أن للاستفهام حرفين: أحدهما عريق فيه وهو الهمزة، فهي تدخل على الفعلية نحو: أضرب زيد ؟ وعلى الاسمية الخالية من الفعل نحو: أزيد خارج ؟ وعلى الاسمية التي خبر المبتدا فيها فعلية نحو: أزيد خرج.
وثانيهما دخيل فيه وهو " هل " التي أصلها أن تكون بمعنى " قد " اللازمة للفعل، كما يجئ في قسم الحروف، فهي تدخل على الفعلية، وعلى الاسمية التي ليس خبر المبتدا فيها فعلية، نحو: هل زيد قائم ؟ لمشابهة الهمزة، وأما الاسمية التي جزؤها الثاني فعلية فلا تدخل عليها
إلا على قبح، نحو: هل زيد خرج ؟، لانهما إذا لم تجد فعلا، تسلت عنه، فان كان أحد جزاي الجملة التي تدخلها فعلا تذكرت الصحبة القديمة، فلا ترضى إلا بان تعانقه فيجب أن توليه إياها، وكذا يقبح دخولها على فعلية مع الفصل بينها وبين الفعل باسم، نحو: هل زيدا ضربت، وعلى فعلية مقدر فعلها مفسرا بفعل ظاهر نحو: هل زيدا ضربته، والنصب ههنا أحسن القبيحين.
وقد مر الخلاف بين سيبويه والاخفش في أن الرفع أولى أو النصب، في نحو: أأنت زيدا ضربته، والوفاق في اختيار النصب إذا فصل بظرف في نحو: اليوم زيدا ضربته.
والاسماء المتضمنة للاستفهام مثل " هل "، تدخل على فعلية فعلها ملفوظ به، ويقبح نحو: متى زيدا ضربت، ومتى زيد خرج ؟ فالرفع في: متى زيد ضربته أقبح القبيحين، كما ذكرنا في " هل ".
ويحسن: متى زيد خارج، كل ذلك لان كل متطفل على شئ فحقه (1) لزوم أصل
__________
(1) الفاء في مثل هذا جائزة، كما تقدم في آخر باب المبتدا ص 270 من هذا الجزء.
(*)(1/459)
المتطفل عليه إذا أمكن، وأصل همزة الاستفهام دخولها على الفعل صريحا.
وإنما جاز بلا قبح نحو: متى زيد قائم، لان الفعل معدوم.
وإن كان المتضمن للاستفهام هو الاسم المحدود، فرفعه أولى، نحو: أيهم ضربته كما في: زيد ضربته، والعلة كالعلة.
قوله: " وإذا الشرطية "، فيها خلاف، نقل عن الكوفيين أنها كاذ في وقوع الجملتين بعدها، إلا أن الجملة الاسمية لا بد أن يكون الخبر فيها فعلا، إلا في الشاذ، كقوله: 154 - فهلا أعدوني لمثلي تفاقدوا * إذا الخصم أبزى مائل الراس انكب (1) ونقل عن سيبويه والاخفش موافقتهم في جواز وقوع الاسمية المشروطة بعدها، لكن على ضعف.
والاكثر كونها عندهما فعلية، إما ظاهرة الفعل نحو: إذا جاء زيد، أو مقدرة، نحو: " إذا السماء الشقت " (2)، أي إذا انشقت السماء.
ونقل عن المبرد اختصاصها بالفعلية فيجب عنده تأويل نحو: " إذا السماء انشقت " بالفعلية أي إذا انشقت السماء، فقوله: وإذا الشرطية، يعني على مذهب سيبويه والاخفش، وإنما اختارا بعدها الفعلية، لان الشرط بالفعل أولى، كالنفي والاستفهام.
وإنما لم يوجبا الفعل بعدها، كما فعل المبرد، لانها ليست عريقة في الشرط، كان، ولو، ولا ظاهرة في تضمن معناه، كمن ومتى، على ما يجئ في الظروف المبنية.
__________
(1) الابزى على وزن أفعل: الصفة المشبهة ومؤنثه بزواء، الذي يبرز صدره ويدخل ظهره.
ويقصد به: المتحامل على خصمه ليقتله أو المخاتل المخادع.
والانكب المائل.
وهذا من أبيات أوردها أبو تمام في باب الحماسة لبعض بني فقعس ولم يذكر اسمه، وهو يتحدث فيها عن قومه الذي قعدوا عن نصرته، إذ يقول فيها: رايت موالي الاولى يخذلونني * على حدثان الدهر إذ يتقلب ومن هذه الابيات قوله بعد ذلك: كانك لم تسبق من الدهر ليلة * إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب (2) أول سورة الانشقاق.
(*)(1/460)
وأما على مذهب المبرد فينبغي ألا يجوز بعدها الرفع إلا على وجه أذكره (1)، وهو أن بعضهم يجوز في جميع ما ذكرنا ونذكر، أنه (2) منتصب بفعل مقدر مفسر بالظاهر: أن يرتفع بالفعل المقدر الذي هو لازم ذلك الفعل الظاهر، قال السيرافي يجوز: هلا زيد قتلته، بتقدير هلا قتل زيد قتلته، وروي الكوفيون.
لا تجزعي إن منفس أهلكته * فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي (3) - 46 أي إن أهلك منفس أو إن هلك منفس، فعلى هذا، يقدر على مذهب المبرد في بيت ذي الرمة:
155 - إذا ابن أبي موسى بلال بلغته * فقام بفاس بين وصليك جازر (4) على رواية رفع " ابن " أي: إذا بلغ ابن أبي موسى.
هذا، والاولى مطابقة المفسر في الرفع والنصب إذا أمكن، قوله: " وحيث "، حيث دالة على المجازاة في المكان، كاذا في الزمان، نحو: حيث زيدا تجده فأكرمه، ولكن استعمالها استعمال كلمات الشرط أقل من استعمال " إذا "، فانها تدخل على الاسمية التي جزاها اسمان اتفاقا، نحو: اجلس حيث زيد جالس، أما إذا كسعت (5) بما، نحو: حيثما فهي وسائر الاسماء الجوازم المتضمنة معنى الشرط نحو متى وأينما، لا يفصل بينها وبين الفعل إلا عند الضرورة قال: 156 - فمتى واغل يزرهم يحيو * ه و تعطف عليه كاس الساقي (6) وقال
__________
(1) يقصد أن النزاع في الرفع على الابتداء.
(2) مفعول لقوله فيما ذكرنا ونذكر، وأما مفعول يجوز فقوله: أن يرتفع بالفعل الخ.
(3) تقدم هذا البيت في باب الفاعل ص 200 من هذا الجزء.
(4) من قصيدة لذي الرمة في مدح بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الاشعري.
يقول فيها: إلى ابن أبي موسى بلال طوت بنا * قلاص أبوهن الجديل وعامر والجديل وعامر فحلان تنسب إليهما الابل الجيدة.
وقبل الشاهد: أقول لها إذ شمر الليل واستوت * بها البيد واستبت عليها الحرائر استبت: اطردت وتوالت.
الحرائر: جمع حرور، الريح الحارة.
(5) الكسع أن يضرب الانسان على مؤخره.
وأراد بذلك: إذا جاءت " ما " بعد حيث، لانها تكون في مؤخرتها.
(6) الواغل الذي يدخل على القوم في مجلس شرابهم من غير أن يدعى.
وهو من شعر عدي بن زيد العبادي.
(*)(1/461)
157 - صعدة نابتة في حائر * أينما الريح تميلها تمل (1)
فلو اضطر الشاعر إلى الفصل نحو متى زيدا تزره يزرك فالنصب واجب، لوجوب تقدير الفعل بعدها.
قوله: " وفي الامر والنهي "، قد تقدم ذلك بعلته (2).
قوله: وعند خوف ليس المفسر بالصفة "، إذا أردت مثلا أن تخبر أن كل واحد من مماليك، اشتريته بعشرين دينارا، وأنك لم تملك أحدا منهم إلا بشرائك بهذا الثمن، فقلت: كل واحد من مماليكي اشتريته بعشرين، بنصب " كل "، فهو نص في المعنى المقصود لان التقدير: اشتريت كل واحد من مماليكي بعشرين، وأما إن رفعت " كل "، فيحتمل أن يكون " اشتريته " خبرا له، وقولك " بعشرين " متعلقا به، أي: كل واحد منهم مشترى بعشرين، وهو المعنى المقصود، ويحتمل أن يكون " اشتريته " صفة لكل واحد، وقولك " بعشرين " هو الخبر، أي كل من اشتريته من المماليك فهو بعشرين، فالمبتدأ إذن، على التقدير الاول (4): أعم، لان قولك: كل واحد من مماليكي: عم من اشتريته، ومن اشترى لك، ومن حصل لك منهم بغير المشترى من وجوه التملكات، والمبتدا على الثاني، لا يقع إلا على من اشتريته أنت، فرفعه، إذن، مطرق لاحتمال الوجه الثاني الذي هو غير مقصود ومخالف للوجه الاول، إذ ربما يكون لك على الوجه الثاني منهم من اشتراه لك غيرك بعشرين أو باقل منها أو باكثر، وربما يكون، أيضا، لك منهم جماعة بالهبة أو الوراثة أو غير ذلك، وكل هذا خلاف مقصودك، فالنصب، إذن، أولى لكونه نصا في المعنى المقصود، والرفع محتمل له ولغيره.
__________
(1) الصعدة القناة المستقيمة تشبه بها المراة الفارعة الطول والحائر: المكان المطمئن من الارض يتحير فيه الماء فيجئ ويذهب والشجر النابت في هذه الامكنة يجود ويطول.
وهذا البيت لكعب بن جعيل: شاعر أموي.
(2) في أول هذا البحث ص 459.
(3) هذا تمهيد لشرح المثال الذي أورده المصنف من القران، وقد أطال الرضى في هذا التمهيد، وفي بعض ما قاله مجال للبحث.
(4) من تقديري الرفع، وكذلك فيما ياتي من قوله على الثاني.
(*)(1/462)
والمثال الذي أورده المصنف من الكتاب العزيز أعني قوله تعالى: " إنا كل شئ خلقناه بقدر " (1)، لا يتفاوت فيه المعنى كما يتفاوت في مثالنا، سواء جعلت الفعل خبرا أو صفة، فلا يصلح، إذن، للتمثيل وذلك لان مراده تعالى بكل شئ: كل مخلوق، نصبت " كل " أو رفعته، وسواء جعلت " خلقناه " صفة، مع الرفع أو خبرا عنه.
وذلك أن قوله تعالى خلقنا كل شئ بقدر، لا يريد به خلقنا كل ما يقع عليه اسم " شئ "، فكل شئ في هذه الاية ليس كما في قوله تعالى: " والله على كل شئ قدير " (2)، لان معناه أنه قادر على كل ممكن غير متناه.
فإذا تقرر هذا قلنا: ان معنى: كل شئ خلقناه بقدر، على أن " خلقناه " هو الخبر: كل مخلوق: مخلوق بقدر، وعلى أن " خلقناه " صفة: كل شئ مخلوق: كائن بقدر، والمعنيان واحد، إذ لفظ كل شئ، في الاية مختص بالمخلوقات، سواء كان خلقناه صفة له، أو خبرا، وليس مع التقدير الاول أعم منه مع التقدير الثاني كما كان في مثالنا (3).
ويختار النصب، أيضا، إذا كان الكلام جوابا عن استفهام بجملة فعلية، كما إذا قيل: أرايت أحدا، أو أيهم، أو غلام أيهم رايت، فتقول: زيدا رايته، وإنما كان النصب أولى ليطابق الجواب السؤال في كونهما فعليتين.
وكذا إذا قيل: أضارب الزيدان أحدا، قلت: زيدا يضربان، لان معناه: أيضرب الزيدان أحدا، فهو مقدر بالفعلية.
واختار الكسائي النصب إذا كان الاسم المحدود بعد اسم هو فاعل في المعنى، نحو: زيد هندا يضربها، فزيد في المعنى هو الضارب، وإن كان في اللفظ مبتدا، فنصب " هند " أولى، لانه كانه قيل: يضرب زيد هندا.
__________
(1) الاية 49 من سورة القمر، وتقدمت.
(2) الاية 284 من سورة البقرة، ومثلها في القران كثير والمقصود منها كلمة شئ.
(3) أجاب السيد الجرجاني هنا عن المصنف بان المثال صحيح مطابق إذا دقق النظر فيه.
(*)(1/463)
تساوي الرفع والنصب قال ابن الحاجب: " ويستوي الامران في مثل: زيد قام وعمرا أكرمته " قال الرضى: يعني يستوي الرفع والنصب في الاسم المحدود إذا كان قبله عاطف على جملة اسمية، الخبر فيها جملة فعلية أو على (1) الخبر فيها.
وإنما استويا لان يمكن أن يكون ما بعد الواو عطفا على الاسمية، التي هي الكبرى، فيختار الرفع مع جواز النصب، ليناسب المعطوف المعطوف عليه في كونهما اسميتين، وأن يكون عطفا على الفعلية التي هي الصغرى فيختار النصب مع جواز الرفع ليتناسبا في كونهما فعليتين.
فان قيل الرفع أولى للسلامة من الحذف والتقدير.
عورض بكون الكلام المعطوف أقرب إلى الفعلية منه إلى الاسمية، وهذا المثال: أعني: زيد قام وعمرو كلمته، مثال أورده سيبويه (2).
__________
(1) أي: عاطف على الخبر فيها.
(2) سيبويه ج 1 ص 47 ومثال سيبويه: عمرو لقيته وزيد كلمته: وهما سواء.
(*)(1/465)
واعترض عليه بانه لا يجوز فيه العطف على الصغرى، لانها خبر المبتدا، والمعطوف في حكم المعطوف عليه فيما يجب له ويمتنع عليه والواجب في الجملة التي هي خبر المبتدا ورجوع
ضمير إلى المبتدا، وليس في: عمرو كلمته، ضمير راجع إلى زيد، وبعبارة أخرى: وهي أنه يجب في المعطوف جواز قيامه مقام المعطوف عليه، ولو قلت: زيد كلمت عمرا، لم يجز، وبعبارة أخرى للاخفش، وهي أنه لا يجوز عطف جملة لا محل لها على جملة لها محل.
واعتذر لسيبويه باعذار، أحدها للسيرافي، وهو جواب عن جميع العبارات (1): أن غرض سيبويه، لم يكن تصحيح (2) المثال، بل تبيين جملة اسمية الصدر، فعلية العجز، معطوف عليها أو على الجزء منها وتصحيح المثال إليك، بزيادة ضمير فيه، نحو: عمرو كلمته في داره أو لاجله أو نحو ذلك.
وإنما سكت سيبويه عن هذا اعتمادا على علم السامع أنه لا بد للخبر إذا كان جملة من ضمير، فيصحح المثال إذا أراد.
وأجاب بعضهم عن الوجه الاول، بانه ليس بمسلم أن حكم المعطوف حكم المعطوف عليه فيما يجب ويمتنع، ألا ترى إلى قولهم: رب شاة وسخلتها، ورد بان سخلتها أيضا نكرة، كما ياتي في باب المضمرات، وأجيب عن الوجه الثاني بانك تقول: زيد لقيته وعمرا، ولو قلت: زيد لقيت عمرا لم يجز، فلا يلزم جواز قيام المعطوف مقام المعطوف عليه.
وأجاب أبو علي (3) عن اعتراض الاخفش، بان الاعراب كما لم يظهر في المعطوف عليه جاز أن يعطف عليه جملة لا إعراب لها.
__________
(1) هي ما جاء أولا في قوله: واعترض، ثم في قوله وبعبارة أخرى، ثم قوله، وبعبارة أخرى للاخفش وكلها تلتقي في أن المثال غير صحيح.
(2) معنى عبارة السيرافي المنقولة على هامش سيبويه أن سيبويه اشتغل بتوجيه العطف على الوجهين عن تصحيح المثال.
ويتردد على ألسنة العلماء قولهم المناقشة في المثال ليست من داب الرجال.
(3) الفارسي، وتقدم ذكره كثيرا.
(*)(1/466)
وأسد الاعتراضات هو الاول، والجواب ما قال السيرافي، ثم إن هذا المثال أجازه سيبويه مسويا بين رفع الاسم ونصبه، على ما يؤذن به ظاهر كلامه، ومنعه الاخفش لخلو المعطوف عن الضمير، وجوزوه أبو علي، على أن الرفع أولى من النصب، وإن زدت في الجملة المعطوفة ضميرا راجعا إلى المبتدا الاول فلا خلاف في جوازه، ومثل قولك زيد قام وعمرا كلمته: قولك زيد ضارب عمرا، وبكرا أكرمته، يستوي في " بكر " الوجهان لان اسم الفاعل الناصب للفعول به كالفعل، وأما إذا قلت: زيد قائم غلامه، وبكرا كلمته، فالرفع فيه أولى، لان اسمي الفاعل والمفعول، إذا لم ينصبا المفعول به لم تتم مشابهتهما للفعل، كما يجئ في باب الاضافة، إذ قد يرفع الضعيف المشابهة للفعل (1)، نحو زيد مصري حماره.
__________
أي يعمل الرفع، فلا مفعول لقوله يرفع.
(*)(1/467)
وجوب النصب قال ابن الحاجب: " ويجب النصب بعد حرف الشرط وحرف التخصيص، مثل " " إن زيدا ضربته ضربك، وألا زيدا ضربته " قال الرضى: حرف الشرط: إن، ولو، نحو: لو زيدا أكرمته، وأما " أما " فهي وإن كانت من حروف الشرط، إلا أن الرفع مختار بعدها، على ما تقدم، لان النصب في أخويها، إنما وجب لاجل الفعل المقدر المتعدي، وشرطها فعل لازم واجب الحذف، كما يجئ، غير مفسر بشئ، فلا يكون من هذا الباب وتقديره: أما يكن من شئ، وليس للشرط حرف غير هذه الثلاثة إلا " إذ ما " عند سيبويه، ويقبح الفصل بينها وبين الفعل باسم مرفوع أو منصوب نحو: إذ ما زيد قام، وإذ ما زيدا ضربته، كما ذكرنا في: متى وحيثما.
قوله: " وحرف التحضيض "، وهو أربعة: هلا، وألا، ولولا، ولوما، وعند الخليل: ألا، المخففة قد تكون للتحضيض، كما يجئ في قوله: 158 - ألا رجلا جزاه الله خيرا * يدل على محصلة تبيت (1)
__________
(1) من أبيات نسبها سيبويه: لعمرو بن قنعاس أولها: ألا يا بيت، بالعلياء بيت، * ولولا حب أهلك ما أتيت وقوله بالعلياء بيت بعد جملة النداء.
قالوا انها جملة مستانفة معناها لي بيت بالعلياء.
تركته وجئت إليك.
لاجل حبي لاهلك.
وفي بيت الشاهد يقصد أن يدله أحد على امراة صالحة يتزوجها.
وبعده: وهو مرتبط به: ترجل لمتي وتضم بيتي * وأعطيها الاتاوة ان رضيت (*)(1/469)
التقدير: ألا ترونني، أي هلا ترونني (1).
وحرف التحضيض لا يدخل إلا على الافعال بالاستقراء انفاقا منهم، وقد يقدر الفعل بعدها، إما مفسرا كما في قولك: هلا زيدا ضربته، أو غير مفسر كما في قوله: 159 - تعدون عقر النيب أفضل مجدكم * بني ضوطري لولا الكمي المقنعا (2) أي لولا تعدون، وكذا إن ولو، فانه يقدر الفعل بعدهما بلا مفسر نحو: إن سيفا فسيف، ونحو: " اطلبوا العلم ولو بالصين ".
ولا شك أن التحضيض والعرض والاستفهام والنفي والشرط والنهي والتمني، معان تليق بالفعل، فكان القياس اختصاص الحروف الدالة عليها بالافعال، إلا أن بعضها، بقيت على ذلك الاصل من الاختصاص كحروف التحضيض، وبعضها اختصت بالاسمية كليت ولعل، وبعضها استعملت في القبيلين مع أن أولويتها بالافعال كهمزة الاستفهام، وما، ولا، للنفي، وبعضها اختلف في اختصاصها بالافعال، كالا للعرض، على ما يجئ الكلام عليه في اسم " لا " التي لنفي الجنس، وكذا " إن " الشرطية، فان المرفوع في نحو: " إن امرؤ هلك " يجوز عند الاخفش والفراء أن يكون مبتدا، والمشهور وجوب النصب في:
إن زيدا ضربته، وألا زيدا تضربه في العرض.
__________
(1) في هذا المكان أشار السيد الجرجاني إلى اختلاف النسخ وأورد عبارة طويلة قال انها من نسخة أخرى وفيها استشهاد بقول الشاعر: ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة * إلى فهلا نفس ليلى شفيعها ولعل النسخة التي نقل عنها البغدادي كانت كذلك لانه عد هذا البيت من الشواهد وتكلم عليه وقال: ان بعده: أأكرم من ليلى علي فتبتغي * به الجاه أم كنت امرءا لا أطيعها وقيل في نسبة هذين البيتين انهما لمجنون بني عامر، وقيل انهما لابن الدمينة.
(2) الضوطري.
والضوطر: الرجل الضخم الذي لا غناء عنده، ويقال: هو ابن ضوطري أي ابن الامة.
والكمي الشجاع، والمقنع: الذي يلبس القناع، وهو سنة عند العرب يلبس الشجاع منهم قناعا يخفي به وجهه.
وهذا البيت مما هجا به جرير الفرزدق ويشير بعقر النيب إلى ما كان يفتخر به الفرزدق وقومه من قصة التفاخر بين سحيم بن وثيل الرياحي، وغالب بن صعصعة والد الفرزدق في عقر الابل حتى غلب أبو الفرزدق سحيما إذ أمر عبيدة بعقر كل ما معه من الابل وظلت هذه القصة مثار افتخار لقومه.
وكان الفرزدق يشير إليها كثيرا في شعره.
(*)(1/470)
صور ليست من الباب قال ابن الحاجب: " وليس مثل: أزيد ذهب به منه، فالرفع (1)، وكذا: كل " " شئ فعلوه في الزبر، ونحو: الزانية والزاني " فاجلدوا " (2)، " " الفاء بمعنى الشرط عند المبرد، وجملتان عند سيبويه، وإلا " " فالمختار النصب ".
قال الرضى: قوله: " وليس مثل: أزيد ذهب به منه فالرفع "، أي فالرفع واجب وإنما قال:
إنه ليس من هذا الباب لانه، وإن كان اسما بعده فعل، لكنه ليس مشتغلا عنه أي عن العمل فيه، أي عن نصبه، لان عمل الفعل أو شبهه فيما قبله لا يكون إلا النصب، كما ذكرنا، وقوله بضميره أو متعلقة، أي بنصب ضميره أو نصب متعلق ضميره، لان الفعل لا يشتغل عن نصب اسم برفع ضميره، ففي قولك: أزيد ذهب به، خرج زيد من الحد المذكور بقوله: مشتغل عنه، وبقوله بضميره، إذ المعنى مشتغل عن نصبه بنصب ضميره، هذا، على أنه جوز ابن السراج والسيرافي في مثل هذا المبني للمفعول اسناده إلى مصدر مقدر، أي: أزيدا ذهب الذهاب به، فيكون المجرور في محل النصب فينصب الاسم السابق لحصول الشرائط، وهو ضعيف لعدم الاختصاص (3) في المصدر المدلول عليه بفعله.
وجوز الكوفيون نصب الاسم السابق من دون حاجة إلى المسند إليه المذكور بل يقدرون قبل الاسم فعلا متعديا، نحو: أأذهب شخص زيدا، ذهب به، فاللازم مفسر للمتعدي،
__________
(1) فالرفع، أي واجب وسيشرحها الرضى.
(2) الاية 2 من سورة النور.
(3) أي فلا تصح نيابته عن الفاعل حتى يكون المجرور في محل نصب.
(*)(1/471)
كما ذكرنا قبل عن بعضهم أنهم يضمرون في نحو: إن زيد ضربته: لازم الفعل الظاهر، على العكس، أي: إن ضرب زيد، ضربته، وكلاهما خلاف الاصل، إذ الاصل موافقة الاسم المحدود لضميره أو متعلقه في الرفع والنصب، إذ ضميره أو متعلقة نائبه، كما أن عامل الضمير والمتعلق نائب عامل الاسم، فتنوي في: إن زيد ذهب، أو ذهب به، أو ذهب غلامه، أو ذهب به بغلامه: رافعا، وتنوي في: ان زيدا ضربته، أو حق عليه الضلالة أو ضربت غلامه أو حق على غلامه الضلاله: ناصبا.
قوله: وكذا: " وكل شئ فعلوه في الزبر " (1)، أي ليس من هذا الباب لانه خرج بقوله مشتغل عنه أي عن نصبه مع بقاء المعنى الحاصل بالرفع وهنا لو نصبت " كل شئ "
بفعلوا، لم يبق معنى الرفع، إذ يصير المعنى: فعلوا في الزبر كل شئ إن علقنا الجار بفعلوا، ونحن لم نفعل في الزبر أي في صحف أعمالنا شيئا، إذ لم نوقع فيها فعلا، بل الكرام الكاتبون أوقعوا فيها الكتابة، وإن جعلنا الجار نعتا لكل شئ، صار المعنى: فعلوا كل شئ مثبت في صحائف أعمالهم وهذا وإن كان مستقيما، إلا أنه خلاف المعنى المقصود حالة الرفع إذ المراد منه ما أريد في قوله تعالى: " وكل صغير وكبير مستطر " (2)، وفعلوه صفة " كل شئ " أي: كل ما فعلوه، مثبت في صحائف أعمالهم بحيث لا يغادر صغيرة ولا كبيرة.
قوله: " ونحو: الزانية والزاني فاجلدوا، الفاء بمعنى الشرط، عند المبرد، أقول: جميع الشرائط فيه حاصلة في بداء (3) النظر، لان ما بعد الفاء قد يعمل فيما قبلها، كما في نحو قوله تعالى: " وربك فكبر " (4)، إلا أن القراء لما اتفقوا فيه على الرفع، إلا ما روي في الشاذ عن عيسى بن عمر (5) أنه قرأ بالنصب، والنصب مع الطلب مختار كما تقدم،
__________
(1) الاية 52 من سورة القمر.
(2) الاية 53 من سورة القمر.
(3) أي عند النظرة الاولى قبل البحث والتفكير.
(4) الاية 3 من سورة المدثر.
(5) هو عيسى بن عمر الثقفي الامام النحوي وتقدم ذكره في هذا الشرح ص 137 من هذا الجزء وغيرها.
(*)(1/472)
والقران لا يجوز على غير المختار، تمحل له النحاة وجها يخرج به عن الحد المذكور، لئلا يلزم منه غير المختار.
فنقول: ما بعد الفاء يعمل فيما قبلها إذا كانت زائدة، كما في قوله تعالى: " إذا جاء نصر الله والفتح.." إلى قوله " فسبح " (1) كما يجئ في الظروف المبنية، أو تكون الفاء واقعة غير موقعها لغرض، كما في " وربك فكبر "، و " فاما اليتيم فلا تقهر " (2)، وأما إذا لم
تكن زائدة وكانت واقعة في موقعها، فما بعدها لا يعمل فيما قبلها، كما تقدم.
وفي الاية هي كذلك، لكون الالف واللام في " الزانية " مبتدا موصولا ففيه الشرط، واسم الفاعل الذي هو صلته، كالشرط، فخبر المبتدا كالجزاء، وهذا الذي ذكرته مذهب الفراء والمبرد، فالفاء واقعة في موقعها فيخرج عن الحد بقوله مشتغل عنه بضميره أو متعلقه، وقال سيبويه: هما جملتان: أي: الزانية والزاني مبتدا محذوف المضاف، أي حكم الزانية..والخبر محذوف، أي: فيما يتلى عليكم بعد، وقوله: فاجلدوا..هو الذي وعد بان حكم الزانية فيه، والفاء عنده أيضا للسببية، أي: إن ثبت زناهما فاجلدوا، فخرج أيضا بقوله: مشتغل عنه بضميره، كما قدمنا.
قوله: " وإلا فالمختار النصب، أي لولا التقدير ان المذكوران للمبرد وسيبويه، لكان من هذا الباب، فكان المختار النصب لقرينة الطلب، التي هو أقوى قرائنه (3).
وتقدير المبرد أقوى لعدم الاضمار فيه، كما في تقدير سيبويه، هذا آخر شرح كلام المصنف.
__________
(1) الايتان 1 - 3 من سورة النصر.
(2) الاية 9 من سورة الضحى.
(3) وهذا هو محمل قراءة عيسى بن عمر التي تقدمت الاشارة إليها في الصحيفة السابقة.
(*)(1/473)
[ من زيادات الرضى ] واعلم أن ما يشتغل به المفسر من ضمير الاسم المذكور أو متعلقه، إن وقع بعد " الا "، فالفعل المقدر ينبغي أن يكون مثبتا، فيقدر في: إن زيد لم يقم الا هو: إن قام زيد لم يقم الا هو، وفي نحو: إن زيدا لم تضرب الا إياه: إن تضرب زيدا لم تضرب الا إياه، وذلك لان الاسم المذكور يقع من الفعل المقدر موقع الاسم المشتغل به من المفسر، ألا ترى أن " أحد " واقع من استجارك المقدر مقام الضمير من استجارك، المفسر، وكذا
" زيدا " في: إن زيدا ضربته.
واقع من ضربت المقدر موقع الضمير من المفسر، وما بعد " الا " إذا كان فاعلا أو مفعولا، مثبت لا غير، لان الاستثناء المفرغ لا يكون الا بعد غير الموجب، وليس قبل الاسم المذكور " الا " حتى ينقض نفي الفعل المقدر كما نقض " الا " المذكور قبل المشتغل به نفي المفسر، فلم يبق إلا إضمار الفعل الموجب، ليوافق في المعنى: المنفي المنقوض نفيه بالا، ألا ترى أن " قام زيد " في مثالنا، يوافق في المعنى: لم يقم إلا هو، وكذا: تضرب زيدا، يوافق معنى: لم تضرب إلا إياه، فإذا تقرر هذا قلنا: قد يكون في المفسر ضمير ان للاسم المذكور، مرفوع ومنصوب، وقد يكون فيه ضمير ومتعلق به، كذلك، أي متخالفان رفعا ونصبا، وقد يكون فيه متعلقان بضميرين كذلك، فالاول على ثلاثة أضرب، لان الضميرين إما متصلان أو منفصلان أو متصل ومنفصل، فان كان منفصلين فلك الخيار في إضمار فعل رافع لذلك الاسم المذكور، أو إضمار ناصب، مثاله: إن زيدا لم يعطك إياه الا هو..فان نصبته اعتبارا باياه قدرت هكذا: لم يعطك زيدا لم يعطك إياه الا هو، فلو سلطت الفعل عليه قلت: زيدا لم يعطك إلا هو، وإن رفعته اعتبارا بهو، قدرت هكذا: اعطاك إياه زيد لم يعطك إياه إلا هو، لان المشتغل به، إذن، بعد " الا "، فلا بد من تقدير موجب كما تقدم، وتسليط المفسر ههنا على الاسم المذكور محال، إذ الفعل لا يرفع ما قبله، وإن كان(1/474)
أحدهما متصلا والاخر منفصلا فالاعتبار بالمتصل، يعني: إن كان مرفوعا، أضمر الرافع، وإن كان منصوبا، أضمر الناصب، فالاول نحو: ان زيد أعطاك إياه، وإياه راجع إلى زيد، وجاز كون الفاعل والمفعول ضميرين لشئ واحد، لكون أحدهما منفصلا، وكذا: إن زيد لم يضرب إلا إياه: التقدير: إن أعطاك زيد أعطاك إياه، وإن لم يضرب زيد لم يضرب إلا إياه.
ولو اعتبرت المنفصل، لكان التقدير: ان أعطاك زيدا أعطاك إياه والمفعول مفسر للفاعل الذي هو ضمير متصل، وقد بينا امتناع ذلك.
مع تقديم المفعول في نحو: زيدا ضرب، فكيف يجوز مع تأخره، ولكان بالتسليط: إن زيدا أعطاك فيكون نحو: زيدا ضرب، ولا يجوز: وكذا لو اعتبرت المنفصل في: إن زيدا لم يضرب إلا إياه، لكان التقدير: ضرب زيدا، وبالتسليط زيدا ضرب، ولا يجوزان، والثاني أي الذي: المتصل فيه منصوب نحو: إن زيدا لم يضربه إلا هو، أي إن لم يضرب زيدا لم يضربه إلا هو، ولو اعتبرت المنفصل لكان التقدير إن ضربه زيد والفاعل مفسر للمفعول الذي هو ضمير متصل، وقد تقدم امتناع ذلك، وإن كانا متصلين، ولا بد أن يكون الفعل من أفعال القلوب أو مما ألحق بها، كعدمت وفقدت، وإلا اتحد الفاعل والمفعول في المعنى متصلين ولا يجوز ذلك إلا في أفعال القلوب كما يجئ في بابها، نظرنا، فان كان الاسم المذكور ظاهرا، وجب رفعه اعتبارا بالضمير المرفوع، نحو: إن زيد علمه قائما، أي إن علم زيد علمه قائما، إذ لو نصبت لكان التقدير: ان علم زيدا علمه قائما فيفسر المفعول الفاعل الذي هو ضمير متصل، ولا يجوز، لا في أفعال القلوب ولا في غيرها مع تقدم المفعول نحو: زيدا علم قائما، فكيف مع تأخره عن الضمير، ولكان بالتسليط: إن زيدا علم علم قائما (1)، ولا يجوز لما ذكرنا،
__________
(1) بتكرير الفعل علم، لان أحدهما مسلط على ما قبله، والاخر من الجملة المفسرة.
(*)(1/475)
وإن كان الاسم المذكور ضميرا راجعا إلى ما قبله جاز رفعه ونصبه اعتبارا بكل واحد من ضميري المفسر، كقولك بعد جري ذكر زيد: إن إياه علمه قائما، أي إن علمه علمه قائما، اتصل الضمير المنفصل لما ظهر عامله، وبالتسليط: إن إياه علم علمه قائما، ويجوز: إن هو علمه قائما أي إن علم علمه قائما باستتار الضمير لما ظهر العامل، وأما المفسر الذي معه ضمير ومتعلق به مختلفان رفعا ونصبا نحو: إن زيد ضرب غلامه،
وان زيدا ضربه غلامه، أو ان زيد مر بغلامه وان زيد مربه غلامه، فالاعتبار بالضمير المتصل لا بالمتعلق، فيجب في: ان زيد ضرب غلامه الرفع، إذ لو نصبته اعتبارا بمتعلق الضمير لكان التقدير: إن ضرب زيدا أي غلام زيد على ما ذكرنا قبل من أن المضاف في مثله محذوف، فيفسر المفعول الفاعل ظاهرا مع تأخر المفعول، ومع المضاف يفسر ذيل المفعول الفاعل، وكلاهما لا يجوز، كما تقدم في أول الباب، وعلى تقدير المصنف يكون التقدير: ان لابس زيدا وضمير لابس لزيد، ولا يجوز كما قدمناه، وعلى ما قدرنا قبل من كون المضاف محذوفا في مثله يكون التقدير: ان ضرب زيدا أي متعلق زيد فيكون المفعول في الظاهر مفسرا للفاعل وهو ضمير متصل، وفي التقدير ذيل المفعول مفسر للفاعل، ولا يجوزان مع تقدم المفعول، نحو زيدا ضرب، وغلام هند ضربت فكيف مع تأخيره، وبالتسليط يصير: ان زيدا لابس، أو ان زيدا ضرب أي متعلق زيد ضرب ولا يجوز.
وأما إن كان الضمير في المسالتين منفصلا، جاز (1) رفع الاسم المذكور ونصبه، نحو: ان زيدا لم يضرب غلامه إلا إياه، وإن زيدا لم يضرب غلامه إلا هو، تقدير الرفع في المسالة الاولى: ان لم يضرب زيد أي متعلق زيد، لم يضرب غلامه إلا إياه، وتقدير النصب فيها: ان ضرب غلام زيد زيدا، لم يضرب غلامه إلا إياه، وبالتسليط: ان زيدا ضرب غلامه، لانك إذا حذفت الضمير المستثنى حذفت أداة الاستثناء فصيرت الفعل موجبا
__________
(1) جاز رفع الاسم.
موقعها موقع الجواب من: أما ان كان الضمير.
ففي التعبير تساهل وكانه حقه أن يقول فالرفع جائز أو أي تعبير آخر يكون مقترنا بالفاء في جواب أما.
(*)(1/476)
ليبقى معنى ايجاب الضرب لزيد كما كان مع الاستثناء.
وتقدير الرفع في الثانية: ان ضرب غلامه زيد لم يضرب غلامه إلا هو، وتقدير النصب فيها: ان لم يضرب زيدا، أي متعلق زيد لم يضرب غلامه إلا هو، أو: ان لم يلابس زيدا، بضرب غلامه لم يضرب غلامه إلا هو، على تقدير المصنف، وبالتسليط: ان زيدا، أي
غلام زيد، لم يضرب إلا هو، وعلى تقدير المصنف: ان زيدا لم يلابس بضرب غلامه إلا هو.
وأما المفسر الذي معه متعلقان بضميري الاسم المذكور مختلفان رفعا ونصبا، نحو: إن زيد ضرب أخوه أباك، فلك في الاسم المذكور الرفع والنصب، فتقدير الرفع: ان ضرب زيد أي متعلق زيد، ضرب أخوه أباه، وتقدير النصب: ان ضرب أخو زيد زيدا أي متعلق زيد، ضرب أخوه أباه، وبالتسليط: ان زيدا، أي أبا زيد ضرب أخوه، وعلى تقدير المصنف: ان زيدا لابس بضرب أبيه.
هذا ما عرض لاتمام هذا الباب (1)، والله أعلم بالصواب.
__________
(1) وهذا أيضا من مبالغات الرضى رحمة الله عليه في استكمال القواعد والاسراف في تطبيقها، وهذا مثل الذي ختم به باب المبتدا والخبر إذا تعددت المبتدآت وانظر ذلك في آخر باب المبتدا والخبر من هذا الجزء.
(*)(1/477)
التحذير قال ابن الحاجب: " الرابع (1) التحذير، وهو معمول بتقدير " اتق " تحذيرا " " مما بعده، أو ذكر المحذر منه مكررا، نحو: اياك " " والاسد، إياك وأن تحذف، والطريق الطريق ".
قال الرضى: سمي اللفظ المحذر به من نحو: اياك والاسد، ونحو: الاسد الاسد، تحذيرا مع أنه ليس بتحذير، بل هو آلة التحذير.
قوله: " هو معمول بتقدير " اتق " تحذيرا مما بعده "، مؤذن بان لفظ التحذير هو: إياك دون المعطوف، وليس كذا، بل التحذير لفظ المعطوف والمعطوف عليه، والصحيح أن يقال: لفظ (2) التحذير على ضربين، إما لفظ المحذر مع المحذر منه بعده معمولا لبعد مقدرا، وإما لفظ المحذر منه مكررا، معمولا لبعد مقدرا، نحو الاسد الاسد.
قوله: " تحذيرا مما بعده "، مفعول له، والعامل فيه المصدر أعني التقدير، أي:
__________
(1) أي مما حذف فيه عامل المفعول به وجوبا حذفا قياسيا.
(2) أي الاسلوب الذي يحذر به، أو الذي يستعمل في التحذير.
(*)(1/479)
بان تقدير " اتق " تحذيرا مما بعد ذلك المعمول، كالاسد الذي بعد إياك، وتقدير اتق، ههنا فيه بعض السماجة من حيث المعنى، إذ يصير المعنى: اتق نفسك من الاسد، ولا يقال اتقيت زيدا من الاسد، أي نحيته، ولو قال بتقدير " نح " أو " بعد " كان أولى.
قوله: " أو ذكر المحذر منه مكررا "، فيه نظر، وذلك أن " ذكر " مصدر، ففي عطفه على قوله معمول، بعد من حيث المعنى، إلا أن يقدر في الاول مضاف، أي هو ذكر معمول، أو ذكر المحذر منه، وفيه نظر أيضا، لان مراده بالتحذير: هذا المنصوب (1) لانه في تقسيم المنصوبات، ألا ترى إلى قوله: الثاني المنادى، الثالث، ما أضمر عامله، فلا يصح: الرابع ذكر منصوب حكمه كذا.
وفي بعض النسخ، أو ذكر بلفظ ما لم يسم فاعله، وليس بوجه، لان " أو " ههنا متصلة من حيث المعنى فينبغي أن يليها مثل المذكور قبل، كما في نحو: جاءني زيد أو عمرو، بلى، لو كانت منفصلة (2) جازت المخالفة بين ما بعدها وما قبلها، تقول: أنا مقيم ثم يبدو لك، فتقول: أو أمشي، بمعنى بل أنا أمشي، فيكون للاضراب عن الاول والاثبات للثاني، كما يجئ في حروف العطف، قال سيبويه في قوله تعالى: " ولا تطع منهم آثما أو كفورا " (3)، لو قال أو لا تطع كفورا، لانقلب المعنى، لانها، إذن، إضرابية بمعنى بل، فتكون للاضراب عن النهي عن طاعة الاثم، فلو قلنا ههنا: أو ذكر، لكان إضرابا عن قوله: معمول بتقدير اتق، ولا يستقيم فعلى كل وجه في لفظه نظر.
وضابط هذا الباب أن تقول: كل محذر معمول لا حذر أو بعد، أو شبههما، مذكور بعده ما هو المحذر منه إما بواو العطف أو بمن ظاهرة أو مقدرة، يجب اضمار عامله،
وكذا كل محذر منه مكرر، معمول لبعد، فيدخل في الاول نحو: اياك والاسد وإياي
__________
(1) تقدم أنه قال أن لفظ اياك والاسد ونحوه هو آلة التحذير.
والاسلوب المستعمل فيه ولكنه يقصد أن عبارة ابن الحاجب فيها أن التحذير هو نفس الاسم المنصوب.
(2) يريد أن يراد بها الاضراب.
كما يتبين من شرحه وتمثيله.
(3) الاية 25 من سورة الدهر.
(*)(1/480)
والشر، وماز (1)، راسك والسيف، فالمحذر، إذن، اما ظاهر أو مضمر، والظاهر لا يجئ إلا مضافا إلى المخاطب، والمضمر لا يجئ في الاغلب إلا مخاطبا وقد يجئ متكلما، كما مر، وإذا كان معطوفا على المحذر جاز أن يكون ضمير غائب نحو: إياك وإياه من الشر، وقولهم إذا بلغ الرجل الستين فاياه وإيا الشواب، شاذ من وجهين: من جهة وقوع إياه محذرا، وليس بمعطوف، ومن جهة اضافة " ايا " إلى المظهر.
وسيبويه يقدر نحو: إياي والشر، بنحو: لاحذر (2) ونحوه، فيكون على هذا تحذرا لا تحذيرا، قال الخليل بعضهم يقال له: اياك، فيقول: اياي، إذا قبل منك واستجاب، كانه يقول: أحذر نفسي وأحفظ، وغير سيبويه يقدر في نحو: إياي والشر، حذر خطابا كما في اياك، وقول سيبويه أولى، ليكون الفاعل والمفعول شيئا واحدا، كما في اياك والشر، وقول عمر رضي الله عنه لجماعة: " اياي وأن يحذف أحدكم الارنب بالعصا، ولتذك لكم الاسل والرماح "، يحتمل أم المتكلم، أي لابعد نفسي عن مشاهدة حذف الارنب، وأمر المخاطب، أي بعدوني عن مشاهدة حذفه.
وأما الثاني أعني المحذر منه المكرر، فيكون ظاهرا أو مضمرا، نحو: الاسد الاسد، ونفسك نفسك، وإياك إياك، وإياه إياه، وإياي إياي، سواء كان الظاهر مضافا، أو لا، والمضمر متكلما، أو مخاطبا أو غائبا، وأجاز قوم ظهور الفعل مع هذا القسم، نحو:
احذر الاسد الاسد، وإياك إياك احذر، نظرا إلى أن تكرير المعمول للتأكيد لا يوجب حذف العامل، كقوله تعالى: " دكت الارض دكا دكا " (3)، ومنعه الاخرون وهو الاولى لعدم سماع ذكر العامل مع تكرير المحذر منه، ولا نقول ان كل معمول مكرر موجب
__________
(1) ماز، ترخيم مازن، وهو خطاب من شخص لاخر اسمه مازن يحذره من السيف.
(2) صيغة مضارع مقرون بلام الامر.
(3) الاية 21 من سورة الفجر.
(*)(1/481)
لحذف عامله، وحكمة اختصاص وجوب الحذف بالمحذر منه المكرر، كون تكريره دالا على مقاربة المحذر منه للمحذر، بحيث يضيق الوقت إلا عن ذكر المحذر منه على أبلغ ما يمكن وذلك بتكريره ولا يتسع لذكر العامل مع هذا المكرر، وإذا لم يكرر الاسم جاز اظهار العامل اتفاقا.
قال المصنف: كان أصل إياك والاصد: اتقك (1)، ثم إنهم لما كانوا لا يجمعون بين ضميري الفاعل والمفعول لواحد إذا اتصلا، جاءوا بالنفس مضافا إلى الكاف فقالوا: اتق نفسك ثم حذفوا الفعل لكثرة الاستعمال ثم حذفوا النفس لعدم الاحتياج إليه لان اجتماع الضميرين زال بحذف الفاعل مع الفعل فرجع الكاف ولم يجز أن يكون متصلا لان عامله مقدر كما يجي في المضمرات فصار منفصلا.
وأرى أن هذا الذي ارتكبه تطويل مستغنى عنه (2)، والاولى أن يقال هو بتقدير: أياك باعد أو نح باضمار العامل بعد المفعول وإنما جاز اجتماع ضميري الفاعل والمفعول لواحد لكون أحدهما منفصلا، كما جاز ما ضربت إلا إياك وما ضربت إلا اياي.
فان قلت بينهما فرق وذلك أن المفعول في الحقيقة في: ما ضربت إلا اياي ليس ضمير المتكلم، بل هو المتعدد المقدر، أي ما ضربت أحدا إلا اياي فالفاعل والمفعول فيه ليسا في الحقيقة ضميرين لواحد، بخلاف قولك: إياي ضربت.
قلت: الضمير المنفصل حكمه في كلامهم حكم الظاهر مطلقا، كما ذكرت في أول باب المنصوب على شريطة التفسير لكونه مستقلا مثله، وقد صرح السيرافي بجواز نحو: إياي ضربت، وأيضا الظاهر من كلام العرب أن المفعول المقدم على الفعل فيه معنى الحصر، وإن منعه المصنف، في شرح المفصل (3) عند قول " جار الله ": الله أحمد، فمعنى: اياي
__________
(1) أمر من: اتقى.
متصل به ضمير المفعول.
(2) أصاب الرضى في هذا النقد.
(3) لابن الحاجب شرح على متن المفصل للزمخشري وقد أشرنا إلى ذلك في أول الكتاب.
(*)(1/482)
ضربت ما ضربت إلا اياي، وإياك نعبد: ما نعبد إلا اياك.
وإنما وجب الحذف في الاول والثاني لان القصد، كما قلنا في النداء، أن يفرغ المتكلم سريعا من لفظ التحذير حتى ياخذ المخاطب حذره من ذلك المحذور، وذلك لانه لا يستعمل هذه الالفاظ إلا إذا شارف المكروه أن يرهق، وهو المعطوف في اياك والاسد، والمكرر.
وإنما وجب حذف العامل في نحو: اياك والاسد، لانه في معنى المكرر الذي ذكرنا أنه يجب حذف عامله، لان معنى: اياك: بعد نفسك من الاسد، وفحوى هذا الكلام: احذر الاسد، ومعنى: الاسد الاسد، أي بعد الاسد عن نفسك وهو أيضا بمعنى: احذر الاسد، لان تبعيد الاسد عن نفسك بان تتباعد عنه، فكانك قلت الاسد الاسد.
فان قلت: المعطوف في حكم المعطوف عليه، وإياك محذر والاسد محذر منه وهما متخالفان فكيف جاز العطف.
فالجواب: أنه لا يجب مشاركة الاسم المعطوف للمعطوف عليه إلا في الجهة التي انتسب بها المعطوف عليه إلى عامله، وجهة انتساب " اياك " إلى عامله، كونه مفعولا به، أي مبعدا، وكذا الاسد مبعد، إذ المعنى: إياك بعد وبعد الاسد.
دخول من في التحذير قال ابن الحاجب: " وتقول إياك من الاسد ومن أن تحذف، وإياك أن تحذف " " بتقدير " من " ولا تقول: إياك الاسد لامتناع تقدير من ".
قال الرضى: إذا جاء المحذر منه بعد المحذر فاما أن يكون مع " أن " أو لا معهما، فالذي يغير(1/483)
" أن " نحو: إياك والاسد، يجوز فيه وجهان كونه مع الواو، ومع " من " وقد عرفت معنى العطف، وأما " من " فهو متعلق بالفعل المقدر، أي بعد نفسك من الاسد.
والذي مع " أن " يجوز فيه هذان الوجهان، نحو " اياك تحذف، وإياك من أن تحذف، ويجوز فيه وجه ثالث وهو حذف الجار، لان " أن " حرف، موصولة طويلة بصلتها لكونها مع الجملة التي بعدها بتأويل اسم، فلما طال لفظ ما هو في الحقيقة اسم واحد، أجازوا فيه التخفيف قياسا بحذف حرف الجر، الذي هو مع المجرور كشئ واحد، وكذا " أن " المصدرية، وبعد حذف الحرف صار " أن " مع صلتها في محل النصب عند سيبويه نحو: الله لافعلن وقال الخليل والكسائي، هي باقية على ما كانت عليه من الجر.
والاول أولى لضعف حرف الجر عن العمل مقدرا، ونحو الله لافعلن (1) نادر.
وحذف حرف الجر مع غير " أن " و " أن " سماع نحو: استغفرت الله ذنبا، أي من ذنب، وبغاه الخير، أي بغي له.
وقال الاخفش الصغير (2)، يجوز حذف حرف الجر قياسا إذا تعين وإن كان مع غير أن وأن، فلهذا لم يجز حذف الجار من اياك من الاسد، إذ ليس بقياس، ولم يسمع.
فان قيل فاحذف العاطف، قلت، حذفه أيضا لا يجوز وهو أشد من حذف حرف الجر،
لانه قياس مع أن وأن، شاذ كثير في غيرهما، وأما حذف العاطف فلم يثبت إلا نادرا، كما قال أبو علي في قوله تعالى: " ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت " (3) أي وقلت،
__________
(1) أي بجر لفظ الجلالة بعد حذف حرف القسم.
(2) تقدم أن الاخفش إذا أطلق انصرف إلى الاوسط - سعيد بن مسعدة الذي امتلا هذا الشرح باسمه، والاخفش الصغير، لا يذكر إلا هكذا، أو باسمه، وهو علي بن سليمان، وكنيته أبو الحسن.
وهو تلميذ المبرد وأخذ عن ثعلب وله وقائع مع ابن الرومي الشاعر انتهت بصداقة بينهما، ورد مصر ومنها إلى حلب ثم عاد إلى بغداد وتوفي بها سنة 315 ه، والاخفش الاكبر هو أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد.
شيخ سيبويه وسيأتي ذكره في هذا الشرح.
(3) الاية 92 من سورة التوبة.
(*)(1/484)
وأما قول الشاعر: 160 - فاياك إياك المراء فانه * إلى الشر دعاء وللشر جالب (1) فاما لضرورة الشعر، واما لان اياك اياك، من باب: الاسد الاسد، أي المحذر منه مكرر، والمراء منصوب باحذر.
وهذا قول سيبويه، وإما لان المراء مصدر بمعنى: ان ثماري فحمل في جواز حذف حرف الجر على ما يقدر به، ومع هذا، لا يجوز قياس سائرا المصادر عليه، وهذا قول ابن أبي اسحاق (2)، ولا يمتنع أن يدعى أن الواو التي في المحذر بمعنى " مع ".
الاغراء وقد ترك المصنف بابا آخر مما يجب اضمار فعله قياسا، وهو باب الاغراء، وضابطه: كل مغري به مكرر، أو معطوف عليه بالواو مع معطوفه، فالمكرر نحو قوله: 161 - أخاك أخاك إن من لا أخاله * كساع إلى الهيجا بغير سلاح (3) والذي مع العطف نحو: شأنك والحج، ونفسك وما يعنيها، والعامل فيهما: الزم،
ونحوه، وعلة وجوب حذفه: ما تقدم في التحذير، والخلاف في وجوب حذفه في المكرر هنا مثاله هناك،.
__________
(1) هذا من شعر الفضل بن عبد الرحمن القرشي، يقول مخاطبا ابنه قبل هذا البيت: من ذا الذي يرجو الاباعد نفعه * إذا هو لم تصلح عليه الاقارب فاياك اياك المراء...*...البيت...(2) عبد الله بن أبي اسحاق الحضرمي من رجال الطبقة الثانية من نحاة البصرة، عاصر عيسى بن عمر الثقفي وأبا عمرو بن العلاء، وكان كثير التخطئة للفرزدق في شعره حتى هجاه الفرزدق، توفي سنة 117 ه.
(3) هذا من شعر مسكين الدارمي واسمه ربيعة بن عامر، قيل انه طلب من معاوية أن يقرض له فلم يفعل فقال ذلك.
وبعد البيت: وان ابن عم المرء فاعلم جناحه * وهل ينهض البازي بغير جناح (*)(1/485)
وإن لم يتكرر وخلا من العطف، فلا خلاف في عدم وجوب الحذف كما هناك، وكذا، يجوز أن تكون الواو ههنا بمعنى " مع ".(1/486)
المفعول فيه (1) معناه، أنواعه قال ابن الحاجب: " المفعول فيه هو ما فعل فيه فعل مذكور من زمان أو مكان " قال الرضى: يعني بقوله: " فعل مذكور "، الحدث الذي تضمنه الفعل المذكور لا الفعل الذي هو قسيم الاسم والحرف، وذلك لانك إذا قلت: ضربت أمس، فقد فعلت لفظ " ضربت " اليوم، أي تكلمت به اليوم، والضرب الذي هو مضمونه فعلته أمس، فامس: ما فعل فيه الضرب،
لا: ضربت.
واحترز بقوله: مذكور، عن نحو قولك: يوم الجمعة بوم مبارك، فانه لا بد أن يفعل في يوم الجمعة فعل، لكنك لم تذكر ذلك الفعل في لفظك، فلم يكن، في اصطلاحهم مفعولا فيه، ونحو: يوم الجمعة في قولك: خرجت في يوم الجمعة، داخل في هذا الحد، ولهذا قال بعد: وشرط نصبه: تقديره بفي، وأما إذا ظهر، فلا بد من جره، وهذا خلاف اصطلاح القوم، فانهم لا يطلقون المفعول فيه إلا على المنصوب بتقدير " في " فالاولى أن يقال: هو المقدر بفي من زمان أو مكان فعل فيه فعل مذكور.
__________
(1) بناء على راي ابن الحاجب كل أسماء المكان والزمان تسمى ظروف زمان وظروف مكان ولا يسمى شئ منها مفعولا فيه إلا إذا كان مقدرا بفي.
وعلى ما اختار الشارح الرضى تسمى أسماء زمان أو أسماء مكان وعند تقدير " في " ونصبها تسمى ظروفا ومفعولا فيه.
(*)(1/487)
شرطه نصبه وما يصلح.
لذلك من الزمان والمكان قال ابن الحاجب: " وشرط نصبه تقدير " في "، وظروف الزمان كلها تقبل ذلك، " " وظروف المكان ان كان مبهما قبل، وإلا فلا وفسر المبهم " " بالجهات الست، وحمل عليه: عند، ولدي، وشبهها، " " لابهامها، ولفظ مكان، لكثرته، وما بعد دخلت مثل: " " دخلت الدار على الاصح ".
قال الرضى: ظروف الزمان كلها، أي مبهمها وموقتها يقبل ذلك أي يقبل النصب بتقدير " في "، والمبهم من الزمان هو الذي لا حد له يحصره، معرفة كان أو نكرة، كحين، وزمان،
والحين، والزمان، والموقت منه: ما له نهاية تحصره سواء كان معرفة أو نكرة، كيوم وليلة، وشهر، ويوم الجمعة، وليلة القدر، وشهر رمضان.
قوله " وظروف المكان إن كان مبهما "، اختلف في تفسير المبهم من المكان (1)، فقيل هو النكرة، وليس بشئ، لان نحو: جلست خلفك وأمامك منتصب، بلا خلاف، على الظرفية.
وقبل هو غير المحصور، كما قلنا في الزمان، وهو الاولى، فنخرج منه المقادير الممسوحة كفرسخ وميل، ولا خلاف في انتصابها على الظرفية، فقال هؤلاء: ينتصب من
__________
(1) أشار السيد الجرجاني هنا إلى اختلاف بين النسخ.
ونظرت فيما أورده على اضطرابه فرايت اثبات ما في النسخة المطبوعة.
(*)(1/488)
المكان على الظرفية نوعان: المبهم والمعدود، ويدخل في المبهم: الجهات الست، وعند، ولدي، ووسط، وبين، وإزاء، وحذاء، وحذة، وتلقاء، وما هو بمعناه، ويستثنى من المبهم جانب، وما بمعناها من: جهة، ووجه، وكنف، وذرى، فانه لا يقال: زيد جانب عمرو، وكنفه، بل: في جانبه أو: إلى جانبه، وكذا خارج الدار، فلا يقال: زيد خارج الدار، كما قال سيبويه (1)، بل من خارجها، كما لا يقال: زيد داخل الدار وجوف البيت، بل: في داخلها وفي جوفه.
وتكلف المصنف لادخال المعدود في لفظ المبهم بان قال: المبهم ما ثبت له اسمه بسبب أمر غير داخل في مسماه، فالمكان المسموح كالفرسخ، دخل فيه، فان المكان لم يصر فرسخا بالنظر إلى ذاته، بل بسبب القياس المساحي الذي هو أمر خارج عن مسماه.
وقال (2): الموقت: ما كان له اسمه بسبب أمر داخل في مسماه كاعلام المواضع، فانها أعلام لها اعتبار عين تلك الاماكن، وكذا مثل: بلد، وسوق، ودار، فانها أسماء لتلك المواضع بسبب أشياء داخلة فيها، كالدور في البلد، والدكاكين في السوق، والبيت في
الدار.
وأما نحو خلف، وقدام، ويمين، وشمال، وبين، وحذاء، فان هذه الاشياء تطلق على هذه الاماكن باعتبار ما تضاف إليه.
وينبغي أن يستثى من المبهم في قوله، أيضا: نحو جانب وما بمعناه، وكذا جوف البيت وخارج الدار، وداخلها، وكذا بعض ما في أوله ميم زائدة من اسم مكان، لانه إنما يثبت مثل هذا الاسم للمكان باعتبار الحدث الواقع فيه، والحدث شئ خارج عن مسمى المكان، مع أنه لا ينتصب كل ما هو من هذا الجنس، فلا يقال: نمت مضرب زيد، وقمت
__________
(1) هذا ما جرى عليه الجمهور.
وبعضهم يجوز نصبها على أنها مفعول فيه أيضا.
(2) أي المصنف: ابن الحاجب.
(*)(1/489)
مصرعه، بل هذا النوع من المكان يدخله تفصيل، وذلك بان يقال: اسم المكان: إما أن يشتق من حدث بمعنى الاستقرار والكون في مكان، أو، لا، والثاني لا ينتصب على الظرفية إلا بالفعل الذي ينتصب به على الظرفية المختص من المكان، كدخلت، ونزلت وسكتت (1)، وهو كالمضرب والمقتل والماكل والمشرب ونحوها.
والاول ينصبه على الظرفية الفع المشتق مما اشتق منه اسم المكان نحو: المجلس والمقعد، والماوى، والمسد، والمقتل والمبيت، فتقول (2): قاتلت موضع القتال، ونصرت مكان النصر، وكذا تقول: قمت مقامه، وجلست مجلسه، وأويت ماواه، وسددت مسده، وينصبه، أيضا، كل ما فيه معنى الاستقرار، وإن لم يشتق مما اشتق منه، نحو: جلست موضع القيام، وتحركت مكان السكون، وقعدت موضعك، ومكان زيد، وجلست منزل فلان وقعدت مركزة، قال تعالى: " واقعدوا لهم كل مرصد " (3)، وكذا: نمت مبيته، وأقمت مشتاه.
وما ليس فيه معنى الاستقرار لا ينصبه، فلا يقال: كتبت الكتاب مكانك، ورميت
بالسهم موضع بكر، وقتلته مكان المقراة وشتمتك منزل فلان، وقال الاكثرون من المتقدمين المبهم من المكان هو الجهات الست، والموقت ما سواها، وهذا القول هو الذي ذكره المصنف في الكافية، ثم قالوا: حمل عند، ولدي، وبين ووسط الدار، من الموقت على الجهات الست فانتصبت انتصابها لمشابهتها للجهات في الابهام.
قال المصنف: وكذا حمل لفظ مكان، على الجهات، لا لابهامه، فان قولك جلست مكان زيد، لا إبهام هنا في لفظ مكان، بل لكثرة استعماله، فحذف " في " منه تخفيفا، ولا ينبغي للمصنف هذا الاطلاق، فان لفظ مكان لا ينتصب إلا بما فيه معنى الاستقرار
__________
(1) وهنا أيضا اضطراب كثير في النسخ كما أشار الجرجاني واقتصرت منه كذلك على النص المطبوع.
(2) التمثيل الاول للنوع الذي يكون مشتقا من حدث بمعنى الاستقرار وما بعد قوله: وكذا تقول قمت مقامه للنوع الثاني أي الذي لا يكون مشتقا من حدث بمعنى الاستقرار.
(3) الاية 5 من سورة التوبة.
(*)(1/490)
فلا يقال: كتبت المصحف مكان (1) ضرب زيد، كم قدمنا.
وينبغي على قول هؤلاء الاكثرين أن تحمل المقادير الممسوحة على الجهات الست، لمشابهتها لها في الانتقال فان تعيين ابتداء الفرسخ مثلا لا يختص موضعا دون موضع، بل يتحول ابتداؤه وانتهاؤه كتحول الخلف قداما، واليمين شمالا.
هذا، واعلم أنه إنما نصبت الفعل جميع أنواع الزمان، لان بعض الازمنة، أعني الازمنة الثلاثة، مدلوله، فطرد النصب في مدلوله وفي غيره، وأما المكان فلما لم يكن لفظ الفعل دالا على شئ منه، بل دلالته عليه عقلية لا لفظية، لان (2) كل فعل لا بدله من مكان، نصب من المكان ما شابه الزمان الذي هو مدلول الفعل، أي الازمنة الثلاثة، وهو غير المحصور منه، والمعدود، ووجه المشابهة: التغير والتبدل في نوعي المكان، كما في الازمنة الثلاثة.
وأما انتصاب نحو: قعدت مقعده وجلست مكانه، ونمت مبيته فلكونه متضمنا لمصدر معناه الاستقرار في ظرف فمضمونه مشعر بكونه ظرفا لحدث بمعنى الاستقرار، كما أن نفسه ظرف المضمون، بخلاف نحو: المضرب والمقتل، فلا جرم، لم ينصبه على الظرفية إلا ما فيه معنى الاستقرار.
وأما قول المصنف في الشرح (3): لما كان ظرف الزمان المعين مدلول الفعل، تعدى إليه الفعل، فهو مغالطة، منشؤها الاشتراك في لفظ المعين، وذلك أن الفعل يدل على المعين، لكن من الازمنة الثلاثة، لا على الوقت المعين المراد به ههنا وهو المحصور، كاليوم، والشهر والليلة، والسنة، وكذا قوله: الفعل لما كان يدل على المكان المبهم تعدي إليه، غلط، أو مغالطة، وذلك لان الفعل لا يدل على المكان المبهم أصلا، لان المقصود من دلالة اللفظ
__________
(1) يجوز مثل هذا الاستعمال عند غيره من النحويين.
(2) بيان لوجه دلالة الفعل على المكان عقلا.
(3) أي في شرحه على هذه الرسالة " الكافية ".
(*)(1/491)
على الشئ: الدلالة الوضعية لا العقلية، ودلالة الفعل على المكان عقلية لا وضعية، ومع هذا، فهو يدل عقلا على مطلق المكان لا على مبهم المكان، بالتفسير الذي فسره.
قوله: " ولفظ مكان "، وكذا لفظ الموضع والمقام ونحوه بالشرط المذكور في الكل وهو انتصابه بما فيه معنى الاستقرار.
وقوله " وما بعد دخلت "، اعلم أن دخلت ونزلت، تنصب على الظرفية كل مكان دخلت عليه، مبهما كان، أو، لا، نحو: دخلت الدار، ونزلت الخان، وسكنت الغرفة، وذلك لكثرة استعمال هذه الافعال الثلاثة فحذف حرف الجر، أعني " في " معها في غير المبهم أيضا، وانتصاب ما بعدها على الظرفية عند سيبويه، وقال الجرمي: دخلت: متعد، فما بعده مفعول به لا مفعول فيه، والاصح أنه لازم، ألا ترى أن غير
الامكنة بعد " دخلت " يلزمها " في " نحو: دخلت في الامر، ودخلت في مذهب فلان، وكثيرا ما تستعمل " في " مع الامكنة أيضا بعده، نحو: دخلت في البلد، وكذا نحو قوله تعالى: " وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم " (1)، وقولك: نزلت في الخان.
وكون مصدر " دخلت " على الدخول، والفعول في مصادر اللازم أغلب وكونه ضد " خرجت "، وهو لازم اتفاقا، يرجحان كونه لازما، فمن ثم، قال: على الاصح.
وأما نحو: ذهبت الشام، فانتصاب الشام على الظرفية اتفاقا، لان " ذهبت " لازم، وهو شاذ، وكذا قوله: 162 - فلابغينكم قنا وعوارضا * ولاقبلن الخيل لابة ضرغد (2) أي: في قنا وفي عوارض، وهما موضعان، ومثله قوله:
__________
(1) الاية 45 من سورة ابراهيم.
(2) قنا، وعوارض، مكانان، والمعنى: لا طلبنكم في هذين المكانين.
ولابة ضرغد مكان كذلك، أي لاجعلن الخيل، أو الفرسان الراكبين عليها تصير قبالتها، وروي: ولاوردن الخيل، والبيت من شعر عامر بن الطفيل، قاله بعد موقعة انهزم فيها هو وقومه في يوم سمي: يوم الرقم، وهو من أيام العرب.
(*)(1/492)
163 - لدن " بهز " الكف يعسل متنه * فيه كما عسل الطريق الثعلب (1) ويكثر حذف " في " وإن كان شاذا من كل اسم مكان يدل على معنى القرب أو البعد، حتى يكاد يلحق بالقياس، نحو: هو منى مزجر الكلب ومناط الثريا، ومقعد الخائن، ومنزلة الشغاف (2)، ولا باس أن نذكر بعض ما أهمله المصنف من أحكام الظروف، فنقول: ظرف الزمان على ضربين: ما يصلح جوابا لكم، وهو ما يكون معدودا، سواء كان معرفة أو نكوة، فإذا كان كذا (3)، استغرقه الفعل الناصب له إن أمكن (4) كما إذا قيل لك: كم سرت ؟ فقلت: شهرا، استغرق السير جميع الشهر ليله ونهاره، الا أن تقصد المبالغة
والتجوز، وكذا إذا قلت: شهر رمضان، فان لم يمكن استغراق الجميع: استغرق منه ما أمكن، كما تقول: شهرا في جواب: كم صمت ؟ أو كم سريت، فالاول يعم جميع أيامه، والثاني جميع لياليه، والذي يصلح جوابا لمتى، هو الزمان المختص معدودا كان، كالعشر الاول من رمضان، أو، لا، ومحدودا كان، كيوم الجمعة، أو، لا، كالزمن الماضي، ومعرفة كان، كيوم الجعمة، أو، لا، كاول يوم من رمضان، ويوما قدم فيه زيد، ولا يجوز أن يجاب عنه بمعدود غير مختص، كيوم، وثلاثة أيام، وكذا لو قلت: ثلاثة أيام من رمضان، لانه غير مختص، ولو قلت: الثلاثة الاول من رمضان، جاز، لاختصاصها، ويجوز في جواب " متى " التعميم والتبعيض إن صلح الفعل لهما، كيوم الجمعة، في
__________
(1) هذا من قصيدة لساعدة بن جؤية الهذلي.
والبيت في وصف الرمح وحركته في يد الفارس واهتزازه كما يهتز الثلعب في سيره.
والعسلان مشية للثعلب فيها اضطراب واعوجاج.
والمعنى: كما عسل في الطريق الثعلب.
(2) انظر هذه الامثلة وما أشبهها في باب المبتدا والخبر (3) أي فان كان معدودا.
(4) وذلك إذا لم يكن الفعل يختص ببعض أوقات الزمان دون بعض كالسير، بخلاف السرى فانه مختص بالليل والصوم فانه مختص بالنهار شرعا.
(*)(1/493)
جواب: متي سرت ؟ وإن وجب التعميم فهو له، كيوم الجمعة في جواب: متى صمت ؟ وكذا إن لم يكن صالحا إلا للتبعيض فهو له، نحو: يوم الجمعة في جواب: متى خرجت من البلد، فما لا يصلح إلا جواب " متى ": المختص غير المعدود، كيوم الجمعة، وما لا يصلح إلا جواب " كم: المعدود غير المختص، كثلاثة أيام، وشهر وسنة، وما يصلح جوابا لهما: المختص، كالعشر الاول من رمضان، قال سيبويه: الدهر، والليل والنهار، مقرونة باللام لا تصلح إلا جوابا لكم يعني: الليل معطوفا عليه النهار كقوله تعالى:
" يسبحون الليل والنهار " (1)، أي الدهر، فاما إذا قلت: يسير عليه النهار، أو سير عليه الليل، مشيرا إلى نهار وليل معينين، فيقعان جوابا لمتى.
وقال سيبويه: أسماء الشهور كالمحرم وصفر، إلى آخرها، إذا لم يضف إليها اسم الشهر (2)، فهي كالدهر، والليل والنهار، والابد، أي تكون جوابا لكم لا غير، قال: لانهم جعلوهن جملة واحدة لعدة الايام، كانك قلت: سير عليه الثلاثون يوما إذا قلت: سير عليه صفر، فيستغرقها السير، ولو أضفت إليها " شهرا " صارت كيوم الجمعة، وصلحت جوابا لمتى أيضا، هذا كلامه، فان كان مستندا إلى رواية عن العرب فبها ونعمت والا، فاي فرق بينهما من حيث المعنى ؟ قوله (3): كانه قيل سير عليه الثلاثون يوما، قلنا ليس تعيين العدد مع اختصاص الزمان بمانع من وقوعه جوابا لمتى، كالشعر الاول من رمضان، على ما ذكرنا، ولنذكر حكم الظروف في التصرف وضده، وفي الانصراف (4) وضده فنقول: المراد بغير المتصرف من الظروف: ما لم يستعمل إلا منصوبا بتقدير " في " أو مجرورا بمن،
__________
(1) الاية 20 من سورة الانبياء.
(2) أي لفظ: شهر.
كما ياتي في تمثيله.
(3) أي قوله سيبويه: يريد أن يناقشه فيما ذهب إليه.
(4) أي كونها مصروفة أو ممنوعة من الصرف.
(*)(1/494)
وقد ينجر " متى " بالى، وحتى أيضا، وينجر " أين " بالى أيضا مع عدم تصرفهما، و " من " الداخلة على الظروف غير المتصرفة: أكثرها يمعنى " في " نحو: جئت من قبلك ومن بعدك، و: " من بيننا وبينك حجاب " (1)، وأما نحو: جئت من عندك، و: " فهب لي من لدنك " (2) فلابتداء الغاية، والمتصرف من الظروف: ما لم يلزم انتصابه بمعنى " في " أو انجزاره بمن، فمن الاول
أكثر الظروف المبنية لزوما، كاذ، وإذا على تفصيل ياتي في الظروف المبنية، وكصباح مساء، ويوم يوم، كما يجئ في المركبات، وقد يجئ حيث و " إذ "، متصرفين، نحو: " الله أعلم حيث يجعل رسالاته " (3)، وقوله تعالى: " بعد إذ أنزلت " (4)، ومن المعربة غير المتصرفة: بعيدات بين (5)، وذات مرة، وذات يوم، وذات ليلة، وذات غداة، وذات العشاء، وذات الزمين، وذات العويم، وذا صباح، وذا مساء، وذا صبوح، وذا غبوق، فهذه الاربعة بغير تاء، وإنما سمع في غير هذه الاوقات، ولا يقاس عليه: ذات شهر، ولا ذات سنة، وهذه كلها تلزم الظرفية في غير لغة خثعم "، وهم يصرفونها قال شاعرهم: 164 - عزمت على إقامة ذي صباح * لامر ما يسود من يسود (6)
__________
(1) الاية 5 من سورة فصلت.
(2) الاية 5 من سورة مريم.
(3) الاية 124 من سورة الانعام.
وهكذا أوردها الرضى بصفة الجمع وهي قراءة نافع أحد القراء السبعة.
(4) الاية 87 من سورة القصص.
(5) سيذكر الشارح أن تفسيرها سيأتي في الظروف المركبة من هذا الكتاب.
وفي باب الاضافة بالنسبة لبعضها، وسيشرح ما لم يذكر في البابين المذكورين.
(6) البيت منسوب إلى أنس بن مدركة الخنقمي.
ولذلك يقول الشارح كما قال شاعرهم وهو من أبيات حماسية، أولها: دعوت بني قحافة فاستجابوا * فقلت ردوا فقد طاب الورود وبعد أن أورد البغدادي هذه الابيات، وبيت الشاهد آخرها، استبعد أن يكون البيت المستشهد به مرتبطا بما قبله.
(*)(1/495)
واما ذات اليمين وذات الشمال فكثيرتا التصرف، كما يجئ في باب الظروف المبنية، ومعنى الظروف المركبة المذكورة يجئ في المركبات، ومعنى ذات مرة وأخواته يجئ في باب
الاضافة.
وقولهم: لقيته بعيدات بين، أي فراق، يقال ذلك إذا كان الرجل ممسكا عن اتيان صاحبه، ثم ياتيه ثم يمسك عنه نحو ذلك، ثم ياتيه، ومعنى التصغير تقريب زمن اللقاء، أعني بعد الفراق.
وكون هذه الظروف غير متصرفة موقوف على السماع.
ومن المعربات غير المتصرفة: ما عين من: غدوة وبكرة، ضحى وضحوة وبكر، وسحر وسحير، وعشية، وعتمة، ومساء وصباح ونهار وليل، وأعني بالتعيين، أن تريد غدوة يومك وضحاه وضحوته، وبكرته، وسحره وعشيته، وعتمة ليلتك، ومساءها.
تقول: سير عليه ليلا ونهارا، إذا أردت نهارك وليلك.
وبكرة وغدوة، يكونان، أيضا، علمين، ولا تريد بهما غدوة يومك وبكرته كما سيجئ حكمهما، فتكونان، إذن، متصرفين.
والحكم بعدم تصرف هذه الظروف المعينة، مبني على كونها معينة من دون العلمية وذلك أنهم جعلوا الزمان المعين من دون علمية ولا آلة تعريف كهذه الظروف المعينة، لازما لطريقة واحدة أعني الظرفية، تنبيها على مخالفته لسائر المعارف، وذلك لان كل نكرة صارت معرفة، فلا بد فيها إما من العلمية، وإما من اللام أو الاضافة، وهذه كانت نكرات فتعينت بمجرد عناية (1) المتكلم، لا بالة، ولا بعلمية، والدليل على أنها ليست اعلاما أن عتمة وعشية وضحوة من هذه الظروف متصرفة على الاشهر مع تعينها، ولو كانت أعلاما لم تتصرف، فتعريف هذه الاسماء، إذن، بكونها معدولة عن اللام، فهي معدولة عن
__________
(1) أي قصد المتكلم.
(*)(1/496)
اللام وليست متضمنة لها، كما تضمنت " أمس " في لغة أهل الحجاز، أعني البناء (1)، إذ لو تضمنتها لبنيت بناء " أمس "، والدليل على كونها معدولة عن اللام: أن من قاعدتهم
الممهدة إن لفظ الجنس لا يطلق على واحد معين منه، إذ لم يكن مضافا، إلا معرفا بلام العهد، سواء كان علما أو، لا، كالبيت، والنجم، والصعق، وقوله تعالى: " فعصى فرعون الرسول " (2)، بلى، وجد " سحر " من جملة هذه الاسماء المعينة ممنوعا من الصرف، فاضطررنا إلى تقدير العلمية فيه بعد العدل عن اللام لتحصيل السببين.
وقال بعضهم (3): إنه عند تعيينه، متضمن للام فهو عنده مبني كامس عند الحجازيين، وعلى كلا القولين فهو مخالف لاخواته المذكورة من: ضحى، وبكرة، ومساء، وصباحا، ونهارا، وليلا، معينة، فانها منونة اتفاقا، إلا ما زعم الجوهري (4): أن " ضحى " معينا لا يتصرف، كسحر، ولا أدري ما صحته.
أما غدوة وبكرة، فهما، وإن كانتا معينتين مع العلمية، إلا أن تلك العلمية هي الجنسية، كما في أسامة، ونذكر في باب العلم أن علم الجنس في معنى النكرة، على أن الخليل كما يجئ بعيد، حكى: آتيك اليوم غدوة وبكرة متوتين، وألحق عبد الظاهر (5)، عتمة وضحوة معينتين بسحر في منع الصرف لا عن سماع، والاولى منعه، إذ لم يسمعا إلا منونتين، فكل ما ثبت ترك تنوينه من هذه المعينة، فهو إما لتضمن اللام فيبنى، كسحر عند بعضهم، وإما للعلمية المقدرة كسحر عند الجمهور القائلين بمنع صرفه.
