شَرحُ الآجرومية
للشَّيخِ محمد بنِ خالدِ الفاضِلِ
حفظهُ اللهُ
مقدمة الشارح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أيها الإخوة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله صباحنا وصباحكم بكل خير، والحمد لله أولا وأخيرا على ما منّ به من هذا اللقاء المبارك؛ الذي نتدارس فيه كتاب الله، ما بين تفسيره وحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسيرته -عليه الصلاة والسلام-، وما يعين على فهم ذلك ويقرب منه، ومن ذلك ما نحن بصدد الحديث عنه، وهو علم النحو وعلم اللغة العربية.
أبدأ بشكر الله -سبحانه وتعالى- ثانيا وثالثا على ما من به هذا اللقاء المبارك، ثم أثني بشكر الإخوة القائمين على تنظيم هذا اللقاء، وأسأل الله أن يبارك في جهودهم، وأن يجعل هذا اللقاء في موازين حسناتهم.
أيها الإخوة في الله: لقد فكرت كثيرا في موضوع هذا اللقاء، وفي الكتاب المناسب لنتدارسه معكم، ورأيت أن هذه المدة القصيرة، وهي ثلاثة أسابيع، قد لا تعطينا المجال الأرحب لدراسة كتاب من كتب النحو الموسعة كبعض شروح الألفية وغيرها من الكتب الجامعة النافعة التي حظيت بإقبال طلاب العلم عليها قديما وحديثا.
ورأيت أن من أنسب الكتب قديما وحديثا، والمتون التي يدار حولها هذا اللقاء هو متن الأجرومية، وصادف هذا -أيضا- رغبة ومشورة من الإخوة القائمين على تنظيم هذا اللقاء.(1/1)
متن الأجرومية في علم النحو من المتون التي - كما ذكر فضيلة الشيخ عبد الله الحسني - قد حظيت بإقبال طلاب العلم عليها قديما وحديثا، ولعل من أسباب انتشار هذا المتن وتداوله حتى وصل إلينا، وهو غض طري، ما صاحبه من نية طيبة من صاحبه عند تأليفه، والأعمال بالنيات كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأكثر ما يورث العلم البركة، ويهيئه للخلود أن تصاحبه نية صادقة فيه، وإني أستهل هذا اللقاء مثنيا على ما ذكره أخي -فضيلة الشيخ- من أنه ينبغي علينا مدرسين ودارسين أن نصحب لقاءنا وبرنامجنا هذا ودورتنا هذه بالنية الطيبة الخالصة الصالحة في طلب العلم، واستصحاب هذه النية يهيئ للإنسان أولا: القبول، ثم يبارك له في الجهد، وفي الوقت، وفي السمع، وفي البصر، ويعينه على تلقي العلم، وعلى استيعابه بأقل جهد، وأقل وقت.
وهناك أمر آخر ينبغي الإشارة عليه، وهو قد يوجه لطلاب العلم ولو كان أحد غنيا عن توجيهه لكنتم من أغنى الناس عن ذلك ؛ لأنكم لم تدعوا الفراش، ولذة النوم، وتأتوا إلى هذا المكان إلا وأنتم قد صحبتم هذه النية، وهي النية الصالحة في طلب العلم.
وأمر آخر وهو التذكير بأهمية علم اللغة وعلم النحو، ومثلكم لا يذكر، فما اجتمعتم هذا الاجتماع لستم منتظرين امتحانا ولا اختبارا إلا وأنتم مستشعرين أهمية هذا العلم - علم النحو-، وكونه من علوم الآلة التي يحتاج إليها طالب العلم في مبتدأ حياته العلمية.
متن الأجرومية لا أظن أنني سأقدم لكم فيه جديدا، فقد خدم قبلي وخدمه كثيرون ما بين كتاب مقروء وشريط مسموع؛ فممن اعتنى به من المعاصرين: الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد -رحمه الله- وألف فيه شرحا صغيرا أسماه "التحفة السنية في شرح المقدمة الأجرومية ".(1/2)
ولعل هذا الشرح من الانتشار بحيث يكون معروفا لدى أغلب طلاب العلم، وثمة شرح آخر وهو لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم - رحمه الله - وهو ما أسماه بـ "حاشية الأجرومية "، وممن شرحه -أيضا- فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين؛ شرحه في أشرطة متداولة مسموعة، يتداولها طلاب العلم فيما بينهم.
وكما قلت لكم: لا أظن أنني سأقدم لكم جديدا في هذا الباب، وإنما من حظي أن أقف أمامكم ؛ لأتذاكر معكم هذا العلم النافع، ولنحظى بالأجر العظيم في استصحاب هذه النية الصادقة الصالحة -إن شاء الله-، وفي مذاكرة هذا العلم، لعل الله أن يشملنا برحمته وعفوه، وأن يحفنا بملائكته، وأن يغشانا برحمته.
أيضا هذا المتن وهو متن الأجرومية تعلمون أنه اعتني به في هذه الأيام، وهي أيام -ولله الحمد- حظيت فيها كتب العلم باهتمام واسع من دور النشر، ومن طلاب العلم، فطبع المتن منفردا في عدة طبعات منها هذه الطبعة الصغيرة، وهي متداولة وموجودة في مكتبات الرياض، ومنها هذه الطبعة التي -أيضا- تضم إلى جانبها منظومة الفرائض المشهورة.
سيكون من عادتنا في هذا الدرس -اختصارا وطلبا لاغتنام الوقت، وعدم إضاعته- أن يقرأ الأخ سامي العمر فصولا، أو أسطرا من هذا المتن، وأقوم بالتعليق عليها وشرحها شرحا موجزا، وسأحاول أن يكون الشرح مختصرا، ولا أرى أن نوغل في بعض التعاريف، وبعض المصطلحات ؛ لأن هذا ربما أخذ منا وقتا كثيرا، وحرمنا من الاسترسال فيما أنتم جئتم لطلبه، وهو بعض الأمور المهمة من علم النحو التي تعين على إقامة اللسان.
مؤلف، أو مصنف هذا المتن وهو الأجرومية يبدو من اسمها أنها منسوبة إلى ابن أجروم، وابن أجروم هو أبو عبد الله، أو أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي من علماء المغرب.(1/3)
ولد وتوفي في مدينة فاس؛ ولد في سنة ستمائة واثنتين وسبعين، وتوفي في سنة سبعمائة وثلاث وعشرين، وهو من علماء المغرب العربي، ومن قبيلة صنهاجة، وهي قبيلة من قبائل البربر على المشهور في كتب التاريخ، وكلمة "أجروم" معناها -كما يقال، ولم أتتبع ذلك تتبعا دقيقا-: أنها كلمة بربرية تعني: الفقير، أو الورع، أو نحوها من الألقاب التي تعطي هذا المعنى.
نبدأ مستعينين بالله، وليتفضل الأخ القارئ سامي العمر.
أنواع الكلام
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: قال المصنف -رحمه الله تعالى-: الكلام: هو اللفظ المركب المفيد بالوضع ، وأقسامه ثلاثة: اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى. فالاسم يعرف: بالخفض، والتنوين، ودخول الألف واللام، وحروف الخفض، وهي: من، وإلى، وعن، وعلى، وفي، ورب، والباء، والكاف، واللام،وحروف القسم، وهي: الواو، والباء، والتاء.
والفعل يعرف بقد، والسين وسوف وتاء التأنيث الساكنة.
والحرف ما لا يصلح معه دليل الاسم ولا دليل الفعل.
---
يقول: "الكلام: هو اللفظ المركب المفيد بالوضع" مراده بذلك -بلا شك- وفي اصطلاح النحويين، وإلا فإن الكلام له تعريفات أخرى في الاصطلاحات الأخرى، نحن نقف عند الاصطلاح النحوي، وهو أن الكلام: هو اللفظ المركب المفيد بالوضع.
علم النحو -كما تعلمون- إنما جاء لخدمة الكلام العربي، طبعا علم النحو في اللغة العربية، علم النحو في اللغات الأخرى إنما هو يخدم هذه اللغات، نحن نتحدث والعلماء إنما يتحدثون عن علم النحو في اللغة العربية، علم النحو في اللغة العربية إنما جاء لخدمة هذا الكلام، وبيان أحواله من إعراب وتركيب ونحو ذلك، والنحو -عادة- كلمة إذا أطلقت فإنها تشمل علم الصرف -أيضا-.
فالكلام في اصطلاح النحويين: هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، إذن لا بد للكلام في اصطلاح النحويين من هذه القيود: أن يكون لفظا، وأن يكون مركبا، وأن يكون مفيدا.(1/4)
والمراد باللفظ هو ما يتلفظ به، فأي شيء حصلت لك منه الفائدة دون أن يخرج من اللسان ومن الفم، ودون أن يتلفظ به فإنه لا يسمى كلاما، فالإشارة تفيد وتحقق المعنى، وتحقق الغرض لكنها لا تسمى كلاما، والإيماء -أيضا- بالرأس، أو بأي حركة أخرى يفيد -أيضا-، لكنه لا يسمى كلاما ؛ فلكي يكون الكلام كلاما لا بد أن يكون ملفوظا به، ولا بد أن يكون مركبا؛ والمراد بالتركيب هنا هو التركيب الإسنادي الذي يحصل فيه إسناد لفظ إلى لفظ.
فلو كان مركبا لكنه تركيب إضافي، فإنه لا يسمى كلاما في اصطلاح النحاة، فالأعلام والأسماء المركبة مثل عبد الله وعبد الرحمن، وما إلى ذلك المركبة تركيبا إضافيا، أو الأعلام المركبة تركيبا مزجيا كسيبوبة وبعلبك ونحو ذلك، إذا وقفت عندها بهذا فإنها لا تسمى كلاما.
فلا بد -إذن- من التركيب الإسنادي الذي يسند فيه اسم إلى اسم، أو اسم إلى فعل، أو نحو ذلك من أنواع الإسناد، ولا بد من هذا التركيب أن يتحقق معه الفائدة.
فالتركيب لا بد أن يكون من كلمتين على الأقل فأكثر، ولا بد أن يتحقق منه فائدة، فإذا قلت: محمد قائم، فإنه يكون عندنا الآن، عندنا لفظ، وعندنا تركيب، وعندنا فائدة؛ فلو حصل اللفظ فقط لم يسم كلاما، ولو حصل الترتيب فقط دون الفائدة، فإنه -أيضا- لا يسمى كلاما، وإن كان مركبا من كلمتين، أو ثلاث كلمات، أو أربع كلمات؛ فأنت حينما تقول -مثلا-: إذا طلعت الشمس، ثم تقف عند هذا لا يسمى كلاما، وإن كان مركبا من ثلاث كلمات ؛ لأنه لم تحصل به الفائدة ؛ لأنك حينما تقول: إذا طلعت الشمس، فإن السامع ما زال مستشرفا ومترقبا لشيء تحصل به هذه الفائدة، أي: ما الذي سيحصل إذا طلعت الشمس؟
فلا بد -إذن- مع التركيب من أن يكون مفيدا بالوضع، مفيدا بالوضع أي: أنه بوضعه بالنسبة لهذه اللغة العربية، أي: أن تكون هذه الكلمات وضعت في اللغة العربية ؛ لتحقق مثل هذا الشيء ولتدل عليه.(1/5)
فالكلام -إذن- لا بد فيه من هذه القيود الثلاثة وهي: اللفظ والتركيب والفائدة، فلو تحقق واحد منها فإنه، أو تحقق اثنان فإنه لا يسمى كلاما، بل لا بد من اجتماع هذه الثلاثة.
وأقسامه ثلاثة وهي: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى.
العلماء حينما قسموا الكلام الذي يتركب منه كل الكلام العربي الذي تسمعونه إلى هذه الأقسام الثلاثة، لم يرد نص يبين لهم هذا التقسيم، وإنما جزموا بهذا التقسيم من خلال الاستقراء والتتبع، فقد استقرءوا كلام العرب؛ شعره ونثره، ووجدوا أنه لا يخلو بحال من الأحوال عن هذه الثلاثة؛ إما أن يكون اسما، أو أن يكون فعلا، أو أن يكون حرفا.
والحرف قيده بقوله: "وحرف جاء لمعنى" ؛ لأن الحرف لا بد الحرف الذي هو قسيم هذين الاثنين، وهما الاسم والفعل لا بد أن يكون جاء لمعنى، معنى ذلك أن الحروف المقطعة هكذا وهي: أ، ب إلى غير ذلك لا تسمى، أي: ليست حرفا بالمعنى الاصطلاحي الذي هو قسيم الاسم والفعل، وإنما الحرف الذي هو قسيم الاسم والفعل: هو الحروف التي جاءت لمعنى كمِن التي تدل على التبعيض، والباء التي تدل على السببية والإلصاق، وإلى التي تدل على انتهاء الغاية، وهل التي تدل على الاستفهام، وغير ذلك من الحروف التي جاءت، ووضعت لمعنى.
أما الحروف المقطعة هكذا فإنها لا تأتي لمعنى، ولا تفيد شيئا منفردة وحدها.
بدأ - لا أريد أن أستقصي، وأن أفصل كثيرا، وإلا فإن هناك -كما ذكرت لكم- مصطلحات يقف العلماء عندها كثيرا، وهي اللفظ والقول والكلام والكلم، ثم يدخلون إلى اسم الجنس الجمعي، واسم الجنس الإفرادي، وما إلى ذلك.
وهذه أمور ستخرجنا عن هذا المتن الذي التزمنا به، وقد لا يسمح الوقت بالوفاء بها، لكني أحيلكم في مثل هذه المقدمات -إن شئتم- إلى بعض الكتب التي فصلت فيها تفصيلا كثيرا، ومن ذلك: شروح الألفية ؛ لأن ابن مالك - رحمه الله - عرض لهذا الأمر في الألفية بقوله:
كلامنا لفظ مفيد كاستقم ... واسم وفعل ثم حرف الكلم(1/6)
واحده كلمة والقول عم ... وكلمة بها كلام قد يؤم
العلماء الذين شرحوا الألفية عند شرحهم لهذين البيتين أطنبوا وأسهبوا في بيان هذه المصطلحات التي ذكرت لكم، وهي: الكلام والكلم واللفظ والقول، والمفيد وغير المفيد، والمهمل والمستعمل وما إلى ذلك، فاطلبوها هناك، كما ان ابن هشام تعرض لها في شرحه "لقطر الندى" بحديث واف.
انتقل المؤلف - رحمه الله - إلى هذه الأقسام الثلاثة، وبدأها واحدا واحدا، لكنه لم يبدأ بتعريفها وإنما بدأ -طلبا للإيجاز- بعلامتها التي تدلك عليها، والتي ربما أغنتك عن التعريف، فقال:
فالاسم يعرف بالخفض، والتنوين، ودخول الألف واللام، وحروف الخفض وهي: من، وإلى، وعن، وعلى، وفي، ورب، والباء، والكاف، واللام، وحروف القسم وهي: الواو، الباء، والتاء.
اكتفى في حديثه عن الاسم بهذا، لم يعرف الاسم؛ والاسم -كما تعلمون-: هو الكلمة التي وضعت لمعنى في نفسها غير مقترن بزمن، الاسم: هو الكلمة التي تدل على معنى في نفسها غير مقترن بزمن، فهو يدل على معنى، لكنه ليس مقترنا بزمن.
فالفرق بينه وبين الفعل أن كلاهما يدل على معنى، لكن الاسم ليس مقترنا بزمن، وأما الفعل فإنه لا بد من أن يصاحبه الزمن -كما سيأتي-.
علامات الاسم التي تدل عليه، والتي يعرف بها هي علامات كثيرة، والمؤلف هنا - رحمه الله - اكتفى بهذه الأربعة فقط وهي: الخفض، والتنوين، ودخول الألف واللام، وحروف الخفض، والعلماء ومنهم ابن مالك وغيره من شراح الألفية يزيدون هذه العلامات إلى أكثر من ذلك؛ يقول ابن مالك - رحمه الله - في هذا:
بالجر والتنوين والندا والـ ... ومسند للاسم تمييز حصل
أي: أن الاسم يتميز عن غيره بهذه العلامات الخمس، وهي: الجر والتنوين والنداء وأل، أي: الألف واللام، والإسناد، ومن العلماء من يزيد علامات أخرى -أيضا- كالتصغير ونحوه، نقف مع العلامات التي ذكرها ابن أجروم وهي: بدأها أولا بالخفض، الخفض ماذا يراد به ؟(1/7)
الخفض يراد به الجر، والجر والخفض مصطلحان مترادفان إلا أن الخفض مصطلح كوفي، والجر مصطلح بصري ؛ ولأن نحو البصريين أشهر، وكتبهم أكثر انتشارا، فإن مصطلح الجر هو المصطلح المشهور والمتداول، ولا مشاحة في الاصطلاح، لك أن تسميه بالجر، ولك أن تسميه بالخفض.
فالاسم من علاماته التي يعرف بها: أن يقبل الجر، ما معنى قبوله للجر؟ قبوله للجر: هو أن تظهر عليه علامة الجر؛ علامة الجر الأصلية ما هي ؟ علامة الجر الأصلية هي الكسرة، فأي كلمة رأيتها مجرورة، ورأيت الكسرة ظاهرة على آخرها فاحكم عليها بأنها اسم؛ لأن الجر وهو الكسر لا يدخل الأفعال، ولا يدخل الحروف. والجر، أو الخفض يراد به: ظهور علامة الجر سواء كانت هذه العلامة أصلية وهي الكسرة، أو كانت علامة فرعية، فأنت حينما تقول - مثلا-: صليت مع المسلمين. فالمسلمين هنا اسم، ما الذي دلك على اسميته ؟
دل على اسميته أمور منها: أنه ظهرت عليه علامة الجر وهي الياء. فالخفض، أو الجر هو ظهور علامة الجر سواء كانت أصلية وهي الكسرة، أو كانت فرعية وهي الياء، فالخفض، أو الجر هو ظهور علامة الجر سواء كانت أصلية وهي الكسرة، أو كانت فرعية وهي الياء في جمع المذكر السالم، والمثنى، والأسماء الستة، وغير ذلك مما سيأتي.
العلامة الثانية: التنوين؛ فالكلمة التي تقبل التنوين هي اسم وليست فعلا ولا حرفا ؛ لأن الأفعال والحروف لا تقبل التنوين، ما المراد بالتنوين ؟ المراد بالتنوين: هو هذه النون الساكنة التي تلحق آخر الكلمة، أو آخر الاسم؛ لأنها خاصة به لفظا لا خطا؛ أنت تنطق نونا حينما تقول: هذا محمدٌ، تنطقها نونا لكنك لا تكتبها، هذه النون التي تنطق باللسان، ولا تكتب في الخط هي التي تسمى بالتنوين. أي كلمة قبلت التنوين-ظهر التنوين على آخرها- فإنها تكون اسما، ولا تكون فعلا، ولا حرفا: جاء محمدٌ، ورأيت محمدا، مررت بمحمدٍ.(1/8)
والعلامة الثالثة: هي دخول الألف واللام؛ دخول الألف واللام، أو دخول ألـ -إن شئت- بأنواعها، فالألف واللام -أيضا- من خصائص الأسماء ولا يمكن أن يدخل الفعل ؛ لأن المراد منها التعريف، الأصل في الألف واللام أنها للتعريف، والتعريف والتنكير إنما هو من خصائص الأسماء، فالأفعال والحروف لا توصف بالتعريف والتنكير، وإنما الذي يوصف بالتعريف والتنكير هو الأسماء، فدخول الألف واللام على كلمة من الكلمات مؤذن ومشعر بأنها اسم، وليست فعلا، ولا حرفا.
والعلامة الثالثة: حروف الخفض؛ وهذه العلامة المؤلف أفردها، وغيره من العلماء يقولون: الجر، ويكتفون بذلك، أو يقولون: الخفض، ويكتفون بذلك؛ لأن المراد بالخفض، أو بالجر هو: إما ظهور علامة الجر، أو قبول الكلمة لأن تكون مجرورة.
طيب حينما قال: جاء بالخفض على أنه علامة، أو الجر، وجاء بحروف الجر على أنها علامة، هل يمكن أن يأتي الجر من غير حروف الجر ؟
الواقع أن الجر يمكن أن يأتي من غير حروف الجر، فمعنى ذلك أن الكلمة إذا دخلت عليها حروف الجر، إذا قبلت واحدا من حروف الجر، حكمنا عليها بأنها اسم، وأيضا إذا ظهر عليها علامة الجر وهي الكسرة، أو غيرها من العلامات الفرعية وهي الياء، أو نحو ذلك دون أن تسبق بحرف الجر يحكم عليها بأنها اسم، وقد تظهر علامة الجر، أو تظهر علامة الجر دون أن يدخل حرف الجر في حالات منها: الإضافة، فالمجرور بالإضافة يكون مجرورا وإن لم يدخل عليه حرف الجر، كذلك المجرور بالتبعية يعني: الذي يقع نعتا، أو توكيدا، أو معطوفا بعطف بيان، أو عطف نسق، أو بدل هذه كلها قد تكون مجرورة، وإن لم يدخل عليها حرف الجر. فإذن دخول حرف الجر يعد علامة، وظهور علامة الجر يعد علامة -أيضا-.(1/9)
من العلامات -كما ذكرت لكم-: النداء، وهو دخول حرف النداء على الكلمة، فالأفعال لا يمكن أن تنادى ؛ لأن النداء ما هو ؟ النداء: هو طلب الإقبال، حينما تقول: يا محمد، يا علي، طلب الإقبال لا يتصور إلا ممن يمكن أن يقدر على ذلك، وعادة لا يقدر على ذلك إلا الأسماء التي هي في الواقع سمي بها من يعقل، فالاسم -إذن- من علاماته دخول حرف النداء.
كذلك التصغير بمثل طالب طويلب ، درهم دريهم ونحو ذلك، فإن الأفعال لا تصغر، ولا عبرة بالخلاف بما يتعلق بأفعل التعجب، وأنه فعل، وأنه يصغر، فهو أمر يخصه وحده، لكن التصغير في الواقع من خصائص الأسماء.
وأي كلمة قبلت التصغير يحكم عليها بأنها اسم.
التعجب مثل: ما أحسنه، فعل التعجب هو فعل في الواقع، ومن العلماء من قال: إنه اسم محتجين بأنه يصغر، فيقال: ما أميلحه، ما أحيسنه ونحو ذلك، وهذه قضية ينفرد بها أفعل التعجب، ولا يمكن أن تخرج هذه القاعدة عن عمومها.
هذه العلامات التي يعرف بها الاسم ليس المراد منها أنها تأتي مجتمعة، فإنه لا يمكن اجتماعها بحال، قد يجتمع عدد كبير منها، لكنها جميعا لا تجتمع، ومن العلامات التي لا يمكن أن تجتمع التنوين والألف واللام، فإن التنوين لا يمكن أن يجتمع مع الإضافة، ولا يمكن أن يجتمع مع الألف واللام، فأنت حينما تقول: هذا طالب، يكون كلمة طالب اسما ؛ لأنه دخلها التنوين، فإذا أدخلت عليها الألف واللام قلت: هذا الطالب يذهب التنوين، ولا يجتمع مع الألف واللام.
فالحاصل أن هذه العلامات يكفي علامة واحدة منها فقط في أي كلمة ؛ لنعرف منها أن هذه العلامة اسم، إذا جاء معك كلمة، واشتبه عليك هل هي اسم، أو فعل؟ وهذا يكون كثيرا في بعض أسماء الأفعال وفي بعض المصادر، فإن بعض المبتدئين يلتبس عليه هل هذه الكلمة اسم، أو فعل؟
وكثيرا ما نرى في كتابات بعض الطلاب في الاختبارات حينما يأتي معه بعض المصادر، أو بعض أسماء الأفعال يحكم عليها بأنها فعل.(1/10)
إذا أشكل عليك كلمة من الكلمات فحاول أن تطبق عليها هذه العلامات، وهذه العلامات ما وضعت في الأصل إلا لكي تفرق بها، أو بواسطتها بين الأفعال والحروف، فأي كلمة طبقت عليها هذه العلامات، وقبلت واحدة منها فاحكم عليها بأنها اسم وأنت مطمئن حينئذ، حتى ولو لم تكن مقتنعا من ذلك.
حروف الخفض وحروف الجر عدها وذكر منها: من، وإلى، وعن، وعلى، وفي، ورب والباء، والكاف، واللام، ثم حروف القسم وهي: الواو، والباء، والتاء.
والواقع أن هذه بعض حروف الجر، وليست حروف الجر، حروف الجر حينما يتحدث عنها العلماء بالتفصيل في باب حروف الجر يوصلونها إلى عشرين حرفا، والذي ذكره المؤلف منها هو المشهور والمتفق عليه.
حروف الجر لا نريد هنا أن نسترسل في المعاني، أو في معانيها ؛ لأن بعضها له عشرة معان، وبعضها له اثنا عشر معنى، وما إلى ذلك، فلا نريد أن نفصل فيها، أولها: "من" ومن المشهور فيها، المشهور في معانيها أنها تأتي لابتداء الغاية، وهو من أشهر معانيها. و"إلى" تأتي لانتهاء الغاية، وهو من أشهر معانيها.
طبعا ابتداء الغاية، وانتهاء الغاية كما إذا قلت: خرجت من البيت إلى المسجد، فبداية الخروج البيت ونهايته المسجد. و"عن" ويراد بها المجاوزة كما إذا قلت: رميت عن القوس، رميت السهم عن القوس؛ فالسهم حينئذ جاوز القوس فسميت بالمجاوزة. و"على" لها عدة معان أشهرها، أو معناها الأصلي هو: الاستعلاء، وضعت الكأس على المنضدة أي: فوق المنضدة. و"في" ولها عدة معان -أيضا-، وأشهر معانيها هو الظرفية: جلسنا في المسجد، أي: في داخل المسجد. و"رب" ولها معان: من أشهر معانيها: التقليل، وأيضا ضده: وهو التكثير حسب السياق.(1/11)
و"الباء" لها معان منها: الإلصاق؛ كتبت بالقلم أي: ألصقت يدي بالقلم عند الكتابة، والسببية -أيضا-، و"الكاف" وأظهر معاني الكاف وأشهرها هو التشبيه. و"اللام" -أيضا- ولها عدة معان تزيد على عشرة، ومن أشهر معانيها: الملك، وشبه الملك، والاستحقاق ونحو ذلك.
القسم الثاني من أقسام الكلام، أو من أقسام الكلمة هو " الفعل"؛ الفعل -أيضا- هو الكلمة التي تدل على معنى في نفسها مقترن بزمن، يعني: مقترن بزمن ماض، وهو الفعل الماضي، أو حاضر ومستقبل وهو الفعل المضارع، أو مقترن بطلب الفعل بعده في الحال، وهو فعل الأمر.
الفعل أنواعه ثلاثة -كما تعلمون-، وهي الأنواع المشهورة: الفعل الماضي، والمضارع، والأمر، وقال المؤلف -رحمه الله-: والفعل يعرف بقد والسين وسوف وتاء التأنيث الساكنة، والواقع أن هذه علامة للفعل بصفة عامة، لكنك لو حاولت أن تفرد كل فعل على حدة، وأن تبحث عن علامة كل فعل من هذه الأفعال فإنك تحتاج إلى تفصيل أكثر، فما نوع الفعل الذي يعرف بقد ؟
يقول: والفعل يعرف بقد، ما الفعل الذي يعرف بقد ؟ نعم الفعل الماضي، وكذلك -أيضا- الفعل المضارع، الفعل الماضي تقول: قد حضر محمد، والفعل المضارع تقول -أيضا-: قد يحضر محمد، فقد هذه تدخل على فعلين، وهما: الفعل الماضي والمضارع.
والسين وسوف، السين وسوف هل يدخلان على فعل واحد، أو على اثنين، أو على الثلاثة ؟
السين، أو سوف علامة على نوع واحد من أنواع الفعل وهو الفعل المضارع، السين وسوف علامة للفعل المضارع فقط.
العلامة التي ذكرها للفعل: الأولى هي: قد، وهذه تصلح للماضي وللمضارع، والعلامة الثانية هي: السين وسوف، وهاتان العلامتان خاصتان بالفعل المضارع فقط، وتسمى: حروف التنفيس.
وتاء التأنيث الساكنة: تاء التأنيث الساكنة علامة لأي نوع من أنواع الأفعال؟ علامة للفعل الماضي فقط، تاء التأنيث الساكنة علامة للفعل الماضي فقط، مثل: قامت وخرجت ودخلت ونحو ذلك.(1/12)
اكتفى - رحمه الله - بهذه العلامات الثلاث، وهي: قد والسين وسوف وتاء التأنيث الساكنة.
هذه العلامات تصلح علامة للفعل بصفة عامة، لكننا لو أردنا أن نميز كل فعل على حدة لوجدنا أن هذه العلامات غير كافية.
بقي عندنا فعل الأمر لم يذكر له علامة هنا، علامة فعل الأمر ما هي؟ علامة فعل الأمر مركبة، أو مكونة من شيئين لا بد من اجتماعهما معا؛ الأول: هو الدلالة على الطلب، أي: الدلالة على الأمر، والثاني: قبول ياء المخاطبة، أو نون التوكيد. الكلمة التي تدل على الأمر وهو الطلب وتقبل ياء المخاطبة، أو نون التوكيد هذه -بلا شك- فعل أمر، وليست أي شيء آخر، كما إذا قلت -مثلا-: اذهبي، اكتبي، أو اكتبَنَّ يا محمد، اذهبَنَّ يا علي، فالكلمة التي تدل على الأمر والطلب، وتقبل ياء المخاطبة، أو نون التوكيد هذه هي فعل الأمر.
أما الفعل المضارع فمن علاماته -أيضا- غير ما ذكر، وذكر له السين وسوف، من علاماته -أيضا-: "لم" وغيرها من الجوازم، "لم" لا تدخل على أي نوع من أنواع الكلام، والكلمات لا الأسماء ولا الأفعال إلا على الفعل المضارع فقط.
والفعل الماضي -أيضا- يعرف ليس بتاء التأنيث الساكنة فقط، وإنما لك أن تقول: يعرف بإحدى التاءين، والمراد بذلك تاء التأنيث الساكنة وتاء الفاعل المتحركة، تاء الفاعل المتحركة سواء كانت للمتكلم مثل: كتبتُ، أو كانت للمخاطب مثل: كتبتَ، أو كانت للمخاطبة مثل: كتبتِ، هذه التاء التي تسمى تاء الفاعل المتحركة هذه علامة من علامات الفعل الماضي ؛ ولذلك قال ابن مالك - رحمه الله -:
وماضي الأفعال بالتاء مز
أي: ميز الفعل الماضي بالتاء، لم يقيدها ؛ لأنه يريد أن تشمل التاءين، يريد أن تشمل تاء التأنيث الساكنة مثل: قامتْ، وتاء الفاعل المتحركة مثل: قمتُ، وقمتَ، وقمتِ.(1/13)
النوع الثالث من أنواع الكلمة هو: الحرف؛ والحرف ما لا يصلح معه دليل الاسم، ولا دليل الفعل، إذن لو قيل لك: ما علامة الحرف ؟ نحن عرفنا -الآن- أن للاسم أربع علامات، أو أكثر، وعرفنا أن للفعل عدة علامات، لكل نوع من أنواعه علامة، أو علامتان، الحرف ما علامته ؟
الحرف علامته في الواقع علامة عدمية وليست وجودية، علامة الأسماء والأفعال أن يوجد فيها علامة، أما علامة الحرف أن تنعدم فيه العلامة، أي: أن تنعدم فيه علامات الأسماء وعلامات الأفعال.
فالكلمة التي لا تقبل شيئا من علامات الأسماء، ولا تقبل شيئا من علامات الأفعال هي النوع الثالث من أنواع الكلمة: وهو الحرف ؛ لأنه لا رابع عندنا، إما اسم وله علامات، أو فعل وله علامات، أو حرف وهو ما لا يقبل شيئا من هذه العلامات.
طبعا الحروف أنواع كثيرة منها: الحروف الخاصة بالأسماء، وهي حروف الجر: من وإلى وعن وعلى، ونحو ذلك، ومنها الحروف الخاصة بالأفعال، وهي: الجوازم والنواصب وما إليها، ومنها الحروف المشتركة بين الأسماء والأفعال مثل: هل الاستفهامية، وغيرها من الحروف غير العاملة.
وتلاحظون أن الحروف الخاصة تعمل، الحروف الخاصة بالأسماء تعمل الجر في الأسماء، والحروف الخاصة بالأفعال تعمل النصب في الأفعال، أو الجزم فيها، أما الحروف المشتركة، فلأنها مشتركة فإنها -في الغالب- لا تعمل سواء دخلت على الأفعال، أو على الأسماء. هذا ما يتعلق بأنواع الكلام الثلاثة، وتعريف، وعلامة كل نوع من هذه الأنواع الثلاثة، أظن أن الأمر - إن شاء الله - واضح في هذا.(1/14)
ومع درس النحو الذي نشرح فيه -مستعينين بالله- متن المقدمة الأجرومية لمؤلفها أبي عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي المغربي، المعروف بابن أجروم، ولقد بدأنا -مستعينين بالله- يوم أمس بالدخول في شرح هذا المتن، ولعلنا بالأمس أعطينا جرعة كبيرة كانت -كما سمعت، وكما بلغني من بعض الإخوة الحاضرين- أكبر مما ينبغي أن يقدم في مثل هذا الدرس.
ولا أدري فلربما كان حضور ذلك العدد الكبير، وكانت تلك البداية الناجحة الموفقة لهذه الدورة أعطت شيئا من الفرح والسرور والنشوة فكان ما حصل، ولكني -إن شاء الله تعالى- ابتداء من هذا الدرس أعدكم -حسب رغبتكم- بأن نسير سيرا بطيئا، ليس متعجلا، نحاول فيه أن نكثر من ضرب الأمثلة، ومن الوقفات ومن التكرار، ومن التأني عند الحديث.
ومن أصعب الأمور التي يواجهها المدرس والشارح لمثل هذا المتن هي الرغبة في الإيجاز، فالرغبة في الإيجاز أشد صعوبة من الاسترسال والإطناب ؛ لأن الإطناب والاسترسال يعطيك مجالا لأن تقول كل ما يخطر على بالك في المسألة، أما الإيجاز فإنك مطالب بأن تنتقي من الأمور التي أمامك الأنسب والأيسر والسهل والأمثل للمقام، ومن هنا تأتي الصعوبة في الإيجاز.
أيها الإخوة: أود أن تعلموا أننا هنا لسنا بصدد شرح أبواب النحو الشرح الوافي الكافي، ففي الباب الأول هو ما يمكن أن يسمى بباب الكلام، وما يتألف منه يحمل عدة مقدمات، ولسنا بصدد الإفاضة في هذا الحديث ؛ فلهذه الإفاضة كتب كثيرة تحدثتْ عنها، وقد أفضت في شرح هذا الباب في الشريط الأول من شرحي لكتاب "أوضح المسالك" لابن هشام، وباستطاعة من أراد التوسع أن يعود إلى ذلك، أو أن يعود إلى غيره من الكتب.(1/15)
ولذلك فنحن هنا ؛ رغبة في الإيجاز، نلتزم التزاما بألا نخرج كثيرا عن عبارة هذا المتن الذي خصص لهذه الدورة ذات الأيام المحدودة، فإن رأيتم شيئا من الإيجاز فإنما هو الالتزام بهذا، والرغبة في أن نحقق ما وعدنا به، وما التزمنا به للإخوة القائمين على هذه الدورة، وهو محاولة إتمام هذا المتن بتمامه.
بدأنا بالباب الأول وهو ما يتعلق بالكلام، وسأحاول أن أعيد بإيجاز بعض الأمور التي مرت بالدرس الماضي، بدئ الحديث بتعريف الكلام عند المؤلف، وهو -بالطبع- هو تعريفه عند النحاة، وقد عرفه - رحمه الله - بقوله: الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، فهذه الكلمات الأربعة تدل على أن أنه لا بد للكلام -لكي يكون كلاما في اصطلاح النحاة- من تحقق هذه الشروط الأربعة؛ فأول الأمور: أن يكون لفظا، فما دلك على المراد، لكنه ليس بلفظ فإنه لا يسمى كلاما، المراد باللفظ ما هو ؟
المراد باللفظ: هو الصوت المشتمل على بعض الحروف، فلو كان صوتا بدون حروف لا يسمى لفظا، ولو كان -أيضا- دلالة بإشارة، أو بإيماء، أو بكتابة، أو بأي أمر من الأمور التي يؤدى بها المراد، وتؤدي إلى الفهم، فإنه لا يمكن أن يسمى كلاما. فشرطه الأول: اللفظ، أي: أن يكون فيه صوت مشتمل على بعض الحروف.
والشرط الثاني: هو التركيب ، والمراد بالتركيب هو التركيب الإسنادي الذي يحصل منه جملة مفيدة، وليس كل تركيب يعد كلاما.
فالتركيب الإضافي -مثلا- مثل: عبد الله وعبد الرحمن وغيرها من المركبات الإضافية، والتركيب المزجي -كذلك- مثل: سيبوبه وبعلبك ونفطويه، ونحو ذلك وغيره من التركيبات المزجية لا يعد كلاما.
فالكلام -إذن- لا يعد كلاما إلا بتحقق شرطه الثاني وهو التركيب، والمراد بالتركيب أن يتركب من كلمتين فأكثر، أقل المركب كلمتان، فلا بد أن يتركب من كلمتين فأكثر، وأن يكون تركيبا إسناديا يحصل به جملة، يعني: أن يسند فيه شيء إلى شيء، اسم إلى اسم، فعل إلى اسم، أو نحو ذلك.(1/16)
وهذا التركيب من جملتين سواء كان في اللفظ، أو في التقدير -أيضا- فحينما تقول -مثلا: محمد قائم، هذا كلام متركب من كلمتين، وهو تركيب إسنادي، فيه إسناد القيام إلى محمد، فهذا انطبق عليه شرط الكلام، ولو كان حتى في الظاهر مركبا من كلمة واحدة، لكنه في التقدير، وفي حقيقة الأمر مركب من كلمتين، فإنه -أيضا- ينطبق عليه الشرط، كأفعال الأمر مثلا، أفعال الأمر هي في الواقع مركبة من كلمتين حينما تأمر شخصا بشيء، وهي تشمل على الفعل، وعلى فاعله المستتر فيه وجوبا، حينما تقول لشخص: قم، فقم في ظاهرها مكونة من كلمة واحدة، لكنها في حقيقة الأمر مكونة من كلمتين ؛ لأن "قم" تحمل في مضمونها وفي داخلها الفاعل الذي هو الضمير المستتر وجوبا تقديره: أنت، وابن مالك - رحمه الله - مثل لذلك بـ "استقم" قال:
كلامنا لفظ مفيد كاستقم ... ..........
استقم هنا في ظاهرها -كما ترون- كلمة واحدة، لكنها -في الحقيقة- مركبة من كلمتين.
فإذن الشرط الثاني، أو القيد الثاني هو: التركيب ، والتركيب أقله كلمتان، ولا حدود لأكثره مهما كان، والكلمتان سواء كانتا كلمتين في الظاهر والواقع، أو كانتا كلمتين في التقدير، وذلك مثل فعل الأمر، أو مثل -أيضا- حينما يسألك شخص، ويقول لك -مثلا-: أين محمد ؟ فتقول له: حاضر، أو في البيت، أو نحو ذلك، فـ "في البيت" هنا مركبة من كلمتين ليس تركيبا إسناديا، لكنها في الواقع مركبة تقديرا من كلمتين ؛ لأن التقدير: محمد في البيت، فالاستفهام والسؤال والعلم به أغناك عن إعادة اللفظ مرة ثانية. هذا هو الشرط الثاني.
الشرط الثالث: المفيد ، لا بد أن يكون لفظا مركبا مفيدا، فلو كان مركبا من كلمتين، أو أكثر إلى عشرين، أو مائتي كلمة لكنه غير مفيد، أي: أن المستمع ما زال مستشرفا، ومتشوفا إلى ما يحقق له النتيجة فإنه لا يسمى كلاما، إلا أن يكون مفيدا فائدة يحسن السكوت عليها.(1/17)
فمثلا إذا قلت: قام محمد، هذا كلام مركب ومفيد، فإن قلت: إن قام محمد، الكلام -الآن- مركب من ثلاثة كلمات أيضا، وليس من كلمتين، لكنه في الواقع ليس مفيدا ؛ لأن السامع ما زال ينتظر نتيجة هذا الأمر.
فإن قلت: إن جاء محمد بن فلان بن فلان الذي واعدناه بالأمس لكي نذهب إلى كذا وكذا، ولم يأت جواب إن حتى الآن، فإنه لا يعد كلاما مفيدا، ولو كان مركبا من كلام كثير. فلا بد -إذن- فيه من أن يكون مفيدا.
القيد الرابع والأخير، أو الشرط الرابع والأخير هو قوله: بالوضع ، ما معنى كلمة بالوضع ؟
كلمة بالوضع تحتمل معنيين: إما أن يكون المراد بالوضع العربي، أي أنه باللسان العربي المفهوم المبين ؛ لأننا نحن الآن لا نتحدث عن النحو في اللغات كلها، وإنما نتحدث عن النحو وعن الكلام في اللغة العربية، فالكلام في اللغة العربية الذي يبحثه علم النحو العربي هو ذلك الكلام الموضوع باللسان العربي، لكن لو خاطبنا -تكلم معنا- شخص بأي لغة أخرى بكلام مفيد يسمى كلاما في لغته صحيحا، لكنه لا يسمى كلاما في لغتنا.
والكلام في لغتنا هو: المكون من اسم وفعل وحرف ؛ لأنه ربما كان في اللغة الأخرى مكونا من غير ذلك، فهو كلمة بالوضع لا بد أن يكون باللسان العربي، وربما كان المراد من قوله: بالوضع أن يكون -أيضا- المتكلم قاصدا الإفادة منه، وقد وضعه ليدل على شيء معين في نفسه.
وهذا يخرج به -مثلا- كلام النائم، النائم قد يتكلم كثيرا، لكنه لم يقصد من كلامه هذا أن يفهم من حوله بشيء، ولم يضع هذا الكلام ليدل على عبارات معينة، فهذيان النائم، أو فاقد العقل، أو السكران، أو نحو ذلك يخرج بقوله: بالوضع.
فالكلام -إذن- في اصطلاح النحويين الذي يبحثه علم النحو، وجاء علم النحو لبحثه وبيانه هو ما تركب، أو ما تحققت فيه هذه القيود، أو الشروط الأربعة: اللفظ المركب المفيد بالوضع. هذه واحدة.(1/18)
الثانية: ننتقل إلى أقسام الكلام، والواقع أنها هي أقسام الكلمة ؛ لأن الكلمة لا تخلو في اللغة العربية، الكلمة التي يتركب منها هذا الكلام لا تخلو من أن تكون أحد ثلاثة أقسام: إما اسم، أو فعل، أو حرف، ما الدليل على ذلك ؟
الدليل -طبعا- ليس دليلا من القرآن، ولا من السنة، وإنما هو دليل من الاستقراء والتتبع، فالعلماء أولا: النحو -كما تعلمون- جاء بعد الكلام، العرب تكلمت سنين طويلة قبل أن يأتي النحو، فجاء النحو ؛ ليقرر قواعد على الشيء الموجود، فأخذ بعض الناس يقول -مثلا-: لماذا النحاة يتكلفون هذا التكلف ؟ ولماذا يقولون: هذا شاذ، وهذا، ولماذا يتحكمون ؟
النحاة في الواقع لم يأتوا بشيء من عندهم، وإنما جاءوا إلى كلام العرب، وعماده ورأسه: القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، وما تقدم عليهما من كلام العرب؛ شعره، ونثره في جاهليتهم وإسلامهم، ونظروا في هذا الكلام واستقرءوه، ووجدوا أنه لا يخلو من أن يكون كل محتويات هذا الكلام إما اسم، وإما فعل، وإما حرف.
ومنذ أن وضع النحو، منذ أربعة عشر قرنا تقريبا لم يأت شخص من العلماء، أو من طلاب العلم ويقول: إنني وجدت نوعا رابعا، وجدت في كتاب كذا كلمة لا تصلح أن تكون اسما، ولا تصلح أن تكون فعلا، ولا يصلح أن تكون حرفا، لم يحصل هذا حتى الآن، وهذا دليل يطمئن على أن النتيجة التي توصلوا إليها أنها نتيجة صحيحة ومستقيمة.
دليل حصر هذا الكلام في هذه الأنواع الثلاثة هو الاستقراء والتتبع كما ذكرت لكم، فالعلماء إنما حصروا هذا الكلام، وبناء عليه قعدوا القواعد، فقسموه إلى هذه الأقسام الثلاثة، وقالوا: إن الكلمة التي تقع في أول الكلام تكون مرفوعة وتسمى مبتدأ، والتي تقع بعد الفعل تكون فاعلا، والفاعل لا بد أن يكون مرفوعا؛ لأنهم وجدوا العرب تكلمت هكذا، يخرج قاعدة مثال يأتيه مثال شاذ فيقولون: بأنه شاذ.(1/19)
الشذوذ الذي ذكروه ليس تحكما في اللغة، وإنما حكموا به؛ ليسلم لهم ذلك الأصل الأصيل والجمع الكبير الذي حصلوا عليه، فأقسامه ثلاثة وهي: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى.
طبعا -كما قلت لكم-: لا نريد أن نسترسل إلى الكلمة فنقول: الكلمة -مثلا- هذه مفرد ما جمعها ؟ جمعها كلام، أو كلم؛ الواقع أن جمعها كلم، ما الفرق بين الكلام والكلم ؟ الكلم: اسم جنس جمعي واحده كلمة، واسم الجنس الجمعي؟ اسم الجنس الجمعي: هو الاسم الذي إن كان بالتاء صار مفردا، وإن تجرد من التاء صار جمعا مثل كلم وكلمة، وبقر وبقرة، وتمر وتمرة وما إلى ذلك، وما الفرق بين اسم الجمع، وغيره من الجموع ؟
يعني: ممكن أخرج قليلا إلى فائدة، وهي: أن الألفاظ التي تدل على الجمع في اللغة العربية خمسة أنواع؛ ثلاثة منها جموع، وثلاثة منها أسماء جموع، أو نحوها، فالجموع الثلاثة معروفة عند الجميع لا إشكال فيها وهي: الجمع المذكر السالم، والجمع المؤنث السالم، وجمع التكسير. هذه معروفة.
هناك نوعان آخران يمكن أن يدخلا تحت جمع التكسير ؛ لأن بابه واسع، ويمكن أن يفردا ؛ لأنهما يتميزان بخصائص خاصة، وهما: اسم الجمع، واسم الجنس الجمعي. اسم الجمع ما هو ؟
اسم الجمع هو الجمع الذي ليس له مفرد من لفظه مثل كلمة "قوم" تدل على الجمع، لكنها ليس لها مفرد من لفظها، وإنما مفردها رجل، مثل كلمة نساء تدل على الجمع -أيضا-، لكنها ليس لها مفرد من لفظها، وإنما مفردها امرأة، وكلمة رهط، ونحو ذلك.
والنوع الثاني: هو اسم الجنس الجمعي، اسم الجنس الجمعي: هو الكلمة التي تدل على الجمع ويفرق بينه وبين مفرده بالتاء في المفرد، إن دخلت عليه التاء صار مفردا، إن حذفت منها التاء صار جمعا، وهو مثل: كلم كلمة، تمر تمرة، عنب عنبة، بقر بقرة، شجر شجرة وما إلى ذلك.(1/20)
فالكلمة هي مفرد لكلم، وهو اسم الجنس الجمعي، والكلمة أقسامها ثلاثة وهي: الاسم والفعل والحرف الذي جاء لمعنى، الحرف. ما معنى قوله: حرف جاء لمعنى؟
أراد أن يخرج بذلك الحروف المقطعة التي ليس لها معان، هو الآن لا يتحدث عن الحرف الذي هو الحرف الهجائي، لو كان يتحدث عنه لدخلت حروف الهجاء الثمانية والعشرين، لكنه يتحدث عن الحرف الذي يعد قسما ثالثا من أقسام الكلمة، الكلمة التي يتركب منها الكلام إما اسم، أو فعل، أو حرف، الحرف الذي هو القسيم الثالث للاسم والفعل هو الحرف الذي جاء لمعنى، ويراد به حروف الجر بكاملها، وحروف الاستفهام، وحروف التمني، وحروف الترجي، والجوازم، والنواصب، وما إلى ذلك.
أي حرف يؤدي معنى فإنه -حينئذ- يعد حرفا اصطلاحيا، يعني: هو الحرف الذي يشكل القسم الثالث من أقسام الكلمة، أما الحروف المقطعة التي لا تؤدي معنى فإنها ليست هي المرادة بهذا الكلام.
انتقل بعد ذلك إلى أن يأخذ كل نوع من هذه الأنواع الثلاثة بالحديث، ويبين لك كيف تعرف كل واحد من هذه الأنواع الثلاثة، أنا الآن إذا عرفت أن الكلام يتكون من هذه الأقسام الثلاثة، فأريد -إذا كنت مبتدئا- أن أعرف كيف أميز بين الاسم والفعل والحرف؟
المؤلف - طلبا للاختصار - لم يعرف كل واحد من هذه، وإنما قال: أريد أن أعطيك شيئا يغنيك عن التعريف وهو العلامة، إذا عرفت علامته أغناك هذا عن تعريفه، فالأول منها هو الاسم، وإن شئتم تعريف الاسم؛ الاسم: هو ما وضع لمسمى، هذا بالنسبة لتعريفه اللغوي، أما تعريفه الاصطلاحي فهو: كل كلمة دلت على معنى في نفسها، ولم تقترن بزمن.
الاسم هو كل كلمة دلت على معنى في نفسها، ولم تقترن بزمن، طبعا هذا التعريف ليس تعريفا موحدا متفقا عليه، يعني: للعلماء أكثر من ستة إلى سبعة تعريفات للاسم، لكن ليس المهم أن نخوض في التعريفات ؛ لأنك حتى لو لم تعرفه، واكتفيت بعلامته لاستغنيت بذلك.(1/21)
فالاسم -إذن- هو: كل كلمة دلت على معنى في نفسها، ولم تقترن بزمن، هذا القيد: "ولم تقترن بزمن " ليفرق بينه وبين الفعل ؛ لأن الفعل - كما سيأتي -: كل كلمة دلت على معنى في نفسها واقترنت بزمن، وإن شئت واقترنت -أيضا- بحدث وزمن ؛ لأن الفعل لا بد فيه من أمرين: من الحدث والزمن، لو كان فيه الحدث فقط أي فعل لكان اسما ؛ لأن المصدر هو ما دل على الحدث، لكن الفعل لا بد أن يكون فيه ذلك، وسآتي عليه بعد أن انتهى من الاسم.
فالاسم -إذن-: كل كلمة دلت على معنى في نفسها ولم تقترن بزمن، وعلاماته كثيرة، اكتفى منها المؤلف - رحمه الله - بأربع علامات، وهذه العلامات الأربع التي ذكرها يتفق معه العلماء في ثلاث منها، ويخالفونه في واحدة، فالعلامة الأولى هي: الخفض، وكما ذكرت لكم بالأمس أن الخفض مرادف للجر، وكلاهما سواء إلا أن الخفض مصطلح كوفي، والجر مصطلح بصري، ولا مشاحة في الاصطلاح، يعني: كلاهما يؤدي المعنى سواء سميته الخفض، أو سميته الجر، أو سميته ما شئت من ذلك، فالمعنى واحد، والنتيجة واحدة.
الخفض، أو الجر هو علامة من علامات الاسم، ما المراد بالجر ؟ المراد بالجر: هو قبول علامة الجر، قبول علامة الجر وهي في الغالب العلامة الأصلية التي هي الكسرة، فالكلمة التي تقبل علامة الجر بأن تظهر على آخرها، وهي الكسرة، لا شك في أنها اسم، ولا ينازعها في ذلك لا الفعل ولا الحرف؛ لأن الأفعال لا تقبل الجر مطلقا، والحروف -أيضا- لا تقبل الجر، فالجر من خصائص الأسماء، فأي كلمة رأيتها مكسورة الآخر، فإنك تحكم عليها -حينئذ- بأنها اسم.(1/22)
التركيز إنما يكون على العلامة الأصلية وهي الكسرة، أما العلامة الفرعية وهي الياء، أو الياء والنون فإنه ربما نازعه فيها الفعل ؛ لأن قولك: "المسلمون"، قولك: "مررت بالمسلمين" قد مختوم بياء ونون، قد يشاركه فيها الفعل المضارع المقترن بياء المخاطبة حينما تقول: "أنت تذهبين"، فالخطب -إذن- الذي يعد علامة من علامات الاسم، ولا ينازع فيها يراد به ظهور علامة الجر الأصلية وهي الكسرة على آخر الكلمة. هذه هي العلامة الأولى.
العلامة الثانية: التنوين ، التنوين ماذا يراد به ؟
لا أحد فيكم لا يعرف التنوين، لكن ربما لو قيل له: ما تعريفه الاصطلاحي بدقة؟ لربما يعني: لا يحسن أن يأتي به كاملا، لكن التنوين معروف بأنه الضمتان، أو الفتحتان، أو الكسرتان في آخر الكلمة، الكلمة التي تقبل هذا التنوين وهو الضمتان، أو الفتحتان، أو الكسرتان هي الاسم فقط، الفعل لا يمكن أن يأتي في آخره ضمتان، أو فتحتان، أو كسرتان، وكذلك الحرف، التنوين ما هو ؟
هو نون ساكنة تلحق آخر الكلمة في اللفظ لا في الكتابة، التنوين: هو النون الساكنة التي تلحق الآخر، طبعا النون الساكنة احترازا من أي نون متحركة، وكلمة تلحق الآخر احترازا من النون التي تأتي في الوسط، وهي ساكنة مثل النون -مثلا- في: انطلق ينطلق، انكسر ينكسر، هذه لا علاقة لها بعلامة الاسم، فالنون الساكنة التي تلحق الآخر لفظا لا بد أن تكون تلحقه في النطق فقط، وليس في الكتابة، فإن لحقته في النطق، وفي الكتابة لا تعد علامة من علامات الاسم، ولا تعد تنوينا حينئذ ؛ لأن كثيرة النون التي تلحق الآخر، مثلا النون في لبن، النون في لبَن وفي لبِن هذه ليست تنوينا ؛ لأنها تثبت في الكتابة.(1/23)
فالنون التي تلحق الآخر في اللفظ لا في الكتابة هي التنوين لغير توكيد أيضا، النون التي تلحق الآخر لفظا لا خطا، لكنها للتوكيد هذه ليست علامة من علامات الاسم، وإنما هي علامة من علامات الفعل، كما في قوله -تعالى-: لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ "لنسفعا بالناصية" هنا فيه نون، ولحقت الآخر في اللفظ لا في الخط، لكنها لا تعد علامة من علامات الاسم ؛ لأنها دخلت على فعل مضارع، فهي علامة من علامات الفعل.
فالتنوين الذي يعد علامة من علامات الاسم هو الفتحتان، أو الضمتان، أو الكسرتان واللتان يعبر عنهما بأنهما نون ساكنة تلحق آخر الكلمة لفظا لا خطا لغير توكيد، وهي خاصة بالأسماء.
العلامة الثالثة: دخول الألف واللام ، وإن سميتها: الألف واللام فهذا صحيح، وإن سميتها: أل فهذا صحيح، والأمر -أيضا- ربما يكون خلافيا في ماذا تسمى؟ وهذا أمر ليس هذا محل تفصيل.
الألف واللام هذه -أيضا- بأنواعها ما عدا الموصولة، حتى لا يعترض عليها الأخ الذي اعترض في الدرس الماضي، أل الموصولة هذه قليلا أيضا، قد تدخل على الفعل المضارع وهذا قليل، ولكن دخولها الكثير إنما هو على الأسماء.
فحينما تقول: الألف واللام، أو أل علامة من علامات الاسم وتطلق، فإنك محق حينئذ من باب التغليب ؛ لأن أل بأنواعها خاصة بالاسم، وأل الموصولة -أيضا- تكاد تكون خاصة بالاسم، لكنها قد تدخل على الفعل قليلا، ومن ذلك قول الشاعر في الشاهد المشهور:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... ...........
دخلت أل على ترضى، وهي بمعنى الذي تقديره: الذي ترضى حكومته، فالعلامة الثالثة -إذن-: هي دخول الألف واللام.
فالألف واللام - بصفة عامة - وباستثناء الموصولة -إن شئت- لا يمكن أن تدخل بحال من الأحوال إلا على الأسماء، تقول: الرجل، الغلام، الطالب، الكتاب، ولو حاولت أن تدخلها على فعل، أو حرف لما استطعت ذلك.(1/24)
العلامة الرابعة والأخيرة: هي العلامة التي قلت لكم: إنه ليست مسلَّمة للمؤلف، وإن كانت صحيحة من باب التغليب أيضا، وهي دخول حروف الخفض، ولو استغنى بالجر، أو الخفض - كما فعل غيره - ويشمل -حينئذ- علامة الجر، ودخول حروف الجر لكان صحيحا، لكنه أفرد دخول حرف الجر بكلام مستقل وهو في الواقع صحيح؛ لأن حروف الجر من خصائص الأسماء، ولا تدخل على الأفعال، ولا على الحروف، وإن كان قد سمع شيء من ذلك قليل.
ولذلك ابن هشام - رحمه الله - حينما جاء لهذا قال: إن الجر هو علامة الاسم، وليس المراد به دخول حرف الجر؛ لأن حرف الجر قد يدخل على غير الأسماء، واستشهد ببعض الشواهد من ذلك قول الشاعر:
والله ما ليلي بِنَامَ صاحبُه
هنا في اللفظ -كما ترون- دخلت الباء وهي حرف جر على الفعل الماضي وهو نام، وإن كان العلماء الذين لا يرون ذلك يؤولونها، ويقولون: بأن الباء في الواقع لم تدخل على الفعل، وإنما دخلت على اسم مقدر وتقديره: بمقول فيه نام صاحبه، وكذلك حفظ، أو سمع دخولها على الأفعال الجامدة: أفعال المدح والذم كقولهم: والله ما هي بنعم الولد، دخلت الباء على نِعم، مع أن نعم -في الراجح- فعل -كما سيأتي- بدليل أنها تدخلها علامة الفعل الماضي، وهي تاء التأنيث الساكنة "نعمت المرأة هند " مثلا، وكذلك سمع دخول حرف الجر على "بئس " كما في قول الآخر: " نعم السير على بئس العير" فدخلت -أيضا- "على" -وهي حرف جر- على بئس.
فالحاصل أن قول المؤلف - رحمه الله -، أو جعله العلامة الرابعة من علامات الاسم دخول حروف الجر، أو حروف الخفض هي علامة صحيحة، لكنها ليست مسلمة مائة في المائة ؛ لأنها لها بعض الاستثناءات اليسيرة، فإن أردنا أن نأخذ بالعموم والغالب، فإن ذلك صحيح، وإن حروف الجر -في الواقع- لا تدخل إلا على الأسماء، ولا تدخل على الأفعال، ولا على الحروف.(1/25)
هذه العلامات التي تذكر دائما، هل المراد منها أن تكون مجتمعة في الكلمة لكي نعرف أنها اسم، أو أنه يكتفى فيها بواحدة من هذه العلامات ؟
الواقع أنه ليس بالضرورة أن تجتمع هذه العلامات، بل من المستحيل أن تجتمع هذه العلامات الأربع ؛ لأن في هذه العلامات علامتين لا يجتمعان وهما، ما العلامتان اللتان لا تجتمعان من هذه العلامات الأربع؟
نعم، التنوين والألف واللام، التنوين والألف واللام لا يجتمعان، التنوين في الواقع لا يجتمع مع الألف واللام، ولا يجتمع مع الإضافة، فحينما تقول: قرأت كتابا بالتنوين، لو أدخلت عليها الألف واللام وقلت: قرأت الكتاب، ذهب التنوين، ولا يمكن أن يبقى التنوين مع بقاء الألف واللام، كذلك التنوين لا يبقى مع الإضافة، وإن كانت الإضافة ليست معنا الآن، لكنها -أيضا- من الأمور التي لا تجتمع مع التنوين.
تقول: هذا كتابٌ بالتنوين، فإن أردت أن تضيفه إلى شخص قلت: هذا كتابُ علي بإزالة التنوين من كتاب ؛ لأنه لا يمكن أن ينون وهو مضاف، ولا يمكن أن ينون وفيه الألف واللام.
فهذه العلامات -إذن- المراد بها أن يحصل في الاسم علامة واحدة منها، أو علامتان، أو ثلاث، المهم أن يوجد واحدة تكفي، وجود الواحدة فيه كفاية للدلالة على أن هذه الكلمة اسم، ولو وجد أكثر من ذلك فإنه لا مانع منه.
طيب مثال لوجود أكثر من علامة، أو مثال لوجود العلامات الثلاث التي تجتمع باستثناء الرابعة وهي -مثلا- التنوين، أو الألف واللام، إذا قلت مثلا: مررت برجل، كلمة رجل اسم، أو فعل؟ اسم، ما الدليل على أنها اسم ؟ أنه وجد فيها علامة، أو أكثر، وجد فيها أكثر من علامة.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.(1/26)
حروف الجر التي تدخل على الكلمة، المؤلف اكتفى منها باثني عشر حرفًا، وهي تسعة حروف جر، وثلاثة حروف جر وقسم، وهي: "مِن وإلى وعن وعلى وفي ورب والباء والكاف واللام".
وحروف القسم -أيضًا- وهي تابعة لحروف الجر، يعني: ممكن أن تذكرها مع حروف الجر دون أن تنص على أنها حروف قسم؛ لأنها -في الواقع- حروف جر؛ لكن من معناها القسم.
وحروف القسم وهي "الواو" و"الباء" و"التاء" وليست هذه كل حروف الجر، وإنما حروف الجر أكثر من ذلك، وهي عشرون حرفًا جمعها ابن مالك في بيتين، وتحدث عنها العلماء بالتفصيل، ومن ضمنها حروف الاستثناء "حاشا" و"خلا" و"عدا" ومن ضمنها حروف -أيضًا- غير متفق عليها، مختلف فيها، أو خاصة ببعض القبائل مثل: "متى" و"لعل" و"كي" وغيرهم.
تحدثنا في الدرس الماضي عن بعض معاني هذه الحروف، وكما قلت لكم معاني الحروف ليس يعني: مما نحن فيه؛ لأنه سيخرجنا عن هذا الموضوع؛ لأن معاني الحروف ربما يأتي في باب حروف الجر.
لكن هنا نحن نتحدث عن أن دخول حروف الجر أيا كانت يعد علامة من علامات الأسماء، بغض النظر عن معاني هذه الحروف، ومعاني هذه الحروف -كما ذكرنا- المشهورة منها أن "من" المشهور فيها ابتداء الغاية، و"إلى" المشهور فيها انتهاء الغاية، و"عن" المشهور فيها المجاوزة، و"على" المشهور فيها الاستعلاء.
لو نظرتم وجدتم أن كل حرف من حروف الجر له معنًى أصليا، ثم معاني أخرى يخرج عنها يخرج إليها، وحروف الجر كثيرًا ما تتناوب -أيضًا- تارة تأتي "عن" بمعنى "على" وتارة تأتي "على" بمعنى "عن" وهكذا.
لكن كل حرف من الحروف له معنى أصلي، ثم معانٍ أخرى إضافية يخرج إليها، فـ"عن" معناها الأصلي -كما ذكرنا- المجاوزة، وقد تخرج عنه، و"على" معناها الأصلي الاستعلاء، وقد تخرج عنه، و"في" معناها الأصلي الظرفية، وقد تخرج عنه -أيضًا- و"رب" معناها التقليل.(1/27)
وقد تكون للتكثير، تقول -مثلًا-: ربَّ أخٍ لك لم تلده أمك، هنا ما المراد منها هنا؟ التقليل، أو التكثير؟ هي الصحيح يعني: ليست هنا نصًّا قاطعًا على شيء؛ لكن ربما يكون الأبرز منها والأغلب التكثير؛ وهو أن يقول: ليس الإخوان فقط هم إخوانك؛ ولكن ربما وجدت إخوانًا كثيرين ليسوا من أمك، وهذا هو الواقع فعلًا، يعني: الإخوان في الله الذين يجدهم الإنسان، ما مدى نسبتهم إلى إخوانه الأشقاء، أو إخوانه من أمه؟ لا شك بأنهم أكثر من ذلك بكثير.
و"الباء" -أيضًا- وتأتي للإلصاق، وهو معناها الأول والأشهر، كما في قولك: كتبت بالقلم، "والكاف" ومعناها المشهور فيها -كما هو معلوم لديكم- هو التشبيه، "واللام" تأتي للملك، كما في مثل قوله -تعالى-: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الملك.
وتقول -مثلًا-: هذا الكتاب لمحمد. هنا الملك، وتأتي لشبه الملك. وهو الملك هو وحينما يكون من قادر على التملك، وشبه المالك حينما يكون فيه علاقة به، لكنه لا يقدر على التملك.
كما إذا قلت -مثلًا-: هذا الفراش للمسجد. وهذا السرج للدابة، وهذا المفتاح للسيارة، فهو ليس تملكا حقيقيا؛ لأن هذا لا تملك، وإنما هو شبه ملك؛ أي: إنه مختص به اختصاصًا كاملًا.
وحروف القسم وهي الثلاثة وهي: "الواو" واستخدامها كثير، فهي أكثر حروف القسم استخدامًا، وتدخل على الأسماء الظاهرة، ولا يمكن أن تدخل على الضمير، كما في قولك: والله، وكما وردت كثيرًا في القرآن الكريم: "والفجر" "والعصر" "والشمس" "والليل" آيات كثيرة كلها افتتحت بواو القسم.
و"الباء" -أيضًا- تأتي للقسم، وإن كان استخدامها ليس كثيرًا ككثرة الواو، بالله عليك إلا فعلت كذا، أو أن تفعل كذا.(1/28)
و"التاء"وهي -أيضًا- تكاد تكون خاصة بلفظ الجلالة، كما في قوله -تعالى-: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ وتستخدم قليلًا ونادرًا مع الرحمن، ومع رب الكعبة، مثل نحو تالرحمن، وترب الكعبة، ولكنه قليل لا يشكل شيئًا بالنسبة لاستخدامها لفظ الجلالة.
هذا ما يتعلق بالاسم بالنسبة لتعريفه بالنسبة لعلاماته التي يعرف بها.
هذه العلامات -أيها الأخوة- مفيدة جدًّا ومهمة، يعني: أرجو ألا تستهينوا بها؛ لأن هناك أحيانًا بعض الكلمات التي يعني: يشكل فيها إلى حد ما، هل هي اسم أو فعل؟ وذلك مثل بعض المصادر مثلًا.
إذا قلت -مثلًا-: تقدم محمد، "تقدم" هنا ما نوعها؟ "تقدم" فعل، فإذا قلت: تقدم محمد أكثر من تقدم أخيه. لو لم تسبق محمد أمامك بالكسر ووجدتها هكذا "تقدم محمد" لخيل إليك أنها فعل؛ لأن بعض المصادر إلى حد ما تلتبس الأسماء فيها بالأفعال؛ لكنك لو حاولت أن تجرب واحدًا من هذه العلامات التي مرَّت معك.
علامات الاسم تدخلها على كلمة "تقدَّم" لا تستطيع، ولكن على كلمة "تقدُّم" تستطيع بسهولة تقول -مثلًا-: أعجبت بتقدُّم محمد، تبين أنها اسم، وتقول: تقدُّم محمدٍ تقدمٌ بارز أو ظاهر. دخلها التنوين هذا أدل على أنها اسم؛ لكن لو حاولت أن تدخل واحدًا من العلامات على "تقدَّم" لما استطعت أن تهتدي إلى ذلك.
فالحاصل أن هذه العلامات لم يؤت لها عبثًا، وإنما يُؤتى بها لكي تكون فيصلًا في بعض الكلمات الموهمة الملبسة: هناك كلمات لا تحتاج أن تستخدم معها العلامة، لا شك في أنها أسماء مثل: محمد، صالح، علي، خالد، وكلمات لا شك بأنها أفعال مثل: جلس، خرج، دخل، ولكنك تحتاج للعلامة حينما يكون الأمر محتاجًا إلى شيء من التنبيه.
النوع الثاني من أنواع الكلمة، والقسم الثاني هو الفعل، الفعل في اللغة: يُراد به الحدث. فعل فعلًا أي: أنه أحدث حدثًا معينًا بهذا الشيء. واصطلاحًا: هو كل كلمة دلَّت على معنى في نفسها، واقترنت بحدث وزمن.(1/29)
طبعًا إذا قلت: بحدث وزمن وسكت، هذا التعريف يشمل الأنواع الثلاثة. أنواع الفعل الثلاثة المشهورة التي هي: الماضي والمضارع والأمر، فإذا أردت أن تُعَرِّف كل نوع منها فإنك تحتاج إلى أن تضيف كلمة الزمن الماضي، إذا أردت الفعل الماضي، والزمن الحاضر، أو المستقبل إذا أردت الفعل المضارع، وكلمة الطلب، وحدوث الفعل بعد زمن التكلم، إذا أردت فِعْل الأمر يعني: يفرق بينهما من حيث المعنى نفسه: كل كلمة تدل على معنى في نفسها مع اقترانها بحدث وزمن.
هذا التعريف شامل للأفعال الثلاثة، فإن أردت الفعل الماضي فهو ما كان في الزمن الماضي، والفعل المستقبل، أو المضارع هو ما كان في الزمن الحاضر، أو المستقبل، وفعل الأمر هو ما دلَّ على طلب، أو يطلب حصوله بعد زمن التكلم.
ذكر المؤلف للفعل ثلاث علامات، وإن شئت أن تجعلها أربعا فقال: "والفعل يعرف بقَدْ والسين وسوف وتاء التأنيث الساكنة" هذه أربع، وإن شئت أن تجعل السين وسوف علامة واحدة؛ لأنهما يصدق عليهما معًا كلمة التنفيس كلاهما من حروف التنفيس، والمراد بالتنفيس هو الاستقبال، أو الدلالة على الاستقبال.
فالعلامات -إذًا- يمكن أن تكون ثلاثة "قد، والسين أو سوف، وتاء التأنيث الساكنة" هذه العلامات أي كلمة تقبل واحدة من هذه العلامات، تجزم بأنها فعل، ولكن هل هذه العلامات التي ذكرها المؤلف هل هي كافية للدلالة على الأفعال الثلاثة؟ أو أنها تنطبق على بعض الأفعال فقط دون بعضها؟
ننظر في هذه العلامات نأتي للحرف "قد" "قد" هذا هل هو علاقة للماضي، أو المضارع، أو الأمر؟ "قد" علامة للفعل الماضي، وأيضًا للفعل المضارع. تقول: قد قام محمد. وتقول: قد ينجح المهمل.(1/30)
طيب ما علاقة "قد" مع الفعل الماضي، أو ما معناها؟ ما معنى "قد" مع الفعل الماضي؟ إذا قلت: قد جاء محمد. نعم، معناها التحقيق، وهو الغالب فيها قال -تعالى-: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ يعني: أنه أمر محقَّق لا شك فيه، الجزم بالفلاح للمؤمنين أمر تحقق لا شك فيه، وعد الله -سبحانه وتعالى- به.
ولكنها تأتي للتقريب -أيضًا- قليلًا أقل من التحقيق كما في قول المؤذن عند إقامة الصلاة: قد قامت الصلاة، يعني: قرب قيامها، أو أن الناس هبوا للقياك لها؛ لكنها لم تكن فعلًا بمعنى أن الإمام لم يشرع في القراءة عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة، وإنما قرب قيامها.
فمعنى "قد" مع الفعل الماضي؛ إما التحقيق وهو الكثير، أو التقريب، ومعنى "قد" مع الفعل المضارع، تقول مثلًا: قد ينجح المهمل. نعم، التقليل، "قد" مع الفعل المضارع تدل على التقليل كثيرًا. قد يحصل كذا وكذا؛ لكن لا تقول ذلك إلا حينما يكون شيئًا محتملًا. لكنها مثل رُبَّ قد تستخدم للتكثير -أيضًا- فتقول -مثلًا- كما قال الشاعر:-
قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل
إدراك المتأني لبعض حاجته، هذا قليل أو كثير؟ كثير؛ لأن التأني لا يأتي إلا بخير، والمستعجل الزلل يصاحبه بكثرة وليس بقلة، فاستخدامها للتكثير وارد؛ لكنه قليل، تقول: قد يجود البخيل، هذا قليل، وتقول: قد يجود التكريم، وهذا كثير؛ لأنه هو المتوقع منه؛ لكن استخدامها في التقليل أكثر من استخدامها في التكثير، إذًا عرفنا أن قد تصلح علامة للفعل الماضي وللفعل المضارع.
"السين" و"سوف" علامة لأي نوع من أنواع الأفعال؟ علامة للمضارع فقط، حروف التنفيس، أو الاستقبال لا تدخل إلا مع الأفعال المضارعة، علامة فعل الأمر هي مركبة من أمرين وهما: الدلالة على الطلب الذي هو الأمر مع قبول ياء المخاطبة، أو نون التوكيد.(1/31)
أي كلمة تدل على الطلب، أو الأمر، وتقبل ياء المخاطبة، أو نون التوكيد. فإنها تكون فعل أمر مثل "ياء مخاطبة" الدلالة على الطلب مع ياء المخاطبة مثل: اكتبي اجلسي اذهبي اركعي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ وما إلى ذلك.
والدلالة على الطلب مع نون التوكيد مثل: اذهبي، وليس اذهبن، وأيضًا اكتبن، أو اكتبن، يعني: لك أن تأتي بنون التوكيد الثقيلة، وهي المشددة، ولك أن تأتي بنون التوكيد الخفيفة وهي الساكنة، اذهبن يا محمد، أو اذهبن يا علي إلى المسجد.
طيب لماذا صارت علامة فعل الأمر بالذات مركبة من شيئين؟ يعني: لو اكتفينا بواحد منهما -مثلًا- هل تكون الكلمة فعل أمر، أو تخرج إلى أي شيء آخر؟ مثلًا: لو اكتفينا بالدلالة على الطلب فقلنا: علامة فعل الأمر الدلالة على الطلب فقط. هل تصدق على فعل الأمر، أو يمكن أن تصدق على غيره؟ نعم.
إذا قلت: الدلالة على الطلب، ووقفت عند ذلك دخل مع فعل الأمر اسم فعل الأمر، واسم فعل الأمر في الواقع ليس فعلًا، وإنما هو في عداد الأسماء، مثل "صه" بمعنى اسكت، ومثل "مه" بمعنى اكفف، ومثل "نزال" و"دراك" بمعنى انزل وأدرك وما إلى ذلك.
فالدلالة على الطلب وحدها لا تكفي؛ لأنها تدخل معنا اسم فعل الأمر، ونحن نريد علامة جامعة مانعة لا يدخل معها شيء آخر، طيب لو اكتفينا بالشق الثاني من العلامة وهو دخول ياء المخاطبة، أو نون التوكيد ماذا؟ هل تكفي أو تؤدي بنا إلى شيء آخر؟ لا تكفي. لماذا؟ لأنها يشترك معه في ذلك الفعل المضارع.
فالفعل المضارع يقبل ياء المخاطبة فتقول: أنت تكتبين وتذهبين، بياء المخاطبة، ويقبل نون التوكيد كما في قوله -تعالى-: لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ آية اجتمع فيها الشديدة والخفيفة، اجتمعت فيها نون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد الخفيفة.(1/32)
فعلامة الأمر -إذًا- لا بد لكي تصدق على فعل الأمر، ولا يدخل معه فيه غيره، لا بد أن تكون مركبة من هذين الأمرين: الدلالة على الطلب مع قبول ياء المخاطبة، أو نون التوكيد.
طيب، هناك علامات أخرى -أيضًا- لو أردت أن تضيفها، فمثلًا الفعل الماضي ابن مالك -رحمه الله- كان دقيقًا حينما قال:
وماضي الأفعال وبالتاء مِزْ
حينما قال: "بالتاء" ولم يخصصها بتاء التأنيث، والغرض من ذلك أن يدخل مع تاء التأنيث -أيضًا- "تاء" والغرض من ذلك أن يدخل مع تاء التأنيث -أيضًا- تاء الفاعل المتحركة؛ لأن تاء الفاعل المتحركة -أيضًا- علامة من علامات الفعل الماضي فقط؛ سواء كانت للمتكلم مثل: قمتُ، أو للمخاطب مثل: قمتَ، أو للمخاطبة مثل: قمتِ، فهي علامة من علامات الفعل الماضي.
فالفعل الماضي -إذًا- علامته قبول إحدى التاءين، وهما تاء الفاعل المتحركة، وتاء التأنيث الساكنة، والفعل المضارع -أيضًا- علامته ما ذكره المؤلف هنا، وهو حروف التنفيس السين أو سوف.
وكذلك قبول "لم" وغيرها من حروف الجزم "لم" الحرف الذي يدل على الجزم هذه لا تدخل على أي نوع من أنواع الأفعال إلا على الفعل المضارع فقط.
انتقل بعد ذلك إلى القسم الثالث من أقسام الكلام ومن أقسام الكلمة وهو: الحرف، الحرف ما تعريفه؟ طبعًا الحرف في اللغة هو الطرف من الشيء، كما في قوله -تعالى-: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ أي: على طرف من الأمر، وفي الاصطلاح هو: كل كلمة تدل على معنًى في غيرها.
الاسم والفعل تدل على معنى في نفسها، أما الحرف فإنه لا يدل على معنى في نفسه بمعنى أنك لو أفردته لم يعطك أي معنًى. مثلًا: "مِن" إذا جئت بها وحدها لا تعطيك معنى؛ لكن كلمة محمد إذا جئت بها وحدها أعطت معنى، وهو أنها اسم لهذا الشخص، كلمة قام وأكل إذا جئت بها وحدها أعطتك معنى -أيضًا- وهو القيام والأكل.(1/33)
لكن كلمة مِن وفي وعن وعلى هذه لا تحصل منها على أي معنًى ما دامت مفردة؛ فهي لا تدل على معنًى في نفسها، وإنما تدل على معنى في غيرها، أو على معنى مع غيرها إذا اشتركت مع غيرها.
إذا قلتَ: خرجت من البيت، "مِن" هنا دلَّت على ابتداء الغاية التي هي غاية الخروج فهي دلت على معنى في غيرها، وهو أن الخروج ابتداء من البيت حددت بداية الخروج فالمعنى الذي دلَّت عليه ليس في نفسها، وإنما هو في غيرها وهو الخروج، كذلك خرجت من البيت إلى المسجد " إلى" لم تدل على معنى في نفسها، وإنما دلت على معنى في غيرها، وهو انتهاء الغاية إلى المسجد.
ما علامة الحرف ؟ الحرف في الواقع علامته هي أن تستعرض علامات الاسم، وتجدها لا تصلح، ثم تستعرض علامات الفعل، وتجدها لا تصلح فحينئذ لم يبق أمامك إلا أن تكون الكلمة حرفا، فإذا جاء معي كلمة مثل كلمة "مهما" وكلمة "ليت" أو "لكنَّ" "لكنَّ" مكونة من خمسة أحرف اللام والمدة والكاف والنون المشددة، ومع ذلك هل هذه الحروف الخمسة هل هي حرف أو اسم؟
لو جربت عليها علامات الاسم الخمس، أو الست، أو السبع، وجدتها لا تصلح، ولو جربت عليها علامات الفعل بأنواعه وجدت -أيضًا- أنها لا تصلح، فإذا لم يصلح هذا ولا هذا لم يبق أمامك إلا أن تكون حرفا؛ لأنه لا يوجد نوع رابع أصلًا، فلا يخلو من هذه الأنواع الثلاثة.
فعلامة الحرف إذًا -كما يقولون- علامة عدمية، وعلامة الاسم والفعل علامة وجودية. ما معنى عدمية ووجودية ؟ أظن أنها واضحة، وجودية بمعنى أنه لا بد أن يوجد في الاسم واحدة من هذه العلامات، وعلامة الفعل وجودية أي أنه لا بد أن يوجد فيه واحدة من هذه العلامات، أما علامة الحرف فهي عدمية؛ أي: أنه لا بد أن تنعدم فيه كل العلامات المتقدمة لكي يكون حرفًا.(1/34)
يبدو أننا سنقف عن هذا بسبب كثرة الأسئلة والوقت، يعني: ساعة لم يبق منها إلا أقل من عشر دقائق، ونكمل -إن شاء الله- في الدرس القادم، وهذا التريث إنما هو تعويض لكم عن ما حصل بالأمس، وأخشى أن تكونوا استثقلتم الآن هذا الأسلوب -أيضًا- الذي فيه نوع من التريث.
س: السؤال يقول: ذكرتم بأن الفعل كلمة تدل على معنى في نفسها مقترنا بحدث وزمن، وأن الاسم كلمة تدل على معنى في نفسها غير مقترن بحدث أو زمن، فهل يصح أن نقول: إن الاسم كلمة تدل على معنى في نفسه غير مقترن بحدث وزمن؟
ج: الواقع أنه لا يصح؛ لأن الاسم فيه حدث. إذا قلت -مثلًا وخاصة منه المصدر- إذا قلت -مثلا-: قيام أو جلوس، القيام فيه حدث وهو القيام، والجلوس فيه حدث وهو الجلوس؛ لكنه لم يتحول إلى فعل؛ لأنه ينقصه الزمن إذا اجتمع الزمن والحدث وصار فعلًا، فإذا وجد الحدث وحده فإنه لا يكون فعلًا، وإنما يكون اسمًا وهو المصدر.
س: يقول: ما الفرق بين الاسم والمصدر؟
ج: الواقع أن المصدر هو نوع من أنواع الأسماء، الاسم عام يشمل الأسماء الجامدة، ويشمل الأسماء المشتقة، ويشمل المصادر، ويشمل اسم الفعل، واسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وغير ذلك، فالاسم بابه واسع، وربما نصل فتأتي مناسبة للحديث عن المصدر، عن المشتق والجامد منه، وحينئذ تبين شيء من أنواعه.
س: كلمة "الأجرومية" يقول: أيهما أصح: أن تكون الألف مهموزة، أم ممدودة؟
ج: الواقع أنه ينطق بها ممدودة، وهي لأنها كلمة -فيما تبين أنها كلمة- بربرية، لغة البربر بمعنى الرجل التقي أو الورِع، يعني: ليس عندما تحقيق وتدقيق، أيها الصحيح هل هو بالمد، أو بالهمز فقط؟ لكن أظن أنها بالمد.
س: هل الكتاب اسمه "الأجرومية" بالجحيم أم بالدال؟
ج: لا، هو بالجحيم "الأجرومية" وصاحبه ابن آجروم.
س: أرجو إعطاء مثال على الدلالة على الطلب مع نون التوكيد على أن يكون الفعل مؤنَّثا؟(1/35)
ج: الدلالة على الطلب مع الفعل المؤنث إذا أردت أن تأمره بالكتابة ماذا تقول للمؤنثة؟ اكتبي، فإذا أردت أن تدخل عليه نون التوكيد فتقول: اكتبن الدرس يا هند.
س: هل تعريف الفعل في الاصطلاح هو: كلمة دلت على معنى في غيرها ولم تقترن بزمان كما هو في حاشية "الأجرومية"؟
ج: هو الواقع يبدو لي أن حاشية "الأجرومية" للشيخ ابن قاسم خطأ؛ حيث إنه أعاد تعريف الحرف مرتين، ذكره مع الفعل، وذكره مع الحرف، فتعريف الفعل هو كل كلمة تدل على معنًى في نفسها، وتعريف الحرف هو كل كلمة تدل على معنًى في غيرها، فالموجود إذا كان كل معنًى في غيرها مع الفعل والحرف فهو مع الفعل إنما هو خطأ وسهو من الطباعة ربما.
س: هل النسب من علامات الاسم ؟
ج: في الواقع قلت لكم: إن علامات الاسم كثيرة جدًّا منها التصغير، ومنها النسب، ومنها الإضافة -أيضًا- لأن الإضافة من خصائص الأسماء؛ لكننا يعني: لسنا بصدد استقصاء علامات الاسم؛ لأنه يكفي منها أربعة، أو ثلاث لكي تدلك على اسمية الكلمة.
س: ذكرت أن الكلمة لا تخرج عن كونها اسم أو فعل أو حرف، فهل اسم الفعل يدخل في أحد هذه الأقسام ؟
ج: لا شك بأن أسماء الأفعال هي من الأسماء؛ لذلك سميت أسماء، وابن هشام، وابن مالك في الحديث عن علامات الأسماء، وفي الحديث عن التنوين وتفصيلاته إلى تنوين التمكين، والتنكير، والعوض، والمقابلة ذكر أن تنوين التنكير هو الذي يدل به على اسمية أسماء الأفعال.
فـ"صه" تقول فيه: صهٍ بالتنوين، وسيبويه تقول فيه: مررت بسيبويهِ. هذا معرفة وسيبويهٍ آخر هذا نكرة، فدخول التنوين على أسماء الأفعال، وعلى بعض المركبات تنوين التنكير يدل على إسميتها، فأسماء الأفعال في الواقع أنها من الأسماء، وليست من الأفعال.
س: هذا سؤال عن قضية الاستشهاد بالحديث النبوي؟(1/36)
ج: وهذه القضية موضوع طويل، وألفت فيه بعض الكتب للدكتورة خديجة الحديثي، وللدكتور محمود فجال أستاذ -كان- في فرع الجامعة الإمام في "أبها" وكتابه موجود في السوق يتحدث عن قضية الاستشهاد بالحديث النبوي، وما رأى العلماء فيها؟ ولماذا يعني: لم يحتج علماء النحو بالحديث النبوي؟ وما إلى ذلك.
ولماذا احتج به بعض المتأخرين منهم كابن مالك وغيره؟ لا أذكر الاستشهاد بالحديث النبوي للدكتور محمود فجال بهذا العنوان طبعه النادي الأدبي في " أبها " وأظن أن كان -أيضًا- طبع طبعات أخرى.
س: ما هو الشِّعر الذي يستدل به في النحو؟ ولماذا يقتصر عليه فقط؟ وهل معنى ذلك أن الشعر بعد ذلك لا يرتقي إلى اللغة العربية السليمة من اللحن؟
ج: في الواقع أن الشِّعر الذي يستدل به يحتج به على اللغة العربية هو الشِّعر الجاهلي والشِّعر الإسلامي، والعلماء حدودًا مدة تقريبية، وهي سنة مائة وخمسين هجرية، قالوا: إنه بعد هذا العام يعني: لا يحسن الاحتجاج بشيء من الشِّعر على اللغة العربية، وليس معنى ذلك أن الشعراء الذين جاءوا بعد ذلك يلحنون؟ لا، فهم يقولون شعرًا فصيحًا؛ لكنهم اختلطت اللغة العربية بغيرها، ودخلت بعض الكلمات، وتمازج الناس وتصاهروا، فأصبح مَظِنَّة أن تدخل بعض الكلمات الأعجمية ومَظِنَّة للخطأ واللحن، وقد سجل وعرف شيء من ذلك.
أما الشعر الذي يحتج به فهو الشعر الذي أصحابه عرب لم يختلطوا بغيرهم، ويعني: حتى لو حاول منهم أحد -كما يقولون- يلحن لا يستطيع؛ لأنه لا يعرف إلا هذه اللغة، يعني: لا مجال للحن؛ لأنه ليس عنده إلا هذا الكلام الذي ولد وعاش وتربى عليه، ولذلك فإنهم من باب الحرص يحاولون في الفترات الأخيرة الخروج إلى البوادي للأخذ منهم؛ لأن البوادي أبعد عن الاختلاط بشعوب الدول أو الأقاليم المفتوحة من المدن.(1/37)
س: يقول: إذا سأل رجل رجلًا آخر بعيدًا عنه، فأومأ برأسه فيقول الرجل الذي ينظر إليهم: إنه قال: نعم -مثلًا- أو قال: لا، فكيف نقول: إنه قال وهو لم يتكلم؟
ج: الواقع هي قضية مجازية، قضية اصطلاحية وإلا فإن القول هو: الصوت المشتمل على بعض الحروف، القول هو الصوت الدال على المعنىالمشتمل على بعض الحروف، فحينما تقول: إن فلانا يقول لك كذا حينما يومئ برأسه؛ أي: إنه يريد منك... يعني: عبر بتعبير مرادف للقول؛ لكنه ليس قولًا اصطلاحيا؛ لأن القول الاصطلاحي هو ما اشتمل على لفظ أو حروف.
س: نرجو إعادة الكلام عن تاء التأنيث الساكنة، وكذلك علامة فعل الأمر؟
ج: تاء التأنيث الساكنة هي التاء التي تدل على التأنيث، وهي ساكنة، وهي لا تلحق إلا الفعل الماضي فقط في مثل: قامت وقالت؛ لكن هذه التاء أحيانًا قد تُحَرَّك بالكسر حينما يلتقي ساكنان للتخفيف فقط، كما في قوله -تعالى-: قَالَتِ الْأَعْرَابُ أصلها قالتْ الأعراب؛ لكنك حينما تريد أن تصل، وتريد أن تنطق بالساكن، لا بد أن تخفف السكون إلى الكسر، فتقول: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا .
أما علامة فعل الأمر فذكرت أنها مركبة من شيئين لا بد منهما معًا وهما الدلالة على الطلب؛ أي: الأمر مع قبول الكلمة يا المخاطبة، أو نون التوكيد الساكنة، أو المشددة بنوعيها.
س: هل الوقف في قوله -تعالى-: لنسفعا في القرآن بالألف أم بالنون؟
ج: "لنسفعًا" هذه نون خفيفة، وأنا أعرف أن النون الخفيفة لا ترسم نونًا أبدًا، وإنما ترسم ألفا، ولا أعرف أنها في طبعة من طبعات القرآن رسمت بالنون، وإنما هي ترسم بالألف.(1/38)
بيان وجه الاستشهاد في ذلك، هذه آية نحن جئنا بها شاهدًا على أن نون التوكيد الخفيفة إنما هي من خصائص الأفعال وأنها لحقت هنا الفعل المضارع، وأنها ليست من علامات الاسم، والنون التي من علامات الاسم هي نون التنوين الساكنة التي لا تثبت في الخط، وإنما التي تثبت في الخط هي نون التي للتوكيد، وهي خاصة بالأفعال.
س: هذا سؤال عن الجمل التي لها محل من الإعراب، والجمل التي ليس لها محل من الإعراب؟
ج: وهذا موضوع غير ما نحن فيه.
س: وأيضًا يقول: نجد أن بعض اللغويين والنحويين يخالف في تسمية بعض الأشياء، ويقول: إنها لا تسمى كذا وكذا، أو إنما كذا، مع أن المعنى واحد مثاله: "أن" فلها معان كثيرة، ومن معانيها أنها تأتي للتعليل، وشواهدها في القرآن كثيرة منها: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا أي: لئلا تضلوا وكقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا فيقولون: هذه مصدرية، وليست للتعليل مع أنها تفيد معنى التعليل والسببية، فنرجو منكم التوضيح؟
ج: الواقع أن وجود حرف في القرآن الكريم في آية من الآيات يحتمل أن يكون للتعليل، أو يحتمل أن يكون غير ذلك، هذا أمر وارد لا شك فيه، والمفسرون تجد أنهم في بعض الآيات -مثلًا- يأتي بأربعة أقوال، أو خمسة أقوال، كل واحد منهم عنده فيه مستند ودليل، ولا تكون متعينة.
أنا أوصيكم بالنسبة لمسألة الحروف في القرآن الكريم بكتاب الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة -رحمه الله- "دراسات لأسلوب القرآن الكريم" فهو الذي يمكن أن يشفيكم، ويجيب عن أسئلتكم بكل ما يتعلق بالحروف والأدوات في القرآن الكريم، الأجزاء... المجلدات الثلاثة الأولى من هذا.
والكتاب يقع في أحد عشر مجلدًا كبيرًا، الثلاثة الأولى منها فقط هي التي خاصة بالحروف والأدوات في القرآن الكريم، وهو موجود ويباع، وفيه إجابة على كل ما لديكم من أسئلة واستفسارات في هذا.(1/39)
س: يقول: أرجو المداومة على هذه الطريقة الشيِّقة والتي تدخل القلب قبل العقل بدون استئذان وكلام طويل؟
ج: نرجو ذلك -إن شاء الله تعالى- وهذا مشجع على أن نستمر، ونقف عند هذا الحدِّ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
باب الإعراب
باب الإعراب: الإعراب: هو تغيير، أو تغير أواخر الكلم باختلاف العوامل الداخلة عليها لفظا، أو تقديرا، وأقسامه أربعة: رفع ونصب وخفض وجزم؛ فللأسماء من ذلك الرفع والنصب والخفض ولا جزم فيها، وفي الأفعال الرفع والنصب والجزم منها، ولا خفض فيها.
---
باب الإعراب: الإعراب: هو تغيير، أو تغير أواخر الكلم باختلاف العوامل الداخلة عليها لفظا، أو تقديرا.
أولا: إذا قلنا: الإعراب ما الذي يقابل الإعراب ؟ يقابله البناء، وتعريف الإعراب ما هو ؟ الإعراب: هو تغير أواخر الكلمات بتغير العوامل الداخلة عليها، أو باختلاف العوامل الداخلة عليها، وليس المراد بتغير أواخر الكلمات أن الحرف الأخير هو الذي يتغير، وإنما الواقع تغير حركة.
الصحيح أنه تغير حركة أواخر الكلمات، فكلمة تغير أواخر الكلمات إنما هو تعبير فيه تجاوز وتسامح ؛ لأنه واضح، والدقة في ذلك أن نقول: إن الإعراب هو تغير الحركة، حركة أواخر الكلمات بسبب تغير العوامل الداخلة عليها ؛ لأن العوامل - كما تعلمون - متنوعة: فمنها ما يطلب فاعلا، ومنها ما يطلب مفعولا، ومنها ما يطلب مجرورا.(1/40)
فالاسم المعرب -إذن- هو الذي تتغير حركة آخره عندما تتغير هذه العوامل الداخلة عليه، فكلمة محمد -مثلا- بحسب ما قبلها من العوامل يمكن أن تحرك؛ فإن وضعت قبلها فعلا فقط، وجعلتها فاعلا له قلت: قام محمدٌ بالرفع، فإن وضعت قبلها فعلا وفاعلا وجعلتها مفعولا قلت: رأيت محمدا بالنصب، فإن سبقتها بحرف جر، أو نحو ذلك، أو بإضافة فإنها تكون مجرورة، تقول: مررت بمحمدٍ، أو هذا كتاب محمدٍ، فالكلمة التي يتغير آخرها بتغير العوامل الداخلة عليها هذه الكلمة تسمى: معربة.
المؤلف قال في آخر تعريفه: لفظا، أو تقديرا، ما المراد بكلمة لفظا، أو تقديرا ؟
المراد بذلك أن تغير أواخر الكلمات تارة يكون تغيرا في اللفظ ظاهرا كمحمد فإنها تكون: محمدٌ ومحمدا ومحمدٍ، وتارة يكون هذا التغير تغيرا تقديريا فقط لا يظهر، وذلك في الأسماء المختومة بالألف، أو بالياء، فالأسماء المختومة بالألف وتسمى الأسماء المقصورة مثل: الفتى، ومصطفى، والمستشفى، ونحو ذلك.
هذه أسماء معربة، ويتغير آخرها بتغير العوامل الداخلة عليها، لكنّ هذا التغير تغير تقديري لمانع يمنع من ظهوره، تقول: جاء محمدٌ بالرفع، وتقول: جاء الفتى، وتقول: رأيت محمدا ورأيت الفتى، ومررت بمحمدٍ ومررت بالفتى كلاهما اسم معرب، لكن محمد آخره يتغير تغيرا ظاهرا لفظيا، وأما الفتى فإن آخره يتغير تغيرا تقديريا فقط، فحينما تأتي للإعراب تقول: محمد: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، وتقول: جاء الفتى، الفتى: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره، لكنها منع من ظهورها التعذر، ما معنى التعذر ؟(1/41)
التعذر: هو الامتناع والاستحالة، أي: أنه يستحيل أن تنطق بالضمة على الألف، لو حاولت أن تظهر الضمة على الألف، لو حاولت أن تظهر الضمة على ألف في الفتى لا تستطيع. وكذلك -أيضا- مما يكون الإعراب فيه تقديريا -أيضا-: الأسماء المنقوصة، وهي التي آخرها ياء؛ فتقول: جاء القاضي، رأيت القاضيَ، ومررت بالقاضي إلا أن الفرق بين الأسماء المقصورة التي آخرها ألف، والأسماء المنقوصة التي آخرها ياء أن الحركة لا تظهر على الأسماء المقصورة للتعذر والاستحالة، أما الحركة فإنها تختفي في الأسماء المنقوصة بسبب الثقل، وليس بسبب التعذر، يعني: أنك تستطيع أن تنطق بها، لكنها ثقيلة، فلما استثقلت أبعدت، تستطيع أن تقول: جاء القاضيُ بالرفع وتظهر الضمة لكنها ثقيلة، ولذلك فإن الفتحة؛ لأنها خفيفة تظهر في الاسم المنقوص فتقول: رأيت القاضيَ بدون ثقل، أو تعذر.
فالأعراب -إذن- هو تغير آخر الكلمة، أو تغير حركة الحرف الأخير من الكلمة تغيرا لفظيا في الأسماء الصحيحة الآخر، أو تغيرا تقديريا في الأسماء المعتلة الآخر، والمراد بالأسماء المعتلة الآخر: هي التي تختفي فيها الحركة للتعذر، وذلك في الأسماء المقصورة، أو للثقل، وذلك في الأسماء المنقوصة. أو لما يسمونه: اشتغال المحل، أو انشغال المحل بحركة المناسبة، وذلك في الأسماء المختومة بياء المتكلم في مثل: كتابي أقول: هذا كتابي، رأيت كتابي، قرأت في كتابي.(1/42)
حينما تأتي لتعرب فتقول: كتابي اسم مرفوع بضمة مقدرة على الباء، فالاسم المختوم، أو المتصل بياء المتكلم يلزم صورة واحدة، وتقدر عليه حركات الإعراب الثلاث وهي: الرفع والنصب والجر ؛ لأن محل الحركة، وهو آخر الكلمة قبل ياء المتكلم شغل بحركة جيء بها لمناسبة ياء المتكلم، فياء المتكلم -كما تعلمون- تناسبها الكسرة، فهذه الكسرة جاءت لتناسب الياء، فشغلت المحل عن أن تظهر عليه الضمة وهي ضمة الفاعل، أو الفتحة وهي التي في المفعول، أو الكسرة التي يؤتى بها للجر.
فإذن الإعراب التقديري: هو الذي يكون مقدرا على أواخر الكلمات حينما تكون مختومة بحرف علة.
فالإعراب هو تغيير أواخر الكلمة لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظا، أو تقديرا.
هو لم يتعرض - رحمه الله - للبناء، لكن البناء تستطيع أن تأخذ تعريفه من تعريف الإعراب ؛ لأنه مقابل له، فكما أن الإعراب تغير أواخر الكلمات بتغير العوامل الداخلة عليها، فإن البناء ما هو ؟ هو لزوم أواخر الكلمة حركة واحدة، وعدم تغيرها بتغير العوامل الداخلة عليها.
البناء هو: لزوم آخر الكلمة المبنية بصورة واحدة، أو حركة واحدة، وعدم تأثرها بالعوامل الداخلة عليها، فالاسم المبني يلزم هذه الحالة، ولا يتغير بتغير العوامل الداخلة عليه، ولا يتأثر بها حينئذ، وحركته حسب حاله؛ إما أن يكون مبنيا على الضم مثل كلمة "حيثُ"، وأن يكون مبنيا على الكسر مثل كلمة "هؤلاءِ"، أو أن يكون مبنيا على السكون مثل كلمة "منْ وكمْ" ونحو ذلك، فهذه كلها أسماء مبنية، وآخرها يلزم صورة واحدة، ولا يتأثر بالعوامل الداخلة عليه.
الإعراب أقسامه أربعة وهي: رفع ونصب وخفض وجزم.
طبعا المؤلف ملتزم بالمصطلح الكوفي وهو الخفض، وأنه يستعمله، ولم يرد عنده استعمال كلمة الجر.(1/43)
فأقسام الإعراب أربعة وهي: الرفع والنصب والخفض والجزم، ولو جئنا للبناء لوجدنا أن أقسامه -أيضا- أربعة وهي الأربعة المقابلة لهذه؛ فالرفع في الإعراب يقابله في البناء الضم، والنصب في الإعراب يقابله في البناء الفتح، والخفض، أو الجر في الإعراب يقابله في البناء الكسر، والجزم في الإعراب يقابله في البناء السكون.
فأنت في الإعراب تقول: محمد اسم مرفوع، ولكن كلمة حيثُ -لأنها مبنية- لو قلت: إنها اسم مرفوع لكان كلاما خطأ وليس صحيحا ؛ لأن الرفع مصطلح خاص بالإعراب، فإذا جئت للبناء تستخدم المصطلح الذي يقابله وهو الضم، فتقول: محمدٌ: اسم مرفوع، وحيثُ: اسم مبني على الضم، وتقول -أيضا-: محمد: اسم مرفوع، ومنذُ: اسم مبني على الضم، وتقول: جاء هؤلاءِ، ورأيت هؤلاءِ ومررت بهؤلاءِ، وتقول: مررت بمحمدٍ، فمحمد اسم مجرور، أو اسم مخفوض حسب مصطلح المؤلف، وتقول في هؤلاء: هؤلاء: اسم مبني على الكسر.
فمصطلحات الإعراب، أو أقسامه -إن شئت- أربعة وهي: الرفع والنصب والجر، أو الخفض والجزم، مصطلحات البناء أربعة وهي تقابلها وهي: الضم والفتح والكسر والسكون، فللأسماء من ذلك الرفع والنصب والخفض، ولا جزم فيها، وللأفعال من ذلك الرفع والنصب والجزم، ولا خفض فيها، حينما تحدث عن أقسام الإعراب تحدث عن أنها تتقاسمها الأفعال والأسماء.
