وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة البصرة كلية الآداب
المطابقة في النحو العربي وتطبيقاتها في القرآن الكريم
رسالة تقدم بها الطالب
فراس عصام شهاب السامرائي
إلى مجلس كلية الآداب في جامعة البصرة وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها
بإشراف
الأستاذ الدكتور : عدنان عبد الكريم جمعة
1426هـ 2005 م
بسم الله الرحمن الرحيم
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (لقمان: 27)
بسم الله الرحمن الرحيم
( المقدمة )
الحمدُ للهِ الذي طابقت أسماؤُهُ صفاتِهِ ، والصلاةُ والسلامُ على الذي يدخلُ الناسُ الجنةَ بدعائهِ ، وعلى آلهِ الطيبينَ الطاهرينَ ، وصحبهِ الغُرِّ الميامينِ ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ .
وبعدُ ، فقد وقعَ اختياري على موضوعِ ( المطابقةِ في النحو العربيِّ وتطبيقاتها في القرآن الكريم )، عنواناً لرسالتي التي جاءت في ثلاثة فصولٍ ، يحوي الأولَ منها مبحثين كبيرين نسبياً ، ويحوي قسيماه أربعةَ مباحث ، لكلِّ واحدٍ منهما ، ثمَّ الخاتمة وقائمة المصادر والمراجع والبحوث .
أمَّا الفصلُ الأول فأسميتهُ : ( المطابقة بين المسند والمسند إليه ) ، ويحوي مبحثين ، هما : أولاً : ( المطابقة بين المبتدأ والخبر ) ، وذكرتُ فيه أنَّ المبتدأ والخبرَ نوعان : مبتدأ له خبرٌ ، ومبتدأ له فاعلٌ يسد مسد الخبر ، والمطابقة بينهما تختلفُ بحسبِ نوعيهما ، فالمطابقة في النوعِ الأولِ تتمثلُ في العدد وفي الجنس وفي التعريف والتنكير ، وذكرتُ الأمثلة من القرآن الكريم لما جاءَ مطابقاً ، والآياتِ الكريمةَ التي جاءَ ظاهرها المخالفة ، وذكرتُ آراءَ العلماءِ فيها ، مرجحاً بينها ، ومبيناً سببَ ذلك الترجيح .(1/1)
أمَّا المطابقةُ في النوعِ الثاني ، فتكونُ في العدد ، ذاكراً رأي من اعترض على هذا التركيبِ ، ومبيناً سببَ رفضنا لاعتراضه ، ومستشهداً بالآيات الكريمة ، وإنْ كانتْ قليلة في القرآن الكريم من مثل هذا النوع من نوعي المبتدأ والخبر ، وذكرت في نهاية هذا المبحث فقرة تكلمتُ فيها عن مجيء أفعل التفضيل خبراً ، فقد ذكرت أنَّ له ثلاث حالات في وروده ، وفصلتُ فيها ما يتعلق منها بالمطابقة مستشهدا بالقرآن الكريم على ذلك .
ثانياً : ( المطابقةُ بين الفعلِ والفاعلِ ) ، والمطابقةُ في هذا المبحثِ تكونُ في العددِ وفي الجنسِ ، وقد ذكرتُ الحالاتِ التي أُستثنيتْ من المطابقةِ في الجنسِ ، كوجودِ الفاصلِ ، أو مجيء الفاعلِ مؤنثاً مجازياً ، أو لكونه من الجموعِ ، وقد ذكرتُ تطبيقَ ذلك كلَّهُ في القرآن الكريم ، وذكرتُ أيضاً الآياتِ التي ظاهرها المخالفة ، مبيناً آراء العلماء فيها ، ومرجحاً بينها ، وسببَ ذلك الترجيح ، وتكلمتُ أيضاً على المطابقة بين الفعل والفاعل في العدد ، وما قيل في لغة ( أكلوني البراغيثُ ) التي جاء عليها القرآن الكريم في بعض المواضع .
أمَّا الفصل الثاني ، فأسمَّيتهُ : ( المطابقة بين التابع والمتبوع ) ، وقسَّمتُ هذا الفصلَ على أربعة مباحثَ : الأول منها أسمَّيتهُ : ( المطابقة بين النعت والمنعوت ) ، وبينتُ فيه أنَّ النعتَ ينقسمُ على نوعين : حقيقي ، وتتمثلُ المطابقةُ فيه في الإعراب وفي العدد وفي الجنس ، وفي التعريف والتنكير ، مستشهداً لما جاء على ذلك في القرآن الكريم ، ثمَّ ذكرتُ ظاهرة القطع ، مستشهداً لما جاء عليها في القرآن الكريم ، مبيناً الوجه الإعجازي والجمالي في مجيء هذه الظاهرة في كتاب الله العزيز .(1/2)
وأمَّا النوع الثاني من نوعي النعت ، فهو النعت السببي ، والمطابقة فيه تكونُ في الإعراب وفي التعريفِ والتنكيرِ فقط ، وأمَّا في العددِ ، فإنَّهُ يكونُ على حسبِ مرفوعه لا منعوته ، وقد ذكرتُ الآياتِ الكريمةَ من القرآن الكريم للتدليل على ذلك .
أمَّا المبحثُ الثاني فهو : ( المطابقةُ بين المعطوف والمعطوف عليه ) ، وبينتُ في هذا المبحث أنَّ العلماءَ قسَّموا العطفَ على نوعين أيضاً هما : عطف البيان ، والمطابقة فيه كالمطابقةِ في النعتِ الحقيقي ، وقد ذكرتُ الآياتِ الكريمةَ التي وردت منه في القرآن الكريم ، وأمَّا النوع الثاني فهو : عطف النسق ، وذكرتُ فيه أنَّ المطابقة تكونُ في الإعراب فقط ، مستشهداً بالقرآن الكريم ، ذاكراً أنَّ ظاهرة القطع تكونُ فيه كما كانت في النعت الحقيقي ، ومستشهداً أيضاً بما جاء في القرآن الكريم على هذه الظاهرة .
ثمَّ المبحث الثالث ، وهو : ( المطابقة بين المؤِكِّدِ والموَكَّدِ ) ، وبينتُ أنَّ العلماءَ قسموه على نوعين هما : التوكيد المعنوي ، والمطابقة فيه تكونُ في الإعراب وفي العدد وفي الجنس ، ، وأما في التعريف والتنكير ، فذكرتُ أنَّ التوكيد المعنوي لا يكون إلا في المعارف على الصحيح ، مستشهداً لكل ذلك بالآيات القرآنية الكريمة ، والنوع الثاني هو : التوكيد اللفظي ، والمطابقة فيه تكون في الإعراب فقط ، واستشهدتُ لذلك من القرآن الكريم .(1/3)
وأخيراً المبحث الرابع في هذا الفصل ، وهو : ( المطابقةُ بين البدل والمبدل منه ) ، وبينتُ فيه أنَّ العلماءَ قسَّموهُ على أربعة أقسام : ( بدل مطابق ) و ( بعض من كل ) و ( اشتمال ) ، ( ومباين) ، وبينتُ أنَّ المطابقة تكون في الإعراب ، وهذا جارٍ على كل أنواع البدل ، وأمَّا المطابقة في العدد وفي الجنس ، فلا تكون إلا في البدل المطابق ليس غيرُ ، مستشهداً بالآيات القرآنية الكريمة ، وأمَّا المطابقة في التعريف والتنكير ، فلا تُشترطُ ، إلا أنَّ مجيء كلٍّ من البدلِ والمبدلِ منه معرفتين أو نكرتين ، يُعَدُّ مظهراً من مظاهر المطابقة ، وقد ذكرتُ الآياتِ الكريمةَ في هذا المجال .
ثم الفصل الثالث ، وهو : ( المطابقة بين الضمير ومرجعه ) ، وقسَّمتهُ على أربعة مباحث ، أولها : ( المطابقة بين الضمير ومرجعه في الإفراد ) ، ويشملُ هذا المبحثُ فقرتين : إذا كان الضميرُ مفرداً مذكراً ، وذكرتُ أمثلة المطابقة في القرآن الكريم لما جاء على مثل هذا التركيب ، ثم ذكرتُ الآياتِ التي ظاهرها المخالفةُ ، ذاكراً آراء العلماء فيها ، ومرجحاً بعض الأقوال على بعض ، وسبب ذلك الترجيح ، وأما الفقرة الثانية فهي : إذا كان الضمير مفرداً مؤنثاً ، وفعلتُ فيها ما فعلتُ في سابقتها .
ثانيها : ( المطابقة بين الضمير المثنى ومرجعه ) ، ذكرتُ أمثلة ذلك من القرآن الكريم ، وذكرت ما جاء منه وظاهره المخالفة ، وبينتُ سببه من أقوال العلماء ، ومرجحاً بعض الأقوال على بعض ، ذاكراً سببَ ذلك الترجيح .(1/4)
ثالثها : ( المطابقة بين الضمير الجمع ومرجعه ) ، وهو كالمبحث الأول حيثُ يحوي فقرتين : إذا كان الضميرُ جمعاً مذكراً ، فذكرتُ أمثلة ذلك من القرآن الكريم ، وذكرتُ ما جاء في ظاهره مخالفاً منها ، مبيناً سبب ذلك التخالف من أقوال العلماء ، مرجحاً بين تلك الأقوال ومبيناً سبب ذلك الترجيح ، وأمَّا الفقرة الثانية ، فهي : إذا كان الضميرُ جمعاً مؤنثاً ، وفعلتُ فيها ما فعلتُ في سابقتها
رابعها : ( المطابقةُ بين ضميري الفصل والشأن ومرجعيهما ) ، وقد قسمته على فقرتين ، الاولى في ضمير الفصل ومرجعه ، وتمثلت المطابقة في العدد وفي الجنس وفي الشخص ، مستشهداً لذلك بالآياتِ القرآنية الكريمة ، وأمَّا الفقرةُ الثانية ، ففي ضمير الشأن وما يعود عليه ، وتمثلت المطابقةُ هنا في الجنس وفي الشخص فقط ، وقد ذكرتُ الآياتِ الكريمة في هذا المجال ، ثمَّ اتبعتُ هذه الدراسة بالخاتمة ، وبقائمة المصادر والمراجع والبحوث .
وما كان ليَّ في هذه الرسالةِ من صوابٍ ، فمن الله تعالى ، ثمَّ فضل أُستاذي المشرف الدكتور ( عدنان عبد الكريم جمعة ) وفقه الله للخير ، وما كان من خطأ أو زلل فمن نفسي ومن الشيطان .
واللهُ الموفقُ للصوابِ
الباحثُ -
( التمهيد )
أولاً - المطابقة لغة :(1/5)
يُقصد بلفظ المطابقة في اللغة ، التماثلُ والتساوي ، جاء في اللسان : " وتطابقَ الشيئان تساويا ، والمطابقةُ الموافقة ، والتطابقُ الإتفاق ، وطابقتُ بين الشيئين إذا جعلتُهُما على حذوٍ واحدٍ وألزقتُهُما ، وهذا الشيْ وِفقَ هذا ووفاقهُ وطِباقهُ وطابقهُ وطِبقَهُ وطَبِيقَهُ ومُطبقهُ وقالبهُ ، بمعنىً واحدٍ "(1)، وجاء في تاج العروس : " والمطابقةُ الموافقةُ ، وقد طابقهُ مطابقةً وطباقاً ، وقال الراغبُ : المطابقةُ من الأسماء المتضايفة ، وهو أن يجعلَ الشيء فوق آخرٍ بقدرهِ 000 ( و) من المجاز المطابقةُ ( مشي المقيد ) وهو مقاربةُ الخطو ( و) وهو مأخوذٌ من قولهم : المطابقةُ هو (وضع الفرس رجليه موضع يديه) ، وهو اللاحقُ من الخيل ، وكذلك البعيرُ "(2).
ثانياً - المطابقة اصطلاحاً :
على الرغم من أنَّ هذا المصطلح مستعملٌ متداولٌ عند النحاة ، إلا أنني لم أجد له تعريفاً يخصه ، ومن خلال تتبع هذا المصطلح في كتبهم ، نستطيعُ أن نعرف المطابقة بأنها : مجموعة من العناصر اللغوية التي تؤدي وظائف متماثلة أو متشابهة ، أو تدل على معانٍ نحويةٍ ، كالإعراب من رفعٍ ونصبٍ وجرٍ ، وكالعدد من إفرادٍ وتثنيةٍ وجمعٍ ، وكالتعريف والتنكير ، وكالجنس من تذكير وتأنيث ، وكالشخص من تكلمٍ وخطابٍ وغيبةٍ.
وإننا نلاحظُ هذه الظاهرة في المبتدأ والخبر متمثلة في العدد وفي الجنس وفي التعريف والتنكير ، ونلاحظها في الفعل والفاعل ، وتتمثلُ في العدد وفي الجنس ، ونلاحظها أيضاً في التوابع ، وتتمثل في الإعراب وفي التعريف والتنكير ، وتُوجدُ في الضمائر متمثلة في العدد وفي الجنس وفي الشخص ، وهذه هي أهم الجوانب التركيبة التي يظهر فيها هذا المصطلح في النحو العربي .
__________
(1) لسان العرب ، 10 / 209-210 ، مادة ( طبق ) .
(2) تاج العروس ، 6 / 417 ، فصل ( الطاء مع القاف ) .(1/6)
وكما قلنا إن هذا المصطلح متداولٌ عند النحاة ، فنجدُ - مثلاً- الرضي رحمه اللهُ في شرحه الكافية يقولُ : " قوله : ( فإن طابقت مفرداً جاز الأمران ) أي إن كانت الصفة المذكورة مطابقة للمرفوع بعدها في الإفراد ، جاز الأمران ، لكونها مبتدأ وما بعدها فاعلها ، ولكونها خبراً عمَّا بعدها "(1) ، ويقولُ أيضاً عند الحديث عن ضمير الشأن : " ويُختارُ تأنيث الضمير ؛ لرجوعهِ إلى المؤنثٍ ، أي القصة ، إذا كان في الجملة المفسِّرة مؤنثٌ ؛ لقصد المطابقة ، لا لأن مفسره ذلك المؤنث كقوله تعالى : { فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ } "(2).
ويقولُ الدمامينيُّ : "( و) يجبُ ( أن يكون ) هو ، أي الخبر ( طبق المبتدأ ) في التذكير والتأنيث ، والإفراد والتثنية والجمع ، مدة ( ما أمكن ) ذلك " (3)، وهذه إشارات صريحة لهذا المصطلح ، ولا ننسَ أن كلام النحاة في عدد من الأبواب النحوية ، وإن لم يذكروا فيه لفظ المطابقة ، فإنَّها مقصودة ضمناً ، وذلك نحو حديثهم في التوابع ، يقولُ سيبويه : " واعلمْ أن المعرفة لا تُوصفُ إلا بمعرفةٍ ، كما أن النكرة لا تُوصفُ إلا بنكرةٍ "(4) ، وجاء في كتاب المقتصد : " والبدلُ يُعربُ بإعرابِ المُبدلِ منهُ "(5)، ويقولُ ابنُ هشام : " وحكمُ المعطوفِ أنَّهُ يتبعُ المعطوفَ عليه في أربعةٍ من عشرة ، وهي واحدٌ من الرفعِ والنصب والجر ، وواحدٍ من التعريفِ والتنكيرِ ، وواحدٍ من الإفرادِ والتثنية والجمعِ ، وواحدٌ من التذكير والتأنيثِ "(6).
__________
(1) شرح الرضي على الكافية ، 1 / 228 ، وينظر : المصدر نفسه ، 2 / 360 .
(2) شرح الرضي على الكافية ، 2 / 467 ، والآية من ( الحج / 46 ) .
(3) المنهل الصافي ، 1 / 244 ، وينظر : مغني اللبيب ، 509 ، وشرح ابن عقيل ، 1 / 197 .
(4) الكتاب ، 2 / 302 ، وينظر : الأصول ، 2 / 21-32 ، والمقتصد في شرح الإيضاح ، 2 / 900 .
(5) المقتصد في شرح الإيضاح ، 2 / 929 .
(6) شرح شذور الذهب ، 380.(1/7)
ولا يخفى أنَّ هذا المصطلحَ متداولٌ عند البلاغيين والمناطقة ، فنجدُ البلاغيين يستعملونه بمعنى الجمع بين المتضادين ، فهم يُعرفون علم البديع بقولهم : " وهو علمٌ يُعرفُ به وجوه تحسين الكلامِ "(1) ، ومن هذه الوجوه " ( المطابقة ، وتسمى الطباق والتضاد أيضاً ، وهي الجمعُ بين المتضادين ، أي معنيين متقابلين في الجملة ) أي يكونُ بينها تقابلٌ ولو في بعض الصور 000 ويكون ذلك الجمعُ ( بلفظين من نوع ) واحدٍ من أنواع الكلمة ، اسمين ، نحو : { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ } (2) ، أو فعلين ، نحو : { يُحْيِي وَيُمِيتُ } (3)، أو حرفين ، نحو : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } (4) "(5) .
ونجدُ المناطقة يستعملون المصطلح أيضاً ، وذلك في حديثهم عن دلالة الألفاظ ، فيقسمون الدلالة على ثلاثة أقسام : مطابقة ، وتضمن ، والتزام ، يقول الأخضيري في السلم :
"دَلالةُ اللفظِ على ما وافقه يدعونها دلالة المُطابقة
وجزئهِ تضمناً وما لَزِمْ فهو التزامٌ إنْ بعقلٍ أُلتِزمْ "(6).
ويُعرفُ شارحُ هذا المتن دلالةَ المطابقةِ بقوله : " هي دلالة اللفظِ على تمام المعنى ، أي اللفظُ مطابقٌ للمعنى تماماً ، مثل وضع لفظ ( زيد ) على جميع أجزاء جسمه ، ومثل لفظ
( بيت ) على جميع جدرانه وسقفه ، ومثل ( إنسان ) على الحيوان الناطق "(7) .
ونحنُ في دراستنا هذه نبتعدُ عن هذين المعنيين الأخيرين .
الفصل الأول
المطابقة بين المسند وبين المسند إليه
بسم الله الرحمن الرحيم
__________
(1) مختصر المعاني ، 265 .
(2) الكهف / 18 ) .
(3) البقرة / 258 ) .
(4) البقرة / 286 ) .
(5) مختصر المعاني ، 265 .
(6) الشرح الواضح المنسق لنظم السلم المرونق ، 12 .
(7) المصدر نفسه ، 12 .(1/8)
الجملةَ بناءٌ لغويٌ مستقلٌ، وهي أكبرُ الوحداتِ اللغويةِ في الكلامِ ، والعنصرُ الأساس فيه، ومن خلالها نكتسبُ اللغةَ ، وبها نتواصل مع الآخرين (1)، فهي كائنٌ لغويٌّ حيُّ ، ولكل كائنٍ روحٌ ، وروحُ الجملةِ الإسنادُ .
والإسنادُ في حقيقة أمره نسبةٌ تفيد فائدة ، يقول الرضي : " والمراد بالإسناد أن يُخبر في الحال أو في الأصل بكلمة أو أكثر عن أُخرى ، على أن يكون المُخبر عنه أهم ما يُخبر عنه بذلك الخبر في الذكر وأخص به "(2).
وطرفا الإسناد معروفان ، مسند إليه ومسند ،والإسناد هو العلاقة النحوية الرابطة بينهما ، وهو بدوره يمثل البناءَ النحوي للجملة ، والتي تتكون من ركنين نحويين هما : المبتدأ والخبر في الجملة الاسمية ، والفعل والفاعل في الجملة الفعلية ، يقول سيبويه : " ( باب المسند والمسند إليه ) ، وهما ما لا يَغنى واحد منهما عن الآخر ولا يجد المتكلمُ منه بُداً "(3)
إن من أبرز العلاقات بين المسند والمسند إليه ، المطابقةَ ، وتتمثل في الجنس من تذكير وتأنيث ، وفي العدد من إفراد وتثنية وجمع ، وفي التعريف والتنكير ، هذا في المبتدأ والخبر ، أما المطابقة بين الفعل والفاعل فتتمثل في الجنس وفي العدد فقط .
المبحث الأول
المطابقة بين المبتدأ وبين الخبر :
اشترطَ النحاةُ التطابقَ بين المبتدأ والخبر في الجنس والعدد ، ولم يشترطوا ذلك في التعريف والتنكير ، إذ قد يتفقان ، وقد يختلفان ، وهو الأصل كما سيجيء .
يقول الدماميني : " (و) يجب (أن يكون) هو ، أي الخبر (طبق المبتدأ) في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع مدة ( ما أمكن) ذلك "(4).
والمبتدأ في العربية على ضربين :
__________
(1) ينظر اللغة ،فندريس ، 101.
(2) شرح الرضي على الكافية ،1/31، وينظر ، مفتاح العلوم ، 141.
(3) الكتاب ، 1/23 ، وينظر ، المقتضب ، 4/126.
(4) 1 المنهل الصافي في شرح الوافي ، 1/244 .(1/9)
الأول منهما : مبتدأ يتبعه خبرٌ ، والثاني : مبتدأ له فاعلٌ يسد مسد الخبر ، وغالباً ما يكون هذا المبتدأ مسبوقاً بنفي أو استفهام .
يقول ابنُ الحاجب " فالمبتدأ هو الاسمُ المجردُ عن العوامل اللفظية مسنداً إليه ، أو الصفةُ الواقعةُ بعد حرف النفي وألف الإستفهام ، رافعةً لظاهر ، مثل (زيدٌ قائمٌ) و(ما قائمٌ الزيدانِ) و (أقائمٌ الزيدان) ".(1)
وجاء في شرح شذور الذهب : " وأقول الثالث من المرفوعات المبتدأ ، وهو نوعان : مبتدأ له خبر ، وهو الغالب ، ومبتدأ ليس له خبر ، لكن له مرفوع يغني عن الخبر " (2).
وقد ورد المبتدأ والخبر في القرآن الكريم من النوع الأول بكثرة ، أما النوع الثاني ، فقد وردت منه آيات معدودة ، وإن النظم القرآني قد حافظ على المطابقة بين المبتدأ وخبره في أغلب الآيات القرآنية ، إلا في مواطن محددة جاء ظاهرها عدم التطابق ، ولهذا أسبابهُ وغايتهُ البيانية .
وإننا لو رجعنا إلى تأويل مثل هذه الآيات ، لوجدناها جاريةً على أُسلوب المطابقة بين المبتدأ والخبر .
أولاً : المبتدأ الذي له خبر:
والمطابقة في هذا النوع كما يأتي :
أ- المطابقة في الإفراد، تذكيراً وتأنيثاً .
ب- المطابقة في التثنية، تذكيراً وتأنيثاً .
ج- المطابقة في الجمع، تذكيراً وتأنيثاً .
د-المطابقة في التعريف والتنكير .
أ- المطابقةُ في الإفراد، تذكيراً وتأنيثاً :
1- المبتدأ مفردٌ مذكرٌ والخبرُ مفردٌ مذكرٌ :
__________
(1) 2 شرح الرضي على الكافية ، 1/223 .
(2) 3 شرح شذور الذهب ، 180 .(1/10)
وقد ورد بكثرةٍ في القرآن الكريم ، فمن ذلك قوله تعالى { : ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ } (البقرة:2) ، وقوله تعالى : { ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } (آل عمران:14) ، وقوله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ } (النساء:125) ، وقوله تعالى : { وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } (الأعراف:68) ، وقوله تعالى : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه } (الفتح:29) ، وغير ذلك كثير(1) ، فنحن نلاحظ أن الخبر قد جاء مطابقاً للمبتدأ إفراداً وتذكيراً .
ما ظاهرهُ عدم المطابقة :
قد ورد في القرآن الكريم ما ظاهره عدم المطابقة بين المبتدأ والخبر في الإفراد والتذكير ، وبالرجوع إلى تأويل مثل هذه الآيات لا نجد إشكالاً فيها من حيثُ المطابقة وذلك في قوله تعالى : { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } (الأعراف:203) وقوله تعالى : { هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } (الجاثية:20) ، فقد أخبر عن اسم الإشارة المفرد المذكر ( هَذَا ) ، بجمعٍ مؤنث ( بَصَائِر) ، وتأويل ذلك : لما كان القرآن يحوي سوراً وآياتٍ وبراهينَ كثيرة ؛ فإن معناه الجمع ؛ ولذلك جاز الإخبار عنه بالجمع .
__________
(1) 1 ينظر : ( البقرة / 19 ) ، (النساء /70 ) ، ( الأنفال / 41 )(1/11)
يقول أبو حيان : " { هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ } ،أي هذا الموحى إليَّ الذي أنا أتبعه لا أبتدعه ، وهو القرآنُ ،(بصائر)، أي حججٌ وبيناتٌ يُبصر بها وتتضح الأشياءُ الخفياتُ ، وهو جمع بصيرة كقوله : { عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي } أي على أمرٍ جليٍّ منكشفٍ ، وأخبر عن الجمع بمفردٍ لاشتماله على سورٍ وآياتٍ "(1)،فجعل تلك السور والآيات وما تحويه من البراهين والدلائل والأحكام ، بمنزلة البصائر في القلوب .(2)
أو يكون على حذف مضافٍ والتقدير: هذا – أي القرآن – ذو بصائر ،وبهذا تتم المطابقة (3)، وقد قرئ (هذه بصائر) (4).
وقال تعالى: { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ } (العنكبوت:49 ) ، فقد اخبر عن الضمير المفرد المذكر (هو) ،بجمع مؤنث (أيآت) ، وأُختلف في هذا الضمير ، أيرجعُ إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، أم إلى القرآن الكريم ؟ قولان :
الأول : ذهب ابنُ عباس وقتادةُ إلى أن الضميرَ يرجعُ إلى المصطفى- صلى الله عليه وسلم - 5 ، ويكون التقدير " بل محمدٌ آياتٌ بيناتٌ ، أي ذو آياتٍ بيناتٍ "6 ، وبهذا تتم المطابقةُ بين المبتدأ والخبر.
__________
(1) 1 البحر المحيط، 5/261،والآية من ( يوسف / 108 ) ، وينظر : أضواء البيان،7/201-202 .
(2) 2 ينظر : فتح القدير ، 5/8 .
(3) 3 ينظر : البحر المحيط ، 5/261 .
(4) 4 ينظر : الكشاف ،3/114 ، و الجامع لأحكام القرآن ،16/165 ، والبحر المحيط ،9/419.
5 ينظر : جامع البيان ، 21/5 ، و زاد المسير ، 6/278 ، والجامع لأحكام القرآن ، 13/354
6 زاد المسير ،6/278 .(1/12)
أما القول الآخر ، فيرى أن الضمير يرجع إلى القرآن الكريم ، جاء في معاني القرآن : " { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَات } ، يريد القرآن " (1) ، وهو الراجحُ ، حيثُ يقول الفراءُ " ثم قال : (بل هو آياتٌ بيناتٌ) ، يريد القرآن ، وفي قراءة عبد الله (بل هي آيات) "(2)، ويكون المعنى : بل آيات القرآن آيات بينات (3)، والمطابقة تتم أيضاً في هذا المعنى ،ومما يؤيد أن المراد بهذا الضمير القرآن الكريم ، ورود لفظ (الكتاب) في خمس آيات من هذه السورة ، فضلاً عن ورود لفظ (الآيات) في أربع آيات من السورة نفسها (4).
واستعمالُ ضمير المفرد المذكر (هو) ، في غير قراءة عبد الله بن مسعود ، وإن كان المشار إليه آيات القرآن ، دلالةٌ على عظم هذه الآيات ، وزيادة في علُوِّ شأنها ومكانتها .
__________
(1) معاني القرآن ، الفراء ،2/317 .
(2) المصدر نفسه ،2/317 ،وينظر روح المعاني ،21/6 ،ويقصد عبد الله بن مسعود ،ينظر: فتح القدير ، 4/207 .
(3) ينظر: معاني القرآن ، الفراء ،2/317،و زاد المسير ،6/278 ،و الجامع للأحكام القرآن ،13/354 ،و فتح القدير ،4/207.
(4) ينظر :سورة العنكبوت ،الآيات (45-46-47-48-51) حيثُ ورد لفظ (الكتاب) ، أما لفظ (الآيات) فينظر الآيات (23-24-49-50) من السورة نفسها .(1/13)
وقال تعالى { وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } (ص:58) ، فقد أخبر عن المفرد المذكر (آخر) ،بجمعٍ مذكر (أزواج) ،وجاز هذا ؛ لأن معنى (آخر) ،المصدر فقد قال تعالى : { هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ - وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } (صّ:57-58) ، أي ولنعذبهم عذاباً آخر" وإذا كان المعنى للفعل خُبِّر عن الواحد باثنين وجماعة كما تقول عذاب فلان ضربان وعذابه ضروبٌ شتى "(1)، أو جاز ذلك لأن العذاب متعدد ؛ فسمى " كل جزءٍ من ذلك الآخر باسم الكل "(2) ، وقد قرأ الحسنُ ومجاهد والجحدريُّ وابنُ جُبير وعيسى وأبو عمرو (أُخر) على الجمع (3)، وبكلا القراءتين ومعنييهما تتم المطابقةُ بين المبتدأ والخبر .
وقال تعالى : { بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } (القيامة:14) ، فقد أنَّثَ الخبر المفرد (بصيرة) ، مع تذكير المبتدأ المفرد (الإنسان) ، وقد ورد لفظ (الإنسان) في القرآن الكريم خمساً وأربعين مرةً ، لا يوجد في أيِّ موضع من تلك المواضع ما يشير إلى تأنيثه ، ومن ذلك - على سبيل المثال- قوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ } (يونس:12) ، وقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ } (يّس:77) .
__________
(1) معاني القرآن الكريم ، النحاس ، 6/130-131 .
(2) البحر المحيط ، 9/168 .
(3) ينظر : المصدر نفسه ،9/169 ،ونسب الفراء هذه القراءة إلى مجاهد فقط ، ينظر: معاني القرآن ، الفراء ، 2/410-411 ، وقد تفاوتت نسبة هذه القراءة بين العلماء ،فبعضهم ينسبها إلى جماعة ، وبعضهم ينسبها إلى اثنين، وبعضهم ينسبها إلى واحد ، ينظر= = تفصيل ذلك : السبعة في القراءات ،58 ، و معاني القرآن الكريم ، النحاس ، 6/130 ، والحجة في القراءات السبع ، 1/306 ،وحجة القراءات ،1/615 .(1/14)
والسبب في هذا التأنيث يرجعُ إلى الحمل على المعنى ، فالبصيرة بمعنى شاهد ، وهو شهود الجوارح ، وهذا تفسير ابن عباس ومجاهد(1)، فاللهُ تعالى يقول : { يَوْمَ تَشْهد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (النور:24) ، ويقول أيضاً : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } (يّس:65) .
أو إنَّ الهاء دخلت للمبالغة ، كقولنا : (زيدٌ علامةٌ) 2، ووجه ثالث وهو : " لما كان معناه حجة على نفسه ؛ دخلت لتأنيث الحجة "3 ، ومن خلال هذا التأويل تتم المطابقة بين المبتدأ والخبر تذكيراً وتأنيثاً .
2- المبتدأ مفرد مؤنث والخبر مفرد مؤنث :
فلا يخبرعن المفرد المؤنث بمفردٍ مذكرٍ ، أو مثنىً أو جمعٍ مذكرٍ أو مؤنثٍ 4 .
إنَّ ورودَ المبتدأ والخبر مفردين مؤنثين في القرآن الكريم أقلُّ من ورودهما مفردين مذكرين ، فمن ذلك قولُه تعالى : { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا } (البقرة:259) ، وقوله تعالى : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ } (آل عمران:13) ، وقوله تعالى : { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ } (المائدة:75) ، وغير ذلك (2).
ما ظاهره عدم المطابقة :
__________
(1) 1 ينظر: الجامع لأحكام القرآن،19/99 ،و تفسير النسفي ،4/314 ،و البحر المحيط ، 10/347 .
2ينظر : تفسير النسفي ،4/314 ،والبحر المحيط ،10/347 .
3مشكل إعراب القرآن ،2/778 ، والضمير في (دخلت) يقصد به الهاء من (بصيرة) .
4ينظر : المنهل الصافي ، 1/244.
(2) ينظر : ( هود / 64 ) ، و ( طه / 20 ) ، و ( الصافات / 19 ) .(1/15)
ورد في بعض المواطن في القرآن الكريم ما ظاهره المخالفة بين المبتدأ والخبر، قال تعالى : { قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِر } (آل عمران:40)(1) ، فقد أخبر عن
المفرد المؤثث (امرأتي) ، بمفرد مذكر (عاقر) ، والقول في هذه الآية من وجهين :
الأول : إن لفظ (عاقر) من الألفاظ التي يستوي فيها المذكرُ والمؤنثُ على حدٍ سواء ، فنقول : (رجلٌ عاقرٌ) ، و (امرأةٌ عاقرٌ) .(2)
الآخر : حملُ الآية على النسبِ ، فعاقرٌ أي ذاتُ عقر، ومعناه مفعول أي معقورة ،(3) " وإنما قيل عاقر ؛ لأنه يراد بها ذات عقر على النسب ، ولو كان على الفعل لقال : عقرت ، فهي عقيرة ، كأن بها عقراً أي : كبراً من السن يمنعها من الولد "(4) ، وبهذا تتم المطابقة بين المبتدأ والخبر إفراداً وتأنيثاً .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم } (المائدة:106) ، فأخبر عن المبتدأ المفرد المؤنث (شهادة ) ، بمثنىً مذكر (اثنان) ، وتُحمل
هذه الآيةُ على حذف مضاف من (اثنان) ، والتقدير : شهادة بينكم شهادة اثنين،(5) يقول أبو حيان :" واحتِيجَ إلى الحذف ليطابق المبتدأُ الخبرَ"(6) .
__________
(1) ورد لفظ (عاقر) في القرآن الكريم ثلاث مرات ، أولها ما ذكرناه ،وثانيها وثالثها في سورة مريم ، ينظر : (مريم /5 و 8)
(2) ينظر : زاد المسير ، 1/385 .
(3) ينظر التبيان في إعراب القرآن ، 1/133 .
(4) الجامع لأحكام القرآن ، 4/79 ، وينظر : مشكل إعراب القرآن ، 1/158 .
(5) ينظر : الكشاف ، 1/487 ،و تفسير النسفي ، 1/306 ،وتفسير القرآن العظيم ، 2/112 ، والبحر المحيط ، 4/390 ، وإرشاد العقل السليم، 3/88 .
(6) البحر المحيط ، 4/390 .(1/16)
ويقول الألوسي : " وأُلتُزِمَ ذلك ليتصادقَ المبتدأُ والخبرُ "(1)، وهناك رأيٌّ يقولُ : إن (اثنان) ، مرتفع على الفاعلية ، والتقدير : ليشهد اثنان .(2)
وقال تعالى : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } (يّس:78) ، فقد أخبر عن المفرد المؤنث (هي) ، بمفرد مذكر (رميم) ، ولم يقل (رميمة) ، والقول في هذه الآية من ثلاثة أوجه :
الأول :
إن لفظ (رميم) على وزن فعيل ، وهذا الوزن يستوي فيه المذكرُ والمؤنثُ ، والمفردُ والمثنى والجمعُ ، جاء في لسان العرب ، " إنما قال تعالى ( وهي رميم ) ؛ لان فعيلاً وفعولاً قد استوى فيهما المؤنثُ والمذكرُ والجمعُ ، مثل : رسول وعدو وصديق " (3) ، ويقول الشوكاني : " والأولى أن يقال فيه أنه فعيل بمعنى فاعل أو مفعول ، وهو يستوي فيه المذكرُ والمؤنثُ كما قيل في جريح وصبور "(4) .الثاني :
إن لفظ (رميم) معدول عن (رميمة) ، أي معدول عن (فاعلة) ، " وإنما قال رميم ولم يقل (رميمة) ؛ لأنها معدولة عن (فاعلة) ، وما كان معدولاً عن وجهه ووزنه ، كان مصروفاً عن
إعرابه ، كقوله تعالى : { وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } ، أسقط الهاءَ ؛ لأنها مصروفةٌ عن باغيةٍ " (5)
الثالث :
حَملُ الآية على المعنى ، فـ (رميم) بمعنى (بالية) ، يقول القرطبي :" { قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ
__________
(1) روح المعاني ، 7/47 .
(2) ينظر : معاني القرآن ، الفراء ، 1/323 ، والكشاف ، 1/487 ، والبحر المحيط ، 4/390 .
(3) لسان العرب ، 12/253 ، مادة (رمم) ، وينظر : مختار الصحاح ،1/108 ، مادة (رمم) .
(4) فتح القدير ، 4/383 .
(5) الجامع لأحكام القرآن ، 15/58 ، وينظر البرهان في علوم القرآن ، 3/363 ، وفتح القدير ، 4/383 ، والآية من (مريم / 28).(1/17)
وَهِيَ رَمِيمٌ } ، أي باليةٌ ، رمَّ العظمُ فهو رميمٌ ورمامُ "(1)، وهو الذي أراهُ ؛ فإن العدولَ عن لفظٍ إلى آخرَ في القرآن الكريم ، لا يكون إلا لغاية جمالية ، فلو رجعنا إلى تفسير هذه الآية ، لوجدناها قد نزلت في أحد المعاندين والمنكرين للبعث ، فقد أتى اُبيُّ بنُ أبي خلفٍ إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، وفي يده عظمٌ قد بلى ، فقال للنبي : " أترى الله يحيي هذا بعدما رمَّ ؟ فقال- صلى الله عليه وسلم - : نعم ، ويبعثكَ ويدخلكَ النار"(2) .
فنحن نلاحظ أن هذا الكافر أراد أن يستنكر قدرة الله تعالى على البعث والنشور ، فجاء بعظم قد أبلته السنون ، عادلاً في خطابه للمصطفى- صلى الله عليه وسلم - ، عن استعمال لفظ (بالية) - مثلاً - إلى لفظ (رميم) ، تأكيداً وإنكاراً منه على أن لا مجال لإحياء الموتى من هذه العظام التي أهلكها مرُّ الليالي والأيام ، وهذا المعنى لا يمكن لأي لفظة أُخرى أن تؤديه ، فقد تكرر فيها صوت (الميم)، وهو من الأصوات المتوسطة بين الشدة والرخاوة ، والذي يحدث حفيفاً عند النطق به وهذا الحفيف يُقرب هذه الأصوات من الأصوات الرخوة (3)، وكل هذه الصفات تُناسب الهلاك الذي أصاب هذه العظام ، فاللفظة مختارة بدقة من بين عدد من الألفاظ ، فحتم هذا الاختيار دقةََ معنى الجملة ، والمناسبةَ مع السياق العام (4) .
وقال تعالى : { السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } (المزمل:18) ، فقال :( منفطر) ولم يقل :(منفطرة) .
والقول في هذه الآية من أربعة أوجه :
الأول :
إن لفظ (السماء) يذكر ويؤنث ، يقول الفراء : " وقوله عز وجلَّ { :السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ } ، بذلك اليوم ، والسماء تُذكر وتؤنث ، فهي ها هنا في وجه التذكير ، قال الشاعر :
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن ، 15/58 .
(2) تفسير البيضاوي ، 4/443 .
(3) ينظر : الأصوات اللغوية ، 45-46 .
(4) ينظر : الإعجاز الفني في القرآن ، 75 .(1/18)
فَلَو رَفَعَ السَّمَاءُ إلَيهِ قَومَاً لَحقنا بالنُجُومِ مَعَ السَحَابِ "(1)
الثاني :
حملها على النسب ، أي ذاتُ انفطار .(2)
الثالث :
إنَّ السماءَ بمعنى السقف ، يقول الزمخشريُّ : " أو على تأويل السماء بالسقف "(3) ،
ونسب القرطبي هذا القول إلى أبى عمرو بن العلاء " وقال أبو عمرو بن العلاء : لم يقل منفطرة لان مجازها السقف ، تقول : هذا سماء البيت … وفي التنزيل : { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً } "(4).
الرابع :
جَعلُ (منفطرة) بمعنى (متشققة) ، يقول القرطبي : " قوله تعالى { : السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِه } ،
أي متشققة لشدته "(5) ، ونؤيدُ ذلك ؛ فإن استعمال (منفطر) بدلاً من (متشققة) أدلُّ على شدة ذلك اليوم الذي يجعل الولدان شيباً ، يومٌ يذهل المرضعة عما أرضعت ، وتضع فيه ولهوله كلُّ ذات حملٍ حملَها ،وتشخص فيه الأبصارُ وتبلغ القلوبُ الحناجرَ،فهو يومٌ عصيبٌ شديدٌ ، يحتاج إلى لفظ يدل على شدة هوله وعظمته ،فاستخدامُ هذا اللفظ بصيغة التذكير يجعل دلالةَ المعنى أقوى وأشد رهبةً في نفس السامع ، مما لو استخدم لفظاً مؤنثاً.
ب- المطابقة في التثنية ، تذكيراً وتأنيثاً :
__________
(1) معاني القرآن ، الفراء ،3/199 .والبيت للفرزدق ، وفي ديوانه : ( ولو رفعَ الإلهُ إليهِ قوماً لحقنا بالسماء مع السحاب )
، شرح ديوان الفرزدق ، 1 / 165 ، قصيدة رقم / 77 .
(2) ينظر : الكشاف ،3/283 ، والتبيان في إعراب القرآن ، 2/272 .
