دليل السالك
إلى
ألفية ابن مالك
بقلم
عبد الله بن صالح الفوزان
الجزء الأول
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ / عبد الله بن صالح الفوزان
www.alfuzan.islamlight.net
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين. نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين. ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد . .
فهذا شرح لطيف على ألفية العلامة محمد بن مالك الأندلسي - رحمه الله تعالى - كتبته بعد علاقة وثيقة طويلة مع هذه الألفية . . أولها: دراستي لها في المعهد العلمي وعنايتي بحفظها وفهمها. وثانيها: تدريسها في المعهد عدة سنوات. وثالثها: تدريسها للطلاب في المسجد.
وقد تبين لي من خلال ذلك أن الألفية بحاجة إلى شرح - يناسب أبناء هذا الزمن - يعتمد على سهولة التعبير، والبعد عن العلل النحوية، وتعدد الآراء، ويقوم على الأمثلة الواضحة المفيدة، مع العناية بالإعراب وقواعده، وكنت أستصعب ذلك. فأشار عليّ جمع من الأخوة - جزاهم الله خيراً - بشرحها. وحببوا إليّ الإقدام على ذلك. لاسيما بعد تدريسها في المسجد، وهو منهج يختلف عن منهج الدراسة النظامية، فاستخرت الله تعالى، وسألته العون، وبدأت في شرحها.
وقد وضعت لشرحي - هذا - منهجاً استفدته من تدريس الألفية. وهو كما يلي:
1) كتبت هذا الشرح بأسلوب واضح وعبارة بينة - قدر طاقتي - ليكون في متناول الدارسين لألفية ابن مالك؛ لأن من أسباب انصراف الناشئة عن دراسة النحو ورغبتهم عنه، اختصار العبارة وإيجازها، فلا يستطيع الطالب أن يطبق المثال على القاعدة، وقد احتفظت باصطلاحات المتقدمين في الغالب.(1/1)
وطريقتي أنني أبدأ بشرح المسائل النحوية التي تحويها الأبيات مع إيراد الأمثلة، وقد أزيد على ما ذكره الناظم ما تدعو الفائدة إلى ذكره من شرط أو ضابط ونحوهما، وأرجح ما يؤيده السماع ولو كان فيه مخالفة لأئمة النحو، وفي نهاية المطاف أشرح الأبيات بأسلوب موجز، وأبين معاني ألفاظها، وما يحتاج إلى إعراب أو إيضاح أصل..
2) وضعت نصب عيني - أثناء شرحي - ثلاثة أمور:
الأول: عدم اللجوء إلى التكلف والتأويل فيما خرج عن القاعدة، وخالف النسق الصحيح الوارد في تركيب الجملة؛ بل يبقى على ما سمع عليه من العرب.
الثاني: التسهيل في اللغة، والتسامح في قبول ما تكلم به العرب، وعدم التشدد، وهذا أمر مطلوب. فما ورد عن العرب - وإن قل - كافٍ في القياس عليه. ومراعاة الأكثر أفضل.
الثالث: عدم الإكثار من الحذف والتقدير في آيات القرآن، وهذه قاعدة ينبغي أن يستفيدها الدارس لإعراب الآيات، فقد تتعدد الآراء، وخيرها ما كان بعيداً عن التقدير، ما دام أن المعنى يشهد له.
3) اعتمدت التمثيل بالآيات القرآنية. وأشير - في الغالب - إلى القراءات إن كانت سبعية. وأذكر قبل الآية مثالاً مفيداً. وقد لا أمثل بذلك إذا كان المقام لا يستدعي المثال. وقد مثلت ببعض الأحاديث في مواضع من الشرح، لاسيما مما قد يشكل إعرابه على بعض الدارسين.
4) أعرضت عن ذكر المسائل الخلافية. والآراء المنسوبة لبعض علماء النحو، مكتفياً بالرأي الأقوى، الذي يعضده السماع بكثرة. إلا إذا كان الخلاف أشار إليه ابن مالك. فأذكره من باب توضيح الألفية(1).
5) لم أكثر من عرض الشواهد من كلام العرب - مع اقتناعي بقيمتها الأدبية ومنزلتها في اللغة - إلا ما دعت إليه الحاجة. أو كان ابن مالك قد أشار إليه في الألفية. وإنما أعرضت عن أكثرها؛ لأنها تحتاج من المتعلم إلى جهد ووقت في تفسير ألفاظها، وبيان معانيها. إضافة إلى المعلومات الأساسية المقصودة في هذا العلم.(1/2)
6) أذكر - أحياناً - بعض العلل والأسباب التي يذكرها النحاة. من باب توضيح الألفية(2). وإن لم أقتنع بها. إذ الكثير منها تعليل لأمر واقع لا سبب له إلا السماع، وهذه هي القاعدة السليمة. التي لا اعتراض عليها. دون الاشتغال بعلل وأسباب لا تفيد شيئاً في مجال التطبيق. يقول الخضري - رحمه الله - في حاشيته على شرح ابن عقيل - رحمه الله - (1/30) عند الكلام على بناء الأفعال وسببه. يقول: (العمدة في هذه الأحكام "السماع" وهذه حِكَمٌ تُلْتَمَسُ بعد الوقوع. لا تحتمل هذا البحث والتدقيق).
ويقول أبو حيان - رحمه الله - فيما نقله عنه السيوطي - رحمه الله - في همع الهوامع (1/56) عن تعليلات النحاة لحركة الضمير من ضمة للمتكلم، أو فتحة للمخاطب، أو كسرة للمخاطبة، يقول: (وهذه التعاليل لا يُحتاج إليها، لأنها تعليلُ وضعياتٍ، والوضعيات لا تعلل). ومراده بالوضعيات: ما نطقت به العرب على وضع خاص مثل: أنتَ. أنتِ . . . إلخ.
7) ذيلت الكتاب بحواشٍ أودعتها إعراب ما قد يشكل على القارئ من الآيات القرآنية أو الأحاديث أو الأبيات. وهو إعراب موجز - في الغالب - لئلا يزداد حجم الكتاب، وفيه ما يصلح أن يكون قواعد عامة. كما ذكرت في بعض الحواشي شرح بعض المصطلحات النحوية أو الصرفية التي يحتاج إليها القارئ.
8) لما كان ضبط أبيات الألفية بالشكل من الأهمية بمكان. قمنا بكتابتها مشكولة؛ لتكون عوناً للطالب على حفظ سليم من الأخطاء.
9) لم أكتف بالأبواب العامة للألفية. بل وضعت عناوين قصيرة أمام الأبيات؛ إيضاحاً لها وتقريباً لمضمونها، مع حرصي على الوحدة الموضوعية للأبيات التي أجمعها في مكان واحد وأشرحها. والغالب أنني أبدأ الشرح بذكر موضوع النظم الذي أشرحه.
10) قدمت للشرح بمقدمة تحدثت فيها عن ألفية ابن مالك. وجملةٍ من شروحها وخدمة العلماء لها. كما بينت شيئاً من خصائصها ومزاياها.(1/3)
11) لم أضع في الحاشية إحالات لكتب النحو، لعدم الحاجة إليها. إلا في بعض المسائل التي تهم القارئ.
12) حرصت على ربط المسائل ببعضها. بقولي: كما تقدم أو سيأتي، ونحو ذلك مما يفيد القارئ في ربط المعلومات وردّ بعضها إلى بعض.
وفي الختام أرجو من القارئ الكريم إذا رأى فيما كتبته زلة قلم أو نبوة فهم أن يكتب إليّ - مشكوراً مأجوراً - لتلافي ذلك مستقبلاً. فالأذن صاغية، والصدر منشرح؛ لأن ما يكتبه الإنسان عرضة للنقد والانتقاد. والتخطئة والتصحيح. وأسأل الله العلي القدير أن يرزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وكتبه
عبد الله بن صالح الفوزان
ضحوة يوم الأحد: 25/2/1416هـ
بمدينة بريدة
ألفية ابن مالك
كان للسابقين من أهل العلم العناية الكبرى بحفظ العلوم وتقريبها لطلابها. فبذلوا جهداً وصرفوا وقتاً. فتعددت الفنون. وتنوعت طرق تدوينها. . .
وقد ظهر في القرن الثاني الهجري - وما بعده - (الشعر التعليمي) وهو نظم أنواع من المعارف والعلوم. مما كان له أثر كبير في تنوع المعارف وتنظيمها. وازدياد الإقبال على التعلم والتعليم. لأن النظم وسيلة سهلة. ومشوقة للحفظ والنقل.
وقد شمل هذا النوع من الشعر كثيراً من العلوم، فلم يقتصر على النحو فقط، بل تعداه إلى غيره من الفنون. كالقراءات وأصول الفقه وأصول التفسير ومصطلح الحديث وغير ذلك، ومن ذلك (الألفية) التي نظمها العلامة محمد بن عبد الله بن مالك الأندلسي المتوفى سنة 672هـ بعد كتابه (الكافية) وقد اختصرها منها(3).(1/4)
وقد سبق ابن مالك في نظم النحو على هذا المنوال العلامة ابن معطي المتوفى سنة 628هـ والظاهر أن ابن مالك نظر في ألفية ابن معطي، وأقرأها لتلاميذه، فشجعه ذلك على أن ينظم على غرارها أو أفضل منها. رغبة في خدمة اللغة العربية. وتقريب علومها للدارسين. لاسيما وقد نظم قبلها (الكافية) وهو في عصر كثرت فيه المنظومات: كمنظومة الحريري المتوفى سنة 516هـ وابن الحاجب ت 646هـ، وأبي حيان ت 745هـ.
جاءت ألفية ابن مالك شاملة لأبواب النحو. منظمة الأبواب. سهلة الاستيعاب، جمع فيها خلاصة ما أورده في (الكافية). وقد امتازت بمميزات أذكر منها ما يلي:
1) بيان الحالات الأصلية والفرعية. وما جاء بخلاف ذلك. كقوله في باب الفاعل:
وَالأَصْلُ فِي الْفَاعِلِ أََنْ يَتَّصِلا……وَالأَصْلُ فِي المَفْعُولِ أنْ يَنْفَصِلا
وَقَدْ يُجَاءُ بخِلافِ الأصْلِ……وَقَدْ يَجِي المَفْعُولُ قَبْلَ الفِعْلِ
…وقوله في باب (الابتداء):
والأَصْلُ فِي الأَخْبارِ أنْ تُؤَخَّرَا …وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ إذ لا ضَرَرا
2) الإشارة إلى بعض المسائل الإعرابية التي هي بمثابة قاعدة.
كقوله في باب (الابتداء):
مُبْتَدَأ زَيْدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ ……إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ
وَأَوَّلٌ مُبْتَدَأ وَالثَّانِي……فَاعِلٌ أَغْنَى فِي أسَارٍ ذَانِ
وقوله في باب (نعم وبئس):
وَيُذْكَرُ المَخْصُوصُ بَعْدُ مُبْتَدَا…أوْ خَبَرَ اسمٍ لَيْسَ يَبْدُو أَبَدَا
3) بيان الأوجه الخلافية كقوله في باب (التوكيد):
وَإِنْ يُفِدْ تَوْكِيدُ مَنْكُورٍ قُبِلْ ……وَعَنْ نُحَاةِ البَصْرَةِ المَنْعُ شَمِلْ
وقوله في باب (التنازع):
إِنْ عَامِلانِ اقْتَضَيَا فِي اسمٍ عَمَلْ……قَبْلُ فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا الْعَمَلْ
وَالثَّانِ أَوْلَى عِنْدَ أَهْلِ البَصْرَهْ……وَاخْتَارَ عَكْسًا غَيْرُهُمْ ذَا أَسْرَه(1/5)
4) الاستغناء بالأمثلة عن ذكر القاعدة أو ذكر الشروط. وهذا كثير فيها، وهو من باب التعريف بالمثال. ومن ذلك قوله في باب (الابتداء):
وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ……مَا لَمْ تُفِدْ كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ
وَهَلْ فَتَى فِيكُمْ فَمَا خِلٌ لَنَا……وَرَجُلٌ مِنَ الْكِرَامِ عِنْدَنَا
وَرَغْبَةٌ فِي الْخَيْرِ خَيْرٌ وَعَمَلْ……بِرٍّ يَزِينُ وَلْيُقَسْ مَا لَمْ يُقَلْ
5) إعطاء الأحكام المضادة لبعض المسائل، كقوله في باب (أفعال المقاربة):
وَكَوْنُهُ بِدُونِ أَنْ بَعْدَ عَسَى…… نَزْرٌ وَكَادَ الأَمْرُ فِيه عُكِسَا
وقوله في باب (إنَّ):
لانَّ أَنَّ لَيْتَ لَكِنَّ لَعَّلَ……كَأَنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ
6) الاختصار بعدم تكرار حرف العطف، كقوله في باب (كان):
تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا اسْمًا والْخَبَرْ تَنْصِبُهُ كَكَانَ سَيِّدًا عُمَرْ
كَكَانَ ظَلَّ بَاتَ أَضْحَى أَصْبحَا… أَمْسَى وَصَارَ لَيْسَ زَالَ بَرِحَا
وقوله في باب ( حروف الجر ) :
هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ وَهْيَ مِنْ إِلَى حَتَّى خَلاَ حَاشَا عَدَا فِي عَنْ عَلَى
مُذْ مُنْذُ رُبَّ الَّلامُ كَيْ وَاو وَثَا وَالكَافُ وَالبَا وَلَعَّلَ وَمَتَى
7) ظهرت شخصية الناظم فأبدى رأيه صريحاً في بعض المسائل.
كقوله في باب (النكرة والمعرفة):
وَصِلْ أَوِ افْصِلْ هَاءَ سَلْنِيهِ وَمَا…… أَشْبَهَهُ فِي كُنْتُهُ الخُلْفُ انتَمَى
كَذَاكَ خِلْتَنيهِ وَاتَّصَالاَ……أَخْتَارُ غَيْرِي اخْتَارَ الانْفِصَالاَ
وقوله في باب (العطف):
وَعَوْدُ خَافِضٍ لَدَى عَطْفٍ عَلَى ……ضَمِيرِ خَفْضٍ لاَزِمَا قَدْ جُعِلاَ
وَلَيْسَ عِنْدِي لازِما إِذْ قَدْ أَتَى…… فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ الصَّحِيحِ مُثْبَتَا
8) الإشارة إلى الأصح أو المختار أو الأشهر أو القليل، ونحو ذلك. كقوله في باب (المعرب والمبني) وهو يتحدث عن الأسماء الستة:(1/6)
أَبٌ أَخٌ حَمٌ كَذَاكَ وَهَنُ …وَالنَّقْصُ فِي هَذَا الأَخِيرِ أَحْسَنُ
وَفِي أَبٍ وَتَالِيَيْهِ يَنْدُرُ …وَقَصْرُهَا مِنْ نَقْصِهِنّ أَشْهَرُ
وقوله في آخر باب (النعت):
َومَا مِنَ المنْعُوتِ وَالنَّعْتِ عُقِلْ…يَجُوزُ حَذْفُهُ وَفِي النَّعْتِ يَقِلْ
وقوله في باب ( أفعال المقاربة) :
وَمِثْلُ كَادَ فِي الأَصَحِّ كَرَبَا…وَتَرْكُ أَنْ مَعْ ذِي الشُّرُوعِ وَجَبَا
وقوله في الباب نفسه:
وَالفَتْحَ وَالكَسْرَ أَجِزْ فِي السِّينِ مِنْ…… نَحْوِ عَسَيْتُ وَانْتِقَا الفَتْحِ زُكِنْ
إلى غير ذلك مما هو بيِّنٌ لدارس الألفية المتأمل فيها.
وقد اشتهرت الألفية وحفظها الطلاب، لبساطة نظمها، وسهولة فهم معانيها، ولأن ترتيبها ملائم للطالب في التدرج في دراسة النحو، كما أنها حظيت باهتمام العلماء. فمنهم من شرحها. ومنهم من نثرها، ومنهم من أعربها. وقد كثرت شروحها ما بين مسهب وموجز. إضافة إلى الحواشي والتعليقات على أكثر شروحها. ومن شروحها (4)- وحواشي الشروح - المطبوعة ما يلي:
1) شرح العلامة عبد الله بهاء الدين بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن عقيل المتوفى سنة 769هـ. وهو من أشهر شروحها. وأكثرها انتشاراً. وأقربها تناولاً، وقد قيل فيه وفي الألفية:
لألفية الحبر ابن مالك بهجةٌ… على غيرها فاقت بألف دليل(5)
عليها شروح ليس يحصى عديدها…وأحسنها المنسوب لابن عقيل
في هذا الكتاب حسن التنسيق ودقة التقسيم. ووضوح العبارة وتسلسل في الفكرة، بسط أبيات الألفية بطريقة سهلة. ومثال واضح. حتى إنه يحلل المثال ويعربه إن كان ثمَّ حاجة إلى إعراب.
وعلى شرح ابن عقيل عدة حواشٍ منها: حاشية الخضري، والسيوطي، وقام الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد بشرح الشواهد وإعرابها والتعليق في بعض المواضع( 3 ).(1/7)
2) شرح ابن أم قاسم المرادي. وهو الحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي المغربي المصري المالكي. المتوفى سنة 749هـ. وعرف بابن أم قاسم، وهي جدته أم أبيه، جاءت من المغرب، فكانت
3) شهرته تابعة لها. واسم شرحه: "توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك" والكتاب مطبوع في ستة أجزاء، تقع في مجلدين - حسب ما عندي - والناشر مكتبة الكليات الأزهرية. وعليه شرح وتعليق للدكتور: عبد الرحمن سليمان. وعلى هذا التعليق تعقبات كثيرة(7).
4) شرح ابن الناظم. محمد بدر الدين بن محمد بن عبد الله بن مالك المتوفى سنة 686هـ المعروف بشرح ابن الناظم. مطبوع في مجلد، بتحقيق الدكتور: عبد الحميد السيد. يميل في شرحه إلى دقة العبارة. وصعوبة المأخذ أحياناً. ويغلب عليه الاختصار. وقد تعقب والده دون هوادة في بعض المسائل(8).
5) شرح الأشموني، وهو أبو الحسن علي بن محمد المصري الأشموني، المتوفى في حدود سنة 900هـ مطبوع في أربعة أجزاء، وعليه حاشية محمد بن على الصبان، المتوفى سنة 1206هـ، ويعتبر هذا الشرح أكثر شروح الألفية تفصيلاً ونقلاً للمذاهب وآراء علماء العربية، مع سهولة في العبارة ووضوح في البيان.
6) شرح جلال الدين السيوطي. وهو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي، المتوفى سنة 911هـ. سماه: "البهجة المرضية" وهو مختصر جداً. مطبوع بهامش شرح ابن عقيل، ومطبوع وحده.
7) شرح أبي زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي الفاسي المتوفى سنة 801هـ مطبوع. وعليه حاشية للشيخ أحمد بن عبد الفتاح الملوي الأزهري. وطبعة أخرى وعليها حاشية ابن حمدون بن الحاج. وهو شرح مختصر.(1/8)
هذه بعض من شروح الألفية. أما الذين نثروها ففي مقدمتهم العلامة جمال الدين المعروف بابن هشام النحوي، المتوفى سنة 762هـ في مجلد سماه (أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك) مطبوع، وقد اشتهر باسم (التوضيح) وقد شرحه الشيخ خالد الأزهري النحوي المتوفى سنة 905هـ. وسمى شرحه (التصريح بمضمون التوضيح) وهو شرح مفيد. مطبوع في مجلدين.
وممن أعرب الألفية الشيخ خالد الأزهري - المذكور - في مجلد سماه (تمرين الطلاب في صناعة الإعراب). مطبوع، وبهامشه (موصِّل الطلاب إلى قواعد الإعراب) للشيخ نفسه.
هذه بعض شروح الألفية وخدمة العلماء لها. وهي من شروح كثيرة تدل على أهمية الألفية وقيمتها عند النحاة. فإن كثرة الشروح على كتابٍ ما دليلُ أهميته وفائدته.
ولم يشرح ابن مالك ألفيته - على ما ذكره بعض الباحثين - مخالفاً بذلك منهجه المعهود في التأليف. حيث كان يشرح متونه وأراجيزه. ولعله ترك شرحها اكتفاءً - فيما يبدو - بشرح الأصل، وهو الكافية، فإنه شرحها قبل أن ينظم الألفية ، وشرح (الكافية) شرح لألفيته(9).
وإذا كانت الألفية بهذه المكانة فإنها لم تسلم من المآخذ والاعتراضات على ناظمها - شأنها في ذلك شأنُ كلِ مؤلَّفٍ يتصدى جمع كثير لشرحه - لكن هذه المآخذ لا أثر لها إذا ما قورنت بالفائدة العلمية من الألفية من جهة. وأثر المؤلف والاستفادة منه في الدراسات النحوية من جهة أخرى.
وتختلف المآخذ على الناظم من مؤلف لآخر. شدة وسهولة. قلة وكثرة. على أن بعضها يمكن الإجابة عنه بلا تكلف ولا تمحل، بل لو سئل ابن مالك عنها في وقته لأجاب بصحة عدد منها(10).
رحم الله ابن مالك وأثابه على خدمة لغة القرآن. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(
مقدمة الناظم
1) قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِك …أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيْرَ مَالِكِ
2) مُصَلِّياً عَلَى النَّبيِّ الْمُصْطفَى… وآلِهِ المُسْتكْمِلِينَ الشَّرَفَا(1/9)
3) وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ……مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ
4) تُقَرِّبُ الأقْصى بِلَفْظٍ مُوجَزِ……وَتَبْسُطُ الْبَذْلَ بِوَعْدٍ مُنْجَزِ
5) وَتَقْتَضي رِضاً بِغَيرِ سُخْطِ……فَائِقَةً ألْفِيَّةَ ابْنِ مُعْطِي(11)
6) وَهْوَ بِسَبْقٍ حَائِزٌ تَفْضِيلاَ……مُسْتَوْجِبٌ ثَنَائِيَ الْجَمِيلا
7) واللهُ يَقْضِي بِهِبَاتٍ وَافِرَهْ……لِي وَلَهُ في دَرَجَاتِ الآخِرَهْ
هذه مقدمة الناظم. ضمنها الحمدلة(12) والصلاة على النبي ( - وعلى آله، والاستعانة بالله تعالى على هذه الألفية التي ذكر بعض صفاتها، ثم أشار إلى تقدم العلامة ابن معطي في هذا المجال.
قوله: (قال محمد هو ابن مالك) نَسَبَ نَفْسَه إلى جده، لشهرته به، وإلا فأبوه (عبد الله) فهو محمد بن عبد الله بن مالك(13) الطائي(14) الجياني. أبو عبد الله. أحد الأئمة في علوم العربية. ولد في حدود سنة 598هـ. في ( جيان ) بالأندلس . وانتقل إلى دمشق ، فتوفي بها سنة 672هـ. له مؤلفات عديدة، منها: الألفية، والكافية الشافية، وشرحها، وإكمال الإعلام بمثلث الكلام. وغيرها كثير(15).
قوله: (أحمد ربي الله خير مالك) الحمد هو الاعتراف للمحمود بصفات الكمال، مع محبته وتعظيمه. و(خير) منصوب: إما بعامل محذوف وجوباً تقديره: أمدح، أو على أنه حال لازمة.
قوله: (مصلياً على النبي المصطفى) (مصلياً) حال مقدرة. والحال المقدرة هي التي تحدث فيما بعد، كقوله تعالى: (فادخلوها خالدين((16) والصلاة على النبي ( لا تقع وقت حمده لله، وإنما تقع بعد الانتهاء منه. ويصح أن تكون مقارنة ، ومقارنة الألفاظ وقوعها متصلة.(1/10)
قوله: (وآله المستكملين الشرفا) الأظهر في آله: أنهم أتباعه على دينه ويدخل فيهم دخولاً أولياً أتباعه من قرابته؛ لأنهم آل من جهة الأتباع، ومن جهة القرابة، والشرفا: إن كان بفتح الشين فهو مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. والألف للإطلاق. وإن كان بضم الشين فهو نعت ثان لـ (لآل) مجرور بكسرة مقدرة على الألف، لأنه مقصور من الممدود، وأصله: (الشرفاء) جمع شريف: كظريف وظرفاء. والشريف: من جمع علو النسب مع حميد الصفات وعلو القدر. وعلى هذا يكون مفعول (المستكملين) محذوفاً تقديره: أنواع الفضائل.
قوله (وأستعين الله في ألفيه) أي: أطلب العون من الله تعالى، وفي الحديث (اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً). أخرجه ابن السني عن أنس في (عمل اليوم والليلة) وصححه ابن حبان، وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث صحيح.
وقوله: (في ألفيه)، (في) بمعنى (على) لأن الاستعانة وما تصرف منها تتعدى بـ (على)، قال تعالى: (والله المستعان على ما تصفون((17).
و(ألفيه) أي: عدد أبياتها ألف بيت، من بحر الرجز. وقد قيل: إنها تنقص ستة أبيات. وقيل: أكثر. وقد وجد من شراحها من يزيد أو ينقص بعض الأبيات(18).
وقد جاءت مقدمة الألفية في سبعة أبيات، والختام في أربعة. والباقي يختص بالمادة العلمية وعددها (992) بيتاً فيكون المجموع (1003)، حسب عدّي لها. وهي الطبعة التي عليها شرح ابن عقيل وغيره.
وقوله: (مقاصد النحو بها محويه) وصفها بذلك ليعتني بها الطالب حفظاً وفهماً. ومقاصد النحو: مهماته. ومعنى (محويه) أي مجموعة.
قوله: (تقرب الأقصى بلفظ موجز) أي: تقرب المعنى البعيد وغوامض المسائل، تقربها للأفهام (بلفظ موجز): أي قليل الحروف كثير المعنى .
قوله : (وتبسط البذل بوعد منجز) البذل أي: العطاء. وتبسط أي: توسِّع، والوعد المنجز: الموفى به بسرعة.(1/11)
قوله: (وتقتضي رضاً بغير سخط) أي: تطلب الرضا من قارئها غير مشوب بالسخط، فلا يعترض على مؤلفها كثيراً.
قوله: (فائقة ألفية ابن معطي) وهو الشيخ أبو الحسن يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور. الزواوي. نسبة إلى زواوة - اسم قبيلة موطنها شمال أفريقية - ولد سنة 564هـ في (بجاية) على ساحل البحر الأبيض. وهو صاحب الألفية المشهورة وغيرها من الكتب، وقد شرح ألفيته كثيرون، منهم عبد العزيز الموصلي من علماء القرن السابع. وشرحه مطبوع في مجلدين. مات ابن معطي سنة 628هـ بمصر رحمهم الله جميعاً.
وألفية ابن مالك تفوق ألفية ابن معطي لفظاً ومعنى.
أما اللفظ: فلأنها من بحر واحد، وهو بحر الرجز. وألفية ابن معطى من الرجز والسريع، كما نص هو على ذلك.
ومعنى: لأنها أكثر منها أحكاماً. كذا قيل في توضيح عبارة ابن مالك، وهذا لا يعني الأفضلية المطلقة.
فأولاً: أن ابن معطي هو صاحب الفكرة، وهو المبدع في هذا المجال. فقد كتب ألفيته على نسق ونمط لم يسبق إليه، وكفاه بذلك فخراً. وابن مالك سار على منواله.
وثانياً: أن لألفية ابن معطي مزايا ليست لألفية ابن مالك يتبينها الدارس لهما:
منها أن ألفية ابن معطي مملوءة بالآيات القرآنية والشواهد الشعرية، وهذا قليل في ألفية ابن مالك.
ومنها أنه يبدأ بالتعريف ثم يذكر الأحكام. وهذا مفقود في مواضع مهمة من الألفية(19).
ومنها سلاسة الأسلوب وسهولة التعبير. وإشراق المعنى.
وفي ألفية ابن مالك يظهر حسن الترتيب والتبويب والتنظيم والتنسيق مما يجعلها سهلة الاستيعاب، في حين أن ألفية ابن معطي خلت من التبويب، فإنه قد نظمها نظماً متصلاً، وكأنها تبحث في موضوع واحد.
جزى الله هذين العالمين خيراً على ما بذلا من جهد ووقت..
قوله: (وهو بسبق حائز تفضيلاً) أي: هو أفضل مني لسبقه إياي، فإن ابن مالك ولد سنة 598هـ أو 600هـ. ومات سنة 672هـ وابن معطي ولد سنة 564هـ ومات سنة 628هـ.(1/12)
قوله: (مستوجب ثنائي الجميلا) أي: لانتفاعي بما ألّفهُ واقتدائي به. وهو يشير بذلك إلى فضل المتقدم على المتأخر. وما يستحقه السلف من ثناء الخلف ودعائهم، فإن ابن مالك تابع لابن معطي في هذا النوع من التأليف ومستفيد منه، لأن ابن معطي كتب ألفيته على نسق لم يسبق إليه، كما تقدم والألف في قوله: (الجميلا) للإطلاق، وهي الألف التي تلحق حرف الروي إذا كان متحركاً، وتسمى القافية المطلقة، وتقابلها القافية المقيدة، وهي ما كان فيها حرفي الروي ساكناً.
وقوله:
والله يقضي بهبات وافره……لي وله في درجات الآخره
هذا دعاء من ابن مالك، ولو عم المسلمين بالدعاء لكان أولى. وقدم نفسه لحديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - أن رسول الله ( كان إذا ذكر أحداً فدعا له بدأ بنفسه. رواه الترمذي، وهو حديث صحيح.
والهبات: العطايا (وافره) أي: تامة..
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلام وما يتألف منه
8) كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ……وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ
9) واحِدُهُ كَلِمَةٌ والقَوْلُ عَمْ……وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلاَمٌ قَدْ يُؤَمْ
الكلام لغة: اللفظ الموضوع لمعنى: مفيداً أو غير مفيد.
واصطلاحاً: اللفظ المفيد ، والمراد بالمفيد ما يفهم منه معنى يحسن السكوت عليه. بحيث لا يبقى السامع منتظراً لشيء آخر.
مثاله: الله ربنا، ومحمد ( نبينا.
وقوله: "اللفظ": أي الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية ، بخلاف الإشارة ، والكتابة ، وعقد الأصابع ، ونحو ذلك ، فلا يسمى كلامًا عند النحاة.
وقوله : "المفيد" : يخرج الكلمة المفردة نحو : خالد، والمركب الإضافي نحو : أبو عبد الله ، والإسناد المتوقف على غيره نحو : إنْ قدم هشام .. ، فإن الاقتصار على مثل ذلك لا يفيد.
وأقل ما يتألف منه الكلام: اسمان مثل: الغيبة محرمة. أو فعل واسم مثل: جاء الحق.(1/13)
أما الكلم فهو: ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر، سواء أفاد نحو: العدل أساس الملك، أو لم يفد نحو: إن حضر ضيف. .
والكلم: اسم جنس جمعي(20) يفرق بينه وبين مفرده بالتاء، فيقال: كلمة. والكلمة هي: اللفظ الموضوع لمعنى مفرد.
والكلمة ثلاثة أقسام: اسم وفعل وحرف.
فالاسم: ما دل على معنى في نفسه من غير إشعار بزمن. مثل: كتاب.
والفعل: ما دل على معنى في نفسه وأشعر بهيئته بأحد الأزمنة الثلاثة(21) مثل: كتب، يكتب. اكتب.
والحرف: ما دل على معنى في غيره. مثل (الواو) لا تدل على معنى في نفسها، بل في غيرها، مثل: والله إن الحق منتصر.
وبين الكلام والكلم عموم وخصوص من وجه(22). يجتمعان فيما أفاد ويتألف من ثلاث كلمات فأكثر، نحو: قد قامت الصلاة. وينفرد الكلم فيما لم يفد نحو: إذا جاء أخوك . . وينفرد الكلام فيما أفاد ولم يتألف من ثلاث كلمات، نحو: الصدق فضيلة.
والقول: هو كل لفظ نطق به الإنسان. مفرداً كان أو مركباً. مفيداً كان أو غير مفيد، فهو ينطبق على الكلام وعلى الكلم وعلى الكلمة. فهو يعم الجميع عموماً مطلقاً(23)، وينفرد الأعم وهو القول بنحو: كتاب علي. فليس هذا بكلام ولا كلم ولا كلمة، لما تقدم.
وتطلق الكلمة أحياناً ويراد بها الكلام، نحو: ألقى إمام المسجد كلمة. وهذا من باب تسمية الشيء باسم بعضه. ومن ذلك قول النبي ( : (أصدق كلمة قالها لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل)، وقوله (: (الكلمة الطيبة صدقة) متفق عليهما.
وهذا معنى قول ابن مالك: (كلامنا . . إلخ) أي: الكلام عندنا معشر النحويين هو اللفظ المفيد. ولا يكون مفيدًا إلا إذا كان مركباً ثم مثل بقوله: استقم. وهو مركب من فعل أمر وفاعل مستتر. وقد استغنى بالمثال عن أن يقول: فائدة يحسن السكوت عليها. ثم ذكر أن الكلم ثلاثة أقسام، ومفرده كلمة، وأن القول يشمل بمعناه كل الأقسام (الكلام والكلم والكلمة).(1/14)
وقوله ( وكِلْمةٌ بها كلام قد يُؤَم) أي: تطلق الكلمة، ويقصد بها الكلام . . والتقليل في قوله: (قد يُؤَم) مراد به التقليل النسبي أي: استعمال (الكلمة) في الجمل قليل بالنسبة إلى استعمالها في المفرد لا قليل في نفسه، فإنه كثير. وقوله (وكِلْمة) بكسر الكاف هي إحدى اللغات الثلاث فيها. وقوله: (ثم حرف . . ) "ثم" بمعنى واو العطف، إذ لا معنى للتراخي بين أقسام الكلمة. ويكفي في انحطاط درجة الحرف عن قسيميه تأخيره عنهما.
10) بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ……وَمُسْنَدٍ لِلاِسْمِ تَمْيِيزٌ حَصَلْ
لما ذكر أنواع الكلمة وهي: الاسم والفعل والحرف شرع في ذكر علاماتها . فذكر في البيت خمس علامات ، يتميز بها الاسم عن الفعل والحرف؛ إذا وجدت واحدة منها كانت دليلاً على أن الكلمة (اسم) وقد تعددت هذه العلامات، لأن الأسماء متعددة الأنواع. فقد تصلح العلامة لاسم ولا تصلح لآخر.
الأولى: الجر. وليس المراد به حرف الجر، لأنه قد يدخل في اللفظ على ما ليس باسم كقولك: أشرت إليه بأن قم. بل المراد كون الكلمة مجرورة نحو: صليت في المسجد الواسع. قال تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم((24).
الثانية: التنوين(25): وهو نون ساكنة زائدة لغير توكيد، تلحق آخر الأسماء لفظاً لا خطاً ولا وقفاً، نحو: كتب محمدٌ واجباً بخط جميلٍ .
والتنوين أربعة أنواع:
1) تنوين التمكين(26): وهو اللاحق لغالب الأسماء المعربة المنصرفة، نحو جاء خالدٌ مستبشراً، ومنه قوله تعالى: (محمدٌ رسول الله(. وخرج بالأول: جمع المؤنث السالم نحو مسلمات. وبالثاني: الاسم المنقوص الممنوع من الصرف، نحو (جوارٍ) كما سيأتي إن شاء الله.(1/15)
2) تنوين التنكير: وهو اللاحق لبعض الأسماء المبنية، فرقاً بين معرفتها ونكرتها، فما نوِّن منها كان نكرة، وما لم ينوَّن فهو معرفة، نحو: (صهٍ) إذا تكلم غيرك. فهذا اسم فعل أمر معناه: اسكت عن كل كلام. فإن أردت السكوت عن كلام معين قلت: (صهْ). بدون تنوين.
3) تنوين المقابلة: وهو اللاحق لجمع المؤنث السالم ليكون في مقابلة النون في جمع المذكر السالم(27)، نحو حضرت بناتٌ عاقلاتٌ، ومنه قوله تعالى: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار((28).
4) تنوين العوض: وهو ما كان عوضاً عن محذوف، وهو ثلاثة أنواع:
أ ) عوض عن جملة: وهو الذي يلحق (إذ) المسبوقة بكلمة حين أو ساعة وما أشبههما، عوضاً عن جملة تكون بعدها، نحو: "قدم والدي وكنت حينئذ غائباً". أي: حين إذ قدم. قال تعالى: (ويومئذ يفرح المؤمنون((29) أي: ويوم إذ غُلبت الروم يفرح المؤمنون.لأن (إذ) من الظروف الملازمة للإضافة إلى الجمل.
ب ) عوض عن اسم: وهو اللاحق لـ (كل وبعض) عوضاً عما تضافان إليه، نحو: كلٌّ يسمع النصح، والمستفيد قليلٌ، ونحو: زملائي كثيرون، فدعوت بعضاً، وتركت بعضهم. قال تعالى: (كلٌ له قانتون((30).
ج) عوض عن حرف: وهو اللاحق لاسم منقوص ممنوع من الصرف، نحو: الليالي مواضٍ بحوادثها، شرب الزرع من سواقٍ فياضة، ومنه قوله تعالى: (ومن فوقهم غواش((31) والأصل: مواضيُ، وسواقيَ، وغواشيُ. فالتنوين عوض عن الياء المحذوفة، التي كانت العرب تحذفها (من فواعل وأشباهها) في حالتي الرفع والجر، فالكلمة مرفوعة بضمة مقدرة على الياء المحذوفة، ومجرورة بفتحة نيابة عن الكسرة فوق الياء المحذوفة.
العلامة الثالثة من علامات الاسم : دخول ( أل ) على الكلمة نحو : قدم المسافر .(1/16)
العلامة الرابعة: النداء. وليس المراد به دخول حرف النداء، لأنه قد يدخل في اللفظ على ما ليس باسم، كقوله تعالى: (يا ليت قومي يعلمون((32) على أحد الإعرابين(33) وإنما المراد كون الكلمة مناداة، نحو: يا خالد أكرم أباك. قال تعالى: (يا إبراهيم (104) قد صدقت الرؤيا((34).
العلامة الخامسة: الإسناد أي: إلى الاسم، وهو أن يُنسب إلى الكلمة حكم تحصل به الفائدة نفياً أو إثباتاً، نحو: صليت مع الجماعة. قال تعالى: (وألقيت عليك محبة مني((35) فالتاء اسم، لأنه أسند إليه الصلاة في الأول. وإلقاء المحبة في الثاني، ونحو قولك: المؤمن لن يتأخر عن فعل الخير. فيه إسناد عدم التأخر إلى المؤمن، وهذه العلامة من أنفع العلامات، وبها يستدل على اسمية الضمائر، إذ لا يوجد لها علامة سواها.وهذا معنى قوله: (بالجر والتنوين . . . إلخ) أي: حصل تمييز للاسم عن غيره بالجر والتنوين والنداء وأل. (ومسند للاسم) أي: إسناد إلى الاسم. فهو اسم مفعول أريد به المصدر، وظاهر كلامه أن التنوين كله من خواص الاسم، وليس كذلك، بل المختص به الأربعة المذكورة(36).
*…*…*
11) …بتَا فَعَلْتَ وَأَتَتْ وَيَا افْعَلِي ……وَنُونِ أقْبِلَنَّ فِعْلٌ يَنْجَلِي
…لما ذكر علامات الاسم ذكر علامات الفعل، وهي:
1- تاء الفاعل: للمتكلم نحو: قمتُ بواجبي. أو للمخاطب نحو: أنتَ زرتَ المريض. قال تعالى: (إن كنتُ قلتُه فقد علمتَه((37). أو للمخاطبة نحو: أنتِ ربيتِ أولادك. قال تعالى: (فإذا خفتِ عليه فألقيه في اليم((38).
2- تاء التأنيث الساكنة أصالة نحو: صامتْ هند يوم الخميس. قال تعالى: (وقالتْ لأخته قصيه((39) وقد تتحرك بالكسر أو الفتح لعارض، كالتخلص من التقاء الساكنين، فالأول نحو: (قالتِ امرأت العزيز((40) والثاني نحو: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض أئتيا طوعاً أو كرهاً قالتَا أتينا طائعين((41).(1/17)
وقد توجد الساكنة في بعض الحروف نحو: رُبّتْ وثمتْ. بالتسكين. وهذا قليل، والأكثر الفتح. نحو: من أعطاه الله مالاً ثَمَّتَ أسرف فيه كان ملوماً.
3- ياء المخاطبة نحو: احذري أعداء المرأة. قال تعالى: (فكلي واشربي وقرّي عيناً((42) وإنما قال ابن مالك: (ويا افعلي) ولم يقل: (ياء الضمير) لأن هذه تشمل ياء المتكلم، وليست خاصة بالفعل. بل تكون فيه وفي الاسم والحرف، كقوله تعالى: (ربّ اغفر لي ولوالدي((43) وقوله تعالى: (ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك((44).
4- نون التوكيد ثقيلة كانت أو خفيفة. فالأولى نحو: والله لأفعلنّ الخير. والثانية نحو: احذرن قول السوء. قال تعالى: (ليسجنن وليكونا من الصاغرين((45).
وهذا معنى قوله (بتا فعلت . . . إلخ) أي: أن الفعل (ينجلي) أي: ينكشف ويتميز من غيره بإحدى العلامات الآتية. وقد ذكرها. وهذه العلامات موزعة بين أنواع الفعل. لكل نوعٍ بعضٌ منها في آخره دون بعض(46).
*…*…*
12) سِوَاهُمَا الْحَرْفُ كَهَلْ وَفي وَلَمْ……........................................
…علامة الحرف أنه لا يحسن فيه شيء من علامات الأسماء، ولا علامات الأفعال. والحرف ثلاثة أنواع:
1- مختص بالاسم مثل: حروف الجر، وإن وأخواتها.
2- مختص بالفعل مثل: قد والسين وسوف ولم.
3- مشترك بين الاسم والفعل مثل: هل، وما.
*…*…*
12) ...........................……فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ
13) وَمَاضِيَ الأفْعَالِ بِالتَّا مِزْ وَسِمْ……بِالنُّونِ فِعْلَ الأمْرِ إِنْ أمْرٌ فُهِمْ
…لما ذكر علامات الفعل مجملة. شرع في بيان أقسام الفعل، وعلامة كل قسم.
1) فالفعل المضارع. هو ما دل على حدث وزمن صالح للحال أو الاستقبال(47) وعلامته صحة دخول (لم) عليه. كقوله تعالى: (لم يلد ولم يولد((48).(1/18)
2) والفعل الماضي هو ما دل على حدث وزمن فات قبل النطق به(49). وعلامته قبول تاء الفاعل نحو (إني تبتُ إليك((50) أو تاء التأنيث الساكنة نحو (والله أعلم بما وضعتْ((51).
3) فعل الأمر وهو ما دل بذاته على أمر مطلوب تحقيقه في زمن مستقبل. وله علامتان:
الأولى: دلالته على الطلب.
الثانية: قبول نون التوكيد. نحو: أكرمنَّ المسكين. ولم يأت في القرآن فعل الأمر مؤكداً بالنون على الرغم من جواز توكيده بها.
وهذا هو المراد بقوله: (فعل مضارع يلي لم . . إلخ) أي: أن علامة المضارع أن يلي (لم) الجازمة، وقوله: كـ(يشم) هو فعل مضارع بفتح الشين على الأفصح، ماضيه (شمَّ) من قولك: شَمِمْت الطيب. وهو من باب فرح. ثم ذكر أن الماضي يختص من تلك العلامات بقبوله التاء المتحركة للفاعل أو الساكنة للتأنيث، ومعنى (مِزْ) أي: مَيِّزْ. ثم بيَّن أن فعل الأمر يوسم، أي: يعلم ويعرف بقبوله نون التوكيد، مع دلالته على الطلب، وهو معنى قوله: (إن أمر فهم).
*…*…*
14) واَلأَمْرُ إنْ لَمْ يَكُ لِلنُّونِ مَحَلْ……فِيهِ هُوَ اسْمٌ نَحْوُ صَهْ وَحَيَّهَلْ
…إذا دلت الكلمة على الطلب، ولم تقبل نون التوكيد فهي اسم فعل أمر. مثل: صه إذا تكلم غيرك. فهي وإن دلت على طلب السكوت، لأنها بمعنى اسكت، لكنها لا تقبل النون، ومثله: حيهل بمعنى: أقبل.
وخص ابن مالك اسم فعل الأمر بالذكر دون اسم الفعل المضارع نحو (فلا تقل لهما أف((52) أي اتضجر. واسم الفعل الماضي نحو (هيهات هيهات لما توعدون((53) أي: بَعُدَ. لكثرته في اللغة دون أخويه، كما سيذكر ذلك في باب أسماء الأفعال.
فإن قبلت الكلمة النون، ولم تدل على الأمر، فهي فعل مضارع، نحو (لنخرجنك يا شعيب((54).(1/19)
وهذا معنى قوله: (والأمر إن لم يكُ للنون محل فيه . . . ) أي: إن دلت الكلمة على الطلب، وهذا مأخوذ من قوله: (والأمر) ولم تقبل نون التوكيد، فهي اسم فعل أمر. وقوله: (هو اسم) خبر المبتدأ (الأمر) وليس جواباً للشرط، لعدم اقترانه بالفاء(55).
المعرب والمبني
15) وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي ……لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي(56)
الاسم قسمان: معرب ومبني.
فالمعرب: ما يتغير آخره بسبب العوامل الداخلة عليه.مثل: حضر الضيفُ، صافحت الضيفَ، فرحت بالضيفِ.فالأول: مرفوع لأنه معمول لعامل يقتضي الرفع على الفاعلية وهو (حضر). والثاني: منصوب، لتغير العامل بعامل آخر يقتضي النصب على المفعولية، وهو الفعل (صافحت). والثالث: مجرور، لتغير العامل بعامل آخر يقتضي الجر، وهو الباء(57).
والمبني: ما يلزم حالة واحدة، ولا يتغير آخره بسبب ما يدخل عليه.مثل: هذا الطالب فاز على زملائه. هنأت هذا الطالب. سلمت على هذا الطالب. فـ (ذا) مبني على السكون في محل رفع أو نصب أو جر، ولم يتغير آخره.
وسبب بناء الاسم مشابهته الحرف في وجه من الأوجه التي سيذكرها(58).
ومعنى البيت: أن الاسم منه ما هو معرب، ومنه ما هو مبني. بسبب الشبه الذي قَرَّبَهُ من الحرف. وقوله: (مُدْني) اسم فاعل من (أدنى) تقول: أدنيت الشيءَ من الشيءِ، إذا قربته منه، والياء زائدة للإشباع، والأصل: مُدْنٍ؛ لأن ياء المنقوص المنكّر غير المنصوب تحذف وجوباً، نحو: هذا ساعٍ إلى الخير.
*…*…*
16) كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا ……والمَعْنَوِيِّ في مَتَى وَفِي هُنَا
17) وَكَنيِابَةٍ عَنِ الفِعْلِ بلا ……تَأَثُّرٍ وَكافْتِقَارٍ أُصِّلا
ذكر في البيتين أوجه شبه الاسم بالحرف. الذي اقتضى بناء الاسم. وهذا الشبه مشروط فيه عدم وجود معارض يضعفه، مما هو من خصائص الأسماء كالتثنية أو الإضافة، كما سنذكر ذلك إن شاء الله.(1/20)
الأول: الشبه الوضعي: وهو أن يكون الاسم على حرف أو حرفين. فالأول كالتاء من (فعلت) في قوله تعالى: (ءأنت فعلت هذا بإلهتنا بإبراهيم((59) فهي اسم للإسناد إليها، ومبنية لأنها أشبهت الحرف في الوضع، لكونها على حرف واحد. فهي كباء الجر ولامه.
والثاني مثل (نا) في قوله تعالى: (قالوا أقررنا((60) فهي مبنية لشبهها الحرف في الوضع في كونها على حرفين. فهي شبيهة بنحو: قد. وبل.
فإن قيل: لِمَ أعرب (أب وأخ) مع أنهما على حرفين؟
فالجواب: أن هذا الشبه بالحرف عارض، لأنهما ثلاثيان، إذ أصلهما (أبَوٌ وأخَوٌ) بدليل النسب إليهما (أَبَويّ وأَخَويّ) وبدليل تثنيتهما.
الثاني: الشبه المعنوي وهو: أن يتضمن الاسم معنى من معاني الحروف. سواء وضع لذلك المعنى حرف أم لا.
فالأول: كمتى في نحو: متى السفر؟ وقوله تعالى: (متى نصر الله((61)؟ فهي اسم استفهام شبيه بهمزة الاستفهام في المعنى؛ لأن كلا منهما يسأل به عن معنى محدود. وكقوله تعالى: (من يعمل سوءا يجز به((62) فـ (مَنْ) اسم شرط شبيه بإن الشرطية في المعنى، لأن كلاًّ منهما يفيد التعليق والجزاء، الذي يتضح من الجملة التي بعدها.
فإن قيل: لِمَ أعربت (أي) الشرطية في مثل: أيُّ خير تعمله ينفعك، وفي قوله تعالى: (أيّما الأجلين((63) والاستفهامية في نحو: أي يوم تسافر فيه؟ وفي قوله تعالى: (فأيُّ الفريقين أحق بالأمن((64).
فالجواب: هو ما تقدم من أن شرط الشبه بالحرف ألا يوجد له معارض يضعفه. وقد أضيفت أيُّ الشرطية والاستفهامية - هنا - لمفرد. فهما معه معربتان؛ لأن الإضافة من خصائص الأسماء.(1/21)
والثاني: وهو ما أشبه حرفاً غير موجود مثل: هنا. في قوله تعالى: (أتتركون في ما هاهنا ءامنين((65) فهنا اسم إشارة للمكان مبني، وهو شبيه بحرف كان يستحق الوضع؛ لأن الإشارة معنى من المعاني التي حقها أن تؤدى بالحرف الدال عليها، كما وضعوا للنفي (ما) وللنهي (لا) وللخطاب (الكاف) وللاستفهام (الهمزة) لكن العرب لم تضع لها حرفاً. فبنيت أسماء الإشارة؛ لتضمنها معنى حرف كان يستحق الوضع.
الثالث: الشبه النيابي: وهو أن يشبه الاسم الحرف في كونه ينوب عن الفعل ولا يدخل عليه عامل، فيؤثر فيه، ومثاله: صهْ عما يشين. وقوله تعالى: (هيهات هيهات لما توعدون((66) فـ (صهْ) و(هيهات) كل منهما مبني، لأنه أشبه الحرف في شيئين:
الأول: النيابة عن الفعل. فإن الحرف (لعل) - مثلاً - ناب عن الفعل أترجى، وليت عن أتمنى. وكذا (هيهات) ناب عن الفعل بَعُدَ و(صه) عن الفعل: اسكت.
الثاني: أنه لا يدخل عليه عامل. فإن الحروف لا تدخل عليها العوامل. فلا تقع فاعلاً ولا مفعولاً. وكذا اسم الفعل (صهْ) فهو مبني على السكون، لا محل له من الإعراب، و(هيهات) مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب.
وقولنا: فيؤثر فيه. احتراز من المصدر النائب عن فعله، نحو: إحساناً إلى والديك، وكقوله تعالى: (وبالوالدين إحسانا((67)، فهو نائب مناب الفعل (أحسنوا) لكنه معرب، لأنه تدخل عليه العوامل فتؤثر فيه. فتقول: (أعجبني إحسانك إلى والديك) فيكون فاعلاً، وتقول: (إحسانك إلى والديك واجب) فيكون مبتدأ . . وهكذا . .
الرابع: الشبه الافتقاري. وهو أن يكون الاسم مفتقراً افتقاراً لازماً إلى جملة أو شبهها. نحو: جاء الذي استعار الكتاب. قال تعالى: (تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده((68) فالاسم الموصول محتاج إلى صلة بعده، توضح معناه، كما أن الحرف لا يظهر معناه إلا بمجرور بعده. وعليه فلابد من شرطين:
1) الافتقار إلى جملة أو شبهها.
2) اللزوم والأصالة.(1/22)
فإن اختل الأول أعرب الاسم كقوله تعالى: (سبحان الله عمّا يصفون((69) فـ (سبحان) اسم مصدر(70) منصوب بفعل محذوف تقديره: (أسبح) فهو معرب، لأنه وإن كان مفتقراً بالأصالة لكن إلى مفرد.
وكذا إن اختل الشرط الثاني كقوله تعالى: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم((71) فـ (يوم) مضاف إلى الجملة. والمضاف مفتقر إلى المضاف إليه، ولكنه ليس لازماً بل عارض في بعض التراكيب، إذ قد لا يضاف أصلاً، كقوله ( : "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً" متفق عليه. وقد يضاف إلى مفرد نحو: يوم الجمعة عيد للمسلمين.
وإلى هذه الأنواع الأربعة أشار بقوله: (كالشبه الوضعي . . إلخ) أي: أن الشبه الذي يدني الاسم ويقربه من الحرف كالشبه الوضعي، أي: الشبه في الوضع، أو الشبه في المعنى. وكأن ينوب الاسم عن الفعل من غير أن يتأثر بالعوامل. ومراده بهذا القيد إخراج المصدر، كما تقدم. أو أن يحتاج دائماً إلى جملة بعده، والألف في قوله: (أُصَّلا) للإطلاق، وتقوم معناه في شرح مقدمة الناظم.
والخلاصة: أن البناء يكون في ستة أبواب: الضمائر، أسماء الاستفهام، أسماء الشرط، أسماء الإشارة، أسماء الأفعال، الأسماء الموصولة(72).
*…*…*
18) وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا……مِنْ شَبَهِ الْحَرْفِ كأَرْضٍ وَسُمَا
…لما فرغ من ذكر الأسماء المبنية - وقَدَّمها لأنها محصورة - ذكر الأسماء المعربة، وهي خلاف المبنية، كما تقدم.
والاسم المعرب نوعان:
الأول: صحيح، وهو ما يظهر إعرابه مثل: كتاب، دار، قلم.
الثاني: معتل، وهو ما لا يظهر إعرابه. بل يكون مقدراً، مثل: الفتى، القاضي، المستشفى. تقول: جاء الفتى، ورأيت الفتى، ومررت بالفتى، قال تعالى: (قل إن الهدى هدى الله((73) فالأولى منصوبة بفتحة مقدرة؛ لأنها اسم "إنّ"، والثانية مرفوعة؛ لأنها خبر لإنّ. ولم تظهر حركة الإعراب على آخر الكلمة لوجود الألف.(1/23)
وهذا معنى قوله (ومعرب الأسماء . . . إلخ) أي أن المعرب من الأسماء هو ما سلم من شبه الحرف. سواء كان صحيحاً مثل (أرض) أو معتلاً مثل (سُما) بضم السين، إحدى اللغات في الاسم، وهو مقصور، بدليل قول بعضهم: ما سُماك؟ أي : ما أسمك ؟ ووجه الدلالة: أن الألف ثبتت مع الإضافة. فدل على أنه مقصور مثل. هذا فتاك.
19) وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا ……وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً إنْ عَرِيَا
20) مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ وَمِنْ……نُونِ إنَاثٍ كَيَرُعْنَ مَنْ فُتِنْ
…لما ذكر المعرب والمبني من الأسماء شرع في بيان المبني والمعرب من الأفعال(74). والأفعال ثلاثة:
أ ) الفعل الماضي: ويبنى على الفتح ظاهراً، كقوله تعالى: (جاءَ الحقُّ وزهق الباطل((75) أو مقدراً نحو: (سبحان الذي أسرى بعبده((76).
ويبنى على الضم إذا اتصلت به واو الجماعة(77)، كقوله تعالى: (قالُوا سبحانك((78) ويبنى على السكون إذا اتصل به ضمير رفع متحرك، (وهو تاء الفاعل أو نا الفاعلين أو نون النسوة). قال تعالى: (فإذا خِفْت عليه فألقيه((79) وقال تعالى: (إنّا هُدنا إليك((80) وقال تعالى: (وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً((81).(1/24)
ب ) فعل الأمر: ويبنى على ما يجزم به مضارعه(82). فالسكون إذا كان صحيح الآخر نحو: امحض أخاك النصيحة(83). قال تعالى: (قمْ فأنذر((84) أو اتصلت به نون الإناث نحو: اتركْنَ الإسراف. قال تعالى: (وأقمْن الصلاة((85) ويبنى على حذف النون إذا اتصلت بآخره ألف الاثنين، كقوله تعالى: (اذهبَا إلى فرعون إنه طغى((86) أو واو الجماعة، كقوله تعالى: (حافظُوا على الصلوات والصلاة الوسطى((87) أو ياء المخاطبة كقوله تعالى: (يا مريم اقنتي لربك واسجدِي واركعِي مع الراكعين((88). ويبنى على حذف حرف العلة إذا كان معتل الآخر نحو: افش السلام، ومنه قوله تعالى: (ادعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة((89) وقوله تعالى: (وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر((90) وقوله تعالى: (يا أيها النبي اتّقِ الله((91)، ويبنى على الفتح إذا اتصلت به نون التوكيد، نحو: اتركنَّ الجدال.
ج) فعل المضارع: وله حالتان:
الأولى: البناء. وذلك بأحد شرطين:
1) أن تتصل به نون الإناث، فيبنى على السكون نحو، المتحجبات يحفظْنَ أنفسهن. قال تعالى: (والمطلقات يتربصْنَ((92). فـ(يتربص) فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث. ونون الإناث ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
2) أن تتصل به نون التوكيد المباشرة. وهي التي لم يفصل بينها وبين الفعل فاصل فيبنى على الفتح. وعلامة ذلك أن يكون المضارع قبل دخول نون التوكيد مرفوعاً بالضمة. وهذا في الفعل المسند للواحد، وما في حكمه، نحو: لا تكونَنَّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان. قال تعالى: (كلا لينبذن في الحطمة((93). فـ (ينبذن). فعل مضارع مبني على الفتح لا تصاله بنون التوكيد المباشرة .ونون التوكيد حرف على الفتح لا محل له من الإعراب.
الحالة الثانية: الإعراب، وذلك بأحد شرطين:
الأول: ألا تتصل به إحدى النونين نحو: إنما يجلسُ الرجل إلى من ينفعه في دينه، قال تعالى: (الله يبدؤا الخلق ثم يعيده((94).(1/25)
الثاني: إذا اتصلت به نون التوكيد غير المباشرة. وهي التي فصلها عن الفعل فاصل. وعلامة ذلك أن يكون المضارع قبل دخول نون التوكيد مرفوعاً بالنون، وهذا في الفعل المسند إلى ألف الاثنين، كقوله تعالى: (ولا تتبعانِّ سبيل الذين لا يعلمون((95) أو واو الجماعة، كقوله تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولُنَّ الله((96) أو ياء المخاطبة كقوله تعالى: (فإما ترِينَّ من البشر أحداً((97).
وإلى حكم الفعل الإعرابي أشار بقوله: (وفعل أمر ومُضِىٍّ بُنِيَا . . ) أي: بني الفعل الماضي وفعل الأمر. (وأعربوا مضارعاً) أي: أن العرب نطقت بالمضارع معرباً. أو أن النحويين حكموا بذلك (إن عريا..) أي: خلا من نون التوكيد المباشرة، ومن نون الإناث. وهذا أحسن من التعبير بـ (نون النسوة) لأن هذه لا يدخل فيها إلا العاقل. فالأولى أعم. (كَيَرُعْنَ من فُتِنْ) مثال لنون الإناث، أي: أن النساء يُخِفْنَ من فتن بهن، نسأل الله السلامة.
*…*…*
21) وَكُلُّ حَْرفٍ مُسْتَحِقُّ لِلْبِنَا……وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أنْ يُسَكَّنَا
22) وَمِنْهُ ذُو فَتْحٍ وذُو كَسْرٍ وَضَمْ……كَأيْنَ أمْسِ حَيْثُ وَالسَّاكِنُ كَمْ
لما ذكر حكم الأسماء والأفعال من حيث الإعراب والبناء. ذكر الحروف. وأنها مبنية كلها، وذلك لأن الحرف لا يتوارد عليه معان يحتاج في التمييز بينها إلى إعراب كما في الاسم. فابتداء الغاية يفهم من الحرف (من) وانتهاء الغاية يفهم من (إلى) في قوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا((98) بدون حاجة إلى إعراب . .
والبناء لزوم آخر الكلمة حالة واحدة. وأنواع البناء أربعة:
1) البناء على سكون. وهو الأصل، لأنه أخف من الحركة. ولذا دخل في الاسم والفعل والحرف، مثل: اكتبْ، كمْ، مِنْ. قال تعالى: (سل بني إسرائيل كَمْ آتيناهم من آية بينة((99).(1/26)
ولا يحرك المبني إلا لسبب كالتخلص من التقاء الساكنين. فيحرك بالكسر نحو قوله تعالى: (قالَتِ امرأت العزيز((100) أو بالضم نحو (هُمُ الذين يقولون لا تنفقوا((101) أو بالفتح. كقوله تعالى: (وَمِنَ الناس من يقول ءامنّا بالله((102) فحركت نون (مِنْ) بالفتح؛ لأن الميم مكسورة، فكُرِهَ اجتماع كسرتين للثقل.
2) الفتح: وهو أقرب الحركات إلى السكون. ولذا دخل في الاسم والحرف والفعل. مثل: كيف، قام، واو العطف. قال تعالى: (الآن خفَّفَ الله عنكم وعلمَ أنَّ فيكم ضعفًا((103).
3) الكسر: وهو في الاسم والحرف دون الفعل، مثل (هؤلاء) والباء في نحو مررت بزيد، قال تعالى: (ها أنتم أولآءِ تحبّونهم ولا يحبّونكم وتؤمنون بالكتابِ كلِّه((104).
4) الضم: وهو في الاسم والحرف دون الفعل - أيضاً - مثل (حيثُ) و(منذُ) (على اعتبارها حرف جر) أما الضم في آخر الفعل الماضي مثل (الطلاب حضرُوا) فليس بأصلى، إنما هو ضم عارض لمناسبة الواو، كما مضى.
وهذا معنى قوله: (وكل حرف . . . إلخ) أي: أن جميع الحروف مبنية (والأصل في المبني أن يسكنا) أي: أن الراجح أو المستصحب للأصل هو السكون. وليس المراد بالأصل: الغالب. إذ ليس غالب المبنيات ساكناً. ثم ذكر أنواع البناء والأمثلة عليها، والألف في قوله: (يسكنا) للإطلاق، وتقدم معناه.
*…*…*
23) وَالْرَّفْعَ وَالنَّصْبَ اجْعَلَنْ إعْرَاباً……لاِسْمٍ وَفِعْلٍ نَحْوُ لَنْ أهَابَا
24) والاسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالْجَرِّ كَمَا……قَدْ خُصِّصَ الْفِعْلُ بِأنْ يَنْجَزِمَا
25) فَارْفَعْ بِضَمٍّ وانْصِبَنْ فَتْحاً وَجُرّ……كَسْراً كَذِكْرُ اللهِ عَبْدَهُ يَسُرّ
26) واجْزِمْ بِتَسْكينٍ وَغَيْرُ مَا ذُكِرْ……يَنُوبُ نَحْوُ جَا أخُو بَنِي نَمِرْ
…الإعراب: أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة. نحو عاد الحجاجُ. ورأيت الحجاجَ. وسلمت على الحجاجِ. وهو نوعان:(1/27)
1) إعراب ظاهر. وهو: مالا يمنع من النطق به مانع. كما رأيت في حركة (الجيم) في المثال.
2) إعراب تقديري وهو: ما يمنع من التلفظ به مانع من تعذر أو استثقال أو مناسبة. فالتعذر نحو: حضر الفتى. والاستثقال نحو: عدل القاضي. والمناسبة نحو: هذبني أبي، وسيأتي - إن شاء الله - زيادة تفصيل لذلك.
وأنواع الإعراب أربعة:
1) الرفع في الاسم والفعل.
2) النصب في الاسم والفعل.
3) الجر في الاسم.
4) الجزم في الفعل.
ولهذه الأنواع الأربعة علامات أصول وعلامات فروع. فالأصول أربعة:
1) الضمة للرفع.
2) الفتحة للنصب. كقولك: الطالبُ المجدُّ لن يتأخرَ. قال تعالى: (فَعسَى اللهُ أنْ يَأْتِيَ بِالفَتْح((105).
3) الكسرة للجر، كما في الآية الكريمة.
4) السكون(106) وهو حذف الحركة للجزم، كقوله تعالى: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ((107).
وأما العلامات الفرعية فهي واقعة في سبعة أبواب، يأتي إن شاء الله تفصيلها.
وهذا معنى قوله: (والرفع والنصب . . . إلخ) أي: اجعل الرفع والنصب إعراباً للاسم والفعل. نحو: (لن أهابا) وقد خصص الاسم بالجر، كما خصص الفعل بالجزم، فارفع بالضمة، وانصب بالفتحة، وجر بالكسرة، واجزم بالتسكين. والإعراب بغير ما ذكر يكون نيابياً. نحو (جا) فعل ماضٍ قُصِرَ للضرورة. (أخو) فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة، وهو مضاف و(بني نمر) مضاف إليه مجرور بالياء نيابة عن الكسرة. وهو مضاف ونمر مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة، وسكن لأجل الوقف.
*…*…*
27) وَارْفَعْ بَوَاوٍ وانْصِبَنَّ بِالأَلِفْ……واجْرُرْ بِيَاءٍ مَا مِنَ الأسْمَا أَصِفْ
28) منْ ذَاكَ ذُو إنْ صُحْبَةً أَبَانَا……وَالْفَمُ حَيْثُ الْمِيمُ مِنْهُ بَانَا
29) أَبٌ أخٌ حَمٌ كَذَاكَ وَهَنُ ……والنَّقْصُ فِي هذا الأَخِيرِ أَحْسَنُ
30) وَفِي أبٍ وَتَالِيَيْهِ يَنْدُرُ……وَقَصْرُهَا مِنْ نَقْصِهِنَّ أَشْهَرُ(1/28)
31) وَشَرْطُ ذَا الإعْرَابِ أنْ يُضَفْنَ لا……لِلْيَا كَجَا أخُو أبِيكَ ذَا اعْتِلاَ
هذا الباب الأول مما يكون الإعراب فيه بعلامات فرعية. وهو باب الأسماء الستة(108) (أبٌ، أخٌ، حمٌ، فمٌ، هنٌ، ذو - بمعنى صاحب - ) فإنها ترفع بالواو نيابة عن الضمة نحو: هذا أبوك. قال تعالى عن المرأتين: (وأبونا شيخ كبير((109) وتنصب بالألف نيابة عن الفتحة، نحو :احترم أباك. قال تعالى: (وءات ذا القربى حقّه((110) وتجر بالياء نيابة عن الكسرة نحو: اسمع نصيحة أبيك. قال تعالى: (ارجعوا إلى أبيكم((111).
وهذا الإعراب هو أشهر اللغات في الأسماء الستة، وأسهلها ويسمى الإتمام، إلا كلمة (هن) فالأشهر فيها الإعراب بالحركات، وفيها لغة أخرى تليها وهي القصر. ومعناه: لزوم الألف في جميع الأحوال (الرفع والنصب والجر) ويكون الإعراب بحركات مقدرة على الألف للتعذر مثل: حضر أخاك. صافحت أخاك. مررت بأخاك.
وفيها لغة ثالثة وهي لغة النقص. ومعناه: إعرابها بالحركات الظاهرة وحذف حرف العلة. مثل: هذا أَبُك. ورأيت أَبَك. ومررت بأَبِك. وتقول: هذا هَنُك. ورأيت هَنَك. ومررت بهَنِك. قال (: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهنِ أبيه ولا تكنوا" أخرجه أحمد بإسناد صحيح(112).
فالأسماء الستة بالنظر إلى اللهجات الواردة فيها ثلاثة أقسام:
الأول: ما فيه لهجة واحدة. وهو: ذو، وفو. وإعرابها بالحروف.
الثاني: ما فيه لهجتان. وهو: هن. ففيه النقص، وهو أفصح. والإتمام.
الثالث: ما فيه ثلاث لهجات وهو: أب، أخ، حم. ففيها الإتمام والقصر، والنقص، وهذا نادر فيها.
ولا تعرب الأسماء الستة بالحروف إلا بشروط وهي نوعان:
1) شروط عامة وهي أربعة:
الأول: أن تكون مضافة، فإن لم تضف أعربت بالحركات الأصلية. قال تعالى: (إن له أباً شيخاً كبيراً((113) وقال تعالى: (وله أخٌ أو أختٌ((114) وقال تعالى: (قال ائتوني بأخٍ لكم من أبيكم((115).(1/29)
الثاني: أن تكون إضافتها لغير ياء المتكلم، فإن أضيفت لياء المتكلم أعربت بحركات أصلية مقدرة على ما قبل ياء المتكلم. قال تعالى: (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا((116) وقال تعالى: (إن هذا أخي((117) وقال تعالى: (فألقوه على وجه أبي((118).
الثالث: أن تكون مفردة. فإن كانت مثناة أو مجموعة أعربت إعراب المثنى أو الجمع. نحو: جاء أبوان. ورأيت أبوين. وذهبت إلى أبوين. وجاء آباءُ الطلاب. ورأيت آباءهم. ومررت بآبائهم. قال تعالى: (ءاباؤكم وأبناؤكم((119) وقال تعالى: (ورفع أبويه على العرش((120).
الرابع: أن تكون مكبرة (أي: غير مصغرة) فإن صُغرت أعربت بالحركات الأصلية نحو: هذا أُبَيُّ زيد
2) شروط خاصة:
فيشترط في كلمة (فم) حذف الميم من آخرها. نحو: ينطق فوك بالحكمة. فإن لم تحذف أعرب بالحركات الأصلية نحو: فمُك نظيف.
ويشترط في (ذو) أن تكون بمعنى صاحب، وأن تضاف لاسم جنس ظاهر غير صفة(121) نحو: جاء ذو مال. ونصحت ذا مال. وسلمت على ذي مال. بخلاف: جاء ذو قام لأنها موصولة. وبخلاف جاء ذو قائم، فمثل هذا لا يتكلم به. لأنها أُضيفت لوصف.
وهذا معنى قوله: (فارفع بواو . . . إلخ) أي: ارفع بالواو نيابة عن الضمة، وانصب بالألف. واجرر بالياء ما أصفه لك من الأسماء. ومن ذاك (ذو) بشرط أن يُبين صحبة، أي: يدل على صحبة، بأن يكون بمعنى صاحب. ومنها: الفم بشرط أن تَبين منه الميم أي: تنفصل. وكذا: أب أخ حم وهن. والنقص في كلمة (هن) الأخيرة أحسن من الإعراب بالحروف. وأما أب وأخ وحم. فالنقص نادر فيها - مع جوازه - والقصر أحسن منه، وشرط إعرابها بالحروف. أن تضاف لا للياء ثم ذكر المثال. ويمكن فهم الشرطين الثالث والرابع من المثال. فإن قوله: (أخو أبيك ذا اعتلا) مفرد غير مصغر. و(اعتلا) مصدر قُصر للوقف. والاعتلاء هو العلو.
*…*…*
32) بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى وَكِلا……إِذَا بِمُضَمَرٍ مُضَافاً وُصِلاَ(1/30)
33) كِلْتَا كَذَاكَ اثْنَانِ واثْنَتَانِ……كَابْنَيْنِ وَابْنَتَينِ يَجْرِيَانِ
34) وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا الأَلِفْ……جَرًّا وَنَصْباً بَعْدَ فَتْحٍ قَدْ أُلِفْ
هذا هو الباب الثاني مما يعرب بالعلامات الفرعية. وهو باب المثنى. والمثنى: اسم دال على اثنين بزيادة في آخره صالح للتجريد وعطف مثله عليه. مثل: المشرفان على الطلاب قديران.
فالمشرفان: مثنى؛ لأنه اسم دال على اثنين بزيادة في آخره وهي: الألف والنون. وصالح للتجريد أي: تجريد الزيادة، فيقال: المشرف، ويصح عطف مثله عليه فيقال: جاء مشرف ومشرف آخر، وقولنا: دال على اثنين. شامل للمثنى، كما مثل. وللألفاظ الموضوعة لاثنين، كشفع وزوج.
وقولنا: بزيادة في آخره: هذا قيد يخرج ما لا زيادة فيه نحو شفع، وكلا وكلتا. فليست بمثناة، وقولنا: صالح للتجريد: يخرج نحو: (اثنين) فإنه لا يصلح لإسقاط الألف والنون.
وقولنا: وعطف مثله عليه: هذا القيد يخرج نحو (القمرين) فإنه صالح للتجريد من الزيادة فيقال: (قمر) لكنه لا يعطف عليه مثله بل مغايره نحو: قمر وشمس. لأن تثنيته من باب التغليب.
وحكم المثنى: أنه يرفع بالألف نيابة عن الضمة. وينصب بالياء المفتوح ما قبلها، المكسور ما بعدها نيابة عن الفتحة. ويجر بالياء - كذلك - نيابة عن الكسرة. كقوله تعالى: (قال رجلان((122) وقال تعالى: (فوجد فيها رجلين يقتتلان((123) وقال تعالى: (قد كان لكم ءاية في فئتين((124) وهذه لغة جمهور العرب. ومن العرب من يلزم المثنى الألف رفعاً ونصباً وجرّاً، وعليه ورد قوله (: (لا وتران في ليلة)(125) رواه أبو داود والنسائي والترمذي.
الملحق بالمثنى:
يلحق بالمثنى في إعرابه ألفاظ تشبه المثنى، وليست بمثناة حقيقة، لأن حد التعريف لا ينطبق عليها، كما تقدم. وهي أربعة ألفاظ:(1/31)
1-2) اثنان واثنتان. سواء كانا مفردين عن الإضافة أو مركبين مع العشرة، نحو: حضر من الضيوف اثنان، قال تعالى: (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان((126) وقال تعالى: (فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً((127).
3-4) كلا وكلتا. ولهما حالتان:
الأولى: أن يعربا إعراب المثنى. وذلك إذا أضيفا إلى الضمير، مثل: العلم والعمل كلاهما مطلوب. قال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما((128).
الثانية: أن يعربا إعراب المقصور. فتلزمهما الألف، ويعربان بحركات مقدرة رفعاً ونصباً وجرّاً. وذلك إذا أضيفا إلى اسم ظاهر. مثل: حضر كلا الطالبين، وهنأت كلا الطالبين، وسلمت على كلا الطالبين. قال تعالى: (كلتا الجنتين ءاتت أكلها((129).
وهذا معنى قوله: (بالألف ارفع المثنى . . . إلخ) أي: أن المثنى يرفع بالألف. وكلا ترفع بالألف إذا وصلت بمضمر، وكانت هي مضافاً. والضمير هو المضاف إليه. (وكلتا) كذلك. أما اثنان واثنتان فملحقتان بالمثنى. ويجريان في إعرابهما مجرى (ابنين وابنتين) أما في حالة النصب والجر فإن الياء تحل محل الألف في كل ما سبق. بعد فتح ما قبلها، لأنه كان مألوفاً مع الألف، فلذا بقي مع الياء.
*…*…*
35) وَارْفَعْ بِوَاوٍ وَبِيَا اجْرُرْ وانْصِبِ……سَالِمَ جَمْعِ عَامِرٍ وَمُذْنِبِ
36) وَشِبْهِ ذَيْنِ ..................…….....................
هذا الباب الثالث مما يعرب بالحروف، وهو جمعُ المذكرِ السالمِ(130). وتعريفه: اسم دال على أكثر من اثنين بزيادة في آخره. صالح للتجريد، وعطف مثله عليه. نحو: فرح الفائزون. فهذا اسم دال على أكثر من اثنين. وفيه زيادة في آخره، وهي الواو والنون. وهو صالح للتجريد من هذه الزيادة، ألا ترى أنك تقول: فائز. ويصح عطف مثله عليه فتقول: جاء فائز وفائز آخر.(1/32)
والمراد بالسالم: ما سلمت فيه صيغة المفرد عند الجمع. بأن يبقى مفرده بعد جمعه لا يدخل حروفه تغيير في نوعها أو عددها أو حركتها، إلا عند الإعلال في نحو: (جاء المصطفون)(131).
وحكمه: الرفع بالواو نيابة عن الضمة. نحو: أفلح الآمرون بالمعروف. والنصب والجر بالياء. نيابة عن الفتحة والكسرة. نحو: شجعت الآمرين بالمعروف. سلمت على الآمرين بالمعروف.
والذي يجمع جمع مذكر سالم نوعان: أحدهما (الجامد) والآخر (الصفة)(132) فإن كان الاسم جامداً فيشترط لجمعه خمسة شروط:
1) أن يكون علماً مثل: زيد وخالد. بخلاف: رجل. وغلام، إلا إن صغر نحو رجيل. فإنه يجمع؛ لأنه وصف.
2) أن يكون لمذكر، بخلاف: زينب، وسعاد.
3) أن يكون لعاقل (أي من جنس العقلاء، فيشمل الصغير والمجنون) بخلاف: (كامل) علم على فرس.
4) أن يكون خالياً من تاء التأنيث الزائدة. بخلاف: حمزة، وطلحة.
5) أن يكون خالياً من التركيب. بخلاف: سيبويه؛ لأنه مركب.
ومن الأمثلة الجامعة للشروط: فاز العليون. هنأت العليين. مررت بالعليين.
وإن كان الاسم صفة فيشترط في جمعه ستة شروط:
1) أن تكون الصفة لمذكر، بخلاف: حائض، مرضع.
2) أن تكون الصفة لعاقل، بخلاف: صاهل (صفة للحصان).
3) أن تكون خالية من التاء. بخلاف: قائمة، وصائمة.
4) ألا تكون الصفة على وزن (أفعل) الذي مؤنثه (فعلاء) بخلاف: أخضر.
5) ألا تكون الصفة على وزن (فعلان) الذي مؤنثه (فعلى) بخلاف: سكران.
6) ألا تكون الصفة مما يستوي فيه المذكر والمؤنث. بخلاف: صبور، وجريح.
ومن الأمثلة الجامعة للشروط: أفلح المستغفرون، أثاب الله المستغفرين. أثنى الله على المستغفرين. قال تعالى: (فرح المخلّفون((133) وقال تعالى: (والله يحب المحسنين((134) وقال تعالى: (وكان بالمؤمنين رحيما((135).(1/33)
وهذا معنى قوله( وارفع الواو . . . إلخ) أي: ارفع بالواو ونيابة عن الضمة، واجرر بالياء نيابة عن الكسرة، وانصب بها- أيضاً-، نيابة عن الفتحة وقوله: (وبيا) منصور للضرورة، متعلق بـ (أجرر) مقدم عليه، وقوله: (سالمَ جمع ِ/ من إضافة الصفة إلى موصوفها، والأصل جمع عامر ومذنب السالم، وأشار بـ (عامر) إلى العلم، وبـ (مذنب) للصفة، واكتفى بهما عن الشروط طلباً للاختصار، وبـ (شِبْهِ ذين) إلى ما أشبههما من كل علم وصفة بالشروط المذكورة.
…*…*…*
36) ............... وَبِهِ عِشْرُونا……وَبَابُهُ أُلْحِقَ وَالأَهْلُونَا
37) أُولُو وَعَالَمُونَ عِلّيُّونَا……وَأَرَضُونَ شَذَّ وَالسِّنُونَا
38) وَبَابُهُ وَمِثْلَ حِينٍ قَدْ يَرِدْ……ذَا الْبابُ وَهْوَ عِنْدَ قَوْم يَطَّرِدْ
الملحق بجمع المذكر السالم: هو ما فقد وصفاً أو شرطاً مما يجب تحققه في الجمع.
وأشهر هذه الملحقات:
1) كلمات مسموعة تدل على معنى الجمع. ولا مفرد لها من لفظها ولا من معناها، وهي عشرون وثلاثون إلى تسعين(136) قال تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبون مائتين((137) وقال تعالى: (وإذْ واعدنا موسى أربعين ليلة((138).
2) كلمات مسموعة لم تستوف بعض الشروط. مثل (أهل) فقالوا فيها: أهلون، كما قال الشاعر:
وما المال والأهلون إلا ودائع……ولابد يوماً أن ترد الودائع(139)
فجمعوها مع أنها ليست علماً ولا صفة.
3) كلمات مسموعة تدل على معنى الجمع. ولا مفرد لها من لفظها. مثل كلمة: (أولو)، قال تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم((140).
وكذلك لفظة (عالمَون) فإن مفردها (عَالَم) وهو اسم لما سوى الله تعالى، وليس بعلم ولا صفة، فهي ملحقة بالجمع. قال تعالى: (الحمد لله رب العالمين((141).(1/34)
4) كلمات من هذا الجمع المستوفي للشروط أو مما ألحق به سمي بها المفرد، وصارت أعلاماً، فمثال الأول المستوفي للشروط: خلدون، زيدون، ومثال الثاني: علِّيُون. (اسم لأعلى الجنة) له مفرد (عِليّ) وهو المكان العالي، ولكنه لغير العاقل، فأُعرب جمعه إعراب جمع المذكر السالم، قال تعالى: (كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين (18) وما أدراك ما علّيون((142).
5) كلمات مسموعة: لها مفرد من لفظها. وهذا المفرد لا يسلم من التغيير عند جمعه هذا الجمع. فهو من جموع التكسير، ولكنها ألحقت بجمع المذكر السالم في إعرابها بالحروف مثل: أرضون. وسنون. وبابه. فكلمة (أَرَضون) بفتح الراء. مفردها (أرض) بسكون الراء، فتغير بناء المفرد في الجمع، ثم إنه مفرد لمؤنث غير عاقل. وليس بعلم ولا صفة.
وكلمة (سِنون) مكسورة السين في الجمع. مفتوحتها في المفرد، وهو (سَنة) ثم إنه مفرد مؤنث لغير العاقل. وليس بعلم ولا صفة. قال تعالى: (قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين((143).
والمراد بباب سنين: كل اسم ثلاثي حذفت لامه وعوض عنها تاء التأنيث المربوطة، ولم يعرف له عند العرب جمع تكسير معرب بالحركات مثل: (عِضة) بمعنى كذب وافتراء، وجمعها (عِضون) بكسر العين فيهما. وأصل المفرد: عِضَوٌ. فهو اسم ثلاثي حذفت لامه، وهي (الواو) وعوض عنها هاء التأنيث. وليس له جمع تكسير. قال تعالى: (الذين جعلوا القرآن عضين((144) ومثل ذلك: عزة وعزين، ومائة ومئين. قال تعالى: (عن اليمين وعن الشمال عزين( فـ (عزين) حال منصوب بالياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر، والمعنى: أنهم جماعات عن يمين الرسول ( وعن شماله.
وإعراب (سنين وبابه) إعراب جمع المذكر السالم، هو لغة من لغات العرب، ومنهم من يعربه بحركات على النون منونة غالباً، ويلتزم الياء في جميع الأحوال. فيقول: هذه سنينٌ مجدبةٌ. وأقمت عنده سنيناً. ودرست النحو خمسَ سنينٍ. قال الشاعر:
دعاني من نجد فإن سنينَه………لعبن بنا شيباً وشيبننا مردا(145)(1/35)
فإن الشاعر نصبه بالفتحة (فإن سنينه) ولم ينصبه بالياء؛ لأنه لم يحذف النون للإضافة.
ومن العرب من يجري هذا الإعراب - وهو الإعراب بالحركات مع النون ولزوم الياء - في جميع أنواع جمع المذكر وما أُلحق به إجراء له مجرى المفرد. نحو: جاء معلمينٌ. وكلمت معلميناً. وسلمت على معلمينٍ. ونقول في جمعٍ مسمى به: هذا محمدينٌ، ورأيت محمديناً. ومررت بمحمدينٍ(146).
وهذا معنى قوله: (وبه عشرونا . . . إلخ) أي: أُلحِقَ عشرون وبابه - والمراد به أخوات عشرين إلى تسعين - ألحق بجمع المذكر في إعرابه، والأصل: أُلحقا، لكنه حذف الألف على إرادة: ما ذُكر، وكذلك ألحق أهلون وأولو وعالمون وعليون، والألف في (عشرونا) وما بعد، للإطلاق.
ثم قال: عن لفظ (أرضون والسنون وبابه شاذ)(147)، وإنما صرح بشذوذ هذين مع أن جميع الملحقات بجمع المذكر السالم شاذة - ما عدا النوع الرابع - لأن الشذوذ فيهما أقوى، لفقد كل منهما أكثر الشروط. فكلاهما اسم جنس - مؤنث. وغير عاقل. ولم يسلم مفرده عند الجمع، ثم بين أن سنين وبابه. قد يعرب إعراب (حين) فتلازمه الياء والنون. وتظهر الحركات على النون منونة غالباً. وأن من العرب من يطرد هذا الإعراب في كل جمع مذكر سالم، والمُطَّرد: وصف لما وقع له الاطراد والتتابع وعدم التخلف، ويقابله الشاذ(148).
39) وَنُونَ مَجْمُوعٍ وَمَا بِهِ الْتَحَقْ……فَافْتَحْ وَقَلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَقْ
40) وَنُونُ مَاثُنِّيَ وَالْمُلْحَقِ بِهْ……بِعَكْسِ ذَاكَ اسْتَعْمَلُوهُ فَانْتَبِهْ
النون في جمع المذكر السالم تكون مفتوحة. وكذا الحكم فيما ألحق به في جميع أحوال إعرابه في الرفع والنصب والجر. ولا علاقة لهذه النون بإعرابه؛ لأنه معرب بالحروف.
ومن العرب من يكسر هذه النون بعد الياء. قال الشاعر:
عرفنا جعفراً وبني أبيه………وأنكرنا زعانفَ آخرينِ(149)(1/36)
أما نون المثنى وجميع ملحقاته فالأشهر فيها أن تكون مكسورة في جميع أحوال إعرابه، وقليل من العرب من يفتحها. قال الشاعر:
أعرف منها الجيد والعينانا……ومنخرين أشبها ظبيانا(150)
فالشاعر نصب المثنى بالألف - على لغة بعض العرب - وفتح النون وذلك في قوله (والعينانا)، أما قوله (ظبيانا) فهو مفرد لا مثنى. لأنه اسم رجل، أي: أشبها منخري ظبيان، قاله أبو زيد الأنصاري في نوادره. وقال آخر:
على أحوذيين استقلت عشية……فما هي إلا لمحة وتغيب(151)
وهذا معنى قوله: (ونون مجموع . . . إلخ) أي: افتح نون جمع المذكر السالم والملحق به، وقلّ من العرب من نطق بكسرها. ونون المثنى والملحق به تكون مكسورة. وقد ورد فتحها.
*…*…*
41) وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا……يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ وَفي النَّصْبِ مَعَا
…لما فرغ ابن مالك - رحمه الله تعالى - من ذكر ما ينوب فيه حرف عن حركة. وهي الأسماء الستة والمثنى وجمع المذكر السالم. شرع في ذكر ما نابت فيه حركة عن حركة. ومنه ما جمع بألف وتاء مزيدتين. وهو جمع المؤنث السالم(152) وتعريفه:
ما دلّ على أكثر من اثنين بألف وتاء مزيدتين. نحو: حضرت المتحجبات. فهذا لفظ يدل على أكثر من اثنين. بسبب الزيادة في آخره.
وحكمه: أنه يرفع بالضمة. وينصب ويجر بالكسرة، فنابت الكسرة عن الفتحة في حالة النصب. قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض((153) وقال تعالى: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنّات تجري من تحتها الأنهار((154) وقال تعالى: (ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات((155).
وخرج بالتعريف نوعان من الكلمات:
الأول: ما كانت ألفه غير زائدة نحو: دعاة وقضاة. فإن ألف الأولى منقلبة عن أصل وهو الواو. والثانية: عن الياء. ثم قلبت ألفاً في الكلمتين، والأصل: دُعَوَةٌ، وقُضَيَةٌ.(1/37)
الثاني: ما كانت تاؤه غير زائدة، نحو: صوت وأصوات. وميت وأموات. فهذان النوعان ليسا من هذا الباب. لأن دلالة الكلمات المذكورة على الجمع ليس بسبب الألف والتاء. وإنما هو بصيغة جمع التكسير(156). فنصبهما بالفتحة على الأصل. قال تعالى: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النّبي((157) وقال تعالى: (وكنتم أمواتا فأحياكم((158).
وهذا معنى قوله: (وما بتا وألف . . . إلخ) أي: وما جمع بسبب الألف والتاء فإنه يكسر في الجر وفي النصب معاً. وذكر الجر مع أنه لا نيابة فيه؛ إشارة إلى أن النصب محمول عليه.
42) كَذَا أُولاَتُ وَالَّذي اسْماً قَدْ جُعِلْ………كَأذْرِعَاتٍ فِيهِ ذَا أيْضاً قُبِلْ
أشار بهذا إلى الملحق بجمع المؤنث السالم. وهو نوعان:
الأول: لفظ (أولات) بمعنى صاحبات. فهذه تعرب بإعراب هذا الجمع. وهي ملحقة به، لأنه لا مفرد لها من لفظها، بل من معناها وهو صاحبة، قال تعالى: (وإن كنّ أولات حمل فأنفقوا عليهن((159).
الثاني: ما سمي به من هذا الجمع. فصار علماً لمذكر أو مؤنث بسبب التسمية. مثل: أذرعات فهي جمع أذرعة. وهي جمع ذراع، وهي الآن علم على بلد في أطراف الشام. فتعرب بإعراب جمع المؤنث السالم مع التنوين. ومثل ذلك لفظ: عرفات. قال تعالى: (فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا الله عند المشعر الحرام((160).
وهذا معنى قوله: (كذا أولات . . . إلخ) أي: أن لفظ (أولات) يكسر في الجر وفي النصب معاً. وكذا ما جعل من جمع المؤنث علماً على شيء فإنه يجري عليه الإعراب السابق.
…*…*…*
43) وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ مَالا يَنْصَرِفْ……مَالَمْ يُضَفْ أَوْيَكُ بَعْدَ ألْ رَدِفْ(1/38)
أشار بهذا البيت إلى القسم الثاني مما نابت فيه حركة عن حركة، وهو الاسم الذي لا ينصرف أي: لا ينون(161). وتعريفه: كل اسم معرب شابه الفعل بوجود علتين من علل تسع أو واحدة تقوم مقامها. مثل: أحمد. فيه العلمية ووزن الفعل. وعطشان فيه الوصفية وزيادة الألف والنون. ومساجد فيه علة واحدة وهي صيغة منتهى الجموع.
وللممنوع من الصرف باب خاص فيه بيان أسباب المنع من الصرف. وتوضيح أحكامه، والمقصود هنا ما يتعلق بإعرابه.
فهو يرفع بالضمة وينصب بالفتحة. ويجر بالفتحة - أيضاً - نيابة عن الكسرة، قال تعالى: (ولقد جاءكم يوسفُ من قبل بالبينات((162) وقال تعالى: (إن إبراهيمَ كان أمّةً((163) وقال تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيّوا بأحسنَ منها((164).
ويستثنى من ذلك مسألتان يجر فيهما الممنوع من الصرف بالكسرة على الأصل:
الأولى: أن يكون مضافاً. نحو: وعظت في مساجدِ القرية. قال تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسنِ تقويم((165) فإن كان مضافاً إليه جر بالفتحة نحو: كتابُ يوسفَ جديدٌ. قال تعالى: (إن الله اصطفى ءادم ونوحاً وءال إبراهيمَ وءال عمرانَ على العالمين((166).
الثانية: أن تدخل عليه الألف واللام نحو: سألت عن الأفضلِ من الطلاب. قال تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجدِ((167).
وهذا معنى قوله: (وجُرَّ بالفتحة . . . إلخ) أي: جُرَّ بالفتحة نيابة عن الكسرة ما لا ينصرف ما لم يكن مضافاً أو واقعاً بعد (أل) مباشرة من غير فاصل. ومعنى: (ردف) أي: تبع.
*…*…*
44) وَاجْعَلْ لِنَحْوِ يَفْعَلاَنِ النُّونَا……رَفْعاً وَتَدْعِينَ وَتَسْأَلُونَا
45) وَحَذْفُهَا لِلْجَزْمِ وَالنَّصْبِ سِمَهْ……كَلَمْ تَكُونِي لِتَرُومِي مَظْلَمَهْ(1/39)
لما فرغ من ذكر ما يعرب من الأسماء بالنيابة شرع في ذكر ما يعرب من الأفعال بالنيابة وهي الأمثلة الخمسة. والمراد بها: كل مضارع اتصلت به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة. والألف قد تكون للغائبين فيبدأ الفعل بالياء، أو للمخاطبين فيبدأ بالتاء. وكذا واو الجماعة. وهذا معنى كونها خمسة.
فهذه ترفع بثبوت النون نيابة عن الضمة نحو: هل تصلون أرحامكم(168)؟ قال تعالى: (والله بما تعملون بصير((169) وتنصب وتجزم بحذفها(170) نيابة عن الفتحة، والسكون نحو: لا ينبغي للأغنياء أن يتأخروا عن مساعدة العاجزين. قال تعالى: (فإن لّم تفعلوا ولن تفعلوا((171).
وهذا معنى قوله: (واجعل لنحو يفعلان النونا . . . إلخ) وعبر بقوله (لنحو) إشارة إلى أنها ليست ألفاظاً معلومة كالأسماء الستة. وإنما هي تصدق على كل مضارع اتصلت به ألف الاثنين . . . إلخ, قوله (سمه): بكسر السين المهملة هي العلامة، وفعلها: وَسَمَ يَسِمُ سِمَةً على مثال: وعد يعد عدة. وقوله: (كلم تكوني لترومي مظلمه) مثل بالأول للجزم والثاني للنصب. وقد مثل بقوله: (يفعلان) وما بعده للرفع.
*…*…*
46) وَسَمِّ مُعْتَلاًّ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا……كالْمُصْطَفى والمُرتْقَيِ مَكَارِمَا
47) فَالأوَّلُ الإعْرَابُ فِيهِ قُدَّرَا……جَمِيعُهُ وَهْوَ الَّذي قَدْ قُصِرَا
48) وَالثَّانِ مَنْقُوصٌ وَنْصْبُهُ ظَهَرْ……وَرَفْعُهُ يُنْوَى كَذَا أيْضاً يُجَرّ
لما تحدث عن الصحيح من الأسماء والأفعال شرع في ذكر المعتل منهما. وبدأ بالأسماء فذكر نوعين من الأسماء المعتلة. وهما: المقصور والمنقوص.
والمقصور: هو الاسم المعرب الذي في آخره ألف لازمة. مثل: فتى، عصا، رحى. وخرج بالاسم: الفعل نحو: يخشى، والحرف: نحو: على، وبالمعرب: المبني نحو: متى. وبالألف نحو: الهادي، لأن آخره ياء. وباللازمة نحو: الزيدان. فإن ألفه غير لازمة، لأنها تنقلب ياء في الجر والنصب.(1/40)
وحكم المقصور: أنه يعرب بحركات مقدرة على الألف. والمانع من ظهورها التعذر: فالرفع نحو: أَهَمُّ المطالب رضا الله. والنصب نحو: إن رضا الناس غاية لا تدرك. والجر نحو: احرص على رضا والديك. قال تعالى: (ذلك هدى الله((172) وقال تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى((173) وقال تعالى: (لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه فلا ينازعنّك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم((174).
أما المنقوص فهو: الاسم المعرب الذي في آخره ياء لازمة غير مشددة، قبلها كسرة، نحو: القاضي، الساعي، الوافي.
وخرج بالاسم: الفعل، نحو: يعطي، والحرف نحو: في، وبالمعرب: المبني نحو: الذي. وبالياء المقصور نحو: الفتى. وباللازمة: المثنى كما تقدم، فإن الياء لا تلزم إلا في حالتي الجر والنصب، وبقولنا: قبلها كسرة: التي قبلها ساكن صحيح مثل: ظبي، أو ساكن معتل نحو: كرسي. فهذا من المعتل الجاري مجرى الصحيح في إعرابه بالحركات الظاهرة. قال تعالى: (فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا((175).
وحكم المنقوص: إن كان محلى بال أو مضافاً ثبتت ياؤه. ورفع بضمة مقدرة عليها منع من ظهورها الثقل. وكذا يجر بكسرة مقدرة. مثال الرفع: الساعي للخير كفاعله، جاء قاضي المدينة، ومثال الجر: على الباغي تدور الدوائر. سلمت على قاضي المدينة.
وقد تحذف الياء تخفيفاً في حالتي الرفع والجر؛ لدلالة الكسرة التي قبلها عليها، وتُجرى (أل) مُجرى ما عاقبها وهو التنوين، فكما تحذف معه، تحذف معها، فمثال الرفع قوله تعالى: (يوم يدع الدَّاعِ إلى شيء نكر((176) ومثال الجر قوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان((177).
وأما نصب المحلى والمضاف فهو بالفتحة الظاهرة نحو: "لعن رسول الله (الراشيَ والمرتشيَ"(178). رأيت قاضيَ المدينة، قال تعالى: (ياقومنا أجيبوا داعي الله((179).(1/41)
وإن كان المنقوص مجرداً من "أل" والإضافة حذفت ياؤه وجيىء بالتنوين. رفعاً وجرّاً. وبقيت ياؤه نصباً. فتقدر الضمة والكسرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين (ياء المنقوص والتنوين) وتظهر الفتحة. فمثال الرفع: المؤمن راضٍ قانع. قال تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد((180) ومثال النصب: سمعت منادياً ينادي للصلاة، قال تعالى: (وكفى بربك هادياً ونصيراً((181) ومثال الجر: ربّ ساع لقاعد. قال تعالى: (ومن يضلل الله فماله من هاد((182).
قال ابن مالك: (وسَمِّ معتلاًّ . . . إلخ) أي: سَمِّ ما كان آخره ألفاً، كالمصطفى، وما كان آخره ياء، كالمرتقي - حال كونه من الأسماء لا من الأفعال - معتلاًّ. فالأول وهو ما آخره ألف، الإعراب جميعه قُدِّر على آخره. وهو النوع (الذي قد قصرا) أي: سمى مقصوراً، من القصر بمعنى الحبس، وإنما سمى بذلك؛ لأنه حبس ومنع من ظهور الحركة والألف في (قدرا) و (قصرا) للإطلاق (والثان) بحذف الياء لغة لا للوزن. (منقوص) سُمِّي بذلك لعدم ظهور كل الحركات الإعرابية على آخره (ونصبه ظهر) للخفة. (ورفعه ينوى كذا - أيضاً - يُجَرّ) كما تقدم.
وقد تبين بذلك أن الإعراب التقديري يكون في المقصور والمنقوص. وبقي نوع ثالث من الأسماء، وهو المضاف لياء المتكلم، فتقدر فيه حركات الإعراب جميعها، كالمقصور. لكن قدرت في المقصور لكون الحرف الأخير منه لا يقبل الحركة.والمضاف للياء لأجل المناسبة؛ لأن ياء المتكلم تستدعي انكسار ما قبلها. فشُغِلَ المحل بهذه الكسرة فلم تظهر حركة الإعراب، تقول: هذا كتابي. واحترمت أبي. وسلمت على أمي.
*…*…*
49) وَأَيُّ فِعْلٍ آخِرٌ مِنْهُ أَلِفْ……أوْ وَاوٌ أوْ يَاءٌ فَمُعْتَلاًّ عُرِفْ
50) فَالأَلِفَ انْوِ فِيهِ غَيْرَ الجَزْمِ……وَأبْدِ نَصْبَ مَاكَيَدْعُو يَرْمِي
51) وَالرَّفْعَ فِيهِمَا انْوِ وَاحْذِفْ جَازِماً……ثَلاثَهُنَّ تَقِْض حُكْماً لازِماً(1/42)
ذكر هنا المعتل من الأفعال وهو الباب السابع مما يعرف بالنيابة. والمعتل من الأفعال هو ما كان في آخره واو قبلها ضمة: كـ(يدعو)، أو ياء قبلها كسرة كـ (يرمي)، أو ألف قبلها فتحة كـ (يسعى) والمراد الفعل المضارع؛ لأن الكلام في المعرب. وكيفية إعرابه كما يلي:
1) المعتل بالألف: يرفع بضمة مقدرة على الألف، منع من ظهورها التعذر نحو: المتقي يخشى ربه. قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلمؤُا((183) وينصب بفتحة مقدرة. نحو: لن يرضى العاقلُ بالأذى. قال تعالى: (وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربّك((184). ويجزم بحذف حرف العلة. وهو الألف والفتحة قبلها دليل عليها نحو: العاصي لم يخشَ ربه. قال تعالى: (وابتغ فيما ءاتك الله الدّار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا((185).
2) المعتل بالواو: يرفع بضمة مقدرة على الواو، منع من ظهورها الثقل، نحو: الموحِّد لا يدعو إلا الله، قال تعالى: (هنالك تبلوا كلّ نفس مّا أسلفت((186) وينصب بفتحة ظاهرة على الواو لخفتها نحو: لن يسموَ أحد إلا بأدبه. قال تعالى: (لن ندعوا من دونه إلهاً((187) ويجزم بحذف حرف العلة وهو الواو. والضمة قبلها دليل عليها، نحو: لا تَدعُ على أولادك. قال تعالى: (فليدعُ ناديه((188).
3) المعتل بالياء: يرفع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل نحو: أنت تربي أولادك على الفضيلة، قال تعالى: (هو يحي ويميت((189) وينصب بفتحة ظاهرة على الياء لخفتها، نحو: لن تعطيَ الفقيرَ شيئاً إلا أُجرت عليه، قال تعالى: (إما أن تُلقيَ وإما أن نكون أول من ألقى((190) ويجزم بحذف حرف العلة وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها نحو: لا تؤذ جارك. قال تعالى: (ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه((191).(1/43)
وهذا معنى قوله: (وأيُّ فعل آخر منه ألف . . . إلخ) أي: يعرف الفعل المعتل بأن يكون آخره ألفاً أو واواً أو ياء. وتقدر الحركات كلها على الألف غير الجزم. و(أَبْدِ) أي: أظهر النصب فيما آخره واو كـ (يدعو) أو ياء كـ (يرمي). وقَدّر الرفع فيهما، واحذف الحروف الثلاثة في حالة دخول الجازم على الأفعال(192).
النكرة والمعرفة
52) نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا……أوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا
53) وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ كَهُمْ وَذِي……وَهِنْدَ وَابْنِي وَالغُلامِ وَالَّذِي
الاسم قسمان:
القسم الأول: نكرة: وهي اسم يدل على شيء واحد، ولكنه غير معين. مثل: جاء طالب. قدم ضيف، والنكرة نوعان:
الأول: ما يقبل (أل) وتؤثر فيه التعريف. مثل: كتاب، رجل. تقول: الرجل شجاع، الكتاب نفيس.
الثاني: ما يقع موقع ما يقبل (أل). مثل: ذو (بمعنى صاحب) نحو: جاء ذو علم، أي: صاحب علم. فذو: نكرة، وهي لا تقبل (أل)، لكنها واقعة موقع ما يقبل (أل) وهو صاحب.
القسم الثاني: معرفة: وهي اسم يدل على شيء واحد معين، مثل: أنت مخلص.
والمعرفة نوعان:
الأول: ما لا يقبل (أل) ولا يقع موقع ما يقبلها نحو: جاء علي.
الثاني: ما يقبل (أل) ولكنها لا تؤثر فيه التعريف. مثل: عباس فتقول: جاء العباس. لكنها غير معرفة. لأنه معرفة بالعلمية، وسيأتي ذلك - إن شاء الله - في بابه.
والمعارف سبعة أقسام:
1) الضمير، مثل: أنا، أنت، هو، وهو أعرف المعارف وأشدها تمييزاً لمسماه بعد لفظ الجلالة وضميره.
2) العلم مثل: خالد، زينب، مكة.
3) اسم الإشارة مثل: هذا، هذه، هؤلاء.
4) اسم الموصول مثل: الذي، التي، الذين.
5) المعرف بأل مثل: الكتاب، الطالب.
6) المضاف لمعرفة مثل: كتابي جديد. كلام علي بليغ.
7) النكرة المقصودة(193) من بين أنواع المنادى، مثل: يا طالبُ أجب (إذا كنت تريد واحداً معيناً).(1/44)
وهذا معنى قوله (نكرة قابل أل . . . إلخ) أي: أن النكرة: اسم قابل لفظ (أل) الذي يؤثر فيها التعريف. أو واقع موقع (ما قد ذكرا) أي: موقع أل المؤثرة، وغير النكرة: معرفة، ثم ذكر أنواعها عدا السابع، ولم يرتبها لضيق النظم. وسيأتي ذكر الخمسة الأولى متصلة، أما السادس والسابع فنشير إليهما في آخر باب المعرف بأل إن شاء الله.
[ مباحث الضمير ](194)
54) فَمَا لِذِي غَيْبَةٍ أوْ حُضُورِ……كَأنْتَ وَهْوَ سَمّ بِالضّمِيرِ
الضمير: اسم جامد(195) يدل على متكلم أو مخاطب أو غائب. مثل: أنا عرفت واجبي، أنت تحترم أباك. المؤمن يصون عرضه.
ومعنى كونه جامداً: عدم وجود أصل له ولا مشتقات. ويسمى ضمير المتكلم والمخاطب: (ضمير حضور) لأن صاحبه لابد أن يكون حاضراً وقت النطق به.
والمعنى: سمّ الذي لغيبة أو حضور بالضمير كـ (أنت وهو)
* * *
55) وَذُو اتِّصَالٍ مِنْهُ مَالاَ يُبْتَدَا ……وَلاَ يَلِي إِلا اخْتِيَاراً أبَدَا
56) كَالْيَاء وَالْكَافِ مِنِ ابْنِي أكْرَمَكْ……وَالْيَاءِ والهَا مِنْ سَليهِ مَا مَلَكْ
الضمير(196)، حيث ظهوره في الكلام وعدم ظهوره قسمان.
الأول: بارز وهو ماله صورة في اللفظ حقيقة أو حكماً، فالأول: كالتاء: من أكرمتُ الغريب. والثاني: نحو: جاء الذي أكرمتُ، أي: أكرمته. فالهاء موجودة حكماً.
الثاني: مستتر وهو الذي ليس له صورة في اللفظ نحو: حافظْ على الصلاة. أي: أنت، وسيأتي - إن شاء الله - الكلام عليه.
والبارز قسمان:
الأول: متصل. والثاني: منفصل. ويأتي الكلام عليه، إن شاء الله.
والمتصل: هو الذي لا يبتدأ به في الكلام ولا يقع بعد (إلا) في الاختيار. والمراد بالاختيار: سعة الكلام بخلاف ضرورة الشعر. مثل التاء في قولك: استمعت للمحاضرة.(1/45)
وهذا معنى قوله: (وذو اتصال منه . . . إلخ) أي: المتصل من الضمير هو الذي لا يبتدأ به، ولا يقع بعد أداة الاستثناء (إلا) في الاختيار وسعة الكلام. ثم مثل لبعض الضمائر المتصلة. فالياء من (ابني) لضمير المتكلم الذي في محل جر . والكاف في ( أكرمت ) لضمير المخاطب الذي محل نصب. والياء (من سليه) لضمير المخاطبة في محل رفع. والهاء للغائب في محل نصب.
*…*…*
57) وَكُلّ مُضْمَرٍ لَهُ الْبِنَا يَجِبْ……وَلَفْظُ مَاجُرَّ كَلْفظِ مَانُصِبْ
58) لِلرَّفْعِ وَالنَّصبِ وَجَرٍّ نَا صَلَحْ……كَاعْرِفْ بِنَا فَإنَّنَا نِلْنَا الْمِنَحْ
59) وَأَلِفٌ وَالوَاوُ وَالنُّونُ لِمَا……غاَبَ وَغَيْرِهِ كَقَامَا واعْلَمَا
تقدم في باب المعرب والمبني أن ألفاظ الضمائر كلها مبنية(197). وإذا ثبت أنها مبنية. فلابد أن يكون لها محل من الإعراب.
فالضمير المتصل ينقسم بحسب مواقعه من الإعراب ثلاثة أقسام:
الأول: ما يكون في محل رفع فقط، وهو خمسة ضمائر: التاء المتحركة للمتكلم والمخاطب والمخاطبة كقوله تعالى: (فإذا عزمت فتوكل على الله((198) وألف الاثنين كقوله تعالى: (فلم يغنيا عنهما من الله شيئا((199) وواو الجماعة كقوله تعالى: (وإذا أظلم عليهم قاموا((200) وياء المخاطبة كقوله تعالى: (فكلي واشربي وقرّي عينا((201) ونون الإناث كقوله تعالى: (والمطلّقات يتربّصن((202).
الثاني: ما هو مشترك بين محل النصب والجر فقط وهو ثلاثة. ياء المتكلم(203) كقوله تعالى: (قال يا قوم أرءيتم إن كنت على بينة من ربي وءاتاني منه رحمة((204). وكاف المخاطب كقوله تعالى: (ما ودّعك ربّك((205). وهاء الغائب كقوله تعالى: (قال له صاحبه وهو يحاوره((206).
الثالث: ما هو مشترك بين محل النصب والرفع والجر وهو (نا) كقوله تعالى: (ربّنا إنّنا ءامنّا فاغفر لنا ذنوبنا((207).(1/46)
وإلى بعض هذه الأنواع أشار بقوله: (وكل مضمر . . . إلخ) أي: المضمرات كلها مبنية. لا فرق في ذلك بين ما يكون محله الجر أو محله النصب. ثم ذكر أن الضمير (نا) صلح للأمور الثلاثة فيكون في محل جر مثل: (اعرف بنا) أي: اعترف بقدرنا وفي محل نصب نحو: (إننا)، وفي محل رفع مثل: (نِلْنَا) ثم ذكر أن ألف الاثنين وواو الجماعة ونون الإناث وهي من ضمائر الرفع المتصلة تكون للغائب وغيره، وهو المخاطب فقط، بقرينة المثال، فالغائب نحو (قاما) والمخاطب نحو (اعلما).
هذا ومما يستعمل في الرفع والنصب والجر (هم) فالرفع نحو (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا((208) والنصب (سلهم أيهم بذلك زعيم((209) والجر: (ومنهم من يقول ائذن لي((210) وكذلك (الياء) فالرفع نحو (فكلي واشربي((211) والنصب نحو (وءاتاني منه رحمة((212) والجر نحو (أن اشكر لي ولوالديك((213).
لكنهما لا يشبهان (نا) من كل وجه. لأن (نا) تأتي للأوجه الثلاثة، وهي ضمير متصل للمتكلم، بخلاف الياء، فإنها وإن كانت تأتي للأوجه الثلاثة، وهي ضمير متصل، إلا أنها في حالة الرفع للمخاطبة، وفي حالتي النصب والجر للمتكلم(214). وكذلك (هم)، فهي في حالة الرفع ضمير منفصل. وفي حالتي النصب والجر ضمير متصل(215).
*…*…*
60) وَمِنْ ضَمِيرِ الرَّفْعِ مَايَسْتَتِرُ……كافْعَلْ أوَافِقْ نَغْتَبِطْ إذْ تَشْكُرُ
تقدم أن الضمير قسمان:
1) بارز. وقد مضى.
2) مستتر. وهو الذي ليس له صورة في اللفظ. وهو قسمان:
1) واجب الاستتار. ……2) جائز الاستتار.
والمراد بواجب الاستتار: مالا يحل محله اسم ظاهر، ولا ضمير منفصل يرتفع بالعامل مثل: أقوم بواجبي نحو قرابتي. فالفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره (أنا) وهذا الضمير لا يحل محله اسم ظاهر، فلا تقول: أقوم خالد - مثلاً - ولا ضمير منفصل، فلا تقول: أقوم أنا. على أن يكون فاعلاً، بل هو توكيد للضمير المستتر.
والاستتار الواجب يكون في عشرة مواضع:(1/47)
1) مع فعل الأمر المسند للواحد. كقوله تعالى: (فاستقم كما أمرت((216) بخلاف أمر الواحدة والمثنى والجمع، فإن الضمير يكون بارزاً، كما تقدم.
2) مع الفعل المضارع الذي في أوله همزة المتكلم، كقوله تعالى عن العبد الصالح: (وأفوّض أمري إلى الله((217).
3) الفعل المضارع الذي في أوله النون، كقوله تعالى: (نحن نقصّ عليك أحسن القصص((218).
4) الفعل المضارع الذي في أوله تاء خطاب الواحد، كقوله تعالى: (تؤتي الملك من تشاء((219). بخلاف المبدوء بتاء خطاب الواحدة نحو: أنت تحسنين الحجاب. أو المثنى أو الجمع فإن الضمير يكون بارزاً نحو: أنتما تصلان أرحامكما. وأنتم تصلون أرحامكم وأنتن تصلن أرحامكن. وهذه الأربعة ذكرها ابن مالك.
5) مع اسم فعل الأمر كقوله تعالى: (عليكم أنفسكم((220) ففي اسم الفعل (عليكم( ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنتم.
6) مع اسم الفعل المضارع كقوله تعالى: (فلا تقل لهما أفّ((221) ففي اسم الفعل (أف) ضمير مستتر، لأن معناه: أتضجر أي: أنا.
7) مع فعل التعجب نحو: ما أحسن الصدق!
8) مع المصدر النائب عن فعله. كقوله تعالى: (وبالوالدين إحساناً((222) فإحساناً: مصدر بفعل محذوف، وفاعله مستتر وجوباً تقديره: أنت. لأنه بمعنى: أحسن.
9) مع أفعال الاستثناء مثل: خلا، عدا، حاشا، نحو: حضر الضيوف خلا واحداً.
10) مع أدوات الاستثناء الناسخة مثل: ليس كقوله (: "ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه فكلوا، ليس السنَّ والظفر" متفق عليه، فاسمُ (ليس) ضمير مستتر وجوباً تقديره: هو:(1/48)
وأما المستتر جوازاً: فهو الذي يحل محله الاسم الظاهر أو الضمير المنفصل. وهو المرفوع بفعل الغائب كقوله تعالى: (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز((223) أو الغائبة كقوله تعالى: (وقالت لأخته قصيه((224) أو اسم الفعل الماضي نحو: الصديق هيهات. أي: بَعُدَ. أو الصفات المحضة كاسم الفاعل، كقوله تعالى: (ولمّا جآءهم رسول من عند الله مصدّق لما معهم((225) ففي (مصدق) ضمير مستتر جوازاً تقديره: (هو) يعود على رسول(226).
*…*…*
61) وَذُو ارْتِفَاعٍ وانْفِصَالٍ أنَا هُوْ……وَأَنْتَ وَالفُرُوعُ لا تَشْتَبِهُ
62) وَذُو انْتِصَابٍ فِي انْفِصَالٍ جُعِلا……إيّايَ والتَّفْرِيعُ لَيْسَ مُشْكِلاَ
تقدم أن الضمير البارز قسمان:
1) متصل: وتقدم.
2) منفصل: وهو الذي يبتدأ به، ويقع بعد (إلا)، كقوله تعالى: (هم العدوّ فاحذرهم((227) وقوله تعالى: (وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إياه((228).
وينقسم المنفصل بحسب مواقعه من الإعراب إلى قسمين:
الأول: ما يكون في محل رفع. والثاني: ما يكون في محل نصب.
فأما الذي يكون في محل رفع فقط فاثنا عشر ضميراً موزعة بين المتكلم والمخاطب والغائب على الوجه الآتي:
1) للمتكلم ضميران، (أنا) للمتكلم وحده. و(نحن) للمتكلم المعظم نفسه، أو معه غيره.
2) للمخاطب خمسة (أنتَ) للمفرد المذكر. (أنتِ) للمؤنثة و(أنتما) للمثنى بنوعيه و(أنتم) لجماعة الذكور. و(انتن) لجماعة الإناث.
3) للغائب خمسة. (هو) للمفرد(229)، (هي) للمؤنثة (هما) للمثنى بنوعيه (هم) لجمع المذكر (هن) لجمع الإناث.
وهذا معنى قوله: (وذو ارتفاع . . . إلخ) أي: المنفصل المرفوع (أنا، هو، أنت) وهذه هي الأصول. فإن الأصل في الضمير - عندهم - أن يكون لمفرد مذكر سواء كان لمتكلم أو مخاطب أو غائب. وما دل على أكثر من واحد، أو دل على التأنيث فهو فرع. ولهذا لما ذكر ابن مالك الأصول قال: إن (الفروع لا تشتبه) أي: لا تشتبه بغيرها فهي بينة.(1/49)
وأما الذي يكون في محل نصب فقط: فاثنا عشر ضميراً، كل ضمير مبدوء بكلمة (إيا) وهي كما يلي:
1) للمتكلم ضميران (إياي) للمتكلم وحده و(إيانا) للمتكلم المعظم نفسه أو معه غيره.
2) للمخاطب خمسة (إياكَ) للمفرد المذكر (إياكِ) للمؤنثة (إياكما) للمثنى بنوعيه (إياكم) لجمع الذكور. (إياكن) لجمع الإناث.
3) للغائب خمسة (إياه) للمفرد (إياها) للمفردة، (إياهما) للمثنى بنوعيه، (إياهم) لجمع الذكور (إياهن) لجمع الإناث.
ومن الأمثلة قوله تعالى: (إيّاك نعبد((230) وقوله تعالى: (أمر ألا تعبدوا إلا إياه((231) فإياك: مفعول مقدم مبني على الفتح في محل نصب. والثاني مبني على الضم في محل نصب(232).
وهذا معنى قوله: (وذوا انتصاب في انفصال . . . إلخ) أي: جعل ضمير المتكلم (إياي) مثالاً للمنصوب المنفصل. أما باقي الفروع فمعرفتها سهلة وليست أمراً مشكلاً. والألف في قوله: (جعلا) للإطلاق(233).
*…*…*
63) وَفِي اخْتِيَارٍ لا يَجِيءُ المنُْْفَْصِلْ……إذَا تَأَتََّى أنْ يَجِيء المُتَّصِلْ
القاعدة في باب الضمير أنه متى أمكن الإتيان بالضمير المتصل فلا يعدل إلى الضمير المنفصل؛ لأن الغرض من وضع الضمير الاختصار. والمتصل أشد اختصاراً من المنفصل. تقول: أكرمتك، ولا تقول: أكرمت إياك. لإمكان المتصل.
لكن قد يتعين انفصال الضمير، ولا يمكن المجيء به متصلاً، وذلك في مواضع منها:
1) أن يتقدم الضمير على عامله لداع بلاغي كإفادة القصر، نحو: إياك كافأ المدرس. قال تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين((234).
2) أن يقع بعد (إلا) لإفادة الحصر، نحو: ربنا ما نرجوا إلا إياك. قال تعالى: (وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إيّاه((235).
3) أن يُفْصَلَ بين الضمير وعامله بمعمول آخر، نحو: نحن نكرم العلماء وإياكم. قال تعالى: (يخرجون الرّسول وإيّاكم((236).
4) في ضرورة الشعر كقول زياد بن منقذ العدوي التميمي في تذكر أهله:(1/50)
وما أصاحب من قوم فأذكرهم ………إلا يزيدهم حبّاً إليِّّ هم(237)
ففصل الضمير، وحقه الاتصال. بأن يقول: إلا يزيدونهم حبّاً إليّ.
قال ابن مالك: (وفي اختيار لا يجيء المنفصل . . . إلخ) أي: لا يجيء الضمير المنفصل في سعة الكلام إذا أمكن الإتيان بالمتصل. أما في الشعر فيجوز العدول عن الوصل على الفصل.
*…*…*
64) وَصِلْ أوِ افْصِلْ هَاءَ سَلْنِيهِ وَمَا……أشْبَهَهُ في كُنْتُهُ الخُلْفُ انْتَمَى
65) كَذَاكَ خِلْتَنيهِ واتِّصَالا……أخْتَارُ غَيْرِي اخْتَارَ الانْفِصَالا
…يجوز أن يؤتى بالضمير منفصلاً مع إمكان أن يؤتى به متصلاً في ثلاث مسائل:
الأولى: أن يكون العامل في الضميرين المنصوبين فعلاً غير ناسخ. كأعطى وأخواتها، والضمير الأول أعرف من الثاني. مثاله: الكتاب سلنيه. فيجوز في الهاء الاتصال. أو الانفصال نحو: الكتاب سلني إياه. فالياء للمتكلم. والهاء للغائب وضمير المتكلم أعرف من الغائب بمعنى: أنه أشد تمييزاً لمسماه.
فإن لم يكن الضميران منصوبين. وجب وصل الضمير بعامله إن كان فعلاً نحو: النظام أحببته. وإن كان الأول غير أعرف تعين الفصل نحو: الكتاب أعطاه إياك زيد.
والاتصال أرجح من الانفصال في هذه المسألة، لأنه هو الأصل. ولأنه مؤيد بالقرآن، قال تعالى: (فسيكفيكهم الله((238) وقال تعالى: (أنلزمكموها وأنتم لها كارهون((239) وقال تعالى: (إن يسألكموها((240).
وقد ورد الفصل في السنة كقوله (: "أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها"(241)، وليس الاتصال بواجب، وليس الانفصال مخصوصاً بالشعر بدليل الحديث.(1/51)
المسألة الثانية: أن يكون الضمير الثاني منصوباً بكان أو إحدى أخواتها لأنه خبرها، فيجوز الاتصال والانفصال نحو: الصديق كنته، والصديق كنت إياه، واختلف في المختار. فابن مالك ومن وافقه يختار الاتصال؛ لأنه الأصل؛ ولأنه مؤيد بالحديث الشريف في قوله ( لعمر رضي الله عنه في شان ابن صياد: "إن يكنه فلن تسلط عليه، وإلا يكنه فلا خير لك في قتله"(242) وسيبويه ومن وافقه يختار الفصل، لأن الضمير خبر، والأصل فيه الانفصال، ولأنه ورد عن العرب، قال عمر بن أبي ربيعة:
لئن كان إياه لقد حال بعدنا……عن العهد والإنسان قد يتغير(243)
الثالثة: أن يكون العامل في الضميرين فعلاً ناسخاً كظن وأخواتها. فيجوز الاتصال نحو: الصديق ظننتكه. والانفصال: الصديق ظننتك إياه. واختار ابن مالك الاتصال، لأنه الأصل ومؤيد بالقرآن وكلام العرب، قال تعالى: (إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لّفشلتم((244) وقال الشاعر:
بلِّغتُ صنع امرى برٍّ إخَالُكَه ……إذ لم تزل لاكتساب الحمد مبتدراً(245)
واختار سيبويه الانفصال لأن الضمير خبر، والأصل فيه الانفصال. ولأنه ورد عن العرب. قال الشاعر:
أخي حسبتك إياه وقد مُلئت……أرجاء صدرك بالأضغان والإِحَنِ(246)
وهذا معنى قوله: (وصل أو افصل . . . إلخ) أي: يجوز وصل الضمير وفصله، وهو الهاء في قولك (سلنيه) وتقديمه الوصل يشعر باختياره، والمراد بقوله: (وما أشبهه) أي: من أفعال هذا الباب، وهو باب (سأل وأعطى) ثم ذكر أن الخلاف (انتمى) أي: انتسب إلى قائليه في مسألة كان وأخواتها. وكذلك في باب (ظن) ثم صرح بأنه يختار الاتصال. وأن غيره يختار الانفصال(247).
66) وَقَدِّمِ الأَخَصَّ فِي اتِّصَالِ……وَقَدِّمَنْ مَا شِئْتَ في انْفِصَالِ
هذا البيت في حكم الضميرين المنصوبين من حيث التقديم و التأخير. والقاعدة: أن ضمير المتكلم أعرف وأشد تمييزاً لمسماه من ضمير المخاطب. وضمير المخاطب أعرف من ضمير الغائب.(1/52)
وعلى هذا فإذا اجتمع ضميران منصوبان واختلفا في الرتبة بأن كان أحدهما أخص من الآخر فلهما حالتان:
الأولى: أن يكونا متصلين. فيجب تقديم الأعرف على غيره، تقول: الكتاب أعطيتكه. وأعطيتنيه، بتقديم الأعرف وهو الكاف في الأول، والياء في الثاني، على غير الأعرف فيهما، لأن الكاف للمخاطب، والياء للمتكلم، والهاء للغائب.
ولا يجوز تقديم غير الأعرف. وأجازه بعضهم لما رواه ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (3/177) من قول عثمان رضي الله عنه (أَراهُمُنِي الباطلُ شيطاناً)(248) أراد: أن الباطل جعلني عندهم شيطاناً، فقدم ضمير الغائب (الهاء) على ضمير المتكلم (الياء)، والأصل: أراني إياهم.
الثانية: أن يكونا منفصلين. فيجوز تقديم الأعرف وغير الأعرف. فتقول: الكتاب أعطيتك إياه، وأعطيته إياك. إلا إذا خيف اللبس. وذلك إذا كان كل من المفعولين يصلح أن يكون فاعلاً في المعنى. فيلزم تقديم الأعرف نحو: خالداً أعطيتك إياه. ولا يجوز تقديم الغائب بأن تقول: (أعطيته إياك) خشية اللبس. لعدم معرفة الآخذ والمأخوذ منهما. فيقدم الأعرف؛ ليكون تقديمه دليلاً على أنه الآخذ.
فكأنه الفاعل في المعنى. والأصل في الفاعل أن يتقدم.
قال ابن مالك: (وقدم الأخص في اتصال . . . إلخ) أي: قدم الأخص وهو الأعرف على غيره في حال الاتصال. وقدمن ماشئت منهما في حال الانفصال.
*…*…*
67) وَفِي اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ الْزَمْ فَصْلاَ……وَقَدْ يُبِيحُ الْغَيْبُ فِيهِ وَصْلاَ(1/53)
…إذا اجتمع ضميران واتحدا في الرتبة - كأن يكونا لمتكلمين أو مخاطبين أو غائبين - وجب فصل الضمير الثاني عن الأول. فتقول في المتكلم: تركتني لنفسي فأعطيتني إياي. وفي المخاطب. أعطيتك إياك. وفي الغائب. أعطيته إياه. ولا يجوز اتصال الثاني فلا تقول: أعطيتنيني ولا أعطيتكك ولا أعطيتهوه. إلا إن كانا لغائبين واختلف لفظهما بأن كان أحدهما للمفرد والثاني للمثنى، فيجوز وصل الثاني تقول: سأل زميلي عن القلم والكتاب فأعطيتهماه أو أعطيتهما إياه.
وهذا معنى قوله: (وفي اتحاد الرتبة . . . إلخ) أي: الزم الفصل بين الضميرين إذا اتحدا في الرتبة. وقد يجوز الفصل في ضمير الغائب بالقيد السابق.
*…*…*
68) وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ مَعَ الْفِعْلِ التُزِمْ……نُونُ وِقَايَةٍ وَلَيْسي قَدْ نُظِمْ
69) وَلَيْتَني فَشَا وَلَيْتي نَدَرا……وَمَعْ لَعَلََّ اعْكِسْ وَكُنْ مُخَيَّرا
70) فِي الْبَاقِيَاتِ واضْطِراراً خَفَّفا ……مِنِّي وَعَنِّي بَعْضُ مَنْ قَدْ سَلَفََا
71) وَفِي لَدُنِّي لَدُني قَلَّ وَفِي……قَدْني وَقَطْنِي الْحَذْفُ أيْضاً قَدْ يَفي
هذه الأبيات في حكم نون الوقاية. وهي نون تفصل بين ياء المتكلم والفعل أو غيره مما سيذكر، وهي حرف لا محل له من الإعراب.
سميت بذلك لأنها تقي الفعلَ من الكسر. وغيرَ الفعل من تغير آخره، لأن ما قبل ياء المتكلم يجب كسره للمناسبة. كما أنها تمنع اللبس في مثل: أكرمني أبي. إذ لو حذفت لالتبس الفعل بالمسند لياء المخاطبة نحو: أكرمي أبي.
ومناسبتها في هذا الباب لأنها ملازمة لياء المتكلم لا تأتي بدونها، والياء من ضمائر النصب أو الجر كما تقدم.
ولنون الوقاية مع ياء المتكلم خمس حالات:
الأولى: يجب اقترانها مع الفعل ماضياً كان أو مضارعاً أو أمراً. قال تعالى: (رّبّ إنّهم عصوني((249) وقال تعالى: (أتجادلونني في أسمآء سمّيتموها((250) وقال تعالى: (فاذكروني أذكركم((251)(1/54)
وكذا مع اسم الفعل نحو: دراكني، بمعنى: أدركني. ومع أفعل التعجب - على القول بأنه فعل - نحو: ما أفقرني إلى عفو ربي! ومع (من، وعن) نحو: هذا القلم مني، يا مقصر ابتعد عني. وقد شذ حذفها مع الفعل كقول الشاعر:
عددت قومي كعديد الطَيْسِ……إذ ذهب القوم الكرام ليسي(252)
كما شذ حذفها مع (من وعن) كقول الشاعر:
أيها السائل عنهم وعَنِي……لست من قيس ولا قيس مِنَّي
الثانية: يكثر الاقتران مع (ليت) ولم يرد في القرآن غيره. قال تعالى: (ياليتني قدّمت لحياتي((253) وقد ورد التجرد في الشعر كقول الشاعر:
كمنية جابر إذ قال ليتي……أصادفه وأفقد جُلَّ مالي
كما يكثر الاقتران مع الاسم المضاف إلى ياء المتكلم وهو ثلاثة:
1) لدن وهي ظرف مبني على السكون، كقوله تعالى: (قد بلغت من لّدني عذرا((254) في قراءة الأكثرين بتشديد النون، لأن نون الوقاية مدغمة في نون (لدن)، وقرأ نافع وأبو بكر بالتخفيف، بدون نون الوقاية.
2) قد: وهي اسم مرادف لحسب مبني على السكون، نحو: قدني درهم، أو قدي درهم، وهو مبتدأ، وما بعده خبر.
3) قط: وهي اسم بمعنى حسب، تقول: قطني درهم، أو قطي درهم، وهو مبتدأ، وما بعده خبر.
الثالثة: يكثر التجرد مع لعل. ولم يرد في القرآن غير التجرد. قال تعالى: (لَعلّي أرجع إلى الناس لعلّهم يعلمون((255) وجاء الاقتران في الشعر، كقول حاتم يخاطب امرأته وقد لامته على البذل:
أريني جواداً مات هزلاً لعلني……أرى ما ترين أو بخيلاً مخلَّدا
الرابعة: يجوز الوجهان على السواء مع (أنَّ وإنَّ وكأنَّ ولكنَّ) قال تعالى: (وإني لغفّار لمن تاب وءامن((256) وقال تعالى: (إنّني معكما أسمع وأرى((257).
الخامسة: يمتنع الاقتران مع حروف الجر غير (من وعن) ومع المضاف غير (لدن) و(قد وقط) وسائر الأسماء، عدا ما تقدم.(1/55)
قال ابن مالك: (وقبل (يا) النفس . . . إلخ) أي: الْتَزَمَ المتكلم الإتيان بنون الوقاية مع الفعل قبل (ياء النفس) وهي ياء المتكلم. وقوله: (وليسي قد نُظِمَ) أي: قد ورد الحذف مع الفعل (ليس) في النظم. يشير إلى البيت المذكور في الحالة الأولى. ثم ذكر أنه كثر اقتران النون مع ليت وندر التجرد. وأما (لعل) فهي عكس (ليت) فالكثير التجرد والقليل الاقتران. وأما الباقيات من أخوات (إنّ) - بعد - (ليت ولعل) - فأنت مخير بين الاقتران وعدمه، ثم ذكر أن من سلف من الشعراء خفف (من، وعن) بحذف نون الوقاية، وكأنه يشير إلى البيت المتقدم، وهذا ضرورة، ثم ذكر أنه قلَّ حذف نون الوقاية (من لدنيِّ) بأن يقال (لدنيِ) بالتخفيف. وأنه قد يأتي حذف نون الوقاية مع (قدني وقطني) والإثبات أكثر، لقوله (قد يفي) أي: يأتي.
مسألة: إذا كان الفعل المتصل بياء المتكلم من الأفعال الخمسة. وكان الفعل مرفوعاً جاز ترك النونين - نون الرفع ونون الوقاية - على حالهما من غير إدغام. فتقول: أنتما تشاركانني فيما يفيد. وأنتم تجادلونني بلا علم. وأنتِ تشاركينني في تربية أولادي، ومنه قوله تعالى: (أتعدانني أن أخرج((258). ويجوز الإدغام - وهو جعلهما نوناً واحدة مشددة مفتوحة - فتقول: أنتما تشاركانِّي، وتجادلونِّي . . . ويجوز حذف إحدى النونين - تخفيفاً - وترك الأخرى فتقول: أنتما تشاركانِي، وأنتم تجادلونِي، ومنه قوله تعالى: (وحاجَّه قومه قال أتحاجُّّونِّي في الله وقد هدان((259) فقد قرأ نافع وابن عامر بتخفيف النون من (تحاجوني) وقرأ الباقون بتشديدها. فالتشديد بإدغام إحدى النونين في الأخرى. والتخفيف بحذف إحداهما(260)، والظاهر أن المحذوف نون الوقاية، والثابتة نون الرفع، موافقةً لقاعدة رفع الأفعال الخمسة بثبوت النون . إلا أن كان الفعل منصوباً أو مجزوماً، فالمحذوفة نون الرفع نحو: أنتم لم تجادلوني بعلم.
العَلَمُ(1/56)
72) اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً……عَلَمُهُ كَجَعَفَرٍ وَخِرْنِقَا
73) وَقَرَنٍ وَعَدَنٍ وَلا حِقِ……وَشَذْقَمٍ وَهَيْلَةٍ وَوَاشِقِ
…هذا القسم الثاني من أقسام المعارف وهو العلم. والعلم نوعان:
1) علم شخصي. وهو المذكور هنا. وأكثر مباحث الباب تتعلق به.
2) علم جنس. وقد ذكره ابن مالك في آخر الباب.
علم الشخص: هو الاسم الذي يعين مسماه مطلقاً. نحو: جاء خالد. قال تعالى: (محمد رسول الله((261).
وقولنا: اسم. هذا جنس يشمل النكرة والمعرفة.
يعين مسماه: قيد أخرج النكرة، لأنها تدل على شيء غير معين.
مطلقاً: أي: بلا قرينة. وهذا القيد لإخراج بقية المعارف، فإن كل واحد منها لا يعين مسماه إلا بقرينة: لفظية كـ (أل) أو الصلة، نحو: حضر الولد. فهو معرفة لوجود (أل) فإذا زالت صار نكرة. والأسماء الموصولة معارف بقرينة الصلة نحو: حضر الذي ألقى الكلمة، أو قرينة معنوية كالتكلم في قولك: (أنا) والخطاب في (أنت) والغيبة في (هو) أو إشارة حسية أو معنوية، كما في أسماء الإشارة نحو: هذا موظف مخلص. أو هذا رأي سديد.
أما العلم فهو غني بنفسه عن القرينة.
ومسمى العلم نوعان:
1) أفراد الناس مثل: محمد. وخالد، وعبد العزيز، وآسية، وكريمة . . قال تعالى: (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم((262) وقال تعالى: (يا مريم أنّي لك هذا((263).
2) أفراد الحيوانات الألفية التي يكون للواحد منها علم خاص به. مثل (لاحق) علم على فرس(264) و(شذقم) علم على جمل.
3) أشياء أخرى لها صلة وثيقة بحياة الناس وأعمالهم كأسماء البلاد والقبائل ونحوها مثل: مكة، المدينة، مصر (أسماء بلاد) ومثل: تميم، طيء، غطفان (أسماء قبائل).
وإنما وضع لهذا وما قبله أعلام؛ لأن الغرض من العلم تعيين المسمى، وهذا مطلوب في المألوفات، كالخيل والإبل والبلاد وغيرها.(1/57)
وهذا معنى قوله: (اسم يعين . . . إلخ) أي: علم ذلك المسمى هو الذي يعين مسماه تعييناً مطلقاً بلا قيد، ثم مثل للأعلام، فجعفر: اسم رجل، وخرنق: علم على امرأة، وقَرَن علم قبيلة. وعَدَن: علم بلد، ولاحق علم فرس. وشذ قم علم جمل، وهيلة علم شاة، وواشق علم كلب(265).
74) وَاسْمَاً أتَى وَكُنْيَتةً وَلَقَبَا……وَأخِّرَنْ ذَا إنْ سِوَاهُ صَحِبَا
للعلم تقسيمات متعددة . . .
التقسيم الأول: باعتبار وضعه. ثلاثة أقسام:
1) اسم، وهو ما أطلق على الذات أولاً، نحو: خالد، هند.
2) كنية، ما أطلق على الذات بعد التسمية. وصدّر بأب أو أم نحو: أبو حفص عمر بن الخطاب، عائشة أم المؤمنين، قال تعالى: (تبّت يدا أبي لهب وتبّ((266) فـ (أبي لهب( كنية عبد العزى بن عبد المطلب عم النبي ((267).
3) لقب، وهو ما أطلق على الذات بعد التسمية وأشعر بمدح أو ذم كالمأمومن والرشيد والجاحظ والسفاح، ومنه قوله تعالى: (إنّما المسيح عيسى ابن مريم((268) فالمسيح لقب لـ (عيسى) عليه الصلاة والسلام.
وقد يجتمع الاسم مع اللقب أو الكنية. ولذلك ثلاث صور:
الأولى: الاسم مع اللقب. ويجب تأخير اللقب عن الاسم. فتقول: ثاني الخلفاء الراشدين عمر الفاروق - رضي الله عنه - وذلك لأن اللقب بمنزلة الصفة، وهي تتأخر عن الموصوف.
وقد يتقدم اللقب إذا كان أشهر من الاسم، كقوله تعالى: (إنّما المسيح عيسى ابن مريم((269) وقد ورد عن العرب تقديم اللقب قليلاً كقول المرأة:
بأن ذا الكلب عمراً خيرهم حسباً……ببطن شريان يعوي حوله الذيب(270)
فقدم اللقب (ذا الكلب) على الاسم (عمراً).
الثانية: الاسم مع الكنية: فأنت بالخيار في تقديم أيهما شئت. فتقول: ثاني الخلفاء الراشدين عمر أبو حفص، أو أبو حفص عمر - رضي الله عنه -.(1/58)
الثالثة: الكنية مع اللقب. فظاهر كلام ابن مالك أنه يجب تأخير اللقب، لما تقدم ، نحو: ثاني الخلفاء الراشدين أبو حفص الفاروق. وعند الجمهور أنت بالخيار. فلك أن تقول: ثاني الخلفاء الراشدين الفاروق أبو حفص. بتقديم اللقب على الكنية.
قال ابن مالك: (واسماً أتى . . . إلخ) أي: أتى العلم اسماً وكنية ولقباً. (وأخرنْ ذا) أي: أخرنْ اللقب إذا صحب (سواه) والمراد: الاسم والكنية، وظاهر ذلك أنه يجب تأخير اللقب مع الكنية - كما تقدم - وقد فهم بعض العلماء أن هذا رأي ابن مالك(271)، لكن قد يشكل عليه اقتصاره في الكافية(272) على وجوب تقديم اللقب مع الاسم ولم يذكر الكنية، والله أعلم.2
*…*…*
75) وَإنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ فأضِفْ……حَتْماً وإلاَّ أَتْبِعِ الَّذِي رَدِفْ
في الاسم مع اللقب بحثان:
الأول: من حيث التقديم والتأخير. وقد تقدم قبل هذا البيت أن اللقب يؤخر عن الاسم.
الثاني: من حيث الإعراب. وهو المراد هنا.
فالاسم يعرب حسب العوامل، لأنه متقدم، وأما اللقب فله مع الاسم أربع حالات:
الأولى: أن يكون الاسم واللقب مفردين. والمراد بالمفرد هنا. ما ليس بمركب. فالمفرد من كلمة، والمركب من كلمتين. مثل: جاء عليُّ سعيدٍ. الأول اسم، والثاني لقب. فتجب إضافة الأول إلى الثاني. فيعرب الأول على حسب حاجة الجملة. ويجر الثاني بسبب الإضافة والقول بالإضافة مشروط بما إذا لم يوجد مانع، ككون الاسم مقروناً بأل نحو: جاء الحارث سعيد. فتمتنع الإضافة. وهذا رأي البصريين وتبعهم ابن مالك.
وأجاز الكوفيون في هذه الحالة الاتباع. فتعرب الثاني بإعراب الأول، على أنه بدل منه أو عطف بيان. فتقول: هذا عليٌّ سعيدٌ. ورأيت عليّاً سعيداً. ومررت بعليٍّ سعيدٍ.
وهذا هو المختار لعدم احتياجه إلى التأويل. فإنه يلزم على رأي البصريين إضافة الشيء إلى نفسه. وهذا ممنوع كما في باب الإضافة. وما ورد منه فهو مؤول، فيترجح رأي الكوفيين؛ لأنه أيسر.(1/59)
الصورة الثانية: أن يكون الاسم واللقب مركبين نحو، هذا عبدُ اللهِ زينُ العابدين.
الصورة الثالثة: أن يكون الاسم مركباً واللقب مفرداً نحو: هذا عبدُ الله سعيدٌ.
الصورة الرابعة: أن يكون الاسم مفرداً واللقب مركباً نحو: هذا عليٌّ زينُ العابدين.
وفي هذه الحالات الثلاث تمتنع الإضافة. ويعرب اللقب بإعراب الاسم. فيكون تابعاً له في رفعه ونصبه وجره، فإن كان اللقب مركباً أعرب صدره كما ذكرنا، وأما عجزه فيكون مجروراً دائماً على أنه مضاف إليه.
وهذا معنى قوله: (وإن يكونا مفردين . . . إلخ) أي: وإن يكونا - الاسم واللقب - مفردين فأضف الأول إلى الثاني حتماً، فيعرب الأول حسب حالة الجملة، والثاني يعرب مضافاً إليه مجروراً. وإن لم يكونا مفردين. كما في الحالات الثلاث، فأتبع الثاني للأول في إعرابه، ومعنى (الذي ردف) أي: الذي جاء ردفاً للأول. أي: بعده متأخراً عنه.
* * *
76) وَمنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ……وَذُو ارْتِجَالٍ كَسُعَادَ وَأُدَدْ
77) وَجُمْلَةٌ وَمَا بِمَْزجٍ رُكِّبَا……ذَا إنْ بِغَيْرِ وَيْهِ تَمَّ أُعْرِبَا
78) وَشَاعَ فِي الأعْلاَمِ ذُو الإضَافَهْ……كَعَبْدِ شَمْسٍ وأَبِي قُحَافَهْ
…التقسيم الثاني للعلم: باعتبار أصالته في العلمية وعدم أصالته. ينقسم إلى:
1) مرتجل: وهو الذي لم يسبق له استعمال قبل العلمية. مثل: أدد (علم رجل) وسعاد (علم امرأة) و(مذحج) وهو أبو قبيلة من العرب.
2) منقول: وهو ما سبق له استعمال قبل العلمية. والنقل:
1- إما من صفة كاسم الفاعل نحو: حارث، صالح، أو صفة مشبهة نحو: حسن، وثقيف، أو اسم مفعول مثل: منصور.
2- أو من اسم جنس نحو: أسد، غزال.
3- أو من مصدر نحو: زيد.
4- أو من فعل نحو: يزيد (من فعل مضارع) وشَمَّر (من فعل ماض) وسامحْ (من فعل أمر).(1/60)
5- أو من جملة فعلية نحو: شاب قرناها (مسمى به) وسيأتي. وهذا معنى قوله: (ومنه منقول . . إلى قوله: وجملة) أي: ومن العلم منقول: كفضل وأسد، ومنه: مرتجل كسعاد وأدد. ومنه ذو جملة. أي: المركب الإسنادي.
التقسيم الثالث للعلم: باعتبار لفظه. ينقسم إلى قسمين:
1) مفرد: وهو ما تكون من كلمة واحدة. نحو: خالد. مأمون، نبيل، حفصة.
2) مركب: وهو ما تكون من كلمتين فأكثر. وهو ثلاثة أنواع:
1- مركب إسنادي: وهو ضم كلمة إلى أخرى على وجه يفيد حصول شيء أوعدم حصوله، ولا يكون ذلك إلا بجملة فعلية أو اسمية. أما الفعلية، فقد سمعت عن العرب مثل: شاب قرناها. وأما الاسمية فقاسها النحاة على الجملة الفعلية نحو زيد قائم (مسمى به).
وحكم المركب الإسنادي أنه يعرب على حسب موقعه من الجملة بحركات مقدرة منع من ظهورها وجود علامة الحكاية نحو: جاء زيدٌ قائمٌ، ورأيت زيدٌ قائمٌ، ومررت بزيدٌ قائمٌ.
2- مركب مزجي: وهو ما تركب من كلمتين امتزجتا حتى صارتا كالكلمة الواحدة، وهو نوعان:
أ ) ما ختم بـ (ويه): وهذا يبنى على الكسر. فتقول: جاء عمرويهِ، ورأيت عمرويهِ، ومررت بعمرويهِ، وأجاز بعضهم إعرابه إعراب ما لا ينصرف.
ب ) الذي لم يختم بـ (ويه): فهذا يعرب إعراب ما لا ينصرف للعلمية والتركيب، فتقول: هذه بعلبكُّ، رأيت بعلبكَّ، مررت ببعلبكَّ، وهذا رأي جيد يحسن الاقتصار عليه.
3- مركب إضافي: وهو ما تركب من مضاف ومضاف إليه. وحكمه: أن يعرب صدره بالحركات أو الحروف حسب موقعه من الجملة. وعجزه يكون مجروراً بالمضاف دائماً نحو: جاء عبدُ اللهِ ورأيت عبدَ اللهِ، وسلمت على عبدِ اللهِ، وتقول: جاء أبو محمدٍ، ورأيت أبا محمدٍ، ومررت بأبي محمدٍ.(1/61)
وهذا معنى قوله: (وجملة وما بمزج ركبا . . . إلخ) أي: ومن العلم ما ركب تركيباً إسناديّاً وهو المقصود بقوله: (وجملة) ومنه المركب المزجي، وهذا يعرب إن لم يختم بـ (ويه) ومفهومه أنه إن ختم بـ (ويه) فلا يعرب، بل يبنى، ثم أشار إلى المركب الإضافي وبين أنه كثير في الأعلام، لأن منه الكنى وغيرها، ومثل له بمثالين: مثال لكنية ومثال لغيرها، كما أن الأول معرب بالحركات، والثاني معرب بالحروف.
*…*…*
79) وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ عَلَمْ……كَعَلَمِ الأشْخَاصِ لَفْظاً وَهْوَ عَمْ
80) مِنْ ذَاكَ أُمُّ عِرْيَطٍ لِلعَقْرَبِ……وَهكَذَا ثُعَالَةٌ لِلثَّعَْلبِ
81) وَمِثْلُهُ بَرَّةُ لِلمَبَرَّه……كَذَا فَجَارِ عَلَمٌ لِلْفَجْرَه
…تقدم أن العلم قسمان:
1) علم شخصي: وهو ما يخص واحداً بعينه، وتقدمت أقسامه وأحكامه.
2) علم جنس: وهو ما لا يخص واحداً بعينه. وإنما يصلح للجنس كله. كقولك: هذا أسامة (للأسد) فهذا اللفظ صالح لكل أسد. وقولك: (هذه أم عِرْيطَ) للعقرب.
وعلم الجنس يشارك علم الشخص في الأحكام اللفظية ومنها:
1) صحة مجيء الحال منه متأخرة نحو: جاء خالد مسروراً. وهذا أسامة مقبلاً.
2) المنع من الصرف إذا وجد مع العلة سبب آخر نحو: جاء يوسفُ. وهذا أسامةُ.
3) المنع من دخول الألف واللام فلا يقال: جاء الخالد. وجاء الأسامة.
وأما حكمه المعنوي فهو كاسم الجنس مثل (رجل) في أن مدلوله شائع من جهة أنه لا يخص واحداً بعينه. فكل أسد يصدق عليه (أسامة) وكل عقرب يصدق عليها (أم عريط) وهكذا.
وعلم الجنس المسموع عن العرب ثلاثة أنواع:
1) حيوانات أليفة مثل: أبو أيوب (للجمل) وأبو صابر (للحمار).
2) حيوانات غير أليفة مثل: ثعالة للثعلب، وأسامة للأسد.
3) أمور معنوية مثل: برة. علم على المبرة بمعنى البر. وفجار علم للفجْرة بمعنى الفجور. فكل نوع من أنواع البر (برة) وكل نوع من أنواع الفجور (فجار) ومثله: كيسان (علم للغدر).(1/62)
وهذا معنى قوله: (ووضعوا لبعض الأجناس علم) أي: أن العرب وضعت لبعض أجناس السباع والحشرات ونحوها أعلاماً. وهذا فيه إشارة إلى أن علم الجنس سماعي(273). وإنما وضع لها علم جنس، لأنه لم يوضع لها علم شخص بسبب عدم الألفة. لكن وضع لها علم جنس لأن العلمية أحد طرق التعريف. وقوله: (علم) مفعول به منصوب للفعل قبله. ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة(274)، ثم ذكر أن علم الجنس كعلم الشخص في الأحكام اللفظية. وقوله: (وهو عم) أي: من جهة المعنى في أن مدلوله شائع يعم جميع الأفراد،، ثم مثل ببعض الأمثلة. و(فجار) علم للمؤنث. ولذا قال: (للفجْرة) أي: الفجور وقوله: (وهو عم) فعل ماض. أي: مدلول عم جميع الأفراد.
اسم الإشارة
82) بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أشِرْ……بِذِي وَذِهْ تِي تَا عَلَى الأُنْثَى اقْتَصِرْ
83) وذَانِ تَانِ لِلمُثَنَّى المُرْتَفِعْ… وَفِي سِوَاهُ ذَيْنِ تَيْنِ اذْكُرْ تُطِعْ
84) وَبِأُولَى أشِرْ لِجَمْعٍ مُطْلَقَا……وَالمَدُّ أوْلَى ..................
هذا القسم الثالث من أقسام المعارف وهو اسم الإشارة. وهو اسم يبين مسماه بإشارة حسية أو معنوية. فمثال الأولى (وهي الغالب): هذا كتاب مفيد. ومثال الثانية: هذا رأي صائب.
تقسيم أسماء الإشارة:
لأسماء الإشارة باعتبار المشار إليه تقسيمان:
الأول: ما يلاحظ فيه الإفراد والتذكير وفروعهما.
الثاني: ما يلاحظ فيه المشار إليه باعتبار قربه أو بعده.
أما الأول فهو خمسة أنواع:
1) ما يشار به للمفرد المذكر، وهو (ذا) مثل: هذا تاجر صدوق. قال تعالى: (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين((275).(1/63)
2) ما يشار به للمفردة المؤنثة وهو عشرة ألفاظ. خمسة مبدوءة بالذال هي: ذي، ذهِ، بكسر الهاء مع اختلاس كسرتها، ذهِ، بكسر الهاء مع إشباع الكسرة نوعاً، ذات، وخمسة مبدوءة بالتاء هي: تي، تا، تِهْ، تهِ، بكسر الهاء مع اختلاس الكسرة، تِه، بكسر الهاء مع إشباع الكسرة نوعاً. مثل: هذه الفتاة تحسن الحجاب. تلك المرأة تعرف معنى التربية، قال تعالى: (هذه جهنّم التي كنتم توعدون((276) وقال تعالى: (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيّا((277).
3) ما يشار به للمثنى المذكر وهو لفظة واحدة. ذان (رفعاً) وتصير (ذين) نصباً، وجرّاً، تقول: ذان عالمان كبيران، قال تعالى: (هذان خصمان((278) فـ (ذان) مبتدأ مبني على الألف في محل رفع(279) (خصمان) خبر.
4) ما يشار به للمثنى المؤنث. وهو لفظ واحدة: تان (رفعاً) وتصير (تين) نصباً وجراً. تقول: هاتان امرأتان كبيرتان. تصدقت على هاتين المرأتين الكبيرتين. قال تعالى في قصة صاحب مدين: (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين((280) فـ (هاتين) عطف بيان، مبني على الياء في محل جر.
5) ما يشار به للجمع المذكر والمؤنث. وله لفظة واحدة: (أولاء) ممدودة في الأكثر، أو (أولى) مقصورة. والأول جاء في القرآن. تقول: هؤلاء الطلاب يحبون الفائدة، قال تعالى: (هاأنتم أولآء تحبّونهم ولا يحبّونكم وتؤمنون((281) وقال تعالى عن لوط عليه السلام : (هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم((282).
وهذا معنى قوله: (بذا لمفرد مذكر أشر . . . إلخ) أي: للمفرد المذكر بكلمة (ذا) واقتصر في الإشارة إلى الأنثى على كلمة (ذي وذه وتي وتا) ولم يذكر الباقي ، وللمثنى في حالة رفعه صيغتان هما (ذان وتان) وقد ذكرنا أن الأول للمذكر والثاني للمؤنث. وفي سوى الرفع يقال فيهما (ذين، تين) ثم ذكر أن (أولى) للجمع مطلقاً - مذكراً ومؤنثاً عاقلاً وغير عاقل. والمد أولى من القصر، لمجيئه في القرآن، كما تقدم.
*…*…*(1/64)
.......................………وَلَدَى البُعْدِ انْطِقَا
85) بِالْكَاف حَرْفاً أوْ مَعَهْ واللامُ إِنْ قَدَّمْتَ هَا مُمتَنِعهْ
ذكر هنا القسم الثاني من أسماء الإشارة. وهو الذي يلاحظ فيه المشار إليه من ناحية قربه أو بعده. وذلك أن المشار إليه - على رأي ابن مالك - له رتبتان:
الأولى: قربى. وتستعمل له جميع أسماء الإشارة المتقدمة دون أن يزاد عليها شيء في آخرها.
الثانية: بُعْدَى. وتستعمل لها جميع أسماء الإشارة المتقدمة. وتزاد عليها الكاف، فتقول: ذاك رجل مقبل. أو الكاف واللام فتقول: ذلك الرجل(283) أقبل إلينا.
وهذه الكاف حرف خطاب لا محل لها من الإعراب(284). وهي تتصرف تصرف الكاف الاسمية غالباً فتفتح للمخاطب، كما في المثال المذكور. وتكسر للمخاطبة نحو: ذلكِ رجل مقبل. وتتصل بها علامة التثنية قال تعالى: (ذلكما ممّا علّمني ربي((285) أو علامة الجمع كقوله تعالى: (وذلكم ظنّكم الذي ظننتم بربّكم أرداكم((286) وقوله تعالى: (قالت فذلكن الذي لمتنّني فيه((287) ومن غير الغالب قوله تعالى: (ذلك خير((288).
وأما اللام فهي حرف دال على البعد، تزاد قبل الكاف، وهي ملازمة لها، إلا في التثنية مطلقاً. وفي الجمع في لغة من مدَّه. وفيما سبقته هاء التنبيه. فلا تقول: هذالك رجل عاقل، وذلك لكثرة الزوائد.
وهذا معنى قوله: (ولدى البعد انطقا . . . إلخ) أي: إذا كان المشار إليه بعيداً فانطق بالكاف الحرفية دون اللام. أو مع اللام، وفي قوله: (أو معه) إطلاق مقيد بما تقدم، وتمتنع اللام إن قدمت (ها) التنبيه.
وظاهر هذا أنه ليس للمشار إليه إلا رتبتان: قربى، وبعدى. والجمهور على أن له ثلاث مراتب.
1) قربى: ويشار إليه بما ليس فيه كاف ولا لام.
2) وسطى: ويشار إليه بما فيه الكاف وحدها.
3) بعدى: ويشار إليه بما فيه الكاف واللام.
86) وَبِهُنَا أوْ هاهُنَا أشِرْ إلِى………دَانِى الْمكَانِ وَبِهِ الْكَافَ صِلاَ(1/65)
87) فِي البُعْدِ أوْ بِثَمَّ فُهْ أوْ هَنَّا………أوْ بِهُنَالِكَ انْطِقَنْ أوْ هِنَّا
ذكر في هذين البيتين ألفاظ الإشارة للمكان. وهي ألفاظ تفيد الإشارة مع الظرفية فهي في محل نصب على الظرفية. ولهذا دخلت في عداد ظروف المكان. فهي أسماء إشارة وظرف مكان معاً. وأصل ذلك لفظان: (هُنا، ثَمَّ).
فأما (هنا) فهي اسم إشارة إلى المكان القريب مثل: هنا يكون الاجتماع. وقد يزاد في أولها حرف التنبيه (ها) نحو: هاهنا الضيوف. قال تعالى عن قوم موسى عليه السلام: (فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون((289).
فإذا زِيدت في آخرها الكاف وحدها أو الكاف واللام صارت للمكان البعيد. وهذا على رأي ابن مالك. وعلى رأي الجمهور هناك للمتوسط، وهنالك للبعيد.
وقد يدخل على صيغة (هنا) بعض التغيير، فتصير اسم إشارة للمكان البعيد من غير وجود لام البعد. ومن ذلك: هَنّا، هِنّا، هَنَّتْ، هِنَّت. فهذه لغات فيها. وكلها تفيد مع الظرفية الإشارة للمكان البعيد.
وأما (ثَمَّ) فاسم إشارة إلى المكان البعيد نحو: تأمل السماء فثم القدرة العظيمة، قال تعالى: (وأزلفنا ثَمَّ الآخرين((290).
وهذا معنى قوله: (وبهنا أو هاهنا . . . إلخ) أي: أشر إلى المكان القريب بكلمة: (هنا) من غير (ها) التي للتنبيه. أو مع (ها) التنبيه فتقول: (هاهنا). أما عند الإشارة إلى البعيد فَصِلْ الكاف بكلمة (هنا) و(هاهنا) أو جيء باسم إشارة آخر يفيد البعد وهو: ثمَّ أو هَنَّا أو هنالك أو هِنَّا.
…
الاسم الموصول
88) مَوْصُولُ الاسْمَاءِ الَّذِي الأَُنْثى الَّتي……وَالْيَا إذَا مَاثُنِّيا لا تُثْبِتِ
89) بَلْ مَا تَلِيهِ أَوْلِهِ الْعَلاَمَهْ……والنُّونُ إنْ تُشْدَدْ فَلا مَلامَهْ
90) وَالنُّونُ مِنْ ذَيْنِ وَتَيْنِ شُدِّدَا……أيْضاً وَتَعْوِيضٌ بِذَاكَ قُصِدَا
هذا القسم الرابع من أقسام المعارف وهو (الاسم الموصول) والموصول قسمان:
1) موصول اسمي: وهو المراد هنا.(1/66)
2) موصول حرفي: وهو كل حرف أول مع صلته بمصدر، ولم يحتج إلى عائد، وهو ليس من أقسام المعارف، لكونه حرفاً. ولم يذكره ابن مالك في الألفية(291) ومن ذكره فللمناسبة بينه وبين الموصول الاسمي من جهة الصلة، وأحكامه مبثوثة في أبواب النحو، وهو خمسة أحرف:
1) أنْ (الساكنة النون أصالة) نحو: عجبت من أن تأخر الضيف. أي: من تأخره.
2) أنَّ (المشددة النون) نحو: سرني أنك مواظب. أي: مواظبتك.
3) كي. نحو: أتقدم إلى المسجد لكي أحصل على الصف الأول. أي: لحصولي.
4) ما المصدرية الظرفية نحو: لا أصحبك ما دمت منحرفاً، أي: مدة دوامك. وغير الظرفية نحو: عجبت مما أهنت عليّاً. أي من إهانتك عليّاً.
5) لو: نحو: وددت لو رأيتك في حلقات العلم. أي: رؤيتك. أما الموصول الاسمي فهو: اسم يعين مسماه بقيد الصلة المشتملة على عائد. وهو قسمان:
1) موصول اسمي مختص. وهو ما كان نصّا في الدلالة على بعض الأنواع لا يتعداها.
2) موصول اسمي مشترك. وهو الذي لا يختص بنوع معين، وإنما يصلح للأنواع كلها، وهذا سيأتي إن شاء الله.
أما الأول فله ثمانية ألفاظ:
1) الذي: للمفرد المذكر للعالم وغيره. قال تعالى: (والذي قال لوالديه أُفّ لّكما((292) وقال تعالى: (هذا يومكم الذي كنتم توعدون((293) وهو اسم موصول مبني على السكون في محل رفع أو نصب أو جر.
2) التي: للمفرد المؤنث. للعاقلة وغيرها، قال تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها((294) وقال تعالى: (ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها((295) وهو اسم موصول مبني على السكون في محل رفع أو نصب أو جر.(1/67)
3) اللذان: للمثنى المذكر، عاقلاً أو غير عاقل. رفعاً. واللذين: نصباً وجرّاً. وذلك بحذف الياء من الاسم المفرد (الذي) والإتيان بالألف والنون المكسورة مكانها في حالة الرفع. والياء المفتوح ما قبلها والنون المكسورة بعدها. وذلك في حالتي النصب والجر، قال تعالى:( والَّذان يأتيانها منكم فآذوهما((296) فـ (اللذان) مبني على الألف في محل رفع مبتدأ، وجملة (فآذوهما) خبر، وقال تعالى: (ربّنا أرنا الَّذين أضلانا من الجن والإنس((297) فـ (اللذين) مبني على الياء في محل نصب مفعول ثانٍ298.
4) اللتان: للمثنى المؤنث. عاقلاً أو غير عاقل - وحكمه كما تقدم في (اللذان) من الحذف والتعويض والإعراب - تقول: حضرت اللتان ضمدتا الجراح.
ويجوز تشديد النون فيهما، لاستعمال العرب ذلك. وقد قرأ من السبعة عبد الله بن كثير المكي (واللذانِّ يأتيانها منكم((299) بتشديد النون. كما قرأ بالتشديد - أيضاً - (ربّنا أرنا الذينِّ أضلانا من الجنّ والإنس((300) مما يدل على أن التشديد لا يختص بحالة الرفع.
وهذا التشديد يجوز - أيضاً - في تثنية اسم الإشارة (ذا وتا). وقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو بن العلاء البصري (فذانك برهانان((301) و (إحدى ابنتي هاتين((302) بتشديد النون.
وهذا معنى قوله: (موصول الاسماء . . . إلخ). أي: ألفاظ الموصول الاسمي هي: (الذي) ولم يذكر أنها للمفرد المذكر مكتفياً بالمقابلة في قوله: (الأنثى التي) ثم أوضح أنك لا تثبت الياء في (الذي والتي) عند التثنية. بل تحذفها، وتجعل علامة التثنية - وهي الألف أوالياء - وَاليةً للحرف الذي تليه الياء (وهو الذال في الذي والتاء في التي) ثم ذكر بأن تشديد النون في التثنية لا لوم فيه. وكذلك تشديد النون من (ذين وتين). وأن التشديد في هذه النونات كلها هو تعويض عن الياء التي حذفت من الموصول، والألف من اسم الإشارة. والعلة الصحيحة هي استعمال العرب.
*…*…*(1/68)
91) جَمْعُ الَّذِي الأُلَى الَّذِينَ مُطْلَقا……وَبَعْضُهُمْ بِالوَاوِ رَفْعاً نَطَقَاَ
92) بالَّلاتِ والّلاِءِ الَّتِي قَدْ جُمِعَا……وَالَّلاءِ كالَّذِينَ نَزْراً وَقَعَا
ذكر الألفاظ الأربعة الباقية من الموصول الخاص وهي:
5) الألى: لجمع المذكر العاقل كثيراً ولغيره قليلاً، وهي مبنية على السكون، تقول: سرني الألى ساهموا في الدعوة إلى الله.
6) الذين لجمع الذكر -أيضاً- وفيها لغات الأولى :الذين : بالياء في الأحوال الثلاثة - الرفع والنصب والجر - وهي لغة جمهور العرب، وهي مبنية على الفتح. قال تعالى: (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضلّ أعمالهم((303) وقال تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله((304) وقال تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف((305)
الثانية: الَّذون: بالواو رفعاً. والذين بالياء نصباً وجراًّ، وهي لغة هذيل أو عقيل، وعليها جاء قول الشاعر:
نحن الذون صبحوا الصباحا……يوم النُّخيل غارة ملحاحا(306)
وهو مبني على الواو أو الياء. أو مرفوع بالواو ومنصوب ومجرور بالياء. فيكون معرباً
7) اللاتي: لجمع المؤنث. وقد تحذف الياء، قال تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم((307) وهي مبنية على السكون في حال ثبوت الياء. ومبنية على الكسر في حال حذفها.
8) اللائي: لجمع المؤنث - أيضاً - وقد تحذف الياء. وبالإثبات قرأ السبعة، وبالحذف قرأ آخرون في قوله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم((308) وبقاؤها على السكون أو الكسر كالتي قبلها.
وقد يقع كل من (الألى) و(اللائي) مكان الآخر. قال الشاعر:
فما آباؤنا بأَمَنَّ منه……علينا اللاءِ قد مَهَدوا الحجورا(309)
…أي: الذين، بدليل (مهدوا) فإن الواو لجماعة الذكور.
وقال آخر:
محا حبُّها حبَّ الألى كن قبلها……وحلت مكاناً لم يكن حُلَّ من قَبلُ(310)(1/69)
أي: اللائي. بدليل (كنَّ قبلها) فإن النون لجماعة الإناث. وإلى ما ذكرنا أشار ابن مالك بقوله: (جَمْعُ الذي الألى . . . إلخ) أي: أن كلمة (الذي) تجمع جمعاً لغويّاً - وهو الذي يدل على مطلق التعدد - على الألى والذين، لا جمعاً نحويّاً، ويقال فيها (الذين) مطلقا ما وبعض العرب نطق بالواو في حالة الرفع وكذا جمع ( التي ) على اللاتي واللائي. واللاء وقع موقع الذين. وهذا (نزر) أي: قليل.
*…*…*
93) وَمَنْ وَمَا وَأَلْ تُسَاوِي مَا ذُكِرْ……وَهكَذَا ذُو عِنْدَ طَيِّءٍ شُهِرْ
94) وَكَالَّتي أيْضاً لَدَيْهِمْ ذَاتُ……وَمَوْضِعَ اللاتِي أتَى ذَوَاتُ
هذا القسم الثاني من الأسماء الموصولة، وهو الموصول المشترك. وهو الذي لا يختص بنوع معين. وإنما يصلح للواحد وغيره دون أن تتغير صيغته، وهو ستة: (من وما وأل وذو الطائية وذا وأي). وهذا بيانها:
1) مَنْ: وهي اسم موصول مبنى على السكون(311)، وهي للعالم(312) كقوله تعالى: (وَمنْ عنده علم الكتاب((313) وتأتي لغيره كقوله تعالى: (ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء((314).
2) ما: وهي اسم موصول مبني على السكون. وهي لغير العالم كقوله تعالى: (ما عندكم ينفد((315) وقد تكون للعالم وغيره، كقوله تعالى: (يسبح لله ما في السموات وما في الأرض((316) فإن لفظ (ما) يتناول الإنس والجن والمَلَك والحيوان والجماد.
3) أل: وتكون للعاقل وغيره: تقول: أعجبني الكاتب. قرأت المكتوب. وهي اسم موصول على أصح الأقوال. وإعرابها يظهر على الصفة الصريحة المتصلة بها. لكونهما نزلا منزلة الكلمة الواحدة. قال تعالى: (إنّ المصَّدقين والمصَّدقات((317) وقال تعالى: (والسّقف المرفوع(5) والبحر المسجور((318) فـ(المصَّدقين) اسم "إن" منصوب بالياء. و(المرفوع) صفة مجرورة.
4) ذو: وتستعمل موصولة عند بعض القبائل العربية، ومنها (طيء) نحو: زارني ذو تعلّم. أي: الذي تعلَّم.
وقد ذكر ابن مالك فيها لغتين:(1/70)
الأولى: أن تكون بلفظ واحد للمفرد والمثنى والجمع. المذكر والمؤنث، ويتعين المراد بالصلة. فتقول: جاء ذو فاز. وجاءت ذو فازت. وجاء ذو فازا، وذو فازتا. وذو فازوا. وذو فُزْنَ.
والثانية: إدخال بعض التغيير عليها عند استعمالها للمفرد والمؤنث. فيقال (ذات) لتكون مثل (التي) في الدلالة على المفردة المؤنثة. وللجمع المؤنث (ذوات) مثل (اللاتي).
وأما إعرابها فالمشهور بناؤها على السكون. وأما (ذات) و(ذوات) فالمشهور بناؤهما على الضم.
وهذا معنى قوله: (ومن وما . . . إلخ) أي: أن هذه الألفاظ تساوي ما ذكر من الثمانية المتقدمة في الاستعمال، أي: تصلح لكل ما صلحت له. وقد اشتهر عند الطائيين استعمال (ذو) موصولة، مساوية في الاستعمال للأنواع الثمانية المتقدمة، ثم ذكر أن من الطائيين من إذا أراد معنى (التي) قال: (ذات) وإذا أراد معنى (اللاتي) قال: (ذوات).
* * *
95) وَمِثْلُ مَا ذَا بَعْدَ مَا اسْتِفْهَامِ……أوْ مَنْ إذَا لَمْ تُلْغَ فِي الْكَلاَمِ
هذا الموصول الخامس المشترك وهو (ذا) والأصل أنها اسم إشارة - كما تقدم - لكنها قد تستعمل موصولة. للعاقل وغيره. مفرداً وغير مفرد. وذلك بثلاثة شروط:
الأول: ألا تكون للإشارة، ولعل ابن مالك تركه لوضوحه،وعلامة كونها للإشارة دخولها على المفرد. نحو: من ذا الكاتب؟ أي: من هذا الكاتب؟ لأن المفرد لا يصلح صلة لغير (أل). كما سيأتي.
الثاني: أن تكون مسبوقة بكلمة (ما) أو (من) الاستفهامية. نحو: ماذا عملت من الخير؟ ومن ذا عندك؟(319) ويغلب أن تكون للعاقل بعد (مَنْ) ولغيره بعد (ما).(1/71)
الثالث: ألا تكون ملغاة. ومعنى الإلغاء: أن تركب (ما) أو (من) مع (ذا) تركيباً يجعلهما كلمة واحدة في المعنى والإعراب. وهذا إلغاء حكمي لا حقيقي، لأنها موجودة حقيقة، ولكنها اعتبرت جزءاً من كلمة استفهامية بعد أن كانت وحدها كلمة مستقلة تعرب اسماً موصولاً. فمثلاً: ماذا عملت؟ يصح اعتبارها موصولة. فتكون (ما) مبتدأً و(ذا) خبراً، و(عملت) صلة، والعائد محذوف. ويصح إلغاؤها. فيكون الجميع اسم استفهام مفعولاً مقدماً.
ويظهر أثر الاستقلال والإلغاء في البدل - مثلاً - فلو قلت: ماذا عملت أخير أم شرّ؟ فهذا دليل على الاستقلال؛ لأن (خير) بدل من (ذا) الواقعة خبراً، وبدل المرفوع مرفوع. ولو قلت: أخيراً أم شرّاً؟ لصار بدلاً من (ماذا) الواقعة مفعولاً في محل نصب. وبدل المنصوب منصوب. ومن ذلك قوله تعالى: (وقيل للذين اتّقوا ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً((320) فالأحسن اعتبار (ماذا) كلمة واحدة للاستفهام. وهي مفعول مقدم. ليكون الجواب على وفق السؤال. فإن تقدير الجواب (أنزل خيراً) ويجوز اعتبارها موصولة (ما: مبتدأ، ذا: خبر) لكن تفوت مطابقة الجواب للسؤال. حيث أن السؤال جملة اسمية. والجواب جملة فعلية(321).
وهذا معنى قوله: (ومثل ما (ذا) بعد ما استفهام . . . ) أي: أن (ذا) تشبه (ما) في أنها صالحة لجميع الأنواع الثمانية مع عدم تغير لفظها. وذلك بشرط أن تقع بعد (ما) التي للاستفهام أو (من) التي للاستفهام أيضاَ. وبشرط ألا تلغى في الكلام. ولم يذكر الشرط الأول، إما لضيق النظم، أو لوضوحه.
أما الموصول السادس المشترك وهو (أي) فقد ذكره ابن مالك بعد مبحث الصلة، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
*…*…*
96) وَكُلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ صِلَهْ……عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ مُشْتَمِلَهْ(1/72)
الاسم الموصول مبهم المعنى، غامض المدلول، لابد له من شيء يوضح معناه، ويزيل إبهامه وذلك هو الصلة(322) فالصلة: ما يبين مدلول الموصول، ويزيل إبهامه من جملة أو شبهها، ويشترط في الصلة شرطان:
1) أن تكون متأخرة عن الموصول، لأنها مكملة له(323).
2) أن تشتمل على ضمير عائد على الاسم الموصول. وهو المسمى بالعائد. والغرض منه: ربط الصلة بالموصول. نحو قوله تعالى: (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم((324).
وهذا الضمير من حيث مطابقته للموصول وعدمها له حالتان:
الأولى: تجب مطابقته لفظاً ومعنى. إذا كان الموصول خاصاً. مثل: الذي والتي وغيرهما، إن كان مفرداً فمفرد، وإن كان مذكراً فمذكر، وهكذا . . كقولك: أكرمت الذي تفوق، واللذين تفوقا، والذين تفوقوا، قال تعالى: (سبحان الذي خلق الأزواج كلّها((325) (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها((326) (والذان يأتيانها منكم((327) (ألم تر إلى الذين أوتوا((328).
الثانية: لا تجب المطابقة بل يجوز مراعاة اللفظ وهو الأكثر، أو مراعاة المعنى. وذلك في الموصول المشترك. مثل (من) الموصولة فإن لفظها مفرد مذكر. ومعناها يصلح أن يكون مثنى أو جمعاً أو غيرهما نحو: من الطلاب من يحب الفائدة. أو مَنْ يحبون الفائدة. قال تعالى: (ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه((329) وقال تعالى: (ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصُمّ ولو كانوا لا يعقلون((330)، فالمراد بمن: الجمع. لكن في الأول روعي اللفظ فأفرد العائد. وفي الثاني روعي المعنى فجمع.
وهذا معنى قوله: (وكلها يلزم . . . إلخ) أي: كل الموصولات الاسمية، الخاصة والمشتركة، يلزم بعدها صلة أي: متأخرة عن الموصول، مشتملة على ضمير (لائق) أي: مطابق للموصول. إما في اللفظ والمعنى، أو في أحدهما، كما ذكرنا.
*…*…*
97) وَجُمْلَةٌ أوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ ……بِهِ كَمَنْ عِنْدِي الَّذِي ابْنُهُ كُفِلْ
صلة الموصول نوعان:(1/73)
1) جملة اسمية أو فعلية(331).
2) شبه جملة. وهي في باب الموصول ثلاثة:
1) الظرف المكاني.…2) الجار والمجرور.…3) الصفة الصريحة.
والصفة الصريحة خاصة بأل الموصولة. كما سيأتي إن شاء الله(332).
ويشترط في الجملة(333) ثلاثة شروط:
الأول: أن تكون خبرية معهودة أي: معروفة للسامع من قبل حتى يتعرف بها الموصول، لأن الخبرية قد يجهلها المخاطب إن لم تكن معهودة. فلا يتم بها المراد، فمثال المعهودة: أكرمت الذي زارنا بالأمس [إذا كان معروفاً عند المخاطب] قال تعالى: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه((334) فإن كانت غير معهودة لم تصح. إلا في مقام التهويل أو التفخيم. فيحسن الإبهام لئلا يفوت الغرض المقصود. فالتهويل كقوله تعالى: (فغشيهم من اليم ما غشيهم((335) فـ(ما) موصولة. أي: غشيهم وعلاهم مالا يعلم كنهه إلا الله تعالى والتفخيم كقوله تعالى: (فأوحى إلى عبده ما أوحي((336).
وأما الإنشائية فلا تصلح أن تكون صلة. نحو: جاء الذي الذي أَكْرِمه. لأن الإنشائية لا يقع مضمونها إلا بعد ذكرها، فلا تكون معروفة عند المخاطب. فيفوت الإيضاح المقصود من الصلة.
الشرط الثاني: أن تكون خالية من معنى التعجب؛ لأن التعجب يكون فيما خفي سببه بالنسبة للمخلوق، ففيه إبهام، والصلة للإيضاح. فلا يصح أن تقول: جاء الذي ما أحسنه!
الشرط الثالث: أن تكون غير مفتقرة إلى كلام قبلها. فإن كانت مفتقرة لم يصح وقوعها صلة نحو: جاء الذي لكنه قائم. فإن هذه الجملة تستدعي سبق جملة أخرى نحو: ما قعد خالد لكنه قائم.
فهذه شروط الوصل بالجملة الاسمية كقوله تعالى: (إنّ الذين هم من خشية ربهم مشفقون((337) والفعلية كقوله تعالى: (وهو الذي يحي ويميت((338).(1/74)
وأما الظرف والجار والمجرور فيشترط في وقوعهما صلة أن يكونا تامين. أي: يحصل بالوصل بكل منهما فائدة تزيل الإبهام وتوضح المراد من غير حاجة لذكر متعلقهما(339) نحو: عرفت الذي عندك. صافحت الذي في الغرفة. قال تعالى: (ما عندكم ينفد وما عند الله باق((340) وقال تعالى: (ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف((341). بخلاف جاء الذي بك. أو جاء الذي اليوم. لعدم الفائدة.
وهذا معنى قوله: (وجملة أو شبهها . . . إلخ) أي: الذي وصل به الاسم الموصول هو الجملة وشبه الجملة، ثم مثل بمثال واحد فيه موصولان: أحدهما صلته شبه جملة (كمن عندي) والثاني: صلته جملة (الذي ابنه كفل) فالذي: خبرٌ للمبتدأ (مَنْ) وجملة (ابنه كفل) صلة، ومعنى (كفل) أي: كان موضع الرعاية.
*…*…*
98) وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ ألْ……وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ
هذا النوع الثالث من أنواع شبه الجملة. وهي الصفة الصريحة مع مرفوعها. وهي خاصة بأل الموصولة. فلا تقع صلة لغيرها.
والصفة الصريحة. هي الاسم المشتق الذي يشبه الفعل في التجدد والحدوث شبهاً صريحاً أي: قوياً خالصاً، بحيث يمكن أن يحل الفعل محله، ولم تغلب عليها الاسمية الخالصة، وذلك هو اسم الفاعل نحو: أعجبني القارئ. قال تعالى: (إنّ المصّدقين والمصّدقات((342) واسم المفعول(343) نحو: تصفحت المكتوب. قال تعالى: (والبحر المسجور((344) وكذا صيغ المبالغة نحو: فاز السباقون إلى الخيرات(345).
ويجري الإعراب على آخر هذه الصفة الصريحة دون ملاحظة (أل) كما ذكرنا في الكلام على (أل)، والصفة مع مرفوعها صلة لا محل لها من الإعراب.
فإن كانت غير صفة صريحة وغلبت عليها الاسمية الخالصة. صارت اسماً جامداً ولم تكن (أل) الداخلة عليها اسماً موصولاً مثل الأعلام: الهادي، المتوكل، المأمون، المنصور.
وقد قل مجيء المضارع صلة لأل كقول الفرزدق:
…ما أنت بالحكم الترضى حكومته ……ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل(346)(1/75)
وليس هذا من الضرورة؛ لأنه يمكن أن يقول: (ما أنت بالحكم المرضي حكومته)(347) فدل ذلك على الجواز، لكن لا يحسن الأخذ به لقلته.
وهذا معنى قوله: (وصفة صريحة . . . إلخ) أي: أن الصفة الصريحة تكون صلة لأل الموصولة. وكون (أل) موصولة بمعرب الأفعال - وهو المضارع - قليل.
*…*…*
99) أيٌّ كَمَا وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ……وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ
100) وَبَعْضُهُمْ أعْرَبَ مُطْلَقاً ...……..........................
هذا هو الموصول السادس من الموصولات المشتركة وهو لفظ (أي). وهي كغيرها من أخواتها - المتقدمة - تكنون بلفظ واحد للمذكر والمؤنث. مفرداً كان أو مثنى أو مجموعاً نحو: يعجبني أيُّهم هو مخلص. فـ (أيُّ) فاعل مرفوع بالضمة و(الهاء) مضاف إليه.
(وأي) تختلف في حكمها الإعرابي عن باقي أخواتها من الموصولات المشتركة فإنها كلها مبنية. وأما (أي) فلها أربع حالات:
الأولى: أن تضاف(348) ويذكر صدر صلتها(349) نحو: كافأت أيَّهم هو مجتهد.
الثانية: ألا تضاف ولا يذكر صدر صلتها نحو: يعجبني التجار أيٌّ صادق في بيعه، تقديره: أيٌّ هو صادق.
الثالثة: ألا تضاف ويذكر صدر صلتها نحو: ينال رضا الله أيٌّ هو مستقيم.
ففي هذه الأمثلة جاءت الصلة جملة اسمية، صدرها (وهو المبتدأ) ضمير مذكور أو محذوف. فتعرب في هذه الأحوال الثلاث بالحركات. بالضمة رفعاً والفتحة نصباً وبالكسرة جرّاً. وذِكْرُ صدر الصلة وعدم ذكره خاص بكون الصلة جملة اسمية، كما في الأمثلة.
تقول: تنال رضا الله أيٌّ هي متحجبة. نذكر بالخير أيًّا محسن. سأتكلم مع أيِّهم هو منفق.
الحالة الرابعة: أن تضاف ويحذف صدر الصلة. وفي هذه الحالة تبنى على الضم في جميع الأحوال نحو: يعجبني أيُّهم مخلص. هنأت أيُّهم مخلص، سلمت على أيُّهم مخلص، قال تعالى: (ثمّ لننزعنّ من كل شيعة أيُّهم أشدّ على الرّحمن عتيا((350).(1/76)
وهذا المراد بقوله: (أي كما . . . إلخ) والمعنى: أن (أيًّا) مثل (ما) الموصولة في أن كلا منهما اسم موصول مشترك كما تقدم، وهي تعرب (ما لم تضف) أي: مدة عدم إضافتها حالة كون صدر الصلة ضميراً محذوفاً، ويدخل في ذلك الأحوال الثلاث المتقدمة. ومفهومه أنها إن أضيفت وحذف صدر الصلة أنها لا تعرب بل تبنى. ثم ذكر أن بعض العرب أعربها في جميع الحالات، أو أن بعض النحويين أعربها أي: حكم بإعرابها. وهم الكوفيون والخليل ويونس.
*…*…*
100) ......................... وَفِي……ذَا الْحَذْفِ أيّاً غَيْرُ أيٍّ يَقْتَفي
101) إنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ وَإنْ لَمْ يُسْتَطَلْ……فَالْحَذْفُ نَزْرٌ وَأَبَوْا أنْ يُخْتَزَلْ
102) إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ………............................
تقدم أن صلة الموصول لابد أن تشتمل على ضمير يعود على الاسم الموصول وهو العائد. وهو إما أن يكون مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً.
ويجوز ذكره كما يجوز حذفه. فيجوز حذفه بشرط عام. وشروط خاصة بكل نوع من الأنواع الثلاثة المذكورة.
فالشرط العام هو أمن اللبس، وذلك بأن لا يصلح الباقي لأن يكون صلة كاملة، وعلامة الصلة الكاملة أن يكون الباقي بعد الحذف جملة أو شبه جملة فيها ضمير - غير ذلك الضمير المحذوف - صالح لعوده على الموصول.
فمثال العائد المرفوع. جاء الذي هو أبوه مسافر. فلا يجوز حذف العائد المرفوع (هو) لأن الباقي بعد الحذف صالح لأن يكون صلة كاملة مشتملة على عائد وهو (الهاء).
ومثال العائد المنصوب: جاء الذي أكرمته في داره. فلا يجوز حذف (الهاء) في (أكرمته) لما تقدم.
ومثال العائد المجرور: مررت بالذي مررتَ به في مكتبه. فلا يجوز حذف العائد (به) لما ذكرنا من كون الباقي صالحاً لأن يكون صلة.
أما الشروط الخاصة. فالعائد المرفوع يجوز حذفه بشرطين:
1) أن يكون مبتدأً. …2) أن يكون خبره مفرداً.(1/77)
نحو: تسعد المملكة بتطبيق شرع الله الذي هو كفيل بإصلاح الفرد والمجتمع. فيجوز حذف العائد (هو)، قال تعالى: (وهو الذي في السماء إله((351) فقوله جلا وعلا: (إله) خبر لمبتدأ محذوف أي: (هو إله) أي: مألوه بمعنى: معبود حبّاً وتعظيماً، فصح حذف العائد في المثال والآية، لأنه مبتدأ وخبره مفرد.
فإن كان العائد غير مبتدأ لم يجز حذفه نحو: حضر اللذان تبرعا بالمال، فلا تحذف الألف؛ لأنها فاعل.
وإن كان العائد مبتدأ لكن خبره جملة لم يحذف - أيضاً - لما تقدم من صلاحية الباقي لأن يكون صلة كاملة نحو: جاء الذي هو أخوه ناجح. إذ لو حذف لتبادر إلى ذهن السامع عدم الحذف؛ لوجود ضمير آخر يصلح أن يكون عائداً.
ولا يكثر حذف العائد إلا إذا طالت الصلة (أي: لم تكن مقصورة على العائد وخبره المفرد، وإنما يكون لها مكملات من المعمولات كالمفعول به والمضاف إليه والجار والمجرور أو غير ذلك). نحو: جاء الذي هو فاعل خيراً. فيحسن حذف العائد لطول الصلة بالمفعول به. وقد مضى مثال الجار والمجرور، ومثال المضاف إليه: نزل المطر الذي هو مصدر مياه الآبار. فيحسن حذف العائد لما سبق.
وتستثنى (أي) من اشتراط طول الصلة، لأنها ملازمة للإضافة لفظاً أو تقديراً، فأغنى ذلك عن اشتراط طول الصلة.(1/78)
وهذا معنى قوله: (وفي ذا الحذف . . . إلخ) أي: غير (أيّ) من الموصولات يقتفي (أيّا) أي: يتبعها في حذف صدر الصلة (إن يستطل وصل) أي: إذا كانت الصلة طويلة. وصدر الصلة هو العائد المرفوع. فإن لم تطل الصلة فالحذف (نزر) أي: قليل. (وأبوا أن يختزل) أي: أبى النحويون أن (يختزل) أي: يختصر بسبب الحذف. إن كان الباقي بعد حذف العائد صالحاً (لوصل مكمل) أي: لصلة كاملة مشتملة على عائد. وقد علمت أن هذا الشرط (وهو أن يكون الباقي لا يصلح أن يكون صلة) لا يختص بالمرفوع. وكلام الناظم بهوم اختصاصه ؛ لأن الضمير في قوله: (وأبوا أن يختزل) عائد على قوله: (وصدر وصلها ضمير انحذف) وهذا خاص بالمرفوع.
*…*…*…
102) ......................………وَالْحَذْفُ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ مُنْجَلي
103) فِي عَائِدٍ مُتَّصِلٍ إنِ انْتَصَبْ……بِفِعْلٍ أوْ وَصْفٍ كَمَنْ نَرْجُو يَهَبْ
يجوز حذف العائد المنصوب بشرطين - زيادة على الشرط العام المتقدم - وهما:
1) أن يكون ضميراً متصلاً.
2) أن يكون منصوباً بفعل تام أو بوصف.
فمثال الفعل: قرأتُ الكتاب الذي قرأتَ، أي: قرأتَه. قال تعالى: (ذرني ومَنْ خلقتُ وحيدا((352) أي: خلقته. وقال تعالى: (أهذا الذي بعثَ الله رسولاً((353) أي: بعثه، ومثال الوصف: اشكر ربك على ما هو معطيك. أي: معطيكه. قال الشاعر:
ما الله موليك فضل فاحمدنْهُ به……فما لدى غيره نفع ولا ضرر(354)
أي: الذي الله موليكه فضل.
فإن كان الضمير منفصلاً. فإن كان جائز الانفصال جاز حذفه كما في المثال والبيت المذكور، فإنه يجوز انفصاله - كما مضى في بحث الضمير - وإنما قدرناه متصلاً لأن الكلام فيه.
وإن كان واجب الانفصال مثل: أن يكون مقدماً على عامله لم يجز حذفه نحو: جاء الذي إياه كافأت. إذ لو حذف لفات غرض المتكلم من قصر المكافأة على الذي جاء دون غيره.(1/79)
وكذلك يمتنع الحذف إن كان الضمير متصلاً منصوباً بغير فعل أو وصف وهو الحرف نحو: سافر الذي إنه مجاهد. فلا يجوز حذف الهاء.
وكذلك يمتنع الحذف إذ كان العائد منصوباً بفعل ناقص نحو: جاء الذي كانه زيد. فالهاء خبر مقدم لكان. وهي العائد ولا يجوز حذفها.
وهذا معنى قوله: (والحذف عندهم . . . إلخ) أي: أن الحذف عند العرب كثير متضح في كل عائد متصل منصوب بفعل أو وصف. واستغنى بالمثال عن ذكر شرط التمام في الفعل. والمثال: (كمن نرجو يهب) أي: الذي نرجوه يهب، وظاهر كلامه أن الحذف مع الوصف كثير. وليس كذلك، لأن الحذف مع الفعل كثير، ومع الوصف قليل. وقد اعتذر عنه بعض الشراح بأنه قد أشعر بذلك تقديم الفعل، ولأنه الأصل في العمل والتصرف الذي من جملته حذف المعمول، والوصف فرع عنه في هذا، وهذا فيه تكلف355.
*…*…*
104) كَذَاكَ حَذْفُ مَا بِوَصْفٍ خُفِضَا……كَأنْتَ قَاضٍ بَعْدَ أمْرٍ مِنْ قَضَى
105) كَذَا الَّذِي جُرَّ بِمَا الْمَوْصُولَ جَرْ……كَمُرَّ بالَّذِي مَرَرتُ فَهْوَ بَرّ
العائد المجرور نوعان:
الأول: مجرور بالمضاف. وشرط جواز حذفه - بعد الشرط العام - أن يكون المضاف اسم فاعل أو اسم مفعول من فعل ينصب مفعولين وكلاهما للحال أو الاستقبال. ولابد أن يعتمد على مبتدأ ونحوه مما هو مذكور في باب اسم الفاعل. نحو: يفرح الذي أنا مكرم الآن أو غداً، أي: مكرمه، قال تعالى: (فاقض مآ أنت قاضٍ((356) فما: اسم موصول(357)، وقد حذف العائد. لأنه مجرور بوصف والتقدير: قاضيه. وهو للاستقبال بدليل الأمر قبله.