فالأسماء لها منها ثلاثة، والأفعال لها منها -أيضا- مثل ذلك؛ فللأسماء الرفع والنصب والخفض ولا جزم فيها، وللأفعال من ذلك الرفع والنصب والجزم ولا خفض فيها، لكنه لم يتحدث عن الحروف، فلماذا ألقاب الإعراب، أو مصطلحات الإعراب، أو أقسام الإعراب هذه الأربعة لماذا تقاسمتها الأفعال والأسماء، ولم يكن للحروف منها نصيب ؟(1/44)
نعم السبب في ذلك أن الحروف مبنية، الحروف كلها مبنية، ولا حظ لها في الإعراب ؛ ولذلك فإن الإعراب من خصائص الأفعال والأسماء فقط، وألقاب الإعراب، أو مصطلحاته تتقاسمها الأسماء والأفعال، فالألقاب الأربعة الأسماء تأخذ الألقاب الأربعة ما عدا الجزم، فإن الأسماء لا تجزم، والأفعال تأخذ الأربعة ما عدا الجر، فإن الجر -كما تقدم قبل قليل- علامة من علامات الأسماء، ولا يدخل في الأفعال.
ولذلك قال: فللأسماء من ذلك الرفع والنصب والخفض محمدٌ ومحمدا وبمحمدٍ ولا جزم فيها، والأسماء تبني على السكون مثل: منْ وكمْ، لكنها لا تجزم في حالة الإعراب ؛ لأن الجزم مصطلح إعرابي خاص بالأفعال. أما البناء على السكون فإنه يدخل في الأسماء، لكننا -الآن- نتحدث عن ألقاب الإعراب ومصطلحاته. وللأفعال من ذلك الرفع والنصب والجزم، ولا خفض فيها، فالجر -أيضا- لا يدخل في الأفعال ؛ لأنه من خصائص الأسماء.
نترك الوقت الباقي لبعض الأوراق والأسئلة وهنا ورقة تمنيت لو أنني قرأتها في البداية، ولكن -إن شاء الله- سأراعيها في الدروس القادمة.
س: يقول: أرجو أن تهدئ من سرعتك في الكلام حتى نفهم، ونحاول أن نستفيد، ويرجو -أيضا-، أو يطالب بذكر بعض التعريفات.
ج: الواقع أنني أريد وأود أن أستفيض في بعض التعريفات، لكني حريص -لأن مدة الدورة قليلة- أن نمر على شرح هذا المتن الذي التزمنا به كاملا إن استطعنا، وأعاننا الله على ذلك، فإن رأيتم أن نتوقف وأن نهدئ، ونذكر بعض التعريفات، فأخشى أن يطول بنا المقام، ولا نصل إلى المراد.
س: وهذا يقول: حبذا لو كان هناك مراجعة سريعة تلخص ما تم شرحه في الدرس، وذلك في نهاية كل درس
ج: بإذن الله.
س: هذا -أيضا- يلفت الانتباه إلى أمر جيد وهو يقول: إنك ذكرت في الإعراب تعريفه: هو تغيير أواخر الكلم، وأنت قلت:لو أنها تغيير حركة أواخر الكلم، وهذا قد لا ينطق على جمع المذكر السالم، والمثنى، وما إلى ذلك ؟(1/45)
ج: هذا صحيح، الإعراب في الأسماء المفردة هو تغيير حركة آخر الكلمة، لكن هذا في الأسماء التي تعرب بالحركات، أما في الأسماء التي تعرب بالحروف كالأسماء الستة، وجمع المذكر السالم، والمثنى، وما إلى ذلك فإنه تغيير آخر الكلمة فعلا؛ لأنها تارة تختم بواو ونون، أو بألف ونون، أو بياء ونون حسب حالها، وهذا صحيح.
س: يقول: ذكرتم بأن من علامات الاسم: دخول أل بجميع أنواعها، فهل يدخل في ذلك أل الموصولة، وإذا كان كذلك، فما هو القول في قول الشاعر:
ما أنت بالحكم الترضي حكومته ... ................
؟
هذا البيت من شواهد شروح الألفية، وهو مشهور في كل شرح، وقل أن يخلو منه، وأنا هنا حاولت ألا أستطرد إلى شرح ألفية ابن مالك، وإلا فإننا لو أردنا أن نخرج إلى ذلك فإنه قد يطول بنا المقام كثيرا، وقد شرحت هذا الكلام في درس سابق كان في مسجد الجامعة، حينما كنت أشرح "شرح أوضح المسالك" والاستقصاء في أنواع أل، وفي الذي يدخل منها، والذي لا يدخل، وفي علامات الاسم كاملة وتفصيلاتها، ثم الدخول في التنوين وأنواعه الأربعة: تنوين العوض، وتنوين التمكين، والمقابلة، والعوض، ثم الترنم وما إلى ذلك يخرجنا عن الالتزام بهذا المتن.
فالقصد في هذه الدورة المكثفة اليسيرة أن نحاول أن نشرح هذا المتن فقط، وأن نلتزم به، وليس القصد من ذلك هو أن نعلم النحو كله؛ فالنحو لا يمكن أن يعلم في ثلاثة أسابيع، ويدرس في الكلية في أربع سنوات، ولا يصل به الإنسان إلا إلى ثلاثة أرباع أبوابه، أو إلى النصف أحيانا، فليس من شأننا في هذا أن نستفيض في كل شيء، وإلا فإن العلماء في أنواع "أل" تحدثوا عنها، وقالوا: إنه يستثنى من ذلك أل الموصولة ؛ لأنها تدخل على الأفعال، ولكن العبرة في هذا كله إنما هو بالغالب وبالكثير.(1/46)
أيضا لو جئت إلى قضية علامة الفعل الماضي وهي التاء، والجر ودخول حرف الجر لجئت إلى نعم وبئس، وقول العرب: والله ما هي بنعم الولد، نعم السير على بئس العير، وما إلى ذلك، فإننا إذا أردنا أن ندخل في الاستثناءات ونفصل في ذلك سيطول بنا المقام، وإنما المراد هنا ذكر العلامات التي هي في الغالب علامات الأسماء.
فالجر في الغالب أنه علامة للأسماء، ولا يضر أن العرب لها شاهد، أو شاهدان دخل فيها حرف الجر على فعل، وأل علامة من علامات الأسماء، ولا يضر أن تكون دخلت في شاهد نحوي على فعل، ونحو ذلك.
والتصغير علامة من علامات الأسماء، ولا يضر أنه صغر فعل للتعجب، أو نحو ذلك، العبرة عندنا هنا بالعموم وبالقواعد العامة، وأما التفصيلات وذكر الشواذ لكل قاعدة، فهذا لو أردنا أن نأخذ به لطال بنا المقام، ولا استطعنا أن نقرر قاعدة تقريرا كاملا.
س: وأيضا السائل يقول: يتحدث عن أل، وأنها ذكرتم أنها علامة بأنواعها، وما إلى ذلك ؟
ج: أنواع أل المشهورة وهي: أل التي للتعريف، وأل التي للتعريف أغلبها هي التي للعهد، سواء كان هذا العهد هو العهد الذهني، أو العهد الذكري، أو العهد الحضوري.
فالعهد الذكري -مثلا كما إذا ذكرت- كلمة، ثم جئت بأل بعد ذلك ؛ إشارة إلى هذه الكلمة كما إذا قلت: مررت برجل فأعجبني الرجل، أل هنا للعهد الذكري، وكما في قوله -تعالى-: كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ أي: الرسول الذي أرسل له، ومر في قوله: أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا .
والعهد الذهني -أيضا- هو أن يحيلك إلى معهود في ذهنك، ومعروف كما في قوله -تعالى-: ذَلِكَ الْكِتَابُ الكتاب أي: القرآن الذي معروف في أذهان جميع المسلمين المخاطبين.
والعهد الحضوري كما في قول، يستشهدون عليه بقوله -تعالى-: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ أي: هذا اليوم الذي أنتم فيه وهم يوم الجمعة -يوم عرفة- الذي نزلت فيه الآية.(1/47)
وكما قلت لكم -أيضا- يعني: أنا تعمدت ترك التفصيل ؛ لأن المراد نحن -الآن- لسنا بصدد الحديث عن أل، وأقسام أل، وإنما بصدد الحديث عن علامات الاسم، يكفي أن نقول: بأن الاسم أي كلمة تدخل عليها أل -أيا كانت- فهي اسم، وتفصيل أنواع أل قد يرد في باب خاص، وهو: باب المعرف بأل.
سائل يسأل عن ما الفرق بين متن الأجرومية، وملحمة الإعراب، وأيهما أجدر باللفظ، وأيضا ما رأيكم فضيلتكم في حفظ الألفية، والاكتفاء بها عن غيرها ؟
لا شك بأن الألفية من أنفع المتون وأجمعها، وأن حفظ الألفية إذا كان الإنسان -يعني- يريد أن يحفظ متنا واحدا، وعنده القدرة على حفظ متن الألفية فأنا أوصيه بذلك، وليستعن بالله فإنه إذا حفظ متن الألفية باستطاعته أن يقرأ أي شرح من شروحها، ويجد الأمر ميسرا، وسيستطيع أن يمسك بتفاصيل هذا الشرح ما دام ممسكا بمفاتيحه، وهي أبيات الألفية.
فأبيات الألفية من المتون التي يوصى بحفظها، والتي كان العلماء يحفظونها، ويتواصون بحفظها، أما الطريقة المثلى في الحفظ فالواقع أن كل إنسان له أسلوبه في الحفظ، وله الإمكانيات والقدرات على ذلك، لكن وقت الفجر لا شك بأنه من أنجح الأوقات، وأفضلها للحفظ ؛ لأن الذهن فيه حي متوقد مستيقظ، وفيه صفاء ونقاء فهو من أفضل الأوقات التي تعين على ذلك، وإن كانت أوضاع الناس بكل أسف، والأوضاع الاجتماعية وهذا الليل الذي يضيع جله، أو أكثره قد يفوت مثل هذه الفرص بكل أسف.
ما رأيكم في إلقاء درس أسبوعي بعد الدورة ؟
عندي -إن شاء الله- نية - أسأل الله أن يعينني على تحقيقها - مع بداية الفصل أن يكون هناك درس أسبوعي في هذا المسجد بإذن الله.
حبذا لو كان هناك مناقشة مع بداية كل درس ؟
سأحاول -إن شاء الله- في بداية كل درس أن ألخص تلخيصا موجزا ما مر في الدرس الذي قبله، أما قضية المناقشة والحوار فأظن أنها -يعني- فيها صعوبة ؛ لعدة أسباب منها:(1/48)
بعد الحاضرين عن مكبر الصوت، وعدم سماع الصوت، وكذلك كثرة العدد والتي نرجو أن تكون -إن شاء الله- في هذا المستوى كما ذكر فضيلة الشيخ كل يوم.
س: نرجو أن تعيد التعريف، وما إلى ذلك والأمور المهمة مرة، أو مرتين ؟
ج: هذا -إن شاء الله- سيحصل -بإذن الله-، فالدرس الأول عادة يعد مثل التجربة، فيكون أثناء الدرس فيه طرفة، أو نحو ذلك نحوية لكان حسنا. عندما يكون هناك شيء يأتي عفوا هكذا في المناسبة لن نتركه إن شاء الله.
س: الحرف دائما مبني، فما قولك في توجيه كلام ابن مالك في الألفية:
والحرف منه معرب ومبني ... لشبه من الحروف مدني
الواقع أنه لم يقل: والحرف، ابن مالك قال:
والاسم منه معرب ومبني ... لشبه من الحروف مدني
هذه طبعة من طبعات الألفية لم أطلع عليها.
وأهلًا ومرحبًا بكم مع الدرس الثالث من دروس شرح المقدمة "الأجرومية" في علم النحو، وسنبدأ هذا الدرس استجابة لطلب الشيخ إمام المسجد بثلاثة أو أربعة أسئلة متبقية من اللقاء الماضي، وذلك ريثما، أو حتى نتيح الفرصة ليحضر مَن يريد الحضور من أئمة المساجد الأخرى، أو مَن صلى خارج هذا المسجد.
س: السؤال الأول يقول: ما الفرق بين كلمة: اللغة والاصطلاح؟
ج: التعريفات في اللغة والاصطلاح هي أمور ليست خاصة بعلم النحو، وإنما في كل العلوم هناك تعريف لغوي، وهناك تعريف اصطلاحي، والفرق بينهما أن التعريف اللغوي هو دلالة الكلمة هذه في اللغة بصفة عامة.
وأما التعريف الاصطلاحي فهو ماذا يراد بها بالنسبة لهذا الموضوع، المتحدث فيه بالذات، أو ما تعريفها في اصطلاح أهل هذا العلم بالذات، فمثلًا الإعراب تعريفه اللغوي: الإبانة، تقول: أعرب فلان عما في نفسه؛ أي: أبان وأفصح عما في نفسه؛ لكن معناه يلحق أواخر الكلمات بسبب تغير العوامل الداخلة عليها.(1/49)
فالتعريف الاصطلاحي له اتصال إلى حد ما بالتعريف اللغوي، وتارة يبعد عنه، فاللغوي -إذًا- هو المدلول اللغة، أو مدلول هذه الكلمة في اللغة بصفة عامة، أما التعريف الاصطلاحي فهو مدلولها عند أهل هذا العلم، وأهل هذا الفن بصفة خاصة.
س: سؤال: آخر يقول: ذكرت مثالًا للطلب مع نون التوكيد المؤنث: اكتبن الدرس يا هند. فكيف -إذًا- يخاطب بهذه المذكر؟
ج: المذكر إذا طلبت منه الكتابة قلت له: اكتبْ بالبناء على السكون، فإذا أردت أن تؤكد هذا الفعل فإنك تلحق به نون التوكيد، ثم بعد ذلك يتحول من البناء على السكون إلى البناء على الفتح، فتقول: اكتبنَّ الدرس يا محمد.
أما بالنسبة للمخاطبة المؤنثة فأصل الخطاب لها: اكتبي الدرس بياء المخاطبة، والأصل -أيضًا- تكتبين بالنون "نون الرفع" فلما حوِّل من المضارع إلى الأمر قيل: اكتبي بُني على حذف النون، فإذا أردت أن تدخل عليه التوكيد فإنك إن لم تغير فيه شيئا فستقول: اكتبينَّ الدرس يا هند، وحينئذ سيجتمع ساكنان وهما الياء ونون التوكيد الثقيلة؛ لأن الثقيلة مكونة من حرفين أولهما نون ساكنة.
فاجتماع الساكنين هنا يلجئنا إلى حذف الياء وإبقاء الكسرة التي قبلها للدليل عليها، فيصبح اكتبنَّ الدرس يا هند. فتحولت من اكتبي، ثم اكتبين، ثم بسبب الاستثقال صارت اكتب، فإذًا الأمر للمؤنثة اكتبِنَّ بكسر الباء، والأمر للمذكر اكتبَنَّ بفتح الباء، وأظن أن الفرق الآن بينهما واضح.
س: يقول: قال المصنف -رحمه الله-: "أقسامه ثلاثة" أي: أقسام الكلام، يقول: أليس هذا الكلام فيه تجوز؛ لأن هذه الثلاثة وهي: الاسم والفعل والحرف، إنما هي أقسام الكلمة"
ج: هذا صحيح هي أقسام الكلمة؛ لكنها -أيضًا- في النهاية الكلام إنما يتركب من هذه الكلمات الثلاث فلو قلت: إنها أقسامه تجوزا فلا حرج في ذلك.
س: يقول: ذكرت أن معنى "الباء" الإلصاق في قولك: كتبت بالقلم، وفي الحقيقة أنها هنا للاستعانة، وأن مثال الإلصاق مسحت برأسي؟(1/50)
ج: الواقع أنها في مسحت برأسي للإلصاق لا شك، وفي كتبت بالقلم -أيضًا- للإلصاق؛ لأنها ألصقت المسح بالرأس، وألصقت اليد بالقلم، ولا مانع يمنع من أن تكون للإلصاق، وتؤدي معنى الاستعانة -أيضًا- فإن الحروف يعني: بعض الأمثلة يحتمل معنى واحدًا أو معنيين، وربما أكثر من ذلك، فلا مانع يمنع من أن تكون للإلصاق وللاستعانة أيضًا.
انتهت الأسئلة التي معي من بقايا درس الأمس، هناك -أيضًا- كلمة أود أن أقولها تعليقًا على درس الأمس، نحن حينما تحدثنا عن الحرف "قد" واستطردنا وقلنا: إنه للماضي تفيد التحقيق، كقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ مع الماضي تفيد التحقيق و"قد" تفيد التقريب كما في قول المؤذن عند إقامة الصلاة: قد قامت الصلاة. وأنها مع المضارع، وإما للتقليل كما تقول: قد يحصل كذا. قد يجود البخيل، أو للتكثير -أيضًا- كما تقول: قد يجود الكريم؛ لكن التقليل هو الغالب عليها مع الفعل المضارع.
أحد الإخوة الحضور قال: إن القول بأنها مع المضارع للتقليل يُشْكل علينا في مجموعة من الآيات الكريمة قوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ .
آيات كثيرة جاءت معها "قد" داخلة على الفعل المضارع، وهي بالنسبة لله -سبحانه وتعالى- فلا يحسن أن يقال فيها: إنها للتقليل، والواقع أن العلماء يعني: هذه الآيات التي وردت بهذا هي سبع آيات وردت مع الفعل "نعلم" وآية واحدة وردت مع الفعل "نرى" فهي مجموعها في القرآن فيما اطلعت عليه ثماني آيات، والعلماء يعني: لهم في تفسيرها مذهبان.(1/51)
المذهب الراجح والذي عليه عموم المفسرين هو أن الفعل هنا مضارع؛ لكنه منزَّل بمنزلة الماضي؛ لأن علم الله -سبحانه وتعالى- ممتد في الماضي وفي الحاضر، فمعنى قَدْ نَعْلَمُ أي: قد علمنا، و قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ أي: قد رأينا، فإذا جعلت المضارع بمعنى الماضي تكون حينئذ هنا للتحقيق؛ لأنها مع الماضي للتحقيق، ولا حرج ولا إشكال حينئذ في ذلك.
والزمخشري له رأي آخر وهو -أيضًا- يعني: رأي مقبول، أن قَدْ نَرَى أنها هنا "ربما" بمعنى "ربما"، "ربما" -كما تعلمون كما أشرنا إشارة خاطفة- تفيد التقليل، وتفيد التكثير، فهي هنا بمعنى "ربما" التي تفيد التكثير.
فإذًا الحاصل أن "قد" في القرآن الكريم، وفي آيات كثيرة في قَدْ نَعْلَمُ و قَدْ نَرَى الصحيح فيها أنه مضارع منزَّل منزلة الماضي، وحينئذ تكون فيه "قد" للتحقيق، وليست التقليل.
درس الأمس -كما تعلمون- تحدثنا فيه عن تعريف الكلام، وتحدثنا فيه عن أقسام الكلمة الثلاثة: الاسم والفعل والحرف، وعن تعريف كل قسم منها، وعن علامات كل واحد من هذه الثلاثة، ووقفنا عند باب الإعراب.
باب الإعراب: قارئنا أين هو؟ قريب أو بعيد؟ ممكن تقترب هنا، باب الإعراب، نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب الإعراب: الإعراب: هو تغيير أواخر الكلمة باختلاف العوامل الداخلة عليها لفظًا أو تقديرًا.
وأقسامه أربعة: رفع ونصب وخفض وجزم. فللأسماء من ذلك الرفع والنصب والخفض، ولا جزم فيها، وللأفعال من ذلك الرفع والنصب والجزم، ولا خفض فيها
بس، تكفي هذا، يقول: باب الإعراب، الإعراب قبل أن تدخل في تعريفه. ما الذي يقابله؟ الإعراب يقابله البناء، ولا يمكن أن تخلو كلمة سواء كانت هذه الكلمة اسمًا، أو فعلًا، أو حرفًا من أحد هذين القسمين؛ إمَّا أن تكون معربة، وإما أن تكون مبنية.(1/52)
فنحاول أن نستعرض هذه الكلمات، وأقسام الكلمة الثلاثة ما الذي منها يدخله الإعراب فقط؟ وما الذي يدخله البناء فقط؟ وما الذي يدخله الاثنان معًا؟ فبالنسبة للأسماء: الأسماء هل هي معربة دائمًا، أو مبنية دائمًا، أو أنها تجمع بين الأمرين؟
الأسماء في الواقع تجمع بين الأمرين، فمنها ما هو معرب، ومنها ما هو مبني، ولذلك قال ابن مالك -رحمه الله-:
والاسم منه معرب ومبني
ثم قال:
لشبه من الحروف مُدْني
. .. إلى آخره، ليعلل أسباب البناء ما هي؟ إذا عرفنا أن الأسماء يدخلها الأمران: الإعراب والبناء.
تنتقل إلى الأفعال، هل الأفعال -أيضًا- كذلك؟ أو أنها مختصة بواحد من هذين الأمرين؟ الأفعال -أيضًا- يجتمع فيها الإعراب والبناء. لا يجتمعان في وقت واحد، وإنما تارة تكون معربة، وتارة تكون مبنية.
القسم الثالث وهو: الحروف، هل هي مختصة بواحد منها، أو يجتمع فيها الأمران؟ مختصة بواحد وهو البناء، إذًا الحروف كلها مبنية، ولذلك فإن باب الإعراب لن تدخل الحروف معنا في الحديث فيه، وإنما سيكون حديثنا في باب الإعراب مقصورًا على الأسماء والأفعال.
الإعراب في اللغة -كما ذكرت- هو: الإبانة والإفصاح. تقول: أعرب عما في نفسك، وأعرب فلان عما في نفسه؛ أي: أبان وأفصح، وهذا أبرز معاني الإعراب في اللغة، ويرد لمعان أخرى لا نحتاج إليها.
أما في اصطلاح النحويين فإن الإعراب هو: تغيير أواخر الكَلِم، أو آخر الكلمة -كما تشاءون- لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظًا أو تقديرًا. تغيير أواخر الكلم لماذا؟ بسبب اختلاف العوامل الداخلية عليها لفظًا، أو تقديرًا.
أنا ذكرت في الدرس الأول أن تغيير أواخر الكَلِم أنها عبارة يُراد بها تغيير حركة الحرف الأخير من الكلمة، وليس المراد به -في الغالب- تغيير الحرف بنفسه، فأنت حينما تقول: جاء محمد، الدال ثابتة لا تتغير إنما الذي يتغير بسبب العوامل هو الضمة، أو الفاتحة، أو الكسرة.(1/53)
هذه الثلاث تتناوب ونتبادل على هذا الحرف الأخير وهو الدال. فالحرف -إذًا- نفسه لا يتغير، وإنما هو ثابت، وإنما التغير في حركته الداخلة عليه بسبب تغير العوامل الداخلة عليه؛ لأن العوامل الداخلة عليه تارة يدخلُ عليه عامل يطلب فاعلًا فيصير حينئذ مرفوعًا.
تقول: جاء محمد، وتارة يدخل عليه عامل يطلب مفعولًا فيصير حينئذ منصوبًا، فتقول: رأيت محمدًا وتارة يدخل عليه عاملٌ يطلب مجرورًا، كما إذا قلت مررت بمحمدٍ مجرور بحرف الجر، أو إذا قلت: هذا كتاب محمدٍ مجرور بالإضافة، أو إذا قلت: هذا كتاب محمد الكريمِ. فالكريم هنا مجرورة ليس بالإضافة، وليس بحرف الجر، وإنما بالتبعية؛ أي: أنها تابع للمجرور المقتدم فهي نعت له تجر بمثل جره.
فالإعراب إذًا هو: تغيير أواخِر الكلم لماذا تغييرها؟ تغييرها بسبب العوامل الداخلة عليها، معنى ذلك أن التغيير الذي يحصل في أواخر بعض الكلمات أحيانًا، ويكون ليس بسبب عامل داخل عليه لا يعد إعرابًا، ويراد بذلك التغيير الذي يحصل بسبب بعض لغات العرب.
هناك كلمات -مثلًا- مبنية في الواقع؛ لكن العرب مختلفون في لغتهم في بنائها، فمنهم من يبنيها على الضم، ومثل ذلك كلمة "حيث" فالمشهور فيها أنها مبنية على الضم دائمًا، فيقال: "حيثُ" لكن هناك مَن يبنيها على الكسر فيقول: "حيثِ" وهناك من يبنيها على الفتح فيقول: "حيثَ" هذا التغيير الذي في "حيث" لا نسميه إعرابًا.
لماذا؟ لأنه تغير سببه اختلاف لغات العرب، وليس تغيرًا، سببه اختلاف في العوامل الداخلية عليها، فهي "حيثُ" لا يتغير بتغير العوامل الداخلة عليها، فالذين يبنونها على الضم يجعلونها مضمومة دائمًا؛ سواء وقعت في محل رفع، أو في محل نصب، أو في محل جر.(1/54)
إذًا العامل المتقدم لا يؤثر فيها، والذين يبنونها على الفتح -أيضًا- كذلك يجعلونها مفتوحة؛ سواء وقعت في محل نصب، أو رفع، أو جر. والذين يبنونها على الكسر كذلك يجعلونها مكسورة؛ سواء وقعت في محل رفع، أو نصب، أو جر، فالتغير الداخل عليها ليس سببُه اختلاف العوامل، وإنما سببه لغات العرب، فلا يسمى هذا إعرابًا، وإنما الإعراب هو التغير الذي تسببه العوامل الداخلة على هذه الكلمة.
"لفظًا أو تقديرًا" ما المراد بقوله: "لفظًا أو تقديرًا"؟ المراد به أن آخر الكلمة يتغيَّر بسبب تغير العوامل الداخلة عليها؛ سواء كان أمكن تغييره لفظًا، وذلك في الكلمات التي آخرها حرف صحيح.
الكلمات المختومة بحرف صحيح، يعني: ليس حرف علة، هذه التغير فيها يكون لفظيًّا، تقول: جاء محمد، رأيت محمدا، مررت بمحمد. وتقول: يكتبُ علي، لن يكتب عليًّا، لم يكتب علي.
فالاسم الصحيح الآخر ومثله الفعل الصحيح الآخر التغير عليه يكون تغيرًا ظاهرًا على حرفه الأخير، إذا كان حرفه الأخير -كما قلنا- صحيح الآخر، وهذا ما يسمى تغير لفظي.
أما التغير التقديري فالمراد به ما كان معتل الآخر سواء كان اسمًا أو كان فعلًا. طبعًا نحن نتحدث عن الأسماء والأفعال بصفة عامة؛ لأن الإعراب يشملهما معًا يدخل فيهما ولا حديث لنا في الحروف؛ لأنها كلها مبنية.
فإذا كان الاسم معتل الآخر مثل: الفتى اسم مقصور آخره ألف لازمة، هذا الاسم معرب تقول فيه: جاء الفتى. إذا جئنا نعرب نقول: الفتى اسم مرفوع بضمة مقدَّرة على آخره منعا من ظهورها التعذر، وتقول: رأيت الفَتَى، تقول: الفتى اسم مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على آخره منعا من ظهورها التعذر أيضًا، ومررت بالفتى اسم مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر.
فالفتى -إذًا- اسم معرب وآخره يتغير بتغير العوامل الداخلة عليه، لكنه تغير داخلي لا يظهر تغير تقديري منع منه مانع، وهو أنه يتعذر عليك أن تنطق بالحركات على الألف.(1/55)
يتعذر يعني: يستحيل، يستحيل عليك أن تظهر الفتحة، أو الضمة، أو الكسرة على الألف فإذا هو اسم معرب، وله أحكام الأسماء المعربة، فهو مثل محمد تمامًا؛ لكنه لا يمكن أن تظهر الحركات عليه فهو معرب إعراب تقديري، وليس معرب إعرابًا لفظيًّا، كمثل محمد ونحوه، ومثل الفتى.
الفعل إذا ختم بحرف علة مثل يسعى ويخشى، تقول: يسعى فعل مرفوع بضمة مقدرة، فإذا أدخلتَ عليه حرف ناصب تقول: لن يسعى منصوب بفتحة مقدرة، فإذا أدخلت عليه حرف جازم قلت: لم يسعَ، ويكون حينئذ مجزوم بحذف حرف العلة، فقوله: "تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظًا أو تقديرًا" يراد باللفظ ما كان صحيح الآخر، تظهر الحركات عليه، وبالتقدير ما كان معتل الآخر الحركات عليه.
طبعًا المعتل الآخر يشمل ماذا؟ يُراد به ما خُتِم بحرف علة، وحروف العلة معروفة لديكم "الواو والألف والياء" وسواء كان هذا المختوم بحرف علة سواء كان اسمًا، أو كان فعلًا، فإنه يكون حينئذ معربا إعرابًا تقديريًّا.
طيب بالنسبة لو جاء شخص -مثلًا- وقال كيف أُفَرِّق بين المبني والمعرب إعراب تقديري؟ يعني: لماذا لا نقول: "الفتى" مبنية؟ لماذا نقول: إنها معربة ونحن ما عندنا دليل؟ محمد سهل عليك أن تقول: معربة؛ لأنها تتغير، محمدُ، محمدًا، محمدٍ، ما فيها إشكال.
لكن الفتى، مصطفى، القاضي ونحوه من الكلمات التي لا تظهر عليها حركات الإعراب كيف أستطيع أن أقول: إنها معربة؟ وأنا ما عندي دليل ظاهر على إعرابها؟ وما الذي يجعلني أفرق بينها وبين "مَن وكَمْ والذي والتي ومتى" ونحو ذلك من الأسماء المبنية؟
هل أحد عنده جواب على هذا السؤال؟ هل من جواب على هذا السؤال؟(1/56)
وهذا مهم جدًّا في التفريق بين الأسماء المبنية والمعربة؟ لأن الأسماء المعربة بحركة ظاهرة هذه، إما فيها إشكال؛ لكن اللبس قد يحصل في الأسماء المعربة بحركات مقدرة، فقد تختلط ببعض المبنيات، فلا نعرف ما المعرب وما المبني؟ لأنه ليس عندنا دليل لفظي. تفضل.
هذا كلام صحيح؛ ولكنه ليس هو الجواب؛ لأن تطبيق علامات الاسم عليها لا يدلنا على أنها معربة، ولا على أنها مبنية؛ لأن المبنيات أسماء، فقد تقبل هذه العلامات، والمعربات أسماء فقد تقبل علامات الاسم، فعلامات الاسم تشكل المعربة والمبنية، فهي صالحة للاثنين، فالشيء المحك، أو العلامة التي نفرق بها بين المعرب بعلامة تقديرية، وبين المبني ليس هذا، وإنما جواب آخر. نعم.
هذا هو الجواب، وفيه أمر آخر يساعد عليه الجواب أن الأسماء المبنية هي التي أشبهت الحرف في واحد من أنواع الشبه المعروفة الأربعة: الشبه المعنوي، أو الوضعي، أو النيابي، أو الافتقار.
وهذه الحديث فيها يطول، فالاسم لا يبنى إلا إذا أشبه الحرف، أما إذا لم يشبه الحرف فإنه يكون معربًا حينئذ، الأسماء المقصورة، والأسماء المنقوصة؛ أي: المعربة إعرابًا تقديريًّا، هذه الأسماء المعربة إعرابا تقديريا لا تشبه الحرف، فإذا كانت لا تشبه الحرف في واحد من هذه الأوجة الأربعة، نقول: إنها معربة سواء ظهرت عليها علامة الإعراب، أو كانت كالمبنيات لا تظهر عليها علامة إعراب، هذا هو الجواب الفيصل.
لكن هناك أمر يساعد ويعين كيف يكون الأمر؟ الأمر المساعد هو أنه الإشكال، أو اللبس بينهما لا يحصل بين المبنيات والمعربات، لا يحصل في كل شيء، فالمبنيات التي ليس آخرها حرف علة هذه واضحة مثل: "مَن" فمَن هذه لا إشكال فيها أنها مبنية؛ لأنها تلزم صورة واحدة، و"كم" لا إشكال في ذلك، وكذلك "الذي" "والتي" لا إشكال فيها "وهؤلاء" لا إشكال فيها.(1/57)
أين يكون الإشكال؟ يكون الإشكال في المبني المختوم بالألف مثل "متى"؛ لأنه قد يلتبس بالمعرب المختوم بالألف، مثل "الفتى" أما ما عدا ذلك من المبنيات فإنها إذا كانت صحيحة الآخر لا إشكال فيها إن تغيرت بتغير العوامل فهي معربة، إن لم تتغير فهي مبنية.
أما الأسماء التي ينحصر فيها اللبس هي الأسماء المختومة بالألف في الغالب، هذه المختومة بالألف هي التي يحصل فيها اللبس، أما الأسماء المختومة بالياء فاللبس لا يحصل فيها، لماذا؟ لماذا لا يحصل اللبس؟ نعم، لأن الحركة ممكن إظهارها؛ لأنها ثقيلة، ولأنها -أيضًا- تظهر خفيفة في حالة النصب.
فالاسم المنقوص من الأسماء التي إعرابها تقديري؛ لكنها في حالة النصب تظهر عليها الفتحة، كالأسماء الصحيحة تمامًا، تقول: رأيت القاضي والساعي والداعي، فإذًا المبني المختوم بالياء نجربه في حالة النصب؛ إن ظهرت عليه الحركة بسهولة عرفنا أنه معرب، إن لم تظهر عليه حكمنا عليه بأنه مبني.
إذًا ضيقنا دائرة اللبس الآن، اللبس الآن بين المعرب والمبني أصبح محصورًا تقريبًا فيما آخره ألف مثل "متى" ومثل "الفتى" فالفتى اسم معرب، ومتى اسم استفهام، أو اسم شرط مبني، وحينئذ اللبس الذي قد يحصل في "متى" ونحوها مما ختم بألف، والفتى ونحوها مما ختم بالألف وهو معرب وذلك مبني.
هذا لا مجال لمعرفته إلا بتطبيق أوجه الشبه التي ذكرناها، وهي النظر في مدى شبهه بالحرف فهل ينطبق عليه واحد من أوجه الشبه الأربعة؟ الشبه الوضعي، أو المعنوي، أو النيابي، أو الافتقاري، هذه قضية استطردنا فيها لنبين الفرق بين المعرب إعراب تقديري وبين المبني.
الإعراب وإن لم يتحدث المؤلف -رحمه الله- عن البناء فإنه يكاد ويضطرك إلى أن تتحدث عنه؛ لأن البناء قسيم الإعراب، وهما متقابلان، فأي كلمة لا تخلو إما أن تكون معربة، أو تكون مبنية.(1/58)
فإذا عرفنا بأن الإعراب هو تغيير أواخر الكلمة أو الكلمات بتغير العوامل الداخلة عليها، فإذا عرفنا أن البناء يقابله فكيف سيكون تعريف البناء؟ ما دام هذا تغيير سيكون هذا لزوم، سيكون هذا معناه لزوم البناء، لزوم آخر الكلمة صورة واحدة، وعدم تأثرها، أو تغيرها بتغير العوامل الداخلة عليها.
فأنت -مثلًا- تقول: جاء سيبويهِ بالبناء على الكسر؛ لأنه مبني على الكسر، وتقول: جاء محمدٌ. وتقول: رأيت سيبويهِ ورأيت محمدًا. مررت بسيبويهِ مررت بمحمدٍ. "محمد" تغيرت ثلاث مرات رفع ونصب وجر؛ أما سيبويهِ فهي ثابتة لا تتأثر بالعوامل الداخلة عليها، وكأنها لا تحس بأنه قد دخل عليه عوامل ملتزمة بصورة واحدة لا تتحرك عنها هذا الكلام، يقال -أيضًا- بالنسبة للأسماء وبالنسبة للأفعال.
فالإعراب في الأفعال وفي الأسماء هو: تغير الكلمة سواء كانت فعلا أو اسما. والبناء في الأسماء وفي الأفعال هو: لزوم الكلمة صورة واحدة، وعدم تغيرها بتغير العوامل الداخلة عليها.
أقسامه أربعة: هذه أقسام ماذا؟ أقسام الإعراب؛ إن شئت أن تسميها أقساما كما فعل المؤلف، وإن شئت أن تسميها مصطلحات فلك ذلك، وإن شئت أن تسميها ألقابًا فلك ذلك، يعني: هي تسمى ألقاب الإعراب، أو مصطلحات الإعراب، أو أقسام الإعراب، وكما أن البناء قسيم للإعراب ومقابل له فإنه -أيضًا- في أقسامه كذلك، وفي مصطلحاته.
فكما أن للإعراب أربعة مصطلحات وهي: الرفع والنصب والخفض والجزم -طبعًا الخفض قلنا: إنها هي الجر، ولك أن تستخدم أي واحد من هذين المصطلحين- أقول: كما أن للإعراب أربعة مصطلحات وهي الرفع والنصب والخفض والجزم، فكذلك للبناء أربعة مصطلحات، كل مصطلح منها يقابل مصطلح الإعراب.
فالرفع في الإعراب ماذا يقابله في البناء؟ يقابله الضمُّ، والنصب في الإعراب يقابله في البناء الفتح، والخفض أو الجر يقابله في البناء الكسر، والجزم في الإعراب يقابله في البناء السكون أو التسكين.(1/59)
هذه المصطلحات مصطلحات دقيقة؛ ولكن مع الأسف لا نجد التزام كثير بها، إذا قلت: جاء محمد. هل تقول: محمد اسم مرفوع أو اسم مضموم؟ اسم مرفوع، فإذا قلت: اسم مضموم يعتبر خطأ؛ لأن كلمة مضموم هذا مصطلح بناء، ومحمد هذه معربة.
إذًا تستخدم معها مصطلح الإعراب وهو الرفع، فتقول: محمد اسم مرفوع، فإذا قلت: اجلس حيثُ جلس محمد. "حيثُ" ماذا تقول فيها؟ تقول: "حيث" اسم مرفوع؟ خطأ لو قلت: اسم مرفوع، وإنما تقول اسم مضموم، أو مبني على الضم، وقس على هذا في كل المعربات والمبنيات.
فرأيت محمدًا، تقول فيها: محمدًا اسم منصوب، وإذا قلت: أين محمدٌ، "أينَ" ماذا أقول فيها اسم مفتوح، أو اسم مبني على الفتح، وكذلك، فإذا قلت: مررت بمحمدٍ تقول في محمد هنا: اسم مجرور، فإذا قلت -مثلًا- مررتُ بهؤلاءِ، أو جاء هؤلاءِ، تقول في "هؤلاء" اسم مبني على الكسر، أو اسم مكسور؛ لكن اسم مبني على الكسر أولى وأفضل.
طيب، فإذا قلت مثلًا: لم يكتبْ محمد، تقول في "يكتب": فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون، فإذا قلت مثلًا: مَنْ عندك؟ ماذا تقول في مَنْ؟ تقول: من اسم مبني على السكون، ولا يصح أن تقول فيها: اسم مجزوم، واضح هذا؟
ألقاب الإعراب، وألقاب البناء، والدقة في استخدام المصطلح، وعدم جواز الخلط بين المصطلحين، هذه الأقسام الأربعة وهي ألقاب الإعراب الأربعة، ما الذي منها خاصٌّ بالأسماء؟ وما الذي منها خاصٌّ بالأفعال؟ وما الذي منها خاصٌّ بالحروف؟
ما الذي خاص بالأسماء هذه الألقاب الأربعة واحد وهو: الجر، أو الخفض خاص بالأسماء، طيب وما الذي منها يختص بالأفعال؟ الجزم هو الذي خاص بالأفعال، طيب ما الذي منها يختص بالحروف؟ لا يوجد؛ لأن الحروف كلها مبنية، فالحروف لا تدخل معنا في هذا التقسيم أصلًا.(1/60)
هذا التقسيم مشترك بين الأسماء والأفعال فقط، طيب ما المشترك منها بين الأسماء والأفعال؟ البقية هذه مشتركة، وهي الرفع والنصب فهما مشتركان بين الأسماء والأفعال، والجر أو الخفض خاص بالأسماء، والجزم خاص بالأفعال، إذًا الأسماء كَمْ لها من هذه الأربعة؟ لها ثلاثة، والأفعال لها -أيضًا- ثلاثة كذلك تفضل.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها الإخوة في الله:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحدثنا في الدرس الماضي عن ملخص لما مر في سابقه، أو في سابقيه، ثم دخلنا بالتفصيل في باب الإعراب، وباب معرفة علامات الإعراب، وأخذنا ربعه الأول، وقلنا في الإعراب -بشكل سريع وموجز، على شكل تلخيص لما سبق-: إن الإعراب قسيم للبناء، وإن البناء والإعراب يدخلان الأسماء والأفعال.
أما الحروف فإنها مبنية، ولا حظ لشيء منها بالإعراب، وعرفنا الإعراب بأنه في اللغة: الإبانة والإفصاح، وهذا أحد معانيه، وأنه في الاصطلاح هو: تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظًا أو تقديرًا.
وأن البناء ما دام قسيمًا له فإنه يكاد يكون مضادًا أو معاكسًا له، فالإعراب تغيير، والبناء لزوم أو ثبوت، البناء هو لزوم أواخر الكلمة صورة واحدة، وعدم تغيرها بتغير العوامل الداخلة عليها.
وبينَّا -أيضًا- أن التغيُّر الذي يعتد به ويسمى إعرابًا هو التغير الذي يكون بسبب العوامل، وليس التغير الذي يكون بسبب لغات العرب، فإن للعرب لغات في بعض الكلمات، بعضهم ينطقها بالضم وبعضهم بالفتح، وبعضهم بالكسر، فهذا التغيير المبني على بعض لغات العرب لا يعد إعرابًا، وإنما الإعراب هو التغيير الذي يحصل بسبب تغير العوامل المتقدمة.(1/61)
وقلنا: إن للإعراب أقسامًا، أو إن شئت سمِّها ألقابًا، أو إن شئت سمِّها مصطلحات أربعة، وأن البناء -أيضًا- له مصطلحات أربعة تقابل هذه المصطلحات، فألقاب الإعراب، أو مصطلحاته هي الرفع والنصب والخفض والجزم، وألقاب البناء التي تقابلها هي الضم في مقابلة الرفع، والفتح في مقابلة النصب، والكسر في مقابلة الجر أو الخفض، والسكون أو التسكين في مقابلة الجزم.
وأن ألقاب الإعراب هذه الأربعة منها ما هو خاص بالأسماء وهو الجر، ومنها ما هو خاص بالأفعال وهو الجزم، ومنها ما هو مشترك بينهما وهو الرفع والنصب.
باب معرفة علامات الإعراب
باب معرفة علامات الإعراب: للرفع أربع علامات: الضمة والواو والألف والنون، فأما الضمة تكون علامة للرفع في أربعة مواضع: الاسم المفرد، وجمع التكسير، وجمع المؤنث السالم، والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء.
وأما الواو تكون علامة للرفع في موضعين: في جمع المذكر السالم، وفي الأسماء الخمسة، وهي: أبوك وأخوك وحموك وفوك وذو مال، وأما الألف فتكون علامة للرفع في تثنية الأسماء خاصة، وأما النون فتكون علامة للرفع في الفعل المضارع إذا اتصل به ضمير التثنية، أو ضمير جمع، أو ضمير المؤنثة، أو المخاطبة.
---
باب معرفة علامات الإعراب حينما... بعد أن ذكر أقسام الإعراب، أو مصطلحات، أو ألقاب الإعراب، وهي هذه الأربعة: الرفع والنصب والخفض أو الجر والجزم، انتقل إلى بيان علامة كل واحد من هذه الأربعة.
نبدأ بالرفع، الرفع هل له علامة واحدة، أم له أكثر من علامة؟ له أكثر من علامة؛ لكن هذه العلامات لو نظرت فيها وجدت أن منها شيئًا أصليًّا، وأن منها شيئًا فرعيًّا عن هذا الأصل.
فالعلامة الأصلية للرفع ما هي؟ هي الضمة، والعلامات الفرعية هي العلامات التي ذكرها، وهي: الواو والألف أو ثبوت النون وما إلى ذلك، نأخذها واحدًا واحدًا.(1/62)
قال: "للرفع أربع علامات: الضمة والواو والألف والنون" النون هي التي تسمى ثبوت النون في الأفعال الخمسة -كما سيأتي-.
فعلامات الرفع -إذًا- أربع، ولا يمكن أن تجد كلمة مرفوعة، طبعًا علامات الرفع هذه الذي يتحدث عنها في الأسماء والأفعال، أمَّا الحروف -فكما قلنا- إنها لن تدخل معنا إلا حينما نتحدث عن البناء.
إذًا للرفع أربع علامات، وهي يُراد بها الرفع أيًّا كان؛ سواء كان هذا المرفوع اسمًا أو فعلًا، ولا شك بأن منها شيء يختص بالأسماء، وشيء يختص بالأفعال، المهم أن الحديث بصفة عامة عن الأسماء والأفعال، وسيتبين ما الذي يصلح لهذا، وما الذي يصلح لهذا.
فأما الضمة وهي العلامة الأصلية، العلامة الأصلية هي الضمة، ويتفرع عنها علامات، وكما سيأتي أن النَّصب له علامة أصلية وهي الفتحة، ويتفرع عنها علامات، وأن الجر له علامة أصلية وهي الكسرة، ويتفرع عنها علامات، وأن الجزم له علامة أصلية ويتفرع عنها علامات، ولو أردْتَ فيما بعد سيتبين لنا أن الأبواب التي تدخلها العلامات الفرعية في النَّحو تنحصر في سبعة أبواب فقط، ستتلخص لنا من حصيلة حديثنا -إن شاء الله- عن هذه العلامات الفرعية.
"فأما الضمة" وهي العلامة الأصلية للرفع فتكون علامة أصلية في ماذا؟ في أربعة مواضع: في الاسم المفرد، وفي جمع التكسير، وفي جمع المؤنث السالم، وفي الفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء.
انظروا إلى الأول من هذه الأربعة، الاسم المفرد، ثم جمع التكسير، ثم جمع المؤنث السالم، ثم الفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء، هذه الأربعة هي التي تدخلها علامة الرفع، وهي الضمة أولها هو الاسم المفرد.
كلمة "المفرد" إذا أطلقت في اللغة العربية أو في النَّحو يكون المراد بها؟ يراد بها ماذا؟ يراد بها ضد الجمع، ليس دائمًا، في هذا المكان بالذات المراد بها المفرد الذي يقابله الجمع.(1/63)
لكنها لها أربعة إطلاقات يعني: أنها تطلق، ويقابلها أربعة أشياء، فأنت أحيانًا تطلق المفرد، وتريد ضد المثنى والجمع، وأحيانًا تطلق المفرد، وتريد به ضِدَّ المضاف، تقول -مثلًا-: أن تكون هذه الكلمة مفردة أي: ليست مضافة -مثلًا- يقال في الأسماء الستة: تعرب بالحروف إذا كانت مفردة؛ أي: ليست مضافة، أو إذا كانت ليست مفردة بمعنى أنها إذا كانت مضافة.
فالمفرد -إذًا- يطلق إطلاقًا أولًا ويراد به ضد المثنى أو الجمع، وقد يطلق ثانيًا ويراد به ضد المضاف، وقد يطلق ثالثًا ويراد به ضد الجملة وشبه الجملة، وقد يطلق رابعًا ويراد له ضد من يعرف؟ أحسنت، المركب اسم مفرد "معد كرب" اسم كرب "سيبوية" اسم مركب تأبط شهرًا اسم مركب.
فإذًا كلمة "اسم مفرد" هذه لا ينبغي أن تطلقها إلا وقد قرنتها ببيان ما يقابلها لئلا يلتبس الأمر، فأنت -أحيانًا- تتحدث عن الخبر فتقول: الخبر يكون مفردًا، ويكون غير مفرد، يعني: أنه يكون مفردا، ويكون شبه جملة، ويكون جملة، وتتحدث في أبواب أخرى، وتريد ليس مضافًا في النداء وما ماثله، وتتحدث أحيانًا أخرى -كما هنا- وتريد ليس مثنى ولا جمع، وتتحدث أحيانًا أخرى وتريد به ضد التركيب.
فهنا يقول: الاسم المفرد؛ أي: الذي ليس بمثنى، ولا جمع، وثانيًا: جمع التكسير، وثالثًا: جمع المؤنث السالم، ورابعًا: الفعل المضارع الذي لم يتصل بآخر شيء.
تأتي بمثال واحد من هذه مع أنها واضحة، الاسم المفرد مثل: جاء محمد، مرفوع بالضمة، جمع التكسير مثل: هذه كتب، هذه أقلام، هؤلاء رجال، فرجال وكتب وأقلام جموع تكسير مرفوعة بالضمة، جمع المؤنث السالم: هؤلاء الطالبات مرفوع بالضمة طبعًا، جمع المؤنث السالم -كما سيأتي- ليس المراد به ما كان مؤنثًا فقط، وإنما المراد به ما كان مختومًا بألفٍ وتاء.(1/64)
جمع المؤنث السالم يقال فيه: جمع المؤنث من باب التغليب، وإلا فهو في الواقع كل اسم خُتِم بألف وتاء، فإنه يتعبر من هذا الباب، يعني: يعرب بإعرابه يرفع بالضمة، وينصب ويجر بالكسرة، فهذا الباب الذي يسمى باب جمع المؤنث السالم هو في الواقع سمى بهذا الاسم تغليبًا، وإلا فإنه باب الجمع المختوم بألف وتاء زائدين.
لماذا الدقة أن نسميه المختوم بألف وتاء، ولا نسميه جمع المؤنث السالم؟ لأن فيه ألفاظ كثيرة جدًّا تجمع هذا الجمع، وتأخذ نفس الحكم، وهي ليست بجمع مؤنث وإنما هي جمع مذكر، مثلًا: سرادق تجمع على ماذا؟ سرادقات جمع مؤنث سالم مع أن سرادق مذكر، إصطبل تجمع على إصطبلات، وحمام تجمع على حمامات، وموضوع تجمع على موضوعات.
وأكثر الأسماء إذا لم تقبل معك يتيسر جمعها أي واحد من هذه الجموع فإن جمع المختوم بألف والتاء به واسع يمكن أن يجمع عليه أكثر هذه الألفاظ الخماسية التي لم يسمع لها جمع تكسير.
فأغلب الألفاظ الخماسية التي لم يسمع لها جمع تكسير هذه تجمع جمع مؤنث سالم مختوم بألف وتاء، وإن كانت مذكرة، ولا علاقة لها بالمؤنث، فجمع المؤنث السالم، أو الجمع المختوم بألف وتاء يرفع بالضمة مثل هؤلاء طالبات.
الرابع: الفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء. ما معنى لم يتصل بآخره شيء؟ نعم، كلمة لم يتصل بآخره شيء يعني: احترازًا من أن تلحقه إحدى النونين اللتان بسببهما، يبنى ولا يكون معربًا حينئذ مثل: معروف أنه إذا سبقته أداة نصب سينصب وإذا سبقته أداة جزم سيجزم.(1/65)
لكنه إذا لم يسبقه شيء لا يكون مرفوعًا دائمًا، فقد يلحقه شيء يؤثر عليه، ويغير رفعه وهي نون التوكيد، ونون النسوة، فإنهما -إذًا- لا ينبغي أن يسبق كي يكون مرفوعًا، لا ينبغي أن يسبق بحرف ناصب ولا جازم، ولا ينبغي أن يلحق بإحدى النونين، فإذا تجرد من الناصب والجازم، وتجرد من النونين فإنه حينئذ يكون مرفوعًا بالضمة، مثل: يكتب يذهب يجلس ونحو ذلك، هذه العلامة الأولى وهي العلامة الأصلية، وهي الضمة تدخل في أربعة أشياء، هذه الأشياء الأربعة فقط.
أما الواو متى تكون الواو علامة للرفع نيابة عن الضمة؟ الآن دخلت العلامات الفرعية هناك أسماء لا تستطيع أن ترفعها بالضمة، وإنما جاءت علامة فرعية حلت محل الضمة.
هذه الأسماء منها ما رفعه بالواو، ما الأشياء التي ترفع بالواو؟ الأشياء التي ترفع بالواو هي جمع المذكر السالم، والأسماء الخمسة، أو إن شئت الأسماء الستة -أيضًا- وأما الواو فتكون علامة للرفع في موضعين فقط، يعني: لا يمكن أن تجد اسما أو فعلا مرفوعا بالواو إلا هذين الاسمين فقط.
إذًا الأفعال هل يدخلها الرفع بالواو أولا؟ الأفعال لا يدخلها الرفع بالواو، الأفعال يدخلها الرفع بالضمة، الضمة مشتركة بين الأسماء والأفعال، فالأسماء منها ما يرفع بالضمة ومن الأفعال ما يرفع بالضمة.
أما العلامة الفرعية وهي العلامة الفرعية الأولى وهي الواو فإنها خاصة بالأسماء، ولا تدخل في الأفعال، ولا تدخل في الأسماء إلا في اسمين فقط وهما: جمع المذكر السالم مثل: جاء المسلمون.
والأسماء الخمسة أو الأسماء الستة مثل: جاء أبوك وأخوك، وتقول: حموك وفوك، والاسم السادس هو كلمة "الهَنُ" فتقول فيها: هنوك، والهن له ثلاثة معان: أبرزها أنه يكنى به عن أي شيء كان، يعني: شيئا تريد أن تذكره تشير إليه ونسيت اسمه.(1/66)
فتقول: هذا يعني: بدل من أن تقول -مثلًا- غرض نسيه ولا نعرف اسمه، فتقول: هذا هنوك خذه، أو شيء من ذلك، ولها في الاستعمال العامي وجود، وخاصة في البادية إلى الآن، فهي مستعملة كناية عن الشيء أي شيء كان.
وأما الألف العلامة الثالثة من علامات الرفع وهي العلامة الفرعية الثانية هي الألف تكون علامة للرفع في ماذا؟ في التثنية فقط. الألف علامة للرفع في المثنى فقط، إذًا الأفعال لا تدخلها العلامة الفرعية الثانية وهي الألف، وإنما العلامة الفرعية الثانية وهي الألف خاصة بالأسماء، وتختص بنوع واحد من الأسماء فقط وهو المثنى، إذًا لن تجد في اللغة العربية كلمة مرفوعة بالألف: لا اسمًا ولا فعلًا إلا المثنى، يعني: لا يمكن أن تجد اسمًا مرفوعًا بالألف إلا المثنى مثل جاء الطالبان.
وأما النون وهي العلامة الرابعة، وهي والعلامة الفرعية الثالثة من علامات الرفع "وأما النون فتكون علامة للرفع في الفعل المضارع فقط إذا اتصل به ضمير تثنية، أو ضمير جمع، أو ضمير المؤنثة المخاطبة، وهذه الأشياء الثلاثة يعبر عنها بماذا؟ يعبر عنها بأنها الأفعال الخمسة.
إذًا علامة الرفع الرابعة وهي العلامة الفرعية الثالثة هي النون، أو ثبوت النون. "النون" خاصة بالأسماء، أم بالأفعال؟ خاصة بالأفعال. ماذا تدخل من الأفعال؟ تدخل من الأفعال نوعًا واحدًا وهو ما يسمى بالأفعال الخمسة، أو بالأمثلة الخمسة.
الأسماء الخمسة يقال فيها: الأسماء الخمسة بلا حرج؛ لأنها خمسة أسماء معدودة. أما الأفعال الخمسة فالأولى أن يقال فيها: الأمثلة الخمسة لماذا؟ لأنها ليست كالأسماء الخمسة خمسة أسماء محصورة، وإنما هي خمسة أوزان، أو خمسة أمثلة؛ لكنها مئات الأفعال بمعنى أن كل فعل مضارع غالبًا يصلح بأن يكون من الأفعال الخمسة.(1/67)
فهي إذًا ليست خمسة أفعال محصورة، كما أن الأسماء خمسة أسماء، أو ستة أسماء محصورة، وإنما هي في الواقع أمثلة خمسة، أو أوزان خمسة، بمعنى أنه كل فعل مضارع يأتي على وزن يفعلان فهو من الأفعال الخمسة: يكتبان، يذهبان، يجلسان، يدخلان، يخرجان ... تعد لك مائة فعل.
وكل فعل مضارع يمكن أن يأتي على وزن "تفعلان" فهو من الأفعال الخمسة، يعني: سواء كان لمؤنث، أو لمذكر، تقول: أنتما تكتبان، أنتما يا محمد وعلي تكتبان، وتقول -أيضًا- بالنسبة للمؤنث تكتبان أيضًا، أنتما تكتبان؛ سواء كان لمؤنث، أو لمذكر، وكل فعل جاء على وزن "يفعلون" فهو من الأفعال الخمسة: يكتبون، يذهبون، يدخلون.
وكل فعل جاء على وزن "تفعلون" فهو من الأفعال الخمسة: أنتم تكتبون، وتذهبون، وتجلسون، وما إلى ذلك، وكل فعل جاء على وزن "تفعلين" مسند إلى ياء المخاطبة فهو من الأفعال الخمسة، مثل: تكتبين، وتجلسين، وتذهبين.
إذًا الأفعال الخمسة لاحظتم أنها ليست خمسة أفعال محصورة، وإنما هي في الواقع خمسة أوزان، أو خمسة أمثلة محصورة، فالتعبير عنها بأنها خمسة أفعال، أو الأفعال الخمسة إنما هو تعبير فيه تجوز، وإلا فهي ليست كالأسماء الخمسة.
الأسماء الخمسة ليست أوزانا خمسة، وإنما خمسة أسماء محصورة لا تتعداها، ولا يمكن أن يأتي شيء على وزنها، ويدخل معها، هي خمسة معروفة، فالأفعال الخمسة، أو الأمثلة الخمسة، أو الأوزان الخمسة هذه ترفع بعلامة فرعية وهي ثبوت النون، فتقول: أنتم تكتبون، وهم يكتبون، وأنتما تكتبان، وهما يكتبان، وأنت تكتبين.
فالأفعال الخمسة لو أردنا أن نعرفها نقول: هي كل فعل مضارع اتصلت به ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة. هذا التعريف يجعلها محصورة أمامك، وتدخل فيها ما شئت من الأفعال، ولا يلتبس الأمر عليك.(1/68)
طيب، نحن نلحظ أن هذه الأمثلة الخمسة مع ألف الاثنين تارة مبدوءة بالتاء، وتارة مبدوءة بالياء، تكتبان ويكتبان، ومع واو الجماعة تارة تكون مبدوءة بالتاء -أيضًا- وتارة تكون مبدوءة بالياء: تكتبون، ويكتبون، ومع ياء المخاطبة مبدوءة بالتاء فقط.
هل يجوز أن يأتي مع ياء المخاطبة مبدوءة بالياء؟ لا يصح أن تقول: أنت يكتبين، لا يجوز، فإذًا هي بالتاء والياء مع المثنى، وبالتاء والياء مع جمع المذكر السالم، وبالتاء فقط مع ياء المخاطبة، ولذلك جاءت خمسة، ولم تأت ستة.
لو كانت التاء والياء مع كل واحد منها لصارت ستة؛ لكن الياء تمتنع مع المختوم بياء المخاطبة، ولذلك صارت خمسة أمثلة، أو خمسة أوزان، ولم تكن ستة، هذه الأفعال الخمسة ترفع بالعلامة الفرعية الثالثة، وهي ثبوت النون.
يبدو أننا سنقف للأسئلة عند علامات النصب.
س: يقول: حبذا لو أعطيتنا تمرينًا بسيطًا على ما أخذناه في نهاية كل درس؟
ج: والله أنا أتمنى أن يكون عندنا سبورة، ونناقش، ونكتب، ونعرب، ونأتي بشواهد؛ لكن -كما ترون- ليس عندنا سنة، ولا سنتين، ولا أربع، القضية كلها محصورة في ثلاثة أسابيع، فيعني من الصعوبة أن نحقق كل هذه الرغبات، ولكن نحن نشرح متنا ميسرًا، فأظن أن التأني فيه بهذه الصورة يعني: فيه كفاية، وهو الذي يناسب هذا الوقت.
س: ما هو السبيل الأمثل لتطبيق قواعد الأجرومية علمًا بأنني مبتدئ لا أعرف أسس النحو؟
ج: نسأل الله لك العون والتوفيق، ويلزم يعني: المثابرة على حضور دروس النحو والمداومة، وبإذن الله -إن شاء الله- ستلحظ التحسن الظاهر في مستواك.
س: لماذا قيل: إن البناء يقابل الإعراب مع أن البناء -لا أدري- يضاد الإعراب في حركة من حركاته؟
ج: الواقع أن البناء قسيم الإعراب؛ لأن الاسم لا يخلو إما أن يكون معربا، أو مبنيا، والفعل لا يخلو إما أن يكون معربا، أو مبنيا، فهو قسميه من هذه الناحية.
س: يقول: ما اسم كتاب الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة؟(1/69)
ج: أولًا: كتاب الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة الذي ذكرته لكم بالأمس، وهو "دراسات لأسلوب القرآن الكريم" وهو كتاب ضخم ألَّفه -رحمه الله- في أحد عشر مجلدًا، كل مجلد يقترب من خمسمائة صفحة، أو زيادة، وأخذ عليه جائزة الملك فيصل العالمية، وجلس في تأليفه ما يقرب من خمسة وأربعين عامًا، واعتكف له في الحرم أول مجيئه للمملكة سنوات طويلة.
وأنا نظرت في هذا الكتاب أمس عند كلمة "قد" حينما سألني عنها زميلكم، فوجدت الشيخ تكلم عنها في المجلد الثاني في صفحة ثلاثمائة وثمانية أو تسعة كلامًا وافيًا شافيًا، وحصر الآيات التي وردت فيها "قد" داخلة على الفعل المضارع، ووجهها توجيهًا جيدًا، وأنا لخصته لكم في بداية هذا الدرس.
"دراسات لأسلوب القرآن الكريم" اسمه "دراسات لأسلوب القرآن الكريم" للشيخ محمد عبد الخالق عضيمة، بالضاد أخت الصاد، وليست أخت الطاء، والمجلدات الثلاثة الأولى منه في الحروف والأدوات.
يعني: أي حرف، أو أي أداة من حروف الجر، أو الاستفهام، أو التمني، أو الترجي، أو النواصب، أو الجوازم، أو كل ما يخطر في بالك من الحروف والأدوات، تجد الحديث عنها مفصلًا في المجلات الثلاثة الأولى، وخاصة في القرآن الكريم.
يعني: يحدثك عن هذه الحروف: أين وردت في القرآن؟ وكيف استعملت في القرآن؟ ويعني هل جاء في القرآن زيادة عن بعض الأمور التي قررها العرب والعلماء؟ هل فيه آيات لم ينتبه لها العلماء؟ يعني: حصر الأمر حصرًا جيدًا.
باب معرفة علامات الإعراب، وبدأ المؤلف -رحمه الله- بالرفع وقال: "إن الرفع له أربع علامات واحدة منها أصلية وهي الضمة، وثلاث علامات منها فرعية وهي الواو والألف والنون" ثم تحدثنا عن المواضع التي تأتي فيها الضمة، والمواضع التي تأتي فيها الواو، والمواضع التي يكون الرفع فيها بالألف، والمواضع التي يكون الرفع فيها بالنون.(1/70)
فأما الضمة فتكون علامة للرفع في أربعة مواضع: أولها: الاسم المفرد، والمراد بالمفرد هنا ما ليس بمثنى ولا جمع، وقلنا: إن المفرد في اللغة العربية يقابله أشياء، فيطلق المفرد المثنى والجمع، ويطلق المفرد ويقابله المضاف، ويطلق المفرد ويقابله المركب، ويطلق المفرد ويقابله الجملة أو شبه الجملة؛ ولذلك ينبغي لك عند إطلاقك لكلمة المفرد أن تبين ما الذي يقابله لكي تكون بعيدًا عن اللبس.
فالمواضع الأربعة التي تدخلها العلامة الأصلية وهي الضمة: الأول: الاسم المفرد، والثاني: جمع التكسير، وهو الجمع الذي تتغير فيه صورة المفرد؛ أي: تتكسر، جمع التكسير -طبعا- تعريفه كتعريف غيره من الجموع، هو الذي ما دل على أكثر من اثنين أو اثنتين وتغيرت فيه صورة المفرد أو تكسَّرت. ومن هنا سُمِّي جمع تكسير.
ومن هنا سمي جمع المؤنث السالم وجمع المذكر السالم وصفا بالسلامة؛ لأن صورة المفرد فيهما في الغالب تسلم ولا تتغير، فعند جمعك لمحمد تقول: محمدون، لا يتغير المفرد، وعند جمعك لهند تقول: هندات لا يتغير صورة المفرد؛ ولكن عند جمعك لقلم تقول: أقلام يتغير المفرد، وعند جمعك لكتاب تقول: كتب يتغير المفرد.
فالغالب في جمع التكسير أن تتغير صورة المفرد؛ أي: تتكسر، والغالب في جمع السلامة بنوعيه المؤنث والمذكر أن تصح فيه صورة المفرد وتسلم؛ ولذلك فهو يسمى في بعض الكتب جمع التصحيح، ويراد به جمع المذكر والمؤنث السالم، ويسمى في بعض الكتب بجمع المذكر والمؤنث السالم، فوصف الصحة ووصف السلامة له إنما جاء؛ لأن مفرده لا تتغير صورته في الغالب أيضًا.
قد تتغير أحيانًا، وذلك فيما -مثلا- هو مختوم بتاء التأنيث فإنها تحذف منه عند جمعه جمع مؤنث سالم، فتقول في هند: هندات لا يتغير؛ لكنك تقول في فاطمة: فاطمات بحذف تاء التأنيث التي في المفرد؛ لكن هذا التغيير تغير لا يؤثر ولا يصح.(1/71)
والشيء الثالث: ممَّا يرفع بالضمة جمع المؤنث السالم، وقلت لكم: إن تسميته بجمع المؤنث السالم هي تسمية صحيحة؛ لكنها تسمية فيها تجوز؛ لأنها لا تنطبق على كل أفراده انطباقًا تامًا، وأن التسمية الحقيقة الشاملة الجامعة المانعة التي تنطبق على كل أفراده هي أن نسميه بالجمع المختوم بألف وتاء زائدتين؛ لأن أحكامه تسري على كل جمع مختوم بألف وتاء زائدتين ولو لم يكن مؤنثًا.
كما في جمع سرادق واصطبل وموضوع ومحمول وموزون، وغير ذلك من هذه الألقاب التي مع أنها مذكَّرة إلا أنها تُجْمَع بألف وتاء، أو تجمع ما يسمى بجمع المؤنث السالم، فتسميته يجمع المؤنث السالم إنما هي تسمية من باب التغليب، ومن باب التجوز، وإلا فهو يصدق على ما ليس بمؤنث.
النوع الرابع: مما يرفع بالضمة الفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء، ولم يسبق -أيضًا- بشيء من النواصب أو الجوازم، فالفعل المضارع إذا سبقه ناصب أو جازم فإنه لا يرفع بالضمة بالطبع، وإذا اتصل بآخره شيء فإنه أيضا لا يرفع بالضمة، والمراد بالأشياء التي تتصل بآخره تشمل نون التوكيد، وهو معها مبني بنوعيها الثقيلة والخفيفة ونون النسوة -أيضًا- وهو معها مبني وألف الاثنين وواو الجماعة وياء المخاطبة، وهو مع هذه الثلاث مرفوع بثبوت النون.
فإذًا الفعل المضارع يرفع بالضمة حينما يسبق بشيء من النواصب والجوازم، ولا يتلى بشيء من النونات: التوكيد، أو النسوة، ولا ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، هذه هي العلامة الأصلية للرفع وهي الضمة.
العلامة الثانية: هي العلامة الفرعية وهي الواو، الواو تكون علامة للرفع في موضعين فقط لا يمكن أن تجد شيئًا مرفوعًا بالواو خارج هذين الموضوعين، الأول: جمع المذكر السالم، والثاني الأسماء الخمسة.(1/72)
جمع المذكر السالم تعرفون أنه يرفع بالواو مثل: جاء المسلمون، وينصب ويجر بالياء مثل: رأيت المسلمين، ومررت بالمسلمين، وجمع المذكر السالم: هو كل جمع ختم بواو ونون أو ياء ونون، أو كل كلمة دلَّت على أكثر من اثنتين بزيادة واو ونون أو ياء ونون.
طبعًا في جمع التكسير قلنا: أكثر من اثنين أو اثنتين؛ لأنه يشمل المذكر والمؤنث، أما في جمع المذكر السالم فإنه ما دلَّ على أكثر من اثنين فقط بزيادة واو ونون أو ياء ونون في آخره.
النوع الثاني: فيما يرفع بالواو هو الأسماء الخمسة وتسمى -كما قلت لكم- بالأسماء الستة يعني: مَن سماها بالأسماء الخمسة فإنه أسقط الاسم السادس وهو كلمة هَنُ؛ لأنه لم يبلغه ذلك، ولم يصل إليه، ومَن سماها بالأسماء الستة فإن أضاف هذا الاسم؛ لأنه بلغه أن بعض العرب يتكلمون به، ويعربونه إعراب الأسماء الخمسة، وهو الرفع بالواو، والنصب بالألف، والجر بالياء.
طبعًا هذه الأسماء الخمسة أو الستة هناك تفصيل حولها يذكر في بابها، وهو يتعلق بإعرابها هذا الإعراب، هي لا ترفع بالواو باستمرار، الأسماء الخمسة أو الأسماء الستة لا ترفع بالواو باستمرار، وإنما لا بد لرفعها بالواو من شروط أذكرها سريعًا.
هذه الشروط منها: أن تكون مفردة. ما المراد هنا من أن تكون مفردة ؟ يعني: أن لا تكون مثناة ولا مجموعة. طيب، لو كانت هذه الأسماء الخمسة أو الأسماء الستة مثناة هل تُعْرب إعراب الأسماء الستة، أو يكون لها إعراب آخر؟ إذا ثنيت أعربت إعراب المثنى.
وألا تكون مجموعة، فإذا جمعت -أيضًا- إن جمعت جمع تكسير أعربت إعراب جمع التكسير بالحركات، وإن جمعت جمع مذكر سالم وهو ليس كثير، وإنما هو موجود أعربت إعراب جمع المذكر السالم.(1/73)
فمثلًا: أبو تقول فيها: جاء أبوك، هنا تعرب إعراب الأسماء الخمسة فترفع بالواو، فلو ثنيتها فقلت: جاء الأبوان أعربت إعراب المثنى فرفعت بالألف، ولو جمعتها جمع المذكر السالم وقلت: جاء أبون رفعت بالواو كما يرفع جمع المذكر السالم، ولو جمعتها جمع التكسير فقلت: جاء الآباء رفعتها بالضمة كما يرفع جمع التكسير، وكذا في باقي أخواتها فشرطها الأول: أن تكون مفردة؛ أي: ليست بمثناة ولا مجموعة.
وشرطها الثاني: أن تكون مضافة إلى غير ياء المتكلم. أن تكون مضافة مثل: جاء أبوك، أو جاء أبو محمد، كلمة "أن تكون مضافة" احترازًا من ماذا؟ احترازًا مما لو قطعت عن الإضافة.
لو قطعت عن الإضافة نهائيًّا كيف تعرب؟ هل تعرب بالحروف، أو بالحركات، تعرب بالحركات تقول: جاء أبٌ مرفوع بالضمة، رأيت أبًا منصوب بالفتحة، مررت بأبٍ مجرور بالكسرة، إذًا لا تعرب إعراب الأسماء الستة، فترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتجر بالياء، إلا حينما أن تكون مضافة إلى أي شيء؟ إما إلى ضمير مثل: جاء أبوك، جاء أبوه، جاء أبوها، أو إلى اسم ظاهر مثل جاء أبو محمد، جاء أبو علي، جاء أبو بكر، إلى غير ذلك.
وشرط إضافتها أن تضاف إلى أي شيء إلا ياء المتكلم، فإنها إذا أضيفت إلى ياء المتكلم -أيضًا- خرجت عن هذا الباب، إذا أضيفت إلى ياء المتكلم مثل: جاء أبي، جاء أخي، فإذا أضيفت إلى ياء المتكلم ما حكمها حينئذٍ؟ تخرج عن هذا الباب، وتعرب بحركات مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة.
طبعًا أنا ذكرت في اليوم الأول أن ما تدخل عليه ياء المتكلم يعتبر الإعراب فيه إعرابًا تقديريًّا، الإعراب الظاهر هو الذي آخره حرف صحيح، والإعراب التقديري هو الذي آخره حرف علة؛ فإن كان ألف فيكون منعا من ظهور الإعراب التعذر مثل: جاء الفتى. وإن كان ياء يكون منعا من ظهور الثقل، وإن كان واو -أيضًا- يكون منعا من ظهوره الثقل -أيضًا- مثل: يدعو ويرجو وما إلى ذلك.(1/74)
فإن كان مختومًا بياء المتكلم يكون منع من ظهوره ليس التعذر ولا الثقل وإنما اشتغال المحل بحركة المناسبة، ما معنى اشتغال المحل بحركة المناسبة؟ حينما تقول: هذا كتابي، أصلها هذا كتابٌ، الباء مرفوعة بالضمة الظاهرة.
فإذا أضفت كتاب إلى ياء المتكلم فقلت: هذا كتابي، الباء التي هي محل الحركة، هل تستطيع مع إضافتك إلى ياء المتكلم أن ترفعها أن تنطق بالضمة فيها؟ مع إضافتك إلى ياء المتكلم أن ترفعها أن تنطق بالضمة فيها؟ لا يستطيع أن تقول: هذا كتابُي بالضمة والياء مجتمعة هذه صعبة.
طيب ما الذي منع من ظهور الضمة هنا؟ هو الواقع ليس تعذرا ولا ثقلا؛ لأن الضمة تظهر على الباء بسهولة وإنما؛ لأن الباء وهي محل الحركة هنا شغلت بحركة أخرى طارئة وهي الكسرة التي جيء بها لتناسب ياء المتكلم التي طرأت -أيضًا- فانشغل المحل وهو الباء بحركة المناسبة، يعني: الحركة التي جيء بها لمناسبة هذه الياء الطارئة التي دخلت أخيرًا هذا معنى باستمرار.
هذا معنى كلمة اشتغال المحل بحركة المناسبة، يعني: أن المحل قابل لأن تظهر عليه الحركة الأصلية، لكنها لم تظهر ليس للتعذر ولا للثقل، وإنما لأن المحل هنا شغل بطارئ، بضيف جديد يحتاج إلى حركة جديدة، وهي الكسرة التي يؤتى بها لمناسبة ياء المتكلم.
في الأسماء الستة -أيضًا- من شروطها لكي تعرب بالحروف: ألَّا تكون مصغَّرة؛ أي: أن تكون مكبَّرة؛ أي: أن تكون على وضعها الأصلي، فجاء أبوك هنا الاسم على وضعه الأصلي ليس مصغرًا فلو صغرته ماذا تقول؟ تقول: جاء أٌبَيُّك. إذًا إذا صغرت ما الحكم؟ تعرب الحركات الظاهرة كالأسماء الصحيحة، وتخرج عن كونها من الأسماء الستة.(1/75)
إذًا الأسماء الستة لكي تدخل معنا في هذا الباب وتعرب بالعلامات الفرعية لا بد فيها أن تكون مفردة؛ أي: غير مثنَّاة ولا مجموعة، وأن تكون مكبَّرة؛ أي: غير مصغرة، وأن تكون مضافة، وأن تكون إضافتها لغير ياء المتكلم، فإذا اختلَّ واحد من هذه الشروط الثلاثة أو الأربعة فإنها تخرج عن باب العلامات الفرعية.
العلامة الثالثة: وهي الثانية من العلامات الفرعية التي للرفع هي الألف، وهذه العلامة لا تأتي إلا في نوع واحد، وفي اسم واحد وهو المثنى. لا تأتي إلا في المثنى، فالمثنى يرفع بالألف فتقول: جاء الطالبان، وقام الرجلان.
العلامة الرابعة والأخيرة من علامات الرفع وهي العلامة الثالثة من علامات الرفع الفرعية هي النون، والنون -أيضًا- كالألف لا تكون علامة إلا في باب واحد، أو في موضع واحد وهو الفعل المضارع، أو ما يسمى بالأفعال الخمسة وهو الفعل المضارع إذا اتصل به ضمير التثنية، أو ضمير الجمع، أو ضمير المؤنثة المخاطبة، وهي التي تسمى بالأفعال الخمسة.
وقلت لكم: إن تسميتها بالأفعال الخمسة ليس كتسمية الأسماء الخمسة بالأسماء الخمسة؛ فالأسماء الخمسة هي خمسة أسماء معينة محصورة، أما الأفعال الخمسة فهي في الواقع أوزان خمسة، أو أمثلة خمسة ينطوي تحتها مئات الأفعال، وليست خمسة أفعال محصورة.
وهذه الأفعال هي كل مضارع اتصلت به ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، وجاءت خمسة؛ لأن ما تتصل به ألف الاثنين تارة يبدأ بالياء، وتارة يبدأ بالتاء، فتقول: يكتبان وتكتبان، وما اتصلت به واو الجماعة، كذلك تارة يبدأ بالياء وتارة يبدأ بالتاء فتقول: يكتبون وتكتبون، وما ختم بياء المخاطبة لا يبدأ إلا بالتاء، فتقول: أنت تكتبين. إلى هنا انتهينا. ونبدأ الآن بعلامات النصب، تفضل.
علامات النصب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(1/76)
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: علامات النصب: وللنصب خمسة علامات: الفتحة والألف والكسرة والياء وحذف النون.
فأما الفتحة فتكون علامة للنصب في ثلاثة مواضع في الاسم المفرد، وجمع التكسير، والفعل المضارع إذا دخل عليه ناصب لم يتصل بآخره شيء، وأما الألف فتكون علامة للنصب في الأسماء الخمسة نحو: رأيت أباك وأخاك وما أشبه ذلك، وأما الكسرة فتكون علامة للنصب في جمع المؤنث السالم، وأما الياء فتكون علامة للنصب في التثنية والجمع، وأما حذف النون فيكون علامة للنصب في الأفعال الخمسة التي رفعها بثبات النون.
---
يقول: "علامات النصب: وللنصب خمس علامات: الفتحة والألف والكسرة والياء وحذف النون" علامات الرفع، وعلامات النصب، وعلامات الجر، وعلامات الجزم، يبدؤها المؤلف وغيره دائمًا بالعلامة الأصلية لهذا الشيء، ثم يتبعها بالعلامة الفرعية؛ فالرفع علامته الأصلية الضمة، ثم تلتها العلامات الفرعية الثلاث، والنصب علامته الأصلية ما هي؟ هي الفتحة، ثم تتلوها بعد ذلك العلامات الفرعية.
فبدأ بالفتحة وهي العلامة الأصلية، للنصب خمسة علامات الفتحة وهي العلامة الأصلية، ثم يتلوها أربع علامات فرعية، وهي الألف والكسرة والياء وحذف النون، وينبغي أن تعلموا أن العلامة الفرعية ليست دائمًا حرفا، وأن العلامة الأصلية ليست دائمًا هي الحركة.
العلامة الأصلية دائمًا حركة فعلًا؛ لكن الحركة ليست خاصة بالعلامة الأصلية؛ بل ربما تكون الحركة علامة فرعية، فالعلامة الفرعية -إذًا- ليست دائمًا حرف أو حذف أو نحو ذلك، وإنما قد تكون حركة -أيضًا- فالحركة إذا جاءت في موضعها الأصلي فهي علامة أصلية.(1/77)
فالنصب علامته الأصلية ما هي؟ الفتحة، لو نصب اسم بالكسرة لصارت الكسرة في حقه علامة فرعية، والجر علامته الأصلية هي الكسرة، ولكن لو جر اسم بالفتحة لصارت الفتحة حينئذٍ علامة فرعية. فالحركة -إذًا- قد تكون علامة فرعية، والأصل فيها أنها علامة أصلية، فليست العلامة الأصلية -إذًا- مقصورة على حرف أو حذف.
فأما الفتحة فتكون علامة للنصب في ثلاثة مواضع، يعني: لا ينصب بالفتحة في اللغة العربية، إلا ثلاثة أشياء فقط وهي:
أولًا: الاسم المفرد، الاسم المفرد هنا هو الاسم المفرد الذي تقدم في الرفع، يراد به ما ليس بمثنى ولا مجموع، والنوع مثل: رأيت محمدًا منصوب بالفتحة، ومثل أيضًا: رأيت الفتى منصوب بفتحة مقدرة؛ لأنه إعراب تقديري.
والثاني مما ينصب بالفتحة: جمع التكسير، جمع التكسير -أيضًا- ينصب بالفتحة، فتقول قرأت الكتب، واشتريت الأقلام، وقابلت الرجال، وشاهدت الأولاد. فالرجال والأولاد والكتب والأقلام هذه جموع تكسير منصوبة بالعلامة الأصلية وهي الفتحة.
والنوع الثالث مما ينصب بالعلامة الأصلية وهي الفتحة: الفعل المضارع إذا دخل عليه ناصب، ولم يتصل بآخره شيء. مثل مثال للفعل المضارع إذا دخل عليه ناصب: لن يسافرَ محمد هذا اليوم، لن ينجحَ المهمل، قيده بشرط ألا يتصل بآخره شيء، فإذا اتصل بآخره شيء فما الحكم؟ هذا الذي يتصل بآخره مختلف؛ إما أن يتصل بآخره ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة فيكون من الأفعال الخمسة.
والأفعال الخمسة ما حكمها في حال النصب؟ تنصب بحذف النون كما سيأتي في محلها، أو أن يتصل بآخره ما سبق أن ذكرناه من نون التوكيد، أو نون النسوة، فإن نون التوكيد، أو نون النسوة إذا اتصلت بآخره فإنه يبنى معهما، يبنى مع نون التوكيد على الفتح، ويبنى نون النسوة على السكون.(1/78)
وهذا الناصب الذي تقدمه لا يؤثر فيه شيء إذا دخلت عليه إحدى النونين، فإنه يبنى، ويبنى سواء سبق بناصب، أو لم يسبق به، فإن البناء أقوى، أو هذه النون التي دخلت عليه تؤثر عليه في البناء، وتبطل مفعول العلامات، أو النواصب، والجوازم التي تتقدم عليه.
فالفعل المضارع لكي ينصب بالفتحة، وهي العلامة الأصلية لا بد فيه ألَّا يتصل بآخره شيء سواء من ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة التي تجعله من الأفعال الخمسة، أو نون النسوة، أو نون التوكيد التي تلحقه بالمبنيات.
وأما الألف وهي العلامة الثانية من علامات النصب، والعلامة الفرعية الأولى من علامات النصب، فتكون علامة للنصب في باب واحد، أو في موضع واحد وهو: الأسماء الخمسة، المثنى الألف فيه علامة رفع وليست علامة نصب، الأسماء أو الكلمات التي تكون الألف فيها علامة نصب هي الأسماء الخمسة فقط؛ أي: إنه ليس هناك باب لا من أبواب الأسماء، ولا من أبواب الأفعال يمكن أن ينصب بالألف إلا الأسماء الخمسة، أو الأسماء الستة.
طبعًا لا تنصب بالألف إلا إذا توفرت فيها الشروط التي ذكرناها قبل قليل، الشروط الأربعة وهي: الإفراد، وعدم التصغير، والإضافة إلى غير ياء المتكلم، فتقول: رأيت أباك، وشاهدت أخاك... إلى آخر الأسماء الخمسة أو الستة.
وأما الألف فتكون علامة للنصب في الأسماء الخمسة، نحو: رأيت أباك وأخاك، وما أشبه ذلك، وأما الكسرة، هذه الكسرة الآن كما ترون مع أنها حركة إلا أنها صارت علامة فرعية هنا.
وأما الكسرة فتكون علامة للنصب في باب واحد فقط وهو جمع المؤنث السالم، أو ما يسمى بالجمع المختوم بالألف والتاء الزائدتين، الكسرة لا تكون علامة فرعية إلا في هذا الموضع فقط، الكسرة لا تكون علامة فرعية إلا في هذا الموضع فقط.(1/79)
الكسرة دائمًا علامة أصلية في حالة الجر، ولا تخرج عن الجر، وتكون علامة فرعية في أي باب من الأبواب إلا في هذا الباب وحده وهو باب جمع المؤنث السالم، وفي حالة واحدة من حالاته وهي حالة النصب، فتقول: رأيت المسلمات، وشاهدت السيارات، وما إلى ذلك، فكل ما ختم بألف وتاء زائدتين فإنه ينصب بالكسرة، وهي علامة فرعية في حقه.
وأما الياء فتكون علامة وهي العلامة الفرعية الثالثة من علامات النصب، فتكون علامة للنصب في بابين فقط وهما: التثنية والجمع، فالمثنى والجمع الذي على حدِّه كما يقولون؛ أي: الجمع الشبيه له وهو جمع المذكر السالم ينصبان بالياء، ويجران بها؛ لكن الجر سيأتي، المهم أن الياء تخلف الفتحة في نصب هذين البابين فقط، وهما باب المثنى، وباب جمع المذكر السالم، فتقول: شاهدت طالبين، ورأيت المسلمين.
العلامة الرابعة من علامات الرفع الفرعية: وهي العلامة الخامسة من علامات النصب هي حذف النون، حذف النون أين يأتي؟ يأتي في باب واحد وهو باب الأفعال الخمسة أصلًا حينما تسمع بالنون سواء بثبوت أو بحذف، فاعلم أنك في باب الأفعال الخمسة دون غيره من الأبواب؛ لأن النون لا تكون علامة؛ لا في الإثبات، ولا في الحذف إلا في هذا الباب هو باب الأفعال، أو باب الأمثلة الخمسة، وأما حذف النون فيكون علامة للنصب في الأفعال الخمسة التي رفعها بثبات النون.
تقول -مثلًا-: نحن قلنا: الرجال يكتبون، والطالبان يكتبان، هذا في حالة الرفع، فإذا أدخلت حرف نصب على واحد من هذين الفعلين قلت: الرجال لن يكتبوا، والطالبان لن يكتبا، بحذف النون بسبب دخول النصب.
طيب، مَن يعيد لي بسرعة علامات النصب الخمس؟ تفضل، نعم، نعم، الواو أين؟ لا أريد إعادة مع الأبواب الفتحة في ماذا؟ في الاسم المفرد وجمع التكسير والفعل المضارع...(1/80)
العلامة الثانية هي الألف، وتكون علامة للنصب في باب واحد وهو الأسماء الخمسة. العلامة الثالثة: نعم، في بابين متشابهين هما جمع المذكر السالم والمثنى، أكمل، بقي علامتان، والكسرة في جمع المؤنث السالم فقط، وحذف النون في باب الأفعال أو الأمثلة الخمسة.
علامات الخفض (الجر)
وللخفض ثلاث علامات: الكسرة والياء والفتحة؛ فأما الكسرة فتكون علامة للخفض في ثلاثة مواضع: في الأسماء الخمسة وفي التثنية والجمع، وأما الفتحة فتكون علامة للخفض في الاسم الذي لا ينصرف.
---
يقول: علامات الخفض أو علامات الجر كلاهما سواء "وللخفض ثلاث علامات الكسرة والياء والفتحة" طبعًا العلامة الأصلية للجر أو للخفض هي الكسرة بلا شك، أين تكون الكسرة؟ فأما الكسرة فتكون علامة للجر أو للخفض في ثلاثة مواضع: الأول: في الاسم المفرد المنصرف، والثاني: جمع التكسير المنصرف، والثالث: جمع المؤنث السالم.
لماذا نصَّ هنا على كلمة المنصرف في الاسم المفرد والجمع ولم ينص على ذلك حينما تحدث عن علامة النصب؟ لماذا نصَّ على قضية المنصرف في حديثه عن الجر ولم ينص عليهما في حديثه عن النصب؟ تفضل، طيب؛ لكن لماذا لم ينص عليها هناك؟
نعم؛ لأن الاسم الممنوع من الصرف فيما يتعلق بالنصب يعامل معاملة الأسماء العادية ليس لها حكم مستقل، فالاسم المفرد ينصب بالفتحة سواء كان منصرفا أو غير منصرف، وجمع التكسير ينصب بالفتحة سواء كان منصرفا أو غير منصرف، فالمنصرف مع الممنوع من الصرف كلاهما يتساويان في قضية أن النصب بالفتحة، أما حينما نأتي للجر فإن الممنوع من الصرف يخرج عن هذا الباب.(1/81)
فلزمك حينئذٍ أن ينص على أن الكسرة علامة أصلية في جر الاسم المنصرف؛ لأن غير المنصرف له حكم آخر، أما في حالة النصب فحكمهما واحد، ولذلك لا داعي للنص عليهما، لا داعي للتفريق بينهما؛ لأن الحكم فيهما واحد، أما في حالة الجر فإنه يلزم التفريق، فإنك حينما تقول: الاسم المفرد يجر بالكسرة، هكذا على الإطلاق يكون كلامك غير صحيح؛ لأن الاسم المفرد منه نوع لا ينصرف وهذا لا يجر بالكسر، وإنما له علامة جر أخرى، ولذلك قال: "فأما الكسرة فتكون علامة للخفض" أي: الجر في ثلاثة مواضع: أولًا: في الاسم المفرد المنصرف. طيب ما معنى كلمة المنصرف؟
هذا باب أنتم تعرفونه؛ لكن ربما يكون البعض يعرف ما معنى منصرف وغير منصرف؟ يعني: ما معنى وصف هذا الاسم بأنه ممنوع من الصرف؟ ووصف هذا الاسم بأنه مصروف؟ الصرف ما هو أصلًا؟ لكي نعرف بناء على ذلك قضية المنع أو عدمه. نعم.
الصرف يعني: أولى ما يقال فيه أنه التنوين، ويكفي ذلك دون أن نفعل تفصيلات أخرى، الصرف هو التنوين، فالممنوع من الصرف هو الاسم الذي منع من التنوين لعلة دخلت فيه والاسم المصروف هو الاسم الذي بقي على أصله؛ لأن الأسماء الأصل فيها أنها منصرفة؛ أي: منونة ولا يمنع شيء منها من الصرف؛ أي: من التنوين إلا لعلة، وهي العلل التسع المذكورة، في باب الممنوع من الصرف.
فإذًا النوع الأول مما يجر بالعلامة الأصلية وهي الكسرة الاسم المفرد المنصرف، مثل مررت بمحمد كتبت بقلم، قرأت في كتاب، هذه أسماء صحيحة مجرورة بالكسرة؛ لأنها منصرفة؛ أي: منونة، وليست ممنوعة من الصرف؛ أي: قابلة للتنوين، وليست ممنوعة منه لأي علة أخرى.
النوع الثاني مما يجر بالعلامة الأصلية وهي: الكسرة، جمع التكسير المنصرف -أيضًا- مثل: أقلام وكتب وما إلى ذلك، تقول: قرأت في الكتب، أو قرأت في كتب، كتبت بالأقلام، أو كتبت بإقلام، أما جمع التكسير إذا كان ممنوعًا من الصرف فسيأتي له حكم وهو أنه يجر بالفتحة، وليس بالكسرة.(1/82)
النوع الثالث مما يجر بالعلامة الأصلية وهي الكسرة، جمع المؤنث السالم، مررت بالمسلمات، وأحب السفر على الطائرات، وأحب ركوب السيارات -أيضًا- سواء جر بحرف جر، أو كان مجرورًا بالإضافة فإنه يكون مجرورًا بالكسرة حينئذٍ.
العلامة الثانية من علامات الجر هي العلامة الأولى الفرعية وهي: الياء، الياء تكون علامة للخفض، أو للجر في ثلاثة مواضع. طيب لماذا الفتحة كانت علامة للنصب في موضعين فقط وهما جمع المذكر السالم والمثنى والكسرة كانت علامة الجر أو الياء-عفوًا- لماذا الياء كانت علامة للنصب في موضعين فقط وهما جمع المذكر السالم والمثنى والياء كانت علامة للجر في ثلاثة مواضع ما الموضع الذي زاد هنا؟ نعم تفضل.
هو الأسماء الخمسة أو الأسماء الستة، الأسماء الخمسة في حالة النصب انفردت بأنها تنصب بالألف من دون بقية الأسماء، أما في حالة الجر فإنها التقت مع المثنى، ومع جمع المذكر السالم في أنها جرت بالياء.
وأما الياء فتكون علامة للخفض أو للجر في ثلاثة مواضع: في الأسماء الخمسة: مررت بأبيك، هذا كتاب أخيك، وفي التثنية: مررت بالطالبين، وهذان كتابا الطالبين، والجمع؛ جمع المذكر السالم: مررت بالمسلمين، وتعجبني سيرة المخلصين، فهو هنا مجرور بالياء في الأول؛ لأنه مسبوق بحرف جر، وفي الثاني؛ لأنه وقع مضاف إليه.
فالياء -إذًا- تكون علامة فرعية للجر في ثلاثة أبواب، وهي باب الأسماء الخمسة، أو الأسماء الستة، وباب جمع المذكر السالم، وباب المثنى.(1/83)
العلامة الثالثة والأخيرة: هي الفتحة، والفتحة -كما رأيتم الآن- مع أنها حركة إلا أنها صارت علامة فرعية، فالحركات هي العلامات الأصلية، إلا أنها تخرج وتكون علامة فرعية في موضعين: الكسرة مع جمع المؤنث السالم تكون علامة فرعية للنصب، والفتحة مع الممنوع من الصرف تكون علامة فرعية للجر، وما عدا ذلك فإن الحركات هي العلامات الأصلية، أما العلامات الفرعية فالغالب فيها أن تكون؛ إما بالحرف، أو بالحذف.
وأما الفتحة وهي العلامة الثالثة من علامات الجر فتكون علامة للخفض في الاسم الذي لا ينصرف، هنا قال: "في الاسم الذي لا ينصرف" وسكت؛ لكي يشمل الاسم المفرد وجمع التكسير، مثال الاسم المفرد الممنوع من الصرف في حالة جره بالفتحة، نعم مررت بأحمدَ، لو وضعت مكان أحمد محمد لقلت: مررت بمحمدٍ؛ لكن لأن أحمد ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، فإنك تقول فيه: مررت بأحمدَ.
تلحظون أن كلمة المنع من الصرف هي المنع من التنوين، ولذلك لا يصح أن تنون أحمد هنا؛ لأنه ممنوع من الصرف وهو التنوين، طيب جمع التكسير ممنوع من الصرف مثل ماذا؟ نعم، صليت في مساجدَ كثيرة.
فالممنوع من الصرف يكون مفردًا، ويكون جمع تكسير، وجمع التكسير الممنوع من الصرف يكفي لكي يكون علة واحدة، وذلك فيما كان على ما يسمى بصيغة منتهى الجموع، وهي صيغة "مفاعل" أو "مفاعيل".
ما جاء من الأسماء على وزن "مفاعل" أو "مفاعيل" فإنه يمنع من الصرف لهذه العلة وحدها تكفي لا يحتاج إلى اجتماع علتين، المنع من الصرف لا بد فيه من علتين إلا ما كان مختومًا بألف التأنيث الممدودة، فهي وحدها تأتي للمنع من الصرف، وما كان على صيغة مفاعل، أو مفاعيل فإن هذه الصيغة وحدها كافية للمنع من الصرف، فتقول: صليت في مساجدَ كثيرة.(1/84)
طيب، إذا قلت: صليتُ في مساجدَ كثيرة، فإنه حينئذ يكون مجرورا بماذا؟ مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة، طيب إذا قلت: صليت في مساجد الرياض، هل أقول: صليت في مساجدَ الرياض، أم في مساجدِ الرياض؟ نعم، في مساجدِ الرياض، بالكسرة لماذا مع أنها ممنوعة من الصرف؟ لأنه أضيف هنا.
الممنوع من الصرف - تعلمون- أنه لا يكون ممنوعًا من الصرف إلا بشرطين: الشرط الأول: ألَّا يقع مضافًا، والشرط الثاني ألَّا تدخل عليه الألف واللام، فلو قلت: صليت في المساجدِ، هل تجر أو تنصب؟ تجر حينئذٍ؛ لأنه رجع كالأسماء العادية تقول: صليت في المساجدِ، طيب مساجد ممنوع من الصرف لصيغة منتهى الجموع، ومكة ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث.
فإذا قلت: صليت في مساجد مكة، كلاهما ممنوع من الصرف فمن يضبطهما؟ في مساجدِ مكةَ، طيب لماذا الأول جُرَّ بالكسرة وهو ممنوع من الصرف، والثاني جر بالفتحة وهو ممنوع من الصرف مع أن كلاهما أحدهما مضاف والآخر مضاف إليه.
نعم، نعم، طيب والثاني مضاف إليه، إذًا أنت تريد أن تقول: إن الذي يمنع أو يؤثر هو أن يقع مضافًا، لا أن يقع مضافًا إليه.
يعني: الآن ما لم يضف؛ أي: ما لم يكن هو المضاف، ولا يضر أن يكون هو المضاف إليه، يعني: إذا كان الاسم الممنوع من الصرف هو مضاف إليه، فإنه يبقى على منع الصرف، تقول في مساجدِ مكة، أما إذا قدمنا مكة -مثلًا- فجعلناها هي المضاف فإنها حينئذٍ يجب أن تجر بالكسرة، يبطل عنها حكم منع الصرف، فلا تجر بالفتحة، ولكنها تجر بالكسرة.
كما لو قلت -مثلًا-: لو كان هناك مدينة في أي بلد اسمها مكة تقول: ذهبت إلى مكةِ المسلمين، فإذا أضفت مكة ذهبت إلى مكة الحجاز ليست أي مكة أخرى لو أن شخصًا سمى مدينة بمكة، أو قرية، أو نحو ذلك فأنت إذا أضفت مكة قلت: مكة المسلمين، أو مكة الحجاز، أو مكة الجزيرة؛ أي: جعلت بعدها أي مضاف آخر، فحينئذٍ يزول عنها سبب منع الصرف.(1/85)
فالحاصل أن الإضافة يراد بها وقوع الكلمة مضاف، وليس وقوعها مضاف إليه، لا بد أن تفرقوا بين هذا؛ لأني ألمس عدم التفريق من خلال إجابات بعض الطلاب، فإن هؤلاء يعني: يلتبس ما لم يضف، يعني: هل المراد أن يكون هو المضاف، أو حينما يكون هو المضاف إليه.
فالممنوع من الصرف -إذًا- الحاصل أنه سواء كان مفردًا، أو كان جمع تكسير فإنه في حالة الجر يجر بعلامة فرعية، وهي الفتحة نيابة عن علامة الجر الأصلية، وهي الكسرة، والجر بالفتحة خاص بباب الممنوع من الصرف فقط، ولا يأتي بأي باب آخر.
ولكن الممنوع من الصرف لا يسلم له ذلك باستمرار، وإنما يسلم له بشرطين: الشرط الأول ألَّا تدخل عليه الألف واللام، فإن دخلت عليه الألف واللام صار من الأسماء العادية يعرب إعرابًا عاديًّا، والشرط الثاني: ألَّا يقع مضافا، ولا حرج في وقوعه مضاف إليه، المنع في وقوعه مضاف فقط.
فالحاصل -إذًا- أن علامات الجر أو علامات الخفض هي هذه العلامات الثلاث، الأولى: أصلية، وهي الكسرة، واثنتان فرعيتان وهما: الياء في ثلاثة أبواب، والفتحة في باب واحد، وهو باب الممنوع من الصرف بشروطه المعروفة.
علامات الجزم
علامتا الجزم: وللجزم علامتان: السكون والحذف، فأما السكون فيكون علامة للجزم في الفعل المضارع الصحيح الآخِر، وأما الحذف فيكون علامة للجزم في الفعل المعتل الآخِر، وفي الأفعال الخمسة التي رفعها بثبات النون.
---
علامة الجزم ترون أنها الآن الحديث عنها خاص بالأفعال فقط، لماذا؟ لأن الجزم من خصائص الأفعال، وعلامات الجر، أو الخفض التي بلها ترون أن الحديث عنها خاص بالأسماء فقط.
أما العلامتان وهما علامة الرفع وعلامة النصب فترون أنه اشتركت فيهما الأسماء والأفعال "علامتا الجزم، للجزم علامتان وهما: السكون والحذف" طبعًا علامته الأصلية هي السكون وليس له علامة فرعية إلا علامة واحدة.(1/86)
السكون يكون علامة للجزم في ماذا؟ في الفعل المضارع الصحيح الآخر، السكون في الفعل المضارع الصحيح الآخر، طبعًا تستطيع أن تقول: إذا لم يتصل بآخره شيء، فإنه إذا اتصل بآخره شيء فإنه يكون سواء كان هذا الذي اتصل بآخره يدخله بالأفعال الخمسة، أو أنه يدخله في المبنيات. فإذا اتصل بآخره شيء لا يشمله هذا الحكم.
فالجزم -إذًا- علامة للفعل المضارع إذا كان صحيح الآخر مثل لم يخرجْ، لم يكتبْ، ولم يذهبْ، ولم يسافرْ، ونحو ذلك من كل فعل مضارع صحيح الآخر لم يلحق بآخره شيء، أو لم يتبعه شيء، إذا دخل عليه جازم من الجوازم الكثيرة التي ستأتي سواء من أدوات الجزم التي تجزم فعل واحد، أو التي تجزم فعلين، أو وقع في جواب الأمر، أو وقع في جواب الشرط، أو نحو ذلك من المواضع التي يجزم فيها الفعل المضارع، فالفعل المضارع متى ما وقع في محل يجزم فيه فإنه يجزم بالسكون إذا كان صحيح الآخر ولم يتصل بآخره شيء.
العلامة الثانية من علامات الجزم هي العلامة الفرعية الوحيدة له وهي الحذف، والحذف أين يكون؟ يكون علامة للجزم في الفعل المضارع المعتل الآخر، وفي الأفعال، أو الأمثلة الخمسة.