(3) الكشاف ، 3/ 283 .
(4) الجامع لأحكام القرآن ، 19/51، وينظر : التبيان في إعراب القرآن ، 2/272 ،وتفسير البيضاوي ،5/408 ، والآية من ( الأنبياء/ 32 ).
(5) الجامع لأحكام القرآن ، 19/50 .(1/19)
كما ذكرنا سابقاً ، إنَّ المبتدأ والخبر لا بُدَّ لهما من التطابق في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، فكما لا يُخبر عن المفرد - مذكره و مؤنثه - إلا بما يُطابقهُ ، فلا يُخبر عن المثنى – مُذكرهِ ومؤنثهِ – إلا بما يُطابقه .(1)
لو تتبعنا مجئ المثنى في القرآن الكريم ، مبتدأ وخبراً ، لوجدناه قليل الورود ، وبالرغم من هذه القلة ، ورد ما ظاهره عدم التطابق بين المبتدأ والخبر ، لكن هذا لا يقودنا إلى القول إنَّ صيغة المثنى مترددة وغير ثابتة ، أو أنها داخلة في حيز الجمع (2)، فالآيات التي ظاهرها عدمُ التطابق ، سواء في باب المبتدأ والخبر أو في باب الفعل والفاعل ، تحتمل التأويل ، ولم يكن هذا الخروج إلا لجمال النص والدعوة إلى التفكر فيه .
ومن مجئ كلٍّ من المبتدأ والخبر مثنىً مذكراً ، قوله تعالى : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا } (المائدة:107) ، وقوله تعالى { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ } (الحج:19) ، وقوله تعالى : { قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } (القصص:48) .
فنحن نلاحظ أن المطابقة قد تمت بين المبتدأ والخبر ، وإن جاء الخبر في أغلبها فعلاً مسنداً إلى ألف الاثنين ، أما مثال المبتدأ والخبر المثنى المؤنث ، فنحو قوله تعالى : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } (المائدة:64) .
ما ظاهره عدم المطابقة :
__________
(1) ينظر : ص ( 9 ) من البحث .
(2) ينظر : دراسات في اللغة ،إبراهيم السامرائي ، 66 .(1/20)
وقد جاء موطنٌ واحدٌ ظاهره أنه مخالفة بين المبتدأ وخبره المثنى المؤنث ، وذلك في قوله تعالى : { كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا } (الكهف:33) ،فقال (آتت) ، ولم يقل (آتتا) مطابقة للمبتدأ (كلتا) ، ويعلل العلماءُ هذا ، بأن (كلتا) وإن كانت تدل على مثنىً مؤنث ، إلا أن لفظها مفردٌ، فقد جاء الخبرُ مفرداً حملاً على لفظ (كلتا) ، يقول العكبريُّ : " (كلتا الجنتين) ، مبتدأ ، و (آتت) خبرهُ ، وأفرد الضميرَ حملاً على لفظ (كلتا) "(1).
أو إن هذه التثنية ليست مقصودة حقيقةً ، وإنما المرادُ أن لهذه الجنة وجهين ، فإذا نظرتَ يميناً أو شمالاً رأيتَ في كلتا الناحيتين ما تقرُّ به عينُكَ و يملأ قلبَكَ بهجةً و مسرَّةً ، فالإخبارُ في حقيقتهِ يعودُ إلى مفرد مؤنث وهو الجنة(2)، فما أعظمَ هذا الإعجاز ، ودقة الاختيار ، فلا يصلح لهذا المعنى إلا ما اختاره القرآنُ العظيمُ له .
ج- المطابقة بين المبتدأ والخبر في الجمع تذكيراً وتأنيثاً :
1– المبتدأ جمع مذكر والخبر جمع مذكر :
ورد المبتدأ والخبر جمعاً مذكراً بكثرة في القرآن الكريم ، وفي كلِّ مواطن وروده قد تمت المطابقةُ ، إلا في مواطنَ معدودةٍ ، جاء الخبرُ فيها مخالفاً للمبتدأ ، وذلك لأسباب نعرفها في مواطنها .
__________
(1) التبيان في إعراب القرآن ، 2/103 ، وينظر : تفسير البيضاوي ، 3/ 496 ، والإتقان ، 1/494 .
(2) ينظر : البرهان في علوم القرآن ، 3/5 .(1/21)
فمثال المطابقة قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } (البقرة:11) ،وقوله تعالى : { وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } (النساء: 18) ، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } (المائدة:1) ، وقوله تعالى : { سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ } (الأعراف:193) ، وغير ذلك (1).
ما ظاهره عدم المطابقة :
وذلك نحو قوله تعالى : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } (التوبة:28) ، فقد اخبر عن الجمع المذكر (المشركون) ، بمفرد مذكر (نجس) ، ولم يقل (أنجاس) مثلاً .
إنَّ سببَ إفراد الخبر ، راجعٌ إلى كون (نجس) مصدراً ، والمصادرُ لا تُثنى ولا تجمع ، بل هي مفردةٌ على كلِّ حالٍ ، يقول البغوي : " وهومصدرٌ يستوي فيه الذكرُ والأُنثى ، والتثنية والجمعُ "(2)، ويقول القرطبي : " يٌقال: (رجلٌ نَجَسٌ) و(امرأةٌ نَجَسٌ) ، و(رجلان نَجَسٌ) و(امرأتان نَجَسٌ) ، و(رجالٌ نَجَسٌ) و(نساءٌ نَجَسٌ) ، لايُثنى ولا يُجمع ؛ لأنه مصدرٌ "(3) .
__________
(1) ينظر : (البقرة /243) ، و (النساء /43) ، و(المائدة /10)
(2) معالم التنزيل ، 2/281 ، و(هو) يقصد به المصدر (نجس) .
(3) الجامع لأحكام القرآن ، 8/105 .(1/22)
إنَّ العدول عن لفظ (أنجاس) وغيره من الألفاظ التي تدل على قبح المشركين ، إلى لفظ المصدر (نَجَسٌ) ، جاء ليقرر معنىً خاصاً وفريداً ، ألا وهو أن المشركين هم النجاسة عينها .(1)
وقال تعالى : { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } (إبراهيم:43) ، فلم يتاطبق المبتدأ (أفئدتهم) مع خبره (هواء) .
والقول في هذه الآية من وجهين :
الأول:
حملُ الآية على المعنى ، فالمقصود بـ (هواء) أنها فارغةٌ وخربةٌ وخاويةٌ ، يقول العكبريُّ :
" فإن قيل كيف أفرد هواء وهو خبر لجمع ، قيل لما كان معنى (هواء) ها هنا فارغة متخرقة ، أفرد ، كما يجوز إفراد فارغة ؛ لأن تاء التأنيث فيها تدل على تأنيث الجمع الذي في أفئدتهم ، ومثله (أحوالٌ صعبةٌ ، وأفعالٌ فاسدةٌ) ، وغير ذلك . " 1
الآخر :
إنَّ الهواءَ مصدرٌ ، وكما قلنا إن المصادرَ مفردةٌ في كلِّ حالٍ ، ولا يخفى ما في هذا الرأي من بلاغةٍ وروعةٍ ودقةٍ في التعبيرِ ، فقد جعل القلوبَ هي عين الهواء ؛ لشدة حيرتها وذهولها من فزعِ ذلك اليوم العظيم ، فهي مضطربةٌ جائشةٌ في صدور المجرمين ، " وإنها تجئ وتذهب وتبلغ على ما رُوي ، حناجرَهم فهي في ذلك كالهواء الذي هو أبداً في اضطرابٍ "2.
وما كان الخروج عن المطابقة في هذه المواطنِ ، إلا زيادةَ بلاغةٍ وإبداعٍ في النصِ القرآنيِّ .
2- المبتدأ جمعٌ مؤنثٌ والخبرُ جمعٌ مؤنثٌ :
وهو قليلُ الورود في القرآنِ الكريمِ ، وقد طابق الخبرُ المبتدأ في كلِّ مواضع الورود ، إلا في موضعٍ واحدٍ .
__________
(1) ينظر : الكشاف ، 2/34 ، وتفسير النسفي ، 2/122 ، والبحر المحيط ، 5/397-398 ،وإرشاد العقل السليم ، 4/57 .
1 التبيان في إعراب القرآن ، 2/70 ، وينظر : روح العاني ،13/452 .
2 البحر المحيط ، 6/452
3 ينظر : (الكهف / 59) ، و(النمل / 52) ، و( الأحزاب / 6) .(1/23)
فمثالُ المطابقة قولُه تعالى : { ألر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ } (يونس:1) ، وقوله تعالى : { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ } (يوسف:1) ، وغير ذلك3.
ما ظاهره عدم المطابقة :
أما الموطنُ الذي لم تتم فيه المطابقةُ ، فهو قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ } (آل عمران:7) ، فقد أخبر عن الجمع المؤنث (هنَّ) ، بمفرد مؤنث (أمُّ) .
والحديث في هذه الآية من ثلاثة أوجه : -
أولها :
أراد بهذا التعبير أنَّ الآياتِ تُعدَّ آيةً واحدةً ، أي أنَّ آياتِ القرآن عبارة عن معجزة واحدة ، فالآيات كأنها آية واحدة في بلاغتها ودقة نظمها وإعجازها ، فأفرد على هذا المعنى (1).
ثانيها :
الاكتفاء بالمفرد عن الجمع " كما قال علقمة الفحل :
بِهَا جِيَفُ الحَسَرى فأمَّا عِظَامُهَا فَبِيضٌ وأمَّا جِلدُها فَصَلِيبُ .
إنما يريد جلودها فوحد ؛ لأنه قد عُلم أنَّه لا يكون للجماعةِ جلدٌ . "(2)
ثالثها :
إنَّ كلَّ آيةٍ من آياتِ القرآن الكريم أُمُّ الكتابِ ، " كما قال الله تعالى : { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ } ، أي فاجلدوا كُلَّ واحد منهم "(3)
__________
(1) ينظر : معالم التنزيل ، 1/278 ، والتبيان في إعراب القرآن ، 1/124 ، وإرشاد العقل السليم ، 2/7 ، وروح المعاني ، 3/180 .
(2) الجامع لأحكام القرآن ، 1/190 ، والبيت لعلقمة الفحل من قصيدة له يمدح فيها الحارث بن جبلة ، وكان أسر أخاه ،ويصف في هذا البيت طريقه التي سلكها إلى ممدوحه ،و(الحسرى) هي (المُعيِيَة) من الإبل ، يتركها أهلُها في السفر فتموت ، ووصف عظامها بالبيض ؛ لأن السباع والطير أكلت لحمها فتركت عظامها متعرية ، و(الصليب) ، اليابس من الجلد الذي لم يُدبغ . ينظر ديوان علقمة الفحل ،40 – 41 ، و الكتاب ، 1/209 ، و المقتضب ، 2/173 .
(3) إرشاد العقل السليم ، 2/7 ، والآية من سورة (النور/ 4) .(1/24)
والوجه الأول أولى ؛ لقوة بلاغته ، فإن البارئَ عزَّ وجلَّ قد عدل عن لفظ (أُمهات) إلى لفظ (أُمُّ) ؛ ليبين أنَّ آيات القرآن كلها تعدل آيةً واحدةً ، فعلى الرغم من أنَّ كُلَّ آياتِ الكتابِ مُعجَزَةٌ ، لم يستطعْ العربُ أن يقاربوا إعجازها ، فكيف يأتوا بمثلها ؟ وكيف إذا كان كُلُّ هذا يعدل آيةً واحدةً ؟ فالمسألة أصعبُ ، والتحدي أكبرُ .
د- المطابقة بين المبتدأ والخبر تعريفاً وتنكيراً :
لا تُشترطُ المطابقةُ في التعريف والتنكير بين المبتدأ والخبر ، وكما هو معروف ، إنَّ غايةَ الكلام وهدفَه إفهامُ السامع ما يجهلُ ، وإعلامه به ، فإنه يتحتم على المتكلم في أغلب الأحوال أنَّ يبدأ كلامَه بما يعرفهُ السامعُ ويفهمهُ ، وهذا لا يكون إلا بالمعرفة أو ما يُجاريها .(1)
والأصلُ في باب المبتدأ والخبر أنَّ يُبتدأ بالمعرفة ، ويُخبر عنها بالنكرة ، فـ " الابتداء إنما هو خبرٌ ، وأحسنه إذا اجتمع نكرةٌ ومعرفةٌ أنَّ يُبتدأ بالأعرف ، وهو أصلُ الكلام "(2)
يقول المبردُ : " فأما المبتدأ فلا يكون إلا معرفةً أو ما قاربَ المعرفةََ من النكرات ، ألا ترى أنك لو قلتَ : (رجل قائمٌ) ، أو (رجلٌ ظريفٌ) ، لم تُفد السامعَ شيئاً ؛ لأنَّ هذا لا يُستنكر أن يكونَ مثلُه كثيراً "(3).
__________
(1) كالنكرة الموصوفة .
(2) الكتاب ، 1/328 .
(3) المقتضب ، 4/127 ، وينظر: الأصول في النحو ، 1/63 ، و شرح المفصل ، 1/85-86 .(1/25)
وقد يُطابق المبتدأ الخبرَ في التعريف ، جاء في كتاب الأصول : " الثاني : أن يكون المبتدأ معرفةً والخبرُ معرفة ، نحو: زيدٌ أخوكَ ، وأنتَ تُريدُ أنه أخوه من النسب ، وهذا ونحوه إنما يجوز إذا كان المخاطبُ يعرف زيداً على انفراده ولا يعلم أنه أخوه 000 ولا يدري أنه زيدٌ هذا ، فتقول له : أنتَ زيدٌ أخوكَ ، أي هذا الذي عرفته هو أخوكَ الذي كُنتَ علمته ، فتكون الفائدة في اجتماعهما ، وذلك هو الذي استفاده المخاطبُ ، فمتى كان الخبرُ عن المعرفةِ معرفةً ، فإنما الفائدة في مجموعهما " (1)
أما الصورة الثالثة ، فهي مجيء المبتدأ نكرةً وكذا خبره ، وهذه الصورة أيضا مظهرٌ من مظاهر المطابقة بين المبتدأ والخبر ، وهذا وإن كان أصله غير جائز ، إلا أنه يجوز إذا وُجدَ تخصيصٌ للمبتدأ النكرة ، " والضرب الثالث أن يكونا نكرتين ، كقولك : (رجلٌ من قبيلةِ كذا عالمٌ) ، والإخبار بالنكرة عن النكرة غيرُ مستقيم في الأصل ؛ إذ إسنادُ المجهولِ لا نصيبَ لهُ في الإفادةِ ، فإنما تأتي النكرتان إذا وُجدَ تخصصٌ ، كما فعلتَ في تخصيصكَ (رجلٌ) ، بقولكَ (من قبيلةِ كذا) "(2) .
إذن ، فمدارُ الحديثِ حولَ ما يجوزُ وما لا يجوزُ من تعريفِ المبتدأ والخبرِ أو تنكيرهما ، هو فائدةُ السامعِ ، فمتى ما حصلتْ الفائدةُ ، جازَ الكلامُ .
__________
(1) الأصول في النحو ، 1/71 ، وينظر : شرح المفصل ، 1/98 ، ويقصد بقوله (الثاني) ، أي من أحوال المبتدأ والخبر في التعريف والتنكير .
(2) المقتصد في شرح الإيضاح ، 1/308 .(1/26)
إن تطبيقَ تلك الصور التي تحدثنا عنها ، جاء في القرآن الكريم بنسبٍ متفاوتة ، فالصورة الأولى كان لها النصيب الأكبر في القرآن الكريم ؛ لكونها الأصلَ في هذا الباب ، أما الصورة الثانية فهي أقلُّ من الأولى ، وأما الثالثة فأقلُّ منهما ، فمثال المبتدأ المعرفة وخبره النكرة ، قوله تعالى : { إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } (البقرة:11) ، وقوله تعالى : { وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا } (البقرة:259) ، وقوله تعالى : { فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ } (آل عمران:39) .
أما مثال تطابق المبتدأ و الخبر تعريفاً ، فنحو قوله تعالى : { وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } (البقرة:160) ، وقوله تعالى : { أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } (الأنبياء:34) ، وقوله تعالى : { أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ } (الأنبياء:44).
وأما مثال تطابق المبتدأ والخبر تنكيراً فنحو قوله تعالى : { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } (البقرة:217) ، وقوله تعالى : { قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ (1) } (البقرة:220)
ثانياً : المبتدأ الذي له فاعلٌ يسدُ مسدَّ الخبر:
لقد اعترض بعضُ الدارسين على جعل هذا التركيب من باب المبتدأ والخبر ، قال الدكتور مهدي المخزومي : " أما قولنا : أقائمٌ الرجلان ؟ أو قائمٌ الرجلان ، فرفعهُ لا يعني شيئاً ، ولا دلالةَ لهُ على معنىً إعرابي يقتضي الرفعَ ، ولهذا كان من السخفِ القولُ بأنه مرفوعٌ على الابتداء ، كما زعم البصريون ، وأنه مبتدأ سدَّ فاعلُهُ مسدَّ خبرهِ " (2).
__________
(1) ينظر : دراسات لأسلوب القرآن الكريم ، 8 / 225
(2) في النحو العربي نقد وتوجيه ، 139-140.(1/27)
ورأي الدكتور المخزومي أتى من الاعتقاد بأن صيغة (فاعل) فعليةٌ في اللفظ والمعنى ، وهذه الصيغة وإن وقعت في سياق النفي أو الاستفهام ، فإنَّ كنهها وحقيقتها لا تتغير ولا تتبدل(1)، ومن هذا المنطلق تحامل الدكتور المخزومي على البصريين ؛ لأنهم لم يعدوا هذه الصيغة ضمن أبنية الأفعال . (2)
ولا نؤيدُ ما ذهبَ إليه ، فالكوفيون كما ذكر النحاةُ لا يختلفون مع البصريين في أصل المسألة ، لكون الوصف مبتدأ ، والمرفوع فاعلاً يسدُ مسدُّ الخبر ، يقول ابنُ عقيل : " ومذهب البصريين - إلا الأخفش - أن هذا الوصف لا يكون مبتدأ ، إلا إذا اعتمد على نفي أو استفهام ، وذهب الأخفشُ والكوفيون إلى عدم اشتراط ذلك ، فأجازوا (قائمٌ الزيدان) ، فقائم : مبتدأ ، والزيدان : فاعلٌ سدَّ مسدَّ الخبر " (3) .
إذن ، فالخلافُ بين الفريقين في شكلِ التركيب هل يعتمدُ ؟ أو لا يعتمدُ ؟ ، أمرٌ آخرٌ ، ألا وهو لحاق التنوين لهذه الصيغة ، فمن الصعوبة بمكان إلحاق هذه الصيغة بالأفعال ، والتنوين داخلٌ عليها ، أي إخراجُ هذا التركيب من نطاق الجملة الاسمية إلى نطاق الجملة الفعلية .
وهذا النوع من المبتدأ يُطابق مرفوعَهُ في التذكير والتأنيث ، جاء في الكتاب : " فإن بدأتَ بنعتٍ بمؤنثٍ فهو يجري مجرى المذكر ، إلا أنكَ تُدخل الهاءَ ، وذلك قولكَ : أذاهبةٌ جاريتاكَ ؟ ، و أكريمةٌ نساؤكم ؟ ، فصارت الهاءُ في الأسماء بمنزلة التاء في الفعل إذا قلتَ : قالت نساؤكم وذهبت جاريتاكَ "(4).
أما المطابقةُ في الإفرادُ وفرعيه ، فقد يتطابق المرفوعُ ووصفُهُ ، وقد لا يتطابقان ، وذلك على النحو الآتي :
1- الوصفُ مفردٌ ومرفوعُهُ مفردٌ :
__________
(1) المصدر نفسه ، 119 .
(2) المصدر نفسه ، 151 .
(3) شرح ابن عقيل ، 1/192-193 .
(4) الكتاب ، 2/36 .(1/28)
يتطابق الوصفُ مع مرفوعهِ إفراداً ، وذلكَ نحو قولنا : (أذاهبٌ زيدٌ) ، (وأذاهبةٌ هندٌ) ، وهذا التطابقُ يؤدي إلى جواز نوعين من الإعراب ، الأول منهما يكون الوصفُ فيه مبتدأ و ما بعده فاعلاً يسد مسد الخبر ، أما الثاني ، فيكون فيه الوصفُ خبراً مقدماً ، والمرفوعُ مبتدأ مؤخراً . (1)
2- الوصفُ مثنىً ومرفوعهُ مثنىً :
وذلك نحو قولنا : (أذاهبان العمران) .
3- الوصفُ جمعٌ ومرفوعهُ جمعٌ :
كقولنا : (أذاهبون العمرون ) ، وفي هذه الحالة والتي قبلها يكون الوصفُ خبراً مقدماً ومرفوعُهُ مبتدأ مؤخراً " هذا على المشهور من لغة العرب ، ويجوز على لغة أكلوني البراغيث ، أن يكون الوصفُ مبتدأ وما بعده فاعلٌ أغنى عن الخبر "(2) .
وقد لا يتطابق الوصفُ والمرفوعُ في الإفراد وفرعيه ، فقد يجئ الوصفُ مفرداً و مرفوعُهُ مثنىً أو مجموعاً ، وذلك نحو قولنا : ( أقائمٌ أخواكَ) ، و (أقائمٌ اخوتُكَ) ، وفي هذه الحالة يُعرب الوصفُ مبتدأ و مرفوعه فاعلا له يسد مسد الخبر لا غيرُ ؛ لأننا لو حملنا هذا التركيب على التقديم والتأخير ، لألزَمَنَا ذلك ، الإخبارَ عن المثنى والجمعِ بالمفرد ، وهذا لا يجوز .
إن سبب جواز حالة عدم التطابق ؛ هو النظر إلى هذا التركيب من زاوية المعنى ، يقول ابنُ يعيش : " وأعلمْ أنَّ قولَهم : ( أقائمٌ الزيدان ) إنما أفاد نظراً إلى المعنى ، إذ المعنى ( أيقومُ الزيدان) "(3)، فالمعنى معنىً فعلي .
__________
(1) ينظر : الفوائد الضيائية ، 1/278 ، وشرح الأشموني ، 1/192-193 .
(2) شرح ابن عقيل ، 1/199 ، وينظر : معاني النحو ، 1/179 .
(3) شرح المفصل ، 1/96 .(1/29)
وورد هذا التركيب في القرآن الكريم في آياتٍ قليلةٍ ، وذلك في قوله تعالى : { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُو } (يونس:53) ، وإن كان (حقٌ) ليس وصفاً ، إلا إنه بمعنى (ثابت) (1)، يقول العكبري : " وقوله تعالى : { أَحَقٌّ هُو } مبتدأ ، و (هو) مرفوع به ، ويجوز أن يكون (هو) و (أحقٌ) الخبر "(2) وهذا الإعراب على ما مرَّ بنا من جواز الوجهين ، لكون المبتدأ ووصفه مفردين (3)، ونحن نلاحظ أن المطابقة قد تمت بين الوصف ومرفوعه إفراداً وتذكيراً .
وقال تعالى : { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ } (مريم:46) ، وقد تطابق الوصفُ (راغبٌ) مع مرفوعهِ (أنتَ) إفراداً وتذكيراً ، وإعرابُ هذه الآية ، يكون بجعل الوصفِ مبتدأ ، والمرفوعِ فاعلاً يسد مسد الخبر ، لا على التقديم والتأخير ؛ ذلك لأن الأصل عدمُ التقديم والتأخير ، ولو قلنا به للزم الفصلُ بين العامل (أراغبٌ) ، ومعموله (عن آلهتي) ، بأجنبي (أنتَ) ، فـ (أنتَ) مبتدأ مؤخر ، و (راغبٌ) ، خبر مقدم ، ولا عملَ للخبر على المبتدأ ، وبذلك يكون (أنتَ) فاصلاً بين العامل (أراغبٌ) ، ومعموله (عن آلهتي) ، بخلاف لو قلنا بالفاعلية .(4)
__________
(1) ينظر : روح المعاني ، 11/135 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم ، 8/223 .
(2) التبيان في إعراب القرآن ، 2/29 ، وينظر : الجامع لأحكام القرآن ، 8/351
(3) ينظر : ص ( 26 ) من البحث .
(4) ينظر : مشكل إعراب القرآن ، 2/456 ، والبحر المحيط ، 7/270 ، وشرح ابن عقيل ، 1/197 ، و أضواء البيان ، 3/438-429 .(1/30)
وقال تعالى : { وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ } (الأنبياء:95) ، فـ (حرامٌ) مبتدأ ، و(أنهم لا يرجعون) فاعل يسد مسد الخبر،(1) والمعنى "ممتنع رجوعهم إلى الدنيا"(2)، ولم يتخالف الوصفُ ومرفوعُهُ ، فـ (الرجوع) مصدرٌ يستوي فيه المذكرُ والمؤنثُ والمفردُ والمثنى والجمعُ . وقال تعالى : { قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً } (الجن:25) ،فـ (قريبٌ) مبتدأ و(ما) مرفوعٌ به يسد مسد الخبر ،(3) وقد تطابق الوصفُ والمرفوعُ إفراداً وتذكيراً ، ويجوز إعرابُ الآية على التقديم والتأخير ، إلا أن ما ذكرناه أولى ؛ لأنه الأصل .(4)
من كلِّ ما تقدم ، نجد أنَّ الآياتِ التي ورد فيها هذا التركيبُ ، جاءت من نوع واحد ، وهو إفرادُ الوصفِ ومرفوعِهِ وتذكيرهما، وقد لاحظنا أنَّ المطابقةَ قد تمت بينهما في كلِّ المواطنِ .
إذا كان أفعل التفضيل خبراً :
يُعرفُ العلماءُ أفعل التفضيل بأنَّهُ : " الصفة الدالة على المشاركة وزيادة ، نحو : أفضل وأعلم وأكثر "(5) .
ولأفعل التفضيل حالاتٌ ثلاثٌ يأتي بها في تركيب الكلام ، فيأتي مجرداً من الإضافة و من الألف واللام ، ويأتي مضافاً ، ويأتي محلى بالألف واللام(6)
__________
(1) ينظر : التبيان في إعراب القرآن ، 2/137 .
(2) المصدر نفسه ، 2/137 ، وينظر : إرشاد العقل السليم ، 6/84-85 ، و فتح القدير ، 3/426 ، و روح المعاني ، 17/91 .
(3) ينظر : مشكل إعراب القرآن ، 2/765 .
(4) ينظر : فتح القدير ، 5/311 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم ، 8/224 .
(5) شرح قطر الندى ، 280 .
(6) شرح ابن عقيل ، 2 / 176 .(1/31)
، ويأتي أفعل التفضيل خبراً في تركيب الكلام ، فمرة يكون خبراً عن مفرد مذكر ، أو مؤنث ، ومرة يكون خبراً عن مثنىً مذكرٍ ، أو مؤنث ، ومرة يكون خبراً عن جمع مذكر ، أو مؤنث ، ومجيء أفعل التفضيل خبراً في تركيب الكلام يدخل في موضوع المطابقة بين المبتدأ والخبر .
أولاً – إذا كان أفعل التفضيل الخبر مجرداً عن الإضافة والألف واللام :
فإذا جاء أفعل التفضيل مجرداً عن الإضافة والألف واللام ، لَزِمَ الإفرادَ والتذكيرَ ، أي مخالفة المبتدأ في العدد والجنس ، يقولُ ابنُ عقيل : " ويلزمُ أفعل التفضيل المجرد الإفرادَ والتذكيرَ " (1) ، فنقولُ : ( زيدٌ أفضلُ من عمروٍ ، والزيدان أفضلُ من عمروٍ والزيدون أفضلُ من عمروٍ ، وهندٌ أفضلُ من زينب ، والهندان أفضلُ من زينب ، والهنداتُ أفضلُ من زينب ) ، ويعللُ ابن يعيشٍ هذا الإفرادَ والتذكير مع غير المفرد المذكر فيقولُ : " قد تقدم القولُ أن أفعل منك موضوعٌ للتفضيل ، وهو بمنزلة الفعل ، إذ كان عبارة عنه ، ودالاً على المصدر والزيادة ، كدلالة الفعل على المصدر والزمان ، فمنع التعريف ، كما لا يكون الفعل معرفاً ، ومنع التثنية والجمع ، كما لا يكون الفعل مثنىً ولا مجموعاً ، وكذلك لا يجوز تأنيثه ، إنما تقولُ : ( هندٌ أفضلُ منكَ ) من غير تأنيث ، وذلك لأن التقدير ( هندٌ يزيدُ فضلها على فضلك ) فكان أفعل ينتظمُ معنى الفعل والمصدر ، وكل واحد من الفعل والمصدر مذكرٌ لا طريقَ إلى تأنيثه "(2) .
__________
(1) شرح ابن عقيل ، 2 / 178 .
(2) شرح المفصل ، 6 / 96 ، وينظر : الإيضاح في شرح المفصل ، 1 / 656 .(1/32)
وقد جاء من نحو هذا التركيب في القرآن الكريم ، قال تعالى :[ { لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا } (المائدة:107) ، وقال تعالى : { إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا } (يوسف:8) ، وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } (الروم:9) ، وقال جلَّ وعلا : { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } (الكهف:46) ، فنحنُ نلاحظُ أنَّ أفعل التفضيل جاء بصيغة واحدة ، وهي الإفراد والتذكير ، على الرغم من مجيئه خبراً عن مفرد مؤنث ( شهادتنا ) ، وعن مثنىً مذكر ( يوسف وأخوه ) ، وعن جمع مذكر ، الضمير من ( كانوا ) ، وعن جمع مؤنث ( الباقيات ) ، وهذه الحالة لا تعنينا في دراستنا .
ثانياً – إذا كان أفعل التفضيل الخبر مضافاً :
أ – إذا كان مضافاً إلى معرفة :(1/33)
إذا أُضيف أفعل التفضيل إلى معرفة ، جاز فيه المطابقة وعدمها ، جاء في شرح المفصل : " ( فأما إذا أُضيف ساغ الأمران ) الإفراد في كلِّ حالٍ ، تقولُ : زيدٌ أفضلكم ، والزيدان أفضلكم ، والزيدون أفضلكم ،وتقول في المؤنث : هندٌ أفضلكم ، والهندان أفضلكم ، والهنداتُ أفضلكم ، والتثنية والجمع إذا وقع على مثنىً او مجموع "(1) ، ويعللُ ابنُ يعيشٍ هذا الجوازَ وعدمه بقوله : " وإنما جاز الأمران في ما أُضيف ؛ لأنَّ الإضافة تعاقبُ الألفَ واللامَ ، وتجري مجراها ، فكما أنَّكَ تؤنثُ وتثني وتجمع مع الألف واللام ، كذلك تفعلُ مع الإضافة التي هي بمنزلة ما فيه الألف واللام ، وأمّا علَّة الإفراد ، فلأنَّكَ إذا أضفته كان بعض ما تضيفه إليه ، تقولُ : حماركَ خيرُ الحمير ، لأنَّ الحمار بعض الحمير ، ولو قلتَ : حماركَ أفضلُ الناس ، لمْ يجزْ ؛ لأنَّهُ ليس منهم ، لأنَّ الغرض تفضيل الشيء على جنسه ، وإذا كان كذلك ، فهو مضارعٌ للبعض ، الذي يقعُ للمذكر والمؤنث والتثنية والجمع بلفظ واحد ، فلمْ يُثنَّ ولمْ يُجمعْ ، ولمْ يُونثْ ، كما أنَّ البعضَ كذلك "(2)
__________
(1) شرح المفصل ، 6 / 96 ، وينظر : الإيضاح في شرح المفصل ، 1 / 656 ، وشرح ابن عقيل ، 2 / 181 .
(2) المصدر نفسه ، 6 / 96 ، وينظر : الإيضاح في شرح المفصل ، 1 / 656 – 657 ، وشرح ابن عقيل ، 2 / 181(1/34)
لقد استعمل النظمُ القرآني هذا التركيب مطابقاً وغير مطابقٍ ، فمثاله مطابقاً ، قوله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ } (البقرة:204) ، وقوله تعالى : { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } (آل عمران:54) ، وقوله تعالى : { وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ } (يوسف:59) ، وغير ذلك (1) ، وإنَّ أغلب ما ورد من أفعل التفضيل الخبر المضاف إلى معرفة ، هو خبرٌ عن مفردٍ مذكرٍ.
وأمّا مثاله غير مطابق ، قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ } (البينة:6) ، وقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } (البينة:7) ، وإنَّ مواطن المطابقة من مثل هذا التركيب في القرآن الكريم بلغت أضعاف مواطن المخالفة .(2)
ب – إذا كان أفعل التفضيل الخبر مضافاً إلى نكرة :
__________
(1) ينظر : ، ( الأنعام / 62 ) ، ( الأعراف / 151 ) ، ( يوسف / 64 ) .
(2) ينظر : دراسات لأُسلوب القرآن الكريم ، 4 / 212 –219 .(1/35)
فإذا أضيف أفعل التفضيل إلى نكرة ، وجب عدم المطابقة ، يقول ابنُ هشام : " الثاني : ما يجبُ فيه أن لا يُطابق ، بل يكون مفرداً مذكراً على كلِّ حالٍ وهو نوعان : أحدهما المجرد من أل والإضافة ، 000 ، والثاني المضاف إلى نكرة ، تقولُ زيدٌ أفضلُ رجلٍ ، والزيدان أفضلُ رجلين 000 "(1) ، وقد ورد مثلُ هذا التركيب في القرآن الكريم ، قال تعالى : { انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } (الإسراء:21) ، ولا تعنينا هذه الحالة ، لأنها لا تدخل ضمن مظهر المطابقة .
ثالثاً – إذا كان أفعل التفضيل الخبر محلى بالألف واللام :
فإذا جاء أفعل التفضيل محلى بالألف واللام ، وجب فيه مطابقته لما قبله في العدد وفي الجنس ، جاء في شرح المفصل : " ( فأما إذا دخلت الألف واللام ) نحو : زيدٌ الأفضلُ ، خرج عن أن يكون بمعنى الفعل ، وصار بمعنى الفاعل ( واستغنى عن من والإضافة ) وعلم أنَّهُ قد بان بالفضل فحينئذٍ يؤنث إذا أريد به المؤنث ، ويثنى ويُجمع ، فتقول : زيدٌ الأفضلُ ، والزيدان الأفضلان ، والزيدون الأفضلون والأفاضل ، وهند الفضلى ، والهندان الفضليان ، والهندات الفضلياتُ والفُضلُ "(2) ، جاء في كتاب الإيضاح : " فإذا عُرِّفَ بالألفِ واللام ، أُنثَ وثُني وجُمع ؛ لأنَّ تعريفه باللام أخرجه عن شبه الفعلية ، فجرى على طبق ما هو له من التأنيث والتثنية والجمع "(3) .
__________
(1) شرح شذور الذهب ، 416 –417 ، وينظر : شرح قطر الندى ، 281 ، وشرح ابن عقيل ، 2 / 178 .
(2) شرح المفصل ، 6 / 96 .
(3) الإيضاح في شرح المفصل ، 1 / 656 ، وينظر : شرح قطر الندى ، 281 ، وشرح ابن عقيل ، 2 / 178 –181 ، وحاشية الخضري ، 2 / 111 .(1/36)
فمثاله مفرداً مذكراً قوله تعالى : { قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى } (طه:68) ، ولم يأتِ في القرآن الكريم أفعل التفضيل الخبر مفرداً مؤنثاً ، أو مثنىً مذكراً أو مثنىً مؤنثاً ، وأمّا مثاله جمعاً مذكراً ، فنحو قوله تعالى : { وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (آل عمران:139) ، وقوله تعالى : { لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ } (هود:22) ، ولم يرد في القرآن الكريم أفعل التفضيل الخبر جمعاً مؤنثاً .(1)
المبحث الثاني
المطابقة بين الفعل والفاعل :
الفعلُ مسندٌ والفاعلُ مسندٌ إليه ، جاء في شرح المفصل : " واعلم أنَّ الفاعلَ في عرف النحويين ، كلُّ اسم ذكرتَه بعد فعلٍ ، وأسندتَ ونسبتَ ذلك الفعلَ إلى ذلك الاسمِ "(2).
ويعرفُهُ ابنُ الحاجب بقوله : " هو ما أسند إليه الفعلُ ، أو شبهه ، وقُدم عليه ، على جهة قيامه به مثل : (قامَ زيدٌ) و (زيدٌ قامَ أبوهُ) … "(3).
إنَّ عملية الإسناد بين الفعل والفاعل ، يتبعها تطابقٌ بين هذين الطرفين ؛ لكونهما متلازمين ، وإنَّ مدارَ الحديث حول المطابقة بينهما يكون في محورين :
الأول : المطابقة بين الفعل والفاعل في الجنس ، أي التذكير والتأنيث .
الثاني : المطابقة بين الفعل والفاعل في العدد ، أي الإفراد والتثنية والجمع .
أولاً - المطابقة في الجنس :
فإذا جاء الفاعلُ مذكراً ، ذُكِّرَ الفعلُ لأجله ، وإذا جاء الفاعل مؤنثاً ، ألحقتْ علامة التأنيث بالفعل ، ، هذا هو الأصلُ .
__________
(1) ينظر : دراسات لأُسلوب القرآن الكريم ، 4 / 144 .
(2) شرح المفصل ، 1/74 .
(3) شرح الرضي على الكافية ، 1/185 ، وينظر : شرح ابن عقيل ، 1/426-464 ، وشرح الأشموني ، 2/42-43 ، وحاشية الخضري ، 1/358 .(1/37)
إنَّ الحديثَ حول المطابقة بين الفعل وفاعله المذكر لا إشكالَ فيه ، فلا يُؤنثُ فعلٌ وفاعلُهُ مذكرٌ مفردٌ أو مثنىً أو جمعٌ سالمٌ ، وما جاء في القرآن الكريم يؤيدُ هذا .
فمثال (الفاعل المفرد المذكر) ، قوله تعالى : { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ } (البقرة:7) ، وقوله تعالى : { وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً } (النساء:120) وغير ذلك ، كثيرٌ جداً في القرآن الكريم . 1 ومثال (الفاعل المثنى المذكر ) ، قوله تعالى : { يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَان } (آل عمران:155) ، وقوله تعالى : { قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهمَا } (المائدة:23) ، وغير ذلك .2
وأما مثال (الفاعل الجمع المذكر السالم) ، قوله تعالى : { وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } (البقرة:159) ، وقوله تعالى : { يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ } (المائدة:44) ، وقوله تعالى : { وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ } (الأنفال:8) ، وغير ذلك(1) .
نلاحظ أنَّ الفعل قد طابق فاعلَه في التذكير والتأنيث ، سواءٌ كان الفاعلُ مفرداً ، أم مثنىً ، أم مجموعاً جمعَ مذكرٍ سالماً .
وأما الفاعلُ المؤنثُ وإلحاق علامة التأنيث بفعله ، فأمرٌ فيه تفصيل ، يقول الرضي : " إعلمْ أنه إنما جاز إلحاقُ علامة التأنيث بالمسند ، مع أنَّ المؤنث هو المسند إليه دون المسند ؛ للإتصال الذي بين الفعل – وهو الأصل في الإسناد – وبين الفاعل ، وذلك الاتصال من جهة احتياجه إلى الفعل ، وكون الفاعل كجزءٍ من أجزاء الفعل "4.
__________
(1) ينظر : ( الأنعام / 74 ) ، ( التوبة / 14 ) ، ( يوسف / 92 ) .
2 ينظر : (النساء / 7) ، (المائدة/ 95) .
3ينظر على سبيل المثال: (المؤمنون / 22) ، (العنكبوت / 4) ، (سبأ / 45)
4 شرح الرضي على الكافية ، 4/479 .(1/38)
إذن ، الاتصال بين الفعل والفاعل ، المتمثل في احتياج الفعل لفاعله ، ولكون الأخير جزءاً من أجزاء الأول ، هو سببُ إلحاق علامة التأنيث بالفعل إذا كان فاعله مؤنثاً .
إلا أنَّ هذا الإلحاقَ ليس على إطلاقه ، فهناك إلحاقٌ واجبٌ ، وآخرُ جائزٌ ، فالواجبُ في موطنين :
أولهما :
أن يكون الفاعلُ ضميراً مؤنثاً متصلاً بعامله ، سواءٌ أكان ذلك المؤنث حقيقي التأنيث ، أم
مجازي التأنيث (1) ، وذلك نحو قولنا : (هندٌ قَامتْ) و (الشمسُ طلعتْ) .
ثانيهما :
أن يكون الفاعلُ اسماً ظاهراً حقيقيَّ التأنيث غيرَ مفصول عن عامله ، وذلك نحو قولنا : (قَامتْ هندٌ) و (جاءتْ زينبُ) .
يقول المبردُ : " فأما (ضَرَبَ جاريتُكَ زيداً) و (جاءَ أمَتُكَ) و( قامَ هندٌ) ، فغيرُ جائزٍ ؛ لأن تأنيثَ هذا تأنيثٌ حقيقيٌّ "(2)، ويقول ابنُ يعيش : " فإن أسندتَ إلى مضمرٍ مؤنثٍ ، نحو ( الدارُ انهدمتْ) و (موعظةٌ جاءتْ) ، لم يكن بدٌّ من إلحاق التاء ؛ وذلك لأن الراجعَ ينبغي أن يكون على حسب ما يرجع إليه ؛ لئلا يُتوهم أن الفعلَ مسندٌ إلى شئٍ من سببه ، فَيُنتَظَرُ ذلك الفاعلُ ، فلذلك لزم إلحاقُ العلامةِ لقطع هذا التوهم … وسواءٌ ذلك في الحقيقيِّ وغيرِ الحقيقيِّ "(3).