ومثال اسم المفعول: خذ الكتاب الذي أنا مُعْطَىً الآن أو غداً. أي: معطاه.
فإن كان العائد مجروراً بغير ذلك لم يجز الحذف، وهذا فيما يلي:
1) الاسم الجامد نحو: جاء الذي تخلف ابنه. فلا يحذف العائد المجرور، لأن المضاف غير وصف.
2) الوصف الذي كان للماضي نحو: جاء الذي أنا مكرمه أمس، ونحو: فرح السائل بما كان معطاه.(1/80)
3) اسم المفعول المتعدي لواحد نحو: جاء الذي أنا مضروبه.
النوع الثاني: مجرور بالحرف. وشرط جواز حذفه أن يكون الموصول مجروراً بمثل الحرف الذي جر العائد لفظاً ومعنى. وأن يكون المتعلق في كل منهما مشابهاً الآخر. إما في لفظه ومعناه نحو: سلمتُ على الذي سلمتَ عليه. فيجوز حذف العائد فتقول: سلمت على الذي سلمت. لاتفاقهما في الحرف والمتعلق. فإن المجرور الأول (على الذي) متعل بالفعل الأول (سلمتُ) والمجرور الثاني (عليه) متعلق بالفعل (سلمت) قال تعالى: (ويشرب ممّا تشربون((358) أي: منه.
أو كان الاتفاق في المعنى فقط نحو: فرحتُ بالذي سُرِرْتَ به. فيجوز حذف العائد (به) للاتفاق في الحرف وهو الباء. والمتعلق وهو (فرحت، وسررت) ومعناهما واحد، فإن اختلف الحرف أو المتعلقّ نحو: مررت بالذي غضبت عليه. لم يجز الحذف.
ويرى بعض النحويين حذف العائد المجرور إذا تعين المحذوف ولم يوقع في لبس ولو لم يوجد الشرط المذكور. كقوله تعالى: (ولتكبّروا الله على ما هداكم((359) أي: على الذي هداكم إليه. وقوله تعالى: (ذلك الذي يبشر الله عباده((360) أي: به. وهذا رأي حسن.
وما ذكرناه أولاً هو معنى قوله: (كذاك حذف ما بوصف خُفِضَا . . . ) أي: كذلك يجوز حذف العائد المجرور الذي (خفض) أي: جر بوصف. ثم ذكر المثال. واستغنى به عن أن يقيد الوصف بالحال أو الاستقبال. وكذلك يحذف العائد المجرور الذي جُرَّ بمثل الحرف الذي جَرَّ الموصول، ثم ذكر المثال.
المُعَرَّف بأداة التعريف
106) أَلْ حَرْفُ تَعْرِيفٍ أو الَّلامُ فَقَطْ ……فَنَمَطٌ عَرَّفْتَ قُلْ فِيهِ النَّمَطْ
هذا هو القسم الخامس من أقسام المعارف وهو: المعرف بأل. وهو: اسم يعين المسمى بواسطة (أل).(1/81)
وقد اختلف النحويون في حرف التعريف في مثل: الغلام. فقال الخليل بن أحمد: المعرِّف هو (أل) والهمزة همزة قطع أصلية بدليل فتحها، وُصِلَتْ لكثرة الاستعمال، وهذا هو الراجح؛ لسلامته من دعوى الزيادة في الحرف الذي ليس محلاًّ لها.
وقال سيبويه: المعرِّف هو اللام وحدها. والهمزة همزة وصل(361) فهي زائدة اجتلبت للنطق بالساكن، فلا مدخل لها في التعريف.
وهذا معنى قوله: (أل حرف تعريف . . . إلخ) أي: أن (أل) للتعريف إذا كانت مركبة من الهمزة واللام معاً. أو أن التعريف يكون باللام وحدها. والهمزة للوصل. فإذا أردت تعريف كلمة (نمط) التي هي نكرة فقل فيها: النمط. والنمط: نوع من البُسط، وكذا الجماعة من الناس أمرهم واحد.
وقوله: (أو) لتنويع الخلاف لا للشك. وقوله: (فقط) أي: فحسب. والفاء زائدة لتزيين اللفظ. و(قطْ) اسم فعل مضارع بمعنى: يكفي، مبني على السكون. وفاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره (هو).
وأل الحرفية(362) نوعان: معرِّفة(363). وزائدة.
أما المعرِّفة. فهي التي تفيد الاسم تعريفاً. وهي ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أل العهدية. وهي التي تدخل على النكرة فتفيدها درجة من التعريف تجعل مدلولها فرداً معيناً بعد أن كان مبهماً شائعاً. والعهد ثلاثة أنواع:
أ ) العهد الذكري: وهو أن يكون الاسم الذي دخلت عليه (أل) تقدم له ذكر في الكلام نحو: زارني صديق فأكرمت الصديق. قال تعالى: (إنّا أرسلنآ إليكم رسولا شاهداً عليكم كما أرسلنآ إلى فرعون رسولا (15) فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلا((364) والسبب في تعريف مدخول (أل) في هذا النوع أنه ذكر مرتين.
ب ) العهد العلمي أو الذهني: وهو ما كان مصحوب (أل) معلوماً لدى المخاطب. كأن يسأل طالب زميله. هل كتبت المحاضرة؟ قال تعالى: (ثاني اثنين إذ هما في الغار((365) وصار مدخول (أل) معرفة، لأنه كان معلوماً من قبل.(1/82)
ج ) العهد الحضوري: وهو ما كان مصحوب (أل) حاضراً. نحو: اليوم نسافر - إن شاء الله - إلى مكة. قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا((366) أي: اليوم الحاضر وهو يوم عرفة. لأن الآية نزلت في ذلك اليوم العظيم. وكان يوم جمعة، كما ثبت ذلك في الصحيحين، وصار مدخول (أل) معرفة لحصوله في وقت الكلام.
القسم الثاني: (أل) الاستغراقية. وهي الداخلة على واحد من الجنس لإفادة الاستغراق والشمول. وعلامتها: صحة وقوع (كل) موقعها. نحو: الإنسان مفكر. أي: كل إنسان مفكر. قال تعالى: (إنّ الإنسان لفي خسر (2) إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصّبر((367) فـ (أل) في (الإنسان) للاستغراق بدليل الاستثناء؛ لأن المستثنى لابد أن يكون أقل أفراداً من المستثنى منه(368).
فمدخول (أل) الاستغراقية يكون لفظه معرفة تجري عليه أحكام المعرفة، كما تقدم أول باب العلم. وأما معناه فهو معنى النكرة المسبوقة بكلمة (كل) فيفيد الاستغراق والشمول.
القسم الثالث: (أل) التي للحقيقة، وهي التي تدخل على لفظ الجنس، لبيان حقيقته الذاتية القائمة في الذهن دون التعرض لأفراده، ولا تخلفها (كل)(369) ومدخولها في حكم (علم الجنس)(370) نحو: الرجل خير من المرأة، أي: أن حقيقة الرجل وجنسه خير من حقيقة المرأة وجنسها. دون النظر إلى الأفراد، فقد يوجد في النساء من هي خير من بعض الرجال. ومنه قوله تعالى: (وجعلنا من المآء كل شيء حيّ((371).
*…*…*
107) وَقَدْ تُزَادُ لازِماً كَالَّلاتِ……والآنَ والَّذِينَ ثُمَّ الَّلاتِ
108) وَلاضْطِرَارٍ كَبَناتَ الأوْبَرِ……كَذَاَ وَطِبْتَ الَّنفْسَ يَا قَيْسُ السَّرِي
النوع الثاني من أقسام (أل) الحرفية هو (أل الزائدة) وهي التي لا تفيد الاسم تعريفاً. وهي نوعان:
1) زائدة لازمة، وهي التي لا تنفك عن الاسم. وهي في ثلاثة مواضع:(1/83)
الأول: في علم قارنت وضعه فلم يسمع بغير (أل) نحو: اليسع من أنبياء الله، قال تعالى: (أفرءيتم الّلات والعزّى((372) فكلمة (اللات والعزى) كل منهما علم على صنم. و(أل) فيهما لازمة.
الثاني: في اسم الإشارة (الآن)(373) كقوله تعالى: (الآن خفّف الله عنكم((374) وهو ظرف زمان منصوب بالفتحة. وقد يجر بمن قليلاً نحو: إبدأ بواجبك من الآن.
الثالث: بعض الموصولات المصدرة بأل. نحو الذي. والتي. والذين . . .
وإنما كانت زائدة في هذه المواضع الثلاثة لأنه لا يجتمع تعريفان على معرَّف واحد، وهذه معارف بالعلمية والإشارة والصلة.
2) والنوع الثاني من أنواع أل الزائدة: زائدة غير لازمة. وهي ضربان:
ضرب اضطراري يلجأ إليه الشعراء عند الضرورة ليحافظوا على وزن الشعر وأصوله. كقول الشاعر:
ولقد جنيتك أكمؤاً وعساقلاً ……ولقد نهيتك عن بنات الأوبر(375)
فزاد الشاعر (أل) في العلم (بنات أوبر) مضطراً. وهو علم على نوع من الكمأة رديء، وليست معرِّفة؛ لأنه معرفة بالعلمية.
وقول الآخر:
رأيتك لما أن عرفت وجوهنا …صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو(376)
فزاد الشاعر (أل) في التمييز (النفس) مضطراً. وليست معرِّفة؛ لأن التمييز لا يكون إلا نكرة عند من يرى ذلك.
وهذا معنى قوله: (وقد تزاد لازماً . . . إلخ) أي: قد تزاد (أل) الحرفية حال كون الزيد لازماً. ثم أورد المواضع الثلاثة التي تزاد فيها ثم ذكر أنها تزاد لاضطرار الشاعر إلى زيادتها. وأشار إلى البيتين المذكورين، وقوله: (السري) أي: الشريف.
*…*…*
109) وَبَعْضُ الأعْلاَمِ عَلَيْهِ دَخَلاَ……لِلَمْح مَا قَدْ كَانَ عَنْهُ نُقِلا
110) كَالفَضْلِ وَالْحَارِثِ وَالنُّعْمَانِ……فَذِكْرُ ذَا وَحَذْفُهُ سِيَّانِ
هذا هو الضرب الثاني من الزائدة غير اللازمة. وهو ضرب اختياري يلجأ إليه الشاعر وغير الشاعر لغرض يريد أن يحققه وهو لمح الأصل.(1/84)
وأل التي للمح الأصل: هي الداخلة على بعض الأعلام المنقولة مما يصلح لدخول أل عليه، والمراد بها لمح المعنى الذي قد كان نقل عنه العلم؛ ليكون هناك صلة بين المعنى القديم والجديد. وذلك أن أكثر الأعلام منقول عن معنى سابق كان يؤديه قبل أن يصير علماً. مثل: منصور. فقد كان المعنى السابق يدل على معنى وذات. ولا دخل للعلمية بواحد منهما. ثم صار بعد ذلك علماً جامداً يدل على مسمى معين، ولا يدل على شيء من الوصف السابق. فإذا دخلت عليه (أل) أفادت ملاحظة ذلك المعنى.
وأكثر ما تدخل (أل) هذه على الأعلام المنقولة من صفة كقولك في حارث: الحارث. أي: أنه مسمى بذلك تفاؤلاً بمعناه، وهو أنه يحرث ويعيش، وفي منصور: المنصور. وفي حسن: الحسن. وفي مبارك: المبارك.
وقد تدخل على المنقول من مصدر كقولك في فضل: الفضل. وعلى المنقول من اسم عين كقولك في نعمان: النعمان (وهو في الأصل من أسماء الدم).
والأظهر أن (أل) هذه زائدة؛ لأنها لم تفد تعريفاً. وإنما أفادت معنى آخر لا يستفاد بدونها وهو لمح الأصل، والراجح أن هذا الباب قياسي لا سماعي، لأن الغرض الذي من أجله زيدت اللام متجدد في كل العصور فلا يصح قصره على ما سمع قديماً، وعليه فلا مانع من أن يقال في صالح: الصالح. وفي محمد: المحمد. وقد ذكرت ذلك في أول باب العلم فارجع إليه.
وهذا معنى قوله: (وبعض الاعلام عليه دخلا . . . ) أي: أن بعض الأعلام المنقولة تدخل عليه (أل) للمح المعنى الذي نقل عنه العلم وأريد إلصاقه بالعلم المنقول، أما الأعلام المرتجلة فلا تدخلها؛ لأنه ليس لها أصل يلمح إليه. ثم مثل بما تقدم ذكره. ثم بيَّن أن ذكر هذا الحرف وهو (أل) وحذفه سواء من ناحية التعريف والتنكير، فلا أثر له في ذلك.
111) وَقَدْ يَصِيرُ عَلَماً بِالْغَلَبَهْ……مُضَافٌ أوْ مَصْحُوبُ ألْ كَالعَقَبَةْ
112) وَحَذْفَ ألْ ذِي إن تُنَادِ أوْتُضِفْ……أوْجِبْ وَفِي غَيْرِهِمَا قَدْ تَنْحَذِفْ
العلم قسمان:(1/85)
1) علم بالوضع. وهو علم الشخص، وعلم الجنس، ومضى الكلام عليهما.
2) علم بالغلبة. وهو المراد هنا.
وتعريفه: هو ما كان علماً بسبب غلبة استعمال اللفظ في فرد من مدلولاته لشهرته، وهو نوعان: مضاف، ومحلى بأل.
فمثال المضاف: ابن عباس - رضي الله عنهما - فهو في الأصل اسم لكل فرد من أبناء العباس بن عبد المطلب. وهو معرفة بالإضافة. لكنه غلب على واحد منهم وهو (عبد الله بن عباس) دون غيره من أولاد العباس، حتى إنه إذا أطلق (ابن عباس) لا يفهم منه غير (عبد الله) وصار تعريفه بالعلمية الغالبة. وزال التعريف السابق بواسطة الإضافة.
ومثله: ابن عمر في عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وابن مسعود في عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وابن مالك في محمد ابن عبد الله بن مالك صاحب الألفية رحمه الله. دون غيره من أولاد مالك.
ومثال المحلى بأل: المدينة. فهي في الأصل اسم لكل مدينة من المدن. وهو معرف بـ (أل) العهدية. لكنه غلب استعماله في المدينة النبوية دون غيرها حتى أنه إذا أطلق اللفظ لا يفهم منه غير ذلك، وصار تعريفه بالعلمية الغالبة. وزال عنه التعريف السابق بواسطة (أل) العهدية. وصارت زائدة لازمة. وتسمى (أل التي للغلبة).
ومثله: الشافعي، العقبة، الأعشى، النابغة . . .
وأحكام العلم بالغلبة هي أحكام العلم الشخصي - كما تقدم في بابه - ثم إن كان محلى بـ (أل) فإنها لا تحذف إلا في النداء أو الإضافة.نحو: هذه مدينة رسول الله (. ونحو: يا نابغة أسمعنا من شعرك.
وقد سمع من كلام العرب حذف (أل) في غيرهما. فقالوا: هذا عيّوق طالعاً، والأصل: العيوق. وهو اسم نجم.
وقالوا: هذا يوم اثنين مباركاً، والأصل: الاثنين. علم على اليوم الأسبوعي. أما العلم بالغلبة إذا كان مضافاً فإن إضافته تلازمه ولا تفارقه لا في نداء ولا في غيره. تقول: يا ابن مالك قد أحسنت في نظم الألفية.(1/86)
وهذا معنى قوله: (وقد يكون علماً بالغلبة . . . إلخ) أي: قد يصير المضاف أو المعرف بأل علماً بالغلبة لا بكونه علم شخص ولا علم جنس. وحذف (أل) هذه واجب في النداء أو الإضافة. وقد ورد حذفها في غير هاتين الحالتين.
تتمة:
بقي من أنواع المعارف السبع، نوعان، تقدم ذكرهما مع أقسام المعارف في أول (باب النكرة والمعرفة) ووعدنا بذكر شيء عنهما في هذا الموضع وهما:
1) المضاف إلى واحد من أقسام المعرفة. فإذا أضيفت النكرة للضمير أو العلم أو اسم الإشارة أو الاسم الموصول أو المعرف بأل. اكتسبت التعريف وصارت معرفة(377) ورتبة المضاف في التعريف كرتبة المضاف إليه. إلا المضاف إلى الضمير فليس في رتبة المضمر، وإنما هو في رتبة العلم. وقد ذكرت ذلك هناك. ومن أمثلة المعرف بالإضافة: سيرة عمر - رضي الله عنه - حميدة، عمل هذا الصانع متقن، لا تصغ إلى وعد من لا يفي، عاقبة الصبر محمودة. صديقك من نصحك.
2) النكرة المقصودة: نحو: يا طالب أجب (إذا كنت تريد طالباً معيناً) فكلمة (طالب) لا تدل في أصلها قبل النداء على طالب معين. لكنها بعد النداء صارت معرفة. بسبب القصد والتحديد الذي يفيد التعيين.
الابتداء
113) مُبْتَدأٌ زَيْدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ……إنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ
114) وَأَوَّلٌ مُبْتَدأٌ وَالثَّانِي……فَاعِلٌ اغْنَى فِي أَسَارٍ ذَانِ
115) وَقِسْ وَكَاسْتِفْهَامٍ النَّفْيُ وَقَدْ……يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ
المبتدأ قسمان:
الأول: مبتدأ له خبر، وهو: اسم مرفوع في أول جملته غالباً مجرد عن العوامل(378) الأصلية(379) محكوم عليه بأمر. نحو: العلم نافع. فالعلم: اسم جاء في أول الجملة لم يدخل عليه عامل لفظي أصلي كحرف الجر الأصلي، أو الفعل. . وقد حكم عليه بأمر وهو "نافع". ومنه قوله تعالى: (كلُّ نفس ذائقةُ الموت((380).(1/87)
الثاني: مبتدأ له مرفوع سد مسد الخبر وهو: وصف(381) مستغنٍ بمرفوعه في الإفادة وإتمام الجملة. وهذا المرفوع قد يكون فاعلاً، أو نائب فاعل نحو: ما نافعٌ الكذب. فـ(نافع) مبتدأ. و(الكذب) فاعل سد مسد الخبر، ليس محبوب المغتابون، (ليس): نافية. (محبوب) اسمها مرفوع، وأصله مبتدأ (المغتابون) نائب فاعل سد الخبر. أمكتوب الواجب، فالواجب: نائب فاعل، ومنه قوله تعالى: (قال أراغب أنت عن ءالهتي يا إبراهيم ((382) فـ(راغب) مبتدأ. و(أنت) فاعل سد مسد الخبر.
وهذا المبتدأ الذي له مرفوع سد مسد الخبر يشترط فيه ثلاثة شروط:
1) أن يعتمد على نفي أو استفهام - كما في الأمثلة - وهذا رأي البصريين إلا الأخفش، ومذهب الكوفيين أنه لا يشترط ذلك. ويجيزه ابن مالك على قلة. وقد ورد عن العرب كقول الشاعر:
………فخيرٌ نحن عند الناس منكم……إذا الداعي المثوِّبُ قال يالا(383)
…(فخير) مبتدأ. و(نحن) فاعل سدَّ مسدَّ الخبر. ولم يسبق الوصف (خير) بنفي ولا استفهام.
2) أن يكون مرفوع الوصف اسماً ظاهراً أو ضميراً منفصلاً - كما في الأمثلة - فإن كان ضميراً مستتراً لم يسد مسد الخبر - على رأي الأكثرين - نحو: أقائم خالد أم قاعد. فـ(قاعد) خبر لمبتدأ محذوف، أي: هو قاعد، وأجاز بعضهم عطفها على (قائم) فهي مبتدأ مثلها، وفيها ضمير مستتر هو الفاعل، سد مسد الخبر، وهذا وجيه.
3) أن يتم الكلام بهذا المرفوع. فإن لم يتم به الكلام لم يجز نحو: أقائم والده محمد. فلا يجوز أن يكون (قائم) مبتدأ، لأنه لا يستغنى بمرفوعه (والداه) لأن الضمير يحتاج إلى مفسِّر يسبقه. بل (محمد) مبتدأ مؤخر. و(قائم) خبر مقدم و(والده) فاعل لقائم. فهو فاعل للوصف الواقع خبراً لا للمبتدأ.
واعلم أنه ليس المراد بقولنا: (سد مسد الخبر) أن له خبراً محذوفاً، بل المراد أن المرفوع أغنى عن الخبر؛ لشدة شبه الوصف بالفعل.(1/88)
قال ابن مالك: (مبتدأ زيد وعاذر خبر . . . إلخ) أي: أن (زيد) مبتدأ و(عاذر) خبر له في قولك (زيد عاذر من اعتذر) وفي قولك: (أسارٍ ذان) الأول: مبتدأ. والثاني: فاعل أغنى عن الخبر. وقس على هذين المبتدأين المذكورين ما شابههما. ثم ذكر أن النفي مثل الاستفهام في ذلك. وقال: إنه يجوز استعمال هذا الوصف ولو لم يسبقه نفي ولا استفهام.
*…*…*
116) وَالثَّانِ مُبْتَداً وَذَا الْوَصْفُ خَبَرْ ……إنْ في سِوَى الإِفْرَادِ طِبْقاً اسْتقَرْ
للوصف مع مرفوعه ثلاث حالات:
الأولى: أن يتطابقا في الإفراد نحو: أحاضر الضيف، ما مهزوم الحق. فيجوز الوجهان:
1) أن يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعلاً أو نائب فاعل سد مسد الخبر(384).
2) أن يكون الوصف خبراً مقدماً وما بعده مبتدأً مؤخراً.
ومحل جواز الوجهين إذا لم يمنع من أحدهما مانع. فإن وجد مانع تعين الوجه الآخر، كما في قوله تعالى: (قال أراغب أنت عن ءالهتي يإبراهيم((385) فـ(أنت) فاعل سد مسد الخبر - كما تقدم - ولا يعرب (أراغب) خبراً مقدماً و(أنت) مبتدأ مؤخراً. لأمرين:
الأول: أن فيه تقديماً وتأخيراً، والإعراب الأول ليس فيه تقديم ولا تأخير.
الثاني: يلزم عليه الفصل بين العامل والمعمول، وذلك لأن (عن آلهتي) متعلق بالخبر (أراغب) فهو معمول له. وقد فصل بينهما بأجنبي وهو المبتدأ (أنت)، وإنما كان أجنبيّاً؛ لأن الخبر ليس عاملاً في المبتدأ. بخلاف كون (أنت) فاعلاً فإنه معمول (أراغب)، فلم يفصل بأجنبي، وإنما فُصل بمعموله.
الحالة الثانية: أن يتطابقا تثنية أو جمعاً نحو: أفائزان المحمدان؟ أفائزون المحمدون؟ ويتعين أن يكون الوصف خبراً مقدماً وما بعده مبتدأ مؤخراً، ولا يجوز إعراب الوصف مبتدأ؛ لأنه بمنزلة الفعل. والفعل يتجرد من علامة التثنية والجمع على أفصح اللغتين - كما سيأتي إن شاء الله في باب الفاعل - ومنه قوله (: (أو مخرجيَّ هم؟)(386).(1/89)
الحالة الثالثة: أن يكون الوصف مفرداً ما بعده مثنى أو جمعاً نحو: أجالس القاضيان؟ أجالس القضاة؟ فيتعين أن يكون الوصف مبتدأ وما بعده فاعلاً سد مسد الخبر، ولا يعرب خبراً مقدماً لفقد شرط المبتدأ والخبر، وهو التطابق في التثنية والجمع.
وهذا معنى قوله: (والثاني مبتداً . . . إلخ) أي: والثاني وهو ما بعد الوصف مبتدأ، والوصف خبر عنه مقدم عليه، إن تطابقا في غير الإفراد. وهو التثنية والجمع. ومفهومه إنهما إن تطابقا في الإفراد، أو لم يتطابقا لم يتعين هذا الإعراب. وقوله: (مبتداً) بإبدال الهمزة ألفاً ثم حذفها لالتقاء الساكنين.
*…*…*
117) وَرَفَعُوا مُبْتَدَأً بالاِبْتِدَا……كَذَاكَ رَفْعُ خَبَرٍ بِالْمُبْتَدَا
المبتدأ مرفوع. والرافع له عامل معنوي، وهو الابتداء. والابتداء هو التجرد للإسناد، وهو كون الاسم مجرداً عن العوامل اللفظية غير الزائدة وشبهها.
فإذا قلت: الكذب مذموم. فالكذب مرفوع. والذي رفعه عامل معنوي. وهو وجوده في أول الكلام لم يسبقه لفظ آخر. ويطلق على هذا العامل المعنوي (الابتداء).
وإذا قلت: هل من رجلٍ موجود. فإن (رجل) مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد والعامل فيه الابتداء، ولا أثر للحرف (من)؛ لأنه حرف جر زائد. فهو متجرد عن العوامل الأصلية.
وإذا قلت: رُبَّ رجل قائمٌ. فرجل مبتدأ - كما تقدم - والعامل فيه الابتداء، ولا أثر للحرف (رب)؛ لأنه حرف جر شبيه بالزائد(387).
أما الخبر فعامل الرفع فيه هو المبتدأ. وهو عامل لفظي.
وهذا معنى قوله: (ورفعوا . . . إلخ) أي: حكم النحويون برفع المبتدأ بعامل معنوي، وهو الابتداء، وبرفع الخبر بعامل لفظي، وهو المبتدأ.
*…*…*
118) وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الفَائِدَهْ……كَاللهُ بَرٌّ وَالأَيَادِي شَاهِدَه(1/90)
عرف الخبر دون المبتدأ اهتماماً بمحط الفائدة. وتوطئة لتقسيمه إلى مفرد وغيره، فالخبر هو: الجزء المتم الفائدة مع مبتدأ غير الوصف المذكور. كقوله تعالى: (الله خالق كل شيء((388).
وخرج بقولنا (مع مبتدأ): فاعل الفعل نحو: انتصر الحق. فإنه وإن كان متمماً للفائدة لكن ليس مع مبتدأ بل مع فعل. فيكون فاعلاً لا خبراً.
وخرج بقولنا: غير الوصف المذكور. فاعل الوصف - كما تقدم - نحو: مسافر أبوك على مكة؟ فإنه وإن كان متمماً للفائدة لكن مع مبتدأ هو وصف.
وهذا معنى قوله: (والخبر الجزء المتم الفائدة) وسكت المصنف عن القيدين المذكورين، لأن ذلك معلوم من قوله (مبتدأ زيد وعاذر خبر) للعلم بأن الخبر لا يكو ن إلا مع مبتدأ غير الوصف. كما أن المثال يفيد ذلك.
وقوله: (كالله بر) أي: كثير الإحسان (والأيادي) أي: النعم؛ لأن اليد تطلق على النعمة. وقد ورد ذلك في كلام العرب. أما في آيات الصفات وأحاديثها فلا يجوز تفسير اليد بالنعمة؛ لأنه تأويل فاسد، بل تثبت اليد لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته.
*…*…*
119) وَمُفْرَداً وَيَأْتِي جُمْلَهْ……حَاوِيَةً مَعْنَى الَّذِي سِيقَتْ لَهْ
120) وَإنْ تكُنْ إيَّاهُ مَعْنىً اكْتَفَى……بِهَا كَنُطْقي اللهُ حَسْبِي وَكَفَى
لما عرف الخبر شرع في أقسامه وأحكامه . . وهو ثلاثة أقسام:
1) مفرد: وهو ما ليس بجملة ولا شبه جملة نحو: العدل مطلوب. قال تعالى: (وإلاهُكم إلهٌ واحدٌ((389) وله أحكام تأتي إن شاء الله.
2) جملة اسمية(390) نحو: الإسلامُ رايتُه عاليةٌ. قال تعالى: (ولباسُ التقوى ذلك خيرٌ((391). أو فعلية نحو: العاقل يعرف ما ينفعه. قال تعالى: (واللهُ يقولُ الحقَّ((392).
3) شبه جملة.وهو الظرف والجار والمجرور. ويأتي الكلام فيهما إن شاء الله.
فأما الجملة فهي قسمان:(1/91)
الأول: أن تكون هي نفس المبتدأ في المعنى نحو: حديثي: العمل ثمرة العلم. فهذه الجملة الواقعة خبراً عن المبتدأ (حديثي) مطابقة له في المعنى. فالحديث هو (العمل ثمرة العلم) و(ثمرة العلم العمل) هو الحديث.
الثاني: ألا تكون نفس المبتدأ في المعنى نحو: المجتهد يفوز بغايته.
فإن لم تكن نفس المبتدأ فلابد فيها من رابط يربطها بالمبتدأ(393)، وهذا الرابط يجعل جملة الخبر شديدة الاتصال بالمبتدأ. ولولاه لكانت أجنبية؛ لأن الأصل في الجملة أنها كلام مستقل. فإذا جاء الرابط علم أنها للمبتدأ، ولهذا إن كانت نفس المبتدأ لم يحتج إلى رابط، كما سنذكر.
وهذا الرابط أنواع نذكر منه ما يلي:
1) الضمير العائد على المبتدأ. وهو أصل الروابط وأقواها، وغيره خلف عنه نحو: العلم يرفع العامل به. قال تعالى: (والمطلّقاتُ يتربّصن بأنفسهن((394) فنون الإناث هي الرابط.
……والأصل في الضمير أن يكون مذكوراً. وقد يكون مقدراً نحو: الصوف ذراع بعشرة، أي: ذراع منه. قال تعالى: (والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وءامنوا إنّ ربّك من بعدها لغفور رحيم((395) فـ (والذين عملو السيئات( مبتدأ، والخبر (إنّ ربّك من بعدها لغفور رحيم( والرابط محذوف، أي: غفور لهم، أو رحيم بهم.
2) الإشارة إلى المبتدأ. نحو: العدل ذلك دعامة الملك. قال تعالى: (ولباس التقوى ذلك خير((396) فقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة برفع (لباس) على أنه مبتدأ، والتقوى مضاف إليه، و(ذلك) مبتدأ ثان، و(خير) خبر عنه، والجملة خبر عن الأول. وفي الآية أعاريب أخرى(397) وكقوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفساً إلاّ وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون((398) على أحد الأعاريب فيها. وهو أن الخبر (أولئك أصحاب الجنة).
3) تكرار المبتدأ بلفظه لقصد التفخيم أو التهويل أو التحقير نحو: الإخلاصُ ما الإخلاصُ؟(1/92)
4) ما الحربُ؟ السارقُ من السارقُ؟ أو بمعناه نحو: السيفُ ما المهندُ؟ ومن ذلك قوله تعالى: (القارعةُ (1) ما القارعةُ((399) فـ(القارعة) مبتدأ (ما القارعة) مبتدأ وخبر، والجملة خبر عن المبتدأ (القارعة).
5) أن يكون الرابط عموماً يدخل تحته المبتدأ. نحو: الوفيُّ نعم الرجل. ومنه قوله تعالى: (بلى من أوفى بعهده واتّقى فإنّ الله يحبّ المتقين((400) فمن: مبتدأ، والخبر (فإنّ الله يحبّ المتقين( والرابط العموم في قوله تعالى: (المتقين( الذين يدخل فيه من أوفى بعهده واتقى.
أما القسم الأول: وهو أن تكون الجملة الخبرية هي نفس المبتدأ في المعنى، فلا تحتاج الجملة فيه إلى رابط، مثل: نطقي الله حسبي. فنطقي: مبتدأ، والاسم الكريم مبتدأ ثانٍ، وحسبي خبر عنه، والجملة خبر عن المبتدأ الأول. ولا رابط فيها؛ لأن قولك (الله حسبي) هو معنى نطقي. فتقع جواباً لسؤال: ما نطقك؟
ومنه قوله تعالى: (دعواهم فيها سبحانك الّلهم((401) فدعواهم: مبتدأ، وسبحانك: معمول لفعل محذوف أي: نسبح سبحانك. والجملة خبر. وهي نفس المبتدأ في المعنى، ومنه أيضاً قوله (: "أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير"(402).
وهذا معنى قوله: (ومفرداً يأتي ويأتي جمله . . . إلخ) أي: يأتي الخبر مفرداً. ويأتي جملة (حاوية) أي مشتملة على (معنى) المبتدأ (الذي سيقت) خبراً (له) وعبر بقوله: (حاوية معنى) ولم يقل: (حاوية ضميراً) ليشمل جميع أنواع الرابط، ثم ذكر أن الجملة الواقعة خبراً (إن تكن إياه) أي:هي نفس المبتدأ في المعنى اكتفى بها عن الرابط، ثم ذكر المثال، وقوله: (وكفى) أي: وكفى به - سبحانه وتعالى - حسيباً. فحذف حرف الجر وحده وهو (الباء) فانفصل الضمير الذي كان مجروراً في محل رفع، وصار تقديره: هو.
*…*…*
121) والمُفْرَدُ الجَامِدُ فَارِغٌ وَإنْ……يُشْتَقَّ فَهْوَ ذُو ضَمِيرٍ مُسْتكِنْ(1/93)
هذا هو القسم الثاني من أقسام الخبر وهو الخبر المفرد. والمراد به ما ليس بجملة ولا شبه جملة - كما تقدم -، وإنما يكون كلمة واحدة مثل: الكذب مذموم، أو ما هو بمنزلة الكلمة والواحدة نحو: أنتم ثلاثةَ عشرَ. فـ (أنتم) مبتدأ و(ثلاثة عشر) مبني على فتح الجزأين في محل رفع خبر.
والمفرد نوعان:
1) الجامد: وهو ما لم يؤخذ من غيره، نحو: خالد أخوك.
2) المشتق: ما أخذ من غيره. وهو يدل على معنى وذات(403) نحو: أمك أحق الناس ببرك، فـ (أحق) خبر، وهو أفعل تفضيل.
فإن كان الخبر جامداً فإنه يكون فارغاً من الضمير، إلا إذا تضمن معنى المشتق فإنه يتحمل ضميراً نحو: قلب الظالم حجر. أي: قاسٍ لا يلين، وعليٌ تميميٌ، أي: منتسب إلى تميم. ففيهما ضمير مستتر. أي: حجر هو. وتميمي هو.
وإن كان مشتقاً فإنه يتحمل الضمير بشرطين:
الأول: أن يكون المشتق جارياً مجرى الفعل أي: عاملاً عمل الفعل، وهو أربعة: اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وأفعل التفضيل. نحو: القمر طالع، الوفيُّ محبوب، المسجد رحب، بعض الشر أهون من بعض.
فإن لم يجر مجرى الفعل لم يتحمل ضميراً، كاسم الآلة نحو:مفتاح، وما كان على صيغة الزمان والمكان نحو: مجلس العلم روضة.
الثاني: ألا يرفع اسماً ظاهراً نحو: أخالدٌ غائب أبوه؟ أو ضميراً بارزاً نحو: أعلي ذاهب أنت إليه، فإن رفع ظاهراً أو بارزاً لم يرفع ضميراً مستتراً؛ لوجود فاعله منطوقاً به.
وهذا معنى قوله: (والمفرد الجامد فارغ . . . إلخ) أي: أن الخبر المفرد نوعان: فالجامد فارغ من الضمير. والمشتق ليس بفارغ بل فيه ضمير مستكن أي: مستتر. وهذا الضمير يعود على المبتدأ ليربط الخبر به ارتباطاً معنويّاً.
*…*…*
122) وَأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقاً حَيْثُ تَلا……مَا لَيْسَ مَعْنَاهُ لَهُ مُحَصَّلا
لما ذكر أن الخبر المشتق يتحمل ضميراً. ذكر هنا حكم إبراز الضمير وإخفائه. والخبر بهذا الاعتبار نوعان:(1/94)
1) خبر مشتق جرى على من هو له. أي: أن الخبر صفة لمبتدئه نحو: الكذب مذموم، فـ (مذموم) خبر عن (الكذب) وهو وصف له في المعنى.
…وهذا النوع يستتر فيه الضمير(404). فإن برز فهو توكيد للضمير المستتر.
2) خبر جرى على غير من هو له. أي: أن الخبر صفة لغير مبتدئه. فالبصريون يوجبون إبراز الضمير في هذا النوع مطلقاً أُمن اللبس أو لم يؤمن. فمثال أَمن اللبس: البنتُ الأبُ مكرمتُه هي. فالبنت: مبتدأ أول. والأب: مبتدأ ثان. ومكرمته: خبر عن الأب وهو وصف للبنت؛ لأنها هي المكرمة للأب. فجرى الخبر على غير من هو له؛ لأنه خبر عن الأب ووصف للبنت. ولا لبس في هذا المثال فيجوز حذف الضمير (هي)؛ لأن التأنيث قرينة على أن الخبر جرى على غير من هو له. أما البصريون فيوجبون إبرازه.
ومثال ما لم يؤمن فيه اللبس: خالد علي مكرمه هو. فخالد: مبتدأ أول. وعلي: مبتدأ ثان. ومكرمه خبر عن الثاني. فيحتمل أن (مكرمه) وصف لعلي وأنه فاعل الإكرام، فيكون الخبر جرى على من هو له. ويحتمل أنه وصف لخالد. فيكون الخبر جرى على غير من هوله. فإن أريد الأول وجب استتار الضمير ليكون استتاره دليلاً على هذا المعنى. فتقول: خالد علي مكرمه. وإن أريد الثاني وجب إبراز الضمير ليكون إبرازه دليلاً على جريان الخبر على غير من هو له. فتقول: خالد علي مكرمه هو. فالضمير (هو) عائد على (خالد) والهاء في قوله: (مكرمه) عائد على (علي).(1/95)
وإلى مذهب البصريين أشار ابن مالك بقوله: (وأبرزنه مطلقاً . . . إلخ) فقوله: (وأبرزنه) أي: الضمير. (مطلقا) أي: أُمن اللبس أو لم يؤمن. (حيث تلا) أي: وقع الخبر (ما) المراد: المبتدأ (ليس معناه) أي: معنى الخبر (له) أي: المبتدأ (مُحَصَّلاً) أي: حاصلاً. والمعنى: أبرز الضمير، أمن اللبس أو لم يؤمن إذا وقع الخبر بعد مبتدأ ليس معنى هذا الخبر حاصلاً لذلك المبتدأ بل هو حاصل لغيره. أي: صفة لغيره. والمقصود أن يجري الخبر على غير من هو له. وفي البيت من الغموض وتشتت الضمائر ما لا يخفى.
وأما الكوفيون فقالوا: إن أمن اللبس جاز الوجهان، كالمثال الأول. وإن خيف اللبس وجب الإبراز، كما في المثال الثاني. وقد اختار ابن مالك مذهبهم في كتابه (الكافية)(405) فقال:
وإن تلا غير الذي تعلّقا………به فأبرز الضمير مطلقا
في المذهب الكوفي شرط ذاك أن ………لا يؤمن اللبس ورأيهم حسن
والحق أنه رأي حسن، لأنه إذا أمن اللبس فلا فائدة من إبراز الضمير سوى الإطالة، وهذا مناف للأصول اللغوية العامة. وقد ورد السماع بمذهبهم في قول الشاعر:
قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت……بكنه ذلك عدنان وقحطان(406)
فقوله: (بانوها) خبر عن (ذرا) وهو صفة لـ (قومي) فجرى الخبر على غير من هو له ولم يبرز الضمير. وذلك لأمن اللبس، فإن الذرا مبنية لا بانية. فلا فائدة من قوله (بانوها هم).
*…*…*
123) وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ أوْ بِحَرْفِ جَرْ……نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ أوِ اسْتََقَرْ
هذا القسم الثالث من أقسام الخبر وهو شبه الجملة(407). والمراد به: الظرف بنوعيه الزماني والمكاني. والجار والمجرور نحو: الصوم يوم الخميس، والتراويح ليلة الجمعة ونحو: المسجد أمام البيت. ونحو الكتاب في الحقيبة. قال تعالى: (والرَّكبُ أسفل منكم((408) وقال (: "الصبر عند الصدمة الأولى" متفق عليه.(1/96)
ويشترط في الظرف والجار والمجرور أن يكونا تامين أي: يحصل بالإخبار بهما فائدة بمجرد ذكرهما. بخلاف: محمد بك. وعلي مكاناً؛ لعدم الفائدة.
وهناك خلاف في الخبر هنا. والمشهور أن الخبر هو المتعلق المحذوف، فيقدر فعلاً نحو: استقر. أو اسماً نحو: كائن. وهذا هو الذي يجري على ألسنة المعربين.
وهذا معنى قوله: (واخبروا بظرف . . . إلخ) أي: أن العرب أخبرت عن المبتدأ بالظرف أو بحرف الجر مع مجروره. ناوين بذلك تقدير المتعلق مفرداً نحو: كائن، أو فعلاً نحو: استقر.
ويرى آخرون أن الخبر هو نفس الظرف والجار والمجرور؛ لأنهما يتضمنان معنى صادقاً على المبتدأ. فيكونان في محل رفع خبر. وهذا رأي وجيه؛ لأن فيه تيسيراً(409). فقوله تعالى: (والرّكب أسفل منكم((410) (أسفل) ظرف منصوب في محل رفع خبر. وقوله تعالى: (الحمدُ لله رب العالمين((411) (لله) جار ومجرور في محل رفع خبر.
*…*…*
124) وَلا يَكُونُ اسْمُ زَمَانٍ خَبَرَا……عَنْ جُثَّةٍ وَإِنْ يُفِدْ فَأخْبِرَا
يقع اسم الزمان خبراً عن أسماء المعاني، نحو: الصوم غداً. ولا يخبر به عن أسماء الذوات، نحو: محمد اليوم؛ لعدم الإفادة. فإذا أفاد صح. والفائدة تحصل بثلاثة أشياء:
1) تخصيص الزمان بوصف نحو: نحن في يوم ممطر. أو إضافة نحو: نحن في شهر الصوم. أوعلمية مثل: نحن في رمضان. ويكون الظرف في هذا مجروراً بفي(412). والجار والمجرور في محل رفع خبر، على ما تقدم.
2) أن يكون الكلام على تقدير مضاف هو اسم معنى نحو: الليلةَ الهلالُ. أي: الليلةَ طلوعُ الهلالِ، ونحو: البطيخ شهور الصيف. أي: وجود البطيخ شهور الصيف، ومنه قوله ( في يوم الجمعة: "وهذا يومهم الذي فرض عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فهم لنا فيه تبع، فاليهود غداً، والنصارى بعد غد" رواه البخاري ومسلم، والتقدير: عيد اليهود غداً(413). والظرف - هنا - منصوب على الظرفية في محل رفع خبر.(1/97)
3) أن يكون اسم الذات مشبهاً لاسم المعنى في حصوله وقتاً بعد وقت نحو: الرطب شهري ربيع. وهذا يجوز نصبه ظرف زمان. وجره بفي، وهو في الحالتين في محل رفع خبر.
وهذا معنى قوله: (ولا يكون اسم زمان خبراً . . . إلخ) أي: لا يقع اسم الزمان خبراً عن المبتدأ إذا كان جثة، والمراد به: اسم الذات. لكن إن حصل بذلك فائدة جاز؛ لأن المدار عليها.
وسكت عن ظرف المكان؛ لأنه يجوز الإخبار عن الذات والمعنى بظرف المكان الخاص؛ لأنه تحصل به الإفادة، مثل: الكتاب أمامك العلم عندك. بخلاف: العلم مكاناً فلا يصح، لأنه عام.
وإذا وقع ظرف المكان خبراً وكان متصرفاً مثل: المدرسون جانب والطلاب جانب، خالد أمامك،جاز فيه الرفع والنصب، وإن كان غير متصرف نحو: الطائر فوق الغصن، وجب نصبه. وسيأتي الكلام على الظرف في باب المفعول فيه - إن شاء الله تعالى-.
*…*…*
125) وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ……مَا لَمْ تُفِدْ كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ
126) وَهَلْ فَتَىً فِيكُم فَمَا خِلٌّ لَنَا ……وَرَجُلٌ مِنَ الكِرَامِ عِنْدَنَا
127) وَرَغْبَةٌ فِي الخَيْرِ خَيْرٌ وَعَمَلْ……بِرٍّ يَزِينُ وَلْيُقَسْ مَا لَمْ يُقَلْ
الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة. لأن المبتدأ محكوم عليه. والخبر هو الحكم، لأن الغالب في المبتدأ أن يكون معلوماً للسامع والخبر مجهولاً له. كقولك: علي مخلص. ولا يجوز الحكم على مجهول لعدم الفائدة، فلا تقول: طالب مجتهد.
ويصح وقوع المبتدأ نكرة بشرط الإفادة. وتحصل بأمور كثيرة منها:(1/98)
1) أن يكون الخبر مختصّاً ظرفاً أو جاراً أو مجروراً متقدماً على المبتدأ. ونعني بالمختص: أن يكون المجرور والمضاف إليه في الظرف صالحاً لأن يقع مبتدأ. نحو: في العلم نفع. قال تعالى: (وعلى أبصارهم غشاوةٌ((414). ونحو: عندي ضيف. قال تعالى: (ولدينا مزيدٌ((415).أن تكون النكرة عامة إما بنفسها نحو: كلٌّ محاسب على عمله. قال تعالى: (كلٌّ قانتون((416) أو بغيرها كالاستفهام نحو: مَنْ حافظٌ النظم؟ قال تعالى: (أءلهٌ مع الله((417)؟ .
2) أن تكون النكرة موصوفة. سواء كانت الصفة مذكورة نحو: نوم مبكر أفضل من سهر. قال تعالى: (ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشرك((418). أو مقدرة لقرينة معنوية تدل عليها نحو قوله تعالى: (ثمّ أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفةٌ قد أهمّتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظنّ الجاهلية((419) فالمسوغ للابتداء بالنكرة (وطائفة) صفة محذوفة، أي: وطائفة من غيركم. بدليل: (طائفة منكم) وهذا على أحد الأقوال(420).
3) أن تكون النكرة عاملة نحو: قراءة في كتب المتقدمين أنفع. قال النبي (: "أمر بمعروف صدقة" رواه مسلم، وقال أيضاً: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد" رواه مالك وابن ماجه. وهذا معنى قوله : ( ولا يجوز الابتداء بالنكرة ... إلخ ) أي : لا يصلح وقوع المبتدأ نكرة إلا إذا أفادت . ثم ذكر ستة من أشياء تحصل بها الإفادة .وقد جمعناها في أربعة امور .
هذا وقد أورد النحويون أنواعاً أخرى من المسوغات. وأوصلها بعضهم إلى نيف وثلاثين، وهي عند التحقيق متداخلة. ولعلهم قصدوا بذلك ألا يحوجوا المبتدي إلى إعمال ذهنه في استنباطها من الأمثلة(421)…*…* *
128) وَالأَصْلُ فِي الأَخْبَارِ أنْ تُؤَخَّرَا……وَجَوَّزُوا التَّقدِيمَ إذْ لا ضَرَرَا
للخبر من حيث التقديم والتأخير ثلاث حالات:
الأولى: التأخير عن المبتدأ، وهذا هو الأصل.
الثانية: وجوب التأخير.
الثالثة: وجوب التقديم.(1/99)
أما الحالة الأولى: فإن الأصل في الخبر أن يتأخر عن المبتدأ، لأنه وصف له في المعنى فاستحق التأخير كالوصف. ويجوز تقديمه على المبتدأ إذا لم يجب تأخيره ولم يجب تقديمه. نحو: محمد رسول الله. فيجوز تقديم الخبر على المبتدأ. إذ لا مانع من تقديمه. قال تعالى: (ولله المشرق والمغرب((422) وقال تعالى: (ولهم عذاب عظيم((423) فتقديم الخبر في الآيتين من قبيل الجائز.
وهذا معنى قوله: (والأصل في الأخبار . . . ) أي: والأصل والغالب في الأخبار أن تؤخر عن مبتدآتها. وجوز النحويون التقديم إذا لم يترتب عليه فساد لفظي أو معنوي، على ما سيبين إن شاء الله.
*…*…*
129) فَامْنَعْهُ حِينَ يَسْتَوِي الْجُزْءانِ……عُرْفًا وَنُكْراً عَادِمَيْ بَيَانِ
130) كَذَا إذَا مَا الْفِعْلُ كَانَ الْخَبَرَا……أوْ قُصِدَ اسْتِعمَالُهُ مُنْحَصِرَا
131) أوْ كَانَ مُسْنَداً لِذِي لامِ ابْتِدَا……أوْ لازِمِ الصَّدْرِ كَمَنْ لِي مُنْجِدَا
ذكر في هذه الأبيات الحالة الثانية، وهي وجوب تأخر الخبر وتقدم المبتدأ. وذلك في أربعة مواضع:(1/100)
الأول: أن يكون كل من المبتدأ والخبر معرفة، أو نكرة صالحة لجعلها مبتدأ لوجود مسوغ، ولا قرينة تبين المبتدأ من الخبر. فيؤخر الخبر لئلا يلتبس بالمبتدأ لو قدم. فمثال المعرفة: خالد زميلي. فالمراد من هذا المثال الإخبار عن خالد بأنه زميلي، لأن السامع يعرف خالداً، ولكنه يجهل علاقته بي، لأن الغالب في المبتدأ أن يكون معلوماً للسامع والخبر مجهولاً له - كما تقدم - فلو قلت: زميلي خالد. لم يصح المثال على الاعتبار السابق، إذ لا قرينة تبين أن (زميلي) خبر مقدم، لأنه صالح لأن يكون مبتدأ، ويكون المراد: أنه يعرف (زميلي) ولكنه يجهل اسمه. فصار هناك فرق بين الجملتين، ومثال النكرة: أكبر منك سناًّ أكثر منك تجربة. فإن كلاً من المبتدأ والخبر نكرة، وكل منهما متخصص بالمجرور بعده. فلو قدم الخبر لأوقع في لبس إذ لا توجد قرينة تعينه وتميزه من المبتدأ. فيلتبس المحكوم بالمحكوم عليه، ويفسد المعنى.
فإن وجد قرينة لفظية نحو: رجل فصيح حاضر. أو معنوية نحو: أخي أبي في الشفقة. جاز تقديم الخبر فتقول: حاضر رجل فصيح. وأبي في الشفقة أخي. لأن الوصف في المثال الأول عَيَّن المبتدأ. وفي الثاني يعلم أن المراد الحكم على الأخ بأنه كالأب في الشفقة، ولا يعقل العكس، والمحكوم عليه هو المبتدأ. فيكون (أخي) مبتدأ تقدم أو تأخر. ومن ذلك قول الشاعر:
بنونا بنو آبائنا وبناتُنا……بنوهن أبناءُ الرجالِ الأباعدِ
أي: بنو أبنائنا مثل بنينا، ولا يراد العكس، إذ يصير المعنى: أن بنيهم مثل بني أبنائهم، فالقرينة المعنوية سوغت تقديم الخبر (بنونا) وتأخير المبتدأ (بنو أبنائنا).
الموضع الثاني: أن يكون الخبر جملة فعلية فاعلها ضمير مستتر يعود على المبتدأ نحو: الدنيا تفنى. قال تعالى: (اللهُ يبدؤا الخلق((424) ولو قدم الخبر لصار من باب الفعل والفاعل. لا من باب المبتدأ والخبر.(1/101)
فإن رفع الفعل اسماً ظاهراً أو ضميراً بارزاً جاز التقديم نحو: خالد قدم والده. والمحمدان سافرا.
والموضع الثالث: أن يكون الخبر محصوراً فيه المبتدأ(425) بإنما نحو: إنما الناس أعداء لما يجهلون. أو بإلا نحو: ما الكتاب إلا جليس لا يمل. قال تعالى: (إنما أنت نذيرٌ((426) وقال تعالى: (وما محمدٌ إلا رسولٌ((427). فلا يجوز تقديم الخبر؛ لأن المقصور عليه مع (إنما) هو المؤخر. ومع (إلا) ما بعدها. فلو قدم لم يعلم أنه مقصور عليه مقدم. فيحصل لبس.
الموضع الرابع: أن يكون المبتدأ مستحقاً للتصدير إما بنفسه أو بغيره. فالأول: كأسماء الاستفهام نحو. من فاتح بلاد السند؟ قال تعالى: (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون((428) وأسماء الشرط نحو: من يفعل الخير يجد ثوابه، قال تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه((429) والثاني: كالمبتدأ المقترن بلام الابتداء(430) نحو: لَيدٌ كاسبة خير من يد عاطلة. قال تعالى: (لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس((431).(1/102)
وإلى هذه المواضع الأربعة أشار بقوله: (فامنعه حين يستوي الجزءان . . . إلخ) أي: امنع تقدم الخبر إذا استوى (الجزءان) أي: المبتدأ والخبر في التعريف والتنكير ولا قرينة تبين أن هذا مبتدأ وهذا خبر. وكذا امنع تقدم الخبر إذا كان الفعل مع فاعله أو نائبه هو الخبر، وهذا يقتضي وجوب تأخير الخبر الفعلي مطلقاً، وقد علمت أن المنع في صورة واحدة، والجواز في صورتين، وكذا امنع تقدم الخبر إذا قصد استعمال هذا الخبر منحصراً فيه مبتدؤه. كما في قصر الرسول ( على الإنذار في قوله تعالى: (إنما أنت نذير((432) فلا يتعداه إلى هداية التوفيق، وكذلك امنع تقدم الخبر إذا كان خبراً عن مبتدأ ذي لام ابتداء (أو لازم الصدر) أي: أو كان خبراً عن مبتدأ لازم الصدر (كمن لي منجداً) وهذا مثال للاستفهام. ويلحق به ما أضيف إلى ما له الصدارة نحو: سيارةُ مَنْ الموجودة؟ فيجب تقديم المبتدأ؛ لأنه اكتسب الصدارة بإضافته إلى مستحقها. وهو (من) الاستفهامية.
*…*…*
132) وَنَحْوُ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِيَ وَطَرْ……مُلْتَزَمٌ فِيهِ تَقَدُّمُ الْخَبَرْ
133) كَذَا إذا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ……مِمَّا بِهِ عَنْهُ مُبِيناً يُخْبَرُ
134) كَذَا إذَا يَسْتَوْجِبُ التَّصْدِيرا……كَأيْنَ مَنْ عَلِمْتَهُ نَصِيراَ
135) وَخَبَرَ الْمَحْصُورِ قَدِّمْ أبَدَا……كَمَالَنَا إلاَّ اتِّبَاعُ أحْمَدَا
ذكر في هذه الأبيات الحالة الثالثة، وهي وجوب تقديم الخبر على المبتدأ. وذلك في أربعة مواضع:
الأول: أن يكون المبتدأ نكرة ليس لها مسوغ إلا تقدم الخبر. وهو ظرف أو جار ومجرور. فالأول نحو: بعد الضيق فرج. قال تعالى: (ولدينا مزيدٌ((433) والثاني نحو: في الإيجاز بلاغة. قال تعالى: (لكل أجل كتاب((434) وإنما وجب تقديم الخبر هنا، لأنه لو أخر لتوهم السامع أنه صفة لا خبر. لأن النكرة أحوج إلى الصفة منها ألى الخبر، ولبقي ينتظر الخبر.(1/103)
فإن كان للنكرة مسوغ جاز التقديم والتأخير نحو: رجل عالم عندي. وعندي رجل عالم. ومنه قوله تعالى: (وأجلٌ مسمًّى عندَهُ((435) فالظرف خبر لا صفة. لأن النكرة لما وصفت ضعف طلبها للظرف.
الثاني: أن يكون في المبتدأ ضمير يعود على بعض الخبر نحو: لِمجالس العلم روادها. قال تعالى: (أم على قلوب أقفالُها((436) وإنما وجب تقديم الخبر؛ لأنه لو أخر لعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهو ممنوع هنا.
الثالث: أن يكون الخبر له صدر الكلام في جملته. ومما له الصدارة أسماء الاستفهام نحو: متى السفر؟ قال تعالى: (أين شركائي((437).
الرابع: أن يكون الخبر محصوراً في المبتدأ بإنما أو بإلا. نحو: إنما القائد خالد(438) وما الهادي إلا الله. قال تعالى: (فإنما على رسولنا البلاغُ المبين((439) وقال تعالى: (ما على الرسول إلا البلاغُ((440). فلا يجوز تقديم المبتدأ وتأخير الخبر؛ لئلا يختل الحصر المطلوب ويختلف المراد.
وإلى هذه المواضع الأربعة أشار بقوله: (ونحو عندي درهم . . . إلخ) أي: التزم تقديم الخبر في كل مثال جاء فيه المبتدأ نكرة ولا مسوغ لها إلا تقدم الخبر. (والوطر: الغرض والحاجة) وكذا يُلتزم تقدم الخبر (إذا عاد عليه) أي: على بعض الخبر ضمير (مما به) أي: من المبتدأ الذي (يخبر) به (عنه) أي: عن المبتدأ. حال كون الخبر مفسراً هذا الضمير العائد عليه. وكذا يلتزم تقدم الخبر إذا كان يلزم تصديره في الكلام نحو: (أين من علمته نصيراً) فأين: اسم استفهام خبر مقدم مبني على الفتح في محل رفع و"من" اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. وكذا يجب تقديم خبر المحصور فيه أي: خبر المبتدأ الذي وقع فيه الحصر. مثل (مالنا إلا اتباع أحمدا) فـ(لنا) خبر مقدم. و(اتباع أحمدا) مبتدأ مؤخر. ومضاف إليه. والألف في (أحمدا) للإطلاق.
*…*…*
136) وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ كَمَا ……تَقُولُ زَيْدٌ بَعْدَ مَنْ عِنْدَكُما(1/104)
137) وَفِي جَوَابِ كَيْفَ زَيْدٌ قُلْ دَنِفْ……فَزَيْدٌ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ إذْ عُرِفْ
يحذف كل من المبتدأ والخبر إذا دلَّ عليه دليل، ولم يتأثر المعنى بحذفه. فمثال حذف الخبر أن يقال: من عندك؟ فتقول خالد. التقدير: خالد عندي. ومن حذف الخبر قوله تعالى: (مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها((441) أي: وظلها دائم.
وأما حذف المبتدأ فيكثر في جواب الاستفهام نحو: كيف الحال؟ فيقال: حسن. التقدير: الحال حسن. قال تعالى: (ومآ أدراك ما الحطمةُ(5) نار الله الموقدةُ((442) أي: هي نار الله.
وبعد (فاء الجزاء) نحو: من أخلص في عمله فلنفسه. أي فإخلاصه لنفسه. قال تعالى: (فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها((443) أي: فإبصاره لنفسه وعماه عليها. وبعد القول كقوله تعالى: (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها((444) أي: هو أساطير الأولين.
وهذا معنى قوله: (وحذف ما يعلم جائز) أي: يجوز حذف ما يعلم من مبتدأ أو خبر، ثم مَثَّلَ لهما.
*…*…*
138) وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ……حَتْمٌ وَفِي نَصِّ يَمينٍ ذَا اسْتَقَرّ
139) وَبَعْدَ وَاوٍ عَيَّنَتْ مَفْهُومَ مَعْ……كَمِثْلِ كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ
140) وَقَبْلَ حَالٍ لاَ يَكُونُ خَبَرَا……عَنِ الَّذِي خَبَرُهُ قَدْ أُضْمِرَا
141) كَضَرْبِيَ العَبْدَ مُسِيئاً وأتَمْ……تَبْيِينيَ الْحَقَّ مَنُوطاً بِالحِكَمْ
يجب حذف الخبر في أربعة مواضع:
الأول: أن يكون المبتدأ بعد (لولا) الامتناعية. والمبتدأ المذكور بعد لولا على ثلاثة أضرب:
1) مخبر عنه بكون غير مقيد، وهو الكون المطلق أو الكون العام، وهو الذي يدل على مجرد الوجود العام من غير زيادة نحو: لولا الهواء ما عاش مخلوق. وفي هذا يجب حذف الخبر. قال تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض((445) وتقديره: موجود.(1/105)
2) مخبر عنه بكون مقيد(446) لا يدرك معناه عند حذفه. وفي هذا يجب ذكر الخبر ولا يجوز حذفه نحو: لولا زيد محسن إليَّ ما أتيت. ومنه قوله (: "يا عائشة لولا قومُك - حديثٌ عهدهم بكفر لنقضت الكعبة . . . الحديث" متفق عليه. فلا يجوز حذف الخبر (حديثٌ عهدهم بكفر) إذ لا دليل عليه(447).
3) مخبر عنه بكون مقيد يدرك معناه عند حذفه، وهذا يجوز ذكره ويجوز حذفه نحو: لولا أنصار محمد حموه ما سلم. فيجوز ذكر الخبر (حموه) وحذفه. لأنه يعلم من قوله: (أنصار محمد).
الثاني: أن يكون المبتدأ صريحاً في القسم. بحيث يغلب استعماله في القسم. نحو: لعمر الله لأنصرنَّ المظلوم. أي: لعمر الله قسمي. قال تعالى: (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون((448) أي: لعمرك قسمي، فحذف الخبر؛ لأن جواب القسم عوض عنه.
فإن لم يكن المبتدأ صريحاً في القسم بأن غلب استعماله في غير القسم لم يجب الحذف نحو: عهد الله لأفعلن الخير. أي: عهد الله عليَّ. فلك حذف الخبر (عليَّ) ولك إثباته.
الثالث: أن يقع بعد المبتدأ واو هي نص في المعية. وهي التي يصح حذفها، ووضع كلمة (مع) موضعها فلا يتغير المعنى بل يتضح. نحو: كل إنسان وعمله. فـ(كل) مبتدأ و(إنسان) مضاف إليه و(عمله) معطوف على المبتدأ. والخبر محذوف للعلم به؛ ولأن العطف يسد مسده والتقدير: (مقترنان).
فإن لم تكن الواو للمعية أصلاً بل لمجرد التشريك في الحكم لم يحذف الخبر وجوباً نحو: خالد وعلي متباعدان. أو كانت للمعية ولكنها ليست نصّاً لم يحذف وجوباً - أيضاً - نحو: الرجل وجاره مقترنان. وإنما لم تكن نصّاً لأن الجار لا يلزم جاره، ولا يكون معه في الأوقات كلها أو أكثرها.
الرابع: أن يكون المبتدأ مصدراً أو اسم تفضيل مضافاً إلى مصدر، وبعده حال سدت مسد الخبر، وهي لا تصلح أن تكون خبراً.(1/106)
فالأول نحو: احترامي الطالب مهذباً. فـ (احترامي) مبتدأ. و(الطالب) مفعول به للمصدر. و(مهذباً) حال من الطالب. وهذه الحال لا تصلح أن تكون خبراً، إذ لا يقال (احترامي مهذب)(449) وإنما الخبر ظرف محذوف مع جملة فعلية بعده أضيف لها. والتقدير: احترامي الطالب إذا كان مهذباً (في المستقبل) وتقدر (إذ) في الماضي. وحذف هذا الخبر لوجود ما يسد مسده في المعنى، وهو الحال.
ومثال اسم التفضيل: أنفع عمل الصانع متقناً. والخبر فيه كما في المثال الذي قبله.
فإن كانت الحال صالحة لوقوعها خبراً للمبتدأ المذكور فلا حذف حينئذٍ. بل يجب رفع هذه الحال لتكون هي الخبر نحو: إكرامي الضيف عظيم.
وإلى هذه المواضع الأربعة أشار بقوله: (وبعد لولا غالباً حذف الخبر . . . إلخ) أي: وجب حذف الخبر بعد (لولا) في غالب أحوالها وهو وقوع الكون العام بعدها، وقد استقر وثبت هذا الحكم وهو حذف الخبر. إذا كان المبتدأ نصّاً في اليمين أي: الحلف والقسم.
وكذا يحذف الخبر وجوباً إذا وقع بعد واو أفادت المعية نصّاً. وكذا يحذف وجوباً قبل حال لا تصلح أن تكون خبراً للمبتدأ الذي خبره (قد أضمرا) أي: قد حذف وقُدّر، ثم مثل بمثالين: أحدهما: المبتدأ مصدر. والثاني: المبتدأ اسم تفضيل مضاف.
تتمة:
لم يتعرض ابن مالك - رحمه الله - في الألفية لمواضع حذف المبتدأ وجوباً، وقد ذكرها في الكافية، ونحن نذكر أشهرها كما يلي:
الأول: أن يكون خبره نعتاً مقطوعاً للمدح أو الذم أو الترحم. نحو: اقتد بعمرَ العادلُ، اجتنب اللئيمَ الخسيسُ، تصدق على الفقيرِ الكبيرُ.(1/107)
فالأصل أن النعت في هذه الأمثلة يتبع المنعوت في الإعراب. ولكن يجوز قطعه إلى الرفع لغرض بلاغي: هو أهمية هذه الكلمات، وتوجيه النظر إليها بجعلها جملة أخرى. ويخرج من كونه نعتاً إلى كونه خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره (هو)، قال تعالى: (سبحان الله عمّا يصفون (91) عالم الغيب والشهادة فتعالى عمّا يشركون((450) فقد قرأ نافع وأبو بكر(451) وحمزة والكسائي برفع (عالم) على أنه خبر لمبتدأ محذوف. وقرأ الباقون بالجرِّ على أنه صفة للاسم الكريم.
والثاني: أن يكون خبره مخصوص نعم أو بئس نحو: نعم المصنف البخاري. بئس الخلق خلف الوعد، فـ (البخاري) و(خلف الوعد) خبران لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره (هو) أي: الممدوح أو المذموم(452).
الثالث: أن يكون خبره مصدراً نائباً عن فعله. نحو: سمعٌ وطاعة. فـ(سمعٌ) خبر لمبتدإ محذوف أي: أمري سَمْعٌ وطاعة.
والأصل: أسمع سمعاً، وأطيع طاعةً. لكن عدلوا إلى الرفع لإفادة الدوام. قال تعالى: (قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبرٌ جميلٌ((453) أي: فأمري صبر جميل.
الرابع: أن يكون الخبر مشعراً بالقسم نحو: في ذمتي لأفعلن الخير. التقدير: في ذمتي يمين أي: مُتَعَلَّقُ يمين. وهو ما يدل عليه الجواب (لأفعلن الخير) لأن الفعل هو الذي يستقر في الذمة، وليس اليمين.
*…*…*…
142) وَأخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أوْ بِأكْثَرا……عَنْ وَاحِدٍ كَهُمْ سَرَاةٌ شُعَرَا
يجوز تعدد الخبر لأنه وصف للمبتدأ في المعنى. والصفة الاصطلاحية تتعدد، فكذا ما هو بمنزلتها.
ولا فرق بين أن يكون الخبران في معنى خبر واحد، أو لا يكونان كذلك. وضابط الأول ألا يصلح الإخبار بكل واحد على انفراده نحو: الفاكهة حلوة مرة، أي: متغيرة الطعم، أو متوسطة بين الحلاوة والمرارة. وهذا تعدد في اللفظ دون المعنى.(1/108)
وضابط الثاني: أن يصح الإخبار بكل واحد منهما على انفراده نحو: معهدُنا علميٌّ أدبيٌّ. ومنه قوله تعالى: (وهو الغفورُ الودودُ(14) ذو العرش المجيدُ((454) وقوله تعالى: (ذلكم اللهُ ربُّكم خالقُ كل شيء لا إله إلا هو((455) وهذا تعدد في اللفظ والمعنى(456) قال الشاعر يصف الذئب:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي……بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع(457)
وهذا معنى قوله: (وأخبروا باثنين . . . إلخ) أي: أخبرت العرب بخبرين أو بأكثر عن مبتدأ واحد. وقوله: (هم) مبتدأ، و(سراة) خبر أول وهو جمع (سري) على غير قياس(458) بمعنى: شريف. و(شُعَرا) خبر ثانٍ. وأصله: شعراء بالمد، فقصره للضرورة.
كان وأخواتها
143) تَرْفَعُ كَانَ المبْتَدَا اسْماً وَالْخبَرْ…تَنْصِبُهُ كَكَانَ سَيِّداً عُمَرْ
144) كَكَانَ ظَلَّ بَاتَ أضْحَى أصْبَحَا……أمْسى وَصَارَ لَيْسَ زَالَ بَرِحَا
145) فَتِىءَ وَانْفَكَّ وَهذِى الأرْبَعَهْ……لِشِبْهِ نَفْيٍ أوْ لِنَفْيٍ مُتْبَعَهْ
146) وَمِثْلُ كَانَ دَامَ مَسْبُوقاً بِمَا……كَأعْطِ مَادُمْتَ مُصِيباً دِرْهَما
لما فرغ ابن مالك - رحمه الله - من الكلام على المبتدأ والخبر شرع في ذكر نواسخ الابتداء، وهي ستة: ثلاثة منها أفعال وهي: كان وأخواتها، وأفعال المقاربة، وظن وأخواتها. وثلاثة منها حروف وهي: ما وأخواتها. وإن وأخواتها. ولا النافية للجنس. ولكل نوع باب مستقل.
وتسميتها بالنواسخ لأن النسخ في اللغة يطلق على الإزالة. وهذه الأفعال والحروف تزيل حكم المبتدأ والخبر وتغيره.
فكان وأخواتها ترفع المبتدأ ويسمى اسمها. وتنصب الخبر ويسمى خبرها. وقد ذكر ابن مالك ثلاثة عشر فعلاً. وهي من حيث العمل ثلاثة أقسام:(1/109)
الأول: ما يعمل هذا العمل بلا شرط(459) وهو ثمانية أفعال بترتيب ابن مالك وهي: كان، ظل، بات، أضحى، أصبح، أمسى، صار، ليس. نحو: ليس التقتير محموداً. قال تعالى: (وكان ربُّك قديراً((460). فـ (كان) فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر (ربك) اسمها مرفوع. والكاف مضاف إليه (قديراً) خبرها منصوب بالفتحة.
الثاني: ما يعمل بشرط أن يتقدمه نفي أو نهي أو دعاء، وهو أربعة (زال - التي مضارعها يزال(461) -، وبرح وفتئ وانفك) فمثال النفي: لا زال البرد قارساً. قال تعالى: (ول يزالون مختلفين((462). وقال تعالى: (لن نّبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى((463) وقد يكون النفي مقدراً كقوله تعالى: (قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف((464) أي: لا تفتأ. ومثال النهي: لا تزل محسناً ما عشت. قال الشاعر:
صاحِ شَمّر ولا تزل ذاكر المو……ت فنسيانُه ضلالٌ مبين(465)
ومثال الدعاء: لا زال بيتكم معموراً بطاعة الله.
القسم الثالث: ما يعمل بشرط أن تسبقه (ما) المصدرية الظرفية. ومعنى المصدرية أنها تقدر بالمصدر وهو (الدوام)، والظرفية لنيابتها عن الظرف وهو (المدة)، وهذا القسم خاص بـ (دام) نحو: لا أصحبك ما دمت منحرفاً. قال تعالى: (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّا((466) أي: مدة دوامي حيًّا.
وهذا معنى قوله: (ترفع كان المبتدا . . . إلخ) أي: ترفع (كان) المبتدأ حالة كونه اسماً لها والخبر تنصبه. (ككان سيداً عمر) أي: كان عمرُ سيّداً. ثم ذكر أخوات (كان) وأن الأربعة الأخيرة في الترتيب تتبع نفيً أو شبه نفي . ومعنى تتبعه : تليه وتقع بعده ، ثم بين أن الفعل (دام) في العمل مثل (كان) في عملها بشرط أن يسبقه (ما المصدرية الظرفية) ولم يذكر أنها (مصدرية ظرفية) لضيق الوزن، فاكتفى بالمثال (أعط ما دمت مصيباً درهماً) أي: مدة دوامك مصيباً الدرهم أو مصيباً المحتاج.
أما معاني هذه الأفعال:(1/110)
فـ(كان): يفيد اتصاف الاسم بالخبر في الماضي. إما مع الانقطاع نحو: كان الجو صحواً، وإما مع الاستمرار نحو: (وكان ربُّك قديراً((467).
و(ظل) يفيد اتصاف الاسم بالخبر في جميع النهار - غالباً - نحو: ظل الجوُّ معتدلاً وقد تكون بمعنى (صار) عند وجود قرينة كقوله تعالى: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظلَّ وجهُه مسودًّا((468).
و(بات): يفيد اتصاف الاسم بالخبر في وقت البيات وهو الليل نحو : بات الحارس ساهراً (وأضحى) :يفيد اتصاف الاسم بالخبر في وقت الضحى نحو: أضحى الطالب نشيطاً.
وتستعمل كثيراً بمعنى (صار) نحو: أضحى الهاتف ضروريّاً في هذا العصر.
و(أصبح) يفيد اتصاف الاسم بالخبر في وقت الصباح نحو: أصبح الساهر متعباً.
وتستعمل كثيراً بمعنى (صار) عند وجود قرينة نحو: أصبح النفط دعامة الصناعة.
و(أمسى) يفيد اتصاف الاسم بالخبر في وقت المساء نحو: أمسى الجو بارداً.
و(صار): يفيد تحول الاسم من حالته إلى الحالة التي يدل عليها الخبر نحو: صار الحديد باباً(469)
و(ليس): يفيد نفي الخبر عن الاسم في الزمن الحالي عند الإطلاق نحو: ليست المكتبة مفتوحة.
فإن وجد قرينة تدل على أن النفي واقع في الزمن الماضي أو المستقبل وجب الأخذ بها. نحو ليس المطر نازلاً أمس. ونحو: ليس الضيف مسافراً غداً.
وقد يكون المراد منها نفي الحكم نفياً مجرداً من الزمن نحو: ليس العلم سهلاً.
وأما (ما زال وما برح وما فتئ وما انفك) فهذه الأربعة تدل على ملازمة الخبر للاسم ملازمة مستمرة لا تنقطع. أو مستمرة إلى وقت الكلام، ثم تنقطع بعد وقت طويل أو قصير، فالأول نحو: ما زال الأدب حلية طالب العلم. ومثال الثاني: لا يزال الخطيب متكلماً. ما فتئ صالح مُنْكِراً.
وأما (دام) فتفيد مع معموليها استمرار المعنى الذي قبلها مدة محددة. هي مدة ثبوت معنى خبرها لاسمها. نحو لا أصحبك ما دمت مقصراً. فنفي الصحبة يدوم بدوام وقت معين محدد. وهو: مدة التقصير.
*…*…*(1/111)
147) وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ………إنْ كانَ غَيْرُ الْمَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ
النسخ في هذا الباب - وهو رفع المبتدأ ونصب الخبر - ليس مقصوراً على الأفعال الماضية المتقدم ذكرها. بل يشملها وما قد يكون لمصادرها من المشتقات. وذلك أن أفعال هذا الباب ثلاثة أقسام:
الأول: جامد - أي: لا يتصرف مطلقاً، ولا يوجد له غير الماضي - وهو فعلان: (ليس) اتفاقاً. و(دام) في أشهر الآراء.
الثاني: ما يتصرف تصرفاً ناقصاً فليس له إلا الماضي والمضارع واسم الفاعل. وهذا القسم هو الأربعة المسبوقة بالنفي أو شبهه وهي: (زال، برح، فتئ، انفك) فالماضي منها تقدمت أمثلته. والمضارع كقوله تعالى: (ولا يزالون مختلفين((470) وقوله تعالى: (قالوا لن نّبرح عليه عاكفين((471) وقوله تعالى: (قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف((472) واسم الفاعل نحو: لست زائلاً صديقك.
الثالث: ما يتصرف تصرفاً شبه كامل. فله الماضي والمضارع والأمر والمصدر واسم الفاعل، دون اسم المفعول وباقي المشتقات. وهو سبعة: كان، ظل، بات، أضحى، أصبح، أمسى، صار. فمثال المضارع: قوله تعالى: (ويكون الرسول عليكم شهيدا((473) ومثال الأمر قوله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط((474). ومثال اسم الفاعل قول الشاعر:
وما كل من يبدي البشاشة كائناً……أخاك إذا لم تُلْفِه لك منجداً(475)
ومثال المصدر قول الشاعر:
ببذل وحلم ساد في قومه الفتى……وكونك إياه عليك يسير (476)
وهذا معنى قوله: (وغير ماض مثله قد عملا . .) أي: أن غير الماضي - إن وجد واستعمل - يعمل عمل الماضي. وذلك كالمضارع والأمر وما يوجد من المشتقات الأخرى(477).
*…*…*
148) وَفِي جَمِيعِهَا تَوَسُّطَ الْخَبَرْ……أجِزْ .........................................
لخبر كان وأخواتها مع اسمها ثلاث حالات:
الأولى: وجوب تقديم الاسم وتأخير الخبر، وذلك في موضعين:(1/112)
الأول: أن يكون الاسم محصوراً في الخبر نحو: ما كان الكتاب إلا جليساً لا يمل، إنما كان الناس أعداءً لما يجهلون، قال تعالى: (وما كان صلاتُهم عند البيت إلا مكآءً وتصديةً((478).
الثاني: أن يكون إعراب الاسم والخبر غير ظاهر نحو: كان شريكي أخي. فلو قدم الخبر (أخي) لأوقع في لبس. لعدم ما يدل عليه. وقد تقدم شرح ذلك في الموضع الأول من مواضع تأخير الخبر في باب الابتداء.
الحالة الثانية: أن يكون توسط الخبر بين العامل والاسم واجباً (وهو وجوب تقديم الخبر على الاسم) وذلك في موضعين:
الأول: أن يكون الخبر محصوراً في الاسم نحو: ما كان مستفيداً إلا المجد، قال تعالى: (مّا كان حجَّتُهم إلا أن قالوا((479) أي: ما كان حجتهم إلا قولهم.
الثاني أن يتصل بالاسم ضمير يعود على بعض الخبر نحو: كان في الفصل طلابه.
الحالة الثالثة: جواز الأمرين: تقديم الاسم على الخبر. أو تأخيره عنه، وذلك إذا لم يوجد ما يوجب التوسط أو التأخر. نحو: كان الخطيب مؤثراً. أو كان مؤثراً الخطيب، ومن ذلك قوله تعالى: (وكان حقّاً علينا نصرُ المؤمنين((480) فـ(حقّاً) خبر كان مقدم و(نصر المؤمنين) اسمها مؤخر ومضاف إليه. ومنه - أيضاً - قوله تعالى: (ليس البِرَّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب((481) فقد قرأ حمزة وعاصم في رواية حفص - من السبعة - بنصب (البِرَّ) على أنه خبر ليس مقدم. والمصدر المؤول من (أن تولوا) اسمها مؤخر أي: ليس البرّ تولية وجوهكم. وقرأ الباقون برفع (البرّ) على أنه اسم (ليس) والخبر المصدر المؤول.
هذا إن كان الخبر مفرداً أو شبه جملة، فإن كان الخبر جملة فالأحسن تأخيره عن الناسخ واسمه، لأن تقديمه غير معروف في الكلام الفصيح.
وهذه الحالة الثالثة هي التي ذكرها بقوله: (وفي جميعها توسط الخبر أجز) أي: أجز توسط الخبر بين الناسخ واسمه في جميع الأفعال السابقة.
*…*…*(1/113)
148) وَفِي جَمِيعِهَا تَوَسُّطَ الْخَبَرْ……أَجِزْ وَكُلٌّ سَبْقَهُ دَامَ حَظَرْ
149) كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ……فَجىء بها مَتْلُوَّةً لاَ تَالِيَهْ
150) وَمَنْعُ سَبْقِ خَبَرٍ لَيْسَ اصْطُفِي……..............................
أفعال هذا الباب من حيث تقدم الخبر عليها ثلاثة أقسام:
الأول: مادام: وهذه لا يجوز فيها تقدم الخبر على (ما) المتصلة بها فلا تقول: لا أصحبك مسافراً مادام علي، وعللوا لذلك بأن تقديم الخبر على (ما) يقتضي تقديم بعض الصلة على الموصول(482) وهذا ممنوع.
وأما تقدم الخبر على (دام) وحدها فالظاهر الجواز. تقول: أترك قراءة الكتاب ما دام الفكر مشغولاً، وتقول: أترك قراءة الكتاب ما مشغولاً دام الفكر.
القسم الثاني: ليس: وقد وقع الخلاف في جواز تقديم خبرها عليها. والمنع أرجح، لأنه لم يرد في لسان العرب تقديم الخبر عليها. والذي يجيز التقديم يستدل بتقديم معمول الخبر في قوله تعالى عن عذاب الكفار: (ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم((483) ووجه الاستدلال: أن قوله: (يوم يأتيهم( منصوب بخبر ليس (مصروفاً) فهو معمول له. وتقدم المعمول يشعر بجواز تقدم العامل.
وأجيب بأن هذه القاعدة غير مطردة(484)، ثم إن المعمول في الآية ظرف، وهو يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره.
القسم الثالث: باقي أفعال الباب ولها حالتان:
الأولى: أن تتقدم عليها (ما) النافية، وتحت هذا قسمان:
الأول: ما كان النفي شرطاً في عمله وهو (ما زال وأخواتها).
الثاني: ما لم يكن النفي شرطاً في عمله وهو: كان، ظل، بات، أضحى، أصبح، أمسى، صار.
فيجوز تقدم الخبر على الفعل وحده، فتقول: ما معترفاً زال خالد، وما بارداً أصبح الجو، والأصل: ما زال خالد معترفاً، وما أصبح الجو بارداً.
وأما تقدمه على (ما) النافية فمن قال: لها الصدارة منع تقدم الخبر عليها نحو: نشيطاً ما أصبح هشام. ومن قال: ليس لها الصدارة أجاز.(1/114)
فإن كان النفي بغير (ما) كـ (لن) جاز تقديم الخبر عليها لوروده عن العرب، وذكر ابن مالك في شرح الكافية أنه جائز عند الجميع(485) فتقول: لن يصبح الذي يسهر نشيطاً. وتقول: نشيطاً لن يصبح الذي يسهر.
الحالة الثانية: ألا تتقدم عليها (ما) النافية. وهذا خاص بغير (زال وأخواتها) ويجوز في هذا تقدم الخبر على الفعل الناسخ. واستدلوا بتقدم المعمول كقوله تعالى: (أهولآء إيّاكم كانوا يعبدون((486) وقوله تعالى: (وأنفسهم كانوا يظلمون((487) ولم يرد تقدم الخبر نفسه(488)، فـ(إياكم) مفعول (يعبدون) و( أنفسهم) مفعول (يظلمون) وقد تقدم المفعولان، ولذا قال ابن السراج: (القياس جواز ذلك ولم يسمع).
وقد يجب تقدم الخبر على الناسخ. وذلك إذا كان الخبر اسماً واجب الصدارة كأسماء الاستفهام نحو: أين كان الغائب؟ قال تعالى: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين((489) فـ(كيف) اسم استفهام في محل نصب خبر كان مقدم وجوباً، و(عاقبة) اسمها.
قال ابن مالك: (وكلٌّ سَبْقَهُ دام حظر . . . إلخ) أي: أن كل العرب أو كل النحاة منع تقدم خبر دام عليها، والمراد تقدمه على (ما)، هذا هو المتبادر من النظم بقرينة ما بعده، ثم قال: (كذاك سبقُ خبرٍ ما النافية) أي: كما منع العرب أو النحاة تقدم خبر (دام) على (ما) كذاك تقدم الخبر على (ما) النافية فهو محظور (فجيء بها متلوة) أي: ائت بما النافية سابقة يتلوها غيرها (لا تالية) أي: لا مسبوقة. وهذا الشطر مع ما فيه من توكيد ما قبله. ففيه إفادة أن (ما) تلزم الصدارة في جملتها أبداً. ثم قال: (ومنعُ سبقِ خبرٍ ليس اصْطُفِي) أي: اختير منع تقدم الخبر على ليس. و(خبرٍ) يقرأ بالتنوين.
*…*…*
150) ..........................……وَذُو تَمَامٍ مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِي
151) وَمَا سِوَاهُ نَاقِصٌ والنَّقْصُ فِي……فَتِىءَ لَيْسَ زَالَ دَائِماً قُفِي
أفعال هذا الباب قسمان:(1/115)
الأول: ما يكون تامًّا وناقصاً.
والثاني: ما لا يكون إلا ناقصاً.
ومعنى النقصان: احتياج هذه الأفعال إلى منصوب إذ لا يتم معناها بذكر مرفوعها فقط، بل تظل محتاجة إلى ما يكمل معناها. وذلك بالخبر. فإذا قلت: كان عليٌّ. لم تدل إلا على الوجود المطلق الذي هو ضد العدم. وهذا غير مراد ولا مطلوب. فإذا جاء الخبر وقلت: كان عليّ مسافراً. تحدد المراد وتعين المطلوب.
ومعنى التمام: اكتفاؤها بمرفوعها وعدم احتياجها إلى خبر. شأنها في ذلك شأن الأفعال الأخرى التامة. فإذا قلت:إذا كان الشتاء فاجتهد في الصدقة. وجدت أن المعنى تام لا نقص فيه. ولو وضعت بدل (كان) الفعل (جاء) - مثلاً - تم المعنى ولم يختلف المراد.
وكل أفعال هذا الباب تستعمل تامة وناقصة إلا ثلاثة وهي:
1) فتئ.…
2) ليس.
3) زال التي مضارعها يزال - كما تقدم - أما (زال) التي مضارعها (يزول) فهي تامة، وليست من أفعال هذا الباب نحو: صلاة الظهر إذا زالت الشمس، وقد جاء مضارعها في قوله تعالى: (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتآ إن أمسكهما من أحد من بعده((490).
ومن أمثلة الأفعال التامة في هذا الباب قوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله((491) فـ(فتنة) فاعل تكون التامة، وهي بمعنى تحصل أو تقع. وقوله تعالى: (ألا إلى الله تصير الأمور((492) أي: ترجع، و(الأمور) فاعل، وقوله تعالى: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض((493) أي: ما بقيت. و(السموات) فاعل.. وقوله تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون((494) أي: حين تدخلون في المساء وحين تدخلون في الصباح. وقوله تعالى: (وإذ قال موسى لفتاه لآ أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا((495) فقوله: (لا أبرح) أي: لا أذهب، فهو مضارع تام مرفوع، وفاعله ضمير مستتر وجوباً تقديره (أنا).(1/116)
وتقول: أضحينا أي: دخلنا في الضحى. وبات بالقوم. أي: نزل بهم ليلاً. ولو ظل الظلم هلك الناس. فـ(ظل) بمعنى دام. وتقول: فككت حلقات السلسلة فانفكت، أي: انفصلت.
وهذا معنى قوله: (وذو تمام . . .) أي: التام من أفعال هذا الباب ما يستغني بمرفوعه عن منصوبه.وما سوى المكتفي بمرفوعه ( ناقص ) لا حتياجه إلى المنصوب . والنقص في (فتئ) و(ليس) و(زال) ماضي (يزال) (دائماً قفي) أي: تبعها ولازمها.
*…*…*
152) وَلا يَلِي الْعَامِلَ مَعْمُولُ الْخَبَرْ……إلاَّ إذَا ظَرْفاً أَتَى أوْ حَرْفَ جَرْ
لما ذكر الناظم - فيما مضى - حكم تقدم الخبر على الاسم بين هنا حكم تقدم معمول الخبر، وهو توسطه بين الناسخ واسمه، والمراد بالمعمول: ما عمل فيه الخبر من ظرف أو جار ومجرور أو مفعول به. نحو: كان هشام قارئاً الكتاب.
فإن كان المعمول ظرفاً أو جاراً ومجروراً فسيأتي حكمه، وإن كان غيرهما - كالمفعول به فهنا صورتان:
الأولى: أن يتقدم معمول الخبر وحده على الاسم، ويكون الخبر مؤخراً عن الاسم، نحو: كان القادمُ راكباً سيارةً. فتقول: كان سيارةً القادمُ راكباً.
وهذه الصورة ممنوعة عند البصريين لمخالفتها القاعدة العامة وهي (أنه لا يجوز أن يلي العامل - مباشرة - معمولٌ لعامل آخر)(496)، ويجيزها الكوفيون لقول الفرزدق:
قنافذ هداجون حول بيوتهم……بما كان إياهم عطية عودا(497)
فقد الشاعر معمول خبر كان وهو (إياهم) على اسمها وهو (عطية) مع تأخير الخبر وهو جملة (عودا) عن الاسم.
الثانية: أن يتقدم المعمول والخبر على الاسم. ويتقدم المعمول على الخبر. فتقول: كان سيارةً راكباً القادمُ. وهذه الصورة ممنوعة عند سيبويه وأكثر البصريين، ويجيزها الكوفيون وبعض البصريين. لقول الشاعر:
فأصبحوا والنوى عالي مُعَرّسِهم………وليس كلَّ النوى تلقي المساكين(498)(1/117)
فقدم الشاعر معمول خبر كان وهو (كلَّ النوى) لأنه مفعول (تلقي) على اسمها وهو (المساكين) مع تقدم الخبر - أيضاً - وهو جملة (تلقي) وتأخره عن المعمول، وهذا على أحد الأعاريب.
وبقي صورة ثالثة في هذه المسألة، وهي أن يتقدم الخبر والمعمول على الاسم، ويتقدم الخبر على المعمول نحو: كان قارئاً الكتابَ خالد. وهذه الصورة جائزة باتفاق؛ لأنه لم يل كان معمول الخبر وإنما وليها الخبر.
هذا إذا كان المعمول غير ظرف ولا جار ومجرور، فإن كان واحداً منهما فإنه يجوز أن يلي كان معمول خبرها باتفاق؛ للتوسع فيهما نحو: كان عندك خالد مقيماً. وما زال في المسجد علي معتكفاً.
وهذا معنى قوله: (ولا يلي العامل . . . إلخ) أي: لا يقع معمول الخبر بعد العامل وهو (كان وأخواتها) إلا إذا أتى المعمول ظرفاً أو حرف جر مع مجروره. والقول بالمنع وجيه جدّاً؛ لمخالفة هذا الأسلوب للنهج العام الذي تسير عليه الجملة في نظام تكوينها المأثور. وترتيب كلماتها. وهذا ملاحظ في الجمل التي عرضناها.
*…*…*…
153) وَمُضْمَرَ الشَّانِ اسْماً انْوِ إِنْ وَقَعْ………مُوهِمُ مَا اسْتَبَانَ أَنَّهُ امْتَنَعْ
هذا البيت على رأي المانعين في الصورتين السابقتين، وهم البصريون، يبين طريقتهم في تأويل ما خالف القاعدة، ومعناه: أنه إذا ورد من كلام العرب ما ظاهره أنه ولي كان وأخواتها معمول خبرها كالبيتين السابقين فإنه يُؤَوَّلُ على أن في (كان) - مثلاً - ضميراً مستتراً هو ضمير الشأن(499)، وهو اسمها، فلم يل المعمول العامل. وإنما ولي العامل اسمه.
وهناك تأويلات وتخريجات أخرى. لا تخلو من التكلف - كل ذلك لإدخال الوارد عن العرب تحت القاعدة العامة التي ذكرنا - قبل هذا البيت - ولا داعي لهذه التأويلات والأعاريب المتكلفة، والعربي لا يعرف شيئاً منها. فتحفظ مثل هذه الأمثلة ولا يقاس عليها؛ لقلتها، ومخالفتها النسق الصحيح الوارد في تركيب الجملة.(1/118)
154) وَقَدْ تُزَادُ كَانَ فِي حَشْوٍ كَمَا ……كَانَ أصَحَّ عِلْمَ مَنْ تَقَدَّمَا
تنفرد كان عن باقي أخواتها بأحكام خاصة. والمذكور منها - هنا - أربعة:
الأول: أنها تأتي زائدة. ومعنى زيادتها. أنها غير عاملة. وأن الكلام يستغني عنها ولا ينقص معناه بحذفها(500). وزيادتها لإفادة التوكيد وتقوية الكلام.
وعلى هذا فـ(كان) الزائدة غير كان الناقصة وكان التامة.
وشروطوا لزيادتها شرطين:
الأول: أن تكون بصيغة الماضي. وقد وردت زيادتها بلفظ المضارع - قليلاً كقول الشاعر:
أنت تكون ماجد نبيل………إذا تهب شمأل بَلِيلُ(501)
الثاني: أن تكون بين شيئين متلازمين كالمبتدأ والخبر نحو: الكتابُ كان مفيدٌ. أو الفعل والفاعل نحو: لم يتكلم كان عالمٌ. أو الموصول وصلته نحو: حضر الذي كان دَعْوتُه. أو الصفة والموصوف نحو: ذهبت لزيارة صديقٍ كان مريضٍ، أو ما التعجبية وفعل التعجب نحو: ما كان أطيبَ كلامَك.
ولا يقاس على شيء من ذلك. بل هو مقصور على السماع، إلا مع فعل التعجب فالقياس سائغ.
وهذا معنى قوله: (وقد تزاد كان . . . إلخ) أي: تأتي (كان) زائدة. وزيادتها (في حشو) أي: توسط بين شيئين متلازمين. ثم مثل لزيادتها بين (ما) التعجبية وفعل التعجب. والتقليل في قوله: (وقد تزاد) بالنسبة إلى عدم زيادتها، فلا ينافي كثرتها في ذاتها(502).
*…*…*
155) وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ……وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ كَثيراً ذَا اشْتَهَرْ
الثاني مما اختصت به كان جواز حذفها مع اسمها وبقاء خبرها. وهذا الحذف نوعان:
1) كثير: بعد (إن) و(لو) الشرطيتين.
2) قليل: بدونهما.
فمثال الحذف بعد (إن): المرء محاسب على عمله إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشر. فـ(خيراً) خبر لكان المحذوفة مع اسمها و(فخير) خبر لمبتدأ محذوف. والتقدير: إن كان عمله خيراً فجزاؤه خير. وإن كان عمله شرّاً فجزاؤه شر. ومنه قول الشاعر:
قد قيل ما قيل إن صدقاً وإن كذباً……فما اعتذارك من قول إذا قيلا(1/119)
ومثال الحذف بعد (لو): اقرأ ولو صفحةً في اليوم. أي: ولو كان المقروء صفحة.
ومنه قوله (: "بلغوا عني ولو آية" رواه البخاري، أي: ولو كان المبلَّغ آية.
ومثال الحذف بدونهما قول بعض العرب: (من لدُ شولاً فإلى إتلائها)(503) أي: ربيت هذه الناقة من لد كانت شولاً فاستمر ذلك إلى إتلائها. وهذا مقصور على ما ورد، فلا يقاس عليه لندرته.
وهذا معنى قوله: (ويحذفونها . . . ) أي: أن العرب تحذف (كان) مع اسمها ويبقون الخبر. ولما نصَّ على بقاء الخبر دل على أن الاسم حذف معها. وقد اشتهر هذا الحذف بعد (إن) و(لو) الشرطيتين.
*…*…*
156) وَبَعْدَ أنْ تَعْوِيضُ مَا عَنْهَا ارْتُكِبْ……كَمِثْلِ أمَّا أنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ
الثالث مما انفردت به (كان): أنها تحذف ويبقى اسمها وخبرها. وذلك بعد (أنْ) المصدرية في كل موضع أريد فيه تعليل شيء بشيء.
مثال ذلك: أما أنت غنيًّا فتصدق. والأصل: تصدق لأن كنت غنيّاً. فقدمت اللام وما بعدها على (تصدق) للاختصاص. ثم حذفت اللام للاختصار فصار : أن كنت غنياًّ . ثم حذفت كان فانفصل الضمير المتصل بها على القاعدة المعروفة فصار: أن أنت غنيّاً. ثم أتى بـ(ما) عوضاً عن (كان) ثم أدغمت النون في الميم فصار: أما أنت غنياً، فـ (أما) عبارة عن (أن) المصدرية المدغمة في (ما) الزائدة النائبة عن كان و(أنت) اسم لكان المحذوفة. و(غنيًّا) خبرها.
وهذا معنى قوله: (وبعد أن تعويض ما . . . إلخ) أي: وقع في كلام العرب تعويض (ما) عن (كان) بعد حذفها. وذلك بعد (أن) المصدرية. وقوله: (عنها) يفيد أن الاسم والخبر لم يحذفا، لأنه لم يذكر عوضاً إلا لكان وحدها.
*…*…*
157) وَمِنْ مُضَارِعٍ لِكَانَ مُنْجَزِمْ ……تُحْذَفُ نُونٌ وَهُوَ حَذْفٌ مَا الْتُزِمْ
الرابع مما اختصت به (كان): جواز حذف لام مضارعها(504) وهي النون من (لم يكن)(505) وذلك بأربعة شروط:
1) أن يكون مجزوماً. فلا حذف في نحو: من تكون له الجائزة؟ لعدم الجزم.(1/120)
2) أن يكون الجزم بالسكون. فلا حذف في نحو: إن أهملتم لم تكونوا مستفيدين، لأن الجزم ليس بالسكون وإنما بحذف النون.
3) ألا يقع بعد النون ضمير نصب. بخلاف قوله ( لعمر - رضي الله عنه - في شأن ابن صياد (إن يكنه فلن تسلط عليه وإلا يكنه فلا خير لك في قتله) متفق عليه(506) فلا يجوز حذف النون. لوقوع الهاء وهي ضمير نصب بعدها.
4) ألا يقع بعدها ساكن. بخلاف قولك: لم يكن الجو صحواً. فلا تحذف النون لوقوع الساكن بعدها، وهو (أل) التعريف. وأجازه يونس شيخ سيبويه.
والمثال الجامع للشروط: لم يك طالب العلم مقصراً. قال تعالى: (ولم يك من المشركين((507) وقال تعالى: (ولم أكُ بغيّاً((508).
ولا فرق في هذا الحذف بين كان الناقصة - كما مثلنا - وبين كان التامة كقوله تعالى: (إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّة وإن تك حسنة يضاعفها((509) فقد قرأ الحرميان - نافع بن عبد الرحمن المدني وعبد الله بن كثير المكي - برفع (حسنة) وحذف النون. وهذه هي التامة، وقرأ بقية السبعة بالنصب. على أنها ناقصة. والتقدير: وإن تك الذرة حسنة.
وهذا معنى قوله: (ومن مضارع لكان منجزم . . . ) أي: تحذف النون من الفعل المضارع لكان إذا كان مجزوماً. وهذا حذف لم تلتزمه العرب فهو جائز، وهو كثير جدّاً في كلامهم نثراً وشعراً.
فصل
في (ما) و(لا) و(لات) و(إنْ) المشبهات بليس
158) إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ مَا دُونَ إنْ……مَعَ بَقَا النَّفْي وَتَرْتيبٍ زُكِنْ
159) وَسَبْقَ حَرْفِ جَرٍّ أوْ ظَرْفٍ كَمَا……بِي أنْتَ مَعْنِياًّ أجَازَ العُلَمَا(1/121)
…تقدم في باب (كان وأخواتها) أن نواسخ الابتداء تنقسم إلى أفعال وحروف. وسبق الكلام على (كان وأخواتها) وهي أفعال. وذكر المصنف في هذا الفصل الحروف الأربعة العاملة عمل (كان). وإنما قدمها على أفعال المقاربة؛ لأنها أقوى شبهاً بباب (كان) من أفعال المقاربة. حيث أشبهت (ليس) في المعنى وهو النفي. والعمل وهو رفع المبتدأ ونصب الخبر. والأحرف الأربعة هي:
1- ما. وهو حرف يفيد نفي المعنى عن الخبر في الزمن الحالي عند الإطلاق. وبعض العرب كالحجازيين يعمله. وبعض آخر كبنى تميم يهمله مع بقاء معناه(510)، فالذين يعملونها وهم الحجازيون. يرفعون بها الاسم وينصبون الخبر نحو: ما الحقُّ منهزماً، وبلغتهم جاء التنزيل، قال تعالى: (ما هذا بشراً((511) وقال تعالى: (ما هنّ أمّهاتهم((512) بكسر التاء. ولا تعمل عندهم إلا بأربعة شروط:
1) ألا يقترن اسمها بإنِ الزائدة. فيبعد شبهها بليس، لكون (إن) لا تقترن باسمها. فإن اقترن بطل عملها نحو: ما إنِ الحقُ منهزمٌ.
2) ألا ينتقض نفي خبرها (بإلا) فإن انتقض بطل عملها نحو: ما دنياك إلا فانية. ومنه قوله تعالى: (وما محمدٌ إلا رسولٌ((513).
……فإن انتقض النفي بـ(غير) لم يبطل عملها نحو: ما الظلم غيرَ مردٍ لصاحبه.بنصب (غير) على أنها خبر ما.
3) ألا يتقدم الخبر فإن تقدم بطل علمها نحو: ما عَيْبٌ الفقرُ والأصل: ما الفقر عيباً، إلا إن كان الخبر شبه جملة وهو الظرف والجار والمجرور فإنه يجوز - مع تقدمه - إعمالها وإهمالها نحو: ما بالآباء فخركم. ونحو: ما عندي كتابك. فعند الإعمال يكون شبه الجملة في محل نصب خبر مقدم لـ(ما)، وعند الإهمال يكون في محل رفع خبر المبتدأ.(1/122)
4) ألا يتقدم معمول خبرها على اسمها. فإن تقدم بطل عملها نحو: ما العاقل مصاحباً الأحمق. فتقول: ما الأحمقَ العاقلُ مصاحبُ، برفع (مصاحب) لأنه خبر المبتدأ، فإن كان المعمول شبه جملة جاز الإعمال والإهمال مع تقدمه نحو: ما في الشر أنت راغباً. وما عندي معروفك ضائعاً. ويجوز: راغب. وضائع.
وإلى هذه الشروط أشار ابن مالك بقوله: [إعمال ليس أعملت (ما) دون (إن)] أي: أعملت (ما) عمل ليس بشرط ألا توجد بعدها (إنْ) وهذا الشرط الأول. وإطلاقه الإعمال يوهم أنه متفق عليه عند العرب. مع أنه خاص بالحجازيين، فكان عليه أن ينص على ما يرفع الإبهام كما جرت عادته في أبواب أخرى. وكما نص على ذلك في الكافية(514).
وقوله (مَعَ بقا النفي) هذا الشرط الثاني، و(بقا) بالقصر للوزن. وقوله: (وترتيب زكن) أي: علم مما تقدم في قوله في باب الابتداء.
وَالأَصْلُ فِي الأَخْبِارِ أَنْ تُؤَخَّراَ…….................................
وهذا الشرط الثالث، وظاهر كلامه أنه لا يجوز تقديم الخبر، سواء كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً أو غيرهما.
وقوله: (وسبق حرف جر . . . إلخ) هذا إشارة إلى الشرط الرابع بطريق المفهوم. والمعنى: أجاز العلماء أن المجرور والظرف المعمولين لخبره يسبقان اسمها وخبرها. ثم مثل بقوله: (كما بي أنت معنيًّا) والأصل: ما أنت معنيّاً بي. فقد معمول الخبر وهو الجار والمجرور مع بقاء الخبر مؤخراً عن الاسم. وقوله: (معنياً) وصف من (عُني فلان بفلان). بالبناء للمجهول إذا اهتم بأمره، وتخصيصه الجواز بالظرف والمجرور يفيد أن غيرهما لا يسبق الاسم والخبر.
*…*…*
160) وَرَفْعَ مَعْطُوفٍ بِلكِنْ أوْ بِبَلْ……مِنْ بَعْدِ مَنْصوُبٍ بِمَا الزم حَيْثُ حَلْ
إذا وقع بعد خبر (ما) عاطف فلا يخلو من حالتين:
الأولى: أن يكون هذا العاطف يقتضي الإثبات مثل: بل، ولكن فيتعين رفع الاسم الواقع بعده نحو: ما الإحسان مجهولاً لكن معروفٌ. أو: بل معروف.(1/123)
وإنما وجب رفع ما بعدهما. لأن العطف على نية تكرار العامل فلو عطف على الخبر المنفي اسم مثبت لزم أن تعمل (ما) في المثبت. وهي لا تعمل إلا في المنفي.
فيكون ما بعدهما خبراً لمبتدأ محذوف أي: لكن هو معروف أو بل هو معروف. وتكون (لكن) حرف ابتداء، لا عاطفة. لأنها لا تعطف إلا المفرد وكذا (بل) وإطلاق العطف روعي فيه الأصل والصورة الظاهرة التي تشبه صورة العطف.
الحالة الثانية: أن يكون العاطف غير مقتض للإثبات كالواو والفاء ونحوهما نحو: ما المجد مهملاً ومتأخراً. . فيجوز في المعطوف وجهان: النصب وهو المختار عطفاً على خبر (ما) والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف.
وهذا معنى قوله: (ورفع معطوف . . . إلخ) أي: الزم رفع المعطوف بـ(لكن) أو بـ(بل) إذا عطفت على خبر (ما) المنصوب حيثما وقع في الكلام. وفهم من تخصيصه وجوب الرفع بعد (لكن) أو (بل) أنه لا يلزم بعد غيرهما. بل يجوز النصب، وهو الأحسن.
*…*…*…
161) وَبَعْدَ مَا وَلَيْسَ جَرَّ البَا الْخَبَرْ……وَبَعْدَ لا وَنَفْي كَانَ قَدْ يُجَرّ
تزاد (الباء) في خبر (ما) وبعض النواسخ، وذلك لغرض التوكيد وزيادتها قسمان:
الأول: زيادة كثيرة. وذلك في خبر (ما وليس) نحو: ما كلُّ غنيٍّ بسعيد. ونحو: ليس الكذاب بمحبوب. قال تعالى: (أليس الله بكاف عبده((515) وقال تعالى: (أليس الله بعزيز ذي انتقام((516) وقال تعالى: (وما ربّك بظلام للعبيد((517) وقال تعالى: (وما ربّك بغافل عمّا تعملون((518).
فالباء: حرف جر زائد إعراباً لا معنى و(غافل) خبر (ما) نصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها شغل المحل بحركة حرف الجر الزائد.
ولا تختص زيادة الباء بعد (ما) بكونها حجازية، بل تزاد في خبر التميمية - أيضاً - خلافاً لأبي علي الفارسي في أحد قوليه، والزمخشري في المفصل، وابن عطية على ما حكاه عنه أبو حيان في تفسيره، وذلك لأمرين:(1/124)
الأول: أن أشعار بني تميم تضمنت دخول الباء على الخبر كثيراً. ومنه قول الفرزدق التميمي وقد أنشده سيبويه(519):
لعمرك ما مَعْنٌ بتاركِ حَقِّهِ……ولا مُنْسِيءٌ معنٌ ولا متيسر(520)
ولو كان دخولها خاصّاً بخبر (ما) الحجازية ما وجد في لغة غيرهم.
الثاني: أن الباء إنما دخلت على الخبر بعد (ما) لكونه منفيّاً لا لكونه خبراً منصوباً. ولذا دخلت في نحو: لم أكن بمقصر - كما سيأتي - لأنه منفي، وامتنعت في نحو: كنت مسافراً. لأنه مثبت.
القسم الثاني: زيادة قليلة وذلك ورد في خبر (لا) العاملة عمل ليس: كقول سواد بن قارب يخاطب رسول الله (:
فكن لي شفيعاً يوم لاذو شفاعة……بمغنٍ فتيلاً عن سَواد بن قارب(521)
كما ورد في خبر مضارع (كان) المنفي بلم كقول الشَّنْفَرى في لاميته:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن……بأعجلهم إذ أجشعُ القوم أعجلُ(522)
وهذا معنى قوله: (وبعد (ما) و(ليس) . . . إلخ) أي: جَرَّ (الباءُ) الخبرُ بعد (ما) و(ليس) بكثرة. وقد يجر الخبر بعد (لا) والمضارع المنفي بـ (لم) مِنْ (كان)، وقوله: (قد يُجَرّ) للتقليل. وقوله: (البا) يقرأ مقصوراً للضرورة.
*…*…*
162) فِي النَّكِرَاتِ أُعْمِلَتْ كَلَيْسَ لا……وَقَدْ تَلِي لاَتَ وَإنْ ذَا الْعَمَلا
163) وَمَا لِلاَتَ فِي سِوَى حِينٍ عَمَلْ……وَحَذْفُ ذِي الرَّفْعِ فَشَا وَالْعَكْسُ قَلْ
تقدم أن الحروف العاملة عمل ليس أربعة. ومضى الكلام على الأول وهو (ما) وذكر هنا الثلاثة الباقية. .
فالثاني: لا. وهي النافية للواحد، وهي لنفي معنى الخبر في الزمن الحالي، إلا إن وجد قرينة تدل على زمن غير الحال. وإعمالها عمل (ليس) مذهب الحجازيين. وبنو تميم يهملونها كما يهملون (ما) وإعمالها مخصوص بالنكرات نحو: لا عملٌ أنفعَ من طاعة الله.
ويشترط لها زيادة على ذلك ما يشترط في عمل (ما) فلا يتقدم خبرها على اسمها، ولا ينتقض نفيها بإلا.(1/125)
الثالث: إنْ. وهو لنفي معنى الخبر في الزمن الحالي عند الإطلاق. ما لم تقم قرينة على غيره، وإعماله وإهماله سيان(523). ولكن الذين يعملونه يشترطون له شروط عمل (ما) كما تقدم نحو: إنْ سعيك في الخير ضائعاً. أو ضائع. بمعنى: ما سعيك في الخير ضائعاً. ومن إعمالها قول الشاعر:
إِنِ المرءُ ميتاً بانقضاء حياته……ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا
ولا عمل لها في قوله تعالى: (إن الكافرون إلاّ في غرور((524) لتخلف شرط من شروطها حيث انتقض نفيها (بإلا) فـ(الكافرون) مبتدأ. والمجرور بعده خبر.
الرابع: لات. وهي كلمة واحدة(525)، وهي حرف مبنى على الفتح، ومعناها نفي معنى الخبر في الزمن الحالي عند الإطلاق. وتعمل عمل (ليس) بشرطين:
1) أن يكون اسمها وخبرها اسمي زمان، كحين وساعة ووقت والأول أكثرها.
2) أن يحذف أحدهما. والغالب حذف الاسم(526) ومثالها: ندم الطالب المتأخر ولات وقتَ ندامة أي : لات الوقت الوقتُ وقتَ ندامة. قال تعالى: (ولات حين مناص((527) أي: لات الحين حين مناص، فـ(حين) خبر (لات) منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، ومنه قول الشاعر:
ندم البغاة ولات ساعةَ مندمٍٍ……والبغيُ مرتعُ مبتغيه وخيمُ(528)
قال ابن مالك: (في النَّكِرَاتِ أُعْمِلَتْ كَلَيْسَ لَا . . . إلخ) أي: أعملت (لا) في النكرات إعمالاً مماثلاً لإعمال ليس. (وقد تلي) أي: تتولى (لات وإن) هذا العمل، وليس (للات) عمل في غير اسم الحين كساعة وزمن. و(حذف ذي الرفع) وهو الاسم (فشا) أي: كثر (والعكس قل) أي: حَذْفُ ذي النصب، وهو الخبر قليل في كلام العرب .
أفْعَالُ المُقَارَبَةِ
164) كَكَانَ كَادَ وَعَسَى لَكِنْ نَدَرْ……غَيْرُ مُضَارِعٍ لِهذَيْنِ خَبَرْ
هذا القسم الثاني من الأفعال الناسخة. وهي ثلاثة أقسام:
الأول: أفعال المقاربة. وهي ما وضع للدلالة على قرب وقوع الخبر. وهي: كاد وقرب وأوشك. نحو: كاد الثمر يطيب.(1/126)
الثاني: أفعال الرجاء وهي: ما وضع للدلالة على رجاء وقوع الخبر. وهي: عسى(529) وحرى واخلولق نحو: عسى الأمن أن يدوم.
الثالث: أفعال الشروع. وهي: ما وضع للدلالة على الشروع في الخبر. وهي كثيرة منها: جعل، وطفق، وأخذ، وعَلِقَ، وأنشأ، وهبَّ، وشرع، وغيرها. نحو: شرع الخطيب يتكلم.
ولم يرد في القرآن من أفعال هذا الباب إلا كاد (ماضياً ومضارعاً). وعسى، وطفق، كما سيأتي إن شاء الله.
وتسميتها بأفعال المقاربة من باب التغليب. فَغُلِّبَ البعض لشهرته وكثرة وقوعه على الباقي.
فهذه الأفعال المذكورة ترفع المبتدأ ويكون اسماً لها. ويكون خبره خبراً لها في محل نصب، إلا أنه لا يكون في هذا الباب إلا جملة.
ويشترط في خبر أفعال هذا الباب أن يكون جملة فعلية، فعلها مضارع، كما مرَّ في الأمثلة. وقد جاء ماضياً، كما في صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: (فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو)(530).
وندر مجيء الخبر اسماً بعد (عسى) و(كاد) كقول الشاعر:
أكثرت في العذل ملحّاً دائماً……لا تكثرن إني عسيت صائماً(531)
وقوله:
فأُبْتُ إلى فَهْمٍ وما كِدت آئباً……وكم مثلها فارقتها وهي تصفر(532)
وهذا معنى قوله: (ككان كاد . . . إلخ) أي: إن (كاد) و(عسى) مثل (كان) في العمل وعدم الاستغناء بالمرفوع، لا مطلقاً. بدليل ما بعده. وقد ندر غير المضارع خبراً لهذين. والمعنى: أن مجيء الخبر غير جملة مضارعية نادر وقليل جدّاً، المراد بغير المضارع: الاسم، كما تقدم، وإذا كان نادراً فلا تصح محاكاته، بل يقتصر فيه على السماع.
*…*…*
165) وَكَوْنُهُ بِدُونِ أنْ بَعْدَ عَسَى……نَزْرٌ وَكَادَ الأَمْرُ فِيهِ عُكِسَا
لما كان خبر هذه الأفعال جملة فعلية فعلها مضارع. ناسب بيان حكم اتصال هذا المضارع بأن المصدرية(533).(1/127)
فذكر ابن مالك هنا أنه يكثر اقتران خبر عسى بـ(أن) ويقل التجرد. وقد وردت (عسى) في القرآن في عدة مواضع وخبرها مقترن بـ(أن) قال تعالى: (فعسى الله أن يأتي بالفتح((534) وقال تعالى: (فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك((535) ومن التجرد قول الشاعر:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ……يكون وراءه فرج قريب
وهذا معنى قوله: (وكونه بدون أن بعد عسى نزر) أي: مجيء المضارع بدون (أن) المصدرية بعد عسى (نزر) أي: قليل جدّاً.
وأما (كاد) فهي عكس (عسى) فيكون الكثير في خبرها أن يتجرد من (أن) ويقل اقترانه بها.
وقد جاءت (كاد) في القرآن في مواضع كثيرة. ولم يرد خبرها إلا مجرداً. قال تعالى: (يكاد البرق يخطف أبصارهم((536) وقال تعالى: (فذبحوها وما كادوا يفعلون((537).
ومن اقترانه بـ(أن) قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب) متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
وقول الشاعر:
كادت النفس أن تفيض عليه……إذ غدا حَشْوَ رَيْطَةٍ وبُرودِ(538)
وهذا معنى قوله: (وكاد الأمر فيه عُكِسَا) أي: إن الأمر بالنسبة لاتصال خبر (كاد) بـ(أن) على العكس من (عسى) فيكثر التجرد في خبر كاد، والألف في قوله: (عُكِسَا) للإطلاق، وتقدم معناه في شرح مقدمة الناظم *…*…*
166) وَكَعَسَى حَرَى ولَكِنْ جُعِلاَ……خَبَرُهَا حَتماً بِأَنْ مُتَّصِلاً
167) وَأَلْزَمُوا اخْلَوْلَقَ أَنْ مِثْلَ حَرَى……وَبَعْدَ أَوْشَكَ انْتِفَا أَنْ نَزُرَا
أي: أن (حرى) مثل (عسى) في الدلالة على الرجاء. نحو: حرى الغائب أن يعود. ولكن يجب في خبرها أن يكون متصلاً بأن. ومثلها في الوجوب اخلولق. نحو: اخلولق المجاهد في سبيل الله أن ينتصر. وهي للرجاء، كما مضى.
وهذا معنى قوله: (وألزموا اخلولق أن مثل حرى) أي: ألزم العرب خبر اخلولق (أن) المصدرية مثل (حرى).
ثم ذكر (أوشك) وأنه يكثر اقتران خبرها بأن، ويقل التجرد، فمن الاقتران قول الشاعر:(1/128)
ولو سئل الناس التراب لأوشكوا………إذا قيل هاتوا أن يَمَلُّوا ويمنعوا
ومن التجرد قوله:
يوشك من فر من منيته………في بعض غِرّاتِه يوافقها(539)
وهذا معنى قوله: (وبعد أوشك انتفا أنْ) ويُقرأ (انتفا) بالقصر للضرورة. والمعنى: أن حذف (أنْ) بعد "أوشك" (نَزُرَا) أي: قلَّ، فيكون عدم الانتفاء هو الكثير. والألف من (جُعِلا) و(نَزُرَا) للإطلاق.
*…*…*
168) وَمِثْلُ كَادَ فِي الأصَحِّ كَرَبَا……وَتَرْكُ أنْ مَعْ ذِي الشُّرُوعِ وَجَبَا
169) كَأَنْشَأَ السَّائِقُ يَحْدُو وَطَفِقْ……كَذَا جَعَلْتُ وَأَخَذْتُ وَعَلِقُ
أي: أن (كرب) مثل (كاد) فيكون الكثير فيها تجريد خبرها من (أن) المصدرية ويقل اقترانه بها. فمن تجريده قول الشاعر:
كرب القلب من جواه يذوب……حين قال الوشاة هند غضوب(540)
ومن الاقتران قول الشاعر:
سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظمأ ……وقد كربت أعناقها أن تقطعا(541)
وهذا معنى قوله: (ومثل كاد في الأصح كربا) أي: أن (كرب) مثل (كاد) في كثرة التجرد - على الأصح - كما أنها مثلها في الدلالة على المقاربة. وهذا هو الأصح فيها، فإن سيبويه لم يذكر فيها إلا التجرد من (أن)، وابن الحاجب جعلها من أفعال الشروع. والأصح ما ذكره ابن مالك، بدليل ما تقدم من الشواهد.
ثم ذكر أن ما دل على الشروع في الفعل لا يجوز اقتران خبره بـ(أن) المصدرية، لأن هذه الأفعال للحال. ولهذا سميت (أفعال الشروع) و(أن) للاستقبال، ومن ذلك قوله تعالى: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة((542) وقول الشاعر:
أراك عَلِقْتَ تظلم من أجرنا……وظلم الجار إذلال المجير
وقول ابن مالك: (أنشأ السائق يحدو) يقال: حدا الإبل وحدا بها يحدو حدواً وحُِداء: زجرها خلفها وساقها. وقال الجوهري: "الحدو: سوق الإبل والغناء لها".
*…*…*
170) وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً لأَوْشَكَا……وَكَادَ لا غَيْرُ وَزَادُوا مُوشِكَا
أفعال هذا الباب لا تتصرف، فلا يأتي منها إلا الماضي. إلا خمسة أفعال:(1/129)
الأول: كاد. فقد ورد لها مضارع، كقوله تعالى: (يكاد زيتها يضيء((543) وقوله تعالى: (إذا أخرج يده لم يكد يراها((544). وورد لها اسم فاعل كقول الشاعر:
أموت أسىً يوم الرِّجام وإنني……يقيناً لرهن بالذي أنا كائد(545)
أي: أنا كائد ألقاه وأجازي به فاسم (كائد) ضمير مستتر. وجملة (ألقاه) المحذوفة خبر له.
ولم يذكر هذا ابن مالك في الألفية، وإنما ذكره في الكافية حيث قال:
واستعملوا مضارعاً لأوشكا………وكاد واحفظ كائداً و موشكا
وكأن الناظم ارتاب في الشاهد المذكور فأسقط لفظة (كائد) من بيت الألفية، فإنه روي بالباء (أنا كابد) من المكابدة، وهي الاجتهاد في العمل. ورجح هذا ابن هشام في أوضح المسالك، ورجع عنه في "تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد" مرجحاً أن الصحيح في البيت هو ما ذكره ابن مالك في الكافية(546).
الثاني: أوشك. فقد ورد لها مضارع كما في قوله (: "يوشك الفرات أن يَحْسِرَ عن كنز من ذهب، فمن حضر فلا يأخذ منه شيئاً"(547)، متفق عليه.
ومثله الشاهد المتقدم: (يوشك من فر من منيته) وقد كثر استعمال المضارع من (أوشك) في السنة وفي أشعار العرب، وقل استعمال الماضي، وتقدم له شاهد. كما ورد اسم الفاعل في قول الشاعر:
فموشكة أرضنا أن تعود……خلاف الأنيس وحوشاً يَبَابا(548)
فـ(موشكة) خبر مقدم. وفيه ضمير مستتر هو اسمه. و(أرضنا) مبتدأ مؤخر و(أن تعود) خبر (موشكة) أي: أرضنا موشكة أن تعود . .
الثالث: عسى. فقد حكى صاحب "الإنصاف في مسائل الخلاف" المضارع منه واسم الفاعل. قالوا: عسى يعسي أو يعسو فهو عاسٍ.
الرابع: طفق. فقد قال الجوهري في الصحاح: (طفِق يفعل كذا يطفَق طَفَقَاً. أي: جعل يفعل. قال الأخفش: وبعضهم يقول: طفَق - بالفتح - يطفِق طفوقاً) اهـ. فهذا يدل على مجيء المضارع والمصدر من طفق.
الخامس: جعل. فقد حكى الكسائي مضارعه فقال: (إن البعير ليهرم حتى يجعل إذا شرب الماء مَجَّه).(1/130)
وقد اقتصر ابن مالك على (كاد وأوشك) فقال: (واستعملوا مضارعاً لأوشكا . . . إلخ) أي: أن العرب استعملت المضارع من أوشك وكاد لا غير، كما استعملوا اسم الفاعل من أوشك قليلاً. وما ذكره ابن مالك من هذه الثلاثة هو المشهور. وأما تصاريف الأفعال الأخرى التي ذكرنا فهي نادرة، ولم أر لها شاهداً.
*…*…*
171) بَعْدَ عَسَى اخْلَوْلَقَ أوْشَكْ قَدْ يَرِدْ ……غِنىً بِأَنْ يَفْعَلَ عَنْ ثَانٍ فُقِدْ
أفعال هذا الباب كلها ناقصة، فلا تكتفي بمرفوعها، بل تحتاج معه إلى منصوب وهو الخبر. إلا ثلاثة أفعال فإنها تستعمل تامة وناقصة. وهي: عسى، أوشك ، اخلولق.
أما الناقصة فقد ذكرناها، ومن أمثلتها قوله تعالى: (فعسى الله أن يأتي بالفتح((549).
وأما التامة فهي التي تكتفي بالمرفوع. وذلك بأن تسند إلى (أن والفعل) ويكون في تأويل مصدر فاعلاً لها. ومثال ذلك أن تقول للمريض: عسى أن تبرأ. ومنه قوله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شرّ لكم((550).
هذا إذا لم يل الفعل الذي بعد (أن) اسم ظاهر يصح رفعه به. فإن وليه نحو: عسى أن ينتصر المجاهد. فهي محتملة للتمام والنقصان. فإن قدرنا (عسى) مسندة إلى (أن والفعل) وما بعد الفعل مرفوع به فهي تامة. وإن قدرنا ما بعد الفعل اسماً لعسى مؤخراً، وأن والفعل خبرها مقدماً. وفاعله ضمير مستتر يعود على اسم عسى، وجاز عوده عليه - وإن تأخر - لأنه مقدم في الرتبة - فهي على هذا التقدير ناقصة(551). ومنه قوله تعالى: (عسى أن يبعثك ربّك مقاما محمودا((552)
ولا يظهر الفرق بين التقديرين إلا في التثنية والجمع إذ يبرز الضمير المستتر في الفعل في حالة النقصان. ولا ضمير أصلاً في حالة التمام. فتقول على النقصان: عسى أن ينتصرا المجاهدان. وعسى أن ينتصروا المجاهدون فالضمير فاعل، والاسم بعده مرفوع بـ(عسى) وتقول على التمام. عسى أن ينتصر المجاهدان. وعسى أن ينتصر المجاهدون.(1/131)
وهذا معنى قوله: (بعد عسى اخلولق . . . إلخ) أي: قد يرد الاستغناء بأن والفعل عن الخبر وتكون تامة. وقوله: (أوشك قد يرد) تقرأ بتسكين الكاف للوزن، ثم تدغم في القاف فتصير قافاً مشددة. وقد للتحقيق لا للتقليل لكثرة ورود ذلك، ولا يراد (بأن يفعل) ذات اللفظ. وإنما المقصود ما هو على صياغتها ونمطها وقوله (غنىً) أي: استغناء. وقوله (عن ثانٍ) أي: الخبر.
*…*…*
172) وَجَرِّدَنْ عَسَى أوِ ارْفَعْ مُضْمَرَا……بِهَا إذَا اسْمٌ قَبْلَهَا قَدْ ذُكِرَا
اختصت (عسى) من بين أفعال هذا الباب بأنها إذا تقدم عليها اسم وتأخر عنها (أن والفعل) جاز أن يقدر فيها ضمير يعود على الاسم السابق، فتكون ناقصة، والضمير اسمها، والمصدر المؤول خبرها. وجاز أن تقدر خالية من الضمير فتكون تامة ، رافعة للمصدر المؤول مستغنى به عن الخبر.
نحو: المريض عسى أن يبرأ. ومنه قوله تعالى: (فأمّا من تاب وءامن وعمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين((553) فإذا قدر في (عسى) ضمير يعود على (من) فهي ناقصة. وإلا فهي تامة، والمصدر المؤول من (أن يكون) فاعلها.
ويظهر أثر التقديرين في التثنية والجمع. فتقول على تقدير الضمير باعتبارها ناقصة: المحمدان عسيا أن يستقيما. والمحمدون عسوا أن يستقيموا. فيبرز الضمير المستتر في (عسى) في حال الإفراد. وعلى عدم التقدير باعتبارها تامة تقول: المحمدان عسى أن يستقيما. والمحمدون عسى أن يستقيموا.
وعدم تقدير الضمير فيها هو الأفصح. لأنه ورد في القرآن. قال تعالى: (يا أيها الّذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نسآء عسى أن يكن خيراً منهنّ((554) فقد جاءت (عسى) في الموضعين خالية من الضمير. ولو أضمر فيها لقال: عسوا أن يكونوا. وعسين أن يكن.
وهذا معنى قوله: (وجردن عسى . . . إلخ) أي: جرّدنْ (عسى) من الضمير واعتبرها تامة أو ارفع الضمير بها على أنه اسمها وتكون ناقصة. وذلك إذا ذكر قبلها اسم.
*…*…*(1/132)
173) وَالفَتْحَ وَالكَسْرَ أجِزْ فِي السِّينِ مِنْ……نَحْوِ عَسَيْتُ وَانْتِقَا الْفَتْحِ زُكِنْ
من أحوال (عسى) أنه يجوز فتح سينها وكسرها إذا أسندت إلى أحد الضمائر الثلاثة وهي: التاء والنون.ونا الفاعلين. والفتح هو المختار لخفته؛ ولأنه اللغة المشهورة؛ ولعدم مخالفة (عسى) المسندة إلى الضمير (عسى) المسندة إلى الظاهر.ومثال ذلك قوله تعالى: (قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألاّ تقاتلوا((555) فقد قرأ نافع المدني بكسر السين. وقرأ الباقون من السبعة بالفتح. وقد نقل ابن مالك في شرح الكافية أن العرب اتفقت على فتح السين من (عسى) إذا لم يتصل بتاء الضمير ونونيه.
وهذا معنى قوله: (والفتح والكسر أجز . . . إلخ) أي: أجز الفتح والكسر في السين من (عسى) المتصلة بتاء المتكلم أو المخاطب نحو: عسيتُ(556) (وانتقا الفتح زُكِن) أي: عُلِمَ اختيار الفتح عن العرب وأنه أحسن من الكسر؛ لما ذكرناه.
إنَّ وَأَخَوَاتُهَا
174) لإِنَّ أنّ لَيْتَ لكِنَّ لَعَلّ……كَأنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ منْ عَمَلْ
175) كَإنَّ زَيْداً عَالِمٌ بِأَنِّي……كُفْءٌ وَلكِنَّ ابْنَهُ ذُو ضِغْنِ
هذا هو القسم الثاني من الحروف الناسخة للابتداء. وهو (إن وأخواتها) وقد ذكر ابن مالك منها ستة: وهي إنَّ وأنَّ وليت ولكن ولعل وكأن.
ولكل حرف منها معنى خاص يغلب فيه. فالغالب في (إنَّ، وأنَّ) التوكيد، أي: توكيد نسبة الخبر للمبتدأ، ورفع الشك عنها. نحو: إن القناعة كنز. قال تعالى: (إنّ الله غفور رحيم((557).
ومعنى (ليت) التمني، وهو طلب الشيء المحبوب الذي لا يرجى حصوله إما لكونه مستحيلاً أو بعيد المنال. فالأول نحو: ليت الشباب يرجع. قال تعالى: (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا((558). والثاني كقول منقطع الرجاء: ليت لي مالاً فأحجَّ منه، وكقوله تعالى: (قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتى قارون((559).(1/133)
ومعنى (لعل): الترجي والإشفاق. والترجي طلب الشيء المحبوب الذي يرجى حصوله نحو: لعل المجاهدين ينتصرون. قال تعالى: (واتّقوا الله لعلكم تفلحون((560) والإشفاق هو توقع الأمر المخوف نحو: لعل العدوَّ قادمٌ. قال تعالى: (لعلَّ الساعةَ قريبٌ((561).
ومعنى (لكن)(562) الاستدراك. وهو تعقيب الكلام بنفي ما يتوهم ثبوته نحو: الإخوان كثيرون، ولكنَّ الأوفياء قليلون. أو إثبات ما يتوهم نفيه نحو: الكتاب رخيص لكن نفعه عظيم.
ومعنى (كأن) التشبيه نحو: كأنَّ المعلمين آباء. قال تعالى: (كأنهم حمرٌ مستنفرة((563).
قال ابن مالك: (لإنَّ، أنَّ . . . إلخ) أي: عكس ما ثبت لكان من العمل ثابت لإن وأن وليت ولكن ولعل وكأن. ثم ذكر أمثلة. وقوله (ذو ضغن) أي: حقد.
*…*…*
176) وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ إلاَّ فِي الَّذِي……كَلَيْتَ فِيهَا أوْ هُنَا غَيْرَ الْبَذِي
خبر هذه النواسخ نوعان:
الأول: أن يكون مفرداً أو جملة. وهذا لا يجوز تقديمه على الاسم. ولو قدم لبطل عملها. وفسد الأسلوب. مثال المفرد: إن الحياة جهاد. ومثال الجملة: إن الإسلام آدابه عالية.
الثاني: أن يكون شبه جملة (وهو الظرف والمجرور) وله من حيث تقدمه على الاسم ثلاث حالات:
الأولى: وجوب تقديمه على الاسم إذا وجد ما يوجب التقديم نحو: إن في الفصل طلابَه. فيجب تقديم الخبر (في الفصل) لأن في الاسم (طلابَه) ضميراً يعود على بعض الخبر. فلو أُخِرَّ الخبر لعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهو ممنوع هنا. ومن ذلك قوله تعالى: (إنّ لدينا أنكالا وجحيما((564) فيلزم تقدم الخبر (لدينا) لأن الاسم نكرة ولا مسوغ له إلا تقدم الخبر. وكذا قوله تعالى: (كأنّ في أذنيه وقرا ((565).
الثانية: وجوب تأخيره إذا وجد مانع من التقديم. نحو: إن السعادة لفي العمل الصالح. فلا يجوز تقديم الخبر هنا، لوجود لام الابتداء. ومنه قوله تعالى: (إنّ الإبرار لفي نعيم((566).(1/134)
الثالثة: جواز الوجهين فيما عدا ذلك. نحو: إن العز في طاعة الله.
وهذا معنى قوله: (وراع ذا الترتيب . . . إلخ) أي: راع هذا الترتيب المعلوم من الأمثلة في البيت قبله في كل تركيب. إلا في التركيب الذي يكون فيه الخبر ظرفاً نحو: ليت هنا غير البذي. أو مجروراً نحو: ليت يها غير البذي فلا يلزم مراعاة هذا الترتيب، و(البذي) هو الفاحش في نطقه.
أما معمول الخبر فإن كان غير ظرف ولا جار ومجرور لم يجز تقديمه على الاسم نحو: إن خالداً مستعيرٌ كتابك. وإن كان أحدهما فالظاهر الجواز للتوسع فيهما، نحو: لعل جابراً جالس في المسجد، ليت طارقاً مقيم عندنا. فيجوز تقديم الظرف والمجرور على اسم الناسخ، وقد جاء عن العرب كما في قول الشاعر:
فلا تَلْحنِي فيها فإن بحبها……أخاك مصاب القلب جم بلابله(567)
فقدم الشاعر معمول الخبر (بحبها) وهو جار ومجرور على الاسم (أخاك) والخبر (مصاب القلب).
*…*…*
177) وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ……مَسَدَّهَا وَفِي سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ
همزة (إن) لها ثلاثة أحوال: وجوب الفتح، ووجوب الكسر، وجواز الوجهين.
والقاعدة في هذه المسألة: أن كل موضع يحتاج فيه ما قبل (إن) إلى مصدر أي: مفرد. ولا يجوز في صناعة الإعراب أن يكون جملة فإن الهمزة تفتح ، وكل موضعيحتاج فيه ماقبل (إن) إلى جملة ولايجوز في صناعة الإعراب أن يكون مصدراً أي: مفرداً. فإن الهمزة تكسر. وكل موضع يصح فيه الوجهان فإن الهمزة يجوز فتحها وكسرها. والآن نفصل ذلك فنقول:
الحالة الأولى: وجوب الفتح(1/135)
وذلك إذا وجب تقديرها مع اسمها وخبرها بمصدر؛ لكون المقام يستدعي ذلك، كأن تكون في موضع رفع فاعل نحو: سرني أنك مواظب على الصف الأول. أي: سرني مواظبتك. قال تعالى: (أولم يكفهم أنّآ أنزلنا عليك الكتاب((568) أي: إنزالنا، لأن الفاعل لا يكون إلا مفرداً. أو تكون في موضع رفع نائب فاعل نحو: كُتب إليّ أنك حاضر، أي: حضورك. قال تعالى: (قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن((569) أي: استماع. أو مبتدأ نحو: من حرصك أنك حضرت متقدماً، أي: حضورك متقدماً. قال تعالى: (ومن ءايته أنك ترى الأرض خاشعة((570) أي: رؤيتك. أو تكون في محل نصب مفعول به نحو: عرفت أن العلم نافع، أي: نفع العلم. قال تعالى: (وكيف أخاف مآ أشركتم ولا تخافون أنّكم أشركتم بالله((571) أي: إشراككم، أو في موضع جر نحو: فرحت بأن جارنا مواظب على الصلاة. قال تعالى: (ذلك بأنّ الله هو الحقّ((572) أي: بأحقيته. إلى غير ذلك مما يدخل تحت الضابط المذكور.
واعلم أن هذا المصدر المؤول هو مصدر خبر (إن) مضافاً إلى اسمها إن كان مشتاقاًّ، كالفعل، كما تقدم في الآيات، أو الوصف نحو: سرني أنك مخلص أي: إخلاصك، وإن كان خبرها جامداً أو ظرفاً فالمصدر المقدر هو (الكون) مضافاً إلى اسمها. نحو: سرني أنك في الدار، أي: كونك في الدار. ونحو: سرني أنك رجل. أي: كونك رجلاً. وهذا معنى قوله: (وهمز إن افتح . . . إلخ) أي افتح همزة (إن) إذا كان المصدر يسد مسدها. أي يقوم مقامها في الصناعة الإعرابية. واكسر الهمزة فيما سوى ذلك.
*…*…*
178) فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا وَفِي بَدْءِ صِلَهْ…وَحَيْثُ إِنَّ لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ
179) أوْ حُكِيَتْ بِالْقَوْلِ أوْ حَلَّتْ مَحَلّ…حَالٍ كَزُرْتُهُ وَإِنِّي ذُو أَمَلْ
180) وَكَسَرُوا مِنْ بَعْدِ فِعْلٍ علِّقَا…بِالَّلامِ كَاعْلَمْ إِنَّهُ لَذُو تُقَى(1/136)
الحالة الثانية من أحوال همزة (إن) وجوب الكسر، وضابط ذلك إذا لم يمكن تأويلها بمصدر، بأن كان السياق يستدعي جملة. وهذا يقع في سبعة مواضع:
1) أن تقع (إن) في ابتداء الكلام، سواء كان الابتداء حقيقيًّا نحو: إن الرجوع إلى الحق فضيلة. قال تعالى: (إنّ الأبرار لفي نعيم((573). أو حكمياً كالواقعة بعد (ألا)(574) كقوله تعالى: (ألا إنهم هم المفسدون(575 أو بعد (كلا) كقوله تعالى: (كلاّ(576) إنّ الإنسان ليطغى((577).
2) أن تقع في صدر صلة الموصول بحيث لا يسبقها شيء، نحو: حضر الذي إنه يفيد الناس. قال تعالى: (وءاتينه من الكنوز مآ إنّ مفاتحه لتنوأ((578) فإن وقعت في حشو الصلة فتحت نحو: جاء الذي عندي أنه فاضل.
3) أن تقع جواباً للقسم، وقد حذف فعل القسم، سواء ذكرت اللام في خبرها نحو: والله إن الصدق لنافع. قال تعالى: (والعصر(1) إنّ الإنسان لفي خسر((579) أو لم تذكر نحو: والله إن الصدق نافع، قال تعالى: (حم (1) والكتاب المبين (2) إنّا أنزلنه في ليلة مباركة إنّا كنا منذرين((580).
فإن ذكر فعل القسم كسرت بشرط وجود الام نحو : أحلف بالله إن التحيل على الربا محرم.
ومنه قوله تعالى: (ويحلفون بالله إنّهم لمنكم((581). وإن لم توجد اللام جاز الوجهان - الفتح والكسر - كما سيأتي إن شاء الله.
4) أن تقع في صدر جملة محكية بالقول (لأن المحكي بالقول لا يكون إلا جملة في الأغلب)(582) بشرط ألا يكون القول بمعنى (الظن) نحو: قال رسول الله (: "إن خيركم أحسنكم قضاءً" متفق عليه. ومنه قوله تعالى: (قال إني عبد الله((583).
فإن كان القول بمعنى الظن فتحت الهمزة نحو: أتقول المراصد: أن الجو بارد غداً؟ أي: أتظن. وإنما فتحت؛ لأن القول بمعنى الظن ينصب مفعولين(584).(1/137)
5) أن تقع في أو جملة الحال نحو: زرت عليًّا وإني مسرور بزيارته. ومنه قوله تعالى: (كمآ أخرجك ربك من بيتك بالحق وإنّ فريقاً من المؤمنين لكرهون((585) فالواو للحال. والجملة بعدها في محل نصب حال.
6) أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب. وقد عُلِّقَ(586) عن العمل بسبب وجود لام الابتداء في خبرها نحو: علمت إن الإسراف لطريق الفقر. قال تعالى: (والله يعلم إنّك لرسوله((587).
فإن لم تكن اللام في خبرها فتحت أو كسرت نحو: علمت أن المصارف الربوية بلاء، بفتح الهمزة أو كسرها(588) قال تعالى: (علم الله أنّكم كنتم تختانون أنفسكم((589).
وإلى هذه المواضع أشار بقوله: (فاكسر في الابتداء . . . إلخ) أي: اكسر همزة (إن) إذا وقعت في ابتداء جملتها، أو حيث تكون مكملة لليمين. بأن تقع في صدر جملة جواب القسم . . . إلخ.
181) بَعْدَ إِذَا فُجَاءَةٍ أوْ قَسَمِ……لاَ لاَمَ بَعْدَهُ بِوَجْهَيْنِ نُمِي
182) مَعْ تِلْوِفَا الْجَزَا وَذَا يَطَّرِدُ……فِي نَحْوِ خَيْرُ الْقَوْلِ إِنِّي أَحْمَدُ
في هذه الأبيات ذكر الحالة الثالثة من أحوال همزة (إن) وهي جواز الوجهين - الفتح والكسر - فذكر أربعة مواضع:
الأول: إذا وقعت (إن) بعد (إذا) الفجائية (وهي الدالة على المفاجأة) بمعنى: (أن ما بعدها يحدث بعد وجود ما قبلها بغتة وفجأة) وهي حرف أو ظرف.
مثال ذلك: خرجت فإذا إن الضيف حاضر. فَكَسْرُ الهمزة على أنَّ (إنَّ) ومعمولها جملة مستأنفة. وتكون (إذا) حرفاً لا محل له من الإعراب.وهذا أيسر.
وفتح الهمزة على أن (أنَّ) وصلتها مصدر، وهو مبتدأ خبره (إذا) الفجائية باعتبار أنها ظرف، والتقدير: خرجت فإذا حضور الضيف أي: ففي الحضرة حضور الضيف.
ويجوز أن يكون الخبر محذوفاً وتكون (إذا) حرفاً. والتقدير: فإذا حضور الضيف موجود.(1/138)
الثاني: إذا وقعت (إن) جواب قسم. بشرط أن يذكر فعل القسم ولا تذكر اللام في خبرها نحو: أحلف إن ثمرة العلم العمل. فالكسر على أنها واسمها وخبرها جواب القسم، والفتح على أنها وصلتها مصدر منصوب بنزع الخافض سد مسد الجواب، والتقدير: أحلف على كون العمل ثمرة العلم.
الثالث: إذا وقعت (إن) بعد فاء الجزاء (أي: الفاء الواقعة في صدر جواب الشرط وجزائه) نحو: من يزرني فإنه مكرم. قال تعالى: (كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه(590) من عمل منكم سواء بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفور رحيم((591).
فقرأ ابن عامر وعاصم بفتح همزة إنّ في قوله (فأنّه( وقرأ بقية السبعة بكسرها. فالكسر على أنها جملة في محل جزم جواب الشرط. والفتح على تأويل مصدر يقع مبتدأ لخبر محذوف والتقدير في المثال: فالإكرام جزاؤه. وفي الآية: فالغفران والرحمة جزاؤه. أو يكون المصدر المؤول خبراً، والمبتدأ محذوف أي: فجزاؤه الإكرام. وفي الآية: فجزاؤه الغفران والرحمة.
الرابع: أن تقع (إن) بعد مبتدأ هو في المعنى قول، وخبر (إن) قول، والقائل واحد. نحو: أول كلامي أني أحمد الله. فالفتح على تأويل مصدر يقع خبراً عن المبتدأ، والتقدير: أول كلامي حمد الله. والكسر على جعل الخبر جملة، ولا تحتاج إلى رابط؛ لأنها نفس المبتدأ في المعنى، كما تقدم في الابتداء.
وهذا معنى قوله: (بعد (إذا) فجاءة . . . إلخ) أي: نُمي بمعنى: نسب إلى السابقين، ونُقِلَ عنهم الوجهان في همزة (إن) إذا وقعت بعد (إذا) الفجائية، أو بعد قسم لا لام بعده. وكذا يجوز الوجهان مع (إن) الواقعة بعد (فاء) الجزاء، كما يطرد الوجهان في كل مثال أشبه قولك: (خير القول إني أحمد) وقوله: (فا الجزا) بالقصر فيهما للضرورة.
*…*…*
183) وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ تَصْحَبُ الْخَبَرْ……لامُ ابْتِدَاءِ نَحْوُ إنِّي لَوَزَرْ(1/139)
لام الابتداء(592) هي لام مفتوحة يؤتى بها لقصد التوكيد. سميت بذلك لكثرة دخولها على المبتدأ، أو ما أصله المبتدأ، كقوله تعالى: (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله((593) وقوله تعالى: (إن في ذلك لعبرة لمن يخشى((594) وتدخل هذه اللام بعد (إن) المكسورة على أربعة أشياء:
1) الخبر ،……2) معمول الخبر ،……3) الاسم ،…4) ضمير الفصل .
وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله.
ولا تدخل هذه اللام على باقي أخوات (إن)، وما ورد من دخولها على بعضها أو دخولها في خبر المبتدأ أو خبر (أمسى) من أخوات (كان) فهو محكوم عليه بالشذوذ، فلا يقاس عليه عندهم. قال صاحب كتاب "معاني الحروف": (هذا كله شاذ، لا يقاس عليه، ولا يلتفت إليه)(595).
وهذا معنى قوله: (وبعد ذات الكسر . . . إلخ) أي: تصحب لام الابتداء (الخبر) بعد صاحبة الكسر، وهي (إن) المكسورة. ثم ذكر المثال. ومعنى (لوزر) أي: حصن وملجأ.
*…*…*
184) وَلاَ يَلِي ذِي الَّلامَ مَا قَدْ نُفِيَا……وَلاَ مِنَ الأَفْعَالَ مَا كَرَضِيَا
185) وَقَدْ يَلِيَهَا مَعَ قَدْ كَإنّ ذَا……لَقَد سمَا عَلَى الْعِدَا مُسْتَحْوِذَا
يشترط في دخول لام الابتداء على خبر (إن) المكسورة ثلاثة شروط ذكر منها شرطين:
الأول: أن يكون مثبتاً. فإن كان منفيًّا لم تدخل عليه اللام. نحو: إن المخلص لا يرضى بالإهمال. قال تعالى: (إن الله لا يظلم الناس شيئا((596).
الثاني: أن يكون الخبر غير جملة فعلية، فعلها ماض متصرف غير مقترن بـ(قد)، فهذه ثلاثة أوصاف للفعل الذي لا تدخل عليه اللام. الأول: ماضٍ. الثاني: متصرف، الثالث: غير مقترن بقد. نحو: إنَّ العتاب نَفَعَ. فلا يصح دخول اللام على الخبر لما تقدم. قال تعالى: (إن الله اصطفى ءادم ونوحاً((597)
فإن كان الفعل مضارعاً جاز دخول اللام عليه نحو: إن المال بالصدقة ليزكو. قال تعالى: (وإنّ ربّك ليعلم ما تكنُّ صدورهم((598).(1/140)
وكذا إن كان الفعل ماضياً غير متصرف نحو: إن الحاكم العادل لنعم القائد. أو كان مقترناً بقد نحو: إن عمر لقد عدل.
وكذا تدخل اللام إذا كان الخبر مفرداً نحو: إن الكذب لممقوت. قال تعالى: (إن الله لعفو غفور((599) أو كان شبه جملة نحو إن العزَّ لفي طاعة الله. قال تعالى: (وإنّك لعلى خلق عظيم((600) أو جملة اسمية نحو: إن الإسلام لرايته عالية. قال تعالى: (وإنّا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون((601) على رأي من يعرب (نحن) مبتدأ. وما بعده خبر، والجملة (إن)(602).
الشرط الثالث: أن يكون الخبر متأخراً عن الاسم. كما في الأمثلة. فلا يجوز دخولها في مثل: إن فيك إنصافاً، وإن عندك أدباً وذلك لتقدم الخبر. ولم يذكر ابن مالك هذا الشرط.
وإلى ما مضى أشار بقوله: (ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا . . . إلخ) أي لا يقع بعد لام الابتداء الخبر المنفي. ولا الخبر إذا كان جملة فعلية فعلها ماض كـ(رضي) وقد يلي الفعل الماضي هذه اللام إذا اقترن بـ(قد) مثل: إن هذا لقد سما على العدا مستحوذاً. أي: مستولياً على ما يريد.
*…*…*
186) وَتَصْحَبُ الْوَاسِطَ مَعْمُولَ الْخَبَرْ……وَالْفَصْلَ وَاسْماً حَلَّ قَبْلَهُ الْخَبَرْ
ذكر في هذا البيت الثلاثة الباقية التي تدخل عليها لام الابتداء وهي: معمول الخبر وضمير الفصل. والاسم.
أما معمول الخبر فتدخل عليه بأربعة شروط:
الأول: أن يتوسط بين اسم (إن) وخبرها. نحو: إن الشدائد صانعةٌ أبطالاً فتقول: إن الشدائد لأبطالاً صانعةٌ. فلو تأخر المعمول لم تدخل عليه.
الثاني: أن يكون الخبر مما يصح دخول اللام عليه. كما في المثال. فلا يجوز أن تقول: إن الشدائد لأبطالاً صَنَعتْ. لأنه ماض.
الثالث: ألا تكون اللام قد دخلت على الخبر. فلا تقول: إن الشدائد لأبطالاً لصانعة. وقد سمع ذلك قليلاً. فقد حكي من كلام العرب: (إني لبحمد الله لصالح).
الرابع: ألا يكون حالاً ولا تمييزاً لعدم السماع.(1/141)
وقد صرح الناظم بالشرط الأول في قوله: (وتصحب الواسط معمول الخبر) أي: تصحب لام الابتداء معمول الخبر المتوسط بين اسم (إن) وخبرها.
ومما تدخل عليه لام الابتداء (ضمير الفصل): وهو ضمير يذكر بين المبتدأ والخبر أو ما أصله المبتدأ والخبر. سمى بذلك لأنه يفصل، أي: يميز بين الخبر والصفة. فإذا قلت: عمر هو العادل. تعين أن يكون (العادل) خبراً. ولو لم تأت بالضمير لاحتمل أن يكون (العادل) صفة وأن يكون خبراً(603).
وتدخل عليه اللام في هذا الباب بلا شرط، لكن إذا دخلت اللام عليه لم تدخل على الخبر نحو: إن الدنيا لهي الفانية، وإن الآخرة لهي الباقية. قال تعالى: (وإنّ ربّك لهو العزيز الرحيم((604).
ومما تدخل عليه اللام اسم (إن) بشرط أن يتأخر عن الخبر نحو: إن في حوادث الدهر لعبرةً. قال تعالى: (إنّ في ذلك لأية لكل عبد منيب((605) وإذا دخلت على الاسم المتأخر لم تدخل على الخبر.
وإلى هذا أشار بقوله: (والفصل واسماً حلَّ قبله الخبر) أي: تصحب اللام ضمير الفصل. واسماً لإن إذا تقدم عليه الخبر.
*…*…*
187) وَوَصْلُ مَا بِذِي الحُرُوفِ مُبْطِلٌ……إعْمَالَهَا وَقَدْ يُبَقَّى العَمَلُ
إذا اتصلت (ما) الزائدة بـ(إن أو إحدى أخواتها) أحدثت أمرين:
الأول: كفها عن العمل. ولذا تسمى (ما) الكافة. أي: المانعة للحرف الناسخ من العمل.
الثاني: إزالة اختصاصها بالأسماء وتهيئتها للدخول على الجملة الفعلية، ولذا تسمى (ما) المُهَيِّئَةِ.
مثال ذلك: إنما الأعمال بالنيات. ليتما الحياةُ خاليةٌ من الكدر. إنما يعاقب المسيء. ومنه قوله تعالى: (إنّما الله إله واحد((606) وقوله تعالى: (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون((607) وقوله تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن تولّيتم فاعلموا أنّما على رسولنا البلاغ المبين((608).(1/142)
وقد تعمل هذه الأدوات قليلاً مع وجود (ما) قال الزجاج: (من العرب من يقول: إنما زيداً قائم. ولعلما بكراً جالس. وكذا أخواتها. ينصب بها ويلغي ما).
وتبعه على ذلك تلميذه الزجاجي، وابن السراج. وحكاه الأخفش والكسائي. وعلى ذلك ظاهر كلام ابن مالك فإنه قال: "وقد يُبَقَّى العمل" و(قد) هنا للتقليل على ما يظهر. أي: قد يبقى العمل مع وجود (ما) وتكون (ما) ملغاة عن الكف.
ومن الشراح من قال: إن (قد) للتحقيق، وإن المقصود بذلك (ليت) فهي التي يجوز فيها الإعمال والإهمال، وأما الباقي فيجب فيه الإهمال.
واحترزنا بالزائدة من (ما) الموصولة، فإنها لا تكفها عن العمل، سواء كان الموصول اسميّاً أو حرفيّاً(609)، فالأول نحو: إن ما في الغرفة طفل. أي: إن الذي في الغرفة طفل. ومنه قوله تعالى: (إنّما صنعوا كيد سحر((610) فـ(ما) موصولة، وهي اسم (إن) و(صنعوا) صلة الموصول، والعائد محذوف، و(كيدُ) خبر إن.
والثاني: وهو الموصول الحرفي. نحو: إنَّ ما فعلت حسن. أي: إنَّ فعلك حسن، فـ(ما) وما دخلت عليه في تأويل مصدر اسم (إن).
188) وَجَائِزٌ رَفْعُكَ مَعْطُوفاً عَلَى ……مَنْصُوبِ إنَّ بَعْدَ أنْ تَسْتَكْمِلا
189) وَأُلْحِقَتْ بِإنَّ لكِنَّ وَأنَّ……منْ دُونِ لَيْتَ وَلَعَلَّ وَكَأَنَّ
إذا عطف على اسم (إن أو أن أو لكن) فلا يخلو من حالتين:
الأولى: أن يكون العطف بعد مجيء الخبر. فيجوز في المعطوف وجهان:
الأول: النصب عطفاً على اسم (إن)، وهذا هو الأوضح والأنسب للمشاكلة بين المعطوف والمعطوف عليه، ولم يذكره ،لأنه، كالمعطوف على سائر المعمولات.
الثاني: الرفع. وهو جائز إجماعاً، وفي تخريجه أوجه كثيرة.(1/143)
مثال ذلك: إن الكذبَ ممقوتٌ شرعاً وعقلاً وإخلافَُ الوعد. ومنه قوله تعالى: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله((611) فقد قرأ السبعة برفع (ورسوله)، ورفعه على أنه مبتدأ حذف خبره، لدلالة خبر (إن) عليه، والتقدير: ورسوله بريء مهم، ويكون من عطف الجمل(612).
الحالة الثانية: أن يكون العطف قبل مجيء الخبر نحو: إن الظلم والاستبدادَُ مؤذنان بخراب الديار. فالجمهور من البصريين على تعين النصب وعدم جواز الرفع بحال(613)، وأجاز الفراء وشيخه الكسائي(614) - وبقية الكوفيين - الرفع: وهو الحق لوروده في القرآن الكريم. قال تعالى: (إنّ الذين ءامنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من ءامن بالله((615) فقد قرأ السبعة برفع (الصابئون)، وهذا دليل في غاية القوة على جواز الرفع بعد العاطف قبل مجيء الخبر(616).
وقد جاء العطف بالرفع من كلام العرب شعراً ونثراً. فمن النثر ما حكاه سيبويه أن ناساً من العرب يقولون: إنك وزيدٌ ذاهبان. برفع (زيد) قبل مجيء الخبر. وأما الشعر فكثير . . ومنه قول الشاعر:
فمن يك أمسى بالمدينة رَحْلُهُ……فإني وقَيَّارٌ بها لغريب(617).
فعطف (قيار) وهو اسم فرسه أو جمله، على محل ياء المتكلم (فإني) الواقع اسماً لـ(إن) قبل مجيء الخبر وهو (لغريب)(618).
وقد ذكر الناظم الحالة الأولى فقال: (وجائز رفعك . . . إلخ) أي: يجوز الرفع في الاسم الواقع بعد عاطف بعد أن تستكمل إنَّ معموليها، وذلك بمجيء الخبر، وتسمية هذا المرفوع معطوفاً على اسم إن فيه تجوز لأنه صرح في "التسهيل" بأنه مبتدأ حذف خبره، كما تقدم619. وتعبيره بجواز الرفع، يفهم منه أن النصب هو الأصل، لموافقته اسم (إن)، ثم ذكر في البيت الثاني أن هذا الحكم خاص بـ(إنَّ وأنَّ ولكنَّ).(1/144)
أما (ليت ولعل وكأن) فلا يجوز معها إلا النصب، سواء كان العطف قبل مجيء الخبر أو بعده. نحو: ليت الرخاء دائمٌ والأمن أو: ليت الرخاء والأمن دائماً. وفي بيت ابن مالك خففت النون في (أنّ) و(كأنّ) لضرورة الشعر. .
*…*…*…
190) وَخُفِّفَتْ إنَّ فَقَلَّ الْعَمَلُ…… وَتَلْزَمُ الَّلامُ إذَا مَا تُهْمَلُ
191) وَرُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عَنْهَا إنْ بَدَا……مَا نَاطِقٌ أرَادَهُ مُعْتَمِداً
إذا خففت (إن) المكسورة(620) فلها حالتان: الأولى: أن يليها الاسم. الثانية: أن يليها الفعل. أما الأولى وهي أن يليها الاسم فيجوز فيها الإهمال. وهذا هو الكثير. ويجوز فيها الإعمال، ويكون اسمها اسماً ظاهراً لا ضميراً، وإذا أهملت لزمت اللام في خبر المبتدأ بعدها لتفرق بينها وبين (إنْ) النافية، ولهذا تسمى (اللام الفارقة) و(لام الفصل) نحو: إنِ القراءةُ لمفيدةٌ.
فإن عملت لم تلزم اللام، لأنها لا تلتبس بإن النافية. لأن النافية لا تنصب الاسم وترفع الخبر، نحو: إنِ القراءةَ مفيدةٌ.
وإن وجد قرينة معنوية أو لفظية تبين المقصود بـ (إنْ) (وهو التوكيد) استغني عن اللام، لعدم اللبس. فمثال المعنوية: إنِ الاستقامة سعادة الدارين. فهي مخففة، لأن المعنى يفسد على اعتبارها نافية. ومنه قول الشاعر:
أنا أُباةُ الضيم من آل مالك……وإنْ مالك كانت كرام المعادن(621)
فقد ترك الشاعر اللام في قوله: (وإن مالك كانت) اعتماداً على ظهور المراد. لدلالة مقام الافتخار في شطر البيت على الإثبات.
ومثال اللفظية: إنِ الفعلُ الجميلُ لن يضيع. ومنه قول الشاعر:
إنِ الحقُّ لا يخفى على ذي بصيرة……وإن هو لم يَعْدَمْ خلاف معاند(1/145)
فإن وجود (لن) في المثال. و(لا) في البيت. يُبْعِدُ أن تكون (إنْ) نافية، لأن إدخال النفي على النفي لإبطال الأول قليل جدّاً في الكلام الفصيح. إذ يمكن أن يأتي الكلام مثبتاً من أول الأمر من غير حاجة إلى نفي النفي المؤدي للإثبات بعد تطويل. وفيه قرينة معنوية. فإن نفي النفي إثبات، فيكون المعنى: الحق يخفى على ذي بصيرة. وفساده ظاهر.
ومذهب سيبويه أن هذه اللام هي لام الابتداء، وذهب أبو علي الفارسي إلى أنها غيرها اجتلبت للفرق، وهذا هو الظاهر؛ لدخولها في مواضع لا تدخل فيها لام الابتداء، ويظهر أثر الخلاف في نحو قوله (: "قد علمنا أن كنت لموقناً به" رواه البخاري(622). فعلى الأول يجب كسر همزة (إن) لأنها بعد فعل من أفعال القلوب، وقد علق عن العمل بلام الابتداء كما تقدم، وعلى الثاني يجب الفتح لطلب العامل لها بعد التأويل. وليست الفارقة من المعلقات.
قال ابن مالك: (وخففت إن) أي: المكسورة. (فَقَلَّ العمل) أي: وكثر إهمالها، ولزم مجيء اللام بعدها. وربما تركت هذه اللام إن ظهر الذي أراده المتكلم معتمداً على قرينة توضح المقصود.
*…*…*
192) وَالْفِعْلُ إنْ لَمْ يَكُ نَاسِخاً فَلاَ ……تُلْفِيهِ غَالِباً بإِنْ ذِي مُوصَلاَ
هذه الحالة الثانية لـ(إن) بعد التخفيف، وهي أن يليها الفعل فيجب إهمالها. لزوال اختصاصها بالاسم(623). والغالب أن يليها فعل من الأفعال الناسخة، مثل: (كان) أو (ظن)، والماضي الناسخ أكثر من المضارع.
فالماضي نحو: إنْ وجدنا الكذاب لأبعدَ من احترام الناس وتوقيرهم. قال تعالى: (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله((624) والمضارع نحو: إن يكاد الذليل ليألف الهوان. قال تعالى: (وإن نظنّك لمن الكاذبين((625).
ويقل أن يليها غير الناسخ. كالماضي في قولهم: (إنْ قنَّعت كاتبك لسوطاً)(626) وقول المرأة:
شَلّتْ يمينك إنْ قتلت لمسلماً……حلت عليك عقوبة المتعمد(627)(1/146)
أو المضارع كقولهم: (إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه)(628) ولا داعي لمحاكاة هذه الأمثلة القليلة. وإنما تذكر للعلم بها.
وهذا معنى قوله: (والفعل إن لم يك ناسخاً . . . إلخ) أي: أن الفعل إذا لم يكن من الأفعال الناسخة فإنك - غالباً - لا تجده متصلاً بـ(إنْ) المخففة . وإنما الذي يتصل بها -في الغالب- هو الفعل الناسخ.
*…*…*
193) وَإنْ تُخَفَّفُ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنّ…وَالْخَبَر اجْعَلْ جُمْلَةً منْ بَعْدِ أَنّ
194) وإِنْ يَكُنْ فِعْلاً وَلَمْ يَكُنْ دُعَا…وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُه مُمْتَنِعَا
195) فَالأَحْسَنُ الْفَصْلُ بِقَدْ أوْ نَفْي اوْ……تَنْفِيسٍ أوْ لَوْ وَقَلِيلٌ ذِكْرُ لَوْ
إذا خففت (أن) المفتوحة(629) ترتب على ذلك أربعة أحكام:
الأول: بقاء عملها.
الثاني: يكون اسمها ضمير الشأن محذوفاً.
الثالث: يكون خبرها جملة اسمية أو فعلية.
الرابع: وجود فاصل - في الأغلب - بينها وبين خبرها إذا كان جملة فعلية فعلها متصرف لا يقصد به الدعاء، كما سيأتي إن شاء الله.
مثالها: علمت أنْ حاتمٌ أشهرُ كرماءِ العرب فـ(أن) مخففة. واسمها ضمير الشأن محذوف، أي: أنه. وحاتم: مبتدأ، وأشهر: خبر والجملة خبر (أن) المخففة، ومنه قوله تعالى: (وءاخر دعواهم أنِ الحمد لله ربّ العالمين((630) فـ(أنْ)، مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، تقديره: أنه، أي: الحال والشأن، وجملة (الحمد لله) خبرها.
وقد يبرز اسمها كقول المرأة ترثي أخاها:
بأنْك ربيع وغيث مَرِيْعٌ……وأنْك هناك تكون الثِّمالا(631)
فقد وقعت (الكاف) اسماً لـ(أنْ) المخففة، وخبرها في الشطر الأول مفرد، وفي الشطر الثاني جملة، وهذا شاذ، أو ضرورة شعرية، فلا يقاس عليه. بل يقتصر على الكثير الشائع.
فإن كان خبرها جملة فعلية فعلها متصرف لا يقصد به الدعاء فإنه يؤتى - في الغالب - بفاصل بينها وبين خبرها - كما تقدم - وهذا الفاصل للتفرقة بين (أن) المخففة. و(أن) المصدرية.(1/147)
وهذا الفاصل واحد من أربعة:
1) (قد) نحو: أيقنت أنْ قد خط ما هو كائن. قال تعالى: (ونعلم أن قد صدقتنا((632) فـ(أن) مخففة واسمها ضمير الشأن محذوف. وجملة (صدقتنا) في محل رفع خبر (أن) والمصدر المؤول من (أن) وما بعدها في محل نصب سد مسد مفعولي (نعلم)(633).
2) أحد حرفي التنفيس - أي: الاستقبال - وهما: السين نحو: إن لم تسمع نصحي فاعترف أنْ ستندم، قال تعالى: (علم أن سيكون منكم مرضى((634) أو سوف(635) كقول الشاعر:
واعلم فعلم المرء ينفعه……أن سوف يأتي كل ما قُدِرَا
3) أحد حروف النفي الثلاثة التي استعملتها العرب في هذا الموضع، وهي (لا، لن، لم) نحو: أيقنت أنْ لا يضيع عند الله إحسان، قال تعالى: (أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا((636) ونحو: جزمت أن لن يضيع العرف بين الله والناس، قال تعالى: (أيحسب أن لّن يقدر عليه أحد((637) ونحو: اعتقادي أن لم تنفعك نصيحتي. قال تعالى: (أيحسب أن لم يره أحد((638).
4) "لو" والنص عليها في كتب النحاة قليل، مع أنها كثيرة في المسموع نحو: أوقن أنْ لو استفاد المسلم مما يسمع لصلح المجتمع. قال تعالى: (وألّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم مآء غدقا((639).
وقد ورد ترك الفاصل في قول الشاعر:
علموا أن يؤملون فجادوا……قبل أن يُسألوا بأعظم سُؤْلِ
ويفهم مما سبق أن الفصل غير واجب في ثلاثة مواضع:
الأول: إذا كان الخبر جملة اسمية نحو: اعتقادي أن عواقب الصبر محمودة، قال تعالى: (وءاخر دعواهم أنِ الحمد لله رب العالمين((640) إلا إذا قُصد النفي فيفصل بين (أنْ) وخبرها بحرف النفي نحو: رأيت أنْ لا صديق وفيّ. ومنه (أشهد أن لا إله إلا الله) قال تعالى: (فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنّما أنزل بعلم الله وأن لآ إله إلا هو فهل أنتم مسلمون((641).
الثاني: إذا كان الخبر جملة فعلية فعلها جامد نحو: علمت أن ليس للظلم بقاء. قال تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى((642).(1/148)
الثالث: إذا كان الخبر جملة فعلية فعلها متصرف، ولكن قصد به الدعاء نحو: أدام الله توفيقك وأن أسبغ عليك نعمه، ورزقك شكرها. ومنه قراءة نافع المدني: (والخامسة أن غضب الله عليها((643) بصيغة الفعل الماضي (غَضِبَ) وتسكين النون. وبقية السبعة قرءوا بتشديد (أنَّ) ونصب ما بعدها.
وإنما ترك الفصل في هذه المواضع الثلاثة؛ لأن الناصبة للمضارع لا تقع في مثل ذلك، فلا لبس بينها وبين المخففة.
وهذا معنى قوله: (وإنْ تخفف أنَّ فاسمها . . . إلخ) فذكر ثلاثة من أحكامها بعد التخفيف، فإن قوله (فاسمها) معناه: بقاء عملها. وإلا لم يكن اسماً لها. وهذا الحكم الأول. ولم يذكر أنه ضمير لضيق النظم. وقوله: (استكن) أي: استتر واختفى، وخفف نون الفعل للضرورة، والأصل (استكنَّ) وهذا الحكم الثاني. وأشار إلى الثالث بقوله: (والخبر اجعل جملة من بعد أن).
ثم قال: (وإن يكن فعلاً . . . ) أي: وإن يكن الخبر جملة فعلها لا يدل على الدعاء ولا يمتنع تصريفه. فالأحسن الفصل بين (أن) وخبرها بما ذُكر، وقوله: (وقليل ذكر لو) أي: قلّ من النحويين من ذكر (لو) وهذا لا ينافي ورودها كثيراً في الكلام الفصيح.
196) وَخُفِّفَتْ كَأَنَّ أيْضاً فَنُوِي………مَنْصُوبُهَا وَثَابِتاً أيْضاً رُوِي
إذا خففت (كأنَّ) ثبتت لها الأحكام الأربعة السابقة في (أنْ) المخففة من بقاء عملها وحذف اسمها. ومجيء خبرها جملة اسمية. أو فعلية مصدرة بلم مع المضارع. و(قد) مع الماضي.
فمثال الجملة الاسمية: كأنْ عصفورٌ سهمٌ في السرعة. ومثال الفعلية: نَضَرَ الزهر وكأنْ لم يكن ذابلاً. قال تعالى: (فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس((644).
وقد اجتمعت (كأنَّ) المشددة والمخففة في قوله تعالى: (وإذا تتلى عليه ءايتنا ولّى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً((645).
وقد روي مجيء اسمها ظاهراً كقول رؤبة:
غضنفر تلقاه عند الغضب……كأنْ وريداه رشاءا خُلْبِ (646)
ولا يقاس على هذا. لأنه نادر.(1/149)
وهذا معنى قوله: (وخففت كأن . . . إلخ) ومعنى (فَنُوِي) أي: قُدِّر ولم يُذْكَرْ في الكلام.وقوله (منصوبها) معناه أنه بقي عملها . ثم ذكر أن اسمها قد يذكر ظاهراً في الكلام ، وهو قليل.
تخفيف "لكن":
إذا خففت "لكنَّ" وجب إهمالها. وزال اختصاصها بالجملة الاسمية، فتدخل على الاسمية والفعلية، وعلى غيرهما، ويبقى لها معناها بعد التخفيف، وهو: الاستدراك، نحو: الكتاب صغير لكنْ نفعه عظيم.
"لاَ" الّتِي لِنَفْي الْجِنْس
197) عَمَلَ إنَّ اجْعَلْ لِلاَفِي نَكِرَهْ……مُفْرَدَةً جَاءَتْكَ أوْ مُكَرَّرَه
هذا هو القسم الثالث من الحروف الناسخة للابتداء. وهو "لا" التي لنفي الجنس. والمراد: نفي الخبر عن الجنس كله على سبيل الاستغراق والشمول. فإذا قلت: لا بستان مثمر. فقد نفيت الإثمار عن جميع البساتين. وعلى هذا لا يصح أن تقول. لا بستانٌ مثمر بل بستانان. لأن هذا يكون تناقضاً، بخلاف "لا" العاملة عمل ليس، فإنها ليست نصّاً في الجنس، بل تحتمل نفي الواحد ونفي الجنس. فإن قدرتها نافية للواحد جاز أن تقول: لا بستان مثمراً بل بستانان، وإن قدرتها نافية للجنس لم يجز ذلك(647).
وتسمى "لا" النافية للجنس "لا" التبرئة. لتبرئة أفراد الجنس عن حكم الخبر، وهي تختص بهذه التسمية، لقوة دلالتها على النفي المؤكد أكثر من غيرها من أدوات النفي الأخرى.
وهي تعمل عمل "إن" فتنصب المبتدأ اسماً لها(648) وترفع الخبر خبراً لها، سواء كانت مفردة، كما في المثال. أو مكررة، كما سيأتي إن شاء الله.
ولا تعمل "لا" النافية للجنس إلا بثلاثة شروط:(1/150)
الأول: أن يكون اسمها وخبرها نكرتين. فلا تعمل في المعرفة وقد ورد أمثلة قليلة، جاء فيها الاسم معرفة، كقولهم: قضية ولا أبا حسن لها، فـ(أبا حسن) اسم "لا" وهو معرفة بالإضافة، وهي مؤولة عند النحويين، كقول بعضهم: إنه على حذف مضاف أي: ولا مثل أبي حسن لها . . والظاهر أنه لا داعي لهذا التأويل لتكلفه. بل تقبل هذه النصوص بإبقاء اسم "لا" معرفة، دون محاكاتها، ويقتصر على اللغة المشهورة.
الثاني: ألا يفصل بينها وبين اسمها بفاصل، كأن يتقدم خبرها على اسمها، فإن فُصل أُلغيت نحو: لا في الثوب طول ولا قصر. قال تعالى: (لا فيها غولٌ ولا هم عنها يٌنزَفون((649).
الثالث: ألا يدخل عليها حرف جر. فإن دخل عليها بطل عملها نحو: جئت بلا كتاب(650).
قال ابن مالك: (عمل "إن" اجعل لـ "لا". . . إلخ) أي: اجعل عمل "إن" ثابتاً لـ"لا" في نكرة أي: يكون اسمها وخبرها نكرتين. سواء جاءت مفردة أو مكررة.
*…*…*
198) فَانْصِبْ بِهَا مُضَافاً أوْ مُضَارِعَهْ……وَبَعْدَ ذَاكَ الْخَبَرَ اذْكُرْ رَافِعَهْ
199) وَرَكِّبِ الْمُفْرَدَ فَاتِحاً كَلاَ……حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ ...........
اسم "لا" النافية للجنس له ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون مضافاً أي: مكوناً من كلمتين. أضيفت الأولى إلى الثانية نحو: لا عمل خيرٍ ضائع.
الثانية: أن يكون شبيهاً بالمضاف أي: مكوناً من كلمتين للأولى تعلق بالثانية غير الإضافة نحو: لا عاصياً أباه موفَّق، لا مقصراً في عمله ممدوح(651)، وحكم الاسم في هذين الحالين النصب لفظاً. والناصب هو "لا".
الثالثة: أن يكون اسمها مفرداً، أي: كلمة واحدة. فالمراد بالمفرد هنا: ما ليس بمضاف ولا شبيه بالمضاف. فيدخل فيه المفرد نحو: لا سرور دائم. وجمع التكسير نحو: لا كواكب طالعات. والمثنى نحو: لا ضدين مجتمعان، وجمع المذكر السالم نحو: لا متنافسين في الخير نادمون. وما جمع بألف وتاء نحو: لا متبرجات محترمات.(1/151)
وحكم الاسم في هذا الحال أنه يبنى على ما كان ينصب(652) به. فالمفرد وجمع التكسير يبنيان على الفتح في محل نصب، والمثنى وجمع المذكر السالم يبنيان على الفتح في محل نصب، والمثنى وجمع المذكر السالم يبنيان على الياء. وما جمع بألف وتاء يبنى على الكسر، لأنه الأصل في هذا الجمع. ويجوز بناؤه على الفتح.
وعلة البناء في هذه الحال تركب "لا" مع اسمها مثل تركيب "خمسة عشر" ويؤيد ذلك أنه إذا فُصل بين "لا" واسمها ولو بالخبر زال البناء، كقوله تعالى: (لا فيها غولٌ((653) وقيل: علة البناء تضمن معنى "من" الاستغراقية. وهذا وجيه؛ لأن تضمن الاسم معنى الحرف علةٌ للبناء على ما ذكروه في باب المعرب والمبني. والتركيب ليس علة للبناء، وإنما هو علةٌ للبناء على الفتح.
وهذا معنى قوله: (فانصب بها مضافاً . . . إلخ) أي: انصب بـ "لا" المضاف والمضارع له. أي: المشابه له. وقوله: (وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه) أي بعد المضاف والمشبه به اذكر الخبر رافعاً له. والرافع للخبر هو "لا" فهي عاملة في الجزأين كبقية النواسخ. ويستفاد من قوله: (وبعد . . ) أنه لا يجوز تقديم الخبر على الاسم، وهو شرط في عملها كما تقدم في البيت الأول، وقوله: (وركب المفرد فاتحاً . . ) أي: ركب اسم "لا" المفرد مع "لا" مبنيّاً على الفتح، وفيه إشارة إلى علة البناء.
*…*…*
199) ..............................………............. وَالثَّانِِ اجْعَلا
200) مَرْفُوعاً أوْ مَنْصُوباً أوْ مُرَكَّباً……وَإِنْ رَفَعْتَ أوّلاً لاَ تَنْصِبَا
إذا أُتي بعد "لا" والاسم الواقع بعدها بعاطف ونكرة مفردة فلا يخلو من حالتين:
الأولى: أن تتكرر لا.
الثانية: ألا تتكرر.
فإن تكررت "لا" فلا يخلو اسم "لا" الأولى"المعطوف عليه" من ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون مبنيّاً لكونه مفرداً. كقوله (: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله"(654).
فيجوز في الثاني الذي بعد "لا" ثلاثة أوجه:(1/152)
1) البناء على الفتح (ولا قوة) فتكون الثانية عاملة عمل "إنَّ" والواو عاطفة من باب عطف الجمل أو المفردات(655).
2) النصب (ولا قوةً) عطفاً على محل اسم "لا" وتكون الثانية زائدة لتوكيد المنفي، ولا عمل لها.
وهذا أضعف الأوجه، لأن فيه نصب الاسم المفرد مع وجود "لا" وحقه البناء، ثم قالوا: بزيادتها لتسويغ العطف، ولا موجب لذلك. حتى إن يونس بن حبيب وجماعة خصوا النصب بالضرورة، كتنوين المنادى.
3) الرفع (ولا قوةٌ) عطفاً على محل "لا" واسمها؛ لأنها في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه. وتكون "لا" زائدة. أو تكون عاملة عمل (ليس) وما بعدها هو اسمها مرفوع. وتفيد نفي الجنس. أو مبتدأ. وليس لـ(لا) عمل فيه، ومنه قول الشاعر:
هذا لعمركم الصَّغَارُ بعينه……لا أُمَّ لي إن كان ذاك ولا أبُ (656)
الحالة الثانية: أن يكون اسم "لا" الأولى منصوباً لكونه مضافاً أو شبيهاً به، فيجوز في الاسم الذي بعد "لا" الثانية الأوجه الثلاثة السابقة وهي: البناء والرفع والنصب. نحو: لا عملَ خيرٍ ولا برَّ أولى من إكرام الوالدين. فيجوز: نصب "برَّ" عطفاً على اسم الأولى المنصوب وتكون (لا) مهملة ، فتقول (ولا برَّ)... ويجوز بناؤه على الفتح لأنه مفرد، فتقول: (ولا برَّ) ويجوز رفعه على اعتبار "لا" عاملة عمل ليس. أو مهملة، وهو مبتدأ فتقول: (ولا برٌّ).
ومثال الشبيه بالمضاف: لا مستشيراً في أموره ولا متأنياً نادم. فيجوز في (متأنياً) الأوجه الثلاثة على ما سبق.
الحالة الثالثة: أن يكون المعطوف عليه مرفوعاً، لكون "لا" عاملة عمل "ليس" أو مهملة. فيجوز في الثاني وجهان:
1) البناء على الفتح أو ما ينوب منابه؛ لأنه مفرد.
2) الرفع. عطفاً على ما بعد "لا" الأولى، أو أنها زائدة، وما بعدها مبتدأ، أو على أنها عاملة عمل ليس، كالأولى.(1/153)
مثال ذلك: لا قويٌ ولا ضعيفٌ أمام حكم الشرع. فيجوز في "ضعيف" البناء على الفتح والرفع، ومنه قوله تعالى: (أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيعٌ فيه ولا خُلَّةٌ ولا شفاعةٌ((657) فقد قرأ أكثر السبعة بالرفع، على أن "لا" عاملة عمل ليس أو مهملة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالبناء على الفتح في الجميع. قال مكي: "والاختيار الرفع لأن أكثر القراء عليه"(658) أهـ.
ولا يجوز النصب في هذه الحالة لأنه إنما جاز في الحالتين السابقتين لإمكان العطف على محل اسم "لا"، وهنا ليست بناصبة فيسقط النصب.
وهذا معنى قوله: (والثان اجعلا مرفوعاً أو منصوباً . . . إلخ) أي: والثاني من قولك: (لا حول ولا قوة) اجعله مرفوعاً أو منصوباً أو مبنيّاً على الفتح للتركيب، ولما قال: (وإن رفعت أولاً لا تنصبا) فهم أن جواز الأوجه الثلاثة مخصوص بما إذا بنى الأول أو نصب. فإن رُفِعَ سقط النصب كما تقدم.
وقد اكتفى الناظم بالمثال (ولا قوة) عن ذكر الشرطين السابقين وهما:
الأول: أن يكون ما بعد "لا" الثانية نكرة.
الثاني: أن يكون مفرداً.
كما اكتفى به عن ذكر أن هذه الأحكام خاصة بـ"لا" المكررة بعد العاطف، أما إذا عُطف بلا تكرار فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.
فإن كان ما بعد الثانية غير نكرة. أو كان غير مفرد وهو المضاف والشبيه بالمضاف، فأذكره - هنالك أيضاً - إن شاء الله.
*…*…*
201) وَمُفْرَداً نَعْتاً لِمَبْنىٍّ يَلي……فَافْتَحْ أَوِ انْصِبَنْ أوِ ارْفَعْ تَعْدِلِ
202) وَغَيْرَ مَا يَلِي وَغَيْرَ الْمُفْرَدِ……لا تَبْنِ وَانِْصِبْهُ أوِ الرَّفْعَ اقْصِدِ
إذا وقع بعد اسم "لا" النافية للجنس نعت جاز فيه ثلاثة أوجه:
1) البناء ،…2) النصب ،…3) الرفع. وذلك بثلاثة شروط:
الأول: أن يكون النعت مفرداً. أي: ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف.
الثاني: أن يكون اسم "لا" مفرداً.
الثالث: ألا يفصل بين النعت والمنعوت بفاصل.(1/154)
مثال ذلك: لا مدرسَ مهملَ أو مهملاً أو مهملٌ ناجح. فيجوز في النعت (مهمل) البناء على الفتح لتركبه مع اسم "لا"، والنصب بالفتحة مراعاة لمحل اسم "لا"، والرفع مراعاة لمحل "لا" واسمها. لأنهما بمنزلة المبتدأ المرفوع. فالنعت مرفوع كذلك.
فإن تخلف شرط من الشروط الثلاثة امتنع البناء. وجاز النصب أو الرفع.
فمثال تخلف الأول: لا مدرسَ مهملُ الطلاب أو مهملَ الطلاب ناجح.
ومثال تخلف الثاني: لا تاجرَ ملابسٍ خداعاً ناجح.
ومثال تخلف الثالث: لا صانعَ وعاملًٌ خداعان ناجحان.
وهذا معنى قوله: (ومفرداً نعتاً . . . إلخ) أي: افتح أو انصب أو ارفع النعت المفرد إذا كان لمبني - وهو اسم "لا" المفرد - إذا ولى النعت المنعوت (تعدل) أي: تكن عادلاً بين الأوجه الثلاثة. والفاء في قوله: (فافتح) زائدة لتحسين اللفظ. فلا تمنع من تقدم معمول ما دخلت عليه.
ثم أشار في البيت الثاني إلى النعت غير المستوفي للشروط. وبين أنك مخير فيه بين النصب والرفع، دون البناء.
*…*…*
203) وَالْعَطْفُ إنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ لا احْكُما……لَهُ بِمَا لِلنَّعْتِ ذِي الْفَصْلِ انْتَمَى
تقدم أنه إذا أُتي بعد اسم "لا" بعاطف ونكرة مفردة فلا يخلو: إما أن تتكرر "لا" أو لا تتكرر. وقد مضى أنها إذا تكررت جاز في المعطوف الرفع والنصب والبناء، على التفصيل السابق.
أما إذا لم تتكرر "لا" وهو المراد هنا، فإنه يجوز في المعطوف ما جاز في النعت المفصول. وقد تقدم قبل هذا البيت أنه يجوز فيه الرفع والنصب، ولا يجوز البناء.
مثال ذلك: لا مدرسَ وطالبٌ أو طالباً في المعهد.
لا مدرسَ فقهٍ وطالبٌ أو وطالباً في المعهد.
فيجوز في المعطوف "طالب" النصب عطفاً على محل اسم "لا" في الأول. وعطفاً على لفظه في الثاني. ويجوز الرفع عطفاً على "لا" مع اسمها، كما تقدم.(1/155)
وهذا معنى قوله: (والعطف إن لم تتكرر "لا" . . . إلخ) أي: إذا جاء العطف ولم تتكرر "لا" فاحكم للمعطوف بما (انتمى) أي: انتسب للنعت المفصول من جواز الرفع والنصب وامتناع البناء.
واعلم أن جميع ما تقدم في موضوع العطف هو ما إذا كان المعطوف مفرداً، فإن كان غير مفرد لم يجز إلا النصب والرفع. سواء تكررت "لا" أم لم تتكرر نحو: لا برَّ ولا عملَُ خيرٍ أولى من إكرام الوالدين.
وهذا كله إذا كان المعطوف نكرة، فإن كان معرفة لم يجز إلا الرفع على أنه مبتدأ، تكررت "لا" أو لم تتكرر نحو: لا رجلَ ولا زيدٌ في الدار. أو: لا رجلَ وزيدٌ في الدار، ولا يجوز بناؤه ولا نصبه عطفاً على محل اسم (لا)؛ لأنها لا تعمل في المعرفة،كما تقدم في أول الباب.
*…*…*
204) وَأَعْطِ لاَ مَعْ هَمْزَةِ استِفْهَامِ……مَا تَسْتَحِقُّ دُونَ الاسْتِفْهَامِ
تدخل همزة الاستفهام على "لا" النافية للجنس، فتبقى على ما كان لها من العمل وسائر الأحكام سبق ذكرها. من العطف والنعت. وجواز الإلغاء إذا تكررت، والاستفهام - هنا - ثلاثة أنواع:
الأول: أن يقصد بالاستفهام النفي (أي: المنصب على الخبر هل هو ثابت أولا؟) نحو: ألا تاجرَ صادقٌ؟ فهذا استفهام عن نفي الصدق هل هو موجود أولا؟
الثاني: أن يقصد بالاستفهام التوبيخ، نحو قولك للبخيل: ألا إحسانَ منك وأنت غني؟ ومنه قول الشاعر:
ألا ارعواءَ لمن وَلَّتْ شبيبته……وآذنت بمشيب بعد هرم(659)
الثالث: أن يقصد بالاستفهام التمني نحو: ألا مالَ فأساعد المحتاج(660). والخبر - هنا - محذوف تقديره: موجود. ومنه قول الشاعر:
ألا عُمْرَ وَلّى مستطاعٌ رجوعُه……فيرأبَ ما أَثْأَتْ يدُ الغفلات(661)
وقد خالف في هذا النوع سيبويه ومن وافقه، فقالوا: لا عمل لها إلا في الاسم، ولا تعطى بقية الأحكام، وقال المازني والمبرد: هي كالمجردة في جميع الأحكام، وعليه يتمشى إطلاق المصنف.(1/156)
وهذا معنى قوله: (وأعط "لا" . . . إلخ) أي: أعط "لا" النافية للجنس مع همزة الاستفهام، الداخلة عليها. ما تستحقه من الأحكام قبل دخول الاستفهام، والمراد همزة الاستفهام باعتبار الأصل. وإلا ففي التوبيخ والتمني خرجت الهمزة عن معناها الأصلي. وهو طلب العلم بشيء لم يكن معلوماً من قبل، ولا طلب مع التوبيخ ولا مع التمني.
205) وَشَاعَ فِي ذَا البَابِ إسْقَاطُ الخَبَرْ……إذَا الْمُرَادُ مَعْ سُقُوطِهِ ظَهَرْ
إذا دليل على خبر "لا" النافية للجنس فإنه يحذف. وحذفه كثير، والدليل قد يكون مقالياًّنحو: هل من رجلٍ حاضرٍ؟ فيقال: لا رجل. وقد يكون حالياً (أي: مفهوماً من المقام والحال) كأن يقال للمريض: لا بأس. أي: لا بأس عليك.
ومن الحذف قوله تعالى: (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوتَ((662) أي: فلا فوت لهم، وقال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لاسراة(663) لهم……ولا سراة إذا جهالهم سادوا
أي: ولا سراة لهم إذا جهالهم سادوا.
فإن لم يدلَّ على الخبر دليل لم يجز حذفه نحو: لا طالبَ في الفصل. ومنه قوله (: (لا أَحدٌ أغيرَ من الله)(664).
وهذا معنى قوله: (وشاع في هذا الباب . . . إلخ) أي: كثر في باب "لا" التي لنفي الجنس حذف الخبر، إذا ظهر المراد، ولا يظهر المراد إلا إذا وجد دليل.
ظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا
206) انْصِبْ بِفِعْلِ الْقَلْبِ جُزْأَي ابْتِداَ……أعْنِي رأَى خَالَ عَلِمْتُ وَجَدَا
207) ظَنَّ حَسِبْتُ وَزَعَمتُ مَعَ عَدْ……حَجَا دَرَى وَجَعَلَ اللَّذْ كَاْعْتَقَدْ
208) وَهَبْ تَعَلَّمْ وَالَّتِي كَصَيَّرا……أيْضاً بِهَا انْصِبْ مُبْتَداً وَخَبَرَا
هذا هو القسم الثالث من الأفعال الناسخة للابتداء، وهو (ظن وأخواتها) فتنصب المبتدأ والخبر، وتغير اسمهما، إذ يصير كل منهما مفعولاً به. وبالرغم من اعتبارهما مفعولين فإنهما عمدتان لا فضلتان كبقية المفعولات، لأن أصلهما المبتدأ والخبر.(1/157)
وتنفرد عن غيرها من النواسخ في أنه لابد لها من فاعل. وهي إما أفعال وهو الأكثر. أو أسماء تعمل عملها، كما سيأتي إن شاء الله.
وأفعال هذا الباب قسمان: أفعال القلوب، وأفعال التحويل.
أما أفعال القلوب فهي: التي معانيها قائمة بالقلب. متصلة به كالعلم واليقين والظن ونحوها، وتنقسم أربعة أقسام:
الأول: ما يفيد في الخبر يقيناً، والمراد باليقين: الاعتقاد الجازم. وهو ثلاثة أفعال: "وجد" و"تَعَلَّمْ" بمعنى: اعلم(665) و"درى".
فمثال وجد: وجدت الصلاحَ بابَ الخير. قال تعالى: (إنّا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أوّاب((666) فالهاء: مفعول أول. و"صابراً" مفعول ثان.
وأما (تعلم) بمعنى "اعلم" فالكثير فيها أن تتعدى إلى (أن) المؤكدة ومعموليها، نحو: تعلم أن الربا بلاء(667)، وتكون (أن) واسمها وخبرها في تأويل مصدر سدَّ مسد مفعولي (تعلم)، ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
فقلت تعلم أن للصيد غِرَّةً……وإلا تضيعها فإنك قاتله(668)
ويقل أن ينصب مفعولين كل منهما اسم مفرد، نحو: تعلم الحياة جهاداً. ومنه قول الشاعر:
تعلم شفاء النفس قهر عدوها……فبالغ بلطف في التحيل والمكر(669)
وأما (درى) فالأكثر فيه أن يتعدى لواحد بالباء، تقول: دريت بسفرك. فإن دخلت عليه الهمزة تعدى بها لواحد. ولثان بالباء كما في قوله تعالى: (قل لو شآء الله ما تلوته عليكم ولآ أدراكم به((670) فضمير المخاطب مفعول أول. والجار والمجرور مفعول ثانٍ.
وقد ينصب (درى) مفعولين بنفسه، ولكنه قليل نحو: دريت ثمرةَ العلمِ العملَ، ومنه قول الشاعر:
دُرِيْت الوفيَّ العهد يا عرو فاغتبط……فإن اغتباطاً بالوفاء حميد(671)
فالمفعول الأول (التاء) التي وقعت نائب فاعل. والثاني قوله: (الوفيَّ).