فالفعل المضارع المعتل الآخر سواء كان معتلًا بالألف مثل يسعى، أو معتقل بالواو مثل يدعو، أو معتلًّا بالياء مثل يرمي، فإنك إذا أدخلت عليه الجازم يكون علامة جزمه حذف حرف العلة الأخير، ثم بقاء الحركة التي قبله للدلالة عليه.
يسعى: الألف قبلها على العين فتحة، فحينما تحذف الألف للجزم، تقول: لم يسعَ تبقى الفتحة لكي تكون دليلًا على أن المحذوف ألف، ويدعو: الواو مسبوقة بضمة على العين فإذا حذفت الواو للجزم، قلت: لم يدعُ ببقاء الضمة على العين دليلًا على أن المحذوف واو، وفي يرمي إذا حذفت الياء للجازم أبقيت الكسرة التي قبلها لكي تدل على أن المحذوف ياء مثل: لم يرمِ بالكسرة فقط.(1/87)
والنوع الثاني مما يجزم بالحذف هو: الأفعال الخمسة فإنها ترفع بثبات النون، وتنصب وتجزم بحذفها، فالجزم فيها والنصب يستويان في أن علامتهما هي حذف النون، تقول: لم يذهبا، ولم يكتبا، ولم يحضروا، ولم تذهبي، ولم تحضري، ونحو ذلك.
يعني: هذه نهاية سريعة لهذه العلامات ما كان منها أصليًّا، وما كان منها فرعيًّا، ونخصص الوقت الباقي للأسئلة، وأيضًا الأسئلة التي معي بالأمس نبدأ بها، فيمكن أن نبدأ بها الآن سريعًا:
س: يقول: الهن: ورد في الحديث: من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه، ولا تكنوا فالأولى تفسير كلمة "هن" بما فسره به الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو الذكر؟
ج: الصحيح أن تفسير الرسول -صلى الله عليه وسلم- هنا لا يعني: أن هذه الكلمة في اللغة العربية لم تستخدم إلا في هذا التفسير، وإنما يعني: أن هذا واحد من التفسيرات التي قيلت فيها، وأنه يتضح المراد منها ومن تفسيرها بالسياق، فالسياق هنا دلنا على ما المراد بالْهَنِ هنا؛ لكنه في أمثلة أخرى، وفي سياقات أخرى يراد به غير ذلك.
س: ما الفرق بين كلا -هذه ليست من موضوع الدرس، ولكنه في الجملتين كلا الطالبان- والصحيح كلا الطالبين مخلصين، والطلبان كلاهما مخلصان؟
ج: الفرق بينهما أن كلا إذا أضيفت إلى اسم ظاهر فإنها تعرب إعراب المقصور؛ أي: تلزم الألف دائمًا، وإذا أضيفت إلى ضمير فإنها تكون ملحقة بالمثنى، فإنها ترفع بالألف وتنصب وتجر بالياء.
س: يقول: قلت: إذا صغرت الأسماء الخمسة فإنها تعرب بالحركات، مَثِّل لها منصوبة ومجرورة؟
ج: تقول: جاء أُبيُّك بالرفع، ورأيت أُبيَّك بالنصب، ومررت بأُبيِّك بالجر، طبعًا الكاف هذه ضمير لا علاقة لها بالحركة، فالحركة إنما تظهر على الحرف الذي قبل الضمير.
س: أما يكفي السياق لتوضيح المقصود من المفرد بدلًا من التوضيح من المقصود؟(1/88)
ج: إذا كان السياق كفيلًا بإيضاح المقصود من المفرد حينئذٍ فقد يستغني منه عنه؛ ولكن إذا كنت تتلو وتسرد شروطًا معينة؛ وتقول: أن يكون مفردًا، أن يكون كذا، أن يكون كذا، فلا بد حينئذٍ أن توضح بأنك تريد من المفرد هنا ما ليس بمثنى، أو ما ليس بمركب، أو نحو ذلك.
طبعًا الأوراق التي أتركها ليس معنى أن فيها سؤالا أهمله، وإنما الرجل الكاتب -جزاه الله خيرًا- يعبر عن بعض المشاعر الطيبة، وأنا أدعو له.
س: ما هي شروط الأسماء الخمسة حتى ترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتجر بالياء؟
ج: هي الشروط الأربعة التي ذكرناها وهي:
-أن تكون مفردة أي: ليست مثناة ولا مجموعة.
-أن تكون مكبَّرة أي: ليست مصغَّرة.
-وأن تكون مضافة.
-وأن تكون إضافتها لغير ياء المتكلم.
س: لم أحضر الدرس الماضي لظروف قاهرة ولدي أشغال، فهل يمكن مراجعة اليوم؟
ج: أنا راجعت درس الأمس في هذا اليوم، ودرس اليوم أراجعه -إن شاء الله- في أول درس الغد، إن شاء الله.
س: نرجو أن تكثر من الأمثلة، وأن تكثر من الشواهد.
ج: والله أنا أتمنى ذلك؛ ولكن قد لا يسمح الوقت لنا بأن نخرج عن الكتاب، ونحن إنما نشرح هذا الكتاب فقط، ولسنا نعلم النحو بصفة عامة، وإلَّا كان عندنا مجال للاستخراج أكثر.
س: ما حكم الإبقاء على رفع "أبو" في الكلام؛ سواء سبق برفع، أو نصب، أو جر؟ مثل جاء أبو عبد الرحمن، أو نحو ذلك؟
ج: مثل "أبو" الواقع أن الأولى أن يلتزم فيها الإعراب، فبالنسبة للكُنَى المفروض أن يقال: جاء أبو عبد الرحمن، أهلًا بأبي عبد الرحمن، حيا الله أبا عبد الرحمن، هذا هو المفروض في ذلك.
ولكن إذا كان هذه الكنية صارت كالاسم وكالعلم، فإنك لو التزمت فيها الواو فإنه ربما كان أولى، مثل كلمة مثلًا "أبو ظبي" "أبو عريش" "أبو حدرية" مثل هذه الأسماء التي بهذا الشكل هذه ما في داعي تقول: أبو ظبي، أبا ظبي، أبي ظبي؛ لأنها هي علم هكذا أبو ظبي فتترك كما هي عليه.(1/89)
ويقولون: إنها تُرِكت على الحكاية، والحكاية أن تترك اللفظ كما ورد، ولا تجعل العلامات، أو المؤثرات الإعرابية تؤثر فيه.
س: كيف نعرف أن الألف والتاء زائدتان؟
ج: يقصد في جمع المؤنث السالم، وهو أن تعريفه الجمع المختوم بألف وتاء زائدتين، تعرف أن الألف والتاء زائدتان حينما يكون ليس لهما وجود في المفرد، كلمة هند ماذا تقول في جمعها؟ تقول: هندات، إلا تاء التأنيث المتحركة هذه فإنها لا تؤثر، إذا كانت تاء التأنيث جيء بها للفرق بين المؤنث والمذكر، فهذه لا تؤثر حينئذٍ وإنما يجب أن تحذف، ويؤتى بألف وتاء زائدتين.
أما الاحتراز حينما نقول: بألف وتاء زائدتين احترازًا من المفرد الذي فيه تاء أصلية، مثل كلمة: بيت، فبيت تجمع على ماذا؟ تجمع على بيوت، وتجمع على أبيات، أبيات شكلها كأنه جمع مؤنث سالم؛ ولكن هل هي جمع مؤنث سالم؟ ليست جمع مؤنث سالم؛ لأن التاء هذه التي في آخرها ليست زائدة وإنما أصلية.
فالتاء -إذًا- التي في الجمع ليست زائدة وإنما أصلية، كما أنك تقول في قلم: أقلام؛ فقلم آخرها ميم، وتنتقل الميم في الجمع فتقول: أقلام. كذلك تقول في بيت؛ لأن آخرها تاء: أبيات، فهذه التاء التي في آخرها أبيات لا تدل على أنها جمع مؤنث سالم؛ لأنها تاء أصلية، أصلية لأنها موجودة في المفرد.
فالتاء الأصلية الموجودة في المفرد هذه لا يكون الاسم المجموع معها وهي موجودة فيه لا يكون جمع مؤنث سالم؛ لأن جمع المؤنث السالم لا بد أن يكون مختوم بألف وتاء زائدتين؛ أي: أن الألف والتاء اللتين فيه ليستا موجودتين في المفرد، فإن وجدت في المفرد فهي أصلية، بيت: أبيات، التاء هذه هي تاء المفرد، فلا تقول بأن: أبيات جمع مؤنث سالم،، وإنما ينبغي أن تكون الألف والتاء التي تأتي بها أنت لا وجود لها في المفرد حقيقة.
س: هذا يسأل -أيضًا- يقول: أيهما أصح إذا دخلت "يا" النداء: يا أبو فلان، يا أبا فلان، يا أبي فلان على ما فيه أبو؟(1/90)
ج: إن التزمت القاعدة فهي: يا أبا فلان؛ لأن المنادى إذا كان مضافا يكون منصوبا، وإن أردت أن تلتزم بما قلنا وهي مسألة الحكاية، وتجعل أبو فلان هذه بالواو باستمرار، فلك أن تقول: يا أبو فلان -حينئذٍ- على أنها ثابتة؛ لكن الأولى هو أن تعربها وتغيرها إذا لم تكن علمًا.
س: أرجو إعادة شروط إعراب الأسماء الستة، وذكر في المدخل وأما الياء فتكون علامة للنصب في جمع المؤنث السالم؟
ج: وإن كان هذا فهو خطأ، الياء ليست علامة النصب في جمع المؤنث السالم وإنما علامة النصب في جمع المؤنث السالم هي الكسرة، الياء علامة للنصب في جمع المذكر السالم، وفي المثنى فقط، ولا تكون في جمع المؤنث السالم.
أما شروط الأسماء الستة فقد أعدتها، ولعلها الإعادة كافية، أيضًا يطلب شروط الأسماء الستة، شروط الأسماء الستة، أعيدها مرة ثالثة أو رابعة: أن تكون مفردة؛ أي: ليست مثناة ولا مجموعة، وأن تكون مكبَّرة؛ أي: ليست مصغَّرة، وأن تكون مضافة، وأن تكون إضافتها لغير ياء المتكلم.
فصل المعربات
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: المعربات. فصل: المعربات قسمان: قسم يعرب بالحركات، وقسم يعرب بالحروف.
فالذي يعرب بالحركات أربعة أشياء: الاسم المفرد، وجمع التكسير، وجمع المؤنث السالم، والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء، وكلها ترفع بالضمة وتنصب بالفتحة، وتخفض بالكسرة، وتجزم بالسكون، وخرج عن ذلك ثلاثة أشياء، جمع المؤنث السالم ينصب بالكسرة، والاسم الذي لا ينصرف يخفض بالفتحة، والفعل المضارع المعتل الآخر يجزم بحذف آخره.
---
أيها الأخوة الأحباب، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله مساءنا ومساءكم، وأوقاتنا وأوقاتكم، بكل خير، ونفعنا الله بما نقول، وما نسمع.(1/91)
تحدثنا في الدرس الماضي عن معرفة علامات الإعراب، وبيان كل باب تدخله كل واحدة من هذه العلامات، فقلنا: إن للرفع أربع علامات، وهي: الضمة والواو والألف والنون، وأن الضمة -كما تعلمون- علامة أصلية، وتكون علامة للرفع في أربعة مواضع: وهي الاسم المفرد.
وبيَّنا ما المراد بالمفرد؛ أي: ليس بمثنى ولا جمع، وجمع التكسير وجمع المؤنث السالم، والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء من ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، أو ما يدخله بالمبنيات، يعني: نون التوكيد، ونون النسوة، وكذلك لم يسبقه شيء من النواصب والجوازم.
وأما الواو فتكون علامة للرفع في موضعين: في جمع المذكر السالم، وفي الأسماء الخمسة أو الستة، وأن الألف فتكون علامة للرفع في تثنية الأسماء خاصة، ولا تكون علامة في الأفعال، وأما النون فتكون علامة للرفع في الأفعال فقط، والمراد بها في الأفعال الخمسة، أو ما يسمى بالأمثلة الخمسة.
وأن النصب له خمس علامات: الأولى أصلية وهي الفتحة، وأربع علامات فرعية، فأما الفتحة فتكون علامة للنصب في ثلاثة مواضع: في الاسم المفرد -أيضًا- كما سبق، وفي جمع التكسير -أيضًا- كما سبق، وفي الفعل المضارع إذا دخل عليه ناصب ولم يتصل بآخره شيء كما سبق من الأشياء التي تتصل بآخره.
وأما الألف فتكون علامة للنصب في باب واحد، وهو باب الأسماء الخمسة أو الأسماء الستة، وأما الياء فإنها علامة للنصب في بابين فقط، وهما باب المثنى، وباب جمع المذكر السالم، وأما حذف النون فإنه علامة للنصب في باب واحد -أيضًا- وهو باب الأفعال الخمسة، أو الأمثلة الخمسة.
أما علامات الخفض، أو علامات الجر وهي علامات ثلاث: أولها: العلامة الأصلية وهي الكسرة، وتكون علامة للخفض في ثلاثة أبواب، أو في ثلاثة مواضع: في الاسم المفرد المنصرف، وفي جمع التكسير المنصرف، وفي جمع المؤنث السالم.(1/92)
وقيد المفرد وجمع التكسير هنا بالمنصرف؛ لأن غير المنصرف علامته في حالة الجر ليست الكسرة، وإنما هي علامة فرعية وهي الفتحة، وأما الياء فتكون العلامة الثانية هي الياء، وتكون علامة للجر، أو للخفض في ثلاثة أبواب، أو في ثلاثة مواضع وهي: الأسماء الخمسة أو الأسماء الستة، وفي التثنية، وجمع المذكر السالم، وأما الفتحة فتكون علامة للخفض في باب واحد وهو ما يسمى بباب الممنوع من الصرف.
أما الجزم فله علامتان إحداهما علامة أصلية وهي السكون، والثانية علامة فرعية وهي تكون بالحذف، إما حذف حرف العلة إذا كان الفعل المضارع معتل الآخر، أو حذف النون إذا كان الفعل المضارع من الأفعال الخمسة.
العلامة الأولى للجزم وهي السكون، فتكون علامة للجزم في موضع واحد وهو الفعل المضارع الصحيح الآخر، وبالطبع -كما تعلمون- فإن علامة الجزم لا تدخل شيئًا من الأسماء، أو لأن الجزم من خصائص الأفعال، كما أن علامة الجر لا تدخل شيئًا من الأفعال؛ لأن الجر من خصائص الأسماء.
إلى هنا وقفنا ونبدأ هذا الدرس بالمعربات.
فهذا الباب، أو هذا الفعل -كما ذكرت- إنما هو تلخيص لسابقه فقط، ولا جديد فيه، وسترون ذلك، يقول: المعربات قسمان: قسم يعرب بالحركات، وقسم يعرب بالحروف، وهو ما تقدم -كما ترون-.
مرَّ معنا بأن بعض الأسماء يعرب بالحركات، وبعضها يعرب بالحروف، وأن -أيضًا- بعض الأفعال كذلك يكون إعرابه بالحركات، ويكون إعرابه -أيضًا- بالحروف؛ إما بثبوت، أو بحذف، وهو هنا يريد -مرت معنا هناك مختلطة بمعنى أنه في حالة الرفع شيء بالحركات، وشيء بالحروف، وفي حالة النصب كذلك، وفي حالة الجر كذلك، هو هنا في هذا الفصل أراد- أن يميز بينها، فيفصل ما يعرب بالحركات عن ما يعرب بالحروف.(1/93)
فهو -كما قلت- تلخيص لسابقه، فقال: "المعربات قسمان: قسم يعرب بالحركات، وقسم يعرب بالحروف" ولذلك أي شخص منكم ممكن أن يسأل لا شك في أنه سيستطيع أن يجيب، فالأشياء التي تعرب بالحركات ما هي؟ من خلال ما تقدم هي: المفرد، وجمع التكسير، وجمع المؤنث السالم، والفعل المضارع الصحيح الآخر.
فإذًا الأشياء التي تعرب بالحركات هي أربعة: الاسم المفرد، وبينا بأن المراد من المفرد هنا في كل استعمالاته، يقابله المثنى والجمع. وجمع التكسير -أيضًا- كذلك، وجمع المؤنث السالم -أيضًا- كذلك، والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء.
هنا يتحدث عن الإعراب بالحركات بغض النظر عن حالات الإعراب، هل هي رفع، أو نصب، أو جر، أو جزم، فهذا سرد فقط للأشياء التي تعرب بالحركات، إذا كانت تعرب بالحركات معنى ذلك أنها؛ إما ضمة، أو فتحة، أو كسرة، أو سكون، ولا يمكن أن تخرج الحركات عن هذه الأربع.
فدخل في التفصيلات فقال: وكلها -هذه الأبواب الأربعة التي تعرب بالحركات- "كلها ترفع بالضمة" وهذا أمر واضح، مثل: قام محمد، هذا مفرد قام الرجال، هذا جمع تكسير، قامت الطالبات، هذا جمع مؤنث سالم، يقوم محمد، هذا فعل مضارع صحيح الآخر، وكلها ترفع بالضمة وتنصب بالفتحة: رأيت محمدًا، رأيت الرجالَ.
سيستثنى الآن في قضية النصب بأن جمع المؤنث السالم يستثنى من ذلك فإنه لا ينصب بالفتحة، وإنما ينصب بالكسرة، والفعل المضارع الصحيح الآخر لا شك بأنه ينصب بالفتحة، مثل: لن يقومَ محمد، وتخفض بالكسرة، كلمة تخفض بالكسرة هذه يعني: فيها نوع من التغليب؛ لأنه حينما ذكر هذه الأربعة ذكر ثلاثة منها أسماء والرابع فعل ثم قام وكلها ترفع بالضمة، هذا صحيح.(1/94)
الرفع يشمل الأفعال والأسماء، وكلها تنصب بالفتحة هذا -أيضًا- صحيح، فالنصب يشمل الأسماء والأفعال، وتخفض أصلًا أبدًا فتخفض بالكسرة، هذه تنصرف للأسماء فقط، وتجزم بالسكون هذه -أيضًا- لا يصدق فيها كلها؛ لأنها تنصرف للفعل فقط، ولا تشمل الأسماء، وخرج عن ذلك ثلاثة.
وقال لك: كلها، فيريد أن يخرج الأشياء الثلاثة التي لا تندرج تحت هذا العموم، وخرج عن ذلك ثلاثة أشياء أولها جمع المؤنث السالم، فإنه لا ينصب بالفتحة، كما تنصب بقية هذه الثلاثة، وإنما هو -كما مرَّ معنا- ينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة، كما تقول: رأيت الطالباتِ، ولا يصح أن تقول: رأيتُ الطالباتَ.
ويستثنى من ذلك ثلاثة أشياء: أولها جمع المؤنث السالم، فإنه ينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة، ومما يستثنى -أيضًا- من العموم السابق الاسم الذي لا ينصرف، فإنه قال: كلها تجر بالكسرة.
الواقع كلها تجر بالكسرة إلا باب الممنوع من الصرف، فإنه يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، مثل مررتُ بأحمدَ، وصليت في مساجدَ، يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، والفعل المضارع المعتل الآخر فإنه لا يجزم بالسكون كما قال: وكلها يجزم بالسكون، وإنما هو يجزم بحذف حرف العلة.
إذًا الأبواب التي تدخلها الحركات هي أربعة أبواب، وهذه الأبواب الأصل فيها هي العلامة الأصلية، أنها ترفع بالضمة، وهذا ينطبق على الأبواب الأربعة، وتنصب بالفتحة، وهذا -أيضًا- ينطبق على الأبواب الأربعة، وتجر بالكسرة، وهذا ينطبق على الأسماء فقط وهي ثلاثة أبواب، ويخرج الباب الرابع وهو الفعل.
والأسماء يخرج منها باب وهو جمع المؤنث السالم، فإنه إنما ينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة، وتجر بالكسرة هذه -أيضًا- يخرج عفوًا. النصب لا يخرج منه الفعل، وإنما الجر هو الذي يخرج منه الفعل، وتجزم بالسكون، وهذا الجزم خاص بالأفعال؛ لكنه -أيضًا- يستثنى منه الأفعال المعتلة الآخر فإنها لا تجزم بالسكون، وإنما تجزم بحذف حرف العلة.(1/95)
درس الأمس الذي تحدثنا عنه بعد أن انتهينا من علامات الرفع والنصب والخفض أو الجر والجزم، انتقلنا إلى المعربات، ولخّص المعلق -رحمه الله- المعربات في نوعين، هو كما قلت لكم: لم يأت بجديد، إنما لخص ما ذكره في الدرس الذي قبله.
فقال: إنها قسمان: قسم يعرب بالحركات، وقسم يعرب بالحروف، وكل واحد من هذين القسمين تحته أربعة أنواع، فالذي يعرب بالحركات أربعة أشياء، وهي: الاسم المفرد: محمد، وجمع التكسير: الرجال، وجمع المؤنث السالم: الطالبات.
والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء، مثل: يقوم ويكتب ونحوه، وكلها هذه الأربعة تعرب بالحركات، كلها ترفع بالضمة، وهذا صحيح، فأنت تقول: محمدٌ والرجالُ والطالباتُ ويكتبُ.
وتنصب بالفتحة، الواقع أنه ليست كل هذه تنصب بالفتحة؛ وإنما كلها تنصب بالفتحة إلا واحدا، وهو جمع المؤنث السالم.
كل الأربع المتقدمة تنصب بالفتحة، فتقول: محمدًا والرجالَ ولن يكتبَ، إلا جمع المؤنث السالم؛ فإنه ينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة.
وكلها تخفض بالكسرة، هذا على إطلاقه، أو أيضا فيه استثناء ... فيه استثناء في الواقع نعم إلا الاسم الذي لا ينصرف، وأيضا نعم والفعل المضارع إلا الاسم الذي لا ينصرف، فإنه يُجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، والفعل المضارع فإنه لا يدخله الجر أصلا، وكلها تجزم بالسكون هذا على إطلاقه، أو أقلها يجزم بالسكون.
الصحيح أن هذه الأربعة لا يجزم بالسكون منها إلا واحد، وهو الفعل المضارع، أما الثلاثة الباقية فلأنها أسماء فالجزم لا يدخلها، وخرج عن ذلك ثلاثة، وهي الثلاثة التي استثنيناها: جمع المؤنث السالم ينصب بالكسرة، والاسم الذي لا ينصرف يخفض بالفتحة، والفعل المضارع المعتل الآخر يجزم بحذف آخره، ولا يدخله شيء مما تقدم من الجر بصفة خاصة بالنسبة للفعل المضارع.
هذه الأربعة هي المعربات بالحركات، أما الأربعة الأخرى فهي المعربة بالحروف.
المعربات بالحروف(1/96)
المعربات بالحروف: والذي يعرب بالحروف أربعة أنواع: التثنية، وجمع المذكر السالم، والأسماء الخمسة، والأفعال الخمسة، وهي: يفعلان، وتفعلان، ويفعلون، وتفعلون، وتفعلين، فأما التثنية فترفع بالألف، وتنصب وتخفض بالياء، وأما جمع المذكر السالم، فيرفع بالواو، وينصب ويجر بالياء، وأما الأسماء الخمسة فترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتخفض بالياء، وأما الأفعال الخمسة فترفع بالنون، وتنصب وتجزم بحذفها.
---
المعربات بالحروف: هذا هو النوع الثاني من العربات وقد جمع فيه ما يعرب بالحروف السابق له، وهو ما يعرب بالحركات هل الأبواب التي تقدمت مما يعرب بالحركات؟ هل كلها علامة الإعراب فيها أصلية، أم أن فيها شيء علامة الإعراب فيها فرعية؟ الأبواب التي تقدمت، وهي التي تعرب بالحركات، هل علامات الإعراب فيها أصلية، أم أن بعضها علامة إعرابه فرعية ؟ نعم.
فيها منها ما هو يعرب بعلامة أصلية، ومنها ما يعرب بعلامة فرعية، طيب الذي يعرب بعلامة فرعية مما مضى ما هو؟ بدون ذكر التفاصيل، أسماء الأبواب فقط، نعم. ما هي؟
جمع المؤنث السالم، والممنوع من الصرف، والفعل المضارع، هذه الأبواب الثلاثة يدخلها أو تدخلها العلامة الفرعية، أما الاسم المصروف فإن العلامة الفرعية لا تدخله وإنما العلامة الأصلية علامته.
وجمع التكسير -أيضًا- إذا كان مصروفًا فإن علامة إعرابه في الحالات الثلاث أصلية، وجمع المؤنث السالم علامة إعرابه تجمع بين الأمرين، تكون أصلية في حالتين الرفع والجر وتكون فرعية في حالة النصب فقط.
والممنوع من الصرف يجمع بين الأمرين -أيضًا- فيعرب بالعلامة الأصلية في حالتي الرفع والنصب، ويعرب بالعلامة الفرعية في حالة الجر، والفعل المضارع يعرب بالعلامة الأصلية في حالة كونه إذا كان صحيح الآخر في حالاته الثلاث، ويعرب بالعلامة الفرعية متى؟(1/97)
إذا كان معتل الآخر في حالة الجزم والأفعال الخمسة تعرب بالعلامة الأصلية متى؟ ومتى تعرب بالفرعية؟ كل حالات إعرابها حالات فرعية لا يدخلها شيء من الإعراب الأصلي.
طيب هذا الفصل وهو المعربات بالحروف، هل المعربات بالحروف بجميع أنواعها؟ هل فيها شيء من العلامة الأصلية، أم أنها كلها علاماتها فرعية، نعم ما يعرب بالحروف كل علامات إعرابه فرعية؛ لأنه ليس شيء من الحروف يعد علامة أصلية.
العلامات الأصلية فقط أربع وهي الضمة للرفع، والفتحة للنصب، والكسرة للجر والسكون للجزم هذه هي العلامات الأصلية، وما خرج عنها فإنه يكون علامة فرعية سواء كان حركة، أم كان حرفًا ما خرج عن هذه العلامات الأربع فإنه يكون علامة فرعية إن كان حرفًا فهذا معروف، ولا شك فيه لكنه إن كان حركة -أيضًا- وكانت في غير موضعها الأصلي فإنها تكون علامة فرعية.
فحركة النصب وهي الفتحة؛ إن كان علامة للنصب فهي أصلية، وإن خرجت عن النصب، وإن كانت فتحة وحركة إلا أنها تكون فرعية حينئذٍ، وكذلك الكسرة ما دامت علامة للجر، فهي أصلية أينما وقعت فإن خرجت عن الجر فإنها تعد علامة فرعية، أما الحروف بأنواعها، فإنها علامات فرعية أينما وقعت.
يقول: "والذي يعرب بالحروف أربعة أنواع وهي: التثنية وجمع المذكر السالم والأسماء الخمسة والأفعال الخمسة" إذًا تبين لنا أن التي تعرب بالحركات كم نوعًا؟ أربعة، وأن التي تعرب بالحروف -أيضًا- أربعة أنواع وهي: التثنية وجمع المذكر السالم والأسماء الخمسة والأفعال والأمثلة الخمسة.
فأما التثنية المثنى كيف يعرب؟ يرفع بماذا؟ يرفع بالألف مثل قام الطالبان وينصب بالياء مثل رأيت الطالبين، ويجر -أيضًا- بالياء مثل مررت بالطالبين والثاني جمع المذكر السالم، وجمع المذكر السالم يرفع بماذا؟ يرفع بالواو مثل قام المسلمون، وينصب بالياء مثل رأيت المسلمين، ويجر -أيضًا- بالياء مثل مررت بالمسلمين.(1/98)
طبعًا المثنى، وجمع المذكر السالم هذا الإعراب لهما، ولما ألحق بهما -أيضًا- يعني: لهما أي: لما دخل تحت تعريفهما لما انضم تحتهما، وشملته شروطهما، وتعريفهما، وكذلك لما كان ملحقًا بهما.
فالمثنى تعريفه ما هو؟ ما تعريف المثنى؟ هو كل ما دل على اثنين أو اثنتين بزيادة ألف ونون، أو ياء ونون في آخره. ويلحق به ألفاظ ما هي؟ كلا وكلتا وكذلك، لا اللذان واللتان ممكن تدخل تحت المثنى ما تعد ملحقة به، لأنها لها مفرد وينطبق عليهما هذا، وإن كان هناك كلام في قضية بنائها، وإعرابها فيلحق به أربعة ألفاظ وهي: كلا وكلتا واثنان واثنتان، يعني: تلحق به أشياء ليس لها مفرد من لفظها.
ما الذي منع كلا وكلتا واثنان واثنتان من أن يكونا مثنيين حقيقيين؟ منعهما أنه لا مفرد لهما من لفظهما، فتعريف المثنى هو: ما دل على أكثر من اثنين أو اثنتين بزيادة؛ أي: أنه كان مفردًا ثم زيد عليه ألف ونون، أو ياء ونون في آخره فصار مثنى.
أما الألفاظ الملحقة بالمثنى فهي هكذا وجدت، وليس لها مفرد من لفظهما، فهي تعرب بإعراب المثنى، وتأخذ أحكامه في أنها ترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء، طبعًا لها شروط في إعرابها هذا الإعراب، وخاصة كلا وكلتا.
كلا وكلتا متى تعرب هذا الإعراب؟ متى تعرب كلا وكلتا إعراب المثنى؟ نعم، إذا أضيفتا إلى ضمير فإنهما يعربان إعراب المثنى، تقول: قام الطالبان كلاهما، رأيت الطالبين كليهما، مررت بالطالبين كليهما، فإذا أضيفا إلى اسم ظاهر في حكمها؟ أولًا مثالًا لإضافتهما إلى اسم ظاهر، ثم بيان حكمهما من حيث الإعراب.
نعم: جاء كلا الطالبين، طيب ما حكمهما من حيث الإعراب؟ يرفعان بالحركة المقدرة وينصبان، تقول: جاء كلا الطالبين، رأيت كلا الطالبين، ومررت بكلا الطالبين، في هذه الصورة كيف يكون إعرابهما؟(1/99)
لو أردنا أن نلحقهما بنوع آخر من الأسماء ماذا نقول؟ نقول: يعربان إعراب الاسم المقصور؛ أي: بحركات مقدرة على الألف، منعا من ظهورها التعذر، كما تقول: جاء الفتى، تقول: جاء كلا الرجلين، رأيت الفتى، رأيت كلا الرجلين، مررت بالفتى، مررت بكلا الرجلين، فإذا أضيفا إلى اسم ظاهر أعربا إعراب المقصور بحركات مقدرة، وإذا أضيفا إلى ضمير أعربا إعراب المثنى بالألف رفعًا وبالياء نصبًا وجرًا.
ولذلك من الأخطاء الشائعة أنك تسمع أحيانًا من يقول: رأيت كلي الرجلين، ومررت بكلي الرجلين، طيب هذا حكمهما إذا أضيفا إلى ضمير أنهما يلحقان بالمثنى، وإذا أضيفا إلى ظاهر يلحقان بالاسم المقصور.
إذا قطُعِا عن الإضافة نهائيًّا فكيف يكون إعرابهما في حالة قطعهما عن الإضافة؟ بالحركات، مثل لا تأتي مقطوعة كلا وكلتا من الأسماء الملازمة للإضافة، هناك أسماء ملازمة للإضافة في صدارتها، كلا وكلتا لا يمكن أن تنطق بهما إلا مضامين، ولا يتأتى وجودهما بدون الإضافة، فهما مضافان؛ إما إلى ضمير فيلحقان بالمثنى، أو لا يجر ظاهر فيلحقان بالمقصور.
الباب الثاني: مما يعرب بالحروف، وينصب ويجر بالياء -أيضًا- هذا الكلام يسري عليه وعلى ما ألحق به، والملحق عادة الملحق بالمثنى، أو الملحق بجمع المذكر السالم هو الذي لا ينطبق عليه شروطه، يعني: لم ينطبق عليه تعريفه، ولذلك فإنه لم يكن في درجته، وإنما كان ملحقًا به يأخذ بعض أحكامه، وخاصة منهما الإعراب.
جمع المذكر السالم ما تعريفه ؟ هو ما دل على أكثر من اثنين فقط، ولا يصح فيه أو اثنتين، بزيادة واو ونون في حالة الرفع، أو ياء ونون في حالتي النصب والجر.
أنتم تلحظون أنك في جمع التكسير تقول: ما دلَّ على أكثر من اثنين أو اثنتين، وتقول في تعريف جمع المؤنث السالم مع أن اسمه جمع مؤنث سالم: ما دلَّ على أكثر من اثنين أو اثنتين -أيضًا- بزيادة ألف وتاء في آخره.(1/100)
فجمع المؤنث السالم تسميته مؤنث كما ذكرت من باب التغليب، وإلا فإن المذكر يدخل فيه، أما جمع المذكر السالم فلا يدخل فيه المؤنث أبدًا، فتقول في تعريفه: ما دل على أكثر من اثنين فقط، ولا يصح أن تقول: أكثر من اثنتين.
ما دل على أكثر من اثنين بزيادة واو ونون في حالة الرفع، أو ياء ونون في حالتي النصب والجر، وما ألحق به فيلحق به مجموعة من الألفاظ، فالألفاظ التي تلحق به كلها تأخذ حكمه في الإعراب في أنها ترفع بالواو، وتنصب وتجر بالياء.
أريد أمثلة للأشياء التي تلحق بجمع المذكر السالم. أمثلة سريعة، نعم، مثل أرضون ومثل سِنون ومثل بَنون وأهلون.والله ما أدري، نعم عِلِّيون، فنون والله ما أدري عن فنون عن ماذا دخولها، فنون لا تدخل في هذا الباب؛ لأنك لا تستطيع أن تنصبها وتجرها بالياء، فتقول: فنين وإنما هي جمع تكسير، ملازمة للواو والنون يعني: النون التي في الآخر، هذه ليست زائدة وجيء بها بعد الواو التي تزاد، واو ونون في آخره، وإنما هي النون التي في المفرد في "فن" ولذلك ليس داخلًا في هذا، وإنما هي جمع تكسير.
نعم، ما في مانع مسألة التثنية، باب التثنية أوسع بكثير من باب جمع المذكر السالم. المثنى يشمل المذكر والمؤنث، ويشمل العاقل وغير العاقل أما جمع المذكر السالم فإن له شروطا دقيقة؛ لأنه لا يصدق إلا على أن يكون علمًا أو صفة لما يعقل فقط، جمع المذكر السالم أولا ينبغي أن يكون لمذكر، فلا يصلح لمؤنث بخلاف المثنى فإنه يصلح للمذكر والمؤنث.
كذلك يشترط فيه أن يكون اسم أو صفة لمن يعقل بخلاف المثنى فإنه لا يشترط فيه ذلك، فباب المثنى واسع سعة كبيرة، أما باب جمع المذكر السالم فإنه باب محدود، وباب ضيق، وله شروط وضوابط، يعني: محددة ومقيدة، وكل ما جاء أخذ حكمه وإعرابه ولم ينطبق عليه تعريفه فإنه يجعل ملحقًا به؛ ولذلك كثرت الملحقات به؛ لأن شروطه ضيقة، وقَلَّت: الملحقات بالمثنى؛ لأن المثنى بابه واسع.(1/101)
فهذه الألفاظ التي ذكرتم، ومنها أولو وعالَمون وعليون ونحوها من الألفاظ هذه، وكذلك ألفاظ العقود عشرون وبابه إلى تسعين، عشرون ثلاثون أربعون كلها تعرب إعراب جمع المذكر السالم فتأخذ حكمه في حالة الرفع، وفي حالة النصب والجر.
وأما الأسماء الخمسة أو الستة -كما ذكرنا- فترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتخفض أو تجر بالياء، ويلزمنا أن نعيد ما ذكرناه فيها من شروط، لأنها لا تعرب هذا الإعراب، وهو بالحروف إلا إذا توفرت فيها الشروط الأربعة التي ذكرناها بالأمس وهي: أن تكون مفردة؛ أي: ليست بمثناة ولا مجموعة، وأن تكون مكبرة؛ أي: ليست بمصغَّرة، وأن تكون مضافة، وأن تكون إضافتها إلى أي: اسم غير ياء المتكلم، طبعًا الشرط الأخير ممكن أن يلحق بالشرط الثالث، فتقول: أن تكون مضافة إلى غير المتكلم.
فشروطها أربعة أو ثلاثة، لا بد من توافر هذه الشروط الأربعة أو الثلاثة لكي تعرب بالحروف، وإذا تخلف من هذه الشروط شرط واحد؛ فإنها تخرج عن هذا الإعراب، وتأخذ إعرابا آخر.
يعني: ليس إذا تخلف شرط منها فإنها تتجه إلى إعراب معين، لا، إن تخلف شرط الإفراد فصارت مثنى، ذهبتْ لتُعرب إعراب المثنى، وإن تخلف فصارت جمع تكسير، ذهبت لتعرب إعراب جمع التكسير، إن تخلف فصارت جمع مذكر سالم، ذهبت لتعرب إعراب جمع المذكر السالم، وإن تخلف فقُطعت عن الإضافة أعربت إعراب الأسماء الصحيحة، وإن تخلف فأضيفت إلى ياء المتكلم أعربت كما يُعرب المضاف إلى ياء المتكلم بحركات مقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة.
فهي إذا تخلف شرط منها تنْحى منحى آخر باختلاف أو بحسب هذا الشرط الذي تخلف.
طبعا الأسماء الخمسة مثل: جاء أبوك. رأيت أباك. مررت بأبيك. يعني: إما أن تضاف إلى ضمير، وهذا كثير، أو أن تضاف إلى اسم ظاهر: جاء أبو محمد، رأيت أبا محمد، مررت بأبي محمد.
ولا بد فيها من الإضافة بكل حال إلى اسم ظاهر، أو إلى ضمير.(1/102)
طبعا الأسماء الخمسة هي: أَبٌ، وأخٌ، وحَمٌ، وفُو، وذُو. ذو هذه ما المراد بها؟ يراد بها ذو التي بمعنى صاحب، وكلمة ذو التي بمعنى صاحب يؤتى بها لتخرج بها "ذو" التي تُعد اسما موصولا.
هناك "ذو" بمعنى: الذي أو بمنزلة الذي، "ذو" التي بمعنى الذي ليست من هذا الباب، وإنما لها أحكام خاصة ترِد في باب الاسم الموصول.
أما "ذو" التي تعرب بالحروف: ترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتُجر بالياء -هي "ذو" التي بمعنى صاحب.
مثل: جاء ذو مال، رأيت ذا مال، مررت بذي علم، وبذي فضل ... وإلى غير ذلك.
فهذه هي "ذو" التي يصح أن تحل محلها كلمة صاحب كذا: صاحب علم، وصاحب فضل، وصاحب جاه، وصاحب مال، ... ونحو ذلك.
الباب الرابع من الأبواب التي تعرب بعلامات فرعية هي: الأفعال الخمسة. وذكرت لكم أكثر من مرة أن الأولى أن تُسمى بالأمثلة الخمسة، أو الأوزان الخمسة.
ما تعريفها ؟ تعريف الأفعال الخمسة، هي: نعم ... نعم، هي كل فعل مضارع -إذن لا يدخل في ذلك الأفعال الماضية، ولا أفعال الأمر- اتصلت به ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة.
طبعا كما تعلمون: إذا اتصلت بها ألف الاثنين، نتج عندنا مثالان: أحدهما: مبدوء بالياء، مثل: يكتبان، والثاني: مبدوء بالتاء، مثل: تكتبان.
فإن اتصلت به واو الجماعة، حصل عندنا -أيضا- مثالان، أحدهما مبدوء بالياء، مثل: يكتبون، والثاني مبدوء بالتاء، مثل: تكتبون.
فإذا اتصلت به ياء المخاطبة، فليس إلا مثال واحد، وهو المبدوء بالتاء، مثل: أنتِ تكتبين.
هذه الأمثلة، أو الأوزان الخمسة: ترفع بثبوت النون، وتنصب وتجزم بحذف النون.(1/103)
طيب! لو قيل لك. .. الآن -كما ترون في هذا التقسيم الأخير- تداخلت الأبواب التي تعرب بالعلامات الفرعية مع الأبواب التي تعرب بالعلامات الأصلية، أريد شخص يبين لي بالحصر ما هي. .. أو ما الأبواب التي تعرب بالعلامات الفرعية؟ لأنك إذا عرفت الأبواب التي تعرب بالعلامات الفرعية تستطيع أن تقول: وما عدا ذلك من كل الألفاظ: الأسماء أو الأفعال في اللغة العربية، فإنه يعرب بالعلامات الأصلية.
دائما إذا أردت أن تحصر فاحصر القليل؛ لكي يسلم لك الكثير بقاعدة مطردة، فالأبواب التي تعرب بعلامات فرعية، ما هي؟ كم عدد هذه الأبواب؟ أولا: التي تعرب بعلامة فرعية؟. .. كم؟
-سبعة أبواب.
هذا صحيح. عددها سبعة أبواب، وعندما ذكر التي بالحروف أربعة. .. التي بالحركات أربعة أبواب، والتي بالحروف أربعة أبواب.
فإذا أردت أن تخرج من مجموعها ما يعرب بعلامات فرعية، سواء كانت حروفا أم حركات -خرج عندك سبعة أبواب، وهي ... مَن يعد هذه الأبواب، الأبواب السبعة التي تعرب بعلامات فرعية؟ بحيث نقول بإن ما عداها من أبواب اللغة العربية يعرب بعلامات أصلية ؟
-جمع المؤنث السالم، والفعل المضارع المعتل الآخر، والأسماء الخمسة، والأفعال الخمسة، وجمع المذكر السالم، والمثنى، والممنوع من الصرف.
هذه الأبواب لكي يكون الحصر -بالنسبة لك يعني:- سهلا، ابدأها بالأسماء أولا، أو ابدأها بما يعرب بالحركات، ما الذي يعرب بالحركات، وتكون حركته فرعية؟
-باب جمع المؤنث السالم، وباب الممنوع من الصرف، ثم الأبواب التي تعرب بالحروف. ما هي ... ابدأ بالأسماء أولا ؟
-الأسماء الخمسة، والمثنى، وجمع المذكر السالم، ثم بقي بابان وهما: الأفعال الخمسة، والفعل المضارع المعتل الآخر.
إذن هذه التي تعرب بالعلامات الفرعية سبعة أبواب: خمسة منها أسماء، والبابان الأخيران أفعال.(1/104)
يعني: هذا أسلوب من أساليب الحصر، وإن أردت أن تأتي بأسلوب آخر: بابان يعربان بالحركات، وخمسة تعرب بالحروف، وإن شئت: بابان من الأسماء يعربان بالحركات، وثلاثة أبواب من الأسماء، تعرب بالحروف، والبابان الأخيران هما فعلان، ويعربان بالحروف أيضا.
إذن الأبواب التي تعرب بالعلامات الفرعية سبعة أبواب: خمسة منها أسماء، واثنان أفعال، وما عدا هذه الأبواب السبعة من الأسماء أو الأفعال؛ فإنها تعرب ... بماذا ؟ ما عدا هذه الأبواب السبعة من الأسماء أو الأفعال فإنها تعرب بماذا ؟
-تعرب بالعلامات الأصلية ... العلامات الأصلية هل هي حركات أو حروف ؟
-حركات بلا شك، ما عدا هذه الأبواب السبعة يعرب إعرابا أصليا بالحركات الأصلية.
الأبواب السبعة هذه: اثنان من هذه الأبواب السبعة أفعال، واثنان أسماء تعرب بالحركات، وثلاثة أسماء تعرب بالحروف، وما عدا هذه الأبواب السبعة من الأسماء أو الأفعال؛ فإنه يعرب بالحركات الأصلية.
طيب! بالنسبة للحروف هل تدخل في هذا الكلام أو لا تدخل فيه ؟
-الحروف لا تدخل في هذا الكلام. منذ أن بدأنا نتكلم إلى الآن الحروف لا تدخل معنا؛ لأن الحروف كلها مبنية، فلا علاقة لها بعلامات الإعراب الأصلية، ولا بعلامات الإعراب الفرعية.
الذي يعرب بالحروف -أيضا- أربعة أنواع، وهي الأربعة التي تعرب بالحروف: التثنية، وجمع المذكر السالم، والأسماء الخمسة، والأمثلة أو الأفعال الخمسة فهذه تعرب بالحروف.
فأما التثنية حكمها: أنها ترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء.
وجمع المذكر السالم: يرفع بالواو، وينصب ويجر بالياء.
والأسماء الخمسة: ترفع بالواو، وتنصب بالألف وتجر بالياء.
الأسماء الخمسة: هي التي لكل حالة منها وجه إعراب، وليست كالمثنى وجمع المذكر السالم يجتمع النصب والكسر في حالة واحدة.
وأما الأفعال الخمسة: فإنها ترفع بالنون، وتنصب بحذف النون، وتجزم -أيضا- بحذف النون.(1/105)
طيب! هذه الأربعة التي تعرب بالحركات، والأربعة التي تعرب بالحروف لو أردنا أن نستخرج من مجموعها الكلمات التي تعرب بعلامات فرعية ... لو أردنا أن نستخرج من مجموعها الأبواب التي تعرب بعلامات فرعية، ماذا نقول؟ ما الأبواب ... ما أبواب النحو التي تعرب بعلامات فرعية، ولا يدخل الإعراب الفرعي غيرها؟ .
المثنى -نعم- والاسم الذي لا ينصرف، والفعل المضارع المعتل الآخر، أي: ستة. بقي باب واحد وهو جمع المؤنث السالم، الأبواب السبعة، أو الأبواب التي تعرب بالعلامات الفرعية، أو التي تنوب فيها العلامة الفرعية عن العلامة الأصلية في واحدة أو أكثر من صور إعرابها -سبعة أبواب، وما عداها فإنه يعرب بعلامة إعراب أصلية.
طيب! هذه الأبواب السبعة منها ما إعرابه الفرعي بالحركات، ومنها ما إعرابه الفرعي بالحروف، ومنها ما إعرابه الفرعي بالحذف.
هذه الأبواب السبعة منها ما إعرابه الفرعي بالحركات، مثل ماذا ؟ إعرابه الفرعي بالحركات ... يراد به ماذا ؟ نعم، الذي إعرابه الفرعي بالحركات فقط: جمع المؤنث السالم هذا صحيح، والاسم الممنوع من الصرف.
هذه الأبواب السبعة منها بابان الإعراب الفرعي فيهما يكون بحركة مكان حركة، وهما: جمع المؤنث السالم، والاسم الممنوع من الصرف.
وهناك من هذه الأبواب السبعة ما إعرابه الفرعي بالحذف. ما إعرابه الفرعي يكون بالحذف ما هو ؟
-الفعل المضارع المعتل الآخر، والأفعال الخمسة. هذه يكون الإعراب فيها بالحذف، أو في بعض صورها؛ لأن الأفعال الخمسة الرفع فيها يكون بالإثبات، وهناك ثلاثة أبواب الإعراب فيها ليس بالحذف، ولا بالحركات وإنما هو بالحروف. ما هي هذه الأبواب الثلاثة ؟
نعم، المثنى والمذكر السالم، والأسماء الخمسة، طيب! الألف متى تكون علامة إعراب، متى تكون الألف علامة إعراب؟.
تكون علامة إعراب: في المثنى في حالة الرفع، وفي الأسماء الخمسة في حالة النصب.(1/106)
طيب الياء متى تكون علامة إعراب. متى تكون الياء علامة إعراب؟.
تكون علامة للنصب في ماذا.
في المثنى، وجمع المذكر السالم، نعم، وتكون علامة للجر في جمع المذكر السالم، وكذلك في المثنى. بقي شيء ؟ وتكون علامة لماذا في الأسماء الخمسة ؟.
علامة للجر في الأسماء الخمسة، إذن الياء تكون علامة للنصب في بابين: المثنى، وجمع المذكر السالم، وتكون علامة للجر في ثلاثة أبواب: في المثنى، وجمع المذكر السالم، والأسماء الخمسة.
الواو متى تكون علامة إعراب فرعية ... متى تكون الواو؟ نعم فقط؟! وفي الأسماء الخمسة الواو تكون علامة للرفع في جمع المذكر السالم، وفي الأسماء الخمسة،
طيب! متى تكون الألف علامة للنصب ... متى تكون الألف علامة للنصب فقط ؟ نعم، في الأسماء الخمسة فقط. ومتى تكون علامة للرفع فقط ؟ في المثنى.
إذن يبدو أن ليس هناك شيء يستحق أن يُوقف عنده أكثر من هذا في هذه العلامات.
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=agro-00009.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=agro-00007.htm
باب الأفعال
باب الأفعال: الأفعال ثلاثة: ماض، ومضارع، وأمر، نحو: ضرب، ويضرب، واضرب. فالماضي مفتوح الآخر أبدا، والأمر مجزوم أبدا، والمضارع ما كان في أوله إحدى الزوائد الأربع التي يجمعها قول: أنيت، وهو مرفوع أبدا، حتى يدخل عليه ناصب أو جازم. فالنواصب عشرة.
---
أنواع الأفعال ذكرناها فيما مضى سريعا، والآن يعني: جاء دور التفصيل فيها.
أنواع الأفعال ثلاثة، وهي: الماضي، والمضارع، والأمر.
الفعل الماضي ... ما هو الفعل الماضي؟
هو: ما دل على حصول الفعل في الزمن الماضي، وما دل على حصول الفعل قبل زمن التكلم إن شئت، أو قل: في الزمن الماضي، الأمر سواء. قبل زمن التكلم، يعني: أنه مضى قبل أن تتكلم، فيصدق عليه أنه ماض.
فالفعل الماضي هو: ما دل على حصول الفعل في الزمن الماضي، أو قبل زمن التكلم.
الفعل المضارع ... ما هو؟.(1/107)
هو: ما دل على حصول الفعل في الزمن الحاضر، أو المستقبل. ما دل على حصول الفعل، أو ما يدل على حصول الفعل في الزمن الحاضر، أو المستقبل.
فعل الأمر ... ما هو؟
- ما يدل على طلب الفعل بعد زمن التكلم؛ لأنه لا يمكن أن يكون أمرا، ويحصل قبل زمن التكلم؛ لأنك عندما تأمره بشيء إنما تأمر بشيء لم يحصل بعد، فهو سواء حصل بعده مباشرة، أو كان متراخيا.
هذه الأفعال الثلاثة ... ما حكمها من حيث الإعراب والبناء ... ما حكم الأفعال الثلاثة من حيث الإعراب والبناء؟ هل كل هذه الأفعال مبنية، أو كلها معربة، أو أن بعضها لا يدخله إلا البناء فقط، وبعضها لا يدخله إلا الإعراب فقط، أو أن فيها ما هو مشترك، أو قابل لدخول الإعراب ودخول البناء ؟
نأخذها بالتدريج:
أولا- الفعل الماضي: ما حكمه من حيث البناء والإعراب ؟
-الفعل الماضي مبني دائما..
-ننتقل إلى الفعل المضارع ... ما حكمه من حيث البناء والإعراب؟
يعرب تارة، ويبنى تارة، وما أكثر حالاته؟
-أكثر حالاته الإعراب
وفعل الأمر كذلك مثل الفعل الماضي مبني دائما.
إذن لو نظرت إلى الأفعال بمجموعها، تستطيع أن تقول: إن الأفعال كلها مبنية، إلا المضارع في حالتين.
أصبح البناء -الآن- هو السمة السائدة بالنسبة للأفعال، بل تستطيع أن تقول: الأفعال كلها مبنية إلا الفعل المضارع في حالتين فقط ... ما هما ؟
لا، أنا عكست المسألة، الأفعال كلها مبنية إلا المضارع إذا سلِم، أو إذا لم تتصل به نون النسوة، أو نون التوكيد. فالمضارع -إذن- الإعراب أكثر حالاته، والبناء فيه قليل.
أما الفعل الماضي، وفعل الأمر فهما مبنيان دائما.
الفعل المضارع كما ترون الأصل فيه هو الإعراب، ولا يبنى إلا إذا اتصلت به نون التوكيد، أو نون النسوة، طيب! إذا اتصلت به نون التوكيد، أو نون النسوة؛ فإنه يبنى على ماذا ... يبنى على أي شيء مع نون التوكيد ونون النسوة ؟(1/108)
نعم ... . يبنى على السكون دائما ... نعم، مع نون النسوة يبنى على السكون، النساء يكتُبْنَ، يكتبُ، الأصل فيه أن يكون مرفوعا، فإذا دخلت عليه نون النسوة، قلت: "يكتبْنَ" ببنائه على السكون.
ويبنى على الفتح مع نوني التوكيد الخفيفة والثقيلة، كما في قوله -تعالى-: لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنَّ مِنَ الصَّاغِرِينَ الفعل يُسجن آخره نون، فهذه النون لما دخلت عليه نون التوكيد الثقيلة صار ليُسْجَنَنَّ ببناء النون هذه على الفتح، كَلا لَئِن لّمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ آخر الفعل نسفع العين، لما دخلت عليه نون التوكيد بني على الفتح فصار لنَسْفَعَنْ ببناء العين على الفتح.
نعود إلى الماضي ... الماضي على أي شيء يُبنى ؟
-يبنى على الفتح دائما؟ الأصل فيه البناء على الفتح، لكنه ... يعني: هذه العبارة قد تكون صحيحة على إطلاقها، وهو أن الفعل الماضي يبنى على الفتح، ومن العلماء من يرى أن هناك تعبير آخر، يعني: الأوْلَى أن يُعَبَّر به، وهو: أنه قد يبنى على السكون إذا اتصلت به تاء الفاعل، أو إن شئت قل: ضمير الرفع المتحرك يشمل: التاء بأنواعها، مثل: كَتَبْتُ. وكَتَبْتَ. وكَتَبْتِ. وكتبنَ. فإذا اتصل به ضمير الرفع المتحرك، ويراد به: التاء بأنواعها، ونا التي للفاعلين؛ فإنه يبنى معها على السكون.
طيب! بناء آخر ... وجه آخر؟ نعم. .. على الضمة. إذا اتصلت به واو الجماعة يبنى على الضم، فتقول: كتبوا. ذهبوا. وجلسوا. طيِّب! هل فيه صورة أخرى يمكن أن يبنى عليها ؟
البناء على الفتح، البناء على السكون، البناء على الضم. هذه ثلاث حركات، هل الحركة الرابعة ممكنة وهي البناء على الكسر؟ نعم ... ترد أو ما ترد؟
-لا ترد في الصورة الثالثة، وهي البناء على الكسر؛ لأن كما قلنا: الجر من خصائص الأسماء، إذن من قال بأن الفعل الماضي يبنى على الفتح مطلقا، وأطلق، فهذا له وجه.(1/109)
فكثير من العلماء يقولون: إن الأصل في الفعل الماضي البناء على الفتح، وأن ما يظهر أحيانا من بنائه على السكون، أو على الضم، إنما هو شيء عارض.
فبعضهم يقول: كتبَ: فعل ماض مبني على الفتح، كتبتُ فعل ماض مبني على فتحٍ مقدر منع من ظهوره السكون العارض الذي جيء به لأجل ضمير الرفع المتحرك. ويقول: كتبوا: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة منع من ظهورها الضمة التي جيء بها لمناسبة واو الجماعة.
فإذن هناك وجه لمن قال بأن الفعل الماضي يبنى على الفتح مطلقا، ولكن الأوْلى أن ... يعني: ... حتى نبعد عن هذا التقدير، وهذا التكلف أن نقول: إنه يبنى على ثلاثة أشياء، الأصل فيه أنه يبنى على الفتح ... متى؟ متى يبنى الفعل الماضي على الفتح ؟.
إذا لم يتصل به شيء مطلقا يعني: ألا يمكن أن يبنى على الفتح مع اتصال أحد الضمائر به؟.
-نعم ... اكتبي. لا، هذا فعل أمر. نحن نتحدث في الماضي.
-ممكن إذا اتصل به كاف المخاطبة، أو اتصل به ألف الاثنين، مثل: كتبا، وقاما، وجلسا.
فالأصل أن تقول: لكي تسلم لك القاعدة دائما اجعل الكثير هو المتأخر. تقول: يبنى على السكون إذا اتصل به ضمير الرفع المتحرك، سواء "تاء" الفاعل، مثل: كتبتُ كتبتَ كتبت، ِ أو "نا" الفاعلين، مثل: كتبنا، وذهبنا، وجلسنا، يعني: نحن ... نحن كتبنا، ونحن ذهبنا.
ويبنى على الضم إذا اتصلت به واو الجماعة، ويبنى على الفتح فيما عدا ذلك، يعني: اجعل الفتح الأخير، وقل: فيما عدا ذلك، حتى لا تلزم نفسك بحصر قد لا يكون دقيقا بحيث يعني يشمل كل شيء.
البناء على السكون محصور، والبناء على الضم محصور، وما عدا ذلك هو الباب الواسع، فاجعله هو الأخير، فتقول: يبنى على السكون مع ضمير الرفع المتحرك.(1/110)
ضمير الرفع المتحرك يشمل: تاء الفاعل بأنواعها، ويشمل "نا" التي للفاعلين ويشمل -أيضا- نون النسوة: النساء كتبْنَ وجلسنَ وذهبن، ويبنى على الضم مع واو الجماعة، مثل: كتبوا وجلسوا وذهبوا، ويبنى على الفتح فيما عدا ذلك، أي: فيما إذا لم يتصل به شيء، أو اتصل به أحد الضمائر الذي لا يغير فيه الفتحة.
فعل الأمر يبنى على ماذا؟ نحن قلنا: إنه مبني دائما، فيبنى على أي شيء ؟
يبنى على السكون دائما، لا هو يخرج عن السكون، أحد أوجه البناء، البناء على السكون مثل: اكتبْ واجلسْ.
الوجه الآخر: يبنى على حذف حرف العلة إذا كان معتل الآخر، نعم ... يبنى على ما يُجزم به مضارعه
نعم، هذه القاعدة التي أشرت إليها لكنها لا تغني، يعني: لا يكتفي أن تقولها وتهرب؛ لأنك إذا قلت: يبنى على ما يجزم به مضارعه، سيقال لك: طيِّب! كيف يُجزم المضارع؟ بيِّن لنا كيف يجزم المضارع؛ لنعرف كيف يبنى فعل الأمر؟
ففعل الأمر فعلا يبنى على ما يجزم به مضارعه، أي: إن كان صحيح الآخر بني على السكون، كما أن المضارع إذا كان صحيح الأخر يجزم بالسكون، فإن كان معتل الأخر بني على حذف حرف العلة؛ لأن الفعل المضارع المعتل الآخر يجزم بحذف حرف العلة.
فإذا كان من الأفعال الخمسة بني على حذف النون، كما أن الفعل المضارع إذا كان كذلك يجزم بحذف النون، مثلا تقول: لم يكتبْ. هذا فعل مضارع صحيح الآخر مجزوم بالسكون، إذن الأمر منه يبنى على السكون، فتقول: اكتبْ، لم يسعَ، ولم يرمِ، ولم يدعُ: هذا فعل مضارع معتل الآخر جُزم بحذف حرف العلة.
إذن الأمر منه يبنى على حذف حرف العلة، فتقول: اسعَ يا محمد في الخير، وادعُ إلى الله على بصيرة، وارمِ عنك الوساوس والأوهام والظنون، وتقول: لم يذهبا، ولم يذهبوا، ولم تذهبِي: فعل مضارع مجزوم بحذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، الأمر منه يبنى على حذف النون، فتقول: اذهبا واذهبوا واذهبِي.(1/111)
ففعل الأمر إذن يبنى على ما يجزم به مضارعه، لا ينبغي أن تقول هذه القاعدة إلا وأنت تعرف كيف يجزم المضارع، فتعود وتقول: إن كان صحيح الأخر بني على السكون، وإن كان معتل الأخر بني على حذف حرف العلة، وإن كان من الأفعال الخمسة، أو الأمثلة الخمسة بني على حذف النون، ونكتفي بهذا وننظر في الأسئلة.
-يقول: لماذا لا يكون هناك تسميع للمتن أسوة ببقية المتون ؟
الواقع أن عندنا أفكارا كثيرة، يعني: ... يمنعنا من تطبيقها الوقت فقط، وإلا نود أن نستخدم السبورة، ونود كما يقترح أحدهم أن نعرب ... أن ندع فرصة للإعراب، ونود أن نأخذ بعض الشواهد، ونود أن نطيل في المناقشة.
لكن أحدهم اقترح بأن الأخوة الذين يرغبون في تسميع المتن يمكن أن يجلسوا هم وحدهم بعد نهاية الدرس؛ ليعين بعضهم بعضا على تسميع المتن، وليتدارسوه فيما بينهم، أما وقت الدرس فقد لا يسمح بتسميع المتن، وكذلك يقترح بأن تكون المناقشة في نهاية الدرس شفويا.
-وهذا يقول: لو جعلت المراجعة تكون على شكل جمل تعرب إعراب ما مر معنا من الدروس وتكون تدريبا على الإعراب ؟
والله يعني: الاقتراحات جيدة كلها وكثيرة لكن يعني: المشكلة الوحيدة التي تحول بيننا وبينها هي قضية الوقت.
-لماذا لا تقول في إعراب فعل الأمر والماضي: فعل أمر مبني على السكون، فعل ماض مبني على الفتح. مع العلم أن الحركة تظهر عليهما ؟
طيِّب! هي الحركة تظهر عليهما هنا لكنها حركة بناء، وليست حركة إعراب. هذا الفرق.
-ما معنى قوله: صيغة منتهى الجموع ؟
يقولون: إن الجمع له صيغ كثيرة، ولكن يعني: أغلب ما ينتهي إليه الجمع هو صيغة مفاعل، أو مفاعيل، فهي الصيغة التي تنتهي عندها الجموع ولا يمكن أن تجد يعني: جمع تجاوز في صيغته صيغة مفاعل أو مفاعيل، أي: أنها الصيغة العليا إن صحت العبارة التي تصل إليها الجموع وهذا معنى صيغة منتهى الجموع.
-هل أراضون ملحق بجمع المذكر السالم ؟ نعم، وما أنواع ذو مع الأمثلة على ذلك ؟(1/112)
ذكر أن ذو تكون بمعنى صاحب، وتكون بمعنى الذي، وهي ذو التي يسمونها ذو الطائية، كما في قول الشاعر:
فإن المالَ مالُ أبي وجَدِّي ... وبئري ذو حُفِرت وذُو طُوِيَتْ
أي: بئري التي حفرتها والتي طويتها.
-يقول: أيهما أفضل أن نقول بأن الفعل الماضي إذا اتصل به ضمير الرفع المتحرك مبني على السكون، أو مبني على الفتح ؟
طبعا أنا أفضل -وهو أيضا الرأي المشهور- أن يقال: إنه مبني على السكون؛ لأن مبني على السكون هذه تكون مريحة؛ لأنك إذا قلت: مبني على الفتح فستضطر في كل مرة أن تقول مبني على فتح مقدر منع من ظهوره الحركة الطارئة التي جيء بها لمناسبة الضمير، يعني: هذا كلام طويل، و يعني لا داع له ما دمنا نستغني عنه بما هو أكثر اختصارا منه فهو الأولى
-ألا يقال في إعراب الأفعال: إن المعرب من الأفعال هو الفعل المضارع فقط الخالي من النونين ؟
هو صحيح المعرب من الأفعال هو الفعل المضارع إذا سلم من النونين وما عدا ذلك فهو مبني. هذا صحيح لا شك.
-يقول: عرَّفْتَ المثنى بقولك: ما دل على أكثر من اثنين فلعله وهم؟
نعم، إن قلتُ ذلك فهو وهم، وما دل على اثنين أو اثنتين، المثنى ما دل على اثنين أو اثنتين، ما دل على أكثر من اثنين أو اثنتين إنما هو خاص بالجمع لا شك.
-نحن بحاجة إلى دروس مكثفة في النحو بحكم ضعف حصيلتنا العلمية فيه، فما رأيكم في إقامة درس أسبوعي في هذا المسجد ؟
أنا ... مستعينا بالله وعدت -إن شاء الله تعالى- مع بداية الفصل الدراسي بدرس أسبوعي في هذا المسجد -بإذن الله تعالى-.
-يقول: أريد تبديل لفظ عمك بلفظ أخوك، أو أبوك في الجمل الآتية:
جاء عمك: أقول: جاء أبوك. رأيت عمك: رأيتُ أباك. سلمت على عمك: سلمت على أبيك. ومثلها أيضا: جاء أخوك، رأيت أخاك، سلمت على أخيك، وهكذا بقية الأسماء الخمسة أو الستة.
-كم أبواب النيابة، حبذا لو ذكرت لنا مع التوضيح في ذلك ؟(1/113)
الأبواب النيابة يعني: إن كان يقصد بها الأبواب التي تدخلها العلامات الفرعية ... الأبواب التي تعرب بالعلامات الفرعية، هي: الأبواب السبعة التي ذكرنا، وهي جمع المؤنث السالم، والممنوع من الصرف، والمثنى، وجمع المذكر السالم، والأسماء الخمسة، والأفعال الخمسة، والفعل المضارع المعتل الآخر، ما أظن أنها بحاجة إلى توضيح؛ لأننا منذ أن بدأنا، وهي موضوع حديثنا.
-يلاحظ أن كلمة أرضون ينطبق عليها تعريف جمع المذكر السالم، فكيف تكون ملحقة به وأهلون حيث أن مفردها أرض وأهل ؟
لا ينطبق عليها؛ لأن جمع المذكر السالم هناك أمور لم نذكرها فيه، وهي شروطه، وأنا أشرت إليها أخيرا: أن الذي يجمع هذا الجمع يشترط فيه أن يكون علما، أو صفة لما يعقل. فأرضون ليس علم، ولا صفة لما يعقل؛ ولذلك فإنها خرجت عن هذا الشرط.
يبدو أن السائل يريد أن يقول: إن كلمة علي في ظاهرها أنها اسم منقوص، مثل: كلمة القاضي، وأنت ذكرت أن الاسم المنقوص لا تظهر حركات الإعراب عليه في حالتي الرفع والجر، وإنما تظهر في حالة النصب فقط. فلماذا ظهرت حركات الإعراب كاملة على كلمة علي في حالاتها الثلاثة ؟ فتقول: هذا علىٌّ، رأيت عليًّا،مررت بعليٍّ ؟
الجواب: أن كلمة علي ومثلها كلمة ظبي وما ماثلها لا ينطبق عليها تعريف أو ضابط الاسم المنقوص، فالاسم المنقوص تعريفه: أنه هو الاسم المعرب المختوم بياء ساكنة مكسور ما قبلها.
يعني: من شروط الاسم المنقوص أن تكون ياؤه التي في الأخير مسبوقة بحرف مكسور، مثل: القاضي الداعي، الساعي الراجي، وما إلى ذلك، فما كان كذلك تنطبق عليه أحكام الاسم المنقوص في أنه يُرفع بضمة مقدرة، ويجر بكسرة مقدرة منع من ظهورها الثقل.(1/114)
أما ما لم يكن كذلك بأن كان مختوما بياء، لكن هذه الياء مسبوقة بحرف ساكن وليست مسبوقة بحرف مكسور؛ فإنه لا يسمى ... ليس في عداد الاسم المنقوص، ولا ينطبق عليه أحكام الاسم المنقوص من حيث اختفاء علامة الرفع، وعلامة الجر للثقل، فتقول: هذا ظبيٌ، ورأيت ظبيًا، ومررت بظبيٍ، وتقول: هذا عليٌّ، ورأيت عليًّا، ومررت بعليٍّ.
قد يقول قائل: إنعلي الياء مسبوقة بحرف مكسور، وهو اللام، والواقع أن الأمر ليس كذلك؛ لأن الياء هنا ياءان، فهي ياء مشددة، والياء المشددة الأخيرة منها مسبوقة بياء ساكنة، وهى الياء الأولى، فإذن الياء الأخيرة التي هي تسمى ياء المنقوص لا بد أن يكون ما قبلها مكسورا، أما الياء في علي الأخيرة فهي ياء مسبوقة بحرف ساكن، وهو الياء الأولى، فتقول: عليٌّ، عليًّا، فإذا الياء التي تظهر عليها الحركات سبب ظهور الحركات عليها أنها مسبوقة بياء ساكنة؛ ولذلك خرجت عن ضابط وتعريف الاسم المنقوص. أظن ... ومثلها: كلمة ظبي، وما إلى ذلك.
-أيضا سؤال آخر يقول: كلمة فتاوى، كما يقال فتاوى ابن تيمية أو غيره، هل هي بالألف المقصورة، كما يقال فتاوى أم أنها بالياء، فنقول: فتاوي.
الواقع أن الأصل فيها أنها بالياء، وأن ما قبلها مكسور: فتاوي، ولكنه يجوز أن تخفف حركة الواو من الكسر إلى الفتح فتصير: فتاوى فإذًا يتبين لنا أن الوجهين، أو الأمرين جائزان، ففتاوى إذن أصبح الأمر فيها واسع، ويجوز فيها الوجهان، فلك أن تقول: فتاوي على الأصل، ولك أن تقول: فتاوى بالتخفيف، وكلاهما صحيح.
باب الأفعال، وقلنا: إن الأفعال ثلاثة: الفعل الماضي، والفعل المضارع، وفعل الأمر. وقلنا: في تعريف الفعل الماضي: إنه ما دل على حصول الفعل في الزمن الماضي، أو بعد زمن التكلم، ما دل على حصول الفعل في الزمن الماضي، أو بعد زمن التكلم.
ما حكم الفعل الماضي من حيث الإعراب والبناء؟.(1/115)
فعل الأمر مبني دائما. طيب! هل هو مبني على هيئة واحدة أو على حركة واحدة، أو أن بناءه متنوع ؟.
بناءه متنوع: فتارة يبنى على الفتح، وهو الغالب، وهو الأصل. وتارة يبنى على الضم إذا اتصلت به واو الجماعة، على السكون، إن شئت حتى تجمع كل هذه الأمور فقل: إذا اتصل به ضمير الرفع المتحرك، يبنى على السكون. إذا اتصل به ضمير الرفع المتحرك: كلمة ضمير الرفع المتحرك ماذا تشمل من الضمائر؟.
تاء الفاعل بأنواعها: المتكلم، والمخاطب والمخاطبة، ونون النسوة ونا الدالة على الفاعلين.
ضمير الرفع المتحرك يشمل هذه الثلاثة: نون النسوة ونا الفاعلين، وتاء الفاعل بأنواعها، وما عدا ذلك فإنه يكون مبنيا.
إذن الفعل الماضي من العلماء من يقول: إنه مبني على الفتح دائما، وكأن الشيخ محيي الدين في شرحه للمتن يميل إلى هذا الرأي، وأيضا هذا الرأي يميل إليه مجموعة من العلماء، لكن أيضا طائفة كبيرة من العلماء تميل إلى الرأي الآخر، وهو الأولى من وجهة نظري على الأقل؛ لأنه يعني ... يعفينا من التأويل والتقدير في أحيان كثيرة.
فالذين يقولون: إن الفعل الماضي مبني على الفتح دائما يضطرون إلى التأويل أو التقدير حينما يسكن آخره أو يضم، فمثلا يقولون: كَتَبَ: مبني على الفتح. رمَى: مبني على فتح مقدر، كتبوا: مبني على فتح مقدر منع من ظهوره الضمة التي جيء بها لمناسبة الواو.
كتبتُ وكتبْنَا وكتبْنَ: مبني على فتح مقدر منع من ظهوره السكون التي جيء بها لأجل هذا الضمير، ولكراهية أن يتوالى أربعة متحركات في شيء كالكلمة الواحدة؛ لأن الحركات الأربع إذا جاءت في كلمة واحدة، أو فيما يشبه الكلمة الواحدة تكون ثقيلة، فهم يتخففون من هذا الثقل في التسكين، فيقولون: إنك حينما تقول: كَتَبَ، وتدخل عليه تاء فاعل، فتقول: كَتَبْتُ. الأصل أن تقول: كَتَبَتُ. لكنه بسبب هذا الثقل في توالي الحركات سُكن آخر الفعل قبل الضمير، فصار كتبْتُ.(1/116)
فإذن هذا السكون عارض جيء به كراهة توالى أربعة متحركات في شيء كالكلمة الواحدة؛ فإن الفعل مع الضمير مع أنهما كلمتان، إلا أنهما كالكلمة الواحدة.
وكما قلت لكم: الوجه الثاني من الإعراب هو أن تعربه حسب الحركة الظاهرة عليه، أو أن تقول: إنه مبني بحسب الحركة الظاهرة.
فإن قلت: كتبتُ وكتبنا وكتبن، قلت: مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. وإن قلت: كتبوا، فقل: مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة، وما عدا ذلك فقل: مبني على الفتح؛ لأنه لم يتصل به شيء، أو اتصل به شيء لم يؤثر على حركته الأخيرة.
فالماضي إذن الحاصل أنه مبني دائما. هذا متفق عليه، ولكن على أي شيء بني؟
هذا هو محل الخلاف: هل هو على الفتح، ثم نقدر ما لم يكن كذلك، أو أن نقول: إنه مبني على حسب الحركة الظاهرة عليه.
أما الفعل المضارع: فإنه مبني في بعض الصور، ومعرب في بعض الصور. الغالب في المضارع البناء أو الإعراب؟ الغالب فيه الإعراب ... نعم طيب! متى يبنى الفعل المضارع ؟
إذن الفعل المضارع يبنى مع إحدى النونين، وما عدا ذلك فهو معرب، فهو -يعني- معاكس للفعلين للنوعين الآخرين من أنواع الأفعال، إذْ إن الغالب عليه هو الإعراب وليس البناء، فالإعراب فيه أكثر، ولا يبنى إلا في صورتين: إذا اتصلت به نون النسوة؛ فإنه يبنى معها على السكون، مثل: يَكْتُبْنَ، أو اتصلت به نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة؛ فإنه يبنى معها على الفتح، كقوله -تعالى-: لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنَّ مِنَ الصَّاغِرِينَ .
هذا مثال لنوني التوكيد الثقيلة والخفيفة، وما عدا ذلك فهو معرب.
الفعل المضارع تعريفه: هو ما دل -أو ما يدل- على حصول الفعل في زمن التكلم، أو بعده في الزمن الحاضر، أو المستقبل.
ما علامة الفعل المضارع؟.
علامة الفعل المضارع: أن يبدأ بأحد أحرف المضارعة إضافة لعلامته المتقدمة، وهي قبول السين أو سوف أو لم.(1/117)
فعلامة الفعل المضارع أنه لا بد أن يبدأ بأحد أحرف المضارعة الأربعة التي يجمعونها في كلمة: "نأيت" أو "أنيت" أو "أتين" أو "نأتي" أو ما إلى ذلك، هي: النون والهمزة والتاء والياء. ركِّبْ منها ما شئت من الكلمات. هذه الأحرف الأربعة تسمى أحرف المضارعة.
هل كل فعل من الأفعال بُدئ بواحد من هذه الأحرف نقول: إنه فعل مضارع؟ لا بد للفعل المضارع لكي نحكم عليه بأنه فعل مضارع من أمرين:
-أن يبدأ بأحد هذه الأحرف الأربعة، وأن يقبل علامة الفعل المضارع وهي: دخول لم أو دخول السين أو دخول سوف.
فمثلا: المبدوء بالهمزة ... همزة الفعل المضارع التي يبدأ بها ... هي همزة ماذا ... ماذا تسمى ؟
الفعل المضارع المبدوء بالهمزة لا يكون إلا للمتكلم، سواء كان مذكرا أو مؤنثا: أَقُومُ، أَكْرَمَ: أَكْرَمَ: فعل مبدوء بالهمزة، هل تقول: إن هذا الفعل لأنه مبدوء بالهمزة إنه فعل مضارع؟!.
لا ليس كذلك. لماذا؟ لأمرين: أولا- هذه الهمزة ليست همزة المتكلم، وإنما هي همزة زائدة، ولا تدل على التكلم.
وثانيا- فإن أَكْرَمَ لا يقبل علامة الفعل المضارع، وهي السين أو سوف أو لم.
بالنسبة للنوع الثالث من أنواع الأفعال: هو فعل الأمر.
وفعل الأمر قلنا في تعريفه: إنه هو ما يدل على طلب القيام، أو طلب حصول الفعل بعد زمن التكلم.
وفعل الأمر ذكرنا علامته فيما مضى، وهي ... ما علامة فعل الأمر التي يعرب بها ؟
نعم ... نعم علامة فعل الأمر مركبة من شيئين لا بد من اجتماعهما معا: الدلالة على الطلب، مع قبوله لياء المخاطبة أو نون التوكيد.
لا بد من قبوله لياء المخاطبة أو نون التوكيد مع دلالته على الطلب؛ لأنه لو دل على الطلب فقط دون أن يقبل الياء أو النون لا يُسمى فعل أمر، وإنما يسمى اسم فعل أمر.
فلو لم يدل على الطلب، لكنه قبل ياء المخاطبة أو نون التوكيد فإنه يسمى؟ ماذا يكون ؟ فعلا مضارعا يكون فعلا مضارعا.(1/118)
الكلمة التي تقبل ياء المخاطبة ونون التوكيد، ولا تدل على الطلب: فعل مضارع، والكلمة التي تدل على الطلب، ولا تقبل الياء ولا النون: اسم فعل أمر، والكلمة التي تدل على الطلب، وتقبل الياء والنون: هي فعل الأمر الحقيقي.
فعل الأمر ما حكمه من حيث البناء والإعراب؟ ما حكم فعل الأمر من حيث الإعراب والبناء ؟ ... مبني دائما ... مبني على ماذا ؟ ... مبني على ما يجزم به مضارعه.
هذه كلها مقدمات صحيحة: أنه مبني دائما، وأنه يبنى على ما يجزم به مضارعه، طيب! نريد أن نفصل هذا ... نعرف كيف يجزم المضارع؛ لنطبق عليه طريقة بناء فعل الأمر، فتقول: يبنى على ما يجزم به مضارعه، أي: أنه يبنى على كذا؛ لأن المضارع يجزم بكذا، وأنه يبنى على كذا؛ لأن المضارع يجزم بكذا.
فالأول نعم ... يبنى على حذف حرف العلة. متى؟ ... متى يبنى على حذف حرف العلة؟ ما نوعه حينما يبنى على حذف حرف العلة ؟
... ذا كان معتل الآخر. إذن فقل: يبنى على حذف حرف العلة إذا كان معتل الآخر؛ لأن المضارع يجزم بحذف حرف العلة إذا كان معتل الآخر. هذه واحدة.
اثنين- يبنى على السكون إذا كان صحيح الآخر؛ لأن المضارع كذلك يجزم بالسكون إذا كان صحيح الآخر.
ثالثا- يبنى على حذف النون إذا كان من الأفعال الخمسة، أو إذا كان مضارعه من الأفعال الخمسة. كما أن المضارع إذا كان من الأفعال الخمسة يجزم بحذف النون، فهو إذن يبنى على ما يجزم به مضارعه.
يقول: والمضارع ما كان في أوله إحدى الزوائد الأربع، التي يجمعها قولك: أنيت، أو قلنا: نأيت أو أتين أو نأتي، وهو مرفوع أبدا حتى يدخل عليه ناصب أو جازم. هذا الكلام تحدثنا عنه، ووقفنا عند النواصب .(1/119)
هو عموما أنا تحدثت عن هذا الآن، قلت: هو المضارع -يعني- ما كان بأوله إحدى الزوائد الأربع، وهي المجموعة في كلمة: أنيت، وهي التي تسمى بحروف المضارعة، وهذه الحروف لا يكفي وحدها لكي تكون علامة للفعل المضارع، بل إن الفعل المضارع إن شئت أن تقول -يعني- لا بد فيه من علامتين: أن يُسبق بأحد أحرف المضارعة الأربعة، وأن يقبل السين أو سوف أو لم.
وهذا الفعل وهو الفعل المضارع مرفوع أبدا في حالة إعرابه حتى يدخل عليه ناصب أو جازم، إلا أن يدخل عليه إحدى النونين فإنه حينئذ يبنى، ويخرج عن باب الإعراب الذي نتحدث فيه.
أدوات النصب والجزم
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: فالنواصب عشرة، وهي: أن ولن وإذن، وكي ولام كي، ولام الجحود، وحتى والجواب بالفاء، والواو وأو.
والجوازم ثمانية عشر، وهي: لم ولما وألم، وألما ولام الأمر، والدعاء ولا في النهي والدعاء، وإن وما، ومهما وإذ ما، وأي ومتى، وأين وأيان وأنا، وحيثما وكيفما، وإذن في الشعر خاصة.
---
النواصب والجوازم التي تدخل على الفعل المضارع فتغير حاله من الرفع إلى النصب، أو من الرفع إلى الجزم.
طيب ! المضارع إذا دخل عليه ناصب؛ فإنه يكون منصوبا بهذا الناصب، وإن دخل عليه جازم؛ فإنه يكون مجزوما بهذا الجازم.
طيب! إذا لم يدخل عليه شيء ... ما حكمه؟
يكون مرفوعا ... طيب! مرفوع بماذا ؟ مرفوع بالضمة. لماذا رُفع؟ ما علة رفعه ؟ علة نصبه أنه مسبوق بحرف ناصب، علة جزمه أنه مسبوق بحرف جازم. ما علة رفعه؟.
نعم ... يقولون: في الفعل المضارع بأن عامل الرفع فيه عامل معنوي، وهو تجرده من الناصب أو الجازم، وأن عامل الرفع في المبتدأ -كذلك- عامل معنوي، وهو الابتداء، وما عدا هذين العاملين؛ فإنه يكون عاملا لفظيا.(1/120)
يعني أن الأسماء والأفعال لا بد لها من شيء يحدث فيها عملا معينا، فإن ارتفعت نقول: لماذا ارتفعت ... ما الذي رفعها؟ وإن نُصبت، قلنا: ما الذي نصبها؟ وإذا جُرّت، قلنا: ما الذي جرها؟ وإن جزمت، قلنا: ما الذي جزمها.
فالمنصوبات والمجزومات والمجرورات هذه واضحة؛ لأن النصب يحدثه عامل من عوامل النصب، وهو عامل لفظي، والجر يحدثه عامل من عوامل الجر، وهو عامل لفظي -أيضا- والجزم كذلك.
أما الرفع في الفعل المضارع، وفي المبتدأ خاصة؛ فإنه عامل معنوي، أي: نستطيع أن نقول إن العامل في اللغة العربية نوعان:
عامل معنوي، وعامل لفظي.
العامل المعنوي: لا يأتي إلا في بابين فقط: مع الفعل المضارع المرفوع، ومع المبتدأ فقط. أما ما عدا ذلك فإن العامل يكون عاملا لفظيا سواء كان عامل رفع، مثل: جاء محمد: محمد فاعل مرفوع عمل فيه الفعل الماضي جاء، فهو عامل لفظي، ولكن محمدُ قائم: محمد مرفوع. .. ما الذي عمل فيه الرفع ؟.
يقولون: عمل فيه الرفع الابتداء. الابتداء ما هو ؟.
هو شيء معنوي ليس شيئا لفظيا. الابتداء ليس شيئا لفظيا: كحرف النصب، أو حرف الجزم، أو حرف الخفض، أو الفعل أو نحو ذلك.
الابتداء: هو اهتمامك بهذا الاسم وتقديمه، واحتفاؤك به جعله يكون مرفوعا هذا هو الذي يسمى بالابتداء.
وكذلك الفعل المضارع إذا دخل عليه ناصب نُصب بهذا العامل اللفظي، وهو الناصب.
وإذا دخل عليه جازم جُزم بهذا العامل اللفظي وهو حرف الجزم اللام أو نحوهما.
فإذا لم يدخل عليه شيء فإنه يكون مرفوعا حينئذ. ما العامل الذي عمل فيه الرفع ؟ هو عامل معنوي لا يُرى وليس عاملا لفظيا، وهو تجرده من الناصب والجازم.
طبعا هذا الأمر لا تتصورون أنه قضية مسلمة، وإنما فيه خلاف لكنه هو المشهور، والراجح أن عامل الرفع في الفعل المضارع، وفي المبتدأ عامل معنوي، وفيما عداهما فهو عامل لفظي.
فالنواصب -إذن- التي تدخل على الفعل المضارع ثم ينصب عشرة.(1/121)
الواقع أن النواصب والجوازم المؤلِّف هنا سردها بهذه الصورة، وقد يبدو لأول وهلة من سردها أنها شيء يسير لكنها في الواقع تشكل بابا كبيرا من أكبر أبواب النحو، وهو ما يسمى بإعراب الفعل ... باب إعراب الفعل من أكبر الأبواب، والأستاذ في الكلية يجلس قُرابة شهر وهو يشرح في هذا الباب.
لا تتصورون أننا سنستطيع أن نوفي هذا الموضوع، وهو موضوع النواصب والجوازم حقه في درس أو درسين، ولو أعطيناه ما بقي من مدة الدورة لما كفاه بالصورة التي نريدها؛ لأن في الحديث عن النواصب تفصيلات كثيرة جدا، وخاصة في أن متى تُضمر جوازا؟ ومتى تضمر وجوبا؟.
والكلام طويل في هذا، وما فيه أيضا من قضايا خلافية فنحن سنمر عليه مرورا سريعا قدر الطاقة، ولن نطيل فيه كثيرا، ولن نختزله -أيضا- بالصورة التي فعل المؤلف، وقد حاولت أن أحقق جمعا بين الأمرين، ولخَّصت ملخصا يسيرا جدا لقضية الحروف النواصب.
فالحروف النواصب سردها المؤلف -رحمه الله- فقال إنها عشرة، وهي: أن ولن وإذن وكي، ولام كي التي تسمى لام التعليل، ولام الجحود وهي التي تسمى لام النفي، وحتى، والفاء والواو إذا وقعتا في الجواب. أو كما قال المؤلف: الجواب بالفاء، والواو والحرف الأخير أو.
هذه الحروف العشرة لو نظرنا إليها لجعلناها فئات: الفئة الأولى من هذه الحروف فئة تنصب بنفسها، وهي الحروف الأربعة الأولى، وهي: أن ولن وإذن وكي. وفئة ثانية تنصب بأن مضمرة جوازا، وهي: لام كي أو لام التعليل. والفئة الثالثة فئة تنصب بأن مضمرة وجوبا، وهي: لام الجحود وحتى والفاء والواو إذا وقعتا في الجواب وأو.
سنعيد -إن شاء الله- الفئات أيضا هذا التقسيم إلى هذه الفئات ليس محل اتفاق مائة في المائة، وإنما هو -يعني- من التقسيمات الجيدة الشائعة.
الحروف التي تنصب بنفسها، وهي الفئة الأولى، وهي الحروف التي تنصب بنفسها، وهي أربعة: أن ولن وإذن وكي.(1/122)
والفئة الثانية هي الحروف التي تنصب بواسطة أن المضمرة جوازا، وهي: لام كي أو لام التعليل.
والفئة الثالثة هي الحروف التي تنصب بواسطة أن المضمرة وجوبا، وهي الخمسة الباقية: لام الجحود وحتى والفاء أو الواو في الجواب وأو.
إذن نلحظ من ذلك لو أمعنا النظر لوجدنا أنَّ أن هي المهيمنة على هذا الباب؛ لأنها إما أن تنصب وهي ظاهرة، وهي تسمى -تكاد تكون- أم الباب، وإما أن تنصب وهي مضمرة جوازا وذلك بعد لام التعليل أو لام كي، وإما أن تنصب وهي مضمرة وجوبا وذلك بعد الحروف الخمسة الأخيرة.
إذن هذه التي تسمى نواصب، وهي الحروف الستة الأخيرة، الواقع أنها ليست هي النواصب، وإنما هي الناصب مستتر تحتها أو خلفها، وهي مجرد ستار وغطاء للناصب الحقيقي وهو أن، نُفَصِّل قليلا أنْ هذه ... أيضا أن نفسها تحتاج إلى وقفات؛ لأن أنْ هذه ليست نوعا واحدا، وتكاد تكون أنواعها متداخلة إلى حد ما.
فـ أن هذه تارة تكون مفسِّرة، وتارة تكون زائدة، وتارة تكون مخففة من الثقيلة، وهي أخت أنَّ الناسخة، تخفف -أيضا- فتصير أنْ فيصير لها أحكام خاصة، وتارة يصح فيها الوجهان: أن تكون مخففة وناصبة، وتارة تكون ناصبة للفعل المضارع وهي التي معنا، وكلها في النطق متشابهة، بل متحدة.
فالمفسرة -مثلا هذه الأمور سأستعجل فيها لن أتوقف فيها طويلا- المفسرة هي: المسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه، و هذه القضية لو وقفنا نتحدث فيها لطالت، مثالها: كتبتُ إليهِ أنْ يفعلَ كذا، أو بأن يفعل كذا، وهي التي ربما كانت مرادفة لأي. كتبتُ إليه أي: قلت إليه، أي: طلبت منه بأن يفعل كذا.
والزائدة: هي الواقعة بين القسم ولو، كما لو قلت مثلا: أقسم بالله أن لو يأتيني زيد لأكرمنَّه. وأيضا منها قوله -تعالى-: فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ الواقعة بعد لما -أيضا- داخلة في الزائدة، كما في قوله -تعالى-: فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ .(1/123)
وكلمة زيادة في القرآن الكريم لها خصوصية ليست ككلمة زائدة في الكلام العام. حينما تقول: بأن هذا حرف زائد، أو أن تقول: هذا مبتدأ مرفوع لفظا مجرور محلا بحرف الجر الزائد، أو نحو ذلك في القرآن الكريم؛ فإن معنى الزيادة إنما هي قضية تتعلق بالحكم الإعرابي، أما الناحية المعنوية فإنه ليس هناك شيء في القرآن ليس له معنى، وإنما جاءت لتؤدي معنًى مهما، ومعنى كبيرا قد يكون ظاهرا، وقد يكون ليس بظاهر.
النوع الثالث من أنواع أنْ هي: المخففة وهي المسبوقة بعَلِمَ، أو أي فعل من أفعال العلم ... المسبوقة بعلِم أو غيره من أفعال العلم هذه في الغالب تكون مخففة من الثقيلة، وهذه كثيرة جدا في القرآن، كما في قوله -تعالى-: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وفي قوله -تعالى-: أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا .
فتلحظون أن الفعل المضارع إذا جاء في القرآن بعد فعل يدل على العلم؛ فإن أنْ هذه تكون مخففة ويرتفع الفعل المضارع بعدها، فإن جاءت بعد فعل يدل على الظن؛ فإنها تكون حينئذ محتملة بأن تكون مخففة فيرتفع الفعل المضارع بعدها، ويحتمل أن تكون ناصبة فينصب الفعل بعدها.
ولذلك جاء في بعض الآيات قراءتان سمعيتان كلتاهما متواترتان: إحداهما بالرفع، وإحداهما بالنصب. فالتي بالرفع تكون أنْ فيها مخففة من الثقيلة أخت إنَّ الناسخة، والتي بالنصب تكون أنْ فيها هي الناصبة.(1/124)
وأنْ المحتملة للوجهين المخففة والناصبة هي الواقعة بعد فعل ظنٍّ، كفعل: حسِب أو نحو ذلك كما في قوله -تعالى-: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ هذه الآية قرئت بوجهين: قرئت بالنصب: حَسِبُوا ألاَّ تَكُونَ فِتْنَةً، وقرئت بالرفع: حَسِبُوا ألاَّ تَكُونُ فتنةً. وكلا الوجهين جائز؛ لأنهما قراءتان سمعيتان؛ ولأن أنْ إذا وقعت بعد فعل من أفعال الظن مثل: حسب أو ظن أو خال أو نحو ذلك؛ فإنها تكون محتملة بأن تكون مخففة من الثقيلة؛ فيرتفع الفعل المضارع بعدها، ولأنْ تكون ناصبة للفعل المضارع فينصب الفعل المضارع بعدها.
والناصبة هي التي لا يسبقها فِعلُ عِلمٍ ولا فعل ظنٍّ، وهذه كثيرة جدا في القرآن كما في قوله -تعالى-: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ وكما تقول: أريد منك أنْ تحضر، وأنْ تعمل كذا، وأنْ تعمل كذا ... وما إلى ذلك.
هذا مرور سريع على أنواع أنْ ونحن الآن لسنا بصدد التفصيل في أنواع أنْ وإنما نحن بصدد أنْ الناصبة فقط.
فأنْ الناصبة هذه ما نوعها ... أن الناصبة للفعل المضارع هي: حرف مصدريٌّ: لأنها مصدرية تؤول مع ما تدخل عليه بمصدر، ونصْبٌ: لأنها تنصب الفعل المضارع إذا دخلت عليه، واستقبال: لأنها تدل على ذلك.
فحينما تقول: أريد منك أن تحضرَ معك كتاب النحو. فهي هنا ناصبة؛ لأنك نصبْتَ الفعل بعدها، فقلتَ: أنْ تحضرَ.
ومصدرية: لأنها تؤول مع ما بعدها بمصدر؛ لأن التقدير: أريد منك إحضار كتاب النحو، أريد منك أنْ تحضرَ ... أريد منك إحضار كتاب النحو لقوله تعالى: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي التقدير: والذي أطمع منه مغفرة أو غُفران خطيئتي يوم الدين.(1/125)
فهي إذن ناصبة؛ لأن الفعل الذي بعدها يُنصب، ومصدرية؛ لأن الفعل الذي بعدها يؤول ... تؤول معه بمصدر، واستقبال؛ لأنها تكون للمستقبل فأنت تقول: أريد منك أنْ تحضرَ، أي: غدًا، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي أي: إن شاء الله -تعالى- يتجاوز عني يوم الحساب.
وكما قلت لكم: أمثلتها كثيرة كما في قوله -تعالى-: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي وكما في قوله -تعالى-: وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وكما في قوله -تعالى-: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وكما في قوله -تعالى-: وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ أي: يجعلوه.
فالحاصل إذن أنَّ أنْ هذه -كما ذكرت لكم- ناصبة ومصدرية ودالة على الاستقبال، وهي -أيضا- نوع واحد من خمسة أنواع أشرنا إليها.
الحرف الثاني لَنْ، لن أيضا من معانيها أنها حرف نفي، وأنها حرف نصب، وأنها حرف استقبال، كما إذا قلتَ مثلا: لن يحضرَ محمدٌ هذا اليوم. لن يحضر: فيه نفي، وفيه نصب للفعل، وفيه استقبال؛ لأنك إنما تتحدث عن أمر مستقبل، أي: أنه لن يحضر فيما نستقبل من الوقت، وأمثلتها وشواهدها كثيرة جدا في القرآن كقوله -تعالى-: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ إلى غير ذلك.
الحرف الثالث من الحروف الأربعة، أي: من حروف الفئة الأولى التي تنصب بنفسها: هو إذَنْ. .. متى ينصب الفعل المضارع بعد إذن؟.
كما ترون أن النصب بأنْ كثير جدا، وليس له شروط، والنصب بلنْ أيضا كثير جدا وليس له شروط، أما النصب بإذن فهو ليس في كثرة النصب بأنْ ولن، وكذلك فإنه لا بد أن يتوافر فيه ثلاثة شروط على الأقل؛ لكي يصح النصب بها.
إذن هذه ما معناها؟.(1/126)
هي حرف جواب، وحرف جزاء -أيضا- وحرف نصب، الغالب في حروف الجواب والجزاء أن تكون حروف جزم -كما سيأتي- معنا في حروف الشرط، لكن إذن حرف نصب؛ لأنها ضمن نواصب الفعل المضارع، وحرف جواب؛ لأنها تقع جوابا لكلام سابق؛ وحرف جزاء -أيضا- لأنها بمثابة الجزاء وليس الجواب فقط.
إذا قال لك شخص مثلا: سأزورك غدا، فقلت له: إذَنْ أُكْرِمَك. إذا قال: سأزورك غدا، فقلت له: إذن أكرمَك، إذن نصبتْ الفعل المضارع الواقع بعدها، وهو أُكرمَك، وأكرمك: فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على الميم؛ لأنه مسبوق بحرف إذن التي تنصب الفعل المضارع نطبق عليها ما قيل فيها: أنها حرف نصب هذا واضح، وحرف جواب: أن الرجل قال: سأزورك غدا، فأجبته أنت: إذن أكرمَك، فهذا حرف جواب له، وحرف جزاء -أيضا- أي: أنك كأنك قد تُجازيه وتكافئه على هذه الزيارة بهذا الإكرام.
الفرق بين الجواب والجزاء: أن الجواب يتضمن إجابة للمتكلم بجواب ما، وقد لا يكون هذا الجواب فيه مجازاة على عمل معين، أما الجزاء فإنه -يعني- يكون فيه شيء مثل الجزاء، ومثل رد ما يشبه أن يكون جميلا منه، فحينما يقول: سأزورك، فتقول له: إذن -والله- أكرمك، إذن أكرمك فتكون حينئذ جاوبته على هذا. .. على الزيارة بأنك وعدته بشيء، أو بأنك أجبته هل سيجدك أو لا يجدك، أو نحو ذلك، ثم بعد ذلك ثنيت بأن قدمت له ما يشبه الجزاء والمجازاة على تفضله بزيارتك، وهو أنك وعدته بالإكرام.
فهي إذن حرف جواب وجزاء ونصب، لا تنصب الفعل المضارع إلا بشروط ثلاثة: الشرط الأول: أن تقع في صدر جملة في الجواب. .. أن تقع في صدر جملة الجواب، فلا يصح أن تكون في الوسط، أو في الحاشية أو قريبة من الآخر،
والشرط الثاني: أن يكون المضارع بعدها مستقبلا. .. أن يكون الفعل المضارع بعدها مستقبلا؛ لأنك تعِده بشيء لم يحصل، فإن كان الفعل المضارع بعدها حالا ؛ فإنه لا يتعين نصبه، وإنما يجوز رفعه(1/127)
الشرط الثالث: ألا يفصل بينها وبين الفعل الذي تريد أن تنصبه بفاصل إلا بعد الفواصل التي تستثنى في الغالب.
ومن أبرز الفواصل التي تستثنى القسم، فلو قال لك: سأزورك غدا، فقلت: إذن أكرمَك، أو إذن -والله- أكرمك، فلا حرج؛ فإن الفصل بالقَسم لا يؤثر بشيء فيجوز أن تنصب مع الفصل بالقسم.
وأيضا من الفواصل التي تباح في هذا الموضع الفصل بالنداء: فإذا قال مثلا: سأزورك غدا، فقلت: إذن -يا صاحبي- أُكرمَك. لا حرج من الفصل بالنداء؛ لأنه ليس غريبا، وإنما في جو الحديث العام.
كذلك لو فصلت بلا النافية. .. لا النافية -طبعا- ستعكس المعنى المراد، لكنه لا مانع من الفصل بها، فقال: سأزورك، لو قال: سأزورك غدا متأخرا، وأنت لا يطيب لك الزيارة متأخرا؛ لأنك تنام مبكرا، فقلت: إذن لا أكرمَك. يجوز حينئذ النصب، ولا حرج في الفاصل؛ لأنه لا النافية لكن الجزاء جاءه معاكسا لما يتوقع.
ففيها جواب: أنك جاوبته، وفيها جزاء: أنك جازيته، لكن الجزاء قد يكون إيجابيا، وقد يكون سلبيا، قد يكون مقبولا، وقد لا يكون مقبولا، لكنه في الواقع جزاء، فالمكافأة تسمى جزاء والعقوبة تسمى جزاء أيضا.
فالحاصل أن إذن تنصب الفعل المضارع، ولكن لا بد لها من ثلاثة شروط: أن تقع في جملة الجواب في صدرها، وأن يكون الفعل المضارع بعدها مستقبلا، وألا يفصل بينها وبينه بفاصل، إلا بعض الفواصل التي لا تؤثر: كالقسم: إذن والله، النداء: إذن يا محمد، أو إذن يا صاحبي، أو إذن يا عزيزي، ولا النافية.
ومن شواهدها المشهورة التي تتناقلها الكتب قول الشاعر:
إذَنْ واللهِ نَرْمِيَهُم بِحَرْبٍ ... تُشِيبُ الطِّفْلَ مِنْ قَبْلِ المَشِيبِ
فهو هنا فيه الجواب والجزاء، ولكنه جزاء معاكس، يعني: لا نكافئهم، وإنما إن هجموا علينا فإننا سنرميهم بهذه الحرب التي تشيب لها الولدان.(1/128)
الحرف الرابع من الفئة الأولى من النواصب وهي التي تنصب بنفسها هو: كي وكي هذه حرف مصدري ونصب، حرف مصدري كما قلنا في أنْ أي: أنها تؤول مع ما بعدها بمصدر، وحرف نصب: أنها تنصب الفعل المضارع، ولا بد. .. ويشترط في النصب بها شرط واحد، وهو أن تسبقها لام التعليل لفظا أو تقديرا.
لا تَنصِب كي إلا أن تُسبق بلام التعليل في اللفظ أو في التقدير؛ فإن سبقتها لام التعليل لفظا نَصبت، كما في قوله -تعالى-: لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ لكي: كي هنا نصبت الفعل المضارع تأسَوْا، وعلامة نصبه. .. ما هي ؟ حذف النون؛ لأنه من الأفعال أو من الأمثلة الخمسة وجاز ذلك؛ لأنه تحقق فيها الشرط فقد سبقت بلام التعليل لفظا.
أو سبقت بها تقديرا، كما في قوله -تعالى-: كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ كي لا يكون: فقد سبقت بلام التعليل المقدرة؛ لأن المعنى: لكي لا يكون.
لام التعليل تعرف أنها مقدرة حينما يصح أن تدخلها؛ فإن صح أن تدخلها فهي مقدرة، وتكون حينئذ كي هي الناصبة، فإن لم تُسبق كي بلام التعليل -لا لفظا ولا تقديرا- صارت كي نفسها حينئذ هي التي للتعليل، وصار النصب حينئذ بأن مضمرة بعد كي.
هذه هي الفئة الأولى، وهي الأربعة التي تنصب بنفسها، وأظن أن الوقت لا يسمح بالاسترسال أكثر من هذا، ونأخذ لنا سؤالين أو ثلاثة؛ لأن الوقت انتهى، ونكمل -إن شاء الله- في الدرس القادم، كما قلت لكم: هذا الموضوع من الموضوعات الطويلة، وأنا أحاول أن أمنع نفسي من الاسترسال فيه، لكنه يفرض ذلك.