__________
(1) قوله أعني البناء يمكن أن يكون تفسيرا لما يلزم من مشابهتها لامس لو كانت متضمنة للام من البناء في لغة أهل الحجاز.
(2) الاية 16 من سورة المزمل.
(3) هذا القائل هو صدر الافاضل ناصر بن علي المطرزي من علماء القرن السادس كما نقل عنه ابن هشام في أوضح المسالك وتقدم ذكره.
(4) الجوهري صاحب الصحاح وتقدم ذكره.
(5) تقدم ذكر الامام عبد القاهر الجرجاني.
(*)(1/497)
أما غدوة وبكرة، فقد زعم الخليل إنه إذا قصد بهما التعيين جاز تنوينهما كما في ضحوة، نحو: أتيتك اليوم غدوة وبكرة، وكذا قال أبو الخطاب (1) إنه سمع ممن يوثق به: آتيك بكرة، وهو يريد الاتيان في يومه أو غده، لكن الاغلب المشهور فيهما ترك التنوين مع التعيين، كما كانتا كذلك علمين للجنس، كما يجئ، فيقدر العلمية فيهما كما في سحر.
فالمقصود مما تقدم أن عدم تصرف هذه المعينة مبني على تعيينها من دون علمية ولا آلة تعريف، وتعينها، وكذلك، مستند إلى السماع فلا يقاس عليها في مثل هذا التعيين نحو: شهر وسنة، وساعة، وغدية (2) وغيرها، فلا يثبت، إذن، عدم تصرفها (3).
فالظروف الثلاثة عشر المذكورة، إذا كانت معينة وجب عدم تصرفها وإذا لم تكن معينة كانت متصرفة، نحو: صيد عليه غدوة، فإذا تصرفت وأردت تعيينها فلا بد فيها من اللام أو الاضافة، تقول: رايته عند السحر الاعلى، ولا تقول عند سحر الاعلى.
وأما الكلام في انصراف الظروف وعدم انصرافها فنقول: غدوة وبكرة غير منصرفين اتفاقا وإن لم تكونا معينتين لكونهما من أعلام الاجناس كاسامة، تقول في التعيين: أتيت اليوم غدوة أو بكرة، وفي غير التعيين: لقيته العام الاول أو يوما من الايام (4) غدوة أو بكرة، فتمنع الصرف في الحالين، فهو في غير التعيين، كما تقول: لقيت أسامة، وإن كنت لقيت واحدا من الجنس غير معين.
وقد يجئ الكلام على أعلام الاجناس في باب الاعلام، وأن علميتها لفظية لا معنى تحتها.
__________
(1) كنيته الاخفش الاكبر، واسمه: عبد الحميد بن عبد المجيد، وهو من شيوخ سيبويه، نقل عنه كثيرا في كتابه، وهو من علماء الطبقة الثالثة في نحاة البصرة، توفي سنة 177 ه.
(2) تصغير غدوة.
(3) أي نحو شهر وسنة الخ.
(4) فيكون: العام الاول أو يوما من الايام قرينته على عدم التعيين.
(*)(1/498)
وإذا لم يقصد تعيينهما، جاز أيضا تنوينهما اتفاقا، قال الله تعالى: " ولقد صبحهم بكرة " (1)، وإذا قلت: كل غدوة وبكرة، أو: رب غدوة وبكرة فهما منونتان لا غير، لان " كلا " و " رب " من خواص النكرات.
والاغلب الاكثر في أعلام الاجناس أن تكون موضوعة أعلاما، لا منقولة، من النكرات نحو أسامة وثعالة، وجيال (2)، فهي مرتجلة في أعلام الاجناس كسعاد وزينب في أعلام الاشخاص.
فغدوة، علم مرتجل، وغداة هي الجنس، كقولك: هذه غداة باردة، ونحن في غداة طيبة.
وقد جاء " غدوة " جنسا في القران في قراءة من قرأ: " بالغدوة والعشي " (3).
قال سيبويه: والاصل في هذين الاسمين، غدوة، وبكرة محمولة عليها، لاجتماعهما في المعنى وفي البنية، كما أن يذر محمول على يدع في حذف الواو، وإنما قال هذا، لان بكرة وضعت نكرة، وأعلام الاجناس مرتجلة كما مر.
وحكى أبو علي عن أبي زيد: لقيته فينة بعد فينة، ولقيته الفينة بعد الفينة، أي الحين بعد الحين، فهي علم الجنس، كما تقول لقيته في ندري أو في الندري أي في الندرة.
وذكر سيبويه أن بعض العرب يدع التنوين في " عشية " كما في غدوة، يعني أنه يجعلها، أيضا، علم جنس، ورده المبرد، وقال: عشية منونة على كل حال: قال السيرافي حكاية سيبويه لا ترد.
__________
(1) الاية 38 من سورة القمر.
(2) علم جنس للضبغ.
(3) الاية 28 من سورة الكهف، والقراءة التي أشار إليها هي قراءة ابن عامر أحد القراء السبعة.
(*)(1/499)
وسحر غير منصرف، لا لكونه علم الجنس، بل إذا أردت به سحر يومك كما ذكرنا.
ومن الظروف المكانية ما هو عام التصرف، كفوق، وتحت، وعند، ولدي، ومع، وبين بين، بلا إضافة، وحوال، وحوالي، وحول، وحولي وأحوال، والتثنية للتكرير، كما في قوله تعالى: " ثم ارجع البصر كرتين " (1)، وكذا " هنا " وأخواته، وبدل، ومكان بمعناه، لفظتا يمين وشمال كثيرتا التصرف، وكذا: ذات اليمين وذات الشمال، وما بقي من الجهات متوسط التصرف، وكذا لفظ بين، إذا لم يركب.
وأما حيث، ووسط ساكن السين، ودون، بمعنى قدام فنادرة التصرف: قال: الفرذدق: 165 - أتته بمجلوم كان جبينه * صلاءة ورس وسطها قد تفلقا (2) ووسط بتحريك السين متصرف، وقد يدخل " دون " التي بمعنى قدام معنيان آخران، هي في أحدهما متصرفة، وذلك معنى أسفل، نحو أنت دون زيد، إذا كان لزيد مرتبة عالية وللمخاطب مرتبة تحتها فيوصل إلى المخاطب قبل الوصول إلى زيد، ويتصرف فيها بهذا المعنى، نحو: هذا شئ دون أي خسيس.
ومعناها الاخر: غير، ولا يتصرف فيها بهذا المعنى، وذلك نحو قوله تعالى: " أأتخذ من دونه آلهة " (3)، كان المعنى: أئذا وصلت إلى الالهة أكتفي بهم، ولا أطلب الله الذي هو خلفهم، ووراءهم فهم كأنهم قدامه في المكان، تعالى الله عنه.
__________
(1) الاية 4 من سورة الملك.
(2) البيت من قصيدة للفرزدق في هجاء جرير، كلها فحش واقذاع.
أوردها البغدادي وشرحها.
وقد خلت منها بعض النسخ من ديوان الفرزدق.
والمجلوم المقصوص بالجلمين وروى أتته بمحلوق.
والصلاءة بالهمزة وبالياء، هي ما يدق فيه الطيب
ونحوه.
وتفلقا: تشقق من كثرة الدق.
(3) الاية 23 من سورة يس.
(*)(1/500)
ومما يلزمها الظرفية عند سيبويه: صفة زمان أقيمت مقامه، نحو قوله: 166 - ألا قالت الخنساء يوم لقيتها * أراك حديثا ناعم البال أفرعا (1) أي زمانا حديثا، وجوز في لفظتي، مليئا وقريبا خاصة: التصرف نحو قولك، سير على الفرس ملئ من الدهر وقريب، ومليئا وقريبا وأما غير سيبويه فانهم اختاروا في الصفات المذكورة الظرفية ولم يوجبوها، وإنما اختير نصبها أو وجب ليكون أدل على موصوفها الذي هو الظرف المنصوب.
وأما عدم تصرف سائر ما ذكرته فسماعي.
واعلم أنه يكثر جعل المصدر حينا لسعة الكلام، نحو: انتظرني جزر جزورين، وسير عليه ترويحتين، أي مثل زمان جزر جزورين ومثل زمان ترويحتين، قال تعالى: " وإدبار النجوم " (2) أي وقت ادبارها.
وكل ذلك على حذف المضاف، وعند أبي علي (3)، أن المصدر يقام مقام الزمان من غير اضمار مضاف، وذلك لما بينهما من التجانس، بكونهما مدلولي الفعل، ولذلك ينصب الفعل مبهميهما وموقتيهما بخلاف المكان، وأما قولهم: كان ذلك مقدم الحاج، فليس من ذلك، لان " مفعلا " يكون اسم الزمان.
ويقل مقام الحين مقام المصدر كقوله تعالى: " وذكرهم بايام الله " (4)، أي بوقائعه،
__________
(1) بعد هذا البيت: فقلت لها: لا تنكريني فقلما * يسود الفتى حتى يشيب ويصلعا وهو أحد أبيات وردت في الحماسة ولم ينسبها أحد من شراح الحماسة، وفي قصيدة متمم بن نويرة التي رثى بها أخاه مالكا بيت يشبه هذا وهو قوله:
تقول ابنة العمري مالك بعدما * أراك حديثا ناعم البال أفرعا ولكن الابيات المتصلة ببيت الشاهد في قصيدة متمم.
(2) الاية 49 من سورة الطور.
(3) الفارسي: وتقدم ذكره كثيرا.
(4) الاية 5 من سورة ابراهيم.
(*)(1/501)
وقد يقوم المصدر المضاف إليه مقام المضاف الذي هو مكان، نحو: مشيت غلوة (1) سهم: ورمية نشابة (2)، أي مسافة غلوة سهم، وفي الحديث " اقطع النبي صلى الله عليه وسلم زبيرا حضر (3) فرسه ".
وقد يقوم المضاف إليه الذي هو اسم عين مقام مضافه الذي هو مصدر قائم مقام مضافه الذي هو حين، نحو: لا آتيك السمر والقمر (4)، أي مدة طلوع القمر، ومنه قوله: 167 - باكرت حاجتها الدجاج بسحرة * لاعل منها حين هب نيامها (5) أي وقت صياحه، هذا إذا كان باكرت بمعنى بكرت، لا غالبت بالبكور،.
قال النحاة: قد يتوسع في الظرف المتصرف فيجعل مفعولا به، فحينئذ، يسوغ أن يضمر مستغنيا عن لفظ " في " كقولك: يوم الجمعة صمته، وأن يضاف إليه المصدر والصفة المشتقة منه، نحو قوله تعالى: " بل مكر الليل والنهار " (6) وقوله: 168 - يا سارق الليلة أهل الدار (7) وقد اتفقوا على أن معناه متوسعا فيه وغير متوسع فيه سواء، ثم فرعوا على هذا الاصل، فقال بعضهم: لا يتوسع في ظرف المتعدي إلى اثنين حتى يلحق بالمتعدي إلى ثلاثة، فلا يقال: يوم الجمعة أعطيته زيدا درهما، قال: لان المتعدي إلى ثلاثة محصور، فلا يزاد عليه، وجوزه الاكثرون،.
__________
(1) أي مقدار ما يصل إليه السهم.
(2) النشابة واحدة النشاب وهي السهام.
والمراد مقدار ما يصل إليه السهم كالذي قبله.
(3) حضر الفرس بضم الحاء وسكون الضاد أقصى جريه.
والمعنى المسافة التي يقطعها الفرس عند أقصى جريه.
(4) أي مدة سمر الناس، ومدة طلوع القمر كما فسر الشارح والمقصود الدوام، لان سمر الناس وأحاديثهم لا تنقطع، وكذلك طلوع القمر.
هذا أحد أبيات معلقة لبيد بن ربيعة العامري.
وهذه المعلقة مما قاله في الجاهلية، والبيت وما يتصل به في وصف الخمر وحرصه عليها وبذله في سبيلها كما هو أسلوب الشعراء.
(6) الاية 33 من سورة سبا.
(7) المعنى: يا سارقا في الليلة المعينة أهل الدار، فاضيف الوصف إلى الظرف بعد حذف حرف الجر " في " كما أن المعنى في الاية: بل مكركم في الليل والنهار.
وهذا الشطر غير معروف قائله.
(*)(1/502)
وأما التوسع في ظرف المتعدي إلى ثلاثة فلم يجوزه إلا الاخفش، قالوا (1)، لانه يخرج إلى غير أصل، إذ ليس معنا متعد إلى أكثر من ثلاثة.
وجوزوا في الافعال الناقصة، نحو: (2) يوم الجمعة ليس زيد قائما، هذا ما قالوا، والذي أرى أن جميع الظروف متوسع فيها، فقولك: خرجت يوم الجمعة كان في الاصل: خرجت في يوم الجمعة، كان يوم الجمعة مع الجار مفعولا به بسبب حرف الجر، ثم صار مفعولا به من غير واسطة حرف في اللفظ، والمعنى على ما كان عليه.
وكذا المفعول له، هو أيضا مفعول به، تعدى إليه الفعل بنفسه، بعد ما تعدى إليه بحرف الجر.
فهما مثل " ذنبا " في قولك: استغفرت الله ذنبا (3)، إلا أن حذف حرفي الجر، أي: في واللام، صار قياسا في البابين (4)، كما كان حذف حرف الجر قياسا مع أن وأن، وليس بقياس في غير المواضع الثلاثة، فلا تقول في مررت بزيد، وقمت إلى عمرو: مررت زيدا وقمت عمرا.
وإنما كان قياس في بابي المفعول فيه والمفعول له بالضوابط المعينة لكل منهما،
لقوة دلالتهما على الحرفين المقدرين، فعلى ما قررنا: المفعول فيه، والمفعول له، نوعان من أنواع المفعول به مختصان بالاسمين المذكورين،.
وأما قول المصنف في نحو: يوم الجمعة صمته: ان الضمير لا يجوز أن يكون مفعولا فيه، إذ هو لا يكون إلا ظرف الزمان أو المكان، فمنقوض بنحو: خرجت هذا اليوم، فلفظة " هذا " ههنا ظرف اتفاقا، بدلالة صفته وقوله: ان الزمان في نحو: مكر الليل،
__________
(1) أي الذين لم يجوزوه.
(2) أي جوزوا مثل هذا التركيب.
(3) اعتبره البغدادي أحد الشواهد.
لان سيبويه أورد هذا البيت: استغفر الله ذنبا لست محصيه * رب العباد إليه الوجه والعمل وبعد أن شرحه قال انه من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف قائلها.
(4) أي في بابي المفعول فيه والمفعول لاجله.
(*)(1/503)
وسارق الليلة ليس بمفعول فيه وإلا انتصب والمضاف إليه المصدر والصفة لا يكون إلا فاعلا أو مفعولا به.
قلنا (1): على ما أصلنا إن جميع المفعول فيه هو مفعول به: لا نسلم أنه يجب نصبه، فان المفعول به ينجز بالاضافة نحو: ضارب زيد، فكذا في سارق الليلة، وإنما لم يقع المفعول له ضميرا، ولا اسم اشارة كالمفعول فيه، لقلة استعماله، فارادوا أن يكون لفظ المصدر مصرحا به ليدل على كونه مفعولا له.
فنقول: اضافة الصفة إلى ظرفها كاضنفتها إلى المفعول به تكون غير مختصة بالشرائط المذكورة في باب الاضافة، وقد تكون بمعنى اللام، ك: " مالك يوم الدين " (2)، كما يجئ، وإضافة المصدر إلى ظرفه كاضافته مختصة (3) إلى المفعول به بمعنى اللام، فهي مختصة إلا أنه كالمضاف إلى المفعول به الذي كان منتصبا بنزع الخافض، كقوله:
باكرت حاجتها الدجاج بسحرة (4) - 168 أي حاجتي إليها، فهي في الحقيقة بمعنى اللام، لان اللام للاختصاص ويختص الشئ بغيره بادنى ملابسة، نحو كوكب الخرقاء (5)، وقتيل الطف (6) وليس بمعنى " في " كما ذهب إليه المصنف على ما يجئ في باب الاضافة.
__________
(1) قلنا في الرد على المصنف، ومقول القول، هو: لا نسلم...الخ.
(2) الاية 4 من سورة الفاتحة.
(3) أي كاضافته اضافة مختصة.
(4) الشاهد السابق رقم 168.
(5) كوكب الخرقاء: اشارة إلى قول الشاعر: إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة * سهيل اذاعت غزلها في القرائب والخرقاء: المراة التي لا تحسن تدبير أمرها، فتكسل عن اعداد غزلها الذي تحتاجه في الشتاء إلى أن يطلع سهيل وينذر بقرب الشتاء فتسرع بتوزيع ما عندها من صوف على قرائبها حتى تفرغ منه قبل حلول الشتاء.
وقد اعتبره البغدادي أحد الشواهد وكتب عليه ولكنه لم ينسبه.
(6) الطف: مكان بالكوفة يمتد إلى شاطئ الفرات، ومنه جزء يسمى كربلاء، فيه حدثت الموقعة التي قتل فيها الحسين بن علي رضي الله عنه هو وكثير من ذريته وأهله.
ويطلق على الحسين أيضا: شهيد كربلاء، نسبة إلى هذه البقعة وفيها قبره.
(*)(1/504)
حذف عامل الظرف قال ابن الحاجب: " وينتصب بعامل مضمر، وعلى شريطة التفسير ".
قال الرضى: اعلم أن انتصابه بعامل مضمر، إما أن يكون بعامل جائز الاظهار، أو بممتنعه، كما
في المفعول به، إذ هو هو، كما ذكرنا، فالاول نحو: يوم الجمعة في جواب من قال متى سرت ؟ أي سرت يوم الجمعة.
وقد جاء بلا قرينة ظاهرة، كفولهم: حينئذ الان، أي كان ذلك حينئذ واسمع الان.
والثاني كما في المنصوب على شريطة التفسير، حسب ما ذكرنا في المفعول به مفصلا، فما يختار رفعه نحو: يوم الجمعة سرت فيه، وما يختار نصبه نحو: أيوم الجمعة سرت فيه ؟ وما يوم الجمعة سرت فيه، وسار زيد ويوم الجمعة سرت فيه، وإذا يوم الجمعة سرت فيه، ويوم الجمعة سر فيه، أو، لا تسر فيه.
ومثال لبس المفسر بالصفة: كل يوم صمت فيه في الصيف.
وما يستوي فيه الامران: زيد سار ويوم الجمعة سرت فيه، وما يجب نصبه إن يوم الجمعة سرت فيه، وهلا يوم الجمعة سرت فيه.(1/505)
المفعول له قال ابن الحاجب: " المفعول له هو ما فعل لاجله فعل مذكور، مثل: ضربته " " تأديبا، وقعدت عن الحرب جبنا، خلافا للزجاج فانه عنده " " مصدر ".
قال الرضى: قوله: " فعل مذكور "، أي مضمون الفعل وشبهه، وهو المصدر لما ذكرنا في المفعول فيه، قوله " مذكور "، احتراز عن قولك وقد شاهدت ضربا لاجل التاديب: أعجبني التاديب، فان التاديب فعل له الضرب إلا أنك لم تذكر الضرب في قولك، عاملا فيه.
فالحق (1) أن نقول، في المفعول له: هو ما فعل لاجله مضمون عامله، وكذا في المفعول فيه هو ما فعل فيه مضمون عامله من زمان أو مكان، لئلا ينقض الحدان، بنحو قولك:
ضربت وقد أعجبني التاديب، وسرت ويوم الجمعة زمان سيرك (2).
__________
(1) إي تفاديا من ورود مثل ذلك.
(2) لان في كل من المثالين يتحقق التعريف الذي ذكره ابن الحاجب وذلك لان في كل منهما فعلا مذكورا فعل في الزمان أو المكان أو فعل لاجله..ولكن هذا المذكور غير عامل لا في المفعول فيه ولا في المفعول لاجله.
(*)(1/507)
وذكر المصنف مثالين للمفعول له، ليبين أنه قد لا يتقدم وجودا على ما جعل علة له، كما في: ضربته تأديبا، وقد يتقدم وجوده عليه كما في: قعدت جبنا، فالمفعول له هو الحامل على الفعل، سواء تقدم وجوده على وجود الفعل، كما في: قعدت جبنا، أو تأخر عنه، كما في: جئتك إصلاحا لحالك، وذلك لان الغرض المتأخر وجوده، يكون علة غائية حاملة على الفعل، وهي إحدى العلل الاربع، كما هو مذكور في مظانه، فهي متقدمة من حيث التصور، وإن كانت متاخرة من حيث الوجود.
فالمفعول له هو العلة الحاملة لعامله، وليس بمعلول له كما ظن بعضهم نظرا إلى ظاهر نحو قولهم: ضربته تأديبا وأن الضرب علة للتاديب.
وإنما قلنا ذلك، لانه لا يطرد في نحو: قعدت جبنا، وجعل المفعول له علة لمضمون عامله يطرد، لان التاديب علة حاملة على الضرب، ولفظ " المفعول له " يؤذن بكونه علة، لان اللام في قوله " له " للتعليل، وهي تدخل على العلة لا على المعلل، نحو فعلت هذا لهذه العلة.
قوله: " خلافا للزجاج "، مذهبه أن ما يسميه النحاة مفعولا له، هو المفعول المطلق لبيان النوع، وذلك لما راى من كون مضمون عامل المفعول له، تفصيلا وبيانا له، كما في: ضربته تأديبا، فان معناه: أدبته بالضرب، والتاديب مجمل، والضرب بيان له، فكانك قلت أدبته بالضرب تأديبا، ويصح أن يقال: الضرب هو التاديب، فصار مثل: ضربت ضربا، في كون مضمون العامل هو المعمول.
ولا يطرد له هذا جميع أنواع المفعول له، فان القعود ليس بيانا للجبن، ولا يقال: قعوده جبن إلا مجازا، وكذا قولك، جئتك اصلاحا لحالك، بالاعطاء أو النصح أو نحوه، فان المجئ ليس بيانا للاصلاح، بل بيانه الا عطاء أو النصح، كما صرحت به.
ولعله يقدر في مثله: قعود جبن ومجئ اصلاح على حذف المضاف وهو تكلف.
قال المصنف ردا على الزجاج: معنى ضربته تأديبا: ضربته للتاديب اتفاقا، وقولك: للتاديب، ليس بمفعول مطلق، فكذا " تأدييبا " الذي بمعناه.(1/508)
وفي الرد نظر، وذلك أن " ضرب تأديب "، أيضا، يفيد معنى " التاديب " مع أن الاول مفعول مطلق اتفاقا دون الثاني، وأي منع في أن يتفق في المعنى المقصود: المختلفان في الاعراب، ألا ترى أن معنى: جئت راكبا، جئت وقت ركوبي، والاول حال، والثاني مفعول فيه.
والجرمي يقول: ان ما يسمى مفعولا له منتصب نصب المصادر التي تكون حالا، فيلزم تنكيره، ويقدر نحو قوله تعالى: " حذر الموت " (1) محاذرين الموت، لتكون الاضافة لفظية.
ولا يطرد له ذلك في نحو قوله: 169 - مخافة، وزعل المحبور * والهول من تهور الهبور (2) إلا أن يجعلها مصدرين للحالين المقدرين قبلهما، أي: زعلا زعل المحبور ومهولا الهول، على ما هو مذهب الفارسي في: فعلت جهدك ووحدك، على ما يجئ في باب الحال.
ومذهب البصريين أولى من الباقيين، لسلامته من الحذف والتقدير اللازمين لغيره.
شرط نصب المفعول له قال ابن الحاجب: " وشرط نصبه تقدير اللام، وإنما يجوز حذفها إذا كان "
" فعلا لفاعل الفعل المعلل ومقارنا له ".
__________
(1) الاية 19 من سورة البقرة.
(2) هذا من أرجوزة للعجاج تقدم منها الشاهد رقم 99 في صحيفة 342 وهو قوله أول الارجوزة: جاري لا تستنكري عذيري * سيري واشفاقي على بعيري وسيأتي ذكر الشاهد الذي هنا قريبا ومعه شطر زائد.
(*)(1/509)
قال الرضى: يعني أن تقدير اللام شرط انتصاب المفعول له، لا شرط كون الاسم مفعولا له، فنحو: للسمن، ولاكرامك الزائر، في قولك: جئتك للسمن ولاكرامك الزائر، عنده (1)، مفعول له على ما يدل عليه حده، وهذا كما قال في المفعول فيه: إن شرط نصبه تقدير " في ".
وما ذهب إليه في الموضعين، وإن كان صحيحا من حيث اللغة، لان السمن فعل له المجئ، لكنه خلاف اصطلاح القوم، فانهم لا يسمون المفعول له، إلا المنصوب الجامع للشرائط، فحده الصحيح هو: المصدر المقدر باللام المعلل به حدث شاركه في الفاعل والزمان.
ومعنى تشاركهما في الفاعل أن يقوما بشئ واحد كقيام الضرب والتاديب في: ضربته تأديبا، بالمتكلم، وتشاركهما في الزمان بان يقع الحدث في بعض زمان المصدر، كجئتك طمعا، وقعدت عن الحرب جبنا، أو يكون أول زمان الحدث آخر زمان المصدر، نحو حبستك خوفا من فرارك، أو بالعكس نحو: جئتك إصلاحا لحالك، وشهدت الحرب إيقاعا للهدنة بين الفريقين (2).
فإذا كان الحدث المعلل تفصيلا وتفسيرا للمصدر المجمل، كما في ضربته تأديبا، وأعطيته، مكافاة (3)، فليس ههنا حدثان في الحقيقة حتى يشتركا في زمان بل هما في الحقيقة
حدث واحد، لان المعنى: أدبته بالضرب، وكافاته بالاعطاء، فالضرب هو التاديب والاعطاء هو المكافاة، والعلة ههنا في الحقيقة، ليس هذا المصدر المنصوب، لان الشئ لا يكون علة نفسه، بل هي أثره، أي ضربته لتادبه، لكن لو صرحت بما هو العلة أعني
__________
(1) عنده أي عند المصنف: ابن الحاجب.
(2) أشار الجرجاني هنا إلى اختلاف في النسخ وأورد جملة طويلة قال انها في بعض النسخ وهي لا تختلف في مضمونها عما هنا وتزيد عنها اعادة لبعض ما تقدم وتكرارا للكثير مما أثبتناه.
فكان الافضل الابقاء على النص المطبوع.
(3) مكافاة مصدر ذكر للتعليل وليس مفعولا به.
(*)(1/510)
التادب، لم ينتصب عند النحاة لعدم المشاركة في الفاعل وفي الزمان، إذ ربما لا يحصل هذا الاثر، فكيف يشارك الضرب في الزمان، كما قال ابن دريد: 170 - والشيخ إن قومته من زيغه * لم يقم التثقيف منه ما التوى (1) وإنما نصبت هذا المصدر لتضمنه العلة الحقيقية ومشاركته للحدث في الفاعل والزمان، إذ هو كما بينا.
وبعض النحاة لا يشترط تشاركهما في الفاعل، وهو الذي يقوي في ظني وإن كان الاغلب هو الاول، والدليل على جواز عدم التشارك قول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في نهج البلاغة: " فاعطاه الله النظرة (2) استحقاقا للسخطة، واستتماما للبلية "، والمستحق للسخطة إبليس والمعطى للنظرة هو الله تعالى، ولا يجوز أن يكون استحقاقا حالا من المفعول، لان " استتماما " إذن، يكون حالا من الفاعل، وكذا " إنجازا للعدة " (3)، ولا يعطف حال الفاعل على حال المفعول.
وكذا قول العجاج: يركب كل عاقر جمهور * مخافة وزعل المحبور (4)
والهول من تهور الهبور - 169
__________
(1) ليس المقصود به الاستشهاد، وإنما هو لتاييد المعنى الذي أشار إليه بقوله: إذ ربما لا يحصل هذا الاثر، وهذا البيت من مقصورة الامام اللغوي أبي بكر بن دريد صاحب الجمهرة واسمه محمد بن الحسن بن دريد الازدي، انهى السيوطي في البغية نسبه إلى يعرب بن قحطان من علماء القرن الثالث.
وهو أحد الائمة المتقدمين في اللغة.
وبيت الشاهد من قصيدة مقصورة له مدح بها الامير أبا العباس اسماعيل الميكالي حاكم نيسابور وضمنها كثيرا من الحكم، توفي سنة 321 ه.
(2) أي الانتظار والبقاء إلى يوم القيامة تحقيقا لطلبه في قوله الذي حكاه الله عنه: رب انظرني.
(3) هو من تمام الكلام الذي نقله عن نهج البلاغة.
وهذا الكلام من خطبة طويلة في نهج البلاغة فيها حديث عن خلق السموات والارض وخلق آدم، وما حدث من ابليس، وهي في الجزء الاول ص 21 طبعة الحلبي سنة 1963 اخراج محمد أبو الفضل.
تقدم الشطران الثاني والثالث قبل قليل.
وكما تقدم هو من أرجوزة العجاج التي أولها: جاري لا تستنكري عذيري...(*)(1/511)
فان الهول بمعنى الافزاع لا الفزع، والثور، ليس بمفزع بل هو فزع.
وكذا أجاز أبو علي عدم المقارنة في الزمان، وذلك أنه قال في التذكرة (1) على القراءة الشاذة: " هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم " (2)، بنصب " صدقهم "، إن معناه: لصدقهم في الدنيا.
قوله: " ولا يجوز حذفها "، أي حذف اللام.
قوله: " إذا كان فعلا لفاعل الفعل المعلل "، أي إذا كان المفعول له فعلا لفاعل الفعل الناصب له وهو الفعل المعلل بالمفعول له، أي إذا اشتراكا في الفاعل على ما ذكرنا.
واقتصر المصنف على شرطين مما شرط في المفعول له، فلم يشترط كونه مصدرا، لدخوله في قوله: فعلا لفاعل الفعل المعلل، ولم يشترط كونه بتقدير اللام، وجواب " لمه "،
وألا يكون (3) من غير لفظ الفعل لانه قد علم ذلك من الحد.
وشرط بعضهم كونه من أفعال القلب (4)، قال لانه الحامل على إيجاد الفعل والحامل على الشئ متقدم عليه، وأفعال الجوارح، كالضرب والقتل تتلاشى ولا تبقى حتى تكون حاملة على الفعل، وأما أفعال الباطن كالعلم والخوف والارادة فانها تبقى.
والجواب أنه إن أراد وجوب تقدم الحامل وجودا فممنوع، وإن أراد وجوب تقدمه، إما وجودا أو تصورا فمسلم، ولا ينفعه، وينتقض ما قال بجواز نحو: جئتك إصلاحا لامرك، وضربته تأديبا اتفاقا.
فان قال: هو بتقدير حذف مضاف، أي إرادة اصلاح وإرادة تأديب، قلنا:
__________
(1) أحد مؤلفات أبي علي الفارسي.
(2) الاية 119 من سورة المائدة.
(3) هكذا في المطبوعة والصواب: وألا يكون من لفظ الفعل، أو ما يؤدي هذا المعنى.
(4) يراد من أفعال القلب وأفعال القلوب في هذا الباب: الافعال الدالة على أمور معنوية لا على أمور علاجية كما يتبين من شرحهم وتمثيلهم.
(*)(1/512)
فجوز، أيضا، جئتك اليوم اكراما لك غدا، بتقدير المضاف المذكور، بل جوز: جئتك سمنا ولبنا.
فظهر أن المفعول له هو الظاهر، لا المقدر المضاف، فنقول: المفعول له على ضربين: إما أن يتقدم وجوده على مضمون عامله، نحو قعدت جبنا، فهو من أفعال القلوب، كما قالوا، وإما أن يتقدم على الفعل تصورا أي يكون غرضا، ولا يلزم كونه فعل القلب، نحو: ضربته تقويما، وجئته اصلاحا.
قال المصنف: وإنما شرط لجواز حذف اللام الشرطان المذكوران لان علة الافعال كثيرا ما تجئ جامعة للشرطين، فصارت مع الشرطين ظاهرة مشهورة في العلية، والغرض
أن يكون هناك ما يدل على اللام المقدرة المفيدة للعلية، وحصول الشرطين دليل عليها.
ويعزى إلى الرياشي (1) وجوب تنكير المفعول له لمشابهته للحال والتمييز.
وبيت العجاج (2) قاض عليه، وكذا قول حاتم: 171 - وأغفر عوراء الكريم ادخاره * وأعرض عن شتم اللئيم تكرما (3) وكذا قوله تعالى " حذر الموت " (4).
وقال الجزولي (5): إذا انجر باللام وجب تعريفه، فلا يقال جئتك لاكرام لك، ومنعه الاندلسي (5)، وقال لا أرى منه مانعا.
__________
(1) هو أبو الفضل العباس بن الفرج، ولقبه، (الرياشي) سرى إليه من أبيه الذي كان مولى لرجل (اسمه رياش) وهو من متقدمي النحاة من طبقة الجرمي والمازني، مات مقتولا في سنة 257 ه.
(2) وهو قوله مخافة وزعل المحبور والهول من تهور الهبور وتقدم في هذا الباب.
(3) هذا البيت من قصيدة طويلة لحاتم الطائي تحدث فيها عن الكرم وكثير من مكارم الاخلاق التي يتحلى بها الانسان.
وآخرها قوله: فذلك أن يهلك فحسنى ثناؤه * وان عاش لم يقعد ضعيفا مذمما (4) الاية 19 من سورة البقرة، وتقدمت قبل قليل.
(5) الجزولي والاندلسي تقدم ذكرهما كثيرا.
(*)(1/513)
وقال ابن جعفر (1)، إنه في حال تنكيره يشبه الحال والتمييز في كون البيان بنكرة فوجب انتصابه مثلهما، والظاهر جواز ذلك، ألا ترى إلى قوله تعالى: " فبظلم من الذين هادوا حرمنا " (2)، والباء للسبببية هنا كاللام.
قال المالكي (3): إذا حصل الشرائط فجر المقترن بلام التعريف أكثر من نصبه، والمجرد بالعكس ويستوي الامران في المضاف، هذا قوله والاولى أن يحال ذلك على السماع، ولا يعلل.
__________
(1) ابن جعفر، لم يزد الرضى في النقل عنه عن قوله ابن جعفر.
وقد ترجم السيوطي في بغية الوعاة لعدد ممن يطلق عليهم ابن جعفر، وكلهم متقدمون على الرضى ولكن أشهرهم الذي يمكن أن يكون مقصودا هو محمد بن جعفر بن أحمد..الانصاري المرسي البلشي الاصل، مقرئ نحوي جليل توفي بمرسية سنة 586 ه.
(2) الاية 160 من سورة النساء.
(3) فيما تقدم من هذا الجزء رجحنا أن المراد بالمالكي هو الامام ابن مالك صاحب الالفية.
وما نقله الرضى هنا منسوبا إلى المالكي يرجح ما تقدم من جهة أن هذا الذي نقله من احكام المفعول لاجله منسوب إلى ابن مالك ولم يقل أحد بنسبته إلى غيره وتكاد عبارة الرضى هنا تطابق قول ابن المالك في الالفية: وقل أن يصحبها المجرد والعكس في مصحوب أل الخ.
بل إن عبارته في التسهيل مطابقة لما نقله الرضى هنا تماما.
(*)(1/514)
المفعول معه قال ابن الحاجب: " المفعول معه هو المذكور بعد الواو لمصاحبة معمول فعل " " لفظا، أو معنى ".
قال الرضى: قوله " لمصاحبة معمول فعل "، احتراز عن نحو " ضيعته " في: كل رجل وضيعته، فانها مصاحبة لكل رجل (1)، لان الواو بمعنى " مع "، ويعني بالمصاحبة كونه مشاركا لذلك المعمول في ذلك الفعل في وقت واحد، فزيد، في: سرت وزيدا، مشارك للمتكلم في السير في وقت واحد، أي وقع سيرهما معا، وفي قولك: سرت أنا وزيد، بالعطف،، يشاركه بالعطف في السير، لكن لا يلزم كون السيرين في وقت واحد.
وشرط بعضهم أن يكون معمول الفعل الذي يصاحبه المفعول معه، فاعلا، كما في: سرت وزيدا، نظرا إلى أن " عمرا " في قولك: ضربت زيدا وعمرا، معطوف اتفاقا، لا مفعول معه.
__________
(1) أي وليس ممعولا لفعل، لانه مبتدا، وقيد بعضهم خروج مثله بما إذا قدر الخبر مثنى.
وقال انه إذا قدر منفردا كما يقال كل رجل موجود وضعيته فانه يجوز نصب ما بعد الواو مفعولا معه، وسيأتي ذلك في آخر الباب.
(*)(1/515)
وينتقض ما قاله بنحو: حسبك وزيدا درهم، فان الكاف مفعول في المعنى، إذ المعنى: يكفيك، وأما تعين " عمرا " في المثال المذكور للعطف، فلان أصل الواو التي قبل المفعول معه هو العطف، وإنما يعدل ما بعدها عن العطف إلى النصب، نصا على المعنى المراد، من المصاحبة، لان العطف في: جاءني زيد وعمرو، يحتمل تصاحب الرجلين في المجئ، ويحتمل حصول مجئ أحدهما قبل الاخر، والنصب نص في المصاحبة، وفي قولك: ضربت زيدا وعمرا، لا يمكن التنصيص بالنصب على المصاحبة، لكون النصب في العطف الذي هو الاصل أظهر.(1/516)
أحكام المفعول معه قال ابن الحاجب: " فان كان الفعل لفظا، وجاز العطف، فالوجهان مثل: " " جئت أنا وزيد، وزيدا، وإن لم يجز العطف نعين النصب، " " نحو: جئت وزيدا، وإن كان معنى وجاز العطف تعين، " " نحو: ما لزيد وعمرو، وإلا تعين النصب، نحو: مالك " " وزيدا، وما شأنك وعمرا، لان المعنى: ما تصنع ".
قال الرضى: اعلم أن مذهب جمهور النحاة (1)، أن العامل في المفعول معه: الفعل أو معناه بتوسط الواو التي بمعنى " مع " وإنما وضعوا الواو موضع " مع " في بعض المواضع لكونه أخصر
لفظا، وأصل هذه الواو: والعطف الذي فيه معنى الجمع، كما يجئ في بابه فناسب معنى المعية أن قالوا: لا يتقدم المفعول معه على ما عمل في صاحبه اتفاقا، فلا يقال: والخشبة استوى الماء، كما يتقدم سائر المفاعيل على عاملها،.
__________
(1) يريد جمهور البصريين كما جاء في بعض النسخ التي أشار إليها الجرجاني.
(*)(1/517)
وجوز أبو الفتح (1) تقدمه على المعمول المصاحب، تمسكا بقوله: 172 - جمعت وفحشا غيبة ونميمة * ثلاث خلال لست عنها بمرعوي (2) والاولى المنع، رعاية لاصل الواو، والشعر ضرورة.
وقال الكوفيون: هو منصوب على الخلاف فيكون العامل معنويا كما قلنا في الظرف الواقع خبر المبتدا.
والاولى إحالة العمل على العامل اللفظي ما لم يضطر إلى المعنوي.
وقال الزجاج هو منصوب باضمار فعل بعد الواو، كانك قلت: جاء البرد ولابس الطيالسة (3)، أو صاحبها، وكذا في غيره.
والاضمار خلاف الاصل.
وقال عبد القاهر، هو منصوب بنفس الواو، والاولى رعاية أصل الواو في كونها غير عاملة، ولو نصبت بمعنى " مع " مطلقا، لنصبت في: كل رجل وضيعته، وقال الاخفش نصبه نصب الظروف وذلك أن الواو لما أقيمت مقام المنصوب بالظرفية (4)، والواو في الاصل حرف فلا تحتمل النصب، أعطى النصب ما بعدها عارية، كما أعطى ما بعد " الا " إذا كانت بمعنى " غير " اعراب نفس " غير ".
__________
(1) أي ابن جني، وتكرر ذكره.
(2) من قصيدة ليزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي يذكر فيها سوء عشرة أخيه (عبد ربه بن الحكم) ويتحدث عن مقابلته لهذه المعاملة بالصفح والتجاوز وأولها: تكاشرني كرها كانك ناصح * وعينك تبدي أن صدرك لي دوى
ومنها: وكم موطن لولاي طحت كما هوى * باجرامه من قلة النيق منهوى وهذا أحد الشواهد النحوية على استعمال " لولا " حرف جر.
(3) أصل المثال: جاء البرد والطيالسة، والطيالسة جمع طيلسان.
(4) وهو لفظ " مع ".
(*)(1/518)
ولو كان قاله لجاز النصب في كل (1) واو بمعنى " مع " مطردا، نحو: كل رجل وضيعته.
قوله: " فان كان الفعل لفظا وجاز العطف فالوجهان "، هذا أولى مما قال عبد القاهر في نحو: قام زيد وعمرو، إنه لا يجوز فيه إلا العطف، ولعله قال ذلك لانه (2) مخالفة للاصل الذي هو العطف لا لداع.
وهو ممنوع، لان ههنا داعيا، وهو النص على المصاحبة.
وقوله: " جئت أنا وزيد وزيدا " مثل قام زيد وعمرو، بل كان ينبغي أن يكون العطف في: جئت أنا وزيد، عند عبد القاهر أوجب، وذلك أن توكيد المرفوع المتصل بالمنفصل في الاغلب للعطف (3).
وهل يشترط في نصب الاسم على أنه مفعول معه جواز عطفه من حيث المعنى على مصاحبه، قال الاخفش: نعم، فلا يجوز: جلس زيد والسارية، إذ لا يسند الجلوس إلى السارية، وكذا لا يجوز ضحك زيد وطلوع الشمس، وإنما ذلك عنده مراعاة لاصل الواو في العطف، وأجازه غيره استدلالا بقولهم ما زلت أسير والنيل، ولا يقال: سار الماء، بل جرى.
وله (4) أن يقول، ان ذلك لاستعارة السير لجري النيل، لما اقترن بما يصح منه السير، كقوله تعالى: " ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو الاصال " (5) وقريب منه قوله تعالى: " فمنهم من يمشي على بطنه، ومنهم من يمشي على رجلين " (6)، أو
__________
(1) أي في كل ما يقع بعدها وفي التعبير تسامح.
(2) أي لان النصب الذي لم يجوزه عبد القاهر.
(3) أي لتصحيح العطف، على الضمير المتصل المرفوع.
(4) وله أي وللاخفش الذي يشترط جواز العطف من جهة المعنى.
(5) الاية 15 من سورة الرعد.
(6) الاية 45 من سورة النور.
(*)(1/519)
على حذف " جرى " من المعطوف، كقوله: 173 - علفتها تبنا وماء باردا (1) أي وسقيتها ماء، وقيل: لا يجوز العطف في: استوى الماء والخشبة أيضا، لان " استوى " ههنا ليس بمعنى استقام، بل بمعنى ارتفع، كما في قوله تعالى: " ذو مرة فاستوى " (2)، وله أن يجوز العطف في هذا المثال، أيضا، ويقول: استوى: ههنا بمعنى تساوى، لا بمعنى استقام، ولا بمعنى ارتفع، والمعنى: تساوى الماء والخشبة في العلو، أي وصل الماء إلى الخشبة فليست الخشبة أرفع من الماء، والخشبة ههنا مقياس يعرف به قدر ارتفاع الماء، وقت زيادته.
ولا يجوز النصب في قولك: أنت أعلم ومالك، لانك لا تقصد به مصاحبة المخاطب في العلم لماله، والتقدير الاصلي فيه: أنت أعلم بحال مالك فانت ومالك، ثم خفف بحذف معمول أعلم، وحذف المبتدا المعطوف عليه مالك، لقيام القرينة على كلا المحذوفين.
ويقرب من ذلك حذف الجزء الثاني من المركب المضاف والجزء الاول من المركب المضاف إليه، نحو: ثالث عشر، في: ثالث عشر ثلاثة عشر على ما ياتي في باب العدد، وقولنا فانت ومالك، مثل: كل رجل وضيعته، أي: فانت ومالك مقترنان، والمعنى: أنا لا أدخل بينك وبين مالك ولا أشير عليك بما يتعلق باصلاحه فانت أعلم بما يصلحه،
ومثله قولهم: أنت أعلم وربك (3)، وهذا يستعمل في التهديد، أي أنت أعلم بربك، فلعل اجتراءك عليه لما علمت من ترك مكافاته للمجرمين، تعالى عنه، فانت وربك، أي أنتما مقترنان، فانا لا أدخل بينكما، ولا أدعوه عليك فانه حسبك، وهذا المعنى أبلغ ما يكون في باب التهديد والتخويف.
__________
(1) ورد هذا الشاهد بصورتين: فقد ورد قبله: لما حططت الرحل عنها واردا، وورد بعده في بعض الكتب: حتى غدت همالة عيناها.
ولم ينسبه أحد في كل من الحالتين وهو بالصورة الاولى وارد في زيادات ديوان ذي الرمة بين الابيات التي نسبت إليه، ديوان ذي الرمة المطبوع في " كمبريج " سنة 1919 م.
(2) الاية 6 من سورة النجم.
(3) انظر سيبويه ج 1 ص 154.
(*)(1/520)
وقال عبد القاهر: المعنى أنت أعلم، وربك مجازيك، فهو، عنده على حذف خبر المبتدا من الجملة الثانية.
وليس ما ذهب إليه بذاك، وكذا قول العبدي (1)، إن تقديره: أنت أعلم من غيرك، وربك أعلم منكما، وهذا أبعد مما تقدم، من حيث المعنى المفهوم من: أنت أعلم وربك، قوله: " وإن لم يجز العطف تعين النصب نحو جئت وزيدا "، جمهور النحاة على أن النصب مختار ههنا، لا أنه واجب، وذلك مبني على أن العطف على الضمير المرفوع المتصل بلا تأكيد بالمنفصل وبلا فصل بين المعطوف والمعطوف عليه، قبيح لا ممتنع، كما يجئ في باب العطف.
قوله: " وإن كان معنى "، أي إن كان الفعل معنى، والفعل المعنوي على ضربين، لانه إما أن يكون في اللفظ مشعر به قوي، أو، لا.
فالاول نحو: مالك ؟ لان الجار والمجرور متعلق بالفعل أو بما في معناه، وما شأنك لان قولك: شأنك بمعنى فعلك وصنعتك فهو بمعنى المصدر الذي فيه معنى الفعل، وحسبك
وقدك، وكفيك لكونها بمعنى كفاك، ونحو: ويلا لك، وويلك، وويل لك، لان الويل بمعنى الهلاك، وفي المصدر معنى الفعل، وكذا قولهم: راسك والحائط، وامرءا ونفسه، وشأنك والحج، إن جعلنا الواو بمعنى " مع " فان المنصوب قبلها دال على الفعل المقدر.
وهذا القسم على ضربين: إما ان يجوز العطف فيه بلا تكلف، أو، لا، فالاول نحو: ما زيد وعمرو، وما شان زيد وعمرو، قال المصنف: العطف واجب فيه: إذ هو الاصل فلا يصار إلى غيره لغير ضرورة.
وليس بشئ، لان النص على المصاحبة هو الداعي إلى النصب، وقد يكون الداعي
__________
(1) هو أبو طالب أحمد بن بكر المتوفي سنة 406 ه، وتقدم ذكره (*)(1/521)
إلى النصب ضروريا، ولو سلمنا أنه ليس بضروري، قلنا: لم لا يجوز مخالفة الاصل لداع ؟ وإن لم يكن ضروريا.
وقال غيره: العطف هو المختار مع جواز النصب، والاولى أن يقال: إن قصد النص على المصاحبة وجب النصب وإلا فلا.
والثاني نحو: مالك وزيدا، وما شأنك..بجعل الضمير مكان الظاهر المجرور، قال الكوفيون يجوز في السعة العطف على الضمير المجرور بلا اعادة الجار: والبصريون يجوزونه للضرورة، وأما في السعة فيجوزونه بتكلف، وذلك باضمار حرف الجر مع أنه لا يعمل مقدرا لضعفه.
فقال المصنف ههنا: إنه يتعين النصب نظرا إلى لزوم التكلف في العطف، وقال الاندلسي يجوز العطف على ضعف ان لم يقصد النص على المصاحبة، وهو أولى، لوروده في القران، كقوله تعالى: " تساءلون به والارحام " (1)، بالجر، في قراءة حمزة، (2) وفي النصب (3) في مثل هذا، أعني: ما شأنك، أو مالك وزيدا، و: ما شان زيد
وعمرا، أربعة أوجه: الاكثرون على أنه بالفعل المدلول عليه بما شأنك ومالك، أي ما تصنع، وذلك لان " ما " طالبة للفعل، لكونها استفهامية، وبعدها الجار، أو المصدر، وفيهما معنى الفعل فتظافرا على الدلالة على الفعل، ومن ثم امتنع في الاختيار: هذا لك وأباك، لفوات " ما " الاستفهامية.
وقال سيبويه: تقديره: ما شأنك وشان ملابستك زيدا، ومالك ولملابستك زيدا، وما شان زيد وملابسته عمرا، فهو (4) مفعول المصدر المقدر، قال السيرافي (5): هذا تقدير
__________
(1) الاية الاولى من سورة النساء.
(2) هو حمزة بن حبيب بن عمارة الزيات أحد القراء السبعة توفي في خلافة أبي جعفر المنصور سنة 156 ه.
(3) أي في بيان عامل النصب.
(4) هذا في كتاب سيبويه ج 1 ص 155.
(5) في تفسير كلام سيبويه.
(*)(1/522)
معنوي، لا يخرج ذلك عن معنى: ما صنعت وما تصنع، لان هذا ملابسة أيضا، يعني (1) أن سيبويه لا يريد بتقدير " ملابستك ": أن الاسم منصوب بهذا المصدر المقدر لان المصدر العامل مع معموله كالموصول وصلته، ولا يجوز حذف الموصول مع بعض صلته وإبقاء البعض الاخر، كما يجئ في باب المصدر، وإنما قدره سيبويه بهذا، لتبيين المعنى فقط، لا لان اللفظ مقدر بما ذكر.
قال الاندلسي: بل أراد أن المصدر المقدر هو العامل، وإنما جاز ذلك ههنا لقوة الدلالة عليه، لان " مالك، وما شأنك " إذا جاء بعدهما نحو " وزيد " دل على أن الانكار إنما هو لملابسة المجرور لذلك الاسم، ولا سيما أن الواو بمعنى " مع " تؤذن بمعنى الملابسة.
وقال اندلسي، يجوز أن يكون النصب بكان، مقدرة، كما في: ما أنت وزيدا، أي: ما كان شأنك، وما كان لك.
وقال السيرافي وابن خروف (2): الاسم منصوب بلابس كانك قلت: مالك لا بست زيدا، والواو دال على معنى " لابس "، وإنما ارتكبا هذا تفاديا مما لزم سيبويه من نصب الاسم بمصدر مقدر، ويلزمهما نيابة الواو عن الفعل ونصب الاسم بها، إذ لا يصح الجمع بين الواو، وذلك الفعل المقدر، فيؤذي مذهبهما في هذا (3) إلى مذهب عبد القاهر في الجميع.
والقسم الثاني: أعني الذي لا يكون في لفظه، مشعر بالعامل قوي، نحو: ما أنت وزيدا، وكيف أنت وقصعة من ثريد، و:
__________
(1) يعني أي السيرافي، وهذا من كلام الرضى.
(2) ابن خروف النحوي هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي الحضرمي الاشبيلي أحد الذين شرحوا كتاب سيبويه توفي سنة 610 ه، وله سمي شاعر، اسمه أبو الحسن علي بن محمد القيسي القرطبي فالخلاف بينهما في النسبة، وكان وجود سمي لابن خروف النحوي سببا في اختلاط الامر على بعض الناس فنسب شعرا إلى ابن خروف النحوي.
وقد كشف ذلك العلامة ابن خلكان صاحب وفيات الاعيان في ترجمة القاضي يوسف ابن شداد قاضي حلب الذي بعث إليه ابن خروف الشاعر قصيدة يستجديه فيها فرو خروف، توفي ابن خروف الشاعر سنة 604 ه وبذلك يتبين أن الرجلين، كانا متعاصرين إلى جانب أنهما سميان.
(3) أي في هذا القسم من أقسام المفعول معه، إلى مذهب عبد القاهر في جميع الباب.
(*)(1/523)
174 - وأنت امرؤ من أهل نجد وأرضنا * تهام، وما النجدي والمتغور (1) فههنا: العطف أولى بلا خلاف وإن قصدت المصاحبة، لعدم الناصب وضعف الدال عليه وهو ما الاستفهامية، وكيف، وذلك لكثرة دخولهما في غير الفعلية.
قال سيبويه (2): إذا نصبت ما بعد الواو ههنا، مع قلته وضعفه، قدرت " كان " بعد " ما " استفهامية، و: يكون، بعد: كيف، وذلك لكثرة وقوعهما ههنا، والشئ إذا كثر وقوعه في موضع جاز حذفه تخفيفا وصار كانه منطوق به.
ورد المبرد تقدير سيبويه، وقال: لا معنى لتخصيصه " ما " بالماضي وكيف بالمستقبل،
قال السيرافي: لم يقصد سيبويه بتمثيله التخصيص، وإنما أراد التمثيل على الوجه الممكن، والتمثيل ليس حدا لا يتجاوز.
وقول الراعي: 175 - أزمان قومي والجماعة كالذي * منع الرحالة أن تميل مميلا (3) أي: أزمان كان قومي والجماعة.
وقول بعضهم: أنا وإياه في لحاف واحد، أي كنت وإياه في لحاف، أبعد من نحو: ما أنت وزيدا وكيف أنت وقصعة، بالنصب، ودلك لاشعار " ما، وكيف " بالفعل، بما فيهما من معنى الفعل مع كثرة وقوع " كان " بعدهما، ولا يجوز أن يكون العامل في
__________
(1) هذا من قصيدة لجميل بن معمر، صاحب بثينة.
وهي قصيدة جرى فيها على أسلوب الحوار بينه وبين بثينة، وهي تشبه في كثير من أبياتها وألفاظها قصيدة من هذا الطراز، لعمر بن أبي ربيعة، وكلتاهما من الشعر الجيد.
(2) كتاب سيبويه ج 1 ص 152 وما بعدها.
(3) قائل هذا البيت هو الراعي النميري الشاعر، المعاصر لجرير والفرزدق وهو من قصيدة له في مدح عبد الملك ابن مروان وفيها يشكو إليه من عمال الصدقات ويعلن ولاءه لعبد الملك.
ومنها قوله: أولي أمر الله إنا معشر * حنفاء نسجد بكرة وأصيلا ومنها: من نعمة الرحمن لا من حيلتي * أني أعد له علي فضولا (*)(1/524)
قوله: وإياه، قوله في لحاف، لما ذكرنا أن المفعول معه لا يتقدم على العامل فيه اتفاقا.
وأما نحو: كل رجل وضيعته، وأنت ورايك، فالرفع فيه واجب، وإن قصد المصاحبة، لعدم فعل ومعناه.
وأجاز الصيمري (1) نصبه بالخبر المقدر، وأنكره ابن بابشاذ (2)، ويجب على مجيز النصب إضمار الخبر قبل الواو، أي كل رجل مقرون وضيعته، فان أظهرت الخبر على هذا الوجه،
فلا كلام في جواز نصبه.
هذا كله بناء على أصلهم، وأنا لا أرى منعا من تقدم المفعول معه على عامله إذا تأخر عن المصاحب، فان ذلك مع واو العطف الذي هو الاصل، جائز، نحو: زيدا وعمرا لقيت، فنقول: العامل في " الجماعة " (3) و: " إياه ": كالذي، وفي لحاف.
وإنما امتنع النصب في الاصح في " ضيعته، لتكون الخبر المقدر أضعف من الظاهر.
وإذا وقع بعد المفعول معه حال مما قبله، أو خبر عنه، نحو: كنت وزيدا قائما، وسرت وزيدا راكبا فحكمه في مطابقة ما قبله حكمه لو وقع قبل المفعول معه، وقد يجوز أن يعطي حكم ما بعد المعطوف، فيقال: كنت وزيدا منطلقين، وسرت وزيدا راكبين،
__________
(1) الصيمري: هو عبد الله بن علي بن اسحاق قال في بغية الوعاة: له كتاب: التبصرة في النحو وهو كتاب جليل أكثر ما يشتغل به أهل المغرب، وقال إن أبا حيان أكثر في النقل عنه: ولم يذكر شيئا عن تاريخ وفاته، ونقل الرضى عنه يدل على انه متقدم عليه أو معاصر له.
ويوجد من اسمه الصيمري غير هذا.
وهو محمد بن اسحاق بن ابراهيم، كان نديما للتموكل توفي سنة 275 ه، وذكر ياقوت في معجم البلدان عددا ممن ينسبون إلى صيمرة بالعراق، وهي بضم الميم وفتحها.
ليس منهم من اشتهر بعلم النحو.
أما عباد بن سليمان الصيمري فقد نقل عنه رأي في دلالة الالفاظ والذين ذكروه من العلماء ذكروه باسمه ولقبه وقد ترجح عندي أن المقصود في هذا الراي في نصب المفعول معه هو عبد الله بن اسحاق الذي ترجم له السيوطي.
(2) هو أبو الحسن طاهر بن أحمد المصري، وتقدم ذكره في هذا الجزء (3) أي أن العامل في لفظ " الجماعة " في البيت، وكلمة " أياه " في المثال، هو قوله في البيت " كالذي " وقولهم في المثال " في لحاف "، على ما رآه الرضى من جواز تقدم المفعول معه على عامله.
(*)(1/525)
نظرا إلى المعنى، وإلى أصل الواو، أي العطف.
ومنع ذلك ابن كيسان.
وفي كون المفعول معه قياسا خلاف، ذهب الاخفش وأبو علي، إلى كونه قياسا،
سليمان الصيمري فقد نقل عنه رأي في دلالة الالفاظ والذين ذكروه من العلماء ذكروه باسمه ولقبه وقد ترجح عندي أن المقصود في هذا الراي في نصب المفعول معه هو عبد الله بن اسحاق الذي ترجم له السيوطي.
(2) هو أبو الحسن طاهر بن أحمد المصري، وتقدم ذكره في هذا الجزء (3) أي أن العامل في لفظ " الجماعة " في البيت، وكلمة " أياه " في المثال، هو قوله في البيت " كالذي " وقولهم في المثال " في لحاف "، على ما رآه الرضى من جواز تقدم المفعول معه على عامله.
(*)(1/526)
نظرا إلى المعنى، وإلى أصل الواو، أي العطف.
ومنع ذلك ابن كيسان.
وفي كون المفعول معه قياسا خلاف، ذهب الاخفش وأبو علي، إلى كونه قياسا، وقال بعضهم هو سماعي لا يتجاوز ما سمع منه.
وقوله: " فاجمعوا أمركم وشركاءكم " (1)، لا يجوز أن يعطف " شركاءكم " فيه على ما قبله، إلا بتقدير فعل، لان الاجماع لا يتعدى إلى الاعيان، لا يقال: أجمعت زيدا، فيكون التقدير: أجمعوا أمركم، واجمعوا شركاءكم.
والاولى جعله مفعولا معه، أي أجمعوا أمركم مع شركائكم للسلامة من الاضمار.
__________
(1) الاية 71 من سورة يونس.
(*)(1/526)
تم بعون الله وتوفيقه: الجزء الاول من كتاب: " شرح الرضى على الكافية " حسب التقسيم الذي وضعناه له ونسال الله أن يمن بالعون على إكماله إنه أكرم مسئول وهو حسبنا ونعم الوكيل.
بدء الجزء الثاني باب الحال(1/527)
شرح الرضي على الكافية - رضي الدين الأستراباذي ج 2
شرح الرضي على الكافية
رضي الدين الأستراباذي ج 2(2/)
شرح الرضى على الكافية(2/1)
جميع حقوق الطبع محفوظة 1398 ه - 1978 م جامعة قاريونس(2/2)
شرح الرضى على الكافية طبعة جديدة مصححة ومذيلة بتعليقات مفيدة الجزء الثاني تصحيح وتعليق يوسف حسن عمر الاستاذ بكلية اللغة العربية والدراسات الاسلامية كلية اللغة العربية والدراسات الاسلامية(2/3)
بين يدي هذا الجزء أكرر في بداية الجزء الثاني من شرح الرضى على الكافية، ما قلته في المقدمة من أنه إذا لم يتيسر لي أن يكون هذا العمل، إخراجا علميا للكتاب
بالمعنى الكامل، فذلك أمل أرجو أن يتحقق على يد من يهيئه الله له، ويوفقه إليه بتيسير أسبابه، ولكنني أرجو أن أكون قد وفقت في إخراج نسخة من هذا الكتاب يتيسر الانتفاع بها والأفادة منها، ولا سيما بعد أن أصبح عزيز الوجود.
وتتلخص الطريقة التي سرت في عملي في هذا الكتاب عليها في: 1 - تصحيح عبارته بقدر ما وسعني الجهد وتهيأت له الوسائل، وأهمها ما جاء بهامش النسخة المطبوعة من إشارات إلى النسخ المتعددة فأخذت بأكثرها وضوحا وأعمها فائدة، ثم أعرفه وما رجعت إليه من آراء العلماء فيما يخفى فيه المراد.
2 - إكمال الشواهد كلما أمكن ذلك والمرجع في ذلك هو خزانة الأدب للبغدادي وغيرها من كتب الشواهد ومعاجم اللغة، ثم التعليق بكلمة موجزة عن كل شاهد.
3 - تحديد كثير من مواضع النقل عن سيبويه، ووضع العناوين العامة والخاصة، وتحديد بدء كلام كل من المصنف والشارح، وإبراز مواقع الكلام بما يعين على فهم المقصود لكل من يقرأ في هذا الكتاب، إن شاء الله.
والله الموفق والمعين على الأتمام وتحقيق القصد، إنه أكرم مسئول وهو حسبي، عليه توكلت، وإليه أنيب.
يوسف حسن عمر(2/5)
بسم الله الرحمن الرحيم (الحال) 1 (ماهية الحال وأنواعه) (قال ابن الحاجب:) (الحال ما يبين هيئة الفاعل أو المفعول به لفظا أو معنى، نحو:) (ضربت زيدا قائما، وزيد في الدار قائما، وهذا زيد قائما).
(قال الرضي:) قال المصنف 2: لا يدخل فيه النعت في نحو: جاءني رجل عالم، لأن المراد في الحدود: أن يكون لفظ المحدود دالا على ما ذكر في الحد، وقولك: عالم، في جاءني رجل عالم.
وإن بين هيئة الفاعل، لكن لا دلالة في لفظ عالم، على أنه بيان لهيئة فاعل، إذ لفظ عالم، ههنا، مثلها في قولك: زيد رجل عالم، مع أنها مبينة لهيئة خبر المبتدأ، لا هيئة الفاعل، بل إنما علم كون (عالم) في جاءني رجل عالم بيانا لهيئة الفاعل من تقدم قولك: جاءني رجل، بخلاف الحال، فإن (راكبا) في قولك: جاءني زيد راكبا،.
__________
(1) وضعت هذه العناوين التي تحدد بداية
الموضوعات، وكذلك: العبارات الدالة على بدء كلام كل من المصنف والشارح، وليس في الطبعة التي نقلت عنها، ولا في غيرها مما طبع من هذا الشرح، شئ من ذلك، (2) قول المصنف هذا في شرحه هو على هذه الرسالة (الكافية)، والرضي ينقل عنه كثيرا ويناقش ابن الحاجب فيما ينقله عنه، كما فعل هنا (*)،(2/7)
ورأيت زيدا راكبا، لفظ فيه دلالة على كونه هيئة الفاعل، أو المفعول، حتى لو قلت: رجل قائما أخوك، لم يجز، لعدم الفاعلية، أو المفعولية في (رجل) 1 أقول: لقائل أن يمنع أن المحدود يلزم أن يدل على كل ما يذكر في حده، بل يكفي أن يكون فيه ما يذكر في حده، وبعد التسليم، فليس في هذا الحد تحقيق معنى الحال، وبيان ماهيته، لأنه ربما يتوهم أنه موضوع لبيان هيئة الفاعل أو المفعول مطلقا، لا في حالة الفعل، فيظن في: جاءني زيد راكبا، أن (راكبا) هيئة لهذا الفاعل مطلقا لا في حال المجيئ، فيكون غلطا.
ويخرج عن هذا الحد: الحال التي هي جملة، بعد عامل ليس معه ذو حال كقوله: 176 - يقول وقد تر الوظيف وساقها * ألست ترى أن قد أتيت بمؤيد
وقوله: 177 - وقد أغتدي والطير في وكناتها * بمنجرد قيد الأوابد هيكل 3 ويخرج أيضا: الحال عن المضاف إليه، إذا لم يكن المضاف عاملا في الحال، وإن كان ذلك قليلا، كقوله تعالى: (قل بل نتبع ملة إبرهيم حنيفا 4)، وقوله تعالى: (أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين 5)، وقول الشاعر:
__________
(1) هذه نهاية كلام ابن الحاجب الذي نقله الرضي، وقوله بعد ذلك: أقول: مناقشة منه لابن الحاجب فيما قاله في شرحه، وكلام ابن الحاجب هنا يستحق المناقشة حقا، (2) من معلقة طرفة بن العبد، وهو في هذا البيت وما يتصل به يتحدث عما فعله من عقر ناقة لضيف نزل به، وهي من كرام الأبل، قيل أنها ناقة أبيه، وقيل إنها ناقة ضيفة الذي نزل به وقوله: قد أتيت بمؤيد، أي بشئ عظيم خطير، ومؤيد إما بصيغة اسم الفاعل أو بصيغة اسم المفعول، (3) هذا البيت من معلقة امرئ القيس المشهورة من الجزء الذي يصف فيه فرسه بالسرعة، وقوله: قيد الأوابد، أي مفيدها، يعني أنه لسرعته يدرك الوحوش فلا تفلت منه، فكأنه يقيدها في مكانها حتى يلحقها، (4) الآية 135 سورة البقرة، (5) الآية 66 سورة الحجر (*)،(2/8)
178 - كأن حوامية مدبرا * خضبن، وإن لم تكن تخضب 1 وقوله: 179 - عوذ وبهثة حاشدون عليهم * حلق الحديد مضاعفا يتلهب 2 وأما قوله تعالى: (النار مثواكم)، أي موضع مثواكم، أي ثوائكم، (خالدين 3) وقولك: أعجبني ضرب زيد قائما، وهو ضارب زيد مجردا، فالمنصوب فيها حال من الفاعل أو المفعول، فلا يرد اعتراضا.
وله 4 أن يقول: إن الحال عما أضيف إليه غير العامل في الحال، لا يجيئ إلا إذا كان المضاف فاعلا، أو مفعولا يصح حذفه وقيام المضاف إليه مقامه، كما أنك لو قلت: بل نتبع ابرهيم، مقام: (بل نتبع ملة ابرهيم)، جاز، فكأنه حال من المفعول، وإذا كان المضاف فاعلا أو مفعولا وهو جزء المضاف إليه فكأن الحال عن المضاف إليه هو الحال عن المضاف، كما في قوله تعالى: (أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين 5)، فقوله: مصبحين، حال عما دل عليه ضمير (مقطوع)، وذلك لأنه 6 نائب عن (دابر هؤلاء)، فهو حال عن هؤلاء، المضاف إليه، لأن دابر الشئ: أصله، فكأنه قال: يقطع دابر
هؤلاء مصبحين، فكأنه حال عن مفعول ما لم يسم فاعله، وكذا قوله: كأن حواميه مدبرا، أي: تشبه حواميه مدبرا، أو أشبه حواميه مدبرا، فكأنه حال عن الفاعل أو المفعول،
__________
(1) هذا من شعر للنابغة الجعدي في وصف الفرس، والحوامي: ما فوق الحافر من ذي الحافر، يريد أنها صلب قوية، وتشبيهها بالشئ المخضوب، يراد به أنها قريبة إلى سواد أو الخضرة وكلما كانت كذلك كانت أشد صلابة، (2) وهذا أحد أبيات لزيد الفوارس، في وصف وقعة كانت بين قومه وجماعة من قبيلتي عوذ، وبهثة (بضى الباء)، كانوا قد أغاروا على إبل لقوم زيد فلحق بهم في عدد من قومه واستردوا منهم الأبل، وزيد الفوارس هو زيد بن حصين بن ضرار الضبي شاعر جاهلي كان من الشجعان وهو غير زيد الخيل الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم: زيد الخير، وسيأتي ذكره، (3) الآية 128 من سورة الأنعام، (4) أي للمصنف: ابن الحاجب، له أن يرد ما أورده الرضي من نقد لتعريف الحال، (5) الآية 66 سورة الحجر،.
(6) أي الضمير في (مقطوع) (*)،(2/9)
وكذا قوله: عليهم حلق الحديد مضاعفا.
فالأولى أن نقول: 1 الحال على ضربين: منتقلة ومؤكدة، ولكل منهما حد، لاختلاف ماهيتيهما، فحد المنتقلة: جزء كلام يتقيد بوقت حصول مضمونه، تعلق الحدث الذي في ذلك الكلام، بالفاعل أو المفعول، أو بما يجري مجراهما، فبقولنا: جزء كلام، تخرج الجملة الثانية في نحو: ركب زيد وركب مع ركوبه غلامه، إذا لم نجعلها حالا 2، ويخرج بقولنا حصول مضمونه: المصدر في نحو: رجع القهقرى.
لأن الرجوع يتقيد بنفسه، لا بوقت حصول مضمونه، ويخرج النعت بقولنا: يتقيد تعلق الحدث بالفاعل أو المفعول، فإنه 3 لا يتقيد بوقت حصول مضمونه ذلك التعلق، وقولنا: أو بما يجري مجراهما يدخل حال الفاعل والمفعول المعنويين نحو: (وهذا بعلي شيخا) 4، و: 180 - كأنه خارجا من جنب صفحته * سفود شرب نسوه عند مفتأد 5 على ما يجيئ، والحال عن المضاف إليه، الذي لا يكون في المعنى فاعلا أو مفعولا للمضاف، على ما مر، ويدخل في الحد: الحال في نحو قوله: يقول وقد تر الوظيف وساقها 6...- 176 وفي قوله: وقد أغتدى والطير في وكناتها 7...- 177
__________
(1) هذا رأي للرضي في تعريف الحال بعد أن ناقش تعريف المصنف، (2) أي إذا كان القصد جعل الجملة الثانية معطوفة على ما قبلها، وأما إذا قصدنا جعلها حالا فهي داخلة في الحد، (3) أي النعت، (4) الآية 72 من سورة هود، (5) هذا أحد الأبيات من قصيدة النابغة الذبياني التي أولها: يا دار مية بالعلياء فالسند * أقوت وطال عليها سالف الأمد والضمير في كأنه خارجا...يعود إلى قرن الثور الوحشي الذي تحدث عنه في بيت سابق، والسفود بتشديد الفاء: حديدة يشوى عليها اللحم، والشرب اسم جمع لشارب، والمفتأد بفتح التاء والهمزة اسم المكان الذي يشوى فيه اللحم، (6) هو الشاهد المتقدم في هذا الجزء، (7) وكذلك، هذا الشاهد هو الثاني بعد سابقه (*)،(2/10)
وحد المؤكدة: اسم غير حدث، يجيئ مقررا لمضمون جملة، كما يجيئ شرحها، فقولنا: غير حدث، احتراز عن المنصوب في نحو: رجع رجوعا، ثم اعلم أن الحال قد يكون عن الفاعل وحده، كجاء زيد راكبا، وعن المفعول وحده، نحو: ضربت زيدا مجردا عن ثيابه، فإذا قلت: لقيت زيدا راكبا
، فإن كان هناك قرينة حالية أو مقالية تبين صاحب الحال، جاز أن تجعلها لما قامت له، من الفاعل أو المفعول، وإن لم تكن، وكان الحال عن الفاعل 1، وجب تقديمة إلى جنب صاحبه 2، لأزالة اللبس، نحو: لقيت راكبا زيدا، فإن لم تقدمه، فهو عن المفعول.
وأما إذا جاء حالان عن الفاعل والمفعول معا، فإن كانا متفقين، فالأولى: الجمع 3 بينهما، فإنه أخصر، نحو: لقيت زيدا راكبين، ولا منع من التفريق، نحو: لقيت راكبا زيدا راكبا، ولقيت زيدا راكبا راكبا.
وإن كانا مختلفين، فإن كان هناك قرينة يعرف بها صاحب كل واحد منهما، جاز وقوعهما كيفما كانا، نحو: لقيت هندا مصعدا منحدرة، وإن لم تكن، فالأولى جعل كل حال بجنب صاحبه، نحو: لقيت منحدرا زيدا مصعدا، ويجوز، على ضعف: جعل حال المفعول بجنبه وتأخير حال الفاعل، نحو: لقيت زيدا مصعدا منحدرا، والمصعد: زيد، وذلك لأنه لما كان مرتبة المفعول أقدم 4 من مرتبة الحال، أخرت الحالين، وقدمت حال المفعول على حال الفاعل، لما لم يكن كل واحد بجنب صاحبه.
ويجوز عطف أحد حالي الفاعل والمفعول على الآخر، كقولك: لقيت زيدا راكبا
وماشيا، قال:
__________
(1) يعني إذا كان القصد جعل الحال عن الفاعل،.
(2) الذي هو الفاعل، (3) أي ذكرهما بلفظ واحد من غير تفريق، (4) أي أسبق، أو أحق بالتقدم (*)،(2/11)
181 - وأنا سوف تدركنا المنايا * مقدرة لنا، ومقدرينا 1 وجوز الجمهور، وهو الحق، أن يجيئ لشئ واحد أحول متخالفة، متضادة كانت، نحو: اشتريت الرمان حلوا حامضا، أو غير متضادة، كقوله تعالى: (اخرج منها مذءوما مدحورا 2) كما تجيئان 3 في خبر المبتدأ، ومنع بعضهم ذلك في الحال، متضادة كانت، أو، لا، قياسا على الزمان والمكان، فجعل نحو: (مدحورا) حالا من ضمير (مذءوما) 4، واستنكر مثله في المتضادة فمنعها مطلقا 5.
ولا وجه للقياس 6، وذلك لأن وقوع الفعل في زمانين أو مكانين مختلفين، محال، نحو: جلست خلفك أمامك، وضربت اليوم أمس، بلى، لو عطفت أحدهما على الآخر،.
جاز، لدلالته على تكرار الفعل، نحو: جلست خلفك وأمامك، وكذا يجوز إن لم يتباين
المكانان أو الزمانان، نحو: جلست خلفك أمس وقت الظهر، وأمامك، وسط الدار، وأما تقيد الحدث بقيدين مختلفين، كما في قوله تعالى: (مذءوما مدحورا)، أو بمتضادين في محلين غير ممتزجين، كما في: اشتريته أبيض أسود، أو ممتزجين، كما في: اشتريته حلوا حامضا فلا بأس به.
__________
(1) تقديره: ومقدرين لها، وهو من قصيدة عمرو بن كلثوم، إحدى المعلقات التي أولها: ألا هبي بصحنك فاصبحينا * ولا تبقي خمور الأندرينا وقوله: وأنا بفتح الهمزة معطوف على جمل سابقة مكررة كلها تبدأ بمثل هذا، (2) الآية 18 سورة الأعراف، (3) أي الصورتان المذكورتان في الحال، (4) ويسميها النجاة: الحال المتداخلة، (5) نقل هذا الرأي عن ابن عصفور وهو مقيد عنده بغير صورة اسم التفضيل، وستأتي، وقول الشارح، واستنكر مثله معناه أنه لا يجيز المتضادة في الخبر، كما لا يجيزها في الحال،.
(6) أي القياس على الظرف (*)(2/12)
واعلم أن تكرير الحال بعد (إما): واجب، لوجوب تكرير (إما)، نحو:
اضرب زيدا إما قائما، وإما قاعدا، وكذا بعد (لا)، لأنها تكرر في الأغلب كما يجي في اسم (لا) التبرئة 1، نحو: جاءني زيد لا راكبا ولا ماشيا، ويندر إفرادها نحو: جاءني زيد لا راكبا.
قوله: (لفظا، أو معنى 2)، حال من: الفاعل، أو المفعول 3، أي ملفوظا أو معنويا، وقد ذكرنا الفاعل والمفعول اللفظين، أما المفعول المعنوي فنحو: (شيخا) في قوله تعالى: (وهذا بعلي شيخا 4)، فإن (بعلي) خبر المبتدأ، وهو في المعنى مفعول لمدلول (هذا)، أي أنبه على بعلي وأشير إليه شيخا.
وأما الفاعل المعنوي، فكما في قوله: كأنه خارجا من جنب صفحته...البيت، 5 - 180 إذ المعنى: يشبه خارجا، سفود شرب، ولا تفسره بأشبهه خارجا، لأن المشابهة هي المقيدة بحال الخروج، لا التشبيه.
وقال المصنف في مثال الحال عن الفاعل المعنوي: زيد في الدار قائما، وفيه نظر، لأن (قائما) حال من الضمير في الظرف، وهو فاعل لفظي، لأن المستكن كالملفوظ به، فهو كقولك: زيد خرج راكبا، ولا كلام في كون (راكبا) حال عن الفاعل
اللفظي، وليس يجوز كون الحالين في المثالين عن (زيد) إلا عند من جوز تخالف عاملي الحال وصاحبها.
__________
(1) معنى تسمية (لا) بلا التبرئة برأت اسمها عن الاتصاف بجنس الخبر، وهو اصطلاح، (2) هذا شرح لألفاظ الكافية، وهي طريقة الرضي في هذا الشرح، (3) أي من لفظ الفاعل أو المفعول في عبارة المصنف، (4) الآية 32 سورة هود وتقدمت قريبا، (5) الشاهد المتقدم من معلقة النابغة الذبياني (*)،(2/13)
(العامل في الحال) (المراد من شبه الفعل ومعنى الفعل) (قال ابن الحاجب:) (وعاملها: الفعل، أو شبهه، أو معناه).