__________
(1) يقول ابن يعيش في المؤنث الحقيقي : " ما كان بإزائه ذكرٌ من الحيوان " أما المجازي ، فهو " أمرٌ راجعٌ إلى اللفظ ، بأن تقرن به علامة التأنيث من غير أن يكون تحته معنىً ، نحو : البشرى والذكرى … وذلك يكون بالاصطلاح ووضع الواضع " شرح المفصل 5/91-92 .
(2) المقتضب ، 2/146 .
(3) شرح المفصل ، 5/94-95 ، وينظر : شرح شذور الذهب ، 169-171 ، وشرح ابن عقيل ، 1/476 ، وشرح الأشموني ، 2/51 ، والفرائد الجديدة ، 2/811 .(1/39)
إنَّ النظم القرآني قد حافظ على المطابقة بين الفعل وفاعله في كلتا الحالتين اللتين ذكرناهما ، حيثُ جاء في هذا الكتاب العزيز ، الفاعلُ المؤنث المضمر - حقيقيه ومجازيه - مع فعله ، وقد أُنثَ هذا الفعلُ بإلحاق علامة التأنيث به ، ومواطنه كثيرةٌ جدا في القرآن الكريم ، فمن ذلك قوله تعالى : { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى } (آل عمران:36) ، وقوله تعالى : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } (يوسف:24) هذا في الحقيقي ، وأما المجازي ، فنحو قوله تعالى : { وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْه } (البقرة:211) ، وقوله تعالى : { وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } (التوبة:25) ، وغير ذلك كثيرٌ جداً .(1)
أما أمثلة الفاعل الظاهر الحقيقي التأنيث المتصل بفعله ، فنحو قوله تعالى : { إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَان } (آل عمران:35) ، وقوله تعالى : { إِذْ تَمْشِي اُخْتُك } (طه:40) وغيرُ ذلك (2).
ويستثنى مما مضى ، ما يأتي :
أولاً : ( وجود الفاصل بين الفعل وفاعله الظاهر الحقيقي التأنيث ) .
يقول سيبويه : " وكلما طال الكلامُ فهو أحسن ، نحو قولك : (حَضَرَ القاضيَ امرأةٌ) ، لأنه إذا طال الكلامُ كان الحذفُ أجمل ، وكأنه شيءٌ يصيرُ بدلاً من شيءٍ ، كالمعاقبة ، نحو قولك : (زنادقةٌ) و (زناديقٌ) ، فتحذف الياءَ لمكان الهاءِ "(3)،ويقول جرير :
لَقَد وَلَدَ الأُخَيطِلَ أُمُّ سَوْءٍ عَلى بَابِ اُستِهَا صُلُبٌ وشَامُ ،(4)
__________
(1) ينظر : (النساء / 128) ، (الرعد / 8) ، (المائدة / 114) .
(2) ينظر : (البقرة / 233) ، (لقمان / 14) ، (الذاريات /29) .
(3) الكتاب ، 2/38 .
(4) البيت من قصيدة له يهجو بها الأخطل ، و(شام) جمع شامة ، ينظر : ديوانه ، 1/283 ، وينظر : صدره في المقتضب ، 2/148 ، وبتمامه في التكملة ، 294 ، والخصائص ، 2/414 ، وشرح المفصل ، 5/92 .(1/40)
فالفاعلُ حقيقي ولم يؤنث لأجله فعلُهُ ، وذلك بسبب الفصل بينهما بالمفعول به .
ويقول المبرد : " ألا ترى أن النحويين لا يقولون : (قامَ هندٌ) و (ذهبَ جاريتُكَ) ، ويجيزون : (حَضَرَ القاضيَ اليومَ امرأةٌ يا فتى) ، فيجيزون الحذفَ مع طول الكلام ؛ لأنهم يرون ما زاد عوضا مما حُذفَ "(1)
إن إثبات التاء هنا أحسن وأجود " وقيل واجبٌ "(2)، وبه جاء التنزيلُ ، قال تعالى : { فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ } (القصص:25) وقال تعالى : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً } (الاحقاف:15) ، حيثُ فُصل بين الفعل وفاعله بالمفعول به ، واُثبتتِ التاءُ .
أما ( الفاعل الظاهر المجازي التأنيث المفصول عن فعله ) فقد ورد في القرآن الكريم وعامله مجردٌ من علامة التأنيث في مواطن ، وفي غيرها ألحقت به العلامة ، يقول سيبويه : " ومما جاء من الموات قد حُذفت فيهِ التاءُ ، قولُه عزَّ وجلَّ : { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى } ، وقوله تعالى : { مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ } ، وهذا النحو كثيرٌ في القرآن "(3).
وقد قيل إنَّ الأجودَ حذفُ العلامةِ " إظهاراً لفضل الحقيقي على غيره "(4)، وليس بسديد ؛ لأنَّ الاستعمالَ يشهدُ بخلاف ذلك ، فمواطن تأنيث الفعل مع الفاعل المجازي التأنيث المفصول عن عامله ، أكثرُ بكثير من تذكير الفعل مع هذا النوع من الفاعل .(5)
__________
(1) المقتضب ، 2/338 ، وينظر : التكملة ، 294 .
(2) حاشية الصبان ، 2/52 .
(3) الكتاب ، 2/ 39 ، والآيتان من : (البقرة /275) ، (آل عمران / 105) .
(4) ينظر : حاشية الصبان ، 2/52 .
(5) ينظر : دراسات لأُسلوب القرآن الكريم ، 8/462-466 ، و 8/469-470 .(1/41)
يقول الدماميني رداً على من يقول بأجودية حذف العلامة في مثلِ هذا التركيب : " والذي يظهرُ لي خلافُ ذلك ، فإن الكتابَ العزيز قد كَثُرَ فيه الإتيانُ بالعلامة عند الإسناد إلى ظاهرٍ غير حقيقي كثرةً فاشيةً000وأكثريةُ أحدِ الاستعمالين دليلُ أرجحيته ، فينبغي أن إثبات العلامة أحسن "(1). وتطبيق ذلك في القرآن الكريم على النحو الآتي : فمثال الإتيان بالعلامة قوله تعالى : { وَأَحَاطَتْ
بِهِ خَطِيئَتُهُ } (البقرة:81) ، وقوله تعالى : { فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ } (النساء:72) ، وقوله تعالى : { نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ } (المائدة:52) ، وغير ذلك كثيرٌ جداً .(2)
وأما مثالُ ترك العلامة ، فنحو قوله تعالى : { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ } (البقرة:275) ، وقوله تعالى : { وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيث } (المائدة:100) ، وغير ذلك .(3)
ثانياً : ( الفاعلُ مؤنثٌ مجازي ) .
إذا كان الفاعلُ مؤنثاً مجازياً ، جاز تركُ علامةِ التأنيث مع فعله ، يقول المبردُ : " فأما (ضُرِبَ جاريَتُكَ) و (جاءَ أمَتُكَ) و (قامَ هندٌ) ، فغيرُ جائزٍ ؛ لأن تأنيثَ هذا تأنيثٌ حقيقيٌّ ، ولو كان من غير الحيوان لصلح ، وكان جيداً ، نحو : (هُدِمَ دارُكَ) و (عَمُرَ بلدتُكَ) ؛ لأنه تأنيثُ لفظٍ لا حقيقية تحته ، كما قال عزَّ وجلَّ : { وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ } ، وقال أيضاً : { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ } "(4).
__________
(1) حاشية الصبان ، 2/52 .
(2) ينظر : (آل عمران / 24) ، (الأنعام / 70) ، (الأعراف / 78 و 91) ، (التوبة / 25) ، (يونس / 22) .
(3) ينظر : (الأنعام / 157) ، (الأعراف / 95) ، (هود / 67) ، (الروم / 57) .
(4) المقتضب ، 2/146 ، وينظر : المصدر نفسه ، 4/59 ، و ملاك التأويل ،2 / 660-661 ، والآيتان من : (هود / 67) ، (البقرة / 275) .(1/42)
ويقول ابن يعيش : " فإن كان المؤنثُ غيرَ حقيقي، بأن يكون من غير الحيوان ، نحو : النعل والقدر والسوق ، ونحو ذلك ، فإنكَ إذا أسندتَ الفعلَ إلى شيءٍ من ذلك ، كنتَ مخيراً في إلحاقِ العلامةِ وتركها ، وإن لاصقَ ، نحو : (انقطعَ النعلُ) و (انقطعتِ النعلُ) … لأن التأنيثَ لما لم يكنْ حقيقياً ضعفَ ،(1)ولم يعين بالدلالة عليه ، مع أن المذكر هو الأصلُ ، فجاز الرجوعُ إليه "(2).
إلا أن النظم القرآني قد حافظَ على المطابقة بين الفعل وفاعله من هذا النوع ، بإلحاق علامة التأنيث بالفعل ، سواءٌ كان الفاعلُ متصلاً بفعله أم منفصلاً عنه ، فقد بلغت مواطنُ الإتيان بالعلامة خمسة أضعاف المواطن التي تُركت فيها هذه العلامةُ .(3)
فمثالُ إلحاق العلامة مع الاتصال ، قوله تعالى : { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ } (البقرة:16) ، وقوله تعالى : { قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } (آل عمران:118) وغير ذلك كثيرٌ جداً .(4)
__________
(1) فالتأنيثُ الحقيقي يكتسب تأنيثه من اللفظ والمعنى ، أما غير الحقيقي ، فيكتسب التأنيث من جهة اللفظ دون لمعنى ، ينظر : شرح المفصل ، 5/92 .
(2) المصدر نفسه ، 5/93 ، وينظر : مشكل إعراب الأشعار الستة الجاهلية ، القسم الخامس ، ديوان طرفة ، 34 .
(3) ينظر : دراسات لأُسلوب القرآن الكريم ، 8/452-470 .
(4) ينظر : (الأنعام / 55) ، (الأعراف / 137) ، (يونس / 33) ، ((يوسف / 84) .
3 ينظر : ( النساء / 78 ) ، ( المائدة / 52 ) ، ( هود / 74 ) ، ( إبراهيم / 50 ) .
4 ينظر : (الأنعام / 157) ، (هود/67) ، (الحج / 37) ، الزمر / 19) .
5 وهو الصحيح ؛ لأن " التذكير فيه من جهتين ، من جهة أن الواحد باقٍ وهو مذكرٌ ، والثاني أنهُ مقدرٌ بالجمع وهو مذكرٌ ، والتأنيث من جهة واحدة ، وهو تقديره بالجماعة ، فَرُجِحَ على التأنيث " شرح المفصل ، 5/104 ، وينظر : شرح ابن عقيل ، 1/482 ، وشرح الأشموني ، 2/54
6 ينظر : المقتضب ، 3/346 ، وشرح المفصل ، 5/103 ، وشرح شذور الذهب ، 175 .
7 ينظر : الكتاب ، 2/39-40 .(1/43)
ومثالُ إلحاق العلامةِ مع الانفصال ، قوله تعالى : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً } (البقرة:80) ، وقوله تعالى : { حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّار } (آل عمران:183) ، وغير ذلك .3
أما مثالُ ترك العلامة ، فنحو قوله تعالى : { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ } (البقرة:275) ، وقوله تعالى : { وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ } (المائدة:100) ، وغير ذلك 4، ومواطنه في القرآن الكريم أقلُ بكثير من مواطن إلحاق العلامة .
ثالثاً : ( الجموع ) .
لقد جوَّزَ النحاةُ تذكير الفعل وتأنيثه عند إسناده إلى الجموع - عدا جمع المذكر السالم -5،
فالتذكير على التأويل بالجمع ، والتأنيث على التأويل بالجماعة6 ، ويرى سيبويه أنَّ حذف العلامة في الجمع مع الموات أكثر منه مما لو كان في الحيوان .7
وهذا الجمع يشمل : جمع المؤنث السالم ، وجمع التكسير ، واسم الجمع ، يقول المبردُ : " ألا ترى أن القومَ اسمٌ مذكرٌ ، وقال عزَّ وجلَّ : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } ؛ لأن التقدير والله أعلم ، إنما هو جماعة قوم نوح " (1) .
ويقول ابنُ يعيش : " قد تقدم القولُ أنَّ الجمعَ يكسب الاسم تأنيثاً ؛ لأنه يصير في معنى الجماعة ، وذلك التأنيثُ ليس بحقيقي ؛ لأنه تأنيثُ الاسم لا تأنيث المعنى ، فهو بمنزلة (الدار) و(النعل) ونحوهما ، فلذلك ( إذا أسندَ إليه فعلٌ ، جاز في فعله التذكيرُ والتأنيثُ ) فالتأنيثُ لما ذكرناه ، والتذكيرُ على إرادة الجمع "(2).
وهذه الجموع هي :
1 - (جمع المؤنث السالم ) :
وهو حقيقي ومجازي ، فسيبويه يرى أن ترك العلامة مع جمع المؤنث السالم يكون في الموات دون الحيوان .(3)
__________
(1) المقتضب ، 3/347 ، والآية من : (الحج / 42) .
(2) شرح المفصل ، 5/103 .
(3) ينظر : الكتاب ، 2/39 .(1/44)
وقد وافق المبردُ سيبويه ، معللاً ذلك بقوله : " لأنَّ هذا جمعٌ حقيقيٌّ ، لا يغير الواحد عن بنائهِ "(1)، ويقول ابنُ يعيش : " فما كان منه لمؤنثٍ ، نحو المسلمات و الهندات ، كان الوجهُ تأنيثَ الفعلِ "(2)، وهو مذهبُ جمهور البصريين(3)، وذلك لأنَّ جمعَ المؤنث السالم ، مؤنثٌ من وجهين ، أحدهما : إنَّ مفرَدَهُ مؤنثٌ ، والثاني : تقديره بالجماعة ، ولو ذكرَّنا فعله ، يكون ذلك التذكير من جهة التأويل بالجمع فقط .(4)
أما الرضي ، فيرى أنَّ هذا الجمع - حقيقيه ومجازيه - كالمؤنثِ المجازي ؛ لأنَّ مفرده يتغير من حيثُ العلامة " إما بحذفها إن كان تاءً ، نحو : (الغرفات) ، أو بقلبها ، إن كان ألفاً ، كما في (الحبليات) و (الصحراوات) "(5)، فيجوز عنده إثباتُ العلامة ، ويجوز تركُها .
إن النظم القرآني قد حافظ على المطابقة بين الفعل وفاعله المجموع جمعَ مؤنثٍ سالمٍ ، في مواطنَ تزيد كثيراً على مواطن ترك العلامة ، وكان في أغلب هذه المواطن مجازيَّ التأنيث ، فمثالُ إلحاق العلامة قوله تعالى : { مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ } (البقرة:209) ، وقوله تعالى : { بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا } (الأعراف:22) ، وغير ذلك .(6)
__________
(1) المقتضب ، 3/349 .
(2) شرح المفصل ، 5/103 ، والهاء في (منه) يُراد بها الجمع السالم .
(3) ينظر : حاشية الخضري ، 1/371 ، وأما مذهب الكوفيين ، فيرى تجويز الأمرين في كل الجموع ، حتى المذكر السالم منه ، ووافقهم أبو عليٍّ الفارسي إلا على جمع المذكر السالم ، ينظر : المصدر السابق ، 1/371 ، وشرح شذور الذهب ، 171 ، هـ 3
(4) ينظر : شرح المفصل ، 5/ 103 .
(5) شرح الرضي على الكافية ، 3 /342 .
(6) ينظر : (يونس / 101) ، (هود / 107) ، (الرعد / 16) ، (لقمان / 27) ، (الشورى / 5) .(1/45)
أما مواطنُ تذكير الفعل فهي أقلُ بكثير من مواطن التأنيث وذلك نحو قوله تعالى : { وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَات } (آل عمران:86) ،وقوله تعالى : { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا } (النحل:34) ،وغير ذلك .(1)
وإننا لو تتبعنا هذه المواطن (مواطن التذكير) ، لوجدناها كلَّها قد فُصل فيها الفاعلُ عن فعله بفاصل ، إلا في موطنٍ واحدٍ ، وهو قولُه تعالى : { ذََهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي } (هود:10) ، وأما جمع المؤنث السالم الحقيقي التأنيث ، فقد ذُكِّر فعله في موطنين ، هما قوله تعالى { :إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَات } (الممتحنة:10) ، وقوله تعالى : { إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَات } (الممتحنة:12) ، وذلك لأجل الفصل بالكاف ، أو على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، أي إذا جاءكم أو جاءك النساءُ المؤمناتُ ، أو تُقدرُ (أل) في المؤمنات بـ (اللاتي) ، وتكون هذه الأخيرةُ اسمَ جمع ، وهو مما يجوز فيه الوجهان على ما سنعرف لاحقاً ، ويكون التقدير : اللاتي آمنَّ .(2)
2- ( جمع التكسير) :
وهو أيضاً مما يجوز فيه الوجهان ؛ ذلك لأنَّ مفرده قد تغير ، يقول ابنُ يعيش : " فما كان من الجمع مكسَّراً ، فأنتَ مخيرٌ في تذكير فعله وتأنيثه ، نحو : (قامَ الرجالُ) و (قامتِ الرجالُ) ، من غير ترجيحٍ ؛ لأنَّ لفظ الواحد فيه قد زال بالتكسير وصارت المعاملةُ مع لفظ الجمع "(3)، ولا فرق في ذلك بين جمعِ التكسيرِ المذكرِ وجمعِ التكسيرِ المؤنثِ .(4)
إنَّ النظم القرآني قد أتى بعلامة التأنيث في مواطنَ كثيرةٍ جداً بالنسبة إلى مواطنِ تركها ، سواءٌ أكان الفاعلُ متصلاً بفعله أم منفصلاً عنه .
__________
(1) ينظر : (غافر / 66) ، (الممتحنة / 10 و12)
(2) ينظر : شرح شذور الذهب ، 171 ، وشرح الأشموني ، 2/54-55 .
(3) شرح المفصل ، 5/103 ، وينظر شرح الرضي على الكافية ، 3/342 ، والفرائد الجديدة ، 2/811 .
(4) ينظر : المقرب ، 332 .(1/46)
فمثاله في حالة الاتصال ، قوله تعالى : { تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } (البقرة: 118) ، وقوله تعالى : { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ } (آل عمران:42و45) ، وغير ذلك .(1)
أما مثاله في حالة الانفصال ، فنحو قوله تعالى : { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } (البقرة:266) ، وقوله تعالى : { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } (آل عمران:13)وغير ذلك (2)، وهذان الموطنان متساويان تقريباً في عدد ورودهما في القرآن الكريم .(3)
أما التذكير ، فهو أقلُّ من سابقه ، وقد أتى بصورتين أيضاً ، فمثاله في الاتصال قوله تعالى : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاس } (البقرة:142) ، وقوله تعالى : { وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْن } (الأعراف:113) ، وغير ذلك .(4)
أما مثاله في حالة الانفصال ، فنحو قوله تعالى : { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ } (البقرة:74) وقوله تعالى : { قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَات } (آل عمران:183) ، وغير ذلك (5)، وحالة الانفصال هذه ، أقلُّ من سابقتها في القرآن الكريم .
3 – (اسم الجمع )
وهو الذي ليس له واحدٌ من لفظه ، نحو : نساء وقوم ، وقد عبر عنه سيبويه عند حديثه عن تحقير اسم الجمع بقوله : " هذا بابُ تحقير : " هذا بابُ تحقير ما لم يُكسر عليه واحد الجمع ، ولكنه واحدٌ يقعُ على الجميع… "(6).
__________
(1) ينظر : (النساء / 36) ، (الأعراف / 53) ، (التوبة / 85) ، (الكهف / 105) ، (الحج / 46) .
(2) ينظر : (التوبة / 118) ، (هود / 101) ، (إبراهيم / 9) ، (النحل / 14) .
(3) ينظر : دراسات لأُسلوب القرآن الكريم ، 8/477-481 .
(4) ينظر : (هود / 19) ، (الحجر / 80) ، (الزخرف / 65) .
(5) ينظر : (الأنعام / 5) ، (الأنعام / 130) ، (الأنفال / 5) .
(6) الكتاب ، 3/494 ، وينظر : المقتضب ، 3/347 ، وحاشية الخضري ، 1/271 .(1/47)
يقول الرضي : " وأما اسم الجمع بعضه واجب التأنيث كالإبل والغنم والخيل ، فحاله كحال جمع التكسير في الظاهر والضمير ، وبعضه يجوز تذكيره وتأنيثه ، كالركب ، قال :
فَعَبَّتْ غِشَاشَاً ثُمَّ مَرَّتْ كأنهَا مَعَ الصُبحِ رَكبٌ من أُحَاظَةَ مُجفِلُ
فهو كاسم الجنس ، نحو (مضى الركبُ) و(مضتِ الركبُ)، و(الركبُ مضى ومضتْ ومضوا) "(1).
وورد هذا الفاعلُ في القرآن الكريم مرةً بتذكير فعله ، وأخرى بتأنيثه ، ومواطنهما متقاربة العدد ، فمثالُ تأنيث الفعل قوله تعالى : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى } (البقرة:120) ، وقوله تعالى : { وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } (آل عمران:69) ، وغير ذلك.(2)
أما مواطنُ التذكير ، فنحو قوله تعالى : { نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ } (البقرة:100) ، وقوله تعالى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب } (البقرة:109) ، وغير ذلك .(3)
__________
(1) شرح الرضي على الكافية ، 3/345 ، وينظر : الفرائد الجديدة ، 2/811 ، والبيت للشنفرى الأزدي من قصيدته المسماة بلامية العرب ،في وصف سرب من القطا بعد أن شَرِبَ ، والعب : الجرع ، وغشاشاً : أي على عجل ، أو شربت قليلاً ، وأُحاظة : موضع ، أو اسم قبيلة من اليمن أو الأزد ، ومجفل : مسرع ، ينظر ، ديوانه ، 65، وشرح الرضي على الكافية ، 3/345، هـ 1.
(2) ينظر : (الأعراف / 38) ، (الأنفال / 19) ، (يوسف / 94) .
(3) ينظر : (النساء / 153) ، (الأعراف / 160) ، (يونس / 24) ، (الحجرات / 11) .(1/48)
إنَّ أقوالَ النحاة حول إلحاق علامة التأنيث بالفعل مع الجموع ، تتوافق في جموع محددة ، وتختلف في جموع أخرى ، فكما مرَّ بنا ، نجد الكوفيين يُجيزون إلحاق العلامة وتركها مطلقاً بفعل كلِّ الجموع ، حتى المذكر السالم منها ، وقد وافقهم أبو عليٍّ الفارسيِّ ، إلا على جمعِ المذكرِ السالمِ ، فإنَّهُ أوجب فيه التذكيرَ ، وأما البصريون ، فيُجيزون الوجهين في جمع التكسير واسم الجمع ، ويُوجبون التذكيرَ في جمع المذكر السالم ، والتأنيثَ في جمع المؤنث السالم .(1)
إنَّ الآياتِ التي ورد فيها الفاعلُ مؤنثاً سواءٌ أكان حقيقياً أم مجازياً ، وسواءٌ أكان ظاهراً أم مضمراً ، وسواءٌ أكان مفرداً أم مثنىً أم جمعاً ، في حالة اتصاله بفعله أو انفصاله ، نجدُ أنَّ فعله قد ألحقت به علامةُ التأنيث في أغلب المواطن ، والتي تصلُ إلى ضعفي مواطن ترك العلامة ، بعبارةٍ اُخرى ، إنَّ القرآن الكريم حافظ على المطابقة بين الفعل وفاعله المؤنث ، بإلحاق علامة التأنيث بالفعل بنسبة أكبر من ترك هذه المطابقة .
إلا أنَّه لا يجدرُ بنا تجاهل الآياتِ التي ورد فيها تركُ العلامة ، ولو دققنا النظر في تعليل النحاة لبعض مواطن التذكير ، فإننا لا نجدُ فيها قوةَ الحجةِ ، بل إنَّ هناكَ بعض الآيات تنقض ما ذهبوا إليه في مثل تلك التعليلاتِ ، من ذلك مثلاً قولُ النحاة : إنَّ الفصل بين الفعل وفاعله المؤنث ، يُبيحُ تركَ علامةِ التأنيثِ " وكلما طال الكلامُ فهو أحسن ، نحو قولكَ : (حَضَرَ القاضيَ امرأةٌ) ، لأنَّه إذا طال الكلامُ كان الحذفُ أجمل …"(2).
__________
(1) ينظر : شرح شذور الذهب ، 171 ، هـ 3 .
(2) الكتاب ، 2/38 ، وينظر : المقتضب ، 2/148 و 2/338 ، والتكملة ، 294 ، وشرح المفصل ، 2/92 .(1/49)
لكننا نجد في قوله تعالى : { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ } (البقرة:275) ، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } (يونس:57) ، أنَّ الفاصلَ في الآية الأُولى : (الهاء) أقلَّ
من الفاصل في الآية الثانية : (كم) ، ومع ذلك ، أنثَ مع الفاصل الأكبر ، وذكَّرَ مع الفاصل الأصغر ، والفعلُ والفاعلُ واحدٌ في الحالتين !! .(1)
وفي مواطنَ أخرى نجدُ أنَّ الفعلَ والفاعل والفاصلَ واحدٌ ، فَيُذكِّرهُ في موطن ، ويؤنثهُ في آخر ، يقول تعالى : { فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } (الأنعام:157) ، ويقول تعالى : { قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } (الأعراف:73و85 ) ، فالفعلُ واحدٌ (جاءَ) ، والفاعلُ واحدٌ (بينة) ، والفاصلُ واحدٌ (كم) ، فمرةً ذكَّر ، ومرةً أنثَ .
وقال تعالى : { وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ } (هود:67) وقال تعالى : { وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ } (هود:94) ، فالفعلُ واحدٌ (أخذَ) ، والفاعلُ واحدٌ (الصيحة) ، والفاصلُ واحدٌ (الذين ظلموا) ، فمرةً ذكَّر ، ومرةً أنَّثَ ، ولو تتبعنا مثلَ هذه المواطنِ لطال المقامُ بنا ، إلا أننا نقول : إنَّ إلحاق علامة التأنيث بفعل الفاعل المؤنث ،أمرٌ يحكمه المعنى والسياقُ والمقامُ .(2)
إنَّ الحملَ على المعنى " مدارُ كثيرٍ من أحوال التذكير والتأنيث في القرآن الكريم ، وقد يكون لغرضٍ آخر ، كتنزيل المذكرِ منزلةَ المؤنثِ ، وبالعكس ، أو لغير ذلك من الأغراض "(3).
ولنأخذ على سبيل المثال قولَه تعالى : { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ } (البقرة:275)، وقولَه سبحانه : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } (يونس:57).
__________
(1) ينظر : معاني النحو ، 2/482 .
(2) ينظر : حاشية الصبان ، 2/52 .
(3) معاني النحو ، 2/483 .(1/50)
فـ (الموعظة) في الآية الاُولى بمعنى (القرآن) ، يقول أبو جعفر النحاس : " ثم قال تعالى :
{ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فانتَهَى } ،قال سفيان : يعني القرآن "(1).
أو إن (الموعظة) بمعنى (الوعظ) ، يقول الواحدي : " { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ } أي : وعظٌ "(2).
أو إن (الموعظة) بمعنى (النهي) ، يقول ابنُ كثير : " { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ } ،أي : من بلغه نهيٌّ عن الربا ، فانتهى حالَ وصولِ الشرعِ إليه ، فله ما سلفَ من المعاملةِ "(3).
أو إنَّ (الموعظة) بمعنى (البيان) ، يقول السيوطي : " { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ } يعني البيان
الذي في القرآن في تحريم الربا "(4).
فلفظ (الموعظة) يُحملُ على معنىً مذكرٍ ، ذلك لأنَّ السياقَ يُوجِبُ كلَّ تلك المعاني المذكورة ، ولا أقولُ أحدَها أو بعضَها ، فـ (الموعظة) هي القرآن الكريم ، وهو دليلٌ على العبد إذا خالفه ، وهو تبيانٌ لما يجبُ على ذلك العبدِ من تركِ محظورٍ منه، أو إتيان مأمور به ، وهو واعظٌ للعبد إذا نَسِيَ ، وناهٍ له إذا تجاوز .
__________
(1) معاني القرآن الكريم ، النحاس ، 1/307 .
(2) الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، 1/192 ، وينظر : معالم التنزيل ، 1/263 ، والكشاف ، 1/302 ، وزاد المسير ، 1/331 ، والتبيان في إعراب القرآن ، 1/116 ، وحجة القراءات ، 1/39 و1/373 ، والجامع لأحكام القرآن ، 2/268 و17/57 .
(3) تفسير القرآن العظيم ، 1/238 .
(4) الدر المنثور ، 2/105 ، وينظر : فتح القدير ، 1/297 .(1/51)
أما قوله تعالى ذكرهُ في الآية الثانية: { قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } (يونس:57) ، فالكلامُ على أصله ، فالخالقُ يخاطبُ الخلقَ مرغباً لهم في خطابه ؛ للإقبال إلى هذا الكتابِ الكريم بذكر أوصافه التي كلها حسَنَة ، وهي ضروريةٌ للعباد ، فقال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ } ، تعظكم وتنذركم من الأعمالِ الموجبةِ لسخطِ اللهِ ، والمقتضية لعقابه ، وتحذركم عنها ، ببيانِ آثارِ ارتكابها ، وما يلحق ذلك من مفاسد .
فـ (الموعظة) بمعنى (الذكرى) ، يقول القرطبيُّ : " يقول تعالى ذكره لخلقه : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } ، يعني : ذكرى تذكركم عقابَ الله ، وتخوفكم وعيدَهُ "(1).
أو بمعنى (التزكية) ، يقول الألوسي : " { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } أي : تزكيةٌ لنفوسكم بالوعد والوعيد ، والزجر عن الذنوب المتسببة للعقاب ، والتحريض على الطاعة الموجبة بفضل الله تعالى للثواب "(2).
فنحنُ نلاحظُ أنَّ التذكيرَ مناسبٌ لآيةِ سورةِ البقرةِ ، وأما التأنيثُ ، فهو مناسبٌ لآيةِ سورةِ يونسَ .
وقولَه تعالى : { فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } (الأنعام:157) ، وقولَه تعالى : { قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } (الأعراف:73و85 ) ، ولمعرفةِ سببِ الاختلافِ ، لا بد لنا من الرجوع إلى سياقِ هذه الآياتِ .
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن ، 11/124 .
(2) روح المعاني / 11/176 .(1/52)
يقول تعالى قبل آية الأنعام : { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ - وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ - أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ - أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ } (الأنعام:154-157)
فنحنُ نجدُ أنَّ مدارَ الحديث حول الكتب السماوية : (ثم أتينا موسى الكتاب) ،(وهذا كتابُ أنزلناه) ، (إنما أُنزل الكتابُ) ، (لو أنا أُنزل علينا الكتابُ) ،ثم يقول تعالى : (فقد جاءكم بينةٌ) ، والمقصود بـ (البينة) هنا (القرآن) ، مناسبة للسياق العام الذي يتحدثُ عن الكتب السماوية ، يقول أبو حيان : " والظاهر أنَّ (البينة) هي (القرآن) ، وهو الحجةُ الواضحةُ الدالةُ النيرةُ ، حيثُ نَزَلَ عليهم بلسانهم ، وألزم العالمَ أحكامَهُ وشريعَتَهُ "(1).
ويقول الشوكاني : " { فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } أي : كتابٌ أنزله اللهُ على نبيكم ، وهو منكم يا معشرَ العربِ " (2)، ولذلك لا يُناسبُ هنا إلا التذكير .
__________
(1) البحر المحيط ، 4/697 .
(2) فتح القدير ، 2/219 ، وينظر : معاني النحو ، 2/486 .(1/53)
أما آيتا الأعرافِ ، فالأُولى منهما في قصة نبي الله صالح- عليه السلام - صاحبِ الناقة ، ولننظر إلى الآية نفسها ، فاللهُ تعالى يقولُ : { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (الأعراف:73) ، فنحنُ نجدُ أنَّ الحديثَ فيها عن الناقة ، وهي معجزتُهُ - عليه السلام - ، ولوجدنا أيضاً أنَّ تفسيرَ (البينة) يعني (الناقة) ، بدليل : { قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً } ، ويقولُ الزمخشري : " { قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ } ، أي آية ظاهرة وشاهدٌ على صحة نبوتي ، وكأنه قِيلَ : ما هذه البينة ؟ فقال : { هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً } "(1).
فالمقامُ يتطلب التأنيثَ ؛ كون (البينة) ، ناقةَ صالح ، وهي حجته على قومه بصحة نبوته .
__________
(1) الكشاف ، 1/55 ، وينظر : تفسير النسفي ، 2/61 ، والبحر المحيط ، 5/91-92 .(1/54)
وأما الآية الثانية ، ففي قصة نبي الله شعيب - عليه السلام - ، يقول تعالى : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (الأعراف:85) ، و (البينة) هنا (المعجزة) أو (الموعظة) ، يقولُ الزمخشري : " { قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } ، معجزةٌ شاهدةٌ بصحة نبوتي أوجبتْ عليكم الإيمانَ بي ، والأخذَ بما آمركم به والانتهاءَ عمَّا أنهاكم عنه ، فآمنوا ولا تبخسوا "(1).
ويقولُ أبو حيان : " و (البينة) هنا الموعظة "(2)، وواضحٌ أنَّ المقامَ لا يحتملُ إلا التأنيثَ .
وننتقل إلى قوله تعالى : { وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ } (هود:67) وقوله تعالى : { وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ } (هود:94) ، فالآيةُ الأولى في قصة نبي الله صالح - عليه السلام - ، يقول تعالى : { فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ - وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } (هود:66و67) .
__________
(1) الكشاف ، 1/559 ، وينظر : تفسير النسفي ، 2/63 .
(2) البحر المحيط ، 5/104 .(1/55)
وأما الآيةُ الثانية ففي قصة نبي الله شعيب - عليه السلام - ، يقول تعالى : { وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } (هود:94) ، فقد ذكَّر في الآية الأُولى ، وأنثَ في الآية الثانية ، ويقول المفسرون إنَّ هذا من باب الحمل على المعنى ، فعندما يُذكِّر ، يحمل (الصيحة) على (الصياح) ، وعندما يؤنث ، يأخذ اللفظَ على ظاهره ، وهو التأنيثُ ، جاء في مشكل إعراب القرآن : " وقيل إنما حُذفتِ التاءُ ؛ لأنه حمل على معنى (الصياح) ، إذ الصيحةُ والصياحُ بمعنىً واحدٍ ، وكذلك العِلَّةُ في كلِّ ما شابهَهُ "(1). ولو دققنا النظرَ في سياق الآيتين لوجدنا :
أولاً :
في قصة نبي الله صالح - عليه السلام - ، تكون (الصيحة) بمعنى (العذاب) و (الخزي) ، وهو معنىً مذكرٌ ، يُناسب تركَ العلامةِ من الفعلِ ، والدليلُ قوله تعالى قبل هذه الآية :
{ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } (هود:66) ، والموافقةُ واضحةٌ .(2)
ولنتتبع آياتٍ تخصُ قصةَ نبي الله شعيبٍ- عليه السلام - ، في القرآن الكريم كلِّهِ :
__________
(1) مشكل إعراب القرآن ، 1/368 ،وينظر : زاد السير ، 5/147 ، وحجة القراءات ، 1/373 ، والجامع لأحكام القرآن ، 9/92 و 17/57 .
(2) ينظر : نتائج الفكر ، 170 .(1/56)
يقول تعالى : { وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ - فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } (الأعراف:90-91) ، ويقول تعالى : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ - فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } (العنكبوت:36-37) ، ويقول تعالى : { كَذَّبَ أَصْحَابُ لْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ - إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ - … فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } (الشعراء:176-177-189) .
فنحنُ نجدُ (الرجفةُ) في الأعراف والعنكبوت ، و (الظلةِ) في الشعراء ، وهذان اللفظان يتوافقان تماماً من حيثُ التأنيث مع (الصيحة) في هود ،(1) ويقول ابنُ القيم : " فإنَّ الرجفةَ بدأت بهم ،فأصحروا إلى الفضاء ، خوفاً من سقوط الأبنية عليهم ، فصهرتهم الشمسُ بحرها ، وَ رُفِعَتْ لهم الظلةُ ، فأهرعوا إليها يستظلون بها من الشمس ، فنزل عليهم من العذاب وفيه الصيحةُ ، فكان ذِكرُ الصيحةِ مع الرجفةِ والظلةِ ، أحسنَ من ذِكر الصياح ، وكان ذِكرُ التاءِ "(2) .
ثانياً :
إنَّ الآيةَ التي بعد آية قصة صالح- عليه السلام - هي : { كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ } (هود:68) ، أما الآية التي بعد آية قصة شعيب - عليه السلام - ، فهي : { كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ } (هود:95) .
__________
(1) ينظر : أسرار التكرار في القرآن ، 1/109 .
(2) بدائع الفوائد، 1/126 .(1/57)
فنحنُ نجدُ في خاتمةِ الآيةِ الاُولى : { أَلا بُعْداً لِثَمُودَ } ، تناسباً مع التذكيرِ في آيةِ قصةِ صالح - عليه السلام - ، ونجدُ أيضاً في خاتمةِ الآيةِ الثانيةِ : { كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ } ، تناسباً مع التأنيثِ في آيةِ قصةِ شعيبٍ - عليه السلام - ، وهذا تناسبٌ واضحٌ جداً .
إنَّ السياقَ القرآني لا يتحددُ في آياتٍ متقاربةٍ في سورةٍ معينةٍ ، بل يمتدُ فضاؤُهُ على امتدادِ القرآنِ الكريمِ في سورهِ كلِّها ، كما رأينا في النقطةِ الأُولى .
مما تقدمَ يتضحُ لنا تمامَ الاتضاحِ أنَّ تذكيرَ الفعلِ مع الفاعلِ المؤنثِ في بعضِ مواضع القرآن الكريم ، أمرٌ راجعٌ إلى المعنى والسياق ، ولا ننسى أنَّ مواطنَ إلحاقِ العلامةِ بالفعلِ مع الفاعلِ المؤنثِ تصلُ إلى ضعفيِّ مواطنِ تركها .(1)
ثانياً - المطابقة في العدد :
إنَّ ظاهرةَ المطابقة بين الفعل وفاعله في العدد شغلت النحويين ، وأخذت حظاً وافراً من كتبهم ، فهم يعدون المطابقة بين الفعل وفاعله ، تثنيةً وجمعاً ، ليس كلام عامة العرب ، بل هو كلام طائفة مخصوصة منهم ، وهم طيء ، وقيل هم أزد شنوءة ، وقيل بنو الحارث بن كعب .(2)
فنقول : (قامَ زيدٌ) و (قامَ الزيدان أو الهندان) و (قامَ الزيدون) و (قامَ الهنداتُ) ، ولا نقول : (قاما الزيدان) و (قامتا الهندان) و (قاموا الزيدون) و (قُمْنَ الهنداتُ) ، إلا على هذه اللغة ، وقد سمَّاها النحاةُ : (لغة أكلوني البراغيثُ) ، وقد سمَّاها ابنُ مالك : (لغة يتعاقبون فيكم ملائكةٌ) .(3)
__________
(1) ينظر : دراسات لأُسلوب القرآن الكريم ، 8/449 .
(2) ينظر : الكتاب ، 1/20 ، وشرح المفصل ، 3/87 ، وشرح الرضي عل الكافية ، 1/225 ، وشرح ابن عقيل ، 1/473 ، وشرح الأشموني ، 2/47 ، وهمع الهوامع ، 2/256 ، و المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ، 299 .
(3) ينظر : شرح ابن عقيل ، 1/473 ، وتسمية ابن مالك هذه ، جملة من حديث نبوي شريف لنا معه وقفة بعد قليل.(1/58)
جاءَ في الكتاب : " واعلمْ أنَّ من العرب من يقول : (ضربوني قومُكَ) و (ضرباني أخواكَ) ، فشبهوا هذا بالتاءِ التي يُظهرونها في ( قالتْ فلانةُ ) ، وكأنهم أرادوا أن يجعلوا للجمع علامةً كما جعلوا للمؤنثِ "(1).
ويقول ابنُ يعيش : " وإذا قُلتَ : (قاما الزيدان) ، فالألفُ حرفٌ مؤذنٌ بأنَّ الفعلَ لاثنين ، وكذلك إذا قُلتَ : (قاموا) ، فالواو حرفٌ مؤذنٌ بأن الفعلَ لجماعةٍ "(2) .
وقد ترددت هذه اللغة في كتب النحاة بين آخذٍ بها ، وبين رادٍ لها ، فسيبويه ينعتها بالقليلة ، ويتأول قوله تعالى : { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } (الأنبياء:3) على البدلية.(3)
وقد جوَّزَ الفراءُ هذه اللغة (4)، ووافقه الزمخشريُّ على ذلك (5)، ويقول ابنُ يعيش : " وهي لغةٌ فاشيةٌ لبعض العرب ، كثيرةٌ في كلامهم وأشعارهم "(6) .