س- يقول: أليست الأسماء ستة وليست خمسة ؟
ج- الواقع أنها ستة، وكما ذكرت: أن بعض الكتب تسميها خمسة، والإشكال أو الخلاف بينهم في الاسم الأخير، وهو هنو هل يدخل أو لا يدخل.
س- يقول: ذكرتَ أن الفعل الأمر يُبنى على ما يجزم به مضارعه. فكيف الشأن في مثل هلِمُّوا وتعالوا ؟(1/129)
ج- الواقع أن هلموا وتعالوا فيهما كلام بين العلماء: هل هما فِعلا أمْرٍ حقيقيان، أم أنهما اسما فعْلِ أمرٍ.
س- ما رأيك في أن يُصور الملخص الذي معك ؟
ج- الواقع أن المُلخص الذي معي ليس معدًّا للتصوير، وإنما هو رءوس عناوين لا تكاد تقرأ، أنا أجد صعوبة في قراءته؛ لأني نسيت النظارة.
س- غدا يوم الجمعة هل ثمة هناك درس يوم الجمعة -جزاك الله خيرا ؟
ج- الواقع أن يوم الجمعة -كما بلغني من إدارة الدورة -استراحة لجميع الدروس وليس لهذا الدرس فقط
والله أخشى من الملل والسآمة أن يكون متواصلا. .. درس، لكن لعلنا نجعل مجالا لدرس تقوية في وقت غير وقت الجمعة.
س- يقول: عرضت عليك هذا السؤال أمس ولكنك لم تتمكن من معرفة مضمونه، وسؤالي هو: في الجمل الآتية: جاء عمُّك، رأيت عمَّك، ومررت بعمِّك. أليس عمك هو أخ لأبيك؟! فإني أريد تبديل كلمة عمك بلفظ أخو أبوك -جزاك الله خيرا ؟
ج- يعني هذه الأمر فيها سهل حينما تقول مثلا: جاء أبو فلان، أو جاء أخو فلان: فأبو أو أخو الأولى. .. أخو أو أبوا هذه تعرب بحسب موقعها من الإعراب، أما ما بعدها وهو المضاف إليه، فإنه يكون مجرور بالإضافة: جاء أبو بكرٍ، رأيت أبا بكرٍ، مررت بأبي بكرٍ، وكذلك بالنسبة للعم، تقول: جاء أخو أبيك، رأيت أخا أبيك مررت بأخي أبيك.
فالأمر فيها -يعني- لا يتغير أن تكون أخو أبيك، أو أخو فلان، أو أبو فلان. الأمر لا يتغير. .. يعني ليس كون عمك يمكن أن يغير الصياغة فيه بأي شكل من الأشكال، كما إذا أدخلت أبو أو أخو على أي اسم آخر؛ فإنها هي تعرب بحسب موقعها وما بعدها سيكون مضافا إليه سواء كانت كلمة أبيك أو كان كلمة أخرى.
س- يقول: أليس من شروط عمل الأسماء الخمسة أو الستة أن تكون كلمة فو غير مختومة بحرف الميم، وإلا أعربت بالحركات هذا ما درسناه في الثانوية ؟(1/130)
ج- هذا صحيح، لكني أنا لم أمسك بالأسماء الستة واحدًا واحدا لكي أفصل في شروطها، أنا ذكرت الشروط العامة التي تشترك فيها الأسماء الستة كلها.
وهي: الشروط الأربعة: أن تكون مفردة، ومكبرة، ومضافة إلى غير ياء المتكلم، وكل واحد من هذه أو ليس كلها إنما بعض هذه له شروط خاصة أخرى إضافية، ومنها كلمة الفم.
الفم لا تعرب إعراب الأسماء الستة إلا إذا حذفت منه الميم، تقول: فوه. .. اعتني بفِيك، ونظِّف فَاكَ، فإذا اتصلت به الميم، فإنه يعرب بالحركات؛ ولذلك يقول ابن مالك:
والفم حيث الميم منه بان
أي: حينما تنفصل منه الميم يكون اسما من الأسماء الخمسة، أما حينما تتصل به فإنه لا يكون كذلك، وإنما يعرب بالحركات.
... هذا صحيح، يقول: في قولنا أنَّ أنْ المخففة يرتفع بعدها الفعل المضارع. ألا يمكن أن نعبر تعبيرا آخر، وهو أنَّ أنْ المخففة يبطل عملها ويرجع الفعل المضارع إلى أصله وهو الرفع.
-الواقع أنّ أنْ المخففة هي لا تعمل في الفعل المضارع أصلا شيء؛ لأن أنْ المخففة من أخوات إنَّ فهي قد تعمل أحيانا، وسواء كانت مثقلة أو مخففة فهي من أخوات إنَّ وإنَّ لا عمل لها أصلا في الفعل المضارع.
فنحن حينما نقول يرتفع الفعل المضارع بعدها هو نفس التعبير الذي ذكرت أي: أنها لا تؤثر في الفعل المضارع شيئا أي أنها بعبارة أخرى: ليست هي الناصبة وإنما هي نوع آخر يرتفع الفعل المضارع بعدها أي: يكون مرفوعا أو يبقى على ارتفاعه كما هو أصح.
س- ما رأيك في كتب إعراب القرآن وخاصة الكتب العصرية ؟(1/131)
ج- الواقع -يعني- كتب الإعراب العصرية لا أستطيع أن أحكم عليها؛ لأنني ما قرأتها حتى أستطيع أن أحكم عليها، وإنما هناك كتب -يعني- أُلِّفت حديثا في مجلدات في إعراب القرآن وأسمع ... يعني ما اطلعت عليه اطلاعا كاملا، اطلعت عليها اطلاعا موجزا. .. أنها تقوم بالواجب خاصة وتؤدي الغرض خاصة في أنها تعرب القرآن إعرابا مفصلا، يعني هذا وجه القيمة فيها أنه لا يغنيك عنها غيرها من الكتب.
فمثلا لو أخذت ببعض كتب إعراب القرآن القديمة: كـ"إعراب القرآن" للنحاس، أو لمكي بن أبي طالب القيسي، أو "البيان في إعراب القرآن" للأنباري أبي البركات، أو "إملاء ما منَّ به الرحمن في إعراب القرآن" للعكبري، أو كتاب الأخفش أو كتاب الفراء أو غيرها هذه الكتب ألَّفها العلماء.
وهم لا يهتمون من القرآن إلا بما هو يحتاج لإعراب في نظرهم، يعني هناك أمور كثيرة يقفزونها؛ لأنها في نظرهم من الأمور السهلة التي لا تحتاج إلى إعراب، لكنها بالنسبة لنا بسبب بعدنا عن النحو وغربتنا أصبح كل شيء في القرآن يحتاج إلى إعراب، وأصبح أغلب ما في القرآن يصعب علينا إعرابه.
فهذه الكتب الحديثة لا شك في أنها معِينة في هذا، ومن أبرز كتب التفسير التي اهتمت واعتنت بالقرآن: "كتاب تفسير البحر المحيط" لأبي حيان، وكتاب "الدر المصون في إعراب الكتاب المكنون"، إعراب القرآن لسمير الحلبي، هذه من التفاسير المشهورة التي اهتمت واعتنت بإعراب القرآن.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
أيها الإخوة في الله،: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله مع هذا الدرس السابع لمطلع الأسبوع الثاني من أيام هذه الدورة المكثفة المباركة -إن شاء الله-.(1/132)
كنا بصدد الحديث في الدرس الماضي عن الفعل المضارع ونواصبه وجوازمه، وقلنا: إن الفعل المضارع يُرفع إذا تجرد من الناصب والجازم، وهذا هو القول المشهور، أي: أن رافع الفعل المضارع هو تجرده من الناصب والجازم.
وهناك أقوال أخرى وهي: أن رافعه حروف المضارَعة، أو أن رافعه حلوله محل الاسم، أو غير ذلك.
لكن الرأي الذي يرجح في هذا هو: أن رافعه تجرده من الناصب والجازم، ومعنى ذلك أنه إذا دخل عليه حرف ناصب فسينصب، وإن دخل عليه حرف جازم فسيجزم.
والحروف الناصبة تحدثنا عنها في اللقاء الماضي، وسأعيد ذلك سريعاً وسأتلوه -إن شاء الله- ببقيتها وبقية الجوازم، وأرجو أن تعينوني في هذا الدرس أن ننتهي فعلاً من النواصب والجوازم؛ لأني لا أرى أنها تحتمل في مثل هذا المختصر أن يُسرَف فيها أكثر من درس واحد.
فقلنا: إن نواصب الفعل المضارع -أولا- سردها المؤلف -رحمه الله- فقال: إنها: لن وأن وإذن وكي ولام كي ولام الجحود وحتى والجواب بالفاء أو الواو وأو.
وهي ثلاث فئات: فئة تنصب بنفسها، وهي الأربعة الأولى: أن ولن وإذن وكي.
وفئة تنصب بأنْ المضمرة جوازًا، وهي: لام كي ولام التعليل، ومعها غيرها -كما سأشير-.
وفئة تنصب بأن مضمرة وجوباً، وهي الحروف الخمسة الباقية، وهي: لام الجحود وحتى والفاء والواو إذا وقعتا في جواب، وأو.
ومن العلماء من يختصر اختصاراً -وهي رغبة كثير منكم كما سألوني في الدرس الماضي- فيرون أن هذه الحروف هي الناصبة، ولا داعي لأن تقول: إن الناصب هو أنْ المضمرة جوازًا، أو أنْ المضمرة وجوبًا، وإنما تقول: منصوب بلام الجحود، منصوب بكي، منصوب بحتى، منصوب بالواو أو بالفاء ... إلى غير ذلك.
فالقول المشهور: النصب بأن المضمرة جوازًا، أو وجوباً، وهناك قول آخر: أن تقول: إن هذه الحروف هي النواصب، ولا داعي لتقدير أن.(1/133)
قلنا: إنَّ لن تنصب بنفسها -سأترك أن الأخيرة؛ لأن الحديث إنما يطول بالنسبة لأن أكثر من غيرها- لن تنصب بنفسها، وهى حرف نفي ونصب واستقبال، وأمثلتها في القرآن كثيرة طويلة، يصعب إحصاؤها في مثل هذا المجلس، قوله -تعالى-: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ وقوله -تعالى-: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ ومثل قوله -تعالى-: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وغيرها من الآيات.
والحرف الثاني: إذن، وقلنا في إذن: إنها حرف جواب وجزاء، وتحدثنا -أيضاً- بالتفصيل عن شروطها..
إذن حرف جواب وجزاء ونصب، ولها ثلاثة شروط: أن تكون في صدر جملة الجواب، وأن يكون المضارع بعدها مستقبلا، وأن لا يفصل بينهما بفاصل غير القسم أو النداء أولا النافية..
الفصل بالقسم جوازه محل اتفاق، أما الفصل بالنداء أو بلا النافية، فإنه مختلف فيه.
فمن العلماء مَن يبيح الفصل بهما، ومنهم من لا يبيح. حينما يقول لك شخص: سأزورك غدًا. فتقول له: إذن أكرمَك، هذا هو الأصل ألا يفصل بينها وبين الفعل بفاصل. .. إذن أكرمَك: فهي حرف -كما ترون- حرف جواب؛ لأنه إذا قال: سأزورك غدًا، ينتظر منك الجواب: موافق أو عدمهما، وحرف جزاء في أن ما بعدها قد يكون نوعا من الجزاء والتكريم.
الجزاء قد يكون تكريمًا أو عكس ذلك لهذا الذي عرض عليك هذا العرض، وهي حرف نصب؛ لأنها تنصب الفعل المضارع. فإذا قال: سأزورك غدًا، فينبغي أن تجيبه، وأن يتضمن جوابك جزاء، هذا الجزاء قد يكون إكرامًا أو عدمه، تقول: إذن أكرمَك، أو لو قال: سأزورك متأخرًا، فستقول: إذن لا أكرمَك، أو لا أستقبلك. .. أو نحو ذلك.
والفصل بالنداء، أو الفصل بالقسم جائز باتفاقٍ، فيصح لك أن تقول: إذن -والله- أكرمَك، والفصل بالنداء: إذن -يا صاحبي- أكرمَك. أو الفصل بلا: إذن لا أكرمَك. هذا الفصل كما قلت لكم: ليس محل اتفاق كما حصل بالنسبة للقسم.(1/134)
الحرف الثالث الذي ينصب بنفسه كي وهي حرف مصدر أو حرف مصدري ونصب، ويشترط في النصب بها أن تسبق بلام التعليل سواء كانت هذه اللام ملفوظة، وهو الذي ينبغي وهو الأكثر كما في قوله -تعالى-: لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ لكيلا تأسَوْا: سُبقت كي بلام التعليل فنصب الفعل المضارع الذي بعدها، وهو: تأسوا بحذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، أو أن تكون مسبوقة تقديرًا: كي لا يكون دُولَةً، كما في قوله -تعالى-: كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ فهي على معنى لكيلا يكون دولة.
فإن لم تسبق كي لا باللام الظاهرة ولا باللام المقدرة فهي حينئذ حرف التعليل، ويكون النصب بأن مضمرة بعدها إما جوازًا كما هو رأْي، أو وجوبًا كما هو رأىٌ آخر.
إذًا الناصب الثالث هو كي، ولا بد للنصب بها من أن تُسبق بلام التعليل ظاهرة أو مقدرة، فإن لم تسبق بلام التعليل صارت هي حرف التعليل، وصار النصب بأن مضمرة إما وجوبًا كما يرجح، أو جوازًا كما يراه البعض.
أما أنْ وهي أمُّ الباب وهي الأصل؛ لأنها هي الوحيدة التي تنصب ظاهرة ومضمرة، جوازًا ومضمرة وجوبًا، فهي حرف مصدري ونصب -أيضًا- كما في بعض أخواتها، وأيضا حرف استقبال.
وأنْ كما قلت لكم: يكثر أن تنصب ظاهرة كما في قوله -تعالى-: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ وكما في قوله -تعالى- وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وكما في قوله -تعالى-: أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وكما في قوله -تعالى-: وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ .
... وغيرها من الآيات وهي كثيرة ولا تحصى، ولو طلبت من أي واحد منكم أن يمثل لمَا أعْوَزَهُ المثال من القرآن الكريم.(1/135)
أنْ هذه التي تنصب الفعل المضارع هي حرف مصدري لكنها ربما التبست بغيرها من أنواع أن الأخرى، وأنا في الدرس الماضي استطردت استطرادًا سريعًا لبعض أنواع أنْ، فقلت: إنَّ أنْ تأتي ناصبة للفعل المضارع، وهذه علامتها أن تكون مصدرية، وأن ينصب الفعل المضارع بعدها، بمعنى أنها يصح أن تؤول مع ما بعدها بمصدر، وأن تنصب الفعل المضارع.
والنوع الثاني وهي أنْ المخففة من الثقيلة، ما معنى كلمة مخففة من الثقيلة؟
يعني: أصلها أنَّ أخت إنَّ الناسخة. أنَّ التي تنصب الاسم وترفع الخبر إذا خففت من الثقيلة صارت أنْ وهي حينئذ مصدرية -أيضًا- وتعمل، ويكون اسمها في الغالب ضمير الشأن محذوف، وخبرها جملة اسمية أو فعلية أو نحو ذلك.
وينبغي أن تُفصل من خبرها بالسين أو سوف أو بعض حروف النفي، أو لو لكي تكون هذه فارقة بينها وبين أنْ الناصبة للفعل المضارع. هذه هي أنْ المخففة.
بالنسبة للنوع الثالث من أنواع أنْ -أيضًا- هي أنْ الزائدة. أنْ الزائدة متى تُزاد؟.
أن الزائدة تزاد بعد لمَّا كثيرًا، كما في قوله -تعالى-: فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ كما في قوله -تعالى-: وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ ... وغيرها، فتزاد كثيرًا أنْ الزائدة بعد لمّا، وتزاد -أيضًا- حينما تقع بين القسم ولو، تزاد حينما تقع بين القسم ولو هكذا تكون زائدة.
بعض الشواهد عليها: تُزاد بعد لمّا كما في قوله -تعالى-: فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ وكما في قوله -تعالى-: فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا وكما في قوله -تعالى-: وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا .
وتزاد -أيضًا- حينما تقع بين القسم ولو، كما إذا قلت: أُقسم بالله أنْ لو يأتيني زيد لأكرمنَّه: أقسم بالله أنْ لو: وقعت هنا أنْ بين القسم وبين لو كما ترون، فهي في مثل هذا الموضع يُحكم عليها بالزيادة.(1/136)
النوع الرابع: المفسِّرة، والمفسرة كما قلت لكم العلماء يقولون: إنه لا يوجد آيات أو شواهد أو أمثلة تتعين فيها أنْ المفسرة، وإنما أن هذه تكون مفسرة حينما تكون بمعنى أي: حينما تكون بمعنى أي، لكنها في الوقت نفسه يحتمل أن تكون ناصبة، ويحتمل أن تكون مخففة من الثقيلة.
فإن كانت بمعنى أي ووقع بعدها فعل مضارع مرفوع فهي مفسِّرة، لكن المفسرة يقل أن يليها الفعل المضارع. الكثير في المفسرة أن يليها فعل أمر، ولذلك أغلب الآيات الكريمة التي وردت فيها أنْ المفسرة وليها فعل أمر أو وليها فعل مضارع مسبوق بلا الناهية.
نظرتُ في كتاب الشيخ محمد عبد الخالق عظيمة دراسات لأسلوب القرآن فوجدته تحدث باستفاضة عن أنواع أنْ، وتحدث عن أنْ المفسرة، وذكر الآيات التي حملها بعض العلماء على المفسِّرة، لكنه قال: إن طائفة من العلماء لم يوافقوا في أنها تعين كونها مفسرة في هذه الآيات، وإنما هي تحتمل المصدرية، وتحتمل -أيضًا- المخففة من الثقيلة. .
المصدرية ناصبة للفعل المضارع -كما تعلمون- وليس خاصة بالفعل المضارع، فالمصدرية الناصبة للفعل المضارع تدخل على الأمر، وتدخل على الماضي، وتدخل على المضارع، لكنها لا تعمل إلا في المضارع فقط.
هذا هو الفرق أما هي فهي مصدرية ربما تدخل على الأمر، وهذا كثير وقد تدخل على الماضي -أيضًا- وتدخل على المضارع فلا تعمل عملها إلا في الفعل المضارع فقط حيث تنصب.
أما إذا دخلت على غيره من الأفعال فهي مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر، لكنها لا تعمل شيئًا، هذه هي التي كثيرًا ما تلتبس بالمفسّرة، ولذلك -مثلا- أذكر لكم بعض الآيات التي ذكر فيها أنها مفسّرة، في قوله -تعالى-: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى .
"أنْ يا مُوسى": إذا نطقناها بدون إدغام.(1/137)
يقول الزمخشري: هي هنا مفسرة؛ لأن التقدير أن يا موسى، وكما في قوله -تعالى-: وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ "وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله": أنْ هنا كما ترون دخلت على فعل أمر، هذه هي التي تحتمل التفسير؛ لأن من العلماء من يقول التقدير: أي أن آمنوا بالله.
ومنهم من يقول: إنها هنا تحتمل أن تكون مصدرية، وكما في قوله -تعالى- وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي أنْ هنا كما ترون أنْ المفسرة دخلت على فعل أمر، كما في قوله -تعالى-: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا هنا -أيضًا- هذه المفسرة دخلت على فعل أمر؛ لأنها كلها يصح -ولو على بُعد- أن تكون مقدرة أو مؤولة بأيْ: أي سبِّحوا.
أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ هنا -أيضًا- أنْ جاء بعدها فعل الأمر، وكما في قوله -تعالى-: فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا .
هذه أمثلة وشواهد على مجيء فعل الأمر بعدها، وهو الكثير جدًا في القرآن وهي آيات كثيرة.
هنا آيات أخرى: كما في قوله -تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي أيضًا فعل أمر وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا فعل أمر.(1/138)
نأتي إلى الأمثلة التي دخلت فيها على فعل مضارع مسبوق بلا الناهية كما في قوله -تعالى-: وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا ... ألا تتخذوا: وهنا بعض العلماء يقولون: تفسيرية أو مفسرة؛ لأن التقدير: أي: لا تتخذوا من دوني وكيلا، وكما في قوله -تعالى-: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ ألا تعلوا عليّ، وكما في قوله -تعالى-: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا إلى آخر الآيات.
فإن الحاصل أن المفسرة يقل أن يليها الفعل المضارع، فإن وليها الفعل المضارع فإنها حينئذ -إن لم يصح أن يدخل عليها حرف الجر وارتفع الفعل المضارع بعدها- فهي تفسيرية ومفسرة، وإلا فهي الناصبة للفعل المضارع، لكن المفسرة يقل أن تدخل على الفعل المضارع، وأكثر ما تدخل على الفعل الأمر، أو الفعل المضارع المجزوم بلا الناهية بحيث لا يظهر العمل ولا تكون عاملة..
هذا بالنسبة للمفسرة. ماذا بقي من أنواع أنْ بقي منها النوع المحتمل لأن تكون ناصبة للفعل المضارع أو مخففة من الثقيلة.
أولا- من علامات المخففة من الثقيلة أن تقع بعد فعل يدل على العلم، كما في قوله -تعالى-: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وكما في قوله -تعالى-: أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ على أن الرؤية هنا رؤية علمية.
وكما في قولك: علمت أنْ قد يقوم زيد، وكما في قوله -تعالى- أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا هذه الأمثلة لماذا جيء بها؟ جيء بها ليبين أن المخففة لا بد أن يفصل بينها وبين فعلها، إما بالسين: أن سيكون، أو بلا: ألا يرجعوا، أو بقد: أن قد يقوم، أو بلو: أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا .(1/139)
فالمخففة إذًا هي التي تقع بعد فعل يدل على العلم، فإن وقعت بعد فعل يدل على الظن فإنها في هذه الصورة تحتمل الوجهين، يصح أن تكون مخففة، ويصح أن تكون ناصبة للفعل المضارع.
ولذلك فإن أكثر الآيات التي جاءت بهذا الشكل قرئت بقراءتين، قرئت بالرفع ... قرئ الفعل المضارع الذي بعد أن بالرفع على أنها مخففة وقرئ بالنصب على أنها ناصبة للفعل المضارع، ومن ذلك قوله -تعالى-: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ حسِبَ: من أخوات ظن، فإذا جاء بعد أن فعل يدل على الظن وليس يدل على العلم واليقين صارت أن صالحة لأن تكون مخففة من الثقيلة، ولأن تكون ناصبة للفعل المضارع.
ولذلك هذه الآية وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ قرئت بقراءتين، قرئت: أنْ لا تكونُ؛ برفع الفعل على أنها مخففة من الثقيلة، وقرئت: أنْ لا تكونَ بنصب الفعل على أنها الناصبة للفعل المضارع.
وكما في قوله -تعالى-: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا هذه -أيضًا- كذلك.
أما الناصبة للفعل المضارع فكما ذكرت لكم علاماتها: أن تكون مصدرية، وأن ينتصب الفعل المضارع بعدها، وأن يكون الفعل الذي تتعين فيه المصدرية وأن يكون الفعل المتقدم عليها ليس بفعل عِلْمٍ ولا ظنٍّ، يعني: فعلا ليس فيه دلالة على العلم وليس فيه دلالة على الظن، وإنما هو فعل آخر فيه، أي دلالة كما في قوله -تعالى-: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي وكما في قولك: أريد منك أن تحضر، أو أن تسافر، أو نحو ذلك.
إذًا أنْ الناصبة للفعل المضارع هذه هي أخواتها التي يمكن أن تلتبس بها وهي المفسرة الزائدة والمخففة من الثقيلة والمحتملة للأمرين، والخامسة هي الناصبة للفعل المضارع.
ننتقل إلى الفئة الثانية، وهي فئة الحروف التي تنصب بواسطة أنْ المضمرة جوازًا، أنْ متى تضمر جوازًا؟.(1/140)
أنْ في الواقع تضمر جوازًا في صورتين: الصورة الأولى: حينما تقع بعد لام الجر ... لام الجر هذه ... نقول لام الجر لماذا؟ لكي تشمل لام التعليل ولكي تشمل -أيضا- اللام التي تسمى للعاقبة أو الصيرورة، هي في الواقع يمكن أن يطلق عليها بأنها لام تعليل؛ لأن ما بعدها ليس علة حقيقية مقصودة لما قبلها سميت بلام العاقبة أو الصيرورة.
لام العاقبة أو الصيرورة يمثلون لها في القرآن بآية مشهورة، وهي قوله -تعالى ... هل منكم أحد يعرفها ... اللام نعم-: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا الآن الذي يبدو منها أنها لام التعليل.
لكن إذا نظرت في الواقع: هل هم أخذوه ليكون لهم عدوا! ليست علة أخذهم له ليكون لهم عدوا، وإنما أخذوه ليكون لهم ابنًا بارًا نافعًا عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا .
وهم أخذوه ليكون ولدًا نافعًا، ولكن الذي آل إليه الأمر وصار إليه الأمر بإذن الله وإرادته أنه صار لهم عدوا، فهذه اللام بعضهم يقول: إنها لام التعليل، وبعضهم يقول: من حيث المعنى لا نسميها لام التعليل؛ لأنه في الواقع هو تحول لشيء ليس العلة التي أخذوه من أجلها، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا .
فهذه تسمي لام العاقبة أو الصيرورة، أي: أن العاقبة التي انتهي إليها الأمر وصار إليها هي أنه صار عدوًا، لكن العلة التي أخذوه من أجلها هي ليتخذوه ولدًا ولكي ينفعهم، فلام الجر تشمل لام التعليل، وهذه مشهورة، كما في قوله -تعالى-: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ وكما في قوله -تعالى-: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فاللام هنا هي لام التعليل.
ويقولون: إن الفعل المضارع: ليغفر ولتبين، منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام التعليل هذا التعبير الدقيق.(1/141)
فيه تعبير فيه تسامح يجيزه بعض العلماء: أن تقول: إنَّ يغفر وتبين فعل مضارع منصوب بلام التعليل وتكتفي بهذا، فأنْ هنا مضمرة بعد لام التعليل أو بعد لام الجر، سواء كانت للتعليل كما في قوله -تعالى-: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ .
أو كانت للعاقبة والصيرورة كما في قوله -تعالى-: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا .
أو كانت -أيضًا- زائدة، أو كانت لام الجر هذه زائدة كما في قوله -تعالى-: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ؛ لأن التقدير: إنما يريد الله أن يُذهبَ. فاللام هنا ليست للتعليل، وإنما هي من حيث اللفظ زائدة، لكنها من حيث المعنى جيء بها لتؤدي المعنى لا يتم أداؤه بدونه.
إذًا الحاصل أنَّ أنْ مضمرة. .. أنْ تنصب وهي مضمرة جوازًا بعد لام الجر، لام الجر هذه تشمل: لام التعليل ولام العاقبة والصيرورة واللام الزائدة، هذا الوجه الأول من وجوب إضمار أنْ.
الوجه الثاني من وجوه إضمارها أنها تُضمر حينما تقع بعد عاطِفٍ.
إذا وقعت أنْ بعد عاطف مسبوق باسم خالص عن التقدير بالفعل. إذا وقعت أنْ بعد عاطف -أي حرف عطف- حرف العطف هذا مسبوق باسم ليس مؤولاً بالفعل، يعني: ليس فعل ولا صفة مشبه، ولا اسم فاعل ولا اسم مفعول. .. من الأسماء المؤولة بالفعل، وإنما هو ينبغي أن يكون مصدرا، أو اسما غير مصدر. .. إذا وقعت بعد عاطف مسبوق باسم خالص من التقدير بالفعل.
الآن سنعدد هذه العواطف الأربعة التي إذا وقعت أنْ بعد واحد منها فإنها تُضمر جوازًا، ويُنصب الفعل المضارع الواقع بعدها، ويكون منصوبًا إما بأن مضمرة جوازًا كما ينبغي أن تقول، أو أن تقول: منصوب بهذا الحرف الذي سبقه.
الحروف هي. .. الحروف العاطفة هي أربعة، هي التي تقع بعدها أن فتضمر جوازًا، وينصب الفعل المضارع: أو، والواو، وثم، والفاء(1/142)
نمثل لكل واحد منها: أو: كما في قوله -تعالى-: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا أو يرسلَ هنا محل الشاهد: الفعل المضارع يرسل مرفوع أو منصوب؟.
منصوب. ما الذي نصبه؟
عندنا أو حرف ... نقول: إنه منصوب بأنْ مضمرة جوازًا بعد أو. هل حصل فيه الشرط المشترط أو لا؟ حصل فيه فأو هذه وقعت بعد اسم ليس في تأويل الفعل، وهو كلمة وحيًا: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فعطف الفعل أو يرسل على كلمة وحيًا وهي اسم ليس في تأويل الفعل، فتحقق الشرط حينئذ فتقول: يرسل فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة جوازًا بعد أو؛ لأن أو هذه عاطفة سُبقت باسم ليس في تقدير الفعل فعطفت عليه.
مثال الواو: قول الشاعر ... أو الشاعرة، هذه الشاعرة مشهورة ... ميسون بنت بهدل، قيل: إنها زوجة لمعاوية بن أبي سفيان، وأنه أخذها من أهلها من البادية، وجاء بها إلى المدينة، ولم يطب لها العيش في المدينة، فقالت قصيدة تتحسر فيها على حياة البادية، فلما سمعها أرسلها إلى أهلها. الشاهد معنا هو البيت الذي تقول فيه:
وَلُبْسَ عَبَاءَةٍ وتَقَرَّ عَيْنِي ... أَحَبُّ إليَّ مِن لُبْسِ الشُّفُوفِ
تقول: أنا ألبس عباءة خشنة، وأنا عند أهلي، وتقر عيني أحب إليَّ من لبس المدن الذي هو الملابس الشفافة الناعمة الحريرية.
الشاهد في قولها: ولُبْسُ عبَاءَةٍ وتَقَرَّ. .. وتَقَرَّ: الفعل المضارع تقرَّ هنا الآن منصوب أو مرفوع ؟ منصوب، ما الذي نصبه؟.
منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد واو العطف وجاز ذلك؛ لأن الواو هنا عطفت الفعل على اسم متقدم خالص ليس في تأويل الفعل، وهو المصدر لُبْس. .. ولُبْسُ عبَاءَةٍ وتَقرَّ عَيْنِي.
الحرف الثالث هو: ثم كما في قول الشاعر:
إنِّي وقَتْلِي سُلَيْكًا ثُمَّ أَعْقِلَهُ ... كالثَّوْرِ يُضْرَبُ لمَّا عَافَتْ البَقَر(1/143)
إنِّي وقَتْلِي سُلَيْكًا ثُمَّ أعقلَه: ثم هنا دخلت على الفعل المضارع وهو أعقلَه فتحول من الرفع إلى النصب، فصار: ثم أعقلَه. فتقول في إعرابه: أعقلَه: فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة جوازًا بعد ثم؛ لأنه صار معطوفًا بثم على اسم متقدم ليس في تأويل الفعل، وهو المصدر قوله: قَتْلِي. .. إني وقتلي سليكًا ثُمّ أعقِلَه.
ما معنى البيت؟ معنى البيت يقول: هذا الرجل قتل شخصا اسمه سُلَيْك، ثم ترتب عليه أن دفع الدية أو صار ... يعني تحمّل العقْل له وهو ديته، فقال: إني وقتلي سليكًا ... الآن سأقتله لثأر أو ما إلى ذلك، ثم أنا الذي أتحمل ديته كالثور يضرب لمّا عافَت البقر ... إذا عافت البقر فإنه يضرب الثور مع أن التي عافت هي البقر، فهو يبدو لأنه هو السيد هو الذي تحمّل العقل الذي يُسمى الدية. .. والذي هو الدية.
الرابع هو: حرف الفاء، مثل قول الشاعر:
لولا تَوَقُّعُ مُعْتَرٍّ فَأُرْضِيَهُ ... ما كُنْتُ أُوثِرُ أَتْرَابًا على تَرَبِ
لولا تَوَقُّع مُعْتَرٍّ فأُرْضِيَهُ: تَوَقُّع معروف، والمُعْتَرّ: هو. .. ما معنى المُعْتَر؟ هنا وفي هذه الآية: القانع. والمُعتر: نعم المحتاج المعوز. مُعْتَرٍّ فأُرْضِيَه: يقول: لولا أنني أتوقع أن أقوم بخدمات معينة أن يأتي هذا فأعطيه، وأن يأتي هذا فأعطيه، وأن يأتي هذا فأعطيه، لما كنت أوثر هذا الشيء على هذا الشيء، لكني أتوقع أن أكون منتدبا لمثل هذه الفضائل ومثل هذه المكارم.
الشاهد في قوله: فأُرْضِيَهُ، حيث أن الفعل المضارع نُصب بعد الفاء العاطفة؛ لأنها عطفت هذا الفعل على اسم متقدم وهو المصدر توقُّع. فالحاصل إذًا أنَّ أنْ تنصب مضمرة جوازًا في صورتين:.
الصورة الأولى: إذا وقعت بعد لام الجر سواء كانت لام تعليل أو عاقبة أو زائدة.(1/144)
والصورة الثانية: إذا وقعت بعد عاطف مسبوق باسمٍ ليس في تأويل الفعل، وهذا العاطف أحد عواطف أربعة، إما: الواو، أو الفاء، أو ثم، أو أو. إذا وقعت بعد واحد من هذه فإنها حينئذ تنصب أو يُنصب الفعل بأن مضمرة جوازًا في هذا.
فننتقل إلى المواضع التي يكون النصب فيها بأنْ مضمرة وجوبًا، أن مضمرة أنْ متى تضمر وجوبًا؟ تضمر وجوبًا بعد الأحرف الخمسة التي ذكرها وهي: لام الجحود، وحتى، والفاء، والواو، وأو نلحظ إذن أن الفاء والواو وأو مرت معنا في مواضع الجواز وستمر معنا أيضا في مواضع الوجوب.
تضمر أنْ وجوبًا بعد لام الجحود. ما المراد بلام الجحود؟ نأخذها بسرعة. لام الجحود هي لام النفي. ما علامة لام الجحود؟ ... نعم؟ لا ليس السكون وإنما لام الجحود: هي التي تسبق بما كان أو لم يكن هي التي تسبق بكَوْنٍ ماضٍ منفيّ. لام الجحود هي التي يكون قبلها ما كان أو لم يكن كما في قوله -تعالى-: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ يعذبَهم هنا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد لام الجحود، وعرفنا أنها لام الجحود؛ لأنها سبقت بالفعل بكان المسبوقة بالنفي، وهي ما كان.
ما الفرق بين المضمرة جوازًا والمضمرة وجوبًا؟.
المضمرة جوازًا ... نعم المضمرة جوازًا يمكن إظهارها يصح إظهارها، أما المضمرة وجوبًا فلا يصح أن تظهر. فالحرف الذي ... أول الحروف التي تضمر بعدها وجوبًا هو: لام الجحود وهي لام النفي وهي اللام الواقعة بعد فعل كَوْن ماض منفي، أي: ما كان وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ أو لم يكن كما في قوله -تعالى-: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ يغفرَ هنا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد لام الجحود.
طيب! لو جاءنا سؤال ما دمنا في لام الجحود، وقال: ما حكم الفعل المضارع إذا وقع بعد اللام. .. بعد لام الجر بصفة عامة؟ لام الجر طبعًا تشمل: لام التعليل، ولام العاقبة، واللام الزائدة، ولام الجحود. ما حكم الفعل إذا وقع بعد هذه اللام؟(1/145)
الواقع أن له ثلاث صور أنا أشرت الآن منها إلى صورتين، وبقيت الصورة الثالثة.
الصورة الأولى التي أشرنا إليها وهي الجواز: أنه ينصب بأن مضمرة جوازًا؛ وذلك إذا كانت صفة اللام. .. لام التعليل أو لام العاقبة أو اللام الزائدة..
الصورة الثانية هي أن الفعل ينصب بأنْ مضمرة وجوبًا إذا كانت هذه اللام لام الجحود..
الصورة الثالثة هي وجوب هذا بالنسبة لحكم أن وجوب إظهار أن وذلك إذا اقترن الفعل بلا النافية أو الزائدة. إذًا أحوال أنْ مع اللام إن سبقت بلام الجحود فهي مضمرة وجوبًا إن سبقت بلام التعليل أو لام العاقبة أو اللام الزائدة فهي مضمرة جوازًا. إذا اقترن الفعل بلا النافية أوالزائدة وجب إظهار أنْ حينئذ.
إذًا أحوال أنْ من حيث الإضمار والإظهار مع لام الجر ثلاث حالات. أنْ لها ثلاث حالات مع لام الجر: وجوب إظهار أنْ إذا كان الفعل سبق الفعل بلا النافية أو لا الزائدة: لا النافية كما في قوله -تعالى-: لِئَلَّا يَكُونَ هنا لا يكون الفعل مسبوقا بلا النافية، ولذلك أظهرت أنْ. لئلا أصلها: لأنْ لا، لكنها أظهرت ثم أدغمت فهي ليست محذوفة لا جوازًا ولا وجوبًا.
ولا الزائدة كما في الآية في آخر سورة "الحديد": لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ لئلا يعلم أهل الكتاب. .. ما هو المعنى؟ ليعلم أهل الكتاب، فلا هنا هذه زائدة؛ لأنْ لا يعلم أهل الكتاب المعنى المراد وبإجماع المفسرين فيما أعلم: ليعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء؛ فلا هنا زائدة.
فإذًا أنْ حكمها مع لام الجر:
يجب إظهارها إذا سبق الفعل بلا النافية أو الزائدة.
يجب إضمارها إذا وقعت بعد لام الجحود.
يجوز الوجهان: الإظهار والإضمار إذا سبقت بلام الجر وهي لام التعليل أو العاقبة و الصيرورة أو الزائدة.
الحرف الثاني من الحروف التي ينصب بأنْ مضمرة وجوبًا بعدها هي: حتى.(1/146)
حتى يُنصب الفعل بأنْ المضمرة وجوبًا بعدها بشرط كون الفعل مستقبلاً بالنسبة إلى ما قبلها، أو أن تقول -أيضًا- تيسيرًا: بشرط أن تكون بمعنى كي، أو تكون بمعنى إلى.
يعني: سواء كانت حتى بمعنى كي أو كانت بمعنى إلى؛ فإن الفعل المضارع ينصب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد حتى. في قوله -تعالى-: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ما معنى حتى هنا؟ هل معناها كي أو إلى ؟ معناها: لن نبرح عليه عاكفين إلى أن يرجع إلينا موسى. .. حتى يرجع إلينا موسى.
يرجعَ: -كما ترون- فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد حتى، ولا مانع على رأي من ذكرنا من العلماء أن تقول: إنّ يرجعَ فعل مضارع منصوب بحتى من باب التجوز والاختصار.
فإذا قلت لشخص: أَطِعْ الله حتى تدخل الجنة. فما معناها هنا؟ إلى أو كي؟ معناها كي هنا: أطع الله كي تدخل الجنة.
إذًا حتى يُنصب الفعل المضارع بأنْ مضمرة وجوبًا بعدها سواء كانت بمعنى كي كما في قولك: أطع الله حتى تدخل الجنة، أو كانت بمعنى إلى كما في قوله -تعالى-: حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى .
طيب! ما معناها في قوله -تعالى-: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ هذه الآية تحتمل الأمرين معًا، أي: يصح أن يكون المعنى: قاتلوها كي تفيء إلى أمر الله، أو أن يكون المعنى: قاتلوها إلى أنْ تفيء إلى أمر الله.
الحرف الثالث أو: إذا وقعت بعد أو التي بمعنى إلى أو التي بمعنى إلا. هناك عندنا حتى بمعنى كي أو بمعنى إلى هنا عندنا إذا وقعت بعد أو التي بمعنى إلى أو التي بمعنى إلا.
إذا قلت لشخص: لألزمنك أو تعطيني حقي. .. لألزمنك أو تعطيني حقي. هنا بمعنى إلى أو إلا؟ هنا بمعنى إلى أي: سألزمُك إلى أن تسدد لي ما عندك. .. إلى أن تعطيني حقي.(1/147)
فإذا كانت بمعنى إلى فإن الفعل المضارع يُنصب بعدها بأنْ مضمرة وجوبًا فتعطيَني -هنا-: فعل مضارع منصوب بعد أو بأن مضمرة وجوبًا، ولو قلت: تجوزا منصوب بأو لكان جائزا على ذلك الرأي، ومنه قول الشاعر:
لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أوْ أُدْرِكَ المُنَى ... فمَا انْقَادَتِ الآمَالُ إلاّ لصَابِر
لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أو أُدْرِكً المُنَى: أو أدركَ: أدركَ فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد أو.
أو ما معناها في هذا البيت؟ إلى مثل: لألزمنّك أو تعطيني. حتى لأستسهلن الصعب أو أدركَ المنى. يقول: سأركب الصعاب وأتجشَّم الأخطار مستهينًا بها، أو مستسهلاً لها حتى أدرك المُنى إلى أن أصل إلى ما أتمناه، ولن أتراجع عن ذلك.
ولو قلت: لأَقْتُلَنَّ الكافر أو يسلم. لأَقْتُلَنَّ الكافر أو يسلم. هنا بمعنى إلى أو إلا؟ بمعنى إلاَّ؛ لأن ما تصلح إلى ... تقتله إلى أن يسلم! فإذا قتلته لا يمكن يسلم! انتهي الأمر. المراد: لأَقْتُلَنَّهُ إلاَّ أن يسلم. لأقتلن الكافر إلا أن يسلم، وما معناها في قول الشاعر:
وكُنْتُ إذَا غَمَزْتُ قنَاةَ قَوْمٍ ... كَسَرْتُ كُعُوبَهَا أوْ تَسْتَقِيمَا
يقول: إنني آخذ الأمور بالجِد فأنا إذا غمزت قناة قوم يعني: أمعن في ذلك حتى أصل إلى إحدى نتيجتين: إما أن أكسر الكعب أو يستقيم الكعب، يعني: ما فيه خيار، فهنا بمعنى إلى أو إلا؟ بمعنى. .. ما تحتمل إلى، ما تصلح هنا: كسرت كعوبها إلى أن تستقيم! إذا كسرها لا يمكن تستقيم! انتهي الأمر.
وإنما المراد كسرت كعوبها إلاَّ أن تستقيم؛ فإنه حينئذ يمتنع الكسر أو يتوقف.
هذه ثلاثة أحرف -الآن- مما تضمر أن بعدها وجوبًا: لام الجحود، حتى، أو.
الحرفان الأخيران: الفاء والواو الحكم فيهما متقارب، فينصب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد: فاء السببية أو واو المعية ... متى؟ إذا كانت أنْ هذه مضمرة وجوبًا أو إذا كانت الفاء هذه ظاهرة فاء السببية أو واو المعية مسبوقةً بنفي محض أو طلب.(1/148)
إذا سُبقت الفاء بنفي محض يعني: خالص أو يعني: غير مبطل بأي شيء آخر، أو سُبقت بطلب. كلمة طلب لو أطلقت ماذا تشمل. .. الطلب تشمل ماذا؟.
الأمر، والنهي، والدعاء، والتمني، والترجي، والتحضيض، والاستفهام، والعرض، هذه أمور تدخل تحت ما يسمى بالطلب.
تجدون هذا، يعني موجود في مباحث البلاغة وغيرها، فإذا قيل: إذا سُبقت بطلب، الطلب يدخل فيه الأمر والنهي، والدعاء والتمني والترجي والتحضيض والعرض والاستفهام.
هذه الثمانية وقبلها التاسع، وهو النفي إذا سبقت الفاء أو واو معية إذا دخلت فاء السببية، أو واو المعية على فعل مضارع، وكانت مسبوقة بواحد من هذه التسعة إما نفي أو طلب، وتدخل تحته هذه الثمانية؛ فإن الفعل المضارع حينئذ يكون منصوبًا بأنْ مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية أو بعد واو المعية.
نأخذ أمثلة عليها. النفي كما في قوله -تعالى-: لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا هنا يموتوا: فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة وجوبًا وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، وقد أضمرت أن؛ لأنها وقعت بعد فاء السببية المسبوقة بنفي، وهو قوله: لا يُقْضَى عليهم.
ومثال الطلب بأنواعه الثمانية أولها الأمر كما في قول الشاعر:
يا نَاقُ سِيرِي عَنَقًا فَسِيحَا ... إلى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَرِيحَا
يخاطب ناقته ويقول: سيري سَيْرًا سريعًا حثيثا حتى نصل إلى سليمان فنحُطَّ رحالنا عنده؛ لأننا سنجد ما نؤمل هناك.
يا نَاقُ سِيري: سيري -هنا- فعل أمر وقعت بعده فاء السببية داخلة على فعل مضارع فنصب هذا الفعل المضارع بأن مضمرة وجوبًا، وهو قوله: إلى سليمانَ فَنَسْتَرِيحَا، فَنَسْتَريحَا هنا نستريحَ فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية؛ لأنها سبقت بأمر حقيقي، وهو قوله: سيري.(1/149)
ومثال -أيضا- النهي قوله -تعالى-: وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي يحلَّ -هنا-: فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية، وقد سبقت بالنهي الحقيقي في قوله: وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ .
والتحضيض كما في قوله -تعالى-: لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ فأَصَّدَّقَ -هنا-: فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية؛ لأنه سُبق بالتحضيض في قوله: لَوْلَا أَخَّرْتَنِي أي: هلا أخرتني إلى أجل قريب.
والتمني كما في قوله -تعالى-: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فأفُوزَ -هنا-: فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية؛ لأنه سبق بالتمني في قوله -تعالى-: يَا لَيْتَنِي .
والترجي كما في قوله -تعالى-: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ فأطلع -هنا-: فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية؛ لأنه سبق بالترجي لعلي.
ومثال الدعاء قول الشاعر:
رَبِّ وَفِّقْنِي فَلا أَعْدِلَ عنْ ... سَنَنِ السَّاعِينَ في خَيْرِ سَنَنِ
ربِّ وَفِّقْنِي فلا أعْدِلَ. هنا أعْدِلَ: فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية التي سبقت بالدعاء في قوله: ربِّ وَفِّقْني.
والاستفهام كما في قول الشاعر:
هلْ تعرفون لُبَانَاتِي فأرجُوَ أنْ ... تُقْضَى فيَرْتَدَّ بعْضُ الرّوحِ للجسَدِ
يقول: هل أنتم -فعلا- تعرفون حاجاتي التي جئت من أجلها فأؤمِّل أن تقضى فيرجع بعض روحي إلى بعض جسدي؛ لأنها كاد يخرج بعضها من خوفي على ألا يتحقق ما أريد.
فقوله: هل تعرفون لُبَانَاتِي فأرجو أنْ. .. أرجوَ: فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة بعد الفاء؛ ولأنه سبق بالاستفهام بهل.
والعَرض كما في قول الشاعر:
يا بْنَ الكِرَامِ ألاَ تَدْنُو فَتُبْصِرَ ما ... قَدْ حدَّثُوكَ فمَا راءٍ كَمَنْ سَمِعَ(1/150)
وهنا العرض: ألا. .. ألا تدنو فتُبْصِرَ: تبصر فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة بعد فاء السببية؛ لأنه سبق بالعرض.
الفرق بين العرض والتحضيض أنَّ العرض: طلب برِفْق: ألاَ. .. عرْض خفيف.
أما التحضيض: ففيه حثٌّ للمخاطَب.
هذه شواهد وأمثله على وقوع النصب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية، ويماثلها -أيضًا- شواهد بعد واو المعية، وإن كانت أنواع الطلب لم تسمع كلها بعد واو المعية، وإنما سمع منها شيء.
فنأتي إلى الواو سريعًا لنأخذ عليها أمثلة:
فوقوعها بعد النفي كما في قوله -تعالى-: وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ويعلم الصابرين: يعلمَ فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد واو المعية؛ لأنها سبقت بنفي في قوله: لما يعلم، كما سيأتي معنا -الآن- في الجوازم أنّ لمّا حرف نفي وجزم.
والتمني كما في قوله -تعالى-: يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ نُكذِّبَ: فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد واو المعية؛ لأنها سبقت بالتمني بياليت.
والاستفهام كما في قول الشاعر:
ألمْ أَكُ جَارَكُم ويكُونَ بيْنِي ... وبَيْنَكُم المَوَدَّةُ والإخَاءُ
ألم أَكُ جارُكم هنا استفهام تقريري، ويكونَ: فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد واو المعية.
والنهي كما في البيت المشهور الذي ينسب لأبي الأسود الدؤلي:
لا تَنْهَ عَنْ خُلْقٍ وتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عَارٌ عَلَيْكَ إذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
وتأتيَ. .. تأتيَ: فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد واو المعية؛ لأنها سبقت بالنهي بلا الناهية: لا تَنْهَ.
وتقول هذا المثال المشهور ... تقول: لا تأكلْ السَّمَكَ وتشْرَبَ اللَّبَنَ. هذا المثال تجوز فيه ثلاثة أوجه ... ما توجيه الأوجه الثلاثة هذه بسرعة؟ الشاهد الذي معنا أن تقول: لا تأكلْ السَّمَكَ وتشربَ اللَّبَنَ، تشربَ: فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد واو المعية؛ لأنها سبقت بنهي: لا تأكلْ السَّمَكَ.(1/151)
طيب! فلو قلت: لا تأكلْ السمكَ وتَشْرَبْ اللبنَ -بالجزم- ما توجيهه؟ النصب واضح توجيهه الآن، النصب توجيهه بأنْ مضمرة وجوبًا على أنها واو المعية.
أما الجزم فتوجيهه على أنها معطوفة على نية تكرار لا الناهية، كأنك قلت له: لا تأكلْ السمكَ ولا تشربْ اللبنَ. يعني: نهيته عنهما جميعًا، يعني: لم تنهه عن الجمع بينهما، وسمحت له بأن يأخذهما على حدة. لا. أنت تنهاه الآن من أن يقرب أي واحد منهما: لا تأكلْ السمكَ ولا تشربْ اللبنَ. يعني: لا تقرب أي واحد منهما نهائيًا هذا هو توجيه الجزم.
ما توجيه الرفع في قوله: لا تأكلْ السمكَ وتشربُ اللبنَ. ما توجيه الرفع؟ يعني طيب الآن فيه نهي أو إباحة؟ وماذا فيه حينما تقول: لا تأكلْ السمكَ. هذا واضح أنه نهي، وتشربُ اللبنَ -بالرفع- هل سُمح له أو منع؟ سُمح له الآن.
كأنك قلت: لا تأكلْ السمكَ ولكن لك شُرب اللبن: لا تأكلْ السمكَ واشربْ اللبنَ: لا تأكلْ السمكَ وتشربُ اللبنَ، أي: وأنتَ تشربُ اللبنَ ما في مانع، لك ذلك، لك شُرب اللبن لكنك لا تأكل السمك.
فإذًا وتشرب اللبن. إن قلت: وتشربَ فهو الشاهد الذي معنا على أنه منصوب بأنْ مضمرة وجوبًا بعد واو المعية، ويكون النهي حينئذ عن الجمع بينهما، أي: لا تجمع بين السمك واللبن فإنه مُضِرٌّ؛ ولذلك بعض الناس ربما صدّق هذا الأمر وأصبح إذا جلس على مائدة فيها سمك ولبن يترك واحدا منهما مع أن هذا يبدو أنه غير صحيح ففي حالة النصب الواو وتكون للمعية والمراد ولا تجمع بينهما الجزم نهي عن كل واحد منهما، الرفع نهي عن الأول وإباحة للثاني هذه خلاصة النواصب وما يتعلق بها.
بالنسبة للجوازم لو لم نأخذها كلها على الأقل نأخذ منها شيء. الجوازم نوعان كما تعلمون منها ما يجزم فعلاً واحدًا، ومنها ما يجزم فعلين، الذي يجزم فعلين ماذا يسمى؟ أنا سألت عن الأخير الذي يجزم فعلين ما هو؟ ماذا تسمى أدوات الجزم التي تجزم فعلين؟ أدوات الشرط.(1/152)
أدوات الجزم التي تجزم فعلين تسمى أدوات الشرط: الأول من الفعلين فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه. هذه هي الأدوات التي تجزم فعلين.
أما الأدوات التي تجزم فعلاً واحدًا فهي ليست أدوات الشرط، وإنما هي حروف الجزم، وهي كلها حروف باتفاقٍ.
التي تجزم فعلاً واحدًا متفق على حرفيتها، أما التي تجزم فعلين فمنها ما هو حرف باتفاق، ومنها ما هو حرف على الراجح، ومنها ما هو اسم باتفاق و هو الكثير، ومنها ما هو اسم على الراجح، والتي تجزم فعلين تجمع بين الحرفية والاسمية فيها هذا وفيها هذا.
والتي تجزم فعلاً واحدًا كلها حروف باتفاق، التي تجزم فعلاً واحدًا ما هي؟.
معروفة هذه مشهورة نعم: لم ولما ... لم ولما وألم وألما. ألم وألما سنشير إلى أنهما في الصحيح هما: لم ولما، ولكن دخلت عليهما همزة الاستفهام فقط. يعني ما في جديد.
فإذًا تقول: لم و لما ولام الأمر ولا الناهية. الحروف التي تجزم فعلا واحدا هي أربعة حروف: لم ولما ولام الأمر ولا الناهية.
والمؤلف هنا -رحمه الله- ناجي الروم أضاف ألم كما في قوله -تعالى-: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وأضاف ألما، والواقع أن ألم وألما هي لم ولما، ولكن دخلت عليها همزة الاستفهام، فهي ليست حروفا جديدة، ولكن هما الحرفان السابقان.
طيب! هل الفعل الواحد لا يجزم إلا بهذه الأربعة؟ ألا يمكن أن يأتي الفعل الواحد مجزوم بأمر آخر غير هذه الحروف الأربعة؟.
أدوات الشرط لن تدخل معنا؛ لأنها تجزم فعلين، وسنتحدث عنها فيما بعد، لكن الأشياء التي تجزم فعلا واحدا هي هذه الأربعة فقط.
أليس هناك شيء يجزم فعلا واحد غيرها؟ أحسنتَ! وقوع الفعل في جواب الطلب، فعل الأمر ... الفعل المضارع قد يجزم إذا وقع في جواب الأمر، أي: إذا وقع في جواب الطلب دون أن يدخل عليه حرف -لا حرف يجزم فعلا ولا حرف يجزم فعلين- مثل ماذا؟ فعل جُزم لأنه وقع في جواب الطلب؟.(1/153)
هل فيه أحد يستطيع يأتيني بشاهد من القرآن؟ نعم. .. نعم: فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ هذا صحيح تأكلْ. .. الفعل المضارع لماذا جُزم؟ كما ترون لم يُسبق بجازم -لا بما يجزم فعلا ولا بما يجزم فعلين- جزم لأنه وقع في جواب الأمر الذي هو ذروها.
وكما في قوله -تعالى-: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ قل تعالَوْا أتل: أَتْلُ -هنا- واقعة في جواب مجزوم؛ لأنه وقع في جواب فعل الأمر الذي هو تعالَوْا، أو اسم فعل الأمر على خلاف في تعالوا هل هو فعل أمر حقيقي أو اسم فعل أمر، لكن الراجح: أنه فعل أمر؛ لأنه يقبل العلامة؛ ولأنه -أيضا- تدخل عليه الضمائر: يتغير بحسب الضمائر الداخلة عليه.
أَتْلُ -هنا- مجزوم بماذا؟ قُلْ تعالَوْا أتْلُ مجزوم بحذف ... لأتلو أنا، قل تعالوا أتل مجزوم بحذف حرف العلة، مثل: أدعو، أسمو ... أدنو ... أرجو. .. أتلو.
أتلو بالواو فلما وقع في جواب الأمر جُزم فصار: قٌلْ تَعَالَوْا أَتْلُ.
إذًا الفعل الواحد يجزم بلم أو لما أو لا الناهية أو لام الأمر أو إذا وقع في جواب الأمر أو جواب الطلب.
طبعًا لم كما تعلمون هي حرف نفي هذا معروف: لم يحضرْ محمدٌ، وحرف جزم؛ لأنها تجزم الفعل المضارع، وتسمى -أيضا- حرف قلب؛ لأنها تقلب معنى الفعل المضارع إلى الماضي، حينما تقول: يحضر محمد. فهو المراد الآن أو في المستقبل، لكن حينما تقول: لم يحضر. محمد لم يحضر متى؟ لم يحضر في الماضي.
فإذا دخلت على الفعل المضارع قلبَتْ زمنه من المضارع الذي هو الحال أو الاستقبال إلى المضي، فهي تسمى حرف نفي وجزم وقلب.
حرف نفي أي: أنها تنفي، وحرف جزم أي: أنها تجزم، وقلب أي: أنها تقلب زمن الفعل المضارع فتحوله إلى الماضي.(1/154)
يعني بينما هو خاص بالمستقبل أو الحال يحضرُ صار يعني مُنْصَبًّا على الماضي، فأنت حينما تقول: لم يحضرْ محمدٌ، لا تريد أنه غدًا وإنما قصدُك لم يحضر بالأمس فمع أنه فعل مضارع إلا أنها حولت زمنه إلى المضي.
الحرف الثاني لمَّا: وهي أخت لم أيضًا. أخت لم في معانيها، وهي كذلك النفي والجزم والقلب، لكنها تشاركها في أمور وتخالفها في أمور أخرى.
فتشاركها في أربعة أمور، وهي: الحرفية والاختصاص بالمضارع وجزمه وقلب زمنه. هذه أمور تشترك فيها لم ولمَّا.
وتفارقها في أربعة أمور، وهي: أنّ المنفي بلمّا مستمر الانتفاء إلى زمن الحال بخلاف لم، فإنه قد -يعني- ينتهي في الحال، يعني ممكن أن تقول: لم يحضر في الصباح لكنه حضر بعد ساعة، لم يحضر في الموعد لكنه حضر بعده بخمس دقائق.
ولكن لمّا الكلام فيها مستمر إلى نهاية الحديث، فإن النفي بلما مستمر الانتفاء بزمن الحال بخلاف لم فإنه قد يكون مستمرًا كما في قوله -تعالى-: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ .
وقد يكون منقطعًا مثل: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا أي: لم يكن شيئًا مذكورًا ثم كان شيئا مذكورا.
وثانيًا- من الأمور التي تختلف فيها لما عن لم أنّ لمّا تؤذن كثيرًا بتوقع حدوث ما بعدها كما في قوله -تعالى-: بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ لكن ما المعنى المراد أو ما المعنى المتبادر؟ أنه لمّا يذوقوه إلى هذه الساعة لكنهم حتما سيذوقونه، وسيصل إليهم لكنه إلى نهاية إلى الوقت الحاضر، فالمنفي بها مستمر المنفي بها مستمر إلى وقت زمن التكلم، لكنه مؤذن بثبوته بعد ذلك.
أما لم فإن المنفي بها قد يكون منقطعًا في الحال. .. أن الفعل يجوز حذفه بعد لمّا بخلاف لم.
أنت تقول: قاربت المدينة ولما. وتقف، هذا الكلام جائز، أي: ولما أدخلها، ولا يصح أن تقول: قاربت المدينة ولم. فحذف مجزوم لما وارد وجائز لكنه غير وارد بالنسبة للم.(1/155)
إنّ لما لا يصح فيها أن تقترن بحرف الشرط، أما لم فإنه لا مانع في ذلك، تقول: إن لم تقُمْ قمتُ. إنْ الشرطية يصح أن تدخل على لم، لكنه لا يصح أن تقول: إنْ لما تقُم قمتُ.
فإذًا لم أخت لما وشبيهة بها في أربعة أحكام، لكنها تفارقها في أحكام أخرى.
بقي لام الطلب ولا الطلبية وأشير إليها بسرعة، ونترك الحروف أو الأدوات التي تجزم فعلين، وهي أدوات الشرط للدرس القادم -إن شاء الله.
لام الطلب. .. ما المراد بها؟ هي: اللام الدالة على الأمر، لام الطلب هي: اللام الدالة على الأمر.
لكن هذا الأمر من الناحية المعنوية والناحية الأدبية -يعني- ممكن أن يتغير اسمه: إذا كان من الأعلى إلى الأدنى سُمي أمرًا.
فإن كان بالعكس: من الأدنى إلى الأعلى فإنه. .. ماذا يسمى؟ يسمى دُعاء.
فإن كان من المتساويين يسمى التماسا.
هذا الكلام يصدق على لام الأمر، ويصدق على لا الناهية. لام الأمر: هي التي تدل على الأمر، ولا الناهية: هي التي تدل على النهي، ولكن يسمى أمرا إذا كان من الأعلى إلى الأدنى، ويسمى نهيا -كذلك- إذا كان من الأعلى إلى الأدنى.
فإن كان بالعكس سمي دعاء في الحالين، فإن كان من المساوي سمي التماسًا في الحاليين، في قوله -تعالى-: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ليُنْفِقْ: ينفق -هنا- فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه السكون، وهو أمر حقيقي؛ لأنه من الأعلى إلى الأدنى.
في قول أصحاب النار: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ هنا من الأدنى إلى الأعلى فيسمى دعاء لِيَقْضِ علينا ربك يقض -هنا- فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه حذف حرف العلة؛ لأنه معتل الآخر، أصلها: يقضي فلما جزم بلام الأمر صار ليقْضِ.
أو إذا كان من المتساويين صار دالاً على الالتماس كما إذا قلت لصاحبك أو زميلك أو أخيك: لتركبْ معي يا أخي، لتركب معي يا أخي. هنا يعني ليس دعاء ولا أمرًا، وإنما هو التماس ورجاء.(1/156)
هذه التقسيمات الثلاثة تأتي في لا الناهية في قوله -تعالى-: لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ لا تشرك بالله هنا نهي حقيقي.
في قوله -تعالى- بالنسبة للدعاء على لسان المخاطبين: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ هنا ليس نهيا حقيقيا؛ لأنك تخاطب المولى -سبحانه وتعالى- وإنما هو دعاء منك رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ كل هذه الأفعال وما شابهها من ألفاظ الدعاء بالنسبة للمخلوق مع خالقه هي لا الناهية، لكنها أدبا لا تسمى لا الناهية، وإنما يسمى دعاء ولا يسمى نهيا.
أما الالتماس: فإذا قلت -مثلاً- لصاحبك أو زميلك أو أخيك أو مَن يساويك لا تقلقْ يا أخي فالامتحان سهل، أو ما إلى ذلك من الأفعال التي تتحدث بها مع ندك فإنها حينئذ تسمى التماسا.
هذه خلاصة الأفعال أو خلاصة الأدوات أو الحروف التي تنصب فعلاً واحدًا هي الخمس هي: لم، ولمّا، لام الأمر، ولا الناهية، والواقع في جواب الطلب.
بقي ما يجزم فعلين يكون موضوع الدرس -إن شاء الله- الدرس القادم.
فيه أسئلة عندكم استعداد للأسئلة الآن نأخذ بعضها سريعًا.
س- يقول: ما معنى كلمة مِنْوَال وما معنى كلمة مَنْدُوحة وما معنى كلمة بَلْهَا وما معنى كلمة بَيْدَ أرجو طرح هذا السؤال للأهمية؟.
ج- والله هذا سؤال مهم في المقال، لكن أنا ودي أن تكون الأسئلة حول موضوع الدرس؛ لأن مسائل اللغة العربية والنحو طويلة جدًا، لو كل شيء وكل كلام يُسأل عنه في هذا الدرس يكون فيه صعوبة. تقول: نسجتُ على مِنْوَالِه يعني: هيئته وطريقته وكيفيته، على منوال هذا الشيء، أي: على طريقته وهيئته وكيفيته.
بَلْهَا تقول -مثلاً-: عجز عن هذا المتفوقون بلها. يعني: الأقل منهم فكيف بذلك. .. فكيف بمن هو أدنى من ذلك!(1/157)
وكلمة مندوحة أي: لك أن تقول: لنا عن هذا الأمر مندوحة. أي: بإمكاننا أن نعدل عنه، أي: لنا عنه مجال لنا فرصة، ومجال للعدول عنه، لأن نأخذ بشيء بديل عنه، يعني: لسنا ملزمين بهذا الأمر، وإنما لنا عنه مندوحة.
وكلمة بَيْدَ. بيد بمعنى: إلا كما في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أنا أفصح العرب بَيْدَ أني من قريش أي هنا في هذا: مع أني من قريش، أو إلا أني من قريش، وهذه زادتني فصاحة على فصاحتي.
أرجو تعريفي ما هو باب ضرب وباب نصر.
باب ضرب: هو كل فعل يكون على وزن فَعَلَ يَفْعِلُ مثل: ضَرَبَ يَضْرِبُ، وباب نَصَرَ: هو كل فعل يكون على وزن فَعَلَ يَفْعُلُ مثل نصر يَنْصُرُ.
س- يقول:في قوله -تعالى-: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ لماذا لم يُرفع الفعل المضارع؟.
ج- لم يرفع لأنه مرَّ معنا في موضوع هذا الدرس؛ لأنه واقع في جواب الطلب، إذا وقع الفعل في جواب الطلب: فَذَرُوهَا تَأْكُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ "ارْجِعِ البَصَرَ يَنْقَلِبْ". .. وقوعه في جواب الطلب في هذه الآيات جعله مجزوما وليس مرفوعا.
س- هذا السؤال طويل لا أدري من أين أبدأ؟ يقول: قال بعض أهل اللغة: إنه وجد حروف زائدة في القرآن الكريم، وقد وجد في كلامهم تناقض، حيث قال: إن هذه الأحرف الزائدة لها فائدة في البلاغة، واستقامة في المعاني فكيف تكون زائدة، ولها فائدة؟ يعني: هذه خلاصة كلامه الطويل.
ج- الصحيح: أنهم يقولون الزيادة في المبنى زيادة في المعنى، يعني وخاصة حينما يأتي في القرآن، لا يأتي في القرآن شيء عبث، لكن حينما يقال: زائدة أمور مبنية على قضايا الإعراب، يعني في الإعراب ليس لها مكان لكنها في المعنى ما جيء بها إلا أنها تضيف معنى جديدًا قويًا.
ونكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.(1/158)
أما بعد:
أيها الإخوة في الله،: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتنا وأوقاتكم بكل خير، ونفعنا الله بما نقول، وبما نسمع في استعراض سريع لبعض الدروس الماضية يعني: جاءت بعض الأسئلة التي تتطلب مني أن أقف بعض الوقفات اليسيرة السريعة مع بعض ما مر في حديثنا عن ألف التأنيث، وكونها مانعا من الصرف، وأنها علة واحدة تكفي للمنع.
كان تركيزنا على ألف التأنيث الممدودة، وليس معنى ذلك أن ألف التأنيث المقصورة ليست مانعة من الصرف، وإنما ألف التأنيث على إطلاقها مانعة من الصرف، ولكن التركيز على الممدودة فقط؛ لأنها تظهر عليها الحركات؛ ولأننا كنا نتحدث عن علامات الإعراب الفرعية، وكنا نتحدث عن الجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، فهو يظهر ويتجلى واضحا في ألف التأنيث الممدودة.
أما ألف التأنيث المقصورة، فإن الإعراب فيها إعراب تقدير، سواء منعت من الصرف، أو لم تمنع من الصرف بأن دخل عليها ما يعيدها إلى الصرف، أو ما يمنعها ما يبعدها عن أحكام الممنوع من الصرف، وهو الإضافة، أو وقوعها مضاف ودخول الألف واللام عليها.
فألف التأنيث المقصورة تمنع من الصرف، وحينما تكون ممنوعة من الصرف، فإنك تقول في إعرابها: مرفوعة بضمة مقدرة، ومنصوبة بفتحة مقدرة، ومجرورة بفتحة مقدرة؛ لأنها ممنوعة من الصرف، فالإعراب فيها تقديري ؛ ولذلك كان التركيز على ما ختم بألف التأنيث الممدودة؛ لأنها هي التي تظهر عليها علامة الإعراب؛ وتبدو فيها الفتحة والكسرة؛ ومن هنا كان التركيز عليها.(1/159)
وكلمة "بيد" وردت أمس في أحد الأمثلة استطرادا، وقلت للسائل: إن المراد بها إلا، أو غير، فهذا هو معناها المشهور الكثير كما تقول: فلان كريم بيد أنه جبان، أي: هو كريم غير أنه جبان، والعادة أنه يحسن أن تتلازم، أو من العادة أن تتلازم صفتا الكرم والشجاعة، فيكثر أن يكون الإنسان كريما وشجاعا، فإن كان إن وجد فيه إحداهما فيمكن أن تقول: فلان شجاع، بيد أنه بخيل أي: غير أنه بخيل، أو إلا أنه بخيل.
هذا الاستعمال الكثير الشائع هو أنها بمعنى غير وزنا ومعنا، بيد على وزن غير، وفي معناها أيضا، وقد تأتي بمعنى من أجل كما في الحديث الذي سقناه بالأمس، وهو ما ينسب للرسول -صلى الله عليه وسلم- من قوله: أنا أفصح العرب بيد أني من قريش أي: هنا هي بمعنى من أجل أي: أنا أفصح العرب من أجل أني من قريش، أو بسب أني من قريش.
وهذا الحديث مما يدور على الألسنة، ويشتهر في الكتب، لكن كتب الأحاديث التي تبحث في أصل الحديث، وفي تحقيق الصحيح من الضعيف من الموضوع تقول: إن هذا الحديث لا أصل له، وإن كان معناه صحيحا، لا شك في صحته فالرسول -صلى الله عليه وسلم- هو أفصح العرب، وكونه من قريش أيضا زيادة على ذلك، أو مما أدى إلى ذلك، أو من أجله، كما هو معنى كلمة "بيد".
فكتاب كشف الخفاء للعجلوني وغيره يقول: بأن هذا الحديث لا أصل له، لكن معناه صحيح بلا شك.
كذلك كلمة "بلها" كلمة "بلها" لها عدة استعمالات، ولكن أبرز استعمالاتها هو ما ذكرناه من أنها بمعنى "كيف"، تقول: هذا الأمر عجز عنه المشمرون الجادون بلها المهملون، أي: فكيف بالمهملين، فإنهم لا يستطيعونه، ولا يقوون عليه، ولها استعمالات أخرى على أنها اسم فعل، أو مفعول مطلق، وما إلى ذلك.
في الشاهد الذي ورد بالأمس في قوله:
إني وقتل سليك ثم أعقله ... كالثور يضرب لما عافت البقر(1/160)
معنى هذا البيت لا يتضح إلا بمعرفة قصة البيت، وهو أن الشاعر رأى ما يريبه من الشاعر المشهور سليك ابن السلكة أو ابن سلكة، وهي اسم أمه، فقتله ثم بعد ذلك تحمل ديته، يقول: أنا الذي قتلته، ومع ذلك تحملت ديته، فتحملت ديته، فكأنْ صرتُ كالثور إذا عافت البقر الشرب، فإنها لا تضرب هي؛ لأنهم يرفقون بها من أجل ما فيها من اللبن، وإنما يضربون الثور ؛ لكي تتأدب هي.
والبيت الآخر قول الشاعر:
لولا توقع معتر فأرضيه ما ... كنت أوثر أترابا على تربي
أنا قرأته أترابا بالفتح، بفتح الهمزة، وهذه رواية فيه، وفيه رواية أترابا بالفتح على أنه بمعنى أنداد وأصحاب، وفيه رواية بالكسر أخرى إترابا، أي: الغني على ترب، أي: على الفقر.
انتهينا بالأمس إلى الحديث عن جوازم الأسماء التي تجزم فعلا واحدا، أو الشق الأول من الجوازم: وهو ما يجزم فعلا واحدا، وقلنا: إنها أربعة، وهي: لم، ولما، ولام الأمر، ولا الناهية.
والمؤلف -رحمه الله- زاد عليها "ألم وألما" وهما في الحقيقة لم ولما، لكن دخلت عليهما همزة الاستفهام، وهناك خامس مما يجزم الفعل الواحد وهو وقوعه في جواب الطلب، ومثَّلْنَا ببعض الآيات الكريمة: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وغير ذلك من الآيات.
وهي آيات كثيرة جدا لا نريد أن نستطرد في إعادة درس الأمس، أخشى أن يأخذ علينا الوقت فيطول بنا الحديث أكثر من اللازم فيما يتعلق بجوازم الفعل المضارع.
ننتقل إلى الشق الثاني من الجوازم، وهو ما يجزم فعلين:
الأدوات التي تجزم فعلين، المؤلف -رحمه الله- انفرد من بين عامة العلماء بأن أضاف لها أداة، أو اسما من أسماء الشرط، العلماء في الواقع يرون أنه من أدوات الشرط غير الجازمة؛ ولذلك لا يعدونه مع الجازمة في الغالب، وهو هنا أضافه وأعده من الجازمة، وهو "كيفما".(1/161)
فأدوات الشرط الجازمة ثماني عشرة، إذا أبعدنا منها الست التي ذكرها بزيادة "ألم وألما" يبقى عندنا اثنتا عشرة أداة، هذه تجزم فعلين لماذا نقول أدوات الشرط؟ لماذا لم نقل أسماء الشرط، أو حروف الشرط؟
يعني: لماذا كان التعبير بأدوات الشرط أولى وأدق من التعبير بحروف الشرط، أو بأسماء الشرط؛ نعم لأن هذه الأدوات فيها حروف، وفيها أسماء، فحتى يكون التعبير دقيقا، فإنه يحسن أن تقول: أدوات، ولا تقل: أسماء، أو حروف.
هذه الأدوات إذن منها ما هو حروف، ومنها ما هو أسماء، ومنها ما هو مختلف فيه، ويترجح فيه أحد الأمرين، فالأدوات نقرأها بسرعة سردا هي: "إن وما ومهما وإذما وأين ومتى وأين وأيان وأنى وحيثما وكيفما وإذا في الشعر خاصة".
هذه الأدوات منها ما هو حروف، ومن هذه الأدوات ما هو متفق على حرفيته، نعم "إن" فقط المتفق على حرفيته من هذه الأدوات هو "إن" الشرطية: إن تدرس تنجح، والمختلف فيه ولكن المترجح أنه حرف من هذه الأدوات ما هو؟ نعم، إذما، إذما فقط هي التي فيها خلاف.
لكن الراجح أنها حرف، هناك شيء مختلف فيه، والراجح أنه اسم ما هو المختلف فيه، والراجح اسميته ما هو؟ نعم، لا ليس "أيان" المختلف فيه، والراجح أنه اسم، "مهما" المختلف فيه، والراجح أنه اسم "مهما" هذه الآن ثلاثة، بقية الأدوات ما هي أسماء متفق على اسميتها. إذن نأخذ القليل الأول "إن" وهو متفق على حرفيتها، ثم "إذما" وهو مختلف فيها، والراجح أنها حرف، ثم "مهما" وهو مختلف فيها، والراجح أنها اسم.
ثم الأدوات الباقية كلها أسماء باتفاق وهي: "ما وأين ومتى وأي وأيان وأنى وحيثما وكيف ومن" أيضا كأنها سقطت هنا في المتن يبدو أنها ساقطة حرف أداة الشرط من وقال: "لم ولما وألم وألما ولام الأمر والدعاء" ولا الناهية، هذه تجزم فعلا واحدا "وإن وما ومهما وإذما وأين ومتى وأيان وأنى وحيثما وكيفما، وإذا في الشعر خاصة"(1/162)
سقطت "مَن" وهي من أهم أسماء الشرط، ومن أشهرها فليست موجودة هنا في المتن، أدوات الشرط هذه ماذا تعمل ؟ تجزم فعلين: الأول ماذا يسمى ؟ نعم يسمى فعل الشرط، والثاني ماذا يسمى ؟ يسمى جواب الشرط وجزاءه أيضا؛ لأن جواب الشرط يتضمن الجواب، ويتضمن أن فيه ما يشبه الجزاء.
أداة الشرط هذه إذا دخلت على فعل معرب، فإنه يكون مجزوما جزما حقيقيا ظاهرا، فإذا دخلت على فعل مبني. فما الحكم ؟ فإنه يكون نعم. فإنه يكون مبنيا في محل جزم، فإذا دخلت على فعل يظهر عليه الإعراب فإنه يكون مجزوما مثل: إن تدرسْ تنجحْ، فإذن ظهرت.
فإذا دخلت على فعل مبني، فإنه يكون حينئذ مبنيا، لكنه في محل جزم مثلا: إن جاء محمد أكرمته، إن دخلت على الفعل الماضي "جاء" ماذا تقول في الإعراب ؟ تقول: جاء فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم؛ لأنه فعل الشرط، فهي إذن تجزم فعلين، لكن هذا الجزم قد يكون ظاهرا، إذا كان الفعل معربا قابلا للجزم، وقد يكون ليس ظاهرا، وإنما في محل، وذلك إذا كان الفعل مبنيا.
هذا والفعلان اللذان تدخل عليهما أدوات الشرط، قد يكونان مضارعين مثل ماذا؟ مثل المثال الذي مثلنا به، وهو إن تدرس تنجح. كما في قوله -تعالى-: وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ هنا الفعلان مضارعان، وقد يكون العكس أي: قد يكون الفعلان يعني: فعل الشرط وجوابه قد يكونان ماضيين كما في قوله -تعالى-: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا الفعل فعل الشرط فعل ماض، وجواب الشرط أيضا فعل ماض.(1/163)
وقد يكون العكس يعني: أو قد يكون أحدهما الأول فعلا ماضيا، والثاني والجواب فعلا مضارعا، مثل إن جاء محمد أكرمته، إن جاء محمد أكرمته، أو إن جاء محمد أكرمته. مثال للسابق إن جاء محمد أكرمته مثال لهما إذا كانا ماضيين، إن جاء محمد أكرمه، أو إن جاء محمد يغادر أخوه، فيكون الأول ماضيا، والثاني مضارعا كما في قوله -تعالى-: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ .
الفعل كان ماضي، والجواب نزد مضارع، وقد يكون العكس، وهو أقلها، العكس ما هو؟ أن يكون فعل الشرط مضارعا، ويكون جوابه ماضيا، وهذا هو القليل أن يكونا مضارعين، هذا كثير أن يكونا ماضيين، هذا كثير أن يكون الفعل الأول ماضيا، والثاني مضارعا يعني: فعل الشرط ماضيا، وجوابه مضارعا، وهذا أيضا كثير.
أقل الصور الأربع عكس الصورة الثالثة، وهي أن يكون فعل الشرط مضارعا وجوابه ماضيا، وهذه صورة قليلة حتى إن بعض العلماء يعني: أنكر وجودها وحاول تأويل ما كان منها لكنها موجودة، ولها شواهد.
مما يُسْتَشْهَد به عليها قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في إحدى الروايات من يقم ليلة القدر غفر له ما تقدم من ذنبه من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه "من يقم" الفعل "يقم" فعل الشرط "غفر" هو جواب الشرط، وهو بصيغة الماضي.(1/164)
ورد لهذا شاهد في القرآن الكريم، لكنه ليس شاهدا مباشرا، وإنما شاهد مؤنس ومعين أو مبين لذلك وهو قوله -تعالى-: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ما وجه الاستشهاد بهذه الآية ؟ أولا أين فعل الشرط ؟ وأين جوابه ؟ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ نعم، فعل الشرط "نشأ" وجوابه "فظلت" هذا صحيح، نعم فعل الشرط "نشأ" وجوابه "ننزل" وكلاهما مضارعان، إذن من أين جاء الشاهد؟ نقول: إنه شاهد مؤنس، وليس شاهدا مباشرا، هنا الفعل والجواب مضارعان.
لكن الجواب المضارع عطف عليه فعل ماض، وهو قوله -تعالى-: فظلت فعطفُ الماضي عليه يؤنس بجواز وقوع الماضي جوابا؛ لأن ما صح أن يكون معطوفا صح أن يقع في محل المعطوف عليه، فإذا عطفت على المضارع فعلا ماضيا، فمعنى ذلك أنه يصح أن توقع الماضي موقع المضارع، فهذه الآية مؤنسة ومؤذنة بجواز، وقوع فعل الشرط فعلا مضارعا، ووقوع الجواب فعلا ماضيا، وهو بلا شك أقل الصور الثلاث التي أشرنا إليها.
فعل الشرط هل يشترط فيه شروط أو أنه ليس له شروط؟ في الواقع أن فعل الشرط يشترط فيه:
أن يكون فعلا ليس طلبيا، فلا يصح أن يقع فعل الأمر فعل شرط، لا يصح أن تقول: إن قم، أو إن اجلس، لا يصح يشترط فيه أن يكون فعلا ليس طلبيا.
ولا فعلا جامدا أيضا، نعم أن يكون فعلا ليس طلبيا، يعني: ليس أمرا، وما في حكمه من الطلب، وألا يكون فعلا طلبيا ليس منفيا أيضا، بلن ونحوها وليس مسبوقا بقد، أو بالسين، أو سوف، أو نحو ذلك، فلا بد فيه أن يكون كذلك، ومن هنا، فإن جواب الشرط إذا وقع واحد من هذه الأشياء فإنه يلزم أن تدخل عليه الفاء، أنتم تجدون أحيانا أن الفاء تدخل في جواب الشرط.(1/165)
متى تدخل الفاء في جواب الشرط إذا كان واحدا من هذه الصور الممنوعة في فعل الشرط: إذا كان طلبيا، أو كان جملة اسمية، أو كان منفيا بلن، أو كان منفيا، أو كان مسبوقا بقد أو بالسين أو سوف أو نحو ذلك.
إذا كان جواب الشرط واحدا من هذه الصور فإنه تدخل عليه الفاء، وإلا فإن الفاء لا تدخل في جواب الشرط، إلا في مثل هذه الصور.
نستعرض استعراضا سريعا لأدوات الشرط، ومع التمثيل لكل واحد منها طيب نبدأ بـ:
"من" وهي التي أسقطها المؤلف ونسيها، نعم في الطبعة هذه قصدي ليست في كل الطبعات، وإنما في هذه الطبعة، طبعا ليس المؤلف الذي أسقطها قطعا، وإنما هي من الطباعة، ففي هذه النسخة سقطت "من" وفيما عداها من النسخ فهي موجودة، كما في بعض الشروط.
وفي بعض المتن الذي في طبعة الشروح هي موجودة فيه بلا شك "من" كما في قوله -تعالى- ... الآيات التي وردت فيها "من" أداة شرط كثيرة مثل ماذا؟ من يأتي بشاهد من القرآن؟ تفضل: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا أو فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا هذه الآية هنا ترون أنها دخلت الفاء في الجواب لماذا دخلت الفاء في جواب الشرط؟ نعم؛ لأنها جملة اسمية مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا .
هنا لأن الجواب جملة اسمية دخلت عليه الفاء، هذا شاهد على "من" وكذلك شاهد آخر على "من" وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ أيضا فعلان، لكن الأخير؛ لأنه معتل الآخر جزم بحذف حرف العلة.(1/166)
طيب شاهد على "ما"، شاهد من القرآن على "ما" الشرطية؟ نعم وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ هذا جواب الشرط وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ .
ومثال شاهد على "أي" طبعا أي هذه لو دخلنا في تفصيلاتها لوجدنا أنها أنواع كثيرة "أي" تكون شرطية، وتكون استفهامية، وتكون موصولة وتكون حالية، وتكون نعتا أي: وصفية، فـ "أي" هذه عدة أنواع، وأنا أريد شاهدا ومثالا على أي الشرطية التي لها جواب، لها فعل ولها جواب تفضل.
هذا سنحتاجه في "أينما" نحن نريد شاهدا لـ "أي" نعم، ما سمعت، نعم هذا صحيح، هذا صحيح شاهد من القرآن في آية مشهورة تتناقلها كتب النحو، نعم في قوله -تعالى-: أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى هنا دخلت الفاء في جواب الشرط أيضا؛ لأنه جملة اسمية.
مثال أو شاهد على "متى" مثال على "متى" لو من الشعر أيضا أو من النثر نعم، نعم:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني
هذا البيت المشهور الذي استشهد به الحجاج، أو تمثل به الحجاج بن يوسف الثقفي طبعا هو ليس من قوله، وإنما هو من قول الشاعر سحير بن وثين الرياحي:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني
"أضع" هنا هو فعل الشرط ومجزوم، لكن السكون خففت؛ لأجل التقاء الساكنين، أصله متى أضع العمامةَ فإذا وصلت قلت: متى أضع العمامةِ يعني: بالكسر؛ لأجل التقاء الساكنين، الساكن وهو الألف واللام.
"تعرفوني" هو جواب الشرط، وقد جزم بماذا؟ بحذف النون؛ لأنه من الأفعال أو من الأمثلة الخمسة، ومثل "متى" أيضا قول الشاعر:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد(1/167)
وشاهد على "أيان" أو مثال على "أيان" ربما تكون الشواهد عليها قليلة، وليست كثيرة، أيان مثالها قولك: أيان تلقني أكرمك، أيان تلقني أكرمك أي: في أي مكان أو متى ما لقيتني فإنني سأكرمك.
ومثال الشاهد على "أينما" هو شاهد كذا قوله -تعالى-: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ .
وحيثما "حيثما" أيضا من شواهدها قول الشاعر:
حيثما تستقم يقدر لك الله ... نجاحا في غابر الأزمان
ومثال "كيفما" وهي التي قلت لكم: إن المؤلف أدخلها، وغالبية العلماء يرون أنها من أدوات الشرط غير الجازمة؛ ولذلك لا يدخلونها "كيفما" نعم: "كيفما تكونوا يول عليكم" هذا صحيح "كيفما تكونوا يول عليكم"، "كيفما تجلس أجلس مثلك" يعني: في الهيئة التي تجلس أحاول أن أقلدك فيها.
إذا أدخلها المؤلف، وهي أيضا من أدوات الشرط غير الجازمة، لكنه سمع الجزم بها في الشعر فقط؛ ولذلك أدخلت كما في قول الشاعر:
واستغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتجمل
"وإذا تصبك خصاصة فتجمل" أي: إذا أصابك فقر فتجمل وتجلد ولا تحاول أن تتسخط، أو أن تظهر شيئا من ذلك عليك.
"إذما" التي قلنا: إنهم اختلفوا فيها، والراجح أنها حرف كما في قول الشاعر:
وإنك إذ ما تأت ما أنت آمر ... به تلف من إياه تأمر آتيا
يقول: إذا أردت أن تأمر الناس بشيء، فحاول أن تبدأ بنفسك حتى ينقاد الناس، ويأتون ما أمرتهم به طوعا، وبسرعة دون أن تتوقع ذلك "وإنك إذما تأت ما أنت آمر به تلف"، "تلف" هنا هو جواب الشرط، وقد جزم بحذف حرف العلة؛ لأنه فعل مضارع معتل الآخر، نعم.
دخل عليها الفاء في جواب الشرط هنا؛ السبب لأن "إذا" هذه ليست من أدوات الشرط الجازمة أصلا، والفاء ليس معنى ذلك أنها لا تدخل، بل هو يجب.(1/168)
يتعين دخولها حينما يكون جواب الشرط من الأشياء التي لا تصلح أن تكون فعل شرط، وذلك في الفعل الطلبي، وفي الجملة الاسمية، وفي غيرها من الأشياء، لكن دخولها في غير ذلك أقل منه بقليل، وهو سائغ كما دخلت هنا، وليس ممنوعا أن تدخل مع بقية الأشياء، لكنه متعين، وواجب دخولها في الأشياء التي لا يصلح أن تكون فعل شرط، وقد تنوب عنها "إذا" فتدخل محل الفاء حينئذ كما في قوله -تعالى-: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ .
تدخل "إذا" أحيانا بدل الفاء التي تقع في جواب الشرط إذا كان الجواب من الأشياء التي لا تصلح أن تقع فعل شرط.
من الأدوات "مهما" وهي -كما قلنا- مختلف فيها، والراجح أنها اسم، ومن أمثلتها قوله -تعالى-: مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ لا أدري هل نسينا شيئا من الأدوات؟ "أنى"، أنى مثالها نعم، نعم
أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد ... تجده كالطير مقصوصا جناحاه
هو صحيح شاهد على "أنى".
هذا خلاصة الحديث عن أدوات الشرط تعدادها، وعملها، ونوع فعل الشرط، وجوابه، والأسماء منها، والحروف بقي إشارة إلى هذه الأسماء من حيث المعنى.
أدوات الشرط لو أردنا أن نصنفها إلى فئات من حيث المعنى، ماذا نقول: إذا نظرت إلى "إن وإذما" وجدت أنها لمجرد تعليق الجواب بالشرط ؛ لمجرد تعليق الجواب بالشرط، فإذا نظرت إلى "من" وجدتها تجمع بين ماذا؟ "من" بصفة عامة سواء كانت للموصول، أو كانت للاستفهام، أو كانت للشرط، فإنها مضادة لأختها "ما" سواء كانت للشرط، أو موصولة، أو استفهامية.
ما الفرق بينهما؟ ما الفرق بين "من وما" في هذه الاستعمالات الثلاثة؟ تفضل أنت، نعم أنت، أن "من" تكون تستعمل للعاقل باستمرار، وأن "ما" لغير العاقل.(1/169)
هناك حالات قليلة ذكرها العلماء للتناوب بينهما يعني: لاستعمال هذه لغير العاقل في مواضع، واستعمال هذه بالعكس في مواضع، لكن الأصل فيها أن "من" للعاقل، وضمنت معنى الشرط هنا، وأن "ما" لغير العاقل، وضمنت معنى الشرط.
هنا يلحق بـ "ما" في هذا الموضع "مهما" أيضا، فإنها تستخدم لذلك فإذا نظرت إلى "متى وأيان" وجدت أنهما ضُمِّنَا معنى الشرط مع دلالتهم على الزمان، فإذا نظرت إلى "أين وأنى وحيثما" وجدت أنه نعم، ضمنت معنى الشرط مع دلالتها على المكان، ضمنت "أين وأنى وحيثما" هذه الثلاثة ضمنت معنى الشرط مع دلالتها على المكان، والاثنان اللذان قبلهما "متى وأيان" ضمنا معنى الشرط مع دلالتهما على الزمان.
"كيفما" هذه يعني: هي حكمها حكم "كيف" أيضا في أنها للدلالة على الهيئة للدلالة على الهيئة، طيب نأتي للأخير منها وهو "أي"، أي ما حكمها؟ "أي" في الواقع نعم، "أي" تتشكل بحسب ما تضاف إليه تقول: "أيهم يقم أقم معه" أضفتهما إلى عاقل دلت على العاقل مع الشرط، أي الدواب تركب أركب، أضيفت إلى غير العاقل، فدلت عليه مع تضمينها معنى الشرط.
أي يوم تصم أصم، أضيفت إلى زمان فدلت على زمان مع تضمينها معنى الشرط، أي مكان تجلس أجلس فيه، أضيفت إلى مكان فدلت على المكان مع تضمينها معنى الشرط، فإذن "أي" تتكيف بحسب ما تضاف إليه، أي أنها تدور مع الفئات المتقدمة كلها، تكون مع العاقل، وتكون مع غير العاقل، وتكون مع الزمان، وتكون مع المكان، وهي في كل صورها مضمنة معنى الشرط؛ لكي تكون أداة شرط.
هذه خلاصة الحديث في الأدوات التي تجزم فعلين، يبدو أن قضية النواصب والجوازم أخذت وقتا كبيرا، لا نقول ما تستحقه، لكن كنا نود في مثل هذه العجالة ألا يعني: تأخذ منا هذا الوقت كله.(1/170)
فقد كان حديثنا في الدرس السابق عن الجوازم، بل عن القسم الثاني من الجوازم، وهو ما يجزم فعلين، وذكرنا هذه الأدوات التي تجزم فعلين، وقلنا: إن تسميتهما بالأدوات، هي أولى ؛ لأن منها ما هو حروف، ومنها ما هو أسماء.
وبينا أن المتفق على حرفيته منها هو "إن" وأن الذي تترجح حرفيته منها هو "إذما"، وأن الذي تترجح اسميته على حرفيته هو "مهما" وأن بقية الأدوات هي أسماء، وأن المؤلف -رحمه الله- أدخل معها "كيفما" مخالفا بذلك ما يراه أغلب العلماء من أن "كيفما" من أدوات الشرط غير الجازمة.
ونحن هنا إنما نتحدث عن أدوات الشرط الجازمة، وبينا أن فعل الشرط إن كان صالحا لظهور العلامات عليه فهو مرفوع، فإنه يكون مجزوما بسكون ظاهر أو بعلامة جزم أخرى من علامات الجزم الأخرى، وإن كان مبينا فإن جزمه يكون جزما محليا، ولا يكون جزما ظاهرا، وأن فعل الشرط وجوابه إما أن يكونا مضارعين، وإما أن يكونا ماضيين، وإما أن يكون الأول ماضيا، والثاني مضارعا، والصورة الرابعة وهي القليلة أن يكون الأول مضارعا، والثاني ماضيا.
باب مرفوعات الأسماء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب مرفوعات الأسماء؛ فالمرفوعات سبعة، وهي الفاعل، والمفعول الذي لم يُسَمَّ فاعله، والمبتدأ وخبره، واسم كان، وأخواتها، وخبر إن وأخواتها، والتابع للمرفوع، وهو أربعة أشياء: النعت، والعطف، والتوكيد، والبدل.
---
انتقل الآن بعد أن تحدث عن علامات الرفع، وعلامات النصب وعلامات الجر، وعلامات الجزم أراد أن يدخل في تفصيل هذه الأشياء التي تطبق عليها تلك العلامات، فبدأ بالمرفوعات ومن الأسماء خاصة فقال:(1/171)
"باب المرفوعات، الأسماء المرفوعات من الأسماء سبعة، وهي الفاعل، والمفعول الذي لم يُسَمَّ فاعله، وهو المشهور بأنه يسمى النائب عن الفاعل، المفعول الذي لم يسم فاعله، هو الذي اصطلح على تسميته بنائب الفاعل، أو بالنائب عن الفاعل، والمبتدأ، وخبر المبتدأ، واسم كان وأخواتها، وخبر إن وأخواتها، والتابع المرفوع".
إذا قال: التابع المرفوع فإن هذه الكلمة تدخل فيها كل أنواع التوابع الخمسة، التوابع الخمسة ما هي ؟ سيأتي حديث مفصل عنها هي: النعت والعطف بنوعيه يعني: عطف البيان، وعطف النسق، والتوكيد والبدل.
هذه التوابع الخمسة تختلف عما ذكره من هذه الأشياء التي قبلها ؛ لأنها لا تثبت على الرفع، مثلا الفاعل مرفوع دائما، المبتدأ مرفوع دائما، الخبر مرفوع دائما، اسم كان مرفوع دائما، خبر إن مرفوع دائما، أما التابع فإنه إن كان مرفوعا دخل مع المرفوعات، وإن كان تابعا لمنصوب دخل مع المنصوبات، وإن كان تابعا لمجرور دخل مع المجرورات، فالتابع هنا مقيد بأنه التابع المرفوع؛ لأن التابع بحسب متبوعه يكون مرفوعا ومنصوبا ومجرورا.
هناك تنبيه يا إخوان:
أخشى أن يكون بعض الإخوة لا يعرف أن أستاذ مادة بعد صلاة العصر معتذر، فلا أدري هل تفضلون نحاول أن نشغلها ببعض الأيام بالنحو؛ لأنني ربما أكون مضطرا للتغيب في الأسبوع القادم عن بعض المحاضرات بسبب اضطراري إلى سفر، فهل يناسبكم أن نأخذ ساعة بعد صلاة العصر في النحو، لكي نعوض عنها ما ربما قد يفوت من محاضرات في الأسبوع القادم؟ هل يناسبكم أو لا يناسب؟
طيب معذرة الإخوان الذين يرون أنه مناسب لو رفعوا أيديهم نشوف الأيدي هل هي كثيرة أو قليلة؟ طيب العدد طيب إن شاء الله، إذن نحاول أن نستفيد من وقت بعد العصر، متى ما سنحت الفرصة؛ لنحاول أن نعوض به ما قد نضطر إلى تركه من دروس في الأسبوع القادم إن شاء الله.(1/172)
ابتداءا من هذا اليوم إن شاء الله، نعم ابتداءا من هذا اليوم الساعة الرابعة والنصف، لنبدأ إلى الخامسة والنصف يعني العصر فيه بركة نأخذ منه ساعة فقط، وبقية الوقت تتحركون فيه كيفما شئتم.
فهذه هي المرفوعات السبعة معنى ذلك أنك لا يمكن أن تجد اسما مرفوعا في اللغة العربية، ويخرج عن هذه الأشياء السبعة بحال من الأحوال، وهذه الأشياء السبعة سيأخذها المؤلف بالتفصيل واحدا واحدا.
باب الفاعل
باب الفاعل: الفاعل هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله، وهو على قسمين: ظاهر، ومضمر. فالظاهر نحو قولك: قام زيد، ويقوم زيد، وقام الزيدان، ويقوم الزيدان، وقام الزيدون، ويقوم الزيدون، وقام الرجال، ويقوم الرجال، وقامت هند، وتقوم هند، وقامت الهندان، وتقوم الهندان، وقامت الهندات، وتقوم الهندات، وتقوم الهنود، وقام أخوك، ويقوم أخوك، وقام غلامي، ويقوم غلامي، وما أشبه ذلك.
والمضمر اثنا عشر نحو قولك: ضربتُ وضربنا، وضربتَ وضربتِ وضربتُما وضربتم وضربتن، وضربَ وضربتِ، وضربَا، وضربوا، وضربن.
---
عرف الفاعل، ثم انتقل إلى التمثيل له بأمثلة طويلة، ومغزاه من هذه الأمثلة الطويلة أن يبين لك بأن الفاعل يعني: سواء سبق بفعل ماض، أو فعل مضارع، أو سواء كان معربا بالحروف، أو كان معربا بالحركات، وسواء كان مفردا أو مثنى أو جمعا، وسواء كان جمع تكسير، أو كان جمع مذكر سالما، أو جمع مؤنث سالما.
فأتى من الأسماء الخمسة، أو الستة أتى بمجموعة أمثلة؛ لكي يبين لك تنوع الفاعل، وأنه يعني: مهما كان من هذه الأنواع فإنه يعد فاعلا ويدخل فيه.(1/173)
قال: "الفاعل هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله" كلمة الاسم ماذا يريد أن يخرج بها؟ نعم، يريد أن يخرج بها الحرف والفعل، فإن الفاعل لا يمكن أن يكون فعلا، ولا يمكن أن يكون حرفا، وإنما لا بد فيه أن يكون اسما، كذلك كلمة اسم تشمل ما كان اسما صريحا، وما كان اسما مؤولا، الاسم الصريح واضح في "جاء محمد"، "وقام علي" وغيرها من الأسماء الصريحة.
الاسم المؤول ماذا يراد به؟ نعم يراد به ما كان مصدرا منسبكا من حرف مصدري وفعل، يعني إذا قلت: قام محمد، فمحمد فاعل، إذا قلت في قوله -تعالى-: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا الفعل "يكفهم" أين فاعله؟ نعم، المصدر المؤول من "أن" وما دخلت عليه في محل رفع فاعل لـ "يكفهم" تقديره ماذا أو لم يكفهم إنزالنا.
وكما إذا قلت مثلا: أعجبني ما صنعت، وأردت بها المصدرية، فإن التقدير حينئذ أعجبني صنيعك أو صنعك، سرني أن اجتهدت، تقديره سرني اجتهادك.
فإذن الفاعل سواء كان هو يراد به الاسم، سواء كان اسما صريحا، مثل محمد وعلي وخالد وكتاب وقلم، ونحو ذلك أو كان اسما مؤولا، ويراد به الفعل إذا دخل عليه حرف مصدري وَأُوِّلَ هو وهذا الفعل بفاعل، أو وقع في محل يكون فيه فاعلا، فإن المصدر المنسبك، أو المصدر المؤول منهما معا يعرب فاعلا مرفوعا.
طبعا كلمة المرفوع يريد به أن الفاعل من أبرز أحكامه، وأشهرها الرفع، فلا يكون الفاعل مجرورا، ولا يكون منصوبا، وإنما لا بد فيه أن يكون مرفوعا طبعا، سواء كان كما مر معنا، سواء كان وكما مثَّل المؤلف سواء كان مرفوعا بحركة، أو كان مرفوعا بحرف، أو كان مرفوعا بضمة ظاهرة، أو كان مرفوعا بضمة مقدرة، وسواء كانت مقدرة للثقل أو للتعذر أو للمناسبة أو غير ذلك.
المهم أنه لا بد أن يكون مرفوعا مهما كان نوع هذا الرفع، طيب.(1/174)
وقوله: "المذكور قبله فعله" ما المراد بها المراد بها أن الفاعل لا بد أن يتقدم فعله عليه، ولا يصح بحال من الأحوال أن يتقدم الفاعل، وهذا هو المشهور من رأي الجمهور، وإن كان هناك من العلماء من يجيز تقدم الفاعل.
فمحمد في قولك: "محمد قام" ماذا تعرب ؟ تُعرب مبتدأ، وقام خبر وفاعله ضمير مستتر تقديره هو، وإن كان محمد هو الفاعل في المعنى فلا يصح أن تقول: محمد فاعل مقدم، وقام فعل مؤخر.
الفاعل من أحكامه الأساسية والرئيسية أنه يجب أن يتأخر عن فعله، وكلمة "فعله" هذه ليست على إطلاقها أو قصد أنها فيها نوع من التجوز، وهي تشمل العامل في الفاعل، سواء كان فعلا، أو كان مما يجري مجرى الفعل، ويراد به اسم الفاعل، فاسم الفاعل يرفع فاعلا، وغيره من الأشياء التي قد ترفع فاعلا.