(قال الرضي:) يعني بشبه الفعل: ما يعمل عمل الفعل، وهو من تركيبه، كاسم الفاعل واسم المفعول، والصفة المشبهة، والمصدر، ويعني بمعنى الفعل: ما يستنبط منه معنى الفعل، كالظرف، والجار والمجرور، وحرف التنبيه، نحو: ها أنا زيد قائما، عند من جوز هاء التنبيه من 1
دون اسم الأشارة، كما يجيئ في حروف التنبيه، واسم الأشارة، نحو: ذا زيد راكبا، وحرف النداء، نحو: يا ربنا منعما.
وأما حرفا التمني والترجي، نحو: ليتك قائما في الدار، ولعلك جالسا عندنا، فالظاهر أنهما ليسا بعاملين، لأن التمني والترجي.
ليسا بمقيدين بالحالين، بل العامل هو الخبر المؤخر، على ما هو مذهب الأخفش 2، كما يجيئ، لكون مضمونه هو المقيد.
وحرف 3 التشبيه، نحو: كأنه خارجا...البيت 4، وزيد كعمرو راكبا، وكذا
__________
(1) أي عند من جوز استعمال حرف التنبيه بدون اسم الأشارة كالمثال الذي أوردهه، والأكثر أن يقال: ها أناذا، وبعضهم يوجب ذلك، (2) الأخفش، هكذا بدون وصف آخر هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة، وهو الأخفش الأوسط، وغيره يذكر مع وصفه، وهو ممن تكرر ذكرهم في هذا الشرح، والأعلام التي تتكرر في هذا الشرح نكتفي بذكر شئ عن أصحابها عند ورودها لأول مرة في كل جزء، وندع ما عدا ذلك للفهارس العامة التي ستلحق بآخر الكتاب، إن شاء الله تعالى، (3) هذا معطوف على ما تقدم من الأشياء التي تفيد معنى الفعل،
وكلامه عن التمني والترجي كان استطرادا، (4) الأشارة إلى بيت النابغة الذبياني المتقدم (*)،(2/14)
معنى التشبيه من دون لفظ دال عليه، نحو: زيد عمرو مقبلا، والمنسوب نحو: أنا قرشي مفتخرا، واسم الفعل نحو: عليك زيدا راكبا.
وأما نحو: ما شأنك واقفا، فلأن الشأن بمعنى المصدر كما ذكرنا في المفعول معه، 1 ولم يعمل في الحال معنى حروف النفي والاستفهام، قال أبو علي 2: لأنها لا تشبه الفعل لفظا، وينتقض ما قاله باسم الأشارة، وحرف التنبيه، فإنهما لا يشبهان الفعل لفظا مع عملهما في الحال، وكذا كاف التشبيه، ونحو: إن، وأن تشبهانه لفظا ومعنى، ولا تعملان في الحال.
فالأولى: إحالة ذلك إلى استعمالهم وأن لا نعلله.
(تنكير الحال) (وتعريف صاحبها) (قال ابن الحاجب:) (وشرطها أن تكون نكرة، وصاحبها معرفة غالبا، و: أرسلها) (العراك 3 و: مررت به وحده، متأول).
(قال الرضي:)
إنما كان شرطها أن تكون نكرة، لأن النكرة أصل، والمقصود بالحال: تقييد الحدث المذكور، على ما ذكرنا، فقط، ولا معنى للتعريف هناك، فلو عرفت، وقع التعريف ضائعا.
__________
(1) ص 522 من الجزء الأول، (2) المراد: أبو علي الفارسي من أشهر أئمة اللغة وهو شيخ ابن جني، وينقل الرضي عنه كثيرا في هذا الشرح معبرا عنه بكنيته، وبنسبه: الفارسي، (3) جزء من بيت شعر، سيذكره الشارح كاملا ويوضح المراد منه (*)،(2/15)
وإنما كان الغالب في صاحبها التعريف، لأنه إذا كان نكرة، كان ذكر ما يميزها ويخصصها من بين أمثالها، أعني وصفها: أولى من ذكر ما يقيد الحدث المنسوب إليها، أعني حالها، لأن الأولى أن يبين الشئ أولا، ثم يبين الحدث المنسوب إليه، ثم يبين قيد ذلك الحدث، فعلى هذا، أولت المعرفة حالا 1، لأن التعريف عبث ضائع، ولم تؤول النكرة ذا حال 2، لأن غايته أنه على خلاف الأولى، فقوله: (غالبا)، يرجع إلى تعريف
صاحب الحال، لأن تنكيرها واجب لا غالب.
قوله: (وأرسلها العراك)، هذا مثال لتعريف صاحب الحال في الظاهر، ونقول: الحال المعرفة ظاهرا: إما مصدر، وإما غير مصدر، والمصدر إما معرف باللام، نحو: أرسلها العراك، أو معرف بالأضافة، نحو: افعله جهدك 3 وطاقتك، ووحدك، و: رجع عوده على بدئه، وفيه قولان: قال سيبويه: 4 إنها معارف موضوعة موضع النكرات 5، أي معتركة ومجتهدا ومطيقا، ومنفردا، وعائدا، والطاقة بمعنى الوسع، وكذا: الطوق، اسم وضع موضع الأطاقة، ووحدك، في الأصل: وحدتك، فحذفت التاء، لقيام المضاف إليه مقامها، كما في قوله تعالى: (وإقام الصلاة) 6، والوحدة: الانفراد، ويجوز أن يكون الوحد، (والحدة 7) والوحدة، مصدر: وحد يحد، يقال: وحدا وحدة، كوعد يعد وعدا وعدة.
__________
(1) أي حين تقع حالا (2) أي حين تقع صاحب حال، (3) يأتي في الشرح تفسير هذه الأمثلة، (4) سيبويه امام النجاة، أكثر من نقل عنهم الرضي في هذا الشرح، وقد حددنا كثيرا من الأمور التي نقلها الرضي
بذكر موضعها من كتاب سيبويه، (5) هذا بمعناه في كتاب سيبويه ج 1 ص 187 (6) الآية 73 سورة الأنبياء، وهي، أيضا جزء من الآية 37 سورة النور (7) وردت هذه الكلمة في بعض النسخ كما أشير إلى ذلك بهامش المطبوعة التركية وإثباتها مناسب لما سيأتي من كلام الشارح (*)(2/16)
والجهد، ههنا، بضم الجيم: المشقة، والجهد بفتح الجيم وضمها بمعنى الاجتهاد، وقال الفراء 1: هو بفتح الجيم: المشقة، وبضمها: الطاقة.
وقولهم: على بدئه، متعلق بعوده، أو، برجع، والحال مؤكدة، والبدء مصدر بمعنى الابتداء، جعل بمعنى المفعول، أي: عائدا على ما ابتدأه، ويجوز أن يكون (عوده) مفعولا مطلقا لرجع، أي رجع على بدئه عوده المعهود، كأنه عهد منه أنه لا يستقر على ما ينتقل إليه، بل يرجع إلى ما كان عليه قبل، فيكون كقوله تعالى: (وفعلت فعلتك) 2، فلا يكون من هذا الباب، وقال أبو علي: ان هذه المصادر منصوبة على أنها مفعولات مطلقة للحال المقدرة قبلها، أي: أرسلها معتركة العراك، وافعله مجتهدا جهدك، ومطيقا طاقتك، ومنفردا
وحدك، أي انفرادك، ورجع عائدا عوده، وكلها مضافة إلى الفاعل، فلهذا حذف الفاعل وجوبا، كما مر في باب المفعول المطلق، 3 فهذه المصادر، وإن قامت مقام الأحوال: منتصبة على المصدرية، كما ينتصب على الظرفية، ما قام مقام خبر المبتدأ من الظروف، نحو: زيد قدامك ولا يعرب إعراب ما قام مقامه، وقوله: أرسلها العراك، صدر بيت للبيد، ويروى: فأوردها العراك، قال: 182 - فأرسلها العراك ولم يذدها * ولم يشفق على نغص الدخال 4 يصف الحمار والأتن 5، والدخال في الورد: أن يشرب البعير، ثم يرد من العطن 6 إلى الحوض، ويدخل بين بعيرين عطشانين ليشرب منه ما عساه لم يكن شرب، ويقال:
__________
(1) من زعماء الكوفيين واسمه يحيى بن زياد ويتكرر ذكره في هذا الشرح، (2) الآية 19 سورة الشعراء (3) ص 305 من الجزء الأول (4) البيت كما قال الشارح من شعر لبيد بن ربيعة، وقد شرحه بما لا يحتاج إلى مزيد، (5) يريد حمار الوحش، والأتن جمع أتان وهي أنثاه، (6) العطن مبرك الأبل (*)،(2/17)
شرب دخال، ويقال: نغص البعير، إذا لم يتم شربه، فمعنى نغص الدخال: عدم تمام الشرب، أي: أوردها مرة واحدة 1، ولم يخف على أنه لا يتم شرب بعضها للماء بالمزاحمة.
أما قولهم: جاءوا قضهم بقضيضهم 2، فالأولى أن نقول: أن المصدر فيه بمعنى اسم الفاعل، أي: قاضهم بقضيضهم أي مع قضيضهم، أي: كاسرهم مع مكسورهم، لأن مع الازدحام والاجتماع كاسرا ومكسورا.
والأصل فيه أن يكون (قضهم) مبتدأ، و (بقضيضهم) خبرا، مثل قولهم: كلمته فاه إلى في، أي: فوه إلى في، وهو ههنا أظهر، لأنهم استعملوه على الأصل فقالوا: كلمته فوه إلى في، ثم انمحى عن الجملتين، أعني: قضهم بقضيضهم، وفوه إلى في، معنى 3 الجملة والكلام، لما فهم منهما معنى المفرد، لأن معنى: فوه إلى في، صار: مشافها، ومعنى: قضهم بقضيضهم: كافة 4، فلما قامت الجملة مقام المفرد، وأدت مؤداه: أعرب ما قبل الاعراب منها، وهو الجزء الأول، إعراب المفرد الذي قامت مقامه، كما قلنا في باب المفعول المطلق 5، في: فاها لفيك، سواء 6.
وكذا ينبغي أن نقول في: يدا بيد، أي: ذو يد بذي بد، على حذف
المضاف، أي:
__________
(1) أي أوردها كلها دفعة واحدة لم يفرق بينها في الشرب، (2) طريقة تعبير الشارح بهذا المثال لا تدل على أنه شعر، ولكنه ورد في بيت شعر للشماخ بن ضرار، وهو قوله: أتتني سليم قضها بقضيضها * تمسح حولي بالبقيع سبالها وقد اعتبره البغدادي شاهدا وكتب عليه، ولعله مذكور في بعض النسخ من الشرح،.
(3) فاعل قوله: انمحى، (4) أي صار معناه كافة أي جميعا، (5) جاء في باب المفعول المطلق ص 332 من الجزء الأول، أن الجملة قد تقوم مقام المفرد فيعرب الجزء الأول منها بإعراب ما قامت مقامه وذكر لذلك أمثلة منها قولهم: فاهالفيك وهو دعاء على المخاطب، وقد ورد ذلك في بيت شعر اعتبره البغدادي شاهدا وهو قول الشاعر: فقلت له فاها لقيك، فإنها * قلوص امرئ قاريك ما أنت حاذره (6) تقديره: هما سواء، وهذا اختيار الرضي في إعرابه ويقع هذا التعبير كثيرا في كلامه (*)،(2/18)
النقد بالنقد، وكذا قولهم: بعت الشاء 1: شاة بدرهم، أي: شاة بدرهم، أي كل شاة بدرهم، كقولهم: رجل خير من امرأة، أي كل رجل، كقوله تعالى: (
علمت نفس ما قدمت) 2، أي كل نفس.
وكذا قولهم: بعت الشاء: شاة ودرهما، والواو بمعنى (مع) كما في: كل رجل وضيعته، أي شاة ودرهم مقرونان، أي كل شاة، فنصب ههنا الجزآن لقبولهما الأعراب.
وقال الخليل 3: يجوز أن تأتي به على الأصل نحو، بعت الشاء: شاة بدرهم، وشاة ودرهم، ثم ألزم 4 ما كان مبتدأ: التنكير، لقيامه مقام الحال، و: فاه إلى في، شاذ، ووجهه أنه لم يجز حذف المضاف إليه منه ليتنكر 5، لئلا 6 يبقى المعرب على حرف واحد.
وقد جاء: فما لفم، قال المتني 7: 183 - قبلتها ودموعي مزج أدمعها * وقبلتني على خوف فما لفم فحذف المضاف إليه، وأبدل من الواو ميما، لئلا يبقى المعرب على حرف واحد.
وهذا شئ قد عرض استطرادا، ولنعد إلى ما كنا فيه من ذكر حال: قضهم بقضيضهم،.
فنقول:
__________
(1) الشاء بالهمزة للجنس، وبالتاء: الواحدة منه، (2) الآية 5 سورة الانفطار،
(3) الخليل بن أحمد الفراهيدي أو الفرهودي، شيخ النجاة وأستاذ سيبويه، ويتكرر ذكره في هذا الشرح، (4) رجوع إلى شرح بقية الأمثلة (5) تعليل لقوله حذف المضاف إليه، الذي لا يجوز، (6) وهذا تعليل لعدم الجواز، (7) المتنبي من الشعراء المحدثين عند متقدمي النجاة، فلا يجيزون الاستشهاد بشعره والرضي يورد في هذا الشرح شواهد من شعره وشعر أمثاله كأبي تمام وأبي نواس، والعلماء مختلفون في صحة الاستشهاد بشعر هؤلاء (*)،(2/19)
قد يستعمل (قضهم) تابعا لما قبله في الأعراب، نحو قولهم: جاءني القوم قضهم بقضيضهم، ورأيت القوم قضهم بقضيضهم، ومررت بالقوم قضهم بقضيضهم، إما على التأكيد، على أن يكون أصله جملة فيعطى جزوها الأول إعراب (جميعهم 1)، لصيرورتها بمعناه، على ما ذكرنا في الحال، 2 أو على البدل، أي: جاءوا قاضهم مع مقضوضهم.
ومذهب الكوفيين أن انتصاب (وحده) على الظرفية، أي: لا مع غيره، فهو، في المعنى، ضد (معا) في قولك: جاءوا معا، وكما أن في (معا) خلافا، هل هو منتصب
على الحال، أي مجتمعين، أو على الظرف، أي في زمان واحد، فكذا، اختلف في (وحده) في نحو: جاء وحده، أهو حال، أي منفردا، أم ظرف، أي: لا مع غيره وجاء (وحده) مجرورا في مواضع متعددة: قريع وحده، ونسيج وحده، أي انفراده، وهو 3 في الأصل: ثوب لا ينسج على منواله مثله، فاستعير للشخص المنقطع النظير.
ويقال: فلان جحيش 4 وحده، وعيير وحده، ورجيل وحده، في المستبد برأيه.
وقيل: جاء على وحده، أي انفراده و (على) بمعنى (مع).
فوحده، لازم الافراد والتذكير، والأضافة إلى المضمر، ولازم النصب، إلا في المواضع المذكورة.
والمعرف ظاهرا 5 من غير المصادر، إما باللام، نحو قولهم: مررت بهم الجماء الغفير، والجماء من الجم، وهو الكثير، يقال امرأة جماء المرافق، أي كثيرة اللحم على المرافق، والغفير، من الغفر وهو الستر بمعنى الغافر، أي الساترين بكثرتهم وجه الأرض،
__________
(1) أي فكأنه قال: جاء القوم جميعهم
(2) أي مثل التأويل الذي قلناه في وجه إعرابه حالا، (3) راجع إلى قولهم: نسيج وحده، (4) الكلمات الثلاث بصيغة التصغير، وهي اللذم، بخلاف الأول، (5) مقابل لقوله فيما تقدم: والمصدر إما معرف باللام (*)(2/20)
حذفت 1 التاء حملا للفعيل بمعنى الفاعل على الفعيل بمعنى المفعول، كقوله تعالى: (إن رحمة الله قريب من المحسنين 2)، وهو صفة الجماء، أي: الجماعة الكثيرة الساترة، واللام في الاسمين زائدة، كما في قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني * فمضيت ثمت قلت لا يعنيني 3 - 56 ويقال، أيضا، مررت بهم جماء غفيرا.
ومنه قولهم: ادخلوا الأول فالأول، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يذهب الصالحون أسلافا: الأول فالأول)، أي مترتبين، واللام زائدة، كما في: الجماء الغفير، وقد يتبع ما قبله على البدل، نحو: دخل القوم: الأول فالأول.
وإما بالأضافة 4، نحو: جاء الرجال ثلاثتهم، أو أربعتهم، أو خمستهم، إلى العشرة، وهذه الأسماء الثمانية 5، إذا أضيفت إلى ضمير ما تقدم، منصوبة عند أهل الحجاز على الحال، لوقوعها موقع النكرة، أي مجتمعين في المجيى، وبنو تميم يتبعونها ما قبلها
في الأعراب، على أنها توكيد له.
وربما عومل بالمعاملتين: العدد المركب، نحو: جاءني الرجال خمسة عشرهم، وقد يعرب هذا المركب عند الأخفش، كما يجيى في باب العدد.
وقد ذكرنا قولهم: كلمته فاه إلى في 6، وقال الكوفيون: هو مفعول به، أي: جاعلا فاه إلى في، وقال الأخفش: هو منصوب بتقدير (من) أي: من فيه إلى في،
__________
(1) أي من كلمة الغفير لأنها صفة على وزن فعيل بمعنى فاعل كما قال، فحقها التأنيت بالتاء (2) الآية 56 سورة الأعراف، (3) تكرر الاستشهاد بهذا البيت في هذا الشرح وهو أيضا شائع في كتب النحو، وقد تقدم ذكره في الجزء الأول من هذا الشرح، (4) هذا هو النوع الثاني من المعرف غير المصدر، (5) أي ألفاظ العدد، ما عدا الواحد والاثنين، (6) تقدم الحديث عنه في صدر هذا الباب، (*)(2/21)
ولا يقاس على قولهم فاه إلى في، فلا يقال: ما شيته يده إلى يدي 1، ونحوه خلافا لهشام 2، وأما قول بعض أصحاب أمير المؤمنين رضي الله عنه في صفين: 184 - فما بالنا أمس أسد العرين * وما بالنا اليوم شاء النجف 3 فعلى حذف المضاف، أي: مثل أسد العرين، ومثل شاء النجف،
ويجوز أن يؤولا بشجعانا، وضعافا، كما قال سيبويه 4، في: جهدك ونحوه.
(الحال من النكرة) (قال ابن الحاجب:) (فإن كان صاحبها نكرة.
وجب تقديمها).
(قال الرضي:) اعلم أنه يجوز تنكير ذي الحال، إذا اختص بوصف، كما جاء في الحديث: سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين الخيل، فأتي فرس له سابقا، وكذا تقول: مررت برجل ظريف قائما، أو بالأضافة 5، نحو: نظرت إلى جارية رجل مختالة،
__________
(1) أي لا يقال بالنصب قياسا على ما تقدم (2) هو هشام بن معاوية الضرير، من متقدمي النجاة في الكوفة، وتقدم له ذكر في الجزء الأول، (3) هذا مما قيل من الشعر في وقعة صفين التي كانت بين جيش علي رضي الله عنه وجيش معاوية بن أبي سفيان، وكان رجال معاوية منعوا عليا وأصحابه من ماء الفرات، فسمع الناس واحدا من رجال علي ينشد: أيمنعنا القوم ماء الفرات * وفينا السيوف وفينا الجحف وفينا علي، له صولة، إذا خوفوه الردى لم يخفف إلى أن قال: فما بالنا أمس...الخ والقصد منها تحريض المحاربين مع
علي، وهي قصة طويلة، لخصها البغدادي في خزانة الأدب، (4) حددنا موضعه في كتاب سيبويه قبل ذلك، (5) معطوف على قوله: إذا اختص بوصف (*)،(2/22)
أو سبقه نفي أو شبهه، نحو قوله: 185 - فما حل سعدي غريبا ببلدة * فينسب إلا الزبرقان له أب 1 و: قلما جاءني رجل راكبا، أو نهي أو استفهام، وذلك لأنه يصير المنكر مع سبق هذه الأشياء مستغرقا فلا يبقى فيه إبهام، كما ذكرنا في باب المبتدأ، أو كان الوصف به على خلاف الأصل نحو قولهم: جاءني رجال مثنى وثلاث، لأن المقصود تقسيمهم على هذين العددين في حال المجيئ، والوصف لا يفيد هذه الفائدة، أو كانت 2 معرفة مشاركة لتلك النكرة في الحال، نحو: جاءني رجل وزيد راكبين، أو تقدمه الحال، نحو: جاءني راكبا رجل، لأنه يؤمن - إذن - التباس الحال بالوصف، إذ الوصف لا يتقدم على الموصوف، وأما إذا تأخر، نحو: جاءني رجل راكبا، فقد يشتبه في حال انتصاب ذي الحال، بالوصف، نحو: رأيت رجلا راكبا، فطرد المنع رفعا وجرا، وأما استشهادهم
لتقديم الحال على صاحبها المنكر بقوله: 186 - لمية موحشا طلل قديم * عفاه كل أسحم مستديم 3 فلا يستقيم، عند من شرط اتحاد عامل الحال وصاحبها، إلا على مذهب الأخفش، من تجويز ارتفاع (زيد) في نحو: في الدار زيد على أنه فاعل، وأما عند سيبويه، فيلزم كون الضمير في: (لمية) ذا الحال 4.
ومن جوز اختلاف العامل في الحال وصاحبها، وهو الحق، إذ لا مانع، جوز كون (لمية)، عاملا في الحال، وكون (طلل) ذا حال، مع ارتفاعه بالابتداء.
__________
(1) من قصيدة قالها اللعين المنقري، واسمه منازل، يمدح الزبرقان بن بدر أحد الصحابة، وكان سيدا في قومه يتشرف كل أحد بالانتساب إليه، (2) المعنى: أو كانت في الكلام معرفة مشاركة، أو نعتبر أن كان تامة، (3) قال البغدادي: ان بعضهم نسب هذا البيت لذي الرمة، ونسبه بعضهم لكثير برواية: لعزة موحشا...ثم قال: إن المشهور في هذا الموضع الاستشهاد بقول الشاعر: (ولم ينسبه): لمية موحشا طلل * يلوح كأنه خلل، (4) بناء على مذهبة من وجوب اتحاد العامل في الحال وصاحبها (*)،(2/23)
فإن قيل: هلا جاز أن يكون معنى الابتداء، على مذهب سيبويه، أي أن (طلل) مرتفع بالابتداء، هو العامل في الحال أيضا، فيتحد عامل الحال وصاحبها.
قلت: ليس المعنى على أن الابتداء بلفظ (طلل) للأسناد إليه، مقيد بكونه موحشا، فكيف يعمل في الحال ما ليس مقيدا به ؟.
واعلم أنه يجوز حذف ذي الحال، مع قيام الدليل، نحو: الذي ضربت مجردا: زيد، أي: ضربته 1.
(تقدم الحال) (على العامل وعلى الصاحب) (قال ابن الحاجب:) (ولا يتقدم على العامل المعنوي، بخلاف الظرف، ولا على) (المجرور في الأصح).
(قال الرضي:) قد عرفت قبل، العامل المعنوي، وأن الظرف منه، وكذا الجار والمجرور، فعلى ما قال المصنف، ينبغي ألا يتقدم الحال على الظرف وشبهه، وفي هذا خلاف، فسيبويه،.
لا يجيزه أصلا، نظرا إلى ضعف الظرف، وأجازه الأخفش بشرط تقدم المبتدأ على الحال،
نحو: زيد قائما في الدار، وذلك بناء على مذهبه من قوة الظرف، حتى جاز أن يعمل عنده بلا اعتماد، في الظاهر 2، في نحو: في الدار زيد، كما تقدم في المبتدأ، 3 فأما مع تأخر المبتدأ فإنه وافق سيبويه في المنع، فلا يجوز: قائما زيد في الدار، ولا: قائما
__________
(1) لأن حذف عائد الموصول في مثله قياسي، (2) ممتعلق بقوله أن يعمل، (3) ص 248 من الجزء الأول،(2/24)
في الدار زيد، اتفاقا، وذلك لتقدم الحال على عامله الذي فيه ضعف ما، عند الأخفش أيضا، لأنه ليس من تركيب الفعل 1، وعلى صاحبه، وعلى ما صاحبه نائب عنه، أي المبتدأ.
أما في نحو: زيد قائما في الدار، فإن جوزنا كون زيد صاحب الحال، بناء على جواز اختلاف عاملي الحال وصاحبه، فالحال متأخر عن صاحبه، وإن لم نجوز ذلك 2، وقلنا إن الضمير في الظرف هو صاحب الحال، بناء على وجوب اتحاد العامل في الحال وصاحبه.
فالحال متأخر عما صاحبه نائب عنه، أي زيد.
أما نحو: زيد في الدار قائما، و: في الدار قائما زيد، و: في الدار زيد قائما، فجائز اتفاقا.
وأما إذا كان الحال، أيضا، ظرفا، أو جارا ومجرورا، فقد صرح ابن برهان 3، بجواز تقدمه على عامله الذي هو ظرف أو جار ومجرور، وذلك لتوسعهم في الظروف، حتى جاز أن تقع موقعا لا يقع غيرها فيه، نحو: (إن إلينا إيابهم) 4، قالوا، ومن ذلك: البر، الكر بستين، أي: الكر منه بستين، و (منه)، حال، والعامل فيه: (بستين).
والعامل المعنوي إذا كان غير ظرف، فلا خلاف في أنه لا يتقدم الحال عليه، وهو 5 كل جامد ضمن معنى المشتق، كليت، ولعل 6، ونحو: ما شأنك، وحرف النداء، وأسماء الأشارة، وحرف التشبيه، والتنبيه، والمنسوب نحو تميمي، ونحو: مثلك،
__________
(1) أي ليس من لفظه ومادته، (2) أي جواز كون زيد صاحب الحال، (3) هو أبو القاسم، عبد الواحد بن علي العكبري من أشهر النجاة، كان منجما ثم اشتغل بالنحو، ونبغ فيه، وكان محبوبا لدينه وورعه، توفي سنة 456 ه (4) الآية 26 سورة الغاشية،.
(5) أي العامل المعنوي غير الظرف،
(6) كلامه هنا يفيد عمل ليت ولعل في الحال وقد استظهر من قبل عدم عملهما، وذلك عند الحديث عن شبه الفعل وعلل ذلك بأن التمني والترجي ليسا مقيدين بالحال، (*)(2/25)
وغيرك، وأسماء الأفعال...كل ذلك لضعف مشابهة الفعل، لعدم موافقتها له في التركيب، وإذا ضعف نفس الفعل لعدم التصرف، حتى لا يتقدم عليه معموله، كما في فعل التعجب فلا يقال: راكبا ما أحسن زيدا.
فما ظنك بمثل هذه الجوامد ؟.
وكذا الصفة المشبهة، لا يتقدم معمولها عليها لضعف مشابهتها للفعل 1، وظاهر لفظ للظاهر مثلها، بل يحتاج إلى شروط، كما يجيئ في بابه.
وأما نحو قولهم: هذا بسرا أطيب منه رطبا، وزيد قائما خير منه قاعدا، وكذا نحو: عمرو قاعدا مثله قائما، فسيجيئ الكلام عليه عن قريب.
وأجاز الزجاجي 4 أن تقول: درهمك موزونا: درهم عبد الله، والعامل في الحال معنى التشبيه في قولك: درهم عبد الله، لأن معناه: يشبه درهم عبد الله، فيكون 5 حالا من ضمير (درهمك) في الخبر، أو من: درهم عبد الله.
والأولى المنع، لضعف العامل، قال 6، فإن أظهرت الكاف وقلت: كدرهم عبد
الله، لم يجز أن يكون حالا من: درهم عبد الله، لأن حال المجرور لا يتقدم عليه، ويجوز أن يكون حالا من ضمير: درهمك، في خبر المبتدأ، والأولى المنع مع إظهار الكاف، أيضا.
__________
(1) لأن عملها يسبب مشابهتها لاسم الفاعل المشبه للفعل، (2) جار الله: محمود بن عمر الزمخشري صاحب الكشاف والمفصل وغيرهما مما يعرفه كل مشتغل باللغة، (3) في شرح ابن يعيش على المفصل ج 2 ص 56 (4) الزجاجي، بياء النسب: هو أبو القاسم، عبد الرحمن بن إسحاق، كان من ملازمي الزجاج، فنسب إليه، وتقدم له ذكر في الجزء الأول، (5) أي لفظ موزونا، (6) أي الزجاجي المتقدم ذكره (*)،(2/26)
وكذا إذا كان الحال جملة مصدرة بالواو، لم يتقدم على عامله 1، فلا يقال، والشمس طالعة جئتك، مراعاة لأصل الواو، وهو العطف.
ولا يتقدم الحال على عامله أيضا إذا كان العامل مصدرا، لتقديره بأن الموصولة، وما في حيز الصلة، لا يتقدم على الموصول، وكذا إذا كان العامل صلة
للألف واللام، أو لحرف مصدري، كما، وأن، لأن تقدم الحال، إذن، على هذه الموصولات، لا يجوز، وتقدمها على صلاتها متأخرة عن الموصولات، أيضا، غير جائز، لما يجيى في الموصولات من امتناع الفصل بين الحرف المصدري واللام الموصول، وبين صلتيهما، فلا تقول: أعجبني مجردة الضارب هندا، ولا: مجردة أن ضرب زيد هندا، ولا: ما مجردة ضرب زيد هندا، وأما في سائر الموصولات، نحو: الذي راكبا جاء: زيد، فإنه يجوز الفصل اتفاقا.
وإذا كان العامل مصدرا بلام الابتداء، أو لام القسم، جاز تقديم الحال 2 عليه، بأن تؤخره عن اللامين، نحو: إن زيدا لراكبا سائر، و: والله لراكبا أسير، كقوله تعالى: (...لألى الله تحشرون) 3، وتقديمه على اللامين لا يجوز، لأن لهما صدر الكلام، وأما الفعل المتصرف، واسم الفاعل، واسم المفعول، إذا خلت عن الموانع المذكورة، فيجوز تقديم أحوالها عليها، نحو: راكبا جاء زيد، وزيد راكبا ماش، ومجردا مضروب.
قوله: (بخلاف الظرف)، يعني أن الحال، وإن كان مشابها للظرف من حيث المعنى، لأن (راكبا) في: جئتك راكبا، بمعنى وقت الركوب، إلا أن الظرف يتقدم
__________
(1) هذا تصريح بما استفيد من التشبيه في قوله وكذا إذا كان، ويتكرر ذلك من الرضي، (2) أشير بها المطبوعة التركية هنا أن بين نسخ هذا الشرح اختلافا في هذا الموضع، وفيها إشارة إلى نسبة رأي لا يخرج عما قاله الرضي إلى: (المالكي)، وهذا من الأمور التي جعلتني، أرجح أن الرضي يقصد الأمام ابن مالك حين يقول المالكي، لأن هذا الرأي معروف نسبته إلى ابن مالك، وتكرر مثل هذا بهوامش هذا الشرح، (3) الآية 158 سورة آل عمران (*)،(2/27)
على عاملة المعنوي الذي هو الظرف أو الجار، خاصة، سواء كان بعد المبتدأ نحو: زيد يوم الجمعة عندك، أو قبله، كقوله تعالى: (كل يوم هو في شأن) 1، وقولهم: كل يوم لك ثوب، والحال لا يتقدم عليه عند سيبويه مطلقا، ويتقدم عند الأخفش بشرط تأخره عن المبتدأ كما مر، وذلك لتوسعهم في الظرف بخلاف الحال.
وكان على المصنف أن يقيد فيقول: بخلاف الظرف، فإنه يتقدم على الظرف والجار، لأنه لا يتقدم على معنوي غيرهما، من التشبيه والتنبيه وغير ذلك، اتفاقا.
واعلم أنه إذا تكرر ظرف واحد 2، يصلح لأن يكون خبرا لما هو مبتدأ في الحال أو في الأصل، وتوسطهما ما يجوز ارتفاعه، على أنه خبر عن ذلك المبتدأ، وانتصابه على الحال كقوله تعالى: (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها) 3، وقوله تعالى: (فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها) 4.
فالكوفيون يوجبون انتصابه 5 على الحال، كما في الآيتين، لأنك لو رفعته خبرا وعلقت الظرفين به، لم يكن للثاني فائدة.
وأما عند البصريين، فالحالية راجحة على الحبرية، لا واجبة، لأن الاسم، إذن، يكون خبرا بعد خبر، والظرف الثاني متعلق بالخبر، أو يكون الظرف الأول متعلقا بالخبر الذي بعده، والثاني تأكيد للأول، والتأكيد غير عزيز في كلامهم، وإذا كان الظرف في الظاهر غير مستقر 6، وقد تقدم أن معنى المستقر أن يكون متعلقا بمقدر، فخبرية الاسم الذي يلي المبتدأ الذي يلي الظرف واجبة عند البصريين، نحو: فيك زيد راغب، ليكون الظرف متعلقا بذلك الخبر.
__________
(1) الآية 29 سورة الرحمن، (2) أي ذكر لفظ من ألفاظ الظروف مرتين، (3) الآية 108 سورة هود (4) الآية 17 سورة الحشر، (5) أي ذلك الاسم المتوسط (6) الحديث عن المستقر وغير المستقر، وهل هو بفتح القاف أو بكسرها، مذكور في باب المبتدأ والخبر، وقد لخص الرضي المعنى هنا، ثم إن المعروف أنه حينما يطلق الظرف، يراد به ما يشمل الجار والمجرور، (*)(2/28)
وأجاز الفراء والكسائي 1: نصب ذلك الاسم نحو: فيك زيد راغبا، على تقدير، فيك رغبة زيد راغبا، والحال دال على المضاف المحذوف، أي هو يرغب فيك خاصة في حال رغبته في شئ، أي: إن رغب في شئ فهو يرغب فيك، قوله: (ولا على المجرور في الأصح)، الذي تقدم، كان أحكام تقدم الحال على عامله، وتأخره عنه، وهذا حكم تقدم الحال على صاحبها.
واعلم أن الكوفيين منعوا تقديم الحال على صاحبها، إذا كان صاحبها ظاهرا، مرفوعا كان، أو منصوبا، أو مجرورا، إلا في صورة واحدة، وهي: إذا كان ذو الحال مرفوعا
والحال مؤخر عن العامل، فيجوزون: جاء راكبا زيد، ولا يجوزون: راكبا جاء زيد، وبعضهم يجوز، أيضا تقديم الحال على ذي الحال المنصوب المظهر، إذا كان الحال فعلا، نحو: ضربت، وقد جرد، زيدا، وأما إذا كان ذو الحال ضميرا، فجوزوا تقديم الحال عليه، مرفوعا، كان، أو منصوبا أو مجرورا، قالوا: وذلك لأن ذا الحال إذا كان مظهرا وقدمت الحال عليه، أدى إلى الاضمار قبل الذكر، لأن في الحال ضميرا يعود على ذي الحال المتأخر، وأما إذا كان ضميرا، فالضميران يشتركان في عودهما على مفسر لهما، وأما جواز تلك الصورة الواحدة، أعني نحو: جاء راكبا زيد، فلشدة طلب الفعل للفاعل، فكأن الفاعل ولي الفعل، والحال ولي الفاعل، فلا يكون اضمارا قبل الذكر، وأما البصرية فأجازوا تقديم الحال على صاحبه المرفوع والمنصوب، سواء كان مظهرا أو مضمرا، لأن النية في الحال: التأخير عن صاحبه، فلا يكون اضمارا قبل الذكر،.
كما ذكرنا في تقديم خبر المبتدأ، نحو: في داره زيد، وفي الفاعل والمفعول نحو:
(فأوجس في نفسه خيفة موسى).
2،
__________
(1) الفراء، تقدم ذكره، والكسائي هو علي بن حمزة زعيم نجاة الكوفة، وأحد القراء السبعة، وهو والفراء ممن تكرر ذكرهم في هذا الشرح، (2) الآية 67 سورة طه (*)(2/29)
وأما إذا كان ذو الحال مجرورا، فان الجر بالاضافة إليه، لم يتقدم الحال عليه اتفاقا، سواء كانت الاضافة محضة، كما في قوله تعالي: (أتبع ملة إبراهيم حنيفا)، 1 أو، لا، نحو: جاءتني مجردا ضاربة زيد، وذلك لأن الحال تابع وفرع لذي الحال، والمضاف إليه لا يتقدم على المضاف فلا يتقدم تابعه أيضا،.
وان انجر ذو الحال بحرف الجر، فسيبويه وأكثر البصرية، يمنعون، أيضا، ونقل عن ابن كيسان 2، وأبي علي، وابن برهان، الجواز، استدلالا بقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس)، 3 ولعل الفرق بين حرف الجر والاضافة: أن حرف الجر، معد للفعل كالهمزة، والتضعيف، فكأنه من تمام الفعل، وبعض حروفه، فإذا قلت: ذهبت راكبة بهند،
فكأنك قلت: أذهبت راكبة هندا، وقال الشاعر: 187 - لئن كان يرد الماء هيمان صاديا * إلي حبيبا، انها لحبيب 4 وقال آخر: 188 - إذا المرء أعيته المروءة ناشئا * فمطلبها كهلا عليه شديد 5 وبعضهم يجعل (كافة) حالا من الكاف، والتاء للمبالغة، وهو تعسف،
__________
(1) جزء من الآية 123 من سورة النحل، (2) أبو الحسن محمد بن أحمد، بن كيسان، من مشاهير النجاة، تقدم ذكره في الجزء الأول وسيتكرر ذكره، وأما أبو علي الفارس وابن برهان فقد مضى ذكرهما قريبا، (3) الآية 28 سورة سبأ، (4) من قصيدة لعروة بن حزام العذري، واللام في قوله: لئن كان، واقعة في جواب القسم في قوله قبل ذلك: حلفت برب الراكعين لربهم * خشوعا وفوق الراكعين رقيب (5) من أبيات نسبت لكثير من الشعراء، قال البغدادي: رأيت نسبتها للمخبل السعدي وقال إنها أبيات مستجادة،.
وأورد عددا منها ومما أورده منها قوله: وكائن رأينا من غني مذمم * وصعلوك قوم مات وهو حميد (*)(2/30)
وأما العامل في الحال في نحو: (ملة ابرهيم حنيفا) 1، أعني إذا كان الحال عن مجرور بمضاف غير عامل في الحال كما عمل في نحو: ضرب زيد راكبا 2، فعند من جوز اختلاف العامل في الحال وفي صاحبها، فلا اشكال فيه، وأما من
منعه فقال بعضهم 3: العامل فيه معنى الاضافة لأن الاضافة بمعنى حرف الجر المتعلق بمعنى الفعل، لأن المعنى: ملة ثبتت لابراهيم حنيفا، وهو ضعيف، لأننا بينا في حد العامل: أن معنى الفعل قد انطمس في مثله 4، وقال بعضهم: لما كان لا يضاف مما ليس بعامل في الحال إلى ذي الحال، إلا جزؤه نحو: انظر إلى يد زيد ماشيا، أو ما يقوم مقام المضاف إليه لو حذف، كقوله تعالى: (ملة ابرهيم حنيفا)، كما تقدم في أول الباب، جاز أن يعمل عامل المضاف في الحال، مع أنه لم يعمل في المضاف إليه، لأن المضاف إليه في التقديرين المذكورين، كأنه المضاف، ولكون حال المضاف إليه، كحال المضاف، إذا كان المضاف جزء المضاف إليه، جاز، وإن كان على قلة، تقديم حال المضاف إليه على المضاف في نحو: تتحرك ماشيا يد زيد، مع أننا ذكرنا قبل، أن حال المضاف إليه لا يتقدم على المضاف، وقد يجب تقديم الحال على صاحبها إذا كان صاحبها بعد (إلا) أو معناها، نحو:
ما جاءني راكبا إلا زيد، وإنما جاءني راكبا زيد، لمثل ما مر من باب الفاعل، 5 أعني، لتغير الحصر وانعكاسه لو أخرت عن صاحبها، ويجب 6، أيضا، إذا أضيف ذو الحال إلى ضمير عائد على ملابس الحال، نحو: لقيني شاتم زيد أخوه،
__________
(1) الآية المتقدمة من سورة النحل (2) ضرب: مصدر مضاف إما إلى المفعول وإما إلى الفاعل، وصاحب الحال أحدهما، (3) أي بعض المانعين وسيذكر بعضا آخر منهم (4) انظر ص 72 من الجزء الأول، (5) انظر ص 190 ج 1 (6) أي تقديم الحال، (*)(2/31)
(الاشتقاق) (وحكمه في الحال) (قال ابن الحاجب:) (وكل ما دل على هيئة، صح أن يقع حالا، نحو: هذا بسرا) (أطيب منه رطبا) (قال الرضي:) هذا رد على النجاة، فان جمهورهم اشترطوا اشتقاق الحال، وان كان جامدا تكلفوا
رده بالتأويل إلى المشتق، قالوا: لأنها في المعنى صفة، والصفة مشتقة أو في معنى المشتق، فقالوا في نحو: هذا بسرا أطيب منه رطبا، أي هذا مبسرا أطيب منه مرطبا، أي كائنا بسرا وكائنا رطبا، و: (هذه ناقة الله لكم آية)، 1 أي دالة، قال المصنف، وهو الحق، لا حاجة إلى هذا التكلف، لأن الحال هو المبين للهيئة، كما ذكر في حده، وكل ما قام بهذه الفائدة فقد حصل فيه المطلوب من الحال، فلا يتكلف تأويله بالمشتق، وكذا، رد عليهم اشتراطهم اشتقاق الصفة، كما يجيى في بابها، ومع هذا، فلا شك أن الأغلب في الحال والوصف: الاشتقاق، فمن الأحوال التي جاءت غير مشتقة قياسا: الحال الموطئة، وهي اسم جامد موصوف بصفة هي الحال في الحقيقة، فكأن الاسم الجامد وطأ الطريق لما هو حال في الحقيقة، لمجيئة قبلها موصوفا بها، وذلك نحو قوله تعالى: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا) 2، وقولك جاءني زيد رجلا بهيا،
__________
(1) الآية 64 سورة هود (2) الآية الثانية من سورة يوسف، (*)(2/32)
ومنها ما يقصد به التشبيه، كقول بعض أصحاب أمير المؤمنين، علي رضي الله عنه في بعض أيام صفين: فما بالنا أمس أسد العرين * وما بالنا اليوم شاء النجف 1 - 184 وقول المتني: 189 - بدت قمرا ومالت خوط بان * وفاحت عنبرا ورنت غزالا 2 وفي تأويل مثله وجهان: أحدهما أن تقدر مضافا قبله، أي: أمثال أسد العرين، ومثل قمر، والثاني أن يؤول المنصوب بما يصح أن يكون هيئة كما تقدم، أي: ما بالنا أمس شجعانا، واليوم ضعافا، وبدت منيرة، ونحو ذلك، وذلك لأنهم يجعلون الشئ المشتهر في معنى من المعاني كالصفة المفيدة لذلك المعنى، نحو قولهم: لكل فرعون موسى، بصرفهما، أي: لكل جبار قهار، ومنها الحال في نحو: بعث الشاء شاة ودرهما، وضابطه أن تقصد التقسيط فتجعل لكل جزء من أجزاء مجزأة، قسطا، وتنصب ذلك القسط على الحال وتأتي بعده بذلك الجزء، إما مع واو العطف، كقولنا: شاة ودرهما، أو بحرف الجر، نحو: بعت البر قفيزين بدرهم، وأخذت زكاة ماله، درهما عن كل أربعين، وقامرته،
درهما في درهم، أي: جعلت في مقابلة كل درهم منه درهما مني، أو بغير ذلك نحو: وضعت عندكم الدنانير، دينارا لدى كل واحد، وكل واحدة من هذه الأحوال كانت جزءا أول من الجملة الابتدائية، على ما مر قبل، 3
__________
(1) تقدم هذا الشاهد في هذا الباب، (2) هو للمتنبي والقول فيه، ما تقدم من اختلاف العلماء في الاستشهاد بمثله، ويمكن أن يكون تمثيلا، كما يقولون، وهو من قصيدة له والضمائر في الأفعال تعود إلى محبوبته التي قال عنها في بيت سابق على عادته في المبالغة: بجسمي من برته فلو أصارت * وشاحي ثقب لؤلؤة لجالا (3) تقدم قريبا شرح هذا النوع عند قوله فاه إلى في، في هذا الباب، (*)(2/33)
ومنها: الحال في نحو: بوبته بابا بابا، وجاءوني رجلا رجلا، وواحدا واحدا، ورجلين رجلين، ورجالا رجالا، أي مفصلا هذا التفصيل المعين، وضابطه: أن تأتي، للتفصيل بعد ذكر المجموع بجزئة مكررا، وكذا إن أتي، لبيان الترتيب بعد ذكر المجموع
بجزئة معطوفا عليه بالفاء أو بثم، نحو: دخلوا رجلا فرجلا، ومضوا كبكبة ثم كبكبة، أي مترتبين هذا الترتيب المعين، ومنها حال هو أصل لصاحبه نحو: يعجبني الخاتم فضة، والثوب خزا، أو فرع له نحو: يعجبني الفضة خاتما، والحديد سيفا، أو نوع له، نحو: يعجبني الحلى خاتما، والعلم نحوا، ومنها الحال في نحو: هذا بسرا أطيب منه، أو من غيره رطبا، وضابطه أن يفضل الشئ على نفسه، أو غيره، باعتبار طورين، وكذا إذا شبهت شيئا بنفسه أو بغيره، ولا يجوز أن يكون أفعل التفضيل، ولا آلة التشبيه لضعفهما في العمل فلا يتقدم معمولهما عليهما، ويشكل ذلك عليه بمثل قولك: زيد راجلا أحسن منه راكبا، فإنه جائز اتفاقا مع خلو المبتدأ من معنى الفعل، وبمثل قولك: تمر تحلى بسرا أطيب منه رطبا، والأشراسي 1 بسرا أطيب منه رطبا، والعامل في مثل هذه الصور: أفعل، بلا خلاف، ولا يصلح اسم الاشارة في: هذا بسرا...للعمل، وذلك لأن العامل في الحال متقيد به،
فلو كان (هذا) عاملا في: (بسرا) لتقيدت الاشارة بالبسرية، فوجب ألا يقال هذا، الكلام إلا في حال البسرية، كما أن الاشارة في: (وهذا بعلي شيخا) 2، تقيدت ولم تقع إلا في حال شيخوخته، والمجيئ في: جاءني زيد راكبا، لم يكن إلا في حال الركوب، ونحن نعلم ضرورة أنه يصح أن يقال: هذا بسرا أطيب منه رطبا، في غير حال البسرية،
__________
(1) الأشراسي نوع من التمر، وربما كان مأخوذا من الشراسة، وهي في الناس: سوء الخلق وفي النبات: سوء الطعم، (2) الآية 72 سورة هود، وتقدمت (*)(2/34)
واستدل المصنف على امتناع عمل اسم الأشارة في أول الحالين، بأن المبتدأ إذا تقيد بحال، لم يتقيد الخبر بالحال، ألا ترى أن اسم الاشارة لما تقيد بالحال في: هذا زيد قائما، لم يتقيد الخبر بذلك الحال، وفي نحو: هذا بسرا أطيب منه رطبا، تقيد الخبر بالحال اتفاقا فلا يتقيد المبتدأ بالحال، وهذا الدليل في غاية من الضعف لا توصف، أما أولا، فلأنه لا يلزم من
امتناع تقيد المبتدأ والخبر معا بالحال في مثال معين: امتناع تقيدهما في جميع الأمثله، فلعل في ذلك المثال الخاص مانعا من تقيدهما معا، ليس في غيره، وأما ثانيا فلأن المدعى في المثال المذكور، المتنازع فيه: أن المبتدأ مقيد بحال، والخبر بحال أخرى، وهو لم يبين في نحو: هذا زيد قائما إلا استحالة تقيدهما معا بحال واحدة، فلو سلم، أيضا، اطراد استحالة تقيد المبتدأ والخبر في كل موضع بحال واحدة، لم يلزم منه استحالة تقيد كل واحد منهما بحال أخرى 1، فالحق، اذن، أن يقال، العامل في الحال الأول، أيضا، أفعل التفضيل، وآلة التشبيه، مع ضعفهما في العمل، كما تقدم، ولنقدم على بيان تعليله مقدمة، فنقول: ما يدل على حدثين فصاعدا يصلح كل منهما للعمل، على ضربين: أحدهما: ما يدل على حدثين يقعان معا، ويتعلق كل واحد منهمإ بمحدث الآخر، نحو: تضارب زيد وعمرو، وضارب زيد عمرا، فان ضرب كل واحد منهما تعلق بالآخر، أو يقعان معا ويتعلق كلاهما بشئ واحد، نحو: تنازعنا
الحديث، ومثل هذه العوامل لا يتميز منصوب أحد جزأيها عن منصوب الآخر، مفعولا به 2، وقد يتميز حالاهما، نحو: تشاتم زيد قائما، وعمرو قاعدا، أو ظرفاهما نحو: تشاتم زيد في الدار وعمرو في الصفة، ويجوز أن يكونا حالين ولا يختلف زماناهما، لأن الغرض
__________
(1) أي غير حال صاحبه، (2) أي لا يتميز في حالة وقوعه مفعولا به، (*)(2/35)
وقوع الحدثين معا، ويتميز مستثناهما، أيضا نحو: اختلف أهل البصرة إلا سيبويه، وأهل الكوفة إلا الكسائي في كذا، وثانيهما 1: ما يدل على حدثين، يجوز تعلق كل منهما بغير محدث الآخر وبغير ما تعلق به الآخر، ووقوعه في وقت آخر، ومكان آخر، وعلى حال أخرى، وذلك: أفعل التفضيل، نحو: زيد أضرب من بكر لخالد، قال الله تعالى: (هم للكفر يومئذ أقرب منهم للأيمان) 2، وكذا يجوز اختلاف زمانيهما، نحو: زيد يوم الجمعة أضرب من عمرو يوم السبت، وكذا المكانان، نحو: زيد عندك أحسن منه
عندي، وكذا الحالان نحو: زيد قائما أحسن منه قاعدا، وكذا آلة التشبيه، تدل على حدثين، فيجوز اختلاف زمانيهما، نحو: زيد يوم الجمعة كعمرو يوم السبت، واختلاف حاليهما، نحو: زيد قائما مثله قاعدا، أما أفعل التفضيل فانه يدل على حدثين معينين، أعني حدث الفاضل والمفضول، بصيغته، لأن معنى زيد أحسن من عمرو: أن لزيد الفاضل حسنا، ولعمرو المفضول حسنا، وأما آلة التمثيل فلا تدل بصيغتها على حدثين معينين، بل تدل بمعناها على حدثين مطلقين، لأن معنى زيد كعمرو أن هناك حالة يشتركان فيها فلهما حالتان متماثلتان، وأما أن تلك الحالة ما هي ؟ فغير مصرح به في اللفظ، فمعنى قولك: زيد يوم الجمعة مثل يوم السبت، أي: زيد تشبه حالته ودابه، يوم الجمعة حالته ودأبه يوم السبت، فالظرفان منصوبان بمعنى الحالة والدأب، إذ يعبر بهما عن كل حدث لازم كالحسن والجمال، أو غير لازم كالضرب والقتل، ألا ترى إلى تعلق الجار والظرف في قوله: 190 - كدأبك من أم الحويرث قبلها * وجارتها أم الرباب بمأسل 3
__________
(1) أي ثاني النوعين اللذين يدلان على حدثين فصاعدا، (2) الآية 167 من سورة آل عمران، (3) من معلقة امرئ القيس، التي تكرر الاستشهاد بأبياتها في هذا الشرح، وأم الحويرث، وأم الرباب، من أسماء النسوة اللاتي تحدث عنهن في هذه القصيدة، (*)(2/36)
بدأ بك 1، لما كان بمعنى: تمتعك، فكنى ولم يصرح، وقد تقوم مع آلة التشبيه قرينة تدل على الحدث المعين، فيتعلق بهإ جاران كما تعلق الجار في بيت امرئ القيس بدأ بك، لما كنى به عن التمتع، وذلك نحو قوله صلى الله عليه وسلم: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، أي قريب مني قرب هارون من موسى، قال: 191 - ولقد نزلت فلا تظني غيره * مني بمنزلة المحب المكرم 2 وتقول: هو مني بمنزلة الثريا من المتناول، أي بعيد مني بعدها منه، إذا تقرر هذا قلنا، لما لم يتميز كل واحد من الحدثين من الآخر في أفعل التفضيل وآلة التشبيه، وبابي فاعل وتفاعل، وغيرهما مما يدل على حدثين حتى يجعل منصوب كل واحد بجنبه: ألزم أن يكون منصوب 3 كل حدث بجنب صاحبه
المصرح به، فقيل: يفضل زيد راكبا على عمرو راجلا، وتشاتم زيد قائما، وعمرو قاعدا، ورامي زيد في الدار عمرا في السوق، وكذا في أفعل التفضيل، وآلة التمثيل، نحو: زيد مني كعمرو منك، وبكر للضيف أكرم منه للجار، وعمرو قائما، أحسن منه قاعدا، وبكر قاعدا مثله قائما، وزيد يوم الجمعة أحسن..، أو مثله يوم السبت، جعلت متعلق حدث المفضل والممثل بجنبهما، ومتعلق حدث المفضل عليه والممثل به بجنبهما، دفعا للالتباس، وحرصا على البيان، فلهذا تقدم معمولاهما عليهما مع ضعفهما، وأما الضمير المستكن في أفعل، وفي آلة التشبيه، فانه، وإن كان مفضلا، وممثلا، لكنه، لما لم يظهر، كالعدم، ومع هذا كله، فلا أرى بأسا بأن يقال ههنا، وان لم يسمع، زيد أحسن قائما منه
__________
(1) هذا متعلق بقوله: ألا ترى إلى تعلق الجار...الخ (2) أحد الأبيات في معلقة عنترة العبسي، التي أولها: هل غادر الشعراء من متردم * أم هل عرفت الدار بعد توهم والمحب بفتح الحاء اسم مفعول من أحب، (3) أي في المثال موضع البحث والمراد بالمنصوب في كلامه:
المعمول، ليشمل الظرف والجار والمجرور، كما هو واضح من التمثيل، وسيأتي في كلامه ما يرشد إلى ذلك، (*)(2/37)
قاعدا، كما قال علي، رضي الله عنه في الجار: (والله لابن أبي طالب، آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)، 1 وهذا كما تقول: ضرب زيد قائما، عمرا قاعدا، لعدم الالتباس، وبأن 2 يقال، على ضعف: زيد أحسن من عمرو قاعدا قائما، و (قاعدا) حال من المجرور، و (قائما) حال من الضمير المرفوع، كما مر أول الباب 3 في نحو: ضربت زيدا قائما قاعدا، قال المالكي 4، ومن الأحوال القياسية غير المشتقة: المصدر الآتي بعد اسم مراد به الكمال، نحو: أنت الرجل علما، أي: أنت الكامل في الرجولية عالما، ومثله: هو زهير شعرا، وكونه حالا رأي الخليل، وقال أحمد بن يحيى 5: هو مصدر 6، أي: أنت العالم علما، والذي أرى: أن المصدر في مثله تمييز، لأنه فاعل في المعنى، أي: أنت الكامل علما، أي علمه، وهو الكامل شعرا، أي شعره، والدليل عليه أنك تقول: هو قارون كنزا، والخليل عروضا، وسيبويه نحوا، وهذه ليست بأحوال ولا
مصادر، ثم اعلم أنه لا قياس في شئ من المصادر يقع حالا، بل يقتصر على ما سمع منها، نحو قتلته صبرا، ولقيته فجأة وعيانا، وكلمته مشافهة، وأتيته ركضا أو عدوا، أو مشيا،
__________
(1) مما جاء في نهج البلاغة، ص 39 طبع دار الشعب بالقاهرة بتصحيح الاستاذين محمد البنا ومحمد عاشور، (2) أي ولا أرى بأسا بأن يقال، (3) تحدث الرضي عن مجئ حالين من الفاعل والمفعول وبين موضع كل منهما في الجملة، انظر في هذا الجزء، (4) قلت عند ذكر (المالكى) لأول مرة في الجزء الأول ص 207 أن الأرجح انه يريد ابن مالك، وكان من أسباب الترجيح ما ينسبه الرضي إلى (المالكي) من آراء، هي مما عرف أنه منسوب لابن مالك، وهذا أحد الأمور فإن وقوع المصدر الآتي بعد اسم يراد به الكمال واعتباره حالا كالمثال الذي في الشرح معروف أنه رأى لابن مالك، والله أعلم، (5) هو الأمام ثعلب، وهو من زعماء الكوفيين ويذكره الرضي باسم ثعلب في بعض الأحيان، (6) أي مفعول مطلق للوصف الذي من لفظه، (*)(2/38)
والمبرد 1 يستعمل القياس في المصدر الواقع حالا، إذا كان من أنواع
ناصبه نحو: أتانا رجلة وسرعة وبطأ ونحو ذلك، وأما ما ليس من تقسيماته وأنواعه، فلا خلاف أنه ليس بقياس، فلا يقال: جاء ضحكا أو بكاء ونحو ذلك لعدم السماع، ثم انه، قد ذهب الأخفش والمبرد إلى أن انتصاب مثل هذه المصادر على المصدرية، لا الحالية والعامل محذوف أي أتيته أركض ركضا، كما هو مذهب أبي علي في: أرسلها العراك، ولو كان كما قالا 2، لجاز تعريفها، وغيرهما على أن انتصابها على الحال، لا على حذف المضاف 3، فمعنى مشيا: ماشيا، وقع المصدر صفة، كما أن الصفة وقعت مصدرا في نحو: قم قائما، على أحد المذهبين 4، وعلى الثاني: هو حال مؤكدة، كما يجئ، ولا يمتنع أن يقال: ان جميع ذلك على حذف المضاف، أي: أتيته ذا ركض، إلا أنه لا مبالغة فيه، كما مر في خبر المبتدأ، 5 ومما جاء فيه الحال غير مشتق سماعا، قولهم: كلمته فاه إلى في، وهشام 6 يقيس عليه، كما مر، ومنه: بعته يدا بيد، وأرسلها العراك، وسائر ما ذكرته عند ذكر مجيى.
الحال معرفة،
وأما نحو: جاء البر قفيزين، أو صاعين، فالأولى أن المنصوب خبر (جاء)، لا حال، كما يجيئ في الأفعال الناقصة، 7
__________
(1) المبرد من أكثر من نقل عنهم الرضي في شرحه هذا، وقد ترجمنا له في الجزء الأول.
(2) أي الأخفش والمبرد، (3) أي من غير تقدير مضاف، وهو مقابل للرأي الآتي، (4) أي ان قائما مصدر جاء بوزن فاعل، (5) ص 254 في الجزء الأول (6) المراد هشام بن معاوية، الضرير، وتقدم ذكره، (7) سيأتي في باب كان أن من الأفعال الناقصة: الفعل (جاء) في تراكيب معينة، مثل ما هنا، (*)(2/39)
(الجملة الحالية) (صورها وشروطها وروابطها) (قال ابن الحاجب:) (ويكون جملة خبرية، فالاسمية بالواو والضمير، أو بالواو،) (أو بالضمير على ضعف، والمضارع المثبت بالضمير وحده،) (وما سواهما بالواو والضمير، أو بأحدهما، ولابد في الماضي) (المثبت من (قد) ظاهرة أو مقدرة)، (قال الرضي:) أما جواز كون الحال جملة، فلأن مضمون الحال، قيد لعاملها، ويصح
أن يكون القيد مضمون الجملة، كما يكون مضمون المفرد، وأما وجوب كونها خبرية فلأن مقصود المجيئ بالحال، تخصيص وقوع مضمون عامله بوقت وقوع مضمون الحال، فمعنى قولك جاءني زيد راكبا: أن المجيئ الذي هو مضمون العامل واقع وقت الركوب الذي هو مضمون الحال، ومن ثم، قيل ان الحال يشبه الظرف في المعنى، والأنشائية إما طلبية أو إيقاعية، بالاستقراء، وأنت في الطلبية لست على يقين من حصول مضمونها، فكيف تخصص مضمون العامل بوقت حصول ذلك المضمون 1 ؟ وأما الأيقاعية، نحو: بعت، وطلقت، فان المتكلم بها لا ينظر، أيضا، إلى وقت يحصل فيه مضمونها، بل مقصودة إيقاع مضمونها وهو مناف لقصد وقت الوقوع، بلى، يعرف بالعقل، لا من دلالة اللفظ أن وقت التلفظ بلفظ الأيقاع: وقت وقوع مضمونه،
__________
(1) أي المضمون غير المتيقن، (*)(2/40)
قوله: (فالاسمية بالواو والضمير)، إنما ربطوا الجملة الحالية بالواو، دون الجملة
التي هي خبر المبتدأ، فإنه اكتفي فيها بالضمير، لأن الحال يجيئ فضلة بعد تمام الكلام.
فاحتيج في الأكثر إلى فضل ربط، فصدرت الجملة التي أصلها، الاستقلال بما هو موضوع للربط، أعني الواو التي أصلها الجمع، لتؤذن من أول الأمر بأن الجملة لم تبق على الاستقلال، وأما خبر المبتدأ، والصلة، والصفة، فانها لا تجيئ بالواو، لأن 1 بالخبر يتم الكلام، وبالصلة يتم جزء الكلام، والصفة لتبعيتها للموصوف لفظا، وكونها لمعنى فيه معنى 2: كأنها من تمامه، فاكتفي في ثلاثتها بالضمير، بلى، قد تصدر الصفة والخبر بالواو، إذا حصل لهما أدنى انفصال، وذلك بوقوعهما بعد (إلا) نحو: ما حسبتك إلا وأنت بخيل، وما جاءني رجل إلا وهو فقير، وأما الصلة فلا يعرض لها مثل هذه الحال، فلا ترى، أبدا، مصدرة بالواو، قوله: (أو بالواو، أو بالضمير)، اجتماع الواو والضمير في الاسمية، وانفراده الواو: متقاربان في الكثرة، لكن اجتماعهما أولى، احتياطا في الربط، وأما انفراد الضمير، فقال الأندلسي 3: ان كان المبتدأ 4 ضمير صاحب الحال،
وجب الواو أيضا، نحو: جاءني زيد وهو راكب، ولعل ذلك لكون مثل هذه الجملة، في معنى المفرد، سواء، إذ المعنى: جاءني زيد راكبا، فصدرت بالواو إيذانا من أول الأمر بكون الحال جملة، وإن أدت معنى المفرد، وإن لم يكن المبتدأ ضمير صاحب الحال، نظر، فإن كان الضمير فيما صدر به الجملة، سواء كان مبتدأ، نحو: جاءني زيد يده على رأسه، وكلمته فوه إلى في، أو خبرا نحو قوله:
__________
(1) أي لأنه بالخبر، فاسمها ضمير الشأن حتى يستقيم المعنى، (2) أي من جهة المعنى، (3) القاسم بن أحمد الأندلسي من علماء المغرب وهو قريب العهد بالرضي، ويتكرر النقل عنه في هذا الشرح، (4) أي في الجملة الواقعة حالا، (*)(2/41)
192 - إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها * خرجت مع البازي علي سواد 1 فلا يحكم بضعفه مجردا من الواو، وذلك لكون الرابط في أول الجملة وان لم يكن مصدرا، بل نقول: هو أقل من اجتماع الواو والضمير، وانفراد الواو، وإن كان الضمير في آخر الجملة، كقوله:
193 - نصف النهار: الماء غامره * ورفيقه بالغيب لا يدري 2 فلا شك في ضعفه وقلته، وقال جار الله 3: بناء على أن انفراد الضمير في الاسمية ضعيف مطلقا على ما ذهب إليه المصنف: إن قولهم 4: جاءني زيد عليه جبة وشي، بمعنى مستقرة عليه جبة وشي، يريد أنه ليس بجملة، بل هو مفرد تقديرا، فلذا خلا من الواو، وذلك لأن الظرف إذا اعتمد على المبتدأ جاز أن يرفع الظاهر، كما مر في باب المبتدأ 5، فإن أراد 6 أنه وجب أن يكون في تقدير المفرد، ففيه نظر، لقوله: 194 - فألحقه بالهاديات ودونه * جواحرها في صرة لم تزيل 7 وقوله: 195 - وان امراءا أسرى إليك ودونه * من الأرض موماة وبيداء سملق 8
__________
(1) من أبيات لبشار بن برد، وهو من المحدثين، في رأي القدماء فلا يستشهد بشعره، والقول فيه كالقول في الاستشهاد بشعر المتني، (2) الأرجح أن هذا البيت من قصيدة للمسيب بن علس، حال الأعشى، وليست للأعشى كما قال بعضهم، وهو في وصف غواص نزل إلى البحر يبحث عن درة، ولقي في البحث عنها أهوالا شديدة حتى إنه بقي في البحر زمنا، لا يدري رفيقه الذي يعاونه عنه شيئا، إلى آخر ما جاء في هذا الجزء من القصيدة،
(3) أي الزمخشري، (4) هذا ما قاله الزمخشري، انظر شرح ابن يعيش ج 2 ص 65 (5) ج 1 ص 243 (6) أي الزمخشري، وهذه مناقشة من الرضي له، (7) من معلقة امرئ القيس، وهو من الجزء الذي يصف فيه فرسه بالسرعة، والهاديات: أوائل الوحوش، والجواحر ما تأخر منها، والصرة: الضجيج، وقوله: لم تزيل أصله تتزيل فحذفت إحدى التاءين، (8) البيتان من قصيدة الأعشى التي مدح بها المحلق، وهي التي كانت سببا في إقبال الفتيان على الزواج من بنات = (*)(2/42)
لمحقوقة أن تستجيبي لصوته * وأن تعلمي أن المعان موفق ولو كان مفردا لم تجز الواو، وأيضا، تقول: لقيته وإن عليه جبة وشي، ولو لم يكن جملة لم تدخل عليها (إن)، وان أراد أنه لا يمتنع أن يقدر بمفرد، فمسلم، وحكم الجملة المصدرة بليس، وان كانت فعلية، حكم الاسمية، في أن اجتماع الواو والضمير، أو انفراد الواو، أكثر من انفراد الضمير، وذلك لأن (ليس) لمجرد النفي على الأصح، ولا تدل على الزمان، فهي كحرف نفي داخل على الاسمية، فالاسمية معها
كأنها باقية على اسميتها، بخلاف: لا يكون، و: ما كان، ونحوهما، وقد تخلو 1 من الرابطين عند ظهور الملابسة نحو قولك: خرجت، زيد على الباب، وهو قليل، قوله: (والمضارع المثبت بالضمير وحده)، وذلك لأن المضارع على وزن اسم الفاعل لفظا، وبتقديره معنى، فجاءني زيد يركب، بمعنى: جاءني زيد راكبا، ولا سيما وهو يصلح للحال وضعا، وبين الحالين تناسب، وان كانا في الحقيقة مختلفين، كما يجيى، 2 وقد سمع: قمت وأصك عينه، وذلك إما لأنها جملة وان شابهت المفرد، وإما لأنها بتقدير: وأنا أصك، فتكون اسمية تقديرا، ويشترط في المضارع الواقع حالا: خلوه من حرف الاستقبال، كالسين ولن، ونحوهما، وذلك أن الحال الذي نحن في بابه، والحال الذي يدل عليه المضارع، وان تباينا حقيقة لأن في قولك اضرب زيدا غدا يركب: لفظ يركب، حال بأحد المعنيين، غير حال بالآخر، لأنه ليس في زمان التكلم، لكنهم التزموا تجريد صدر هذه الجملة، أي المصدرة بالمضارع عن علم الاستقبال لتناقض الحال والاستقبال في الظاهر، وإن لم
__________
= المحلق، والموماة: الغلاة الواسعة، والسملق: المستوية، (1) أي الجملة الاسمية الواقعة حالا، وهي موضوع الحديث، (2) يأتي بعد قليل توضيح هذا المعنى الذي أشار إليه الرضي، (*)(2/43)
يكن التناقض ههنا حقيقيا، ولمثله التزموا (قد) إما ظاهرة أو مقدرة في الماضي إذا كان حالا، مع أن حاليته بالنظر إلى عامله، ولفظة (قد) تقرب الماضي من حال التكلم فقط، وذلك لأنه كان يستبشع في الظاهر لفظ الماضي والحالية، فقالوا: جاء زيد العام الأول 1 وقد ركب، فالمجيى بلفظ (قد) ههنا، لظاهر الحالية، كما أن التجريد عن حرف الاستقبال في المضارع لذلك، قوله: (وما سواهما)، أي: وما سوى الاسمية، والمضارع المثبت، وهو 2 ثلاثة أقسام: المضارع المنفي، والماضي المثبت، والماضي المنفي، يجوز في كل واحدة منها، على ما ذكر، ثلاثة أوجه: اجتماع الواو والضمير، والاكتفاء بأحدهما، صارت تسعة، وهذه أمثلتها: جاءني زيد وما ركب غلامه، وما ركب عمرو، ما ركب غلامه،
جاءني زيد ولا يركب غلامه، ولا يركب عمرو لا يركب غلامه، جاءني زيد وقد ركب غلامه، وقد ركب عمرو، قد ركب غلامه، هذا ما قاله المصنف، وقال الأندلسي 3، المضارع المنفي بلم، لا بد فيه من الواو 4، كان مع الضمير، أو، لا، ولعل ذلك لأن نحو لم يضرب: ماض معنى، كضرب، فكما أن ضرب، لمناقضته للحال ظاهرا، احتاج إلى (قد) المقربة له من الحال، لفظا أو تقديرا، كذلك، لم يضرب، يحتاج إلى الواو التي هي علامة الحالية، لما لم يصلح معه (قد)، لأن 5 (قد) لتحقيق الحصول، و (لم) للنفي،
__________
(1) قوله العام الأول، القصد به توكيد معنى المضي في الجملة السابقة على الحال، (2) أي ما سوى الاسمية والمضارع المثبت، (3) تقدم ذكره قريبا.
(4) علق السيد الجرجاني على هذا بأنه جاء مجردا عن الواو في قوله تعالى: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسهم سوء)، آل عمران / 174، وهو نظر وارد، (5) تعليل لعدم صلاحية المضارع المنفي لدخول قد، (*)(2/44)
وإذا انتفى المضارع بلفظ (ما) لم تدخله الواو، لأن المضارع المجرد 1
يصلح للحال، فكيف لا 2، إذا انضم معه ما يدل بظاهره على الحال وهو (ما)، فعلى هذا ينبغي أن يلزمه الضمير، وإذا انتفى المضارع بلا، لزمه الضمير، كما يلزم المضارع المثبت، على ما ذهب إليه النجاة، والأغلب تجرده عن الواو كالمثبت، لأن معنى جاءني زيد لا يركب، أي: غير راكب، فهو واقع موقع المفرد، ودخول (لا) لا يغير الكلام في الأغلب عما كان عليه، لكثرة استعمالها، فلهذا جاز: إن تزرني لا أزرك، أو: فلا أزورك، كما تقول: ان تزرني أزرك، أو: فأزورك، وكذا تقول: كنت بلا مال، لكن مصاحبة المضارع المصدر بلا، للواو، أكثر من مصاحبة المضارع المجرد لها، إذ ليس الحال في الحقيقة، في نحو: لا يركب، مشابها للمفرد لفظا ومعنى، كما شابهه في نحو: يركب، لأن الحال في الأول: انتفاء الصفة، ف (لا) مع الجملة، هو الحال، ولا ينتفي المضارع حالا بلن، لما ذكرنا قبل 3، قوله: (ولا بد في الماضي المثبت من قد، ظاهرة أو مقدرة)، قد تقدم
علة ذلك، والأخفش، والكوفيون غير الفراء، لم يوجبوا (قد) في الماضي المثبت ظاهرة أو مقدرة، استدلالا بنحو قوله: 196 - واني لتعروني لذكراك هزة * كما انتفض العصفور بلله القطر 4 وقوله تعالى: (أو جاءوكم حصرت صدورهم 5)، وغيرهم أوجبوه، لما مضى 6، والأول قريب، وقيل ان الماضي في نحو قولهم: اضربه قام أو قعد: حال، ويجب تجرده عن
__________
(1) أي المجرد من (ما)، (2) أي فكيف لا يصلح إذا كان معه (ما) (3) وهو وجوب تجريده من علامة الاستقبال، (4) من قصيدة لصخر الفي الهذلي، أوردها البغدادي كلها، نقلا عن أمالي القالي، وشرحها وهي جيدة المعنى، وكلها في الغزل، (5) الآية 190 سورة النساء، (6) لأنها تقربه من حال التكلم فيتناسب مع معنى الحال، (*)(2/45)
(قد) ظاهرة أو مقدرة، والأولى أنه شرط لا حال، أي: ان قام أو قعد، كما يجيئ في حروف العطف، ولو كان حالا لسمع معه (قد) أو الواو، كما في غيره من الماضي
الواقع حالا، وإذا كان الماضي بعد (إلا)، فاكتفاؤه بالضمير من دون الواو، وقد: أكثر، نحو: ما لقيته الا أكرمني، لأن دخول (الا) في الأغلب الأكثر على الأسماء، فهو بتأويل: الا مكرما لي، فصار كالمضارع المثبت، وقد يجيئ مع الواو، وقد، نحو قولك: ما لقيته إلا وقد أكرمني، ومع الواو وحدها نحو: ما لقيته إلا وأكرمني، لأن الواو مع (الا) تدخل في حيز المبتدأ فكيف الحال ؟، كما تقدم، ومثاله: ما رجل إلا وله نفس أمارة، ولم يسمع فيه (قد) من دون الواو، نحو: ما لقيته إلا قد أكرمني، وفي غير هذا الموضع 1 ينظر، فإن كان مع الماضي المثبت ضمير، فثبوت (قد) معه، أكثر من تركها، وقد جاء ذلك أيضا نحو قوله تعالى: (أو جاءوكم حصرت صدورهم 2)، قالوا ان (قد) فيه مقدرة، واجتماع الواو وقد، حينئذ، أكثر من انفراد أحدهما، وانفراد (قد) أكثر من انفراد الواو، فنحو: جاءني زيد وقد خرج أبوه، أكثر، ثم: قد خرج أبوه، ثم: وخرج أبوه، فان لم يكن معه ضمير، فالواو مع (قد)
لابد منهما، كقوله: يقول وقد تر الوظيف وساقها * ألست ترى أن قد أتيت بمؤيد 3 - ولا يقال: جاءني زيد، قد خرج عمرو، ولا جاءني زيد 4 وخرج عمرو، وأجاز الأندلسي على ضعف، دخول (قد) في الماضي المنفي بما، نحو: ما قد ضرب أبوه، وليس بوجه، لعدم السماع، والقياس، أيضا لكون (قد) لتحقق الوقوع، و (ما) لنفيه،
__________
(1) أي إذا لم يكن بعد إلا، (2) الآية المتقدمة قبل قليل، (3) تقدم ذكره في أول الحديث عن الحال، (4) أي لا يقال ذلك على جعل الجملة الثانية حالا، وإن كان جائزا على ان تكون الثانية من عطف الجمل، وهذا بالنسبة للمثال الثاني، أما الأول فهو موضع نظر، (*)(2/46)
(حذف عامل الحال) (وجوبه في المؤكدة، معنى المؤكدة) (قال ابن الحاجب:) (ويجوز حذف العامل، كقولك للمسافر: راشدا مهديا،) (ويجب في المؤكدة، نحو: زيد أبوك عطوفا، أي أحقه،) (وشرطها أن تكون مقررة لمضمون جملة اسمية)،
(قال الرضي:) اعلم أن عامل الحال قد يحذف جوازا، ووجوبا أيضا، في مواضع قياسية، ولا بد من قرينة مع الحذف، جائزا كان أو واجبا، فقرينة ما حذف جائزا: حضور معناه، كقولك للمسافر: راشدا مهديا، أي سر راشدا...أو تقدم ذكره، إما في الاستفهام،.