القسم الثاني من أفعال القلوب: ما يفيد في الخبر رجحاناً أي: رجحان اليقين، وأفعاله خمسة: (جعل) بمعنى: اعتقد و(حجا) و(عدَّ) و(هبْ) و(زعم).(1/158)
فمثال (جعل): جعلت العلاجَ نافعاً. أي: اعتقدت. ومنه في بعض الآراء(672)، قوله تعالى: (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً((673) أي: اعتقدوا ومثال (حجا) حجوت الجوَّ بارداً. ومنه قول الشاعر:
قد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة……حتى ألمّت بنا يوماً ملمات
ومثال (عدَّ) عددت الصديقَ أخاً. ومنه قول الشاعر:
فلا تعدد المولى شريكك في الغنى………ولكنما المولى شريكك في العُدْمِ(674)
ومثال: (هبْ):
فقلت أجرني أبا مالك………وإلا فهبني أمرأً هالكاً
وأما (زعم) فالأكثر فيها أن تتعدى إلى معموليها بواسطة (أن) المؤكدة، سواء كانت مشددة أو مخففة من الثقيلة. نحو: من زعم أن يخدع الناس فهو المخدوع، ومنه قوله تعالى: (زعم الذين كفروا أن لّن يبعثوا((675) وقوله تعالى: (إن زعمتم أنّكم أولياء لله من دون النّاس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين((676) والمصدر المؤول سد مسد مفعولي زعم.
وقد تتعدى إلى المفعولين بغير توسط (أن) بينهما نحو: أنت زعمت خالداً جريئاً، ومنه قول الشاعر:
زعمتني شيخاً ولست بشيخ………إنما الشيخ من يدب دبيباً(677)
القسم الثالث من أفعال القلوب: ما يفيد في الخبر يقيناً أو رجحاناً، والغالب كونه لليقين وهو فعلان: (رأى) و(علم).
فمثال (رأى) رأيت العلماءَ باقين ما بقي الدهر، ومنه قوله تعالى: (إنّهم يرونه بعيدا (6) ونراه قريبا((678) فالأولى للظن، والثانية لليقين. أي: يظنون البعث ممتنعاً، ونعلمه واقعاً لا محالة.
ومثال (علم): علمت الصلحَ خيراً، ومنه قوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله((679) أي: تيقن واعتقد، وأن واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي (اعلم)، وقال الشاعر:
علمتك الباذل المعروف فانبعثت……إليك بي واجفات الشوق والأمل(680)
فـ(علم) لليقين، والدليل أن المقام مدح واستجداء.
القسم الرابع: ما يفيد في الخبر رجحاناً أو يقيناً، والغالب كونه للرجحان. وهو ثلاثة: (ظن) و(خال) و(حسب).(1/159)
فمثال (ظن): ظننت الكتابَ موجوداً. ومنه قوله تعالى: (فقال له فرعون إنّي لأظنّك يا موسى مسحورا((681) وقد تستعمل لليقين، كقوله تعالى: (الذين يظنّون أنّهم ملاقوا ربهم ((682)على أحد القولين683.
ومثال (خال): خِلتُ الدراسةَ مُتعةً. وقد وردت بمعنى (اليقين) في قول الشاعر:
دعاني الغواني عمهن وخِلْتُنِي……لي اسم فلا أُدعى به وهو أول
وذلك لأنه لا يظن أن لنفسه اسماً، بل هو على يقين من ذلك.
ومثال (حسب): حسب المهملُ النجاحَ سهلاً، ومنه قوله تعالى: (ولا تحسبن الله غافلا عمّا يعمل الظالمون((684).
أما النوع الثاني من أفعال هذا الباب فهو: أفعال التحويل: وهي التي تدل على تحول الشيء وانتقاله من حالة إلى أخرى. وتسمى - أيضاً - أفعال التصيير. لأن كل فعل منها بمعنى (صيّر).
وهي سبعة: جعل، وردَّ، وترك، واتخذ، وتَخِذَ، وصيَّر، ووهبَ.
فمثال (جعل): جعلت الذهب خاتماً، ومنه قوله تعالى: (وقدمنآ إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هبآء منثورا((685).
ومثال (ردَّ): رَدّتِ الاستقامةُ الوجوهَ المظلمة نيرةً، ومنه قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين((686) على رأي من يعرب (كافرين) مفعولاً ثانياً، وهو الأظهر. وقوله تعالى: (لو يردونكم من بعد إيمانكم كفّارا((687)
ومثال (ترك): تركت الطلاب يبحثون في المسألة، ومنه قوله تعالى: (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض((688).
ومثال (اتخذ): اتخذت طالبَ العلم صديقاً، ومنه قوله تعالى: (واتّخذ الله إبراهيم خليلا((689).
ومثال (تَخِذَ) - بالتخفيف - : تَخِذَتِ الحرارةُ الثلجَ ماءً. ومنه قوله تعالى: (قال لو شئت لتّخذتَ عليه أجرا((690) فقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو بتخفيف التاء وكسر الخاء، على وزن (لَعَلِمْتَ) وقرأ بقية السبعة بتشديد التاء وفتح الخاء.
ومثال (صيَّر): صيرت الزجاج لامعاً.
ومثال (وهب): وهبني الله فداء الحق.(1/160)
وإلى ما تقدم من التفصيل أشار ابن مالك بقوله: (انصب بفعل القلب . . . إلخ) أي: انصب بالفعل القلبي (جزأي ابتدا) أي: المبتدأ والخبر(691) وأشار بقوله: (أعني رأى . . . إلخ) إلى أن المقصود أفعال معينة. إذ ليس كل فعل قلبي ينصب مفعولين، بل منه ما هو لازم نحو: فكر الطالب. ومنه ما هو متعدٍّ لواحد نحو: فهمت المسألة، ثم عدد أفعال القلوب التي تنصب مفعولين.
وقد قضت ضرورة الشعر على الناظم أن يزيد الألف في آخر الفعلين (وجد وصير) وأن يخفف الدال في الفعل (عدَّ).
وقوله: (وجعل اللذ كاعتقد) احتراز من (جعل) التي بمعنى (صيّر) فإنها من أفعال التحويل - كما مرَّ - وقوله: (اللذ) اسم موصول. وهو لغة في (الذي)، ثم أشار إلى أفعال التحويل بقوله: (والتي كصيَّرا) ولم يذكرها.
*…*…*
209) وَخُصّ بِالتَّعْلِيقِ والإلْغَاءِ مَا……مِنْ قَبْلِ هَبْ والأَمْرَ هَبْ قَدْ أُلْزِمَا
210) كَذَا تَعَلَّمْ وَلِغَيْرِ الْمَاضِ مِنْ……سِوَاهُمَا اجْعَلْ كُلَّ مَالَهُ زُكِنْ
أفعال القلوب كلها متصرفة، ما عدا (هبْ، وتعلَّم) فهما ملازمان للأمر. أما أفعال التحويل فهي متصرفة، إلا (وهب) فهو ملازم للمضي ويثبت لغير الماضي من المضارع والأمر واسم الفاعل وغيرها من التصاريف ما ثبت للماضي من العمل وغيره.
تقول: ظننت خالداً مسافراً. والمضارع نحو: أظن خالداً مسافراً. والأمر نحو: ظُنَّ خالداً مسافراً. واسم الفاعل نحو: أنا ظانٌّ خالداً مسافراً، واسم المفعول نحو: خالد مظنون أبوه مسافراً. فـ(أبوه) نائب فاعل لاسم المفعول، و(مسافراً) مفعول ثانٍ. والمصدر نحو: عجبت من ظنك خالداً مسافراً.
ومن التصاريف قوله تعالى: (وإنّي لأظنّك يا فرعون مثبورا((692) وقوله تعالى: (إنّهم يرونه بعيدا (6) ونراه قريبا((693) وقال تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله((694) وقال تعالى: (لو يردونكم من بعد إيمانكم كفّارا((695) وقال تعالى: (لا تحسبوه شرّا لكم((696).(1/161)
وقد اختصت أفعال القلوب المتصرفة بالتعليق والإلغاء(697). وأما غير المتصرفة فلا يكون فيها تعليق ولا إلغاء. وكذلك أفعال التحويل..
وهذا معنى قوله: (وخُصَّ بالتعليق . . . إلخ) أي: خص بالإلغاء والتعليق الأفعال التي ذكرت في النظم - في الأبيات السابقة - قبل (هب) وعددها أحد عشر فعلاً، والفعل (هب) ملازم للأمر. وكذا (تعلم) وإذا جاء غير الماضي من سوى (هب وتعلم) فأعطه ما عُلِمَ من الأحكام التي تكون للماضي، من العمل والتعليق والإلغاء. وقوله: (زُكِنَ) أي: علم.
*…*…*
211) وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ لا فِي الابْتِدَا……وانْوِ ضَمِيرَ الشَّانِ أوْ لامَ ابْتِدَا
212) فِي مُوهِمٍ إلْغَاءَ مَا تَقََّدمَا……والْتَزِمِ التَّعلِيقَ قَبْلَ نَفْيِ مَا
213) وَإنْ وَلا لامُ ابْتداءٍ أوْ قَسَمْ……كَذَا والاسْتِفْهَامُ ذَا لَهُ انْحَتَمْ
أفعال هذا الباب لها ثلاثة أحكام:
الأول: الإعمال، وهو نصب المبتدأ والخبر، وهذا هو الأصل. وهو واقع في أفعال القلوب والتحويل.
الثاني: الإلغاء.
الثالث: التعليق.
وهذان خاصان بأفعال القلوب المتصرفة، كما تقدم.
أما الإلغاء فهو: إبطال العمل لفظاً ومحلاًّ، لضعف العامل بتوسطه أو تأخره نحو: الصدقُ - علمتُ - نافعٌ. فالصدق: مبتدأ. ونافع: خبر. وجملة (علمت) اعتراضية لا محل لها. فلم يعمل الفعل لا في اللفظ ولا في المحل.
ونحو: الصدقُ نافعٌ علمت. فجملة (علمت) مستأنفة لا محل لها.
وإلغاء المتأخر أقوى من إعماله؛ لضعفه بالتأخر. وفي المتوسط الإعمال أقوى؛ لأنه الأصل. وقيل: سواء.
وأما العامل المتقدم في نحو: علمت الصدق نافعاً. فلا يجوز إلغاؤه. وأجاز ذلك الكوفيون والأخفش مستدلين بالسماع عن العرب: كقول كعب بن زهير رضي الله عنه:
أرجو وآمل أن تدنو مودتها……وما إخالُ(698) لدينا منكِ تنويل(699)
فالشاعر ألغى الفعل (إخال) بمعنى (أظن) مع تقدمه، فأتى بالمبتدأ (تنويل) مرفوعاً، والخبر (لدينا)، ومثله قول الشاعر:(1/162)
كذاك أُدِّبْتُ حتى صار من خلقي……أني وجدت مِلاكُ الشيمة الأدبُ(700)
فألغى الفعل (وجد) مع تقدمه، لأنه رفع المبتدأ والخبر (ملاكُ الشيمة الأدبُ).
وقد ذهب البصريون إلى تأويل البيتين - وغيرهما - بما يتمشى مع القواعد العامة، فقالوا: إن المفعول الأول محذوف، وهو ضمير الشأن تقديره: (وما إخاله) و(وجدته) والجملة بعده هي المفعول الثاني. أو أن الفعل متعلق عن العمل بلام الابتدا المقدرة، والأصل (لَلَدينا) و(لَمِلاك) ثم حذفت اللام، وبقي التعليق. فليس هو من إلغاء.
وكلا التأويلين فيه تكلف لا يخفى. فالأولى إبقاء البيتين وغيرهما بلا تأويل، ومسايرة القواعد والأصول العامة في الكتابة والكلام.
أما التعليق فهو: إبطال العمل لفظاً لا محلا؛ لمجيء ما له صدر الكلام بعد الفعل الناسخ. ومعناه: منع الناسخ من العمل الظاهر - وهو النصب - في لفظ المفعولين معاً، أو لفظ أحدهما، أما في المحل والتقدير فهو عامل. فمثلاً:
علمت الإسبالَ محرماً. تجد الفعل (علم) قد نصب المفعولين مباشرة، فإذا قلنا: علمت لَلإسبالُ محرمٌ، لم ينصب الفعل (علم) شيئاً في الظاهر، بسبب وجود مانع من ذلك، وهي (لام الابتداء) التي فصلت الفعل الناسخ عن مفعوليه، لأن لها الصدارة، ولكن هذا الفعل نصب المحل. فتقول عند الإعراب، الإسبال: مبتدأ، محرم: خبره، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب سدت مسد مفعولي (علم).
وإذا قلت: علمت الإسبالَ لهو المحرم، فإن الفعل عُلق عن العمل في المفعول الثاني دون الأول. فجملة (لهو المحرم) في محل نصب سدت مسد المفعول به الثاني، وبهذا يتبين أن التعليق قد يقع للفعل الناسخ عن كلا المفعولين، وقد يأتي المفعول الأول صريحا. ويكون التعليق عن الثاني فقط.
والمعلِّق عن العمل أنواع:(1/163)
1) حروف النفي (ما، وإن، ولا) دون غيرها. فمثال (ما): علمت ما التهورُ شجاعةٌ، قال تعالى: (وظنّوا ما لهم من محيص((701) وقال تعالى: (ويعلم الذين يجادلون في اياتنا ما لهم من محيص((702) ومثال (إن): وجدت إنِ التحيّل جائز. أي: ما التحيل جائز. قال تعالى: (وتظنّون إن لبثتم إلا قليلا((703).
ومثال (لا): ألفيت لا الإفراط محمود ولا التفريط.
2) لام الابتداء نحو: علمت لزوال النعمة بكفرها. قال تعالى: (ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الأخرة من خلاق((704).
3) لام القسم نحو: علمت ليحاسبن المرء على عمله. ومنه قول لبيد:
ولقد علمت لتأتينَّ منيتي……إن المنايا لا تطيش سهامها(705).
4) الاستفهام وله ثلاث صور:
أ ) أن يكون أحد المفعولين اسم استفهام نحو: علمت أيَّهم مواظب على الصلاة؟ ومنه قوله تعالى: (لِنعلَمَ أيُّ الحزبين أحصى((706).
ب ) أن يكون أحد المفعولين مضافاً إلى اسم استفهام نحو: علمت صاحبُ أيِّهم المواظب؟
ج) أن يكون أحد المفعولين دخلت عليه أداة استفهام نحو: علمت أعليٌّ مسافر أم مقيم؟ ومنه قوله تعالى: (وإن أدرى أقريب أم بعيد ما توعدون((707).
قال ابن مالك عن الإلغاء: (وجوز الإلغاء . . . إلخ) أي: أن الإلغاء جائز لا واجب، ولا يكون الإلغاء حين يكون الناسخ في ابتداء جملته أي: متقدماً على المفعولين، فإن جاء من كلام العرب ما ظاهره إلغاء العامل المتقدم فإنك تقدر ضمير الشأن، أو لام الابتداء، على ما بينا سابقاً.
وقال عن التعليق: (والتزم التعليق . . . ) أي: يجب التعليق إذا وقع العامل قبل (ما) النافية. أو(إن) أو (لا) وكذلك يعلق العامل إذا وقع بعد لام الابتداء أو لام القسم. وقوله: (والاستفهام ذا له انحتم) ذا: أي: التعليق، والتقدير. والاستفهام وجب لأجله التعليق.
214) لِعِلْمِ عِرْفَانٍ وَظَنِّ تُهَمَه……تَعْدِيةٌ لِوَاحِدٍ مُلْتَزَمَهْ(1/164)
تقدم أن (علم) من أفعال القلوب التي تنصب مفعولين، وذكر في هذا البيت أنها تأتي بمعنى عرف. ويكون مصدرها (العلم) بمعنى (العرفان) فتنصب مفعولاً واحداً(708) نحو: علمت الخبر أي: عرفته. قال تعالى: (والله أخرجكم من بطون أمّهاتكم لا تعلمون شيئاً((709) وقال تعالى: (وءاخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم((710).
كما تقدم أن (ظن) من أفعال الرجحان التي تنصب مفعولين. وذكر هنا أنها تأتي بمعنى (اتهم) ومصدرها (الظن) بمعنى: الاتهام. نحو: اختفى كتابي وظننت خالداً. ومنه قوله تعالى: (وما هو على الغيب بضنين((711) على قراءة (الظاء) المشالة، بمعنى: متهم، فـ(ظنين) فعيل بمعنى مفعول، وقد نصب مفعولاً واحداً. وهو نائب الفاعل، وهو الضمير المستتر.
وهذه قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي. ومعناها: ليس بمتهم في أن يأتي من عنده بشيء زيادة فيما أوحى إليه أو ينتقص منه شيئاً.
وقرأ الباقون بـ(ضنين) بالضاد. على معنى: ببخيل. فهو فعيل بمعنى: فاعل. أي: ليس محمد ( ببخيل في بيان ما أُوحي إليه وكتمانه، بل بينه للناس.
وهذا معنى قوله: (لعلم عرفان . . . إلخ) أي: أن (علم) إذا كانت بمعنى (عرف)، ومصدرها العرفان، و(ظنّ)، إذا كانت بمعنى (اتهم) ومصدرها الظن بمعنى الاتهام. تعدت كل منها إلى مفعول واحد.
وخصهما ابن مالك بالذكر؛ لأن (علم) أصل في أفعال اليقين و(ظن) في أفعال الرجحان، ولأنهما ينصبان واحداً، ولا يخرجان عن القلبية، أما غيرهما فينصب مفعولين حملاً عليهما، ويخرج عن القلبية غالباً.
*…*…*…
215) وَلِرَأى الرُّؤيا انْمِ مَا لِعَلِمَا……طَالِبَ مَفْعُولَيْنِ مِنْ قَبْلُ انْتَمَى
إذا كانت رأى حُلمية - أي: للرؤيا في المنام - تعدت إلى مفعولين. كما تتعدى إليهما (علم) المذكورة في أول الباب.(1/165)
ومثال ذلك: قوله تعالى: (قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا((712) فالياء: مفعول أول لـ(رأى) في الموضعين. وجملة (أعصر خمرا) و(أحمل فوق رأسي خبزًا) في محل نصب مفعول ثان. ومثله قوله تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام: (إني رأيت أحد عشر كوكباً((713) فـ(رأى) حُلمية، لدلالة متعلقها على أنه منام، ولقوله تعالى: (لا تقصص رؤياك على إخوتك((714) وقوله تعالى: (هذا تأويل رؤياي من قبل((715) والكثير استعمال الرؤيا لما في المنام، فـ(أحَدَ عَشَرَ) مبني على فتح الجزأين في محل نصب مفعول أول، و(ساجدين) مفعول ثان(716).
وهذا معنى قوله: (ولرأى الرؤيا . . . إلخ) أي: انسب لـ(رأي) التي مصدرها (الرؤيا) ما (انتمى) أي: انتسب لـ(علم) المذكورة (من قبل) احترازاً من (علم) المذكورة قبل هذا البيت، فإنها لا تنصب إلا مفعولاً واحداً.
وقد عبر المصنف عن (رأى) الحلمية بمصدرها (الرؤيا) وهو يقع مصدراً لرأى الحلمية، كقوله تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام: (هذا تأويل رءيي((717) ولرأي البصرية، كقوله تعالى: (وما جعلنا الرءيا التي أرينك إلا فتنة للناس((718) وقد روى البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هي رؤيا عين، أريها رسول الله ( ليلة أُسريَ به أهـ. والكثير استعمال (الرؤيا) مصدراً لـ(رأى الحلمية).
216) ولاَ تُجِزْ هُنَا بِلاَ دَلِيلِ……سُقُوطَ مَفْعْولَيْنِ أوْ مَفْعُولِ
لا يجوز في هذا الباب حذف المفعولين أو أحدهما إلا إذا دلَّ عليه دليل.(1/166)
فمثال حذفهما أن يقال: هل علمتَ البلاغةَ إيجازاً. فتجيب: نعم. علمتُ . . . أي: علمتُ البلاغةَ إيجازاً. ومنه قوله تعالى: (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون((719) أي: تزعمونهم شركاء. والأولى أن يقدر: تزعمون أنهم شركاء، بدليل قوله تعالى: (وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاؤا((720) ولأن الغالب في (زعم) - كما تقدم - أن تتعدى إلى معموليها بواسطة (أن) وصلتها.
ومثال حذف أحدهما: أن يقال: هل علمتَ في هذا الحي أحداً فقيراً؟ فتجيب: علمتُ محمداً. أي: علمتُ محمداً فقيراً. فحذف الثاني، وحذفه كثير. ومنه قوله تعالى: (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثمّ اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون((721) أي: اتخذتم العجل إلهاً(722).
ومثال حذف الأول وهو أقل مما قبله: أن يقال: ما مبلغ علمك بحكم إسبال الثياب؟ فتقول: أعلم . . محرماً. وعليه وعيد شديد. أي: أعلم الإسبال محرماً..
ومنه قوله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما((723) أي: جعلها لكم قياماً.
وهذا معنى قوله: (ولا تجز هنا . . . ) أي: لا تجز في هذا الباب حذف المفعولين ولا مفعول واحد، إلا إذا دل على ذلك دليل.
*…*…*
217) وَكتَظُنُّ اجْعلْ تَقُولُ إنْ وَلِي……مُسْتَفْهَماً بِهِ وَلَمْ يَنْفَصِلِ
218) بِغَيْرِ ظَرْفٍ أوْ كَظَرْفٍ أوْ عَمَلْ……وَإنْ بِبعْضٍ ذِي فَصَلْتَ يُحْتَمَلْ
219) وَأُجْرِيَ القَوْلُ كَظَنٍّ مُطْلَقَا……عِنْدَ سُلَيْمٍ نَحْوُ قُلْ ذَا مُشْفِقَا
الأصل فيما تعلق من الجمل الاسمية أو الفعلية بقول أن يورد محكيًّا على هيئته من غير تغيير.
فمثال الاسمية بعد القول: قال رسول الله (: "البرُّ حسن الخلق"، فالجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب سدت مسد المفعول به للقول، واشتهرت بين المعربين بأنها مقول القول، وليست مفعولاً به، لأن المفعول به لا يكون جملة.(1/167)
ومثال الفعلية بعد القول: قال رسول الله (: "بعثتُ بجوامع الكلم".
أما المفرد بمعنى الجملة فإنه ينصب بالقول على أنه مفعول به مباشرة نحو: قلت حديثاً. ونحو: قل كلمةً تنفع الحاضرين.
ويجوز إجراء القول مُجرى (الظن) بأن ينصب الفعل (قال) وما تصرف منه المبتدأ والخبر مفعولين، كما تنصبهما (ظن)، وهذا خاص بالجملة الاسمية فقط. أما الفعلية فلابد فيها من الحكاية. والمشهور أن للعرب في ذلك مذهبين.
الأول: مذهب عامة العرب أنه لا يُجرى القول مُجرى الظن إلا بشروط أربعة، أخذها النحويون من كلام العرب، وهي:
1) أن يكون الفعل مضارعاً.
2) أن يكون للمخاطب.
3) أن يكون مسبوقاً باستفهام حرف أو اسم.
4) ألا يفصل بين الفعل والاستفهام بفاصل. باستثناء ثلاثة أشياء، وهي: الظرف أو الجار مع المجرور المجرور أو معمول آخر للفعل، وكثير من النحاة لا يشترط هذا الشرط، ورأيه قوي.
مثال المستوفي للشروط: أتقول: الاجتماعَ المنتظرَ مفيداً؟ أي: أتظن؟ ومنه قول الشاعر:
متى تقول القُلُصَ الرواسما……يحملن أم قاسم وقاسما(724)
فإن كان الفعل غير مضارع نحو: قال خالد: علي مسافر: أو مضارعاً ليس للمخاطب نحو: أيقول خالد: علي مسافر؟ أولم يسبق باستفهام نحو: أنت تقول: علي مسافر. فإن القول لا ينصب مفعولين عند من يشترط الشروط المتقدمة.
فإن فصل الفعل عن الاستفهام لم ينصب الفعل مفعولين عند من يشترط عدم الفصل نحو: أأنت تقول: علي مسافر. إلا إن كان الفاصل ظرفاً نحو: أبعد الصلاة. تقول: إمامَ المسجدِ متكلماً؟! أو جاراً ومجروراً نحو: أفي المسجد تقول: محمداً متكلماً. أو معمولاً للفعل نحو: أمحمداً تقول: متكلماً. فإن ذلك لا يضر، ومن هذا قول الشاعر:
أجهالاً تقول بني لؤي……لعمر أبيك أم متجاهلينا(725)
فـ(جهالاً) مفعول ثان. و(بني لؤي) مفعول أول. والفاصل بين الهمزة والمضارع هو معمول الفعل، والأصل: أتقول بني لؤي جهالاً؟ .(1/168)
والحكاية جائزة حتى مع وجود الشروط. لأنه الأصل. فالشروط ليست موجبة لإجراء القول مجرى الظن في نصب المفعولين. وإنما هي شروط جواز.
المذهب الثاني: مذهب بني سُليم. وهو إجراء القول مجرى (الظن) بلا شرط. نحو: قال خالد: إمامَ المسجد متكلماً. ومنه قول الشاعر:
قالت وكنتُ رجلاً فطيناً……هذا - لعمر الله - إسرائينا(726)
فـ(هذا) مفعول أول، و(إسرائينا) مفعول ثاني. وقد جاء القول بلفظ الماضي..
وهذا معنى قوله: (وكتظن اجعل تقول . . . ) أي: اجعل (تقول) المضارع للمخاطب مثل: (تظن) في المعنى والعمل، إن وقع هذا المضارع بعد أداة يستفهم بها، ولم ينفصل ذلك المضارع عنها بفاصل غير الظرف أو الجار والمجرور أو معمول الفعل. ثم أشار بالبيت الأخير إلى مذهب بني سليم. نحو: (قل ذا مشفقا) فهذا فعل أمر أُجري مُجرى الظن على لغة بني سليم.
أعْلَمَ وَأَرَى
220) إلى ثَلاَثةٍ رَأى وَعَلِمَا……عَدّوْا إذا صَارَا أرَى وأعْلَمَا
(أعلم) و(أرى) أصلهما (رأى) و(علم) المتعديان لاثنين. فإذا دخلت عليهما همزة التعدية. تعديا إلى ثلاثة مفاعيل(727) نحو: علم الشبابُ الاستقامةَ طريقَ النجاةِ. فتقول: أعلمت الشبابَ الاستقامةَ طريقَ النجاةِ، فـ(الشباب): مفعول أول، وهو الذي كان فاعلاً قبل دخول الهمزة. و(الاستقامة) مفعول ثان. و(طريق النجاة) مفعول ثالث.
ونحو: رأيت الربا محقاً للبركة. فتقول: أريت التاجرَ الربا محقاً للبركة فـ(التاجر) مفعول أول، و(الربا) مفعول ثان منصوب بفتحة مقدرة و(محقاً) مفعول ثالث(728).
وهذا معنى قوله: (إلى ثلاثة رأى وعلما عدَّوْا) أي: عدى النحويون (رأى) و(علم) إلى ثلاثة مفاعيل إذا دخلت عليهما همزة النقل. وصار (أرى) و(أعلما)، والألف في قوله: (علما وأعلما) ألف الإطلاق، زيدت لوزن الشعر.
*…*…*
221) ومَا لِمَفْعُولَيْ عَلِمْتُ مُطْلَقَا……لِلثَّانِ وَالثَّالِثِ أيْضاً حُقِّقَا(1/169)
المفعول الأول لـ(أعلم وأرى) ليس له حكم خاص بل هو كسائر المفاعيل. أما الثاني والثالث فيثبت لهما من الأحكام ما ثبت لمفعولي (علم ورأى) وهي الأحكام الآتية:
1) أن أصلهما المبتدأ والخبر . فنحو: أعلمت الموظف الإخلاص واجباً، الأصل: الإخلاص واجب. وهما مبتدأ وخبر.
2) وقوع الإلغاء والتعليق بالنسبة لهما. فالإلغاء نحو: الإخلاصُ - أعلمت الموظفَ - واجبٌ. والتعليق نحو: أعلمت الموظفَ للإخلاصُ واجبٌ.
3) جواز حذفهما أو أحدهما بدليل. فمثال حذفهما. هل أعلمت أحداً خالداً قادماً. فتقول: أعلمت محمداً. ومثال حذف أحدهما: أعلمت محمداً خالداً، أو أعلمت محمداً قادماً.
وهذا معنى قوله: (وما لمفعولي علمت . . . إلخ) أي: يثبت للمفعول الثاني والثالث - هنا - ما ثبت لمفعولي (علمت) في باب "ظن" (مطلقاً) أي: عن التقييد. والألف في قوله: (حققاً) للإطلاق.
*…*…*
222) وَإنْ تَعَدَّيَا لِوَاحدٍ بِلا……هَمْزٍ فَلاِثْنَيْنِ بِِهِ تَوَصَّلا
223) وَالثَّانِ مِنْهُمَا كَثَانِي اثْنَيْ كَسَا……فَهْوَ بِهِ فِي كُلِّ حُكْمٍ ذُو ائْتِسَا
إذا كانت (علم) و(رأى) تتعديان قبل الهمزة إلى مفعول واحد. فإنهما بعد الهمزة يتعديان إلى اثنين. وذلك إذا كانت (علم) بمعنى. عرف و(رأى) بمعنى أبصر. نحو: علمت الطريق إلى المسجد. ورأى خالد الكعبة، فتقول: أعلمت الرجلَ الطريقَ إلى المسجد. وأريتُ خالداً الكعبةَ. قال تعالى: (ولقد أريناه ءايتِنا كلَّها فكذّب وأبى((729) فـ(أرى) منقولة من (رأى) البصرية، فتعدت على مفعولين، ومثله أيضاً قوله تعالى: (وأَرِنَا مناسِكَنا((730).(1/170)
ويثبت للمفعول الثاني منهما ما يثبت للمفعول الثاني في باب (أعطى وكسا) نحو: أعطيت الصديقَ كتاباً. وكسوت الفقيرَ ثوباً. في كونه لا يصح الإخبار به عن الأول، فلا تقول: الرجل الطريق إلى المسجد، كما لا تقول: الصديق الكتاب، وفي كونه يصح حذفه مع الأول. أو حذفه وإبقاء الأول. أو إبقاؤه وحذف الأول وإن لم يدل على ذلك دليل؛ لأنه فضلة(731) فتقول: أعلمت، أو أعلمت الرجل، أو أعلمت الطريق إلى المسجد.
وهذا معنى قوله: (وإن تعديا لواحد . . . إلخ) أي: إذا تعدى كل من (علم) و(رأى) إلى مفعول واحد قبل الهمزة. فإنهما يتوصلان بالهمزة إلى مفعولين، ليس أصلهما المبتدأ والخبر. والثاني منهما كالمفعول الثاني من مفعولي (كسا) فهو به في كل حكم (ذو ائتسا) أي: اقتداء. و(ائتسا) أصله: (ائتساء) بالهمزة، لكنه قصره للضرورة. وقوله: (توصلا) إما فعل ماض والألف عائد على (أعلم وأرى) كقوله: (تعديا) أو فعل أمر والألف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة للوقف.
*…*…*
224) وَكَأرَى السَّابِقِ نَبَّا أخْبَرا……حَدَّثَ أنْبَأَ كَذَاكَ خَبَّرَا
ذكر في هذا البيت الأفعال الخمسة الباقية التي تنصب ثلاثة مفاعيل وهي: (نبأ وأنبأ وخبّر وأخبر وحدث) وذلك لتضمنها معنى (أعلم وأرى)(732) وليست الهمزة أو التضعيف فيها للتعدية. لأنه ليس لها فعل ثلاثي مستعمل في العلم كـ(علم ورأى) إلا (خَبَر) بمعنى (علم).
ولم ترد تعديتها إلى ثلاثة مفاعيل صريحة في كلام العرب، بل جاءت مبنية للمجهول. فأول المفاعيل هو نائب الفاعل. ويبقى الثاني والثالث مفعولين صريحين(733).
وبما أن كتب اللغة قد نصت على أنها تنصب ثلاثة مفاعيل فإليك أمثلة لها:
مثال (نبأ): نبّأت السائقَ الطريقَ مغلقاً.
ومثال (أخبَر): أخبر المدرسُ طلابَه الإهمالَ ضاراً.
ومثال (حدّث): حدثت البائَع الأمانةَ أنفعَ له.
ومثال (أنبأ) أنبأت الصديقَ خالداً مريضاً.
ومثال (خبّر): خبّرت التاجرَ الغشَّ محرماً.(1/171)
وقد جاء في القرآن الكريم الفعل (نبأ) ناصباً مفعولاً واحداً صريحاً وسد مسد المفعولين - الثاني والثالث - جملة (أنَّ) مع معموليها. وذلك في مثل قوله تعالى: (نبّئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم((734).
وقول المصنف: (وكأرى السابق) أي: مثل (أرى) السابق في أول الفصل في نصب ثلاثة مفاعيل. هذه الأفعال الخمسة التي سردها. وإنما قال: (وكأرى السابق). لأنه ذكر أن (أرى) تتعدى إلى اثنين. فنبه على أن هذه الأفعال مثل (أرى) السابقة المتعدية إلى ثلاثة لا مثل (أرى) المتأخرة وهي المتعدية لاثنين والتي ذكرها بقوله: (وإن تعديا لواحد بلا همز . . . إلخ).
الفاعل
225) اَلْفَاعِلُ الَّذِي كَمَرْفُوعَيْ أَتَى……زَيْدٌ مُنِيراً وَجْهُهُ نِعْمَ الْفَتَى
لما فرغ ابن مالك من الكلام على المبتدأ والخبر ونواسخ الابتداء شرع في ذكر الفعل ومرفوعه، وهو الفاعل أو نائبه. وسيأتي نائب الفاعل إن شاء الله.
والفاعل لغة: من أوجد الفعل، نحو: كتب الطالبُ. أو قام به نحو: مات عاصمٌ، واصطلاحاً: الاسم المسند إليه فعلٌ على طريقة فَعَل أو شبهه.
شرح التعريف:
قولنا: الاسم، هذا يشمل الصريح وهو الاسم الظاهر كقوله تعالى: (وقل جآء الحقُّ وزهق الباطلُ((735) والمضمر كقوله تعالى: (أقم الصلاة((736) ويشمل المؤول وهو كل مصدر غير صريح. والمراد به: المصدر المسبوك من (أنَّ) واسمهما وخبرها أو (أنْ) أو (ما) المصدرية والفعل كقوله تعالى: (أولم يكفهم أنّآ أنزلنا عليك الكتاب((737) أي: إنزالنا. وقول تعالى: (ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم((738) أي: خشوع قلوبهم. ومثال (ما) قول الشاعر:
يسر المرءَ ما ذهب الليالي………وكان ذهابهنَّ له ذهابا(739)
أي: يسر المرءَ ذهابُ الليالي.(1/172)
وقولنا: المسند إليه فعل، أي: المنسوب إليه فعل، سواء كان الفعل متصرفاً، كما في الأمثلة، أو جامداً كقوله تعالى: (نِعْمَ العبدُ((740) فـ(العبد) فاعل (نعم). وهو من الأفعال الجامدة التي لا تتصرف.
وخرج بهذا القيد ما أسند إليه غير فعل، كقوله تعالى: (والله أنزل من السماء مآء((741) فقد أسند إلى لفظ الجلالة جملة، فليس بفاعل بل هو مبتدأ.
وقولنا: على طريقة (فَعَل) بفتح الفاء والعين. والمراد: أن يكون الفعل مبنياً للمعلوم، واحترز به من طريقه (فُعِل) بضم الفاء وكسر العين، فإن المرفوع بعده ليس بفاعل، وإنما هو نائب فاعل.
وقولنا: أو شبهه، هذا معطوف على (فِعْل) من قولنا: المسند إليه فعل. والمراد بشبه الفعل: ما يعمل عمل الفعل، كاسم الفاعل نحو: أداخلٌ صالحٌ المسجدَ؟ قال تعالى: (يخرج من بطونها شرابٌ مختلفٌ ألوانُه((742). فـ(ألوانه) فاعل لاسم الفاعل قبله.
والصفة الشبهة نحو: ما فَرحٌ أعداءُ الإسلام بنشاط أهله.
واسم التفضيل نحو: العلمُ أفضلُ من المال، ففي "أفضل" ضمير مستتر هو الفاعل.
وهذا معنى قوله: (الفاعل الذي كمرفوعي أتى . . . إلخ) وقد استغنى المصنف عن التعريف بالمثال الذي استوفى القيود. فـ(زيد) فاعل لفعل متصرف وهو (أتى) و(وجهه) فاعل لـ(منير) وهو وصف مشبه للفعل، لأنه اسم فاعل. و(الفتى) فعل لفعل جامد، وهو (نعم). فقد أُسند إلى الفاعل في الأمثلة فِعْل، أو شبه فعل على طريقة فَعَلَ.
والمراد بالمرفوعين ما كان مرفوعاً بالفعل وقد مثل له بمثالين. وما كان مرفوعاً بشبه الفعل.
*…*…*
226) وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ فَإنْ ظَهَرْ……فَهْوَ وَإلاّ فََضَمِيرٌ اسْتَتَرْ
للفاعل سبعة أحكام:(1/173)
الأول: الرفع. وهذا مستفاد من قوله: (كمرفوعي أتى . . . إلخ) وقد يجر الفاعل لفظاً بإضافة المصدر إليه نحو: سرَّني احترام خالدٍ أباه، قال تعالى: (ولولا دفعُ اللهِ الناسُ((743)، أو بحرف جر زائد نحو: كفى بالموت واعظاً(744)، قال تعالى: (ما جآءنا من بشير((745) فـ(من) حرف زائد إعراباً مؤكد معنى و(بشير) فاعل مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وقوله تعالى: (هيهات هيهات لما توعدون((746) فـ(ما) فاعل، و(اللام) صلة.
الحكم الثاني: أن الفاعل يتأخر عن رافعه، وهو الفعل أو شبهه كقوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون((747). ولا يجوز تقديمه عليه، فإن قدم صار مبتدأ والفعل بعده رافع لضمير مستتر. كقوله تعالى: (والله يعصمك من الناس((748) ففاعل (يعصم) ضمير مستتر، أو صار فاعلاً لفعل محذوف في نحو قوله تعالى: (وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره((749).
وهذا معنى قوله: (وبعد فعلٍ فاعلٌ) أي: أن الفاعل لابد أن يكون بعد الفعل، فلا يتقدم عليه.
الحكم الثالث: أن الفاعل لابدَّ منه لفعل قصد به الإسناد(750)، لأنه جزء أساسي في الجملة التي لا تتم إلا بمسند وهو الفعل، ومسند إليه وهو الفاعل.
فإن ظهر في الكلام فلا إضمار، كقوله تعالى: (إذا جآء نصرُ اللهِ والفتحُ((751) وقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة((752) وإن لم يظهر فهو ضمير مستتر راجع إلى مذكور، كقوله تعالى: (والله يقبض ويبصط((753). أو إلى ما يفهم من سياق الكلام، كقوله تعالى: (كلا إذا بلغت التراقي((754) أي: إذا بلغت الروح، وإنما أُضمرت وإن لم يجر لها ذكر؛ لأن السياق يدل عليها.
وهذا معنى قوله: (فإن ظهر . . . إلخ) أي: لابد للفعل الذي قصد به الإسناد من فاعل بعده، فإن ظهر وبرز فلا إضمار (وإلا) أي: وإن لا يظهر ضمير مستتر؛ لأن الفعل لا يستغني عن الفاعل.
*…*…*
227) وَجَرِّدِ الْفِعْلَ إذَا مَا أُسْنِدَا……لاِثْنَيْنِ أَوْ جَمْعٍ كَفَازَ الشُّهَدَا(1/174)
228) وَقَدْ يُقَالُ سَعِدَا وَسَعِدوا……وَالْفِعْلُ لِلظَّاهِرِ بَعْدُ مُسْنَدُ
هذا الحكم الرابع من أحكام الفاعل، وهو أن فعله يوحّد مع تثنيته وجمعه، كما يوحّد مع إفراده، ومعنى توحيده: تجريده من علامة التثنية أو الجمع، تقول: انتصر المجاهدان، وانتصر المجاهدون، وفازت المتحجبات، قال تعالى: (قال رجلان((755) وقال تعالى: (وقال الظالمون((756) وقال تعالى: (وقال نسوةٌ((757).
ومذهب طائفة من العرب إلحاق علامة التثنية والجمع والتأنيث بالفعل فتقول: انتصرا المجاهدان وانتصروا المجاهدون، وُفْزنَ المتحجبات، وقد جاء هذا في القرآن، قال تعالى: (وأسرّوا النّجوى الذين ظلموا هل هذا إلاّ بشر مثلكم((758) وفي السنة قوله (: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار . . ." الحديث(759).
ومن كلام العرب قول الشاعر:
تولى قتال المارقين بنفسه……وقد أسلماه مُبْعَدٌ وحميم(760)
وقول آخر:
نصروك قومي فاعتززت بنصرهم……ولو أنهم خذلوك كنت ذليلا(761)
وقول الشاعر:
رأين الغواني الشيب لاحَ بعارضي……فأعرضن عني بالخدود النواضر(762)
وهذه العلامات وهي الألف والواو والنون أحرف دلوا بها على التثنية والجمع، والاسم الظاهر هو الفاعل.
وهذا معنى قوله: (وجرد الفعل . . . إلخ) أي: جرد الفعل الذي أسند إلى اسم ظاهر - مثنى أو جمع - من علامة التثنية أو الجمع، ثم مثل بقوله: فاز الشهداء - والأصل: الشهداء، لكنه قُصر للوزن.
ثم قال: إنه قد يصح في بعض اللغات زيادة علامة التثنية أو الجمع، على أن يكون الفعل مسنداً إلى الاسم الظاهر بعده أي: هو الفاعل، وتكون هذه العلامات أحرفاً، وليست ضميراً فاعلاً.
229) وَيَرْفَعُ الْفَاعِلَ فِعْلٌ أُضْمِرَا……كَمِثْلِ: زَيْدٌ فِي جَوَابِ: مَنْ قَرَا؟
هذا الحكم الخامس من أحكام الفاعل، وهو أن فعله يحذف، إما جوازاً وإما وجوباً.(1/175)
فالجائز: أن يدل عليه دليل، كأن يجاب به نفي، مثل أن يقال: ما قرأ أحد، فيقول: بلى علي. أي: بلى قرأ علي. أو استفهام نحو: من صلى بالناس؟ فيقال: خالد. ومنه قوله تعالى: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ الله((763) أي: خلقنا الله، بدليل (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولُنَّ خلقهُنَّ العزيزُ العليمُ((764).
وأما الحذف الواجب فهو أن يقع اسم مرفوع بعد (إنْ) أو (إذا) الشرطيتين. نحو: إنْ ضعيفٌ استنصرك فانصره، ومنه قوله تعالى: (إن امرؤا هلك((765) وقوله تعالى: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا((766) ونحو: إذا خليل فاز فأكرمه. ومنه قوله تعالى: (إذا السماءُ انشقَّتْ((767). وإنما وجب الحذف؛ لأن الفعل المذكور يفسِّر الفعل المحذوف، ويغني عنه فهو كالعوض، ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض عنه، وهذا مبني على أن الاسم لا يقع بعد أدوات الشرط، وأنه لا يجوز تقدم الفاعل على فعله. وفي المسألة زيادة بحث، محله باب الإضافة إن شاء الله.
وهذا معنى قوله: (ويرفع الفاعل . . . إلخ) أي: إن الفاعل قد يكون مرفوعاً بفعل (مضمر) أي: غير مذكور مع فاعله، ثم ذكر المثال. ويتعين في قوله: (زيد) أن يكون فاعلاً؛ لأنه أتى به مثالاً لحذف فعل الفاعل، وإلا فإنه يترجح كونه مبتدأ حذف خبره؛ لأن السؤال جملة اسمية، ومطابقة الجواب للسؤال مطلوبة، ويكون التقدير: زيد قرأ.
*…*…*
230) وَتَاءُ تَأنِيثٍ تَليِ المَاضِي إذَا……كَانَ لأُِنْثَى كَأَبَتً هِنْدُ الأَذَى
هذا الحكم السادس من أحكام الفاعل، وهو أنه إن كان مؤنثاً أنث فعله بتاء ساكنة في آخر الماضي، وبتاء متحركة في أول المضارع. نحو: صامت هند يوم الخميس، وتصوم هند، وثغت النعجة، وأزهرت الحديقة.(1/176)
وهذا معنى قوله: (وتاء تأنيث . . . إلخ) أي: إذا كان الفعل الماضي (لأنثى) أي: أسند إلى فاعل مؤنث لحقته تاء تأنيث ساكنة تدل على أن الفاعل مؤنث(768)، ثم ذكر المثال، وقوله: (الماضي) هو مفعول (تلي) وحقه فتح الياء؛ لأنه منقوص. لكنه يقرأ بالتسكين للوزن.
*…*…*
231) وَإِنَّمَا تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمرِ……مُتَّصِلٍ أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ
تاء التأنيث مع الفعل لها حالتان:
الأولى: حالة وجوب.……الثانية: حالة جواز.
فيجب اتصال تاء التأنيث بالفعل في موضعين:
الأول: أن يكون الفاعل ضميراً مستتراً يعود على مؤنث حقيقي التأنيث أو مجازي التأنيث(769) نحو: نجلاء وصلت رحمها، ففاعل (وصلت) ضمير مستتر، وكذا: الحديقة أزهرت، قال تعالى: (فلما وضعتها قالت((770) وقال تعالى: (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل((771) فالفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هي، ولا يجوز التذكير بحذف التاء إلا في الشعر مع المؤنث المجازي، كقول الشاعر:
فلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها……ولا أرض أبقل إبقالَها(772)
وسيأتي ذكر هذا.
فإن كان الفاعل ضميراً منفصلاً جاز التأنيث وعدمه، نحو: عبير ما قام إلا هي، والأفصح عدم التأنيث.
الثاني: أن يكون الفاعل اسماً ظاهراً حقيقي التأنيث متصلاً بفعله غير مراد به الجنس وغير جمع، نحو: روت عائشة - رضي الله عنها - أحاديث كثيرة، قال تعالى: (وقالت امرأتُ فرعون((773)، وقال تعالى: (إذ تمشى أخُتك((774) وقال تعالى: (قالت نملةٌ((775) فإن كان الاسم الظاهر مجازي التأنيث لم يجب تأنيث الفعل نحو: انتهت الحرب. وانتهى الحرب، قال تعالى: (فما ربحت تجارتُهم((776) وقال تعالى: (فمن جآءه موعظةٌ من ربه فانتهى فله ما سلف((777) وقال تعالى: (وجُمِعَ الشمسُ والقمرُ((778).
وإن فصل بين الحقيقي وفعله بفاصل. فسيأتي حكمه. كما يأتي حكم اسم الجنس، والجمع وما جرى مجراه إن شاء الله تعالى.(1/177)
وهذا معنى قوله: (وإنما تلزم فعل مضمر) أي: تلزم تاء التأنيث فعل فاعل مضمر متصل - أي: مستتر - كما تلزم فعل فاعل يُفْهِمُ ويدل على مؤنث حقيقي، وقوله: (ذات حِرِ): الحِرِ: في الأصل فرج المرأة. والمراد هنا مطلق فرج، وأصله: حِرِحٌ بكسر الحاء فحذفت لام الكلمة، وهي الحاء اعتباطاً(779)، فبقي كيدٍ ودمٍ، وأصلهما: يَديٌ ودمَيٌ.
232) وَقَدْ يُبِيْحُ الْفَصْلُ تَرْكَ التّاءِ فِي……نَحْوِ أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ
233) وَالْحَذْفُ مَعْ فَصْلٍ بِإلاَّ فُضِّلاَ……كَمَا زَكَا إِلاَّ فَتَاةُ ابْنِ الْعَلاَ
ما في هذين البيتين تقييد لقوله: (أو مُفهمٍ ذات حِرِ) فإن المؤنث الحقيقي إنما يجب تأنيث فعله إذا اتصل به - كما تقدم - فإن فصل عنه بفاصل فلا يخلو:
1) إما أن يكون الفاصل غير (إلا) فيجوز إثبات التاء وتركها، والأجود الإثبات، نحو: أتى القاضي بنتُ الواقف، والأجود: أتت.
وهذا معنى قوله: (وقد يبيح الفصل . . . إلخ) أي: إن الفصل بين الفعل وفاعله المؤنث الحقيقي يبيح ترك تاء التأنيث، ثم ذكر المثال، والتعبير بـ(قد) والإباحة يفيد أن الأحسن الإثبات.
2) أن يكون الفاصل (إلا) فعند الجمهور يجب حذف التاء؛ لأن الفاعل اسم مذكر محذوف، فتقول: ما صام إلا فاطمة، أي: ما صام أحد إلا فاطمة، والإثبات خاص بالشعر. كقول الشاعر:
ما برئت من ريبة وذَمِّ……في حربنا إلا بنات العَمِّ(780)
وظاهر كلام ابن مالك أنه يجوز إثبات التاء في النثر، نظراً للظاهر الملفوظ به، وهو الاسم المؤنث، والحذف أحسن، لما تقدم.
وهذا معنى قوله: (والحذف مع فصل . . . إلخ) أي: أن ترك التاء مع الفصل بـ(إلا) مفضل على الإثبات، نحو: مازكا - ما صلح - إلا فتاة الرجل المعروف بابن العلا، ويفهم من ذلك أن الإثبات مرجوح.
*…*…*
234) والْحَذْفُ قَدْ يَأْتِي بلا فَصْلٍ وَمَعْ……ضميرِ ذِي المْجَازِ فِي شِعْرٍ وَقَعْ(1/178)
قد تحذف تاء التأنيث من الفعل المسند إلى مؤنث حقيقي من غير فصل، فقد حكى سيبويه عن بعضهم: قال فلانة(781) بحذف التاء من (قال)، وهذا شاذ لا يقاس عليه.
وقد تحذف التاء من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث المجازي. وهو خاص بالشعر، وتقدم ذكر ذلك.
وهذا معنى قوله: (ومع ضمير ذي المجاز . . . إلخ) أي وقع الحذف في الشعر مع الفاعل إذا كان ضميراً يعود على مؤنث مجازي.
*…*…*
235) وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ سِوَى السَّالِمِ مِنْ……مُذَكَّرٍ كَالتَّاءِ مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ
يفهم مما تقدم أن الفعل يؤنث جوازاً في موضعين:
الأول: أن يكون الفاعل مؤنثاً مجازياً.
الثاني: أني يكون الفاعل مؤنثاً حقيقياً فصل عن فعله بفاصل.
وذكر في هذا البيت الموضع الثالث وهو أن يكون الفاعل جمع سلامة لمؤنث، أو جمع تكسير لمذكر أو مؤنث، فمثال جمع المؤنث السالم: حضرت المعلمات، وحضر المعلمات.
ومثال جمع التكسير لمذكر: بدأ العمال، وبدأت العمال. قال تعالى: (لقد جآءت رسل ربنا بالحق((782) وقال تعالى: (قل قد جآءكم رسلٌ من قبلي((783)، ومثال جمع التكسير لمؤنث: عرفت الفواطمُ قيمة الحجاب، أو عرف.
ويلحق بالجمع اسم الجمع(784) نحو: قدم الركب. وقدمت الركب، قال تعالى: (فآمنت طآئفة من بني إسرائيل وكفرت طآئفة((785) وقال تعالى: (بَيَّتَ طآئفة منهم غير الذي تقول((786)، وقال تعالى: (وقال نسوة في المدينة((787) فحذف التاء على تأويله بالجمع، فيكون مذكر المعنى، فكأن العامل مسندٌ إلى هذا المذكر، وإثبات التاء على تأويله بالجماعة، فيكون مؤنث المعنى، فكأن العامل مسندٌ إليه.(1/179)
وهذا معنى قوله: (والتاء مع جمع . . . إلخ) أي: وتاء التأنيث مع الفعل إذا كان فاعله جمعاً سوى جمع المذكر السالم كحكم التاء مع الفعل إذا كان فاعله مجازي التأنيث، مثل كلمة (اللبنة) التي هي مفرد (اللبن) وهو (الطوب الذي لم يطبخ بالنار)، فتقول: سقطت اللبنة وسقط اللبنة، وجواز الوجهين مع جمع التكسير بنوعيه واسم الجمع لا خلاف فيه، وإنما خالف البصريون في جمع المؤنث السالم فأوجبوا التأنيث في فعله(788)، ورأيهم حسن، لأن حكمه حكم مفرده.
أما ابن مالك فيرى جواز الوجهين في كل جمع، لأنه لم يستثن إلا السالم من جمع المذكر، فبقي ما عداه جائز الوجهين، كالمؤنث المجازي.
*…*…*
236) وَالْحَذْفَ فِي نِعْمَ الْفَتاةُ اسْتَحْسَنُوا……لأِنَّ قَصْدَ الْجِنْسِ فِيهِ بَيِّنُ
هذا الموضع الرابع من مواضع جواز تأنيث الفعل، وهو أن يكون من أفعال المدح أو الذم كـ(نعم وبئس) مسندين إلى مؤنث حقيقي التأنيث نحو: نعمت الأم تربي أولادها وتلزم بيتها، ويجوز: نعم الأم . . . لأن كلمة (الأم) مقصود بها الجنس، لا يراد بها واحدة بعينها، على سبيل المبالغة في المدح، فأشبه جمع التكسير في أن المقصود به متعدد.
وهذا معنى قوله: (والحذف في نعم الفتاة . . . إلخ) أي: استحسن النحاة حذف التاء من الفعل (نعم) في قولك: (نعم الفتاة) وذلك لأن فاعلها مقصود به استغراق الجنس.
*…*…*
237) والأصْلُ فِي الْفَاعِل أَنْ يَتَّصِلاَ……وَالأَصْلُ فِي الْمَفْعُولِ أَنْ يَنْفَصِلاَ
238) وَقَدْ يُجَاءُ بِخِلاَفِ الأَصْلِ……وَقَدْ يَجِي الْمَفْعُولُ قَبْلَ الْفِعْلِ
هذا هو الحكم السابع من أحكام الفاعل، وهو أن الأصل في الفاعل أن يتصل بفعله، لأنه منزل منزلة جزئه، ولهذا جاءت علامة الرفع بعد الفاعل في الأمثلة الخمسة، نحو: يكتبون.
والأصل في المفعول أن ينفصل عن الفعل، بأن يتأخر عن الفاعل نحو: حرم الإسلام الغشَّ، قال تعالى: (وورثَ سليمانُ داودَ((789).(1/180)
وهذا الأصل قد يكون واجباً. كما سيأتي إن شاء الله، وقد يُخالف، فيقدم المفعول على الفاعل.
وقد يتقدم المفعول على الفعل.
وتقدم المفعول على الفاعل نوعان:
الأول: جائز، وهو ما خلا من موجب التقديم أو التأخير، نحو: أمّ المصلين عمر، قال تعالى: (وإذا مسَّ الإنسانَ ضرٌّ دعا ربّه منيباً إليه((790) وقال تعالى: (إذ حَضَرَ يعقوبَ الموتُ((791) فـ(الإنسان) مفعول مقدم على الفاعل، وهو (ضرُّ)، و(يعقوب) مفعول مقدم على الفاعل (الموت).
الثاني: واجب، وسيأتي إن شاء الله.
وأما تقدم المفعول على الفعل فنوعان أيضاً:
الأول: جائز وهو ما خلا من موجب التقديم أو التأخير، نحو: الواجبَ كتب الطالبُ، قال تعالى: (ففريقًا كذّبتم وفريقًا تقتلون((792) فـ(فريقاً) مفعول مقدم للفعل الذي بعده.
الثاني: واجب، وله مواضع ثلاثة:
1) أن يكون المفعول من الألفاظ التي لها الصدارة، كأسماء الشرط والاستفهام، نحو: أيَّ مخلص تكرمْ أكرمْ، فـ(أيَّ) مفعول مقدم للفعل (تكرم) وتقدمه واجب، لأن له الصدارة، وكذا لو أضيف لما له الصدارة نحو: صديقَ مَنْ قابلت؟ فـ(صديق) مفعول مقدم للفعل بعده، وهو واجب التقديم، لأنه أضيف لـ(مَنْ) الاستفهامية، قال تعالى: (فأيَّ آيات الله تنكرون((793) فـ(أيَّ) مفعول مقدم للفعل (تنكرون)، وقال تعالى: (أيّا مّا تدعوا فله الأسماء الحسنى((794) فـ(أيا) مفعول مقدم للفعل (تدعوا) و(ما) صلة.
2) أن يقع عامله بعد فاء الجزاء في جواب (أما) الشرطية الظاهرة أو المقدرة، ولا اسم يفصل بين هذا العامل و(أما)، فيجب تقديم المفعول به ليكون فاصلاً، لأن الفعل - وخاصة المقرون بفاء الجزاء - لا يلي (أما). كقوله تعالى: (فأمّا اليتيم فلا تقهر((795) وقوله تعالى: (وربَّك فكبِّر((796) بخلاف قولك: أما اليوم فاحفظ وقتك، فلا يجب تقديم المفعول (وقتك) لحصول الفصل بالظرف.(1/181)
3) أن يكون المفعول ضميراً منفصلاً لو تأخر عن عامله لوجب اتصاله به، وذلك في غير باب (سلنيه) و(خلتنيه) اللذين يجوز فيهما الاتصال والانفصال مع التأخر، ومثال ذلك: أيها الشباب إياكم نخاطب، وإياكم ترقب البلاد، فاستقيموا على طاعة الله تعالى، فلو تأخر المفعول لقلنا: نخاطبكم وترقبكم، فيفوت الغرض المقصود من التقديم، وهو الحصر، قال تعالى: (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين((797).
قال ابن مالك: (والأصل في الفاعل أن يتصلا . . . إلخ) أي: أن الأصل في تكوين الجملة وترتيبها يقتضي أن يتصل الفاعل بعامله، وأن ينفصل المفعول به عن ذلك العامل، بسبب وقوع الفاعل فاصلاً بينهما، ولكن هذا الأصل يراعى أحياناً، فقد يتقدم المفعول به على الفاعل، وقد يتقدم المفعول به على الفعل أيضاً.
*…*…*
239) وَأَخِّرِ الْمَفْعُولَ إِنْ لَبْسٌ حُذِرْ……أَوْ أُضْمِرَ الْفَاعِلُ غَيْرَ مُنْحَصِرْ
تقدم أن الأصل تقدم الفاعل على المفعول، وقد يكون ذلك واجباً، وذلك في ثلاثة مواضع:
الأول: إذا خيف التباس أحدهما بالآخر، كما إذا خفي الإعراب فيهما، ولم توجد قرينة تبين الفاعل من المفعول، ومن مواضع خفاء الإعراب أن يكون كل منهما اسماً مقصوراً لا تظهر عليه الحركة، نحو: أكرم عيسى موسى، فيجب كون (عيسى) فاعلاً و(موسى) مفعولاً.
فإن وجد قرينة لفظية أو معنوية تبين أحدهما من الآخر لم يجب تقديم الفاعل، فاللفظية نحو: وَعَظَتْ عيسى ليلى. فـ(ليلى) فاعل، بدليل تأنيث الفعل، والمعنوية نحو: كسر العصا موسى. فـ(موسى) فاعل بدلالة المعنى.
الثاني: أن يكون الفاعل ضميراً متصلاً والمفعول به اسماً ظاهراً نحو: أتقنت العمل، فلا يجوز تقديم المفعول على الفاعل، لئلا ينفصل الضمير مع إمكان الاتصال(798).
الثالث: أن يكون المفعول محصوراً بـ(إنما) أو (بإلا) نحو: إنما يقول المسلمُ الصدقَ، وسيأتي قريباً ذكر ذلك إن شاء الله.(1/182)
وإلى الموضعين - الأول والثاني - أشار بقوله: (وأخِّرِ المفعولَ . . . إلخ) أي: قدم الفاعل وأخِّر المفعول وجوباً إذا خيف اللبس، أو كان الفاعل ضميراً غير محصور يجب اتصاله بعامله.
*…*…*
240) وَمَا بِإلاَّ أَوْ بِإِنَّمَا انْحَصَرْ……أَخِّرْ وَقَدْ يَسْبِقُ إِنْ قَصْدٌ ظَهَرْ
ذكر في هذا البيت موضعاً واحداً من مواضع وجوب تقديم الفاعل على المفعول، وموضعاً من مواضع وجوب تقديم المفعول على الفاعل، وهو ما إذا كان الفاعل أو المفعول محصوراً بـ(إنما) أو بـ(إلا)، وذلك لأن كل ما قصد حصره استحق التأخير فاعلاً كان أو مفعولاً، أو غيرهما.
فإذا حُصر الفاعل أُخّر، ووجب تقديم المفعول(799) نحو: لا ينفع المرء إلا العملُ الصالح، وإنما ينفع المرءَ العملُ الصالح. قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماءُ((800) فـ(العلماء) فاعل (يخشى) لأن الغرض قصر الخشية على العلماء(801).
وقد يجوز تقديم المحصور بـ(إلا) على مفعوله إذا هي تقدمت معه وسبقته، نحو: لا ينفع إلا العملُ الحميد المرءَ، فـ(العمل) فاعل محصور بـ(إلا)، وجاز تقدمه لعدم اللبس؛ لأن وجود (إلا) قبله دليل على أنه هو المحصور. بخلاف المحصور بـ(إنما) فإنه يتأخر عنها فلو قُدم لم يعلم تقدمه.
ومن التقديم مع (إلا) قول الشاعر:
ما عاب إلا لئيمٌ فِعلَ ذي كرم ……ولا جفا قطُّ إلا جُبَّأٌ بطلا(802)
فقدم الفاعل المحصور بـ(إلا) في الموضعين، وهو دليل لمن يجيز ذلك.
وإذا حصر المفعول أخّر ووجب تقديم الفاعل، سواء كان الحصر بـ(إنما) أو بـ(إلا) نحو: لا يقول المسلمُ إلا الصدقَ، إنما يقول المسلمُ الصدقَ.
وقد يجوز تقديم المحصور بـ(إلا) على فاعله، إذا هي تقدمت معه، نحو: لا يقول إلا الصدقَ المسلمُ، قال الشاعر:
تزودت من ليلى بتكليم ساعة……فما زاد إلا ضِعْفَ ما بي كلامُها(803)(1/183)
فقدم المفعول المحصور بـ(إلا) وهو (ضعف) على الفاعل، وهو (كلامها) وهذا معنى قوله: (وما بإلا أو بإنما انحصر أخر . . . إلخ) أي: ما انحصر بـ(إلا) أو بـ(إنما) من فاعل أو مفعول فإنه يجب تأخيره، وقد يتقدم المحصور إذا ظهر المقصود، وذلك إذا كان الحصر بـ(إلا).
*…*…*
241) وَشَاعَ نَحْوُ خَافَ رَبَّهُ عُمَرْ…وَشَذَّ نَحْوُ زَانَ نَوْرُهُ الشَّجَرْ
ذكر في هذا البيت مسألتين متعلقتين بموضوع تقديم المفعول:
الأولى: إذا اشتمل المفعول على ضمير يرجع إلى الفاعل جاز تقديم المفعول وتأخير الفاعل نحو: أدى واجبه الطالبُ، والأصل: أدى الطالبُ واجبَه، قال تعالى: (حتى إذا أخذت الأرضُ زخرفَهَا((804) فلو قيل في غير القرآن: (أخذت زخرفَها الأرضُ) لجاز.
وإنما جاز ذلك - وإن كان فيه عود الضمير على متأخر لأن الفاعل وإن تأخر فهو متقدم رتبة، لأن الأصل فيه أن يتصل بالفعل فالضمير عائد على متأخر لفظاً متقدم رتبة.
وهذا معنى قوله: (وشاع نحو خاف ربه عمر) أي: كثر في لسان العرب تقديم المفعول المشتمل على ضمير يعود إلى الفاعل المتأخر فـ(ربّه) منصوب على التعظيم(805)، و(عمر) فاعل.
المسألة الثانية: إذا اشتمل الفاعل المتقدم على ضمير يعود إلى المفعول المتأخر، نحو: قرأ صاحبُه الكتابَ، فهذا ممنوع في النثر، جائز في الشعر، ويجب تقديم المفعول على الفاعل، فتقول: قرأ الكتابَ صاحبه. قال تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّهُ((806) وقال تعالى: (كلّ ما جآء أمةً رسُولُها((807)، وهذه هي المسألة الثانية التي يجب فيها تقديم المفعول على الفاعل، إذ لو تأخر المفعول به لعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا لا يجوز.
وقد ورد في شعر العرب أمثلة عاد الضمير فيها من الفاعل المتقدم إلى المفعول المتأخر، ولا داعي لمحاكاتها في النثر، فتحفظ بلا تأويل ولا يقاس عليها، ومنها قول حسان رضي الله عنه:(1/184)
ولو أن مجداً أخلد الدهر واحداً……من الناس أبقى مجده الدهر مطعماً(808)
فأخر المفعول (مطعماً) عن الفاعل (مجده)، مع أن الفاعل قد اتصل بضمير يعود على المفعول.
وقول الآخر:
لما رأى طالبوه مصعباً ذُعروا……وكاد لو ساعد المقدور ينتصر(809)
والضمير في الفاعل (طالبوه) يعود على المفعول المتأخر وهو قوله: (مصعباً).
وهذا معنى قوله: (وشذ نحو زانَ نورُه الشجر) أي: شذ في كلامهم تقديم الفاعل المتصل بضمير المفعول المتأخر، والمراد بنحو (زانَ نورُه الشجر) كل كلام فيه ضمير اتصل بالفاعل المتقدم وهو عائد على المفعول المتأخر، وقوله: (نَوره) بفتح النون، هو الزهر أو الأبيض منه.
نائب الفاعل
242) يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ……فِيما لَهُ كَنيِلَ خَيْرُ نَائِلِ
نائب الفاعل: اسم مرفوع لفظاً أو محلا، يحل محل الفاعل عندما يحذف، ويبنى الفعل للمجهول، نحو: أكرم خالدُ الغريب، فيقال: أُكْرِم الغريب، فالغريب نائب فاعل مرفوع لفظاً، ونحو: سلمت على الذي ألقى المحاضرة، فتقول: سُلِّمَ على الذي ألقى المحاضرة، فالجار والمجرور في محل رفع نائب فاعل.
والتعبير بنائب الفاعل أحسن من التعبير بـ(المفعول الذي لم يسم فاعله) لأنه أخصر، ولأن النائب عن الفاعل لا يلزم أن يكون مفعولاً به فقد ينوب غيره، كالظرف والجار والمجرور والمصدر، كما سيأتي إن شاء الله.
فإذا أريد حذف الفاعل لغرض لفظي أو معنوي(810) ترتب على حذفه أمران:
الأول: تغيير صيغة الفعل .
الثاني: إقامة نائب عنه، يحل محله، ويأخذ كثيراً من أحكامه في (باب الفاعل) وهي:
1) أنه يُرفع.
2) أن يتأخر عن عامله، فلا يجوز تقدمه عليه.
3) أنه يكون عمدة وجزءاً أساسياً في الجملة.
4) تأنيث عامله أحياناً.
5) تجرد عامله من علامة تثنية أو جمع.
إلى غير ذلك مما يأخذه النائب عن الفاعل.(1/185)
وهذا معنى قوله: (ينوب مفعول به عن فاعل . . . إلخ) أي: ينوب المفعول به عن الفاعل فيما استقر له من الأحكام، مثل: نيل خير نائل والأصل: نال المستحقُ خيرَ نائل، والنائل والنوال هو العطاء، والمراد هنا: الشيء المعطى؛ لأنه تمثيل لإنابة المفعول به، لا لإنابة المصدر.
*…*…*
243) فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ وَالمُتَّصِلْ…بِالآخِرِ اكْسِرْ فِي مُضِيٍّ كَوُصِلْ
244) وَاجْعَلْهُ مِنْ مُضَارِعٍ مُنْفَتِحَا……كَيَنْتَحِي الْمَقُولِ فِيهِ يُنْتَحَى
245) وَالثَّانِيَ التَّالِيَ تَا الْمَطَاوعَهْ……كَالأَوَّلِ اجْعَلْهُ بِلاَ مُنَازَعَهُ
246) وَثَالِثَ الَّذِي بِهَمْزِ الْوَصْلِ……كَالأَوَّلِ اجْعَلَنَّهُ كَاسْتُحْلِي
تقدم أن شرط النيابة عن الفاعل تغيير صورة الفعل إيذاناً بهذه النيابة ، وتفصيل ذلك كالآتي:
1) إذا كان الفعل ماضياً صحيح العين، خالياً من التضعيف(811) وجب ضم أوله وكسر ما قبل آخره إن لم يكن مكسوراً من قبل، نحو: فتحَ العملُ بابَ الرزق، فيقال: فُتِحَ بابُ الرزق، ونحو: شَرِب المريض العسلَ، فيقال: شُرِبَ العسلُ.
2) إذا كان الفعل مضارعاً وجب في كل حالاته ضم أوله وفتح ما قبل آخره إن لم يكن مفتوحاً من قبل، نحو: يحترِمُ الناسُ العالم، فيقال يُحترَمُ العالم، ونحو: يَتَعلَّم خالد النحو، ، فيقال: يُتَعلّم النحو، وقد يكون الفتح مقدراً، مثل: يصوم المسلمون رمضان، فيقال: يُصامُ رمضانُ.
إذا كان الفعل مبدوءاً بتاء المطاوعة(812) - ومثلها كل تاء تكثر زيادتها عادة - وجب ضم الحرف الثاني مع الأول، نحو: تعلم هشام النحو: فيقال: تُعُلّم النحوُ، وتفضل الصديق بالزيارة. فيقال: تُفُضّل بالزيارة.
3) إذا كان الماضي مبدوءاً بهمزة وصل(813) فإن ثالثه يضم مع أوله نحو: اعتمد المسلم على الله. فيقال: اُعتُمد على الله.(1/186)
قال ابن مالك عن الأول والثاني (فأول الفعل اضممن . . . إلخ) أي: أن أول الفعل المبني للمجهول يضم في الماضي والمضارع، وأن الحرف المتصل بالآخر يكسر في الماضي، مثل: وُصِل، أصله: وَصَلَ خالد رحمه، فتقول: وُصلت الرحمُ، ويفتح في المضارع مثل: ينتحي فيقال فيه: يُنتحَى. ومعناه: يميل. مثل: ينتحي الرجل إلى الشجرة، أي: يميل إليها ويتجه نحوها.
وقال عن الثالث: (والثاني التالي تا المطاوعة . . . إلخ) أي: اجعل الحرف الثاني مضموماً كالأول إن كان الأول تاء المطاوعة، إذ لا نزاع في ذلك،أي: لا خلاف فيه، وقيد تاليها بكونه ثانياً - مع أنه هو الثاني - لينبه على أن هذا الحكم خاص بالماضي، لأن تاليها في المضارع ثالث. فيبقى على الأصل من ضم الأول وفتح ما قبل الآخر، نحو: يتعلم جابر النحو، فيقال: يُتعلم النحو، وقال عن الرابع: (وثالث الذي بهمز الوصل . . .إلخ) أي: إن الحرف الثالث من الفعل المبدوء بهمزة الوصل يضم كالأول، ومثل له بالفعل (اسْتُحْلِي) المبني للمجهول، وأصله: اسْتَحْلَى صالح الشراب.
*…*…*
247) وَاكْسِرْ أَوَ اشْمِمْ فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ……عَيْناً وَضَمٌّ جَاكَبُوعَ فَاحْتُمِلْ
4) إذا كان الماضي ثلاثياً معلَّ العين(814). جاز في فائه(815) عند بنائه للمجهول ثلاثة أوجه - سواء كان واوياً أو يائياً - وهي:
1) إخلاص الكسر، فينقلب حرف العلة ياء، وهذا هو الأفصح نحو: صام المسلم رمضان، باع التاجر بضاعته، فيقال: صيم رمضان وبيعت البضاعة، قال تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي مآءك وياسماء أقلعي وغيض المآء((816).
2) إخلاص الضم، فينقلب حرف العلة واواً، وهذا أضعف الأوجه نحو: صُوم وبُوع. قال الشاعر:
ليتَ وهل ينفع شيئاً ليتُ ……ليتَ شباباً بوع فاشتريت(817)(1/187)
3) والإشمام: وهو في النطق لا في الكتابة، وهو عند النحاة النطق بحركة صوتية تجمع بين ضمة قصيرة وكسرة طويلة على التوالي السريع، وقد قرئ في السبعة (وقيل يا أرض ابلعي((818) بالإشمام في (قيل وغيض).
وجواز الأوجه الثلاثة مشروط بألا يحصل لبس، وإلا وجب العدول عنه إلى ضبط آخر لا لبس فيه، كما سيذكر ذلك.
وهذا معنى قوله: (واكسر أَوَ اشمم . . . إلخ) أي: اكسر أو أشمم فاء الماضي الثلاثي المُعَلّ العين، وقد جاء الضم عن العرب، فيجوز القياس عليه، واحتمل قبوله لمجيئه عنهم، ويقرأ (أوَ اشمم) بفتح الواو بدل السكون، والأصل: (أوْ أشمم) وهو أمر من الرباعي (أشمَّ) فانتقلت حركة الهمزة وهي الفتحة إلى الواو الساكنة بعد حذف الهمزة، للوزن وقوله: (جا) بالقصر. وهو خبر المبتدأ (وَضَمُّ) وسَوَّغ الابتداء به وقوعه في معرض التفصيل.
*…*…*
248) وَإِنْ بِشَكْلٍ خِيفَ لَبْسٌ يُجْتَنَبْ……وَمَا لِبَاعَ قَدْ يُرَى لِنَحْوِ حَبّ
إذا بني الفعل الماضي المُعَلُّ العين للمجهول وأسند لضمير تَكَلُّمٍ أو خطاب، أو لنون النسوة الدالة على الغائبات حصل لبس بينه وبين الفعل المبني للمعلوم المسند لهذه الضمائر.
فمثلاً: ساد العاقل قومه، تقول بعد إسناده لضمير المخاطب: يا عاقل سُدتَ قومَك، بضم السين ليس غير، والتاء فاعل، فإذا قلنا: يا مهمل سادك النابغ، ثم أردنا نيابة المفعول عن الفاعل فإننا نقول: يا مهمل سُدتَ (بالضم أيضاً)، فيقع اللبس بينه وبين الفعل المبني للمعلوم المسند للفاعل، فيمتنع ضم الحرف الأول في هذه الحالة ونعدل إلى الكسر. فنقول: يا مهمل سِدتَ، فالتاء نائب فاعل أي: صرت مسوداً، أي: سادك غيرك، ويجوز أن نعدل إلى الإشمام، وهذا مثال الواوي.(1/188)
ومثال اليائي: باع ماجد البضاعة، فإذا أسندناه لضمير المخاطب - مثلاً - قلنا: يا ماجد بِعتَ البضاعة، بكسر الباء فقط، والتاء: فاعل، وإذا قلنا: يا عبد باعك سيدك، ثم بنى الفعل للمجهول، قلنا: يا عبد بِعتَ، بالكسر أيضاً، فيحصل اللبس فنعدل إلى الضم أو الإشمام، فنقول: يا عبد بُعتَ أي: وقع عليك البيع، فالتاء: نائب فاعل.
وهذا معنى قوله: (وإن بشكل خيف لبس يجتنب) أي: وإن وقع لبس في وجه من الأوجه السابقة، بحيث لا يمكن تمييز الفعل المبني للمعلوم من المبني للمجهول فإنه يجب اجتناب ذلك الوجه إلى آخر لا لبس فيه.
6) إذا كان الماضي الثلاثي مضعفاً(819) مدغماً جاز في فائه عند بنائه للمجهول الأوجه الثلاثة السابقة: إخلاص الضم، وهو أعلاها هنا. والإشمام، والكسر، تقول: عدَّ التاجر المال، وبعد بنائه: عُدَّ المال(820)، فالمال: نائب فاعل.
وهذا معنى قوله: (وما لباع . . . إلخ)، أي: أن ما ثبت لفاء (باع) من الأوجه الثلاثة قد يثبت لنحو: (حبَّ) من كل ماضٍ ثلاثي مضاعف والمراد بقوله: (باع) كل ماضٍ ثلاثي مُعَلَّ العَين، كما تقدم.
*…*…*
249) وَمَا لِفَا بَاعَ لِمَا الْعَيْنُ تَلِي……فِي اخْتَارَ وَانْقَادَ وَشِبْهٍ يَنْجَلِي
…7) إذا كان الفعل الماضي المُعَلُّ العين على وزن (افتعل) أو (انفعل) جاز في الحرف الثالث الأصلي منه الأوجه الثلاثة السابقة، وهي: الضم والكسر والإشمام، ويضبط الحرف الأول - وهو همزة الوصل - بما يضبط به الحرف الثالث، والمختار هنا الكسر في اليائي، والضم في الواوي، تقول في الواوي: انقاد الطلاب للمعلم، وبعد بنائه: انقود للمعلم، أو انقيد، ويجوز الإشمام.
وتقول في اليائي: اختار المعلم علياً من بين زملائه، وبعد بنائه: اختير عليٌّ من بين زملائه(821)، أو اختور، ويجوز الإشمام.(1/189)
وهذا معنى قوله: (وما لفا باع . . . إلخ) أي: ما ثبت لفاء (باع) من الأوجه الثلاثة يثبت للحرف الذي تليه عين الفعل، من نحو: (اختار) و(انقاد) وما أشبهها، فإن حكمه (ينجلي) أي: يتضح. وجملة (ينجلي) صفة لقوله: (وَشِبْهٍ).
250) وَقَابِلٌ مِنْ ظَرْفٍ أوْ مِنْ مَصْدَرِ……أَوْ حَرْفِ جَرٍّ بِنَيِابَةٍ حَرِى
تقدم أنه يترتب على حذف الفاعل أمران:
الأول: تغير صورة الفعل، وقد مضى الكلام على ذلك.
الثاني: إقامة نائب عنه يحل محلَّه، ويخضع لكثير من أحكامه والذي يصلح للنيابة عن الفاعل واحد من أربعة أشياء:
المفعول به فقد ذكره ابن مالك في البيت الأول من الباب ويتعلق به بعض أحكام ستأتي إن شاء الله، أما الثلاثة الباقية فشرطها أن تكون قابلة للنيابة.
فالظرف يصلح للنيابة عن الفاعل بشرطين:
الأول: أن يكون متصرفاً، وهو ما يخرج عن النصب على الظرفية وعن الجر بـ(مِنْ) إلى التأثر بالعوامل المختلفة كـ: زمن ووقت وساعة ويوم وغيرها.
بخلاف (سحر) [إذا أريد به سحر يوم بعينه]، و(عندك) لأن الأول ملازم للنصب على الظرفية، والثاني ملازم للنصب أو الجر بمن فلا يصلح أن يكون نائب فاعل.
الشرط الثاني: أن يكون الظرف مختصاً، والمراد بالاختصاص هنا: أن يزاد على معنى الظرفية معنى جديد ليزول الغموض والإبهام عن معناه، وذلك إما بوصف أو إضافة أوعلمية ونحوها، مثل: صيم يومُ الخميس، جُلس وقتٌ طويل، صيم رمضانُ.
وأما المصدر واسم المصدر فيصلح للنيابة بشرطين - أيضاً -:
الأول: أن يكون متصرفاً، وهو ما يخرج عن النصب على المصدرية إلى التأثر بالعوامل المختلفة، نحو: أكْل، كتابة، فَهْم، جلوس، وغيرها.
بخلاف: (معاذ الله) فإنه مصدر ميمي منصوب بفعل محذوف أي: أعوذ بالله معاذاً، لكنه لم يشتهر استعماله عن العرب إلا منصوباً مضافاً فلا يقع نائب فاعل؛ لئلا يخرج عما استقر له في لسان العرب.(1/190)
ونحو: سبحان الله. فهو اسم مصدر منصوب بفعل محذوف أي: أسبح الله سبحان، ولم تستعمله العرب إلا منصوباً مضافاً في الأغلب.
الشرط الثاني: أن يكون المصدر مختصاً، والمراد به هنا: أن يكتسب المصدر من لفظ آخر معنى زائداً على معناه المبهم المقصور على الحدث المجرد، نحو: قرئ قراءةٌ صحيحة، جُلس جلوسُ الخائف، بخلاف: قرئ قراءة، لعدم الفائدة؛ لأن المصدر لم يفد معنى زائداً على ما فهم من الفعل.
وأما الجار والمجرور فيصلح للنيابة بشرطين:
الأول: أن يكون حرف الجر متصرفاً، والمراد به: أن لا يلزم طريقة واحدة لا يخرج عنها إلى غيرها، كـ(مذ) و(منذ) الملازمين لجر الزمان و(رُبَّ) الملازمة للنكرات.
الثاني: أن يكون المجرور مختصاً، والمراد بالاختصاص: أن يكتسب الجار مع مجروره معنى زائداً إما بوصف أو إضافة أو غيرهما نحو: جُلس في المسجد الجامع، ونحو: فُرح بانتصار المسلمين، ونائب الفاعل هو الجار والمجرور على المشهور(822)، بخلاف: فُرح بانتصار؛ لعدم الفائدة من الإسناد.
وهذا معنى قوله: (وقابل من ظرف . . . إلخ) أي: إن القابل للنيابة عن الفاعل من الظرف والمصدر، ومثله اسم المصدر، وحرف الجر مع مجروره حقيق وجدير بها، وأشعر قوله: (وقابل) بأن نيابة ما ذكر لابد لها من شروط.
*…*…*
251) وَلاَ يَنُوبُ بَعْضُ هذِي إِنْ وُجِدْ……فِي اللَّفْظِ مَفْعُولٌ بِهِ وَقَدْ يَرِدُ
إذا وجد في الجملة ما يصلح للنيابة من المفعول به والمصدر والظرف والمجرور لم يجز أن ينوب عن الفاعل إلا واحد؛ لأن النائب عن الفاعل كالفاعل لا يتعدد.
وقد اختلف النحويون في الذي ينوب عن الفاعل. فقال البصريون إلا الأخفش: تجب نيابة المفعول به، ولا ينوب غيره مع وجوده، ففي مثل: ألقى الطالبُ كلمة إلقاءاً بارعاً في الحفل يوم الخميس أمام الحاضرين. تقول: أُلقيَ كَلمةٌ، أو ألقيت كَلمةٌ إلقاءَ بارعاً . . . إلخ، وما خالف ذلك فهو شاذ أو مؤول.(1/191)
وقال الكوفيون: تجوز إنابة غير المفعول به مع وجوده تقدم أو تأخر، واستدلوا بقراءة أبي جعفر - وهو من العشرة -(823): (ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون((824) فقد قرأ (يُجزى) بالياء مضمومة مبنياً للمجهول، مع نصب (قوماً)، والنائب الجار والمجرور، على أحد القولين(825).
ويقول الشاعر:
لم يُعنَ بالعلياء إلا سيداً…ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى(826)
فقد أناب الجار والمجرور. بدليل نصب المفعول به (إلا سيداً)
ولو قيل بإنابة ماله أهمية في إيضاح الغرض وإبراز المعنى المقصود من غير تقييد بأنه مفعول به أو غير مفعول به لكان وجيهاً كأن يقال: ضُرِبَ ضَرْبٌ أليمٌ شاهدَ الزور، بإنابة المصدر إذا كان غرض المتكلم إبراز هذا المعنى وهو شدة ضربه. وإن كان الغرض بيان أن الضرب وقع أمام الناس أنيب الظرف، وهكذا في الجار والمجرور.
وهذا معنى قوله: (ولا ينوب بعض هذي . . . إلخ) أي: لا يصح إنابة شيء مما ذكر في البيت السابق مع وجود المفعول به، وقد يرد في الكلام الفصيح إنابة غير المفعول به مع وجوده، يشير بذلك إلى ما ورد من كلام العرب، كما تقدم.
*…*…*
252) وَبِاتِّفَاقٍ قَدْ يَنُوبُ الثَّانِ مِنْ……بَابِ كَسَا فِيمَا الْتِباسُهُ أُمِنْ
تقدم أن المفعول به ينوب مناب الفاعل، غير أن فعله قد يكون متعدياً لمفعول واحد، أو متعدياً لمفعولين أصلهما المبتدأ والخبر كمفعولي (ظن) وأخواتها، أو ليس أصلهما المبتدأ والخبر كمفعولي (كسا) وأخواتها، وقد يكون متعَدياً لثلاثة كـ(أعلم) و(أرى).(1/192)
فإن كان متعدياً لواحد أنيب مناب الفاعل نحو: أُكرِمَ الضيفُ، قال تعالى: (وبُرِّزَت الجحيمُ لمن يرى((827) وإن كان متعدياً لاثنين وهو من باب (كسا) - وهو المراد هنا - جاز إنابة الأول أو الثاني، تقول: كُسي الفقيرُ ثوباً. وكُسي الفقيرَ ثوبٌ، وهذا مشروط بعدم حصول اللبس، فإن حصل لبس وجب إنابة الأول: نحو: أعطيت جابراً هشاماً فتقول: أُعطي جابرٌ هشاماً، ولا يجوز إنابة الثاني لئلا يحصل لبس، لأن كل واحد منهما يصلح أن يكون آخذاً فلا يعلم هل النائب هو المفعول الأول أو الثاني، بخلاف إنابة الأول، فإن اختياره يجعله بمنزلة الفاعل في المعنى، فيتضح من تقدمه أنه الآخذ وغيره المأخوذ.
وهذا معنى قوله: (وباتفاق قد ينوب الثان . . . إلخ) أي: اتفق النحاة بناءً على ما استنبطوه من كلام العرب على جواز إنابة المفعول الثاني الذي فعله (كسا) وشبهه، إذا أُمن الالتباس، وقوله: (الثان) بحذف الياء للوزن.
…*…*…*
253) فِي بَابِ ظَنَّ وَأَرَى الْمَنْعُ اشْتَهَرْ……وَلاَ أَرَى مَنْعاً إذَا القْصَدُ ظَهَرْ
ذكر في هذا البيت أن الفعل إذا تعدى لمفعولين أصلهما المبتدأ والخبر كـ(ظن) وأخواتها، أو إلى ثلاثة مفاعيل كـ(أعلم وأرى) فالأشهر عند النحاة أنه يجب إنابة الأول، ويمتنع إنابة الثاني في باب (ظن) والثاني والثالث في باب (أعلم) نحو: ظن السفيهُ التحيَل نافعاً. فتقول: ظُن التحيلُ نافعاً، وتقول: أُعلم المدرسُ الإخلاصَ نافعاً. والأصل: أَعلمتُ المدرسَ الإخلاصَ نافعاً.
ويرى ابن مالك أنه لا يتعين إنابة الأول بشرط ألا يحصل لبس، فإن حصل تعينت إنابة الأول، نحو: ظننت عاصماً بكراً، فلا تقول: ظُن عاصماً بكرٌ، ولا أُعْلِمَ زيداً هشامٌ مسافراً، بإنابة المفعول الثاني في البابين.(1/193)
وهذا معنى قوله: (في باب ظن . . . إلخ) أي: اشتهر منع إنابة الثاني في باب (ظن) و(أرى) وهو لا يوافق على المنع إذا كان القصد يظهر ويتضح بالثاني، فتكون (إذا) شرطية لا تعليلية، وثالث مفاعيل (أعلم) هو ثاني مفعول (علم) - كما تقدم في باب أعلم - فيجري فيه الخلاف، وقوله: (المنعُ) مبتدأ (اشتهر) الجملة خبر المبتدأ.
والخلاصة: أن نيابة المفعول الأول جائزة في كل باب بلا خلاف وكذا نيابة الثاني من باب (كسا)(828) إذا أمن اللبس، وفي نيابة الثاني من باب (ظن) خلاف، فالأكثرون قالوا: بالمنع، والصحيح جواز ذلك إذا أمن اللبس.
*…*…*
254) وَمَا سِوَى النَّائِبِ ممَّا عُلِّقَا……بِالرَّافِعِ النَّصْبُ لَهُ مُحَقَّقَا
تقدم أن نائب الفاعل لا يكون إلا واحداً، فإذا كان للفعل أكثر من معمول كالمصدر والظرف والمجرور، أو المفعول الثاني، فإنه إذا أنيب المفعول به أو واحد منها مناب الفاعل رفع، ونصب الباقي، كما تقدم.
وهذا معنى قوله: (وما سوى النائب . . . إلخ) أي: أن ما سوى نائب الفاعل الذي صار مرفوعاً لتعلق معناه بالفعل الرافع له، ما سواه فـ(النصب له) أي: حكمه النصب، وقوله: (محققاً): حال من الهاء في (له).
اشتغال العامل عن المعمول
255) إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلاً شَغَلْ……عَنْهُ بِنَصْبِ لَفْظِهِ أَوِ الْمحَلّ
256) فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ بِفعْلٍ أُضْمِرَا……حَتْماً مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا
الاشتغال: أن يتقدم اسم، ويتأخر عنه عامل مشغول عن نصبه، بالعمل في الضمير العائد عليه أو في سببيّه.(1/194)
فمثال المشتغل بالضمير: الضعيفَ ساعدته، محمداً مررت به فالفعل (ساعد) عمل في ضمير الاسم السابق وهو (الهاء) لأنه في محل نصب مفعول به، والفعل (مَرَّ) عمل في ضمير الاسم السابق بواسطة حرف الجر، ولولا هذا الضمير لعمل الفعل في الاسم السابق فكنت تقول: الضعيفَ ساعدت. وبمحمدٍ مررت. فالضعيف مفعول به مقدم. والجار والمجرور متعلق بالفعل مررت.
ومثال المشتغل بالسببي: خالداً ضربت ابنه، فالفعل (ضرب) لم يعمل في ضمير الاسم السابق، وإنما عمل في اسم مضاف إلى ضمير الاسم السابق، وهو (ابنه) ،ويسمى (السببي)(829).
وأركان الاشتغال ثلاثة: (مشغول عنه) وهو الاسم المتقدم و(مشغول) وهو العامل المتأخر من فعل أو غيره و(مشغول به) وهو ضمير الاسم السابق أو سببيه.
وإذا وجد المثال على الهيئة المذكورة فالأصل أن ذلك الاسم يجوز فيه وجهان: أحدهما راجح لسلامته من التقدير، وهو أن يعرب مبتدأ، والجملة بعده في محل رفع خبر، وجملة الكلام حينئذ اسمية لأنها مبدوءة باسم(830).
والثاني: مرجوح لاحتياجه إلى التقدير، وهو أن ينصب الاسم على أنه مفعول به لفعل محذوف وجوباً يفسره المذكور، وهذا الفعل المحذوف لابد أن يكون موافقاً للمذكور، إما لفظاً ومعنى، كالمثال الأول، فإن تقديره: ساعدت الضعيف ساعدته، أو معنى فقط، كما في المثال الثاني، فإن تقديره: جاوزت محمداً مررت به، أو غير موافق لفظاً ومعنى، ولكنه لازم للمذكور، كالمثال الأخير، فإن تقديره: أهنت خالداً ضربت ابنه، وما بعد الاسم جملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب(831) وجملة الكلام حينئذ فعلية، لأنها مبدوءة بالفعل المحذوف.
وقد يعرض للاسم السابق ما يوجب نصبه، وما يرجحه، وما يوجب رفعه، وما يرجحه، وما يسوي بين الرفع والنصب، كما سيأتي إن شاء الله.(1/195)
قال ابن مالك: (إن مضمر اسم سابق . . . إلخ) أي: إنْ شَغَل ضميرُ اسمٍ سابقٍ فعلاً عن نصب ذلك الاسم السابق لفظاً أو محلاً(832). فانصب الاسم السابق بفعل مضمر، أي: غير ظاهر (حتماً) أي: إضماراً حتماً. ويكون ذلك موافقاً للفعل المذكور، كما تقدم.
*…*…*
257) وَالنَّصْبُ حَتْمٌ إَنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا ……يَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ كَإِنْ وَحَيْثُمَا
هذه المسألة الأولى من مسائل المشغول عنه، وهي وجوب نصبه إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل، وهي أدوات التحضيض(833) نحو: هلا المريضَ زرتَه، والعرض(834) نحو: ألا الحديثَ حفظتَه، والاستفهام غير الهمزة(835) نحو: هل الحقَّ قلتَه؟ وأدوات الشرط نحو: إنْ جارَك لقيتَه فسلم عليه، وحيثما علياً تلقَهُ فأكرمه. فيجب نصب ما بعد هذه الأدوات بفعل محذوف، ليقع الفعل بعدها، ولا يجوز رفعه على أنه مبتدأ، لئلا تخرج هذه الأدوات عما وضعت له من الاختصاص بالفعل(836).
واعلم أن الاشتغال إنما يقع بعد أدوات الشرط في ضرورة الشعر فأما في النثر فلابد أن يليها الفعل الظاهر، إلا بعد أداتين منها:
الأولى: (إن) إذا كان المشغول ماضياً نحو: إن محمداً لقيته فكلمه، لأنه لا يظهر عملها فيه، فلا يقبح وقوع غير الفعل بعدها، لضعف طلبها له، بخلاف المضارع، فإنه لما ظهر أثرها فيه قوي طلبها له، فقبح تِلْوُ غيره لها في النثر، فلا تقول: إنْ محمداً تلقه فأكرمه.
الثانية: (إذا) مطلقاً وليها ماض أو مضارع، نحو: إذا خالد قدم أو يحضر فأكرمه، لأنها لا تعمل أصلاً.
وهذا معنى قوله: (والنصب حتم . . . إلخ) أي: أن نصب الاسم السابق واجب إذا وقع بعدما يختص بالفعل، كأدوات الشرط. مثل: إنْ وحيثما. وتسوية الناظم بينهما إنما هي في وجوب النصب ومطلق الاختصاص بالفعل، كما يدل على ذلك سياق النظم، فلا يرد عليه أن الاشتغال بعد (حيثما) لا يقع إلا في الشعر، كما تقدم.
*…*…*(1/196)
258) وَإنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا بِالِابْتدَا……يَخْتَصُّ فالرَّفْعَ الْتَزِمْهُ أَبَدَا
259) كَذَا إذَا الْفِعْلُ تَلاَ مَا لَمْ يَرِدْ……مَا قَبْلُ مَعْمُولاً لِمَا بَعْدُ وُجِدْ
ذكر في هذين البيتين المسألة الثانية من مسائل المشغول عنه، وهي وجوب رفعه(837) وذلك في موضعين:
الأول: أن يقع المشغول عنه بعد أداة تختص بالابتداء، كـ(إذا الفجائية) كقولك: خرجت فإذا الجو يملؤه الغبار. برفع (الجو) على أنه مبتدأ، ولا يجوز نصبه بتقدير فعل، لأن إذا الفجائية لا يقع الفعل بعدها لا ظاهراً ولا مقدراً.
الثاني: إذا وقع الفعل المشتغل بالضمير بعد أداة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، كأدوات الشرط أو الاستفهام أو التحضيض ونحوها، مثل: الكتابُ إن استعرتَه فحافظ عليه، والمريضُ هل زرته؟ فيجب رفع المشغول عنه في المثالين (الكتاب، والمريض) ولا يجوز نصبه، لأن ما بعد الشرط والاستفهام لا يعمل فيما قبله، وما لا يعمل لا يصلح أن يكون مفسراً لعامل محذوف.
وهذا معنى قوله: (وإن تلا السابق . . . إلخ) أي: وإن وقع الاسم السابق، وهو المشغول عنه بعد ما يختص بالابتداء، فإنك تلتزم رفعه دائماً، وكذلك التزم الرفع إذا كان الفعل المشتغل بالضمير قد وقع بعد لفظ لا يرد ما قبله معمولاً لعامل بعده، يريد: إذا وقع بعد لفظ لا يعمل ما بعده فيما قبله، لأن ما لا يعمل لا يفسر عاملاً.
*…*…*
260) وَاخْتِيرَ نَصْبُ قَبْلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ…وَبَعْدَ مَا إِيلاَؤُهُ الْفِعْلَ غَلَبْ
261) وَبَعْدَ عَاطِفٍ بِلاَ فَصْلٍ عَلَى……مَعْمُولِ فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ أَوَّلاَ
ذكر في هذه الأبيات المسألة الثالثة، وهي جواز رفع المشغول عنه ونصبه وترجيح النصب، وذلك في ثلاث مسائل:(1/197)
الأولى: إذا وقع بعد المشغول عنه فعل دال على طلب، سواء دلَّ على الطلب بذاته نحو: والدتَك اعرف حقها، أو كان مقروناً بأداة الطلب نحو: والدَك لا تهنه، وسواء كان الطلب بلفظه، كما في المثالين، أو كان بلفظ الخبر، نحو: ابنَ تيمية رحمه الله.
فيترجح نصب المشغول عنه في هذه الأمثلة على رفعه، لأنه لو رفع لصارت الجملة بعده خبراً، وهي طلبية، والإخبار بالجملة الطلبية - وإن كان جائزاً عند الجمهور - لكنه على خلاف الأصل، لكونها لا تحتمل الصدق والكذب(838).
الثانية: إذا وقع المشغول عنه بعد أداة يغلب أن يليها الفعل، كهمزة الاستفهام و(ما) النافية وغيرها، نحو: ما صديقاً أهنته. ونحو: أوالدَك احترمتَه؟ ومنه قوله تعالى: (أبشراً منّا واحداً نتّبعه((839) فيترجح النصب بفعل محذوف. لأنه لو رفع لصار مبتدأ، ووقوع المبتدأ بعد هذه الأدوات - مع جوازه - قليل، لكثرة دخولها على الأفعال.
الثالثة: إذا وقع الاسم المشغول عنه بعد عاطف تقدمته جملة فعلية، ولم يفصل بين العاطف والمشغول عنه. كقولك: سافر ضيف والقادم استقبلته، فيجوز رفع (القادم) على أنه مبتدأ، ونصبه بتقدير فعل، أي: واستقبلت القادم، وهو أرجح لتعطف جملة فعلية على جملة فعلية، وفيه تناسب.
ومنه قوله تعالى: (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين (4) والأنعام خلقها لكم فيها دفْ ومنافع ومنها تأكلون ((840) فـ(الأنعامَ) منصوب بفعل محذوف أي: وخلق الأنعام. وحسن النصب لتعطف جملة فعلية (والأنعام) على جملة فعلية تقدمت، وهي (خلق الإنسان) وهذه قراءة السبعة.
فإن وجد فاصل بين العاطف والمشغول عنه، صار حكمه كما لو لم يتقدمه شيء، كقولك: سافر ضيف، وأما القادم فاستقبلته(841) فيترجح الرفع لأن (أما) تقطع ما بعدها عما قبلها، فيكون ما بعدها مستأنفاً.
إلا إذا وجد ما يرجح النصب كقولك: سافر والدك وأما عمَّك فأكرمه، وإنما ترجح النصب، لأن المشغول عنه وقع قبل فعل دال على طلب، كما مضى.(1/198)
وهذا معنى قوله: (واختير نصب . . . إلخ) أي: يختار نصب المشغول عنه إذا وقع قبل فعل دال على طلب. أو وقع بعد أداة . . . إلخ، أو وقع بعد أداة يغلب أن يليها الفعل، وكذا يترجح النصب إذا وقع المشغول عنه بعد عاطف يعطف الاسم السابق على معمول فعل (مستقرٍ أَوَّلاً) أي: مذكور في أول جملته، يريد أنها جملة فعلية بغير فاصل بين العاطف والمشغول عنه.
*…*…*
262) وَإِنْ تَلاَ الْمَعْطُوفُ فِعْلاً مُخْبَرَا……بِهِ عَنِ اسْمٍ فَاعْطِفَنْ مُخَيَّرَا
ذكر في هذا البيت المسألة الخامسة، وهي جواز الرفع والنصب على حد سواء، وذلك إذا وقع المشغول عنه بعد عاطف تقدمته جملة ذات وجهين، وفسروا الجملة ذات الوجهين بأنها جملة اسمية. وخبرها جملة فعلية، نحو: المطر نزل والنخلَُ سقيناه من مائه، فيجوز رفع (النخل) على أنه مبتدأ وما بعده خبر، وتُعْطَفُ جملة اسمية على جملة اسمية، ويجوز نصبه بفعل مقدر، وتعطف جملة فعلية على جملة فعلية، ومنه قوله تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم (38) والقمر قدّرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم((842). فقد قرأ الكوفيون(843) وابن عامر بالنصب، بتقدير فعل، أي: قدرنا القمر، وقرأ بالرفع بقية السبعة على أنه مبتدأ، والخبر (قدرناه).
وهذا معنى قوله: (وإن تلا المعطوف . . . إلخ) أي: وإن وقع الاسم المشغول عنه بعد حرف عطف قبله فعل، وهذا الفعل مع فاعله خبر عن مبتدأ قبلهما، فلك الخيار في أن تعطف ما بعد حرف العطف على ما قبله مباشرة، عطف جملة فعلية على جملة فعلية، وأن تعطف ما بعد حرف العطف على كل ما قبله، عطف جملة اسمية على جملة اسمية.
*…*…*
263) وَالرَّفْعُ فِي غَيرِ الَّذي مَرَّ رَجَحْ……فَمَا أُبِيحَ افْعَلْ وَدَعْ مَا لَمْ يُبَحْ(1/199)
هذه هي المسألة الرابعة من مسائل المشغول عنه، وهي جواز الرفع والنصب وترجح الرفع، وذلك في كل اسم لم يوجد معه ما يوجب النصب، ولا ما يرجحه، ولا ما يوجب الرفع، ولا ما يجوز الوجهين على السواء، نحو : العالمَُ احترمته، فيجوز الوجهان، ويترجح الرفع - كما تقدم أول الباب - ولا تكون المسألة من باب الاشتغال.
والنصب عربي جيد، خلافاً لمن منعه؛ لما فيه من كلفة الإضمار. وقد جاء منه قول امرأة من بني الحارث:
فارساً ما غادروه مُلحماً……غير زُمَّيل ولا نِكْسٍ وَكِلْ(844)
وهذا معنى قوله: (والرفع في غير الذي مرّ رجح . . . إلخ) أي: يترجح الرفع على النصب في غير المسائل التي مرت، فما جاز في كلام العرب افعله. واترك ما لم يبح. والفاء في قوله: (فما أبيح افعل) للتفريع(845).
264) وَفَصْلُ مَشْغُولٍ بِحَرْفِ جَرِّ……أَوْ بِإِضَافَةٍ كَوَصْلٍ يَجْرِي
ذكر أن للفعل المشغول به ثلاث حالات:
الأولى: أن يتصل به الضمير نحو: هلا معروفَك بذلته.
الثانية: أن ينفصل منه بحرف جر نحو: خالداً مررت به.
الثالثة: أن ينفصل عنه بإضافة نحو: أعصاماً ضربت غلامه؟
وهذا معنى قوله: (وفصل مشغول بحرف جر . . . إلخ) أي: إن فصل الفعل المشغول بحرف الجر أو بالإضافة يجري مجرى اتصال الفعل بالضمير في الأحكام السابقة.
*…*…*
265) وَسَوِّ في ذَا الْبَابِ وَصْفاً ذَا عَمَلْ……بِالْفِعْلِ إِنْ لَمْ يَكُ مَانعٌ حَصَلْ
العامل في باب الاشتغال إما أن يكون فعلاً كما تقدم، وهذا هو الكثير، وإما أن يكون اسماً، فإن كان غير فعل فلابد له من ثلاثة شروط:
الأول: أن يكون وصفاً. والمراد به: اسم الفاعل، واسم المفعول وصيغ المبالغة.
الثاني: أن يكون هذا الوصف عاملاً النصب على المفعولية باطراد.
الثالث: ألا يوجد مانع يمنع من عمل الوصف فيما قبله.(1/200)
ومثال ذلك: الأمينَُ أنا مشاركه، فـ(الأمين) يجوز رفعه ونصبه، فإن نُصِبَ فهو معمول لوصف محذوف، يفسره المذكور، والتقدير: أنا مشاركٌ الأمينَ، لأن لفظ (مشارك) اسم فاعل، وهو عامل، لأنه بمعنى الحال أو الاستقبال، ولم يوجد مانع، وأما رفعه فعلى أنه مبتدأ، وما بعده خبر.
ومثال اسم المفعول: الكتاب أنت معطاه(846)، ومثال صيغ المبالغة: العسلَ أنا شرَّابُه.
وخرج بالشرط الأول ما ليس بوصف، كاسم الفعل نحو: خالدٌ دراكه، فـ(خالد) مبتدأ، ولا يجوز نصبه باسم فعل محذوف، لأن اسماء الأفعال لا تعمل فيما قبلها، فلا تفسر عاملاً فيه.
وخرج بالشرط الثاني: الوصف غير العامل، كاسم الفاعل بمعنى الماضي نحو: الأمينُ أنا مشاركهأمس، فيتعين رفع (الأمين) على أنه مبتدأ، ولا يجوز نصبه بوصف محذوف، لأن اسم الفاعل الماضي لا يعمل. وما لا يعمل لا يفسر عاملاً.
وخرج بالثالث: وجود مانع يمنع من عمل الوصف. ومن الموانع كون الوصف اسم فاعل مقترناً بأل، نحو: الضيفُ أنا المكرمه. فيجب رفع (الضيف) على أنه مبتدأ، ولا يجوز نصبه بوصف محذوف يفسره المذكور، لأن (أل) الداخلة على اسم الفاعل موصولة، والموصول لا يعمل ما بعده فيما قبله. وما لا يعمل لا يفسر عاملاً.
وهذا معنى قوله: (وسَوِّ في ذا الباب . . . إلخ) أي: سَوِّ في باب الاشتغال الوصف العامل، بالفعل في العمل. إن لم يحصل مانع يمنع من عمل الوصف فيما قبله.
*…*…*
266) وَعُلْقَةٌ حَاصِلَةٌ بِتَابِعِ……كَعُلْقَةٍ بِنَفْسِ الاِسْمِ الْوَاقِعِ
تقدم أنه لا فرق في هذا الباب بين ما اتصل فيه الضمير بالفعل. وبين ما انفصل بحرف أو بإضافة.(1/201)
وذكر في هذا البيت أن العلاقة بين الفعل والمشغول عنه كما تتم بالسببي (وهو الاسم المضاف لضمير الاسم السابق) تتم بالأجنبي(847) إذا أُتبع بتابع مشتمل على ضمير الاسم السابق. فكما تقول: خالداً ضربت غلامه، والتقدير: أهنت خالداً ضربت غلامه تقول: خالداً ضربت رجلاً يحبه. فقد عمل المشغول في أجنبي خالٍ من ضمير الاسم السابق وهو (رجلاً) لكن أُتبع بصفة مشتملة على ضمير الاسم السابق، وهي جملة (يحبه)، وهكذا يقال في عطف البيان نحو: خالداً ضربت عمراً أخاه. أو عطف نسق بالواو خاصة نحو: خالداً ضربت عمراً وأخاه.
وهذا معنى قوله: (وعلقة حاصلة بتابع . . . إلخ)(848) أي: أن العلاقة والرابطة الحاصلة بالتابع كالعلاقة الحاصلة بالسببي. ومعناه: أن الأجنبي منزل منزلة السببي إذا أتبع بتابعٍ مشتمل على ضمير الاسم السابق.
*…*…*
تعدي الفعل ولزومه
267) عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ……هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ نَحْوُ عَمِلْ
268) فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ……عَنْ فَاعِلٍ نَحْوُ تَدَبَّرْتُ الْكُتُبْ
ينقسم الفعل التام(849) من حيث التعدي واللزوم إلى قسمين:
الأول: المتعدي: وهو الذي يصل إلى مفعوله(850) بغير حرف جر وبغيره مما يؤدي إلى تعدية الفعل اللازم، نحو: أكرمت الغريب.
الثاني: اللازم: وهو الذي لا يصل إلى مفعوله إلا بحرف جر نحو: مررت بالمدرسة، أو غيره مما يؤدي إلى التعدية كالهمزة، نحو: أخرجت زكاة مالي.
وللفعل المتعدي علامتان:
الأولى: أن تتصل به هاء تعود على المفعول به، نحو الكتاب قرأته. واحترزنا بالمفعول به، من الهاء التي تعود على المصدر، فإنها تتصل بالفعل المتعدي نحو: الإكرامُ أكرمته خالداً، واللازم نحو: القيامُ بالواجب قمته، والهاء التي تعود على الظرف نحو: الليلةَ قمتها، والنهارَ صمته.
الثانية: أن يصاغ من مصدره اسم مفعول تام، بحيث لا يحتاج إلى حرف جر نحو: الواجب مكتوب(851).(1/202)
أما علامة الفعل اللازم فستأتي إن شاء الله.
وحكم الفعل المتعدي أنه ينصب المفعول به إن لم ينب عن فاعله، والمفعول به: اسم منصوب وقع عليه فعل الفاعل، والمراد بوقوع الفعل عليه: تعلقه به من غير واسطة، سواء على جهة الثبوت مثل: فهمت الدرس، أو النفي مثل: لم أفهم الدرس.
وهذا معنى قوله: (علامة الفعل المعدَّى . . . إلخ) أي: علامة الفعل المعدَّى إلى مفعول أن تَصلَ به (هاءً) تعود على غير المصدر، وهي (هاءُ) المفعول به نحو: عمل، فتقول: الخير عملته، وانصب بهذا الفعل المتعدي مفعوله إن لم ينب عن الفاعل، نحو: تدبرت الكتب، فإن ناب عن الفاعل رفع، فتقول: تُدبرت الكتُبُ.
*…*…*
269) وَلاَزم غيْرُ المُعَدَّى وَحْتِمْ……لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا كَنَهِمْ
270) كَذَا افْعَلَلَّ وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا……وَمَا اقْتَضَى نَظَافَةً أَوْ دَنَسَا
271) أَوْ عَرَضاً أَوْ طَاوَعَ المُعَدَّى……لِوَاحِدٍ كَمَدَّهُ فَامْتدَّا
اللازم: ما ليس بمتعدٍ(852)، فلا تتصل به هاء المفعول به. ولا يصاغ من مصدره اسم مفعول تام، وقد عُني النحويون بالأفعال اللازمة ووضعوا لها العناوين والقواعد التقريبية اعتماداً على ما ورد في معاجم اللغة، فبعض الأفعال اللازمة يستدل على لزومه بمعناه، وبعضها يستدل على لزومه بوزنه، ومن أشهر علامات الفعل اللازم ما يلي:
1) كل فعل دلَّ على سجية (وهي الصفة اللازمة لصاحبها التي لا تكاد تفارقه إلا لسبب قاهر) مثل: شَرُف، كرُم، ظَرُف، نَهِم(853)، سَمِن، نَحُفَ، والغالب أن هذا النوع يكون على وزن (فَعُل).
2) كل فعل على وزن (افْعَلَلَّ) مثل: اشمأزّ، اقشعر، اطمأنَّ.
3)
كل فعل على وزن (افعنلل) مثل: اقعنسس(854) الجمل، احرنجم(855).
4) ما دل على نظافة، نحو: طهُر الثوب، نظُف المكان، وضُؤَ وجهه.
5) كل فعل دل على دنس، نحو: دَنِس الثوب، ووَسِخ، وقذِر المكان ونَجِس.(1/203)
6) كل فعل دل على عَرَضٍ (وهو المعنى الطارئ الذي ليس له طولُ ثباتٍ) نحو مرض عليٌّ واحمرَّ وجهه، وارتعشت يده.
7) كل فعل مطاوع(856) لفعل متعد لواحد نحو: وفرت المال فتوفر، وكسرت الخشبة فانكسرت، فإن كان مطاوعاً لفعل متعدٍ لاثنين لم يكن لازماً، بل يكون متعدياً إلى واحد، نحو: علّمت محمداً القرآن فتعلمه، وفهّمت صالحاً المسألة ففهمها.
وهذا معنى قوله: (ولازم غير المعدى . . . إلخ) أي: أن اللازم غير المتعدي. واللازم محتوم في أفعال السجايا، وما كان على وزن افعلل . . . إلخ وقوله: (اقعنسسا) يقال: اقعنسس الجمل: إذا أبى أن ينقاد، وقوله: (والمضاهي)، أي: المشابه، واصطلاح ابن مالك في الألفية أنه إذا علق الحكم على شبه شيء فالمراد به ذلك اللفظ وشبهه. فكأنه قال: واقعنسس ومضاهيه، والمراد به كل لفظ بعد نونه حرفان، مثل: احرنجم.
*…*…*
272) وَعَدِّ لاَزِماً بِحَرْفِ جَرِّ……وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ
273) نَقْلاً وَفِي أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ……مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوا
تقدم أن الفعل المتعدي يصل إلى مفعوله بدون واسطة، وذكر هنا أن الفعل اللازم يصل إلى مفعوله بواسطة حرف(857) الجر نحو: مررت بخالد(858)، وقد يحذف حرف الجر، فيصل إلى مفعوله بنفسه، فتقول: مررت خالداً، قال الشاعر:
تمرون الديار ولم تعوجوا……كلامكمُ عليَّ إذاً حرام(859)
أي: تمرون بالديار، فحذف حرف الجر، وهو منصوب على نزع الخافض، ويسمى: (الحذف والإيصال) أي: حذف حرف الجر وإيصال الفعل اللازم إلى مفعوله بدون واسطة، فينصبه.
وهذا مقصور على السماع عن العرب(860)، فيقتصر فيه على ما ورد من الأفعال،. ومثله قولهم: توجهت مكة، وذهبت الشام، وهو قليل جداً عن العرب، فلا يقاس عليه، لأن استعماله قد يوهم أن الفعل متعد بنفسه.(1/204)
أما نحو: (دخلت البيت) فهو منصوب على المفعولية على الأصح لا نزع الخافض؛ لأن الفعل (دخل) يستعمل متعدياً تارة بنفسه، وتارة بحرف الجر.
ويجوز حذف حرف الجر قياساً مطرداً مع (أنًَّ وأنْ) بشرط أن يؤمن اللبس، وذلك بتعيُّن الحرف المحذوف، نحو: عجبت من أن سافر أخوك، فتقول: عجبت أن سافر، أي: من سفره، ونحو عجبت من أنك مسافر، فتقول: عجبت أنك مسافر، أي: من سفرك، قال تعالى: (إذ همّت طآئفتان منكم أن تفشلا((861) أي: بأن تفشلا، وقال تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو((862) أي: بأنه، فـ(أنْ) و(أنَّ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بـ(الباء)(863) وقال تعالى: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم((864) أي: في أن يؤمنوا.
فإن حصل لبس امتنع الحذف نحو: رغبت في أن أزورك، فلا يحذف الحرف؛ لاحتمال أن يكون المحذوف (عن)، فيحصل اللبس(865).
والخلاصة: أن حرف الجر إذا حذف ينصب الاسم بعده في حالتين:
1) قليلة غير مطردة، فالنصب فيها مقصور على السماع.
2) كثيرة مطردة، فالنصب فيها قياسي.
وهذا معنى قوله: (وعدِّ لازماً . . . إلخ) أي: عدّ اللازم إلى المفعول بحرف الجر، فإن حذف الحرف فالنصب ثابت للمجرور سماعاً، فلا يقاس عليه، وفي (أنَّ وأَنْ) يطرد الحذف مع أمن اللبس نحو: عجبت أن يدوا، فـ(أنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بمن المحذوفة، والتقدير: عجبت من وَدْيِهِمْ أي: إعطائهم الدية، والجار والمجرور متعلق بعجبت.
*…*…*
274) وَالأَصْلُ سَبْقُ فَاعِلٍ مَعْنىً كَمَنْ……مِنْ أَلْبِسَنْ مَنْ زارَكُمْ نَسْجَ الْيَمَنْ
275) وَيَلْزَمُ الأَصْلُ لِمُوجِبٍ عَرَا……وَتَرْكُ ذَاكَ الأَصْلِ حَتْماً قَدْ يُرَى(1/205)
تقدم أن الفعل المتعدي إما أن يتعدى لمفعول واحد، أو لاثنين، أو لثلاثة، فإذا كان الفعل متعدياً لأكثر من واحد فإن لبعض المفاعيل الأصالة في التقدم على بعض، إما لكونه مبتدأ في الأصل، كما في باب (ظن وأخواتها)، كقولك: علمت الصدقَ نافعاً، أو لكونه فاعلاً في المعنى كقولك: أعطيت الفيرَ ثوباً.
والمقصود بهذا البيت والذي يليه أن للمفعول الأول مع المفعول الثاني في باب (أعطى وكسا) ثلاث حالات:
الأولى: وهي الأصل. تقديم ما هو فاعل في المعنى، كقولك: أعطيت الفائزَ جائزةً، فالأصل تقديم المفعول الأول (الفائز)؛ لأنه فاعل في المعنى، لأنه هو الآخذ، ويجوز تأخيره، لكنه خلاف الأصل.
الثانية: وجوب تقديم ما هو فاعل في المعنى، وذلك في ثلاث مسائل:
الأولى: أن يُخاف اللبس، وذلك إذا صلح كل من المفعولين أن يكون فاعلاً في المعنى نحو: أعطيت خالداً زميلاً في السفر، فلا يجوز تأخير (خالداً) لأنه لا يعلم كونه آخذا إلا بتقديمه.
الثانية: أن يكون المفعول الثاني محصوراً فيه نحو: لا أكسو الأولاد إلا ما يوافق الشرع، فـ(الأولاد) مفعول أول و(ما) مفعول ثان ولا يجوز تقديم الثاني، لئلا يفسد الحصر، ويزول الغرض منه.
الثالث: أن يكون الأول ضميراً متصلاً والثاني اسماً ظاهراً نحو: أعطيت كتاباً، لأنه لو أخر لانفصل.
الحالة الثالثة: وجوب تقديم ما هو مفعول في المعنى وتأخير ما هو فاعل في المعنى، وذلك في ثلاث مسائل أيضاً:
الأولى: أن يكون المفعول الأول (أي: الفاعل في المعنى . . . ) متصلاً بضمير يعود على المفعول في المعنى نحو: أسكنت البيتَ صاحبَه، فلو قدم المفعول الأول (صاحبه) لعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهو ممنوع.
الثانية: أن يكون المفعول الأول محصوراً نحو: ما أعطيت الجائزَ إلا المستحقَّ.
الثالثة: أن يكون المفعول الأول اسماً ظاهراً والثاني ضميراً متصلاً نحو: الثوبُ أعطيته فقيراً.(1/206)
وهذا معنى قوله: (والأصل سبق فاعل . . . إلخ) أي: إذا تعدى الفعل لمفعولين أحدهما فاعل في المعنى - كما في باب أعطى - فالأصل المستحسن أن يتقدم هذا الفاعل في المعنى على غيره، ثم ساق المثال: (ألبِسَنْ من زاركم نسج اليمن) فمن: مفعول أول، ونسج: مفعول ثان، والأصل تقديم (من) على (نسج اليمن) لأن مدلول (من) هو اللابس، فهو فاعل في المعنى، ونسج اليمن: هو الملبوس، ويجوز تقديمه، لكنه خلاف الأصل.
ثم صرح بعد ذلك بأن مراعاة هذا الأصل - وهو تقديم الفاعل في المعنى - قد تلزم بسبب موجبٍ لمراعاتها قد (عرا) أي: وجد، وذلك كخوف اللبس مثلاً، كما صرح بأن ترك هذا الأصل لوجود مانع يقتضي تأخر ما هو فاعل في المعنى، (حتماً قد يُرى) أي: قد يرى أمراً محتوماً وواجباً.
*…*…*
276) وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ……كَحذْفِ مَا سِيقَ جَوَاباً أَوْ حُصِرْ
الفضلة: خلاف العمدة، فهي التي يمكن الاستغناء عنها في الكلام لأنها لا تؤدي معنى أساسياً في الجملة، كالمفاعيل، والتمييز، والحال، أما العمدة فهي التي لا يستغنى عنها في الكلام؛ لكونها تؤدي معنى أساسياً في الجملة. كالمبتدأ والخبر، والفاعل، ونائبه.
وليست الفضلة دائماً يمكن الاستغناء عنها، فقد يلزم ذكرها لعارض، فالمفعول به فضلة، لكن قد يلزم ذكره أحياناً فلا يصح حذفه وكذا الحال قد يلزم ذكرها.(1/207)
فالأصل في المفعول به أن يكون مذكوراً، ويجوز حذفه لغرض لفظي أو معنوي، فمن الأغراض اللفظية تَنَاسُبُ الفواصل، كما في قوله تعالى: (مَا ودَّعك ربُّك وما قلى((866) أي: وما قلاك، أو أنه حذف اختصاراً، إذا يُعلم أنه ضمير المخاطب، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها: الإيجاز كقوله تعالى: (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينآ ءاية((867) فقد حذف مفعول (يعلمون) للإيجاز، ولأن المقصود - والله أعلم - نفي نسبة العلم المطلق إليهم، لا نفي علمهم بشيء مخصوص، كأنهم لاحظ لهم من العلم، لفرط جهالتهم.
وقد يحذف المفعولان - في باب أعطى - كما في قوله تعالى:(وألقى) أي: واتقى، وقد يحذف المفعول الأول لأعطى كما في قوله تعالى : (فأما من أعطى واتقى((868) فقد حذف مفعولا (أعطى) للإيجاز، ولأن الغرض الثناء على المعطي (بكسر الطاء) دون تعرض للعطية والمعْطَى (بفتح الطاء) وقوله تعالى: (حتى يعطوا الجزية((869) أي: حتى يعطوكم، وقد يحذف الثاني كقوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى((870) وإنما حذف - والله أعلم - ليشمل كل ما أعطاه الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من خير الدنيا والآخرة.
ومن الأغراض المعنوية ألا يتعلق الغرض به، ويمكن أن يمثل لذلك بقوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى((871) كما تقدم بيانه، وبقوله تعالى: (لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر((872) فمفعولا (يسمع) و(يبصر) محذوفان، لأن المقصود - والله أعلم - إثبات الصفتين أو نفيهما بغض النظر عن المسموع والمُبْصَرِ.
ومن الأغراض المعنوية إرادة التهويل كقوله تعالى: (كلا سيعلمون (4) ثم كلا سيعلمون((873) التقدير - والله أعلم -: سيعلمون ما يحل بهم من العقوبات. أو الاختصار كقوله تعالى: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي((874) أي: لأغلبن الكفار.
فإن اشتدت الحاجة إلى ذكر المفعول به بحيث يختل المعنى أو يفسد بحذفه لم يجز الحذف، ومن مواضع ذلك:(1/208)
1) أن يكون المفعول به هو الجواب المقصود من سؤال معين مثل: مَنْ زرتَ اليوم؟ فتقول: زرتُ عمي، فلا يجوز حذف المفعول به: (عمي) لأنه لا يحصل الجواب.
2) أن يكون المفعول به محصوراً نحو: ما زرت اليوم إلا عمي فلا يجوز حذف المفعول به المحصور، لئلا يبقى الكلام دالاً على نفي الزيارة مطلقاً، والمقصود نفيها عن غير (العم).
قال ابن مالك: (وحذف فضلة أجز . . . إلخ) أي: أجز حذف الفضلة - والمراد هنا المفعول به - بشرط ألا يضر حذفها فإن ضرَّ حذفها امتنع، كما لو وقعت جواباً لسؤال، أو كانت محصورة. وقوله: (إن لم يضر) بكسر الضاد، مضارع مجزوم ماضيه (ضارَ) بمعنى (ضرَّ).
*…*…*
277) وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا إِنْ عُلِما……وَقدْ يَكُونُ حَذْفُهُ مُلْتَزَمَا
الأصل في عامل المفعول به أن يكون مذكوراً، وقد يحذف جوازاً أو وجواباً.
فيجوز حذفه إذا دلَّ عليه دليل نحو: مَنْ زرتَ اليوم؟ فتقول: صديقي، التقدير: زرت صديقي، فحذف الفعل (زرت) لدلالة ما قبله عليه، ومنه قوله تعالى: (وإلى ثمود أخاهم صالحاً((875) فأخاهم: مفعول به لفعل محذوف، دل عليه ما تقدم، تقديره: أرسلنا، ويجب حذفه في أبواب معينة منها: باب الاشتغال - كما تقدم - كقوله تعالى: (أبشراً منّا واحداً نّتّبعه((876)، ومنها في باب النداء نحو: يا طالبَ العلم احفظ وقتك، قال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله((877) فإن المنادى منصوب بعامل محذوف وجوباً، تقديره: أدعو، أو أنادي، وحرف النداء عوض عنه.
ومنها: الأمثال المسموعة عن العرب بالنصب نحو: أَحَشَفاً وسُوْءَ كِيْلة(878)، فـ(حشفاً) منصوب بفعل محذوف أي: أتجمع حشفاً وسُوْءَ كيلة.
وهذا معنى قوله: (ويحذف الناصبها . . . إلخ) أي: يحذف ناصب الفضلة - أي: المفعول به - إن علم الناصب بقرينة، وقد يكون حذف الناصب أحياناً لازماً لابد منه.
التنازع في العمل(1/209)
278) إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ…… قَبْلُ فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا الْعَمَلْ
279) وَالثَّانِ أَوْلَى عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَهْ……وَاخْتَارَ عَكْساً غَيْرُهُمْ ذَا أُسْرَهْ
التنازع: توجه عاملين إلى معمول واحد، نحو: سمعت ورأيت القارئ فكل واحد من (سمعت) و(رأيت) يطلب (القارئ) مفعولاً به.
ولا فرق بين أن يكون العاملان فعلين، كما مثل، أو اسمين نحو: أنا سامعٌ ومشاهدٌ القارئ، وكقول الشاعر:
عُهدتُ مغيثاً مغينياً من أجرته……فلم أتخذ إلا فِنَاءك موئلاً(879)
أو مختلفين كقوله تعالى: (هآؤم اقرءوا كتابيه((880) و(هاؤم) اسم فعل أمر بمعنى (خذ) والميم علامة الجمع و(اقرءوا) فعل أمر وفاعله.
وقد يكون التنازع بين عاملين، وقد يكون بين أكثر والمتنازع فيه قد يكون واحداً، وقد يتعدد، نحو: يجلس ويسمع ويكتب المتعلم. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين" متفق عليه. فدبر: منصوب على الظرفية، وثلاثاً وثلاثين منصوب على أنه مفعول مطلق، وقد تنازعهما ثلاثة عوامل (881) .
ويشترط في العاملين شرطان:
الأول: أن يتقدما على المعمول، كما في الأمثلة، فإن تأخرا لم تكن المسألة من باب التنازع نحو: أيَّهم صافحت وأكرمت؟ وهذا الشرط ذكره ابن مالك.
الثاني: أن يكون بين العاملين ارتباط، إما بعطف، كما مثلنا، أو بغيره، فإن لم يكن بينهما ارتباط لم يصح نحو: قام قعد أخوك.
فإذا وجد العاملان على الصفة المذكورة عمل أحدهما في الاسم الظاهر، وعمل الآخر في ضمير هذا الاسم، ويسمى (المهمل)، ولا خلاف بين البصريين والكوفيين في ذلك. وإنما الخلاف في الأَوْلَى منهما فقال البصريون: الثاني أولى، لقربه من الاسم، وقال الكوفيون: الأول أولى، لتقدمه.(1/210)
وهذا معنى قوله: (إن عاملان . . . إلخ) أي: إن وجد عاملان يتطلبان عملاً في اسم ظاهر وكانا قبله. فلواحدٍ منهما العمل دون الآخر. وإعمال الثاني أولى عند البصريين. واختار غيرهم العكس أي: إعمال الأول. وقوله (ذا أُسْرة) بضم الهمزة، وأسرة الرجل: رهطه وعشيرته، وضبطه بعضهم بالفتح، وفسّره بالجماعة القوية(882).
*…*…*
280) وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ فِي ضَميِرِ مَا……تَنَازَعَاهُ والْتَزِمْ مَا الْتُزِمَا
281) كَيُحْسِنَانِ وَيُسِيءُ ابْنَاكَا……وَقَدْ بَغَى وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا
القاعدة العامة في باب التنازع أنك إذا أعملت أحد العاملين في الاسم الظاهر وأهملت الآخر عنه، فأعمل المهمل في ضمير هذا الاسم. ثم لا يخلو هذا العامل المهمل من حالتين:
الأولى: أن يكون مطلوبه مرفوعاً يلزم ذكره، كالفاعل ونائبه، فيلزم الإضمار - أي: الإتيان بالضمير - مع هذا العامل المهمل، سواء كان المهمل هو الأول - كما هو رأي البصريين - نحو يحسنان ويسيء ابناك، فـ(ابناك) فاعل (يسيء) وفاعل (يحسن) الألف، أو كان المهمل هو الثاني - كما هو اختيار الكوفيين - نحو: يحسن ويسيئان ابناك فـ(ابناك) فاعل (يحسن) وفاعل (يسيء) الألف ، ولا يجوز ترك الإضمار في هذه الحالة، لئلا يلزم التكرار إذا أظهرت مع كل عامل معموله أو حَذْفُ الفاعل، وكلاهما محظور.
وهذا معنى قوله: (وأعمل المهمل . . . إلخ) أي: إذا أُعمل واحد وأُهمل الآخر. فإن المهمل يعمل في ضمير الاسم المتنازع فيه. والتزم ما التزمه النحويون من عدم جواز حذف هذا الضمير إذا كان مما يلزم ذكره كالفاعل. أو التزم ما التزمته العرب في مثل هذه الأساليب ثم مثل بمثالين، فالأول جرى على رأي البصريين بإعمال الثاني وإهمال الأول، والثاني عكسه.
*…*…*
282) وَلاَ تَجِىءْ مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلاَ……بِمُضْمَرٍ لِغَيْرِ رَفْعٍ أُوهِلاً(1/211)
283) بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ إِنْ يَكُنْ غَيْرَ خَبَرْ……وَأَخِّرَنْهُ إِنْ يَكُنْ هُوَ الْخَبَرْ
هذه الحالة الثانية من أحوال العامل المهمل، وهي: أن يكون مطلوبه غير مرفوع، وتحت هذا قسمان:
الأول: أن يكون غير المرفوع عمدة في الأصل (وهو مفعول ظن وأخواتها - لأنه مبتدأ في الأصل أو خبر).
الثاني: أن يكون غير المرفوع ليس عمدة في الأصل، كالمفعول به، والجار والمجرور، فإذا كان غير المرفوع ليس بعمدة في الأصل، وكان الطالب للإضمار هو العامل الأول امتنع الإضمار ووجب الحذف، فتقول: أكرمت وأكرمني زيد، ومررت ومر بي زيد، ولا تقول: (أكرمته وأكرمني زيد)، ولا (مررت به ومر بي زيد)، لأن هذا الضمير فضلة يستغني الكلام عنه، وذكره يترتب عليه الإضمار قبل الذكر،وهو لا يجوز في مثل هذا الأسلوب.
وإن كان الطالب للإضمار هو الثاني، وجب الإتيان بالضمير فتقول: أكرمني وأكرمته زيدٌ، ومر بي ومررت به عليٌّ، ولا يجوز الحذف؛ لأن الضمير وإن عاد متأخر لفظاً، لكنه متقدم رتبة، فليس فيه إضمار قبل الذكر، فلا يترتب عليه محظور، ومنهم من أجاز حذفه لأنه فضلة لا يجب ذكرها. قالت عاتكة بنت عبد المطلب تصف كثرة سلاح قومها:
بعكاظ يُعشي الناظرين……إذا هُمُ لمحُوا شُعَاعُه(883)
فأعمل الأول وهو (يعشي) في المتنازع فيه (شعاعه) بدليل أنه مرفوع، وأعمل الثاني (لمحوا) في ضميره، وحذف الضمير ضرورة على قول الجمهور.
أما إن كان غير المرفوع عمدة في الأصل. فإن كان الطالب له هو الأول وجب إضماره مؤخراً نحو: ظنني وظننت علياً مخلصاً إياه فـ(إياه) هو المفعول الثاني لـ(ظن) الأولى، والياء مفعول أول [ومعناه: ظننت علياً مخلصاً وظنني عليٌّ مخلصاً] وإن كان الطالب هو الثاني أضمرته متصلاً أو منفصلاً نحو: ظننت وظننيه علياً مخلصاً، فـ(الياء) مفعول أول، والهاء مفعول ثانٍ جاء متصلاً، وظننت وظنني إياه علياً مخلصاً، فـ(إياه) هي المفعول الثاني جاء منفصلاً.(1/212)
وهذا معنى قوله: (ولا تجىءْ مع أول قد أُهملا) أي: لا تأتِ مع العامل الأول المهمل بضمير (لغير رفع) كضمير النصب والجر، بل الزم حذفه إذا كان ليس عمدة في الأصل، ويؤتى به مؤخراً إن يكن أصله عمدة، وقوله: (أوهلا) أي: أُهّل أي: صار أهلاً بمعنى: أُعِدَّ واستعمل في غير الرفع.
ولما خصّ الأول المهمل بأنه لا يؤتى معه إلا بضمير الرفع، ولا يؤتى معه بضمير نصب ولا جر إلا إن كان عمدة. فهم منه أن الثاني المهمل يؤتى معه بالضمير مطلقاً مرفوعاً كان أو منصوباً أومجروراً.
والخلاصة: أنك إن أهملت الأول أتيت معه بضمير الرفع، وحذفت ضمير النصب والجر، وإن أهملت الثاني أتيت معه بكل ضمير للرفع والنصب والجر.
*…*…*
284) وَأَظْهِرِ انْ يَكُنْ ضَمِيرٌ خَبَرا……لِغَيْرِ مَا يُطَابِقُ الْمُفَسِّرا
285) نَحْوُ أََظُنُّ وَيَظُنَّانِي أَخَا……زَيْداً وَعَمْراً أَخَوَيْنِ فِي الرَّخَا
هذه مسألة من مسائل الباب لا يصح فيها مجيء الضمير لتعويض العامل الثاني المهمل، وإنما يجب أن يحل محله اسم ظاهر.
وضابط ذلك: أن يكون الفعل المهمل محتاجاً إلى مفعول به، لكن لا يصح حذفه، لكونه عمدة في الأصل، ولا يصح الإتيان به ضميراً لعدم مطابقة هذا الضمير لمرجعه، وهو الاسم الظاهر. ومثال ذلك: أظن ويظناني محمداً وعلياً أخوين، فـ(محمداً) مفعول أول لأظن، و(علياً) معطوف عليه، و(أخوين) مفعول ثان لأظن، والياء: مفعول أول لـ(يظنان)، فيحتاج إلى مفعول ثاني، فلو أتيت به ضميراً فقلت: أظن ويظناني إياه محمداً وعلياً أخوين. لكان (إياه) مطابقاً في الإفراد (للياء) التي هي المفعول الأول، على اعتبار أن أصلها المبتدأ والخبر، ولكن تفوت المطابقة بين الضمير (إياه) وما يعود عليه وهو: (أخوين) لأنه مفرد، و(أخوين) مثنى، فتفوت المطابقة بين الضمير ومرجعه وهذا غير جائز.(1/213)
ولو أتيت بالضمير مثنى، فقلت: أظن ويظناني إياهما محمداً وعلياً أخوين، حصلت المطابقة بين الضمير ومرجعه، ولكن تفوت المطابقة بين المفعول الثاني والمفعول الأول، مع أن الثاني أصله خبر عن الأول ولابد من المطابقة هنا بين المبتدأ والخبر، أو ما أصلهما المبتدأ والخبر، فلما تعذرت المطابقة مع الإضمار وجب العدول عنه إلى الإظهار، الذي يحقق الغرض، ولا يوقع في الخطأ، فتقول: أظن ويظناني أخاً محمداً وعلياً أخوين، ولا تكون المسألة حينئذ من باب التنازع؛ لأن كلاً من العاملين عمل في اسم ظاهر.
وهذا معنى قوله: (وأظْهِر إن يكن ضمير خبراً) أي: إن يكن مطلوب الفعل الثاني المهمل ضميراً خبراً (أي: خبراً في الأصل، وهو المفعول الثاني لظن، كما في المثال) وكان هذا الضمير لا يطابق المفسِّر (وهو مرجع الضمير) فأظهره أي: جيء به اسماً ظاهراً، ثم ذكر المثال ، وقد تقدم شرحه.
المفعول المطلق
286) اَلْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ……مَدْلُولَيِ الْفِعْلِ كَأَمْنٍ مِنْ أَمِنْ
287) بِمِثْلِهِ أَوْ فِعْلٍ أوْ وَصْفٍ نُصِبْ……وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ انْتُخِبْ
اعلم أن الفعل يدل على أمرين معاً:
الأول: الحدث، وهو المعنى القائم بغيره، كالقيام والقعود والضرب، ونحوها.
الثاني: الزمان، كالمضي والاستقبال.
فإذا قلنا: بذَلَ الغنيُّ ماله في الخير، فإن الفعل(بذل) يفيد أمرين: أولهما: وقوع البذل وحدوثه، وثانيهما: وقت هذا البذل، وهو الزمن الماضي، فإذا قلنا: بَذْلُ المال في الخير نَفْعٌ لصاحبه، فإن كلمة (بَذْل) لا تدل إلا على حدوث البذل من غير زمن، وكل اسم يتفق مع الفعل في الدلالة على الحدث ويختلف عنه في كونه لا يدل على الزمان يمسمى (مصدراً) ، فالمصدر هو : اسم يدل على حدث مجرد عن الزمان.(1/214)
وإنما بوّب الناظم للمفعول المطلق، وعرف المصدر، لأن المفعول المطلق يغلب أن يكون مصدراً، نحو: انتصر الحق انتصاراً، وقد يكون المفعول المطلق غير مصدر كما سيأتي(884).
فالمفعول المطلق: اسم منصوب، يؤكد عامله، أو يبين نوعه، أو عدده(885) وسأذكر الأمثلة قريباً إن شاء الله.
وأما حكم المصدر فإنه ينصب أحياناً(886)، وناصبه إما فعل متصرف تام نحو: تلا القارئ القرآن تلاوة حسنة، فـ(تلاوة) مصدر منصوب بالفعل قبله. قال تعالى: (ويريد الذين يتّبعون الشّهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً((887)، أو وصف نحو: أعجبني الجالس جلوساً حسناً. فـ(جلوساً) مصدر منصوب بالوصف قبله، قال تعالى: (والذاريات ذروا((888). أو مصدر نحو: سرتني كتابتُك الواجبَ كتابةً جيدة. فـ(كتابة) مصدر منصوب بالمصدر قبله قال تعالى: (فإنّ جهنّم جزاؤكم جزآء موفورا((889).
والمصدر أصل المشتقات كلها(890)، فالفعل واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل واسم الزمان والمكان واسم الآلة.كلها مأخوذة من المصدر وهذا و القول الراجح ، وهو المشهر .فاسم الفاعل : قائم ، مشتق من القيام .واسم الآلة : مفتاح مشتق من الفتح . . وهكذا البقية.
وهذا معنى قوله: (المصدر اسم . . . إلخ) أي: إن المصدر اسم يطلق على مدلول واحد من مدلولي الفعل غير الزمان، ولما كان الفعل يدل على الحدث وعلى الزمان، فكأنه قال: المصدر هو اسم الحدث، ثم مثل للمصدر بكلمة (أمْن) فهو يدل على المعنى المجرد، وهو الحدث، وهو أحد مدلولي الفعل (أمِنَ).
ثم بين أن المصدر يُنصب بمصدر مثله، أو بفعله، أو بوصف، وقد (انتخب) أي: اختير كون المصدر (أصلاً لهذين) أي: الفعل والوصف لأن المصدر يدل على شيء واحد، هو الحدث المجرد، فهو بسيط والفعل يدل على شيئين: الحدث والزمان، فهو مركب، والوصف يدل على الحدث والفاعل، فهو مركب أيضاً، والبسيط أصل المركب.
*…*…*(1/215)
288) تَوْكِيداً أوْ نَوْعاً يُبِينُ أَوْ عَدَدْ……كَسِرْتُ سَيْرَتَيْنِ سَيْرَ ذِي رَشَدْ
ينقسم المصدر باعتبار فائدته المعنوية ثلاثة أقسام:
الأول: المصدر المؤكد لعامله توكيداً لفظياً، ويتحقق ذلك بالمصدر المنصوب المبهم، نحو: اشتدت الريح اشتداداً، قال تعالى: (وكلّم اللهُ موسى تكليماً((891).
الثاني: المصدر المبين للنوع، إما لكونه مضافاً، نحو: اعمل عمل الصالحين، أو موصوفاً، نحو: اعمل عملاً صالحاً. قال تعالى: (وزلزلوا زلزالا شديدا((892) أو لكونه مقروناً بـ(أل) العهدية، نحو: اجتهدت الاجتهاد [أي: المعهود بين المتكلم والمخاطب].
الثالث: المصدر المبين للعدد، نحو: قرأت الكتاب قراءتين.
وقد يكون الغرض من المصدر الأمور الثلاثة مجتمعة، نحو: قرأت الكتاب قراءتين نافعتين.
واعلم أن التوكيد حاصل بالنوعي والعددي - أيضاً - ولا يمكنك بيان النوع أو العدد إلا بتوكيد معنى العامل.
وهذا معنى قوله: (توكيداً أو نوعاً . . . إلخ) أي: أن المصدر يأتي للتوكيد أو لبيان النوع أو العدد، ثم مثل بقوله: (سرت سيرتين) وهذا لبيان العدد مع التوكيد و(سير ذي رشد) لبيان النوع مع التوكيد - أيضاً .
*…*…*
289) وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ دَلّ……كَجِدَّ كُلَّ الْجِدِّ وَافْرَحِ الْجَذَلْ
يجوز حذف المصدر وإنابة غيره عنه، وحكم هذا النائب: النصب دائماً على أنه مفعول مطلق، ولا يقال: إنه مصدر، إذ مصدر العامل المذكور في الكلام قد حذف، والأشياء التي تصلح للإنابة عن المصدر كثيرة منها:
1) مرادفه: (والمرادف ما اختلف لفظه واتفق معناه) نحو: سُرِرْتُ فرحاً، فـ(فرحاً) مفعول مطلق منصوب، وهو نائب عن مصدر الفعل المذكور، لأن مصدره (سُروراً) ولما كان السرور والفرح بمعنى واحد صحت النيابة.
2) صفته: نحو: تلا القارئ القرآن أحسنَ تلاوة، فـ(أحسنَ) مفعول مطلق منصوب، وهو صفة للمصدر المحذوف، والأصل: تلا القارئ تلاوةً أحسنَ تلاوة.(1/216)
3) اسم الإشارة: والغالب أن يكون بعده مصدر كالمحذوف نحو: أكرمت الضيف ذلك الإكرام، فـ(ذا) اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب مفعول مطلق، و(الإكرام) بدل أو عطف بيان.
4) ضمير المصدر: نحو: جاملتك مجاملة لا أجاملها أحداً. فالفعل (أجامل) حذف مصدره، وناب عنه الضمير، وهو (ها). والأصل: لا أجامل المجاملة أحداً.
…قال تعالى: (لا أعذبه أحداً من العالمين((893) أي: لا أعذب التعذيب.
5) عدده: نحو: سجد المصلي أربعاً، فـ(أربعاً) مفعول مطلق نائب عن المصدر المحذوف، والأصل: سجوداً أربعاً، قال تعالى: (فاجلدوهم ثمانين جلدة((894).
6) لفظ (كل أو بعض)(895) بشرط الإضافة لمثل المصدر المحذوف نحو: أتقن العامل كلَّ الإتقان، فـ(كل) مفعول مطلق نائب عن المصدر المحذوف. قال تعالى: (ولا تبسطها كلّ البسط((896). ومثال بعض: أهمل الطالب بعضَ الإهمال.
7) المشارك له في مادته: وهو إما اسم مصدر نحو: أعطى الغني عطاءً جزلاً، فـ(عطاءً) مفعول مطلق ، لأنه اسم مصدر للفعل ( أعطى ) الذي مصدره ( إعطاءً ) أو مصدر لفعل آخر كقوله تعالى: (وتبتل إليه تبتيلا((897) فـ(تبتيلاً) مفعول مطلق، وهو مصدر للفعل (بتّل) وقد ناب عن مصدر الفعل (تبتل)، أو اسم ذات كقوله تعالى: (والله أنبتكم من الأرض نباتا((898) فـ(نباتاً) اسم للشيء النابت من زرع أو غيره، وهو مفعول مطلق نائب عن مصدر الفعل (أنبت).
8) نوع من أنواعه: نحو: جلس الرجل القرفصاء، فـ(القرفصاء) مفعول مطلق منصوب، والأصل، جلوس القرفصاء(899).
9) الآلة التي تستخدم لإيجاد معنى ذلك المصدر المحذوف نحو: رمى الصياد الطير سهماً، والأصل: رَمْيَ سهم.
إلى غير ذلك مما ينوب عن المصدر.(1/217)
وفي بعض ما تقدم يقول ابن مالك: (وقد ينوب عنه ما عليه دلَّ . . . إلخ) أي: ينوب عن المصدر بعد حذفه كل شيء يدل عليه. ثم مثل لنوعين الأول: لفظ (كل) وقد أضافها للمصدر حيث قال: (جِدَّ كلَّ الجد). والثاني: المرادف. وهو (افرح الجذل) والجذل هو: الفرح، جاء في القاموس: جَذِلَ: كفرِح وزناً ومعنى، فهو جَذِلٌ.
*…*…*
290) وَمَا لِتَوْكِيدٍ فَوَحِّدْ أَبَدَا……وَثَنِّ وَاجْمَعْ غَيْرَهُ وَأَفْرِداَ
لا يجوز تثنية المصدر المؤكد لعامله ولا جمعه. بل يجب إفراده فتقول:
أشرق وجهه إشراقاً، وذلك لأنه في معنى (اسم الجنس) الإفرادي الذي يصدق على القليل والكثير، فيستغني بذلك عن التثنية والجمع.
وأما المبين للعدد فلا خلاف في جواز تثنيته وجمعه نحو: ركع المصلي ركعتين، وسجد أربع سجدات.
وأما المبين للنوع فالمشهور جواز جمعه وتثنيته إذا اختلفت أنواعه نحو: سلكت مع الناس سُلوكَيْ العاقل: الشدة حيناً والملاينة حيناً آخر فـ(سلوكي) مصدر مبين للنوع، منصوب بالياء، لأنه مثنى، قال تعالى: (وتظنون بالله الظنونا((900).
وهذا معنى قوله: (وما لتوكيد فوحَّد أبدا . . . إلخ) أي: أن المصدر المؤكد لعامله يجب توحيده أي: إفراده. أما غيره: من المبين للعدد والنوع، فَثَنِّهِ - إن شئت - أو اجمعه أو أفرده، وقوله : و(أفردا) الألف فيه منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة للوقف.
*…*…*
291) وَحَذْفُ عَامِلِ الْمُؤَكِّدِ امْتَنعْ……وَفِي سِوَاهُ لِدَلِيلٍ مُتَّسَعْ
يجوز حذف عامل المصدر المبين للنوع أو للعدد، بشرط أن يدل عليه دليل، والدليل نوعان:
1) مقالي: كأن يقال: ما جلست، فتقول: بلى جلوساً طويلاً، أو بلى جلستين، التقدير: بلى جلست جلوساً طويلاً، فحذف عامل المصدر لوجود الدليل المقالي، وهو (ما جلست) ومثله: (بلى جلستين).
2) دليل حالي: كقولك لمن قدم من سفر: قدوماً مباركاً، أي: قدمت قدوماً مباركاً، فحذف عامل المصدر جوازاً لدليل حالي، وهو المشاهدة.(1/218)
ومثال العددي: أن تشاهد خيل السباق تدور، فتقول: دورتين أي: دارت دورتين.
أما المصدر المؤكد لعامله فالأصل أنه لا يجوز حذف عامله؛ لأن المصدر مسوق لتأكيد عامله وتقويته وتقرير معناه في الذهن، والحذف منافٍ لذلك.
لكن ورد أن العرب التزمت حذف عامل المصدر المؤكد باطراد(901) في بعض المواضع - كما سيأتي إن شاء الله - وأنابوا عنه المصدر، فحلَّ محله، وعمل عمله في الرفع والنصب. وأغنى عنه بحيث إنه لا يجوز ذكره معه، لأن المصدر عوض عنه، ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه.
فالمصدر المؤِّكد لا يحذف عامله جوازاً، لما تقدم، ويحذف وجوباً في المواضع التي التزم العرب فيها حذفه، محاكاة لكلامهم(902).
وهذا معنى قوله: (وحذف عامل المؤكد امتنع . . . إلخ) أي: لا يجوز حذف عامل المصدر المؤكد، أما سواه من المصدر المبين للنوع أو العدد، فهناك متسع للحذف إذا وجد دليل على المحذوف.
*…*…*
292) وَالْحَذْفُ حَتْمٌ مَعَ آتٍ بَدَلاَ……مِنْ فِعْلِهِ كَنَدْلاً اللَّذْ كَانْدُلاَ
شرع ابن مالك - رحمه الله - في ذكر مواضع حذف عامل المصدر وجوباً، وضابط ذلك أن يكون المصدر نائباً عن فعله وبدلاً منه، وهو على ضربين:
الأول: خاص بالأساليب الإنشائية الطلبية.
الثاني: خاص بالأساليب الخبرية، وهو إما مسموع، وإما مقيس.
أما الأول فأنواعه أربعة:
1) أن يكون المصدر المؤكد النائب عن فعله دالاً على الأمر نحو: إغاثةً الملهوف، فـ(إغاثةً) مصدر منصوب نائب مناب الفعل (أغث) والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: (أنت) و(الملهوف) مفعول به. ومنه قوله تعالى: (وبالوالدين إحسانا((903) وقول الشاعر:
يمرون بالدهنا خفافاً عِيابهم……ويرجعن من دارين بُجْرَ الحقائب
على حين ألهى الناسَ جلُّ أمورهم……فندلاً زريقُ المالَ ندلَ الثعالب(904)
فـ(ندلاً) مصدر نائب عن فعل الأمر (اندل) أي: اخطف. و(المال) مفعول به للمصدر.(1/219)
2) أن يكون المصدر دالاً على النهي، كقولك لزميلك وقت سماع محاضرة: سكوتاً لا تكلماً أي: اسكت سكوتاً، ولا تتكلم تكلماً(905).
3) أن يكون المصدر مراداً به الدعاء، كقول المجاهد: نصراً لعبادك المخلصين، وسحقاً لأعدائك الحاقدين، أي: انصر عبادك نصراً واسحق أعداءك سحقاً.
4) أن يكون المصدر مراداً به الاستفهام التوبيخي نحو: أبخلاً
وأنت واسع الغنى؟ أي: أتبخل بخلاً؟
أما الضرب الثاني وهو الخاص بالأساليب الخبرية. ففي خمس مسائل، تأتي في الأبيات التي بعد هذا.
وإلى ما تقدم أشار بقوله: (والحذف حتم . . . إلخ) أي: أن الحذف واجب في عامل المصدر الآتي بدلاً من فعله وعوضاً عنه. (كندلاً اللّذْ. كاندُلا) أي: كالمصدر (ندلاً) بمعنى: خطفاً، (اللَّذ) أي: الذي (كاندلا) أي: في الدلالة على الطلب، هو يشير إلى البيت المذكور.
*…*…*
293) وَمَا لِتَفْصِيلٍ كَإمَّا مَنَّا……عَامِلُهُ يُحْذَفُ حَيْثُ عَنَّا
شرع في ذكر المسائل التي يحذف فيها عامل المصدر في الأساليب الخبرية، وهي خمس مسائل:
الأولى: في مصادر مسموعة عن العرب، كثر استعمالها، وحذف عاملها، ودلت القرائن على هذا العامل المحذوف، كقولهم عند تذكر نعمة: حمداً وشكراً لا كفراً، أي: أحمد الله حمداً، وأشكره شكراً، ولا أكفر به. وكقولهم عند نزول شدة: صبراً لا جزعاً، أي: أصبرُ صبراً ولا أجزع جزعاً، وكقولهم عند إظهار الطاعة والامتثال: سمعاً وطاعة. أي: أسمع سمعاً وأطيع طاعة.
فهذه الأمثلة ناب فيها المصدر عن فعله في أداء المعنى وفي تحمل ضمير الفاعل، وتقديره للمتكلم: أنا، وقد جرت هذه الأساليب مجرى الأمثال، ولذا لا تغير.
وهذه المسألة لم يذكرها ابن مالك وإنما ذكر المسائل المقيسة، إلا أن تكون داخلة في المصدر الآتي بدلاً من فعله على ما تقدم بيانه.(1/220)
المسألة الثانية: أن يكون المصدر تفصيلاً لعاقبة ما قبله. أي: أن المصدر جاء لبيان الغاية والغرض من مضمون جملة قبله، وذلك بوقوعه بعد أداة التفصيل نحو: إذا سئمت القراءة فاتركها، فإما جلوساً مع الأهل وإما زيارة للأقرباء والأصدقاء، فالوقت الذي تترك فيه القراءة مبهم، لا يعرف في أي شيء يُصرف، وتفصيل المراد جاء بواسطة المصدرين (جلوساً) و(زيارة) المسبوقين بحرف التفصيل، وهو (إما). وهما منصوبان بالفعلين المحذوفين وجوباً، والتقدير: فإما أن تجلس . . . وإما أن تزور . . . وقد ناب كل مصدره عن فعله المحذوف في بيان المعنى .
ومنه قوله تعالى: (فشدّوا الوثاق فإما منًّا بعد وإما فداء((906) فالمصدران (منّاً) و(فداءً) ذكرا تفصيلاً وتوضيحاً لعاقبة الأمر بشد الوثاق، والتقدير: فإما تمنون مناً وإما تفدون فداء.
وهذا معنى قوله: (وما لتفصيل كإما منّا . . . إلخ) أي: يحذف عامل المصدر المسوق للتفصيل حيث (عنّا) وأصله: (عَنَّ) بمعنى: عرض، والألف للإطلاق، وقوله: (كإمّا منّا) إشارة إلى الآية الكريمة.
*…*…*
294) كَذَا مُكَرَّرٌ وَذُو حَصْرٍ وَرَدْ……نَائِبَ فِعْلٍ لاِسْمِ عَيْنٍ اسْتَنَدْ
المسألة الثالثة من مسائل حذف عامل المصدر أن يكون المصدر مكرراً أو محصوراً وعامله خبر عن اسم عين، أي: اسم ذات نحو: المطر سحّاً سحّاً، ما الأسد مع فريسته إلا فتكاً، والأصل: يَسُحُّ سحاً، ويفتك فتكاً، فحذف عامل المصدر في المثالين، لأنه مكرر في الأول ومحصور في الثاني، وعامل المصدر (يَسُحُّ، يَفْتِكُ) وقع خبراً عن المبتدأ (المطر، الأسد) وكل منهما اسم عين . . . وخرج بذلك اسم المعنى نحو: إنما سيرك سير الجواد. فيجب الرفع.
وهذا معنى قوله: (كذا مكرر . . . إلخ) أي: كذلك يحذف عامل المصدر وجوباً إذا وقع المصدر نائباً عن فعل محذوف استند لاسم عين أي: أخبر عن اسم عين، أي: ذات. إذا كان المصدر مكرراً أو محصوراً.
*…*…*(1/221)
295) وَمِنْهُ مَا يَدْعُونَهُ مُؤَكِّدَا……لِنَفْسهِ أَوْ غَيْرِهِ فَالْمُبْتَداَ
296) نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ أَلْف عُرْفَا……وَالثَّانِ كَابْنِي أَنْتَ حقَّاً صِرْفَا
المسألة الرابعة من مسائل حذف عامل المصدر وجوباً أن يكون المصدر مؤكداً لنفسه أو لغيره.
فالمؤكد لنفسه: أن يكون المصدر واقعاً بعد جملة، مضمونها كمضمونه نحو: أنت تعرف لوالديك فضلهما يقيناً، فـ(يقيناً) مصدر منصوب بفعل محذوف وجوباً، والتقدير: توقن يقيناً. وهو مؤكد للجملة قبله، وهي المصدر نفسه، بمعنى أنها لا تحتمل سواه.
والمؤكد لغيره: أن يكون المصدر واقعاً بعد جملة، تحتمله وتحتمل غيره نحو: أنت ابني حقاً، فـ(حقاً) مصدر منصوب بفعل محذوف وجوباً، والتقدير: أحقه حقاً، وسمي مؤكداً لغيره، لأن الجملة قبله تصلح له ولغيره، لأن قولك: (أَنت ابني) يحتمل أن يكون حقيقة، وأن يكون مجازاً على معنى: أنت عندي بمنزلة ابني، فلما قال: حقاً صارت الجملة نصاً في أن المراد البنوة حقيقة، ولذلك سمي مؤكداً لغيره، لأنه جعل ما قبله نصاً بعد أن كان محتملاً وأَثَّرَ فيه فكأنه غيره. لأن المؤثر غير المؤثر فيه.
وهذا معنى قوله: (ومنه ما يدعونه مؤكداً . . . إلخ) أي: من المصدر الذي يحذف عامله حتماً، المصدر الذي يسميه النحاة: المؤكد لنفسه والمؤكد لغيره (فالمبتدا) أي: فالنوع الأول الذي بُديء به وهو المؤكد لنفسه نحو: (له علي ألف عرفا)، والتقدير أعترف اعترافاً، فحذف الفعل وناب عنه مصدره. و(الثان) أي: المؤكد لغيره، وقوله: (صرفاً) أي: خالصاً، أي: حقاً خالصاً لا شبهة فيه.
*…*…*…
297) كَذَاكَ ذُو للَتَّشبِيهِ بَعْدَ جُمْلَهْ……كَلِى بُكاً بُكَاءَ ذَاتِ عُضْلَهْ
المسألة الخامسة من مسائل حذف عامل المصدر وجوباً أن يكون المصدر دالاً على تشبيه، واقعاً بعد جملة، مشتملة على فاعل المصدر وعلى معناه، وليس فيها ما يصلح للعمل في المصدر.(1/222)
ومثال ذلك: للشجاع المقاتل زئيرٌ زئيرَ الأسد. فـ(زئير الأسد) مصدر تشبيهي، منصوب بفعل محذوف وجوباً، والتقدير: يزأر زئير الأسد، وقبله جملة وهي (للشجاع زئير) وهي مشتملة على فاعل المصدر وهو (الشجاع) لأن المراد بالفاعل هنا: الفاعل المعنوي: وهو من فعل الشيء حقيقة ولو لم تنطبق عليه شروط الفاعل. كما أنها مشتملة على معنى المصدر وهو (الزئير) وليس فيها ما يصلح للعمل في المصدر(907) فتعين أن يكون منصوباً بمحذوف، كما ذكرنا.
فلو لم يكن المصدر تشبيهياً وجب الرفع نحو: له صوتٌ صوتٌ حسن. وكذا لو لم يتقدم جملة نحو: زئيرُه زئيرُ أسد. أو لم تشتمل على فاعل المصدر في المعنى نحو: هذا زئيرٌ زئيرُ أسد. وإن وجد في الجملة ما يصلح للعمل في المصدر نصب به ولم يقدر له عامل نحو: خالد يضرب ضرب الملوك، فـ(ضرب) منصوب بالفعل قبله.
وهذا معنى قوله: (كذاك ذو التشبيه . . . إلخ) أي: كذلك يحذف عامل المصدر وجوباً إذا كان مقصوداً به التشبيه بعد جملة، ولم يذكر بقية الشروط اكتفاء بالمثال: لي بكاءُ بكاءَ ذات عضلة. وشرحه كما تقدم، وقوله: (بكاً) مقصور، وأصله: (بكاء) والعُضلة: بالضم الداهية، أي: لي بكاء مثل بكاء من أصابتها داهية.
المفعول له
298) يُنْصَبُ مَفْعُولاً لَه الْمصْدَرُ إِنْ……أَبَانَ تَعْلِيلاً كَجُدْ شُكْراً وَدنْ
299) وَهْو بِمَا يَعْمَلُ فِيهِ مُتَّحدْ……وَقْتاً وَفَاعِلاً وَإنْ شَرْطٌ فُقِدْ
300) فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ وَلَيْسَ يَمْتَنِعْ……مَعَ الشُّرُوطِ كَلِزُهْدٍ ذَا قَنِعْ
المفعول له: هو المصدر المبين علة ما قبله، المشارك لعامله في الوقت والفاعل، نحو: جئت رغبةً فيك.(1/223)
فـ(رغبةً) مصدر، وهو مفهم للتعليل، لأن المعنى: جئت للرغبة فيك، ومشارك لعامله (جئت) في الوقت ، لأن زمن الرغبة هو زمن المجيء، وفي الفاعل، لأن فاعل المجيء هو فاعل الرغبة، وهو المتكلم قال تعالى: (والّذين صبروا ابتغآء وجه ربّهم((908) فـ(ابتغاء) مفعول لأجله وقال تعالى: (لو يردّونكم من بعد إيمانكم كُفّارا حسدا من عند أنفسهم((909) فـ(كفاراً) حال. و(حسداً) مفعول لأجله.
وحكمه: جواز النصب إن وجدت فيه هذه الشروط الثلاثة، وهي: المصدرية، وإبانة التعليل، واتحاده مع عامله في الوقت والفاعل(910) ويجوز جره بحرف التعليل. وسيأتي - إن شاء الله - بيان الأحسن منهما.
فإن فقد شرط من الشروط وجب جره بحرف التعليل، وهو (اللام) أو (مِنْ) أو (في) أو (الباء)، فمثال ما عدمت فيه المصدرية: جئتك للكتاب، ومنه قوله تعالى: (والأرض وضعها للأنام((911)، ومثال ما لم يتحد مع عامله في الوقت: جئتك اليوم للإكرام غداً، ومثال ما لم يتحد مع عامله في الفاعل: جاء خالد لإكرام عليِّ له، ومنه قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس((912). فقد انتفى الاتحادان في الآية لأن فاعل الإقامة: المخاطب، وفاعل الدلوك (وهو الميل عن وسط السماء) هو الشمس، وزمنها مختلف، لأن زمن الإقامة متأخر عن زمن الدلوك.
ولا يعرب في حالة الجر مفعولاً له؛ لأن ذلك خاص بحالة النصب، على الرغم من أن معناه في حالتي نصبه وجره لا يختلف.
وهذا معنى قوله: (ينصب مفعولاً له المصدر . . . إلخ) أي: ينصب المصدر على اعتباره مفعولاً له، إن أبان تعليل ما قبله، ثم مثل بقوله: (جُدْ شكراً ودِنْ) أي: جُد لأجل الشكر، وهو بضم الجيم، أمر من جاد يجود، ومعنى: (دن) أي: كن صاحب دين واستقامة(913)، وله مفعولاً لأجله محذوف دل عليه ما قبله أي: دن شكراً.(1/224)
ثم ذكر بقية الشرط، وهو أنه يكون مفعولاً بشرط أن يكون متحداً مع عامله في الوقت والفاعل، فإن فقد شرط فاجرره بالحرف الدال على التعليل، ثم بين أن الجر بالحرف ليس ممتنعاً مع استيفاء الشرط، مثل: هذا قنع زهداً، فيجوز: هذا قنع لِزُهْدٍ.
*…*…*
301) وَقَلَّ أَنْ يَصْحَبَهَا الْمُجَرَّدُ……وَالْعَكْسُ فِي مَصْحُوبِ أَلْ وَأنْشَدُوا
302) "لاَ أَقْعُدُ الْجُبْنَ عَنِ الْهَيْجَاءِ……وَلَوْ تَوَالَتْ زُمَرُ الأَعْدَاءِ"
المفعول لأجله ثلاثة أقسام:
1) مجرد عن (أل) والإضافة.
2) محلى بـ(أل).
3) مضاف.
وكلها يجوز أن تُنصب، وأن تجر بحرف التعليل - كما تقدم - لكن الأكثر فيما تجرد عن (أل) والإضافة النصب، لشيوعه ولوضوح أن الكلمة مفعول لأجله، نحو: ضربت ابني تأديباً. ويجوز جره، فتقول: ضربت ابني لتأديبٍ، قال تعالى: (ونبلوكم بالشّر والخير فتنة((914) فـ(فتنة) مفعول لأجله جاء منصوباً، ولو جاء مجروراً في غير القرآن لصح.
وما كان محلى بـ(أل) فالأكثر جره، ويجوز نصبه، نحو: ضربت ابني للتأديب، ويجوز: ضربت ابني التأديبَ، ومنه قول الشاعر:
لا أقعد الجبن عن الهيجاء……ولو توالت زمر الأعداء(915)
فـ(الجبن) مفعول لأجله، وقد نصبه الشاعر مع كونه محلى بـ(أل).
وأما المضاف فيجوز فيه الأمران - النصب والجر - على السواء. نحو: ضربت ابني تأديبه، ولتأديبه، قال تعالى: (يجعلون أصابعهم في ءاذانهم من الصواعق حذر الموت((916). فـ(حذر الموت) مفعول لأجله مضاف، وقد جاء منصوباً.
وهذا معنى قوله: (وقلَّ أن يصحبها المجرد . . . إلخ) أي: إن المجرد من (أل) والإضافة قل أن يصحب الحرف، فالضمير (ها) يعود الحرف، وأنثه باعتباره كلمة.(1/225)
والمعنى: أن دخول حرف الجر على المجرد قليل، فيكون الكثير النصب، وأما المقترن بأل فهو بالعكس، فيكثر فيه الجر، وسكت عن المضاف، لأن الأمرين فيه على السواء، ولو كان أحدهما أكثر لذكره مع المجرد أو المحلى، ثم ساق الشاهد المتقدم(917) وقوله: (وأنشدوا) أي: النحاة، ولم يدخل ابن مالك في ألفيته من شواهد العرب إلا هذا البيت. ولم يُدرَ قائله. لكن الناظم حجة. وقد حفظه وسمعه. ومن حفظ حجةٌ على من لم يحفظ .. والله أعلم(918).
المفعول فيه وهو المسمى ظرفاً
303) اَلظَّرْفُ وقتٌ أَوْ مَكَانٌ ضُمِّنَا……فِي بِاطِّرَادٍ كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا
المفعول فيه: اسم زمان أو مكان ضمن معنى (في) باطراد.
نحو: سافرت يوم الخميس، صليت خلف مقام إبراهيم، فـ(يوم) و(خلف) اسما زمان ومكان، وكل منهما متضمن معنى (في)(919)، ولذا صح أن يقال: إن ظرف الزمان يبين الزمن الذي حصل فيه الفعل، وظرف المكان يبين المكان الذي حصل فيه الفعل، وهذا التضمين باطراد: أي: في مختلف الأحوال مع جميع الأفعال، فتقول: سافرت أو قدمت أو صمت أو خرجت (يوم الخميس) ونحو ذلك.
ومن الأمثلة قوله تعالى: (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب((920) فـ(غداً) مفعول فيه منصوب، ومثله (مع). وقوله تعالى: (لتنذر أُمَّ القرى ومن حولها((921) فـ(حول) مفعول فيه منصوب.
1) وخرج بالقيد الأول: (اسم زمان أو مكان) ما إذا تضمنت الكلمة معنى (في) وليست اسم زمان أو مكان، كقوله تعالى: (وترغبون أن تنكحوهن((922) فإن المصدر المؤول من (أن تنكحوهن) تضمن معنى (في) على أحد التفسيرين أي: وترغبون في نكاحهن لجمالهن ومالهن. لكنه ليس منصوباً على الظرفية، لأنه ليس زماناً ولا مكاناً.(1/226)
2) وخرج بالقيد الثاني: (ضمن معنى "في") اسم الزمان والمكان الذي لم يتضمن معنى (في) وهو الواقع مبتدأ أو خبراً أو مفعولاً أو غير ذلك، نحو: يوم الجمعة يوم مبارك. فليس ظرفاً، لأنه لم يتضمن معنى (في)، ومن ذلك قوله تعالى: (وأنذرهم يوم الآزفة((923) فـ(يوم) منصوب على أنه مفعول به لـ(أنذر) لا على أنه مفعول فيه، لما تقدم، لأن المقصود إنذارهم يوم القيامة ذاته.
3) وخرج بالقيد الثالث: (باطراد) ما تضمن معنى (في) بدون اطراد، نحو: دخلت البيت، سكنت الدار. فـ(البيت والدار) كل منهما اسم مكان ضمن معنى (في) لكن ليس باطراد، لعدم صلاحيته في جميع الأفعال، إذ لا يقال: نمت البيت - جلست الدار. فليست منصوبة على الظرفية، بل على المفعولية، لأن الفعل (دخل) يتعدى تارة بنفسه وتارة بحرف الجر، ومثله (سكن).
وهذا معنى قوله: (الظرف وقت . . . إلخ) أي: إن الظرف اسم وقت أو اسم مكان، و(أو) للتنويع، بمعنى الواو، (ضمنا) الألف للتثنية (في) أي: معناها دون لفظها (باطراد) تقدم معناه. ثم ذكر المثال للمكان (هنا) والزمان (أزمنا).
*…*…*
304) فَانْصِبْهُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ مُظْهَرَا……كَانَ وَإِلاَّ فَانْوِهِ مُقَدَّرَا
حكم المفعول فيه النصب، والناصب له: اللفظ الدال على المعنى الواقع فيه، والمعنى الواقع هو الحدث الذي يدل عليه المصدر والفعل والوصف.(1/227)
فمثال الفعل: صمت يوم الخميس، فالمعنى الواقع في الظرف هو (الصيام)، واللفظ الدال عليه الفعل (صمت)، فالفعل هو الناصب للظرف قال تعالى: (وإنما تُوفَّون أُجوركم يوم القيامة((924) وقال تعالى: (فاضربوا فوق الأعناق((925) ومثال المصدر: عجبت من استقبالك محمداً يوم الجمعة. قال تعالى: (وما ظنُّ الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة((926) فـ(يوم القيامة) ظرف منصوب، والعامل فيه المصدر (ظن) أي: ما ظنهم يوم القيامة؟ ومثال الوصف: أنت المُسْتَقْبِلُ) علياً يوم الخميس، قال تعالى: (وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً((927) فـ(يوم) ظرف منصوب، والعامل فيه اسم الفاعل (آتيه).
وهذا العامل له ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون مذكوراً، وهذا هو الأصل، كما في الأمثلة.
الثانية: أن يكون محذوفاً جوازاً، وذلك إذا دل عليه دليل، كأن يقال: متى سافرت؟ فتقول: يوم الخميس، وأين صليت؟ فتقول: حول الكعبة.
الثالثة: أن يكون محذوفاً وجوباً، وذلك في مواضع:
1) إذا وقع الظرف خبراً، نحو: الكتاب عندك، ومنه قوله تعالى: (والرّكب أسفل منكم((928).
2) إذا وقع الظرف صفة، نحو: أعجبني رجل عندك. ومنه قوله تعالى: (وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون((929) فـ(عند) صفة لـ(يوماً) أي: يوماً كائناً عند ربك.
3) إذا وقع الظرف حالاً، نحو: مررت بخالد عندك، ومنه قوله تعالى: (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن((930) فـ(فوق) ظرف متعلق بمحذوف حال من (الطير)(931).
4) إذا وقع الظرف صلة، نحو: أكرمت الذي عندك، ويجب تقدير العامل في الظرف الواقع صلة فعلاً، لأن الصلة لا تكون إلا جملة.(1/228)
وهذا معنى قوله: (فانصبه بالواقع فيه . . . ) أي: انصب ما تضمن معنى (في) باطراد (بالواقع فيه) أي: اللفظ الدال على المعنى الواقع في الظرف، من فعل أو شبهه (مظهراً كان) الناصب (وإلا) يكن مظهراً. (فانوه مقدراً) حال مؤكدة، لأن قوله: (مقدراً) يفهم مما قبله، وقوله (فانوه) أي: جوازاً أو وجوباً.
…*…*…*
305) وَكُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ ذَاكَ وَمَا……يَقْبَلُهُ الْمَكَانُ إلا مُبْهَمَا
306) نَحْوُ الجِهَاتِِ وَالمَقَادِيرِ وَمَا… …صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ كَمَرْمَى مِنْ رَمَى
307) وَشَرْطُ كَوْنِ ذَا مقِيساً أَنْ يَقَعْ……ظَرْفاً لِمَا فِي أَصْلِهِ مَعَهْ اجْتَمَعْ
أسماء الزمان كلها تصلح للنصب على الظرفية، سواء في ذلك المبهم (وهو ما يدل على زمن غير محدد) مثل : وقت ، لحظة . أو المختص (وهم ما يدل على زمن محمد ) لتعريفه بالعملية كرمضان. أو بالإضافة مثل: يوم الخميس، أو بأل مثل: اليوم، ومنه المقدر غير المعلوم، كالنكرة المعدودة غير المعينة، نحو: سرت يوماً أو يومين، أو الموصوفة: كسرت زمناً طويلاً.
فكل هذه تنصب على الظرفية نحو: سافرت يوم الخميس، انتظرتك لحظة، ومنه قوله تعالى: (والصابرين في البأسآء والضرآء وحين البأس((932) فـ(حين) منصوب على الظرفية. وقال تعالى: (وكل إنسان ألزمناه طآئره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً((933). وقال تعالى: (وجاؤوا أباهم عشآء يبكون((934) وقال تعالى: (وسبِّحوه بكرةً وأصيلا((935).
أما أسماء المكان فلا يصلح منها للنصب على الظرفية إلا ثلاثة أنواع:
الأول: المبهم وملحقاته (والمبهم: ما ليس له هيئة ولا حدود محصورة) نحو الجهات الست في مثل: وقف المتكلم أمام المصلين، جلست يمين الباب، وقال تعالى: (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن((936) فـ(فوق) منصوب على الظرفية وقال تعالى: (له ما بين أيدينا وما خلفنا((937) وقال تعالى: (وكان تحته كنز لهما((938).(1/229)
فإن كان المكان مختصاً (وهو الذي له صورة وحدود محصورة) كالدار والمسجد والجبل، لم يصح نصبه على الظرفية، ووجب جره بالحرف (في) نحو: صليت في المسجد. إلا في حالتين:
الأولى: أن يكون عامل الظرف المكاني المختص هو الفعل (دخل) أو (سكن) أو (نزل) فقد نصب العرب كل ظرف مختص مع هذه الثلاثة نحو: دخلت البيت، سكنت الدار، نزلت البلد. وقد اختلف في إعراب هذه الكلمات، والأظهر أن يكون كل منها مفعولاً به - لا ظرفاً ، ولامنصوباً على نزع الخافض - ويكون الفعل الذي قبلها متعدياً إليها بنفسه مباشرة ، وذهب جماعة منهم سيبويه إلى أنه ظرف، وعليه فهو مستثنى من قوله: (وما يقبله المكان إلا مبهماً)، لكثرة الاستعمال (939).
الحالة الثانية: أن يكون الظرف المكاني المختص هو كلمة (الشام) وعامله هو الفعل (ذهب)، فقد قالت العرب: (ذهبت الشام)، أو كلمة (مكة) وعامله الفعل (توجه)، فقد قالت العرب : (توجهت مكة) فينصب على الظرفية مع هذا الفعل دون غيره.
النوع الثاني: مما يقبل النصب من أسماء المكان: المقادير نحو: غلوةً، ميل، فرسخ، بريد(940). نحو سرت فرسخاً، مشينا في المزرعة ميلاً، قطع الفرس بريداً.
النوع الثالث: ما صيغ من المصدر على وزن (مَفْعَل) أو (مَفْعِل) للدلالة على المكان. وشرط نصبه: أن يكون عامله من لفظه نحو: وفقت موقف الخطيب، قعدت مَقْعَد المدرس. وتقول في غير المختص: جلست مجلساً، ومنه قوله تعالى: (وأنّا كنّا نقعد منها مقاعد للسمع((941).
فإن كان عامله من غير لفظه تعين جره بفي، نحو: جلست في مقعد المعلم، وما ورد من نصبه فهو شاذ، لا يصح القياس عليه، كقولهم: هو مني مقعد القابلة(942)، ومزجر الكلب(943)، ومناط الثريا(944)، فالظرف (مقعد، مزجر، مناط) جاء منصوباً، وعامله (كائن أو مستقر) المقدر.(1/230)
وهذا معنى قوله: (وكل وقت قابل ذاك . . . إلخ) أي: كل اسم زمان يقبل النصب على الظرفية، مبهماً كان أم مختصاً. أما ظرف المكان فلا يقبله في حال من الأحوال إلا في حال كونه مبهماً، نحو أسماء الجهات: نحو فوق، تحت . . . إلخ. وكذا أسماء المقادير، وكذا ما صيغ من مصدر الفعل كمرمى، من مصدر الفعل (رمى)، ويشترط في القياس على هذا أن يقع هذا المشتق ظرفاً لما اجتمع معه في أصله، أي: يكون الظرف وعامله من أصل واحد. كمجامعة (وقف) لـ(موقف) في الاشتقاق من (الوقوف).
*…*…*
308) وَمَا يُرَى ظَرْفاً وَغَيْرَ ظَرْفِ…… فَذَاكَ ذُو تَصَرُّفٍ فِي الْعُرْفِ
309) وَغَيْرُ ذِي التَّصَرُّفِ الَّذِي لَزِمْ……ظَرْفِيَّةً أَوْ شِبْهَهَا مِنَ الْكَلْمِ
الظرف نوعان:
الأول: متصرف، وهو ما يفارق النصب على الظرفية إلى حالة لا تشبهها(945) كأن يقع مبتدأ أو خبراً. نحو: يومُ الجمعة يومٌ مبارك، مكانُك مكانٌ مريح، الفرسخُ ثلاثةُ أميال، أو فاعلاً نحو: قَرُبَ يومُ الخميس، أعجبني مكانُك. أو مفعولاً نحو: علمت يومَ قدومك، رأيت مكانَك في الفصل، إلى غير ذلك من أحوال الإعراب.
ومن ذلك قوله تعالى: (أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة((946) فـ(يوم) فاعل، وقوله تعالى: (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود((947) فـ(يوم) خبر في الموضعين وقوله تعالى: (وجآءهم الموج من كل مكان((948) فـ(مكان) مضاف إليه مجرور.
الثاني: غير متصرف وهو نوعان:
1) ما لا يفارق الظرفية أصلاً(949) مثل: (سحر) إذا أريد به سحر يوم بعينه نحو: آتيك سَحَرَ يوم الخميس المقبل، فإن أريد به سحر غير معين فهو متصرف، يخرج من النصب على الظرفية إلى حالة لا تشبهها كما في قوله تعالى: (إنّا أرسلنا عليهم حاصباً إلا ءال لوط نّجيناهم بسحر((950) فقد جاء مجروراً بالباء، لأنه سحر غير معين.(1/231)
…ومنه - أيضاً - (قطُ) (ظرف لما مضى من الزمان) نحو: ما خدعت أحداً قطُ. و(عوض) (ظرف لما يستقبل من الزمان) نحو: لن أخادع أحداً عوضُ. أو: عوض العائضين (بالإضافة) فـ(قط) مبني على الضم في محل نصب على الظرفية، و(عوض) بدون إضافة مبني، وإلا فهو معرب.
2) ما يلازم النصب على الظرفية وقد يتركها إلى حالة تشبهها، وهي الجر بـ(من) مثل: عند، لدن، قبل، بعد، تحت، شطر، حولَ، نحو: جلست عندَك ساعة، ثم خرجت من عندِك إلى منزلي، ونحو: سأذهب إلى المعهد لدنَ الصبح حتى الضحى. عدت من العهد من لدنِ الضحى، ومن ذلك قوله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم((951) وقوله تعالى: (نجعلهما تحت أقدامنا((952) وقوله تعالى: (تجري من تحتها الأنهار((953) وقوله تعالى: (فول وجهك شطر المسجد الحرام((954) وقوله تعالى: (ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا((955) وقوله تعالى: (وترى الملائكة حآفين من حول العرش((956) فهذه الظروف يحكم عليها بعدم التصرف مع أن (مِنْ) تدخل عليها، إذ لم تخرج من الظرفية إلا إلى حالة شبيهة بها؛ لأن الظرف والمجرور أخوان.
وهذا معنى قوله: (وما يرى ظرفاً وغير ظرف . . . إلخ) أي: ما يستعمل ظرفاً وغير ظرف، كأن يقع مبتدأ أو فاعلاً فهذا هو المتصرف في عرف النحاة واصطلاحهم، وغير المتصرف هو الذي لزم الظرفية أو لزم الظرفية وشبهها وهو الجر بـ(من).
وقوله: (أو شبهها) معطوف على مفعول فعل محذوف، تقديره: (أو لزم ظرفية أو شبهها) إذ لو عطف على قوله (ظرفية) للزم منه أن من الظرف ما يلزم الظرفية وحدها، ومنه ما يلزم شبه الظرفية وحدها، وهذا غير صحيح و(أو) للتقسيم.
*…*…*
310) وَقَدْ يَنُوبُ عَنْ مَكَانٍ مَصْدَرُ……وَذَاكَ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ(1/232)
يكثر حذف ظرف الزمان المضاف إلى مصدر وإقامة المصدر مُقامه فيعرب بإعرابه، وهو النصب على الظرفية، نحو: أخرج من المنزل شروق الشمس. أي: وقت شروق الشمس، فحذف الظرف الزماني (وقت) وقام المصدر مقامه. وأعرب ظرفاً بالنيابة.
أما ظرف المكان فينوب عنه المصدر بقلة، نحو: جلست قرب زيد، أي: مكان قرب زيد، فحذف الظرف المكاني (مكان) وقام المصدر مقامه، وأعرب ظرفاً بالنيابة.
*…*…*
المفعول معه
311) يُنْصَبُ تَالِي الوَاوِ مَفْعُولاً مَعَهْ……فِي نَحْوِ سِيرِي وَالطَّرِيقَ مُسْرِعَهْ
312) بِمَا مِنَ الْفِعْلِ وَشِبْهِهِ سَبَقْ……ذَا النَّصْبُ لاَ بِالْوَاوِ فِي الْقَوْلِ الأَحَقّْ
المفعول معه: اسم فضلة، تالٍ لواو بمعنى مع، بعد جملة ذات فعل أو اسم فيه معناه وحروفه، مثاله: سرت والحدائقَ - وأنا سائر والحدائقَ.
فـ(الحدائق) مفعول معه، لأن المقصود سرت مع الطريق الذي يقارن الحدائق ويلابسها، و(الواو) بمعنى (مع)، وقد تقدم في المثال الأول فعل، والثاني اسم فاعل، وفيه معنى الفعل وحروفه.
وخرج بقولنا: (اسم) نحو: سرت والشمسُ طالعةٌ، لأن الواو داخلة على جملة، ونحو: لا تأكلْ وتتكلمَ، لأن الواو وإن كانت للمعية لكنها داخلة على فعل.
وبقولنا: (فضلة): اشترك خالد وصالح، لأن ما بعد الواو عمدة لأن الفعل (اشترك) يقتضي أن يكون فاعله متعدداً.
وبقولنا: (تالٍ لواو): جئت مع خليل.
وبقولنا: (بمعنى مع): جاء بكرٌ وعثمان قبله أو بعده.
وبقولنا: (بعد جملة): كل طالب وكتابه، فإن الواو بمعنى (مع) لكن لم يتقدم جملة، فليس ما بعد الواو مفعولاً معه، بل مبتدأ حذف خبره، كما تقدم في الابتداء.(1/233)
وحكم المفعول معه: النصب(957) والناصب له - على القول الصحيح - ما سبقه من فعل أو شبهه، وشبه الفعل كاسم الفاعل، كما تقدم، أو اسم المفعول نحو: الكتابُ متروكٌ والقلمَ، أو المصدر نحو: يعجبني سيرك والسَّهلَ، أو اسم الفعل نحو: رُويدَك والغاضبَ، بمعنى: أمهل نفسك مع الغاضب.
وليس الناصب للمفعول معه الواو، خلافاً لمن قال به، إذ لو كانت الواو عاملة لصح اتصال الضمير بها، كما يتصل بغيرها من الحروف العاملة نحو: إنك، لك، وهو ممتنع باتفاق.
وهذا معنى قوله: (ينصب تالي الواو . . . إلخ) أي: ينصب الاسم الذي يتلو الواو مفعولاً معه في كل مثال نحو: سيري والطريق مسرعة. واستغنى عن ذكر بقية القيود السابقة بالمثال، و(سيري) فعل أمر للمؤنثة، (والطريق) مفعول معه، و(مسرعة) حال، ثم ذكر أن هذا النصب للمفعول معه يكون بما سبقه من الفعل وشبهه، ولا يكون بالواو في القول الأحق بالاتباع، ويستفاد من قوله: (سبق) أن المفعول معه لا يجوز أن يتقدم على عامله.
*…*…*
313) وَبَعْدَ مَا اسْتِفْهَامٍ أوْ كَيْفَ نَصَبْ………بِفِعْلِ كَوْنٍ مُضْمَرٍ بَعْضُ الْعَرَبْ
حق المفعول معه أن يسبقه فعل أو شبهه - كما تقدم - وسُمع من كلام العرب نصبه بعد (ما) و(كيف) الاستفهاميتين، من غير أن يلفظ بفعل نحو: ما أنت والبحرَ؟ - وكيف أنت والبردَ؟ والجواب عن هذا من وجهين:
الأول: أن أكثر العرب يرفعون ما بعد الواو عطفاً على الضمير المنفصل فـ(ما) مبتدأ، (أنت) خبر، والواو عاطفة، و(البحر) معطوف على (أنت)، ذكر ذلك المبرد في كتابه (الكامل)(958).(1/234)
الثاني: نصبه بفعل مقدر مشتق من الكون أو غيره مثل: ما تكون والبحر، وكيف تكون والبرد، فالكلمتان مفعولان معه منصوبان بـ(تكون) وهي فعل مضارع ناقص، وأداة الاستفهام خبرها متقدماً، أما اسمها فضمير المخاطب (أنت)، وكان مستتراً فيها، فلما حذفت برز وصار منفصلاً، ويصح اعتبارها تامة، وفاعلها الضمير المستتر، ويصير بعد حذفها بارزاً، و(كيف) حال مقدم، و(ما) مفعول مطلق مقدم بمعنى: أي: وجود توجد مع البحر، ومثل هذا الفعل تصنع أو (تعمل) ونحوهما.
وهذا معنى قوله: (وبعد ما استفهام . . . إلخ) أي: نصب بعض العرب المفعول معه بعد (ما) و(كيف) الاستفهاميتين، وجعل النحاة النصب بفعل مقدر من لفظ الكون، كما تقدم.
*…*…*
314) وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقْ……وَالنَّصْبُ مُخْتَارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ
315) وَالنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ يَجِبْ……أَوِ اعْتَقِدْ إِضْمَارَ عَامِلٍ تُصِبْ
الاسم الواقع بعد (الواو) إما أن يمكن عطفه على ما قبله، أو لا، فإن أمكن عطفه فإما أن يكون بضعف أو بلا ضعف. فهذه ثلاث حالات.
الأولى: إمكان عطفه على الاسم السابق أو نصبه على أنه مفعول معه، والعطف أحسن، نحو: اجتهد الأب والمدرسَُ في تربية الولد. فكلمة (المدرس) يجوز رفعها عطفاً على الاسم السابق. ويجوز نصبها على المعية، والعطف أحسن، لأنه على نية تكرار العامل الذي يقع به التأكيد اللفظي الذي يقوي المعنى، وهو المشاركة في التربية.
الثانية: جواز الوجهين، والنصب على المعية أحسن، للفرار من عيب لفظي أو معنوي، فاللفظي: ما يعود إلى اللفظ بحسب ما تقتضيه صناعة الإعراب، نحو: سافرت وعصاماً، فنصب (عصاماً) أحسن من رفعه، لأن العطف على الضمير المرفوع المتصل بلا فاصل فيه ضعف.(1/235)
ولهذا حسن العطف في قوله تعالى: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة((959) فـ(زوجك) مرفوع معطوف على محل الضمير المستتر في (اسكن) و(أنت) توكيد للضمير المستتر. ومثله قوله تعالى: (فاذهب أنت وربُّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون((960).
وأما العيب المعنوي فهو الذي يرجع إلى ما يريده المتكلم من المعنى كقول الشاعر:
فكونوا أنتمُ وبني أبيكم……مكان الكُليتين من الطِّحال(961)
فقد نصب الشاعر: (وبني أبيكم) على أنه مفعول معه، ولم يرفعه بالعطف على اسم (كن) الذي هو الواو، مع وجود التأكيد بالضمير المنفصل.
والنصب أرجح من جهة المعنى، لأن الرفع يدل على أنَّ بني أبيهم مأمورون بأن يكونوا معهم في مكان يشبه مكان الكليتين من الطحال.كما أنهم هم مأمورون بذلك أيضاً، وليس ذلك مراداً، وإنما مراده أمر المخاطبين وحدهم بأن يكونوا مع بني أبيهم كالكليتين من الطحال. وهذا لا يتم إلا بالنصب على المعية.
الثالثة: امتناع العطف، ووجوب النصب إما على المعية إن استقام المعنى، وإما على غيرها إن لم يستقم، وذلك منعاً لفساد لفظي أو معنوي.
فمثال وجوب النصب على المعية لمانع لفظي يمنع العطف: كتبت لك وخالداً، فيجب نصب (خالداً) على أنه مفعول معه ولا يعطف بالجر على الكاف، لأنه لا يعطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار مع المعطوف، فتقول: كتبت لك ولخالد.
ومثال النصب لمانع معنوي يمنع العطف: سار هشام والبحرَ. فيجب نصب (البحر) على المعية، ولا يعطف بالرفع على ما قبله، لأن العطف على نية تكرار العامل، ولا يصح أن يقال: سار البحر.
ومثال النصب على غير المعية بتقدير فعل مناسب: حضر الضيوف فأكلوا طعاماً شهياً وماءً عذباً، فيجب نصب كلمة (ماءً) بفعل محذوف مناسب، والتقدير: وشربوا، ولا يصح النصب على المعية، لعدم المشاركة في الزمان، لأن الإنسان لا يشرب الماء وقت تناول الطعام، ولا يصح العطف لأن الماء لا يؤكل.(1/236)
وإلى هذه الحالات الثلاث(962) أشار بقوله: (والعطف إن يمكن بلا ضعف فهو أحق ...إلخ ) أي : إذا أمكن العطف على العطف على الاسم السابق بلا ضعف فهو أحق من النصب على المعية، ويختار النصب على المعية إذ ترتب على النسق ضعف، والنسق هو العطف بالحرف كالواو أو الفاء، أما إذا لم يمكن العطف فإنه يجب النصب على المعية، أو على أنه مفعول محذوف، والله أعلم.