إذن فكلمة "فعله" أطلقت، ويراد بها ما كان فعلا حقيقيا، أو كان جاريا مجرى الفعل مما يرفع فاعلا: كاسم الفاعل، والمصدر وغيره من الأشياء.
وهو على قسمين: الفاعل طبعا، هذا التعريف الذي ذكره المؤلف نحن نقف عنده، وإلا فهناك أفعال، أو هناك تعريفات كثيرة وردت في كتب النحو، لكن هذا التعريف الذي ذكره المؤلف تعريف يعني: إذا أوضح بهذه الصورة، فإنه يكون شاملا، إذا أدخلت فيه الاسم الصريح والمؤول، وإذا أدخلت فيه الفعل، وما جرى مجراه من الأشياء التي تعمل عمله -فإنه يكون تعريفا مقبولا.
وإلا فإن هناك تعريفات أخرى لابن هشام في "شرح القطر" وله في "أوضح المسالك" ولغيره من العلماء تعريفات، ربما كان فيها زيادة توسع وزيادة تفصيل، لكن هذا التعريف تعريف لا بأس به، وهو على قسمين أي: أن الفاعل على قسمين: فيكون اسما ظاهرا، ويكون اسما مضمرا، أو ضميرا.(1/175)
فالاسم الظاهر مَثَّلَ له المؤلف بعدة أمثلة، قام زيد أراد بها الاسم المفرد المعرب بالحركات الظاهرة، والذي سبقه فعل ماض، يقوم زيد أراد به ما سبقه فعل مضارع، قام الزيدان أراد به ما كان معربا بالحركات، وهو مثنى مرفوع بالألف وسبق بالماضي، يقوم الزيدان كذلك إلا أنه سبق بالمضارع، قام الزيدون الفاعل جمع مذكر سالم مرفوع بالواو، وسبق بماض.
يقوم الزيدون كذلك إلا أنه سبق بالفعل المضارع قام الرجال الرجال فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة؛ لأنه جمع تكسير، وقد سبق بفعل ماض، ويقوم الرجال مثله إلا أنه سبق بفعل مضارع، وقامت هند الفاعل هنا مؤنث، وسبق بمفرد مؤنث، وسبق بالفعل الماضي، وتقوم هند كذلك، وسبق بفعل مضارع، وقامت الهندان مثنى مؤنث سبق بالماضي، وتقوم الهندان مثنى مؤنث سبق بالمضارع.
وقامت الهندات جمع مؤنث سالم سبق بالماضي، وتقوم الهندات جمع مؤنث سالم مرفوع بالضمة وسبق بالمضارع، وتقوم الهنود، الهنود جاء به ليبين لك أن جمع التكسير سواء كان مذكرا مثل: قام الرجال الذي مَثَّلَ به، أو كان لمؤنث مثل قامت الهنود، وتقوم الهنود، وهو جمع لهند المؤنثة.
وقام أخوك أراد به ما كان الفاعل من الأسماء الستة معربا بالحركات مرفوعا بالواو، ويقوم أخوك كذلك ماض ومضارع، وقام غلامي أراد به ما كان مرفوعا بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، ومثله يقوم غلامي، وما أشبه ذلك، مثل قام الفتى ما كان الضمة مقدرة للتعذر، وقام القاضي ما كانت الضمة مقدرة للثقل.
فهذه الأمثلة التي نَوَّعَهَا المؤلف هي يعني: جاء بها مطولة، وإلا فإنها كلها يعني: أمور معروفة أن الفاعل سواء كان مفردا أو مثنى أو جمعا سواء أعرب بالحركات، أو الحروف، وسواء سبق بفعل ماض، أو فعل مضارع.(1/176)
طيب لماذا لم يأت في الأمثلة السابقة كلها بفعل أمر؟ وإنما حصر التمثيل في الماضي والمضارع فقط، نعم، لا ليس هذا الجواب، نعم ؛ لأنه هنا يتحدث عن ماذا؟ هو يتحدث عن الظاهر عن الفاعل الظاهر فقال: "فالفاعل الظاهر نحو كذا، ومَثَّل له بالماضي والمضارع، ولم يمثل بالأمر هناك لماذا؟ لأن فاعل فعل الأمر مضمر وجوبًا.
لأن فاعل فعل الأمر إما أن يكون ضميرا مستترا وجوبا، إذا كان للواحد مثل اكتب أي: أنت، أو أن يكون ضميرا لكنه من الضمائر الظاهرة المتصلة" اكتبا اكتبوا اكتبن" لكن فاعل فعل الأمر لا يكون اسما ظاهرا.
ولذلك وهو يمثل بالفاعل إذا كان اسما ظاهرا جاء بالفعل الماضي والمضارع، ولم يأت بالأمر؛ لأن الأمر لا يرد هناك؛ لأن فاعل فعل الأمر لا يكون إلا ضميرا ؛ سواء كان ضميرا مستترا أو ضميرا بارزا.
والمضمر اثنا عشر يعني: سيأتي بضمائر الرفع الآن جاء بالفاعل إذا كان اسما ظاهرا، وسيأتي بالفاعل إذا كان ضميرا، طبعا الضمائر كما تعرفون مما درستم أنواع، منها ضمائر الرفع، ومنها ضمائر النصب، ومنها ضمائر الجر، وهي أيضا تكون ضمائر متصلة، وضمائر منفصلة.
الضمائر المتصلة ما تعريفها؟ لو أردت أن تفرق بين الضمير المتصل والمنفصل ما الفرق بينهم؟ يعني: ما الضابط الذي تستطيع أن تفرق به بين نوعي الضمير المتصل والمنفصل؟ تفضل صحيح، نعم الضمير المتصل هو الذي لا يمكن البدء به، ولا يمكن وقوعه بعد إلا، إلا في ضرورة الشعر.
أي: أن الضمير المتصل إذن هو ما لا يبدأ به، ولا يصح وقوعه بعد إلا، والضمير المنفصل هو ما يجوز أن يبتدأ به، تقول أنت مجتهد وقع مبتدأ، وابتدأ به وصح وقوعه بعد إلا، ما قام إلا أنت هذا، هو يعني: العلامة البارزة الظاهرة للتفريق بين الضمير المتصل والمنفصل.(1/177)
أن الضمائر المتصلة لا يبدأ بها، ولا يصح أن تقع بعد إلا، وأن الضمائر المنفصلة هي التي يصح الابتداء بها ويصح وقوعها بعد إلا، وهذا الكلام ليس هو العلامة الوحيدة يعني: قد يكون هناك علامات أخرى تدلك على التفريق بين الضمير المتصل والمنفصل، لكن هذه العلامة كافية للتفريق بينهما.
فالمضمر إذن ما الذي يصلح من الضمائر لكي يكون فاعلا؟ ما الذي يصلح من أنواع الضمائر لكي يكون فاعلا؟ نعم الضمير المتصل مطلقا، ضمائر الرفع بصفة عامة، الضمائر التي يصح أن تكون فاعلا هي ضمائر الرفع؛ لأنه لو قلت: الضمير المتصل عموما، الضمير المتصل، فيه ضمائر نصب لا تقع فاعلا، وإنما تقع مفعولا، وفيه ضمائر الجر لا تقع فاعلا، وإنما تقع مجرورا بحرف الجر، أو بالإضافة.
فالضمائر التي يصح أن تقع فاعلا هي ضمائر الرفع، سواء كانت متصلة، أو منفصلة ضمائر الرفع يصح أن تقع فاعلا، سواء كانت ضمائر متصلة، أو ضمائر منفصلة.
لماذا سميت بضمائر الرفع؟ لأنها تكون مرفوعة ما دامت تصح أن تكون مرفوعة إذن يصح أن تكون فاعلا، ضمائر النصب لا يصح أن تكون فاعلا؛ لأننا اشترطنا في الفاعل أن يكون مرفوعا، وضمائر الجر لا يصح أن تكون فاعلا؛ لأن أول شرط في الفاعل أن يكون مرفوعا ؛ فضمائر الرفع سواء كانت متصلة كما مَثَّل المؤلف، أو كانت منفصلة كما سنمثل مما تركه المؤلف.(1/178)
يقول: "والمضمر الذي يقع فاعلا اثنا عشر لماذا كانت اثنا عشر ضميرا سواء كانت متصلة أو منفصلة؟ لماذا كانت اثنى عشر؟ نعم. نعم لماذا كانت اثنى عشر؟ يعني من أين جاءت هذه القسمة؟ ومن أين ظهر هذا العدد؟ نعم؛ لأنها نعم؛ لا لأنها صارت الضمائر اثنى عشر؛ لأن اثنين بصفة عامة للمتكلم: أنا، ونحن، ومثله متصل، وخمسة للمخاطب وخمسة للغائب، باستقراء الضمائر صارت اثنى عشر، كما سترونه في التمثيل الآن؛ لأن اثنين للمتكلم، ولو حاولت أن تأتي للمتكلم بأكثر من ضميرين ما استطعت، وخمسة للمخاطب، ولو حاولت أن تأتي بأكثر من خمسة ما استطعت، وخمسة للغائب فأصبح المجموع خمسة، وخمسة عشرة واثنين اثنا عشر.
والمضمر اثنا عشر، نحو قولك: ضربتُ وضربنا هذان اثنان للمتكلم المتكلم المفرد أو المتكلم الجمع، أنا نحن ضربتُ ضربنا، إذن اثنان للمتكلم، سواء كان مفردا أو جمعا، أو المفرد المعظم نفسه؛ لأنه يستخدم كلمة نحن، ويستخدم كلمة نا.
وضربتَ وضربتِ وضربتُما وضربتم وضربتن هذه خمسة للمخاطب
وضربَ أي هو مستتر ضربتِ أي هي مستتر وضربَا ألف الاثنين وضربوا واو الجماعة وضربن نون النسوة، هذه خمسة للغائب فأصبحت الآن ضمائر الرفع المتصلة التي تقع فاعلا اثني عشر ضميرا اثنان للمتكلم، وخمسة للمخاطب، وخمسة للغائب.
طيب إذن ضرب إذا جئت تعرب كلمة ضرب تقول: ضرب فعل ماض، وفاعله مستتر تقديره هو، فإذا جئت تعرب ضربت ماذا تقول؟ ضربت كيف تقول في إعرابها؟ فعل ماض، والفاعل التاء، أو ضمير مستتر، والتاء هذه تاء التأنيث الساكنة حرف لا محل لها من الإعراب، التاء التي تقع فاعلا هي تاء الضمير المتكلم، أو المخاطب: ضربتُ، ضربتَ.(1/179)
ضربتُ هذه هي التي تقع فاعلا ضمير الرفع المتحرك، أما تاء التأنيث الساكنة فهي حرف لا محل لها من الإعراب، ولا يصح بحال من الأحوال أن تعرب فاعل، فإذن ضرب فاعله مستتر، وضربت فاعله مستتر، وضرب فاعله أين؟ هو ألف الاثنين ضربوا، واو الجماعة، ضربنا نون النسوة، فالمخاطب الفاعل معه ظاهر في الحالات الخمس ضربتُ عفوا: ضربتَ وضربتِ وضربتما وضربتم وضربتن.
أما الغائب فالفاعل مستتر في المفرد المذكر والمؤنث، وظاهر في الثلاثة الباقية المثنى والجمع بنوعيه، طيب هذه ضمائر الرفع المتصلة التي تقع فاعلا، وهي اثنا عشر ضميرا، وهي التي مَثَّل لها المؤلف.
ضمائر الرفع المنفصلة لم يمثل لها المؤلف، هل لأنها لا يصح أن تقع فاعلا، أو أنه تركها استغناء بأنها واضحة مع أنها يصح أن تقع فاعلا ؟
طيب من يعطيني مثالا لضمائر الرفع المنفصلة، وهي واقعة فاعلا؟ طبعا ضمائر الرفع المنفصلة مثل ضمائر النصب المتصلة في أنها اثنا عشر: اثنان للمتكلم، وخمسة للمخاطب، وخمسة للغائب.
أنا ونحن للمتكلم، أنتَ وأنتِ وأنتما وأنتم وأنتن للمخاطب، هو وهي وهما وهم وهن للغائب، هذه اثنا عشر ضميرا، أريد أن تجعلها فاعلا في عدة أمثلة. نعم، نعم لا بد من إلا ؛ لأنه يعني: لأنك لا تقل جاء نحن، لماذا لا تصح أن تقول جاء نحن وجاء أنتم؟
لأنك تستطيع أن تأتي بالضمير المتصل، وتقول: جئنا، وجئتم، والقاعدة أنه لا يصح، ولا يحسن أن تأتي بالضمير المنفصل، وهو مطول، وأنت تستطيع أن تأتي بالضمير المتصل، وهو مختصر، فالأولى أن تأتي بالضمير المتصل، ما دمت تستطيع ذلك؛ لكي تأتي بالضمير المنفصل تأتي بإلا؛ لأن المتصل لا يصح أن يقع بعد إلا، فيتعين حينئذ عليك أن تأتي بالمنفصل، تقول: ما قام إلا أنا، وما سافر إلا نحن، وما حضر إلا أنتَ، وإلا أنتِ، وإلا أنتما وإلا أنتم، وإلا أنتما، وما جاء إلا هو، وما جاء إلا هي، وما جاء إلا هم، وهما، وهن.(1/180)
فلكي تجعل الضمير المنفصل فاعلا تجعله بعد إلا؛ فإذن أصبحت الضمائر التي تقع فاعلا أربعة وعشرين: اثنا عشر متصلا، وهي ضمائر رفع، واثنا عشر منفصلا، وهي ضمائر الرفع المنفصلة.
ونكتفي بهذا نأخذ بعض الأسئلة سريعا، وبالنسبة أعيد قضية الدرس، جاءت ورقة من بعض الإخوة يعني: يقولون لو كان اعتبارا من بعد الغد ؟
ولكن لأنه خرج بعض الإخوان بعد التنبيه سيأتون؛ ولأننا نود أن نكسب أكثر ما يمكن من المحاضرات، فيعني: نرجو أن يكون اعتبارا من اليوم -إن شاء الله-، والإخوة الذين يعني: لا يتمكنون من الحضور، يؤسفنا عدم حضورهم بلا شك، ونرجو -إن شاء الله- أن نحاول نعيده بمطلع الدرس القادم، وأيضا يستعينون على ما فاتهم ببعض الملخصات التي ستخرج من بعد، والأشرطة، وما إلى ذلك.
فإن شاء الله تعالى اعتبارا من الساعة الرابعة والنصف هذا اليوم سيكون فيه درس للنحو إلى الساعة الخامسة والنصف، ونرجو منكم الحضور ونقرأ بعض الأسئلة سريعا.
س: ما رأيك في كتب الجارم وزميله في النحو، وكذلك كتاب جامع الدروس العربية للغلاييني؟
ج: هذه من الكتب الجيدة بلا شك يعني: كتاب علي الجارم وزميله مصطفى أمين من الكتب المدرسية الجيدة للمبتدئين وطيبة؛ لأسلوبها؛ ولما فيها من التمثيل؛ وكذلك جامع الدروس العربية.
س: هل لا بد لدارس النحو أن يحيط بجميع هذه الأدوات الشرطية على تفصيلها الدقيق الذي شُرح؟
ج: الواقع أن طالب النحو نتمنى أن يحيط بالنحو كله، لكن كل واحد يحاول أن يأخذ على قدر طاقته.
س: ما الفرق الدقيق بين النحو والصرف؟
ج: النحو يهتم بآخر الكلمة برفعها ونصبها وجرها، أما الصرف فإنه يتحدث عن الكلمة في تصريفها، وفي إعلالها وإبدالها والتصغير والنسب وما إلى ذلك.
س: وهل من كتاب عصري في الصرف؟(1/181)
ج: فيه كتاب عصري يعني: من الكتب العصرية الكثيرة، فيه كتاب للشيخ كحيل اسمه "البيان في تصريف الأسماء" هذا كتاب جيد، وفيه كتاب "شذى العرف في فن الصرف" للحملاوي، وهذا أيضا كتاب جيد.
س: ما الحكمة من دخول "إذا" على الشعر خاصة؟
ج: ليست "إذا" تدخل على الشعر خاصة، كل أدوات الشرط تدخل في الشعر، لكن "إذا" أداة شرط غير جازمة، ولم يسمع الجزم بها إلا في الشعر خاصة فقط، يعني: سُمِع الجزم بها في الشعر خاصة، وإلا فهي أداة شرط غير جازمة.
أما بقية الأدوات فكلها تأتي بالشعر، وتكون أيضا جازمة، أدوات الشرط أغلبها يصح أن تدخل عليها "ما" الزائدة يعني: "حيثما، أينما" ونحو ذلك.
س: ذكر المؤلف أن الجوازم ثمانية عشر، والآن نجدها تسعة عشر، هذا بدون "مَن" إذا أضفناها أصبح عشرين فكيف ذلك؟
ج: طبعا المؤلف هو قال: ثمانية عشر، لكنه لم يذكر، أو على أنه يعني: اعتبر "ألم وألما" اعتبرهما داخلتين في "لم ولما" هذه أربعة، وهذه أربعة عشر فصارت ثمانية عشر، ربما من هذا الاعتبار.
س: هل أستطيع أن أواصل معكم، وأن أفهم ما بقي مع أنني قد تغيبت عن الدروس السابقة ؟
ج: إن شاء الله تستطيع ذلك ؛ لأن الذي سيأتي -إن شاء الله-، يعني: ليس فيه شيء من الغموض، ونحن نحاول أن نبسطه بسطا فهو ليس مترابطا مرتبطا مع ما قبله ارتباطا يحول بينك وبين المتابعة، فتستطيع المتابعة -إن شاء الله-.
باب الفاعل، وتحدثنا عن الفاعل وقلنا: إن الفاعل هو الاسم المرفوع الواقع حسب تعريف المؤلف هنا هو: الاسم المرفوع المذكور قبله فعله أو الواقع بعد فعله، وقلنا: إن كلمة الاسم جيء بها احترازا من الفعل والحرف، فإن الفعل والحرف لا يقعان فاعلا، وقلنا: إن كلمة الاسم أيضا، تشمل من الأسماء ما كان صريحا، كمحمد وعلي والقلم، والكتاب وما إلى ذلك من الأسماء.(1/182)
وتشمل منها ما كان مؤولا كالمصدر المنسبك أو المؤول مقدرا من أن والفعل، إذا وقع في محل الفاعل كما في قوله -تعالى-: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا أي: إنزالنا، وكما في قولك: سرني أنك اجتهدت، أي: سرني اجتهادك، وأعجبني ما فعلت، أي: أعجبني فعلك، أو أعجبني ما صنعت أي: أعجبني صنعك.
وأن قوله "مرفوع" احتراز من المجرور والمنصوب، فإن الفاعل لا يقع مجرورا، ولا يقع منصوبا؛ لكنه ربما جر لفظا بشيء من حروف الجر الزائدة، وهو مرفوع محلا، وعلى ذلك بعض الأمثلة والشواهد كما في قولك: ما زارني من أحد، ما زارني من أحد، "أحد" هنا فاعل مرفوع بضمة مقدرة تقول فيه بأنه مجرور لفظا بمن الزائدة، ومرفوع محلا على أنه فاعل؛ لأن التقدير ما زارني أحد أو ما جاءني أحد.
وأيضا يمثلون له بقوله -تعالى-: وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا لفظ الجلالة هنا مجرور لفظا بالباء الزائدة، ومرفوع محلا على أنه هو الفاعل، فالفاعل إذن هو الاسم المرفوع، سواء كان مرفوع لفظا، وهو الأصل والكثير، أو كان مرفوعا محلا حينما يدخل عليه حرف الجر الزائد، وسواء رفع بالضمة، أو رفع بما ينوب عن الضمة من علامات الرفع الفرعية.
وسواء كان رفعه بالحركة الظاهرة، أو كان بالحركة المقدرة بسبب التعذر، كجاء الفتى، أو الثقل كجاء القاضي، أو المناسبة بحركة مناسبة كجاء غلامي، أو جاء أخي، ونحو ذلك.
وقلنا: إن المراد بـ "المذكور قبله فعله أو الواقع بعد فعله" احتراز من نحو قولك: محمد قام، فإن محمد هنا مع أنه هو الفاعل من حيث المعنى، إلا أنه لا يعرب فاعلا؛ لأنه متقدم على عامله.(1/183)
والفاعل من أبرز شروطه عند الجمهور؛ ومن أبرز أحكامه عندهم ألا يتقدم على عامله ؛ والمرفوع المتقدم يعرب مبتدأ، وفاعل هذا الفعل يكون ضميرا مستترا عائدا على ذلك الاسم المتقدم فتقول: محمد قائم أي: هو، ففاعل قام أو محمد قام، أي: هو ففاعل قام، ضمير مستتر تقديره هو، ولا يصح أن تعرب الاسم المتقدم فاعله.
والفاعل -كما تعلمون- يعني: سواء وقع منه الفعل، أو قام به الفعل فإنه يكون فاعلا، فيشكل على البعض مثلا أنك تقول: قام محمد، هذا صحيح، أكل محمد، هذا صحيح، محمد هو الذي قام، وهو الذي أكل، هو الذي فعل هذا الفعل، لكن حينما تقول مثلا: مات محمد، ليس له علاقة بهذا الأمر.
وحينما تقول مثلا: سقط الجدار أيضا، كذلك ليس له علاقة، انكسر القلم، فالفاعل إذن هو من وقع منه الفعل، أو قام به الفعل كما إذا قلت مثلا: علم محمد، أو جهل محمد، الجهل ليس من عمله، ولكنه أمر وصفة قائمة به، وقصر محمد، أو طال محمد، أو كرم، أو بخل، أو نحو ذلك.
فالفاعل الأصل فيه أو الغالب فيه أنه هو الذي يقوم بالفعل، لكن الاسم المرفوع الواقع بعد الفعل سواء كان هذا الفعل هو الذي فعله، أو أن هذا الفعل قام به، فإنه لا فرق في ذلك، بل كل منهما يعرب فاعلا.
وذكرنا ما ذكره المؤلف من أن الفاعل على قسمين أو أنه قسمان: منه ما هو ظاهر، ومنه ما هو مضمر، والمؤلف أطنب في الظاهر، فذكر كل الأنواع الممكنة لهذا الاسم، الظاهر أن يكون مفردا مذكرا، أو مؤنثا وأن يكون مثنى مذكرا، أو مؤنثا، أو جمع تكسير كذلك مذكرا أو مؤنثا، أو جمع مذكر سالما، أو جمع مؤنث سالما، أو معربا بالحركات، أو معربا بالحروف، أو معربا إعرابا ظاهرا، أو معربا إعرابا تقديريا.(1/184)
سرد أمثلة لذلك كله، وفي تمثيله أو سرده لهذه الأمثلة الظاهرة -كما ذكرت- كان يمثل بالفعل الماضي تارة، وبالفعل المضارع تارة، وبينا لماذا كان يقتصر على هذين الفعلين: الفعل الماضي والفعل المضارع، ولم يحصل أن مَثَّلَ ولو مرة واحدة بفعل الأمر.
وقلنا: إن فعل الأمر لا يرد هنا حينما يكون الفاعل ظاهرا؛ لأن فعل الأمر فاعله لا بد أن يكون ضميرا، سواء كان ضميرا مستترا، أو كان ضميرا بارزا ظاهرا، وانتقل بعد ذلك إلى المضمر، وقلنا: إن الضمائر أنواع، وأن الذي يدخل معنا هنا في الفاعل هي ضمائر الرفع فقط، يعني: لا ترد ضمائر النصب؛ لأن الفاعل مرفوع، فكيف ترد ضمائر النصب، ولا ترد ضمائر الجر.
كذلك أيضا؛ لأن الفاعل مرفوع؛ فلا ورود لها؛ وأن ضمائر الرفع التي ترد معنا نوعان: ضمائر الرفع المتصلة؛ وضمائر الرفع المنفصلة، فقلنا: إن الفرق بين الضمير المتصل، والضمير المنفصل أن الضمير المتصل، هو ما لا يصح الابتداء به، ولا يجوز وقوعه بعد إلا، إلا ضرورة.
وأن الضمير المنفصل هو ما يصح أن يُبْتَدَأ به، وأن يقع بعد إلا، بعد هذا تبين أن الضمائر التي ترد معنا هنا أربعة وعشرون ضميرا، منها اثنا عشر ضميرا، هي ضمائر الرفع المتصلة، واثنا عشر ضميرا أخرى هي ضمائر الرفع المنفصلة، وأن المنفصلة والمتصلة صارت اثني عشر؛ لأن منها اثنين للمتكلم، وخمسة للمخاطب، وخمسة للغائب، سواء كانت ضمائر متصلة، أو ضمائر منفصلة.
هناك أحكام أخرى للفاعل، المؤلف هنا لم يتعرض لها، وهي مفصلة في بعض كتب النحو المطولات.
من أحكام الفاعل مثلا ما سبقت الإشارة إليه، وهو أنه يجب أن يتأخر عن عامله، وهذا ذكرناه، وأيضا قضية فاتت الإشارة إليها في التعريف، وهي أن العامل ليس بالضرورة أن يكون فعلا، بل إنه فعل أو ما كان مؤولا بالفعل، كما قلنا في الفاعل: إنه الاسم الصريح أو ما بمنزلة الاسم الصريح، كذلك العامل في الفاعل، الفعل أو ما كان بمنزلة الفاعل مما يعمل عمله.(1/185)
الأشياء التي تعمل عمل الفاعل عفوا الأشياء ما كان فعلا أو كان بمنزلة الفعل، والأشياء التي تعمل عمل الفعل وترفع فاعلا، منها اسم الفعل، مثل هيهات بمعنى بَعُدَ، هيهات البيت المشهور:
فهيهات هيهات العقيق ومن به ... وهيهات خل بالعقيق نواصل
هيهات العقيق، هيهات ذلك المكان أي: بَعُدَ العقيق، وبَعُدَ ذلك المكان، فهيهات اسم فعل ماض بمعنى بَعُدَ، وعمل عمل فعله، ورفع الفاعل الذي هو العقيق، وكذلك اسم الفاعل أيضا يعمل عمل فعله فيرفع فاعلا كما في مثل قولك: أقائم الزيدان، أقائم الرجال، والزيدان والزيدون والرجال فاعل مرفوع، والعامل فيه اسم الفاعل المتقدم عليه وهو قائم.
وكذلك المصدر أيضا يعمل عمل فعله، فيرفع فاعله، والمصدر كثيرا ما يضاف إلى فاعله، ويؤتى بعده بالمفعول، وقد يصح العكس فيضاف المصدر إلى مفعوله، ويؤتى بعده بالفاعل مرفوعا.
تقول مثلا: عجبت من شرب محمد العسل، أين المصدر العامل نعم، شُرْب، المصدر العامل شُرْب، وقد عمل رفع فاعله محلا تقول: شرب مضاف، والعسل مضاف إليه، أو من شرب محمد العسل: شرب مضاف، ومحمد مضاف إليه مجرور لفظا؛ لأنه مضاف إليه ومرفوع محلا؛ لأنه هو الفاعل؛ لأن المعنى من أن يشرب محمد العسل أي: عجبت من أن يشرب محمد العسل، فمحمد هذا المضاف إليه، تقول في إعرابه: هو مجرور لفظا بالإضافة، لكنه مرفوع محلا على أنه هو الفاعل، والعسل مفعول به.
يصح لك أن تعكس فتضيف المصدر إلى مفعوله، فيتأخر الفاعل حينئذ؛ ليرتفع ويكون مرفوعا، ماذا تقول؟ عجبت من شرب العسل محمد عجبت من شرب العسل محمد، فتقول شرب هنا مصدر عامل، وهو مضاف، والعسل مضاف إليه مجرور لفظا، ومنصوب محلا؛ لأنه مفعول به، ومحمد فاعل مرفوع، متأخر للمصدر الذي هو شرب، فالمصدر يعمل عمل فعله، ويصح أن يرفع الفاعل.(1/186)
ومن الأحكام أيضا من أحكام الفاعل الأخرى أن الفاعل لا ينبغي أن يلحق عامله علامة تثنية، أو جمع عند تثنيته، أي: أن عامله أو فعله وهو الأغلب يكون مفردا عند تثنيته وجمعه هو، إلا في تلك اللغة المشهورة التي اشتهرت تسميتها بلغة "أكلوني البراغيث" تقول مثلا: قام محمد، وقام المحمدان، وقام المحمدون، وقامت هند، وقامت الهندان، وقامت الهندات.
ترون أن الفاعل صار مفردا، وصار مثنى، وصار جمعا، ومع ذلك فاعله لم تتصل به العلامة الدالة على التثنية، ولا على الجمع، هذا هو الأصل، وهذا هو المشهور، والفصيح يجوز بقلة، وليس كثيرا، أن تتصل العلامة به فيما يمكن، فيما عرف بلغة "أكلوني البراغيث" وفيما يسميه ابن مالك بلغة "يتعاقبون فيكم ملائكة".
أخذها من الحديث يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيتعاقبون فيكم ملائكة، الملائكة هنا هي الفاعل، ولو جاء الحديث على اللغة المشهورة، لكان "يتعاقب فيكم ملائكة" بدون أن تلحق الفعل علامة الجمع، لكنه جاء على اللغة الثانية مما يدل على أنها جائزة.
لكنها هي أقل شهرة، ولذلك أيضا وردت بعض الآيات في القرآن الكريم من العلماء مَن حملها على هذه اللغة، ومنهم من خرَّجها تخريجا آخر هل منكم أحد يعرف الآيات التي وردت؟
وردت آيتان في القرآن الكريم تحتملان أن تكونا من هذه اللغة، وهي التي تُذْكَر فيها علامة التثنية، وعلامة الجمع مع الفعل إذا كان الفاعل مثنى أو مجموعا نعم، كيف لا، ليس هذه، نعم، نعم آية سورة الأنبياء في قوله -تعالى-: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فأسروا ظهر الفاعل الآن، وجيء بواو الجماعة، والفاعل ظاهر، وهو قوله -تعالى-: الَّذِينَ ظَلَمُوا .(1/187)
وكذلك آية أخرى، وهي في سورة المائدة في قوله -تعالى-: فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وهذه الآية، وما قبلها -كما قلت- خرجت على البدلية لكي تخرج من هذا الباب طبعا، نحن لسنا بصدد التفصيل في هذا الموضوع.
وإنما محل الشاهد عندنا أن الفاعل الأصل فيه أن يُفْرَد، وأن يُوَحَّد فعله حتى وإن كان مثنى أو مجموعا، وألا تلحق العلامة ذلك الفعل لماذا؟ لأن العلامة لو لحقت الفعل لاجتمع عندنا ما ظاهره أنه فاعلان، إذا قلت مثلا: قام محمد، قام فعل، ومحمد فاعل، قام المحمدان، المحمدان فاعل، قام المحمدون، المحمدون فاعل، فإذا قلت قاموا المحمدون، كيف تعرب واو الجماعة وهي ضمير؟
واو الجماعة ضمير، وهي عادة تكون فاعلا؛ لأنك لو عكست فقلت: المحمدون قاموا، فصارت واو الجماعة فاعلا بلا إشكال، فإذا قلت: قاموا المحمدون، فسيجتمع عندك ما ظاهره أنه فاعلان، فماذا تقول: هل تقول واو الجماعة فاعل والمحمدون فاعل آخر؟ ما يصلح هذا الكلام، فإما أن تقول: بأن واو الجماعة فاعل، وأن "المحمدون" بدل، وإما أن تقول: إن واو الجماعة فاعل، وإن "المحمدون" مبتدأ مؤخر، والجملة هذه خبر مقدم.
هذا حكم من أحكام الفاعل، وهي قضية أن الأصل والمشهور أن يُوَحَّد الفعل مع تثنيته الفاعل وجمعه، فأيضا من أحكامه أن فعله يؤنث له ويذكر بحسب حاله هو، فإن كان الفاعل مؤنثا أنثت الفعل، وإن كان الفاعل مذكرا ذكرته، فتقول: قام محمد، وقامت هند، قام الرجل وقامت المرأة، وهذا التأنيث تارة يكون واجبا، وتارة يكون جائزا.
وله مسائل، أو له مواضع كثيرة، المهم أنه لا بد أن يراعى مسألة تأنيثيه وتذكيره بالنسبة لفعله، فَيُذَكَّر الفعل معه إن كان مذكرا، ويُؤَنَّث الفعل معه إن كان مؤنثا.(1/188)
على حسب الأحكام الواردة في ذلك، والتي ورد فيها تفريق بين المؤنث الحقيقي، والمؤنث المجازي، وأن المؤنث الحقيقي إذا لم يفصل يجب فيه التأنيث، والمؤنث المجازي لا حرج في تأنيثه وتذكيره، وإن كان الأشهر فيه التأنيث.
أيضا من أحكامه مسألة الترتيب بينه وبين فعله ومفعوله، وهي أن الأصل فيه أن يتقدم الفعل ثم يليه الفاعل، ثم يتأخر عنهما المفعول، تقول: قرأ محمدٌ الكتابَ، هذا هو الترتيب الأصلي، وقد يعدل عن هذا الترتيب فيتقدم المفعول على الفاعل، فيقال قرأ الكتابَ محمدٌ، أو يتقدم المفعول حتى على الفعل والفاعل فيقال: الكتاب قرأه محمد، إلا أن الذي لا يجوز أبدا هو مسألة تقدم الفاعل على الفعل، هذه ممنوعة.
أما مسألة التقديم والتأخير بين هذه الثلاثة باستثناء تقدم الفاعل على فعله، فذلك أمر واسع، وتارة يكون واجبا، وتارة يكون جائزا في مواضع أيضا مفصلة في أماكنها.
هذه خلاصة موجزة وسريعة لباب الفاعل.
باب المفعول الذي لم يسم فاعله
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد:
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب المفعول الذي لم يسم فاعله، وهو الاسم المرفوع الذي لم يذكر معه فاعله، فإن كان الفعل ماضيا ضم أوله وكسر ما قبل آخره، وإن كان مضارعا ضم أوله وفتح ما قبل آخره.
وهو على قسمين: ظاهر ومضمر، فالظاهر نحو قولك: ضُرِبَ زيدٌ، ويُضْرَبُ زيدٌ، وأكْرِمُ عمرٌو، ويُكْرَمُ عمرٌو، والمضمر اثنا عشر نحو قولك: ضُرِبْتُ وضُرِبْنَا وضُرِبْتَ وضُرِبْتِ وضُرِبْتُما وضُرِبْتُم وضُرِبْتُن، وضُرِبَ وضُرِبَتْ وضُرِبَا وضُرِبْوا وضُرِبْن.
---
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
هذا باب المفعول الذي لم يسم فاعله، هو في الواقع يعني: حصره في العنوان بأنه المفعول الذي لم يسم فاعله، يعني: فيه تجوز؛ لأنه أوسع من ذلك.(1/189)
هو في الواقع باب ما لم يسم فاعله، ويسمى اسمه المشهور باب نائب الفاعل، أو النائب عن الفاعل، اسمه المشهور نائب الفاعل، أو النائب عن الفاعل، أو باب ما لم يسم فاعله، أي: باب ما حُذِفَ فاعله وقام هذا الذي بعده مقامه.
وحينما نقول: إن تسميته بباب المفعول يعني: فيها تجوز؛ لأنه ليس يعني: كل ما ينوب عن الفاعل يكون مفعولا، فالأشياء التي تنوب عن الفاعل أكثر من ذلك، فينوب عن الفاعل المفعول به، وهو الأصل لا شك به في ذلك.
ولكن ينوب أشياء أخرى غير المفعول به، ومنها: الجار والمجرور، والظرف بنوعيه، ظرف الزمان والمكان، والمصدر هذه الأشياء كلها تنوب عن الفاعل، وتأخذ أحكامه، فالقول بأن المفعول هو الذي ينوب عن الفاعل وحده إنما هو من باب التغليب، ومن باب التجوز؛ لأن المفعول هو الأصل، وهو الأشهر والأكثر.
هذا باب المفعول الذي لم يسم فاعله، هو في الواقع يعني: حصره في العنوان بأنه المفعول الذي لم يسم فاعله، يعني: فيه تجوز؛ لأنه أوسع من ذلك.
هو في الواقع باب ما لم يسم فاعله، ويسمى اسمه المشهور باب نائب الفاعل، أو النائب عن الفاعل، اسمه المشهور نائب الفاعل، أو النائب عن الفاعل، أو باب ما لم يسم فاعله، أي: باب ما حُذِفَ فاعله وقام هذا الذي بعده مقامه.
وحينما نقول: إن تسميته بباب المفعول يعني: فيها تجوز؛ لأنه ليس يعني: كل ما ينوب عن الفاعل يكون مفعولا، فالأشياء التي تنوب عن الفاعل أكثر من ذلك، فينوب عن الفاعل المفعول به، وهو الأصل لا شك به في ذلك.
ولكن ينوب أشياء أخرى غير المفعول به، ومنها: الجار والمجرور، والظرف بنوعيه، ظرف الزمان والمكان، والمصدر هذه الأشياء كلها تنوب عن الفاعل، وتأخذ أحكامه، فالقول بأن المفعول هو الذي ينوب عن الفاعل وحده إنما هو من باب التغليب، ومن باب التجوز؛ لأن المفعول هو الأصل، وهو الأشهر والأكثر.(1/190)
يقول في تعريفه: "هو الاسم المرفوع الذي لم يذكر معه فاعله"، هو الاسم المرفوع طبعا، كلمة المرفوع إنما هي أيضا ... ، يعني: كلمة الاسم تبعد ما سبق أن ذكرناه في الفاعل من الفعل والحرف، فإن الفعل والحرف لا يقع واحد منها نائبا عن الفاعل، وكلمة مرفوع أيضا تبعد ما كان منصوبا وما كان مجرورا، فإن النائب عن الفاعل يأخذ أحكام الفاعل، وأبرز أحكام الفاعل الرفع، والفاعل لا يجر كما قلنا.
وكذلك نائب الفاعل لا يجر إلا ما ذكرناه من الجر بحرف الجر الزائد، مثل: ما جاءني من أحد، وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا في باب الفاعل، وحكمه أنه مرفوع كحكم الفاعل تماما، ولكن رفعه أيضا كما قيل في الفاعل، قد يكون مرفوعا بعلامة ظاهرة، وقد يكون في محل رفع بعلامة مقدرة إذا كانت لا تظهر عليه، وقد يكون في محل رفع، كما إذا كان جارا، أو مجرورا، أو نحو ذلك.
الذي لم يذكر معه فاعله، لا شك في أنه إذا ذكر الفاعل لا يصير عندنا حينئذ نائب عن الفاعل؛ لأن النائب عن الفاعل لا يجتمع مع الفاعل، وكما أن النائب لا يصح أن تقول: هذا نائب عن فلان، والمنوب عنه موجود؛ لأن النيابة عنه تقتضي أنه جلس في مكانه، وقام بعمله.
فالنائب عن الفاعل لا يأتي إلا عندما يحذف الفاعل طيب متى يحذف الفاعل؟
الواقع أن الفاعل يحذف لمجموعة علل. وقد يحذف بدون علة يعني: مثلا: قد يحذف الفاعل للجهل به؛ لأنك ما تعرف مَن الفاعل أصلا، تقول سُرِق المتاع، أو أُخِذَت السيارة، أنت لا تدري من الذي أخذها، فأنت يعني: تحذف الفاعل اضطرارا؛ لأنك لا تعرفه أصلا وتأتي فإذا حذفت الفاعل تقدم المفعول به، أو ما ينوب منابه في محله، وأخذ جميع أحكامه من مسألة الرفع، ومسألة تأنيث الفعل له، ومسألة عدم جواز تقدم وما إلى ذلك.(1/191)
فمن علل حذف الفاعل أن يكون الفاعل غير معروف أصلا، فيحذف وينوب المفعول به أو غيره منابه، أو أن يكون يعني: لا يتعلق بذكره غرض يعني: يكون مثلا: أنت تكون في مقام، أو في مجلس تستهجن أن تذكر بعض الأشياء، فتبني الفعل، تبنيه للمجهول؛ لكي تحذف هذا الفاعل تأدبا مع هذا المكان الذي أنت فيه.
أو أنه لا يتعلق بذكره أيّ غرض مثلا، كما في قول الشاعر:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد ... لم أكن بأعجلهم إذا أجشع الناس إعجالا
"وإن مدت الأيدي" أي: أصلها إذا مد الناس أيديهم إلى الأكل، لم أكن بأعجلهم إذا أجشع الناس إعجالا، يعني: فلا يتعلق بذكره غرض.
المهم أنه يبين يتحدث عن نفسه وعن صفاته أنه ليس جشعا في الأكل، وأنه لا يبادر بمد يديه، ولا يكون أعجل الناس في ذلك، فلا يتعلق بذكر الفاعل غرض، فحينئذ يحذف الفاعل.
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، هذا باب المفعول الذي لم يسم فاعله، هو في الواقع يعني: حصره في العنوان بأنه المفعول الذي لم يسم فاعله، يعني: فيه تجوز؛ لأنه أوسع من ذلك.
هو في الواقع باب ما لم يسم فاعله، ويسمى اسمه المشهور باب نائب الفاعل، أو النائب عن الفاعل، اسمه المشهور نائب الفاعل، أو النائب عن الفاعل، أو باب ما لم يسم فاعله، أي: باب ما حُذِفَ فاعله وقام هذا الذي بعده مقامه.
وحينما نقول: إن تسميته بباب المفعول يعني: فيها تجوز؛ لأنه ليس يعني: كل ما ينوب عن الفاعل يكون مفعولا، فالأشياء التي تنوب عن الفاعل أكثر من ذلك، فينوب عن الفاعل المفعول به، وهو الأصل لا شك به في ذلك.(1/192)
ولكن ينوب أشياء أخرى غير المفعول به، ومنها: الجار والمجرور، والظرف بنوعيه، ظرف الزمان والمكان، والمصدر هذه الأشياء كلها تنوب عن الفاعل، وتأخذ أحكامه، فالقول بأن المفعول هو الذي ينوب عن الفاعل وحده إنما هو من باب التغليب، ومن باب التجوز؛ لأن المفعول هو الأصل، وهو الأشهر والأكثر.
يقول في تعريفه: "هو الاسم المرفوع الذي لم يذكر معه فاعله"، هو الاسم المرفوع طبعا، كلمة المرفوع إنما هي أيضا ... ، يعني: كلمة الاسم تبعد ما سبق أن ذكرناه في الفاعل من الفعل والحرف، فإن الفعل والحرف لا يقع واحد منها نائبا عن الفاعل، وكلمة مرفوع أيضا تبعد ما كان منصوبا وما كان مجرورا، فإن النائب عن الفاعل يأخذ أحكام الفاعل، وأبرز أحكام الفاعل الرفع، والفاعل لا يجر كما قلنا.
وكذلك نائب الفاعل لا يجر إلا ما ذكرناه من الجر بحرف الجر الزائد، مثل: ما جاءني من أحد، وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا في باب الفاعل، وحكمه أنه مرفوع كحكم الفاعل تماما، ولكن رفعه أيضا كما قيل في الفاعل، قد يكون مرفوعا بعلامة ظاهرة، وقد يكون في محل رفع بعلامة مقدرة إذا كانت لا تظهر عليه، وقد يكون في محل رفع، كما إذا كان جارا، أو مجرورا، أو نحو ذلك.
الذي لم يذكر معه فاعله، لا شك في أنه إذا ذكر الفاعل لا يصير عندنا حينئذ نائب عن الفاعل؛ لأن النائب عن الفاعل لا يجتمع مع الفاعل، وكما أن النائب لا يصح أن تقول: هذا نائب عن فلان، والمنوب عنه موجود؛ لأن النيابة عنه تقتضي أنه جلس في مكانه، وقام بعمله.
فالنائب عن الفاعل لا يأتي إلا عندما يحذف الفاعل طيب متى يحذف الفاعل؟(1/193)
الواقع أن الفاعل يحذف لمجموعة علل. وقد يحذف بدون علة يعني: مثلا: قد يحذف الفاعل للجهل به؛ لأنك ما تعرف مَن الفاعل أصلا، تقول سُرِق المتاع، أو أُخِذَت السيارة، أنت لا تدري من الذي أخذها، فأنت يعني: تحذف الفاعل اضطرارا؛ لأنك لا تعرفه أصلا وتأتي فإذا حذفت الفاعل تقدم المفعول به، أو ما ينوب منابه في محله، وأخذ جميع أحكامه من مسألة الرفع، ومسألة تأنيث الفعل له، ومسألة عدم جواز تقدم وما إلى ذلك.
فمن علل حذف الفاعل أن يكون الفاعل غير معروف أصلا، فيحذف وينوب المفعول به أو غيره منابه، أو أن يكون يعني: لا يتعلق بذكره غرض يعني: يكون مثلا: أنت تكون في مقام، أو في مجلس تستهجن أن تذكر بعض الأشياء، فتبني الفعل، تبنيه للمجهول؛ لكي تحذف هذا الفاعل تأدبا مع هذا المكان الذي أنت فيه.
أو أنه لا يتعلق بذكره أيّ غرض مثلا، كما في قول الشاعر:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد ... لم أكن بأعجلهم إذا أجشع الناس إعجالا
"وإن مدت الأيدي" أي: أصلها إذا مد الناس أيديهم إلى الأكل، لم أكن بأعجلهم إذا أجشع الناس إعجالا، يعني: فلا يتعلق بذكره غرض.
المهم أنه يبين يتحدث عن نفسه، وعن صفاته أنه ليس جشعا في الأكل، وأنه لا يبادر بمد يديه، ولا يكون أعجل الناس في ذلك، فلا يتعلق بذكر الفاعل غرض، فحينئذ يحذف الفاعل.
وربما حذف الفاعل أحيانًا، ويعني: حماية له، أو وقاية له؛ لأن التصريح باسمه قد يضره، ويؤثر عليه فتقول مثلًا: تُكِلِّمَ في هذه الموضوع هذا اليوم مثلًا؛ لأنك ما تريد أن تذكر المتكلم بهذا الأمر؛ لأنك لا ترى مصلحة ظاهرة في ذكره، أو نحو ذلك، ليس المهم يعني: ليس العبرة بـ متى يحذف الفاعل، المهم أنه إذا حُذِفَ الفاعل لأي علة من هذه العلل، أو لأي سبب من هذه الأسباب، فإنه يتقدم المفعول به أو ما ينوب منابه، لكى يحل محله في أحكامه التي مرت وذكرت.(1/194)
طيب إذا أردت أن أحذف الفاعل، وأنيب المفعول به محله، ما الذي يتغير؟ هناك تغيران: هناك تغير في الفعل، وتغير في هذا المفعول الذي تقدم، أما المفعول الذي تقدم، فالتغير الذي يحدث فيه أنه يُرْفَع بعد أن كان منصوبًا، تقول: قرأت الكتاب، تقول قُرِئَ الكتاب، هذا التغير الذي يحصل في المفعول الذي تقدم.
طيب ما التغير الذي يحصل في الفعل نفسه؟ إذا أردت أن أبنى فعلًا للمجهول أو أن أبنيه لغير المعلوم كما يقال، أو لما لم يسم فاعله، ما التغيرات التي تحصل في الفعل؟ نعم، هذا صحيح لكنه ليس في الجميع يُضم أوله ويفتح ما قبل آخره في نوع واحد من أنواع الأفعال نعم ... . يضم أوله ويفتح ما قبل آخره في المضارع، فإن كان ماضيًا ضم أوله وكسر ما قبل آخره.
يقول: "إذا كان الفعل ماضيًا ضم أوله وكسر ما قبل آخره، وإن كان مضارعًا ضم أوله وفتح ما قبل آخره" هذه قاعدة في الماضي والمضارع، هناك زيادة أخرى يعني: إضافة بأنه إذا كان الفعل مبدوءا بالتاء الزائدة فإنه يضم مع الأول الحرف الثالث أيضًا، يضم مع الأول الحرف الثانى.
إذا كان الفعل مبدوءا بتاء زائدة، ضُمَّ مع الأول الحرف الثانى، فإن كان الفعل مبدوءا بهمزة الوصل يعني: كان خماسيًا أو سداسيًا، فإنه يضم مع الأول أيضًا الحرف الثالث.
إذا قلت مثلًا إذا قلت: انطلق الرجال إلى الميدان، إذا بنيته للمجهول ماذا تقول نعم ... . انْطُلِقَ يعني: تضم الأول، وتضم معه الحرف الثالث، وهو الطاء، فإذا قلت مثلا: استخرج العمال والفنيون البترول، إذا بنيته للمجهول ماذا تقول؟ اسْتُخْرِجَ تضم مع الأول أيضًا الحرف الثالث.(1/195)
إذن القاعدة لا تتغير أنه يضم الأول مطلقًا مع الماضي، ومع المضارع، ويكسر ما قبل الأخر مع الماضى، ويفتح ما قبل الأخر مع المضارع، وهذه القاعدة لا تتغير إلا أنه إن كان مبدوءا بالتاء، زيد على ما سبق، يعني: على ما سبق على وضعه، زيد على ما سبق أن يضم الثانى إن كان مبدوءا بالتاء إذا كان مبدوء بالتاء، مثل: تقدم محمد على أقرانه أو تقدم محمد في الامتحان، إذا بنيته للمجهول ماذا تقول ؟ ... نعم تُقُدِّمَ يعني: تضيف إلى ضم الأول ضم الثانى أيضًا، وهو الحرف الذي يقع بعد هذه التاء، تكلم تُكُلِّمَ، تبرع تُبُرِّعَ بمبلغ كذا وكذا.
فإن كان مبدوءًا بهمزة الوصل ضم مع الأول الحرف الثالث، وأما القاعدة فهي ثابتة لا تتغير، وهي ضم الأول وكسر ما قبل الأخر في الماضي، وضم الأول وفتح ما قبل الأخر في المضارع، وهو قسمان أو على قسمين، هنا عندى في الطبعة هذه سقطت على فصار: وهو قسمين وهذا خطأ، إما أن تضيف كلمة، أو أن تجعلها وهو قسمان: ظاهر ومضمر.
ما قاله المؤلف هنا -رحمه الله- في الظاهر والمضمر هو نفس ما قاله في باب الفاعل يعني: يقول في الظاهر نحو قوله: ضرب زيد ويضرب زيد يعني: جاء بنائب الفاعل مفرد مذكر مع فعل الماضي، ومع فعل المضارع ضرب ويضرب، وأكرم عمرو، ويكرم عمرو يعني: مع فعل ثلاثي، ومع فعل رباعى، والمضمر اثنا عشر، وهي التي تقدمت، وأشرنا إليها مع الفاعل.
وهي ضمائر الرفع المتصلة، وهي اثنا عشر، وضمائر الرفع المنفصلة، وهي اثنا عشر كلها ترد هنا، فكما أنها هنالك تقع فاعلا، فهي هنا أيضًا تقع نائبًا عن الفاعل، تقول: ضربتُ أو أكرمتُ، بدل ضربت وضربنا وضربتَ وضربتِ وضربتُما وضربتم وضربتن، وتقول ضُرِبَ أيضًا ما قلناه هناك: من أن الفاعل أو نائبه يكون ضميرًا بارزًا مع المتكلم، ومع المخاطب، ومع الغائب إلا في حالة المفرد المذكر والمفردة المؤنثة فإنه يكون ضميرا مستترا مع الغائب.(1/196)
فانظر الآن ضربتُ نائب الفاعل التاء، ضربنا نائب الفاعل نا، وضربتَ كذلك التاء، وضربتِ التاء، وضربتما كذلك، وضربتم وضربتن نائب الفاعل ظاهر كما ظهر في الفاعل.
وعندما جاء للواحد الغائب قال: ضُرِبَ، أين نائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو، وضُرِبَتْ أين نائب الفاعل أيضًا؟ ضمير مستتر تقديره هي، ولا يصح أن تقول: إن التاء هي نائب الفاعل؛ لأنها كما قلنا تاء التأنيث الساكنة، وهي حرف لا محل له من الإعراب، ولا تقع فاعل، ولا نائب فاعل، وضُرِبَا هنا ظهر، وصار ضمير بارزًا وهو الألف، وضربوا واو الجماعة، وضربن نون النسوة.
وكذلك ضمائر الرفع المنفصلة لم يذكرها هنا، كما لم يذكرها هناك، ونقيس على ما قلنا هناك: ما قام إلا أنا، الواقع ما ذكرناه هناك من نحو: ما قام إلا أنا، إلا أنت، إلا هو، التعبير بأن أنا وأنت وهو وهي وهم التعبير بأنه هو الفاعل إنما هو تعبير فيه تجوز وتسامح، وإلا فإنهم يقولون: إن الفاعل مقدر تقديره: ما قام أحد إلا أنا، وأن هذا مستثنى منه، لكنه حل محله، فجاز لك أن تعبر عنه بأنه هو الفاعل، كما يجوز لك أن تعبر عنه بأنه هو نائب الفاعل.
وكما تقول: ما أُكْرِمَ إلا أنا، إلا نحن، إلا أنتَ، إلا أنتِ، إلا أنتما، إلا أنتم، إلا أنتن، إلا هو، إلا هي، إلا هما، إلا هم، إلا هن.
فيصح إذن أن يقع نائب الفاعل ضمير منفصلا، ضمير رفع منفصل كما كان ذلك مع الفاعل نفسه.
يعني: هذا أبرز ما ذكره فيما يتعلق بباب نائب الفاعل، بقيت إضافة لم يتعرض لها، وهي أن كل حديثه هنا موجه على المفعول به عندما يقع نائبًا عن الفاعل فقط، ولم يذكر الأشياء الأخرى الثلاثة التي تنوب عن الفاعل حينما يغيب المفعول به، وهي الجار والمجرور، وظرف الزمان بنوعيه: الزمان والمكان، والمصدر هذه الأشياء الأربعة تنوب عن الفاعل، كما ينوب المفعول به.(1/197)
لكن الراجح والمشهور عند الجمهور أن من شروط نيابتها عن المفعول به: الشرط الأول: ألا يوجد المفعول به، هذا ما يشترطه الجمهور أن هذه الأشياء الأربعة، وهي الجار والمجرور، والمصدر والظرف بنوعيه تنوب عن الفاعل، لكنها لا يصلح أن تنوب مع وجود المفعول به؛ لأنه هو الأصل، هذا رأي الجمهور، وإن كان الأخفش، والكوفيون أجازوا أن تنوب أن ينوب أيُّ واحدٍ من هذه مع وجود المفعول به.
والأخفش فصَّل في ذلك، والكوفيون أجازوه على إطلاقه محتجين بقراءة في قوله -تعالى-: "ليُجْزَى قوم بما كانوا يكسبون".
"ليجزى" يجزى هنا فعل مضارع مبنى للمجهول يحتاج إلى نائب فاعل، نائب الفاعل المتوقع والمتبادر مع ما هو قول: ( لِيُجَزى قُوْمٌ ) ( لِيُجَزى قُوْم ) هذا هو نائب الفعل، وهو المفعول به "ليجزي الله قومًا" فلفظ الجلالة فاعل، فلما بني الفعل للمجهول حذف الفاعل، وتقدم المفعول به، وهو القوم، وحل محله فصار "ليجزى قوم مما كانوا يكسبون".
هناك قراءة ليست سبعية من الشواذ "ليجزى قومًا" فالمفعول به باق على نصبه، والفعل يجزى مبنى للمجهول، هل في هذه القراءة جعل المفعول به نائب فاعل أو لا ؟ "ليجزى قومًا" لو كان نائب فاعل لصار "ليجزى قومٌ" لكن بقاءه على النصب دليل على أنه لم ينب عن الفاعل هنا.
إذن أين نائب الفاعل ؟ عند الكوفيين نائب الفاعل هو الجار والمجرور بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فيستدلون بمثل هذه الآية على أنه يصح أن ينوب الجار والمجرور عن الفاعل مع وجود المفعول به، ومع تقدم المفعول به أيضًا.
أما الأخفش فيقول: "إذا تقدم الجار والمجرور على المفعول به فلا حرج في نيابته".(1/198)
لكن الجمهور -وهو الرأي الأقوى- يقولون: بأنه لا يصح أن ينوب غير المفعول به مع وجوده أبدًا، حتى ولو تأخر المفعول به، فلو قلت مثلًا يعني: نريد مثال يجمع بين هذه الأشياء كلها، تقول: ضرب زيد ضربًا شديدًا أمام الأمير يوم الجمعة في داره، ضرب زيد، زيد هو المفعول به، ضربًا شديدًا هذا المصدر، أمام الأمير ظرف مكان، يوم الجمعة ظرف زمان، في داره جار ومجرور.
هذه هي الخمسة التي تنوب عن الفاعل يقولون: إذا وجدت هذه الخمسة، وكان معها المفعول به، وهو زيدًا، فإنه يجب أن تنيب المفعول به، سواء تقدم كما في قولك: ضرب زيد، أو تأخر لو قلت: ضرب ضربًا شديدًا أمام الأمير يوم الجمعة زيد، فلو أخرت زيد وهو مفعول به فإنه يجب أن يكون هو النائب عن الفاعل.
الحاصل أن الجمهور يرون أن المفعول به هو أولى من غيره بالنيابة عن الفاعل، إذا وجد في الكلام، سواء تقدم أو تأخر، فإذا لم يوجد في الكلام مفعول به أصلًا، بأن كان الفعل مثلًا لازما، مثل خرج الآن تقول: خرج محمد من المنزل، إذا بنيت خرج للمجهول ماذا تقول؟ ... إذا بنيت خرج من ... يعني: أنت الأن جالس فسمعت أن الباب فتح، وخرج أحد من المنزل لكن ما رأيته، ماذا تقول؟
تقول: خُرِجَ من المنزل، أين نائب الفاعل؟ الجار والمجرور من المنزل، ما عندك خيار، ما عندك مفعول به، الآن فلا مفر من أن تنيب الجار والمجرور، الآن مثلًا صام محمد رمضان إذا بنيته للمجهول وحذفت الفاعل ماذا تقول؟
صِيمَ رمضانُ، رمضان هنا ظرف زمان، وهو نائب عن الفاعل هنا؛ لأنه لا يوجد مفعول به، فإذا قلت: سار محمد فرسخًا أو ميلًا، فإذا بنيته للمفعول ماذا تقول؟ سِيرَ ميل، أو سِيرَ فرسخ، ففرسخ هنا ظرف مكان، وهو نائب عن الفاعل.(1/199)
فإذن وتقول مثلًا: ضُرِبَ اللصُّ ضربًا شديدًا، فإذا حذفت أو إذا حذفت المفعول به أو الفاعل فتقول: ضُرِبَ ضَرْبٌ شديدٌ، يعني: أنه وقع اليوم ضرب شديد على فرد من الناس، يعني: نحن لا نعرف المضروب ولا المفعول من هو، وإنما نعرف وقوع الضرب، فإذا عرفته وبنيته للمجهول فتقول: ضُرِبَ ضَرْبٌ شديدٌ هذا اليوم، أي: إنه وقع وحصل هذا اليوم ضرب شديد.
فالحاصل أن المفعول به ليس هو الذي وحده ينوب عن الفاعل وإنما ينوب معه أربعة أشياء، لكنه هو أولها، وهو سيدها، ولا يصح أن ينوب غيره مع وجوده، فإن لم يكن موجودًا فلك أن تنيب الموجود، إما جارا ومجرورا، أو ظرفا، أو المصدر.
ولا بد في الظرف والمصدر حينما ينوبان من شروط:
الأول -كما ذكرت-: ألا يوجد المفعول به. والثانى: أن يكون كل واحد منهما مختصا ومتصرفا، ما معنى مختص ؟ أي: ليس مبهم ليس عام يعني: لا يصح أن نقول: صيم شهر، رمضان معروف، عشر ذى الحجة معروف، لكن شهر أو زمن أو مسافة لا.
يصح تقول: سِيرَ ميلٌ، هذا صحيح محدد مختص، صيم رمضان، هذا محدد صِيمَتْ عشرُ ذي الحجة، هذا محدد، لكن صِيمَ زمنٌ سِيرَ مسافةٌ، هذا غير مختص؛ لأنه فيه إبهام وعموم، فلا يصح أن ينوب عن الفاعل.
وكذلك يشترط فيه أن يكون متصرفًا ليس ملازما لهيئة معينة، كما في كلمة "سبحان" مثلًا، فإنها ملازمة لنصب المصدرية "سبحان الله" فلا يصح أن تنوب؛ لأنها ليست متصرفة، وإنما ملازمة لهذه الهيئة.
ما أدرى ... إذا كان عندنا وقت ندخل في المبتدأ والخبر، فإذا كان ... هل ورد أسئلة؟ على حسب التزامنا لكم بقي سبع دقائق. نعم ... كيف ... يعني: هو لو طلب منك مثال للأشياء التي تنوب عن الفاعل بصفة عامة؟ تقول: الأشياء التي تنوب عن الفاعل خمسة أشياء: المفعول به، والجار والمجرور، والمصدر، وظرف الزمان، وظرف المكان، إذا أردت أن تجمع هذه الخمسة في مثال واحد تقول: ضرب زيد ضربا شديدًا أمام الأمير يوم الجمعة في السوق مثلًا.(1/200)
ضرب زيد هذا المفعول به زيد، ضربا شديدًا هذا المصدر، أمام الأمير هذا ظرف المكان، يوم الجمعة هذا ظرف الزمان، في السوق هذا الجار والمجرور، هذه الخمسة، إذا اجتمعت عندك هذه الخمسة ماذا تعمل؟ عند الجمهور يجب أن تنيب المفعول به الذي هو زيد، سواء تقدم، أو تأخر، والباقية كلها تكون منصوبة على أنها سواء كانت منصوبة بحركة ظاهرة، أو في محل نصب.
عند غير الجمهور يجوز لك أن تنيب غير زيد فتقول مثلًا: يصح عند غير الجمهور أن تقول: ضرب زيدًا أمامُ فتنيب أمام، أو تقول: ضرب زيدًا أمامَ ضربٌ، فتنيب ضربٌ، أو تقول: ضرب زيدًا أمام ضرب يومُ، فتنيب يومُ أو تنصب الجميع، وتقول: في السوق، على أن في السوق هي النائب، وتكون مرفوعة بضمة مقدرة لكنها طبعًا جار ومجرور، وما تظهر عليها الحركة.
فهذا هو الغرض من هذا المثال، هو جمع الأشياء الخمسة التي تنوب عن الفاعل. الرأى المشهور أن الخمسة إذا اجتمعت فأجدرها وأولاها هو المفعول به، سواء تقدم أو تأخر، وعند غير الجمهور يصح أن تنيب أي واحد من هذه الأشياء، ولكن ما الدليل الدليل أنك الذي تختاره للنيابة ترفعه، وتبقي الباقيات منصوبة على أنها معمولة لهذا الفعل؟
عندك سؤال ... نعم ... نعم ... إلا حرف استثناء، إلا حرف استثناء لا محل لها من الإعراب ... ما قام أحد، ما قام أحد إلا أنا، يقولون: بأن أنا هنا يعني: بدل من الفاعل المحذوف، تقديره: ما قام أحد ولك تَجَوُّزًا أن تقول بأنه هو الفاعل؛ لأنه هو الفاعل الحقيقي ودون أن تشير إلى كلمة أحد المحذوفة؛ أما "إلا" فهي حرف استثناء يعني: في هذا الموضع لا محل لها من الإعراب، نعم.(1/201)
... كيف ... كان ... كان محمد ... هو بالنسبة لـ هذه الأفعال الناقصة، الأفعال الناقصة لها أحكام خاصة من ضمنها قضية مسألة النيابة عن الفاعل، يعني: مسألة البناء للمجهول، لا يتأتى البناء للمجهول في بعض الأفعال الناقصة، وإنما هو يرد في الأفعال التامة، إلا بعض الأفعال الناقصة يعني: ربما بعضها يصح بناؤه، لكنه بالنسبة لكان هي أصلها تأخذ اسمًا وخبرًا، ولا ترفع فاعلًا إلا إذا كانت تامة، فلأنها لا ترفع فاعلًا لا يصدق عليها قضية البناء للمجهول؛ لأن البناء للمجهول هو لما يرفع فاعل فيحذف هذا الفاعل، ويتقدم المفعول به؛ ليكون مكانه.
أما كان فإنها فعل ناقص لها أحكام خاصة؛ ولذلك فهي ترفع اسمًا، ولا يسمى ما ترفعه فاعلا.
س: يقول: ما رأيك في كتاب "النحو المصفى" للدكتور محمد عيد؟
ج: هو كتاب من الكتب الحديثة الجيدة، والدكتور محمد عيد من الأساتذة البارزين في هذا التخصص، وقد كان استاذًا للنحو في جامعة الإمام.
س: ما أقل الجمع على الصحيح في لغة العرب ؟
ج: وكلمة على الصحيح يعني: ما تغني عن ذكر أن المسألة فيها خلاف، منهم من يقول بأن أقل الجمع ثلاثة، ومنهم من يقول بأن أقل الجمع اثنين، ولذلك يعني: ليس بالمسألة يعني: قولًا واحدًا ثابتًا، والحديث في قوله -تعالى-: صَغَتْ قُلُوبُكُمَا و تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا هذا حديث طويل، يعني: ليس مرتبط بقضية أيضًا أقل الجمع وأكثره، وإنما مرتبط بأمور وأحكام أخرى غيرها، حتى ما نعطل الجميع إذا كان أحد عنده سؤال نقف عند هذا الحد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(1/202)
أيها الأخوة في الله ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد فقد كان حديثنا بالأمس في الدرس الإضافي كان عن نائب الفاعل، أو ما يسمى بالمفعول الذي لم يسم فاعله، أو ما بني لما لم يسم فاعله، أو غير ذلك من المصطلحات التي كلها لا تخرج عن الدلالة على هذا الاسم الذي ينوب مناب الفاعل، حينما يبنى الفعل للمجهول، أو يبنى لغير المعلوم كما يقولون.
وقبل أن أعيد ملخصًا لما ذكرته بالأمس أود الإشارة إلى أنني كلما راجعت واستعرضت ما قلته في درس سابق -وجدت بعض الأمور التي تستحق التنبيه، وكلما استمع الإنسان إلى شريط مسجل لبعض المشايخ الذين يتحدثون خاصة بطريقة الارتجال يلحظ بعض الكلمات التي تكون من سبق اللسان، وأود منكم التكرم بتنبيهي، وهذا يبدو أنه عندي كثير على الألفاظ حينما يسبقه اللسان إلى كلمة غير مرادة.
ومعلوم من السياق أنها غير مرادة، وغير مقصودة، فلو يُنَبَّه عليها في حينها من أقرب شخص حتى تعاد أو تصحح ؛ لأن هذه الدروس تسجل وتذهب بعيدًا، فيحسن أن نحاول قدر المستطاع ألا يكون فيها إلا ما هو صحيح.
وقد نبهني أحد إخوانكم إلى أنني في تعريفي للمثنى عند إعادته قلت: إنه ما دل على أكثر من اثنين، والصحيح أنه ما دل على اثنين أو اثنتين، ونبهت إلى ذلك، فسبق اللسان كثير.
من هذا الباب أيضًا أن أحد الإخوة سأل سؤالا شفهيًا في وسط الدرس بالأمس في قول الشاعر:
فاستغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتجمل
فقال: كيف دخلت الفاء هنا على الفعل مع أنها لا تدخل إلا على ما لا يصلح أن يكون شرطًا، ودون أن أتأمل في هذا الفعل، أو أفكر فيه قلت له: إن الفاء يتعين دخولها على كل ما وقع جواب شرط، وهو لا يصح أن يكون شرطًا، ولكنها أيضًا قد تدخل على ما يصح أن يكون شرطًا، كما في هذا البيت.(1/203)
والواقع أن الفاء في هذا البيت دخلت فيه في نفس قاعدتها الأصلية على ما لا يصح أن يكون شرطًا؛ لأن "تجمل" ليس فعلا مضارعا، وإنما هو فعل أمر، وفعل الأمر من الأمور التي تلزمها الفاء؛ لأنها لا تصح أن تكون شرطًا.
وقلت لكم: إن الأشياء التي لا يصح أن تكون شرطًا إذا وقعت في الجواب لزمتها الفاء هي الجملة الاسمية، والجملة الطلبية، والفعل المسبوق بما أو لن أو قد أو التنفيس، أيُّ واحد من هذه الأشياء لا يصح أن يقع فعل شرط، أو لا يصح أن يقع شرطًا، فإذا لم يصح أن يقع شرطًا فإنه لا مانع من وقوعه جوابًا للشرط، لكنه عندما يقع جوابًا للشرط، لا بد فيه من أن تدخل عليه الفاء.
ولكنه أيضًا هذه القاعدة قد يستثنى منها استثناءات قليلة، فقد تدخل الفاء على الجواب، وهو صالح لأن يكون شرطًا، وقد يحصل العكس أي: قد تحذف الفاء من الجواب، وهي لازمة فيه، أو تحسن فيه؛ لأنه لا يصح أن يكون شرطًا فيعني: الآن يمكن بضرب بعض الأمثلة يتضح هذا الأمر.
أنا قلت لكم: إن الذي لا يصح أن يكون شرطًا هو الجملة الاسمية، والجملة الطلبية، والجملة الفعلية التي فعها جامد، أو مقرون بقد، أو مقرون بالتنفيس: وهو السين أو سوف، أو مقرون بلن، أو مقرون بما، هذه الجملة إذا وقعت جوابًا للشرط فإنها تلزمها الفاء، فالجملة الاسمية كقوله -تعالى-: وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ جملة "هو على كل شيء قدير" جملة اسمية وقعت جوابا للشرط فلزمتها الفاء.
فهو والجملة الطلبية: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي "اتبعوني" جملة طلبية؛ لأنه فعل أمر فلزمته الفاء ومنه البيت الذي سئل عنه بالأمس:
فاستغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتجمل(1/204)
"تجمل" فعل أمر دخلت عليه الفاء، ودخولها عليه طبيعي؛ لأنها في محلها، وقد لفت انتباهي إلى هذا أحد الإخوة بعد الدرس في مناقشة معه حينما سألني عن "تجمل" قال: ما نوعه؟ قلت: فعل أمر. قال: إنك إذن قلت: إن الفاء دخلته قليلًا، وهو الطبيعي أنه تدخله دخولًا طبيعيًا؟ قلت نعم لكني لم اتأمله كثيرًا فأجبت بهذا الجواب.
والذي فعلها فعل جامد كقوله -تعالى-: إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا فَعَسَى رَبِّي فَعَسَى رَبِّي "عسى" فعل جامد، ومثله ليس فعل جامد إذا وقع "عسى" أو "ليس" في جواب الشرط، فإنها تدخله الفاء حينئذ، والمفصول بـ "قد" كقوله -تعالى-: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ والمفصول بالتنفيس: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ .
والمفصول بلن كقوله -تعالى-: وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ والمفصول بـ "ما" كقوله -تعالى- أو المسبوق بـ "ما": فإن توليتم فما سألتكم من أجر فإذا كان جواب الشرط واحدا من هذه الأشياء فإنه يلزم أن تدخل عليه الفاء؛ ولكنها قد تحذف قليلًا، قد تحذف الفاء منه قليلًا، كما في قول الشاعر، وينسب هذا البيت إلى عبد الرحمن بن حسان بن ثابت:
من يفعل الحسنات الله يشكرها
هنا جواب الشرط "الله يشكرها" جملة اسمية، وكان المفروض أن تدخل عليه الفاء لكنها لم تدخل عليه، وهذا قليل، وإن كان المبرد يروي هذا البيت برواية أخرى يقول:
من يفعل الخير فالرحمن يشكره
فتكون حينئذ دخلت الفاء على الجملة الاسمية، وأما ما ذكرته من أن الفاء قد تدخل أيضًا على ما يصلح أن يكون شرطًا، ما يصح أن يكون شرطًا المفروض ألا تدخل عليه الفاء؛ لأنه لا يحتاج إلى ذلك؛ لكنها قد تدخل عليه أيضًا، وذلك ليس بكثير.(1/205)
ومن أمثلته كما في قوله -تعالى-: إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ هنا جواب الشرط فعل ماض "صدقت"، والفعل الماضي يصلح أن يكون فعلًا للشرط، فالكثير ألا تدخل عليه الفاء، لكنها دخلت عليه هنا كما ترون.
وكما في قوله: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا "لا يخاف" هنا فعل مضارع مسبوق بلا، والمسبوق بلا، لا حرج في أن يقع شرطًا، فالكثير ألا تدخل عليه الفاء، لكنها دخلت عليه هنا، فالحاصل أن ما لا يصح أن يكون شرطًا إذا وقع جوابًا، وهي هذه الأشياء التي جمعها أحد العلماء بقوله: "اسمية طلبية، وبجامد، وبلن، وبما، ولن، وبقد وبالتنفيس.
هذه الأشياء: "اسمية طلبية، وبجامد، وبما ولن وبقد، وبالتنفيس" هذه الأشياء السبعة لا يصح أن تكون شرطًا، وإنما يصح أن تكون جواب ، فإن وقعت جوابا فإنه ينبغي أن تدخل عليها الفاء، لكن الفاء قد تحذف معها قليلًا، كما أن الفاء قد تدخل قليلًا علي غيرها، وهذا ما أردت التنبيه عليه.
بالنسبة لنائب الفاعل أوجز ما قلناه سريعًا؛ ليتذكره الحاضر ويستفيد منه الذي لم يتمكن من الحضور، قال فيه المؤلف: هو الاسم المرفوع الذي لم يذكر معه الفاعل، وقلنا: إن كلمة "اسم" هنا تُخرِج الفعل والحرف، فإنه لا يقع نائبا عن الفاعل.
وكلمة "مرفوع" تخرج المنصوب والمجرور، فإن نائب الفاعل كالفاعل من أهم أحكامه الرفع، فلا يقع منصوبًا ولا مجرورًا، الذي لم يذكر معه فاعله تُبْعِد مع "ذكر معه الفاعل" لأنه إذا ذكر معه الفاعل صار حينئذ هذا المتأخر صار مفعولًا، وليس نائبا عن الفاعل.
والمفعول الذي لم يسم فاعله، ذكر العنوان بهذا الشكل من باب التغليب، وإلا فإن الذي ينوب عن الفاعل خمسة أشياء، وليس المفعول به فقط، المفعول به هو أهم وأبرز هذه الأشياء التي تنوب عن الفاعل، تقول في أكل محمد الطعام، تقول: أُكِلَ الطعامُ.(1/206)
فإذا حذف الفاعل تقدم المفعول به، وحل محله، وناب منابه في أحكامه في أنه يرفع كما يرفع الفاعل، وفي أنه لا يتقدم على الفاعل، أو علي الفعل كما أن الفاعل لا يتقدم أيضًا، وفي أنه أيضًا يُفْرَد معه ويُوَحَّد معه الفعل، فلا يثنى ولا يُجمع إذا كان هو مثنى أو مجموعًا.
وفي أحكامه الأخرى من حيث التقديم والتأخير، وما إلى ذلك من الأحكام الأخرى، فقلت: إن الأشياء التي تنوب عن الفاعل ليس المفعول به فقط، وإنما هي خمسة أشياء، أولها وأهمها هو المفعول به، ثم الجار والمجرور، ثم الظرف سواءا كان ظرف زمان، أو ظرف مكان، ثم المصدر.
يعني: هذه خمسة أشياء تنوب عن الفاعل، وممكن أن تجمع في مثال واحد كما لو قلت: ضرب زيد في السوق أمام الأمير يوم الجمعة ضربًا شديدًا، هذه الخمسة عند الجمهور إذا اجتمعت هذه الخمسة، فيجب أن تنيب المفعول به الذي هو زيد، سواء كان مفعولا به متقدما أو كان متأخرًا، فلا بد أن ينوب المفعول به مع وجوده.
وعند بعض العلماء، وهو رأي ليس بالقوي أنك يصح أن تنيب أيّ واحد من هذه، فلك أن تقول: ضرب زيدًا في السوق -وتكون أنبت الجار والمجرور "في السوق"- أمام الأمير يوم الجمعة ضربًا شديدًا، ولك أن تنيب أحد الظروف فتقول: ضُرب زيدًا في السوق أمامُ، فتنيب ظرف المكان، ولك أن تنيب ظرف الزمان، فتقول: ضُرب زيدًا في السوق أمام الأمير يومُ الجمعة.
ولك أن تنيب المصدر فتقول: ضُرِبَ زيدًا في السوق أمام الأمير يوم الجمعة ضرْبٌ شديدٌ، لكن هذا القول بإنابة أي واحد منها ليس بالقوي، وإنما القوي أنه متى وجد المفعول به فيجب أن ينوب؛ لأنه هو الأصل، وإن لم يوجد المفعول به، فلك أن تنيب أي واحد من هذه، ويحسن أن تنيب المتقدم منها.(1/207)
فيمكن أن ينوب الجار والمجرور عن الفاعل كما إذا قلت مثلًا: خُرِجَ من المنزل، خرج محمد من المنزل إذا حذفت الفاعل فإنك تنيب الجار والمجرور، فتقول: خُرِجَ من المنزل، ولك أن تنيب الظرف فتقول مثلًا إذا قلت: صام محمد رمضان، إذا حذفت الفاعل تقول: صِيمَ رمضان، ولك أن تنيب المصدر، فتقول: ضُرب ضربٌ، أي: حصل ضرب شديد.
ولك أن تنيب ظرف المكان فتقول: سِيرَ فرسخٌ أو ميل، أو نحو ذلك، واشترط العلماء في نيابة الجار والمجرور وفي نيابة الظرف بنوعيه، والمصدر، والجار والمجرور أن لا يوجد المفعول به، هذا هو الشرط الأول.
الشرط الأول عند الجمهور لكي تنوب هذه الأشياء ألا يوجد المفعول به. والشرط الثاني وهو خاص بالظرفين وبالمصدر أن يكون الظرف بنوعيه، والمصدر متصرفًا فلا يصح أن يكون ملازمًا لحالة واحدة، وأن يكون مختصًا بوصف أو بإضافة، فلا يصح أن يكون مبهمًا عامًا، تقول: صيم رمضان؛ لأن رمضان شهر معروف، ولكن لا يصح أن تقول: صيم زمن، أو صيم دهر؛ لأنه مبهم عام.
وتقول ضُرب ضربٌ شديد تخصصه بوصف، أو ضُرب ضربُ الأمير تخصصه بإضافة، ولا يصح أن تقول: ضُرب ضربٌ هكذا بدون أن يكون مختصا بوصف، أو بإضافة.
فالحاصل إذن الذي يهم التركيز عليه أن الأشياء التي تنوب عن الفاعل خمسة، وليس المفعول به فقط، وأنك حين تريد أن تبني الفعل للمجهول، أي لما لم يسم فاعله، فإنك يلزمك فيه تغير يسير، فإن كان الفعل ماضيًا فإنه يضم أوله ويكسر ما قبل آخره، فتقول في كتب: كُتِبَ تضم الأول وهو الكاف، وتكسر ما قبل الآخر، وهو التاء.(1/208)
وإن كان الفعل مضارعًا فإنك تضم الأول وتفتح ما قبل الآخر يُكْتَبُ الدرسُ، بدل يكتبُ إذا بنيته للمجهول قلت: يُكْتَبُ، وقلنا: إنه إن كان الفعل مبدوءا بالتاء الزائدة، فإنه يضم مع الأول الحرف الثاني فتقول: تُكُلِّمَ، تُقُدِّمَ، تُبُرِّعَ بمبلغ كذا وكذا، وإن كان مبدوءا بهمزة وصل في الخماسي والسداسي، فإنه يضم مع الأول الحرف الثالث مثل انطُلِقً واسْتُخِرجَ، ونحو ذلك.
وكما أن الفاعل في تقسيم المؤلف قسمان: ظاهر ومضمر، فأيضًا النائب عن الفاعل كذلك قسمان: ظاهر ومضمر، هذه خلاصة ما في النائب عن الفاعل.
باب المبتدأ والخبر
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب المبتدأ والخبر، المبتدأ هو الاسم المرفوع المسند إليه، نحو قولك: زيد قائم، والزيدان قائِمان، والزيدون قائمون، والمبتدأ قسمان: ظاهر ومضمر، والظاهر ما تقدم ذكره، والمضمر اثنا عشر هي: "أنا ونحن وأنتَ وأنتِ وأنتما وأنتم وأنتن، وهو وهي وهما وهم وهن" نحو قولك: أنا قائم، ونحن قائمون، وما أشبه ذلك.
والخبر قسمان: مفرد، وغير مفرد، فالمفرد نحو: زيد قائم. وغير المفرد أربعة أشياء. الجار والمجرور، والظرف، والفعل مع فاعله، والمبتدأ مع خبره. نحو قولك: زيد في الدار، وزيد عندك، وزيد قام أبوه، وزيد جاريته ذاهبة.
---
باب المبتدأ والخبر من الأبواب الطويلة. التي فيها تفصيلات كثيرة، لكن المؤلف اكتفى منه بالأمور البارزة، وصرف النظر عن التفصيلات كـ مثلًا من الأمور التي صرف النظر عنها، وهي تأخذ حيزًا كبيرًا في باب المبتدأ والخبر مسألة: تقديم المبتدأ وجوبًا، وتقديم الخبر وجوبًا، وحذف المبتدأ، وحذف الخبر، وما إلى ذلك.(1/209)
كل هذه التقسيمات والتفريعات لم يلتفت إليها، وكذلك مسألة الابتداء بالنكرة، ومسألة خبر ظرف الزمان، هل يقع ممتد ... ، خبر يخبر به عن الشيء الذات أسماء الذوات، أو نحوها اكتفى بالأمور البارزة في المبتدأ والخبر.
فعَرَّفَ المبتدأ بأنه الاسم المرفوع العاري عن العوامل اللفظية. طبعًا هذا التعريف ليس معناه أنه التعريف الوحيد، وإنما هناك تعريفات أخرى كثيرة للمبتدأ، بعضها فيه تفصيلات أكثر، وبعضها أقل.
لكن هذا التعريف في حد ذاته تعريف لا بأس به، يعني: يؤدي الغرض، فقوله: "هو الاسم المرفوع العاري عن العوامل اللفظية"، قوله: "هو الاسم" احتراز من ماذا؟ احتراز من الفعل والحرف؛ لأن المبتدأ من خصائصه أن يكون اسمًا.
لكن كلمة اسم كما مر معنا في الفاعل تشمل ما إن كان اسمًا صريحًا مثل محمد قائم، وما كان مؤولا، والمؤول كما مر في باب الفاعل هو ما دخلت عليه أن أو ما المصدرية، أو ما نحو ذلك وانسبك من مجموعيهما مصدر يقع فاعلًا.
وكذلك هنا ما كان مؤولا بأن كان حرف مصدري وبعده فعل مضارع يؤول منها مصدر، هذا المصدر قد يعرب مبتدأ كما في قوله -تعالى-: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ "خير" هنا خبر، أين المبتدأ؟ المبتدأ هو المصدر المؤول من أن وما دخلت عليه، وتقديره: صيامكم خيرٌ لكم، أو الصيام خيرٌ لكم.
فالمبتدأ إذن قد يكون اسمًا صريحًا، وقد يكون مؤولا بالاسم الصريح. المرفوع احتراز من المنصوب والمجرور، فإن المبتدأ لا بد أن يكون مرفوعًا، وكلمة مرفوع يعني: يدخل فيها ما كان مرفوعا في اللفظ وفي التقدير، وما كان مرفوعا في التقدير فقط.(1/210)
أو في المحل، وإن كان في اللفظ مجرورًا بحرف جر زائد، كما قلنا في الفاعل. قلنا في الفاعل: إن قولك: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا لفظ الجلالة فاعل مجرور لفظًا بالباء الزائدة، لكنه مرفوعًا محلًا، كذلك المبتدأ قد يُجر لفظًا بالباء الزائدة، لكنه يكون مرفوعًا محلًا، وحمل سيبويه على ذلك قوله -تعالى-: بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ يقول: إن الباء حرف جر زائد، وأن أي هنا مبتدأ مجرور لفظًا بالباء، ومرفوع محلًا "أيكم المفتون" والمفتون خبر.
وكذلك منه قوله -تعالى-: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ فـ "خالق" هنا يقولون: إنه مبتدأ مجرور لفظًا بمن الزائدة، ومرفوع محلًا على الابتداء.
فإذن كلمة "مرفوع" يراد به الرفع اللفظي والمحلي معًا، أو يكفي في ذلك الرفع اللفظي.
وقوله: "العاري عن العوامل اللفظية" احتراز مما كان مرفوعًا بسبب عامل لفظي. جاء محمدٌ. محمدٌ اسم مرفوع، هل تقول إنه مبتدأ؟ ليس مبتدأ؛ لماذا؟ لأنه لم يعرى عن العوامل اللفظية، وإنما سبقه عامل لفظي عمل فيه، وهو الفعل فصيره فاعل، وليس مبتدأ.
المبتدأ ينبغي أن يكون مرفوعًا بلا رافع لفظي؛ ولذلك قلت من ثلاثة أيام: إن العامل في المبتدأ، والعامل في الفعل المضارع عاملٌ معنوي.
العوامل في النحو كلها لفظية إلا عاملان. العامل في الفعل المضارع عامل معنوي وهو تجرده من الناصب والجازم، وعامل الرفع في المبتدأ عامل معنوي أيضًا وهو الابتداء، ما معني الابتداء؟ يقولون: هو اهتمامك بهذا الاسم، وجعلك إياه أولًا لثان، ونحو تصديره هذا الشيء هو الابتداء هو الذي رفعه، وإن كان في رافعه أقوال أخرى، لكن هذا القول هو أشهرها وأبرزها.(1/211)
فإذن المبتدأ هو المرفوع بلا عامل لفظي أي العاري عن العوامل اللفظية، فلو كان مسبوقًا بعامل لفظي لم يسم مبتدأ جاء محمدٌ. محمدٌ اسم مرفوع، ولكنه ليس مبتدأ؛ لأنه رفع بعامل لفظي كان محمدٌ. محمدٌ ليس مبتدأ إنما هو اسم كان؛ لأنه رفع بعامل لفظي.
إن محمدًا أخوك. أخوك ليس مبتدأ، وإن كان مرفوعا؛ لأنه أيضًا رفع بعامل لفظي؛ ولأنه أيضًا في موقع الخبر، وليس في موقع المبتدأ فلا بد فيه أن يكون مرفوعا، وأن يكون مجردًا، أو عاريا عن العوامل اللفظية، ويستثنى من ذلك الأشياء الزائدة كحرف الجر الذي أشرنا إليه فإنه يؤثر في اللفظ فقط، لكنه لا يؤثر في المحل، وإنما يبقى على إعرابه مبتدأ.
هذا هو تعريف المبتدأ: الاسم المرفوع العاري عن العوامل اللفظية
، والخبر تعريفه: هو الاسم المرفوع المسند إليه. انتبهوا المبتدأ مسند أو مسند إليه، المبتدأ ... طيب انظروا الآن حتى تعرفوا قضية الإسناد هذه محمدٌ قائمٌ، أسندنا ماذا إلى ماذا؟ أسندنا القيام إلى محمد، إذن "قائم" الذي هو الخبر مسند أو مسند إليه؟ قائم الذي هو الخبر مسند، ومحمد مسند إليه، أسندنا القيام إلى محمد، أسند القيام إلى محمد، فالقيام مسند، ومحمد مسند إليه.
فهنا في قوله: "هو الاسم المرفوع المسند إليه" ليس المسند إليه غيره، وإنما المسند إلى المبتدأ هنا ضمير يعود إلى المبتدأ، كلمة "إليه" هذه ضمير عائدة إلى المبتدأ، وهو الاسم المرفوع المسند، مسند إلى ماذا؟ أسند إلى محمد، إلى المبتدأ، فليس الخبر مسندا إليه، وإنما الخبر مسند إلى مسند إليه، وهو محمد، فكلمة المسند إليه هنا في تعريف المؤلف موهمة، توهم أن الخبر هو المسند إليه، وهو ليس كذلك.
الخبر في الغالب دائمًا هو المسند كما أن الفعل دائمًا هو المسند، والفاعل أو المبتدأ، هو المسند إليه، يعني: المحكوم عليه محكوم به، ومحكوم عليه مسند ومسند إليه، إذا قلت: محمد كتب. أين المسند وأين المسند إليه؟ أين المسند؟ تفضل ... ...(1/212)
نعم المسند كتب، وهو الكتابة، والمسند إليه محمد، فمحمد كتب، أو محمد كاتب، كتب محمد، فالكتابة أو الفعل دائمًا، أو الوصف هو المسند، والاسم الذي هو الفاعل، أو المبتدأ هو المسند إليه، فهنا ليس المراد بأن الخبر هو المسند إليه، وإنما المراد بأن الخبر مسند إلى شيء آخر.
فـ "إليه" هنا لو جعل مكانها المبتدأ لكان أوضح، لو قال: هو الاسم المرفوع المسند إلى المبتدأ. لكانت أقل إيهاما، لكن كلمة "المسند إليه" توهم بأنه يعني: المصطلح مسند ومسند إليه. والواقع أن الخبر هو المسند، والمبتدأ هو المسند إليه، فالخبر إذن هو الاسم المرفوع المسند إلى المبتدأ.
الخبر هو الاسم المرفوع المسند إلى المبتدأ، طبعًا قولنا هنا: الاسم سيأتي في الخبر بأن الخبر عدة أنواع، وليس نوعًا واحدًا منه ما هو مفرد، ومنه ما هو جملة، ومنه ما هو شبة جملة.
والمرفوع سواء كان رفعه رفعًا لفظيًا، أو كان مرفوعا محلًا، يعني: إذا كان مفردًا قابل للرفع فإنه يكون مرفوعا لفظًا، مثل محمد قائم، فإنه يعني: إن كان لا تظهر عليه الحركات، فإنه يكون مرفوعا لكن الضمة مقدرة للتعذر أو الثقل أو نحوه.
فإن كان جملة، أو شبه جملة فإنه يكون حينئذ في محل رفع خبر، وليس مرفوعا رفعًا لفظيًا، المسند إلى المبتدأ احتراز من الاسم المرفوع إذا كان ليس مع مبتدأ، كما في حالة الاسم المرفوع، إذا كان مع الفعل، أو نحو ذلك، والذي +فهمنا+ ... ..
هو أخذه بالأصل بالأكثر وبالأشهر فقط، نعم وإلا فإن الخبر يكون -كما سيأتي يكون- جملة فعلية، هو نفسه ذكر هذا، يكون جملة فعلية، ويكون جملة اسمية، لكنه أخذه بالأشهر وبالأكثر، وأخذ الأكثر منه، وهو وضعه في حالة الإفراد، أنه اسم مرفوع.(1/213)
ولا بد من أن نشير إلى أنه هو الذي تتم به الفائدة الذي تتم به الفائدة مع مبتدأ أو وصف كما هو يرد في بعض التعريفات الأخرى تعريف المؤلف هنا للخبر يعني: ليس تامًا كاملًا لدرجة كافية، وإن كان يغني إلى حد ما، لكن هناك تعريفات أتم وأدق وأشمل للخبر، بأن الخبر هو الجزء المتم الفائدة مع مبتدأ.
الخبر هو الجزء المتم الفائدة مع مبتدأ، إذا قلت بهذا الشكل دخل المفرد، ودخل الجملة، وخرج ما أتم الفائدة مع فاعل، مع فعل، وخرج ما أتم الفائدة مع حرف ناسخ، وخرج ما أتم الفائدة مع أي شيء آخر، إذا قلت: إن الخبر هو الجزء المتم للفائدة مع مبتدأ، فإنه يكون تعريفًا جيدًا.
أما كلمة "اسم مرفوع" فإنها ليست دقيقة؛ لأنه يكون جملة فعلية ويكون جملة اسمية، ولا يظهر فيه الرفع، وإن كان الرفع من أحكامه، سواء كان رفعًا لفظيا، أو كان رفعًا محليا، أو تقديريا.
مَثَّل المؤلف بهذه الأمثلة كتمثيله في باب الفاعل؛ ليرمز إلى شيء معين، فقال: نحو قولك: زيد قائم، والزيدان قائمان، والزيدون قائمون، نَوَّعَ هذه الأمثلة لماذا؟ ليدل علي أمور منها أن المبتدأ يقع مفردا، ويقع مثنًى وجمعًا، وأن الخبر كذلك. وأنه لا بد فيهما من المطابقة.
لا بد فيهما من المطابقة، فلا يصح أن يكون المبتدأ مفردا والخبر مثنى، أو جمعا، ولا يصح العكس، لا بد من المطابقة بين المبتدأ والخبر في الإفراد والتثنية والجمع.
وكذلك من أغراضه من هذا التمثيل أن يبين لك أن المبتدأ يعني: سواء رفع بحركة، أو كانت علامة الإعراب فيه حركة، أو كانت علامة الإعراب فيه حرفا كالألف في الزيدان، وكالواو في الزيدون.
والمبتدأ قسمان: ظاهر ومضمر، فالمبتدأ الظاهر هو ما تقدم ذكره ، وهي الأمثلة التي ذكرها: زيد قائم، والزيدان، والزيدون، هذه كلها مبتدآت، وهي أسماء ظاهرة.(1/214)
والمضمر اثنا عشر، وهي طيب، نحن ذكرنا أن الفاعل يقع مضمرًا لكنه ليس اثنا عشر لفظًا أو صورة، وإنما في أربع وعشرين هنا لماذا في المبتدأ لا يقع إلا اثنا عشر فقط؟ نعم لأن المبتدأ لا يقع إلا ضميرًا منفصلًا، ولا يصح أن يكون الضمير المتصل مبتدأ، لماذا؟ لأننا قلنا في تعريف الضميرالمتصل: إنه هو ما لا يبتدئ به.
المتصل هو ما لا يبتدئ به، ولا يصح وقوعه بعد إلا، فالضمير المتصل هو ما لا يبتدئ به، إذن أصبح الضميرالمتصل لا يدخل معنا في باب الابتداء، لا يدخل الضمير المتصل في باب الابتداء، فلا يصح أن يقع الضمير المتصل مبتدأ؛ لأن الضمير المتصل من اسمه تفهم أنه لا بد أن يتصل بشيء، لا يستطيع أن يقوم بذاته، ولا بد أن يتصل بشيء، واتصاله بشيء يعني: أنه لا يصح أن يبتدأ به.
فإذن الضمائر التي تقع مبتدأ اثنا عشر ضميرًا فقط، وهي الضمائر المنفصلة، لكن أيّ نوع من الضمائر المنفصلة؟ ضمائر الرفع المنفصلة فقط؛ لأن الضمائر المنفصلة ثلاثة أنواع كالمتصلة: ضمائر الرفع، وضمائر نصب، وضمائر جر.
طبعًا ضمائر النصب، وضمائر الجر لا تدخل؛ لأن المبتدأ من أحكامه أنه مرفوع دائمًا، فلا يدخل معنا إلا ضمائر الرفع، المتصلة مستبعدة؛ لأنه لا يبتدأ بها؛ لم يبق إذن إلا ضمائر الرفع المنفصلة؛ وهي اثنا عشر ضميرًا.
لماذا صارت اثنا عشر؟ للسبب الذي أشرنا إليه؛ لأن اثنين للمتكلم، وخمسة للمخاطب، وخمسة للغائب، فتقول: أنا مسلم، ونحن مسلمون، وأنت مجتهد، وأنت مخلصة، وأنتما مسافران، وأنتم قائمون، وأنتن جالسات، وهو محسن، وهي متقية، وهما قائمان، وهم جالسون، وهن في المنزل.
فهذه الضمائر ضمائر الرفع المنفصلة اثنا عشر ضميرًا، وهي التي تقع مبتدأ، ويصح الابتداء بها، كنحو قولك: أنا قادم، ونحن، وما إلى ذلك، هذا بالنسبة لأحكام المبتدأ، أكتفي من المبتدأ بهذه الأحكام.(1/215)
ومن خصائص المبتدأ، الأمور المهمة فيه أنه يجب ينبغي أن يكون معرفة، ولا يصح أن يبتدأ بالنكرة، إلا إذا أفادت، وتفيد النكرة في عدة مواضع، ذكر العلماء منها أكثر من عشرين موضعا، وهي كثيرة الصور التي تكون فيها النكرة مفيدة، فالنكرة إذن لم يصح إذا لم تفد فإنه لا يصح الابتداء بها.
انتقل إلى الخبر فقال: الخبر قسمان: مفرد، وغير مفرد، هنا يحسن في كلمة مفرد أن ننبه إلى ما يقابله، كما أشرنا، المفرد هنا ماذا يريد به؟ ماذا يريد في قوله: الخبر قسمان: مفرد وغير مفرد؟ ما مراده بالمفرد هنا؟ ... تفضل ... هنا مراده به ما ليس بجملة ولا شبه جملة.
وليس معني ذلك أن الخبر مفرد، أي أنه لا يقع مثنى لا، الخبر من خصائصه أنه مفرد، لكنه يقع مثنى، وليس المراد مفردا ليس مضافا، فالخبر أيضًا قد يقع مضافا، وإنما المراد هنا أن الخبر هنا نوعان: إما مفرد، ويدخل في كلمة مفرد هنا المثنى والجمع والمضاف أيضًا، أو ليس بمفرد، ويريد به الجملة، أو شبه الجملة.
فالمفرد نحو: زيد قائم، ونحو الزيدان قائمان، ونحو الزيدون قائمون، يشمل قوله: مفرد؛ لأنه أراد بغير المفرد الجملة وشبه الجملة فقط، وغير المفرد أربعة أشياء: الجار والمجرور، والظرف، وهذان يدخلان تحت شبه الجملة.
الجار والمجرور والظرف يدخلان تحت نوع واحد، يسمى شبه الجملة، والفعل مع فاعله، والمبتدأ مع خبره، وهذان يدخلان تحت نوع واحد، وهو الجملة، فالخبر إذن إما مفرد أو شبه جملة أو جملة، المفرد تحته المثنى والجمع، والمضاف وشبه الجملة تحته الظرف والجار والمجرور، والجملة تحته الجملة الاسمية والجملة الفعلية.
وغير المفرد أربعة أشياء: الجار والمجرور، الجار والمجرور مثل: محمد في الدار، محمد في المسجد، محمد في المنزل، والظرف مثل ماذا؟ نعم ... محمد أمام المسجد، هذا صحيح، أو محمد عندك، الطائر فوق الغصن، وغير ذلك من الظروف، وهي كثيرة.(1/216)
والجملة نوعان -كما قلنا-: فعلية واسمية، الجملة الفعلية مَثَّلَ لها هو بقوله: الفعل مع فاعله، الفعل مع فاعله، مثاله هنا: زيد قام أبوه، إذا جئت تعرب هذه الجملة ماذا تقول؟ تقول: زيد مبتدأ، وقام فعل ماض، وأبوه فاعل، والضمير مضاف إليه، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ "زيد" فهي إذن مرفوعة محلا لا لفظًا؛ لأنها جملة يعني: لا يتأتى بها الرفع اللفظي.
والجملة الاسمية هي المكونة من مبتدأ وخبر، فتقول: زيد جاريته ذاهبة، إذا جئت تعرب ماذا تقول؟ تقول: زيد مبتدأ، جاريته مبتدأ آخر وهو مضاف، والهاء مضاف إليه، ذاهبة خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره، الجملة المتكونة منهما هي خبر المبتدأ الأول الذي هو "زيد".
طيب إذا نظرتم إلى الجملة إذا وقعت خبرًا مثل: زيد قام أبوه، وزيد جاريته ذاهبة -وجدت أنها في هذين المثالين وما أشبهما قد اتصلت بضمير يربطها بالمبتدأ؛ لكي يصح الإخبار بها عنه، يعني: لا يصح أن تخبر بمبتدأ، أو عن المبتدأ بجملة أجنبية عنه نهائيًا.
يعني: مثلًا: لا يصح أن نقول: محمد سافرعلي، هل جملة "سافر علي" من الفعل والفاعل يصح أن تكون خبرا لمحمد، لا يصح؛ لأنه انعدمت الفائدة، ليس هناك رابط يربط بين هذه الجملة والمبتدأ؛ ولذلك اشترطوا في الجملة إذا وقعت خبرًا أن تشتمل على رابط يربطها بهذا المبتدأ الذي وقعت خبرًا عنه.
والرابط أنواع: لكن أكثرها وأشهرها هو الضمير، تقول: محمد قام أبوه، أبوه الهاء هذه ترجع إلى من؟ إلى محمد، لكن لا يصح أن تقول: محمد قام أبو علي؛ لأن هذه شيء، وهذه شىء، ولم يحصل فائدة من الإخبار بهذه الجملة، ولا بد من الضمير حتى وإن طالت الجملة، حتى لو طالت الجملة التي أخبر بها فلا بد أن تشتمل ولو في نهايتها بعد سطرين على ضمير يربطها بهذا المبتدأ.(1/217)
إذا اشتملت على ضمير يربطها بهذا المبتدأ صح الإخبار بها سواء كانت جملة اسمية أو كانت جملة فعلية، فإن عدم فيها هذا الضمير، وهذا الرابط صارت أجنبية عن هذا المبتدأ، ولم يصح الإخبار بها عنه، لو قلت: محمد قام أبو علي، هذا الكلام صحيح أو غير صحيح؟ غير صحيح ولو أضفت إليها كلمة أخرى أصحح بها هذا الكلام لصحت، لو قلت: محمد قام أبو علي في داره، في دار محمد صح هذا الكلام.
ولو قلت: محمد قام أبو علي، وأبو صالح، وذهب إلى أبي فلان وجئت لك بسطرين، ثم قلت جئت بضمير يربطها بمحمد، فقلت ليزور محمد، اتصل بمحمد في دار محمد، أو نحو ذلك، ضمير يرتبط بهذا المبتدأ المتقدم صح الإخبار بها.
فإن عدم هذا الضمير فإنه لا يصح الإخبار بها، سواء طالت أو قصرت، طبعًا الرابط ليس دائمًا هو الضمير، وإنما الضمير هو الغالب والكثير جدًا، هناك روابط أخرى تقوم مقام الضمير، لكن استعمالها قليل، من ذلك الإشارة إليه مثلًا، لو ضمنت الجملة الواقعة خبرا إشارة إلى المبتدأ المتقدم يكفي.