كقولك، قائما، في جواب من قال: كيف خلفت زيدا، أو في غير الاستفهام كقوله تعالى: (أيحسب الأنسان أن لن نجمع عظامه، بلى قادرين 1)، أي بلى نجمعها قادرين، ومن المواضع التي يحذف فيها قياسا على الوجوب: أن تبين الحال ازدياد ثمن أو غيره شيئا فشيئا، مقرونة بالفاء أو ثم، تقول في الثمن: بعته بدرهم فصاعدا، أو: ثم زائدا، أي ذهب الثمن صاعدا أو زائدا، أي آخذا في الازدياد، يقال هذا في ذي أجزاء بيع بعضها بدرهم والبواقي بأكثر، وتقول في غير الثمن: قرأت كل يوم جزءا من القرآن،
__________
الآيتان 3، 4 من سورة القيامة، (*)(2/47)
فصاعدا، أو: ثم زائدا، أي: ذهبت القراءة زائدة، أي كانت كل يوم في
الزيادة، ومنها ما وقع الحال فيه نائبا عن خبر، نحو ضربي زيدا قائما، وقد تقدم 1، ومنها أسماء جامدة، متضمنة توبيخا على ما لا ينبغي من التقلب في الحال 2، مع همزة الاستفهام، وبدونها أيضا، كقولهم: أتميميا مرة، وقيسيا أخرى، وقوله: 197 - أفي السلم أعيارا جفاء وغلظة * وفي الحرب أشباه النساء العوارك 3 أي: أتتحول تميميا، و: أتنتقلون أعيارا وأشباه النساء، وكذا قوله: 198 - أفي الولائم أولادا لواحدة * وفي العيادة أولادا لعلات 4 وتقول في غير الهمزة: تميميا قد علم الله مرة وقيسيا أخرى، بلا همزة، هذا الذي ذكرنا: مذهب السيرافي 5 والزمخشري، أعني كون هذه الأسماء منصوبة على الحال، ومذهب سيبويه، وهو الحق، انتصابها على المصدرية 6، قال المصنف 7، انه ليس المراد: أنك تتحول في حال كونك تميميا، وأنكم تنتقلون في حال كونكم أعيارا، بل المعنى: تتحول هذا التحول المخصوص، ومنها، عند السيرافي، صفات تضمنت توبيخا على ما لا ينبغي في الحال، مع الهمزة وبدونها، نحو قولهم: أقائما وقد قعد الناس، و: أقاعدا وقد سار الركب، و: قائما
__________
(1) تقدم ذلك في باب المبتدأ والخبر عند الكلام على وجوب الخبر، ج 1 ص 276 (2) المراد بالحال هنا، ما يكون عليه الأنسان، وكذلك فيما يأتي عند قوله: صفات تضمنت توبيخا على ما لا ينبغي، (3) الأعيار، جمع عير بفتح العين وهو الحمار، وقد غلب في الوحشي منه، والعوارك جمع عارك وهي المرأة الحائص، وهو بيت مفرد منسوب لهند بنت عتبة تحرض به المشركين وتعيرهم بعد عودتهم منهزمين من إحدى المعارك مع المسلمين، (4) هذا البيت غير منسوب لأحد وهو من شواهد سيبويه ج 1 ص 172 ولم يكتب عليه البغدادي في الخزانة، (5) أبو سعيد السيرافي شارح كتاب سيبويه، وهو ممن تردد ذكرهم في هذا الشرح، (6) أي بتقدير ما قبلها مؤولا بفعل من معنى التحول مثلا، (7) أي ابن الحاجب تعليلا لمذهب سيبويه، (*)(2/48)
قد علم الله وقد قعد الناس، تقديره: أتقوم قائما، فهو عند السيرافي حال مؤكدة، وأما عند سيبويه، والمبرد، والزمخشري، فالصفة قائمة مقام المصدر، أي: أتقوم قياما، ويجوز رفع هذين القسمين، على أنهما خبران المبتدأ، فتقول: أتميمي
مرة...، و: قائم قد علم الله...، أي: أأنت تميمي، و: هو قائم قد علم الله..، والعلة في وجوب حذف العامل في جميع ما ذكرنا، مما هو حال، كثرة استعماله، قوله: (ويجب في المؤكدة)، أي يجب حذف العامل في المؤكدة، هذا على مذهب من قال: ان المؤكدة لا تجيئ إلا بعد الاسمية، والظاهر أنها تجيئ بعد الفعلية أيضا كقوله تعالى: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) 1، وقوله تعالى: (ثم وليتم مدبرين 2)، وقولهم: تعال جائيا، وقم قائما، قال تعالى: (والشمس والقمر والنجوم مسخرات) 3، على قراءة النصب في الأربعة، وقال تعالى: (كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) 4، وتخالف العامل والحال، اذن، أكثر من توافقهما، وللأول 5 أن يرتكب أن هذه الصفات المنصوبة كلها قائمة مقام المصدر، على ما هو مذهب سيبويه في نحو: أقاعدا وقد سار الركب، وأما المؤكدة فليست بقيد به عاملها كالمنتقلة، وإذا جاءت بعد الاسمية وجب أن يكون جزاها معرفتين جامدين، وتجيئ إما لتقرير مضمون الخبر
وتأكيده، وإما للاستدلال على مضمونه، ومضمون الخبر إما فخر، كقوله:
__________
(1) الآية 85 سورة هود،.
(2) الآية 25 سورة التوبة، (3) الآية 54 سورة الأعراف، (4) الآية 92 سورة النحل، (5) يعني من يرى أن المؤكدة لا تجيى بعد الجملة الاسمية، (*)(2/49)
199 - أنا ابن دارة معروفا بها نسبي * وهل بدارة يا للناس من عار وكقولك: أنا حاتم جوادا، وأنا عمرو شجاعا، إذ لا يقول مثله الا من اشتهر بالخصلة التي دلت عليها الحال، كاشتهار حاتم بالجود، وعمرو 2 بالشجاعة، وإما تعظيم لغيرك نحو: أنت الرجل كاملا، أو تصاغر لنفسك 3، نحو: أنا عبد الله آكلا كما يأكل العبد، أو تصغير للغير 4، نحو: هو المسكين مرحوما، أو تهديد نحو: أنا الحجاج سفاكا للدماء، أو غير ذلك نحو: زيد أبوك عطوفا، و: (هذه ناقة الله لكم آية) 5، و: (هو الحق مصدقا) 6، فقولك: آكلا، ومرحوما ومصدقا، للاستدلال على مضمون الخبر، وقوله: مشهورا بها نسبي 7، وقولك كاملا،
وسفاكا للدماء، وآية، ومعروفا، 8 لتقرير مضمون الخبر وتأكيده، وقولك عطوفا، لكليهما، وإنما سمي الكل حالا إذ ليس 9 في كونه حقا، معنى التصديق، حتى يؤكد بمصدقا، وكذلك ليس في كونه مسكينا معنى المرحومية، لأن 10 مضمون الحال لازم في الأغلب لمضمون
__________
(1) من أبيات امتلأت بالهجاء المقذع، قالها سالم بن دارة يهجو زميل بن أبير، أحد بني فزارة، وكانت بينهما مهاجاة قاسية، ويروى: مشهورا بها نسبي، (2) المقصود: عمرو بن معد يكرب الزبيدي وكان مشهورا بالشجاعة، (3) مقابل قوله: اما فخر، والمراد هنا التواضع، (4) دخول حرف التعريف على كلمة (غير) لا يقره كثير من النجاة، والرضي يستعمله كثيرا، ويحاول بعض الباحثين تبريره بما لا يخلو من تكلف،.
(5) الآية 64 من سورة هود، وتقدمت، (6) من الآية 31 في سورة فاطر، (7) جرى في توضيح البيت على ما روى في إنشاده كما أشرنا، وسيشير إلى الرواية التي أوردها، وهذا من اختلاف النسخ الذي برز في هذا المكان من الشرح مما جعلنا نوفق بين عبارة المطبوعة وبين ما أشير إليه بالهامش من نسخ أخرى بحيث لم نخرج عن المقصود، والحمد لله،
(8) إشارة إلى الرواية التي أوردها في البيت، (9) بيان لكونها غير مؤكدة، (10) وهذا بيان لوجه التسمية (*)(2/50)
الجملة، فان التصديق لازم لحقية القرآن، فصار كأنه هو، وكذا المرحومية في الأغلب لازم للمسكنة، واختلف في العامل في المؤكدة التي بعد الاسمية، فقال سيبويه 1: العامل مقدر بعد الجملة، تقديره: زيد أبوك أحقه عطوفا، يقال: حققت الأمر أي تحققته وعرفته، أي أتحققه وأثبته عطوفا، وفيه نظر، إذ لا معنى لقولك: تيقنت الأب وعرفته في حال كونه عطوفا، وإن أراد 2 أن المعنى: أعلمه عطوفا، فهو مفعول ثان لا حال، وقال الزجاج 3: العامل هو الخبر، لكونه مؤولا بمسمى، نحو: أنا حاتم سخيا، وليس بشئ، لأنه لم يكن سخيا وقت تسميته بحاتم، ولا يقصد القائل بهذا اللفظ: هذا المعنى، وأيضا، لا يطرد ذلك في نحو: (هذه ناقة الله لكن آية)، 4 و: (هو الحق مصدقا 5) وغير ذلك مما ليس الخبر فيه علما،
وقال ابن خروف 6: العامل المبتدأ، لتضمنه معنى التنبيه، نحو: أنإ، عمرو شجاعا، وهو بعيد، لأن عمل المضمر، والعلم في نحو: أنا زيد، وزيد أبوك، مما لم يثبت نظيره في شئ من كلامهم، والأولى عندي: ما ذهبت إليه ابن مالك 7، وهو أن العامل معنى الجملة، كما قلنا في المصدر المؤكد لنفسه، أو لغيره 8، كأنه قال: يعطف عليك أبوك عطوفا، ويرحم
__________
(1) انظر سيبويه: ج 1 ص 192.
(2) وإن أراد: أي سيبويه،.
(3) الزجاج من متقدمي نجاة البصرة، واسمه إبراهيم بن السري وتكرر ذكره في هذا الشرح، (4) الآية المتقدمة قريبا من سورة هود، (5) الآية 31 سورة فاطر وتقدمت قريبا (6) ابن خروف هو أبو الحسن علي بن محمد الأشبيلي من مشاهير النجاة وتقدم له ذكر في الجزء الأول، (7) الأمام جمال الدين بن مالك صاحب الألفية والتسهيل وغيرهما، من معاصري الرضي، ونقل الرضي عنه كثيرا، وعبر في بعض المواضع بالمالكي ورجحنا أنه يريد ابن مالك بهذا، والله اعلم، (8) ص 323 من الجزء الأول، (*)(2/51)
مرحوما، وحق ذلك مصدقا، وذلك لأن الجملة، وان كان جزاها جامدين جمودا محضا، فلا شك أنه يحصل من إسناد أحد جزأيها إلى الآخر معنى من معاني الفعل، ألا ترى أن معنى أنا زيد، أنا كائن زيدا، فعلى هذا، لا تتقدم المؤكدة على جزأي الجملة، ولا على أحدهما، لضعفها في العمل، وذلك لخفاء معنى الفعل فيها، هذا، ويجوز حذف الحال مع القرينة، كقولك: لقيته، في جواب من قال: أما لقيت زيدا راكبا، ولا يجوز الحذف إذا نابت عن غيرها كما في: ضربي زيدا قائما، وإذا توقف المراد على ذكرها، كما تقول في الحصر: لا تأتني إلا راكبا، وقد يلزم بعض الأسماء الحالية، نحو: كافة، وقاطبة، ولا تضافان، وتقع (كافة) في كلام من لا يوثق بعربيته 1، مضافة غير حال، وقد خطئوا فيه،
__________
(1) الجمهور على أن (كافة) مختصة بالنصب على الحالية ولا تستعمل إلا في العقلاء وقد وردت في كلام الزمخشري مجرورة بحرف الجر لغير العاقل إذ يقول في المفصل: مشتملا على كافة الأبواب - (مقدمة المفصل) وكأن الرضي يقصده، وقد صحح بعضهم كلام الزمخشري واستدل لذلك، (*)(2/52)
(التمييز)
(تعريفه وأنواعه) (قال ابن الحاجب:) (التمييز ما يرفع الابهام المستقر عن ذات مذكورة أو مقدرة)، (قال الرضي:) قوله: (ما يرفع الابهام)، جنس يدخل فيه التمييز وغيره، كالحال، والصفة، وشبههما، وقال: عن ذات، احترازا، عن الحال فإنه يرفع الأبهام ولكن لا عن الذات، قلت: سلمنا أن الحال تخرج عنه، لأنها ترفع الابهام عن هيئة الذات لا عن نفسها، وكذا القهقرى، في قولك: رجع زيد القهقرى، يرفع الأبهام عن هيئة الذات التي هي الرجوع لا عن نفس الرجوع، لأن ماهية الرجوع معلومة غير مبهمة، وهي الانتفال إلى ما ابتدأت منه الذهاب، لكن الصفة في نحو: جاءني رجل طويل، أو ظرف، تدخل فيه، لأن (رجل) ذات مبهمة بالوضع، صالحة لكل فرد من أفراد الرجال، فبذكر أحد أوصافه، تميز عما يخالفه، كما تميز بطويل، عن قصير، فطويل، إذن، يرفع الابهام المستقر، أي الثابت وضعا، على ما فسره المصنف 1، عن الذات المذكورة، وكذا يدخل فيه عطف
البيان، نحو: جاءني العالم زيد، وكذا البدل من الضمير الغائب في نحو: مررت به زيد، لأنه رفع الابهام عن المقصود بالضمير، كما في نعم رجلا، وربه رجلا، سواء 2،
__________
(1) سيأتي تفسير المصنف في الفصل التالي لهذا، (2) تقديره هما سواء وتكرر ذلك (*)(2/53)
ويدخل فيه، أيضا، المضاف إليه في نحو: خاتم فضة، كما يدخل فيه إذا انتصب، لأن معنى النصب والجر فيه سواء، وكذا يدخل فيه المجرور في نحو: مائة رجل وثلاثة رجال، وله 1 أن يعتذر بأن المجرور بالعداد، داخل في الحد، وهو تمييز، والتمييز نفسه قد ينجر، إذا كان جره أخف من نصبه، كما في هذا، كما اعتذر في حد المفعول عن الاعتراض بنحو: ضرب ضرب شديد بأنه مفعول مطلق، لكنه لم ينتصب لغرض قيامه مقام الفاعل، وكذا في: ضرب زيد، وسير يوم الجمعة وفرسخان، قوله: (الابهام المستقر)، قال: 2 احترزت بالمستقر، عن الابهام في اللفظ المشترك، فإن صفة المشترك ترفع الأبهام عن المشترك في نحو: أبصرت عينا
جارية، لكن الأبهام فيه ليس بوضع الواضع، فإن الذي يثبت منه 3 بوضع الواضع، إنما يكون بأن يضع الواضع لفظا لمعنى مبهم صالح لكل نوع، كالعدد والوزن، والكيل، لا أن يضع لفظا لمعنى معين، ثم اتفق، إما من ذلك الواضع، أو من غيره، أن يضع ذلك اللفظ، لمعين آخر، فيعرض له الابهام عند المستعمل، لأجل الاشتراك العارض، فمثل هذا الأبهام غير مستقر في أصل الوضع، بل عرض بسبب الاشتراك العارض، قلت 4: معنى المستقر في اللغة، هو الثابت، ورب عارض، ثابت لازم، والابهام في المشترك ثابت لازم مع عدم القرينة بعد اتفاق الاشتراك، ومع القرينة، ينتفي الابهام، في المشترك وفي العدد وسائر المقادير، فلا فرق بينهما، أيضا، من جهة الأبهام، ولا يدل لفظ المستقر على أنه وضعي كما فسر، والحد لا يتم بالعناية 5، والألفاظ المجملة في الحد مما يخل به،
__________
(1) أي للمصنف أن يعتذر عن دخول العدد، (2) أي ابن الحاجب في شرحه على الكافية، (3) أي من أنواع الأبهام
(4) تمهيد من الرضي للاعتراض على ابن الحاجب (5) يعني: ببيان المراد من اللفظ، ويسمونه: تحرير المراد، ولذإ يقولون: تحرير المراد لا يدفع الأيراد، (*)(2/54)
قوله: (عن ذات مذكورة أو مقدرة)، ليشمل النوعين: التمييز عن المفرد، والتمييز عن النسبة، (تمييز المفرد) (قال ابن الحاجب:) (فالأول عن مفرد، مقدار غالبا، إما في عدد، نحو:) (عشرين درهما، وسيأتي، وإما في غيره، نحو: رطل زيتا) (ومنوان سمنا، وعلى التمرة مثلها زبدا، فيفرد، إن كان) (جنسا، إلا أن يقصد الأنواع، ويجمع في غيره، ثم إن كان) (بتنوين أو بنون التثنية، جازت الاضافة، وإلا فلا، وعن) (غير مقدار نحو: خاتم حديدا، والخفض أكثر)، (قال الرضي:) قوله: فالأول، يعني الذي يرفع الأبهام عن ذات مذكورة،.
قوله: (عن مفرد)، لفظة (عن) في مثله تفيد أن ما بعدها مصدر لما قبلها وسبب له، كما يقال: فعلت هذا عن أمرك وعن تقدمك 1، أي أن أمرك سبب لحصوله فالتمييز صادر عن المفرد، أي: المفرد، لابهامه، سبب له، أو عن نسبة
في جملة أو شبهها، أي: النسبة سبب له، لأنك تنسب شيئا إلى شئ في الظاهر، والمنسوب إليه في الحقيقة غيره، فتلك النسبة، إذن، سبب لذلك التمييز، وكذا قوله بعد 2: ان كان اسما يصح جعله لما انتصب عنه، أي للاسم الذي صدر
__________
(1) أي أنك تقدمت إلي بطلب فعله، (2) في الفصل التالي لهذا، (*)(2/55)
انتصاب التمييز عنه، كزيد، في: طاب زيد نفسا، لأنه لولا أنك أسندت (طاب) إليه، لم يكن ينتصب (نفسا) بل كان يرتفع، إذ هو في الأصل فاعل، أي: طاب نفس زيد، فزيد هو سبب لانتصاب (نفسا)، وكذا معنى قولهم: ينتصب عن تمام الاسم، أو عن تمام الكلام، أي أن تمامها سبب لانتصاب التمييز، تشبيها بالمفعول الذي يجيئ بعد تمام الكلام بالفاعل، ويجوز أن يقال: إن (عن) في هذه المواضع بمعنى (بعد)، كما قيل في قوله تعالى: (لتركبن طبقا عن طبق 1)، والأول أولى، قوله: (عن مفرد، مقدار غالبا)، نقول: التمييز على ضربين: رافع الأبهام عن
ذات مذكورة، ورافعه عن ذات مقدرة، والأول لا يكون إلا عن مفرد، وذلك المفرد على ضربين: إما مقدار، وهو الغالب، أو غير مقدار، والمقدار: ما يقدر به الشئ، أي يعرف به قدره ويبين، والمقادير إما مقاييس 2 مشهورة موضوعة ليعرف بها قدر الأشياء كالأعداد، وما يعرف به قدر المكيل، كالقفيز والاردب والكر، وما يعرف به قدر الموزون، كصنجات 3 الوزن، كالطسوج والدانق والدينار والمن والرطل، ونحو ذلك، وما يعرف به قدر المذروع والممسوح،.
كالذراع، وقدر راحة، وقدر شبر، ونحو ذلك،.
أو مقاييس غير مشهورة، ولا موضوعة للتقدير، كقوله تعالى: (مل ء الأرض ذهبا) 4، وقولك: عندي مثل زيد رجلا، وأما: غيرك إنسانا، وسواك رجلا، فمحمول على (مثلك) بالضدية، وقولك:
__________
(1) الآية 19 سورة الأنشقاق (2) المراد بالمقاييس هنا: الأشياء التي تعتبر معيارا لغيرها وأما المقيس بالمعنى المتعارف فعبر عنه بالمذروع فيما يأتي، (3) الصنجة، ثقل من حديد ونحوه يجعل أساسا للوزن وكثير مما
أورده الرضي هنا، منقول من لغات مختلفة، يرجع في تحديد معناها إلى المعاجم وكتب المعرب ونحوها، (4) من الآية 91 سورة آل عمران، (*)(2/56)
بطولك رجلا، وبعرضك أرضا، وبغلظه خشبا، ونحو ذلك: من 1 المقاييس أيضا، فهذه المقادير، إذا نصبت عنها التمييز، أردت بها المقدرات، لا المقادير، لأن قولك: عندي عشرون درهما، وذراع ثوبا، ورطل زيتا، المراد يعشرون، فيه، هو الدراهم، لا مجرد العدد، وبذراع: المذروع، لا ما يذرع به، وبرطل: الموزون، لأ ما يوزن به، وكذلك في غيرهما، وغير المقدار: كل فرع حصل له بالتفريع اسم خاص، يليه أصله، ويكون بحيث يصح اطلاق الأصل عليه، نحو: خاتم حديدا، وباب ساجا، وثوب خزا، والخفض في هذا، أكثر منه في المقادير، وذلك لأن المقدار مبهم محتاج إلى مميز، ونصب التمييز، نص على كونه مميزا، وهو الأصل في التمييز، بخلاف الجر، فانه علم الاضافة، فهو في غير المقدار أولى لأن ابهامه ليس كإبهام المقدار، مع أن الخفة مع
الجر أكثر، لسقوط التنوين، والنونين بالاضافة، وإن لم تتغير تسمية البغض بالتبعيض، نحو: قطعة ذهب، وقليل فضة، لم يجز انتصاب الثاني على التمييز، وقد خالفوا القاعدة المذكورة فالتزموا الجر في العدد من الثلاثة إلى العشرة، وفي المائة، والألف، وما يتضاعف منهما، لكثرة استعمال العدد، فآثروا التخفيف بالاضافة، مع أنه قد جاء في الشذوذ على الأصل: خمسة أثوابا 2، ومائتين عاما 3، وإنما تركوا الجر في العدد المركب نحو: أحد عشر، لأن المضاف إليه مع المضاف كاسم واحد لفظا، فلو أضيف العدد المركب إلى مميزة، والمميز، من حيث المعنى، هو المبهم المحتاج إلى التمييز، لكان جعلا لثلاثة أسماء كاسم واحد، لفظا ومعنى،
__________
(1) قوله: من المقاييس، خبر عن (قولك بطولك رجلا) الخ، (2) انظر سيبويه ج 1 ص 293، (3) ورد هذا في قول الربيع بن ضبع الفزاري: إذا عاش الفتى مائتين عاما * فقد ذهب اللذاذة والفتاء وهو من شواهد سيبويه ج 1 ص 106 وسيأتي شاهدا في باب العدد، (*)(2/57)
وأما نحو: ثلاثة عشرك 1، فمخالفة المضاف معنى للمضاف إليه سهلت الأضافة، وكذا تركوا الجر في الأغلب، في العدد الذي في آخره نون الجمع، كعشرون، وأخواته، مع أنه كثير الاستعمال أيضا، وذلك لأن النون فيها 2 ليست بنون الجمع حقيقة، كما ذكرنا في صدر الكتاب 3، بل مشابهة لها، فلم تحذف في الأضافة 4 حذف نون الجمع لمباينتها إياها، ولم تثبت معها، لمشابهتها لنون الجمع، فتعذرت الأضافة، لتعذر اثبات النون معها، وحذفها، وقد جاء نحو: عشرو درهم قليلا، وأكثر منه اضافته إلى صاحبه، نحو عشروك، قال: 200 - وما أنت ويك ورسم الديار * وستوك قد كربت تكمل 5 اجراء له مجرى: أحد عشرك، قوله: (وإما في غيره)، أي في غير العدد، وليس مراده بقوله: رطل زيتا، ومنوان سمنا، ومثلها زبدا، بيان أنواع المقادير، بل بيان ما يتم به الاسم المفرد، لأنه يتم بأربعة أشياء: إما بنون الجمع، كعشرين، وقد ذكرناه قبيل، وإما بالتنوين وهو إما ظاهر
كما في: رطل زيتا، وإما مقدر كما في: خمسة عشر، وفي (كم)، وإما بنون التثنية كما في: منوان سمنا وإما بالاضافة، كما في مثلها...، والمبهم المحتاج إلى التمييز في: ملؤها، ومثله، هو المضاف، لا المضاف إليه، لأنك لو جئت بالظاهر بدل المضمر وقلت: مل ء الاناء، ومثل زيد، لاحتاج الكلام أيضا،
__________
(1) بإضافة العدد المركب إلى صاحبه وهو ضمير المخاطب في المثال، (2) أي في عشرين وأخواته.
(3) ج 1 ص 94 (4) خلاصة كلامه أن عشرين مثلا إذا أريد إضافته، فلا يمكن حذف النون لأنها ليست نون جمع حقيقة، ولا يمكن بقاؤها لمشابهتها لنون الجمع فتعذرت الأضافة، (5) من قصيدة للكميت في مدح عبد الرحمن بن عقبة بن سعيد بن العاص، وهو البيت الثاني بعد مطلع القصيدة، والمراد من قوله: وستوك، الأعوام الستون التي مضت من عمرك، (*)(2/58)
إلى التمييز، لابهام المثل والمل ء، أي قدر ما يملأ به الشئ، فرجلا تفسير مثل، وزبدا تفسير مل ء، ومعنى تمام الاسم: أن يكون على حالة لا يمكن اضافته معها، والاسم
مستحيل الاضافة مع التنوين ونوني التثنية والجمع، ومع الاضافة لأن المضاف لا يضاف ثانية، فإذا تم الاسم بهذه الأشياء، شابه الفعل إذا تم بالفاعل وصار به كلاما تاما، فيشابه التمييز الآتي بعده 1: المفعول، لوقوعه بعد تمام الاسم، كما أن المفعول حقه أن يكون بعد تمام الكلام، فيصير ذلك الاسم التام قبله 2، عاملا، لمشابهته الفعل التام بفاعله، وهذه الأشياء التي تم بها الاسم، إنما قامت مقام الفاعل الذي به يتم الكلام لكونها في آخر الاسم، كما كان الفاعل عقب الفعل، ألا ترى أن لام التعريف، وإن كان يتم بها الاسم فلا يضاف معها: لا ينتصب التمييز عنه، 3 فلا يقال: الراقود خلا، وقد يكون الاسم نفسه تاما، لا بشئ آخر، أعني لا تجوز اضافته، فينتصب عنه التمييز، وذلك في شيئين: أحدهما: الضمير، وهو الأكثر، وذلك في الأغلب، فيما فيه معنى المبالغة والتفخيم كمواضع التعجب، نحو: يا له رجلا، ويا لها قصة، ويا لك ليلا، وويلمها خطة، وما أحسنها فعلة، ولله دره رجلا جاءني، وويحه رجلا لقيته، وكذا: ويله، وكذا:
نعم رجلا، وبئس عبدا، و: (ساء مثلا) 4، ومن هذا الباب، أي الذي فيه التفخيم: ربه رجلا لقيته، إذ هو جواب في التقدير، لمن قال: ما لقيت رجلا، فكأنه قيل: لقيت رجلا وأي رجل، ردا عليه،
__________
(1) أي الآتي بعد الاسم للفعل في التمام بأحد الأشياء المذكورة، (2) أي قبل التمييز، (3) أي عن المعرف باللام، (4) من الآية 177 سورة الأعراف (*)(2/59)
ولا ريب في أن التمييز في: نعم، وما بعده: عن المفرد، وهو الضمير، وأما فيما قبله، أعني من: ياله، إلى: ويله، فينظر، فان كان الضمير فيها مبهما لا يعرف المقصود منه، فالتمييز عن المفرد أيضا، كقوله 1، كرم الله وجهه في نهج البلاغة: (يا له مراما ما أبعده)، وقول امرئ القيس: 201 - فيا لك من ليل كأن نجومه * بكل مغار الفتل شدت بيذبل 2 وقول ذي الرمة: 202 - ويلمها روحة والريح معصفة * والغيث مرتجز والليل مرتقب 3 وان عرف المقصود من الضمير، برجوعه إلى سابق معين، كقولك: جاءني زيد، فيا له رجلا، وويلمه فارسا، ويا ويحه رجلا، ولقيت زيدا فلله دره رجلا، أو
بالخطاب لشخص معين نحو: قلت لزيد: يا لك من شجاع، ولله درك من رجل ونحو ذلك، فليس التمييز فيه عن المفرد، لأنه لا ابهام، إذن، في الضمير، بل عن النسبة الحاصلة بالاضافة 4، كما يكون كذلك إذا كان المضاف إليه فيها ظاهرا، نحو: يإ، لزيد رجلا، وكقول الشاعر: 203 - ويلم أيام الشباب معيشة * مع الكثر يعطاه الفتى المتلف الندي 5 ولله در زيد رجلا، قال:
__________
(1) أي الأمام علي بن أبي طالب، وقوله هذا من كلام له في نهج البلاغة طبع دار الشعب بالقاهرة ص 266، (2) من معلقة امرئ القيس، من الجزء الذي وصف فيه الليل بالطول، والمغار بضم الميم المحكم القتل الشديد من الحبال، ويذبل اسم جبل يقول: كأن نجوم هذا الليل قد ربطت إلى يذبل بأقوى الحبال وأشدها فلا تتحرك، (3) من قصيدة لذي الرمة، وكلمة ويلم أصلها ويل أم فخفف بحذف الهمزة من أم، وقيل في أصله وجوه أخرى، والروحة المرة من الرواح وهو السير آخر النهار ومعنى قوله: والغيث مرتجز، أنه لتتابعه يحدث صوتا يشبه إنشاء الرجز،
(4) راجع إلى جميع الأمثلة السابقة ومنها المجرور بحرف الجر، وقد جرى الرضي على أن الجر بالحرف من باب الأضافة، لأن الحرف يضيف معنى الفعل إلى الاسم، وسيأتي ذلك في باب الأضافة، (5) نسب هذا البيت لأكثر من شاعر، ومنهم علقمة الفحل، وهو من أبيات في حماسة أبي تمام، وبعده: وقد يعقل القل الفتى دون همه * وقد كان لو لا القل طلاع أنجد (*)(2/60)
204 - لله در أنوشروان من رجل * ما كان أعرفه بالدون والسفل 1 وويل زيد رجلا، ومثله قولهم: قال الله عز من قائل، ولقيت زيدا قاتله الله شاعرا، أو من شاعر،..التمييز في جميع هذا: ظاهره ومضمره، كما 2 في قولهم: كفى بزيد رجلا، وحسبك به ناصرا، وحسبك بزيد شجاعا، أعني أن التمييز عن النسبة، والتمييز نفس المنسوب إليه، لا متعلقه، فمعنى لله در زيد رجلا: لله در رجل هو زيد، و: ويلم أيام الشباب معيشة: ويلم معيشة هي أيام الشباب، كما أن معنى كفى بزيد رجلا: كفى رجل هو زيد، وأما قولهم طاب زيد علما، ودارا، فالتمييز فيه، متعلق المنسوب إليه، لا نفسه، لأن المعنى: طاب علم زيد، ودار زيد، وقد يجيئ لهذا مزيد شرح في
التمييز عن النسبة 3، وثانيهما 4: اسم الاشارة، كقوله تعالى: (ماذا أراد الله بهذا مثلا 5) فيمن 6 قال: إنه تمييز، لا حال، وكذا قولك: حبذا زيد رجلا، والعامل في التمييز في القسمين: هو الضمير، واسم الأشارة، لتمامهما ومشابهتهما للفعل التام بفاعله، فلا تظنن أن الناصب للتمييز في: نعم رجلا، وبئس رجلا، وساء مثلا، وحبذا رجلا: هو الفعل، بل هو الضمير، كما في: ربه رجلا، قوله: (فيفرد إن كان جنسا، الا أن يقصد الأنواع ويجمع في غيره)، ليس بتقسيم حسن، والحق أن يقال: ان التمييز عن الذات المذكورة إما أن يكون عن عدد، أو غيره، والأول إما أن يكون جنسا أو، لا، والجنس إما أن يقصد به الأنواع أو، لا، وعلى كلا
__________
(1) المراد: كسرى أنو شروان ملك الفرس، والسفل بكسر السين جمع سفلة وهم أراذل الناس ولم ينسب هذا البيت لأحد معين، وانفرد الرضي بذكره من بين كثير من كتب النحو، (2) هذا خبر عن قوله: التمييز في جميع هذا، (3) في الفصل التالي لهذا، (4) أي ثاني النوعين اللذين يكون فيهما الاسم تاما بنفسه، (5) من الآية 26 سورة البقرة،
(6) أي في رأي من أعرب مثلا تمييزا، (*)(2/61)
الوجهين يجب إفراد التمييز، والأول يجب خلوه عن تاء الوحدة، نحو: عشرون ضربا أو تمرا، والثاني يجب كونه مع تاء الوحدة نحو: عشرون ضربة أو تمرة، فالأول لبيان عدد الأنواع، والثاني لبيان عدد الآحاد، ولا يجوز أن تقصد الأمرين أي البيانين، فتقول: عشرون ضربين أي أن كل عشرة نوع، أو تقول: عشرون ضروبا بمعنى اختلاف أنواع آحاده، لأن الأعداد لا يثنى مميزها المنصوب ولا يجمع، كما يجيئ في بابها، وإن كان عن عدد ليس بجنس، وجب إفراده، نحو: عشرون رجلا أو درهما، والذى عن غير العدد، إن كان جنسا وقصدت الأنواع، فثن إن أردت المثنى، واجمع إن قصدت الجمع، وإلا فافرد، نحو: عندي مثله تمرا، أو تمرين أو تمورا، وإن كان جنسا ولم تقصد الأنواع فالأفراد واجب، نحو: مثله تمرا، وإن لم يكن جنسا طابقت به ما تقصد، مفردا كان، أو مثنى، أو مجموعا، كقولك: مثله رجلا أو رجلين أو رجالا،
فقوله 1: (ويجمع في غيره)، ليس بصحيح، ويعني بالجنس ههنا: ما يقع لفظ الواحد المجرد عن تاء الوحدة منه، على القليل والكثير، فتمر، وضرب: جنس، بخلاف: رجل، وفرس، قوله: (ثم 2 ان كان بالتنوين الو نون التثنية جازت الاضافة)، إنما جازت، إيثارا للتخفيف، وذلك نحو: رطل زيت، ومنوا سمن، وكان عليه أن يقيد التنوين بالظاهر، فان ما فيه تنوين مقدر، وهو في بابين: كم، الاستفهامية، والجزء الثاني من أحد عشر وأخواته: لا يضاف في الأغلب، إلى التمييز، كما يجيئ في بابيهما، قوله: (وإلا فلا)، وذلك إذا كان مع نون الجمع، والاضافة، أما نون الجمع فلما ذكرنا من أنها ليست بنون الجمع حقيقة بل هي مشبهة لها،
__________
(1) هذا نتيجه لما شرح به قوله: ليس بتقسيم حسن، (2) التعبير بثم هو نص عبارة ابن الحاجب في المتن، وفي الشرح المطبوع: فإن كان، (*)(2/62)
وأما قولهم في حسنون وجها، حسنو وجه، فليس من هذا الصنف، لأن التمييز فيه عن نسبة، وكلامنا في التمييز عن المفرد، وكذا قولهم ممتلى ماء،
وممتلئان ماء، وملآن ماء، و: (أنا أكثر منك مالا)، ليس 1 مما انتصب فيه التمييز عن التنوين الظاهر أو المقدر وعن نون التثنية، كما ظن بعضهم، بل التمييز فيه عن النسبة، كما في: امتلأ الاناء ماء، فهو، إذن، عن شبه تمام الكلام، وأما الاضافة، فإنما امتنعت الاضافة معها، لأن الاضافة مع وجود المضاف إليه محال، إذ لا يضاف اسم إلى اسمين بلا حرف عطف، فإن أضفت مع حذف المضاف إليه، كما تقول في: عندي مثل زيد رجلا: مثل رجل، فسد المعنى، لأنك تريد: عندي رجل، ولا تريد: عندي شئ مثل رجل، وكذا لو قلت في: عندي ملؤه عسلا، مل ء عسل، لأن المل ء هو قدر ما يملأ، ولا معنى لقولك: قدر ما يملأ العسل، قوله: (وعن غير مقدار)، قد ذكرنا، لم كان الجر فيه أكثر، (تمييز النسبة) (قال ابن الحاجب:) (والثاني عن نسبة في جملة، أو ماضاهاها، نحو: طاب) (زيد نفسا وزيد طيب أبا وأبوة، ودارا، وعلما، أو في) (اضافة، مثل يعجبني طيبه أبا وأبوة، ودارا وعلما، ولله دره)
(فارسا)،
__________
(1) توضيح لما فهم من قوله: وكذا قولهم ممتلئ ماء...الخ، (*)(2/63)
(قال الرضي:) يعني بالثاني: ما يرفع الابهام عن ذات مقدرة، قوله: (عن نسبة في جملة)، أي نسبة حاصلة في جملة أو شبه جملة، وشبه الجملة: إما اسم الفاعل مع مرفوعه، نحو: زيد متفقي شحما، والبيت مشتعل نارا، أو اسم المفعول معه 1، نحو: الأرض مفجرة عينا، أو أفعل التفضيل معه 1، نحو: (أنا أكثر منك مالا 2)، و: (خير مستقرا) 3 أو الصفة المشبهة معه، نحو: زيد طيب أبا، أو المصدر نحو: أعجبني طيبه أبا، وكذا كل ما فيه معنى الفعل نحو: حسبك بزيد رجلا، وويلم زيد رجلا، ويا لزيد فارسا، قوله: (أو في اضافة)، عطف على قوله: في جملة، أي نسبة في اضافة نحو: أعجبني طيبه نفسا، وقد ذكرنا أنه داخل في شبه الجملة 4، أعني: ما ضاهاها، وأما قوله: لله دره فارسا، فقد ذكرنا 5 أنه يكون عن نسبة ان كان الضمير
معلوما، أو كان (در) مضافا إلى ظاهر، وأما إن كان (در) مضافا إلى ضمير مجهول، فالتمييز عن مفرد، والحق، أن التمييز في نحو: لله در زيد فارسا، و: ويلم لذات الشباب معيشة 6، عن نسبة في شبه جملة، أيضا، لأن فيه معنى الفعل، أي: عجبا من زيد فارسا، وعجبا من لذات الشباب معيشة، قوله: (أبا، وأبوة، ودارا، وعلما)، تفصيل للتمييز الكائن عن نسبة، وذلك أن يقال: إما أن يكون 7 نفس ما انتصب عنه لا غير، نحو: كفى زيد رجلا، ولله
__________
(1) أي مع مرفوعه، وكذلك في قوله: أو أفعل التفضيل، أو الصفة المشبهة، (2) الآية 34 من سورة الكهف، وقد تقدمت مع بعض أمثلة أخرى، (3) من الآية 24 سورة الفرقان، (4) لأن المصدر مضاف إلى المرفوع به معنى، (5) في البحث الذي قبل هذا، (6) إشارة إلى الشاهد المتقدم قريبا، والرواية هناك: ويلم أيام الشباب، (7) أي التمييز، (*)(2/64)
در زيد رجلا، فرجل، هو زيد، لا غير، ونعني بما انتصب عنه التمييز:
الاسم الذي أقيم مقام التمييز، حتى بقي التمييز بسبب قيام ذلك الاسم مقامه فضلة، كزيد، في: طاب زيد نفسا، فإن الأصل: طاب نفس زيد، وكالأرض في قوله تعالى: (وفجرنا الأرض عيونا) 1، فان أصله: فجرنا عيون الأرض، وكذا كفى زيد رجلا، كان في الأصل: كفى رجل هو زيد، وإما أن يصلح أن يكون نفسه، ومتعلقه، نحو: طاب زيد أبا، يجوز أن تريد ب (أبا)، نفس زيد 2، وأن تريد به: أباه، وإما ألا يصلح أن يكون نفسه، بل يكون صفة نفسه لا غير، نحو: طاب زيد علما، وإما أن يصلح أن يكون صفة نفسه وصفة متعلقه، نحو: طاب زيد أبوة، يجوز أن يكون المعنى: طاب أبوته لغيره، أو طاب أبوة أبيه، وإما ألا يصلح أن يكون نفسه، ولا صفة نفسه، بل يكون متعلقا له لا غير نحو: طاب زيد دارا، والقسمة الحاصرة ههنا أن تقول: إما أن يصلح أن يكون نفس ما انتصب عنه أو، لا، والأول إما أن يصلح أن يكون نفس متعلقه أيضا، كطاب زيد أبا، أو لا يصلح،
نحو: كفى زيد رجلا، والثاني: اما أن يصلح أن يكون صفة نفسه أو، لا، والأول 3، اما أن يصلح أن يكون صفة متعلقه أيضا، كطاب زيد أبوة أو، لا، نحو: طاب زيد علما، والثاني نحو: طاب زيد دارا، وإذا قصدنا أن نصرح بالذات المقدرة ههنا 4، قلنا في كفى زيد رجلا: كفى شئ زيد رجلا، وفي طاب زيد نفسا: طاب شئ زيد نفسا أو علما أو دارا، فالذات المقدرة
__________
(1) الآية 12 من سورة القمر، وستتكرر (2) أي بأن يراد أنه أب لغيره،.
(3) أي من النوعين اللذين تفرع إليهما الثاني، (4) كأن الرضي رحمه الله، يريد هنا إظهار براعته في التطبيق بإعادة التراكيب إلى وضعها الأصلي، (*)(2/65)
هي الشئ المنسوب إليه (كفى) و (طاب)، فإذا أظهرته صار (زيد) في كفى زيد رجلا، بدلا منه، وفي طاب زيد نفسا، مضافا إليه (شئ)، ورجلا تمييز لشئ، المقدر، وكذا (نفسا)، ودارا، وعلما، فان قصدنا أن نرد التمييز في هذه الأمثلة كلها إلى أصله حين كان منسوبا إليه الفعل أو شبهه، ونرد الاسم الذي
انتصب عنه التمييز إلى مركزه الأصلي، جعلنا ما انتصب عنه التمييز، ان كان التمييز نفسه: بدلا من التمييز، أو عطف بيان له، فنقول: كفى رجل زيد، وطاب أب زيد، وإن كان التمييز متعلقا لما انتصب عنه، اما وصفا له أو غير وصف، أضفنا التمييز إلى ما انتصب عنه، نحو: طاب أبوة زيد، وأبو زيد، وعلم زيد، ودار زيد، ونفس زيد، جعلنا النفس كالمتعلق له حتى صح اضافتها إليه، (مطابقة التمييز) (لما هو له) (قال ابن الحاجب:) (ثم إن كان اسما يصح جعله لما انتصب عنه، جاز أن يكون) (له ولمتعلقة، والا فهو لمتعلقه، فيطابق فيهما ما قصد، إلا أن) (يكون جنسا، إلا أن يقصد الأنواع، وإن كان صفة، كانت) (له وطبقه، واحتملت الحال)، (قال الرضي:) يعني أن التمييز عن النسبة اما أن يكون اسما أو صفة، والاسم إما أن يصلح جعله لما انتصب عنه، يعني ان صح أن يكون نفسه، كأبا، أو صفة نفسه كأبوة، جاز أن يكون
له، ولمتعلقه، يعني: جاز أن يكون ما صح أن يكون نفسه، نفس متعلقه أيضا، كأبا في: طاب زيد أبا، فانه يصح أن يكون زيدا، وأن يكون أبا زيد، وكذا، جاز أن يكون(2/66)
ما صح أن يكون صفة نفسه، صفة لمتعلقه أيضا، كأبوه في: طاب زيد أبوة، فانه يصح أن يراد بها أبوة زيد نفسه لأولاده، وأن يراد أبوه أبيه له، وما كان ينبغي له هذا الاطلاق 1، فان (رجلا) في: كفى زيد رجلا صح أن يكون لما انتصب عنه ولا يجوز أن يكون لمتعلقه، وكذا (علما)، صح أن يكون صفة لما انتصب عنه، ولم يصح أن يكون صفة لمتعلقه،.
قوله: (فيطابق فيهما)، يعني بالمطابقة: الافراد، إن قصد المفرد، والتثنية ان قصدت التثنية، والجمع إن قصد الجمع، قوله فيهما، أي في التمييز الذي جعلته لما انتصب عنه، والتمييز الذي جعلته لمتعلقه، وقوله ما قصد، أي المفرد والمثنى والمجموع، تقول فيما جعلته لما انتصب عنه: طاب زيد أبا، والزيدان أبوين، والزيدون آباء، طابقت بالتمييز ما قصدت إليه، وهو ما انتصب عنه أي زيد، فثنيته ان
ثنيت زيدا، وجمعته ان جمعته، وإذا جعلته لمتعلقه، فإن قصدت أباه وحده، أفردت أبا، لأن المقصود به مفرد، وإن قصدت أبوي زيد، ثنيت (أبا) فقلت: طاب زيد أبوين، لأن المقصود به مثنى، وإن قصدت آباءة، جمعته، فقلت: طاب زيد آباء، لأن المقصود به مجموع، وقد يلتبس الأمر في نحو: طاب زيد أبا، وطاب الزيدان أبوين، وطاب الزيدون آباء، هل التمييز لما انتصب عنه أو لمتعلقه، فليرجع إلى القرائن، إن كانت، فأما إن اختلف التمييز وما انتصب عنه، افرادا وتثنية وجمعا، ولم يكن التمييز جنسا، نحو: طاب زيد أبوين أو آباء، وطاب الزيدان أبا أو آباء، وطاب الزيدون أبا أو أبوين، فلا لبس في أن التمييز ليس لما انتصب عنه، بل هو لمتعلقه، وإلا طابق ما انتصب عنه،
__________
(1) هذا تعقيب من الرضي على كلام ابن الحاجب بعد أن شرحه وبين ما يستفاد منه، (*)(2/67)
وأما إن اختلفا وكان التمييز جنسا، نحو: طاب الزيدان، أو الزيدون
أبوة، فاللبس حاصل، إذ يصح أن يكون لما انتصب عنه، ولمتعلقه، ولم يطابقه لكونه جنسا، وكذا تطابق به ما تقصده فيما لا يصلح إلا لمتعلقه، نحو: طاب زيد دارا ودارين ودورا، هذا ما قاله المصنف، والأولى أن يقال فيما ليس بجنس، سواء جعلته لما انتصب عنه، أو لمتعلقه: انه ان لم يلبس، فالأولى الافراد وعدم المطابقة، نحو: هم حسنون وجها وطيبون عرضا، ويجوز: وجوها وأعراضا، قال الله تعالى: (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا 1)، وقال علي رضي الله عنه: (فطيبوا عن أنفسكم نفسا 2)، وأما إذا ألبس، فالمطابقة لا غير، فلا يجوز: زيد طيب أبا وأنت تريد آباء أو أبوين، وكذا لا تقول: طاب زيد دارا وأنت تريد دارين، قال الله تعالى: (وفجرنا الأرض عيونا 3)، وأما قول الحطيئة: 205 - سيرى أمام فإن الأكثرين حصى * والطيبون إذا ما ينسبون أبا 4 فانما وحد الأب فيه، لأنهم كانوا أبناء أب واحد، ويجوز جمع المثنى إذا لم يلبس، نحو: قر زيد عيونا، قال أبو طالب يخاطب النبي
صلى الله عليه وسلم: 206 - فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وابشر بذاك وقر منه عيونا 5
__________
(1) من الآية 4 سورة النساء (2) مما جاء في نهج البلاغة ص 77 طبع دار الشعب بالقاهرة (3) الآية 12 من سورة القمر وتقدمت، (4) من قصيدة للحطيئة، وخبر (إن) في قوله فإن الأكثرين، هو قوله بعد ذلك: قوم هم الأنف والأذناب غيرهم * ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا وهذا البيت هو الذي رفع من شأن نبي أنف الناقة وكانوا يعيرون بلقبهم هذا ويأنفون منه، وأمام: ترخيم أمامة، اسم امرأة، (5) وقر منه أي من هذا الأمر، ويروي: وقر منك، وهو كما قال الشارح مما نسب لأبي طالب بن عبد المطلب، = (*)(2/68)
قوله: (إلا أن يكون جنسا)، قد ذكرنا مرادهم بالجنس ههنا، تقول: طاب زيد أبوة، سواء أردت أبوة نفسه، أو أبوة أبيه فقط، أو أبوة أبويه، أو أبوة آبائه، وكذا تقول: طاب الزيدان أو الزيدان أبوة، وتريد الأبوات المذكورة، وكذا تقول: طاب زيد علما، مع كثرة علومه، إلا أن تقصد الأنواع، فتقول: طاب زيد علوما أو علمين، على حسب ما تقصد، قال الله تعالى (..بالأخسرين أعمالا) 1،.
قوله: (وإن كان صفة)، قسيم قوله: إن كان اسما، يعني أن الصفة لم تجئ صالحة لما اتصب عنه ولمتعلقه كما جاء الاسم، بل لم تجئ إلا لما انتصب عنه فقط، فيجب، إذن، أن تطابقه، إذ ليس في الصفات ما يقع على القليل والكثير بلفظ المفرد حتى يكون جنسا، وذلك نحو: لله درك، أو در زيد فارسا، وكفى زيد شجاعا، قوله: (واحتملت الحال)، قال الأكثرون هي تمييز، وقال بعضهم هي حال، أي: ما أعجبه في حال فروسيته، ورجح المصنف الأول، قال: لأن المعنى: مدحه مطلقا بالفروسية، فإذا جعل حالا، اختص المدح وتقيد بحال فروسيته، وأنا لا أرى بينهما فرقا، لأن معنى التمييز عنده: ما أحسنه في حال فروسيته، وتصريحهم بمن في: لله درك من فارس، دليل على أنه تمييز، وكذا قولهم: عز من قائل 2، والتمييز عن المفرد، وكذا إن كان عن نسبة وكان التمييز نفس ما انتصب عنه بدليل تصريحهم بها في نحو: يا لك من ليل 3، وعز من قائل، وقاتله الله من شاعر، ومررت برجل هدك 4 من رجل، وحسبك من رجل، أي هدك هو، وحسبك هو، فالضمير هو ما انتصب
عنه التمييز في هذه المواضع،
__________
= وكان معروفا بوقوفه إلى جنب ابن أخيه: النبي صلى الله عليه وسلم ومناصرته له ضد قريش، (1) من الآية 103 سورة الكهف، (2) أي في مثل قولنا: قال الله عز من قائل، وتقدم ذلك في الشرح، (3) إشارة إلى بيت امرئ القيس المتقدم في هذا الباب (4) سيشرح الرضي هذا المثال ونحوه في قسم الأضافة اللفظية من باب الأضافة في هذا الجزء،.
(*)(2/69)
وقد تكلف بعضهم تقدير (من) في جميع التمييز عن النسبة، نحو: طاب زيد دارا وعلما، وليس بوجه، وأما معنى قولهم: لله درك، فالدر في الأصل: ما يدر أي ما ينزل من الضرع من اللبن، ومن الغيم من المطر، وهو، ههنا، كناية عن فعل الممدرح الصادر عنه، وإنما نسب فعله 1 إليه تعالى، قصدا للتعجب منه لأن الله تعالى منشئ العجائب، فكل شئ عظيم يريدون التعجب منه ينسبونه إليه تعالى ويضيفونه إليه تعالى، نحو قولهم: لله أنت، ولله أبوك، فمعنى لله دره: ما أعجب فعله،
(تقدم التمييز) (قال ابن الحاجب:) (ولا يتقدم التمييز، والأصح أنه لا يتقدم على الفعل، خلافا) (للمازني والمبرد)، (قال الرضي:) أي لا يتقدم التمييز على عامله، إذا كان عن تمام الاسم اتفاقا، وكذا، لا يفصل بين عامله وبينه، وقوله: 207 - على أنني بعد ما قد مضى * ثلاثون للهجر حولا كميلا 2 ضرورة،
__________
(1) أي فعل الممدوح (2) كميلا، أي كاملا وينسب للعباس بن مرداس وبعضهم عده من الأبيات المجهولة القائل، وهو مرتبط ببيت بعده وهو: يذكرنيك حنين العجول * ونوح الحمامة تدعو هديلا (*)(2/70)
وإنما لم يتقدم، لأن عامله اسم جامد، ضعيف العمل، مشابه للفعل مشابهة ضعيفة، كما ذكرنا، وهي كونه تاما، كما أن الفعل يتم بفاعله، أما إذا كان عن النسبة، فإن كان عن الصفة المشبهة، أو أفعل التفضيل، أو المصدر، أو ما فيه معنى الفعل مما ليس من الأسماء المتصلة به نحو: لله دره
فارسا أو: در زيد فارسا، وويلم زيد شجاعا، وويح زيد رجلا، فلا يتقدم على عامله، لضعف الصفة والأفعل 1، وما فيه معنى الفعل، وكون المصدر بتقدير الحرف الموصول، وليس العامل في نحو: نعم رجلا زيد، وحبذا رجلا عمرو، هو الفعل غير المتصرف، بل الضمير واسم الاشارة كما تقدم 2، فلا يتفرع عليه أنه لا يتقدم على الفعل غير المتصرف، كما قال بعضهم، وأما إن كان العامل الفعل الصريح، نحو: طاب زيد أبا، أو اسم الفاعل أو اسم المفعول، فجوزه المازني والكسائي والمبرد، نظرا إلى قوة العامل، ومنعه الباقون، قيل: لأنه في الأصل فاعل الفعل المذكور، كما في طاب زيد أبا، أو فاعل الفعل المذكور إذا جعلته لازما نحو: (وفجرنا الأرض عيونا)، أي تفجرت عيونها، أو فاعل ذلك الفعل إذا جعلته متعديا، نحو: امتلأ الأناء ماء، أي ملأه الماء، والفاعل لا يتقدم على الفعل، فكذا ما هو بمعنى الفاعل، وليست العلة بمرضية، إذ ربما يخرج الشئ عن أصله، ولا يراعي ذلك الأصل، كمفعول ما لم يسم فاعله، كان له، لما كان منصوبا، أن يتقدم على الفعل، فلما قام
مقام الفاعل لزمه الرفع وكونه بعد الفعل، فأي مانع أن يكون للفاعل أيضا، إذا صار على صورة المفعول: حكم المفعول من جواز التقديم، وقيل: ان الأصل في التمييزات 3 أن تكون موصوفات بما انتصبت عنه، سواء كانت عن مفرد، أو عن نسبة، وكأن الأصل: عندي خل راقود، ورجل مثله وسمن منوان،
__________
(1) أي أفعل التفضيل،.
(2) في هذا الباب (3) أي أنواع التمييز المختلفة، (*)(2/71)
وكذا كان الأصل في طاب زيد نفسا: لزيد نفس طابت، وإنما خولف بها 1 لغرض الابهام أولا، ليكون أوقع في النفس، لأنه تتشوق النفس إلى معرفة ما أبهم عليها، وأيضا، إذا فسرته بعد الابهام فقد ذكرته إجمالا وتفصيلا، وتقديمه مما يخل بهذا المعنى، فلما كان تقديمه يتضمن إبطال الغرض من جعله تمييزا، لم يستقم، (أصل التمييز التنكير) 2 وأصل التمييز: التنكير، لمثل ما قلنا في الحال وهو أن المقصود رفع الأبهام وهو
يحصل بالنكرة، وهي أصل، فلو عرف، وقع التعريف ضائعا، وأجاز الكوفيون كونه معرفة، نحو: (سفه نفسه 3) وغبن رأيه، وبطر عيشه 4، وألم بطنه، ووفق أمره، ورشد أمره، وزيد الحسن الوجه، وعند البصريين، معنى سفه نفسه: سفهها أو سفه في نفسه، وألم بطنه متضمن معنى (شكا)، ووفق أمره، ورشد أمره، وبطر عيشه، بمعنى: في أمره وفي عيشه، والحسن الوجه، مشبه بالضارب الرجل كما يجيئ في باب الاضافة، (ما بعد اسم التفضيل) (والفرق بين نصبه وجره) واعلم أنه لو قيل 5: إن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى شئ، فالذي يجري عليه أفعل التفضيل بعض المضاف إليه، نحو: هذا الثوب أحسن ثوب، وإن نصب ما بعده على
__________
(1) أي غيرت عن الصورة الأصلية لها، (2) استطراد من الرضي في هذا الموضع والذي يليه لاستكمال أحكام التمييز.
(3) من الآية 130 سورة البقرة، (4) ورد مثله في قوله تعالى (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها: القصص - 58 (5) جوابه قوله الآتي: أقول وليس هذا بمطرد، (*)(2/72)
التمييز، فالمنصوب سبب لمن جرى عليه أفعل، ومتعلقه نحو: زيد أحسن منك ثوبا، ففي قولك: زيد أفره عبد: زيد هو العبد، وفي قولك زيد أفره منك عبدا، زيد هو مولى العبد، اقول: ليس هذا بمطرد، ألا ترى أنك تقول: هو أشجع الناس رجلا، وهما خير الناس اثنين، على ما أورده سيبويه، أي: هو أشجع رجل في الناس، وهما خير اثنين في الناس، والمنصوب على التمييز، هو من جرى عليه أفعل، لا سببه، والدليل على أنه تمييز: قولك هو أشجع الناس من رجل، وهما خير الناس من اثنين، كما تقول: حسبك بزيد رجلا ومن رجل، قال الله تعالى: (فالله خير حافظا) 1، انتصب حافظا على التمييز، أي خير من حافظ، فهو والجر سواء، نحو خير حافظ وخير حافظا، فهو حافظ في الوجهين، وقول الأعشى، 208 - تقول ابنتي حين جد الرحيل * أبرحت ربا وأبرحت جارا 2 أبرحت، أي جئت بالبرح أو صرت ذا برح، والبرح: الشدة، فمعنى أبرحت صرت ذا شدة وكمال، أي بلغت وكملت ربا، فهو نحو كفى زيد رجلا، أي أبرح
جار هو أنت، وكذا قوله: 209 - بانت لتحزننا عفارة * يا جارتا ما أنت جاره 3 لأن (ما) الاستفهامية تفيد التفخيم، كما في قوله تعالى: (القارعة، ما القارعة 4)، أي كملت جارة فمعنى ما أنت: كملت،
__________
(1) الآية 64 سورة يوسف، (2) من قصيدة للأعشى في مدح قيس بن معد يكرب الكندي، ويروى البيت: أقول لها حين...يقصد راحلته ثم يقول بعده: فلا تشتكن إلى الفار * وطول العنا واجعليه اصطبارا (3) وهذا أيضا مطلع قصيدة للأعشى، وقوله بانت بالنون من البين أو باتت بالتاء من قولهم بات يفعل كذا، (4) الآيتان الأولى والثانية من سورة القارعة (*)(2/73)
فالمنصوب في عبارات النجاة في نحو 1 قولهم: شر أهر ذا ناب: إن (شر) مبتدأ لفظا، فاعل معنى، المنصوب 2 في مثله، تمييز عن النسبة تقديرا، أي: كائن مبتدأ لفظا بمعنى: كائن لفظه مبتدأ، وكائن معناه فاعلا، ومثله كثير في كلامهم،
__________
(1) أي في شرح هذا الكلام، (2) أعاده توكيدا لقوله: المنصوب، في أول الكلام (*)(2/74)
(المستثنى) (تقسيم المستثنى وتعريف كل قسم) (قال ابن الحاجب:) (المستثنى متصل ومنقطع، فالمتصل هو المخرج من متعدد لفظا) (أو تقديرا، بإلا وأخواتها، والمنقطع: المذكور بعدها غير) (مخرج)، (قال الرضي:) اعلم أنه قسم المستثنى قسمين، وحد كل واحد منهما بحد منفرد من حيث المعنى، قال 1: وذلك لأن ماهيتيهما مختلفتان، ولا يمكن جمع شيئين مختلفي الماهية في حد واحد، وذلك لأن الحد مبين للماهية، بذكر جميع أجزائها مطابقة وتضمنا، والمختلفان في الماهية لا يتساويان في جميع أجزائها حتى يجتمعا في حد واحد، والدليل على اختلاف حقيقتيهما أن أحدهما مخرج، والآخر غير مخرج، بل يمكن جحمعهما في حد واحد باعتبار اللفظ، لأن مختلفي الماهية لا يمتنع اشتراكهما في اللفظ، فيقال المستثنى هو المذكور بعد (إلا) وأخواتها، هذا آخر كلامه،
__________
(1) أي ابن الحاجب في شرحه للتعريف، (*)(2/75)
ولقائل أن يمنع اختلافهما في الماهية، قوله 1: (لأن أحدهما مخرج من متعدد والآخر غير مخرج)، قلنا: لا نسلم أن كون المتصل مخرجا: من أجزاء ماهيته، بل حقيقة المستثنى، متصلا كان أو منقطعا: هو المذكور بعد (إلا) وأخواتها مخالفا لما قبلها نفيا واثباتا، ثم نقول: كون المتصل داخلا في متعدد لفظا أو تقديرا: من شرطه لا من تمام ماهيته، فعلى هذا: المنقطع داخل في هذا الحد، كما في: جاءني القوم الا حمارا، لمخالفة الحمار القوم في المجيئ، قوله: (من متعدد)، أي من شئ ذي عدد، قوله: (لفظا أو تقديرا)، تفصيل للمتعدد، فإنه قد تكون ملفوظا به نحو: جاءني القوم إلا زيدا، وقد يكون مقدرا نحو: ما جاءني إلا زيد، أي: ما جاءني أحد إلا زيد، قوله: (بإلا وأخواتها)، ليخرج نحو: جاءني القوم لا زيد، وما جاءني القوم لكن زيد، وجاءني القوم ولم يجيئ زيد، قوله: (بإلا وأخواتها)، ليخرج نحو: جاءني القوم لا زيد، وما جاءني
القوم لكن زيد، وجاءني القوم ولم يجيئ زيد، فالمستثنى الذي لم يكن داخلا في المتعدد الأول قبل الاستثناء: منقطع سواء كان من جنس المتعدد كقولك: جاءني القوم إلا زيدا، مشيرا إلى جماعة خالية من زيد، أو لم يكن، نحو: جاءني القوم إلا حمارا، فقد تبين أن المتصل ليس هو المستثنى من الجنس، كما ظن بعضهم، ثم إن الاستثناء مشكل باعتبار معقوليته 2، لأن زيدا في قولك جاءني القوم إلا زيدا، لو قلنا انه غير داخل في القوم، فهو خلاف الأجماع، لأنهم أطبقوا على أن الاستثناء المتصل مخرج، ولا إخراج إلا بعد الدخول، فإن جاز الشك في مثله 3، لم يصح في نحو
__________
(1) هذا بيان لمنعه اختلاف الماهيتين، (2) أي باعتبار كونه معقولا أي كيفية تصور العقل له، (3) أي في مثل جاء القوم إلا زيدا، (*)(2/76)
قوله: له علي دينار إلا دانقا، للعلم بأن (دانقا) مخرج من الدينار، والباقي بعده هو المقربه، وإن قلنا انه داخل في القوم، و (إلا) لأخراجه منهم بعد
الدخول، كان المعنى: جاء زيد مع القوم، ولم يجيئ زيد، وهذا تناقض ظاهر ينبغي أن يجنب كلام العقلاء عن مثله، وقد ورد في الكتاب العزيز من الاستثناء شئ كثير، كقوله تعالى: (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما 1)، فيكون المعنى: لبث الخمسين في جملة الألف، ولم يلبث تلك الخمسين، تعالى الله عن مثله علوا كبيرا، فقال 2 بعضهم: نختار أنه غير داخل، بل القوم في قولك، جاء القوم، عام مخصوص، أي أن المتكلم أراد بالقوم جماعة ليس فيهم زيد، وقوله الا زيدا، قرينة تدل السامع على مراد المتكلم، وانه أراد بالقوم غير زيد، وليس بشئ، لأجتماع أهل اللغة على أن الاستثناء مخرج، ولا اخراج إلا مع الدخول، وأيضا، يتعذر دعوى عدم الدخول في قصد المتكلم في نحو: له علي عشرة إلا واحدا، لأن (واحدا) داخل في العشرة بقصده، ثم أخرج، وإلا كان مريدا بلفظ العشرة: تسعة، وهو محال، وقال القاضي عبد الجبار 3، أيضا، هو غير داخل، لكنه قال: المستثنى، والمستثنى منه، وآلة الاستثناء، بمنزلة اسم واحد، فقولك: له علي عشرة إلا
واحدا، بمعنى: له على تسعة، لا فرق بينهما من وجه، فلا دخول هناك، ولا إخراج، وهذا، أيضا، غير مستقيم، لقطعنا بأن عشرة، في كلامك هذا، دالة على المعنى الموضوعة هي له مفردة 4، بلا استثناء، وهو الخمستان، و (الا)، مفيدة للاستثناء، و (واحدا) هو المخرج، و (تسعة) لا تدل على شئ من هذه المعاني الثلاثة، وأيضا،
__________
(1) الآية 14 سورة العنكبوت، (2) تفصيل الآراء النجاة في حل هذا الأشكال، (3) أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد من علماء القرن الخامس وله كتاب: متشابة القرآن.
(4) أي مذكورة في الكلام على غير وجه الاستثناء، (*)(2/77)
اجماعهم على أن استثناء مخرج، يبطله، هذا، ويلزم مثل ما فروا منه في بدل البعض، وبدل الاشتمال، كقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا 1)، لأن الناس جنس يعم المستطيعين وغيرهم، فيكون كأنه قال: ولله على جميع الناس: مستطيعهم وغير مستطيعهم، بل لله على مستطيعهم وحده،
وقال آخرون، وهو الصحيح المندفع عنه الأشكالات كلها: ما فروا منه، وما لزمهم: ان المستثنى داخل في المستثنى منه، والباقي بعد بدل البعض داخل في المبدل منه، والتناقض بمجيئ زيد وانتفاء مجيئة في: جاءني القوم إلا زيدا: غير لازم، وإنما يلزم ذلك، لو كان المجيى منسوبا إلى القوم فقط 2 وليس كذلك، بل هو منسوب إلى القوم مع قولك (إلا زيدا)، كما أن نسبة الفعل في نحو: جاءني غلام زيد، ورأيت غلاما ظريفا: إلى الجزأين، لكنه جرت العادة بأنه إذا كان الفعل منسوبا إلى شئ ذي جزأين أو أجزاء، قابل كل واحد منهما للاعراب: أعرب الجزء الأول منهما بما يستحقه المفرد إذا وقع منسوبا إليه، ويتبع إن استحق التبعية، كما في التوابع الخمسة، وإن لم يستحق شيئا من ذلك، نصب، كالمستثنى تشبيها بالمفعول، في مجيئة بعد المرفوع وإن كان جزء العمدة في بعض المواضع، نحو: ما جاءني القوم إلا زيدا، لأن المجموع هو المسند إليه، فزيدة الكلام: أن دخول المستثنى في جنس المستثنى منه ثم إخراجه بالا وأخواتها: إنما كان قبل إسناد الفعل أو شبهه إليه، فلا يلزم التناقض في نحو:
جاءني القوم إلا زيدا، لأنه بمنزلة قولك: القوم المخرج منهم زيد، جاءوني، ولا 3 في نحو: له علي عشرة إلا درهما، لأنه بمنزلة قولك: العشرة المخرج منها واحد، له علي، وذلك لأن المنسوب إليه
__________
(1) الآية 97 سورة آل عمران، (2) أي منظورا فيه إلى عمومه وشموله لزيد (3) أي ولا يلزم التناقض في هذا أيضا، (*)(2/78)
الفعل، وإن تأخر عنه لفظا، لكنه لا بدله من التقدم وجودا على النسبة التي يدل عليها الفعل، إذا المنسوب إليه، والمنسوب سابقان على النسبة بينهما ضرورة، ففي الاستثناء، لما كان المنسوب إليه هو المستثنى منه فلا بد، إذن، من حصول الدخول والأخراج قبل النسبة، فلا تناقض، (أحكام المستثنى) (وتفصيل الكلام على العامل) (قال ابن الحاجب:) (وهو منصوب، إذا كان بعد الا، غير الصفة، في كلام) (موجب أو مقدما على المستثنى منه، أو منقطعا في الأكثر،) (أو كان بعد خلا وعدا، في الأكثر، وما خلا، وما عدا،)
(وليس، ولا يكون)، (قال الرضي:) شرع يبين اعراب المستثنى، فبدأ بما يجب نصبه، إذ هو 1 في باب المنصوبات وهو 2 في مواضع، الأول: ما اجتمع فيه شرطان: وقوعه بعد (الا)، وكون الاستثناء في كلام موجب، ولم يحتج 3 إلى قوله (غير الصفة)، لأنه في نصب المستثنى، وما كان بعد (الا) التي للوصف: ليس بمستثنى،
__________
(1) أي المصنف، أي كلامه، (2) أي ما يجب نصبه، لقوله: الأول ما اجتمع فيه...(3) أي أنه لم يكن بحاجة إلى ذكر هذا القيد، (*)(2/79)
وإنما اشترط كون الاستثناء في كلام موجب، لأن غير الموجب لا يجب نصب مستثناه، كما يجيئ، واختلف في عامل النصب في المستثنى، فقال البصريون: العامل فيه: الفعل المتقدم، أو معنى الفعل، بتوسط (الا)، لأنه شئ يتعلق بالفعل معنى، إذ هو جزء مما نسب إليه الفعل، وقد جاء بعد تمام الكلام فشابه المفعول،
وقال المبرد، والزجاج: العامل فيه (الا)، لقيام معنى الاستثناء بها، والعامل ما به يتقوم المعنى المقتضى 1، ولكونها نائبة عن (أستثني)، كما أن حرف النداء نائب عن (أنادي)، وقال الكسائي: هو منصوب، إذا انتصب، بأن مقدرة بعد (إلا)، محذوفة الخبر، فتقدير قام القوم الا زيدا: قام القوم الا أن زيدا لم يقم، وليس بشئ، إذ يبقى الاشكال عليه بحاله في انتصاب (أن) مع اسمها وخبرها، لأنها في تقدير المفرد، وأما الاعتراض 2 بأنه يعمل الحرف الموصول مقدرا، والموصول لا يقدر، فلا يرد عليه، لأن الكوفيين يجوزون تقدير الاسم الموصول، كما يجيئ، وأما تقدير الحرف الموصول، فله أسوة 3 بالبصريين في تقديرهم (أن) الناصبة للفعل، لكون الحروف التي قبلها كالنائب عنها، فإلا، عنده، تكون كالنائب عن (أن) المقدرة، وقال الفراء: (الا) مركبة من: (إن) و (لا) العاطفة، حذفت النون الثانية من (إن)، وأدغمت الأولى في لام (لا) فإذا انتصب الاسم، بعدها، فبإن، وإذا أتبع ما قبلها في الاعراب، فبلا العاطفة، فكأن أصل قام القوم إلا زيدا: قام
القوم، إن زيدا
__________
(1) المعنى العام للعامل هو ما به يتقوم المقتضي وتقدم ذلك في أول الكتاب ص 72 ج 1، (2) أي الاعتراض على الكسائي، (3) جواب قوله: وأما تقدير الحرف الموصول، (*)(2/80)
لا قام، أي لم يقم، فلا، لنفي حكم ما قبل (الا) ونقضه، نفيا كان ذلك الحكم، أو اثباتا، فهو كقولك: كأن زيدا أسد، الأصل عند بعضهم: إن زيدا كالأسد، فقدموا الكاف وركبوها مع (أن)، وفيما قال نظر من وجوه: لأن (لا) على المعنى الذي أوردناه 1، غير عاطفة 2، ومع التسليم، فإن (لا) العاطفة، لا تأتي إلا بعد الاثبات، نحو: جاءني زيد لا عمرو، وأنت تقول: ما جاءني القوم إلا زيد، ولأن فيما قال، عزلا 3 لأن، مرة، وللا، أخرى عن مقتضييهما، وذلك لأنه ينصب بها مرة، ويتبع ما بعدها لما قبلها أخرى، ولا يجتمع الحكمان معا في موضع، ولأن المعطوف عليه قليلا ما يحذف، والمتعدد الذي هو المعطوف عليه، عنده، مطرد الحذف نحو: ما قام إلا زيد، وقال بعضهم: هو منصوب بأستثني، كما أن المنادى منصوب بأنادي،
و (الا)، وحرف النداء، دليلان على الفعلين المقدرين، فالمستثنى على هذا قول: مفعول به، وقد اعترض عليه بأنه يلزم منه جواز الرفع بتقدير: امتنع، ولا يلزم 4 ذلك، لأننا نعلل ما ثبت وورد، من كلام العرب، ولو ورد الرفع لكنا نقدر (امتنع) ونحوه، ولو ورد الرفع في نحو: أنت والأسد، لكنا نقدر: ابعد أنت والأسد ونحوه، وقال المصنف في شرح المفصل 5: العامل فيه: المستثنى منه بواسطة (الا)، قال: لأنه ربما لا يكون هناك فعل ولا معناه فيعمل، نحو: القوم إلا زيدا إخوتك، وهذا لا يرد إلا على مذهب البصريين، ولهم أن يقولوا: ان في (إخوتك) معنى الفعل وإن كان
__________
(1) يعني في شرح مذهب الفراء، (2) لأنها لم تسبق بمعطوف عليه (3) أي إبعادا لكل من الحرفين عما يقتضيه من العمل، (4) أي لا يلزم الاعتراض الذي أوردوه (5) لابن الحاجب شرح على مفصل الزمخشري اسمه: الأيضاح، ينقل الرضي عنه كثيرا ويناقش ابن الحاجب فيما ينقله عنه كثيرا كما ينقل عنه في شرحه على الكافية هذه، (*)(2/81)
من أخوة النسب أي ينتسبون إليك بالأخوة، وكذا في أمثاله، فجاز أن يعمل العامل الضعيف فيما تقدم عليه 1، لتقويه بالا، ولا يلزم مثله في المفعول معه، فانه لا يتقدم على عامله وإن كان فعلا صريحا، لأن أصل الواو للعطف، فروعي ذلك الأصل، ولو لم يكن في الجملة، أيضا، معنى الفعل، لجاز أن ينتصب المستثنى، إذ الجملة ليست بأنقص مشابهة للفعل التام كلاما بفاعله، من المفرد التي يتم بالنون والتنوين فينصب التمييز، ولا سيما مع تقويها بآلة الاستثناء، وإلى مثله يشير كلام سيبويه في مواضع 2، فنقول: عمل فيه ما قبله كعمل العشرين في الدرهم، 3 هذا كله في المستثنى المتصل، وأما المنقطع، فمذهب سيبويه، أنه، أيضا، ينتصب بما قبل (إلا)، من الكلام، كما انتصب المتصل به، وذلك قوله في الكتاب: (فحمل على معنى (لكن) وعمل فيه ما قبله كعمل العشرين في الدرهم 4)، وما بعد (الا) عنده، مفرد، سواء كان متصلا أو منقطعا، فهي، وإن لم تكن حرف عطف، إلا أنها ك (لكن) العاطفة للمفرد على المفرد، في وقوع المفرد بعدها، فلهذا وجب فتح (أن) الواقعة بعدها في نحو
قولك: زيد غني، إلا أنه شقي، والمتأخرون، لما رأوها بمعنى (لكن)، قالوا: انها الناصبة بنفسها، نصب (لكن) للأسماء، وخبرها محذوف، نحو: قولك: جاءني القوم إلا حمارا، أي: لكن حمارا لم يجيئ، قالوا وقد يجيئ خبرها ظاهرا، نحو قوله تعالى: (إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم) 5،
__________
(1) أي في المثال المذكور في كلام المصنف، (2) منها قوله: هذا باب لا يكون المستثنى فيه إلا نصبا، لأنه مخرج مما أدخلت فيه غيره فعمل فيه ما قبله كما عمل العشرون في الدرهم، ثم قال: وهذا قول الخليل، ج 1 ص 369 (3) في بعض النسخ بعد قوله هذا: (فمذهبه على هذا أن الجملة عاملة في المستثنى لتمامها، لا لمعنى الفعل فيها سواء كان معنى الفعل فيه أولا، وهو المختار عندي،)، (4) سيبويه ج 1 ص 363، (5) الآية 98 سورة يونس (*)(2/82)
وقال الكوفيون: (إلا) في الاستثناء المنقطع، بمعنى (سوى) وانتصاب المستثنى بعدها كانتصابه في المتصل، وتأويل البصريين أولى، لأن المستثنى المنقطع، يلزم مخالفته لما قبله نفيا واثباتا، كما
في (لكن)، وفي (سوى) لا يلزم ذلك، لأنك تقول: لي عليك ديناران، سوى الدينار الفلاني، وذلك إذا كان صفة، 1 وأيضا معنى (لكن) الاستدراك، والمراد بالاستدراك فيها رفع توهم المخاطب دخول ما بعدها في حكم ما قبلها، مع أنه ليس بداخل فيه، وهذا هو معنى الاستثناء المنقطع بعينه، وإنما وجب النصب في المستثنى من الموجب، لأن التفريغ لا يجوز فيه، كما يجيئ، والابدال أيضا لا يجوز في نحو: جاء القوم إلا زيدا، لأنك لو أبدلت، كان المبدل منه في حكم الساقط، فيؤدي إلى التفريغ في الأيجاب فلم يبق إلا النصب، قوله: (أو مقدما على المستثنى منه)، يعني إذا كان بعد (الا) وتقدم على المستثنى منه، وجب النصب، لأنه إن كان في الموجب فقد تقدم وجوب النصب، وإن كان في غير الموجب، فقد بطل البدل، لأن البدل لا يتقدم على المبدل منه، لأنه من التوابع، فلم يبق إلا النصب على الاستثناء، على أنه قد حكى يونس 2: ان بعض العرب يقول: ما لي إلا أبوك أحد، فجعل المستثنى منه، المؤخر، بدلا من المستثنى، كما قيل: ما مررت بمثله أحد، و (أحد) بدل من (مثله)، ويجوز أن تقول: ما لي
إلا أبوك صديقا، على أن (أبوك) مبتدأ، و (لي) خبره وصديقا، حال، وتقول: من لي إلا أبوك صديقا، فمن، مبتدأ، و (لي) خبره، و (أبوك) بدل من (من)، كأنك قلت: ألي أحد إلا أبوك، وصديقا، حال، وتقول: ما لي إلا زيدا صديق وعمرا، وعمرو، فتنصب عمرا على العطف على (زيدا)، وترفعه على أنه مبتدأ محذوف الخبر، أي: وعمرو كذلك،
__________
(1) أي إذا كان لفظ سوى صفة، (2) يونس بن حبيب، احد المتقدمين من أئمة النحو وواضعي قواعده وهو شيخ سيبويه وغيره من معاصريه، وينقل عنه سيبويه كثيرا في كتابه، (*)(2/83)
واعلم أنه إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه، وجب أن يتأخر عما نسب إلى المستثنى منه، نحو: ما جاءني إلا زيدا أحد، وإن تقدم على المنسوب وجب تأخيره عن المستثنى منه، نحو: القوم إلا زيدا ضربت، ولا يجوز، عند البصريين، تقدمه عليهما معا في الاختيار، نحو قولك: إلا زيدا قام القوم، وقوله: 210 - وبلدة ليس بها طوري، * ولا، خلا الجن، بها انسي 1
شاذ عندهم للضرورة، وقيل: تقديره: ليس بها طوري، ولا بها انسي، خلا الجن، فأضمر الحكم، والمستثنى منه، و: بها انسي، الظاهر تفسير له،.