*…*…*
الاستثناء
316) مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ تَمَامٍ يَنْتَصِبْ……وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ انْتُخِبْ
317) إتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ وَانْصِبْ مَا انْقَطَعْ……وَعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ إِبْدَالٌ وَقَعْ
الاستثناء: هو الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها لما كان داخلاً في حكم ما قبلها، حقيقة أو تقديراً.
فمثلاً: قرأت الكتاب إلا صفحةً، فكلمة (صفحة) أُخْرِجَتْ بواسطة (إلا)، وقد كانت داخلة في حكم ما قبلها ، وهو (قرأت)، وهذا دخول حقيقي؛ لأن الصفحة بعض الكتاب، وهذا الاستثناء المتصل.
ونحو: جاء القوم إلا سيارةً. ما بعد (إلا) أُخرج عن حكم ما قبلها، وهو المجيء، ولولاها لكان داخلاً، وهذا دخول تقديري، لأن السيارة ليست من جنس القوم، وهذا الاستثناء المنقطع.
وللاستثناء ثمان أدوات في أربعة أقسام:
1) حرف وهو: (إلا).
2) اسم وهو: (غير، سوى).
3) فعل وهو: (ليس، ولا يكون).
4) متردد بين الفعلية والحرفية وهو: (خلا، عدا، حاشا) وحرفية (حاشا) أكثر.
وأسلوب الاستثناء يتألف من مستثنى (وهو الاسم الواقع بعد أداة الاستثناء) ومستثنى منه (وهو الاسم الواقع قبل أداة الاستثناء، ويشتمل في المعنى على المستثنى منه) وأداة الاستثناء.
أما حكم المستثنى بـ(إلا) فإنه يجب نصبه على الاستثناء(963) في الأغلب(964) بشرطين:
الأول: أن يكون الكلام تاماً (وهو ما كان المستثنى منه مذكوراً).
الثاني: أن يكون الكلام موجباً (وهو ما كان خالياً من النفي وشبهه وهو النهي والاستفهام الذي بمعنى النفي).(1/237)
ولا فرق بين المتصل والمنقطع، كما في المثالين السابقين. ومن ذلك قوله تعالى: (فشربوا منه إلا قليلا منهم((965). كما أنه لا فرق بين أن يكون المستثنى متأخراً، كما مُثل، أو متقدماً نحو: حضر إلا علياً الأصدقاءُ.
فإن كان الكلام غير تام (وهو ما حذف من جملته المستثنى منه) فسيأتي حكمه إن شاء الله.
وإن كان الكلام تاماً غير موجب (وهو ما كان فيه النفي وشبهه) فلا يخلو من حالين:
الأول: أن يكون الاستثناء متصلاً (وهو ما كان فيه المستثنى بعضاً من المستثنى منه) نحو: ما حضر الطلاب إلا علياً، فيجوز فيه وجهان:
الأول: النصب على الاستثناء.
الثاني: إعرابه بإعراب المستثنى منه، تقول: لا تعجبني الكتُب إلا النافعَُ، بنصب (النافع) على الاستثناء، أو رفعه على أنه بدل من (الكتب) وبدل المرفوع مرفوع، ومنه قوله تعالى: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم((966) فقد قرأ السبعة بالرفع في قوله: (إلا أنفسهم) ولو كان في غير القرآن لجاز نصبه، ولكن القراءة سنة متبعة. وقوله تعالى: (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم((967). فقد قرأ السبعة إلا ابن عامر برفع (قليل) على أنه بدل من الواو في قوله (فعلوه).أما ابن عامر فقد قرأ بالنصب على الاستثناء(968).
الحالة الثانية: أن يكون الاستثناء منقطعاً (وهو ألا يكون المستثنى بعضاً من المستثنى منه) فيتعين النصب عند جمهور العرب، فتقول: ما حضر الضيوفُ إلا سيارةً، قال تعالى: (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن((969) قرأ السبعة بالنصب.
وأجاز بنو تميم إتباعه لما قبله، إن صح إغناؤه عن المستثنى منه، فتقول: ما حضر الضيوفُ إلا سيارةٌ بالرفع على أنه بدل من (الضيوف)، إذ يصح أن تقول: ما حضر إلا سيارة.
فإن لم يتحقق الشرط وجب النصب عند الجميع، نحو: ما زاد المال إلا ما نقص. إذا لا يقال: زاد النقص.(1/238)
وهذا معنى قوله: (ما استثنت إلا . . . إلخ) أي: ما استثنته (إلا) - أي: كانت أداة استثنائه - فإنه ينصب إذا كان الكلام تاماً، ولم يذكر الشرط الثاني، وهو الإيجاب، لأنه مفهوم من قوله: (أو بعد نفي أو كنفي انتخب إتباع ما اتصل) حيث نصَّ على أنه بعد النفي وشبهه يختار الإتباع في المتصل، والنصب وحده في المنقطع، إلا عند تميم فإنهم يجيزون الإبدال بالشرط المذكور، ففهم من ذلك أن الأول لابد أن يكون موجباً.
وقوله: (انتخب إتباع ما اتصل) يفهم منه أن النصب جائز، كما تقدم.
*…*…*
318) وَغَيْرُ نَصْبِ سَابِقٍ فِي النَّفْيِ قَدْ……يَأْتِي وَلكِنْ نَصْبَهُ اخْتَرْ إِنْ وَرَدْ
إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه فإما أن يكون الكلام موجباً أو غير موجب.
فإن كان موجباً وجب نصب المستثنى، كما تقدم، تقول: حضر إلا علياً الضيوفُ.
وإن كان غير موجب فالمختار نصبه، نحو: ما حضر إلا علياً الضيوف، ومنه قول الشاعر:
فما لي إلا آلَ أحمدَ شيعةٌ……ومالي إلا مذهبِ الحقِّ مذهبُ (970)
فقدم (الشاعر) المستثنى على المستثنى منه في الموضعين، وجاء به منصوباً. وقد روى رفعه فتقول: ما حضر إلا عليٌّ الضيوفُ. قال سيبويه: (حدثنا يونس أن بعض العرب الموثوق بهم يقولون: ما لي إلا أبوك أحدٌ)(971) فيجعلون كلمة (أحدٌ) بدلاً. وبدل المرفوع مرفوع، ومنه قول حسان رضي الله عنه:
فإنهم يرجون منه شفاعة …إذا لم يكن إلا النبيون شافع
فرفع المستثنى (إلا النبيون) مع تقدمه على المستثنى منه (شافع) والكلام منفي، وهذا مرجوح، لأن المستثنى إذا لم ينصب على الاستثناء فلابد من رفعه على البدلية، إذ لا ثالث لهذين الوجهين، والبدل تابع، والتابع لا يجوز أن يتقدم على المتبوع.(1/239)
ولهذا خرجه النحاة على أنه من الاستثناء المفرغ - الآتي بعد هذا - فيعرب المستثنى المتقدم على حسب ما يقتضيه العامل قبل (إلا) ويزول عنه اسم (المستثنى)، وما بعده بدل منه، (بدل كل من كل)، فيزول عنه اسم (المستثنى منه) وتكون (إلا) ملغاة، فقوله: (النبيون) فاعل (يكن) التامة (وشافع) بدل منه.
وهذا معنى قوله: (وغيرُ نصبِ سابقٍ . . . إلخ) أي: قد يأتي في كلام العرب على قلة غيرُ النصب (وهو الرفع) في المستثنى المتقدم إذا كان الكلام منفياً، ولكن النصب على الاستثناء هو المختار إن ورد، لأنه الفصيح الشائع، وقوله: (إن ورد) أي: إن ورد عن العرب، ومعنى الاختيار: الحكمُ بأن نصبه أرجح؛ لأن ما ورد عنهم يُتبع نصباً أو رفعاً. ويحتمل أن المعنى: إن ورد منك بالتكلم به، فالاختيار على بابه.
*…*…*
319) وَإِنْ يُفَرَّغْ سَابِقٌ إلاَّ لِمَا……بَعْدُ يَكُنْ كَمَا لَوِ الاَّ عُدِمَا
تقدم الكلام على حكم المستثنى إذا كان المستثنى منه موجوداً وهو الاستثناء التام، وذكر - هنا - الاستثناء غير التام، وهو الاستثناء المفرَّغ.
تعريفه: هو ما حذف من جملته المستثنى منه.
شرطه: أن يكون الكلام غير موجب، بأن يسبق بنفي أو نهي أو استفهام(972).
نحو: لا يسدي النصيحة إلا المخلصون، وما صاحبت إلا الأخيارَ، لا تصلح الأمم إلا بالدينِ .
حكمه: أن يعرب ما بعد إلا على حسب العوامل قبلها، فيتفرغ ما قبلها للعمل فيما بعدها، وتعرب (إلا) ملغاة لا عمل لها فـ(المخلصون) فاعل في المثال الأول، و(الأخيار) مفعول به في المثال الثاني، و(بالدين) متعلق بالفعل (تصلح) في المثال الثالث، ومن ذلك قوله تعالى: (ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون((973) وقوله تعالى: (هل يُهلَكُ إلا القوم الظالمون((974) وقوله تعالى: (ولا تقولوا على الله إلا الحقَّ((975) وقوله تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن((976).(1/240)
وهذا معنى قوله: (وإن يفرغ . . . إلخ) أي: إذا كان العامل قبل (إلا) مفرغاً (أي: متجهاً للعمل فيما بعدها) فإن تأثيره فيما بعدها يقوم على افتراض أنها غير موجودة.
وهذا من الناحية الإعرابية - كما ذكرنا - أما من الناحية المعنوية فحكمها باق وهو استثناء ما بعدها عن حكم ما قبلها.
*…*…*
320) وَأَلْغِ إلاَّ ذَاتَ تَوْكيدٍ كَلاَ…… تَمْرُرْ بِهِمْ إِلاَّ اَلْفَتَى إِلاَّ اَلْعَلاَ
321) وإنْ تُكَرَّرْ لاَ لِتَوكيدٍ فَمَعْ……تَفْرِيغٍ التَّأْثِيرَ بِالْعَامِلِ دَعْ
322) في وَاحِدٍ مِمَّا بِإلاَّ اسْتُثْني……وَلَيْسَ عَنْ نَصْبِ سِوَاهُ مُغْنيِ
323) وَدُونَ تَفْرِيغٍ مَعَ التَّقَدُّمِ……نَصْبَ الجْمَيعِ احْكُمْ بَهِ والتْزَمِ
324) وَانْصِبْ لِتَأْخِيرٍ وَجِيءْ بِوَاحِدٍ……مِنْهَا كَمَا لَوْ كَانَ دُونَ زَائَدِ
325) كلم يَفُوا إِلاَّ امْرُؤٌ إِلاَّ عَلِي……وَحُكْمُهَا في الْقَصْدِ حُكْمُ الأَوَّلِ
تقدم الكلام على (إلا) غير المكررة، وذكر في هذه الأبيات حكم (إلا) المكررة، وهي نوعان:
الأول: أن يكون تكرارها بقصد التوكيد اللفظي المحض وتقوية (إلا) الاستثنائية الأولى، ولا تفيد استثناء جديداً. ولها موضعان:
الأول: أن تقع بعد الواو العاطفة، نحو: ما أحضرت الكتب إلا النحو وإلا البلاغة، فـ(إلا) زائدة للتوكيد، وما بعدها معطوف على ما قبها.
الثاني: أن يقع بعدها لفظ يتفق مدلوله مع ما قبلها، وهذا في باب البدل نحو: ما أكرمت إلا خالداً إلا أخاك.
فـ(إلا) زائدة للتوكيد و(أخاك) بدل من (خالداً) ولو حذفت (إلا) من المثالين لم يتغير الإعراب.
وهذا معنى قوله: (وألغ إلا) أي: اعتبر (إلا) ملغاة، أي: غير موجودة إذا كانت للتوكيد، وأعرب ما بعدها بإعراب ما قبلها، ثم ذكر المثال. و(العَلا) بفتح العين هو اسم الفتى، فالفتى هو: العَلاءُ والعَلاءُ هو الفتى، فهو بدل منه أو عطف بيان و(العَلا) بالقصر للضرورة.(1/241)
النوع الثاني من أنواع (إلا) المكررة: أن يكون تكرارها لغير التوكيد، وهي التي يقصد بها ما يقصد بالأولى من الاستثناء، ولو حذفت لما فهم ذلك، ولها حالتان:
الأولى: أن يكون الكلام مفرغاً، فيعرب واحد من المستثنيات بما يقتضيه العامل قبل (إلا)، وينصب الباقي نحو: ما حضر إلا عليٌّ إلا بكراً إلا خالداً، فـ(علي) فاعل حضر، (وبكراً) و(خالداً) منصوبان على الاستثناء.
وهذا معنى قوله: (وإن تكرر لا لتوكيد . . .) أي: وإن تكررت (إلا) لا لتوكيد ففي حالة التفريغ - وهو حذف المستثنى منه - اترك العامل يؤثر في واحد مما استثنيته بـ(إلا) وانصب باقي المستثنيات (فليس عن نصب سواه مغني) أي: غنى، والمعنى: وليس الواحد مغنياً عن نصب سواه ووقف على قوله: (مغني) بالسكون على لغة ربيعة، وإلا فحقه النصب، والمراد بالعامل: ما قبل (إلا)(977).
الحالة الثانية: أن يكون الكلام غير مفرغ. فإن تقدمت المستثنيات وجب نصب الجميع سواء كان الكلام موجباً أو غير موجب، نحو: حضر إلا علياً إلا بكراً إلا خالداً الطلابُ، وما حضر إلا علياً إلا بكراً إلا خالداً القومُ.
وإن تأخرت وكان الكلام موجباً وجب نصب الجميع نحو: خرج الضيوف إلا علياً إلا بكراً إلا خالداً. وإن كان غير موجب عومل واحد منها بما كان يعامل به لو لم يتكرر الاستثناء، ونصب الباقي، فتقول: ما حضر الضيوف إلا عليٌّ إلا بكراً إلا خالداً، فـ(علي) بدل مما قبله. ويجوز نصبه على الاستثناء، كما تقدم أول الباب.
وهذا معنى قوله: (ودون تفريغ . . .) أي: الحالات التي ليس فيها تفريغ - وذلك بذكر المستثنى منه - إن تقدمت المستثنيات وجب نصبها، وإن تأخرت نصبت كلها، فإن كان الكلام غير موجب عومل واحد منها بما يستحقه لو لم تتكرر (إلا)، ثم مثل: فـ(امرؤ) بدل من واو الجماعة بدل بعض من كل، و(علي) مستثنى منصوب، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة(978).(1/242)
وأشار بقوله: وحكمها في القصد حكم الأول) إلى أن المستثنيات كلها مقصودة كالمستثنى الأول، فيثبت لها ما يثبت للأول من دخول في الحكم أو خروج.
فإن كان المستثنى الأول داخلاً في الحكم - وذلك في غير الموجب - فما بعده داخل، كقولك: ما حضر الضيوف إلا عليٌّ إلا بكراً إلا عصاماً، فـ(عليٌّ) وهو المستثنى الأول داخل في إثبات الحضور له، فكذا ما بعده، وإن كان خارجاً - وذلك في الموجب - فما بعده خارج، كقولك حضر الضيوف إلا علياً إلا بكراً إلا عصاماً، فـ(علياً) وهو المستثنى الأول خارج عن إثبات الحضور له، فكذا ما بعده.
…*…*…*
326) وَاسْتَثْنِ مَجْرُوراً بِغَيْرٍ مُعْرَبَا …بِمَا لِمُسْتَثْنىً بِإلاَّ نُسِبَا
هذا هو القسم الثاني من أدوات الاستثناء، وهو ما كان اسماً، وهو: (غير) و(سوى).
فأما (غير) فمعناها: إفادة المغايرة. أي: الدلالة على أن ما بعدها مغاير لما قبلها في الحكم، مثال ذلك: خرج الطلاب غير محمدٍ، والمعنى: أنهم خرجوا مغايرين ومخالفين في هذا الأمر (محمداً) فهو لم يخرج.
وفيها بحثان:
1) بحث في المستثنى بعدها. وحكمه: الجر بها لإضافتها إليه.
2) بحث في إعرابها؛ لأنها اسم. وحكمها: أنها تعرب بما كان يعرب به المستثنى بعد (إلا) على التفصيل السابق، فتقول: حضر الضيوف غيرَ خالدٍ، بنصب (غير) على الاستثناء؛ لأنه كلام تام موجب كما تقول: حضر الضيوف إلا خالداً، بنصب (خالد) وتقول: ما حضر غيرُ خالد أو غيرَ خالد، بالإتباع والنصب، وتقول ما حضر الضيوف غيرُ خالد، برفع (غير) وجوباً، لأنه استثناء مفرغ، وتقول ما حضر الضيوف غيرَ سيارة، بنصب (غيرَ) عند غير بين تميم، وبالإتباع عندهم.
وهذا معنى قوله: (واستثن مجروراً . . . إلخ) أي: استثن بكلمة (غير) مستثنى مجروراً دائماً حالة كون (غير) معرباً بالإعراب الذي نسب وثبت للمستثنى بـ(إلا).(1/243)
واعلم أن استعمال (غير) في باب الاستثناء قليل، والأصل في استعمالها أنها تقع صفة(979) لنكرة نحو: سلمت على طالبٍ غير علي. قال تعالى عن الكفار: (ربّنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل((980) أو صفة لشبه النكرة، وهو المعرفة المراد منها الجنس كقوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم(6) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين((981) فكلمة (غير) مجرورة، وهي صفة للاسم الموصول قبلها(982) المراد به جنسٌ لا قومٌ بأعيانهم. والمعرَّفُ الذي يراد به الجنس قريب من النكرة. وقد تقع مبتدأ أو خبراً لناسخ، وغير ذلك(983).
*…*…*
327) وَلِسِوىً سُوىً سَواءٍ اجْعَلاَ……عَلَى الأَصَحِّ مَا لِغَيْرٍ جُعِلاَ
يكثر استعمال (سوى) في باب الاستثناء، وفيها لغات (سِوىً، سُوىً سَواْءٍ، سِواءٍ) والمستثنى بها كالمستثنى بـ(غير) في وجوب جره لإضافتها إليه، نحو: كتبت الواجب سوى صفحتين، ما ينفع الإنسان سوى عمله الصالح.
وأما (سوى) ففيها قولان:
الأول: أنها ظرف مكان(984) منصوب على الظرفية، ولا تخرج عن الظرفية إلى غيرها، وما جاء من كلام العرب شيء استعملت فيه اسماً غير ظرف فهو مؤول، أو ضرورة من ضرورات الشعر.
الثاني: أنها كـ(غير) معنى وإعراباً، فتكون مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة، على التفصيل المتقدم في (غير)، وهذا اختيار ابن مالك، وهو الراجح لكثرة الشواهد نثراً ونظماً، على أنها متصرفة تتأثر بالعوامل المختلفة(985).
فمن استعمالها مجرورة قوله صلى الله عليه وسلم: "دعوت ربي ألا يسلط على أمتي عدواً من سوى أنفسها" رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم : "ما أنتم في سواكم من الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود" متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وقول الشاعر:
ولا ينطق الفحشاءَ من كان منهم……إذا جلسوا منا ولا من سِوائنا(986)
ومن استعمالها مرفوعة قول الآخر:(1/244)
وإذا تباع كريمة أو تشترى………فسواك بائعها وأنت المشتري(987)
فـ(سواك) مبتدأ و(بائعها) خبر.
وقول الآخر:
ولم يبق سوى العدوان………دِنَّاهُمْ كما دانوا (988)
فـ(سوى) فاعل.
ومن استعمالها منصوبة قول الشاعر:
خلا الله لا أرجو سواك وإنما………أعدُّ عيالي شعبة من عيالكا(989)
فـ(سوى) مفعول به.
وهذا معنى قوله: ( ولسِوىً سُوىً . . . إلخ) أي: اجعل - على القول المختار لـ(سِوًى) بالكسر والقصر (وسُوًى) بالضم والقصر (وسَواءٍ) بالفتح والمد -. ما جعل لـ(غير) من الأحكام، لأنها مثلها. وأشار بقوله: (على الأصح) إلى مخالفة من يقول: إنها ظرف غير متصرف. وهو الخليل وسيبويه.
*…*…*
328) وَاسْتَثْنِ نَاصِباً بِلَيْسَ وَخَلاَ……وَبِعَدَا وَبِيَكُونُ بَعْدَ لاَ
329) وَاجْرُرْ بِسَابِقَيْ يَكونُ إِنْ تُرِدْ……وَبَعْدَ مَا انْصِبْ وَانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ
330) وَحَيْثُ جَرَّا فَهُمَا حَرْفَانِ……كَمَا هُمَا إِنْ نَصَبَا فِعْلاَنِ
ذكر في هذه الأبيات القسم الثالث والرابع من أدوات الاستثناء، وهو ما كان فعلاً أو متردداً بين الفعلية والحرفية.
فالقسم الثالث: ليس، ولا يكون، وهما فعلان ناسخان جامدان وحكم المستثنى بهما وجوب النصب لأنه خبرهما، نحو: قرأت الكتاب ليس صفحة. أو: لا يكون صفحة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السنّ والظفر(990)" متفق عليه.
أما اسمهما فضمير مستتر وجوباً تقديره: (هو) يعود على البعض المفهوم من الكل السابق الذي هو المستثنى منه، فمعنى: قرأت الكتاب ليس صفحة، أن المقروء كلٌ استثنى بعضه، أي: قرأت الكتاب ليس بعضُ الكتاب المقروء صفحةً.
وجملة الاستثناء (ليس صفحة) في محل نصب حال، أو مستأنفة فلا محل لها من الإعراب، ويبقى ارتباطها بما قبلها من الناحية المعنوية فقط.
والقسم الرابع: خلا. وعدا ويجوز في المستثنى بهما وجهان:(1/245)
الأول: الجر على أنهما حرفا جر، نحو: نجح الطلاب خلا جابرٍ فـ(خلا) حرف جر و(جابر) اسم مجرور، حكى سيبويه(991) أن بعض العرب يقول: ما أتاني القوم خلا عبدِ الله، (بالجر)، وحكى الأخفش قول الشاعر:
خلا الله لا أرجو سواك وإنما……أعد عيالي شعبة من عيالكا(992)
وحكى سيبويه والأخفش الجر بـ(عدا) في قول الشاعر:
أبحنا حيَّهم قتلاً وأسراً………عدا الشمطاءِ والطفل الصغير(993)
والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، كما مثلنا، وبما يشبهه إن لم يوجد في الكلام فعل، نحو: القوم إخوتك خلا صالح(994).
الثاني: النصب: على أنهما فعلان جامدان، وفاعلهما ضمير مستتر وجوباً، ومرجع الضمير ومحل الجملة الإعرابي، كما تقدم في (ليس).
وتدخل عليهما (ما) المصدرية، فيتعين كونهما فعلين، ونصب ما بعدهما، ومنه قول الشاعر:
ألا كلُّ شيء ما خلا اللهَ باطلُ……وكلُّ نعيم لا محالةَ زائلُ(995)
وتقول: خرج الضيوف ما خلا علياً، فـ(ما) مصدرية، و(خلا) فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر - كما تقدم - و(علياً) مفعول به، و(ما) وما دخلت عليه في تأويل مصدر في محل نصب حال. مؤول بالمشتق. والتقدير: خرج الضيوف مجاوزين علياً. أو ظرف زمان أي: وقت مجاوزتهم علياً.
وأجاز بعض النحاة الجر بهما بعد (ما) على اعتبار (ما) زائدة. وهذا رأي ضعيف(996) وما ورد عن العرب لا يقاس عليه لشذوذه، دون احتياج إلى تأويل.(1/246)
وهذا معنى قوله: (واستثن ناصباً . . . إلخ) أي: استثن بالأدوات المذكورة، ناصباً للمستثنى بها، وأشار بقوله: (وبيكون بعد (لا) . . . ) على أنه لا يستعمل في الاستثناء من لفظ الكون غير (يكون) وهو المضارع للغائب، ولا يستعمل معه من أدوات النفي غير (لا)، ثم ذكر في البيت الثاني أنه يجوز لك جر المستثنى بالأداتين السابقتين على (يكون) - إن شئت - وهما (خلا، وعدا) وإن شئت فانصبه، ويكون النصب واجباً إذا تقدمت (ما)، ثم أشار إلى رأي لبعض النحاة، وهو أنهما قد يجران المستثنى أحياناً مع وجود (ما) قبلهما على اعتبارها زائدة، ثم أوضح في البيت الثالث أنهما في حالة جرهما المستثنى يعتبران حرفي جر، وأنهما في حالة نصبه يعتبران فعلين.
وقوله: (وحيث جرا فهما حرفان) (حيث) اسم شرط عند من لا يشترط اقترانه بـ(ما)، وهو الفراء، وتكون الفاء في قوله: (فهما) واقعة في جواب الشرط، لأنه جملة اسمية، أو تكون (حيث) ظرفاً على رأي الجمهور، وهو متعلق بقوله: (حرفان) لأنه بمعنى: تثبت حرفيتهما حيث جرا، وتكون الفاء قد دخلت لتنزيل الظرف منزلة الشرط.
*…*…*
331) وَكَخَلاَ حَاشَا وَلاَ تَصْحَبُ مَا……وَقِيلَ حَاشَا وَحَشَا فَاحْفَظْهُمَا
ذكر في هذا البيت (حاشا) وهي شبيهة بـ(خلا) في أنها تكون حرف جر، ويكون المستثنى بها مجروراً، وهذا هو الكثير، وتكون فعلاً ويكون المستثنى بها منصوباً - كما تقدم - ومنه قول الشاعر:
حاشا قريشاً فإن الله فضلهم……على البرية بالإسلام والدين
فـ(حاشا) فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر وجوباً تقديره: (هو) يعود على البعض المفهوم من الكل السابق، و(قريشاً) مفعول به لحاشا.
ودخول (ما) المصدرية على (حاشا) قليل. حتى إن أكثر النحويين منعه، ومن أجازه استدل بقول الشاعر:
رأيت الناس ما حاشا قريشاً……فإنا نحن أفضلهم فَعالاً(997)(1/247)
وهذا معنى قوله: (وكخلا حاشا) أي: أن (حاشا) شبيهة بـ(خلا) في كل أحكامها، لكن لا تجيء (ما) قبل (حاشا) ثم ذكر أن فيها لغات، أشهرها (حاش) بحذف الألف الأخيرة. و(حشا) بحذف الأولى والله أعلم.
الحال
332) الْحَالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ……مُفْهِمُ فِي حَالِ كَفَرْداً أَذْهَبُ
الحال نوعان:
1) حال مؤكدة: وهي التي لا تفيد معنى جديداً سوى التوكيد ويأتي ذكرها في آخر الباب.
2) حال مُؤَسِّسَة أو مُبَيِّنة: وهي:
وصف(998) فضلة منصوب، يبين هيئة صاحبه عند وقوع الفعل.
والمراد بالوصف: ما دل على معنى وذات، كـ(راكبٌ وَفَرِحٌ ومسرورٌ) ونحوها. والوصف جنس يشمل الحال والخبر والنعت.
والمراد بالفضلة هنا: ما ليس ركناً في الإسناد(999) وأصل الفضلة: ما يمكن الاستغناء عنه غالباً، كالمفاعيل.
ومعنى: يبين هيئة صاحبه: صاحب الحال هو ما يبين الحال هيئته كالفاعل أو نائب الفاعل أو المفعول به وغيرها(1000) والمراد بيان صفته وقت وقوع الفعل، وتعرف الدلالة على الهيئة بوضع سؤال مصدّر بـ(كيف؟) يكون جوابه لفظ الحال.
مثال ذلك: حضر الضيف ماشياً، فـ(ماشياً) حال من الفاعل. وهو وصف، لأنه اسم فاعل، وفضلة: لأنه ليس ركناً في الإسناد، فهو زائد على المسند (حضر) والمسند إليه (الضيف)،وبَيَّن هيئة الاسم الذي قبله، فيصح، أن يقال: كيف جاء الضيف؟ فيقال: ماشياً، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: (وادعوه مخلصين((1001) فـ(مخلصين) حال من الفاعل، وهو الواو، وقوله تعالى: (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين((1002) فـ(مبشرين ومنذرين) حال من المفعول (النبيين)، وقوله تعالى: (فكلوا ممّا غنمتم حلالا طيباً((1003) فـ(حلالا طيباً) حالان من الموصول المجرور.
وخرج بذكر الوصف نحو: رجعتُ القهقرى. فإنه وإن كان مبيناً لهيئة الفاعل. إلا أنه ليس بوصف، بل هو اسم للرجوع إلى الخلف.
وخرج بذكر الفضلة: الوصف الواقع عمدة، كالخبر نحو: عماد مسرور.(1/248)
وبذكر الدلالة على الهيئة: التمييز المشتق نحو: لله دَرُّهُ فارساً. فإنه تمييز لا حال، إذ لم يقصد به الدلالة على الهيئة، بل التعجب من فروسيته. ووقع بيان الهيئة ضمناً.
وكذا النعت المنصوب نحو: رأيت رجلاً واقفاً، فإنه لم يسق لبيان الهيئة، وإنما لتخصيص المنعوت، ووقع بيان الهيئة ضمناً.
وهذا معنى قوله: (الحال وصف . . .إلخ) أي: إن الحال هو الوصف المشتق الفضلة المنتصب للدلالة على هيئة صاحبه وصفته. مثل: فرداً أذهب، ففرداً حال بمعنى منفرداً، وفيه القيود المذكورة، وقد أفاد المثال جواز تقديم الحال على عاملها، وسيأتي إن شاء الله، وقوله: (مفهمُ) يقرأ بلا تنوين، لأنه على حذف المضاف إليه، وكذا (في حالِ) لأن المضاف إليه منوي الثبوت. أي: مفهمُ معنى في حال كذا. واعلم أن لفظ (حال) يجوز في لفظه وضميره ووصفه وغير ذلك التذكير والتأنيث، والأحسن في لفظه التذكير، وفي ضميره ووصفه التأنيث، وقد ورد الاستعمالان في النظم، فتأمل ذلك في الأبيات الآتية في هذا الباب.
333) وَكَوْنُهُ مُنْتَقِلاً مُشْتَقَّا……يَغْلِبُ لكِنْ لَيْسَ مُسْتَحَقَّا
للحال أربعة أوصاف:
الأول: أن تكون منتقلة لا ثابتة، وهذا غالب لا لازم، والمنتقلة: هي التي تبين هيئة صاحبها مدة مؤقتة، نحو: جاء بكر ضاحكاً، رأيت زياداً واقفاً.
والثابتة: هي الملازمة لصاحبها لا تفارقه، وتقع الحال وصفاً ثابتاً في ثلاث مسائل:
الأول: أن يدل عاملها على تجدد صاحبها، بأن يكون صاحبها فرداً من نوع يستمر فيه الخلق والإيجاد، نحو: خلق الله الزَّرَافة(1004) يديها أطولَ من رجليها، فـ(يديها) بدل بعض، و(أطول) حال لازمة من (يديها) والعامل: خلق، وهو يدل على تجدد هذا المخلوق، أي: إيجاد أمثاله. واستمرار هذا الإيجاد في الأزمنة المقبلة، ومنه قوله تعالى: (وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً((1005).(1/249)
الثانية: أن تكون الحال مؤكدة إما لعاملها، كقوله تعالى: (وأرسلناك للناس رسولا((1006)، أو لصاحبها، كقوله تعالى: (لآمَنَ من في الأرض كُلُّهم جميعاً((1007).
أو مؤكدة لمضمون جملة قبلها، بشرط أن يكون هذا المضمون أمراً ثابتاً ملازماً في الغالب، فيتفق معنى الحال ومضمون الجملة نحو: هشام أبوك عطوفاً. فـ(عطوفاً)، حال من (أب) الذي هو صاحبها. ومعنى هذه الحال وهو (العطف) يوافق المعنى الضمني للجملة التي قبلها، لأن مضمون الجملة (هشام أبوك) أنه عطوف . . وهذا أمر ثابت وملازم في الغالب، فاتفق معنى الحال ومضمون الجملة.
الثالثة: في أمثلة مسموعة لا ضابط لها، كقولهم: دعوت الله سميعاً، وقوله تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط((1008) فـ(قائماً) حال لازمة.
الوصف الثاني للحال: أن تكون مشتقة لا جامدة، وهذا - أيضاً - غالب لا لازم، فتقع الحال جامدة.
وهي نوعان:
الأول: جامدة مؤولة بالمشتق(1009). وأشهر مواضعها أربعة ذكر ابن مالك منها ثلاثة فقال:
*…*…*
334) وَيكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ وَفِي……مُبْدِي تَأَوُّلٍ بِلاَ تَكَلُّفِ
335) كَبِعْهُ مُدّاً بِكَذَا يَدًّا بِيَدْ……وَكَرَّ زَيْدٌ أَسَداً أَيْ كَأَسَدْ
فالأول: أن تدل على تشبيه نحو: هجم القائد على العدو أسداً. فـ(أسداً) حال من الفاعل، وهي جامدة مؤولة بالمشتق(1010): أي: شجاعاً أو مشبهاً الأسد.
الثاني: أن تدل على مفاعلة (أي: وقوع الفعل من شخصين) نحو: سلمت البائع نقوده يداً بيد، فـ(يداً) حال من الفاعل والمفعول معاً، وهي جامدة مؤولة بالمشتق، لأن معناها: مقابَضَة، وتأويلها: مقابِضَين. ونحو: كلمت الصديق فاه إلى فيّ، أي: (فمه إلى فمي) فـ(فاه) حال من الفاعل والمفعول معاً، وهي جامدة مؤولة بالمشتق، لأن معناها مشافَهَة. وتأويلها: مشافِهَين.
الثالث: أن تدل على سعر، نحو: بع القمح صاعاً بثلاثة. أي: مُسَعرَّاً كل صاع بثلاثة.(1/250)
الرابع: أن تدل على ترتيب نحو: خرج الطلاب ثلاثةً ثلاثةً، أي خرجوا مترتبين، ونحو: تعلموا المسائل واحدةً واحدةً، أي: مترتبات.
وضابط هذا النوع: أن يذكر المجموع أولاً ثم يفصل هذا المجموع بذكر بعضه مكرراً، ومن مجموع الكلمتين المكررتين تنشأ الحال المؤولة الدالة على الترتيب، ولا يحدث الترتيب من حال واحدة فقط.
أما الإعراب فاللفظ الأول: حال من الفاعل وهو (الطلاب) والثاني المكرر توكيد لفظي، أو معطوف على الأول بعاطف مقدر، هو (الفاء) أو (ثم).
وهذا معنى قوله: (ويكثر الجمود في سعر . . . إلخ) أي: يكثر مجيء الحال جامدة (في سعر) أي: في الأشياء التي تُسَعَّر (وفي مبدي تأول بلا تكلف) أي: في كل موضع يظهر تأويل الحال بالمشتق بلا تكلف، ومن ذلك ما دل على سعر - كما ذكر - ويكون قوله: (وفي مبدي . . . ) معطوفاً على ما قبله، من عطف العام على الخاص، ثم مثل للمبدي التأول دون تكلف فقال: (كبعه مداً بكذا . . . إلخ) فذكر ثلاثة أنواع، كما تقدم.
النوع الثاني من الحال الجامدة: غير مؤولة بالمشتق. وهذا لم يتعرض له ابن مالك، ولكن أذكر أهم مواضعه من باب إتمام الموضوع.
فالأول: أن تكون الحالة الجامدة موصوفة بمشتق نحو: وقف سور البلد سداً حائلاً، فـ(سداً) حالة جامدة، وصفت بالمشتق (حائلاً) ومنه قوله تعالى: (فتمثل لها بشراً سوياً((1011) فـ(بشراً) حال من فاعل تمثل. و(سوياً) صفة.
وهذه الحال الجامدة تسمى (الحال المُوطِّئة) بكسر الطاء، أي: الممهدة لما بعدها، لأنها تمهد الذهن وتهيئه لما يجيء بعدها من الصفة التي لها الأهمية الأولى دون الحال. فإن الحال غير مقصودة، بل هي وسيلة إلى النعت الذي بعدها.
الثاني: أن تكون الحال دالة على عدد نحو: انتهى الشهر ثلاثين يوماً، ومنه قوله تعالى: (فتم ميقات ربه أربعين ليلة((1012). فـ(أربعين) حال من (ميقات) و(ليلة) تمييز.(1/251)
الثالث: أن تكون نوعاً من أنواع صاحبها المتعددة نحو: هذه أموالك بيوتاً، فـ(بيوتاً) حال من (أموال) والأموال أنواع متعددة، وهذه منها.
الرابع: أن تكون فرعاً لصاحبها نحو: لا أرغب في الذهب خاتماً. ومنه قوله تعالى: (وتنحتون الجبال بيوتاً((1013) فـ(بيوتاً) حال من الجبال، وهي فرع منها:
الخامس: أن تكون أصلاً لصاحبها نحو: لا أرغب في الخاتم ذهباً، ومنه قوله تعالى: (ءأسجد لمن خلقت طيناً((1014) فـ(طيناً) حال من مفعول (خلقت) المحذوف، أي: خلقته. والطين أصل للمحذوف.
*…*…*
336) وَالْحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظاً فَاعْتَقِدْ……تنْكِيرَهُ مَعْنى كَوَحْدَكَ اجْتَهِدْ
الوصف الثالث من أوصاف الحال: أن الحال لا تكون إلا نكرة، أو ما هو بمنزلة النكرة،كالجملة الواقعة حالاً، وستأتي إن شاء الله، وهذا لازم، كما في الأمثلة المتقدمة، وقد وردت معرفة في ألفاظ مسموعة لا يقاس عليها، ولا يجوز الزيادة فيها - ومنها كلمة (وَحْدَ) في نحو: جاء الضيف وَحْدَهُ(1015)، وقالوا: جاؤوا الجَمَّاءَ الغفيرَ، وادخلوا الأول فالأول. ورجع عوده على بدئه(1016). فـ(وحده) و(الجماء) و(الأول فالأول) و(عوده) أحوال وهي معارف، فَأَوَّلَها النحاة بنكرة. أي: منفرداً، جميعاً، مترتبين، عائداً. .
وهذا معنى قوله: (والحال إن عرف لفظاً . . . إلخ) أي: إن جاء الحال معرفة في لسان العرب فهو نكرة في المعنى.
*…*…*
337) وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ……بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَةً زَيْدٌ طَلَعْ
الوصف الرابع من أوصاف الحال: أن تكون نفس صاحبها في المعنى، وهذا هو الغالب، كالحال المشتقة، نحو: جاء خالدٌ مسروراً. فالمسرور هو خالد، وخالد هو المسرور.
وغير الغالب أن تكون مخالفة له، كالحال الواقعة مصدراً نحو: خرج عصام جرياً، فإن الجري ليس هو عصام، وعصام ليس هو الجري.(1/252)
وقد كثر مجيء الحال مصدراً نكرة، ورد ذلك في كتاب الله تعالى، وفي كلام العرب، قال تعالى: (إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً((1017) وقال تعالى: (لا يحلّ لكم أن ترثوا النسآء كرهاً((1018)، وقال تعالى: (ادعُهُنَّ يأتينَك سعياً((1019) وقال تعالى: (ثم إني دعوتهم جهارا((1020)، وقال تعالى: (يدعون ربَّهم خوفاً وطمعاً((1021) وقال تعالى: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً((1022) فـ(ظلماً) و(كرهاً) و(سعياً) و(جهاراً) و(خوفاً وطمعاً) و(طوعاً وكرهاً) أحوال وكلها مصادر.
وروي عن العرب أنهم كانوا يقولون: قتلته صبراً، وأتيته ركضاً، ولقيته فجأةً، وكلمته مشافهة، وطلع علينا بغتة.
والصحيح أن ذلك مقيس، لكثرة ما ورد منه(1023) ولا داعي للتأويلات التي وردت في كتب النحو، وقولهم: إن ذلك لا يقاس عليه، لمجيئه على خلاف الأصل، غير مقبول، فإن كثرتها تبيح القياس، وما الذي يقاس عليه إذا لم تكن هذه الشواهد داعية للقياس عليها(1024)؟!!
وهذا معنى قوله: (ومصدر منكر حالاً يقع . . . إلخ) أي: إن المصدر المنكر - أي: النكرة - يقع حالاً بكثرة، ثم ذكر المثال.
*…*…*
338) وَلَمْ يُنكَّرْ غَالِباً ذُو الْحَالِ إِنْ……لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ يُخَصَّصْ أَوْ يَبِنْ
339) مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ أَوْ مُضَاهِيهِ كَلاَ……يَبْغِ امْرُؤٌ عَلَى امْرِىءٍ مُسْتَسْهِلاَ
حق صاحب الحال أن يكون معرفة، لأنه أشبه المبتدأ في كونه محكوماً عليه بالحال، والمبتدأ لا يقع نكرة إلا بمسوغ، فكذا الحال يصح وقوع صاحبها نكرة بمسوغ، ومنه ما يلي:
1) أن يتقدم الحال على النكرة نحو: أتاني سائلاً رجل ، فـ(سائلاً) حال من (رجل)، ومنه قول الشاعر:
وما لاَمَ نفسي مثلَها لي لائم……ولا سَدَّ فقري مثلُ ما ملكت يدي(1025)
فـ(مثلها) حال من قوله: (لائم)، وهو نكرة، ولكن تقدمت الحال عليها.
2) أن تخصص النكرة بوصف أو إضافة، فالوصف نحو: جاء رجل ضعيف سائلاً، ومنه قول الشاعر:(1/253)
نجيتَ يا رب نوحاً واستجبت له……في فُلُك ماخِرٍ في الْيَمِّ مشحوناً(1026)
فـ(مشحونا) حال من (فُلُكٍ) و(ماخر) صفة له.
والإضافة نحو: جاء غلام هند مسروراً، ومنه قوله تعالى: (في أربعة أيام سوآء للسآئلين((1027) فـ(سواءً) حال من (أربعة) وهي مضافة.
3) أن تقع النكرة بعد نفي أو نهي أو استفهام، فالنفي نحو: ما ندم طالب مجتهداً، ومنه قوله تعالى: (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم((1028) فـ(لها كتاب معلوم) جملة في موضع الحال من (قرية) وصح مجيء الحال من النكرة، لتقدم النفي عليها.
والنهي نحو: لا تشرب في كوب مكسوراً، ومنه قول الشاعر:
لا يركنَنْ أحد إلى الإحجام……يوم الوغَى مُتخوِّفاً لِحِمَامِ(1029)
فـ(متخوفاً) حال من (أحد)، وهو نكرة، وذلك لتقدم النهي.
والاستفهام نحو: هل أتاك رسولٌ مبشراً بانتصار المسلمين؟ ومنه قول الشاعر:
يا صاح هل حُمَّ عيش باقياً فترى………لنفسك العذر في إبعادها الأملا(1030)
فـ(باقيا) حال من النكرة (عيش)، وسوغ ذلك تقدم الاستفهام.
وقد وقع صاحب الحال نكرة بلا مسوغ كقول العرب: مررت بماء قِعْدةَ رجل، فـ(قعدةَ) حال من (ماء)، وهو نكرة لا مسوغ لها، وقولهم: عليه مائةٌ بيضاً(1031)، فـ(بيضاً) حال من (مائة) وهو نكرة لا مسوغ لها، وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاكٍ، فصلى جالساً، وصلى وراءه قوم قياماً"(1032) متفق عليه، و(قياماً) حال من (قوم) وهو نكرة لا مسوغ لها.(1/254)
والمختار في ذلك ما ذهب إليه بعض النحاة - منهم سيبويه كما نقله عنه أبو حيان - من جواز القياس على ما ورد من الحال من النكرة بلا مسوغ، وأنه لا يوقف فيه على ما ورد به السماع، لأن الحال إنما يؤتى بها لتقييد العامل، فلا معنى لاشتراط المسوغ في صاحبها، وهذه الحجة يؤيدها ويقويها السماع الذي يكفي للقياس عليه، وإن كان ذكر المسوغ في كلام العرب أكثر، وهذا هو الذي تحسن محاكاته والأخذ به في لغة الكتابة والخطاب.
وهذا معنى قوله: (ولم ينكر غالباً ذو الحال . . . إلخ) أي: أن الغالب على صاحب الحال ألا يكون نكرة إلا أن يتأخر عنها صاحب الحال أو يُخَصَّصَ، (أو يَبِنْ) أي: يظهر صاحب الحال بعد نفي، أو ما يضاهي النفي، أي: يشابهه، وهو هنا: النهي والاستفهام، ثم ساق مثالاً للنهي. وقوله: (مستسهلاً) حال من النكرة (امرؤ)، ومعناه: متساهلاً في البغي غير خائفٍ عاقبته.
*…*…*
340) وَسَبْقَ حَالٍ مَا بِحَرْفٍ جُرَّ قَدْ……أَبَوْا وَلاَ أَمْنَعُهُ فَقَدْ وَرَدْ
صاحب الحال إما أن يكون مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً، فإن كان مرفوعاً أو منصوباً جاز تقدم الحال عليه، نحو: رجع القائد منصوراً، لا تشرب الماء كدراً، فيجوز في الحالين (منصوراً، كدراً) تقدمهما على صاحبهما، وهو الفاعل في الأول، والمفعول في الثاني.
وجواز التقديم مشروط بما إذا لم يوجد ما يوجب التقديم ولا ما يوجب التأخير.
فالأول: أن يكون صاحب الحال محصوراً نحو: ما جاء راكباً إلا أسامة، فـ(راكباً) حال من الفاعل (أسامة)، ويجب تقدمها عليه.
والثاني: أن تكون الحال محصورة نحو: ما جاء أسامة إلا راكباً. قال تعالى: (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين((1033) فـ(مبشرين ومنذرين) حال من المفعول (المرسلين)، ولا يصح تقدمها عليه، لئلا يفسد التركيب ويزول الحصر.(1/255)
أما إذا كان صاحب الحال مجروراً، فإن كان مجروراً بالإضافة وجب تأخر الحال نحو: تمتعت بجمال الحديقة واسعةً. فـ(واسعة)، حال من المضاف إليه (الحديقة) ولا يجوز تقديمها عليه؛ لئلا تكون فاصلة بين المضاف والمضاف إليه.
وإن كان مجروراً بحرف جر أصلي كقولك: جلست في المكتبة مرتبةً، ففي تقديم الحال قولان:
الأول: أنه لا يجوز، وهو قول الجمهور.
الثاني: أنه يجوز، وهو قول الفارسي وابن جني وابن كيسان وابن مالك، كما في التسهيل، قال: "وهذا هو الصحيح"(1034) واستدلوا بالسماع فقد ورد في القرآن قوله تعالى: (ومآ أرسلناك إلا كآفة للناس((1035) فـ(كافة) بمعنى: جميعاً، حال من المجرور وهو (الناس)، وقد تقدم عليه. أي: ما أرسلناك إلا للناس كافة(1036).
وقال الشاعر:
فإن تك أذواد أُصِبْنَ ونسوة……فلن يذهبوا فَرْغاً بقتل حِبَالِ(1037)
فقوله: (فرغاً) حال من (قتل) المجرور بالياء، وقد تقدم عليه.
وقال آخر:
تسليت طراً عنكُمُ بعد بينكم……بذكراكمو حتى كأنكم عندي(1038)
فـ(طراً) حال من كاف المخاطب في (عنكم) وهي مجرورة محلاً بـ(عن) وقد تقدم الحال عليه.
ولا داعي للتعسف في تأويل ما ورد أو الحكم عليه بأنه ضرورة لمسايرة قول الجمهور، فقد ورد شواهد متعددة تؤيد ذلك، فإن الذين أجازوا التقديم معهم النص من القرآن الكريم والسماع عن العرب، وليس مع المانعين سوى التعليل(1039).
يقول ابن مالك: (وسبقَ حالٍ ما بحرفٍ جُرَّ قد أبوا . . . إلخ) أي: أبى النحاة أن يسبق الحال صاحبه الذي جر بحرف، ولا أمنع ذلك، لأنه وارد في كلام العرب فكيف يمنع؟(1/256)
وقوله: (بحرف) المراد به الحرف الأصلي(1040)، لأن تقدم الحال على صاحبه المجرور بحرف جر زائد جائز بالإجماع، كقولك: ما جاء من أحد راكباً. فيجوز تقدم الحال في هذا المثال. لأن صاحبه مجرور بـ(من) الزائدة، وإنما أطلق ابن مالك - رحمه الله - ولم يقيده بالزائد؛ لأن الزائد لا يُقَيَّدُ به، فإن الحرف إذا أطلق انصرف إلى الأصلي، فلذا تركه لوضوحه، والله أعلم.
*…*…*
341) وَلاَ تُجِزْ حَالاً مِنَ الْمُضَافِ لَهْ……إِلاَّ إِذَا اقْتَضى الْمُضَافُ عَمَلَهْ
342) أَوْ كَانَ جُزْءَ مَالَهُ أُضِيفَا……أَوْ مِثْلَ جُزْئِهِ فَلاَ تَحِيفَا
تقدم أن صاحب الحال قد يكون مجروراً بالإضافة، وذكر هنا أنه لا يجوز مجيء الحال من المضاف إليه المجرور بالإضافة إلا في ثلاث مسائل:
الأولى: أن يكون المضاف مما يصح أن يعمل في الحال، كاسم الفاعل والمصدر ونحوهما نحو: هذا كاتبُ الدرسِ واضحاً. فـ(واضحاً) حال من المضاف إليه (الدرس) لأن المضاف (كاتب) اسم فاعل يصح عمله في الحال.
وكقولك: ساءني قطع الأشجارِ مثمرةً، فـ(مثمرة) حال من المضاف إليه (الأشجار) لأن المضاف (قَطْعُ) مصدر يصح عمله في الحال، ومنه قوله تعالى: (إلى الله مرجعكم جميعاً((1041) فـ(جميعاً) حال من المضاف إليه وهو الكاف، لأن المضاف (مرجع) مصدر يصح عمله في الحال.
الثانية: أن يكون المضاف جزءاً من المضاف إليه نحو: أعجبتني أسنان الرجل نظيفاً، فـ(نظيفاً) حال من المضاف إليه (الرجل) لأن المضاف (أسنان) جزء من المضاف إليه.
ومنه قوله تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ إخواناً((1042) فـ(إخواناً) حال من المضاف إليه، وهو الضمير، لأن المضاف (صدور) جزء من المضاف إليه.
ومثله قوله تعالى: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً((1043) على القول بأن (ميتاً) حال من المضاف إليه، وهو (الأخ)(1044).(1/257)
الثالثة: أن يكون المضاف بمنزلة الجزء من المضاف إليه، بأن يصح حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، دون أن يتأثر المعنى كقولك: تمتعت بجمال الحديقة ناضرةً، فـ(ناضرة) حال من المضاف إليه (الحديقة) ويصح أن يقال: تمتعت بالحديقة ناضرة، ومنه قوله تعالى: (ثم أوحينا إليك أن اتّبع ملة إبراهيم حنيفاً((1045) فـ(حنيفاً) حال من المضاف إليه (إبراهيم) لأن المضاف (ملة) كالجزء من المضاف إليه. إذ يصح الاستغناء بالمضاف إليه عنه، فلو قيل في غير القرآن (أن اتبع إبراهيم حنيفاً) لصح.
فإن لم يتحقق واحد من الأمور الثلاثة لم يصح مجيء الحال من المضاف إليه عند من يشترط ذلك(1046) نحو:جاء غلام هند ضاحكةً. وأما من لا يشترط ذلك فهو يجيز الحال من المضاف إليه مطلقاً، فيصح عنده المثال المذكور.
وهذا معنى قوله: (ولا تجز حالاً من المضاف له . . . إلخ) أي: لا تجز مجيء الحال من المضاف إليه، إلا إذا استوفى المضاف عمله في الحال، وهذا يدل على اشتراط أن يكون المضاف مما يعمل، أو كان المضاف جزءاً من المضاف إليه، أو مثل جزئه، (فلا تحيفا) الأصل: فلا تحيفنْ بنون التوكيد الخفيفة، لكنها قلبت ألفاً لأجل الوقف، والمعنى: لا تظلم نفسك أو اللغة بمخالفة ما ذكر، والمقصود تكملة البيت، والله أعلم.
*…*…*
343) وَالْحَالُ إنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا……أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا
344) فَجائِزٌ تَقْدِيْمُه كَمُسْرِعَا……ذَا رَاحِلٌ وَمُخْلِصًا زَيْدٌ دعَا
الأصل في الحال أن تتأخر عن عاملها(1047) نحو: أستيقظُ من النوم مبكراً، ويجوز تقدمه على عامله في موضعين:
الأول: أن يكون العامل في الحال فعلاً متصرفاً، نحو: جاء المذنب معتذراً، فتقول: معتذراً جاء المذنب. قال تعالى: (خشَّعاً أبصارهم يخرجون((1048) فـ(خشعاً) حال من الواو في (يخرجون) وقد تقدم على عامله.(1/258)
الثاني: أن يكون العامل صفة تشبه الفعل في التصرف نحو: هشام منطلق مسرعاً، فتقول: هشام مسرعاً منطلق.
فإن كان العامل فعلاً غير متصرف أو صفة تشبه الفعل الجامد وهو اسم التفضيل لم يجز تقديم الحال على عاملها، فالأول نحو: ما أحسن الغني متواضعاً، فـ(متواضعاً) حال من (الغني)، وهو واجب التأخير عن العامل (أحسن)، لأنه فعل غر متصرف بسبب استعماله في التعجب.
ومثال الثاني: هذا أفصح الناس خطيباً، فـ(خطيباً) حال من فاعل (أفصح) المستتر فيه، وهو واجب التأخير عن العامل (أفصح)، لأنه وصف لا يشبه الفعل المتصرف(1049).
ويستثنى من ذلك مسألة سيذكرها ابن مالك رحمه الله.
وهذا معنى قوله: (والحال إن ينصب بفعل صرفا . . . إلخ) أي: إن الحال إذا نُصب بفعل متصرف أو بصفة تشبه الفعل المتصرف جاز تقديمه على عامله وتأخيره عنه، ثم مثل بمثالين الأول: للصفة، والثاني: للفعل، فـ(مسرعاً) حال تقدم على عامله (راحل) وهو اسم فاعل. و(مخلصاً) حال تقدم على عامله (دعا) وهو فعل متصرف.
*…*…*
345) وَعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الْفِعْلِ لاَ……حُرُوفَهُ مُؤَخَّراً لَنْ يَعْمَلاَ
346) كَتِلْكَ لَيْتَ وَكَأَنَّ وَنَدَرْ……نَحْوُ سَعِيدٌ مُسْتَقِرّاً فِي هَجَرْ
فُهم مما تقدم أن العامل في الحال إذا كان فعلاً غير متصرف أو صفة تشبه الفعل غير المتصرف فإنه لا يجوز تقدم الحال على هذا العامل.
وذكر هنا مسألة ثالثة لا يجوز تقدم الحال فيها على عاملها، وهي أن يكون العامل معنوياً، والمراد به: كل لفظ تضمن معنى الفعل دون حروفه، كأسماء الإشارة، وحرف التمني، والتشبيه، والظرف، والجار والمجرور، نحو: هذا منزلك واسعاً؟ فـ(واسعاً) حال من الخبر (منزل) والعامل هو اسم الإشارة، وهو متضمن معنى الفعل (أشير) دون حروفه، ومنه قوله تعالى: (فتلك بُيوتُهم خاويةً((1050) فـ(خاويةً) حال من (بيوتهم) والعامل فيه اسم الإشارة(1051).(1/259)
ومثال حرف التمني: ليت الطالب متعلماً مستقيم في أخلاقه.
ومثال حرف التشبيه: كأن الباخرة واقفةً فندق(1052) كبير.
فـ(متعلماً) حال من (الطالب)، والعامل فيها (ليت) لأنها بمعنى الفعل (أتمنى) دون حروفه، و(واقفةً) حال من (الباخرة)، والعامل فيها (كأن) لأنها بمعنى الفعل (أُشَبِّهُ) دون حروفه.
ومثال شبه الجملة: الغرفة عندك واسعةً.
النخلة في مزرعتك مثمرةً.
فـ(واسعة) حال من الضمير في الظرف و(مثمرة) حال من الضمير في الجار والمجرور، والعامل فيهما شبه الجملة.
فلا يجوز تقدم الحال على العامل في الأمثلة المذكورة، وقد أجاز بعض النحاة تقدم الحال على عاملها شبه الجملة، بشرط أن تتوسط الحال بين مبتدأ متقدم وخبره شبه الجملة المتأخرِ عنه وعن الحال معاً واستدلوا بالسماع كقول الشاعر:
بنا عاذ عوف وهو باديَ ذلة……لديكم فلم يعدم ولاءً ولا نصراً(1053)
فـ(باديَ) حال، وقد تقدم على عامله الظرف مع توسطه بين المبتدأ والخبر.
وهذا معنى قوله: (وعامل ضمن معنى الفعل . . . إلخ) أي: أن العامل المعنوي (وهو الذي يتضمن معنى الفعل لا حروفه) لا يعمل النصب في الحال إذا كان متأخراً عنها، بحيث تتقدم عليه، ثم ذكر أمثلة من العامل المعنوي، ثم بين أن تقديم الحال على عاملها المعنوي شبه الجملة نادر عنده، ثم مثل بقوله: (سعيد مستقراً في هجر) فتقدم الحال (مستقراً) على العام (في هجر)، و(هجر) اسم لثلاثة مواضع: لجميع نواحي البحرين، ولقرية قرب المدينة النبوية، وبلدة في اليمن.
*…*…*
347) وَنَحْوُ زَيْدٌ مُفْرَداً أَنْفَعُ مِنْ……عَمْروٍ مُعَاناً مُسْتَجَازٌ لَنْ يَهِنْ(1/260)
تقدم أن أفعل التفضيل لا يعمل في الحال متقدمة، وذكر هنا أنه يستثنى من ذلك مسألة، وهي ما إذا فُضِّلَ شيء في حال على نفسه أو غيره في حال أخرى، فإن أفعل التفضيل يعمل في حالين إحداهما متقدمة عليه، والأخرى متأخرة عنه، فمثال المفضل على نفسه: هذا التمر بسراً أطيب منه رطباً، فـ(بسراً) حال من الضمير في (أطيب) الواقع فاعلاً، و(رطباً) حال من الضمير المجرور (منه) وهو متعلق بأطيب، والعامل فيهما (أطيب)، والمعنى: هذا التمر في حال كونه بسراً أطيب من نفسه في حال كونه رطباً.
ومثال المفضل على غيره: زيد مفرداً أنفع من عمرو معاناً. فـ(مفرداً) حال من الضمير المستتر في (أنفع) و(معاناً) حال من (عمرو)، والعامل فيهما (أنفع) والمعنى: أن زيداً في حال انفراده أنفع من عمرو في حالة إعانته.
فعمل أفعل التفضيل في حالين: إحداهما متقدمة، والأخرى متأخرة، ولا يجوز تقديم هذين الحالين على أفعل التفضيل ولا تأخيرهما عنه.
وقوله: (مستجاز لن يهن) أي: أجازه النحاة، وقوله: (لن يهن) بكسر الهاء، أي: لن يضعف مثل هذا الأسلوب، بل هو استعمال صحيح لا مانع منه.
*…*…*
348) وَالْحَالُ قَدْ يَجِيءُ ذَا تَعَدُّدِ……لِمُفْرَدٍ فَاعْلَمْ وَغَيْرِ مُفْرَدِ
يجوز تعدد الحال(1054). وصاحبها مفرد أو متعدد.
فالأول نحو: رجع الجيش منتصراً غانماً، فـ(منتصراً، وغانماً) حالان. وصحاب الحال مفرد، وهو (الجيش)، ومنه قوله تعالى: (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا((1055) فـ(أسفاً) حال ثانية، والأسف: أشد الغضب.
وقوله تعالى: (ارجعي إلى ربك راضيةً مرضيةً((1056) فـ(راضية) و(مرضية) حالان لصاحب واحد، وهو ضمير المخاطبة في (ارجعي).
وأما الثاني وهو تعدد الحال وتعدد صاحبها فلا يخلو من أمرين:(1/261)
الأول: أن يتحد لفظ الحال ومعناه. فيثنى أو يجمع نحو: عرفت النحل والنمل دائبين على العمل، قال تعالى: (وسخّر لكم الشمس والقمر دآئبين((1057)، والأصل: دائبة ودائباً. وقال تعالى: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين((1058) فـ(مسخرات) جمع، وهي حال من متعدد.
الثاني: أن يختلف المعنى، فيجب التفريق بغير عطف ويكون أول الحالين لثاني الاسمين، وثاني الحالين لأول الاسمين، ليتصل أول الحالين بصاحبه، ولا يعكس، لئلا يلزم فصل كل حال عن صاحبه مع عدم القرينة.
تقول لقيت زميلي مقبلاً من المدرسة ذاهباً إلى المدرسة. فـ(مقبلاً) حال من (زميلي) ،و (ذاهباً) حال من تاء الفاعل.وقد تأتي على الترتيب، الأول للأول والثاني للثاني، إذا أمن اللبس نحو: حدث المحاضر طلابه واقفاً جالسين، فـ(واقفاً) حال للأول وهو (المحاضر) لأنه مفرد ، والحال مفرد، و(جالسين) حال للاسم الثاني (طلابه) لأنه جمع ، والحال جمع.
وهذا معنى قوله: (والحال قد يجيء ذا تعدد . . . إلخ) أي: أن الحال قد يجيء متعدداً وصاحبه مفرد، وقد يجيء متعدداً وصاحبه متعدد. فاعلم ذلك(1059).
*…*…*
349) وَعَامِلُ الْحالِ بِهَا قَدْ أُكَّدَا……فِي نَحْوِ لاَ تَعْثَ فِي الأرضِ مُفْسِدَا
350) وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً فَمُضْمَرُ……عَامِلُهَا وَلَفْظُهَا يُؤَخَّرُ
تقدم في أول باب الحال أن الحال قسمان:
1) مُؤَسِّسَة: وهي التي لا يستفاد معناها بدونها، وقد مضت.
2) مؤكدة: وهي لا تفيد معنى جديداً سوى التوكيد، وهي ثلاثة أنواع:
أ ) مؤكدة لعاملها: وهي كل وصف دل على معنى عامله. وخالفه لفظاً ، وهو الأكثر، أو وافقه لفظاً ، وهو دون الأول في الكثرة.(1/262)
فمثال ما وافقت عاملها معنى: لا تظلم الناس باغياً، فـ(باغياً) حال من الفاعل، وهي مؤكدة للعامل (تظلم) والظلم هو البغي، ولو حذفت لفهم معناها مما بقى من الجملة، ومنه قوله تعالى: (ثم وليتم مدبرين((1060) وقوله تعالى: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين((1061) وقوله تعالى: (فتبسم ضاحكاً من قولها((1062).
ومثال ما وافقت عاملها لفظاً ومعنى : أصغ مصغياً لمن ينصحك . ومنه قوله تعالى: (وأرسلناك للناس رسولاً((1063) فـ(رسولاً) حال من الكاف وهي مؤكدة لـ(أرسلناك).
ب ) مؤكدة لصاحبها: ولم يذكرها ابن مالك، وهي التي يستفاد معناها من صريح لفظ صاحبها نحو: مررت على ما في المكتبة جميعاً. قال تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً((1064) فـ(جميعاً) حال مؤكدة، لأن لفظة (ما في الأرض) عام. ومعنى (جميعاً) العموم. وقال تعالى: (وإذا تُتلى عليهم ءاياتُنا بينات((1065) فـ(بينات) حال مؤكدة لأن آياته تعالى لا تكون إلا بهذا الوصف دائماً.
ج ) مؤكدة لمضمون الجملة: ويشترط في الجملة أن تكون اسمية. وطرفاها معرفتان جامدان نحو: محمد أبوك عطوفاً، فـ(عطوفاً) حال من (أب)(1066) ومعنى هذه الحال وهو (العطف) يوافق معنى الجملة التي قبلها، وهي (محمد أبوك) لأن هذه الأبوة لا تتجرد من العطف الذي هو معنى الحال، ومنه قوله تعالى: (وهذا صراط ربّك مستقيماً((1067) فـ(مستقيماً) حال مؤكدة لمضمون الجملة التي قبلها، وإنما كانت مؤكدة لأن صراط الله لا يكون إلا مستقيماً.
وهذه الحال يتعلق بها حكمان:
الأول: أنها واجبة التأخير فلا يجوز تقديمها على الجملة ولا توسطها بين المبتدأ والخبر.
الثاني: أن عاملها محذوف وجوباً، تقديره: أحقه أو أعرفه أو أعلمه، أو نحو ذلك.(1/263)
وهذا معنى قوله: (وعامل الحال بها قد أكد . . . إلخ) أي: أن العامل في الحال قد يؤكد بالحال نفسها، نحو (لا تعث في الأرض مفسداً) فـ(مفسداً) حال مؤكدة لعاملها، لأن العَثْيَ هو الإفساد، ثم ذكر أن الحال إن تؤكد جملة العامل (مضمر) أي: محذوف، ولفظ الحال يؤخر وجوباً عن الجملة، وعن عاملها المحذوف.
*…*…*
351) وَمَوْضِعَ الْحَالِ تَجِيءُ جُمْلَهْ……كَجَاءَ زَيْدٌ وَهْوَ نَاوٍ رِحْلَهْ
تنقسم الحال بحسب الإفراد وعدمه إلى ثلاثة أقسام: مفردة. وجملة. وشبه جملة.
1) فالحال المفردة: ما ليس بجملة ولا شبه جملة نحو: اصفح عمن أتاك معتذراً، وتقدم لها أمثلة كثيرة في الأحكام السابقة.
2) وشبه الجملة: وهو الظرف والجار والمجرور، ويشترط لوقوعهما حالاً أن يكون كل منهما تاماً أي: مفيداً، نحو: أبصرت الخطيب فوق المنبر، ذهبنا إلى النزهة على غير استعداد، وهذا القسم لم يذكره ابن مالك.
3) والجملة: قد تكون اسمية نحو: تمر بنا الأيام ونحن لاهون، قال تعالى: (إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور((1068) وقد تكون جملة فعلية نحو: جاء المذنب يعتذر عن ذنبه، قال تعالى: (وَرَدَّ اللهُ الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً((1069) وقد اجتمعا في مثل قوله تعالى: (ورأيتَهم يصدُّون وهم مستكبرون((1070).
ويشترط في الجملة الواقعة حالاً أن تشتمل على رابط(1071) يربطها بصاحب الحال ليكون المعنى متصلاً بين الجملتين، وهذا الرابط ثلاثة أنواع:
1) الواو: وتسمى (واو الحال) نحو: دخلنا والواعظ يتكلم، قال تعالى: (لئن أكله الذئبُ ونحن عصبٌة((1072).
2) الضمير: الذي يرجع إلى صاحب الحال، نحو: سمعت الخطيب يأسر القلوب بحسن لفظه، قال تعالى: (اهبطوا بعضُكم لبعضٍ عدوٌّ((1073) أي: متعادين.
3) الواو والضمير معاً: نحو: استقبل الناس رمضان وهم فرحون. قال تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى((1074).(1/264)
قال ابن مالك: (وموضع الحال تجيء جملهْ . . . إلخ) أي: تجيء الجملة موضع الحال المفردة، بمعنى أنها تكون حالاً مثلها. ثم مثل للجملة الاسمية الواقعة حالاً بقوله: (وهو ناوٍ رحله).
*…*…*
352) وَذَاتُ بدء بِمُضَارعٍ ثَبَتُ……حَوَتْ ضَمِيراً ومِنَ الْواوِ خَلَتْ
353) وَذَاتُ وَاوٍ بَعْدَهَا انْوِ مُبْتَدَا……لَهُ الْمُضَارعَ اجْعَلَنَّ مُسْنَدَا
تقدم أن جملة الحال لابد فيها من رابط، وهو إما الواو أو الضمة أوهما معاً، وقد يتعين أن يكون الرابط هو الضمير، وذلك في الجملة الحالية إذا صدرت بمضارع مثبت، مجرد من (قد)، نحو: جاء المذنب يعتذر عن ذنبه، فـ(يعتذر) فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره (هو)، يعود على المذنب، والجملة في محل نصب حال، والرابط الضمير (هو) العائد إلى المذنب، ومنه قوله تعالى: (وجآء أهل المدينة يستبشرون((1075) والرابط هو واو الجماعة، وقال تعالى: (ولا تمنن تستكثر((1076) فجملة (تستكثر) حال، والرابط هو الضمير المستتر "أنت".
فإن جاء من كلام العرب ربط هذا المضارع بالواو فهو مؤول على تقدير مبتدأ بعد الواو، ويكون المضارع خبراً له ، كقولهم: قمت وأصكُّ عين العدو.
وقول الشاعر:
فلما خشيت أظافيرهم……نجوت وأرهنهم مالكا(1077)
فـ(أصك) و(أرهنهم) خبران لمبتدأ محذوف، والتقدير: وأنا أصك، وأنا أرهنهم، ويكون ذلك من باب الجملة الاسمية والواقعة حالاً.
هذا ما ذكره ابن مالك - رحمه الله - والحق أنه لا داعي لهذا التأويل من أجل إدخال ما ورد تحت القاعدة في هذا الموضوع، فإن العربي المتكلم بذلك لا يعرف شيئاً من هذه التأويلات، فيحكم عليها بالندور، ولا يقاس عليها.
فإن كان المضارع منفياً فسيأتي إن شاء الله، وإن كان مثبتاً مسبوقاً بـ(قد) تعينت الواو، كما في قوله تعالى: (لِمَ تؤذونني وقد تعلمون إني رسولُ الله إليكم((1078) فجملة (تعلمون) حال من الواو في (تؤذونني) والرابط الواو.(1/265)
قال الناظم: (وذات بدء بمضارع ثبت . . . إلخ) أي: أن الجملة الحالية إذا كانت فعلية مبدوءة بمضارع مثبت فإنها تحوي الضمير الرابط، وتخلو من الواو المستعملة في الربط، لأن الواو لا تصلح للربط هنا، ثم بين أن هذه الجملة المضارعة إن ربطت بالواو فإنه ينوى ويقدر لها مبتدأ بعد الواو، خبره الجملة المضارعية، فتكون مسندة له، أي: مخبراً بها عنه.
*…*…*
354) وَجُمْلَةُ الْحاَلِ سِوَى مَا قُدِّمَا……بِوَاوٍ أوْ بِمُضْمَرٍ أَوْ بِهِمَا
الذي قُدِّمَ هو الجملة الفعلية المصدرة بمضارع مثبت، والذي سواها يشمل الجملة الاسمية مثبتة أو منفية، والفعلية المصدرة بالمضارع المنفي، وبالماضي مثبتاً ومنفياً.
وظاهر كلامه جواز الأوجه الثلاثة، وهي الربط بالواو أو بالضمير أو بهما في ذلك كله، وليس هذا على إطلاقه، بل المسألة فيها تفصيل.
1) أما الجملة الاسمية فإن كانت مؤكدة لمضمون الجملة أو معطوفة على حال لزم فيها الضمير، فالمؤكدة كالقول عن القرآن: هو الحق لا شك فيه، قال تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه ((1079) فـ(لا ريب فيه) حال مؤكدة لمضمون الجملة قبلها. على أحد الأعاريب(1080).
ومثال المعطوفة: سيجيء الضيوف مشاةً أو هم راكبون. فجملة (هم راكبون) حال معطوفة على حال قبلها، والرابط هو الضمير، ولا يصح أن يكون واو الحال، لوجود حرف العطف (أو) وهما لا يجتمعان.
وإن كانت الجملة الاسمية غير مؤكدة لمضمون الجملة ولا معطوف جازت الأوجه الثلاثة، إلا أن الأكثر مجيئها بالواو مع الضمير فمثال المثبتة: لا تلبس الثوب وهو طويل، قال تعالى: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف((1081) ومثال المنفية: جاء أخوك وما في يده شيء.(1/266)
2) أما المضارع المنفي فإن كان النافي (لا) أو (ما) فهو كالمثبت في لزوم الربط بالضمير والتجرد عن الواو، لأن المنفي بهما في تأويل اسم الفاعل المخفوض بإضافة (غير)، وهو لا تدخل عليه الواو، نحو: جاء عبد العزيز لا يحمل كتابه. قال تعالى: (وما لنا لا نؤمن بالله((1082) فجملة (لا نؤمن بالله) حال من الضمير المجرور باللام، والرابط هو الضمير المستتر (نحن)، ومثال (ما): عرفتك ما تحب السهر، قال الشاعر:
عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة……فما لك بعد الشيب صبًّا متيّمًا(1083)
فحملة (ما تصبو) حال من الكاف في (عهدتك) والرابط هو الضمير المستتر (أنت).
وإن كان النافي غيرهما كـ(لم) و(لما) جازت الأوجه الثلاثة، نحو: جاء عبد السلام لم يحمل كتابه، أو: ولم يحمل كتابه، أو تقول: جاء عبد السلام ولم تطلع الشمس، بالواو فقط.
3) وأما الجملة الفعلية المصدرة بالماضي المثبت فإنها تربط بالضمير إذا كان تالياً لـ(إلا)، كقوله تعالى: (وما يأتيهم من رسولٍ إلا كانوا به يستهزءون((1084) فجملة (كانوا به يستهزئون) حال من الهاء في (يأتيهم) ويرى بعض النحاة جواز الربط بالواو، وحجته السماع، كما في قول الشاعر:
نعم امرأً هَرِمٌ لم تَعْرُ نائبة……إلا وكان لمرتاع بها وزرا(1085)
فجملة (إلا وكان . . . ) حال من فاعل نعم وهو (الضمير) المستتر الذي فُسر بالتمييز (امرأ).
وكذا تربط بالضمير إذا كان الماضي متلواً بحرف العطف (أو)، كقول المرأة المسلمة: أحفظ زوجي غاب أو حضر. قال الشاعر:
كن للخليل نصيراً جار أو عدلا……ولا تَشِحَّ عليه جاد أو بخلا
فجملة (جار) حال، والفعل ماضٍ بدون قد والواو، لكونه قد عطف عليه بـ(أو).
وما عدا ذلك يجوز فيه الأوجه الثلاثة. إلا إن كان الرابط هو الواو وجب الإتيان بـ(قد) بعد الواو مباشرة، نحو: غاب أخوك وقد حضر جميع الأصدقاء، وإن كان الرابط هو الضمير أو اجتمعا، جاز إثبات (قد) وحذفها.(1/267)
ويرى فريق من النحاة لزوم (قد) مع الماضي المثبت مطلقاً، سواء كان الرابط هو الواو أم الضمير أم هما معاً، فإن كانت ظاهرة وإلا فهي مقدرة.
والصحيح أن ذلك لا يلزم، ولا حاجة إلى التقدير، لكثرة ما ورد من ذلك بدون (قد)، قال تعالى: (الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا((1086) وقال تعالى: (أو جآؤوكم حصرت صدورهم((1087) وقال تعالى: (وجآؤوا أباهم عشآء يبكون (16) قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب((1088) ففي هذه الآيات جاءت جملة الحال فعلية مصدرة بماض مثبت، والرابط هو الضمير في الآية الأولى والثانية، والواو والضمير في الآية الثالثة، ولم تأت (قد) مما يدل على عدم لزومها.
4) وأما المصدرة بالماضي المنفي فتجوز فيها الأوجه الثلاثة - أعني الربط بالواو أو الضمير أو هما - نحو: قرأت الكتاب وما وجدت فيه إشكالاً، والرابط هو الواو والضمير، ويجوز: ما وجدت فيه إشكالاً، والرابط هو الضمير، وتقول: قدم والدي وما طلعت الشمس، والرابط هو الواو وحدها.
*…*…*
355) وَالْحَالُ قَدْ يُحْذَفُ مَا فِيهَا عَمِلْ ……وَبَعْضُ مَا يُحْذَفُ ذِكْرُهُ حُظِلْ
الأصل في عامل الحال - وغيرها - أن يكون مذكوراً، ليحقق الغرض منه، وهو إيجاد معنى جديد، أو تقوية معنى موجود، وقد يحذف جوازاً أو وجوباً.
فالحذف الجائز: أن يدل عليه دليل مقالي أو حالي، فالمقالي هو ما يعتمد على كلام مذكور، نحو: كيف جئت؟ فتقول: ماشياً، التقدير: جئت ماشياً، ومنه قوله تعالى: (أيحسب الإنسان ان لن نجمع عظامه (3) بلى قادرين ((1089) التقدير - والله أعلم - بلى نجمعها قادرين.
والدليل الحالي: هو ما دلت عليه القرائن أو المناسبات المحيطة بالمتكلم، كقولك لمن قدم من الحج: مأجوراً، أي: رجعت مأجوراً، ولمن أراد سفراً: سالماً، أي: تسافر سالماً.
ويحذف عامل الحال وجوباً في أربع مسائل:(1/268)
1) أن تكون الحال سادة مسد الخبر نحو: احترامي الطالب مهذباً فـ(مهذباً) حال، والعامل فيها محذوف، والأصل: احترامي الطالب إذا كان، أو إذ كان مهذباً، وقد تقدمت هذه المسألة في آخر باب المبتدأ والخبر.
2) أن تكون الحال مؤكدة لمضمون الجملة نحو: خالد أبوك عطوفاً فـ(عطوفاً) حال، والعامل محذوف وجوباً، والتقدير: أحقه أو أعرفه ونحوهما، وتقدم الكلام على ذلك.
3) أن تكون الحال دالة بلفظها على زيادة تدريجية أو نقص تدريجي، فالأول نحو: تصدق على الفقير بريال فصاعداً. فـ( . . صاعداً) حال. وعاملها وصاحبها محذوفان، والتقدير: فذهب المتصدق به صاعداً، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً) متفق عليه.
ومثال الثاني: اشتريت القلم بريال فسافلاً، والتقدير: فانحط المشترى به سافلاً.
4) أن تكون الحال مسبوقة باستفهام يراد به التوبيخ. نحو: أقاعداً وقد أقيمت الصلاة؟ التقدير: أتوجد قاعداً.
والحذف في هذه المسائل قياسي. وقد يحذف العامل سماعاً في غير ذلك نحو: هنيئاً لك، أي: ثبت لك الخير هنيئاً، أو هنأك الأمر هنيئاً(1090) وعلى التقدير الأول تكون الحال مؤسسة، وعلى الثاني تكون مؤكدة.
وهذا معنى قوله: (والحال قد يحذف ما فيها عمل . . . إلخ) أي: إن الحال قد يحذف ما عمل فيها النصب، وبعض ما يحذف من هذه العوامل محظور ذكره، أي: ممنوع، لكونه واجب الحذف فقوله (حُظِل) أي: منع.
التمييز
356) اِسمٌ بِمَعْنَى مِنْ مُبِينٌ نَكِرَهْ……يُنْصَبُ تَمْيِيزاً بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ
357) كَشِبْرٍ أرْضًّا وَقَفِيزٍ بُرًّا……وَمَنَوَيْنِ عَسَلاً وَتَمْرًا
التمييز: اسم نكرة بمعنى (من)، لبيان ما قبله من إبهام.(1/269)
نحو: اشتريت رطلاً عسلاً، فـ(عسلاً) تمييز، لأنه اسم، بدليل تنوينه وهو نكرة متضمن معنى (من) التي للبيان، أي: من العسل. وبَيَّنَ ما قبله من إبهام، لأن قولك: اشتريت رطلاً، فيه إبهام، لأن السامع لا يفهم ما تريد بالرطل، هل تريد عسلاً أو تمراً أو سمناً . . . ؟ وذلك لأن الرطل اسم يصلح لأن تراد به هذه الأشياء وغيرها، فإذا قلت: (عسلاً) زال الإبهام، وفُهم المراد، لأنك ميزت له (الرطل) وبينت المقصود به، ولذلك يسمى لفظ (عسلاً) تمييزاً، والاسم المبهم (مُمَيَّزًّا).
وإذا قلت: طاب المكان، نجد أن في الجملة إبهاماً، ولكنه لا يقع على كلمة واحدة - كما في المثال السابق - وإنما ينصب على الجملة كلها، وهو نسبة الطيب إلى المكان، إذ لا ندري ما المراد به؟ أهو هواؤه أم ماؤه أم تربته؟ فإذا قلنا: طاب المكان هواءً، تعين المراد واتضحت النسبة، ولذلك يسمى لفظ (هواءً) تمييزاً لأنه أزال إبهاماً في نسبة الطيب إلى المكان.
وخرج بقولنا: نكرة: نحو: هذا الرجل طاهرٌ قلبَه - بالنصب -، فـ(قلبه) وإن بين إبهام ما قبله، لكنه ليس بتمييز، لأنه معرفة، فهو منصوب على التشبيه بالمفعول به، كما سيأتي إن شاء الله، في باب الصفة المشبهة.
وخرج بقولنا: بمعنى (من): الحال، فإنه بمعنى (في حال كذا).
وخرج بقولنا: بيان ما قبله: اسم (لا) النافية للجنس نحو: لا رجل في المسجد، فإنه وإن كان بمعنى (من) لكنها ليست للبيان، بل هي (من) الاستغراقية.
والتمييز نوعان:(1/270)
الأول: تمييز المفرد أو تمييز الذات، وهو الذي يكون مُمَيَّزه لفظاً دالاً على العدد، نحو: اشتريت ستة عشر كتاباً، أو على المقدار وهو إما مساحة نحو: اشتريت ذراعاً صوفاً، أو كيل نحو: اشتريت إردباً قمحاً. أو وزن نحو: اشتريت رطلاً سمناً، أو على ما يشبه المقدار (وهو ما أجرته العرب مجرى المقادير لشبهه به في مطلق المقدار وإن لم يكن منها . . . ) نحو: صببت على النجاسة ذنوباً ماءً، واشتريت نحياً سمناً(1091)، قال تعالى: (إنّ الذين كفروا وماتوا وهم كفَّار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى((1092) فـ(ذهباً) تمييز منصوب والمميز شبيه بالمقدار، وهو قوله: (ملء الأرض) وقال تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره((1093) فـ(خيراً وشراً) منصوبان على التمييز، والمميز شبيه بالوزن وليس بوزن حقيقة، لأن مثقال الذرة ليس نوعاً من أنواع ما يوزن به عرفاً.
وسمي هذا النوع تمييز المفرد؛ لأنه يزيل الإبهام من كلمة واحدة أو ما هو بمنزلتها، وتمييز الذات؛ لأن الغالب في تلك الكلمات أنها ذوات محسوسة، كالإردب والرطل والذراع ونحوها.
النوع الثاني: تمييز الجملة، وهو الذي يزيل الإبهام عن المعنى العام بين طرفيها، وهو المعنى المنسوب فيها لشيء من الأشياء، ولذا يسمى تمييز النسبة.
وهو بحسب أصله نوعان:
1) تمييز محول عن الفاعل: نحو: حَسُنَ الشاب خلقاً، فـ(خلقاً) تمييز نسبة، لأنه أزال الإبهام في نسبة الحسن إلى الشاب،وهو منقول من الفاعل، والأصل حَسُنَ خُلُقُ الشباب ، ومنه قوله تعالى: (واشتعل الرأس شيباً((1094) فـ(شيباً) تمييز نسبة محول عن الفاعل، لأن تقديره: واشتعل شيب الرأس.(1/271)
2) تمييز محول عن المفعول، نحو: وَفَّيْتُ العمال أجوراً، فـ(أجوراً) تمييز نسبة، أزال الإبهام في نسبة التوفية إلى العمال، وهو منقول عن المفعول والأصل: وفيت أجور العمال، ومنه قوله تعالى: (وفجرنا الأرض عيوناً((1095) فـ(عيوناً) تمييز نسبة محول عن المفعول؛ لأن تقديره: وفجرنا عيون الأرض.
وحكم التمييز النصب - غالباً(1096) - والناصب لمبين الاسم هو ذلك الاسم المبهم، كعشرين كتاباً، والناصب لمبين النسبة المسند من فعل أو شبهه، نحو : ازداد المتعلم أدباً، المتعلم مستقيم خلقاً.
قال ابن مالك: (اسم بمعنى من . . . إلخ) أي: أن التمييز اسم بمعنى (من) يبين إبهام ما قبله، وهو نكرة، منصوب، وناصبه هو الشيء المبهم الذي جاء التمييز لإيضاحه وإزالة إبهامه، وظاهر هذا أن تمييز النسبة منصوب بالجملة التي جاء التمييز لإيضاح النسبة فيها(1097).
ثم بين أنواع التمييز بالأمثلة (كشبرٍ أرضاً) للمساحة (وقفيزٍ براً) للكيل، (ومنوين عسلاً وتمراً) للوزن، و(منوين) تثنية (مَناً) كعصا. وهو من مقادير الوزن المقدرة في بعض الأقطار برطلين.
*…*…*
358) وَبَعْدَ ذِي وَشِبْهِهَا اجْرُرْهُ إِذَا……أَضَفْتهَا كَمُدُّ حِنْطَةٍ غِذَا
359) وَالنَّصْبُ بَعْدَ مَا أُضِيفَ وَجَبَا……إِنْ كَانَ مِثْلَ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبَا
تقدم أن حكم تمييز المفرد النصب، وهذا هو الأحسن، وذكر هنا أنه يجوز فيما دل على كيل أو مساحة أو وزن وجهاً آخر، وهو الجر على أنه مضاف إليه، والمميَّز هو المضاف، تقول: شربت رطلَ لبنِ، عندي مثقالُ ذهبٍ، اشتريت ذارعَ صوفٍ.
ويشترط في ذلك ألا يضاف الدال على مقدار إلى غير التمييز، فإن أضيف إلى غير التمييز وجب نصب التمييز أو جره بمن، نحو: ما في الأرض قدرُ راحةٍ ظلاً، ومنه قوله تعالى: (فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به((1098) فـ(ذهباً) تمييز منصوب، لأن الدال على مقدار وهو (ملء) أضيف لغير التمييز.(1/272)
وأما حكم تمييز العدد فهو مذكور في باب العدد(1099).
وهذا معنى قوله: (وبعد ذي وشبهها اجرره . . . إلخ) فالمراد (بذي . . . ) الأشياء التي سبق أن عرض لها أمثلة في البيت السابق، وهي المساحة، والكيل، والوزن، فإن التمييز بعدها مجرور بالإضافة (كَمُدُّ حنطةٍ إذا) والمد: بالضم، كيل. وهو ربع الصاع، وقوله: (غذا) بالقصر، وأصله (غذاء) وهو خبر المبتدأ (مد) والمراد بشبهها كل لفظ عربي جرى العرف على استعماله في واحد من الثلاثة، نحو: مثقال، وذَنُوب، ونحوهما، كما تقدم.
ثم ذكر أن الجر بالإضافة إنما يكون حين إضافة المُمَيَّزِ للتمييز مباشرة. فإن أضيف لغيره وجب النصب، ثم ذكر المثال لذلك.
*…*…*
360) وَالْفَاعِلَ الْمَعْنِي انْصبَنْ بِأَفْعَلاَ……مُفَضِّلاً كَأَنْتَ أَعْلى مَنْزِلاً
361) وَبَعْدَ كُلِّ مَا اقْتَضَى تَعَجُّبَا……مَيِّزْ كَأَكْرِمْ بِأَبِي بَكْرٍ أَبَا
من أنواع تمييز النسبة: التمييز الواقع بعد أفعل التفضيل، والواقع بعد ما يفيد التعجب.
أما الأول: فإن كان فاعلاً في المعنى وجب نصبه وإن لم يكن كذلك وجب جره بالإضافة.
وعلامة ما هو فاعل في المعنى: أن يصلح جعله فاعلاً بعد جعل أفعل التفضيل فعلاً، نحو: العالم العامل أرفع من ذوي المال قدراً، فـ(قدراً) تمييز يجب نصبه، وهو فاعل في المعنى، إذ يصح أن يقال: العالم العامل ارتفع قدره، ومنه قوله تعالى: (أنا أكثر منك مالاً وأعزُّ نفراً((1100).
وعلامة ما ليس بفاعل في المعنى أن يكون أفعل التفضيل بعضاً من جنس التمييز، ويعرف ذلك بصحة حذف أفعل التفضيل، ووضع لفظ (بعض) موضعه، نحو: الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - أصدق الناس، فـ(الناس) تمييز، يجب جره بالإضافة، لأنه ليس بفاعل في المعنى. إذ يصح أن يقال: الأنبياء بعض الناس.
ويستثنى من ذلك ما إذا أضيف أفعل إلى غير التمييز، فإنه يجب نصبه حينئذ، لتعذر إضافة أفعل مرتين، نحو: العامل بعلمه أفضل الناس رجلاً.(1/273)
وأما الواقع بعد ما يفيد التعجب فإنه يجب نصبه(1101) سواء في ذلك التعجب القياسي أو السماعي، فالقياسي نحو: ما أحسن الصدق خلقاً للمسلم، وأحسن بالصدق خلقاً للمسلم، والسماعي نحو: لله دره فارساً(1102) وقول الشاعر:
وحسبك داء أن تبيت ببطنةٍ……وحولك أكباد تَحِنُّ إلى القِدِّ(1103)
وهذا معنى قوله: (والفاعل المعنى انصبن بأفعلا . . . إلخ) أي: انصب الفاعل في المعنى بـ(أفعل) مفضلاً له على غيره ثم ذكر المثال.
وقوله: (وبعد كل ما اقتضى تعجباً ميز . . . إلخ) أي: اذكر التمييز بعد كل ما دل على تعجب، وأشار بذلك إلى أنه غير خاص بالصيغتين الموضوعتين للتعجب، بل هو شامل للتعجب بهما، وهو القياسي وبغيرهما وهو السماعي، ثم ذكر المثال.
*…*…*
362) وَاجْرُرْ بِمِنْ إِنْ شِئْتَ غَيْرَ ذِي الْعَدَدْ……وَالْفَاعِلِ الْمَعْنَى كَطِبْ نَفْساً تُفَدْ
تقدم أن التمييز يجوز نصبه ويجوز جره بالإضافة نحو: اشتريت رطلاً عسلاً، واشتريت رطل عسلٍ، وذكر - هنا - وجهاً ثالثاً وهو جره بـ(من) التي لبيان الجنس، نحو: بعت ذراعاً من صوف، لا أملك شبراً من أرض، زرعت فداناً من قمح.
ويمتنع الجر بـ(من) في ثلاث مسائل:
الأولى: تمييز العدد، كعشرين قلماً.
الثانية: ما كان فاعلاً في المعنى(1104) نحو: استقام الولد خلقاً.
الثالثة: التمييز المحول من المفعول نحو: غرست الأرض شجراً .
وقد اقتصر ابن مالك على الأولى والثانية، فقال: (واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد . . . إلخ) أي: اجرر التمييز بالحرف (من) بشرط ألا يكون تمييز عدد، ولا فاعلاً في المعنى، مثل: طب نفساً تفد، أي من طابت نفسه أحبَّه الناس وخالطوه وأفادوه فوائد ومن خبثت نفسه فهو بضد ذلك، والأصل: لتطب نفسك، ثم حول الكلام فصار الفاعل تمييزاً، فلا يصح جره بـ(من)، وأشار بقوله: (إن شئت) إلى أن الجر جائز لا واجب، والذي يجوز جره هو تمييز المقدار، وتمييز النسبة إذا لم يكن محولاً نحو: ما أحسن زيداً رجلاً.(1/274)
…363) وَعَامِلَ التَّمْيِيزِ قَدِّمْ مُطْلَقَا……وَالْفِعْلُ ذُو التَّصْرِيفِ نَزْراً سُبِقَا
عامل التمييز إما أن يكون اسماً نحو: اشتريت رطلاً سمناً، أو فعلاً جامداً كأفعل في التعجب نحو: ما أحسن الصديق خلقاً، أو فعلاً متصرفاً يؤدي معنى الجامد نحو: كفى بالله شهيداً، أو فعلاً متصرفاً نحو: طاب خالد نفساً.
فإن كان العامل اسماً أو فعلاً جامداً أو متصرفاً بمعنى الجامد لم يجز تقديم التمييز عليه.
وإن كان فعلاً متصرفاً فإنه يجوز تقديم التمييز عليه عند جماعة من النحاة، منهم الكسائي والمازني والمبرد، ووافقهم ابن مالك في غير الألفية(1105) وفي الألفية جعله قليلاً، واستدل هؤلاء بالسماع عن العرب كقول الشاعر: …أنفساً تطيب بنيل المنى……وداعي المنون ينادي جهارا(1106)
فقدم الشاعر التمييز (نفساً) على عامله (تطيب) وهو فعل متصرف.
وقول الآخر:ضيعتُ حزميَ في إبعاديَ الأملا……وما ارعويت وشيباً رأسيَ اشتعلا(1107)
فقدم الشاعر التمييز (شيباً) على عامله (اشتعلا) وهو فعل متصرف.
وأما الجمهور من النحاة وعلى رأسهم سيبويه فإنهم يمنعون تقديم التمييز على عامله، وما ورد من تقديمه فهو ضرورة فلا يقاس عليه وهذا هو المختار فإن التمييز كالنعت في الإيضاح، والنعت لا يتقدم على عامله، فكذلك ما أشبهه، وأيضاً فالغالب في التمييز المنصوب بفعل متصرف أن يكون فاعلاً في الأصل، فلا يغير عما كان يستحق من وجوب التأخير.
قال ابن مالك: (وعامل التمييز قدم مطلقاً . . . إلخ) أي: إن عامل التمييز يجب تقديمه (مطلقاً) أي: سواء كان العامل اسماً أو فعلاً، وإذا كان العامل فعلاً متصرفاً فقد يتأخر هذا العامل ويسبقه التمييز وهذا نادر، والألف في قوله (سبقا) للإطلاق، والله أعلم.
وإلى هنا انتهى الجزء الأول من شرح الألفية، ويتلوه - إن شاء الله - الجزء الثاني وأوله: حروف الجر.
الفهرس
الموضوع…………………………الصفحة
مقدمة
ألفية ابن مالك
مقدمة الناظم(1/275)
الكلام وما يتألف منه
المعرب والمبني
النكرة و المعارف
[مباحث الضمير]
العَلَم
اسم الإشارة
الاسم الموصول
المعرف بأداة التعريف
الابتداء
كان وأخواتها
فصل في (ما) و (لا) و (لات) و (إنْ) المشبهات بـ(ليس)
أفعال المقاربة
إنَّ وأخواتها
"لا" التي لنفي الجنس
ظن وأخواتها
أَعْلَم وأَرَى
الفاعل
نائب الفاعل
اشتغال العامل عن المعمول
تعدي الفعل ولزومه
التنازع في العمل
المفعول المطلق
المفعول له
المفعول فيه وهو المسمى ظرفاً
المفعول معه
الاستثناء
الحال
التمييز
انتهى الجزء الأول…
(1) مثل الخلاف في حرف التعريف (أل) مع أنني مقتنع أن هذا الخلاف لا طائل تحته.
(2) انظر شرح البيت الأول في باب المعرب والمبني. والبيت الثالث في باب الموصول.
(3) دلّ على ذلك قوله في آخر الألفية:
أحصى من الكافية الخلاصة……
(4) انظر: كشف الظنون (1/151)
(5) فيه مبالغة. وإنما ذكرته من أجل البيت الذي يليه.
(6) يؤخذ عليه أنه لم يُعن بالآيات القرآنية، لا بتفسير بعض كلماتها ولا بإعرابها. وهذا جانب لابد من مراعاته، وهي ليست كثيرة في شرح ابن عقيل في حين أنه يتوسع في شرح بعض الشواهد، عفا الله عنه، وجزاه الله خيراً.
(7) هي للدكتور علي عبود الساهي في كتابه: (المرادي، وكتابه: توضيح مقاصد الألفية).
(8) انظر على سبيل المثال: شرح ابن الناظم ص258، 259 (باب التنازع).
(9) انظر: مقدمة شرح الكافية لمحقق الكتاب (1/45) وانظر: " بُغية الوعاة" للسيوطي ( 1 /133).
(10) انظر: على سبيل المثال باب العلم عند قوله:
…واسماً أتى وكنية ولقبا……وأخرن ذا إن سواه صحبا
(11) هكذا بالياء في نسخة الألفية. والأصل حذفها لأنه منقوص لم يضف ولم تدخل عليه (أل). انظر (مقالات منتخبة في علوم اللغة) للدكتور: عبد الكريم الأسعد ص181.(1/276)
(12) الحمدلة: قول: الحمد لله، ومثلها: البسملة والهيللة والسبحلة. وهذا ما يسمى بالنحت وهو: أن تعمد إلى كلمتين أو جملة، فتنتزع من مجموعها كلمة فذة، تدل على ما كانت تدل عليه الجملة نفسها. راجع كتاب (النحت في اللغة العربية) للدكتور: نهاد الموسى.
(13) من المترجمين لابن مالك من يزيد في نسبه فيقول: (محمد بن عبد الله بن عبد بن مالك) ومنهم من يقول: (محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مالك . .) راجع مقدمة كتابه (إكمال الإعلام) (1/13).
(14) بلاد الأندلس بعيدة جداً عن موطن العرب، ومنهم طي، لكن من المعروف أن جيوش الفتح الإسلامي كانت تضم أشتاتاً من أبناء القبائل العربية.
(15) ترجم لابن مالك كثيرون، راجع مقدمة: (إكمال الإعلام بمثلث الكلام) لابن مالك. تحقيق سعد الغامدي (1/12).
(16) الزمر: 73.
(17) يوسف: 18. وانظر: حاشية الخضري (1/10).
(18) انظر: (المرادي وكتابه: توضيح مقاصد الألفية) للدكتور: علي عبود الساهي، ص(137).
(19) انظر للموازنة: مقدمة المحقق لشرح ألفية ابن معطي (1/76) وما بعدها.
(20) اعلم أن (الجنس) - وهو من مصطلحات أهل المنطق - لفظ يراد به جملة الشيء ومجموع أفراده وهو أعم من النوع. وقد استعمل النحاة هذا التعبير في مجال الدلالة على الشيوع والعمومية في النوع الواحد. فكلمة إنسان، شجرة، معدن، هي أسماء عامة ليس فيها سوى المعنى الذهني المجرد، دون أن يستحضر الذهن شخصاً معيناً أو شجرة معينة أومعدناً معيناً. والكلمة جنس يندرج تحتها الاسم والفعل والحرف. وكل منها نوع. واسم الجنس ثلاثة أنواع:
أ - اسم جنسي جمعي . . وهو ما دلّ على ثلاثة فأكثر، وفرق بينه وبين واحدة بالتاء، كشجر وشجرة، أو بالياء كروم ورومي. وهو في الحالين لا ترد ألفاظه على أوزان الجموع المعروفة.
ب - اسم جنس إفرادي وهو: ما يصدق على الكثير والقليل بلفظ واحد، كماء وذهب. . .(1/277)
ج- اسم جنس آحادي. وهو ما أريد به فرد غير معين. لابد من استحضار صورته في الذهن مثل أسامة للأسد. وسيأتي هذا في باب العلم إن شاء الله.
(21) المراد بالهيئة: الحالة التصريفية نحو: كتب (للماضي) يكتب (للمستقبل والحاضر) اكتب (للمستقبل) أما نحو: أمس، الآن. فهذا يدل على الزمن بذاته لا بهيئته فليس بفعل.
(22) العموم والخصوص من وجه هي النسبة بين معنى كلي ومعنى كلي آخر. وكل منهما ينطبق على بعض الأفراد التي ينطبق عليها الآخر. وينفرد بانطباقه على أفراد لا ينطبق عليها الآخر. ومثال ذلك: إنسان، أبيض. فإنهما يجتمعان في الإنسان الأبيض كالعربي والرومي. وينفرد الأبيض عن الإنسان في الثلج والسكر - مثلاً - وينفرد الإنسان عن الأبيض في الزنجي - مثلاً - فهو إنسان أسود. ومثل ذلك: كلام وكلم.
(23) العموم والخصوص والمطلق: النسبة بين معنى وآخر مخالف له في المفهوم، وذلك من جهة أن أحدهما ينطبق على كل ما ينطبق عليه الآخر من أفراد دون العكس. أي: والثاني ينطبق فقط على الأفراد التي ينطبق عليها قرينه. مثل: حيوان، إنسان. ففي كلمة (حيوان) عموم، لأنه ينطبق على أفراد الثاني وعلى غيرها، كالفرس والغزال. وكلمة (إنسان) تنطبق على بعض الأفراد التي ينطبق عليها لفظ: (حيوان) دون بعض كالغزال. ففيها خصوص ومثل ذلك: (قول) فهي أعم مطلقاً و(كلام) أخص مطلقاً (راجع ضوابط المعرفة للميداني ص48، 49).
(24) بسم الله: الباء حرف جر. واسم: مجرور بالباء. والجار والمجرور متعلق بمحذوف متأخر يقدر بما يناسب المقام. نحو: أقرأ، أكتب، آكل. والباء للاستعانة. وإنما قدر المتعلق متأخرًا لفائدتين:
1- الحصر: لأن تقديم المعمول يفيد الحصر عند البلاغيين. فقولك: باسم الله أقرأ بمنزلة: لا أقرأ إلا باسم الله.
2- تيمناً بالبداءة باسم الله تعالى.
و(اسم) مضاف، ولفظ ( الله ) مضاف إليه (الرحمن) صفة (الرحيم) صفة ثانية.(1/278)
(25) التنوين في الأصل: التصويت والترنيم. ونونت الكلمة: أدخلت النون. وكان الأصل أن يكتب التنوين نوناً كما يكتبها علماء العروض فتقول: كتب محمدن واجبن . . لكن عدلوا عن هذا الأصل فاكتفوا بالرمز على ذلك وهو تكرار الحركة عند الكتابة بالقلم. مع ملاحظتها عند النطق في حالة الوصل لا في حالة الوقف.
(26) سمي بذلك لأنه يدل على شدة تمكن الاسم في باب الأسماء أي: أنه لم يشبه الحرف فيبنى ولا الفعل فيمنع من الصرف. وإذا أطلق التنوين فإنما يراد به هذا النوع، وذلك لأصالته في هذا الباب وإرجاع ما سواه إليه. ولأنه استوعب من الأسماء أكثرها.
(27) يقول النحاة: إن التنوين في المفرد يفيد تمام الكلمة ولهذا يحذف عند الإضافة، وفي جمع المذكر السالم تأتي النون عوضاً عن التنوين. وفي جمع المؤنث السالم قالوا: إن التنوين في مقابلة النون في جمع المذكر. والحق أن علة ذلك كله هو السماع عن العرب.
(28) التوبة: 72، وجنات: مفعول ثاني لوعد.
(29) الروم: 4.
(30) البقرة: 116.
(31) الأعراف: 41، جمع غاشية ومن معانيها: الغطاء ، فالمعنى - والله أعلم - لهم من جهنم مهاد: أي: فراش يمتهدونه من النار (ومن فوقهم غواش) أي: أغطية يتغطون بها من النار. و(غواش) مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة.
(32) سورة يس، آية: 26.
(33) وهو أن تكون (يا) للنداء والمنادى محذوف، فإن كانت للتنبيه فلا شاهد فيها.
(34) سورة الصافات، آية: 105.
(35) سورة طه، آية: 39.
(36) انظر: بقيتها في شروح الألفية.
(37) سورة المائدة، آية: 116.
(38) سورة القصص، آية: 7.
(39) سورة القصص، آية: 11.
(40) سورة يوسف، آية: 51.
(41) سورة فصلت، آية: 11.
(42) سورة مريم، آية: 26، عيناً: تمييز منصوب.(1/279)
(43) سورة نوح، آية: 28. (لوالديَّ) اللام حرف جر. والدي: اسم مجرور بالياء لأنه مثنى وياء المتكلم المدغمة مضاف إليه. وحذفت النون للإضافة. والأصل: لوالدين لي. والجار والمجرور متعلق بالفعل (اغفر)، انظر: النحو الوافي (3/9، 178).
(44) سورة النمل، آية: 19.
(45) سورة يوسف، آية: 32.
(46) لكن هناك أفعال ماضية لا تقبل تاء التأنيث ولا تاء الفاعل بسبب جمودها الطارئ عليها وإلا فهي باعتبار أصلها تقبل التاء. مثل (أفعل) للتعجب. و(حبذا) في باب نعم وبئس. و(عدا وخلا وحاشا) في باب الاستثناء.
(47) هذا إذا تجرد عن القرائن. فإن وجد قرينة تَعيّن الحالُ أو تَعيّن الاستقبالُ. فالأول: مثل أن يقترن ببعض الظروف مثل الآن أو الساعة، مثل: أسير معك الآن . . و الثاني: أن يقترن بظرف مستقبل، مثل (إذا) نحو: أزورك إذا تزورني . . وقد ينصرف إلى الماضي وذلك إذا تقدمته (لم) نحو: لم يحضر الضيف.
(48) سورة الإخلاص، آية: 3.
(49) قد ينصرف الفعل الماضي إلى الحال وذلك إذا كان من صيغ العقود التي تقع بمجرد التعبير عنها بصيغة الماضي. كعقود البيع والشراء مثل: بعت، اشتريت، أجرت، أو عقود الأنكحة أو إنشاء الأفعال كإنشاء الطلاق ونحو ذلك مما يقصد المتكلم إيقاعه لا الإخبار عن وقوعه وإلا كان من قبيل الماضي.
(50) سورة الأحقاف، آية: 15.
(51) سورة آل عمران، آية: 36.
(52) سورة الإسراء، آية: 23، قوله تعالى: (فلا تقل لهما أف( (أفٍّ) اسم فعل مضارع بمعنى (أتضجر) مبني على الكسر لا محل له، والفاعل فيه مستتر وجوبًا تقديره (أنا).
(53) سورة المؤمنون، آية: 36، هيهات: اسم فعل ماض مبني على الفتح لا محل له. والثانية توكيد، و(اللام) زائدة إعراباً لا معنى و(ما) فاعل. وجملة (توعدون) صلة. أي: بَعُدَ ما توعدونه من البعث
(54) سورة الأعراف، آية: 88.(1/280)
(55) وهذه قاعدة وهي: إذا تقدم المبتدأ على أداة الشرط بأن اقترن ما بعدهما بالفاء أو كان صالحاً لمباشرة الأداة كان هو الجواب والخبر محذوفاً، وإلا كان خبراً والجواب محذوفاً لأن الأغلب دخول الفاء في جواب الشرط، لا في خبر المبتدأ. ومحل ذلك باب "عوامل الجزم" إن شاء الله.
(56) قوله (ومبنى) مبتدأ وخبره محذوف. والتقدير: ومنه مبني. ولا يعطف على قوله: (معرب) لأنه يستلزم أن بعض الاسم معرب ومبني في آن واحد.
(57) العامل هو: ما أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص من الإعراب. وهو لفظي كالأفعال والحروف ومعنوي كالابتداء في رفع المبتدأ. وقد يكون العامل ظاهراً وقد يكون مقدراً. وأما المعمول فهو: مدخول العامل ومحل تأثيره كالفاعل والمفاعيل.
(58) أذكر هذه التفاصيل من باب توضيح الألفية وإلا فالقاعدة السليمة في هذا الباب وغيره هو السماع عن العرب الأوائل. وعملية الإعراب والبناء هي محاكاة العرب. فما لزم حالة واحدة بني. وما تغير آخره بتغير العامل أعرب. وانظر المقدمة رقم "6".
(59) سورة الأنبياء، آية: 62.
(60) سورة آل عمران، آية: 81.
(61) سورة البقرة، آية: 214.
(62) سورة النساء، آية: 123.
(63) سورة القصص، آية: 28
(64) سورة الأنعام، آية: 81، (أي) في قوله تعالى: (أيما الأجلين قضيت . .( مفعول مقدم لـ (قضيت) و(ما) زائدة إعراباً لا معنى، وفي قوله: (فأي الفريقين( مبتدأ خبره (أحق بالأمن(.
(65) سورة الشعراء، آية: 146.
(66) سورة المؤمنون، آية: 36.
(67) سورة الإسراء، آية: 23.
(68) سورة الفرقان، آية: 1.
(69) سورة الصافات، آية: 159.
(70) اسم المصدر هو: اسم يدل على ما يدل عليه المصدر وهو الحدث، ولكن حروفه أقل منه نحو: أعطى مصدره: إعطاء. واسم المصدر: عطاء. ومثله: قَبل تقبيلاً وقُبلة. فإن عوض عن النقص بحرف آخر كان مصدراً نحو: وعد عدة.
(71) سورة المائدة، آية: 119.(1/281)
(72) هذا بالنظر إلى أوجه الشبه المذكورة، وإلا ففيه أسماء مبنية غير ما ذكر. كالأعداد المركبة نحو: أحد عشر وتسعة عشر وما بينهما ، فهي مبنية على فتح الجزأين أبداً. ما عدا اثني عشر فيعرب إعراب المثنى. واسم (لا) النافية للجنس إذا كان مفرداً لا سرور دائم . وكذا المنادى إذا كان مفرداً علماً نحو: يا هشام أطع والديك. أو نكرة مقصودة نحو: يا طالب أجب (تشير إلى طالب معين) . . ومثل ذلك (كم) وبعض الظروف مثل (حيث) وما ختم بويه ،إلى غير مما هو مذكور في بابه.
(73) سورة آل عمران، آية: 73.
(74) اعلم أن الإعراب أصل في الأسماء؛ لأن أكثرها بل كلها معرب، ما عدا أسماء محصورة قليلة العدد - كما تقدم - والبناء أصل في الأفعال؛ لأنها كلها مبنية، إلا المضارع الذي لم يَخْلُ من البناء في بعض حالاته كما سيتضح الآن - إن شاء الله -.
(75) سورة الإسراء، آية: 81.
(76) سورة الإسراء، آية: 1.
(77) يرى كثير من النحويين أن الفعل الماضي لا يبنى على الضم، بل هو مبني على الفتح دائماً - سواء كان ظاهراً أو مقدراً - فالضمة هنا. وكذا السكون ليست علامة بناء بل هي لمناسبة الواو، والسكون لمنع توالي أربع متحركات في كلمتين. وما ذكرناه أيسر وأسهل على المتعلمين حيث لا ضرر فيه، والتيسير في هذا العلم مطلوب.
(78) سورة البقرة، آية: 32.
(79) سورة القصص، آية: 7.
(80) سورة الأعراف، آية: 156.
(81) سورة النساء، آية: 21.
(82) أي: تنظر لمضارع فعل الأمر الذي معك. فما كان علامة الجزم في المضارع فهو علامة البناء في الأمر.
(83) أي: اجعلها خالصة من كل ما يشينها.
(84) سورة المدثر، آية: 2.
(85) سورة الأحزاب، آية: 33.
(86) سورة طه، آية: 43.
(87) سورة البقرة، آية: 238، الوسطى: أي: الفضلى، والمراد بها صلاة العصر على الراجح.
(88) سورة آل عمران، آية: 43
(89) سورة النحل، آية: 125.
(90) سورة لقمان، آية: 17.
(91) سورة الأحزاب، آية: 1.(1/282)
(92) سورة البقرة، آية: 228.
(93) سورة الهمزة، آية: 4، كلا: ردع ورد لما توهمه الكافر أي: لا يخلد ولا يبقى له مال. وعلى هذا فالوقف يكون عليها، وهو اختيار مكي رحمه الله. قال: ويجوز الابتداء بها على معنى (حقاً) أو على معنى (ألا). انظر رسالة "شرح كلا وبلى ونعم "لمكي" ص(66).
(94) سورة يونس، آية: 34.
(95) سورة يونس، آية: 89، أصل الفعل (تتبعانَّ) فدخل الجازم فحذفت نون الرفع. ثم أكد. فالتقى ساكنان (ألف الاثنين، والنون الأولى من نون التوكيد) فحركت نون التوكيد بالكسر. ولم تحذف الألف لئلا يلتبس بالفعل المسند للواحد، ولا تحذف نون التوكيد، لأنه أُتي بها لغرض.
فـ (تتبعانِّ) فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأمثلة الخمسة. وألف الاثنين فاعل. ونون التوكيد: حرف مبني على الكسر لا محل له.(1/283)
(96) سورة لقمان، آية: 25، أصله: (يقولون) ثم دخلت عليه نون التوكيد فصار: ليقولونَنْنَ. ثم حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال (نون الرفع ونون التوكيد) فصار: ليقولوْنْنَ، فالتقى ساكنان (واو الجماعة والنون الأولى من نون التوكيد) فحذفت الواو، لأن الضمة قبلها تدل عليها فصار (ليقولُنَّ) فهو فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال. والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، ونون التوكيد حرف مبني على الفتح لا محل له. والجملة لا محل لها جواب القسم. واعلم أن الفعل (ليقولن) ورد في القرآن في خمسة عشر موضعاً، وهو في بعضها مبني على الفتح، وفي بعضها معرب - كما ذكرنا - والضابط لذلك أن اللام التي قبل النون إن فتحت فهو مبني؛ لأنه مسند للواحد، كقوله تعالى: (ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي( أو مسند لجمع ظاهر كقوله تعالى: (ليقولَن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين( وإن كانت مضمومة فالفعل معرب؛ لأنه مسند لواو الجماعة المحذوفة وضمة اللام دليل عليها. وهذا كما في الآية التي مثلنا بها في الأصل. وكقوله تعالى: (ولئن سألتهم ليقولُنَّ إنما كنا نخوض ونلعب( فافهم ذلك فإنه مفيد.(1/284)
(97) سورة مريم، آية: 26، أصل الفعل: تَرْأيينَنَّ. فنقلت حركة الهمزة إلى الراء بعد حذف السكون، وحذفت الهمزة تخفيفاً فصار: تَرَيينَنَّ. ثم حذفت النون الأولى وهي نون الرفع للجازم وهو (إن) الشرطية المدغمة في (ما) الزائدة، فصار: تريينّ. والياء الأولى متحركة وقبلها فتحة، فانقلبت ألفاً فصار ترايْنَّ. فالتقى ساكنان (الألف وياء المخاطبة بعدها) فحذفت الألف فصار: تَرَيْنَّ فالتقت ياء المخاطبة ساكنة مع النون الأولى من نون التوكيد المشددة فحركت الياء بالكسرة، إذ لا يجوز حذفها لعدم وجود كسرة قبلها تدل عليها. ولا يجوز حذف النون الأولى من المشددة، لأن المقام يتطلبها مشددة، فلم يبق إلا تحريك الياء بالكسرة التي تناسبها، فصارت. تَرَيِنَّ. فهو فعل مضارع مجزوم بإن وعلامة جزمه حذف النون، وياء المخاطبة فاعل. هذا هو المشهور في كتب النحو.
(98) سورة الإسراء، آية: 1، سبحان: اسم مصدر منصوب بفعل محذوف، وهو مضاف والاسم الموصول مضاف إليه.
(99) سورة البقرة، آية: 211، "بني إسرائيل" مفعول أول "كم آتيناهم" مبني على السكون في محل نصب مفعول ثان لآتيناهم - على قول -، والجملة سدت مسد المفعول الثاني للفعل (سل) "من آية" تمييز لـ "كم" و(من) صلة.
(100) سورة يوسف، آية: 51.
(101) سورة المنافقون، آية: 7.
(102) سورة العنكبوت، آية: 10.
(103) سورة الأنفال، آية: 66.
(104) سورة آل عمران، آية: 119، "ها" للتنبيه "أنتم" مبتدأ خبره جملة "تحبونهم" و"أولاء" منادى بحرف نداء مقدر. مبني على الضم المقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة البناء الأصلي.
(105) سورة المائدة، آية: 52.
(106) يقدر السكون على آخر الفعل المعرب في موضعين:
الأول: إذا تحرك للتخلص من التقاء الساكنين نحو: لم يكنِ العاقلُ يهمل أبناءه. فكلمة (يكن) فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون مقدر بسبب الكسرة التي جاءت للتخلص من التقاء الساكنين.(1/285)
الثاني: إذا كان الحرف الأخير من الفعل مدغماً في حرف مماثل. فإن السكون يقدر، لأن الآخر يحرك بالفتح لالتقاء الساكنين (الحرف الأخير المجزوم والساكن الذي قبله بسبب الإدغام) نحو: لم يفرَّ الشجاع. ومنه: (وليحدَّ أحدكم شفرته) فالفعل (يَحدَّ) مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه سكون مقدر لأجل الفتحة التي جاءت للتخلص من التقاء الساكنين.
(107) سورة الإخلاص، آية: 3.
(108) ويقال الأسماء الخمسة لأن (الهن) إعرابه بالحركات أشهر من إعرابه بالحروف. و(الحم) أقارب زوج المرأة، ويطلق على أقارب الزوجة. و(الهن) كناية عن أسماء الأجناس. تقول: هذا هنُ زيد أي: شيئه. وقد قال لي بعض الطلبة في الدرس: إن هذا اللفظ لا يزال مستعملاً عندهم بهذا المعنى. وقيل: كناية عما يستقبح ذكره، ومنه الحديث الآتي.
(109) سورة القصص، آية: 23.
(110) سورة الإسراء، آية: 26.
(111) سورة يوسف، آية: 81.
(112) أي قال: يا لفلان ليخرج الناس معه إلى القتال بغير حق. فأعضوه: فعل أمر. والهمزة للقطع. (بهن أبيه) أي: بذكره ما ولا تذكروا الكناية. بل الاسم الصريح.
(113) سورة يوسف، آية: 78.
(114) سورة النساء، آية: 12.
(115) سورة يوسف، آية: 59.
(116) سورة القصص، آية: 34، "أخي" مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة وهو مضاف. والياء مضاف إليه. وهذا الإعراب يقال في كل اسم اتصل بياء المتكلم. و"لساناً" تمييز.
(117) سورة ص، آية: 23.
(118) سورة يوسف، آية: 93.
(119) سورة النساء، آية: 11.
(120) سورة يوسف، آية: 100.
(121) المراد باسم الجنس: الاسم الجامد غير المشتق. كالعلم والمال والأدب والفضل ونحوها.
(122) سورة المائدة، آية: 23.
(123) سورة القصص، آية: 15.
(124) سورة آل عمران، آية: 13.(1/286)
(125) لا: نافية للجنس. وتران: اسمها مبني على الألف في محل نصب. في ليلة: خبر. انظر (همع الهوامع 1/40) شرح السيوطي على سنن النسائي (3/230).
(126) سورة المائدة: آية: 106. (واثنان) خبر المبتدأ (شهادة) على حذف مضاف تقديره: شاهدة اثنين، وقيل: فاعل للمصدر (شهادة) والخبر (إذا حضر) أو محذوف تقديره: (في ما فرض عليكم) وهو مقدم . . .
(127) سورة البقرة، آية: 60، اثنتا: فاعل مرفوع بالألف لأنه ملحق بالمثنى. و"عشرة" مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب. لأنه بدل من نون المثنى المحذوفة.
(128) سورة الإسراء، آية: 23، ألا تعبدوا: أن مصدرية. وهي ومدخولها في تأويل مصدر مجرور بالباء أي: أمر بأن لا تعبدوا. إلا إياه: مفعول تعبدوا في محل نصب. وبالوالدين إحساناً: مصدر منصوب بفعل مقدر أي: أحسنوا بالوالدين إحساناً. إما يبلغن: إن شرطية. وما: زائدة إعراباً لا معنى لأنها للتوكيد. ويبلغن: مضارع مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، الكبر: مفعول مقدم، أحدهما: فاعل، فلا تقل لهما: جواب الشرط: أفٍّ: اسم فعل مضارع بمعنى (أتضجر) مبني على الكسر لا محل له. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره (أنا) (والتنوين فيه للدلالة على التنكير كما تقدم في باب الكلام) قولاً: مفعول به. كريماً: صفة. والتقييد بقوله: (فلا تقل لهما) خرج مخرج الغالب من أن الولد إنما يتهاون بوالديه عند الكبر. وإلا فالنهي لا يختص بالكبيرين. والله أعلم.
(129) سورة الكهف، آية: 33.
(130) كلمة (السالم) صفة (للمذكر) فتضبط مثله هذا هو الأحسن. لقولنا: سلم فيه بناء الواحد عند جمعه.
(131) مفرده (مصطفى) فلما جمع حذفت ألفه، وبقي ما قبلها مفتوحاً. للدلالة على الألف المحذوفة.
(132) الاسم الجامد: هو الذي لم يؤخذ من غيره. والصفة: هي المشتق الذي أخذ من غيره. فالأول مثل: رجل، باب، بياض. والثاني مثل: جالس، مكتوب، جميل.
(133) سورة التوبة، آية: 81.(1/287)
(134) سورة آل عمران، آية: 134.
(135) سورة الأحزاب، آية: 43.
(136) وهي موجودة في القرآن، فعليك أن تستنبطها باستحضار الآيات.
(137) سورة الأنفال، آية: 65.
(138) سورة البقرة، آية: 51.
(139) المال: مبتدأ. ودائع: خبر. ولابد: (لا) نافية للجنس. بدَّ: اسم (لا) مبني على الفتح في محل نصب.والخبر (أن ترد الودائع) فهو في تأويل مصدر، أي: من رد الودائع.
(140) سورة آل عمران، آية: 18.
(141) سورة الفاتحة، آية: 2.
(142) سورة المطففين، الآيتان: 18 - 19، "كلا" حرف ردع وزجر، (وما أدراك ما عليون( ما: مبتدأ. أدراك: أدرى: فعل ماض مبني على فتح مقدر. والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره: (هو) يعود على (ما)، والكاف مفعول أول. وقوله سبحانه ما:مبتدأ و(عليون( خبر مرفوع بالواو، لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. والجملة في محل نصب مفعول به ثان للفعل أدراك.وجملة أدري خبر ما .
(143) سورة المؤمنون، آية: 112، "كم" اسم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية، والعامل فيه (لبثتم) و"عدد سنين" تمييز، وهو مضاف و(سنين) مصاف إليه مجرور بالياء، لأنه ملحق بجمع المذكر.
(144) سورة الحجر، آية: 91، عضين: مفعول ثان لجعل.
(145) أي اتركاني. والبيت للصمة بن عبد الله القشيري. من قصيدة له في ذكر نجد لها قصة.
(146) الإعراب بالحروف هو الأحسن. أما ما سمى به مما ختم بياء ونون فيرى بعض الباحثين أن الاقتصار على هذه اللغة أوضح حيث أن السامع يدرك أنها علم مفرد.
(147) أي شاذ قياساً لعدم استيفائه شروط جمع المذكر السالم. وليس بشاذ استعمالاً لكثرته. فالشاذ قياساً ما خالف القاعدة، والشاذ استعمالاً ما ندر وقوعه.
(148) انظر: الخصائص لابن جني (1/96).
(149) زعانف مفرده (زعنفة) بكسر الزاي والنون . يطلق على القصير واللئام وأجنحة السمك وغيره، والمراد هنا: الأتباع.(1/288)
(150) ادعى بعض النحاة أن البيت مصنوع، وأنه من وضع النحويين، وحجتهم أن الشاعر نصب المثنى في قوله: (والعينان) بالألف. وفي قوله: (ومنخرين) بالياء . . فجمع بين لغتين وذلك قلما يتفق لعربي؛ وهذا مردود، فإن أبا زيد الأنصاري - وهو ثقة - أورده في كتابه (ومنخران) بالألف. فإن ثبت ذلك فإن النحويين أخطأوا في رواية البيت، وبنوا على ذلك ادعاء أنه مصنوع.
(151) الأحوذيان: مثنى أحوذي وهو الخفيف السريع، أراد به هنا جناح القطاة. والبيت وصف لها بالسرعة والخفة. و(ما) نافية و(هي) مبتدأ بتقدير مضافين أي: فما زمان رؤيتها إلا لمحة و(إلا) أداة استثناء ملغاة و(لمحة) خبر المبتدأ. وجملة (تغيب) معطوفة على جملة المبتدأ والخبر.
(152) التسمية الأولى أدق من (جمع المؤنث السالم) لأن الذي ينصب بالكسرة ليس جمع المؤنث السالم فحسب، بل كل ما جمع بألف وتاء ولو كان مفرده مذكراً نحو: اصطبل (موقف الدواب) اصطبلات. ونحو: بنات وأخوات وفتيات وأمهات. جمع مؤنث ولكنه تغير جمعه عن مفرده، فليس سالماً، انظر (همع الهوامع 1/22).
(153) سورة التوبة، آية: 71.
(154) سورة التوبة، آية: 72.
(155) سورة الأحزاب، آية: 73.
(156) فإن قلت: بنت وبنات. هذا الجمع ينصب بالكسرة، وصوت وأصوات. هذا الجمع ينصب بالفتحة مع أن التاء موجودة في المفرد. فالجواب: أن الدلالة على الجمع في الأول بسبب الزيادة. والثاني بسبب الصيغة لأنه على وزن من أوزان جمع التكسير فاعرف هذا فهو نافع في هذا الباب.
(157) سورة الحجرات، آية: 2.
(158) سورة البقرة، آية: 28.
(159) سورة الطلاق، آية: 6. و(أولات) خبر كان منصوب بالكسرة.
(160) سورة البقرة، آية: 198.
(161) وبعض الطلبة يظن أنه لا يسمى ممنوعاً من الصرف إلا إذا كان مجروراً بالفتحة، وهذا غير صحيح، بل كل ما منع من التنوين من اسم معرب لعلتين أو لعلة فهو ممنوع من الصرف ولو كان مرفوعاً أو منصوباً.
(162) سورة غافر، آية: 34.(1/289)
(163) سورة النحل، آية: 120.
(164) سورة النساء، آية: 86.
(165) سورة التين، آية: 4.
(166) سورة آل عمران، آية: 33.
(167) سورة البقرة، آية: 187.
(168) في قوله تعالى: (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح( الفعل (يعفون) مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث في محل نصب. ونون الإناث: فاعل. فالواو لام الفعل، لأنه من عفا يعفو، بخلاف: الرجال يعفون. فالواو ضمير الجمع فاعل ولام الفعل محذوفة وأصله: يعفوون. والنون علامة الرفع، فتقول في حالتي الجزم والنصب: الرجال لن ولم يعفوا. فالفروق بين: الرجال يعفون. والنساء يعفون، ثلاثة فتأملها.
(169) سورة الحديد، آية: 4.
(170) قد تحذف النون لغير ناصب أو جازم. كقوله (: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا" رواه مسلم برقم 93. فحذفت النون من قوله: "ولا تؤمنوا" لغير ناصب أو جازم، وهي لغة صحيحة قليلة الاستعمال. ومنه قول عمر رضي الله عنه في قتلى بدر (كيف يسمعوا؟ وأنى يجيبوا وقد جيَّفوا) رواه مسلم برقم 2874.
(171) سورة البقرة، آية: 24، هنا اجتمع عاملان (إن ولم) والعمل للثاني لأنه شديد الاتصال بالمضارع. بخلاف (إن) فقد تدخل على الماضي وقد يليها الاسم. قاله العكبري في إعراب القرآن (1/40). وقيل: العمل للأول لسبقه وقوته لأنها تؤثر في فعل الشرط وجوابه. ولا قيمة كبيرة لهذا الخلاف لأن المضارع مجزوم على أي حال.
(172) سورة الأنعام، آية: 88.
(173) سورة محمد، آية: 17، اعلم أن المقصور المجرد من أل والإضافة يلازمه التنوين هكذا (جاء فتىً، رأيت فتىً ومررت بفتىً) والإعراب بحركات مقدرة على الألف. وأصله (فتيٌ) على وزن (فَعَلٌ) تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً، والألف ساكنة والتنوين ساكن، فحذفت الألف نطقاً لا كتابة، وصار التنوين تابعاً لفتحة التاء فلا يتغير مطلقاً.
(174) سورة الحج، آية: 67.
(175) سورة الزمر، آية: 26.(1/290)
(176) سورة القمر، آية: 6، الداع: فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخفيف منع من ظهورها الثقل.
(177) سورة البقرة، آبة: 186.
(178) أخرجه أحمد وأصحاب السنن وحسنه الترمذي.
(179) سورة الأحقاف، آية: 31.
(180) سورة الرعد، آية: 7، هاد: مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين منع من ظهورها الثقل، وحُذِفَ التنوين لأجل الوقف.
(181) سورة الفرقان، آية: 31، بربك: الباء حرف جر زائداً إعراباً لا معنى. ورب: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. والكاف مضاف إليه. و"هادياً" تمييز منصوب ويجوز إعرابها حالاً.
(182) سورة الزمر، آية: 23.
(183) سورة فاطر، آية: 28.
(184) سورة القصص، آية: 86.
(185) سورة القصص، آية: 77.
(186) سورة يونس، آية: 30.
(187) سورة الكهف، آية: 14.
(188) سورة العلق، آية: 17.
(189) سورة يونس، آية: 56.
(190) سورة طه، آية: 65.
(191) سورة آل عمران، آية: 85.
(192) قد يحذف حرف العلة بغير جازم؛ لقصد التخفيف أو رعاية الفواصل وغير ذلك، كقوله تعالى (يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه( وقوله تعالى: (ذلك ما كنا نبغ . . ( وقوله تعالى: (والليل إذا يسر( انظر: إعراب القرآن للعكبري (2/714).(1/291)
(193) اعلم أن هذه الأقسام تختلف في درجة التعريف، فبعضها أقوى من بعض، بل إن النوع الواحد قد يتفاوت في درجة تعريفه. وأشهر الآراء أن أقوى المعارف وأعرفها بعد لفظ الجلالة وضميره، هو ضمير المتكلم، ثم ضمير المخاطب، ثم العلم. وهو درجات متفاوتة القوة في درجة التعريف، ويلحق بعلم الشخص العلم بالغلبة، ثم ضمير الغائب الذي تعين مرجعه، ثم اسم الإشارة، والمنادى (النكرة المقصودة) وهما في درجة واحدة، لأن التعريف بكل واحد منهما بواسطة القصد الذي يعينه المشار إليه في اسم الإشارة والتخاطب في المنادى ( النكرة المقصودة ) ثم الموصول والمعرف بأل ، وهما في درجة واحدة أما المضاف إلى معرفة فهو في درجة المضاف إليه، إلا إن كان مضافاً للضمير، فإنه يكون في درجة العلم. قال ابن هشام: هذا هو المذهب الصحيح.
وأقوى الأعلام: أسماء الأماكن، لقلة الاشتراك فيها، ثم أسماء الناس، ثم أسماء الأجناس.
وأقوى أسماء الإشارة ما كان للقرب، ثم ما كان للوسط، ثم ما كان للبعد، على القول بأن للمشار إليه ثلاث مراتب، كما سيأتي إن شاء الله في أسماء الإشارة.
وأقوى أنواع (أل) التي للعهد ما كانت فيه (أل) للعهد الحضوري، ثم ما كانت فيه للنوعين الآخرين من العهد، ثم للجنس.
(194) هذا العنوان من عندي لبيان أن ابن مالك شرع في النوع الأول من أنواع المعارف، والثاني في باب مستقل، وهو العلم.
(195) الجامد من الأسماء هو ما لم يؤخذ من غيره. ويقابله المشتق وهو الذي يؤخذ من غيره. والمشتق يدل على معنى وذات أو معنى وصاحبه. وأشير إلى أنواع المشتقات في باب الموصول إن شاء الله.
(196 ) الضمير إن دلّ بنفسه على المراد فهو الضمير المفرد أو البسيط. نحو: أنت، هو . . وإن احتاج إلى زيادة تساعده على أداء المراد فهو المركب نحو: أنتما، إياك، إياكم . . وأذكر لك قريباً إعراب النوعين إن شاء الله.
(197) عند إعراب الضمائر لابد من ملاحظة أمرين:(1/292)
الأول: موقع الضمير من الجملة، أهو في محل رفع أو نصب أو جر؟
الثاني: حالة آخر الضمير أساكنة نحو: أنا، أم متحركة نحو: أنت أحسنتَ؟ فتقول: أنت ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ . . و(التاء) في أحسنت . . ضمير متصل مبني على الفتح في محل فاعل، أما الضمير المركب نحو: إياك. أنتم. فالأولى الأخذ بالرأي القائل: إن الجميع ضمير بدون تجزئة (إيا) و(الكاف) أو (أنت) والميم. فتعرب (إياك) ضميراً منفصلاً مبنياً على الفتح في محل نصب، و(أنتم) في محل رفع مبتدأ.
(198) سورة آل عمران، آية: 159.
(199) سورة التحريم، آية: 10.
(200) سورة البقرة، آية: 20.
(201) سورة مريم، آية: 26.
(202) سورة البقرة، آية: 228.
(203) اعلم أن الإعراب لا يظهر على الاسم المتصل بياء المتكلم، وقاعدة إعرابه أن تقول في مثل: كتابي جديد: كتاب: مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. وهو مضاف وياء المتكلم: ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. وهكذا الاسم المنصوب والمجرور. وبعضهم يرى أن الكسرة في حالة الجر كسرة إعراب لا كسرة مناسبة، وقد أشرت إلى شيء من ذلك في باب الأسماء الستة.
(204) سورة هود، آية: 63.
(205) سورة الضحى، آية: 3.
(206) سورة الكهف، آية: 37.
(207) سورة آل عمران، آية: 16.
(208) سورة المنافقون، آية: 7.
(209) سورة القلم، آية: 40.
(210) سورة التوبة، آية: 49.
(211) سورة مريم، آية: 26.
(212) سورة هود، آية: 63.
(213) سورة لقمان، آية: 14.(1/293)
(214) قد تأتي (ياء المتكلم) في محل رفع في مثل: يسرني كوني مواظباً على الصف الأول. فإن الياء في (كوني) في محل رفع اسم "كون". مصدر (كان) الناقصة. ولكن ذلك عارض بسبب أن المضاف هنا كالفعل يطلب مرفوعاً. والكلام في الضمير المشترك بين الرفع والنصب والجر بطريق الأصالة. وهذه الياء لها محلان: أحدهما: جر بالمضاف والثاني: رفع على أنها الاسم.
(215) وإعرابها في مثل قوله تعالى: (سلهم أيهم بذلك زعيم( سلْ: فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره (أنت) والهاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول أول، والميم علامة الجمع. (أيُّهم) أي: اسم استفهام مبني على الضم في محل رفع مبتدأ. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه، والميم علامة الجمع. (بذلك) متعلق بـ (زعيم) و(زعيم) خبر المبتدأ. . والجملة من المبتدأ والخبر سدت مسد المفعول الثاني.
(216) سورة هود، آية: 112.
(217) سورة غافر، آية: 44.
(218) سورة يوسف، آية: 3.
(219) سورة آل عمران، آية: 26.
(220) سورة المائدة، آية: 105.
(221) سورة الإسراء، آية: 23.
(222) سورة الإسراء، آية: 23.
(223) سورة آل عمران، آية: 185.
(224) سورة القصص، آية: 11.
(225) سورة البقرة، آية: 101.
(226) هناك قاعدة يستأنس بها في هذا الموضوع، وهي أنه إذا كان الضمير المستتر مقدراً بـ (أنا) أو (نحن) أو (أنت) فهو مستتر وجوباً، وإن كان مقدراً بـ(هو) مستتر جوازاً إلا في أربع مسائل أو خمس. .
(227) سورة المنافقون، آية: 4.
(228) سورة الإسراء، آية: 23.
(229) اعلم أن هناك نوعين من الضمير معرفتهما من الأهمية بمكان، الأول: يسمى ضمير الفصل، والثاني: ضمير الشأن. أما ضمير الفصل فأذكره إن شاء الله في باب إنَّ لمناسبة له هناك. وأما ضمير الشأن فأكتب عنه هذه الخلاصة . .(1/294)
ضمير الشأن: هو ضمير يأتي في صدر جملة بعده تفسر دلالته وتبين المراد منه، كأن يتحدث شخص عن الدنيا وتقلبها فيقول: هي الأيام دول. أو يتحدث آخر عن سقوط دولة وقيام أخرى. فيقول: إنها إرادة الله التي لا تعلوها إرادة، ومنه قوله تعالى: (قل هو الله أحد( وقوله تعالى: (فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا( (على القول بأن الضمير في الآيتين ضمير الشأن).
وسمى ضمير الشأن لأنه يرمز للشأن، والمراد به: مضمون الكلام الذي يريد المتكلم أن يتحدث عنه، ويسمى ضمير القصة، أي: المسألة التي تناولها الكلام؛ وأحكامه تختلف عن أحكام غيره من الضمائر ومن أهمها ما يلي:
1) عوده على ما بعده، وقاعدة الضمير أن يعود على ما قبله.
2) أنه لابد أن يكون مبتدأ أو اسماً لناسخ.
3) أن مفسره لا يكون إلا جملة. وتكون خبراً له الآن أو بحسب أصله، كما لو سبق بناسخ.
4) أنه ملازم للإفراد فلا يثنى ولا يجمع، والكثير أن يكون للمفرد المذكر، وقد يأتي للمؤنث كما في الآية.
ولما كان هذا الضمير مخالفاً للقياس رأى النحاة أنه لا ينبغي الحمل عليه إذا أمكن غيره، كما ذكر ذلك ابن هشام في المغني، وسيرد له ذكر إن شاء الله في باب كان، وفي باب إنّ وغيرها.
(230) سورة الفاتحة، آية: 5.
(231) سورة يوسف، آية: 40.
(232) ذكرنا -فيما سبق - عند إعراب الضمائر أن الأرجح في الضمير المركب اعتبار المجموع من (إيا) ولواحقها ضميراً تيسيراً على الدارسين، وأزيد هنا بأن العكبري قد نص في كتابه (التبيان في إعراب القرآن) على أن هذا مذهب الكوفيين ج1ص7.
(233) الإطلاق مدة تسمى (مدة الإطلاق) وهي تلحق القوافي المطلقة. وهي ما كان حرف الروي فيها متحركاً.
(234) سورة الفاتحة، آية: 5.
(235) سورة الإسراء، آية: 23.
(236) سورة الممتحنة، آية: 1، إياكم: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب معطوف على "الرسول". أو مبني على الفتح، والميم علامة الجمع.(1/295)
(237) المعنى: لا أصاحب قوماً غير قومي، وأذكر قومي أمامهم، إلا يزيد هؤلاء القوم حبَّ قومي إليّ بسبب مآثرهم. انظر الحماسة لأبي تمام (2/134) تحقيق: عبد الله عسيلان. وقوله (من قوم) مفعول به و(من) زائدة. (فأذكرهم) الفاء للسببية والمضارع منصوب بـ(أن) المضمرة بعد فاء السببية. (حبّاً) مفعول ثان لـ(يزيد) (هم) فاعل (يزيد).
(238) سورة البقرة، آية: 137، سيكفي: السين حرف استقبال، يكفي: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء، والكاف ضمير مبني على الفتح في محل نصب مفعول أول. والهاء: مفعول ثان. والميم: علامة جمع المذكر. ولفظ الجلالة فاعل.
(239) سورة هود، آية: 28، الهمزة: للاستفهام، ونلزم: فعل مضارع. والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: نحن. والكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول أول، والميم: علامة جمع المذكر، والواو: حرف إشباع مبني على السكون لا محل له. وها: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول ثان.
(240) سورة محمد، آية: 37، إن حرف شرط جازم. ويسأل: فعل مضارع مجزوم بالسكون. والكاف: مفعول أول. والميم علامة الجمع، والواو: حرف إشباع مبني على السكون لا محل له. وها: مفعول ثان، والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره: هو. وجواب الشرط قوله (تبخلوا).
(241) رواه أبو داود في الجهاد (7/221) عون المعبود من حديث طويل. وفيه انفصال الضمير (إياها).
(242) متفق عليه. وابن صياد اسمه "صاف" وفيه بعض أوصاف الدجال. ولكن النبي ( لم يقطع بأنه الدجال ولا غيره. ولهذا قال لعمر: (إن يكنه فلن تستطيع قتله . . . ) انظر شرح النووي على مسلم حديث رقم 2924، والهاء في قوله: (يكنه) خبر (يكن) عائد على الدجال، واسم يكن ضمير يعود على ابن صياد.(1/296)
(243) اسم كان: ضمير مستتر يعود على (عمر) المعبر عنه بالمغيري في الأبيات التي قبله (إياه) خبر كان، ومعنى البيت: لئن كان هذا الذي نراه هو عمر، فلقد تغيرت هيئتة وتحولت حاله عما كنا نعهده فيه من القوة والشباب، ثم قال مسلياً لها: والإنسان قد يتغير حاله بمرور الزمان.
(244) سورة الأنفال، آية: 43، الكاف مفعول أول، والهاء مفعول ثان، والميم علامة الجمع. و"كثيراً" مفعول ثالث، وهكذا الباقي.
(245) إخالكه: مضارع "خال" بمعنى ظن. وهو بكسر الهمزة، وهو المسموع كثيراً مع أنه مخالف للقياس. إذ القياس فتح همزة مضارع الثلاثي كقام وأقوم، وينبغي الاقتصار على الكثير. و(إخال) فعل مضارع مرفوع بالضمة، والفاعل "أنا" والكاف: مفعول أول. والهاء مفعول ثان. ومعنى البيت: علمت بما صنعه إنسان محسن فظننتك إياه، لأني أعلم أنك لم تزل مسارعاً لاكتساب الحمد والثناء، أي: عمل المعروف الذي هذه ثمرته.
(246) الكاف مفعول أول لحسب بمعنى (ظن) وإياه مفعول ثان. ومعناه: كنت أظنك أخي الحق، ولكني وجدت منك صدراً مليئاً بالأحقاد والضغائن عليّ.
(247) لقد ورد كل من الفصل والوصل عن العرب في المسائل الثلاث بكثرة تبيح القياس. وعليه فهذا الخلاف مما لا طائل تحته.
(248) الهاء مفعول أول. والياء مفعول ثاني و(شيطاناً) مفعول ثالث. و(الباطل) فاعل.
(249) سورة نوح، آية: 21.
(250) سورة الأعراف، آية: 71.
(251) سورة البقرة، آية: 152.
(252) الطَيْس هو الرمل الكثير. والشاعر يفخر بقومه ويتحسر على ذهابهم. وقوله (كعديد) جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف والتقدير: عددتهم عدّاً مثل عديد الطيس. أي: عدد الرمل، وقوله (ليسي) الياء خبر ليس، واسمه ضمير مستتر يعود على البعض المفهوم من القوم.
(253) سورة الفجر، آية: 24.
(254) سورة الكهف، آية: 76.
(255) سورة يوسف، آية: 46.
(256) سورة طه، آية: 82.
(257) سورة طه، آية: 46.
(258) سورة الأحقاف، آية: 17.(1/297)
(259) سورة الأنعام، آية: 80.
(260) قال مكي في كتاب: (الكشف عن وجوه القراءات السبع) 1/437: "والاختيار تشديد النون لأنه لأصل، ولأن الحذف يوجب التغيير في الفعل، ولأن عليه أكثر القراء) ومن ذلك قوله تعالى: (أفغير الله تأمرونِّي أعبد( فقد قرأ ابن عامر بنونين ظاهرتين، وقرأ نافع بنون واحدة خفيفة، وقرأ الباقون بنون مشددة. انظر (الكشف 2/240).
(261) سورة الفتح، آية: 29.
(262) سورة القصص، آية: 76.
(263) سورة آل عمران، آية: 37.
(264) للصاحبي التاجي المتوفى بعد سنة 697هـ كتاب (الحَلْبة في أسماء الخيل المشهورة في الجاهلية والإسلام) ذكر فيه مائة وأربعة وثمانين اسماً مرتبة على حروف المعجم. وهو مطبوع بتحقيق الدكتور: حاتم صالح الضامن.
(265) اعلم أن ابن مالك - رحمه الله - لم يذكر الأحكام اللفظية لعلم الشخص مع أنه قال في علم الجنس - الذي سيأتي -
…ووضعوا لبعض الأجناس علم……كعلم الأشخاص لفظاً وهو عم
فنقول:
لعلم الشخص حكمان: الأول: معنوي. وهو الدلالة على فرد معين. وقد يعرض له الشيوع عند تثنيته أو جمعه - فيفقد تعريفه بالعلمية. ويحتاج إلى تعريف آخر. إذا اقتضى المقام ذلك - بوسيلة من وسائل التعريف ومنها (أل). نحو: جاء المحمدان. أو المحمدون.
الثاني: لفظي. وهو كما يلي:
1 - أنه لا يضاف. لعدم حاجته إلى الإضافة. لأنه معرفة بالعلمية. إلا لغرضٍ كتقليل الاشتراك. فتجوز إضافته لأنه يجري مجرى الأسماء الشائعة التي تحتاج إلى إيضاح وتعيين مثل: رجل، غلام، بشرط أن تكون الإضافة لغير أبيه. قالت العرب: قيس ليلى، عمر الخير، ربيعة الفرس، ومنه قول الشاعر:
علا زيدنا يوم النّقا رأس زيدكم……بأبيض ماضي الشفرتين يماني(1/298)
وأما الاستعمال الشائع عندنا - أخيراً - من إضافة العلم إلى اسم الوالد وإسقاط كلمة (ابن) كقولهم: محمد علي، علي عبد الله . . فهذا غير صحيح لغةً. ولا يعرف ذلك في كتاب ولا سنة. والمتأمل في كتب السير والتراجم والأعلام لا يجد شيئاً من ذلك البتة. وما كان المسلمون يعرفون إسقاط لفظة (ابن) في النسب. وما حصل ذلك إلا بتقليد الأعاجم. والتشبه بأعداء الله، وقد ذكر بعض الباحثين المحققين أن هذا الأسلوب صياغة غير عربية. ولا يمكن إعرابه إذ الإعراب للتراكيب سليمة البنية.
ثم إن الحذف يوقع في اللبس إذ لا دليل معه يدل على أن المضاف من أولاد المضاف إليه. انظر النحو الوافي (1/295) معجم المناهي اللفظية لبكر أبو زيد ص293. الإيضاح والتبيين للشيخ حمود التويجري - رحمه الله - ص212. شرح المفصل (1/44).
2 - ومن أحكامه اللفظية أنه لا تدخل عليه (أل) لما سبق من استغنائه بتعريف العلمية عن تعريف آخر. لكن قد تدخل عليه لما ذكر في إضافته. وفي هذا يقول ابن يعيش في شرحه على المفصل (1/45) في باب العلم: (أما إدخال (أل) عليه (أي على العلم) فقليل جدّا في الاستعمال. وإن كان القياس لا يأباه كل الإباء، لأنك إذا قدرت فيه التنكير وأنه ليس له مزية على غيره من المسمين به جرى مجرى: فرس ورجل. ولا تستنكر أن تدخل عليه (أل) وقد جاء في الشعر وما أقله . . . ) ا هـ. كلامه، ومن ذلك قول الشاعر:
باعد أم العمرو من أسيرها……حراس أبواب على قصورها
وسيأتي في باب (المعرف بأل) أنها تدخل على بعض الأعلام المنقولة من صفة وغيرها. مثل: صالح، ومحمد، ونحوهما.
3- ومن أحكامه اللفظية أنه يقع مبتدأ. وأن الحال تأتي منه متأخرة نحو: خالد شجاع. رأيت هشاماً مسروراً.
4 - أنه يمنع من الصرف إذا وجد مع العلمية سبب آخر للمنع، كزيادة الألف والنون نحو: عثمان - رضي الله عنه - ثالث الخلفاء الراشدين.
(266) سورة المسد، آية: 1.(1/299)
(267) كنيته: أبو عتبة، وإنما قيل له (أبو لهب) لإشراق وجهه.
(268) سورة النساء، آية: 171.
(269) سورة النساء، آية: 171.
(270) بأن: متعلق ببيت سابق وهو قولها:
… أبلغ هذيلاً وأبلغ من يبلغهم……عني حديثاً وبعض القول تكذيب
…وعمراً بدل من (ذا الكلب) و(خيرهم) صفة لـ (عمراً).
(271) انظر: همع الهوامع (1/71).
(272) الكافية الشافية (1/249).
(273) يرى صاحب النحو الوافي نقلا عن (همع الهوامع 1/73) أنه قياسي. لأن المدلولات التي تحتاج إلى علم جنسي كثيرة في كل زمن بسبب ما يجد فيه من أنواع ومخترعات وأجناس (1/299).
(274) لغة جمهور العرب في المنصوب المنون أن يوقف عليه بإبدال تنوينه ألفاً نحو: رأيت زيداً. ولغة ربيعة الوقف عليه بحذف التنوين وسكون الآخر نحو: رأيت زيدْ. وقد نصَّ ابن مالك على ذلك في الكافية (4/1979) وموضع ذلك باب الوقف في أواخر الألفية.
(275) سورة يونس، آية: 48.
(276) سورة يس، آية: 63.
(277) سورة مريم، آية: 63، تي: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. والجنة: بدل أو عطف بيان، والخبر (التي نورث).
(278) سورة الحج، آية: 19.
(279) وقيل: (ذان وتان) معربان في حالة التثنية، وهذا بالنظر إلى الظاهر، فإن العرب أدخلت عليهما علامة التثنية (الألف والنون، والياء والنون)، والأولى أنهما يبنيان طرداً للباب على طريقة واحدة، إذا لا معنى لإخراج حالة التثنية من البناء إلى الإعراب. ثم إن الظاهر أنهما ليسا مثنيين حقيقة، بل هما صيغتان وضعتا ابتداء للمثنى. بل نقل ابن الأنباري وغيره عن الفراء أن ألف التثنية في (هذان) هي ألف (هذا) والنون فرقت بين الواحد والاثنين. كما فرقت بين الواحد والجمع نون الذين.
(280) سورة القصص، آية: 27.
(281) سورة آل عمران، آية: 119، ها: حرف تنبيه. أنتم: مبتدأ. أولاءِ: اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع خبر.
(282) سورة هود، آية: 78.(1/300)
(283) الاسم المحلى بأل بعد اسم الإشارة إن كان مشتقّاً فالأحسن إعرابه نعتاً نحو: ذلك الفاضل أقبل إلينا. وإن كان جامداً كالرجل فالأحسن إعرابه بدلاً أو عطف بيان.
(284) لأنها لو كانت ضميراً لكانت مضافاً إليه. وأسماء الإشارة لا تضاف لكونها مبنية، ما عدا المثنى على أحد القولين.
(285) سورة يوسف، آية: 37.
(286) سورة فصلت، آية: 23.
(287) سورة يوسف، آية: 32.
(288) سورة المجادلة، آية: 12، الإشارة في الآية الكريمة إلى تقديم الصدقة في قوله تعالى: (إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة( والكاف في (ذلك) خطاب للمؤمنين ولم تضم إليها ميم الجمع .
(289) سورة المائدة، آية: 24.
(290) سورة الشعراء، آية: 64، ثمَّ: اسم إشارة مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية المكانية. والآخرين: مفعول به. والمعنى: قربنا هناك الآخرين فرعون وقومه حتى سلكوا مسلك موسى وقومه.
(291) ذكرها ضمن ثمانية أبيات في كتابه (الكافية الشافية) في أواخر باب الموصول (1/301) ولعله تركها - هنا - اختصاراً.
(292) سورة الأحقاف، آية: 17. و(أفٍّ) اسم فعل مضارع بمعنى (أتضجر) مبني على الكسر. والفاعل ضمير تقديره: أنا.
(293) سورة الأنبياء، آية: 103.
(294) سورة المجادلة، آية: 1.
(295) سورة البقرة، آية: 142.
(296) سورة النساء، آية: 16.
(297) سورة فصلت، آية: 29.
298 وقد اختلف النحاة في الموصول المثنى هل هو معرب أو مبني؟ انظر: الكلام على اسم الإشارة المثنى ص(118).
(299) سورة النساء، آية: 16.
(300) سورة فصلت، آية: 29.
(301) سورة القصص، آية: 32.
(302) سورة القصص، آية: 27.
(303) سورة محمد، آية: 1.
(304) سورة التوبة، آية: 29.
(305) سورة الأنفال، آية: 38.(1/301)
(306) روى أبو زيد الأنصاري البيت في كتابه (النوادر في اللغة ص239): (نحن الذين) على المشهور من لغة جمهور العرب. و(النخيل) بضم النون. اسم مكان. و(ملحاحاً) أي: غارة شديدة تدوم طويلاً. و(غارةً) مفعول لأجله، أو حال (ملحاحاً) صفة.
(307) سورة النساء، آية: 15.
(308) سورة الطلاق، آية: 4.
(309) معناه: ليس آباؤنا - وهم الذين قاموا بتربيتنا وجعلوا لنا حجورهم كالمهد - بأكبر نعمة علينا وفضلاً من هذا الممدوح. (بأمنَّ) خبر (ما) والباء زائدة. (اللاء) صفة لآباء.
(310) محا: أزال. كنَّ: كان: فعل ماض ناقص. واسمها ضمير الإناث. (قبلها) ظرف خبر كان. وها: مضاف إليه (مكاناً) مفعول به.
(311) اعلم أن لفظ (من) مفرد مذكر، ومعناها قد يخالف لفظها، فيجوز أن يعود الضمير عليها مفرداً مذكراً مراعاة للفظها، وهذا هو الأكثر، ويجوز مراعاة المعنى قال تعالى: (ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون. ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون( ففي الأول (يستمعون) جمع الضمير مراعاة للمعنى. وفي الثاني (ينظر) أفرد الضمير مراعاة للفظ، وقال تعالى: (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون( وسيأتي ذلك عند الكلام على الصلة إن شاء الله.
(312) اختار بعض النحاة أن يقال: "من" للعالم. بدل العاقل. لأن الله تعالى وصف نفسه بالعلم، وهي تستعمل في الدلالة عليه سبحانه في مثل: "سبحان من يسبح الرعد بحمده" وانظر الحديث في ذلك في "الأدب المفرد" مع شرحه: "فضل الله الصمد" (2/185)، وصفات الله توقيفية.
(313) سورة الرعد، آية: 43.
(314) سورة النور، آية: 45.
(315) سورة النحل، آية: 96.
(316) سورة الجمعة، آية: 1.
(317) سورة الحديد، آية: 18.
(318) سورة الطور، آية: 5، 6.(1/302)
(319) وقعت (ماذا) في القرآن الكريم في آيات كثيرة كقوله تعالى: (وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا( وقوله تعالى: (قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون( وهي محتملة لأن تكون (ما) مبتدأ و(ذا) خبراً. أو (ماذا) اسم استفهام مفعولاً مقدماً. راجع (دراسات لأسلوب القرآن الكريم) تأليف: محمد بن عبد الخالق عضيمة (1/3ص98).
(320) سورة النحل، آية: 30.
(321) ومن ذلك قوله تعالى: (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو( فقد قرأ الجمهور بنصب (العفو) فيترجح إعراب (ماذا) مفعولاً مقدماً. لأن الجواب منصوب. وتقديره: قل ينفقون العفو. أي: (ما فضل وزاد عن حاجة الإنسان) وقرأ أبو عمرو بن العلاء - من السبعة - بالرفع. فتكون (ذا) اسماً موصولاً في محل رفع خبر (ما) والعائد محذوف أي: ما الذي ينفقونه. ويكون الجواب مرفوعاً أي: الذي ينفقونه العفو.
(322) الصلة ليست خاصة بالموصول الاسمي. بل الموصول الحرفي يحتاج إلى صلة - كما ذكرنا أول الباب - وأما الرابط، وهو العائد فهو خاص بالموصول الاسمي.
(323) وعلى هذا فلا يجوز الفصل بين الموصول وصلته إلا فيما استثني كالقسم نحو: رحل الذي - والله - يحسن إلى الفقراء. أو جملة النداء إذا سبقت بضمير المخاطب نحو: أنت الذي - يا عبد السلام - تبُّر بأمك، أو الجملة المعترضة نحو: والدي الذي - وفقه الله - يرعى شؤوني. وغير ذلك مما يجوز الفصل به، ويستثنى من الموصولات (أل) فلا يجوز الفصل بينها وبين صلتها أبدأ.
(324) سورة لقمان، آية: 8.
(325) سورة يس، آية: 36.
(326) سورة المجادلة، آية: 1.
(327) سورة النساء، آية: 16.
(328) سورة النساء، آية: 15.
(329) سورة الأنعام، آية: 25.
(330) سورة يونس، آية: 42.
(331) صلة الموصول من الجمل التي لا محل لها من الإعراب.(1/303)
(332) أطلق على هذه الثلاثة شبه جملة، لأن الظرف والمجرور أشبها الجملة في كونهما متعلقين بالفعل أو ما يشبهه، وأنه لا يتم معناهما إلا بذلك. وأما الصفة فلأنها مع مرفوعها في معنى الجملة
(333) زيادة على الشرطين السابقين وهما: أن تتأخر، وأن تشتمل على رابط.
(334) سورة الأحزاب، آية: 37.
(335) سورة طه، آية: 78.
(336) سورة النجم، آية: 10.
(337) سورة المؤمنون، آية: 57.
(338) سورة المؤمنون، آية: 80.
(339) لكونه (كوناً عاماًّ) وهو الذي يدل على مجرد الوجود العام دون شيء آخر زائد عليه فالظرف (عندك) في المثال لا يفيد شيئاً أكثر من الدلالة على وجود الشخص وجوداً مطلقاً فهو متعلق بمحذوف تقديره: استقر. ولذا وجب حذفه إذ لا فائدة من ذكره. وأما الكون الخاص: وهو الذي يدل على معنى زائد على مجرد الوجود العام، فإن دلَّ عليه دليل حذف وإلا وجب ذكره، فمثلاً: عرفت الذي قرأ عندك. لا يجوز حذف المتعلق (قرأ) لعدم ما يدل عليه. وفي نحو: ذاكر خالد في المسجد ومعاذ في المنزل. فتقول: بل معاذ الذي في المسجد أي: بل معاذ الذي ذاكر في المسجد. فصح حذفه لوجود الدليل . . وسيأتي ذكر لذلك في أواخر باب المبتدأ والخبر إن شاء الله.
(340) سورة النحل، آية: 96.
(341) سورة البقرة، آية: 228، واعلم أنه لابد أن يكون متعلق الظرف والجار والمجرور فعلاً في باب الموصول. ولا يصح تقديره بوصف مثل: كائن أو مستقر. لأن الصلة لا تكون إلا جملة لأنها هي التي تزيل الإبهام فيحصل المقصود من الوصل بها على أن من النحويين من يرى أن الصلة هي الظرف أو الجار والمجرور، وهذا رأي جيد، فيه تيسير على الدارسين، والفائدة قد تمت بمجرد ذكرهما. على الوجه الذي ذكرنا قبل هذا.
(342) سورة الحديد، آية: 18.
(343) بشرط أن يراد بهما التجدد والحدوث، فإن كانا للثبوت والدوام كالمؤمن والصانع. صار حكمهما حكم الصفة المشبهة وفيها الخلاف الآتي.
(344) سورة الطور، آية: 6.(1/304)
(345) أما الصفة المشبهة ففي (أل) الداخلة عليها خلاف. ومن قال: إنها غير موصولة وهم الجمهور قال: لأن الصفة المشبهة غير مؤولة بالفعل؛ لأنها تفيد الثبوت والدوام والفعل للتجدد والحدوث، ومن قال: إنها موصولة قال: لأن الصفة أشبهت الفعل في أنها ترفع الاسم الظاهر. وأما أفعل التفضيل فـ (أل) الداخلة عليه ليست موصولة لأنه لا يرفع الظاهر إلا في مسالة واحدة كما سيأتي إن شاء الله في بابه. . أما بقية المشتقات: اسم الزمان واسم المكان واسم الآلة، فلا علاقة لها بهذا الموضوع أصلاً.
(346) الترضى: يجوز إدغام (أل) في التاء. وعدم إدغامها. وهذا خاص بالموصولة. أما الحرفية فيجب إدغامها نحو: التراب، التمر . . ومعنى: الترضى. أي: الذي ترضى. والأصيل: ذو الحسب. والجدل: شدة الخصومة. وقوله: (بالحكم) الباء زائدة في خبر (ما) النافية.
(347) قاله ابن مالك في شرح الكافية (1/300) ولا يقال: لابد من تأنيث (المرضي) فيقال: المرضية حكومته، لأن الحكومة مراد بها المذكر وهو الحكم. أي: المرضي حكمه.
(348) الإضافة خاصة بـ (أي) في بعض حالاتها. أما بقية الموصولات - المشتركة وغير المشتركة - فلا تجوز إضافتها.
(349) أكثر ما يكون صدر الصلة ضميراً، وقد اقتصر عليه أكثر النحاة. وعليه فتكون الصلة جملة اسمية.
(350) سورة مريم، آية: 69، أيُّهم: اسم موصول مبني على الضم في محل نصب مفعول به والهاء مضاف إليه. والميم: علامة الجمع و(أشد) خبر لمبتدإ محذوف تقديره (هو) (عتيًّا) تمييز.
(351) سورة الزخرف، آية: 84.
(352) سورة المدثر، آية: 11.
(353) سورة الفرقان، آية: 41.(1/305)
(354) (ما) اسم موصول مبتدأ. (الله) مبتدأ ثان (موليك) خبره مضاف إلى الكاف من إضافة اسم الفاعل لمفعوله الأول. وله مفعول ثان محذوف وهو العائد والتقدير: موليكه. وجملة المبتدأ والخبر صلة لا محل لها. (فضل) خبر عن "ما" الموصولة. و(لدى) خبر مقدم و(نفع) مبتدأ مؤخر، ومعنى البيت: الذي يمنحك الله من النعم فضل منه عليك من غير أن تستوجب عليه سبحانه شيئاً فاحمد الله واشكره بالقلب واللسان والجوارح. فهو وحده النافع الضار. وغيره لا يملك شيئاً من ذلك.
355 شرح الأشموني ( 1 \ 171 ).
(356) سورة طه، آية: 72.
(357) مبني على السكون في محل نصب مفعول (اقض) و(أنت) مبتدأ و(قاض) خبر مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين منع من ظهورها الثقل. والجملة صلة. والعائد محذوف.
(358) سورة المؤمنون، آية: 33.
(359) سورة البقرة، آية: 185.
(360) سورة الشورى، آية: 23.
(361) همزة الوصل: كل همزة يثبت في الابتداء ويسقط في الدرج. وهمزة الوصل تقابل همزة القطع التي تثبت في أول الكلام وفي درجه، سميت بذلك لأن المتكلم يصل بواسطتها إلى النطق بالساكن، ولها مواضع وصفات مدونة في بابها.
(362) هذا احتراز من (أل) الموصولة فهي اسم على الصحيح، كما تقدم في الموصول.
(363) إذا أطلقت (أل) فالمراد بها المعرفة، فإذا أريد سواها فلابد من التقييد، فيقال: (أل الموصولة) أو (أل الزائدة).
(364) سورة المزمل، الآيتان: 15، 16.
(365) سورة التوبة، آية: 40.
(366) سورة المائدة، آية: 3.
(367) سورة العصر، الآيتان: 2، 3.
(368) ولهذا قال علماء الأصول: الاستثناء معيار العموم. ومن علامات (أل) الاستغراقية أن مدخولها يصح نعته بالجمع كقوله تعالى: (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء(.(1/306)
(369) قد تخلفها (كل) على سبيل المجاز والادعاء وذلك إذا أريد معنى الإحاطة والشمول لا بجميع الأفراد وإنما لصفة من الصفات الشائعة بين تلك الأفراد نحو: أنت الرجل علماً. تريد أنت كل الرجال من ناحية العلم أي: بمنزلتهم وتقوم مقامهم . . . وهكذا.
(370) تقدم في باب العلم أن علم الجنس في حكم علم الشخص من الناحية اللفظية. وفي حكم النكرة من الناحية المعنوية.
(371) سورة الأنبياء، آية: 30، جعل بمعنى خلق. والمفعول (كل شيء) و(حي) صفة مجرورة و(من) لابتداء الغاية فإن كانت (جعل) بمعنى (صيّر) تعدت لاثنين. الأول (كل شيء) والثاني (من الماء) أفاده العكبري في إعراب القرآن (2/916).
(372) سورة النجم، آية: 19.
(373) هذا على قول. والظاهر أن (أل) فيه معرفة للعهد الحضوري. وليست زائدة، لأنه اسم للوقت الحاضر.
(374) سورة الأنفال، آية: 66.
(375) جنيتك: جنيت لك، حذف حرف الجر توسعاً فاتصل الضمير. (أكمؤا) جمع كمء - بوزن فَلْس - ويجمع الكمء على كمأة فيكون المفرد خالياً من التاء، وهي في جمعه على عكس تمر وتمرة وهذا من نوادر اللغة. (وعساقلا) جمع عسقول - بزنة عصفور - وهو نوع من الكمأة كبير أبيض. والكمأة نبات معروف.
(376) يخاطب الشاعرُ قيسَ بن مسعود اليشكري ويندد به فيقول: لما رأيتنا ورأيت عظماءنا رضيت نفسك وامتنعت عن الأخذ بثأر صديقك عمرو الذي قتلناه. (رأيتك) رأى: بصرية والتاء: فاعل. والكاف: مفعول (لما) ظرفية بمعنى (حين) متضمنة معنى الشرط (صددت) جواب (لما).
(377) وشرط ذلك ألا يكون المضاف متوغلاً في الإبهام مثل: غير، مثل. إذا أريد بهما مطلق المغايرة والمماثلة. فإنهما لا يقبلان التعريف نحو: مررت برجل غيرك أو مثلك. فإن أريد بهما مماثلة أو مغايرة خاصة حكم بتعريفهما نحو: العلم غير الجهل، هشام مثل عنترة في الشجاعة . . .
(378) العوامل جمع عامل. وقد ذكرت تعريفه وأنواعه في أول باب المعرب والمبني.(1/307)
(379) العوامل الأصلية يقابلها العوامل الزائدة وشبه الزائدة، وسيأتي ذكرها إن شاء الله قريباً.
(380) سورة آل عمران، آية: 185.
(381) الوصف: ما دل على معنى وذات أو بمعنى أدق. على معنى وصاحبه كاسم الفاعل واسم المفعول. ويلحق بالوصف ما أوّل به من كل جامد تضمن معناه، نحو: أأسد الرجلان. أي: أشجاع؟، أتميمي الشاعران أي: أمنسوب؟
(382) سورة مريم، آية: 46.
(383) المثوب: من التثويب. وأصله أن يجيء الرجل مستصرخاً، فيلوح بثوبه ليُرى ويشتهر، ثم سمي الدعاء تثويباً لذلك. (قال: يالا) أي: يالفلان. وهو مقول القول.
(384) يعرب فاعلاً إذا كان الوصف اسم فاعل. ونائب فاعل إذا كان الوصف اسم مفعول كما في الأمثلة.
(385) سورة مريم، آية: 46.
(386) هذا جزء من حديث عائشة - رضي الله عنها - في بدء الوحي. وفيه (فقال ورقة بن نوفل: ليتني أكون حياً إذْ يخرجك قومك. فقال رسول الله (: أومخرجيّ هم؟ قال: نعم . . . ) الحديث متفق عليه.
…ومخرجيّ: أصله: مخرجون. جمع مخرج، من الإخراج، فلما أضيف إلى ياء المتكلم حذفت النون للإضافة. فاجتمعت واو ساكنة وياء. وأدغمت في الياء. وأبدلت الضمة التي قبل الواو كسرة تكميلاً للتخفيف، وهو خبر مقدم. و(هم) مبتدأ مؤخر.
(387) العامل ثلاثة أنواع:
أ ) أصلي: وهو ما لا يستغنى عنه. مثل: أدوات النصب والجزم وبعض حروف الجر.
ب ) زائد: وهو ما يستغنى عنه. وإنما يؤتى به للتوكيد مثل: الباء ومن (من حروف الجر) والحرف الزائد لا يحتاج مع مجروره إلى متعلق.
ج ) شبيه بالزائد. وهو ما له معنى خاص، وليس له متعلق (وهذا النوع خاص ببعض حروف الجر) مثل: رُبَّ.
(388) سورة الزمر، آية: 62.
(389) سورة البقر، آية: 163.
(390) إذا كان الخبر جملة اسمية فلابد من اشتمال الكلام على مبتدأ أول ومبتدأ ثانٍ.
(391) سورة الأعراف، آية: 26.
(392) سورة الأحزاب، آية: 4.(1/308)
(393) هذا أحد الشروط في الجملة الواقعة خبراً. والشرط الثاني: ألا تكون ندائية فلا يصح: خالد يا أعدل الناس. والثالث: ألا تكون مصدرة بأحد الحروف: لكن، وبل وحتى، وهذه الثلاثة مجمع عليها كما قاله السيوطي وغيره (الهمع 1/96) ويجوز في جملة الخبر أن تكون قسمية خلافاً لثعلب. قال تعالى: (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً( فجملة (ليرزقنهم) خبر المبتدأ (الذين) وقال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا( وفيه آيات أخرى كما يجوز وقوع الجملة الإنشائية خبراً خلافاً لابن السراج. قال تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم( فـ (الذين) موصول مبتدأ ضمن معنى الشرط، ولذلك دخلت الفاء في خبره في قوله: (فبشرهم).
(394) سورة البقرة، آية: 228.
(395) سورة الأعراف، آية: 153.
(396) سورة الأعراف، آية: 26.
(397) فقد قيل إن (ذلك) بدل من (لباس) أو عطف بيان أو صفة. هذا على قراءة الرفع، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بنصب (لباس) عطفاً على قوله (أنزلنا عليكم لباساً( قال مكي: (والرفع أحب إلي؛ لأن عليه أكثر القراء، والنصب حسن) (الكشف 1/460).
(398) سورة الأعراف، آية: 42.
(399) سورة القارعة، الآيتان: 1، 2.
(400) سورة آل عمران، آية: 76.
(401) سورة يونس، آية: 10.
(402) رواه مالك في الموطأ والترمذي وغيرهما، وهو مرسل حسن. و(أفضل) مبتدأ (ما قلت) ما مصدرية. والمصدر المؤول مضاف إليه أي: أفضل قولي: ويصح كونها موصولة والعائد محذوف. (أنا) توكيد للضمير المتصل (والنبيون) معطوف على الضمير المتصل (لا إله إلا الله) خبر المبتدأ.
(403) إذا قلت: كاتب. فهذا الوصف دل على شيئين: (ذات) فَعَلَتْ الكتابة. و(معنى) وهو الكتابة. فالمشتق يدل على (ذات) وشيء تعلق بهذه الذات، سواء فعلته أو وقع عليها من غيرها نحو: مضروب، أو اتصل بها بنوع من الاتصال.(1/309)
(404) إلا إذا قصد الحصر فإنه يبرز نحو: علي ما قائم إلا هو. وإعرابه: فاعل لاسم الفاعل (قائم).
(405) شرح الكافية (1/338).
(406) ذُرا: بضم الذال. جمع ذروة. وهي أعلى الشيء. المجد: الكرم. بكنه ذلك: كنه كل شيء: غايته ونهايته وحقيقته. عدنان وقحطان: يريد العرب جميعاًً. وقوله (قومي) مبتدأ أول والياء مضاف إليه (ذرا المجد) مبتدأ ثان ومضاف إليه (بانوها) خبر عن المبتدأ الثاني ومضاف إليه، والجملة خبر الأول.
(407) تقدم في باب الموصول وجه التسمية بشبه الجملة، وأزيد هنا بأن هذا التعليل مبني عندهم على أن الخبر هو المتعلق المحذوف.
(408) سورة الأنفال، آية: 42، وقد وقع ظرف الزمان خبراً في قوله تعالى: (الحج أشهر معلومات( وهو على حذف مضاف، والتقدير - والله أعلم -: وقت الحج أشهر معلومات لأن الأشهر ليست هي الحج، ولكنها وقت الحج.
(409) ذكرنا في باب الموصول أن من النحاة من يرى أن الصلة في شبه الجملة هي الجار مع مجروره أو الظرف، وهذا مثله، وهكذا في باب النعت والحال، دون أن نشير إلى أن كلا منهما متعلق بمحذوف. وإن كان معتبراً ومنظوراً إليه من ناحية المعنى. ولعلك تراجع شرح المفصل (1/90، 91) حاشية الصبان (1/200).
(410) سورة الأنفال، آية: 42.
(411) سورة يونس، آية: 10.
(412) إذا كان مجروراً بفي فلا يسمى ظرفاً اصطلاحاً؛ لأن هذه التسمية مقصورة عليه حين يكون منصوباً على الظرفية، فإن خرج عنها لم يسم ظرفاً، كما سيأتي إن شاء الله في باب "المفعول فيه".
(413) انظر: فتح الباري (2/356) وشرح النووي على مسلم (5/392).
(414) سورة البقرة، آية: 7.
(415) سورة ق، آية: 35.
(416) سورة البقرة، آية: 116.
(417) سورة النمل، آية: 63.
(418) سورة البقرة، آية: 221.
(419) سورة آل عمران، آية: 154.(1/310)
(420) وقيل: إن المسوغ للابتداء بالنكرة وصفها بجملة: (قد أهمتهم أنفسهم) وتكون جملة (يظنون) الخبر، وقيل: إنَّ المسوغ وقوع النكرة بعد واو الحال.
(421) قال ابن هشام في المغني (ص608): (لم يعوِّل المتقدمون في ضابط ذلك إلا على حصول الفائدة، ورأى المتأخرون أنه ليس كل أحد يهتدي إلى مواطن الفائدة. فتتبعوها فمن مقل مخل. ومن مكثر مورد مالا يصلح. أو معدد لأمور متداخلة. والذي يظهر لي أنها منحصرة في عشرة أمور . . .) ثم ذكرها بشيء من التفصيل، وخلاصتها الأربعة المذكورة والخامس: العطف بشرط كون المعطوف أو المعطوف عليه مما يسوغ الابتداء به كقوله تعالى: (طاعة وقول معروف( والخبر محذوف على أحد الأعاريب أي:أمثل من غيرهما، والسادس: أن تكون مراداً بها الحقيقة نحو: رجل خير من امرأة. والسابع أن تكون في معنى الفعل نحو: عجب لزيد. وكقوله تعالى: (ويل للمطففين( فالأول للتعجب والثاني للدعاء، والثامن: أن يكون ثبوت ذلك الخبر للنكرة من الخوارق نحو: شجرة سجدت، والتاسع: بعد إذا الفجائية نحو: خرجت فإذا رجل بالباب، والعاشر: أن تقع في أول جملة الحال كقول الشاعر:
……سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا……محياك أخفى ضوؤه كل شارق
(422) سورة البقرة، آية: 115.
(423) سورة البقرة، آية: 7.
(424) سورة الروم، آية: 11.
(425) الحصر والقصر بمعنى واحد. ويكثر الأول عند النحاة، والثاني عند البلاغيين. والقصر: تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص. فمثلاً: إنما الحياة تعب. يفيد تخصيص الحياة بالتعب، بمعنى إن الحياة وقف على التعب لا تفارقه إلى الراحة. ومنشأ هذا التخصيص من وجود (إنما) وتسمى (طريق القصر) والحياة: مبتدأ، وتعب: خبر. وهذا المبتدأ محصور في هذا الخبر.
(426) سورة هود، آية: 12.
(427) سورة آل عمران، آية: 144.
(428) سورة المائدة، آية: 50.
(429) سورة الطلاق، آية: 3.(1/311)
(430) يأتي تعريفها إن شاء الله في باب (إن وأخواتها) وقد وقع تقديم المبتدأ مع لام الابتداء في القرآن في ستة وعشرين موضعاً على ما ذكره الدكتور محمد عضيمة في دراساته (3/1/278).
(431) سورة غافر، آية: 57.
(432) سورة هود، آية: 12.
(433) سورة ق، آية: 35.
(434) سورة الرعد، آية: 38.
(435) سورة الأنعام، آية: 2.
(436) سورة محمد، آية: 24.
(437) سورة النحل، آية: 27.
(438) في هذا المثال قصر صفة القيادة على خالد وأنها لا يتصف بها غيره. فالمحكوم عليه في المثال هو (خالد) وهو المبتدأ المتأخر. والمحكوم به وهو صفة القيادة هي الخبر المتقدم. ولما كان المبتدأ مقصوراً عليه وجب تأخيره.
(439) سورة التغابن، آية: 12.
(440) سورة المائدة، آية: 99.
(441) سورة الرعد، آية: 35.
(442) سورة الهمزة، الآيتان: 5، 6.ما: مبتدأ. وأدرى: فعل ماض والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره: هو، والكاف مفعول أول و(ما) مبتدأ. و(الحطمة) خبر، والجملة في محل نصب المفعول الثاني لأدري. وجملة (أدري) خبر المبتدأ.
(443) سورة الأنعام، آية: 104.
(444) سورة الفرقان، آية: 5.
(445) سورة البقرة، آية: 251، لولا: حرف امتناع لوجود. وهو حرف شرط غير جازم، (دفع الله) مبتدأ ومضاف إليه (الناس) مفعول به للمصدر (بعضهم) بدل من الناس، والهاء مضاف إليه، والميم علامة الجمع. (ببعض) جار ومجرور متعلق بـ (دفع) (لفسدت الأرض) الجملة جواب الشرط لا محل لها من الإعراب، وخبر المبتدأ محذوف.(1/312)
(446) الكون المقيد هو الوجود المقيد بشيء آخر يزيد على مطلق الوجود. فإذا قلت: خالد في الدار. فإن التقدير عند الجمهور: خالد مستقر أو كائن في الدار. فهذا كون عام أي: وجود عام خالٍ من شيء آخر معه، فإذا قلت: خالد نائم في الدار. فهذا كون خاص، ولهذا لا يجوز - عندهم - حذفه إذ لو حذف لاتجه الذهن عند التقدير إلى الكون العام، لعدم الدليل على المحذوف. وقولك: لولا إقامة الحدود لانتشرت الجرائم. تقديره: موجودة. وفي قولك: لولا خالد جاء إليَّ ما حضرت.الخبر (جاء إليّ) وهو كون خاص فلا يحذف لما ذكرنا. وقد ذكرت الكون العام والخاص في باب الموصول.
(447) انظر: عمدة القارئ (2/174).
(448) سورة: الحجر، آية: 72.
(449) ولأن الجملة الاسمية المقرونة بالواو وقعت موقع الخبر في مثل قوله (: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) رواه مسلم. فـ(أقرب) مبتدأ. والجملة الاسمية الحالية (وهو ساجد) سدت مسد الخبر. فهذا يدل على أن انتصاب (مهذباً) على الحال، لا على أنه خبر لـ(كان) محذوفة. إذ لا يقترن الخبر بالواو. انظر: "المغني" لابن هشام ص537.
(450) سورة المؤمنون، الآيتان: 91، 92.
(451) أبو بكر هو عاصم بن أبي بهدلة، وهو مع حمزة والكسائي يقال لهم: الكوفيون.
(452) هذا على أحد الأعاريب. وفي المخصوص أعاريب أخرى، تأتي إن شاء الله، في باب (نعم وبئس).
(453) سورة يوسف، آية: 18.
(454) سورة البروج، الآيتان: 14، 15.
(455) سورة غافر، آية: 62.
(456) من يمنع تعدد الخبر في هذه الصورة يجعل الأول خبراً وما بعده وصفاً، أو خبراً لمبتدأ محذوف. وهذا مذهب ضعيف، والصحيح أخذ الكلام على ظاهره دون اللجوء إلى تقدير.
(457) مقلتيه: عينيه. المنايا: جمع منية وهي الموت. وقوله: (يقظان هاجع) خبر بعد خبر.(1/313)
(458) لأن القياس في جمع (فعيل) المعتل اللام أن يكون على وزن (أفعلاء)، كتقي وأتقياء وذكي وأذكياء. وأما (فعيل) الصحيح اللام فجمعه على وزن (فعلاء) كشريف وشرفاء وكريم وكرماء.
(459) أي مما يذكر في القسمين الآخرين، وإلا فإن لها شروطاً عامة تشاركها فيها بقية الأفعال. وهي شروط تفهم مما سيأتي تفصيله في الباب مثل:
1- أن يتأخر اسمها عنها.
2- (ليس) لا يجوز تقدم خبرها عليها على القول المختار.
3- ومن شروطها: ألا يكون خبرها جملة إنشائية . . راجع (النحو الوافي) (1/546).
(460) سورة الفرقان، آية: 54.
(461) زال التي مضارعها يزال ليس لها مصدر مستعمل. أما زال التي مضارعها (يزيل) فمصدرها (الزيل) وهي فعل تام ليست من الأفعال الناسخة. ومعناها: مَيّزَ وفَصلَ نحو: زل كتبك عن كتبي. وكذا (زال) التي مضارعها (يزول) فإنها فعل لازم وليست من الأفعال الناسخة. ومعناها: هلك وفني وانتقل، قال تعالى: (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا( ومصدرها الزوال، وسأذكر ذلك إن شاء الله.
(462) سورة هود، آية: 118.
(463) سورة طه، آية: 91.
(464) سورة يوسف، آية: 85.
(465) صاح: منادى مرخم (والترخيم حذف آخر المنادى) والأصل: يا صاحبي. وهو ترخيم غير قياسي لأنه نكرة، والقياس ألا يرخم مما ليس آخره تاء إلا العلم. (شمر) فعل أمر أي: استعد للموت بالعمل الصالح والتوبة النصوح. والخروج من حقوق العباد.
(466) سورة مريم، آية: 31.
(467) سورة الفرقان، آية: 54.
(468) سورة النحل، آية: 58.
(469) هناك أفعال تستعمل ناسخة مثل (صار) في معناها. منها (رجع) في قوله (: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) متفق عليه. ومنها (ارتد) في قوله تعالى: (فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيراً( ومنها (غدا) كما في قول الشاعر:
……إذا غداً ملكٌ باللهو مشتغلاً……فاحكم على ملكه بالويل والخرَبِ
أي: الخراب والنهب. . .(1/314)
ومنها (استحال) كقوله ( (فاستحالت غرباً) أي: صارت، والحديث متفق عليه. وهو في فضائل عمر رضي الله عنه، والغرب: بسكون الراء: الدلو العظيمة التي تتخذ من جلد الثور. .
(470) سورة هود، آية: 118.
(471) سورة طه، آية: 91.
(472) سورة يوسف، آية: 85.
(473) سورة البقرة، آية: 143.
(474) سورة النساء، آية: 135.
(475) كائناً: حال. وفيه ضمير مستتر هو اسمه. وخبره (أخاك) ومنجداً . . مفعول ثان.
(476) وكونك: مبتدأ والكاف اسم الكون في محل رفع (انظر بحث إعراب الضمير) و(إياه) خبر الكون. ويسير: خبر المبتدأ.
(477) من الأساليب الأدبية الشائعة: (كائناً ما كان) و(كائناً من كان) في مثل: سأردع الظالم كائناً ما كان. وأصدع بالحق كائناً ما كان. وإعرابه: (كائناً) اسم فاعل من (كان) الناقصة حال منصوبة. واسمه ضمير مستتر جوازاً تقديره (هو) يعود على الشيء السابق وهو صاحب الحال و(ما) أو (من) نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب خبر (كائن) و(كان) فعل ماض تام وفاعله ضمير مستتر يعود على (ما) أو (من) والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب صفة (ما) أو (من) والتقدير: سأردع الظالم كائناً إنساناً كان، وسأصدع بالحق كائناً شيئاً كان أي: كائناً أي شيء وجد أو أي إنسان وجد.
(478) سورة الأنفال، آية: 35، المكاء: بضم الميم هو التصفير، والتصدية: التصفيق.
(479) سورة الجاثية، آية: 25.
(480) سورة الروم، آية: 47.
(481) سورة البقرة، آية: 177.
(482) لأن (ما) مصدرية كما تقدم.وهي من الموصولات الحرفية. والموصول الحرفي - كالاسمي - يحتاج إلى صلة - كما ذكرنا في أول باب الموصول - فجملة (دام علي مسافراً) هي صلة الحرف المصدري. فإذا تقدم الخبر على (ما) فقد تقدم بعض أجزاء الصلة على الموصول.
(483) سورة هود، آية: 8.(1/315)
(484) فقد أجاز النحاة تقديم معمول خبر (إن) على اسمها دون تقديم الخبر نحو: إنَّ في الدار خالداً جالس. وقدموا معمول الفعل المنفي بلم أو لن دونه نحو: زيداً لم أضرب.
(485) لكن حكى في التسهيل (1/261) الخلاف عن الفراء. وأشار إلى ذلك ابن هشام في أوضح المسالك.
(486) سورة سبأ، آية: 40.
(487) سورة الأعراف، آية: 177.
(488) لكن قد يقال: لِمَ يستدلون على جواز تقديم الخبر - هنا - على الناسخ بما وردمن تقدم المعمول، ويمنعون هذا الاستدلال في تقدم خبر (ليس). مع أن السماع مفقود في كلا الموضعين؟؟ .
(489) سورة آل عمران، آية: 137.
(490) سورة فاطر، آية: 41، (أن تزولا) في تأويل مصدر مجرور بحرف محذوف أي: من الزوال إن قلنا: يمسك بمعنى: يمنع، أو عن الزوال. أو مفعول لأجله أي: لئلا تزولا. وقوله: (إن أمسكهما) أي: ما يمسكهما فإنْ بمعنى (ما)، وقوله: (من أحد) من: زائدة إعراباً لا معنى و(أحد) فاعل مجرور لفظاً مرفوع محلاّ.
(491) سورة البقرة، آية: 193.
(492) سورة الشورى، آية: 53.
(493) سورة هود، آية: 107.
(494) سورة الروم، آية: 17.
(495) سورة الكهف، آية: 60.
(496) فإذا قلت: كان سيارة القادم راكباً. فقد ولي العامل (كان) قولك: (سيارة) وهو معمول لعامل آخر وهو (راكباً) لأنه مفعول به منصوب لـ (راكباً) فلا يصح أن نقدمه ونضعه بعد عامل آخر.
(497) قنافذ: جمع قنفذ، وهو حيوان شائك معروف. لا ينام الليل بل يجول بحثاً عما يقتات به، هداجون: جمع هداج. صيغة مبالغة من الهَدَج أو الهَدَجان. مشية الشيخ الضعيف أو مشية فيها ارتعاش. و(عطية) أبو جرير. والشاعر يصفهم بأنهم كالقنافذ يمشون ليلاً حول البيوت للدعارة والسرقة مشية الشيخ الهرم لئلا يشعر بهم أحد، وقد ورثوا هذه الصفة عن عطية أبي جرير، و(قنافذ) خبر لمبتدأ محذوف أي: هم قنافذ. والأصل: هم كالقنافذ.(1/316)
(498) النوى: جمع مفرده نواة. والنواة: عجمة التمر والزبيب وغيرهما. والمراد هنا الأول. معرسهم: المعرس: موضع النزول آخر الليل. وأراد به الموضع الذي أنزلهم فيه. فلما أصبحوا ورأى من النوى شيئاً كثيراً في معرسهم أنشد القصيدة ومنها هذا البيت. مبيناً كثرة ما قدم لهم من التمر. وكثرة ما أكلوا مع أنهم لم يكونوا يرمون كل نواة يأكلون تمرتها. بل يلقون بعضاً ويأكلون بعضاً.
(499) تقدم الكلام على ضمير الشأن في أول النكرة والمعرفة في مباحث الضمير.
(500) لكنها تدل على الزمان الماضي إذا زيدت بلفظ الماضي، ولا سيما إذا كانت زيادتها بين (ما) التعجبية وفعل التعجب.
(501) شمأل: ريح تهب من جهة الشمال. بليل: رطبة ندية. و(نبيل) صفة أو خبر ثان.
(502) وقد ورد عن العرب زيادة بعض أخوات (كان) كأصبح وأمسى. فقالوا في الدنيا: ما أصبح أبردها وما أمسى أدفاها. وحكم على هذا بالشذوذ فلا يقاس عليه.
(503) هذا كلام عربي يجري مجرى المثل. والظاهر أنه في نعت إبل، والشول: هي التي ارتفعت ألبانها وجفت ضروعها. أو أنه مصدر شالت الناقة بذنبها: رفعته للضراب. وحذف نون (لدن) لكثرة الاستعمال. والإتلاء: أن تصير الناقة مُتلية. أي: يتلوها ولدها بعد الوضع.
(504) لأن (كان) أصلها (كون) على وزن (فعل) فالنون هي لام الكلمة والمضارع (يكون) على وزن (يفعل) وفيه إعلال بالتسكين.
(505) أصل هذا الفعل بعد الجزم: لم يكونْ. فهو مجزوم بالسكون على النون. فالتقى ساكنان: الواو والنون، فحذفت الواو للتخلص من التقائهما. فصار: لم يكن. ثم حذفت النون تخفيفاً.
(506) تقدم هذا الحديث عند الكلام على الضمير في باب النكرة والمعرفة.
(507) سورة النحل، آية: 120.
(508) سورة مريم، آية: 20.
(509) سورة النساء، آية: 40.
(510) الإهمال هو الموافق للقياس. لعدم اختصاصها بالأسماء. لكن إذا ورد الإعمال في أفصح الكلام فلا قيمة لهذا التعليل.
(511) سورة يوسف، آية: 31.(1/317)
(512) سورة المجادلة، آية: 2، هُنَّ: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع اسم (ما) أمهاتهم: خبر (ما) منصوب وعلامة نصبه الكسرة، لأنه جمع مؤنث سالم. والهاء: مضاف إليه. والميم علامة الجمع. وفي القرآن آية ثالثة وهي قوله تعالى: (فما منكم من أحد عنه حاجزين( فإن الظاهر أن (حاجزين( خبر (ما) لأنه محط الفائدة. واسمها (من أحد) ويجب أن تعلم أنه لا يظهر كون (ما) حجازية إلا إذا كان خبرها مفرداً، كما في هذه الآيات. فإن جاء جملة فعلية أو جاراً ومجروراً أو زيدت فيه الباء (كما سيأتي) فتستوي فيه اللغتان، والآيات في هذا كثيرة.
(513) سورة آل عمران، آية: 144.
(514) الكافية مع شرحها (1/430).
(515) سورة الزمر، آية: 36، الباء حرف جر زائد إعراباً لا معنى. و(كافٍ) خبر (ليس) مجرور لفظاً منصوب محلاًّ. وفيه ضمير مستتر هو فاعله. و(عبده) مفعول به لاسم الفاعل. والهاء مضاف إليه.
(516) سورة الزمر، آية: 37.
(517) سورة فصلت، آية: 46.
(518) سورة هود، آية: 123.
(519) في كتابه (1/63).
(520) معن هذا كان رجلاً يداين الناس ويضرب به المثل في شدة التقاضي. فقوله: (منسئ) أي: يؤخر المدين بدينه. متيسر: يتساهل مع مدينه.