نحن يهمنا أن تربطها بهذا المبتدأ المتقدم بأي شكل حتى إشارتك إليه كافية، كما في قوله، يمثلون لذلك بقوله -تعالى-: وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ خَيْرٌ هنا فيه إشارة إلى اللباس؛ لجملة ذَلِكَ خَيْرٌ هذه المكونة من مبتدأ وخبر في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو لباس، كيف صح الإخبار بها عنه؛ لأنها تضمنت الإشارة إليه.
من الروابط -أيضًا- التي يصح بها أن يخبر بالجملة الاسمية والفعلية عن مبتدأ إعادة المبتدأ بلفظه يعني: إذا أعدت المبتدأ بلفظه ومعناه، أو بمعناه فقط، فإنه حينئذ هذه الإعادة بمنزلة الضمير، يعني: أنك ربطت بين الأول والثاني، كما في قوله -تعالى-: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ مَنْ يعرب الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ .(1/218)
كيف تعرب الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ نعم "ما" اسم استفهام مبني في محل رفع مبتدأ ثان. نعم. و"الحاقة" الثانية خبر المبتدأ الثاني الذي هو "ما" نعم، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الأول الذي هو "الحاقة".
الجملة الاسمية مَا الْحَاقَّةُ المكونة من مبتدأ وخبر هنا ليس فيها ضمير يربطها بالمبتدأ الأول، لكنها تضمنت إعادة للمبتدأ الأول بلفظه، فهي إذن رُبِطَتْ بالمبتدأ الأول بلفظه وبمعناه، فلا داعي للضمير حينئذ.
إذن الحاصل أن الجملة إذا وقعت خبرًا، سواء كانت جملة اسمية أو فعلية فإنه لا بد فيها من رابط يربطها بالمبتدأ ... كذلك بالنسبة للظرف والجار والمجرور. الظرف والجار والمجرور لا بد فيهما من أن يكونا مختصين. ما معنى مختصين؟ أي أنه يتم الكلام بهما دون النظر إلى متعلقيهما، يعني: الكلام بهما تام لا يحتاج إلى ذكر المتعلق حينما تقول: زيد في الدار، الكلام كامل الآن.
وإذا جئت تعرب تقول: "زيد" مبتدأ، و"في الدار" جار ومجرور خبر، هذا إعراب فيه تسامح وتجوز، لكنه في الصحيح، التركيب الأصلي أن الجار والمجرور ليس هو الخبر، وإنما هو متعلق بمحذوف، هذا المحذوف هو الخبر.
ما معنى قولك: زيد في الدار، معناها: زيد كائن أو مستقر في الدار، أو زيد استقر، أو وجد في الدار، فهو متعلق بمحذوف خبر، لكن هذا المحذوف الكلام بدونه يتم، ويتضح المعنى؛ ولذلك صح الإخبار بالجار والمجرور هنا "في الدار" وبالظرف "عندك" إذا قلت: زيد عندك، معناها: زيد استقر عندك، أو وجد عندك، أو كان عندك، أو نحو ذلك، فهو متعلق بمحذوف خبر كان، هذا المحذوف الكلام بدونه تام دون أن تذكر هذا المتعلق.(1/219)
فإذا كان الظرف والجار والمجرور يتم الكلام به بدون ذكر متعلقه صح الإخبار به، يكون حينئذ ظرفًا تامًا، فإن كان ظرفًا ناقصًا يعني: لا يتم إلا بذكر متعلقه، كما إذا قلت مثلًا: زيد بك، الآن "بك" جار ومجرور، هل يصح، هل تم الكلام بها كما يتم الكلام بقولك زيد في الدار؟ لم يتم لأن الظرف هنا غير تام، محتاج إلى متعلقه؛ لأعرف ماذا هل زيد مر بك، أو زيد معجب بك، أو زيد متعلق بك.
يعني: الأمر عندي ليس واضح، فالجار والمجرور هنا غير تام؛ لذلك لا يصح الإخبار به، فمن شرط الإخبار بالجار والمجرور أن يكونا تامين، أي: أن تحصل الفائدة بهما بدون حاجة إلى ذكر متعلقهما، أما الجار والمجرور الذي لا يستغني عن متعلقه؛ ليتضح به المعنى، فإنه لا يصح الإخبار به إلا أن يذكر معه المتعلق الذي تعلق به.
باب العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر: تفضل ... ...
نعم ... الظرف الذي لا يكون تاما، لو قلت مثلا ... ساعدوني على المثال ما يحضرني الآن مثال، لكن يعني: ينبغي أن يكون هذا الظرف محتاجا إلى متعلق معين، يعني: يختلف المعنى باختلافه، ليس تامًا، كما إذا قلت: زيد عندك مثلًا، زيد عندك واضح، لكن لو قلت مثلًا: زيد ... نعم زيد تحت، لا هي الآن تحتاج إلى مضاف إليه، هو مفتقر إلى مضاف إليه وليس مفتقرا إلى متعلق.
نعم هذا جار ومجرور مثل: زيد بك، الجار والمجرور واضح، نحن نريد الآن مثال للظرف فيما إذا كان ظرفًا غير مكتفى به. . نعم. . كيف ... لا، هذا أيضا ليس كذلك، يمكن ينقلنا إلى أمر آخر طيب، اقرأ يا سامي نفكر فيه -إن شاء الله- يمكن نحن نصل إليه سريعًا، نعم في أحد عنده مثال؟ ... نعم ... زيد أمامه ... لا، ليس هذه أيضًا هي، نحن نريد أن نقيسها على زيد بك، يعني: أنه لا يتضح المراد منه إلا حينما تذكر المتعلق الذي تعلق به حينما تقول: زيد بك أي: زيد مر بك، أو أعجب بك، أو نحو ذلك.(1/220)
فإذا جئت بالظرف فقلت يعني: محمد عندك، هنا مكتفي، نريد ظرفا يكون غير مكتفي به، ويحتاج إلى أن يذكر معه المتعلق، مثل ... لا، ظرف الزمان أنا ذكرت لكم في البداية أن له موضوعا خاصا؛ لأنه هل يجور الإخبار بالزمان عن الجثة، كما يقولون، عن الذات مثل: الليلة الهلال، ونحو ذلك من هذه الألفاظ.
هذا فصل كامل في كتب النحو، وليس كذلك، الذي يصح الإخبار به هو ظرف المكان، أما ظرف الزمان فالإخبار به مقيد بشروط وقيود ليست يعني: تحتاج إلى تفضيل أكثر ... لا -إن شاء الله-، نحن نفكر في مثال لعله يأتي.
وجدتُ ظرف المكان إذا كان غير مختص، مثل إذا قلت مثلًا: زيد مكانا، زيد مكانا لا يصح الإخبار به هنا على أنك تقول: أريد: زيد جلس مكانًا، كما إذا قلت: زيد بك لا يصح الإخبار به، على أن في نيتك: زيد مر بك أو زيد معجب بك، فلا بد أن تذكر ما نويت؛ لأنه لا يتضح إلا به، فكذلك هنا لا يصح أن تقول: محمد مكانًا علي أن في نيتك جلس مكانًا؛ لأن المتعلق هنا غير واضح، إذا كان المتعلق غير ظاهر، فلا يصح الإخبار بالجار والمجرور وبظرف المكان.
فإن صح المتعلق وعلم بدون أن يذكر، فإنه لا مانع من الإخبار مثل زيد عندك؛ لأنه معروف أن المراد موجود، أو مستقر، أو كائن أو جالس، أو نحو ذلك.
باب العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر
باب العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر، وهي ثلاثة أشياء: كان وأخواتها، وإن وأخواتها، وظننت وأخواتها، فأما كان وأخواتها، فإنها ترفع الاسم، وتنصب الخبر، وهي: كان وأمسى، وأصبح وأضحى، وظل وبات، وصار، وليس، وما زال، وما انفك، وما فتئ، وما برح، وما دام وما تَصَرَّفَ منها.
ونحو: كان، ويكون، وكن، وأصبح تقول: كان زيد قائما، وليس عمرو شاخصًا، وما أشبه ذلك، وأما إن وأخواتها، فإنها تنصب الاسم، وترفع الخبر، وهي: إن وأنَّ، ولكن، وكأن وليت، ولعل، تقول: إن زيدًا قائم. وليت عمرًا شاخص، وما أشبه ذلك.(1/221)
ومعنى إن وأن للتوكيد، ولكن للاستدراك، وكأن للتشبيه، وليت للتمني، ولعل للترجي والتوقع، وأما ظننت وأخواتها فإنها تنصب المبتدأ والخبر علي أنهما مفعولان لها وهي: ظننت وحسبت وخلت وزعمت ورأيت وعلمت ووجدت واتخذت وجعلت وسمعت، تقول: ظننت زيدًا قائمًا، ورأيت عمرًا شاخصًا، وما أشبه ذلك.
---
باب العوامل الداخلة علي المبتدأ والخبر، وهي ثلاثة أشياء: كان وأخواتها، وإن وأخواتها، وظننت وأخواتها، طيب هل تظنون أن المؤلف ترك شيئا هنا مما يدخل تحت النواسخ؟ هل ترك شيئا؟ هل يوجد نواسخ غير هذه الأبواب الثلاثة ؟
نعم، هناك باب يعني يلحق بباب كان، وهو متمم له، ومكمل له ومشبه له مع خلاف يسير، وهو ما يسمي بباب أفعال المقاربة، أفعال المقاربة، وهي أيضًا تسميتها تغليب؛ لأنها ليس كلها للمقاربة، وإنما هي أفعال مقاربة، ورجاء، وشروع، وسنمر عليها مرورا سريعا، وهي ثلاثة أشياء:
النواسخ للمبتدأ والخبر، وهي كان وأخواتها، وإن وأخواتها، وظننت وأخواتها.
أما الباب الأول فهو كان وأخواتها، كان وأخواتها كم عددها؟ كم فعل؟ نعم، ثمانية، لا، قسم منها يعتبر يعني ثمانية، ولا سبعة، بل أكثر من ذلك، ثلاثة عشر فعلا هي ثلاثة عشر فعلا، ثمانية منها تشكل فئة، وأربعة منها تشكل فئة، والأخير منها يشكل فئة.
فأما كان وأخواتها فإنها حكمها أنها تدخل علي المبتدأ والخبر فترفع المبتدأ على أنه اسمها، وتنصب الخبر على أنه خبرها، يعني: سميت نواسخ لماذا؟ لأنها جاءت للمبتدأ والخبر، وهما مرفوعان، فنسخت عملها، وأحدثت فيهما عملًا جديدًا، فرفعت المبتدأ كما يقولون رفعًا جديدًا وجعلته اسمًا لها، ونصبت الخبر، وجعلته خبرًا لها.
اسمها مرفوع على أنه اسمها، وهو مشبه بالفاعل على التشبيه بالفاعل، وخبرها منصوب على التشبيه بالمفعول به، وهي: كان وأمسى وأصبح وأضحى وظل وبات وصار وليس وما زال وما انفك وما فتئ وما برح وما دام، وكل ما تصرف منها، فهي ثلاثة عشر فعلا.(1/222)
إذا أردت أن توزع هذه الأفعال الثلاثة عشر إلى فئات، وجدت أنها تتدرج تحت ثلاث فئات: الفئة الأولى، وهي ثمانية أفعال، هذه تعمل بدون شروط الفئة الأولى، وهي أفعال ثمانية، وهي الثمانية الأولى من سرد المؤلف تعمل بدون شروط، وهي: كان وأمسى وأصبح وأضحى وظل وبات وصار وليس. هذه الثمانية تعمل بدون شروط.
والأربعة التي تليها كما ترون تعمل بشرط، تعمل بشرط ماذا؟ تعمل بشرط أن تُسْبَق بنفي أو ما أشبهه، كالدعاء تعمل بشرط أن تسبق بنفي كما هو حال ما زال وما انفك وما فتئ وما برح، هذه الأربعة ترون أنها يقل أن تتجرد من ما النافية هذه يعني: لا بد أن تُسْبَق بنفي بـ "ما" أو نحوها.
والثالث عشر والأخير هو "ما دام" يعمل بشرط واحد، وهو أن يسبق بما ليست ما كالتي قبلها ما النافية، وإنما هي ما المصدرية الظرفية، "ما" التي تصحب ما زال وما فتئ وما برح وما انفك هذه نافية، و"ما" التي تصحب "ما دام" هذه ليست نافية، وإنما هي مصدرية ظرفية، كقوله -تعالى-: وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا مَا دُمْتُ حَيًّا ما المراد ؟ ما معناها ؟ معناها مدة دوامي حيا، إذا جئت تقدر ما دمت حيًا وجدت أنك تقول: التقدير مدة دوامي حيًا.
فهي إذن ما هذه، قدرت بمدة، وهي ظرف، وقدرت بدوامي، وهو مصدر؛ ولذلك سميت ما المصدرية الظرفية؛ لأنها تقدر دائمًا بهذا التقدير؛ لا أصحبك مادمت مسرعًا لا أصحبك مادمت مسرعًا، التقدير: مدة دوامك مسرعًا، مدة دوامك، فهنا ما تقدر بمصدر بظرف ومصدر، فلذلك سميت المصدرية الظرفية.
أما "ما" الداخلة على الأفعال الأربعة التي قبلها فهي ما النافية فهذه الأفعال إذن من حيث العمل ثلاث فئات:
فئة تعمل بدون شروط، وهي الأفعال الثمانية الأولى.
وفئة تعمل بشرط أن تسبق بالنفي وهي الأربعة التي تليها.
وفئة تعمل بشرط أن تسبق بما المصدرية الظرفية، وهي الفعل الأخير "ما دام".(1/223)
إذا نظرت لهذه الأفعال، وحاولت أن تنظر إلى معانيها، فحينما تقول: كان محمد قائمًا، ما معنى كان؟ هي اتصاف الاسم بالخبر فيما مضى، وفيما سيأتي أيضًا أحيانًا فيما مضى وينقطع، وربما كان مستمرًا الاستمرار يكون مع الأفعال التي استخدمت في حق الله -تعالى- وهي كثيرة في القرآن وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وما شاكلها من الآيات.
أي: أنه سبحانه كان وما يزال كذلك، وبالنسبة لأمسى المراد بها اتصاف الاسم بالخبر مساءا تقول: أمسى محمد قائمًا، أي: أمسى، أي أنه اتصاف الخبر بالمخبر عنه، وحصوله في وقت المساء.
وأصبح في وقت الصباح، وأضحى في وقت الضحى، هذا هو الغالب، هذا هو الغالب، لكن ليس معناه أنه لا يصح أن تطلق أضحى ويراد بها ما هو أوسع من ذلك، وظل اتصافه به بالنهار، وبات اتصافه به بالليل، وصار تفيد التحول: صار العنب زبيبًا، صار الثلج ماءا، أي تحول إلى ماء، وليس تفيد النفي، وما زال، وما انفك، وما فتئ، وما برح تفيد الاستمرار؛ لأنها كانت تفيد النفي فدخل عليها نفي لنفي النفي، ونفي النفي كما يقولون إثبات، زال نافية فإذا أدخلت عليها ما، وقلت: ما زال أفادت الإثبات.
إذا قلت: ما زال محمد قائمًا ما معناها؟ معناها أنه مستمر، مستمر على هذا، فهي الآن بسبب دخول حرف النفي عليها، وهي في أصلها للنفي، نفي النفي كما يقولون إثبات، صارت تفيد الاستمرار.
ما زال وما فتئ وما برح وما انفك، هذه الألفاظ الأربعة يجوز أن تحذف منها يعني يجوز أن تحذف منها حرف النفي لفظًا، لكنه مقدر تقديرًا، ومن ذلك في القرآن قوله -تعالى- في سورة يوسف: قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ "تفتأ" أي: ما تفتأ، لكنها حذفت "ما" هنا، وهي مقدرة ومنوية، وكذلك يمثلون بقول امرئ القيس:
فقلت يمين الله أبرح
أي: لا أبرح، أو ما أبرح، أو نحو ذلك من النوايا.(1/224)
طيب نقف عند هذا، ونترك موضوع "إن" وما قد يعني يدخل في تفصيلات أخرى في باب "كان" للدرس القادم -إن شاء الله-.
س: يقول: أرجو تحديد وقت انتهاء الدرس في النحو.
ج: بالتحديد الثانية إلا ربع، يعني نبدأ في الواحدة، إلا ربع وننتهي في الثانية إلا ربع، لكن أحيانًا قد ننسى ونأخذ دقيقتين أو ثلاث، ومن أراد القيام فهو في حِل من ذلك.
س: هذا يشير إلى أن بعض الإخوة يحجز بعض الأمكنة بكتاب أو دفتر، وهو غير موجود، أو يذهب ونحو ذلك، ويعني: يحول بينه وبين من يريد أن يستفيد منه. ... ...
س: يقول: ما الفرق بين ما يلي: اللفظ، والتقدير، والمحل؟
ج: الفرق بين اللفظ أن تقول: قام محمد مرفوع لفظًا، والتقدير قام الفتى مرفوع بضمة مقدرة، والمحل إذا قلت مثلا: محمد قام أبوه، قام أبوه هنا جملة في محل رفع خبر؛ لأنه ليست الضمة ظاهرة، وليست الضمة مقدرة، وإنما هي في محل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ نبيا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها الإخوة في الله:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فقد كان حديثنا في لقاء الأمس منصبًّا على باب "بداية العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر"، وحيث بدأها المؤلف بـ "كان وأخواتها". وحديثه عن "كان وأخواتها" جاء به في سياق الحديث عن المرفوعات؛ لأنه لما تحدث عن الأعراب، وأنواع الأعراب، وبيّن أنه: رفع ونصب وجر وجزم، بدأ في الحديث عن التفصيل في أبواب ذلك.
فبدأ بالحديث عن المرفوعات، وعرضنا سرد المرفوعات سردا، ثم بدأ في الحديث عن باب كان وأخواتها.(1/225)
قبل أن أدخل في استعادة بعض ما ذكرناه هناك، وأودُّ أن أشير إلى آية مرَّت في حديثنا عن نائب الفاعل، وهي قراءة: "ليُجْزَى قوما بما كانوا يكسبون" فهذه الآية يستشهد بها الكوفيون وغيرهم ممن يرى هذا الرأي على أنه يصح أن ينوب غير المفعول به مع وجود المفعول به، وقد ذكرتُ أن هذه القراءة الشاذة، والواقع أنها شاذة بالنسبة لحكم النحويين عليها.
النحويون الذين لا يرون هذا الرأي يقولون: إن هذه القراءة شاذة، وليس معنى قولي: إنها شاذة أنها من القراءات الشاذة اصطلاحا، أي: التي فوق القراءات العشرة، أو فوق القراءات الأربع عشرة قراءة، فإن هذه القراءة قد قرأ بها أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني، وهو من القراء العشرة.
فهي باعتبار قارئها قراءة عشرية، نظرة النحويين لها وتخريج النحويين لها قراءة شاذة، والحكم على القراءات بالشذوذ سواء كانت عشرية، أو سبعية، هذا الكلام طويل، وفيه كتب مؤلفة حول نظرة النحويين لبعض القراءات، وليس هذا المجال مجاله.
كان وأخواتها ذكرنا أنها ثلاثة عشر فعلا، وهذه الأفعال تدخل على المبتدأ والخبر فتنسخ عملهما السابق وحكمها السابق، ثم تُحْدِث فيهما عملا وحكما جديدا، فترفع المبتدأ على أنه اسمها، وتنصب الخبر على أنه خبرها، وهذه الأفعال الثلاثة عشر قلت لكم: إنها ثلاثة فئات من حيث العمل؛ فمنها الفئة الأولى: وهي الأفعال الثمانية الأولى. هذه تعمل بدون شروط.
ومنها الفئة الثانية: وهي الأفعال الأربعة التي تليها وهي: ما زال، وما فتئ، وما برح، وما انفك، وهذه لا تعمل إلا بشرط أن تسبق بنفي، أو شبهه، والمراد بشبه النفي هنا: النهي والدعاء.(1/226)
والفئة الثالثة تمثلا فعلا واحدا، وهو الفعل الأخير -الثالث عشر- وهو: ما دام، فإنها لا تعمل إلا إذا سبقت بما المصدرية الظرفية، وقلنا: إن "ما" هذه سميت بالمصدرية الظرفية؛ لأنك حينما تقدِّر الكلام تقدره بظرف وبمصدر؛ فالتقدير في مثل قوله -تعالى-: وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا التقدير: مدة دوامي حيا، فمدة: ظرف، ودوامي: مصدر.
وهذه الأفعال الثلاثة عشر -أيضا- تنقسم من ناحية أخرى، أي: من ناحية التصرف، وعدم التصرف إلى أقسام:
فمن هذه الأفعال الثلاثة عشر ما هو جامد، لا يتصرف باتفاق وهو "ليس"، فإن "ليس" جامدة لا تتصرف أبدا، ما معنى لا تتصرف؟ أي: أنه لا يأتي منها مضارع ولا أمر، ولا اسم فاعل، ولا اسم مفعول، ولا أي شيء من ذلك، وإنما هي ملازمة لصيغة الماضي فقط، وهو "ليس".
طبعا "ليس" فيها كلام هل هي فعل أم حرف؟ ولكن الراجح أنها فعل. ما الذي رجح فعليتها ؟ الذي رجح فعليتها أنها تدخل عليها علامات الأفعال، فهي فعل ماض، والفعل الماضي قلنا: إن علامته أن يقبل إحدى التاءين: تاء الفاعل، أو تاء التأنيث الساكنة. فـ "ليس": فعل ماض بدليل أنها تقبل العلامتين، فتقبل تاء الفاعل فنقول: لستُ مهملا، وتقبل تاء التأنيث فنقول: ليستْ هند مهملة.
فالقسم الأول في هذه الأفعال من حيث التصرف، وعدم التصرف هو ما لا يتصرف باتفاق وهو "ليس"، ويلحق بها -أيضا-: ما دام، فهي -على المشهور من أقوال العلماء- لا تتصرف، وإنما هي ملازمة لهذه الصيغة.
ومن هذه الأفعال ما لا يتصرف تصرفا ناقصا، ليس تصرفا كاملا، وإنما تصرفا محدودا، وهو الأربعة المنفية، الأفعال الأربعة المنفية وهي: ما زال، وما فتئ، وما برح، وما انفك تتصرف، لكن تصرفها ناقص حيث إنه لا يأتي منها المصدر، ولا يأتي منها الأمر، فلذلك صار تصرفها ناقصا.(1/227)
والقسم الثالث ما يتصرف تصرفا كاملا، وهي السبعة الباقية؛ نحن أخذنا "ليس وما دام" على أنها الفئة الأولى. هذان فعلان، وأخذنا الأربعة المنفية على أنها الفئة الثانية، فأصبحت ستة أفعال، فبقي عندنا من الثلاثة عشر فعلا سبعة أفعال، وهي: كان، وأصبح، وأمسى، وظل، وأضحى، وبات، وصار.
فالأفعال السبعة الباقية تتصرف تصرفا تامًّا أي: أنها يأتي منها الماضي، والمضارع، والأمر، والمصدر، وما إلى ذلك، واسم الفاعل ونحوه.
هذه الأفعال ما أثبتناه لها من العمل وهو: رفع الاسم ونصب الخبر، ما أثبتناه للماضي منها، وهو الأصل يثبت لما تصرف عنها أيضا، فما تصرف منها من المضارع، ومن الأمر، ومن اسم الفاعل، والمصدر ونحوه يعمل عمل الفعل الماضي.
مثلا كان؛ كان استخدمها في الماضي هو الأصل وهو كثير جدًّا: وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا واستخدامها بالمضارع -أيضا- وارد في القرآن وفي غيره، في قوله -تعالى-: وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا هنا "أك" فعل مضارع؛ لأن أصلها أكون، ثم تحولت إلى أكن بالجازم بلام الجازمة، ثم حذفت النون تخفيفا فصارت: "لم أك"، واستخدم منها فعل الأمر وعمل، قال -تعالى-: قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا واستخدم منها -أيضا- اسم الفاعل وعمل، كما في قول الشاعر:
وما كل من يُهدي البشاشة كائنا ... أخاك إذا لم تلفه لك منجدا
فاسم الفاعل: كائنا، أخذ من "كان"، وهو على وزن فاعل، وقد عمل؛ فرفع الاسم ونصب الخبر: كائنا هو أخاك، واستخدم منها المصدر، وعمل -أيضا- كما في قول الشاعر:
بِبَذْلٍ وحِلْمٍ ساد في قومه الفتى ... وكونُك إيَّاه عليكَ يسيرُ
"وكونك إياه": هنا عملت كان بلفظ المصدر كون؛ لأنها كان يكون كونا فهو كائن، فمصدر كان الكون، فكون وهو مصدرها عمل هنا؛ فرفع الاسم الذي هو الضمير المضاف إليه لفظا المرفوع محلا على أنه اسمها كونك، إياه هنا هو خبرها، وهو ضمير منفصل، ضمير نصب منفصل.(1/228)
فالحاصل -إذًا- أن هذه الأفعال من حيث العمل ثلاث فئات، ومن حيث التصرف ثلاث فئات، وأن ما تصرف منها فإنه يعمل عملها. البيت الأخير يقول:
بِبَذْلٍ وحِلْمٍ ساد في قومه الفتى ... وكونُك إيَّاه عليكَ يسيرُ
يقول: إن الفتى إنما يسود في قومه بأمرين: بالبذل أي: بالكرم، وبالحلم، وكونك إياه يعني: محاولتك لأن تكون ذاك الفتى في بذله، وفي حلمه عليك يسير: إذا حاولت أن توطن نفسك على هذا الأمر، وحاولت أن تروضها، وتعودها على ذلك، فإنه يسير وسيعينك الله عليه، و"كونك إياه عليك يسير" أي: محاولتك لأن تكون مثل ذلك الرجل أمر يسير إذا كنت صادقا، وجاد في هذه المحاولة.
بالنسبة لمعاني هذه الأفعال تحدثنا عنها، وقلنا: إنها تفيد اختصاص الاسم بالخبر، بالنسبة لكان تفيد اختصاص الاسم بالخبر فيما مضى، وقد ينقطع، وقد يستمر كما قلنا في مثل قوله -تعالى-: وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وقلنا: إن "أمسى" تفيد اختصاصه به في المساء، و"أصبح" تفيد اختصاصه به في الصباح، و"أضحى" في الضحى، و"ظل" في النهار، و"بات" في الليل، و"صار" تفيد التحول.
وليس معنى ذلك أن أضحى، وأصبح، وأمسى، وظل، وبات مقصورة على هذا، بل قد تستخدم "أضحى" بمعنى "صار" يعني: شيء مستمر، أي: تحول إلى كذا، أو صار كذا، وقد تستعمل "بات" -كذلك-، وأضحى، وأصبح -كذلك-، تقول -مثلا-: أضحى البترولُ سلعةً نادرة، ليس المراد أنه في الضحى بس، وفيما عدا ذلك لا، وإنما صار البترول، وكما تقول: أصبح الكهرباء مادة لا يُستغنى عنها، وهكذا.
فالأصل في أصبح أنها: اتصاف الاسم بالخبر في الصباح، وأضحى: في الضحى، وبات: في الليل، وظل: في النهار، ولكنها ليس على إطلاقه، وإنما قد تستخدم، أو تتحول إلى معنى "صار"، و"ليس" تفيد النفي، و"ما زال" و"ما انفك" وما فتئ و"ما برح" هذه تفيد الاستمرار، واتصاف أنه ما زال متصفا به، و"ما دام" كذلك.
الباب الثاني من أبواب النواسخ: هو باب "إن وأخواتها".(1/229)
طبعا لماذا أورد باب "كان وأخواتها" في باب المرفوعات ؟ لأن اسمها مرفوع.
طيب فلماذا أورد باب "إن وأخواتها" في باب المرفوعات ؟ لأن خبرها مرفوع.
طيب إذن لو قلنا: لماذا أورد باب "ظن وأخواتها" في باب المرفوعات ؟
هو أورد الباب الثالث كما قال: باب "ظن وأخواتها" لماذا أورده في باب المرفوعات؟
الواقع أن إدخاله باب "ظن وأخواتها" إنما هو استطراد بذكر النواسخ كلها فقط، وإلا فإن باب "ظن وأخواتها" لا محل له في باب المرفوعات، ومحله في باب المنصوبات؛ لأن المرفوع بها فاعل، وقد ذكر باب الفاعل.
أما المنصوبان: المفعول الأول والمفعول الثاني فمحلهما في باب المنصوبات، لكنه لماذا ذكر النواسخ استطرد بذكرها.
طيب هل هناك باب كان أولى أن يذكره بدل أن يذكر باب "ظن وأخواتها"؟
باب "كاد وأخواتها" وهي أفعال المقاربة، المفروض أنه ذكر باب أفعال المقاربة والرجاء والشروع، فإنه أولى من ذكره لباب "ظن وأخواتها"؛ لأن باب أفعال المقاربة والرجاء والشروع هو من بواب المرفوعات فعلا.
وكذلك يعني: يحسن أن نشير إليه؛ لأنه متما لهذا الأمر، ولأنه يكاد يكون ملحقا بباب "كان وأخواتها"؛ لأن "كاد وأخواتها" شبيهة بـ "كان وأخواتها" وملحقة بها، بينهما خلاف يسير هو الذي جعل هذه وأخواتها تستقل بباب، وهذه وأخواتها تستقل بباب، الخلاف اليسير بينهما ما هو؟
ما الخلاف المهم بين "كان وأخواتها"، و"كاد وأخواتها" الذي جعلهما ينفصلان في بابين مستقلين ؟
عملهما واحد: رفع الاسم ونصب الخبر، وهما أفعال نواسخ بلا شك، فما الفرق بينهما الذي جعلهما يستقلان ؟ نعم.
لا ليست القضية من ناحية المعنى، فناحية المعنى يعني: معانيها كلها مختلفة، ليست متفقة في المعنى، يعني: أبواب هذا الباب مختلفة، وأفعال هذا الباب مختلفة، وليس اختلاف المعنى هو المسوغ لذلك.(1/230)
هناك أمر آخر: الفرق بينهما في الخبر، فإن أفعال المقاربة والرجاء والشروع من أهم شروطها أن يكون خبرها جملة فعلية، فمن أهم شروطها: أن يكون خبرها جملة، هذا هو الفرق المهم بين باب "كان وأخواتها"، وباب "كاد" أي: أفعال المقاربة والرجاء والشروع وأخواتها.
أفعال المقاربة والرجاء والشروع ما هي سريعا؟
هي في الواقع ثلاثة فئات -أيضا- هي ثلاث فئات: الفئة الأولى: أفعال المقاربة وهي ثلاثة أفعال: كاد و أوشك وكرب، هي ثلاثة أفعال تدل على المقاربة. وأفعال الفئة الثانية: الأفعال التي تدل على الرجاء، والأفعال التي تدل على الرجاء ما هي؟ عسى واخلولق وحرى، هذه ثلاثة تدل على الرجاء. والفئة الثالثة: هي الأفعال التي تدل على الشروع يعني: الشروع في الشيء وهي كثيرة يقول: إن بعض العلماء أوصلها، بل زادها على العشرين منها: طفق وأنشأ وأخذ وعَلِق، وما إلى ذلك وغيرها من الأفعال.
هذه أفعال هذا الباب، وهو المقاربة والرجاء والشرع، وهذه أفعال النواسخ تدخل على المبتدأ والخبر؛ فترفع المبتدأ على أنه اسمها، وتنصب الخبر -محلا- على أنه خبرها، فهي تنصبه فلا ولا تنصبه لفظا؛ لأن الخبر لا بد أن يكون جملة، ولذلك شذَّ وندر أن يأتي خبرها اسما مفردا كما في قول الشاعر:
فأُبْتُ إلى فَهْمٍ وما كدت آيبا ... ...............
"وما كدت آيبا" هذا نادر، والمفروض لو كان على القياس لقال: وما كدت أؤوب، و ما كدت أن أؤب أي: أن أرجع، لكن آيبا أي: راجعا جعله مفردا ونصب بالفتحة الظاهرة، وهذا نادر وقليل جدًّا في هذا الباب. نعم.(1/231)
أقول: إن أفعال هذا الباب هي أفعال النواسخ، وتدخل على المبتدأ والخبر؛ فترفع المبتدأ على أنه اسمها، وتنصب الخبر على أنه خبرها، لكنها تنصبه نصبا محليًّا، وليس نصبا لفظيًّا؛ لأن خبرها لا بد أن يكون جملة، وشذَّ مجيء خبرها مفردا كما في قول الشاعر: "فأبت -أي: رجعت- إلى فَهْم - أي: قبيلة فهم- وما كدت آيبا"، أي: ما كدت أن أرجع، "وكم مثلها فارقتها وهي تصبرُ": هو يصف عصابة من قطاع الطرق اعتدوا عليه، وكادوا يفتكون به، ولكنه سلم منهم فيقول: "فأبت إلى فهم" أي: رجعت إلى قومي، "وما كدت آيبا": كدت ألاّ أرجع بسبب تطويقهم للمكان، ومحاولاتهم الإمساك بي، لكني تمكنت من ذلك، وما كدت أتمكن، لكن الله سلم.
ثم عاد يفتخر بنفسه ويقول: "وكم مثلها فارقتها وهي تصبر" أي: كم عصابة تعرضت لها وفارقتها، وهي تصبر من الندم على أنها لم تتمكن من الإمساك بي.
وكذلك -أيضا- من نماذج وأمثلة مجيء الخبر مفردا، وهو من النوادر والشواذ المثل المشهور عن الزبّاء في قولها: "عسى الغوير أبؤسا".
طبعا الغوير تصغير غار، وأبؤسا يعني: جمع بؤس تقول: عسى أن يكون الغار بؤسا عليهم فيقع عليهم، أو ينسد عليهم فلا يخرجون منه، "فأبؤسا": هنا الخبر، وجاء مفردا طبعا مفرد أليس المراد وليس جمعا، وإنما المراد ليس جملة ولا شبه جملة.
ليس جملة فجاء مفردا فصار منصوبا بالفتحة الظاهرة على آخره، وهذا نادر وقليل في باب أفعال المقاربة والرجاء والشروع.
يعني: من أمثلة كاد وأخواتها أمثلة مشهورة وورودها في القرآن كثير جدا في قوله -تعالى-: إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ كاد هنا، واسمها التاء، وتردين خبرها، وهو جملة فعلية.(1/232)
وقولك: "عسى الله أن يأتي بالفرج" هنا -أيضا- اسمها، و"أن يأتي بالفرج" خبرها، وهو جملة فعليه، وخبر هذه الأفعال تارة يكون مقترنا بأن في بعضها وهو الكثير، وتارة يكون مجرورا مجرد من أن في بعضها وهو كثير، وبعضها يعني: يرد بالوجهين بهذا، وهذا وإن كان يكثر في ناحية، ويقل في أخرى.
ننتقل إلى باب "إن وأخواتها": قال المؤلف: وأما باب "إن وأخواتها" فإنها تنصب الاسم وترفع الخبر وهي: إنَّ، وأنَّ، ولكنَّ، وكأنَّ، وليتَ، ولعلَّ. كم عددها ؟ كم عدد "إن وأخواتها"؟ ستُّ أدوات، أو ستة أحرف: إنَّ، وأنَّ، كأنَّ، لكن ليتَ، لعلَّ.
طيب هل هذه هي الحروف الناسخة التي تعد من أخوات إن، أو بقي شيء؟ هل ترك المؤلف من هذا شيء، أو أنه استوفاها كاملة؟ من يعرف؟
بقي "لا النافية للجنس" فإنها من أخوات "إن"، "لا النافية للجنس" فهي من أخوات إن، وأمثلتها كثيرة منها: لا حول ولا قوة إلا بالله. لا رجلَ بالدار. لا امرأة في المنزل، ونحوا ذلك من الأمثلة، وبقي شيء أيضا، أو انتهت، أو غايتها أنها سبعة هل بقي حرف ثامن ؟
بقي -في الواقع- أداة ثامنة، أو حرف ثامن يستخدم في لغة ليست بالكثيرة. نعم.
لا "ما الحجازية" هي -في الواقع- تعتبر من الملحقات بباب كان وأخواتها.
لا بقي عسى، عسى مرَّ معنا قبل قليل أنها من أفعال الرجاء فهي فعل، لكنها تستخدم قليلا حرفا ناسخا من أخوات إن، متى ذلك ؟ نعم.
إذا كان الخبر مفردا، وأمر أهم من ذلك وهو إذا كان اسمها ضمير متصلا بها، إذا اتصل بها ضمير تحولت من الفعلية إلى الحرفية على الراجح، وصارت بدل أن تكون من أخوات كان -أي: من باب النواسخ التي ترفع الاسم وتنصب الخبر- تحولت إلى أخوات "إن" التي تنصب الاسم وترفع الخبر. ومن شواهدها. يعني: كما اتصلت عسى بالضمير سواء كان ضمير مخاطب مثل عساك، أو ضمير متكلم مثل عساني، أو نحو ذلك، أو ضمير غائب مثل عساه، فإنها تكون من أخوات "إن".(1/233)
كالسؤال المشهور دائما: إذا سألت شخصا، وقلت له: عساك طيب، أو عساكم طيبون. إذا قلت: عساكم: أصبحت من أخوات "إن"؛ لأنها اتصلت بالضمير، نلزمك فيما بعد أن تقول: طيبون وطيبين. لزمك أن تقول: طيبون؛ لأنه سيكون -حينئذ- خبرها، وخبرها مرفوع؛ لأن من أخوات إن، والشاعر الذي يقول:
ولي نفس تنازعني إذا ما ... أقول لها: لعلي، أو عساني
فإذا صارت حرفا ناسخا فإنها تصير شبيه بـ "لعل" في العمل وفي المعنى وهو الترجي، ولذلك صارت مرادفة لها هنا في قوله: لعلى، أو عسانى؛ لأنها صارت بمنزلتها، وكذلك قول الشاعر:
وقلت: عساها نار كأس ... وعلها.......
إلى آخر البيت.
وقلت: "عساها نار كأس": عساها نارُ فنار هنا خبر عسى على أنها أخت "إن"، واسمها هو الضمير المنصوب المتصل بها، فعسى -إذًا- هي الحرف الثامن من أخوات إن في لغة ليست بالكثيرة، ولأن الكثير في عسى أنها فعل من أفعال الرجاء.
طبعا زميلكم الذي قال: إن "ما الحجازية" من أخوات "إن"، هذا يعيدنا إلى أن نضيف شيئا على باب "كان وأخواتها"، وهو أن باب "كان وأخواتها" الثلاثة عشر يلحق بها أربعة أحرف تشبه بـ "ليس" في العمل وفي النفي، مشبهة بـ "ليس" في العمل وفي النفي، ولذلك يجعلونها في باب، أو فصل ملحق فيقولون: باب ما، ولا، ولات، وإنْ المشبهات بـ "ليس"، الباب الذي يلحق -عادة- بباب "كان وأخواتها" هو باب ما، ولا، ولات، وإنْ المشبهات بـ "ليس"، "ما" المشبه بـ "ليس" التي تعمل عملها هي التي تسمى بـ "ما الحجازية" كما في قوله -تعالى-: مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ "ما هذا بشرا": ما نافية، وهذا: اسمها مبنى في كل رفع، وبشرا: خبرها منصوب.(1/234)
وقد علمت ما على لغة أهل الحجاز. لماذا قيل حجازية ؟ لأن بني تميم لا يعملونها، ولذلك إذا أهملت قالوا: تميمية، وإن عملت قالوا: حجازية، وكما في قوله -تعالى-: مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ "ما هن أمهاتهم": هنا عملت؛ هن: اسمها في محل رفع، وأمهاتهم: خبرها منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم أي: مختوم بألف وتاء زائدتين.
وما، ولا. لا -كما ترون- تأتي أختا "ليس"؛ فترفع المبتدأ وتنصب الخبر، وتأتى أختا لـ "إن" فتعكس؛ فتنصب المبتدأ وترفع الخبر. ما الفرق بينهما؟ إن كانت نافية للجنس -بصفة عامة- فهي أخت "إن" مثل: " لا رجل في الدار "، فإن كانت نافية للوحدة فإنها تكون -حينئذ- أخت "ليس"؛ فترفع الاسم وتنصب الخبر، كما إذا قلت: لا رجلٌ في الدار، بل رجلان.
إذا كانت أخت "ليس" صح أن تقول بعدها: بل رجلان، بل ثلاث؛ لأنك نفيت الواحد، ولكن إذا كانت أخت "إن" فإنها تكون نافية للجنس بصفة عامة. "لا رجل في الدار" معناها: لا يوجد في الدار أحد من جنس الرجال، ولذلك لا يصح في أخت "إن" أن تقول: لا رجل في الدار، بل رجلان؛ لأنك كيف تنفى الجنس، ثم تأتى تثبت اثنين، وفي أخت "ليس" يصح أن تقول: لا رجل في الدار، بل رجلان.
والحرف الثالث مما يشبه ليس في المعنى والعمل: "لات"، "لات" وهذه استخداماتها ليس بالكثير، وقد ورد "لات" في القرآن كما في قوله -تعالى-: وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ فـ "لات" هنا عاملة عمل "ليس"، اسمها في الغالب يكون محذوفا مقدرا، والمذكور بعدها -في الغالب- هو الخبر والتقدير: لات الحينُ حينَ مناص، أي: ليس الحين حين فرار الآن لا ينجي الآن ليس الحين حين فرار.(1/235)
والأخيرة إن النافية، وهذه استعمالها ناسخة من أخوات ليس قليل، وهي لغة -كما يقولون- لأهل العالية، وهم يعني: جهة ما فوق نجد مما يتصل، أو مما يلي الحجاز من جهة الغرب تسمى منطقة العالية أهل هذه المنطقة هم الذين كانوا يستخدمون "إنْ" هذه نافية، وتعمل عمل ليس، وكان كما في قول أحدهم: " إنْ أحدٌ خيرًا من أحد إلا بالعافية" إن أحد خيرا من أحد: يعني: لا أحد خيرا من أحد إلا بالعافية، وكما في البيت المشهور:
إنْ هو مستوليًا على أحد ... إلا على أضعف المجانين
يقول: يعني: هذا ليس بشيء، ولا يستطيع أن يستولي على أحد إلا على شخص ليس معه عقل، "إن هو مستوليا" فقد عملت عمل ليس.
هي أخت لها في المعنى وفي العمل، يعني: شبيهة بمعنى "ما" هي بمعنى ليس، وبمعنى "ما" في النفي، واستخدامها عاملة هذا العمل ليس كثيرا، وإنما هو خاص بهذه القبيلة.
نأتي إلى "إن وأخواتها"، عرفنا الآن أن هذه الحروف من العلماء من يجعلها ثمانية بإضافة "لا النافية للجنس"، و"عسى"، ومنهم من يجعلها ستة كالمؤلف هنا، ومنهم من يجعلها خمسة كيف يعمل؟ ماذا يعمل الذي يجعلها خمسة؟ بأن يجعل "إن" و"أن" حرف واحد فيقول: "إن" بالكسر والفتح يعدها حرفا واحدا، ثم يأتي بالأربعة الباقية، ويترك الاثنين الأخيرين.
إنَّ وأنَّ تأخذ معاني هذه الحروف سريعا، إن وأن يفيدان إن وأن يفيدان التوكيد، إن وأن للتوكيد إذا قلت: محمد قائم، ثم قلت: إن محمدا قائم، فلا شك أن العبارة الأخيرة أكثر توكيدا على قيام محمد من الأولى، فإذا أضفت مؤكدا ثالثا وهو لام الابتدائية، وقلت: إن محمدا لقائم يعني: استوفى المؤكدات وزاد عن سابقه.(1/236)
والثاني: لكنّ، لكنّ ماذا تفيد؟ الاستدراك، وهو الغالب من معانيها، الاستدراك ما هو؟ أن تنفي شيئا، تبعد شيئا كان متوقعا ثبوته يعني: أن تبعد شيئا كان يتخيل الإنسان أنه ثابت، أو ملازم للصفة التي ذكرتها، فإذا قلت -مثلا-: زيد شجاع يتبادر -عادة- أن الشجاع يتلازم معها الكرم؛ لأن الشجاعة هي الجود بالنفس والكرم هو الجود بالمال، فيفترض أنهما متلازمان، فإذا قلت: زيد شجاع، وتوقعت أن السامع يظن أن الشجاعة ملازمة للكرم، وأنت تعرف أنه ليس كذلك ترجع فتقول: لكنه بخيل يعني: لا تفهم الأوين وإنما زيد شجاع ولكنه بخيل.
فأنت تستدرك بنفي الصفة التي كان يتوقع السامع أنها ثابتة وملازمة للصفة الأولى. وربما جاءت للتوكيد يعني: ربما جاءت "لكن"، طبعا معناها الأصلي هو الاستدراك، لكنها ربما جاءت للتوكيد، وذلك في سياق "لو"، كما إذا قلت مثلا: لو جاء محمد لأكرمته، لكنه لم يأت، فـ "لكنه لم يأت" لم تأت بمعنى جديد، وإنما هي توكيد للمعنى السابق؛ لأن "لو" -أصلا- تفيد الامتناع بالامتناع فحينما تقول: لو جاء محمد أكرمته. ماذا يفهم منك السامع؟ أنه ما جاء أصلا، إذا قلت: لو جاء محمد أكرمته يفهم منك أنه ما جاء؛ لأنه لم يحصل الإكرام، امتنع الإكرام لامتناع المجيء، فإذا جئت بعد ذلك وقلت: لكنه لم يأت، فأنت أكدت الامتناع بتوكيد آخر.
فهي قد تأتى للتوكيد إذا كانت في السياق "لو" ما تحضرني الآية التي بعدها الآن، لكنها ربما إذا جاءتني في سياق "لو" فإنها تكون للتوكيد، وإن كانت ليست في سياقها فإن الغالب أنها تفيد الاستدراك.
الحرف الثالث: كأنَّ. كأن ماذا تفيد؟ معناها متفق عليه وهو: التشبيه، كأن زيدا أسد، كأن هندا بدر وما إلى ذلك.
و"ليت" ماذا تفيد ؟ تفيد التمني، التمني ما المراد به ؟ المراد به هو طلب ما لا طمع فيه يعني: مستحيل، أو شيء قريب من المستحيل، يعني: فيه عسر وفيه مشقة وكلف، طبعا طلب المستحيل كقول الشيخ الهرم:(1/237)
ألا ليت الشباب يعود يوما ... ................
وهذا ما فيه أمل حصلت لأحد قبله فهذا من المستحيلات، أو الذي يكاد يكون شبيه بالمستحيل، وإن كان ممكنا كإنسان فقير مسكين في بلاد نائية يقول: ليت لي مالا فأحج به، أو فأحج منه يعني: هذا الأمر بالنسبة له يكاد يكون بمنزلة المستحيل، وإن كان ممكنا؛ لأن الله ربما فتح عليه فتحقق له ذلك، لكن ما تأتي ليت في الشيء الممكن؟ يعني: شيء ممكن جدًّا عندك خارج الباب يعني: في متناول يدك؛ برادة ماء، أو شيء من هذا فتقول: ليت عندي ماء فأشرب، يعني: النادر إذا كنت تستطيع الشيء، وفي متناول يدك أن تستخدم معه ليت؛ لأن "ليت" تأتى في الأمور التي تصعب على الإنسان، وليس في متناول التحقيق، تحقيقها إما لاستحالتها أو أنها عسيرة.
ولعل: "لعل" تأتى لماذا ؟ للترجي، أو للرجاء، والرجاء بعضهم يعبر عنه بأنه التوقع، أو للتوقع يسمونه وهو الرجاء إن كان الأمر محبوبا أو الإشفاق إن كان أمر مكروها.
الترجي بالنسبة للمحبوبات هذا كثير: لعل الله يأتي بالفرج، والإشفاق إذا كان في أمر من المكروهات يمثلون له بقوله -تعالى-: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ طبعا هذا هو المؤلف اكتفى من هذا الباب بهذه الأحكام وهي أحكام يسيرة إذا قورنت بأحكام "إن" الأخرى.
فهذا الباب فيه أحكام كثيرة، وفيه تفصيلات، فيه ما يتعلق بهمزة "إن" مثلا متى يفضل أن تأتى المفتوحة؟ ومتى يفضل أن تأتى المكسورة؟ وما مواضع هذه؟ وما مواضع هذه؟ وما المواضع التي فيه يجوز الأمران؟
وكذلك ما يتعلق بأحكام لام الابتداء، وما يتعلق بالعطف على اسم "إن" وخبرها، وما يتعلق بالتقديم والتأخير بالنسبة لاسمها وخبرها، وهو ما مر أيضا ما لمحنا إليه في باب "كان"، ولكن نكتفي بهذه الأشياء البارزة في هذه المباحث.(1/238)
أما "ظننت وأخواتها" فإنها تنصب المبتدأ والخبر، وقلنا: ما دامت تنصب المبتدأ والخبر فإن إدخالها في المرفوعات إنما هو استطراد، وإلا ليست منها لكي يكمل النواسخ ما دام بدأ بذكر بعضها، تنصب المبتدأ والخبر على أنهما مفعولان لها، وهي: ظننت، وحسبت، وخلت، وزعمت، ورأيت، وعلمت، ووجدت، واتخذت، وجعلت، وسمعت.
طبعا أفعال هذا الباب أكثر من هذا بكثير، وهي -أيضا- نوعان: أفعال قلوب، وأفعال تصيير.
والمؤلف ذكر من أفعال التصيير فعلا، أو فعلين، وذكر من أفعال القلوب -أيضا- يعني: بعضها، ولم يذكرها كاملة، وهي كثيرة جدا، والباب فيها واسع، وخاصة -أيضا- باب أفعال التصيير كأفعال الشروع، باب واسع يعني: يوصلها بعض العلماء إلى أعداد كبيرة، نحن نأخذ هذه الأفعال التي ذكرها.
أولا هذه الأفعال -كما ترون- تدخل على المبتدأ والخبر فتنصبهما معا؛ الأول على أنه مفعول أول، والثاني على أنه مفعول ثان لها. طيب بماذا تختلف عن باب "كان" و"إن"؟ أن "كان" و"إن" تعملان في المبتدأ والخبر، وهذه تعمل في المبتدأ والخبر أيضا، لكنها قبلهما ترفع فاعلا.
باب "ظن وأخواتها" تعمل في المبتدأ والخبر، ولكنها قبل أن تصل إلى المبتدأ والخبر ترفع فاعلا، فبقولك: ظننت محمدا قائما: التاء هنا ضمير مبنى على الضم في محل رفع فاعل، ومحمدا: مفعول أول، وقائما: مفعول ثان.
هذه الأفعال وهي "ظن وأخواتها" هي تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، ولا بد من هذا القيد، لماذا؟ احترازا من باب آخر ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، فالباب الذي ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر هو الذي يسمى باب ظن، والباب الذي ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر هو الذي يسمى باب أعطى وكسا.
فظن وأخواتها، وأعطى وأخواتها يتفقان في نصب مفعولين، لكن مفعولي ظن وأخواتها مما أصله المبتدأ والخبر، أما مفعولا أعطى وأخواتها فإنه ليس أصلها المبتدأ والخبر، فإذا جئت لمحمد قائم.(1/239)
محمد قائم تستطيع أن تسلط عليه ظن، ولكن لا تستطيع أن تسلط عليه "أعطى" فتقول: ظننت محمدا قائما، ولا تستطيع أن تدخل عليه أعطى بحال من الأحوال؛ لأن أعطى تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر تقول: أعطيت الفقير درهما، فالمفعول الأول: الفقير، والمفعول الثاني: درهما. هل يمكن أن تركب منهما مبتدأ وخبر، لا يصح أن تقول: الفقير درهم.
إذن الفرق بين البابين أن هذه مفعولاها أصلهما المبتدأ والخبر، والأخرى لها مفعولان ليس أصلهما المبتدأ والخبر، ويتفقان في أنهما يرفعان فاعلا قبل أن يصلا إلى نصب مفعولين.
إذا نظرنا إلى معاني هذه الأفعال التي ذكرها المؤلف وجدنا أنها على فئات، وهي مرتبة بحسب فئاتها، فانظر إلى الأربعة الأولى وهي: ظننت، وحسبت، وخلت، وزعمت تجد أن هذه الأربعة الأولى تشكل فئة من حيث المعنى، وهي أنها أفعال تدل على الرجحان، تدل على أن الشيء الذي بعدها أمر راجح، وليس يقين.
يعني: فرق بين أن تقول: علمت زيدا قائما، وأن تقول: ظننت زيدا قائما. علمت ماذا تفيد؟ المتبادر منها أنها تفيد اليقين، لكن "ظننت" يعني: هذا يترجح عندي أنه قائم.
فالفئة الأولى -الأربعة الأولى- تفيد الرجحان أو الترجيح، وهي: ظننت، ومثلها حَسِبت أيضا، ومثلها خِلْت، خلت بمعنى ظننت: خلت محمدا مسافرا فتبين لي أنه ليس مسافرا، وزعمت كذلك: زعمت محمدا صديقا ولكن تبين أنه ليس كذلك.
فالأربعة الأولى وهي: ظننت وحسبت وخلت وزعمت تفيد الرجحان، أو الترجيح. أي: أن ما بعدهما أمره راجح، وليس بأكيد، والثلاثة التي بعدها تعد فئة ثانية وهي: رأيت وعلمت ووجدت.(1/240)
طبعا "وجدت" هنا المراد بها "وجد" التي بمعنى "عَلِم" التي تنصب مفعولين، وليس وَجَد بمعنى حصل على الشيء يعني: فقدت مفتاحا تقول: وجدت المفتاح. وجدت المفتاح هذه ليست هي التي تنصب مفعولين، وإنما التي تنصب مفعولين هي "وجدت" التي بمعنى علم، تقول -مثلا-: وجدت العلم نافعا، ووجدت الاجتهاد موصلا إلى بر الأمان، ووجدت السهر ضارا يعني: علمت، فـ "وجد" هنا التي من هذا الباب هي التي بمعنى علم، مثلها في المعنى ومثلها في العمل.
وكذلك "رأى" ليس المراد منها رأى البصرية -رأى بالعين- كما إذا قلت: رأيت الهلال، رأيت الهلال هنا هذه رأى البصرية ليست هي التي تنصب مفعولين، وإنما التي تنصب مفعولين هي "رأى" التي بمعنى "علم"، مثل إذا قلت: رأيت العلم نافعا، يعني: علمته كذلك بعد تجربة وبعد معايشة، وكما في قول الشاعر:
رأيت الله أكبر كل شيء ... ...........
رأيت الله: أي: علمت الله -سبحانه وتعالى- أكبر كل شيء محاولة، وأكثرهم جنودا.
فهذه الثلاثة وهي: رأى وعلم ووجد تشكل الفئة الثانية، وهي أفعال العلم.
الفئة الأولى -الأربعة الأولى- أفعال الظن والرجحان، الفئة الثانية هي أفعال العلم واليقين.
الفئة الثالثة وهي اتخذت وجعلت.
"اتخذت" و"جعلت" ما معناها هنا؟ معناها: صيرت هي "اتخذ" التي بمعنى صير، وجعل التي بالمعنى صير؛ لأن هناك "جعل" أخرى في أفعال الشروع، "جعل" يعني: جعل الرجل يتكلم أي: أخذ يتكلم وشرع في الكلام، "جعل" هنا التي تنصب مفعولين هي التي بالمعنى صير، تقول: جعلت الطين إبريقا، الطين -الفخار عملت منه إبريق، جعلت الطين إبريقا أي: صيرت الطين إبريقا، جعلت سعف النخل حصيرا، أي: صيرته حصيرا.
هذه هي المرادة، واتخذ هي -أيضا- بمعنى صير، تقول: اتخذت محمدا صديقا أي: صيرته وجعلته صديقا لي، قال -تعالى-: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا اتخذ التي بمعنى صير هذه وجعل هي التي تنصب مفعولين.(1/241)
فالفئة الثالثة هي أفعال التصيير، واكتفى المؤلف منها هنا بـ "اتَّخذ" و"جعل"، وإلا فإنها في بعض الكتب المطولات أكثر من ذلك.
والفعل الأخير هذا هو الذي -فيما أعلم- انفرد المؤلف بذكره يعني: لم يذكره أكثر العلماء الذين تعرضوا لأفعال هذا الباب، لم يوردوا "سمع" ضمن أفعال هذا الباب، وهو مما انفرد به المؤلف فيما أعلم.
سمعت تقول الأمثلة الآن رجع يمثِّل لكل واحدٍ منها تقول: ظننت زيدا قائما، رأيت عمرا شاخصا، وحسبت عليا مسافرا، خلت محمدا مقيما، زعمت عليا أخا، رأيت العلم نافعا، علمت المثابرة مثمرة، وجدت القراءة نافعة، اتخذت محمدا صديقا، جعلت الطين إبريقا، سمعت محمدا يقرأ. فقلت لكم: إن "سمع" استخدامها قليل في هذا، ويعنى: انفرد بها المؤلف عن غيره.
هذا خلاصة ما ذكره المؤلف في هذا، وأحكام هذا الباب واسعة جدا، وأفعال هذا الباب -كما ترون- تعمل هذا العمل بشرط: ألا يدخلها ما يسمى بالإلغاء، أو التعليق.
هناك حكمان يتسلطان على أفعال القلوب من هذا الباب، وهذان الحكمان هما ما يسمى بالإلغاء والتعليق، الإلغاء والتعليق ما هما ؟ الإلغاء: هو إبطال العمل لفظا ومحلا، بسبب ماذا ؟ بسبب توسط الفعل، أو تأخره؛ إذا قلت -مثلا-: ظننت محمدا قائما، عملت -حينئذ- ظن، فإذا قلت: محمدا ظننت قائم، فيحسن أن تلغي العمل حينئذ فتقول: محمدٌ ظننت قائما، ويجوز لك الإعمال، لكن الإهمال أكثر، ومثله لو تأخر العامل نهائيًّا فقلت: محمد قائما ظننت، فالإهمال أكثر حينئذ، فينبغي أن تقول: محمد قائم ظننت.
فهذه الأفعال تعمل ما لم يحصل فيها الإلغاء، وهو إبطال العمل لفظا ومحلا بسبب توسط العامل، أو تأخره، أو يحصل لها التعليق.
التعليق: هو إبطال عملها في اللفظ، لكنها عاملة في المحل، والتعليق سببه هو أن يعترض بينها -بين هذا الفعل وبين معموليه- شيء من الحروف التي لها صدر الكلام: كـ لام الابتداء، وما النافية ونحوها.(1/242)
هذا خلاصة الحديث في أفعال هذا الباب، وهناك -أيضا- أحكام أخرى حول جواز حذف المفعولين، أو حذف أحدهما اختصارا أو اقتصارا، ولكن نكتفي بما ذكره المؤلف، ونلقي الضوء على بعض الأسئلة. نعم.
س: هل هذه الأفعال كلها تامة ؟
ج: نعم كلها تامة ليست من الأفعال الناقصة، وأيضا ظن وأخواتها، نسيت شيئا وهو أن ما تصرف منها يعمل عملها مثل "كان" فتقول: ظننت، وتقول: أظن زيدا قائما، وتقول: أنا ظان زيدا قائما، وتقول: ظن زيدا قائما، ونحو ذلك، فما تصرف من هذه الأفعال فإنه يعمل عملها كالذي يتصرف من باب كان.
س: حبذا لو استطعت إنهاء المتن بقدر المستطاع؛ لأن الوقت سيدركنا
ج: أنا أتمنى ذلك، ولكني أخشى أن أختصر اختصار مخلا قد لا يروق لكم.
س: يقول: نرجو إعراب ما تحته خط من هذه الجملة: إن محمدا قوي وكونه أخاك مما يسر، وضع خط -كأنها أسئلة اختبار- تحت كونه أخاك
ج: طبعا؛ لأنها وردت في هذا الدرس "كونه أخاك"، "كونه" هنا يعني: الواو ممكن أن تكون للاستئناف، وكونه: كون: مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، وهو مضاف والضمير الهاء مضاف إليه، طبعا مجرور في المحل بالإضافة، ولكنه مرفوع المحل أيضا؛ لأنه اسم كان ومضاف إليه بعد المصدر كما قلنا: عجبت من شرب محمد العسلَ، نقول: شرب: مصدر مضاف ومحمد مضاف إليه مجرور لفظا، ومرفوع محلا؛ لأنه هو فاعل الشرب، كذلك هنا كون هنا عاملة عمل كان، فالمضاف إليه الذي بعدها هو اسمها، وأخاك الذي بعدها: هو خبرها منصوب بالألف؛ لأنه من الأسماء الستة، وأخا: مضاف، والكاف ضمير في محل جر مضاف إليه.(1/243)
والجملة: وكونه أخاك مما يسر: مما يسر هذه الجار والمجرور في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو كون، وكون: مرفوعة على أنها مبتدأ، وعاملة -أيضا- فيما بعدها الجر؛ لأنه مضاف إليه، وعاملة فيه -أيضا- الرفع محلا؛ لأنه اسمها. نعم. كيف ؟ الآن الضمير هنا في "وكونه" الضمير هنا له محلان: محل جر؛ لأنه مضاف إليه، ومحل رفع؛ لأنه -في الواقع- هو اسم كان.
س: أيهما أصح: أتمنى لكم النجاح، أو أرجو لكم النجاح ؟
ج: يعني: كلاهما، أو كلا الأسلوبين صحيح، ولكن ربما السائل قصده أن التمني لا يكون إلا لما كان عسيرا، والنجاح -إن شاء الله- بالنسبة لهذا الشخص ليس عسيرا، فأرجو لكم النجاح يعني: من هذا المعنى ربما كانت أولى، لكن كلاهما صحيحان.
س: أليس الأولى إذا وُجد في القرآن ما يخالف قواعد النحويين ألا نقول: إن هذا شذوذ، وإنما نقول: هو قليل.
ج: الواقع أن الشذوذ ليس حكما على القرآن، ولا على الآية، وإنما الشذوذ حكما على هذه القراءة؛ لأنهم يتحدثون عن القراءة وسندها، ويقولون: بأن هذا السند شاذ، لا يحكمون على الآية ولا على القرآن؛ لأنها حينما تكون -أصلا- القراءة شاذة أي: ليست متواترة، ولذلك لا يسمح العلماء بأن يحكموا على قراءة سبعية؛ لأن القراءات السبعية يعني: متفق على تواترها لا يرون أن يقال على إحدى القراءات السبعية: إنها شاذة، وإنما يستجيزون الحكم بالشذوذ على القراءات التي دون السبعية.
س: يقول: لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ أليست قوما هنا هي نائب الفاعل ؟
ج: المفروض أن تكون هي نائب الفاعل؛ لأنها المفعول به، ولأنها مقدمة، لكن القارئ الذي قرأ بالنصب قد جزم لك بأنها ليست نائب فاعل؛ لأنه لو أرادها نائب فاعل لوجب أن يرفعها، ولكن نصبه لـ "قوما" دليل على أنه لم ينبها عن الفاعل، وإنما أناب الجار والمجرور الذي بعده، لو أنابها لرفعها؛ لأن نائب الفاعل مرفوع كالفاعل.(1/244)
س: يقول: هذا السؤال أطرحه للمرة الثانية -أنا لا أذكر أنه مر علي، أو ربما مر عليّ وما التفت إليه- أيهما أجود: "التحفة السنية" لمحيي الدين، أو كتاب "الحاشية" لابن قاسم.
ج: الصحيح أنه من الصعب عليك أن تقول: هذا الكتاب أفضل من هذا الكتاب، كلاهما عالمان فاضلان جليلان، ولكني صحيح ما قرأت كتاب الشيخ ابن قاسم قراءة كاملة إنما اطلعت عليه، لكني من خلال معرفتي للشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد أعرف أن هذا الرجل متخصص في النحو، ومتبحر فيه، وخدمه خدمة طويلة، في أغلب كتب النحو له تحقيق عليها، فله تحقيق ودراسة على أغلب شروح الألفية الموجودة: ابن عقيل وابن هشام والأشموني، وله على "شذور الذهب" وعلى شرح "قطر الندى"، وعلى غيرها، وبعض كتب الشعر، وبعض كتب القصائد، فالرجل خدم اللغة العربية؛ لأنها تعتبر بالنسبة له هي التخصص الأصلي، وبالنسبة للشيخ ابن قاسم ربما كانت اللغة العربية ليست هي التخصص الأصلي له.
فمن هنا، ولأنني قد قرأت كتاب الشيخ محمد محيي الدين قلت: بأن كتاب الشيخ محمد محيي الدين ربما كان أولى، ولأمر آخر مهم وهو أن الشيخ محمد محيي الدين يختم كل باب، أو فصل بأسئلة، وتمرينات، ونماذج، وأمثلة، وهذه يحتاج لها الدارس بخلاف كتاب الشيخ ابن قاسم فليس فيه شيء من هذه الأسئلة وهذه التمرينات.
فمن هذا المنطلق قلت: إن هذا يعني: الذي يريد أن يكتفي بواحد ربما كان هذا أولى، ولكن من استطاع أن يجمع بين الكتابين فكل منهما فيه علم، وفيه خير كثير.
ونكتفي بهذا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
أيها الأخوة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد انتهينا بالأمس من الحديث عن النواسخ بأنواعها، بأبوابها الأربعة: باب كان وأخواتها، باب أفعال المقاربة والرجاء والشروع، وهي تكاد تكون ملحقة بـ "كان" أي: أنها تعمل عملها، والباب الثالث: باب إن وأخواتها، والباب الرابع: باب ظن وأخواتها.(1/245)
والأبواب الثلاثة الأولى ينطبق عليها ما أدخلها المؤلف تحته وهو أبواب المرفوعات؛ لأنها تشتمل على مرفوع إما اسمها، أو خبرها.
أما الباب الرابع وهو "باب ظن وأخواتها" فإنه لا يشتمل على مرفوع جديد؛ لأن المرفوع الأول الذي فيه هو الفاعل وسبق الحديث عن بابه، وأما المفعولان اللذان أصلهما المبتدأ والخبر فهما منصوبان، والحديث عنهما -كما قلنا- لا يندرج تحت باب المرفوعات، وإنما ذكر المؤلف هذا الباب استطرادا؛ ليُتِمَّ الحديث عن أبواب النواسخ.
وكنا بصدد الحديث، أو انتهينا من الحديث عن باب ظن، وتحدثت عن الإلغاء والتعليق بإيجاز، ورأيت أن بعض الإخوة يسأل عن الإلغاء والتعليق، وأنا لا أريد التفصيل فيه؛ لأنه موضوع قد يطول.
وقلنا: هذه الأفعال وهي: ظن وأخواتها تدخل على المبتدأ والخبر فتنصبهما على أنهما مفعولان لها؛ المبتدأ مفعولها الأول، والخبر مفعولها الثاني، وقلنا: إن هناك أفعالا تنصب مفعولين، ولكن ليس أصلهما المبتدأ والخبر، وهو ما يعرف بباب "أعطى وكسا"، وأن باب "ظن وأخواتها" تعمل هذا العمل باستمرار ما لم يعرض لها، أو لإحدى أخواتها ما يسمى بالإلغاء، أو التعليق.
وقلنا: إن الإلغاء: هو إبطال العمل لفظا ومحلا بسبب توسط العامل، أو تأخره، الإلغاء: هو أبطال العمل لفظا ومحلا بسبب توسُّط العامل بين المفعولين، أو تأخره عنهما معًا، كما إذا قلت في: ظننت زيدا قائما، لو وسطت العامل فقلت: زيدا ظننت قائما، أو أخرت العامل فقلت: زيدا قائما ظننت، فإن العامل هنا الراجح فيه الإلغاء أي: إبطال المحل لفظا ومحلا، فتقول: زيد ظننت قائم، وتقول: زيد قائم ظننت، ولو أعملت لجاز، لكن الإعمال ضعيف، وإن كان الإعمال في العامل المتأخر أضعف منه في العامل المتوسط يعني: أن الإلغاء هو الأولى في نحو قولك: زيد ظننت قائم.(1/246)
والإعمال لا بأس به فتقول: زيدا ظننت قائما. ولو أخرت العامل فقلت: زيد قائم ظننت، فإن الإلغاء -حينئذ- أرجح بلا شك، ولو أعملته فقلت: زيدا قائما ظننت لكان جائزا، لكنه قليل، وإن كان إعمال المتوسط -على قلته- أقوى من إعمال المتأخر. هذا هو الإلغاء: الإلغاء: إبطال للعمل في اللفظ والمحل.
أما التعليق: فهو إبطال العمل لفظا فقط مع بقائه في المحل يعني: أن العامل، وهو ظننت وأخواتها بسبب التعليق لا تحدث أثرا ظاهرا في المعمولين، وإنما أثر مقدر خفي، بمعنى: أنك الجملة هذه تعرب مبتدأ وخبر، أو تعرب أي شيء آخر، ثم تقول بعد ذلك: وهي في محل نصب مفعولي ظننت، أو سدت مسد مفعولي ظننت.
إذن ظننت ما زال عاملا في هذين المعمولين، لكنه ليس عملا في اللفظ، وإنما في المحل، ما الدليل على أنه عامل في المحل؟ ما دمنا لم نر عملا في اللفظ، فما الذي دلنا على أنه عمل في المحل؟ الدليل على ذلك: أنك لو عطفت على هذين المعمولين لنصبت؛ مراعاة لهذا العمل المحلي الداخلي. هذا الدليل.
الدليل على أن العمل باقٍ في المحل: أنك لو عطفت لنصبت المعطوف؛ مراعاة على أنك عطفته على منصوب محلا. طيب ما سبب التعليق؟
قلنا: إن الإلغاء سببه توسط العامل، أو تأخره. أما التعليق فسببه اعتراض شيء من الحروف التي لها صدر الكلام بين العامل والمعمولين؛ إذا اعتراض حرف من الحروف التي لها صدر الكلام بين العامل وبين المعمولين فإنه -حينئذ- يبطل العمل في اللفظ فقط، ويبقى العمل في المحل، أي: يبقى العمل مخفيا داخليا، ولا يلغى نهائيا. وقلنا: إن الإلغاء لا يوجب إبطال العمل، وإنما يرجحه، فلك أن تعمل مع توسط العامل، أو تأخره.
أما التعليق فإنه يوجب إبطال العمل لفظا. الفرق بين الإلغاء والتعليق: أن الإلغاء مجوّز، والإبطال موجب لإبطال العمل في اللفظ دون المحل.(1/247)
الأشياء التي تعترض بين العامل والمعمول مثل: ما النافية، ومثل لام الابتداء، ومثل لا النافية، ومثل همزة الاستفهام، وغيرها. مثلا: لو قلت: علمت زيدا قائما، هنا عملت، فإذا أدخلت لام الابتداء فقلت: علمت لزيد قائم، إذا أدخلت لام الابتداء، وفصلت بها بين العامل والمعمولين بطل العمل في اللفظ حينئذ، ووجب أن ترفع المعمولين في اللفظ فقط، لكنك عندما تُعْرب تقول: علمت: فعل وفاعل، واللام: لام الابتداء زيد: مبتدأ، قائم: خبر، والجملة سدت مسد مفعولي علم؛ لأن علم عاملة، وتحتاج إلى مفعولين، بدليل أنك لو عطفت لقلت -مثلا-: وعمرا، ولا تقول: وعمرو.
ويستشهدون على ذلك بقول الشاعر، وأظنه كثيِّر عزة، وهو كثير بن عبد الرحمن، المشهور بـ "كثير عزة"، فأي شعر يأتي ويرد فيه اسم عزة ينسب إلى كُثَيّر، وأي شعر يأتي ويرد فيه اسم ليلى ينسب إلى قيس بن الملوح المسمى بالمجنون قوله:
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا ... ولا موجعات القلب حتى تولتِ
هي: "وما كنت أدري": الفعل أدري وهو من أفعال العلم مثل أعلم، قبل عزة ما البكاء ولا موجعات القلب حتى تولت، فهنا "ما البكاء" -كما ترون-: جملة اسميه سدت مسد مفعولي أدري، أو درى، وبطل العمل لفظا وبقي محلا.
والدليل على بقائه محلا: أنه عطف فقال: ولا موجعاتِ القلب، ولم يقل: ولا موجعاتُ، وإنما قال: ولا موجعاتِ فنصبه بالفتحة بدل الكسرة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. هذا خلاصة التعليق وهو أخذ أكثر من حجمه.
بقيت إشارة من خلال بعض الأسئلة تنبهت أنني لم أشر إليها بوضوح، وهي قضية أن "كان وأخواتها" هذه الأفعال هي عندنا في هذا الباب أفعال ناقصة، يعني: لا تكتفي بمرفوعها، وإنما ترفع مرفوعا وتنصب منصوبا؛ اسما وخبرا.(1/248)
أفعال هذا الباب، أو بعض أفعال هذا الباب، وهي كان وأخواتها قد تستعمل تامة، تستعمل تامة مكتفية بمرفوعها أي: أنها تحتاج إلى فاعل فتخرج عن هذا الباب، وتصبح كبقية الأفعال التي ترفع فاعلا، فمثلا: "كان" إذا كانت بمعنى وجد، أو كانت بمعنى حصل فهي تامة، ليست "كان" الناقصة التي كان فلان كذا وكذا يعني: كان محمد، الكلام غير تام، كان ماذا ؟ قائما هذه هي الناقصة، والتي لا تكتفي بمرفوعها.
أما التامة التي بمعنى وُجد هي التي تقول: كان كذا يعني: حصل كذا، يعني: انتهى الأمر، كما في قوله -تعالى-: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ كان: هنا لا تحتمل إلا أن تكون تامة؛ لأن ما بعدها مرفوع، وهو "ذو" أي: إن حصل إن وجد ذو عسرة، فأنظروه إلى أن ييسر الله عليه.
طيب، ما الذي يمنع أن تكون كان ناقصة، وأن اسمها ضمير مستتر يعود إلى شيء متقدم؟ أي: إن كان هذا المدين، أو نحو ذلك ذو عسرة، ما الذي يمنع من هذا؟ يمنع من هذا أن "ذو" جاءت مرفوعة، الذي يريد أن يجعلها ناقصة، ويجعل اسمها ضمير يعود إلى المدين المتقدم، لو كان كذلك لكانت، وإن كان هو -أي: المدين- ذا عسرة، لو كانت ذا عسرة لصارت ناقصة، واسمها مقدر.
لكن الآية الآن: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ أي: إن وُجد ذو عسرة، أيضا كما في قوله -تعالى-: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ هذه الآن تامة، ليست ناقصة ما تحتاج إلى اسم وخبر، "كن فيكون" أي: يأمره بالحصول فيحصل، كن فيكون ليس يكون كذا وكذا، وإنما يكون أي: يوجد ويحصل فقط. هذه تامة.
كذلك لو أخذنا الأفعال أغلبها لوجدناها بهذا الشكل أصبح -مثلا-: إذا قلت: أصبح فلان كذا يعني: على حالة معينة. هذه هي الناقصة.(1/249)
لكن إذا قلت -مثلا-: أصبحنا وأصبح الملك لله. أصبحنا أي: جاءنا الصباح، أمسى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ أي: حين يدخل عليكم المساء، وحين يدخل عليكم الصباح، ليس حين تمسون على هيئة كذا، أو حين تصبحون على هيئة كذا حتى تكون ناقصة، وإنما هي كذلك.
تقول: أمسى -مثلا- تقول: أمسى الدجاج، يعني: نام بمجرد ما يأتيه المغرب، لست تريد أمسى على هيئة معينه حتى تكون ناقصة. كذلك "بات" إذا كانت بات على هذه الهيئة فهي الناقصة.
أما إذا قلت: بات محمد أي: نام فهذه تامة، وكذلك دام. مادام هذه لا تكون ناقصة إلا في هذه الهيئة، هذه الهيئة التي تسبق فيها بـ "ما المصدرية الظرفية"، وبصيغة الماضي فقط، لكن قد يأتي فعل يدوم كما قال أحد الأخوة:
هذه الدار لا تبقي على أحد ... ولا يدوم على حال لها حال
هذه ليست ناقصة، هذه تامة من دام يدوم تقول: الدوام لله هذه تامة، مصدر دام التام، ولا تقول: إن دام هنا متصرفة؛ لأنه جاء منها الدوام. الدوام هذه غير مادام التي معنا.
كذلك ما زال: زال لها ثلاثة معان: زال التي ماضيها يزال. ما زال، وما يزال، هذه هي التي معنا الناقصة، أما زال بمعنى ماذا يعني: زال الكتب عن الدفاتر، يعني: ميز هذه عن هذه، فهذه ماضيها يزيل يعني: يميز ما زال، أو زِل الماعز عن الضأن، يعني: ميز هذه من هذه، هذه زال يزيل ليست هي الناقصة، أو كذلك زال يزول، يقول: زالت الشمس يزول، لا تزول هذه البقعة إلا بغسل شديد. هذه من زال يزول ليست هي الناقصة، فالناقصة هي زال التي مضارعها يزال.
فإذن يعني: ليس كلما وجدتم فعل من زال، أو فعل من دام، أو فعل من أصبح، أو فعل من أمسى تقول: أين اسمها؟ أين خبرها؟ يعني: لا تكون ناقصة باستمرار، وإنما هذه الأفعال يعرض لها التمام، ويعرض لها النقصان.
باب النعت
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب النعت.(1/250)
النعت: تابع للمنعوت في رفعه ونصبه وخفضه، وتعريفه وتنكيره. تقول: قام زيد العاقل، ورأيت زيدا العاقل، ومررت بزيد العاقل.
والمعرفة خمسة أشياء: الاسم المضمر نحو: أنا وأنت والاسم. العلم نحو: زيد ومكة، والاسم المبهم نحو: هذا وهذه وهؤلاء. والاسم الذي فيه الألف واللام نحو: الرجل والغلام. وما أضيف إلى واحدٍ من هذه الأربعة.
والنكرة: كل اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون الآخر، لا يختص به واحد دون آخر، وتقريره كل ما صلح دخول الألف واللام عليه نحو: الرجل والفرس.
---
باب النعت: المؤلف الآن يبدو أنه سيدخل في التوابع، وإن كان لما عرض للنعت؛ لأن النعت يكون معرفة ونكرة، اضطر -أيضا- إلى أن يأخذ المعارف والنكرات.
النعت: ما هو النعت في اللغة ؟
تقول: انعت لي هذا الشيء نعتا واضحا حتى أتعرف عليه، معناه: الوصف أي صفه لي وصفا جيدا، ولذلك فإنه يسمى النعت، ويسمى الصفة. تقول في إعرابه: نعت، وتقول في إعرابه: صفة، وكلاهما صحيح. هذا بالنسبة للمعنى، أو المدلول اللغوي لكلمة النعت.
تعريفه الاصطلاحي، ماذا يراد بالنعت في باب النحو، وفي علم النحو؟
يراد بالنعت: التابع المشتق، أو المؤول بالمشتق الذي يتبع منعوته؛ ليوضحه إن كان معرفة، ويخصصه إن كان نكرة.
طبعا له تعريفات أخرى أكثر من هذا وفيها بعض تفصيلات، ولكن نحن أي تعريف يسير يكفينا: هو التابع المشتق، أو المؤول بالمشتق الذي يلي متبوعه؛ ليوضحه إن كان معرفة، وليخصصه إن كان نكره مثل: جاء الرجل العاقل.(1/251)
الرجل هنا معرفة، ولحقه نعت ووصف، ليوضحه زيادة إيضاح، وهو كلمة العاقل لتعرف أنني أريد هذا الرجل بعينه العاقل، لأوضحه زيادة إيضاح، لئلا يلتبس عليك بغيره ممن تصدق عليه هذه الصفة، أو ليخصصه، ويقلل من عمومه وشيوعه إن كان نكرة، كما إذا قلت: رأيت رجلا عاقلا، فإذا قلت: رأيت رجلا فهي نكرة يعني: واسعة عامة، فإذا قلت: عاقلا خصصتها قليلا بأن هذا الرجل الذي رآه فيه هذه الصفة يعني: أبعد، أو رأيت رجلا طويلا -مثلا-، خصصه قليلا.
في السابق كانت كلمة رجل تحتمل كل من يدخل تحت أفراد هذا الجنس، لكنه لما قال: طويلا، أو ذكيا، أو عاقلا، أو كريما خصصه قليلا، وأبعد فئات كثيرة من الناس لا تدخل تحت هذا الوصف الجديد.
يقول: النعت: تابع للمنعوت في رفعه ونصبه وخفضه، وتعريفه وتنكيره، تقول: قام زيد العاقل، ورأيت زيدا العاقل، ومررت بزيد العاقل.
فالواقع أن النعت في تبعيته لمنعوتة؛ إما أن يتبعه في أربعة من عشرة -كما يقولون-، أو في اثنين من خمسة، وهذا معناه أن النعت نوعان: النوع الأول: هو الذي يتبع منعوته، أو موصوفه في أربعة من عشرة.
والنوع الثاني: هو الذي يتبع منعوتة في اثنين من خمسة فقط، ولا داعي أن يتبعه في الأربعة من العشرة الباقية، يعني: في اثنين من الخمسة الباقية.
طيب متى يتبع النعت منعوتة في أربعة من عشرة ؟ إذا كان النعت حقيقيا، إذا كان النعت حقيقيا تبع منعوته في أربعة من عشرة. النعت الحقيقي ما هو ؟
النعت الحقيقي: هو الذي يرفع ضمير يعود على المنعوت، النعت الحقيقي هو الذي يرفع ضمير مستترا يعود إلى المنعوت، حينما تقول: مررت بمحمد العاقل. العاقل من؟
العاقل أي: هو محمد، فإذا كان النعت بهذا الشكل، بهذه الشاكلة فيه ضمير يعود إلى المنعوت -ضمير مستتر يعود إلى المنعوت- فهو النعت الحقيقي، هذا النعت الحقيقي سواء كان معرفة، أو نكرة يعني: سواء كان معرفة، أو نكرة لا بد أن يتبع منعوتة في أربعة من عشرة.(1/252)
ننظر إلى هذه الأربعة وإلى هذه العشرة؛ عندنا أربعة أشياء لا بد أن يتبع النعت منعوته في واحد منها ما هي هذه الأربعة ؟ هي: الفئة الأولى: الإفراد والتثنية والجمع. هذه تعتبر فئة، الإفراد والتثنية والجمع.
الثانية، أو الطائفة الثانية من الأشياء التي يتبعه فيها هي: التعريف والتنكير، لا بد أن يتبعه في واحد منها.
الثالث: الإعراب، أوجه الإعراب الثلاثة: الرفع والنصب والجر.
الرابع: التذكير والتأنيث.
هذه أربعة أشياء -أربعة فئات إن شئت- أربعة أنواع، لا بد أن يتبع النعت منعوته في واحد من هذه الأربعة يعني: هذه الأربعة أربعة من عشرة، لو جمعتها وجدتها عشرة؛ ثلاثة: أوجه الإعراب؛ رفع ونصب وجر. وثلاثة: إفراد وتثنية وجمع هذه ست. واثنان: التعريف والتنكير. هذه ثمانية. واثنان: التذكير والتأنيث. هذه عشره.
هذه العشرة تدخل في أربع فئات: فئة أوجه الإعراب، وفئة التثنية والإفراد والجمع، وفئة التعريف والتنكير، وفئة التذكير والتأنيث. إذا كان النعت حقيقيا أي: رافعا لضمير المنعوت فإنه يجب أن يتطابق مع منعوته في أربعة من هذه العشرة.
نأخذ مثالا: جاء محمد العاقل، انظر الآن للعاقل تبع لمحمد في واحد من أوجه الإعراب وهو الرفع؛ فمحمد مرفوع، إذن يجب أن يكون العاقل مرفوعا.
لو قلت: رأيت محمدا، قلت: العاقلَ، لو قلت: مررت بمحمدٍ، قلت: العاقلِ.
فلا بد أن يتبعه واحد من أوجه الإعراب وهو الرفع في مثالنا: جاء محمد العاقل. واحد من الإفراد والتثنية والجمع؛ محمد -عندنا- مفرد، يجب أن يكون النعت مفردا فلا يصح أن تقول: جاء محمد العاقلان، مادام المنعوت مفردا يجب أن يكون النعت مفردا.
في التذكير وفي التأنيث: محمد مذكر؛ يجب أن يكون النعت مذكرا فلا يصح جاء محمد العاقلة.(1/253)
هذا الثالث في التعريف والتنكير: محمد معرفة؛ لأنه علم يجب أن يكون النعت معرفة، فتقول: العاقل بالألف واللام، ولو قلت: جاء رجل بالتنكير لنكرت النعت، فقلت: عاقلا. رأيت رجلا عاقلا.
إذن النعت إذا كان نعتا حقيقيا فإنه يجب أن يتبع منعوته في أربعة من عشرة؛ في واحد من أوجه الإعراب: في الرفع أو النصب أو الجر، لا بد أن يتطابق معه فيه.
في واحد من الإفراد والتثنية والجمع، لا بد أن يطابقه فيه. في واحد من التعريف والتنكير لا بد أن يطابقه فيه. في واحد من التذكير والتأنيث لا بد أن يكون مثل منعوته.
فإذا كان المنعوت مرفوعا مذكرا معرفة مفردا وجب أن يكون النعت كذلك، وهكذا لو كان المنعوت منصوبا وجب أن يكون كذلك، لو كان المنعوت مجرورا وجب أن يكون النعت كذلك، إذا كان مذكرا كذلك، إذا كان مؤنثا، إذا كان معرفة، أو نكرة مفردا، أو مثنى، أو جمعا. وهكذا.
فالنعت الحقيقي الرافع لضمير المنعوت يجب أن يتطابق مع منعوته في كل الأوجه الممكنة، كل الأوجه لا يتخلف شيء من ذلك. هذا هو النعت الحقيقي، وهو النوع الأول من أنواع النعت.
النوع الثاني من أنواع النعت: هو ما يسمى بالنعت السببي، النعت السببي ما هو ؟ النعت السببي: هو الذي لا يرفع ضمير المنعوت المستتر، وإنما يرفع اسما ظاهرا. النعت السببي: هو الذي يرفع اسما ظاهرا، متصل بضمير يعود إلى المنعوت، يرفع اسما ظاهرا، هذا الاسم الظاهر له صلة بالمنعوت، متصل بضمير المنعوت، ومن هنا قيل: سببي أي: أنه يربطه بالمنعوت سبب وصلة معينة، كما إذا قلت -مثلا-: رأيت الرجلَ العاقلَ أبوه، الآن العاقل من الرجل أم أبوه؟
أبوه، لكن العاقل هي في الواقع صفة للرجل، وصفت الرجل بأي صفة؟ لا ليس هو العاقل، وصفته بأن أباه عاقل يعني: أنت عرفت مني الآن أنني أحدثك عن هذا الرجل الذي أبوه عاقل، لست أحدثك عن ذلك الرجل الذي أبوه ليس بعاقل، فهذا هو ما يسمى النعت السببي.(1/254)
النعت السببي: هو الذي لا يعرف ضمير المنعوت المستتر، وإنما يرفع اسما ظاهرا له صلة بالمنعوت، أي: فيه ضمير يعود على المنعوت، يعني -كما قلنا في جملة الخبر-: لا بد أن يكون فيه ضمير يعود على المنعوت، وإلا ما صح صار غريبا عنه.
لو قلت -مثلا-: مررت بالرجل العاقل محمد، ما يصح هذا الكلام؛ لأن ما فيه صلة بينهما، لو قلت: مررت بالرجل العاقل أبو علي، ما فيه صلة بينهما، ما يصلح، لكن لو قلت: مررت بالرجل الساكن أبو علي في داره، جاء الضمير في داره الآن، أصبح يصح أن تنعت بهذا النعت السببي؛ لأنه اتصل به.
مررت بالرجل، ما تعرف من هو، لكنك تعرف أن فلان يسكن في بيته -مستأجر منه بيت-، فأرت أن تعرف هذا الشخص أنك مررت بهذا، فقلت له: مررت بفلان، وكأنه سألك قال لك: من فلان؟ فقلت: الساكن أبو علي في داره. الساكن صديقنا محمد في داره واضح يعني: أنتم مستأجرون بيت، صديقكم هذا الرجل تعرفوه. فهذه أليس هذا النعت لهذا الرجل؟ يعني: ألست بهذه الصفة عرفت هذا الرجل، وضحته بعد أن كان غير واضح أو لا؟ لا شك بأنه وإن كان يعني في ظاهره أنه ليس نعتا له، لكنه في الواقع نعت له: مررت بالرجل الذي صفته أن فلانا يسكن في بيته.
خلاص أصبح معروفا يعني: لن يلتبس عندك الآن بشخص آخر؛ لأن فلان لا يسكن إلا في بيت واحد معروف، وأنتم تعرفونه. فأنت بهذا وصفته وإن كان الساكن في الواقع ليس هو الساكن، وإنما الساكن أبو علي، لكن النعت بمجموعه هو نعت لهذا الرجل، ووضحه وزاده إيضاحا.
فإذا كان النعت سببيا يعني: ليس رافعا لضمير المنعوت، وإنما رافعا لاسم ظاهر بعد المنعوت فإنه يسمى بالنعت السببي.(1/255)
هذا النعت السببي هل تجب فيه المطابقة التي أشرنا إليها في النعت الحقيقي؟ يعني: في أربعة من عشرة ؟ أو أنه -أحيانا- قد لا يطابق؟ قد لا يطابق. ما الدليل ؟ الدليل أنك تقول -مثلا-: مررت بالرجل الكريمة أمُّه، فالكريمة صفة للرجل هل تطابقا في التذكير والتأنيث؟ لم يتطابقا.
مررت بالرجل الكريمة، فالرجل مذكر والكريمة مؤنث، فلم يتطابقا حينئذ كما لو قلت -مثلا-: مررت بالرجال الكريمة أمهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها الأخوة في الله:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
فبدأنا بالأمس الحديث عن التوابع وبدأ المؤلف -رحمه الله- بالحديث عن باب النعت بصفته أول أبواب التوابع.
وفى باب النعت ما قد نحتاج إلى إعادته الآن إعادة سريعة ؛ لأننا محتاجون إليه في باب عطف البيان الذي سنأخذه في هذا الدرس -إن شاء الله-.
نحن قلنا في النعت: بأنه التابع المشتق، أو المؤول بالمشتق الذي يتبع منعوته، وقلنا: إن تبعيته لهذا المنعوت تختلف باختلاف نوعه وحاله.
فإن كان النعت حقيقيًّا فإنه يتبع منعوته في أربعة من عشرة، وإن كان النعت سببيًّا فإنه يتبع منعوته في اثنين من خمسة.
وقلنا: إن النعت الحقيقي سمي حقيقيًا ؛ لأنه في واقعه صفة حقيقية للمنعوت، وضابطه أيضًا -غير ذلك- أن يكون رافعًا لضمير المنعوت.
فإذا قلت: مررت بمحمد العاقل. فالعاقل صفة لمحمد، تريد أن محمدًا نفسه هو العاقل، وفي العاقل ضمير مستتر يعود إلى محمد، العاقل هو أي محمد. هذا النعت الذي على هذه الشاكلة هو النعت الحقيقي، ولا بد أن يوافق ويتطابق مع منعوته في أربعة من عشرة. انتبهوا لها ؛ لأننا محتاجون إليها الآن في باب عطف البيان.
الأربعة من عشرة ما هي ؟ مررت بمحمد العاقل، وافقه في الجر، وهو أحد ثلاثة: الجر أو الرفع والنصب، أحد أوجه الإعراب لا بد أن يوافق فيه.(1/256)
فإذا كان المنعوت مجرورًا وجب أن يكون النعت مجرورًا، فوافقه هنا في الجر، ووافقه في التعريف، فكلاهما معرفة، بمحمد العاقل، ووافقه في الإفراد فكلاهما مفرد، محمد العاقل، ووافقه في التذكير والتأنيث فكلاهما مذكر، فلا بد أن يوافق النعت منعوته في أربعة من عشرة.
الأربعة من عشرة ما هي ؟ هي أربع فئات، أو أربعة أنواع، أو أربعة أشياء -يعني: مجموعها-، يتكون من مجموعها عشرة أشياء، لا بد أن يوافق النعت منعوته في واحد أو في أربعة من هذه العشرة.
فالعشرة ما هي ؟ هي أوجه الإعراب: الثلاثة الرفع والنصب والجر، والإفراد والتثنية والجمع هذه ثلاثة أيضًا أصبحت ستة والتعريف والتنكير هذان اثنان أصبح ثمانية، والتذكير والتأنيث، أصبح المجموع عشرة، هذه العشرة تمثل أربع فئات، لا بد أو يوافقه في واحد من هذه الأربعة، أو يأخذ في أربعة من هذه العشرة التي ذكرناها.
هذا إذا كان النعت حقيقيًا، النعت الحقيقي ما هو ؟ هو الذي يرفع ضمير المنعوت ويعد صفة حقيقية للمنعوت، مررت بمحمد العاقل، العاقل هو محمد، وفيه ضمير مستتر تقديره هو يعود إلى محمد، هذا النعت الحقيقي، أما النعت السببي فهو الذي في حقيقته ليس صفة لمحمد ولكنه صفة لما بعده، صفة في الواقع لما يأتي بعده، لكن المجموع كله يشكل صفة لمحمد.
إذا قلت: مررت بمحمد العاقل أبوه أو العاقلة أمه، مررت بمحمد العاقلة أمه، المنعوت عندنا هو محمد، هو المنعوت، نريد أن نأتي بصفة له لتعريفه ؛ ليتضح لك وتعرف من المراد بمحمد هذا.(1/257)
إذا قلت لك: مررت بمحمد العاقل عرفت أن محمد هو العاقل، وإذا قلت لك: مررت بمحمد العاقلة أمه. هل محمد الآن ؟ هل العاقلة صفة لمحمد أو صفة للأم ؟ هي في الواقع صفة للأم، وليست صفة لمحمد، فإذًا لا تسمى نعتا حقيقيا ؛ لأنها ليست نعتا لمحمد ولكنها نعت لما بعده، للأم، أو للأب أو نحو ذلك لكنها بمجموعها تشكل صفة لمحمد، فأنت وصفت محمد ؛ لأنه هو محمد الذي أمه عاقلة، وليس محمد الذي أمه ليست عاقلة، فنحن عرفناه الآن.
مررت بمحمد الكريمة أمه: عرفنا الآن بأنه فلان الذي أمه كريمة، وليس فلانا الذي أمه ليست كريمة، فالكريمة في لفظها صفة للأم لكن بمجموعها تشكل صفة لمحمد أنه محمد الذي هذا صفة أمه، وليس محمدا الذي تلك صفة أمه، ولذلك سمي النعت هنا سببيًّا ؛ لأنه ليس نعتا حقيقيا للمنعوت، وإنما هو متصل بالمنعوت بسبب معين، بينهما سبب ورابطة معينه، فأنت وصفت أمه لكي تقربه، ولم تصفه هو. فمن هنا سمى نعتًا سببيًّا.
ما ضابط النعت السببي ؟
ضابط النعت السببي: أنه هو الذي يرفع اسمًا ظاهرًا.
الآن عندنا "الكريمة" النعت هنا رفع اسمًا ظاهرًا بعده، وهو أمه ، ولذلك تقول في الإعراب: الكريم أبوه، أبوه: فاعل، الكريمة أمه، أمه: فاعل للنعت هذا، ولا بد أن يتصل هذا النعت بضمير يربطه بالمنعوت، إذا كان النعت سببيًّا، يعني: ليس صفة -في الحقيقة والواقع- للمنعوت، وكان رافعًا لاسم ظاهر متصل بضمير يعود إلى المنعوت، فإن هذا النعت السببي لا يشترط أن يطابق في أربعة من عشرة، وإنما يكفي أن يطابق في اثنين من خمسة.
يعني: ما هما اللذان لا بد فيهما من المطابقة ؟ لا بد أن يطابق في التعريف والتنكير ولا بد أن يطابق في أوجه الإعراب فقط، التعريف والتنكير: اثنان، أوجه الإعراب ثلاثة هذه خمسة، لا بد أن يحصل عندنا اثنان من هذه الخمسة، واحد من أوجه التعريف والتنكير، وواحد من أوجه الإعراب هذان اثنان من خمسة: التعريف والتنكير والرفع والنصب والجر.(1/258)
أما الإفراد والتثنية والجمع فلا داعي لذلك وأما التذكير والتأنيث أيضًا فلا داعي لذلك ؛ لأنك تلحظ أن المنعوت معرفة، أن المنعوت مذكر "مررت بمحمد"، والنعت "الكريمة" مؤنث، فلا داعي للمطابقة في التذكير والتأنيث، وتلحظ أن المنعوت يكون جمعًا: "مررت بالرجال"، وأن النعت يكون مفردًا فتقول: "الكريمة أمهم". فلا داعي للمطابقة إذن في الإفراد والتثنية والجمع، وإنما تجب المطابقة في التعريف والتنكير، فلا بد إذا كان المنعوت معرفة أن يكون النعت كذلك، ولا بد من المطابقة في أوجه الإعراب، فلا بد إذا كان هذا مرفوعًا أن يكون هذا كذلك، أو منصوبًا أو مجرورًا.
إذًا الأشياء التي لا بد أن يطابق فيها النعت عمومًا -سواء كان حقيقيا أو سببيا- هي: التعريف أو التنكير، وأوجه الإعراب، وما عدا ذلك فلا تشترط في السببي، بل قلنا: إن النعت السببي يحسن أن يكون مفردًا دائمًا، مهما كان المنعوت مفردا أو مثنى أو جمعا ؛ لأنه لو ثنيت النعت السببي أو جمعته لجئت به على اللغة المسماة بلغة " أكلوني البراغيث "، أي أنك أضفت علامة التثنية والجمع حينما يكون الفاعل مثنى أو مجموعًا، وهذا خلاف المشهور.
هذا خلاصة ما يتعلق بالنعت، هذه الأوجه قلت لكم: إننا سنحتاجها الآن، حينما نتحدث عن عطف البيان بعد النعت.
مررنا سريعًا على أنواع المعارف، وقلنا: إنها ستة: الضمائر بأنواعها: متكلم ومخاطب وغائب، متصلة أو منفصلة، مستترة أو بارزة، والعلم، واسم الإشارة، والاسم الموصول، والمعرف بأل، والمضاف إلى واحد من هذه الخمسة. هذه أنواع المعارف.
وأن النكرة هي: الاسم الشائع العام الذي لا يدل على معين، ومن علاماتها: أن تقبل الألف واللام.
باب العطف
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب العطف . وحروف العطف عشرة.(1/259)
وهي: الواو، والفاء، وثم، وأو، وأم، وأما، وبل، ولا، ولكن، وحتى في بعض المواضع، فإن عطفت على مرفوع رفعت أو على منصوب نصبت أو على مخفوض خفضت، أو على مجزوم جزمت.
تقول: قام زيد وعمرو، ورأيت زيدًا وعمرًا، ومررت بزيد وعمرو، وزيد لم يقم ولم يقعد.
---
هذا الباب هو الباب الثاني من أبواب التوابع، وهو باب العطف، والمؤلف -رحمه الله- عامل العطف هنا معاملته للمبهم، حينما ذكر أنواع المعارف، فذكر المبهم وأغفل الحديث عن الموصول من أنواع المعارف.
وقلنا: إنه ربما يدخل في المبهم، ونلتمس للمؤلف -رحمه الله- العذر في ذلك، وهنا في حديثه عن العطف، تحدث عن عطف النسق فقط، مع أن العطف -كما تعلمون- نوعان، العطف نوعان: عطف البيان، وعطف النسق ؛ الأول عطف البيان والثاني عطف النسق.
حديث عطف النسق هو الذي يكون بواسطة حروف العطف، وهو الذي تحدث عنه المؤلف هنا، أما عطف البيان فلم يشر إليه بأي إشارة، ويحسن أن نذكره بشيء ولو بصورة سريعة.
عطف البيان: هو التابع الجامد الذي يوضح متبوعه إن كان معرفة أو يخصصه إن كان نكرة.
لو نظرتم إلى تعريفه لوجدتم أنه مقارب لتعريف النعت. ما الفرق بينهما ؟ كلاهما تابع، وكلاهما يوضح متبوعه إن كان معرفة، وكلاهما يخصصه إن كان نكرة. فما الفرق بينهما ؟
الفرق بينهما أن عطف البيان جامد، وأن النعت لا بد أن يكون مشتقًّا، أو مؤولًا بالمشتق، لا بد أن يكون مشتقًّا مثل: قائم وعاقل وجالس ونحو ذلك، أو مؤولا بالمشتق مثل كلمة "أسد" -مثلًا- إذا نعت بها ؛ لأنها مؤوله بشجاع، وأنت لا تريد الأسد الحيوان، وإنما تريد الشجاعة، فهو جامد مؤول بالمشتق.
أما عطف البيان: فإنه التابع الجامد الذي يوضح متبوعه إن كان معرفة، ويخصصه إن كان نكرة.
مثل ماذا عطف البيان ؟ عطف البيان هو أن تأتي بلفظ، يعني: كأنك جئت باسْمين لشخص معين لتوضحه زيادة إيضاح بالثاني بعدما لم يكن واضحًا بالأول.
نعم، جاء محمد أبو عمر.(1/260)
أقسم بالله أبو حفص عمر ... ...
هذا بيت شعر ، أقسم بالله، الخليفة الثاني هو عمر الفاروق، إلا إذا لم تكن نعتا، الخليفة الثاني هو عمر أبو حفص، هو أبو حفص عمر، أو هو عمر أبو حفص، يعني: حينما تأتي باسم لشخص، ولكن ترى أنه لم يتضح الاتضاح الكامل فتريد أن تزيده إيضاحا فتقول: جاء محمد فإذا بدا على صاحبك الذي تتحدث معه أن الأمر ليس واضحًا تمامًا فتقول: جاء محمد أبو عبد الله يعني: محمد هو أبو عبد الله، وأبو عبد الله هو محمد فهو عطف بيان، وهو يكاد يكون مرادفا للبدل.