فإذا قام المستثنى مع آلة الاستثناء مقام المستثنى منه، وذلك في الاستثناء المفرغ، التزم عندهم، تأخير المستثنى عن عامله، فلا يجوز: إلا زيدا لم أضرب، و: زيد إلا راكبا لم يأتني، وجوز الكوفيون في السعة، تقدم المستثنى على المستثنى منه، والحكم، معا، نحو: إلا زيدا ضربني القوم، وكذا جوزوا تقديم المستثنى في المفرغ على الحكم نحو: إلا زيدا لم أضرب، والأولى مذهب البصريين، لعدم سماع مثل هذا، ويمنعه القياس أيضا، وذلك لأن المستثنى، أخرج من المستثنى منه في الحقيقة أولا ثم نسب الحكم إلى المجموع، وهو في الظاهر مخرج من الحكم أيضا، لأن الظاهر أنك أخرجت زيدا من المجيئ في قولك: جاءني القوم إلا زيدا، وإن لم يكن في الحقيقة مخرجا منه، ومرتبة المخرج أن يكون بعد المخرج منه، فكان حقه أن يجيى بعد الحكم والمستثنى منه معا، لكنه
جوز، لكثرة استعماله، تقدمه على أحدهما، نحو: جاءني إلا زيدا لقوم، والقوم إلا زيدا اخوتك، ولم يجز تقدمه عليهما معا،
__________
(1) من أرجوزة للعجاج، وطوري من الكلمات الملازمة للنفي، بمعنى أحد، وصوب البغدادي أن الرواية: وخفقة، أي مفازة، قال لأن في الأرجوزة قبل ذلك: وبلدة نياطها بطي * للريح في أقرابها هوي، والقصد من هذا التصويب: ألا تتكرر كلمة (بلدة) في الأرجوزة، (*)(2/84)
وفي المفرغ الذي ليس فيه إلا الحكم، لم يجز تقدمه عليه، واعلم، أيضا أنه لا يلزم أن يكون العامل في المستثنى هو العامل في المستثنى منه، بل قد يختلفان، كما في قولك: القوم إلا زيدا اخوتك، وهذا عند من جعل العامل في المبتدأ الابتداء، لا الخبر، قوله: (أو منقطعا في الأكثر) أي منقطعا بعد (الا) نحو: ما في الدار أحد إلا حمارا، أهل الحجاز يوجبون نصبه مطلقا، لأن بدل الغلط غير موجود في الفصيح من كلام العرب،
وبنو تميم قسموا المنقطع قسمين: أحدهما ما يكون قبله اسم متعدد أو غير متعدد يصح حذفه، نحو: ما جاءني القوم إلا حمارا وما جاءني زيد إلا عمرا، فههنا يجوزون البدل، ثم ان ذلك الاسم الذي يجوز حذفه، إما أن يكون مما يصح دخول المستثنى فيه مجازا، أو، لا، فالأول نحو قولك: ما في الدار أحد إلا حمارا، يصح أن يجعل الحمار إنسان الدار، كما قال أبو ذؤيب: 211 - فإن تمس في دار برهوة ثاويا * أنيسك أصداء القبور تصيح 1 ومثله: ما لي عتاب إلا السيف، فلسيبويه في مثل هذا وجهان إذا أبدلت، أحدهما جعل المنقطع كالمتصل، لصحة دخول المبدل في المبدل منه، والثاني أن الأصل في نحو: لا أحد فيها إلا حمارا أن يقال: ما فيها إلا حمار، أي ما فيها شئ إلا حمار، لكنه خصص بالذكر من جملة المستثنى منه المحذوف، المتعدد، ما ظن استبعاد المخاطب شمول المتعدد المقدر له، كأنك تظن أن المخاطب يستبعد خلوها من الآدمي، فقلت لا أحد فيها، تأكيدا لنفي كون الآدمي بها، فلما ذكرت ذلك المستبعد، أبقيت ذلك المستثنى على ما
كان عليه في الأصل، من الاعراب، تنبيها على الأصل وجعلته بدلا من ذلك المذكور، فعلى هذا، لا يكون هذا من قبيل الاستثناء المتصل كما كان في الوجه الأول،
__________
(1) من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي في رثاء قريب له، وهي في ديوان الهذليين، والبيت من شواهد سيبويه وكثير مما قاله الشارح من كلام سيبويه بلفظه أو بمعناه انظر ج 1 ص 364 من كتاب سيبويه، وما بعدها، (*)(2/85)
وذهب المازني إلى أنه من باب تغليب العاقل على غيره، كما تقول: الزيدان والحمار جاءوا، وهذا لا يطرد له في جميع الباب، نحو قوله تعالى: (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن 1)، وقولهم: ليس له سلطان إلا التكلف، ونحو ذلك، والثاني: أي الذي لا يدخل فيه المستثنى في ذلك الاسم مجازا، ليس فيه إلا الوجه الثاني من قولي سيبويه، وذلك نحو: ما جاءني زيد إلا عمرو، وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه، قال: 212 - والحرب لا يبقى لجا * حمها التخيل والمراح 2 إلا الفتى الصبار في * النجدات والفرس الوقاح وقال: 213 - عشية لا تغني الرماح مكانها * ولا النبل إلا المشرفي المصمم 3
والثاني من القسمين: ما لا يكون قبله اسم يصح حذفه، فبنو تميم ههنا يوافقون الحجازيين في إيجاب نصبه، كقوله تعالى: (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم 4)، أي: من رحمه الله تعالى، وقال بعضهم: لا عاصم، أي لا معصوم، فالاستثناء متصل، وقال السيرافي: المراد بمن رحم: الراحم، أي الله تعالى، لا المرحوم فيكون أيضا
__________
(1) الآية 157 من سورة النساء، (2) هذا من أبيات قالها سعد بن مالك، من بني قيس، تعريضا بالحارث بن عباد الذي كان قد قعد عن حرب البسوس بين بكر وتغلب، والبيتان من شواهد سيبويه ج 1 ص 366، ومن هذه الأبيات قوله: من صد عن نيرانها * فأنا ابن قيس لا براح وتقدم في الجزء الأول، وسيأتي أيضا في هذا الجزء، (3) الاستثناء فيه منقطع لأن المشرفي وهو السيف ليس من جنس النبل والرماح، وقد ورد هذا البيت بروايتين وهو بهذه الرواية من قصيدة للحصين بن الحمام المري، وهي إحدى المفضليات، (4) الآية 43 سورة هود (*)(2/86)
متصلا، وأما قوله تعالى: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد
في الأرض إلا قليلا 1)، وقوله تعالى: (فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس)، 2 فلا يجوز الأبدال في الآيتين، لأن التحضيض كالأمر والشرط، ولا يجوز: ليقم القوم إلا زيد، و: ان قام أحد إلا زيد، وكان الزجاج يجيز البدل في (قوم يونس)، لأن معنى لولا كانت قرية آمنت، ما آمنت قرية، لأن اللوم على ما فات دلالة على انتفائه، ومنه قولهم: لا تكونن من فلان إلا سلاما بسلام، أي متاركة ووداعا 3، من قوله تعالى: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)، 4 ومعنى: بسلام أي مع سلام، أي متاركة متتابعة، ويجوز أن تكون الباء للبدل، أي تسلم عليه وترد سلاما بدل سلامه، ولا تخالطه بأكثر من هذا، ومنه قولهم: ما ضر إلا ما نفع، وما زاد إلا ما نقص، و (ما) فيها مصدرية، وأبو سعيد 5، ومبرمان 6، يقدران الخبر، أي: ولكن النقصان أمره 7، ولكن النفع أمره، ومذهب سيبويه: أن ما بعد (إلا) في المنقطع مفرد، كما مر، وأما نحو قوله: 8
__________
(1) الآية 116 سورة هود (2) الآية 98 سورة يونس وتقدم جزء منها،
(3) مصدر وادع موادعة، (4) الآية 63 سوره الفرقان (5) أي السيرافي، وتقدم ذكره، (6) مبرمان: محمد بن علي بن إسماعيل من علماء القرن الرابع، أخذ عن المبرد والزجاج، وأخذ عنه أبو على الفارسي، وهو أحد من شرحوا كتاب سيبويه، وفي النسخة المطبوعة: ابن مبرمان، ولا وجه لكلمة ابن، (7) أي شأنه وصفته، (8) الاستشهاد بالبيتين الآتيين استطراد وإن كان الاستثناء فيهما بغير، والمناسبة أن غير مثل إلا كما سيأتي، (*)(2/87)
214 - ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب 1 وقوله: 215 - فتى كملت أخلاقه غير أنه * جواد فما يبقي من المال باقيا 2 فظهر فيه أول وجهي سيبويه المذكورين، وذلك أن الشاعر قصد جعله من المتصل مبالغة في المدح، أي إن كان لا بد من العيب، ففيهم عيب واحد، فحسب، وهو فلول سيوفهم من القراع، وفي أخلاقه نقص واحد، وهو جوده الكامل الممزق لماله، يعدون ما في ظاهره أدنى شائبة من النقص وإن كان في التحقيق غاية في الكمال: من جملة 3 العيوب، غلوا
في الثناء، كما قال بديع الزمان 4: عيبه أنه لا عيب فيه، فنفي عين الكمال عن معاليه 5، قوله: (أو كان بعد خلا وعدا في الأكثر)، قال السيرافي: لم أر أحدا ذكر الجر بعد (عدا) إلا الأخفش، فإنه قرنها في بعض ما ذكر، بخلا، في جواز الجر بها، وقال،
__________
(1) من قصيدة للنابغة الذبياني في مدح وعمرو بن الحارث الغساني مطلعها: كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسيه بطيى الكواكب وهي من جيد شعر النابغة، (2) قائله النابغة الجعدي في رثاء أخ له، من أبيات أوردها أبو تمام في الحماسة في باب المرائي، وقبل بيت الشاهد قوله: ألم تعلمي أني رزئت محاربا * فما لك منه اليوم شئ ولا ليا وبعده فتى تم فيه ما يسر صديقه * على أن فيه ما يسوء الأعاديا (3) متعلق بقوله: يعدون ما في ظاهره (4) بديع الزمان هو أبو الفضل أحمد بن حسين، الكاتب الشاعر، اشتهر بمقاماته ورسائله البليغة، وكان ذا حظوة عند الصاحب بن عباد وكانت حياته أثناء القرن الرابع الهجري، (5) المعنى: أن من يقول عن إنسان إنه لا عيب فيه إلا الكرم مثلا، ينفي بقوله هذا عين الكمال، أي عين الحاسد التي تتجه إلى الشئ الكامل، بإثباته عيبا للمدوح ولو ظاهرا، وذلك المعنى أجمله الشاعر الذي يقول:
ما كان أحوج ذا الكمال إلى * عيب يوقيه من العين ويقول شاعر آخر: شخص الأنام إلى كمالك فاستعذ * من شر أعينهم بعيب واحد (*)(2/88)
أي السيرافي: ما أعلم خلافا في جواز الجر بخلا، إلا أن النصب بها أكثر، كما ذكر سيبويه 1، وأما (خلا)، فهو في الأصل لازم يتعدى إلى المفعول بمن، نحو: خلت الدار من الأنيس، وقد يضمن معنى (جاوز) فيتعدى بنفسه كقولهم: افعل هذا وخلاك ذم، وألزموها 2 هذا التضمين في باب الاستثناء، ليكون ما بعدها في صورة المستثنى بالا، التي هي أم الباب، ولهذا الغرض، التزموا اضمار فاعله وفاعل (عدا)، ولم يظهر معهما (قد) مع أنهما في محل النصب على الحال 3، ولهذا أوجبوا اضمارا اسمي 5 ليس ولا يكون، وأما (عدا) فمتعد في غير الاستثناء، أيضا، وفاعل خلا، وعدا، عند النجاة، (بعضهم) 4، وفيه نظر، لأن المقصود في جاءني القوم خلا زيدا وعدا زيدا: أن زيدا لم يكن معهم أصلا، ولا يلزم من مجاوزة بعض القوم إياه وخلو بعضهم منه، مجاوزة الكل وخلو الكل، فالأولى أن نضمر فيهما ضميرا راجعا
إلى مصدر الفعل المتقدم، أي: جاءني القوم خلا مجيئهم زيدا، كقوله تعالى: (اعدلوا هو أقرب للتقوى) 5، فيكون مفسر الضمير سياق القول، والنصب في قولهم: ما النساء وذكرهن 6، بعدا، مضمرة، وقال بعضهم (ما) مؤول بالا، ولم يثبت، قوله: (وما خلا وما عدا)، إنما لزم النصب بعدهما، لأن (ما) مصدرية، وهي تدخل على الفعلية غالبا، كما يجيئ في قسم الحروف، وفي الاسمية قليلا، وليس بعدها
__________
(1) سيبويه ج 1 ص 377 (2) أي ألزموا خلا، (3) مع كونهما جملتين ماضيتين، فحقهما الاقتران بقد، على ما تقدم في باب الحال، (4) أي كلمة بعض مضافة إلى ضمير المستثنى منه، (5) الآية 8 سورة المائدة (6) في لسان العرب مادة (مهه): تقول العرب: كل شئ مهه أو مهاة أو مهاهة ما النساء وذكرهن، وفسره بأن معنى الكلمات: مهه ومهاه ومهاهة: الشئ السهل الذي يمكن احتماله، وقيل المعنى: كل شئ باطل إلا النساء وذكرهن، (*)(2/89)
اسمية 1، فتتعين الفعلية، فتتعين كونهما فعلين، فوجب النصب، والمضاف محذوف، أي: وقت ما خلا مجيئهم زيدا، أي وقت خلو مجيئهم زيدا، وذلك أن الحين 2 كثيرا ما يحذف مع (ما) المصدرية نحو: ما ذر شارق، وجوز الجرمي 3، الجر بعد ما خلا، وما عدا، ولم يثبت، على 4 أن (ما) زائدة، قوله: (وليس، ولا يكون)، هما أيضا في محل النصب على الحال إذا ضمنا معنى الاستثناء، ولا يستعمل موضع (لا يكون) غيره، نحو: ما كان، ولم يكن، ونحو ذلك، وفاعلهما واجب الاضمار، وهو ضمير راجع إلى (بعض) 5 مضافا إلى ضمير المستثنى منه، أي ليس بعضهم زيدا، وذلك لمثل ما قلنا في وجوب اضمار فاعل خلا، وعدا، إلا أن الأضمار ههنا، كما في قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) 6، وقوله تعالى: (حتى توارت بالحجاب 7) بخلاف ذلك، وأجاز الخليل أن يوصف بليس، ولا يكون، منكر، أو معرف باللام الجنسية، نحو: ما جاءني الرجال ليسوا ولا يكونون زيدا، وسمع من العرب: ما أتتني امرأة لا
تكون فلانة وليست فلانة، فيلحقهما، إذن، ما يلحق الأفعال الموصوف بها من ضمير وعلامة تأنيث، تقول: ما رأيت رجالا لا يكونون زيدا وليسوا زيدا، ولم يجيى مثل ذلك في خلا وعدا، ولم تستعمل هذه الأفعال في الاستثناء المفرغ، على أنه قال الأحوص:
__________
(1) أي في حال استعمالها في مثل ما خلا زيدا، (2) أي اللفظ الدال على الزمان ولذلك يسمونها المصدرية الظرفية، (3) الجرمي نسبة إلى جرم بفتح الجيم، قبيلة باليمن، قيل إنه كان مولى لها، وقيل إنه أقام بها زمنا فنسب إليها، وهو أبو عمر، صالح بن إسحاق من علماء البصرة، أدرك سيبويه ولم يلقه توفي سنة 225 ه (4) توجيه لما ذهب إليه الجرمي، (5) أي لفظ بعض، (6) أول سورة القدر، (7) الآية 32 من سورة ص، (*)(2/90)
216 - فما ترك الصنع الذي قد صنعته * ولا الغيظ مني ليس جلدا وأعظما 1 أي إلا جلدا...ولا تستعمل هذه الكلمة إلا في الاستثناء المتصل، بخلاف (غير) فإنها تستعمل في المنقطع، أيضا، كقوله:
217 - وكل أبي باسل غير أنني * إذا عرضت أولى الطرائد أبسل 2 (ترجح الأبدال) (وجواز النصب) (قال ابن الحاجب:) (ويجوز فيه النصب، ويختار البدل، فيما بعد (الا) في) (كلام غير موجب ذكر فيه المستثنى منه نحو: ما فعلوه إلا) (قليل وإلا قليلا)، (قال الرضي:) اعلم أن لاختيار البدل شروطا: أحدهما 3، أن يكون بعد (الا) ومتصلا، ومؤخرا
__________
(1) الصنع، بفتح الصاد، مصدر صنع والمراد: الأمر الذي صنعته والخطاب فيه لعمر بن عبد العزيز، الخليفة الأموي، كان، بعد أن تولى الخلافة اصطفى يزيد بن أسلم، وجفا الأحوص الأنصاري فقال الأحوص: ألست أبا حفص هديت مخبري * أفي الحق أن أقصى وتدني ابن اسلما وهذا ما يريده بقوله: الصنع الذي قد صنعته، (2) هذا البيت من القصيدة المسماة بلامية العرب للشنفري، التي يقول فيها مخاطبا قومه وعشيرته: ولي دونكم آهلون سيد عملس * وأرقط زهلول وعرفاء جيأل هم الأهل لا مستودع السر ذائع * لديهم ولا الجاني بما جر يخذل وقوله وكل أبي: أي وكل واحد منهم يريد هؤلاء الأهل، (3) لم يقل بعد ذلك ثانيها وثالثها، فكان الأولى حذف (أحدها) هذه
، (*)(2/91)
عن المستثنى منه المشتمل عليه استفهام أو نهي أو نفي صريح أو مؤول به غير مردود به كلام تضمن الاستثناء، وألا يتراخى المستثنى عن المستثنى منه، فقولنا المشتمل عليه استفهام أو نهي أو نفي، يدخل فيه الضمير الراجع قبل الاستثناء بإلا، على اسم صالح لأن يبدل منه، معمول للابتداء أو أحد نواسخه، نحو قولك: ما أحد ضربته إلا زيدا، يجوز لك الأبدال من هاء ضربته، لأن المعنى: ما ضربت أحدا إلا زيدا فقد اشتمل النفي على هذا الضمير من حيث المعنى، وكذلك إذا كان الضمير في صفة المبتدأ، نحو: ما أحد لقيته كريم إلا زيدا، ومثال دخول النواسخ: ما ظننت أحدا يقول ذلك إلا زيد، بالرفع بدلا من ضمير (يقول) لأن المعنى: ما يقول ذلك في ظني إلا زيد، والأبدال من صاحب الضمير أولى، لأنه الأصل، ولا يحتاج إلى تأويل، لكونه في غير الموجب، ولو لم يرجع الضمير إلى المبتدأ في الأصل أو في الحال، لم يجز الأبدال منه على ما
قيل، فلا تقول: ما ضربت أحدا بقول ذلك إلا زيد بالرفع بدلا من ضمير يقول، لأن القول ليس بمنفي، بل المنفي الضرب، قال سيبويه 1: إذا قلت: ما رأيت أحدا يقول ذلك إلا زيدا، ورأيت بمعنى أبصرت، وجب نصب المستثنى، لأنه ليس من نواسخ الابتداء، هذا قوله، وأنا لا أرى بأسا، في غير نواسخ الابتداء، أيضا، في الأبدال من ضمير راجع إلى ما يصلح للأبدال منه، إذا شمل النفي عامل ذلك الضمير، نحو: ما كلمت أحدا ينصفني إلا زيد، لأن المعنى: ما أنصفني أحد إلا زيد، ومنه قول عدي بن زيد:
__________
(1) منقول بمعناه من سيبويه، ج 1 ص 361 (*)(2/92)
218 - في ليلة لا نرى بها أحدا * يحكي علينا إلا كواكبها 1 و (نرى) من روية العين، وفي جعله من رؤية القلب، كما ذهب إليه سيبويه، نظر، لكونه مخالفا لظاهر معنى البيت، فالأنصاف 2 والحكاية منفيان معنى، بلى، لو قلت: لا أوذي أحدا يوحد الله تعالى إلا زيدا، لم يجز الأبدال من ضمير (يوحد)، لأن التوحيد ليس بمنفي، بل الأذي 3 فقط،
وكذا يجوز الأبدال من المضاف، والمضاف إليه المتعدد، إذا كان المضاف معمولا لغير الموجب، نحو: ما جاءني أخو أحد إلا زيد، وفي حكمة: ما في وصف معمول غير الموجب، نحو: ما أتاني غلام لأحد إلا زيد،.
قولنا: أو موول به، يدخل نحو: قلما رجل يقول ذلك إلا زيد، وفي: قل رجل، وقلما رجل وأقل رجل: معنى النفي، قال أبو علي: قلما، يكون بمعنى النفي الصرف، نحو: قلما سرت حتى أدخلها بالنصب لا غير، ولو كان للأثبات لجاز الرفع، كما يجيى في نواصب الفعل، قال: ويجيى بمعنى إثبات الشئ القليل كقوله: 219 - قلما عرس حتى هجته * بالتباشير من الصبح الأول 4 والأغلب الأول، ولكون (أقل رجل) مؤولا بالنفي، لا يدخله نواسخ الابتداء، كما لا تدخل على
__________
(1) هذا من أبيات لأحيحة بن الجلاع الأنصاري يقول فيها قبل هذا البيت: يا ليتني ليلة إذا هجع الناس * ونام الكلاب صاحبها وقال البغدادي بعد أن أورد الأبيات أنه تصفح ديوان عدي بن زيد فلم يجد فيه هذا الشعر،.
(2) المستفاد من قوله ينصفني في المثال، والحكاية المستفادة من قول الشاعر: يحكي علينا، (3) المناسب أن يقول: الأيذاء، ليتناسب مع (أوذي)، (4) التعريس: النزول آخر الليل لنوم أو الراحة، وهجته: أيقظته، أو أفزعته، بالتباشير، أي بظهور التباشير من الصبح، والأول جمع أولى صفة للتباشير وهو من شعر لبيد بن ربيعة، (*)(2/93)
(ما) النافية، ومن ثم كان وصف المضاف إليه (أقل) في الأشهر، فعلا أو ظرفا، لأن أصل النفي دخوله على الفعل، فلو قلت: أقل رجل ذي جمة، لم يحسن، على ما قال الأخفش، قال أبو علي: ووصفة بنحو: صالح، أيضا، لا يجوز في القياس، قال: ومن جوز، فلأعطائه معنى الفعل، ألا ترى أن سيبويه 1 أجاز حكاية نحو: (لبيبة عاقلة) إذا سمي به، كالجملة، 2 وفاعل (قل) و (قلما) لا يكون إلا نكرة، وكذا ما أضيف إليه (أقل) لكونه كالمجرور برب، قال أبو علي: أقل مبتدأ، حذف خبره وجوبا، استغناء بوصف المضاف إليه، كما حذف خبر ما بعد لو لا 3،
وفيما قال نظر، لأنه لا معنى لقولك: أقل رجل يقول ذلك إلا زيد موجود كما لا معنى لقولك: أقائم الزيدان موجود، قال 4: أو نقول: هو مبتدأ لا خبر له، لأن فيه معنى الفعل، كما في: أقائم الزيدان، وقال بعضهم: نحو (يقول ذلك) في: أقل رجل يقول ذلك إلا زيد: خبر المبتدأ، و (إلا زيد) بدل من ضمير (يقول)، وكذا في: أقل رجلين يقولان ذلك إلا الزيدان، وأقل رجال يقولون ذلك إلا الزيدون، قال 5: وإنما ثني ضمير يقولان، وجمع ضمير يقولون لأن أفعل التفضيل، كما يجيئ في بابه، إذا أضيف إلى نكرة، فإن كانت مفردة فهو مفرد، وإن كانت مثناة، أو مجموعة، فهو مثنى أو مجموع، بخلاف ما إذا أضيف إلى المعرفة، نحو: أفضل الرجلين، وأفضل الرجال،
__________
(1) الموجود في سيبويه ج 2 ص 66 التسمية بعاقلة لبيبة بدون واو، ولذلك حذفتها وهي موجودة في المطبوعة الأولى، (2) أي كما تحكي الجملة، (3) للاستغناء عنه بجواب لو لا (4) أي الفارسي،
(5) أي ذلك البعض صاحب هذا الرأي، (*)(2/94)
والحق من هذه المذاهب، ثاني قولي أبي علي، لأنك تقول أقل من يقول ذلك إلا زيد، وقل من يقول ذلك إلا زيد، و (من) نكرة، لا بد لها من وصف، وأقل رجل يقول، بمعنى: أقل من يقول، فالجملة، إذن، وصف للنكرة، كما كانت وصفا لمن، ولا يجوز إبدال زيد من لفظ المضاف إليه في: أقل رجل...، لأن (أقل) يكون، إذن، في التقدير مضافا إلى ذلك البدل الذي هو مثبت 1، وهو لا يضاف إلا إلى ما نفي الحكم عنه، ولا يجوز، أيضا، إبداله من لفظ (أقل)، إذ لو أبدلت منه طرحته من التفسير فيبقى قولك: يقول ذلك إلا زيد، ولا يصح 2، فالمرفوع بعد (إلا) في هذا المقام، معرفة كان أو نكرة، بدل من المضاف إليه أقل على المعنى المؤول به الكلام، إذ التقدير: ما رجل يقول ذلك إلا زيد، أي: ما يقول ذلك إلا زيد، وينبغي أن يكون تأويل النفي ظاهرا، ومن ثم رد على الزجاج في تجويز الرفع في (قوم
يونس) في قوله تعالى: (فلولا كانت قرية آمنت) الآية 3، فجعل التحضيض كالنفي، وقد تجري لفظة (أبي) وما تصرف منها مجرى النفي، قال تعالى: (فأبي أكثر الناس إلا كفورا 4)، و: (ويأتي الله إلا أن يتم نوره 5)، والمفرغ لا يجيئ في الموجب إلا نادرا، فعلى هذا، يجوز نحو: أبي القوم أن يأتوني إلا زيد، إذ حيث يجوز المفرغ يجوز الأبدال، وتأويل النفي في غير الألفاظ المذكورة نادر، كما جاء في الشواذ: (فشربوا منه إلا قليل منهم 6)، أي لم يطيعوه إلا قليل منهم، ولا يجوز: مات الناس إلا زيد، أي لم
__________
(1) لأن النفي أبطل بالا، (2) لأن ذلك يؤدي إلى التفريغ في الأيجاب، (3) الآية 98 من سورة يونس وتكررت (4) الآية 89 سورة الاسراء (5) الآية 32 سورة التوبة، (6) الآية 249 من سورة البقرة، وهي قراءة الأعمش، وأبي بن كعب، (*)(2/95)
يعيش الناس إلا زيد، وكذا لا يجوز في الأمر والشرط، الأبدال والتفريغ، نحو ليقم القوم إلا زيد، وإن قام أحد إلا زيد قمت،
وكان الزجاج يجيز البدل في قوله تعالى: (فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس) لتأويله التحضيض بالنفي، لأن المعنى: ما آمنت قرية، إذ اللوم على ما فات دلالة على انتفائه، وقد رده النجاة، 1 وأما قوله تعالى: (فلو لا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا 2)، فبالنصب لا غير، وقولنا 3 غير مردود به كلام تضمن الاستثناء، احتراز عن نحو: ما قام القوم إلا زيدا، ردا على من قال: قام القوم إلا زيدا، إذ النصب ههنا أولى، لقصد التطابق بين الكلامين، وقولنا: وألا يتراخى المستثنى عن المستثنى منه، احتراز عن نحو: ما جاءني أحد حين كنت جالسا ههنا، إلا زيدا، فإن الأبدال ليس بأولى ههنا من النصب، إذ كونه مختارا لقصد التطابق بينه وبين المستثنى منه، ومع تراخي ما بينهما، لا يتبين ذلك، فإذا تقرر هذا، فاعلم أن هذا الاتباع، إبدال عند البصرية، لأن عبرته 4 بجواز حذف المتبوع، وهو ههنا جائز، وقال الكسائي، والفراء: (إلا) حرف عطف بهذه الشروط، ولا خلاف
بينهم في معنى (إلا) وأنه للاستثناء، وإنما جعلاه عطفا، لأن البدل منه في كلام واحد، والمستثنى من حيث المعنى في كلام، والمستثنى منه في آخر، لأن معنى ما قام القوم إلا زيد:
__________
(1) تقدمت هذه العبارة في هذا الباب ولكل موضع مناسبته، (2) الآية 116 سورة هود وتقدمت في أول الباب، (3) عودة إلى تفسير ما ذكر من الشروط لترجيح الأبدال، (4) أي اعتباره ووجه معرفته، (*)(2/96)
ما قام القوم، وقام زيد، والجواب: أنهما في اللفظ كلام، والأبدال معاملة لفظية، قال بعضهم: لو كان بدل البعض، وجب الضمير، وليس من بدل الكل، ولا الاشتمال، فهو شبيه بالغلط، وبدل الغلط لا يكون في فصيح الكلام، والجواب: أنه بدل البعض، ولم يحتج إلى الضمير لقرينة الاستثناء المتصل لأفادته أن المستثنى بعض المستثنى منه، قال ثعلب 1: كيف يكون بدلا، والأول مخالف للثاني في النفي والايجاب ؟ والجواب: أنه لا منع منه مع الحرف المقتضي لذلك، كما جاز في الصفة، نحو: مررت برجل لا
ظريف ولا كريم، جعلت حرف النفي مع الاسم الذي بعده، صفة لرجل، والأعراب على الاسم، كذلك يجعل في نحو: ما جاء القوم إلا زيد، قولنا 2 إلا زيد، بدلا، والأعراب على الاسم، ولو كان عطفا، لم يكن معنى الكلام مع حذف المتبوع، كمعناه مع ثبوته، إذ ذلك من أحكام البدل لا من أحكام العطف، والفراء يمنع النصب على الاستثناء، إذا كان المستثنى منه منكرا، فيوجب البدل 3،.
في نحو: ما جاءني أحد إلا زيد، ويجيز النصب والأبدال في: ما جاءني القوم إلا زيد، وإلا زيدا، ولعله قاس ذلك على الموجب، فانه لا ينتصب المستثنى فيه، إلا والمستثنى منه معرف باللام، فلا يجوز: جاءني قوم إلا زيدا، لأن دخول (زيد) في (قوم) المنكر غير قطعي حتى يخرج بالاستثناء، وليس بشئ، لأن امتناع ذلك في الموجب لعدم القطع بالدخول، وفي غير الموجب: المستثنى داخل في المستثنى منه المنكر، ولهذا إذا علم في الموجب دخول المستثنى في المستثنى منه المنكر، جاز الاستثناء اتفاقا، نحو: له علي عشرة إلا واحدا،
__________
(1) هو الأماء أحمد بن يحيى من زعماء الكوفيين، وقد تقدم ذكره باسمه،
(2) نائب فاعل لقوله، يجعل، (3) هذا تسامح، لأن الأتباع عند الفراء على جعلة عطف نسق كما تقدم، وكذلك في قوله بعد: وحيز النصب والأبدال، (*)(2/97)
وذهب بعض القدماء إلى أنه يجب النصب على الاستثناء، ولا يجوز الأبدال، إذا صلح الكلام للأيجاب بحذف حرف النفي، نحو: ما جاءني القوم إلا زيدا، فإنه يجوز: جاءني القوم إلا زيدا، فكما لا يجوز الأبدال في الموجب، لا يجيزه 1 في غير الموجب قياسا عليه، وهو باطل بقوله تعالى: (...ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) 2 بالأبدال، وبقوله تعالى: (ما فعلوه إلا قليل منهم 3)، فإن الفعل يصلح للأيجاب مع أن البدل هو المختار 4، وأما إذا لم يصلح الفعل للأيجاب، نحو: ما جاءني أحد إلا زيد، وما جاءني رجل إلا عمرو، فإنه يجيز البدل والنصب، إذ لا يجوز: جاءني أحد إلا زيدا حتى يقاس عليه غير الموجب في وجوب النصب، ومن جعل للفراء 5، ولهذا القائل قياس غير الموجب على الموجب، ومن أين لهما ذلك ؟
هذا، ولما تقرر أن الاتباع هو الوجه مع الشرائط المذكورة، وكان أكثر القراء على النصب في قوله تعالى: (ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك 6)، تكلف 7 جار الله 8، لئلا تكون قراءة الأكثر محمولة على وجه غير مختار، فقال: (امرأتك) بالرفع، بدل من (أحد) وبالنصب مستثنى من قوله تعالى: (فأسر بأهلك) 9 لا من قوله (ولا يلتفت
__________
(1) أي هذا القائل الذي عبر عنه ببعض القدماء (2) الآية 6 من سورة النور (3) الآية 66 سورة النساء (4) علته أن القراء السبعة قرأوا به، (5) جمع في رده على هذا بين الفراء وهذا القائل لاشتراك الرأيين في قياس غير الموجب على الموجب، (6) الآية 81 سورة هود، (7) جواب قوله: ولما تقرر (8) أي الزمخشري، ورأيه هذا في متن المفصل، وانظر شرح ابن يعيش عليه ج 2 ص 81 وما بعدها، وفيه إجابة مفصلة وشرح واف لهذه المسألة، (9) من الآية السابقة في سورة هود، (*)(2/98)
منكم أحد)، فاعترض عليه المصنف 1، بلزوم تناقض القراءتين، إذن
، ولا يجوز تناقض القراءات، لأنها كلها قرآن، ولا تناقض في القرآن، قال: وبيان التناقض أن الاستثناء من (أسر) يقتضي كونها غير مسرى بها، والاستثناء من (لا يلتفت منكم أحد)، يقتضي كونها مسرى بها، والجواب أن الأسراء، وإن كان مطلقا في الظاهر، إلا أنه في المعنى مقيد بعدم الالتفات إذ المراد: أسر بأهلك اسراء لا التفات فيه إلا امرأتك فإنك تسري بها إسراء مع الالتفات، فاستثن على هذا، إن شئت من (أسر)، أو، من (لا يلتفت)، ولا تناقض، وهذا كما تقول: امش ولا تتبختر، أي امش مشيا لا تبختر فيه، وإذا كان المستثنى بعد المستثنى منه، قبل صفته 2، نحو: ما جاءني رجل إلا عمرو خير من زيد، فعند سيبويه 3: اتباعه أولى من النصب، لأن المبدل منه وهو الموصوف متقدم، وحكي أن سيبويه يختار النصب على الاستثناء، والمازني يختار ذلك على الأبدال نظرا إلى أن الصفة كجزء الموصوف، فكأنه لم يتقدم عليه جميع المستثنى منه، وأيضا فإن الأبدال من شئ علامة الاستغناء عنه، ووصفه بعد ذلك علامة الاعتداد به، والاعتداد
بالشئ بعد الاستغناء عنه، بعيد، (الاستثناء المفرغ) (حكمه، ومتى يجوز) (قال ابن الحاجب:) (ويعرب على حسب العوامل، إذا كان المستثنى منه غير) (مذكور، وهو في غير الموجب، ليفيد، مثل: ما ضربني)
__________
(1) أي ابن الحاجب في شرحه على المفصل، (2) أي قبل صفة المستثنى منه، (3) تفصيل ذلك في سيبويه ج 1 ص 371 وما بعدها، وفيه كثير من الشرح غير ما ذكره المصنف، (*)(2/99)
(إلا زيد، إلا أن يستقيم المعنى، نحو: قرأت إلا يوم كذا،) (ومن ثم لم يجز: ما زال زيد إلا عالما)، (قال الرضي:) هذا الذي يسميه النجاة: الاستثناء المفرغ، والمفرغ في الحقيقة هو الفعل قبل (إلا)، لأنه لم يشتغل بمستثنى منه، فعمل في المستثنى، واعلم أن المنسوب إليه الفعل أو شبهه، كما تكرر ذكره، هو المستثنى منه مع المستثنى، وإنما أعرب المستثنى منه بما يقتضيه المنسوب، دون المستثنى لأنه الجزء الأول، والمستثنى بعده صار في حيز الفضلات فأعرب بالنصب، ثم إن أمكن إتباع
المستثنى للمستثنى منه في الأعراب فهو أولى، كما في: ما قام القوم إلا زيد، إيذانا بكونه من تمام المنسوب إليه، وعبرة 1 إمكان اتباعه إياه، بتجويز حذف المستثنى منه، وقيام المستثنى مقامه على البدل، وذلك في غير الموجب، وإن لم يجز حذفه، كما في الموجب، لم يجز اتباع المستثنى إياه، بل وجب نصبه، لكونه في حيز الفضلات كما ذكرنا، وأما علة امتناع حذف المستثنى منه في الموجب، وجوازه في غير الموجب، فلأن المستثنى المتصل الذي كلامنا فيه، يجب دخوله تحت المستثنى منه عند جميع النجاة، إلا المبرد، وعند أكثر الأصوليين، أما المبرد وبعض الأصوليين فإنهم يكتفون، لصحة الاستثناء، بصحة دخوله تحته، حتى أجاز بعضهم جاءني رجل إلا زيدا، والأول هو الوجه، لأن الاستثناء اخراج اتفاقا وهو لا يكون إلا بعد تحقق الدخول، ثم إن المخرج منه، إنما يصح حذفه إذا قام عليه دليل، والدليل المستمر دلالته على المخرج منه هو المستثنى، لأنه يعرف به أن المقدر متعدد من جنسه، يعمه وغيره، وذلك المتعدد المقدر، لا يمكن أن يكون بعضا من الجنس غير معين، لأنه لا يتحقق، إذن،
__________
(1) أي طريقة اعتبار ذلك، وكيفية معرفته، (*)(2/100)
دخول المستثنى فيه، ولا أن يكون بعضا معينا يدخل فيه المستثنى قطعا لعدم قيام قرينة، في الأغلب، على مثل ذلك البعض، فلم يبق إلا جميع الجنس، ليتحقق دخول المستثنى فيه، وتقدير جميع الجنس جائز في غير الموجب، نحو: ما قام إلا زيد، لأن اشتراك جميع أفراد الجنس في انتفاء وقوع الفعل منها، أو عليها، ومخالفة واحد إياها في ذلك، مما يكثر ويغلب، وأما اشتراكها في وقوع الفعل منها أو عليها ومخالفة واحد إياها في ذلك، فمما يقل نحو: كل حيوان يحرك فكه الأسفل في الأكل إلا التمساح، ويعلم الله تعالى الا قدم العالم أو حدوث ذاته، ويستطيع تعالى إلا المستحيلات، وقرأت إلا يوم كذا، وضربته إلا بالسوط، قال تعالى: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال 1)، ويمكن أن يقوم في بعض المواضع على بعض معين من الجنس معلوم دخول المستثنى فيه، دليل 2، كما إذا قيل لك: ما لقيت صناع البلد، فتقول: لقيت إلا فلانا، لكن الأغلب، عدم التفريغ في الموجب، ويجوز التفريغ في موجب مؤول
بالنفي، كما في قوله تعالى: (فأبي أكثر الناس إلا كفورا) 3، فإذا تقرر هذا قلنا: إن المستثنى منه لما حذف لقيام القرينة، والمنسوب إليه كان هو المستثنى منه، مع المستثنى وآلة الاستثناء 4 وكان المستثنى منه، كما تقدم، أولى بأن يعرب بما يقتضيه العامل، لكونه جزءا أول، صار المستثنى متعينا لقبول ما اقتضاه العامل من الاعراب، إذ لم يبق من أجزاء المنسوب إليه القابلة للأعراب غيره، فعلى هذا، سقط الاعتراض بأنه كيف يسند الفعل المنفي في: ما قام إلا زيد، إلى الفاعل المراد وقوع الفعل منه ؟، لأنه ليس تمام المسند إليه في الحقيقة، في نحو: ما قام إلا زيد، كما لم يكن القوم، تمام المسند إليه في: ما قام القوم إلا زيدا، بل كل واحد
__________
(1) الآية 16 سورة الأنفال (2) فاعل يقوم في قوله ويمكن أن يقوم، (3) الآية 89 سورة الأسراء (4) إشارة إلى ما اختاره في أول باب المستثنى عند حل الأشكال الوارد على معنى الاستثناء، (*)(2/101)
منهما جزء المسند إليه حقيقة، وإن كان كالمسند إليه لفظا ؟ والاستثناء المفرغ يجيئ في جميع معمولات الفعل، وفي المبتدأ
والخبر، أما الفاعل والملحق به 1 فنحو: ما ضرب إلا زيد، وما ضرب إلا زيد، وليس منطلقا إلا زيد، والمفاعيل، نحو: ما ضربت إلا زيدا، وما مررت إلا بزيد، و: (إن نظن إلا ظنا) 2، وما رأيته إلا يوم الجمعة، وإلا قدامك، وما ضربته إلا تأديبا، وأما المفعول معه، فلا يجيئ بعد (إلا) لا يقال: لا تمش إلا وزيدا، ولعل ذلك لأن ما بعد (الا)، كأنه منفصل من حيث المعنى عما قبله، لمخالفته له نفيا وإثباتا، فإلا، مؤذنة من حيث المعنى بنوع من الأنفصال، وكذا الواو، فاستهجن عمل الفعل مع حرفين مؤذنين بالفصل، ولهذا لم يقع من التوابع بعد (ألا): عطف النسق، فلا يقال: ما قام زيد إلا وعمرو، كما تقع الصفة، وأما وقوع واو الحال 3 بعدها نحو: ما جاء زيد إلا وغلامه راكب، فلعدم ظهور 4 عمل الفعل لفظا فيما بعد الواو، بل هو مقدر، ويقع بعد (إلا) من الملحقات بالمفعول: الحال، نحو: ما جاء زيد إلا راكبا، والتمييز نحو: ما امتلأ الأناء إلا ماء، ونحو قوله تعالى: (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) 5، الواو
فيه للحال، لأن صاحب الحال عام، وقيل: الجملة صفة للنكرة، وأتوا بالواو لحصول الفصل بين الموصوف وصفته التي هي جملة بالا، فحصل للصفة، انفصال من الموصوف بوجهين: بكونها جملة، وبإلا، فجئ بالواو رابطة، ونحو ذلك قولهم في خبر ليس و (ما): ليس أحد إلا وهو خير منك، وما رجل
__________
(1) أراد به نائب الفاعل، (2) الآية 32 من سورة الجائية، (3) يريد أن يفرق بين وقوع الواو في المفعول معه بعد إلا، ووقوعها بعدها في الحال (4) لأن الحال جملة، (5) الآية 4 من سورة الحجر، (*)(2/102)
إلا وأنت خير منه، وكذلك في قولك: ما كان أحد إلا وأنت خير منه، وكذلك المفعول الثاني في باب علمت، نحو: ما وجدت زيدا إلا وهو فاضل، وربما جاء الواو في خبر كان بغير الا، كقول علي رضي الله عنه: (قد كنت وما أهدد بالحرب)، 1 تشبيها بالحالية، وأما التفريغ في المبتدأ والخبر وفروعهما، فنحو: ما زيد إلا قائم، وما
قائم إلا زيد، ولا غلام رجل إلا ظريف، ولم يكن زيد إلا عالما، وما ظننتك إلا بخيلا، ولم أعلم أن فيها إلا زيدا، فزيدا: اسم (أن)، ولو قلت: لم أعلم أن إلا زيدا فيها، وزيد إلا راكبا، لم يأتني، لم يجز، لما تقدم، من أن (إلا) لا تتقدم في المفرغ على الحكم، وفي غير المفرغ، لا تتقدم على الحكم والمستثنى منه معا، فيجوز: كيف إلا زيدا إخوتك، وأين إلا زيدا اخوتك، لأن العامل، أي الحكم: أين، وكيف، والمستثنى منه: إما الضمير فيهما، وإما: اخوتك، وكذا تقول: من إلا زيدا إخوتك ؟ و (من) مستثنى منه، وتقول: هل عندك إلا زيدأ أحد، وما عندك إلا زيدا أحد، ولا يجوز: ما إلا زيدا عندك أحد، ولا: هل إلا زيدا عندك أحد، لتقدم الاستثناء عليهما، وفي المفعول المطلق إذا كان للتأكيد، ووقع بعد إلا، اشكال، كقوله تعالى: (ان نظن إلا ظنا) 2، وذلك أن المستثنى المفرغ، يجب أن يستثنى من متعدد مقدر، معرب باعراب المستثنى، مستغرق لذلك الجنس كما تقدم، حتى يدخل فيه
المستثنى بيقين، ثم يخرج بالاستثناء، وليس مصدر (نظن) محتملا مع الظن غيره حتى يخرج الظن من بينه،
__________
(1) هذا مما جاء في نهج البلاغة، وهو من خطبة له رضي الله عنه في شأن طلحة بن عبد الله بن عثمان وكان من المطالبين بدم عثمان، ص 200 طبع دار الشعب بالقاهرة، (2) الآية 32 سورة الجاثية، وتقدمت قريبا، (*)(2/103)
وحله أن يقال: انه محتمل من حيث توهم المخاطب، إذ ربما تقول: ضربت، مثلا، وقد فعلت غير الضرب مما يجري مجراه، كالتهديد والشروع في مقدمات الضرب، فتقول: ضربت ضربا لرفع ذلك التوهم، كما أنك إذا قلت: جاءني زيد، جاز أن يتوهم أنه جاءك من يجري مجراه، فقلت جاءني زيد زيد، لرفع هذا التوهم، فلما كان قولك ضربت، محتملا للضرب وغيره من حيث التوهم، صار المستثنى منه في: ما ضربت إلا ضربا، كالمتعدد الشامل للضرب وغيره من حيث التوهم، فكأنك قلت: ما فعلت شيئا إلا الضرب، قال:
220 - أحل له الشيب أثقاله * وما اغتره الشيب إلا اغترارا 1 قال ابن يعيش 2: هذا الكلام محمول على التقديم والتأخير، أي: إن نحن إلا نظن ظنا، وما اغتره إلا الشيب اغترارا، وهو تكلف، وأما الاستثناء في التوابع، ففي البدل نحو: ما جاءني أحد إلا زيد، لكنه غير مفرغ، وكلامنا في المفرغ، ولا منع من كون سائر أنواع البدل مفرغة نحو: ما سلب زيد إلا ثوبه،.
في بدل الاشتمال، وما ضرب زيد إلا رأسه في بدل البعض، أي: ما سلب زيد شئ منه إلا ثوبه، ولا ضرب زيد عضو منه إلا رأسه في بدل البعض، أي: ما سلب زيد شئ منه إلا ثوبه، ولا ضرب زيد عضو منه إلا رأسه، وعطف النسق لم يجيئ فيه لما تقدم 3، وكذا عطف البيان والتأكيد، وذلك لأن عطف البيان لو جاء، لكان مستثنى من مقدر متعدد، هو أيضا عطف بيان، وكونه متعددا مخالف لكونه عطف بيان، لأنه إما علم، أو مختص مثله، وكذا التأكيد، لأنه لم توضع ألفاظ عامة شاملة لألفاظ التوكيد نحو عينه ونفسه، وكله، وكلاهما، ولغيرها حتى نقدرها ونخرج ألفاظ التوكيد منها،
__________
(1) هذا من قصيدة الأعشى التي منها قوله: تقول ابني حين جد الرحيل * أبرحت ربا وأبرحت جارا وهو الشاهد المتقدم في باب التمييز، (2) الأمام موفق الدين، يعيش بن علي بن يعيش شارح المفصل للزمخشري، وهو من أبرز علماء القرن السابع، قريب العهد بالرضي، ونقل عنه كثيرا، كما نقل عن بعض معاصرية مثل ابن مالك، وغيره، (3) إشارة إلى ما ذكره قبل قليل في عدم التفريغ في المفعول معه، (*)(2/104)
والوصف، نحو: ما جاءني أحد إلا ظريف، وما لقيت أحدا إلا أنت خير منه، وفيه وفي خير المبتدأ نحو: ما زيد إلا قائم، وفي الحال نحو: ما جاءني زيد إلا راكبا: إشكال، لأن المعنى يكون، إذن، ما جاءني أحد متصف بصفة إلا بصفة الظرافة، وما زيد متصف إلا بصفة القيام، وما جاءني زيد على حال من الأحوال إلا على حال الركوب، وهذا محال، لأنه لابد للمتصف بصفة الظرافة من الاتصاف بغيرها، ولو لم يكن إلا التحيز 1 ونحوه، وكذا في الخبر والحال، وذكر المصنف في حله وجهين: أحدهما: أن القصد بالحصر المبالغة في إثبات الوصف
المذكور حتى كأن ما دونه في حكم العدم، وثانيهما أنه نفي لما يمكن انتفاؤه من الوصف المضاد للوصف المثبت، لأنه معلوم أن جميع الصفات يستحيل انتفاؤها، وقال المالكي 2 في الصفة: انها صفة بدل محذوف، أي: ما جاءني أحد إلا رجل ظريف، ويمكن أن يقال مثله في الحال وخبر المبتدأ، ولكن فيه نظر، لأنه يلزمه أن يجوز النصب على الاستثناء، كما لو ظهر موصوفة فتقول ما جاءني أحد إلا طويلا على الاستثناء، ولم يسمع، والفراء يجيز النصب على الاستثناء في المفرغ نظرا إلى المقدر، استدلالا بقوله: 221 - يطالبني عمي ثمانين ناقة * وما لي يا عفراء إلا ثمانيا 3 ويجوز أن يريد: إلا ثمانية جمال، فرخم في غير النداء ضرورة،
__________
(1) التحيز شغل الذات قدرا من الفراغ وهو أمر يشترك فيه كل جسم، (2) أشرت عند ذكر الرضي للمالكي أول مرة، أن من الأمور التي جعلتني أرجح أنه يريد الأمام ابن مالك،.
اشتهار الآراء التي ينسبها إلى (المالكي) وأنها معروفة عن ابن مالك، وذكرت لذلك أمثلة، ونبهت على كل مثال في موضعه الذي يرد فيه، وهذا أحد المواضع التي تقوي ما ذهبت إليه، فإن الرأي بأن مثل هذا مؤول
بأنه صفة بدل محذوف، مما هو معروف أنه رأى ابن مالك، نقله عنه الدماميني، كما نقله عن الأخفش وأبي علي الفارسي، وانظر حاشية الصبان على الأشموني في باب الاستثناء، (3) قد ذكر الشارح وجها لتأويل البيت وإخراجه عن الاستشهاد به، وفي خزانة الأدب للبغدادي، قال عند الكلام على هذا البيت، إنه قد تحرف على من استشهد به، لأنه من قصيدة نونية معروفة لعروة بن حزام = (*)(2/105)
وما أجازه مردود، لوجوب قيام المستثنى مقام المقدر في الاعراب، ولا سيما في الفاعل، إذ لا يجوز حذفه إلا مع قائم مقامه، وهو يجيز ما قام إلا زيدا، قوله: (وهو في غير الموجب ليفيد)، يعني بغير الموجب: النهي والاستفهام والنفي الصريح أو المؤول، كما ذكرنا، قوله: (ليفيد)، قد تقدم أنك لو قلت: قام إلا زيد، لكان المعنى: قام جميع الناس إلا زيدا، وهو بعيد، وقرينة تخصيص جماعة من الناس من بينهم زيد، منتفية في الأغلب، فامتنع الاستثناء المفرغ في الموجب، قوله: (إلا أن يستقيم المعنى)، أي يستقيم في الأيجاب معنى الاستثناء المفرغ الذي
يفيد عموم المستثنى منه، نحو: قرأت إلا يوم كذا، إذ لا يبعد أن تقرأ في جميع الأيام إلا اليوم المعين، وأغلبه أن يكون من الفضلات، كالظرف، والجار والمجرور والحال، كما تقدم، قوله: (ومن ثم)، أي: ومن جهة أن المفرغ إنما يجيئ في غير الموجب، امتنع: ما زال زيد إلا عالما، لأن (ما زال) موجب، إذ النفي إذا دخل على النفي أفاد الأيجاب الدائم، كما يجيئ في الأفعال الناقصة، فيكون المعنى: دام زيد على جميع الصفات إلا على صفة العلم، وهو محال، ولقائل أن يقول: احمل الصفات المثبته على ما يمكن أن يحمل مثله عليها، مما لا يتناقض، واستثن من جملتها العلم، كما قيل في: ما زيد إلا عالم، في الصفات المنفية، أو احمل ذلك على المبالغة في نفي صفة العلم، كأنك قلت: أمكن أن يجتمع فيه جميع الصفات إلا صفة العلم، كما حملت هناك على المبالغة في إثبات الوصف،
__________
= العذري، وعفراء محبوبته وصوابه: ومالي يا عفراء غير عثمان، ثم أورد البغدادي القصيدة بروايات مختلفة
كلها تشهد بصحة ما قال من التحريف، وعلى ذلك يكون البيت جاريا على المعروف من القواعد ويخرج عن الاستدلال به، (*)(2/106)
قال المصنف: ووجه آخر ههنا في منع نحو: ما زال زيد إلا عالما، وذلك أن (ما زال) لأثبات خبره، و (إلا) للنفي بعد ذلك الأثبات، فيكون خبره مثبتا منفيا، ولقائل أن يقول: ما زال، لأثبات خبره، إن لم يعرض ما يقلبه إلى النفي، لا مطلقا، كما أن (ليس) لنفي خبره، إلا إذا عرض ما يقتضي اثباته نحو: ليس زيد إلا فاضلا، (تعذر البدل) (على اللفظ) (قال ابن الحاجب:) (وإذا تعذر البدل على اللفظ، أبدل على الموضع، مثل: ما) (جاءني من أحد إلا زيد، ولا أحد فيها إلا عمرو، وما زيد) (شيئا إلا شئ...، لأن من، لاتزاد بعد الأثبات وما،) (ولا، لا تقدران عاملتين بعد الأثبات، لأنهما عملتا للنفي،) (وقد انتقض النفي بالا، بخلاف: ليس زيد شيئا إلا شيئا..) (لأنها عملت للفعلية، فلا أثر لنقض معنى النفي لبقاء الأمر) (العاملة هي لأجله، ومن ثم جاز: ليس زيد إلا قائما،)
(وامتنع: ما زيد إلا قائما)، (قال الرضي:) اعلم أنه يتعذر البدل على اللفظ في أربعة مواضع: في المجرور بمن الاستغراقية.
والمجرور بالباء الزائدة لتأكيد غير الموجب، نحو: ما زيد أو ليس زيد، أو هل زيد (*)(2/107)
بشئ 1، وفي اسم (لا) التبرئة 2، إذا كان منصوبا، أو مفتوحا 3، نحو: لا رجل، ولا غلام رجل، وفي الخبر المنصوب بما الحجازية، وإنما تعذر الأبدال من لفظ المجرور بمن المذكورة، لأنها وضعت لتفيد أن عدم الأيجاب شامل لجميع أفراد المجرور بها، سواء باشرت المجرور، كما في: ما جاءني من رجل، أو كان 4 تابعا لمباشرها نحو: ما جاءني من رجل ولا امرأة، و (إلا) الآتية بعد غير الموجب ناقضة لعدم الأيجاب، ومع بطلان عدم الأيجاب، كيف يشمل أفراد ما بعدها، وكذا تعذر الأبدال من لفظ المجرور بالباء المذكورة، لأنها وضعت لتدل على تأكيد عدم إيجاب مضمون المجرور بها، سواء كان مجرورها مباشرا لها، نحو: ما زيد بقائم،
أي قيامه غير ثابت قطعا، أو تابعا لمباشرها 5، نحو: ما زيد بقائم ولأ، قاعد، و (الا) الآتية بعدها مبطلة لعدم الأيجاب، ومع بطلانه كيف يبقى مؤكدا، وكذا يتعذر الأبدال من اسم (لا)، وخبر (ما) المذكورتين، لأن عمل الحرفين إنما كان لأجل نفيهما، كما ذكرنا قبل، و (إلا) تبطل النفي الذي عملا له، فكيف يعملان مع عدم سبب العمل، ولا يجوز، على مذهب الأخفش، أيضا، الأبدال من لفظ المجرور بمن المذكورة، وإن كان مذهبه تجويز زيادة (من) في الموجب، نحو: قد كان من مطر، و: (يغفر لكم من ذنوبكم 6)، لأن كلامنا في (من) الاستغراقية، ولا يمكنه أن يرتكب جواز
__________
(1) قوله بشئ، راجع إلى الأمثلة الثلاثة قبله،.
(2) اطلقوا على لا، النافية للجنس اسم لا التبرئة من حيث إنها برأت الاسم عن الاتصاف بالخبر، (3) أي مبنيا، (4) أي المجرر بها، وهو في المثال معطوف على المجرور بها، (5) هو كالذي قبله في الكلام على (من) أي أن الثاني مجرور بها أيضا لأنه معطوف، (6) الآية الثالثة من سورة نوح، (*)(2/108)
زيادتها في الموجب، والتي يجوز زيادتها في الموجب ليست هذه، وكذا الباء المزيدة في نحو: ألقى بيده، وكفى بالله، وبحسبك، غير هذه التي نحن فيها، أي التي لتأكيد غير الأيجاب، وقد أجاز الكوفيون إعمال (من) والباء المذكورتين، أي المختصتين بغير الأيجاب فيما بعد (الا) إذا كان منكرا نحو: ما جاءني من أحد إلا رجل فاضل، وما زيد بشئ إلا شئ حقير، وأما إذا كان معرفة فلا، 1 ولعلهم نظروا إلى أن عدم الأيجاب، وإن زال بإلا، إلا أن (من) الاستغراقية لما لزمت المنكر وضعا، والباء المذكورة أصلها أن تدخل على النكرة لأن موضعها الخبر، وأصله التنكير، فجاز أن تعملا في المنكر، لمشابهته ما ينبغي أن تدخلا فيه، وإن كان في حيز الأيجاب، وسهل ذلك عدم مباشرة الحرفين للمجرورين، والأولى المنع من ذلك، لأن العلة المذكورة قبل، في امتناع جرهما لما بعد (الا)، تعم المعرف والمنكر، وما ذكروه، كان يمكن أن يعتذر به، لو ثبت في النقل جر المنكر بعد (إلا) بهما، وقال أبو علي 2: إنما لم يجز جر البدل في: ما جاءني من أحد إلا زيد،
ونصبه في: لا رجل إلا زيد، لامتناع دخول (من) الاستفراقية على المعرفة وعمل (لا) التبرئة فيها، ولا يطرد هذا التعليل في نحو: ما جاءني من أحد إلا رجل صالح، ولا يجوز جره اتفاقا من البصريين، ولا في نحو: لا رجل في الدار إلا رجل فاضل فإنه لا يجوز إبداله على اللفظ إجماعا، ولنا أن نقول: إنما لم يجز الأبدال على لفظ اسم (لا)، وخبر (ما)، المذكورتين، لأن إعمالهما فيما بعد (إلا)، يقتضي بقاء نفيهما بعدها، إذ لا يعملان إلا للنفي، ومجيئ
__________
(1) ومثاله: ما زيد بشئ إلا الشئ التافه أو الحقير، (2) أي الفارسي، (*)(2/109)
(الا) يقتضي زوال نفيهما بعدها فيلزم التناقض، فإن قيل: يلزم مثله في (ليس)، ويجوز اتفاقا: ليس زيد شيئا إلا شيئا لا يعبأ به، لأن معنى ليس، وما، سواء إجماعا منهم، قلت: سلمنا تساوي معنييهما، ولا يلزم التناقض، لأن اعمال (ليس) فيما بعد (إلا) لا يقتضي بقاء نفيها بعدها، إذ عملها ليس للنفي، بل لكونها فعلا
، وفعلتيها لا تزول بإلا، كما يزول نفيها، فإن قيل: فقد أثبت لها معنيين: أحدهما يزول بإلا، وهو النفي، والآخر لا يزول به، وهو الفعلية، و (ما) مثلها في المعنى، اتفاقا، فيلزم أن يكون في (ما) أيضا معنى الفعلية، قلت: كان معنى (ليس) في الأصل: ما كان، وإنما حكمنا بذلك، للحوق علامات الأفعال إياها نحو: ليست، ولست، ثم سلبت الدلالة على الزمان الماضي، بقيت مفيدة لنفي كون مضمون خبرها مطلقا، أو في الحال، كما يجيئ، ومعنى نفي كون مضمون الخبر، وهو معنى (ليس) ونفي مضمون الخبر وهو معنى (ما) شئ واحد في الحقيقة والمغزى، وإن كان في نفي الكون معنى الفعلية، وليس في إيجاد معنى النفي في لفظ آخر، ذلك 1، وهو معنى (ما)، فمن ثم قيل انهما بمعنى واحد في الحقيقة والمغزى ورب شيئين معناهما الوضعي مختلف، ومؤداهما شئ واحد، فإذا ثبت هذا، قلنا: إن (إلا) نقضت معنى النفي في (ليس) وبقي معنى الكون، وهو الناصب للخبر، دون النفي بحاله، كما كان في: ما كان زيد منطلقا
، وأما أن (ليس)، أيضا إيجاد معنى نفي الكون في لفظ آخر، وهو الجملة بعدها، فينبغي أن تكون حرفا ولا يكون فيها معنى الفعلية،
__________
(1) أي معنى الفعلية ليس موجودا في إيجاد الخ.
(*)(2/110)
فالجواب أن ذلك فيها عارض، وكان أصلها أن تكون بمعنى: ما ثبت، وما حصل فتفيد معنى في نفسها كسائر الأفعال التامة، فإفادتها للكون المنفي في غيرها وإفادة لفظ كان للكون المثبت في غيرها، عارضة، كتجرد عسى، وبئس، عن الزمان، كما سبق في أول الكتاب 1، فإن قلت 2: فإذا لم يجز الجر، ولا النصب فيما بعد (إلا)، في نحو: ما زيد بشئ إلا شئ لا يعبأ به، ولم يجز النصب في نحو: ما زيد شيئا إلا شئ لا يعبأ به، فما وجه الرفع ؟،.
قلت: المبتدأ والخبر يترافعان، كما سبق في حد الأعراب، إلا أن النواسخ إذا دخلت على المبتدأ والخبر، غلبتهما 3، لكن يبقى عملهما تقديرا، إذا
كان العامل حرفا، لضعفه، فمن ثم، إذا كان العامل حرفا لا يغير معنى، جاز اعتبار ذلك المقدر، بلا ضرورة، نحو: ان زيدا قائم وعمرو، وإن غير المعنى فلا يعتبر ذلك المقدر، إلا إذا اضطر إليه، كما نحن فيه، فإنه لم يبق طريق إلا اعتبار ذلك المقدر، وسهل ذلك الاعتبار: ضعف (ما) الحجازية في العمل، لعدم لزومها أحد القبيلين، كسائر العوامل، ولذا لم يعملها بنو تميم، وهو القياس، ولضعفها في العمل، تلغى بتقدم الخبر، وبتوسط (إن) بينها وبين المعمول، لكن إذا وجدت مندوحة، لم نحمل على هذا الاعراب المحلي، فلا يقال: ما زيد رجلا ظريف، ولا: ما هو رجلا وأمراة بالرفع، لأن الحمل على الاعراب المحلي القوي، إذا وجد إعراب ظاهر: مرجوح غير كثير، كما في: أعجبني ضرب زيد وعمرا، حتى قال بعضهم لا يجوز، فكيف بالمحلي الضعيف 4 ؟ فأما إذا اضطر إلى الحمل عليه، كما في نحو: ما زيد بشئ إلا شئ، وفي نحو: ما زيد بقائم أو قائما،
__________
(1) ص 39 في الجزء الأول،
(2) رجوع إلى موضوع البحث، (3) أي صار العمل لها في الظاهر، (4) يعني إذا كان الحمل على الأعراب المحلي القوي مرجوحا مع وجود الأعراب الظاهر فكيف لا يكون مرجوحا مع الأعراب المحلي الضعيف، (*)(2/111)
بل قاعد، أو لكن قاعد، كما مر في خبر (ما)، فالواجب الحمل عليه، اجابة لداعي الضرورة، هذا، وفي رفع ما بعد (الا)، في نحو: لا أحد فيها إلا زيد، وجهان: الأبدال من محل (لا أحد)، والأبدال من الضمير المستكن في قولك (فيها)، كما قلنا في نحو: ما رأيت أحدا يقول ذلك إلا زيد، بالرفع، ولا يمتنع النصب على الاستثناء، لكنه ههنا أقل من النصب في نحو: ما جاءني أحد إلا زيدا، لأن النصب على الاستثناء مطلقا، أقل من البدل، على ما تقدم، وهو، مع قلته، ملتبس بما لا يجوز من البدل على اللفظ في نحو: لا رجل فيها إلا زيد، ولا يلتبس بالبدل غير الجائز في نحو: ما جاءني أحد إلا زيدا، وأما في: ما رأيت أحدا إلا زيدا، فإنه يلتبس ببدل جائز، فعلى
هذا، لا يكاد يجيئ النصب في نحو: لا أحد فيها إلا زيدا، إلا في القليل، قال الشاعر: 222 - مهمامها وخروقا لا أنيس بها * إلا الضوابح والأصداء والبوما 1 وقال: 223 - أمرتكم أمري بمنعرج اللوى * ولا أمر للمعصي إلا مضيعا 2 وقال الخليل: مضيعا، حال، وجاز تنكير ذي الحال لكونه عاما، كأنه قال للمعصي أمر مضيعا، وأما نحو قولك: لا إله إلا الله، ولا فتى إلا علي 3، ولا سيف إلا ذو الفقار 4،
__________
(1) أحد أبيات قصيدة من المفضليات للأسود بن يعفر، والبيت في وصف الناقة والأرض التي قطعتها وقبله: - والبيتان هما آخر القصيدة، وسمحة المشي شملال قطعت بها * أرضا يحاربها الهادون ديموما الهادون الأدلاء الذين يرشدون السائرين لخبرتهم بالطرق، والديموم الأرض القفرة، (2) للكلحبة العرني، من بني يربوع واسمه هبيرة بن عبد مناف، وهو من أبيات سيبويه ج 1 ص 372، وفي هذا الموضع عبارة الخليل التي نسبها إليه الشارح، (3) المراد به علي بن أبي طالب رضي الله عنه (4) ذو الفقار: سيف غنمه المسلمون في إحدى المعارك فصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم صار من بعده إلى
علي كرم الله وجهه، (*)(2/112)
فالنصب على الاستثناء فيه، أضعف منه في نحو: لا أحد فيها إلا زيدا، لأن العامل فيه، وهو خبر لا، محذوف إما قبل الاستثناء وإما بعده، وفي نحو: لا أحد فيها إلا زيدا، ظاهر، وهو خبر لا، ومما يقرب مما مر، من جهة الحمل على المعنى، قولهم، وإن كان ضعيفا خبيثا، على ما قال سيبويه 1،: إن أحدا لا يقول ذلك إلا زيد، فتبدل زيدا من الضمير في يقول، فترفعه، أو من (أحدا) فتنصبه، وإنما ضعف، لأن لفظ أحد، لأ، يستعمل في الموجب، وإنما نفيت بعد أن أوجبت، وإنما اغتفر ذلك مع ضعفه، حملا على المعنى، لأن المعنى: لا يقول ذلك أحد إلا زيدا، كما جاز أن تقول: علمت زيد، أبو من هو، برفع زيد، لما كان المعنى: علمت: أبو من زيد، على ما يجيئ في أفعال القلوب، فلما أجريته 2 مجرى الواقع في حيز المنفي جاز أن يكون (إلا زيدا) بدلا من لفظ (أحد) بغير الموجب، فكأنه واقع في حيز غير الموجب، فلا يجوز أن تقول قياسا عليه: أما
القوم فما رأيتهم إلا زيد، بالرفع، بدلا من القوم، وإن كان القوم في المعنى، في حيز النفي أيضا، إذ المعنى، ما رأيت القوم إلا زيدا،
__________
(1) جاء ذلك في سيبويه ج 1 ص 363، وقال بعد ذكر المثال: وهو ضعيف خبيث وعلل ذلك بما قاله الرضي، ثم إن كثيرا من مسائل هذا الباب منقول بلفظه أو بمعناه عن سيبويه في باب الاستثناء في الجزء الأول ص 359 وما بعدها، (2) أي الكلام المتقدم (*)(2/113)
(تكملة) 1 (في ذكر أمور المصنف) ولا بأس بأن نذكر بعض ما أهمله المصنف من أحكام الاستثناء وهي أنواع، أحدها: أن ما بعد (الا) لا يعمل فيما قبلها مطلقا، لمثل ما قلناه في فاء السبيبة وواو العطف وأخواتهما، في المنصوب على شريطة التفسير 2، ولا يعمل ما قبلها فيما بعد المستثنى إلا أن يكون مستثنى منه، أو تابعا للمستثنى على ما مر في باب الفاعل 3، وثانيها: أنه لا يستثنى بأداة واحدة شيئان بلا عطف، خلافا لقوم، فلا
يقال: ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا، على أن كلا الاسمين مستثنى بالا المذكورة، بل يقال ذلك على أن الاسم الثاني معمول لمضمر 4، أي: ضرب عمرا، وقد ذكرنا ما فيه في باب الفاعل 5، وثالثها: أنه لا يمتنع استثناء النصف، خلافا لبعض البصرية، يقال: له علي عشرة إلا خمسة، وكذا لا يمتنع استثناء الأكثر، نحو: له علي عشرة الا سبعة، أو ثمانية، وفاقا للكوفين، ولعل المانعين في الصورتين، توهموا أن المتكلم متجوز في ذكر المستثنى منه، إذ يذكر لفظ الكل ويريد به البعض، ثم يعود إلى التحقيق 6 فيخرج ما يتوهم المخاطب دخوله
__________
(1) هذا استطراد من الرضي كعادته، وقد عجل بهذه التكملة قبل الفراغ من باب الاستثناء لأنها متصلة بأحكام (الا) وقد فرغ منها، (2) ج 1 ص 445 (3) ج 1 ص 191 وقد أفاض هناك في هذا الأحكام، (4) أي مقدر (5) ج 1 ص 193
(6) أي إلى ذكر الحقيقة، (*)(2/114)
في لفظ ذلك الكل، كما يسمي التسعة مثلا: عشرة، ثم يرجع إلى التحقيق فيخرج الواحد، إزالة لوهم السامع، ولا يجوز أن يطلق لفظ الكل إلا على ما يقرب من الكلية والتمام بأن يكون الناقص منه أقل من النصف، وبعيد أن يطلق اسم الكل على نصفه، وأبعد منه أن يطلق على أقل من نصفه، وهذا الذي توهموه، مثل القول المذكور في تحقيق معنى الاستثناء، وقد أبطلناه، فليرجع إليه، 1 ثم نقول 2: الغرض من ذكر المستثنى منه، والمستثنى: بيان حكمين بأخصر لفظ، كقولك: جاءني القوم إلا زيدا، لو قلت: جاءني غير زيد لم يكن نصا على أنه لم يجئك غير زيد، ولو قلت: لم يجئني زيد، لم يدل على أنه جاءك غيره، وأفدت بجاءني القوم إلا زيدا: الفائدتين، وكذا في قولهم: لم يجئني القوم إلا زيدا، على العكس، وكذا تقول في العدد، لو قال شخص: لي عليك عشرة، فقلت: لك علي عشرة إلا درهمين، كان نصا في أنه ليس عليك زائد على الثمانية، ولو قلت مكانه: لك علي ثمانية لم يكن نصا فيه،
فإذا كان في الاستثناء هذا الغرض، وهو متصور في استثناء النصف والأكثر، فلا منع منهما، ونقول، مع هذا كله، انك لو قلت ابتداء بلا داع إلى تعيين العشرة: لك علي عشرة إلا خمسة، أو إلا ستة لاستهجن بلا ريب، أما لو كان جواب من قال: لي عليك عشرة، أو حصل هناك داع آخر إلى تخصيص العشرة، لم 3 يستهجن وإن بقي واحد نحو قولك: علي عشرة إلا تسعة، ورابعها: 4 أنه إذا اجتمع شيئان فصاعدا، يصلحان لأن يستثنى منهما، فإما أن يتغايرا معنى أو، لا، فإن تغايرا وأمكن اشتراكهما في ذلك الاستثناء بلا بعد، اشتركا فيه، نحو: ما بر أب وابن إلا زيدا، أي: زيد أب بار، وابن بار، وإن لم يمكن الاشتراك، نحو: ما فضل ابن أبا إلا زيدا، أو كان بعيدا نحو: ما ضرب أحد أحدا
__________
(1) في أول باب المستثنى (2) تمهيد للوصول إلى جواز استثناء النصف، (3) هذا جواب قوله: أما لو كان، فحقه أن يقرن بالفاء، (4) أي رابع الأمور التي في التكملة، (*)(2/115)
إلا زيدا، فإن الأغلب مغايرة الفاعل للمفعول، نظرت، فإن تعين دخول المستثنى في أحدهما، دون الآخر فهو استثناء منه، وليه أو، لا، نحو: ما فدى وصي نبيا إلا عليا، 1 وإن احتمل دخوله في كل واحد منهما، فإن تأخر عنهما المستثنى، فهو من الأخير، نحو: ما فضل ابن أبا إلا زيدا، وكذا: ما فضل أبا ابن إلا زيدا، لأن اختصاصه بالأقرب أولى لما تعذر رجوعه إليهما معا، وإن تقدمهما معا، فإن كان أحدهما مرفوعا لفظا أو معنى فالاستثناء منه، لأن مرتبته بعد الفعل فكأن الاستثناء وليه بعده، وذلك نحو: ما فضل إلا زيدا أبا ابن، أو من ابن، وإن لم يكن أحدهما مرفوعا فالأول أولى به لقربه، نحو: ما فضلت إلا زيدا أحدا على أحد، ويقدر للأخير عامل على مإ، تقدم في باب الفاعل، وإن توسطهما، فالمتقدم أحق به، لأن أصل المستثنى تأخره عن المستثنى منه، وذلك نحو: ما فضل أبا إلا زيدا ابن، ويقدر أيضا للأخير عامل، وإن لم يتغايرا معنى، اشتركا فيه وإن اختلف العاملان فيهما، نحو: ما ضرب أحد وما قتل إلا خالدا، لأن فاعل (قتل) ضمير (أحد)، ومثله قوله تعالى:
(فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا 2)، كما يجيئ، وخامسها: أنك إذا كررت الا، فإما أن تكررها للتأكيد، أو، لا، فإن كررتها للتأكيد، فإما أن يكون ما بعدها عطف النسق، ولا بد من حرف العطف قبل (إلا) 3، نحو: ما جاءني إلا زيد وإلا عمرو، وإما أن يكون بدلا، وهو إما بدل الكل، نحو: ما جاءني إلا زيد إلا أخوك، إذا كان الأخ زيدا، أو بدل البعض نحو: ما ضربت إلا زيدا إلا رأسه، أو بدل الاشتمال نحو: ما أعجبني إلا زيد إلا علمه، أو بدل الغلط نحو:
__________
(1) المراد به علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو إشارة إلى ما كان منه ليلة الهجرة حيث نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه لمحة من التشيع، وكان الرضي شيعيا، وقد جاءت أمثلة هذا البحث كلها بنصب المستثنى، (2) الآية 4 من سورة النور وستأتي، (3) المراد (الا) الثانية كما في المثال، (*)(2/116)
ما جاءني إلا زيد إلا عمرو، وإما أن يكون عطف بيان، نحو: ما أتاني إلا أخوك إلا
زيد، إذا كان زيد هو الأخ، 1 وإن كررتها لغير التأكيد، فإما أن يمكن استثناء كل تال من متلوه، أو، لا، فإن أمكن، فإما أن يكون في العدد أو في غيره، فالذي في غير العدد نحو: جاءني المكيون إلا قريشا إلا هاشما إلا عقيلا، في الموجب، فلا يجوز في كل وتر إلا النصب على الاستثناء، لأنه عن موجب، والقياس أن يجوز في كل شفع: الأبدال والنصب على الاستثناء، لأنه عن غير موجب والمستثنى منه مذكور، ونعني بالوتر: الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع والحادي عشر، وعلى هذا، وبالشفع: الثاني والرابع والسادس، ونحوها، فكل وتر: منفي خارج، وكل شفع: مثبت داخل، فيكون في مسألتنا قد جاءك من المكيين غير قريش مع جميع بني هاشم إلا عقيلا، وتقول في غير الموجب، ما جاءني المكيون إلا قريش إلا هاشما إلا عقيلا، فالقياس أن يجوز لك في كل وتر: النصب على الاستثناء والبدل، لأنه غير موجب والمستثنى منه مذكور، ولا يجوز في الشفع إلا النصب على الاستثناء، لأنه عن موجب
فكل وتر: مثبت داخل، وكل شفع، منفي خارج، فيكون في مسألتنا قد جاءك من المكيين مع عقيل: جميع قريش إلا هاشما، والذي في العدد، نحو: له علي عشرة، إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا اثنين إلا واحدا، في الموجب، فكل وتر: منفي خارج، وكل شفع: موجب داخل، كما كان في غير العدد، فيلزمك بالأقرار خمسة، لأنا إذا أخرجنا التسعة من العشرة بقي واحد، أدخلنا معه ثمانية صارت تسعة، أخرجنا منها سبعة، بقي
__________
(1) الرضي لا يري فرقا بين عطف بيان: وبدل الكل من الكل، وهو هنا يجري على اصطلاح النجاة في إثبات النوعين، (*)(2/117)
اثنان، أدخلنا معها ستة صارت ثمانية، أخرجنا منها خمسة بقي ثلاثة، أدخلنا معها أربعة صارت سبعة أخرجنا منها ثلاثة بقي أربعة أدخلنا معها اثنين صارت ستة أخرجنا منها واحدا بقي خمسة، 1 والاعراب في الشفع والوتر، كما مضى في موجب غير العدد،
وتقول في غير الموجب من العدد: ما له علي عشرة إلا تسعة، إلا ثمانية...إلى آخرها، فالقياس أن يكون كل وتر داخلا وكل شفع خارجا، فتكون التسعة مثبتة داخلة، تسقط منها الثمانية يبقى واحد، تضم إليها سبعة تصير ثمانية تسقط منها ستة يبقى اثنان، تضم إليها خمسة تصير سبعة، تسقط منها أربعة يبقى ثلاثة، تضم إليها ثلاثة تصير ستة تسقط منها اثنين يبقى أربعة تضم إليها واحدا تصير خمسة، فيلزمه خمسة، والأعراب في الشفع والوتر، كما في غير العدد الذي هو في غير الموجب، هذا هو القياس، إلا أن الفقهاء قالوا: إذا قلت: ما له علي عشرة إلا تسعة بالنصب، لم تكن مرا بشئ، لأن المعنى: ما له علي عشرة مستثنى منها تسعة، أي: ما له علي واحد، وإذا قلت، إلا تسعة بالرفع على البدل، يلزمك تسعة، لأن المعنى: ما له علي إلا تسعة، وفي الفرق نظر، لأن البدل والنصب على الاستثناء، كلاهما استثناء ولا فرق بينهما اتفاقا في نحو: ما جاءني القوم إلا زيد، أو زيدا، وإن بنوا ذلك على مذهب أبي حنيفة، رحمه الله، على وهنه، وهو أن الاستثناء من المنفي لا يكون موجبا، تمسكا بنحو: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب
)، وأنه لا يلزم أن يثبت مع الفاتحة صلاة، لجواز اختلال سائر شروطها، كان عليهم، ألا يفرقوا بين البدل والنصب على الاستثناء إذ كلاهما استثناء، وعلى الجملة، فلا أدري صحة ما قالوا،
__________
(1) قال الرضي قبل قليل: إنك إذا قلت ابتداء بلا داع: له علي عشرة إلا خمسة لاستهجن، وفسر الداعي بأن يكون الكلام ردا على من يدعي أن له عشرة، وفي هذه الصور التي عرض لها لا شك أن الاستهجان يبلغ أقصى درجاته، مهما يكن الداعي لمثل هذا الكلام، وكذلك في الصورة التي بعد هذه، ولكنها البراعة والمقدرة العلمية التي يحرص الرضي على إبرازها في كثير من الحالات، رحمه الله، (*)(2/118)
وإن لم يمكن 1 استثناء تال من متلوه، فإن كان في العدد، نحو له علي عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة 2، فمذهب الفراء ههنا، أيضا، أن الوتر أي الثلاثة 3 منفي خارج، والشفع أي الأربعة، موجب داخل، فيكون معنى عشرة إلا ثلاثة: سبعة بإخراج ثلاثة من عشرة، وقولك بعد ذلك إلا أربعة، تدخل به الأربعة، وتزيدها على السبعة فتكون أحد عشر،
وفيه نظر، لأن الاستثناء بعد المنفي إنما يكون موجبا إذا كان من ذلك المنفي، وقولك إلا أربعة، لا يمكن أن يكون من الثلاثة، فهو إما من العشرة، كما أن: إلا ثلاثة منها، أو من السبعة الباقية بعد الاستثناء الأول، وكلتاهما مثبتتان 4، فتكون الأربعة على التقديرين منفية، فيكون الأقرار بثلاثة على الوجهين، ومذهب غيره أن الاستثناءين من المستثنى الأول، فيكون الأقرار بثلاثة، كما بينا، وإن كان المستثنى الأول أكثر من المستثنى منه، أو مساويا له، بطل الاستثناء قولا واحدا، نحو: له علي خمسة إلا ستة، وكذا إذا قلت: له علي عشرة، إلا خمسة إلا ستة، فالاستثناء الثاني لغو عند غير الفراء، لأنه لا يمكن استثناء الخمسة والستة من العشرة، وعند الفراء، لا يلغو 5، ويلزمه أحد عشر، وإن كان في غير العدد، فإما أن يكون المستثنى منه واحدا، أو، لا، فإن كان واحدا، ولم يكن الاستثناء، نحو: ما جاءني إلا زيدا، إلا عمرا، إلا خالدا أحد، إذ لا يمكن إبدال أحدها من المستثنى منه،
__________
(1) مقابل قوله في التكرار لغير التأكيد: فإن أمكن
...الخ، (2) المقصود في المثال أن الأربعة لا يمكن دخولها في الثلاثة، (3) واضح أن المراد من الوتر هنا: اللفظ الواقع في مرتبة الوتر سواء كان مثل الثلاثة والخمسة أو مثل الأربعة والستة، وأن الشفع هو اللفظ في المرتبة الزوجية بالنسبة لكلام المتكلم، (4) يجوز في خبر كلا وكلتا مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى، فيفرد أو يثنى، والرضي يستعمل الوجهين، (*)(2/119)
وإن تأخرت عن المستثنى منه، فلأحد المستثنيات، سواء كان الذي ولي المستثنى منه أو غيره: النصب على الاستثناء، أو الأبدال، والباقي واجب النصب بعد الأبدال، لأن المبدل منه مرة، لا يبدل منه أخرى، إذ صار بالأبدال منه أولا، كالساقط، ومثاله: ما جاءني أحد إلا زيد، أو، إلا زيدا، إلا عمرا إلا بكرا إلا خالدا، وإن توسطها المستثنى منه، فلما تقدم 1 عليه، النصب على الاستثناء، وواحد من المتأخرات جائز الأبدال، والنصب على الاستثناء، وباقيها واجب النصب بعد الأبدال،.