(521) فتيلاً: هو الخيط الرقيق في شق النواة. وقوله (ذو) اسم (لا) العاملة عمل ليس. و(فتيلاً) مفعول لاسم الفاعل.
(522) أجشع: الجشع - بالتحريك - أشد الطمع. أعجل: صفة مشبهة بمعنى (عَجِل) وليس أفعل تفضيل، لأن القصد نفي العجلة. ولو كان أفعل تفضيل لكان يثبت لنفسه العجلة ولكن غيره أعجل.
(523) لكن إذا أهمل جاز دخوله على الجمل الاسمية كقوله تعالى: (إن الكافرون إلا في غرور( وعلى الجملة الفعلية كقوله تعالى: (إن يقولون إلا كذباً(.
(524) سورة الملك، آية: 20.
(525) خلافاً للرأي القائل إن الأصل (لا) ثم زيدت عليها التاء لتأنيث اللفظ، لأن العرب الأوائل نطقوا بها كما نطقوا بـ(لا) فهو حرف مستقل بذاته. استعماله غير استعمال (لا).(1/318)
(526) ولا يقال إنه ضمير مستتر لأن الحروف لا يضمر فيها.
(527) سورة ص، آية: 3، الواو واو الحال. والجملة في محل نصب حال من فاعل (فنادوا) والمناص: الفرار والفوت يقال: ناص عن قَرنه أي: فرَّ وراغ..
(528) البغي: مبتدأ أول، و(مرتع مبتغيه) مبتدأ ثان ومضاف إليه و(وخيم) خبره، والجملة خبر الأول.
(529) تأتي عسى للترجي . . وهو طلب الشيء المحبوب. وتأتي للإشفاق وهو توقع الأمر المخوف . . ومنه قوله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم( قاله في البحر المحيط. واستعمالها للترجي أكثر من استعمالها للإشفاق في القرآن وفي كلام العرب.
(530) أي: النداء على الصفا لما نزل قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين( صعد النبي ( الصفا ونادى: يا بني فهر . . إلخ فقال ابن عباس ذلك. انظر فتح الباري (8/501) و(شواهد التوضيح والتصحيح) لابن مالك ص78 فالخبر جملة (أرسل) و(إذا) منصوبة بجوابها، فهي مؤخرة في التقدير عن العامل، وهو الفعل (أرسل) نقله الصبان عن ابن هشام. وسياق الكلام يقتضي أن يكون الخبر جملة (إذا . . ).
(531) العذل: الملامة. ملحًّا: حال. من الإلحاح أي: الإكثار، دائماً: صفة له. صائماً: خبر عسى منصوب. وقال ابن هشام: إن (عسى) هنا فعل تام فاعله تاء المتكلم و(صائماً) خبر لكان المحذوفة مع اسمها والتقدير: إني رجوت أن أكون صائماً على حد قوله ( (فليقل إني صائم).
(532) فأبت: رجعت، فهم: قبيلة. تصفر: تتأسف على إفلاتي منها وقوله (وكم مثلها) كم: خبرية: بمعنى كثير مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، ومثلها: تمييز مجرور ومضاف إليه: (فارقتها) الجملة خبر المبتدأ (كم).(1/319)
(533) إذ قلت: عسى الغني أن يبذل. فـ(أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر لـ(عسى) والتقدير : عسى الغني بذله . فيقع اسم المعنى خبراً عن اسم الذات . وهو ممنوع غالباً، وللنحاة كلام طويل في تخريج ذلك. خلاصته إما اعتبار (أن) حرف نصب غير مصدري تخلصاً من التقدير المذكور. أو اعتبارها مصدرية. والمصدر المؤول هو خبر الناسخ، إما على سبيل المبالغة، أو على تقدير مضاف قبله. والتقدير: عسى الغني صاحب بذل. ويرى بعض الباحثين أن تكون مصدرية ناصبة ويغتفر في هذا الباب الإخبار بالمعنى عن اسم الذات.
(534) سورة المائدة، آية: 52.
(535) سورة الكهف، آية: 40.
(536) سورة البقرة، آية: 20.
(537) سورة البقرة، آية: 71.
(538) تفيض: تخرج من الجسد، غدا: صار، ريطة: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة. برود: جمع برد، نوع من الثياب. وأراد بهما الكفن.
(539) المنية: الموت، غراته: جمع غرة - بكسر الغين - وهي الغفلة. يوافقها: يصيبها ويقع عليها.
(540) الجوى: شدة ألم الفراق. الوشاة جمع واشٍ وهو النمام الساعي للإفساد. غضوب: صفة من الغضب يستوي فيها المذكر والمؤنث، كصبور.
(541) ذوو الأحلام: أصحاب العقول، ويروى (ذوو الأرحام) وهم الأقارب. سجلاً: السجل: الدلو، ما دام فيه ماء، وجمعه سجال، فإن لم يكن فيه ماء فهو دلو لا غير. والغَرْب والذَّنوب مثل السجل. والبيت لأبي زيد الأسلمي في هجاء إبراهيم بن المغيرة والي المدينة من قبل هشام بن عبد الملك، حيث مدحه ولم يعطه شيئاً، والضمير من قوله (سقاها) يعود إلى العروق المذكورة في أول القصيدة:
………مدحت عروقاً للندى مصّت الثرى……حديثاً، فلم تَهْمُم بأن تترعرعا
والمعنى: أن الذين مدحتهم فلم أحظ منهم بشيء كانوا في شدة وبؤس تكاد أعناقهم تتقطع من الحاجة، فأنقذهم أصحاب العقول، فسقوهم سجال الكرم، وأجزلوا لهم العطاء. يريد أنهم حديثو عهد بنعمة . . لكنهم لا يجودون مع وجود الخير.
(542) سورة الأعراف، آية: 22.(1/320)
(543) سورة النور، آية: 35.
(544) سورة النور، آية: 40.
(545) الأسى: الحزن وشدة الألم. والرجام: اسم موضع. رهن: مرهون. و(أسىً) مفعول لأجله (يقيناً) مفعول مطلق لفعل محذوف أي: أوقن يقيناً.
(546) انظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (1/457) وتخليص الشواهد ص341.
(547) إنما نهي عن الأخذ لما ينشأ عن ذلك من الفتنة والقتال، كما تفيده رواية مسلم (فتح الباري 13/81).
(548) خلاف الأنيس: أي بعد المؤانس. وحوشاً: قفراً خالياً. يباباً: ليس فيها أحد، وقيل: خراباً.
(549) سورة المائدة، آية: 52.
(550) سورة البقرة، آية: 216.
(551) هذا على رأي من يجيز توسط خبرها. والأول على رأي من يمنع تقدم الخبر على الاسم أي توسطه.
(552) سورة الإسراء، آية: 79، (مقاماً) منصوب على الظرفية وقيل: مفعول مطلق ناب عن المصدر مثل: قعدت جلوساً. وقيل حال، وعلى هذه الأوجه تكون (عسى) تامة. و(ربك) فاعل يبعث، إذ لو كانت ناقصة لحصل الفصل باسمها المؤخر (ربك) بين الصلة (يبعثك) ومعمولها (مقاماً) لأنه على هذه الأوجه معمول له. والفاصل أجنبي، وأما على التمام فليس الفاصل أجنبياًّ. وقيل: (مقاماً) مصدر منصوب بفعل محذوف أي فتقوم مقاماً. وعلى هذا يجوز اعتبار (عسى) تامة أو ناقصة لأن (مقاماً) معمول لغير الصلة.
(553) سورة القصص، آية: 67.
(554) سورة الحجرات، آية: 11.
(555) سورة البقرة، آية: 246، معنى الآية: هل من احتمال في أنكم سوف لا تقاتلون عدوكم إذا ما فرض عليكم قتاله؟ والمقصود أنه أدخل (هل) على فعل التوقع مستفهماً عما هو متوقع عنده. وخبر (عسى) قوله: (ألا تقاتلوا).
(556) أما إذا اتصل بها ضمير نصب نحو (عساني أزوركم) و(عساكم طيبون) فهي حرف للرجاء بمعنى (لعل) وتعمل عملها، فالضمير في محل نصب اسمها، وما بعده خبر مرفوع أو في محل رفع، وهذا قول سيبويه.
(557) سورة البقرة، آية: 173.
(558) سورة النبأ، آية: 40.
(559) سورة القصص، آية: 79.(1/321)
(560) سورة البقرة، آية: 189.
(561) سورة الشورى، آية: 17.
(562) وقعت (لكن) في القرآن الكريم في مثل قوله تعالى: (لكنا هو الله ربي( وتقدير الكلام: لكن (بسكون النون) أنا هو الله ربي. فحذفت الهمزة تخفيفاً. وأدغمت النون في النون فصارت (لكنّا) بنون مشددة بعدها ألف. فـ(أنا) مبتدأ أول و(هو) مبتدأ ثان (الله) مبتدأ ثالث (ربي) خبره. والجملة خبر الثاني. والجملة خبر الأول. والرابط هو الياء العائدة على المبتدأ الأول، وقد أجمع القراء على إثبات الألف في حال الوقف. وأما في الوصل فقرأ ابن عامر بالألف. وحذفها الباقون.
(563) سورة المدثر، آية: 50.
(564) سورة المزمل، آية: 12، إنّ: حرف مشبه بالفعل يفيد التوكيد ينصب الاسم ويرفع الخبر، لدينا: لدى ظرف مكان منصوب بالفتحة المقدرة على الألف المنقلبة (ياء) وهو مضاف و(نا) مضاف إليه، وشبه الجملة خبر مقدم (أنكالاً) اسم إن مؤخر (وجحيماً) معطوف عليه.
(565) سورة لقمان، آية: 7.
(566) سورة الانفطار، آية: 13.
(567) لا تلحني: أي لا تلمني. جم: كثير، بلابله: جمع بلبال وهو الحزن واشتغال البال. و(جم) خبر ثان لإن (بلابله) فاعل لجم، والهاء مضاف إليه.
(568) سورة العنكبوت، آية: 51، أو لم: اعلم أن همزة الاستفهام تدخل على ثلاثة من حروف العطف وهي: (الواو - ثم - الفاء) والأحسن أن تكون هذه الحروف بعد الهمزة للاستئناف. وما بعدها جملة مستأنفة. وهذا أبعد من التكلف والقول بالتقدير أو التقديم والتأخير. ولنا عودة إن شاء الله لهذه المسألة في باب عطف النسق.والمقصود هنا إعراب الآية الكريمة.
(569) سورة الجن، آية: 1.
(570) سورة فصلت، آية: 39.
(571) سورة الأنعام، آية: 81، كيف: حال. و(ما) اسم موصول بمعنى (الذي) أو مصدرية.
(572) سورة الحج، آية: 6.
(573) سورة الانفطار، آية: 13.(1/322)
(574) (ألا) حرف للتنبيه والاستفتاح لا يعمل شيئاً ولا محل له من الإعراب. ويدخل على الجملة الاسمية والفعلية. ويفيد التوكيد.
575 سورة البقرة ، آية : 12 .
(576) (كلا) بمعنى: حقاً أو بمعنى (ألا) ولهذا لا يوقف عليها، بل يبتدأ بها، وتوصل بما بعدها. وقد تأتي بمعنى (لا) وتفيد الرد والإنكار وردع المخاطب. وقد تكون لمجرد النفي ويمكن مراجعة رسالة مكي بن أبي طالب في هذا الموضوع و(أن رآه) مفعول لأجله، أي: يطغى لذلك.
(577) سورة العلق، آية: 6.
(578) سورة القصص، آية: 76.
(579) سورة العصر، الآيتان: 1 - 2.
(580) سورة الدخان، الآيات: 1 - 3، حم: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذه حم. مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها حركة الحكاية (الأداء).
(581) سورة التوبة، آية: 56.
(582) سأذكر توضيح ذلك في آخر باب (ظن) إن شاء الله.
(583) سورة مريم، آية: 30.
(584) سأذكر توضيح ذلك في آخر باب (ظن) إن شاء الله.
(585) سورة الأنفال، آية: 5.
(586) التعليق إبطال العمل لفظاً لا محلاً. ومن أسبابه وجود لام الابتداء. وسيأتي ذلك إن شاء الله في الباب المذكور. وصفة الإعراب أن تقول: والله: الواو بحسب ما قبلها. ولفظ الجلالة مبتدأ. يعلم: فعل مضارع ينصب مفعولين، وفاعله ضمير مستتر، إنك لرسوله: اللام لام الابتداء. والجملة من (إن) واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي (يعلم).
(587) سورة المنافقون، آية: 1.
(588) الفتح على اعتبار أن الفعل (علم) غير معلَّق. والكسر على اعتباره معلقاً وأداة التعليق هي (إنَّ) مكسورة الهمزة إذ لها الصدارة في جملتها وكل ماله الصدارة يعد من أدوات التعليق. كما سيتضح - إن شاء الله - في باب ظن.
(589) سورة البقرة، آية: 187، القراءة بفتح همزة (إن) فهي واسمها وخبرها في تأويل مصدر سد مسد مفعولي علم.(1/323)
(590) قرأ نافع وابن عامر وعاصم بالفتح، وقرأ الباقون بالكسر. فالفتح على أنه بدل من الرحمة، كأنه قال: كتب ربكم على نفسه أنه من عمل . . والكسر على أنها جملة تفسيرية للرحمة . . وأما قوله سبحانه (فأنه غفور رحيم( فهو موضع الشاهد، فانظر شرحه.
(591) سورة الأنعام، آية: 54.
(592) يسميها النحاة (اللام المزحلقة) بفتح اللام. إذا وقعت في خبر (إن) المكسورة - كما سيأتي - سميت بذلك لأنها زحلقت أي: أخرت من الصدارة الواجبة لها في أول الكلام إلى الخبر لئلا يجتمع مؤكدان: إن واللام. والسبب الواضح استعمال العرب.
(593) سورة الحشر، آية: 13.
(594) سورة النازعات، آية:26.
(595) معاني الحروف ص(53) وفي تحديد مؤلفه، انظر: مجلة "عالم الكتب" مجلد (23) ص (498 - 515) .
(596) سورة يونس، آية: 44.
(597) سورة آل عمران، آية: 33.
(598) سورة النمل، آية: 74.
(599) سورة الحج، آية: 60.
(600) سورة القلم، آية: 4.
(601) سورة الحجرات، آية: 23.
(602) والإعراب الثاني أن يكون (نحن) ضمير فصل. واللام دخلت عليه، والمخالف يشترط في دخول لام الابتداء على ضمير الفصل أن يقع بعده مفرد لا جملة..
(603) ضمير الفصل يؤدي في الكلام معنى الحصر والاختصاص والتوكيد، وفي إعرابه خلاف، والأظهر أنه لا محل له من الإعراب. فهو مثل (كاف) الخطاب في أسماء الإشارة حيث قالوا: إنها حرف خطاب لا محل له - مع أنها ضمير - وما بعد ضمير الفصل يعرب حسب حاجة ما قبله.
(604) سورة الشعراء، آية: 9.
(605) سورة سبأ، آية: 9.
(606) سورة النساء، آية: 171.
(607) سورة الأنفال، آية: 6.
(608) سورة المائدة، آية: 92.
(609) (ما) الكافة تكتب موصولة بآخر (إنّ)، و(ما) الموصولة تكتب مفصولة.
(610) سورة طه، آية: 69.
(611) سورة التوبة، آية: 3.(1/324)
(612) وقيل: إنه معطوف على موضع اسم (إن) قبل دخول (إن) لأنه في موضع رفع أو معطوف على الضمير المستتر في الخبر (بريء)، وما بينهما يجري مجرى التوكيد فلذلك ساغ العطف.
(613) تعليلهم أنه يلزم على الرفع توارد عاملين (وهما: إن والابتداء) على معمول واحد، وهو الخبر.
(614) ذكر ابن هشام وغيره أن الكسائي يجيز مطلقاً، والفراء بشرط خفاء إعراب الاسم بأن يكون مبنياًّ أو مقصوراً، وعلته الاحتراز من تنافر اللفظ. راجع "معاني القرآن" للفراء (1/310).
(615) سورة المائدة، آية: 69.
(616) وحسبنا في ذلك اتفاق القراء السبعة جميعاً على رفع (الصابئون) والقراء سنة متبعة، أما توجيه ذلك فقد ذكر أبو البقاء العكبري سبعة أعاريب ،في كتابه (التبيان 2/451، 452) ومنها: أنه معطوف على محل اسم (إن) قبل دخولها. وسهل ذلك عدم ظهور النصب في اسمها. أو أنه مبتدأ حذف خبره والجملة معترضة بين اسم (إن) وخبرها . . إلخ.
(617) رحله: الرحل يراد به هنا، مسكن الرجل وما فيه من أثاث. (وقيار) اسم حصان أو جمل للشاعر. والمعنى من يك منزله بالمدينة فليمسِ بها. أما أنا فلا، لأني وجملي أو فرسي غريب بها بعيد عن أهلي وعشيرتي.
(618) لا ريب أن النحاة يعترفون بثبوت الرفع في هذه الحالة في كتاب الله تعالى في قراءة سبعية متواترة، ويعترفون بوروده عن العرب شعراً ونثراً. مما يصح معه قطعاً أن يقال: بجواز الرفع. لكن نجد أن جمهورهم يرفضون هذه القاعدة. ويمنعون القياس عليها كما صرح بذلك الروداني والرضي - وغيرهما - فيما نقله عنهما الصبان في حاشيته على شرح الأشموني (1/286) ولقد تعرض سيبويه - رحمه الله - لتغليط العرب في ذلك فقال: واعلم أن ناساً من العرب يغلطون فيقولون: إنهم أجمعون ذاهبون. وإنك وزيد ذاهبان) (الكتاب 2/155) والغريب في الأمر أن البصريين حين يرفضون الرفع يستندون لتعليل، ويعرضون عن الدليل - وهو السماع.(1/325)
إن المنهج السليم في ذلك أن يمعن النحاة في القراءات الصحيحة السند. وأن يُخضعوا قواعدهم للقرآن الكريم. لتكون أشد إحكاماً. وأبعد عن الاعتراض. كما أن المنهج الحق أن تصحح القاعدة البصرية السالفة الذكر. احتجاجاً بالوارد لتطرد القاعدة ويكون الحكم في الحالتين واحداً. وهو جواز الرفع في العطف على اسم (إن) إضافة إلى الأصل وهو النصب. وإلى شرح التسهيل (2/48).
619 شرح التسهيل ( 2 \ 48 ) .
(620) تخفيفها يكون بحذف النون الثانية المفتوحة، وإبقاء الأولى ساكنة، وتحرك بالكسر لالتقاء الساكنين، كما سترى في بعض الأمثلة.
(621) أباة: جمع (آب) كقضاة وقاض، اسم فاعل من أبى يأبى، أي: امتنع. والضيم: الظلم. مالك: اسم أبي قبيلة الشاعر. كرام المعادن: كريمة الأصول شريفة المنبت.
(622) هذا الحديث في سؤال الميت في قبره، والضمير في قوله: (به) يعود على الرسول (. انظر فتح الباري (1/182).
(623) وعلى هذا فليس لها اسم ولا خبر، وقيل بجواز إعمالها، ويكون اسمها ضمير الشأن محذوفاً والجملة الفعلية خبرها.
(624) سورة البقرة، آية: 143، إن: مخففة من الثقيلة مهملة. لكبيرة: اللام فارقة. وكبيرة: خبر كان. واسمها ضمير مستتر يعود على ما تقدم أي وإن كانت التولية إلى الكعبة . . إلا على الذين: جار ومجرور متعلق بكبيرة، ودخلت (إلا) للمعنى، ولم يتغير الإعراب، لأنه استثناء مفرغ - كما سيأتي إن شاء الله في الاستثناء.
(625) سورة الشعراء، آية: 186، الكاف مفعول أول. ولمن الكاذبين: سد مسد المفعول الثاني، لأن العامل علق عنه باللام، كما سيأتي إن شاء الله.
(626) أي: أنك قنعت كاتبك سوطاً ، بمعنى :ضربته على رأسه بالسوط ، فصار كالقناع له فـ(إن) مخففه .وكاتبك: مفعول أول. ولسوطاً: اللام فارقة. وسوطاً: مفعول ثان.(1/326)
(627) البيت لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية. ترثي زوجها الزبير بن العوام رضي الله عنه، وتدعو على عمرو بن جرموز قاتله. شلت: أصابها الشلل. وهو فساد اليد، لأنك قتلت مسلماً بغير حق. حلت: نزلت ووجبت. لمسلماً: اللام فارقة. ومسلماً: مفعول قتلت. وقد ولي الفعل (قتلت) إن المخففة وهو غير ناسخ.
(628) لنفسك: اللام فارقة. ونفسك: فاعل يزين ومضاف إليه. لهيه. اللام فارقة وهي: فاعل يشين. والهاء: للسكت. والمعنى: إن نفسك هي التي تزينك وتجملك. وهي التي تشينك وتعيبك. وقد ولي (إن المخففة) فعل غير ناسخ.
(629) إذا خففت (أنَّ) التبست بـ(أن) المصدرية الناصبة للمضارع. لكن علامة المخففة أن تقع بعد ما يدل على اليقين مثل: علم. أيقن. اعتقادي . . أو تدخل على فعل جامد مثل: عسى، ليس. أو يليها حرف التنفيس وهو السين أو سوف، ولهذا تفصيل يأتي في مكانه إن شاء الله.
(630) سورة يونس، آية: 10.
(631) البيت لجنوب بنت العجلان ترثي أخاها عمراً الملقب بذي الكلب. (وقد تقدم ذكره في العلم) وقولها: بأنك: متعلق ببيت سابق:
…لقد علم الضيف والمرملون……إذا اغبرَّ أفْق وهبَّت شمالا
والمرملون: الذين فقدوا زادهم، ومعنى (بأنك ربيع) أي: كثير نفعه، واصل عطاؤه، وغيث: مطر، والمراد هنا: الزرع بدليل وصفه بمريع. ومعناه: خصب. الثمالا: بوزن الكتاب، أي: الذخر والملجأ.
(632) سورة المائدة، آية: 113.
(633) ذكرنا فيما مضى أنَّ (أنْ) المخففة تقع بعد (عِلْم) والعلم إذا كان على بابه ينصب مفعولين - كما في الباب الذي يلي هذا - وقاعدة الإعراب في هذه الآيات التي ذكرنا - وما يماثلها - أن الجملة بعد (أن) هي الخبر و(أن) واسمها وخبرها في محل نصب سد مسد مفعولي علم أو رأى أو حسب ونحوها.
(634) سورة المزمل، آية: 20.(1/327)
(635) السين وسوف لا يدخلان إلا على المضارع المثبت. وسمي الحرف بذلك لأنه ينقل المضارع من الزمن الضيق، وهو الحال، إلى الزمن الواسع، وهو الاستقبال. قال تعالى: (كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون( وقال تعالى: (كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون( ولكن بينهما فرق، فالسين للقريب وسوف للبعيد، فهي أكثر تنفيساً وهو المراد بقولهم: حرف تسويف ومعناه: التأخير وتختص (سوف) بقبول اللام كقوله تعالى: (ولسوف يرضى( . . كما أن (السين) تختص بمعنى لا تؤديه (سوف) وهو تأكيد الفعل وتكراره وقطعه عن المستقبل البعيد كقول الشاعر:
سأشكر عمراً ما تراخت منيتي……أيادي لم تمنن وإن هي جلّت
(636) سورة طه، آية: 89.
(637) سورة البلد، آية: 5.
(638) سورة البلد، آية: 7.
(639) سورة الجن، آية: 16.
(640) سورة يونس، آية: 10.
(641) سورة هود، آية: 14، وأن لا إله إلا هو: أن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، ولا: نافية للجنس. إله: اسمها مبني على الفتح في محل نصب. والخبر محذوف تقديره: حق. إلا هو: بدل من الضمير المستتر في الخبر. وأما تقدير الخبر بكلمة (موجود) فليس بصحيح لأن الآلهة المعبودة من دون الله كثيرة وموجودة. ولا يحصل بهذا التقدير المقصود من إثبات أحقية ألوهية الله وبطلان ما سواها. أما تقديره بـ(حق) أو (معبود بحق) فيدل على بطلان جميع ما يعبد من دون الله. وبيان أن الإله الحق هو الله وحده لا شريك له.
(642) سورة النجم، آية: 39.
(643) سورة النور، آية: 9.
(644) سورة يونس، آية: 24، الهاء مفعول أول. وحصيداً: مفعول ثان. كأن: مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، لم: حرف نفي وجزم وقلب. تغن: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة. والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره (هي) والجملة في محل رفع خبر (كأن). بالأمس: متعلق بـ(تغن).
(645) سورة لقمان، آية: 7.(1/328)
(646) البيت في كتاب سيبويه (3/165): كأن وريداه (بالرفع) ففيه تخفيف (كأن) مع حذف اسمها، وهذا على الكثير الغالب وجملة (وريداه رشاءا خلب) خبرها، وأما على رواية (وريديه) فهو اسم (كأن) وقد ورد في الكتاب نفسه (3/164) والغضنفر: الأسد، والوريدان: عرقان يكتنفان جانبي العنق. والرشا: الحبل وهو بلفظ التثنية، لأن المشبه شيئان، ويروى بالإفراد، وهو جائز فقد يخبر بالمفرد عن المثنى. وخلب: بالضم: الليف، ويجوز تسكين اللام للتخفيف.
(647) هذا الفرق بين نوعي (لا) خاص بما إذا كان الاسم مفرداً كما مثلنا، فإن كان مثنى أو جمعاً فالاحتمال موجود فيهما معاً نحو: لا عاقلين متشاتمان، لا مجدين مذمومون. ونحو: لا عاقلان متشاتمين. لا مجدون مذمومين. ففي هذا احتمال نفي الحكم عن الجنس كله. أو نفي قيد التثنية فقط أو قيد الجمع فقط.
(648) أي لفظاً أو محلاًّ بأن يكون مبنيّاً على الفتح - مثلاً - في محل نصب كما سيأتي.
(649) سورة الصافات، آية: 47، الضمير يعود على قوله تعالى: (يطاف عليهم بكأس من معين( أي ليس في الخمرة ما يغتال عقولهم وأجسامهم فيهلكهم..
(650) يصح في هذا المثال وشبهه أن تبقى (لا) على حرفيتها، ويكون حرف الجر قد تخطاها فعمل الجر فيما بعدها. وليست زائدة بالرغم من أن العامل تخطاها. لأن القول بزيادتها يفسر المعنى، ويصح أن تكون اسماً بمعنى (غير) فيكون الإعراب عليها. فهي اسم بمعنى غير مجرور بكسرة مقدرة على الألف (ولا) مضاف و(كتاب) مضاف إليه.
(651) من الفروق بين المضاف والشبيه بالمضاف. أن الشبيه منون. والمضاف غر منون للإضافة، ويشتركان في أنهما معربان.(1/329)
(652) أي يبنى على الفتح أو ما ينوب عن الفتحة. وقد يبنى على الضم العارض. إذا كان اسم (لا) هو كلمة (غير) ونظيراتها. كما هو مذكور في باب الإضافة نحو: قبضت عشرة لا غير. فـ(غير) اسم (لا) مبني على الضم في محل نصب، والخبر محذوف أي: ليس غيرها مقبوضاً، وشرط ذلك أن يحذف المضاف إليه وينوى معناه. وتوضيح ذلك في الباب المذكور إن شاء الله.
(653) سورة الصافات، آية: 47.
(654) خبر (لا) محذوف تقديره: لا حول لنا أو لا حول موجود. والجار والمجرور متعلق بالخبر. والحديث رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. من حديث قيس بن سعد بن عبادة.
(655) اعلم أن خبر (لا) المكررة قد يكون محذوفاً نحو: لا طالب موجود ولا مدرس أي: ولا مدرس موجود. وقد يكون مذكوراً. والعطف فيهما من باب عطف الجملة على الجملة.
فإن كان الخبر المذكور صالحاً لهما معاً نحو: لا كتاب ولا قلم مع الطالب فهو من عطف المفرد على المفرد إن جعلنا الخبر لهما معاً. فإن قدرنا خبر (لا) الثانية فهو من باب عطف الجملة على الجملة، كما تقدم.
(656) لعمركم: العَمْر - بفتح فسكون - الحياة. والصغار: بوزن السحاب هو الذل والحقارة وهو خبر المبتدأ (هذا) والمبتدأ (عَمْر) وخبره المحذوف جملة معترضة. بعينه: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال.
(657) سورة البقرة، آية: 254.
(658) الكشف عن القراءات السبع (1/306).
(659) ارعواء: انزجار وانكفاف.مصدر ارعوى. والمعنى: ألا يبتعد وينكف عن المعاصي من ذهب شبابه وأنذره المشيب بالكبر والضعف وذهاب القوة؟
(660) من الأساليب الصحيحة في التمني: ألا ماء ماء بارداً، فـ(ماء) الأول اسم (لا) والثاني نعت له. وهو نعت موطئ أي: مهد لما بعده. وهو جامد لكنه نُعت بمشتق بعده مثل: مررت برجلٍ رجلٍ صالح .قال الخضري :إنه مبني على الفتح لتركبه مع الأول ا هـ أي فهو مثل : لا رجلَ ظريفَ. وخبر (لا) محذوف أي: موجود.(1/330)
(661) فيرأب: أي: يصلح ويجبر. أثأت: أفسدت. والفعل (يرأب) منصوب بـ(أن) مضمرة وجوباً بعد فاء السببية في جواب التمني (مستطاع) خبر مقدم، أو خبر (لا) (رجوعه) مبتدأ مؤخر، أو نائب فاعل لمستطاع.
(662) سورة سبأ، آية: 51.
(663) جمع سري. بمعنى شريف. وهو جمع على غير قياس. وقد ذكرت ذلك في آخر المبتدأ والخبر، فارجع إليه.
(664) الحديث رواه البخاري في صحيحه في باب "الصدقة في الكسوف" وهو في مسلم بلفظ آخر و(أغير) معناه: لا أحد أغير من الله إذا انتهكت محارمه. وغيرة الله من جنس صفاته التي يختص بها، فهي ليست مماثلة لغيرة المخلوقين، بل هي صفة تليق بعظمته وجلاله.
(665) هذا التقييد احتراز من الفعل (تعلم) الذي معناه تحصيل العلم في المستقبل بتحصيل أسبابه نحو: تعلَّم النحو. وهذا متصرف له ماض (تعلَّمَ) ومضارع (يتعلم) ولا ينصب إلا مفعولاً واحداً. بخلاف (تعلم) بمعنى (اعلم) فإنه أمر بتحصيل العلم بما يذكر مع الفعل من المتعلقات في الحال نحو: تعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات الدين، وهو ينصب مفعولين، والغالب دخوله على أن ومعموليها، وهو غير متصرف، كما سيأتي إن شاء الله.
(666) سورة ص، آية: 44.
(667) تعلم: فعل أمر ناسخ ينصب مفعولين والفاعل أنت، و(أن) واسمها وخبرها في تأويل مصدر سد مسد مفعولي (تعلم) وهذه قاعدة في هذا الباب أن الفعل الناسخ إذا دخل على أنَّ ومعموليها أو على أنْ مع الفعل ومرفوعه فإن المصدر المؤول يسد مسد المفعولين، ويغني عنهما، ويستثنى من ذلك أفعال التحويل فلا تدخل على أنَّ ولا على (أنْ).
(668) معناه: اعلم وتيقن أن للصيد أوقاتاً يهدأ فيها ويستريح، فإذا انتهزت هذه الفرصة فإنك قاتله لا محالة. وقوله: (وإلا تضيعها) فيه إدغام أداة الشرط بـ(لا) النافية. وأن واسمها (غرة) وخبرها (للصيد) في تأويل مصدر سد مسد مفعولي (تعلم).(1/331)
(669) معناه: اعلم أنه إنما يشفي نفوس الرجال ظفرها بعدوها وقهرها له، فعليك أن تبذل جهدك في أخذ الأشياء بالحيلة والدهاء برفق ولين.
(670) سورة يونس، آية: 16.
(671) معناه: تيقن الناس وعلموا - يا عروة - أنك تفي بالعهد. فاغتبط بهذه الخصلة الكريمة، فإن الاغتباط بمثل هذه الصفة أمر محمود..
(672) راجع دراسات لأسلوب القرآن الكريم (3/2/388).
(673) سورة الزخرف، آية: 19.
(674) المولى: المراد به - هنا - الصاحب والناصر. العدم: أي: الفقر.
(675) سورة التغابن، آية: 7.
(676) سورة الجمعة، آية: 6.
(677) الشيخ: هو الذي ظهر عليه الضعف والشيب. ويغلب أن يكون من سن الخمسين. يدب دبيباً: أي: يمشي مشياً وئيداً.
(678) سورة المعارج، الآيتان: 6، 7.
(679) سورة محمد، آية: 19.
(680) فانبعثت: أي: ثارت وتحركت. واجفات: جمع واجفة ضرب من السير السريع، والمراد دواعي الشوق وأسبابه التي بعثته على الذهاب إليه.
(681) سورة الإسراء، آية: 101.
(682) سورة البقرة، آية: 46، وهذا على أحد القولين. انظر "معاني القرآن" للاجاج 331/1، البحر المحيط (2/277).
683 انظر : معاني القرآن للزجاج ( 1 \ 331 ) البحر المحيط ( 2 \ 277 ) .
(684) سورة إبراهيم، آية: 42.
(685) سورة الفرقان، آية: 23، قدمنا: أي عمدنا، والهباء: ما يُرى من غبارٍ في شعاع الشمس الداخل من النافذة.
(686) سورة آل عمران، آية: 100.
(687) سورة البقرة، آية: 109.
(688) سورة الكهف، آية: 99.
(689) سورة النساء، آية: 125.
(690) سورة الكهف، آية: 77.
(691) لا يلزم دخول هذه الأفعال على المبتدأ والخبر حقيقة، فقد تدخل على ما أصله المبتدأ والخبر، وقد تدخل على ما ليس أصله المبتدأ والخبر.والمعمول على استقامة المعنى المراد بغير غموض، فمثلاً في أفعال التحويل نحو: صيّرت الذهب خاتماً. لا يصح أن تقول: الذهب خاتم، وكذا في بعض أفعال القلوب مثل، لا تحسب المجد تمراً. فلا يستقيم أن تقول: المجد تمر..(1/332)
(692) سورة الإسراء، آية: 102.
(693) سورة المعارج، الآيتان: 6، 7.
(694) سورة محمد، آية: 19.
(695) سورة البقرة، آية: 109
(696) سورة النور، آية: 11.
(697) يأتي البحث فيهما قريباً إن شاء الله. كما اختصت الأفعال القلبية المتصرفة بأن المصدر المؤول من (أنَّ) ومعموليها و(أنْ) وما دخلت عليه يسد مسد المفعولين، ويغني عنهما بشرط خلو خبر (إن) من لام الابتداء، لأن وجودها موجب للكسر والتعليق، كما تقدم في باب (إنَّ)، وكما سيأتي في ذكر المعلقات، وفي الباب أمثلة لذلك.
(698) تقدم ضبط هذا اللفظ في أواخر باب النكرة والمعرفة.
(699) مودتها: الضمير يعود على (سعاد) في أول القصيدة. وما إخال: أظن، تنويل: عطاء.
(700) الكاف في مثل هذا الأسلوب اسم بمعنى (مثل) صفة لمصدر محذوف واسم الإشارة يراد به مصدر الفعل المذكور. والتقدير: تأديباً مثل ذلك التأديب، وهو التأديب المذكور في بيت سابق وهو قوله:
أكنيه حين أناديه لأكرمه……ولا ألقبه والسوأة اللقب
وقوله (ملاك) أي قوام الشيء وما يجمعه و(الشيمة) الخلق.
(701) سورة فصلت، آية: 48، لهم: خبر مقدم. من محيص: من حرف جر زائد إعراباً مؤكد معنى. ومحيص: مبتدأ مؤخر. والجملة في محل نصب سدت مسد مفعولي (ظن).
(702) سورة الشورى، آية: 35.
(703) سورة الإسراء، آية: 52، إلا قليلاً: إلا: حرف استثناء مُلغى. قليلاً: نائب ظرف زمان منصوب أي: إلا وقتاً قليلاً. أو مفعول مطلق نائب عن المصدر أي: إلا لبثاً قليلاً. وجملة (إن لبثتم إلا قليلاً) في محل نصب سدت مسد مفعولي (تظنون).(1/333)
(704) سورة البقرة، آية: 102، لمن: اللام هي لام الابتداء، ومن: اسم موصول مبتدأ. وجملة (اشتراه) صلة (ماله) ما: نافية. والجار والمجرور: خبر مقدم. من خلاق: من: حرف جر زائد إعراباً مؤكد معنى. خلاق: مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. والجملة خبر (من) الموصولة والجملة من المبتدأ والخبر سدت مسد مفعولي (علموا).
(705) لا تطيش: لا تخيب ولا تخطئ. والمعنى: أن الموت واقع لابد منه. واللام في قوله (لتأتينَّ) واقعة في جواب القسم. والجملة لا محل لها جواب القسم. وقد سدت مسد مفعولي (علم).
(706) سورة الكهف، آية: 12، لنعلم: اللام لام التعليل.والمضارع بعدها منصوب بـ(أن) مضمرة جوازاً بعد لام التعليل و(أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور باللام والجار والمجرور متعلق بالفعل (بعثناهم) و(أي الحزبين) مبتدأ و(أحصى) خبر والجملة في محل نصب.
(707) سورة الأنبياء، آية: 109، إن: نافية. أقريب: مبتدأ، أم بعيد: معطوف عليه، ما: اسم موصول خبر المبتدأ. أو فاعل سد مسد الخبر، وجملة (توعدون) صلة، والجملة في محل نصب والمعنى: ما أدري جواب هذا السؤال.(1/334)
(708) فرق العلماء بين العلم والمعرفة. فالمعرفة تتعلق بذات الشيء، والعلم يتعلق بصفاته وأحواله، تقول: عرفت خالداً. وعلمت بكراً مسافراً. فالمعرفة تمييز المعروف من غيره، والعلم يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره. وقد جاء في (المصباح المنير) "مادة عرف" ما نصه: (عرفته - عِرْفة - بالكسر - وعرفاناً: علمته بحاسة من الحواس الخمس) هذا فرق معنوي. أما اللفظي فإن (عرف) تنصب مفعولاً واحداً. قال تعالى: (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم( وعلم تنصب مفعولين - كما في أول الباب - فإن نصبت واحداً فهي بمعنى (عرف) فإن بقيت على معناها فلابد من تقدير المفعول الثاني. ولابن القيم - رحمه الله - بحث وافٍ في هذا الموضوع في كتابه: (مدارج السالكين) (3/335) و(بدائع الفوائد) (2/62).
(709) سورة النحل، آية: 78.
(710) سورة الأنفال، آية: 60.
(711) سورة التكوير، آية: 24.
(712) سورة يوسف، آية: 36.
(713) سورة يوسف، آية: 4.
(714) سورة يوسف، آية: 5.
(715) سورة يوسف، آية: 100.
(716) هذا هو رأي جمهور المفسرين كابن جرير وابن كثير وغيرهما ، ويرى مكي وأبو البقاء وغيرهما من المعربين أن الرؤية - هنا - من رؤية العين. فيكون قوله: (ساجدين( حالاً، وعلى هذا فلا شاهد، في الآية، والله أعلم.
(717) سورة يوسف، آية: 100.
(718) سورة الإسراء، آية: 60.
(719) سورة القصص، آية: 74.
(720) سورة الأنعام، آية: 94.
(721) سورة البقرة، آية: 51.
(722) هذا على قول. وقيل إن الفعل متعدٍّ لواحد. وفي الكلام حذف أي: وعبدتموه إلهاً ومما يؤيد ذلك أنه لم يصرح بالمفعول الثاني ولا في موضع واحد. قال تعالى: (واتخذ قوم موسى( (اتخذوه وكانوا ظالمين( (إن الذين اتخذوا العجل( ومما يرجح الأول استلزام الثاني حذف الجملة. ولا يلزم في الأول إلا حذف مفعول وهو مفرد. وحذف المفرد أسهل من حذف الجملة.
(723) سورة النساء، آية: 5.(1/335)
(724) القلص بوزن الكتب جمع قلوص. وهي الشابة من الإبل (الرواسم) المسرعات في سيرهن من (الرسيم) وهو ضرب من سير الإبل السريع، ولامعنى: متى تظن النوق المسرعات في سيرهن يحملن إليَّ من أشتاق إليه. و(متى) اسم استفهام في محل نصب على الظرفية، وعامله الفعل (تقول) والقلص: مفعول أول لتقول، وجملة (يحملن) المفعول الثاني.
(725) بني لؤي: أراد بهم جمهور قريش، لأن أكثرهم ينتهي نسبه إلى لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر (متجاهلينا) المتجاهل: الذي يتصنع الجهل ويتكلفه وليس به جهل. والمعنى: أتظن قريشاً جهالاً حين استعملوا أهل اليمن على أعمالهم وقدموهم على مضر، مع فضلهم عليهم؟ أم عالمين بحقيقة الأمر، ولكنهم يتصنعون الجهل لحاجة في أنفسهم؟ وقوله: (أم متجاهلينا) معطوف على (أجهالا).
(726) البيت لأعرابي صاد ضبًّا فأتى به أهله، فقالت له امرأته (هذا - لعمر الله - إسرائين) أي: هو مما مسخ من بني إسرائيل. والفطين: وصف من الفطنة وهي الفهم. و(إسرائين) لغة في إسرائيل.
(727) هذا رأي جمهور النحويين وهو أن التعدية بهمزة النقل مقصورة على هذين الفعلين، ويرى آخرون أن ذلك شامل لجميع الأفعال القلبية، فتقول في: ظن خالد أباه مسافراً. أظننت خالداً أباه مسافراً. بمعنى جعلته يظن.
(728) رأى هنا بمعنى (علم) ويلحق بذلك (رأى) الحُلمية. فتتعدى بالهمزة إلى ثلاثة مفاعيل كما في قوله تعالى: (إذ يريكهم الله في منامك قليلاً ولو أراكهم كثيراً لفشلتم( فالكاف (في الموضعين) مفعول أول و(هم) مفعول ثان. و(قليلاً وكثيراً) مفعول ثالث.
(729) سورة طه، آية: 56.
(730) سورة البقرة، آية: 128.(1/336)
(731) والمراد من ذلك أن الأحكام والآثار الخاصة بأفعال القلوب لا تنطبق على المفعولين - هنا - إلا التعليق فجائز، ومنه قوله تعالى: (ليريه كيف يواري سوأة أخيه( فقد علق الفعل (ليريه) - وهو من رؤية البصر - عن المفعول الثاني بالاستفهام فجملة (كيف يواري) في محل نصب سدت مسد المفعول الثاني. . ومثله قوله تعالى: (ربي أرني كيف تحي الموتى( و(كيف) في الآيتين في محل نصب حال، والعامل الفعل الذي بعدها.
(732) فإن كانت غير متضمنة لمعناهما لم تنصب ثلاثة مفاعيل. ولهذا ذكر أبو حيان في البحر عند قوله تعالى: (يومئذ تحدث أخبارها( أن الفعل (تحدث) متعدٍّ لاثنين والأول محذوف أي: تحدث الناس، وليست بمعنى (أعلم) وإلا لتعدت إلى ثلاثة. . وكذا الفعل (نبأ) يتعدى لثلاثة إذا كان بمعنى (أعلم) فإن كان بمعنى (أخبر) تعدى لواحد وإلى الثاني بحرف الجر. كقوله تعالى: (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم( وقوله تعالى: (قل هل أنبئكم بشر من ذلك.(
(733) ساق ابن عقيل وغيره شواهد من كلام العرب على ذلك فراجعها إن شئت.
(734) سورة الحجر، آية: 49.
(735) سورة الإسراء، آية: 18.
(736) سورة الإسراء، آية: 78.
(737) سورة العنكبوت، آية: 51. تقدم الكلام على الواو بعد همزة الاستفهام في مثل هذه الآية في باب (إنَّ) وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله في آخر عطف النسق.
(738) سورة الحديد، آية: 16.
(739) أي يفرح الإنسان بمضي الليالي وهي من عمره. (المرء) مفعول مقدم (ما ذهب) في تأويل مصدر فاعل.
(740) سورة ص، آية: 30.
(741) سورة النمل، آية: 65.
(742) سورة النحل، آية: 69.
(743) سورة البقرة، آية: 251. تقدم إعراب هذه الآية في آخر المبتدأ والخبر.(1/337)
(744) اعلم أن الراجح في (كفى) أنها فعل، وفاعلها مجرور بالباء الزائدة للتوكيد، وهذه زيادة مطردة. وقد جاء فاعل (كفى) في القرآن مجروراً بالباء الزائدة للتوكيد ما عدا قوله تعالى: (وكفى الله المؤمنين القتال(. وقد ذكرنا في مواضع متقدمة أنه يقال في إعراب الزائد في القرآن: زائد إعراباً مؤكد معنى. وقد ذكر ابن هشام في قواعد الإعراب ص108 أنه ينبغي للمعرب أن يتجنب أن يقول في حرف في كتاب الله تعالى: إنه زائد، لأن الزائد هو الذي لا معنى له، وكلام الله منزه عن ذلك، وانظر: "البرهان في علوم القرآن" (1/305).
(745) سورة المائدة، آية: 19.
(746) سورة المؤمنون، آية: 36.
(747) سورة المؤمنون، آية: 1.
(748) سورة المائدة، آية: 67.
(749) سورة التوبة، آية: 6. أحد: فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور، وهذا على رأي من يقول: إن أدوات الشرط لا يليها إلا الفعل، والقائل بذلك البصريون والكوفيون ، لكنَّ البصريين يقدرون فعلاً محذوفاً، والكوفيون يقولون: إن هذا الاسم فاعل للفعل المذكور، فلا حذف عندهم، وقال أبو الحسن الأخفش: إن هذا الاسم مبتدأ، فلا حذف عنده، وهذا - فيما يبدو لي - رأي جيد، يؤيده ظاهر القرآن في آيات كثيرة كما في سورة الانفطار والتكوير والمرسلات والانشقاق وغيرها، ولا داعي للتقدير، فالأسلوب جميل، والإعراب سليم، والله أعلم.
(750) هناك أفعال لا تحتاج إلى فاعل. منها: الأفعال التي اتصلت بآخرها (ما) الكافة نحو: طالما، قلما، تقول: قلما تستمع المرأة النصيحة، فـ(قلما) كافة ومكفوفة. أو (قلّ ما) قلّ: فعل ماض (ما) مصدرية، والمصدر المنسبك منها ومن صلتها فاعل أي: قلَّ استماع المرأة. وهذا رأي وجيه يساير القاعدة العامة أن الفعل لابد له من فاعل.
(751) سورة النصر، آية: 1.
(752) سورة البقرة، آية: 43.
(753) سورة البقرة، آية: 245.(1/338)
(754) سورة القيامة، آية: 26. كلا: بمعنى حقاً أو بمعنى (ألا) والتراقي جمع ترقوة وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر.
(755) سورة المائدة، آية: 23.
(756) سورة الفرقان، آية: 8.
(757 ) سورة يوسف، آية: 30.
(758) سورة الأنبياء، آية: 3. معنى الآية: أن المشركين أخفوا مناجاتهم بينهم، وهي قولهم: (هل هذا إلا بشر مثلكم( أي: فكيف تؤمنون به. و(النجوى) مفعول به، (الذين ظلموا) فاعل (أسروا) والواو حرف لمجرد الجمع، وقيل: بدل من الواو، وقيل: مبتدأ مؤخر، و(أسروا) خبر مقدم.
(759) هذا الحديث متفق عليه. وله ألفاظ أخرى، واللفظ المذكور للبخاري في كتاب المواقيت (باب فضل صلاة العصر) انظر: فتح الباري (2/33).
(760) فاعل (تولى) مصعب بن الزبير. والمراد (بالمارقين) الخارجون بالعراق على أخيه عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، ومعنى (أسلماه مبعد وحميم) أي: خذلاه وأسلماه إلى أعدائه (مبعد) أي: أجنبي بعيد الصلة. و(حميم) أي: صديق أو قريب، وفي هذا البيت أتى الشاعر بعلامة التثنية مع الفعل مع أن الفاعل اسم ظاهر، وفيه دليل على أن المعطوف بالواو كالمثنى. أما العطف بـ(أو) فلا، نحو: سافر خالد أو على، فتمتنع العلامة؛ لأن الفاعل واحد غير معين.
(761) فقد أتى الشاعر بواو الجماعة مع الفعل مع أن الفاعل اسم ظاهر، وهو (قومي).
(762) الغواني: جمع غانية وهي - هنا - التي استغنت بجمالها عن الزينة. وقد أتى الشاعر بنون الإناث مع أن الفاعل اسم ظاهر، وهو الغواني.
(763) سورة الزخرف، آية: 87.
(764) سورة الزخرف، آية: 9. انظر: باب المعرب والمبني (بحث إعراب المضارع).
(765) سورة النساء، آية: 176.
(766) سورة النساء، آية: 128. امرؤ: فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور.
(767) سورة الانشقاق، آية: 1.(1/339)
(768) إذا كان العامل في الفاعل وصفاً كاسم الفاعل فإنه يؤنث بتاء التأنيث المربوطة نحو: أساهرة والدة الطفل؟ ومنه قوله تعالى: (لاهية قلوبهم) فـ(لاهية) حال من فاعل (يلعبون) في الآية قبلها، و(قلوبهم) فاعل اسم الفاعل.
(769) المؤنث الحقيقي هو الذي يلد ويتناسل، ولو عن طريق البيض والتفريخ كالطيور وعكسه المجازي.
(770) سورة آل عمران، آية: 36.
(771) سورة البقرة، آية: 261.
(772) المزنة: السحابة المثقلة بالماء، والودق: المطر، و(أبقل) أي: أنبت البقل، وهو النبات وقد حذف الشاعر التاء من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث، وقوله: (ودقها) مفعول مطلق وكذا قوله (إبقالها).
(773) سورة القصص، آية: 9.
(774) سورة طه، آية: 40.
(775) سورة النمل، آية: 18.
(776) سورة البقرة، آية: 16.
(777) سورة البقرة، آية: 275.
(778) سورة القيامة، آية: 9. التمثيل بالآية لبيان أن نائب الفاعل كالفاعل في حكم تأنيث الفعل.
(779) الحذف الاعتباطي هو الذي يقع دون علة تصريفية، سمي بذلك تشبيهاً له بالإنسان الذي يعتبط أي: يموت بدون علة، كما ورد ذلك في "لسان العرب" وغيره. وهو يقابل الحذف القياسي.
(780) المعنى: لم تسلم امرأة من التهمة والشك في حربنا إلا بنات الأعمام. وقوله (بنات) فاعل (برئت) وقد لحقت التاء الفعل مع وجود الفاصل (إلا).
(781 ) فلان وفلانة: كناية عن أسماء الآدميين. والفلان والفلانة كناية عن غير الآدميين، تقول العرب: ركبت الفلان وحلبت الفلانة . . . عن "لسان العرب".
(782) سورة الأعراف، آية: 43.
(783) سورة آل عمران، آية: 183.
(784) تقدم تعريف اسم الجمع في مطلع (باب الكلام وما يتألف منه) واسم الجمع هنا مقيد بالمعرب، كما مثل، بخلاف المبني نحو: الذين، فلا يجوز التأنيث معه، ومثل اسم الجمع اسم الجنس الجمعي، كبقر ونخل، وتقدم تعريفه.
(785) سورة الصف، آية: 14.(1/340)
(786) سورة النساء، آية: 81. التبييت: تدبير الأمر ليلاً والمعنى: أن هؤلاء المنافقين قالوا وقدروا أمراً بالليل غير الذي أعطوك بالنهار من الطاعة.
(787) سورة يوسف، آية: 30.
(788) المراد بجمع المؤنث إذا كان مفرده حقيقي التأنيث كمسلمات، فخرج نحو: طلحات وتمرات فيجوز الوجهان. قال تعالى: (فإن زللتم من بعد ما جآءتكم البينات فاعلموا( وقال تعالى: (وجآءهم البينات( ومثل هذا لفظ الآيات والسيئات وغيرهما، وقد جاء جمع المؤنث السالم في القرآن ومفرده مؤنث غير حقيقي التأنيث في آيات كثيرة بتذكير الفعل وتأنيثه. وفي أكثرها وجد فاصل بين الفعل وفاعله إما بالمفعول أو بغيره.
وجاء الفاعل جمع مؤنث سالم ومفرده حقيقي التأنيث وذُكَّر الفعل، وذلك في قوله تعالى: (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات( وقوله تعالى: (إذا جآءك المؤمنات يبايعنك( ومن يوجب التأنيث وهم البصريون يجيبون بأن التذكير لوجود الفصل.
ولم يؤنث الفعل مع جمع المؤنث السالم الذي مفرده حقيقي إلا في آية واحدة، وهي قوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم( انظر: "دراسات لأسلوب القرآن" القسم الثالث ج1ص529.
(789) سورة النمل، آية: 16.
(790) سورة الزمر، آية: 8.
(791) سورة البقرة، آية: 133.
(792) سورة البقرة، آية: 87. الفاء: عاطفة. والأصل: فكذبتم فريقاً. . معطوف على قوله: استكبرتم. من قوله تعالى: (أفكلما جآءكم رسولٌ بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم(.
(793) سورة غافر، آية: 81.
(794) سورة الإسراء، آية: 110.
(795) سورة الضحى، آية: 9. فأما: الفاء رابطة لجواب شرط مقدر. (أما) حرف شرط وتفصيل (اليتيم) مفعول به مقدم على عامله (تقهر) (فلا) الفاء رابطة لجواب (أما) وجملة (تقهر) لا محل لها من الإعراب جواب شرط غير جازم.
(796) سورة المدثر، آية: 3. ويرى ابن هشام أن الفاء عاطفة في مثل هذا الموضع. فالفعل معطوف على ما قبله. انظر: المغني ص221.
(797) سورة الفاتحة، آية: 5.(1/341)
(798) لو قُدم المفعول لقيل: أتقن العمل أنا، وهذا مخالف لقاعدة الضمير المتقدمة في باب النكرة والمعرفة، ويجوز تقديمه على الفعل، نحو: العمل أتقنت، لأن الضمير لم ينفصل بل بقي على اتصاله.
(799) هذا هو الموضع الأول مما يجب فيه تقديم المفعول على الفاعل، والمسألة الثانية تأتي قريباً.
(800) سورة فاطر، آية: 28.
(801) القصر والحصر بمعنى واحد. وهو تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص. مثل (إنما) و(الاستثناء بعد النفي) وغيرهما.
(802) اللئيم: المراد به الشحيح البخيل. جفا: بَعُدَ، جُبَّأٌ: جبان. والمعنى لا يعيب عمل الكرام إلا الأشحاء اللئام. ولا يبتعد عن الأبطال إلا الجبناء. لأن أصحاب الصفات المتنافرة لا يتآلفون.
(803) المعنى: تزودت من ليلى بتكليمها ساعة. ولكن ذلك زادني شوقاً. وزاد قلبي اشتعالاً.
(804) سورة يونس، آية: 24.
(805) هو في الاصطلاح النحوي مفعول به منصوب. ولكن يقال ذلك من باب الأدب.
(806) سورة البقرة، آبة: 124.
(807) سورة المؤمنون، آية: 44.
(808) المراد: مطعم بن عدي. أحد أجواد مكة. والمعنى: أنه لا بقاء لأحد في هذه الحياة مهما يكن نافعاً للناس، وقوله: (ولو أن مجداً) مجداً: اسم (أن) وجملة (أخلد) خبرها وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع على أنه فاعل لفعل محذوف والتقدير: ولو ثبت إخلاد مجد صاحبه.
(809) طالبوه: ضمير النصب يعود على مصعب بن الزبير رضي الله عنهما. والمعنى: أن الذين قصدوا مصعباً لقتاله أخذهم الخوف وكاد ينتصر، لأن خوفهم منه أعظم وسيلة لانتصاره عليهم.(1/342)
(810) الأغراض التي من أجلها يحذف الفاعل من مباحث البلاغيين في علم المعاني، فمن الأغراض اللفظية المحافظة على السجع كقولهم: من طابت سريرته حمدت سيرته، أو الرغبة في الإيجاز نحو: لما حفظ الطالب القرآن كوفيء. ومن الأغراض المعنوية العلم به كقوله تعالى: (وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً( أو عدم الفائدة من ذكره نحو: سُرق كتاب، لأنك لا تعرف السارق، أو قصد الإبهام على السامع نحو: تُصدق بألف ريال. إلى غير ذلك من الأغراض.
(811) يأتي بيان حكم مُعَلَّ العين والمضعف. إن شاء الله.
(812) المطاوعة: قبول أثر الأول في الثاني مع التلاقي اشتقاقاً نحو: علمته المسألة فتعلمها بخلاف: ضربته فتألم، لعدم تلاقي الفعلين في الاشتقاق. ومن الحروف التي تدل على المطاوعة (التاء) في أول الفعل الماضي، كما في المثال.
(813) تقدم في باب (المعرَّف بأداة التعريف) أن همزة الوصل: كل همزة تثبت في الابتداء وتسقط في الدرج، ومن مواضعها الفعل الماضي الخماسي كانطلق والسداسي كاستخرج.
(814) مُعَلَّ العين: ما يكون وسطه حرف علة. ويخضع لأحكام الإعلال التي تذكر في باب التصريف ومنها: قلب الواو والياء ألفاً إذا تحركا وانفتح ما قبلها نحو: قال وباع. والأصل: قَولَ وبَيعَ، فإن كان حرف العلة الواقع عيناً للكلمة لا يخضع للأحكام فإنه يسمى (معتلاً) نحو: عَوِرَ، فهذا حكمه حكم الصحيح، فالفرق بين مُعَلّ ومعتل. أن المُعَلّ هو الذي أحد أصوله حرف علة، بشرط أن يدخله قلب وإعلال، والمعتل ما كان أحد أصوله حرف علة دخله قلب أم لا. فكل معل معتل ولا عكس.
(815) فاء الكلمة هي الحرف الأول الذي يقابل الفاء في الميزان الصرفي (فَعَلَ) وما يقابل الثاني هو عين الكلمة. وما يقابل الثالث هو لام الكلمة.
(816) نائب الفاعل جملة النداء (يا أرض) لأنها في الأصل مقول القول، أو نائب الفاعل محذوف تقديره: القول، والجملة مفسرة.(1/343)
(817) ليت: حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. (وهل) حرف استفهام يراد به النفي، (شيئاً) مفعول به لينفع، (ليت) قصد لفظه، فاعل ينفع، والجملة معترضة لا محل لها (ليت) مؤكد للأول، (شباباً) اسم ليت الأول، وجملة (بوع) من الفعل ونائب الفاعل المستتر في محل رفع خبر (ليت) الأول.
(818) سورة هود، آية: 44.
(819) مضعف الثلاثي: ما كانت عينه ولامه من جنس واحد، نحو: شدَّ ،عدَّ.
(820) قد يقع لبس بين هذا وبين فعل الأمر فإنه مضموم الأول، فلا يدرى أهو فعل أمر أم ماض مبني للمجهول؟ فيعدل إلى الكسر أو الإشمام، لأن فعل الأمر لا يكون كذلك وإنما لم يُعدل إلى أحدهما في قوله تعالى: (ولو رُدُّوا( لأن وقوعه بعد (لو) قرينة على أنه لم يُرد فعل الأمر، لأنه لا يقع بعد أداة الشرط، على أنه قد يقال إنَّ المسألة من باب الإجمال، فانظر: حاشية الصبان على شرح الأشموني (2/64).
(821) ظاهر كلام ابن مالك أن الحكم خاص بالمُعَلّ حيث مثل به، والحكم شامل له وللمضاعف نحو اشتدَّ، وانهلَّ، وانسدَّ، وامتدّض، فمثلاً. انهلَّ الرمل في البئر، تقول بعد بنائه: أُنْهُلَّ في البئر، بضم الأول والثالث، ويجوز كسرهما كما يجوز الإشمام.
(822) قال السيوطي في الهمع (1/163): (الجمهور على أن المجرور في موضع رفع، وهو النائب عن الفاعل كما لو كان الجار زائداً . . . ) وهذا رأي فيه تيسير، سواء قلنا الجار والمجرور أو المجرور وحده، فإن كان حرف الجر زائداً فلا خلاف في أن النائب هو المجرور وحده. نحو: ما أُخِذَ من شيء.
(823) القراء العشرة هم القراء الذين عُني العلماء بنقل قراءاتهم وهم على قسمين:
1) سبعة اختارهم ابن مجاهد.
2) وثلاثة اختارهم ابن الجزري.
وأبو جعفر هو يزيد بن القعقاع المخزومي المدني، المتوفى سنة 130هـ وهو من الثلاثة الذين اختارهم ابن الجزري.
(824) سورة الجاثية، آية: 14.(1/344)
(825) والقول الثاني: أن نائب الفعل مصدر الفعل المذكور أي: ليُجزى الجزاء أو الخير أو الشر.
(826) معنى البيت: أنه لا يشتغل بمعالي الأمور وكريم الخصال إلا أصحاب السيادة والطموح، ولم يشف ذوى النفوس المريضة إلا ذوو الهداية والرشد.
(827) سورة النازعات، آية: 36.
(828) اعترض بعض الشراح على ابن مالك في نقل الاتفاق على جواز إنابة الثاني من باب (كسا) إذا أمن اللبس. لأن الكوفيين يوجبون إنابة الأول إذا كان معرفة نحو: أُعطي خالد كتاباً. ويجاب عنه بأنه قد لا يكون اطلع على هذا الخلاف، لأنه نقل الاتفاق في كتابه (التسهيل) وهو كتاب اعتنى فيه بالخلاف. والله أعلم.
(829) يرد ذكر السببي في مواضع منها: باب الاشتغال. وباب الصفة المشبهة. وباب النعت . . . والمراد به كل شيء له علاقة وصلة باسم آخر بأي نوع من أنواع الارتباط كالأبوة والأخوة. والتبعية في أمر ما. ولابد فيه من ضمير يعود على الاسم الآخر الأصلي، فإذا قلت: خالد كريم أبوه. فـ(أبوه) سببي، وفيه ضمير يعود على (خالد) وهو الاسم الأصلي الذي يقوم به معنى المشتق لو قلت: خالد كريم. [انظر: النحو الوافي 3/264].
(830) ونظراً لجواز كون الاسم السابق قد يعرب مبتدأ اشترط النحاة أن يكون الاسم السابق صالحاً للابتداء به. فلا يكون نكرة محضة لا مخصص لها. ولذا قالوا في قوله تعالى: (ورهبانية ابتدعوها(. إنه ليس من باب الاشتغال، لأن (رهبانية) لا تصلح للابتداء، بل (رهبانية) معطوف على (رأفة) بالولو، وجملة (ابتدعوها) صفة. ومن لا يشترط ذلك كالزمخشري فلا مانع عنده أن تكون الآية من باب الاشتغال، لكنه مبني على اعتزاليته. فانظر"المغني" ص 751 . تفسير الزمخشري (4/69).(1/345)
(831) هذا على أحد القولين، والقول الثاني: أن الجملة التفسيرية تأخذ في حكمها الإعرابي حكم الجملة المفسَّرة، فإن كان لها محل فهي كذلك وإلا فلا. ففي قولك: الضيف أكرمته، التقدير: أكرمت الضيف أكرمته، فلا محل للجملة المقدرة، لأنها مستأنفة فكذا الجملة التفسيرية.
وفي قولك: خالد الواجبَ يؤديه، فـ(يؤديه) في موضع رفع، لأنها مفسرة للجملة المحذوفة، وهي في محل رفع على الخبرية، واعلم أن الجملة لا تكون تفسيرية في باب الاشتغال إلا إذا كان الاسم السابق منصوباً، كما في هذه الأمثلة.
(832) اختلف شراح الألفية في مرجع الضمير في قوله: (بنصب لفظه أو المحل) فمنهم من قال: إنه يعود على الاسم السابق - المشغول عنه - فنصب لفظه نحو: الخير فعلته. ومحله نحو: هذا العالم أكرمته. وتكون الباء في قوله: (بنصب لفظه) بمعنى: عن. وهذا قول ابن مالك نفسه في شرح كتابه (الكافية 2/614) ومنهم من قال: إن الضمير يعود على الضمير الذي اشتغل به الفعل، فالنصب لفظاً كالهاء في المثال الأول، ومحلاً كالهاء، في نحو: خالداً مررت به.
(833) التحضيض: طلب الشيء بحثّ وإلحاح.
(834) العرض: طلب الشيء برفق ولين.
(835) إنما تكون أدوات الاستفهام مختصة بالفعل إذا كان الفعل في جملتها، كما مُثِّل، أما إذا لم يكن فلا، نحو: متى السفر؟ أين أخوك؟
(836) لكن يجوز رفعه على أنه فاعل، أو نائب فاعل لفعل محذوف، كقوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك( فـ(أحد) فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور. وقوله تعالى: (إذا السماء انشقت( وقوله تعالى: (إذا الشمس كورت( فالشمس: نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور. ويرى فريق من النحاة أن هذا المرفوع لا يلزم إعرابه فاعلاً لفعل محذوف، بل يجوز إعرابه مبتدأ. وتقدم ذلك في باب الفاعل. وسيأتي مزيد بحث في باب الإضافة إن شاء الله.(1/346)
(837) وجوب رفع المشغول عنه ليس من مسائل هذا الباب، لأن تعريف الاشتغال لا ينطبق عليه. لأننا اشترطنا في تعريف الاشتغال أن العامل في المشغول به لو تفرغ من الضمير (المشغول به) وسُلط على الاسم السابق (المشغول عنه) لعمل فيه. وهنا لا يتم ذلك، فإنك لو حذفت الضمير من المثال: خرجت فإذا الجو يملؤه الغبار، لم يعمل الفعل (يملأ) في الاسم السابق، لأن المتقدم مرفوع، والمتأخر يطلب منصوباً لا مرفوعاً.
وكذا المسائل التي يجوز فيها النصب والرفع، فالرفع فيها ليس من هذا الباب.
(838) فإن قيل ما توجيه الرفع في قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما( فإن الظاهر أن الطلب خبر؟ فالجواب: أن المبرد يعرب هذا الإعراب. ودخلت الفاء في الخبر، لشبه الموصول بالشرط، لأن (أل) موصولة: وأما سيبويه فالخبر عنده محذوف تقديره: (مما يتلى عليكم حكم السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ثم حذف المضاف (حكم) وأقيم المضاف إليه مقامه، والفاء حرف استئناف، وجملة الطلب استئنافية لبيان الحكم، فلم تقع خبراً كما هو الظاهر. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج (2/171) و"الكامل في اللغة والأدب" للمبرد (2/822).
(839) سورة القمر، الآية: 24. الهمزة للاستفهام، (بشراً) مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور، (منا) جار مجرور متعلق بمحذوف صفة (واحداً) صفة ثانية، (نتبعه) جملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب.
(840) سورة النحل، الآية: 4 - 5. فإذا: الفاء صلة للتوكيد، وإذا: فجائية حرف مبني على السكون لا محل له. (هو) مبتدأ، (خصيم) خبر، (مبين) صفة، وجملة (خلقها) تفسيرية لا محل لها من الإعراب.(1/347)
(841) سافر ضيف: فعل وفاعل. وأما: الواو عاطفة (أما) حرف شرط وإخبار وتوكيد، القادم: مبتدأ، فاستقبلته: الفاء واقعة في جواب الشرط، والجملة خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط، لأن (أما) قائمة مقام أداة الشرط (مهما) والتقدير: (مهما يكن من شيء فالقادم استقبلته).
(842) سورة يس، الآية: 38 - 39. (الشمس) مبتدأ، (تجري) الجملة خبر، (ذلك) مبتدأ (تقدير) خبره (العليم) صفة للعزيز. (والقمر) بالنصب مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور (منازل) مفعول به ثانٍ منصوب بتضمين (قدرنا) معنى: صيرنا، وذلك بحذف مضاف أي: ذا منازل.
(843) الكوفيون: عاصم وحمزة والكسائي. كما تقدم.
(844) فارساً: بالنصب مفعول لفعل محذوف يفسره المذكور، هكذا رواه ابن الشجري في (أماليه) و(ما) زائدة. والملحم أي: طعمة للسباع والطير. والزُمَّيل: الضعيف والنِكْس: المقصر عن غاية المجد والكرم، والوكل،: الجبان الذي يتكل على غيره عجزاً. و(ملحماً) حال من الهاء في (غادروه) وفي شرح شواهد ابن عقيل للجرجاوي قال: مفعول به ثانٍ، ولا تظهر لي وجاهته. (غير) حال ثان من الهاء. و(كل) صفة.
(845) أي تفريع أحكام الشيء وتفصيلها، كقوله تعالى: (فمنها ركوبهم ومنها يأكلون( انظر: "دراسات لأسلوب القرآن الكريم" (القسم الأول ج2ص249) .
(846) الكتاب: مبتدأ أول، أنت: ثان. معطاه: معطى: خبر المبتدأ الثاني مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، والهاء مضاف إليه، والجملة خبر المبتدأ الأول، والمثال الذي بعده مثله.
(847) الأجنبي: هو الذي لا ارتباط بينه وبين الاسم السابق ولا ضمير فيه يعود عليه.
(848) فسر بعضهم العُلقة بالضمير العائد على الاسم السابق، وهذا مجاز لأنها في الأصل هي الارتباط والنسبة. لكن لما كان الضمير هو سبب العلقة أطلق عليه ذلك.(1/348)
(849) الفعل التام هو الذي يكتفي بمرفوعه في تأدية المعنى، مثل: كتب، علم، سافر، ومقابله الناقص، مثل: كان وأخواتها وبقية الأفعال الناسخة، وقد مضى ذلك في باب (كان).
(850) المراد المفعول به، أما بقية المفاعيل الآتية في أبوابها فيعمل فيها المتعدي واللازم.
(851) لابد مع هاتين العلامتين من الاطلاع على معاجم اللغة، كاللسان والقاموس وغيرهما لمعرفة الفعل اللازم والمتعدي ومعنى كل فعل.
(852) هناك نوع من الأفعال يستعمل متعدياً ولازماً والمعنى واحد، مثل: نصح، شكر، كال وزن، وغيرها، تقول: نصحته، ونصحت له، وشكرته، وشكرت له . . . إلخ قال تعالى: (ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك( وقال تعالى: (واشكروا لله(. وقال تعالى: (وأنصح لكم( وقال تعالى: (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون( فما جاء متعدياً نصب ما بعده على أنه مفعول به. وما جاء لازماً جر ما بعده لوجود حرف الجر. وانظر: "أدب الكاتب" لابن قتيبة ص523.
(853) النّهَم: محركة، والنهامة كسحابة: إفراط الشهوة في الطعام وأن لا تمتليء عين الآكل ولا يشبع (القاموس).
(854) أي: أبي أن ينقاد.
(855) احرنجم الرجل: أراد الأمر ثم رجع عنه. والقومُ أو الإبل: اجتمع بعضها على بعض وازدحموا (القاموس).
(856) تقدم تعريف المطاوعة في باب "نائب الفاعل".(1/349)
(857) اعلم أن الفعل الثلاثي اللازم يكون متعدياً، وللتعدية وسائل منها: الإتيان بحرف الجر الأصلي، كما في المثال، فإن كلمة (خالد) صارت من ناحية المعنى في حكم المفعول به، لوقوع أثر الفعل عليها، ومنها: زيادة الهمزة في أول الفعل فقولك: ضاع الكتاب، من الفعل اللازم، والكتاب: فاعل، فإذا قلت: أضعت الكتاب. صار الفعل متعدياً، والكتاب: مفعول به، ومنها: تضعيف ثاني الفعل، كقولك: فرح الولدُ بالهدية، فتقول: فرَّحت الولدَ بالهدية. ومنها: تحويل الثلاثي اللازم إلى صيغة (فاعل) الدالة على المشاركة نحو: جلس القاضي، فتقول: جالست القاضيَ. ومنها: تحويله إلى صيغة (استفعل) الدالة على الطلب، أو على النسب لشيء آخر، فالأول نحو: قدم الخادم، فتقول: استقدمت الخادم. والثاني نحو: حَسُن الاجتماع، فتقول: استحسنت الاجتماع، أي: نسبت إليه الحسن، ومنها التضمين: وهو أن يؤدي فعل أو ما في معناه معنى فعل آخر وما في معناه، فيعطي حكمه في التعدية واللزوم، ومنه قوله تعالى: (ولا تعزموا عقدة النكاح( أي: لا تنووا أو توجبوا أو تباشروا. لأن الفعل (تعزموا) على عقدة النكاح.
(858) فيكون لفظه مجروراً في محل نصب، لأنه مفعول به، ويجوز في تابعه الجر والنصب، فالجر على اللفظ، والنصب على المحل، ومراعاة اللفظ أحسن، تقول: مررت بخالدٍ وعاصمٍ، ويجوز: وعاصماً، فالجر عطفاً على الاسم وحده، والنصب عطفاً على موضع الحرف والاسم معاً.
(859) ولم تعوجوا: يقال: عاج فلان بالمكان: إذا أقام به و(كلامكم) مبتدأ. والكاف مضاف إليه، والميم علامة الجمع. (إذاً) حرف جزاء وجواب (حرام) خبر المبتدأ.
(860) انظر: حاشية الصبان (2/90، 122) وانظر: ما نقله أحمد تيمور في كتابه (السماع والقياس) ص(74، 75) من النصوص على أن الحذف والإيصال مقصور على السماع.
(861) سورة آل عمران، الآية: 122.
(862) سورة آل عمران، الآية: 18.(1/350)
(863) هذا هو الأظهر في إعراب المصدر المؤول من الحرف المصدري ومعموله. وهو أنه مجرور بحرف الجر المحذوف، لأنه حرف ملاحظ عند الحذف، والمعنى قائم على اعتباره كالموجود، وقيل: إنه في محل نصب، لأن حرف الجر عامل ضعيف، فلا يعمل إذا كان محذوفاً.
(864) سورة البقرة، الآية: 75.
(865) ورد آيات من القرآن يصلح فيها تقدير أكثر من حرف من حروف الجر، كقوله تعالى: (وترغبون أن تنكحوهنّ( يحتمل: في أن تنكحوهن لجمالهن، وعن أن: تنكحوهن لدمامتهن. انظر: "دراسات لأساليب القرآن الكريم" (1/1/368) ففيه عدة آيات.
(866) سورة الضحى، الآية: 3.
(867) سورة البقرة، الآية: 118. لولا: حرف تحضيض، وجملة (لولا يكلمنا الله) في محل نصب مقول القول.
(868) سورة الليل، الآية: 5.
(869) سورة التوبة، الآية: 29.
(870) سورة الضحى، الآية: 5.
(871) سورة الليل، الآية: 5.
(872) سورة مريم، الآية: 42. وقوله (لِمَ) اللام حرف جر، و(ما) اسم استفهام مبني على السكون في محل جر متعلق بـ(تعبد) وحذفت الألف من (ما) لدخول حرف الجر.
(873) سورة النبأ، الآيتان: 4 - 5.
(874) سورة المجادلة، الآية: 21. الفعل (كتب) فيه معنى القسم بدليل ما بعده. (أنا) ضمير متصل في محل رفع توكيد للضمير المستتر فاعل (أغلبن). وجملة (لأغلبن) لا محل لها من الإعراب جواب القسم (كتب) المضمن معنى (أقسم).
(875) سورة الأعراف، الآية: 73.
(876) سورة القمر، الآية: 24.
(877) سورة الزمر، الآية: 53.
(878) الكيلة: فِعْلة من الكيل. وهي تدل على الهيئة والحالة، نحو: المِشْية والجِلْسة. والحشف: أردأ التمر. يضرب لمن يجمع خصلتين مكروهتين (مجمع الأمثال 1/367).(1/351)
(879) المعنى: عُرفت بإغاثة المظلوم وإغناء من يستجير بك، فلهذا لم أتخذ غير جوارك موئلاً ومنزلاً، وقد تقدم عاملان (مغيثاً ومغنياً) وهما اسمان مشبهان للفعل. وتأخر معمول واحد وهو (من) وقد أعمل الثاني، لقربه، وأعمل الأول في ضميره، ثم حذف لأنه فضله.
(880) سورة الحاقة، الآية: 19.
(881) وعلى قاعدة الباب فقد أعمل الأخير لقربه. وأعمل الأولان في ضميرهما، ثم حُذفا لأنهما فضلتان والأصل: تسبحون الله فيه إياه. وتكبرون الله فيه إياه.
(882) ضبط الشيخ خالد الأزهري (أسرة) بفتح الهمزة، كما جاء في كتابه: (إعراب الألفية) ص50. وقال: أسرة الرجل: رهطه وعشيرته. لكن في القاموس: الأسرة بالضم. الدرع الحصينة، ومن الرجل: رهطه الأدنون، وانظر حاشية الخضري (1/182).
(883) عكاظ: موضع كانت فيه سوق مشهورة من أسواق العرب للتجارة والمفاخرة. (يعشي) من الإعشاء وهو إضعاف البصر لسبب طارئ. (لمحوا) اللمح سرعة إبصار الشيء. (شعاعه) ما يظهر من النور، و(إذا) للمفاجأة، (هم) مبتدأ، (لمحوا) خبر.
(884) بين المصدر والمفعول المطلق عموم وخصوص من وجه. يجتمعان في نحو: تثور البراكين ثوراناً شديداً، وينفرد المصدر في نحو: أعجبتني قراءتك، لأنه مرفوع والمفعول المطلق لا يكون إلا منصوباً، وينفرد المفعول المطلق في نحو: ضربته سوطاً، لأنه ليس بمصدر.
(885) معنى (مفعول مطلق) أي: لم يقيد بحرف أو نحوه، كبقية المفاعيل، كالمفعول به والمفعول معه . . . إلخ. وإنما أطلق عن التقييد، لأنه المفعول الحقيقي لفاعل الفعل حيث لم يوجد من الفاعل إلا ذلك الحدث نحو: جلس الضيف جلوساً، فالضيف قد أوجد الجلوس نفسه وأحدثه بعد أن لم يكن، بخلاف باقي المفعولات فإنها ليست بمفعول الفاعل، وتسمية كل منها مفعولاً إنما هو باعتبار إلصاق الفعل به أو وقوعه لأجله أو فيه أومعه، فلذلك احتاجت إلى التقييد.(1/352)
(886) وقد يكون مرفوعاً نحو: سرني تبرعك للمحتاجين، أو مجروراً نحو: أنا راغب في إعطائك الكتاب، واسم المصدر كالمصدر.
(887) سورة النساء، الآية: 27.
(888) سورة الذاريات، الآية: 1.
(889) سورة الإسراء، الآية: 63.
(890) معنى كونه أصلاً أنه هو المشتق منه. والاشتقاق رد لفظ إلى آخر لمناسبة بينهما في المعنى والحروف فـ(ضارب) مشتق من (الضرب) وبينهما مناسبة في المعنى والحروف.
(891) سورة النساء، الآية: 164.
(892) سورة الأحزاب، الآية: 11.
(893) سورة المائدة، الآية: 115.
(894) سورة النور، الآية: 4.
(895) بعضهم يقول: ما دلَّ على كلية أو بعضية، إشارةً إلى أنه لا يختص بكلمتي (كل - وبعض) فيدخل فيه: ضربته جميع الضرب، وعامة الضرب، ويسير الضرب . . . راجع شرح الفاكهي على القطر مع حاشيته (2/120).
(896) سورة الإسراء، الآية: 29.
(897) سورة المزمل، الآية: 8.
(898) سورة نوح، الآية: 17.
(899) القرفصاء:نوع من الجلوس، وهو أن يجلس الشخص على إليتيه، وفخذاه ملتصقان ببطنه، يحيط بهما ذراعاه، أو ينكب على ركبتيه، ويلصق بطنه بفخذيه، وكفاه تحت إبطه.
(900) سورة الأحزاب، الآية: 10. الظنونا: مصدر منصوب. وقد ثبتت الألف بعد النون في رسم المصحف، مراعاة للفواصل، وقد جمع المصدر (الظن) لتعدد أنواعه، فإنهم ظنوا ظنوناً مختلفة، من نصر وهزيمة ونجاة وهلاك. وهذا تصوير للحال في غزوة الأحزاب أبدع تصوير.
(901) تقدم معنى المطرد في آخر باب جمع المذكر السالم.
(902) يرى بعض المحققين أن المصدر النائب عن عامله المحذوف قسم مستقل زائد على المؤكد والنوعي والعددي، فتكون الأنواع أربعة. وهذا رأي وجيه، لأنهم يقرون أن المؤكد لا يحذف عامله. مع أن هناك مصادر مؤكدة حذف عاملها، فيقع التعارض بين الحكمين. (النحو الوافي 2/209).(1/353)
(903) سورة البقرة، الآية: 83. بالوالدين: جار ومجرور متعلق بـ(إحساناً) و(إحساناً) مصدر منصوب بفعل محذوف أي: أحسنوا بالوالدين إحساناً، وفي الآية أعاريب أخرى.
(904) يمرون: أي: اللصوص. بالدهنا: موضع في نجد وهو بالمد.. وقُصر للشعر. عيابهم: جمع عيبة. وهي الوعاء كالحقيبة. دارين: موضع بالبحرين. بجر: جمع أبجر وهو العظيم البطن ، وإضافته للحقائب من إضافة الصفة للموصوف. جل أمورهم: معظمها وأكثرها. فندلاً الندل: الخطف بسرعة. زريق: اسم رجل أو قبيلة. ندل الثعالب: يقال: أخطف من ثعلب. فيوصي بعضهم بعضاً بسرعة الخطف والحيلة. كما تفعل الثعالب. وقوله: (خفافاً) حال من الواو، وكذا (بجر الحقائب) حال من فاعل (يرجع) وقوله: (على حين) بالكسر على الإعراب، وبالبناء على الفتح، لأنه وليه فعل مبني (ألهى) والبناء أرجح من الإعراب. (زريق) منادى بحرف نداء محذوف. (ندل الثعالب) مصدر مبين للنوع منصوب.
(905) حُذف المضارع المجزوم بـ(لا) النافية، وهو لا يجوز حذفه إلا في هذه الصورة.
(906) سورة محمد، الآية: 4. (فشدوا) الفاء رابطة لجواب الشرط (إذا أثخنتوهم) (فإما) الفاء عاطفة للتفريع. و(إما) حرف تخيير. (بعدُ) ظرف مبني على الضم في محل نصب متعلق بـ(مناً).
(907) لأن المصدر لا ينصبه إلا فعل أو وصف أو مصدر مثله - كما تقدم - وليس في الجملة شيء من ذلك. فإن المصدر المذكور (له زئير) لا يصلح للعمل في المصدر بعده، لأن شرط إعمال المصدر أن يكون بدلاً من الفعل، أو مقدراً بالحرف المصدري والفعل. وهذا على قول في المسألة، وذهب ابن مالك في التسهيل (3/106، 111) إلى أن ذلك لا يشترط بل هو غالب. وعليه فيصح أن يكون النصب بالمصدر المذكور، ولا حاجة إلى تقدير عامل.
(908) سورة الرعد، الآية: 22.
(909) سورة البقرة، الآية: 109.(1/354)
(910) ليس هناك أساليب معينة يتعين إعراب المصدر فيها مفعولاً لأجله ولو اجتمعت شروطه. ولهذا كثر إعراب المصدر مفعولاً لأجله ومفعولاً مطلقاً. أو مفعولاً لأجله وحالاً. أو جواز الثلاثة. ذكر ذلك صاحب كتاب (دراسات لأسلوب القرآن) الشيخ محمد عضيمة - رحمه الله - وذكر أمثلة لذلك (3/2/636).
(911) سورة الرحمن، الآية: 10.
(912) سورة الإسراء، الآية: 87.
(913) وعلى هذا المعنى فهو مثال آخر. ويحتمل أنه تكميل للمثال، والمعنى: اجعل ذلك عادة لك، فلا تزال تجود على الناس شكراً لما أعطيت، من دان يدين بالشيء إذا اتخذه ديناً وعادة، وقيل: من دنته إذا جازيته، أي: جازِ من أعطاك شكراً له. وعلى هذا المعنى الأخير فهو مثال ثان، كالمعنى الأول، ذكر ذلك الشيخ خالد الأزهري، في إعراب الألفية ص53.
(914) سورة الأنبياء، الآية: 35.
(915) الجبن: أي: الخوف والفزع. الهيجاء: الحرب، وهي تقصر وتمد، وقوله: (ولو توالت زمر الأعداء) لو: حرف شرط غير جازم. واستغنت عن الجواب لدلالة السياق عليه.
(916) سورة البقرة، الآية: 19.
(917) هناك نوع آخر من المفعول لأجله، وهو المصدر المؤول من (أن والفعل) على تقدير مضاف: (كراهة أن)، (مخافة أن) عند البصريين ، وعلى تقدير (لا) النافية عند الكوفيين كقوله تعالى: (يبين الله لكم أن تضلوا( فـ(أن تضلوا) في تأويل مصدر منصوب أي: كراهة أن تضلوا. أو لئلا تضلوا، وقيل غير ذلك، وقوله تعالى: (فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة( أي: كراهة أن تصيبوا أو لئلا تصيبوا.
(918) انظر حاشية ابن الحاج على شرح المكودي (1/158).
(919) أي: يشير إلى معناها ويكون مقدراً في نظم الكلام. وليس المعنى أن هذا الحرف انتقل معناه إلى الظرف. وصار غير منظور إليه، لأن هذا يقتضي البناء، كما تقدم.
(920) سورة يوسف، الآية: 12. أرسل: فعل أمر دعائي، والفاعل (أنت)، والهاء مفعول به (يرتع): فعل مضارع مجزوم جواب الطلب، والفاعل (هو).(1/355)
(921) سورة الشورى، الآية: 7. لتنذر: اللام للتعليل (تنذر) فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، والفاعل أنت، (أم القرى) مفعول به ومضاف إليه، (ومن حولها) اسم موصول في محل نصب معطوف على (أم)، (حولها) ظرف منصوب متعلق بمحذوف صلة.
(922) سورة النساء، الآية: 127.
(923) سورة غافر، الآية: 18. الآزفة: القيامة القريبة لأن كل آت قريب.
(924) سورة آل عمران، الآية: 185.
(925) سورة الأنفال، الآية: 12. فوق: على بابها والمراد الرؤوس إذ هي فوق الأعناق قاله عكرمة. لكن يشكل عليه أن تكون (فوق) متصرفة لأنها لا تكون ظرفاً على هذا المعنى بل مفعولاً به لأنه يريد بـ(فوق) المضروب. أو يراد بـ(فوق) الظرفية المكانية أي اضربوا المكان فوق عظم العنق ودون عظم الرأس في المفصل.
(926) سورة يونس، الآية: 60، ما: اسم استفهام مبتدأ (ظن) خبر (الذين) مضاف إليه وجملة (يفترون) صلة.
(927) سورة مريم، الآية: 95. كلهم: مبتدأ (آتيه) خبر (فرداً) حال من الضمير في (آتيه).
(928) سورة الأنفال، الآية: 42. راجع وقوع الخبر ظرفاً في باب المبتدأ والخبر.
(929) سورة الحج، الآية: 47. كألف سنة: متعلق بمحذوف خبر (إن) أو هو الخبر. (مما تعدون) من: حرف جر، و(ما) حرف مصدري، والمصدر المؤول مجرور بـ(من) متعلق بمحذوف نعت لـ(ألف سنة).
(930) سورة الملك، الآية: 19.
(931) ويجوز أن يكون متعلقاً باسم الفاعل (صافات)، ولا شاهد في الآية حينئذ.
(932) سورة البقرة، الآية: 177. والصابرين: الواو عاطفة، أو استثنائية، والصابرين: مفعول به لفعل محذوف تقديره: أمدح، في البأساء: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير في (الصابرين)، وحين البأس: ظرف زمان منصوب متعلق بما تعلق به الجار قبله، وجملة (أمدح الصابرين) مستأنفة؛ لأنها مقطوعة للمدح، أو معطوفة على جملة (ليس) وهي مستأنفة.(1/356)
(933) سورة الإسراء، الآية: 13. كل: مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور. وجملة (ألزمناه) لا محل لها تفسيرية، (طائره) مفعول ثان.
(934) سورة يوسف، الآية: 16.
(935) سورة الأحزاب، الآية: 42.
(936) سورة الملك، الآية: 19.
(937) سورة مريم، الآية: 64.
(938) سورة الكهف، الآية: 82.
(939) حاشية شرح الأزهرية ص(111).
(940) الغلوة: بفتح الغين، مائة باع. والميل: مقياس طول بمقدار مد البصر، وفي الشريعة يعادل ألف باع، والباع أربعة أذرع شرعية، والذراع: مسافة ما بين طرفي المرفق إلى نهاية طرف الإصبع الوسطى من اليد، وهو يعادل = 46.2سم. فتكون مسافة الميل: 4×1000×46.2 = 1848م والفرسخ: ثلاثة أميال، أي: ما يعادل 5540م والبريد: مقياس طول ثابت المقدار في الشريعة حدد باثنى عشر ميلاً. أي: ما يعادل بحساب الذراع الشرعية: 22176م (عن هامش كتاب الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان لابن الرفعة ص77).
(941) سورة الجن، الآية: 9.
(942) معناه: أن فلاناً قريب مني كقرب مكان قعود القابلة عند توليد المرأة.
(943) معناه: أن فلاناً بعيد كبعد المكان الذي يزجر إليه الكلب. ويراد به الذم.
(944) معناه: أن فلاناً في مكان بعيد كبعد الثريا عمن يروم أن يتصل بها. بمعنى: أنه فريد في شرفه، ورفعه قدره.
(945) وفي هذه الحالة لا يسمى ظرفاً ولا يعرب مفعولاً فيه ولو دل على زمان أو مكان.
(946) سورة البقرة، الآية: 254.
(947) سورة هود، الآية: 103.
(948) سورة يونس، الآية: 22.
(949) مما يلزم النصب على الظرفية فلا يتصرف (ذا، ذات) مضافين إلى زمان نحو: لقيته ذا صباح وذا مساء وذات يوم وذات ليلة. فيلزمان النصب على الظرفية الزمانية ولا يجوز جرهما بـ(في) ولا وقوعهما في موقع إعرابي آخر. وقد تضاف (ذات) إلى كلمة (اليمين) أو (الشمال) فتصير ظرف مكان متصرفاً نحو: تتحرك الأشجار ذات اليمين وذات الشمال. وتقول: منزلك ذاتُ اليمين والمسجد ذاتُ الشمال.(1/357)
(950) سورة القمر، الآية: 34.
(951) سورة يوسف، الآية: 109.
(952) سورة فصلت، الآية: 29.
(953) سورة البقرة، الآية: 25.
(954) سورة البقرة، الآية: 144. فولِّ: الفاء بحسب ما قبلها، ولّ: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة. والفاعل (أنت). شطر: ظرف مكان منصوب.
(955) سورة مريم، الآية: 68. وقوله تعالى: (حول جهنم) ظرف مكان منصوب متعلق بـ(لنحضرنهم). و(جثياً) حال.
(956) سورة الزمر، الآية: 75. و(حافين) حال من الملائكة لأن (ترى) من رؤية العين تتعدى إلى مفعول واحد.
(957) ذكر ابن هشام في "مغني اللبيب" (ص471) أن (واو المفعول معه لم تأت في القرآن بيقين، ومعنى ذلك أنه لم يأت في القرآن آية يتعين فيها النصب على أنه مفعول معه، بل يحتمل ذلك ويحتمل العطف). وقد ذكر الأستاذ عضيمة - رحمه الله - في دراساته لأساليب القرآن أمثلة ذلك. فانظر: القسم الأول ج3ص510 وما بعدها. ومن ذلك قوله تعالى: (فوربك لنحشرنهم والشياطين( فالواو يجوز أن تكون للعطف، وبمعنى (مع) ورجحه الزمخشري، وقوله تعالى: (وسخّرنا مع داود الجبال يسبحن والطير( فالواو في قوله: (والطير) إما عاطفة على (الجبال) أو بمعنى (مع) و(الطير) مفعول معه.
(958) جاء في كتابه (الكامل) (1/431) عند ذكره لكتاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى معاوية المطالب بدم عثمان رضي الله عنه قال: (وأما قوله: ما أنت وعثمان؟ فارفعُ فيه الوجهُ. لأنه عطف اسماً ظاهراً على اسم مضمر منفصل وأجراه مجراه، وليس هنا فعل فيحمل على المفعول (أي: بحيث يكون مفعولاً) فكأنه قال: فما أنت؟ وما عثمان؟ هذا تقديره في العربية، ومعناه لست منه في شيء. وقد ذكر سيبويه - رحمه الله - النصب وجوزه جوازاً حسناً، وجعله مفعولاً معه، وأضمر (كان) من أجل الاستفهام، فتقديره عنده: (ما كنت فلاناً؟)) أ.هـ المقصود من كلام المبرد.(1/358)
لكن نصَّ سيبويه كما في الكتاب (1/309) بأن الرفع أجود وأكثر في (ما كنت وزيد) ونَقْلُ المبرد عن سيبويه يوجد في بعض نسخ (الكامل) دون بعض، وهي النسخة التي حققها محمد بن أحمد الدالي.
(959) سورة البقرة، الآية: 35.
(960) سورة المائدة، الآية: 24.
(961) الكُليتين: بضم الكاف ويقال: الكلوتين. بضم الكاف، لحمتان حمراوان لاصقتان بعظم الصلب، والطحال: بكسر الطاء دم متجمد، وقوله: (أنتم) توكيد لواو الجماعة. والمراد بقوله: (وبني أبيكم) الأخوة. والمعنى: كونوا أنتم مع إخوتكم متوافقين متصلين اتصال بعضكم ببعض، كاتصال الكليتين وقربهما من الطحال، وأراد بهذا الحث على التقارب والائتلاف.
(962) بقي حالة رابعة وهي وجوب العطف وامتناع النصب على المعية، وذلك إذا كان الفعل أو ما يشبهه يستلزم التعدد نحو: اتفق صاحب المؤسسة والعامل. أو يوجد ما ينافي المعية نحو: حضر عاصم وهشام قبله، ففي الأول لا يتحقق معنى الفعل إلا بالفاعل المتعدد. فصار ما بعد الواو عمدة. وفي الثاني لا تمكن المعية بسبب وجود كلمة (قبل) وقد أشرت لهذا في شرح التعريف.
(963) هناك خلاف طويل في ناصب المستثنى يصل إلى ثمانية أقوال، وهو خلاف ليس له أثر في أحكام المستثنى وضبطه. ويكفي أن يقال: مستثنى منصوب على الاستثناء، وظاهر تعبير ابن مالك أن الناصب له هو (إلا) حيث يقول: (ما استثنت الا مع تمام ينتصب) ويقول بعد أبيات: (وألغ (إلا) . . . ) والظاهر أن المراد إلغاؤها عن العمل. وقد نصر هذا القول بما لا مزيد عليه في كتابه (التسهيل) وشرحه (2/271) ونسبه لسيبويه والمبرد والجرجاني. وقيل: إن الناصب له الفعل قبلها أو بغيره مما يعمل عمل الفعل وقيل غير ذلك.(1/359)
(964) قد ورد المستثنى بعد الكلام التام الموجب مرفوعاً في الشعر والنثر، فمن النثر ما ورد في صحيح البخاري: "فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم" وحديث جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل أمتي معافى إلا المجاهرون" متفق عليه. وفي بعض الروايات بالنصب فيهما.
وقد ورد قراءات عن بعض السلف في بعض الآيات التي جاء فيها الكلام موجباً قرأوا بالرفع ولكنها غير سبعية - حسب ما اطلعت عليه - إلا ما ذكر (أبو حيان في تفسيره (5/192) نقلاً عن الزمخشري أن الكسائي - وهو من السبعة - قرأ بالرفع في قوله تعالى: (فلولا كانت قرية ءامنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس( قرأ (إلا قومُ) بالرفع.
ومن الشعر قوله:……وبالصَّريمة منهم منزل خَلَقٌ……عافٍ تغير إلا النُّؤْيُ والوَتِدُ
[والصريمة: الرملة المنصرمة من معظم الرمل، وهو اسم موضع، خَلَق: بفتحتين البالي، والعافي: الدارس، والنُّؤْىُ: بنون مضمومة وهمزة ساكنة. حفيرة لمنع السيل عنه. والوتد: معروف].
فالشاعر رفع المستثنى (النُّؤْيُ) مع أن الكلام تام موجب. قال ابن مالك في كتابه "التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح" ص41: (حق المستثنى بـ(إلا) من كلام تام موجب أن ينصب . .. ولا يعرف أكثر المتأخرين من البصريين في هذا النوع إلا النصب. وقد أغفلوا وروده مرفوعاً بالابتداء، ثابت الخبر ومحذوفه) ثم ساق الأمثلة والشواهد.(1/360)
وما ذكره ابن مالك - رحمه الله - من الرفع على أنه مبتدأ هو الإعراب الواضح، فقوله: (إلا أبو قتادة) مبتدأ (لم يحرم) خبره، وقوله: (إلا المجاهرون) مبتدأ، وخبره محذوف أي: لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعاقبون، وفي البيت يكون التقدير: لكن النؤي والوتد لم يتغيرا، ويجوز الرفع على البدلية، كما نقله ياسين عن ابن عصفور. وأما ما يرد في بعض كتب النحو من تأويل هذه النصوص على أنها من باب الاستثناء غير الموجب وأن رفعها على البدلية، لتساير القاعدة في هذا النوع فلا داعي له، كقولهم: إن معنى (تغيَّر) لم يبق على حاله، فالكلام يتضمن نفياً في المعنى. وهذا غير مقبول، فإن الرفع لغة لبعض قبائل العرب، كما ذكر ذلك أبو حيان، ونقله عنه الصبان (2/14) وياسين في حاشيته على التصريح (1/348) مما يفيد أن النصب ليس بواجب في الموجب، بل يجوز الرفع، على ما ذكره ابن مالك، ويكون المستثنى حينئذ جملة، وقد ذكر ابن هشام في المغني (ص558) جملة الاستثناء هذه، وأنها من الجمل التي لها محل من الإعراب. ويجوز رفعه على أنه تابع لما قبله، كما نقله ياسين عن أبي الحسن بن عصفور كما أسلفنا.
(965) سورة البقرة، الآية: 249.
(966) سورة النور، الآية: 6. والذين: اسم موصول مبتدأ، خبره جملة (فشهادة أحدهم أربع شهادات) وزيدت الفاء في الخبر لشبه الموصول بالشرط. (ولم يكن) الواو حالية. (لهم) خبر مقدم لـ(يكن) (شهداء) اسم (يكن) مؤخر: (إلا أنفسهم) بدل من (شهداء) مرفوع.
(967) سورة النساء، الآية: 66. لو: شرطية غير جازمة (أنا) أن: حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر و(نا) اسمها (كتبنا) الجملة خبر (أن) (أن اقتلوا) أن: تفسيرية. أو مصدرية. فهي وما بعدها في تأويل مصدر مفعول به لـ(كتبنا) وعلى أنها تفسيرية فالجملة لا محل لها من الإعراب. (أو اخرجوا من دياركم( معطوف على الجملة التفسيرية.(1/361)
(968) ذكر مكي - رحمه الله - في الكشف (1/392) أن قراءة الرفع أرجح، لأن أكثر المصاحف لا ألف فيها في (قليل)، ولأن عليه بني الأعراب، وهو الأصل في الإعراب، وعليه جماعة القراء.
(969) سورة النساء، الآية: 157. ما لهم: (ما) نافية لا عمل لها. (لهم) خبر مقدم، (به) متعلق بمحذوف حال من (علم) أو من الضمير المستتر في الخبر المحذوف، (من علم) (من) حرف جر زائد إعراباً مؤكد (علم) مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، (إلا اتباع الظن) منصوب على الاستثناء المنقطع.
(970) الشيعة: بكسر الشين - الأنصار والأعوان. والمذهب: المقصد والطريقة. وقوله (ما) نافية مهملة (لي) خبر مقدم (شيعة) مبتدأ مؤخر.
(971) كتاب سيبويه (2/337).(1/362)
(972) يشترط النحويون للاستثناء المفرغ تقدم نفي أو شبهه، معللين ذلك بأن وقوع المفرغ بعد الإيجاب يتضمن المحال أو الكذب، كأن يقول: أكرمت إلا زيداً، وخالف ابن الحاجب الجمهور، فأجاز وقوعه بعد الإثبات، وذلك في الفضلات، بشرط الإفادة نحو: قرأت إلا يوم الخميس، لأنه يجوز أن يقرأ الأيام كلها إلا يوماً. وما ورد من مجيء المفرغ بعد الإثبات فهو مؤول - عندهم - على أن الإثبات يراد به النفي كقوله تعالى: (ويأبى الله إلا أن يتم نوره( فـ(أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر، مفعول (يأبى) فهذا استثناء مفرغ بعد الإثبات، لكنهم يقولون إن معنى (يأبى) أي: لا يريد، والحق أنه لا داعي لهذا التأويل، ولا مانع من القول بوقوع الاستثناء المفرغ بعد الإثبات استناداً إلى ما ورد في القرآن الكريم من الآيات المتعددة، التي بلغت ثماني عشرة آية، وفي بعضها من التوكيد ما يبعد تأويل الإثبات بنفي، قال تعالى: (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين( وقال تعالى: (لتأتنني به إلا أن يحاط بكم( ولو أن ابن الحاجب استدل بهذه الآيات لكان أجمل، وأما المثال الذي أورده (قرأت إلا يوم كذا) فإنه لم يخرج عن تعليل النحويين، فهل من المستطاع أن يقرأ الإنسان في جميع أيامه حتى وهو طفل رضيع؟ أليس هذا من الكذب الذي منعوا وقوع المفرغ بعد الإثبات بسببه؟ وأين الإفادة في هذا المثال؟! (راجع دراسات الأستاذ عضيمة 1/ ص8، 172 وما بعدها).
(973) سورة البقرة، الآية: 99.
(974) سورة الأنعام، الآية: 47.
(975) سورة النساء، الآية: 171.
(976) سورة العنكبوت، الآية: 46.
(977) انظر: حاشية ابن الحاج على شرح المكودي (1/167، 168).(1/363)
(978) ذكر ابن مالك في الكافية وشرحها (4/1979) أن ربيعة تقف على المنصوب المنون بالتسكين نحو: رأيت زيدْ. كما يقال: جاء زيدْ. ومررت بزيدْ. قال ابن عقيل: والظاهر أن هذا غير لازم في لغة ربيعة، ففي أشعارهم كثر الوقف على المنصوب المنون بالألف، فكأن الذي اختصوا به جواز الإبدال ا هـ من حاشية الصبان (4/204) وقد مضى ذكر ذلك في آخر باب العلم، ويذكر في أول الوقف إن شاء الله.
(979) وهي مؤولة بالمشتق (مغاير) لأنها اسم جامد، والنعت لا يكون في الأغلب إلا مشتقاً أو مؤولاً به، كما سيأتي إن شاء الله في بابه.
(980) سورة فاطر، الآية: 37.
(981) سورة الفاتحة، الآيتان: 6 - 7. صراط: بدل من صراط الأول. (ولا الضالين) الواو عاطفة. لا: للتأكيد (الضالين) معطوف على (غير) مجرور مثله، وعلامة جره الياء.
(982) فإن قيل: كيف وقعت (غير) صفة للاسم الموصول وهو معرفة وهي نكرة؟ فالجواب: أن من النحويين من قال: إنها تتعرف بالإضافة إلى المعرفة، لا سيما إذا وقعت بين ضدين، فإن الغيرية تنحصر فتتعرف بالإضافة، والذين قالوا: لا تتعرف، قالوا: إنها صفة للموصول وحده من غير الصلة، وهو بمنزلة النكرة.
(983) وسيأتي لها زيادة بحث في باب الإضافة إن شاء الله تعالى.
(984) هي في الأصل صفة للمكان، كما في قوله تعالى: (مكاناً سُوىً( أي: مستوياً، ثم استعمل موضع مكان، ثم موضع بدل، فإذا قلت: قام القوم سوى زيد، فمعناه: بدل زيد، والظاهر أنها مثل (غير) فلا فرق بين هذا وقولك: قام القوم غير زيد.
(985) من النحاة من قال: إنها تستعمل ظرفاً وغير ظرف، والأول أكثر. وابن مالك والكوفيون يرون أن الاستعمالين سواء، وليس أحدهما ضرورة ولا خاصاً بالشعر.(1/364)
(986) المعنى: لا ينطق كلمة السوء والفحشاء من كان من هؤلاء القوم إذا جلسوا من أجلنا ولا من غيرنا، والبيت استدل به سيبويه على أن (سوى) ظرف غير متصرف ولا تفارقها الظرفية إلا في ضرورة الشعر. وردَّ عليه بـ(عند) فإنه ظرف ويدخل عليه (من) فالبيت عند سيبويه ضرورة، لكن مجيئها مجرورة بـ(من) دليل على أنها تتأثر بالعوامل.
(987) المعنى: إذا زهد الناس في تحصيل المكارم فأنت الذي ترغب فيها وتسارع إليها.
(988) المعنى: عندما صرح وظهر الشر وانتهت المهادنة، ولم يسبق سوى الظلم الصريح جازيناهم بما فعلوا ودناهم كما دانوا.
(989) سيأتي قريباً معناه وإعرابه إن شاء الله.
(990) أي لا تجوز التذكية بالسن، لأنه عظم، والظفر لأنه مدى الحبشة، كما في تمام الحديث والمدية: السكين.
(991) في كتابه (2/349).
(992) المعنى: غير الله تعالى لا أرجو سواك، فأنت أهل للإحسان إلي و إلى عيالي الذين أعتبرهم فريقاً من عيالك. وقوله (عيالي) مفعول أول لـ(أعد) والياء مضاف إليه. (شعبة) مفعول ثان.
(993) أبحنا: أهلكنا. حيهم: الحي هو القبيلة. والمباح في الأصل ما لا يمنع منه مافع. الشمطاء: العجوز. قوله (قتلاً) تمييز وقوله (عدا الشمطاء والطفل الصغير) مجرور بـ(عدا) والصغير: صفة والدليل على الجر البيت الذي قبله وهو
تركنا في الحضيض بنات عوج……عواكف قد خضعن إلى النسور
والحضيض: قرار الأرض، وبنات عوج: أي بنات خيول عوج جمع أعوج وهو فرس مشهور عند العرب. (قد خضعن) أي ذللن.
(994) وقيل الجار والمجرور في موضع نصب عن تمام الكلام، أي: تمام الجملة قبلهما، فتكون هي الناصبة. وهذا مطرد، سواء وجد فعل أو لا.
(995) المعنى: كل شيء في هذه الدنيا فهو إلى الزوال، إلا المولى سبحانه وتعالى، وكل نعيم في هذه الدنيا فهو ذاهب ومنتهي، فليعتبر بذلك المعتبرون، وقوله: (لا محالة) لا: نافية للجنس، ومحالة: اسمها، وخبرها محذوف و(زائل) خبر المبتدأ (كل).(1/365)
(996) وذلك لأنهم إن قالوه بالقياس على زيادة (ما) مع بعض الحروف فهو فاسد، لأن (ما) تزاد بعد الجار نحو: (عما قليل) (فبما رحمة) وهنا زيدت قبل الجار. فظهر الفرق بين المقيس والمقيس عليه، وإن قالوه بالسماع فهو من الشذوذ بحيث لا يحتج به.
(997) رأى هنا - علمية - والناس: مفعول أول، والمفعول الثاني محذوف تقديره: رأيت الناس أقلَّ منا أو دوننا، ونحو ذلك،ما حاشا: ما: مصدرية وحاشا: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر، قريشاً: مفعول به، فإنا: الفاء للتعليل، (نحن) توكيد للضمير المتصل الواقع اسماً (لإنَّ) - (فَعالاً) بفتح الفاء تميز، ويجوز أن تكون الفاء زائدة في قوله: (فإنا) والجملة هي المفعول الثاني لرأى.
(998) هذا التعريف باعتبار الغالب. فقد تكون غير وصف.
(999) وذلك لأن بعض الأحوال بمنزلة العمدة في إتمام المعنى الأساسي للجملة، أو في منع فساده. فالأولى كالحال التي تسد مسد الخبر، كما تقدم في مواضع حذف الخبر وجوباً نحو: احترامي الطالب مهذباً. فإن المعنى الأساسي للجملة لا يتم إلا بذكر الحال والثانية كقوله تعالى: (ربنا ما خلقت هذا باطًلا( وقوله تعالى: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين( فلو حذف الحال لفسد المعنى، لأنه يصير نفياً.
لهذا اضطر النحاة إلى أن يعرفوا الفضلة في باب الحال تعريفاً خاصاً، ولو قالوا: في التعريف: الحال وصف ليس ركناً في الإسناد، لكان أدق.
(1000) وذلك كالمبتدأ على القول الراجح، وهو صحة مجيء الحال من المبتدأ، أو ما أصله المبتدأ، كقوله تعالى: (ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة( فـ(إماماً) حال من (كتاب موسى) الواقع مبتدأ، خبره الجار والمجرور قبله، وقوله تعالى: (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم( فـ(عند) ظرف متعلق بمحذوف حال من (جنات النعيم) الواقعة اسماً لـ(إنَّ) مؤخراً.(1/366)
وإذا كان مجيء الحال من المبتدأ مؤيداً بالسماع فلا قيمة للرأي الذي يرفض ذلك ولا يجيزه بناءً على تعليل مدون في كتب النحو.
(1001) سورة الأعراف، الآية: 29.
(1002) سورة البقرة، الآية: 213.
(1003) سورة الأنفال، الآية: 69.
(1004) الزرافة: بفتح الزاي، وضمها، حيوان طويل اليدين قصير الرجلين فيها شبه بكثير من الحيوان راجع: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/5).
(1005) سورة النساء، الآية: 28.
(1006) سورة النساء، الآية: 79.
(1007) سورة يونس، الآية: 99. لآمن: اللام رابطة لجواب لو في قوله تعالى: (ولو شاء ربك لآمن) (آمن) فعل ماض، (من) اسم موصول فاعل، (في الأرض) صلة، (كلهم) كل: توكيد معنوي للموصول، و(هم) مضاف إليه، (جميعاً) حال مؤكدة من الاسم الموصول.
(1008) سورة آل عمران، الآية: 18.
(1009) يرى بعض النحاة أنه لا حاجة إلى تكلف تأويل الحال الجامدة بمشتق؛ لأن الحال هو المبين للهيئة، وكل ما قام بهذه الفائدة فقد حصل فيه المطلوب من الحال، فلا يتكلف تأويله بالمشتق.
(1010) تقدم أن الجامد من الأسماء هو ما لم يؤخذ من غيره. والمشتق. هو الذي أخذ من غيره. والجامد الاسمي قسمان: اسم ذات، وهو ماله صورة محسوسة مثل: كتاب، باب، جدار. واسم معنى، وهو ما كان من مدركات العقل وليس له جسم نحو:جلوس، ضرب، علم. وغير ذلك، والمشتق مثل: قائم، فهو مأخوذ من القيام.
(1011) سورة مريم، الآية: 17.
(1012) سورة الأعراف، الآية: 142.(1/367)
(1013) سورة الأعراف، الآية: 74. الحال في هذه الآية من الحال المقدرة وهي الحال المستقبلة، التي يتحقق معناها بعد وقوع معنى عاملها. ففي الآية الكريمة لم تكن الجبال وقت النحت بيوتاً، لأن زمن كونها بيوتاً متأخر عن زمن نحتها، ومثله لو قلت: ادخلوا المسجد سامعين المحاضرة، فإن سماعهم متأخر عن زمن دخولهم. قال تعالى: (والنخل والزرع مختلفاً أكله( فـ(مختلفاً) حال مقدرة، لأنه لم يكن وقت الإنشاء مختلف الأكل، ويقابل الحال المقدرة الحال المقارنة، وهي التي يتحقق معناها في زمن تحقق معنى عاملها بدون تأخر، كقولك: جاء عبد الله مسروراً، فزمن السرور هو زمن وقوع لمجيء.
(1014) سورة الإسراء، الآية: 61.
(1015) اعلم أن لفظ: (وحده) اسم موضوع موضع المصدر، وهو يعرب حالاً، وهو لا يثنى ولا يجمع، وأكثر ما يستعمل هذا اللفظ لنفي الاشتراك في الفعل كما في قولك: كلمني خالد وحده.
(1016) يقال هذا لإنسان عُهِدَ منه عدم الاستقرار على ما يُنقل إليه، بل يرجع إلى ما كان عليه انظر: "الكامل" لابن الأثير (1/372).
(1017) سورة النساء، الآية: 10.
(1018) سورة النساء، الآية: 19.
(1019) سورة البقرة، الآية: 260.
(1020) سورة نوح، الآية: 8.
(1021) سورة السجدة، الآية: 16.
(1022) سورة الرعد، الآية: 15.
(1023) سيبويه لا يقيس على وقوع المصدر حالاً، والجمهور يؤولون ما ورد من مجيء المصدر حالاً على أنه من المشتق، كاسم الفاعل، أو أنه منصوب على المصدرية لفعل محذوف، ففي قوله تعالى: (ثم ادعهن يأتينك سعياً( حال من ضمير الطير، أو أنه مصدر لفعل محذوف، والظاهر إعراب هذه المصادر حالاً، ولا حاجة للتأويل ولا للتقدير.
(1024) نقل السيوطي في الهمع (1/238) عن أبي حيان قوله: (إن ورود المصدر حالاً أكثر من وروده نعتاً).(1/368)
(1025) المعنى: أن اللوم المؤثر المفيد هو لوم الإنسان نفسه، لأن ذلك يدل على شعوره بالخطأ، وأن ما في يد الإنسان من المال أقرب منالاً مما في أيدي الناس، وقوله: (لائم) فاعل و(مثلها) حال، وهو من الألفاظ التي لا تستفيد التعريف.
(1026) فُلك: بضم فسكون - السفينة. وهو للمفرد والجمع بلفظ واحد، وقد تضبط العين بحركة الفاء كما في هذا البيت (ماخر) مخرت السفينة أي: جرت تشق الماء مع صوت، (اليم) البحر أو الماء.
(1027) سورة فصلت، الآية: 10. في أربعة: جار ومجرور متعلق بالفعل (قدر) وهو على تقدير: في تمام أربعة أيام، ولو لا ذلك لكانت الأيام ثمانية: يومان في الأول وهو قوله: (خلق الأرض في يومين( ويومان في الآخر وهو قوله: (فقضاهن سبع سموات في يومين(.
(1028) سورة الحجر، الآية: 4.
(1029) الركون: الميل، الإحجام: التأخر وعدم الإقدام، الوغَى: الحرب، الحمام: الموت. والمعنى: لا يسوغ لأحد أن يفكر في التخلف وعدم الإقدام وقت الحرب خوفاً من الموت، فالموت مقدر له أجل.
(1030) يا صاح: منادى مرخم على غير قياس لأنه غير علم. والترخيم حذف آخر المنادى، هل حُم: بضم الحاء، أي: قدر، عيش: حياة، والمعنى: يا صاحبي هل قدر للإنسان حياة دائمة فيكون لك العذر في هذه الأمال البعيدة والتكالب على جمع الحطام؟؟ وقوله: (عيش) نائب فاعل (الأملا) مفعول للمصدر والألف للإطلاق.
(1031) بيضاً: مفرده أبيض، والمراد بها الدراهم، لأنها من الفضة، وهي بيضاء و(بيضاً) حال، ولا يجوز أن تكون تمييزاً، لأن تمييز المائة لا يكون جمعاً منصوباً، بل مفرداً مجروراً، ولأنك لو رفعته وقلت: عليه مائة بيض. لكان نعتاً، فليكن في حال النصب حالاً.
(1032) وهو شاكٍ: بتخفيف الكاف، بوزن قاضٍ، من الشكاية، وهي المرض، وكان ذلك بسبب سقوطه عليه الصلاة والسلام عن فرس، كما ورد ذلك في حديث أنس رضي الله عنه انظر: فتح الباري (2/178) باب (إنما جعل الإمام ليؤتم به).(1/369)
(1033) سورة الأنعام، الآية: 48.
(1034) شرح التسهيل لابن مالك (2/336).
(1035) سورة سبأ، الآية: 28.
(1036) وقيل لا شاهد في الآية، وأن (كافة) حال من الكاف في قوله تعالى: (وما أرسلناك( والتاء للمبالغة، والمعنى: إلا شديد الكف للناس من الشرك ونحوه، وقد ردَّ ابن مالك هذا الإعراب في التسهيل وشرحه: (2/337). فإن قيل: يلزم على استدلالكم بالآية تقدم الحال المحصورة، وقد ذكرتم قبل قليل أنه لا يجوز؟ فالجواب: أن بعض النحاة يجيز تقدم المحصور بـ(إلا) لعدم اللبس، كما تقدم في باب الفاعل.
(1037) أذواد: جمع ذود، وهي الإبل من الثلاث إلى العشر. فرغاً: أي: هدراً. حبال: اسم ابن الشاعر، وهو طليحة الأسدي. وقيل ابن أخيه. وكان المسلمون قد قتلوه في حروب الردة.
(1038) تسليت: تصبرت، طراً، أي: جميعاً، وهي حال، ومثلها: قاطبة وكافة، تقول: حضر الطلاب طراً أي: جميعاً، ومعنى البيت: تصبرت عنكم جميعاً بعد فراقكم، وقد ورد من كلام أهل اللغة ما يفيد أن كلمتي (قاطبة وكافة) ليستا ملازمين للحال، وهذا قليل فلا يُفَنّد من نطق به.
(1039) قالوا: لأن تعلق العامل بالحال تابع لتعلقه بصاحبه، فحقه إذا تعدى لصاحبه بواسطة أن يتعدى إلى الحال بتلك الواسطة، ولما كان الفعل لا يتعدى بحرف واحد مع التصريح به إلى شيئين استعاضوا عن ذلك بالتزام تأخير الحال ليكون في حيّز الجار!!!. وقد رَدَّ ذلك ابن مالك في كتابه (التسهيل) (2/339). راجعه إن شئت.
(1040) سيأتي - إن شاء الله - في أوائل حروف الجر الكلام على حرف الجر الأصلي والزائد.
(1041) سورة المائدة، الآية: 105.
(1042) سورة الحجر، الآية: 47.
(1043) سورة الحجرات، الآية: 12.
(1044) وقيل: حال من المفعول (لحم)، ولا شاهد في الآية على هذا الإعراب.(1/370)
(1045) سورة النحل، الآية: 123. (أن اتبع) أن: حرف تفسير، وجملة (اتبع) لا محل لها من الإعراب تفسيرية. ويصح أن تكون (أن) مصدرية، والمصدر المؤول مجرور بحرف جر محذوف متعلق بـ(أوحينا). أو في محل نصب مفعول (أوحينا) انظر: حاشية الجمل (2/604).
(1046) وهم جمهور النحاة خلا سيبويه، وسبب الخلاف في هذا الاشتراط هو: هل يجب أن يتحد عامل الحال وصاحبها أو لا يجب؟ فالجمهور على وجوب اتحاد عامل الحال وصاحبها، كالنعت والمنعوت، فلا يجوز مجيء الحال من المضاف إليه إلا إذا تحقق واحد من الأمور الثلاثة، لأن المضاف إن كان عاملاً في المضاف إليه بسبب شبهه بالفعل كان عاملاً في الحال، فيتحد العامل في الحال وصاحبها. وإن كان المضاف إليه جزءاً من المضاف إليه أو كالجزء صار كأنه هو صاحب الحال لشدة اتصال الجزء بكله، فيصح توجه عامله للحال، وقال سيبويه: يجوز أن يكون العامل في الحال وصاحبه واحداً أو مختلفاً. فتأتي الحال من المضاف إليه مطلقاً.
(1047) العامل في الحال قد يكون لفظياً، كالفعل والمصدر والوصف العامل، وقد يكون معنوياً كأسماء الإشارة وبعض الحروف - الآتية قريباً - وشبه الجملة. والكثير في الأمثلة اتحاد العامل في الحال وصاحبها ، وقد يختلف العامل في الحال والعامل والعامل في صاحبها كالحال من المبتدأ نحو: في المسجد خالد جالساً، فـ(جالساً) حال من (خالد) والعامل في الحال هو المبتدأ، والعامل في صاحب الحال هو الابتداء، وقد ذكرنا فيما سبق أن الحق هو صحة مجيء الحال من المبتدأ ولو اختلف العامل في الحال وصاحبها، إذ أن اتحادهما ليس بشرط على الراجح، وقد ذكرنا قريباً نحو هذا عند الكلام على الحال من المضاف إليه.
(1048) سورة القمر، آية: 7. وقدر قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي (خاشعاً) بالإفراد، وقرأ الباقون (خُشعاً) بالجمع و(أبصارهم) فاعل للوصف.(1/371)
(1049) أفعل التفضيل شبيه بالفعل الجامد، لأنه في كثير من أحواله لا يقبل علامة التأنيث ولا علامة التثنية أو الجمع، فخالف بذلك المشتقات الأصيلة، كاسم الفاعل واسم المفعول.
(1050) سورة النمل، الآية: 52.
(1051) من النحاة من يرى أن اسم الإشارة لا يعمل في الحال، والعامل فعل مقدر، والتقدير في الآية: انظروا إلى بيوتهم خاوية.
(1052) الفندق: هو المكان الذي ينزل فيه الغريب كثيراً. وجمعه فنادق (الوافي - معجم وسيط ص478).
(1053) عاذ: التجأ، بادي ذلة: ظاهر المهانة. ولاءً: من الموالاة ضد المعاداة.
إعرابه: (وهو) الواو للحال. و(هو) مبتدأ (بادي) حال من الضمير المستكن في (لديكم) الواقع خبراً للمبتدأ (ذلة) مضاف إليه.
(1054) سواء كانت الحال المتعددة من جنس واحد كالمفرد، أو مختلف كأن تكون الحال الأولى مفردة والثانية جملة، كقوله تعالى: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس( فـ(كسالى) حال مفرد، و(يراؤون) جملة، واعلم أن الأحسن والأكثر في لسان العرب أنه إذا اجتمع أوصاف متعددة بدىء بالاسم ثم بالجار والمجرور ثم بالجملة، كقوله تعالى: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه( فكذلك الحال لأنه وصف في المعنى. راجع كتاب (دراسات لأسلوب القرآن الكريم) ج3ق3 ص87 وما بعدها.
(1055) سورة الأعراف، الآية: 150.
(1056) سورة الفجر، الآية: 28.
(1057) سورة إبراهيم، الآية: 33.
(1058) سورة الأعراف، الآية: 54.
(1059) إذا تعددت الحال لواحد فهي الحال المترادفة، أي: المتوالية، ويجوز أن تكون الحال الثانية حالاً من الضمير المستتر في الأولى، وعندئذ تسمى الثانية (الحال المتداخلة) نحو: قدم خالد راكباً ضاحكاً، فـ(ضاحكاً) حال من (خالد) أو من ضمير (راكباً) وفي الآية الكريمة (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً( فـ(أسفاً) حال من الفاعل (موسى) أو من الضمير المستتر في (غضبان).
(1060) سورة التوبة، الآية: 25.(1/372)
(1061) سورة البقرة، الآية: 60.
(1062) سورة النمل، الآية: 19.
(1063) سورة النساء،ا لآية: 79.
(1064) سورة البقرة، الآية: 29.
(1065) سورة يونس، الآية: 15.
(1066) ويصح أن تكون حالاً من الضمير المحذوف مع العامل، كما سيأتي في تقدير عاملها.
(1067) سورة الأنعام، الآية: 126.
(1068) سورة الملك، الآية: 7.
(1069) سورة الأحزاب، الآية: 25.
(1070) سورة المنافقون، الآية: 5.
(1071) ويشترط في الجملة الحالية - أيضاً - أن تكون خبرية فلا تصلح الإنشائية أن تقع حالاً، وأن تكون غير مصدرة بدليل استقبال كالسين وسوف، ولهذا لا يصح إعراب جملة (سيهدين) في قوله تعالى: (إني ذاهب إلى ربي سيهدين( حالاً، بل هي استئناف بياني أو اعتراضية.
(1072) سورة يوسف، الآية: 14. الرابط في الآية الواو فقط، أما الضمير (نحن) فليس برابط لأنه لا يرجع لصاحب الحال، وهو (الذئب) أو ضمير يوسف.
(1073) سورة البقرة، الآية: 36.
(1074) سورة البقرة، الآية: 43.
(1075) سورة الحجر، الآية: 67.
(1076) سورة المدثر، الآية: 6.
(1077) أظافيرهم: جمع أظفور بزنة عصفور والمراد هنا: الأسلحة، نجوت: تخلصت.
(1078) سورة الصف، الآية: 5. (قد) تفيد التحقيق إذا دخلت على الماضي، كما قال تعالى: (قد أفلح المؤمنون(، والتقليل إذا دخلت على المضارع. والمضارع هنا معناه الماضي أي: وقد علمتم، كقوله تعالى: (قد يعلم ما أنتم عليه( وقيل: إنها للتحقيق. قال الزمخشري: دخلت لتوكيد العلم.
(1079) سورة البقرة، الآية: 2.
(1080) (ذا) مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب (الكتاب) بدل أو عطف بيان، أو أنه خبر، وجملة (لا ريب فيه) حال كما ذكرنا. فإن كانت خبراً عن المبتدأ (ذا) فلا شاهد في الآية.
(1081) سورة البقرة، الآية: 243.
(1082) سورة المائدة، الآية: 84.(1/373)
(1083) عهدتك: عرفتك، تصبو: تميل إلى اللهو والعبث، شبيبة: شباب وفتوة، صبًّا: عاشقاً. متيماً: مذللاً مستعبداً بالحب. وقوله: (فمالك) الفاء عاطفة و(ما) مبتدأ (لك) خبر (صبًّا) حال. (متيماً) صفة.
(1084) سورة الحجر، الآية: 11.
(1085) لم تَعرُ: لم تنزل، نائبة: حادثة من حوادث الدهر، لمرتاع بها: اسم فاعل من ارتاع وأصله الروع، وهو الخوف والفزع، وزرا: أي: معيناً وناصراً وملجأ وقوله: (امرأ) تمييز لفاعل (نعم) وهو الضمير المستتر، وجملة (نعم) وفاعله في محل رفع خبر مقدم، (هرم) مبتدأ مؤخر.
(1086) سورة آل عمران، الآية: 168.
(1087) سورة النساء، الآية: 90. حصرت: أي ضاقت صدورهم بقتالكم وقتال قومهم.
(1088) سورة يوسف، الآية: 16.
(1089) سورة القيامة، الآية: 3 - 4.
(1090) إذا قلت: اشرب هنيئاً وكل مريئاً، فـ(هنيئاً) حال منصوبة بالفتحة الظاهرة، والمعنى: ثبتت لك الهناءة في شربك، ويجوز إعرابها مفعولاً مطلقاً على تقدير: هنيء لك الشرب هناءة.
(1091) الذراع: مسافة ما بين طرفي المرفق إلى نهاية الأصبع الوسطى من اليد، وهو يعادل: 46.2سم، والإردب: مكيال ضخم لأهل مصر، ذكرته المراجع الإسلامية بعد فتح مصر. انظر الكلام عليه: في تعليق الدكتور محمد الخاروف في تحقيقه لكتاب "الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان" لابن الرفعة ص71. والذنوب: بوزن (رسول) الدلو العظيمة. قالوا: ولا تسمى (ذنوباً) حتى تكون مملوءة ماءً. والنحي: بكسر النون: وعاء السمن. والجمع: أنحاء. مثل حِمْل وأحمال. قال ذلك في المصباح المنير ص210 وص596. والرطل: بالكسر وهو أشهر من الفتح معيار يوزن به يزن 90 مثقالاً، والمثقال 4.53جرام، فيكون مقداره بالجرام 407.7 جرام أي: ما يقارب 408 جرام.
انظر: الإيضاح والتبيان ص(55، 56).
(1092) سورة آل عمران، الآية: 91.
(1093) سورة الزلزلة، الآيتان: 7-8.
(1094) سورة مريم، الآية: 4.
(1095) سورة القمر، الآية: 12.(1/374)
(1096) لأنه سيأتي جواز جره.
(1097) هذا رأي لابن مالك، ويرى آخرون أن عامل النصب في تمييز النسبة هو ما في الجملة من فعل أو شبهه، وهو قول سيبويه وجماعة، وحجة ابن مالك ومن وافقه كابن عصفور: أنه قد لا يكون في الجملة فعل ولا وصف نحو: هذا أخوك إخلاصاً، ويشكل على ظاهر عبارة ابن مالك - هنا - قوله فيما بعد: (والفاعل المعنى انصبن بأفعلا) وقوله: و(عامل التمييز قدم مطلقاً: والفعل ذو التصريف نزراً سُبقا) فإن هذا موافق لرأي سيبويه، وقد يجاب عنه بأن التمييز لما فسر إبهاماً نسبة الفعل إلى فاعله أو مفعوله فكأنه فسر الفعل نفسه. فكان التمييز منصوباً به، لأنه هو الذي يصح أن يكون عاملاً.
(1098 ) سورة آل عمران، الآية: 91.
(1099 ) وخلاصة ذلك كالآتي:
أ ) العددان ثلاثة وعشرة وما بينهما تمييزها جمع مجرور، لأنه مضاف إليه، والمضاف هو العدد. نحو: اشتريت ستة كتبٍ.
ب ) المائة والألف تمييزها مفرد مجرور، لأنه مضاف إليه، والعدد هو المضاف، نحو: عندي مائة كتابٍ، ومثل ذلك المئات والألوف.
ج) العدد غير ما سبق، تمييزه مفرد منصوب، نحو: عندي ثلاثةَ عشرَ كراسةً، وحفظت ثلاثين حديثاً.
والكلام في تمييز العدد طويل، ولهذا عقد له المصنف باباً مستقلاً.
(1100) سورة الكهف، الآية: 34.
(1101) فلا يجوز جره بالإضافة، لكن يجوز جره بـ(من) إذا لم يكن محولاً عن فاعل ولا مفعول نحو: لله دره فارساً، فيجوز: من فارس. أما المحول فيجب نصبه ولا يجوز جره بـ(من) وكذا نحو: ما أحسن المهذب رجلاً، فإنه مفعول في المعنى، لكنه غير محول، لأنه عين ما قبله، فيجوز جره بـ(من) لما ذكر.(1/375)
(1102) فارساً: تمييز لبيان جنس المتعجب منه المبهم في النسبة، والدر في الأصل: مصدر درَّ اللبن يدر دراً، إذا كثر. ثم سمى اللبن نفسه دراً. والمراد هنا اللبن الذي رضعه من ثدي أمه، فما أعجب هذا اللبن، لأنه أنشأ شخصاً لا مثيل له من صفات الشجعان وهو لبن خلقه وأوجده منشء الخلائق ومبدعها وهو الله سبحانه وتعالى.
(1103) حسبك: مبتدأ، داءً: تمييز، أن تبيت ببطنه: في تأويل مصدر خبر المبتدأ، والبطنة: شدة امتلاء المعدة بالطعام. والقد: بكسر القاف، القطعة من الجلد الجاف غير المدبوغ.
(1104) المراد به المحول عن الفاعل في الصناعة نحو: طاب المكان هواءً. لأن الأصل: طاب هواء المكان، فلا يجوز جره بـ(من) بخلاف: لله دره فارساً. فإنه وإن كان فاعلاً في المعنى إذ المعنى: عظمت فارساً إلا أنه غير محول فيجوز جره بـ(من) وكذا ما كان مفعولاً في المعنى ولكنه غير محول نحو: ما أحسن خالداً رجلاً فهو غير محول لأنه عين ما قبله فالعلة في عدم جوازا لجر أن مدخول (من) يصح الإخبار به عما قبله. وما كان محولاً لا يمكن فيه ذلك.
(1105) وذلك في الكافية (2/774).
(1106) تطيب: تطمئن. بنيل المنى: إدراك المأمول. المنون: الموت. وداعي المنون: الواو للحال. وداعي: مبتدأ. ينادي: الجملة خبر المبتدأ. جهاراً: مفعول مطلق أو حال.
(1107) الحزم: ضبط الرجل لأموره. ارعويت: رجعت إلى ما ينبغي فعله من محاسن الأقوال والأفعال. وقوله: (الأملا) مفعول به للمصدر.
??
??
??
??
دليل السالك إلى ألفية بن مالك = = = = = = = = = = = = = = = = 12 = = = =
12
دليل السالك إلى ألفية بن مالك = = = = = = = = = = = = = = = = 1 = = = =(1/376)
دليل السالك
إلى ألفية ابن مالك
بقلم الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان
الجزء الثالث
3
Alfuzan1@hotmail.com
http://alfuzan.islamlight.net
بسم الله الرحمن الرحيم
إعراب الفعل
676- اِرْفَعْ مُضَارِعاً إذَا يُجَرَّدُ مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ كَتَسْعَدُ
تقدم في أول الكتاب أن المضارع له حالتان :
1- حالة إعراب . 2- حالة بناء .
وقد تقدم البحث في بنائه ، وهذا بحث في إعرابه ، وهو إما رفع أو نصب أو جزم ، فإن تقدمه أداة نَصْب نُصِبَ ، أو أداة جَزْم جُزِمَ ، فإن لم يتقدمه شيء من ذلك رُفع ، نحو قوله تعالى : { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ } ( السجدة : 5) . فـ [يُدَبِّرُ] فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره ، والفاعل ضمير مستتر . و( الأمر ) مفعول به منصوب .
وهذا معنى قوله ( ارفع مضارعاً .. إلخ ) أي ارفع الفعل المضارع إذا تجرد من ناصب أو جازم ، كـ ( تَسعدُ ) بفتح التاء ، مضارع ( سَعِدَ ) .
ولم يقيد ابن مالك – رحمه الله – المضارع بكونه خالياً من النونين : نون التوكيد ونون الإناث ، لعلمه مما تقدم في باب المعرب والمبني .
677- وَبِلَنْ انْصِبْهُ وَكَيْ كَذَا بِأَنْ لا بَعْدَ عِلْمٍ وَالّتِي مِنْ بَعْدِ ظَنِ
678-فَانْصِبْ بِهَا وَالرَّفْعَ صَحِّحْ وَاعْتَقِدْ تَخْفِيفَهَا مِنْ أنَّ فَهْوَ مُطَّرِدْ
شرع في الحالة الثانية من أحوال إعراب المضارع ، وهي نصبه إذا صحبه حرف ناصب ، وهو ( لن ) أو ( كي ) المصدرية ، أو ( أن ) المصدرية ، أو ( إذَنْ ) المصدرية .(2/1)
فأما (لن ) فهي حرف نفي واستقبال . أي : نفي الحدث في الزمان المستقبل (1) . لأنها إذا دخلت على المضارع خلصته للاستقبال ، نحو : لن يندمَ المحسن . قال تعالى : { لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ } فـ (لن ) حرف نفي واستقبال ، ينصب المضارع و( نبرح ) فعل مضارع ناقص ، يرفع الاسم وينصب الخبر ، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة . واسمه ضمير مستتر وجوباً تقديره ( نحن ) و ( عاكفين ) خبره .
وقد تدخل عليها همزة الاستفهام التي للإنكار ،كما في قوله تعالى : { أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ } ( آل عمران : 124) . فـ ( لن ) حرف نفي ونصب ( يكفي ) فعل مضارع منصوب . والكاف : مفعول به . والميم : علامة الجمع والمصدر المؤول ( أن يمدكم ) في محل رفع فاعل .
__________
(1) - تتفق ( لن ) مع ( إلا ) في أن كل واحد منهما لنفي المستقبل ، إلا أن ( لن ) فيها توكيد النفي ومبالغته ، قال تعالى : (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً ) وقال تعالى : {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً} ولا تفيد تأبيد النفي كما ذكره الزمخشري في تفسيره . عند قوله تعالى : { لَن تَرَانِي }(2/9) ، وقوله تعالى : (لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً } ( 3/40) . وهو قول فاسد حمله عليه اعتقاده أن الله تعالى لا يرى يوم القيامة ، فإن آية الرؤية لو قيدت بالتأبيد فإنه لا يدل على دوام النفي في الآخرة فكيف إذا أطلقت ؟ ولأنها لو كانت للتأبيد لما جاز تحديد الفعل بعدها كقوله تعالى : {و إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا } وقوله تعالى :{ َلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي} ولو كانت للتأتبد – أيضاً – لم يقيد منفيها باليوم في قوله تعالى :{ فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً }راجع : دراسات لأسلوب القرآن (1/2/632) شرح الكافية لابن مالك (3/1531) .(2/2)
وأما ( كي ) المصدرية فعلامتها : أن تُسبق بـ (لام ) التعليل ، نحو : تعلم لكي تفيدَ وتستفيدَ ، ومنه قوله تعالى : {لِكَيْلَا تَأْسَوْا } ( الحديد : 23) ، أي : تحزنوا ، فـ ( لكيلا ) : اللام حرف جر . و ( كي ) حرف مصدري ونصب ، و( لا ) نافية ، و ( تأسوا ) فعل مضارع منصوب بـ ( كي ) وعلامة نصبه حذف النون ، لأنه من الأمثلة الخمسة ، والواو : فاعل،و (كي) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور باللام ، والتقدير : لعدم أساكم (1) .
وقولنا : ( كي المصدرية ) احتراز من ( كي ) التعليلية ، فليست ناصبة . وإنما هي حرف جر ، وتقدم ذكرها في حروف الجر ، والناصب بعدها ( أن ) مضمرة أو مظهرة ، وذلك إذا تأخرت عنها (اللام ) أو ( أن ) نحو :جئت كي لأتعلم ( (2) وجئت كي أن أتعلمَ .
فإن تجردت من اللام قبلها ( وأَنْ ) بعدها جاز اعتبارها مصدرية بتقدير اللام قبلها ، وجاز اعتبارها تعليلية بتقدير (أنْ) بعدها .كقوله تعالى :{فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ } ( القصص : 13) .
وإن ذكرت اللام قبلها و( أن ) بعدها .جاز أن تكون (كي ) مصدرية ناصبة للمضارع . و ( أن ) مؤكدة لها . وأن تكون تعليلية مؤكدة لـ (اللام ) والناصب للمضارع هو ( أن ) وهو الأفضل . نحو : اغفر للصديق هفوته لكي أن تدومَ مودته .
__________
(1) - قال في المصباح : وأسي أسىً ، من باب تعب : حزن فهو أسيٌّ مثل حزين ا هـ . وجئنا في التقدير بكلمة ( عدم ) من (لا ) النافية .
(2) - انظر : شرح الأشموني بحاشية الصبان (3/281) .(2/3)
وأما ( أنْ ) المصدرية فهي أقوى النواصب ، لأنها تعمل ظاهرة ومقدرة ، - كما سيأتي إن شاء الله – وهي أكثر النواصب وقوعاً في القرآن ، وضابطها : أن تُسبك مع مدخولها بمصدر يعرب حسب موقعه من الكلام نحو : الغيبة أن تذكر أخاك بما يكره ، فـ (أنْ ) حرف مصدري ونصب ، و (تذكرَ ) فعل مضارع منصوب . و(أنْ ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ والتقدير : الغيبة ذكرك أخاك بما يكره .
واعلم أنّ لـ ( أنْ ) ثلاث حالات :
الأولى : أن يتقدم عليها ما يدل على اليقين والتحقيق ، مثل : علم ، وأيقن ، فهذه مخففة من الثقيلة ، تنصب الاسم وترفع الخبر (1) ) . ولها ثلاثة أحكام :
أن اسمها ضمير الشأن محذوف .
رفع المضارع بعدها .
فصل المضارع منها – في الغالب – بأحد الفواصل الأربعة المتقدمة في باب ( إنّ وأخواتها ) وهذا الفصل للتفرقة بينها وبين المصدرية نحو : أيقنت أن سيندم الظالمون . ومنه قوله تعالى : {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى } ( المزمل : 20) فـ ( أن ) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف ، والسين حرف تنفيس –أي استقبال - و ( يكون ) فعل مضارع ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر ، مرفوع بالضمة ، ( منكم ) خبر " يكون " مقدم (مرضى ) اسمها مؤخر ، والجملة خبر (أن) المخففة .
__________
(1) - الظاهر أن تقدم ما يدل على اليقين بالنسبة للمخففة أمر أغلبي ، بدليل أنهم أعربوا ( أنْ ) في قوله تعالى : ( وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) . أعربوها مخففة مع أنه لم يتقدم عليها ما يدل على اليقين . وقد نص على ذلك صاحب التصريح (2/332) .(2/4)
الحالة الثانية : أن يتقدم عليها ما يدل على الظن والرجحان مثل : ظن ، خال ، حسب ، ونحوها . فيجوز أن تكون مخففة من الثقيلة ويرفع المضارع بعدها . وتأخذ الأحكام السابقة ، وأن تكون مصدرية ناصبة للمضارع ، وهو الأكثر والأرجح ، لأن الأصل بقاء الظن على بابه ، ورفع المضارع بعدها يلزم عليه تأويل الفعل باليقين ، ومنه وقوله تعالى : { وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ } ( المائدة : 71) . فقد قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي برفع ( تكون ) على أنها مخففة . و ( حسبوا ) بمعنى ( أيقنوا ) لأن ( أنَّ ) للتأكيد . والتأكيد لا يجوز إلا مع اليقين . وقرأ الأربعة الباقون – من السبعة – بنصب ( تكون ) على أنها الناصبة للمضارع ، و ( حسب ) بمعنى الشك .لأن ( أنْ ) الناصبة ليست للتوكيد . بل الأمر قد يقع ، وقد لا يقع.
الحالة الثالثة : ألا يسبقها علم ولا ظن ، بل تقع في كلام يدل على الشك أو على الرجاء والطمع ، فهذه ناصبة للمضارع (1) . وجوباً : نحو : أرجو أن ينتصر الحق ، قال تعالى : {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ } (الشعراء : 82) فـ ( أن ) مصدرية ناصبة للمضارع . والمضارع بعدها منصوب .
__________
(1) - كما تدخل (أنْ ) على المضارع ، تدخل على الفعل الماضي ، كما في قوله تعالى : { لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا } ، وعلى فعل الأمر كما في قوله تعالى : (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ ) وليس لها تأثير عليهما ، فلا تغير زمنهما ، ولا يكون لهما محل تنصبه كما ذكر ذلك ابن هشام في المغني ص 43 .(2/5)
وقولنا : ( المصدرية ) احتراز من المخففة والمفسِّرة والزائدة ، أما المخففة فتقدمت . وأما المفسرة فيه التي تأتي للتبيين والتفسير ، فتكون بمعنى ( أي ) المفسِّرة ، وهي المسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه ، كقوله تعالى : { إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ } ( طه : 37-38) . فجملة ( إذ أوحينا ) فيها معنى القول دون حروفه ، و ( ما يوحي ) هو عين ( اقذفيه في اليم ) في المعنى ، وتعرب الجملة الواقعة بعد ( أن ) المفسِّرة بدلاً أو عطف بيان من المفرد الذي فسرته .
وأما الزائدة فهي الواقعة بعد (لما ) الحينية،كقوله تعالى:{فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ}( يوسف : 96) . وقوله تعالى :{ وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ }( العنكبوت : 29) . وقوله تعالى:{ وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ } ( هود : 77) . والقصة واحدة . أو بعد ( لو ) كقوله تعالى : { وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً } ( الجن : 16) . و هي تفيد المعنى وتوكيده .
وإلى هذه الأحرف الثلاثة ( لن ، كي ، أن ) أشار بقوله : ( وبلن انصبه .. إلخ ) أي : انصب المضارع بـ (لن ) و ( كي ) وكذا بالحرف ( أن ) بشرط ألا يقع ( أن ) بعد ما يفيد العلم واليقين ، لأنها بعد العلم مخففة لا ناصبة ، فإن وقعت بعد ظن فانصب المضارع بها إن شئت ، وارفعه إن شئت ، ( والرفع صَحِّحْ ) أي : اعتبره صحيحاً.واعتقد إذا رفعت بها أنها مخففة من الثقيلة ، فهذا مطرد وكثير في كلامهم .
***
679- وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ أنْ حَمْلاً عَلَى مَا أُخْتِهَا حَيْثُ اسْتَحَّتْ عَمَلا(2/6)
أي : بعض العرب يهمل ( أن ) المصدرية فلا ينصب المضارع بعدها بل يرفعه ، حملاً على أختها (ما ) المصدرية التي لا تنصب ، لاشتراكهما في أنهما يقدران بمصدر . فتقول : يسرني أن تجتهدُ . برفع ( تجتهد ) على إهمال ( أنْ ) (1) .
قوله : ( حيث استحقت عملا ) الظرف ( حيث ) متعلق بالفعل ( أهمل ) أي : أهملها في كل موضع تستحق فيه أن تنصب المضارع .
680- وَنَصَبُوا بِإذَنِ الْمُسْتَقْبَلا إنْ صُدِّرَتْ والْفِعْلُ بَعْدُ مُوصَلا
681- أوْ قَبْلَهُ الْيَمِينُ وانْصِبْ وارْفَعَا إذَا إذَنْ مِنْ بَعْدِ عَطْفٍ وَقَعَا
ذكر الرابع من نواصب المضارع وهي ( إذن ) . وهي حرف جوابٍ دائماً وجزاءٍ غالباً ، فإذا قال أخوك : أزورك غداً إن شاء الله ، فقلتَ له : إن أكرمَك . فقد أجببته ، وجعلت الإكرام جزاء زيارته ، فـ ( إذن ) حرف نصب وجواب وجزاء ، و ( أكرم ) فعل مضارع منصوب بـ ( إذن ) وعلامة نصبه الفتحة ، والكاف مفعول به ، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره : أنا .
وهي تنصب المضارع بنفسها بثلاثة شروط :
الشرط الأول – أن يكون المضارع مستقبلاً ، فإن كان حالاً أهملت . كما لو حدثك إنسان بحديث فقلت له : إذن أظنك صادقاً ، برفع المضارع ( أظن ) ، لأن زمنه للحال ، لأن الظن قائم وحاصل وقت الإجابة . و( إذن ) – هنا – حرف جواب لا جزاء .
الشرط الثاني – أن تكون مصدَّرة ، أي في أول الكلام ، فإن كانت في وسط الكلام لم تنصب المضارع ، نحو : أنا إذن أكرمُك ، برفع المضارع .
فإن كان المتقدم عليها حرف عطف ، وهو الواو أو الفاء جاز في الفعل وجهان :
__________
(1) - انظر تفسير البحر المحيط (1/223) حيث أن الدليل على إهمال ( أن ) قراءة (لمن أراد أن يتمُّ الرضاعة ) المنسوبة لمجاهد ، وبيتان من الشعر ، الثاني منهما منتقد . قال : ( وما سبيله هذا لا تبنى عليه قاعدة ) .(2/7)
أ- الرفع فهي مهملة ، على اعتبار العطف وهو الأرجح ، كقوله تعالى :{وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً}(الإسراء : 76) .وقوله تعالى :{ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً }( النساء : 53). وقوله تعالى : { وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً } ( الأحزاب : 16) . فقد قرأ السبعة برفع المضارع ، قال ابن مالك في شرح كافيته ( إلغاؤها أجود ، وهو لغة القرآن التي قرأ بها السبعة .. ) (1) . ا هـ . ولم تقع ( إذن ) الناصبة للمضارع المصدرة في القرآن الكريم (2) .
ب – النصب فهي عاملة على اعتبار أن الحرف للاستئناف ، فتكون ( إذن ) في صدر جملة جديدة مستقلة بإعرابها .
الشرط الثالث : أن يكون المضارع متصلاً بها لم يفصل بينهما فاصل ، فإن كان فاصل أهملت . كأن يقول لك : أزورك غداً ، فتقول : إذن أخي يكرمُك برفع المضارع لوجود الفاصل،ويجوز الفصل بالقسم نحو:إذن والله أكرمَك ، بنصب المضارع وهذا معنى قوله:( ونصبوا بإذن المستقبلا .. إلخ ) أي : أن العرب نصبت المضارع بـ ( إذن ) إذا كان مستقبل الزمن وكانت (إذن ) مصدرة في أول جملتها ، والفعل المضارع متصلاً بها بغير فاصل بينهما أو بفاصل هو القسم ، ثم قال : انصب المضارع أو ارفعه إذا كانت ( إذن ) واقعة بعد حرف عطف ، ولم يقيد هذا العاطف بالواو أو الفاء كما ذكر النحاة .
****
682- وَبَيْنَ لَا وَلَامِ جَرٍّ الْتُزِمْ إظْهَارُ أنْ نَاصِبَةً وَإنْ عُدِمْ
683- لا فَأَنْ اعْمِلْ مُظْهِراً أوْ مُضْمِراً وَبَعْدَ نَفْي كَانَ حَتْماً أُضْمِرَا
684- كَذَاكَ بَعْدَ أوْ إذَا يَصْلُحُ في مَوْضِعِهَا حَتَّى أَوِ إلّا أنْ خَفِي
اختصت (أن) المصدرية بأنها تنصب المضارع ظاهرة ومضمرة ،ولها بهذا الاعتبار ثلاث حالات :
الأولى : أن تظهر وجوباً .
الثانية : أن تظهر جوازاً .
__________
(1) - شرح الكافية (3/1563) .
(2) - انظر : دراسات لأسلوب القرآن (1/1/55) .(2/8)
الثالثة : أن تضمر وجوباً .
فتظهر وجوباً إذا وقعت بين (لام ) الجر و( لا ) سواء كانت (لا ) نافية أم زائدة . فمثال النافية : أحضر مبكراً لئلا يفوتَني الصف الأول ، قال تعالى : ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) ( النساء : 165) . ( فلئلا ) اللام حرف تعليل وجر ، و( أن ) حرف مصدري ونصب ، و ( لا ) نافية ، والهمزة في ( لئلا ) هي همزة ( أن ) وأما نونها فمدغمة في ( لا ) فلا تظهر لا لفظاً ولا خطّاً .و (يكونَ ) فعل مضارع ناقص منصوب بـ ( أن ) و ( للناس ) خبر مقدم و ( حجة ) اسمه مؤخر . ومثال الزائدة : قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) (الحديد: من الآية29). أي : ليعلم أهل الكتاب ، فـ (لا ) صلة للتوكيد ، إذ لو كانت نافية لفسد المعنى .
الحالة الثانية : جواز إظهارها وإضمارها ، وذلك في موضعين :
الأول : إذا وقعت ( أن ) بعد ( لام ) الجر ، ويقع المضارع بعدها مباشرة سواء كانت اللام للتعليل – وهي أن يكون ما بعدها علة لما قبلها – نحو : حضرت لأستفيدَ قال تعالى : (وأنزلنا إليك الذكر لتُبين للناس )( النحل : 44) . فـ (تبين) فعل مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة جوازاً بعد (لام ) التعليل ،أو كانت اللام لبيان العاقبة ، وتسمى ( لام الصيرورة ) (1) . وهي أن يكون ما بعدها نتيجة مترتبة على ما قبلها – كقوله تعالى : ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً ) ( القصص : 8) . فاللام هنا ليست للتعليل ، لأنهم لم يلتقطوه لذلك ، وإنما التقطوه ليكون لهم قرة عين ، فكان عاقته أن صار لهم عدواً وحزناً .
__________
(1) - التسمية بلام الصيرورة للكوفيين ، وقد أنكر البصريون ومن تابعهم لام العاقبة انظر مغني اللبيب ص 283. ودراسات لأسلوب القرآن الكريم (1/2/468) .(2/9)
أو كانت اللام زائدة ، وهي الواقعة بعد فعل متعدٍ ، وفائدتها التوكيد كقوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) ( الأحزاب : 33) . فالفعل ( يريد ) متعدٍ ، ومفعوله هو المصدر المنسبك من ( أن ) المضمرة جوازاً بعد اللام ومن المضارع بعدها ، وهذه اللام زائدة بين الفعل ومفعوله : والتقدير والله أعلم : إنما يريد الله إذهاب الرجس عنكم .
الموضوع الثاني : سيأتي ذكره في آخر الباب إن شاء الله .
الحالة الثالثة : وجوب إضمار ( أن ) وذلك في خمسة مواضع .
الأول : بعد ( لام الجحود ) (1) ومعنى الجحود : النفي ، وهي اللام المسبوقة بـ (كون ) ماضٍ منفي بـ (ما) أو بـ (لم) ، نحو : ما كان الصديق ليخون صديقه ، لم يكن الغِنَى ليُطغيَ كرام النفوس . فـ ( اللام ) في ( ليخون ) و ( ليطغي ) لام الجحود . وتفيد توكيد النفي لأن الأصل ، ما كان يفعل ، ثم أدخلت اللام زيادة في تقوية النفي ، وسميت ( لام الجحود ) ؛ لملازمتها الجحد وهو النفي ، وهذا إصطلاح وإلا فالجحد هو الإنكار ، ومن ذلك قوله تعالى : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) ( الأنفال : 33) . وقوله تعالى : ( لم يكن الله ليغفر لهم ) ( النساء : 137) .
فـ ( ليعذبهم ) : اللام : لام الجحود ، و( يعذبَ ) فعل مضارع منصوب بـ ( أن ) المضمرة وجوباً بعد (لام ) الجحود ، والفاعل ضمير مستتر ، والهاء : مفعول به ، والميم : علامة الجمع ، والجملة صلة الموصول الحرفي ( أن ) ، والمصدر المؤول مجرور باللام ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر ( كان )، والتقدير – والله أعلم _ وما كان الله مريداً لتعذيبهم
__________
(1) - هذا رأي البصريين وعند الكوفيين لا تقدير في الكلام ، والناصب للمضارع هو اللام نفسها . والجملة الفعلية خبر ( كان ) .(2/10)
الثاني : بعد ( أو ) العاطفة التي بمعنى ( حتى ) أو بمعنى ( إلا ) الاستثنائية .فتكون ( أو ) بمعنى : ( حتى ) إذا كان المعنى قبلها ينقضي شيئاً فشيئاً نحو : لألزمنَّك أو تقضيني حقي ، فالفعل ( تقضيَ ) منصوب بـ ( أن ) المضرمة وجوباً بعد ( أو ) وهي بمعنى (حتى ) إذ يصح أن يقال : لألزمنك حتى تقضيني حقي ، ومنه قول الشاعر :
لأستسلهن الصعب أو أُدرك المنى فما انقادت الآمال إلا لصابر( (1)
فالفعل ( أُدرك ) منصوب بـ ( أن ) المضمرة وجوباً بعد ( أو ) وهي بمعنى ( حتى ) لأن إدراك المنى يحصل شيئاً بعد شيء .
وتكون (أو ) بمعنى (إلا ) إذا لم يصح وقوع (حتى ) موقعها نحو : يعاقب المسيء أو يعتذرَ ، فالفعل ( يعتذرَ ) منصوب بـ ( أن ) المضمرة وجوباً بعد (أو ) وهي بمعنى (إلا ) إذ يصح أن يقال : يعاقب المسيء إلا أن يعتذر ، ولا يصح وقوع ( حتى ) موقعها لفساد المعنى ، لأن الاعتذار لا يكون غاية للعقاب ، ومنه قول الشاعر :
وكنت إذا غمزت قناة قوم كسرت كعوبها أو تستقيما (2)
__________
(1) - المعنى : يقول : إنه يستحمل الشدائد حتى يبلغ ما يتمناه ويرجوه ، فإن ما يرجى من المطالب لا يناله إلا الصابرون .
إعرابه : ( لأستسهلن ) اللام واقعة في جواب قسم مقدر ، وأستسهل : فعل : مضارع مبني على الفتح : والنون للتوكيد ، والفاعل ضمير مستتر ( الصعب ) مفعول به ، ( المبني ) مفعول به لـ ( أدرك ) منصوب بفتحة مقدرة على الألف للتعذر (فما ) الفاء للتعيل ، وما : نافية ، ( انقادت الآمال ) فعل وفاعل والتاء للتأنيث (إلا ) أداة حصر (لصابر ) متعلق بالفعل قبله . .
(2) - غمزت : جسست ، قناة : رمح ، كعوبها : الكعب ما بين كل عقدتين من عقد الرمح ، والمعنى : أن هذا الرجل إذا أراد إصلاح قوم مفسدين فلا يرجع عنهم إلا إذا استقاموا وإلا كسرهم وأتلفهم ، كالرمح المعوج إذا أراد إصلاحه فلا يرجع عنه إلا إذا استقام واعتدل وإلا كسره ، ففي البيت استعارة تمثيلية .
إعرابه : وكنت : كان فعل ماض ناقص . والتاء اسمها (إذا ) ظرف مضمن معنى الشرط . ( قناة قوم ) مفعول به ومضاف إليه ، ( كسرت ) فعل وفاعل والجملة لا محل لها من الإعراب جواب (إذا ) وجملة ( إذا ) وشرطها وجوابها في محل نصب خبر ( كان ) ، ( كعوبها ) مفعول به ومضاف إليه ، ( أو تستقيما ) إعرابه في الأصل : والألف للإطلاق و ( أن ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر معطوف بـ ( أو ) على مصدر متصيّد من الفعل السابق ، أي : حصل مني كسر لكعوبها أو استقامة منها .(2/11)
فالفعل ( تستقيم ) منصوب بـ ( أن ) المضمرة وجوباً بعد ( أو ) وهي بمعنى (إلا) أي : إلا أن تستقيم فلا أكسر كعوبها ، ولا يصح أن تكون بمعنى (حتى) لأن الاستقامة لا تكون غاية للكسر .
وإلى ما تقدم أشار بقوله : ( وبين لا ولام جر التزم .. إلخ ) أي : يلزم إظهار ( أن ) الناصبة للمضارع إذا وقعت متوسطة بين ( لا ) بنوعيها ولام الجر ، وهذه الحالة الأولى من أحوال ( أن ) وهي وجوب إظهارها ، فإن عُدِمَ الحرف ( لا ) فأعمل ( أنْ ) ظاهراً أو مضمراً ، لأن الأمرين جائزان ، وهذا الموضع الأول من الحالة الثانية وهي جواز إضمارها وقوله : ( اعمل ) بكسر الميم فعل أمر من ( أعمل ) نقلت حركة الهمزة فيه إلى النون قبلها ثم حذفت ، ثم انتقل إلى الحالة الثالثة وهي وجوب إضمارها ، فذكر الموضع الأول ، بقوله : ( وبعد نفي كان حتماً أضمرا ) أي أضمر الحرف الناصب وهو ( أن ) إذا وقع بعد ( كان ) المنفية ، وذكر الموضع الثاني في قوله : ( كذاك بعد ( أو ) .. إلخ ) فـ ( أن ) مبتدأ قصد لفظه ، و ( خَفِي ) خبر . وقوله ( كذاك ) متعلق بـ ( خفي ) أو متعلق بمحذوف نعت لمصدر محذوف يقع مفعولاً مطلقاً لـ ( خفي )،والمعنى : أن الحرف المصدري ( أن ) خَفِيَ خفاءً . بمعنى أُضمر ولم يظهر بعد ( أو ) مثل ذلك الخفاء الذي وقع بعد ( لام الجحود ) يريد أنه خفاء واجب ، بشرط أن تكون ( أو ) بمعنى ( حتى ) أو ( إلا ) بحيث يصح إحلال أحد هذين الحرفين في موضعها .
685- وَبَعْدَ حَتَّى هَكَذَا إضْمَارُ أنْ حَتْمٌ كَجُدْ حَتَّى تَسُرَّ ذَا حَزَنْ
686- وَتِلْوَ حَتَّى حَالاً أوْ مُؤَوَّلاَ بِهِ ارْفَعَنَّ وانْصِبِ الْمُسْتَقْبَلا
3 – الموضع الثالث لإضمار ( أن ) المصردية وجوباً بعد ( حتى ) وهي ( حتى ) الجارة للمصدر المؤول من ( أن ) المضمرة والمضارع بعدها (1)
__________
(1) - اعلم أن ( حتى ) في اللغة العربية أربعة أنواع :
أ- حرف عطف . تفيد تشريك ما بعدها مع ما قبلها في الحكم إذا وليها اسم مفرد تابع لما قبله في إعرابه نحو : وصل الحجاج مزدلفة حتى المشاة . ومضى ذكرها في حروف العطف .
ب – حرف ابتداء ، وتدخل على الجمل الاسمية والفعلية وتكون مستأنفة لا محل لها كقوله صلى الله عليه وسلم : " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " متفق عليه . فـ ( حتى ) ابتدائية و ( الشوكة ) مبتدأ ، وجملة ( يشاكها ) خبر ( على أحد الأوجه ) وقد جاءت (إذا ) الشرطية بعد ( حتى ) في اثنين وأربعين آية من القرآن وأعربها الجمهور ابتدائية وتفيد الغاية كقوله تعالى : ( حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر ) وكقوله تعالى : ( حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا ) .
ج- حتى الجارة للاسم الظاهر الصريح ، نحو : انتظرتك حتى غروب الشمس .
د- حتى الجارة للمصدر المؤول وهي المذكور هنا ، وتقدم ذكرهما في باب ( حروف الجر ) .(2/12)
ومعناها : إما الدلالة على الغاية فتكون بمعنى ( إلى أن ) كقوله تعالى :{قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى } ( طه : 91 ) .
أو الدلالة على التعليل فتكون بمعنى : ( كي ) كقوله تعالى : { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ } ( البقرة : 217) أو الدلالة على الاستثناء ، فتكون بمعنى ( إلا أن ) نحو : لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيمَ قلبه ، ولا يستقيمُ قلبه حتى يستقيم لسانه.قال تعالى:{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}(البقرة: 5).
وشرط نصب المضارع بـ ( أن ) بعد ( حتى ) أن يكون الفعل مستقبلاً ، نحو : لا يُمدح الولد حتى ينالَ رضا والديه ، ومنه قوله تعالى : (وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) ( البقرة : 196) . فـ ( حتى ) حرف غاية وجر ، و ( يبلغ ) فعل مضار منصوب بـ ( أن ) مضمرة وجوباً بعد ( حتى ) . أي : حتى بلوغِ الهدي مَحِلَّه ، و ( الهدي ) فاعل ، و ( محله مفعول به والهاء مضاف إليه .
فإن كان الفعل بعدها غير مستقبل – بأن كان زمن الفعل هو زمن النطق - لم ينصب المضارع بعدها ، بل يرفع ، وتكون ( حتى ) ابتدائية ، وما بعدها مستأنف ، نحو : يجري الماء بين النخل حتى تشربُ ، فالفعل ( تشرب ) مرفوع وجوباً ، لأن معناه ،(وهو الشرب ) حاصل الآن في وقت التكلم ، فزمن الشرب والنطق واحد .(2/13)
ومنه قوله تعالى :{وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ } ( البقرة : 214) . فقد قرأ نافع المدني – من السبعة – برفع ( يقول ) لبيان الحال التي كان عليها الرسول ومن معه و ( حتى ) لا تعمل في حال . والتقدير : وزلزلوا فيما مضى حتى إن الرسول يقول : متى نصر الله ؟ فكيون قولهم مقدراً وقوعه في الحال ، وهو زمن التكلم لاستحضار صورته العجيبة .
وقرأ الباقون من السبعة بنصب ( يقول ) وعليه الاختيار لأن عليه جماعة القراء ، وتكون ( حتى ) غاية للزلزلة ، لأنهم زلزلوا ثم جاء القول ، فيكون مستقبلاً بالنظر إلى الزلزال ، لا بالنظر إلى زمن نزول الآية فهو ماض (1) . ومعنى ( زلزلوا ) : خُوِّفوا وأزعجوا إزعاجاً شديداً .
وفيما يتعلق بـ ( حتى ) يقول ابن مالك ( وبعد حتى هكذا إضمار "إن" ) أي : أنّ إضمار ( أنْ ) بعد ( حتى ) واجب كالإضمار السابق ، ثم ذكر المثال ( جُدْ حتى تَسرَّ ذا حزن ) وجُدْ : بضم الجيم أمر من : جاد يجود ، والجود ضد البخل ، و ( تسرَّ ) بضم السين المهملة من السرور ضد الحَزَن – بفتح المهملة والزاي – ثم قال : ارفع المضارع التالي ( حتى ) حال كونه ( حالاً ) أو مؤولاً بالحال ، لأن نصبه بتقدير ( أنْ ) وهي للاستقبال ، والحال ينافيه ، وانصب المضارع المستقبل الذي لم يؤول بالحال .
*****
687- وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفْيٍ أوْ طَلَبْ مَحْضَيْنِ أنْ وَسَتْرُهَا حَتْمٌ نَصَبْ
4- الموضع الرابع لإضمار ( أن ) وجوباً أن تقع بعد ( فاء ) السببية إذا كانت مسبوقة بنفي محض أو طلب محض ، فهما شرطان :
الأول : أن تكون الفاء للسببية ، وهي التي يكون ما قبلها سبباً في حصول ما بعدها .
__________
(1) - انظر : الكشف لمكي ( 1/289) .(2/14)
الثاني : أن تكون مسبوقة بنفي محض ، وهو الخالص من معنى الإثبات ، لم ينتقض نفيه بـ ( إلا ) ولا بنفي آخر يزيل أثره ويجعل الكلام مثبتاً ، أو مسبوقة بطلب محض ، وهو أن يكون الطلب بفعل صريح ، وهو الأمر والدعاء والنهي (1) لأن صيغها اللفظية تدل نصّاً وأصالة على الطلب بدون واسطة ، ويلحق بذلك : الاستفهام ، والعرض، والتحضيض ، والتمني ، وكذا الترجي – على الصحيح – فإنها تفيد الطلب ولكنها تدل عليه دلالة غير محضة ، لكون الطلب فيها تابعاً لمعنى آخر يتضمنه – فالتمني – مثلاً لا يدل على الطلب مباشرة ، بل لأن تمني الشيء المحبوب يلزم منه طلب مجيئه ، وهكذا الباقي .. .
فمثال النفي : لم يُسأل فيجيبَ : فالفعل ( يجيبَ ) منصوب بـ ( أنْ ) مضمرة وجوباً بعد ( فاء ) السببية ، لأن السؤال سبب الإجابة ، وقد تقدم عليها نفي لم ينتقض ، ومنه قوله تعالى : { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا } ( فاطر : 36) . فـ ( يموتوا ) فعل مضارع منصوب بـ ( أن ) مضمرة وجوباً ، وعلامة نصبه حذف النون ، والواو : فاعل .
وأما الطلب فيشمل الأمر نحو : احترام الصديق فتدومَ لكَ صداقته ، ومنه قوله تعالى : {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(البقرة : 117) . فقد قرأ ابن عامر – من السبعة – بنصب ( يكون ) جواباً لقوله ( كن ) وهو أمر ، أو شبيه بالأمر ، وقرأ الباقون برفع ( يكون ) على الاستئناف ، أو بالعطف على( يقول )(2) .
__________
(1) - انظر : حاشية الصبان (3/301) .
(2) - طعن بعض العلماء في قراءة ابن عامر هذه وزعم أنها لحن وهذا كلام مردود ذكرنا ما يبطله في آخر باب الإضافة ، على أن الكسائي وهو إمام الكوفة وأحد القراء السبعة وافق ابن عامر على قراءة النصب في آية النحل ويس ، كما ذكر ذلك مكي وغيره ، فانظر الكشف (1/260) والنحو القرآني ص 32 ودراسات أساليب القرآن (1/2/277) .(2/15)
ويشمل النهي نحو : لا تغشَّ في البيع فتُنزعَ البركة، قال تعالى:{ لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً }( الإسراء : 22) . فـ ( تقعد ) فعل مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة وجوباً في جواب النهي ، وعلامة نصبه الفتحة .
والتحضيض نحو : هلّا تزورنا فتحدثَنا ، ومنه قوله تعالى : { لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ } ( المنافقون : 10) . فـ ( أصدق ) مضارع منصوب بـ ( أن ) مضمرة وجوباً ، في جواب التحضيض (1) .
والتمني نحو : ليت لي مالاً فأتصدقَ منه . ومنه قوله تعالى : { يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } ( النساء : 73) . فـ ( أفوز ) فعل مضارع منصوب بـ ( أن ) مضمرة وجوباً في جواب التمني،وقوله تعالى:{لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ}( البقرة : 167) فـ ( نتبرأ ) فعل مضارع منصوب بـ ( أن ) المضمرة وجوباً بعد الفاء في جواب التمني وهو ( لو ) .
والعرض نحو : ألا تزورُنا فتحدثَنا .
والاستفهام نحو : هل تزورُنا فتحدثَنا . ومنه قوله تعالى : { فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ } ( الأعراف : 53) . فـ ( يشفعوا ) فعل مضارع منصوب بـ ( أن) مضمرة وجوباً في جواب الاستفهام ، وعلامة نصبه حذف النون ، والواو : فاعل .
والدعاء نحو : رب وفقني فلا أنحرفَ .
__________
(1) - أما قوله تعالى : ( وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ) فالمضارع مجزوم على قراءة السبعة إلا أبا عمرو فقد قرأ بالنصب ( وأكون ) عطفاً على ( فأصدق ) . أما الجزم فهو عطف على محل ( فأصدق ) لأن محله الجزم قبل دخول الفاء لكونه جواب التمني كما سيأتي إن شاء الله في جزم المضارع إذا كان جواباً للطلب وسقطت الفاء [ الكشف 2/322] .(2/16)
والترجي – وسيذكره ابن مالك – نحو : لعلك تتقي الله فتفوزَ برضاه ، ومنه قوله تعالى : { لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ } بنصب ( أطلع ) على قراءة حفص عن عاصم ، وهو منصوب لأنه وقع بعد ( فاء ) السببية في جواب الترجي ، وقرأ الباقون بالرفع عطفاً على ( أبلغ ) .
وقولنا : ( بعد فاء السببية ) احتراز من العاطفة على صريح الفعل كقوله تعالى : {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } ( المرسلات : 36) ، فالفعل ( يعتذرون ) معطوف على ( لا يؤذن ) فهو مرفوع مثله . ليدل على نفي الإذن والاعتذار عقبه مطلقاً . أي : لا يؤذن لهم فلا يعتذرون ، واحتراز من الاستئنافية نحو : ألم تسأل عليّاً فيخبرُك ، برفع ( يخبرك ) على الاستئناف .(2/17)
وقولنا : ( بنفي محض ) احتراز من النفي غير المحض وهو ما انتقض بـ ( إلا ) نحو : ما تأتينا إلا فتحدثُنا ، أو كان النفي بعد تقرير ، نحو : ألم تأتني فأحسنُ إليك (1) . أو كان النفي بعده نفي إثبات نحو : ما تزال تأتينا فتحدثنا ، لأن نفي النفي إثبات ، فيجب رفع المضارع بعد الفاء في هذه المُثُل .
وقولنا : ( بطلب محض ) احتراز من الطلب غير المحض وهو ما كان باسم فعل أو بلفظ الخبر ، فالأول نحو : صه فأحدثُك . برفع المضارع بعد ( الفاء ) . والثاني نحو : حسبُك الحديث فينامُ الناس . برفع المضارع بعد ( الفاء ) . وسيذكر ابن مالك هذا فيما بعد .
__________
(1) - الصحيح أن المضارع بعد النفي الواقع بعد الاستفهام التقريري يجوز فيه الرفع والنصب ، فالنصب على اعتبار النفي محض ، والرفع على اعتباره غير محض بل هو منقوض بسبب همزة التقرير لأنه يتضمن ثبوت الفعل ، وقد جاء كلا الوجهين في القرآن قال تعالى : ( أفلم يسيرون في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها .. ) بنصب المضارع ( تكون ) مراعاة لصورة النفي ، فالمضارع جواب النفي . أو لأنه جواب الاستفهام . وقال تعالى : ( ألم تر أن الله أنزل من السماء فتصبح الأرض مخضرة ) برفع ( تصبح ) لما تقدم ، وبرى ابن هشام أنه إذا كان ما بعد الفاء مسبباً عما قبلها نصب المضارع كالآية الأولى ، وإلا رفع كالثانية ، لأن رؤية إنزال الماء ليست سبب اخضرار الأرض بل سببه نفس إنزال الماء ، بخلافة في آية ( أولم يسيروا ) لأن السير في الأرض سبب كمال العقل . انظر المغني ص 695 ، وحاشية الصبان (3/301) .(2/18)
وهذا معنى قوله : ( وبعد فاء جواب نفي إلخ ) فـ ( أنْ ) قُصد لفظه : مبتدأ ( وسترها حتم ) الجملة حال ، وقوله ( نصب ) خبر المبتدأ ( أن ) ، والتقدير : أنْ نَصَبَ المضارع في حال كون سترها – أي : إضمارها – حتماً . أي : واجباً ، بعد ( فاء ) السببية التي في صدر كلام يقع جواباً لنفي محض أو طلب محض ، ولم يتعرض للتفضيل ، وقد استعمل ابن مالك لفظ ( أن ) بمعنى الحرف ، فأعاد الضمير عليه مذكراً في قوله ( نَصَبْ ) واستعملها بمعنى الكلمة ، فأعاد الضمير عليها مؤنثاً في قوله ( وسترها ) وهذا جائز .
****
688- وَالوَاوُ كَالْفَا إنْ تُفِدْ مَفْهُومَ مَعْ كَلا تَكُنْ جَلْداً وَتُظْهِرُ الْجَزَعْ
5- الموضع الخامس : من مواضع إضمار ( أن ) وجوباً أن تقع بعد ( واو ) المعية إذا كانت مسبوقة بنفي محض أو طلب محض ، فهما شرطان :
الأول : أن تكون الواو للمعية . وهي التي تفيد مصاحبة ما قبلها لما بعدها ، بمعنى أنهما يحصلان معاً في زمن واحد يجمعهما .
الثاني : أن تكون مسبوقة بنفي محض أو طلب محض .
فمثال النفي : لا آمرك بالمعروف وأعرضَ عنه . فالفعل ( أعرض ) منصوب بـ ( أن ) مضمرة وجوباً بعد ( واو ) المعية . لأن المنفي هو مصاحبة الإعراض عن المعروف مع الأمر به ، وقد تقدم على ( الواو ) نفي محض لم ينتقض ، ومنه قوله تعالى : { وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } ( آل عمران : 142) . فـ ( يعلم ) الثاني فعل مضارع منصوب بـ ( أن ) مضمرة وجوباً بعد ( واو )( المعية ، وقد سبقت بالنفي ( ولما يعلم ) والفعل بعد النفي مجزور بـ (لما ) وعلامة جزمه السكون،وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين .
وأما الطلب فمنه الأمر ، نحو : زرني وأكرمَك ، ومنه قول الشاعر :(2/19)
فقلت ادعي وأدعوَ إن أندى لصوت أن ينادي داعيانِ (1)
فنصب الشاعر المضارع ( ادعوَ ) بأن مضمرة وجوباً بعد واو المعية في جواب الأمر .
والنهي نحو: لا تأمر بالصدق وتكذبَ ، ومنه قول الشاعر :
لا تنه عن خلق وتأتيَ مثله عار عليك إذا فعلت عظيم (2)
فنصب المضارع ( تأتيَ ) بأن مضمرة وجوباً بعد واو المعية في جواب النهي .
والاستفهام نحو : هل حفظت الأحاديث واسمعَها منك ؟
ومنه قول الشاعر :
__________
(1) - ادعي : أمر من الدعاء وهو النداء ، والمراد رفع الصوت . ( أندي ) أفعل تفضيل من الندى وهو بُعْدُ ذهاب الصوت .
إعرابه : (فلقت ) فعل وفاعل ( ادعي ) فعل أمر مبني على حذف النون وياء المخاطبة فاعل ( وأدعو) إعرابه في الأصل ، ( إن أندى ) ، ( أن ينادي ) فعل مضارع منصوب بـ(أن ) ( دعيان ) فاعل مرفوع بالألف و أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع خبر ( إن ) والتقدير : إن أندى لصوت نداء داعيين .
(2) - معناه : لا تطلب من غيرك الكف عن خلق قبيح ، وتفعل مثله . فإن هذا عار عظيم عليك .
إعرابه : ( لا تنه ) لا : ناهية ( تنه ) فعل مضارع مجزوم بـ (لا ) وعلامة جزمه حذف الألف والفتحة قبلها دليل عليها ، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقدريه أنت ( عن خلق ) متعلق بالفعل فبله ( وتأتي ) إعرابه في الأصل ، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد مما قبله والتقدير : لا يكن منك نهي وإتيان ، (مثله ) مفعول به ، والهاء مضاف إليه ( عار ) خبر لمبتدأ محذوف ، أي : ذلك عار ( عليك ) متعلق بـ ( عار ) أو بمحذوف صفة له (إذا ) ظرف لما يستقبل من الزمان وفيه معنى الشرط ( فعلت ) فعل وفاعل والجملة في محل جر بإضافة ( إذا ) إليها ، وجواب ( إذا ) محذوف دل عليه السياق ، ( عظيم ) صفة ثانية لـ ( عار ) .(2/20)
ألم أكُ جارَكم ويكونَ بيني وبينكم المودةُ والإخاءُ ؟(1)
فنصب المضارع ( يكونَ ) بأن مضمرة وجوباً بعد واو المعية في جواب الاستفهام .
التمني نحو : ليت لي مالاً وأتصدقَ منه ومنه قوله تعالى عن الكفار :{يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(الأنعام : 27) .فقد قرأ حفص وحمزة (ولا نكذبَ) بالنصب جواباً للتمني بعد واو المعية ، وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص ( ونكونَ ) بالنصب عطفاً عليه ، ورفعهما الباقون عطفاً على ( نردُّ ) (2) .
وأما العرض والتحضيض والترجي من أنواع الطلب المتقدمة ، فمن النحويين من يقيسها على ما ذكر وينصب المضارع بعدها ، ومنهم من يرى أن وقوعها قبل الواو لا يوجب نصب المضارع ، ولا تكون الواو للمعية بحجة عدم ورود السماع (3) .
وقولنا بعد ( واو المعية ) احتراز من العاطفة والاستئنافية فإنه لا ينصب المضارع بعدهما بعد النفي أو الطلب ، لأن العاطفة تقتضي التشريك بين الفعل والفعل ، والاستئنافية تقتضي أن يكون ما بعدها خبراً لمبتدأ محذوف ، ولهذا جاز في الفعل بعد الواو في نحو : لا تأكل وتتلكم ، ثلاثة أوجه :
1 – الجزم على التشريك بين الفعلين ، ويكون النهي مسلطاً على الأمرين معاً وهما : الأكل والكلام ، والمراد النهي عن كل منهما على حدته .
__________
(1) - إعرابه : (ألم ) الهمزة للاستفهام ، و (لم ) حرف نفي وجزم وقلب ، ( أك ) مضارع ناقص مجزوم وعلامة جزمه السكون المقدر على النون المحذوفة للتخفيف . واسمه ضمير مستتر ، ( جاركم ) خبر ( أكن ) والكاف مضاف إليه والميم للجمع ( ويكون ) إعرابه في الأصل . ( بيني ) مفعول فيه ظرف مكان . والياء مضاف إليه . وهو خبر يكون مقدم . ( وبينكم ) معطوف على ( بيني ) ( المودة ) اسم يكون ( والإخاء ) مطعوف عليه .
(2) - انظر الكشف (1/427) .
(3) - انظر حاشية الصبان (3/307) ، والنحو الوافي (4/379) .(2/21)
2- الرفع على إضمار مبتدأ ، وتكون الواو استئنافية ، ويكون النهي عن الأول فقط . أي : لا تأكل ، ولك الكلام ، أو تكون للحال ، فيكون النهي عن المصاحبة ، أي لا تأكل وأنت تتكلم .
3- النصب على معنى النهي عن الجمع بينهما ، فتكون الواو للمعية . أي : لا يكن منك أن تأكل وأن تتكلم .
وقد أشار ابن مالك للموضع الخامس بقوله : ( والواو كالفا .. إلخ ) أي : بأن الواو كفاء السببية في وقوعها بعد النفي والطلب المحضين ، ونَصْبِ المضارع بعدها بأن المضمرة وجوباً . بشرط أن تفيد ( مفهوم مع ) أي : دالة على المعية . ثم ساق المثال : ( لا تكن جلداً وتظهر الجزع ) أي : لا تكن جلداً في وقت إظهار الجزع ، وفي المثال عيب معنوي إذ كيف يكون جلداً مع إظهاره الجزع .
*****
689- وَبَعْدَ غَيْرَ النَّفْي جَزْماً اعْتَمِدْ إنْ تَسْقُطِ الْفَا وَالْجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ
690- وَشَرْطُ جَزْمٍ بَعْدَ نَهْيٍ أنْ تَضَعْ إنْ قَبْلَ لَا دُونَ تَخَالُفٍ يَقَعْ
تقدم أن المضارع إذا وقع بعد ( الفاء ) التي تقدمها نفي أو طلب فإنه ينصب بـ ( أن ) مضمرة وجوباً . وذكر هنا أن ( الفاء ) إذا حذفت بعد غير النفي (1) . – وهو الطلب – وقُصِدَ الجزاء ، جزم المضارع الذي بعدها ، فشرط الجزم ثلاثة أمور :
أن يتقدم لفظ دال على الطلب ؛ كالأمر والنهي .
أن يقصد الجزاء بمعنى : أن هذا المضارع متسبب وناتج عن ذلك الطلب .
__________
(1) - ويستثنى مع النفي التمني إذا كان بـ (لو ) فإنه لم يستثنه أحد من النحويين ، وذلك لأنه لم يسمع الجزم في الفعل الواقع جواباً لـ (لو ) التي أشربت معنى التمني إذا حذفت الفاء . [ انظر تفسير البحر المحيط 1/678] .(2/22)
إن كان الطلب بغير النهي – كالأمر – فشرطه : صحة المعنى بوضع ( إنْ ) الشرطية ، وفعل مفهوم من السياق موضع الطلب ، وإن كان الطلب بالنهي فشرطه : أن يستقيم المعنى بحذف ( لا ) النافية ، ووضع ( إنْ ) الشرطية وبعدها ( لا ) النافية محل (لا ) الناهية .
مثال ذلك : عامل الناس بالحسنى يألفوك : فالفعل ( يألفوك ) مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون ، لأنه من الأمثلة الخمسة ، وقد تقدم عليه طلب وهو الأمر ( عاملْ ) ، ويصح إحلال (إنْ ) والفعل محل الطلب فيقال : إن تعامل الناس بالحسنى يألفوك .
والجازم له هو وقوعه في جواب الطلب (1).ومنه قوله تعالى:{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ }( الأنعام : 151) . ، فـ ( أتل ) فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة وهو الواو ، لوقوعه في جواب الطلب ( تعالوا ) وقد قصد الجزاء إذ المعنى : تعالوا فإن تأتوا أتلُ عليكم . فالتلاوة مسببة وناتجة عن مجيئهم .
ومثال النهي : لا تعجل في أمورك تسلمْ . فالفعل ( تسلم ) مجزوم لوقوعه في جواب الطلب وهو النهي ، ويصح أن تضع (إن ) قبل (لا ) فتقول : إن لا تعجل في أمورك تسلم .
فإن لم يتقدم طلب بل تقدم نفي أو خبر مثبت لم يصح جزم المضارع ، بل يجب رفعه ، نحو: ما تأتينا تحدثُنا ، ونحو : أنت تأتينا تحدثُنا : برفع ( تحدثنا ) في المثالين .
وكذا إن لم يقصد الجزاء نحو : ائتني برجل يحبُّ الله ورسوله ، فلا يجوز جزم المضارع ( يحب ) لعدم قصد الجزاء ، لأن المحبة ليست ناتجة عن الإتيان به ، وإنما المراد أن هذه صفته .
وكذا إن لم يستقم المعنى بوضع ( إنْ ) وفعل مفهوم من السياق موضع الطلب ، نحو : أين منزلك أقفُ في الشارع ؟ برفع (أقفُ ) ولا يجوز جزمه . إذ لا يصح أن يقال : إن تعرّفني منزلك أقف في الشارع ، لعدم استقامة المعنى .
__________
(1) - هذا أيسر الآراء في العامل الذي جزم المضارع الذي تجرد من الفاء ، وللنحاة كلام طويل في ذلك . انظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (3/309)(2/23)
وكذا يجب الرفع إذا لم يستقم المعنى عند إحلال ( إنْ ) الشرطية و (لا ) النافية معاً محل ( لا ) الناهية ، نحو : لا تدنُ من الأسد يأكلُك ، برفع ( يأكلُك ) ، ولا يجوز جزمه إذ لا يصح : إن لا تدنُ من الأسد يأكلك . وهذا معنى قوله : ( وبعد غير النفي جزماً اعتمد .. إلخ )اعتمد جزم المضارع بعد غير النفي – والمراد الطلب – ( إن تسقط الفاء – أي لم توجد ، مع قصد الجزاء ، ثم ذكر أن شرط الجزم بعد النهي صحة وضع ( إنْ ) الشرطية قبل (لا ) الناهية ، بشرط ألا يقع اختلاف في المعنى قبل مجيء ( إن ) سابقةً (لا ) وبعد مجيئها .
691- وَالأمْرُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ افْعَلْ فَلا تَنْصِبْ جَوَابَهُ وَجَزْمَهُ اقْبَلَا
تقدم أن الأمر إذا كان مدلولاً عليه باسم فعل أو بلفظ الخبر لم يجز نصب المضارع بعد الفاء عند الأكثرين ، وقد صرح بذلك هنا ، نحو : صه فأحدثُك ، وحسبك الحديث فينامُ الحاضرون . برفع الفعلين ( أحدثك ، وينام ) (1) ) .
__________
(1) - يرى الكسائي اعتبار ( الفاء ) هنا للسببية ونصب المضارع بعدها ، ووافقه ابن جني وابن عصفور إذا كان اسم الفعل من لفظ الفعل نحو ( نزالِ فنحدثَك ) قال ابن هشام في شرح الشذور ص (305) وما أحرى هذا القول بأن يكون صواباً . ا هـ .(2/24)
فإن سقطت الفاء جزم المراضع لوقوعه في جواب الطلب فتقول : صه أحدثْك ، وحسبك الحديث ينمْ الحاضرون ، ومنه قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ } ( الصف : 10-12 ) بجزم المضارعين ( يغفر ويدخل ) في جواب الجملة الخبرية ( تؤمنون وتجاهدون ) لأنها وما عطف عليها بمعنى الأمر ، والتقدير – والله أعلم – آمنوا وجاهدوا يغفر لكم .. وليس الجزم راجعاً لوقوعهما جواباً للاستفهام ( هل أدلكم .. ) لأن غفران الذنوب لا يتسبب عن الدلالة ، بل عن الإيمان والجهاد .
وهذا معنى قوله : ( والأمر إن كان بغير افعل .. إلخ ) أي : أن الأمر – وهو من أنواع الطلب – إن كانت صيغته ليست الصيغة الصريحة فيه – وهي صيغة " افعل " بل كان بلفظ الخبر – مثلاً – فإنه لا يجوز نصب المضارع بعد الفاء .
وأما جزم هذا المضارع بعد سقوط الفاء فهو جائز ، وقوله ( اقبلا ) أصلها ، اقبلنْ . فهو فعل أمر مبني على الفتح ، لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفاً للوقف .
692- والْفَعْلُ بَعْدَ الْفَاءِ فِي الرَّجَا نُصِبْ كَنَصَبِ مَا إلَى التَّمَنِّى يَنْتَسِبْ
أي : أن الفعل المضارع يُنصب بـ ( أن ) بعد الفاء الواقعة جواباً للترجي ، كما ينصب بعد الفاء الواقعة جواباً للتمني ، وقد تقدم ذكر ذلك.
وإنما فَصَل هذا المواضع عن المواضع السابقة – من أنواع الطلب – لما فيه من الخلاف ، فإن البصريين خالفوا في ذلك وقالوا : إن الرجاء ليس له جواب منصوب ، وتأولوا ذلك (1) .
والصواب قول الكوفيين بجوازه ، لأنه مؤيد بالسماع كما تقدم .
__________
(1) - انظر حاشية الصبان (3/312) .(2/25)
ومن ذلك – أيضاً – قوله تعالى:{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى} ( عبس : 3- 4 ) . فقد قرأ عاصم بنصب ( تنفع ) في جواب الترجي ، وقرأ الباقون بالرفع عطفاً على ما قبله والتقدير : ( لعله تنفعه الذكرى ) (1) .
693- وَإنْ عَلَى اسْم خَالِصٍ فِعْلٌ عُطِفْ تَنْصِبُهُ أنْ ثَابِتاً أوْ مُنْحَذِفْ
ذكر الموضع الثاني من مواضع إضمار ( أن ) جوازاً ، وهو أن تقع (أن ) بعد عاطف مسبوق باسم خالص من معنى الفعل ، والمراد به : الاسم الجامد المحض الذي ليس في تأويل الفعل ، والعاطف واحد من أربعة وهي :
1 – الواو كقول المرأة :
ولبسُ عباءة وتقرَّ عيني أحبُّ إلي من لبس الشُّفُوفِ (2)
فـ ( تقرَّ ) مضارع منصوب و ( أن ) مضمرة جوازاً بعد واو عاطفة على اسم خالص من معنى الفعل وهو ( لُبْسُ ) .
2- الفاء ، نحو : تعبُك فتنالَ المجد خير من راحتك وإهمالك ومنه قوله الشاعر :
لو لا توقُّعُ مُعْتَرٍّ فأرضيه ما كنت أوثر إتراباً على تَرَبِ (3)
__________
(1) - انظر الكشف (2/362) .
(2) - الشفوف : جمع شِف ( بفتح الشين وكسرها ) وهو الثوب الذي يشف عما تحته لكونه رقيقاً ، والمعنى : أن هذا المرأة – وهي ميسون بنت بحدل الكلبية زوج معاوية – تتمنى حالتها الأولى وهي أن لبس عباءة من صوف غليظ أحب إليها من الثياب الرقيقة الناعمة ، وقد كان معاوية قد نقلها من البادية إلى الحاضرة .