إن القرآن الكريم قد استعمل هذا التركيب ، وذلك في عدد من الآيات ، إلا أننا نجد أنَّ الجدل قد طال حولها ، فبعضهم يحملها على هذه اللغة ، وبعضهم يتأول لها وجوهاً لا وجهاً واحداً ، تصل هذه الوجوه في بعض الأحيان إلى أحدَ عشرَ وجهاً .(7)
قال تعالى : { ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ } (المائدة:71) ، قال الفراءُ في هذه الآية : " فقد يكون رفعُ (كثيرٌ) من جهتين : أنَّ تُكِرَّ الفعلَ عليها ، تُريد : عَمِي وصَمَّ كثيرٌ منهم ، وإن شئتَ جعلتَ (عموا وصموا) فعلاً للكثير ، كما قال الشاعرُ :
__________
(1) الكتاب ، 2/40 .
(2) شرح المفصل ، 3/87 ، وينظر : شرح شذور الذهب ،167-179 ، وشرح ابن عقيل ، 1/468-472 ، وشرح الأشموني ، 2/46-48 ، وهمع الهوامع ، 2/256-257 .
(3) ينظر : الكتاب ، 2/40 .
(4) ينظر : معاني القرآن ، الفراء ، 1/317 .
(5) ينظر : الكشاف ، 2/320 .
(6) شرح المفصل ، 3/87 .
(7) ينظر : مغني اللبيب ، 480 ، والمدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ، 302-303 .(1/59)
يَلُومُونَنِي في اشتِرَائي النَخِيـ ـــلَ أهلِي فَكُلُّهُم ألْوَمُ
وهذا لمن قال : (قاَموا قومُكَ) ، وإن شئتَ جعلتَ الكثيرَ مصدراً ، فقلتَ أي ذلك كثيرٌ منهم ، وهذا وجهٌ ثالثٌ ، ولو نصبتَ على هذا المعنى ، كان صواباً "(1).
ويوافق الزمخشريُّ الفرَّاءَ ، فـ (كثيرٌ) إما بدلٌ من الضمير، أو فاعلٌ على لغة (أكلوني البراغيثُ) ، أو خبر مبتدأ محذوفٍ ، والتقدير:أُولئكَ كثيرٌ منهم (2)، أما النسفيُّ ، فيرى البدليةَ ، أو الخبرَ ، دونَ لغةِ (أكلوني البراغيثُ) (3)، وهو ما ذهبَ إليه أبو حيان ، مضعفاً وجهاً رابعاً ، وهو أن يكونَ (كثيرٌ) مبتدأً ، والجملةَ قبله خبراً له .(4)
__________
(1) معاني القرآن ، الفراء ، 1/316 ، ويقصد بالوجه الأول من الرفع (أن تُكِرَّ …) البدليةَ ، فـ (كثيرٌ) بدلٌ من الفاعل في (عموا وصموا) ،ينظر : المصدر نفسه ، 1/316 ، هـ / 1 ، والبيت لاُحية بن الجلاح ، ينظر : ديوانه ، 71 ، وفيه ( اشتراء ) بدل ( اشترائي ) ، و( يعذل ) بدل ( ألوم ) ، والشاهد فيه جمعه بين واو الجمع في (يلومونني) ، وبين الفاعل الظاهر(أهلي) ، ينظر : معاني القرآن ، الفراء ،1/316، هـ /1 ،وشرح المفصل ، 3/87 ، وفيه (يعذل) بدل (ألومُ) ، ونُسب في الهامش إلى أُمية بن أبي الصلت ، وشرح ابن عقيل ، 1/470 ، رقم /143 ، من دون نسبة ، وشرح الأشموني ، 2/47 ، رقم / 272 ، ولم ينسبه العيني في شرحه لشواهد الأشموني ، وهمع الهوامع ، 2/257 ، رقم /629 .
(2) ينظر: الكشاف ، 1/476 .
(3) ينظر : تفسير النسفي ، 1/294 .
(4) ينظر : البحر المحيط ، 4/328 ، وسبب التضعيف ، لأن " الفعل قد وقع موقعه ، فلا يُنوى به التأخير " ، المصدر نفسه ، 4/328 .(1/60)
أما قوله تعالى : { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } (الانبياء:3) ،فسيبويه يحمل الآيةَ على البدلية ، حيثُ يقول : " وأما قوله جلَّ ثَناؤهُ : { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } ، فإنما يجيء على البدل ، وكأنه قال : انطلقوا ، فَقِيلَ له : من ؟ ، قال : بنو فُلان "(1).
ويرى الفراءُ أنَّ (الذين) مرفوعٌ على الاستئنافِ ، أو نعتٌ للناس في قوله تعالى { :إقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُم } (الانبياء:1) ،وهي هاهنا مخفوضةٌ ، أو إنَّ الآية على لغة (أكلوني البراغيثُ) .(2)
وزادَ صاحبُ مشكل إعراب القرآن الرفعَ على إضمار (يقول) ، أو النصبَ على تقدير (أعني)(3) ، ويذكر الزمخشريُّ البدليةََ ، أو لغةَ أكلوني البراغيثُ ، أو النصبَ على الذم ، أو مبتدأ خبره ما قبله قُدِمَ عليه(4)،وهناكَ وجوهٌ إعرابيةٌ أُخرى غير التي ذكرنا .(5)
وقد ورد في القراءات القرآنية ما يجري على هذه اللغة ، من ذلك قوله تعالى : { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا } (الاسراء:23) ، فقد قرأ حمزةُ والكسائيُّ (يبلغان) ، بالألف على التثنية ، وبنون مشددة (6)، وقد نَسَبَ أبو حيان هذه القراءةَ بقوله : " وهي قراءة السلمي وابنِ وثابٍ وطلحةَ والأعمشِ والجحدريِّ "(7) ، ويرى أنَّ (أحدهما) فاعل ، والألفُ علامةُ تثنيةٍ على لغة (أكلوني البراغيثُ) ، أو أنَّ (أحدهما) ، بدلٌ من الضمير في (يبلغان) .(8)
__________
(1) الكتاب ، 2/41 ، وينظر : زاد المسير ، 5/340 ، وتفسير الجلالين ، 1/420 .
(2) ينظر : معاني القرآن ، الفراء ، 1/316-317 .
(3) ينظر : مشكل إعراب القرآن ، 2/477 .
(4) ينظر : الكشاف ، 2/320-321 .
(5) ينظر : البحر المحيط ، 7/408 ، ومغني اللبيب ، 479 – 480 .
(6) ينظر : معاني القرآن ، الفراء ، 2/120 ، والسبعة في القراءات ، 1/379 ، وحجة القراءات ، 1/399 .
(7) البحر المحيط ، 7/35 .
(8) ينظر : المصدر نفسه ، 7/35 .(1/61)
وفي قوله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } (المؤمنون:1) ، يقول أبو حيان : " قال عيس بن عمرَ : سمعتُ طلحةَ بنَ مصرف ، يقرأ : (قد أفلحوا المؤمنون) ، فقلتُ له أتلحنُ ؟ قال : نعم ، كما لحن أصحابي . انتهى ، يعني أنَّ مرجوعَهُ في القراءة إلى ما رُوي وليس بلحنٍ ؛ لأنه على لغة (أكلوني البراغيثُ) "(1).
نستطيعُ القولَ : إنَّ هذه اللغةَ لغة صحيحة ، جاءَ عليها القرآنُ الكريمُ في بعض المواضع ، وكذلك وردت هذه اللغةُ في القراءات القرآنية ، فلا داعي ، لتأولها وحملها على وجوهٍ كثيرةٍ ، وواضحٌ أنَّ هذا التأولُ والحملَ كان الغايةُ منه إخراجَ هذه اللغةِ من القرآنِ الكريمِ ، لا سيما إنَّ هذه اللغة تأتي في إطار المحافظة على المطابقة بين الفعل والفاعل في العدد – مذكره ومؤنثه – " فظاهرةُ التطابقُ عمليةٌ تكادُ تكون عمليةً لا شعوريةً فطريةً ساذجةً ، تتم في إطار المنطق والحس اللغويين ، أما ظاهرة عدم التطابق ، فهي عمليةٌ تبدو فيها الصنعةُ ، ويظهر فيها عملُ العقلِ " (2).
وقد وردت هذه اللغة في الحديث النبوي الشريف ، فقد جاءَ في صحيح البخاري ، أن رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم - ، قال : " يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرجُ الذين باتوا فيكم ، فيسألهم وهو أعلمُ بهم ، كيفَ تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون "(3)، وقد ذكر مسلم في صحيحه هذا الحديث
باللفظ نفسه .(4)
__________
(1) البحر المحيط ، 7/546 ، وينظر : روح المعاني ، 18/213 .
(2) دراسات في اللغة والنحو العربي ، حسن عون ، 54 .
(3) صحيح البخاري ، 1/203 ، باب (فضل صلاة العصر) .
(4) ينظر : صحيح مسلم ، 1/439 ، باب (فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما) .(1/62)
وبهذا الحديث سمى ابنُ مالك هذه اللغة بقوله (لغة يتعاقبون فيكم ملائكةٌ) (1)، ولا داعي للقول بأنَّ هذه كلماتٌ مقتطعةٌ من حديثٍ مطولٍ أصله في مسند البزار ، كما يقول الأشموني والصبان (2)، فإن الحكم بين الروايات الحديثية ، بالأرجحية أو عدمها ، أمرٌ راجعٌ لأهل الحديث ، لا لغيرهم .
فابنُ حجرٍ يقول " فالعزو إليهما أولى "(3)، يقصد العزو إلى الصحيحين ، أولى من العزو إلى مسندِ البزار ، حول هذا الحديثِ ، وقد وردت هذه اللغةُ في أحاديثَ نبويةٍ شريفةٍ أُخرى .(4)
وقد جاءت هذه اللغةُ في الشعر كثيراً ، قال الفرزدقُ :
وَلَكِنْ دِيَافِيٌّ أبُوهُ وأُمُّهُ بحورانَ يَعْصِرْن السلِّيطَ أقَارِبُهْ (5)
وقال أُحيةُ بنُ الجلاح :
يَلُومُونَنِي في اشتِرَاءِ النَخِيـ ـــل أهلِي فَكُلُّهُم يعذلُ (6)
وقال عبدُ اللهِ بنُ قيسٍ الرقيات :
__________
(1) ينظر : شرح ابن عقيل ، 1/473 .
(2) ينظر : شرح الأشموني ، 2/48 ، وحاشية الصبان عل شرح الأشموني ، 2/48 ، وشرح ابن عقيل ، 1/473 ، هـ / 1 ، و المخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ، 303 ، ودراسات في اللغة والنحو ، عدنان محمد سلمان ،168 .
(3) فتح الباري ، 2/34 .
(4) ينظر : صحيح مسلم بشرح النووي ، 2/8 ، وسنن أبي داوود ، 1/196 .
(5) شرح ديوان الفرزدق ،1 /82 ، و (ديافيٌّ) نسبةً إلى (دياف) ، وهو موضع في جزيرة العرب ، و (السليط) الزيت ، وينظر : الكتاب ، 2 / 40 ، وشرح الرضي على الكافية ، 2 / 414 ، شاهد رقم / 366 .
(6) تقدم تخريجه ، ينظر : ص ( 53 ) من البحث .(1/63)
تَولى قِتَالَ المَارِقِينَ بِنَفسِهِ وَقَد أسلَمَاهُ مُبعَدٌ وحَمِيمُ (1)
الفصل الثاني
المطابقة بين التابع وبين المتبوع
يُعرف النحاةُ التابع بأنه " الاسم المشارك لما قبله في إعرابه مطلقاً "(2)، والتوابع خمسة : نعتٌ وتوكيدٌ وعطفُ بيانٍ وعطفٌ بحرفٍ وبدلٌ ، جاء في الاُصول " هذه توابعُ الأسماء في إعرابها .
التوابعُ خمسةٌ : التوكيدُ والنعتُ وعطفُ البيان والبدلُ والعطف بالحروف ، وهذه الخمسة ، أربعةٌ تتبع بغير متوسط ، والخامسُ وهو العطفُ ، لا يتبع إلا بتوسط حرفٍ ، فجميع هذه تجري على الثاني ما جرى على الأول من الرفع والنصب والجر "(3)
المبحث الأول
المطابقة بين النعت والمنعوت:
يقسم العلماءُ النعتَ على نوعين :
الأول منهما يسمونه ( النعت الحقيقي ) : وهو التابع الذي يقوم بإتمام متبوعه بالدلالة على وصف ثابت فيه ، وذلك كقولنا ( جاء محمدٌ الطويلُ ) .
__________
(1) ديوانه ، 196 ، والبيت من قصيدة له قالها في رثاء مصعب بن الزبير ، والمارقون : الخوارج ، وأسلما : خذلاه ، ومبعدٌ : الرجل الغريب ، وحميم : الرجل الوثيق الصداقة ، والشاهد فيه إثبات ألف التثنية في قوله (أسلماه) مع وجود الفاعل الظاهر (مبعدٌ وحميمُ) وهذا جارٍ على لغة (أكلوني البراغيث) وينظر : شرح شذور الذهب ، 177 ، رقم /81 ، وشرح ابن عقيل ، 1/469، رقم / 142 ، وشرح الأشموني ، 2/47 ، رقم /271 ، وهمع الهوامع ، 2/257 ، رقم / 628 .
(2) شرح ابن عقيل ، 2/190 .
(3) الأُصول في النحو ، 2/17 ، وينظر : المقتصد في شرح الإيضاح ، 2/896 ، وشرح المفصل ، 3/39 ، وشرح الرضي على الكافية ،2/277 ، وارتشاف الضرب ، 2/279 .(1/64)
أما النوع الآخر فهو ( النعت السببي ) : وهو التابع الذي يقوم بإتمام متبوعه بوصف ثابت متعلق بالمنعوت ، كقولنا :( جاءَ محمدٌ الفاضلُ أبوهُ ) ، يقول ابنُ يعيش : " والصفةُ لفظٌ يتبعُ الموصوفَ في إعرابه تحليةً وتخصيصاً له بذكر معنىً في الموصوف ، أو في شيء من سببهِ ، وذلك المعنى عرضٌ للذات لازمٌ له "(1) ، ويقول ابنُ الحاجب : " ويُوصَفُ بحال الموصوف وحال متعلقه ، نحو ( مررتُ برجل حسنٍ غلامهُ ) "(2) .
ولا بدَّ للنعت من مطابقة منعوته ، وهذه المطابقة تختلف بحسب نوعي النعت ،
أولاً - المطابقة في النعت الحقيقي :
فالنعتُ الحقيقيُّ يطابق منعوته في الإعراب ، وفي التعريف والتنكير ، وفي الإفراد والتثنية والجمع ، وفي التذكير والتأنيث ، يقول سيبويه : " وأعلمْ أنَّ المعرفةَ لا توصفُ إلا بمعرفةٍ ، كما إنَّ النكرة لا توصف إلا بنكرةٍ "(3) ، وجاء في شرح المفصل : " قال الشارح : قد تقدم قولنا ( إن الصفة تابعة للموصوف في أحواله ) وجملتُها عشرة أشياءٍ ، رفعه ونصبه وخفضه ، وإفرادهُ وتثنيتهُ وجمعهُ ، وتنكيرهُ وتعريفهُ ، وتذكيرهُ وتأنيثهُ "(4)
__________
(1) شرح المفصل ، 3 / 47 ، وينظر : شرح ابن عقيل ، 2 / 190 ، وشرح الأشموني ، 3 / 59 .
(2) شرح الرضي على الكافية ، 2 / 302.
(3) الكتاب ، 2 / 302 ، وينظر : الأصول 2 / 21 و 32 ، والمقتصد في شرح الإيضاح ، 2/ 900 .
(4) شرح المفصل ، 3 / 54 ، وينظر : شرح الرضي على الكافية ، 2 / 302 ، وشرح ابن عقيل ، 2 / 193 – 194 ، والمنهل الصافي ، 2 / 618 ، والفوائد الضيائية ، 2 / 37 .(1/65)
وسبب هذا التطابق ؛ إنَّ النعت والمنعوت " كالاسم الواحد " (1)، يقول ابن يعيش : " وإنما وجب للنعت أن يكون تابعاً للمنعوت فيما ذكرناه ، من قِبَلِ أنَّ النعت والمنعوت كالشيء الواحد ، فصار ما يلحقُ الاسمَ يلحقُ النعتَ ، وإنما قلنا أنهما كالشيء الواحد ، من قِبَلِ أنَّ النعتَ يُخرِجُ المنعوتَ من نوعٍ إلى نوعٍ أخصّ منهُ ، فالنعتُ والمنعوتُ بمنزلةِ نوعٍ أخصّ من نوعِ المنعوتِ وحده " (2).
مما تقدم يتضح لنا أن المطابقة بين النعت ومنعوته واجبةٌ في الإعراب ، وفي العدد وفي الجنس وفي التعريف والتنكير ، فلا يُوصفُ مرفوعٌ بمنصوبٍ أو مجرورٍ ، بل بمرفوعٍ مثله ، وكذلك إذا كان منصوباً أو مجروراً ،، فينعت بما يطابقه إعراباً ، ولا يوصف المفرد بمثنىً أو جمعٍ ، بل بمفردٍ مثله ، وكذلك إذا كان مثنىً أو جمعاً فينعت بما يطابقه عدداً ، ولا يوصف مذكرٌ بمؤنثٍ ولا العكس ، بل كلٌ بما يطابقهُ ، وكذا الأمر في التعريف والتنكير ، فلا توصف المعرفة إلا بمعرفةٍ مثلها ، ولا توصف النكرة إلا بنكرة مثلها وهذا كله في النعت الحقيقي ، وحافظ النظم القرآني على تلك المطابقة بين النعت ومنعوته كما يأتي :
أ- في الإعراب :
نجدُ النعتَ في مواطنَ ورودهِ كلِّها في القرآن الكريم قد طابق منعوته رفعاً ونصباً وجراً ، فمثال التطابق رفعاً قوله تعالى : { وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } (البقرة:49) ، وقوله تعالى : { بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ } (الأعراف:81) وغير ذلك (3).
__________
(1) الكتاب ، 1 / 421.
(2) شرح المفصل ، 3/ 55 .
(3) ينظر ( آل عمران /62 ) ، ( النساء / 92 ) ،( إبراهيم / 6 ) .(1/66)
أما مثال التطابق بينهما نصباً ، فنحو قوله تعالى: { وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً } (المائدة:88) وقوله تعالى : { لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ } (النور:46) ، وغير ذلك (1).
وأما مثالُ التطابق بينهما جراً ، فنحو قوله تعالى : { وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ } (الصافات:7) ، وقوله تعالى : { ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ } (صّ:1) ، وغير ذلك (2).
النعت المقطوع :
قد يخالفُ النعتُ منعوتَهُ في حركته الإعرابية ، وهذا ما يُعرف في العربية بظاهرة القطع ، ويقصد بها مغايرة النعتِ لمنعوتِهِ إعراباً ، وهذه الظاهرة تقع في العطف أيضاً (3)، على ما سنعرف لاحقاً .
جاء في الكتاب : " هذا باب ما ينتصب على التعظيم والمدح .
وإن شئتَ جعلته صفةً ، فجرى على الأول ، وإن شئتَ قطعته فابتدأته ، وذلك قولك : ( الحمدُ للهِ الحميدَ هو ) و ( الحمدُ للهِ أهلَ الحمدِ ) ، و ( الملكُ للهِ أهلَ الملكِ ) ، ولو ابتدأته فرفعته كان أحسن ، كما قال الأخطل :
نَفسِي فِدَاءُ أمِيرِ المُؤمِنِينَ إذا أبدَى النواجذَ يَومٌ باسلٌ ذَكَرُ
الخائضُ الغمرَ والميمونُ طائرُهُ خليفةُ اللهِ يُستَسقَى بِهِ المَطَرُ . "(4)
__________
(1) ينظر ( الكهف / 2 ) ، ( الفرقان / 18 ) ، ( الواقعة / 37 ) .
(2) ينظر ، ( آل عمران /184 ) ، ( المائدة / 26 ) ، ( سبأ / 9 ) .
(3) 1 ينظر : معاني النحو ، 3 / 187 .
(4) الكتاب ، 2 / 62 ، وينظر : المصدر نفسه ، 2 / 70 ، و شرح شذور الذهب ، 434 ، وشرح ابن عقيل ، 2 / 404 ، وشرح الأشموني ، 3 / 68 ، والبيتان في شعر الأخطل من قصيدة له يمدح فيها عبد الملك بن مروان ، وقبل البيت الثاني :
إلى امرئ لا تعرينا نوافله أضفره الله فليهنى له الظفرُ ،
و(الخائض) في الديوان بالكسر ، وفي البيت الأول (فهو) مكان (نفسي) ، ينظر : شعر الأخطل ، 1 / 196-199 .(1/67)
وهذه الظاهرةُ تجوزُ إذا كان المنعوتُ معروفاً لدى السامع ، وإن نعته لا يميزه عن غيرهِ ، وإنما جيء به لمجرد المدح أو الذم ، فإذا كان المنعوت مبهماً لدى السامع من دون النعت ، فلا بدَّ من اتباع النعت لمنعوته ، فالنعتُ في مثل هذا معنوي لا لفظي ، أي أنَّ الإسم الذي قُطع هو نعتُ في المعنى أمَّا من ناحية الإعراب فله حكم آخر (1) .
إنَّ غاية هذه الظاهرة تركيز ذهن المتلقي على النعت المقطوع ، وإبراز المعنى الموجود في هذا النعت ، وذلك لأهميةٍ محددةٍ توجد فيه استدعت هذا التركيز ، " والعرب تعترض من صفات الواحد إذا تطاولت بالمدحِ أو الذمِّ ، فيرفعون إذا كان الاسمُ رفعاً وينصبون بعضَ المدح ، فكأنهم ينوون إخراج المنصوب بمدحٍ مجددٍ غير مُتْبَعٍ لأول الكلام "(2) ، ويقول السيوطيُّ : " قطعُ النعوتِ في مقامِ المدحِ والذمِّ أبلغُ من إجرائها ، قال الفارسيُّ : إذا ذُكرتْ صفاتٌ في معرض المدحِ أو الذمِّ ، فالأحسنُ أن يخالف في إعرابها ، لأنَّ المقامَ يقتضي الإطنابَ ، فإذا خُولِف في الإعراب كان المقصودُ أكملَ ، لأن المعاني عند الاختلاف تتنوعُ وتتفنن ، وعند الاتحاد تكون نوعاً واحداً "(3) .
__________
(1) يُنظر : نتائج الفكر ، 237 .
(2) معاني القرآن ، الفراء ، 1 / 105 ، وقد نقل كلامَ الفراء هذا ، السهيليُّ ، ينظر : نتائج الفكر ،237 .
(3) الإتقان ، 2 / 188 .(1/68)
إنَّ ما ورد في القرآن الكريم من هذه الظاهرة ، قوله تعالى : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ - مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ - سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ - وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } (المسد:1-4 ) بنصب (حمَّالة) ، يقول سيبويه : " وبلغنا أنَّ بعضَهم قرأ هذا الحرفَ نصباً : { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } ، لم يجعلِ الحمالةَ خبراً للمرأة ، ولكنه كأنه قال : ( أذكر حمالةَ الحطبِ شتماً لها ) "(1) ، وجاء في معاني القرآن : " وأما النصب فعلى جهتين ، إحداهما : أن تجعلَ الحمالة قطعاً ، لأنها نكرة ، ألا ترى أنك تقولُ ، (وامرأتُهُ الحمالةُ الحطبِ) ، فإذا ألقيتَ الألفَ واللامَ كانت نكرةً ، ولم يستقمْ أن تنصب معرفةً بنكرةٍ ، والوجه الآخر أن تشتمها بحملها الحطب فيكون نصبها على الذم "(2) .
ويقول تعالى : { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } (الأنعام:62) ، بنصب (الحقِّ) ، جاء في البحر المحيط : " وقرأ الحسنُ والأعمشُ ، (الْحَقَّ)، بالنصب ، والظاهرُ أنه صفة قُطعتْ فانتصبت على المدح "(3) .
إنَّ أغلب ما ورد من هذه الظاهرة في القرآن الكريم ، هو من القراءات القرآنية(4) .
ب- في العدد :
__________
(1) الكتاب ، 2 / 70 ، ويقصد ببعضهم ، عاصمَ بنَ أبي النجود ، ينظر : السبعة في القراءات ، 1 / 700 ، والحجة في القراءات السبع ، 1 / 377 ، وحجة القراءات ، 1 / 777 .
(2) معاني القرآن ، الفراء ، 3 / 298 ، وينظر : الجامع لأحكام القرآن ، 30 / 338 ، والتبيان في إعراب القرآن ، 2 / 296 ، والبحر المحيط ، 10 / 567 ، وروح المعاني ، 30 / 263-264 .
(3) البحر المحيط ، 4 / 541 .
(4) ينظر : دراسات لأسلوب القرآن الكريم ، 10 / 512- 521 .(1/69)
ذكرنا أنه لا بدَّ من التطابق بين النعت والمنعوت في العدد ، إفراداً وتثنيةً وجمعاً(1) ، وهو ما جاء في القرآن الكريم ، فمثال التطابق إفراداً قوله تعالى : { وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } (هود:77) ، وقوله تعالى : { وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } (الحجر:21) ، وغير ذلك (2).
أما مثال المطابقة في التثنية ، فنحو قوله تعالى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } (البقرة:233) ، وقوله تعالى : { وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ } (النحل:51) ، وغير ذلك(3) .
أما مثال المطابقة في الجمع ، فنحو قوله تعالى : { أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } (يوسف:39) ، وقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَات } (البقرة:99) ، وغيرذلك(4)، فنحن نلاحظ أنَّ المطابقة قد تمت بين النعت والمنعوت إفراداً وتثنيةً وجمعاً .
ما ظاهره عدم المطابقة :
وردت بعضُ الآياتِ في القرآن الكريم ، ظاهرها عدمُ التطابق بين النعت والمنعوت ، من ذلك قوله تعالى : { وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } (البقرة:164) ، إذ وصف ( السحاب ) وهو جمع بـ ( المسخر ) وهو مفرد.
إن سبب هذا التخالف هو أنَّ ( السحاب ) اسمُ جنسٍ(5) ، وهو ما يجوز فيه الجمعُ مراعاةً لمعناه ، والإفرادُ مراعاةً للفظهِ ، والقرآنُ الكريمُ يؤيدُ ذلك ، فقد ورد لفظ (السحاب) في القرآن
__________
(1) ينظر ص ( 59 - 60 ) من البحث .
(2) ينظر : ( آل عمران / 113 ) ، ( النساء /110 ) ، ( الأعراف / 184 ) .
(3) ينظر : ( المجادلة / 4 ) .
(4) ينظر : ( التوبة / 100 ) ، ( هود / 27 ) ، ( النور / 23 ) .
(5) وهو ما يفرق بينه وبين مفرده إما بناءٍ كـ(تمر وثمرة) ، و(بقر وبقرةٍ) ، أو بالياء كـ(رومٍ ورومي) ، . ينظر : شرح الرضي على الكافية ، 3 / 365 .(1/70)
الكريم وقد روعي معناه ، وهو الجمع ، وفي مواضعٍ أخرى روعي فيه لفظُهُ ، وهو الإفراد ، فوصفَ بمفردٍ أو عاد عليه ضميرٌ مفردٌ .(1)
فمثالُ ما روعي فيه معناه ، وهو الجمعُ ، قوله تعالى : { وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ } (الرعد:12)(2) ، أما مثال ما روعي فيه اللفظُ ، وهو الإفرادُ ، فنحو قوله تعالى : { وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ } (البقرة:164) ، وقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ } (النور:43) ، وغير ذلك(3) .
وقد ورد موضعٌ في سورة الأعراف ، روعيَ فيه معنى السحاب ولفظه ، فَوُصِفَ بجمعٍ ، وعاد عليه ضميرٌ مفردٌ ، وذلك قوله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ } (الأعراف:57) ، فوصفُ ( السحاب ) بـ ( ثقالاً ) ، وذلك لأن السحاب جمع ومعناه السحائب ،وعاد عليه ضميرٌ مفردٌ في ( سقناه ) و ( به ) مراعاةً للفظ ( السحاب ) المفرد .(4)
__________
(1) 1 ينظر : اللفظ والمعنى في لغة التنزيل ، إبراهيم السامرائي ، بحثٌ من الأنترنت ، عنوانه :
www . balagh .com / mosoa /quran /lilexyo2.htm ، ص 7 .
(2) 2 ينظر : جامع البيان ، 13 / 123، وزاد المسير ، 4 / 313 ، وتفسيرالنسفي ، 2 / 244، وتفسير البيضاوي ، 3 /321-322.
(3) 3 ينظر : ( الروم / 48 ) ، ( فاطر /9 ) .
(4) 4 ينظر : تفسير النسفي ، 2 / 57 ، وتفسير البيضاوي ، 3 / 28 ، وإرشاد العقل السليم ، 3 / 234 .(1/71)
وفي آية سورة البقرة ، يقول أبو حيان : " ووصف السحاب هنا بالمسخر ، وهو مفرد ، لأنه اسم جنس … ، فتارةً يُوصفُ به بما يُوصفُ الواحدةُ المؤنثة ، وتارةً يُوصفُ بما يُوصفُ به الجمعُ ، كقوله تعالى : { حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً } (الأعراف:57)" (1).
وجاء في روح المعاني : " والسحابُ عطفٌ على ما قلبه ، وهو اسم جنسٍ واحده سحابةٌ ،… { الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } : صفةٌ للسحاب باعتبار لفظه ، وقد يعتبر معناه ، فيوصف بالجمع كـ ( سحاباً ثقالاً ) "(2) .
وقال تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } (الأنبياء:47) ، فقد نَعَتَ الجمعَ (الموازين) ، بمفردٍ ( القسط ) ، وسبب ذلك لأن ( القسط ) مصدرٌ ، والمصدر لا يُثنى ولا يجمعُ ، فهو مفردٌ على كلِّ حالٍ ، " لأنه جنسٌ يدلُ بلفظهِ على القليلِ والكثيرِ فاستُغني عن تثنيتهِ وجمعهِ "(3) .
يقولُ الفراءُ : " وقوله : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ } ، (القسط) ، من صفة (الموازين) ، وإن كان موحداً ، وهو بمنزلة قولك للقوم : أنتم رضاً وعدلٌ "(4) .
ويقول الطبري : " وجعل (القسط) وهو موحدٌ من نعت (الموازين) وهو جمعٌ لأنه في مذهب عدل ورضا "(5) .
__________
(1) 5 البحر المحيط ، 2 / 82 .
(2) 6 روح المعاني ، 2 / 33 .
(3) 1 شرح المفصل ، 3 / 50 .
(4) 2 معاني القرآن ، الفراء ، 2 / 205 .
(5) 3 جامع البيان ، 1 / 268 ، وينظر : زاد المسير ، 5 / 245 ، والجامع لأحكام القرآن ، 11 / 294 ، ، ولسان العرب، مادة (قسط) ، 7 / 377 ، وتفسير البيضاوي ، 4 / 96.(1/72)
أو تكون الآية على حذف مضاف ، والتقدير : (ونضع الموازين ذوات القسط) ، وبهذا تتم المطابقة ، يقول الزمخشري : " … أو على حذف مضاف أي ذوات القسط " .(1)
والرأي الأول أولى ، لأنه يناسب معنى الآية ، وأدلُّ في إعجازها ، فقد سِيقَتْ هذه الآيةُ لبيان عدل الباري سبحانه وتعالى بين عباده ، فكلٌ يُجازى بما عَمِلَ ، لا ينقص من عمله شيءٌ ، سواء كان خيراً أم شراً ، وسواءٌ كان المُجازى مؤمناً أم كافراً ، ولو كان ذلك العمل مثقالَ حبةٍ من خردلٍ ، التي هي أصغرُ الأشياء وأحقرها ، فإنَّ اللهَ يأتي بها ليُجَازِي بها صاحبَها ، فاللهُ تعالى يقول : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } (الزلزلة:7-8) .
فمعنى العدالة يتحقق بنصبه تعالى للموازين ، التي هي عين القسط والعدل ، وهذا المعنى يكون بوصف الموازين بالمصدر ، وهذا من قسطه وعدله جلَّ وعلا .(2)
وقال تعالى : { إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } (الإنسان:2) ، فقد وصف ( النطفة ) وهي مفرد بجمع ( أمشاج ) .
والقول في هذه الآية من وجهين :
الأول :
__________
(1) 4 الكشاف ، 2 / 377 ، وينظر : زاد المسير ، 5 / 245 ، وتفسير النسفي، 3 / 80 ، ولسان العرب ، مادة ( قسط ) ، 7 / 377 ، وفتج القدير ، 3 / 411 ، وأضواء البيان ، 4 / 160 .
(2) 5 ينظر : الكشاف ، 2/330 ، وتفسير النسفي ، 3/81 ، وأضواء البيان ، 4/158 .(1/73)
إنَّ لفظَ ( أمشاج ) لفظٌ مفردٌ غيرُ مجموع ، يقول الزمخشري : " ( نطفةٍ أمشاجٍ ) كـ (برمة أعشار)، و(دبر أكباش) ، وهي ألفاظٌ مفردةٌ غير جموع ، ولذلك وقعت صفاتٍ للأفراد "(1).
الثاني :
إنَّ المقصود بالنطفة هنا ، ماءُ الرجلِ وماءُ المرأةِ ، وكلا الماءين يحوي صفات متعددة ، وجاز وصفها – النطفة – بالجمع لهذا المعنى ، يقول البيضاوي : " وجمع النطفة به ، لأن المراد مجموع منيِّ الرجل والمرأة ، وكلٌّ منهما مختلف الأجزاء في الرقة والقوام والخواص "(2) ، وجاء في روح المعاني : " والحاصل أنه نَزَّلَ الموصوفَ منزلةَ الجمعِ ، ووُصِفَ بصفة أجزائهِ "(3) .
__________
(1) 1 الكشاف ، 3 / 295 ، وينظر تفسير النسفي، 4 / 317 ، والبحر المحيط ، 10 / 359 ، وفتح القدير ، 5 / 345 ، وروح المعاني ، 29 / 51 ، وأظنُّ أن عبارة ( دبر أكباش ) خطأ في متن الكشاف ، والصحيح ( بُردٌ أكياش ) فقد ذكر أبو حيان قول الزمخشري بالصيغة التي أوردتها ، حيث يقول : " وقال الزمخشري : نطفة أمشاج كـ(برمة أعشار) و ( برد أكياش ) وهي ألفاظ مفردة …" البحر المحيط ، 10 / 359 ، وجاء في روح المعاني : " وقيل هو مفرد جاء على أفعال ، كأعشار و ( أكياش ) في قولهم أعشار أي متكسرة ، و ( بردُ أكيش ) أي مغزول غزله مرتين أ واختاره الزمخشري " روح المعاني ، 29 / 51 ، وينظر اللسان ، 6 / 344 ، مادة ( كيش ) ، وتاج العروس ، 6 / 337 ، مادة ( خلق ) .
(2) 2 تفسير البيضاوي ، 5/ 425 ، وينظر إرشاد العقل السليم ، 9 / 70 .
(3) 3 روح المعاني ، 29 / 51 .(1/74)
وهو الذي نؤيده ؛ ففي بداية السورة التي وردت فيها هذه الآية ، كان الحديث حول بدء خلق الإنسان ، فاللهُ تعالى يقولُ : { هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً - إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } (الانسان:1-2) ، فقد مرَّ على الإنسان زمنٌ طويلٌ قبل وجوده ، وهو معدومٌ ، { لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً } ، ثمَّ خلق اللهُ تعالى آدمَ (- عليه السلام -) من طين ، وجعل نسله بعده متسلسلاً { مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } ، ذلك الماء المُستَقذر الناتج عن اختلاط ماء الرجل بماء المرأة ، لـ (نَبْتَلِيهِ) بطريقة خلقه وأصل منبته ، ليعلم اللهُ هل يرى الإنسانُ حالَهُ الأولى ويتفطنُ لها ؟ ، أم يتركها خلفَ ظهره ، ناسياً إيَّاها ، مغتراً بنفسه ؟(1)
ج- في الجنس :
فالمذكرُ يُوصفُ بمذكرٍ مثله ، والمؤنث يُوصفُ بمؤنثٍ مثله ، وهذا ما جاء عليه القرآن الكريم. فمثالُ وصفِ المذكرِ بالمذكر قولُهُ تعالى : { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }
(النساء:161) ، وقوله تعالى : { وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } (هود:44) ، وغير ذلك (2).
أما مثالُ وصفِ المؤنثِ بالمؤنثِ فنحو قوله تعالى : { يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ } (البقرة:47) ، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } (النساء:1) ، وغير ذلك (3).
ما ظاهرهُ المخالفة :
__________
(1) 4 يُنظر : تيسير الكريم الرحمن ، 1256 .
(2) ينظر : ( الحج / 1 ) ، ( النور / 25 ) ، ( الفرقان / 26 ) .
(3) 2 ينظر : ( البقرة / 128 ) ، ( آل عمران / 131 ) ، ( الإسراء / 101 ) .(1/75)
وقد وردت بعضُ الآيات في القرآن الكريم ، ظاهرُها التخالفُ بين النعت ومنعوته في الجنس ، وذلك راجعٌ إلى الحمل على المعنى ، قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً - لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } (الفرقان:48-49) ، فقد وصف الـ (بلدة ) وهي مؤنثٌ بصفة المذكر ( ميتاً )(1)، وفي موطن آخر في القرآن الكريم ، وصف الـ ( بلدة ) بصفة المؤنث ، وذلك في قوله تعالى : { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } (سبأ : 15) .
والسببُ في ذلك يرجعُ إلى الحمل على المعنى ، فـ (البلدة) بمعنى (البلد) ، قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَآمِنَاً } (ابراهيم:35) ، وقال تعالى : { فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ } (فاطر:9) ، وقال أيضاً : { وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ } (التين:3) ، يقول الزمخشريُّ : " قال (ميتا) ؛ لأنَّ (البلدة) في معنى (البلد) في قوله : ( فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ ) "(2) .
__________
(1) 3 ورد مثل هذا التركيب في موطنين آخرين في القرآن الكريم ، هما قوله تعالى : ( وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) (الزخرف:11) ، وقوله تعالى : ( رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً ) (قّ:11) .
(2)
1 الكشاف ، 2 / 411 ، وينظر : الجامع لأحكام القرآن ، 13 / 56 و 17 / 7 ، وتفسير النسفي ، 3 / 170 ، ولسان العرب ، مادة ( موت ) ، 2 / 911 ، والبحر المحيط ، 8 / 116 ، وروح المعاني ، 19 / 31 ، و 25 / 67 / و 26 / 176 .(1/76)
أو إنَّ ( البلدة ) بمعنى (المكان) ، أو ( الموضع ) ، قال ذلك الطبريُّ (1)، وبهذين التأويلين تتم المطابقة .
وقال تعالى : { تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } (القمر:20) ، فوصف (النخل) وهو لفظٌ مؤنثٌ ، بـ ( منقعر ) وهو مذكرٌ ، وفي موطن آخر وصف ( النخل ) بصفةٍ مؤنثةٍ ، قال تعالى : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } (الحاقة:7) ، وقد أعاد على هذا اللفظ ضميراً مؤنثاً في قوله تعالى : { وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ } (الأنعام:99) .
__________
(1) 2 يُنظر : جامع البيان ، 19 / 21 ، وينظر : معالم التنزيل ، 3 / 372 ، وزاد المسير ، 6 / 94 ، والبرهان ، 3 / 359 .
3 المقتضب ، 3 / 346 .(1/77)
والسببُ في ذلك لأنَّ لفظ ( النخل ) من أسماء الأجناس ، وهذه الأسماء يجوز فيها التذكير نظراً للجنس ، ويجوز فيها التأنيث نظراً لمعناها ، يقولُ المبردُ : " وأعلمْ أنَّ كلَّ جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء ، فإنه جارٍ على سنة الواحد ، وإن عنيتَ به جمع الشيء ، مَنْ أنثه فليس إلى الإسم يقصد ، ولكنه يؤنثها على معناه ، كما قال عزَّ وجلَّ : { تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُم أَعْجَازنَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } لأنَّ (النخل) جنسٌ وقال : { فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } (الحاقة:7) ، لأنه جمعُ (نخلةٍ) ، فهو على المعنى جماعة "3 ، وجاء في مشكل إعراب القرآن : " قوله : { نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } ، إنما ذكر ( منقعر ) لأنَّ النخل يُذكرُ ويؤنَّثُ ، فلذلك قال ( منقعر ) ، وقال في موضع آخر : { أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } ، فأنَّث "(1) ، ويقول النسفيُّ : " وذكَّرَ صفة ( نخل ) على اللفظ ، ولو حملها على المعنى لأنَّثَ ، كما قال : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } (2).
والتأنيث في مثل هذه الأسماء لغةُ أهلِ الحجاز ، وأما التذكير فهو لغة أهل تميم (3).
__________
(1) مشكل إعراب القرآن ، 2 / 699 – 700 .
(2) تفسير النسفي ، 4 / 203 ، وينظر : لسان العرب ، مادة ( خوا ) ، 14 / 245 ، والبحر المحيط ، 9 / 531 ، وتفسير البيضاوي ، 5 / 267 ، والإتقان ، 1 / 555 ، وإرشاد العقل السليم ، 8 / 171 ، وفتح القدير ، 5 / 125 .