بمعنى أنه كل ما صحَّ أن يكون عطف بيان صحَّ أن يكون بدلا، فجاء محمد أبو عبد الله، لك أن تقول بأن: محمد أبو عبد الله عطف بيان، أو تعربها بدلًا.
إلا في مسألتين، سنتحدث عنهما إذا وصلنا إلى باب البدل.
فعطف البيان يكاد يكون مرادفًا للبدل، ولعلَّ هذا من الأمور التي تشفع للمؤلف في عدم ذكره ؛ لأنه استغنى بالبدل ؛ لأن كل ما صح أن يعرب عطف بيان يصح أن يعرب بدلًا، إلا في مسألتين ذكرهما العلماء، ونشير إليهما -إن شاء الله- إذا عرفنا باب البدل.
فعطف البيان إذًا هو التابع الجامد الذي يوضح متبوعه إن كان معرفة، أو يخصصه إن كان نكرة.
مسألة توضيح المعرفة هذه قضية متفق عليها، أما تخصيص النكرة فبعض العلماء يشكك في مجيء عطف البيان للنكرة، لكنه جاء، ويحملون عليه قوله -تعالى-: ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه فماء هنا وضَّحت نوعية هذا الماء بأنه صديد، فهو عطف بيان له، وليس صفة، وليس نعتا له ؛ لأن الصديد ليس صفة للماء، وإنما بيان لنوع هذا الماء أي الماء الذي هو الصديد فصديد هنا يقال: إنها عطف بيان، وهما نكرتان.
ولذلك قلت لكم: إن عطف البيان لا بد فيه أن يتبع متبوعه السابق في أربعة من عشره، يعني: في كل الأمور يعني: لا بد لعطف البيان أن يطابق المتبوع الذي قبله في الإعراب، فلا بد من رفعهما معًا أو نصبهما أو جرهما معًا.(1/261)
تقول: جاء محمد أبو عبد الله، رأيت محمدًا أبا عبد الله، ومررت بمحمد أبي عبد الله.
ولا بد أن يطابقه في الإفراد والتثنية والجمع ؛ لأنك إنما تريد أن توضحه، فلا يصح أن تقول: جاء أبو عبد الله الرجال أو المحمدون، لا بد إذا كان هذا مفردًا أن يكون هذا مفردًا كذلك، ومثله التثنية والجمع، ولا بد من التعريف أن يتطابقا في التعريف والتنكير، والتعريف هو الكثير المشهور، والتنكير فيها قليل، ولا بد أيضًا أن يتطابقا في التذكير والتأنيث، فلا يصح أن تقول: جاء محمد أُم عبد الله ؛ لأن هذا غير هذا، فلا بد من مطابقتهما.
فعطف البيان إذًا: تابع جامد يوضح متبوعه إن كان معرفة، ويخصصه إن كان نكرة، ولا بد من مطابقته لمتبوعه كالنعت الحقيقي في أربعة من عشرة، لا بد أن يطابقه في كل الأوجه.
أما النوع الثاني من أنواع العطف فهو: عطف النسق.
عطف النسق ما هو ؟
عطف النسق هو: الذي يصدق عليه اسم العطف إذا أطلق.
إذا قيل: عطف عاطف ومعطوف فإنه ينصرف إلى عطف النسق فقط.
عطف النسق ما هو ؟
هو التابع الذي يتوسط بينه وبين متبوعه أحد حروف العطف التسعة على قول، أو العشرة على قول، هو التابع الذي يتوسط بينه وبين متبوعه أحد حروف العطف العشرة أو التسعة التي ذكرها المؤلف.
هذه التوابع بصفة عامه لماذا سميت بالتوابع ؟
أصل تسميتها بالتوابع، كل أبواب التوابع الخمسة، أصل تسميتها بالتوابع هو لأن هذا التابع يوافق متبوعه ويتبعه بإعرابه. هذا هو الأصل، الأصل فيها أن هذا المتبوع، أو هذا التابع يوافق الاسم الذي قبله الذي جاء تابعًا له في إعرابه، وربما وافقه في أمور أخرى ؛ في تعريفه وتنكيره، في تذكيره وتأنيثه، في إفراده وتثنيته وجمعه فسمي تابعا ؛ لأنه تبعه، من خلال اسمه يتضح لك المراد منه.
لماذا سمي تابعا ؟(1/262)
لأنه جاء تابعًا لهذا الاسم الذي قبله، تبعه في عدة أوجه مختلفة، من أبرزها وأشهرها: أوجه الإعراب، وقد يتبعه في الحكم -أيضًا- فإذا نظرتم إلى عطف النسق، وهو الذي يتم بواسطة حروف العطف وجدتم أن عطف النسق تارة أولا: لا بد من قضية الموافقة في أوجه الإعراب ، هذا لا شك فيه، ما سمي تابعًا له في عطف النسق إلا ولا بد أن يطابقه، وأن يأخذ حكمه الإعرابى، جاء محمد وعلي تقول في علي إنه: معطوف، المعطوف يجب أن يتفق مع المعطوف عليه في حكمه ؛ لأنه عطف عليه معنى أنه أخذ حكمه.
فتارة يتفق مع متبوعة في الإعراب، وفى الحكم أيضًا، وتارة يتفقان في الإعراب، لكن يختلفان في الحكم، فإذا قلت: جاء محمد وعلى الآن اتفق فيهما معا أو أحدهما، فيهما معًا فالإعراب واحد كلاهما مرفوع، والحكم واحد كلاهما حكمنا عليهما بالمجيء، فإذا قلت: الذي حضر محمد لا علي. اتفقا الآن في ماذا ؟ الإعراب لا بد منه، لكن هل اتفقا في الحكم ؟ لا نحن حكمنا لمحمد بالحضور وحكمنا لعلي بماذا ؟ بعدم الحضور.
تقول: الذي حضر محمد لا علي، أو تقول: ما حضر محمد بل علي، فهل اتفقا الآن في الحكم ؟ لم يتفقا في الحكم، وإنما اتفقا في الإعراب، فالمعطوف عطف نسق يشمل ما كان، ما اتفق مع متبوعه في حكمه وإعرابه، أو ما اتفق معه في حكمه، أو في إعرابه فقط.
ننظر إلى حروف العطف لنعرف منها من عرضها، ما الحرف الذي يقتضي التشريك في الإعراب والحكم معًا ؟ والحروف التي تقتضي التشريك في الإعراب دون الحكم ؟
يقول: حروف العطف عشرة.
وهي: الواو، والفاء، وثم، وأو، وأم، وإما -مكتوبة في بعض النسخ وأما في بعض الطبعات وهي خطأ-، وبل، ولا، ولكن، وحتى -في بعض المواضع- .(1/263)
"حتى" قيَّدها بقوله: في بعض المواضع ؛ لأن "حتى" أنواع منها الابتدائية، وهي ليست عاطفة، ومنها الناصبة للفعل المضارع، وهي ليست عاطفة، ومنها العاطفة، وقال في بعض المواضع: لأن حتى ليست في كل مواضعها عاطفة، وإنما تكون عاطفة حينما تقتضي التشريك، ولا تكون كذلك، تكون جارة حينما يجر ما بعدها، وناصبه حينما ينصب ما بعدها، وتكون الابتدائية حينما أيضًا يكون ما بعدها جملة كأنه جملة مستأنفه مرفوع.
هذه الحروف، المؤلف -رحمه الله- جعلها عشرة، وغيره من العلماء جعلوها تسعة.
ما الحرف الذي فيه الخلاف ؟ ما رأيكم ؟ تفضل نعم أنت
"حتى" لا، "حتى" ليس فيها خلاف، وإنما هي أنواع منها نوع عاطف متفق عليه، هذه لا خلاف فيها.
نعم "إما" في الواقع هي التي مختلف فيها، وأنكرها بعض العلماء، فالفارسي أنكر أن تكون عاطفة، وعبد القاهر الجرجاني يقول: من عدها عاطفة فقد سها ؛ لأنها ليست من حروف العطف.
لماذا قالوا: إنها ليست من حروف العطف ؟
لأن "إما" في الواقع لا تستخدم حينما يظن أنها عاطفة إلا وهي مسبوقة بالواو، فيقولون: الواقع أن العطف بالواو وليس بها، قال تعالى: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً .
تقول: ادرس إما النحو وإما الفقه، جالس إما الشيخ فلان وإما الشيخ فلان.
فإما لا تأتي حينما يظن أنها عاطفة إلا وهي مسبوقة بالواو، فلذلك العلماء يقولون: إن من عدها عاطفة فقد سها، والصحيح أن العطف بالواو، وأن إمَّا هذه حرف تفصيل، والعطف بالواو ؛ لأنك لا يمكن أن تأتي بإمَّا بدون الواو.
لو صح أن تأتي بإما بدون الواو، ويكون ما قبلها تابعًا لما بعدها نقول: إنها عاطفة، لكن ملازمتها للواو يجعل حكم للعطف إنما هو للواو وليس لها، ولذلك لا تستغربوا أن بعض الكتب تعد حروف العطف تسعه وليست عشره على إبعاد "إمَّا".
هذه الحروف العشرة أو التسعة التي ذكرناها إذا ما ألقيتم عليها نظره، لو أخذنا مثالا لكل واحد منها.
"الواو" مثلا تدل على ماذا؟(1/264)
الواو: الأشهر فيها أنها تدل على، نعم على مطلق الجمع فقط، ولا تدل على ترتيب إلا من خلال السياق، فحينما تقول: حضر محمد وعلي يعني: أنك جمعت بينهما في الحضور، لكن ليس بالضرورة أن محمدا هو الذي حضر الأول، وأن عليا هو الذي حضر الثاني، لكن دخل محمد فعلي، هل هنا فيه ترتيب أو لا ؟ واضح الترتيب إذا قلت: دخل محمد أي فعلي بعده، وإذا قلت: دخل محمد ثم علي، واضح بأنك تريد الترتيب، لكن إذا قلت: دخل محمد وعلي. الواو لمطلق الجمع، ولا تدل على الترتيب.
ولذلك يصح أن تقول: اختصم زيد وعمرو أو تشارك زيد وعمرو، هنا ليس فيه ترتيب، ولا تستطيع أن تأتي فيه بالترتيب ؛ لأن الاختصام والتشارك يعني: يفترض معًا فليس فيه ترتيب، ولذلك لا يصح هنا أن تأتي بالفاء، لا يصح أن تقول: اختصم زيد فعمرو ؛ لأنها للترتيب، فامتناع الفاء هنا وصحة الواو هنا دليل عن أن الواو لا تصلح للترتيب.
وقد جاءت في آية في القرآن ليست للترتيب، وإنما قدم فيها المؤخر حكمًا، فيصح أن تقول: صليت العصر والظهر، طبعًا أنت صليت ماذا أولًا ؟ الظهر أولا لا شك في ذلك، أو تقول: الصلوات الخمس وهي: الفجر وصلاة العصر وصلاة الظهر، لا حرج في ذلك بالنسبة للواو ؛ لأنها لا تفيد الترتيب، وإنما الترتيب قد يفهم منها بقرينة أخرى، لكن لا يصح أن تقول: صليت العصر فالظهر ؛ لأن الفاء تقتضي الترتيب، فلا بد أن تأتي بالأمور معها مرتبة.
ولذلك جاء في القرآن يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ أيهما الأول في الصلاة السجود أو الركوع ؟
الركوع مقدم على السجود، ومع ذلك وَاسْجُدِي وَارْكَعِي فدليل على أن الواو لا تستخدم للترتيب، وإنما لمطلق الجمع.(1/265)
أما "الفاء" فإنها تفيد الترتيب والتعقيب، الترتيب أن هذا الأول وهذا هو الثاني. الثاني بعد الأول، أما التعقيب فهو أنه حصل بعده بدون مهلة، بدون تراخٍ، فإن أردت التراخي -المهلة- فإنك تستخدم "ثم" حينئذ، ولذلك فرق بين أن تقول -حينئذ-: دخل محمد فعلي ، أو دخل محمد ثم علي، دخل محمد فعلي تقتضي أنهما متعاقبان ولا مهلة بينهما، ولكن دخل محمد ثم على فيه مهلة.
فالواو لمطلق الجمع، والفاء للترتيب والتعقيب، يعني: بدون مهلة وبدون تراخ.
"ثم" للترتيب والتراخي "أو" ماذا تفيد ؟ "أو" تفيد التخيير أو الإباحة أو الشك، ولك أن تقول: إن جاءت بعد الطلب فهي تفيد التخيير أو الإباحة، وإن جاءت بعد الخبر فهي تفيد الشك، إذا قلت -مثلًا-: حضر محمد. مَن حضر ؟ فقلت: حضر محمد أو عليّ هنا ليست بعد طلب، وإنما بعد خبر، ماذا تفيد هنا ؟ تفيد الشك ؛ لأنك لست متأكدًا من الحاضر.
، مَن الذي ألقى الدرس صباح هذا اليوم ؟ تقول: ألقى الدرس الشيخ فلان أو الشيخ فلان، أنت شاكٌّ فيمن ألقاه منهما، فإذا كانت بعد الخبر، ليس الخبر هو خبر المبتدأ، الخبر الذي هو ضد الطلب، ضد الإنشاء، إذا كانت بعد الخبر فهي تفيد الشك، أما إذا كانت بعد الطلب فهي بعد الأمر والنهي ونحوه ، فهي تفيد إما التخيير وإما الإباحة.
ما الفرق بين التخيير والإباحة ؟ ما الفرق بينهما ؟(1/266)
الفرق بينهما أن الإباحة أنت يجوز لك الجمع بين الأمرين، أما التخيير فأنت مخير في واحد منهما تقول -مثلًا-: ادرس النحو أو الفقه هنا فيها تخيير، ولكن الصحيح أنه إباحة ؛ لأنه يجوز الجمع بينهما، يعني: ادرس إما هذا وإما هذا، أو إن كان عندك طاقة فادرس الأمرين، لكن إذا قلت: تزوج هندًا أو أختها، هنا تخيير، هل يجوز الجمع ؟ لا يجوز الجمع من باب شرعي، من مدخل شرعي أنه لا يصح الجمع بين المرأة وأختها، فحينما تقول: تزوج هندًا أو أختها فإنه تخيير، ولا ينبغي الجمع بينهما، وحينما تقول: ادرس النحو أو الفقه، جالس الحسن أو ابن سرين -المثال المشهور- فإن المراد به الإباحة، يجوز لك هذا أو هذا، فإذا أو إن كانت بعد الطلب فهي للتخيير أو الإباحة، وإن كانت بعد الخبر فهي للشك.
"أم": أمْ هذه تسمى، هي تفيد التعيين، وتقع بعد همزة الاستفهام تقول -مثلًا-: أحضرَ محمد أم عليٌّ ؟ هي يطُلب بها تعيين الحاضر منهما.
أدرست النحو أم الفقه ؟ فهي يطلب بها التعيين، وتأتي بعد همزة الاستفهام.
"إمَّا": المؤلف تحدَّث عنها ؛ لأن صاحبَ الكتاب -صاحب المتن رحمه الله- ذكرها.
ونحن قلنا: إن الراجح أنها ليست عاطفة، والعطف إنما هو بالواو التي قبلها، وهي حرف تفصيل، ومن جعلها عاطفة قال: إنها موافقة لـ "أو" في الأحكام.
تقول: جالس إما الحسن وإما ابن سرين، تزوج إما هندًا وإما أختها، وتقول: حضر إما محمد وإما علي للشك، إذا كانت بعد الخبر فالذي يجعلها عاطفة يجعلها موافقة لـ "أو" في الأحكام، والذي يجعلها ليست كذلك، والعطف إنما هو بالواو وهي حرف تفصيل.
"بل": الحرف السابع إذا اعتبرنا "إما" هو "بل" وهي للإضراب، ومعناه أن تجعل ما قبلها في حكم المسكوت عنه، يعني: أنك ذكرت شيئًا ثم بدا لك أنه ليس هو المقصود، فأضربت عنه.
ما معنى الإضراب ؟(1/267)
أي سكت عنه، وصرفت النظر عنه فتقول -مثلًا-: ما جاء محمد بل علي. أنت تحدثت ما جاء محمد، ثم أضربت عنه بالنسبة لهذا الحكم، وأثبت الحكم لمن بعده فقلتَ: بل علي، ومثلها أيضًا جاء محمد بل علي.
الثامن "لا": وهي تنفي عما بعدها الحكم الذي ثبت لما قبلها، "لا" من خصائصها أنها تنفي عما بعدها الحكم الذي ثبت لما قبلها.
إذا قال لك -مثلًا-: حضر محمد أو حضر علي ؟ تقول: لا حضر أو الحاضر محمد لا علي، يعني: الحضور ثبت لمحمد، فهي تنفي عن الاسم الذي بعدها ذلك الحكم الذي ثبت للاسم الذي قبلها.
"لكن": وهي تدل على تقرير الحكم لما قبلها، وإثبات ضده لما بعدها، ويعني: ينبغي أن تستخدم بعد النفي، وألا تدخل عليها الواو، يعني: إما إن تستخدم بعد النفي أو النهي، ولا ينبغي أن تدخل عليها الواو، تقول -مثلًا-: لا أحب الكسالى لكن المجتهدين، لا أحب المهملين لكن المجتهدين.
ما المراد هنا ؟
قررت الحكم السابق على ما قبلها، وأثبتت ضده لما بعدها، فقررت عدم محبة المهملين، ثم أثبت ضده ؛ وهو محبة المجتهدين.
لا أحب المهملين لكن المجتهدين أي لكن المجتهدين أحبهم، أو هم الذين أحبهم.
"حتى": وهي الحرف الأخير قلنا: إنها ذُكر عنها أنها في بعض المواضع ؛ لأن حتى ليست نوعًا واحدًا، وإنما هي أنواع، فمنها حتى الجارة التي تستخدم حرف جر، كما في قوله -تعالى-: سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ فمطلع: اسم مجرور بحتى وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، فهي هنا كما ترون حرف جر، وحتى العاطفة تفيد التدريج والغاية، أي أن ما بعدها التدريج أنه ينقضي شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى الغاية، وهي النهاية.(1/268)
تقول -مثلًا- وصل المتسابقون حتى كبار السن، يعني: ماذا بقي ؟ يعني: ما بقي أحد، كبار السن وصلوا، وصلت الحيوانات المتسابقة حتى السلاحف، يعني: الغاية في الحكم، ما عاد بقي أحد ؛ لأن السلاحف وصلت، إذًا أغلق الباب ؛ لأن قطعًا لم يبق شيئًا بعد ذلك، أو مثلًا لما يفترض في الأنبياء من أن لهم خصوصية تقول: يموت الناس كلهم حتى الأنبياء، يموت الناس كلهم حتى الأنبياء، يعني: حتى الأنبياء غير مستثنيين من الموت، فما بالك بمَن هو أدنى منهم في المرتبة، فهي إذن تستخدم للتدريج، أي أن الأمر ينقضي شيئًا فشيئًا، وللغاية أن الذي ما بعدها ينبغي أن يكون جزءا ممَّا قبلها وغاية له، غاية له في العلوم، كمثل الأنبياء، وغاية له في الضعف، مثل قضية السلاحف أو نحو ذلك، المهم غاية في بطءٍ أو سرعة أو علوٍّ أو انخفاض أو نحو ذلك.
قلت: إن حروف العطف، ليس من شأن كل حروف العطف كلها التشريك، أي أن يشترك ما بعدها في حكم ما قبلها، وإنما من شأنها أن يشتركا في الإعراب هذا لا شك فيه.
أما الاشتراك في الحكم فإنه ثابت لبعضها كالواو: حضر محمد وعلي.
الفاء: حضر محمد فعلي.
ثم: ثم علي ونحو ذلك.
وقد يكون ما بعدها مخالف ما قبلها، ضد التشريك تمامًا، مثل حضر محمد لا علي، أو بل علي، أو لكن علي، فإذن التشريك في الحكم ليس من خصائص كل حروف العطف، وإنما بعضها يثبت التشريك، وبعضها يثبت ضد ذلك بالنسبة للحكم.
أما بالنسبة للإعراب فلا بد فيها جميعها من أن تثبت لما بعدها إعراب ما قبلها فإن تخلف ذلك ما صار تابعا ولا صار عطفا.(1/269)
لا بد في العطف، ما سمي تابعًا إلا لهذه التبعية التي في الإعراب، فإن لم تأت التبعية في الإعراب، يعني: ما بقي لنا شيء ؛ لأن حروف العطف -كما ترون- لا يشترط فيها ما يشترط في سابقتها من التعريف والتنكير، أو التذكير والتأنيث، أو نحو ذلك، يعني: تقول: حضر رجل وامرأة، الأول مذكر والثاني مؤنث، ليس مهمًا فالشيء الذي لا بد منه هو قضية أوجه الإعراب، وهو الذي سببه دخلت في باب التوابع، ولو لم تتبع في أوجه الإعراب لما سميت بالتوابع.
طبعًا من الأمور -أيضًا -التي يعني: ينبغي التنبيه لها أن العطف ليس من خصائص الأسماء، فكما أنك تقول: حضر محمد وعلي، تقول: محمد يكتب ويأكل، فالعطف إذن يأتي في الأسماء، ويأتي في الأفعال، ولا بد فيه من أن يكون التابع مطابقًا للمتبوع في إعرابه سواء عطفت اسمًا على اسم ينبغي أن يتطابقا في الإعراب، أو عطفت فعلًا على فعل فينبغي أن يتطابقا في الإعراب أيضًا، فكما أنك إذا قلت: محمد يكتبُ فعل مضارع مرفوع، ينبغي أن تقول: ويأكلُ، فإن قلت: محمد لن يكتبَ، وأردت أن تعطف عليه مماثلا فتعطف عليه بالنصب، وليس بالضرورة أن تعيد لن ، محمد لن يكتبَ ويأكلَ، إذا أعدت لن صار النصب بها حينئذ فإذا قلت: محمد لن يكتبَ ويأكلَ، وكذلك في الجزم محمد لم يكتبْ ويأكلْ.
فإذًا العطف ليس من خصائص الأسماء، وإنما قد يقع المعطوف اسمًا، وقد يقع فعلًا.
العطف في اللغة نسيت الإشارة إليه، وإن كان واضحا: وهو أن العطف هو الميل، يعني: انعطف إلى هذا الشيء مال عليه، وعطف فلان على فلان مال عليه، وحاول أن يشفق عليه ويبادله رحمة وشفقة وعطفا، فهي من الميل.
باب التوكيد
باب التوكيد: التوكيد: تابع للمؤكد برفعه ونصبه وخفضه وتعريفه وتنكيره، ويكون بألفاظ معلومة وهي: النفس والعين وكل وأجمع وتوابع أجمع وهي: أكتع وأبتع أبصع تقول: قام زيد نفسه، ورأيت القوم كلهم، ومررت بالقوم أجمعين.
---
باب التوكيد: التوكيد في اللغة ما هو ؟(1/270)
التوكيد لغة هو: التقوية، ويستخدم بالواو وبالهمزة، فيصح أن تقول فيه: التأكيد، ويصح أن تقول فيه: التوكيد، فإذا قلت: التأكيد صار الفعل أكد، وإذا قلت فيه: التوكيد صار الفعل وكَدَّ، أكَّد من التأكيد، ووكَّد من التوكيد.
والتوكيد نوعان -أيضًا-: منه ما يسمى بالتوكيد اللفظي، ومنه ما يسمى بالتوكيد المعنوي.
التوكيد اللفظي ما هو ؟
من خلال اسمه تستطيع أن تأتي بتعريفه، أو أن تعرفه.
التوكيد اللفظي هو: إعادة اللفظ بنفسه مرة أو مرتين، أو نحو ذلك، التوكيد اللفظي هو: تكرير اللفظ وإعادته بنفسه مرة أو مرتين أو أكثر من ذلك.
أما التوكيد المعنوي: فهو التابع الذي يؤتى به ليرفع احتمال السهو أو الخطأ أو التجوز في المتبوع، حينما تقول -مثلًا-: جاء الأمير، فإن خشيت أن يُظَنَّ بأنك تقصد أتباع الأمير، حاشية الأمير، أو نحو ذلك، وأردت أن تقطع بأنك تريد الأمير بشخصه فإنَّك تأتي بأحد ألفاظ التوكيد ؛ لتزيل هذا الاحتمال الذي قد يقع في ذهن السامع، فتقول: جاء الأميرُ نفسُه، فإذا قلت: جاء الأميرُ نفسُه، هل بعد ذلك يصح أن يكون مرادك جاءت حاشيته، لا يصح.
إذا قلت: جاء الأمير نفسه، أو جاء الأمير عينه، فإنه حينئذ لا ينبغي أن يكون المراد غير شخص الأمير بشحمه ولحمه، ولا يصح بعد هذا التوكيد أن يتطرق احتمال بأن المراد أتباعه أو حاشيته أو نحو ذلك.
فهو إذًا: تابع يؤتى به ليرفع احتمال السهو أو الخطأ أو التجاوز بالنسبة للمتبوع، يعني: لم تكن مخطئًا ولم تكن ساهيًا، ولم تكن تقصد، يعني: من باب التجاوز أو التوسع في اللفظ، وإنما أنت يعني: تريد هذا اللفظ، تريده قلت: عن قصد وعن تصور تام.
بالنسبة لألفاظ التوكيد، المؤلف هنا -رحمه الله- اقتصر على بعض ألفاظ التوكيد، ولم يأتِ بها كلها، وألفاظ التوكيد أوسع وأكثر مما ذكر المؤلف -رحمه الله- فألفاظ التوكيد الأصلية، لأن التوكيد له ألفاظ أصلية، وله ألفاظ مقوية، مقوية لألفاظ التوكيد أيضًا.(1/271)
يعني: ما يصلح أن يستخدم لفظ "دَبِل" ؛ لأنه لفظ غير عربي، وإنما يعني: توكيد مضاعف، يعني: تأتي بلفظ التوكيد، ثم تتبعه بلفظ آخر لتوكيد التوكيد، وهي تسمى الألفاظ المقوية للتوكيد.
الألفاظ الأصلية أو الأساسية، أو الأساس من التوكيد هي سبعة ألفاظ هي: النفس، نفسه أو العين عينه، وكلا وكلتا أيضًا للتوكيد، والمؤلِّف لم يشر إليهما، وكل وجميع وعامة.
تقول: جاء القوم كلهم أو جاء القوم جميعهم، أو جاء القوم عامتهم، وهذه الألفاظ الثلاثة متشابهة في الأحكام، وإن كانت تختلف عن بعضها في القلة والكثرة، فالنفس والعين أولًا يؤكد بهما ماذا ؟ يؤكد بهما لرفع المجاز عن الذات، يعني: إذا نظرت الفرق بين النفس والعين، وبين كل وجميع وعامة، وجدت أن النفس والعين يؤكد بهما لرفع المجاز عن الذات بنفسها، أما كل وجميع وعامة فإنما يؤكد بها لرفع احتمال البعضية.
حينما تقول: جاء القوم، أو جاء الطلاب فأنت تحتاج إلى كلمة كلهم لتؤكد أنهم جاءوا جميعًا، ولست لتأكد أنهم هم نفس الطلاب لا غيرهم.
أما النفس والعين فهي يؤكد بها لرفع الاحتمال عن الذات عن قصدك غير، فحينما تقول: جاء محمد لا يصح أن تقول: جاء محمد كله وإنما إذا خشيت أنه جاء شخص آخر غيره فتؤكد بشيء يرفع الاحتمال هنا وهو النفس والعين فتقول: جاء محمد نفسه وعينه.
طبعًا لا بد من اشتمال ألفاظ التوكيد على ضمير يعود على المؤكَّد، ويكون مطابقًا له، جاء محمد نفسه، جاء الرجال أنفسهم، فلا بد من ضمير ولا بد من مطابقة هذا الضمير للمؤكد المتقدم، حينما تقول: جاء الجيش، تقول: كلُّه بالإفراد ؛ لأن الجيش لفظ مفرد لكن جاء الطلاب بلفظ الجمع يجمع الضمير ؛ لأن اللفظ هنا يدل على الجمع.(1/272)
ألفاظ التوكيد الأصلية إذًا هي سبعة: النفس والعين وكلا وكلتا، طبعًا كلا للمذكر وكلتا للمؤنث، وكلا وكلتا إنما يُؤتى بهما في قضية التثنية يعني: ليؤكدا مضمون التثنية ولا يشك فيه يعني: حينما تقول: جاء الرجلان. إذًا أردت أن تؤكد أيضًا أنهما فعلًا اثنان، يعني: لا شك في ذلك، فإنك تقول: كلاهما يعني: الأمر غير محتمل الآن لأي شك في العدد.
طيب، تقوية التوكيد، الآن هذه هي ألفاظ التوكيد الأصلية.
الألفاظ المقوية للتوكيد ما هي ؟
هي كلمة: أجمع، وإن كان بعضهم يعد أجمع من ألفاظ التوكيد الأصيلة، والواقع أنها من ألفاظ التوكيد المقوِّية، ولذلك جاء قوله -تعالى-: فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ أجمع: الأصل فيها أنها تأتي مقوِّية بعد كل وما اشتق منها، يعني: يناسب اختلاف كل، تقول: جاءت القبيلة كلُّها جمعاء، جاء الرجال كلهم أجمعون، يعني: تأتي بأجمع وجمعاء لكي يناسب حال المؤكَّد.
ولك -أيضًا- أن تستخدم أجمع وما ماثلها كلفظ توكيد مباشر رئيسي بدون أن تستخدم قبلها كل، الأصل أن تسبق بكل، وتأتي مقوية للتوكيد، لكنه لا مانع من أن يؤكد بها مباشرة، كما في قوله -تعالى-: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ فهي هنا جاءت مؤكدة توكيدا مباشرا دون أن تسبق بكل.
كذلك من الأمور التي تتبع لتقوي الألفاظ التي ذكرها المؤلف، وهي أكتع، وأبتع، وأبصع، جاء القوم كلهم أجمعون أكتعون أبتعون أبصعون، يعني: ما عاد فيه مجال إطلاقًا للشك بعد كل هذه المؤكدات.
أكتعون أبتعون أبصعون هي طبعًا ألفاظ توكيد، ولكن لو حاولنا أن ننظر في معانيها فالشيخ ابن القاسم -رحمه الله- ذكر أن أكتع قد تكون مشتقة من الكتع، وهو اجتماع الجلد، وأن أبتع قد تكون مشتقة من البتع، وهو طول العنق، وأن أبصع قد تكون مشتقة من البصع، وهو تجمع العرق أو اجتماع العرق أو خروج العرق أو نحو ذلك.(1/273)
طبعًا من الأمور المهمة جدًّا في مسألة التوكيد أنه لا بد أن يتطابق المؤكِّد مع المؤكَّد في إعرابه، ومن هنا صار تابعًا له تقول: جاء القوم كلهم، بالرفع. رأيت القومَ كلَّهم، ومررت بالقومِ كلِّهم، جاء محمد نفسُه، رأيت محمدًا نفسَه ومررت بمحمدِ نفسِه، فلا بد من المطابقة بين التابع المؤكِّد والمتبوع المؤكَّد.
الألفاظ التي ذكرها المؤلف -كما قلت لكم- اكتفى منها بالنفس والعين، وكل وأجمع، وتوابع أجمع وهي: أكتع وأبتع وأبصع، وأضفت لكم بعض الألفاظ من بعض الكتب وهي: كلا وكلتا بالنسبة للمثنى، وجميع وعامة، وإن كان التوكيد بجميع ليس كثيرًا، ولا التوكيد بعامة، وإنما استغنى كثير عنهما بالتوكيد بكل.
هذا خلاصة الحديث عن التوكيد.
بالنسبة للتوكيد اللفظي
التوكيد اللفظي -كما تعلمون- هو: إعادة اللفظ وتكراره بعينه، سواء كان هذا المكرر جملة، كما في قوله -تعالى-: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ هذا من باب التوكيد اللفظي، ويغلب إذا كان جملة أن تتبع بثم الجملة الأولى أو تقترن بعاطف الذي هو ثم ، وهذا الكثير كما في قوله -تعالى-: كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون وكذلك يعني: كما أنه يكون جملة اسمية، ويكون جملة فعلية.
كذلك قد يكون لفظًا واحدًا، وهذا كثير في أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- كثير من ذلك كما في قوله: فنكاحها باطل باطل وكما في قول الشاعر:
فإياك إياك المراءَ. .. ... .......
وأيضًا قد يكون التوكيد اللفظي بالضمير، ولكنك إذا أردت أن تؤكد الضمير المتصل فينبغي أن تؤكده بضمير منفصل، كما تقول: قمتَ أنتَ، وجلستَ أنتَ، أي من باب توكيده، والتأكيد عليه.(1/274)
كذلك يعني: أيضًا قد يكون التوكيد بالحرف، ولكنه إذا أكد بالحرف فإنه ينبغي أن يعاد مع الحرف المؤكِّد ما ذكر مع الحرف المؤكَّد، ويقِل أن تأتي بالحرف نفسه يعني: مباشرة، كما تقول: إنَّ إنَّ، ولكن تقول: إنَّ محمدًا إنَّ محمدًا، ويعني: يندر التوكيد، أو يقل بالحرف مباشرة، كما في قول الشاعر:
............. ... ولا لما بهم أبدًا دواءُ
هذا يعتبر من التوكيد القليل.
فالحاصل أن التوكيد اللفظي يعني: أمر بابه واسع، هو إعادة الفظ وتكريره
بعينه، سواء كان جملة أو كان فعلًا، أو كان اسمًا، أو كان حرفًا، ونحو ذلك.
هذا خلاصة الحديث في التوكيد بنوعيه ؛ بنوعه المعنوي، ونوعه اللفظي، ويكون اللقاء القادم -إن شاء الله- حديثا عن باب البدل، ثم نعرج على التفريق بينه وبين عطف البيان.
نلقي النظر فيما بقي من الوقت على بعض الأسئلة.
س: ماذا عن درس النحو في الأسبوع القادم ؟
ج: بالنسبة ليوم السبت فأنا أعتذر عن الحضور ؛ لأنني خارج الرياض، ولم أتمكن، ولم أجد حدا بالنسبة للعودة في يوم السبت في وقت يتيح لي حضور الدرس، وسأكون -إن شاء الله- موجودا بالنسبة لدرس الأحد، ودرس الاثنين بإذن الله، وسنحاول إن أمكن أن نأخذ أيضًا درسا إضافيا في عصر يوم الأحد -بإذن الله- وعندي سفر لا أملك تأخيره في مساء يوم الاثنين -إن شاء الله- إلى خارج لمملكة، فأعتذر عن يوم الثلاثاء والأربعاء والخميس.
وكنت حريصًا على الاستمرار معكم، ويعني: جلوسي هذه المدة أيضا إنما هو تخطيا للوقت، وإلا فالزملاء المشاركون سفرهم هذا اليوم، وأنا طلبت منهم التأجيل لكي أتمكن من زيادة الحضور ثلاثة دروس أو أربعة لنحاول -إن شاء الله- أن نكمل هذا، وإن لم نتمكن من إكماله لأي سبب فأنا أعدكم -إن شاء الله بحول الله- بعد العودة في الدرس الذي وعدت به أن نكمله في درسين أو ثلاثة، ثم نبدأ في الكتاب المختار للدرس.
س: الأوجه الممكنة في مثل "أكلت السمكة حتى رأسها"(1/275)
ج: يعني: كل الأوجه الثلاثة الممكنة: حتى رأسِها على أنها حرف جر، أو حتى رأسَها على أنها عاطفة لتفيد التدريج والغاية، مثل يموت الناس حتى الأنبياء، وحتى رأسُها على أنها ابتدائية، أي حتى رأسُها مأكول، ويكون ما بعدها جملة مستقلة مبتدأ وخبر.
نعم كيف لا اليوم العصر ما في شيء
س: كلمة قاطبة هل هي من ألفاظ التوكيد ؟ لأنها تدل على الجمع ؟
ج: والله هي تدل على ذلك، لكني لا أعرف من ألفاظ التوكيد، وما رأيت أن أحدًا عدها من ألفاظ التوكيد.
س: ما هو الأصح متنوع ؟ أو منوّع، وأصبع أو مصبع ؟ هل كلها صحيحة ؟
ج: بالنسبة يعني: متنوِّع أو منوَّع صحيحة ؛ لأن كل واحدة مأخوذة من فعل تقول: نوّع هذه البضاعة فهي بضاعة منوعة، وتقول: تنوع هذا الطعام فهو طعام متنوع، فمتنوع مأخوذة من الفعل تنوَّع، ومنوَّع مأخوذة من الفعل نوَّع، وكلاهما صحيحتان.
أما أصبع فهي بالهمزة، هذا الذي أعرفه، أما إن كان فيها لغة بالميم مصبع، فأنا لا أعرف ذلك.
قد أنهينا الحديث عن التوابع باستثناء التابع الأخير، وهو البدل، ولا نريد أن نقف طويلًا مع ما مر، ونريد أن نستحِثَّ الخُطَى ونسعى إلى الاختصار قليلًا أسوة بالمؤلف ؛ لعلنا نتمكن من إكمال شرح المتن بعون الله وتوفيقه.
أودُّ الإشارة في ما مضى إلى أنني حينما تحدثت عن التوكيد وذكرت أنه نوعان:
التوكيد المعنوي: وألفاظه هي الألفاظ السبعة وما يقويها والتوكيد اللفظي: وهو أنه إعادة اللفظ، أو إعادة الكلام إمَّا بلفظه أو بمرادفه سواء كان هذا المُعاد جملة أو اسمًا أو فعلًا أو حرفًا.
لك أن تعيده بلفظه فتقول -مثلًا-: جلس جلس محمد، أو بمرادفه كما لو قلت: جلس قعد محمد، ونحو ذلك.(1/276)
وذكرت أن التوكيد اللفظي حينما يكون بإعادة الحرف، فأود أن أنبه هنا إلى أن الحروف في هذا الباب نوعان: حروف الجواب مثل: نعم ولا، ونحو ذلك، يعني: يمكن أن تعاد بلفظها دون أي قيد أو شرط. فتقول: نعم نعم أو بلى بلى أو لا لا ونحو ذلك، أما سائر الحروف الأخرى فلا بد فيها من أن يفصل بينها عند الإعادة، فإذا أردت أن تؤكد بإن -مثلًا- فيحسن ألا تأتي بهما متواليتين، فلا تقل: إن إن ولام الجر مثلًا فلا تقول: لـ لـ، ولذلك حكموا بالندرة أو القلة على الشاعر الذي قال:
............... ... ولا لما بهم أبدًا دواءُ
والذي قال: إنَّ إنَّ الكريم ؛ لأنه يحسن في التوكيد اللفظي بإعادة الحرف أن يفصل بينه وبين أخيه، وأن يعاد مع الحرف المؤكِّد ما اتصل بالمؤكَّد أيضًا، فإذا قلت: إنكم. يحسن أن تعيد فتقول: إنكم، وهكذا فإذًا هذا ما أردت التنبيه عليه، وهو أن الحروف في التوكيد اللفظي نوعان: حروف الجواب: لا شرط فيها. أما حروف غير الجواب: فعند إعادتها من باب التوكيد اللفظي يحسن الفصل، ويحسن أن تُعيد مع الحرف ما سبق مع المؤكَّد.
باب البدل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: "باب البدل" إذا أبدل اسم من اسم أو فعل من فعل تبعه في جميع إعرابه، وهو على أربعة أقسام:-
1- بدل الشيء من الشيء. ... 2- وبدل البعض من الكل.
3- وبدل الاشتمال. ... 4- وبدل الغلط.
نحو قولك: قام زيد أخوك، وأكلت الرغيف ثلثه، ونفعني زيد علمه، ورأيت زيدًا الفرس: أردت أن تقول: الفرس فغلطت فأبدلت زيدًا منه.
---
نبدأ الآن بما وقفنا عليه، وهو باب البدل، وقبل البدء أود أن أستأذنكم في أن نأخذ درسًا إضافيًا عصر هذا اليوم أسوة بعصر الأحد الماضي، وهو الدرس الإضافي الأخير، يعني: لن يتكرر، إن كنتم تخشون أن يكون في التكرار مشقة.(1/277)
فنستميحكم عذرا في درس إضافي عصر هذا اليوم، وليكن -إن شاء الله- حتى نعطيكم فرصة للراحة في الخامسة -أو في الخامسة والنصف -أيهما أولى؟ الخامسة، الخامسة حتى يكون فيه فترة استراحة بعد العصر، إذن نبدأ بالخامسة -إن شاء الله تعالى-.
ونبدأ الآن في باب البدل.
باب البدل.
البدل: هو الباب الأخير من أبواب التوابع، والبدل في اللغة هو: العوض تقول: أخذت هذا بدل هذا أي عوضًا منه، وفى الاصطلاح هو: التابع المقصود في الحكم بلا واسطة، وهذا التعريف روعيت فيه بعض العبارات التي تخرج ما عداه من التوابع.
فإذا قلت: التابع دخلت كل التوابع، فإذا قلت: المقصود في الحكم فإنه حينئذ يخرج بعض التوابع التي ليست مقصودة في الحكم، كعطف البيان -مثلًا- والتوكيد فإنها ليست مقصودة، وإنما جيئ بها للتقوية فقط، وإن المقصود الأول الذي هو المتبوع، أما البدل فإن التابع هو المقصود.
أصل البدل: البدل هو المقصود واللفظ المبدل منه كأنه ألغي ونسخ بهذا البدل الجديد، وإلا ما فائدة البدل ؟ أنت لم تأت بالبدل إلا لأنك يعني: أردت أن تأتي بلفظ ترى أنه أدق أو أشمل من اللفظ الأول، فجئت به كأنك تريد أن تستغني به عنه، ولذلك فإنهم يقولون فيه: إنه على نية إحلال الثاني محل الأول، بمعنى أنك لو أحللت الثاني محل الأول واكتفيت بالثاني لصح الكلام ؛ لأن الثاني هو المقصود عندك، وهو المهم.
فمثلًا إذا قلت -مثلًا-: أعجبني زيد ثم أردت أن تبين ما الذي أعجبك فيه فقلت: علمه، فالمقصود عندك هو العلم، وليس كل زيد. ولذلك أنت استدركت لما قلت: أعجبني زيد فخشيت أن يفهم أنك معجب بكل شيء في زيد، فأردت أن تحدد أن إعجابك مقصور على علمه فقط.
ومن هنا كان البدل هو المقصود، أما المبدل منه فكأنه نسخ بالبدل بخلاف عطف البيان والتوكيد.(1/278)
عطف البيان والتوكيد، المقصود هو الأول، ولكن جيئ بالثاني لتقويته وتوكيده فقط، فأنت حينما تقول في تعريف البدل: إنه التابع المقصود بالحكم لتخرج به بعض التوابع، وحينما تقول: "بلا واسطة" لتخرج به ماذا من التوابع ؟ لتخرج به عطف النسق، فإن عطف النسق تابع بواسطة حرف من حروف العطف، بدون حرف من حروف العطف لا يسمى عطف نسق، فعطف النسق تابع بواسطة، أما البدل فإنه تابع بلا واسطة.
طبعًا البدل كما تعلمون من التوابع، والتوابع من أخص خصائصها: أن التابع يتبع ما قبله في إعرابه ؛ فلذلك البدل يتبع المبدل منه في حركات الإعراب كلها، ولا يشترط في البدل تعريفًا أو تنكيرًا يعني: يمكن أن يكونا نكرتين، ويمكن أن يكونا معرفتين، فلا شرط للتعريف والتنكير في البدل.
وأنواع البدل: قالوا: والبدل أربعة أقسام، أو أربعة أنواع.
ومن العلماء من يقول: إن البدل ستة أنواع.
الأول -كما ذكر المؤلف هنا-: بدل الشيء من الشيء، وهو الذي يسمى أحيانًا بدل كل من الكل، وربما يفر بعض العلماء من كلمة الكل من الكل إلى "الشيء من الشيء" ؛ لأن إدخال الألف واللام على كلمة كل وبعض فيه كلام عند بعض النحاة، وبعضهم يقول: إنه غير جائز في اللغة، ولكني رأيته مستعملًا منذ القدم، رأيته عند كبار العلماء كالزجاج وغيره.
بل إن الشيخ محمد عبد الخالق عُديم -رحمه الله- أثبت في شواهد سمعتها منه وفاتني تسجيلها شواهد عربية قديمة، ومنها جاهلية أنه ثابت في اللغة دخول "الـ " على كل وبعض، وأنه استعمال فصيح، وليس استعمالا غير فصيح، فلا حرج إذن تقول: إنه بدل الشيء من الشيء أو بدل الكل من الكل. هذا هو النوع الأول بدل الكل من الكل.
والنوع الثاني -طبعا- بدل الكل من الكل مثاله ما هو؟ أو بدل الكل من الكل(1/279)
من يراد به: هو يراد به البدل المطابق، يعني: أن يكون الأول هو الثاني والثاني هو الأول، يعني: ليس الثاني أقل من الأول بأي شيء، وإنما هو هو عينه، كما إذا قلت: جاء زيد أخوك، ورأيت زيدا أخاك، ومررت بزيد أخيك، أو البيت الذي
أقسم بالله أبو حفص عمر ... .......
مرَّ معنا هناك أننا أعربنا في "أبو حفص عمر" قلنا: إنه عطف بيان، وهنا نقول: إنه بدل، وأنا ذكرت لكم في الدرس الماضي أن عطف البيان يتداخل مع بدل الكل من الكل فقط، ليس مع كل أنواع البدل.
عطف البيان القاعدة التي يقولون فيها: كل ما صح أن يعرب عطف بيان صح أن يعرب بدلًا ؛ إنما يراد بها بدل الكل من الكل، أو بدل الشيء من الشيء.
أما بدل الاشتمال أو بدل البعض من الكل أو نحو ذلك فهي لا تدخل في عطف البيان.
الذي يتفق مع عطف البيان هو بدل الكل من الكل، وذكرت لكم -أيضًا- أن هذه القاعدة المشهورة أن كل ما صح أن يعرب عطف بيان صح أن يعرب بدلًا أنه يستثنى منها بعض المسائل، ووعدت ببيانها في هذا الدرس.
ولعل ما دمنا بصدد الحديث عن النوع الأول، وهو بدل الكل من الكل هو الذي يتداخل مع عطف البيان أن نشير إلى المسائل التي يتعين فيها أن يعرب عطف البيان عطف بيان، ولا يصح أن يعرب بدلًا.
إذا قلت -مثلًا-: جاء زيد أخوك، أبو حفص عمر، فهذا إن قلت: عطف بيان صحيح، وإن قلت: بدلا فهو صحيح، وإن كان هناك خلاف دقيق من حيث المعنى.(1/280)
فنحن قلنا: إن عطف البيان المتبوع هو المقصود في الحكم، وإن العطف للإيضاح، أما البدل فإنه ليس كذلك، وإنما البدل هو المقصود بالحكم، والمتبوع كأنه منسوخ، هذا من حيث المعنى، لكن من حيث الشكل والهيئة، يعني: يصح أن تقول إذا قلت: جاء محمد أخوك أن تعرب هذا الأخير عطف بيان، أو أن تعربه بدلًا إلا في مسألتين أو أكثر من مسألتين، بعض العلماء يجعلهم أكثر، لكن فيه ضابط معين، الضابط الذي يتعين بسببه في عطف البيان أن يعرب عطف بيان، ولا يصح أن يخرج للبدل "إذا لم يمكن إحلال الثاني محل الأول".
البدل كما تعلمون هو على نية إحلال الثاني محل الأول ؛ بمعنى أنك لو استغنيت بالثاني عن الأول لصح الكلام، هذا هو البدل أصله ، فإذا جاء معنا تابع لا يصح فيه أن تحل الثاني محل الأول، فإنه حينئذ يكون عطف بيان، ولا يصح أن يعرب بدلًا.
قلنا: بأن البيت المشهور
أقسم بالله أبو حفص عمر ... .......
إن عمر يصح أن يعرب بدلًا، ويصح أن يعرب عطف بيان لماذا ؟ لأنك لو حذفت أبو حفص وقلت: أقسم بالله عمر لصح الكلام، فإذن إذا صح أن يحذف الأول ويبقى الثاني جاز أن يعرب هذا اللفظ إما بدلًا، أو عطف بيان.
فإن كان لا يصح أن يحذف الأول لأي مانع من الموانع، فإنه لا يجوز أن يعرب الثاني حينئذ بدلًا، وإنما يجب أن يعرب بعطف بيان.
هذه هي الصورة التي لا يتناوب فيها البدل وعطف البيان.
فقاعدتها العامة أن: لا يصلح إحلال الثاني محل الأول.
ومن أمثلتها قول الشاعر:
أنا ابن التارك البكري بشرٍ ... عليك الطير ترقبه وقوعا
أين عطف البيان هنا ؟ نعم كلمة بشر هي عطف بيان لكلمة البكري. أصله يقول: أنا ابن ذلك الشخص الذي ترك البكري بشر عليه الطير ترقبه وقوعًا، أي أنني طرحته وجندلته وجعلت الطير ترقبه لكي تأكل من جيفته أو من جثته.
أنا ابن التارك البكري بشر ... .................(1/281)
فالبكري هو بشر، وبشر هو البكري، فإذا جئت تعرب طبعا التارك: مضاف، والبكري: مضاف إليه، وبشر عطف بيان للبكري ؛ لأن بشر هو البكري والبكري هو بشر. فهنا بشر يتعين أن تكون عطف بيان، لماذا ؟
لا يصح أن تعرب بدلًا. لماذا ؟ لأن البدل لا يصح أن يعرب إلا أن يجوز أن تحذف الذي قبله، فلو حذفنا البكري وأحللنا بشر محله فصار البيت:
أنا ابن التارك بشر. هذا صحيح أو ليس بصحيح ؟ ليس بصحيح لماذا ؟ هو من حيث المعنى، صحيح لكن فيه شيء من حيث الصناعة النحوية يمتنع.
فلماذا امتنع ؟
في باب الإضافة اللفظية عند الإضافة يجب أن تحذف الألف واللام من المضاف إليه، فإذا قلت: هذا الكتاب إذا أضفته قلت: هذا كتاب محمد، يجب أن نحذف الألف واللام من المضاف الذي هو الكتاب إلا في باب الإضافة اللفظية التي يكون المضاف فيها اسم فاعل أو نحوه، فإنه لا مانع من أن تدخل الألف واللام على المضاف، أي من أن تبقى الألف واللام في المضاف مع إضافته، لكن بشروط.
من ضمن الشروط: أن يكون المضاف إليه بـ"ال" فإن كان المضاف إليه فيه "ال" صح أن يكون المضاف فيه "ال" تقول: رأيت الرجل الطويل الشعر. الطويل مضاف والشعر مضاف إليه، كلاهما فيه "ال"، إذا صار كلاهما فيه "ال" صح أن تدخل "ال " في المضاف.
ولا يصح أن تقول: الطويل شعر بأن تبقيها في المضاف وتحذفها في المضاف إليه.(1/282)
فأنا ابن التارك البكري، التارك البكري صح إضافة التارك وهو فيه "ال" إلى البكري ؛ لأن فيه "ال"، فإذا حذفنا البكري صار التارك مضافا إلى بشر، وبشر ليس فيه "ال" إذن لا يصح أن يقترن المضاف بـ"ال" في باب الإضافة اللفظية إلا في مواضع منها: أن يكون المضاف إليه بـ"ال" فإن كان المضاف إليه ليس بـ"ال" كما في صورة أنا "ابن التارك بشر"، فإنه لا يصح إذن، امتنع إحلال الثاني الذي هو بشر محل الأول الذي هو البكري ؛ لأن هذا فيه "ال" وهذا ليس فيه "ال" فتعين حينئذ أن يعرب بشر عطف بيان ولا يصح أن يعرب بدلًا. واضح ؟
هذا مثال.
مثال آخر: يمثلون بقول الشاعر:
أيا أخوينا عبد شمس ونوفلَا ... ...........
هنا عبد شمس ونوفلا عطف بيان لأخوينا من هم ؟ من الأخوين المقصودين هنا ؟ أيا أخوينا عبد شمس ونوفلَا.
بيان للأخوين ؛ لأنهما غير معروفين فعبد شمس ونوفلا هنا هل يصح أن يعرب بدلا؟ لا يصح، لماذا ؟ لأنه يمتنع أن يحل محل الأول فلو حذفت أخوينا وقلت: أيا عبد شمس ونوفلَا. لا يصح، لماذا لا يصح ؟ لأنك إذا قلت: أيا عبد شمس ونوفلَا لزمك أن تقول: ونوفلُ ؛ لأن المنادى إذا كان مفردًا بُني على الضم، وما عطف عليه يأخذ نفس الحكم ؛ فعبدَ شمس مضاف منصوب، ونوفلا مفرد ينبغي أن تقول: ونوفلُ ؛ ولأنك قلت: ونوفلا أصبح يصح هذا أن يتقدم وهو منصوب، ولا تستطيع أن تغير في البيت.
فامتنع إذن إحلال الثاني محل الأول بسبب مانع نحوي، فتعين أن يعرب عطف بيان ولا يصح أن يعرب بدلًا، ربما لو حاولنا أن نستعرض لوجدنا أمثلة كثيرة، لكن القاعدة أنه يتعين أن يعرب عطفُ البيان عطفَ بيان حينما لا يصح إحلال الثاني محل الأول، فإن صح إحلال الثاني محل الأول جاز أن يعرب عطف بيان، وجاز أن يعرب بدلا، ونكتفي بهذا.
فالنوع الأول هو: بدل الكل من الكل، أو بدل الشيء من الشيء، وهو متداخل مع عطف البيان ؛ فكل ما صح أن يعرب عطف بيان صح أن يعرب بدل كل من كل إلا ما أشرت إليه.(1/283)
والنوع الثاني -كما في كلام المؤلف-: بدل البعض من الكل.
بدل البعض من الكل طبعا ضابطه: أن يكون البدل جزءا من المبدل منه. سواء كان هذا الجزء هو القليل أو مساويا أو كثيرا، كما إذا قلت: أكلت الرغيف ربعه. الجزء قليل، أو نصفه الجزء مساوى، أو ثلثاه الجزء أكثر، كل الثلاثة جائزة بلا حرج.
فالنوع الثاني هو: بدل البعض من الكل، وهو: ما كان فيه البدل جزءا من المبدل منه.
النوع الثالث: بدل الاشتمال.
وضابطه هو: ما كان فيه بين البدل والمبدل منه علاقة وملابسة بغير الجزئية أو الكلية ؛ لأنه لو كان فيه علاقة بالجزئية لصار النوع الثاني، وهو بدل بعض من كل، وإنما أن يصير بينهما أي ملابسة أو أي علاقة.
كما في قولك: أعجبني زيد علمه ، وكما في قوله -تعالى-: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ هم سألوا عن ماذا ؟ هم لم يسألوا عن الشهر الحرام بكل أحكامه وإنما سألوا عن قضية واحدة في الشهر الحرام وهي القتال فيه فقط.
ومن هنا قلنا: إن البدل على نية إحلال الثاني في محل الأول ؛ لأن الثاني هو المقصود، المقصود هو القتال في الشهر الحرام وليس مقصودا أيُّ قضية من قضايا الشهر الحرام الأخرى. يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ فقتال هنا بدل اشتمال من الشهر الحرام ؛ لأن بينهما علاقة ملابسة وصلة بغير الكلية أو الجزئية.
طبعًا لا بد فيه -كما تلحظون- هنا من الضمير، كما في قوله: قِتَالٍ فِيهِ أو قولك: أعجبني زيد علمه، أو نحو ذلك.
النوع الرابع: بدل الغلط.
وقلت لكم: إن بعض العلماء يجعلها أنواعًا ستة ؛ لأنه يجعل بدل الغلط هذا ثلاثة أنواع. بدل غلط، أو بدل نسيان، أو بدل إضراب، وهم في الواقع يعني: جعلُهم نوعا واحدا كافٍ ؛ لأن المثال واحد للجميع، لكن يختلف باختلاف نيتك أنت.(1/284)
هل أنت غلطت سهوت ؟ أو أنت أخطأت ؟ أو أنت أضربت إضرابا نهائيا صرفت النظر عنه ؟ فالمثال واحد لكن يتنوع باختلاف نية المتحدث نفسه، كما إذا قلت -مثلًا-: سافرت على سيارة قطار. يعني: سافرت على سيارة، فتبين أنك نسيت، وأنك لم تسافر هذه المرة على سيارة، بل سافرت على قطار، فرأسًا انتقلت من السيارة وأبدلتها بالواقع الصحيح وهو القطار.
هذا يسمى بدل إضراب ؛ أي أنك أضربت عن الأول إلى الثاني، وبدل غلط أنك غلطت فذكرت الأول وأنت تريد الثاني، أو بدل نسيان أنك نسيت، كنت تتصور أنك سافرت على سيارة، ولكن تذكرت أنك سافرت على قطار، أو كما إذا قلت -مثلًا-: رأيت محمد خالدًا. فتبين لك فعلًا أنك لم تر محمدًا بل رأيت خالدًا، ونحو ذلك.
يعني: هذا البدل يجعل المبدل منه في حكم المتروك والمسكوت عنه، وإنما هو فقط ربما كان سبق لسان أو نسيان أو خطأ، أو نحو ذلك، وإنما المقصود هو الأخير. فهذا بدل الإضراب، أو بدل الغلط.
هذه أنواع البدل الأربعة، والحديث عنه، والفرق بينه وبين نوعه الأول -وهو بدل الكل من الكل- بينه وبين عطف البيان.
باب منصوبات الأسماء
باب منصوبات الأسماء. المنصوبات خمسة عشر: وهي المفعول به، والمصدر وظرف المكان والزمان والحال والتمييز والمستثنى، واسم لا والمنادى والمفعول من أجله، والمفعول معه وخبر كان وأخواتها، واسم إن وأخواتها، والتابع للمنصوب، وهو أربعة أشياء: النعت والعطف والتوكيد والبدل.
---
هذه أبواب المنصوبات سردها المؤلف هنا، وسيحاول أن يتحدث عن كل نوع منها بحديث موجز، كما ذكر المرفوعات، وتحدث عنها بحديث موجز.
نستعرض المنصوبات الآن لننظر هل بقي منها شيء، أو أنه كرر شيئا.
الأول هو: المفعول به.
والثاني هو: المصدر طبعًا، ويريد به المفعول المطلق.
والثالث هو: ظرف الزمان.
والرابع: ظرف المكان.
والخامس: الحال.
والسادس: التمييز.
والسابع: المستثنى.
والثامن: اسم لا .(1/285)
هنا نقف "اسم لا" لو نظرت وجدت أنه يدخل في إن وأخواتها ؛ لأننا ذكرنا أن باب إن وأخواتها من العلماء من يعدها ستة، ومنهم من يعدها سبعة بإدخال لا ؛ لأنها تعمل نفس العمل، ومن العلماء من يعدها ثمانية بإدخال عسى إذا اتصل بها ضمير النصب بالذات.
فـ"اسم لا" يعني: لو أدخلت مع إن وأخوتها لكان الأمر صحيحًا.
والمنادى طبعًا في بعض صوره، والمفعول من أجله، وهو الذي يسمى بالمفعول له، والمفعول معه، وخبر كان وأخواتها، واسم إن وأخواتها، والتابع المنصوب.
طبعًا في خبر كان وأخواتها لو سرنا على طريقته في إفراد لا النافية للجنس لأفردنا ما المجازية، ولا ولات وإن المشبهات بليس أيضًا تستحق أن تفرد، وأيضًا ممكن أن تفرد خبر أفعال المقاربة إن كان نصبه تقديريا على المحل ؛ لأنه جملة بل بقي أيضًا مفعولي ظن وأخوتها، لكنه ربما تركها استغناءً بقوله: المفعول به ؛ لأن المفعول به ربما دخل تحته المفعولان في باب ظن وأخواتها.
والتابع المنصوب وهو أربعة أشياء: النعت والعطف طبعًا نقول: إنها خمسة أشياء ؛ لأن المعطوف نوعان: عطف البيان، وعطف النسق، والتوكيد والبدل.
هذه الأبواب سنبدأ بأخذها واحدًا واحدًا ابتداءً من باب المفعول به.
باب المفعول به
باب المفعول به: وهو الاسم المنصوب الذي يقع عليه الفعل، نحو قولك ضربت زيدًا، وركبت الفرس وهو قسمان: ظاهر ومضمر، فالظاهر ما تقدم ذكره، المضمر قسمان: متصل ومنفصل، فالمتصل اثنا عشر وهي: ضربني ضربنا وضربكَ وضربكِ وضربكما وضربكم وضربكن وضربه وضربها وضربهما وضربهم وضربهن.
والمنفصل اثنا عشر، وهي إياي وإيانا وإياك وإياكِ وإياكما وإياكم وإياكن وإياه وإياها وإياهما وإياهم وإياهن.
---
المفعول به عرَّفه بأنه: الاسم المنصوب الذي يقع عليه الفعل. يعني: سواء قلت: الاسم المنصوب الذي يقع عليه الفعل، أو الذي يقع به الفعل فهو صحيح، ويدخل في ذلك ما كان في سياق إثبات، أو في سياق نفي.(1/286)
يعني: مثلًا حينما تقول: أكل محمد التفاحَ. التفاحَ: مفعول به منصوب الآن، وقد وقع عليه الفعل وهو الأكل، يعني: يسمى مفعولا به حتى وإن كان في سياق نفي، بمعنى أنه لم يقع عليه حقيقة لكنه تعلق به، كما إذا قلت: ما أكل محمد التفاح.
طيب يقول: كيف تقول: مفعولا به الآن وهو ما أكل ما حصل؟
هذا الكلام -أيضًا- يرد في الفاعل، الفاعل: هو الذي قام بالفعل، مثل: أكل محمد، فإذا قلت: ما أكل محمد، كيف تعرب محمدا فاعلًا وهو ما أكل شيئا ؟ يعني: حين تقول: ما فعل محمد شيئا تعرب محمدا فاعلا مرفوعا. طيب كيف فاعل وهو ما فعل؟ الواقع أنه بالنسبة للناحية الإعرابية، وناحية تعلق الفعل به، وارتباطه به، ووقوعه عليه في سياق الإثبات، أو عدم وقوعه عليه في سياق النفي، هو من حيث الاصطلاح يعرب فاعلا، ويعرب مفعولا به.
فالمفعول به هو الاسم المنصوب الذي وقع عليه أو وقع به الفعل نحو قولك ضربت زيدا وركبت الفرس وسواء كان ذلك في سياق إثبات، أو في سياق نفي، وهو قسمان: ظاهر مثل: ضربت زيدا، وركبت الفرس، زيدا والفرس.
ومضمر: المضمر أشرنا إليه في سياق حديثنا عن المضمر إذا وقع فاعلا وبيَّنَّا ضمائر الرفع هناك، واستطردنا في بيان ضمائر النصب وضمائر النصب، تعلمون أنها نوعان كغيرها ؛ لأن الضمائر: إما ضمائر متصلة أو ضمائر منفصلة، والضمائر إذا وقعت في كل نصب فهي نوعان: إما ضمائر متصلة أو ضمائر منفصلة.
طيب الضمائر المتصلة التي تقع في محل نصب كم عددها ؟ يعني: دون أن ندخل في تفاصيل المؤلف، يعني: هناك تلخيص لها سريع يغنيك عن بعض في تفصيلات المؤلف التي ذكرها.
ما الضمائر المتصلة التي يصح أن تقع في محل نصب ؟ ليست كثيرة، محصورة جدًا. ما الضمائر المتصلة التي يصح أن تقع في محل نصب مفعولا به ؟ نعم ياء المتكلم، وكاف المخاطب، والذي معها باستمرار هي ثلاثة متجاورة: هاء الغائب، ياء المتكلم، وكاف المخاطب، هذه ثلاثة بقي الرابع "نا" الدالة على الفاعلين.(1/287)
هذه هي الضمائر الأربعة فقط، هي كل ضمائر النصب المتصلة، هي هذه الأربعة لا تخرج عنها.
طيب لماذا جاءت كثيرة في تعداد المؤلف ؟
جاءت كثيرة ؛ لأن المصنف -رحمه الله- جعلها للمفرد والمثنى ولجمع الذكور ولجمع الإناث وهكذا، فصارت كثيرة، فأنت حينما تقول: كاف المخاطب أيًّا كان سواء كان مفردا مذكرا أو مؤنثا أو مثنى مذكرا أو مؤنثا أو جمعا مذكرا أو مؤنثا فإن الكاف هذه تقع في محل نصب مفعولا به، وياء المتكلم كذلك وهاء الغائب كذلك.
فلو أردت أن تعدها وجدتها كما قلنا سابقًا يمكن أن تحصل من مجموعها على اثني عشر ضميرًا، إذا أسندت إليها علامة التثنية والجمع بنوعيهما ؛ ولذلك قال المؤلف: فالمتصل اثنا عشر.
ننظر تعداد المؤلف هل خرج منها شيء عن الأربعة التي ذكرنا أو لا ؟ فالمتصل اثنا عشر وهي ضربني الياء هنا ما هي ؟ هي ياء المتكلم، ضربَنَا "نا" هذه هي "نا" الفاعلين، ضربَكَ هذه كاف المخاطب للمذكر. ضربكِ كاف المخاطب للمؤنث، ضربكما كاف المخاطب للمثنى، ولحقها علامة تثنية. ضربك كاف المخاطب لجمع الذكور، ولحقها ميم الجمع، ضربكن كاف المخاطب للإناث، ولحقتها علامة الجمع. ضربه هذه هي الغائب للمفرد المذكر، ضربها هاء الغائب للمؤنث، ضربهما هاء الغائب للمثنى بنوعيه، وضربهم هاء الغائب لجمع الذكور، وضربهن هاء الغائب لجمع الإناث.
هي الآن اثنا عشر لكن يجمعها هذه الأربعة: "نا" الفاعلين، "ياء" المتكلم، "كاف" المخاطب بأنواعها، "هاء" الغائب بأنواعها كلها تجتمع في هذه الأربعة، هذا بالنسبة لضمائر النصب المتصلة.
أما الضمائر التي تقع في محل نصب وهي ضمائر منفصلة فهي اثنا عشر كلها، كلمة "إيَّا" وألحق بها العلامات. إيَّا إن أردت مفردا، ومتكلما إياى، ومتكلمين إيانا، ومخاطبا إياك ومخاطبة إياكِ، ومخاطبين أو مخاطبتين إياكما، مخاطبين إياكم ومخاطبات إياكن، ثم ألحق بها الغائب إياه وإياها وإياهما وإياهم وإياهن فصار المجموع اثني عشر ضميرًا.(1/288)
والصحيح فيه خلاف بين العلماء، أيهما الضمير ؟ هل الضمير هو لفظ إيَّا، أو ما يلحقه من ياء المتكلم، أو كاف الخطاب، أو هاء الغائب، ونحو ذلك ؟ فيه خلاف طويل، يرجع العلماء أن الضمير هو إيا، وأن هذه اللواحق له حروف دالَّة على التكلم أو الخطاب أو الغيبة.
فأنواع المفعول إذًا إذا كان ظاهرًا فهو معروف، كل ما كان مفعولا به هو اسم ظاهر، وإذا كان ضميرا فلا يخلو إما أن يكون ضمائر النصب متصلة، وهي أربعة إذا وزعتها صارت اثني عشر، أو ضمائر نصب منفصلة، وهي اثنا عشر، وهي كلمة "إيا" ولواحقها التي نلحقها للمتكلم أو للمخاطب، أو للغائب فيصبح المجموع أربعة وعشرين ضميرًا هي ضمائر النصب المتصلة والمنفصلة التي يمكن أن تقع مفعولًا به.
معنى ذلك أن تاء الفاعل لا يمكن أن تقع مفعولًا به، ألف الاثنين لا يمكن أن تقع مفعولًا به، واو الجماعة لا يمكن أن تقع مفعولًا به، نون النسوة كذلك، ياء المخاطبة كذلك.
فالضمائر إذًا التي تقع هي ضمائر النصب، ولا تدخل فيها الضمائر التي تسمى ضمائر رفع، وهي الضمائر الخمسة التي ذكرناها، وأشرنا إليها.
باب المصدر
المصدر: المصدر هو الاسم المنصوب الذي يجيء ثالثا في تصريف الفعل، نحو ضرب يضرب ضربًا، وهو قسمان: لفظي ومعنوي، فإن وافق لفظُه لفظَ فعله فهو لفظي، نحو قتلته قتلا، وإن وافق معنى فعله دون لفظه فهو معنوي، نحو جلست قعودا، وقمت وقوفا، وما أشبه ذلك.
---
باب المصدر: هو هنا طبعًا لا يريد المصدر بصفة عامة، أي: كل ما سمي مصدرًا، وهو اسم الحدث، وإنما يريد جانبا من المصدر، وهو ما صح أن يعرب مفعولًا مطلقًا من المصدر.
فالمصدر عام كما يقول العلماء: هو أصل المشتقات، فالغالب أن كل فعل لا بد له من مصدر اشتق منه، ضرب اشتق من الضرب، وأكل اشتق من الأكل، وجلس اشتق من الجلوس، فنحن هنا ليس المراد أن نتحدث عن المصدر بصفة عامة، وإنما نريد أن نتحدث عما صح أن ينصب من المصادر على أنه مفعول مطلق.(1/289)
هذا هو الذي معنا الآن هو الذي يدخل تحت باب المنصوبات ؛ لأن المصدر يعني: قد يقع مرفوعًا ويقع مجرورًا فليس هو المراد.
المراد هنا بهذا الباب: المفعول المطلق هذا الصحيح يعني: يصح أن تُعَنْوِنَ بأن تقول: هذا باب المفعول المطلق ؛ لأن المفعول المطلق جزء من المصدر، وليس كل أنواع المفعول المطلق.
فإذًا عنواننا هنا هو ما صح أن ينصب على أنه مفعول مطلق من أنواع المصدر ؛ ولذلك قال: باب المصدر.
المصدر: هو الاسم المنصوب الذي يجيء ثالثًا في تصريف الفعل كلمة: "يجيء ثالثًا في تصريف الفعل" هذه كلمة يعني بها: ليست تعريفا اصطلاحيا دقيقا مائة بالمائة، وإنما جاء بها المؤلف للتقريب فقط للمبتدئين.
كيف تعرف المصدر ؟
قال: المصدر هو الذي إذا جئت تصرف الأفعال وجدته يأتي في المرتبة الثالثة، فعادة إذا جاء الإنسان يُعرِّف مادة ماذا يقول ؟ ضرب إذا جئت تُعرِّفها ماذا تقول ؟ تقول: ضرب يضرب ضربًا، أكل يأكل أكلًا، جلس يجلس جلوسًا، قام يقوم قيامًا، فالمصدر هو الذي يجيء ثالثًا عندما تُصرِّف الفعل فتبدأ بالماضي، ثم المضارع ثم تأتي بالمصدر.
وليس معنى ذلك أن المصدر في الدرجة الثالثة من حيث الاشتقاق، بل العكس الراجح من أقوال العلماء: أن المصدر هو أصل المشتقات، وهناك خلاف طويل في كتاب الإنصاف لابن الأنباري وغيره، يعني: ما أصل المشتقات ؟ هل أصل المشتقات المصدر، وكل شيء أخذ منه ؟ أو أصل المشتقات الفعل، وكل شيء أخذ منه ؟ الفعل الماضي أو ما إلى ذلك فيه خلاف، لكن الراجح أن المصدر هو أصل المشتقات.
فمجيئه ثالثًا ليس بترتيب الاشتقاق، وإنما بترتيب عادة الناس، عندما يحاولون أن يصرفوا مادة من المواد فيقولون: ضرب يضرب ضربًا. جلس يجلس جلوسًا، أكل يأكل أكلًا، ونحو ذلك.(1/290)
فهو الاسم المنصوب الذي يجيء ثالثًا في تصريف الفعل، نحو ضرب يضرب ضربًا، ولكن نحن عندما نريد أن نعرف المصدر الذي عندنا في هذا الباب، وهو ما يسمى المفعول المطلق نجد أن له تعريفات، لكن من أفضلها أنه: ما ليس خبرًا مما دل على تأكيد عمله أو نوعه أو عدده، هذا التعريف منه مزية، أنه تعريف، وأنه يشمل أنواع وأقسام المفعول المطلق.
المفعول المطلق: هو الاسم المنصوب، أو ما ليس خبرًا، مما دل على تأكيد عامله أو نوعه أو عدده.
هو الاسم المنصوب الذي ليس خبرًا لماذا نقول: إنه ليس خبرًا ؟ لأن المصدر قد يقع خبرًا، وربما يفهم منه التوكيد حينما تقول: فهمك فهم دقيق، وعلمك علم غزير، أو كان أو صار علم محمد علمًا غزيرًا. فعلمًا هنا منصوب لكنه خبر، فهل نسميه مفعولا مطلقا ؟ لا يسمى مفعولا مطلقا فالذي يسمى مفعولا مطلقا هو الذي انتصب على المصدرية، إما للتوكيد أو بيان النوع أو بيان العدد.
فتعرف المفعول المطلق: هو ما ليس خبرًا مما جاء أو دل على تأكيد عامله أو بيان نوعه أو بيان عدده.
المصدر الذي جاء لتأكيد عامله مثل ماذا ؟ مثل ضربته ضربًا، وحملته حملًا، وقتلته قتلًا، عذبته عذابًا، ونحو ذلك.
هو ما جاء منصوبًا على المصدرية لتأكيد عامله.
هذا النوع الأول من أنواع المفعول المطلق، ما جاء التأكيد عامله، طبعًا سواء كان تأكيده له وهو من مادته، مثل قام قيامًا، وجلس جلوسًا أو نحو ذلك أو كان تأكيده له من غير مادته. يعني: تضمن معناه دون حروفه. يعني: وصح المصدر المؤكد لعامله ما تضمن معنى الفعل وحروفه مثل قام قيامًا، وجلس جلوسًا، ونحو ذلك أو تضمن معناه فقط دون حروفه، فإنه يدخل في ذلك كما قلت -مثلًا-: قام وقوفًا، وجلس قعودًا، ونحو ذلك، فهو متضمن لتأكيد عامله، لكنه لم يشتمل على مادة حروفه ومعناه، وإنما اشتمل على المعنى فقط، وهذا يقوم بالغرض ويؤديه، ويفي به فالمؤكد كما مثَّلنا.(1/291)
والثاني: المبين للنوع، المبيِّن للنوع -أيضًا- لك أن تجعله نوعين، أو هو قد تأتي له بمثالين مختلفين حينما تقول: وقفت وقوف الجندي، هنا وقوف مصدر منصوب على أنه مفعول مطلق، ما نوعه ؟ هل هو مؤكد ؟ ليس فيه تأكيد، لو أردت التأكيد لقلت: وقفت وقوفًا يعني: تأكيد الوقوف بأنه وقوف يعني: ما فيه شبهة جلوس أو ميلان أو نحو ذلك.
لكن حينما تقول: وقفت وقوف الجندي. ما المراد به ؟ المراد به بيان نوع هذا الوقوف يعني: أنني وقفت وقفة عسكرية، وليس وقفة فيها استرخاء أو ميلان أو نحو ذلك، وإنما وقفت وقوف الجندى، كما تقول: أحبك حب الولد لوالده، يعني: هذا بيان نوع هذا الحب.
والثالث: المبين للعدد.
المبين للعدد كما لو قلت: ضربت المهمل ضربتين، ضربته ضربتين، فضربتين هنا مصدر ؛ لأنه مأخوذ من ضرب ضربًا، لكنك أردت أن تبين العدد، فلو قلت: ضربته ضربة واحدة لكان كذلك، ولو ضربته ضربتين لكان منصوبا، مفعولا مطلقا، وهو من نوعه الثالث، أو من قسمه الثالث، وهو المبين للعدد، فمن ذلك قوله -تعالى-: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ طيب نفخة نحن الآن نتكلم عن المفعول المطلق المنصوب، كيف صارت نفخةٌ ؟ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ لأنها هنا هذه ربما ذكرنا هذه الآية، وأشرنا إليها في باب الفاعل.
"نفخة واحدة" هنا الأصل فيه أن ينصب، لكنه رفع على أنه نائب فاعل، وقد تقدم معناه أن الأشياء التي تنوب عن الفاعل خمسة من ضمنها المصدر، وأن المصدر إذا اجتمع مع الجار والمجرور، ذلك أن تنيب أي واحد منهما، هل هذا هو الأولى، أو هذا هو الأولى ؟ يبدو أنهما متساويان ؛ لأن العلماء مختلفون ؛ منهم من يقول: هذا أولى لكذا، ومنهم من يقول هذا أولى لكذا.(1/292)
ولكن هنا في القرآن أنيب المصدر مع وجود الجار والمجرور، فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ "في الصور" هنا جار ومجرور لماذا لا يصح أن نعرب الآن "في الصور" نائب فاعل ؟ ما الذي يمنع من إعراب كلمة "في الصور" نائب فاعل ؟ أريد من هنا، من يعرف من الجهة هذي ؟ نعم أنت.
لا هو الجار والمجرور، لا بد من أن يكون مجرورا، يعني: ينوب عن الفاعل، وهو مجرور، ونقول في محل رفع يعني: ما في شيء. تفضل نعم.
الآن عندنا مصدر والمصدر والجار والمجرور متقاربان في المنزلة. نعم تفضل كيف ؟ ليس هذا، لا، نحن قلنا: إن الجار والمجرور يجوز أن ينوب عن الفاعل، وهو شبة جملة يعني: وهذا كثير، وله شواهد في القرآن، نيابة الجار والمجرور. تفضل حيث جاءت نفخته ونوعه، لماذا رفعت نفخته ؟ لو لم ينبها عن الفاعل لتنصب قطعًا ؛ لأنها مصدر مفعول مطلق، لو لم تنب عن الفاعل لوجب أن تنصب، لصارت لو قرنت "نفخة واحدة" بالنصب، وربما كان فيه قراءة لكننا -أيضًا- لم نتتبعها لصارت الآية: "فإذا نفخ في الصور نفخةً واحدة".
ولو جاءت وقرئت "نفخةً" لأعربت في الصور نائب فاعل، على طول ؛ لأن ما عندك نائب فاعل وغيره فلما رفعت "نفخةٌ" وهي مصدر دل على أنها هي النائب عن الفاعل.
إذن لا يصح أن تعرب حينئذ "في الصور" نائب فاعل ؛ لأنه عندنا نائب فاعل متعين بسبب رفعه في قول المؤلف أنواع المفعول المطلق، قال: وهو قسمان: لفظي ومعنوي، هذا أشرت إليه، فإن وافق لفظه الصحيح لفظ فعله، أنا عندي، أو فإن وافق لفظه فعله، لكن فإن وافق لفظه لفظ فعله فهو لفظي نحو قتلته قتلًا، ضربته ضربًا، شربت العسل شربًا.
وإن وافق معنى فعله دون لفظه فهو معنوي نحو جلست قعودًا، وقمت وقوفًا، وما إلى ذلك.(1/293)
س: سأل شخص في قوله -تعالى-: وَلَّى مُدْبِرًا ولى مدبرًا قال بأنه هنا ليس هنا منصوب على الحال، وليس معربا على أنه مفعول مطلق، وإن كان ولى بمعنى أدبر فهو مؤكد لعامله من حيث المعنى، وليس من حيث اللفظ، وقال: لماذا أخرجه مع أنه خارج أصلًا، لأنه ليس مصدرًا ؟
ج: الواقع أنا قلت لكم: إن المفعول المطلق الغالب فيه أن يكون مصدرًا، وليس كل مصدر يمكن أن يكون مفعولًا مطلقًا، فالمصدر قد يكون مبتدأ وقد يكون خبرا، وقد يقع في أعاريب أخرى، أما ما نصب منه على المفعولية المطلقة، فهذا الذي يسمى "مفعولا مطلقا"، ولكن المفعول المطلق يعني: ليس -أيضًا- يتعين فيه أن يكون مصدرًا، فقد يخرج عن المصدرية، فهناك أشياء ذكرها العلماء تنوب عن المصدر في الانتصاب على أنها مفعول مطلق، وهي ليست بمصادر، يعني: قلنا إذًا: "ليس كل مصدر مفعول مطلق". ونستطيع أن نقول:"ليس كل مفعول مطلق مصدرًا أيضًا". هذه القاعدة لا بد منها: "ليس كل مصدر مفعولًا مطلقًا، وليس كل مفعول مطلق مصدرًا". إذًا المصدر يخرج "يكون" غير مفعول مطلق، كما إذا قلت: فهمك فهم صحيح. فهذا مصدر ووقع مبتدأ وخبر.
فليس كل مصدر إذًا مفعولا مطلقا، وكذلك ليس كل مفعول مطلق مصدرا، وإنما الغالب في المفعول المطلق أن يكون مصدرًا، لكن هناك أشياء يقال فيها أنها تنوب عن المصدر في الانتصاب على أنها مفعول مطلق، هناك أشياء كثيرة تنوب عن المصدر في الانتصاب على أنها مفعول مطلق، من ذلك مثلًا: "آلته". كما إذا قلت: ضربته سوطًا، سوطًا هنا لو قلت ضربته ضربًا لكان مصدرا "مفعولا مطلقا" فإذا قلت: ضربته سوطًا، فالآلة هنا نابت عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق.(1/294)
كذلك العدد ينوب عنه كما في قوله -تعالى-: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً "فثمانين" هنا منصوب على أنه مفعول مطلق وهو ليس بمصدر، كذلك لفظة "كل"، قد تنوب عنه في الانتصاب على مفعول مطلق وهي ليست بمصدر، كما في قوله -تعالى-: فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ وكذلك "بعض". ضربته بعض الضرب. "بعض" قد تنوب، وأشياء أخرى كثيرة عدها العلماء، ليس المجال مجال تفصيلها، وإنما أود أن أقول: "إنه ليس كل مفعول مطلق مصدرا وليس كل مصدر مفعولا مطلقا". ويكفي يعني: معرفة هذه القاعدة. تفضل: نأخذ ظرفي الزمان والمكان، ثم نقف. نعم.
باب ظرف الزمان وظرف المكان
باب ظرف الزمان وظرف المكان.
ظرف الزمان: هو اسم الزمان المنصوب بتقدير "في" نحو اليوم والليلة وغدوة وبكرة وسحرا وغدًا وعتمة وصباحًا ومساء وأبدا وأمدا وحينًا، وما أشبه ذلك.
وظرف المكان: هو اسم المكان المنصوب بتقدير "في" نحو أمام وخلف وقدام ووراء وفوق وتحت وعند وإزاء وحذاء وتلقاء وثم وهنا، وما أشبه ذلك.
---
ظرف المكان وظرف الزمان: هو الاسم المنصوب على معنى "في" أو على تقدير "في".
اسم الزمان أو اسم المكان المنصوب على تقدير "في" باطراد أي: باستمرار.
معنى ذلك أنه إذا لم يصح أن يكون على معنى في، لماذا تقدر كلمة في هنا ؟ لأن كلمة في هي التي تدلنا وتؤكد لنا الظرفية ما دام أنه ظرف إذًا لا بد أن يصير على معنى في.
ومعنى الظرف، الظرف هو الوعاء، فهذا ظرف الزمان وهو الزمن الذي كان وعاء لعمل معين، وظرف المكان هو المكان الذي صار وعاء لشيء معين، فلا بد أن يصير على معنى في لكي ينصب على الظرفية، فإن لم يكن على معنى في صار اسما متصرفًا ويعرب مفعولا به أو يعرب فاعلا وغير ذلك.(1/295)
كلمة "يوم" -مثلًا- يوم هذه لا شك أنها اسم زمان، ولكنها قد تكون ظرف زمان، وقد لا تكون ظرف زمان، فإن كانت على معنى في فهي حينئذ منصوبة على الظرفية، أي: على أنها ظرف زمان؛ ولذلك بعض كتب النحو تسمي ظرف الزمان وظرف المكان بماذا ؟ يسمى بالمفعول فيه، هذا مفعول به، وهذا مفعول معه، وهذا مفعول له، وظرف الزمان أو المكان هو المفعول فيه ؟ لأنه هو الظرف لهذا الفعل.
نأخذ -مثلًا- كلمة "يوم" إذا قلت -مثلًا- سافرت يوم الجمعة، يوم هنا منصوبة على أنها ظرف زمان أو لا ؟
نعم. منصوبة على أنها ظرف زمان ؛ لأن السفر متى حصل ؟ السفر حصل يوم الجمعة، سافرت في يوم الجمعة يعني: سافرت في هذا اليوم يعني: لا يصح إلا هذا. لكن حينما تقول -مثلًا-: أحب المجد يوم الاختبار وكره المهمل يوم الاختبار، حينما تقول: كره المهمل يوم الاختبار، يوم هنا منصوبة على الظرفية أم لا ؟ نعم. ليست منصوبة على الظرفية، هل المعنى كره المهمل في يوم الاختبار، وإلا هل كره شيئًا في اليوم ؟ أو كره اليوم نفسه ؟ كره اليوم نفسه، فيوم هنا في مثل هذا المثال اسم زمان متصرف منصوب على أنه مفعول به، وليس مفعولا فيه.
فاسم الزمان لا يكون مفعولًا فيه إلا إذا كان على معنى "في"، إذا كان ظرفا لهذا العمل.
اليوم ليس ظرفًا للكراهية كما كان ظرفًا للسفر في قولك: سافرت يوم الجمعة، إذا قلت: سافرت يوم الجمعة فلا يصح أن تكون يوم مفعولا به ؛ لأنك يعني: سافرت يوم الجمعة، هل يوم الجمعة مفعول به للسفر ؟ ليس مفعولًا به، وإنما هو هنا مفعول فيه ؛ لأنه ظرف للسفر.
لكن حينما تقول كره المهمل يوم الاختبار، فهنا لو قلت: خاف يوم الاختبار لصارت محتملة ؛ لأن يمكن أن يكون خاف في هذا اليوم، أو يكون خاف اليوم نفسه، فهو يعتمد على نيتك، وعلى مرادك.(1/296)
الحاصل أن ظرف الزمان أو اسم الزمان إن كان يصح أن يكون على معنى في، بمعنى أنه ظرف لهذا الفعل الذي سبقه، أي: أن هذا الفعل الذي تقدم عليه وقع فيه فإنه حينئذ ينصب على الظرفية، وإن لم يكن كذلك فإنه يكون حينئذ اسما متصرفا ليس منصوبًا على الظرفية.
فظرف الزمان أو المكان واسم الزمان أو المكان المنصوب على معنى في أي: أنه ظرف ووعاء ؛ ولذلك يقول: ظرف المكان وظرف الزمان هو اسم الزمان واسم المكان المنصوب بتقدير في، نحو اليوم والليلة وغدوة وبكرة، وسحرا وغدًا، وعتمة وصباحًا ومساءا، وأبدا وأمدًا وحينًا، وما أشبه ذلك.
المؤلف -رحمه الله- أطال في سرد الأمثلة، وإلا فإن هذا الباب باب واسع، ولا تستطيع أن تسرد له أمثلة ؛ لأن كل أسماء الزمان في الغالب سواء كانت مبهمة يعني: عامة أو شائعة، أو كانت مختصة أي: كانت محددة بشيء معين صالحة لأن تنصب على الظرفية، إذا تحقق فيها هذا الشرط العام، وهو أن تكون بمعنى في يعني: أن تكون وعاء وظرفًا لهذا الفعل المتقدم.
وظرف المكان قال هو اسم المكان المنصوب بتقدير في نحو أمام وخلف وقدام ووراء وفوق وتحت وعند وإزاء وحذاء وتلقاء وثم وهنا وما أشبه ذلك. ثم تستخدم للبعد، إذا قلت: أين أجلس ؟ نقول: له اجلس هنا، أو ثَمَّ يعني: هناك.
وقد جاءت في القرآن الكريم: وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ أي: هناك في ذلك المكان. فظرف المكان -أيضًا- لا بد أن يتحقق فيه هذا الشرط وهذا القيد لكي ينصب على الظرفية، لكي يصح أن يعرب مفعولًا فيه أي: منصوبا على الظرفية، لا بد أن يكون على تقدير في، فإن لم يكن كذلك فإنه لا يصح أن ينصب على الظرفية.(1/297)
طبعًا الشارح الشيخ محي الدين أو غيره تحدث عن هذه الكلمات وبيَّنها، وأنتم تعرفون معنى كلمة أمام والمراد بها، أو نرجع إلى ألفاظ الزمان -أيضًا- فألفاظ الزمان التي ذكرها: اليوم معروف، والليلة والغدوة وهي الصباح الباكر، والوقت ما بين صلاة. ..، الغدوة: هي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، والبكرة: هي أول النهار، والسحر: هو آخر الليل قبيل الفجر، وغدًا طبعًا هو: اسم لليوم الذي بعد يومك هذا، والعتمة: هي اسم لثلث الليل الأول، تقول: سأزورك عتمةً أي: في أول الليل، والصباح معروف طبعًا، والمساء معروف.
وأبدًا: كلمة أبدًا هي يعني: لفظ عام بالنسبة للمستقبل، تقول: لا أفعل هذا أبدًا أي: مدة ما أستقبل طيلة، ما أستقبل من أيامي دون تحديده لوقت معين.
أما كلمة "أمدًا" فإنها أقل منها، أمدًا أي: حينًا معينًا، حينًا معلومًا أو حينًا غير معلوم، لا أفعل هذا الشيء أمدًا أي: مدة طويلة أو حينًا محددا أو غير محدد.
وكلمة أبدًا أعم منها ؛ لأنها مطلقة اللفظ لكل ما تستقبل من أيامك.
والحين: اسم لزمان مبهم غير محدد البداية ولا النهاية.
فهذه أمثلة لبعض ألفاظ أو بعض أسماء الزمان، وكلها صالحة للنصب على الظرفية بهذا الشرط العام في التعريف، وهو أن تكون على معنى في، كلمة: "على معنى في" أي: أن تكون وعاء أو ظرفًا لهذا الفعل، وللحدث الذي تقدمها وسبقها، ووقع فيها.
وأسماء المكان، ذكر -أيضًا-:
أمام: معروف أمام، والخلف بضده، والقدَّام مرادف لكلمة أمام، ووراء مرادف لكلمة خلف، وفوق معروف، وضده تحت، وعند وإزاء، إزاء ما معنى كلمة إزاء ؟ المراد بها يعني: جلست إزاءه أي: بمحاذاته أو بمقابلته أو نحو ذلك، إزاء يعني: مقابلة، وحذاء يعني: جلست حذاءك أي: موازيًا لك، وتلقاء: جلس أخي تلقاء وجه فلان، أو سكن تلقاء بيت فلان، وأمامه ومواجهًا له.(1/298)
" ثَمَّ ": كما قلت لكم في قوله -تعالى-: وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ و"هناك": اسم دال على المكان، كما تقول: اجلس هنا، وإذا أردت البعد يمكن أن تضيف لها الكاف فتقول: هناك، إذا أردت زيادة في البعد ممكن أن تضيف لها الكاف واللام، فتقول: هنالك.
هذه أنواع المفاعيل التي ذكرها، بقي إشارة إلى مفاعيل أخرى، وإلى منصوبات، وهي متقاربة ومتشابهة: الحال والتمييز والاستثناء وغيرها، نتحدث عن ما تيسر منها -إن شاء الله- في الخامسة من عصر هذا اليوم، كما أشرنا في بداية الدرس، ونأخذ ما تيسر من الأسئلة، ونعطيكم فرصة للراحة -إن شاء الله-.
س: أرجو بيان الفرق بين بدل الكل وبدل الاشتمال ؟
ج: بدل الكل من الكل: هو ما كان فيه البدل هو عين المبدل منه: جاء محمد أخوك، أخوك هو محمد، ومحمد هو أخوك.
أما بدل الاشتمال: هو ما لم يكن كلا من المبدل منه ولا جزءا منه، وإنما هو له صلة به، أيُّ صلةٍ، مثل: أعجبني زيد علمه، فعلم زيد ليس كله، زيد مجموعة أشياء وصفات وأمور أخرى، العلم شيء منها فقط، لكنه لا يسمى جزئية ؛ لأنه ليس جزءا، وإنما شيء يرتبط به بملابسة أو بصلة معينة.
س: يقول: إننا -والحمد لله- متقدمون في الكتاب، وتستطيع إنهاءه قبل يوم الخميس، ووضع الدرس في العصر قد يفوت بعض الإخوان.
ج: الواقع، السبب أنني لا أستطيع الاستمرار إلى الخميس ؛ لأني مرتبط بسفر، ودورة تابعة للجامعة خارج المملكة، يعني سأضطر للسفر لها مساء غدٍ -إن شاء الله-، ويعني: أجلت السفر رغبة في أن أصحبكم كل هذه المدة، وإلا كان المفروض أن أسافر مع بقية الزملاء في الأسبوع الماضي، لكنني أجلته لهذا السبب، فمعذرة لأنني لا أستطيع أن أتجاوز مساء غدٍ ؛ لهذا السبب أكلفكم هذا الدرس الإضافي.(1/299)
س: ذكرت أن العلماء رجحوا أن "إيا" هي الضمير، وليس ما بعدها من اللواحق بينما يمكن الرد على هؤلاء بأن تعريف الضمير لا ينطبق على "إيا" ؛ إذ أن إيا لا تدل على تكلم أو خطاب أو غيبه إلا بما بعدها، فكيف عدت ضميرا ؟
ج: هذا كلام طبعًا من الصعب أن يجاب عليه في مثل هذه الجلسة ؛ لأنه أخذ مؤلفات وكتبا، وارجع إن شئت لتفصيل الردود ومنها هذا الذي أشرت إليه في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات الأنباري، وكتاب التبيين في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين، لأبى البقاء العكبري، وإن شئت -أيضًا- في شرح المفصل لابن يعيش، فقد عرض لها وفصلها.
هذا سؤال له ارتباط بباب الحال يعني: ممكن نتركه حتى نتحدث عن باب الحال.
س: يقول كيف يكون بدل البعض من الكل في: قولنا أكلت الرغيف ربعه، مع العلم أننا لو حذفنا الرغيف لم يتم المعنى كقولك: أكلت ربعه نرجو التوضيح ؟
ج: الواقع أن المعنى يتم، إذا قلت: أكلت ربعه، فأنت هنا تريد أكلت ربع الرغيف، لكنك لا يصح أن تأتي بالضمير إذا لم يسبق بظاهر، فَأَبْعِد الضمير وضع مكانه الاسم الظاهر الذي يخصه، وقل: أكلت ربع الرغيف، فيصير الكلام صحيحا، فأكلت ربعه يعني: أكلت ربع الرغيف، فالكلام صحيح إذا حذف المبدل منه، ولا شيء في ذلك.
س: ما هي جموع كلمة "شيخ" ؟ وهل يجوز دخول الهمزة في جمعها أم لا ؟
ج: الجموع التي أعرفها: "أشياخ" هذا جمع قلة، و"مشائخ" بالهمزة وهي صحيحة، بل هي الأصل، ويجوز تخفيفها، وتسهيل الهمزة في كل ما كان من هذا، فتصير "مشايخ" بدل "مشائخ"، وإلا فإن "مشائخ" هي الأصل، وهي الأَوْلى، وتسهيل الهمزة في مثل: "تأريخ" أي: إلى: "تاريخ" أمر جائز.
ونكتفي بهذا، وإلى اللقاء -إن شاء الله- في عصر هذا اليوم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
باب الحال
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:(1/300)
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب الحال؛ الحال: هو الاسم الموصوف المبين لما انبهم من الهيئات، نحو: جاء زيد راكبًا، وركبت الفرس مسرعًا، ولقيت عبد الله ماشيًا، وما أشبه ذلك، ولا يكون الحال إلا نكرة، ولا يكون إلا بعد تمام الكلام، ولا يكون صاحبها إلا معرفة.
---
أيها الأخوة في الله:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحدثنا في الدرس السابق عن بعض أنواع المنصوبات، وقبل ذلك عن التابع الأخير، ووقف بنا الحديث عند باب الحال
يقول المؤلف -رحمه الله-:
"الحال: هو الاسم الموصوف، المبين لما انبهم من الهيئات". العلماء يفسرون الحال بتفسير قريب من هذا، أو يعرفونها بتعريف قريب من هذا التعريف، فالحال متفق على أنها وصف فضلة منصوب، يدل على الحال، أي: أنه يفسر هيئة مبهمة، هذا معنى قوله: "المفسر لما انبهم من الهيئات"، وهو معنى قولهم: مفهم حالا، أو مفهم في حال، أو يدل على الحال.
ابن مالك يقول:
الحال وصف فضلة منتصب ... مفهم في حالٍ كفردا ذهبا
مفهم لهذه العبارة في الحال، أي: في حال كذا، جاء زيد راكبًا، أي: في حال ركوبه، قابلت محمد ماشيًا، أي: في حال مشيه، في حالة وهيئته أنه يمشي، أو أنه راكب عندما قابلته، فهو معنى قوله: لما انبهم من الهيئات.
حينما تقول: جاء زيد لم تتضح الهيئة التي جاء عليها، وهي ما زالت هيئة مبهمة، إذا أردت أن توضح هيئته هذه المبهمة، تأتي بالحال راكبًا، فالحال التي هو عليها الآن هي حال الركوب.
فالحال في اللغة: هي ما عليه الإنسان من خير أو شر، وربما تكون أوسع مما عليه الإنسان يعني: أي شيء، وتسأل عن حاله أنه حتى لو سألت عن حال الكتاب يعني: أريد أن أشتري هذا الكتاب، على أي حال، تبين بأنه في حالة جيدة، وما إلى ذلك.
فالحال في اللغة: هي ما عليه الإنسان في الغالب من خير أو شر، وهي في اصطلاح النحاة: الاسم الوصف الفضلة المنصوب، المبين للهيئة، أو المبين لما انبهم من الهيئات.(1/301)
طبعًا هذه الأمور التي جعلت في التعريف هي احتراز من أشياء معلومة، حينما تقول: اسم أو وصف، فإنك تخرج به ما ليس بالوصف يعني: والوصف يغلب فيه أن يكون مشتقًا، والمشتق يخرج به ما كان جامدًا ؛ لأن الحال الجامدة فيها كلام، وحينما تقول: "منصوبٌ": تخرج به ما كان مرفوعًا أو مجرورًا، مثل الأسماء، أو حينما تقول: "فضلةٌ": تخرج به -أيضًا- ما ليس بفضلة، ويراد به الخبر ؛ فإن الخبر يأتي منصوبا، خبر كان يأتي منصوبا، وهو ليس بفضلة؛ ولذلك لا يقال عنه: إنه حال.
والحال كما ترون من خلال تمثيل المؤلف، المؤلف مثل بقوله: نحو: جاء زيد راكبًا، وركبت الفرس مسرجًا، ما الفرق بين الأمرين ؟ الفرق بينهما أن: جاء زيد راكبًا، أن راكبًا تسمى حالا من زيد، وهو الفاعل، وحينما تقول: ركبت الفرس مسرجًا. مسرجًا حال من ماذا ؟ من الفرس، وهو مفعول، فالحال إذن قد تأتي من الفاعل، مثل: جاء زيد راكبًا، وقد تأتي من المفعول، مثل: ركبت الفرس مسرجًا.
وقد تأتي محتملة مثل: قابلت زيدًا راكبًا. يعني: أنا، ممكن أنا الفاعل هو الذي راكب، وممكن المفعول، ويمكن أن تأتي منهما معا، كما لو قلت: قابلت زيدًا راكبين، يعني: كلانا، يعني: هي حال الآن من الفاعل والمفعول، تقابلنا وكلانا في حال ركوب.
وقد تأتي -أيضًا- من غير الفاعل، ومن غير المفعول، كما إذا قلت -مثلًا-: مررت بهند جالسة، مررت بهند جالسة هنا حال من الجار والمجرور، وقد تأتي من المضاف إليه كما في قوله -تعالى-: أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا فحنيفًا -أيضًا-: حال من المضاف إليه الذي هو إبراهيم.
يقول المؤلف: "ولا يكون الحال إلا نكرة، ولا يكون إلا بعد تمام الكلام، ولا يكون صاحبها إلا معرفة".(1/302)
الحال لا بد أن تكون نكرة، فإن جاء شيء يوهم أنه حال معرفة فإنه يكون مؤولا، فإنه يؤول بالنكرة، كما إذا قلت: جاء زيد وحده. "وحده" هنا مضاف إلى الضمير، فهو معرفة، وهي حال. كيف جاءت الحال هنا معرفة ؟ الواقع أن "وحده" هنا في تأويل النكرة ؛ لأن التقدير: جاء زيد منفردًا، وكما في قول الشاعر:
فأرسلها العِراك ولم يذدها ... ......................
فأرسلها العراك: هنا حال، وهو دخلت عليه "ال" فقد يقال: كيف جاءت الحال معرفة هنا ؟ والواقع أنها في تأويل نكرة والتقدير: فأرسلها معتركة، وكما في قولهم: ادخلوا الأول فالأول، ادخلوا الأول فالأول، هنا الأول فالأول في محل نصب، منصوبة على الحال، مع أنه معرف بـ"ال".
ويقولون: إنها في تأويل النكرة ؛ لأن المعنى: ادخلوا مترتبين، أو ادخلوا منتظمين، أو ما إلى ذلك، فالحال إذًا الأصل فيها أنها نكرة، ولا تأتي معرفة، وما جاء بها في هيئة المعرفة فإنه قليل، وينبغي أن يؤول بالنكرة ؛ لكي تطّرد وتسلم القاعدة.
ولا تكون الحال في الأصل إلا بعد تمام الكلام، ولا ينبغي أن تأتي الحال إلا بعد تمام الكلام ؛ لأنها هي بيان لهيئة ما تقدم، هي إنما تأتي لبيان الهيئة، فالأصل فيها أن تكون متأخرة، وربما جاءت متقدمة، ولسبب معين وهو ليس بالكثير -أيضًا-، كما في إذا كانت من الأسماء، والتي لها الصدارة، كما إذا كانت -مثلًا- بكلمة كيف، لو قلت -مثلًا-: كيف قدم محمد ؟ فكيف هنا منصوبة على الحال المقدمة، وسبب تقديمها، أو اضطرار التقديم هنا لأن كيف من الأسماء التي لها الصدارة، وإلا الأصل في الحال أن تكون متأخرة. ولأنها فضله فالأصل فيها أن تأتي بعد تمام الكلام.