إعرابه : ( ولبس ) مبتدأ ( وتقر ) الواو عاطفة و ( تقرَّ ) فعل مضارع منصوب بـ ( أن ) مضمرة جوازاً ( عيني ) فاعل مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة ، والياء مضاف إليه ( أحبُّ ) خبر المبتدأ ( من لبس ) متعلق بـ ( أحب ) و ( الشفوف ) مضاف إليه .
(3) - معتر : هو الفقير المتعرض للسؤال ، أوثر : أفضل ، إتراباً : مصدر أترب الرجل ، إذا استغنى وصارت أمواله كالتراب ، ترب : بفتح التاء والراء هو الفقر .
إعرابه : لولا : حرف امتناع لوجود ( توقع ) مبتدأ ( معتر ) مضاف إليه ، والخبر محذوف وجوباً ، ( فأرضيه ) إعرابه في الأصل ، (ما كنت ) ما : نافية ، وكان فعل ماض ناقص ، والتاء اسمه , ( أوثر ) فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر وجوباً ( إتراباً ) مفعول به ( على ترب ) جار مجرور متعلق بـ ( أوثر ) وجملة ( أوثر ) خبر كان ، وجملة كان واسمها وخبرها لا محل لها من الإعراب جواب ( لولا ) .(2/26)
فـ ( أرضيه ) مضارع منصوب ، بـ ( أن ) مضمرة جوازاً بعد ( الفاء )، لأنه معطوف على اسم ليس في تأويل الفعل وهو قوله : ( توقّع ) .
3 – ثم ، نحو : إن جمعي المال ثم أمسكَه دليل الحرمان ، ومنه قول الشاعر :
إني وقتلي سليكاً ثم أعقلَه كالثور يضرب لما عافت البقر (1)
فـ ( أعقله ) مضارع منصوب بـ ( أن ) مضمرة جوازاً بعد ( ثم ) ، لأنه معطوف على اسم صريح وهو قوله ( قتلي ) .
__________
(1) - ثم أعقله : أدفع ديته . عافت : كرهت : ومعناه : إني أضرّ نفسي وأنفع غيري لأني قتلت سليكاً ثم دفعت ديته ، كذكر البقر يضرب ليرد الماء ليشرب الإناث بالتبعية له، فوجه الشبه أن كلاً حصل له ضرر لأجل نفع غيره .
إعرابه : ( إني ) إن واسمها . ( وقتلي ) معطوف على اسم ( إن ) والياء مضاف إليه .(2/27)
4 – أو ، كقوله تعالى : (( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً )) ( الشورى : 51) بنصب ( يرسل ) بإضمار (أن) و(أن ) والفعل معطوفان على ( وحياً ) لأن معناه : إلا أن يوحي ، أي : وحياً أو إرسالاً . قرأ بذلك السبعة عدا نافعاً المدني ، فقد قرأ برفع ( يرسل ) ، إما على الاستئناف والقطع عما قبله ، أو أنه على إضمار مبتدأ ، أي: أو هو يرسل ، أو أنه معطوف على ( وحياً ) على أنه حال ، لأنه في تقدير الحال : فكأنه قال : إلا موحياً أو مرسلاً (1) وقولنا ( مسبوق باسم خالص ) احتراز من الاسم غير الخالص ، وهو ما فيه معنى الفعل كاسم الفاعل ، نحو : المتكلم فيستفيدُ الطالب هو المحاضر ، فـ ( المتكلم ) اسم فاعل فيه معنى الفعل ، وهو واقع موقعه ، لأنه صلة لـ (أل ) والأصل في الصلة أن تكون جملة ، فهو بمنزلة ( يتكلم ) والتقدير : الذي يتكلم . فلما جاءت ( أل ) عدل إلى اسم الفاعل ، لأن الفعل لا يصلح صلة لها . فيجب رفع الفعل ( يستفيد ) ، لأنه معطوف على اسم غير خالص من معنى الفعل .
وهذا معنى قوله : ( وإن على اسم خالص فِعْلٌ عطف .. إلخ ) أي : وإن عطف الفعل المضارع على اسم خالص فإنه ينصب بـ ( أنْ ) ، ويجوز حينئذ إظهارها وإضمارها ، وكان الأولى أن يذكر هذا البيت عند ذكر (لام ) التعليل فإنها مثلها في جواز الإظهار والإضمار ، لتكون مواضع الإضمار الجائزة متوالية .
***
694- وَشَذَّ حَذْفُ أنْ وَنَصْبٌ فِي سِوَى مَا مَرَّ فاقْبَلْ مِنْهُ مَا عَدْلٌ رَوَى
لما ذكر المواضع التي ينصب فيها المضارع بـ ( أن ) محذوفة وجوباً أو جوازاً ، ذكر أنه سمع من العرب نصبه بـ ( أن ) محذوفة في غير هذه المواضع ، كقولهم : خذ اللصَّ قبل يأخذك . أي : قبل أن يأخذك . وقول الشاعر :
__________
(1) - انظر الكشف (2/253) .(2/28)
ألا أيُّهذا الزاجري أحضرَ الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مُخْلدي ؟ (1)
فنصب المضارع ( أحضرَ ) بـ ( أن ) محذوفة في غير موضع من المواضع السابقة ، وإنما سهل ذلك وجود (أن ) ناصبة في آخر البيت ، وذلك في قوله : ( وأن أشهد اللذات ).
وما ورد من ذلك محكوم عليه بالشذوذ ، فلا يقاس عليه . حرصاً على سلامة اللغة . وبعداً عن اللبس والاضطراب في فهمها .
وقوله : ( فاقبل منه ما عدلٌ روى ) أي : أن ما رواه العدل منصوباً من ذلك . يقبل كما رواه .
عوامل الجزم
695- بِلَا وَلَامٍ طَالِباً ضَعْ جَزْمَا فِي الْفِعلِ هكَذَا بِلَمْ وَلَمَّا
696- وَاجْزِمْ بِإنْ وَمَنْ وَمَا وَمَهْمَا أيٍّ مَتَى أيَّانَ أيْنَ إذْ مَا
__________
(1) - ( الزاجري ) أي الذي يزجرني ويمنعني ( الوغى ) القتال ( مخلدي ) أي : تضمن لي البقاء .
إعرابه : ( ألا ) أداة تنبيه تفيد التوكيد ( أيهذا ) أي: منادى بحرف نداء محذوف . وها : للتنبيه ، وذا : اسم إشارة نعت لـ ( أي ) مبنى على السكون في محل رفع ( الزاجري ) بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة . والزاجر : مضاف ، وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله . ( أحضر ) فعل مضارع منصوب بـ ( أن ) محذوفة والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره : أنا . و( أن ) المحذوفة وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف . أي : يزجرني عن حضور الوغى ، ( الوغى ) مفعول به لـ ( أحضر ) منصوب بفتحة مقدرة للتعذر ، و(أن ) مصدرية ( أشهد ) فعل مضارع منصوب ، وفاعله ضمير مستتر و(أن ) وما بعدها في تأويل مصدر معطوف على المصدر السابق . والتقدير : عن حضور الوغى وشهود اللذات ، ( اللذات ) مفعول به ، بـ ( أشهد ) منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم . ( هل ) حرف استفهام ، ( أنت ) مبتدأ ، ( مخلدي ) خبر المبتدأ وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله .(2/29)
697- وَحَيْثُمَا أنَّى وَحَرْفٌ إذْ مَا كَإِنْ وَبَاقِي الأَدَوَاتِ أَسْمَا .
تقدم أن إعراب المضارع رفع ونصب وجزم ، وقد مضى الكلام على الرفع والنصب ، وهذا الكلام في الجزم ، وأفرد لطوله . وكان الأولى أن يعبر بـ ( فصل ) لأنه من جملة الباب السابق .
والجازم نوعان :
1- نوع لفعل واحد . 2- جازم لفعلين .
فالجازم لفعل واحد خمسة :
الطلب ، وهذا تقدم .
لا الطلبية ، فإن كان من أعلى إلى أدنى فهو نهي كقوله تعالى : { لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }( لقمان : 13 ) . وإن كان من أدنى إلى أعلى فهو دعاء ، نحو : { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }( البقرة : 286) . وإن كان من المساوي لمساويه فهو التماس كقولك لزميلك : لا تتأخر في الحضور .
لام الطلب (1) فإن كان من أعلى إلى أدنى فهو أمر ، كقوله تعالى : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ } ( الطلاق : 7) . وإن كان من أدنى إلى أعلى فهو دعاء نحو : { لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } ( الزخرف : 77) . وإن كان المساوي لمساويه فهو التماس . كقولك لزميلك : لتِأخذْ هذا الكتاب .
__________
(1) - حركتها الكسر ، وإسكانها بعد الفاء والواو أكثر من تحريكها ، كقوله تعالى : { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي } وقد تسكن بعد (ثم ) كقوله تعالى : { ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ } .(2/30)
لم ، وهي حرف نفي مختص بجزم المضارع ، يقلب زمنه من الحال والاستقبال إلى الزمن الماضي (1) كقوله تعالى : { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } ( الإخلاص : 3 ) .
وقد تدخل عليها همزة الاستفهام التقريري (2) فلا تغير عملها ، وهو كثير في القرآن ، وهو كثير في القرآن ، كقوله تعالى : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } ( الشرح : 1 ) .
5- لما الجازمة ، وهي تختص بالمضارع فتجزمه ، وتشترك مع (لم ) بالحرفية والنفي والجزم والقلب للمضي ، وجواز دخول همزة الاستفهام عليهما (3) . كقوله تعالى : { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } ( الحجرات : 14) . فـ (لم ) وكذا (لما) حرف نفي وجزم وقلب . والفعل بعد (لم) مجزوم وعلامة جزمه حذف النون ، لأنه من الأمثلة الخمسة ، وبعد (لما ) مجزوم بالسكون وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين .
وتنفرد (لما ) بأمور :
جواز حذف مجزوميها والوقف عليها في سعة الكلام نحو : قاربت مكة ولما ، أي : ولما أدخلْها .
__________
(1) - إلا إذا دخلت على ( لم ) أداة شرط فإن المضارع يتجرد للزمان المستقبل ، ويبطل تأثير (لم ) في قلب زمانه إلى الماضي ، كقوله تعالى : {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ } والجازم للمضارع ( تفعلوا ) إما (لم ) لأنها مختصة المضارع أو ( إن ) لسبقها ولقوتها لأنها تؤثر في زمن الفعل ولفظه وقد ذكرت ذلك في باب الأمثلة الخمسة .
(2) - الاستفهام التقريري هو حمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه .
(3) - وقد ذكر أبو حيان في تفسيره ( البحر المحيط ) ( 2/140) أن ( لما ) أبلغ في النفي من ( لم ) لأنها تدل على نفي الفعل متصلاً بزمن الحال ، فهي لنفي التوقع .(2/31)
وجوب امتداد الزمن النفي بها إلى زمن النطق فيشمل الزمان الماضي والحالي معاً ، نحو : أعجبني تفسير ابن كثير وحسن طباعته ولما أشتره ، أي : ولما أشتره لا في الزمن الماضي – قبل الكلام – ولا في الحال – وقت الكلام - .
جواز توقع ثبوت مجزومها وحصوله بزوال النفي نحو : لما تشرق الشمس ، أي : لم تشرق قبل الكلام ولا في أثنائه.ومن المنتظر أن تشرق ، ومنه قوله تعالى : { بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ }(ص:8).وقوله تعالى : { وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } ( الحجرات : 14)
ومما تنفرد به ( لم ) :
صحة دخول بعض أدوات الشرط عليها كقوله تعالى:{وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}( الحجرات : 11 ).وقوله تعالى:{وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} ( المائدة : 67) . بخلاف (لما ) فلا تقع بعد أدوات الشرط ولا تسبقها .
جواز أن يكون معنى المضارع المنفي بها قد انتهى وانقطع قبل زمن التكلم ، كقوله تعالى : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } ( الإنسان : 1) . أي : ثم كان ، وقد يكون مستمراً متصلاً بالحال غير منقطع ، كقوله تعالى : { وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً } ( مريم : 4 ) .
ولهذا يصح أن تقول : لم يحضر الضيف وقد حضر ، ولا يصح : لما يحضر الضيف وقد حضر ويجوز : وقد يحضر ، أو : وسوف يحضر ؛ لما تقدم .
أما النوع الثاني من الجوازم وهو ما يجزم فعلين ، فقد ذكر منه ابن مالك إحدى عشرة أداة ، منها ما هو اسم له محل من الإعراب ، ومنها ما هو حرف لا محل له من الإعراب ، وسأبين ذلك لأهميته في الإعراب ، فأقول – مستعيناً بالله - :(2/32)
إن : وهي حرف شرط جازم لا محل له من الإعراب وتفيد تعليق وقوع الجواب على وقوع الشرط من غير دلالة على زمان أو مكان أو عاقل أو غير عاقل ، نحو : إن تصحب الأشرار تندمْ : ومنه قوله تعالى:{ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ }( النساء : 133).
مَنْ : اسم شرط جازم مبني على السكون . وهي للعاقل ، وتكون في محل رفع مبتدأ إن كان فعل الشرط لازماً نحو : من يكثرْ كلامه يكثرْ ملامه ، ومنه قوله تعالى : {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } ( النمل : 89) . فـ ( من ) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ . ( جاء ) فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط ، وجملة ( فله خير منها ) في محل جزم جواب الشرط . وجملة الشرط خبر المبتدأ على الأرجح (1) . وكذا تعرب مبتدأ إذا كان الفعل ناسخاً ، نحو : من يكن عجولاً يكثر زلله ، ومنه قوله تعالى : {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } ( الشورى : 20 ) . فـ (من ) مبتدأ ، و (كان ) فعل ماض فعل الشرط ، واسمها ضمير مستتر يعود على ( من ) وجملة ( يريد) خبرها ، وجواب الشرط ( نزد له ) وجملة ( كان يريد ) في محل رفع خبر المبتدأ .
__________
(1) - قد يقال : إنه لا يتم المعنى بجملة الشرط فقط فكيف تكون خبراً ؟ والجواب : أن الخبر في الأصل يتمم الفائدة بنفسه مع المبتدأ وهو الغالب ، وقد يتممها بمساعدة لفظ آخر يتصل به نوع اتصال ، كالنعت – مثلاً – في قوله تعالى : ( بل أنتم قوم عادون ) وكذا جملة الشرط فإنها لا تتمم المعنى إلا بالجملة الجوابية المترتبة عليها ، وقد نصَّ على هذا الصبان في حاشيته (1/45) وانظر النحو الوافي (1/443) ( 4/445) .(2/33)
أو كان الفعل متعدياً واقعاً على أجنبي (1) ) . منها ، نحو : من احترام الناس احترموه ، ومنه قوله تعالى: { مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } ( النساء : 123) .
فـ ( من ) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ ( يعمل ) فعل الشرط مجزوم بالسكون ، وفاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره ( هو ) يعود على (من ) ، والجملة خبر المبتدأ (من ) ( سواءً ) مفعول به منصوب ( يجز ) جواب الشرط مجزوم بحذف حرف العلة وهو الألف .
وتكون في محل نصب مفعول به إذا كان فعل الشرط متعدياً واقعاً على معناها ، نحو : من تساعد أساعده ، فـ (من ) اسم شرط مفعول مقدم للفعل ( تساعد ) لأنه لم يأخذ مفعوله .
و تكون في محل جر إن سبقت بحرف جر أو بمضاف نحو : عمن تتعلم أتعلم ، كتاب من تقرأ أقرأ .
ما : اسم شرط جازم لغير العاقل ، وإعرابها كإعراب (من ) نحو : ما تنفق من خير تجد ثوابه ، ومنه قوله تعالى : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (البقرة : 106) .
فـ ( ما ) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول مقدم لـ ( ننسخ ) و ( ننسخ ) فعل الشرط ( نأت ) جواب الشرط مجزوم بحذف حرف العلة وهو ( الياء ) .
__________
(1) - أي أن المفعول ليس له علاقة ولا ارتباط بها بخلاف ما إذا وقع على معناها كما سيأتي .(2/34)
مهما : اسم شرط جازم – على الأرجح – وهي لغير العاقل . وإعرابها مثل إعراب (ما ) نحو : مهما تنفق في الخير يخلفْه الله . فـ ( مهما ) اسم شرط جازم في محل نصب مفعول مقدم ومنه قوله تعالى عن قوم موسى عليه الصلاة والسلام { وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } ( الأعراف : 132) . فـ (مهما ) اسم شرط جازم مبنى على السكون في محل رفع مبتدأ ( وتأتنا ) فعل الشرط ، وهو مع فاعله خبر ( مهما ) وجملة ( فما نحن لك بمؤمنين ) جواب الشرط في محل جزم .
أيّ : بالتشديد ، اسم شرط جازم وهي بحسب ما تضاف إليه (1) فتكون للعاقل نحو : أيُّهم يقم أقم معه . وهي مبتدأ ، ولغير العاقل نحو : أيّ الكتب تقرأ أقرأ ، وهي مفعول به مقدم ، وتكون للزمان نحو : أيّ يوم تسافر أسافر ، وللمكان نحو : أيَّ بلد تسكن أسكن ، فتكون منصوبة على الظرفية ، وإن أضيفت إلى مصدر فهي مفعول مطلق نحو : أيّ نفع تنفع الناس يشكروك عليه .
ومن أمثلتها قوله تعالى : { أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى } ( الإسراء : 110) . فـ ( أيا ) اسم شرط جازم منصوب بـ ( تدعوا ) على المفعول به و (ما ) حرف زائد إعراباً مؤكد معنًى ( وتدعوا ) فعل الشرط مجزوم بحذف النون لأنه من الأمثلة الخمسة ، والواو فاعل، وجملة ( فله الأسماء الحسنى ) جواب الشرط في محل جزم ، والتنوين في ( أيا ) عوض عن المضاف إليه ، أي أيّ اسم تدعوا فله الأسماء الحسنى . وزيدت (ما ) على أحد القولين لتأكيد ما في ( أي ) من الإيهام ، وقيل:إنها شرطية وجمع بينهما للتوكيد والله أعلم .
__________
(1) - تقدم الكلام على إضافتها في باب الإضافة ، ومجيء ( أي ) في القرآن شرطية قليل جداً ، والظاهر أنها في آيتين ، وجاءت استفهامية في آيات كثيرة ، انظر دراسات لأسلوب القرآن (1/1/605) .(2/35)
متى : اسم شرط جازم ، وهي موضوعة للدلالة على مطلق الزمان ثم ضمنت معنى الشرط ، فهي في محل نصب على الظرفية الزمانية ، نحو : متى يأت فصل الصيف ينضج العنب . ولم تأت ( متى ) شرطية في القرآن .
أيان : اسم شرط جازم مثل : ( متى ) نحو : أيان يكثر فراغ الشباب يكثر فسادهم . فـ ( أيان ) اسم شرط جازم مبنى على الفتح في محل نصب على الظرفية ، ( يكثر ) فعل الشرط .( يكثر فسادهم ) جواب الشرط . و ( فسادهم ) فاعل ، ولم تقع ( أيان ) شرطية في كتاب الله تعالى .
أين : اسم شرط جازم ، ويحسن اتصالها بـ ( ما ) ليتمكن الشرط ، وهي موضوعة للدلالة على المكان ، ثم ضمنت معنى الشرط ، فتكون في محل نصب على الظرفية المكانية ، نحو : أينما تذهب أصحبْك ، ومنه قوله تعالى:{ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ} ( النحل : 76) فـ ( أين ) اسم شرط جازم مبني على الفتح في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بـ ( يوجهه ) و ( ما ) للتوكيد و ( يوجهه ) فعل الشرط ، والهاء مفعول به ( لا يأت بخير ) جواب الشرط مجزوم بحذف حرف العلة وهو ( الياء ) وقوله تعالى {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ } ( النساء : 78) .
فـ ( أينما ) كما تقدم وهو متعلق بـ ( يدرككم ) و ( تكونوا ) فعل الشرط ، والواو فاعل ( كان ) التامة لأنها بمعنى : ( توجدوا ) وجواب الشرط ( يدرككم ) .
إذما : وهي حرف شرط جازم – على الأرجح – فلا محل لها من الأعراب ، وهي لمجرد تعليق الجواب على الشرط مثل ( إنْ ) واتصالها بـ (ما ) الزائدة شرط في جزمها ، نحو : إذما تفعل شراً تندمْ ، فـ ( إذما ) حرف شرط جازم مبني على السكون لا محل له ( تفعل ) فعل الشرط ( تندم ) جواب الشرط ، ولم تقع ( إذما ) شرطية في كتاب الله تعالى .(2/36)
حيثما : اسم شرط جازم ، واتصالها بـ ( ما ) الزائدة شرط في جزمها ، وهي في محل نصب على الظرفية المكانية(1).حيثما تجد صديقاً وفياً تجد كنزاً ثميناً .قال تعالى : { وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } ( البقرة : 144) . فـ ( حيثما ) اسم شرط جازم مبني على الضم في محل نصب بـ ( كنتم ) و ( ما ) صلة و ( كنتم ) كان فعل ماض ناقص مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط والتاء : اسمه ، والميم : علامة الجمع ، (فولوا ) الجملة في مجل جزم جواب الشرط ، ولم تأت شرطية في القرآن إلا في هذه الآية ومثيلتها .
11- أنى : اسم شرط جازم ، وهي موضوعة للدلالة على المكان ثم ضمنت معنى الشرط ، فهي في محل نصب على الظرفية المكانية مثل (أين) ، نحو : أنى ينزل ذو العلم يُكرمْ فـ ( أنى ) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية ، ( ينزل ) فعل الشرط ، ( يكرم ) جواب الشرط .
وإلى الجوازم بنوعيها أشار ابن مالك بقوله : (بلا ولام طالباً ضع جزماً ... إلخ ) أي : اجزم الفعل المضارع بـ (لا ) وبـ ( اللام ) حال كونه ( طالباً ) بهما ، أي : استخدمتهما أداتي طلب واجزمه – أيضاً – بـ (لم ) و (لما ) ثم سرد الأدوات التي تجزم فعلين ، وبين أنها قسمان فـ (إذ ما وإن ) حرفان ، والبقية ( أسما) بالقصر للضرورة ، والأصل : أسماء .
698- فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ شَرْطٌ قُدِّمَا يَتْلُو الْجَزَاءَ وَجَوَاباً وُسِمَا
699-وَمَاضَيَيْن أوْ مُضَارِعَيْنِ تُلْفِيهِمَا أوْ مُتَخَالِفَيْنِ
__________
(1) - ذكر ابن هشام في المغنى ص 178 أنها للزمان مستدلاً بقول الشاعر :
حيثما تستقم يقدر لك الله نجاحاً في غابر الأزمانِ ، وفي شرح الشذور ذكر أنها للمكان ص 336، وهو الأظهر اعتباراً بأصلها .(2/37)
كل أداة من أدوات الشرط المتقدمة تقتضي فعلين ، يسمى الأول : شرطاً لتعليق الحكم عليه ، وكونه شرطاً لتحقيق الثاني ويسمى الثاني : جواباً لأنه مرتب على الشرط كما يترتب الجواب على السؤال ، ويسمى جزاء ؛ لأن مضمونه جزاء لمضمون الشرط .
ويكون الشرط متقدماً والجواب متأخراً ، وإذا ورد ما ظاهره أنه جواب متقدم فليس جواباً ، بل الجواب محذوف دال على ما تقدم على أداة الشرط وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله ، ويجب في الشرط أن يكون فعلاً ، أما الجواب فالأصل فيه أن يكون فعلاً نحو : قوله تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } { الطلاق : 2) .وقد يكون جملة اسمية كقوله تعالى:{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } { الطلاق : 4) . وإذا كان الشرط والجواب فعلين فلهما أربعة أقسام :
1- أن يكونا مضارعين ، فتجزم الأداة لفظيهما مباشرة إن كان معربين (1) . كقوله تعالى : { وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ } ( الأنفال : 19) . فـ ( تعودوا ) مضارع مجزوم بحذف النون ، وهو فعل الشرط ، والواو فاعل ، و ( نعد ) مضارع بالسكون جواب الشرط .
2 – أن يكونا ماضيين ، فتجزم الأداة محلهما ، لأن لفظ الماضي لا يجزم ،كقوله تعالى : { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } ( الإسراء : 8) . فـ ( عدتم ) عاد : فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط والتاء فاعل ، والميم علامة الجمع ، ( عدنا ) عاد فعل ماض مبني على السكون في محل جزم جواب الشرط . و ( نا ) فاعل .
__________
(1) -فإن كانا مبنيين نحو : من يهذْبنَ الأولاد ينفعن المجتمع ، فالجزم في المحل .(2/38)
3- أن يكون الشرط ماضياً والجزاء مضارعاً ، كقوله تعالى: { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} ( الشورى: 20 ) ، فجاء الشرط ماضياً في قوله ( من كان ) في الموضعين ، والجواب مضارعاً في قوله ( نزد له ) وقوله ( نؤته منها ) وتقدم إعراب الآية قريباً (1) .
4- أن يكون الشرط مضارعاً والجزاء ماضياً ، وهذا قليل .
ولهذا خصه الجمهور بالضرورة الشعرية . وذهب الفراء (2) ، وتبعه ابن مالك إلى أن ذلك سائغ في الكلام ، وهو الصحيح ، لورود ما يؤيده نثراً ونظماً .
أما النثر فما أخرجه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من يقم ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " (3) . وما أخرجه – أيضاً – من قول عائشة رضي الله عنها : " إن أبا بكر رجل أسيف متى يقم مقامك رقَّ " (4) .
ومن النظم الشاعر :
إن تصرمونا وصلناكم وإن تصلوا ملأتم أنفس الأعداء إرهاباً (5)
__________
(1) - انظر : دراسات لأسلوب القرآن (1/3/214) .
(2) - ذكره الأشموني (4/16) .
(3) - انظر فتح الباري ( 1/91) ، عمدة القاري (1/260) .
(4) - فتح الباري ( 6/417) ومعنى ( أسيف ) على وزن فعيل بمعنى فاعل من الأسف وهو شدة الحزن ، والمعنى : إنه رقيق القلب .
(5) - الصرم : القطع ، والإرهاب مصدر أرهبه : إذا أخافه .
إعرابه : ( إن ) حرف شرط جازم ( تصرمونا ) فعل وفاعل ومفعول ( وصلناكم ) وصل : فعل ماض مبني على السكون في محل جزم جواب الشرط ، ونا : فاعل ، والكاف : مفعول به ، والميم علامة الجمع ، ( وإن تصلوا ) فعل مضارع وهو فعل الشرط مجزوم بحذف النون ، والواو فاعل ( ملأتم ) فعل ماض وهو : جواب الشرط ، والتاء فاعل ، والميم علامة الجمع ( أنفس الأعداء ) مفعول أوّل ومضاف إليه . ( إرهاباً ) مفعول ثان .(2/39)
فقد جاء فعل الشطر مضارعاً وهو قوله :( تصرمونا )والجواب ماضياً وهو قوله ( وصلناكم ) وكذا قوله ( وإن تصلوا ملأتم ) (1)
وهذا معنى قوله : ( فعلين يقتضين .. إلخ ) أي : أن هذه الأدوات المذكورة فيما سبق ( يقتضين ) أي : يطلبن فعلين .
الأول : وهو الشرط ، ويكون مقدماً ، والثاني : يتلوه ويجيء بعده .
وهو الجزاء ، ويسمى جواب الشرط ، وقوله ( شرط ) مبتدأ ، وسوَّغ الابتداء بالنكرة وقوعها في مقام التفصيل ، وجملة ( قُدِّما ) خبر . والألف في قوله : ( قُدِّما ) وقوله : ( وُسِمَا ) ألف الإطلاق ومعنى ( وسم ) أي : عُلِّم وسُمّى ، ثم ذكر أنّك تجد هذين الفعلين ماضيين أو مضارعين أو متخالفين،بأن يكون الأول مضارعاً والثاني ماضياً ،أو الأول ماضياً والثاني مضارعاً.
700- وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارعٍ وَهَنْ
تقدم أنه إذا كان جواب الشرط فعلاً مضارعاً فإنه يجزم : وذكر هنا أنه يصح رفعه إن كان فعل الشرط ماضياً ، نحو : ما صنعت من خير تثبْ عليه ، أو تثابُ عليه . ومنه قول الشاعر :
وإنْ أتاه خليلٌ يوم مسألةٍ يقول لا غائبٌ مالي ولا حرمُ (2)
__________
(1) - انظر لزاماً : شواهد التوضيح والتصحيح لابن مالك ص : ( 14-17) .
(2) - ( خليل ) أي فقير محتاج ، مأخوذ من الخَلَّة ، بفتح الخاء ، وهي الفقر والحاجة ( مسألة ) أي : سؤال : والمراد طلب العطاء . ( حرم ) بزنة ، كتف ، أي : ممنوع والمعنى : أن هذا الممدوح كريم جواد ، يبذل ما عنده ، فلو جاءه فقير يطلب نواله لم يعتذر عليه بغياب ماله ، ولم يمنعه إجابة سؤاله .
إعرابه : ( إن ) حرف شرط جازم ( أتاه ) أتى : فعل ماض مبني على فتح مقدر في محل جزم ، والهاء مفعول به . ( خليل ) فاعل ( يوم ) ظرف متعلق بالفعل قبله ، وهو مضاف و ( مسألة ) مضاف إليه ، ( يقول ) فعل مضارع جواب الشرط مرفوع ، إما للضرورة أو على لغة ضعيفة ، وفاعله ضمير مستتر ( لا غائب ) لا : عاملة عمل ( ليس ) وغائب اسمها ( مالي ) فاعل سد مسد الخبر ، وياء المتكلم مضاف إليه ( ولا ) الواو عاطفة . ولا : زائدة لتأكيد النفي ( حرم ) معطوف على مضاف ( غائب ) ويصح إعراب ( حرم ) خبراً لمبتدأ محذوف أي : ولا أنت حرم . فيكون من عطف الجمل .(2/40)
فجاء جواب الشرط مضارعاً مرفوعاً،وهو قوله :(يقول) والشرط ماضياً وهو قوله (وإن أتاه) .
فإن كان الشرط مضارعاً والجزاء مضارعاً وجب الجزم فيهما ، ورفع الجزاء ضعيف ، كقول الشاعر :
يا أقرعُ بنَ حابسٍ يا أقرعُ إنك إن يصرعْ أخوك تُصرعُ (1)
فجاء جواب الشرط مضارعاً ، مرفوعاً ، وهو قوله : ( تصرعُ ) وفعل الشرط مضارعاً وهو قوله : ( يصرعْ ) وذلك ضعيف .
وما جاء مرفوعاً يؤخذ على ظاهره ، فإن كان في الشعر فهو مرفوع للضرورة أو على لغة ضعيفة ، وإن كان في نثر فهو مرفوع محاكاة للغة ضعيفة ، ولا داعي للتكلف بالتأويل على أن جواب الشرط محذوف ، أو أنه على إضمار الفاء .
وهذا معنى قوله : ( وبعد ماض رفعك الجزا حسن .. إلخ ) أي : أن الشرط إذا كان ماضياً جاز رفع الجواب وهو الفعل المضارع ،وقوله : ( حسن ) أي : الرفع جائز كثير ، لكن لا يفهم منه أنه أحسن ، من الجزم ، بل الجزم أحسن لأنه على الأصل .
وأما رفع الجزاء إذا كان الشرط مضارعاً فهو ضعيف ، وقوله : ( وَهَنْ) فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره : هو ، يعود إلى ( رفعه ) والجملة خبر المبتدأ ( رفعه ) . ومعناه : ضَعُفَ وقوله : ( الجزا ) بالقصر للضرورة .
****
701- وَاقْرُنْ بِفَا حَتْماً جَوَاباً لَوْ جُعِلْ شَرْطاً لإِنْ أوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ
__________
(1) - إعرابه : ( يا ) حرف نداء ( أقرع ) منادى مبني على الضم في محل نصب ( ابن ) نعت لـ ( أقرع ) منصوب باعتبار محله وهو مضاف و ( حابس ) مضاف إليه ( يا أقرع ) توكيد للأول . ( إنك ) إن واسمها . ( إن ) شرطية ( يصرع ) فعل مضارع مبني للمجهول وهو فعل الشرط (أخوك ) نائب فاعل ، والكاف مضاف إليه ( تصرع ) فعل مضارع مرفوع مبني للمجهول وهو جواب الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر . وهو جواب الشرط مرفوع ، وجملة الشرط والجواب في محل رفع خبر ( إنَ ) . .(2/41)
702- وَتَخْلُفُ الْفَاءَ إذَا الْمُفَاجَأَهْ كَإِنْ تَجُدْ إذَا لَنَا مُكَافَأَهْ
لما ذكر المصنف – رحمه الله – أدوات الشرط وعملها ، ذكر اقتران جواب الشرط بالفاء ، والقاعدة في هذا الموضوع :
أن كل جواب يمتنع جعله شرطاً فإن الفاء تجب فيه .
مثال ذلك : من سعى في الخير فسعيه مشكور . فجواب الشرط ( سعيه مشكور ) ، وهو لا يصلح أن يكون في محل الشرط ، لأنه جملة اسمية ، والشرط لا يكون إلا فعلاً – كما تقدم – فأُتي بالفاء للربط بين جملة الجواب وجملة الشرط ، وهذه الفاء زائدة ليست للعطف ولا لغيره ، ولا تفيد إلا عقد الصلة و الربط المعنوي بين جملة الشرط وجملة الجواب .
وإعرابه : الفاء واقعة في جواب الشرط . و ( سعيه مشكور ) الجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط .
وأشهر الأنواع التي لا تصلح أن تكون شرطاً ويجب اقترانها بالفاء ما يأتي :
الجملة الاسمية كما تقدم . ومنه قوله تعالى : { وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } ( الأنعام : 17 ) .
الجملة الفعلية التي فعلها طلبي نحو : إن حياك أحد بتحية فحيه بأحسن منها ، ومنه قوله تعالى :{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي } ( آل عمران : 31) .
الجملة الفعلية التي فعلها جامد ، نحو :من يطلق لسانه فليس بسالم ، ومنه قوله تعالى : {إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً * فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ}( الكهف : 39- 40) .
الجملة الفعلية التي فعلها مسبوق بـ (لن ) نحو : إن صحبت الأشرار فلن تسلم ، ومنه قوله تعالى : { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ } ( آل عمران : 115) .
الجملة الفعلية التي فعلها مسبوق بـ (قد ) نحو : من مدحك بما ليس فيك فقد ذمك ، ومنه قوله تعالى { إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } ( يوسف : 77) .(2/42)
الجملة الفعلية التي فعلها مسبوق بـ ( ما ) نحو : إن تجتهد فما أقصر في مكافأتك ، ومنه قوله تعالى : {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ } ( يونس : 72) .
الجملة الفعلية التي فعلها مسبوق بالسين نحو : مهما تخف من طباعك فستظهر للناس ، ومنه قوله تعالى : { وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } ( الطلاق : ) .
الجملة الفعلية التي فعلها مسبوق بـ ( سوف ) نحو : من ظلم الناس فسوف يندم ، ومنه قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء } ( التوبة : 28 ) . وقد تغني ( إذا ) الفجائية عن ( الفاء ) بشرط أن يكون الجواب جملة اسمية ، ومعناها : الدلالة على المفاجأة في الحال ، ولا بد أن يسبقها كلام ، وأرجح الأقوال في إعرابها أنها حرف لا محل لها من الإعراب ، كما تقدم في باب المبتدأ والخبر . ومثلها قوله تعالى : { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } ( الروم : 36 ) . ، فـ ( إذا ) حرف دال على المفاجأة مبني على السكون لا محل له من الإعراب ، (هم ) مبتدأ ، ( يقنطون ) الجملة في محل رفع خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط ( إن ) ومثالها أيضاً.قوله تعالى:{ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ}(الروم : 25).
وهذا معنى قوله : ( واقرُن بفا ... إلخ ) أي : اقرن بالفاء ( حتماً ) أي وجوباً ، كلَّ جوابٍ لو جعلته فعل شرط للأداة ( إنْ ) أو لغيرها من أخواتها ( لم ينجعل ) أي : لم يصلح فعلاً للشرط .(2/43)
وقوله : ( واقرن ) بضم بالراء من باب ( قَتَلَ ) ويصح كسرها من باب ( ضَرَبَ ) ، ثم ذكر أن ( إذا ) الفجائية تخلف ( الفاء ) وتحل محلها فَيُصَدّر بها الجواب الذي لا يصلح أن يكون شرطاً ، ثم ذكر المثال وهو ( إن تجد إذا لنا مكافأة ) أي : منا مكافأة ، والمعنى : إن يكن منك جود فمنا المجازاة ، من كافأت الرجل : إذا جازيته على فعله ، فـ ( إذا ) رابطة للجواب بالشرط ، و (لنا ) خبر مقدم و ( مكافأة ) مبتدأ مؤخر ، والجملة في محل جزم جواب الشرط . واشتراط كون الجواب مع ( إذا ) الفجائية جملة اسمية يفهم من المثال .
703- وَالْفِعْلُ مِنْ بَعْدِ الْجَزَا إنْ يَقْتَرِنْ بِالْفَا أَوِ الْوَاوِ بِتثْلِيْثٍ قَمِنْ
إذا وقع بعد جملة جواب الشرط فعل مضارع مقرون بالواو أو الفاء ، جاز فيه ثلاثة أوجه :
اعتبار " الواو " و " الفاء " حرفي استئناف . فالجملة بعدهما استئنافية ، والمضارع فيها مرفوع .
اعتبارهما حرفي عطف . والمضارع بعدهما مجزوم ، لأنه معطوف على جواب الشرط (1) . ومثال ذلك قوله تعالى :{ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ }( البقرة : 284) . فقد قرأ ابن عامر وعاصم برفع ( يغفر ) على أن الفاء استئنافية ، والمضارع مع فاعله المستتر جملة استئنافية ، وبعضهم يقدر مبتدأ،فالمستأنفة جملة اسمية والتقدير : فهو يغفر ، وقرأ باقي السبعة بجزم ( يغفر ) عطفاً على الجواب .
__________
(1) - العطف على الجواب بالجزم والرفع ، جاء في قراءة السبعة ، فانظر : دراسات لأسلوب القرآن (1/3/226) .(2/44)
اعتبار الفاء للسببية والواو للمعية ، فالمضارع بعدهما منصوب بـ ( أن ) مضمرة وجوباً ، والنصب قليل ، نحو : من يكثر مزاحه تسقط هيبته ويضيعَ احترامه ، بنصب ( يضيع )على إضمار ( أن ) (1) . وهذا معنى قوله : ( والفعل من بعد الجزا إن يقترن . إلخ ) . أي : أن الفعل المضارع إذا جاء بعد جواب الشرط وجزائه وقد اقترن بالفاء أو الواو ، فهو جدير وحقيق بالتثليث ، أي : الأوجه الثلاثة التي ذكرناها ، وقوله ( قَمِن ) بفتح القاف وكسر الميم ، صفة مشبهة بمعنى : حقيق . وهي خبر المبتدأ ، وهو قوله ( والفعل ) .
*****
704- وَجَزْمٌ أوْ نَصْبٌ لِفِعْلٍ إثْرَ فَا أوْ وَاوٍ إنْ بِالْجُمْلَتَيْنِ اكْتُنِفَا
إذا وقع بعد جملة الشرط فعل مضارع مقرون بـ ( الفاء ) أو ( الواو ) جاز فيه وجهان .
اعتبار ( الواو ) و ( الفاء ) حرفي عطف ، والمضارع بعدهما مجزوم ـ؛ لأنه على فعل الشرط ، كقوله تعالى : { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } ( يوسف : 90) . بجزم ( يصبر ) عطفاً على ما قبله .
اعتبار " الفاء " للسببية و ( الواو ) للمعية . والمضارع بعدهما منصوب بـ ( أن ) مضمرة وجوباً كقول الشاعر :
ومن يقتربْ منا ويخضعَ نؤوه ولا يخشَ ظلماً ما أقام ولا هضماً (2)
__________
(1) انظر : الكشف عن وجوه القرارات السبع لمكي ( 2/251) .
(2) - معناه : من يدنُ منا وينزل في حمانا مع الخضوع والذل لنا ننزله خير منزل ، ولا يخف من تعدي أحد عليه أو انتقاص حق من حقوقه مدة إقامته بيننا.
إعرابه : ( من ) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ ( يقترب ) و ( يخضع ) مضارع منصوب . ( نؤوه ) فعل مضارع مجزوم بحذف الياء لأنه جواب الشرط ، والفاعل ضمير مستتر ، والهاء مفعول به ، ( ولا يخش ) الواو عاطفة . ولا : نافية ، و ( معطوف على جواب الشرط مجزوم بحذف الألف ، وفاعله ضمير مستتر . ( ظلماً ) مفعول به ( ما ) مصدرية ظرفية ( أقام ) فعل ماض وفاعله ضمير مستتر ( ولا ) الواو عاطفة ، ولا : نافية . ( هضماً ) معطوف على قوله ( ظلماً ) .(2/45)
)
فإن قوله : ( ويخضع ) مضارع منصوب بـ (أن ) مضمرة وجوباً . وقد توسط بين فعل الشرط وجوابه( (1) .
وأما الرفع – وهو الوجه الثالث – فيمتنع هنا عند أكثر النحاة لأنه لا يصح الاستئناف قبل جواب الشرط ، لئلا يكون فاصلاً بين جملتي الشرط والجواب وهما متلازمان في المعنى .
ويرى المحققون جواز الرفع على الاستئناف بناء على ما قرره النحويون من جواز وقوع الجملة المعترضة بين جملتي الشرط والجواب ، كقوله تعالى : {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ } ( البقرة : 24) ، فإن جملة ( ولن تفعلوا ) معترضة لتأكيد عجزهم في جميع الأزمان .
وإلى جواز الوجهين المذكورين أشار بقوله :(وجزم أو نصب الفعل لفعل إثر ( فا ).. إلخ ) أي:أن الجزم أو النصب كلٌ منهما ثابت للفعل المضارع المسبوق بـ (الفاء ) أو ( الواو ) ( ان بالجملتين اكتُنِفَا ) أي :إن اكتنفته الجملتان . أي : أحاطت به جملتا الشرط والجواب . وقوله : ( اكتُنِفَا ) مبني للمجهول ، فهو بضم التاء وكسر النون ، أي : حُوِّط بالجملتين كما ذكرنا (2) .
705 وَالْشَّرْطُ يُغْنِيْ عَنْ جَوَابٍ قَدْ عُلِمْ وَالْعَكْسُ قَدْ يَأْتِي إنِ الْمَعْنَى فُهِمْ
يجوز حذف جواب الشرط بشرطين :
الأول : أن يدل عليه دليل بعد حذفه .
الثاني : أن يكون فعل الشرط ماضياً .
مثال ذلك : أنت الكريم إن صفحت عن المذنب ، فحذف جواب الشرط ، لدلالة ( أنت الكريم ) عليه ، والتقدير : إن صفحت عن المذنب فأنت الكريم .
__________
(1) - السبب الحقيقي للنصب هو السماع عن العرب ، لأن شرط النصب لم يتحقق ومع هذه فإن النحاة يقولون : إن سبب النصب هو تنزيل الشرط منزلة الاستفهام في أن كلاً منهما غير متحقق الوقوع .
(2) - إذا توسط المضارع بين الشرط والجواب ولم يسبقه عاطف فإن كان مجزوماً أعرب بدلاً ، وإن كان مرفوعاً أعربت جملته حالاً ، نحو : متى تأتنا تنزلُْ عندنا نكرْمك .(2/46)
فإن لم يكن فعل الشرط ماضياً بأن كان مضارعاً لم يصح حذف جملة الجواب ، إلا إن سد مسدها جملة أخرى بعدها .
كقوله تعالى:{مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}( العنكبوت : 5 ).فقوله (فإن أجل الله لآت) ليس هو الجواب،بل هو دليل الجواب(1) لأن الجواب يكون مسبباً عن الشرط ، والأجل آت . سواء وجد الرجاء أم لم يوجد ، وتقدير الجواب المحذوف – والله أعلم _- فليبادر إلى العمل الصالح ، وحذف جواب الشرط لتقدم دليله كثير جدّاً في القرآن ، كقوله تعالى : { وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ( المائدة : 23) . ، أي إن كنتم مؤمنين فعليه توكلوا (2) .
ويجوز حذف فعل الشرط بشرطين :
أن يدل عليه دليل ، ولا يذكر بعده في الكلام ما يفسره .
أن تكون الأداة (إن ) المدغمة في (لا ) النافية .
مثال ذلك : قل خيراً وإلا فاصمت ، والتقدير : وإنْ لا تقل خيراً فاصمت ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في اللقطة : " فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها " . (3) . التقدير : وإلا يجيء صاحبها فاستمتع بها .
وهذا معنى قوله:(والشرط يغني عن جواب قد علم ... إلخ ) أي أن فعل الشرط (يغني) أي يذكر دون الجواب ، بشرط أن يدل عليه دليل . ( والعكس ) وهو حذف الشرط لدلالة الجواب ( قد يأتي ) ، ويفهم من ذلك أن حذف الشرط أقل من حذف الجواب ، وقوله : ( إن المعنى فُهم ) أي : بشرط أن يفهم المعنى بعد الحذف .
****
706- وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ جَوَابَ مَا أخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ
__________
(1) - هذا الشرط عند البصريين ، وأما الكوفيون فلا يشترطونه ، ويجيزون حذف الجواب ولو كان الشرط مضارعاً بل يقولون فيما سد مسد الجواب : إنه هو الجواب وليس بالدليل .
(2) - انظر دراسات القرآن (1/3/248) .
(3) - متفق عليه .(2/47)
707-وَإنْ تَوَالَيَا وَقَبْلُ ذُو خَبَرْ فَالشَّرْطَ رَجِّحْ مُطْلَقاً بِلَا حَذَرْ
708- وَرُبَّمَا رُجِّحَ بَعْدَ قَسَمِ شَرْطٌ بِلَا ذِي خَبَرٍ مُقَدّم
إذا اجتمع شرط وقسم . فالأصل أن يكون لكل منهما جواب يخصه (1) . غير أنه يجوز حذف جواب أحدهما اكتفاءً بجواب الآخر الذي يغني عنه ويدل عليه .
__________
(1) - جواب الشرط يختلف عن جواب القسم ، فجواب الشرط يكون مجزوماً إذا كانت الأداة جازمة ، ويكون مقترناً بالفاء كما تقدم . أما جملة جواب القسم فلها الأحكام الآتية :
أ- الفعلية المصدرية بمضارع مثبت مستقبل متصل باللام يؤكد فيها المضارع بالنون نحو : والله لأنصفنَّ المظلوم ، وتقدم ذلك في باب نوني التوكيد .
ب_ الفعلية المصدرة بماضٍ مثبت متصرف ، فالغالب تصديرها باللام وقد نحو : والله لقد بذلت جهدي في نصحك .
ج- الفعلية المصدرية بماض جامد –غير ليس – فالأكثر تصديرها باللام نحو : والله لنعم خلقاً الصدق ، أما ليس فلا يتصل بها شيء .
د- الاسمية المثبتة ، تؤكد باللام و ( إنّ ) معاً نحو : والله إن فاعل الخير لمحبوب عند الله والناس ، ويجوز الاقتصار على أحدهما ، والأول أبلغ .
هـ - الجملة الفعلية أو الاسمية تنفى في جواب القسم بـ ( ما ) أو ( إن ) أو ( لا ) ويجب تجردها من اللام نحو : والله ما يقبل المجدُّ التواني ، والله إنْ تعتز الأمة إلا بدينها ، وربّ الكعبة لا يفلح الكذوب .. [ انظر النحو الوافي (4/482) ] ، وانظر : ( النحو الواضح ص 172) .(2/48)
فإذا اجتمع شرط وقسم حذف جواب المتأخر منهما ، لدلالة جواب الأول عليه ، نحو : والله من يعمل بأحكام الشرع ليفوزنَّ . فالمضارع ( يفوز ) مؤكد بالنون ، لأنه في جملة جوابية للقسم المتقدم ، وليس جواباً للشرط ، إذ لو كان جواباً له لكان مجزوماً ومنه قوله تعالى : { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } { الإسراء : 88 } . فقوله : ( لا يأتون ) جوب للقسم المقدر قبل اللام الموطئة في (لئن)، ولهذا جاء مرفوعاً ،ولو كان جواباً للشرط لقيل: ( لا يأتوا ) بالجزم .
فإن تقدم الشرط فالجواب له على الأرجح ، وجواب القسم محذوف ، نحو : من يعمل بأحكام الشرع والله يفز ، فالمضارع ( يفز ) جاء مجزوماً ، لأنه جواب الشرط ، وجواب القسم محذوف .
فإن اجتمع الشرط والقسم وتقدم عليهما ما يحتاج إلى خبر – كالمبتدأ – فالجواب للشرط مطلقاً ، سواء أكان متقدماً على القسم أم متأخراً ، نحو : أحكامُ الشرع والله من يعمل بها يفز ، وتقول : أحكامُ الشرع من يعمل بها والله يفز ، بجزم المضارع ( يفز ) في المثالين ، لأنه تقدم المبتدأ ( أحكامُ الشرع ) ، وخبره جملة الشرط .
وقد جاء قليلاً اعتبار الجواب للشرط مع تقدم القسم وإن لم يتقدم عليهما ذو خبر . وهو اختيار الفراء وابن مالك ، ومن ذلك قول الشاعر :
لئن كان ما حُدِّثتَه اليوم صادقاً أصُمْ في نهار القيظ للشمس بادياً (1)
__________
(1) - معناه : أن الشاعر يقسم لمخاطبه أنه لو كان ما حكى عنه ونسبه إليه الواشون صحيحاً فإن عليه نذراً أن يصوم يوماً شديد الحر ، وأن يتعرض لوهج الشمس حتى يكون ذلك أوجع له .
إعرابه : (لئن ) اللام موطئة للقسم و ( إن ) حرف شرط جازم (كان) فعل ماض ناقص ( ما ) اسم موصول اسمها ( حدثته ) فعل ماض مبني للمجهول ، والتاء نائب فاعل ، والهاء مفعوله الثاني ، ومفعوله الثالث محذوف أي : إن كان الذي حدثته واقعاً .والجملة صلة . (صادقاً ) خبر كان ( أصم ) جواب الشرط مجزوم ( بادياً ) حال من فاعل . ( أصم) .(2/49)
فقد تقدم القسم وتأخر الشرط . وجاء الجواب للشرط وهو المضارع المجزوم ( أَصُمْ).
والبصريون يحكمون على هذا بالشذوذ ، أو أن اللام زائدة وليست للقسم ، فلا تحتاج إلى جواب .وهذا تكلف . فالحق أن اللام للقسم ، والجواب للشرط ، وجواب القسم هو أداة الشرط وما دخلت عليه من جملتيها .
وإلى ما تقدم أشار ابن مالك بقوله : ( واحذف لدى اجتماع شرط وقسم .. إلخ ) أي : إذا اجتمع شرط وقسم فاحذف جواب المتأخر منهما ، استغناء بجواب المتقدم . ثم ذكر أنهما إذا اجتمعا وتقدم عليهما ما يطلب خبراً ، رُجِّحَ الشرط على القسم ، وفهم من قوله : ( رَجَّح ) أنه يجوز الاستغناء بجواب القسم . وفهم من قوله : ( مطلقاً ) أن الشرط يترجح سواء تقدم على القسم أو تأخر ، وقوله : ( بلا حذر ) تتميم لصحة الاستغناء عنه ، ثم ذكر أنه قد يترجح الشرط المتأخر وإن لم يتقدم ذو خبر والله أعلم .
*****
فصل " لو "
709- لَوْ حَرْفُ شَرْطٍ في مُضِيٍّ وَيَقِلْ إيلاؤهُ مُسْتَقْبَلاً لكِنْ قُبِلْ
" لو " من أدوات الشرط (1) . غير الجازمة . وهي قسمان :
لو الشرطية الامتناعية .
لو الشرطية غير الامتناعية .
__________
(1) - تأتي (لو ) في اللغة العربية لخمسة معانٍ :
1- شرطية .
2 – مصدرية وهذه تذكر في الموصولات الحرفية .
3- للتقليل في قوله صلى الله عليه وسلم : " التمس ولو خاتماً من حديد " " أولم ولو بشاة " .
4- للتمني كقوله تعالى : ( فلو أن لنا كرة فتكون من المؤمنين ) ولهذا نصب المضارع ( فنكون ) في جوابها .
5- للعرض نحو : لو تنزل عندنا فتصيبَ خيراً ، وينصب المضارع في جوابها لأن العرض من أنواع الطلب كما تقدم .(2/50)
أما الأولى : فهي حرف يفيد تعليق حصول مضمون الجزاء على حصول مضمون الشرط في الزمن الماضي ، ومقتضى ذلك امتناع شرطها دائماً وأنه لم يحصل ، أما جوابها فقد يمتنع وقد لا يمتنع ، فإن كان الشرط هو السبب الوحيد في إيجاد الجواب امتنع الجواب ، وإن كان للجواب سبب آخر غير الشرط لم يمتنع الجواب بامتناع الشرط .
فالأول نحو : لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجوداً .
والثاني نحو : لو ركب المسافر الطائرة لبلغ غايته ، فالشرط ممتنع في كلا المثالين .
أما الجواب فهو ممتنع في الأول لأن الشرط هو السبب الوحيد في وجوده ، فإن طلوع الشمس هو السبب في وجود النهار .
أما في المثال الثاني فالجواب غير ممتنع ، لأن الشرط ليس هو السبب الوحيد في وجوده ، بل هناك أسباب أخرى كالسفر بالسيارة – مثلاً – وبهذا يتضح أن قول المعربين في "لو " : ( إنها حرف امتناع لامتناع ) أي: امتناع الجواب لامتناع الشرط . فيه نظر ، لأن ذلك غير لازم - لما تقدم – ولعلهم نظروا إلى الكثير الغالب ، والعبارة الدقيقة أن يقال فيها : ( حرف يدل على ما كان سيقع لوقوع غيره ) أي : حرف يدل على ما كان سيقع في الزمان الماضي لوقوع غيره في الزمان الماضي – أيضاً – نحو : لو حضر أخوك لحضرت . أي : كان سيقع حضوري في الزمان الماضي لو وقع حضور أخيك ، وهكذا يقال في المثالين المتقدمين .(2/51)
أما (لو) الشرطية غير الامتناعية فتقتضي تعليق جوابها على شرطها – وجوداً أو عدماً – في المستقبل ، فترادف (إنْ ) الشرطية في التعليق (1) وفي أن زمن الفعل في جملتي الشرط والجواب مستقبل ، والغالب أن يكون فعل الشرط وفعل الجواب مضارعين نحو : لو يقدم خالد غداً لا أسافر .
فإن وليها ماض أوِّل بالمستقبل ، كقوله تعالى : {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ } ( النساء : 9) ، فالفعل (تركوا ) ماضٍ مؤولٌ بالمستقبل ( يتركون ) ، وإنما قدر ذلك ليصح وقوع ( خافوا ) جواباً وجزاء ، لأن الخوف إنما يكون قبل الترك ، لا بعده ، لاستحالته بعد موتهم .
وهذا معنى قوله : ( لو حرف شرط ... إلخ ) أي : أن " لو " حرف شرط يكون بها التعليق في الزمن الماضي ، وهذه هي الامتناعية . وقوله : ( ويقل إيلاؤها مستقبلاً ) إشارة إلى (لو ) الشرطية غير الامتناعية التي يكون التعليق بها مستقبلاً وهو – مع قلته – قبله النحاة وقالوا بمقتضاه لوروده عن العرب .
***
710- وَهْيَ فِي الاخْتِصَاصِ بِالْفِعْلِ كَإنْ لكِنَّ لَوْ أنَّ بِهَا قَدْ تَقْتَرِنْ
__________
(1) - قال العبكري : عند قوله تعالى : { وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } : ( لو هاهنا بمعنى ( إنْ ) وكذا في كل موضع وقع بعد " لو " الفعل الماضي ، وكان جوابها متقدماً عليها ) التبيان (1/177) ، وانظر : دراسات لأساليب القرآن (1/2/667) .(2/52)
من أحكام ( لو ) الشرطية أنه لا يليها إلا الفعل سواء كان ظاهراً كما في الأمثلة المتقدمة ، أو مضمراً نحو : لو خالد قدم لأكرمته . فِـ ( خالد ) فاعل لفعل مضمر يفسره المذكور ، ومن أمثلة ذلك قول عمر رضي الله عنه.(لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة ) (1).وقول حاتم الطائي ( لو ذاتُ سِوَارٍ لطمتني ) (2) , وهي بهذا تشبه ( إن ) الشرطية ، لكنها تخالفها في جواز دخولها على ( أنّ ) واسمها وخبرها كقوله تعالى :{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ } ( البقرة : 103) . وقوله تعالى : {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } ( الحجرات : 5) . وقوله تعالى:{ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ }( الأحزاب: 20). وقد اختلف النحاة في (لو) – والحالة هذه – على قولين :
الأول : أنها باقية على اختصاصها وهو الدخول على الفعل . فـ ( أنّ ) واسمها وخبرها في تأويل مصدر فاعل لفعل مقدر . والتقدير – والله أعلم – ولو ثبت أنهم آمنوا – أي : إيمانهم – ولو ثبت أنهم صبروا – أي صبرهم - .
الثاني : أنها فقدت اختصاصها ، وأن المصدر المؤول من ( أنّ ) واسمها وخبرها في موضع رفع مبتدأ ، وخبره محذوف تقديره – مثلا – ثابت ، أو نحو ذلك مما يناسب السياق.
__________
(1) - قالها عمر رضي الله عنه في موضوع الوباء الذي وقع بالشام ، فأراد عمر رضي الله عنه أن يرجع من الطريق فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه : أفراراً من قدر الله ؟ فقال له هذه المقالة ، والحديث متفق عليه . فانظره في جامع الأصول (7/576) .
(2) - انظر مجمع الأمثال للميداني ( 3/81) وانظر : الفاضل للمبرد ص 41ففيه خبر هذه المقالة . وانظر : المقتضب (3/77) والمراد بذات السوار : الحرة .(2/53)
والأول أظهر ؛ لأن فيه إبقاء (لو ) على اختصاصها ما دام أن تقدير المحذوف موجود على كلا القولين ، ولأنه ينبني على القول الثاني دخول الحرف المصدري على مثله بغير فاصل ، وهذا خلاف الأصل .
وهذا معنى قوله : ( وهي في الاختصاص بالفعل كإنْ ....إلخ ) أي : أن (لو ) الشرطية بنوعيها مختصة بالدخول على الفعل ، مثل ( إنْ ) الشرطية ، ثم بين إن (لو ) تخالف ( إنْ ) فتدخل على ( أنّ) و معموليها .
711- وَإنْ مُضَارِعٌ تَلاهَا صُرِفَا إلَى الْمُضِيِّ نَحْوُ لَو يَفِي كَفَى
من أحكام " لو " الامتناعية أنه لا يليها إلا الفعل الماضي لفظاً ومعنى ، أو معنى فقط ( وهو المضارع المسبوق بـ " لم " ) نحو : لو أنصف الناس لاستراح القاضي ، لو لم يتخاصم الناس لاستراح القاضي ، قال تعالى :{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } ( هود : 118) .
فإن جاء بعدها مضارع لفظاً ومعنى قلبت زمنه للمضي(1) ) كقوله تعالى : { قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ } ( آل عمران : 167) .(2)
__________
(1) - وهذا من الفروق بين " لو " الامتناعية وغير الامتناعية تخلص زمان المضارع للمستقبل مثل " إنْ " فيبقى المضارع بعدها على حاله صورة وزمناً , وإن وقع بعدها الماضي أول بالمستقبل وإنما تقلب الامتناعية زمان المضارع إلى الماضي لأنها تفيد تعليق شيء على شيء آخر في الزمان الماضي ، بخلاف أدوات الشرط الجازمة فإنه يتعين الاستقبال في شرطها وجوابها معاً في الغالب .
(2) - وانظر البحر المحيط (3/114) .(2/54)
) . ، أي : لو علمنا ؛ لأنهم علقوا الإتباع على تقدير وجود علم القتال ، وهو منتفٍ ، فانتقى الإتباع ، وإخبارهم بانتقاء علم القتال منهم إما على سبيل المكابرة ، وإما على سبيل التخطئة لهم في ظنهم أن ذلك قتال في سبيل الله وليس كذلك ، وإنما هو رمي النفوس في التهلكة ، ومثل هذه الآية قوله تعالى : { قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا } ( الأنفال : 31) ، وقوله تعالى : {لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ } ( الواقعة: 70 )
وهذا معنى قوله : ( وإن مضارع تلاها صرفا ...إلخ ) أي : أن المضارع إن تلا ( لو ) ووقع بعدها صرف زمنه إلى المضي حتماً ، نحو : ( لو يفي كفى ) أي : لو وفى كفى .
تتمة :
لم يتعرض ابن مالك - رحمه الله – في الألفية لجواب " لو " وهذه نبذة عنه .
اعلم أن ( لو ) بنوعيها لا بد لها من جواب ، وهو قسمان :
ماض لفظاً ومعنى ، فإن كان مثبتاً فالأكثر اقترانه بـ ( اللام ) كقوله تعالى : {لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً } ( الواقعة : 65) . وقوله تعالى : { وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ } ( الأنفال : 23) . وعدم الاقتران قليل ، كقوله تعالى : { لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } ( الواقعة : 70) . وقوله تعالى :{ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ } ( الأعراف : 155) وإن كان منفياً بـ ( ما ) فالأكثر أن يتجرد من اللام كقوله تعالى :{ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ }( الأعراف : 112)وقوله تعالى:{ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} ( آل عمران : 168) .وهو كثير في القرآن ، ومن اقترانه باللام قول الشاعر :(2/55)
ولو نُعطى الخيار لما افترقنا ولكن لا خيار مع الليالي (1)
فجاء جواب " لو " وهو قوله : ( لما افترقنا ) فعلاً ماضياً منفياً بـ ( ما ) واقترن باللام ، وهذا قليل . وقد يكون الجواب جملة اسمية مقرونة باللام كقوله تعالى : {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ } ( البقرة : 103) . فـ ( اللام ) واقعة في جواب (لو) ، و ( مثوبة) مبتدأ و ( خير ) خبره ، والجملة جواب (لو) ، و أوثرت الجملة الاسمية على الفعلية لما فيها من الدلالة على ثبات المثوبة واستقرارها ، وقيل : جواب " لو " محذوف تقديره : لأثيبوا . وجملة ( لمثوبة من عند الله خير ) مستأنفة ، أو جواب لقسم مقدر . والله أعلم .
أما ولولا ولوما
712- أَمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ وَفَا لِتِلْوِ تِلْوَهَا وُجُوباً أُلِفَا
713- وَحَذْفُ ذِيْ الفَا قَلَّ فِيْ نَثْرٍ إذَا لَمْ يَكُ قَوْلٌ مَعَهَا قَدْ نُبِذَا
أما : من أدوات الشرط غير الجازمة ، وهي حرف شرط وتوكيد دائماً ، وتفصيل غالباً ِ، أما كونها حرف شرط فدليله لزوم الفاء في جوابها – كما سيأتي – وأما كونها للتوكيد فقد ذكره بعض النحاة فقال : " أما " حرف يعطي الكلام فضل توكيد ، تقول : زيد ذاهب ، فإذا قصدت أنه لا محالة ذاهب ، قلت : أما زيد فذاهب .
__________
(1) - إعرابه : (ولو ) لو : حرف شرط غير جازم ( نعطى ) مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره ( نحن ) وهو المفعول الأول ( الخيار ) المفعول الثاني ( لما ) اللام واقعة في جواب ( لو ) وما : نافية ( افترقنا ) فعل وفاعل والجملة لا محل لها جواب ( لو ) ( ولكن ) الواو حرف عطف ، لكن حرف استدراك ( لا ) نافية للجنس ( خيار ) اسمها ( مع ) ظرف متعلق بمحذوف خبرها ، وهو مضاف و ( الليالي ) مضاف إليه .(2/56)
وأما كونها حرف تفصيل فهذا غالب أحوالها . كقوله تعالى : { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ } ( الضحى : 9-10) (1) ، وقد يترك تكرارها استغناء بذكر أحد القسمين عن الآخر ، كقوله تعالى : { فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ } ( آل عمران : 7) . ، وكأنه قيل : وأما الراسخون في العلم فيقولون ، وقد يتخلف التفصيل نحو : أما عليٌّ فمنطلق .
وهي قائمة مقام أداة الشرط وفعل الشرط،ولهذا فسَّرها سيبويه – رحمه الله – بـ ( مهما يك من شيء ) ، والمذكور بعدها جواب الشرط ، ولهذا لزمته الفاء لربط الجواب ، فإذا قلت : أما علي فمخترع ، فالأصل : مهما يك من شيء فعلي مخترع ، فأنيبت ( أما ) مناب " مهما " يك من شيء " ، فصار : أما فعليٌّ مخترع ، ثم أخرت الفاء إلى الخبر فصار : أما عليٌّ فمخترع .
__________
(1) - اليتيم : منصوب بما بعده ، والفاء في قوله : " فلا تقهر : رابطة لجواب ( أما ) .(2/57)
وهذه الفاء لازمة في جوابها – كما تقدم – وهي للربط المجرد ، لا يجوز حذفها إلا إذا دخلت على قول محذوف فيغلب حذفها ، كقوله تعالى : { فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } ( آل عمران : 106) (1) . أي : فيقال لهم : أكفرتم ، فحذف القول استغناء عنه بالمقول ، فتبعته الفاء في الحذف ، على قاعدة : ( يصح تبعاً ما لا يصح استقلالاً ) . وقلَّ الحذف فيها عدا ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم : " أما موسى كأني أنظر إليه إذا انحذر في الوادي يلبي " (2) . وقوله صلى الله عليه وسلم : " أما بعد : ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله " (3) .
وإعراب المثال : ( أما ) حرف شرط وتوكيد نائبة عن ( مهما يك من شيء ) ، مبتدأ مرفوع ، ( فمخترع ) الفاء رابطة و ( مخترع ) خبر المبتدأ ، والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم .
وإعراب ( مهما يكن من شيء فعليٌ مخترع ) هو : ( مهما ) اسم شرط جازم مبتدأ ، ( يك ) فعل مضارع تام مجزوم ، لأنه فعل الشرط ، ( من شيء ) " من " حرف جر زائد , " شيء " فاعل لـ ( يك ) مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد ( فعلى ) " الفاء " داخلة على جواب الشرط و " علي " مبتدأ و ( مخترع ) خبره ، والجملة في محل جزم جواب الشرط ( مهما ) .
__________
(1) - والاسم الموصول : مبتدأ ، خبره : المقدر ( فيقال لهم ) .
(2) - متفق عليه ، وانظر فتح الباري (3/ 414) .
(3) - متفق عليه ، وانظر فتح الباري (4/ 376) .(2/58)
وهذا معنى قوله : ( أما كمهما يك من شيء ..... إلخ ) أي أن (أما ) قائمة مقام أداة الشرط وفعله وهما : ( مهما يك من شيء ) وتجب الفاء ( لتلو تلوها ) تبعاً للمألوف من كلام العرب ، ومعناه : تالي تليها وهو الجواب، لأن تاليها مباشرة هو الشرط ، ثم ذكر أن حذف هذه الفاء قليل في النثر ، لا يقاس عليه إلا إذا حذفت مع القول - كما تقدم – وقوله : ( قد نُبذا ) أي طرح ، والألف للإطلاق ، وقوله : ( الفا ) بالقصر للضرورة في الموضعين .
714- لَولَا وَلَوْمَا يَلْزَمَانِ الاْبتِدَا إذَا امْتِنَاعاً بوُجُودٍ عَقْدَا
لـ ( لولا و لوما ) استعمالان :-
الأول : أن يدلا على امتناع جوابهما لوجود تاليهما ، ولهما حكمان :
دخولهما على مبتدأ محذوف الخبر وجوباً ، كما تقدم في باب الابتداء .
لا بد لهما من جواب مصدَّر بفعل ماض لفظاً ومعنى ، أو معنى فقط ( وهو المضارع المسبوق بـ " لم " فإن كان مثبتاً قُرن باللام للتأكيد – غالباً – (1) . نحو : لو لا العقل لكان الإنسان كالحيوان ، لو ما العمل لم يكن للعلم فائدة .
__________
(1) - ولم يقع جواب ( لو لا ) في القرآن بدون اللام مع الماضي المثبت .(2/59)
ولم تقع " لوما " الامتناعية في القرآن . أما " لو لا " فقد جاءت في آيات كثيرة منها : قوله تعالى : { فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ } { البقرة : 64 } قوله تعالى : { لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ }( سبأ : 31 ) ، وقوله تعالى :{ وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ } ( الزخرف : 33) . وقوله تعالى : { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } ( 143- 144) فـ (لولا ) في هذه الآيات حرف امتناع لوجود ، وما بعدها مبتدأ ، سواء كان اسماً صريحاً كما في الآية الأولى ، أو ضميراً منفصلاً كما في الآية الثالثة والرابعة ، وخبر هذا المبتدأ محذوف وجوباً – كما تقدم في باب الابتداء – و مدخول اللام هو جواب ( لولا ) .
فإن كان الفعل منفياً بـ (ما ) تجرد عن اللام غالباً نحو : لولا الهواء ما عاش مخلوق ، ومنه قوله تعالى : { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ } ( النور : 21) .
وإن كان الفعل منفياً بـ (لم ) لم يقترن بها ، نحو : لولا التجارب لم يستفد الإنسان ، لوما الجور وقلة الإنصاف لم يشرع القضاء .
وقد يحذف جواب (لولا ) لدليل يدل عليه كقوله تعالى : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } ( النور : 10 ) فجواب " لولا " محذوف ، تقديره – والله أعلم – لعاجلكم بالعقوبة ونحوه .
وإلى الاستعمال الأول لهذين الحرفين أشار بقوله : ( لولا ولو ما يلزمان الابتداء ) أي أن هذين الحرفين يلزمان الدخول على المبتدأ ، فلا يقع بعدهما غيره ، إذا ( عقدا ) أي ربطا امتناع شيء بوجود غيره ولازما بينهما ، والألف في قوله : ( عقدا ) للتثنية .(2/60)
715 - وَبِهِمَا التَّحضِيضَ مِزْ وَهَلَّا ألَّا أَلَا وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلَا
716-وَقَدْ يلِيهَا اسْمٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرِ عُلِّقَ أوْ بِظَاهِرٍ مُؤَخَّرِ
الاستعمال الثاني لـ (لولا ولوما ) الدالة على التحضيض – وهو طلب الفعل بحثٍّ وقوة – ويجب حينئذ أن يليها الفعل المضارع ، ويساويهما في التحضيض والاختصاص بالفعل : هلّا ، وألّا، وألا ، فيليها الفعل ظاهراً متصلاً بها أو مفصولاً منها بمعموله المتقدم عليه ،أو يكون مقدراً.
فمثال المضارع المتصل بها : لولا تؤدي الشهادةَ على وجهها ، ومنه قوله تعالى : {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ( النمل : 46) . فـ (لولا ) هنا بمعنى : هلّا ، وهو كثير في القرآن (1). وقال تعالى:{لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ }( الحجر : 7) . فـ (لوما ) أداة تخصيص .
ومثال المضارع المفصول منها: لولا الشهادةَ تؤدي على وجهها، لوما المنكرَ تغير بيدك أو بلسانك أو بقبلك . فـ (لولا ) أداة تخضيض و ( الشهادة ) مفعول مقدم لـ (الفعل ) تؤدي .
ومثال المضارع المقدر : لولا الشهادة تؤديها ، لوما المنكرَ تغيره ، فـ (لوما) أداة تحضيض و (الشهادة ) مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور ، والتقدير : لولا تؤدي الشهادة تؤديها ، وقد مضى ذلك في باب الاشتغال .
وقد يكون المضارع محذوفاً وليس في اللفظ فعل آخر يدل عليه ، ولكن سياق الكلام ينبئ عنه كقوله صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه حين أخبره بأنه تزوج بثيب : " هلّا بكراً تلاعبها وتلاعبك " (2) . أي : هلا تزوجت بكراً .
__________
(1) - ذكر هذا في ( دراسات لأساليب القرآن ) نقلاً عن أبي حيان في البحر ، وذكر أن (لوما) الامتناعية لم تقع في القرآن كما تقدم ، وأن التحضيضية جاءت في آية واحدة . انظر ( 1/2/ 691، 697) .
(2) - متفق عليه .(2/61)
فإن دخلت على فعل ماض فهو في تأويل المضارع كقوله تعالى :{ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ } ( المنافقون : 10 ) . فقوله : ( أخرتني ) ماض في معنى المضارع . إذ لا معنى للتأخير في الزمن الماضي ، وهو هنا للعرض .
وهذان الاستعمالان لـ (لولا ) و ( لوما ) ذكرهما ابن مالك وبقي استعمال ثالث لم يذكره ، وهو الدلالة على التوبيخ ، واللوم على ترك الفعل ، وتختص بالفعل الماضي ، أو ما في تأويله . نحو : هلّا كتبت الواجب ، ومنه قوله تعالى : {لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء }( النور : 13). وقوله تعالى :{وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا } ( النور : 16) (1) .
وأما التحضيض بـ (ألا )فقد جاء في مثل قوله تعالى:{أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ }(التوبة : 13) (2) . ، ولم يقع في القرآن تحضيض بـ (هلا ) أو بـ (ألّا ) .
__________
(1) - وقع في هذه الآية الفصل بين (لولا ) والفعل ( قلتم ) بالظرف . وفائدة هذا – والله أعلم – بيان الواجب عليهم أن يتفادوا التكلم بالإفك أول ما سمعوه ، فلما كان ذكر الوقت أهم وجب التقديم ، أفاده في الكشاف (3/66) .
(2) - الذي يفهم من كلام ابن مالك في شرح الكافية أن (ألا ) لا تأتي للتحضيض بل هي للعرض ، وإنما ذكرها مع حروف التحضيض بجامع الاختصاص بالفعل [ شرح الكافية ] (3/1655] .(2/62)
وإلى الاستعمال الثاني أشار بقوله : ( وبهما التحضيض مز .. إلخ ) فعل أمر أي : ميّز بـ (لولا ) و (لوما ) التحضيض ، لأنهما يدلان عليه . ويشاركهما في التحضيض ( هلّا ) وألّا ، وألا ) ، ثم ذكر أنها مختصة بالدخول على الفعل ، فقال : ( وأولينها الفعلا ) أي : أتبعها واذكر بعدها الفعل ، ولم يبين نوعه ، وهو المضارع ، والضمير عائد على الأحرف الخمسة المذكورة ، والألف في ( الفعلا) للإطلاق ، ثم بين أنها قد تدخل على الاسم في الظاهر ، فقال : ( وقد يليها اسم بفعل مضمرٍ عُلِّق ) أي : يكون متعلقاً بفعل مقدر ومعمولاً له . فيكون هذا الفعل بعد الأداة مباشرة ( أو بظاهر مؤخر ) أي : أو يكون هذا الاسم متعلقاً بفعل متأخر عن هذا الاسم فيكون من باب تقديم المعمول على عامله كما تقدم في المثال . والله أعلم .
*****
الإخبار بالذي والألف واللام
717- مَا قِيلَ أخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذيْ خَبَرْ عَنِ الَّذي مُبْتَدأ قَبْلُ اسْتَقَرْ
718- وَمَا سِواهُمَا فَوَسِّطْهُ صِلَهْ عَائِدُهَا خَلَفُ مُعْطِيْ التَّكْمِلَهْ
719- نَحْوُ الَّذِيْ ضَرَبْتُهُ زَيْدٌ فَذَا ضرَبْتُ زَيْداً كَانَ فَادْرِ الْمَأخَذَا
720- وَباللَّذَيْنَ وَالَّذِينَ وَالَّتي أَخْبِرْ مُرَاعِياً وِفَاقَ الْمُثْبتِ .
هذا الباب وضعه النحويون لاختيار الطالب وتدريبه في الأحكام النحوية ، كما وضع علماء الصرف باب الأبنية لامتحان الطالب في القواعد التصريفية ، وكثيراً ما يصار إلى هذا لقصد الاختصاص ، أو تقوية الحكم ؛ لأن فيه إسنادين إلى الضمير وإلى الظاهر- كما سيتضح إن شاء الله – أو لغرض القصر أو تشويق السامع ونحو ذلك .
فإذا قيل لك : أخبر عن : خالد ، من قولنا : خالد منطلق ، بالاسم الموصول (الذي ) فإنك تعمل في هذا الأسلوب خمسة أعمال :
أحدهما : أن تبتدئ الكلام بموصول مطابق للاسم المذكور في إفراده وتذكيره وتثنيته وجمعه، وهو ( الذي ) و تجعله مبتدأ .(2/63)
الثاني : أن تؤخر الاسم المذكور إلى آخر التركيب لأنه يراد جعله خبراً عن الموصول .
الثالث : أن ترفعه على أنه خبر عن ( الذي ) .
الرابع : أن تجعل ما بين المبتدأ والخبر صلة الموصول .
الخامس : أن تجعل في موضع الاسم المذكور الذي أخرته ضميراً مطابقاً له في معناه وإعرابه ، ومطابقاً للموصول لأنه هو العائد .
فتقول : الذي هو منطلق خالد.فـ ( الذي ) مبتدأ ،وجملة (هو منطلق) صلة ، و (خالد) خبر المبتدأ . .
وإذا قيل : أخبر عن : المحمدين : من : أكرمت المحمدين . قلت : اللذان أكرمتهما المحمدان ، وفي الجمع : الذين أكرمتهم المحمدون . وفي المؤنث : التي أكرمتها هند ..
وعلى هذا فالمخبر عنه – في هذا الباب – هو المجعول في آخر الجملة خبراً عن الموصول الذي هو المبتدأ ،وهذا خلاف ظاهر السؤال . فإن ظاهره أن ( خالد ) و ( المحمدين ) مخبر عنه .
وأن الاسم الموصول هو الخبر ، والجواب عن ذلك : أنه لما كان الاسم المذكور مخبر عنه من جهة المعنى ، صح أن يقال : أخبرْ عنه .
وهذا معنى قوله : ( ما قيل أخبر عنه بالذي خبر .. إلخ ) أي : إذا قيل لك : أخبر عن اسم بـ ( الذي ) ، فليس هو على ظاهره ، بل هو مؤول . فتجعل الاسم خبراً مؤخراً وجوباً ، ( عن الذي ) حال كونه ( مبتدأ قبل استقر ) . وسوغ ذلك الإطلاق كونه في المعنى خبراً كما تقدم (1) . وهذا إشارة إلى الأعمال الثلاثة الأولى .
__________
(1) - هذا أحد التأويلات وقد نسبه ابن مالك في شرح الكافية (4/1772) إلى ابن السراج ، وقيل : إن ( عن ) في قول ابن مالك ( عنه ) بمعنى الباء ، والباء في ( بالذي ) بمعنى : ( عن ) .(2/64)
وقوله : ( ما سواهما ) أي : ما سوى المبتدأ والخبر مما هو موجود في الجملة ( فوسطه صلة ) أي للاسم الموصول ، وهذا هو العمل الرابع ، وقوله : ( عائدها ) أي عائد الجملة وهو ضمير الموصول ( خَلَفُ مُعْطِي التكملة ) أي جاء الضمير في موضوع الاسم الذي جعل في الآخر خبراً يكمل الفائدة ، وهذا فيه العمل الخامس ، وكلامه يفيد أن الضمير الذي يخلف الاسم المتأخر لا بد من مطابقته للموصول لكونه عائده .
ثم ذكر المثال وهو أنك تقول : الذي ضربته زيد (فذا ضربت زيداً كان ) أي هذا التركيب كان في الأصل ، ضربت زيداً ، فعُمل فيه ما تقدم (فادر المأخذ ) وقس عليه ، والألف للإطلاق .
ثم بين أنه إذا كان الاسم الذي قيل لك : أخبر عنه . مثنى أو جمعاً أو مؤنثاً ، فإنك تأتي بالمبتدأ الموصول وفق ذلك الاسم فيما ذكر (مراعياً ) في الضمير العائد ( وفاق المثبت ) أي موافقة الاسم المخبر عنه في المعنى .
****
721- قَبُولُ تَأْخيْرٍ وَتَعْرِيفٍ لِمَا أُخْبِرَ عَنْهُ هَا هَنَا قَدْ حُتِمَا
722- كَذَا الْغِنَى عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ بِمُضْمَرٍ شَرْطٌ فَرَاعِ مَا رَعَوْا
لما ذكر المصنف رحمه الله كيفية الإخبار ذكر ما يشترط في الاسم المخبر عنه بالذي أو أحد فروعه ، وهي أربعة :
أن يكون قابلاً للتأخير ، لما تقدم من أنه يجب تأخيره إلى نهاية الجملة ، فلا يخبر بالذي أو فروعه عما له صدر الكلام ، كأسماء الشروط والاستفهام ، مثل : من ، وما ، لئلا تفوته الصدارة ، فإن كان الاسم لا يقبل التأخير بنفسه ولكن خَلَفُهُ يقبل التأخير صح ، مثل : الضمائر المتصلة ، كالتاء من قمتُ ، فيجوز أن يخبر عنها ، مع أنها لا تتأخر ، لأنه لا يمكن النطق بها وحدها لكونها ضميراً متصلاً ، ولكن يتأخر خلفها ، وهو الضمير المنفصل ، فتقول : الذي قام أنا .(2/65)
أن يكون قابلاً للتعريف ، فلا يخبر عن الحال والتمييز ، للزومهما التنكير ، فلا يخلفهما الضمير، لأنه ملازم للتعريف ، فلا يجوز في : جاء خالدٌ راكباً ، أن تقول : الذي جاء خالد إياه راكب .
أن يكون قابلاً للاستغناء عنه بأجنبي ، فلا يخبر عن ضميرٍ عائدٍ إلى اسم في الجملة ، كالهاء من نحو : صالح أكرمته ، لأنك لو أخبرت لقلت : الذي صالح أكرمته هو ، فالضمير المنفصل هو الذي كان متصلاً بالفعل قبل الإخبار ، والضمير المتصل الآن خلف عن ذلك الضمير ، فإن قدرته رابطاً للخبر بالمبتدأ الذي هو (صالح ) بقي الموصول بلا عائد ، و انخرمت قاعدة الباب، وإن قدرته عائداً على الموصول بقي الخبر بلا رابط .
أن يكون صالحاً للاستغناء عنه بالمضمر ، ليصح كونه عائد الموصول ، فلا يخبر عن الموصوف دون صفته ، فلا تقول في :أكرمت رجلاً عالماً : الذي أكرمته عالماً رجل . لأنك لو أخبرت عنه لوضعت مكانه ضميراً ، وحينئذ يلزم وصف الضمير والضمير لا يوصف ، ولا يوصف به .
وهذا الشرط يغني عن ذكر الشرط الثاني ، لأن الإضمار تعريف وزيادة ، وقد ذكر ابن مالك في شرح الكافية أن ذكر الشرط الثاني زيادة بيان (1) .
وإلى هذا الشروط الأربعة أشار بقوله : ( قبول تأخير وتعريف ... إلخ ) أي : قد ( حُتم ) في هذا الباب ووجب كون الاسم المخبر عنه قابلاً للتأخير والتعريف ، وكذا يشترط (الغنى عنه) أي الاستغناء عنه بأجنبي أو الاستغناء عنه بمضمر ، وقوله ( فراع ما رعوا ) أي لاحظ ما لاحظوه من الشروط (2)
__________
(1) - شرح الكافية (4/1775) .
(2) - وبقي من الشروط :
5- أن يكون الاسم في جملة خبرية ، فلا يخبر عن الاسم في مثل : أكرمْ علياً ، لأن الطلب لا يقع صلة ، كما هو معلوم من باب الموصول .
6- وأن يجوز ورود الاسم في الإثبات فلا يخبر عن ( أحد ) من نحو : ما جاءني من أحد ، لأنه لو قيل : الذي ما جاءني أحدٌ ، لزم وقوع (أحد ) في الإيجاب .
7- ألا يكون الاسم في إحدى جملتين مستقلتين نحو : هشام في قولك ، قام هشام ، وقعد ياسر .(2/66)
.
723- وَأَخْبَرُوا هَنَا بِألْ عَنْ بَعْضِ مَا يَكُونُ فِيْهِ الْفِعْلُ قَدْ تقَدَّمَا
724- إنْ صَحَّ صَوْغُ صِلَةٍ مِنْهُ لألْ كَصَوْغِ وَاقٍ مِنْ وَقَى اللهُّ الْبَطَلْ
725- وَإنْ يَكُنْ مَا رَفَعَتْ صِلَةُ ألْ ضَمِيرَ غَيْرِهَا أُبِينَ وَانْفَصَلْ
لما بين الإخبار بالاسم الموصول عن الاسم : ذكر هنا الإخبار بالألف واللام الموصولة ، فيخبر بالألف واللام عن الاسم بأربعة شروط ، زيادة على الشروط السابقة :
أن يكون المخبر عنه واقعاً في جملة فعلية ، بخلاف الإخبار بالذي ، فإنه يخبر به عن الاسم الواقع في جملة اسمية أو فعلية ، فإذا قلت : خالد أخوك ، لم يصلح الإخبار بأل عن خالد ، لأنه في جملة اسمية ، والجملة الاسمية لا تصلح صلة .
أن يكون الفعل متقدماً بخلاف ، ما يقوم عاصم . لأنه تقدم على الفعل نفي ، ولا يفصل بين أل وصلتها بنفي ولا غيره .
أن يكون متصرفاً بخلاف:عسى المريض أن يبرأ ؛ لأنه فعل جامد ، وهو لا يصلح صلة لأل .
أن يكون مثبتاً ، بخلاف المنفي كما تقدم .
مثال ذلك: وقى اللهُ البطلَ ، فيجوز أن تخبر عن كل واحد من الفاعل والمفعول في هذه الجملة بالألف واللام ، لتحقق الشروط ، فتقول في الإخبار عن الفاعل ، الواقي البطلَ اللهُ . فـ ( الواقي ) مبتدأ ، و ( البطل ) بالنصب على أنه مفعول لاسم الفاعل ، وبالجر على أنه مضاف إليه ، و ( الله ) خبر المبتدأ .
وتقول في الإخبار عن المفعول : الواقيه اللهُ البطلَ ، وذكر الهاء واجب لأن عائد ( أل ) الموصولة لا يحذف إلا ضرورة . فـ ( الواقيه ) مبتدأ والهاء مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله . و ( الله ) فاعل لاسم الفاعل ، و ( البطل ) خبر المبتدأ .(2/67)
ثم إن الوصف الواقع صلة لألف ، إن رفع ضميراً ، فإن كان عائداً على أل الموصولة وجب استتاره في الصلة ، لأن الصلة جارية على من هي له ، وإن كان عائداً على غيرها وجب بروزه . لجريان الصلة على غير من هي له ، فإذا قلت : بَلَّغْتُ من أخويك إلى المحمدين رسالةً . فإن أردت الإخبار عن التاء في (بلغت ) قلت : المبلَّغُ من أخويك إلى المحمدين رسالةً أنا ، ففي المبلغ ضمير عائد على (أل ) فيجب استتاره ، لأنه في المعنى لأل ، لأنه خلف من ضمير المتكلم ، ( وأل ) للمتكلم ، لأن خبرها ضمير المتكلم ، والمبتدأ نفس الخبر ، وإن أخبرت عن الأخوين – من المثال المذكور – قلت : المبلِّغُ أنا منهما إلى المحمدين رسالةً أخواك . وإن أخبرت عن المحمدين قلت : المبلغ أنا من أخويك إليهم رسالة المحمدون . وعن الرسالة تقول : المبلغها أنا من أخويك إلى المحمدين رسالة ، فـ ( أنا ) في هذه الأمثلة ، فاعل ( المبلغ ) لأنه اسم فاعل ، والضمير عائد لغير ( أل ) ، وضمير الغيبة هو العائد، وذلك لأن التبليغ فعل المتكلم ، و (أل) فيهن لغير المتكلم لأنها نفس الخبر الذي أخرته .
وهذا معنى قوله : ( وأخبروا هنا بأل .. إلخ ) أي : أخبر العرب – في هذا الباب –بأل الموصولة ( عن بعض ) أي عن جزء كلام ( يكون فيه الفعل قد تقدما ) وهذه إشارة إلى الشرطين الأولين . وقوله ( إن صح صوغ صلة منه لأل ) أي من الفعل المتقدم ، بأن كان متصرفاً ومثبتاً .وهذا (إشارة) إلى الشرطين الأخيرين . وقوله ( كصوغ واق من وقى الله البطل ) هذا مثال لما اجتمعت فيه الشروط ، فهو خبر لمبتدأ محذوف ، أي : وذلك كصوغ ... وقد مضى بيان ذلك .
ثم ذكر أن صلة (أل ) إذا رفعت ضميراً وكان هذا الضمير لغير (أل ) ( أبين وانفصل ) ، أي : قطع من العامل وانفصل ، إشارة إلى أنه يجب الإتيان به بارزاً منفصلاً كما تقدم ، والله أعلم .
……***
العدد(2/68)
726- ثَلَاثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلعشَرَهْ فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكّرَهْ
727- في الضِّدِّ جَرِّدْ وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ جَمْعاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأكْثَرِ
728- وَمِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ أضِفْ وَمِائَةٌ بِالجَمْعِ نَزْراً قَدْ رُدِفْ
اعلم أن أسماء العدد في اصطلاح النحاة أربعة أقسام :
المفرد . وهو العدد الخالي من التركيب والعطف . وهو الواحد والعشرة وما بينهما ، وكلمة ( بِضْع وبِضْعة ) (1) ، والمائة (2) والألف ، ويسميه بعض النحاة ( العدد المضاف ) لأنه يضاف إلى تمييزه – عدا الواحد والاثنين – كما سيأتي إن شاء الله .
المركب وهو ما تركب تركيباً مزجياً من عددين ، وهو أحد عشر وتسعة عشر، وما بينهما.
العِقْد . وهو في اصطلاح النحاة يطلق على العدد من عشرين إلى تعسين .. وبعضهم يسميه العدد ( المفرد ) لأنه غير مضاف ولا مركب .
المعطوف . وهو العدد الذي بين عقدين ، كالأعداد المحصورة بين عشرين وثلاثين ، أو بين ثلاثين وأربعين . وهكذا .
__________
(1) - البضع : بالكسر ، يدل على عدد ما بين ثلاثة وتسعة ، وحكمه كالثلاثة في التذكير والتأنيث وهو قد يستعمل مفرداً أو مركباً أو معطوفاً عليه ، قال تعالى : { سَيَغْلِبُونَ{3} فِي بِضْعِ سِنِينَ } .
(2) - جرى المتقدمون على أن ( المائة ) تكتب بالألف ، وذكروا تعليل ذلك . فانظر : ( أدب الكُتاب ) للصولي ص 259، كتاب ( الكُتّاب ) لابن درستويه ص 90، ( باب الهجاء ) لابن الدهان النحوي ص6 ، همع الهوامع (6/325) ، المطالع النصرية ص 149، ويرى المجمع اللغوي القاهري كتابتها بدون الألف ، فإن ركبت الثلاث مع المائة حذفت ألف ( ثلاث ) فتقول : ثلثمائة ، وشرط ذلك ألا يلتبس بالثلث أحد الكسور ، إلا ( ثمان ) فلا تحذف ألفها مع المائة – على الأجود – لئلا يجتمع حذفان ، حذف الألف وحذف الياء . انظر : المطالع النصرية ص 182.(2/69)
وسأتكلم – بعون الله – عن هذه الأقسام في ضوء الألفية من خلال المباحث الآتية .
تذكير العدد وتأنيثه .
حكم تمييزه .
إعراب العدد .
فأما القسم الأول وهو العدد المفرد ، فالعددان واحد واثنان يوافقان المعدود في التذكير والتأنيث ، فيذكران مع المذكر يؤنثان مع المؤنث ، نحو : في القرية مسجد واحد ، ومدرسة واحدة ، اشتريت كتابين اثنين ، وكراستين اثنتين .
وهذا العددان يعربان على حسب موقعهما من الجملة ، ولا يذكر بعدهما تمييز، فلا يقال : في القرية واحدُ مسجدٍ ، ولا اشتريت اثني كتابين ، لأن ذكر التمييز مباشرة ( مسجد، كتابين ) يحدد المراد ، ويغني عن ذكر العدد قبله .
والأعداد ثلاثة وعشرة وما بنيهما وكلمة ( بِضْع وبضعة ) على عكس العدد ، فتذكر مع المؤنث ، وتؤنث مع المذكر ، نحو : عندي سبعةُ رجال ، وثلاثُ نسوةٍ ، وصافحت بضعة رجال ، ونصحت بضع نساء ، قال تعالى : {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً )) ( الحاقة : 7) . وقال تعالى : { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ )) ( النور : 6 ) . وقال تعالى : { ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء )) ( النور : 4 ) لأن مفرد ( شهادات ) : " شهادة " وهو مؤنث ، ومفرد ( شهداء ) : " شاهد أو شهيد " وهو مذكر (1) .
وإذا اجتمع لعدد واحد تمييزان : أحدهما مذكر ، والآخر مؤنث روعي في تذكير العدد وتأنيثه السابق منهما ، نحو : حضر سبعة رجال ونساء ، وأقبل خمس نساءٍ ورجال . وهذا يختلف عن العدد المركب والعدد المعطوف ، وسأذكر ما يتعلق بهما إن شاء الله .
__________
(1) - وعلى هذا فإذا كان المعدود جمعاً فإنه لا يراعي لفظه من ناحية التذكير والتأنيث ، وإنما يراعي مفرده ، تقول : جاء خمسة فتية ، لأن مفرده ( فتى ) وهو مذكر . ولا تنظر لجمعه المؤنث ، وأوتار العشر الأواخر من رمضان خمس ليال . لأن مفرده (ليلة ) وهو مؤنث . ولا تنظر لجمعه المذكر :(2/70)
وهذه الأعداد تعرب على حسب موقعها من الجملة (1)
__________
(1) - العدد المفرد (ثمان ) يختلف عن بقية الأعداد فإنه له حالتين : الأولى : أن يكون مضافاً ، الثانية : أن يكون غير مضاف .
فإن كان مضافاً دالاً على مذكر بسبب إضافته إلى تمييزه المؤنث فالأفصح إثبات الياء في آخره مطلقاً ، وإعرابه إعراب الاسم المنقوص ، فتقدر على يائه الضمة والكسرة ، وتظهر الفتحة ، تقول : عندي ثماني مخطوطات ، اشتريت ثمانيَ مخطوطات ، واحتفظت بثماني مخطوطات .
وإن كان مضافاً دالاً على مؤنث بسبب إضافته إلى تمييزه المذكر لزمته الياء وبعدها التاء الدالة على التأنيث ، ويعرب بالحركات الظاهرة كغيره مع الأسماء الصحيحة ، نحو : حضر ثمانيةُ طلاب ، سألت ثمانيةَ طلاب جلست مع ثمانية طلاب. فإن كان في غير مضاف والمعدود مذكر لزمته الياء والتاء – أيضاً - وأعرب بالحركات الظاهرة : نحو : الحاضرون من الطلاب ثمانية ، كان الحاضرون ثمانية ، اجتمعت من الطلاب بثمانية .
وإن كان المعدود مؤنثاً أعرب إعراب المنقوص نحو : عندي من المخطوطات ثمانٍ اقتنيت من المخطوطات ثمانياً – بالتنوين على أنه منقوص منصرف – أو ثمانيَ – على أنه ممنوع من الصرف – وتقول في الجر : اكتفيت من المخطوطات بثمانٍ . والإعراب في حالة الرفع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة وهكذا يقال في الجر ، فإن كان مركباً مع العشرة فسأذكره إن شاء الله مع الأعداد المركبة .(2/71)
وتحتاج إلى تمييز بالإضافة (1) ، ويكون – في الأغلب – جمع تكسير للقلة (2) . – كما تقدم في الأمثلة – (3) .
وقد يتخلف كل واحد من هذه الأمور الثلاثة - وهي الجمع والتكسير والقلة – فتضاف هذه الأعداد إلى المفرد إذا كان التمييز وهو لفظ (مائة) نحو:في المعهد ثلثمائة طالب،وأربعمائة مقعد .
وقد يتخلف الأمر الثاني فتضاف هذه الأعداد إلى جمع التصحيح وذلك إذا لم يكن للكلمة جمع تكسير نحو : خمس صلوات ، قال تعالى : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ )) ( الطلاق : 12) .
__________
(1) - قد يضاف العدد المفرد إلى غير تمييزه المبين لنوع المعدود ، فيضاف إلى مستحق المعدود : نحو هذه خمسةُ محمد . خذ سبعتك . ويستغني بذلك عن التمييز ، لأن هذه الإضافة تحقق غرضاً لا يحققه التمييز ، وهو أن العدد مستحق ومملوك للمضاف إليه ، لأنك لا تقول لشخص ، خذ سبعتك ، إلا لمن يعرف جنسها ، فلست بحاجة إلى ذكر التمييز .
(2) - جمع القلة يدل على أفراد لا تنقص عن ثلاثة ولا تزيد على عشرة وجمع الكثرة يدل على أفراد لا تقل عن ثلاثة وقد تزيد عن عشرة ولكل منهما أوزان خاصة ستأتي إن شاء الله في باب جمع التكسير .
(3) - اعلم أنه لا يراد بالجمع هنا – الجمع الاصطلاحي – بل يدخل فيه كل ما يدل على الجمعية من اسم الجمع كـ ( رهط ) و ( قوم ) واسم الجنس الجمعي : ( نحل ) و ( بقر ) والغالب أن يجر ذلك بـ( من ) قال تعالى : { فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ} وتقول: جاء ثلاثة من القوم ، وفي المزرعة سبع من النخل وتسع من الشجر . وقد يجر بالإضافة كما في قوله تعالى : {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ } في الحديث " ليس فيما دون خمس ذود صدقة " والذود : اسم جمع لا مفرد له .(2/72)
فجاء بـ (سموات) جمع تصحيح ، لأنه ليس للسماء جمع غيره وقال تعالى:{ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ} ( النور 58) ، وليس للعورة جمع تكسير ، وقد يكون جمع التكسير وارداً ولكنه قليل الاستعمال ، كقوله تعالى : { فِي تِسْعِ آيَاتٍ } ( النمل : 12) . فإن تكسير ( آية ) على ( آيي ) وارد عن العرب ( (1) . لكنه ليس كثيراً في استعمالهم .
وقد تضاف لجمع التصحيح لمجاورته ما أُهمل تكسيره في قوله تعالى :{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ}(يوسف: 4) .
فجاء ( سنبلات ) جمع تصحيح ؛ لأنه مجاور لـ ( سبع بقرات ) المهمل تكسيرُه . وجاء ( سنابل ) بصيغة جمع التكسير حين لم يجاوز في قوله تعالى : {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ } ( البقرة : 261) .
وقد يتخلف القيد الثالث فيأتي تمييز الثلاثة والعشرة وما بينهما جمع كثرة لا جمع قلة ، كما في قوله تعالى : {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ }( البقرة : 228) فأضاف (ثلاثة ) إلى جمع الكثرة مع وجود جمع القلة وهو ( أقراء ) .
وأما العددان ( مائة وألف ) فهما على لفظهما سواء كان المعدود مذكراً أو مؤنثاً ، ولا بدَّ لهما من تمييز مفرد مجرور – غالباً – نحو : قلَّ من يعيش مائة سنةٍ ، على فضل العلم مائةُ برهان ، قال تعالى : {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ )) ( النور : 2) (2) .
وقال تعالى : (( يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ )) ( البقرة : 96) . (3) ) .
__________
(1) - ذكره في المصباح المنير ص 32.
(2) - و ( مائة ) مفعول مطلق نائب عن المصدر .
(3) - و ( ألف ) ظرف زمان و ( سنة ) مضاف إليه .(2/73)
وقد يأتي تمييز ( المائة ) جمعاً مجروراً كما في قوله تعالى: (( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً )(الكهف :25). فقد قرأ حمزة والكسائي – من السبعة – بإضافة ( مائة ) إلى ( سنين ) .
وفي العدد المفرد يقول ابن مالك ( ثلاثة بالتاء قل للعشره ... إلخ ) أي أنث العدد : ثلاثة وعشرة وما بينهما ، إذا كنت تعد جمعاً ( آحاده ) أي مفرداته ( مذكره ) فأفاد أن العبرة في التذكير والتأنيث بحال المفرد ، لا بحال الجمع (1) .
__________
(1) - أما اسم الجمع ونحوه مما لا مفرد له، كقوم ورهط ، فينظر في التذكير والتأنيث إلى اللفظ المذكور ، فيعطي العدد عكس ما يستحقه اللفظ المذكور ، ويعرف ذلك إما بالضمير ، باسم الإشارة أو تأنيث الفعل ، تقول : ثلاث من الغنم ، لأنك تقول : غنم كثيرة ، قال تعالى : ((إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ )) فأنث الفعل ، وجاء ثلاثة من الرهط ، لأن العرب تقول : الرهط أقبل ، قال تعالى : ((وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ )) وتقول : عندي ثلاث ، من النخل أو ثلاثة لجواز الوجهين ، قال تعالى : (( كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ )) فأنث الصفة ، وقال تعالى : ((كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ )) فذكّر الصفة .(2/74)
وقوله(في الضد جرّد)أي إذا كان مفرد المعدود مؤنثاً فيجب تذكير العدد و تجريده من التاء (1)
ثم بين أن تمييز ألفاظ العدد من ثلاثة إلى عشرة جمع قلة مجرور بالإضافة ، وفهم من قوله : ( في الأكثر ) أنه يُمَيَّزُ بجمع الكثرة قليلاً – كما تقدم – ثم بين أن المائة والألف للمفرد ليكون هذا المفرد المضاف إليهما هو التمييز ، ثم ذكر أن ( المائة ) قد تضاف قليلاً للجمع ، وهو يشير إلى قراءة حمزة و الكسائي كما تقدم ، وقوله ( نزراً ) أي قليلاً جداً ، وقوله : ( قد رُدف ) فعل ماض مبني للمجهول . أي تُبع بالجمع ، أي : وقع بعده .
وإنما قدم ابن مالك – رحمه الله – الكلام على ( مائة ) و( ألف ) على ما دونهما من العدد إلى أحد عشر .لاشتراكهما مع ثلاثة وعشرة وما بنيهما في كون تمييزهما مجروراً بالإضافة . وبعد ذلك رجع إلى الكلام على الأعداد حسب ترتيبها :
729- وَأَحَدَ اذْكُرْ وَصَلَنْهُ بِعَشَرْ مُرَكَّبَاً قَاصِدَ مَعْدُودٍ ذَكَرْ
__________
(1) - إذا حذف تمييز الأعداد من الثلاثة إلى التسعة وما بنيهما ، وكذا العشرة إذا كانت مفردة فإنه يجوز تذكير العدد وتأنيثه ، والأفصح أن يبقى العدد على ما كان عليه لو لم يحذف المعدود . فتقول : صمت خمسةً . تريد خمسة أيام . ويجوز : صمت خمساً . وعليه جاء الحديث الصحيح . " ثم أتبعه بست من شوال " وقال تعالى : ((وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً )) فجاء العدد ( عشراً ) بحذف التاء ، لأن المعدود الأيام على أحد الوجهين وفي الآية أقوال أخرى وعلى الأول جاء قوله تعالى : ((فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ )) أي : وسبعة أيام . فأنث العدد نظراً للمعدود المحذوف وهو ( أيام ) انظر تفسير البحر المحيط (2/233) .(2/75)
730- وَقُلْ لَدَى التَّأْنِيْثِ إحْدَى عَشْرَةْ وَالشِّينُ فِيهَا عَنْ تَمِيمٍ كَسْرَهْ
731- وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى مَا مَعْهُمَا فَعَلْتَ فَافْعَلْ قَصْدَا
732- وَلِثَلَاثَةٍ وَتِسْعَةٍ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ رُكِّبَا مَا قُدِّمَا
733- وَأَوْلِ عَشْرَةَ اثْنتَى وَعَشْرَا إِثْنَيْ إذَا أُنْثَى تَشَا أوْ ذَكَرَا
734- وَالْيَا لِغَيْرِ الرَّفْعِ وَارْفَعْ بِالأَلِفْ وَالْفَتْحُ فِي جُزْأَي سِوَاهُمَا ألِفْ
لما ذكر ابن مالك – رحمه الله – القسم الأول وهو العدد المفرد ( أو المضاف ) ذكر العدد المركب ، فتركب ( عشرة ) مع ما دونها إلى واحد . ويحلق بذلك كلمة ( بضع وبضعة ) .
والعدد المركب يأتلف من جزءين : الأول : ( الصدر ) وهو العدد واحد وتسعة وما بينهما . وما ألحق به . والثاني : ( العجز ) وهو كلمة ( عشرة ) .(2/76)
وحكم الأعداد المركبة من حيث التذكير والتأنيث ، أن العجز وهو ( عشرة ) يطابق المعدود في التذكير والتأنيث ، وأما الصدر فإن كان كلمة ( أحد أو إحدى أو اثنى أو اثنتى ) فإنه يطابق المعدود ، وإن كان ( ثلاثة وتسعة ) وما بينهما ، فإن حكمه بعد التركيب كحكمه قبله، فيذكر مع المؤنث ، ويؤنث مع المذكر . تقول : حضر أحدَ عشرَ طالباً ، كتبت إحدى عشرةَ ورقة ، عندي اثنا عشرَ كتاباً ، واثنتا عشرةَ كراسةً ، نجح ثلاثةَ عشرَ طالباً أقمت في مكة تسعَ عشرةَ ليلةً ، وفي المدينة بضعةَ عشرَ يوماً .قال تعالى : عن يوسف عليه الصلاة والسلام : (( إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً )) (يوسف : 4) . (1) ) .
__________
(1) - إذا كان للعدد المركب تمييزان : أحدهما مذكر عاقل ، والآخر مؤنث – عاقل أو غير عاقل – روعي في تذكير العدد وتأنيثه المذكر العاقل مطلقاً – سواء كان متقدماً أو متأخراً – نحو : سافر معنا ثلاثةَ عشرَ رجلاً وامرأةً ، أو ثلاثةَ عشرَ امرأة ورجلاً ، فإن لم يكن أحدهما من العقلاء روعي السابق منهما بشرط اتصال التمييز بالعدد نحو : عندي خمسة عشر جملاً وناقة ، أو عندي خمس عشرة ناقة وجملاً ، فإن فُصل روعي المؤنث نحو : عندي خمسَ عشرةَ ما بين جمل وناقة ، أو ما بين ناقة وجمل . ويرى الصبان أنه إذا كان المذكر غير عاقل والمؤنث عاقلاً غُلّب العاقل نحو : أربعَ عشرةَ جملاً وأمة .(2/77)
وحكم العدد المركب أنه يبني على فتح الجزأين (1) فلا يتغير آخره بتغير العوامل ، تقول : جاء ثلاثةَ عشرَ طالباً ، رأيت ثلاثةَ عشرَ طالباً ، مررت بثلاثةَ عشرَ طالباً . فـ ( ثلاثةَ عشرَ ) فاعل مبني على فتح الجزأين في محل رفع ، وفي المثال الثاني مفعول به في محل نصب ، وفي المثال الثالث في محل جر ، ويستثنى من ذلك ( اثنا عشر ) فإن صدره يعرب إعراب المثنى فيرفع بالألف ، وينصب ويجر بالياء ، ويبقى جزؤه الثاني مبنياً على الفتح لا محل له . قال تعالى : (( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً )) ( التوبة : 36) . فـ ( اثنا ) خبر إن مرفوع بالألف ؛ لأنه ملحق بالمثنى ، و ( عشر ) مبني على الفتح لا محل له . وقال تعالى : (( وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً )) ( الأعراف : 160 ) . (2)
__________
(1) - العدد (ثمانية ) إذا كان مركباً مع العشرة فحكمه من حيث التذكير والتأنيث كحكمه قبل التركيب تقول: جاء ثمانيةَ عشرَ طالباً ، وعندي ثمانيَ عشرةَ كراسة ، وهو مبني على فتح الجزأين . فإذا كان مجرداً من التاء جاء فيه إثبات الياء مفتوحة ، أو ساكنة ، ويكون مقدراً عليها ، وجاز حذف الياء مع فتح النون أو كسرها ، وفي حالة الكسر تكون الياء محذوفة للتخفيف . [ انظر شرح الكافية 3/1647] .
(2) - تمييز ( اثنتي عشرة) محذوف لفهم المعنى . تقديره – والله أعلم – فرقة . ولا يصلح أن يكون ( أسباطاً ) تمييزاً لأنه جمع ولأنه لو كان تمييزاً لذُكِّر العددان بحذف التاء منهما لأن السبط مذكر . ويرى الفراء في (معاني القرآن ) (1/397) أنه وإن كان السبط مذكراً فتأنيث العدد لقوله ( أمماً ) ، فـ ( أسباطاً ) على القول الأول بدل من ( اثنتي عشرة ) ورجحه الزجاج في معاني القرآن (2/382) و ( أمماً ) نعت لأسباط . والأسباط : جمع سبط وهو ولد الولد . فصاروا اثنتي عشرة أمة من أثنى عشر ولداً ، وأراد بالأسباط القبائل . و ( اثنتي عشرة ) مفعول ثان لـ ( قطعنا ) والضمير وهو الهاء مفعول أول.(2/78)
فـ ( اثنتي ) مفعول به منصوب بالياء ؛ لأنه ملحق بالمثنى و (عشرة) مبني على الفتح لا محل له.
ويحتاج العدد المركب إلى تمييز مفرد منصوب كما في الأمثلة ، وسيذكر ابن مالك – رحمه الله – ذلك ، وإنما ذكرته هنا لإتمام الكلام على العدد المركب .
يقول ابن مالك : ( وأحد اذكر وصلنه بعشر ... إلخ ) أي: إذا قصدت العدد المذكر فاذكر لفظ (أحد ) مع لفظ ( عشر ) مركَّباً لهما ، فتقول : أحدَ عشرَ رجلاً . وإذا قصدت العدد المؤنث فاذكر لفظ ( إحدى ) مع لفظ ( عشرة ) فتقول: إحدى عَشْرَةَ امرأةً . بسكون الشين وزيادة التاء ، هذه هي اللغة المشهورة . ولغة تميم كسر الشين .
ثم أراد أن يبين أن مطابقة العشرة للمعدود ليست خاصة بـ ( أحد وإحدى ) بل هي عامة ، فقال :
731- وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى مَا مَعْهُمَا فَعَلْتَ فَافْعَلْ قَصْدَا
أي :ما فعلت في ( عشرة ) مع ( أحد وإحدى ) من إسقاط التاء في المذكر وإثباتها في المؤنث. افعله فيما فوقهما من غيرهما من الأعداد التي تُركب مع ( العشرة ) .
ولما ذكر حكم العجز من المركب وهو ( العشرة ) بين أن حكم الصدر من ( ثلاثة ) إلى ( تسعة ) وما بينهما في التركيب كحكمه قبل التركيب من أن التاء تثبت مع المذكر ، وتسقط مع المؤنث .
ثم نصَّ على ( اثني و اثنتي ) فقال : ( وأولِ عشرةَ اثنتي ) أي : أتْبع كلمة (عشرة ) المؤنثة ( اثني ) ، ولفظ . ( عشر ) المذكر ( اثني ) إذا أردت المعدود المذكر أو المؤنث ، وقوله : ( إذا أنثى تشا ) بالقصر لضرورة الوزن ، وهذا راجع للأول، ( أو ذكرا ) وهذا راجع للثاني ، ثم بين أن ( اثني واثنتي ) يعربان إعراب المثنى . فيرفعان بالألف . وينصبان ويجران بالياء . وما سواهما من الجزأين المركبين يفتح آخر الصدر وآخر العجز منه . في القول المألوف الشائع .
735- وَمَيِّزِ الْعِشْرِينَ للتِّسْعِينَا بِوَاحدٍ كَأَرْبِعينَ حِينَا(2/79)
ذكر القسم الثالث من أقسام العدد وهو العقد ، والقسم الرابع وهو العدد المعطوف .
أما العقد – وهو من عشرين إلى تسعين – فإنه يكون بلفظ واحد للمذكر والمؤنث . وأما تمييزه فهو مفرد منصوب (1) . نحو : عندي ثلاثون كتاباً ، في المزرعة ستون نخلةً ، وأربعون شجرة .
وتعرب ألفاظ العقود إعراب جمع المذكر السالم ؛ لأنها ملحقة به ، فترفع بالواو وتنصب وتجر بالياء – كما تقدم أول الكتاب – قال تعالى:(وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا )
( الأعراف : 155) (2) ) ، وقال تعالى : ( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً )( الأعراف : 142)( (3) وقال تعالى : ((فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً )) . ( النور : 4) .
وأما المطعوف – وهو الذي ينحصر بين عقدين – فإن المعطوف وهو لفظ العقد يلزم حالة واحدة – كما تقدم – وأما المعطوف عليه (4) . فإن كانت صيغته هي لفظ ( واحد ) أو ( أثنين ) وجب مطابقتها للمعدود في تذكيره وتأنيثه .
__________
(1) - يجوز أن يستغني العقد عن التمييز وأن يضاف إلى مستحقه ، نحو : هذه عشرو خالد ، لأنك لا تقول ذلك إلا لمن يعرف جنسها ، فلست بحاجة إلى ذكر تمييز .
(2) - وقوله : ( قومه ) منصوب على نزع الخافض ، و ( سبعين ) مفعول به .
(3) - وموسى مفعول أول ، و ( ثلاثين ) مفعول ثان على حذف المضاف ، أي : تمام ثلاثين .
(4) - المعطوف عليه يسمى ( النيّف ) – بتشديد الياء على الأفصح – ومعناه : الزيادة يقال : ناف على فلان : زاد عليه . وهي تدل – في الأصل – على عدد مبهم من واحد إلى تسعة . وتلازم التذكير دائماً . وتعرب حسب موقعها من الجملة ، ولا بد أن يتقدمها عقد من العقود ثم تعطف عليه نحو : اشتريت عشرين كتاباً ونيّفاً فهي لا تذكر إلا على أساس أن مدلولها سيزاد على عقد عددي .
أما على الاستعمال الأول . فإن لفظ النيف يطلق على العدد المعطوف عليه . ولا بد أن يكون متقدماً .(2/80)
وإن كانت لفظ ( ثلاثة أو تسعة ) وما بينهما فيجب مخالفتها للمعدود كما تقدم في حال إفرادها أو تركيبها ، ويعرب المعطوف عليه حسب موقعه من الجملة ، ويتبعه المعطوف في إعرابه نحو : في الفصل واحد وثلاثون طالباً ، واثنان وثلاثون مقعداً . في المكتبة سبعة وثمانون كتاباً ، وخمس وثلاثون مخطوطة ، قال تعالى : ((إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً )) ( ص : 23 ) .
وهذا معنى قوله : ( وميز العشرين للتسعينا .. إلخ ) ، أي : ميز العشرين إلى التسعين ( بواحد ) أي بمفرد ( كأربعين حينا ) وفهم من المثال أنه يكون منصوباً ، والحين : بالكسر هو الدهر والوقت طال أم قصر ، وشمل قوله :( العشرين للتسعينا ) ألفاظ العقود ، والأعداد المعطوفة (1) . واللام في قوله : ( للتسعينا ) للغاية ، فهي بمعنى ( إلى ) .
736- وَمَيَّزُوا مُرَكَّباً بِمِثْلِ مَا مُيِّزَ عِشْرُونَ فَسَوِّيَنَهُمَا
أي : أن العرب ميزت العدد المركب – من أحد عشر إلى تسعة عشر – بمثل ما مُيِّز عشرون وبابه .وذلك بمفرد منصوب – كما تقدم – وقوله : ( فسوينهما ) أي : المركب والعشرين وبابه وهو تكميل للبيت لصحة الاستغناء عنه . أو قَصَدَ به دفع توهم أن المثلية قبله غير تامة .
***
__________
(1) - إذا كان للعدد المعطوف تمييزان أحدهما مذكر عاقل والآخر مؤنث روعي المذكر العاقل مطلقاً – تقدم أو تأخر أو اتصل أو انفصل – نحو : وُزع المبلغ على خمسة وسبعين فقيراً وفقيرة ، أو على خمسة وسبعين فقيرة وفقيراً ، ونقلت السيارة خمسة وثلاثين حقيبة ورجلاً ، فإن لم يكن أحدهما من العقلاء روعي السابق منهما بشرط الاتصال نحو : قرأت ثلاثة وعشرين بحثاً ورسالة ، أو ثلاثاً وعشرين رسالة وبحثاً . فإن فصل بينهما فاصل – وهو كلمة بين – روعي المؤنث نحو : قرأت ثلاثاً وعشرين بين بحث ورسالة . [ راجع حاشية الصبان (4/71] النحو الوافي ( 4/550) ] .(2/81)
737- وَإنْ أُضِيفَ عَدَدٌ مُرَكَّبُ يَبْقَ الْبِنَا وَعَجُزٌ قَدْ يُعْرَبُ
يجوز في العدد المركب – ما عدى اثني عشر واثنتي عشرة (1) - أن يستغني عن التمييز وأن يضاف إلى اسم بعده (2) . كما في العدد المفرد والعقود - .
وإذا أضيف العدد المركب ففيه لغتان :
الأولى : وهي الفصحى ، أن يبقى على ما كان عليه من فتح الجزأين في جميع مواقعه الإعرابية ، فتقول : خمسةَ عشرَ محمدٍ عندي ، حفظت خمسةَ عشرَ محمدٍ . حافظت على خمسةَ عشرَ محمدٍ . فـ ( خمسةَ عشرَ ) – في المثال الأول – مبتدأ مبني على فتح الجزأين في محل رفع . وهو مضاف و ( محمد ) مضاف إليه ، ( عندي ) خبر المبتدأ .
الثانية : بقاء الصدر على بنائه ، وإجراء الحركات الإعرابية على الثاني ، فتقول : خمسةَ عشرُ محمدٍ عندي ، حفظت خمسةَ عشرَ محمدٍ ، حفاظت على خمسةَ عشرِ محمدٍ . فـ ( خمسةَ عشرُ ) بجزئيها خبر المبتدأ مرفوع بالضمة ، وفي الثاني مفعول به منصوب بالفتحة . وفي الثالث مجرور بالكسرة .
وهذا معنى قوله : ( وإن أضيف عدد مركب .. إلخ ) أي : وإن أضيف العدد المركب إلى اسم بعده فإنه يبقى على بنائه . وهذه اللغة الأولى . ( وعجز قد يعرب ) إشارة إلى اللغة الثانية . وأفاد بذلك أنها لغة قليلة . وقوله : ( البنا ) بالقصر للوزن . وسوغ الابتداء بالنكرة في قوله : ( وعجز ) أنها في معرض التفصيل .
738- وَصُغْ مِنِ اثْنيْنِ فَمَا فَوْقُ إلَى عَشَرَةٍ كَفَاعِلٍ مِنْ فَعَلَا
739- وَاخْتِمْهُ فِي التَّأْنِيثِ بِالتِّا وَمَتَى ذَكَّرْتَ فَاذْكُرْ فَاعِلاً بِغَيْرِ تَا
740- وَإنْ تُرِدْ بَعْضَ الذِيْ مِنْهُ بُنِي تُضِفْ إِليهِ مَثْلَ بَعْضٍ بَيِّنِ
__________
(1) - يعلل النحاة امتناع إضافة ( اثنتي عشر ) إلى مستحقها أن لفظ (عشر ) واقع موقع نون المثنى . وهذه النون لا تجامع الإضافة .
(2) - انظر : شرح المكودي بحاشية ابن الحاج ( 2/111) .(2/82)
741- وَإنْ تُرِدْ جَعْلَ الأقَلِّ مِثْلَ مَا فَوْقُ فَحُكْمَ جَاعِلٍ لَهُ احْكُمَا
يجوز أن يصاغ من لفظ ( اثنين وعشرة ) وما بينهما ، وصفاً على وزن ( فاعل ) لتحقيق غرض لا يمكن أن يستفاد من العدد الجامد الذي سيكون منه الاشتقاق .
وهذا العدد الذي على وزن (فاعل ) يذكر مع المذكر ، ويؤنث مع المؤنث فيقال : ثالث ورابع ، وثالثة ورابعة إلى عشرة .
وما صيغ من العدد على هذا النحو له استعمالات :
الأول : أن يستعمل مفرداً عن الإضافة ، لِيصفَ ما قبله ، ويدلَّ على ترتيبه . نحو : جاء الطالبُ الثالثُ في فصله . أي أنه طالب موصوف بهذه الصفة . قال تعالى : {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } ( يس : 14) . فجاء قوله : ( بثالث ) مذكراً ؛ لأن الحديث عن رسول الله تبارك وتعالى ، وقال تعالى : { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى } ( النجم : 19، 20) (1) . فجاء قوله : ( الثالثة ) مؤنثاً لأنه صفة لمؤنث ، والغرض من الصفة التوكيد ، لأن المعلوم بعد ذكر اللات و العزى أن مناة ثالثتهما. وكلها أصنام كانت تعبد في الجاهلية (2)
وحكم الصيغة في الاستعمال هو الإعراب بالحركات حسب موقعها من الجملة .
الثاني : أن يستعمل مع ما اشتق منه – والمراد بما اشتق منه أصله – فيفيد حينئذ أن الموصوف به بعض تلك العدة المعينة من غير دلالة على ترتيب ، نحو : خالدٌ ثالثُ ثلاثةٍ قاموا بالنشاط في معهدهم . أي واحد من ثلاثة .
__________
(1) - الهمزة للاستفهام والفاء للاستئناف – على ما ذكرناه في آخر باب عطف النسق – ورأى : فعل ماض . والتاء فاعل .. والميم علامة الجمع . ( اللات ) مفعول به ( الثالثة الأخرى ) صفتان لمناة . [ وانظر تفسير الألوسي 27/ 56] .
(2) - انظر النحو القرآني ص 385.(2/83)
وحكم الصيغة هنا : إعرابها بالحركات حسب موقعها من الجملة . ووجوب إضافتها إلى العدد الأصلي الذي اشتقت منه من إضافة البعض إلى كله . قال تعالى : { إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ } ( التوبة : 40) ، أي : أحد اثنين ، و ( ثاني ) حال من الهاء في ( أخرجه ) و ( اثنين ) مضاف إليه (1) . وقال تعالى : {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } ( المائدة : 73) ، أي قالوا : إن الله أحد ثلاثة آلهة . أو واحد من ثلاثة آلهة . و (ثالث ) خبر (إن ) و ( ثلاثة ) مضاف إليه (2)
الثالث : أن يستعمل مع ما قبل ما اشتق منه – وهو العدد الأقل منه مباشرة – فيفيد حينئذٍ معنى التصيير والتحويل ، فيجوز فيه وجهان :
الأول : إضافته إلى ما يليه ، فيحذف تنوينه ، نحو:دخلت المسجد وأنا رابعُ ثلاثةٍ . أي : جاعل الثلاثة بنفسه أربعة .
ودخلت حفصة الغرفة وهي رابعةُ ثلاثٍ . ومنه قوله تعالى : { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ } ( المجادلة : 7) . أي : رابع ثلاثة ، وسادس خمسة ، وقد جاء العددان مضافين إلى ضمير الثلاثة والخمسة .
__________
(1) - انظر النحو القرآني ص 385.
(2) - وجوب الإضافة هو مذهب الجمهور سواء كان ثانياً أم غيره ، ويرى بعض النحاة أن لفظ (ثان وثانية ) يعملان النصب بشرطه فيما بعدهما فتقول : كان عاصم ثانياً اثنين ، فـ (اثنين ) مفعول به ، أي : متممُ اثنين ، قالوا : لأن العرب تقول : ثنيت الرجلين ، إذا كنت الثاني منهما ، واختاره ابن مالك في التسهيل [ 2/412 بشرح ابن مالك ] وقال فريق ثالث : إن هذا الحكم ليس مقصوراً على ( ثان وثانية ) بل هو في جمع الأعداد [ انظر أوضح المسالك 4/262] .(2/84)
الوجه الثاني : نصب ما يليه به. فيلحقه التنوين . ويشترط له ما يشترط في إعمال اسم الفاعل من الاعتماد على نفي أو استفهام أو غيرهما مما يعتمد اسم الفاعل . ومن كونه للحال أو الاستقبال ، نحو : سأسافر غداً – إن شاء الله – وأنا رابعُ ثلاثةً . فـ ( رابعٌ ) خبر المبتدأ ، وفيه ضمير مستتر هو فاعله . و ( ثلاثةً ) مفعول به منصوب لاسم الفاعل .
وإلى هذه الاستعمالت الثلاثة أشار بقوله : وصغ من اثنين فما فوق .. إلخ ) أي : صغ من العدد ( اثنين ) فما فوقه إلى عشرة وزناً على مثال ( فاعل ) كما تصوغه من الفعل الثلاثي ( فَعَلَ ) (1) .
ثم ذكر أنه إن أريد العدد المؤنث لحقته التاء ، وإن أريد به المذكر فلا تأت بالتاء ، وهذا هو الاستعمال الأول . وقوله ( من اثنين ) أي : لأن ما دونه وهو ( واحد ) وضع على ذلك من أول الأمر .
وقوله :( وإن ترد بعض الذي منه بُنى ) أي : وإن ترد بفاعل المذكور الدلالة على أنه بعض مما بُنى منه، أي : واحد مما اشتق منه . (تضف إليه ) أي تضف هذا الوزن إلى العدد ( مثل بعض ) أي حالة كون الوصف مثل بعض في معناه : أي : مثل إضافة البعض إلى كله ، وقوله : ( بَيِّنِ ) نعت لبعض ، أي : واضح البعضية ، فيفيد العدد أن الموصوف به بعض تلك العدة المعينة كما تقدم ، وهذا هو الاستعمال الثاني .
__________
(1) - ذكر في التصريح (2/276) أن الاشتقاق من أسماء العدد سماعي ، لأن هذه الأعداد أسماء أجناس جامدة معنوية ، والاشتقاق لا يكون إلا من المصدر كما ذكرنا في باب المفعول المطلق ، وهذا الكلام له ما يستثنى منه كما تقدم في صيغة (فاعل ) الدالة على التحويل والتصيير . فإنها قياسية . لأنها مشتقة من مصدر فعل ثلاثي عددي يدل على هذا المعنى ، فقد نقل الجوهري في الصحاح : (1/275) : ( ثَلَثْتُ القوم إثْلِثُهم – بالكسر – إذا كنت ثالثهم أو كمَّلتُهم ثلاثة بنفسك .. وكذلك إلى العشرة إلا أنك تفتح : أرْبَعُهم وأسْبَعُهم وأتْسَعُهم ... ) .(2/85)
وقوله : ( وإن ترد جعلَ الأقلِّ مثلَ ما فوقُ ) أي : وإن ترد بفاعل المذكور جعل العدد الأقل مساوياً لما فوقه ( فحكم جاعلٍ له احكما ) أي : فاحكم لاسم الفاعل من العدد بحكم ( جاعل ) أي :اسم الفاعل من الفعل ( جَعَلَ ) حيث يصح أن يضاف لما بعده ، وأن ينصبه بشروطه المعتبرة ، وإنما قال ( جاعل ) ولم يقل (فاعل ) تنبيهاً على أن اسم الفاعل من العدد هو بمعنى ( جاعل ) فيفيد معنى التصيير والتحويل كما تقدم . وهذا هو الاستعمال الثالث .
*****
742- وَإنْ أَرَدَتَ مَثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ مُرِكَّباً فَجِئ بَتَرْكِيَبْينِ
743- أوْ فَاعِلاً بَحَالَتَيْهِ أضِفِ إلَى مُرَكِّبٍ بِمَا تَنْوِيْ يَفِي
744- وَشَاعَ الاسْتِغْنَا بِحَادِيْ عَشَرَا وَنَحْوِهِ وَقَبْلَ عِشْرِينَ اذْكُرَا
745-وَبَابِهِ الْفَاعِلَ مِنْ لَفْظِ الْعَدَدْ بِحَالَتَيْهَ قَبْلَ وَاوٍ يُعْتَمَدْ
الاستعمال الرابع لصيغة ( فاعل ) : أن تركب مع العشرة ، ليفيد الدلالة على الترتيب مقيداً بالعشرة .
وفي هذا الاستعمال يجب البناء على فتح الجزأين في محل رفع أو نصب أو جر ، مع مطابقة الجزأين معاً لمدلولهما تذكيراً وتأنيثاً . نحو : الفصلُ الثالثَ عشرَ أطولُ فصول الكتاب ، قرأت الفصلَ الثالثَ عشرَ ، نظرت في المسألة السادسةَ عشرةَ .فـ ( الفصلُ ) مبتدأ و ( الثالثَ عشرَ ) مبني على فتح الجزأين في محل رفع صفة ، ( أطول ) خبر المبتدأ ، وفي المثال الثاني في محل نصب صفة . وفي الثالث في محل جر صفة أيضاً . وهذا الاستعمال لم يذكره ابن مالك رحمه الله .
الاستعمال الخامس :أن يركب مع العشرة ليفيد أنه بعض من العدد الأصلي الذي صيغ منه. ولهذا الاستعمال ثلاث صور .
1- أن يؤتي بتركيبين : صدر أولهما صيغة ( فاعل ) في التذكير . و(فاعلة ) في التأنيث .(2/86)
وبعدها كلمة ( عشر ) للمذكر و (عشرة ) للمؤنث ، وصدر التركيب الثاني في التذكير ( احد ، واثنا ، وثلاثة – بالتاء – إلى تسع ) وبعده كلمة (عشر ) للمذكر و ( عشرة ) للمؤنث .
وكل من التركيبين مبني على فتح الجزأين ، ويكون المركب الأول في محل رفع أو نصب أو جر على حسب موقعه من الجملة .وهو مضاف ، ويكون المركب الثاني ( ما عدا اثني عشر واثنتي عشرة ) مضافاً إليه . في محل جر . تقول : هذا خامسَ عشرَ خمسةَ عشرَ ، وهذه ثالثةَ عشرةَ ثلاثَ عشرةَ .
2- أن يقتصر على صدر المركب الأول دون كلمة ( عشرة ) استغناء عنها بذكرها في المركب الثاني ، ويعرب صدر التركيب الأول على حسب موقعه من الكلام ؛ لزوال سبب البناء وهو التركيب . ويضاف إلى المركب الثاني ، باقياً الثاني على بناء جزئيه ، وهذه الصورة أكثر من غيرها استعمالاً نحو : هذا خامسُ خمسةَ عشرَ . فـ (هذا ) مبتدأ ( خامس) خبر مرفوع بالضمة ، وهو مضاف و ( خمسةَ عشرَ ) مبني على فتح الجزأين في محل جر .
3- أن يستعمل بحذف الوسطين وبقاء الطرفين ، فيقال : هذا ثالثُ عشرٍ . والأحسن إعراب صيغة ( فاعل ) على حسب موقعها من الجملة ، وهي مضاف ، و (عشر ) مضاف إليه مجرور .
الاستعمال السادس لصيغة (فاعل ) : أن يستعمل قبل ( العقد ) ويعطف عليه ( العقد ) بالواو خاصة . ويطابق المعطوف عليه مدلوله في تذكيره وتأنيثه ، ويعرب بالحركات على حسب موقعه من الجملة . و المعطوف يتبعه في إعرابه ، فيكون مثله مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً . وإعرابه بالحروف كما تقدم .
نحو : قرأت الفصلَ الثالث والعشرين . وتأملت في الفائدة السابعةِ والعشرين .
وقد ذكر ابن مالك الاستعمال الخامس وما بعده بقوله :(2/87)
( وإن أردت مثل ثاني اثنين .. إلخ ) أي : و أردت بالمركب من ( أحد عشر ) إلى ( تسعة عشر ) ما أردت بثاني اثنين ، أي : أنه بعض تلك العدة ( فجيء بتركيبين ) الأول : صدره ( فاعل ) والثاني : صدره ما اشتق منه . وهذا الصورة الأولى .( أو فاعلاً ) أي : أوأضف فاعلاً ( بحالتيه ) وهما حالة التذكير والتأنيث (إلى مركب ) أي : أضفه إلى المركب الثاني كاملاً بعد حذف كلمة (عشرة ) من المركب الأول . ويفهم منه أن المركب الثاني في محل جر مضاف إليه . (بما تنوي يفي ) أي يكون ذلك وافياً بالمعنى الأول الذي نويته . وهذه الصورة الثانية ، ثم قال عن الصورة الثالثة : ( وشاع الاستغنا بحادي عشرا ونحوه ) أي : كثر الاكتفاء بأحد الجزأين من كل تركيب ، فيحذف العقد من التركيب الأول والنيَّف من الثاني ،أو الاكتفاء بالتركيب الأول بجملته وحذف الثاني كاملاً ، وفائدة التمثيل بـ ( حادي ) التنبيه على أنه مقلوب ، وأصله (واحد ) وقوله ( ونحوه ) أي : ثاني عشر وثالث عشر إلى تسعة عشر .. وقوله (وقبل عشرين اذكرا ) إشارة إلى الاستعمال الأخير ، والتقدير ، واذكر قبل عشرين وبابه – وهو باقي العقود – صيغة فاعل من لفظ العدد ( بحاليته ) من التذكير والتأنيث على حسب مدلوله ، بشرط أن يكون متقدماً على واو العطف ويليها العقد المعطوف .
****
كم ، وكأين ، وكذا
746- مَيِّزْ فِي الاسْتِفْهَامِ كَمْ بِمِثْلِ مَا مَيِّزْتَ عِشْرِينَ كَكَمْ شَخْصاً سَمَا
747- وَأَجِزَ انْ تَجُرَّهُ مَنْ مُضْمَرَا إنْ وَلِيَتْ كَمْ حَرْفَ جَرٍّ مُظْهَرَا
هذا الباب معقود لكنايات العدد . وهي ثلاثة : كم ، وكأين ، وكذا ، والكناية : هي التعبير عن الشيء بغير اسمه لسبب بلاغي ، وسميت هذه الألفاظ كنايات ، لأن كلاًّ منها يكنى به عن معدود وإن كان مبهماً.(2/88)
أما (كم ) فهي نوعان : استفهامية . وخبرية (1) .
أما الاستفهامية فمعناها : أيُّ عدد ؟ فيسأل بها عن كمية الشيء وتمييزها مفرد منصوب نحو : كم سورةً حفظت ؟ فـ (كم ) استفهامية مبنية على السكون في محل نصب مفعول مقدم (سورة ) تميزت . قال تعالى : ((قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ )) ( المؤمنون : 112- 113 ) . فـ (كم ) اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب على الظرفية متعلق بما بعده ، و ( عدد سنين ) تمييز ( كم ) منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم .
__________
(1) - (كم ) بنوعيها اسم لدخول حرف الجر عليها . ولهما الصدارة في الكلام ، أما الاستفهامية فللاستفهام ، وأما الخبرية فلما تضمنته من المعنى الإنشائي في التكثير ، ولا بد من معرفة إعرابها ، وملخص ذلك: أنها إن دلت على زمان أو مكان فهي في محل نصب على الظرفية نحو : كم يوماً صمت ؟ وكم ميلاً مشيت ؟ قال تعالى : ((كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ )) وإن دلت على حدث فهي مفعول مطلق نحو : كم زيارة زرت المريض ؟ وإن دلت على ذات وبعدها فعل متعد لم يأخذ مفعوله فيه مفعول به نحو : كم حديثاً حفظت ؟ وكذا إذا كان بعدها فعل ينصب مفعولين كقوله تعالى : ((سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ )) فـ (كم ) في محل نصب مفعول ثان لآتيناهم ، وإن سبقت بحرف جر أو مضاف فهي مجرورة نحو : بكم ريال اشتريت القلم ؟ فوق كم متر تضع الشبابيك ؟ وما عدا ذلك فهي مبتدأ ، أو معمولاً لناسخ نحو : كم كتاباً عندك ؟ كم رجلاً جاء ؟ كم كان مالك ؟ قال تعالى: ((كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ ))(2/89)
ويجوز جر التمييز إذا دخل عليها حرف جر (1) . نحو : بكم ريالٍ اشتريت هذا الكتاب ؟ وهو مجرور بـ (من ) مضمرة . أو بإضافة (كم ) إليه . وهو وجيه ، لأن الأصل عدم التقدير . ولأن حرف الجر لا يعمل إذا كان محذوفاً .
وهذا معنى قوله : ( ميز في الاستفهام .. إلخ ) أي : ميز ( كم ) الاستفهامية بمثل ما ميزت به العدد ( عشرين ) وأخواته ، وهو المفرد المنصوب ثم ذكر المثال : (كم شخصاً سما ) فـ (كم ) مبتدأ , (وشخصاً ) تمييز منصوب ، وجملة (سما ) خبر المبتدأ ، وهو بمعنى : علا . وقوله ( وأجزَ أن تجره ) فعل أمر من أجاز يجيز ، ويقرأ بفتح الزاي بنقل فتحة همزة (أن) إليها للوزن ، والمعنى : يجوز لك جر التمييز بـ ( من ) مضمرة إن دخل على ( كم ) حرف جر ظاهر .
****
748- وَاسْتَعْمِلنْهَا مُخْبِراً كَعَشَرَهْ أوْ مِائَةٍ كَكَمْ رِجَالٍ أوْ مَرَهْ
479- كَكَمْ كَأَيِّنْ وَكّذَا وَيَنْتَصِبْ تَمْيِيْزُ ذَيْنِ أو بِهِ صِلْ مْنْ تُصِبْ
تستعمل (كم ) خبرية – كما تقدم – بمعنى : كثير : فهي أداة للإخبار عن معدود كثير . نحو : كم مرةٍ يخطئ إلىَّ أخي وأنا أغفر له .
__________
(1) - ورد تمييز مجروراً بـ (من ) ظاهرة ولم تجر (كم ) بحرف جر ، وذلك في قوله تعالى : ((سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ )) فـ (كم ) يحتمل أنها استفهامية أو خبرية وهي في محل نصب مفعول به ثان مقدم ، والضمير في قول ( آتيناهم ) هو المفعول الأول . والميم علامة الجمع ، ( من آية ) تمييز " كم " مجرور بـ (من ) وانظر : التعليق الآتي .(2/90)
وتمييزها مجرور ، وجره بإضافة (كم ) إليه (1) . ويكون مفرداً وهو أكثر وأبلغ ، ويكون جمعاً ، نحو : كم فقيرٍ مات جوعاً ، كم ساعاتٍ قضيتها لاهياً ، فـ (كم ) خبرية مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ ، وهي مضاف و (فقير) مضاف إليها ، وجملة (مات ) خبر ( كم ) .
أما ( كأيِّن ) فهي بمنزلة (كم ) الخبرية في إفادة التكثير (2) .
__________
(1) - إذا فصل بين (كم ) الخبرية وتمييزها بجملة فعلية فعلها متعد لم يستوف مفعوله وجب جر التمييز بـ (من ) لئلا يلتبس التمييز بمفعول ذلك الفعل المتعدي كقوله تعالى : ((كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ )) وقوله تعالى : ((وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ )) والآيات في هذا كثيرة ، انظر دراسات في أسلوب القرآن (1/2/404) .
(2) - ظاهر كلام ابن مالك أنها تأتي استفهامية – أيضاً – وقد نص على ذلك في التسهيل وشرحه (2/132) ونُسب لابن فتيبة وابن عصفور ، والجمهور على خلاف ذلك ، ودليل ابن مالك ومن معه ما أخرجه عبد الله في زوائد المسند (5/132) بسنده عن زر بن حُبيش قال : قال لي أبيّ بن كعب : كأين تقرأ سورة الأحزاب ؟ أو كأين تعدها ؟ قال : قلت : له : ثلاثاً وسبعين آية .. الحديث قال ابن كثير في تفسيره (6/377) هذا إسناد حسن . وانظر : زوائد عبد الله في المسند ، ترتيب وتخريج وتعليق : عامر صبري ص 364.(2/91)
وتمييزها مفرد مجرور بـ (من ) وهو الأكثر نحو : كأين من غني لا يقنع ، قال تعالى : ((وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ )) ( العنكبوت : 60) . ، فـ ( كأين ) مبتدأ مبنى على السكون في محل رفع (من دابة ) جار ومجرور تمييز ( كم ) ، وجملة ( لا تحمل رزقها ) صفة لـ ( دابة ) ، وقوله سبحانه ( الله يرزقها ) خبر ( كأين ) ، وقال تعالى : ((وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا )) ( آل عمران : 146) . فـ ( كأين ) مبتدأ ، وجملة ( قاتل ) خبر المبتدأ (1) . ولم يقع تمييزها في القرآن إلا مجروراً بـ (من )( (2) وقد يأتي تمييزها منصوباً لكنه قليل، نحو : كأيِّن رجلاً لقيت . ومنه قول الشاعر :
أُطرِدِ اليأس بالرجا ، فكأيٍّ آلماً حُمَّ يُسْرُهُ بعد عُسْرٍ (3)
__________
(1) - جاء خبرها في الآيتين وقد ذكر ابن هشام في المغني (1/187) أن خبرها لا يقع مفرداً .
(2) - نقله محمد عضيمة في دراساته عن أبي حيان (1/2/344) .
(3) - اليأس : القنوط ونفي الأمل في الحصول على المراد ، آلماً : اسم فاعل من ( ألم ، يألم ) والمراد : صاحب ألم . حُمَّ قُدِّر وكُتب .
إعرابه : فكأي : الفاء للتعليل ، كأي : اسم بمعنى كثير مبني على السكون في محل رفع مبتدأ ، آلماً : تمييز لها منصوب ، حُم : فعل ماض مبني للمجهول يسره : نائب فاعل ، والهاء مضاف إليه ، (بعد ) ظرف زمان ، منصوب . والجملة خبر المبتدأ .(2/92)
فجاء تمييز (كأي ) منصوباً وهو قوله : ( آلماً ) مما يدل على جوازه ، وأما (كذا ) فيكنى بها عن العدد القليل والكثير ، وهي تشبه (كم ) الخبرية في مجرد الإخبار ، وإن كانت لا تلازم الدلالة على الكثرة وهي مبنية على السكون في محل رفع أو نصب أو جر على حسب موقعها من الجملة ، ويجب في تمييزها النصب على الأرجح، والأكثر في استعمالها أن تكون معطوفاً عليها نحو : ملكت كذا وكذا درهماً ، فـ ( كذا ) مفعول به في محل نصب و ( درهماً ) تمييز (1) .
وهذا معنى قوله: ( واستعملنها مخبراً كعشرة .. إلخ ) أي : استعمل ( كم ) حال كونك ( مخبراً ) بها بأن تكون بمعنى : كثير ( كعشرة ) أي أن تمييزها يكون كتمييز العشرة ، أي : جمعاً مجروراً ( أو مائة ) أي : أو كتمييز المائة ، أي : مفرداً مجروراً ولعل المصنف – رحمه الله – قدم الجمع على الإفراد مع أن الإفراد أكثر وأفصح – كما تقدم – اهتماماً بالجمع ، ورداً على من زعم شذوذه ، وقوله كـ ( ككم رجال أو مَرَهْ ) كم : مبتدأ وخبره محذوف . أو مفعول به لفعل محذوف ، ورجال مضاف إليه . و ( أو مَرَهْ ) معطوف على ( رجال ) . والتقدير على الابتدائية : كم رجال أو امرأة عندي ، وعلى المفعولية ، كم رجالٍ أو امرأة وعظتُ ، و( (مَرَهْ ) : لغة في ( امرأة ) ففي القاموس : المرء ، مثلثة الميم ، الإنسان ، أو الرجل ، ولا يجمع من لفظه ، وهي بهاء (مرأة ) ويقال : مره ، وامرأة .
__________
(1) - تأتي " كذا " كناية عن غير العدد وهو اللفظ الواقع في التحدث عن شيء فُعل أو قول قيل : ومثال ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كَنَفَه عليه . فيقول عملتَ كذا وكذا ؟ فيقول : نعم : الحديث ) أخرجه البخاري ( 10/486 ، فتح ) ومسلم ( 2768) . .. وتعرب – هنا – مفعولاً به .(2/93)
ثم أشار إلى أن ( كأين وكذا ) تفيدان ما تفيده (كم ) الخبرية من التكثير (1) . والافتقار إلى تمييز . لكن تمييزهما لا يكون إلا منصوباً . وقوله : ( أو به صل " مِنْ " تصب ) أي : أو صِلْ تمييز (كأين ) بـ ( من ) توفق للإصابة والسداد ، فيكون ضمير (به) يعود على تمييز (كأين ) كما في الكافية وشروحها (2) .
****
الحكاية
750- احْكِ بأيٍّ مَا لِمَنْكُورٍ سُئلْ عَنْهُ بِهَا فِي الْوَقْفِ أوْ حِينَ تَصِلْ
751- وَوَقْفاً احْكِ مَا لِمَنْكُوْرٍ بِمَنْ وَالنُّونَ حَرِّكْ مُطْلَقاً وَأشْبِعَنْ
752- وَقُلْ مَنَانِ وَمَنَيْنِ بَعْدَ لي إِلْفَانِ بِابْنَيْنِ وَسَكِّنْ تَعْدِلْ
753- وَقُلْ لِمَنْ قالَ أَتَتْ بِنْتٌ مَنَهْ وَالنُّونُ قَبْلَ تَا الْمُثَّنَى مُسْكَنَهْ
754- وَالْفَتْحُ نَزْرٌ وَصِلِ التَّا وَالأَلِفْ بِمَنْ بِإِثْرِ ذَا بِنِسْوَةٍ كَلِفْ
755- وَقُلْ مَنُون وَمَنِينَ مُسْكَنَا إنْ قِيلَ جَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ فُطِنَا
756- وَإنْ تَصِلْ فَلَفْظُ مَنْ لَا يَخْتَلِفْ وَنَادِرٌ مَنُون فِي نَظْمٍ عُرِفْ
الحكاية : إيراد اللفظ المسموع على هيئته من غير تغيير فيه ، أو إيراد صفته ، والغرض منها الاستثبات والتأكيد .
فإذا قال لك قائل : رأيت خالداً . قلتَ له : من خالداً ؟ فقد أوردت لفظ (خالد ) الذي سمعته على هيئته الإعرابية التي وقعت في كلام المتكلم من غير تغيير .
__________
(1) - على هذا جرى الشراح كالأشموني والمكودي وغيرهما . فحملوا التشبيه في كلام ابن مالك على أن المشبه به هو ( كم ) الخبرية . مع أن مذهب ابن مالك مجيء ( كأين ) استفهامية أيضاً – كما تقدم - وكان الأولى حمل كلامه على مذهبه . لكن لما كان من المشبه (كذا ) وهي لا تأتي للاستفهام أصلاً . وابن مالك نفسه جعل المشبه به هو ( كم ) الخبرية كما في الكافية (4/1704) استفهام ما ذكره الشراح .
(2) - انظر الكافية وشرحها (4/1702) .(2/94)
وإذا قال لك : أكرمتُ رجلاً . فقلتَ له : أيّاً . فقد أوردت صفة اللفظ الذي وقع في كلامه ، ولم تورد اللفظ نفسه .
والإعراب : (من ) مبتدأ ، (خالداً ) خبر المبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية .
والحكاية ثلاثة أنواع :
حكاية جملة ، والغالب أن تكون بعد القول ، نحو : ((وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ )) فـ (الحمد ) مبتدأ . ( الله ) خبره ، والجملة في محل نصب مقول القول ، وهذه لم يذكرها ابن مالك وهي مبثوثة في أبواب النحو .
حكاية المفرد ، وتكون في الإعلام ، وسيذكرها في آخر الباب .
حكاية حال المفرد ، وذلك بأداة الاستفهام (مَنْ ) و ( أيّ ) . فإذا سئل بـ (أي ) حُكِيَ بها ما للمسؤول عنه من إعراب وتذكير وإفراد وفروعهما ، وذلك بشرطين :
أن يكون السؤال عن مذكور في كلام غيرك.
أن يكون نكرة . أما المعرفة فإنها لا تُحكى بـ ( أي ) .
فتقول : لمن قال : " جاءني رجلٌ " : " أيٌّ " ، ولمن قال:" جاءتي امرأة " : " أيّةٌ " ، ولمن قال: " قام رجلان " : " أيّان " ، أو " رجال " : " أيون " . أو " امرأتان " " أيّتان " ، أو " نساء " : " أيّات " .
وحكمهما في الوصل كحكمها في الوقف فتقول : أيُّ يا فتى ، وأيّاً يا فتى ، وأيٍّ يا فتى .
فـ ( أيُّ ) مبتدأ ، وخبرها محذوف مؤخر عنها لصدارتها ، والتقدير : أيُّ جاء ؟ وفي النصب مفعول به لفعل محذوف مؤخر تقديره : أيّاً رأيت ؟ وفي الجر مجرورة بحرف جر محذوف مع متعلقه تقديره ، بأيٍّ مررت ؟ ، و (أيان ) مرفوع بالألف ، و ( أيون ) مرفوع بالواو ، وتأتي بالياء في حالتي النصب والجر مع المثنى ، وجمع المذكر السالم .
فإن كان السؤال بـ ( أي ) ابتداءً أعربت على حسب العوامل وتلزم الإفراد والتذكير ، نحو : أيُّ كتب النحو أحسن ؟(2/95)
وإن سئل عن النكرة المذكورة بـ ( من ) حُكي بها ما للمسؤول عنه من إعراب وإفراد وتذكير وفروعها ، ويجب إشباع النون بعد تحريكها بحركة إعراب المسؤول عنه ، فتقول لمن قال : جاءني رجل : مَنُو ، ولمن قال: رأيت رجلاً : مَنَا ، ولمن قال : مررت رجل : مَنِي . وتقول لمن قال : جاءني رجلان : مَنَان ، ولمن قال : رأيت رجلين : مَنَيْن ، وهكذا في حالة الجر ، وتقول لمن قال : جاءت بنت : مَنْه ، ويجوز أن تقول : مَنْت بسكون النون مع بقاء التاء ، وكذا في حالتي النصب والجر ، وتقول في تثنية المؤنث : مَنْتان ، في الرفع . ومَنْتين ، في النصب والجر ، بإسكان النون التي قبل التاء على الأكثر ، وتقول في جمع المؤنث : مَنَاتْ . وهكذا في النصب والجر . وتقول في جمع المؤنث : مَنَاتْ : وهكذا في النصب والجر ، وتقول في جمع المذكر السالم : مَنُونْ رفعاً ، ومَنِينْ ، نصباً وجراً . بإسكان النون فيهما . والحكاية بـ ( مَنْ ) خاصة بالوقف فإذا قال لك قائل : زارني رجلان : قلت منانْ . بالوقف والإسكان ،فإن وصلت قلت : مَنْ يا هذا ؟ فلا يختلف لفظ ( من ) في إفراد ولا تثنية ولا جمع .
وقد ورد إثبات الواو والنون في حالة الوصل في قول الشاعر :
أتوا ناري فقلت مَنُونَ أنتم ؟ فقالوا : الجنُّ ! قُلتُ : عِمُوا ظلاما ! (1)
__________
(1) - هذا بيت من أربعة أبيات أوردها أبو زيد الأنصاري في نوادره ص 380 ، وقد جاء بدل قوله : ( مَنُونَ أنتم ) قوله :
أتوا باري فقلت منون قالوا سراة الجن ..............
وقوله : ( عموا ظلاماً ) تحية من تحايا العرب مثل : عم صباحاً . أي : تنعموا في الظلام .
إعرابه : أتوا : فعل وفاعل ، (ناري ) مفعول به ، والياء مضاف إليه ، ( فقلت ) فعل وفاعل ، ( مَنُونَ ) مبتدأ ، (أنتم ) خبر ، ( فقالوا ) فعل وفاعل ، ( الجن ) خبر لمبتدأ ، محذوف أي : نحن الجن ، والجملة في محل نصب مقول القول . ( قلت ) فعل وفاعل ( عموا ) فعل أمر والواو فاعل ( ظلاماً ) منصوب على الظرفية .(2/96)
والقياس أن يقول : من أنتم ؟ لأن لفظ ( من ) في الحكاية حال الوصل يلزم حالة واحدة (1) .
وإلى الحكاية بـ ( أي ) و ( مَنْ ) أشار بقوله : ( احك بايٍّ ما لمنكور سُئلَ عنه بها .. إلخ ) أي : احك بـ ( أي ) ما ثبت لمنكور سئل عنه بها من رفع ونصب وجر ، وإفراد وتذكير وفروعهما . سواء كان في الوقف أو حين تصل .
ثم أشار إلى أحكام الحكاية بـ (مَنْ ) فقال : ( ووقفاً احك ما لمنكور بمن ) أي : واحك بـ ( مَنْ ) ما ثبت لمنكور حالة كون ذلك في الوقف ( والنون حرك مطلقاً ) في أحوال الإعراب الثلاثة . ( وأشبعن ) أي أشبع حركتها لينشأ عنها حرف يناسب المحكي .
__________
(1) - وفيه شذوذ ثانٍ وهو تحريك نون ( مَنُونَ ) بالفتح والقياس تسكينها . وشذوذ ثالث وهو أنه حكى ضميراً محذوفاً ، لأن تقدير الكلام : أتوا ناري ، فقالوا : أتينا : فقلت : منون أنتم ؟ والمعارف لا يحكى منها إلا العلم كما في آخر الباب .(2/97)
وأفاد بذلك أن الأحرف اللاحقة لـ ( مَنْ ) للإشباع ، (وقل ) أي في المثنى المذكر ( منانِ ومنينِ ) وحُرِّكا بالكسر للضرروة ، ( بَعْدَ ) قولِ شخصٍ (لي إلفان بابنين ) فتقول في حكاية الأول : منانْ . وفي الثاني : منينْ .. فتوافقه في التثنية والإعراب . و ( إلْفان ) مثنى : إلْف بكسر الهمزة فيهما ، بمعنى : مؤالف و (بابنين ) لأنه لا يوقف على متحرك . و (قل ) في المفرد المؤنث (لمن قال أتت بنت مَنَهْ ) أي : بفتح النون . ( والنون ) من " مَنَهْ " إذا وقعت (قبل تا ) تأنيث ( المثنى مُسْكَنَهْ ) وكذا النون الأخيرة ، وإنما لم ينبه عليه ؛ لأنه يفهم من قوله ( وسكن تعدلِ ) وقوله ( والفتح نزر ) أي فتح النون التي قبل تاء المثنى قليل ، وقوله : ( وَصِلِ التا والألف بمَنْ بإثر ذا بنسوة كَلِفْ ) أي في حكاية جمع المؤنث السالم تصل التاء والألف بـ (من ) فتقول : مناتْ . إذا قال لك شخص : هذا كلف بنسوة . ومعنى : ( كَلِفَ به ) أي : أحبه وأولع به . وقوله : ( وقل ) أي : في حكاية جمع المذكر السالم ( مَنُون ) في الرفع ( ومنين) في الجر ( مُسْكنا ) أي : آخرهما ( إن قيل ) أي : قال لك شخص ( جاقوم ) - بقصر (( جاء )) للضرورة – فتقول : مَنُون . (لقوم فطنا ) فتقول : مَنين . فتوافقه في الجمع والإعراب . ثم بين أنك إن وصلت ( مَنْ ) بالكلام فإن لفظها لا يختلف بل يبقى على حاله . وأما إلحاق الواو والنون بـ (من ) فهو نادر ، وقد ثبت ذلك في نظم معروف ، يشير إلى البيت المتقدم .
757- وَالْعَلَمَ احْكِيَنّهُ مِنْ بَعْدِ مَنْ إنْ عَرِيَتْ مِنْ عَاطِفٍ بِهَا اقْتَرَنْ(2/98)
تجوز حكاية العلم بـ ( مَنْ ) فيعطى حركات العلم الأول رفعاً ونصباً وجراً ، بشرط ألا يتقدم على ( من ) حرف عطف (1) فتقول : من خالدٌ لمن قال : جاء خالدٌ ، ومن خالداً ؟ لمن قال : رأيت خالداً ، ومن خالدٍ ؟ لمن قال :مررت بخالدٍ . فـ (من) مبتدأ و ( خالد) خبر مرفوع بالضمة الظاهرة (2) . ، وفي المثال الثاني : (من ) مبتدأ و ( خالداً ) خبر المبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية ، وهكذا المثال الثالث .
فإن كانت المعرفة غير علم لم تُحْكَ فلا تقول لقائل : رأيت غلامَ محمد . من غلامَ محمدٍ ؟ بالنصب ، بل يجب رفعه . (3) .
وكذا إذا سبق (من) عاطف فإنه لا يحكي العلم بل يجب رفعه على أنه خبر عن (من) فتقول لقائل : جاء عصام ، ورأيت عصاماً ، ومررت بعصام : ومن عصامٌ ، فالواو : للاستئناف . و (من ) مبتدأ و ( عصام ) خبره.
__________
(1) - هذا الشرط ذكره ابن مالك . وبقي من الشروط أن يكون العلم علماً لعاقل . وألا يتيقن عدم اشتراكه ، فلا يقال : من الفرزدق ؟ لمن قال : سمعت شعر الفرزدق ، لعدم الاشتراك فيه . وألا يتبع بنعت ولا توكيد ولا بد له ، فلا يقال : من خالد العاقل ؟ لمن قال : رأيت خالداً العاقل . بل يحكى بدون صفته ، إلا إن كان النعت بـ (ابن ) مضاف إلى علم فإنه يُحكى لصيرورته مع المنعوت كالشيء الواحد نحو : من محمدَ بنَ علي : لمن قال : رأيت محمد بن علي .
(2) - هذا هو الأظهر : وقيل : إن الضمة في حال الرفع ليست حركة إعراب . بل هي حركة حكاية ، وضمة الإعراب مقدرة . والأول أيسر .
(3) - عللوا تخصيص العلم بالحكاية دون غيره من أقسام المعارف لكثرة استعمال الأعلام فجاز فيها ما لم يجز في غيرها .(2/99)
وهذا معنى قوله : ( والعلم احكينَّه من بعد ( مَنْ ) .. إلخ ) أي : احك العلم بـ ( من ) إن لم يتقدم عليها عاطف ، وفهم من قوله : ( احكينه ) أن حركاته حركات حكاية . وأن إعرابه مقدر كما تقدم . وظاهر قوله ( من بعد من ) أنه مطلق في الوقف والوصل . وهو يفيد أن العلم لا يُحكي بـ ( أي ) بل يجب رفعه بعدها . فإذا قيل : رأيت محمداً ، أو مررت بمحمدٍ ، قلت : أيٌّ محمدٌ ؟ برفع ( محمد ) لا غير ، والعاطف في قوله : ( من عاطف ) هو الواو خاصة وقيل : والفاء أيضاً ، والمراد صورة العاطف ؛ لأنه للاستئناف كما مضى .
****
التأنيث
758- عَلَامَةُ التَّأنِيثِ تَاءٌ أوْ أَلِفْ وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ
759- وَيُعْرَفُ التَّقْدِيرُ بِالضَّمِيرِ وَنَحْوِهِ كَالرَّدِّ فِي التَّصْغِيرِ
الاسم إما مذكر وإما مؤنث ، والأصل في الأسماء التذكير (1) والتأنيث فرع عن التذكير ، ولكون التذكير هو الأصل استغنى الاسم المذكر عن علامة تدل على التذكير . ولكون التأنيث فرعاً عن التذكير احتاج إلى علامة تدل عليه وهي :
التاء . إما متحركة كما في الأسماء نحو : آسية ، آمنة ، وفي أول المضارع نحو : الفتاة العاقلة تحفظ لسانها ، وإما ساكنة وهي في الفعل الماضي نحو : قامتْ صفية بواجبها ، والمراد هنا التاء التي في الأسماء .
ألف التأنيث المقصورة . مثل : أروى ، خُزامي .
ألف التأنيث الممدودة ، مثل : نجلاء ، علياء .وقد أنثت العرب أسماء كثيرة بتاء مقدرة ، ويستدل على ذلك بما يأتي :
الضمير العائد عليها نحو : العين كحلتها ، والأرض رزعتها . قال تعالى : ((النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا )) [ الحج : 72].وقال تعالى :((حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا )) [ محمد : 4] .
__________
(1) - يقولون : إن الشيء لفظ يقع على كل ما أُخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أو أنثى . والشيء مذكر . فلذا كان الأصل التذكير [ انظر كتاب سيبويه (1/22) ] .(2/100)
الإشارة إليها نحو : هذه أرض مُعشبة قال تعالى : (وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ ) [ يس : 63]
وصفها بالمؤنث نحو: نزلنا أرضاً خصبة . قال تعالى : ((وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ )) [ الحج : 45]
ثبوت التاء في التصغير ، لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها نحو : أرض وأُريضة ، وأُذن وأُذينة . وسِنٌ وسُنينة .
ثبوتها في الفعل نحو: وضعت الحرب أوزارها قال تعالى : (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ ) [ يوسف : 94) . وقال تعالى : (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) [ الحاقة : 12] .
وفي هذا يقول ابن مالك ( علامة التأنيث تاء .. إلخ ) أي أن علامة الاسم المؤنث (تاء ) وقد عبر بالتاء دون الهاء ، لأن التاء أصل ، ولتدخل تاء التأنيث الساكنة في الفعل ، وكذا وجود ألف مقصورة أو ممدودة في آخر الاسم ، ثم ذكر أنهم قدروا التاء في بعض الأسماء ، مثل : كتف ، ويعرف تقدير التاء بالضمير العائد عليها ونحوه كالإشارة والصفة ، وكذلك رد التاء وإثباتها في التصغير ، وقوله : ( أسامٍ ) جمع ( أسماء ) التي هي جمع (اسم ) فهي جمع الجمع .
****
760- وَلَا تَلي فَارِقةً فَعُولاً أصْلاً وَلَا الْمِفْعَالَ وَالْمِفْعِيلَا
761- كَذَاكَ مِفْعَلٌ وَمَا تَلِيهِ تَا الْفَرْقِ مِنْ ذِي فَشُذُوذٌ فِيهِ
762- وَمِنْ فَعِيلٍ كَقَتِيلٍ إنْ تَبِعْ مَوْصوفهُ غَالباً التَّا تَمْتَنِعْ(2/101)
تقدم أن التاء تزاد في الأسماء ليتميز المؤنث عن المذكر وأكثر ما يكون ذلك في الأسماء المشتقة (1) كقائم وقائمة ، ومسلم ومسلمة ، ويقل ذلك في الأسماء الجامدة وهي أسماء الأجناس ، كرجل ورجُلة(2) وامرئ وامرأة وغلام وغلامه ، و لا تدخل هذه التاء في خمسة أوزان :
الأول : ما كان على وزن ( فَعُول ) بمعنى ( فاعل ) وهو الوصف الدال على من فعل الفعل ، كرجل صبور ، وامرأة صبور ، ورجل شكور ، ومنه قوله تعالى : ((وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً )) [ مريم : 28] (3) .
__________
(1) - المراد بذلك الصفات المشتركة بين المذكر والمؤنث كما مُثِّل ، أما الصفات المختصة بالمؤنث فالغالب أن لا تلحقها التاء مثل : طالق ، حائض ، ومرضع وذلك لعدم الحاجة إليها ، لأمن اللبس ، فإن قُصد معنى الحدوث – أي الوصف المؤقت الطارئ في أحد الأزمنة – لحقتها التاء كحاضت فهي حائضة ، وطلقت فيه طالقة ، وأرضعت فهي مرضعة . قال تعالى في هول يوم القيامة : (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ) فالمرضعة هي المباشرة للإرضاع ، وتذهل : أي تذهب عن ولدها التي ترضعه مع دهشة لعظم الهول في ذلك اليوم . [ انظر : البحر المحيط 6/325] و [ المقتضب 3/163- 164] .
(2) - وقد ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت : (( لعن رسول الله الرجُلة من النساء )) أخرجه أبو داود (4099) ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن جريج، لكن له شواهد فهو حسن ، انظر : جامع الأصول (10/655) .
(3) - على بأنها على وزن ( فَعُول ) أصلها : بَغُوْي فاجتمعت الواو والياء في كلمة واحدة وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء فصار ( بَغُيّ ) ثم كسرت الغين لمناسبة الياء وأما على القول بأنه على وزن ( فعيل) فلا تلحقه التاء لأنه وصف خاص بالمؤنث كحائض . [ انظر : معجم مفردات الإبدال والإعلان في القرآن ص 50] .(2/102)
فإن كان ـ( فعول ) بمعنى ( مفعول ) وهو : الدال على من وقع عليه الفعل ، جاز أن تلحقه التاء على قلة ، كجمل ركوب ، وناقة ركوبة . ومن الكثير قوله تعالى : ((فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ )) [ يس : 72]
الثاني : ما كان على وزن ( مفعال ) كامرأة مهذار – أي كثيرة الهذر (1) قال تعالى : ((وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً )) [ الأنعام : 6] أي غزيرة دائمة (2) .
الثالت : ما كان على وزن ( مفعيل ) كرجل منطيق ، وامرأة منطيق ، للرجل البليغ ، والمرأة البليغة .
الرابع : ما كان على وزن (مِفْعَل ) كرجل مِغْشَم ، وامرأة مِغْشم والمِغْشم : بالغين والشين الذي لا يثنيه شيء عما يريده ويهواه لشجاعته .
وما لحقته التاء من هذه الصفات للفرق بين المذكر والمؤنث فشاذ لا يقاس عليه ، نحو : رجل عَدُوُّ امرأة عَدُوَّةٌ ، ورجل ميقان (3) وامرأة ميقانة ،ورجل مسكين ، وامرأة مسكينة.
الخامس : فعيل بمعنى ( مفعول ) ، بشرط أن يذكر له موصوف نحو : رجل جريح ، وامرأة جريح ، وخروف ذبيح ، وشاة ذبيح بحذف التاء من المؤنث اكتفاءً بمعرفة الموصوف ، وقد تلحقه التاء قليلاً ، نحو : ( خصلة ذميمة ) أي : مذمومة ، و( فعلة حميدة ) أي : محمودة .
__________
(1) - الهذر : الكلام الذي لا يُعبأ به .
(2) - المذكر والمؤنث للفراء ص 67 .
(3) - من اليقين . وهو عدم التردد ، يقال : رجل ميقان أي : لا يسمع شيئاً إلا أيقنه .(2/103)
فإن كان ( فعيل ) بمعنى (فاعل ) لحقته التاء في التأنيث ، كرجل كريم ، وامرأة كريمة ، وقد حذفت منه التاء قليلاً ، كقوله تعالى : ((قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ )) [ يس: 78] على أحد الوجهين (1) )
فإن قتلت: مررت بقتيلة بني فلان ، أَلحَقْتَ التاء . لعدم ذكر الموصوف ، إذ لو حذفتها لالتبس بالمذكر (2) .
__________
(1) - وهو أن ( رميم ) فعيل بمعنى فاعل ، أي : رامّة بمعنى بالية . والوجه الثاني أنه بمعنى : مفعول أي : مرموم . وعليه فهو من الكثير لا من القليل ، وقد ذكر الزمخشري في كشافه (4/31) أنه اسم وليس وصفاً بمعنى فاعل ولا مفعول وقد نقله أبو حيان في تفسيره (7/332) وأقره عليه .
(2) - المذكر والمؤنث للفراء ص 60.(2/104)
وإلى ما ذكر أشار ابن مالك بقوله : ( ولا تلي فارقة فعولاً .. إلخ ) أي ولا تلي التاء ( فعولاً ) فارقة بين المذكر والمؤنث . أما لغير الفرق فتلي فعولاً – كغيره – كـ ( ملولة ) من الممل ، و ( فروقة ) من الفَرَق ، وهو الخوف ، فالتاء للمبالغة لا للفرق ، ولذا تلحق المذكر والمؤنث ، وقوله (فعولاً أصلاً ) يريد به ما كان بمعنى (فاعل) ، واحترز من (فعول ) بمعنى (مفعول) وإنما جُعِلَ الأول أصلاً ، لأنه أكثر من الثاني ، ثم ذكر بقية الأوزان التي لا تدخلها التاء فقال : ( ولا المفعال والمفعيلا ) والألف للإطلاق ( كذاك مِفْعل ) وهو الوزن الرابع ، ثم ذكر أن ما تلحقه التاء من هذه الأوزان الأربعة شاذ ، ثم بين أن التاء تمتنع من ( فعليل ) كـ ( قتيل ) أي : بمعنى ( مفعول ) ، فإن كان بمعنى فاعل لحقته فتقول : امرأة رحيمة وظريفة . ( إن تبع موصوفه ) أي : موصوف مذكور قبله ، وهو لا يريد الموصوف الصناعي فقط . وهو النعت ، بل ما يشمل المعنوي ، كوقوعه خبراً ، نحو : هند قتيل ، فتحذف منه التاء في الغالب ، مع أن ( قتيل ) خبر لا نعت (1) .
واحترز بقوله : ( إن تبع موصوفه ) مما لم يتبع موصوفه بأن لم يَجْرِ على موصوف ظاهر ولا منوي ، وذلك بأن يستعمل استعمال الأسماء ، فتلحقه التاء نحو رأيت قتيلاً وقتيلة ، قال تعالى : ((وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ )) بخلاف : رأيت قتيلاً من النساء . فلا تلحقه التاء للعلم بالموصوف .
***
__________
(1) - ظاهر كلام ابن مالك أن هذا الشرط خاص بفعيل دون غيره من الأوزان الأربعة الأول . والذي نصَّ عليه صاحب المفصل وشارحه ابن يعيش أن الأربعة السالفة يشترط لحذف التاء فيها أن تتبع موصوفها كما يشترط في فعيل ، يقول ابن يعيش (فهذه الأسماء إذا جرت على موصوفها لم يأتوا فيها بالهاء ، وإذا لم يذكروا الموصوف أثبتوا الهاء خوف اللبس نحو :رأيت صبورة ومعطارة وقتيلة بني فلان ..) [ 5/102] .(2/105)
763- وَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ ذَاتُ قَصْرِ وذَاتُ مَدٍّ نَحْوُ انْثَى الْغُرِّ
764- وَالاشْتِهَارُ فِي مَبَانِي الأولَى يُبْدِيهِ وَزْنُ أُرَبَى وَالطُّولَى
765- وَمَرَطَى وَوَزْنُ فَعْلَى جَمْعَا أوْ مَصْدَراً أوْ صِفَةً كَشَبْعَى
766- وَكَحُبَارَى سُمَّهَى سِبَطْرَى ذِكْرَى وَحِثِّيثَى مَعَ الْكُفُرَّى
767- كَذَاكَ خُلَّيْطَى مَعَ الشُّقَّارَى واعْزُ لِغَيْرِ هذِهِ اسْتِنْدَارَا
تقدم أن ألف التأنيث إما مقصورة ، وإما ممدودة ولكل منهما أوزان نادرة ، وأوزان مشهورة ، والمراد بالأوزان المشهورة : الشائعة في الكلام الفصيح ، فمتى عرفت الصيغة دلت في الغالب على أن الكلمة مؤنث .
فمن أوزان ألف التأنيث المقصورة :
فُعَلى – بضم الأول وفتح الثاني – كأربى – للداهية – وشُعَبى – اسم موضع - .
فُعْلى – بضم الأول وسكون الثاني – اسماً كبُهمى – لنبتٍ – أو صفة كحبلى وطولى ، _ أفعل تفضيل مؤنث أطول – أو مصدراً كرُجعى – مصدر للفعل (رجع ) قال تعالى : ((إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى )) ( العلق : 8 )
فَعَلى – بفتحتين – اسماً كان كبَرَدَى – لنهر دمشق – أو مصدراً كمَرَطَى – لنوع من السير السريع – أو صفة كَحَيَدى . يقال حمار حَيَدَى – أي : يحيد عن ظله إذا تخيل منه لنشاطه . قال الجوهري : ( ولم يجيء في نعوت المذكر شيء على فَعَلى غيره ) (1) .
فَعْلى – بفتح أوله وسكون ثانيه – جمعاً كصرعى جمع صريع وقتلى جمع قتيل ، أو مصدراً كدعوى ، أو صفة كسكرى وشبعى . مؤنث سكران وشبعان .
فُعَالى – بضم أوله – كحبارى – لطائر ، ويقع على الذكر والأنثى .
فُعَّلى – بضم أوله وتشديد ثانيه مفتوحاً – كسُمَّهى . للباطل .
فِعَلَّى– بكسر أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه المدغم في مثله – كسبطرى، لضرب من المشي.
__________
(1) - الصحاح للجوهري (2/467) .(2/106)
فِعْلى – بكسر أوله وسكون ثانيه – مصدراً كذكرى ، أو جمعاً كظِرْبى – بالظاء المُشالة – جمع ظَرِبان – بفتح أول وكسر ثانيه اسماً لدويبة كالهرة منتنة الريح ، وكحِجْلى ، جمع حَجَل – اسم طائر . وليس في الجموع ما هو على وزن ( فِعْلَى ) غيرهما .
فِعِّيلى – بكسر أوله وثانيه مشدد – كحِثِّيثي ، مصدر للفعل : حث على الشيء : إذا حض عليه .
فُعُلَّى – بضم أوله وثانيه وتشديد ثالثه – ككفرّى – لوعاء الطلع .
فُعَّيْلى – بضم أوله وفتح ثانيه مشدداً – كخُلَّيطى . للاختلاط يقال : وقعوا في خُلّيطى . أي : اختلط عليهم أمرهم .
فُعَّالى – بضم أوله وتشديد ثانيه – نحو : شُقَّارى وخُبَّازى لنبتين . وخُضَّارى : اسم طائر .
وهذا معنى قوله : ( وألف التأنيث ذات قصر .. إلخ ) أي أن ألف التأنيث قسمان : مقصورة وممدودة . وقوله ( نحو أنثى الغُرَّ) أي : نحو الألف من أنثى الغُرَّ . والغر : تجمع مفرده المذكر ( أغرّ ) والمؤنث ( غراء ) وفي القاموس : ( الغرة : بضم الغين بياض في الجبهة ) .
ثم ذكر أن الأوزان المشهورة في مباني الأولى – وهي الألف المقصورة اثنا عشر وزناً يوضحها وزن ( أُربى .. إلخ ) و ( الاشتهار ) مصدر بمعنى اسم المفعول أي : والمشهور ، أو بمعنى اسم الفاعل ، أي : والمشتهر و ( مباني ) جمع مبنى ، بمعنى الوزن و ( في ) بمعنى : ( من ) والتقدير : والمشهور من أوزان الألف الأولى ، ثم قال بعد سرد الأمثلة لكل الأوزان (واعز ) أي انسب ( لغير هذه ) الأوزان في مباني المقصورة ( استندارا) أي ندرة . بمعنى : انسب كل صيغة خالفت هذه الأوزان إلى الندرة .
768- لِمَدِّهَا فَعْلَاءُ أفْعلَاءُ مُثَلَّثََ الْعَيْنِ وَفَعْلاءُ
769- ثُمَّ فِعَالَا فُعْلُلَا فَاعُولا وَفَاعِلَاءُ فِعْلِيَا مَفْعُولا
770- وَمُطْلَقَ الْعَيْنِ فَعَالَا وَكََذَا مُطْلَقَ فَاءٍ فَعَلاءُ أُخِذَا(2/107)
لألف التأنيث الممدودة أوزان كثيرة (1) .
فَعْلاء – بفتح فسكون – اسماً كصحراء ، أو صفة مذكرها على أفعل كحمراء ، وعلى غير أفعل كديمة هطلاء (2) . ومذكرة : سحاب هَطِلٌ أو هَطَّال .
أفْعَََُِلاء _ بفتح العين وكسرها وضمها – كأربََُِعا – اسم لليوم المعروف .
فَعْلاء – بفتح فسكون ففتح – مثل : عقرباء . لأنثى العقارب . واسم مكان .
فعَلاء _ بكسر ففتح – مثل : قصاصاء . اسم للقصاص ولا يحفظ غيره .
فُعْلُلاء – بضم فسكون فضم – مثل : قرفصاء . لنوع من الجلوس .
فَاعُولاء مثل : عاشوراء . لليوم العاشر من المحرم .
فاعِلاء مثل قاصعاء ، وغائباء ، ونافقاء ، وكلها اسم لِكُوًى (3) تكون في جحر اليربوع (4) .
فِعلياء – بكسر فسكون فكسر – نحو : كبرياء .وهي العظمة .
مَُِفعولاء بفتح الميم وضمها وكسرها نحو : مشيوخاء . اسم لجماعة الشيوخ .
فَُِعالاء – بضم العين وفتحها وكسرها – نحو : دبوقاء للعذرة ، وبَرَاساء – اسم للناس ، وقَرِيثاء – نوع من البسر - .
فَُِعلاء - بضم الفاء وفتحها وكسرها – نحو : خُيلاء – للتكبر – وجَنَفاء – اسم مكان – وسِيرَاء – لبُرْدٍ فيه خطوط صفر .
وهذا معنى قوله : ( لمدها فعلاء .. إلخ ) أي للمدود من ألف التأنيث فعلاء .. إلخ ) وكلها مختومة بالهمزة . وقد تركها الناظم في بعضها للوزن، وقوله : ( أفعلاء مثلث العين ) أي : مفتوحها ومكسورها ومضمومها ، وكذا قوله : ( ومطلق العين فعالا وكذا مطلق فاء فعلاء ) بمعنى أنها غير مقيدة بحركة . بل هي مطلقة في الحركات الثلاث .
***
المقصور والممدود
__________
(1) - بعض هذه الأوزان مشترك بينها وبين الألف المقصورة : انظر شرح الأشموني (4/103) .
(2) - الديمة : مطر بلا رعد ولا برق .
(3) - جمع كُوَّة وهي : فتحة في الحائط غير نافذة .
(4) - اليربوع : حيوان أكبر قليلاً من الفأر ، طويل الرجلين ، قصير اليدين . انظر [ حياة الحيوان الكبرى (2/408) ] .(2/108)
771- إذَا اسْمٌ اسْتَوْجَبَ مِنْ قَبْلِ الطَّرَفْ فَتْحاً وَكانَ ذَا نَظِيرٍ كَالأسَفْ
772- فَلِنَظِيرِهِ الْمُعَلِّ الآخِرِ ثُبُوتُ قَصْبٍ بِقِيَاسٍ ظَاهِرِ
773- كَفِعَلٍ وَفُعَلٍ فِي جَمْعِ مَا كَفِعْلَة وفُعْلَةٍ نَحْوُ الدُّمَى
يقسم الصرفيون الاسم إلى أربعة أقسام :
صحيح ، ومقصور ، وممدود ، ومنقوص .
فالصحيح : ما ليس بمقصور ، ولا ممدود ، ولا منقوص .
والمنقوص : ما آخره ياء ، وقد تقدم أول الكتاب ، ولا بحث لنا فيه الآن ، إنما البحث في المقصور والممدود .
فالمقصور : هو الاسم المعرب الذي آخره ألف لازمة . مثل : جاء الفتى ، فخرج بالاسم : الفعل ، نحو : يخشى ، والحرف ، نحو : على ، وبالمعرب : المبني ، نحو : متى ، وبالألف ، نحو الهادي ، وباللازمة ، نحو : الزيدان ، فإن ألفه غير لازمة ، لأنها تنقلب ياء في الجر والنصب . وقد تقدّم ذلك في أول الكتاب .
والمقصور قسمان :
مقصور قياسي : وهو وظيفة النحوي ، لأنه يخضع للقواعد التي توصل إليها الصرفيون .
مقصور سماعي : وهو وظيفة اللغوي ، ولا تضبطه قواعد معينة ، وإنما يُعرف بالتتبع والاطلاع على معاجم اللغة (1) وسيأتي في آخر الباب إن شاء الله .
أما المقصور القياسي : فهو كل اسم معتل ، له نظير من الصحيح ،يجب فتح ما قبل آخره . وله مواضع منها :
__________
(1) - وقد أُلّف في ذلك مؤلفات مستقلة منها كتاب ( ا لمقصور والممدود ) للفراء م ( 207هـ ) والكتاب مطبوع بتحقيق : ماجد الذهبي . ومنها : في النظم : مقصورة ابن دريد وأبياتها( 254) بيتاً ، وهي مطبوعة بشرحها لابن هشام اللخمي . بتحقيق : أحمد عبد الغفور عطار .(2/109)
1- أن يكون مصدراً للفعل الثلاثي ( فَعِل ) – بفتح أوله وكسر ثانيه – اللازم المعتل الآخر بالياء . فإن مصدره ( فَعَل ) – بفتح أوله وثانيه – فإذا كان له نظير من الاسم الصحيح على هذه الوزن . فمصدر الفعل المعتل يكون مقصوراً قياسيّاً نحو : شَقِيَ شقىً ، وهوي هوىً ، وجَوي جوىً (1) فإن نظائرها من الصحيح الآخر : فَرِح فَرَحاً ، وأشِرَ أشَرَاً ، وبَطِر بَطَراً (2) .
2- أن يكون جمعاً للتكسير على وزن (فَعِل) – بكسر أوله وفتح ثانيه – بشرط أن يكون المفرد على وزن ( فِعْلة ) – بكسر فسكون – المختوم بتاء التأنيث ، التي قبلها حرف علة ، فإذا كان لهذا المفرد وجمعه نظائر من المفرد الصحيح وجمعه على هذا الوزن ، فهو مقصور قياسي نحو : رِشْوة ورِشَا ، وفِرْية وفِرَى ومِرْية ومِرَى (3) . فإن نظائرها من من الصحيح ، قِرْبَة وقِرَب (4) وفِكْرة وفِكَر، وحِكْمة وحِكَم .
3- أن يكون جمعاً للتكسير على وزن (فُعَل ) – بضم أوله وفتح ثانيه – بشرط أن يكون المفرد على وزن ( فُعْلة ) – بضم فسكون ) المختوم بتاء التأنيث التي قبلها حرف علة . فإذا كان لهذا المفرد وجمعه نظائر من المفرد الصحيح وجمعه على هذا الوزن فهو مقصور قياسي نحو : رُقيةَ ورُقى (5) ، وقُدوة وقُدى ، ومُدْية ومُدَى ، فإن نظائرها من الصحيح : غُرْفة وغُرَف ، وقُرْبة وقُرَب ، وطُرْفة وطُرَف (6) .
__________
(1) - جوي : الحرقة من حزن أو عشق .
(2) - الأشر والبطر : عدم شكر النعمة .
(3) - الفرية : الكذب . والمرية : الجدال .
(4) - القربة : بالكسر وعاء الماء . وبالضم : ما يُتقرب به إلى الله تعالى .
(5) - الرقية : القراءة على المريض .
(6) - الطرفة : ما يُستطرف أي : يستملح .(2/110)
وهذا معنى قوله : ( إذا اسم استوجب من قبل الطَّرف .. إلخ ) أي : أن الاسم الصحيح إذا استحق فتح ما قبل الآخر ( كالأسف ) مصدر : أَسِفَ . وكان لهذا الاسم الصحيح الآخر نظير وشبيه معتل الآخر ومفتوح ما قبل آخره ، فإن هذا النظير يثبت له القصر.أي : يسمى مقصوراً قياسيّاً ، لأنه مقيس على الاسم الصحيح . وقوله (بقياس ظاهر ) أي لا خفاء فيه . ثم ذكر ثلاثة من مواضعه (1) . ثم مثل للمعتل بقوله ( نحو الدُّمى ) مفرده : دُمْية ، وهي الصورة من العاج – وهو عظم الفيل – أو الصورة المنقوشة في حائط .
774- وَمَا اسْتَحَقَّ قَبْلَ آخِرٍ ألِفْ فَالمَدُّ فِي نَظيرِهِ حَتْماً عُرِفْ
775- كَمَصْدَرِ الْفِعْلِ الّّذِيْ قَدْ بُدِئَا بِهَمْزِ وَصْلٍ كَارْعَوَى وَكَارْتِأى
لما فرغ من المقصور القياسي ذكر الممدود ، وهو الاسم المعرب الذي آخره همزة قبلها ألف زائدة ، نحو : بناء ، صحراء ، قُرَّاء .
فخرج بالاسم : الفعل نحو : يشاء ، وبقولنا : قبلها ألف زائدة : الألف الأصلية نحو : ماء ، فليس بممدود ، لأن ألفه غير زائدة ، لأنها عين الكلمة ، إذ أصله ، مَوَهٌ كما سيأتي في التصغير إن شاء الله .
والممدود – كالمقصور – ينقسم إلى قسمين :
سماعي . وسيأتي .
قياسي : وهو كل اسم معتل له نظير من الصحيح الآخر ، يجب قبل آخره ألف ، وله مواضع منها :
مصدر الفعل الذي أوله همزة وصل سواء كان خماسيّاً أو سداسيّاً ، بشرط أن يكون معتل الآخر نحو : ارعوى ارعواءً وارتأى ارتئاءً ، واستقصى استقصاءً . فإن نظيرها من الصحيح : انطلق انطلاقاً ، واكتسب اكتساباً ، واستغفر استغفاراً .
__________
(1) - ومن مواضع المقصور القياسي :
4- أن يكون على وزن اسم مفعول من فعل معتل الآخر غير ثلاثي مثل : مُعطى .
5- أن يكون على وزن ( أفعل ) من فعل معتل ، سوء كان للتفضيل أو غيره مثل : أقصى ، أعمى . 6- أن يكون على وزن (مَفْعل ) مشتقاً من فعل ثلاثي معتل اللام مثل : ملهى مسعى .. .(2/111)
مصدر كل فعل معتل الآخر على وزن ( أفْعَل ) نحو : أعطى إعطاءً وأربى إرباءً (1) وأغنى إغناءً . فإن نظيرها من الصحيح : أكرم إكراماً ، وأخبر إخباراً (2)
وهذا معنى قوله : ( وما استحق قبل آخر ألف .. إلخ ) أي : وما استحق بحسب القواعد العامة من الأسماء الصحيحة أن يكون قبل آخره ألف – وهذا يتحقق في مصدر الرباعي الذي على وزن ( أفعل ) ، والخماسي والسداسي المبدوءين بهمزة وصل – فإن نظير هذا الصحيح من مصادر الماضي المعتل الآخر الذي على وزن ( أفعل ) أو المبدوء بهمزة وصل يكون ممدوداً ، ثم ذكر المثال وهو مصدر الفعل ( ارعوى ) وهو : ارعواءً : أي انكفَّ عن فعل القبيح . والفعل ( ارتأى ) ومصدره : الارتئاء يقال : ارتأى في أمره : إذا تدبره وتأمل فيه . وقوله : ( ألف ) مفعول به لـ ( استحق ) ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة .
***
776- وَالْعَادِمُ النَّظِيرِ ذَا قَصْرٍ وَذَا مَدٍّ بِنَقْلٍ كَالْحِجَا وَكَالحِذَا
هذا هو القسم الثاني وهو : المقصور السماعي ، والممدود السماعي :
فالمقصور السماعي : هو الذي ينطبق عليه تعريف المقصور ، ولكن ليس له نظير من الاسم الصحيح يجب فتح ما قبل آخره . فيرجع فيه إلى معاجم اللغة ، ليعرف المسموع عن العرب إذ لاحظَّ له في القياس مثل: الفتى – واحد الفتيان – والحِجا : العقل، والثرى: التراب ، والسَّنا : الضوء .
والممدود السماعي : هو الذي ينطبق عليه تعريف الممدود ، ولكن ليس له نظير من الاسم الصحيح يجب قبل آخره ألف . مثل : الفتاء حداثة السن ، الثراء : كثرة المال ، السَّناء : الشرف .
__________
(1) - أربى الرجل إرباء : دخل في الربى . وأربى عليه : زاد . وأربى فلان : أخذ أكثر مما أعطى .
(2) - ومن مواضع الممدود القياسي :
3- أن يكون مصدراً على وزن ( فُعال ) من فعل ثلاثي معتل الآخر مثل : عوى : عواءً .(2/112)
وهذا معنى قوله : ( والعادم النظير ذا قصر .. إلخ ) فالعادم ، مبتدأ ، وهو اسم فاعل أضيف إلى مفعوله ، و( بنقل ) خبر المبتدأ . والتقدير : والاسمُ العادمُ نظيرَه من الصحيح ثابت بنقل أي : مقصور على السماع عن العرب . وقوله : (ذا قصر وذا مد ) حالان من الضمير الممتتر في الخبر ، و ( الحجا) أي : العقل : مقصور سماعي : و ( الحذاء ) أي : النعل ، ممدود سماعي ، وقصره للضرورة .
***
777- وَقَصْرُ ذِي الْمَدِّ اضْطِرَاراً مُجْمَعُ عَلَيْهِ والْعَكْسُ بِخُلفٍ يَقَعُ
أجمع النحويون على جواز قصر الاسم الممدود للضرورة وشواهده كثيرة،كقول الشاعر :
لا بدَّ من صنعا وإن طال السفر ولو تحنَّى كلُّ عَوْدٍ ودَبِر (1)
فقصر الشاعر كلمة (صنعا ) لضرورة الوزن ، وهي ممدودة . واختلفوا في جواز مد المقصور للضرورة ، فأجازه الكوفيون ، ومنعه البصريون . ومذهب الكوفيين أرجح ، لأنه مؤيد بالسماع ، ولأن الشعر موضع التيسير ، ومنه قوله الشاعر :
سيغنيني الذي أغناك عني فلا فقرٌ يدوم ولا غناءُ
فمدَّ الشاعر كلمة ( غناء ) لضرورة الشعر . وهي مقصورة لأنه يريد الغنى – بالقصر – بدليل أنه قرنه بالفقر .
__________
(1) - صنعا : بلد في اليمن ، وقرية قرب دمشق ، عود : بفتح فسكون هو المسن من الإبل ، دبر : بوزن فرح . أي أصابته الدَّبَرة – بفتحات – وهي قرحة تحدث في البعير من حتكاك الرحل وغيره . وكتب النحو مضطربة في رواية هذا البيت .