(3) ينظر : المقتضب ، 3/ 346 ، هـ –4 ، وزاد المسير 8 / 95-96 .(1/78)
وبالرغم من جواز الأمرين فإن النظم لم يستعمل هذين التركيبين اعتباطاً ، بل كلٌ يناسب ما ورد فيه ، فآية سورة القمر: { تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } ، مناسبة تماماً لفواصل الآيات في تلك السورة ، فقد وردت كلُّ الفواصل مختومة بصوت ( الراء ) ، كـ ( القمر ، مستمر ، مستقر، مزدجر ،…) ، وإنَّ الخروج في آية واحدة - من أصل خمسٍ وخمسين آية - فيه من الثقل على السامع ما فيه .
وكذا الحال في الآية الأخرى من سورة الحاقة : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } ، فهي مناسبةٌ تمام المناسبةِ للفواصل في تلك السورة ، كـ ( الطاغية ، عاتية ، باقية ، رابية ، واعية …) .
يقول السيوطي : " أعجازُ : أصولُ نخلٍ ، منقعرُ : منقطعٌ ساقطٌ على الأرض ، وشبِّهوا بالنخل لطولهم ، وذكَّرَ هنا وأنَّث في الحاقة { نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } ، مراعاةًَ للفواصل في الموضعين "(1).
وقال تعالى : { حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ } (يونس:22) .
__________
(1) تفسير الجلالين ، 1 / 706 ، وينظر : روح المعاني ، 27 / 87 .(1/79)
فقد وصف المؤنث ( ريح ) بلفظٍ مذكر ( عاصف )(1) ، والقول في هذه الآية من وجوه :
أولها :
__________
(1) 1 ورد لفظا ( الريح -الرياح ) في القرآن الكريم سبعاً وعشرين مرة ، أربعة عشر موطناً أُنِّثَ فيها هذا اللفظُ بتقدم فعلٍ مؤنثٍ عليه ، أو عود ضمير مؤنَّثٍ إليه ، وقد ذُكَّرَ في موطنين ، وفي أحد عشر موطناً لا يوجد فيها ما يشير إلى التذكير أو التأنيث ، فمثال التذكير قوله تعالى ( وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) (الروم:51) ، ومثال التأنيث قوله تعالى : (كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ= = أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ) (آل عمران:117) ، أما مثال عدم ما يشير إلى التذكير أو التأنيث فنحو قوله تعالى : ( وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (النمل:63) ، وغير ذلك من الآيات ، ينظر: ( الأعراف / 57 )، ( الحج / 31 ) ، ( سبأ / 12 ) .(1/80)
إنَّ الريحَ تُؤنَّث وتذكَّرُ ، " والعربُ تقول : عاصفٌ و عاصفةٌ "(1) ، فمن ذكَّرها فإلى اللفظ يقصد ، ومن أنَّثها فإلى المعنى يقصد ، يقول القرطبيُّ : " وقال أبو بكر الأنباري : سُئل المبردُ بحضرة إسماعيل القاضي عن ألفِ مسألةٍ ، هذه من جملتها ، فقيل له ما الفرق بين قوله تعالى : { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً } و { جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ } ، وقوله : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } و { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } ، فقال كلما ورد عليك من هذا الباب ، فإن شئتَ رددته إلى اللفظ تذكيراً ، أو إلى المعنى تأنيثاً ) "(2) .
ثانيها :
إنَّ ( العصف ) مختصٌ بالريح ، فلا يُوصف به غيرها ، وإذا كان كذلك لم يُحْتَجْ إلى التفريق ، يقول البغويُّ : " ولم يقلْ ( ريحٌ عاصفة ) ؛ لاختصاص الريح بالعصوف " (3).
ثالثها : تكون الآيةُ على حذف مضاف ، والتقدير ( ريحٌ ذاتُ عصفٍ ) يقولُ النسفيُّ : " { رِيحٌ عَاصِفٌ } ، ذاتُ عصفٍ ، أي شديدة الهبوب " (4)، وبهذا تتم المطابقة بين النعت ومنعوته .
د - في التعريف والتنكير :
توصف المعرفة بمعرفةٍ ، والنكرة بنكرة ، ولا يجوز خلاف ذلك ، جاء في القرآن الكريم من وصفِ المعرفةِ بالمعرفةِ قولُهُ تعالى : { يَحْكمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا } (المائدة:44) ، وقوله
__________
(1) معاني القرآن ، الفراء ، 1 / 460 ، وينظر : جامع البيان ، 11 / 100 ، ومعالم التنزيل ، 2 / 349 ، وزاد المسير ، 4 / 19 ، وروح المعاني ، 11 / 97
(2) 3 الجامع لأحكام القرآن ، 17 / 137 ، وينظر : البرهان في علوم القرآن ، 3 / 367 – 368 .
(3) 4 معالم التنزيل ، 2 / 349 ، وينظر : إرشاد العقل السليم ، 4 / 134 ، وروح المعاني ، 11 / 97 .
(4) 5 تفسير النسفي،2 / 158، وينظر تفسير البيضاوي ، 3/ 192 ، وإرشاد العقل السليم ، 4 / 134 ، وروح المعاني ، 11 / 97 .(1/81)
تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ } (التوبة:100) ، وغير ذلك (1).
أما مثال وصف النكرة بالنكرة ، فنحو قوله تعالى : { إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ } (هود:25) وقوله تعالى { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ } (ابراهيم:24) ، وغير ذلك (2).
ما ظاهرة عدم المطابقة :
وقد وردت بعض الآيات ظاهرها عدمُ المطابقة بين النعت ومنعوته في التعريف والتنكير ، من ذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ } (المائدة:95) ، وقال أيضاً: { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } (الاحقاف:24) ، ففي آية المائدة وصف ( هدياً ) بـ ( بالغ الكعبة ) ، وفي آية الأحقاف وصف (عارضاً) بـ ( مستقبل أوديتهم) ، ووصف (عارضٌ) بـ (ممطرنا ) ، وفي كلٍّ تخالفٌ ، فالموصوفُ نكرةٌ ، وَوَصفُهُ مضافٌ إلى معرفةٍ .
وليس هناك مشكلٌ ، فحقيقةُ الإضافة في ( بالغَ الكعبةِ ) و ( مستقبلَ أوديتهم ) و (ممطرنا ) ، لفظيةٌ ، أي جِئِ بها لتخفيف اللفظ ليس إلا ، فبدل أن يقول : (بالغاً الكعبةَ ) و ( مستقبلاً أوديتَهَم ) و ( ممطرٌ لنا ) ، قال : ( بالغَ الكعبةِ ) ، و ( مستقبلَ أوديتهم ) و (ممطرنا ) ، وهذا أخفُّ في اللفظ طبعاً ، فالإضافة هنا لا تفيد تعريفاً للمضاف ولا تخصيصاً ، ولذلك جاز وصف النكرة بما اُضِيف إلى المعرفة .
__________
(1) 1 ينظر ( هود / 27 ) ، ( يوسف / 40 ) ، ( إبراهيم / 39 )
(2) 2 ينظر : ( الكهف / 40 ) ، ( مريم / 50 ) ، ( الحج / 8 ) .(1/82)
يقول سيبويه : " وليس يُغيرُ كفُّ التنوين إذا حذفتَهَ مستخفاً شيئاً من المعنى ، ولا يجعله معرفةً ، فمن ذلك : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } ، … ، ويزيد عندك هذا بياناً قولُه تعالى جدُّهُ : { هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ } ، و : { عَارِضٌ مُمْطِرُنَا } ، فلو لمْ يكنْ هذا في معنى النكرة والتنوين ، لمْ تُوصفْ به النكرةُ "1.
ويقول المبردُ : " ألا ترى أنَّ الاسم المضاف إلى معرفةٍ على نية التنوين ، لا يكون إلا نكرةً ؛ لأنَّ التنوين في النية ، نحو قوله عزَّ وجلَّ : { هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا } و { هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ } ، وهو وصفٌ للنكرةِ " (1).
__________
(1) 1 الكتاب ، 1 / 166 ، و الآية الأُولى من : (آل عمران /185 ) و ( الأنبياء / 35 ) و ( العنكبوت / 57 )
المقتضب ، 3 /227 ، وينظر : 4 /149 –150 من المصدر نفسه ، ومغني اللبيب ، 663-664 ، وشرح ابن عقيل ، 2 /45 – 46 ، وشرح الأشموني ، 2 /240-241(1/83)
وجاء في جامع البيان : " وأمَّا قوله : { هَدْياً } ، فإنه مصدرٌ على الحال من الهاء التي في قوله : { يَحْكُمُ بِهِ } ،وقوله : { بَالِغَ الْكَعْبَةِ } ، من نعت الهدي وصفته ؛ وإنما جاز إن يُنعت به وهو مضافٌ إلى معرفةٍ ؛ لأنه في معنى النكرة ؛ وذلك أنَّ معنى : { بَالِغَ الْكَعْبَةِ } ، يبلغ الكعبة ، فهو وإن كان مضافاً ، فمعناه التنوين ؛ لأنَّهُ بمعنى الإستقبال ، وهو نظير قوله : { هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا } ، فوصف بقوله : { مُمْطِرُنَا } { عَارِضاً } ، لأنَّ في { مُمْطِرُنَا } معنى التنوين ؛ لأنَّ تأويله الإستقبال ، فمعناه { هذا عارضٌ يُمطرنا } فكذلك في قوله : { هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ } " (1).
ثانياً- المطابقة في النعت السببي :
إنَّ المطابقة في النعت السببي تختلف عنه في النعت الحقيقي ، فالنعت السببي يوافق منعوته في الإعراب وفي التعريف والتنكير فقط ، أمَّا في الإفراد وفرعيه وفي التذكير والتأنيث ، فإنه يكون كالفعل ؛ للشبه الذي بينهما ، فإن كان للمفرد أو للمثنى أو للجمع ، أُفرد النعتُ ، كما يُفعل مع الفعل ، فنقولُ : ( مررتُ برجلٍ حَسَنٍ أبوهُ ) ، و ( مررتُ برجلين حَسَنٍ أبواهما ) و (مررتُ برجالٍ حَسَنٍ آباؤهم) .
وكذا الحالُ في التذكير والتأنيث ، فإن كان مرفوعُهُ مذكراً ذكِّرَ لأجله ، وإن كان مؤنثاً حقيقياً غير مفصولٍ عن عامله ، أُنِّثَ لأجله ، وإن كان مرفوعه مؤنثاً غير حقيقي ، أو حقيقياً مفصولاً عن عامله ، ذُكِّر وأُنِّثَ جوازاً .
__________
(1) جامع البيان ، 7 /50 ، وينظر : الكشاف ، 1 /484 و 3 / 123 ،والتبيان في إعراب القرآن ، 1 / 227 ، و 2 / 235 ، واللسان ، مادة ( عرض ) ، 7 / 174 ، والبحر المحيط ، 9 / 446 ، وروح المعاني ، 7 / 26 ، و 26 / 26 .(1/84)
فنقولُ : ( مررتُ برجلٍ قاعدٍ أبوه وبامرأة قاعدةٍ أُمُها ) ، كما نقولُ : ( مررتُ برجلٍ يَقعُدُ أبوه وبامرأةٍ تَقعُدُ أُمُهَا ) ، ونقول : ( مررتُ برجلٍ هُدِمَ دارُهُ وهُدِمَتْ دَارُهُ ) ، كما نقولُ : ( هُدِمَ الدارُ و هُدِمتِ الدارُ ) .
جاء في الكتاب : "هذا باب ما جرى من الصفات غير العمل على الاسم الأول إذا كان لشئٍٍ من سببه .
وذلك قولك : ( مررتُ برجلٍ حَسَنٍ أبُوهُ ، … ، وإنما اُجريتْ هذه الصفاتُ على الأول حتى صارت كأنها له ؛ لأنَّكَ قد تَضعها في موضعِ اسمه ، فيكون منصوباً ومجروراً ومرفوعاً ، والنعتُ لغيره ، وذلك قولك : ( مررتُ بالكريمِ أبُوهُ ) و ( لَقِيتُ موسعاً عليه الدنيا ) و ( أتاني الحَسَنَةُ أخلاقُهُ ) ، فالذي أتاكَ والذي أتيتَ غير صاحبِ الصفةِ ، وقد وقع موقع اسمه ، وعمل فيه ما كان عاملاً فيه ، وكأنَّكَ قلتَ : ( مررتُ بالكريمِ ، ولقيتُ موسَّعاً عليه ، وأتاني الحَسَنُ ) ، فكما جرى مجرى اسمه ، كذلك جرى مجرى صفته " (1).
ويقولُ ابنُ يعيشٍ : " وقوله : ( إلا إذا كان فعلُ ما هو من سببه ) ، يعني أنَّ الصفة إذا رفعتِ الظاهر ، وكان الظاهر من سبب الموصوف ، فإنَّ الصفة تكون موحدة على كلِّ حالٍ … ، وكذلك لا يُؤنثان إلا أن يكون المرفوع بها مؤنثاً "(2) .
إنَّ النعتَ السببي ورد في القرآن الكريم بصورةٍ قليلةٍ جداً قياساً بورود النعت الحقيقي ، فآياتهُ معدودة ،(3)
__________
(1) الكتاب ، 2 /22 ، وينظر : المقتضب ، 4 / 155 .
(2) شرح المفصل ، 3 /55 ، والضمير في ( وكذلك لا يؤنثان ) يقصد به اسم الفاعل والمفعول ، وينظر : شرح الرضي على الكافية ، 2 /307 –309 ، ومغني اللبيب ، 855 ، وشرح ابن عقيل ، 2 /193 ، والفوائد الضيائية ، 2 /37-38 ، وشرح الأشموني ، 3 / 61 .
(3) ينظر : ( النساء / 75 ) ، ( فاطر / 12 و28 ) ، ( الزمر / 21 ) .(1/85)
من ذلك قوله تعالى : { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ } (البقرة:69) ، فـ (فاقعٌ ) صفةٌ لـ ( صفراءُ ) وقد طابقه في الإعراب ، فالوصفُ مرفوعٌ كموصوفه ، وكلاهما نكرةٌ ، أمَّا بالنسبة للعدد ، فكما قلنا يُفرد الوصفُ على كلِّ حالٍ ، وهو ها هنا مفردٌ ، وأمَّا الجنس ، فقد طابق الوصفُ ( فاقعٌ ) مرفوعَهُ ، (لونها ) ، فكلاهما مذكَّرٌ .
وقال تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } (فاطر:27) ، فـ ( مختلفاً ) صفةٌ لـ (ثمراتٍ ) ، وقد تطابقا إعراباً وتنكيراً ، فكلاهما منصوبٌ نكرةٌ ، أمَّا في العدد ، فالوصفُ مفردٌ كالفعلِ ، وأمَّا في
الجنس ، فالظاهر المخالفةُ ، فالوصف مذكرٌ (مختلفاً ) ولفظُ مرفوعه مؤنثٌ ( ألوانها ) ، وليس كذلك ؛ لأنَّ ( ألوانها )جمع تكسير ، وهو مما يجوز فيه التذكير والتأنيث ،(1)وفي( جددٌ ) و (مختلفٌ ألونُها) تمت المطابقة بين الوصف وموصوفه من جهةٍ ، وبين الوصف ومرفوعه من جهةٍ أُخرى .
المبحث الثاني
المطابقة بين المعطوف والمعطوف عليه :
يقسِّمُ العلماءُ العطفَ على نوعين : أولهما : عطف البيان ، وثانيهما : عطف النسق ،
أولاً- المطابقة في عطف البيان :
فعطف البيان : " هو التابع الجامد المُشبه للصفة في إيضاح متبوعه وعدم استقلاله " (2)، ويخصصُ عطفُ البيانِ متبوعه أيضاً ، ويجئُ للتأكيد والمدح .(3)
إلا أنَّهُ يختلفُ عن النعت " من حيثُ أنَّهُ يكشفُ المتبوعَ بنفسهِ ، لا بمعنىً في المتبوع ، ولا في سببه "(4) .
__________
(1) ينظر : البحر المحيط ، 9 / 29 .
(2) شرح ابن عقيل ، 2 /218 .
(3) ينظر : حاشية الصبان ، 3 / 85 –86 .
(4) شرح الأشموني ، 3 / 86 .(1/86)
إنَّ المطابقة بين عطف البيان ومعطوفه ، كالمطابقة بين النعت ومنعوته ، فتجبُ المطابقةُ بينهما في الإعراب ، وفي التعريف والتنكير ، وفي التذكير والتأنيث ، وفي العدد، كما وَجَبَ كلُّ هذا بين النعت والمنعوت .
يقول ابنُ هشام : " وحكم المعطوف أنَّه يتبع المعطوفَ عليه في أربعةٍ من عشرةٍ ، وهي واحدٌ من الرفعِ والنصب والجر ، وواحدٌ من التعريف والتنكير ، وواحدٌ من الإفراد والتثنية والجمع ، وواحدٌ من التذكير والتأنيث "(1) ، ويقولُ ابنُ عقيلٍ : " لمَّا كان عطفُ البيان مُشبِهَاً للصفة لَزِمَ فيه موافقةُ المتبوعِ كالنعتِ ، فيوافقه في إعرابه وتعريفه أو تنكيره ، وتذكيره أو تأنيثه ، وإفراده أو تثنيته أو جمعه "(2) .
لقد حافظ النظمُ القرآنيُّ على المطابقةِ بين عطفِ البيان ومعطوفه ، وذلك في القرآن الكريم كلِّهِ ، فمثالُ التطابقِ بينهما إعراباً ، قولُهُ تعالى : { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ } (النساء:171) ، وقوله تعالى: { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ } (النساء:157) ، وقوله تعالى : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ } (البقرة:102) ، وغير ذلك (3).
__________
(1) شرح شذور الذهب ، 436 .
(2) شرح ابن عقيل ، 2 /220 ، و ينظر : شرح الأشموني ، 3 / 86 ، والفرائد الجديدة ، 2 / 722 .
(3) ينظر : ( البقرة / 21 ) ، ( مريم / 2 ) ، ( طه / 30 ) .(1/87)
أمَّا مثالُ التطابق بينهما تعريفاً وتنكيراً ، فنحو قوله تعالى : { مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } (الحج:78) ، وقوله تعالى : { قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ - رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ } (الشعراء:47-48) ،هذا في التعريف،وأمَّا في التنكير ، فنحو قوله تعالى : { يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ } (النور:35) ، وقوله تعالى : { مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ } (ابراهيم:16) .
وقد منع البصريون وقوعَ عطفِ البيان في النكرات ، وأجازه الكوفيون ، وتبعهم أبو عليٍّ الفارسيُّ ،وابنُ جنيِّ ، والزمخشريُّ ، وابنُ عصفورٍ ، والسيوطيُّ (1)، وذكر الشيخ محمد الأمير في حاشيته على مغني اللبيب سببَ منعِ البصريين لذلك ، حيثُ يقولُ : " لأنَّ النكرةَ غير بينةٌ في نفسها ، فكيف تبين غيرها ، وفيه أنَّ النكراتِ تتفاوتُ ، على أنَّهم قالوا يجوز أن يتضح المُرادُ بالمجموعِ ، وأن يكون عطفُ البيان للمدح "(2) ، وجاء مثلُ هذا في حاشية الصبَّان : " قوله : (ويخصون عطف البيان بالمعارف) ، احتجوا بأنَّ البيان بيانٌ كاسمه ، والنكرةُ مجهولةٌ ، والمجهولُ لا يبين المجهولَ ، ورُدَّ بأنَّ بعضَ النكراتِ أخصُّ من بعضٍّ ، والأخصُّ يُبينُ
الأعمَّ "(3) .
__________
(1) ينظر : الكشاف ، 2 /174-175 ، وشرح المفصل ، ، 3 /72 ، والبحر المحيط ، 6 / 419 ، ومغني اللبيب ، 743 ، وشرح قطر الندى ، 298 ، وشرح ابن عقيل ، 2 /220 ، وشرح الأشموني ، 3 /86 ، والفرائد الجديدة ، 2 / 723 ، والإتقان في علوم القرآن ، 2 / 190 ، وروح المعاني ، 18 /167 .
(2) حاشية الشيخ محمد الأمير على مغني اللبيب ، 2 / 139 .
(3) حاشية الصبان ، 3 / 86 .(1/88)
وأمَّا القولُ بجوازِ التخالفِ ، بين عطف البيان ومعطوفه ، فليس براجحٍ ، فقد أعربَ الزمخشريُّ ، { مَقَامُ إِبْرَاهِيم } عطفَ بيانٍ لـ { آيَاتٌ } في قوله تعالى : { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ } (آل عمران:97)(1) ، يقولُ الخضريُّ : " وأمَّا قولُ الزمخشريِّ ، إنَّ { مَقَامُ إِبْرَاهِيم } عطفَ بيانٍ على { آيَاتٌ } ، فمخالفٌ لإجماعهم " (2) ، وقد اختلفَ البيانُ والمبينُ من ثلاثة أوجه ، فـ { مَقَامُ إِبْرَاهِيم } ،مفردٌ مذكرٌ معرفةٌ ، و { آيَاتٌ } جمعٌ مؤنثٌ نكرةٌ (3).
أمَّا مثالُ التطابق بين عطف البيان ومعطوفه في العدد ، فنحو قوله تعالى: { ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا } (مريم:2) ، وقوله تعالى : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ } (البقرة:102) ، وقد مضى ذِكرهُ ، وقوله تعالى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَة } (الإسراء:57) .
وأمَّا مثالُ التطابقِ بين عطف البيان ومعطوفه في الجنس ، فنحو قوله تعالى : { إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً } (النازعات:16) ، وهذا في التذكير ، أمَّا التأنيث ، فنحو قوله تعالى : { مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ } (النور:35) .
مما تقدمَ نخلصُ إلى أن المطابقة بين عطف البيان ومعطوفه في القرآن الكريم ، قد تمت بينهما في كلِّ المواضع التي ورد فيها عطفُ البيانِ .
ثانياً- المطابقة في عطف النسق :
__________
(1) ينظر : الكشاف ، 1 / 337 .
(2) حاشية الخضري ، 2 / 139 .
(3) ينظر:حاشية الصبان ،3 /86 ، ولم يذهب إلى جواز التخالف إلا الزمخشري ، ينظر: دراسات لأسلوب القرآن الكريم ، 11 / 63 .(1/89)
وهو التابعُ الذي يتوسطُ بينه وبين متبوعه أحدُ حروفِ العطفِ (1)، وهذا النوعُ من نوعي العطف ليس كسابقه في أمر المطابقة ، فيُشترطُ فيه التطابقُ مع معطوفه في الإعراب فقط ، وأمَّا بالنسبة للتعريفِ والتنكير ، او العدد ، أو الجنس ، فليس العطف فيها جارياً على المعطوف عليه .
فحرفُ العطفِ يُشركُ المعطوفَ مع المعطوفِ عليه في الحكم الإعرابي ، يقول سيبويه : " هذا بابُ ما أشركَ بين الاسمين في الحرف الجار فجريا عليه …
وذلك قولكَ : ( مررتُ برجلٍ وحمارٍ قَبلُ ) ، فالواو أشركتْ بينهما في الباء ، فجريا عليه "(2) ، ويقول المبردُ : " إعلمْ انَّكَ لا تعطفُ اسماً على اسمٍ ، ولا فعلاً على فعلٍ في موضعٍ من العربيةِ ، إلا كان مثله ، تقولُ : ( مررتُ بزيدٍ وعمرٍو ) ، و ( رأيتُ زيداً وعمراً ) ، و ( وأنا آتيكَ وأُكرمُكَ ) ، و ( ولا تذهبْ ولا تندمْ ) ، ولمْ يُرَدِ الجوابُ "(3).
وقد علَّلَ ابنُ يعيشٍ عدمَ التطابقِ بين المعطوف والمعطوفِ عليه في غير الإعراب بقوله : " وإنَّما كان هذا الضربُ من التوابعِ لا يتبعُ إلا بتوسطِ حرفٍ ؛ من قِبَلِ أنَّ الثاني فيه غير الأولِ ، فلمْ يتصلْ إلا بحرفٍ ؛ إذ كان يأتي بعد أن يستوفي العاملُ عملَهُ ، وهو غيرُ الأول ؛ فلمْ يتصلْ إلا بحرفٍ "(4).
__________
(1) ينظر : الفرائد الجديدة ، 2 / 738 .
(2) الكتاب ، 1 / 437 .
(3) المقتضب ، 4 / 387 ، وينظر : شرح المفصل ، 3 / 74 ، والمقرب ، 259 .
(4) شرح المفصل ، 3 / 74 .(1/90)
إنَّ القرآنَ الكريمَ حافظَ في نظمه على المطابقة بين المعطوف والمعطوف عليه في الإعراب ، فمن ذلك قوله تعالى : { لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ } (آل عمران:15) ، وقوله تعالى : { قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً - أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ } (الاسراء:50-51) ، وقوله تعالى : { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون } (التوبة:65) ، وغير ذلك كثيرٌ جداً (1) ، وهذا في عطفِ الأسماء ، أمَّا مثالُ عطفِ الأفعال فنحو قوله تعالى : { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } (البقرة:79) ، وقوله تعالى : { حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } (النساء:15) ، وقوله تعالى : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } (النساء:100) وغير ذلك.(2)
العطف المقطوع :
مرَّ إنَّ النعتَ قد يُخالفُ منعوته إعرابأ ، وذلك لأغراضٍ خاصةٍ كالمدحِ والذمِّ ، وهذا يقعُ
أيضاً في العطفِ .(3)
__________
(1) ينظر : ( البقرة / 24 ) ، ( هود / 89 ) ، ( يونس / 50 ) .
(2) ينظر : ( المدثر / 37 ) ، ( طه / 45 ) ، ( الطلاق / 2 ) .
(3) ينظر : معاني النحو، 3 / 187 ، و : ص 61 من البحث .(1/91)
إنَّ التحولَ في اسلوب القرآن الكريم في آياتٍ معينةٍ لمْ يكن كيفما اتفق ، بلْ هو تحولٌ مقصودٌ اقتضاه المقامُ والسياقُ ، وهذا التحولُ يتبعه تغيُّرٌ في الإعرابِ .(1)
قال تعالى: { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِوَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ } (البقرة:177) ، فقد نصب ( الصابرين ) المعطوف على ( الموفون ) ، في الظاهر ، وبينهما تخالفٌ إعرابي .
لقد ذكر العلماءُ لهذة الآيةِ أوجهاً :
أولها :
إنَّ نصبَ ( الصابرين ) يكونُ على إضمار فعلٍ ، وتقديره : ( أعني ) ، جاء في مشكلِ إعرابِ القرآنِ : " قوله ( والصابرين ) نصب على إضمار ( أعني ) "(2).
ثانيها :
__________
(1) ينظر : أثر التحويلات الأُسلوبية في تغيير الإعراب في الآيات القرآنية والشواهد الشعرية ، يحيى القاسم ، مجلة أبحاث اليرموك ( سلسلة الآداب واللغويات ) ، م / 11 ، ع /1 ، 1993 ، ص 11 .
(2) مشكل إعراب القرآن ، 1 / 181 ، وينظر : معالم التنزيل ، 1 / 144 ، والتبيان في إعراب القرآن ، 1 / 78 .(1/92)
إنَّ ( الصابرين ) معطوفٌ على ( ذوي القربى ) ، يقولُ البغويُّ : " وقيل نَصَبَهُ نسقاً على ( ذوي القربى ) ، أي : ( وآتى الصابرين ) "(1) ، وهو رأيُّ الكسائيِّ (2)، وقد رده العكبريُّ بقوله : " ولا يجوز أن يكونَ معطوفاً على ( ذوي القربى ) ؛ لئلا يُفصل بين المعطوف والمعطوف عليه الذي هو في حكم الصلة بالأجنبي وهم الموفون "(3).
ثالثها :
إنَّ ( الصابرين ) منصوبٌ على الاختصاص والمدح ، وهو رأي الخليل رحمه الله ، جاء في معالم التنزيل : " وقال الخليلُ : نصب على المدح ، والعربُ تنصبُ الكلامَ على المدح والذمِّ ، كأنهم يريدون إفرادَ الممدوح والمذموم ، فلا يُتبعونه أوَّلَ الكلام وينصبونه "(4) ، ويقول الزمخشريُّ : " وأخرج ( الصابرين ) منصوباً على الاختصاص والمدح ؛ إظهاراً لفضل الصبر في الشدائد ومواطن القتال على سائر الأعمال "(5).
وهو الظاهرُ ؛ لأنَّ المقامَ مقامَ مدحٍ ، فالله تعالى يمدحُ في هذه الآيةِ المؤمنينَ بالله واليومِ الآخرِ الملائكةِ والكتابِ والنبيينَ ، والذين ينفقون المالَ في كلِّ وجوه الخير ، والذين يقيمون الصلاةََ ويؤتون الزكاةَ ، والذين يوفون بعهودهم عند قطعها على أنفسهم ، إلا أنَّ هناك صنفاً من الناس يفوق هؤلاءِ كلَّهم في الآجر والثواب ، ألا وهم الصابرون ، وليس أيَّ صبرٍ ، فهناك صبرٌ
__________
(1) معالم التنزيل ، 1 / 144 .
(2) ينظر : فتح القدير ، 1 / 173 .
(3) التبيان في إعراب القرآن ، 1 / 78 .
(4) معالم التنزيل ، 1 / 144 .
(5) الكشاف ، 1 /252 ، وينظر : الإنصاف في مسائل الخلاف ، 2 /468 – 471 ، والجامع لأحكام القرآن ، 2 / 239 - 240 ، وتفسير النسفي ، 1 / 90 ، والبحر المحيط ، 2 / 140 ، وفتح القدير ، 1 / 173 .(1/93)
يُحتَملُ ، وآخر لا تُطِيقُهُ الجبالُ ، فالله تعالى حدد هذا الصبرَ بقوله : { فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ } ، فالصبرُ في البأساء ، الفقر(1)، والفقيرُ يحتاجُ إلى الصبرِ في كلِّ أمورهِ ،ويُصيبه من الألمِ النفسي والبدني ما لا يُصيبُ غيرَهُ ، فهو إن جاعَ تألمَ جوفُهُ ، وإن عَرِيَ تألم جَسَدُهُ ، وإن رأى ما لا تَنَالُهُ يدُهُ ، وهو راغبٌ له ، تألمتْ نَفسُهُ .
وأمَّا الصبرُ في الضراء فهو المرض ، والإنسانُ إذا اُصيب في أيِّ عضو من جسده ، مهما صَغُرَ ذلك العضو ، فإنَّ بدنَهُ كلَّهُ يألمُ .
وأمَّا الصبرُ الأخير ، فهو حين البأس ، أي الحرب عند قتال الأعداء ، وهذا مشقةٌ ما بعده مشقةٌ ، فالنفسُ والبدن يخافان في الحربِ ، الجرحَ والأسرَ والقتلَ .
وهذه الأحوالُ - البأساء والضراء والبأس - تحتاجُ إلى صبرٍ شديدٍ وعزيمةٍ قويةٍ ، واحتساب ما يُصيبُ الإنسانَ فيها من البلاءِ ، للهِ عزَّ وجلَّ ، فلهذا الصنفِ من الناسِ أجرٌ لا يُدانيه أجرُ أيِّ عبدٍ ، يقولُ الأمام الحسنُ بنُ عليٍّ ( عَلَيِّهِمَا السَّلَامُ ) : " سمعتُ جدي رسولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم - يقولُ : إنَّ في الجنةِشجرةً يُقالُ لها شجرةُ البلوى ، يُؤتى بأهل البلاءِ يومَ القيامةِ ، فلا يُرفعُ لهم ديوانٌ ولا يُنصَبُ لهم ميزانٌ ، يُصَبُ عليهم الأجرُ صباً ، وقرأ: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } "(2).
__________
(1) ينظر : تفسير سفيان الثوري ، 55 .
(2) المعجم الكبير ، 3 / 92 ، والآيةُ من : ( الزمر / 10 )(1/94)
فلكلِّ هذه الأسبابِ مدحَ اللهُ تعالى الصابرين ، وجزاهم ما لمْ يُجازِ عليه أحداً من عباده ، " إذ لمْ يقصد سبحانه و تعالى مطلقَ الخبر عندما تحدث عنه في البأساءِ ، ولكنَّهُ أرادَ أن يُثني على هؤلاءِ الصابرين ، فعندما تَمَّ هذا ، قام بتحويل الكلامِ من الأسلوب الخبري العادي ، إلى أسلوب المدحِ والثناء ، فغَّيرَ في إعرابِ الكلامِ ليكونَ وقعه أكثرَ على عموم الصابرين في البأساء والضراءِ ، حتى يحثهم على مزيدٍ من الصبرِ على مصائب الدهر " (1).
وقال تعالى : { لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } (النساء:162) ، فقد نصبَ { الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ } بعد قوله : { الرَّاسِخُونَ } و { الْمُؤْمِنُونَ } .
لقد ذكر العلماءُ لهذه الآيةِ أوجهاً ، منها :
أولا :
النصب على المدح ، يقولُ الطبريُّ : " وقالَ آخرون وهو قول بعض نحوي الكوفة والبصرة : { وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ } ? من صفة { الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } ، ولكن لما كان الكلامُ تطاول ، واعترض بين ( الراسخين في العلم ) و { وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ } ? ما اعترض من الكلام فطال ؛ نصب المقيمين على وجه المدح "(2).
ثانياً :
__________
(1) أثر التحويلات الأُسلوبية في تغيير الإعراب في الآيات القرآنية والشواهد الشعرية ، يحيى القاسم ، مجلة أبحاث اليرموك ( سلسلة الآداب واللغويات ) ، م / 11 ، ع /1 ، 1993 ، ص 18-19 .
(2) جامع البيان ، 6 / 25 ، وينظر : معاني القرآن ، النحاس ، 2 / 238 ، ومشكل إعراب القرآن ، 1 / 212-213 ، ومعالم التنزيل ، 1 /499 ، وزاد المسير ، 2 / 253 ، والإنصاف في مسائل الخلاف ، 2 / 468 .(1/95)
إنَّ { وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ } ? ، مخفوضٌ بعطفه على ( ما ) في قوله تعالى : { بمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ } ، أي يكون المعنى : " يؤمنون بما أُنزل إليكَ ، وبالمقيمين الصلاة "(1)، أو معطوفٌ على الضمير ( هم ) في ( منهم ) ، والمعنى : " لكن الراسخون في العلم منهم ومن المقيمين الصلاة "(2)، أو على الضمير في ( إليكَ ) ، والمعنى : "يؤمنون بما أُنزل إليكَ ، وإلى المقيمين الصلاة "(3).
وقد ذكروا غير هذين الوجهين(4) ، إلا أنَّ الوجه الأول أولى ؛ لأنَّ الله تعالى أراد بيان فضل هذا الصنف من الناس على مَنْ ذُكروا معه ، كالراسخين في العلم والمؤمنين والمؤتين الزكاة ، " فأراد الله أن يحثَ الناسَ على إقامةِ الصلاةِ بمدحِ مقيمي الصلاة والثناء عليهم ؛ فغيَّرَ أُسلوبه من الخبر العادي إلى المدحِ والثناء ؛ فغيَّرَ الإعرابَ تبعاً للتغير الأُسلوبي الذي طرأ على الكلامِ والمراد منه " (5).
والخلاصةُ إنَّ المطابقةَ بين المعطوف والمعطوف عليه حاصلةٌ في القرآن الكريم في الإعراب ، وما ورد مخالفاً لهذه المطابقةِ ، كان لأسبابٍ اقتضاها المقامُ والمعنى العام لمثلِ هذه الآياتِ .
المبحث الثالث
المطابقةُ بين المُؤَكِّدِ والمؤَكَّدِ :
__________
(1) مشكل إعراب القرآن ، 1 /212 ، وينظر : زاد المسير ، 2 / 252 .
(2) معالم التنزيل ، 1 / 499 ، وينظر : زاد المسير ، 2 /252 .
(3) المصدر نفسه ، 1 / 499 .
(4) ينظر : التبيان في إعراب القرآن ، 1 / 202 ، والبحر المحيط ، 4 / 134-135 ، وروح المعاني ، 6 / 14-15 .
(5) أثر التحويلات الأُسلوبية في تغيير الإعراب في الآيات القرآنية والشواهد الشعرية ، يحيى القاسم ، مجلة أبحاث اليرموك ( سلسلة الآداب واللغويات ) ، م / 11 ، ع /1 ، 1993 ، ص / 20 .(1/96)
يُقسِّمُ العلماءُ التوكيد على نوعين ، لفظيٍّ ومعنويٍّ ، فاللفظيُّ : يكونُ بتكرارِ لفظِ المتبوعِ ، وذلك نحو قولنا : ( جاءَ زيدٌ زيدٌ ) ، وأمَّا التوكيدُ المعنوي : فهو الذي يُزيلُ احتمالَ إرادةِ غير الظاهرِ من اللفظِ ، كقولنا : ( جاءَ زيدٌ عينُهُ ) ، فـ ( عينه ) أزال احتمال مجئِ عبدٍ لزيدٍ ، أو كتابٍ له .(1)
ولكلِّ نوعٍ من نوعيِّ التوكيد كلامٌ خاصٌ به في أمرِ المطابقةِ ، ونبدأ بالتوكيد المعنويِّ .
أولاً- المطابقة في التوكيد المعنوي :
ويكونُ بألفاظٍ مخصوصةٍ كـ (النفس والعين ) و( كلا وكلتا ) و( كل وجميع وعامة ) .(2)
أ-( النفس والعين ) :
ويُستعملان في التوكيد لإرادة " جملة الشئِ وحقيقته "(3)، وهما يطابقان المؤَكَّدَ في إعرابه (4)، فنقولُ : ( جاءَ زيدٌ نفسُهُ أو عينُهُ ) ، و ( رأيتُ زيداً نفسَهُ أو عينَهُ ) و ( مررتُ بزيدٍ نفسِهِ أو عينِهِ ) .
وأمَّا المطابقةُ في العددِ والجنسِ فتكونُ بتغيير صيغةِ النفسِ أو العين ، حسبَ المؤَكَّدِ ، فيُفردان مع المفردِ ، ويُجمعان مع المُثنى والجمع على وزن ( أفْعَل ) ، ويُعادُ على المؤكَّدِ ضميرٌ مع النفسِ أو العين ، مطابقٌ للمؤَكَّدِ في الإفرادِ والتثنيةِ الجمعِ ، وفي التذكيرِ والتأنيثِ ، نقولُ :
__________
(1) ينظر : شرح المفصل ، 3 / 39-40 ، وشرح شذور الذهب ، 428-429 ، وشرح الرضي على الكافية ، 2 / 363 ، وشرح الأشموني ، 3 / 73 ، و 3 / 79-81 ، والفرائد الجديدة ، 2 / 725 ، .
(2) ينظر : شرح المفصل ، 3 / 40 ، وشرح الرضي على الكاقية ، 2 / 363 ، وشرح ابن عقيل ، 2 / 206-208 ، وشرح الأشموني / 3 / 73 –75 .
(3) حاشية الخضري ، 2 / 131 .
(4) أساليب التأكيد في اللغة العربية ، 17-21 .(1/97)
( جاءَ زيدٌ نفسُهُ أو عينُهُ ) ، و( جاءتْ هندٌ نفسُها أو عينُها ) ، و ( جاءَ الزيدان أنفُسُهما أو أعيُنُهما ) ، و ( جاءتِ الهندان أنفُسُهما أو أعيُنُهما ) ، و ( جاءَ الزيدون أنفُسُهُم أو أعينُهُم ) ، و
( جاءتِ الهنداتُ أنفُسُهُنَّ أو أعيُنُهُنَّ ) .
يقولُ الجاميُّ : " ( فالأولان ) أي النفس والعين ، ( يعمان ) ، أي يقعان على الواحدِ والمثنى والمجموعِ ، والمذكرِ والمؤنثِ ، ( باختلافِ صيغتهما ) إفراداً وتثنيةً وجمعاً ، ( و ) اختلافِ ضميرهما العائد إلى المتبوعِ المؤَكَّدِ ، ( تقولُ : نفسُهُ ) في المذكر الواحدِ ، ( نفسُها ) في المؤنثِ الواحدة ، ( أنفُسُهما ) بإيراد صيغة الجمعِ في تثنية المذكر والمؤنث ، وعن بعض العرب :
نفساهما وعيناهما ، ( أنفسهم ) في جمع المذكر العاقل ، ( أنفسهن ) في جمع المؤنث وغير العاقل من المذكر "(1).
أمَّا المطابقةُ في التعريف والتنكير ، فلا يؤكد بالتوكيد المعنوي إلا المعارف على الصحيح ؛ لأن ألفاظ التوكيد المعنوي معارفٌ ، يقولُ سيبويه عند حديثه عن الوصف بالضمائر : " واعلمْ أنَّ هذه الحروفَ لا تكونُ وصفاً للمظهر ؛ كراهيةَ أن يصفوا المُظهَرَ بالمُضمر ، كما كرهوا أن يكونَ أجمعون ونفسه معطوفاً على النكرة في قولهم : ( مررتُ برجلٍ نفسِهِ ) و ( مررتُ بقومٍ أجمعين ) " (2).