"ولا يكون صاحبها إلا معرفة": يشترط في الحال ألا تأتي إلا من المعرفة.
أولًا: صاحبها.
ما المراد بصاحب الحال ؟ حينما يقال: هذا صاحب الحال، المراد بصاحب الحال هو من يعرف ؟ نعم(1/303)
صاحب الحال: هو الذي جاءت لتبين عن هيئته، صاحب الحال: هو الذي جاءت الحال لتبين عن هيئته، أي: تستطيع أن تقول: هو الذي جاءت الحال صفة له، هي ليست صفة اصطلاحية يعني: تعرب نعتا، لكنها صفة في الواقع، وإن كانت تعرب حالًا فهي وصف إذًا وهي وصف لما يسمى بصاحب الحال، وهو إما الفاعل، وإما المفعول.
الذي تأتي الحال صفة له ولبيان هيئته هو الذي يسمى صاحب الحال، فإذا قلت -مثلًا-: ركبت الفرس مسرجًا، أين صاحب الحال ؟ الفرس، وجاء زيد ماشيًا صاحب الحال زيد، ومررت بهند جالسة صاحب الحال هو هند، فصاحب الحال إذًا هو الذي جاءت الحال للبيان عن هيئته، وجاءت الحال صفة له.
صاحب الحال هذا يشترط فيه أن يكون معرفة، ولا ينبغي أن يكون نكرة، ولم يسمع مجيئه نكرة إلا قليلًا، وقالوا: إنما حصل ذلك مع قلته، أو إنما يتسامح في ذلك مع قلته إذا وُجد مسوغٌ له، ومن أبرز مسوغاته أن تتقدم الحال عليه.
ومن أبرز الشواهد التي تستشهد بها كتب النحو على مجيء صاحب الحال نكرة قول الشاعر:
لمية موحشًا طلل ... يلوح كأنه خلل
"لمية موحشًا طلل": أين الحال ؟ وأين صاحب الحال ؟
لمية موحشًا طلل ... .......................
أولًا: ما معنى البيت ؟ الطلل ما هو ؟ الطلل هو الآثار التي تبقى بعد السكان أيًّا كانوا، ويعني: الشعراء الذين يتحدثون في الأطلال إنما يتحدثون عن آثار من بقي من أحبابهم حينما يرودون أماكنهم بعد الرحيل، فيقفون على هذه الأطلال وهذه الآثار الباقية، ويتحدثون عنها، فالشاعر هنا يقول:
لمية موحشًا طلل ... ....................
ما معناه ؟ نعم موحشًا هو الحال، وطلل هو صاحب الحال، وصاحب الحال الآن هو طلل جاء نكرة، ويقولون: إنه ساغ تنكيره ؛ لأن الحال تقدمت عليه، فتقدم الحال هنا عليه مسوغ لذلك.(1/304)
كذلك يقولون: بأن من مسوغات مجيء الحال نكرة -وهو ليس كثيرًا أيضًا-: أن تخصص هذه النكرة إما بإضافة، أو بوصف، أو نحو ذلك، ففي قوله -تعالى-: فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً هل عندنا في هذه الآية حال أو ليس عندنا حال ؟ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ نعم كلمة "سواء" هنا أعربت حالا من ماذا ؟ أين صاحب الحال ؟ في أربعة ؛ لأن المعنى: أربعة أيام أي: حال كونها متساوية أو مستوية، أو نحو ذلك فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ فسواءً هنا وقعت حالا من النكرة، والذي سوغ وقوعها من النكرة هنا ما هو ؟ الذي سوغ وقوعها من النكرة أنها هنا أضيفت إلى الأيام في قوله -تعالى-: فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ .
ومن مسوغات مجىء الحال من النكرة: أن توصف هذه النكرة، الواقع أن إضافة النكرة، أو وصفها يخفف من عمومها وشيوعها شيئًا، ويخصصها فيقربها خطوات من المعرفة، وهذا هو الذي سوغ ذلك ؛ لأن النكرة لم تبقَ عامة شائعة بحيث يصعب مجيء الحال منها، وإنما قُرِّبت من المعرفة بهذه الإضافة، أو بهذا الوصف، فلو كانت الإضافة إلى معرفة لصار معرفة حينئذ، لكن الإضافة إذا كانت إلى نكرة فإنها لا تفيد تعريفًا، وإنما تفيد تخصيصًا ؛ حيث إنها تقلل من شيوعها وعمومها شيئًا، وتقربها بدرجات إلى المعرفة.
فوصف النكرة مما يقربها ويقلل من عمومها، وجاء من ذلك قول الشاعر:
نجيت يا رب نوحًا واستجبت له ... في فُلُكٍ ماخرٍ في اليم مشحونًا
أين الحال، وأين صاحب الحال في هذا البيت ؟
نجيت يا رب نوحًا واستجبت له ... في فُلُكٍ ماخرٍ في اليم مشحونًا(1/305)
نعم "مشحونًا" هنا حال، حال من ماذا ؟ المشحون ما هو ؟ المشحون: هو الفلك، الفلك هنا هو المشحون، طيب الفلك هنا نكرة، كيف ساغ للحال أن تأتي منه ؟ لأنه، نعم، لا ليست عندنا إضافة هنا، وإنما قال: "في فُلُكٍ" بالتنوين ما دام منونا معناه أنه ليس مضافا، نعم وصفه بقوله: "ماخرٍ"
.................. ... في فلكٍ ماخرٍ في اليم مشحونًا
فوصف الفلك النكرة بأنه ماخر قلل من شيوعه وعمومه، وخصصه قليلًا، فصح أن تأتي منه الحال.
الحاصل إذن: أن الحال كما تبين في تعريفها أنها الوصف الفضلة المنصوب المبين للهيئة، أو المبين لما انبهم من الهيئات، وأنها تأتي من الفاعل، كما تأتي من المفعول، من الجار والمجرور، ومن المضاف، ومن غيرها وأنها -أيضًا- لا بد فيها -في الحال- أن تكون نكرة، وما جاء منها ظاهره أنه معرفة فإنه يؤول، والأصل في صاحبها أن يكون معرفة، وأن مجيئه نكرة قليل إلا بمسوغ.
والمسوغات ذكرنا منها:-
الأول: تقدم الحال على النكرة.
والثاني: أن تخصص النكرة، إما بإضافة فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أو وصف: "في فلك ماخر".
باب التمييز
باب التمييز: والتمييز: هو الاسم المنصوب المفسر لما انبهم من الذوات، نحو قولك: تصبب زيد عرقًا، وتفقأ بكر شحمًا، وطاب محمد نفسًا، واشتريت عشرين غلامًا، وملكت تسعين نعجة، وزيد أكرم منك أبًا، وأجمل منك وجهًا، ولا يكون إلا نكرة، ولا يكون إلا بعد تمام الكلام.
---
التمييز: الفرق العاجل والسريع بين الحال والتمييز ما هو ؟ الفرق السريع الذي يبدو لأول وهلة ؟ تفضل، لا، من خلال التعريف أن الحال يأتي لبيان كذا، وأن التمييز يأتي لبيان كذا، نعم: إن الحال تأتي لبيان الهيئات، والتمييز يأتي لبيان الذوات وتمييزها، فيقول: التمييز هو الاسم المنصوب المفسر لما انبهم من الذوات.(1/306)
والحال هو الاسم المنصوب المبين لما انبهم من الهيئات، فحينما تقول: تصبب زيدًا عرقًا، وتفقأ بكر شحمًا، أو كما قال الله تعالى: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا فإنها هنا كلها لبيان، سيأتي تفصيل أدق، لكنها كلها بصفة عامة لبيان شيء من الذوات، أو متعلق بالذوات، وليس بالهيئات، وكما في: طاب محمد نفسا، واشتريت عشرين غلاما، وملكت تسعين نعجة، وزيد أكرم منك أبًا، أجمل منك وجهًا، التمييز كما ترون ذكر في تمييزه أنه الاسم، ومعنى ذلك أنه لا يكون حرفًا ولا فعلًا، وذكر في تعريفه أنه منصوب، وذلك احترازًا من المرفوع والمجرور، وبين أنه لتفسير المبهم من الذوات، وذلك احترازًا من الحال ؛ لأنه لتفسير المبهم من الهيئات.
والواقع أن التمييز هو لما انبهم من الذوات، وإن شئت أن تأتي بتعريف يصدق على نوعيه فأضف بعد كلمة الذوات كلمة النِّسب ؛ لأنه لما انبهم من الذوات أو النسب، أي: نسبة شيء إلى شيء، وهو -أيضًا- ما زال في الذوات فلم يخرج منها، فهو الاسم المنصوب المفسر لما انبهم من الذوات أو النسب.
والنوع الأول: وهو المتعلق بتمييز الذات يسمى -أيضًا- بالتمييز المفرد ؛ لأنه يأتي -أيضًا- لتميز شيء مفرد، وبيان حقيقته ؛ لئلا يلتبس بشيء غيره، فهو ما رفع إبهام اسم مذكور قبله مجمل الحقيقة.(1/307)
تمييز الذات أو تمييز المفرد يمكن أن تبينه بأنه: ما رفع إبهام اسم مذكور قبله مجمل الحقيقة، ويكون بعد الأشياء التي إما معدودات أو موزونات أو مكيلات، أو نحو ذلك، فيكون بعد العدد، كما في قوله -تعالى-: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ لو وقفت هنا فإن الأمر لم يتضح، هذا العدد قابل لأشياء كثيرة، فلا بد من تمييز يبين عن حقيقته، وعن ذاته فقال: أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وكما في قوله -تعالى-: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا أو بعد المقادير من الموزونات نحو: اشتريت رطلًا زيتا، أو المكيلات نحو: اشتريت إردبًا قمحًا، أو المساحات التي يقاس بها ما يتعلق بالمساحات والمسافات نحو: اشتريت فدانًا أرضًا.
تمييز الذات أو تمييز المفرد هو ما جاء لرفع الإبهام عن اسم مجمل قبله، ويكون بعد العدد للمعدودات، وللموزونات وللمكيلات، وما إلى ذلك.
أما تمييز النسبة، ويسمى -أيضًا- تمييز الجملة، الأول: تمييز الذات، ويسمى تمييز المفرد، والثاني: تمييز النسبة، ويسمى تمييز الجملة، فهو مع رفع إبهام نسبة في جملة سابقة عليه، هناك الإبهام إنما هو في الذات، وهذه الذات المبهمة تحتاج إلى هذا التمييز ليبينها.
إن الإبهام إنما هو في هذه النسبة، وتمييز النسبة كما سنرى أنه -أيضًا- محول: إما أن يكون محولا عن فاعل، أو محولا عن مفعول، وربما جاء غير محول عن شيء وذلك قليل، إذا قلت -مثلًا-: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ما المعنى ما المراد ؟ هذا تمييز نسبة كما يقولون: محول عن الفاعل ؛ لأن المراد: اشتعل شيب الرأس، تمييز نسبة، محول عن الفاعل ؛ لأن المراد: اشتعل شيب الرأس.(1/308)
وإذا نظرت إلى قوله -تعالى-: وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا هذا التمييز محولٌ عن مفعول ؛ لأن الأصل لو رجعت إلى التقدير: فجرنا عيون الأرض، فتمييز النسبة: إما أن يكون محولًا عن الفاعل، بمعنى أنه في أصله هو الفاعل، تقول: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا المراد: اشتعل شيب الرأس، وحينما تقول -كمثال المؤلف-: تفقأ زيد شحمًا، فشحمًا هنا الذي هو التمييز، هو جاء تمييزا، لكنه في أصله محول عن فاعل ؛ لأن المعنى: تفقأ شحم زيد، وحينما تقول: تصبب زيد عرقًا، عرقًا هنا تمييز محول عن فاعل -أيضًا- ؛ لأن المراد تصبب عرق زيد.
فتمييز النسبة إما أن يكون محولًا عن فاعل، وهو كثير: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا تفقأ زيد شحمًا، تصبب محمد عرقًا، وإما إن يكون محولًا عن المفعول، كما في قوله -تعالى-: وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا ؛ لأن المعنى: فجرنا عيون الأرض، وإما ألا يكون محولًا عن شيء، وهذا ليس بالكثير، كما إذا قلت: امتلأ الإناء ماءً، ماء هنا ليست محوله عن فاعل، ولا عن مفعول ؛ لأنه ليس التقدير: امتلأ ماء الإناء، كما تقول: اشتعل شيب الرأس، وتصبب عرق زيد، أو نحو ذلك.
فتمييز النسبة ويسمى -أيضًا- تمييز الجملة: هو ما رفع إبهام نسبة في جملة سابقة عليها، وهو -كما قلت- ضربان:
الأول: المحول.
والثاني: غير المحول، وغير المحول قليل، مثل: امتلأ الإناء ماء، أما المحول: إما أن يكون محولًا عن الفاعل، وذلك نحو: تفقأ زيد شحمًا، أو تصبب زيد عرقًا، أو وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا فالأصل في "شيبًا" و"شحمًا" و"عرقًا" أنها هي الفاعل، وأن الفعل مسلط عليها في الأصل.
والنوع الثاني: المحول عن المفعول، وذلك نحو قوله -تعالى-: وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا أي: فجرنا عيون الأرض.
والنوع الثالث: هو المحول عن المبتدأ، وهو ليس في كثرة المحول عن الفاعل، والمحول عن المفعول، كما في قوله -تعالى-: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا .(1/309)
أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا : "مالًا" هذه التي وقعت تمييزا أصلها محول عن المبتدأ ؛ لأنك لو رددت الجملة إلى أصلها الأصلي في قولك: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا ما المراد منها ؟ أصلها: مالي أكثر من مالِك، فهنا محول عن الفاعل، لكنهم انفصلت ياء المتكلم ثم صار أنا ؛ لأن ياء المتكلم لا تستطيع أن تبدأ بها، وإنما تبدأ بمثيلها، وهو الضمير المنفصل فصارت: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا .
وقال المؤلف في شرط التمييز: "ولا يكون التمييز إلا نكرة، ولا يكون إلا بعد تمام الكلام".
والتمييز -كما قلنا- في الحال، ويتفق مع الحال في هذا الأصل، في الحال أن يكون نكرة، وما جاء منه معرفة، فهو مؤول.
التمييز -أيضًا- لا يكون إلا نكرة، وما جاء منه في ظاهره أنه معرف فهو في الواقع نكرة.
يستشهدون على ذلك بقول الشاعر:
رأيتك لما أن عرفت وجوهنا ... صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو
وأخذ هذا ابن مالك فقال:
وطبت النفس يا قيس الثرى
فطبت النفس هنا أصلها: طبت نفسًا، مثل طاب زيد نفسًا، أو طبت نفسًا، هذا تمييز محول عن ماذا ؟ تمييز نسبة محول عن الفاعل ؛ لأن التقدير طابت نفسك أو طابت نفس زيد.
هنا طبت النفس الواقع أن "ال" الداخلة هنا ليست بـ"ال" المعرفة، وإنما هي "ال" الزائدة.
ونحن مررنا على "ال" مرورًا سريعًا، لم نستطع فيه أن نبين أن: "ال" ثلاثة أنواع "ال" الموصوفة، و"ال" المعرفة، وهي أنواع ثلاث:-
للعهد، والجنس و-أيضًا- "ال" الزائدة، وهي أنواع ثلاثة، ومنها هذه الزائدة في التمييز، في قوله: وطبت النفس فهي "ال" الزائدة التي لا يكتسب الاسم منها تعريفًا.
والتمييز من حيث إنه -أيضًا- فضلة فإنه لا يصح فيه أن يتقدم، وإنما ينبغي أن لا يأتي إلا بعد استيفاء الكلام.
باب الاستثناء
باب الاستثناء: وحروف الاستثناء ثمانية وهي: إلا وغير وسِوى وسُوى وسواء وخلا وعدا وحاشا.(1/310)
فالمستثنى بإلا ينصب إذا كان الكلام تامًا موجبًا، نحو: قام القوم إلا زيدا، وخرج الناس إلا عمْرًا.
وإذا كان الكلام منفيًا جاز فيه البدل والنصب على الاستثناء، نحو: ما قام القوم، وما ضربت إلا زيدا، إلا زيدٌ وإلا زيدًا.
وإن كان الكلام ناقصًا على حسب العوامل، نحو: ما قام إلا زيد، وما مررت إلا بزيد.
والمستثنى بغير وسِوى وسُوى وسواء مجرور لا غير.
والمستثنى بخلا وعدا وحاشا يجوز نصبه وجره، نحو: قام القوم خلا زيدا وزيدٍ، وعدا عَمْرًا وعمرٍ، وحاشا بكرًا وبكرٍ.
---
حكم المستثنى بإلا، أو في باب الاستثناء بصفة عامه يعني: ركز فيه على المستثنى بإلا ؛ لأنه هو أظهر ما يمكن أن يدخل معنا هذا في باب المنصوبات.
الاستثناء في اللغة، ما المراد به ؟ الاستثناء في اللغة هو: الإخراج، إذا استثنيت شيئًا فإنك تكون قد أخرجته.
وأما في الاصطلاح فإنه: الإخراج بإلا أو بإحدى أخواتها من أدوات الاستثناء لشيء لولا ذلك الإخراج لكان داخلًا فيما بعده. الاستثناء في الاصطلاح هو: الإخراج بإلا، لو قلت: الاستثناء بإلا يمكن تكون أوضح ؛ لأن كلمة الاستثناء معروفة أصلا فتفسيرها بالإخراج ربما كان يعني: يكاد يكون تفسيرها بشيء أقل منها وضوحا ؛ لأن كلمة الاستثناء في الاستخدام والذهن. أكثر من كلمة الإخراج. فالإخراج أو الاستثناء بإلا أو بإحدى أخواتها لشيء لولا هذا الإخراج أو الاستثناء لكان داخلًا فيما قبله.
فحينما نقول: نجح الطلاب ونسكت فإن هذا الكلام يشمل جميع الطلاب، لكنك إذا أردت أن تخرج منهم واحدا ؛ لأنه لم ينجح فعلًا فماذا تقول ؟ يعني: أفضل أسلوب أن تقول: نجح الطلاب إلا واحدًا، أو نجح الطلاب إلا عليًا، أو نحو ذلك، تخرج هذا الشخص، إما بوصفه أو باسمه، أو نحو ذلك.(1/311)
فالاستثناء: هو إخراج بإلا أو بإحدى أخواتها، لشيء لولا ذلك الإخراج بهذه الأداة لكان داخلًا فيما بعده ؛ لأن اللفظ الأول يقتضيه. اللفظ الأول يقتضي العموم فلو أردت أن تخرج شيئًا من هذا العموم فليس لك، أو أفضل أسلوب لك هو أسلوب الاستثناء، وهو أن تستخدم إلا أو إحدى أخواتها لإخراج ذلك.
حروف الاستثناء ثمانية، وهي في الواقع أكثر من ذلك، لكن المؤلف هنا اكتفى منها بهذه الثمانية، ولو قلنا: أدوات الاستثناء لكانت كلمة حروف الاستثناء دقيقة، بحيث لا يدخل معهم شيء من ذلك.
لكن أدوات الاستثناء بصفة عامة أكثر من ذلك ؛ لأنه ترك "ليس" وهي من أدوات الاستثناء، لكن ربما يشفع له أنه قال: حروف وهي ليست بحروف، ترك -أيضًا- "لا يكون" وهي من أدوات الاستثناء، ولكن -أيضًا- يشفع له أنها ليست بحرف.
وإذا نظرنا في هذه الحروف أو في هذه الأدوات التي ذكرها، هو في الواقع قال: حروف، والصحيح أن فيما ذكره أشياء ليست بحروف، فهذه الأدوات التي ذكرها وهي الأدوات الثمانِ على أنه ذكر سِوى وسُوى وسواء، وجعلها ثلاثا مع أن "سوى" هي في الواقع واحدة، ولكن فيها لغات، فلغاتها لا تجعلها متعددة، وإنما هي أداة واحدة.
النوع الأول من أدوات الاستثناء التي ذكر المؤلف: ما لا يكون إلا حرفا باستمرار وهو "إلا"، "إلا" لا تقع إلا حرفًا.
والنوع الثاني: ما لا يكون إلا اسمًا باستمرار وهو "غير وسوى"، وإن شئت أدخلت بقية لغات سوى أيضًا.
والقسم الثالث: ما يتردد بين الحرفية والفعلية وهي: "خلا وعدا وحاشا" هذه الثلاث تتردد بين الفعلية والحرفية ؛ ولذلك تجدون أن من العلماء من يثبتها في باب حروف الجر، ويجعلون حروف الجر عشرين ؛ لأنهم يدخلون فيها "خلا وعدا وحاشا" في حال حرفيتها.(1/312)
فـ"خلا وعدا وحاشا" إما أن تكون حرفًا ؛ وذلك إذا انجر ما بعدها، تعينت حرفيتها، وإما أن تكون فعلا ؛ وذلك إذا سبقت بما المصدرية تعينت فعليها، نحو: قام القوم ما خلا زيدا، ما عدا زيدا، ما حاشا. ..، فإن لم تدخل عليها ما المصدرية فهي محتملة للفعلية والحرفية، فإن نَصَبَتْ فهي فعل، وإن جَرَّتْ فهي حرف.
طبعًا ترك -كما قلت لكم- بعض الأدوات الأخرى، وهي: ليس، ولا يكون، ونحن الآن سنتحدث عن الأدوات التي ذكرها، فقال -في حكم المستثنى بإلا-: فالمستثنى بإلا يذهب إذا كان الكلام تامًا موجبًا.
انتبهوا لهذا يعني: أغلب ما يأتي في الاستثناء في باب الاستثناء، وأغلب ما يأتي في كلام الناس، ويلحنون فيه هو المستثنى بإلا. المستثنى بإلا من أصعب وأدق ما في الاستثناء، وإذا هضمه الإنسان ؛ لأن الإنسان إذا جاء يتكلم وجاءته إلا وقف لا يدري هل يرفع أو ينصب ؟
يعني: لو تأملنا هذا الكلام الذي سيذكره المؤلف الآن لوجدنا أن السيطرة على هذا الأمر سهلة وميسورة.
وهي ثلاث صور فقط يعني: إذا استوعبنا هذه الصور الثلاث أصبح ما عندنا مشكلة فيما يتعلق بإلا.
يقول: "ينصب إذا كان الكلام تامًا موجبًا".
عندنا مصطلحات لا بد أن نعرفها في الاستثناء، ما معنى قوله: إذا كان الكلام تامًا ؟ معناها أنه قد ذكر فيه المستثنى منه، كلمة إذا كان الكلام تامًا تطلق حينما يذكر المستثنى منه فقط، ليس إذا ذكر المستثنى منه وحده، وإنما إذا ذكر المستثنى منه في الكلام استحق لهذا الكلام -في باب الاستثناء- أن يوصف بأنه كلام تام. وقوله، يقول: إذا كان الكلام تامًا موجبا، وكلمة "موجبا" ما المراد بها ؟ يعني: موجبا، يعني: مثبتا، يعني: ليس مسبوقًا بنفي ولا بشبه النفي كالاستفهام والنهي ونحوه.(1/313)
فإذًا ينصب المستثنى بإلا وجوبًا في هذه الصورة، وهي إذا كان الكلام تامًا، أي: قد ذكر فيه المستثنى منه، "موجبًا": أي: لم يسبق بنفي، ولا شبهه، مثل: نجح الطلاب إلا محمدا، وسافر القوم إلا زيدا، فهنا عندنا المستثنى منه، وهو الطلاب أو القوم مذكور في الكلام، والكلام كما ترون لم يسبق بنفي ولا بشبه النفي.
فإن كان الأمر كذلك فإنه يتعين في الاسم الواقع بعد إلا النصب، يجب فيه النصب وجوبًا: قام القوم إلا زيدا، نجح الطلاب إلا محمدا، هذه صورة.
وإن كان الكلام منفيًا تاما، تاما على أصله يعني: إذا بقي منه التمام، وهو ذكر المستثنى منه، لكنه صار الكلام منفيًا يعني: سبق بحرف نفي أو شبهه فما الحكم ؟ مثل ماذا ؟ ما قام القوم إلا محمدا. إذا قلت: قام القوم إلا محمدا فهذا يجب فيه نصب ما بعد إلا ؛ لأن الاستثناء تام، فيه المستثنى منه، وموجب، ولم يسبق بنفي، فإذا صار الاستثناء تامًا، أي: فيه المستثنى منه، لكنه ليس بموجب، وإنما منفي، مثل: ما قام القوم إلا محمدا فما حكم محمد حينئذ ؟ يقول -انظر إلى عبارته-: وإن كان الكلام منفيًا تامًّا جاز فيه أي: في المستثنى بإلا جاز فيه البدل والنصب على الاستثناء.
هذه الخطأ فيها قليل ؛ لأنك تخير إن نصب على الاستثناء فهذا صحيح، وإن أبدلت ما بعد إلا من المستثنى منه فهو صحيح أيضًا، والمستثنى منه -كما ترون- قد يكون مرفوعًا، مثل: ما قام القوم، وقد يكون منصوبًا، مثل: ما رأيت أحدًا، منصوبًا، وقد يكون مجرورًا، مثل: ما مررت بأحد، فإذا كان كذلك، إذا كان الاستثناء تاما، أي: فيه المستثنى منه، ولكن الكلام ليس بموجب، وإنما منفي فلك في الاسم الواقع بعد إلا، وهو "زيدا" في مثالنا، إلا زيدا لك فيه وجهان: إما أن تنصبه على الاستثناء مطلقًا، مهما كان حال المستثنى منه، يعني: المستثنى منه منصوب أو مرفوع أو مجرور، ولا يهمُّ، هذا وجه.(1/314)
ولك أن تتبع المستثنى للمستثنى منه على أنه بدل منه، تتبعه إياه في إعرابه، فتقول: ما قام القوم إلا زيدٌ على الإتباع، إلا زيدًا على النصب على الاستثناء.
واضح هذا الآن ؟ إذا كان الاستثناء تاما أي: فيه المستثنى منه، لكن الكلام منفي فإنه يجوز لك في المستثنى بإلا وجهان: إما النصب على الاستثناء مطلقًا، وإما إتباع المستثنى، وهو زيد الواقع بعد إلا للمستثنى منه في إعرابه، فإن كان المستثنى منه مرفوعا مثل: ما قام القوم، صح في "زيدا"، صح فيه الوجهان: ما قام القوم إلا زيدا بالنصب على الاستثناء، ما قام القوم إلا زيدٌ بالإتباع، وهكذا.
"القوم" إذا كان منصوبا تقول: إلا زيدًا بالنصب على الحالين، إما بالنصب على الإتباع، أو بالنصب على الاستثناء، وكذلك في حالة الجر، يصح لك فيه أن تجره على الإتباع، ويصح لك فيه أن تنصبه على الاستثناء.
يقول: وإن كان الكلام منفيًا تامًّا جاز فيه البدل، والنصب على الاستثناء، نحو: ما قام القوم إلا زيدٌ، وإلا زيدًا، وإن كان الكلام ناقصًا، ما معنى ناقصًا، ما معنى إذا كان الكلام ناقصًا ؟ أي: لم يذكر فيه المستثنى منه.
طيب هو هنا قال: وإن كان الكلام ناقصًا، وسكت. نحن عندنا أو أن عندنا إن كان تامًا موجبًا، هنا قال: وإن كان ناقصًا وسكت عن قضية الإيجاب لماذا ؟ لماذا سكت عن قضية الإيجاب هنا ؟ لأنه لا يكون منفيًّا حينئذ، إذا كان الكلام ناقصًا أي: لم يذكر فيه المستثنى منه فإن الكلام حينئذ لا يكون إلا منفيًّا، ولا يكون موجبًا، طيب إذا كان كذلك فما الحكم ؟
الحكم أن ما بعد إلا يسلط عليه العامل الذي قبلها، أو تصبح إلا كأنها غير موجودة أصلًا، فيصبح ما بعد إلا يعرب بحسب العوامل التي قبلها، وإلا هذه ينظر إليها على أنها غير موجودة. يعني: يصبح الآن كأننا ليس عندنا استثناء، الاستثناء الآن في المعنى فقط، لكن في الإعراب لا وجود ولا عمل للاستثناء.
هذه حالات، الآن إذا تأملتم حالات ما بعد إلا.(1/315)
الاسم الواقع بعد إلا: إن كان في كلام تام، أي: ذكر فيه المستثنى منه، وموجب أي: ليس بمنفي، وجب نصب ما بعد إلا على الاستثناء.
وإن كان في كلام تام، أي: ذكر فيه المستثنى منه لكنه ليس موجبا وإنما منفي فلك فيما بعد إلا وجهان: إن نصبت على الاستثناء مطلقا فهو صحيح، وإن أتبعته المستثنى منه في حركته وإعرابه فهو صحيح، وإن كان الكلام ليس تامًا وإنما ناقصًا، أي: لم يذكر فيه المستثنى منه أصلًا فحينذ لا قيمة لـ"إلا"، ويصبح الاسم الواقع بعدها يعامل بحسب العوامل التي قبله.
أي: أن العامل المتقدم يسلط عليه، فإن كان العامل المتقدم يحتاج إلى فاعل رفعه على أنه فاعل، وإن كان يحتاج إلى مفعول نصبه على أنه مفعول، وإن كان يحتاج إلى مجرور جره على أنه مجرور.
نحو: ما قام إلا زيدٌ. زيد فاعل لـ"قام"، وإلا كأنها غير موجودة، ما ضربت إلا زيدا، زيدا مفعول به منصوب لـ"ضربت"، وإلا كأنها غير موجودة، ولا يصح هنا إذا رأيتها منصوبة ما ضربت إلا زيدًا. تقول: زيدًا منصوب على أنه مستثنى الآن منصوب على الاستثناء هنا ليس منصوبا على الاستثناء، وإنما منصوب على أنه مفعول به، وما مررت إلا بزيد هنا جُرَّ بحرف الجر.
فالحاصل إذًا أن الاسم الواقع بعد إلا له ثلاث حالات، وهذه هي حالاته الثلاث كما رأيتم.
ننظر إلى غير وأخواتها، قال المؤلف -رحمه الله-: "والمستثنى بسوى وغير -طبعًا بغير وسوى أي: أخوات ولغات سوى- مجرور دائمًا "مجرور لا غير".
طيب الآن الإشكال عندنا، أو القضية عندنا ليست فيما بعد غير، وما بعد سوى؛ لأن ما بعدهما مضاف إليه باستمرار، قام القوم غيرَ زيدٍ، أو لم يقم غيرَ زيدٍ.
فزيد هنا مضاف إليه باستمرار مع غير ومع سوى؛ لأن غير وسوى هنا ملازمان للإضافة، ولا بد فيهما من اسم يضافان إليه، والمستثنى بهما هو المضاف إليه باستمرار.(1/316)
طيب إذًا القضية عندنا أصبحت ما عندنا شيء ينصب على الاستثناء. الواقع أن الأحكام هنا "أحكام الاستثناء" لا تنطبق على ما بعد غير وما بعد سوى، وإنما تنطبق على "غير" نفسها، "غير" ماذا أعمل بها الآن؟ "غير" أنا عرفت أن ما بعدها ملازم للإضافة وهو المستثنى بها، ولكن هي ماذا أعمل بها؟ هل أرفعها؟ أنصبها على الاستثناء ماذا أعمل بها؟
الواقع أن غير ... تفضل. لا ليس حسب موقعها من الإعراب، وإنما يعني: عبارة شاملة. نعم.
لا ليس حسب وقوعها بعد إلا، وإنما عبارة أخرى أوضح. نعم.
تجرى عليها حالات المستثنى بإلا يعني: غير كلمة "غير" نفسها التي هي أداة الاستثناء هنا، حكمها -هي من حيث الرفع والنصب-: هو حكم الاسم الواقع بعد إلا.
نعود إلى الحالات التي ذكرناها هناك: إذا كان الكلام تامًّا موجبًا نصبت غير. "قام القوم غير محمد". فإذا كان الكلام تامًا لكنه منفي جاز لك في "غير" نفسها النصب، أو البدلية أو الاتباع، وإن كان الكلام ناقصًا فإن غير -حينئذ- تعامل، أو تسلط عليها العوامل، وتعرب بحسب موقعها من الجملة.
فالحاصل إذًا أن غير وسوى، المستثنى بهما مجرور دائمًا بإضافتهما إليه؛ لأنهما ملازمان لإضافة، أما هما فإنها تجري عليهما الأحكام التي مرت معنا في المستثنى بإلا. المستثنى بإلا تطبق عليه، تطبق أحكامه وأحواله الثلاث أو الثلاثة على كلمة غير وكلمة سوى.
طبعًا الفرق بينهما: أن "غير" تظهر عليها الحركات فتقول:"غيرَ وغيرُ وغيرِ"، أما سوى فإنها مما تقدر عليه الحركات للتعذر. فإذًا المستثنى بسِوى وسَوى وسواء وغير مجرور لا غير،أما هما -يعني: هذه العبارة تضاف- فإنهما يعاملان معاملة الاسم الواقع بعد إلا، بحيث تتطبق عليهما الحالات الثلاث التي ذكرناها.
ننتقل للمستثنى بعدا وخلا وحاشا. قالوا المستثنى بخلا وعدا وحاشا يجوز نصبه وجره. نحو: قام القوم خلا زيدًا وزيدٍ، وعدا عَمْرًا وعَمْرٍ، وحاشا بكرًا وبكرٍ.(1/317)
خلا وعدا وحاشا، العبارة التي ذكرتها لكم في البداية، وهي أن هذه الأدوات الثلاث: إما أن تكون أفعالًا، وإما أن تكون حروفًا. فما بعدهما إن نصبته فهما أفعال، وهو منصوب -حينئذ- على أنه مفعول به، والفاعل مستتر أو مقدَّر تقديره: قام القوم عدا زيدًا أي: عدا القائم زيدًا، خلا زيدًا أي: خلا القائم زيدًا، ونحو ذلك.
فإذا نصبت ما بعدهما "ما بعد هذه الثلاثة" فعلى أنك جعلت هذه الثلاثة أفعالا، ونصبت ما بعدها على أنه مفعول به. فإن جررت ما بعد هذه الثلاثة، فعلى أنك جعلتها حروف جر وما بعدها اسم مجرور بها.
يكون لك الخيار متى؟ يكون لك الخيار في النصب وفي الجر، حينما لا تتقدم ما المصدرية على هذه الثلاثة، فإذا تقدمت ما المصدرية، فإنه -حينئذ- لا خيار لك، وإنما يتعين أن تنصب ما بعد هذه الثلاثة على أنها أفعال؛ لأن ما المصدرية لا تدخل على خلا وعدا وحاشا حينما تكون حروف.
ما المصدرية من خصائص الأفعال، وإذا دخلت على واحد من هذه الثلاثة تعينت فعليته، وتعين نصب ما بعده على أنه فعل، وعلى أن الأداة هذه -وهي خلا وحاشا- فعل، وعلى أن هذا المنصوب مفعول به، فإن لم تدخل ما المصدرية، فإنك مخيَّر -حينئذ- بين أن تنصب ما بعدهما على المفعولية، أو أن تجره على أنها -حينئذ- حروف جر.
تقول: قام القوم خلا زيدًا، أو خلا زيدٍ. وجاء القوم عدا زيدًا، أو عدا زيدٍ، وحاشا زيدًا، أو حاشا زيدٍ، على أن عدا وخلا أقرب إلى الفعلية، وحاشا أقرب إلى الحرفية؛ ولذلك فالنصب بعدا وحاشا كثير "أكثر"، والنصب بعدا وخلا أكثر، والجر بحاشا أكثر، ولذلك فإن دخول ما المصدرية على خلا وعدا أكثر من دخولها على حاشا؛ لأن فعلية خلا وعدا أظهر من فعلية حاشا.(1/318)
فالحاصل إذًا أن خلا وعدا وحاشا من أدوات الاستثناء، وأن ما بعدها: إما أن يرفع على المفعولية وهما فعلان -حينئذ-، أو هي أفعال -حينئذ- لأنها ثلاثة، وإما أن يجر على الحرفية؛ وتكون -حينئذ- حروف جر، إلا أنه تتعين فعلية هذه الأفعال الثلاثة إذا تقدمت عليها ما المصدرية، ويتعين نصب ما بعدها -حينئذ-، فإن لم تتقدم ما المصدرية، فإنك -حينئذ- مخير بين النصب وبين الجر "وحيث جرَّا..." كما قال ابن مالك في "خلا وعدا":
وحيث جرَّا فهما حرفان ... كما هما إن نصبا فعلان
إلا أن تقدم ما المصدرية عليهما يجعل الفعلية تتعين -حينئذ-، ولا مجال للحرفية، ولا يصح أن تجر بخلا وعدا وحاشا إذا سبقتهما ما المصدرية. فإن لم تسبقهما فأنت مخيَّر -حينئذ- بين الجر وبين النصب. نقف عند هذا، لا نريد أن نغفل... نأخذ بعض الأسئلة إن كان هناك شيء.
س: هذا السؤال يتكرر كثيرًا: في نهاية المطاف، ماذا تنصحنا في دراسة النحو، وما هي الكتب التي تصلح لذلك؟.
ج: دراسة النحو تحتاج إلى مواظبة، وحضور ما أمكن من حلقات التدريس لمادة النحو،والبدء بالكتب الصغيرة ليتدرج الإنسان تدرجًا، مثل: هذا المتن وبعض شروحه اليسيرة، ومثل: شرح "قطر الندى"، ولا مانع من الاستعانة ببعض الكتب العصرية الجيدة، التي تصلح للبدايات مثل: "النحو الواضح" وغيره. المهم المواظبة والمتابعة وحضور الدروس.
س: هل يكون صاحب الحال مبتدأ أو خبر؟
ج: نعم يجوز ذلك، يعني: يجوز أن يقع خبرًا، كما في نحو: هذا صديقي مخلصًا. أي: حالة كونه مخلصًا. فصديقي هنا خبر للمبتدأ الذي هو هذا.
س: يقول: لو ذكرت أنواع الحال، والفرق بين جملة الحال والنعت وفقك الله؟(1/319)
ج: صحيح أنا صرفت النظر عن أنواع النعت، والنعت يأتي مصدرا، ويأتي جملة، وشروط لكل واحد منها، والحال يأتي أيضًا كذلك، وشروط لكل منها؛ لأن يعني: لا يتصور أن تأتي على باب المنصوبات فقط "وهي خمسة عشر بابًا" أن تأتي عليها في أسبوع، لو فصلت كل واحد منها.
المنصوبات تدرس في سنتين في الكلية؛ فمن الصعب أن تحاول في ثلاثة أسابيع، أن تدرس كتاب المنصوبات، الخمسة عشر تشكل ثلثه الأخير، وتريد أن تدرس هذا كله في خلال يومين أو ثلاثة. نحن ألزمنا أنفسنا بأن يعني: نوضح عبارة هذا الكتاب وأن نقف معه، وليس بمقدورنا أن نأتي على تفصيل... باب الاستثناء وحده يعني: عشرات الصفحات، لو أردنا أن نقف عنده، وكذلك باب الحال وما فيه من الشروط للحال، ولصاحب الحال، وأنواع الحال: المؤسسة والمؤكدة وما إلى ذلك، يعني: الوقت لا يسمح بأكثر من ذلك.
س: ما المراد بالمشتق؟
ج: المراد بالمشتق: هو الاسم الذي أخذ من غير، يعني: ليس لفظا جامدًا لم يؤخذ من شيء. حينما تقول مثلًا: قائم. قائم هذه أخذت من قيام، ومنها قام يقوم قيامًا... ونحو ذلك، هذا معنى كونه مشتقا، لكن كلمة مثلًا: أسد "كلمة أسد" هذا اسم جامد، يعني: ما أخذ من شيء، وهو اسم علم على هذا الحيوان، فليس له تصاريف كالتصاريف التي لبعض الأشياء المشتقة. هذا فرق سريع بين المشتق والجامد.
درس غدًا -إن شاء الله- هو في موعده: بعد صلاة الظهر مباشرة -بإذن الله-.
س: اشرح قول الشاعر:
ألا كل شيء ما خلا اللهَ باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
؟.
ج: إلا نعيم الجنة. فهذا البيت، الرسول -صلى الله عليه وسلم- أظن أنه قال: أصدق كلمة قالها شاعر هي كلمة لبيد: "ألا كل شيء ما خلا الله باطل" .(1/320)
يعني: أن كل ما في هذه الحياة، فإنه يعني: -في الغالب- حينما يذكر مثله هذا البيت؛ فإنه يتجه إلى المقدسات والمعبودات والأشياء، كل ما في هذه الأشياء "في هذه الحياة" مما يمكن أن يعبد أو يقدس أو ينظر إليه نظرة تأليه، أو عبادة أو تقديس فإنه باطل، كل المعبودات باطلة ما خلا الله -سبحانه وتعالى-.
س: لماذا لا نجعل الحال يأتي معرفة أونكرة، ولا داعي لأن نعتبره مؤولا عندما يأتي معرفة؟.
ج: الواقع أنه ليس الأمر بأيدينا، لسنا نحن الذين نجعل أو لا نجعل؛ لأن الأمور هذه مقيدة ومرتبطة بكلام وقواعد قعدت، فالعلماء حينما يقولون:"إنها تأتي نكرة، وما جاء معرفة فإنه يؤول" ليس الأمر أنهم يعني: عندهم رغبة في التأويل وفي تكلف التأويل، وإنما هم قرروا قواعد من القرآن، ومن الحديث، ومن كلام العرب؛ فتسلم هذه القواعد، ولديهم عليها مئات، بل آلاف، بل عشرات الآلاف من الشواهد، حتى تستقيم هذه الشواهد إذا خدمت بشاهد أو شاهدين أو نحو ذلك من هذه الأمور.
قالوا:" إن القاعدة أن هذا لا يكون إلا نكرة، فما الذي أخرجه إلى ذلك؟ يؤول بهذا التأويل لكي ينسجم وينساق مع هذه القاعدة، ومع هذه النصوص المتكاثرة.
س: يقول: كلمة شيوخ، صحيح أنها جمع من جموع كلمة شيخ؟
ج: نعم، كلمة شيخ يصح أن تجمع على شيوخ نعم.
س: يقول: نحن بحاجة -السؤال الأخير- إلى دروس في النحو وسمعنا بأنك ستقيم درسا في هذا المسجد؟
ج: سيقام الدرس في هذا المسجد مع بداية الفصل، ونرغب "يعني: أرغب" أن يكون بناء على طلبات كثيرة؛ استمرارًا وتتميمًا لدرس سابق بدأته في شرح كتاب "أوضح المسالك".(1/321)
استعرضت بعض الأسئلة التي أخذتها معي من درس الأمس، ورأيت أن أبدأ بما رأيته كثيرًا، وتكاثرت حوله الأسئلة، وهو ما يتعلق ببعض أحكام الاستثناء أو بعض مصطلحاته، فرأيت من يسأل عن الاستثناء المفرغ، ورأيت أسئلة حول: "الاستثناء المتصل" و"الاستثناء المنقطع". وأنا كما قلت لكم: يعني: ارتباطنا أو تقيدنا بهذا المتن والرغبة في عدم التفصيل، هو الذي يجعلنا ندور في فلكه إلى حد كبير، ولا نُمعن في البسط والتوسع.
نحن في حديثنا بالأمس عن الاستثناء، وعن المستثنى بإلا بالذات، قلنا: "إن المستثنى بإلا إذا كان الكلام تامًا موجبًا، وجب نصب المستثنى" "يجب نصب المستثنى بالا إذا كان الكلام تامًا موجبًا" وقلنا إن التام: هو ما ذكر فيه المستثنى منه، والموجب: هو ما لم يسبق بنفي أو شبه النفي: كالنفي والاستفهام ونحوه، وكما في قولك: قام القوم إلا زيدًا. سواء في ذلك إذا كان الاستثناء متصلًا أم كان منقطعًا.
الاستثناء المتصل: هو ما كان المستثنى فيه من جنس المستثنى منه. "قام الطلاب إلا محمدًا" "محمدًا" من جنس الطلاب، هذا يسمى استثناءً متصلا.
الاستثناء المنقطع: هو ما كان المستثنى فيه من غير جنس المستثنى منه. كما لو قلت: "قام القوم إلا حصانًا". فالقوم رجال، والحصان ليس من هذا الجنس، فهذا يسمى الاستثناء المنقطع، الذي يكون فيه المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، يسمى استثناء منقطعًا.
فإذا كان الكلام تامًا موجبًا وجب نصب المستثنى بالا، سواء كان الاستثناء متصلًا "أي المستثنى من جنس المستثنى منه"، أو كان منقطعًا "يعني: المستثنى ليس من جنس المستثنى منه"، أما الاستثناء المفرغ الذي سئل عنه، فنحن عبرنا بالأمس عن الاستثناء المنقطع -عفوًا- ليس المنقطع وإنما بالكلام الناقص.
قلنا: "إذا كان الكلام تامًا "وهو الذي ذكر فيه المستثنى منه"، وجب نصب المستثنى بإلا، فإن كان الكلام ناقصًا..." ما معنى ناقصًا؟ الناقص ما هو؟(1/322)
نعم، هو الذي لم يذكر فيه المستثنى منه. الناقص هو المفرَّغ "يسمى ناقصا ويسمى مفرَّغا" لماذا سمىّ ناقصًا؟ لأنه نقص منه المستثنى فلم يذكر معه. ولماذا سُمي مفرغًا؟ لأننا ذكرنا: "إنه إذا حذف المستثنى منه، وكان الاستثناء ناقصًا، فإنه -حينئذ- يجب أن يكون منفيًّا "يجب أن يكون غير موجب"، فإذا كان كذلك، فإن العامل -حينئذ- يتسلط على ما بعد إلا، فما بعد إلا في الاستثناء الناقص -وهو المسمى "بالاستثناء المفرغ"- ما بعد إلا لا تعمل فيه إلا شيئًا. لا تعمل فيه شيئًا وإنما هو يعرب بحسب موقعه من الكلام، فإن كان مسبوقًا بفعل فقط رفع على أنه فاعل، وقد ينصب على أنه مفعول، وقد يجر بحرف جر ونحو ذلك، ومن هنا سُمي الاستثناء "مفرغًا"؛ لأن العامل تفرغ لنصب المستثنى ولم تعمل فيه "إلا" شيئًا. يعني: لم يعمل فيه الاستثناء شيئًا.
فالاستثناء المفرغ هو الاستثناء الناقص "هو الذي لم يذكر فيه المستثنى منه"، وذكرنا أن أيضًا الاستثناء إذا كان تامًّا، لكنه غير موجب فما حكمه؟ ما حكم المستثنى بإلا إذا كان الاستثناء تامًّا لكنه غير موجب مثل: ما قام القوم إلا زيدًا؟
نعم، يجوز فيه الوجهان: الإبدال "الاتباع على البدلية مما قبله" أو النصب على الاستثناء. وهذا الحكم يسري فيه سواء كان متصلًا "أي المستثنى من جنس المستثنى منه" أو منقطعًا "أي المستثنى ليس من جنس المستثنى منه" إلا أنه تارة يترجح فيه هذا، وتارة يترجح فيه هذا.
المهم أنا حرصت أن أبدأ ببعض المصطلحات التي لم ينبه لها، وهي: مصطلح المتصل والمنقطع، ومصطلح المفرغ. ونكتفي بهذا.
ندخل بعد ذلك في موضوع هذا اليوم الذي وقفنا عليه وهو...
س: أيضًا سأل شخص -عفوًا- عن "قضية الحال"، وأنك تحدثت عن الحال المفرد، فهل الحال لا تقع إلا مفردا؟(1/323)
ج: الواقع أن الحال يكثر أن تكون مفردًا، مثل: جاء زيد راكبًا. ولكنها-أيضا- قد تقع ظرفًا، كما إذا قلت: رأيت الهلال بين السحاب. "يعني: شبه جملة" وقد تقع جارا ومجرورا كما في قوله -تعالى-: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ وقد تقع في جملة.
فالحال إذًا تقع مفردا، وتقع شبه جملة، وتقع جملة، وقد تقع جملة ولكن يشترط في الجملة أن تكون خبرية، فالجملة الطلبية لا يصح أن تقع حالا، وألا تصدر بما يدل على الاستقبال "السين أو سوف" وأن تكون... وأن تربط -وهذا هو المهم- وأن ترتبط بما قبلها برابط: وهو الواو والضمير، أو أحدهما. أي الواو وحدها، أو الضمير وحده، كما في قوله -تعالى-: لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ "ونحن عصبة" هنا عصبة الواو: واو الحال، والجملة في محل نصب على الحال، وارتبطت بالواو، وكما في قوله -تعالى-: خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ "وهم ألوف" -أيضًا- هنا جملة، وارتبطت بالضمير وبالواو.
فالحاصل أن الجملة قد تقع خبرًا، لكن بشرط أن تكون خبرية أي: ليست طلبية -عفوًا- قد تقع حالًا، الجملة قد تقع حالًا ولكن بشرط أن تكون خبرية، أي: ليست بطلبية، وألا تسبق بما يعني: بحرف من حروف الاستقبال "التنفيس السين أو سوف" وأن ترتبط بالضمير، أو بالواو والضمير معًا، أو بأحدهما.
باب لا
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: "باب لا".
اعلم أن "لا" تنصب النكرات بغير تنوين، إذا باشرت النكرة ولم تتكرر لا. نحو: لا رجل في الدار. فإن لم تباشرها وجب الرفع ووجب تكرار لا، نحو: لا في الدار رجل ولا امرأة. وإن تكررت "لا" جاز إعمالها وإلغاؤها، فإن شئت قلت: لا رجل في الدار ولا امرأة، وإن شئت قلت: لا رجل في الدار ولا امرأة".
---(1/324)
من المنصوبات التي ذكرها المؤلف هنا اسم "لا النافية للجنس" أو "لا التبرئة" كما تسمى. وقد ذكرها هنا، وذكر أيضًا أن من المنصوبات اسم إن وأخواتها. وقلت لكم: لو تركها اكتفاءً بأنها داخلة في باب إن وأخواتها؛ لكان ذلك كافيًا، لكنه نص عليها، ربما لأن لها بعض الأحكام الخاصة، التي يعني: رأى أنها بسببها تستحق الإفراد.
يقول: "باب لا. اعلم أن لا تنصب النكرات بغير تنوين، إذا باشرت النكرة ولم تتكرر لا. نحو: لا رجل في الدار. إذًا لا النافية للجنس هنا، دخلت معنا في هذا الباب من خلال اسمها؛ لأن اسمها منصوب، وأما خبرها فمرفوع، فهي بخبرها تدخل في باب المرفوعات؛ لأنه مرفوع، وباسمها تدخل في باب المنصوبات، كإنَّ وأخواتها تمامًا. طبعًا إلا أن اسمها يعني: لا يحسن أن يعبر عنه بأنه منصوب؛ لأنه الأصل فيه أنه مبني بناء على الفتح في محل نصب. يقول: "إن "لا" تنصب النكرات بغير تنوين". كلمة "بغير تنوين" هنا إشارة إلى أنه بناء على الفتح، وليس نصبًا حقيقيًّا، وأنه في محل نصب، إذا باشرت النكرة ولم تتكرر لا، نحو: لا رجل في الدار. ما ذكره هنا إنما هو بعض الشروط المطلوبة لكي تعمل "لا" عمل "إن".
لكي تعمل "لا" عمل "إن فتنصب المبتدأ وترفع الخبر، لا بد فيها من توافر مجموعة من الشروط منها:
أولًا: أن يكون اسمها نكرة. فلا يصح أن يكون اسمها معرفة، فلو كان اسمها معرفة لارتفع، وإما على أنها مهملة وهذا المعرفة مبتدأ، أو على أنها أخت ليس التي مرت الإشارة إليها، ويشترط أيضًا أن يكون خبرها نكرة، فلا بد في اسمها أن يكون نكرة، ولا بد في خبرها أن يكون نكرة. تقول: لا رجل قائم، لا رجل قائم هنا عملت؛ لأن اسمها نكرة ولأن خبرها نكرة، لو قلت: لا زيد؛ لم تعمل -حينئذ-، وجب أن ترفع فتقول: لا زيد في الدار ولا عمرو. يجب أن ترفع -حينئذ-، إما على إهمالها أو على إعمالها عمل ليس.(1/325)
ولو قلت: لا رجل أخوك. فإنه لا يصح -حينئذ-؛ لأن خبرها ليس نكرة وإنما هو معرفة، وهو مكملة أخوك، فلا بد في اسمها وخبرها أن يكونا نكرتين.
ومن الشروط أيضًا التي ذكرها أن يقول: "إذا باشرت النكرة". ما معنى إذا باشرت النكرة؟ معناه أنه يشترط فيها أن يكون اسمها متصلًا بها، فلا تعمل إذا تأخر اسمها عنها، يعني: لو فصلت بينها وبين اسمها بالخبر"بخبرها"؛ فإنها -حينئذ- لا تعمل عمل إن. بخلاف إن، تقول: إن محمدًا في الدار. فتعمل إذا اتصل اسمها بها وتقول: إن في الدار محمدًا أو رجلًا. فتعمل "إن" مع تأخر اسمها عنها.
أما "لا النافية للجنس"، فإنها لا تعمل إلا بشرط أن يتصل اسمها بها وألا يفصل بينهما بأي فاصل. فلو تقدم الخبر وقلت: لا في الدار. ف-حينئذ- لا تعمل، وإنما ينبغي -حينئذ- أن تهمل. وأيضًا تكون العاملة عمل "ليس" كقوله -تعالى-: لا فيها غول هنا لو تقدمت كلمة "غول" ربما لعملت فيها "لا" ولكن لأنها تأخرت فأهملت، حيث تقدم الجار والمجرور الذي هو الخبر، فهي إذًا لا بد أن يتصل اسمها بها وألا تتكرر.
هذه أربعة شروط: أن يكون اسمها نكرة، وأن يكون خبرها نكرة، وأن يتصل باسمها بها ولا يفصل بينها، وألا تتكرر.
قال: ولم تتكرر لا. نحو: لا رجل في الدار. فإن لم تباشرها وجب الرفع. يعني: إن لم تباشر النكرة -التي هي اسمها- إن لم تباشر "لا" بأن تتصل بها اتصالًا تامًّا؛ فإنه -حينئذ- يجب الرفع. كما في قوله -تعالى-: لَا فِيهَا غَوْلٌ رفعت غول الآن؛ لأنها انفصلت عن لا النافية للجنس.(1/326)
فإن لم تباشرها وجب الرفع ووجب تكرار لا. تقول: لا في الدار رجل ولا امرأة. لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُون فإن لم تباشرها وجب الرفع ووجب تكرار لا نحو: لا في الدار رجل ولا امرأة. فإن تكررت جاز إعمالها وإلغاؤها. إذا لم تباشرها "لا" يعني: إذا فصل بين "لا" وبين اسمها النكرة وجب الفصل، أما إذا تكررت "لا" لكن اسمها متصل بها كما في نحو: لا حول ولا قوة إلا بالله. يقول: فإن تكررت لا جاز إعمالها وإلغاؤها وإن شئت قلت: "لا رجل في الدار ولا امرأة"، أو "ولا امرأةً" أو "ولا امرأةٌ" وإن شئت: "لا رجل في الدار ولا امرأة" إذًا إذا تكررت لا. ..
يقول العلماء: "إذا تكررت "لا" وكانت الأولى -طبعًا النكرة متصلة بها- وكان التركيب متشابهًا لقولك: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، فإنه -حينئذ- يجوز في هذا التركيب عدة أوجه، بعضهم أوصلها إلى خمسة، تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. بإعمالها إعمال إن في الاثنين وتقول: -يعني: ببنائهما على الفتح معًا- لا حول ولا قوة. على إعمال لا عمل إن في الاثنين، وتعكس فتأتي بالرفع فيهما معًا فتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. برفع الاثنين على أنها ماذا؟ إذا رفعتهما على أنها: إما مهملة أو عاملة عمل ليس في: "لا حول ولا قوة". يصح لك أن تجعلها كذلك على أنها مهملة أو عاملة عمل ليس. يصح لك أن تبني الأول على الفتح، وأن ترفع الثاني: لا حول ولا قوةٌ. على أن الأولى أخت إن، وعلى أن الثانية أخت ليس أو مهملة.
ويجوز لك العكس: "لا حول ولا قوة" على أن الأولى أخت ليس أو مهملة، وعلى أن الثانية عاملة عمل إن. ويصح لك وجه خامس وهو ليس بالقوي: لا حول "بالبناء على الفتح" ولا قوةً "بالنصب بالعطف على المحل وبتوجيهات أخرى"، وهذا هو أضعف الأوجه.(1/327)
الحاصل أنك إذا تكررت "لا" فإنك يبدو لن تخطيء مهما قلت. كل ما قلت فهو صحيح، لكن الأشهر هو "لا حول ولا قوة إلا بالله" بإعمالها عمل إن وببنائهما على الفتح. فإن لم تباشرها وجب الرفع ووجب تكرار لا. نحو: ولا في الدار رجل ولا امرأة. فإن تكررت "لا" -وطبعًا باشرت النكرة "لا"- جازت لك الأوجه المذكورة.
إذًا الحاصل أن لا النافية للجنس تعمل عمل إن "بنصب الاسم أو ببنائه في محل نصب، ورفع الخبر" إذا تحقق فيها عدة شروط، من أبرز هذه الشروط -طبعًا هي أكثر من أربعة لكن من أبرزها-:
أن يكون اسمها وخبرها نكرتين، وأن يتصل اسمها بها، وألا تتكرر؛ لأنها إذا تكررت لا يصير الإعمال واجبًا، وإنما يصير الأعمال -حينئذ- خياريا، فإن فصلت عن اسمها فإنها تهمل وجوبًا كما في نحو: لَا فِيهَا غَوْلٌ .
باب المنادى
باب المنادي. المنادى خمسة أنواع: المفرد العلم، والنكرة المقصودة، والنكرة غير المقصودة، والمضاف، والمشبه بالمضاف. فأما المفرد العلم والنكرة المقصودة، فيبنيان على الضم من غير تنوين، نحو: يا زيد، ويا رجل. والثلاثة الباقية منصوبة لا غير.
---
يقول: باب المنادى. المنادى خمسة أنواع: المفرد العلم، والنكرة المقصودة، والنكرة غير المقصودة، والمضاف، والشبيه بالمضاف.
عندنا الآن -كما ترى- قال: كلمة "المفرد العلم". المفرد هنا ماذا يراد بها؟ لأنه قال بعد ذلك: المضاف والشبيه بالمضاف. فما المراد بالمفرد هنا؟
نعم، المراد بالمفرد هنا: "هو بالضبط" هو يريد به ما ليس مضافًا ولا شبيه بالمضاف؛ لأن للمضاف وللشبيه بالمضاف أحكاماُ خاصة، والمفرد هنا يراد به ما ليس بمضاف ولا شبيه بالمضاف.(1/328)
إذًا معنى ذلك أن كلمة مفرد هنا يدخل فيها المثنى، ويدخل فيها جمع التكسير، وجمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم، فكله إذا ناديته يطلق عليه اصطلاحًا بأنه "منادى مفرد". المنادى المفرد هنا... وكذلك بالنسبة يعني: ممكن أعود عودة يسيرة إلى لا النافية للجنس.
لا النافية للجنس -أيضًا- نحن قلنا: إن اسمها مبني. يبنى على ماذا؟ والواقع أنه يبني على ما ينصب به، فيبنى على الفتح في مثل: لا رجل في الدار. ويبنى على الياء إذا كان مثنى، مثل: لا رجلين. ويبنى على الفتح إذا كان جمع تكسير: لا رجال. ويبنى على الياء إذا كان جمع مذكر سالم مثل: لا مسلمين هنا، لا مسلمين في البلد الفلاني مثلًا. ويبنى على الكسر إذا كان جمع مؤنث سالم، كما لو قلت: لا طالبات، لا مسلمات في ذلك المكان.
فاسم لا النافية للجنس يبنى على ما ينصب به، وهو: إما أن يكون -طبعًا- مفردا، يعني: ليس بمضاف ولا شبيه بالمضاف، فيدخل فيه المثنى وجمع التكسير وجمع المذكر السالم، وإما أن يكون مضافًا. وهنا في المنادى نفس الشيء: إما أن يكون مفردًا علمًا، والمراد به ما ليس بمضاف ولا شبيه بالمضاف، فكلمة " مفرد علم" يدخل فيها: المفرد والمثنى والجمع بأنواعه الثلاثة.
المفرد العلم والنكرة المقصودة:(1/329)
النكرة المقصودة معناها: النكرة التي يعني: معينة، أنت تقصد يعني: شيئًا معينًا "نكرة متعينة"، كما إذا قلت مثلًا: يا رجل. وأنت تتحدث مع رجل معين معروف. النكرة غير المقصودة: هي النكرة التي ليست مقصودة، كما يعني: إذا جاء أحد يتحدث، يعظ الناس أو يخطب، وقال مثلًا: يا غافلًا والموت يطلبه. هو لا يحدث شخصا معينا وإنما عمومًا، ويمثلون له أيضًا في النحو بقولهم -مثلًا تقول الأعمى وهو واقف في الطريق يريد أن يعبر الشارع-: يا رجلًا خذ بيدي. هو -حينئذ- لا يقصد رجلًا معينًا؛ لأنه لا يرى أي رجل، فالنكرة المقصودة هي المراد بها معين، والنكرة غير المقصودة هي المراد بها يعني: ما ليس معينًا، والمضاف "المضاف معروف": هو ما أضيف إلى شيء بحيث يصير هو مضافا وما بعده مضاف إليه.
والشبيه بالمضاف "الشبيه بالمضاف": هو ما اتصل به شيء من تمام معناه. أي: ما اتصل به ما كان بعده مرفوعًا له أو منصوبًا، أو نحو ذلك من الأمور التي يتم بها المعنى، كتمام المعنى بالمضاف إليه.
النداء -بصفة عامة-: هو طلب الإقبال. "يعني: في المدلول اللغوي" لكنه في المدلول الاصطلاحي، ما تعريف النداء اصطلاحًا، أي في كتب النحو؟ النداء "اصطلاحًا": هو طلب الإقبال بـ" يا " أو بإحدى أخواتها مثل حروف النداء.
طبعًا الأشياء التي حروف النداء أشهرها: "يا" هي الأشهر مثل: يا محمد، وقد يكون النداء "بالهمزة" مثل: أمحمد أقبل، وقد يكون "بأي" مثل: أي محمد تعال، وقد يكون بـ "يا تدخل عليها الهمزة" مثل: أيا محمد، وقد يكون بـ " وا " مثل: وامحمداه، أو نحو ذلك، وإن كانوا يقصرون المنادى بالواو على ما كان للندبة، وهو ما كان له توجع أو تفجع أو نحو ذلك.(1/330)
المنادى خمسة أنواع، ونحن الذي دخل هنا في باب المنصوبات ما هو؟ الذي دخل في باب المنصوبات قال المؤلف: "فأما المفرد العلم والنكرة المقصودة فيبنيان على الضم من غير تنوين، نحو: يا زيد، ويا رجل. إذا أدرت رجلًا معينًا، والثلاثة الباقية منصوبة لا غير، وهي: النكرة غير المقصودة، مثل: يا غافلًا والموت يطلبه. المضاف مثل: يا عبد الله، يا عبد الرحمن، يا أبا محمد، يا أبا علي، والشبيه بالمضاف: وهو ما اتصل به شيء من تمام معناه. مثل: يا حميدًا فعله، يا طالعًا جبلًا، يا رءوفا بالعباد. يعني: ما اتصل به شيء بعده وتعلق به، كأن يكون "فاعلًا له": يا حميدًا فعله، أو "مفعولًا له": يا طالعًا جبلًا، أو " متعلق به" "بجار ومجرور ونحوه": يا رءوفًا بالعباد، يا رءوفًا بالمساكين، وما كان كذلك فإن المنادى فيه يكون منصوبًا.
ومن هنا دخل النداء في باب المنصوبات، وإن كان المنادى بصفة عامة: سواء بني على الضم، أو كان منصوبًا فهو في محل نصب، لأن...
طيب ما الذي نصب المنادى؟ يعني: ما الذي جعل المنادى ينصب؟ حينما تقول: يا غافلًا والموت يطلبه، كيف نصب المنادى هنا؟ ما الذي نصبه به؟ ناصب المنادى بصفة عامة حتى حينما تقول: يا زيد أو يا محمد أو يا محمدون أو يا محمدان، فهو هنا مبني على الضم في محل نصب. لماذا كان في محل نصب؟ من يعرف؟(1/331)
نعم، كأنه مفعول صحيح؛ ولذلك يقولون بأنه منصوب بـ "يا" لأنها نابت مناب الفعل "أدعو" فكأنك قلت: أدعو محمدًا، أو أنادي الغافل، أو أنادي عليًا، فهو منصوب بـ "يا" وليست هي تنصب لأنها حرف، ولكن على أنها نائبة مناب الفعل الذي هو: "أنادي" أو "أدعو" أو نحو ذلك، فهو إذًا يكاد يكون ملحقًا بباب المفعول به، فهو منصوب في التقدير على المفعولية، منصوب في التقدير على أنه مفعول به؛ لأن التقدير: أنادى محمدًا أو أدعو محمدًا. فدخل من هنا من باب المنصوبات، فهو يعني: يكاد يكون ضمن أبواب المفعولات، بل يكاد يكون ملحقًا بباب المفعول به؛ لأنه في الواقع منصوب على أنه مفعول به بهذا الفعل المقدر، الذي نابت عنه "يا" أو إحدى أخواتها.
فإذًا المنادى بأنواعه الخمسة وهي:
المفرد العلم: مثل: يا محمد ويا محمدان ويا محمدون ويا هندات ويا هنود ويا زيدون ويا زيود. يعني: سواء كان مفردا أو مثنى أو جمع مذكر سالم أو جمع مؤنث سالم أو جمع تكسير، فإنه داخل في قوله: "إذا كان علمًا مفردًا". أي: ليس مضافًا ولا شبيها بالمضاف. إذا كان المنادى علمًا مفردًا، فإنه يبنى على الضم دائمًا في محل نصب. تقول: يا محمد ويا محمدون ويا هندات "ببنائه على الضم بأنواعه" يبنى على الضم في محل نصب.
الثاني: النكرة المقصودة "النكرة المقصودة": أي التي معينة. أنت حينما تقول: يا رجل. إذا كنت تعني رجلًا بعينه وبذاته، فكأن تعيينه هنا رقاه إلى مستوى العلمية؛ فصار حكمه حكم العلم في أنه يبنى على الضم.(1/332)
أيضًا فتقول: يا رجل اتق الله اعمل كذا وكذا إذا كنت تخاطب "تتكلم" مع رجل معين. فالنكرة المقصودة التي يراد بها معين، أيضًا تأخذ حكم العلم في النداء، في أنها تبنى على الضم في محل نصب. أما أنواع النداء الثلاثة الباقية وهي: النكرة غير المقصودة، نكرة لا تريد معينًا: يا غافلًا والموت يطلبه، يا رجلًا خذ بيدي "لمن لا يقصد رجلًا بعينه"، وهذا هو النكرة غير المقصودة، أو المضاف -وما أكثر نداء المضاف-: مثل يا عبد الله، ويا عبد الرحمن، يا أخا العرب، يا أبا فلان، يا أبا علي، يا أخا محمد، ونحو ذلك، كله يكون منصوبًا -حينئذ طبعًا- المضاف منصوب، أما المضاف إليه فإنه يكون مجرورا بالإضافة -حينئذ-.
والنوع الرابع: وهو ما كان شبيهًا بالمضاف. الشبيه بالمضاف ما المراد به؟ المراد به: هو المنادى الذي اتصل به شيء تم به معناه، كما اتصل بالمضاف مضاف إليه تم به معناه. يعني: هذا سمي مضافا، وهذا سمي شبيها بالمضاف. لماذا سمي بالشبيه بالمضاف؟ لأنه اتصل به شيء تم به معناه، كما اتصل بالمضاف المضاف إليه الذي تم به معناه.
والمراد بالشبيه بالمضاف: هو ما اتصل به شيء من تمام معناه كما في: يا حميدًا فعله، يا طالعًا جبلًا، يا رءوفا بالعباد. هذه ثلاثة: الأول اتصل به فاعل تم به معناه، والثاني اتصل به مفعول تم به معناه، والثالث اتصل به جار ومجرور غير معلق به. فالمنادى إذا كان كذلك "شبيهًا بالمضاف" فإنه أيضًا ينصب ويكون ثالثًا للمنصوبات.
إذًا أنواع المنادى الخمسة: اثنان يبنيان على الضم في محل نصب، وثلاثة تكون منصوبة، والمنادى ملحق بالمفعول به؛ لأنه كما ترون ينصب كما ينصب المفعول به، وينصب بفعل محذوف مقدر نابت عنه "يا".(1/333)
نعم،كيف؟ إي هذه التي تكون وصلة -كما يقولون- يؤتى بها وصلة لنداء ما فيه "أل": يا أيها الناس، يا أيها الرجل، يا أيها...، وهو -حينئذ- يكون مرفوعا؛ لأنه يكون معامل معاملة الاسم المفرد إذا كان علمًا، لأنه معرف "معرفة".
http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=agro-00029.htm ... http://www.taimiah.org/Display.Asp?f=agro-00027.htm
باب المفعول من أجله
"باب المفعول من أجله": وهو الاسم المنصوب الذي يذكر بيانًا لسبب وقوع الفعل. نحو: قام زيد إجلالًا لعمرو، وقصدتك ابتغاء معروفك".
---
باب المفعول له. المفعول له ماذا يسمى؟ يسمى بالمفعول له، ويسمى بالمفعول لأجله، ويسمى بالمفعول من أجله. قال فيه المؤلف: "باب المفعول من أجله -أو المفعول له-: هو الاسم المنصوب الذي يذكر بيانًا لسبب وقوع الفعل".
حينما تقول مثلًا: زرتك ابتغاء الأجر. "هو الاسم المنصوب الذي يذكر بيانًا لسبب وقوع الفعل". ابتغاء الأجر هنا مفعول لأجله منصوب،جاء بيانا لسبب وقوع. الفعل الفعل ما هو؟ هو الزيارة "زرتك". أنا زرتك لماذا؟ طلبًا للأجر ورغبة في الخير... وما إلى ذلك، أو ابتغاء معروفك أو نحو ذلك.
فإذا كان يعني: كذلك فإنه يكون مفعولا لأجله.
ولا بد في المفعول لأجله من أمور:
أولًا: أن يكون مصدرًا. فالمفعول لأجله لا يمكن أن يكون غير مصدر؛ ولذلك لا يصح أن تنصب على المفعول لأجله، الأسماء التي ليست مصادر. كما إذا قلت مثلًا: جئتك المال. يعني: لا يصح أن تقول: جئتك المال، على أن المال مفعول لأجله. أي وكأنك تريد: جئتك لأجل المال ؛ لأن المال ليس مصدرا "جئتك العسل أو جئتك السمن"، وإنما تقول: جئتك لأجل المال، أو جئتك للمال، أو جئتك لأخذ العسل أو للعسل أو للسمن أو نحو ذلك.
فلا بد فيه أن يكون مصدرًا، فإن لم يكن مصدرًا فإنه لا يصح أن ينصب على أنه مفعول لأجله. ولا بد فيه أن يكون قلبيًّا. ما يعني: قلبيًّا؟(1/334)
المصادر القلبية: هي من الأمور التي تكون ليست من أفعال الجوارح، وإنما من المعاني "من الأمور القلبية": كالرغبة والرهبة والمحبة والرجاء والخوف... وما إلى ذلك. يعني: ليست أشياء تكتسب يعني: بأفعال الجوارح. بخلاف مثلًا: القراءة، الأكل، الشرب... وما إلى ذلك. فلا تقول: جئتك رغبة في الخير. هذا يصح، لكن: جئتك قراءة للكتاب. لا يصح؛ لأنه مصدر ليس قلبيا، أو جئتك آكلًا للطعام. لا يصح أن ينصب؛ لأنه ليس قلبيًّا وإنما تقول: جئتك لقراءة الكتاب، أو لأكل الطعام. فتجره -حينئذ- باللام.
فإذا لم يكن مصدرًا، أو كان مصدرًا لكنه ليس قلبيًّا -أي ليس من أفعال القلوب وأعمال القلوب وإنما من أعمال الجوارح- فإنه لا ينصب على أنه مفعول لأجله.
كذلك اشترطوا فيه أن يكون علة لما قبله، لا بد فيه من التعليل، أن يكون علة لما قبله، وإلا فإنه لا يسمى مفعولا لأجله ولا يسمى مفعولا له -حينئذ-، إذا نصب وهو ليس مفيدًا للعلة فإنه لا يكون كذلك.
ويضيفون أيضًا بعض الشروط، وهي يعني: في الواقع أنها... في الغالب المفعول لأجله لا يخرج عنها. يقولون: "أن يتحد مع عامله في الوقت". يعني: جئتك رغبة -المجيء والرغبة وقتهما واحد- جئتك راغبًا الآن في الخير أو في الأجر. فهما متحدان في الوقت، ولا بد أن يتحدان في الفاعل أيضًا. تقول: جئتك رغبة فيك. فأنا الذي جئت وأنا الراغب، ولكن يعني: لا يصح أن تقول: جئتك محبتك إياي. يعني: أنا الذي جئت وأنت المحب، وإنما: جئت محبة فيك. يعني: أنا الذي جئت وأنا الذي أحب.
فينبغي أن يتحدا في الفاعل. فإذا اختل واحد من هذه الشروط فما الحكم؟
الحكم أنه -حينئذ- يجر بأي واحد من حروف الجر، التي تتناسب مع المثال ومع السياق. طيب المفعول لأجله إذا تحققت فيه كل هذه الشروط فهل يجب وجوبًا أن ينصب على أنه مفعول لأجله أو أن ذلك جائز؟(1/335)
الواقع إن نصبه على أنه مفعول له أو مفعول لأجله ليس واجبًا، وإنما إن تحققت الشروط جاز لك أن تنصبه على أنه مفعول لأجله، وإن لم تتحقق لم يجز ذلك، ولكن إن تحققت فإن نصبك له أمر جائز وليس واجبًا، فيصح أن تنصبه فتقول: جئت رغبة. ويصح أن تجره باللام حتى مع تحقق الشروط، فتقول: جئتك للرغبة في الأجر، أو للرغبة فيه. فيعني: النصب مع تحقق الشروط ليس واجبًا وإنما هو جائز، إلا أنه تارة يكون النصب أكثر، وتارة يكون الجر أكثر إذا تحققت الشروط، وذلك باختلاف أنواع المفعول لأجله؛ لأن المفعول لأجله لا يخلو: إما أن يكون مقترنًا بأل، وإما أن يكون مضافًا، وإما أن يكون مجردًا من أل والإضافة. هذه ثلاث صور.
طيب ما حكمه من حيث النصب على المفعول لأجله، أو الجر بمن أو باللام، بالنسبة لهذه الصور؟ إذا استعرضناها واحدًا واحدًا؛ وجدنا أن المقترن بأل نصبه على المفعول لأجله ليس كثير، وإنما الكثير أن يجَر بالحرف. فالرغبة مثلًا تقول: جئتك الرغبة في الأجر. هنا منصوب على المفعول لأجله وهو جائز، ولكن الكثير والأولى فيه إذا كان مقترنًا بأل، أن يجر بالحرف فتقول: جئتك للرغبة في كذا. ويقل نصبه على المفعول لأجله إذا كان مقترنًا بأل، كما في قول الشاعر:
لا أقعدُ الجبن عن الهيجاء ... ولو توالت زُمَر الأعداء
لا أقعد الجبن. "الجبن" ما موقعه من الإعراب؟ "الجبن" هنا منصوب على أنه مفعول لأجله أو مفعول له. هل نصبه هنا وهو مقترن بأل "كثير أو قليل" الأولى إذًا أن يقول ماذا؟ لا أقعد للجبن. أي: من أجل الجبن. لا أقعد من أجل الجبن أو بسبب الجبن عن الهيجاء. أي: لا يردني الجبن والخوف من الهيجاء، ولو توالت زمر الأعداء، ولو كان الأعداء كثيرين فإن الجبن لا يمنعني. إذًا فإنني لست بجبان؛ لأنني لا يمكن أن يقعدني الجبن. معنى ذلك أن الجبن غير موجود فيه.(1/336)
فقوله: "لا أقعد الجبن" نصبه إلى المفعول لأجله مع اقترانه باللام، وهذا قليل. والكثير فيه إذا كان مقترنًا بالألف واللام أن يجرَّ الحروف. وإن كان مضافًا، إذا كان مضافًا فإنه يجوز فيه الوجهان جوازًا متساويًا. يعني: أنت مخير وليس أحد الوجهين أضعف من الآخر. فإذا كان المفعول لأجله مضافًا، جاز لك أن تنصبه على المفعولية "على أنه مفعول لأجله"، وجاز لك أن تجره بحرف الجر المناسب وهو: "من" أو "اللام". كما إذا قلت مثلًا: زرتك ابتغاء معروفك. "ابتغاء" هنا مفعول لأجله مضاف، و"معروفك" مضاف إليه.
فإذا كان كذلك فما الحكم؟ لك أن تنصبه فتقول: زرتك ابتغاء معروفك. ولك أن تجره باللام فتقول: زرتك لابتغاء معروفك. فإذا كان مضافًا فإنه يتساوى فيه الوجهان: النصب على أنه مفعول له أو لأجله، والجر بـ "من".
وإن كان مجردًا من "أل" والإضافة فإنه يكون عكس الأول "يكون عكس المقترن بأل". أي إن الكثير فيه -حينئذ- النصب على أنه مفعول لأجله، وجره بأحد الحروف أقل. كما إذا قلت: جئتك رغبة، أو جئتك أملًا، أو جئتك طمعًا، أو زرتك خوفًا من غضبك، أو زرتك أملًا في مودتك، أو زرتك طمعًا فيما عند الله أو في دعائك أو نحو ذلك.
فإذا كان مجردًا من "أل" والإضافة مثل: رغبة أو خوفًا أو أملًا أو طمعًا أو نحو ذلك -فإن الأكثر فيه أن ينصب على أنه مفعول لأجله، ويقل جره حينئذ.
فالحاصل أنه إما أن يكون مقترنًا "بأل" -وهذا نصبه قليل وجره كثير-، وإما أن يكون مجردًا من "أل" والإضافة، وهذا عكس الأول "أي نصبه كثير وجره قليل"، وإما أن يكون مضافًا، وهذا يتساوى فيه الوجهان: النصب على المفعولية، أو الجر بأحد حروف الجر المناسبة.
باب المفعول معه
باب المفعول معه : وهو الاسم المنصوب الذي يذكر لبيان من فعل معه الفعل، نحو قولك: جاء الأمير والجيش، واستوى الماء والخشبة".
---(1/337)
المفعول معه عرفه المؤلف هنا -رحمه الله- بقوله: "هو الاسم المنصوب الذي يذكر لبيان من فعل معه الفعل. نحو قولك: جاء الأمير والجيش، واستوى الماء والخشبة". فالمفعول معه إذًا "هو اسم"، فلا يكون غير ذلك. و"هو فضله"، ولا ينبغي أن يكون عمدة لا يستغني عنه، ولا يصح حذفه من الكلام. "تال لواو"، وينبغي أن يقع بعد واو، هذه الواو بمعنى "مع"، لا بد أن تكون بمعنى "مع"، وهذه الواو تالية أيضًا، أي: واقعة بعد جملة، هذه الجملة فيها فعل، أو فيها اسم فيه معنى الفعل وحروفه.
يعني: هذا من التعريفات الجيدة والدقيقة له، وهو أنه: "اسم فضلة تالٍ لواو بمعنى مع تالية -أو مسبوق كما ترى- تالية لجملة -لا بد أنه يكون مسبوقا بجملة، فلو كان مسبوقا بمفرد لا يمكن أن يعرب مفعولا معه- تالية لجملة، هذه الجملة مشتملة على فعل، أو مشتملة على اسم فيه معنى الفعل وحروفه".
مثلًا إذا قلت: سرت والنيل. هنا عندنا "النيل": اسم، فضلة، تال لواو بمعنى "مع" "أي مع النيل"، وتالية لجملة وهي: "سرت"، وهذه الجملة فيها فعل وهو: "سار" -فعل وفاعل طبعًا يتكون منهما جملة- أو فيها اسم فيه معنى الفعل وحروفه، مثل لو قلت: أنا سائر والنيل. عندنا "أنا سائر": جملة اسمية اشتملت على اسم يعمل عمل فعله، وهو اسم الفاعل: "سائر"، وهو متضمن لمعنى الفعل "سار" ولبعض حروفه، وهي: السين والألف والراء ونحوها.(1/338)
فسرت والنيل، أو أنا سائر والنيل. هذان مثالان تحققت فيهما الشروط أو ضابط المفعول به. إذا كان كذلك فإنه يصح لك -حينئذ- فيه أن تنصبه على المفعول معه، ولكن هل النصب على المفعول معه في الاسم الواقع بعد الواو هنا، هل هو واجب أو جائز؟ الواقع أنه ... يعني: ولماذا لا يمكن أن يعطف عليه عطفًا فيعامل معاملة المعطوف؟ الواقع أنه هذا الاسم الواقع بعد النيل تارة.. عفوًا الاسم الواقع بعد الواو تارة يتعين فيه أن يكون مفعولا معه. متى ذلك؟ إذا لم يصح العطف أصلًا، وتارة يتعين فيه أن يكون معطوفا ولا يصح أن ينصب على المفعول معه، وذلك إذا امتنع الاستغناء عنه؛ لأنه هو لا بد أن يكون فضة يستغني عنه، وتارة يجوز الوجهان. فأنت حينما تقول: جاء- مثال المؤلف هنا- جاء الأمير والجيش. هل فيه مانع هنا من العطف؟ ما عندنا مانع من العطف. فلك أن تقول: جاء الأمير والجيش. فتنصب الجيش على أنه مفعولا معه، وذلك أن تقول: جاء الأمير والجيش. فيرفع الجيش على أنه معطوف -حينئذ-.
ومثله لو قلت: جاء زيد ومحمد. إذا -يعني: كانا- إذا جاء معًا بحيث صارت الواو بمعنى "مع" فلك العطف، ولك المفعول معه. تارة لا يصح العطف وإنما يجب المفعول معه، وذلك إذا امتنع التشريك "إذا امتنع العطف". إذا قلت مثلا: مات زيد وطلوع الشمس. "طلوع الشمس" هنا"طلوع" هل يتعين فيه أن ينصب على المفعول معه، أو يجوز فيها أن يكون معطوفا ؟ هل يصح فيه العطف -حينئذ-؟(1/339)
نعم. العطف ما معناه؟ العطف معناه الاشتراك في الفعل. جاء زيد وعمرو "اشتركا في المجيء". العطف معناه: التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه في الفعل المتقدم. "حضر محمد وعلى". فإذا امتنع التشريك كما في: مات زيد وطلوع الشمس. لأن طلوع الشمس لم يمت مع زيد، وإنما طلوع الشمس هنا مفعول معه منصوب، أي: مات مع هذا الوقت يعني: مع طلوع الشمس. تزامنا في الوقت ولم يتزامنا في الفعل، فهنا يتعين المفعول معه لأنه يمتنع التشريك -حينئذ-.
لو جئنا بمثال آخر: إذا قلت مثلًا: "اشترك زيد وعمرو". هنا هل يصح النصب على المفعول معه في عمرو؟ لا يصح. لماذا؟ نعم، لأن الواو عاطفة هنا. طيب لماذا لا يصح المفعول معه؟ لماذا يتعين العطف هنا؟ نعم، لأن المفعول معه فضلة يصح الاستغناء عنه، لكن هنا اشترك زيد وعمرو، وهل يصح فيه أن تستغني عن المعطوف؟ إذا قلت: "اشترك زيد". هذا كلام صحيح ؟ "اشترك" من الأفعال التي تقضي اثنين، كل منهما عمدة -حينئذ-.
"اشترك زيد وعمرو". هما متساويان في هذا الأمر؛ فلا يصح الاستغناء عن الثاني. فإذا لم يصح الاستغناء عن الثاني فإنه -حينئذ- لا يصح نصبه على المفعول معه؛ لأن المفعول معه فضلة يجوز الاستغناء عنه.
لو قلت: "مات زيد" بدون "وطلوع الشمس" لصح. الكلام مفهوم وصحيح "مات زيد". لكن إذا أردت أن تعطينا الوقت بدقة قلت: "وطلوع الشمس". لكن "اشترك زيد" لا تصح "اشترك زيد". "اختصم زيد" لا يصح؛ لأن الاختصام والاشتراك والتشارك هذه تقتضي اثنين وكلاهما عمدة، فلا يصح -حينئذ- النصب على المفعول معه.
إذًا يعني: هذا ضابط ييسر لكم قضية "المفعول معه". أولًا: "لا بد أن يكون اسمًا" "لا يصح أن يكون فعلا".(1/340)
لا تقل: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن". "تشرب" منصوب على أنه مفعول معه؛ لأن هذا فعل مضارع، والمفعول معه يشترط فيه أن يكون اسما. "ولا بد أن يكون فضلة". فلو كان -يعني: يصح الاستغناء عنه-فإن امتنع الاستغناء عنه لأي أمر فإنه لا يصح -حينئذ-. "وأن يكون تاليًا للواو". فلو جئت بدلًا منها "مع" لا يعرب مفعولا معه. "وأن تكون هذه الواو بمعنى مع". لو كانت واوا حالية أو نحو ذلك فإنه لا يصح. "وأن يسبق بجملة". لو سبق بمفرد ... لو قلت: "كل رجل وضيعته". هنا لا يصح "وضيعته" أن تنصيب على أنها مفعول معه؛ لأنه لم يسبق بجملة وإنما سبق بمضاف ومضاف إليه، والمضاف والمضاف إليه ليسا جملة. أو "محمد وضيعته". لا يصح -حينئذ-؛ فلا بد أن يكون مسبوقًا بجملة، هذه الجملة فيها شيء يعمل في: إما فعل، أو اسم بمنزلة الفعل ومشتمل على حروفه.
وانظر -حينئذ إذا انطبقت هذه الشروط انظر حينئذ- للمعنى، فتارة: ترى أنه يتعين المفعول معه؛ لأن العطف ممتنع، وتارة: ترى أنه يتعين العطف؛ لأن المفعول معه ممتنع، وتارة: تجد أنه يجوز الأمران -حينئذ-.
... ومع ذلك. هنا الآن هو مفعول معه. أصلًا كلمة "فضلة" وكلمة "عمدة" ليس المراد بها -يعني: حسب مراد السامع-: أن كل كلام يحتاجه منك السامع -إذا سألك- يعتبر عمدة. لا يعتبر عمدة وإن كان يحتاجه السامع.
العمدة: هو ما لا يقوم الكلام إلا به: كالفاعل والمبتدأ والخبر فقط، أما ما عداه من الفضلات فيسمى فضلة؛ لأنه يتكون بدونه جملة مفيدة. لكن هل السامع الآن محتاج له أو ليس محتاجا له؟ هذه ما لها علاقة بكونه فضلة، أو كونه عمدة.
خبر كان وأخواتها واسم إن وأخواتها
وأما خبر كان وأخواتها، واسم إن وأخواتها، فقد تقدم ذكرهما في المرفوعات، وكذلك التوابع فقد تقدمت هناك.
---(1/341)
طبعًا "خبر إن" نحن حينما تحدثنا عن "كان" قلنا: "إنها ترفع الاسم وتنصب الخبر". فتحدثنا عن خبرها. وحينما تحدثنا عن "إن" في المرفوعات قلنا: "الأولى ترفع الاسم وتنصب الخبر، والثانية قلنا إنها: تنصب الاسم وترفع الخبر". فتحدثنا عن ذلك هناك. وحينما تحدثنا عن "التوابع" في باب المرفوعات، أشرنا إلى أن "التابع": هو ما يتبع ما قبله في الإعراب. فإن كان المتبوع مرفوعًا رفع التابع، وإن كان المتبوع منصوبًا نصب التابع، وإن كان المتبوع مجرورا جر التابع، سواء كان هذا التابع نعتا أو عطف بيان أو عطف نسق أو توكيدا أو بدلا -فإنه يتبع ما قبله في إعرابه.
باب المخفوضات من الأسماء
باب مخفوضات الأسماء؛ المخفوضات ثلاثة: مخفوض بالحرف، ومخفوض بالإضافة، وتابع للمخفوض، فأما المخفوض بالحرف: فهو ما يخفض بـ "من وإلى وعن وعلى وفي ورب والباء والكاف واللام" وبحروف القسم وهي: "الواو" و"الباء" و"التاء" وبـ"واو رب" وبـ"مذ" و"منذ". وأما ما يخفض بالإضافة فنحو قولك: غلام زيد. وهو على قسمين: ما يخفض "باللام". نحو: "غلام زيد"، وما يقدر بـ "من" نحو: ثوب خز وباب ساجٍ وخاتم حديد وما أشبه ذلك.
---
الآن دخل في باب "المجرورات والمخفوضات". والواقع أن بالنسبة للمنصوبات، ترك شيئًا يذكره العلماء -أحيانًا- ضمن المنصوبات -وهو ليس بالكثير- وهو ما يسمى "بالمنصوب على نزع الخافض".أي أنه منصوب لكنه ليس له ناصب، وإنما هو في الواقع مجرور، لكن لمَّا نُزِع منه "حذف منه" حرف الجر -حينئذ- انتصب، فقيل: إنه منصوب على نزع الخافض. يمثلون له بقوله -تعالى-: وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا "واختار موسى قومه" فهي على أن المراد: اختار موسى من قومه سبعين رجلًا، واختار موسى من قومه، "فقومه" هنا نصبت على نزع الخافض، أي إنه حذف منها حرف الجر فانتصبت، وهذا يسمى "بالمنصوب على نزع الخافض"، وهو ليس بالكثير.(1/342)
أما باب "المجرورات". فالجر لا يخلو بحال من الأحوال: إما أن يكون بأحد حروف الجر -وقد سبقت الإشارة إليها في أول الكلام-، وإما أن يكون بالإضافة، وإما أن يكون بالتبعية؛ لأن -كما قلت- التابع للمجرور مجرور أيًّا كان. فالمجرور بحروف الجر: هو ما جر بأحد حروف الجر العشرين التي سبقت الإشارة إليها، وجمعها ابن مالك في قوله:
هاك حروف الجر وهي من إلى ... حتى خلا حاشا عدا في عن على
مذ منذ رب اللام كي واو وتا ... والكاف والباء ولعل ومتى
هذه عشرون حرفًا، طبعًا فيها كلام، فيها شيء مختلف فيه، وفيها شيء يعني: لغات لبعض العرب مثل: كي ولعل ومتى ونحو ذلك، لكنها يعني: كل هذه الحروف العشرين سمع الجر بها، منها ثلاثة ذكرت في باب "الاستثناء" وهي: خلا وعدا وحاشا. ومنها الثلاثة المختلف فيها وهي: لعل وكي ومتى. وبقي أربعة عشر حرفًا متفق عليها و معروفة. والمؤلف هنا ذكر "أشار إلى" واو ربَّ.
الواقع أن "واو رب" يعني: لا تفرد عادة وحدها، وإنما يقال: "الجر برب". ثم يقال بأن رب من الحروف التي يجوز أن تجر وهي محذوفة. تجر وهي محذوفة بعد الواو، كما في قوله: وليل كموج البحر، وجيش كجنح الليل. أي: "ورب ليل ورب جيش". وتجر وهي محذوفة بعد "الفاء"، وتجر وهي محذوفة بعد "ثم"، وتجر وهي محذوفة أيضًا بدون شيء من ذلك.
فـ"واو رب" في الواقع ليست حرفا مستقلًا عن "رب"، وإنما الجر بـ"رب" سواء كانت "رب" ظاهرة، أو كانت محذوفة. و"رب" تختص. من خصائصها: أنها تجرُّ وهي محذوفة.
ولذلك في قوله: "وأما المخصوص بالحرف فهو: ما يخفض بمن وإلى وعن وعلى وفي ورب والباء والكاف واللام وحروف القسم وهي: الواو والباء والتاء أو بواو رب وبمذ ومنذ".
طبعًا مذ ومنذ يجران، وإن كان ما بعدهما مجرورا فهما حرفا جر، وإن كان ما بعدهما مرفوعا فهما -حينئذ- يرفعان على الابتداء، أو على الخبرية، أو تقدير آخر.(1/343)
فـ"واو رب" في الواقع ليست حرفًا مستقلًا، وإنما هي الجر ليس بها، وإنما الجر برب محذوفة بعدها، وإلا فإننا قد نقول أيضًا: فرب ونقول: ثم رب وما إلى ذلك. فذكر رب يكفي عن إيراد ما يسمى بـ"واو رب".
هذا بالنسبة للجر بالحروف، أما الجر بالإضافة فذكر أنه نوعان -والواقع أنه أكثر من ذلك- قال: "وأما ما يخفض بالإضافة فنحو قولك: غلام زيد. وهو على قسمين: ما يقدر باللام، وما يقدر بمن. فالذي يقدر بـ"اللام" نحو: "غلام زيد"، والذي يقدر بـ"من" نحو: ثوب خَزٍّ وباب ساجٍ وخاتم حديد".
الواقع أن الإضافة، يقول العلماء: "إنها تارة تكون على معنى "في"، وتارة تكون على معنى "من"، وتارة تكون على معنى "اللام"". وترتيبها هذا حسب القليل. فأقلها أن تكون على معنى "في"، ويليه أن تكون على معنى "من"، وأكثرها وأوسعها أن تكون على معنى "اللام" -حينئذ-. متى تكون على معنى "في"؟ تكون على معنى "في" إذا كان المضاف إليه ظرفًا للمضاف. إذا كان المضاف إليه ظرفًا للمضاف فإن الإضافة -حينئذ- تكون على معنى "في"، وهذه ليست كثيرة. كما في قوله -تعالى-: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ هنا "مَكْر" مضاف و"الليل" مضاف إليه. هل هي على معنى اللام؟
ليست مثل: غلام زيد "أي: غلام لزيد". وليست على معنى "من" مثل:باب ساج "أي: باب من ساج". وإنما هي على معنى "في"؛ لأن المضاف إليه ظرف للمضاف؛ لأن المَكْر حصل في الليل. فالليل ظرف ووعاء للمضاف وهو "المكر"، والتقدير -حينئذ-: مكر في الليل.
النوع الثاني: أن تكون على معنى "مِن"، وهذه لا بأس بكثرتها، ويشترط فيها: أن يكون المضاف جزء من المضاف إليه "أي: أن يكونا من مادة واحدة". كما إذا قلت: هذا باب حديد، وهذا خاتم فضة، وهذا ثوب قطن. فالثوب من القطن، والخام من الحديد، والباب من الخشب أو من الساج، فهي على معنى من؛ لأن المعنى: هذا من باب من الخشب، وهذا خاتم من فضة، وهذا ثوب من قطن أو من حرير أو من صوف أو نحو ذلك.(1/344)
فإذا كان المضاف جزءا أو بعضا من المضاف إليه، أو من مادته -فإن الإضافة -حينئذ- تكون على معنى "من"، إن لم يكن ظرفًا له ولا جزءًا منه فهو النوع الثالث؛ لأنه هو الكثير الواسع، وهو الذي على معنى "اللام". كتاب محمد "أي: كتاب لمحمد"، غلام زيد "أي: غلام لزيد"، حصير المسجد "أي: حصير لمسجد" ونحو ذلك.
فالإضافة إذًا على ثلاثة أنواع:
أقلها: أن تكون بمعنى "في"، وهو ما كان المضاف إليه ظرفا للمضاف، وأوسطها: أن تكون بمعنى "من" وهو ما كان المضاف جزءا أو بعضا من المضاف إليه مثل: باب خشب وباب حديد وخاتم فضة وثوب صوف... ونحوها، وأكثرها: أن تكون على معنى "اللام" وهي التي ليست على معنى "في" وليست على معنى "من".
الثالث: ما كان مجرورًا بالتبعية. الأول: ما كان مجرورًا بحروف الجر وانتهى، وما كان مجرورًا بالإضافة وانتهى، وما كان مجرورًا بالتبعية ويراد به ما أشرنا إليه من التوابع. فالمتبوع إذا كان مجرورًا فإن تابعه -حينئذ- يجر بهذه التبعية، سواء كان: نعتًا أو عطف بيان أو عطف نسق أو توكيدا أو بدلا.
وقد اجتمعت هذه الأمور الثلاثة: الجر بالحرف، والجر بالإضافة، والجر بالتبعية في "البسملة". في قولك: "بسم الله الرحمن الرحيم" فيها الجر بالحرف: كلمة "اسم" مجرورة بالباء؛ لأن التقدير: أبدأ باسم الله. فالباء: حرف جر، واسم: مجرور بالباء، واسم مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه، فهذا جر بالإضافة. الرحمن: صفة ونعت، والرحيم -أيضًا-: صفة ونعت آخر للفظ الجلالة؛ فهو تابع.
إذًا عندنا الجر بالحرف: "بسم"، وعندنا الجر بالإضافة: "الله" "لفظ الجلالة"، وعندنا الجر بالتبعية على النعت: "الرحمن الرحيم".(1/345)
وبهذا ينتهي الكتاب، ونحمد الله على ما يَسَّر وأعان، ونسأله أن يرزقنا وإيَّاكم الإخلاص في النوايا والأقوال والأعمال، وأن ينفعنا بما سمعنا وقلنا، وأن يجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يدَّخِر جلوسنا في هذا المكان متحدثين ومستمعين في موازين أعمالنا يوم القيامة، وإذا كان هناك بعض أسئلة ننظر في سؤال أو سؤالين. تفضل.
س: من أجل التدرج في دراسة النحو، ماذا تنصح بقراءته بعد "التحفة"؟ وما رأيك في قراءة "قطر الندى" و"شرح ابن عقيل" و"شرح ابن هشام"؟
ج: التدرج هو يعني: ما ذكرته. بعد التحفة يحسن أن تأخذ شرح "قطر الندى"، ويمكن أن تستعين ببعض الكتب الحديثة كما ذكرت بالأمس مثل: "النحو الواضح" ونحوه، وإذا انتهيت منه تأخذ "شرح ابن عقيل"؛ لأنه من الكتب -أيضًا- الواسعة والسهلة، ثم تترقى من ذلك إلى "شرح ابن هشام" وغيره من المطولات.
س: قلت: "إن المفرد العلم يُبنى على الضم دائمًا"
ج: هو صحيح يعني: هو سبق لسان، هو يبنى دائمًا، لكن على ماذا؟ يبنى على ما يرفع به ليس على الضم؛ لأني قلت يعني: يا محمد ويا محمدان ويا محمدون ويا هنود ويا هندات.ِ فهو يُبنى على ما يُرفع به إما: الضمة أو الألف أو الواو.
س: ذكرتَ أن الاسم لا يُبنى على ما ينصب به، بينما في المسألة تفصيل؟
ج: أنا في الواقع ما -يعني: ما- دخلت في التفصيلات، وإنما أعطيت بعض رءوس عناوين، وإلا فإني أعرف مسألة التفصيل في هذا، لكن حاولنا أن يعني: نسير مع الكتاب قدر الطاقة.
س: يقول: لماذا اختفى السكون في مثل هذا المثال وذلك حالة الجزم: لم يتمَّ زيد درسه ؟.(1/346)
ج: في مثل هذا المثال أصله: لم يتممْ "بالسكون" لم يتممْ مثل: لم يكمل، أو لم يتمم زيد درسه. فحينما شدِّد -حينئذ- أو أدغم "لم يتممَّ" -فإنه يخفف -كما ترى- من أجل النطق بالفتحة أونحو ذلك. كما يحصل التخفيف أيضًا في مثل ما إذا التقى ساكنان، في مثل: لم يقم الرجل ونحو ذلك، وإلا فإنه مجزوم بلم، ما في ذلك شك.
س: نرجو من فضيلتكم بعض الوصايا في طلب العلم، من أب لأبنائه ومن أخ لأخوته؟.
ج: من أول الوصايا في طلب العلم: هي أولًا: الإخلاص لله عز وجل.
ينبغي أن يصطحب الإنسان معه في طلبه للعلم نية صادقة: وهي أن يطلب هذا العلم ابتغاء مرضاة الله -عز وجل- بأن يحقق ما في نفسه "يتمثل هذا العلم في نفسه"، وينشره بين الناس. فإذا تحققت هذه النية الخالصة في طلب العلم -فإنها هي المفتاح التي تفتح لطالب العلم الأبواب، ويتهيأ بها أن ييسر الله له -سبحانه وتعالى- ذلك، وأن يبارك له في جهده وفي وقته، متى ما صدق وأخلص في النية الصالحة.
ثم بعد ذلك عليه بأن يحاول أو يكثر من حضور حِلَق العلم، وأن يجلس إلى المشائخ؛ لأن تلقي العلم عن المشائخ وطلاب العلم ليس كتلقيه عن الكتاب؛ لأنك أمام عالم تشافهه ويشافهك، وتأخذ منه ويصوبك ويقومك، أما التلقي والاقتصار والتلقي على الكتب فإنه مظنة الزلل، على أنه لا يستغني الإنسان عن الكتب، وعن المراجعة، وعن القراءة، وعن المداومة، لكن لا يكون الكتاب هو المرجع والمدرس والمعلم الوحيد، وإنما ينبغي أن يحضر ويواظب على حضور حِلَق العلم، وأن يحاول أن يستفيد من وقته في ذلك غاية الاستفادة، وهذا يعني: أبرز ما يحضرني في هذا.
وتحقيق هذا -لا شك- كفيل -بإذن الله- بأن يجمع للإنسان، يحقق له أن يحصل من ذلك على الشيء الكثير في الوقت القليل.
هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.(1/347)