إعرابه : ( لا ) نافية للجنس ( بدَّ ) اسمها مبني على الفتح في محل نصب ( من صنعاء ) خبرها أو متعلق بـ ( بدَّ ) والخبر محذوف أي : حاصل ( وإن طال ) شرط وفعله والجواب محذوف ويصح إعراب ( إنْ ) وصلية زائدة ( السفر ) فاعل مرفوع وسُكّن لأجل الروي . ( ولو تحنّى ) شرط غير جازم وفعله (كل ) فاعل ( عود ) مضاف إليه ( ودَبِرَ ) الواو عاطفة ، ودَبَرَ : فعل ماض . وفاعله ضمير مستتر وجواب (لو ) محذوف .(2/113)
وهذا معنى قوله : ( وقصر ذي المد .. إلخ ) أي أن قصر الممدود للضرورة الشعرية مجمع على جوازه (1) أما العكس وهو مدُّ المقصور فيجوز وقوعه في الضرورة ، مع الخلاف في صحته . .
***
كيفة تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحاً
779- آخِرَ مَقْصُورٍ تُثَنَّى اجْعَلَهُ يَا إنْ كَانَ عَنْ ثَلَاثَةٍ مُرْتَقِيَا
780- كَذَا الّذي الْيَا أَصْلُهُ نَحْوُ الْفَتَى وَالْجَامِدُ الَّذِي أُمِيلَ كَمَتَى
781- فِي غَيْرِ ذَا تُقْلَبُ وَاواً الأَلِفْ وَأَوْلِهَا مَا كَانَ قَبْلُ قَدْ أُلِفْ
اعلم أن الاسم القابل للتثنية خمسة أنواع :
الصحيح : كطالب وطالبة .
المنزّل منزلة الصحيح (2) : كظبْيٍ ودَلْوٍ .
المنقوص : كالقاضي .
وهذه الأنواع الثلاثة تثنى بلا تغيير ، فتقول : طالبان ، وطالبتان ، وظبيان ، ودلوان ، والقاضيان ، إلا إذا كان المنقوص محذوف الياء فترد إليه ، نحو : داعيان ، في تثنية : داعٍ .
المقصور .
__________
(1) - إعرابه : ( سيغنيني ) السين حرف استقبال ، ويغني : فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم مفعول به ، ( الذي ) اسم موصول فاعل ، ( أغناك ) فعل ماض . وفاعله ضمير مستتر . والكاف مفعول به ، ( عني ) متعلق بما قبله . والجملة صلة الموصول لا محل لها . (فلا ) الفاء : للتعليل . ولا : نافية مهملة أو عاملة عمل ليس ، ( فقر ) مبتدأ أو اسم ( لا ) ، ( يدوم ) الجملة في محل رفع خبر المبتدأ أو في محل نصب خبر ( لا ) ، ( ولا ) الواو عاطفة . ولا : زائدة للتوكيد ، ( غناء ) معطوف على ( فقر ) أو اسم ، (لا ) الثانية على أنها عاملة عمل ليس والخبر محذوف دل عليه ما قبله .
(2) - يسمى المعتل الجاري مجرى الصحيح . وهو ما آخره واو أو ياء قبله سكون كما مُثّل . فهذا تظهر عليه حركات الإعراب كما تظهر في الصحيح ، لأن حرف العلة بعد السكون لا تستثقل عليه الحركة .(2/114)
الممدود . وهذان فيهما تفصيل عُقِد له هذا الباب . وإنما اقتصر على جمع التصحيح ، لأن جمع التكسير له باب يخصه .
أما المقصور فهو نوعان :
الأول : ما يجب قلب ألفه ياء في التثنية . وذلك في ثلاث مسائل :
أن تكون ألفه رابعة فصاعداً . كـ ( ملهى ، وفتوى ، ومستشفى ) فتقول : ( ملهيان ، وفتويان ، ومستشفيان ) .
أن تكون ألفه ثالثة مبدلة من ياء (1) كـ ( فتى ، ورحى ) فتقول: ( فتيان ، ورحيان ) ، قال تعالى : (( وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ )) ( يوسف : 36) .
أن تكون غير مبدلة وهي الألف الأصليةُ – وتكون في حرف أو شبهه – والمجهولةُ الأصل – وهي التي في اسم لا يعلم أصله (2) وقد أميلت (3) - فالأولى كـ( متى ) و (بلى ) – علمين (4) فتقول : ( متيان ، وبليان ) والثانية نحو : ( الدَّدا ) بوزن : الفتى ، وهو اللعب ، فتقول : ( الدديان ) .
النوع الثاني من المقصور : ما يجب قلب ألفه واواً . وذلك في مسألتين .
أن تكون مبدلة في الواو كـ( عصا ) و ( شذا ) فتقول : ( عصوان وشذوان ) (5)
أن تكون غير مبدلة ولم تُمَلْ نحو : نحو : (لدى ) – علماً – فتقول : (لدوان ) .
__________
(1) - يعرفا ذلك بتثنية الاسم أو جمعه .
(2) - قيل ومن ذلك ألف ( موسى ) ونحوه من الأسماء الأعجمية . انظر حاشية الخضري (2/150) .
(3) - أي لم تظهر عند النطق ألفاً خالصة ، وإنما فيها رائحة الياء ، فكانت الياء أحق بها عند القلب .
(4) - لأنه قبل العلمية لا يثنى ولا يوصف بأنه مقصور لأنه مبنى . والمقصور معرب .
(5) - الشذا : بالقصرِ كِسَر العود . الواجدة : شذاة ، مثل : حصى وحصاة .(2/115)
وهذا معنى قوله : ( آخر مقصور تثني اجعله يا .. إلخ ) أي : اجعل آخر المقصور إذا ثنيته ياء ، إن كان زائداً عن ثلاثة أحرف . أو كان أصل ألفه الياء نحو ( الفتى ) وكذلك الجامد الذي أُمِيْلَ ، وأراد بالجامد: ما ليس له أصل معلوم يرد إليه . ويدخل فيه ما ألفه أصلية لقوله كـ ( متى ) . وما ألفه مجهولة الأصل ، لكن إدخال ما ألفه أصلية فيه نظر . لأن الأصلية غير منقلبة عن شيء فكيف يقال : إن الألف ليس لها أصل ترد إليه ؟!
ثم قال : ( في غير ذا ) أي : في غير هذا المذكور ، وهي المسائل الثلاث ( تقلب واواً الألف ) وذلك في مسألتين ( وأوْلها ) أي أوْلِ اللفظة المنقلبة إليها الألف من ياء أو واو . ( ما كان قبل قد ألف ) أي ما أُلف في باب الإعراب من علامة التثنية .
***
782- وَمَا كَصَحْرَاءَ بِوَاوٍ ثُنِّيَا وَنَحَوُ عِلْبَاءٍ كِساءٍ وَحَيَا
783- بِوَاوٍ أوْ هَمْزٍ وَغَيْرَ مَا ذُكِرْ صَحِّحْ وَمَا شَذ عَلَى نَقْلٍ قُصِرْ
لما فرع من الكلام على كيفية تثنية المقصور شرع في ذكر كيفية تثنية الممدود ، وهو أربعة أنواع :
ما يجب تغيير همزته بقلبها واواً ، وهو ما همزته بدل من ألف التأنيث كـ(حمراء، وصحراء) فتقول : ( حمراوان ، وصحروان ) .(2/116)
ما يترجح فيه الإعلان – وهو تغيير الهمزة – على التصحيح – وهو إبقاء الهمزة على صورتها – وهو ما همزته بدل من حرف الإلحاق (1):كـ ( علباء )(2) وأصلها:علباي ، بياء زائدة لإلحاقها بقرطاس.ثم أبدلت الياء همزة ، فتقول في تثنيته : ( علباوان ) أو علباءان .
ما يترجح فيه التصحيح على الإعلان ، وهو ما همزته بدل من أصل ، نحو : ( كساء ) و (بناء ) ، فالأول أصله : (كساو ) لأنه من كسوت . والثاني أصله : بناي . لأنه من بنيت . فتقول في تثنيتهما : كساءان وبناءان أو : كساوان وبناوان . وتقول في تثنيته : حياء : حياءان أو حياوان .
ما يجب سلامة همزته ، وهو ما همزته أصلية كـ ( قُراء) (3) و(ابتداء ) فالأول : من قرأ . والثاني : من ابتدأ . فتقول : قراءان ، وابتدان .
وما جاء مخالفاً لما ذكر فهو مقصور على السماع كقولهم في ( الخوزلى ) (4) : الخوزلان . بحذف الألف . والقياس : الخوزَليان ، وقولهم في : حمراء : حمرايان . بقلب الهمزة ياء .والقياس : حمراوان ، كما تقدم .
__________
(1) - الإلحاق : تقدم تعريفه في باب الممنوع من الصرف . وأزيد هنا بأن ألف الإلحاق تكاد تنحصر في كلمات مسموعة قليلة معدودة . وليس لها أحكام هامة . وقد نصََّ السيوطي في همع الهوامع (6/246) على أنه لا إلحاق إلا بسماع من العرب وقال : إن هذا أصح المذاهب ، لأنه إحداث لفظ لم تتكلم به العرب . ا. هـ . وقد انتهى ذلك بانتهاء عصور الاحتجاج بكلامهم . وقد حددها المجمع اللغوي القاهري بآخر القرن الثاني الهجري في المدن . وآخر الرابع في البوادي [ انظر النحو الوافي (4/253) ] .
(2) - علباء : اسم لبعض أعصاب العنق .
(3) - القُراء : الناسك المتعبد .
(4) - الخوزلى : بفتح المعجمة وسكون الواو وفتح الزاي مشية فيها تثاقل وتبختر .(2/117)
وهذا معنى قوله : ( وما كصحراء بواو ثنيا .. إلخ ) أي وما كانت همزته زائدة للتأنيث فإنه يثنى بقلبها واواً ، وأما ما همزته للإلحاق أو منقلبة عن أصل . فيثنى بقلب الهمزة واواً أو إبقائها . وغير ما ذكر من المهموز وهو ما همزته أصلية ( صحح ) أي أبق الهمزة في التثنية ، وقوله : ( وَحَيا ) مقصور للضرورة . وأصله : حياء ، كما تقدم . ثم ذكر أن ما شذ في تثنية المقصور والممدود لمخالفته القواعد المستفادة من كلام العرب ( على نقل )أي : سماع ، ( قُصر ) أي فلا يقاس عليه .
784- واحْذِفْ مِنَ الْمَقْصُورِ فِي جَمْع عَلَى حَدِّ الْمُثَنَّى مَا بِه تَكَمَّلَا
785- وَالْفَتْحَ أَبْقِ مُشْعِراً بِما حُذِفْ وإنْ جَمَعْتَهُ بِتَاءٍ وَأَلِفْ
786- فَالأَلِفَ اقْلِبْ قَلْبَهَا فِي التَّثْنِيَهْ وَتَاءِ ذِي التَّا ألْزِمَنَّ تَنْحِيَهْ
اعلم أن الاسم الذي يراد جمعه جمع مذكرٍ سالمٍ (1) أربعة أنواع :
الأول : الصحيح الآخر كـ ( مسلم ) و ( محمد ) فتلحقه علامة الجمع – وهي الواو والنون ، أو الياء والنون – بلا تغيير فتقول : مسلمون ومحمدون .
الثاني : المنقوص كـ ( القاضي ) فتحذف ياؤه . ويضم ما قبل الواو ، ويكسر ما قبل الياء . فتقول : القاضُون . والقاضِين .
الثالث : الاسم الممدود ، ويعامل في جمعه كما عومل في التثنية ، فتقول في : ( قراء ) ( قراءون ) بالتصحيح ، وفي ( حمراء ) – علماً لمذكر – (2) : ( حمراوون ) بالواو . ويجوز الوجهان في نحو : علباء وكساء – علمين لمذكرين - .
__________
(1) - ذكرت في الجزء الأول من هذا الشرح ص 61 ، أن الأحسن في ضبط كلمة ( السالم ) أن تكون صفة لمذكر فتضبط بضبطه ، انظر حاشية الصبان (1/80) .
(2) - لأن المزيد بهمزة التأنيث لا يجمع جمع مذكرٍ سالم ، إلا إن أريد به المذكر .(2/118)
الرابع : المقصور – وهو الذي ذكره ابن مالك – فتحذف ألفه إذا جمع بالواو والنون ، وتبقى الفتحة دالة عليها ، فتقول في : الأدنى : الأدنون ، والأدنين ، قال تعالى : ((وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )) [ آل عمران : 139] . وقال تعالى : ((وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ )) [ ص : 47 ] .
وإن أريد جمعه بألف وتاء قلبت ألفه كما تقلب في التثنية ، فتقول في ( فتى ) – علماً لمؤنث – فتيات . وتقول في ( عصا ) – علماً لمؤنث - : ( عصوات ) ، وفي ( حبلى ) : ( حبليات ) .
وإن كان بعد ألف المقصور تاء وجب حذفها ، فتقول في (فتاة ) : فتيات ، وفي (قناة ) : قنوات . قال تعالى : ((وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً )) [ النور : 33] .
وهذا معنى قوله : ( واحذف من المقصور .. إلخ ) أي : واحذف من المقصور في إرادة جمع اسم منه على ( حد المثنى ) أي على طريقة المثنى ، والمراد : جمع المذكر السالم ( ما به تكمَّلا ) أي : اكتمل آخره . وهو الألف ، فتحذف لالتقاء الساكنين . وإنما قيل لجمع المذكر السالم إنه على حد المثنى ، لأنه أعرب بحرفين ، وسلم فيه بناء الواحد ، وختم بنون زائدة تحذف للإضافة ، كما أن المثنى كذلك .
وقوله : ( والفتح أبق مشعراً بما حذف ) أي : والفتح الذي قبل : الألف المحذوفة أبقه دالّاً عليها ومشعراً بها .
ثم ذكر أنك إذا جمعت المقصور بتاء وألف فاقلب ألفه مثل قلبها في التثنية .
وقوله : ( وتاءَ ذي التاء ألْزِمَنَّ تنحيه ) أي : ما آخره تاء من المقصور تحذف تاؤه عند جمعه هذا الجمع ، لئلا يُجمعَ بين علامتي تأنيث . وقوله :( وتاءَ) مفعول أول مقدم ، و (تنحيه) مفعول ثانٍ .
***
787- وَالسَّالِمَ الْعَينِ الثُّلَاثِي اسْماً أَنِلْ إِتْبَاعَ عَيْنٍ فَاءهُ بِمَا شُكِلْ(2/119)
788- إنْ سَاكِنَ الْعَيْنِ مُؤِنَّثَاً بَدَا مُخْتَتَماً بِالتَّاء أوْ مُجَرَّدَا
789- وَسَكِّنِ التَّالِيَ غَيْرَ الْفَتْحِ أوْ خَفِّفْهُ بِالفَتْحِ فَكُلّاً قَدْ رَوَوْا
إذا كان المجموع بالألف والتاء اسماً ثلاثيّاً ساكن العين غير معتلها ولا مدغمها . وهو مؤنث مختوم بالتاء أو مجرد منها . فإن كانت فاؤه مفتوحة لزم فتح عينه اتباعاً لحركة فائه ، نحو : سَجْدة ، ودَعْد . فتقول : سَجَدات ، وَدَعَدَات . قال تعالى : ((كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ )) [ البقرة : 167].(1) .
وإن كانت فاؤه مضمومة نحو : خُطوة . وصُلح . أو مكسورة نحو : هِنْد ، وكِسْرة . جاز لك في عينه : الفتح والإسكان مطلقاً ، وجاز الإتباع لحركة الفاء ، بشرط ألا تكون الفاء مضمومة واللام ياء . أو مكسورة واللام واواً – كما سيأتي .
واحترز بالاسم من الوصف نحو : ضَخْمة . وبالثلاثي من الرباعي : كزينب . وبالساكن العين من محركها كشجرة . وبغير معتل العين من معتلها : كجوزة وبيضة . وبغير مدغم العين من مدغمها نحو : جَنَّة . فهذه الأنواع الخمسة يمتنع التغيير فيها عند الجمع ، فتقول :ضَخْمات . وزَيْنبات ، وشَجَرات . وجَوْزات وبَيْضات وجَنَّات .
وهذا معنى قوله : ( والسالم العين .. إلخ ) أي امنح وأعط الاسم الثلاثي السالم العين من الإعلال والتضعيف (إتباع عينٍ فاءه ) أي إتباعَ عينِه الساكنةِ الحركةَ التي شكلت بها الفاء وهي الفتحة . وقوله ( الثلاثي ) أصلها : الثلاثيّ ، بتشديد الياء فخففت للشعر ، ثم ذكر في البيت الثاني بقية الشروط وهي أن يكون ساكن العين مؤنثاً . سواء كان بالتاء أو مجرداً منها .
__________
(1) - والضمير المتصل ( هم ) : مفعول أول للفعل يُرى : . والميم علامة الجمع ، ( الله ) فاعل ( أعمالهم ) مفعول ثان و الهاء مضاف إليه ، والميم علامة الجمع ، ( حسرات ) مفعول ثالث . أو حال على أن ( رأى ) بصرية .(2/120)
ثم قال:(وسكن التالي غير الفتح..إلخ) والمراد بذلك الفاء المضمومة أو المكسورة،فيجوز في تاليها وهو العين مع الإتباع : التسكين أو الفتح تخفيفاً . فهذه ثلاث لغات كلها منقولة عن العرب .
790- وَمَنَعُوا إتْبَاعَ نَحْوِ ذِرْوَهْ وَزُبْيَةٍ وَشَذَّ كَسْرُ جِرْوَهْ .
أشار بهذا إلى أن لإتباع الكسرة والضمة شرطاً آخر غير الشروط السابقة ، وهو ألا تكون الفاء مضمومة واللام ياء كدُمْية (1) وزُبْية (2) ولا مكسورة واللام واو ، كذِرْوة (3) . ورِشْوَة . فيمتنع اتباع العين للفاء ، فلا يقال : دُمُيات وزُبُيات ، استثقالاً للضمة قبل الياء ، ولا يقال : ذِرِوات ، ورِشِوات ، استثقالاً للكسرة قبل الواو ، بل يجب فتح العين أو تسكينها ، فتقول : دُمَيات أو دُمْيات ، وزُبَيات أو زُبْيات، وذِرَوات ، أو ذِرْوات . ورِشَوات أو رِشْوات .
وهذا معنى قوله : ( ومنعوا إتباع نحو ذروة .. إلخ) أي منع النحاة إتباع الكسرة فيما لامه واو . وإتباع الضمة فيما لامه ياء .
وقوله : ( نحو ذروه ) أي : إتباع جمع ( نحو : ذروه .. ) وقوله : ( وشذ كسر جروه ) أي : شذ ما حكا يونس من قولهم : جِرِوات – بكسر الراء – لما فيه من الكسرة قبل الواو . والجروة : الأنثى من ولد الكلب والسبع ، والصغيرة من القثاء .
****
791- وَنَادِرٌ أوْ ذو اضْطِرَارٍ غَيْرُ مَا قَدَّمْتُه أوْ لأنَاسٍ انْتَمَى
أي : أنه إذا جاء جمع هذا المؤنث على خلاف ما ذكر من القواعد السابقة فهو إما نادر ، وإما ضرورة ، وإما لغة قوم من العرب .
فالأول كقولهم في ( جِروَة ) : جِرِوات ، كما تقدم والثاني : كقول الشاعر :
__________
(1) - الدمية : بضم الدال . تقدم معناها في أول المقصور والممدود .
(2) - الزُبية : بضم الزاي وسكون الموحدة حفرة الأسد . والرابية لا يعلوها الماء .
(3) - الذروة : بالكسر والضم . من كل شيء أعلاه .(2/121)
وحُمِّلْتُ زَفْراتِ الضحى فأطقْتُها ومالي بزفْرات العشي يدانِ (1)
فسكَّن عين ( زَفْرات ) للضرورة ، والقياس فتحها اتباعاً لحركة فاء الكلمة . فيقال : زَفَرات .
والثالث : كقوله هذيل في جَوزة وبيضة ونحوهما : جَوَزات وبَيَضات – بفتح الفاء والعين – والمشهور في لسان العرب تسكين العين إذا كانت معتلة ، كما تقدم .
وقول ابن مالك : ( ونادر ) خبر مقدم ( غيرُ ما قدمته ) مبتدأ مؤخر . والتقدير : وغير الذي قدمته نادر أو ذو اضطرار أو انتمى لأناس .
*****
جمع التكسير
792- أَفْعِلَةٌ أَفْعُلُ ثُمَّ فِعْلَهْ ثُمَّتَ أَفْعَالٌ جُمُوعُ قِلَّةْ
793- وَبَعْضُ ذِي بِكَثْرَةٍ وَضْعاً يَفِي كَأَرْجُلٍ وَالْعَكْسُ جَاء كَالصُّفِي
جمع التكسير : ما دلَّ على أكثر اثنين ، وتغير بناء مفرده عند الجمع ، إما بزيادة على المفرد ، كـ ( قلم ) و ( أقلام ) ، أو بنقص عنه كـ ( رسول ) و (رسل) ، أو باختلاف في حركاته ، كـ ( أسد ) و ( أُسْد ) .
__________
(1) - زفرات : جمع زفرة وهي : إدخال النَّفس في الصدر ، والشهيق إخراجه ، وإنما أضاف الزفرات إلى وقتين لأن من عادة المحبين أن يقوى اشتياقهم إلى أحبابهم في هذين الوقتين . ( يدان ) قدرة وقوة .
إعرابه : ( حُمِّلت ) حُمّل : فعل ماض مبني للمجهول : وتاء المتكلم نائب فاعل وهو المفعول الأول . ( زفرات ) مفعول ثان و ( الضحى ) مضاف إليه ( فأطلقتها ) فعل وفاعل ومفعول به . (وما ) نافية (لي ) خبر مقدم ( بزفرات ) متعلق بالخبر المحذوف و( العشي) مضاف إليه (يدان ) مبتدأ مؤخر مرفوع بالألف .(2/122)
والتغيير قد يكون ظاهراً كما مُثِّل ، وقد يكون مقدراً كـ ( فُلْك ) للمفرد والجمع فالمفرد كقوله تعالى : ((وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ )) [ يس : 41] . بدليل وصفه بالمفرد ، والجمع كقوله تعالى : ((وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ )) [ النحل : 14] . (1) بدليل وصفه بالجمع .
وجمع التكسير نوعان :
جمع قلة : وهو ما دلَّ على ثلاثة إلى عشرة : وله أربعة أوزان :
أَفْعِلَة : كأغذية ، وأدوية .
أفْعُل : كأرجل ، وأنفس .
فَعْلة : كفتية ، وصبية .
أفْعال : كأنهار ، وأبطال .
جمع كثرة : وهو ما دل على ثلاثة إلى غير نهاية (2) .
وقد يستغنى ببعض أبنية القلة على بناء الكثرة وضعاً ، فتضع العرب أحد االبناءين صالحاً للقلة والكثرة ، وتستغني به عن وضع الأخر ، كرِجْل وأرجل ، وعنق وأعناق ، وفؤاد وأفئدة .
وقد يستغنى ببعض أبنية الكثرة عن بعض أبنية القلة ، كرجل ورجال ، وقلب وقلوب .
وهذا معنى قوله : ( أفعلة أفعل .. إلخ ) أي : أن هذه الأوزان الأربعة هي أوزان جموع القلة . وقوله :( ثُمَّتَ أفعال ) هي ( ثُمَّ ) العاطفة زيدت في آخرها ( تاء ) التأنيث المفتوحة.
__________
(1) - و(مواخر ) حال . وما ذُكر في (فلك ) هو : على أحد القولين ، والقول الثاني أن ( فُلُك ) وما ماثله اسم جمع ولا تغيير مقدر ، لأنه تكلف لا داعي له . انظر : شرح التسهيل لابن عقيل (3/392) .
(2) - أما جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم فهما يصلحان للقلة والكثرة حسب القرينة ، ففي قوله تعالى عن الصيام : (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ )) يدل جمع المؤنث السالم على الكثرة . وكذا قوله تعالى : ((وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ )) وفي قوله تعالى : ((وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ )) على القلة لأن المراد بها أيام التشريق ، وهي ثلاثة أيام . انظر المصباح المنير ص 695 .(2/123)
ثم ذكر أن بعض هذه الأوزان يفي بجمع الكثرة ، أي : يأتي للكثرة ويدل عليها ، وهذا بالوضع – كما تقدم – (كأرجل) في جمع (رِجْل) فإنهم لم يجمعوه جمع كثرة .و( العكس ) وهو الاستغناء ببناء الكثرة عن بناء القلة ( جاء ) وضعاً ( كالصُّفِي ) جمع صفاة ، وهي الصخرة الملساء . وأصله : صُفُويٌ ، على وزن ( فُعُول) ، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء . وكسرت الفاء للمناسبة . فصارت ( صُفِيٌّ ) بياء مشددة ، ولم يشددها الناظم ، لضرورة الوزن .
وقد ذكر الجوهري (1) . و غيره : صفاة ، وأصفاء ، وصُفِيٌّ فيكون له جمع قلة وجمع كثرة . لكن استغنت العرب عن بناء القلة ببناء الكثرة (2).
****
794- لِفِعْلٍ اسماً صَحَّ عَيْناً أَفْعُلُ وَلِلرُّبَاعِيِّ اسْماً أيْضاً يُجْعَلُ
795- إنْ كَانَ كَالْعَنَاقِ وَالذِّرَاعِ فِي مَدٍّ وَتأْنِيثٍ وَعَدِّ الأَحْرُفِ
شرح المصنف – رحمه الله تعالى – في الكلام على أوزان جموع التكسير المطردة ، وهي التي تتطلب مفرداً مشتملاً على أوصاف معينة ، متى تحققت هذه الأوصاف جاز جمعه على هذا الوزن دون الرجوع إلى معاجم اللغة .
وبدأ بأوزان جموع القلة ، وهي أربعة – كما تقدم - :
الأول : ( أفْعُل ) – بضم العين – وهو يطرد في نوعين :
فَعْل اسماً صحيح العين . سواء كان صحيح اللام نحو : نفس وأنفس ، وشهر وأشهر ، قال تعالى : ((وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ )) [ لقمان : 27] . وقال تعالى : ((فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ )) [ النحل ، 112] .
__________
(1) - الصحاح (6/2401) .
(2) - وهذا من باب الاستعمال لا من باب الوضع . والفرق بينهما أن الوضع لم تضع العرب أحد البناءين استغناءً بالآخر : كرجل وأرجل ، والاستعمال أن تكون وضعت جمع القلة وجمع الكثرة ولكنها استعملت أحدهما كالصُفِي . [ حاشية ابن الحاج 2/129] .(2/124)
أم كان معتل اللام ، نحو: ظبيٍ وأظْبٍ ، وأصله : أظْبُيٌ . فقلبت الضمة كسرة لتصح الياء ، فصار : أظْبِيٌ ، فالتقى ساكنان – الياء والتنوين – فحذفت الياء كما تحذف في المنقوص،فصار : ( أظْبٍ ) ، قال تعالى : ((أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا )) [ الأعراف : 195 ] .وخرج بالاسم الصفة نحو : ضخم ، فلا يقال : أضخم . إنما قالوا عَبْد وأعبد ، لغلبة الاسمية ، وخرج بصحيح العين معتل العين نحو : سوط وبيت . وشذ قياساً لا استعمالاً : عين وأعين . لكثرته واستعماله في القرآن الكريم ،قال تعالى : ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ )) [ غافر : 19] .
وقال تعالى : ((وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا )) [ الطور : 48] . ، وشذ قياساً واستعمالاً (1) : ثوب وأثوب .
النوع الثاني مما يجمع على ( أفْعُل) : الرباعي المؤنث بلا علامة ، وقبل آخره مدة ، كعناق وأعنق . وذراع وأذرع .
وندر من المذكر : طحال وأطحل . وغُراب وأغرب .
وهذا معنى قوله : ( لفَعْلٍ اسما صح عيناً أفْعُل .. إلخ ) أي : أن ( أفْعُلْ) أحد جموع القلة . يطرد في نوعين من المفردات :
الأول : ما كان على وزن ( فَعْل ) بشرط أن يكون اسماً صحيح العين .
والثاني : ما كان رباعيّاً بشرط أن يكون اسماً وأن يكون ( كالعناق والذراع في مدٍّ وتأنيثٍ وعدِّ الأحرف) إذ لولا غرض التنبيه على هذا الشرط لم يكن له فائدة ، لأنه صرح أولاً بالرباعي .
***
796- وَغَيْرُ مَا فِيهِ مُطَّرِدْ مِنَ الثُّلَاثِي اسْماً بِأَفْعَالٍ يَرِدْ
797- وَغَالِباً أغْنَاهُمُ فِعْلَانُ في فُعَلٍ كَقَولِهِمْ صِرْدَانُ
__________
(1) - ما شذ في القياس دون الاستعمال فهذا قوي في نفسه يصح الاستدلال به .وما شذ فيهما فلا يعول عليه لفقد أصْلَيْهِ [ المصباح المنير ص 307].(2/125)
2- الوزن الثاني من جموع القلة ( أفعال) (1) وهو يطرد في اسم ثلاثي لا يستحق أن يجع على ( أفْعُل) ؛ إما لأنه على وزن (فَعْل ) ولكنه معتل العين ، نحو ثوب وأثواب . وسيف وأسياف . وباب وأبواب .
أو لأنه على غير وزن (فَعْل) من أوزان الثلاثي وهو ( فِعْل) كحزب وأحزاب، قال تعالى : (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا ) [ النور : 59] . و(فُعْل ) نحو : صُلْب (2) وأصلاب ، و(فَعَل) كجمل وأجمال ، قال تعالى : ((يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً )) [ المعارج : 43] . جمع : جدث – بفتحتين – وهو القبر ، و( فَعُل ) كعَضُد وأعضاد . و( فُعُل ) كعنق وأعناق ، قال تعالى : ((لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً )) [ النبأ : 23] . جمع حُقُب – بضمتين – وهو الدهر ، و( فُعَل ) نحو : رُطَب وأرطاب ، والغالب أن هذا الوزن من الثلاثي يجمع على (فِعْلان ) بكسر الفاء ، كقولهم في صُرَد صِرْدان وفي : جُرَذْ (3) جِرذان ، وسيأتي إن شاء الله ذكر ذلك في الكلام على الوزن الثالث عشر من أوزان جموع الكثرة .
وشذ قياساً في ( فَعْلِ ) – المفتوح الفاء الصحيح العين الساكنها – نحو : فَرْخ وأفراخ ، وحَمْل وأحمال،ومنه قوله تعالى:(وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)[ الطلاق ، 4] (4).
__________
(1) - هذا الوزن أكثر صيغ جمع التكسير وقوعاً في القرآن فهو في (111) موضعاً [ دراسات لأساليب القرآن (2/4/355، 407) ] .
(2) - الصُلْب : كل ظهر له فَقَار .
(3) - الجرذ : ذكر الفيران ، وقيل : ضرب من الفأر أعظم من اليربوع . قاله قي حياة الحيوان الكبرى (2/191) .
(4) - الحكم بالشذوذ خلاف الصواب . وهو جواز جمع (فَعْلِ ) على (أفعال ) قياساً، لورود أمثلة عن العرب تكفي للقياس . انظر التصريح وحاشيته (2/302) .(2/126)
وهذا معنى قوله : ( وغير ما أفعل فيه مطرد .. ) أي : أن الذي لا يطرد جمعه على ( أفْعُل ) يجمع على وزن ( أفعال ) مثل المفرد الذي على وزن (فَعُل ) أو ـ( فُعُل) ، أو ( فُعَل) ، والغالب أن ( فُعَل ) هذا لا يجمع على ( أفعال ) وإنما يجمع على ( فِعْلان ) كصردان . فإن مفرده ( صُرَد) بالصاد المهملة والراء : طائر ضخم الرأس . يصطاد العصافير .
وهذا الوزن – أعني ( فِعْلان ) – من أوزان جموع الكثرة ، وإنما ذكره – هنا – لأنه مطرد في وزن (فُعَل) فاستدرك به على قوله : ( وغير ما أفعل .. إلخ ) .
***
798-في اسْمٍ مُذَكَّرٍ رُبَابِيٍّ بِمَدّ ثَالِثٍ افْعِلَةُ عَنْهُمُ اطَّرَدْ
799- وَالْزَمْهُ فِي فَعَالٍ أوْ فِعَال ِ مُصَاحِبَيْ تَضْعِيفٍ أوْ إِعْلَالِ
الوزن الثالث من أوزان جموع القلة ( أفعلة ) ، وهو مقيس في كل اسم مذكر رباعي ، قبل آخره حرف مد ، نحو : طعام وأطعمة ، ولسان وألسنة ، وعمود وأعمدة ، ورغيف وأرغفة ، قال تعالى : ((وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ )) [ النساء : 102] .
وهو مقيس _ أيضاً – في كل اسم على وزن : فَعَال ، أو فِعَال ( بفتح الفاء أو كسرها ) مضعفي اللام أو معتليها – والمراد التضعيف هنا : أن تكون العين واللام من جنس واحد – فالمضعف نحو : زِمَام (1) وأزمّة ، وبَتَات(2) وأبتّة . والمعتل نحو : قباء (3) .وأقبية ، وكِساء وأكسية ، وفِناء وأفنية ، ورداء وأردية . والهمزة في هذه الكلمات منقلبة عن حرف علة .
__________
(1) - الزمام ما يقاد به البعير .
(2) - البتات : متاع البيت أو الزاد .
(3) - القَباء : العباءة أو البرنس .(2/127)
وهذا معنى قوله : ( في اسم مذكر رباعي ..إلخ ) أي : أن ( أفعلة ) اطرد عن العرب في جمع اسم مذكر رباعي (بمد ثالثٍ ) أي : أن ثالثه حرف مد . ثم ذكر أن الجمع على ( أفعلة ) يلزم في كل مفرد وعلى وزن (فَعال ) بالفتح ( أو فِعال ) بالكسر ، حال كونهما (مصاحبي تضعيف) أي أن اللام مضعفة ( أو إعلال ) أي أنها معتلة .
800- فُعْلٌ لِنَحْوٍ أَحْمَرٍ وَحَمْرَا وَفِعْلَةٌ جَمْعاً بِنَقْلٍ يُدْرَى
ذكر في الشرط الثاني الوزن الرابع من أوزان جموع القلة وهو ( فِعْلة ) ولا يعرف لهذا الوزن مفرادت لها أوصاف معينة .
وإنما سمع عن العرب في جمع مفرادت منها : فتى وفتية ، وغلام وغلمة ، وصبي وصبية .
وهذا معنى قوله : ( وفِعْلَة جمعاً بنقل يُدرى ) أي : يُدرى مفرده ويعلم بالنقل الوارد عن العرب . فلا ضابط له ولا قياس .
أما الشطر الأول فهو شروع من المصنف – رحمه الله – في الكلام على أوزان جموع الكثرة ، ولو قدَّم الشرط الثاني لكان أنسب لتتوالى جموع القلة .
ولجموع الكثرة ثلاثة وعشرون وزناً قياسّاً . وهي أشهرها .
وقد ذكرها ابن مالك – رحمه الله - .
فالوزن الأول ( فُعْل) – بضم فسكون – وهو جمع قياسي . لشيئين ، هما : (أَفعَل) وصف لمذكر و( فعلاء ) وصف لمؤنث . نحو : أحمرَ وحمراءَ ، وجمعهما : حُمْر . وأسمرَ وسمراءَ وجمعهما : سُمْر . قال تعالى : ((وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ )) [ البقرة : 88] . وقال تعالى : ((كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ )) [ المرسلات : 33] .( (1)
ثم إن كانت العين صحيحة أو معتلة بالواو وجب إبقاء ضمة الفاء ، فالأول مثل : حُمْر وسُمر ، والثاني نحو : أسود وسُود . وأعور وعُور .
__________
(1) - و( جمالتٌ ) على وزن ( فِعَالة ) جمع ( جمل ) . وقرئ ( جمالات ) جمع ( جمالة ) وكلاهما في السبعة . كما في الكشف (2/358) .(2/128)
أما إن كانت العين ياء فإنه يجب قلب ضمة الفاء كسرة ، لتسلم الياء من القلب ، نحو : أبيض وبيضاء – بكسر الباء – وأعين وعيناء – (1) وعِين . قال تعالى : ((وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ )) [ الواقعة : 22-23] .
وإلى هذا الوزن أشار ابن مالك بالشرط الأول وهو قوله : ( فُعْلٌ لنحو أحمرٍ وحمرا) أي : أن هذا الوزن جمع لكل وصف لمذكر على (أفعل ) أو مؤنث على ( فعلاء ) وقوله : ( أحمرٍ ) حقه المنع من الصرف . ولكن صرفه للضرورة ، وقوله : ( حمرا ) بالقصر للوزن .
801- وَفُعُلٌ لاسْمٍ رُبَاعِيٍّ بِمَدّ قَدْ زِيدَ قَبْلَ لَام اعْلَالاً فَقَدْ
802 – مَا لَمْ يُضَاعَفْ في الأعمِّ ذُو الأَلِفْ وَفُعَلٌ جَمْعاً لفُعْلَةٍ عُرِفْ
803- وَنَحْوِ كُبْرَى وَلِفْعَلَةٍ فِعَلْ وَقَدْ يَجِئُ جَمْعُهُ عَلَى فُعَلْ
2- الوزن الثاني من جموع الكثرة ( فُعُل ) –بضم أوله وثانيه – ويقاس في شيئين :
1- اسم رباعي صحيح اللام قبل لامه مدة ، سواء أكانت ألفاً أم واواً أم ياء غير أن المدة إن كانت ألفاً يجب أن يكون الاسم غير مضاف ، نحو : عماد (2) . وعُمُد . وحمار وحُمُر . وقلوص (3) . وبريد (4) ) . قال تعالى : ((أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ)) [ الحشر : 14] . وقال تعالى : ((كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ )) [ المدثر : 50] .
أما المضاعف فإن كانت مدته ألفاً فجمعه على (فُعُل) غير مطرد ، نحو : عَنَان (5) وعُنن . وإنما يجمع قياساً على ( أفعلة ) نحو : سنان وأسنة ،وهلال وأهلة ، وزمام وأزمة .
__________
(1) - امرأة عيناء : حسنة العينين ، باتساعهما وشدة سوادهما .
(2) - العماد : ما يقام به الشيء من أساطين أو خشب ونحو ذلك .
(3) - الناقة الشابة القوية .
(4) - البريد : الرسول ، ثم استعمل في المسافة التي يقطعها وهي اثنا عشر ميلاً ويطلق على الدابة التي يركبها البريد .
(5) -عنان الفرس : ما يقاد به .(2/129)
وإن كانت مدته واواً أو ياء فجمعه على (فُعُل ) مطرد نحو : سرير وسُرُر ، وذلول وذُلل ، وجديد وجُدُد . وبعض القبائل العربية استثقلت ضم عين المضاعف ، وجعلوا مكانها فتحة ، فقالوا : جُدَد وذُلَل ، قال تعالى : ((وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ )) [ فاطر : 27] . فيكون تابعاً للوزن الثالث الآتي .
وصف على ( فَعُول ) – بفتح فضم – بمعنى ( فاعل ) ، نحو : صبور وغفور ، فجمعهما القياسي : صُبُر وغُفُر . فإن كان بمعنى ( مفعول ) نحو : حَلوب وركوب . لم يجمع هذا الجمع وهذا لم يذكره ابن مالك هنا .
الوزن الثالث : (فُعَل ) –بضم ففتح – ويطرد في ثلاثة أشياء :
اسم على وزن ( فُعْلة ) –بضم فسكون – سواء أكان صحيح اللام أو معتلها أم مضاعفها ، نحو : غُرفة وغُرف ، ومُدية ومُدى ، وحُجَّة وحُجج . قال تعالى : ((وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ )) [ هود : 114] (1) وقال تعالى : ((وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً )) [ الرمز : 73] .
وصف على وزن ( فُعْلى ) – التي هي مؤنث ( أفعل ) – نحو : كبرى وكُبر ، وصغرى وصُغَر . قال تعالى : ((إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ )) [ المدثر : 35] . ، بخلاف ( حبلى ) فلا يجمع على ( حُبَل ) لأنها وصف لمؤنث لا مذكر له .
اسم على وزن ( فُعْلة ) –بضم أوله وثانيه – نحو : جُمُعة وجُمُع ، وهذا لم يذكره ابن مالك في الألفية وذكره في التسهيل (2) .
__________
(1) - و (زلفاً ) جمع زُلْفة : أي : قطعة وساعة .
(2) - التسهيل بشرح ابن عقيل (3/421) .(2/130)
الوزن الرابع : ( فِعَل ) . وهو جمع لاسم على وزن ( فِعْلة ) كبدعة وبدع ، وحِجة وحجج ، ومِرْية ومرى . وقد يجئ جمع ( فَعْلة ) على (فُعَل) وهو قياسي لكنه قليل ، نحو : لحية ولُحى . وحلية وحُلى (1) .
وإلى هذه الأوزان الثلاثة أشار بقوله : (وفُعُل لاسم رباعي .. إلخ ) أي : أن وزن ( فُعُل ) جمع لاسم رباعي قبل لامه مدة . قوله ( إعلالاً فَقَد ) مفعول مقدم ، أي : وحرف اللام فقد إعلالاً . يشير به إلى أن اللام لابد أن تكون صحيحة ، وقوله ( ما لم يضاعف في الأعم ذو الألف ) ، ذو : نائب فاعل للفعل ( يضاعف ) والمعنى : بشرط ألا يكون الاسم الذي قبل آخره ألف مضاعفاً . وهذا في الاستعمال الأعم الأغلب المطرد فإن كانت مدته ياء أو واواً لم يشترط فيه ذلك كما تقدم .
ثم ذكر أن ( فُعَل ) يطرد في ( فُعْلة ) وفي ( فُعْلى ) أنثى الأفعل ، ويستفاد من كونه أنثى ( الأفعل ) من المثال .
ثم ذكر أن من أوزان جمع الكثرة (فِعَل) وهو مطرد في ( فِعْلة ) وقد يجيء جمعه على ( فُعَل).
***
804- في نَحْوِ رَامٍ اطّرَادٍ فُعَلَهْ وَشَاعَ نَحْوُ كامِلٍ وَكَمَلَهْ
الوزن الخامس : ( فُعَلة ) – بضم ففتح – وهو مقيس في كل وصف لمذكر عاقل على وزن ( فاعل ) معتل اللام بالياء أو بالواو . فالأول : كرامٍ ورماة . وساعٍ وسعاة . والثاني : كغازٍ وغزاة . وداعٍ ودعاة ، وأصلها : رُمَية وسُعَية . وغُزَوة . ودُعَوة . تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله ، فانقلب حرف العلة ألفاً . فهي على وزن ( فُعَلة ) .
__________
(1) - يلاحظ في معاجم اللغة كالقاموس واللسان وغيرهما تعدد الجموع لبعض المفردات زيادة على الصيغة المطردة . وهذا لا يعني الحكم عليها بالضعف ومخالفة القاعدة ، وإنما يدل على أن هذا المفرد له أكثر من جمع واحدها هو الشائع القياسي المطرد . والآخر قليل في ذاته أو نادر فهو سماعي ، لا يقاس عليه ، لكن لا حرج في استعماله . انظر : النحو الوافي (4/633) .(2/131)
الوزن السادس : ( فَعَلة) - بفتح أوله وثانيه – وهو مقيس في كل وصف على وزن ( فاعل ) لمذكر عاقل . صحيح اللام نحو : كاتب وكتبة ، وكامل وكملة ، وبارّ وبررة ، قال تعالى : ((وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً )) [ الأنعام : 61] . وقال تعالى : ((وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً )) [ النحل : 72] . وهو جمع:حافد.كخدم وخادم وزناً ومعنى (1).
فأوصاف المفرد – هنا – هي أوصافه في الوزن السابق إلا أن اللام هنا صحيحة وهناك معتلة . وإلى هذين الوزنين أشار بقوله : ( في نحو رام ذو اطراد فُعَلة ) أي : من أمثلة جمع الكثرة ( فُعَلة ) وهو مطرد في نحو (رام ) واكتفى بالمثال عن ذكر الشروط .وقوله :(وشاع نحو كامل وكملة ) إشارة إلى الوزن السادس : ( فَعَلة ) ، وقد اكتفى بالمثال – أيضاً – عن ذكر الشروط . وقد عبر هنا بالشيوع دون الاطراد ، لوجود ألفاظ مثل :عالم ، وصالح ، لا تجمع على ( فَعَله ) فلا يكون مطرداً (2) .
805- فَعْلَى لِوَصْفٍ كَقَتِيلٍ وَزَمِنْ وَهَالِكٍ وَمَيِّتٌ بِهِ قَمِنْ
الوزن السابع ( فَعْلى ) – بفتح فسكون – وهو مقيس في كل وصف دال على آفة طارئة من موت أو ألم أو عيب ونقص . ويشمل سبعة أنواع :
كل وصف على وزن ( فعيل ) بمعنى : مفعول . كقتيل وقتلى ، وجريح وكجرحى ، قال تعالى : ((مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ )) [ الأنفال : 67 ] . وقال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى )) [ البقرة : 178] .
كل وصف على وزن : ( فَعِل ) كزَمِن وزمنى (3) .
__________
(1) - يقال : حَفَد من باب ضرب :أسرع ، ومنه في الدعاء ( وإليك نسعى ونحفِد ) أي : نسرع إلى الطاعة .
(2) - انظر : حاشية ابن الحاج على المكودي (2/133) .
(3) - زَمِنَ الشخص زمناً وزمانة فهو زَمِنٌ من باب تعب . وهو مرض يدوم زماناً طويلاً .(2/132)
كل وصف على وزن ( فاعل ) كهالك وهلكى .
كل وصف على وزن ( فَيْعِل ) – بفتح فسكون فكسر – نحو : ميت وموتى ، وأصله : مَيْوت . فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء . وأدغمت الياء في الياء ، قال تعالى : ((وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ )) [ الأنعام : 36] . وهذه الأربعة ذكرها ابن مالك .
كل وصف على وزن ( فَعِيل ) بمعنى : فاعل . كمريض ومرضى ، قال تعالى : ((عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى )) [ المزمل : 20] .
كل وصف على وزن ( أفْعَل ) كأحمق وحمقى .
كل وصف على وزن ( فَعْلان ) كسكران وسَكْرى . وقد قرأ حمزة والكسائي – من السبعة – ((وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُم بِسكْرَى )) [ الحج : 2] . وقد حكى سيبويه : قوم سَكْرى . قال : "جعلوه كالمرض" .
وإلى هذا الوزن أشار بقوله : ( فَعْلى لوصف .. إلخ ) أي : أن ( فَعْلى ) جمع لكل وصف على وزن ( فعيل ) و( فَعِل ) و ( فاعل ) كالأمثلة المذكورة وما في معناها . ثم قال : إن ما كان على وزن ( فَيْعِل ) مثل : ميت .حقيق وجدير بأن يجمع على هذا الوزن.
وقوله : ( قمِن ) بكسر الميم . وهو خبر المبتدأ ، وهو قوله : ( وميّت ) .
****
806- لِفُعْلٍ اسْماً صَحَّ لاماً فِعَلَهْ وَالْوَضْعُ فِي فَعْلٍ وَفِعْلٍ قَلَّلَهْ(2/133)
الوزن الثامن من أوزان جموع الكثرة : ( فِعَلة ) – بكسر ففتح – وهو مقيس في كل اسم صحيح اللام على وزن ( فُعْل ) – بضم فسكون – نحو : دُرْج(1) ودِرَجة ، وقُرْط (2) وقِرَطة ، وكوز (3) وكِوَزة ، ودُبّ(4) ودِببة ، وهذا بكثرة ، وقد يكون جمعاً لاسم على وزن ( فَعْل) – بفتح فسكون – أو على وزن ( فِعْل ) – بكسر فسكون – نحو : قِرْد وقِرَدة . وغَرْد (5) وغِرَدة . وهذا قليل مقصور على السماع ، ومنه قوله تعالى : ((وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ )) [ المائدة : 60] .
وهذا معنى قوله : ( لفُعْل اسماً صح لاماً فِعَله ) أي : أن ما كان على وزن ( فُعْل ) صحيح اللام فإنه يجمع على ( فِعَلة ).
***
807- وَفُعَّلٌ لِفَاعِلٍ وَفَاعِلَهْ وَصْفَيْنِ نَحْوُ عَاذِلٍ وَعَاذلَهْ
808- وَمِثْلُهُ الْفُعَّالَ فِيمَا ذُكِّرَا وَذَانِ في الْمُعَلِّ لَاماً نَدَرَا
9- الوزن السابع : ( فُعَّل ) – بضم أوله وتشديد ثانيه المفتوح - وهو مقيس في كل وصف صحيح اللام على وزن . فاعل أو فاعلة كقاعد وقاعدة وقُعَّد ، وصائم وصائمة وصُوَّم ، وساجد وساجدة وسُجَّد . قال تعالى : ((تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً )) [ الفتح : 29] . وقال تعالى : ((خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ )) [ القمر : 7] .ومن النادر الذي لا يقاس عليه أن يكون جمعاً لوصف معتل اللام كغازٍ وغُزَّى ، وسارٍ وسُرّى . قال تعالى : ((أَوْ كَانُواْ غُزًّى)) [ آل عمران : 156] . وكأنهم حملوا المعتل على الصحيح . والقياس : غزاة ، كقاض وقضاة .
__________
(1) - الدرج : ما تضع في المرأة خَفَّ متاعها وطيبها .
(2) - القُرط : ما يعلق في شحمة الأذن .
(3) - الكوز : إناء بعروة يشرب به الماء ز
(4) - الدب : حيوان خبيث . والأنثى : دُبَّة .
(5) - نوع من الكمأة .(2/134)
10- الوزن العاشر: (فُعَّال) - بضم أوله وتشديد ثانيه – وهو مقيس في كل وصف صحيح اللام لمذكر على وزن (فاعل) نحو: صائم وصوام ،وقائم وقُوَّام . قال تعالى:((وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ))[ البقرة : 188].وقال تعالى:((يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)) [ الفتح : 29].
ومن النادر الذي لا يقاس عليه أن يكون جمعاً للوصف المعتل نحو : غازٍ وغُزَّاء ، ومن النادر الذي لا يقاس عليه – أيضاً- أن يكون جمعاً لوصف صحيح اللام على وزن (فاعلة ) كقول الشاعر :
أبصارهن إلى الشُبّان مائلة وقد أراهن عني غير صُدَّادِ (1)
فـ ( صُدّاد ) جمع ( صادة ) بدليل ضمير الإناث في قوله : ( أبصارهن ) وقوله:( أراهن ) ، وهذا الجمع نادر ، وقيل : إن ( صداد ) جمع ( صاد ) المذكر وإن المراد الأبصار لا النساء . قال ابن هشام : هذا هو الظاهر (2) .
وإلى هذين الوزنين أشار بقوله : ( وفُعَّل لفاعل وفاعله . .. إلخ ) أي : أن وزن ( فُعَّل ) جمع لفاعل وفاعلة إذا كانا وصفين نحو : عاذل وعاذلة وعُذَّل . ومثل ( فُعَّل) ( الفُعَّال ) بشرط أن يكون المفرد مذكراً ، ثم ذكر أن الوزنين نادران في الوصف المعتل اللام وقوله : ( عاذل ) هو اسم فاعل من عذله عذلاً أي لامه .
***
__________
(1) - معناه : أن من طبع النساء الميل إلى الشبان ، وكثرة النظم إليهم . وقد كان شأنهن معه كذلك يوم كان شبابه غضّاً .
إعرابه : ( أبصارهن ) مبتدأ . والهاء مضاف إليه ، والنون حرف دال على جمع النسوة ، ( إلى الشبان ) متعلق بقوله : (مائلة ) الذي هو خبر المبتدأ ، ( وقد ) الواو للحال ، وقد : حرف تحقيق (أراهن ) أرى : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره (أنا ) والهاء مفعوله الأول . والنون علامة جمع النسوة ، ( عني ) متعلق بقوله ( صداد ) ، ( غير ) مفعول ثان لأرى . و( صداد ) مضاف إليه .
(2) - رده الشيخ خالد الأزهري في شرحه على أوضح المسالك (2/308) .(2/135)
809- فَعْلٌ وَفَعْلَةٌ فَعَالٌ لَهُمَا وَقَلَّ فِيمَا عَيْنُهُ الْيَا مَنْهُمَا
810- وَفَعَلٌ أيْضاً لَهُ فَعَالٌ مَا لَمْ يَكُنْ في لامِهِ اعْتِلَالُ
811- أَوْيَكُ مُضْعَفاً وَمِثْلُ فَعَلِ ذُو التَّا وَفِعْلٌ مَعَ فُعْلٍ فَاقْبَلِ
812- وَفِيْ فَعِيلٍ وَصْفَ فَاعِلٍ وَرَدْ كَذاكَ في أُنْثَاهُ أَيْضاً اطَّرَدْ
813- وَشَاعَ فِيْ وَصْفٍ عَلَى فَعْلَانَا أوْ أُنْثَيَيْهِ أوْ عَلَى فُعْلَانَا
814- وَمِثْلُهُ فُعْلَانَةٌ وَالْزَمْهُ فِي نَحْوِ طِوِيلٍ وَطوِيلَةٍ تَفِي
11- الوزن الحادي عشر : ( فَعَال ) – بكسر ففتح من غير تشديد – ومفرداته كثيرة . غالبها قياسي . وبعضها غير قياسي كرجل ورجال . وخروف وخراف ، أما مفرداته القياسية فأشهرها ثلاثة عشر وزناً .
الأول والثاني : ( فَعْل ) و ( فَعْلة ) – بفتح فسكون- اسمين أو وصفين . ليست فاؤهما ولا عينهما ياء ، نحو : كعب وكعاب.وثوب وثياب ، وقصعة وقصاع، وصعب وصعاب . وصعبة وصعاب ، قال تعالى : ((وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ )) [ التكوير : 6 ] .وقال تعالى : ((وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ )) [ البقرة : 283] ،وقال تعالى : ((وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ )) [ سبأ : 13] . فإن كان معتل الفاء أو العين بالياء فجمعه على ( فِعال ) نادر لا يقاس عليه نحو : يَعْرٍ ويِعَار (1) . وضيف وضياف . وضَيْعَة وضياع .
وفي هذا يقول ابن مالك : ( فَعْل وفَعْلة فِعَال لهما : إلخ ) أي أن هذين الوزنين من المفرد لهما من جموع الكثرة ( فِعَال ) إلا أن كانت لامهما معتلة بالياء فجمعهما بالياء فجمعهما على ( فِعَال ) قليل .
__________
(1) - اليَعْر : الجدي يربط في الزُّبْية للأسد لافتراسه ، فيقع فيها.(2/136)
الثالث والرابع من مفردات ( فِعَال) : ( فَعَل وفَعَلة ) – بفتح أولهما وثانيهما – بشرط أن يكونا اسمين ، لامهما صحيحة وغير مضعفة ، نحو : جَبَل وجبال ، قال تعالى : ((وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ )) [ هود : 42] . وجَمَل وجمال . ورقبة ورقاب . وثمرة وثمار ، قال تعالى : ((فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ )) [ محمد : 4] .
بخلاف نحو : بطل وبطلة . لأنه وصف . ونحو : فتى وعصا . لاعتلال لامهما . ونحو : طلل ، لأنه مضعف اللام .
الخامس والسادس من مفردات ( فِعَال ) : ( فِعْل ) – بكسر فسكون – ( فُعْل ) – بضم فسكون – بشرط أن يكونا اسمين وأن يكون (فُعل) غير واوي العين : كحوت . ولا يائي اللام : كمُدْى (1) ومن الأمثلة : ذئب وذئاب وبئر وبئار ، ورمح ورماح , ودهن ودهان . قال تعالى : ((فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ )) [ الرحمن : 37] . وقال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ )) [ المائدة : 94] .
وفي هذه الأربعة الأخيرة يقول ابن مالك : ( وفَعَلٌ أيضاً له فَعَال ..إلخ ) أي يطرد ( فِعَال) – أيضاً – في ( فَعَل ) بشرط أن يكون صحيح اللام غير معتلها . وألا يكون مضعفاً . ولم يذكر الشرط الثالث ، وهو أن يكون اسماً وقد ذكره في التسهيل (2) . ، ثم ذكر أن ما كان بالفاء وهو ( فَعَلة ) مثل ( فَعَل ) فيجمع على ( فِعَال ) بالشروط المذكورة. وقوله : ( وفِعْل مع فُعْل فاقبل ) أي : اقبل جمع ( فِعْل وفُعْل ) على ( فِعَال ) ولم يذكر شروط جمعهما .
__________
(1) - مُدْيُ : بوزن ( قُفْل) مكيال يسع تسعة عشر صاعاً . وهو غير المدّ المعروف .
(2) - التسهيل بشرح ابن عقيل (3/428) .(2/137)
السابع والثامن من مفردات (فِعَال ): ( فعيل ) بمعنى : فاعل ومؤنثه . بشرط صحة لامهما نحو : ظريف وظريفة وظراف ،وكريم وكريمة وكرام ، قال تعالى : ((وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ )) [ الرعد : 12] . وقال تعالى : ((يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً )) [ المعارج : 70] . وقال تعالى : ((وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ )) [ يوسف : 43] . فخرج نحو : جريح وجريحة ، لأنهما وصفان بمعنى : مفعول . ونحو : قوي وقوية لاعتلال اللام . فلا تجمع على (فِعَال ) .
وهذا معنى قوله : ( وفي فعيل وصف فاعل ورد .. إلخ ) أي : ورد (فِعَال ) جمعاً لكل وصف على وزن ( فعيل ) بمعنى فاعل:وكذا أنثى (فعيل ) وهو فعيلة اطرد فيه هذا الجمع .
التاسع والعاشر والحادي عشر : وصف على وزن : فَعْلان أو على مؤنثه : فَعْلى وفَعْلانة : نحو غضبان وغضبى وغِضَاب . وندمان وندمانة وندام .(2/138)
الثاني عشر والثالث عشر : وصف على وزن : فُعْلان : أو على مؤنثه : فُعْلانة – بضم فسكون فيهما – نحو : خُمصان . وخمصانة . وخماص . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الطير : (( تغدو خِماصاً وتروح بطاناً )) (1) ) وفي الخمسة الأخيرة يقول : ( وشاع في وصف على فعلانا.. إلخ ) أي : كثر ( فِعَال ) في وصف على وزن ( فَعْلان ) - بفتح الفاء – وأنثييه . وهما فَعْلى وفَعْلانة . أو وصف على ( فُعْلان ) - بضم الفاء – ومثله أنثاه فُعْلانة . والزم هذا الوزن – وهو فِعَال – في كل وصف على فعيل أو فعيلة معتل العين . نحو : طويل وطويلة وطوال . وقوله ( تفي ) أي تفي بالمطلوب وتحقق القياس . وهو مضارع مجزوم بحذف الياء في جواب الأمر وهو قوله : ( الزمه ) والياء للإشباع . ومعنى اللزوم : أن هذا الوصف نحو : طويل وطويلة لا يجمع على غير ( فِعَال ) من صيغ التكسير بخلاف غيره من الأبنية المتقدمة التي تجمع على (فِعَال)فقد تجمع على أوزان أخرى.
815- وَبِفُعُولٍ فَعِلٌ نَحْوُ كَبِدْ يُخَصُّ غَالِباً كَذَاكَ يَطِّرِدْ
816- في فَعْلٍ اسْماً مُطْلَقَ الْفَا وَفَعَلْ لَهُ ولِلْفُعَالِ فِعْلَانُ حَصَلْ
817- وَشَاعَ في حُوتٍ وَقَاعٍ مَعَ مَا ضَاهَا هُمَا وَقَلَّ فِي غَيْرِهِمَا
الوزن الثاني عشر من أوزان جموع الكثرة : ( فُعُول ) – بضم أوله وثانيه – ويطرد في ألفاظ ذكر ابن مالك منها خمسة :
الاسم الذي على وزن ( فَعِل) نحو : كَبِد وكُبُود ، ونَمِر ونمور ، قال تعالى : ((إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ )) [ النمل : 34] .
__________
(1) - أخرجه الترمذي بتمامه (2345) وأخرجه غيره ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح . والخماص : الجياع الخاليات البطون من الغذاء . والبطان : الشباع الممتلئات البطون منه .(2/139)
وهو ملتزم فيه غالباً . فلا يتجاوزه إلى أوزان أخرى من جموع الكثرة ، ومن غير الغالب : نَمِر ونِمَار ونُمُر .
الاسم الذي على وزن (فَعَل) وليس معتل العين بالواو نحو :كعْب وكعوب ، ورأس ورؤوس ، وعين وعيون ، قال تعالى : ((فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ )) [ الملك : 3 ] جمع : فَطْر بمعنى:شق ، وقال تعالى:((وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ )) [ التكوير : 5] ، بخلاف : حوض ؛ لأنه معتل العين بالواو . فلا يجمع على ( فُعُول) .
الاسم الذي على وزن ( فِعْل ) نحو : عِلْم وعلوم ، وضِرْس وضروس ، قال تعالى في ذكر المحرمات : ((وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم )) [ النساء : 23] ، وقال تعالى : ((وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا )) [ فصلت : 21] .
الاسم الذي على وزن (فُعْل) بشرط ألا يكون معتل العين بالواو ولا مضعف اللام ، نحو : جند وجنود . وبُرْد وبرود (1) . قال تعالى : ((وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ )) [ المائدة : 45] ، ومفرده : ( جُرح) بالضم ، وأما الفتح فالمراد الفعل .
فإن كان مضعف اللام فالغالب جمعه على (أفعال) نحو:مُدّ وأمداد (2) . وخُفّ وأخفاف .
وإن كان معتل العين بالواو فإنه يجمع على وزن ( فِعْلان ) الآتي .
الاسم الذي على وزن ( فَعَل ) الخالي من حروف العلة . نحو : أسد وأسود وذكر وذكور . وهل هو مقيس أو محفوظ ؟
قولان : ذكر ابن مالك الأول في التسهيل . والثاني في شرح الكافية (3) . فإن كان معتل العين جمع على وزن (فِعْلان ) الآتي .
الوزن الثالث عشر: (فِعْلان ) – بكسر فسكون – وهو مقيس في ألفاظ منها :
اسم على وزن ( فُعال ) : غُلام وغلمان ، وغُراب وغربان قال تعالى : ((وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ)) [ الطور : 24] .
__________
(1) - نوع من الثياب .
(2) - من المكاييل. .
(3) - التسهيل بشرح ابن عقيل (3/433) شرح الكافية (4/1852) .(2/140)
اسم على وزن ( فُعَل ) نحو : جُرذ وجرذان . وصُرد وصردان .
اسم على وزن ( فُعْل ) معتل العين نحو : حوت وحيتان وعود وعيدان ، قال تعالى : ((إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً )) [ الأعراف : 163] .
اسم على وزن ( فَعَل ) ، والأغلب أن تكون عينه معتلة في الأصل ، نحو : تاج وتيجان ، ونار ونيران ، وقاع وقيعان . والأصل : توَج . ونَوَرَ ، وقَوَع . فتحرك حرف العلة في المفرد وانفتح ما قبله فانقلب ألفاً . وما ورد من مجيء ( فِعْلان ) في غير ما ذكر فهو قليل يحفظ ولا يقاس عليه ، غزال وغزلان . وخروف وخِرفان ، ونسوة ونسوان ..
وإلى هذين الوزنين أشار بقوله : ( وبفُعُولٍ فَعِل نحو كيد .. إلخ )أي : يُخَصُّ في الغالب بالجمع على وزن ( فُعُول ) كل اسم ثلاثي على وزن ( فَعِل ) نحو : كبد . وكذلك يطرد ( فُعول) في اسم على وزن (فَعْل ) ( مطلق الفا) أي ليست فاؤه مقيدة بفتح أو كسر أو ضم .. فيشمل مفتوح الفاء ومكسورها ومضمومها كما تقدم ، وقوله : ( وفَعَلٌ له ) مبتدأ ، وخبر . والضمير لـ ( فُعُول ) أي : ( فَعَل ) من أفراد ( فُعُول ) فيجمع عليه .
ثم ذكر أن ( فِعْلان ) – وهو الوزن الثالث عشر – مطرد في اسم على ( فُعَال ) . وتقدم في الوزن الثاني من أوزان جموع القلة عند قوله : ( وغالباً أغناهم فِعْلانُ في فُعَلٍ ) التنبيه على اطراده في ( فُعَل ) – أيضاً - .(2/141)
ثم بين أن ( فِعْلان ) كثير في كل اسم على ( فُعَل) أو ( فَعَل ) واوي العين . وأما في غيرهما فهو قليل (1) . إلا ما تقدم من ( فُعَال ) و ( فُعَل ) .
818- وفَعْلاً اسْماً وَفَعِيلاً وَفَعَلْ غَيْرَ مُعَلِّ الْعَيْنِ فُعْلَانٌ شَمَلْ
14- الوزن الرابع عشر من أوزان جموع الكثيرة : ( فُعْلان ) –بضم فسكون – وهو مقيس في اسم على وزن ( فَعْل ) نحو : ظهر وظُهران ، وبطن وبُطنان . وفي اسم على وزن ( فعيل ) نحو : رغيف ورُغْفان . وكثيب وكُثْبان .
وفي اسم على وزن ( فَعَل ) صحيح العين ، نحو : ذكر وذُكران ، وبلد وبُلْدان ، قال تعالى : ((أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ )) [ الشعراء : 165] . بخلاف : قَوَد (2) . فلا يجمع على هذا الوزن ، لأنه معتل العين . وضَخْم وجميل وبَطَل ، لأنها أوصاف .
وهذا معنى قوله : ( وفعلاً اسماً .. إلخ ) أي : إن هذا الوزن من جموع الكثرة وهو (فُعْلان ) شمل من المفردات أنواعاً من الأسماء منها : (فَعْل وفَعِل وفَعَل) إذا كان صحيح العين . وقوله : ( وفَعَل) وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة ، وهو معطوف على منصوب .
***
819- وَلِكَرِيمٍ وَبَخِيلٍ فُعَلا كَذَا لِمَا ضَاهَاهُمَا قَدْ جُعِلَا
__________
(1) - ذكر في التسهيل وشرحه (3/447) أن (فعلان ) يجمع على ( فَعَل ) مطلقاً ، أي : صحت عينه نحو : خَرَب وخِرْبان – والخرب ذكر الحباري – أو اعتلت كما مثلنا ، أو اعتلت لامه كأخ وإخوان ، وفتى وفتيان . قال تعالى : ((وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا)) وقال تعالى : ((وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ )) وذكر بعض العلماء أن الأخ في النسب يجمع على إخوة ، وفي الصداقة على إخوان ، ولا يرد عليه . ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )) لأن المعنى كالأخوة . أو أن كلامه أغلبي . [ حاشية الصبان 4/138] .
(2) - القود : بفتحتين هو القصاص .(2/142)
820- وَنَابَ عَنْهُ أَفْعِلَاءُ فِي الْمُعَلْ لَاماً وَمُضْعَفٍ وَغَيْرُ ذَاكَ قَلْ
15- الوزن الخامس عشر من أوزان جموع الكثرة : ( فُعَلاء ) – بضم ففتح .
وهو مقيس في أشياء منها :
( فعيل ) بمعنى : فاعل وصفاً لمذكر عاقل،بشرط أن يكون غير مضعف ولا معتل اللام نحو : كريم وكرماء ، وبخيل وبخلاء ، وظريف وظرفاء . قال تعالى:((سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ )) [ البقرة : 142]. وقال تعالى:((إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ))[ الممتحنة: 4]. وقال تعالى : ((إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا )) [ الأحزاب : 67] .
(( فاعل )) وصفاً دالاً على غريزة وسجية (1) نحو : عاقل وعقلاء . ونابه ونبهاء . أو دالاًّ على ما يشبه الغريزة والسجية في الدوام وطول البقاء ، نحو : صالح وصلحاء . قال تعالى : ((أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ )) [ الشعراء : 197] . وقال تعالى : ((وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ )) [ الشعراء : 224] . وخرج بالوصف : الاسم ، نحو : نصيب ، فلا يقال : نُصباء . وبالمذكر المؤنث نحو : شريفة ، فلا يقال : نساء شرفاء ، وبالعاقل غير العاقل ، نحو : مكان فسيح ، وبكونه بمعنى فاعل نحو : قتيل وجريح ، وشذ: سجين وسجناء ، وبكونه غير مضاف نحو : شديد ، وبكونه غير معتل اللام نحو : غني ، فلا يجمع على فُعلاء .
__________
(1) - السجية : الصفة اللازمة . وقد ذكرتها في باب المعتدي واللازم .(2/143)
16- الوزن السادس عشر : ( أفعلاء ) – بفتح فسكون فكسر ففتح – وهو مقيس في كل وصف على وزن ( فَعِيل ) بمنى : فاعل . إذا كان مضعفاً أو معتل اللام ، نحو : عزيز وأعزاء ، وشديد أشداء ، وقوي وأقوياء ، وولي وأولياء ، قال تعالى : ((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ )) [ الفتح : 29] . وقال تعالى : ((يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ )) [البقرة : 273] .
وقد ورد ( أفعلاء ) جمعاً لغير المضعف والمعتل وهو قليل ، نحو : صديق وأصدقاء . ونصيب وأنصباء .
وهذا معنى قوله : ( ولكريم وبخيل فُعَلا .. إلخ ) أي : أن ( فُعلاء ) يطرد في فعيل وصفاً لمذكر عاقل . سواء كان لمدح مثل: كريم . أو ذم مثل : بخيل .وكذا ما شابههما في المعنى . مما يدل على غريزة وإن لم يشابه في الوزن كما تقدم في الأمثلة .
ثم ذكر أن ( أفعلاء ) – وهو الوزن السادس عشر – ينوب عن ( فُعَلاء ) في المعتل اللام والمضعف ، و أن وروده في غير المضعف والمعتل قليل ، فلا يقاس عليه . بخلاف الأول .
***
821- فَوَاعِلٌ لِفَوْعَلٍ وَفَاعِلِ وَفَاعِلاءَ مَعَ نَحْوِ كَاهِلِ
822- وَحَائَضٍ وَصَاهِلٍ وَفَاعِلَهْ وَشَذَّ فِي الْفَارِسِ مَعْ مَا مَاثَلَهْ
الوزن السابع عشر : ( فواعل ) وهو مقيس في أشياء أشهرها سبعة ، ذكرها ابن مالك رحمه الله .
اسم على وزن ( فوعل ) نحو : جوهر وجواهر ، وكوكب وكواكب ، قال تعالى : ((إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ )) [ الصافات : 6] . ومثله ( فوعلة )كصومعة وصوامع ، قال تعالى : ((وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ )) [ الحج : 40] .
اسم على وزن (فاعَل) – بفتح العين – نحو : خاتم وخواتم وطابع (1) وطوابع . وقالب وقوالب .
__________
(1) - في المصباح المنير : الطابع بفتح الباء وكسرها ما يطبع به .(2/144)
فاعلاء اسماً ، نحو : قاصعاء (1) وقواصع .
فاعل – بكسر العين – اسماً نحو : كاهل (2) وكواهل . وجائز(3) وجوائز.
فاعل – بكسر العين – وصفّاً خاصاً بالمؤنث العاقل نحو : حائض وحوائض ، وطالق وطوالق . قال تعالى : ((وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً )) [ النبأ : 33] .
فاعل – بكسر العين – وصفاً لمذكر غير عاقل نحو : صاهل وصواهل ، وشاهق وشواهق .
فاعلة سواء كان اسماً نحو : فاطمة وفواطم ، أو وصفاً نحو : صاحبة وصواحب ، وجارحة وجوارح ، قال تعالى : ((وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ )) [ المائدة : 4] . أي : الصائدة من الكلاب والفهود والطيور تسمى جارحة . إما لأنها تجرح ، وإما لأنها تكسب الصيد أي : تحصله .
وفهم منه أن صيغة ( فاعل ) - بكسر العين – إذا كانت وصفاً لمذكر عاقل ، فإنها لا تجمع على ( فواعل ) ، وما ورد من ذلك حكموا عليه بالشذوذ ، نحو : فارس وفوارس . وشاهد وشواهد . وقد صرح ابن مالك بهذا المفهوم .
والحكم بالشذوذ فيه نظر ، والصواب جواز جمع ( فاعل) على ( فواعل ) قياساً . وإن كان قليلاً . لورود جموع كثيرة جاوزت الثلاثين ، ومنها : هالك وهوالك . وناكس (4) ونواكس . وخالف (5) وخوالف ، قال تعالى :((رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ)) [ التوبة : 87] . وهو جمع ( خالف ) أو ( خالفة ) (6)
__________
(1) - اسم لجحر اليربوع . وقد ذكرته في آخر التأنيث .
(2) - الكاهل مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق .
(3) 4 الخشبة فوق حائطين . والخشبة التي تحمل خشب السقف.
(4) - مطاطيي رأسه .
(5) - الخالف والخالفة الرجل الذي لا خير فيه .
(6) - انظر : خزانة الأدب (1/190) المصباح المنير ص 467 مادة (فرس ) تاج العروس مادة ( قرآن ) .(2/145)
وهذا معنى قوله : ( فواعل لفوعل ... إلخ ) أي : أن ( فواعل ) يطرد جمعاً لاسم على وزن ( فوعل ) أو ( فاعلة ) أو ( فاعلاء ) أو ( فاعل ) نحو : كاهل أو ( فاعل ) خاصّاً بالأنثى نحو حائض أو (فاعل ) وصفاً لما لا يعقل كصاهل . ثم نصَّ على شذوذه في وصف على فاعل لمذكر عاقل كالفارس وما ماثله مما تقدم .
823- وَبَفَعَائِلَ اجْمَعْنَ فَعَالَه وَشِبْهَهُ ذَا تَاءٍ أوْ مُزَالَهْ
18- الوزن الثامن عشر : (فعائل ) وهو مقيس في كل رباعي – اسم أو صفة – قبل آخره مدة ، ألفاً كانت أو واواً أو ياء مؤنثاً بالتاء أو مجرداً منها ، فيشمل عشرة أوزان ، خمسة مختومة بالتاء وخمسة مجردة منها :
فالتي بالتاء (فَعالَة ) كسحابة وسحائب و (فِعَالة ) كرِسالة ورسائل و( فُعالة ) كذؤابة (1) وذوائب . و(فَعُولة ) كحمولة (2) وحمائل . و( فعيلة ) كصحيفة وصحائف . قال تعالى : ((مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ )) [ الرحمن : 54].وقال تعالى:(ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)[ الحج : 32].وقال تعالى:((كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً ))[الجن : 11] .
والتي بلا تاء نحو : شِمَال (3) وشمائل ، وعُقاب (4) وعقائب . وعجوز وعجائز ، ولطيف – اسم امرأة – ولطائف . قال تعالى : ((وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ )) [الأعراف : 157] .
__________
(1) - الذؤابة : الضفيرة من الشعر إذا كانت مرسلة وطرف العمامة وطرف السوط .
(2) - الحمولة : بالفتح البعير يحمل عليه ، وقد يستعمل في الفرس وغيره ، وقد تطرق على جماعة الإبل .
(3) - شمال : بالكسر اليد اليسرى ، والجهة أيضاً . ويطلق على الطبع ، وعلى الريح التي تهب من ناحية القطب وقد قيل : إنها بالفتح .
(4) - اسم طائر .(2/146)
وهذا معنى قوله : ( وبفعائل اجمعن فَعاله .. إلخ ) أي : اجمعنْ كل اسم رباعي مؤنث على وزن (فَعالة) بتثليث الفاء ،وما أشبهه من وزن (فَعيل) و(فَعُول) ذا تاء ثابتة أو مزالة ، أي غير موجود.
824- وَبِالْفَعَالِي وَالْفَعَالَى جُمِعَا صَحْرَاءُ وَالْعَذْرَاءُ وَالْقَيْسَ اتْبَعَا
19- الوزن التاسع عشر : ( فَعالِي ) – بفتح أوله وثانيه وكسر ما قبل آخره –
20- والوزن العشرون :(فَعالَى ) – بفتح أوله وثانيه وما قبل آخره – ويشتركان فيما كان على وزن (فَعْلاء) اسماً كصحراء وصحاري وصحارَى.أو صفة كعذراء(1) وعذاري وعذارَى(2) .
وهذا معنى قوله : (وبالفعالي والفعالى جمعا صحراء .. إلخ ) أي : جُمع لفظ صحراء وعذراء على وزن ( فعالِي وفعالَى ) (3) وابتع القياس على هذين المثالين .
ومما ينفرد به ( فَعالِي ) – بكسر اللام- كل اسم على وزن ( فَعْلوة ) – بفتح فسكون فضم ففتح – كقوله تعالى : ((كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ )) [ القيامة : 26] . جمع ترقوة (4) .
825- وَاجْعَلْ فَعَالِيَّ لِغَيْرِ ذِيْ نَسَبْ جُدِّدَ كَالْكُرْسِيِّ تَتْبَعِ الْعَرَبْ
21- الوزن الحادي والعشرون من أوزان جموع الكثرة : ( فَعَاليَّ ) – بفتح أوله وثانيه مع مد فكسر فياء مشددة – وهو جمع لكل اسم ثلاثي آخره ياء مشددة غير متجددة للنسب نحو : كرسيّ وكراسيّ ، وبَرْديّ (5) وبراديّ .
فإن كان الاسم مختوماً بياء النسب المتجدد لم يجمع هذا الجمع ، فلا يقال : في بصري – نسبة إلى البصرة – بصاري .
__________
(1) - هي البكر .
(2) - الذي في التسهيل (3/452) أن جمع : عذراء على عذارى محفوظ بخلاف ما اقتضاه كلامه هنا .
(3) - ويجوز جمعهما على وزن ( فعاليّ ) - بكسر وتشديد الياء وهو الوزن الآتي .
(4) - الترقوة : عظم يصل ما بين ثغرة النحر والعاتق .
(5) - البرديّ : نبات تعمل منه الحصر .(2/147)
وهذا معنى قوله : ( واجعل فعاليّ لغير ذي نسب .. إلخ ) أي : اجعل وزن (فعاليّ ) جمعاً لكل اسم ثلاثي آخره ياء لغير ذي نسب كالكرسي . تتبع العرب في سُنَنِ كلامها .
والمراد بالنسب المتجدد : النسب القائم وقت جمع الكلمة لأداء الغرض منه . بخلاف النسب غير المتجدد ، فهو الذي أهمل أصله وترك الغرض منه ، وعلامة الأول دلالة اللفظ على معنى معين معروف بعد حذف الياء مثل : مكة ومكي ، وعلامة الثاني اختلاف اللفظ بحذفها وفساد المعنى كما مُثِّل .
826- وَبِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ انْطِقَا فِي جَمْعِ مَا فَوْقَ الثَّلَاثَةِ ارْتَقَى
827- مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى وَمِنْ خُمَاسِي جُرِّدَ الآخِرَ انْفِ بِالْقِيَاسِ
828- وَالرَّابِعُ الشِّبِيهُ بِالْمَزِيدِ قَدْ يُحْذَفُ دُونَ مَا بِه تَمَّ الْعَدَدْ
829- وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي احْذِفْهُ مَا لَمْ يَكُ لَيْناً إثْرَهُ اللَّذْ خَتْمَا
22- الوزن الثاني والعشرون : ( فَعَالل ) – بفتح أوله وثانيه وكسر رابعه – ويطرد في أربعة أنواع من المفردات :
1- الرباعي المجرد – وهو ما كانت حروفه أصلية – مثل : جعفر وجعافر . وزبرج (1) وزبارج قال تعالى : ((وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ )) [ يوسف : 20] . وقال تعالى : ((فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ )) [ الأعراف : 133] .وقال تعالى : ((وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ )) [ الأحزاب : 10] .
__________
(1) - زبرج : بكسر الزاي والراء بينهما موحدة ساكنة وبالجيم هو الزهر والسحاب الرقيق الذي فيه حمرة والحلي من ذهب وغيره .(2/148)
2- الخماسي المجرد – وهو ما كانت حروفه أصلية – ويجب حذف خامسه عند جمعه نحو : سفرجل (1) وسفارج ، إلا إن كان الحرف الرابع شبيهاً بالحروف التي تزاد إما بكونه لفظ أحدها مثل : خدرنق (2) . لأن النون من حروف الزيادة ، أو بكونه يشبه حرف الزيادة في مخرجه مثل : فرزدق (3) فإن الدال من مخرج التاء ، وهي من حروف الزيادة ، فيجوز في ذلك حذف الرابع أو حذف الخامس . وهو الأفصح . لأن الأكثر في الكلام المأثور هو الحذف من الآخر ، إذ الأواخر محل الحذف والتغيير ، فتقول : خدارق ، وفرازق ، بحذف الرابع أو خدارن وفرازد ، بحذف الخامس وهو أحسن .
الرباعي المزيد فيه – وهو ما كانت حروفه الأصلية أربعة ، ثم زيد عليها بعض حروف الزيادة ، فيحذف عند الجميع ما كان زائداً في مفرده ، سواء كان في أوله ، نحو : مدحرج ودحارج ، أو في وسطه ، نحو : فدوكس( (4) وفداكس ، أو في آخره ، نحو : سبطرى (5) وسباطر .
__________
(1) - سفرجل : ثمر . من فصيلة التفاح . ولكن حجمه أكبر .
(2) - خدرنق : بخاء معجمة فدال مهملة فراء فنون هو العنكبوت كما في الصحاح (4/1466) وفي بعض كتب النحو : خورنق بالواو بدل الدال . اسم قصر للنعمان ، ولا يصح ذكره هنا ، لأن الكلام في الخماسي المجرد ، والواو في هذا زائدة لإلحاقه بسفرجل ، فيجمع على خرانق بحذفها ، فتأمل ، قاله الخضري (2/162) .
(3) - فرزدق : اسم جنس جمعي لفرزدقة وهي القطعة من العجين .
(4) - فدوكس : بفتح الفاء والدال المهملة وسكون الواو وفتح الكاف آخره سين مهملة هو الأسد والرجل الشديد ، كما في القاموس .
(5) - سبطري : بكسر السين مشية بتبختر وتقدم في التأنيث .(2/149)
إلا إن كان الحرف الزائد حرف لين (1) قبل الآخر فإنه لا يحذف ، ثم إن كان ياء بقي وجمع ما هو فيه على ( فعاليل ) في الأغلب نحو : قنديل وقناديل ، قال تعالى : (( وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ )) [ فاطر : 27] . وهو جمع غربيب (2) . وإن كان ألفاً أو واواً قلب عند الجمع ياء ثابتة ، وجمع ما هو فيه على وزن ( فعاليل ) كذلك في الأغلب نحو:قرطاس وقراطيس ، قال تعالى : ((تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا )) [ الأنعام : 91] وقال تعالى : ((يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ )) [ الأحزاب : 59] . ونحو : عصفور وعصافير .
الخماسي المزيد فيه . وهو ما كانت حروفه الأصلية خمسة ثم زيد عليها بعض أحرف الزيادة ، فيحذف عند الجميع الخامس الأصلي وما كان زائداً في المفرد ، نحو : قَرْطَبُوس (3) وقراطب . وخَنْدريس (4) وخنادر .
__________
(1) - اعلم أن الواو والألف والياء إذا سكنت وقبلها حركة تناسبها فهي أحرف علة ولين ومد نحو : عالم وعلوم وعليم . وإذا سكنت وقبلها حركة لا تناسبها سميت أحرف علة ولين مثل : عَوْن وعَيْن . وإذا تحركت سميت أحرف علة فقط : سَهْوٌ وجريٌ .
(2) - غربيب : أي مشبه للغراب في السواد كقولك : أسود كحلك الغراب ، وقوله ( سود ) بدل من ( غرابيب ) .
(3) - الناقة السريعة أو القوية .
(4) - من أسماء الخمر .(2/150)
وهذا معنى قوله : ( وبفعالل وشبهه انطقا .. إلخ ) أي : انطق بوزن ( فعالل ) وشبهه . في جمع المفرد الذي ( ارتقى ) أي زاد على ثلاثة أحرف ، فيشمل الرباعي المجرد والمزيد والخماسي المجرد والمزيد ، وقوله ( من غير ما مضى ) أي بشرط أن يكون ما زاد على الثلاثة من المفردات التي لم يسبق لها وزن من أوزان الجموع ، فما سبق له جمع مطرد لا يجمع على( فعالل) وشبهه وقوله : ( ومن خماسي جرد الآخر انْفِ بالقياس ) أي : احذف الآخر من الخماسي المجرد عند جمعه قياساً ، لتتوصل إلى وزن ( فعالل ) .
ثم بين أن الخماسي المجرد إن كان رابعه شبيهاً بالمزيد فإنه قد يحذف دون الخامس الذي تتم به أصول الكلمة . ويفهم منه جواز حذف الخامس أيضاً .
وقوله : ( وزائد العادي . .. إلخ ) العادي : اسم فاعل من ( عدا ) الثلاثي بمعنى :جاوز . أي احذف زائد الاسم المجاوز الرباعي ، وهو ما كان على خمسة أحرف ، أربعة منها أصلية وواحد زائد . فيحذف ما لم يكن هذا الزائد حرف لين . وبعده الحرف الذي ختمت به الكلمة وهو الخامس، وقوله : ( اللَّذ ) أي : الذي . وقوله : ( إثره ) أي : بعده .
830- وَالسِّينَ وَالتَّا مِنْ كَمُسْتَدْعٍ أزِلْ إذْ بِبِنَا الْجَمِعِ بَقَاهُمَا مُخِلْ
831- وَالْمِيمُ أوْلَى مِنْ سِوَاهُ بِالْبَقَا وَالهَمْزُ وَالْيَا مِثْلُهُ إنْ سَبَقَا
832- وَالْيَاء لَا الْوَاوَ احْذِفْ إنْ جَمَعْتَ ما كَحَيْزَبُونٍ فَهْوَ حَكْمٌ حُتِمَا
833- وَخَيَّرُوا فِي زَائِدَيْ سَرَنْدَى وكُلِّ مَا ضَاهَاهُ كَالْعَلَنْدَى
23- الوزن الثالث والعشرون : شبه فعالل . والمراد به ما يماثل ( فعالل ) في عدد الحروف وفي ضبطها ، وإن كان الميزان غير مشابه له .
فمثلاً : مساجد . ليست على وزن ( فعالل) . وإنما هي على وزن يشبهه وهو ( مفاعل ) فعدد الحروف واحد . والضبط واحد . وكذا : فواعل ، كجواهر ، وفياعل ، كصيارف ، وفعاعل كسلالم .(2/151)
وهذا الوزن مقيس في كل اسم ثلاثي الأصول ، زيدت عليه أحرف الزيادة ، بشرط ألا يكون هذا الثلاثي المزيد له وزن من أوزان الجموع السابقة . فخرج بذلك مثل : أحمر ، وغضبان ، وصُغْرى ، وسكرى .. وغيرها مما له أوزان جموع قياسية كما تقدم .
وحكم هذا الثلاثي المزيد عند جمعه على ( شبه فعالل ) ما يأتي :
إن كانت الزيادة حرفاً واحداً فإنه يجب بقاؤه عند الجمع ، سواء كان هذا الحرف الزائد صحيحاً أو معتلاً . مثل : جوهر وجواهر ، وصيرف (1) وصيارف ، وأكرم وأكارم . ومعبد ومعابد ، قال تعالى : ((وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ )) [ البقرة : 187)) . وقال تعالى : ((وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا )) [ الفتح : 20] .
إن كانت الزيادة حرفين فأكثر لا يخلو من أمرين :
الأول : أن يكون لبعض الحروف مزية على الآخر .
الثاني : أن لا يكون كذلك .
فإن كان لبعض الحروف مزية تعين إبقاء ماله مزية لفظية أو معنوية ، فتقول في جمع : منطلق : مطالق ، بحذف النون وإبقاء الميم ، لأن لها مزية لفظية بتصدرها ، ومعنوية بكونها تدل على معنى خاص بالأسماء ، وهو دلالتها على اسم الفاعل – هنا - .
وتقول في جمع : مستدعٍ : مداعٍ ، بحذف السين والتاء وإبقاء الميم لما تقدم .
وتقول في جمع : ألنْدد . ألَادِد . وفي جمع : يَلَنْدَدٍ (2) يَلادِد . ثم تدغم الدالان في كل واحدة ، فتصير : ألادَّ ، ويلادّ . بحذف النون من المفرد . وإبقاء الهمزة في الأول ، والياء في الثاني . لتصدرهما ، ولأنهما يدلان على معنى التكلم والغيبة إذا كانا في أول المضارع ، نحو : أقوم ، ويقوم . بخلاف النون فيهما ، فهي متوسطة ولا تدل على معنى .
__________
(1) - الصيرف : نقاء الدراهم ، والمحتال للأمور .
(2) - الألندد واليلندد : شديد الخصومة .(2/152)
فإن كان حذف إحدى الزيادتين مغنياً عن حذف الأخرى بدون العكس تعين حذف المغني حذفها مثل : حيزبون (1) . فتجمع على : حزابين ، بحذف ياء المفرد . وإبقاء الواو وقلبها ياء في الجمع لوقوعها بعد كسرة ، ولو حذفت الواو وبقيت الياء لقيل في جمعها : حيازبْن . وهذا وزن لا نظير له في الجموع . إذ لا يقع بعد ألف التكسير ثلاثة أحرف أوسطها ساكن إلا وهو معتل مثل قناديل ومصابيح وعصافير .
فإن لم يكن لبعض الحروف مزية . جاز حذف أحدهما من غير ترجيح ، كالنون والألف المقصورة في نحو : سَرَنْدَى (2) . وعَلَنْدَى (3) . فتقول : سراند ، وعلاند . بحذف الألف وإبقاء النون . أو : سرادٍ وعلادٍ ، بحذف النون وإبقاء الألف (4) . لأنهما زيادتان زيدتا معاً للإلحاق بالخماسي : سفرجل ، وكل حرفين هذا شأنهما لا يكون لأحدهما مزية على الآخر .
وهذا معنى قوله : ( والسين والتا من كمستدع أزل .. إلخ ) أي : احذف السين والتاء من مثل : مستدع ، لأن بقاءهما يخل ببناء الجمع وصيغته ، ثم ذكر أن الميم في مثل اللفظ المذكور أولى من غيره من حروف الزيادة بالبقاء لمزيته . وكذا الهمز في مثل: ألندد ، والياء في مثل : يلندد ، لأنهما سبقا الزائد الآخر وهو النون ، والمراد بسبقهما كونهما في أول الكلمة في موضع يدلان فيه على معنى كما تقدم ، وقوله : ( والميم أولى ) معناه : وجوب بقائها . وليس المراد رجحان ذلك ، لأن إبقاء الميم متعين كما تقدم .
__________
(1) - الحيزبون : العجوز .
(2) - السرندى : السريع في أموره أو الشديد .
(3) - العلندى : الغليظ من كل شيء . وشجر معروف واحده علنداة بالهاء .
(4) - المراد بالألف التي تبقى ألف المقصور التي تُكتبُ ياء لوقوعها بعد ثلاثة أحرف فأكثر . وهذه الألف وقعت بعد كسرة الحرف الذي يلي ألف الجمع . فتقلب ياء . فيصير الاسم منقوصاً مثل: قاضٍ وغازٍ [ انظر : 1/77من هذا الكتاب ] .(2/153)
ثم بين أنك تحذف الياء وتبقي الواو عند جمع مثل : حيزبون ، مما اشتمل على زيادتين ، وكان حذف إحداهما يتأتى معه صيغة الجمع ، ولا يأتي مع الآخر ، ثم ذكر في البيت الأخير أن النحاة خيروا في حذف أي الحرفين الزائدين – النون أو الألف – من كلمة : سَرَنْدَى ، وكل ما شابهها مما تضمن زيادتين ، لإلحاق الثلاثي بالخماسي كالعَلَنْدَى ، والحَبَنْطَى (1) . فتقول : حبانط . وحباطٍ ؛ إذ لا مزية لأحد الزائدين على الآخر ، على ما تقدم .
****
التصغير
834- فُعَيْلاً اجْعَلْ الثُّلَاثِيَّ إذَا صَغَرْتَهُ نَحْوُ قُذَىٍّ فِي قَذَا
835- فَعُيْلِلٌ مَعَ فُعَيْعِلٍ لِمَا فَاقَ كَجَعْلِ دِرْهَمٍ دُرَيْهِمَا
836- وَمَا بِهِ لِمُنْتَهَى الْجَمْعِ وُصِلْ بِهِ إلَى أمْثِلَةِ التَّصْغِيرِ صِلْ
837- وَجَائِزٌ تَعْوِيضُ يَا قَبْلَ الطَّرَفْ إنْ كَانَ بَعْضُ الاْسمِ فِيهِمَا انْحذَف
التصغير : تغيير مخصوص يطرأ على بنية الاسم المعرب ، فيجعله على وزن خاص ، لغرض من الأغراض .
وهوخاص بالأسماء المعربة.فلا تصغر الأسماء المبنية :كالضمائر، وأسماء الاستفهام، والإشارة ، والأسماء الموصولة وغيرها ، إلا ما ورد مسموعاً منها مصغراً ، فيقتصر على الوارد منها ، وسيذكر المصنف ذلك في آخر الباب (2) .
والتصغير له أغراض من أشهها :
التحقير نحو : عويلم ، وبطيل ، في تصغير : عالم ، وبطل .
التقليل في العدد نحو : دريهمات ، وريقات ، في تصغير : دراهم ، وورق .
التقليل في الذوات : نحو : وُليد ، طُفيل ، في تصغير : ولد ، وطفل .
__________
(1) - الحبنطى: القصير البطين .
(2) - من شروط التصغير أن يكون الاسم قابلاً له . فلا تصغر الأسماء المعظمة شرعاً : كأسماء الله تعالى الحسنى وأسماء الأنبياء والملائكة والكتب والمصحف والمسجد . ولا أسماء الشهور والأسبوع . ولا الأسماء التي تكون صيغتها على هيئة المصغر مثل : صهيب وزهير .(2/154)
تقريب الزمان نحو : قبيل الفجر . أي في وقت قبل الفجر (1) .
تقريب المكان : نحو فويق ميل . أي : فوق ميل.
التحبب وإظهار الود نحو : يا بُنيَّ (2) يا أُخيّ في تصغير ابن وأخ .
والتصغير نوعان :
تصغير أصلي . وهو الذي عقد له هذا الباب .
تصغير ترخيم . وسيأتي له ذكر أثناء الموضوع ، إن شاء الله .
والطريقة العامة في التصغير أن الاسم إما أن يكون ثلاثيّاً أو أكثر ، فإن كان ثلاثيّاً ضم أوله ، وفتح ثانيه – إن لم يكونا كذلك من قبل – وزيد ياء ساكنة بعد ثانيه ، تسمى ( باب التصغير ) فتقول في تصغير : قلم : قُلَيم . وفي تصغير : رجل : رُجَيل ، على وزون ( فُعَيل ) .
وإن كان الاسم رباعيّاً فأكثر فُعل به ذلك ، وزيد عمل رابع ، وهو كسر ما بعد ياء التصغير – إلا ما يستثنى مما سيأتي إن شاء الله – فالرباعي نحو : منزل ومنيزل ، ومعمل ومعيمل . على وزن ( فعيعل ) .
وأما الخماسي فأكثر فإن لم يكن رابعه حرف لين صُغر على ( فعيعل ) بحذف بعض حروفه – كما تقدَّم – في جمع التكسير – فتقول في تصغير : سفرجل : سفيرج ، بحذف خامسه . وتقول في تصغير : فرزدق : فيرزد أو : فريزق .
ويجوز تعويض ياء عن المحذوف فتقول : سفيريج .. ويكون على وزن ( فعيعيل ) .
وإن كان الخماسي فما فوق رابعه حرف لين قلب ياءً إن لم يكن ياء ؛ لسكونه وانكسار ما قبله ، نحو: عصفور وعصيفير ، ومفتاح ومفيتيح . وقنديل وقنيديل . ويكون على وزن ( فعيعيل ) .
__________
(1) - سماه صاحب المصباح المنير : تصغير التقريب. فانظره في مادة ( بَعُد ) (1/53) .
(2) - وقد وقع تصغير المحبة والشفقة والتلطف في القرآن الكريم في كلمة ( يا بُني ) في ستة مواضع [ دراسات لأسلوب القرآن (2/4/655] .(2/155)
وهذه الأوزان الثلاثة ( فُعيل وفُعيعل وفُعيعيل ) هي أوزان التصغير . وهي أوزان خاصة بهذا الباب . قُصد بها أن المصغر يتساوى مع هذا الوزن في عدد الحروف وفي نوع الحركة والسكون . وليست جارية على وفق الميزان الصرفي . فكلمة منيزل . على وزن ( مُفيعل ) من الناحية الصرفية . وفي التصغير على وزن ( فُعيعل ) .
وعن هذه الأوزان الثلاثة يقول ابن مالك ( فُعيلاً اجعل الثلاثي .. إلخ ) أي : اجعل الاسم الثلاثي إذا أردت تصغيره ، ( فُعيلاً ) أي : على هذا الوزن . كقولك في تصغير ( قَذَى ) – وهو الوسخ في العين (1) قُذَيٌّ ، بإرجاع الألف إلى أصلها وهو (الياء ) وإدغام ياء التصغير فيها ، لأن التصغير – كالتكسير – يرد الأشياء إلى أصولها . ثم ذكر أن ( ما فاق ) الثلاثي ، أي : زاد عليه ، له : فعيعل وفعيعيل ، كتصغير : درهم على دريهم .
ثم ذكر أن ما توصلت به إلى جمع التكسير في صيغة منتهى الجموع من الحذف صل به إلى التصغير حين تريد تصغير تلك الأمثلة ، ولك هنا ما تقدم من تعيين أو ترجيح أو تخيير . ويجوز لك أن تعوض (ياء ) قبل الآخر ، عوضاً عن الحرف المحذوف في باب التكسير أو باب التصغير .
838- وَحَائِدٌ عَنِ الْقِيَاسِ كُلُّ مَا خَالَفَ فِي الْبَابَيْنِ حُكْماً رُسِمَا
أي أن ما جاء في باب التكسير وباب التصغير مخالفاً للقواعد المقررة فهو ( حائد عن القياس ) أي خارج عنه . فيحفظ ولا يقاس عليه .
فمما جاء حائداً عن القياس في باب ( التصغير ) قولهم في تصغير ( مغرب ) : مغيربان . والقياس : مغيرب . وقولهم في تصغير (رجل ) : رويجل ، والقياس : رجيل .
ومما حاد عن القياس في باب ( التكسير ) قولهم في جمع (رهط ) : أراهط ، والقياس : رهوط . وقولهم في (باطل ) : أباطيل : وقياسه : بواطل .
__________
(1) - يقال : قَذِيَتْ العين قَذىً من باب ( تعب ) صار فيها الوسخ . والمثنى : قذيان ، كفتى وفتيان .(2/156)
839- لِتِلْوِيَا التَّصْغِيرِ مِنْ قَبْلِ عَلَمْ تَأْنِيثٍ أوْ مَدَّتِهِ الْفَتْحُ انْحَتَمْ
840- كَذَاكَ مَا مَدَّةَ أَفْعَالٍ سَبَقْ أوْ مَدَّ سَكْرَانَ وَمَا بِهِ الْتَحَقْ
تقدم أن الاسم إذا زاد على ثلاثة أحرف وأريد تصغيره كُسِرَ ما بعد ياء التصغير ، ويستثنى من ذلك أربع مسائل ، يجب فيها فتح الحرف الذي بعد ياء التصغير ، وهي :
الحرف الذي يليه علامة التأنيث ، سوء أكانت تاء التأنيث أو ألفه المقصورة ، نحو : شجرة وشجيرة ، وحبلى . حبيلى .
الحرف الذي يليه ألف التأنيث الممدودة ( وهي الهمزة التي أصلها ألف التأنيث وقبلها ألف المد الزائدة ) نحو : حمراء وحميراءَ . وصفراء وصفيراء .
الحرف الذي يليه ألف ( أفعال ) (1) نحو : أجمال وأجيمَال . وأفراس وأفيرَاس .
الحرف الذي يليه ألف ( فعلان ) – مثلث الفاء – سواء كان اسماً أو صفة . بشرط أن لا يكون جمعه على ( فعالين ) نحو:سَكران وسكيران ، وعُثمان وعثيمان ، وعِمران وعميران .
فإن كان ( فعلان ) يجمع على ( فعالين ) وجب كسر الحرف الذي يلي ياء التصغير نحو : ريحان ورُييحين ، وسلطان وسليطين ، لأنه يقال في جمعهما : رياحين وسلاطين .
وهذا معنى قوله : ( لتلو يا التصغير .. إلخ ) أي وجب الفتح للحرف التالي ياء التصغير . إذا كان قبل علامة التأنيث ( أي التاء والألف المقصورة . أو قبل مدة التأنيث ( وهي المدة التي الزائدة قبل ألف التأنيث ) . وكذا يجب فتح الحرف الواقع قبل مدة ( أفعال ) أي : الحرف الذي قبل ألف ( أفعال ) ، وكذا الحرف الذي قبل ألف ( سكران ) وما ألحق به مما هو على وزنه ، سوء كان مضموم الفاء أو مفتوحها أو مكسورها بالشرط الذي ذكرناه .
__________
(1) -هذا وزن من أوزان جموع القلة – كما تقدم – أما جمع التكسير للكثرة فقد ذكروا أنه لا يدخله التصغير ، لكن يصغر مفرده ، ثم يجمع جمع مؤنث سالماً إذا كان مؤنثاً أو مذكراً غير عاقل . وجمع مذكر سالماً إذا كان مذكراً عاقلاً .(2/157)
***
841- وَأَلِفُ التَّأْنِيثِ حَيْثُ مُدَّا وَتَاؤُهُ مُنْفَصِلَيْنِ عُدَّا
842- كَذَا الْمَزِيدُ آخِراً لِلنَّسَبِ وَعَجُزُ الْمُضَافِ وَالْمُرَكَّبِ
843- وَهَكَذَا زِيَادَتَا فَعْلَانَا مِنْ بَعْدِ أرْبَعٍ كَزَعْفَرَاناَ
844- وَقَدِّرِ انْفِصَال مَا دَلَّ عَلَى تَثْنِيَةٍ أوْ جَمْعِ تَصْحِيحٍ جَلَا
تقدَّم أنه إذا صُغِّر ما زاد على أربعة أحرف يحذف الزائد لتتأتى صيغة التصغير . ويستثنى من هذه القاعدة بعض الأسماء التي تزيد أحرفها على أربعة ولا يحذف منها شيء . بل تعامل معاملة الاسم الرباعي ، ويقع التصغير على ما قبل زوائدها . ولا يجوز حذفها ، لئلا يلتبس تصغير الاسم المشتمل على هذه الزيادات بالاسم الخالي منها .وهذه الأسماء تقع في سبع مسائل :
1- الاسم المختوم بألف التأنيث الممدودة بعد أربعة أحرف فصاعداً نحو : عقرباء : عقيرباء . أربعاء(1) : أريبعاء .
2- الاسم المختوم بتاء التأنيث بعد أربعةأحرف فصاعداً نحو:جوهرة :جويهرة،مروحة :مريوحة.
3- الاسم المختوم بياء النسب نحو : مشرقي : مشيرقي ، مغربي : مغيربي .
4- عجز المركبين ( الإضافي والمزجي ) نحو : عبد الله : عبيد الله ، وبعلبك : بعيلبك .
5- المختوم بألف ونون زائدتين بعد أربعة أحرف أو أكثر نحو : ثُعلبان : ثعليلبان ، مهرجان : مهيرجان .
6- المختوم بعلامتى التثنية نحو : تاجران : تويجران ، وتاجرين تويجرين .
7- المختوم بعلامة جمع التصحيح نحو : أحمدون : أُحيمدون ، وأحمدين أحيمدين . وزينبات : زُيينبات .
__________
(1) - أحد أيام الأسبوع . وجمع ( ربيع ) بمعنى الجدول ، وهو النهر الصغير ويصغر على (رُبَيِّع) ، انظر المصباح المنير (1/216).(2/158)
وهذا معنى قوله : ( وألف التأنيث حيث مُدَّا .. إلخ ) أي : إن ألف التأنيث الممدودة ، وتاء التأنيث عُدَّا منفصلين عند التصغير . فيصغر الاسم كأنه رباعي ، وتعتبر الحروف التي بعد الرابع كأنها منفصلة عنه ليست من حروفه .وكذا الياء المزيدة في آخر الاسم للنسب تعد منفصلة عند التصغير ، وعجز المركب الإضافي والمركب المزجي ، وهكذا الألف والنون الزائدان بعد أربعة أحرف كزعفران ، فيقال : زعيفران ، ثم قال : قدر انفِصال العلامة الدالة على التثنية ، أو الدالة على جمع التصحيح وقوله : (جلا) . أي أظهر : وقوله : ( أو جمع تصحيح ) مفعول مقدم للفعل ( جلا ) ، والفعل معطوف على قوله ( دلَّ ) .
****
845- وأَلِفُ التَّأنيثِ ذُو الْقَصْرِ مَتَى زَادَ عَلَى أرْبَعَةٍ لَنْ يَثْبُتَا
846- وَعِنْدَ تَصْغَيرِ حُبَارَى خَيِّرِ بَيْنَ الْحُبَيْرَى فَادْرِ وَالْحُبَّيِّرِ
إذا أريد تصغير الاسم المختوم بألف التأنيث المقصورة فلا تخلو من ثلاث حالات :
أن تكون رابعة . فتبقى عند التصغير نحو : صغرى . وصغيرى ، وكبرى وكبيرى .
أن تكون خامسة فإن كان في الأحرف التي تسبقها حرف مد زائد جاز حذفها أو حذف حرف المد الزائد ، فتقول في تصغير : حبارى : حُبيرى – بحذف حرف المد وإبقاء الألف المقصورة ، لأنها تصير رابعة وهذا أحسن – أو : حبيّر . بحذف ألف التأنيث ، وقلب المدة ياء وإدغامها في ياء التصغير.
وإن لم يكن قبلها حرف مد زائد وجب حذفها ، فتقول في تصغير : قرقرى – اسم موضع – قريقر .
أن تكون الألف سادسة أو سابعة فتحذف وجوباً ، فتقول في تصغير : لُغَّيْزي (1) :لغيغيز . بحذف ألف التأنيث وفي : بَرْدرايا – اسم موضع - : بُرَيدر . بحذف ألف التأنيث ، وحذف الألف أولياء لزيادتهما
__________
(1) - بمعنى اللغز : وهو الكلام المُعَمّى ، وأصله : حجر اليوبوع .(2/159)
وفي هذا يقول ابن مالك : ( وألف التأنيث ذو القصر ... إلخ ) أي أن ألف التأنيث صاحبة القصر، أي : المقصورة إذا زادت على أربعة أحرف فإنها تحذف . ثم قيد هذا الإطلاق بأنها إن كانت خامسة وقبلها مدة فأنت بالخيار ، كما تقدم .
847- وَارْدُدْ لأَصْلِ ثانياً لَيْناً قُلِبْ فَقِيمَةً صَيِّرْ قُوَيْمَةً تُصِبْ
848- وَشَذَّ في عِيْدٍ عُبَيدٌ وَخُتِمْ لِلجَمْعِ مِنْ مَا لِتَصْغِيْرٍ عُلِمْ
849-والألِفُ الثَّانِ الْمَزيدُ يُجْعَلُ وَاواً كَذَا ما الأصْلُ فِيهِ يُجْهَلُ
إذا أريد تصغير الاسم الذي ثانيه حرف لين (1) . منقلب عن واو أو ياء وجب رد حرف اللين إلى أصله عند التصغير، فتقول في تصغير : مال : مويل ، وفي باب : بويب . برد الألف إلى أصلها وهو الواو بدليل : أموال ، وأبواب . وتقول في تصغير : ناب : نييب . وفي : موسر : مييسر ، برد حرف اللين إلى أصله وهو الياء بدليل : أن جمع ( ناب ) (2) : أنياب وأن فعل ( موسر ) هو : أيسر إيساراً .
وشذ قولهم في تصغير : عيد : عُييد . والقياس : عُويد .برد الياء إلى أصلها ، لأنه من عاد يعود. وكأنهم خافوا التباسه بتصغير: عود .
فإن كان ثاني الاسم حرف لين ، ولكنه منقلب عن حرف صحيح لم يُردَّ إلى أصله عند التصغير بل يقلب واواً ، فتقول في تصغير : آدم . أويد . وأصله : أأْدم - (بهمزة مفتوحة فهمزة ساكنة) – فتُقلب الثانية واواً ولا ترد إلى أصلها – الهمزة .
وإن أريد تصغير ما ثانيه ألف مزيدة – ليست منقلبة عن أصل – أو ألف مجهولة الأصل وجب قلبها واواً ، فتقول في تصغير : شاعر : شويعر . وفي سالم : سويل . وفي تصغير : عاج (3) عويج . وفي صاب (4) صويب .
__________
(1) - تقدم تعريف اللين في أواخر جمع التكسير .
(2) - الناب : السن خلف الرباعية .
(3) - العاج : أنياب الفيل وظهر السلحفاة البحرية . وقد ذكرته في أول المقصور والممدود .
(4) - الصاب : عصارة شجرٍ مر .(2/160)
وبهذا تبين أن الألف تنقلب واواً عند التصغير في أربعة مواضع :
إذا كان أصلها الواو .
الألف المنقلبة عن همزة تلي همزة الألف الزائدة .
الألف الزائدة .
الألف المجهولة الأصل .
وما ذكر في التصغير من قلب الحرف الثاني وإرجاعه إلى أصله ثابت في جمع الكلمة جمع تكسير ، فتقول في جمع باب : أبواب . وفي ميزان . موازين . وهذا في جمع التكسير الذي يتغير فيه الأول . أما ما لا يتغير فيه فيبقى على ما هو عليه نحو : قيمة وقيم . وديمة وديم .
وفي رد الثاني إلى أصله وما ذُكِر من القلب يقول ابن ملك . ( واردُدْ لأصل ثانياً لينا قلب .. ) أي : اردد الحرف الثاني إذا كان حرف لين إلى أصله الذي انقلب عنه . ولم يصرح بأنه منقلب عن حرف لين – أيضاً – اكتفاء بالمثال الذي ساقه وهو : قيمة ، وتصغيرها ، قويمة . ثم بين أن تصغير ( عيد ) على ( عييد ) شاذ ، لأن ثانيه لم يرجع إلى أصله الواو . ثم ذكر أن رد الثاني إلى أصله يراعى في جمع التكسير أيضاً ، كما روعي في التصغير . ثم بين أن الألف الزائدة إذا كانت ثانية تجعل واواً عند التصغير ، وكذا مجهولة الأصل .
***
850- وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِيرِ مَا لِمْ يَحْوِ غَيْر التَّاْ ثَالِثاً كَمَا
تقدَّم أنه لا يصغر أقل من الاسم الثلاثي . فإذا كان الاسم الذي يراد تصغيره على حرفين فلا يخلو من حاليين .
الأولى : أن يكون قد حذف بعض حروفه كحذف فائه أو لامه .
الثانية : أن يكون ثنائيّاً من أصل الوضع . فإذا أريد تصغير الاسم الذي حذفت فاؤه أو لامه فإنها ترد إليه عند التصغير ، لتتأتي صيغة ( فعيل ) ، وهي أقل الصيغ الثلاث .(2/161)
فمثال محذوف اللام : أب . فتقول في تصغيره : أُبَيٌّ ، برد اللام المحذوفة وهي الواو ، إذ أصله : أَبَوٌ ، لأن مثناه( (1) . أبوان . ثم قلبت الواو ياء وأدغمت في ياء التصغير . وتقول في تصغير : دم : دُمَيٌّ . وفي : أخ : أُخَيٌّ .
ومثال محذوف الفاء : عِدَة . فتقول في تصغيره : وُعَيدٌ . برد الفاء المحذوفة . وهي الواو ، إذ أصله : وَعْدَةٌ . لأن فعله : وعد . وتقول : في تصغير : ثقة . وثيقة . وفي : صفة : وُصيفة .
وتعويض تاء التأنيث عن الحرف المحذوفة لا يمنع من إرجاعه عند التصغير كما مثلنا : ومثل ذلك أيضاً : بنت وأخت . فيقال في تصغيرهما : بُنَيَّة وأُخَيَّة . برد المحذوف وهو اللام ، لأن الأصل : بَنَوٌ ، وأَخَوٌ فترَد اللام ، ويختم بتاء التأنيث ، لأنه ثلاثي مؤنث – كما سيأتي – والأصل : بُنيوه ، وأُخيوة . فاجتمعت الواو والياء ، وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء .
وإذا أريد تصغير ما سُمِّىَ به مما وضع ثنائياً فإن كان ثانيه صحيحاً لم يزد عليه شيء حتى يصغر ، فإذا صغر ضُعِّف . إما بتضعيف الحرف الثاني ، أو بتضعيف ياء التصغير ، للوصول إلى بنية ( فُعيل ) نحو : هَلْ مسمىً به – فيقال في تصغيره : هُليل أو هُليٌّ .
وإن كان ثانيه معتلاً وجب التضعيف قبل التصغير . وزيادة ياء التصغير بين حرفي التضعيف . وذلك مثل : ما – مسمى به – فتكون بعد التضعيف ( ماءً ) ، لأن تضعيف الألف سيؤدي إلى وجود ألفين لا يمكن النطق بهما ، فتنقلب الثانية منهما همزة ، ثم يصغر فيقال : مُويّ . لأن الألف الأصلية وهي الحرف الثاني في الكلمة مجهولة الأصل ، فانقلبت واواً ، ثم وليتها ياء التصغير . وقلبت الألف الثانية المزيدة للتضعيف ياء لوقوعها بعد ياء التصغير وأدغمت فيها .
__________
(1) - يعرف الحرف المحذوف بالرجوع إلى التثنية أو الجمع أو الفعل .(2/162)
أما تصغير (ماء ) وهو الذي يشرب ، فهو : مُوَيه . لأن ألفه مبدلة من واو ، إذ أصله : مَوَهٌ ، بدليل : أمواه . فتحركت الواو في المفرد وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً ، ثم انقلب الهاء همزة سماعاً على غير قياس ،فعند تصغيره يرجع كل حرف إلى أصله .
ويعتبر الاسم ثنائيّاً – يجري عليه ما يجري على الثنائي من إرجاع المحذوف ومن غيره – إذا كانت حروفه ثلاثة أولها همزة وصل ، مثل : ابن ، واسم ، فتحذف همزة الوصل عند تصغيره ، ويرجع المحذوف وهو اللام ، لأن أصلهما : بَنَوٌ وسَمَوٌ ، فيقال : بُنَيٌّ وسُمَيٌّ ، بقلب الواو ياء وإدغامها في ياء التصغير .
وهذا معنى قوله : ( وكَمِّل المنقوص في التصغير .. إلخ ) أي : كمل الاسم الناقص وهو ما حذف منه أصل : بأن ترد إليه ما حذف منه ما دام لم يحو حرفاً ثالثاً غير تاء التأنيث ، أما ما فيه ثالث غير التاء فلا يرد إليه المحذوف . وعبر بالتاء دون الهاء ليشمل تاء (بنت وأخت) كما تقدم . ثم مثل بقوله : (ما ) وهو يحتمل أن يراد به الماء المشروب ، ويكون قصره للضرورة . والمراد بقوله :( الناقص ) حينئذِ ما حذف منه حرف أصلي ولو مع إبداله بآخر. ويحتمل أن المراد بـ (ما ) الاسم الثنائي وهو (ما ) الموصولة . ويكون المراد بالمنقوص كل اسم ناقص عن الثلاثة ولو بالوضع .
***
851- وَمَنْ بِتَرْخِيمٍ يُصَغِّرُ اكْتَفَى بِالأَصْلِ كَالْعُطَيْفِ يَعْني الْمِعْطَفَا
هذا النوع الثاني من أنواع التصغير . وهو تصغير الترخيم . وهو تصغير الاسم بعد تجريده من الزوائد التي فيه وله صيغتان :
فُعيل لتصغير الاسم ثلاثي الأصول .
فعيعل لتصغير الاسم رباعي الأصول . وتزاد تاء التأنيث إن كان مسماه مؤنثاً .(2/163)
فمثال الأول : حامد ، محمود ، حمدان ، فيقال في تصغيرها : حُميد . ويقال في تصغير :حبلى: حبيلة . بزيادة تاء التأنيث ، للتفرقة بين مصغره ومصغر المذكر إذ لو قيل : حبيل لألتبس بتصغير ( حبل ) إلا إن كان من الأوصاف الخاصة بالمؤنث ، فلا تلحقه التاء ، فتقول في تصغير : حائض وطالق : حُييض ، وطُليق بحذف الألف .
ومثال الثاني : قرطاس وعصفور ، فتقول في تصغيرها : قريطس وعصيفر .
وفي هذا يقول ابن مالك : ( وَمَنْ بترخيم يصغر اكتفى بالأصل .. إلخ ) أي : والذي يصغر الاسم تصغير ترخيم يكتفى بالحروف الأصلية ويحذف ما عداها (1) . فتقول في تصغير : معطف عطيف : بحذف الميم . والمعطف : بكسر الميم : هو الكساء .
852- واخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيثِ مَا صَغَرْتَ مِنْ مُؤنَّثٍ عَارٍ ثُلَاثيٍّ كَسِنْ
853- مَا لَمْ يَكُنْ بِالتَّا يُرَى ذَا لَبْسِ كَشَجَرٍ وَبَقَرٍ وَخَمْسِ
854- وَشَذَّ تَرْكٌ دُونَ لَبْسٍ وَنَدَرْ لَحَاقٌ تَا فِيمَا ثُلَاثِيّاً كَثَرْ
إذا أريد تصغير الاسم الثلاثي المؤنث الخالي عن علامة التأنيث لحقته التاء عند أمن اللبس ، سواء كان باقياً على ثلاثيته أم حذف منه شيء ، فتقول في تصغير : دار ، وهند ، وشمس ، دويرة ، وهنيدة ، وشميسة . وتقول في تصغير : يد : يُدَيّة . برد اللام المحذوفة وهي الياء .
__________
(1) - حكى سيبويه في تصغيير : إبراهيم : بُرَيْهاً . وهو مستعمل في لهجتنا . لكنه شاذ لا يقاس عليه ، لأن فيه حذف أصليين . وهما : الميم – اتفاقاً – والهمزة على رأي المبرد ، وأما سيبويه فيرى أنها زائدة ، والقياس عنده أن يقال : بريهم ، بحذف الزوائد فقط وهي الهمزة والألف والياء . انظر : كتاب سيبويه (3/476) شرح الكافية لابن مالك (4/1927) .(2/164)
فإن خيف اللبس لم تلحقه التاء فتقول في : شجر وبقر . وخمس – الدال على معدود مؤنث – شجير ، وبُقَير ، وخميس – بلا تاء – إذ لو قلت : شجيرة وبقيرة وخميسة ، لالتبس بتصغير : شجرة وبقرة وخمسة – الدال على معدود مذكر – وشذ حذف التاء عند أمن اللبس كقولهم في تصغير : ذود(1) . ذويد . وقوس : قُويس . ونعل : نُعيل .
فإن كان الاسم غير الثلاثي لم تلحقه التاء ، نحو : زينب وسعاد ، فلا يقال فيهما : زيينبة ولا سُعيِّدة . وما ورد من ذلك فهو نادر . كقولهم في تصغير : قدام ، قديديمة . بفك إدغام الدال وجعل ياء التصغير بينهما وقلب الألف ياء ، لأنهما مدة قبل الآخر ، والقياس حذف التاء .
وهذا معنى قوله : ( واختم بتاء التأنيث .. إلخ ) أي : اختم بتاء التأنيث ما صغرته من كل اسم عارٍ من التاء ثلاثي ، كقولك في سن : سُنينة . ثم ذكر أن شرط إلحاق التاء أن لا يحصل لبس فإن حصل لبس لم يؤت بالتاء .
ثم ذكر أن ترك التاء مع أمن اللبس شاذ ، وأن من النادر زيادة هذه التاء إذا فاق الاسم المصغر ثلاثة وزاد عليها . وقوله : ( كثَر ) بفتح الثاء المثلثة بمعنى : زاد ، من قولهم:كاثرته فكثرته أي : غلبته وزدت عليه .
855- وَصَغَّرُوا شُذُوذاً الَّذِي الَّتي وَذَا مَعَ الفُرُوعِ مِنْهَا تَا وَتي
تقدَّم أن التصغير من خواص الأسماء المعربة ، وأن المبنيات لا تصغر . وقد سمع عن العرب تصغير بعض أسماء الإشارة والأسماء الموصلة . فقالوا في تصغير الذي: اللذَيَّا أو اللُذَيَّا . وفي التي : اللَتيَّا أو اللُتَيَّا . وفي تصغير الذين : اللُذَيِّن .
أما المثنى – اللذان واللتان – فعلى القول بأنهما معربان يكون تصغيرهما قياسيّاً ، إلا أن العرب فتحت أولهما عند التصغير ، فقالوا : اللَّذايَّان واللَّتيَّانِ . ومن هنا كان الشذوذ .
__________
(1) - الذود من الإبل : ما بين الثلاث إلى العشر .(2/165)
أما أسماء الإشارة فقالوا في تصغير : ذا وتا : ذَيَّا وتَيَّا – بفتح أولهما وقلب ثانيهما – وهو الألف –ياء وإدغامها في ياء التصغير – وزيادة ألف بعد الياء المشددة . وقالوا في تصغير : أُولى – وهو اسم الإشارة للجمع – بالقصر - : أُولَيَّا – بالقصر ، مع تشديد الياء ومدها دون الهمزة – أو أُولَيئَا – بالمهزة الممدودة بعد ياء التصغير – وقالوا في تصغير : أولاء – بالمد - : أُولَيَّا .
أما المثنى – ذان وتان – فعلى القول بأنهما معربان – يكون تصغيرهما قياسيّاً إلا أن العرب غيَّرت فيهما تغيراً لا يقتضيه التصغير كفتح أولهما وتشديد الياء ، فقالوا : ذيّان وتيَّان ، ومن هنا كان الشذوذ ..
وفي بعض هذه الأمور السماعية يقول ابن مالك : ( وصغروا شذوذاً الذي .. إلخ ) أي : أن العرب صغَّرت شذوذاً بعض الأسماء المبنية : ( الذي والتي ) الموصولتين . و (ذا ) الإشارية . مع فروعها التي منها : (تا) للمفردة المؤنثة وكذا : (تي ) .
ولم يبين كيفية تصغيرها : بل ظاهره يوهم أن تصغيرها كتصغير الأسماء المعربة ، ثم إن قوله : ( مع الفروع ) ليس على عمومه ، لأنهم لم يصغروا جميع الفروع فإنهم لم يصغروا من ألفاظ المؤنث إلا ( تا ) دون (تي ) ، وهو المفهوم من التسهيل (1) ) .
****
النسب
856- يَاءً كَيَا الْكُرْسيِّ زَادُوا لِلنَّسَبْ وَكُلُّ مَا تَلِيهِ كَسْرُهُ وَجَبْ
النسب : هو إلحاق الاسم ياء مشددة في آخره ، ليكون اسماً للمنسوب بعد أن كان اسماً للمنسوب إليه .
وللنسب ثلاثة تغييرات :
تغيير لفظي : وهو زيادة مشددة في آخر المنسوب إليه . وكسر ما قبلها .
تغيير معنوي : وهو صيرورة الاسم اسماً للمنسوب بعد أن كان اسماً للمنسوب إليه . فتقول في النسب إلى نجد: نجدي ، وإلى جامعة : جامعي . قال تعالى : ((الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ )) [ النور : 35) . نسبة إلى الدُّر .
__________
(1) - التسهيل بشرح ابن عقيل (3/522) .(2/166)
تغيير حكمي : وهذا من ناحية الإعراب .وهو أن الاسم المنسوب يأخذ حكم الصفة المشبهة في رفع الاسم الظاهر والمضمر . لأنه مؤول بالمشتق ، ويعرب مرفوعه نائب فاعل . نحو : هذا مكي أبوه .
والغرض من النسب : توضيح المنسوب أو تخصيصه ، وذلك بنسبته إلى مدينته التي نشأ فيها نحو : مدني ، أو قبيلته نحو : عُتيبي، أو مهنته نحو : فاكهي ، أو صفة يمتاز بها نحو : إداري ، سياسي ، أو علم نبغ فيه مثل : نحوي ، وصرفي ، وبلاغي ، ونحو ذلك . إضافة إلى أن فيه اختصاراً للكلام .
وقد أشار ابن مالك إلى التغيير اللفظي فقال : ( ياء كياء الكرسي ... إلخ ) أي : أن العرب زادوا في آخر الاسم ياء للنسب مثل: ياء الكرسي . في أنها مشددة وفي آخر الاسم . غير أن ياء النسب زائدة . وياء الكرسي أصلية . ثم ذكر أن الحرف الذي تليه ياء النسب وتقع بعده يجب كسره لمناسبة الياء .
***
857- وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ وَتَا تَأْنِيثٍ أوْ مَدَّتَهُ لَا تُثْبِتَا
858- وَإنْ تَكُنْ تَرْبَعُ ذَا ثَانٍ سَكَنْ فَقَلْبُهَا وَاواً وَحَذْفُهَا حَسَنْ
تقدّم أن النسب يقتضي زيادة ياء مشددة في آخر الاسم وكسر ما قبلها ، وهذا يقتضي تغييراً لفظيّاً في آخر الاسم ، وتغييرات أخرى في الحرف الذي قبل الآخر .
وأشهر التغييرات اللفظية التي تطرأ على الآخر الذي تتصل به هذه الياء مباشرة ما يأتي :
الأول : حذف الحرف الأخير من الاسم إن كان ياء مشددة واقعة بعد ثلاثة أحرف فصاعداً لتحل محلها ياء النسب الزائدة . فتقول في النسب إلى الشافعي – رحمه الله – شافعي . وفي النسب إلى مرميّ : مرميّ .
أما الياء المشددة المسبوقة بحرف واحد أو بحرفين فسيأتي حكمهما إن شاء الله .(2/167)
الثاني : حذفه إن كان تاء التأنيث نحو : مكي ، غَزيّ ، بصري ، في النسب إلى : مكة ، وغزة ، والبصرة ، قال تعالى : ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ )) [ الأعراف : 157) . فالأمي نسبة إلى الأمة الذين لم يكتبوا ، لكونه على عادتهم (1) .
الثالث : حذفه إن كان ألف التأنيث المقصورة إذا كانت خامسة فصاعداً ، كحبارى وحباريّ . وكذا إن كانت رابعة بشرط أن يكون ثاني الاسم متحركاً نحو : جَمَزَى( (2) . وجَمَزِيّ .
فإن كانت رابعة والحرف الثاني ساكناً جاز حذفها وهو المختار ، وقلبها واواً ، فتقول : حبليٌّ ، وحُبْلَويٌّ ، في النسب إلى : حبلى .
وهذا معنى قوله : ( ومثله مما حواه احذف .. إلخ ) أي : احذف ما حواه الاسم من ياء مثل ياء النسب في كونها مشددة بعد ثلاثة أحرف فصاعداً ، ولا تُثْبِتْ تاء التأنيث ولا مدته في آخر الاسم المنسوب إليه بل احذفها . والمراد بالمدة هنا : ألف التأنيث المقصورة ، ثم ذكر الألف إذا كانت رابعة والحرف الثاني ساكن ، وأن قلبها واواً جائز وحذفها حسن ، لقوة شبهها بتاء التأنيث في زيادتها .
859- لِشِبْهِهَا الْمُلْحِقِ وَالأَصْلِيِّ مَا لَهَا ولِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى
860- وَالأَلِفَ الْجَائَزَ أَرْبَعَا أَزِلْ كَذَاكَ يَا الْمَنْقُوصِ خَامِساً عُزِلْ
861- وَالْحَذْفُ في الْيَا رَابِعاً أَحَقُ مِنْ قَلْبٍ وَحَتْمٌ قَلْبُ ثَالِثٍ يَعِنّ
__________
(1) - هذا أحد الأقوال في نسبة ( الأمي ) وانظر : البحر المحيط (1/436) .
(2) - هو وصف بمعنى سريع ، يقال : فرس جمزي . أي : سريعة المشي .(2/168)
الرابع : مما يحذف لأجل ياء النسب ألف الإلحاق المقصورة إن كانت خامسة كحبركي(1) وحبركىّ ، فإن كانت رابعة جاز فيها الوجهان : الحذف ، والقلب . وهو المختار محافظة على حرف الإلحاق فتقول في :علقى : علقيّ وفي أرطى ارطيّ وأرطوي ، ويجوز زيادة ألف قبل الواو فتقول : علقاوي وأرطاوي .
الخامس : حذف ألف الاسم المقصور ، وهي الألف الأصلية (2) إن كانت خامسة فصاعداً ، فتقول في : مرتضى : مرتضيّ . وفي : مستشفى : مستشفيّ .
وكذا إن كانت رابعة والثاني متحرك . فتقول في : بَرَدَى : برديّ ، وفي : سَنَفَا (3) . سنفي . فإن كان الثاني ساكناً جاز حذفها أو قلبها واواً ، وهو المختار : فتقول في : أبها : أبهي . أو أبهوي ، وفي : بُصْرى : بُصْروي . ، ويجوز زيادة ألف قبل الواو ، كما تقدم .
وإن كانت الألف المنقلبة عن أصل ثالثة قلبت واواً فتقول في : ربا : ربويّ ، وفي : نوى (4) نوويّ ، وفي : فتى : فتويّ (5) .
السادس : حذف ياء المنقوص إن كانت خامسة فصاعداً ، فتقول في النسب إلى : المقتدى : مقتديٌّ ، وإلى : المستعلي : مستعليٌّ .
وإن كانت رابعة جاز حذفها أو قلبها واواًَ مع فتح ما قبلها – كما سيأتي – فتقول في : القاضي : القاضَويّ أو القاضيّ .
__________
(1) - من معانيه الطويل الظهر القصير الرجلين ، ويطلق – أيضاً – على القراد ، وألفه للإلحاق بسفرجل .
(2) - المراد بالأصلية : المنقلبة عن أصل واوٍ أو ياء ، لأن الألف لا تكون غير منقلبة إلا في حرف أو شبهه مثل ( ما ) الاسمية .
(3) -بردي : بالفتح أعظم نهر في دمشق ، وسنفار: بلدة في مصر .
(4) - قرية بالشام نسب إليها الإمام النووي رحمه الله .
(5) - تقلب الألف الثالثة واواً وإن كان أصلها الياء مثل: فتى ، لوجوب كسر ما قبل ياء النسب ، واجتماع الكسر والياءات ثقيل ، والألف لا تقبل الحركة .(2/169)
وإن كانت ثالثة قلبت واواً وفتح ما قبلها ، فتقول في : الشجي (1) الشجويّ ، وفي : العشي : العشويّ .
وفيما تقدم يقول ابن مالك : ( لشبهها الملحق والأصلي مالها .. إلخ ) فقوله : ( لشبهها ) خبر مقدم ( مالها ) مبتدأ مؤخر . أي : ما ثبت لألف التأنيث من جواز الوجهين – الحذف والقلب – ثابت لما أشبهها من ألف الإلحاق والألف الأصلية ، ووجه الشبه : كون الألف رابعة وثاني كلمتها ساكن (2) وأشار بقوله: ( وللأصلي قلب يعتمى ) إلى أن القلب في الألف الأصلية أحسن من الحذف ، وقوله : (يعتمى) أي : يختار ، يقال : اعتماه يعتيمه ويعتامه ، إذا اختاره ، وظاهر كلامه أن اختيار القلب ، خاص بالأصلية ، مع أنه صرح في الكافية وشرحها بأن القلب في ألف الإلحاق الرابعة أجود من الحذف كالأصلية ، وإن كان ذكر أن الحذف في ألف الإلحاق أشبه من الحذف في الأصلية (3) .
ثم بين حكم الألف الزائدة على أربعة أحرف وأنها تحذف ، وكذلك ياء المنقوص إذا كان خامساً ( عُزل ) أي : طرح وحذف . أما الرابعة فحذفها أولى من قلبها واواً ، وقوله : ( حتمٌ قلب ثالث يَعِنّ ) بكسر العين وسكون النون للوزن ، وأصلها مشددة من : عَنَّ يَعنُّ ، أي يعترض ويوجد ، والمعنى : أنه يجب قلبُ كلِّ ثالث معتل من ألف مقصور أو ياء منقوص . أما ألف التأنيث والإلحاق فلا يقعان ثالثين : .
862- وَأَوْلِ ذَا الْقَلْبِ انْفِتَاحاً وَفَعِلْ وَفُعِلٌ عَيْنَهُمَا افْتَحْ وَفَعِلْ
تقدَّم أن النسب يقتضي تغييراً في آخر الاسم المنسوب إليه.
وتغييراً في الحرف الذي قبل الآخر ، وذكر هنا التغيير الأول في الحرف الذي قبل الآخر ،وهو :
__________
(1) - الشجي : هو الحزين .
(2) - وإنما قُيّد بسكون الثاني لأن الألف لا تقع رابعة والثاني متحرك إلا إذا كانت للتأنيث ، كما ذكر ابن هشام في أوضح المسالك (4/332) .
(3) - انظر شرح الكافية الشافية (4/1942) ,(2/170)
وجوب التخفيف بقلب الكسرة فتحة في عين الاسم الثلاثي المكسور العين ، سوء كانت فاؤه مضمومة أم مفتوحة أو مكسورة .
فمن المضمومة : دُئِل(1) والنسب إليها : دُؤَلي .
ومن المفتوحة : مَلِك ، نَمِر (2) والنسب إليهما : مَلَكي ، نَمَري .
ومن المكسورة : إبِل ، والنسب إليها : إبَلي .
ويدخل في ذلك ما تقدم من أن ياء المنقوص إذا قلبت واواً وجب فتح ما قبلها ، لقصد التخفيف .
وهذا معنى قوله : ( وأول ذا القلب انفتاحاً .. . إلخ ) أي : اجعل ذلك القلب –أي قلب ياء المنقوص واواً – والياً انفتاحاً . أي : افتح الحرف الذي قبله . وكذا كل ثلاثي مكسور العين فيجب فتح عينه عند النسب ، سوء كان مفتوح الفاء أو مكسورها، أم مضمومها .
863- وَقِيلَ في الْمَرْميّ مَرْمَويُّ وَاْختِيرَ في اسْتِعْمَالِهِمْ مَرْمِيٌّ
تقدّم أنه إذا كان آخر الاسم يا مشددة مسبوقة بأكثر من حرفين وجب حذفها في النسب . وذكر هنا أنه إذا كانت إحدى اليائين أصلاً والأخرى زائدة فمن العرب من يحذف الزائدة . ويبقي الأصلية ويقلبها واواً ، فيقول في : المرمي ، مَرْمَويٌّ ، وهي لغة قليلة ، والمختار الحذف فتقول : مرميٌّ (3) كما تقدم .
864- وَنَحْوُ حَيٍّ فَتْحُ ثَانِيهِ يَجِبْ وَارَدُدْهُ وَاواً إنْ يَكُنْ عَنْهُ قُلِبْ
__________
(1) - دُئِل : دويبة كابن عرس : سميت به قبيلة من كنانة منها أبو الأسود الدؤلي .
(2) - نَمِر : أبو قبيلة كما في القاموس :
(3) - أصل : مرميّ مَرْمَويٌّ اسم مفعول من (رمى) فالواو زيدت في صيغة اسم المفعول : والياء التي بعدها منقلبة عن حرف أصلي . وهو الألف المرسومة ياء في آخر الفعل .(2/171)
تقدم أن الياء المشددة إذا سبقت بأكثر من حرفين حذفت عند النسب ، وذكر هنا أنها إذا كانت مسبوقة بحرف واحد فإنها لا تحذف ، بل يُفكُّ إدغامها ، وتقلب الياء الثانية واواً مكسورة قبل ياء النسب ، وتفتح الياء الأولى للتخفيف ، وترجع إلى أصلها الواو إن كان واواً . وتبقى إن كان أصلها الياء .
فتقول في النسب إلى :ريّ : رَوَويّ ، فرجعت الياء الأولى إلى أصلها ، وهو الواو، بدليل الفعل :( روى يروي ) وقلبت الثانية واواً .
وتقول في النسب إلى : حيّ حيويّ . لأن الياء الأولى بقيت على أصلها بدليل الفعل ( حَييَ ) وقلبت الثانية واواً على ما ذكرنا .
وهذا معنى قوله : ( ونحو حي فتح ثانيه يجب .. إلخ ) أي إذا نسب إلى ما فيه ياء مشددة بعد حرف مثل: حيّ فلا يحذف منه شيء ، بل يجب فتح ثانيه . ورده إلى الواو إن يكن منقلباً عن واو . ومفهومه أنه إذا كان أصله الياء يبقى على حاله ياء .
865- وَعَلَمَ التَّثْنِيَةِ احْذِفْ للنَّسِبْ وَمِثْلُ ذَا في جَمْعِ تَصْحِيحٍ وَجَبْ
تقدَّم أربعة أشياء مما يحذف في آخر الاسم للنسب وهي – الياء المشددة بعد ثلاثة أحرف فصاعداً ، وتاء التأنيث ، والألف بأنواعها ، وياء المنقوص – وذكر هنا الخامس والسادس ،وهما: علامة التثنية وعلامة جمع التصحيح .
فإذا أُريد النسب إلى المثنى جُرّد من علامة التثنية ونسب إلى مفرده ، فتقول في النسب إلى : مدرستين : مدرسي . وجبلين . جبلي .
وإذا أريد النسب إلى جمع المذكر السالم جُرِّد من علامة الجمع ، ونسب إلى مفرده ، فتقول في النسب إلى : معلمين : معلميّ ، وصالحين : صالحي .
وإذا أريد ألنسب إلى جمع المؤنث السالم جرد من علامة الجمع ونسب إلى مفرده ، فتقول في النسب إلى : الساعات : الساعي . وفي : وردات . وردي .
وإذا حصل لبس بين النسب إلى المفرد وما ذكر من المثنى والجمع فإنه يُميَّز بينهما بالقرائن التي تحدد المراد .(2/172)
وفي هذا الحذف يقول ابن مالك : ( وعلم التثنية احذف... إلخ ) : احذف علامة التثنية لأجل النسب . ومثل هذا الحذف للعلامة وجب في جمع التصحيح بنوعيه المذكر والمؤنث .
866- وَثَالِثٌ مِنْ نَحْوِ طَيِّبٍ حُذِفْ وَشَذَّ طَائِيٌّ مَقُولاً بِالأَلِفْ
تقدَّم مما يحذف من الأمور المتصلة بآخر الاسم للنسب كسرة عين الاسم الثلاثي وإبدالها فتحة . وذكر هنا الأمر الثاني وهو حذف الياء المكسورة المدغمة فيها ياء أخرى .
فإذا أريد النسب إلى اسم وسطه ياء مشددة مكسورة . فُكَّ إدغام الياء وأبقيت الأولى الساكنة وحذفت الثانية المكسورة تخفيفاً.وزيدت على الاسم ياء النسب . فتقول في النسب إلى: كُثيِّر (1) كُثَيْري . وفي : غُزَيِّل : غَزَيْلي .
بخلاف نحو : هَبَيَّخ (2) فلا تحذف الياء الثانية لعدم كسرها ، فيقال : هَبَيَّخِيّ . وكان القياس أن يقال في النسب إلى : طيّء : طَيْئيّ . بحذف الياء الثانية ، ولكنهم بعد حذفها قلبوا الياء الباقية ألفاً على غير قياس ، لأنها ساكنة ، وإنما تقلب المتحركة ، فقالوا طائي .
وهذا معنى قوله : ( وثالثٌ من نحو طيب حذف .. إلخ ) أي : أن الحرف الثالث – وهو الياء الثانية – من كل اسم وسطه ياء مشددة مكسورة . نحو : طيّب . يجب حذفه فتقول : طيْيّ . وشذ (طائي ) بإبدال الياء ألفاً كما تقدم . وقوله ، ( وثالث ) مبتدأ وهو نكرة وسوغ الابتداء به كونه صفة لمحذوف أي : وحرف ثالث . أو المجرور بعده صفة له ، والخبر قوله : ( حُذف ) .
867- وَفَعَليٌّ في فَعِيلَةَ الْتُزِمْ وَفُعَليٌّ فِي فَعَيْلَةٍ حُتِمْ
الثالث والرابع من الأمور المتصلة بالآخر التي تحذف للنسب : ياء ( فَعيلة ) و( فُعيلة ) .
__________
(1) - اسم رجل : وهو صاحب عَزَّة كما في القاموس .
(2) - الهبيّخ : الغلام السمين . والأنثى : هبيّخة .(2/173)
فإذا أريد النسب إلى اسم على وزن ( فَعيلة )- بفتح الفاء – حذفت منه تاء التأنيث أولاً ، لأنها لا تجامع ياء النسب – كما تقدم – ثم حذفت الياء . ثم قلبت كسرة العين فتحة . كراهة توالي كسرتين وياء النسب ، وذلك بشرطين :
أن تكون العين صحيحة (1) .
ألا تكن العين مضعفة .
فتقول في النسب إلى : حنيفة ، وصحيفة ، وجزيرة ، حنفي ، وصحفي ، وجزري ، وقبيلة ، قَبَليّ .
فإن كانت العين معتلة أو مضعفة ، فسيأتي حكمهما إن شاء الله .
وإذا أريد النسب إلى اسم على وزن ( فُعيلة ) – بضم الفاء – حذفت منه تاء التأنيث أولاً . ثم حذفت منه الياء (2)
__________
(1) - اشتراط صحة العين خاص بـ ( فَعيلة ) – بفتح الفاء – أما فُعيلة – بضمها – فلا يتشرط فيه ذلك فتحذف منه التاء والياء ولو كان معتل العين ، لأن حرف العلة إذا انضم ما قبله لا يقلب ألفاً . بخلاف ما إذا انفتح ما قبله كما في ( فعيلة ) –بفتح الفاء – كما سيأتي إن شاء الله .
(2) -يرى بعض الباحثين المعاصرين أنه لا يلزم حذف ياء فعيلة مطلقاً . بناء على عدد غير قليل من الكلمات الواردة عن العرب لم تحذف فيها الياء وحكم عليها النحاة بالشذوذ مثل : سليقة وسَليقي ، وعُميرة وعُميري ، ورُدينة ورُديني وسَليمة وسَليمي . .. ويرى أن الحذف – بالإضافة إلى الشرطين المذكورين – مشروط باشتهار الاسم المنسوب إليه شهرة فياضة ، تمنع الخفاء واللبس عن مدلوله إذا حذفت ياء ( فعيلة ) للنسب .
واستند الباحث - بالإضافة إلى ما ورد من المسموع – إلى قول ابن قتيبة في كتاب ( أدب الكاتب ) ص (280) : ( إذا نسبت إلى ( فعيل ) أو ( فَعيلة ) من أسماء القبائل والبلدان وكان مشهوراً ألقيت منه الياء ، مثل : رَبيعة وبجيلة وحنيفة فتقول : ربعي وبجلي وحنفي ، وفي ثقيف : ثقفي ، وعتيك : عتكي .
وإن لم يكن الاسم مشهوراً – علماً كان أم نكرة – لم تحذف الياء في الأول ( أي (فَعيل ) ولا في الثاني ( أي : فعيلة ) اهـ.
وجاء في كتاب ( الصحاح ) للجوهري (6/2201) في النسب إلى كلمة : ( مدينة ) ما نصه ( وإذا نسبت إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم قلت : مدني ، وإلى مدينة المنصور : مديني ، وإلى مدائن كسرى : مَدَائني ، للفرق بين النسب لئلا يختلط . ) اهـ . وانظر شرح الأشموني (4/187) والنحو الوافي (4/729) .(2/174)
. بشرط ألا تكون العين مضعفة ، فتقول في النسب إلى : جهينة وقريظة ومُزينة : جهنيّ ، وقرظيّ ، ومزنيّ ، فإن كانت العين مضعفة فسيأتي حكمهما إن شاء الله .
وهذا معنى قوله : ( وفَعَليٌُّ في فَعيلة التزم .. إلخ ) أي : الُتزم في النسبة إلى ( فعيلة ) حذف التاء والياء وفتح العين ، وحُتِمَ في النسبة إلى ( فُعيلة ) حذف الياء والتاء أيضاً .
868- وأَلْحَقُوا مُعَلَّ لَامٍ عَرِيَا مِنَ الْمِثَاليْنِ بِمَا التَّا أوليَا
الخامس والسادس من الأمور المتصلة بالآخر التي تحذف للنسب : ياء ( فَعيل ) المعتل اللام ، وياء ( فُعيل ) المعتل اللام .
فإن كان الاسم على وزن ( فَعيل ) وكان معتل اللام ، وجب حذف الياء الأولى بعد فك الإدغام ، ثم قلب الكسرة فتحة – لما تقدم – وقلب الياء الثانية ألفاً ثم واواً لتقبل الحركة . فتقول في النسب إلى : عديّ عدَويّ ، وفي عليّ : علَويّ . وفي : غنيّة غنويّ .
فإن كان الاسم صحيح اللام لم تحذف الياء ، فتقول في عَقيل :عَقيلي،وفي:جَميل: جميلي .
وإذا كان الاسم على وزن ( فُعيل ) وكان معتل اللام ، حذفت الياء الأولى بعد فكّ الإدغام ، ثم قلبت الثانية ألفاً ثم واواً ، فتقول في : قُصيّ قُصَوِيّ ، وفي : فُتيّ : فُتَوِيّ . وفي أميّة : أُمويّ .
وهذا حكم الياء المشددة الواقعة بعد حرفين الذي وعدنا به في أول الباب .
فإن كان الاسم صحيح اللام لم تحذف الياء .فتقول في : عُقيل : عُقيلي ، ورُدين : رُديني .
وقد ورد سماعاً بحذف الياء . مع صحة اللام كقولهم في : قُريش : قُريشي ، وفي ثقيف : ثقفي ، وفي : هذيل : هُذَلي . ويرى المبرد ومن وافقه أن هذا الحذف قياسي ، لكثرة الوارد منه فالوجهان عند جائزان (1) .
__________
(1) - انظر : الأشموني (4/187) .(2/175)
وإلى حكم ( فَعيل ) و( فُعيل ) أشار بقوله : ( وألحقوا مُعَلَّ لامٍ عريا .. إلخ ) أي : ألحقت العرب معتل اللام العاري من التاء من باب ( فَعيلة وفُعيلة ) بما وليته التاء منهما في حذف الياء وفتح ما قبلها إن كان مكسوراً ، ومفهوم قوله ( مُعَلَّ لام ) أن صحيح اللام لا تحذف منه الياء .
869- وَتَمَّمُوا مَا كَانَ كَالطَوِيلَهْ وَهكَذَا مَا كَانَ كالْجَلِيلَهْ
تقدّم أن شرط حذف الياء من (فَعيلة) و (فُعيلة) صحة العين (1).وسلامتها من التضعيف .وذكر هنا أنه إذا كان ( فَعيلة ) مضعفاً ، أو معتل العين حذفت تاؤه فحسب ، فتقول في النسب إلى : حَقيقة : حَقيقي ، وعفيفة ، عفيفي ، وتقول في : عويصة : عويصي ، وزُويلة (2) .زويلي.
وكذا إن كان ( فُعيلة ) مضعف العين فتحذف تاؤه فحسب ، فتقول في : هُريرة : هُريري ، وفي أُميمة : أميميّ .
فإن كانت العين معتلة حذفت الياء فتقول في : نُويرة : نُوَيريّ وفي : عُيينة : عُيَينِيّ (3) .
__________
(1) - هذا خاص بـ ( فَعيلة ) – مفتوح الفاء – كما تقدم .
(2) - في القاموس : ( زويلة كجهينة : موضع ، أو رجل ، وباب زُويلة بالقاهرة ) .
(3) - هذا موضع الاختلاف بين المنسوب إلى ( فُعيلة ) والمنسوب إلى ( فَعيلة ) وهو أن معتل العين من ( فَعيلة ) كطويلة تبقى ياؤه . لأن حذفها يستدعي إعلالاً يبعدها عن صورة المنسوب إليه ، لأن العين معتلة فكان يلزم قلبها ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها أما معتل العين من ( فُعيلة ) فتحذف ياؤه لأن حذفها لا يؤدي إلى الإعلال المذكور ، لأن فاءها مضمومة , انظر : التصريح (2/331) النحو الواضح .(2/176)
وهذا معنى قوله : ( وتمموا ما كان كالطويلة .. إلخ ) أي : تمموا ولم يحذفوا (ما كان) من فعيلة معتل العين صحيح اللام ( كالطويلة ) ، فقالوا : طويلي . ( وهكذا ) تمموا (ما كان) من فَعيلة وفُعيلة مضاعفاً . ( كالجليلة ) والحُميمة (1) . فقالوا : جليلي ، وحُميمي.
870- وَهَمْزُ ذِي مَدٍّ يُنَالُ فِي النَّسَبْ مَا كَانَ في تَثْنِيةٍ لَهُ انْتَسِبْ
إذا أريد النسب إلى المدود ، فحكم همزته حكمها في التثنية . فإن كانت زائدة للتأنيث قلبت واواً ، فتقول في : حمراء : حمروي. . وفي خضراء : خضراوي .وإن كانت زائدة للإلحاق (2) . جاز فيها الوجهان : 1- بقاؤها . 2- قلبها واواً وهو أرجح .
فتقول في : علباء (3) : علبائي أو علباوي . وأصل : علباء : علباي بياء زائدة للإلحاق بقرطاس . ثم أبدلت الياء همزة لوقوعها متطرفة بعد ألف زائدة .
وإن كانت بدلاً من أصل فكذلك إلا أن الأرجح إبقاؤها . فتقول في : كساء : كسائي أو كساوي . وفي بناء : بنائي أو بناوي ، وأصل : كساء : كساو ، لأنه من كسوت . وبناء : بناي ، لأنه من بنيت .
وإن كانت أصلية وجب إبقاؤها ، فتقول في : إنشاء : إنشائي ، وفي : ابتداء : ابتدائي ، لأنهما من أنشأ وابتدأ ، فالهمزة أصلية .
وهذا معنى قوله : ( وهمز ذي مدٍّ ينال في النسب .. إلخ ) أي : أن همزة الممدود تُعطي في النسب من الحكم ما جرى عليها في التثنية كما تقدم .
871- وَانْسُبْ لِصَدْرِ جُمْلَةٍ وَصَدْرِ مَا رُكِّبَ مَزْجاً وَلِثَانٍ تَمَّمَا
872- إضَافَةً مَبدوءةً بِابْنٍ أوَ ابْ أوْ مَالَهُ التَّعْرِيفُ بِالثَّانِي وَجَبْ
873- فِيمَا سِوَى هذَا انْسُبَنْ لِلأَوَّلِ مَا لَمْ يُخَفْ لَبْسٌ كَعَبْدِ الأشْهَلِ
__________
(1) - بلدة بالبلقاء من أرض الشام . ومكان قرب مكة . [ انظر : معجم البلدان (2/307) ] .
(2) - تقدم معنى الإلحاق . في أواخر الممنوع من الصرف .
(3) - علباء : اسم لبعض أعصاب العنق ، وتقدم ذلك .(2/177)
إذا أريد النسب إلى المركب فإن كان مركباً إسناديَاً أو مزجيّاً (1) . نُسب إلى صدره وحُذف عجزه . فتقول في النسب إلى المركب الإسنادي : رام الله (2) . رامي ، وفي النسب إلى المركب المزجي : بَعْلَبَك (3) . بَعْلِيّ
أما المركب الإضافي فإن كان صدره أباً أو ابناً نسب إلى عجزه وحذف صدره . فتقول في النسب إلى : أبي حنيفة : حَنَفِي ، وفي : ابن الزبير : زبيري . وفي ابن عمر : عمري .
وكذا إن كان مُعَرَّفاً صدره بعجزه – بأن يكون صدره نكرة وعجزه معرفة بها يتعرف الصدر . فإنه ينسب إلى عجزه فتقول في : غلام زيد : زيدي ، فإن لم يكن كذلك نسب إلى صدره وحذف عجزه ، فتقول في النسب إلى : امرئي القيس : امرئي أو مَرَئي . وإن خيف اللبس بعدم معرفة المنسوب إليه ، فإنه ينسب إلى العجز . ويحذف صدره ، فتقول : في النسب إلى : عبد المطلب : مطلبي ، وإلى : عبد مناف : منافي . لأنه لو نسب إلى الصدر وقيل : عبدي ، لم يعرف المنسوب إليه .
وهذا معنى قوله : ( وانسب لصدر جملة .. إلخ ) أي : انسب لصدر المركب الإسنادي ، وصدر ما ركب تركيب مزج ، وانسب للثاني – وهو العجز – إذا كان متمماً لمركبك إضافي مبدوء بكلمة ( ابن ) أو ( أب) أو مبدوء بلفظ يجب تعريفه بالثاني –أي المضاف إليه - . وقوله: (تَمَّما ) بفتح التاء . بمعنى : كمَّل ، وألفه للإطلاق . وقوله ( أو اب ) بنقل حركة الهمزة الثانية إلى الواو .
ثم بَيَّنَ أنه ما سوى هذه المواضع التي ينسب فيه إلى الجزء الثاني من المركب الإضافي فإنه ينسب للجزء الأول ، ما لم يخف بالنسب إليه لبس . فإن خيف لبس نسب إلى الثاني كعبد الأشهل فتقول : أشهلي .
874- وَاجْبُرْ بِرَدِّ اللَّامِ مَا مِنْهُ حُذِفْ جَوَازاً إنْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ
__________
(1) - تقدم تعريفهما في باب العلم .
(2) - مدينة في فلسطين .
(3) - مدينة في الشام بينها وبين دمشق ثلاث أيام وقيل : اثنا عشر فرسخاً من جهة الساحل .(2/178)
875- فِي جَمْعَي التَّصْحِيحِ أوْ فِيْ التَّثْنِيةِ وَحَقُّ مَجْبُورٍ بِهذِي تَوْفِيَهْ
876- وَبِأَخٍ أُخْتاً وَبِابْنٍ بِنْتَا أَلْحِقْ وَيُونُسُ أبَى حَذْفَ التَّا .
إذا أريد النسب إلى اسم ثلاثي محذوف اللام فإن كانت لا ترد إليه في التثنية والجمع ، جاز ردها وعدم ردها عند النسب ، فتقول في النسب إلى : يد : يَدويّ ، برد اللام ، وقلبها واواً وفتح ما قبلها ، أو يديّ ، بعدم رد اللام ، كما قالوا في المثنى ، يدان ، وفي النسب إلى : ابن : بنَوي ، بحذف همزة الوصل لأنها عوض ، ورد اللام وقلبها واواً وفتح ما قبلها . أو : ابني ، بعدم ردها وإثبات الهمزة ، كما قالوا في المثنى ، ابنان . وأصل: يد : يَدْيٌ ، فحذفت اللام تخفيفاً بدون تعويض . وأصل : ابن : بَنَوٌ ، فحذفت اللام وعوض عنها الهمزة .
وإن كانت لامه ترد في التثنية أو الجمع وجب ردها عند النسب ، فقتول في النسب إلى : أب وأخ : أبوي ، وأخوي . بإرجاع الواو المحذوفة . بدليل : أبوان وأخوان .
وتقول في النسب إلى: بنت وأخت . بنوي وأخوي ، بحذف تاء التأنيث ، ورد اللام المحذوفة وهي الواو ، وفتح أولهما وثانيهما ، لأنه أصلهما قبل الحذف بدليل:بنات(1) وأخوات . فيكون النسب إليهما كالنسب إلى :أخ و ابن . ولا يضر الالتباس لأنهم لا يبالون به في النسب. وهذا قول الخليل وسيبويه .
وقال يونس بن حبيب شيخ سيبويه ينسب إليهما على لفظهما ، فيقال : أختي وبنتي (2) . وهذا وجيه ، لبعده عن اللبس .
__________
(1) - أصل : بنات : بنوات : قلبت الواو ألفاً ثم حذفت لالتقاء الساكنين .
(2) - انظر كتاب سيبويه (3/360وما بعدها ) ..(2/179)
وهذا معنى قوله : ( واجبر برد اللام ما منه حذف .. إلخ ) أي : اجبر برد اللام الاسم الذي حذف منه اللام ( جوازاً ) نعت لمحذوف أي : جبراً جائزاً لا واجباً ، إلا إذا كان رد اللام لازماً في التثنية أو جمع التصحيح لمذكر (1) . أو لمؤنث ، ففي هذه الحالة يستحق المحبور – وهو ما حذفت لامه – التوفية وجوباً بإرجاع لامه إليه عند النسب .
ثم قال : ألحقْ أختاً بأخ في رد اللام، وكذا ألحق بنتاً بابن في ردها ، بلا نظر لوجوبه وجوازه ، فلا ينافي وجوبه في بنت كأخت ، دون ما ألحق به وهو ابن ، وإنما أعاده ابن مالك مع أنه داخل في قوله : ( واجبر برد اللام ) تنبيهاً على خلاف يونس ، وقوله ( ويونسُ ) يقرأ غير مصروف على أصله ، إذ لا حاجة بالوزن إلى صرفه .
877- وَضَاعِفِ الثَّانِيَ مِنْ ثُنَائِي ثَانيهِ ذُولينٍ كَلا وَلَائِي
إذا أريد النسب إلى ثنائي لا ثالث له فلا يخلو الثاني:إما أن يكون حرفاً صحيحاً أو حرفاً معتلاً.
فإن كان حرفاً صحيحاً جاز فيه التضعيف وعدمه – والتضعيف : أن تزيد على الحرف مثله من جنسه – فتقول في النسب إلى : كمْ – مسمى به – كَمِيّ . بالتخفيف . أو : كمّيّ . بالتشديد .
وإن كان معتلاً وجب تضعيفه ، فتقول في : لو – مسمى به - : لَوِّيّ . وتقول في : لا – مسمى به – لائي . بتضعيف ثانيهما وهو الألف ، وذلك بزيادة ألف أخرى ، وإبدال الثانية همزة تخلصاً من التقاء الساكنين . ويجوز قلب الهمزة واواً مثل همزة ( كساء ) فتقول : لاوي .
__________
(1) - لا فائدة لذكر جمع التصحيح المذكر مع التثنية ، لأن ما يُردُّ فيه يرد فيها بلا عكس كـ ( لام ) أب وأخ فإنها ترد في التثنية دون الجمع ، وقد اقتصر ابن مالك في شرح الكافية ( 4/1954) والتسهيل (3/371) على التثنية والجمع بالألف والتاء .(2/180)
وهذا معنى قوله : ( وضاعف الثاني من ثنائي .. إلخ ) أي : ضاعف الحرف الثاني من الاسم الثنائي الوضع إذا كان ثانيه حرف لين أي : حرف علة . فتقول في : لا : لائي . بياء النسب المشددة ، ولكنها خففت للشعر .
878- وَإِنْ يَكُنْ كَشِيَةٍ مَا الْفَا عَدِمْ فَجَبْرُهُ وَفَتحٌ عيْنِهِ الْتُزِمْ
إذا أريد النسب إلى اسم محذوف الفاء ، فإما أن يكون صحيح اللام أو معتلها ، فإن كان صحيح اللام لم يرد إليه المحذوف ، فتقول في النسب إلى:صفة وعدة ، صِفِيّ وعِدِيّ ، و( عدة ) مصدر : وَعَدَ . حذفت فاؤه وعوض عنها تاء التأنيث . ومثله ( صفة ) .وإن كان معتل اللام وجب رد الفاء المحذوفة مع فتح العين ، فتقول في النسب إلى : شية (1) : وِشَوِيّ : وأصلها : وِشْيٌ بكسر الواو وسكون الشين ، فنقلت حركة الواو إلى الشين تمهيداً لحذف الواو . ثم حذفت الواو وعوض عنها تاء التأنيث . فصارت : شِيَةً بفتح لتناسب التاء .
فعند النسب إليها ترجع فاء الكلمة وهي الواو المسكورة ، وتفتح الشين – لما تقدّم من فتح عين الثلاثي إن لم يكن مفتوحاً – فتصير : وِشَيً ، فتنقلب اللام – وهي الياء – ألفاً ، فتصير : وِشَاً . ثم تقلب واواً من أجل النسب لأنها ثالثة .فيقال : وِشَويّ .
وهذا معنى قوله : ( وإن يكن كشية .. إلخ ) أي : وإن يكن الاسم الذي زالت فاؤه معتل اللام ، مثل : شية . فجبره بإرجاع فائه وفتح عينه واجب عند النسب إليه ، فيقول : وِشْيِيّ . لأنه الضبط السابق قبل الحذف ،وقول سيبويه أرجح للتخفيف .
879- وَالْوَاحِدَ اذْكُرْ نَاسِباً لِلْجَمْعِ إنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِداً بالْوَضْعِ
إذا أريد النسب إلى الجمع فإن كان باقياً على دلالة الجمعية جيء بمفرده ونسب إليه ، فتقول في النسب إلى : بساتين : بستاني، وإلى : علوم : علمي . وإلى الفرائض : فَرَضِي .
__________
(1) - الشية : العلامة وكل لون يخالف لون سائر البدن من الفرس وغيره.(2/181)
وإن لم يكن الجمع باقياً على دلالة الجمعية بأن صار علماً على مفرد أو على جماعة واحدة معينة نسب إليه على لفظه .فتقول في النسب إلى : المدائن : مدائني ، وإلى : الجزائر : جزائري ، وتقول في النسب إلى الأنصار -رضي الله عنهم – أنصاري، وإلى المماليك . مماليكي .
ولا ينسب إلى المفرد منعاً للإبهام واللبس ، إذ لو نسب إلى المفرد فقيل في الجزائر : جزري ، لالتبس الأمر بين النسب إلى المفرد – جزيرة – والنسب إلى الجمع – جزائر - .
وهذا معنى قوله : ( والواحد اذكر ناسباً للجمع .. إلخ ) أي : إذا أردت النسب إلى الجمع فاذكر ( الواحد ) وهو المفرد وانسب إليه . إلا إن شابه الجمع المفرد بالوضع – بأن كان علماً على واحد كالجزائر – علماً على الدولة المعروفة – أو اشتهر في جماعة معنية كالأنصار – رضي الله عهنم – فإنه ينسب إليه على لفظة (1) .
880- وَمَعَ فَاعِلٍ وَفَعَّالٍ فَعِلْ فِي نَسَبٍ أغْنَى عَنِ اليَا فَقُبِلْ
قد يستغى في اللغة العربية بصيغ أخرى للدلالة على النسب غير الياء المشددة ، وهذه الصيغ هي :
فاعل ، وفَعِل . بمعنى : صاحب كذا . فيقال : تامر وصائغ ، وطَعِم ولَبِن . بمعنى : صاحب تمر . وصاحب صياغة . وصاحب طعام . وصاحب لين .
__________
(1) - قال في ( همع الهوامع ) (6/171) : ( وأجاز قوم : أن ينسب إلى الجمع على لفظه مطلقاً .. ) والظاهر أن هذا قول الكوفيين مستدلين بالسماع كالأعلام التي اشتهرت وهي منسوبة إلى الجمع على لفظه كالجواليقي والثعالبي . والكرابيسي والمحاملي وغيرها ، ولأن النسب إلى المفرد الذي هو مذهب البصريين يوقع في اللبس كثيراً ، ورأيهم حسن مفيد ، فإن النسبة إلى الجمع على لفظه قد تكون في بعض الأحيان أبين وأدق في التعبير عن المراد من النسبة إلى المفرد ، فيقال في النسب إلى الملوك . الملوكي ، وإلى الدُّول الدُّولي . وإلى الكتّاب : الكتابي . وهكذا . انظر النحو الوافي (4/742) .(2/182)
فعَال : للدلالة على النسب إلى حرفة معينة :مثل حَدَّاد ، ونَجّار ، وعطّار ، ونحو ذلك .
وهذه الصيغ غير مقيسة وإن كان بعضها كثيراً ، وهو قول سيبويه ، وقال المبرد : بجواز القياس ، وهو قول وجيه ، لا سيما في صيغة ( فعّال ) ، لأن الكثرة الواردة منه تكفي للقياس .
وهذا معنى قوله : ( ومع فاعل وفَعَّال فَعِلْ .. إلخ ) أي : أن صيغة ( فَعِل ) يستغنى بها عن ياء النسب ، وكذا صيغة ( فاعل ) و(فعّال) فقوله : (فَعِل) مبتدأ ، خبره جملة (أغنى عن الياء) . وتقدير البيت : وفَعِل مع فاعل وفَعَّال أغنى في النسب عن الياء فَقُبل عند النحاة .
881- وَغَيْرُ مَا أَسْلَفُتُهُ مُقَرَّرَا عَلَى الَّذِيْ يُنْقَلُ مِنْهُ اقْتُصِرَا
أي : ما ورد عن العرب من المنسوب مخالفاً لما سبق تقريره يقتصر على الذي نُقِل منه ، ولا يقاس عليه.كقولهم في البحرين : بحراني ، وفي الرّي ، الرازي . وفي مرو : مروزي (1) . وفي صنعاء ، صنعاني ، وفي حضرموت : حضرمي ، وفي الشِّتاء ، شَتَوي ، وفي البادية : بدوي .
***
الوقف
882- تَنْوِيناً إِثْرَ فَتْحٍ اجْعَلْ ألِفَا وَقْفاً وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَا
الوقف : قطع النطق عند آخر الكلمة . وتتعلق به أحكام كثيرة .
__________
(1) - نقل السيوطي في المزهر (2/251) عن ثعلب أنه قال : إنما دخلت الزاي في النسبة إلى الري ومرو ، لأنهم أدخلوا فيه شيئاً من كلام الأعاجم .(2/183)
فإذا أريد الوقف على الاسم المنون ، فإن كان في حالة النصب – وهو التنوين الواقع بعد فتحة – قلب التنوين ألفاً (1) ونحو : إن مع العسر يسرا. وإن كان في حالة رفع أو جر – وهو التنوين الواقع بعد ضمة أو كسرة – حذف التنوين وسُكِّن ما قبله نحو : كلُّ آتٍ قريبْ ، لا تؤخر عمل اليوم إلى غدْ . وهذا معنى قوله : ( تنويناً إثر فتح اجعل ألفا .. إلخ ) أي : اجعل التنوين بعد الفتح ألفاً عند الوقف ، واحذفه إذا وقع بعد غير الفتح . وهو الضمة والكسرة .
883- وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ فِي الإضْمَارِ
إذا وقف على هاء الضمير فإن كانت مضمومة أو مكسورة حذفت صلتها (2) . – وهي الواو والياء – ووقف على هاء الضمير بالسكون نحو : التائب من الذنب كمن لا ذنب له (3) يأتيك كلُّ غدٍ بما فيهْ . إلا في ضرورة الشعر ، فتثبت الصلة في آخر العروض أو الضرب كقول الشاعر :
وَمَهْمَةٍ مغبَّرةٍ أرجاؤهُ كأنَّ لون أرضه سماؤه (4)
وقول الآخر :
__________
(1) - هذه لغة جمهور العرب . ولغة ربيعة الوقف عليه بحذف التنوين وسكون الآخر وقد نص ابن مالك على ذلك في الكافية (4/1979) .
(2) - الصلة هنا : هي حرف العلة المتصل بالضمير من جنس حركته ، فهو في حالة الضم واو . وفي حالة الكسر ياء .
(3) - هذا حديث حسن بشواهده، انظر السلسلة الضعيفة للألباني (2/82) .
(4) - مهْمةٍ : هو الصحراء التي يشق السير فيها ، كأن لون أرضه سماؤه : تشبيه مقلوب أي : كأن لون سمائه من الغبار لون أرضه .
إعرابه : ( ومهمه ) الواو : واو رُبَّ ، ومهمه : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد ( مغبرةٍ ) صفة لمهمة مجرورة باعتبار لفظه ( أرجاؤه ) فاعل لـ ( مغبرة ) والهاء مضاف إليه وجملة ( كأن واسمها وخبرها ) صفة لمهمة . وخبر المبتدأ يأتي في كلام بعد بيت الشاهد .(2/184)
تجاوزت هنداً رغبةً عن قتالهِ إلى ملك أعشو إلى ضوء نارهِ (1) .
فقد أثبت في كل منهما صلة الضمير ، المضموم كما في الأول ، والمكسور كما في البيت الثاني ، وذلك لضرورة الشعر .
فإن كانت هاء الضمير مفتوحة وقف على الألف ولم تحذف لخفتها نحو : لا يكلف الله نفساً إلا وسعها . وهذا معنى قوله : ( واحذف لوقف في سوي اضطرار .. إلخ ).أي : احذف عند الوقف في غير ضرورة الشعر صلة هاء الضمير غير المفتوحة ، وهي المضمومة والمكسورة ، وقِفْ على الهاء ساكنة ، ومفهومه أنها إن كانت مفتوحة وقف عليها ولم تحذف .
884- وَأَشْبَهَتْ إذاً مُنَوَّناً نُصِبْ فَأَلِفاً فِي الوَقْفِ نُونَهَا قُلِبْ
إذا أريد الوقف على ( إذن ) الجوابية أبدلت نونها في الوقف ألفاً ، كما يوقف على المنون المنصوب ، كأن يقول لك : أزورك غداً إن شاء الله . فتقول : إذن أكرمك ، فإذا وقفت عليها أبدلت نونها ألفاً . سوء كانت ناصبة للمضارع أولاً ، وهذا رأي البصريين إلا المبرد ، وهو اختيار ابن مالك . والكوفيون يكتبونها بالنون مطلقاً (2) . لأنها نون في الحقيقة وليست بتنوين (3) .
885- وَحّذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ ما لَمْ يُنْصَبَ أوْلَى مِنْ ثُبُوتِ فَاعْلَمَا
886- وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ وَفِي نَحْوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقْتُفِي .
__________
(1) - هندا: علم على رجل بدليل تذكير الضمير في قوله ( قتاله ) أعشو إلى ضوء ناره:استدل عليها ببصر ضعيف.والعشا:سوء البصر بالليل والنهار.
إعرابه : ( رغبةْ ) مفعول لأجله منصوب ( عن قتاله ) متعلق برغبة ( إلى ملك ) متعلق بتجاوزت . وجملة ( أعشو .. ) صفة لملك .
(2) - انظر المطالع النصرية ص ( 135- 136) .
(3) - معاني الحروف للروماني ص ( 117) ونقل في الجنى الداني . ص (366) عن المبرد قوله: ( أشتهي أن أكودي يد من يكتب (إذن) بالألف ، لأنها مثل ( أن ، ولن ) ولا يدخل التنوين الحروف ).(2/185)
إذا أريد الوقف على الاسم المنقوص – وهو ما آخره ياء مكسور ما قبلها – فإما أن يكون منوناً – وهو المجرد من أل والإضافة - أو يكون غير منون .
فإن كان منوناً منصوباً قلب تنوينه ألفاً نحو: كفى برسول الله صلى الله عليه وسلم إماماً وهادياً.
وإن كان مرفوعاً أو مجروراً فالمختار الوقف عليه بحذف الياء – إلا أن يكون محذوف العين أو الفاء – كما سيأتي – لأنها غير ثابتة في الوصل . فلا تثبت في الوقف ، نحو : جاء داعْ ، سلمت على داعْ ، والأصل : داعٍ . ويجوز الوقف عليه بإثبات الياء فتقول : جاء داعي ، وسلمت على داعي ، وقد قرأ ابن كثير – من السبعة – بالياء ، في أربعة ألفاظ حيث وقعت في القرآن وهي قوله تعالى : ((وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ )) [ الرعد : 7] . وقوله تعالى : ((وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ )) [ النحل : 96] . وقوله تعالى : ((وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ)) [ الرعد : 34] وقوله تعالى : ((وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ )) [ الرعد : 11] . وقرأ الباقون بالحذف (1) . فإذا كان المنقوص محذوف العين نحو : مُرٍ اسم فاعل من أرى (2) أو محذوف الفاء ، مثل : يفي (3) . – علماً - ، لم يوقف عليه إلا بإثبات الياء ، فتقول : هذا مُرِي ، وهذا
__________
(1) - انظر الكشف لمكي (2/21) .
(2) - أرى . مضارع أصله : أرْأَيُ . وزنه : اَفْعَلُ : خففت الهمزة بالحذف بعد أن ألقيت حركتها على الراء . فصار : أرَيُ . فقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها . ووزنه : أفَلُ . وقد علل الصرفيون هذا النقل بكثرة الاستعمال وبالتخفيف القياسي [ مفردات الإبدال والإعلال في القرآن الكريم ص 381، 382] .
(3) - يفي : مضارع ( وفي ) حذفت فاؤه وهي الواو والأصل . : يَوْفِي . مثل وعد : يعد . لأنه ثلاثي ، مكسور العين في المضارع . وإنما حذفت الواو استثقالاً لوقوعها ساكنة بين ياء مفتوحة وكسرة لازمة . وسيأتي ذكر ذلك في باب الحذف من أبواب التصريف إن شاء الله .(2/186)
يفي ، وأصل " مُرٍ " مُرْئي ، بهمزة بعد الراء بوزن ( معطي ) فنقلت كسرة الهمزة إلى الراء ، وحذفت الهمزة وهي عين الكلمة تخفيفاً . ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين .
وأصل " يفي " : يوفي . فحذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة ، فأصبحت ( يفي ) .
فإن كان المنقوص غير منون – وهو المحلى بأل – فالأفصح الوقف عليه رفعاً وجراً بإثبات الياء نحو : شر القلوب القلب القاسي ، تدور الدوائر على الباغي ، ويجوز الوقف عليه بحذفها ، ومنه قوله تعالى : ((الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ )) [ الرعد : 9] ، وقوله تعالى : ((لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ )) [ الغافر : 15] . فقد قرأ الجمهور بحذف الياء ، وقرأ ابن كثير بإثباتها (1)
فإن كان منصوباً ثبتت ياؤه عند الوقف نحو : اشمل بمعروفك القاصيَ والداني ، قال تعالى : ((كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ )) [ القيامة : 26] .
وهذا معنى قوله : ( وحذفُ ياء المنقوص .. إلخ ) أي : أن حذف ياء المنقوص المنون – غير المنصوب – أولى من إثباتها . وهذا يشمل المرفوع والمجرور . وفهم منه جواز الإثبات ، كما فهم منه أن المنصوب تثبت ياؤه عند الوقف ، ويقلب التنوين ، ألفاً . وقوله : ( وحذف يا المنقوص .. ) المراد به عدم ردها ، لأنها محذوفة قبل الوقف .
وقوله : ( وغير ذي التنوين بالعكس ) أي أن المنقوص المرفوع والمجرور غير المنون بعكس المنون ، فيجوز الإثبات والحذف ، لكن الإثبات أجود ، أما المنصوب فتثبت ياؤه ساكنة .
وقوله : ( وفي نحو مُرٍ لزوم رد اليا اقتفى ) : معناه : أن المنقوص المنون إذا حذفت عينه فإنه يلزم عند الوقف رد الياء . وقوله ( اقتفى ) أي : اتُبع .
887- وَغَيْرِ هَا التَّأْنِيثِ مِنْ مُحَرَّكِ سَكِّنْهُ أوْ قِفْ رَائِمَ التَّحَرُّكِ
888- أَوْ أَشْمِمِ الضَّمَّةَ أَوْ قِفْ مُضَاعِفاً مَا لَيْسَ هَمْزاً أوْ عَلِيلاً إنْ قَفَا
__________
(1) - انظر الكشف لمكي ( 2/24/ 246) .(2/187)
889- مُحَرَّكاً وَحَرِكَاتٍ انْقُلَا لسَاكِنٍ تَحْرِيكُهُ لَنْ يُحْظَلَا
890- وَنَقْلُ فَتْحٍ مِنْ سِوَى الْمَهْمُوزِ لَا يَرَاهُ بَصْرِيٌّ وَكُوفٍ نَقَلَا
891- والنَّقْلُ إنْ يُعْدَمْ نَظِيرٌ مُمْتَنِعْ وَذَاكَ فِي الْمَهْمُوزِ لَيْسَ يَمْتَنِعْ
إذا أريد الوقف على المحرك الآخر ، فإما أن يكون أخره هاء التأنيث (1) أو غيرها .
فإن كان آخره هاء التأنيث وجب الوقف عليها بالسكون نحو : ذو العقل يشقى بعقله في الحياهْ ، كثيراً ما تكون الأماني كاذبهْ . وإن كان آخره غير هاء التأنيث ، جاز لك في الوقف عليه خمسة أوجه :
الأول : أن تقف عليه بالسكون ، وهو الأصل ، لأن الغرض من الوقف الاستراحة ، وهي بالسكون أبلغ . نحو : العلم أفضل من المالْ .
الثاني : أن تقف عليه بالرَّوْم . وهو عبارة عن الإشارة إلى الحركة بصوت خفي ، والغرض منه التنبيه على حركة الأصل ، ويدركه الأعمى والبصير .
الثالث : أن تقف بالإشمام ، وهو عبارة عن ضم الشفتين بعد تسكين الحرف الأخير . ولا يكون إلا في المضموم . ولا يدركه إلا البصير ، والغرض منه الفرق بين الساكن أصالة والمسكن لأجل الوقف .
الرابع : أن تقف بالتضعيف وهو : تشديد الحرف الموقوف عليه نحو : هلا شبابَك صنته عن المحارمّ ، والغرض منه بيان أن الآخر محرك في الأصل ، وشرطه ثلاثة أمور :
ألا يكون الموقوف عليه همزة كخطأ ، لثقل الهمزة فلا تزاد بالتضعيف ثقلاً .
ألا يكون الموقوف عليه حرف علة ، كالواو مثل : لن يدعوَ ، والياء مثل: رأيت القاضيَ ، لاستثقال حرف العلة .
ألا يكون الموقوف عليه تالياً لسكون كالحِمْل ، لئلا يجتمع ثلاثة حروف ساكنة: المدغم وهو المزيد للتضعيف ، وما قبله وما بعده .
الخامس : أن تقف بالنقل وهو عبارة عن تسكين الحرف الأخير ، ونقل حركته إلى الحرف الذي قبله . وشروطه أربعة :
__________
(1) - المراد تاء التأنيث ، وإنما سميت هاءً باعتبار ما تؤول إليه عند الوقف .(2/188)
أن يكون ما قبل الآخر ساكناً . بخلاف نحو : جَعْفَر . لأن ما قبل الآخر محرك . والمحرك لا يقبل حركة غيره .
أن يكو ما قبل الآخر قابلاً للحركة . فلا يتعذر تحريكه ، ولا يستثقل بخلاف نحو : باب ، وعصفور ، لتعذر الحركة في الأول ، وثقلها في الثاني .
ألا تكون الحركة التي يراد نقلها فتحة. بخلاف : سمعت العلمَ ، لأن الحركة فتحة . إلا إذا كان الآخر مهموزاً ، فيجوز نحو : الله الذي يخرج الخبءَ (1) . وهذا قول البصري ، وأجاز الكوفيون والأخفش الوقف بالنقل مطلقاً ، سواء كانت الحركة فتحة أو غيرها ، وسواء كان الأخير مهموزاً أو غير مهموز .
ألا يؤدي النقل إلى بناء لا نظير له في العربية . فيمتنع : هذا الِعلُمْ في الوقف على العِلْم . ، لأن صيغة ( فِعُل ) غير موجودة في كلام العرب ، إلا إن كان الآخر همزة فيجوز ، فتقول: هذا الرِّدُء (2) بنقل ضمة الهمزة إلى الدال ، وإن أدى إلى عدم النظير ، وإنما اغتفر ذلك لثقل الهمزة .
وفي الوقف على المتحرك يقول ابن مالك : ( وغيرَ ( ها ) التأنيث من مُحَرَّكِ سكنه .. إلخ ) أي : سكن آخر المتحرك – غير (ها ) التأنيث – أوقف عليه ( رائم التحرك ) أي : آتيا في التحرّك بالروم . ( أو اشمم الضمة ) أي : أشمم الحرف الضمة . وهو مشتق من الشم ، كأنك أشممت الحرف رائحة الحركة وهيَّأت العضو للنطق بها ، وقوله ( أوقِفْ مُضْعِفاً .. إلخ ) أشار به إلى الوجه الرابع ، وهو التضعيف وشروطه الثلاثة ، وهي ( ما ليس همزاً ) أي ليس آخره همزة ( أو عليلاً ) أي ولا حرف علة ( إن قفا محركاً ) أي : إن تبع محركاً .
__________
(1) - الخبء:أي المستتر في السماء والأرض ، وقالوا خبء السماء:المطر ، وخبء الأرض النبات، قاله ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ص ( 323) .
(2) - الرِّدْءُ : هو المعين في المهمات .(2/189)
ثم أشار إلى الوجه الخامس وهو النقل بقوله ( وحركاتٍ انقلا.. إلخ ) أي : انقل حركة الحرف الذي تريد الوقف عليه ( لساكن ) . أي لساكن قبله ، وقوله : ( انقلا ) فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة ، أبدلت في الوقف ألفاً . وهذا الشرط الأول ، ( تحريكه لن يُحظلا ) أي : لن يمنع ، والألف للإطلاق ، وهذا الشرط الثاني ، وفي قوله ( ونقل فتح .. إلخ ) ذكر الشرط الثالث المختلف فيه ، وهو ألا تكون الحركة فتحة في غير المهموز . فإن كانت فتحة فالنحوي البصري لا يرى النقل . ( وكوفٍ نقلاً ) بحذف ياء النسب للضرورة أي : أجاز نقل الحركة مطلقاً . وقوله : ( والنقل إن يعدم نظير امتنع ) إشارة إلى الشرط الرابع ، وأنه يستثنى منه المهموز على ما تقدَّم .
892- في الْوَقْفِ تَا تَأْنِيثِ الاسْمِ هَا جُعِلْ إنْ لَمْ يَكُنْ بِسَاكِنٍ صَحَّ وُصِلْ
893- وَقَلَّ ذَا فِي جَمْعِ تَصْحِيحٍ وَمَا ضَاهَى وَغَيْرُ ذَيْنِ بِالْعَكْسِ انْتَمَى
إذا وقف على ما فيه تاء التأنيث ، فإن كان فعلاً وقف عليه بالتاء نحو : بالعلم نهضت الأمم وسادتْ ، وإن كان اسماً فإما أن يكون مفرداً أو جمعاً أو شبهه .
فإن كان مفرداً وكان ما قبل التاء صحيحاً ساكناً وقف عليه بالتاء نحو : بأمها تقتدي كل بنتْ ، وإن كان متحركاً ، أو ساكناً معتلاً – ولا يكون إلا ألفاً – وقف عليه بالهاء . فالأول نحو : ما أشبه الليلة بالبارحه ، وهذا هو الأفصح . ويجوز بقلّة : بالبارحتْ ، بإثبات التاء، والثاني نحو : قد قامت الصلاه .(2/190)
وإن كان جمعاً ، أو ما أشبهه – وهو ما دل على متعدد في الحال ، مثل : أولات ، أو في الأصل . مثل : عرفات ، أو في التقدير مثل : هيهات – وقف عليه بالتاء ، فالأول نحو : رُبَّ أكلةٍ منعت أكلاتْ . والثاني نحو : هيهات تلقى كقلب الأم هيهاتْ . فـ ( هيهاتْ ) في التقدير جمع ( هيهة ) ثم سمي بها الفعل ، ويجوز الوقف بقلّة بالهاء (1) . وقد سمع منه : كيف الأخوةُ والأخواه ؟ .
وهذا معنى قوله: ( في الوقف تا تأنيث الاسم ها جعل .. إلخ ) أي : جعل تاء التأنيث في الاسم هاءً عند الوقف بشرط ألا يكون متصلاً بساكن صحيح قبله ، ومنطوقه مراد به أن يكون ما قبل التاء متحركاً ، أو ساكناً معتلاً – كما مضى – واحْتَرَزَ بذلك من تاء ( بنت ، وأخت ) – كما تقدم – فإنها لا تُغَيّر .
ومفهوم قوله : ( الاسم ) أن الفعل يوقف عليه بالتاء . وكذا مفهوم قوله : ( بساكن صح وصل) أنه إن كان ما قبلها ساكناً معتلاً ، أو كان متحركاً أنه يوقف بالهاء .
ثم ذكر أن الوقف بالهاء قليل في جمع التصحيح وما شابهه .
وقوله : ( وغيرُ ذين بالعكس انتمى ) أي : غير الجمع وشبهه يكثر الوقف بالهاء وتَقِلُّ سلامة التاء . ومعنى : (انتمى) انتسب إلى العرب بالعكس أو معكوساً . على أن قوله : ( بالعكس ) متعلق بـ ( انتمى ) أو حال من فاعله .
894- وَقِفْ بِهَا السَّكْتِ عَلَى الفِعْلِ الْمُعلّ بَحَذْفِ آخِرٍ كَأَعْطِ مَنْ سَألْ
895- وَلَيْسَ حَتْماً فِي سِوَى مَا كَعِ أوْ كَيَعِ مَجْزُوماً فَرَاعِ مَا رَاعَوا
من خصائص الوقف اجتلاب هاء السكت . والغرض منها التوصل إلى بقاء الحركة في الوقف . وسميت ها السكت ؛ لأنه يسكت عليها ، ولها ثلاثة مواضع :
__________
(1) - ذكر الأشموني نقلاً عن بعضهم أن عرب طيء يقفون بالهاء ( 4/214) ومثله في المطالع النصرية ص 145) .(2/191)
الأول : الفعل المعتل الآخر الذي حذف حرف علته لبناء الأمر ، أو لجزم المضارع . فإذا بقي من الفعل بعد الحذف حرف أصلي واحد ، أو حرفان أحدهما زائد ، وجب الوقف بهاء السكت (1) . نحو : بوعدك فِهْ ، اعمل ولا تَنِهْ ، فالأول أمر من ( وفي ) وسيأتي أصله، والثاني : مضارع ( وني ) بمعنى : ضعف وفتر ، وأصله ، ولا تني . فحذفت الياء للجازم . ثم أُتي بهاء السكت .
وإذا بقي أكثر من حرفين جاز الوقف بها السكت أو بالتسكين ،والأول أحسن نحو : بالصالحين اقتدهْ أو اقتدْ ، قل الحق ولا تخشَهْ أو تخشْ . ومنه قوله تعالى:((فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ )) [ الأنعام : 90] .
وهذا معنى قوله : ( وقف بها السكت على الفعل .. إلخ )) أي : قف بها السكت على الفعل المعتل بحذف آخره للجزم أو البناء . مثل : أعط من سأل . فتقول : من سأل أعطهْ . ثم بين أنه ليس الإتيان بالهاء واجباً إلا فيما بقي على حرف واحد مثل : عِ. أمر من : وعى . والأصل : اوعي : حذفت الياء للنباء ، والواو حملاً على المضارع ، ثم حذفت همزة الوصل للاستغناء عنها . فتقول : النصيحة عْهْ ؛ فـ ( النصيحة ) مفعول مقدم و ( عِ ) فعل أمر مبني على حذف حرف العلة . والفاعل ضمير مستتر ، والهاء للسكت . وكذا ما بقي على حرفين أحدهما زائد مثل: يع – مجزوماً – فتقول : لم يَعِهْ . وقوله ( فراع ما رعوا ) فعل أمر من راعي يراعي . والمراعاة : الملاحظة .
896- وَمَا فِي الاسْتِفْهَامِ إنْ جُرَّتْ حُذِفْ أَلِفُهَا وَأوْلِهَا ألْهَا إنْ تَقِفْ
__________
(1) - وجوب الوقوف بالهاء على ما بقي منه حرف لا خلاف فيه ، وأما ما بقي على حرفين أحدهما زائد فابن مالك يرى وجوب الهاء . ورده ابن هشام في 0 أوضح المسالك ) بأن القراء أجمعوا على الوقف في قوله تعالى : ( ولم أك ) بدون هاء السكت . فدلّ على أن ذلك جائز لا واجب ، والغريب أن ابن هشام وافق ابن مالك على الوجوب في شرح القطر ص (139) .(2/192)
897- وَلَيْسَ حَتْماً فِي سِوَى مَا انْخَفَضَا بِاسْمٍ كَقَوْلِكَ اقْتِضَاءَ مَ اقْتَضَى
الموضع الثاني : من مواضع اختلاف هاء السكت : ما الاستفهامية . وذلك أنه يجب حذف ألفها (1) إذا جُرَّت (2) . فإن كانت مجرورة بالإضافة وجب والوقوف عليها بهاء السكت نحو : غضب ولا أدري بمقتضي مَهْ . وإن كانت مجرورة بحرف الجر جاز الوقوف عليها بالتسكين ، أو هاء السكت ، وهذا أكثر استعمالاً ، وأجود قياساً ، لتكون الهاء عوضاً عن ألفها المحذوفة ، نحو : إلام التواني إلى مَهْ ، أو إلامْ .
وهذا معنى قوله : (وما في الاستفهام إن جُرَّت ..إلخ ) أي : إن ( ما) الاستفهامية إن جرت حذفت ألفها ، فإذا وقف عليها بعد الجار لحقتها هاء السكت ، وليس ذلك واجباً إلا إذا كان الخافض لها اسماً كقولك : اقتضى اقتضاء مه . ومفهومه أنه إن كان الخافض لها حرفاً لم يكن إيلاؤها الهاء واجباً . وقوله : ( اقتضاء م اقتضى ) مفعول مطلق تقدم على عامله وجوباً ، لإضافته إلى ماله الصدارة ، وتقديره : اقتضاء أيّ شيء اقتضى ؟
وجوابه : اقتضاءَ يُسْرٍ، أو تعجيل ونحوهما .
898- وَوَصْلَ ذِيْ الْهَاءِ أَجِزْ بِكُلِّ مَا حُرِّكَ تَحْرِيْك بِنَاءٍ لَزِمَا
899- وَوَصْلُهَا بِغَيْرِ تَحْرِيكِ بِنَا أُدِيمَ شّذَّ فِي الْمُدَامِ اسْتُحْسِنَا
__________
(1) - شرط ذلك ألا تركب مع ( ذا ) فإن ركبت امنتع حذف الألف نحو : لماذا تسألني ؟ لأن ( ما ) في هذا التركيب أصبحت جزء من كلمة ، لا كلمة تامة .