__________
(1) الفوائد الضيائية ، 2 / 58-59 ، وينظر : شرح الأشموني ، 3 / 73-74 ، وحاشية الخضري ، 2 / 131 ، وأساليب التأكيد في اللغة العربية ، 17-21 .
(2) الكتاب ، 2 / 386 ، ويقصد بالحروف ، ضمائرَ الرفع المنفصلة : ( أنا – أنت – نحن … ) .(1/98)
ويعللُ ابنُ يعيشٍ عدمَ الجوازِ هذا بقوله : " وإنما لم تُؤكدِ النكراتِ بالتوكيدِ المعنوي ؛ لأنَّ النكرةَ لم يَثبُتْ لها حقيقة ، والتأكيدُ المعنوي ، إنما هو لتمكين معنى الاسم وتقرير حقيقته ، وتمكينُ ما لم يثبتْ في النفسِ محالٌ " (1) ، وهذا رأي جمهور البصريين .
أمَّا الكوفيّون والأخفش ، فأجازوا توكيدَ النكرةِ توكيداً معنوياً ، شرطَ أن تكونَ هذه النكرةُ محدودةً ، كـ ( الشهر واليوم والليلة ) وغيرها من الألفاظِ التي تدلُ على مدةٍ معلومةِ المقدار(2) ،يقول أبو حيانٍ " ولا يجوز عند البصريين أن تؤكدَ النكرةُ بشئٍ من ألفاظ التوكيد ، وأجاز ذلك بعضُ الكوفيين مطلقاً ، سواءٌ أكانتْ مؤقتةً ، أم غيرَ مؤقتةٍ ، واختاره ابنُ مالكٍ ، فأجاز :
( صُمتُ شهراً كلَّهُ ) ، و ( هذا أسدٌ نفسُهُ ) ، وجاء في الشعر توكيدها بما يقتضي الإحاطة " (3).
ولم يرد هذان اللفظان في التوكيد في النظم القرآني .
ب- ( كلا وكلتا وكل وجميع وعامة ) :
وهذه الألفاظُ ترفعُ " توهم عدم إرادة الشمول "(4)، و " لا يُؤكدْ بهن إلا ما له أجزاء يصُحُ
وقوع بعضها موقعه ؛ لرفع احتمال تقدير بعض مضافٍ إلى متبوعهن "(5).فنقولُ : ( مضى الركبُ كلُّهُ ) ، للتأكيد على أنَّ جميعَ الركبِ قد مضى ، ولإزالة احتمال مُضِيِّ بعضِهِ .
__________
(1) شرح المفصل ، 3 / 44 ، وينظر : المقرب ، 263، وشرح الرضي على الكافية ، 2 / 272، وشرح شذور الذهب ، 429 .
(2) ينظر : الإنصاف في مسائل الخلاف ، 2 / 451-456 ، وشرح المفصل ، 3 / 44-45 ، وشرح ابن عقيل ، 2 / 211 ، وشرح الأشموني ، 3 / 77-78 ، والفرائد الجديدة ، 2 / 725 .
(3) إرتشاف الضرب ، 2 / 612-613 .
(4) شرح ابن عقيل ، 2 / 207 ، وينظر : الفرائد الجديدة ، 2 / 725 .
(5) شرح الأشموني ، 3 / 75 .(1/99)
ويؤكد بـ ( كلا ) المثنى المذكر وبـ( كلتا ) المثنى المؤنث ، فنقولُ : ( جاءَ الزيدان كلاهما ) ، و ( جاءتِ الهندان كلتاهما ) ، حيثُ يرفعُ هذان اللفظان إرادةَ غيرِ التثنيةِ .
والمطابقةُ في هذين اللفظين تكون في الإعراب رفعاً ونصباً وجراً ، فنقولُ : ( ذهبَ الزيدان كلاهما ) ، و ( ذهبتِ الهندان كلتاهما ) ، ونقولُ : ( ضربتُ الزيدَينِ كليهما والهندَينِ كلتيهما ) ، وقولُ : ( مررتُ بالزيدينِ كليهما وبالهندينِ كلتيهما ) .
أمَّا المطابقةُ في العدد فتكونُ بإعادةِ ضميرٍ من لفظِ المُؤَكِّدِ على المُؤَكَّدِ ، ويُطابقُ هذا الضميرُ ، المؤَكَّدَ في التثنيةِ ، وأمَّا الجنسُ ، فإنَّ لفظَ ( كلا ) يكونُ للمثنى المذكر ، و( كلتا ) للمثنى المؤنث .
ولا يُؤكدْ بهما النكرة ، بل يجبُ أن يكونَ مؤَكَّدِهما معرفةً ؛ ليتم التطابقُ بين المُؤَكَّدِ والمُؤَكِّدِ(1)، والأمثلةُ التي ذكرناها تُوضحُ ذلك ، ولمْ يُؤَكَّدْ بهما في القرآن الكريم أيضاً .
وأمَّا ( كل وجميع وعامة ) فترفعُ هذه الألفاظُ احتمالَ إرادة عدمِ الشمولِ (2)، وهي تُطابقُ مُؤَكَّدِها إعراباً ، فنقولُ : ( جاءَ الركبُ كلُّهُ أو جميعُهُ أو عامتُهُ ) و ( رأيتُ الركبَ كلَّهُ أو جميعَهُ أو عامَتَهُ ) ، و ( مررتُ بالركبِ كلِّهِ أو جميعِهِ أو عامتِهِ ) .
__________
(1) ينظر : شرح ابن عقيل ، 2 / 208 ، وشرح الأشموني ، 3 / 75 .
(2) ينظر : شرح ابن عقيل ، 2 / 207 ، وشرح الأشموني ، 3 / 74 . والإتقان في علوم القرآن ، 2 / 177 .
4 شرح ابن عقيل ، 2 / 208 ، والضمير في (كلها) يعود على ( كلا وكلتا وجميع ) ، وينظر : شرح الأشموني ، 3 / 75 ، والفرائد الجديدة ، 2 / 725 .(1/100)
وبالرغمِ من أنَّ لفظي ( كل وجميع ) مفردٌ مذكرٌ ، ولفظ ( عامة ) مفردٌ مؤنثٌ ، فالمطابقةُ حاصلةٌ بين هذه الألفاظ ومؤكَّدها ، حيثُ تُضافُ إلى ضمائرَ تعودُ على المؤكَّد ، تُطابقهُ في العدد وفي الجنس ، فنقولُ : ( قرأتُ الكتابَ كلَّهُ أو جميعَهُ أو عامتَهُ ) ، و ( اشتريتُ الدارَ كُلَّها أو جميعَها أو عامتَها ) ، و ( جاءَ المحمدون كلُّهُم أو جميعُهُم او عامتُهُم ) ، , ( رأيتُ الهنداتِ كلَّهُنَّ أو جميعَهُنَّ أو عامتَهُنَّ ) .
وأمَّا المطابقةُ في التعريف والتنكير ، فَمُؤَكَّدُ هذه الألفاظ معرفةٌ مُطابقٌ لها كما هو واضحٌ من الأمثلةِ ، جاءَ في شرح ابن عقيل : " ولا بُدَّ من إضافتها كلِّها إلى ضميرٍ يُطابقُ المؤَكَّدَ "(1).
وقد وقع في النظم القرآني التوكيدُ بـ ( كل وجميع ) ، وقد جاءَ التوكيد في هذه المواطنِ كلِّها مطابقاً للمؤَكَّدِ في الإعراب وفي العدد وفي الجنس وفي التعريف ، فمثالُ التوكيد بـ ( كل ) ، قوله تعالى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (الأنفال:39) وقوله تعالى : { وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (البقرة:31) ، وقوله تعالى : { وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً } (الأحزاب:51) ، وغير ذلك .(2)
__________
(2) ينظر : ( آل عمران / 119 و154 ) ، ( طه / 56 ) ، ( الحجر / 30 ) .(1/101)
أمَّا مثالُ التوكيد بـ ( جميع ) فلم يرد في القرآن الكريم ، إلا أنه وقع التوكيد بـ (أجمع ) ، قال ابن عقيل : " يُجاء بعد ( كل ) بأجمع 000 لتقوية قصد الشمول "(1)، وقد جاء عن العرب استعمال أجمع دون أن يسبقها ( كل ) (2) ، وكلا الإستعمالين قد ورد في القرآن الكريم ، فمثالُ مجيئه مع ( كل ) ، قوله تعالى : { فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } (الحجر:30) و ( ص : 73) ، ولم ترد غير هاتين الآيتين ، وأمَّا مثالُ مجيئه من دون ( كل ) ، فنحو قوله تعالى : { فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ - وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } (الشعراء : 94-95) ، وقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } (البقرة:161) وغير ذلك(3)، وكل هذه المواطنِ تمتْ فيها المطابقةُ كما هو واضحٌ من الآيات المذكورة .
ولم يُؤكدْ بـ ( أجمع ) ولا بـ ( جميع ) ، المؤنثَ المفردَ ، ولا المؤنثَ الجمعَ ، ولمْ يُؤكدْ بـ ( عامة ) ، في القرآن الكريم مطلقاً .
ثانياً- المطابقة في التوكيد اللفظي :
كما قلنا إنَّ التوكيد اللفظي يكون بتكرار لفظ المتبوع ، ويكون في " الاسم والفعل والحرف والجملة والمظهر والمضمر " (4)، فنقولُ : ( جاءَ زيدٌ زيدٌ ) ، و ( جاءَ جاءَ الجيشُ ) ، و ( إنَّ إنَّ زيداً قائمٌ ) ، و ( اللهُ ناصرُ الحقِّ اللهُ ناصرُ الحقِّ ) ، و ( ما أعجبني إلا أنتما أنتما ) .
إنَّ مظهر المطابقة في هذا النوع من التوكيد يتمثلُ في تكرار لفظ المؤَكَّد من دون تغيير له مطلقاً .
__________
(1) شرح ابن عقيل ، 2 / 209 .
(2) المصدر نفسه ، 2 / 209 .
(3) ينظر : ( الأنعام / 149 ) ، ( يوسف / 93 ) ، ( الأنبياء / 77 ) .
(4) شرح المفصل ، 3 / 41 ، وينظر : ارتشاف الضرب ، 2 / 615-617 .(1/102)
وقد ورد التوكيدُ اللفظي في القرآن الكريم ، فمثالُ توكيد الإسم ، قوله تعالى : { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرا - قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } (الإنسان:15-16) ، أمَّا مثالُ توكيد الفعل ، فنحو قوله تعالى : { يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ - يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ } (الحج:12-13)(1) ، فـ ( يدعو) الثانية توكيدٌ لـ ( يدعو) الأُولى ، يقولُ الزمخشريُّ : " أو كرر ( يدعو) ، كأنَّهُ قالَ : يدعو يدعو من دون الله ما يضره وما لا ينفعه " (2) .
ومثالُ توكيد الحرف ، قوله تعالى : { وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } (الروم:49) ، وقوله تعالى : { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ } (الحشر:17) (3)، يقول الزمخشريُّ : " ( مِنْ قَبْلِهِ ) من باب التكرير والتوكيد ، كقوله تعالى :
{ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا } "(4).
__________
(1) وينظر : ( الطارق / 17 ) .
(2) الكشاف ، 2 / 343 ، وينظر : التبيان في إعراب القرآن ، 2 / 140 ، وفتح القدير ، 3 / 441 ، وروح المعاني ، 17 / 125 .
(3) ينظر : ( هود / 108 ) ، ( البينة / 6 ) .
(4) الكشاف ، 2 / 512 ، وينظر : البحر المحيط ، 8 / 399 .(1/103)
ومثال توكيد المضمر قوله تعالى : { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا } (البقرة:35) ، وقوله تعالى : { وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ } (العنكبوت:39) ، والتوكيدُ اللفظيُّ في القرآن الكريم يكثرُ في مثل هذا التركيب (1)، وأمَّا المظهرُ ، فهو الاسم ، وقد مثلنا له .
ومثالُ توكيد الجملة قوله تعالى : { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً - إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } (الشرح:5-6) ، وقوله تعالى : { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى - ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } (القيامة:34-35) ، وغير ذلك .(2)
ووقع التوكيدُ اللفظيُّ في اسم الفعل ، قال تعالى : { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } (المؤمنون:36) (3).
المبحث الرابع
( المطابقةُ بن البدل والمبدل منه ) :
يُعرِّفُ العلماءُ البدلَ بأنَّه : " تابعٌ مقصودٌ بالذكرِ ، وذكرُ المتبوعِ قبله للتوطئة والتمهيد "(4) ، أو " هو " التابعُ المقصودُ بالنسبة بلا واسطة "(5)، وذلك نحو قولنا : ( جاءَ أخوكَ زيدٌ ) .
__________
(1) ينظر : ( البقرة / 249 ) ، ( المائدة / 24 ) ، ( الأنعام / 91 ) ، ( هود / 19 ) .
(2) ينظر : ( النبأ / 4-5 ) ، ( التكاثر / 3-4 ) .
(3) ينظر : الإتقان ، 2 / 178 .
(4) الإيضاح في شرح المفصل ، 1 / 449 ، وينظر : شرح الرضي على الكافية ، 2 / 379 ، وشرح شذور الذهب ، 439 .
(5) شرح ابن عقيل ، 2 / 247 .(1/104)
وهو ينقسمُ على أربعةِ أقسامٍ : بدلٍ مطابقٍ : وهو ما يكونُ فيه البدلُ مساوياً للمبدلِ منه في المعنى ، كقولنا : ( مررتُ بأخيكَ زيدٍ ) ، وبدلِ بعضٍ من كلٍّ : وهو ما يكونُ فيه البدلُ جزءاً من المبدلِ منه ، ، كقولنا : ( أكلتُ الرغيفَ ثُلُثَهُ ) ، وبدلِ الاشتمالِ : " وهو بدلُ شئٍ من شئٍ يشتملُ عامله على معناه بطريق الإجمال ، كأعجبني زيدٌ علمُهُ أو حسنُهُ أو كلامُهُ "(1) ، والبدل المباين ، وهذا ينقسمُ ثلاثة أقسام ، أولها : بدل الغلط : وهو ما يكونُ فيه ذكرُ المبدلِ منه غلطاً باللسان ، ويكون البدلُ تصحيحَ ذلك الغلطِ ، كقولنا : ( رأيتُ حصاناً حماراً ) ، وثانيها : بدل النسيان : وهو الذي يكون فيه ذكرُ البدلِ من المتكلمِ عمداً ، ثم يتبين له عدمَ صحة قصده ، فيتركه ، ويذكرُ البدلَ ، وثالثها : بدل الإضراب : " وهو ما يُقصَدُ متبوعُهُ كما يُقصَدُ هو 000 ، نحو : ( أكلتُ خبزاً لحماً ) ، قصدتَ أولاً الإخبارَ بأنَّكَ أكلتَ خبزاً ، ثم بدا لكَ أنكَ تُخبرُ أنكَ أكلتَ لحماً أيضاً ."(2)
والمطابقةُ في البدلِ تكونُ في أقسامه الثلاثة الاُولِ ؛ لأنَّها الجارية في القرآن الكريم ، وفي كلام العرب ، شعرهم ونثرهم ، يقولُ المبردُ : " فهذه ثلاثةُ أوجه تكونُ في القرآن وفي الشعر وفي كلام كل مستقيم ، ووجهٌ رابعٌ لا يكونُ مثله في القرآن ولا شعر ولا كلام مستقيم ، وإنما يأتي في لفظ الناسي أو الغالط " (3) .
__________
(1) شرح الأشموني ، 3 / 25 .
(2) شرح ابن عقيل ، 2 / 249 ، وينظر في أقسام البدل : الكتاب ، 1 / 150-158 ، و 1 / 439-440 ، والمقتضب ، 1 / 27 ، , 4 / 295-298 ، وشرح المفصل ، 3 / 63-66 ، وشرح ابن عقيل ، 2 / 249-250 ، وشرح شذور الذهب ، 428-429 ، وشرح الأشموني ، 3 / 124-126 .
(3) المقتضب ، 4 / 297 ، ويقصد بـ ( ثلاثة أوجه ) : بدل المطابقة ، والبعض من الكل ، وبدل الاشتمال .(1/105)
وكون البدل من التوابع ؛ فالمطابقةُ جاريةٌ بينه وبين المبدل منه ، في الإعراب ، نقول :
( جاءَ أخوكَ زيدٌ ) ، و ( رأيتُ أخاكَ زيداً ) ، و ( مررتُ بأخيكَ زيدٍ ) ، يقولُ أبو عليٍّ الفارسيِّ : " والبدلُ يُعربُ بإعرابِ المبدلِ منه " (1)، ويقولُ ابنُ يعيش : " البدلُ ثانٍ يُقدرُ في موضع الأول، نحو قولكَ : ( مررتُ بأخيكَ زيدٍ ) فـ ( زيدٌ ) ثانٍ من حيثُ كان تابعاً للأول في إعرابه ، واعتباره بأن يُقدرَ في موضع الأول " (2) ، وهذا التطابقُ جارٍ على كل أقسام البدل ، قال تعالى : { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ } (الأنعام:102) ، وقال تعالى : { قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً - نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } (المزمل:2-3) ، وقال تعالى : { يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيه } ? (البقرة:217) ، وغير ذلك .(3)
أما المطابقةُ في الإفراد وفرعيه ، وفي التذكير والتأنيث ، فَتلزمُ إذا كان البدلُ مطابقاً ، ليسَ غيرُ ، يقول الأشموني : " وأما الإفرادُ والتذكير وأضدادهما ، فإن كان بدلَ كلٍّ ، وافقَ متبوعه فيها ما لم يمنعْ مانعٌ من التثنية والجمع ؛ لكون أحدهما مصدراً ، نحو : ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً - حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً) (النبأ:31-32) ، أو قُصِدَ به التفصيلَ ، كقوله :
وكُنتُ كَذِي رِجلَينِ : رِجلٍ صَحِيحَةٌ وَرِجلٍ رَمَى فِيهَا الزَمَانُ فَشُلَّتِ
__________
(1) المقتصد في شرح الإيضاح ، 2 / 929 .
(2) شرح المفصل ، 3 / 63 ، وينظر : شرح الأشموني ، 3 / 127 .
(3) ينظر : ( فاطر / 14 ) ، ( آل عمران / 97 ) ، ( البروج / 4-5 ) .(1/106)
وإن كان غيره من أنواعِ البدلِ لم يلزمْ موافقته أيَّاها "(1).
فمثالُ المطابقة إفراداً وتذكيراً ، قوله تعالى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } (الفاتحة:6-7) ، وقوله تعالى : { ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ } (البقرة:2) ، وغير ذلك .(2)
__________
(1) شرح الأشموني ، 3 / 128 ، والآيتان من قوله تعالى : ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً - حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً - وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً - وَكَأْساً دِهَاقاً - لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً) (النبأ: 31-35) ، والظاهرُ أنها من بدل الاشتمال ، أو بدل البعض من الكل ، لا من البدل المطابق ، بدليل الآياتِ التي بعد هاتين الآيتين ، فالله تعالى يُبينُ أن للمتقين مفازاً متمثلاً بالحدائق والأعناب ، والكواعب الأتراب ، والكأس المملوءة ، وعدم سماع المتقين للغو والكذب ، فهذه مكونات المفاز ، أو الفوز في الجنة ، فهي أجزاءٌ لذلك الفوز ، أو أن الفوز مشتملٌ على هذه الأشياء ، وأما جعل الآية على أنها بدلٌ مطابقٌ ، فيكون بالنظر إلى معنى المصدر ( مفازاً ) ، وذلك بجعله عين الأشياء التي ذكرها الله تعالى بعد ذلك المفاز ، ينظر : تفسير البيضاوي ، 5 /443 ، وفتح القدير ، 5 / 368 ، وروح المعاني ، 30 / 18 ، وأما الشاهد الشعري ، فهو لكثير عزَّة ، والشاهد فيه إبدال ( رجل صحيحة ) ، من ( ( رجلين ) ، وعطف على الرجل الأولى ( ورجل ) ؛ لأنَّ المبدل منه مثنىً ، فوجبَ أن يكون المبدل مثنىً كالمبدل منه ، فقد أجمل ثم فصَّل ، ينظر : ديوان كثير عزَّة ، 99 ، والكتاب ، 1 / 432-433 ، والمقتضب ، 4 / 290 ، وشرح المفصل ، 3 / 68-69 ، و شرح شواهد الأشموني على هامش شرح الأشموني ، 3 / 138.
(2) ينظر : ( البقرة / 87 ) ، ( آل عمران / 39 ) .(1/107)
ومثالُ المطابقة إفراداً وتأنيثاً ، قوله تعالى : { وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ } (البقرة:35) ، وقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار - جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ } (إبراهيم: 28-29) ، وغير ذلك .(1)
ومثالُ المطابقة جمعاً وتذكيراً ، قوله تعالى : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ - ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ - الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (آل عمران: 181-183) ، وقوله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } (الأنفال:2-3) ، وغير ذلك .(2)
وأما مثال المطابقة جمعاً وتأنيثاً ، فنحو قوله تعالى : { وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } (آل عمران:140) ، وقوله تعالى : { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ - فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان - حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ } (الرحمن:70-72) .
__________
(1) ينظر : ( البقرة / 87 ) ، ( آل عمران / 18 ) .
(2) ينظر : ( الأحزاب / 38-39 ) .(1/108)
فنحنُ نلاحظُ أنَّ المطابقةَ حاصلةٌ بين البدل والمبدل منه في العدد ، وفي الجنس ، في الآياتِ التي وردت .
أما المطابقة بين البدل والمبدل منه تعريفاً أو تنكيراً ، فلا تُشترطُ بينهما ، إذ قد يأتيان معرفتين ، أو نكرتين ، أو مختلفين ، إلا أنَّ مجيئهما معرفتين أو نكرتين ، يُعدُّ مظهراً من مظاهر المطابقة ، وإنْ لمْ يُشترطْ هذا التطابقُ .
يقول سيبويه : " هذا بابُ بدل المعرفة من النكرة ، والمعرفة من المعرفة 000
أما بدل المعرفة من النكرة ، فقولكَ : ( مررتُ برجلٍ عبدِ اللهِ ) ، كأنَّهُ قِيلَ لهُ بمن مررتَ ؟ أو ظنَّ أنَّه يُقالُ لهُ ذلكَ ، فأبدلَ مكانه ما هو أعرف منه 000 وأما المعرفة التي تكون بدلاً من المعرفة ، فهو كقولكَ : ( مررتُ بعبدِ اللهِ زيدٍ ) ، إما غلطتَ فتداركتَ ، وإما بدا لك أن تُضرِبَ عن مروركَ بالأول ، وتجعله للآخِر"(1) .
ويقول ابنُ عصفور : " والبدلُ ينقسم بالنظر إلى التعريف والتنكير ، أربعة أقسام : معرفة من معرفة ، ونكرة من نكرة ، ومعرفة من نكرة ، ونكرة من معرفة "(2).
ويعللُ ابنُ يعيشٍ عدمَ وجوب المطابقة بين البدل والمبدل منه تعريفاً أو تنكيراً بقوله : " ليس الأمرُ في البدل والمبدل منه كالنعت والمنعوت ( فيلزم تطابقُهما في التعريف والتنكير ) كما كان ذلك في النعت ؛ لأنَّ النعت من تمام المنعوت ، وتحليةً له ، والبدل منقطعٌ من المبدل منه ، يُقدرُ في موضع الأول على ما ذكرنا ؛ فلذلك يجوز بدلُ المعرفة من المعرفة ، والنكرة من المعرفة ، والنكرة من النكرة ، والمعرفة من النكرة "(3) .
__________
(1) الكتاب ، 2 / 14-16 ، وينظر : المقتضب ، 4 / 295-296 ، والأُصول في النحو ، 2 / 46 .
(2) المقرب ، 268 ، وينظر : شرح الرضي على الكافية ، 2 / 387 ، وارتشاف الضرب ، 2 / 619-620 ، وشرح شذور الذهب ، 444 ، وشرح الأشموني ، 3 / 128 ، والمنهل الصافي ، 2 / 583 .
(3) شرح المفصل ، 3 / 68 .(1/109)
وتعليلُ ابنِ يعيشٍ هذا ، على جعلِ البدلِ في موضع المبدلِ منه ، فـ " لما كان مقصوداً والأولُ كالتتمة ، لمْ يلزمْ مطابقته ، كما لزمَ في التتمة ؛ لقوةِ ما هو أصلٌ ، وضعفِ ما هو فرعٌ ، والبدلُ أصلٌ ؛ لأنَّهُ مقصودٌ ، والصفةُ فرعٌ لأنَّها تتمةٌ "(1) .
وعلى رأي من يقولُ إنَّ البدلَ في حكم تكرير العامل ، يكونُ المبدلُ منه وعاملُهُ جملة ، والبدلُ وعاملُهُ جملة أُخرى ؛ " فلا يلزم التطابقُ "(2) .
إنَّ النظمَ القرآني استعملَ البدلَ مطابقاً للمبدل منه ، تعريفاً وتنكيراً ، واستعمله مخالفاً للمبدل منه أيضاً .
فمثالُ إبدال المعرفة من المعرفة ، بدلاً مطابقاً ، قوله تعالى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } (الفاتحة:6-7) ، وقوله تعالى : { إِذْ جَعَلَ
الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ } (الفتح:26) ، وغير ذلك .(3)
ومثاله في بدل البعض ، قوله تعالى : { وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } (البقرة:126) ، وقوله تعالى : { بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً } (فاطر:40)وغير ذلك .(4)
وأما مثاله في بدل الإشتمال ، فنحو قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن } (الأعراف:33) ، وقوله تعالى : { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ - النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ } (البروج:4-5) ، وغير ذلك .(5)
__________
(1) الإيضاح في شرح المفصل ، 1 / 451 .
(2) المصدر نفسه ، 1 / 451 ، وينظر : المنهل الصافي ، 2 / 584 .
(3) ينظر : ( الأعراف / 142 ) ، ( هود / 60 ) ، ( الرعد / 28 ) .
(4) ينظر : ( آل عمران / 97 ) ، ( الزمر / 60 ) .
(5) ينظر : ( الأنعام / 151 ) ، ( الزخرف / 33 ) .(1/110)
ومثال إبدال النكرة من النكرة ، بدلاً مطابقاً ، قوله تعالى : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ } (النحل:75) ، وقوله تعالى : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ } (القمر:54-55) ، وغير ذلك (1)، ولمْ يرد إبدالُ النكرة من النكرة في القرآن الكريم ، إلا في البدل المطابق .(2)
أما أمثلة تخالف البدل والمبدل منه تعريفاً وتنكيراً ، فنحو قوله تعالى : { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَة - رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً } (البينة :1-2) ، وقوله تعالى : { هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ - جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ } (صّ: 55-56 ) ، وغير ذلك .(3)
وبالرغم من جواز تخالف البدل والمبدل منه تعريفاً وتنكيراً ، فقد استعمل القرآن الكريم البدل والمبدل منه متطابقين ، في مواطنَ تصلُ إلى ضعفِ مواطنِ التخالف بينهما .
الفصل الثالث
المطابقة بين الضمير وبين مرجعه
قسَّمَ النحاة الضميرَ على ثلاثة أقسام : ضمير تكلم ، وضمير خطاب ، وضمير غيبة، يقول أبو حيانٍ : " باب المضمر ، وهذه تسمية البصريين ، ويسميه الكوفيون الكنايةَ والمكنى ، ولا يحتاجُ إلى رسمٍ ؛ لأنه محصور ، وينقسم إلى متكلمٍ ومخاطبٍ وغائبٍ "(4).
__________
(1) ينظر : ( يوسف / 20 ) ، ( النحل / 76 ) ، ( الرحمن / 70-72 ) .
(2) ينظر : دراسات لاُسلوب القرآن الكريم ، 11 / 48-50 .
(3) ينظر : ( مريم / 61 ) ، ( الشورى / 52-53) .
(4) ارتشاف الضرب ، 1 /462 ، وينظر : شرح الرضي على الكافية ، 2 /401 ، والفوائد الضيائية ، 2 /6 .(1/111)
ولأنَّ الضمير من الأشياء المبهمة ؛ فإنَّهُ يحتاجُ إلى ما يُفسره ، ويرفع عنه هذا الإبهامَ ، كما في الأسماء الموصولة ، إذ تُوجدُ جملةُ الصلة التي تُزيلُ إبهامَ تلك الأسماءِ .
وليس هذا بجارٍ على كل أقسام الضمير الثلاثة ، فضمير المتكلم أو المخاطب ، لا يحتاجُ إلى ما يُوضحهُ أو يُفسرهُ ؛ لأنَّ حضورَ صاحبه أو المشاهدة تؤدي ذلك ، وأما ضمير الغائب ، فخالٍ من هذه المشاهدة ؛ فاحتاج إلى هذه المُفَسِّرِ أو المرجع ، يقولُ ابنُ يعيشٍ : " والأحوالُ المقترنة بها ، حضور المتكلم والمخاطب ، والمشاهدة لهما ، وتَقَدُّمُ ذِكرِ الغائب الذي يصيرُ بمنزلة الحاضر الشاهد "(1).
ويقولُ السيوطيُّ : " ضمير التكلم والخطاب يُفسرهما المشاهدة ، وأما ضمير الغائب ، فعارٍ عن المشاهدة ؛ فاحتيجَ إلى ما يُفسرهُ "(2)
وهذا المفسِّر – في الأعم الأغلب – يكون اسماً ظاهراً مقدماً على ضميره (3) ، فنقولُ :
__________
(1) شرح المفصل ، 3 / 84 ، والضمير في (بها) ، يقصد به الضمائر .
(2) همع الهوامع ، 1 /227 ، وينظر والضمائر في اللغة العربية ، 95 .
(3) إذ قد يتقدمُ الضميرُ على مرجعه في اللفظ دون المعنى ، كما نقولُ : ( أكرمَ أخاهُ محمدٌ ) فالضميرُ في ( أخاه ) ، عائدٌ على ( محمدٌ )، وإن تقدمَ عل مرجعه ؛ لأن الأصلَ ( أكرمَ محمدٌ أخاه ) ، ينظر : إرتشاف الضرب ، 1 /481 ، وشرح الرضي على الكافية ، 2 /404 ، والفوائد الضيائية ، 2 /76 .(1/112)
( محمدٌ ضَرَبتُهُ ) ، وأن يكون الأقرب إليه ، نقولُ : ( ضربتُ زَيداً وعمراً أوجعتُهُ ) ، فالهاءُ عائدةٌ على ( عمراً ) إلا إذا وجد دليلٌ على أنَّ الضميرَ عائدٌ على غير الأقرب ، " كما في قوله تعالى : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ } ?، فضمير ( ذريته ) عائدٌ على إبراهيم ، وهو غير الأقرب ؛ لأنَّهُ المُحَدَّثُ عنه من أول القصة إلى آخرها "(1).
وقد لا يُصرحُ بلفظ المرجع في بعض الأحيان ؛ لوجود ما يدلُ عليه حساً ، كما قالَ تعالى : { يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْه } (القصص:26) ، والمقصود موسى عليه السلام ، وإن لم يُصرح بلفظه ، لكونه حاضراً ، أو وُجِدَ ما يدل عليه علماً ، كما في قوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } (القدر:1) ، أي القرآن الكريم ، أو يكون المفسِّرُ جزءاً من مدلول مرجعه ، كما في قوله تعالى : { اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } (المائدة:8) ، فالضمير ( هو ) يعود على العدل المفهوم من ( اعدلوا ) ، والعدلُ جزءٌ من ( اعدلوا ) ؛ لأن الأخير يدلُ على المصدر والزمان ، في حين يدلُ الأول على المصدر فقط .
__________
(1) همع الهوامع ، 1 /227 ، والآية من ( العنكبوت / 27 ) ، وينظر : معاني النحو ، 1 /66 ، والضمائر في اللغة العربية ، 96(1/113)
ولا بُدَّ لهذا الضمير من مطابقة مرجعه في العدد وفي الجنس ، فإذا كان المرجع مفرداً مذكراً ، وجب أن يكون الضمير مفرداً مذكراً ، وإذا كان المرجع مفرداً مؤنثاً ، وجب أن يكونَ الضميرُ مفرداً مؤنثاً ، وإذا كان المرجعُ مثنىً ، وجب أن يكون الضمير مثنىً ، وإذا كان المرجعُ جمعاً مذكراً ، وجب أن يكون الضمير جمعاً مذكراً ، وإذا كان المرجعُ جمعاً مؤنثاً ، وجب أن يكون الضمير جمعاً مؤنثاً ، يقول الزركشيُّ : " وقد قسَّم النحويون ضميرَ الغيبة إلى أقسام : أحدها – وهو الأصل – أن يعود إلى شيءٍ سبق ذكره في اللفظ بالمطابقة ، نحو : { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } (1) ، { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ } (2) ، { إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } (3) ، وقوله : { يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوه } (4) " (5).
المبحث الأول
المطابقة بين الضمير ومرجعه في الإفراد :
أولاً - إذا كان الضمير مفرداً مذكراً :
فالأصلُ عند مجيء ضمير غائبٍ مفردٍ مذكرٍ ، أن يكون مطابقاً لمرجعه ، وهذا ما جاء عليه القرآن الكريم ، قال الله تعالى : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } (آل عمران:37) ، فالضميرُ ( هو ) عائدٌ على ( رزقاً ) ، وقد جاء مطابقاً لمرجعه في العدد والجنس ، فالضميرُ مفردٌ مذكرٌ وكذا مرجعه .
__________
(1) طه / 21 ) .
(2) هود / 42 ) .
(3) النور / 40 )
(4) الأحقاف / 29 ) .
(5) البرهان في علوم القرآن ، 4 / 25 .(1/114)
وقال تعالى : { قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } (هود:46) ، فالهاءُ في ( إنه ) عائدةٌ على ابن نوح - عليه السلام - المذكور قبل هذه الآية قال تعالى : { وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ } (هود:45) ، وقد تمت المطابقةُ بين الضمير ومرجعه ، فكلاهما مفردٌ مذكرٌ . وقال تعالى : { إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ } (الحجر:52) ، فالضمير في ( عليه ) عائدٌ على ( إبراهيم )- عليه السلام - ، وذلك في قوله تعالى : { وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } (الحجر:51) ، وقد تمت المطابقة هنا أيضاً وهذا التطابقُ جاء في مواطن كثيرةٍ جداً في القرآن الكريم .(1)
ما ظاهره عدم المطابقة :
وردت بعض الآيات في القرآن الكريم ظاهرها المخالفةُ بين الضمير ومرجعه في الإفراد والتذكير ، قال تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ - فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (البقرة:180-181) .
نجدُ الضمير في ( بَدَّلَهُ ) ، مفرداً مذكراً ، وقد عاد على ( الوصية ) ، وهي مفردٌ مؤنث ، وظاهر هذا التخالفُ .
والقولُ في هذه الآيةِ من وجهين :
الأول:
__________
(1) ينظر : ( آل عمران / 59 ) ، ( التوبة / 61 ) ، ( طه / 115 ) .(1/115)
إن ( الوصية ) في الآية الكريمة بمعنى ( الإيصاء ) ، وهذا لفظٌ مفردٌ مذكرٌ ؛ ولذلك جاز عودُ الضمير عليه مفرداً مذكراً ، وبهذا تتم المطابقةُ ، قال الواحديُّ : " { فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ } ، أي بدل الإيصاء وغيره من وصي وولي وشاهد بعدما سمعه عن الميت "(1) ، وقال الزمخشريُّ : " { فَمَنْ بَدَّلَهُ } فمن غيَّر الإيصاء عن وجهه إن كان موافقاً للشرع من الأوصياء والشهود "(2).
الثاني :
إن الهاء عائدة على مفهومٍ من السياق يدلُ عليه الظاهر ، وهو أمر الميت ، فالله تعالى يقول : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ } ، فالهاء عائدة على أمر الميت ، قال الطبريُّ : " فإن قال لنا قائلٌ : وعلامَ عادت الهاءُ في قوله : { فَمَنْ بَدَّلَهُ } ؟ قِيلَ على محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر ، وذلك هو أمر الميت وإيصاؤه إلى من أوصى إليه ، بما أوصى به ، لمن أوصى له "(3)، ولفظ ( أمر الميت ) مفردٌ مذكرٌ ، وبه يتم التطابقُ بين الضمير ومرجعه إفراداً وتذكيراً .
__________
(1) الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، 1 / 149 .
(2) الكشاف ، 1 / 245 ، وينظر : التبيان في إعراب القرآن ، 1 / 78 ، وتفسير النسفي ، 1 / 93 ، والبحر المحيط ، 2 / 165 ، وتفسير الجلالين ، 1 / 37 ، وروح المعاني ، 2 / 55 ،
(3) جامع البيان ، 2 / 122 .(1/116)
وقد ذكر أبو حيان أن الضمير في الآية راجعٌ على " أمر الله تعالى في هذه الآية "(1)، وهو مردودٌ بقول الطبري رحمه الله ، حيثُ يقولُ : " وإنما قلنا إن الهاء في قوله : { فَمَنْ بَدَّلَهُ } عائدةٌ على محذوفٍ من الكلامِ يدل عليه الظاهر ؛ لأنَّ قوله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ } ، من قوله تعالى ، إن تبديل المُبَدِّل إنما يكون لوصية الموصي ، فأما أمرُ الله بالوصية ، فلا يقدرُ هو ولا غيره أن يُبدله "(2).
والأول من الوجهين أولى ؛ لأن الحملَ على المعنى جارٍ في لسان العرب ، يقول أبو حيان : " والتذكير على المعنى واردٌ في لسانهم "(3).
وقال تعالى : { إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } (آل عمران:45) ، فقد عاد ضميرٌ مفردٌ مذكرٌ وهو الهاء من ( اسمه ) على ( كلمة ) ، وهي لفظٌ مفردٌ مؤنثٌ .
والكلامُ هنا من وجوهٍ منها :
أولاً:
إن ( الكلمة ) في الآية بمعنى ( الخبر ) ، قال الطبريُّ : " وقوله : { بِكَلِمَةٍ مِنْهُ } يعني برسالة من الله وخبر من عنده ، وهو من قول القائل : ( ألقى فُلانٌ إليَّ كلمةً سرني بها ) ، بمعنى : (أخبرني خبراً فَرِحتُ به) "(4).
ثانياً:
__________
(1) البحر المحيط ، 2 / 165 .
(2) جامع البيان ، 2 / 122 .
(3) البحر المحيط ، 2 / 165 ، وقد ذكر العلماءُ غير هذين الوجهين ، ينظر : التبيان في إعراب القرآن ، 1 / 78 ، والبحر المحيط ، 2 / 165 .
(4) جامع البيان ، 3 / 269 .(1/117)
بما أن مُسَمَّى الكلمة ذَكَرٌ ، وهو نبي الله عيسى- عليه السلام - ؛ فقد ذَكَّرَ لهذا المعنى ، قال الزمخشريُّ : " فإن قلتَ : لِمَ ذكَّرَ ضمير الكلمة ؟ قلتُ : لأن المُسَمَّى بها مذكرٌ "(1) .
ثالثاً : إن عيسى- عليه السلام - خلقه الله تعالى بكلمة ، أي أن عيسى- عليه السلام - أوجده الله تعالى بقوله : { كُنْ } ، فالمقصود بـ ( الكلمة ) الولدُ الذي وجوده في الحياة الدنيا بقول الله تعالى : { كُنْ } ، وقد ذكر الله تعالى هذا الأمر في عدد من الآيات الكريمة ، قال الله تعالى : { قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } (آل عمران:47) ، وقال تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } (آل عمران:59) ، وقال جلَّ شأنُهُ : { ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ - مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } (مريم:34- 35) ، قال ابن كثير : " قال الله تعالى : { إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ } ، أي بولدٍ يكون وجوده بكلمةٍ من الله ، أي بقوله كنْ فيكونُ "(2). ويقول الزركشيُّ : " و { إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ } ، تجوّزٌ بالكلمة عن المسيح ؛ لكونه تكوَّن بها من غير أبٍ ، بدليل قوله : { وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ }
__________
(1) الكشاف ، 1 / 323 ، وينظر : تفسير النسفي ، 1 / 158 ، وإرشاد العقل السليم ، 2 / 36 ، وروح المعاني ، 3 / 160 .
(2) تفسير القرآن العظيم ، 1 / 364 .(1/118)
، ولا تتصف الكلمة بذلك "(1)، والرأي الأخير أولى ؛ لدعم القرآن الكريم له ، وقال تعالى : { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ } (التوبة:62) ، فقد جاء الضمير مفرداً مذكراً ، وهو في الظاهر عائدٌ على مثنىً : لفظ الجلالة ( الله ) ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .(2)
والقول في هذه الآية من وجوه :
أولها :
__________
(1) البرهان في علوم القرآن ، 2 / 297 .