نحو: ما جاءني إلا زيدا إلا عمرا أحد إلا بكر أو إلا بكرا إلا خالدا، وإن كان الاستثناء مفرغا شغل العامل ببعضها، أيها كان، ونصب ما سواه على
الاستثناء، لامتناع شغل العامل بأكثر من واحد، وامتناع الأبدال، أيضا 2، فلم يبق إلا النصب على الاستثناء، نحو: ما جاءني إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا إلا خالدا، ونقل عن الأخفش، تجويز إضمار حرف العطف في مثله، فيعطفه على ما اشتغل به الفعل، وليس 3 إضمار حرف العطف بالشئ المشهور، واعلم أن 4 في جميع هذه الأقسام، من المفرغ وغيره، مستثنياتهإ، مخرجة، من متعدد واحد، ظاهر في غير المفرغ، مقدر في المفرغ، ففي قولك: ما جاءني أحد إلا زيدا إلا عمرا إلا خالدا، زيد مخرج من أحد، وعمرو مخرج مما بقي من أحد بعد إخراج زيد، أي ما جاءني غير زيد إلا عمرا، وخالد مخرج مما بقي من أحد بعد إخراج زيد وعمرو، أي ما جاءني غير زيد وعمرو، إلا خالدا، فالكل مستثنى من المنفي الأول، فيكون الكل مثبتا، وكذا في المفرغ، نحو: ما جاءني إلا زيد إلا عمرا إلا خالدا، عمرو، مخرج من
__________
(1) أي للمتقدم على السمتثنى منه: النصب.
(2) لعدم وجود مبدل منه لأن الغرض أن الاستثناء مفرغ،
(3) هذا رد على ما نقل عن الأخفش، (4) اسم أن في مثل هذا التركيب، ضمير شأن محذوف حتى يستقيم الكلام، وما سوى ذلك يكون تكلفا، (*)(2/120)
المتعدد المقدر بعد خروج زيد، وخالد مخرج منه بعد خروج زيد وعمرو، وكذا لو كان الأول موجبا، نحو: جاءني القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا خالدا، ولا يجوز التفريغ والأبدال ههنا، أي جاءني غير زيد من جملة القوم إلا عمرا، وجاءني غير زيد وعمرو من جملتهم إلا خالدا، وكل المستثنيات ههنا منفية، وإن كان المستثنى منه أكثر من واحد 1، فإن كان في غير الموجب لم يجز في ثاني المستثنيين إلا النصب على الاستثناء، نحو: ما أكل أحد إلا الخبز إلا زيدا، لأن النفي قد انتقض بالا الأولى، فهو استثناء من موجب، والمعنى كل أحد أكل الخبز فقط إلا زيدا فإنه لم يأكله فقط، بل أكل معه شيئا آخر، أيضا، فإن لم يذكر ما استثنى منه المستثنى الأول كما ذكرنا، اشتغل العامل به كما رأيت، وإن ذكرته جاز في المستثنى الأول: الأبدال، والنصب على الاستثناء، نحو: ما أكل أحد شيئا إلا الخبز إلا زيدا،
وإن كان الكلام موجبا، فلا بد من ذكر المستثنى منهما، لأن الموجب لأ، يفرغ، على ما تقدم، تقول: أكل القوم جميع الطعام إلا الخبز إلا زيدا، والنصب واجب في أول المستثنيين، لأنه عن موجب، وأما ثانيهما فالقياس جواز إبداله، ونصبه على الاستثناء، لأنه في المعنى عن غير موجب بسبب نقض إلا لمعنى الأيجاب، والمعنى: ما أكل القوم الخبز إلا زيد وإلا زيدا، وإن كان القوم في اللفظ في حيز الأيجاب، وسادسها: أن الجمل المعطوف بعضها على بعض بالواو، إذا تعقبها الاستثناء الصالح للجميع، كقوله تعالى: (فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا..) 2 الآية، فما يقتضية مذهب محققي البصرة، وهو أن الجملة بكمالها عاملة في المستثنى عمل (عشرون) في الدرهم، أو أن العامل معنى الفعل فيها: أن 3 الجملة الأخيرة أولى بالعمل فيه، فيكون من باب تنازع العاملين فصاعدا، لمعمول واحد، ولو كان العامل جميعها، لزم حصول أثر
__________
(1) أي من حيث الواقع، ولا يكون مذكورا في اللفظ، كما يفهم من بقية حديثه، (2) الآية 4 من سورة النور، والاستثناء في الآية التالية لها، وهي: إلا الذين تابوا...)
(3) هذا خبر قوله: فما يقتضيه مذهب محققي البصرة، وما بينهما اعتراض، بين فيه مذهب هؤلاء، (*)(2/121)
واحد من مؤثرين مستقلين أو أكثر، وهذا مما لا يجيزونه، حملا للعوامل على المؤثرات الحقيقية، وأما إن كانت الجملة الأخيرة مستأنفة، والواو للابتداء، فلا كلام في انفرادها به، كقولك: أكرم بني تميم، والنجاة هم البصريون الا فلانا، (المستثنى المجرور) (وبقية أدوات الاستثناء) (قال ابن الحاجب:) (ومخفوض بعد غير، وسوى وسواء، وبعد حاشا في الأكثر) (واعراب غير كإعراب المستثنى بالا على التفصيل)، (قال الرضي:) قوله: (ومخفوض)، عطف على قوله: وهو منصوب، في أول باب الاستثناء، وإنما وجب خفضه بعد هذه الأسماء لكونه مضافا إليه، وفي (سوى) أربع لغات، كما في حجة القراءة 1: فتح السين وكسرها مع القصر،.
وهما المشهورتان، وكسر الأول مع المد، وضمه مع القصر، قوله: (وبعد حاشا في الأكثر)، التزم سيبويه حرفية (حاشا)، لقولهم: حاشاي،
من دون نون الوقاية، ولو كان فعلا لم يجز ذلك، وامتناع وقوعه صلة لما المصدرية مطردا، كخلا وعدا، يمنع فعليته،
__________
(1) لأبي علي الفارسي كتاب اسمه: الحجة، في توجيه القراءات، (*)(2/122)
على أنه روى الأخفش قول الشاعر: 224 - رأيت الناس ما حاشا قريشا * فانا نحن أفضلهم فعالا 1 وما حكى المازني من قول بعضهم: اللهم اغفر لي ولمن سمع دعائي حاشا الشيطان وابن الأصبغ 2، بفتح 3 الشيطان، أي جانب الغفران الشيطان: شاذ 4 عند سيبويه، وزعم الفراء أنه فعل لا فاعل له، والجر بعده بتقدير لام متعلقة به محذوفة لكثرة الاستعمال، وهو بعيد، لارتكاب محذورين: اثبات فعل بلا فاعل وهو غير موجود، وجر بحرف جر مقدر وهو نادر، وعند المبرد يكون تارة فعلا، وتارة حرف جر، وإذا وليته اللام، نحو: حاشا لزيد، تعين، عنده، فعليته، هذا ما قيل، والأولى أنه مع اللام: اسم، لمجيئه معها متوفا كقراءة أبي السمال 5: (حاشا لله) 6، فنقول: انه مصدر بمعنى: تنزيها لله، كما قالوا في سبحان الله، وهو
بمعنى حاشا: سبحانا، قال: 225 - سبحانه ثم سبحانا نعوذ به * وقبلنا سبح الجودي والجمد 7 فيجوز، على هذا، أن نرتكب كون (حاشا) في جميع المواضع مصدرا بمعنى تبرئة وتنزيها، وأما حذف التنوين في: حاشا لك، فلاستنكارهم للتنوين فيما غلب عليه تجريده منه لأجل الاضافة، وهذا كما قال بعضهم في قوله:
__________
(1) نسبه العيني في الشواهد الكبرى للأخطل ونقل ذلك عنه شراح الشواهد، وقال البغدادي في خزانة الأدب إنه فتش ديوان الأخطل مرتين فلم يجده فيه، قال: ووجدت فيه أبياتا على هذا الوزن في هجاء جرير، ويروى: فأما الناس...وبذلك تكون الفاء في قوله فانا في جواب أما، (2) بالغين المعجمة ويروى وأبا الأصبغ،.
(3) أي بنصبه على أنه مفعول حاشا، (4) خبر عن قوله: وما حكى المازني الخ (5) أبو السمال، بتشديد الميم ولام في آخره، أحد أصحاب القراءات الشاذة، واسمه: قعنب الأسدي، وهو غير ابن السماك بالكاف في آخره، (6) جزء من الآية 51 من سورة يوسف وستأتي، (7) الجودي والجمد بفتح الجيم والميم جبلان، والبيت لورقة بن نوفل، قاله ضمن أبيات حين رأي كفار مكة يعذبون بلالا رضي الله عنه، (*)(2/123)
226 - أقول لما جاءني فخره * سبحان من علقمة الفاخر 1 إن ترك تنوينه لا يدل على علميته، لأنه لأجل إبقائه على صورة المضاف لما غلب استعماله مضافا، كما يجيئ في بيان (سوى) ويجوز أن نقول ان (حاشا) الجارة حرف، وهي في نحو: حاشا لله، اسم بني لمشابهته لفظا ومعنى لحاشا الحرقية، واستدل المبرد على فعليته بتصريفه، نحو: حاشيت زيدا أحاشيه، قال النابغة: 227 - ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه * ولا أحاشي من الأقوام من أحد 2 وليس بقاطع، لأنه يجوز أن يكون مشتقا من لفظ (حاشا) حرفا أو اسما، كقولهم: لو ليت أي قلت لولا، ولا ليت، أي قلت: لا، لا، وسبحت، أي قلت سبحان الله، ولبيت أي قلت لبيك، وهذا هو الظاهر، لأن المشتق الذي هذا حاله، بمعنى قول تلك اللفظة التي اشتق منها، فالتسبيح: قول سبحان الله، والتسليم: قول سلام عليك، والبسملة: قول بسم الله، وكذا غيره، ومعنى حاشيت زيدا، قلت: حاشا زيد، واستدلاله على فعليته بالتصرف فيه، والحذف نحو: (حاش لله 3) ليس بقوي، لأن
الحرف الكثير الاستمال قد يحذف منه، نحو: سو أفعل، في: سوف أفعل، وكثر فيها: حاش، وقل: حشا، لأن الحذف في الأطراف أكثر، وإذإ، استعمل (حاشا) في الاستثناء وفي غيره، فمعناه تنزيه الاسم الذي بعده من سوء ذكر في غيره أو فيه، فلا يستثنى به إلا في هذا المعنى، وربما أرادوا تنزيه شخص من سوء، فيبتدئون بتنزيه الله سبحانه وتعالى من السوء، ثم يبرئون من أرادوا تبرئته، على معنى أن الله تعالى
__________
(1) من قصيدة الأعشي في تفصيل عامر بن الطفيل على علقمة بن علاثة، الصحابي، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن روايتها لما تضمنته من هجاء مقذع لعلقمة، قال البغدادي بعد أن روى الحديث وأورد أبياتا من القصيدة: ولهذا لم أذكرها كلها، (2) من قصيدته التي تعد إحدى المعلقات، والتي أولها: يا دارمية بالعلياء فالسند * أقوت وطال عليها سالف الأمد والمقصود من قوله يشبهه: النعمان بن المنذر، وهو يعتذر إليه في هذه القصيدة، (3) الآية السابقة من سورة يوسف وستأتي (*)(2/124)
منزه عن ألا يطهر ذلك الشخص مما يصمه 1، فيكون آكد وأبلغ، قال الله تعالى: (قلن
حاش لله ما علمنا عليه من سوء) 2، وقد جاء في كلامهم (إلا) قبل (ما خلا وما عدا) لا قبل غيرهما، فيكون تكريرا معنويا لكلمة الاستثناء، وجوز الكسائي دخول (إلا) على (حاشا) الجارة، (استعمال غير) (والتبادل بينها وبين إلا) (قال ابن الحاجب:) (وغير، صفة، حملت على الا في الاستثناء، كما حملت) (هي عليها في الصفة، إذا كانت تابعة لجمع منكور غير) (محصور، لتعذر الاستثناء، مثل: لو كان فيهما آلهة إلا) (الله لفسدتا 4)، (قال الرضي:) قوله: غير، مبتدأ، وصفة: خبره، اعلم أن أصل (غير)، الصفة المفيدة لمغايرة مجرورها لموصوفها، إما بالذات، نحو: مررت برجل غير زيد، وإما بالصفات، نحو: دخلت بوجه غير الوجه الذي خرجت
__________
(1) أي مما يعيبه ويشينه، (2) الآية 51 من سوره يوسف، وبالواو قبل قلن جزء من الآية 31 من السورة نفسها (3) الآية 22 من سورة الأنبياء، (*)(2/125)
به، والأصل هو الأول، والثاني مجاز، فإن الوجه الذي تبين فيه أثر الغضب كأنه غير الوجه الذي لا يكون فيه ذلك بالذات، وماهية المستثنى، كما ذكرنا في حده: هو المغاير لما قبل أداة الاستثناء نيا وإثباتا، فلما اجتمع ما بعد (غير) وما بعد أداة الاستثناء في معنى المغايرة لما قبلها، حملت أم أدوات الاستثناء أي (إلا) في بعض المواضع على (غير) في الصفة، وحملت (غير) على (الا) في الاستثناء في بعض المواضع، ومعنى الحمل: أنه صار ما بعد (الا) مغايرا لما قبلها ذاتا أو صفة كما بعد (غير) ولا تعتبر مغايرته له نفيا وإثباتا، كما كان في أصلها، وصار ما بعد (غير) مغايرا لما قبلها نفيا وإثباتا، كما بعد (الا)، ولا تعتبر مغايرته له ذاتا، أو صفة، كما كانت في الأصل، إلا أن حمل (غير) على (إلا) أكثر من العكس، لأن (غيرا) اسم، والتصرف في الأسماء أكثر منه في الحروف، فوقع (غير) في جميع مواقع (إلا) 1، في المفرغ وغيره، والمنقطع وغيره، مؤخرا عن المستثنى ومقدما عليه، وبالجملة، في جميع محالة، إلا أنه
لا يدخل على الجملة كإلا، لتعذر الاضافة إليها، ولم يحمل (الا) على (غير) إلا بالشرائط التي نذكرها، فإذا دخل 2 (إلا) على غير، وإلا، في الأصل حرف، لا يتحمل الاعراب، روعي أصلها، فجعل اعرابها الذي كانت تستحقه لو لا المانع المذكور على ما بعدها عارية، وإذا دخل (غير) على (إلا)، وأصل (غير) من حيث كونه اسما جواز تحمل الاعراب، وما بعده، الذي صار مستثنى بتطفل (غير) على (إلا) مشغول بالجر لكونه مضافا إليه في الأصل، جعل اعرابه الذي كان يستحقه لو لا المانع المذكور، أي اشتغاله بالجر، على نفس (غير) عارية، فعلى هذا التقدير، لا حاجة إلى أن يعتذر، لانتصاب (غير) في الاستثناء بما قال بعضهم، لما رأي انتصابه من دون واسطة، كما كان في المستثنى بالا، وهو 3 أنه إنما انتصب بلا واسطة حرف لمشابهته الظروف المبهمة بابهامه،
__________
(1) أي استعمل، غير، استعمال الا، في جميع أحوالها، (2) أي استعمل استعمالها (3) أي ما قاله بعضهم في تعليل انتصاب غير، والذي قال انه لا حاجة
إلى الاعتذار به، (*)(2/126)
وإنما لم يحتج إلى هذا العذر المذكور، لما بينا أن حركة (غير) لما بعدها على الحقيقة، وهي عليها عارية، فكأن (غير) هي الواسطة لانتصاب ما بعدها في الحقيقة، والدليل على أن الحركة لما بعدها حقيقة: جواز العطف على محله، نحو: ما جاءني غير زيد وعمرو، بالرفع عطفا على محل زيد، لأن المعنى: ما جاءني إلا زيد، قال الفراء: يجوز أن يبنى (غير) في الاستثناء مطلقا، سواء أضيف إلى معرب أو مبني، لكونه بمعنى الحرف، يعني (إلا)، ومنعه البصريون، لأن ذلك فيه عارض غير لازم فلا اعتبار به، وأما إذا أضيف إلى (أن)، فلا خلاف في جواز بنائه على الفتح كما في قوله: 228 - لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت * حمامة في غصون ذات أو قال 1 كما يجيئ في باب الأضافة، ويجوز أن يكون نحو قوله: 229 - غير أني قد أستعين على الهمام إذا خف بالثوي النجاء 2 من هذا الباب، أي مبنيا على الفتح، لاضافته إلى (أن)، كما في قوله تعالى: (مثل ما أنكم تنطقون) 3، ويجوز أن يكون منصوبا لكونه استثناء منقطعا،
وقولهم بيد، مثل غير، ولا تجيئ إلا في المنقطع مضافة إلى (أن) وصلتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أفصح العرب، بيد أني من قريش) 4، ويجوز أن يقال ببنائها لاضافتها إلى (أن) وأن يقال هي منصوبة لكونها في الاستثناء المنقطع،
__________
(1) من قصيدة لأبي قيس بن الأسلت، وهو في وصف الناقة، والضمير في قوله منها يعود إلى الناقة حيث يقول قبل ذلك: ثم ارعويت وقد طال الوقوف بنا * فيها، فصرت إلى وجناء شملال والأوقال في بيت الشاهد، جمع وقل، وهو شجر الدوم أو ثمره، بزقوف كأنها هقلة أمام رئال دوية سقفاء (3) الآية 23 سورة الذاريات، (4) قال ابن هشام في مغني اللبيب في الكلام على (بيد)، إنها تكون بمعنى من أجل، واستشهد بالحديث، ويتغير المعنى على الوجهين، (*)(2/127)
قوله: (كما حملت هي عليها في الصفة) أي كما حملت (الا) على غير، في الصفة، قوله: لجمع، أي: ما يدل على الجمعية، جمعا كان كرجال، أو، لا، كقوم ورهط، وإنما شرط هذا الشرط ليوافق حالها صفة حالها أداة استثناء، وذلك لأنه
لابد لها في الاستثناء من مستثنى منه متعدد، لفظا كان أو تقديرا، فلأ، تقول في الصفة: جاءني رجل إلا زيد، ولا يجوز تقدير الموصوف قبل إلا، وصفا، كما جاز في غير، وذلك ليكون أظهر في كونها صفة، وشرط كون الجمع منكرا، لأنه إذا كان معرفا، نحو: جاءني الرجال، أو القوم إلا زيد، احتمل أن يراد به استغراق الجنس فيصح الاستثناء، واحتمل أن يشار به إلى جماعة يعرف المخاطب أن فيهم زيدا، فلا يتعذر، أيضا، الاستثناء الذي هو الأصل في (الا)، فالسامع يحمل (الا) على أصلها من الاستثناء، فاختير كونه منكرا غير محصور، لئلا يتحقق دخول ما بعد (الا) فيه فيضطر السامع على حمل (الا) على غير الاستثناء، واشترط أن يكون المنكور غير محصور، والمحصور شيئان: إما الجنس المستغرق، نحو: ما جاءني رجل أو رجال، وإما بعض منه معلوم العدد، نحو: له علي عشرة دراهم أو عشرون، لأنه 1 إن كان محصورا على أحد الوجهين وجب دخول ما بعد إلا فيه فلا يتعذر الاستثناء فلا يعدل عنه، وذلك نحو: كل رجل إلا زيدا جاءني، وله
علي عشرة إلا درهما، وربما كان المنكر محصورا وتجوز الصفة 2، لعدم دخوله قطعا 3 فيه، كقولك عندي عشرة رجال إلا زيد، ففيه الصفة لا غير، وكذا في المحصور الآخر نحو: ما جاءني رجلان إلا زيد، وما جاءني رجال إلا عمرو، فإن معنى ما جاءني رجلان: ما جاءني اثنان من هذا الجنس، وزيد ليس اثنين منه، فلا يدخل فيه، وكذلك: معنى ما جاءني رجال: ما جاءني جماعة من هذا الجنس، وعمرو ليس جماعة، فلا يدخل، فليس في مثله، إذن، إلا الصفة، أو الاستثناء المنقطع،
__________
(1) علة اشتراط كونه غير محصور (2) أي جعل إلا صفة، (3) المراد القطع بعدم دخوله، (*)(2/128)
هذا كله مبني على أن المستثنى واجب الدخول في المستثنى منه، كمإ، هو مذهب جمهور النجاة، وأما على مذهب المبرد فيجوز الاستثناء مع هذه الشروط، أيضا، لأنه يكتفي لصحة الاستثناء، بصحة الدخول، وقال الأندلسي والمالكي 1: لابد لا لا، إذا كانت صفة من منبوع ظاهر كما ذكر
المصنف، جمع أو شبهه، منكر أو معرف باللام الجنسية، قال: 230 - أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة * قليل بها الأصوات إلا بغامها 2 ويجوز في البيت أن تكون (ألا) للاستثناء، وما بعدها بدل من الأصوات، لأن في (قليل) معنى النفي، كما ذكرنا، ومذهب سيبويه 3: جواز وقوع (الا) صفة مع صحة الاستثناء، قال: يجوز في قولك: ما أتاني أحد إلا زيد، أن تكون (إلا زيد) بدلا، وصفة، وعليه أكثر المتأخرين تمسكا بقوله: 231 - وكل أخ مفارقه أخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان 4 وقوله عليه الصلاة والسلام: (الناس كلهم هالكون إلا العالمون، والعالمون كلهم
__________
(1) الرأي الذي أورده الرضي هنا منسوبا للأندلسي والمالكي، هو مما عرفت نسبته لابن مالك أيضا، وهذا مما يقوي انه يريد بالمالكي: ابن مالك والله أعلم، (2) من قصيدة لذي الرمة، وهو من حديثه عن الناقة في أول القصيدة: ألا خيلت مي وقد نام صحبتي * فما نفر التهويم إلا سلامها طروقا، وجلب الرحل مشدودة به * سفينة بر تحت خدي زمامها وقوله طروقا، مصدر طرق، إذا جاء ليلا، وهو متصل بقوله خيلت أي زار خيالها ليلا، ويروى الشطر
الثاني: فما أرق النيام إلا كلامها، وسفينة البر، من أحسن ما وصفت به الناقة، وبلدة، الأولى: صدر الناقة، والثانية الأرض، والبغام صوت الظبية أطلقه على صوت الناقة، (3) سيبويه ج 1 ص 371 وأشرت فيما سبق إلى أن معظم ما في هذا الباب بلفظه أو معناه منقول عن سيبويه في باب الاستثناء، (4) الفرقدان: نجمان متلازمان منذ وجدا وقد أورد البغدادي أوجها أخرى في توجيه البيت غير مثاله الشارح والبيت منسوب لعمرو بن معد يكرب، ولحضرمي بن عامر الأسدي، (*)(2/129)
هالكون إلا العالمون، والعاملون كلهم هالكون إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم)، وقال الكسائي: تقدير البيت: إلا أن يكون الفرقدان، وهو مردود، لأن الحرف الموصول لا يحذف إلا بعد الحروف التي تذكر في نواصب المضارع، وقال المصنف: في البيت شذوذان: وصف كل، دون المضاف إليه، والمشهور وصف المضاف إليه، إذ هو المقصود، و (كل) لأفادة الشمول فقط، وهذا الوصف ضرورة للشاعر، إذ لو جاز له وصف المضاف إليه، وهو أن يقول: إلا
الفرقدين، لم يجعل إلا صفة، بل كان يجعله استثناء، والشذوذ الثاني: الفصل بالخبر بين الصفة والموصوف وهو قليل، وقوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا 1)، قال سيبويه: لا يجوز ههنا إلا الوصف، لأنك لو قلت: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، لم يجز، يعني أن البدل لا يجوز إلا في غير الموجب، وليس الشرط، وإن لم يكن موجبا صرفا، من غير الموجب الذي يجوز معه الأبدال،.
قال المصنف: ولا يجري النفي المعنوي كاللفظي، إلا في: قلما، وقل رجل، وأبي ومتصرفاته، كما مضى، قال: وأيضا، البدل لا يجوز، إلا حيث يجوز الاستثناء، ولا يجوز الاستثناء ههنا، لأن (الله) غير واجب الدخول في (آلهة)، المنكر، لأنه غير عام ولا محصور، ولو وقع، أيضا، الجمع المنكر في سياق النفي، وقصد به الاستغراق لم يجز استثناء المفرد منه، كما تقدم، من أنه لا يقال: ما جاءني رجال إلا زيدا، على أنه استثناء متصل، وأجاز المبرد رفع (الله) على البدل، لأن في (لو) معنى النفي، إذ هو
لامتناع الشئ لامتناع غيره، فكأنه قيل: ما فيهما آلهة إلا الله، وهذا كما أجرى الزجاج التحضيض
__________
(1) الآية 22 سورة الأنبياء، (*)(2/130)
في قوله تعالى: (فلو لا كانت قرية...1) الآية، مجرى النفي فأجاز البدل في (قوم يونس)، والأولى منع إجراء الشرط والتحضيض في جواز الأبدال والتفريغ معهما، مجرى النفي، إذ لم يثبت، وأما عدم وجوب دخول (الله) في (آلهة) فلا بضر المبرد، لأنه يكتفي في جواز الاستثناء بصحة الدخول كما تقدم، قوله: (وهو في غيره ضعيف)، يعني جعل (الا) صفة في غير الموضع الجامع للشروط المذكورة، كما في قوله: وكل أخ مفارقه أخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان 2 - 231 ضعيف 3، هذا عند المصنف، ولا يضعف عند سيبويه وأتباعه كما تقدم، (سوى وسواء) (معناهما، واستعمالاتهما) (قال ابن الحاجب:)
(واعراب سوى وسواء: النصب على الظرف، على الأصح)، (قال الرضي:) إنما انتصب (سوى)، لأنه في الأصل صفة ظرف مكان وهو (مكانا)، قال الله
__________
(1) الآية 98 من سورة يونس وتكرر ذكرها في هذا الباب (2) البيت المتقدم قبل قليل، (3) خبر عن قوله في شرح عبارة المتن: يعني جعل الا صفة، (*)(2/131)
تعالى: (مكانا سوى) 1، أي مستويا، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه مع قطع النظر عن معنى الوصف، أي معنى الاستواء الذي كان في (سوى) فصار (سوى) بمعنى: (مكانا) فقط، ثم استعمل (سوى) استعمال لفظ مكان، لما قام مقامه في افادة معنى البدل، تقول أنت لي مكان عمرو، أي بدله، لأن البدل ساد مسد المبدل منه وكائن مكانه، ثم استعمل بمعنى البدل في الاستثناء، لأنك إذا قلت جاءني القوم بدل زيد، أفاد أن زيدا لم يأت، فجرد عن معنى البدلية أيضا، لمطلق معنى الاستثناء، فسوى، في الأصل: مكان مستو، ثم صار بمعنى مكان، ثم بمعنى بدل،
ثم بمعنى الاستثناء، ولا يجوز في (سوى) القطع عن المضاف إليه كما يجوز في (غير) على ما يجيئ، والتزم بعضهم وجوب اضافته إلى المعارف، فلا يجيز: جاءني القوم سوى رجل منهم طويل، وهو الظاهر من كلامهم، وعند البصريين، هو لازم النصب على الظرفية لأنه، في الأصل، صفة ظرف، والأولى في صفات الظروف إذا حذفت موصوفاتها: النصب، فنصبه على كونه ظرفا في الأصل، وإلا فليس الآن فيه معنى الظرفيه، والدليل على ظرفيته في الأصل: وقوعة صلة، بخلاف (غير)، نحو: جاءني الذي سوى زيد، وعند الكوفيين يجوز خروجها عن الظرفية، والتصرف فيها رفعا ونصبا وجرا، كغير، وذلك لخروجها عن معنى الظرفية إلى معنى الاستثناء، قال: 232 - ولم يبق سوى العدوان * دناهم كما دانوا 2
__________
(1) من الآية 58 سورة طه،.
(2) من أبيات للفند الزماني، مما قيل في حرب البسوس، يقول فيها: صفحنا عن بني ذهل * وقلنا: القوم إخوان إلى أن يقول: فلما صرح الشر * فأمسى وهو عريان
ولم يبق سوى العدوان...البيت، (*)(2/132)
وقال: 233 - تجانف عن جو اليمامة ناقتي * وما قصدت من أهلها لسوائكا 1 ومثله عند البصريين شاذ، لا يجيئ إلا في ضرورة الشعر، وزعم الأخفش أن (سواء) إذا أخرجوه عن الظرفية، أيضا، نصبوه، استنكارا لرفعه فيقولون جاءني سواءك وفي الدار سواءك، ومثل هذا في استنكار الرفع فيما غلب انتصابه على الظرفية قوله تعالى: (ومنا دون ذلك 2)، و: (لقد تقطع بينكم 3)، وتقول: لي فوق السداسي ودون السباعي، 4 (حذف المستثنى) 5 (استعمال ليس غير وليس إلا) واعلم أن المستثنى قد يحذف من (الا) و (غير) الكائنين بعد (ليس) فقط، كما يحذف ما أضيف إليه (غير) الكائن بعد (لا)، تقول: جاءني زيد ليس إلا، وليس غير، بالضم، تشبيها لغير بالغايات حين حذف المضاف إليه، كما يجيئ في الظروف المبنية، و (غير) خبر ليس، أي: ليس الجائي غيره، وقال الأخفش: يجوز أن يكون
اسمه وقد حذف المضاف إليه، وأبقي المضاف على حاله، كقوله:
__________
(1) من قصيدة للأعشى في مدح هوذة بن علي الحنفي، ويروي: عن جل اليمامة أي عن معظم أهلها وقبله: إلى هوذة الوهاب أعلمت مدحتي * أرجي نوالا فاضلا من عطائكا واستجاد البغدادي هذه القصيدة، وقال إنها تشبه اشعار المحدثين لسهولة ألفاظها، (2) الآية 11 من سورة الجن، (3) من الآية 94 سورة الأنعام، (4) الثوب السداسي أو الأزار السداسي: ما كان طوله ست أذرع، والسباعي ما كان طوله سبع أذرع، (5) من استطرادات الرضي، (*)(2/133)
234 - خالط من سلمى خياشيم وفا 1 وهو ضعيف من وجهين: أحدهما أن حذف خبر (ليس) قليل، والثاني أن حذف المضاف إليه وإبقاء المضاف على حاله قليل، وقد يقال 2: ليس غير، بالنصب، على إبقاء المضاف على حاله بعد حذف المضاف إليه، وقد ينون (غير)، على ما حكاه الأخفش في الحالين، نحو: ليس غير، وليس غيرا، كما ينون كل، وبعض عوضا عن المضاف إليه، وحكى الأخفش ليس غيره وليس غيره، وهذا مما يقوي من مذهبه، من كون:
ليس غير بالضم: على حذف الخبر، ويجوز أن يقال: حسن حذف خبر ليس ههنا وإن كان قليلا في غير هذا الموضع، لكثرة استعماله في الاستثناء، والنصب على إضمار اسم ليس أي: ليس الجائي غيره، وإذا أضيف (غير) ظاهرا 3، جاز عند الأخفش أن يأتي بعد (لم يكن)، نحو: جاءني زيد لم يكن غيره، وغيره بالرفع والنصب، على التفسيرين المذكورين، قال: وتقول جئتني ليس غيرك، ولم يكن غيرك وغيرك، (لا سيما) 4 وأما (لا سيما)، فليس من كلمات الاستثناء حقيقة، بل المذكور بعده منبه على أولويته بالحكم المتقدم، وإنما عد من كلماته، لأن ما بعده مخرج عما قبله من حيث أولويته بالحكم،
__________
(1) في تأويل هذا الشاهد أوجه وتأويلات أفاض فيها البغدادي وهو من أرجوزة للعجاج، (2) مع ضعفه كما ضعف رأي الأخفش (3) أي إضافة ظاهرة، وإلا فهو لا يستعمل إلا مضافا ولو تقديرا، (4) وهذا أيضا من استطرادات الرضي، (*)(2/134)
فإن جر ما بعده، فباضافة (سي) إليه، و (ما) زائدة، ويحتمل أن تكون نكرة غير موصوفة، والاسم بعدها بدل منها، وإن رفع، وهو أقل من الجر، فخبر مبتدأ محذوف، و (ما) بمعنى الذي، أو نكرة موصوفة بجملة اسمية، وإنما كان أقل، لأن حذف أحد جزأي الاسمية التي هي صلة كقراءة 1 من قرأ: (تماما على الذي أحسن 2)، أو صفة، قليل 3، وليس نصب الاسم بعد (لا سيما) بقياس، لكن روي بيت امرئ القيس: 235 - ألا رب يوم صالح لك منهما * ولا سيما يوم بدارة جلجل 4 بنصب (يوما)، فتكلفوا لنصبه وجوها، قال بعضهم: (ما) نكرة غير موصوفة،.
ونصب يوما بإضمار فعل، أي: أعني يوما، قال الأندلسي 5: لا ينتصب بعد (لا سيما) إلا النكرة، ولا وجه لنصب المعرفة، وهذا القول منه مؤذن بجواز نصبه قياسا على أنه تمييز، لأن (ما) بتقدير التنوين، كما في: كم رجلا، إذ لو كان باضمار فعل لاستوى المعرفة والنكرة، قال الأخفش في قولهم: إن فلانا كريم ولا سيما إن أتيته قاعدا: (ما) ههنا، زائدة، عوضا عن المضاف إليه، أي: ولا مثله إن أتيته قاعدا،
واعلم أن الواو التي تدخل على: لا سيما في بعض المواضع كقوله: ولا سيما يوم بدارة جلجل
__________
(1) هي قراءة يحيى بن يعمر، وعبد الله بن أبي اسحاق الحضرمي وهي شاذة، (2) من الآية 154 سوره الأنعام.
(3) خبر عن قوله لأن حذف أحد جزأي الاسمية..، (4) من معلقة امرئ القيس التي تكررت الشواهد منها في هذا الشرح والضمير في منهما يعود على امرأتين تحدث عنهما قبل ذلك وذكر قصة جرت بينه وبينهما في مكان اسمه دارة جلجل، (5) الأندلسي تقدم ذكره في هذا الجزء وفي الجزء الأول وسيتكرر ذكره، (*)(2/135)
اعتراضية 1، كما في قوله: 236 - فأنت طلاق، والطلاق عزيمة * ثلاثا ومن يخرق أعق وأظلم 2 إذ هي مع ما بعدها بتقدير جملة مستقلة، والسي، بمعنى المثل، فمعنى جاءني القوم ولا سيما زيد، أي: ولا مثل زيد موجود بين القوم الذين جاءوني، أي: هو كان أخص بي، وأشد إخلاصا في المجيئ، وخبر (لا) محذوف، وتصرف في هذه اللفظة تصرفات كثيرة، لكثرة استعمالها، فقيل:
سيما، بحذف (لا)، و: لا سيما بتخفيف الياء، مع وجود (لا) وحذفها، 3 وقد يحذف، ما بعد 4 (لا سيما) على جعله 5 بمعنى: خصوصا، فيكون منصوب المحل، على أنه مفعول مطلق، وذلك كما مر في باب الاختصاصي 6 من نقل نحو:...أيها الرجل من باب النداء، إلى باب الاختصاص، لجامع بينهما معنوي، فصار في نحو:
__________
(1) الجملة الاعتراضية لا تنحصر في الواقعة بين شيئين متلازمين، وذلك عند أهل البيان، وقد شنع ابن هشام في مغنى اللبيب على من حصرها في الواقعة بين شيئين، (2) هذا أحد أبيات ثلاثة، تناقلها النجاة والفقهاء ولم ينسبها أحد منهم، إلا أنهم قالوا إن الكسائي أرسل بها إلى محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة يسأله الجواب عنها، وهي: فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن * وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم فأنت طلاق والطلاق عزيمة * ثلاثا، ومن يخرق أعق وأظلم فبيني بها، أن كنت غير رفيقة * وما لا مرئ بعد الثلاث مقدم وفي رواية البيت الذي أورده الشارح روايات كثيرة يختلف الحكم على كل منها وقد بسط البغدادي الكلام على هذه الروايات، وبين ما يستفاد من كل منها من الحكم الشرعي، وكيفية استخراج هذا الحكم، (3) قال ابن هشام في مغنى اللبيب نقلا عن ثعلب بعض ما قاله الرضي
من التصرفات، (4) يقصد الاسم الذي يقع بعد لا سيما، ويكون أولى من غيره بالحكم، (5) أي جعل لا سيما، وكذلك في قوله بعد: فيكون منصوب المحل، (6) ص 431 من الجزء الأول، (*)(2/136)
أنا أفعل كذا أيها الرجل،...منصوب المحل على الحال، مع بقاء ظاهره على الحالة التي كان عليها في النداء من ضم (أي)، ورفع الرجل، كذلك، (لا سيما) ههنا، يكون باقيا على نصبه الذي كان له، في الأصل حين كان اسم (لا) التبرئة 1، مع كونه منصوب المحل على المصدر لقيامه مقام (خصوصا)، فإذا قلت: أحب زيدا ولا سيما راكبا، أو على الفرس، فهو بمعنى: وخصوصا راكبا، وكذلك في نحو: أحبه ولا سيما وهو راكب، وكذا: أحبه ولا سيما ان ركب، أي وخصوصا إن ركب، فجواب الشرط مدلول خصوصا، أي: إن ركب أخصه بزيادة المحبة، ويجوز أن يجعل بمعنى المصدر اللازم، أي اختصاصا، فيكون معنى وخصوصا راكبا،
أي: ويختص بفضل محبتي راكبا، وعلى هذا ينبغي أن نؤول ما ذكره الأخفش أعني قوله: ان فلانا كريم ولا سيما إن أتيته قاعدا، أي يختص بزيادة الكرم اختصاصا في حال قعودة 2، ويجوز مجيئ الواو قبل (لا سيما) إذا جعلته بمعنى المصدر وعدم مجيئها، إلا أن مجيئها أكثر، وهي اعتراضية، كما ذكرنا، ويجوز أن تكون عطفا، والأول أولى وأعذب، 3 وقد يقال: لا سواء ما، مقام: لا سيما،
__________
(1) تكرر وجه تسميتها بذلك، وهو أنها برأت الاسم من الاتصاف بالخبر، (2) هذا بيان للمعنى وليس المراد منه أن جملة إن أتيته...جملة حالية، (3) في بعض النسخ أولى وأعرب بالراء، أي أقرب إلى قواعد الأعراب، (*)(2/137)
(الجملة الفعلية) (بعد إلا) واعلم أن أصل (ألا)، أن تدخل على الاسم، وقد يليها في المفرغ فعل مضارع، إما خبر لمبتدأ، كقولك: ما الناس الا يعبرون، وما زيد إلا يقوم، أو
حال، نحو: ما جاءني زيد إلا يضحك، أو صفة، نحو: ما جاءني منهم رجل إلا يقوم ويقعد، ويجوز أن يكون هذا حالا لعموم ذي الحال 2، وإنما شرط التفريغ، لتكون (الا) ملغاة عن العمل على قول 3، أو عن التوصل بها إلى العمل على قول آخر، فيسهل دفعها عما تقتضيه من الأسم، لانكسار شوكتها بالألغاء، وشرط كونه مضارعا لمشابهته للاسم، وأما الماضي، فجوزوا أن يليها في المفرغ بأحد قيدين، وذلك إما باقترانه بقد، نحو: ما الناس إلا قد عبروا، وذلك لتقريبها له من الحال 4، المشبه للاسم، وإما تقدم ماض منفي، نحو: قولهم: ما أنعمت عليه إلا شكر، وما أتيته إلا أتاني، وعنه عليه الصلاة والسلام: (ما أليس الشيطان من بني آدم إلا أتاهم من قبل النساء)، وذلك إذا قصد لزوم تعقب مضمون ما بعد (إلا)، لمضمون ما قبلها، وإنما جاز أن يليها الماضي مع هذا القصد، لأن هذا المعنى هو معنى الشرط والجزاء، في الأغلب، نحو: إن جئتني أكرمتك، وإنما قلت في الأغلب لأنه قد لا يكون 5 مضمون
الجزاء متعقبا لمضمون الشرط، بل يكون مقارنا له في الزمان، نحو: إن كان هناك نار كان احتراق، وإن كان هناك احتراق فهناك نار، وإن كان الأنسان ناطقا فالحمار ناهق، لكن التعقب المذكور هو الأغلب،
__________
(1) من استطرادات الرضي أيضا، (2) أي لأنه نكرة في سياق النفي، (3) أي على القول بأنها هي العاملة، أو على القول بأنها واسطة في العمل،.
(4) أي المضارع الذي يدل على الحال، (5) يكثر تعبير الرضي بمثل هذا، أي دخول قد على الفعل المنفي، وقد أشرت في أكثر من موضع إلى هذا وقلت أنه غير موافق للقواعد، (*)(2/138)
فلما كان تعقب مضمون ما بعد ء الا) لمضمون ما قبلها هو المراد، وكان معنى حرف النفي مع (إلا) يفيد معنى الشرط والجزاء، أعني لزوم الثاني للأول، جاز أن يعتبر معنى الشرط والجزاء مع حرف النفي وإلا، فيصاغ ما قبل إلا، وما بعدها صوغ الشرط والجزاء، وذلك إما بكونهما ماضيين، نحو: ما زرتني إلا أكرمتك، أو مضارعين نحو: ما أزوره إلا يزورني، ومثل هذا هو الغالب في الشرط والجزاء، أعني كونهما
ماضيين أو مضارعين، فجاز كون الماضي الذي بعد (إلا) ههنا مجردا عن (قد) والواو، مع أنه حال، كما ذكرنا في باب الحال، 1 وذلك لكونه متضمنا معنى الجزاء، فيؤتى به ماضيا أو مضارعا مع الواو، نحو: ما زرته إلا وأكرمني، ولا أزوره إلا ويكرمني، وإنما اطرد الواو مع هذا النظر لكون هذا الحال غير مقترن مضمونه بمضمون عامله كما هو الغالب في الحال، نحو: جاءني زيد راكبا، ولفظه، أيضا، منفصل عن العامل بالا، فجاز أن يستظهر 3 مطردا، في ربط مثل هذه الحال بعاملها لفظا، بحرف الربط أي الواو، فمن ثم، اطرد نحو: ما أزوره إلا ويكرمني، وندر: قمت وأصك عينه، كما مر في باب الحال، ويجيئ في الماضي مع الواو (قد) أيضا، نحو: ما زرته إلا وقد زارني، ولا يجوز الاقتصار على (قد)، فلا يقال: ما زرته إلا قد زارني لأنك إن نظرت إلى معنى الجزاء الذي يستفاد من مثل هذه الحال، فالجزاء لا يتجرد عن الفاء إذا كان مع (قد)، كما
يجيئ في بابه، وإن نظرت إلى الحال الذي هو أصله فليس فيه حرف الربط المذكور، وإنما قلنا إن الأغلب في الحال مقارنة مضمونه لمضمون عامله، لأنه قد يجيئ بخلاف
__________
(1) في أول هذا الجزء.
(2) أي مجردا من قد والواو، ومضارعا مجردا أي من الواو، (3) أي جاز أن يستعان في الربط مع هذه المبررات بالواو، التي هي حرف الربط في باب الحال إلى جانب الضمير، (*)(2/139)
ذلك كقولهم: خرج الأمير معه صقر صائدا به غدا، أي عازما على الصيد، 1 وكذلك معنى الخبر 2، أي: ما أيس الشيطان من بني آدم من جهة غير النساء، إلا عازما على اتيانهم من قبلهن، جعلوا المعزوم عليه، المجزوم به، كالواقع الحاصل، (قسم السؤال) 3 (واستعمال لما في الاستثناء) وقد تدخل (الا) و (لما) بمعناها على الماضي، إذا تقدمهما قسم السؤال نحو: نشدتك بالله الا فعلت، وقول عمر 4 رضي الله عنه في كتابه إلى أبي موسى: (عزمت عليك لما ضربت كاتبك سوطا)، كتبه إليه لما لحن كاتبه في كتابه إلى
عمر، وكتب: من أبو موسى، وقولهم: نشدتك الله، من قولهم: نشدته كذا فنشده، أي ذكرته فتذكر 5، فنشد المتعدي إلى واحد، مطاوع للأول المتعدي إلى اثنين، والمعنى: ذكرتك الله بأن أقسمت عليه به وقلت لك بالله لتفعلن، أو يكون نشدت بمعنى طلبت، أي نشدت لك الله، كقوله تعالى: (..أبغيكم الها) 6 أي أبغي لكم، أي طلبت لك الله من بين جميع ما يقسم به الناس، لأقسم به تعالى عليك، ومعنى إلا فعلت: إلا فعلك، وإلا، لنقض معنى النفي الذي تضمنه القسم، لأنك إذا حلفت غيرك بالله قسم الطلب فقد ضيقت عليه الأمر في
__________
(1) ويسميها النجاة: الحال المقدرة أو المنتظرة، (2) أي الحديث المتقدم، (3) استطرد أيضا من الرضي، (4) أي عمر بن الخطاب، وأبو موسى الأشعري، رضي الله عنهما، (5) المناسب لتفسيره أن يقول: ذكرته إياه فتذكره، (6) من الآية 140 سورة الأعراف، (*)(2/140)
فعل مطلوبك، فكأنك قلت: ما أطلب منك إلا فعلك، ففعلت، بمعنى
المصدر، مفعول به لما أطلب، الذي دل عليه نشدتك الله، وإنما جعلته فعلا ماضيا لقصد المبالغة في الطلب حتى كأن المخاطب فعل ما تطلبه، وصار ماضيا ثم أنت تخبر عنه، فهو مثل قوله تعالى: (وسيق الذين 1)، و: (ونادى أصحاب النار 2)، وقولهم: رحمك الله، ومعنى عزمت عليك، أي أوجبت عليك، وهو من قسم الملوك، و (لما) في الاستثناء، لا تجيئ إلا بعد النفي ظاهرا أو مقدرا كما رأيت، ولا تجيئ إلا في المفرغ نحو قوله تعالى: (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) 3،
__________
(1) صدر كل من الآيتين 71، 73 في سورة الزمر (2) من الآية 50 سورة الأعراف (3) الآية 22 سورة يس، (*)(2/141)
(خبر كان) (وأخواتها) (قال ابن الحاجب:) (خبر كان وأخواتها، هو المسند بعد دخولها، مثل: كان) (زيد قائما، وأمره على نحو خبر المبتدأ، ويتقدم معرفة)، (قال الرضي:) لما قال: هو المسند، دخل فيه خبر المبتدأ، وجميع ما كان في الأصل كذلك،
فقوله: بعد دخولها، يخرجها كلها، وقد ذكرنا أنه يدخل في حده، نحو: قائم في قولك: كان زيد أبوه قائم، مع أنه ليس بخبر كان، قوله: (وأمره على نحو خبر المبتدأ)، أي فيما يجوز له من كونه معرفة ونكرة، ومفردا وجملة، ومتقدما على المسند إليه ومتأخرا عنه، وما يجب من تقدمه على الاسم إذا كان ظرفا والاسم نكرة، نحو: كان في الدار رجل، واشتماله على الضمير إذا كان جملة أو مشتقا أو ظرفا، وغير ذلك من الأحكام المذكورة في باب المبتدأ، وقد يختص خبر (كان) ببعض من الأحكام، نذكر بعضها هنا، وبعضها في الأفعال الناقصة، فمما قيل إنه من خصائصه ما ذهب إليه ابن درستويه 1، وهو أنه لا يجوز أن يقع
__________
(1) ابن درستويه هو أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه، الفارسي الأصل، أخذ عن المبرد وثعلب وغيرهما من علماء عصره، توفي ببغداد سنة 347 ه، (*)(2/142)
الماضي خبر (كان)، فلا يقال: كان زيد قام، ولعل ذلك لدلالة (كان) على الماضي،
فيقع المضي في خبرها لغوا، فينبغي أن يقال: كان زيد قائما أو يقوم، وكذا ينبغي أن يمنع نحو: يكون زيد يقوم لمثل تلك العلة، سواء، وجمهورهم على أنه غير مستحسن، ولا يحكمون بمطلق المنع، قالوا: فإن وقع، 1 فلا بد من (قد) ظاهرة أو مقدرة، لتفيد التقريب من الحال، إذ لم يستفد من مجرد (كان)، وكذا قالوا في: أصبح وأمسى وأضحى، وظل وبات، وكذا ينبغي أن يمنعوا 2 نحو: يصبح زيد يقول وكذا البواقي، والأولى، كما ذهب إليه ابن مالك: تجويز وقوع خبرها ماضيا بلا (قد)، فلا نقدرها في قوله تعالى: (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل 3)، و: (وإن كان قميصه قد من دبر) 4، وفي قول الشاعر: 237 - وكان طوى كشحا على مستكنة * فلا هو أبداها ولم يتقدم 5 ولا في قوله: 238 - أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملوا * أخنى عليها الذي أخنى على لبد 6 إذ لا منع 7 من قيام شيئين يفيدان معنى واحدا،
__________
(1) أي إن وقع خبرها ماضيا، (2) المناسب أن يقول: ينبغي ألا يستحسنوا،
(3) الآية 15 في سورة الأحزاب (4) الآية 27 في سورة يوسف، (5) من معلقة زهير بن أبي سلمى وقد تضمنت حديثا عما كان بين عبس وذبيان، وفيه أن حصين بن ضمضم امتنع عن الصلح، واستتر من الناس، وهو المقصود بهذا البيت وقيله: لعمري لنعم الحي جر عليهم * بما لا يواتيهم حصين بن ضمضم (6) هذا من معلقة النابغة الذبياني وتقدمت بعض أبيات منها، ولبد: اسم أحد النسور التي قالوا إن لقمان الحكيم أعطى عمر سبعة منها، والنسور أطول الطيور أعمارا، ولبد كان آخرها، (7) تعليل لقوله: والأولى تجويز وقوع خبرها...الخ، (*)(2/143)
ومنع ابن مالك، وهو الحق، من مضي خبر (صار) و (ليس) و (ما دام)، وكل ما كان ماضيا من: ما زال ولا زال ومرادفتها 1،.
أما (صار) فلكونها ظاهرة في الانتقال، في الزمن الماضي، إلى حالة مستمرة، وهي مضمون خبرها، نحو: كنت فقيرا فصرت غنيا، وإن جاز مع القرينة ألا يستمر به الحال المنتقل إليها، كقول المريض: كنت مريضا ثم صرت متماثلا، ثم نكست، وكذلك ما زال وأخواتها، موضوعة لاستمرار مضمون أخبارها في الماضي إلا أن
تمنع قرينة، وما يصلح للاستمرار هو الاسم الجامد، نحو: هذا أسد، أو الصفة، نحو: زيد قائم، أو غني، أو مضروب، أو الفعل المضارع نحو: زيد يقدم في الحروب، ويسخو بموجوده، أي هذه عادته، لأنه وإن كان في الأصل فعلا دالا على أحد الأزمنة، إلا أنه، لمضارعته اسم الفاعل لفظا ومعنى، يستعمل غير مفيد للزمان استعماله 2، فلذلك إذا قلت: كنت رأيت زيدا، لا يدل على الاستمرار، وإذا قلت: كنت أراه، فظاهره الاستمرار، فناسبت الثلاثة، أي الجامد، والصفة، والمضارع، لصلاحيتها للاستمرار، أن تقع أخبارا لصار، وما زال وأخواتها، بخلاف الماضي، فإنه لا يستعمل في الاستمرار استعمال هذه الثلاثة، فلم يقع خبرا لهذه الأفعال، وأما (ما دام) فلم يقع خبرها ماضيا، لأن (ما) المفيدة للمدة 3، نحو: ما در شارق، تقلب الماضي في الأغلب إلى معنى الاستقبال، كما يجيئ في قسم الأفعال، فلهذا تقول: اجلس ما دام زيد جالسا، وقد تجيئ بمعنى الماضي، كقوله تعالى: (ما دمت حيا 4)،
وأما (ليس)، فهي للنفي مطلقا، كما هو مذهب سيبويه، على ما نبين في الأفعال
__________
(1) ما فتئ، وما برح وبقية الأفعال التي يشترط فيها دخول النفى وكذلك في قوله بعد: ما زال وأخواتها، (2) أي مثل استعمال اسم الفاعل، (3) أي للزمان ويسمونها المصدرية الظرفية، (4) من الآية 31 من سورة مريم، (*)(2/144)
الناقصة، والمستعمل للأطلاق من دون تعرض للزمان، إما جامد، أو صفة، أو مضارع لمشابهته اسم الفاعل بخلاف الماضي، وأجاز الأندلسي وقوع أخبارها جميعها ماضية، والأولى ما تقدم لعدم السماع، قوله: (ويتقدم معرفة)، هذا بخلاف خبر المبتدأ، لأنه لم يجز تقدمه على المبتدأ إذا كانا معرفتين ولا قرينة للألباس، أما ههنا فلا لبس وإن كانا معرفتين، أو متساويين، لأن تخالف اعرابهما رافع للبس، ويكفي ظهور اعراب أحدهما، نحو: كان زيد هذا، وينبغي ههنا، أيضا، إذا انتفي الاعراب ولا قرينة: ألا يجوز التقديم نحو: كان الفتى هذا، (*)(2/145)
(حذف كان) (قال ابن الحاجب:) (وقد يحذف عامله في مثل: الناس مجزيون بأعمالهم، إن) (خيرا فخير، ويجوز في مثله أربعة أوجه، ويجب الحذف) (في مثل: أما أنت منطلقا انطلقت، أي لأن كنت)، (قال الرضي:) قوله: (عامله)، أي عامل خبر (كان) وأخواتها، وما كان ينبغي له هذا الاطلاق، لأنه لا يحذف من هذه الأفعال إلا (كان)، واعلم النه يجوز حذف (كان) مع اسمها بعد: إن ولو، إن كان اسمها ضمير ما علم من حاضر أو غائب، نحو: اطلبوا العلم ولو بالصين، أي ولو كان العلم بالصين، وادفع الشر ولو إصبعا، أي: ولو كان الدفع اصبعا، أي قليلا، وقوله: 239 - قد قيل ما قيل إن حقا وإن كذبا * فما اعتذارك من قول إذا قيلا 1
__________
(1) من أبيات قالها النعمان بن المنذر للربيع بن زياد، وكان مقربا إلى النعمان فوشي بينهما لبيد بن ربيعة بقصة جعلت النعمان ينفر من الربيع وينحيه عن مجلسه، وحاول الربيع أن ينفي ما نسبه لبيد إليه ويبرئ نفسه فلم يقبل منه النعمان وقال له أبياتا، أولها: شرد برحلك عني حيث شئت ولا * تكثر علي ودع عنك الأقاويلا، إلى آخر ما قال ومنها هذا البيت، (*)(2/146)
أي: إن كان حقا، وتقول: لأرتحلن إن فارسا وإن راجلا، ولو فارسا ولو راجلا، أي إن كنت، ولو كنت، وأما في مثل التركيب الذي في المتن، أعني أن يكون بعد (إن) اسم، وجزاؤها بالفاء، وبعد الفاء اسم مفرد، نحو: المرء مقتول بما قتل به، إن سيفا فسيف، وإن خنجرا فخنجر، فتقول: ننظر فيه، فإن جاز مع (كان) المحذوفة بعد (إن): تقدير (فيه) أو (معه) أو نحو ذلك، كما في قوله: الناس مجزيون بأعمالهم...، فإنه يصح أن يقال: إن كان معه، أو في عمله 1، جاز في الأول مع النصب: الرفع أيضا، ولكن على ضعف معنوي، إذ معنى: إن كان معه، أو في يده سيف، و: إن كان في عمله خير: معنى غير مقصود، لأن مراد المتكلم: إن كان نفس عمله، خيرا، وإن كان ما قتل به سيفا، لا: أن له أعمالا وفي تلك الأعمال خير، ولا أن في يده، أو في صحبته وقت القتل سيفا، هذا الذي قلنا، ضعف من حيث المعنى، وأما من حيث اللفظ، فضعيف، أيضا،
لأن حذف (كان) مع خبره، الذي هو في صورة المفعول الفضلة، حذف شئ كثير، ولا سيما إذا كان الخبر جارا ومجرورا بخلاف حذفه مع اسمه الذي هو كجزئه، ولا سيما إذا كان ضميرا متصلا، فإن قلت: فقدر للرفع: (كان) التامة، قلت: يضعف لقلة استعمالها، ولا يحذف إلا كثير الاستعمال للتخفيف، ولكون الشهرة دالة على المحذوف، وإن لم يحسن تقدير مثل ذلك، تعين نصب الأول، نحو: أسير كما تسير، إن راكبا فراكب، وإن راجلا فراجل، أي: إن كنت راكبا فأنا راكب،
__________
(1) المناسب أن يقول في شرح الأثر: إن كان معهم أو في عملهم بصيغة الجمع، (*)(2/147)
وربما جر ما بعد (إن) أو، (إن لا) مع ما بعد فائهما، إن صح رجوع ضمير (كان) المقدر إلى مصدر ما عدي بحرف الجر، نحو: المرء مقتول بما قتل به: إن سيف فسيف، أي إن كان قتله بسيف فقتله أيضا بسيف 1، وحكي عن يونس: مررت برجل صالح، إن لا صالح فطالح، أي: إن لا يكن المرور بصالح فالمرور بطالح، ومررت برجل: إن زيد وإن عمر و،
وذلك لقوة الدلالة على الجار بتقدم ذكره، فتبين بما ذكرنا، أن النصب في الأول، إما مختار، أو واجب، وأما الاسم الذي بعد الفاء فرفعه أولى، لأن رفعه بإضمار مبتدأ بعد الفاء، وهو شائع كثير، وأما نصبه فإما بتقدير (كان) بعد الفاء، أي: فيكون ما يقتل به سيفا، أو بتقدير فعل لائق، نحو: فيجزى خيرا، وحذف المبتدأ أولى، لأنه مفرد، من حذف الجملة، وأيضا، حذف المبتدأ، أكثر من حذف (كان) وغير ذلك من نحو الفعل الناصب المذكور، وقيل: 2 لأن مجيئ الفاء مع الجملة الاسمية أكثر منه مع الفعلية، ويجوز أن يقال: إن مجيئ الفاء في الفعلية، إنما يقل إذا كان الفعل ظاهرا، وأما إذا كان مقدرا فلا بد من الفاء، نحو: إن ضربتني فزيدا ضربته، فإذا ثبت أن نصب الأول ورفع الثاني أصل، فعكسه يكون أقبح الوجوه لمخالفة الأصل في الموضعين، ورفعهما، ونصبهما، متوسطان، لمخالفة الأصل في موضع واحد، قوله: (ويجب الحذف)، أي: يجب حذف (كان) بعد (أن) معوضا
منها (ما) نحو قوله:
__________
(1) أي إن كان القتل الذي وقع منه بسيف، فالقتل الذي يقع عليه، بسيف، (2) هذا وجه آخر لبيان أرجحية رفع الثاني، ولكن عقب عليه الرضي بما ينتقضه، (*)(2/148)
240 - أبا خراشة أما أنت ذا نفر * فإن قومي لم تأكلهم الضبع 1 أي لأن كنت، فحذف حرف الجر، جوازا على القياس المذكور في المفعول له، ثم حذفت (كان) وأبدل منها (ما) فوجب الحذف، لئلا يجمع بين العوض والمعوض منه، وأجاز المبرد ظهور (كان) على أن (ما) زائدة، لا عوض، ولا يستند ذلك إلى سماع، ثم أدغم 2 النون الساكنة في الميم وجوبا، فبقي الضمير المرفوع المتصل بلا عامل يتصل به، فجعل منفصلا، فصار: أما أنت، وتقول أيضا، أما زيد قائما قمت، وقال الكوفيون: (أن) المفتوحة، بمعنى المكسورة الشرطية، ويجوزون مجيئ (أن) المفتوحة شرطية، قالوا 3: القراءتان في قوله تعالى: (أن تضل إحداهما...4)، أي فتح الهمزة وكسرها بمعنى واحد، أيى بمعنى الشرط، و (ما) عندهم،
عوض من الفعل المحذوف، ولا أرى قولهم بعيدا من الصواب، لمساعدة اللفظ والمعنى إياه، أما المعنى فلأن معنى قوله: أما أنت ذا نفر...البيت: إن كنت ذا عدد، فلست بفرد، 5 وأما اللفظ، فلمجيئ الفاء في هذا البيت، وفي قوله:
__________
(1) أكل الضبع الناس، كناية عن ضعفهم، وذلك أن الناس إذا أجدبوا وقل طعامهم ضعفوا عن الدفاع عن أنفسهم وسقطت قواهم، فتنتشر بينهم الضباع آمنة لا يستطيعون ردها، فتأكلهم، والبيت للعباس بن مرداس السلمي، يخاطب خفاف بن ندبة، وكنيته أبو خراشة، وهو أحد فرسان العرب، وكانت بينه وبين العباس مهاجاة، (2) مرتبط بقوله: حذفت كان وأبدل منها الميم...الخ، واعترض بينهما بذكر رأي المبرد، (3) أي في الاستدلال على جواز مجيئها شرطية، (4) الآية 282 سورة البقرة، (5) يعني إن كان عدد قومك كثيرا، فليس عدد قومي قليلا، (*)(2/149)
241 - إما أقمت وأما أنت مرتحلا * فالله يكلأ ما تأتي وما تذر 1 مع عطف: أما أنت بفتح الهمزة على: إما أقمت بكسرها، وهي حرف
شرط بلا خلاف، والبصريون يقولون: أما أنت منطلقا، أنطلق معك بالرفع، والكوفيون جوزوا جزمه بأن المفتوحة الشرطية، وجوزوا الرفع مع كونه جواب الشرط لكون الشرط محذوفا حذفا لازما، ولما كان معنى الشرط ههنا ظاهرا، قال سيبويه: دخل في (أن) معنى (إذا)، فأما بمعنى: إذ ما، واذ ما، شرطية بلا خلاف، ولا بد عند البصريين من تقدير فعل يعمل في الجار والمجرور، أعني في: أما أنت ذا نفر، الذي هو بمعنى: لأن كنت...ولا يصلح أن يكون 2 ذلك: لم تأكلهم، لأن معمول خبر (إن) لا يتقدم عليها، وأما نحو: أما يوم الجمعة فإن زيدا قائم، فسيجيئ الكلام عليه في حروف الشرط، وأيضا، ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبل الفاء إلا مع (أما) الشرطية، إما ظاهرة، كما في قوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث) 3، وإما مقدرة كما في قوله: (وربك فكبر 4)، كما يجيئ في حروف الشرط، فيقدر 5 البصريون: أما أنت ذا نفر، تتكبر وتفتخر،
وينبغي، على هذا، أن يكون قوله: فالله يكلأ، جواب إما أقمت، والعامل في: أما أنت مرتحلا: محذوف، أي: يكلؤك الله لأجل ارتحالك، وكله تكلف، والأولى أن نقول:
__________
(1) قال البغدادي في الخزانة بعد أن شرح هذا البيت، مع استفاضته في كتب النحو، لم أظفر بقائله، ولا بتتمته، ويريد بتتمته أنه لا يوجد شئ قبله ولا بعده، وكذلك قال السيوطي في شواهد المغني، (2) أي الفعل الذي لابد من تقديره ليتعلق به الجار والمجرور، (3) الآية 11 سورة الضحى، (4) الآية 3 سورة المدثر، (5) هذا مرتبط بقوله: ولا بد عند البصريين من تقدير فعل، فهذا نتيجة لرأيهم وبيان لتقدير الفعل في المثال الذي هو موضع البحث، (*)(2/150)
ان (إن) الشرطية، كثيرة الاستعمال، مع كان الناقصة، فإن حذف شرطها جوازا، لم يغير حرف الشرط عن صورته، نحو: إن سيفا فسيف، وإن حقا وإن كذبا، وكذا إن حذف شرطها وجوبا مع مفسر، كما في: إن زيد كان منطلقا، وإن حذف شرطها وجوبا بلا مفسر، وجب تغيير صورتها، من كسر الهمزة إلى فتحها،
لأن بقاءها على وضعها الأصلي مع قطعها وجوبا عن مقتضاها الأصلي بلا مفسر هو كالعوض: مستكره، 1 فإذا غيرت عن حالها الوضعي، سهل حذف شرطها على سبيل الوجوب، لأنها تصير كأنها ليست في الظاهر حرف الشرط، ولا بد، إذن، من (ما) لتكون كالكافة لها عن مقتضاها، أعني الشرط، ثم لا يخلو حالها عند ذلك من أن تحذف منها (كان) مع اسمها وخبرها، أو تحذفها وحدها، فإن كان الأول، وجب في جزائها الفاء لتؤذن بها أن (أما) في الأصل حرف شرط، لأن الفاء علم السببية، فجيئ بها لما تغيرت صورة حرف السببية أعني (إن)، وسقط على سبيل الوجوب جميع أجزاء السبب، أعني: كان مع اسمها وخبرها، وذلك نحو: أما زيد فمنطلق، أي: أما يكن في الدنيا شئ، فزيد منطلق، أي إن يكن شئ موجودا، يوجد انطلاق زيد، أي هو منطلق لا محالة، فلا بد، إذن، من اقامة جزء من الجزاء مقام الشرط، لأنه لم يبق منه شئ، كما يجيئ في حروف الشرط، وإن كان الثاني، فالفاء غير لازمة، بل يجوز حذفها والأتيان بها، نحو:
أما زيد منطلقا، انطلقت، وأما أنت ذا نفر فإن قومي...، وأما فتح همزة (إن) الشرطية، من دون حذف الشرط، كما أثبته الكوفيون فليس بمشهور، وقد تحذف (كان) بعد (إما) المكسورة قليلا، وقال سيبويه 2: لم يجز حذف الفعل مع (إما) المكسورة، وقال أبو علي 3: لأن (ما) التي بعدها، أشبهت اللام في تأكيد
__________
(1) خبر عن قوله: لأن بقاءها، وقوله قبل ذلك: هو كالعوض، صفة لمفسر، (2) ج 1 ص 148، وهو بمعناه، (3) أي الفارسي، تعليلا لقول سيبويه، (*)(2/151)
الفعل، فمن ثم جاز في: (وإما تخافن 1)، و: 242 - ومن عضه ما ينبتن شكيرها 2 النون 3، كما جازت مع اللام في نحو: لتفعلن، كما يجيئ في نون التوكيد، فلم يحسن حذف الفعل، مع ثبوت ما يؤكده، وقد جاءت كان الناقصة محذوفة بعد (لدن)، وأخواته 4، نحو رأيتك لدن قائما، أي لدن كنت قائما، قال،
243 - من لد شولا فإلى إتلائها 5 أي: من لد كانت شولا، والأتلاء: أن تلد الناقة، فتصير ذات تلو، 6
__________
(1) الآية 58 سورة الأنفال (2) العضه بالهاء: واحدة العضاه نوع من الشجر وقيل إنه بالتاء في آخره محذوف اللام مثل شفة والشكير ما ينبت حولها من الشوك، أو من صغارها، وهو مثل يضرب لمشابهة الولد لأبيه وقد أورده سيبويه هكذا ج 2 ص 153 من غير اشارة إلى أنه شعر، ولعل ذلك هو السبب في أن شارح شواهده لم يكتب عليه، وقد ورد هذا المثل ضمن بيتين من الشعر، صدر في أحدهما، وتمامه: قديما ويقتط الزناد من الرند، وعجز في الآخر وصدره: إذا مات منهم سيد سرق ابنه، ولم ينسب أي منهما إلى قاتل، (3) أي نون التوكيد، وهو فاعل لقوله فمن ثم جاز في وإما تخافن الخ، (4) يريد: اللغات المستعملة في لدن،.