(2) - قالوا إنما حذفت ألفها إذا جرت فرقاً بينها وبين (ما ) الخبرية كالموصولة نحو : سألتُ عما سألتَ عنه ، أو الشرطية نحو :بما تفرح أفرح ، أو المصدرية نحو : عجبت مما تشرب . فلا تحذف الألف في شيء من ذلك . على أنه قد ورد إثبات ألف (ما ) الاستفهامية المجرورة في كثير من الأحاديث وكلام العرب . فانظر للفائدة : المطالع النصرية ص ( 183) .(2/193)
الموضع الثالث : من مواضع اختلاف هاء السكت : في الوقف على المتحرك وذلك بثلاثة شروط :
أن تكون الحركة حركة بناء .
أن تكون الحركة لازمة .
ألا تشبه حركة الإعراب .
فإذا استوفيت جاز إلحاق هاء السكت ، وذلك في كل اسم مبني على غير السكون من الضمائر ، وأسماء الاستفهام ونحوها تقول : رضيتُ بنصيبيهْ أو بنصيبي ، أضعت الكتاب ولا أعلم أينهْ ؟ أو أينْ ؟ ومنه قوله تعالى : ((وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ ))[ 25- 29 ] ، وقوله تعالى :((وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ))[ القارعة : 10] .فـ (كتابيه) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، والياء مضاف إليه والهاء : للسكت حرف لا محل له من الإعراب . وقوله ( ما هيه ) ما : اسم استفهام مبتدأ ، وهي : خير المبتدأ والهاء للسكت .
ولا تدخل الهاء في نحو : جاء خالد ، لأنه معرب بالحركات ، ولا في نحو : يا خالدُ ، ولا طالبَ ، لأن الحركة البنائية فيهما عارضة غير لازمة ، فأشبهت حركة الإعراب . ولا في نحو : كتبَ ، لأن حركته تشبه حركة الإعراب فإن الماضي إنما بني على حركة لشبهه بالمضارع المعرب في وجوه منها : وقوعه صفة وحالاً وخبراً وشرطاً . وهذا معنى قوله : ( ووَصْلَ ذي الها أجز .. إلخ ) أي : أجز وصل هذه الهاء – وهي هاء السكت – بكل اسم متحرك بحركة بناء لازمة لا تشبه حركة الإعراب . وشذ وصلها بما حركته بنائية غير دائمة ، كقولهم في : سقط من علُ : من عَلُهْ ، وقوله : ( استحسنا ) فيه بيان أحسنية الاتصال ، فلا يُعدُّ تكراراً مع قوله : ( ووصل ذي الها أجز ) وقوله : ( وفي المُدام ) بضم الميم ، بمعنى دائم البناء .(2/194)
900- ورُبَّمَا أُعْطِيَ لَفْظُ الْوَصْلِ مَا لِلوَقْفِ نَثْراً وَفَشَا مُنْتَظِمَا
قد يعطى الوصل حكم الوقف من إسكان أو اجتلاب هاء السكت ونحو ذلك ، وهذا قليل في الكلام ، كثير في الشعر .
ومنه في الكلام قوله تعالى :((فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ))[ الأنعام ، 90] . فقد قرأ حمزة والكسائي بغير هاء السكت في حالة الوصل في قوله ( اقتده ) ، وقرأ بقية السبعة بإثباتها في الوصل على نية الوقف ، لا على نية الإدراج ، اتباعاً لثباتها في الخط . (1)
ومنه – أيضاً – قوله تعالى : ((فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ)) [ سورة البقرة : 259] . فقد قرأ حمزة والكسائي – أيضاً بغير هاء السكت في حالة الوصل في قوله : ( لم يتسنه ) ، وقرأ الباقون بإثباتها في الوصل لما تقدم ، ولأنه يحتمل أن تكون الهاء فيه أصلية . وسكونها للجزم ، وعلى هذا فلا بد من إثباتها (2) ومنه في الشعر قول رؤبة بن العجّاج:
أو الحريقُ وافق القَصَبَّا (3)
__________
(1) - انظر الكشف لمكي (1/438) .
(2) - انظر الكشف لمكي (1/307) ، والاستدلال بالآية إنما يتم على اعتبار أن الفعل مشتق من السنة – واحدة السنين – ولامها واو بدليل سنوات ، فأصل الفعل : يتسنّو، ثم قلبت الواو ألفاً ، وحذفت للجازم ، فلحقته هاء السكت وقفاً وأجري الوصل مُجراه ، ووزنها : يتفَعَّهْ ، وهذا قول المبرد ، أما على قول الفراء فإن الهاء فيه أصل فهو مجزوم بسكون الهاء ، بناء على أن لام السنة هاء والأصل ، سنهة ، ولا شاهد في الآية على ذلك ، لأن الهاء لام الكلمة ووزنها يتفعَّل .
انظر : معجم مفردات الإبدال والإعلال في القرآن الكريم ص 408 .
(3) - هذا البيت لرؤبة وقيل لغيره من أبيات هي :
لقد خشيت أن أرى جدبّاً في عامنا ذا بعد ما أخصبا
إن الدَّبى فوق المتون دبّا كأنه السيلُ إذا اسلحبّا
أو الحريقُ وافق القصبَّا
والدَّبى : صغار الجراد ، والمتون : جمع متن وهو الظهر ، وأراد ظهور الأودية دبّا : مشى مشياً هينا ، اسلجبّ : امتد وملأ الأدوية . والقصب : كل نبات يكون ساقه أنابيب وكعوباً . وقوله : ( الحريق ) بالرفع معطوف على ( السيل ) وجملة (وافق ) في محل نصب حال من ( الحريق ) .(2/195)
فإن الشاعر شدَّد الباء كأنه وقف عليها بالتضعيف ، مع أنه وصلها بألف الإطلاق ، والتضعيف لا يكون إلا في حالة الوقف . فأعطي الوصل حكم الوقف .
وهذا معنى قوله : ( ورُبَّما أُعطي لفظ الوصل .. إلخ ) أي : قد يُعطى اللفظ في حالة الوصل ما يُعطى في حالة الوقف من الأحكام السابقة . وهذا قليل في النثر ، كما يستفاد من قوله : ( ورُبَّما ) ، وهو في الشعر كثير ، ومعنى ( فشا ) كثر .
*****
الإمالة
901- الألِفَ الْمُبْدَلَ مِنْ فِي طَرِفْ أَمِلْ كَذَا الْوَاقِعُ مِنْهُ الْيَا خَلَفْ
902-دُونَ مَزِيدٍ أَوْ شُذُوذٍ وَلِمَا تَلِيهِ هَا التَّأنِيثِ مَا الْهَا عَدِمَا
903- وَهَكَذَا بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ إنْ يَؤلْ إلَى فِلْتُ كَمَاضِي خَفْ وَدِنْ
الإمالة : أن يُذهب بالفتحة نحو الكسرة وبالألف نحو الياء ، فالإمالة نوعان :
إمالة الألف ، وقد بدأ بها ابن مالك – رحمه الله – لكثرة أحكامها .
إمالة الفتحة ، وسيذكرها في آخر الباب . والغرض منها : تناسب الأصوات وتقاربها ، لأن النطق بالفتحة والألف متصعّد مستعلٍ ، وبالياء والكسرة مستفل منحدر ، كما إذا نطقت بكلمة : عابد . وبالإمالة تصير من نمط واحد في التسفل والانحدار ، وقد يكون الغرض منها التنبيه على أصل أو غيره .
والإمالة جائزة لا واجبة . والأسباب الآتية للجواز لا للوجوب ، فكل مُمال يجوز ترك إمالته .
والإمالة خاصة بالنطق، وليس في الكتابة العربية رسم يثمل الإمالة ، وهي خاصة بالأسماء المتمكنة والأفعال ، فلا يمال غير المتمكن إلا سماعاً ، كما سيأتي في آخر الباب .
وللإمالة أسباب تقتضيها ، وكلها ترجع إلى الياء والكسرة والظاهرين أو المقدرين . وأسبابها في الغالب سبعة :
الأول : كون الألف بدلاً من ياء متطرفة في اسم كفتى ، أو فعل ، كرمى ، فلا تمال الألف في نحو : ناب – مع أنها بدل من ياء – لأنها غير متطرفة .(2/196)
وإنما أميلت الألف في ( فتاة ) مع أنها غير متطرفة ، لأن تاء التأنيث في تقدير الانفصال .
الثاني :كون الألف تخلفها الياء في بعض التصاريف كألف (ملهى ) فهي في التثنية :ملهيان.
ويستثنى من ذلك ما رجوعه إلى الياء مختص بلغة شاذة ، أو بسبب زيادة ياء التصغير . فالأول : كقول هذيل في ( قفا ) عند إضافتها إلى ياء المتكلم : قَفَيَّ (1) . والثاني كقول العرب في تصغيرها : قُفيّ .
الثالث : كون الألف بدلاً من عين فعل يؤول عند إسناده إلى تاء الضمير إلى وزن ( فِلْتُ ) بكسر الفاء وحذف العين ، سوء كانت العين واواً كخاف وكاد ، أو ياء كباع ودان .
فإن كان يؤول إلى ( فُلت) – بضم الفاء – امتنعت الإمالة كقال وطال .
__________
(1) - هذا فيه نظر كما يقول الشاطبي ، إذ كيف يصح إطلاق الشاذ على لغة شهيرة من لغات العرب . والأقرب – كما يقول – إنه احتراز عن قلب الألف ياء في الوقف عند بعض طيء . ومن تثنية رضا على ( رضيان ) لندور كل . ذكره الصبان (4/222) وانظره (4/114) ، فقد ذكر الأشموني أن تثنية رضا على ( رضيان ) شاذة .(2/197)
وإلى هذه الأسباب الثلاثة أشار بقوله : ( الألف المبدل من يا في طرف أمل .. إلخ ) أي: أمل الألف المبدلة من ياء واقعة في طرف الاسم أو الفعل وهذا هو السبب الأول ، وكذلك الألف التي تُردُّ إلى الياء في بعض التصاريف ، دون أن يكون رجوع الألف إلى الياء بسبب زيادة أو شذوذ ، وهذا السبب الثاني ، وقوله : ( منه اليا خَلَفْ ) حال من الياء ، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة. ثم ذكر أن حكم ما فيه هاء التأنيث حكم ما خلا منها ، فتمال الألف التي فيها سبب الإمالة ، وإن وليتها الهاء ، لأنها في حكم الإنفصال ، وأشار إلى الثالث بقوله : ( وهكذا بدل غير الفعل .. إلخ ) أي : كما تمال الألف المتطرفة على نحو ما سبق تمال الألف الواقعة بدلاً من عين الفعل الذي يصير عند إسناده إلى تاء الضمير على وزن ( فِلْتُ ) سواء كان واوي العين كما في ماضي (خَفْ) وهو خاف ، أو يائي العين كماضي ( دِنْ ) وهو : دَانَ.
904- كَذَاكَ تَالِي الْيَاْ وَالْفَصْلُ اغْتُفرْ بَحَرْفٍ أوْ مَعْ هَا كَجَيْبَهَا إدِرْ
905- كَذَاكَ مَا يَلِيهِ كَسْرٌ أوْ يَلي تَالِيَ كَسْرٍ أوْ سُكُونٍ قَدْ وَلِي
906- كَسْراً وَفَصْلُ الْهَا كَلَا فَصْلٍ يُعَدْ فَدِرْهَمَاكَ مَنْ يُمِلْهُ لَمْ يُصَدْ
السبب الرابع من أسباب الإمالة : وقوع الألف بعد الياء ، سوء كانت متصلة بها ، كبيان ، أو منفصلة بحرف ، كيسار ، أو بحرفين أحدهما كدخلت بيتها .
فإن لم يكن أحدهما هاء التأنيث امتنعت الإمالة نحو : هذا بيتنا ؛ لبعد الألف عن الياء .
السبب الخامس : وقوع الألف قبل الكسرة ، مثل : عالم وكاتب .(2/198)
السبب السادس : وقوع الألف بعد الكسرة منفصلة بحرف نحو : كِتاب ، أو بحرفين أولهما ساكن ، نحو شِمْلال(1) . أو كلاهما متحرك ، وأحدهما هاء نحو : يريد أن يضربها ، أو بسكان ومتحرك وبينهما هاء نحو : دِرْهَمَاك ، لأن فصل الهاء كلا فصل (2) .
السبب السابع : إرادة التناسب وسيأتي إن شاء الله تعالى .
وإلى الثلاثة المذكورة أشار بقوله : ( كذاك تالي الياء .. إلخ ) أي : أن الألف التالية ياءً تمال كإمالة الألف السابقة . والفصل بحرف واحد مغتفر أو بحرفين أحدهما هاء نحو : الحُلَّة أدر جيبها (3) . وهذا السبب الرابع وقوله : (كذاك ما يليه كسر ) أي كذلك تمال الألف التي تليها كسرة . وهذا الخامس . وقوله : ( أو يلي تالي كسر ) أي كذلك تمال الألف التي تلي حرفاً وقع بعد كسر . ( أو سكون قد ولي كسراً ) أي : أو تقع بعد حرف وقع بعد سكون مسبوق بكسر ، وهذا السبب السادس . وقوله : ( وفصل الهاء كلا فصل يعد ) أي : أنه لا يضر الفصل بين الحرفين بالهاء ، ثم ذكر المثال المتقدم ، وقوله : ( لم يُصد ) بالبناء للمجهول أي : لم يمنع . وسكنه للوقف .
907- وَحَرْفُ الاِستِعْلَا يَكُفُّ مُظْهَرَا مِنْ كَسْرٍ أوْ يَا وَكَذاَ تَكُفُّ رَا
908- إنْ كَانَ مَا يَكُفُّ بَعْدُ مَتَّصِلْ أوْ بَعَدَ حَرْفٍ أوْ بَحَرْفَيْنِ فُصِلْ
909- كَذَا إذَا قُدِّمَ مَا لِمْ يَنْكَسْرْ أوْ يَسْكُنِ أثْرَ الْكَسْرِ كَالْمِطْوَاعَ مِرْ
للإمالة موانع تعارض الأسباب المتقدمة .وهذه الموانع نوعان :
__________
(1) - الشملال : الناقة الخفيفة .
(2) - نقل في التصريح (2/348) عن ابن الحاجب أن إمالة ( درهماك ) شاذة ، لأن أقل درجة الساكن والهاء أن ينزلا منزلة حرف واحد محرك غير ( ها ) وذلك لا إمالة فيه .
(3) - الحُلَّة : بالضم لا تكون إلا من ثوبين من جنس واحد .(2/199)
الأول : حرف الاستعلاء وهي سبعة ( الخاء ، والغين ، والقاف ، والصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء ) . وتمنع الإمالة بشرطين :
أن يكون سبب الإمالة كسرة ظاهرة ، أو ياء موجودة . مثل ساخط ، ومواثيق ، فإن كانتا مقدرتين لم تمنع حروف الاستعلاء الإمالة . فيمال نحو : خاف . وطاب . فالأول أصله : خَوِف ، والثاني : طَيَب .
إن كان حرف الاستعلاء قبل الألف فلمنعه شرطان .
أن يكون متصلاً أو منفصلاً بحرف نحو : صالح ، وغنائم .
ألا يكون مكسوراً ولا ساكناً بعد كسرة نحو : طَالِب بخلاف : طِلَاب وغِلاب ، لأنه مكسور ، وإصْلاح ومِطْواع ، لأنه ساكن ، فيمال لأن حرف الاستعلاء المكسور لا يمنع الإمالة . والساكن منزل منزلته . لأن الكسرة جاورته .
وإن كان حرف الاستعلاء بعد الألف فشرطه أن يكون متصلاً نحو : فاقد ، وساخط . أو منفصلاً بحرف : كنافح ، وناعق ، أو بحرفين كمناشيط (1) . ومواثيق .
النوع الثاني من الموانع : الراء . وتمنع الإمالة بشرطين :
أن تكون غير مكسورة . سواء كانت مضمومة مثل: هذا جدارٌ ، أو مفتوحة نحو : سِتَارَة ، فلا يمال شيء من ذلك لوجود المانع وهو الراء ، فإن كانت مكسورة لم تمنع من الإمالة كما سيأتي إن شاء الله .
أن تكون الراء متصلة بالألف سواء كانت قبلها مثل : راشِد . أم بعدها كما في المثالين السابقين .
__________
(1) - جمع منشاط ، صيغة مبالغة . من نشط إذا جدَّ وطابت نفسه للعمل وغيره .(2/200)
وفي موانع الإمالة يقول ابن مالك : ( وحرف الاستعلاء يكف مُظْهَراً .. إلخ ) أي : أن حروف الاستعلاء ( تكفّ ) أي تمنع تأثير سببٍ مُظْهَرٍ من أسباب الإمالة من كسرة أو ياء (وكذا تكف را ) بالقصر للضرورة ، أي : وكذلك تكف الراء سبب الإمالة إذا كانت مكسورة – كما يفهم مما سيأتي – وقوله : ( إن كان ما يَكُفُّ .. إلخ ) فيه بيان شرط المانع ، وهو أنه إن كان ما يكف سبب الإمالة – وهو حرف الاستعلاء أو الراء – متأخراً عن الألف . فشرطه أن يكون متصلاً بها أو مفصولاً بحرف أو بحرفين . وقوله ( متصل ) خبر كان منصوب ، وسُكِّنَ للوقف في لغة ربيعة . وأشار بقوله : ( كذا إذا قدم .. إلخ ) إلى أن المانع المذكور إذا كان متقدماً على الألف اشترط لمنعه أن لا يكون مكسوراً ، ولا ساكناً بعد كسرة ، وقوله : ( كالمِطْواعَ مِرْ ) مثال للساكن بعد كسرة ، والمطواع : صيغة في المطيع ، وقوله : ( مِرْ ) بكسر الميم وسكون الراء المهملة من مار غيره إذا أعطاه .أي : أعط المطواع .
910- وَكَفُّ مُسْتَعْلٍ وَرَا يَنْكَفُّ بِكَسْرِ رَا كَغَارِماً لاَ أجْْفُو
تقدَّم أن الألف تمال لأسباب معينة ، وأن هناك موانع تمنع هذه الأسباب من إمالة الألف . غير أن هناك ما يسميه الصرفيون : بمانع الموانع .أي أن الألف تمال مع وجود موانع الإمالة . لأن هناك مانعاً آخر كفَّ هذه الموانع .
والمراد به الراء المكسورة الواقعة بعد الألف . فتمنع حروف الاستعلاء والراء غير المكسور من المنع فيمال نحو قوله تعالى:(وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ)[البقرة :7]،و(دَارُ الْقَرَارِ )[غافر:39](1).
ولا أثر لحروف الاستعلاء في الأول ، ولا للراء غير المسكورة في الثاني ، لأن الراء المكسورة غلبت المانع وكفَّته عن المنع فلم يبق له أثر .
__________
(1) - اعلم أنّ القراء السبعة متفاوتون في الإمالة فبعضهم مقلٌّ ، وبعضهم مكثر . والقراءة : سنة متبعة ، انظر : الإمالة في القراءات واللهجات العربية ص (145) .(2/201)
وهذا معنى قوله : ( وكف مستعل .. إلخ ) أي : أن كفّ حرف الاستعلاء والراء لسبب الإمالة ، ينكف ويبطل بالراء المكسورة وقوله ( را ) بالقصر للضرورة ، ثم مثل بقوله ( غارماً لا أجفو ) أي : لا أجفو غارماً . فألف ( غارم ) تمال . مع وجود المانع وهو حرف الاستعلاء ، لكن بطل منعه لوجود الراء المكسور ، ومعنى المثال : لا أطالب الغارم مطالبة الجفا، بل مطالبة الرفق والتيسير .
911- وَلا تُمِلْ لِسَبَبٍ لِمْ يَتَّصِلْ وَالْكَفُّ قَدْ يُوجِبُهُ مَا يَنْفَصِلْ
سبب الإمالة لا يؤثر إلا إذا كان متصلاً ، ويؤثر المانع وإن كان منفصلاً ، فمثال الأول : أتى أحمد . فيمال لاتصال سببه وهو الألف المبدلة من ياء في طرف . ولا يمال ، لزيدٍ مال، لانفصال السبب وهو الكسرة ، ومثال الثاني : كِتاب قاسم . فيمنع إمالة الألف بسبب الكسرة قبلها مع الفصل بحرف واحد ، لوقوع حرف الاستعلاء وهو القاف بعدها مع انفصاله . وهذا معنى قوله : ( ولا تمل لسبب لم يتصل .. إلخ ) أي : لا تمل لسبب غير متصل بأن كان منفصلاً ، أما الكف- وهو سبب المنع – فقد يؤثر ولو كان منفصلاً .
912- وَقَدْ أَمَالُوا لِتَنَاسِبٍ بِلا داعٍ سِواه كَعِمَادَا وَتَلا(2/202)
ذكر السب السابع من أسباب الإمالة وهو : إرادة التناسب، أي التوافق والتماثل بين كلمة وأخرى . فتمال الألف إذا جاورت ألفاً مُمالة لسبب من الأسباب السابقة ، سوء كانت في كلمتها كإمالة الألف الثانية من ( عِمادا ) لمناسبة إمالة الألف الأولى لوقوعها بعد كسرة مع فصل بحرف واحد أو كانت في كلمة أخرى كقوله تعالى : ((وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا )) [ الشمس : 2] . فقد أميلت ألف ( تلا ) لمناسبة ما بعدها وهو قوله تعالى : ((وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا )) [ الشمس : 3-4] . وهذا على أحد القولين (1) ، وهذا معنى قوله : ( وقد أمالوا لتناسب .. إلخ ) أي: وقد أمالت العرب الألف لأجل التناسب بلا سبب آخر . ثم مثل بـ ( عمادا) و( تلا ) وتقدَّم الكلام عليهما ، وقد أخر ابن مالك – رحمه الله – هذا السبب ؛ وهو التناسب لضعفه بالنسبة لبقية الأسباب ، وأخره – أيضاً – عن الموانع لكونها لا تؤثر فيه .
913- وَلَا تُمِلْ مَا لَمْ يَنلْ تَمَكُّنَا دُونَ سَمَاعٍ غَيْرَهَا وَغَيْرَنَا
تقدَّم أن الإمالة من خواص الأسماء المتمكنة وبعض الأفعال،فلا يمال غير المتمكن إلا سماعاً . إلا ( ها ) الغائبة ، و (نا ) ، فإنهما يمالان نحو : يريد أن يضربها ، ومرَّ بنا.
وهذا معنى قوله : ( ولا تمل ما لم ينل تمكنا ) أي : لا تمل الاسم غير المتمكن إلا سماعاً . ما عدا (ها ) و( نا) فإنها يمالان باطراد .
914- وَالْفَتْحَ قَبْلَ كَسْرِ رَاءٍ فِي طَرَفْ أمِلْ كَللأَيْسَرِ مِلْ تَكُفْ الْكُلَفْ
915- كَذَا الَّذِي تَلِيهِ هَا التَّأْنِيثِ في وَقْفٍ إذَا مَا كَانَ غَيْرَ أَلِفِ
تمال الفتحة قبل ثلاثة أحرف :
__________
(1) - وقيل ليست الإمالة للتناسب وإنما لأن الفعل ( تلا ) وإن كان أصله الواو . لكن الألف ترجع إلى الياء في البناء للمجهول . انظر حاشية الخضري (2/182) .(2/203)
قبل الألف نحو : كتاب . فتمال الألف نحو الياء ، والفتحة نحو الكسرة . وتقدم ذلك .
قبل الراء بشرط كونها مكسورة . وكون الفتحة في غير ياء . والغالب أن تكون الراء في آخر الكلمة . فتمال فتحة الباء في نحو : الكِبَر . لأنها قبل راء مكسورة في الطرف ، بخلاف أعوذ بالله من الغِير ومن قبح السير ، فلا تمال فتحة الياء رغم وقوعها قبل راء متطرفة مكسورة ، وذلك لأن الحرف المفتوح هو الياء .
قبل هاء التأنيث بشرط الوقف عليها نحو : رَحْمهْ ، نِعْمة . فتجوز إمالة فتحة الميم ، لأنها وقعت قبل الهاء للوقف عليها .
وقد أشار ابن مالك إلى الحرف الثاني –وهو الراء بقوله - : (والفتح قبل كسر راء . .. إلخ ) أي : أمل الفتح قبل الراء المكسورة والواقعة في الطرف . ثم ذكر المثال ، وأصله : مِلْ للأمر الأيسر تُكْفَ الكُلف . بضم الكاف جمع كلفة . أي : مل للأمر الأخف تكف المشاق . وقوله : ( في طرف ) صفة لراءٍ ، وليس قيداً ، بل هو غالب . لأن سيبويه نصَّ على إمالتهم فتحة الطاء من قولك : رأيت خَبَطَ رياح ( (1) .
وقوله :(كذا الذي تليه ها التأنيث)إشارة إلى الحرف الثالث الذي يمال الفتح قبله . أي : كذلك يمال الفتح الذي تليه هاء التأنيث في حالة الوقف . وقوله : ( إذا ما كان غير ألف ) أي : بشرط ألا يكون ما قبل الهاء ألفاً نحو : الصلاة والحياة . فإنها لا تمال .
وإذا كان الضمير في قوله ( كذا الذي تليه ) يعود على الفتح الذي تليه الهاء ، لأنه هو الذي يمال ، فلا وجه لاستثناء الألف، إلا إن كان غرضه دفع توهم أن الهاء تُسَوِّغُ إمالة الألف كما سوغت إمالة الفتحة . فيكون ضمير (كان ) عائداً على ما تليه الهاء من فتح أو ألف . لأن ما قبل الهاء لا يكون إلا ألفاً أو فتحاً فإذا أخرج منه الألف تعين الفتح . والله أعلم .
*****
التصريف
__________
(1) - كتاب سيبيويه (4/143) . والخبط : بفتحتين . الورق تنفضه الرياح .(2/204)
916- حَرْفٌ وَشِبْهُهُ من الصَّرْف بَرِي وَما سِوَاهُمَا بَتَصْرِيفٍ حَري
917- وَلِيْس أَدْنَى مِنْ ثُلَاثيٍّ يُرَى قَابِل تصْرِيفٍ سِوَى ما غُيِّرَا
التصريف: علم يتعلق ببنية الكلمة ،وما لحروفها من أصالة وزيادة،وصحة أو إعلال،وشبه ذلك.
والمراد ببنية الكلمة : عدد حروفها وحركاتها وسكناتها .
والغرض من التصريف معرفة هيئة الكلمة ودراسة حروفها لمعرفة ما فيها من أصالة وزيادة أو حذف أو صحة أو إعلال أو إبدال ، وغير ذلك مما لا يتعلق بالمعنى .
أما ما يتعلق ببنية الكلمة من جهة المعنى كالتصغير والنسب والتكسير وغيرها أو ما يبحث في أواخر الكلمة لأغراض إعرابية . فلا يدخل في التصريف وإنما هو من أبواب النحو .
وموضوع التصريف : الأفعال المتصرفة والأسماء العربية المتمكنة ، فلا يدخل الحروف ولا الأسماء المبنية كالضمائر ، ولا الأسماء الأعجمية ، ولا الأفعال الجامدة كعسى وليس .
وأقل ما تتركب منه الأسماء المتمكنة والأفعال ثلاثة أحرف. إلا إن كان بعض أحرفه قد حذف .نحو : يد ودم ، في الأسماء . ونحو : قُمْ : وبِعْ ، وفِ بوعدك ، في الأفعال .
وهذا معنى قوله : ( حرف وشبهه من الصرف بري .. إلخ ) أي : أن الحرف وشبهه – من الأسماء المبنية والأفعال الجامدة – بريء وخالٍ من التصريف ، وعبَّر – هنا – بالصرف دون التصريف للإشعار بأنه لا يقبله بحال ، بخلاف ما لو أتى به ، فإنه يوهم نفي كثرته والمبالغة فيه دون أصله ، وما سواهما فهو ( بتصريف حري ) أي : جدير وحقيق . وقوله : ( بري ) أصله : بريء ، بالهمز ، فخففه ، وقوله : ( حري ) أصله : حريّ – بتشديد الياء – فخُفف بحذف إحداهما للضرورة .
ثم ذكر أنه لا يقبل التصريف من الأسماء والأفعال ما كان على أقل من ثلاثة أحرف ، إلا ما حدث فيه تغيير بالحذف منه .
918- وَمُنْتَهَى اسْمٍ خَمْسٌ انْ تَجَرَّدَا وَإنْ يُزَدْ فِيهِ فَمَا سَبْعاً عَداَ
ينقسم الاسم إلى مجرد ، ومزيد .(2/205)
فالمجرد : ما كانت جميع حروفه أصلية .
والمزيد : ما زيد فيه على حروفه الأصلية حرف أو أكثر .
والاسم المجرد قد يكون ثلاثيّاً مثل : رجل ، أو رباعيّاً مثل : جعفر . أو خماسيّاً – وهو غايته- مثل : سفرجل (1) .
والاسم المزيد قد يكون بحرف مثل ألف : طالب . وقد يكون مزيداً بحرفين ، كالألف والميم في مثل : مطالب ، وقد يكون بثلاثة مثل : مستخرج ، وقد يكون بأربعة مثل : استخراج . ولا يتجاوز الاسم المزيد سبعة أحرف .
وهذا معنى قوله : ( ومنتهى اسم خمس .. إلخ ) أي : أن منتهى الاسم المجرد من الزيادة خمسة أحرف . ,وإن زيد فيه فلا يتجاوز سبعة أحرف . و( إن ) في قوله : ( ان تَجَرَّدَا ) شرطية ، وتقرأ بهمزة الوصل للضرورة .
919- وَغَيْرَ آخِرِ الثُّلَاثي وافْتَحْ وَضُمْ وَأكسِرْ وَزِدْ تَسْكِينَ ثَانِيهِ تَعُمْ
920- وَفِعُلٌ أُهْمِلَ وَالْعَكْسُ يَقِلْ لِقَصْدِهِم تَخْصِيصَ فِعْلٍ بِفُعِلْ
للاسم الثلاثي اثنا عشر بناءً . لأنه إما أن يكون مفتوح الأول أو مضمومه أو مكسوره . وعلى كل من هذه التقديرات : إما أن يكون مفتوح الثاني أو مضمومه أو مكسورة ، أو ساكنه ، فخرج من هذا اثنا عشر بناءً حاصلة من ضرب ثلاثة في أربعة ، وذلك نحو : فَرَس ، عَضُد ، كَتِف ، فَلْس ، ونحو : صُرَد (2) . عُنُق ، دُئِل( (3) قُفْل ، ونحو عِنَب ، حِبُك (4) إبل ، عِلْم .
وكل هذه الأبنية صحيحة فصيحة إلا اثنين منها وهما :
ما كان مكسور الأول ومضموم الثاني ، وهذا مهمل ، لثقل الانتقال من كسر لازم إلى ضم لازم .
__________
(1) - اسم ثمر . وتقدم في جمع التكسير .
(2) - صُرَد : اسم طائر . وقد تقدّم في جمع التكسير .
(3) - دُئِل : اسم دويبة تشبه ابن عرس سميت به قبيلة ، وقد تقدّم في باب النسب .
(4) - حِبُك ، لغة في حُبُك . وفي القاموس : الحبك من السماء طرائق النجوم واحدها حبيكة .(2/206)
ما كان مضموم الأول ومكسور الثاني ، وهذا قليل في الأسماء . لأنهم قصدوا تخصيص هذا الوزن بالمبني للمجهول ، مثل كُتِبَ ، وعُلِم .
وهذا معنى قوله : ( وغير آخر الثلاثي افتح .. إلخ ) أي : غير آخر الاسم الثلاثي – وهو أوله وثانيه – يجوز في كل منهما الفتح والضم والكسر ، ويزيد الثاني بالتسكين . وبهذا تكون أبنية الاسم اثني عشر . وإنما لم يُعتبر الحرف الأخير من الثلاثي ، لأنه حرف إعراب ، فحركته بحسب العوامل .
ثم بين أن ما كان على وزن ( فِعُل ) – بكسر فضم – فهو مهمل ، وعكسه وهو ما كان على وزن (فُعِل) – بضم فكسر - قليل الاستعمال لما تقدم من تخصيصه بالمبني للمجهول .
921-وَافْتَحْ وَضُمَّ وَاكْسِرِ الثَّانِيَ مِنْ فِعْلٍ ثُلَاثِيٍّ وَزِدْ نَحْوَ ضُمِنْ
922- وَمُنْتَهَاهُ أَرْبَعُ إنْ جُرِّدَا وَإِنْ يُزَدْ فِيهِ فَمَا سِتّاً عَدَا
ينقسم الفعل إلى مجرد ومزيد ، كما انقسم الاسم إلى ذلك .
وأقل المجرد ثلاثة : كضرب .وأكثره أربعة مثل : بَعْثَر . وغاية المزيد إلى ستة ، كاستخرج .
فالفعل الثلاثي المجرد له أربعة أبنية (1) . لأن أوله مفتوح دائماً إلا حين بنائه للمجهول فإنه يضم . أما ثانيه فقد يكون مفتوحاً أو مكسوراً أو مضموماً .
فالتي للفعل المبني للمعلوم : ( فَعَل ) مثل : كتب ، و( فَعِل) مثل : عَلِم ، و( فَعُل ) مثل : شَرُف . والذي للفعل المبني للمجهول : ( فُعِل ) مثل : كُتِب .
وأما الرباعي المجرد فله وزن واحد هو ( فَعْلل ) ، ويتفرغ عنه ثلاثة أبنية : واحد للفعل المبني للمعلوم مثل :دَحْرَجَ ، وواحد للمبني للمجهول مثل : دُحْرِجَ ، وواحد لفعل الأمر مثل: دَحْرِجْ.
__________
(1) - هذا ما ذكره ابن مالك ، وجرى فيه على مذهب الكوفيين والمبرد ، ونقل عن سيبويه ، وأما عند البصريين فصيغة المبني للمجهول فرع عن المبني للمعلوم . فيكون للثلاثي ثلاثة أوزان .(2/207)
أما المزيد فإن كان ثلاثيّاً صار بالزيادة على أربعة أحرف مثل : أخرج ، دافع ، أو على خمسة مثل : انكسر ، افتتح . أو على ستة مثل : استغفر ، اخشوشن .
وإن كان رباعيّاً صار بالزيادة على خمسة مثل : تدحرج ، تبعثر أو على ستة مثل : احرنجم (1) اقشعرَّ .
وهذا معنى قوله : ( وافتح وضم واكسر الثاني .... إلخ ) أي : افتح أو ضم أو اكسر الحرف الثاني من الفعل الثلاثي . ولما سكت عن الأول علم أنه لا يكون إلا مفتوحاً . فهذه ثلاثة أبنية . وقوله : ( وزد نحو ضُمِنْ ) إشارة إلى البناء الرابع وهو الفعل المبني للمجهول .
ثم ذكر أن الفعل المجرد أكثر ما يكون رباعيّاً والفعل المزيد أكثر ما يكون سداسياً .
923- لاْسْمٍ مُجَرَّدٍ رُبَاعٍ فَعْلَلُ وَفِعْلِلٌ وَفِعْلَلٌ وَفُعْلُلُ .
924- وَمَعْ فِعَلٍّ فُعْلَلٌ وَإنْ عَلَا فَمَعْ فَعَلَّلٍ حَوَى فَعْلَلِِعَلا
925- كَذَا فُعَلِّلٌ وَفِعْلَلٌ وَمَا غَايَرَ لِلزَّيْد أوِالنَّقْصِ انْتَمَى
للاسم الرباعي المجرد ستة أوزان :
فَعْلَل- بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه – نحو : جَعْفَر ، وسَلْهَب (2) .
فِعْلِل – بكسر أوله وثالثه وسكون ثانيه – نحو : زِبْرَج (3) . وقِرْمِز (4) .
فِعْلَل – بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه – نحو : دِرْهَم ، وهِجْرَع (5) .
فُعْلُل – بضم أوله وثالثه وسكون ثانيه – نحو : بُرْثُنَ (6) وجُرْشع (7) .
فَعَلٌّ – بكسر ففتح فتشديد اللام – نحو : هِزَبْر (8) .
__________
(1) - تقول : حرجمت الإبل ( أي جمعتها ) فاحرنجمت . فالفعل المزيد يدل على مطاوعة الفعل المجرد .
(2) - السلهب : الطويل .
(3) - زبرج : تقدم في أواخر جمع التكسير .
(4) - قِرْمز : نوع من الصبغ .
(5) - الهجرع : الطويل الممشوق أو الطويل الأعرج .
(6) - البرثن : من السباع والطير كالأصابع من الإنسان .
(7) - الجرشع : الضخم من الخيل والإبل .
(8) - الهزبر : الأسد القوي .(2/208)
فُعْلَل – بضم أوله وفتح ثالثه وسكون ثانيه – نحو : جُخْدَب (1)
وللخماسي المجرد أربعة أوزان :
فَعَلَّل– بفتح أوله وثانيه فلام مشددة فأخرى غير مشددة نحو:سفرجل (2).وشمردل(3).
فَعْلَلِل – بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه وكسر رابعه – نحو : جَحْمَرِش(4)
فُعَلِّلِ –بضم أوله وفتح ثانيه فلام ساكنة مدغمة في نظيرتها المكسورة – نحو : قُذَعْمِل (5) وخُزَعْبِل (6)
فِعْلَلٌّ – بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه . وتشديد آخره – نحو قِرْطَعْب( (7) . وجِرْدَحْل (8) .
وهذا معنى قوله : ( لاسم مجرد رباع فَعْلَل .. إلخ ) أي : للاسم المجرد الرباعي هذه الأوزان الستة التي ذكرها . (وإن علا ) وهو الخماسي المجرد فله الأربعة المذكورة . وأشار بقوله : ( وما غاير .. إلخ ) إلى أن ما جاء من الأسماء المتمكنة (9) على خلاف ما سبق من الأمثلة فهو إما مزيد فيه أو ناقص منه بعض حروفه ، مثل : يد ، ظريف ، استخراج . فـ ( يد ) نقص منه أصل وهو الياء ، إذ أصله : يَدْيٌّ – كما تقدم في أواخر النسب – وظريف فيه زيادة الياء . واستخراج فيه زيادة همزة الوصل والسين والتاء والألف .
926- وَالْحَرْفُ إنْ يَلْزَم فَأَصْلٌ وَالَّذي لا يَلْزَمُ الزَّائِدُ مِثْلُ تَا احْتُذِي
__________
(1) - الجذدب : الجراد الأخضر الطويل الرجلين . وقيل ذكر الجراد .
(2) - السفرجل : فاكهة من فصيلة التفاح ولكن حجمه أكبر . وتقدم في جمع التكسير .
(3) - الشمردل : الطويل .
(4) - الجحمرش : العجوز المسنة والعظيمة من الأفاعي .
(5) - القذعمل : الضخم من الإبل .
(6) - الخزعبل : الفكاهة والمزاح ، ويقال : خزعبلة .
(7) - القرطعب : هو الشيء الحقير .
(8) - الجردحل : الضخم من الإبل .
(9) - انظر شرح المرادي (5/232) حاشية ابن الحاج على شرح المكودي (2/172) .(2/209)
أي أن الفرق بين الأصلي والزائد ، هو أن الأصلي يلزم في تصاريف الكلمة (1) بحيث لا يمكن الاستغناء عنه . مثل : كتب . فالأحرف الثلاثة أصلية ، لأنها ثابتة في المضارع ، والأمر ، واسم الفاعل ، واسم المفعول ... إلخ .
أما الزائد فهو الذي يسقط في بعض التصاريف (2) فيمكن الاستغناء عنه ، وتؤدي الكلمة بعد حذفه معنى مفيداً . مثل : كاتب ، فالألف زائدة ، لأنها وجدت في اسم الفاعل ، لكنها غير موجودة في الفعل الماضي والمضارع - مثلاً – (3) .
وقوله : ( مثل تا احتذي ) فإنها زائدة لأنك تقول : حذا حَذْوَ محمدٍ ، أي : فَعَلَ فِعْلَه . فلما سقطت علم أنها زائدة . يقال : احتذى به : أي اقتدى به . واحتذي : أي انتعل .
927- بضِمْنِ فِعْلٍ قَابِلِ الأصُولِ في وَزْنٍ وَزَائدٌ بِلَفْظِهِ اكْتُفِي
928- وَضَاعِفِ اللّام إذَاَ أصْلٌ بِقِي كَرَاءِ جَعْفَرٍ وَقَافِ فُسْتُقِ
929- وَإنْ يَكُ الزَّائِدُ ضِعْفَ أَصْلِ فَاجْعَلْ له في الْوَزْنِ مَا لِلأَصْلِ
هذه الأبيات في الميزان الصرفي . وهو مقياس وضعه العلماء لمعرفة أحوال بنية الكلمة ، وما فيها من أصول وزوائد ، وحركات وسكنات ، وما طرأ عليها من حذف أو إعلال . بأخصر عبارة ، وأوجز لفظ .
ولما كان أكثر الكلمات ثلاثيّاً جعل علماء الصرف لوزنها ثلاثة أحرف : هي الفاء للحرف الأول ، والعين الثاني ، واللام للثالث ، ولو كان الميزان رباعيّاً أو خماسيّاً ما أمكن ووزن الثلاثي به إلا بحذف حرف أو حرفين ، والزيادة أسهل من الحذف .
__________
(1) - يرد عليه ما لا يسقط أصلاً لجمود كلمته مع أنه زائد كنون قرنفل وواو كوكب .
(2) - يرد عليه ما يسقط في بعض التصاريف وهو أصل كواو ( وعد ) في المضارع ( يعد ) والأحسن أن يقال : الزائد ما سقط في أصل الوضع تخفيفاً أو تقديراً لغير علة تصريفيه . [ المغني في تصريف الأفعال ص 55] .
(3) - وهناك أدلة أخرى للزيادة فانظر : المغني في تصريف الأفعال ص 85.(2/210)
فإذا أريد وزن كلمة من الكلمات فإما أن تكون من المجرد أو المزيد .
فالمجرد إن كان ثلاثيّاً يوزن بوضع ( الفاء ) من ( فَعَل ) موضع الحرف الأول منه ، و ( العين ) موضع الثاني ، و( اللام ) موضع الثالث . ثم تضبط أحرف الميزان وفق ضبطها في الكلمة الموزونة . فوزن : شَرِبَ : فَعِلَ . وكرُم : فَعُلَ ، وشَمْس : فَعْل .
وإن كان المجرد رباعيّاً فإنه يوزن بزيادة لام على آخر ميزان الثلاثي فوزن : بَعْثر : فَعْلَل ، ودِرْهَم : فِعْلَل .
وإن كان خماسيَاً – ولا يكون إلا اسماً – فإنه يوزن بزيادة لامين على آخر ميزان الثلاثي . مثل : سفرجل ، وزنه : فَعَلَّل .
أما المزيد فإما أن تكون الزيادة فيه بتكرير حرف من أصول الكلمة أو تكون بزيادة حرف من حروف الزيادة المجموعة في قولك ( سألتمونيها ) فإن كانت الزيادة بالتكرير ضُعِّفَ الحرف المكرر في الميزان ، فوزن هَذَّب : فعَّل ، ووزن جَلْبَبَ (1) : فَعْلَلَ . ووزن حِلْتيت (2) : فِعْليل .
وإن كانت الزيادة باشتمال الكلمة على حرف زائد أو أكثر ، وضع في الميزان مثل هذه الأحرف في الأماكن المقابلة لها ، فوزن أحسن : أفْعل ، وخاصم : فاعل ، وانصرف : انفعل ، واستخير : استفعل ، ومنصور : مفعول . ومنطلق : مُنْفَعِل .
وهذا معنى قوله : ( بضمن فعلٍ قابل الأصول .. إلخ ) أي : قابل أصول الكلمة عند الوزن بما تضمنه لفظ ( فَعَلَ ) من الأحرف الثلاثية – وهي الفاء والعين واللام – والزائد يعبر عنه بلفظه في الميزان . ثم ذكر أنه إن بقي بعد الثلاثة حرف أصلي - كما في الرباعي والخماسي – فإنك تضاعف اللام في الميزان . فتقول في الوزن : جَعْفَر : فَعْلَل ، وفي وزن فُسْتُقْ : فُعْلُل.
__________
(1) - جلببه بمعنى غطاه .
(2) - الحلتيت : مادة صمغية معروفة .(2/211)
وإن كان الزائد ضعف حرف أصلي فاجعل له في الوزن من أحرف الميزان ما للأصل الذي هو ضعفه . فإن كان ضعف الفاء قوبل بالفاء ، وإن كان ضعف العين قوبل بالعين ، وإن كان ضعف اللام قوبل باللام ، كما تقدم .
930- وَاحْكُمْ بِتَأصِيلِ حُرُوفِ سِمْسِمِ وَنَحْوِهِ وَالْخُلْفُ في كِلَمْلِمِ
من أنواع المضعَّف : مضعف الرباعي ، وهو ما كانت فاؤه ولامه الأولى من جنس ، وعينه ولامه الثانية من جنس آخر نحو : زلزل ، ودمدم ، وسمسم (1) وهو نوعان :
الأول : ألا يصح إسقاط ثالثه مثل : سمسم ، زلزل ، فهذا حروفه كلها أصلية ووزنه ، فِعْلِل وفَعْلَل . لأن أصالة أحد المكررين فيه واجبة تكميلاً لأقل الأصول ، وليس أصلاً أحدهما أولى من أصالة الآخر ، فحكم بأصالتهما معاً .
الثاني : أن يصح إسقاط ثالثه . مثل : لمْلِمْ ، أمر من لمْلَمَ المتاع أي : ضم بعضه إلى بعض ، وكَفْكِفْ ، أمر من كَفْكَفَ . فاللام الثانية ، والكاف الثانية صالحان للسقوط بدليل صحة : كفَّ ، ولمَّ ، فهذا النوع موضع خلاف ، فمذهب البصريين إلا الزجاج أن الحروف كلها محكوم بأصالتها – كالنوع الأول – وأن مادة لملم ، وكفكف ، غير مادة : لمَّ وكفَّ ، ووزن هذا النوع ( فَعْلل ) كالأول . وقال الكوفيون : إن الحرف الثالث الصالح للسقوط زائد مبدل من حرف مماثل للثاني وهو العين والأصل : كفَّفْ . ولَمَّمْ . ثم أبدل من أحد المضاعفين لام في ( لملم ) وكاف في ( كفكف ) . ووزنه ( فَعَّل ) ، وقال الزجاج : إنه زائد غير مبدل من شيء ووزنه : ( فَعْفَلْ ) بتكرير الفاء .
وهذا معنى قوله : ( واحكم بتأصيل حروف سمسم .. إلخ ) أي: احكم بأن جميع الحروف أصلية في مثل : سمسم ، من كل رباعي تكررت فاؤه وعينه ولا يصلح أحد المكررين للسقوط .
والخلاف ثابت فيما إذا كان أحدهما صالحاً للسقوط مثل : لَمْلِمْ . وقد تقدم بيانه .
__________
(1) - بكسر السينين : حَبُّ معروف .(2/212)
931- فَأَلِفٌ أَكَثَرَ مِنْ أَصْلَينِ صَاحَبَ زَائِدٌ بِغَيْرِ مَيْنِ
932- وَالْيَا كَذَا وَالْوَاوُ إِنْ لِمْ يَقَعَا كَمَا هُمَا فِي يُؤْيُؤٍ وَوَعْوَعَا
933- وَهكَذَا هَمْزٌ وَمِيمٌ سَبَقَا ثَلاثَةً تَأْصِيلُهَا تَحَقَّقَا
934- كَذَاكَ هَمْزٌ آخِرٌ بَعْدَ أَلِفْ أَكْثَرَ مِنْ حَرْفَينِ لَفَظُهَا رَدِفْ
لما ذكر المصنف – رحمه الله – ما يعرف به الحرف الأصلي من الزائد وما يتبع ذلك ، شرع في بيان أحرف الزيادة وعلامة زيادتها ، وأحرف الزيادة عشرة يجمعها لفظ (سألتمونيها) ، ولكل حرف منها علامة تدل على أنه زائد (1) .
فيحكم بزيادة الألف اللينة إذا صحبت ثلاثة أحرف أصلية . فصاعداً ، وهي تزاد حشواً وطرفاً . ولا تزاد أولاً ، لأنها ساكنة ، ولا يبدأ بساكن . ومن أمثلة زيادتها ، شارك ، كتاب ، ارعوى ، كمثرى .
فإن صحبت أصلين فقط فليست بزائدة ، بل هي إما أصل – كما في الحرف وشبهه مثل:إلى – أو بدل من أصل كقال ، وباع .
__________
(1) - ولهذه الزيادة أغراض منها :
1- مد الصوت نحو : كتاب ، سعيد ، عمود .
2- التعويض عن محذوف مثل : إقامة ، واستقامة .
3- لإمكان الابتداء بالساكن ، وهذا خاص بهمزة الوصل كما سيأتي إن شاء الله .
4- إمكان الوقف على الكلمة التي بقيت على حرف واحد كما سيأتي وكما مضى في الوقف .
5- أن حروف الزيادة تأتي ببعض المعاني التي لم يكن قبل مجيئها – وهذا من أهم أغراض الزيادة – فزيادة الهمزة في أول الثلاثي قد تفيد التعدية . مثل : خرج الطالب ، وأخرجت الطالب. والتضعيف قد يفيد التكرار والتمهل مثل : علّمت الطالب . وتحويل الفعل إلى فَاعَلَ – بزيادة الألف – قد يفيد الدلالة على المشاركة مثل : شاركت في الدعوة إلى الله . [ انظر : المغني في تصريف الأفعال ص 57، النحو الوافي ( 4/755) ] .(2/213)
ويحكم بزيادة الياء إذا صحبها ثلاثة أصول فأكثر ، سواء كانت متصدرة أو غير متصدرة ، نحو : شريف ، سيطر ، يلمح ، يَعْمَلٍ (1)
فإن صحبت أصلين كانت أصلاً نحو : سيف ، ويوم ، وظبي ، أو كانت في مُضَعَّف الرباعي نحو : يؤيؤ (2)
ويحكم بزيادة الواو إذا صحبتها ثلاثة أصول فأكثر . وتزاد حشواً ، وطرفاً ، ولا تزاد أولاً . نحو : جوهر ، ترقوة(3) فإن صحبت أصلين كانت أصلاً نحو : وَعَدَ (4) ، عَوْد ، أو كانت في مضعف الرباعي نحو : وسوس وسوسة .
ويحكم بزيادة الهمزة في موضعين :
إذا تقدمت على ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها نحو : أحمد ، أرنب ، أكرم . فإن سبقت أصلين حكم بأصالتها نحو : أخذ ، إبل ، أمان ، وإن تصدرت الهمزة وبعدها ثلاثة أحرف يحتمل أحدها الأصالة والزيادة ، فإن اعتبرته زائداً كانت الهمزة أصلاً ، وإلا فهي زائد ، مثل : أرطى (5) فيحتمل أن الألف زائدة للإلحاق بجعفر ، فتكون الهمزة أصلية ، ووزنه ( فعلى ) من قولهم في المدبوغ به : مأروط . ويحتمل أنها بدل من أصل وهو الياء ، فتكون الهمزة زائدة ، ووزنه ( أفعل ) من قولهم : مَرْطيّ . أي مدبوغ بالأرطى . والأول أظهر لكثرة تصاريفه . فإنهم قالوا : أرطت الأديم : إذا دبغته بالأرطى . وآرطَتِ الأرض : أخرجت الأرطى .
إذا وقعت متطرفة بعد ألف زائدة سُبقت بثلاثة أصول فصاعداً ، نحو : شعراء ، وخضراء ، وعاشوراء .
__________
(1) - اليعمل : الجمل القوي على العمل ، والناقة يعملة ، قال في القاموس : ( ولا يوصف بهما إنما هما اسمان ) .
(2) - اليؤيؤ : اسم طائر وهو الجَلَم ، وهو من جوارح الطير [ حياة الحيوان 2/407] .
(3) - ترقوة : تقدمت في أواخر جمع التكسير .
(4) - الواو في ( وعد ) أصلية وإن سقطت في المضارع والأمر ؛ لأن حذفها لعلة تصريفية . وشرط الزائد أن يسقط لغير علة تصريفية . كما تقدم .
(5) - أرطى : تقدمت في باب الممنوع من الصرف .(2/214)
فإن تقدم الألف أصلان فالهمزة غير زائدة نحو : كساء ، وغذاء ، فالهمزة في الأول بدل من واو ، وفي الثاني بدل من ياء .
ويحكم بزيادة الميم إذا تصدرت وبعدها ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها ، ولا تزاد إلا في الأسماء مثل : موعد ، مصباح ، فإن تصدرت وبعدها أصلان ، أو لم تتصدر ، فهي أصلية نحو : مَهْد ، ضرغام (1) .
وإن تصدرت وبعدها ثلاثة أحرف يحتمل أحدها الأصالة والزيادة فإن اعتبرته زائداً كانت أصلاً وإلا فهي زائدة مثل : مِجَنّ (2) فوزنه عند سيبويه ( فِعَلّ ) فالميم أصل. وظاهر الاشتقاق يشهد بأن الوزن ( مِفْعَل ) فالميم زائدة (3) .
وإلى هذه الأحرف الخمسة أشار بقوله : ( فألف أكثر من أصلين صَاحَبَ زائدٌ .. إلخ ) أي أن الألف إذا صاحَبَ أكثر من أصلين فهو زائد .. وقوله ( بغير مين ) أي : كذب .
ثم ذكر أن الياء والواو مثل الألف إذا صاحبا أكثر من أصلين حكم بزيادتهما بشرط ألا يكونا في مضعف الرباعي مثل : يؤيؤ -اسم طائر كما تقدم – ووعوعَ وهو فعل ماض – على الأرجح – فيكون من عطف الفعل على الاسم . وهو من قولهم : وَعْوَعَ الذئب وعوعة : صَوَّت . والوعوعة . صوته .
ثم بين أن الهمزة والميم يحكم بزيادتهما إذا تقدمتا على ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها ، فإن لم يقطع بأصالتها فيحتمل في الهمزة والميم الزيادة أو الأصالة كما تقدم . وكذا تزاد الهمزة إذا وقعت آخراً بعد ألف ( أكثر من حرفين لفظها ردف ) أي : تبع لفظها – أي تقدمها – أكثر من حرفين .
935- وَالنُّونَ فِي الآخِرِ كَالْهَمْز وَفِي نَحْوِ غَضَنْفَرٍ أَصَالَةً كُفِي
936- وَالتَّاءُ فِي التَّأْنِيْثِ وَالْمُضَارَعهْ وَنَحْوِ الاسْتِفْعَالِ وَالْمُطَاوَعَهْ
__________
(1) - الضرغام : الأسد .
(2) - المجن : بكسر الميم . هو الترس . سُمٍّي بذلك لأن صاحبه يتستَّر به .
(3) - ذكر الأشموني (4/263) عن سيبويه قولين في ميم ( مجن ) وانظر : المغني في تصريف الأفعال ص 85.(2/215)
937- وَالْهَاءُ وَقْفاً كَلِمَهْ وَلَمْ تَرَهْ وَاللامُ في الإشَارَةِ الْمُشْتَهِرَهْ
938-وَامْنَعْ زِيَادَةً بِلَا قَيْدٍ ثَبَتْ إنْ لَمْ تَبَيَّنْ حُجَّةٌ كَحَظِلَتْ
6- السادس من أحرف الزيادة : النون . ويحكم بزيادتها في موضعين :
الأول : إذا تطرفت بعد ألف مسبوقة بثلاثة أحرف أصول أو أكثر ، نحو : عثمان ، عطشان ، زعفران . فإن لم تسبقها ألف أو لم يسبق الألف ثلاثة أصول فهي أصلية ، نحو : برثن ، أمان .
وإذا سبقت الألف بثلاثة أحرف يحتمل أحدها الأصالة والزيادة كان حكم النون متوقفاً على اعتبار هذا الثالث . فإن اعتبرته أصلاً كانت النون زائدة ، وإلا فهي أصل .
ويكثر ذلك إذا كانت الألف مسبوقة بحرف مضعَّف مثل : حسَّان . فإن كان من الحُسْن . فوزنه ( فَعَّال ) لأن النون أصلية . وهو مصروف . وإن كان من الحَسِّ – القتل – فوزنه: ( فعلان) لأن النون زائدة ، وهو ممنوع من الصرف مع العلمية .
الموضوع الثاني من موضعي زيادة النون:إذا كانت ثالثة ساكنة غير مدغمة وبعدها حرفان نحو : غَضَنْفَر (1) ، عَقَنْقَل (2) . قرنفل (3) .
فإن كانت في الصدر فهي أصلية نحو : نَهْشَل (4) . إلا إذا دلَّ دليل على زيادتها كما في ( نَرْجِس )(5) لأنها لو كانت أصلاً لكان وزنه ( فَعْلِل ) – بكسر اللام الأولى – وهو مفقود (6).
__________
(1) - الغضنفر : الأسد .
(2) - العقنقل : الوادي العظيم المتسع ، والكثيب المتراكم .
(3) - القرنفل : ثمرة شجرة بسُفالة الهند أفضل الأفاوية الحارة وأذكاها .
(4) - النهشل : الذئب . والصقر ، وقبيلة .
(5) - النرجس : نوع من الرياحين ، معروف .
(6) - انظر : الممتع في التصريف لابن عصفور (1/67، 266) .(2/216)
التاء . وتزاد في الصدر في الفعل المضارع مثل : تقوم . أو مع السين في الاستفعال وفروعه نحو : استخرج ، استخراج ، مستخرج ، أو في الفعل المطاوع مثل : علمته فتعلم ، ودحرجته فتدحرج . وتزاد التاء آخراً إذا كانت للتأنيث في آخر الفعل الماضي ، وفي الأسماء مثل : فاطمة وصلت رحمها . كما زيدت سماعاً في بعض المصادر ، مثل : رحموت ، بمعنى : الرحمة ، وجبروت بمعنى : التجبر ، وملكوت بمعنى : الملك .
الهاء . وقد نص ابن مالك في شرح الكافية على أنها أقل الزوائد زيادة (1) . وتَطَّرِدُ زيادتها في الوقف على ( ما ) الاستفهامية المجرورة . نحو : لِمَهْ ؟ وعلى الفعل المعل بحذف آخره نحو : عِهْ ، وفِهْ ، ولم تره ، وقد مضى ذلك في باب الوقف . وزيدت الهاء سماعاً في ( أمَّهات ) جمع ( أم ) على الصحيح بدليل سقوطها في المصدر في قولهم: أُمٌّ بينة الأمومة (2). وكذا في ( أهراق ) الماء ، والأصل : أراق إراقة . فسقوط الهاء دليل زيادتها .
اللام . وتزاد باطراد في أسماء الإشارة مثل : ذلك ، تلك ، هنالك (3) وتزاد سماعاً في ألفاظ منها (4) طيسل – في العدد الكثير – لسقوطها في الطيس .
__________
(1) - شرح الكافية (4/2055) .
(2) - وزيادتها ليفرق بين العقلاء والبهائم ، لأنه يقال في البهائم : أُمَّات [ المقتضب (3/169) ] .
(3) - تكلم العلماء في عَدٍّ الهاء من حروف الزيادة ، والصحيح أنها زيدت في بعض الكلمات . راجع المغني في تصريف الأفعال ص 95. وحاشية الخضري (2/188) .
(4) - عقد السيوطي في المزهر فصلاً للألفاظ التي زيدت اللام في آخرها (2/259) .(2/217)
السين : وتزاد باطراد مع التاء في صيغة ( الاستفعال ) وفروعه نحو : استغفر ... وهذه لم يذكرها ابن مالك – رحمه الله - ، لكنها تفهم من كلامه ، كما سأذكر إن شاء الله . فإن خلا حرف الزيادة من العلامة الدالة على زيادته وجب الحكم بأصالته ، إلا إن قام دليل آخر يصلح حجة على الزيادة ، ومن ذلك سقوط همزة ( شمأل ) في بعض الأساليب الصحيحة ، ومنها : شَمَلَتِ الريح شُمُولاً : بمعنى هبت شمالاً . ومن ذلك زيادة نون ( سنبل ) لسقوطها في قولهم : أسبل الزرع . وزيادة نون ( نَرجِس ) لانتفاء ( فَعْلِل ) كما أسلفت .
وإلى هذه الأحرف أشار بقوله : ( والنون في الآخر كالهمز .. إلخ ) أي : تزاد النون في آخر الكلمة بشروط زيادة الهمزة . وتزاد كذلك إذا وقعت ساكنة وقبلها حرفان وبعدها حرفان . نحو : غضنفر . وقوله : ( أصالة كفى ) مبني للمجهول . و( أصالة ) مفعول ثان . ونائب فاعله ضمير مستتر يعود على النون وهو مفعوله الأول . والتقدير : وكُفي النونُ أصالةً في نحو : غضنفر . ومعنى (كفي ) أي : صُرف . يقال : كفاك الله الشر . بمعنى : صرفه عنك . فمعنى : ( أصالة كفي ) أي منعت النون من الأصالة وصرفت عنها .
ثم ذكر مواضع زيادة التاء وهي أربعة : وفهم من تمثيله بالاستفعال أن السين تزاد مع التاء . ولم ينصَّ على زيادتها ، لأنها لا تزاد إلا في موضع واحد وهو الاستفعال ، فكأنه اكتفى بذلك ثم ذكر زيادة الهاء ، واللام .(2/218)
ثم بين أنه إذا وقع شيء من حرف الزيادة السابقة خالياً عما قُيد به فهو أصل ، ولا يقبل دعوى زيادته إلا بدليل بيِّن ، وقوله : ( إن لم تبين ) يجوز ضبطه بفتح التاء والأصل . تتبين ، و ( حجة ) فاعل . وبضم التاء على أنه مضارع مبني للمجهول و ( حجة ) نائب فاعل ، وقوله : ( كحظلت ) مثال للحجة على الزيادة وهو بكسر الظاء المشالة . من باب( فَرِحَ ) من قولهم : حَظِلَت الإبل : أي : أكثرت من أكل الحنظل (1) ، فهذا دليل على أن نون ( حنظل ) زائدة لسقوطها فيه ، مع أنها خلت من قيد الزيادة الذي تقدم ذكره في زيادة النون، و الله تعالى أعلم.
****
فَصْلٌ فِي زِيَادَةِ هَمْزَةِ الْوَصِلِ
939- لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ لَا يَثْبُتُ إلا إذَا ابْتُدِى بِهِ كَاسْتَثْبِتُوا
940- وَهْوَ لِفِعْلٍ مَاضٍ احْتَوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ نَحْوُ انْجَلَى
941- وَالأَمْرِ وَالْمَصْدَرِ مِنْهُ وكَذَا أَمْرُ الثُّلَاثِي كَاخْشَ وَامْضِ وَانْفُذَا
942-وَفِي اسْمٍ اسْتٍ ابْنٍ ابْنِم سُمِعْ وَاثْنَيْن وَامْرِىءٍ وَتَأْنِيثٍ تَبِعْ
943- وَايْمُنُ هَمْزُ ألْ كَذَا وَيُبْدَلُ مَدّاً فِي الاْستِفْهَامِ أوْ يُسَهَّلُ
همزة الوصل :هي همزة سابقة في أول الكلمة تثبت في الابتداء ، وتحذف في حال الوصل. بمعنى أنه ينطق بها عند ما تكون في أول الكلمة . ولا ينطق بها عند ما توصل الكلمة بغيرها .
سميت بذلك لأنه يؤتى بها في أول الكلمة ، ليتوصل بها إلى النطق بالساكن ، لأن العرب لا تبدأ بساكن ، ولا تقف على متحرك .
والكلام في همزة الوصل من تتمة الكلام على زيادة الهمزة . وإنما أفردها لاختصاصها بأحكام لا تكون لغيرها .
وهمزة الوصل لها مواضع سماعية ومواضع قياسية . فالقياسية هي :
في أول الفعل الماضي الخماسي ، نحو : انطلق . والأمر منه نحو : انطلقْ والمصدر نحو : انطلاق .
__________
(1) - الحنظل : الشجر المرُّ . انظر : اللسان (مادة : حظل) .(2/219)
في أول الفعل الماضي السداسي ، نحو : استخرج ، وأمره نحو : استخرجْ ، ومصدره نحو : استخراج .
- في أول الأمر من الثلاثي (1) إذا كان ثاني مضارعه ساكناً نحو : اكتب .
وأما مواضعها السماعية فهي موضعان :
في عشرة أسماء وهي :
1- اسم . 2- است ( بمعنى الدبر ) . 3- ابن . 4- ابْنِمٌ .وهو بمعنى (ابن ) والميم فيه زائدة للتوكيد . 5- ابنة . 6- امرؤ . 7- امرأة .
وكذا تثنية هذه الأسماء السبعة فهمزتها همزة وصل . بخلاف جمعهن فإن همزاته همزة قطع مثل : ( الأسماء ، الأبناء ) .
8- اثنان . 9- اثنتان . 10- ايمن الله . ولا يستعمل إلا في القسم وهو اسم مفرد مشتق من اليُمْن بمعنى البركة .وهو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف . ويقال فيه : وايم الله.
ب- في حرف التعريف وهو ( أل ) مثل : الغلام .
وقد فهم مما تقدم أن همزة الوصل لا تكون في الفعل المضارع ، ولا في الفعل الماضي الثلاثي والرباعي ولا في اسم إلا مصدر الخماسي والسداسي والعشرة المذكورة . ولا في حرف غير ( أل ) .
وإذا دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل ، فإن كانت همزة الوصل مكسورة أو مضمومة حذفت كقوله تعالى:(سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) [ المنافقون : 6] . وقوله تعالى : ((أَطَّلَعَ الْغَيْبَ )) وقوله تعالى: ((أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً )) [ سبأ : 8]،والأصل : أاستغفرت ، أاِطلع ، أافترى ، فحذفت همزة الوصل المكسورة استغناء عنها بهمزة الاستفهام الأولى ، ونحو : أَضْطُر الرجل ؟ بالاقتصار على همزة الاستفهام المفتوحة . وحذف همزة الوصل المضمومة بعدها .
__________
(1) - فإن كان ثاني مضارعه متحركاً لم يحتج إلى همزة وصل ، لأن الأمر هو المضارع بعد حذف حرف المضارعة ، مثل : يقوم : قم . ويستثنى من أمر الثلاثي ، خُذْ ، كُلْ ، مُرْ ، فإن ثاني مضارعها ساكن وهو : يأخذ ويأكل ويأمر مع أن الأكثر في الأمر منها حذف الفاء ، والاستغناء عن همزة الوصل.(2/220)
وإن كانت مفتوحة – وهي همزة (( أل )) (1) - لم يحذف ، لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر ، بل تبدل همزة الوصل ألفاً ممدودة ، وتمد إشباعاً ، نحو آلكتاب عندك ؟ ومنه قوله تعالى : ((قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ)) [ يونس : 59] وقوله تعالى : ((قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ )) [ الأنعام : 143] ويجوز تسهيلها – وهو أن ينطق بها بين الهمزة والألف – نحو : أالكتاب عندك ؟ والإبدال أرجح من التسهيل : ولا يجوز تحقيقها – أي إبقاؤها – لأن همزة الوصل لا تثبت في حالة الوصل إلا لضرورة (2)
وفي أحكام همزة الوصل يقول ابن مالك : ( للوصل همز سابق .. إلخ ) أي : أن الوصل – وهو الاستمرار في الكلام – وضع له همز سابق لا يثبت إلا في ابتداء الكلام ، ويسقط في دَرْجِهِ ، وقوله ( استثبِتوا ) : بكسر الباء أمر للجماعة بالاستثبات . وهو تحقق الشيء ومعرفته حق المعرفة .
وقد أفاد قوله : ( للوصل همز ) أن همزة الوصل وضعت همزة لا ألفاً (3) وهذا هو الصحيح ، وفهم من إطلاقه أنها تدخل على الاسم والفعل والحرف كما تقدم .
ثم أشار إلى مواضع الهمزة ، وهي الفعل الماضي الذي زاد على أربعة أحرف مثل : انجلى . أي : انكشف . وكذا الأمر والمصدر منه . وكذا الأمر من الثلاثي إذا كان ثاني مضارعه ساكناً مثل:اخشَ وامضِ وانْفُذْ ، ومَثَّلَ هذه الأمثلة لبيان أنه لا فرق بين أن يكون مضارعه على ( يَفْعَل ) كالأول ، أو ( يَفْعِل ) كالثاني ، أو ( يَفْعُل ) كالثالث ، والألف في ( انفذا ) بدل من نون التوكيد الخفيفة .
__________
(1) - ومثلها همزة (ايمن ) لكونها مفتوحة .
(2) - كقول الشاعر :
إذا جاوز الإثنين سر فإنه ببثٍّ وتكثير الوشاة قمينُ
(3) - وتكتب ألفاً مجردة من الهمزة .(2/221)
ثم سرد الأسماء التي بدئت بهمزة الوصل . وقوله : ( سُمع ) نبه به على أن افتتاح هذه الأسماء العشرة (1) .بهمزة الوصل غير مقيس ، وإنما طريقه السماع ، وقوله( وتأنيثٍ تَبِعْ ) عنى به : ابنة واثنين وامرأة ، ثم أشار إلى ما بقي مما يدخل عليه همزة الوصل ، فقال : ( همز أل كذا ) أي : همز كلمة ( أل ) همز وصل سوء كانت معرِّفة أو موصولة أو زائدة .
ثم ذكر أن همز ( أل ) يبدل حرف مدٍّ مع همزة الاستفهام ، أو يسهل بين الهمزة والألف .
****
الإبْدَالُ
944- أَحْرُفُ الإْبْدَالِ هَدَأْتَ مُوْطِيَا فَأَبْدِلِ الْهَمْزَةَ مِنْ وَاوٍ وَيَا
945- آخِراً إِثْرَ أَلِفٍ زِيدَ وَفِي فَاعِلِ مَا أُعِلَّ عَيْناً ذَا اقْتُفِي
946- وَالْمَدُّ زِيدَ ثَالِثاً فِي الْوَاحِدِ هَمْزاً يُرَى فِي مِثْلِ كَالْقَلَائِدِ
947- كَذَاكَ ثَانِي لَيّنَيْنِ اكْتَنَفَا مَدَّ مَفَاعِلَ كَجَمْعٍ نَيَّفَا
الإبدال : وضع حرف مكان حرف آخر .
والأحرف التي تبدل من غيرها إبدالاً شائعاً (2) لغير إدغام تسعة ، يجمعها قوله : ( هدأت موطيا )( (3) . وهو يدل على أنه لا يشترط أن يكون الحرف في الإبدال حرف علة ، فقد يكون حرف علة كالواو ، أو حرفاً صحيحاً كالتاء والطاء .
__________
(1) - وهي التي ذكرها ابن مالك ويزاد عليها ( وايم الله ) وهي لغة في ( ايمن ) و ( ال ) الموصولة ، لأنها اسم وليست بحرف ، وهذه يمكن إدخالها في النظم تحت قوله : (همزة أل كذا ) .
(2) - الذي يبحث في هذا الباب هو الإبدال الشائع الذي هو لغة جمهور العرب . أما الإبدال غير الشائع ، وهو النادر والشاذ فلا بحث فيه مثل قولهم في : أُصيلان – تصغير ( أَصيل ) على غير قياس - : أُصيلال . بإبدال النون لاماً .
(3) - ثمانية منها تقدمت في حروف الزيادة واثنان ليسا من حروف الزيادة وهما : الطاء والدال .(2/222)
والإبدال أعم من الإعلال ؛ فإن الإعلال : تغيير حرف العلة بقلبه أو حذفه أو إسكانه ، بقصد التخفيف . وأحرف العلة : الواو والألف ، والياء (1) ويلحق بها – الهمزة . فكل إعلال إبدال ،وليس كل إبدال إعلالاً . ويقصد بالإعلال تنسيق الكلمات العربية ، ودفع ثقلها حتى تخف على النطق ، وتجمل لدى السمع .
والإعلال ثلاثة أنواع :
إعلال بالقلب وهو قلب حرف العلة إلى آخر ، مثل : قلب الواو ياء ، أو قلب الياء واواً . أو قلبهما ألفاً . أو قلبهما همزة ، وهذا هو الذي بدأ به المصنف رحمه الله .
إعلال بالتسكين ، ويكون بتسكين حرف العلة ، وسيأتي ذلك إن شاء الله في فصل مستقبل .
إعلال بالحذف . وهو حذف حرف العلة . وهذا له فصل مستقل يأتي – أيضاً – إن شاء الله .
فتقلب الواو والياء همزة في خمسة مواضع .
إذا تطرفتا ووقعتا بعد ألف زائدة ، نحو : كساء ودعاء . فالهمزة فيهما مبدلة عن واو . وأصلهما : كساو ، ودعاو ؛ لأنهما من دعوت ، وكسوت ، فلما جاء حرف العلة متطرفاًَ وقبله ألف زائدة قلب همزة . ونحو : بناء وفناء . الهمزة فيهما مبدلة عن ياء ، وأصلهما : بناي وفناي ، بدليل : أبنية وأفنية . فقلبت الياء همزة لما تقدم .
فإن كانت الألف التي قبلها أصلية ، نحو : آية وراية . أو لم يقعا بعد ألف ، نحو : غزو ، وظبي ، أو لم تتطرفا نحو : تبايُن وتعاون . فإنه لا يصح إبدالها همزة .
إذا وقعت كل من الواو والياء في اسم فاعل مصوغ من الفعل الذي وسطه ألف . مثل : قائل ، طائر . وأصلهما : قاول وطاير ، لأن فعلهما : قال يقول ، وطار يطير . فالأول واوي العين ، والثاني يائي . فقلبت الواو والياء في اسم الفاعل همزة .
__________
(1) - سميت بذلك لأنها كالعليل المنحرف المزاج ، المتغير حالاً بحال ، فهي تسكن وتحذف وتنقلب .(2/223)
فإن كانت العين غير معلَّة (1) لم يصح الإبدال . نحو : عَيِنَ (2) . الرجل فهو عاين ، وعَوِرَ فهو عاور .
أن تقع إحداهما بعد ألف ( مفاعل ) وما شابهه في عدد الحروف وحركاتها ، كفاعل وفواعل . بشرط أن يكون كل من الحرفين مدة ثالثة زائدة في المفرد ، ويشارك الواو والياء في هذه المسألة الألف .
فمثال الواو : عجوز وعجائز ، وقلوص (3) وقلائص .
ومثال الياء : صحيفة وصحائف ، وذبيحة وذبائح .
ومثال الألف : رسالة ورسائل ، وقلادة وقلائد .
ولا إبدال في نحو : قساور جمع قسوَرة (4) ، لأن الواو ليست بمدة ؛ لأنها متحركة ، ولا في نحو : معايش جمع معيشة . لأن المدة في المفرد أصلية . قال تعالى ( وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) [ الحجر ، 20] . فقد قرأ الجمهور بالياء في (معايش) على القياس (5) ، إلا فيما سمع فيحفظ ولا يقاس عليه نحو : مصيبة ومصائب ، ومنارة ومنائر ، والقياس : مصاوب ومناور .
__________
(1) - المُعلُّ هو المشتمل على حرف علة بشرط أن يكون هذا الحرف قد أصابه التغيير مثل : قام . أصله : قَوَم . فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً . وقد ذكرت ذلك في أوائل نائب الفاعل .
(2) - عِينَ الرجل ، كفرح : عظم سواد عينه في سعة فهو أعين .
(3) - القَلوص : الناقة الشابة .
(4) - القسورة : الأسد .
(5) - وروي عن نافع أنه قرأ بالهمز لكن قال المرادي في شرحه على الألفية (6/15) : المشهور عنه الياء . وانظر : معاني القرآن للزجاج (2/ 320) وكلمة ( معايش ) وردت في سورة الأعراف آية : ( 10) وفي سورة الحجر آية : (20) .(2/224)
وقوع إحداهما ثاني حرف علة بينهما ألف مفاعل أو مشابهه ، سواء كان الحرفان ياءين ، نحو : نيائف : جمع نيّف (1) . أم كانا وواين نحو : أوائل : جمع : أوَّل . أم كانا مختلفين : نحو : سيائد : جمع سيّد . وأصله : سَيْود . وأصل الجمع : نيايف ، وأواول ، وسياود . فقلب حرف العلة الواقع بعد الألف الزائدة همزة .
فلو توسط بينهما مدة ( مفاعيل ) امتنع قلب الثاني منهما همزة نحو : طاوس وطواويس .
الموضوع الخامس : خاص بالواو . وهو اجتماع واوين في أول الكلمة . والثانية منهما إما متحركة أو ساكنة متأصلة في والواوية . فتقلب الواو الأولى منهما همزة .
فمثال المتحركة . جمع واصلة وواثقة . تقول : أواصل وأواثق ، والأصل : وواصل ، وواثق ، لأن أفعالها الماضية وواية الفاء ثم تقلب الواو الأولى -وجوباً – همزة فيصير الجمع : أواصل ، أواثق .
ومثال الساكنة : أُوْلى ، مؤنث الأول . وأصلها وُوْلى ، بواوين الأولى مضمومة تليها الساكنة المتأصلة في الواوية . فلما اجتمعا قلبت الأولى همزة .
ولا يجب القلب في مثل : واسى ، والى ، وافى ، إذا بنيت للمجهول فقيل : وُوسِي ، وُولي ، وُوفيَ ، لأن الواو الثانية ليست أصلية إذ هي منقلبة عن ألف ( فَاعَلَ ) ، فهي بدل من ألف زائدة ، لأنه لما بني الفعل للمجهول احتيج إلى ضم ما قبل الألف . فأبدلت الألف واواً ، كما سيأتي إن شاء الله . ومنه قوله تعالى : ((فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا )) [ الأعراف : 20] . (2) فـ ( وُوْريَ ) فعل ماض مبني للمجهول . وفعله المبني للمعلوم ( وَارى ) فعُمل به ما تقدم .
__________
(1) - النيف : كل ما زاد على العقد إلى العقد الثاني . وتقدم في العدد .
(2) - ومعنى ( وُوْري ) أي : سُتِر .(2/225)
وفي أحرف الإبدال وقلب الواو والياء همزة يقول ابن مالك ( أحرف الإبدال هدأت موطيا) هذا على حذف مضاف أي : أحرف الإبدال أحرف : هدأت موطيا .وهي تسعة : ومعنى : هدأت : سكنت . وموطيا : من أوطأته أي : جعلته وطيئاً . فالياء فيه بدل من الهمزة لأنه اسم فاعل وأصله : موطئاً ، ثم ذكر مواضع إبدال الهمزة من الواو والياء ، وهي قوعهما آخر الكلمة ( إثر ألف زيد ) أي بعد ألف زائدة وهذا الموضع الأول . أو وقوعهما ( في فاعل ما أُعِلَّ عيناً ) أي : في اسم فاعل فعل معتل العين بأحدهما ، وقوله : (ذا ) أي إبدالهما همزة (اقتُفي) بالبناء للمجهول خبر ( ذا ) أي : اتبع في عين فاعل الفعل الذي أعلت عينه وهذا الموضع الثاني . ثم أشار إلى الموضع الثالث . بقوله : ( والمد زيد .. إلخ ) أي : والمد – وهو حرف العلة إذا كان قبله حركة تناسبه - يرى همزاً في مثل : القلائد . حال كون المد زائداً ثالثاً في ( الواحد ) أي المفرد : وقوله : ( في مثل كالقلائد ) الكاف زائدة بين المضاف والمضاف إليه .
ثم ذكر الموضع الرابع بقوله : ( كذاك ثاني ليّنَين .. ) أي : كذلك تبدل الهمزة من ثاني حرفي ليّنين اكتنفا – أي أحاطا - بمدة مفاعل – وهي الألف – واحذر بذلك من مدة ( مفاعيل ) والمراد باللين هنا : حرف العلة المتحرك . وقوله ( كجمع ) بالتنوين وهو مصدر حذف فاعله . و ( نيّفاً ) مفعوله . والتقدير : كجمعهم نيِّفاً جَمْعَ تكسيرٍ فقالوا : نيائف . بإبدال الياء الواقعة بعد ألف ( مفاعل ) همزة .
أما الموضع الخامس فيأتي إن شاء الله في قوله : ( ... وهمزاً أول الواوين رُدّ ) .
948- وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أعِلْ لاماً وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ جُعِلْ
949- وَاواً وَهَمْزاً أَوَّلَ الْوَاوَيْنِ رُدَّ فِي بَدْءٍ غَيْرِ شِبْهٍ وُوفِيَ الأشَدْ(2/226)
لما ذكر ابن مالك – رحمه الله – قلب الياء والواو همزة . ذكر – هنا – قلب الهمزة ياءً أو واواً . أي عكس ما مضى .
فأما قلب الهمزة ياء فقد تقدّم . أن حرف المد الزائد في المفرد يقلب همزة إذا وقع بعد ألف الجمع نحو : صحيفة وصحائف ، . وأنه إذا توسط ألف مفاعل بين حرفين لينين قلب الثاني منهما همزة مثل: نيف , ونيائف .
وذكر هنا أنه إذا اعتل لام أحد هذين النوعين فإنه يخفف بإبدال كسر الهمزة فتحة ، ثم إبدالها ياء .
فمثال الأول : قضية ، وقضايا ، وأصلها : قضاييُ . ثم أبدلت الياء الأولى همزة لوقوعها بعد ألف التكسير فصارت : قضائِي . كصحيفة وصحائف ، ثم قلبت كسرة الهمزة فتحة للتخفيف ، فصارت : قضاءَيُ . ثم قلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت : قضاءا ، بوزن ( مَدَارَى ) (1) . ثم قبلت الهمزة ياء لاجتماع شبه ثلاث ألفات فصارت : قضايا . بعد أربعة أعمال .
ومثال الثاني : زاوية وزوايا . وأصلها : زواوي . ثم أبدلت الواو التي بعد الألف همزة فصارت : زوائي ، كأول وأوائل . ثم قلبت كسرة الهمزة فتحة للتخفيف فصارت : زواءَي . ثم قلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت : زواءا . بألفين بينهما همزة ثم قلبت الهمزة ياء لاجتماع شبه ثلاث ألفات فصارت : زوايا بعد أربعة أعمال .
__________
(1) - جمع مدراء وهي الأنثى المنتفخة الجنب الضخمة البطن . وبنو مدارء : أهل الحضر .(2/227)
وأما قلب الهمزة واواً فحين تكون لام المفرد واواً ظاهرة سلمت في هذا المفرد . وذلك حيث وقعت الواو رابعة بعد ألف نحو : هِرَاوة (1) . وهَرَاوَى . وأصلها : هرااو، بألفين : الأولى ألف الجمع ( مفاعل ) والألف الثانية ألف المفرد ( هراوة ) وبعدهما : واو . ثم قلبت ألف المفرد همزة في الجمع فصارت : ( هرائِو ) كقلادة وقلائد . ثم قلبت الواو ياء لوقوعها متطرفة بعد كسرة فصارت : ( هرائِي )، ثم قلبت الكسرة فتحة للتخفيف فصارت :هراءَى . ثم قلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت : هراءا . ثم قلبت الهمزة واواً ليشابه الجمع مفرده فصارت : هَرَاوَى . بعد خمسة أعمال .
وهذا معنى قوله: ( وافتح ورُدَّ الهمز يا .. إلخ ) فـ ( أل ) في الهمز للعهد ، أي أفتح الهمزة المعهودة – وهي الطارئة بعد ألف مفاعل وشبهه – واقلبها ياء في الجمع الذي لامه معتلة في المفرد بالياء .وقوله : ( وفي مثل هراوة جعل واواً ) أي : وجعل الهمز واواً في مثل : هراوة ، وإداوة (2) .
وأشار بقوله : (وهمزاً أول الواوين رد .. إلخ ) إلى الموضع الخامس من مواضع قلب الواو همزة . أي : اقلب أول الواوين همزة في بدء كلمة لا تشبه (وُوْفي) في كون الثانية ساكنة عارضة ليست أصلية ، لأنها بدل من الألف ، فإن أصله : ( وافى ) كما تقدم . فهذه لا يجب فيها الإبدال بل يجوز ، وأفاد بذلك أنه لا بد أن تكون الواو أصلية كما مضى . وقوله : ( الأشد ) بضم الشين . وتخفيف الدال من أجل النظم وهو نائب فاعل ، ومعناه : بُلِّغ القوة .
***
950- وَمَدّاً ابْدِلْ ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ مِنْ كِلْمَةٍ انْ يَسْكُنْ كَآثِرِْ وائتَمِنْ
951- إنْ يُفْتَح اثْرَ ضَمٍّ اوْ فَتْحٍ قُلِبْ وَاواً وَيَاءً إثْرَ كَسْرٍ يَنْقَلِبْ
__________
(1) - الهراوة : العصا الضخمة .
(2) - الإداوة : بكسر الهمزة إناء صغير من جلد .(2/228)
952- ذُو الْكَسْرِ مُطْلَقاً كَذَا وَمَا يَضَمّْ وَاواً أَصِرْ مَا لَمْ يَكُنْ لَفْظاً أتَمْ
953- فَذَاكَ يَاءً مُطْلَقاً جَا وَأَؤمّْ وَنَحْوُهُ وَجْهَينِ في ثَانِيهِ أُمّْ
إذا اجتمع في كلمة همزتان فالبحث يتعلق بإبدال الهمزة الثانية ، لأنها هي التي حصل بها الثقل ، ولا يخلو الأمر من ثلاث حالات .
الأولى : أن تكون الهمزة الأولى متحركة والثانية ساكنة .
الثانية : أن تكون الهمزة الأولى ساكنة والثانية متحركة .
الثالثة : أن تكونا متحركين . ويمتنع أن تكونا ساكنتين معاً .
فإن كانت الأولى متحركة والثانية ساكنة . وجب قلب الثانية حرف علة مجانساً لحركة الهمزة الأولى . فإن كانت حركة الأولى فتحة أبدلت الثانية ألفاً نحو : آمن . قال تعالى : (( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ )) [ البقرة : 285] . وقال تعالى : (( وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ )) [ النساء : 119] . والأصل : أأْمَنَ ، أأْمُرَنَّ ، فأبدلت الثانية ألفاً لسكونها وفتح ما قبلها .
وإن كانت حركة الأولى ضمة أبدلت الثانية واواً نحو : أُومن .والأصل : أُوْمن . فأبدلت الثانية واواً ؛ لسكونها وضم ما قبلها ، ومنه قوله تعالى : (( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ )) [ الحاقة : 25] . فـ ( أوتَ ) أصله : أُوتَيُ ، فأبدلت الهمزة الثانية واواً من جنس حركة الأولى ، فصار : أُوْتَيُ ، فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً – كما سيأتي – ثم جزم بحذف اللام (1) ، وهي الألف.
__________
(1) - انظر : معجم مفردات الإبدال والإعلال في القرآن الكريم ص (307) .(2/229)
وإن كانت حركة الأولى كسرة أبدلت الثانية ياء نحو :إيمان . والأصل : إئْمان . فأبدلت الثانية ياء ؛ لسكونها وكسر ما قبلها ، ومنه قوله تعالى : (قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ)[ يونس : 15] .ففي حالة الوصل تسقط همزة الوصل من قوله:( ائت ) أما في الابتداء فإن الهمزة الثانية تبدل ياء لانكسار ما قبلها – كما تقدم – وعلة هذا القلب في هذه الحالة هي التخفيف لاستثقال الهمزتين في كلمة واحدة .
وإن كانت الهمزة الأولى هي الساكنة والثانية هي المتحركة فهذا النوع لا يقعان فيه في موضع الفاء ، لتعذر الابتداء بالساكن . فإن كانتا في موضوع عين الكلمة أدغمت الهمزة الأولى في الثانية نحو:سَآل صيغة مبالغة من السؤال ، ورآس نسبة لبيع الرؤوس . ولم يذكر المصنف هذا لأنه لا إبدال فيه.
وإن كانتا في موضع اللام قلبت الثانية ياء كبناء صيغة على وزن ( قِمَطْرٍ )من الفعل، قرأ . فيقال : قِرَأْيٌ . والأصل : قِرَأْأُ بتسكين الأولى وتحريك الثانية . فقلبت الثانية ياء لوقوعها طرفاً بعد الهمزة الساكنة . وهذا لم ينصّ عليه صراحة ، لكنه داخل في عموم قوله: ( ما لم يكن لفظاً أتمّ فذاك ياءً ) كما سيأتي إن شاء الله .
وإن كانتا متحركتين :
فإن كانت حركة الثانية فتحة وحركة ما قبلها فتحة أو ضمة . قلبت الثانية واواً ، فمثال المفتوحة بعد مفتوحة : أوادم . جمع آدم .والأصل : أأادم بهمزتين مفتوحتين بعدهما ألف . فقلبت الثانية واواً .
ومثال المفتوحة بعد مضمومة : أُويد تصغير آدم . والأصل : أُؤَيْدِم، فقلبت الثانية واواً .(2/230)
وإن كانت حركة ما قبلها كسرة قلبت ياء . ومثالها : بناء صيغة من الفعل ( أَمَّ ) – بمعنى قصد – على وزان ( إِصْبع ) ، فيقال : اْئْمَم – بكسر فسكون ففتح – فنقلت حركة الميم إلى الهمزة قبلها ليتيسر الوصول إلى إدغامها في الثانية لاجتماع مثلين ، فصارت الكلمة بعده : اِئَمَّ – بكسر ففتح فميم مشددة – ثم قلبت الهمزة الثانية ياء لوقوعها متحركة بعد كسرة في حشو الكلام ، فتصير : اِيَمّ بهمزة مكسورة ، وياء مفتوحة ، وميم مشددة .
ج- وإن كانت حركة الثانية كسرة قلبت ياء مطلقاً . سواء كانت التي قبلها مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة ، ومثال ذلك : أن تبنى من الفعل ( أمَّ ) مثل : ( أصبع ) بفتح الهمزة أو كسرها أو ضمها ، والباء فيهن مكسورة . وتصنع به ما سبق .
د- وإن كانت حركة الثانية ضمة قلبت واواً سوء كانت الأولى مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة .
فالأول نحو : أوُبٌّ . جمع : أبٍّ . – وهو المرعى – والأصل : أَأْبُبُ على وزن ( أفْعُل) . فنقلت حركة عينه إلى فائه ، ثم أدغمت فصار : أَوُبّ.
والثاني نحو : إوُمَّ . على وزان : إصْبُع من : أمَّ .
والثالث نحو : إوُمُّ على وزان : أُبْلُمٌ من : أمَّ .
وهذا إذا لم تكن الهمزة الثانية المضمومة طرفاً ، فإن كانت طرفاً صُيِّرت ياء مطلقاً ، سوء كانت الأولى مضمومة أو مكسورة أو مفتوحة .
فمثال المضمومة بعد مفتوحة : أن تبني صيغة على وزن (جَعْفَر) من الفعل قرأ . فتقول : قرْأَأُ .
ومثال المضمومة بعد مضمومة : أن تبنيها على وزن ( بُرْثُن ) فتقول : قُرْؤُؤُ . فتقلب الهمزة الثانية ياء لا واواً في الكلمات الثلاث ، لأن الواو لا تقع طرفاً في الكلمة الزائدة على ثلاثة أحرف .(2/231)
فتقول في الأولى بعد القلب قَرْأيٌ .وقد حركت الياء وانفتح ما قبلها فتقلب ألفاً . وتصير : قَرْأى . وهي اسم مقصور . وتقول : في الثانية بعد القلب : قِرْئيٌ . ثم تحذف الياء كالاسم المنقوص فتصير في : قِرْءٍ ، وتقول : في الثالثة بعد القلب : قُرْؤُيٍ . ثم تقلب الضمة التي قبل الياء كسرة ؛ لتسلم ؛ الياء فتصير إلى قُرْئِيٍ . ثم تعامل معاملة المنقوص ، فتصير إلى قُرْءٍ .
ومثل هذه الكلمات قُصد بها التدريب ، لأن الأساليب الفصيحة لا يوجد فيها مثل هذه الألفاظ .
وفي أحكام الهمزتين يقول ابن مالك : ( ومداً ابدل ثاني الهمزين ... إلخ ) أي : اقلب ثاني الهمزتين المجتمعتين في كلمة مدة ( ان يسكن ) أي ذلك الهمز وهذه الحالة الأولى وهي سكون الهمزة الثانية . ثم المد يكون من جنس الحركة التي قبلها (كآثِر ) فعل أمر من : آثره بكذا يؤثره به . إذا فضّله به على غيره . وأصله : أأثر . ( وائتَمِن ) بفتح التاء وكسر الميم ، فعل أمر، وأشار به إلى أن همزة الوصل كهمزة القطع في هذا الحكم . فعند النطق به ابتداءً تبدل الثانية ياء ؛ لكسر ما قبلها ، فيقال : اِيْتَمِن .
ثم انتقل لبيان حكم الهمزتين المتحركتين – وهي الحالة الثالثة كما تقدم – فذكر حكم الثانية المفتوحة بعد فتح أو ضم أو كسر بقوله : ( إن يفتح اثر ضم أو فتح قلب واواً ) أي : إن يفتح ثاني الهمزتين بعد همزة ذي ضم أو فتح قلب واواً (وياءً إثر كسر ينقلب ) أي : وينقلب ثاني الهمزتين ياء إذا كان مفتوحاً بعد همزة ذي كسر .
وذكر حكم الثانية المكسورة بقوله : (ذو الكسر مطلقاً كذا ) أي : ينقلب الهمز ذو الكسر ياء مطلقاً – سوء كان بعد ضم أو فتح أو كسر – (كذا ) أي كهذه إشارة إلى ما قبله مما ينقلب ياء .
وذكر حكم الثانية المضمومة بقوله : ( وما يضم واواً أصِرْ ) أي : وما يضم من ثاني الهمزتين فصيّره واواً مطلقاً ، سوء كان ما قبله مضموماً أم غير مضموم .(2/232)
ثم ذكر شرط قلب الثانية المضمومة واواً بقوله : ( ما لم يكن لفظاً أتمّ ) . فذاك ياءً مطلقاً ( جا ) أي يُصيَّر ما انضم من ثاني الهمزتين واواً ( ما لم يكن لفظاً أتمّ ) أي بشرط ألا يكون الهمز هو آخر الكلمة . فإن كان آخرها فهو ياء مطلقاً سوء كان بعد ضم أو فتح أو كسر ، كما في الحالة الثالثة . أو كان بعد سكون كما مرَّ في الحالة الثانية . وقوله ( جا ) بالقصر أي : عن العرب ، وأشار بقوله : ( وأؤُمْ ونحوه وجهين في ثانيه أُمْ ) إلى أنه إذا كانت الهمزتان متحركتين والأولى منهما للمتكلم في صدر فعل مضارع جاز لك في الثانية منهما قلبها واواً أو إبقاؤها من غير قلب نحو : أؤُم ،وأئِنُّ بإبقاء الهمزة ، مضارعي : أمَّ بمعنى قصد ، وأنَّ بمعنى : تألم . وإن شئت . قلت : أومُّ ، وأينُّ بالإبدال . وقوله (وجهين في ثانيه أُمْ ) أي : اقصد وجهين في الهمز الثاني كما تقدَّم .
****
954- وَيَاءً اقْلِبْ أَلِفاً كَسْراًً تَلَا أوْ يَاءَ تَصْغِيرٍ بِوَاوٍ ذَا افْعَلَا
955- في آَخِرٍ أَوْ قَبْلَ تَا التَّأنِيثِ أوْ زِيَادَتَي فَعْلَانَ ذَا أيْضاً رَأَوْا
956- في مَصْدَرِ الْمُعْتَلِّ عَيْنَاً وَالْفِعَلْ مِنْهُ صَحِيحٌ غَالِباً نَحْوُ الْحِوَلْ
957- وَجَمْعُ ذِي عَيْنٍ أعِلَّ أَوْ سَكْنْ فَاحْكُمْ بِذَا الإِعْلَالِ فِيهِ حَيْثُ عَنْ
958- وَصَحَّحُوا فِعَلَةً وَفِيْ فِعَلْ وَجْهَانِ وَالإِعْلَالُ أَوْلَى كَالْحِيَلْ
تقلب الألف ياء في موضعين :
إذا وقعت بعد كسرة ، كما في تكسير مصباح ، ودينار على مصابيح ، ودنانير .
إذا وقعت بعد ياء التصغير في مثل : كُتَيِّب ، وغُزَيِّل في تصغير : كتاب ، وغزال .
وتقلب الواو ياء في مواضع : ذكر منها ابن مالك تسعة مفرَّقةً :
أن تقع متطرفة بعد كسرة نحو : النامي ، والسامي ، والأصل : النامِوْ . لأن فعله نما ينمو، والسامِوْ . لأن فعله سما يسمو . فوقعت الواو متطرفة بعد كسرة فقلبت ياء .(2/233)
وكذا لو وقعت بعدها تاء التأنيث ، لأنها بمنزلة كلمة مستقلة فهي متطرفة حكماً مثل : أكسية – جمع كساء _ وأصلها : أكْسِوَة .
أو وقعت بعد الألف والنون الزائدتان ، لأنهما في حكم الكلمة المنفصلة عما قبلها . فتكون الواو متطرفة حكماً . ومثال ذلك : أن تأتي بصيغة ( فَعِلان ) - بفتح فكسر – من الغزو ، فتقول : غَزِوَان . بكسر ما قبل الواو . ثم تقلب هذه الواو ياء فتصير : غَزِيان .
أن تفق عيناً لمصدر فعل ، أُعلت فيه . ويكون قبلها كسرة وبعدها ألف ، مثل : صام صياماً ، وقام قياماً . والأصل : صوام وقِوام . فقلبت الواو ياء لتحقق الشروط المذكورة ، وهي أربعة .
ولا قلب في سوار ، وسواك ؛ لانتفاء المصدرية . ولا في : جاور جواراً . لأن الواو غير مُعَلَّة في الفعل – أي غير منقلبة عن حرف آخر – ولا في : راح رَواحاً ؛ لعدم الكسرة . وحال حِوَالاً ؛ لعدم وقوع ألف بعدها على حسب الرأي الغالب . ومنه قوله تعالى : (( لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً )) [ الكهف : 108] (1) .
أن تقع الواو عيناً لجمع صحيح اللام وقبلها كسرة ، وهي في المفرد إما مُعلَّة ، وإما شبيهة بالمعلّة وهي الساكنة . التي بعدها في الجمع ألف ، فالمُعلَّة نحو : دار وديار ، وحيلة وحِيَل ، وقيمة وقيم . والأصل : دِوَار ، وحِوَل ، وقِوَم . فقلبت الواو ياء في الجمع ، لانكسار ما قبلها ، والشبيهة بالمُعلّة نحو : ثوب وثياب .وسوط وسياط ، وروض ، ورياض . والأصل : ثِواب ، وسِواط ، ورِواض ، فقلبت الواو ياء في الجمع ؛ لانكسار ما قبلها ومجئ الألف بعدها .
__________
(1) - عَدَّ ابن عقيل في شرحه على التسهيل (4/167) هذا اللفظ شاذاً ، وحمله الزجاج في ( معاني القرآن 2/311) على أنه جاء على غير فِعْلٍ . قال ابن يعيش في شرحه على المفصل (10/83) : ( ولو كان جارياً على الفعل من نحو حال يحول لقلت: حِيلاً . باعتلال فعله ) . اهـ .(2/234)
فإن كانت اللام معتلة (1) وجب تصحيح الواو ، فيقال في جمع : ريَّان (2) رِوَاء ، بترك الواو بغير قلب . وأصلها : رِوَايْ . فأبدلت الياء همزة لتطرفها بعد ألف زائدة . ولو قلبت الواو ياء توالي إعلالان وهو ممنوع .
وإن لم توجد الألف وجب تصحيح الواو – أيضاً – نحو كوز (3) . وكِوَزة ، وعَوْد (4) وعِوَدة ، وشذ قولهم في ثور : ثيرة . بالقلب ، والقياس : ثِوَرة . كما تصح إن كانت متحركة في المفرد نحو : طَوِيل ، وطِوال .
وإلى قلب الألف ياء أشار بقوله : ( وياء اقلب ألفاً .. إلخ ) أي اقلب الألف ياءً إذا تلا كسراً . أو تلا ياء التصغير .
وإلى المواضع الثلاثة لقلب الواو ياء أشار بقوله : ( بواو ذا افعلا.. إلخ ) أي : افعل ذا بالواو . وهو قلبها ياء ، كما قلبت الألف ياء ،بشرط أن تكون في الآخر أو بعدها تاء التأنيث ، أو قبل الألف والنون الزائدين ، وهذا هو الموضع الأول .
وأشار بقوله : ( ذا أيضاً رأوا .. إلخ ) إلى الموضع الثاني ، والمعنى : أن النحاة رأوا – قلب الواو ياء بعد الكسرة في مصدر الفعل المُعلّ العين وبعدها ألف كما تقدم . وأشار بقوله . ( والفِعَل منه صحيح .. ) إلى أن المصدر إذا كان على وزن ( فِعَل) – بكسر ففتح – وعينه واو قبلها كسرة وليس بعدها ألف . فإن الغالب فيه التصحيح وعدم القلب مثل : الحِوَل : مصدر حال .
__________
(1) - سبق بيان الفرق بين المُعلّ والمعتل في باب نائب الفاعل .
(2) - ريان : أي مرتوٍ بالماء .
(3) - كوز : بالضم إناء من فخار أصغر من الإبريق له عروة وبلبل . مُعَرَّب [ الوافي ص 550] .
(4) - العود : بفتح العين هو المسنُّ من الإبل والشاء .(2/235)
ثم أشار إلى الموضع الثالث بقوله : ( وجمع ذي عين أُعِلَّ ... إلخ ) أي : إذا وقعت الواو عين جمع صحيح اللام وأعلت في مفرده أو سكنت فاحكم بهذا الإعلال وهو قلبها ياء لكسر ما قبلها كما يفهم مما تقدم . واشتراط الألف بعد ما يفهم من البيت الآتي وقوله :( حيث عَنْ ) أي : عرض وظهر هذا الجمع وأصله : عنَّ بالتشديد ، لكنه خفف النون بالسكون للنظم .
وأشار بقوله :( وصححوا فِعَله ) إلى الواو السالفة الذكر إذا لم يقع بعد ألف في الجمع . وكان على وزن ( فِعَلة ) – بكسر ففتح – فإنها تصح وتبقى ( وفي فِعَل وجهان ) أي في الجمع الذي على وزن ( فِعَل ) - بكسر ففتح – وجهان ، وهما : التصحيح بإبقاء الواو . والإعلال بقلبها ياء . ( والإعلال أولى ) أي عند ابن مالك يجوز التصحيح ، ولكن الإعلال أرجح منه . ( كالحيل ) جمع حيلة وهذا إعلال . أو : حِوَل ، وهذا تصحيح .وفهم من قوله : ( أولى ) أن التصحيح مطرد ، ولكنه غير الأولى . وعند غيره يجب الإعلال ، والتصحيح شاذ ولا يقاس عليه . ويقتصر على الوارد المسموع منه كقولهم : حاجة وحِوج .
959- وَالْوَاوُ لَاماً بَعْدَ فَتْحٍ يَا انْقَلِبْ كَالْمُعْطَيَانِ يُرْضَيَانِ .........(2/236)
الموضع الرابع من مواضع قلب الواو ياء : أن تقع طرفاً في فعل ماضٍ ، وهي رابعة أو أكثر بعد فتحة . بشرط أن تكون منقلبة ياء في المضارع : تقول : عًطَوْتُ وزَكَوْتُ . بإبقاء الواو فيهما لأنها ثالثة . ومعناهما : أخذت ونميت ، فإذا جئت بالهمزة أو التضعيف قلت : أعطيت ، وزكّيت ، بقلب الواو ياء ؛ لأنها صارت رابعة . حملاً للماضي على المضارع : يعطي ويزكي ، كما حمل اسم المفعول نحو : مُعْطَيان – بفتح الطاء – وأصله : مُعْطَوان ، على اسم الفاعل : معطِيان - بكسر الطاء – فقلبت الواو ياء . وكذا الفعل المبني للمجهول : يُرْضِيَان .. وأصله : يُرْضَوان . لأنه من الرضوان . فقلبت واوه بعد الفتحة ياء ، حملاً على الفعل المبني للمعلوم : يُرْضيان .
وهذا معنى قوله: ( والواو لاماً بعد فتح ياء انقلبت .. ) أي : انقلب حرف الواو ياءً – حالة كونه لاماً – أي طرفاً – بعد فتح كالياء في اسم المفعول ( مُعْطَيان ) والفعل : يُرْضَيَان . فإن أصلها الواو .
................... ........... ووجب
960- إبدَالُ وَاوٍ بَعْدَ ضَمٍّ مِنْ أَلِفْ ...................
تقلب الألف واواً إذا وقعت بعد ضمة ، سواء كان ذلك في الفعل أو في الاسم ، فالفعل نحو : سامح الحليم المذنب ، فتقول بعد بنائه للمجهول . سُومح المذنب . بقلب الألف واواً لوقوعها بعد ضم . لأن المبني للمجهول يضم أوله ، ومنه قوله تعالى : (( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا )) [ الأعراف : 20] . فـ ( ووري ) فعل ماض مبني للمجهول ، ونائب فاعل الفاعل ضمير مستتر تقديره ( هو ) يعود على (ما ) ، وقوله تعالى – أيضاً - :( فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا )[النمل : 8].فـ (بورك) مبني للمجهول و (من ) نائب فاعل .(2/237)
والاسم نحو : كويتب، في تصغير : كاتب . بقلب الألف واواً لوقوعها بعد ضم ، ويشترط لقلبها في التصغير ألا يكون أصلها الياء مثل : ناب . فيصغر على نُييب بإعادة الياء إلى أصلها كما تقدم في التصغير .
وهذا معنى قوله : ( ووجب إبدال واو بعد ضم من ألف ) أي : وجب إبدال الألف واواً إذا وقعت بعد ضمة في الاسم والفعل كما تقدم .
****
960- ............................. وَيَا كَمُوقِنٍ بِذَا لَهَا اعْتُرِفْ
961- وَيُكْسَرُ الْمَضْمُومُ فِي جَمْعٍ كَمَا يُقَالُ هِيمٌ عِنْدَ جَمْع أهْيَمَا
962- وَوَاواً اثْرَ الضَّمِّ رُدَّا الْيَا مَتَى أُلْفِي لَامَ فِعْلٍ أوْ مِنْ قَبْلِ تَا
963- كَتَاءِ بَانٍ مِنْ رَمَى كَمَقْدُرَهْ كَذَا إذَا كَسَبُعَانَ صَيَّرَهْ
964- وإنْ تَكُنْ عَيْناً لِفُعْلَى وَصْفَا فَذَاكَ بالْوَجْهَيْنِ عَنْهُمْ يُلْفَى
تقلب الياء واواً في أربعة مواضع :
الأول : أن تكون الياء في لفظ غير دال على الجمع ، مع سكونها ، ووقوعها بعد ضمة . وعدم تشديدها نحو : أيسر المعسر يوسر فهو موسر ، والأصل : يُيْسِر ومُيْسِر . فقلبت الياء واواً في المضارع واسم الفاعل ؛ لوقوعها ساكنة بعد ضم . لأن الضم لا يناسبه إلا الواو .
فإن كان اللفظ جمعاً لم يصح القلب ، مثل : بِيض في قولك : جمل أبيض وجمال بِيض . وهِيْم في قولك : جمل أهيم وجمال هِيْم (1) والأصل : بُيْض وهُيْم على وزن ( فُعْل ) . ثم قلبت الضمة كسرة وجوباً ؛ لثقلها قبل الياء الساكنة . وقد مضى هذا في "جمع التكسير" .
وكذلك لا يصح القلب إذا كانت الياء متحركة نحو هُيَام (2) – بضم ففتح – أو كانت غير مسبوقة بضمة نحو : خَيْل وجِيل – أو كانت مشددة نحو : غُيّب في جمع غائب .
__________
(1) - الهيم : الإبل العطاش .
(2) - هيام : مصدر هام بمعنى اشتد عطشه أو حبه .(2/238)
الثاني : إذا وقعت الياء لاماً لفعل، أو لاسم مختوم بتاء التأنيث ، أو لاسم مختوم بالألف والنون الزائدتين . وانضم ما قبلها في الأصول الثلاثة .
فالأول : كالفعل : نهى ، وقضى ، ورمى ، ونحوهما مما لامه يا ، إذا أريد تحويلها إلى صيغة ( فَعُل ) - بفتح فضم – لغرض ؛ كالتعجب .. نحو : نَهُو الرجل . أو قَضُو ، أو رَمُو ؛ بمعنى : ما أنهاه ! أي أعقله . وما أقضاه !وما أرماه! والأصل : نَهُيَ . فقلبت الياء واواً لوقوعها بعد الضمة.
والثاني : أن تبني من الفعل : رمى اسماً على وزن : مَقْدُرَة - بفتح فسكون فضم ففتح – فتقول : مَرْمُوَة . والأصل : مَرْمُيِة. فقلبت الياء واواً لوقوعها بعد ضمة .
والثالث : أن تبني من الفعل : رمى . اسماً على وزن ( سَبُعان ) – بفتح فضم – فتقول : رَمُوان . والأصل : رَمُيان . فقلبت الياء واواً لوقوعها بعد ضمة .
الموضع الثالث : أن تكون عيناً لاسم على وزن ( فُعْلى ) – بضم فسكون – مثل : طوبى – اسم للجنة أو لشجرة فيها – قال تعالى : (( الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ )) [ الرعد : 29] . والأصل : طُيْبَى : لأن فعله : طاب يطيب ، فقلبت الياء واواً .(2/239)
فإن لم يكن ( فُعْلى ) اسماً بل كان صفة محضة وجب قلب الضمة كسرة ، لتصح الياء وتسلم من قلبها واواً ، فرقاً بين الاسم والصفة ، ولم يسمع هذا القلب إلا في كلمتين (1) . ضِيْزَى (2) وحِيْكى (3) فقلبت الضمة كسرة لتصحَّ الياء . ومنه قوله تعالى : (( تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى )) [ النجم : 22 ] ،وإن كانت الصفة غير محضة – لجريانها مجرى الأسماء (4) . فالجمهور يوجبون إبقاء الضمة ، وقلب الياء واواً ، كما لو كانت ( فُعْلى ) اسماً . وقال ابن مالك بجواز الوجهين :
الأول : قلب الضمة كسرة لتصح الياء .
الثاني : إبقاء الضمة فتقلب الياء واواً .
ومن أمثلتها :كُوسَى أو كِيسَى،مؤنث : أكيس (5) وضُوقَى . أو ضِيقَى ، مؤنث : أضيق.
وقد أشار إلى الموضع الأول من هذه المواضع بقوله : ( ويا كموقن الها اعتُرفْ ) أي : أن الياء التي كانت في أصل كلمة ( موقن ) اعترف لها ( بذا ) أي بهذا القلب . وهو قلبها واواً . كما انقلبت الألف في المسألة التي قبلها واواً . ومعنى : ( اعتُرفْ لها ) أي أُقِرَّ لها بهذا القلب .
__________
(1) - يقول الزجاج : ( لا يعرفون في الكلام ( فِعْلى ) صفة : إنما يعرفون الصفات على ( فَعْلى ) بالفتح ، نحو : سكري . أو بالضم نحو : حُبْلى . [ معاني القرآن للزجاج 5/73] .
(2) - ضيزى : صفة على وزن ( فُعلى ) وهي في الأصل مصدر . فعلة : ضازه يضوزه ويضيزه . جار عليه وبخسه . والذي في اللسان وغيره أنه يقال : ضيزى ، وضوزى . وعلى هذا فلا قلب فيها لجواز أن تكون الياء أصلية . [ اللسان 5/367] .
(3) - يقال : حاك في مشيته يحوك ويحيك تبختر واختال ، أو حرك منكبيه . وزاد بعضهم : كِيصَى . صفة لمن يأكل وحده وينام وحده . انظر : شرح الشافية ( 3/136) .
(4) - يعرف جريانها مجرى الأسماء بأن تكون معمولة للعوامل المختلفة مباشرة دون أن يتقدمها موصوف .
(5) - الكيْس : الفطنة والعقل والظَّرَف .(2/240)
ثم ذكر أن الياء إذا كانت في جمع سلمت من القلب . ووجب إبدال الضمة كسرة لتبقى الياء . فيقال : هِيْمٌ ، في جمع ( أهْيما ) كما تقدم . والألف للإطلاق .
ثم أشار إلى الموضع الثاني بقوله ( وواواً اثْر الضم رُدَّ اليا.. إلخ ) أي : اقلب الياء واواً إذا وقعت بعد ضم .. متى وُجِد الياء لام فعل . أو وقعت لام اسم مختوم بتاء التأنيث ، مثل ما لو بُني من الفعل ( رمى ) اسماً على وزن ( مَقْدُرة ) . وكذا ترد الياء واواً إذا صيَّر الباني لفظ الرمي مثل لفظ : ( سَبُعان ) وتقدَّم بيان ذلك . وقوله : ( وواواً اثر الضم ) يقرأ بهمزة الوصل في ( اثْر ) فتسقط في الدرج .
ثم ذكر الموضع الثالث بقوله : ( وإن تكن عيناً لفعلى ... إلخ ) أي : وإن تكن الياء المضموم ما قبلها عيناً لصفة على وزن ( فُعْلى ) فقد جاء فيها عن العرب وجهان : التصحيح ، والإعلال ، وهو يشير بذلك إلى أنهما مسموعان عن العرب ، ومعنى ( يُلفى ) أي : يوجد .
وقوله : ( وصفاً ) احتراز من أن يكون ( فُعْلى ) اسماً مثل : طُوبَى . فإنه يجب قلب الياء واواً ، لأن أصله : طُيْبى . ودخل في قوله ( وصفاً ) الصفة المحضة ، والصفة الجارية مجرى الأسماء فمقتضاه جواز الوجهين في هذين النوعين ، مع أن الصفة المحضة يتعين فيها تصحيح الياء ، وعلَّله سيبويه بأنهم قصدوا التفريق بين الاسم والصفة فقلبوا ياء فُعلى اسماً ؛ ولم يقلبوا في الصفة (1) .
أما غير المحضة فقد جزم النحويون بوجوب القلب ، وابن مالك يجيز الوجهين ، كما تقدم .
****
فَصْل
965- مِنْ لامِ فَعْلَى اسْماً أَتَى الْواوُ بَدَلْ يَاءٍ كَتَقْوَى غَالِباً جَا ذَا الْبَدَلْ
__________
(1) - انظر كتاب سيبويه (4/364) ، وشرح التصريف للثمانيني ص (533) .(2/241)
الموضع الرابع من مواضع قلب الياء واواً : أن تكون لاماً لاسم على وزن ( فَعْلى ) - بفتح فسكون – نحو : تقوى ، شروى (1) ، ثنوى (2) والأصل : تَقيا (3) ، وشَريا ، وثنيا ، بدليل ، وقيت ، وشريت ، وثنيت ، فقلبت الياء واواً . ومنه قوله تعالى : (( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا )) ( الشمس : 11) . لأنه من الطغيان (4) .
فإن كان ( فَعْلى ) وصفاً لا اسماً لم تقلب الياء واواً مثل : صديا وخزيا . وهما مؤنثا . خزيان وصديان (5) .
__________
(1) - شروى الشيء : مثله . وشروى : جبل . ( اللسان ) .
(2) - الثنوى : ما استثنى من الشيء .
(3) - أصله الأصيل : وقيا لأنه من وقيت . قلبت واوه تاء كما في تراث ، ثم ياؤه واواً . ولا يضر اجتماع إعلالين فيه لعدم تواليهما .
(4) - هذا قاله الزجاج في معاني القرآن (5/33) وقيل : إنه من ذوات الواو قال الفارسي في التكملة ص 269: ( وحكى أبو الحسن طغا يطغو فهي على هذا تكون كالدعوى من دعوت ) فعلى هذا جاءت الواو على الأصل ولا قلب فيها .
(5) - الأول من خزي يخزي كفرح يفرح أي ذلَّ . والثاني : من صدى صَدَىً من باب تعب : أي: عطش فهو صدٍ وصادٍ وصديان . وامرأة صدية وصادية وصديا .. وقد مضى هذا اللفظ ( صديان ) في أبنية أسماء الفاعلين وما هنا فيه زيادة .(2/242)
وهذا معنى قوله : ( من لام فَعْلى اسماً .. إلخ ) أي : أتى الواو بدل ياء إذا وقعت الياء لاماً لاسم على وزن ( فَعْلى ) نحو : تقوى . وقوله : ( غالباً جا ذا البدل ) احتراز مما لم يقع فيه البدل شذوذاًَ ، مثل : ( ريّا ) للرائحة ، و ( طَغْيا ) لولد البقرة الوحشية ، وسعيا – لمكان – . لكن تُعُقِّب بأن النحويين قالوا في : ( ريا ) إنها صفة غلبت عليها الاسمية والأصل : رائحة ريا ، أي مملوءة طيباً . على أنه لو سُلِّم بالاسمية فعدم القلب لمانع وهو أنه لو قيل : ( رَيْوا ) لوجب قلب الواو ياء وإدغامهما ، لاجتماعهما – كما سيأتي إن شاء الله – وأما ( طغيا ) فالأكثر فيه ضم الطاء فهو صفة غلبت عليها الاسمية . وأما ( سعيا ) فيحتمل أنه منقول من الصفة إلى الاسمية . فاستصحب التصحيح بعد جعله اسماً .
966- بِالْعَكْسِ جَاءَ لَامُ فُعْلَى وَصْفَا وَكَوْنُ قُصْوَى نَادِراً لا يَخْفَى
5- الموضع الخامس من مواضع قلب الواو ياءً : أن تكون الواو لاماً لصفة على وزن ( فُعْلى ) – بضم فسكون – نحو : دُنْيا ، وعُليا.والأصل : دُنوى وعُلوى ، بدليل : دنوت دنواً ، وعلوت علواً . فقلبت الواو ياء .
ومن الشاذ قياساً الفصيح استعمالاً (1) قُصْوى : بمعنى بعيدة ، وقدجاءت في قوله تعالى : (( إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى )) ( سورة الأنفال : 42 ) (2) .
وهي لغة أهل الحجاز : والقياس إبدال الواو ياء كما هي لغة بني تميم فيقولون : القُصيا .
فإن كانت ( فُعْلى ) اسماً وليست وصفاً بقيت الواو بغير قلب نحو : حُزْوى (3) .
__________
(1) - انظر أول جمع التكسير.
(2) - العدوة : جانب الوادي .
(3) - اسم رمال مجتمعة في طرف الدهنا الشرقي معروفة مشهورة . واسم نخل في قرية سدوس في اليمامة .(2/243)
وهذا معنى قوله : ( بالعكس جاء لام فُعْلى وصفاً .. إلخ ) أي : جاءت الواو ياءً إذا وقعت لاماً لفُعلى وصفاً ( بالعكس ) مما تقدم وهو قلب الياء واواً ، وندر ( قُصوى ) بإبقاء الواو . ولا يخفى أنه فصيح استعمالاً ؛ لوروده في كتاب الله تعالى (1) .
****
فَصْل
967- إنْ يَسْكُنِ السَّابِقُ مِنْ وَاوٍ وَيَا وَاتَّصَلَا وَمِنْ عُرُوضٍ عَرِيَا
968- فَيَاءً الْوَاوَ اقْلِبَنَّ مُدْغِمَا وَشَذَّ مُعْطىً غَيْرَ مَا قَدْ رُسِمَا
__________
(1) ما ذكره ابن مالك – ومن وافقه – من أن لام فُعلى إذا كانت واواً في وصف تقلب ياء ، وإن كانت في اسم سلمت من القلب مخالف لما يراه المتقدمون – كسيبويه - وهو أنها تقلب في الاسم ولا تقلب في الصفة ويجعلون ( حُزْوى ) شاذاً . والظاهر أن الخلاف لفظي . لأن الأمثلة التي حصل فيها القلب بعضهم جعلها أسماء . وعدها ابن مالك وموافقوه صفات . انظر : كتاب سيبويه (4/389) المقتضب (1/306) شرح المرادي ( 6/45) شرح التصريف للثمانيني ( ص 534) .(2/244)
الموضع السادس من مواضع قلب الواو ياء : أن تجتمع الواو والياء في كلمة واحدة (1) . بشرط ألا يفصل بينهما فاصل ، وأن تكون الأولى منهما ساكنة سكوناً أصليّاً غير عارض ، وأن تكون أصلاً غير منقلبة عن حرف آخر ، فإذا تحققت هذه الشروط الخمسة وجب قلب الواو ياء ، وإدغامها في الياء . سوء كانت الياء هي السابقة . نحو : سيّد . وميت ، وأصلهما : سَيْود ، ومَيْوت . بدليل : ساد يسود ، ومات يموت ، أم كانت الواو هي السابقة نحو : طيّ ، وليّ – مصدر طويت ولويت – وأصلهما : طَوْيٌ ، ولَوْيٌ ، قال تعالى : (( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ )) ( الأنبياء : 104) .وقال تعالى : (( َليّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ )) ( النساء : 46) .
فإن اجتمعتا في كلمتين فلا قلب نحو : يدعو يوسف ، يجري وائل . وكذا لو كان بينهما فاصل نحو : زيتون ، أو كان السابق منهما متحركاً نحو : طويل وغَيُور ، أو كان سكونه عارضاً كقولهم في : (( قَوِيَ ) الماضي ، المكسور أصالة : قَوْيَ بسكون الواو للتخفيف ، أو كان السابق غير أصيل نحو : كويتب في تصغير كاتب .
__________
(1) - وكذا ما هو في حكم الكلمة الواحدة وهو جمع المذكر السالم المرفوع إذا أضيف إلى ياء المتكلم نحو : أنتم مشاركيّ في الدعوة إلى الله . والأصل : مشاركون لي ، فحذفت النون للإضافة ومعها اللام ، فصار مشاركوي ثم قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء . وقلبت الضمة كسرة . وقد ذكرت ذلك في باب المضاف لياء المتكلم .(2/245)
وهذا معنى قوله : ( إن يسكن السابق من واو ويا .. إلخ ) أي : إن يسكن الحرف السابق من واو ويا وقد ( اتصلا ) بأن لم يفصل بينهما فاصل ، وكانا في كلمة واحدة . فأفاد شرطين . ( ومن عُرُوض عريا ) أي : وعرى الحرف السابق منهما من العروض ذاتاً وسكوناً . ففيه شرطان : وألف ( عريا ) للإطلاق . وخامس الشروط من قوله : ( إن يسكن ) . وقوله ( فياءً الواوَ اقلبنَّ ) هذا جواب الشرط . والتقدير : فاقلبنَّ الواوَ ياءً . ( مُدْغِمَا) بكسر الغين أي : حال كونك مدغماً الياء في الياء بعد القلب .
ثم ذكر أن ما أعطي من الكلمات مخالفاً لما حدد وقُرر فهو شاذ . وذلك كإعلال العارض غير اللازم مثل : ( رُيَّة ) في رُؤْية . مع أن الواو عارضة ، لأنها مخففة من الهمزة ، وحكى بعضهم اطراده على لغةٍ .
ومن الشاذ – أيضاً – ترك الإعلال مع استيفاء الشروط ، كقولهم : عوى الكلب عَوْيةً . والقياس : عَيَّةً ، أو الإعلال بقلب الياء واواً كقولهم : عوى الكلب عَوَّةً .
969- مِنْ وَاوٍ أوْ يَاءٍ بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ أَلِفاً ابْدِلْ بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلْ
970- إنْ حُرِّكَ التَّالِي وَإنْ سُكِّنَ كَفّ إعْلالَ غَيْرِ الَّلامِ وَهْيَ لا يُكَفّ
971- إعْلَالُهَا بِسَاكِنٍ غَيْرِ أَلِفْ أوْ يَاءٍ التَّشْدِيدُ فِيهَا قَدْ أُلِفْ
إذا وقعت الألف عيناً أو لاماً في الفعل الثلاثي فلا بد أن تكون منقلبة عن واو أو ياء . نحو : قال ، سار ، ونحو : دعا ، قضى ، والأصل : قَوَل ، سَيَر ، دَعَوَ ، قَضَىَ . بفتح الواو والياء فيهما . والدليل على هذا الأصل : المضارع – مثلاً - : يقول ، يسير ، يدعو ، يقضي ، فقلبت الواو والياء في تلك الأفعال ألفاً ، كما يقلبان في كثير من الأسماء أيضاً .
وهذا القلب لا يتم إلا إذا تحققت عشرة شروط :
الأول : أن تكون الواو والياء متحركتين كما مُثِّل ، فإن لم يتحركا امتنع القلب ووجب التصحيح نحو : القوْل ، البيْع .(2/246)
الثاني: أن تكون حركتهما أصلية ليست طارئة للتخفيف أو لغيره من الحركات التي لا تلازمهما . فلا قلب في نحو : جَيَل (1)وتَوَم (2) ، مخفف : جيأل ، وتوْأَم ، فنقلت حركة الهمزة - بعد حذفها للتخفيف – إلى الساكن قبلها .
الثالث : أن يكون ما قبلهما مفتوحاً ، لأن غير الفتحة لا يجانس الألف ولا يناسبها ، فلا قلب في مثل : العِوَض ، السُّور ، والحِيَل .
والرابع : أن تكون الفتحة التي قبلهما متصلة بهما في كلمة واحدة : فلا قلب في مثل : حضرَ واحد ، جلسَ ياسر .
الخامس : أن يتحرك ما بعدهما إن كانتا عينين أو فاءين ، وألا يقع بعدهما ألف ولا ياء مشددة إن كانتا لامين ، فلا قلب في مثل: توالى وتيامن ، لسكون ما بعدهما مع وقوعهما فاءين، ولا في : بيان وطويل وغيور وخورنق ؛ (3) لسكون ما بعدهما مع وقوعهما عينين ، ولا في مثل : رَمَيَا ، وغَزَوَا ، وفَتَيان ، وعَصَوَان . لوقوعهما لاماً للكلمة وبعدهما ألف . ولا في مثل : علويّ ، وحَييِّ ، لوجود ياء مشددة بعدهما .
وإنما قلبا في نحو : علا ، ومضَى . مع وقوعهما لاماً لعدم وقوع ألف ولا ياء مشددة بعدهما ، وكذا في مثل : يخشَون ويُدعَون مع وقوعهما لاماً – إذ أصلهما : يَخْشَيُون ، ويُدعَوُون . فقلبتا ألفاً لتحركهما وانفتاح ما قبلهما – فالتقى ساكنان ، فحذفت الألف .
وإلى هذه الشروط الخمسة أشار بقوله : ( من واوٍ أو ياءٍ .. إلخ ) أي : أبدل الألف من الياء أو الواو إذا كانا متحركين ( بتحريك أُصِلْ ) مبني للمجهول : أي : كان أصلاً . وهذان شرطان . وقوله : ( بعد فتح متصل ) فيه الشرط الثالث والرابع .
__________
(1) - اسم من أسماء الضبع .
(2) - التوأم : الولد يولد ومعه غيره في بطن واحد .
(3) - اسم قصر للنعمان الأكبر . ، ولمواضع أخرى . وتقدم ذكره في آخر جمع التكسير .(2/247)
وأشار إلى الخامس بقوله ( إن حرك التالي ) أي : أن شرط الإبدال السابق أن يتحرك الحرف التالي لهما . ( وإن سُُكِّنَ كَفّ إعلال غير اللام ) أي : وإن سكن ما بعدهما فإن السكون يكف ، أي : يمنع قلب الواو والياء ألفاً إذا وقعتا في غير اللام – والمراد الفاء والعين – وقوله : ( وهي لا يكف إعلالها بساكن .. إلخ ) أي أن لام الكلمة إذا كانت واواً أو ياء فإنه لا يُمنع إعلالها بإبدالها ألفاً بساكن غير ألف أو ياء مشددة تشديداً مألوفاً . وأما بهما فيمنع إعلالها كما تقدم .
****
972- وَصَحّ عَيْنُ فَعَلٍ وَفَعِلَا ذَا أَفْعَلِ كَأَغْيَدٍ وَأَحْوَلَا
973- وَإنْ يَبِنْ تَفَاعُلُ مِنِ افْتَعَلْ وَالْعَيْنُ وَاوٌ سَلِمتْ وَلَمْ تُعَلْ
974- وَإِنْ لِحَرْفَيْنِ ذَا الإِعْلَالُ اسْتُحِقّ صُحِّحَ أَوَّلُ وَعَكْسٌ قَدْ يَحِقّ
975- وَعَيْنُ مَا آخِرَهُ قَدْ زِيدَ مَا يَخُصُّ الاسْمَ وَاجِبٌ أَنْ يَسْلَمَا
ذكر في هذه الأبيات الشروط الخمسة الباقية . لقلب الواو والياء ألفاً وهي كالآتي :
السادس : ألا تكون إحداهما عيناً لـ ( فَعِل ) الذي الوصف منه على ( أفْعل ) نحو : هَيِفَ (1) فهو أهيف ، وعَوِرَ فهو أعور .
السابع : ألا تكون عيناً لمصدر هذا الفعل كالهَيَفْ والعَوَر .
الثامن : ألا تكون الواو عيناً لفعل ماض على وزن ( افتعل ) الدال على المفاعلة – وهي المشاركة في الفاعلية والمفعولية – فلا قلب في نحو : اجتوروا – بمعنى جاور بعضهم بعضاً – ولا في اشتوروا ، بمعنى شاور بضعهم بعضاً .
__________
(1) - الهيف : مصدر هَيِفَ – كفرح – وهو ضمور البطن . ودقة الخاصرة . وهو صفة مدح .(2/248)
فإن لم يدل على المفاعلة وجب القلب نحو : اجتاز – بمعنى : جاز ( أي قطع ) ، واختان – بمنعى خان - . ومنه قوله تعالى : (( عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ )) ( البقرة : 187) . وأصله تَخْتَوْنُون : على وزن : تفتعلون ، فتركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً .
وهذا الشرط خاص بالواو . فإن كانت العين ياء وجب القلب نحو : ابتاعوا ، واستافوا – أي تضاربوا بالسيوف – والأصل : ابتيَعوا واستيَفوا فقلبت الياء ألفاً بالرغم من الدلالة على المفاعلة .
التاسع : ألا يكون بعد إحداهما حرف يستحق القلب ألفاً . لئلا يجتمع في كلمة إعلالان متواليان بغير فاصل ، وهو ممنوع في الأغلب . فإن وقع بعدهما حرف يستحق هذا القلب وجب – في الأكثر – قلبه وتصحيح السابق ، اكتفاء بالمتأخر ، لأنه طرف ، والطرف محل التغيير . مثل الحَيَا ، مصدر الفعل ، حَيِىَ ، على وزن ( فَعِلَ ) ، والهوى ، مصدر : هَوِىَ ، والحوى (1) : مصدر : حَوِيَ . وأصل هذه المصادر : حَيَيٌٌ ، هَوَيٌ ، حَوَوٌ .
ففي كل منها حرفان متواليان صالحان للقلب ألفاً لتحرك كل منهما وفتح ما قبله ، فجرى القلب على الثاني منهما ، لما تقدم وسلم الأول .
وقد وقع القلب على الأول في بعض كلمات مسموعة مثل : آية ، وأصلها – على أحد الأقوال الستة فيها – أيَيَةٌ (2) بياءين الأولى ألفاً ، على غير قياس ، لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ورسمها في الأصل : أاية ، ثم صار : آية . وكان القياس فيها أياة . بقلب الياء الثانية كما تقدم . ومثلها في ذلك : راية . وغاية .
__________
(1) - الحوى : مصدر حوى إذا اسودّ .
(2) - هذا رأي الخليل كما نص عليه سيبويه (4/398) وهو أسهل الأقوال وانظر : معجم مفردات الإبدال والإعلال في القرآن الكريم ص 42.(2/249)
العاشر:ألايكون أحدهما عيناً في كلمة مختومة بزيادة تختص بالأسماء كالألف والنون معاً.وكألف التأنيث المقصورة فلا قلب في مثل:الجَوَلان (1)والهَيَمان(2)والصَّوَرَى(3)،والحَيَدَى(4)ونحوها .
وإلى هذه الشروط الخمسة أشار بقوله : ( وصَّح عين فَعَل وفَعِلا .. إلخ ) أي صحت عين المصدر الذي على وزن ( فَعَل ) وسلمت من القلب إذا كانت واواً أو ياء . وكذا عين الفعل الذي اسم الفاعل منه على (أفْعَل) (كاغيدٍ) من غَيِدَ غَيَداً فهو أغيد .وصَرَفَهُ للضرورة و( أحولا) من حَوِل حَوَلاً فهو أحول . وهذا إشارة إلى الشرطين السادس والسابع .
وقوله : ( وإن يبن تفاعل من افتعل .. . إلخ ) إشارة إلى الشرط الثامن . والمعنى : وإن يظهر معنى التفاعل وهو التشارك من لفظ افتعل ، وكانت عينه واواً سلمت ( ولم تُعَلّ ) أي ولم تقلب ألفاً .
ثم ذكر الشرط التاسع بقوله : ( وإن لحرفين ذا الاعلال استُحق .. إلخ ) أي : وإن استحق هذا الإعلال – وهو القلب – لحرفين بأن تحرك كل منهما وانفتح ما قبله ، فصحح الأول منهما وأعِلَّ الثاني ، وقوله ( ذا الاعلال ) يقرأ بنقل حركة الهمزة – وهي الكسرة – إلى اللام قبلها . وقوله : ( وعكسٌ قد يَحِق ) أي : قد يقع العكس ، وهو إعلال الأول وتصحيح الثاني كما تقدم
وقوله : ( وعين ما آخره .. إلخ ) أي : وعين الاسم إذا كان واواً أو ياء تستدعي القلب ألفاً ، وقد زيد في آخر هذا الاسم زيادة تختص بالاسم ، فإنه يجب سلامتها ويمتنع قلبها ، وهذا هو الشرط العاشر .
***
__________
(1) - الجولان : مصدر جال يجول إذا طاف وتنقل ، وجال التراب ، ارتفع .
(2) - الهيمان : مصدر هام على وجهه يهيم إذا سار على غير هدى ، وهام في الأمر : تحير فيه واضطرب وذهب كل مذهب . قال تعالى : (( أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ )) .
(3) - الصَوَرَى : اسم بقعة فيها ماء من مياه العرب .
(4) - الحَيَدَى : مشية المتمايل المختال .(2/250)
976- وَقَبْلَ بَا اقْلِبْ مِيماً النُّونَ إذا كَانَ مُسَكَّناً كَمَنْ بَتَّ انْبِذَا
تقلب النون ميماً بشرطين :
أن تكون النون ساكنة .
أن يقع بعدها الباء ، سواء أكانتا في كلمة أو كلمتين . كما في قوله تعالى : (( إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا )) ( الشمس : 12 ) . وقوله تعالى : ((قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا )) ( يس : 52) . وهذا القلب مقصور على النطق ، أما في الكتابة فتبقى صورة النون على حالها .
وهذا معنى قوله : ( وقبل با اقلب ميماً .. إلخ ) أي : واقلب حرف النون ميماً إذا كان النون مسكناً قبل باء ، ثم ساق مثالاً لنوعي النون الساكنة قبل الباء في كلمة واحدة ،وهو قوله: (انبذا ) والألف بدل من نون التوكيد الخفيفة ، أو في كلمتين مثل : ( مَنْ بَتَّ ) والمعنى : من قطع مودته فانبذه واتركه ولا تبالِ به .
****
فصْلٌ
977- لِسَاكِنٍ صَحَّ انْقُلِ التَّحْرِيكَ مِنْ ذِي لِينٍ آتٍ عَيْنَ فِعْلٍ كَأبِنْ
978- مَا لَمْ يَكُنْ فِعْلَ تَعَجُّبٍ وَلَا كَابْيَضَّ أوْ أهْوَى بِلَامٍ عُلِّلَا
979- ومِثْلُ فِعْلٍ فِي ذَا الاعْلَالِ اسمُ ضَاهَى مُضَارِعاً وَفِيهِ وَسْمُ
980- وَمِفِعَلٌ صُحِّحَ كالْمِفْعَالِ .......................
هذا الفصل عقده ابن مالك – رحمه الله – للإعلال بالنقل ويسمى الإعلال بالتسكين ، ومعناه : نقل الحركة من حرف علة متحرك – وهو الواو والياء – إلى حرف صحيح ساكن قبله ، مع بقاء حرف العلة على صورته إن كان متحركاً بحركة تجانسه؛ أو قلبه حرفاً آخر إن كان متحركاً بحركة لا تناسبه .
فالأول نحو: يدوم الود بالمجاملة . فالفعل ( يدوم ) ماضيه : دام ، فهو أجوف واوي من باب ( نصر ينْصُر ) فيكون المضارع : يَدْوُم ، فقالوا : إن حرف العلة ضعيف لا يقوى على حمل الحرف الصحيح الساكن قبلها – وهو الدال – فصار : يَدُوْم .(2/251)
والثاني نحو : أبان العلماء أحكام الشريعة . فالفعل ( أبان ) أصله : أبْيَن على وزن ( أفْعل ) الرباعي ، فجرى فيه الإعلال السابق ، فصار : أبَيْن : فتحركت الياء بحسب الأصل وانفتح ما قبلها بحسب الحال ، فانقلبت ألفاً ...
ويقع الإعلال بالنقل في أربعة مواضع :
الأول : أن يكون حرف العلة عيناً متحركة لفعل نحو: يصوم يبيع ، والأصل : يَصْوُم ، يَبْيع ، فنقلت حركة حرف العلة في كل منهما إلى الحرف الصحيح الساكن قبله ، وبقي كل منهما على صورته كما تقدم ، ويشرط لإجراء النقل في هذا الموضع :
أن يكون الساكن قبل حرف العلة حرفاً صحيحاً . فلا نقل في مثل : عاون ، وبايع . لأن الساكن قبل الحرفين غير صحيح .
أن يكون الفعل غير مضعف اللام ، فلا نقل في مثل : ابيضَّ . واسودَّ ، لأن اللام مضعفة .
أن يكون الفعل غير معتل اللام ، فلا نقل في مثل : أهوى وأحيا ، لأن اللام معتلة .
ألا يكون فعل تعجب،ومثله : اسم التفضيل ، فلا نقل في مثل : ما أقومه ! وما أبينه ! ولا في مثل : هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أقوم طريقاً وأبين منهجاً .
الموضوع الثاني : أن يكون حرف العلة عيناً متحركة في اسم يشبه المضارع إما في وزنه دون زيادته ، أو في زيادته دون وزنه .
فالأول نحو : لكل مقام مقال . فـ ( مقام ) ومثلها – مقال – أصلها : مقْوَم ، وهي على وزن المضارع : يَعْلَم . فنقلت حركة الواو إلى الساكن الصحيح قبلها ، ثم قلبت ألفاً كما تقدم . فهو يشبه المضارع في الوزن ،ولكن فيه زيادة تدل على أنه ليس من قبيل الأفعال – وهي الميم في أوله - .(2/252)
والثاني : كأن تبني من البيع أو من القول اسماً على مثال : تِحْلِئ (1) – بكسر التاء فسكون فكسر فهمزة متطرفة - . فتقول : تِبْيع ، وتِقْوِل ، بكسر فسكون ، فنقلت حركة حرف العلة إلى الساكن الصحيح قبله ، وقلبت الواو ياء في ( تِقْوِل ) – لأن الكسرة غير مناسبة للواو – فصارت الكلمتان : تِبِيع تِقِيل – بكسرتين متواليتين بعدها ياء – وفي الأولى إعلال واحد بالنقل ، وفي الثانية : اثنان : بالنقل ، والقلب .
وهذا أشبه المضارع في زيادته . فإن التاء توجد في أول المضارع . ولم يشبهه في وزنه . لأن مثل هذا الوزن خاص بالاسم ولا يأتي في الفعل .
فإن أشبه الاسمُ المضارعَ في الوزن والزيادة معاً . أو لم يشبهه فيهما معاً وجب التصحيح وامتنع الإعلال .
فالأول نحو : أبْيض ، وأسْود . فهذان وصفان أشبها المضارع : أعْلم ، في وزنه ، وزيادة : الهمزة في أوله .
والثاني نحو : مِخْيط (2) . فهذه صيغة مختصة بالاسم ، لأن المضارع لا يكون في الأغلب مكسور الأول . ولا مبدوءاً بميم زائدة . ومثلها : مفعال كمخياط .
وهذا معنى قوله : ( لساكن صح انقل ... إلخ ) أي : إذا كانت عين الفعل حرف لين متحركاً ( واواً أو ياءً ) فانقل حركة العين إلى الساكن قبلها ، مثل: أبنْ، فعل أمر من ( أبان ) . وأصله : أبْيِن . فنقلت حركة الياء إلى الباء قبلها . فالتقى ساكنان – الياء والنون – فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين .
__________
(1) - التحلىء : شعر وجه الأديم ، ووسخه وسواده .
(2) - المخيط : آلة الخياطة .(2/253)
وقوله :( لساكن صح ) إشارة إلى الشرط الأول . وأما الشروط الثلاثة الباقية ففي قوله : ( ما لم يكن فعل تعجب .. إلخ ) أي أن هذا النقل جائز مدة عدم كون الفعل فعل تعجب أو مثل ( ابيضَّ) مضعف اللام ، أو ( أهوى ) الذي عُلِّل باللام ، أي جاءت لامه حرف علة . والألف في ( عُلِّلا ) للإطلاق ، وأشار إلى الموضع الثاني بقوله : ( ومثل فِعْل في ذا الاعلال اسم .. إلخ ) أي أن الاسم الذي ( ضاهى ) أي شابه المضارع يكون مثل الفعل في الإعلال بالنقل . وقوله : ( وفيه وَسْمُ ) أي : بشرط أن يكون فيه علامة يمتاز بها عن المضارع بأن يشبهه في الوزن فقط أو في الزيادة فقط .
ثم ذكر أن الاسم المخالف للمضارع في وزنه وزيادته معاً كمفعال مثل : مسواك ومكيال . يستحق التصحيح وعدم الإعلال بالنقل ، وحمل عليه في ذلك ( مَفْعَل ) لمشابهته له في المعنى مثل : مِخْيط كما تقدم (1) .
980- .................. وَأِلِفَ الإفْعَالِ وَاسْتِفْعَالِ
981- أَزِلْ لِذَا الإِعْلَالِ وَالتَّا الْزَمْ عِوَضْ وَحَذْفُهَا بِالنَّقْلِ رُبَّمَا عَرَضْ
982- وَمَا لإفْعَالٍ مِنَ الْحَذْفِ وَمِنْ نَقْلٍ فَمَفْعُولٍ بِه أَيْضاً قَمِنْ
983-نَحْوُ مَبِيعٍ وَمَصُونٍ وَنَدَرْ تَصْحِيحُ ذِيْ الْوَاوِ وَفي ذِيْ الْيَا اشْتَهَرْ
الموضوع الثالث من مواضع الإعلال بالنقل : أن يكون حرف العلة عيناً متحركة في مصدر معتل العين ، بشرط أن يكون فعله على وزن ( أفْعَل ) أو ( استفعل ) نحو : أقام ، واستقام ، والأصل : أقْوَمَ واسْتَقْوم ، ومصدرهما ، إقْوام ، واسْتِقْوام، فأُعِلَّ المصدر حملاً على الفعل فنقلت حركة عينه إلى الساكن قبله ، ثم قلبت العين – وهي الواو – ألفاً ،لما تقدم، فتوالى ألفان – بدل العين . وألف إفعال واستفعال – فتحذف الثانية منهما . ويؤتى تباء التأنيث – في الأغلب – عوضاً عنها ، فيقال : إقامة ، واستقامة .
__________
(1) - انظر : شرح الأشموني بحاشية الصبان (4/322) .(2/254)
وقد تحذف هذه التاء ، وحذفها مقصور على السماع ، كقولهم : أجاب إجاباً . ومنه قوله تعالى : ((وَإِقَامَ الصَّلَاةِ )) ( الأنبياء : 73) . ، وقد ذكرت ذلك في أبنية المصادر .
الموضع الرابع : أن يكون حرف العلة عيناً متحركة في صيغة ( مَفْعُول ) من الفعل الثلاثي المعتل العين بالواو أو الياء . كصوغ مفعول من : صان ، وعاب . فتقول : مَصُون ، ومَعِيب ، والأصل : مَصْوُون ، مَعْيُوب . فنقلت فيهما حركة العلة إلى الساكن قبله . وفي الأول التقى واوان ساكنتان فحذفت الثانية . وفي الثاني اجتمع ساكنان – الياء والواو – فحذفت الواو منعاً لاجتماع ساكنين . فصارت : مَعُيْب . فكسرت العين لمناسبة الياء .
وندر التصحيح فيما عينه واو كقولهم : ثوب مصوون (1) ولغة تميم تصحيح ما عينه ياء فيقولون : مبيوع ، ومخيوط ، ومعيون (2) .
وأشار ابن مالك إلى هذين الموضعين بقوله : ( وألف الإفعال واستفعال أزل ... إلخ ) أي : أن المصدر المعتل العين الذي على وزن ( إفعال ) أو ( استفعال ) تحذف ألفه . حملاً على فعله في هذا الإعلال . وتعوض منها تاء التأنيث غالباً . وحذف التاء ( بالنقل ) أي بالسماع عن العرب ( ربما عرض) أي قليل .
ثم أشار إلى الموضع الرابع بقوله : ( وما لإفعال من الحذف .. إلخ ) أي : ما ثبت لإفعال واستفعال من الحذف والإعلال بالنقل ( فمفعول به أيضاً قَمِنْ ) أي فاسم المفعول به جدير وحقيق . ثم مثل لليائي بـ ( مبيع ) والواوي بـ ( مصون ) ثم ذكر أن تصحيح واوي العين نادر عن العرب وأن تصحيح يائي العين اشتهر وهي لغة تميم كما تقدم .
984- وَصَحِّحٍ الْمَفْعُولَ مِنْ نَحْوِ عَدَا وَأَعْلِلِ انْ لَمْ تَتَحَرَّ الأَجْوَدَا
__________
(1) - أي : محفوظ . من صانه : إذا حفظه .
(2) - اسم مفعول من عانه . من باب أي أصابه بالعين ، وانظر : شرح التسهيل لابن عقيل ( /175) .(2/255)
985- كَذَاكَ ذًا وَجْهَيْنِ جَا الْفُعُولُ مِنْ ذِي الْوَاوِ لَامَ جَمْعٍ أوْ فَرْدٍ يَعِنْ
986- وَشَاعَ نَحْوُ نُيِّمٍ فِي نُوِّم وَنَحْوُ نُيَّامٍ شُذُوذُهْ نُمِي
تقدم أن الواو تقلب ياء في تسعة مواضع : وقد مضى منها ستة مواضع ، وذكر هنا الموضع السابع والثامن والتاسع .
فالسابع : أن تقع الواو لام اسم مفعول لفعل ماض على وزن ( فَعِل ) – بفتح فكسر – نحو : رضيَ فهو مَرْضِيٌّ ، وقوي على زيد فهو مَقْوِيٌّ عليه ، والأصل : مَرْضُويٌ ، ومَقْوُويٌ ، ( على وزن مفعول ) فاجتمعت الواو والياء في كلمة وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء ، ثم كسر ما قبلها بدلاً من الضمة . لأجل أن تسلم الياء . ومنه قوله تعالى : ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ** ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً )) ( 27- 28 )) .
فإن كان الماضي غير مكسور العين – وهو الذي ذكره ابن مالك – فالأجود تصحيح الواو – أي عدم قلبها ياء – نحو : مغزُوّ ، ومَدعُوّ ، وفعلهما : غزا ودعا ، وأصلهما : غَزَوَ ودَعَوَ . فقلبت الواو ألفاً على القاعدة . وأصل اسم المفعول : مَغْزُوْوٌ ، ومَدْعُوْوٌ على وزن – مفعول – فالواو الأولى واو مفعول . والثانية لام الكلمة ، فأدغمت الأولى في الثانية .
ويجوز الإعلال – وهو مرجوح- فتقول : مَغْزِيٌّ ، ومَدْعِيٌّ ، وذلك بقلب الواو الثانية ياء حملاً على الفعل المبني للمجهول ، لأن واوه تقلب ياء ، لتطرفها إثر كسرة ؛ مثل : دُعِيَ ، ثم قلبت الواو الأولى ياء لاجتماعهما مع الياء ساكنة ، ثم أدغم ، وكسرت الضمة لمناسبة الياء .(2/256)
والثامن من مواضع قلب الواو ياء : أن تكون الواو لاماً لجمع تكسير على وزن ( فُعُول ) - بضم فضم – نحو : عصا ، وجمعها : عُصِيّ . ودلو ، وجمها : دُلِيّ . والأصل : عُصُووٌ ، ودُلُووٌ ، فاجتمع واوان – واجتماعهما ثقيل – الأولى زائدة في الجمع ، والثانية أصلية وهي لام الكلمة ، فقلبت الأخيرة ياء . ثم الأولى لاجتماعهما مع الياء وأدغمتا – على القاعدة – وكسر ما قبل الياء لتصح . فصارتا : عُصِيٍّ ، ودُلِيٍّ ، ويصح كسر أولهما للتخفيف ؛ لأن الانتقال من الضم إلى الكسر في مثل هذه الصيغة لا يخلو من ثقل . ومن ذلك قوله تعالى : (( فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ )) ( الشعراء : 44)) . وقد أجاز بعض النحاة التصحيح في ( الفعول ) إذا كان جمعاً . ولكن الأرجح الإعلال (1)
فإن كان ( فُعُول ) مفرداً فالأرجح التصحيح وعدم القلب نحو: عُتُوّ . وهو مصدر : عتا يعتو ، وأصله : عُتُوْو ، بوزن ( فُعُول ) فأدغمت الواو الزائدة– وهي الأولى – بلام الكلمة – وهي الواو الثانية – فلم تقلب ، وهذا كثير في المفرد ، ومنه قوله تعالى : (( وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً )) ( الفرقان : 21) وقوله تعالى : (( لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً )) ( القصص : 83) . وقد جاء الإعلال في قوله تعالى عن زكريا عليه السلام:(( وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً )) ( مريم : 8 ) . وأصله عُتْوْوٌ ، مثل قعود وجلوس (2) فحصل فيه قلب الواو الثانية ياء ، لأن واو فعول زائدة ساكنة فلم يعتدَّ بها ، فكأن الواو الأخيرة وَلِيَتْ ضمة فقلبت ياء . فاجتمعت مع الواو فقلبت ياء ، ثم أدغمت الياء في الياء (3) .
__________
(1) - انظر شرح المفصَّل لابن يعيش ( 10/110) .
(2) - هذا على أنه مصدر وقيل : جمع تكسير .
(3) - هذا على أحد الأقوال : وانظر : مفردات الإبدال والإعلال في القرآن ص 182.(2/257)
الموضع التاسع من مواضع قلب الواو ياء:أن تكون الواو عيناً لجمع تكسير على وزن(فُعَّل) صحيح اللام . مع عدم وجود فاصل بين العين واللام نحو : صُيَّم ونُيَّم ، جمع صائم ونائم ، وأصلهما : صُوَّم ، ونُوَّم ، بواو قبلها ضمة ، فعدل عن الواو إلى الياء لخفتها : والأكثر فيه التصحيح : فتقول : صُوَّم ونُوَّم .
فإن لم تكن اللام صحيحة لم يصح القلب نحو : غُوَّىً ، جمع : غاوٍ ، وأصله : غُوَّيٌ ، على وزن : فُعّل : كُركَّع ، وسُجَّد ، فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً ، فالتقى ساكنان هما : هذه الألف والتنوين ، فحذفت الألف للتخلص من التقاء الساكنين .
كما يجب التصحيح إن فصلت العين من اللام بوجود ألف ؛ لبعد العين حينئذ من الطرف ، نحو : صُوَّام ، ونُوَّام ، وشذَّ نُيَّام و صُيَّام بقلب الواو ياء .
وإلى هذه المواضع الثلاثة أشار بقوله : ( وصحح المفعول من نحو عدا ... إلخ ) أي : صحح اسم المفعول المبني من ( فَعَل ) المفتوح العين المعتل اللام بالواو . ( نحو عدا ) إن تحريت الأجود ، فقل فيه : معدُوّ ( وأعلل ) أي بقلب الواو ياء إن لم تقصد الأجود فقل فيه : معدِيّ وقوله : ( وأعلل إن لم ) يقرأ بنقل حركة الهمزة إلى اللام ، وحذف الهمزة .
ولما ذكر المفتوح فُهِمَ منه أن المكسور بخلاف ذلك ، وأن الصحيح فيه الإعلال كما تقدم . وأما المعتل بالياء مثل : مرمي ، من رمى فإنه يجب إعلاله ، وقد مضى ذكره في باب النسب ، فلذا تركه هنا .
أما الموضع الثامن : فقد ذكره بقوله : ( كذاك ذا وجهين جاء الفعول .. إلخ ) أي : أن الاسم الذي على وزن ( فعول ) واوي اللام جاء فيه عن العرب وجهان : التصحيح والإعلال ، سواء كانت الواو لام جمع أو مفرد ، وقوله : ( ذا وجهين ) حال – من الفُعُول – مؤكدة . وقوله : ( لام جمع ) حال من الواو . وقوله : ( يَعِن ) أصلها : يَعِنُّ بالتشديد ، أي : يظهر : وخُفِّفَ للوزن وقوله : ( جا ) بالقصر : للضرورة .(2/258)
وظاهر كلامه التسوية بين ( فعول ) المفرد والجمع في جواز الوجهين . وأنهما على حد سواء في الكثرة ، مع أن الأرجح في الجمع الإعلال ، وفي المفرد التصحيح كما مضى ، وهو الذي صرح به في الكافية (1) في قوله :
ورُجِّح الإعلال في جمعٍ وفي مفردٍ التصحيحُ أولى ما اقتُفِى
أما الموضع التاسع : فقد ذكره بقوله : ( وشاع نحو نُيَّم في نُوَّمٍ .. إلخ ) أي : شاع وكثر في جمع التكسير الواوي العين الذي على وزن ( فُعَّل ) الإعلال بقلب واوه ياءً ، نحو ( نُيَّم) في ( نُوَّم ) وهذا إذا لم يكن قبل لامه ألف ، فإن كان قبل لامه ألف ، وجب التصحيح ، وشذ الإعلال ، نحو ( نُيَّام ) ، ومعنى : ( نُمى ) أي : نسب الحكم بالشذوذ لأهل هذا الفن .
****
فصْلٌ
987- ذُو اللِّينِ فَا تَا فِي افْتِعَالٍ أُبْدِلا وَشَذَّ فِي ذِي الْهَمْزِ نَحْوُ ائتكَلَا
988- طَا تَا افْتِعَالٍ رُدَّ إثْرَ مُطْبَقِ فِي ادَّانَ وَازْدَدْ وَادَّكِرْ دَالاًّ بَقِي
هذا الفصل عقده ابن مالك لثلاثة أنواع من الإبدال . وهي :
الأول : إبدال الواو والياء تاءً :
فتبدل الواو والياء تاءً إذا وقعا فاءً لفعل على وزن ( افتعل ) أو أحد مشتقاته كالمضارع والأمر واسم الفاعل : بشرط ألا يكون أصلهما همزة .ومثال ذلك : أن يُبْنَى صيغة على وزن ( افتعل ) (2) . – مثلاً – من الفعل الماضي : وصف ، أو يَسِرَ (3) .فيقال : أو تصف، ايتسر. ثم تقلب الواو والياء تاء ، ثم تدغم في التاء الموجودة ، فتصير : اتّصف ، اتّسر . ويقال في المضارع قبل القلب ، يوتصف ، ييتسر ، وبعد القلب والإدغام ، يتَّصف ، يتَّسر . وهكذا باقي المشتقات .
__________
(1) - الكافية (4/2145) .
(2) - انظر معاني ( افتعل ) في الممتع لابن عصفور (1/192) .
(3) - يَسِرَ الأمر ييسر من باب : تَعِبَ . ويَسُرَ من باب : قَرُب فهو يسير : أي سهل .(2/259)
فإن كان أحدهما مبدلاً من همزة لم يجز القلب – في أشهر اللغات – فلا تقلب الياء تاء في مثل : اِيتكل . وهي صيغة ( افتعل ) من الأكل . لأن هذه الياء أصلها همزة ساكنة هي فاء الكلمة فقلبت ياء لسكونها بعد همزة الوصل المكسورة .
ولا تقلب الواو تاء في مثل : اوْتُمن ، لأن هذه الواو مبدلة من الهمزة الثانية ، التي وقعت بعد ضمة ، إذا الأصل ، أُؤْتُمِن . فقلبت الثانية واواً لوقوعها بعد نظيرتها المضمومة .
وفي هذا يقول ابن مالك : ( ذو اللين فا تا في افتعال أبدلا .. إلخ ) والمراد بذي اللين ، حرف العلة وهو الواو أو الياء ، وتقدير البيت ، ذو اللين أبدل تاء حال كونه فاءً كائناً في افتعال .
( وشذ ) هذ الإبدال ( في ذي الهمزة ) أي صاحب الهمز ، والمراد الحرف المبدل من همزة ، كقولهم في ( ايتكل ) : اتَّكل بإبدال الياء المبدلة من الهمزة تاء وإدغامها في التاء .
النوع الثاني : إبدال تاء الافتعال طاءً :
إذا وقعت تاء الافتعال – ومشتقاته – بعد حرف من حروف الإطباق (1) . وهي : الصاد والضاد ، والطاء والظاء ، وجب إبداله طاء . فإذا أريد بناء صيغة على وزن : افتعل – مثلاً – من : صحب، أو ضرب ، أو طلع ، أو ظلم ، قيل : اصتحب ، اضترب ، اطتلع، اظتلم ، ثم تقلب التاء طاء فيقال : اصطحب ، اضطرب ، اطّلع – بإدغام الطاءين – اظطلم ، ومنه قوله تعالى : (( أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً )) ( مريم : 87 ) . وقوله تعالى عن فرعون : ((فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى )) ( غافر : 37 )
النوع الثالث : إبدال تاء الافتعال دالاً :
__________
(1) - سميت بذلك لأن اللسان يطبق بأعلى الفم إذا نطق بها ، وبعضها أقوى من بعض ، فالطاء أقواها ، وأضعفها الظاء ، والصاد والضاد متوسطتان في الإطباق .(2/260)
إذا وقعت تاء ( الافتعال ) ومشتقاته بعد الدال والذال والزاي ، قلبت دالاً . فإذا أريد بناء صيغة على وزن ( افتعل ) – مثلاً – من : دعا ، ذكر ، زَحَم . قيل : ادتعى ، اذتكر ، وازتحم . ثم تقلب التاء دالاً . فيقال : ادعى – بإدغام الدال في الدال وجوباً – اذدكر . ويصح قلب الذال دالاً لتقاربهما في المخرج، وإدغامها في الدال الأصلية ، فيقال : ادَّكر . ويقال في الثالث : ازدحم . ومن ذلك قوله تعالى : (( وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ )) ( يوسف : 45). وقوله تعالى:(( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ))(القمر: 17).وقوله تعالى:(( وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ )) ( آل عمران : 49) وأصله : تذتخرون – من الذخر – فجرى فيه الإبدال بقلب التاء دالاً . فصار ( تَذْدَخِرون ) ثم قلبت الذال دالاً وأدغمت الدال في الدال .
وإلى هذين النوعين أشار بقوله : ( - طا - ، - تا- افتعال رُدّ .. إلخ ) أي : رُدَّ – بمعنى : صيَّر – تاء الافتعال طاء ( إثر مُطْبِقِ ) أي : بعد حرف من حروف الإطباق ، وقوله ( في ادان وازدد وادّكر دالاً بقي ) أي : أن تاء الافتعال صار دالاً في مثل : ادان ، وازدد ، وادكر . أي : إذا وقعت التاء بعد هذه الأحرف وهي – الدال والزاي والذال .
** **
فصل
989- فَا أمْرٍ مُضَارِعٍ مِنْ كَوَعَدْ احْذِفْ وَفِي كَعِدَةٍ ذَاك اطَّردَ
990- وَحَذْفُ هَمْزِ أفْعَلَ اسْتَمَرَّ فِي مُضَارِعٍ وَبِنْيَتَيْ مُتَّصِفْ
991- ظِلْتُ وَظَلْتُ فِي ظَلِلْتُ اسْتُعمِلَا وَقِرْنَ في اقْرِرْنَ وَقَرْنَ نُقِلَا
هذا الفصل عقده ابن مالك -رحمه الله – للإعلال بالحذف ، وهو تأثير يصيب الحرف في حالات معينة يؤدي إلى حذفه من الكلمة .
ويكون الإعلال بالحذف قياساً مطرداً في المسائل الآتية :(2/261)
إذا كان الفعل الماضي معتل الفاء بالواو ، وجب حذفها في المضارع ، والأمر ، والمصدر إذا كان بالتاء ، وهو لغير الهيئة بشرط أن تكون العين مفتوحة في الماضي مكسورة في المضارع (1) . مثل : وعد ، مضارعه يَعِدُ ، وأصله : يَوْعِد . فحذفت الواو لوقوعها بين الياء المفتوحة والكسرة ، وهما ضدان للواو ، والواقع بين ضديه مستثقل ، وحُمِلَ غيره عليه ، مثل : أَعِدُ وتَعِدُ ونَعِدُ ، والأمر نحو : عِدْ . والمصدر نحو : عدة وعوض عنها فيه تاء التأنيث وجوباً .
المسألة الثانية : الهمزة الزائدة في أول الماضي الرباعي ، فإنها تحذف في المضارع واسم الفاعل واسم المفعول نحو : أَكَرَمَ ، يُكْرِمُ ، مُكْرِمِ ، مَكرَم ، بحذف الهمزة ، والأصل : يُؤَكرِمُ . لأن أحرف الماضي توجد في المضارع بعد زيادة حرف المضارعة وهكذا الباقي ..
المسألة الثالثة:إذا كان الماضي ثلاثيّاً مكسور العين ، وعينه ولامه من جنس واحد،مثل :ظلَّ (2). وأصله:ظلِلَ ، وجاز ثلاثة أوجه عند إسناده لضمير رفع متحرك كتاء الضمير أو نونه وهي:
إبقاء الفعل على حاله مع فك إدغامه فتقول : ظَلِلْتُ وظَلِلْتَ ...
حذف عينه وهي اللام الأولى دون تغيير آخره ، نحو : ظَلْتُ ، ظَلْتَ ،قال تعالى : (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) (الواقعة: من الآية65)
حذف عينه مع نقل حركتها وهي الكسرة إلى فاء الكلمة ، نحو : ظِلْتُ ظِلْتَ .
فإن كان الماضي مفتوح العين وجب إبقاؤه على حاله مع فك الإدغام ومنه قوله تعالى : (( قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي )) ( سبأ : 50) وهو من الضلال ضد الاهتداء . وأصله : ضَلَّ . من باب (( ضَرَبَ ) .
__________
(1) - أما حذف الفاء في نحو : يضَع ، ويهَب ، ويدَع ، ونحوها مع أن العين مفتوحة في المضارع فلأن الكسرة مقدرة ، لأن الأصل فيها كسر العين ثم فتحت لأجل حرف الحلق تخفيفاً ، فكان الكسر فيها مقدراً .
(2) - ظل يعمل كذا ... أي عمل طوال النهار دون الليل .(2/262)
وإن كان الفعل مضارعاً أو أمراً واتصلت بهما نون الإناث جاز لك فيهما وجهان :
إبقاؤهما دون تغيير مع فك الإدغام وجوباً ، فتقول : النسوة يَقْرِرْنَ . واقْرِرْنَ يا نسوة .
حذف عين الكلمة ونقل حركتها – وهي الكسرة – إلى الفاء وذلك للتخفيف ، فتقول : النساء يَقِرْنَ . وقِرْنَ يا نسوة .
وقد سمع فتح القاف ، فقد قرأ نافع وعاصم – من السبعة - : ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ )) – بفتح القاف – فعل أمر من قَرِرْتُ بالمكان أَقَرُّ به بكسر الماضي وفتح المضارع ، وهي لغة حكاها الكسائي . لكنها لغة قليلة . واللغة المشهورة : قرَّ في المكان يَقِرُّ . بكسر المضارع ، والأمر ( قِرْن ) بكسر أوله – كما تقدم – وعليه قراءة السبعة عدا من ذُكر (1)
وإلى مواضع الإعلال بالحذف أشار بقوله:("فا" أمر أو مضارع من كوعد احذف .. إلخ ) أي : احذف فاء الكلمة في الفعل المضارع وفعل الأمر إذا كان الماضي مثل : ( وعد ) ثلاثيّاً واوي الفاء مفتوح العين ،ومكسورها في المضارع ، فاستغنى بالمثال عن ذكر الشروط. وقوله : ( وفي كعدة ذاك اطرد ) أي : اطرد ذلك الحذف – وهو حذف الفاء – في مصدر الفعل المذكور وعُوض عنها تاء التأنيث آخراً . وفهم ذلك من المثال .
ثم ذكر الموضع الثاني بقوله : ( وحذف همز أفعل استمر ... إلخ ) أي اطرد حذف همزة ( أفعل ) من مضارعه . واسمي فاعله ومفعوله ، وهما المراد بقوله ( وبنيتي متصف ) تثنية بنية بمعنى الصيغة ، أي صيغتى شخص متصف ، والمراد بهما صيغتا اسم الفاعل واسم المفعول ، لأنهما تدلان على ذات متصفة بمعنى من المعاني على جهة القيام به أو الوقوع عليه.
__________
(1) - انظر : الكشف لمكي (2/197، 198) التصريح : (2/397) .(2/263)
ثم ذكر الموضع الثالث بقوله : ( ظِلت وظَلت .. إلخ ) أي : أن ( ظَلْت ) بفتح الظاء المشالة ( وظِلت ) بكسرها . استعملا في ( ظَلِلْت ) وهو كل فعل ثلاثي مضاعف مكسور العين ، مسند إلى الضمير المتحرك ، فالأوجه ثلاثة : الحذف دون تغيير ، والحذف مع النقل ، والإتمام .
وقوله : ( وقِرْنَ في اقررن ) أشار به إلى أنه إذا كان الفعل أمراً - ومثله المضارع – واتصل به نون الإناث فقد استعمل : قَرْنَ – بكسر القاف – على حذف عين الكلمة وهي الراء الأول بعد نقل حركتها إلى الفاء . وهو يشير إلى الوجه الثاني المتقدم . وأما الأولى فيؤخذ من قوله:( في اقْرِرْنَ ) ، وقوله (وقَرْنَ نقلاً) أي : أنه نقل فتح القاف . وأفاد قوله : ( نقلاً ) أنه لا يطرد . ويفهم من كلامه أن الكسر مطرد . وقد صرح به في الكافية (1)
***
الإدغام
992- أَوَّلَ مِثْلَينِ مُحَرَّكَيْنِ فِي كِلْمَةٍ ادْغِمْ لَا كَمِثْلِ صُفَفِ
993- وَذُلُلِ وَكِلَلٍ وَلَبَبِ وَلَا كَجُسَّسٍ وَلَا كَاْخْصُصَ ابِي
994- وَلَا كَهَيْلَلٍ وَشَذَّ فِي أَلِلْ وَنَحْوِه فَكٌ بِنَقْلٍ فَقُبِلْ
الإدغام : إدخال الحرف الأول في الحرف الثاني بحيث يصيران حرفاً واحداً مشدداً .
والإدغام يكون بين المتماثلين والمتقاربين . وقد اقتصر ابن مالك على المتماثلين ، لأنه هو اللائق بالتصريف ، وأما بحث القراء فهو أعم .
وفائدة الإدغام التسهيل والتخفيف ، لأن النطق بالأحرف المتماثلة أو المتقاربة وفصلها عن بعضها ، وإظهار كل منها . ثقيل على اللسان ، فخفف بالإدغام ، فينطق المتكلم بحرفين من مخرج واحد، دفعة واحدة ، بحيث يصيران حرفاً مشدداً (2) .
فإذا اجتمع حرفان متماثلان متحركان وجب إدغام الأول في الثاني بأحد عشر شرطاً :
__________
(1) - شرح الكافية الشافية (4/2169) .
(2) - انظر الخصائص لابن جني (2/139، 140) .(2/264)
أن يكون الحرفان في كلمة واحدة ، مثل : شدَّ ، ملَّ ، حَبَّ ، والأصل : شدَدَ – بالفتح – مَلِلَ – بالكسر – حَبُب – بالضم . فإن كانا في كلمتين مثل : جَعَلَ لك . كان الإدغام جائزاً لا واجباً .
ألا يكون الحرف الأول في صدر الكلمة ، مثل : دَدَن (1) فيمتنع الإدغام ، إلا أن يكون أولهما تاء المضارعة ، فقد تدغم بعد مدة أو حركة . وكذا الفعل الماضي إذا اجتمع في أوله تاءان ، وسيأتي ذلك إن شاء الله .وهذا الشرط لم يذكره ابن مالك في الألفية ، ولعله تركه لوضوحه .وذكره في الكافية وغيرها (2) .
3-4-5 6- : ألا يكونا في اسم على وزن ( فُعَل) – بضم أوله وفتح ثانيه – مثل : دُرَر ، وصُفَفَ : جمع صفة (3) . أو ( فُعُل) - بضمتين – مثل : سُرُر ، وذُلُل : جمع ذلول (4) أو ( فِعَل ) – بكسر أوله وفتح ثانيه – مثل : لِمَم ، وكِلَلِ ، جمع لِمَّة (5) وكِلَّة (6) أو ( فَعَل ) – بفتحتين – مثل : طَلَل (7) ، ولَبَب(8) فيمتنع الإدغام في جميع ما ذكر .
7- ألا يكون أول المثلين مدغماً فيه حرف قبله ، مثل : قَرَّرَ ، وجُسَّسٍ ، جمع : جاس (9) فيمتنع الإدغام لأن الحرف الأول من المتحركين أُدغم في حرف قبله .
__________
(1) - الددن : اللعب واللهو .
(2) - شرح الكافية (4/2176) .
(3) - الصفة هي الظلة كالسقيفة .
(4) - الذلول هو البعير الذي سهل قياده .
(5) - اللمة : بكسر اللام وتشديد الميم الشعر المجاور شحمة الأذن .
(6) - الكِلَّة : بكسر الكاف وتشديد اللام الستر الرقيق يخاط كالبيت يتقى به من البعوض وهو المسمى الناموسية .
(7) - الطلل : ما شخص وارتفع من آثار الديار .
(8) - اللبب : موضع القلادة من الصدر . وما يشد على صدر المركوب ليمنع الرحل من الاستئخار .
(9) - اسم فاعل من جَسَّ الشيء إذا لمسه . أوجَسَّ إذا فحص عنه .(2/265)
8- ألا تكون حركة الحرف الثاني حركة عارضة .. مثل : اكففِ الشّرّ ، واخصصَ أبي ، والأصل : اكففْ ، واخصصْ ، لأن كلا منهما فعل أمر مبني على السكون ، وحرف الأول بالكسر لالتقاء الساكنين ، وفي الثاني نقلت حركة الهمزة وهي الفتحة إلى الصاد ، فلما كانت الحركة في المثالين عارضة ، صار الحرف كأنه ساكن ، ولا إدغام عند سكون ثاني المثلين .
9- ألا يكون الحرفان في وزن ملحق بغيره ، مثل:هَيْلَلَ(1) . فإنه ملحق بـ (دحرجَ). فيمتنع الإدغام ، لأننا لو أدغمنا الحرفين لفات الغرض من الإلحاق .
10- ألا يكون اللفظ مما فكته العرب شذوذاً . فلا يجوز فيه الإدغام، كما لا يفك غيره قياساً عليه . وهي ألفاظ محفوظة . منها : ضَبِبت الأرض : إذا كثر ضِبَابُها ، وأَلِلَ السقاء (2) : إذا تغيرت رائحته ، وبَحِحَ الرجل ، إذا أخذته بُحَّةٌ (3) .
11- وأما الشرط الحادي عشر فسيأتي ذكره – إن شاء الله تعالى _ في كلام الناظم .
وإلى هذه الشروط – عدى الثاني منها – أشار بقوله : ( أول مثلين محركين في كلمة ادغم .. إلخ ) أي : أدغم أول المثلين المتحركين ( في كِلْمة ) بكسر الكاف وسكون اللام . وهذا الشرط الأول ، ثم ذكر سبعة شروط عن طريق المثال – كما تقدم – وأشار بقوله : ( وشذ في ألِلْ ونحوه فكٌّ ، إلخ ) إلى الشرط العاشر وهو أن هناك ألفاظاً منقولة عن العرب شذ فيها الفك ، والقياس الإدغام ، فهذه تحفظ ولا يقاس عليه .
***
995- وَحَيِيَ افْكُكْ وَادّغِمْ دَونَ حَذَرْ كَذَاكَ نَحْوُ تَتَجَلَّى وَاسْتَتَرْ
لما ذكر ابن مالك – رحمه الله – ما يجب فيه الإدغام ، ذكر المسائل التي يجوز فيها الفك والإدغام ، وهي ثلاث مسائل :
__________
(1) - هيلل : أي أكثر من قول :لا إله إلا الله .
(2) - وعاء من جلد يكون للماء واللبن .
(3) - البُحَّة : خشونة وغِلَظٌ في الصوت : يقال : رجل أبَحُّ ، وامرأة بحَّة وبَحَّاء .(2/266)
المسألة الأولى : إذا كان الحرفان المتماثلان لازماً تحريك ثانيهما ، مثل : حَيِيَ وعَيِيَ (1) وإنما لزم تحريك ثاني الياءين ، لأن كلاًّ منهما فعل ماض مبني على الفتح الظاهر ، فيجوز فيهما الإدغام لوجود مثلين تحرك ثانيهما ، فتقول : حيَّ وعيَّ . ويجوز الفكّ؛ لأن حركة الثاني كالعارضة بجامع عدم اللزوم في جميع التصاريف ، فتقول : حَيِيَ وعَيِيَ . وقد قرأ نافع وأبو بكر والبَزّي . بياءين ظاهرتين في قوله تعالى : (( مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ )) ( الأنفال : 42) ، وقرأ الباقون بياء واحدة مشددة مفتوحة (2) ، فإن كانت حركة أحد المثلين عارضة بسبب العامل لم يجز الإدغام اتفاقاً كقوله تعالى : (( أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى )) ( القيامة : 40) . لأن حركة الثاني تزول بزوال الناصب .
المسألة الثانية : إذا اجتمع في الفعل تاءان ، إما في أوله نحو : تتجلى وتتابع ، أو في وسطه نحو : اقتتل واستتر .
فإن كانت التاءان في أوله : فالقياس الفكّ لتصدر المثلين .فإن كان الفعل ماضياً نحو : تتابع ، جاز الإدغامُ للتخفيف واجتلابُ همزة الوصل فتقول : اتّابع .
__________
(1) - عيي بالأمر وعن حجته يعيا من باب تعب : عجز عنه .
(2) - انظر الكشف (1/492) .(2/267)
وإن كان مضارعاً نحو : تتجلى.جاز فيه الإدغام – أيضاً – للتخفيف . فيسكن أوله ويؤتى بهمزة الوصل ، للتوصل بها إلى النطق بالتاء الساكنة للإدغام ، فتقول : اتّجلى . وهذا ما ذكره ابن مالك في شرح الكافية (1) والذي ذكره غيره من النحاة أن هذا النوع لا يدغم في حال الابتداء ، لئلا يلزم اجتلاب همزة الوصل ، وهي لا تكون في أول المضارع . بل يجوز تخفيفه بحذف إحدى التاءين ، كما سيأتي إن شاء الله . وإنما يدغم في حال الوصل . لعدم الاحتياج إلى اجتلاب الهمزة إذا وقع المضارع بعد متحرك أو حرف لين ، كقوله تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ))( النساء : 97 ) ، وقوله تعالى : (( وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ ))( البقرة : 267) . فقد قرأ البَزّي بتشديد التاء فيهما على الإدغام في كل ما أصله تاءان،وحذفت واحدة من الخط(2) .
وإن كانت التاءان في وسط الفعل نحو : اقْتَتَل واسْتَتَرَ . فالقياس – أيضاً – الفك ؛ لسكون ما قبل المثلين ، ويجوز الإدغام فتقول : قَتَّل . وسَتَّر ، بنقل حركة التاء الأولى على فاء الكلمة. وحذف همزة الوصل ، للاستغناء عنها بحركة ما بعدها ، ثم الإدغام . وتقول في المضارع : يَقَتِّل ويَسَتِّر،بفتح حرف المضارعة ، لئلا يلتبس بمضارع (فَعَّل) فإنه بضم أوله . نحو : عَلَّم يُعَلِّم .
وإلى هاتين المسألتين أشار بقوله : ( وحَييَ افكك .. إلخ ) أي : أن ( حَيِيَ ) ونحوه مما عينه ولامه ياءان لازم تحريكهما . يجوز فيه الفك والإدغام ( دون حذر ) أي : لا تخش بأساً في واحد منهما ؛ لوروده كما تقدم .
__________
(1) - (4/2185) .
(2) - انظر : الكشف (1/314) .(2/268)
وقوله : ( وادّغم ) بفتح الدال مع التشديد . فعل أمر من ( ادّغمَ ) بتشديد الدال وهذه المسألة الأولى . وأشار إلى الثانية بقوله : ( كذاك ) أي يجوز الوجهان إذا كان المثلان تاءين ، إما في الأول كـ ( تتجلى ) أو في الوسط كـ ( استتر ) . وأما المسألة الثالثة فسيأتي ذكرها إن شاء الله .
***
996- وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ فِيهِ عَلَى تَاكَتَبَيَّنُ الْعِبَرْ
إذا اجتمع في أول الفعل المضارع تاءان جاز حذف إحداهما ، نحو : تتقدمُ ، تتكلمُ ، فتقول : تَقَدَّمُ ، تَكَلَّمُ ، وعلة ذلك لئلا يتوالى مثلان مع تعذر الإدغام الذي يحوج إلى زيادة همزة الوصل ، وهي لا تكون في المضارع فعدلوا إلى التخفيف بحذف إحدى التاءين .
وهذا الحذف كثير جدّاً ، وجاء في القرآن في مواضع كثيرة ، كقوله تعالى : (( يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ )) ( هود : 105) . ، وقوله تعالى : ((إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ )) ( النور : 15) وقوله تعالى : ((فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى )) ( الليل : 14) وقوله تعالى : (( تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا )) ( القدر : 4) .
وهذا معنى قوله : ( وما بتاءين ابتدي قد يُقْتَصر .. إلخ ) أي : وما بدئ من الأفعال بتاءين فقد يقتصر فيه على إحداهما وتحذف الأخرى. مثل : تَبَيَّنُ العبرُ ، بفتح الياء التحتانية وتشديدها، مضارع مرفوع ، والأصل : تَتَبيَّنُ و( العِبَرُ ) فاعل مرفوع ، وهي جمع عِبرة – بكسر المهملة فيهما – بمعنى : الاتعاظ والتذكير . وقد أطلق نوع الفعل في قوله : ( وما بتاءين ) لكنه أفاد بالمثال أن المراد به المضارع ، لأنه هو الذي يتعذر فيه الإدغام إذا كانت التاءان في أوله . بخلاف الماضي كما تقدم . والتقليل في قوله : ( قد يقتصر ) إنما هو بالنسبة إلى عدم الحذف . وإلا فهو كثير جدّاً ، كما تقدم .
***(2/269)
997- وَفُكََّ حَيْثُ مُدْغَمٌ فِيهِ سَكِنْ لِكَوْنِهِ بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ
998- نَحْوُ حَلَلْتُ مَا حَلَلْتَهُ وَفِي جَزْمٍ وَشِبْهِ الْجَزْمِ تَخْيِيرٌ قُفِي
999- وَفَكُّ أفْعِلْ فِي التَّعَجبِ الْتُزِمْ وَالْتُزِمَ الإدْغَامُ أيْضاً في هَلُمْ
ذكر ابن مالك رحمه الله – هنا – الشرط الحادي عشر من شروط وجوب الإدغام ، وهو ألا يعرض سكون ثاني الحرفين المتماثلين ، إلا لاتصاله بضمير رفع ، وإما لجزم أو شبهه .
أما الأول : فإنه إذا تصل بالفعل المدغم عينه في لامه ضمير رفع سكن آخره للبناء ، وحينئذ يجب الفك ولا يجوز الإدغام ،لما تقرر أن الحرف الثاين المدغم فيه لا يكون إلا متحركاً .
نحو : حلَّ ؛ فإذا أسند إلى الضمير قيل فيه : حَلَلْتُ ، وحَلَلْنا ، والبنات حَلَلْنَ ، ومنه قوله تعالى :(( قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي )) ( سبأ : 50) وقوله تعالى : (( نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ )) ( الإنسان : 28) . وقوله تعالى : (( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ )) ( النور : 31) .(2/270)
أما الثاني : فإن هذا المضارع الذي أدغمت عينه في لامه إذا دخل عليه جازم جاز فيه الفك وجاز الإدغام ، للتخفيف . وكذا فعل الأمر المبني على السكون ، لأن حكمه حكم المضارع المجزوم ، فتقول في الفك.لم يَحْلُلْ . وتقول في الأمر : احْلُلْ ، ومنه قوله تعالى : (( وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى )) ( طه: 8) ،وقوله تعالى:(( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ )) ( البقرة : 217) ، وقوله تعالى : (( وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ )) ( المدثر : 6) . وقوله تعالى : (( إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ )) ( آل عمران : 120) . وقوله تعالى : (( وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ )) ( لقمان : 19) . ، والفك لغة أهل الحجاز ، وهو الغالب في القرآن ، وتقول في الإدغام : لم يُحلَّ وتقول في الأمر : حُلَّ ؛ ومنه قوله تعالى : (( وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ )) ( الحشر : 4) ، وقوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ ))( المائدة : 54) فقد قرأ نافع وابن عامر ( من يرتدد ) بالفك ، وقرأ الباقون ( من يرتدَّ ) بدال واحدة مفتوحة مشددة ( (1) وهذه هي المسألة الثالثة مما يجوز فيه الفك والإدغام .
ويستثنى من ذلك شيئان : ( أفْعِل ) في التعجب ، و( هَلُمَّ ) فإنهما بمعنى فعل الأمر (2) . فأما ( أفْعِل ) فإنه يجب فيه الفك ولا يجوز الإدغام نحو : أحبب إلى الله تعالى بالمحسنين ، وأشدد بياض وجوه المتقين . وأما ( هَلُمَّ ) . فقد التزموا إدغامه . فلا يجوز فيه الفك .
__________
(1) - انظر الكشف (1/412، 413) .
(2) - هذا على قول الحجازيين بأن ( هَلُمَّ ) اسم فعل أمر . وأما على قول التميمين إن ( هَلُمَّ ) فعل أمر حقيقة فالأمر ظاهر . وأما استثناء ( أفعل ) ، فهو بالنظر لصورته . وإلا ليس أمراً حقيقة ، بل هو فعل ماض جاء على صورة الأمر على المشهور كما تقدم في التعجب .(2/271)
وهذا معنى قوله : ( وفُكَّ حيث مدغم فيه سكن .. إلخ ) وقوله : ( فَكُّ ) بضم الفاء فعل أمر ومفعوله محذوف ، أي : فُكَّ الإدغام من المضاعف وجوباً ، ويحتمل أنه ماض مبني للمجهول ، ونائب فاعله يعود لذلك المحذوف .
والمعنى :فُكَّ الإدغام من الفعل المدغم عينه في لامه إذا سكن آخره ، لاقترانه بضمير رفع ، لئلا يلتقي ساكنان . نحو :حللتُ المكان التي حللتَه . وهذا هو الشرط الحادي عشر . كما تقدم.
وأشار بقوله : ( وفي جزم وشبه الجزم تخيير قُفي ) أي : وفي هذا المضارع المضاعف المجزوم ، وشبهه وهو الأمر ، تخيير بين الفك والإدغام لورود كل منهما وهذا في أصل الجواز ، وإلا فإن الفك هو الغالب في القرآن كما تقدم ، وقوله : ( قُفي) بالبناء للمجهول أي : تُبع .والأصل : تخيير متبوع .
ثم ذكر ما يستثنى فقال : ( وفَكُّ أفْعِل في التعجب التزم ) أي : لئلا تتغير صيغته المعهودة . فيلزم فيه الفك ولا يجوز الإدغام . ( والتُزِم الإدغام أيضاً في هَلُمْ ) بالإجماع . فلا يقال : هَلْمُمْ – بالفك - ... والله أعلم .
****
خاتمة الألفية
1000- وَمَا بِجَمْعِهِ عُنِيتُ قَدْ كَمَلْ نَظْماً عَلَى جُلِّ الْمُهِمَّاتِ اشْتَمَلْ
1001- أَحْصَى مِنَ الْكَافِيَةِ الْخُلَاصَهْ كَمَا اقْتَضَى غِنىً بِلَا خَصَاصَهْ
1002- فَأَحْمَدُ اللهَ مُصَلِّياً عَلَى مُحَمَّدٍ خَيْرِ نَبِيٍّ أُرْسِلَا
1003- وَآلِه الْغُرِّ الْكِرَامِ الْبَرَرَهْ وَصَحْبِهَ المُنتَخَبِيْنَ الخِيَرَه
لما انتهى المصنف _ رحمه الله _ من نظم ما تعلق بقواعد النحو والصرف ، ويسر الله تعالى له ما استعان الله فيه . أخبر بانتهاء ما قصد جمعه واشتماله على أهم المسائل النحوية،فقال:(2/272)
( وما بجمعه عُنيت قد كَمَل ) : والفعل : عُني . من الأفعال الملازمة للبناء للمجهول . إذا كان معناه . اهتمَّ . وقوله : ( قد كَمَل ) الأفصح فتح الميم ثم الضم ، والكسر أضعف اللغات ذكره في المصباح المنير (1) . وقوله ( نظماً ) تمييز محول عن الفاعل أي : كمل نظمه . ويصح أن يكون حالاً من الهاء في ( بجمعه ) وقوله ( على جلّ المهمات اشتمل ) فيه إشارة إلى ما تقدم ذكره في الخطبة من قوله : ( مقاصد النحو بها محويه ) .
قوله : ( أحصى من الكافية الخلاصة ) هذه صفة أخرى للنظم بناءً على أن ضمير (أحصى) يعود على النظم ، وجعله السيوطي يعود على الناظم على طريق الالتفات من التكلم إلى الغيبة . و( أحصى ) فعل ماض ، بمعنى : جمع مختصراً – بكسر الصاد- والخلاصة مفعوله ، وخلاصة الشيء : ما صفا منه ، وتخلص عن الشوائب ، والخلاصة والنقاوة يرجعان إلى شيء واحد ، والمعنى : أن هذا النظم جمع من كتابه ( الكافية الشافية ) خلاصتها : وترك كثيراً من الأمثلة والخلاف ، فجاءت الألفية نحو ثلث الكافية .
وقوله :(كما اقتضى غنى بلا خصاصة) الكاف فيه جارة ، و ( ما ) مصدرية ومعنى (اقتضى) : أخذ . أي : أحصى هذا النظم الخلاصة إحصاء كاقتضائه الغنى . أي : أَخْذِهِ القدرَ المغني من المسائل . وجعل السيوطي الكاف للتعليل (2) ، كما في قوله تعالى : ((وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ )) ( البقرة : 198) . ورجحه ابن الحاج في حاشيته على شرح المكودي (3) . أي : أنه أحصى من الكافية الخلاصة لكونها اقتضت وحازت غنى كل طالب ( بلا خصاصة ) وهو ضد الغنى . وهو كناية عما جمع من المحاسن الظاهرة .
__________
(1) - المصباح المنير ( ص 541) .
(2) - البهجة المرضية للسيوطي ص 201.
(3) - شرح المكودي بحاشية ابن الحاج (2/209) .(2/273)
قوله ( فأحمد الله .. إلخ ) الفاء للسببية . أي : فبسبب كمال هذا النظم على الوجه المذكور أحمد الله . وقد تقدم الكلام في الخطبة على معنى ( الحمد ) وعلى قوله : ( مصلياً ) وأنها حال مقدرة . وقد اقتصر الناظم – رحمه الله – على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دون السلام في مقدمة الألفية وفي خاتمتها . والمطلوب الجمع بينهما : لقوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )) ( الأحزاب : 56) .
وقد ذكر النووي _ رحمه الله – في كتابه ( الأذكار ) أنه لا يقتصر على أحدهما . وكذا قال ابن كثير – رحمه الله – في خاتمة الكافية . وقوله : ( خير نبي ) بدل من ( محمد ) ، ولا يصح نعتاً ولا عطف بيان ، لاختلافهما تعريفاً وتنكيراً .
قوله : ( وآله الغر الكرام البررة ) آله : الأظهر أنهم أتباعه على دينه ، ويدخل فيهم دخولاً أوليّاً أتباعه من قرابته . وهو معطوف على ( محمد ) و ( الغرّ ) جمع ( أغرّ ) وهو في الأصل الأبيض الجبهة من الخيل . وكأنه يشير بذلك إلى قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن أمتي يدعون يوم القيامة غرّاً محجَّلين من أثر الوضوء )) (1) .
والكرام : جمع كريم . والبررة : جمع بارّ ، وصحبه : جمع ( صاحب ) ، مثل :راكب وركب ، وحكي عن سيبويه أنه اسم جمع لا مفرد له من لفظه (2) ، والمنتخبين : بفتح الخاء المعجمة أي : المختارين ، والخيرة : بكسر الخاء وفتح الياء ويجوز تسكينها مصدراً أو اسم مصدر بمعنى الاختيار . وصف به مبالغة . قال الجوهري : ( والخيرة : الاسم من قولك : اختاره الله . يقال : محمد خِيَرة الله من خلقه : وخيْرة الله – أيضاً – بالتسكين .. ) (3)
__________
(1) - أخرجه البخاري ( رقم 136) ومسلم (246) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(2) - الصحاح (1/161) حاشية ابن الحاج ( 2/213) .
(3) - الصحاح (2/652) .(2/274)
وإلى هنا تمَّ ما أردت كتابته على ألفية ابن مالك – رحمه الله – وأسأل الله تعالى أن ينفع به كما نفع بأصله ، وأن يرزقنا السداد في القول والعمل ، وقد تم الفراغ من مراجعته عصر الجمعة الثامن عشر من شهر ذي الحجة خاتمة السنة العشرين بعد الأربعمائة والألف . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .(2/275)