(2) ورد مثل هذا التركيب في القرآن الكريم ، نحو قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } (الأنفال:20) ، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } (الأنفال:24) ، وقوله تعالى : { وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ } (النور:48) .(1/119)
إن الهاءَ عائدة على لفظ الجلالة ( الله ) تعالى ، أما رضا الرسول- صلى الله عليه وسلم - ، فهو من رضى الله تعالى ؛ ولذلك وحَّد الضمير ، قال البغويُّ : " فالهاء راجعةٌ إلى الله ، ورضا رسوله يندرج في رضى الله تعالى "(1) ، وقال الزمخشريُّ : " وإنما وحَّد الضميرَ ؛ لأنه لا تفاوت بين رضا الله ورضا رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فكانا في حكم مرضيٍّ واحدٍ ، كقولك : ( إحسانُ زيدٍ واجماله نعشني وجبر مني "(2)، وقد جاء في الشعر مثل قوله تعالى هذا ، قال حسَّانُ- رضي الله عنه - :
إنَّ شرخَ الشَّبابِ والشَّعرِ الأسـ ـود ِ ما لم يُعاصَ كان جُنونَا (3)
فلم يقلْ ( يُعاصيا ) ؛لأنَّ الشعر الأسود داخلٌ في الشباب .
ثانيها :
إن في الآية حذفاً ، أو تُحملُ على التقديم والتأخير ، يقول أبو جعفرٍ النحاس : " وقوله جلَّ وعزَّ : المعنى عند سيبويه : والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه ، ثم حذف "(4) .
وأمَّا القولُ بالتقديم والتأخير، فهو للمبرد(5)، ويكون المعنى : " والله أحق أن يرضوه ورسوله "(6)، وبهذين المعنيين لا مخالفة .
ثالثها :
__________
(1) معالم التنزيل ، 2 / 97 .
(2) الكشاف ، 2 / 47 ، وينظر : مغني اللبيب ، 509 ، والمسائل السفرية في النحو ، 86 ، والجامع لأحكام القرآن ، 1 / 273-274 ، والبحر المحيط ، 5 / 450-451 ، وتفسير البيضاوي ، 3 / 155 ، والبرهان في علوم القرآن ، 3 / 127 ، والإتقان في علوم القرآن ، 1 / 549 .
(3) شرح ديوان حسان ، 473 ، وينظر : الجامع لأحكام القرآن ، 1 / 373-374 ، والمسائل السفرية في النحو ، 86 .
(4) معاني القرآن ، النحاس ، 3 / 228 ، وينظر : الكتاب ، 1 / 73-77 .
(5) ينظر : المقتضب ، 3 / 112-113 .
(6) معاني القرآن ، النحاس ، 3 / 229 ، وينظر حول رأيي سيبويه والمبرد : مشكل إعراب القرآن ، 1 / 331-332 ، والجامع لأحكام القرآن ، 8 / 193 –194 ، والبحر المحيط ، 5 / 450 ، وإرشاد العقل السليم ، 4 / 78 .(1/120)
لمْ يقلْ ( ترضوهما ) ؛ لأنه لا يُجمعُ بين لفظ الجلالة واسم في ضميرٍ، يقول الجصاصُ : " ولم يقل : (ترضوهما ) ؛ لأن اسم الله واسم غيره لا يجتمعان في كناية ، وروي عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه خطب بين يديه رجلٌ ، فقال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: قُمْ ، فبئس خطيب القوم أنتَ ، لقوله : ومن يعصهما "(1).
والأول من الوجوه أولى ؛ لسلامته من الحذف ، أو التقديم والتأخير ، ولورود مثل هذا المعنى في القرآن الكريم ، قال تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (آل عمران:31) ، فمحبة الله لعباده تأتي من اتباع الرسول وحبه ، وكذلك الحال بالنسبة في رضا الله وخشيته .
وقال تعالى : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً } (النساء:4) ، فالضمير في ( منه ) مفردٌ مذكرٌ ، و مرجعه ( صدقاتهن ) جمعٌ مؤنثٌ .
والقول في هذه الآية من وجوه منها :
أولاً :
__________
(1) أحكام القرآن ، الجصاص ، 5 / 244 ، وينظر : البرهان في علوم القرآن ، 3 / 127-128 ، والحديث النبوي الشريف في : صحيح مسلم ، 2 / 594 ، وسنن البيهقي الكبرى ، 1 / 86 ، وفتح الباري ، 7 / 468 .(1/121)
إن ( الصدقات ) في الآية بمعنى ( الصداق ) ، وإذا عاد الضمير في ( منه ) على هذا المعنى ، تتم المطابقةُ بين الضمير ومرجعه ، قال الواحديُّ : " { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ } أي إن طابت لكم أنفسهن عن شيءٍ من الصداق ، فكلوه هنيئاً في الدنيا لا يقضي به عليكم سلطانٌ ، مريئاً في الآخرة لا يؤاخذكم الله به "(1)، وقال الزمخشريُّ : أو يرجع الضميرُ إلى ما هو في معنى الصدقات ، وهو الصداق "(2).
ثانياً :
إن الضمير في الآية يجري مجرى اسم الإشارة ، " فكأنَّه قيل عن أي شيءٍ من ذلك ، كما قال الله تعالى : { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ } ، بعد ذكر الشهوات ، ومن الحجج المسموعة من أفواه العرب ما روي عن رؤبة أنه قيل له في قوله :
كَأنَّهُ فِي الجِلدِ تَولِيعُ البَهَق
فقال : أردتُ كأن ذاك "(3) .
__________
(1) الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، 1 / 252 .
(2) الكشاف ، 1 / 376 ، وينظر : تفسير النسفي ، 1 / 206 ، وتفسير البيضاوي ، 2 / 146 ، والبحر المحيط ، 3 / 511 ، وقد نسب هذا الرأيَ أبو حيانٍ إلى عكرمةَ ، وفتح القدير ، 1 / 422 .
(3) الكشاف ، 1 / 376 ، وينظر : تفسير البيضاوي ، 2 / 146-147 ، والبحر المحيط ، 3 / 511-512 ، وفتح القدير ، 1 / 422 ، والآية في قول الزمخشري من ( آل عمران / 15 ) ، وقول رؤبة هو عجز بيت له ، وصدره : ( فيها خطوطٌ من سوادٍ وبلق ) ، والبيت في وصف مفازة ، وفي الديوان ( كأنَّها ) بدل ( كأنَّه ) ، ينظر : مجموعة أشعار العرب وهو مشتمل على ديوان رؤبة بن العجاج ، 104 ، قصيدة رقم / 40 ، وعجزه في الكشاف ، 1 / 376 ، وتفسير البيضاوي ، 2 / 147 ، والبحر المحيط ، 3 / 512 .(1/122)
وقد ذكر أبو حيانٍ غير هذين الوجهين ، فقد جاء في البحر المحيط : " وقيل يعود على المال ، وهو غير مذكورٍ ، ولكن يدل عليه صدقاتهن ، وقيل يعود على الإيتاء ، وهو المصدر الدال عليه ( وآتوا ) ، قاله الراغبُ ، وذكره ابنُ عطيةٍ "(1) ،
والأول أولى ؛ لأنه جرى في كلام العرب الحملُ على المعنى في التأنيث والتذكير .
مما سبق نستطيع القول إن المطابقة بين الضمير المفرد المذكر ومرجعه ، هي الغالبة في القرآن الكريم ، وما جاء في ظاهره مخالفاً لهذه المطابقة ، فإنه راجعٌ إلى الحمل على المعنى ، كما مرَّ .
ثانياً– إذا كان الضمير مفرداً مؤنثاً :
فالواجبُ في الضمير المفرد المؤنث المطابقةُ مع مرجعه إفراداً وتأنيثاً ، وهذا هو الغالب في القرآن الكريم ، قال تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدا } (البقرة:58) ، فالضمير في ( منها ) عائدٌ على القرية ، والمطابقة حاصلةٌ بين الضمير ومرجعه إفراداً وتأنيثاً
وقال تعالى : { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } (يوسف:26) ، فالضمائر : ( هي ) ، والهاء من ( أهلها ) والمستتر في ( فصدقت ) ( هي ) ، راجعةٌ إلى امرأة العزيز ، وذلك في قوله تعالى : { قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } (يوسف:51) ، والمطابقةُ حاصلةٌ بين هذه الضمائر ومرجعها إفراداً وتأنيثاً .
__________
(1) البحر المحيط ، 3 / 512 .(1/123)
وقال تعالى : { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا } (النمل:19) ،فالهاء في ( قولها ) ، راجعةٌ على (النملة) في قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } (النمل:18) ، والمطابقةُ أيضاً حاصلةٌ بين الضمير ومرجعه إفراداً وتأنيثاً ، وغير ذلك كثيرٌ جداً في القرآن الكريم .(1)
ما ظاهره عدم المطابقة
وردت بعضُ المواطن في القرآن الكريم ظاهرها المخالفة بين الضمير المفرد المؤنث ومرجعه ، من ذلك قوله تعالى : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } (البقرة:45) ، فقد تقدم على الضمير في ( وإنها ) شيئان هما : ( الصبر والصلاة ) ، وظاهر ذلك المخالفة .
والقول في هذه الآية من وجوه منها :
أولاً :
إن الضمير عائدٌ على ( الصلاة ) وحدها ، والصبر مندرجٌ تحتها ، جاء في جامع البيان : " { وَإِنَّهَا } ، وإن الصلاة ، فالهاء والألف في ( وإنها ) عائدتان على الصلاة "(2)، وهو رأي ابن عباس والحسن ومجاهد (3)، ولا مخالفة في ذلك .
ثانياً :
__________
(1) ينظر : ( طه / 20 ) ، ( الشعراء / 32 ) ، ( ص / 77 ) ، ( الدخان / 27 ) .
(2) جامع البيان ، 1 / 261 ، وينظر : مشكل إعراب القرآن ، 1 / 92 ، ومعالم التنزيل ، 2 / 288 ، والكشاف ، 1 / 214 ، وزاد المسير ، 1 / 76 ، والجامع لأحكام القرآن ، 1 / 373 .
(3) ينظر : زاد المسير ، 1 / 76 ، وتفسير القرآن العظيم ، 1 / 373 .(1/124)
إن الضمير يعود على المصدر وهو ( الاستعانة ) ، المفهومة من قوله تعالى : { وَاسْتَعِينُوا } ، يقول صاحب مشكل إعراب القرآن : " وقيل بل يعود على الاستعانة ، ودلَّ على الاستعانة قوله : { وَاسْتَعِينُوا } "(1)، ويقول أبو حيانٍ : " " وقيل يعود على الاستعانة ، وهو المصدر المفهوم من قوله : { وَاسْتَعِينُوا } ، فيكون مثل : { اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } ، أي العدل أقرب ،
قاله البجلي(2) "(3)، وقد ذكر هذا الرأي محمد(4) بن القاسم النحوي(5) ، والمطابقة حاصلة أيضاً .
ثالثها :
__________
(1) مشكل إعراب القرآن ، 1 / 92 .
(2) هو أبو علي الحسين بن الفضل بن عمير الكوفي ، مفسر أديب إمام في معاني القرآن وعابد كبير ، أقام بنيسابور يعلم الناس العلم وتوفي ودفن فيها سنة اثنتين وثمانين ومائتين ، ينظر : طبقات المفسرين ، 1 / 40 – 41 .
(3) البحر المحيط ، 1 / 299 ، والآية من ( المائدة / 8 ) ، وينظر : الكشاف ، 1 / 214 ، والجامع لأحكام القرآن ، 1 / 747 ، وتفسير النسفي ، 1 / 46 ، والبرهان في علوم القرآن ، 3 / 128 ، وفتح القدير ، 1 / 79 ، وروح المعاني ، 1 / 249 .
(4) هو أبو بكر بن أبي محمد بن بشار بن الحسن الأنباري النحوي ، صدوقٌ ثقة حبرٌ من أهل السنة ، صنَّف في النحو والأدب وعلوم القرآن وغريب الحديث ، ومن تصانيفه : ( غريب الحديث ) ، و ( إعراب القرآن المسمى بالبيان )، وقيل إنَّه كان يحفظ مئة وعشرين تفسيراً للقرآن الكريم بأسانيدها ، ولد سنة إحدى وسبعين ومئتين ، وتوفي سنة ثمان وعشرين وقيل سبع وعشرين ومئتين . ينظر : طبقات المفسرين ، 1 / 66 –67 .
(5) ينظر : زاد المسير ، 1 / 76 .(1/125)
إنَّ الضمير عائدٌ على الكعبة ، يدل على ذلك ذكرُ الصلاة ، جاء في زاد المسير : " والثاني أنها للكعبة والقبلة ؛ لأنه لما ذكر الصلاة دلت على القبلة ، ذكره الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل "(1)، وقد ذكر أبو حيانٍ سبعة أقوالٍ في هذه الآية من ضمنها الثلاثة التي ذكرنا .(2)
وأرجح هذه الأقوال ، أولُهُا ؛ ذلك لأن الصلاة أعمُّ من الصبر (3)، وظاهر الكلام يدل عليها ، " وهو القاعدة في علم العربية : أن ضمير الغائب لا يعودُ على غير الأقرب إلا بدليل "(4)، ويقول الألوسي : " { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } ، الضمير للصلاة كما يقتضيه الظاهرُ ، وتخصيصها برد الضمير إليها ؛ لعظم شأنها ، واستجماعها ضروباً من الصبر "(5) .
__________
(1) زاد المسير ، 1 / 76 ، ويقصد بـ ( الثاني ) أي القول الثاني في مرجع هذا الضمير ، وينظر : البحر المحيط ، 1 / 299 .
(2) ينظر : البحر المحيط ، 1 / 299 .
(3) معالم التنزيل ، 2 / 288 .
(4) البحر المحيط ، 1 / 299 ، وينظر : البرهان في علوم القرآن ، 3 / 128 .
(5) روح المعاني ، 1 / 249 .(1/126)
إضافةً على ذلك ، ذكر الله تعالى في هذه الآية نفسها لفظ ( الخاشعين ) ، وهذه الصفة من صفات المصلين المفلحين ، قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } (المؤمنون:1-2) ، وسئل الإمامُ عليّ بن أبي طالب - عليه السلام - عن قوله تعالى : { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } ،فقال - عليه السلام - : " الخشوعُ في القلب ، وأن تُلين كتفكَ للمرأ المسلم ، وأن لا تلتفت في صلاتِكَ "(1)، وجاء في الحديث : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حَزَبَهُ أمرٌ ، صلى "(2).
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } (التوبة:34) ، فقد ورد الضمير مفرداً مؤنثاً في ( ولا ينفقونها ) ، وقد تقدمه شيئان هما : ( الذهب والفضة ) .
والقول في هذه الآية من وجوه منها :
أولاً :
__________
(1) سنن البيهقي الكبرى ، 2 / 279 ، باب جماع أبواب الخشوع في الصلاة والإقبال عليها .
(2) مسند أحمد بن حنبل ، 5/ 388 ، حديث رقم / 23347 ، وينظر : فتح الباري ، 3 / 172 ، باب الصبر عند الصدمة الأولى(1/127)
إنَّ الضمير يعود على ( الكنوز ) المفهوم من ( يكنزونها ) ، يقول أبو جعفرٍ النحاس : " يجوز أن يكون المعنى ولا ينفقون الكنوز ؛ لأن الكنوز تشتمل على الذهب والفضة ها هنا "(1)، ويقول البغويُّ : " قوله عزَّ وجلَّ : { وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } قيل لِمَ قال : ( ولا ينفقونها ) ، ولمْ يقلْ: ( ينفقونهما ) ، وقد ذكر( الذهب والفضة ) جميعاً ؟ قِيلَ : أراد الكنوزوأعيان الذهب والفضة "(2).
ثانياً :
إنَّ الضمير يعود على الفضة ، والذهب داخلٌ في حكمها، جاء في مشكل إعراب القرآن : " وقيل تعود على الفضة ، وحذف ما يعود على الذهب ؛ لدلالة الثاني عليه "(3).
ثالثاً :
إنَّ الضمير عائدٌ على الذهب ؛ لأن لفظه يُذكرُ ويؤنث ، يقول العكبريُّ : " وقيل يعود على الذهب ، ويذكر ويؤنث "(4)، ويقول القرطبيُّ : " والذهب تُؤنثه العرب ، تقول : هي الذهبُ الحمراءُ ، وقد تذكر ، والتأنيث أشهر "(5)، وقد ذكر العلماءُ أقوالاً أُخرى .(6)
__________
(1) معاني القرآن ، النحاس ، 3 / 202-203 .
(2) معالم التنزيل ، 2 / 288 ، وينظر : الكشاف ، 2 / 37 ، وزاد المسير ، 3 / 429 ، والبحر المحيط ، 5 / 412 .
(3) مشكل إعراب القرآن ، 1 / 328 .
(4) التبيان في إعراب القرآن ، 2 / 14 .
(5) الجامع لأحكام القرآن ، 8 / 127 ، وينظر : البحر المحيط ، 5 / 412 .
(6) ينظر : مشكل إعراب القرآن ، 1 / 328 ، والكشاف ، 2 / 37 ، والجامع لأحكام القرآن ، 8 / 127-128 .(1/128)
والوجه الثاني أولى ؛ وذلك لأن الفضة أقرب المذكورين(1)، وهو أعمُّ وأغلبُ (2)،فالذهب داخلٌ في الفضة ، فهي أكثرُ تداولاً في أيدي الناس(3) .
وأمرٌ آخرُ ، فعند عود الضمير على الفضة في ( ينفقونها ) ، فإن الذهب يكون من باب أولى ؛ لأنَّهُ أغلى وأثمن ، ويصبح الزجرُ عن كنزه من دون أداء زكاته أقوى ، وهذا الأمر واردٌ في كتاب الله تعالى ، فقد ذكر الله في برِّ الوالدين : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } (الإسراء:23) ، فقولُ ( أُفٍ ) وهو أدنى مراتب الأذى ، محذورٌ ، فكيف بضربهما ؟! .
المبحث الثاني
المطابقة بين الضمير المثنى ومرجعه :
فإذا ورد ضمير غائب مثنى ، وجب أن يعود على مرجعٍ مثنىً مثله ، وهذا ما ورد في القرآن الكريم ، قال تعالى : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } (البقرة:36) ، فالضميران ( هما ) من ( فأزلهما ) ، ومن ( فأخرجهما ) ، والألف من ( كانا ) ، عائدان على نبي الله آدم - عليه السلام - وزوجه ، قال تعالى : { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } (البقرة:35) ، وقد تمت المطابقة بين الضمير المثنى ومرجعه .
__________
(1) ينظر : التبيان في إعراب القرآن ، 2 / 14 ، وتفسير البيضاوي ، 3 / 143 ، والبرهان في علوم القرآن ، 3 / 127 ، وإرشاد العقل السليم ، 4 / 63 .
(2) ينظر : معالم التنزيل ، 2 / 288 ، والجامع لأحكام القرآن ، 8 / 127 ، وفتح القدير ، 2 / 356 .
(3) ينظر : البرهان في علوم القرآن ، 3 / 127 .(1/129)
وقال تعالى : { قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ } (هود:43) ، فالضمير ( هما ) من ( بينهما ) ، عائدٌ على نبي الله نوحٍ وابنه في قوله تعالى : { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ } (هود:42) ، وقد تمت المطابقة بين الضمير المثنى ومرجعه .
وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } (فاطر:41) ، فالألف من ( تزولا ) و( زالتا ) ، والضمير ( هما ) من (أمسكهما) ، عائدان على السماوات والأرض المَذكورين ، وقد تمت المطابقة أيضاً ، وقد وردت مثل هذه المواطن في القرآن الكريم .(1)
ما ظاهره المخالفة :
__________
(1) ينظر : ( النساء / 1 ) ، ( الأنبياء / 16 ) ، ( القصص / 24 ) .(1/130)
وردت بعض المواطن في القرآن الكريم ظاهرها التخالف بين الضمير المثنى ومرجعه ، قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً - فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً } (الكهف:60-61) ، فقوله تعالى : ( نسيا ) عائدٌ على موسى - عليه السلام -وفتاه ، ولا إشكال في هذا ، إلا أن الله تعالى يقول في الآيتين التاليتين : { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً - قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً } (الكهف:26-36) ، فنحنُ نلاحظُ أن فتى موسى - عليه السلام - قد نسب النسيان لنفسه فقط وذلك في قوله : { نَسِيتُ الْحُوتَ } و { مَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ } ، وفي ظاهر هذا تخالفٌ بين الآيات في نسبةِ النسيانِ ، وفيما عاد عليه الضميرُ المثنى .
يقول الطبريُّ : " قال بعضُ أهل العربية : إن الحوت كان مع يوشع ، وهو الذي نسيه فأُضيف النسيان إليهما … وإنما جاز عندي أن يُقال : نسيا ؛ لأنهما كانا جميعاً تزوداه لسفرهما ، فكان حملُ أحدهما ذلك مضافاً إلى أنه حَملٌ منهما ، كما يُقالُ : خرج القومُ من موضع كذا ، وحملوا معهما من الزاد كذا، ، وإنما حمله أحدهم ، ولكنه لما كان ذلك عن رأيهم وأمرهم ، أُضيف إلى جميعهم ، فكذلك إذا نسيه حامله في موضع ، قيل : نسي القوم زادهم ، فأُضيف ذلك إلى الجميع بنسيان حامله ذلك ، فيجري الكلام على الجميع ، والفعلُ من واحدٍ ، فكذلك ذلك في قوله : { نَسِيَا حُوتَهُمَا } ؛ لأن الله عزَّ ذِكرهُ خاطب العربَ بلغتها وما يتعارفونه بينهم من(1/131)
الكلام "(1).
وقال جماعةٌ من المفسرين : إنَّ الضمير عائد على نبي الله موسى- عليه السلام - وفتاه ، يقول الزمخشريُّ : " أي نسيا تفقد أمره وما يكون منه ، مما جُعِلَ إمارةً على الظفر بالطلبة ، وقيل نسي يوشع أن يقدمه ، ونسي موسى أن يأمره فيه بشيءٍ "(2)، وهو ما رجحه أبو حيانٍ ، جاء في البحر المحيط : " والظاهر نسبة النسيان إلى موسى وفتاه "(3)، وقد ذكر وجهاً آخر ، وهو أن تكون الآية على حذف مضافٍ ، والتقدير " نسي أحدهما "(4).
وقول الطبريَّ أولى ؛ لأنه جارٍ على ما تكلمت به العربُ ، والذي يؤيدُ نسبة النسيان ليوشع (فتى موسى - عليه السلام -) وحده ، قوله تعالى : { فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ }
وقال تعالى : { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ - بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ - فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ - يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } (الرحمن:19-22) ، فقد عاد ضميرٌ مثنىً في قوله : ( منهما ) على (البحرين) ، ولا مشكل ، إلا أن اللؤلؤَ والمرجانَ يخرجان من الماء المالح دون العذب ، وفي ظاهر هذا تخالفٌ ، فقد عاد الضمير المثنى على مفرد .
والقول في هذه الآية من وجوه :
أولاً :
__________
(1) جامع البيان ، 15 / 273 ، وينظر : المصدر نفسه 2 / 468 ، ومعالم التنزيل ، 3 / 171 ، وزاد المسير ، 5 / 165 ، وأحكام القرآن ، الجصاص ، 5 / 43 ، والجامع لأحكام القرآن ، 11 / 12-13 ، وتفسير النسفي ، 3 / 19 .
(2) الكشاف ، 2 / 264 .
(3) البحر المحيط ، 7 / 200 ، وينظر : روح المعاني ، 15 / 314 .
(4) المصدر نفسه ، 7 / 201 ، وينظر : روح المعاني ، 15 / 314 .(1/132)
إنَّ هذا التركيب مستعملٌ في لسان العرب ، يقول الزمخشريُّ : " فإن قُلتَ : لِمَ قال : (منهما) ، وإنما يخرجان من الملح ؟ قُلتُ : لما التقيا وصارا كالشيءِ ، جاز أن يُقال : يخرجان منهما ، كما يُقالُ : يخرجان من البحر ، ولا يخرجان من جميع البحر ، ولكن من بعضه ، وتقولُ : خرجتُ من البلد ،و إنما خرجتَ من محلةٍ من مَحَاِلهِ ، بل من دارٍ واحدةٍ من دُورِهِ "(1) ، ويقول القرطبيُّ : " وقال ( منهما ) وإنما يخرجُ من الملح لا العذب ؛ لأنَّ العربَ تجمعُ الجنسين ، ثُمَّ تُخبرُ عن أحدهما ، كقوله تعالى : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ } ، وإنما الرسل من الإنس دون الجن ، قاله الكلبيُّ وغيره "(2).
ثانياً :
إنَّ الآية الكريمة تكون على حذف مضاف ، يقول القرطبيُّ : " وقال أبو عليٍّ الفارسيِّ : هذا من باب حذف المضاف ، أي من أحدهما ، كقوله : { عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } ، أي من إحدى القريتين "(3) .
ثالثاً :
__________
(1) الكشاف ، 3 / 188 .
(2) الجامع لأحكام القرآن ، 17 / 163 ، والآية من( الأنعام / 130 ) ، وينظر : تفسير القرآن العظيم ، 4 / 273 ، وروح المعاني ، 27 / 106-107
(3) الجامع لأحكام القرآن ، 17 / 163 ، وينظر : البحر المحيط ، 10 / 60-61 ، والآية من : ( الزخرف / 31 )(1/133)
إن المقصود بـ ( منهما ) ، ماءُ السماءِ والماءُ المالحِ ، فإذا التقيا بسقوط المطر ، خرج اللؤلؤ والمرجان ، فعن ابن عباسٍ : " هما بحرا السماء والأرض ، فإذا وقع ماءُ السماء في صدف البحر ، انعقد لؤلؤاً ، فصار خارجاً منهما "(1)، وجاء في البحر المحيط : " وقال ابن عباسٍ وعكرمة :تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر ؛ لأن الصدف وغيرها تفتحُ أفواهها للمطر ؛ فلذلك قال : منهما "(2)، وقد ذكر العلماءُ غير هذه الوجوه(3)، والأول أولى لجريانه على لسان العرب
المبحث الثالث
المطابقة بين الضمير ومرجعه في الجمع :
أولاً – إذا كان الضمير جمعاً مذكراً :
فإذا ورد الضمير الغائب وهو جمعٌ مذكرٌ ، وجب أن يعود على مرجعٍ مثله ، وهذا ما جاء عليه القرآن الكريم ، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ } (آل عمران:10) ، فـ ( هم ) من ( أموالهم ) ومن ( أولادهم ) ، و( هم ) ضمائرعائدة على ( الذين كفروا ) ، والمطابقةُ حاصلةٌ بين الضمير ومرجعه جمعاً وتذكيراً .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } (التوبة:28) ، فـ ( الواو) من ( يقربوا ) ، و ( هم ) من ( عامهم ) ، عائدان على ( المشركين ) ، وقد تمت المطابقةُ بين الضمير ومرجعه جمعاً وتذكيراً .
__________
(1) المصدر نفسه ، 17/ 163 ، وينظر : تفسير القرآن العظيم ، 4 / 273 .
(2) البحر المحيط ، 10 / 60 .
(3) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ، 17 / 163 ، والبحر المحيط ، 10 / 60-61 ، وروح المعاني ، 27 / 106-107 .(1/134)
وقال تعالى : { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } (هود:8) ، فـ ( هم ) من ( عنهم ) ومن ( يأتيهم ) ومن (عنهم) ومن ( بهم ) ، و( الواو ) من ( ليقولون ) ومن ( كانوا ) ومن ( يستهزئون) ، عائدان على ( الذين كفروا ) من قوله تعالى : { وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ } (هود:7) ، وغير ذلك كثيرٌ في القرآن الكريم .(1)
ما ظاهره عدم المطابقة
وردت بعضُ الآيات في القرآن الكريم ظاهرها المخالفة بين ضمير الغائب الجمع المذكر ومرجعه ، قال تعالى : { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ - ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } (الأنعام:61-62) ، فالضمير في ( ردوا ) جمعٌ مذكرٌ ، وقد عاد على مفردٍ مذكرٍ ، وهو قوله : (أحدكم ) أو الهاء في ( توفتهُ ) .
__________
(1) ينظر : ( الحجر / 30 ) ، ( النحل / 35 ) ، ( الأحقاف / 13 ) .(1/135)
والسببُ في ذلك ، أن ( أحدكم ) معناه الجمعُ ، ، يقولُ أبو السعود : " قوله تعالى : { ثُمَّ رُدُّوا } عطفٌ على { تَوَفَّتْهُ } والضمير للكل المدلول عليه بـ { أَحَدَكُمُ } وهو السر في مجيئه بطريق الالتفات تغليباً ، والإفراد أولاً والجمعُ آخراً ؛ لوقوعِ التوفي على الانفراد والرد على الاجتماع ، أي ثُمًّ رُدوا بعد البعث بالحشر إلى الله "(1) ، وقيل إن الضمير يعودُ على العباد ، وهو ما رجحه أبو حيانٍ(2) أو على الرسل (3).
وقال تعالى : { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } (الأنبياء:78) ، فقد عاد ضميرُ جمع المذكر ( هم ) على مثنىً ( داود وسليمان ) (عليهما السلامُ ) .
والقولُ في هذه الآية من وجهين :
الأول :
إن الضمير راجعٌ إلى ( داودَ وسليمانَ ) ( عليهما السلامُ ) ، والجمعِ الذين حُكم بينهم ، قال الطبريُّ : " { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } يقولُ وكنا لحكم داود وسليمان والقوم الذين حكما بينهم فيما أفسدت غنمُ أهلِ الغنمِ من حرثِ أهلِ الحرثِ "(4)، وقال الزمخشريُّ : "وجمع الضمير ؛ لأنَّهُ أرادهما والمُتَحَاكِمِينَ إليهما "(5) .
الثاني :
__________
(1) إرشاد العقل السليم ،3/145، وينظر: البحر المحيط ، 4 / 540 ، وفتح القدير ، 2 / 124-125 ، وروح المعاني ، 7 / 177 .
(2) ينظر : البحر المحيط ، 4 ، 540 .
(3) ينظر : روح المعاني ، 7 / 177 .
(4) جامع البيان ، 17 / 51 .
(5) الكشاف ، 2 / 333 ، وينظر : زاد المسير ، 5 / 371 ، والتبيان في إعراب القرآن ، 2 / 135 ، والجامع لأحكام القرآن ، 11 / 307، وتفسير النسفي ، 3 / 85 ، والبحر المحيط ، 7 / 455 ، وتفسير البيضاوي ، 4 / 102 ، وروح المعاني ، 17 / 74 .(1/136)
إنَّ الضمير لـ ( داود وسليمان ) ( عليهما السلامُ ) ، على رأي من يقول إن أقل الجمع اثنان ، قال الفراءُ : " وهو مثلُ قوله : { فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَة } يريد أخوين فما زاد ، فهذا كقوله : { لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } إذ جَمَعَ أثنين "(1)، وقد ذكر ابنُ الجوزيِّ هذا الرأيَ في تفسيره .(2)
والأول أولى ؛ فالحكمُ يستلزمُ الحاكمَ ، وقد ذكره الله تعالى وهما : ( داود وسليمان ) ( عليهما السلامُ ) ،ويستلزمُ أيضاً الخصومَ ، وأقلهما اثنان ، وبهذا لا مخالفة ، ولو قصد بـ ( داود وسليمان) ( عليهما السلامُ ) الجمعَ ، لقال : ( إذ يحكمون ) أيضاً ، كما قال : { لِحُكْمِهِمْ } .
وقد قرأ " ابنُ مسعودٍ وابنُ عباسٍ وابنُ أبي عبلةَ "(3) : ( لحكمهما ) بضمير التثنية ، وعلى هذه القراءة تتم المطابقةُ .
وقال تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً } (الأحزاب:36) ، فقد أعاد الضمير ( هم ) من ( لهم ) و ( أمرهم ) ، وهو جمعٌ مذكرٌ ، على ( مؤمن ) و( مؤمنة ) ، وظاهر ذلك المخالفة .
__________
(1) معاني القرآن ، الفراء ، 2 / 208 ، والآية من ( النساء / 11 ) ، ويقصد بالضمير ( هو ) قراءةَ الجمهورِ : ( لحكمهم ) ، ينظر : المصدر نفسه ، 2 / 208 ، هـ / 7 .
(2) ينظر: زاد المسير ، 5 / 317 ، والتبيان في إعراب القرآن ، 2/ 135 ، وروح المعاني ، 17 / 74 ، والتثنية في اللغة العربية ، 180 .
(3) زاد المسير ، 5 / 371 ، وينظر : معاني القرآن ، الفراء ، 2 / 208 ، والكشاف ، 2 / 333 .(1/137)
والسبب في ذلك ؛ أن ( مؤمن ) و ( مؤمنةٌ ) وقعا في سياق النفي ، والنكرة إذا وقعت في سياق النفي عَمَّتْ ، فالآية محمولة على المعنى ، أي اُريد بها كلُّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ ، يقول الزمخشريُّ : " فإن قلتَ كان من الضمير أن يُوحد ، كما تقول : ما جاءني من رجلٍ ولا امرأةٍ إلا كان من شأنه كذا ، قلتُ نعم ، ولكنهما وقعا تحت النفي ، فعمَّا كلَّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ ، فرجع الضميرُ على المعنى لا على اللفظ "(1) .
ويقولُ أبو حيانٍ : " ولما كان قوله : { لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ } يعمُّ في سياق النفي ؛ جاء الضميرُ مجموعاً على المعنى في قوله : { لَهُمُ } مغلباً فيه المذكر على المؤنث "(2) ، وعلى هذا لا مُخالفة
وقال تعالى : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (الحجرات:9) (3)، فقد قال عزَّ وجلَّ : { ? اقْتَتَلُوا } ، وعاد الضميرُ على لفظٍ مثنىً { طَائِفَتَانِ } ، ثم قال : { فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } ، مرتين بإرجاعِ ضمير التثينة إلى لفظ الـ { طَائِفَتَانِ }
__________
(1) الكشاف ، 2 / 539 .
(2) البحر المحيط ، 8 / 481 ، وينظر : التبيان في إعراب القرآن ، 2 / 193 ، وتفسير النسفي ، 3 / 304 ، وتفسير البيضاوي ، 4 / 375-376 ، وإرشاد العقل السليم ، 7 / 104 ، وروح المعاني 22 / 22 .
(3) ورد مثلُ هذا التركيب في القرآن الكريم ، وهو قوله تعالى : { أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } (الأنعام:156) .(1/138)
والسببُ في ذلك لأن لفظ ( الطائفة ) يشملُ عدداً من الناسِ ، فكيفَ بالطائفتين ؟ ، أي أن معنى الطائفتين جمعٌ ؛ فلذلك أعاد ضميرَ جمعٍ عليه ، يقولُ الزمخشريُّ : " هو مما حُمل على المعنى دون اللفظ ؛ لأن الطائفتين في معنى القومِ والناسِ "(1)، ويقولُ البيضاويُّ : " { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا } ، تقاتلوا ، والجمعُ باعتبار المعنى ، فإن كلَّ طائفةٍ جمعٌ "(2).
وأما التثنيةُ في { فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } ، فسببها النظرُ إلى اللفظ ، يقولُ النسفيُّ : " وثنى فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } ، نظراً إلى اللفظ "(3) .
ويعللُ الألوسيُّ مراعاةَ المعنى أولاً ثم اللفظَ ، بقوله : " والنكتةُ في ذلك ، ما قِيلَ أنهما أولاً في حال القتالِ مختلطون ؛ فلذلك جمع أولاً ضميرهم ، وفي حال الصلح متميزون متفارقون ؛ فلذا ثنى الضمير "(4) وبهذا لا مخالفةَ .
وقد قرأ ابنُ أبي عبلةَ وأبو المتوكلِ الناجي وأبوالجون : ( اقتتلتا )(5) ، وقرأ زيدُ ابن علي وعبيدُ بن عمير واُبي بن كعب وابنُ مسعودٍ وأبو عمران الجوني : ( اقتتلا )(6) ، وعلى هاتين القراءتين لا مخالفةَ أيضاً .
ثانياً – إذا كان الضميرُ جمعاً مؤنثاً :
__________
(1) الكشاف ، 3 / 151 .
(2) تفسير البيضاوي ، 5 / 215 ، وينظر : تفسير الجلالين ، 1 / 686 ، وروح المعاني ، 26 / 149 .
(3) تفسير النسفي، 4 / 169 وينظر : تفسير الجلالين ، 1 / 686 ، وفتح القدير ، 5 / 63 .
(4) روح المعاني ، 26 / 150 .
(5) ينظر : الكشاف ، 3 / 151 ، وزاد المسير ، 7 / 463 ، والجامع لأحكام القرآن ، 16 / 6 ، والبحر المحيط ، 9 / 516 ، وفتح القدير ، 5 / 63 ، وروح المعاني ، 26 / 150 .
(6) ينظر : الكشاف ، 3 / 151 ، وزاد المسير ، 7 / 463 ، والجامع لأحكام القرآن ، 16 / 316 ، والبحر المحيط ، 9 / 516 ، وفتح القدير ، 5 / 63 ، وروح المعاني ، 26 / 150 .(1/139)
فإذا جاء ضميرُ غائبٍ دالٌ على جمع تأنيثٍ ، وجب أن يرجعَ إلى جمعٍ مؤنثٍ مثله ، وهذا ما جاء عليه القرآنُ الكريمُ ، قال تعالى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (البقرة:228) ، والمطابقةُ حاصلةٌ كما هو واضحٌ من الآية ، فالنون من ( يتربصن – بأنفسهن – لهن – يكتمن – أرحامهن – كُنّ – بعولتهن – بردهن – ولهن – عليهن – عليهن ) ، عائدةٌ على المطلقات .
وقال تعالى : { يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ } (يوسف:46) ، فالضمير ( هن ) في (يأكلهن) عائدٌ على ( بقراتٍ ) ، والمطابقةُ تامةٌ بين الضمير ومرجعه جمعاً وتأنيثاً .
وقال تعالى : { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ } (الرحمن:58) ، فالضمير ( هن ) في ( كأنهن ) راجعٌ على ( قاصرات الطرف ) ، في قوله تعالى : { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ } (الرحمن:56) ، والمطابقةُ تامةٌ بين الضمير ومرجعه جمعاً وتأنيثاً ، وغير ذلك من
الآيات .(1)
ما ظاهره عدم المطابقة :
__________
(1) ينظر : ( النور / 31 ) ، ( الأحزاب / 49 ) ، ( الطلاق / 1 ) .(1/140)
وردت بعضُ المواطن في القرآن الكريم ظاهرها المخالفةُ بين الجمع المؤنث ومرجعه ، قال تعالى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ } (البقرة:197) ، فقد عاد ضمير الجمع المؤنث من ( فيهن ) على ( أشهر ) .
والسببُ في ذلك ، أن ( أشهر) جمعُ قلةٍ ، وجمعُ القلةِ فيما لا يعقلُ يجري كالجمعِ المؤنثِ ، وجمعُ الكثرةِ عكسُهُ ، يقولُ القرطبيُّ : " وقال : { فِيهِنَّ } ولم يقل : ( فيها ) ، فقال قومٌ : هما سواءٌ في الاستعمال ، وقال المازنيُّ أبو عثمانٍ : الجمعُ للكثير لما لا يعقل ، يأتي كالواحدةِ المؤنثة ، والقليلُ ليس كذلك ، تقولُ : (الأجذاعُ انكسرنَّ ) و ( الجذوعُ انكسرتْ ) ، ويؤيدُ ذلك قوله تعالى : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ } ، ثم قال : { مِنهَا } "(1) .
وقال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } (فصلت:37) ، فقد عاد ضميرُ الجمع المؤنث ( هن ) من (خلقهن) ، على ( الليل والنهار والشمس والقمر ) .
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن ، 2 / 406 ، و الآية من ( التوبة / 36 ) ، وينظر : البحر المحيط ، 2 / 279 ، والجواهر الحسان ، 1 / 154-155 .(1/141)
والسببُ في ذلك ، كما في الآية المذكورة آنفاً ، يقول الفراءُ : " { لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ } خلق الشمسَ والقمرَ والليلَ والنهارَ ، وتأنيثهن في قوله : ( خَلَقَهُنَّ )؛ لأن كلَّ ذكرٍ من غير الناس وشبههم ، فهو في جمعه مؤنثٌ ، تقولُ : ( مرَّ بي أثوابٌ فابتَعتَهَنَّ ) و ( وكانت لي مساجد فهدمتهنَّ وبنيتهنَّ ) ، يُبنى على هذا "(1).
وقال الزمخشريُّ : " { خَلَقَهُنَّ } ، الليل والنهار ، والشمس والقمر ؛ لأنَّ حكمَ جماعةِ ما لا
يعقلُ حكمُ الاُنثى أو الإناثِ ، يُقالُ : ( الأقلامُ بريتُها ، وبريتُهنَّ ) "(2) ، وقد نقلَ أبو حيانٍ كلامَ الزمخشريِّ معلقاً عليه بقوله : " وكان ينبغي أن يُفرقَ بين جمع القلة من ذلك ، فإن الأفصحَ أن يكونَ كضمير الواحدة ، تقولُ : ( الأجذاعُ انكسرتْ ) على الأفصح ، و ( الجذوعُ انكسرنَّ ) على الأفصح ، والذي تقدم في الآية ليس بجمعِ قلةٍ ، أعني بلفظٍ واحدٍ ، ولكنه ذكرَ أربعةً متعاطفةً ؛ فَنُزِّلِتْ منزلةَ الجمعِ المعبر عنها بلفظٍ واحدٍ "(3) .