(5) هذا من شواهد سيبويه التي لم يعرف لها قائل، وهو في سيبويه ج 1 ص 134، وعبارته: ومن قول العرب...وربما كان ذلك دليلا على أنه مثل وليس شعرا، والشول جمع شائل، وهو خاص بالناقة التي تتهيأ للحمل، وإلى اتلائها أي إلى أن تلد كما قال الشارح، (6) التلو بكسر التاء: ولد الناقة لأنه يتلوها أي يتبعها، (*)(2/152)
(اسم ان)
(وأخواتها) (قال ابن الحاجب:) (اسم ان وأخواتها، هو المسند إليه بعد دخولها، مثل إن زيدا) (قائم)، (قال الرضي:) ينتقض بمثل: أخوه، في قولك: إن زيدا قائم أخوه 1، (المنصوب) (بلا التي لنفي الجنس) (قال ابن الحاجب:) (المنصوب بلا التي لنفي الجنس هو المسند إليه بعد دخولها،) (يليها، نكرة، مضافا أو مشبها به، مثل: لا غلام رجل لك،)
__________
(1) هكذا اقتصر الرضي على هذه العبارة في شرح كلام ابن الحاجب هنا، (*)(2/153)
(ولا عشرين درهما لك، فإن كان مفردا فهو مبني على ما) (ينصب به وإن كان معرفة، أو مفصولا بينه وبين لا، وجب) (الرفع والتكرير، ونحو: قضية ولا أبا حسن لها، متأول)، (قال الرضي:) لم يقل: اسم (لا) التي لنفي الجنس، كما قال: اسم (ان) وأخواتها، لأن كلامه في المنصوبات، وجميع ما هو اسم (لا) المذكورة ليس منصوبا 1، بل بعضه مبني،
نحو: لا رجل، فلما قصد المنصوب، احتاج إلى التمييز، بالتقييدات المذكورة، لأن اسم (لا)، لا يكون منصوبا إلا باجتماعها، وهي ثلاثة، كونه نكرة، وكونه مضافا، أو مشبها به، وأن يليها، فلو اختل واحد منها، لم ينتصب، كما يجيئ، ولو قصد إلى اسم (لا) من حيث كونه اسمها، لكان يكفيه أن يقول، كما هي عادته: هو المسند إليه بعد دخولها، 2 قوله: يليها، ونكرة، ومضافا: أحوال مترادفة، والعامل فيها (المسند) وذو الحال: الضمير المجرور في (إليه)، قوله: (لا غلام رجل لك)، مضاف، وقوله: لا عشرين درهما لك: مضارع له، وقد بينا المضارع للمضاف في باب المنادى، 3 قوله: (فإن كان مفردا)، أي: فإن كان اسم (لا) مفردا، ولم يجر ذكر اسم (لا) تصريحا، لكن سياق الكلام يدل عليه، ولا يعود الضمير إلى قوله: المنصوب بلا، لأن المنصوب بلا، لا يكون مفردا،
__________
(1) حقه أن يقول: وليس جميع ما هو اسم لا منصوبا بل بعضه مبني، (2) أي كان يكيه أن يقتصر على هذه العبارة بدون ذكر شروط أخرى،
(3) ص 354 من الجزء الأول، (*)(2/154)
قوله: (على ما ينصب به)، هذا أولى، كما مر في المنادى، من قولهم: مبني على الفتح، فدخل فيه نحو: لا غلامين لك، ولا مسلمين لك، ويعني بالمفرد: ما ليس بمضاف ولا مضارع له، فدخل فيه المثنى والمجموع، والفتحة في: (لا رجل) عند الزجاج والسيرافي: اعرابية، خلافا للمبرد والأخفش وغيرهما، وإنما وقع الاختلاف بينهم لأجمال قول سيبويه، وذلك أنه قال: 1 و (لا) تعمل فيما بعدها فتنصبه بغير تنوين، ثم قال: وإنما ترك التنوين في معمولها لأنها جعلت هي وما عملت فيه بمنزلة اسم واحد كخمسة عشر، فأول المبرد قوله: تنصبه بغير تنوين، بأنها نصبته أولا لكنة بني بعد ذلك فحذف منه التنوين للبناء، كما حذف في خمسة عشر، للبناء، اتفاقا، وقال الزجاج: بل مراده أنه معرب، لكنه مع كونه معربا، مركب مع عامله لا ينفصل عنه، كما لا ينفصل عشر، من خمسة، فحذف التنوين مع كونه معربا لتثاقله بالتركيب مع عامله، قال أبو سعيد 2: إنما ركب مع عامله، لأفادة (لا) التبرئة 3، للاستفراق
كما أفادته (من) الاستفراقية في: هل من رجل في الدار، لأن (لا رجل في الدار) جواب: هل من رجل، فركبوا (لا) مع النكرة، كما أن (من) مركبة معها، تطبيقا للجواب بالسؤال، ثم حذف التنوين لتثاقل الكلمة بالتركيب، مع كونها معربة، والأولى ما ذهب إليه المبرد وأصحابه، لأن حذف التنوين في حالة الوصل من الاسم المنون، لغير الأضافة والبناء: غير معهود، وأيضا: التركيب بين (لا) والمنفي، ليس بأشد منه بين المضاف والمضاف إليه، والجار والمجرور، ولا يحذف التنوين من الثاني في الموضعين،
__________
(1) هذا في سيبويه ج 1 ص 345، وما بعدها، وكذلك النقل الآتي قريبا عن سيبويه، وكثير مما نقله هنا، وارد بمعناه أو بلفظه في هذا الموضع من سيبويه (2) أي السيرافي، (3) وضحنا فيما سبق معنى تسميتها لا التبرئة، (*)(2/155)
وقال سيبويه: إنما حذف التنوين من المنفي، لأن (لا)، لا تعمل الا في النكرة، و (لا) ومعمولها في موضع ابتداء، فلما خولف بها عن حال أخواتها،
خولف بلفظها، يعني أن اختصاصها بالتنكير، وكون ما بعدها مبتدأ: سبب بناء معمولها، على مذهب من قال ببنائه، أو سبب حذف تنوين معمولها عند من قال باعرابه، لأنها بمجموع الشيئين خالفت سائر العوامل، كان وأخواتها، فخولف بمعمولها سائر المعمولات، وهذا ضعيف، أعني بناء المعمول، أو حذف التنوين منه لمخالفة العامل أخواته، والحق أن نقول: أنه مبني لتضمنه لمن الاستفراقية، وذلك لأن قولك: لا رجل، نص في نفي الجنس، بمنزلة: لا من رجل، بخلاف: لا رجل في الدار ولا امرأة، فإنه وإن كانت النكرة في سياق النفي تفيد العموم، لكن لا نصا بل هو الظاهر، كما أن: ما جاءني من رجل، نص في الاستفراق، بخلاف: ما جاءني رجل، إذ يجوز أن يقال: لا رجل في الدار، بل رجلان، وما جاءني من رجل بل رجلان للزوم التناقض، فلما أرادوا التنصيص على الاستفراق، ضمنوا النكرة معنى (من) فبنوها، وإنما بنيت على ما تنصب به، ليكون البناء على حركة استحقتها النكرة في الأصل قبل البناء،
ولم يبن المضاف، ولا المضارع له، لأن الأضافة ترجح جانب الاسمية فيصير الاسم بها إلى ما يستحقه في الأصل، أعني الأعراب، ولا يكون مضاف مبني إلا نادرا، نحو: خمسة عشرك، ونحوه، ومن قال: المنفي معرب حذف تنوينه، دلالة على كونه مركبا مع (لا)، قال: لم يركب المضاف، والمضارع له، لأنه لا يركب أكثر من كلمتين، وأما نحو: لا رجل ظريف 1، فسيجيئ حكمه، ونحو: لا مسلمين ولا مسلمين، مبني خلافا للمبرد، فإن قال 2 به لأن النون كالتنوين
__________
(1) أي بتركيب الاسم مع صفته، (2) فإن قال أي المبرد، به أي بالأعراب المستفاد من قوله: مبني خلافا للمبرد، (*)(2/156)
الذي هو دليل الأعراب، فمنقوض بنحو: يا زيدان، ويا زيدون، وهما مبنيان مع وجود النون، إذ لو كانا معربين لقيل: يا زيدين ويا زيدين، والنون ليست كالتنوين في الدلالة على التمكن كما مر في أول الكتاب 1، ونقل عنه 2 أنه قال: لأن المثنى والمجموع في حكم المعطوف والمعطوف عليه، والمعطوف عليه: مضارع للمضاف فيجب النصب،
ورد بأن المعطوف في باب (لا) مبني، نحو: لا رجل وامرأة، وله أن يقول 3: أردت عطف النسق الذي يكون التابع والمتبوع فيه كاسم واحد، كما ذكرنا في النداء في نحو: ثلاثة وثلاثين، ولا شك أن المثنى والمجموع مثل هذا المنسوق، لكنه ينتقض بيا زيدان ويا زيدون: وقيل: إنما قال ذلك، لأنه ليس شئ من المركبات يثنى فيه الجزء الثاني ويجمع، والجواب: أنه لم يقم دليل قاطع على أن (لا) مركب مع المنفي، كما يجيئ بيانه، ولو سلمنا، فليس بناؤه للتركيب كما مر بيانه، وإن سلمنا فنحن نقول: حضرموتان، وحضر موتون، في المسمى بحضرموت، كما يجيئ في باب المثنى، وأما جمع سلامة المؤنث فبعضهم يبنيه على الكسر مع التنوين، قياسا لا سماعا، نظرا إلى أن التنوين للمقابلة، لا للتمكن، بدليل قوله تعالى: (من عرفات 4)، وهو منقوض 5 بنحو: يا مسلمات، مجردا عن التنوين، اتفاقا، والجمهور يكسرونه بلا تنوين، لأنها 6 وإن لم تكن للتمكن، فهي مشبهة لتنوين التمكن، فيكون على هذين القولين داخلا في عموم قوله: يبني على ما ينصب به،
__________
(1) ص 83 من الجزء الأول (2) عنه أي عن المبرد في تعليل القول بالأعراب، (3) أي له أن يعتذر عن الرد بأن المعطوف مبني، (4) جزء من الآية 198 سورة البقرة، (5) وهو منقوض، أي القول ببناء جمع المؤنث على الكسر مع التنوين، (6) يتكرر في كلام الرضي التعبير عن التنوين وعن بعض الأدوات، مرة بالمذكر ومرة بالمؤنث وذلك جائز باعتبار ذلك لفظا، أو كلمة، ولكنه قد يجمع بين الأسلوبين في وقت واحد، وقد أصلحت ما سهل اصلاحه من ذلك، (*)(2/157)
والمازني يفتحه بلا تنوين، نحو قوله: 244 - إن الشباب الذي مجد عواقبه * فيه نلذ ولا لذات للشيب 1 حذرا 2 من مخالفته في الحركة لسائر المبني بعد (لا) التبرئة، مما كان معربا بالحركة قبل دخولها، وهذا أولى مما قبله، طردا للباب على نسق واحد، واعلم أن الجار، إذا دخل على (لا) التبرئة، منع من بناء المنفي بعدها، نحو قولك: كنت بلا مال، وغضبت من لا شئ، وذلك لتعذر تقدير (من) بعدها، إذ لا يجوز: بلا من مال، وأيضا، فإن عمل (لا) إنما كان لمشابهتها (ان)، كمإ،
يجيئ، وبتوسطها يبطل الشبه، لأن (إن) لا بدلها من التصدر، وربما فتح 3، نظرا إلى لفظ (لا)، فقيل: كنت بلا مال، وذلك كما بني مع (لا) الزائدة، نظرا إلى لفظها، كما أنشد الأخفش: 245 - لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها * إذن، للام ذوو أحسابها عمرا 4 فلا، زائدة، وقد اعتبرت فبني الاسم لها، فما ظنك بجواز البناء، مع عدم زيادتها، لكنه، مع ذلك، قليل، ونحو قوله تعالى: (لا تثريب عليكم 5)، عند سيبويه، وجمهور النجاة، الظرف بعد المنفي، لا يتعلق بالمنفي، وإلا كان مضارعا للمضاف فانتصب، كما في: لا خيرا من زيد عندنا، بل الظرف متعلق بمحذوف، وهو خبر المبتدأ كما في قولك: عليك تثريب، و (اليوم) معمول لعليكم، ويجوز العكس،
__________
(1) هذا البيت من قصيدة لسلامة بن جندل السعدي، وهي إحدى المفضليات، وقبله: أودى الشباب حميدا ذو التعاجيب * أودى وذلك شأو غير مطلوب (2) تعليل لما ذهب إليه المازني، (3) أي الاسم الواقع بعد لا المسبوقة بحرف الجر، وقوله فتح، أي بني على الفتح،
(4) هذا من قصيدة للفرزدق في هجاء عمر بن هبيرة الفزاري وقبله: يا أيها النابح العاوي لشقوته * إليك، أخبرك عما تجهل الخبرا ومعنى بيت الشاهد: لو لم تكن غطفان مذنبة، لقام كبارها وذوو الرأي فيها بلوم عمر، ومنعه من التعرض لي، (5) الآية 92 سورة يوسف، (*)(2/158)
وكذا قوله تعالى: (لا عاصم اليوم من أمر الله 1)، اليوم خبر المبتدأ، (وقوله: من أمر الله، خبر مبتدأ محذوف، أي: العصمة المنفية من أمر الله، وهذه الجملة التبيينية لا محل لها، كما قلنا في سقيا لك، ان التقدير: هو لك، وإنما لم يكن للجملة المبينة محل، لأنها مستأنفة لفظا،) 2 أو قوله: من أمر الله متعلق بما دل عليه: لا عاصم، أي: لا يعصم من أمر الله، فلا تظنن أن مثل هذا الجار والمجرور متعلق بالمنفي، وإن أوهمت ذلك في الظاهر، بل مثله متعلق بمحذوف، وكل مصدر يتعدى بحرف من حروف الجر، يجوز جعل ذلك الجار خبرا عن ذلك المصدر، مثبتا كان أو منفيا، كما تقول: الاتكال عليك، وإليك المصير، ومنك الخوف، وبك الاستعانة، وما عليك المعول، وليس بك
الالتجاء، ومنه: (لا تثريب عليكم)، وذلك لأن الخبر المقدر ههنا، أعني ما يتعلق به الجار، فيه معنى المبتدأ لتضمنه خبره، ولا يجوز مثل ذلك في اسم الفاعل، فلا تقول: بك مار، على أن (بك) خبر عن (مار)، فلذا قدرنا مدلول (لا عاصم) لقوله 3 (من أمر الله)، وتقول: لا مصليا في الجامع، إذا نفيت في الوجود من يوقع صلاته في الجامع، أي: ليس في الوجود من يصلي في الجامع، ويجوز أن يكون مستقرا في الجامع من يصلي في غيره، وإذا قلت: لا مصلي في الجامع، فالمعنى: ليس في الجامع مصل، سواء صلي في الجامع أو في غيره، هذا وحكى أبو علي عن البغداديين أنهم يجوزون كون الظرف والجار في: لا آمر
__________
(1) الآية 43 سورة هود، وتقدمت (2) جاءت العبارة التي بين القوسين في النسخة المطبوعة وجاء بعدها عبارة وقوله من أمر الله، وهي ليست في بعض النسخ كما في تعليقات الجرجاني، وكان إصلاح (وقوله) إلى (أو قوله) مفيدا، ليكون وجها آخر، (3) أي ليتعلق به الجار والمجرور وهو: من أمر الله، (*)(2/159)
بالمعروف، ولا عاصم اليوم من أمر الله، من صلة المنفي، وفيه نظر، لأن المضارع للمضاف لا يبني، وذهب ابن مالك، إلى أن مثل هذا مضارع 1 معرب، لكنه انتزع تنوينه، تشبيها بالمضاف، قوله: (وإن كان معرفة أو مفصولا بينه وبين لا، وجب التكرير والرفع)، اعلم أن (لا) التبرئة إنما تعمل لمشابهتها لان، ووجه المشابهة أن: (إن) للمبالغة في الأثبات، إذ معناها التحقيق لا غير، و (لا) التبرئة للمبالغة في النفي، لأنها لنفي الجنس 2، فلما توغلتا في الطرفين، أعني في النفي والأثبات، تشابهتا، فأعملت عملها، وعملها مع هذه المشابهة المذكورة ضعيف لوجهين: أحدهما أن أصلها التي هي (إن)، إنما تعمل لمشابهتها الفعل، لا بالأصالة، فهي مشبهة بالمشبهة، والثاني أن الظاهر أن بين (إن) و (لا) التبرئة تنافيا وتناقضا، لا مشابهة ولا مقاربة، فعلى هذا نقول: إنما لم تعمل في المعرفة، لأن وجه المشابهة، وهو كونها لنفي الجنس لم يمكن حصوله فيها مع دخولها على المعرفة، إذ ليست المعرفة لفظ
جنس، حتى ينتفي الجنس بانتفائها، وكذا، لم تعمل في المفصول بينه وبينها، لما ذكرنا من ضعف عملها، فلا تقدر على العمل في البعيد عنها، وكما، لم يجز العمل في المفصول، لم يجز بناؤه أيضا، لأن الموجب للبناء، تضمن (من) الاستفراقية، ودليل تضمنها: (لا) التبرئة، فلما بعد دليلها ضعف أمر التضمن، ومن قال: إن الفتحة إعرابية، قال: إنما حذف التنوين بعد التركيب دلالة على التركيب، وقد انتفى التركيب بالفصل،
__________
(1) أي مضارع للمضاف وهو معرب، (2) أشرت عند تفسير قولهم: لا التبرئة، أن معناه أنها برأت جنس الاسم عن الاتصاف بالخبر، وهذا اصطلاح منهم، (*)(2/160)
وقيل: إنما لم يبن مع الفصل، لأنهما لما مزجا، تعدى البناء من (لا) إلى المنفى بسبب التركيب، فإذا انتفى التركيب، انتفى تعدي البناء إليه، ثم نقول: ويجوز، لما ذكرنا من ضعف عملها، أن تلغيها مع كون المنفي نكرة غير مفصولة، ويجب في المواضع الثلاثة التي ألغيت فيها (لا)، إما وجوبا، كما في المعرفة والمفصول،
وإما جوازا، كما في النكرة المتصلة، تكرير 1 (لا)، ولا يجب ذلك إذا أعلمتها، أو بنيت اسمها، وذلك لأن المقصود قيام القرينة على كونها لنفي الجنس، وعملها عمل (إن) أو بناء اسمها كاف في هذا الغرض، إذ لا يكونان إلا مع (لا) التبرئة، أما إذا ألغيت، فإنه جعل تكريرها منبها على كونها لنفي الجنس في النكرات، لأن نفي الجنس هو تكرير النفي في الحقيقة، وأما في المعارف، فالتكرير جبران لما فاتها من نفي الجنس الذي لا يمكن أن يحصل في المعرفة، وأجاز أبو العباس 2، وابن كيسان 3، عدم تكرير (لا) في المواضع الثلاثة، أما مع المعرفة فنحو: لا زيد في الدار، وقولهم: لا نولك أن تفعل كذا، وأما مع المفصول فنحو: لا فيها رجل، قال: 246 - بكت جزعا واسترجعت ثم آذنت * كتائبها أن لا إلينا رجوعها 4 وأما مع المنكر المتصل، فنحو: لا رجل في الدار، قال: 247 - وأنت امرؤ منا خلقت لغيرنا * حياتك لا نفع وموتك فاجع 5
__________
(1) فاعل قوله: ويجب في المواضع الثلاثة، (2) أي المبرد، وهذه كنيته وتقدم ذكره، (3) وكذلك ابن كيان تقدم ذكره في هذا الجزء والذي قبله،
(4) قال البغدادي إنه من أبيات سيبويه التي لم يعرف لها قائل، والبيت في سيبويه ج 1 ص 355، (5) نقل البغدادي عن شراح شواهد سيبويه، أن هذا البيت لرجلمن بني سلول، لم يذكروا اسمه ثم نقل عن الحصري وغيره نسبته إلى الضحاك بن هشام، ثم قال: وزاد الحصري بعده بيتين، أحدهما قوله: وفيك خصال صالحات يشينها * لديك جفاء عنده الود ضائع (*)(2/161)
ومثله قولهم: لا سواء، وقوله: من صد عن نيرانها * فأنا ابن قيس لا براح 1 - 80 وقوله: 248 - تركتني حين لا مال أعيش به * وحين جن زمان الناس أو كلبا 2 وأجيب بأن قولهم: لا نولك أن تفعل كذا، بمعنى: لا ينبغي لك أن تفعل فهي في المعنى، هي الداخلة على المضارع، وتلك لا يلزم تكريرها، والنول، مصدر بمعنى التناؤل، وهو ههنا بمعنى المفعول، أي: ليس متناولك ومأخوذك هذا الفعل، أي لا ينبغي لك أن تأخذه وتتناوله، وبشذوذ 3 قوله: أن لا إلينا جوعها، ولا نفع، ولا براح، ولا مستصرخ 4، ولا مال، وقولهم: لا سواء، أو بكون (لا) في: لا سواء عوضا من المبتدأ المحذوف، إذ لا يقال:
هما لا سواء، على ما ذهب إليه سيبويه، 5 وأما وجوب حذف المبتدأ فلكثرة الاستعمال، أو بأن: لا براح، ولا مستصرخ، ولا مال، بمعنى: ليس، وقد ذكرنا في المرفوعات أنه لم يثبت اعمال (لا) عمل ليس 6، والأولى حمل ذلك كله على الضرورة والشذود، وإلا فهو تحكم،
__________
(1) من الأبيات التي قالها سعد بن مالك من بني قيس يعرض فيها بالحارث بن عباد الذي قعد عن المشاركة في الحرب، وقد أشرنا إليها عند الشاهد رقم 212 في هذا الجزء، (2) من أبيات لأبي الطفيل، عامر بن وائلة الصحابي، في رثاء ابنه، الطفيل، يقول فيها: فإن سلكت سبيلا كنت سالكها * ولا محالة أن يأتي الذي كتبا فما لفظتك من ري ولا شبع * ولا ظللت لباقي العيش مرتقبا (3) معطوف على قوله: وأجيب بأن قولهم...وكذلك ما يأتي بعده، (4) هذا في سيبويه ج 1 ص 357، وليس من الأمثلة التي ذكرها الرضي، ولعله في بعض النسخ (5) عبارة سيبويه: ألا تري أنك لا تقول: هذان لا سواء..ج 1 ص 357، (6) في هذا الموضع اضطراب في النسخ أمكن بتوفيق الله اصلاحه إلى ما أثيتناه، (*)(2/162)
فعلى هذا نقول: يجب في الاختيار، تكرير (لا) المهملة الداخلة على غير لفظ الفعل، إلا في موضعين، أحدهما أن تكون داخلة على الفعل تقديرا، وذلك إذا دخلت على منصوب بفعل مقدر، نحو: لا مرحبا، أي: لا لقيت مرحبا، أو لا رحب موضعك، ولا أهلا، أي: لا أتيت أهلا، ولا سهلا، أي: لا وطئت سهلا، ولا نعمة، أي: لا نعمت عينك نعمة، وكذا، لا مسرة، ولا كرامة، أو إذا دخلت على اسمية بمعنى الدعاء، نحو لا سلام عليك، ولا بك السواء، لأن الدعاء بالفعل أولى وأكثر، لأنه في الأصل أمر أو نهى، فكأنه قيل، لا سلمت سلاما، كما ذكرناه في أول المبتدأ، ولا أصابك السوء 1، أو إذا دخلت على (نولك) نحو: لا نولك أن تفعل كذا، أي لا ينبغي كما مر، وإنما لم تكرر (لا) بمعنى (غير) مع أحد ثلاثة شروط: أحدها أن تدخل على لفظ (شئ)، سواء انجر بالاضافة، نحو: هو ابن لا شئ، أو بحرف الجر، أي حرف حرف كان، نحو: كنت بلا شئ، وغضبت من لا شئ، وما أنت إلا كلا
شئ، وخلقت من لا شئ، أو انتصب نحو: انك ولا شيئا سواء، أو ارتفع، نحو أنت لا شئ، وثانيها أن ينجر ما بعد (لا) بباء الجر قبلها، نحو: كنت بلا مال، ولا ينجر، إذا لم يكن لفظ شئ، إلا بها من بين حروف الجر، ولم يثبت انجراره بالاضافة، وأما قول جرير: 249 - ما بال جهلك بعد الحلم والدين * وقد علاك مشيب حين لا حين 4
__________
(1) هو تفسير للمثال الذي ذكره، بمعناه وإلا فالمناسب أن يكون تقديره مثلا: لا لحق بك السوء،.
(2) الآية 31 سورة القيامة، (3) أي ثاني الموضعين اللذين لا يجب فيها تكرار (لا)، (4) هذا مطلع قصيدة لجرير، وهي في هجاء الفرزدق، وبعد المطلع: (*)(2/163)
فالأولى أن (لا) زائدة، كما في قوله: 250 - في بئر لا حور سرى وما شعر 1 أي: علاك الشيب في وقت: وقت الشيب، أي لم تشب قبل أوانه، أي في وقت يكون في أثنائة وقت الشيب، والأول، أي الوقت الأول 2: من الثلاثين إلى ما فوقها، مثلا، فأضاف الأول إلى الثاني لاشتماله عليه، وقال أبو علي: (لا) غير زائدة، على تأويل: وقت لا وقت اللهو، كما
فوق الثلاثين، وأما قول الشاعر: 251 - حنت قلوصي حين لا حين محن 3 فحين، الأول، مضاف إلى الجملة، أي: حين لا حنين حاصل، وثالثها 4: أن يعطف ما بعد (لا) على المجرور بغير، كقوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين 5)، وقولك: زيد غير الفارس ولا الشجاع، ولا يجوز: أنت غير زيد ولا عمرو، قالوا: لأنهم 6 راعوا صورة (لا) غير مجعولة بمعنى (غير) فإنها يلزم تكريرها مع العلم،
__________
= للغانيات وصال لست قاطعه * على مواعيد من خلف وتلوين وقد كتب البغدادي على الشاهد الذي بعده قبل أن يكتب عليه، وذلك راجع إلى ما أشرنا إليه كثيرا من اختلاف نسخ هذا الشرح، فكأن الرضي ذكر في بعض النسخ، الشاهد الآتي، قبل أن يذكر هذا الشاهد، وإن كان سياق الكلام يرجح هذا الترتيب للشاهدين المذكورين، (1) هذا من أرجوزة طويلة للعجاج في مدح عمر بن عبيد الله، وكان قد وجهه عبد الملك بن مروان لقتال بعض المتمردين من الخوارج، أولها: قد جبر الدين الاله فجبر، والفعل: جبر، الثاني، لازم، مطلوع
للأول المتعدي، أي جبره فانجبر، والحور: المهلكة التي يهلك فيها السائر، (2) قصده: الأول من لفظي الوقت المذكورين في تفسيره لمعنى البيت، (3) المحن مصدر ميمي بمعنى الحنين، أي حين لا وقت حنين، قال البغدادي: هو من شواهد سيبويه التي لم يعرف لها قائل، وهو في سيبويه ج 1 ص 358 (4) أي ثالث الشروط التي يجب أن يتحقق أحدها لعدم تكرير (لا)، (5) آخر سورة الفاتحة، (6) هذا تعليل لعدم جواز المثال: أنت غير زيد ولا عمرو، (*)(2/164)
وأما المعرف باللام فإن التعريف فيه غير مقصود قصده، فهو في حكم المنكر، ويجوز عدم تكريرها مع المنكر قبل جعلها بمعنى (غير)، نحو: لا رجل ولا غلام رجل بخلاف العلم، وأما المعرف باللام مع (لاء) التبرئة، فلا بد معه من تكريرها في نحو: لا الرجل في الدار ولا المرأة، استضعف هذا التعريف بعد خروج (لا) إلى معنى (غير)، ولضعفها أيضا بهذا الخروج، فجوز عدم تكريرها، نحو: أنت غير الفارس ولا الشجاع، وألزمت
التكرير قبل خروجها لقوتها، هذا، وإن كانت (لا) بمعنى (غير)، مجردة عن هذه الشروط، لزم تكرارها، أيضا، نحو قوله تعالى: (...إلى ظل ذي ثلاث شعب، لا ظليل ولا يغني من اللهب) 1، وقولك: زيد لا راكب ولا ماش، وجاءني زيد لا راكبا ولا ماشيا، وأما قول العوام: أنا لا راكب، واللا إنسان أعم من اللاحيوان فغير مستند إلى حجة، وجواز ترك التكرير مع الشرط الأول، معلل بكثرة استعمال (لا) مع شئ، وهو 2 مع الشرط الثاني معلل ببعد (لا) عن أصلها أعني كونها للتبرئة، وذلك بتعذر تقدير (من) الاستفراقية بعد (لا)، لتعذر دخول حرف الجر على حرف الجر، فلذا جاز: جئت بلا زيد، من غير تكرير مع العلم، وهو مع الشرط الثالث معلل بكونها كالمكررة، لأن (غير) بمعناها، ونعني بكون (لا) بمعنى (غير)، كونها لنفي الاسم الذي بعدها، كغير، فلا يكون لها صدر الكلام، وبكونها للتبرئة: أنها لنفي مضمون الجملة فيلزمها التصدر، واعلم أنه قد يؤول العلم المشتهر ببعض الخلال، بنكرة 3، فينتصب
بلاء 4 التبرئة،
__________
(1) الآيتان 30، 31 سورة المرسلات، (2) أي ترك التكرير، أو جواز ترك التكرير، وكذا فيما بعده، (3) متعلق بقوله: قد يؤول العلم، (4) تقع كلمة (لا) في كلام الرضي كثيرا بهمزة في آخرها، ووجهه أنه قصد لفظها وأعربها، فزيدت في = (*)(2/165)
وينزع منه لام التعريف إن كانت فيه، نحو: لا حسن، في: الحسن البصري، وكذا: لا صعق، في الصعق 1، أو مما أضيف إليه 2، نحو: لا امرأ قيس، ولا ابن زبير، ولا تجوز هذه المعاملة في لفظتي: عبد الله، وعبد الرحمن، إذ (الله) و (الرحمن)، لا يطلقان على غيره تعالى حتى يقدر تنكيرهما، قال: 252 - أرى الحاجات عند أبي خبيب * نكدن ولا أمية في البلاد 4 ولتأويله بالمنكر وجهان: إما أن يقدر مضاف هو (مثل) فلا يتعرف بالاضافة لتوغله في الأبهام، وإنما يجعل في صورة المنكر بنزع اللام، وإن كان المنفي في الحقيقة هو المضاف المذكور الذي لا يتعرف بالأضافة إلى أي معرف كان، لرعاية اللفظ وإصلاحه، ومن ثم قال الأخفش: على هذا التأويل يمتنع وصفه، لأنه في صورة النكرة،
فيمتنع وصفه بمعرفة، وهو معرفة في الحقيقة، فلا يوصف بنكرة، وإما أن يجعل العلم 5 لاشتهاره بتلك الخلة، كأنه اسم جنس موضوع لأفادة ذلك المعنى، لأن معنى قضيته ولا أبا حسن لها: لا فيصل لها، إذ هو، كرم الله وجهه، كان فيصلا في الحكومات، على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أقضاكم علي)، فصار
__________
= آخرها ألف للتضعيف وقلبت همزة، كما هو حكم كل ثنائي الوضع إذا انتقل إلى الاسمية وقصد اعرابه، (1) الصعيق: هو خويلد بن نفيل من بني كلاب كان قد أصيب بضربة في رأسه جعلته يصعق كلما سمع صوتا قويا، وقيل في سبب تسميته غير ذلك، (2) أي أو ينزع اللام مما أضيف إليه (3) شطر من الرجز نسبه الفراء إلى رجل من بني دبير، وهيثم: اسم رجل كان مشهورا بحسن حداء الأبل وحسن رعايتها، ورووا بعده: ولا فتى مثل ابن خيبري، وقالوا: المراد بابن خيبري: جميل بثينة، (4) أبو خبيب بصيغة المصغر، هو عبد الله بن الزبير بن العوام وقائل الشعر هو عبد الله بن الزبير، بفتح الزاي، الأسدي، وفد على ابن العوام قاصدا عونه فلم يستجب له فخرج من عنده يقول شعرا منه هذا البيت،
(5) الوجه الثاني من وجهي التأويل، (*)(2/166)
اسمه، رضي الله عنه، كالجنس المفيد لمعنى الفصل والقطع، كلفظ الفيصل، وعلى هذا يمكن وصفه بالمنكر، وهذا كما قالوا: لكل فرعون موسى، أي: لكل جبار قهار، فيصرف فرعون، وموسى، لتنكيرهما بالمعنى المذكور، وجوز القراء إجراء المعرفة مجرى النكرة بأحد التأويلين، في الضمير واسم الأشارة أيضا، نحو: لا إياه هنا، أو: لا هذا، وهو بعيد غير مسموع، (تكرار لا) (وأوجه الاعراب فيها) (قال ابن الحاجب:) (وفي مثل: لا حول ولا قوة إلا بالله، خمسة أوجه:) (فتحهما: ونصب الثاني، ورفعه، ورفعهما، ورفع الأول) (على ضعف ويكون لا، بمعنى ليس، وفتح الثاني)، (قال الرضي:) يعني إذا كررت (لا)، مع أن عقيب كل منهما 1 بلا فصل: نكرة، جاز في المجموع خمسة أوجه: الأول: فتحهما، ووجهه الن تجعل (لا) في الموضعين للتبرئة، فتبني اسميها، كما لو انفردت كل منهما عن صاحبتها، ويجوز، على مذهب سيبويه 2، أن
تقدر بعدهما
__________
(1) تثنية الضمير في منهما باعتبار أن التكرار معناه ذكر الشئ مرتين، أو أكثر، (2) انظر سيبويه ج 1 ص 349، (*)(2/167)
خبرا لهما معا، أي: لا حول ولا قوة لنا، أي موجودان لنا، لأن مذهبه أن (لا) المفتوح اسمها، لا تعمل عمل (إن) في الخبر، فهما في موضع الرفع، فلا قوة، معطوف على مبتدأ، والمقدر مرفوع بأنه خبر المبتدأ، لا خبر (لا)، فيكون الكلام جملة واحدة، نحو: زيد وعمرو ضاربان، ويجوز، أيضا، عنده، أن تقدر لكل واحد منهما خبرا، أي لا حول موجود لنا، ولا قوة موجودة لنا، فيكون الكلام جملتين، وأما على مذهب غيره، وهو أن (لا) المفتوح اسمها عاملة في الخبر عمل (إن) فيه، كما عملت (لا) المنصوب اسمها فيه، فيجوز، أيضا، أن تقدر لهما خبرا واحدا، وذلك الخبر يكون مرفوعا بلا، الأولى، والثانية معا، وهما، وإن كانا عاملين، إلا أنهما متماثلان، فيجوز أن تعملا في اسم واحد عملا واحدا، كما في: إن زيدا وإن عمرا قائمان،
كأنهما، فيجوز أن تعملا في اسم واحد عملا واحدا، كما في: إن زيدا وإن عمرا قائمان، كأنهما شئ واحد، وإنما الممتنع أن يعمل عاملان مختلفان في حالة واحدة، عملا واحدا في معمول واحد، قياسا على امتناع حصول أثر واحد من مؤثرين،.
ويجوز، أيضا، عندهم أن تقدر لكل واحد منهما خبرا على حياله، والثاني: فتح الأول ونصب الثاني، على أن تكون (لا) الثانية زائدة لتأكيد نفي الأولى، كما في قولك: ما جاءني زيد ولا عمرو، فكأنك قلت: لا حول وقوة، كقوله: 254 - فلا أب وابنا مثل مروان وابنه * إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا 1 على ما يجيئ، فلا يجوز، عند سيبويه: أن تقدر لهما خبرا واحدا بعدهما لأن خبر: لا حول، مرفوع عنده بالابتداء، وخبر: قوة، مرفوع بلا، لأن الناصبة لاسمها عاملة عنده في الخبر، وفاقا لغيره، فيرتفع الخبر بعاملين مختلفين ولا يجوز، فيجب أن تقدر لكل منهما خبرا على حياله، وعند غيره يجوز تقدير خبر واحد لهما، لأن العامل فيه عندهم، إذن، (لا) وحدها، ويجوز أن تقدر عندهم لكل خبرا،
__________
(1) المراد: مروان بن الحكم وابنه عبد الملك، والبيت غير منسوب لأحد، غير ما نقله البغدادي عن ابن هشام
أنه لرجل من بني عبد مناة، وعده بعضهم من أبيات سيبويه التي لا يعرف قائلها، وهو في سيبويه، ج 1 ص 349، (*)(2/168)
والثالث: فتح الأول ورفع الثاني، على أن (لا) زائدة، كما في الوجه الثاني، إلا أن العطف ههنا على المحل، كما يجيى في: لا أب وابن، فعند سيبويه: يجوز أن تقدر لهما معا خبرا واحدا، أي: لا حول وقوة موجودان، لكونه خبر المبتدأ، وعند غيره، لا بد لكل واحد من خبر منفرد، لئلا يجتمع الابتداء ولفظ (لا) في رفع الخبر، ويجوز أن تجعل (لا) غير زائدة، بل لنفي الجنس، لكن تلغيها عن العمل، لما ذكرنا قبل من جواز الغائها مع كونه اسمها نكرة غير مفصولة، لضعف (لا) في العمل، وقد حصل ههنا شرط الألغاء، كما تقدم، وهو تكرير (لا)، لأن التكرير حاصل سواء ألغيت الأولى والثانية معا، كما في: لا حول ولا قوة، أو ألغيت الأولى دون الثانية، كما في: لا حول ولا قوة، على ما يجيئ بعيد، أو ألغيت الثانية دون الأولى، كما في مسألتنا، وهي: لا حول ولا قوة، وتقدير الخبر مع جعل الثانية (لا) التبرئة، مثله مع جعلها زائدة، سواء
، ولا نقول إن (لا) الثانية ههنا تعمل عمل (ليس)، كما قال بعضهم، لما قدمنا: أنه لم يثبت في كلامهم عمل (لا) عمل (ليس)، بل لم يرووا: الا كون الاسم بعدها مرفوعا والخبر محذوف، نحو: لا براح، ولا مستصرخ فظنوا أنها عاملة عمل ليس، والحق أنها (لا) التبرئة، ملغاة، لم تكرر للضرورة، 1 والرابع: رفعهما على ما ذكرنا أنه يجوز الغاء (لا) التبرئة لضعف عملها، ويلزمها التكرار، كما تقدم، فيكون الاسمان مرفوعين بالابتداء و (لا) الثانية إما زائدة، كما في الوجه الثاني وإما ملغاة غير زائدة، كلا، الأولى، ومذهب سيبويه وغيره في تقدير الخبر، في هذا الوجه، واحد، إذ لا عامل ههنا إلا الابتداء فقط، فإما أن تقدر لكل واحد منهما خبرا، والكلام جملتان، أو تقدر لهما معا خبرا واحدا، والكلام جملة واحدة، والخامس: رفع الأول وفتح الثاني، على أن (لا) الأولى للتبرئة لكنها ملغاة، لما
__________
(1) تقدم هذا مستوفي في الجزء الأول في باب اسم ما ولا، وأعاده في هذا الجزء قبل قليل، (*)(2/169)
ذكرنا من جواز ذلك، لضعفها، وقد حصل شرط الألغاء، وهو التكرير، ولا يلزم من تكرير (لا) أن يتواق الاسمان بعدهما 1 في الأعراب، إذ التكرير هو الشرط فقط،.
وقد حصل، كما ذكرنا، فإذا تقرر هذا، فلا حاجة بنا إلى ما ذكر المصنف من قوله: ورفع الأول، على ضعف لكونها بمعنى ليس، فانا لا نضعف هذا الوجه، بل هو مثل الوجه الثالث والرابع سواء، في حصول التكرير، وتطابق الاسمين إعرابا، ليس بشرط، و (لا) في الجميع للتبرئة، ألغيت، فلم يبق فيها النصوصية 2، على الاستفراق، وتقدير الخبر في هذا الوجه، كما في الثالث، سواء، على المذهبين، (دخول الهمزة على لا) (وأثر ذلك) (قال ابن الحاجب:) (وإذا دخلت الهمزة لم تغير العمل، ومعناها: الاستفهام) (والعرض، والتمني)، (قال الرضي:) قال الأندلسي: لا أعرف أحدا يقول: تلحق ألف الاستفهام أداة النفي
فتكون لمجرد الاستفهام، بل، لا بد أن تكون إما زائدة للأنكار، أو للتوبيخ، أو للتمني أو للعرض،
__________
(1) أي بعد الأداتين المكررتين، كما تقدم مثله في أول هذا البحث، (2) أي الدلالة القاطعة على الاستغراق، وهي كلمة مولدة ومعناها كون الشئ دالا على معنى لا يحتمل التأويل، وهي من قبيل المصادر الصناعية، (*)(2/170)
وهذا الذي قاله مخالف لظاهر قول سيبويه، لأنه قال 1: اعلم أن (لا) في الاستفهام أو العرض، تعمل فيما بعدها، كما تعمل فيه إذا كانت في الخبر، فمن ذلك قول حسان: 255 - ألا طعان ألا فرسان عادية * الا تجشؤكم حول التنانير 2 وفي مثل: ألا قماص بالعير 3، يضرب لمن ذل بعد عزة، فمعنى الاستفهام فيما ذكر من الشعر والمثل ظاهر، ولم يذكر سيبويه أن حال (الا) في العرض كحاله قبل الهمزة، بل ذكره السيرافي، وتبعه الجزولي والمصنف، ورد ذلك الأندلسي وقال: هذا خطأ، لأنها إذا كانت عرضا، كانت من حروف الأفعال كإن ولو، وحرف التحضيض، فيجب انتصاب الاسم بعدها في نحو: ألا زيدا تكرمه، وأما إذا كان (ألا) بمعنى التمني، كقوله:
256 - ألا سبيل إلى خمر فأشربها * ألا سبيل إلى نصر بن حجاج 4 فالمازني والمبرد، قالا: حكمها حكم المجردة، فيجوز عندهما، العطف والوصف على الموضع، نحو: ألا مال كثير، أنفقه، و: ألا ماء وخمرا أشربهما، وخبرها عندهما إما ظاهر أو مقدر، كما في المجردة،
__________
(1) عبارة سيبويه في ج 1 ص 358، ليس فيها ذكر العرض، والشارح نفسه سينيه على ذلك، (2) من أبيات لحسان بن ثابت الأنصاري في هجاء بني الحارث بن كعب يقول فيها: حار بن كعب ألا أحلام تزجركم * عني وأنتم من الجوف الجماخير لا بأس بالقوم من طول ومن غلظ * جسم البغال وأحلام العصافير (3) المعروف في المثل: لا قماص بالعير، والقماص بضم القاف وبكسرها ما يبديه الحيوان من حركات تدل على نشاطه وقوته، فمعنى المثل: اخبار بأنه أصبح لا يستطيع ذلك، (4) لهذا البيت وما يتصل به قصة حدثت في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وامتلأت بها كتب الأدب، وصاحبة الشعر امرأة سمعها عمر، وهو يمر ليلا، وهي تتغني بهذا الشعر وقد أطلقوا على هذه المرأة اسم: المتمنية، واستدعى عمر، نصر بن حجاج فوجده جميل الصورة فنفاه، وقد أورد البغدادي هذه القصة بروايات مختلفة، وذكر ما لقيه نصر بن حجاج بسبب جماله من نفي وتشريد، (*)(2/171)
واختار المصنف والجزولي مذهبهما، وقال سيبويه: لا يجوز حمل التابع على الموضع، ولا خبر لها، إذ التمني يغنيها عن الخبر، ويصير معنى اسمها معنى المفعول، فمعنى ألا غلام: أتمنى غلاما، فلا تحتاج إلى خبر، لا ظاهر ولا مقدر، فهو كقولهم: اللهم غلاما، أي: هب لي غلاما، وأما ما يلي (لا) أي اسمها فلا خلاف بينهم أن لفظه على ما كان عليه قبل الهمزة، من النصب في المضاف والمضارع له، والبناء في المفرد المنكر، وأما قوله: ألا رجلا جزاه الله خيرا * يدل على محصلة بليت 1 - 158 والبيت مضمن 2، فقال يونس: نونه ضرورة، وقال الخليل: ألا، حرف تحضيض، كهلا، وسيذكر في قسم الحروف، والفعل محذوف، أي: هلا ترونني رجلا، وروي الألغاء في (ألا) التي للتمني، نحو: ألا رجل جزاه الله خيرا، وروي: ألا رجل بالجر، أي: ألا من رجل، (النعت والعطف) (بعد اسم لا)
(قال ابن الحاجب:) (ونعت المبني الأول، مفردا يليه: مبني، ومعرب رفعا ونصبا)
__________
(1) تقدم هذا البيت في الجزء الأول من هذا الشرح في باب المنصوب على شريطة التفسير، وهو لأعرابي أراد أراد أن يتزوج فقال أبياتا، هذا أولها وبعده: ترجل لمي وتقم بيتي * وأعطيها الاتاوة إن رضيت (2) أي أن معناه مرتبط بالبيت الذي بعده ووتبين مما سبق أن البيت التالي له يتضمن خبر قوله تبيت، والتضمين من عيوب الشعر، (*)(2/172)
(نحو: لا رجل ظريف، وظريفا وظريف، والا فالاعراب،) (والعطف على اللفظ وعلى المحل جائز، مثل: لا أب وابنا)، (قال الرضي:) قوله: نعت، مبتدأ، و: الأول، صفته، و: مبني: خبره، وقوله: مفردا، يليه، حالان من الضمير في (مبني)، والعامل: مبني، أي: يبني النعت إذا ولى مبني (لا) وكان فردا، وإنما جاز بناء النعت المذكور، مع انفصاله عن (لا)، التي هي سبب البناء، إذ بها يقوم معنى الاستفراق الموجب لتضمن (من)، لاجتماع 1 ثلاثة أشياء فيه: أحدها كونه في المعنى هو المبني الذي وليها، أعني اسم (لا)، وفي اللفظ متصلا به
، والثاني كون النفي في المعنى داخلا فيه، لأن المنفي في قولك: لا رجل ظريف، هو الظرافة لا الرجل، فكأن (لا) دخلت عليه، فكأنك قلت: لا ظريف، فلذا، لم تبن صفة المنادى في نحو: يا زيد الظريف، لأن النداء متعلق بالموصوف، والثالث قربه من (لا) التي هي سبب البناء، إذ الفاصل بينهما ليس إلا واحدا هو هو 2، فلبناء النعت أربع شرائط: أن يكون نعت المبني بلا، لا نعت المعرب، احترازا عن نحو: لا غلام رجل ظريفا، وأن يكون النعت الأول، لا الثاني وما بعده، فلا يبنى (كريم) في نحو: لا رجل ظريف كريم، وأن يلي النعت المبني، فلا يفصل بينهما، فلا يبنى الوصف في نحو: لا رجل حسن الوجه 3، وإنما لو يبن نعت المعرب، لانتفاء الوجه الأول والثالث فيه، من الأوجه الثلاثة
__________
(1) علة جواز البناء في النعت، (2) أي هو اسم لا في المعنى لأنهما شئ واحد، (3) هكذا ورد المثال في المطبوعة، وكأنه محرف عن: لا رجل في الدار حسن الوجه مثلا حتى يتحقق فيه ما قال من أنه لا يبنى المفصول، (*)(2/173)
المذكورة، 1 إذ ليس هو المبني بلا، وأيضا، بعد منها، ولم يبن النعت الثاني وما بعده لانتفاء الأول 2 والثالث، ولانتفائهما لم يبن النعت المفصول من المبني بغير النعت أيضا، وإنما لم يبن النعت المضاف، والمضارع له، لأنهما لا يبنيان إذا وليا (لا) اسمين لها فكيف يبنيان بجريهما مجرى اسمها ؟ ولا نقول في هذا النعت المبني إنه مركب مع المنعوت كخمسة عشر، لأنه يحتاج، إذن، في دفع الاعتراض الوارد في جعل ثلاث كلمات، كلمة واحدة إلى تكلفات مستهجنة، وقال ابن برهان، والسيرافي، تفصيا 3 من هذا، ليست (لا) في هذا الموضع خاصة، مركبة مع المنفي، بل هي داخلة على الموصوف المركب مع صفته، تعمل في محلهما، كما تعمل في خمسة عشر، إذا قلت: لا خمسة عشر، ولنا مندوحة، على ما ذكرنا، من ارتكاب تركب (لا) مع المنفي في هذا الموضع وفي غيره، وعن تركب المنفي ههنا مع نعته، قوله: (ومعرب رفعا ونصبا)، سواء كانت الصفة مفردة أو مضافة أو مضارعة لها، وقال يحيى بن معط 4: صفة المبني المضافة، منصوبة لا غير، نحو: لا
عبد كريم الحسب، ولعله قاسها على صفة المنادى المبني المضموم مضافة، ولفارق أن يفرق، بأن (يا) لو باشرت المضاف، لم يكن فيه إلا النصب فلزمه النصب لما وقع صفة ما باشرته، ويجوز في المضاف الذي باشرته (لا) رفعه، وذلك إذا كررت (لا)، نحو: لا غلام
__________
(1) أي الشروط المذكورة، (2) المراد: الأول في كلام ابن الحاجب وهو كونه النعت الأول، وهو الثاني في كلام الرضي، (3) أي تخلصا مما أشار إليه الشارح من التكلف المستهجن في دفع الاعتراض الوارد على تركيب ثلاثة أشياء، (4) هو زين الدين يحيى بن معط من علماء النحو البارزين وهو الذي أشار إليه ابن مالك في مقدمة ألفيته، وأحد من شرحوا كتاب سيبويه وقال السيوطي في بغية الوعاة أنه بدأ في نظم صحاح الجوهري ولم يكمله، توفي سنة 628 ه، (*)(2/174)
رجل في الدار ولا غلام امرأة، فلم يلزمه النصب لما وقع صفة ما باشرته، وأيضا، الضم في المنادي بنائي، فكان حمل وصفه، المضاف، الذي يجب نصبه لو وقع منادى، على
النصب الذي هو حركته الأعرابية، واجبا، بخلاف المنفي بلا، فإن الفتح فيه بنائي على قول، واعرابي ضعيف على آخر، والرفع اعرابي فكان حمل وصفه المضاف، الذي لا يمتنع رفعه لو وقع منفيا، على الرفع الذي هو حركته الأعرابية جائزا، وذهب ابن برهان إلى أن اسم (لا) إذا انتصب بكونه مضافا أو مضارعا له، لم يجز رفع وصفه، بل الواجب نصبه كالموصوف، وإلى هذا ذهب المصنف، كما مر في خبر (لا) التبرئة، 1 ومذهب ابن برهان، أيضا، أن رفع وصف مبنى (لا) في: لا غلام ظريف،.
ليل على أن (لا) غير عاملة في محل الاسم ولا في الخبر، بل هي ملغاة، والخبر المقدر مرفوع بكونه خبر المبتدأ، إذ لو عملت النصب في المبتدأ، وهي مغيرة معنى الكلام لكانت كليت، ولعل، وكأن ونحوها فلم يجز رفع وصف اسمها، كما لم يجز رفع أوصاف أسماء تلك، لانتفاء معنى الابتداء معها كلها، ولقائل أن يفرق بين (لا) وبين ليت ولعل ونحوها، بضعف عمل (لا)، ألا ترى أنه يبطل بالفصل، وبدخولها على المعرفة، وبجواز الألغاء مع التكرير،
ومن دونه أيضا، على رأي المبرد، فهي عامل ضعيف، تعمل لمشابهتها بالمشبهة، أعني (إن)، مشابهة ضعيفة، فلا جرم، يجوز اعتبار اسمها الأصلي 2، أعني الرفع، فعلى هذا يجوز: لا غلام أو: لا غلام رجل ظريف أو حسن الوجه، فيرفع وصف المنفي، مضافا كان المنفي أو مفردا، ومضافا كان الوصف أو مفردا، هذا، والأعراب في النعت المذكور أكثر من البناء، وإنما جاز الرفع، حملا على المحل، بل كان هو القياس، لأن التوابع تتبع متبوعاتها
__________
(1) ص 290 من الجزء الأول، (2) أي اعتبار محله، (*)(2/175)
في الأعراب، لا في الحركة البنائية، نحو: جاءني هؤلاء الكرام بالرفع، وإنما جاز النصب حملا على الحركة البنائية لمشابهتها الأعرابية بعروضها مع عروض (لا)، وزوالها بزوالها، فكأنها عاملة محدثة لها، كما مر في نحو: يا زيد الظريف، ويجوز أن نقول: إن النصب في الصفة، حملا على محل اسمها المنصوب، لأنها تعمل عمل (ان) فمحل اسمها المبني: رفع ونصب،
قوله: (والعطف على اللفظ وعلى المحل جائز)، لما قلنا في الصفة، سواء، هذا إذا لم يكن المعطوف معرفة، فإن كان معرفة فرفعه واجب، نحو: لا غلام لك والعباس، وكذا في سائر توابع المنفي المبني، ومن قال: رب شاة وسخلتها 1، لم يمنع نحو: لا غلام لك وأخاه، لأن مثل هذا المضاف نكرة، كما يجيى في باب المعرفة، ولا يجوز البناء في المعطوف، كما جاز في الوصف، لانتفاء مصحح البناء، وهو ما ذكرنا من اجتماع الأمور الثلاثة، فلا يجوز: لا أب وابن، كما قلت في النداء: يا زيد وعمرو، وذلك لضعف (لا) عن التأثير إلا فيما يليها، أو كان في حكم ما يليها، أي النعت المذكور، على أنه قد نقل نحو: لا رجل وامرأة بالفتح في المعطوف، وقياس قول من جعل العامل في خبر المبني نفس (لا) لا المبتدأ، أنه لا يجيز رفع المعطوف حملا على المحل، إلا بعد الخبر، كما في (إن)، وقال الأندلسي: الذي بقي من التوابع بعد الوصف والعطف، من البدل وعطف البيان والتوكيد اللفظي، فلا نص لهم فيها، لكن ينبغي أن يكون حكمها 2 مع
اسم (لا) النكرة:
__________
(1) أي بعطف الاسم المشتمل على ضمير النكرة، على تلك النكرة، (2) أي التوابع الباقية، (*)(2/176)
حكمها مع المنادى المضموم، ففي البدل يجوز البناء إن كان مفردا نكرة، نحو: لا رجل صاحب لي، وقال ابن مالك: البدل إن كان نكرة، كان مرفوعا أو منصوبا، وإن كان معرفة وجب رفعها، وقول الأندلسي أقرب، إذا لم يفصل البدل المفرد المنكر عن المنفي لأنه لا يقصر عن النعت الذي يبنى جوازا، إذا جمع الشرائط، بل يربى 1 عليه من حيث كونه هو المقصود بالنسبة، ولعل ابن مالك فرق بين البدل والوصف بأن الوصف متركب كالموصوف فتركيب (لا) مع الموصوف كثركيبها مع الوصف، وأما البدل فيجعل المبدل منه في حكم الساقط، فلا يبقى البدل مركبا مع المبدل منه لكونه في حكم الساقط، ولا مع (لا) لأنها داخلة على
البدل في التقدير، والتركيب أمر لفظي لا تقديري، أقول: قد تقدم أنه لم يقم دليل على التركيب بين (لا) واسمها ولا بين الوصف والموصوف، وأما عطف البيان فهو البدل، كما يجيئ في بابه، ونذكر في باب البدل، أنه يجوز اعتبار البدل تارة مستقلا، وأخرى غير مستقل في باب (لا) التبرئة، وباب النداء، كما تقول: لا مثله أحد، ولا كزيد رجل، ولا كعمرو أحد، قال امرؤ القيس: 257 - ويلمها في هواء الجو طالبة * ولا كهذا الذي في الأرض مطلوب 2 وهذا يدل على أنه يجوز رفع صفة المضاف، حملا على المحل، إذ لا فرق بين عطف البيان والوصف، وإذا حملت على اللفظ قلت: لا مثله أحدا ولا كزيد رجلا، ويجوز
__________
(1) اي يزيد عليه، (2) من قصيدة له بدأها بوصف الخيل ومدحها: ثم أخذ يصف الفرس فشبهه بعقاب في الجو، لاح لها ذئب، فأخذت تطارده، وقد عظم من شأن الذئب وشأن العقاب معا، ليكون ذلك أقوى في تشبيه الفرس بالعقاب، وقوله ويلمها أصله: ويل أمها، أو ويل لأمها، وتقدم الكلام عليه في التمييز، (*)(2/177)
أن يحمل انتصاب مثل هذا على التمييز، كما في قولك: لي مثله رجلا، وملؤه عسلا،
وأما قول جرير: 258 - يا صاحبي دنا الرواح فسيرا * لا كالعشية زائرا ومزورا 1 فقيل: انتصاب (زائرا) بتقدير فعل، أي: لا أرى كعشية اليوم، أي كزائر عشية اليوم زائرا، كما تقول: ما رأيت كاليوم رجلا، وذلك أن العشية ليست بالزائر حتى يكون عطف بيان لها، وأقول: مع تقدير: كزائر عشية اليوم زائرا، صار الآخر هو الأصل الأول، كما في قولك: لا كالعشية عشية وعشية، فيجوز أن يكون (زائرا) تابعا على اللفظ، وأما التأكيد فلا يجوز تأكيد المنفي المبني تأكيدا معنويا، لأن المنكر لا يؤكد ذلك التأكيد، كما يجيئ في باب التأكيد، وإن كان لفظيا فالأولى، كما ذكرناه في المنادى: كونه على لفظ المؤكد مجردا عن التنوين، وجاز الرفع والنصب، كمإ ذكرناه هناك، وإن كررت مبنى (لا) بلا فصل بين الاسم وذلك المكرر، ثم وصفت الثاني، نحو: لا ماء ماء باردا، فإن شئت بنيت الثاني، نظرا إلى كونه تكريرا لفظيا، وإن شئت أعربته رفعا ونصبا، وذلك لأنك لما وصفته صار مع وصفه، كأنه وصف للأول
، كالحال الموطئة في نحو قوله تعالى: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا 2)، فالأعراب في المكرر الموصوف أولى، نظرا إلى كونه كالصفة، من 3 الأعراب في المكرر غير الموصوف، وأما وصف المكرر، أعني (باردا) فليس فيه إلا الأعراب،
__________
(1) من قصيدة لجرم يهجو الأخطل، مطلعها: صرم الخليل تباينا وبكورا * وحسبت بينهم عليك يسيرا وفيها بيت من شواهد سيبويه ج 1 ص 81 وهو: مشق الهواجر لحمهن مع الشرى * حتى ذهبن كلا كلا وصدورا (2) الآية الثانية من سورة يوسف (3) متعلق بقوله: أولى، (*)(2/178)
(استعمال) (لا أباله، وأمثالها) (قال ابن الحاجب:) (ومثل: لا أبا له، ولا غلامي له، جائز لشبهه بالمضاف) (لمشاركته له في أصل معناه، ومن ثم لم يجز: لا أبا فيها،) (وليس بمضاف لفساد المعنى، خلافا لسيبويه)، (قال الرضي:) يعني أن الكثير أن يقال: لا أب له، ولا غلامين له، فيكونان مبنيين، على ما ذكرنا،
وجاز، أيضا، على قلة، لكن لا إلى حد الشذوذ، في المثنى وجمع المذكر السالم، وفي الأب والأخ من بين الأسماء الستة، إذا وليها لام الجر: أن 1 تعطي حكم الأضافة بحذف نوني التثنية والجمع وإثبات الألف في الأب والأخ، فيقال: لا غلامي لك، ولا مسلمي لك، ولا أبا له، ولا أخا له، فتكون معربة اتفاقا، وأجاز سيبويه 2 أن يكون: لا غلام لك، مثله، أعني أن يكون مضافا واللام زائدة فيكون معربا، ثم اعلم أن مذهب الخليل وسيبويه، وجمهور النجاة، أن هذا المذكور مضاف حقيقة باعتبار المعنى، فقيل لهم: اللام لا تظهر بين المضاف والمضاف إليه، بل تقدر، أجابوا بأن اللام ههنا، أيضا مقدرة، وهذه الظاهرة تأكيد لتلك المقدرة، كتيم، الثاني في: يا تيم تيم عدي 3، علي مذهب من قال إن (تيم) الأول مضاف إلى (عدي) الظاهر،
__________
(1) فاعل جاز في قوله: جاز أيضا على قلة، (2) هذا مما جاء في سيبويه في الموضع الذي أشرنا إليه في أول هذا الباب (3) إشارة إلى الشاهد المتقدم في باب المنادي، ص 385 من الجزء
الأول، (*)(2/179)
فيكون الفصل بين المضاف والمضاف إليه كلا فصل، فقيل لهم: ما الذي حملهم في هذه لأضافة على الفصل بين المضاف والمضاف إليه باللام المقحمة توكيدا دون سائر الأضافات المقدرة باللام، أجابوا بأنهم قصدوا نصب هذا المضاف المعرف، بلا، من غير تكريرها تخفيفا، وحق المعارف المنفية بلا: الرفع مع تكرير (لا)، ففضلوا بين المتضايفين لفظا،.
حتى يصير المضاف بهذا الفصل، كأنه ليس بمضاف، فلا يستنكر نصبه وعدم تكرير (لا)، والدليل على قصدهم 1 لهذا الغرض، أنهم لا يعاملون هذه المعاملة، المنفي المضاف إلى النكرة، فلا يقولون: لا أبا لرجل حاله كذا، ولا غلامي لشخص نعته كذا، والدليل على أنه مضاف، قوله: 259 - وقد مات شماخ ومات مزرد * وأي كريم لا أباك يخلد 2 فصرح بالاضافة، وهو شاذ، لا يقاس عليه، فلا يقال: لا أخاك، و: لا يديك، وقد جاء الفصل باللام المقحمة بين المضافين لهذا الغرض، في المنادي، وهو شاذ، كقوله: يا بؤس للجهل ضرارا بأقوام 3 - 101
قال المصنف: لا يجوز أن يكون مضافا حقيقة، إذ لو كان كذا، لكان معرفة، فوجب رفعه وتكرير (لا)، والجواب: لم يرفع ولم يكرر لكونه في صورة النكرة، والغرض من الفصل باللام: ألا يرفع ولا يكرر 4، فكيف يرفع ويكرر مع الفصل باللام، وقال أيضا: لا أبا لك، ولا أب لك، سواء في المعنى اتفاقا، و: لا أب لك،
__________
(1) أي قصد المتكلمين بهذا الكلام، (2) المراد: شماخ بن ضرار الشاعر، ومزرد: أخوه، وقوله يخلد، صوب البغدادي أنه: يمتع من المتعة بالتاء أو يمنع من المنعة بالنون، قال: لأن البيت من قصيدة لمسكين الدارمي، ذكر فيها كثيرا ممن ماتوا قبله وذكر أسماءهم وفيها مواعظ وحكم، يقول فيها: ولست بأحيا من رجال رأيتهم * لكل امرئ منهم حمام ومصرع وقوله بأحيا، أي بأطول حياة، (3) هذا شطر بيت للنابغة الذبياني وتقدم ذكره كاملا في الجزء الأول من هذا الشرح ص 347 (4) على البيان، الذي نقله عن النجاة قريبا، (*)(2/180)
نكرة بلا خلاف، فكذا يلزم أن يكون: لا أبا لك، إذ المعرفة لا توافق النكرة معنى، والجواب أنهم اتفقوا على أن معنى الجملتين، أعني: لا أبا لك ولا أب
لك سواء، ولم يتفقوا على أن: أبا لك، وأب لك بمعنى واحد، وقد يكون المقصود من الجملتين واحدا، مع أن المسند إليه في احداهما معرفة، وفي الأخرى نكرة، فالمسند، أي خبر (لا) في: لا أبا لك، محذوف، أي: لا أبا لك موجود، وأما في: لا أب لك، فهو (لك) أي: لا أب موجود لك فالجملة الأولى بمعنى: لا كان أبوك موجودا، والثانية بمعنى: لا كان لك أن، ولا خلاف في اتحاد فحوى الجملتين مع كون المسند إليه في إحداهما معرفة وفي الأخرى نكرة، ثم قال المصنف: إن الوجه في مثله أن يقال: هو، وإن لم يكن مضافا للفساد المذكور، لكنه مشابه للمضاف، فأعطى حكم المضاف من إثبات الألف في: أبا، وأخا، وحذف النون في: غلامي ومسلمي، ولا يريد بمشابهته للمضاف أنه مضارع للمضاف بالتفسير الذي مر في باب المنادي، إذ لو كان كذلك لوجب تنوينه، كما في: لا حسنا وجمه، ولا حافظا لكتاب الله، وأيضا، فإن أبا لك وأب لك عنده شئ واحد، من حيث المعنى، و (لك) في: لا
أب لك إما خبر (لا)، أو صفة لاسمها، واسم (لا) لا يصير بالصفة ولا بالخبر مضارعا للمضاف، وبدليل أنك تقول: لا رجل في الدار، ولا غلام ظريفا، ولو كان مضارعا للمضاف، لقلت: لا رجلا في الدار، ولا غلاما ظريفا، قوله: (لمشاركته له)، أي لمشاركة نحو: أبا لك، لأباك، المضاف في أصل معناه، أي في أصل معنى المضاف، وذلك أن أصل معنى المضاف الذي هو (أبوك)، وأصله (أب لك)، كان تخصيص الأب بالمخاطب فقط، ثم لما حذف اللام وأضيف، صار المضاف معرفة، ففي (أبوك) تخصيص أصلى وتعريف حادث بالأضافة كما يجيى في باب الأضافة، و (أب لك) يشارك (أبوك) في التخصيص الذي هو أصل معناه، ومن ثم لم يجز، أي من جهة أن اعطاءة حكم المضاف لمشاركته له في أصل معناه، لم يجز: لا أبا فيها، ولا رقيبي عليها، لأن المضاف قبل الأضافة لم يكن بمعنى في، وعلي، (*)(2/181)
قوله: (لفساد المعنى)، يعني أن المعرف لا يكون بمعنى المنكر، كما ذكرنا من
تقديره، ولو كان كما ذكر المصنف، لجاز، أيضا في المنكر: لا أبا لرجل طويل ونحوه، تشبيها بالمضاف، ولم يختص هذا الحكم بالمعرف، فإذا قلت: لا غلامين ظريفين لك، لم تحذف النون من غلامين، اتفاقا، أما على مذهب النجاة فلامتناع الفصل بين المضاف والمضاف إليه بنعت المضاف، وأما على مذهب المصنف، فالفصل بين شبه المضافين بما لا يفصل به بينهما، وأما إن فصلت بالظرف أو الجار والمجرور الناقص، دون الظرف المستقر نحو: لا يدي بها لك ولا غلامي اليوم لك فأجازه يونس اختيارا، لأن الفصل كلا فصل لكثرة ما يتسع في الظروف، ولم يجزه سيبويه والخليل، بل أوجبا إثبات النون، إلا لضرورة الشعر، كقوله: 260 - كأن أصوات من إيغالهن بنا * أواخر الميس إنقاض الفراريج 1
__________
(1) من قصيدة لذي الرمة، والبيت في وصف الأبل، وشدة سيرها حتى أن الرجال حين يحك بعضها بعضا تحدث صوتا شبيها بصوت صغار الدجاج، والميس: شجر تتخذ منه الرجال، وأراد به الرجال هنا، والأنقاض، مصدر: أنقضت الدجاجة أي صوتت، (*)(2/182)
(حذف اسم لا) (قال ابن الحاجب:) (ويحذف في مثل: لا عليك)، (قال الرضي:) أي: لا بأس عليك، أي يحذف اسم (لا) في: لا عليك، ولا يحذف إلا مع وجود الخبر، كما لا يحذف الخبر إلا مع وجود الاسم، لئلا يكون إجحافا، وقولهم: لا كزيد، إن جعلنا الكاف اسما، جاز أن يكون (كزيد) اسما والخبر محذوف، أي: لا مثله موجود وجاز أن يكون خبرا، أي لا أحد مثل زيد وإن جعلنا الكاف حرفا فالاسم محذوف، أي لا أحد كزيد،(2/183)
(خبر ما ولا) (المشبهتان بليس) (قال ابن الحاجب:) (خبر ما، ولا، المشبهتان بليس، هو المسند بعد دخولهما،) (وهي حجازية، وإذا زيدت إن، مع ما، أو انتقض النفي) (بالا، أو تقدم الخبر، بطل العمل، وإذا عطف عليه) (بموجب فالرفع)، (قال الرضي:) قوله: (المسند بعد دخولهما)، أي دخول (ما) في مسألتها، و (لا) في
مسألتها، لا أنهما تجتمعان معا، والاعتراض عليه كما في خبر (كان)، قوله: (وهي حجازية) أي هذه اللغة، وهي إعمال (ما) و (لا) عمل (ليس)، وقد ذكرنا 1 أنهم لا ينقلون عن أحد، لا عن الحجازيين ولا عن غيرهم رفع اسم (لا) ونصب خبرها في موضع، فاللغة الحجازية إذن، اعمال (ما) وحدها دون (لا) عمل ليس بشروط ستجيئ، وغير الحجازيين وهم بنو تميم، لا يعملونها مطلقا،
__________
(1) وضح الشارح هذا المعنى في باب اسم ما ولا، في الجزء الأول وكرره في باب خبر لا التبرئة السابق على هذا الباب، (*)(2/184)
قوله: (وإذا زيدت إن مع ما)، هذه شروط عملها عمل ليس: أحدها: ألا يليها (إن) كقوله: 261 - وما إن طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا 1 اعلم أن الأصل في (ما): ألا تعمل، كما في لغة بني تميم، إذ قياس العوامل أن تختص بالقبيل الذي تعمل فيه، من الاسم، أو الفعل، لتكون متمكنة بثبوتها في مركزها،.
و (ما) مشتركة بين الاسم والفعل،
وأما الحجازيون فإنهم أعملوها مع عدم الاختصاص، لقوة مشابهتها لليس، لأن معناهما في الحقيقة سواء، وذلك لأن معنى (ليس) في الأصل: ما كان، ثم تجردت عن الدلالة على الزمان، فبقيت مفيدة لنفي الكون، ومعنى (ما) مجرد النفي، ومعلوم أن نفي الشئ بمعنى نفي كونه، سواء، من حيث الحقيقة، كما ذكرنا في باب الاستثناء، 2 وعند النجاة أن (ما) و (ليس)، كلاهما لنفي الحال، والحق، أنهما لمطلق النفي، كما يجيئ في الأفعال الناقصة، فلما كان 3 قياس إعمالها ضعيفا، انعزلت لأدنى عارض، فمن ذلك 4 مجيئ (إن) بعدها، وإنما عزلتها، لأنها وإن كانت زائدة، لكنها تشابه (إن) النافية لفظا، فكأن (ما) النافية دخلت على نفي، والنفي إذا دخل على النفي أفاد الأيجاب، فصارت (إن) كالا، الناقضة لنفي (ما) في نحو: ما زيد إلا منطلق، ويجوز أن يقال: إنما انعزلت
__________
(1) من أبيات لعزوة بن مسيك المرادي يقول فيها: فان نغلب فغلابون قدما * وإن نغلب فغير مغلبينا والطب بكسر الطاء: العلة والداء، يقول: لم يكن سبب انهزامنا علة الجبن والخور ولكن القدر جرى بمنايانا
وانتصار غيرنا، (2) انظر في هذا الجزء ص 110 (3) عودة بالحديث إلى (ما) وعملها وأنه ضعيف ونتيجة ذلك، (4) أي من الأمور التي تعرض فتعزلها عن العمل، (*)(2/185)
للفصل بينها وبين معمولها بغير الظرف، وقد جاءت (إن) بعدها غير كافة، شذوذا، وهو عند المبرد قياس، أنشد أبو علي: 262 - بني غدانة ما إن أنتم ذهبا * ولا صريفا ولكن أنتم الخزف 1 و (إن) العازلة 2 عند الكوفيين، نافية لا زائدة، ولعلهم يقولون: هي نافية زيدت لتأكيد نفي (ما)، وإلا 3 فإن النفي إذا دخل على النفي أفاد الأيجاب، ورد عليهم بأنه لا يجوز الجمع بين حرفين متفقي المعنى، إلا مفصولا بينهما، كما في إن زيدا لقائم 4، وأما الجمع بين اللام وقد في نحو: لقد سمع 5)، مع أن في كليهما معنى التحقيق والتأكيد، فلأن (قد) يشوبها معنيان آخران، وهما التقريب والتوقع، فلم تكن بحتا للتحقيق، وكذا في: ألا إن، مع أن في (ألا) معنى التحقيق، لأن 6 فيها معنى التنبيه، أيضا، وأنشد الفراء: 263 - الا أواري ما إن لا أبينها * والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد 7
بالجمع بين ثلاثة أحرف نافية، والرواية: لأيا ما أبينها، ومما يعزلها عن العمل: انتقاض نفيها، لأن عملها إنما كان لأجل النفي الذي به شابهت
__________
(1) غدانة يضم الغين المعجمة: حي من يربوع من تميم والمراد بالصريف: الفضة، والخزف ما يصنع من الطين ثم يحرق قال البغدادي: ولم أجد من نسبه لأحد مع كثرة ورودة في كتب النحو،.
(2) أي التي تمنع ما من العمل، (3) أي وإذا لم يكن هذا هو وجهة نظر الكوفيين، (4) يعني الجمع بين ان واللام (5) أول الآية 181 سورة آل عمران، (6) أي جاز الجمع بين ألا وان لأن في ألا معنى التنبيه، (7) هو البيت الثاني من قصيدة النابغة الذبياني، التي تعد إحدى المعلقات عند بعض العلماء، ويروى: الا الأواري بالتعريف، وهو جمع آرى، أي محبس الخيل، واللأى البطء، والنؤى بضم النون حفرة حول الخباء لمنع المطر، شبهه بالحوض الذي يحفر في الأرض لغير غرض الأقامة، فتكون الأرض مظلومة بحفره فيها، والجلد: الأرض الصلبة، (*)(2/186)
(ليس) فكيف تعمل مع زوال المشابهة ؟ ونقل عن يونس أنه يجوز اعمالها مع انتفاض نفيها بالا، وأنشد في ذلك
: 264 - وما الدهر إلا منجنونا بأهله * وما صاحب الحاجات إلا معذبا 1 وأجيب بأن المضاف محذف من الأول، أي: دوران منجنون، وكذا (معذبا) مصدر، كقوله تعالى، (ومزقناهم كل ممزق 2)، فيكون مثل قولك ما زيد إلا سيرا، على ما مضى في المعقول المطلق، 3 ومن ذلك: أن يتقدم نفس الخبر، ظرفا كان أو غيره، نحو: ما قائم زيد، وما في الدار زيد، وذلك لضعفها في العمل، فلا تتصرف في العمل بأن تعمل النصب قبل الرفع، كالفعل، وقال ابن عصفور 4، وتبعه العبدي 5، لا تبطل عملها إذا كان الخبر المتقدم ظرفا أو جارا ومجرورا، لكثرة التوسع فيه، كما تعمل (إن) وأخواتها، قال أبو علي: زعموا أن قوما جوزوا اعمالها متقدمة الخبر، ظرفا كان، أو غيره، قال الربعي 6: الأعمال عندي هو القياس معنى النفي،
__________
(1) المنجنون: الدولاب الذي يستقي به الماء، شبه به الدهر في تقلبه ودورانه بأهله، وخرجه بعضهم على أوجه أخرى غير ما قال الشارح منها أن التقدير: كمنجنون بحذف أداة التشبيه، ويروى: أرى الدهر...وفي
تخريمه تكلف، والميم في منجنون أصلية، وقد كتب ابن جني في شرحه على تصريف المازني على هذه الكلمة ما فيه مقنع للباحث، والبيت غير منسوب كما قال البغدادي بأكثر من قول ابن جني إنه لبعض العرب، (2) الآية 19 من سورة سبأ، (3) فيكون المعنى يدور دوران منجنون، ويعذب معذبا أي تعذيبا (4) ابن عصفور هو علي بن مؤمن، قال عنه السيوطي إنه حامل لواء العربية في زمنه، توفي سنة 669 ه وهو معاصر للرضي، (5) العبدي هو أحمد بن بكر، من علماء القرن الرابع أخذ عن السيرافي وقد ذكر في الجزء الأول، (6) الربعي نسبة إلى ربيعة: أبو الحسن علي بن عيسى من علماء القرن السادس، وتقدم ذكره في الجزء الأول، (*)(2/187)
وأما قول الفرزدق: 265 - فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم * إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر 1 فإن سيبويه، حكى أن بعض الناس ينصبون (مثلهم) وقال: هذا لا يكاد يعرف 2، وقيل إن خبر (ما) محذوف أي: إذ ما في الدنيا بشر، ومثلهم: حال من بشر، مقدم عليه، وجوز الكوفيون انتصابه على الظرف أي في مثل حالهم وفي مثل مكانهم من الرفعة،
ويروي: ما مسيئا من أعتب، 3 قالوا: ونحو قوله: 266 - لو انك يا حسين خلقت حرا * وما بالحر أنت ولا الخليق 4 دليل 5 على جواز تقديم الخبر المنصوب، إذ الباء لا تدخل إلا على الخبر المنصوب، دون المرفوع، وعلى هذا بني أبو علي، والزمخشري: امتناع دخولها 6 على خبر (ما) التميمية، وأجازه الأخفش، وهو الوجه، لأنها تدخل بعد (ما) المكفوفة بإن، اتفاقا، نحو: ما إن زيد بقائم، قال: 267 - لعمرك ما إن أبو مالك * بواه ولا بضعيف قواه 7
__________
(1) هذا من قصيدة للفرزدق في مدح عمر بن عبد العزيز، الخليفة الأموي رحمه الله، وفي تخريج البيت أوجه أخرى غير ما قاله الرضي، (2) مأخوذ بنصه من سيبويه ج 1 ص 29، مع البيت المذكور، (3) الأكثر في روايته الرفع، والأعتاب: ازالة العتب، وهو كلام يجزي مجرى المثل، (4) يروى أما والله أن لو كنت حرا، وعلى رواية الشارح هو مسبوق بقسم في بيت قبله وهو: أما والله عالم كل غيب * ورب الحجر والبيت العتيق ولم ينسب البيتان لأحد، (5) دليل، خبر عن: نحو قوله،
(6) أي الباء (7) هذا أول أبيات للمتنخل الهذلي في رثاء أبيه، ومنها قوله: إذا سدته سدت مطواعة * ومهما وكلت إليه كفاه (*)(2/188)
ومنع أبو علي والأخفش دخولها على خبر (ما) المتقدم، خلافا للربعي، والبيت المذكور شاهد له، 1 ولا يمنع دخول الباء في خبر ليس غير انتفاض النفي بالا، وذلك لأن الباء لتأكيد النفي، فلا تدخل بعد انتفاضه، وقد تدخل هذه الباء على خبر مبتدأ بعد (هل) نحو: هل زيد بخارج، وفي الخبر المنفي في باب (ظن) نحو: ما ظننته بخارج، وقد تزاد في خبر (لا) التبرئة، نحو: (لا خير بخير بعده النار)، 2 وقيل، هي بمعنى (في)، وربما زيدت في الحال المنفية 3، نحو: ما جاءني زيد براكب، وفي خبر (أن) الآتية بعد باب (رأيت) منفيا، كقوله تعالى: (أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر 4...)، وقد تزاد بعد (ليت)، قال: 268 - ندمت على لسان كان مني * فليت بأنه في جوف عكم 5 ومما يبطل عمل (ما)، أن يتقدم ما ليس بظرف على الاسم المتقدم
على الخبر، فلا يجوز: ما زيدا عمرو ضاربا، بخلاف ما إذا كان ظرفا كقوله تعالى: (فما منكم
__________
(1) شاهد له أي لما ذهب إليه أبو علي والأخفش، ومراده بالبيت: لو أنك يا حسين الخ...(2) هذا مما جاء في نهج البلاغة المنسوب إلى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وروايته في النهج: ما خير بخير بعده النار، وما شر بشر بعده الجنة، انظر ص 416 من نهج البلاغة طبع دار الشعب بالقاهرة تحقيق الأستاذين محمد البنا، ومحمد عاشور، (3) استشهدوا له بقول القحيف العقيلي: فما رجعت بخائبة ركاب * حكيم بن المسيب منتهاها (4) الآية 33 سورة الأحقاف، (5) من أبيات للحطيئة قالها في بني سهم بن مالك بعد أن تحول عنهم فندم، حيث يقول: فيا ندمي على سهم بن عود * ندامة ما سفهت وضل حلمي ندمت ندامة الكسعي لما * شريت رضا بني سهم برغمي وشريت بمعنى بعت، ويروى: فليت بيانه، أي بيان لساني، ولا شاهد فيه على هذا، (*)(2/189)
من أحد عنه حاجزين 1)، وأما الخبر إذا تقدم وكان ظرفا، فقد ذكرنا حاله، وقال الكوفيون:
الاسمان بعد (ما) مبتدأ وخبر، وانتصاب الثاني بنزع الخافض أعني الباء، وليس بشئ، لأن الباء زائدة، فإذا لم تثبت لم يحكم بأنها محذوفة، وأيضا، ليس المجرور بها مفعولا حتى ينتصب بالمفعولية مع حذف الجار ووصول الفعل إليه، كما في: استغفرت الله ذنبا 2، وذلك لأن الناصب ليس نزع الخافض، بل الناصب هو الفعل أو شبهه، ينصب المجرور محلا لكونه مفعولا، إذ لا يمكن نصبه لفظا بسبب الجار، فإذا عدم الجار، ظهر عمله المقدر، هذا، مع أن حذف الجار ونصب المفعول بعده، أيضا، ليس بقياس إلا مع (أن) و (أن)، وأجاز الأخفش حذف اسم (ما)، استغناء ببدل موجب نحو: ما قائما إلا زيد، وليس بشئ، لما ذكرنا أن المستثنى في المفرغ قائم مقام المتعدد المقدر، فيكون، قد عمل (ما)، على هذا، في الاسم مع تأخره عن الخبر، وانتقاض النفي، وأحدهما مبطل لعملها فكيف إذا اجتمعا ؟، ولا يجوز أن يقال: ما إلا زيد قائما، لتقدم المستثنى المفرغ على الحكم
، ولا يجوز، أيضا، أن تعمل (ما) مع الفصل بينها وبين معمولها بغير الظرف ومع انتقاض النفي،.
قوله: (وإذا عطف عليه)، أي على خبر (ما)، سواء كان منصوبا أو مجرورا بالباء الزائدة، قوله: (بموجب 3)، وذلك إذا عطفت عليه ببل، أو لكن، لأنهما للأثبات بعد النفي، كما يجيئ في حروف العطف، قوله: (فالرفع)، أي الرفع واجب، وذلك لزوال علة العمل وهي النفي، وقد
__________
(1) الآية 47 من سورة الحاقة، (2) إشارة إلى بيت شعر مجهول القائل تقدم في الجزء الأول ص 503 وقد اعتبره البغدادي شاهدا وكتب عليه وهو في سيبويه ج 1 ص 17 (3) بكسر الجيم، أي مفيد للأيجاب والثبوت فيما بعده، (*)(2/190)
ذكرنا وجه الرفع فيه، في باب الاستثناء 1، فلا نعيده، وقال عبد القاهر 2: هو خبر لمبتدأ محذوف، أي: ما زيد بقائم، لكن هو قاعد، فعلى هذا، ليس هذا عنده مما نحن فيه، أي من باب عطف المفرد على المفرد، ولا يمكن أن يكون منه، لامتناع عطفه عنده على الخبر وحده، إذ يلزمه النصب عنده، فهو،
على هذا من باب القطع، كما يجيئ في باب العطف، وقال ابن جعفر 3: هو عطف على التوهم، لأنه كثيرا ما يقع خبر (ما)، مرفوعا، عندما تنعزل عن العمل، فتوهموا أن الأول مرفوع، وهذا كتوهم الجر في قوله: 269 - مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة * ولا ناعب إلا بيين غرابها 4 وليس ما ذهب إليه بشئ، لأن مثل ذلك ليس بمطرد، ولا في سعة الكلام، وإذا عطفت على خبر (ما) أو خبر (ليس) المجرور بالباء: منفيا، نحو: ما زيد بقائم ولا قاعد، جاز في المعطوف الجر، حملا على اللفظ، والصب حملا على المحل، قال: معاوي إننا بشر فأسجح * فلسنا بالجبال ولا الحديدا 5 - 120
__________
(1) انظر في هذا الجزء، ص 108 (2) الأمام عبد القاهر الجرجاني صاحب دلائل الأعجاز وأسرار البلاغة وتقدم ذكره في الجزء الأول، (3) الأرجح أنه يريد: محمد بن جعفر الأنصاري المرسي (بفتح الميم) من مرسية بالمغرب، وهو من علماء القرن السادس وتقدم ذكره في الجزء الأول، وقد يكون المراد: ابن درستويه، واسمه عبد الله بن جعفر، وهو ممن ينقل عنهم الرضي، وقد يذكر بعض من ينقل عنهم بهذه الصورة كقوله عن الزجاج: ابن السري،.
لأن اسمه اسمه إبراهيم بن السري، (4) من قصيدة للأحوص يلوم قومه على قبولهم الدية من بني دارم الذين قتلوا واحدا من قومه، وبنو دارم هم المقصودون بقوله: مشانيم...ويقول في هذه القصيدة مخاطبا قومه: فإن أنتم لم تعقلوا بأخيكم * فكونوا بغايا بالأكف عيابها العياب بكسر العين جمع عيبة، وهي الحقيبة وما يشبهها، مما يمسك باليد وفيه بعض المتاع، (5) البيت منسوب إلى عقبة بن الحارث، أو عقبة بن هبيرة الأسدي والمخاطب به معاوية بن أبي سفيان وقد = (*)(2/191)
ويجوز الرفع، على أن يكون من باب عطف الجملة على الجملة، والمبتدأ محذوف، أي: ولا هو قاعد، وقد يجر المعطوف على خبرهما المنصوب أيضا، مع الرفع والنصب، نحو: ما زيد قائما، ولا قاعدا، ولا قاعد، ولا قاعد، وذلك لتوهم الباء فيه لكثرة دخولها على خبرهما، وذلك كما في قوله: مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة..البيت 1 وأما في غير خبرهما 2، نحو: هل زيد خارج أو داخل بالجر، فضعيف نادر، لأنه لا تكثر الباء في مثله حتى يكون المعدوم كالثابت،
وقد يعامل هذه المعاملة: المعطوف على منصوب اسم الفاعل، بشرط اتصال المنصوب باسم الفاعل، على توهم إضافته إليه، نحو: زيد ضارب عمرا وبكر، فإن عطفت على خبر ليس أو (ما) المنصوب، وصفا منفيا مرتفعا به بعده ما هو من سبب اسمها، نحو: ما زيد قائما، ولا قاعدا غلامه، جاز لك في ذلك الوصف وجه آخر، وهو أن ترفعه، على عطف جملة ابتدائية متقدمة الخبر على الجملة التي هي: ما زيد قائما، لا على: (زيد قائما)، فيكون عطف اسمية على اسمية 3، ويجوز مثل ذلك في نحو: ما كان زيد وقائما ولا قاعد غلامه، فيكون من عطف اسمية على فعلية، ويكون مضمون المعطوف عليه ههنا ماضيا، لأن ما كان، لنفي الماضي، ومضمون المعطوف حال،
__________
= ورد في شعر منصوب القوافي، وآخر مجرورها فكأن كلا من الشعرين لأحد الشاعرين المذكورين، فلا وجه لأنكار من أنكر رواية النصب وتقدم هذا البيت في الجزء الأول من هذا الشرح، وهو في سيبويه ج 1 ص 34 وتكرر في مواضع أخرى منه، وانظر خزانة الأدب، (1) الشاهد المتقدم قبل قليل، (2) المناسب أن يكون التعبير: وأما في خبر غيرهما، (3) هذا واضح بالنسبة للمثال الذي في أوله (ما)، وأما المصدر بليس
فهو من قبيل ما سيأتي في المعطوف بعد ما كان...، (*)(2/192)
لأنه ليس مبنيا على: ما كان، بل هو كقولك: غلامه قاعد، فظاهره الحال، وأما في: ما، وليس، فمضمون المعطوف والمعطوف عليه حال، رفعت الوصف الذي بعد حرف العطف أو نصبته، لأن (ما) و (ليس)، للنفي المطلق، فظاهرهما الحال، وتقول 1، على هذا، ما كان زيد قائما، ولا عمرو قاعدا أو قاعد، فإذا انصبت فالقيام والعقود منفيان في الماضي، وإذا رفعت فالقيام منتف في الماضي، والعقود في الحال، وأما في: ما زيد، أو ليس زيد قائما، ولا عمرو قاعدا أو قاعد، فالجملتان حاليتان، رفعت قاعدا، أو نصبته، لما ذكرنا، فنصب (قاعدا) في المواضع الثلاثة، أعني: ما كان، وليس، وما، عطف على الاسم والخبر، ورفعه على عطف الجملة على: ما كان زيد قائما، و: ليس زيد قائما، و: ما زيد قائما، ويجوز في: ما زيد قائما ولا قاعد أبوه، برفع (قاعد)، أن يكون على عطف الاسم
والخبر على الاسم والخبر، إلا أنه لما تقدم الخبر في المعطوف بطل عمل (ما)، ولا يجوز ذلك في: ما كان زيد قائما ولا قاعد أبوه، ولا في (ليس)، إذ لا يبطل عملهما بتقديم خبرهما على اسمهما، بل يجب أن يكون ذلك فيهما على عطف الاسمية على الفعلية، ويجوز في نصب (قاعدا) في: ليس زيد قائما ولا قاعدا أبوه، أن يكون لأجل عطف الخبر على الخبر، وأبوه، فاعله، ويجوز هذا الوجه في: ما زيد قائما ولا قاعدا أبوه، وأن يكون لكونه خبرا مقدما على الاسم، ولا يجوز هذا الوجه في: ما كان، ويجوز في هذه المسألة، جر المعطوف على توهم الجر في المعطوف عليه، ويكون من عطف المفرد على المفرد، ولو جعلناه على عطف الاسم والخبر على الاسم والخبر، جاز في: ليس، على تقدير جواز العطف على عاملين مختلفين، على ما سيجيى من مذهب
__________
(1) ما سيذكره الشارح هنا إلى نهايته مما تعود الاستطراد إليه، وهو أشبه بالتطبيق وتكرير القواعد والأحكام، (*)(2/193)
الأخفش، وجاز في (ما) على تقديره جواز دخول الباء على خبر (ما) المتقدم، وكذا
إن أظهرت الباء في هذه المسألة في (قائما) نحو: ليس زيد أو ما زيد بقائم، ولا قاعد أبوه، جاز 1 لك في (قاعد) الرفع والنصب والجر، على الوجه المذكور، سواء، 2 ولو جعلت مكان السبب المذكور أعني (أبوه) اسم (ما) مكررا فقلت: ما زيد بقائم ولا قاعد زيد، فالرفع أجود من النصب والجر، لأن الكلام مع الرفع جملتان، ومع النصب والجر جملة واحدة، وتكرير الاسم في الجملة الواحدة ضعيف غير كثير، نحو: زيد ضربت زيدا، على إقامة الظاهر مقام الضمير، لأن 3 الضمير أخف، الا أن يكون في موضع التفخيم نحو قوله تعالى: (القارعة ما القارعة 4)، وأما في الجملتين فكثير، وإن اتصلتا، كقوله تعالى: (لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله، الله أعلم 5)، وإن جعلت موضع السبب اسمه 6 بلا ضمير يرجع إلى الاسم 7، نحو: ما زيد قائما عمرو، وعمرو أبو زيد، لم يجز، لأنك لم تجعله في اللفظ مربوطا به، بخلاف تكرير الاسم في نحو: ما زيد ضاربا زيد، فإن فيه ربطا، بتكرار الاسم لفظا، فلذا جاز مع
ضعفه على ما ذكرنا، ولو قلت: ما أبو زينب ذاهبا ولا مقيمة أمها، لم يجز نصب مقيمة، لخلوها مع المرفوع بعدها من العائد إلى الاسم، أي: أبو زينب،
__________
(1) هذا تفسير لما فهم من التشبيه في قوله: وكذا إن أظهرت الباء...الخ (2) أي المسألتان سواء، وهو تعبير يتردد كثيرا في كلامه، (3) علة الضعف في إقامة الظاهر مقام الضمير في الجملة الواحدة، (4) الآيتان 1، 2 من سورعة القارعة، (5) الآية 124 سورة الأنعام (6) أي الاسم الموضوع لذلك السبي،.
(7) أي اسم (ما)، (*)(2/194)
وإن جعلت موضع السبي أجنبيا، نحو: ما زيد بقائم أو قائما، ولا قاعد عمرو، فليس، مع (ما) نصب قاعد، لأن (عمرا) لا يصلح أن يكون فاعلا لقاعد، على عطف الخبر على الخبر، لأن المعطوف في حكم المعطوف عليه فيما يجب له، وقد وجب في المعطوف عليه أن يكون فيه، أو في معموله ضمير يرجع إلى اسم (ما) لكونه مشتقا، فكذا يجب في المعطوف الذي هو (قاعد)، ولا ضمير فيه لو رفع (
عمرو)، ولا في معموله، فإذا لم يجز عطف الخبر على الخبر، لم يبق إلا عطف الجملة على الجملة، فوجب إما رفع (قاعد)، لتقدمه على الاسم، أو جره، إن جوزنا دخول الباء على خبر (ما) المتقدم على الاسم، على ما هو مذهب الربعي، 1 هذا في (ما)، وأما في (ليس) فيجوز نصب (قاعدا) على عطف الاسم والخبر على الاسم والخبر، ويجوز الرفع على عطف الاسمية على الفعلية، ويجوز الجر، على ما ذهب إليه الأخفش من تجويز العطف على عاملين مختلفين، لأنه لا يشترط في المعطوف عليهما ما يشترطه المصنف من كون الأول مجرورا والثاني منصوبا أو مرفوعا، كما يجيئ في باب العطف، وبعض القدماء، منع من نحو: ما زيد قائما، ولا عمرو ذاهبا، ونقض 2 سيبويه عليهم ذلك بجواز: ما زيد ولا أبوه ذاهبين، إجماعا، والعامل في المعطوف عنده، هو العامل في المعطوف عليه، لا المقدر، كما يجيئ في التوابع 3، * * * وأجاز المبرد إعمال (إن) النافية عمل (ليس مستشهدا بقوله:
__________
(1) تقدم ذكر الربعي وبيان مذهبه قريبا في هذا،
الجزء (2) هذا وما يتصل به مستفاد من كلام سيبويه ج 1 ص 29 وما بعدها، (3) هذا آخر ما استطرد إليه الرضي مما أشرنا إلى أنه أشبه بتطبيق لتثبيت القواعد، (*)(2/195)
270 - إن هو مستوليا على أحد * إلا على أضعف المجانين 1 وليس بمشهور، وجميع النجاة جوزوا إعمال (لا) عمل ليس، على الشذوذ، وفيه النظر الذي تكرر ذكره 2، قال الأندلسي 3: ينبغي في (لا) العاملة عمل (ليس) مراعاة الشروط المعتبرة لأعمال (ما)، بل هي فيها أولى، فإنها أضعف من (ما)، قال: لكن النجاة لا يذكرون في كتبهم إلا شرطا واحدا، وهو كون معمولها نكرة، اسما كان أو خبرا، قال: ومن رأي اعمال (إن) عمل (ليس) يعتبر، أيضا، هذه الشروط، وقد تلحق (لا) التاء، نحو: لات، فتختص بلفظ الحين مضافا إلى النكرة، نحو: (ولات حين مناص 4)، وقد تدخل على لفظة (أوان) ولفظة (هنا) أيضا، وقال الفراء: تكون مع الأوقات كلها،
وأنشد: 271 - ندم البغاة ولات ساعة مندم * والبغي مرتع مبتغيه وخيم 5
__________
(1) اختلفت الروايات في لفظ هذا البيت لا تخرجه عما استشهد به لأجله، وقال البغدادي إن قائله غير معروف.
(2) هو ما أشار إليه في المرفوعات وكرره في أول هذا الباب من أنه لم يسمع خبرها مرفوعا،.
(3) تقدم ذكره وتكرر في الجزء الأول (4) الآية 3 سورة ص (5) البيت هكذا نسبه العيني لمحمد بن عيسى بن طلحة، وقيل أنه لمهلهل بن مالك الكناني، نقل ذلك البغدادي ثم قال والله أعلم بحقيقة الحال، وجملة: ولات ساعة مندم وردت في بيت شعر آخر هو كما رواه ابن السكيت: ولتعرفن خلائقا مشمولة * ولتندمن ولات ساعة مندم (*)(2/196)
والتاء في (لات) للتأنيث، كما في: ربت وثمت، قالوا: إما لتأنيث الكلمة، أي (لا)، أو لمبالغة النفي، كما في (علامة)، فإذا وليها (حين)، فنصبه أكثر من رفعه، ويكون اسمها محذوفا، و (حين) خبرها، أي: لات الحين حين مناص،
وتعمل عمل ليس، لمشابهتها لها بكسع 1 التاء، إذ تصير على عدد حروفها ساكنة الوسط، ولا يجوز أن يقال بإضمار اسمها كما يجيئ في نحو: عبد الله ليس منطلقا، لأن الحرف لا يضمر فيه، وإن شابه الفعل، وإذا رفعت (حين) على قلته، فهو اسم (لا) والخبر محذوف، أي: لات حين مناص حاصلا، ولا تستعمل إلا محذوفة أحد الجزأين، هذا قول سيبويه، وعند الأخفش أن (لات) غير عاملة، والمنصوب بعدها بتقدير فعل، فمعنى لات حين مناص، أي: لا أرى حين مناص، والمرفوع مبتدأ محذوف الخبر، وفيه ضعف، لأن وجوب حذف الفعل الناصب، أو خبر المبتدأ، له مواضع متعينة، ولا يمتنع دعوى كون (لات) هي (لا) التبرئة، ويقوية لزوم تنكير ما أضيف (حين) إليه، فإذا انتصب (حين) بعدها فالخبر محذوف، كما في: لا حول، وإذا ارتفع، فالاسم محذوف، أي: لات حين حين مناص، كما في: لا عليك، ونقل عن أبي عبيد 2: أن التاء من تمام (حين)، كما جاء:
__________
= وقد ذكره البغدادي في الخزانة وتكلم عليه كلاما
كثيرا، (1) الكسع في الأصل: الضرب باليد على مؤخر الأنسان، واستعمله العلماء في إلحاق الشئ بالشئ وصار اصطلاحا عندهم فالمعنى أنها بإلحاق التاء لها في آخرها تشبه ليس الخ، (2) أبو عبيد (بدون تاء) هو القاسم بن سلام صاحب كتاب الغريب المصنف وهو أشهر كتبه، وله غريب القرآن، وغريب الحديث وغيرهما، وهو تلميذ أبي عبيدة (بالتاء): معمر بن المثنى، (*)(2/197)
272 - العاطفون تحين ما من عاطف * والمطعمون زمان ما من مطعم 1 وفيه ضعف، لعدم شهرة (تحين) في اللغات، واشتهار: لات حين، وأيضا، فإنهم يقولون: لات أوان، ولات هنا، ولا يقال: تأوان ولا: تهنا، وأما: لات أوان بكسر النون، فعند الكوفيين، (لات) حرف جر، كما ذكر السيرافي عنهم، وليس بشئ، إذ لو كان، لجر غير (أوان)، واختصاص الجار ببعض المجرورات نادر، ولم يسمع: لات حين مناص بجر (حين) إلا شاذا، وأيضا، لو كان جارا، لكان لا بد له من فعل أو معناه يتعلق به، وأوان، عند السيرافي والمبرد مبني لكونه
مضافا في الأصل إلى جملة، فمعنى قوله: 273 - طلبوا صلحنا ولات أوان * فأجبنا أن ليس حين بقاء 2 أي: لات أوان طلبوا، ثم حذفت الجملة، وبني (أوان) على السكون ثم أبدل التنوين من المضاف إليه كما في: يومئذ، فكسر النون لثلاثة سواكن 3، كمإ، كسر ذال (إذ)، أو نقول: حذفت الجملة، وبني على السكر للساكنين، لا على السكون لئلا يلزم اجتماع ساكنين 4، ثم أتي بتنوين العوض، ولا يعوض التنوين في المبنيات من المضاف إليه إلا
__________
(1) قائله أبو وجزة السعدي، يمدح آل الزبير بن العوام، والبيت ملفق من بيتين وهما قوله بعد بيت آخر: وإلي ذرا آل الزبير بفضلهم * نعم الذرا في النائيات لنا: هم العاطفون تحين ما من عاطف * والمسبغون يدا إذا ما أنعموا واللاحقون جفانهم قمع الذرا * والمطعمون زمان أين المطعم وعلى رواية الشارح: ما من مطعم، يكون في البيت إقواء، (2) من أبيات لأبي زبيد الطائي، وكان رجل من بني شيبان قتل رجلا من طيى، ففخر بذلك بنو شيبان وكان القاتل اسمه: المكاء، فقال أبو زبيد في ذلك: خبرتنا الركبان أن قد فخرتم * وفرحتم بضربة المكاء وأشار بعد ذلك إلى ما كان من طلب بني شيبان الصلح، وهو معنى بيت الشاهد،
(3) هي الألف والنون المفروض أنها بنيت على السكون، والتنوين، (4) ينقد الرضي بعض عبارات لابن الحاجب تكون غير واضحة المعنى، ولكنه يقع في مثل ذلك كما هنا، (*)(2/198)
إذا كان جملة، فلا يبدل 1 في نحو: من قبل، وقيل: إن أوان مجرور بمن مقدرة بعد (لات) أي: لات من أوان، فكذا يكون: (ولات حين مناص) على القراءة الشاذة، كما قالوا: لا رجل، أي: لا من رجل، وأما: لات هنا، فهنا في الأصل للمكان، استعير للزمان، قال: 274 - حنت نوار ولات هنا حنت * وبدا الذي كانت نوار أجنت 2 وهو يضاف إلى الجملة الفعلية، وقد يقطع عن الأضافة، قال: 275 - أفي أثر الأظعان عينك تلمح * نعم، لات هنا إن قلبك متيح 3 أي: ليس هنا تلمح، ورفع ما بعد (الا) في نحو: ليس الطيب إلا المسك، لغة تميم، وذلك لحملهم (ليس) على (ما) 4، وقال أبو علي: في (ليس) ضمير الشأن، والجملة بعدها خبرها، ولا يطرد ذلك العذر 5، لوروده 6 في كلامهم نحو: الطيب ليس إلا المسك، بالرفع،
__________
(1) يعني فلا يؤتي بالتنوين بدلا من المضاف إليه، (2) نوار إسم امرأة، والبيت منسوب إما إلى شبيب بن جعيل، وإما إلى حجل بن نضلة، وكلاهما من شعراء
اجاهلية، وأورد البغدادي بعده بيتا آخر وقال: لا ثالث لهما، والبيت الثاني هو: لما رأت ماء السلى مشروبا * والفرث يعصر في الاناء أرنت والبيتان في وصف ما لحقهم من شدة جعلتهم يشربون ماء السلى، وهو ما يوجد من ماء داخل المشيمة بعد الولادة، وجعلتهم يعصرون فرث الماشية لشرب ما يسيل منه وقوله مشروبا لا يستقيم به وزن البيت وإنما يستقيم لو قال: مشروبها، أو متشربا، وأرنت أي صونت من سوء ما رأت، (3) هذا مطلع قصيدة للراعي النميري في مدح بشر بن مروان، والمتيح بكسر الميم وسكون التاء وفتح الياء، وبالحاء المهملة: العود الذي يأخذ في كل جهة لعدم استقراره، أي أن قلبه إلى كل شئ ولا يستقر، (4) لمشابهتها لها في النفي فأهملت ليس حملا على ما لأنها لا تعمل عندهم (5) أي لا يطرد هذا التعليل، (6) يريد أن يقول: لأنه ورد من كلامهم ما لا يحتمل ضمير الشأن لأن في ليس ضميرا يعود على الطيب في مثل ما ذكره، (*)(2/199)
وجوز أيضا أن يكون (إلا المسك): إما بدلا من الطيب، أو صفة له، والخبر محذوف، أي ليس إلا المسك في الدنيا، ويشكل ذلك بلزوم حذف
الخبر بلا ساد مسده، إذن، ولم يثبت،(2/200)
(المجرورات) (معنى المجرور) (قال ابن الحاجب:) (المجرورات: هو ما اشتمل على علم المضاف إليه)، (قال الرضي:) يتبين شرحه بما مضى في حد المرفوعات، وعلم المضاف إليه، كما مضى، ثلاثة: الكسر، والفتح، والياء، (المضاف إليه) (تسمية المجرور بحرف مضافا إليه) (قال ابن الحاجب:) (والمضاف إليه كل اسم نسب إليه شئ بواسطة حرف جر) (لفظا، أو تقديرا، مرادا، (قال الرضي:) بنى الأمر، على أن المجرور بحرف جر ظاهر: مضاف إليه، وقد سماه سيبويه(2/201)
أيضا مضافا إليه، لكنه خلاف ما هو المشهور الآن، من اصطلاح القوم، فإنه إذا أطلق
لفظ: المضاف إليه، أريد به: ما انجر بإضافة اسم إليه، بحذف التنوين من الأول للأضافة، وأما من حيث اللغة فلا شك أن (زيدا) في قولك: مررت بزيد: مضاف إليه، إذ أضيف إليه المرور بواسطة حرف الجر، قوله: لفظا، نحو: زيد، في: مررت بزيد، قوله: تقديرا، كما في: غلام زيد، وخاتم فضة،.
والظاهر أن انتصاب: لفظا، وتقديرا، على الحال، وذو الحال: (حرف جر) وإن كان نكرة، لاختصاصه بالأضافة، والعامل: معنى واسطة، أي: يتوصل بالحرف، ظاهرا أو مقدرا، قوله: مرادا، حال بعد حال، أي: مقدرا مرادا، قال: احترزت بمرادا، عن المفعول فيه، والمفعول له، لأن الحرف مقدر فيهما، لكنه غير مراد، ولقائل أن يقول: إن أردت أنه غير مراد معنى، لم يجز، إذ معنى الظرفية والتعليل فيهما ظاهر 1، وأيضا أنت مقر بتقدير الحرف فيهما، كل مقدر: مراد معنى، إذ لا معنى له إلا هذا، وإن أردت أنه غير مراد لفظا، أي ليس في حكم الملفوظ به من حيث إنه لم يجر، والمقدر في الأضافة مراد، أي عمله وهو الجر باق، كان 2
كأنك قلت: المضاف إليه كل اسم صفته كذا مجرور بحرف جر مقدر، فيكون، على ما أنكرت من حدهم المعرب 3 بأنه ما يختلف، ويفضي إلى الدور، كما ألزمتهم، إذ كون المضاف إليه مجرورا، يحتاج إلى معرفة حقيقة المضاف إليه، حتى إذا عرفت حقيقته، جر بعد ذلك،
__________
(1) أي معنى الظرفية في الظرف، والتعليل في المفعول لأجله، ظاهر، وهو معنى حرف الجر، (2) جواب قوله: وإن أردت..وتقديره كان قولك هذا كأنك قلت، أو كان الحال والشأن، (3) اعترض ابن الحاجب على تعريف النجاة للمعرب بأنه يؤدي إلى الدور...الخ ص 52 ج 1 (*)(2/202)
كما قلت في الفاعل، إنما نجده ليعرف فيرفع، ثم جعلت 1 من حدك معرفة حقيقته محتاجة إلى كونه مجرورا، إذ معنى (مرادا) على ما ذكرنا: باقيا على عمله في الجر، واعلم أن المضاف إليه إضافة لفظية، خارج عن هذا الحد، إذ ليس (الوجه) في قولنا: زيد حسن الوجه، مضافا إليه (حسن) بتقدير حرف الجر، بل: هو هو، وكذا في: ضارب زيد، لأن (ضارب) وإن كان مضافا إلى (زيد) لكنه بنفسه
لا بحرف الجر، كما كان مضافا إليه من حيث المعنى حيث نصبه أيضا، ولم يحتج في إضافته إليه، لا في حال الأضافة ولا قبلها، إلى حرف جر، بلى، قد يدعم اسم الفاعل بحرف جر في بعض المواضع وإن كان من فعل متعد بنفسه، نحو: أنا ضارب لزيد، لكونه أضعف عملا من الفعل، هذا، وفي العامل في المضاف إليه خلاف بينهم، كما مر في أول الكتاب 2، وفي العامل في المضاف إليه اللفظي، إشكال، إن قلنا ان العامل هو الحرف المقدر، إذ لا حرف فيه مقدرا، وكذا إن قلنا ان العامل معنى الأضافة، لأنا لا نريد بها مطلق الأضافة، إذ لو أردنا ذلك لوجب انجرار الفاعل والمفعول والحال، وكل معمول للفعل، بل نريد الأضافة التي تكون بسبب حرف الجر، وكذا إن قلنا إن العامل هو المضاف، لأن الأسم، على ما قال أبو علي، في هذا الباب لا يعمل الجر الا لنيابته عن الحرف العامل، فإذا لم يكن حرف، فكيف ينوب الاسم عنه ؟، ويجوز أن يقال 3: عمل الجر، لمشابهته للمضاف الحقيقي، بتجرده عن التنوين أو
النون، لأجل الأضافة،
__________
(1) أي في تعريفك للمضاف إليه هنا، ويريد الرضي أن تعريف ابن الحاجب هنا يؤدي إلى الدور، ولكنه لم يزد على ذلك، (2) ص 72 من الجزء الأول، (3) لدفع ما أشار إليه من الأشكال، (*)(2/203)
قال جار الله 1، الأضافة مقتضية للجر، والفاعلية للرفع، والمفعولية للنصب، وهي غير العوامل، يعني أن العامل ما به تقوم هذه المعاني المقتضية كما تقدم في أول الكتاب، وإنما نسب العمل إلى ما تقوم به المقتضي، لا إلى المقتضي، فقيل: الرافع هو الفعل ولم نقل هو الفاعلية، لكون المقتضي أمرا خفيا معنويا، وما تقوم به المقتضي أمرا ظاهرا جليا في الأغلب، (متى يقدر حرف الجر) (قال ابن الحاجب:) (فالتقدير، شرطة أن يكون المضاف اسما مجردا تنوينه لأجلها)، (قال الرضي:) قال في الشرح 2: الغرض أن يندرج فيه اللفظي والمعنوي، ثم ينفصل اللفظي عن
المعنوي بقوله بعد: فالمعنوية أن يكون المضاف غير صفة مضافة إلى معمولها، وفيه نظر، لأن اللفظي، كما ذكرنا، كالحسن الوجه، ومؤدب الخدام، وضارب زيد، ليس الحرف فيه مقدرا، فكيف يندرج في التقديري، وإنما قال: اسما، ليخرج المضاف بالحرف الظاهر، نحو: مررت بزيد، فإن المضاف فيه، يكون فعلا، أو بمعنى الفعل، قوله: مجردا تنوينه، أي التنوين، أو ما يقوم مقامه من نوني التثنية والجمع، وكذا
__________
(1) أي الزمخشري وتكرر ذكره، (2) المراد شرح ابن الحاجب على هذه الرسالة، (*)(2/204)
ما ليس فيه التنوين والنون، يقدر أنه لو كان فيه تنوين لحذف لأجل الأضافة، كما في: كم رجل، وهن حواج بيت الله، والضارب الرجل، وإنما حذف التنوين أو النون، لأنها دليل تمام ما هي فيه، كما ذكرنا في إعراب المثنى والمجموع، فلما أرادوا أن يمزجوا الكلمتين مزجا تكتسب به الأولى من الثانية التعريف أو التخصيص، حذفوا من الأولى علامة تمام الكلمة، وقد يحذف من المضاف هاء التأنيث إذا أمن اللبس
كقوله تعالى: (وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) 1، وقولهم: هو أبو عذرها 2، ولا يقاس على ذلك، وقالوا إن الفراء يقيس عليه،
__________
(1) الآية 73 سورة الأنبياء، (2) العذرة: البكارة في المرأة، ومنه يقال للتي لم تتزوج عذراء، فمعنى قولهم أبو عذرتها وأبو عذرها، الذي افتض بكارة المرأة، ثم استعمل لكل من يأتي بشئ لم يسبق إليه، (*)(2/205)
(الأضافة المعنوية) (قال ابن الحاجب:) (وهي معنوية ولفظية، فالمعنوية أن يكون المضاف غير صفة) (مضافة إلى معمولها، وهي بمعنى اللام فيما عدا جنس المضاف) (وظرفه، أو بمعنى من، في جنس المضاف، أو بمعنى في،) (في ظرفه، وهو قليل، نحو: غلام زيد، وخاتم فضة،) (وضرب اليوم، وتفيد تعريفا مع المعرفة، وتخصيصا مع) (النكرة، وشرطها تجريد المضاف من التعريف، وما أجازه) (الكوفيون من: الثلاثة الأثواب، وشبهه من العدد، ضعيف)، (قال الرضي:) اعلم أنه لا تلتبس المعنوية إلا باللفظية، ففسر المعنوية بمضادتها اللفظية التي هي كون
المضاف صفة مضافة إلى معمولها فقال: المعنوية ألا يكون المضاف صفة مضافة إلى معمولها، أي: هي على ضربين، إما ألا يكون المضاف صفة نحو: غلام زيد، أو يكون صفة، لكن لا تكون الصفة مضافة إلى معمولها، نحو: مصارع مصر، والله خالق السموات، لأن اسم الفاعل بمعنى الماضي لا يعمل، فلا يكون له معمول حتى يضاف إليه، ثم قسم المعنوية ثلاثة أقسام: إما بمعنى اللام، أو بمعنى من، أو بمعنى في، قوله: (فيما عدا جنس المضاف)، (ما) كناية عن المضاف إليه، أي في م ضاف إليه هو غير جنس المضاف، وغير ظرفه، ويعني بكون المضاف إليه جنس المضاف: أن يصح إطلاقه على المضاف ويصح على غيره، أيضا، فيكون نحو: بعض القوم، ونصف القوم، وثلثهم: (*)(2/206)
بمعنى اللام، لأنك تريد بالقوم: الكل، والكل لا يطلق على بعضه، وكذا: يد زيد، ووجهه، بمعنى اللام، وإن كان يقال: بعض منه، ونصف منه، ويد منه، لأن (من) التي تتضمنها الأضافة، هي التنبينية، كما في: خاتم حديد، وأربعة
دراهم، وشرط (من) المبينة أن يصح إطلاق اسم المجرور بها على المبين كما في قوله تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) 1، وأما قولك ثلاثة دراهم، وراقود خل، فإنما كنيت فيه بالمقدار عن المقدر، كما يجيى في باب العدد، فالثلاثة هي الدراهم، والراقود هو الخل، ومن ثم تقول: دراهم ثلاثة، وخل راقود، وثوب ذراعان، وإن كان المقدار في الأصل غير المقدر به، وبقولنا: يصح إطلاقه على غير المضاف، أيضا، خرج نحو: جميع القوم، وعين زيد، وطور سيناء، ويوم الأحد، فجميعها، إذن، بمعنى اللام، وكذا سعيد كرز، ومسجد الجامع، على ما يجيئ من التأويل، لأن الثاني، أعني الجامع غلب وتخصص، حتى إذا أطلق لم يتناول إلا الأول، فالجامع في العرف، هو المسجد لا غير، ولا يلزم فيما هو بمعنى اللام أن يجوز التصريح بها، بل يكفي افادة الاختصاص الذي هو مدلول اللام، فقولك: طور سيناء، ويوم الأحد، بمعنى اللام، ولا يصح إظهار
اللام في مثله، فالأولى، إذن، أن نقول: نحو ضرب اليوم، وقتيل كربلاء 2، بمعنى اللام كما قاله باقي النجاة، ولا نقول: إن إضافة المظروف إلى الظرف بمعنى (في)، فإن أدني ملابسة واختصاص يكفي في الأضافة بمعنى اللام، كقول أحد حاملي الخشبة لصاحبه: خذ طرفك، ونحو: كوكب الخرقاء 3 لسهيل، وهي التي يقال لها إضافة
__________
(1) الآية 30 سورة الحج، (2) كربلاء مكان بأرض العراق قتل فيه الحسين بن علي رضي الله عنهما ويقال له أيضا قتيل الطف، وهو اسم جزء معين من أرض كربلاء، (3) هذا تعبير يريدون به النجم المعروف باسم سهيل، ومضت الأشارة في الجزء الأول إلى أن البغدادي اعتبره شاهدا لانه ورد في بيت شعر: هو قول الشاعر: إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة * سهيل، اذاعت غزلها في القرائب، (*)(2/207)
لأدني ملابسة، فنقول: كل ما لم يكن فيه المضاف إليه جنس المضاف بالتفسير الذي مر، من الأضافة المحضة، فهو بمعنى اللام، وكل اضافة كان المضاف إليه فيها جنس المضاف، فهي بتقدير (من) ولا ثالث لهما،
قوله: (وتفيد تعريفا مع المعرفة وتخصيصا مع النكرة)، يعني أن الأضافة المعنوية بخلاف اللفظية، وإنما أفادت تعريفا مع المعرفة، لأن وضعها لتفيد أن لواحد مما دل عليه المضاف، مع المضاف إليه خصوصية ليست للباقي، معه 1، مثلا، إذا قلت: غلام زيد راكب، ولزيد غلمان كثيرون، فلا بد أن تشير 2 به إلى غلام من بين غلماته، له مزيد خصوصية بزيد، إما بكونه أعظم غلمانه، أو أشهر بكونه غلاما له دون غيره، أو بكونه غلاما معهودا بينك وبين المخاطب، وبالجملة، بحيث يرجع إطلاق اللفظ إليه دون سائر الغلمان، وكذا كان الحال في: ابن الزبير، وابن عباس، قبل العلمية، هذا أصل وضعها، ثم، قد يقال جاءني غلام زيد من غير اشارة إلى واحد معين، وذلك، كما أن أصل ذي اللام في أصل الوضع لواحد معين، ثم قد يستعمل بلا إشارة إلى معين، كما في قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني * فأعف ثم أقول لا يعنيني 3 - 56 وذلك على خلاف وضعه، فلا تظنن من اطلاق قولهم في مثل: غلام زيد، إنه بمعنى اللام: أن 4
معناه ومعنى:
__________
(1) أي ليست لبقية أفراد المضاف مع المضاف إليه كما سيوضح ذلك بالمثال، (2) أي تقصد به، (3) تكرر ذكر هذا البيت في هذا الشرح، ولا يخرج الغرض من ذكره في كل مرة عن بيان وقوع المعرف باللام الجنسية موصوفا بالجملة لأنه لا يراد به معين، ومعلوم أنه يجوز النظر ا ء لى لفظه فتعرب الجملة حالا، (4) مفعول قوله: فلا تظننن، (*)(2/208)
غلام لزيد، سواء، بل معنى غلام لزيد: واحد من غلمانه غير معين، ومعنى غلام زيد، الغلام المعين من بين غلمانه إن كان له غلمان جماعة أو ذلك الغلام المعلوم لزيد إن لم يكن له إلا واحد، قوله: (وتخصيصا مع النكرة)، نحو قولك: غلام رجل، إذ تخصص من غلام امرأة، قوله: (وشرطها)، أي شرط الأضافة الحقيقية: تجريد المضاف من التعريف، فإن كان ذا لام، حذفت لامه، وإن كان علما، نكر، بأن يجعل واحدا من جملة من سمي بذلك اللفظ نحو قوله:
علا زيدنا يوم النقي رأس زيدكم * بأبيض ماضي الشفرتين يماني 1 - 114 ولا يجوز إضافة سائر المعارف، من المضمرات والمبهمات لتعذر تنكيرها، وعندي: أنه يجوز إضافة العلم مع بقاء تعريفه، إذ لا مانع من اجتماع التعريفين إذا اختلفا، كما ذكرنا في باب النداء 2، وذلك إذا أضيف العلم إلى ما هو متصف به معينى، نحو: زيد الصدق، يجوز ذلك، وإن لم يكن في الدنيا إلا زيد واحد، ومثله قولهم: مضر الحمراء، وانمار الشاء، وزيد الخيل 3، فإن الأضافة فيها ليست للاشتراك المتفق 4،
__________
(1) تقدم هذا البيت في الجزء الأول وبعده بيت آخر يرتبط بمعناه وهو قوله: فإن تقتلوا زيدا بزيد فإنما * أقادكم السلطان منذ زمان (2) انظر ص 373 في الجزء الأول من هذا الشرح، (3) مضر وأنمار وربيعة أيضا، أبناء نزار، وكل منهم أبو قبيلة من العرب، وسمي كل منهم بما ورث عن أبية، فقد قالوا إن مضر ورث الذهب، وأنما ورث الغنم، وربيعة ورث الخيل فقيل لهم: مضر الحمراء وأنمار الشاء وربيعة الفرس، وقيل في سبب التسمية غير ذلك، وأما زيد الخيل فهو زيد بن مهلهل من طبى، أدرك الأسلام وأسلم وسماه النبي صلى الله عليه وسلم: زيد الخير، وكان من فرسان العرب وصاحب خيل كثيرة، وله شعر جيد،
(4) أي الحاصل اتفاقا بدون قصد (*)(2/209)
هذا، وإنما يجرد المضاف في الأغلب 1 من التعريف، لأن الأهم من الأضافة إلى المعرفة: تعريف المضاف، وهو حاصل للمعرفة، فيكون تحصيلا للحاصل، والغرض من الأضافة إلى المنكر: تخصيص المضاف، وفي المضاف المعرف: التخصيص مع الزيادة وهي التعيين، (الأسماء المتوغلة) 2 (في الأبهام) (وحكمها في الأضافة) واعلم أن بعض الأسماء قد توغل في التنكير، بحيث لا يتعرف بالأضافة إلى المعرفة إضافة حقيقية، نحو: غيرك، ومثلك، وكل ما هو بمعناها من: نظيرك، وشبهك، وسواك وشبهها، وإنما لم يتعرف (غيرك) لأن مغايرة المخاطب ليست صفة تخص ذاتا دون أخرى، إذ كل ما في الوجود إلا ذاته 3، موصوف بهذه الصفة، وكذا مماثلة زيد، لا تخص ذاتا، بلي، نحو مثلك، أخص من: غيرك، لكن المثلية، أيضا يمكن أن تكون من وجوه، من الطول والقصر، والشباب والشيب، والسواد، والعلم،
وغير ذلك مما لا يحصى، قال ابن السري 4: إذا أضفت (غيرا) إلى معرف له ضد واحد فقط تعرف (غير)
__________
(1) هذا استدراك على ما قال من جواز إضافة العلم مع بقاء تعريفه (2) استطراد من الرضي كعادته في استكمال المباحث (3) أي ذات المقصود بهذه الكلمة (4) المراد به: الزجاج واسمه ابراهيم بن السري، والذي اشتهر بابن السري هو أبو بكر بن السراج وقل أن يذكر الرضي الزجاج بهذا الاسم، (*)(2/210)
لانحصار الغيرية، كقولك: عليك بالحركة غير السكون، فلذلك كان قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم)، صفة: (الذين أنعمت عليهم 1)، إذ ليس لمن رضي الله عنهم ضد، غير المغضوب عليهم، فتعرف (غير المغضوب عليهم) لتخصصه بالمرضي عنهم، وكذا إذا اشتهر شخص بمماثلتك في شئ من الأشياء، كالعلم أو الشجاعة، أو نحو ذلك، فقيل: جاء مثلك، كان معرفة إذا قصد: الذي يماثلك في الشئ الفلاني، واعتبار المعرفة والنكرة بمعانيهما 2، فكل شئ خلص لك بعينه من
سائر أمته فهو معرفة، وقدح ابن السراج 3 في قوله 4 هذا، بقوله تعالى: (نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل 5)، مع أن معنى (غير الذي كنا نعمل) أي الصلاح لأن عملهم كان فسادا، وبقول الشاعر: 276 - إن قلت خيرا قال شرا غيره * أو قلت شرا مده بمداد 6 والجواب 7: أنه على البدل، لا الصفة، أو حمل (غير) على الأكثر، مع كونه صفة، لأن الأغلب فيه عدم التخصص بالمضاف إليه، وقد جاء قبل (غير)، معمول لما أضيف إليه (غير) نحو: أنا زيدا غير ضارب،
__________
(1) الآية الأخيرة من سورة الفاتحة، (2) يعني أن الحكم على الألفاظ بالتعريف أو التنكير راجع إلى ما تدل عليه من المعنى، (3) هذا هو أبو بكر محمد بن السراج الذي أشرنا إليه في التعليق على قول الرضي قال ابن السري، (4) أي في قول الزجاج الذي عبر عنه الرضي بابن السري، (5) الآية 37 سورة فاطر، (6) هذا من شعر الأسود بن يعفر في صاحب عنيد مولع بالمخالفة حتى لا يستريح الأنسان إلى عشرته، وبعده قوله:
فلئن أقمت لأظفرن ببلدة * ولئن ظعنث لارسين أو تادي (7) الجواب عما قاله ابن السراج في رده على الزجاج، (*)(2/211)
مع أنه لا يجوز اعمال المضاف إليه فيما قبل المضاف فلا تقول: أنا زيدا مثل ضارب، وإنما جاز هذا 1، لحملهم (غير) على (لا) فكأنك قلت: أنا زيدا لا ضارب، وما بعد (لا) يعمل فيما قبلها، وذلك كما تقدم في باب المنصوب بلاء التبرئة، من حمل (لا) على (غير) 2، والدليل على تأخيهما: العطف على (غير) بتكرير (لا)، كما في قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) 3، كأنه قال: لا المغضوب عليهم ولا الضالين، وسمع سيبويه: لي عشرون مثله، وقاس عليه يونس وغيره من البصريين من غير سماع: عشرون غيره، ومنعهما الفراء، والسماع لا يرد، ولا سيما إذا عضده القياس، وكلهم منعوا: عشرون أيما رجل وأي رجل لعدم السماع، وإن لم يمنعه القياس، قالوا: ولفظ شبيه، يتعرف بالأضافة، لانحصار الشبه في جميع الوجوه، وذلك
لأجل المبالغة التي في هذا التركيب 4، كما في: عليم وسميع، فمعنى مررت بالرجل شبيهك، أي: من يشبهك في جميع الوجوه، وقال أبو سعيد 5: في، مثلك، وغيرك، وما في معناهما، أنها لم تتصرف لكونها بمعنى اسم فاعل مضاف إلى مفعوله، أي: مماثلك، ومشابهك ومغايرك، فإن قيل 6: غير، وشبه، مطلق 7، وإضافة اسم الفاعل، إنما تكون لفظية إذا أردت الحال أو الاستقبال،
__________
(1) أي في المثال الذي فيه غير (2) انظر في هذا الجزء، ص 163 (3) هي الآية السابقة من سورة الفاتحة مع زيادة هنا، (4) أي اللفظ المصوغ على هذا الوزن، (5) أي السيرافي، (6) اعتراض على ما ذهب إليه السيرافي، ورد الرضي عليه، (7) أي غير محدد بزمان معين، (*)(2/212)
فالجواب: أنه لما فاتت موازنة المضارع، لم يشترط فيه أحد الزمانين أو تقول: شرط كون إضافة اسمي الفاعل والمفعول لفظية: ألا يكونا بمعنى الماضي، لا أن يكونا بمعنى
الحال أو الاستقبال، كما سيجيئ في هذا الباب، أو الاستمرار 1، كما يجيئ بعد، والأطلاق يفيد الاستمرار، وقالوا في: حسبك، وشرعك، وكافيك، وناهيك، وكفيك ونهيك، ونهاك، إنها لم تتعرف لكونها بمعنى الفعل، لأن معنى حسبك زيد: ليكفك زيد، وكذا أخواته، وإنما بني قدك، وقطك، وبجلك دون حسبك وأخواته، لأنها 2 صارت أسماء أفعال، كما يجيئ في باب اسم الفعل، بخلاف حسبك وأخواته، ويدخل عليها 3 من نواسخ الابتداء (إن) فقط، كقوله تعالى: (فإن حسبك الله) 4، لأنها لا تغير معنى الكلام، ولا تقع إذا جاوزت هذا الموضع إلا موقعا يصح وقوع الفعل فيه، لأدائها معنى الفعل، وتكون صفة للنكرة، نحو: مررت برجل حسبك وكفيك، وحالا من المعرفة، نحو: هذا عبد الله حسبك وشرعك، منصوبين، ولم يتصرف في هذه، إلا في الأعراب، فلم تثن ولم تجمع، لمشابهة قدك وقطك، غير المتصرفين، وعلى هذا قالوا: مررت برجل كافيك من رجل، وبرجلين كافيك من رجلين 5، وبامرأة كافيك من امرأة، اجراء له في عدم التصرف مجرى
: قدك وقطك، وقد استعمل (ناهيك) على أصله من التصرف، فقيل: برجلين ناهييك من رجلين، وبامرأة ناهيتك من امرأة، وكذا سائر تصرفاته، وقالوا: مررت برجل هدك من رجل وبرجلين هدك من رجلين، وبرجال هدك من رجال، وبامرأة هدك من امرأة،
__________
(1) أي نقول ان الشرط هو أن يكونا للاستمرار، والأطلاق الذي تدل عليه غير، مفيد للاستمرار، (2) أي قدك وما بعده، (3) أي على حسب وأخواته، (4) الآية 62 من سورة الأنفال (5) في بعض الأمثلة هنا زيادة ليست في المطبوعة أو هي موجودة في بعض النسخ التي أشير إليها بالهامش، رأيت أن إثباتها فيه استيفاء للأمثلة، (*)(2/213)
ومعنى هدك: أي أثقلك وصف محاسنه، فأجروه مجرى: قدك، في عدم التصرف، لافادته فائدته، وربما جاء فعلا متصرفا، نحو: برجلين هداك من رجلين، وبرجال هدوك، وبامرأة هدتك، وبامرأتين هدتاك، وبنسوة هددنك، ويجوز أن يقال في حسبك، وهدك ونهيك، ونهاك، وشرعك: انها لم تتصرف،
لكونها في الأصل مصادر، وبعض العرب يجعل (واحد امه) و (عبد بطنه): نكرتين، قال حاتم: 277 - أماوي، اني رب واحد أمه * أخذت فلا قتل عليه ولا أسر 1 وليست العلة في تنكيرهما: ما قال بعضهم، ان (واحد أمه)، مضاف إلى أم، و (أم) مضاف إلى ضمير (واحد)، فلو تعرف بضميره لكان كتعرف الشئ بنفسه، وذلك 2، لأن الضمير في مثله لا يعود إلى المضاف الأول، بل إلى ما تقدم عليه من صاحب ذلك المضاف، نحو: رب رجل واحد أمه، فالهاء عائدة إلى (رجل)، وكذا في قوله: رب واحد أمه، أي رب رجل واحد أمه، وسيجئ في باب المعرفة والنكرة، أن الضمير الراجع إلى نكرة غير مختصة: نكرة، كقولك: رب شاة وسخلتها، فإن كان ذلك المضاف معرفة تعرف المضاف، لكون الضمير معرفة، نحو: زيد واحد أمه، وكذا ان كان نكرة مختصة، نحو: رأيت رجلا هو واحد أمه، وكذا ينبغي أن يكون قولك: صدر بلده، ورئيس قبيلته، وابن أمه، ونادرة دهره، ونحو ذلك، وأجاز ابن كيسان 3 تنكير المضاف الذي لا مانع فيه من التعريف، لنية الانفصال،
__________
(1) هذا من قصيدة جيدة لحاتم الطائي، أولها: أماوي، قد طال التجنب والهجر * وقد عذرتني في طلابكم العذر وقد بدأ كثيرا من أبياتها بمثل هذا البدء: أماوي، ومنها قوله: أماوي، ما يغني الثراء عن الفتى * إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر (2) تعليل لقوله: وليست العلة في تنكيرهما...الخ، (3) أبو الحسن، محمد بن أحمد من مشاهير النجاة، تقدم ذكره في هذا الجزء وفي الجزء الأول، (*)(2/214)
نحو: ما جاءني غلام زيد، ظريف، أي: غلام لزيد، كما يجوز ذلك في المعرف باللام، كقوله: ولقد أمر على اللئيم يسيبني 1 - 56 وقد يكتسي المضاف التأنيث من المضاف إليه، إن حسن الاستغناء في الكلام الذي هو فيه، عنه، بالمضاف إليه، يقال: سقطت بعض أصابعه، إذ يصح أن يقال: سقطت أصابعه، بمعناه، قال: 278 - لما أتي خبر الزبير تواضعت * سور المدينة والجبال الخشع 2 إذ يصح أن يقال: تواضعت المدينة، وقال: 279 - إذا بعض السنين تعرقتنا * كفى الأيتام فقد أبي اليتيم 3 وقال: 280 - مر الليالي أسرعت في نقضي * أخذن بعضي وتركن بعضي 4
إذ يقال: السنون تعرفتنا، والليالي أخذن، ومنه قوله: 281 - فما حب الديار شغفن قلبي * ولكن حب من سكن الديارا 5
__________
(1) تكرر هذا البيت وأشرنا قريبا إلى ذلك وأن الغرض من إيراده في كل مرة لا يتغير، (2) هذا البيت من قصيدة لجرير في هجاء الفرزدق وإن كان البيت يبدو أنه رثاء، ولكن القصيدة تضمنت كثيرا من الطعن في قوم الفرزدق وأن من عيوبهم ما فعله ابن جرموز المجاشعي من قتل الزبير بن العوام غيلة، (3) وهذا البيت أيضا من قصيدة لجرير، وهي في مدح هشام بن عبد الملك بن مروان، يقول عنه فيها: وأنت إذا نظرت إلى هشام * عرفت نجار منتخب كريم يرى للمسلمين عليه حقا * كفعل الوالد الروف الرحيم، الروف بدون مدة (4) من أرجوزة قيل إنها للأغلب العجلي، أولها: أصبحت لا يحمل بعض بعضي * منفها أروح مثل النقض (5) مما نسب إلى مجنون بن عامر، قيس بن الملوح، قال البغدادي إن قبله بيتا ولا ثالث لهما، وهو: (*)(2/215)
فاكتسى التأنيث والجمع، وقد يكتسي المضاف البناء من المضاف إليه، كما يجئ في الظروف المبنية، قوله: (وشرطها تجريد المضاف من التعريف)، قد مر وجهه، وقوله:
وما أجازه الكوفيون...، نقل الكوفيون تعريف الاسمين في كل عدد مضاف إلى معدوذة نحو: الثلاثة الأثواب...إلى العشرة، والمائة الدرهم والألف الرجل، وهو ضعيف قياسا واستعمالا 1، أما القياس فلأن تعريف المضاف يحصل بالمضاف إليه، فيكون اللام في المضاف ضائعا، وأما الاستعمال فلأنهم نقلوه عن قوم فصحاء والفصحاء على غيره، قيل: وجهه، على ضعفه، أن المضاف 2 من حيث المعنى هو المضاف إليه، والمضاف هو المقصود بالنسبة، وإنما جئ بالمضاف إليه لغرض بيان أن المضاف من أي جنس هو، فعرف المقصود بالنسبة، تعريفا من حيث ذاته، لا تعريفا مستعارا من غيره، ثم أضيف بعد التعريف، لغرض تبيين أن هذا المعرف من أي نوع هو، كأنك كنت ذكرت أولا أن عندك ثلاثة، مثلا ولم تذكر من أي نوع هي، ثم رجعت إلى ذكرها فقلت: بعت الثلاثة، أي تلك الثلاثة ثم بينت نوعها فقلت: الثلاثة الأثواب، وهذا هو الوجه لمن قال: الثلاثة أثواب، وإن كان أقبح من الأول، لأضافة المعرفة إلى النكرة، ولا نظير له، لا في المعنوية، ولا في اللفظية، كأنهم لما
عرفوا الأول استغنوا عن تعريف الثاني، لأنه هو، ولأن الأضافة لبيان نوعه لا للتعريف، وفي هذا الاعتذار نظر 3، أما أولا، فلأن المقصود بالنسبة في العدد المضاف هو المميز، وإنما جئ بالعدد لنصوصية 4 كمية المميز، ألا ترى أن المفرد والمثنى نحو رجل، ورجلان،
__________
= أمر على الديار ديار ليلى * أقبل ذا الجدار وذا الجدارا (1) مع قول الرضي هذا، هو يستعمل الرأي الذي أنكره على الكوفيين، وقد أشرنا إلى ذلك في عدد من المواضع، (2) أي في نحو: الثلاثة الدراهم، (3) هو ما تضمنه قوله: قيل وجهه على ضعفه..الخ (4) أشرنا من قبل إلى أن هذا اللفظ مستحدث يراد به كون الشئ نصا في المقصود منه لا يحتمل غيره، (*)(2/216)
لما دلا على النصوصية لم يؤت بالعددين، وأيضا، الأغلب وصف المضاف إليه، لا المضاف، كقوله تعالى: (سبع بقرات سمان) 1، وأما ثانيا، فلأن كل ما ذكر، حاصل في: خاتم فضة، ولم يسمع الخاتم الفضة، ولا: الخاتم فضة 2،
__________
(1) من الآية 43 سورة يوسف، (2) أي بإضافته إلى خاتم، سواء مع تعريف المضاف إليه أو تنكيره، (*)(2/217)
(الأضافة اللفظية) (معناها وفائدتها) (قال ابن الحاجب:) (واللفظية: أن يكون صفة مضافة إلى معمولها، مثل: ضارب) (زيد وحسن الوجه، ولا تفيد إلا تخفيفا في اللفظ، ومن ثم) (جاز: مررت برجل حسن الوجه، وامتنع: مررت بزيد) (حسن الوجه وجاز: الضار بازيد، وامتنع: الضارب زيد) (خلافا للفراء، وضعف: الواهب المائة الهجان وعبدها 1،) (وإنما جاز: الضارب الرجل، حملا على المختار في:) (الحسن الوجه، والضاربك وشبهه فيمن قال انه مضاف،) (حملا على: ضاربك)، (قال الرضي:) قوله: (أن يكون صفة)، أي يكون المضاف صفة، احتراز عن نحو: غلام زيد، وباب ساج، قوله (مضافة إلى معمولها)، أي إلى مرفوعها، أو منصوبها، وهو احتراز عن الصفة المضافة لا إلى معمولها، نحو: مصارع مصر، وخالق السموات، وزيد مضروب عمرو، فإن جميعها مضافة لا إلى معمولها، فاضافتها محضة،
__________
(1) شطر بيت سيأتي كاملا، في الشرح، (*)(2/218)
قال المصنف: ومن ذلك: (مالك يوم الدين) 1، على الأصح، وهذا منه عجيب، وذلك أن (يوم الدين)، إما أن يكون بمعنى (في) كما يدعي المصنف في: ضرب اليوم، فيكون المضاف إليه مفعولا فيه من حيث المعنى، فيكون معمول اسم الفاعل، فهو صفة مضافة إلى معمولها، وليس كضرب اليوم، لأنه، وإن كان مضافا إلى معموله، لكنه ليس صفة، فإضافته حقيقية 2، وإما أن يكون مما كان مفعولا فيه فاتسع فيه فالحق بالمفعول به، كما يدعيه النجاة في نحو: يا سارق الليلة أهل الدار 3 - 168 فهو أيضا معمول الصفة، فتكون الأضافة غير محضة، قال: 282 - رب ابن عم لسليمى مشمعل * طباخ ساعات الكرى زاد الكسل 4 ولعل المصنف جعل (مالك يوم الدين) بتقدير اللام، كمصارع مصر، فلذا قال: ومن ذلك: مالك يوم الدين، لكن ذلك مخالف لأطلاق قوله قبل، أو بمعنى في، في ظرفه، والوجه في التعريف مالك يوم الدين، حتى وقع صفة (لله): أنه بمعنى اللام، نحو: قتيل كربلاء 5، رضي الله عنه، أو أنه بمعنى الماضي، كأنه قال: ملك
يوم الدين أي:
__________
(1) الآية 4 من سورة الفاتحة، (2) قصده المثال المتقدم الذي هو: ضرب اليوم، (3) تقدم هذا الشطر في باب المفعول فيه من الجزء الأول، والاستشهاد به هناك على أن الظرف قد يتوسع فيه فيعامل معاملة المفعول به حتى انه يضاف إلى المصدر وإلى الوصف المشتق، وقال هناك: إن معناه ظرفا باقيا فيعامل معاملة المفعول به حتى انه يضاف إلى المصدر وإلى الوصف المشتق، وقال هناك: إن معناه ظرفا باقيا على ظرفيته، ومتوسعا فيه: واحد، وهو من شواهد سيبويه، ج 1 ص 89،.
(4) المشمعل: الخفيف في كل ما يأخذ فيه من عمل، وهذا من رجز، لابن أخي الشماخ بن ضرار، وكان مع القوم في رحلة فطلبوا منه أن يحدو الابل، فارتجز قائلا: قالت سليمى لست بالحادي المدل * مالك لا تملك أعضاد الأبل (5) المراد: الحسين بن علي وتقدم وجه التسمية قريبا، (*)(2/219)
أمر يوم الدين، فيكون كخالق السموات 1، وإيراده ماضيا على طرز قوله تعالى: (وسيق الذين 2...) و: (ونادى أصحاب النار 3) لكونه من الأمر المحتوم، فكأنه وقع ومضى، وقيل: مالك يوم الدين، نكرة، جرت على الله، تعالى، على وجه
البدل، والأول أولى، والمتفق عليه من الأضافة اللفظية، ثلاثة أشياء: اسم الفاعل المضاف إلى فاعله أو مفعوله، كما يجيئ، واسم المفعول المضاف إلى مفعول ما لم يسم فاعله أو إلى المنصوب المفعول 4، والصفة المشبهة المضافة إلى ما هو فاعلها معنى، بعد جعله في صورة المفعول لفظا، على ما يجيئ في بابها إن شاء الله تعالى، والمختلف فيه، هل هو لفظي أو معنوي: ثلاثة أشياء: إضافة ما ظاهره أنه موصوف مضاف إلى صفته، وما ظاهره أنه صفة مضافة إلى موصوفها، وإضافة أفعل التفضيل بمعنى (من)، وسيجيئك بيانها بعون الله تعالى، أما إضافة اسم الفاعل والمفعول إضافة لفظية فنقول: كون إضافة الصفة إضافة لفظية مبني على كونها عاملة في المضاف إليه رفعا أو نصبا،.
وذلك لأنه إذا كان كذا، فالذي هو مجرور في الظاهر ليس مجرورا في الحقيقة، والتنوين المحذوف في اللفظ مقدر منوي، فتكون الأضافة كلا إضافة، وهو المراد بالأضافة اللفظية،
فالصفة، إما أن تكون صفة مشبهة، أو اسم فاعل، أو اسم مفعول، أو أفعل تفضيل، أما أفعل التفضيل فسيجئ حكمه بعد، وأما الصفة المشبهة فهي أبدا، جائزة العمل،
__________
(1) في كون إضافته حقيقية (2) صدر كل من الآيتين 71، 73 سورة الزمر، (3) من الآية 50 سورة الأعراف (4) يعني إذا كان اسم المفعول من المتعدي إلى اثنين، (*)(2/220)
فإضافتها، أبدا، لفظية، وأما اسما الفاعل والمفعول، فعملهما في مرفوع هو سبب 1، جائز مطلقا، سواء كانا بمعنى الماضي، أو بمعنى الحال، أو بمعنى الاستقبال، أو لم يكونا لأحد الأزمنة، بل كانا للأطلاق المستفاد منه الاستمرار، نحو: زيد ضامر بطنه، ومسود وجهه، ومؤدب خدامه، وذلك لأن أدني مشابهة للفعل تكفي في عمل الرفع، لشدة اختصاص المرفوع بالفعل، وخاصة إذا كان سببا، ألا ترى إلى رفع الظرف، والمنسوب في نحو: زيد في الدار أبوه، على مذهب أبي علي 2، ونحو: مررت برجل مصرى حماره، وكذا برجل خز صفة سرجه 3، وإذا كانا كذا 4، فإضافتهما إلى سبب هو
فاعلهما معنى: لفظية دائما من حيث اللفظ، وأما من حيث المعنى، فلأن المضاف في الحقيقة نعت المضاف إليه، ألا ترى أنك إذا قلت: زيد قائم الغلام، فالمعنى: له غلام قائم، وكذا مؤدب الخدام، وحسن الوجه، والنعت هو المعين للموصوف والمخصص له، لا المتعين منه والمتخصص، فلم يمكن تعيين هذه الثلاثة بما أضيفت إليه، ولا تخصصها منه، بخلاف: خاتم فضة، وغلام زيد، فإن المضاف إليه في الحقيقة ههنا: صفة للمضاف، لأن المعنى: خاتم من فضة وغلام لزيد،.
ويعمل، أيضا، اسما الفاعل والمفعول: الرفع في غير السبب، بمعنى الاطلاق، كانا، أو بمعنى أحد الأزمنة الثلاثة، نحو: مررت برجل نائم في داره عمرو، ومضروب على بابه بكر، لكن لا يضافان إلى مثل هذا المرفوع، إذ لا ضمير فيه يصح انتقاله إلى الصفة وارتفاعه بها، فيبقى بلا مرفوع في الظاهر، ولا يجوز ذلك لقوة شبههما بالفعل، كما سيجئ، وكذا يعملان في الظرف، والجار والمجرور مطلقا، لأن الظرف يكفيه رائحة الفعل، نحو: مررت برجل ضارب أمس في الدار، ومضروب
أول من أمس
__________
(1) المراد به الاسم المرفوع المشتمل على ضمير يعود على الموصوف باسم الفاعل أو اسم المفعول، ويطلق عليه: السببي،.
(2) أي الفارسي، واشتهرت نسبة هذا الرأي إليه، (3) صفة السرج: أعلاه، وصفة البيت جانب منه، (4) أي كما شرحنا، (*)(2/221)
بالسوط، وكذا ينبغي أن يكون (الحال) 1، لمشابهته للظرف، وكذا المفعول المطلق، لأنه ليس بأجنبي، وأما عمل اسمي الفاعل والمفعول، في المفعول به، وغيره من المعمولات الفعلية 2، فمحتاج إلى شرط، لكونها أجنبية، وهو 3 مشابهتهما للفعل معنى، ووزنا، ويحصل هذا الشرط لهما، إذا كانا بمعنى الحال أو الاستقبال، أو الأطلاق المفيد للاستمرار، لأنهما، إذن يشبهان المضارع الصالح لهذه المعاني الثلاثة، الموازن على الاطراد، لاسم الفاعل والمفعول، بخلاف الماضي، أما صلاحيته 4 للحال والاستقبال فظاهرة، وأما صلاحيته للأطلاق المفيد للاستمرار، فلأن العادة جارية منهم، إذا قصدوا معنى الاستمرار أن يعبروا عنه
بلفظ المضارع، لمشابهته للاسم الذي أصل وضعه للاطلاق، كقولك: زيد يؤمن بالله، وعمرو يسخو بموجوده، أي: هذه عادته، فإذا ثبت أن اسمى الفاعل والمفعول يعملان في الأجنبي، إذا كانا بأحد هذه المعاني الثلاثة، فإضافتهما، إذن، إلى ذلك الأجنبي لفظية لأن هذا مبني على العمل، كما تقدم، وأبنية المبالغة، لما كانت للاستمرار، لا، لأحد الأزمنة، عملت، نحو: إنه لمنحار بوائكها 5، و: 283 - ضروب بنصل السيف سوق سمانها * إذا عدموا زادا فإنك عاقر 6 واسم الفاعل، واسم المفعول، لا يضافان، من بين مطلوباتهما، إلا إلى الفاعل والمفعول
__________
(1) المراد الاسم المنصوب على أنه حال، (2) أي متعلقات الفعل المختلفة، (3) أي الشرط المطلوب، (4) أي المضارع، (5) البوائك جمع بائكة، وهي الناقة السمينة، ومنجار: كثير النحر، لهذا النوع من الابل، (6) نسب هذا البيت إلى أبي طالب بن عبد المطلب، وهو من قصيدة في رثاء أمية بن المغيرة المخزومي، وخطأ البغدادي من قال إن الشعر في مدح النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره،
(*)(2/222)
به والمفعول فيه، لشدة طلبهما لها، دون سائر معمولاتهما، وقد جاء بعض الأسماء مؤولا باسم الفاعل المستمر، فكانت إضافته لفظية، كقوله: بمنجرد قيد الأوابد هيكل 1 - 177 أي: مقيد الأوابد، ومنه قولهم: هذه ناقة عبر الهواجر 2، أي عابرة كقوله: يا سارق الليلة أهل الدار 3، - 168 وأما إذا كانا بمعنى الماضي، فإضافتهما محضة، لأنهما لم يوازنا الماضي، فلم يعملا عمله، إلا عند الكسائي فإنه 4 عنده يعمل، فتكون إضافته عنده لفظية، والدليل على أن كونهما 5 بمعنى الماضي محضة، قوله تعالى: (الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا 6)، جعل (فاطر) و (جاعل) صفتين للمعرف، هذا من حيث اللفظ، وأما من حيث المعنى، فلأن ملابسة المضاف للمضاف إليه، قد حصلت في الماضي واشتهرت، في نحو: ضارب زيد أمس فيصح أن يتخصص المضاف به كتخصص الغلام بزيد في: غلام زيد، حين اشتهر بمملوكيته، وأما الحال فلم يتم بعد حصوله، والمستقبل مترقب، فلم يشتهر فيهما ملابسة المضاف
للمضاف إليه بحيث يتعين المضاف بها أو يتخصص، واسم الفاعل أو المفعول المستمر، يصح أن تكون إضافته محضة، كما يصح ألا يكون كذلك، وذلك لأنه وإن كان بمعنى المضارع، إلا أن استمرار ملابسة المضاف
__________
(1) هو عجز بيت من معلقة امرى القيس في وصف فرسه، وتقدم البيت شاهدا في أول باب الحال، (2) الهواجر جمع هاجرة وهي شدة الحر، يعني أنها تعبر الأماكن التي تشتد فيها الحرارة لا تباليها لقوتها، (3) تقدم ذكره قريبا، (4) فانه: أي الوصف، لذلك أفرد الضمير، (5) أي على أن إضافتهما...(6) الآية الأولى من سورة فاطر، (*)(2/223)
للمضاف إليه، يصحح تعينه به أو تخصصه، ولا سيما 1 إذا كان معنى الاستمرار في الفعل غير وضعي، فإن وضعه على الحدوث، قال سيبويه 2: تقول: مررت بعبد الله ضاربك، كما تقول مررت بعبد الله صاحبك، أي: المعروف بضربك، كما تقول: بزيد شبيهك، أي المعروف بشبهك، فإذا قصدت
هذا المعنى، لم يعمل الفاعل 3 في محل المجرور به نصبا، كما في (صاحبك)، وإن كان أصله اسم فاعل من: صحب يصحب، بل نقدره كأنه جامد، قال تعالى: (حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب) 4، ومثال اسم المفعول المضاف إلى الأجنبي، أي المنصوب قولك: زيد معطى الدار، أي يعطى الدار، وعمرو مكسو الجبة، أي يكسى الجبة، وحاله كحال اسم الفاعل المضاف إلى المنصوب، كما مر، واعلم أنه حال المصدر بخلاف الصفة، فإن إضافته إلى معموله محضة وذلك لنقصان مشابهته للفعل لفظا ومعنى، أما لفظا، فلعدم موازنته، وأما معنى فلأنه لا يقع موقع الفعل ولا يفيد فائدته إلا مع ضميمة وهي (أن) 5، بخلاف الصفة فإنها تؤدي معنى الفعل بلا ضميمة، تقول: أعجبني ضرب زيد عمرا، أي: أن ضرب زيد عمرا، وتقول: زيد ضارب عمرا، أي: يضرب عمرا، فلقوة شبه الصفة، لم يكن لها بد من مرفوع إما ظاهر أو مضمر، بخلاف المصدر كقوله تعالى: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما 6)، فإنه
مجرد عن المرفوع، وكقولك: أعجبني ضرب، فإنه مجرد عن المرفوع والمنصوب، فلما
__________
(1) يريد أن يقول إن الأصل في الفعل وضعه على الحدوث وذلك مما يقوي دعوى أن إضافة المستمر محضة، (2) هذا منقول بمعناه من سيبويه ج 1 ص 213، (3) أي اسم الفاعل، (4) الآيات الثلاث من أول سورة غافر، (5) هو معنى قولهم في شرط عمل المصدر: أن يكون مفسرا بأن والفعل، (6) الآتيان 14، 15 سورة البلد، (*)(2/224)
كانت الصفة أقوى شبها بالفعل، كانت أولى بعملها عمل الفعل، فكان تقدير الانفصال 1 فيها، أظهر، فمن ثم كانت إضافتها إلى معمولها لفظية، وإضافة المصدر إلى معموله محضة، فيختص المصدر، أو يتعرف، بنسبته إلى فاعله أو مفعوله، لاشتهاره به، كاختصاص الغلام برجل، وتعرفه بزيد، فإن قلت: فمقتضي ما ذكرت، أن يكون عمل الصفة عمل الفعل، أولى من عمل المصدر عمله، والأمر بالعكس وذلك أن المصدر في عمله لا يحتاج إلى شرط، بخلاف
الصفة، فإنها تحتاج إلى الاعتماد، واسم الفاعل واسم المفعول محتاجان إلى كونهما بمعنى المضارع، مع الاعتماد، كما سيأتي في أبوابها، قلت: إن الأمر كذلك، إلا أن المصدر أطلب 2 لما هو فاعل له، ومفعول من الصفة، لأنه يطلبهما لكونهما من ضرورياته عقلا، لا وضعا، فبعد حصولهما له، يكفيه للعمل فيهما أدنى مشابهة للفعل، واسما الفاعل والمفعول، يطلبانهما لتضمنهما معنى المصدر الطالب لهما، فبعد حصولهما، لهما، يحتاجان إلى مشابهة قوية مع الفعل، وشروط، حتى يعملا عمل الفعل، فالمحصول 3، أن طلب المصدر للفاعل والمفعول قوي لكونه لذاته، وعمله فيهما ضعيف، لكونه لمشابهة ضعيفة مع الفعل لفظا ومعنى، فلهذا كان المصدر المضاف إلى أحدهما أكثر استعمالا من المصدر المعمل فيهما، وطلب الصفة 4، للفاعل والمفعول، ضعيف، لكونه بتضمن المصدر، وعملها فيهما قوي، لكونه لمشابهة قوية مع الفعل لفظا ومعنى، فلهذا، إذا جررت في اللفظ فاعلها فلا بد من تقدير ضمير فيها قائم مقام الفاعل،
__________
(1) الذي هو معنى الأضافة اللفظية.
(2) أي أشد طلبا منهما، (3) هذا تلخيص للكلام السابق: أي الذي يمكن تحصيله من الكلام السابق، ويعبر عنه المؤلفون بقولهم: والحاصل كذا، (4) المراد ما يشمل اسم الفاعل واسم المفعول، (*)(2/225)
مرفوع، وإن لم يكن في الحقيقة فاعلا، كقائم الغلام 1، وحسن الوجه، فإذا كانت أقوى في العمل من المصدر، كانت إضافتها بتقدير الانفصال، أولى من المصدر، لأن انفصال الأضافة مبني على العمل، كما ذكرنا، لا على طلب الفاعل والمفعول، قوله: (ولا تفيد إلا تخفيفا في اللفظ)، وذلك لما قلنا ان مشابهتها للفعل قوية، فكان إعمالها عمل الفعل أولى، إلا أنه يطلب التخفيف اللفظي، والتخفيف في اسمي الفاعل والمفعول المضافين إلى الأجنبي، لا يكون إلا في المضاف، وذلك بحذف التنوين أو النونين، نحو: ضارب زيد، ومعطى الأجرة، وضاربا عمرو، ومكسوو الفراء، وأما في اسمي الفاعل والمفعول المضافين إلى السببين، والصفة المشبهة، فقد يكون 2 في المضاف والمضاف
إليه معا، نحو: زيد قائم الغلام، ومؤدب الخدام وحسن الوجه، فالتخفيف في المضاف بحذف التنوين، وفي المضاف إليه بحذف الضمير واستتاره في الصفة، وقد يكون في المضاف وحده، كقائم غلامه ومؤدب خدامه، وحسن وجهه عند من جوز ذلك، كما سيجئ في أبوابها، وقد يكون في المضاف إليه وحده، كالقائم الغلام، والمؤدب الخدام، والحسن الوجه، فإن قلت: كيف ادعيت أنها لم تفد إلا التخفيف، وقد علمنا بالضرورة أن التخصيص الذي في ضارب زيد، لا ينقص عما في: غلام رجل، إن لم يزد عليه، قلنا: التخصيص لم يحصل بإضافة ضارب إلى زيد، بل كان حاصلا لضارب من زيد، حين كان منصبوبا به أيضا، بلا تفاوت في التخصيص بين نصبه وجره، ومقصودنا أن الأضافة غير مخصصة ولا معرفة، قوله: (ومن ثم جاز: مررت برجل حسن الوجه)، أي من جهة أنها لم تفد تعريفا، بل أفادت تخفيفا، فمن جهة أنها لم تفد تعريفا جازت هذه المسألة، وامتنع: بزيد حسن
__________
(1) لأن الفاعل في الحقيقة هو المضاف إليه في المثالين،
(2) فقد يكون: أي التخفيف، (*)(2/226)
الوجه، فلو أفادت تعريفا لم تجز الأولى للزوم كون المعرفة صفة للنكرة، ولجازت الثانية، لكون المعرفة، إذن، صفة للمعرفة، ومن جهة أنها تفيد تخفيفا، جاز: الضاربا زيد، لحصول تخفيف بحذف النون، وامتنع: الضارب زيد، لعدم التخفيف، لأن التنوين في الأول 1 سقط للألف واللام، لا للأضافة، قال المصنف: أجاز الفراء نحو: الضارب زيد، إما لأنه توهم أن لام التعريف دخلته بعد الحكم بإضافته، فحصل التخفيف بحذف التنوين بسبب الأضافة، ثم عرف باللام، وإما لأنه قاسه على: الضارب الرجل، والضاربك، فإن جازت 2 الأضافة فيهما مع عدم التخفيف، فلتجز فيه أيضا، قال: وكلا الأمرين غير مستقيم، أما قوله: لأن لام التعريف دخلت بعد الحكم بإضافته، فإنه رجم بالغيب، ومن أين له ذلك ؟ ونحن لا نحكم إلا بالظاهر، فإنه، وإن أمكن ما قال، إلا أننا نرى اللام سابقة حسا على الاضافة، والاضافة في الظاهر إنما أتت بعد الحكم بذهاب التنوين
بسبب اللام، فكيف ينسب حذف التنوين إلى الأضافة بلا دليل قاطع، ولا ظاهر مرجح، وأما قياسه على: الضارب الرجل، فليس بوجه، وذلك أن الضارب الرجل، وإن لم يحصل فيه تخفيف بالأضافة إلا أنه محمول على ما حصل فيه التخفيف، ومشبه به، وذلك هو 3: الحسن الوجه، والجر فيه هو المختار، وذلك لأنك لو رفعت الوجه، لخلت الصفة من الضمير، وهو قبيح، كما يأتي في باب الصفة المشبهة، وأما النصب في مثله فتوطئة للجر، وذلك أنهم لما أرادوا الأضافة في: الحسن وجهه بالرفع، قصدا للتخفيف، حذفوا الضمير، واستتر في الصفة، وجئ باللام في المضاف إليه، ليتعرف الوجه باللام، كما كان متعرفا بالضمير المضاف إليه، واللام بدل من الضمير في مثل هذا المقام 4 مطردا،
__________
(1) أي في أول اللفظين وهو المضاف، (2) يعني: فحيث جازت هنا فلتجز هنا، (3) أي المحمول عليه، (4) أي في باب الصفة المشبهة، وهو مطرد فيها، (*)(2/227)