وقد قيلَ إنَّ الضميرَ في { خَلَقَهُنَّ } عائدٌ على معنى الآياتِ في قوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ } ، يقول الزمخشريُّ : " أو لما قال : { وَمِنْ آيَاتِهِ } كُنَّ في معنى الآياتِ ؛ فقيلَ : { خَلَقَهُنَّ } "(4) ، وقيل إن الضمير يعود على ( الشمس والقمر ) فقط ، على رأي من يقولُ إن أقل الجمعِ اثنان .(5)
المبحث الرابع
__________
(1) معاني القرآن ، الفراء ، 3 / 18 .
(2) الكشاف ، 3 / 72 .
(3) البحر المحيط ، 9 / 307 ، وينظر : روح المعاني ، 24 / 125 .
(4) الكشاف ، 3 / 72 ، وينظر : الجامع لأحكام القرآن ، 15 / 364 ، والبحر المحيط ، 9 / 307 ، والبرهان في علوم القرآن ،3 / 367 .
(5) ينظر : معاني القرآن الكريم ، النحاس ، 6 / 271 ، والجامع لأحكام القرآن ، 15 / 364 ، والبحر المحيط ، 9 / 307 .(1/142)
المطابقة بين ضميريِّ الفصلِ والشأن ومرجعهما :
أولاً – المطابقة بين ضمير الفصل ومرجعه :
يُعرفُ العلماءُ ضميرَ الفصلِ بأنَّه ضميرٌ يقعُ بين المبتدأ والخبر أو شبههما – مما كان أصله مبتدءاً وخبراً ثم تغير بدخول الناسخ – إذا كانا معرفتين ، ويأتي بصيغة التكلم والخطاب والغيبة.
يقول سيبويه : " ( هذا بابُ ما يكونُ فيه هو وأنتَ وأنا ونحنُ وأخواتهن فصلاً ).
إعلمْ أنَّهُنَّ لا يَكُنَّ فصلاً إلا في الفعلِ ، ولا يَكنَّ كذلك إلا في كُلِّ فعلٍ ، الاسمُ بعده بمنزلته في حال الابتداء ، فجاز هذا في هذه الأفعال التي الأسماء بعدها بمنزلتها في الابتداء ، إعلاماً بأنَّهُ قد فَصَلَ الاسمَ ، وأنَّهُ فيما يَنتظرُ المحدَّثُ ويتوقعه منه ، مما لا بُدَّ له أن يذكره للمحدَّثِ ؛ لأنَّكَ إذا ابتدأتَ الاسم ، فإنما تبتدئه لما بعده ، فإذا ابتدأتَ فقد وجبَ عليكَ مذكورٌ بعد المبتدأ لا بُدَّ منه ، وإلا فسد الكلامُ ولمْ يسغْ لكَ ، فكأنَّه ذَكَرَ هو ؛ ليستدل المحدَّثُ أن ما بعد الاسم ما يُخرجه مما وجب عليه ، وأنَّ ما بعد الاسم ليس منه ، هذا تفسيرُ الخليلِ رحمه اللهُ "(1) .
وجاء في الكتاب أيضاً : " واعلمْ أنها تكون في إنَّ وأخواتها فصلاً وفي الابتداء ، ولكن ما بعدها مرفوعٌ قبل أن تذكرَ الفصلَ واعلم أن هو لا يحسن أن تكون فصلاً حتى يكون ما بعدها معرفةً ، أو ما أشبه المعرفة مما طال ولم تدخله الألفُ واللامُ وضارعَ زيداً وعمراً ، نحو : خيرٌ منكَ ومثلكَ وأفضل منكَ وشرٌ منكَ ، كما إنها لا تكون في الفصل إلا وقبلها معرفةٌ أو ما ضارعها ، كذلك لا يكون ما بعدها إلا معرفةً أو ما ضارعها "(2).
__________
(1) الكتاب ، 2 / 389 .
(2) المصدر نفسه ، 2 / 392 ، وينظر : لباب الإعراب ، 233 ، والمنهل الصافي ، 2 / 680-681 .(1/143)
ويقول ابنُ يعيش : " إعلمْ أنَّ الضميرَ الذي يقعُ فصلاً له ثلاثُ شرائط : أحدها : أن يكون من الضمائر المنفصلة المرفوعة الموضع ، ويكون هو الأول في المعنى ، الثاني : أن يكون بين المبتدأ وخبره ، أو هو ما داخلٌ على المبتدأ وخبره من الأفعال والحروف ، نحو إنَّ وأخواتها ، وكان وأخواتها ، وظننتُ وأخواتها ، الثالث : أن يكون بين معرفتين ، أو معرفة وما قاربها من النكرات "(1) .
ويسميه البصريون فصلاً ؛ لأنه بين المبتدأ الخبر ، أو لأنه فصل بين الخبر والنعت ، أو لأنه فصل بين الخبر والتابع (2)،
وأما الكوفيون فيسمونه عماداً ، " كأنه عمد الاسم الأول وقواه بتحقيق الخبر بعده "(3) يقول ابنُ يعيشٍ في سبب تسميتةِ هذا الضميرِ فصلاً : " كأنَّهُ فصل الاسم الأول عمَّا بعده ، وآذنَ بتمامهِ ، وإنْ لمْ يبقَ منه بقيةٌ من نعتٍ ولا بدلٍ ، إلا الخبر ، لا غيرُ "(4)
ومظهر المطابقة في ضمير الفصل موجودٌ ، فيُشترطُ أن يكون مطابقاً للمبتدأ في العدد وفي الجنس وفي الشخص ( التكلم والخطاب والغيبة ) ، جاء في لباب الإعراب : " وإذا كان الخبرُ معرفةً أو مضارعاً لها في امتناعِ دخول حرف التعريف عليه ، كـ ( أفعل من كذا ) ، والفعلِ المضارعِ ، جاز تخللُ ضمير الفصل بينهما ، وهو أحد الضمائر المنفصلة المرفوعة ، مطابقاً للمبتدأ ، إيذاناً بأنه خبرٌ لا نعتٌ "(5).
ويقول الدماميني : " ( مطابقٌ للمبتدأ ) في الإفراد وفرعيه ، والتذكير وفرعه ، والتكلم والخطاب والغيبة "(6)، ويقول السيوطيُّ : " ويقعُ بلفظ المرفوع المنفصل ، مطابقاً ما قبله في الإفراد والتثنية والجمع ، والتذكير والتأنيث ، والتكلم والخطاب والغيبة "(7) .
__________
(1) شرح المفصل ، 3 / 110 .
(2) ينظر : الفرائد الجديدة ، 1 / 150 .
(3) شرح المفصل ، 3 / 110 .
(4) المصدر نفسه ، 3 / 110 .
(5) لباب الإعراب ، 233 .
(6) المنهل الصافي ، 2 ، 682 .
(7) همع الهوامع ، 1 / 237 .(1/144)
وقد ورد ضميرُ الفصل في القرآن الكريم ، إذ بلغت مواطنُ وروده مئة وسبعاً وتسعينَ موطناً ، وفي كلِّ هذه المواطنِ تمت المطابقةُ بين ضمير الفصل وما عاد عليه .
فمثالُ ( ضمير الفصل المتكلم المفرد المذكر ) قوله تعالى : { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } (القصص:30) ، فضمير الفصل ( أنا ) مطابقٌ لاسم ( إنَّ ) ، وهو الياء من ( إنَّي ) ، وذلك في العدد وفي الجنس وفي الشخص ، فكلاهما مفردٌ مذكرٌ متكلمٌ .
ولمْ يرد في القرآن الكريم غير هذه الآية من نحو هذا التركيب ، كما لمْ يرد في القرآن الكريم ضميرُ فصلٍ لمتكلمٍ مفردٍ مؤنثٍ ، ولا مثنىً .(1/145)
ومثالُ ( ضمير الفصل المتكلم الجمع المذكر) قوله تعالى : { وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَالَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ } (الأعراف:113) ، فضمير الفصل ( نحنُ ) مطابقٌ لمرجعه ( نا ) من (كنَّأ) ، وذلك في العدد وفي الجنس وفي الشخص ، فكلاهما جمعٌ مذكرٌ متكلمٌ ، و قوله تعالى : { وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ } (الصافات:166) ، فالمطابقةُ حاصلةٌ في العددِ والجنسِ والشخصِ ، وقال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } (يّس:12) ، فضميرُ الفصلِ مطابقٌ للمبتدأ في العدد والجنس والشخص ، فكلاهما جمعٌ مذكرٌ متكلمٌ ، إلا أنَّ الإشارةَ به إلى مفردٍ ، فالمتكلمُ هو ربُّ العزَّةِ والجلالةِ ، يقولُ الألوسيُّ عن هذه الآية : " وضميرُ العظمةِ للإشارةِ إلى جلالة الفعل ، والتأكيد للاعتناء بأمرِ الخبرِ ، أو لردِ الإنكار ، فإنَّ الكفرةَ كانوا يقولون : { إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } "(1) وبهذا لا إشكال في الآية ، وقد ورد ضميرُ الفصل الجمع المتكلم في غير هذه الآيات .(2)
ومثال( ضمير الفصل المخاطب المفرد المذكر ) قوله تعالى : { قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } (البقرة:32) ، والمطابقةُ حاصلةٌ بين ضمير الفصل ( أنتَ ) والكاف في ( إنَّكَ ) ، وذلك في العدد والجنس والشخص ، فكلاهما مفردٌ مذكرٌ مخاطبٌ .
__________
(1) روح المعاني ، 22 / 218 .
(2) ينظر : ( الأعراف / 115 ) ، ( الشعراء / 41 ) ، ( الصافات / 165 ) .(1/146)
وقال تعالى : { إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (آل عمران:35) ، وقد تمت المطابقةُ بين ضمير الفصل ( أنتَ ) والكاف من ( إنَّكَ ) ، وذلك في العدد والجنس والشخص ، فكلاهما مفردٌ مذكرٌ مخاطبٌ .
وقال تعالى : { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } (صّ:35) ، وقد تمت المطابقةُ في هذه الآية أيضاً كسابقتها ، وقد ورد من نحو هذا التركيب في القرآن الكريم (1)، ولم يرد ضمير الفصل المخاطب في القرآن الكريم غير المفرد المذكر ، فلم يرد ضمير فصلٍ مخاطبٍ مفردٍ مؤنثٍ ، أو مثنىً ، أو جمعٍ بنوعيه ، المذكرِ منه والمؤنث .
وأما مثال ( ضمير الفصل الغائب المفرد المذكر ) قوله تعالى : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ
وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (آل عمران:62) ، فضميرا الفصل مطابقان لاسم ( إنَّ ) ، فالأول مطابقٌ لـ ( هذا ) في العدد والجنس والشخص ، فكلاهما مفردٌ مذكرٌ غائبٌ ، والثاني مطابقٌ للفظ الجلالة ( الله ) ، وذلك في العدد والجنس والشخص ، فكلاهما مفردٌ مذكرٌ غائبٌ .
__________
(1) ينظر : ( البقرة / 128 ) ، ( المائدة / 109 ) ، ( يوسف / 90 ) .(1/147)
وقال تعالى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (المائدة:17) ، وقد تمت المطابقةُ هنا أيضاً بين ضمير الفصل (هو) ، واسم ( إنَّ ) لفظ الجلالة ( الله ) ، وذلك في العدد والجنس والشخص ، فكلاهما مفردٌ مذكرٌ غائبٌ ، وكذا الأمرُ في قوله تعالى : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } (الشعراء:9) ، وقد ورد غير هذه الآيات في القرآن الكريم .(1)
ومثال ( ضمير الفصل الغائب المفرد المؤنث ) ، قوله تعالى : { يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ } (غافر:39) ، فضمير الفصل ( هي ) مطابقٌ لاسم ( إنَّ ) ، (الآخرة) ، وذلك في العدد و الجنس والشخص ، فكلاهما مفردٌ مؤنثٌ غائبٌ .
__________
(1) ينظر : ( البقرة / 37 ) ، ( البقرة / 120 ) ، ( لقمان / 26 )(1/148)
وقال تعالى : { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً } (المزمل:6) ، والمطابقةُ حاصلةٌ أيضاً بين ضمير الفص ( هي ) واسم ( إنَّ ) ، ( ناشئة الليل ) ، وذلك في العدد والجنس والشخص ، فكلاهما مفردٌ مؤنثٌ غائبٌ ، وكذا الآمرُ في قوله تعالى : { فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى } (النازعات:39) ، وقد ورد في غيرُ هذه الآيات .(1) ولمْ يردْ في القرآن الكريم ضمير فصلٍ غائبٍ مثنىً . ومثال ( ضمير الفصل الغائب الجمع المذكر ) ، قوله تعالى : { أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (البقرة:5) ، فضمير الفصل ( هم ) مطابقٌ للمبتدأ ( أولئكَ ) ، وذلك في العدد والجنس والشخص ، فكلاهما جمعٌ مذكرٌ غائبٌ .
وقال تعالى : { فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (آل عمران:82) ، والمطابقةُ حاصلةٌ هنا أيضاً ، بين ضمير الفصل ( هم ) ، والمبتدأ ( أولئكَ ) ، وذلك في العدد والجنس والشخص ، فكلاهما جمعٌ مذكرٌ غائبٌ ، وكذا الأمرُ في قوله تعالى : { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (النور:50) ، وقد وردت في القرآن الكريم غير هذه الآيات .(2)
مما تقدمَ نستطيعُ القولَ بأنَّ المطابقةَ بين ضمير الفصل وما عاد عليه ، قد تمت في مواطنِ وروده كلِّها في القرآن الكريم ، وقد تمثلت هذه المطابقةُ في العدد والجنس والشخص .
ثانياً – المطابقةُ بين ضميرِ الشأنِ و مرجعه :
__________
(1) ينظر : ( التوبة / 40 ) ، ( النازعات / 41 ) .
(2) ينظر : ( الروم / 38 ) ، ( الصافات / 172 ) ، ( الزمر / 33 ) .(1/149)
يتقدمُ الجملةَ في بعض التراكيب ضميرٌ مفردٌ غائبٌ ، يُقصدُ به التفخيمُ والتعظيمُ ، يسميه النحاةُ : ( ضمير الشأن أو القصة ) ، وهذه تسمية البصريين له ، وأما الكوفيون فيسمونه الضمير المجهول ؛ لعدمِ تقدمِ شيءٍ عليه .(1)
يقولُ ابنُ يعيشٍ : " إعلمْ أنَّهم إذا أرادوا ذِكرَ جملةٍ من الجملِ الاسمية أو الفعلية ، فقد يُقدمون قبلها ضميراً يكون كنايةً عن تلك الجملة ، وتكون الجملةُ خبراً عن ذلك الضميرِ وتفسيراً له ، ويوحدون الضميرَ ؛ لأنَّهم يريدون الأمرَ والحديثَ ؛ لأنَّ كلَّ جملةٍ شأنٌ وحديثٌ ، ولا يفعلون ذلك إلا في مواضع التفخيم والتعظيم "(2)
ويقول الرضيُّ : " وهذا الضميرُ كأنَّه راجعٌ في الحقيقة إلى المسئول عنه بسؤالٍ مقدر ، تقولُ مثلاً : ( هو الأميرُ مقبلٌ ) ، كأنَّه سمع ضوضاءً وجلبةً ؛ فاستبهم الأمرَ فسأل ما الشأنُ ؟ فقيل له : ( هو الأميرُ مقبلٌ ) ، أي الشأنُ هذا ... ،والقصدُ بهذا الإبهام ثم التفسير : تعظيمُ الأمرِ وتفخيمُ الشأن ، فعلى هذا لا بُدَّ أن يكون مضمونُ الجملة المفسَّرة شيئاً عظيماً يُعتنى به ، فلا يُقالُ مثلاً : ( هو الذبابُ يطيرُ ) "(3) .
وكونَّهُ مفرداً غائباً دائماً ؛ فإنَّ مظهرَ المطابقةِ في هذا الضميرِ مع الجملة التي بعده يتمثلُ في الجنس فقط ، يقول ابنُ يعيشٍ : " وربما أنَّثوا ذلك الضميرَ على إردة القصة ، وأكثرُ ما يجيء إضمار القصةِ مع المؤنثِ ، وإضمارها مع المذكر جائزٌ في القياس ؛ لأنَّ التذكير على إضمار المذكرِ ، وهو الأمرُ والحديثُ ، فجائزٌ إضمارُ القصةِ والتأنيثِ لذلك "(4).
__________
(1) ينظر : شرح المفصل ، 3 / 114 ، وارتشاف الضرب ، 1 / 485-486 ، وشرح الرضي على الكافية ، 2 / 464 ، وهمع الهوامع ، 1 / 232 .
(2) شرح المفصل ، 3 / 114 .
(3) شرح الرضي على الكافية ، 2 / 464-465 .
(4) شرح المفصل ، 3 / 116 .(1/150)
ويقولُ ابنُ مالكٍ : " وإفراده لازمٌ ، وكذا تذكيرهُ ما لمْ يَلِهِ مؤنثٌ ، أو مذكرٌ شبيهٌ به مؤنثٌ ، أو فعلٌ بعلامةِ تأنيثٍ ، فيرُجحُ تأنيثهُ باعتبار القصة على تذكيره باعتبار الشأن "(1) ، وترجيحُ تأنيثِ ضميرِ الشأن مع المؤنث مذهبُ البصريين ، وأما الكوفيون ، فيُوجبون التذكيرَ مع المذكر والتأنيثَ مع المؤنث .(2)
ولقد ورد ضميرُ الشأن في القرآن الكريم ، فمثاله مذكراً قوله تعالى : { إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى } (طه:74) ، يقولُ القرطبيُّ : " والكنايةُ ترجعُ إلى الأمرِ والشأن "(3) ويقولُ النسفيُّ : " ( إنَّهُ ) : هو ضمير الشأن "(4)
وقال تعالى : { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } (الحج:4) ، جاء في مشكلِ إعراب القرآن : " ( أنَّهُ من تولاه ) فشأنه أنَّه يضله ، أو فأمره أنَّه يضله ، أي فشأنه الإضلال "(5) ، ويقولُ البيضاويُّ : " ( أنَّه من تولاه ) ، تبعه ، والضميرُ للشأن "(6).
__________
(1) تسهيل الفوائد ، 28 .
(2) ينظر : ارتشاف الضرب ، 1 / 486-488 ، والجامع الصغير في النحو ، 23 ، وهمع الهوامع ، 1 / 233-234 .
(3) الجامع لأحكام القرآن ، 11 / 226 .
(4) تفسير النسفي ، 3 / 60 ، وينظر : تفسير البيضاوي ، 4 / 62 .
(5) مشكل إعراب القرآن ، 2 / 486 .
(6) تفسير البيضاوي ، 4 / 114 ، وينظر : روح المعاني ، 17 / 114 .(1/151)
وقال تعالى : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ } (محمد:29) ، يقولُ أبو السعود : " و ( أنْ ) مخففةٌ من ( أنَّ ) ، وضميرُ الشأن الذي هو اسمها محذوفٌ "(1) ، ويقول الشوكانيُّ : " و( أنْ ) هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر "(2) ، وواضحٌ ان المطابقةَ تامةٌ في هذه الآيات .(3)
أما مثاله إذا كان مؤنثاً ، فنحو قوله تعالى : { وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } (الأنبياء:97) ، يقولُ العكبريُّ : " و ( هي ) ، ضميرُ القصة "(4) .
وقال تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } (الحج:46) ، يقولُ النسفيُّ : " الضميرُ في ( فإنَّها )
ضميرُ القصةِ "(5) ، ويقولُ الألوسيُّ : " ضميرُ ( فإنَّها ) للقصة ، فهو مفَسَّرٌ بالجملةِ بعده .(6)
وقال تعالى : { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } (لقمان:16) ، يقولُ أبو حيانٍ : " والظاهرُ أن الضميرَ في (إنَّها) ضمير القصة "(7) .
__________
(1) ارشاد العقل السليم ، 8 / 100 .
(2) فتح القدير ، 5 / 39 ، وينظر : روح المعاني ، 26 / 76 .
(3) ينظر : ( يونس / 12 ) ، ( الرعد / 31 ) ، ( الفتح / 12 ) .
(4) التبيان في إعراب القرآن ، 2 / 137 .
(5) تفسير النسفي ، 3 / 105 .
(6) روح المعاني ، 17 / 167 ، وينظر : تفسير البيضاوي ، 4 / 131 ، والجواهر الحسان ، 3 / 84 .
(7) البحر المحيط ، 8 / 414 .(1/152)
وقد تمت المطابقةُ في هذه الآيات ، ولمْ يرد ضميرُ الشأن في القرآن الكريم مخالفاً لما يفسره
( الخاتمة )
وبعدُ ...
فإنَّ مظهر المطابقة لمْ يغفله النحاةُ ، وإنْ لم يُفردوا له باباً خاصاً به ، فنحنُ نجدهم يتكلمون عليها كلما كان ذكرها مناسباً ، وذلك واضحٌ في كتبهم وما ذكرناه في فصول الرسالة
وعلى الرغم من أنَّ الأصل تخالف المبتدأ والخبر تعريفاً وتنكيراً ، فالأول معرفة ، والثاني نكرة ، فإنَّ مجيئهما معرفتين أو نكرتين ، يُعدُّ مظهراً من مظاهر المطابقة ، أما المبتدأ الذي له فاعلٌ يسد مسد الخبر ، فإن مجيئه في القرآن الكريم كان مطابقاً ، وعلى الرغم من جواز المخالفة بين أفعل التفضيل المضاف إلى معرفة وما قبله ، فقد جاء في القرآن الكريم مطابقاً في مواطن تزيد على مواطن المخالفة ، وحافظ النظمُ القرآني على المطابقة بين الفعل والفاعل المؤنث ، وعلى الرغم من جواز تذكير فعل الفاعل المؤنث المجازي المتصل بعامله والمنفصل عنه ، فإنَّ القرآن الكريم جاء بالمطابقة في مثل هذا التركيب ، ولا بدَّ لنا من مراعاة السياق والمعنى العام عند تأويل الآيات التي ظاهرها التخالف ، كما نستطيعُ أن نقولَ أن لغة ( أكلوني البراغيثُ ) لغة ورد عليها القرآن الكريم ، ولا مُسوِّغ لردها في بعض الآيات القرآنية الكريمة ؛ لأنَّها جارية على مظهر المطابقة .
وجاء النعتُ السببي في كلِّ مواطن وروده في القرآن الكريم محافظاً على المطابقة ، وكذا الأمر في عطف البيان ، والتوكيد ، والبدل ، وإنَّ مجيءَ ظاهرة القطع في كلٍّ من النعت الحقيقي ، وعطف النسق ، لم يكن إلا زيادة جمالٍ وروعةٍ في النص القرآني الكريم ، وعلى الرغم من جواز تخالف البدل والمبدل منه في التعريف والتنكير ، فإن القرآن الكريم استعملهما متطابقين في مواطنَ بلغتْ ضعفَ مواطن تخالفهما .(1/153)
والمطابقة في القرآن الكريم بين الضمير الغائب المفرد بنوعيه : المذكر والمؤنث ، والمثنى ، والجمع بنوعيه : المذكر والمؤنث ، قد تمت في مواطن تزيدُ كثيراً على المواطن التي ظاهرها التخالفُ ، ولا ننسى أن لهذه المواطن حملاً على المعنى ، وقد تمت المطابقة في القرآن الكريم في كلِّ مواطن ورود ضميري الفصل والشأن .
وإنني في رسالتي هذه لا أدعي أني أحصيتُ كلَّ ما جاء مطابقاً أو ما جاء غير مطابق في القرآن الكريم ، واكتفيتُ بنصوصٍ وافيةٍ من القرآن الكريم ؛ فالقرآن معجزة الله تعالى ، لا يستطيعُ الباحث أن يحيط بكلِّ جوانبه وخصائصه وأسراره ، وإننا لو تتبعنا أيَّ ظاهرةٍ فيه ، فإنَّ دراستنا لا تتجاوز آياتٍ معدودة محدودة ، ذلك لأنَّ هذا الكتابَ وحيٌّ من حكيمٍ عليمٍ ، لكلِّ حرفٍ فيه معنىً ، ولكلِّ كلمةٍ فيه مغزىً ، ولكلِّ آيةٍ فيه برهانٌ .والله الموفقُ للصواب .
والحمد لله أولاً وآخراً والصلاة على الآلِ الطيبين والصحب الميامين . الباحثُ -
( قائمة المصادر والمراجع والبحوث )
( القرآن الكريم ) .
1- الإتقان في علوم القرآن ، جلال الدين السيوطي ، ت 911 هـ ، تحقيق : محمد العربي ، القاهرة ، ط /1 ، 1415 هـ – 1995 م .
2- أحكام القرآن ، أبو بكرٍ أحمدُ بنُ عليٍّ الرازي الجصاص ، ت 370 هـ ، تحقيق : محمد الصادق قمحاوي ، بيروت ، 1405 هـ – 1985 م .
3- إرتشاف الضرب من لسان العرب ، أبو حيان الأندلسي ، ت 754 هـ ، تحقيق وتعليق : د0 مصطفى أحمد النماس ، مطبعة المدني ، القاهرة ، ط / 1 ، 1408 هـ – 1988 م .
4- إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم ، أبو السعود محمد بن محمد العمادي ، ت 951 هـ ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
5- أساليب التأكيد في اللغة العربية ، الياس ديب ، دار الفكر اللبناني ، بيروت ، ط / 1 ، 1404 هـ – 1984 م .(1/154)
6- أسرار التكرار في القرآن ، محمد بن حمزة بن نصر الكرماني ، ت 505 هـ ، تحقيق : عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، ط / 2 ، 1396 هـ – 1976 م .
7- الأصوات اللغوية ، د0 إبراهيم أنيس ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، ط / 5 ، 1395 – 1975 م .
8 - الأصول في النحو ، أبو بكرٍ بن السراج النحوي البغدادي ، ت 316 هـ ، تحقيق : د0 عبد الحسين الفتلي ، مطبعة النعمان ، النجف الأشرف ، 1393 هـ – 1973 م .
9- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ، محمد الأمين بن محمد المختار الجنكي الشنقيطي ، ت 1393 هـ ، تحقيق : مكتب البحوث والدراسات ، دار الفكر ، بيروت ، 1415 هـ – 1995 م .
10- الإعجاز الفني في القرآن ، عمر السلامي ، مصنع الكتاب للشركة التونسية للتوزيع ، تونس ، 1400 هـ – 1980 م .
11- الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين ، كمال الدين أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد الأنباري النحوي ، ت 577 هـ ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، دار الفكر ، بيروت .
12- أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ، أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد ابن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري ، ت 761 هـ ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، المكتبة العصرية ، بيروت .
13- الإيضاح في شرح المفصل ، أبو عمرو عثمان بن عمرو المعروف بابن الحاجب النحوي ، ت 646 هـ ، تحقيق : د0 موسى بناي العليلي ، مطبعة العاني ، بغداد ، 1402هـ – 1982 م .
14- البحر المحيط في التفسير ، محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي الغرناطي ، ت 754 هـ ، طبعة جديدة بعناية : صدقي محمد جميل ، دار الفكر ، بيروت ، 1412هـ – 1992 م .
15- بدائع الفوائد ، ابن قيم الجوزية ، ت 751 هـ ، عنى بتصحيحه والتعليق عليه ومقابلة أصوله : إدارة المطبعة المنيرية ، دار الكتاب العربي ، بيروت .(1/155)
16- البرهان في علوم القرآن ، أبو عبد الله محمد بن بهاد بن عبد الله الزركشي ، ت 794 هـ ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار المعرفة ، بيروت ، 1391هـ – 1971 م .
17- تاج العروس من جواهر القاموس ، محمد مرتضى الزبيدي ، مكتبة الحياة ، بيروت .
18- التبيان في إعراب القرآن ، أبو البقاء محب الدين عبد الله بن أبي عبد الله الحسين بن أبي البقاء العكبري ، تحقيق : علي محمد البجاوي ، دار إحياء الكتب العربية .
19- تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، ابن مالك ، ت 672 هـ ، تحقيق : محمد كامل بركات ، وزارة الثقافة ، القاهرة ، 1378هـ – 1967 م .
20- تفسير البيضاوي ، البيضاوي ، ت 791 هـ ، تحقيق : عبد القادر عرفات العشا حسونة ، دار الفكر ، بيروت ، 1416 هـ – 1996م .
21- تفسير الجلالين ، محمد بن أحمد المحلي وعبد الرحمن بن أبي بكرٍ السيوطي ، ت 911 هـ ، دار الحديث ، القاهرة ، ط / 1 .
22- تفسير سفيان الثوري ، أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ت161 هـ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط /1 ، 1403 هـ – 1983 م .
23- تفسير القرآن العظيم ، أبو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي ، ت 774 هـ ، دار الفكر ، بيروت ، 1401 هـ – 1981 م .
24- تفسير النسفي ، أبو البركات عبد الله أحمد بن محمود النسفي ، ت 710 هـ ، دار الكتاب العربي ، بيروت.
25- التكملة ، أبو علي الفارسي ، ت 377 هـ ، تحقيق : كاظم بحر المرجان ، دار الكتب للطباعة والنشر ، جامعة الموصل ، 1401 هـ – 1981 م .
26- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، ت 1376 هـ ، جمعية إحياء التراث الإسلامي ، الكويت ، ط / 5 ، 1421 هـ – 2000 م .
27- جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، أبو جعفرٍ محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري ، ت 310 هـ ، دار الفكر ، بيروت ، 1405 هـ – 1985 م .(1/156)
28- الجامع الصغير في النحو ، أبو محمد جمال الدين بن عبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري المصري ، ت 761 هـ ، تحقيق وتعليق : د0 أحمد محمود الهرميل ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، 1400 هـ – 1980 م .
29- الجامع لأحكام القرآن ، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكرٍ بن فرج القرطبي ، ت 761 هـ ، تحقيق : أحمد عبد العليم البردوني ، دار الشعب ، القاهرة ، ط / 2 ، 1372 هـ – 1952 م .
30- الجواهر الحسان في تفسير القرآن ، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي ، ت 875هـ ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت .
31- حاشية الخضري ت (1870م ) على شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ، شرحها وعلق عليها : تركي فرحان المصطفى ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط / 1 ، 1419 هـ – 1998 م .
32- حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالكٍ ومعه شرح الشواهد للعيني ، ت 1206 هـ ، دار إحياء الكتب العربية ، عيسى البابي الحلبي وشركاه .
33- الحجة في القراءات السبع ، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه ، ت370 هـ ، تحقيق : د0 عبد العال سالم مكرم ، دار الشروق ، بيروت ، ط / 4 ، 1401 هـ – 1981 م .
34- حجة القراءات ، أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة ، تحقيق : سعيد الأفغاني ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط /2 ، 1402 هـ – 1982 م .
35- الخصائص ، أبو الفتح عثمان بن جني ، ت 392 هـ ، تحقيق : محمد علي النجار ، دار الهدى للطباعة والنشر ، ط / 2 ، بيروت .
36- دراسات في اللغة ، د0 إبراهيم السامرائي ، مطبعة العاني ، بغداد ، 1381 هـ – 1961 م
37- الدر المنثور في التفسير المأثور، وهو مختصر تفسير ترجمان القرآن ، عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي ، ت 911 هـ ، دار الفكر ، بيروت ، 1413 هـ – 1993 م .
38- دراسات في اللغة والنحو ، د0 عدنان محمد سلمان ، دار الحكمة للطباعة والنشر ، 1411 هـ – 1991 م .(1/157)
39- دراسات في اللغة والنحو العربي ، حسن عون ، معهد البحوث والدراسات اللغوية ، مطبعة الكيلاني ، 1389 هـ – 1969 م .
40- دراسات لأُسلوب القرآن الكريم ، محمد عبد الخالق عضيمة ، دار الحديث ، القاهرة .
41- ديوان اُحية بن الجلاح الأوسي الخزرجي ، ت 497 مـ ، دراسة وجمع وتحقيق : د0 حسن محمد باجوده ، شركة مكة للطباعة والنشر ، 1399 هـ-1979 م .
42- ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب ، تحقيق : د0 نعمان محمد أمين طه ، دار المعارف ، مصر ، 1389 هـ – 1969 م .
43- ديوان عبد الله بن قيسٍ الرقيات ، تحقيق وشرح : د0 محمد يوسف نجم ، دار صادر – دار بيروت ، بيروت ، 1378 هـ – 1958 م .
44- ديوان علقمة الفحل بشرح الأعلم الشنتمري ، ت 603 مـ ، تحقيق : لطفي الصقال و درية الخطيب ، راجعه : فخر الدين قباوة ، دار الكتاب العربي ، حلب ، 1389 هـ – 1969 م .
45- ديوان كثير عزة ،جمعه وشرحه : د0 إحسان عباس ، دار الثقافة ، بيروت ، 1391 هـ – 1971 م .
46- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، أبو الفضل محمود الألوسي ، ت 1270 هـ ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
47- زاد المسير في علم التفسير ، عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي ، ت 597 هـ ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط /3 ، 1404 هـ – 1984 م .
48- السبعة في القراءات ، أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي البغدادي ، ت 324 هـ ، تحقيق : د0 شوقي ضيف ، دار المعارف ، القاهرة ، ط / 2 ، 1400 هـ – 1980 م .
49- سنن أبي داود ، أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي ، ت 275 هـ ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، دار الفكر ، بيروت .
50- سنن البيهقي الكبرى ، أبو بكرٍ أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي ، ت 458 هـ ، تحقيق : محمد عبد القادر عطا ، دار الباز ، مكة المكرمة ، 1414 هـ – 1994 م .(1/158)
51- شرح ابن عقيل ، بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي الهمداني المصري ، على ألفية ابن مالك ، أبو عبد الله محمد بن جمال الدين بن مالك ، ت 769 هـ ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، مطبعة السعادة ، مصر ، ط / 14 ، 1384 هـ – 1964 م .
52- شرح الرضي على الكافية ، رضي الدين الإستراباذي ، ت 686 هـ ، تصحيح وتعليق : يوسف حسن عمر ، مؤسسة الصادق ، طهران .
53- شرح المفصل ، موفق الدين بن يعيش النحوي ، ت 643 هـ ، عالم الكتب ، بيروت .
54- الشرح الواضح المنسق لنظم السلم المرونق ، د0 عبد الملك عبد الرحمن السعدي ، دار الأنبار ، بغداد ، ط / 1 ، 1416 هـ – 1996 م .
55- شرح ديوان الفرزدق ، ضبط معانيه وشروحه وأكملها : إيليا الحاوي ، دار الكتاب اللبناني ومكتبة المدرسة ، بيروت ، ط / 1 ، 1403 هـ – 1983 م .
56- شرح ديوان حسان بن ثابت الأنصاري ، ت 674 مـ ، ضبط الديوان وصححه : عبد الرحمن البرقوقي ، دار الأندلس ، بيروت ، 1403 هـ – 1983 م .
57- شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب ، أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد ابن عبد الله ابن هشام الأنصاري المصري ، ت 761 هـ ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، مطبعة السعادة ، مصر ، ط / 10 ، 1385 هـ – 1965 م .
58- شرح قطر الندى وبل الصدى ، أبو محمد عبد الله جمال الدين بن هشام الأنصاري ، ت 761 هـ ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، مطبعة السعادة ، مصر ، ط / 11 ، 1383 هـ – 1963 م .
59- شعر الأخطل ، أبو مالك غياث بن غوث التغلبي ، صنعه السكري رواية عن أبي جعفر محمد ابن حبيب ، تحقيق : فخر الدين قباوة ، دار الأصمعي ، حلب .
60- شعر الشنفرى الأزدي ، أبو خير مؤرج بن عمرو السدوسي ، ت 195 هـ ، تحقيق وجمع : علي ناصر غالب ، مركز دراسات الخليج العربي ، جامعة البصرة ، قسم الدراسات الأدبية و اللغوية ، 1413 هـ – 1993 م .(1/159)
61- صحيح البخاري ، أبو عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري الجعفي ، ت 256 هـ ، تحقيق : د0 مصطفى ديب البغا ، دار ابن كثير واليمامة ، بيروت ، ط / 3 ، 1407 هـ – 1987 م .
62- صحيح مسلم ، أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ، ت 261 هـ ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
63- صحيح مسلم بشرح النووي ، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي ، ت 676 هـ ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط / 2 ، 1392 هـ – 1972 م .
64- الضمائر في اللغة العربية ، د0 محمد عبد الله جبر ، دار المعارف ، بيروت ، ط / 1 ، 1403 هـ – 1983 م .
65- طبقات المفسرين ، أحمد بن محمد الأدنروي ، ت تحقيق : سليمان بن صالح الخزي ، مكتبة العلوم والحكم ، المدينة المنورة ، ط / 1 ، 1417 هـ – 1997 م .
66- فتح الباري شرح صحيح البخاري ، أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي ، ت 852 هـ ، تحقيق : محب الدين الخطيب ، دار المعرفة ، بيروت .
67- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ، محمد بن علي بن محمد الشوكاني ، ت 1250 هـ ، دار الفكر ، بيروت .
68- الفرائد الجديدة تحتوي على نظم الفريدة وشرحها المطالع السعيدة ، عبد الرحمن السيوطي ، ت 911 هـ ، تحقيق : الشيخ عبد الكريم المدرس ، مطبعة الإرشاد ، بغداد ، 1397 هـ – 1977 م .
69- الفوائد الضيائية شرح كافية ابن الحاجب ، نور الدين عبد الرحمن الجامي ، ت 898 هـ ، دراسة وتحقيق : د0 أُسامة طه الرفاعي ، مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ، بغداد ، 1402 هـ – 1982 م .
70- في النحو العربي نقدٌ وتوجيه ، د0 مهدي المخزومي ، منشورات المكتبية العصرية ، بيروت ، ط /1 ، 1384 هـ – 1964 .
71- الكتاب ، كتاب سيبويه ، أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر ، ت 180 هـ ، تحقيق وشرح : عبد السلام محمد هارون ، عالم الكتب ، بيروت ، ط / 3 ، 1403 هـ – 1983 م .(1/160)
72- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التنزيل ، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ، ت 538 هـ ، ومعه حاشية السيد الشريف علي بن محمد بن علي السيد زين الدين أبي الحسن الحسيني الجرجاني ، وبهامشه القرآن الكريم برسم وضبط الدوزي عن أبي محمد ابن المنير الأسكندري المالكي ، وبآخر الكتاب تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، للعالم المدقق محب الدين أفندي ، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ، مصر ، 1367 هـ – 1984 م .
73- لسان العرب ، محمد بن مكرم بن منظورالأفريقي المصري ، ت ، 711 هـ ، دار صادر، بيروت ، ط / 1
74- اللغة ، ج 0 فندريس ، تعريب : عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص ، مكتبة الأنجلو المصرية ، 1370 هـ – 1950 م .
75- مجموعة أشعار العرب ، وهو مشتملٌ على ديوان رؤبة بن العجاج وعلى أبيات مُفَردات منسوبة إليه ، اعتنى بتصحيحه وترتيبه : وليم بن الورد البروسي ، منشورات دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، ط /1 ، 1399 هـ – 1979 م .
76- مختار الصحاح ، محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي ، ت 721 هـ ، تحقيق : محمود خاطر ، مكتبة لبنان ناشرون ، بيروت ، 1415 هـ – 1995 م .
77- مختصر المعاني ، سعد الدين التفتازاني ، دار الفكر ، قم ، ط / 1 ، 1411 هـ – 1991 م
78- المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ، د0 رمضان عبد التواب ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، ط / 3 ، 1417 – 1997 م .
79- المسائل السفرية في النحو ، ابن هشام الأنصاري ، ت 761 هـ ، تحقيق : د0 علي حسين البواب ، دار طيبة للنشر والتوزيع ، الرياض .
80- مسند الإمام أحمد بن حنبل ، أبو عبد الله بن حنبل الشيباني ، ت 241 هـ ، مؤسسة قرطبة ، مصر .(1/161)
81- مشكل إعراب الأشعار الستة الجاهلية ، القسم الخامس ، ديوان طرفة بن العبد ، بشرح محمد ابن إبراهيم بن محمد الحضرمي ، ت 609 هـ ، تحقيق : د0 علي خلف الهُروط ، منشورات جامعة مؤتة ، ط / 1 ، 1416 هـ – 1995 م .
82- مشكل إعراب القرآن ، أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي ، ت 437 هـ ، تحقيق : د0 حاتم صالح الضامن ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط /2 ، 1405 هـ – 1985 م .
83- معالم التنزيل ، أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي ، ت 516 هـ ، تحقيق : خالد العك ومروان سوار ، دار المعرفة ، بيروت ، ط / 2 ، 1407 هـ – 1978 م .
84- معاني القرآن ، أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء ، ت 207 هـ ، تصدير : محمد أبو الفضل إبراهيم ، عالم الكتب ، بيروت ، ط / 2 ، 1400 هـ – 1980 م .
85- معاني القرآن الكريم ، أبو جعفر النحاس ، ت 338 هـ ، تحقيق : محمد علي الصابوني ، جامعة أم القرى ، مكة المكرمة ، ط / 1 ، 1409 هـ – 1989 م .
86- معاني النحو ، د0 فاضل صالح السامرائي ، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، جامعة بغداد ، بيت الحكمة ، 1406 / 1407 هـ – 1986 / 1987 م .
87- المعجم الكبير ، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، ت 360 هـ ، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ، مكتبة الزهراء ، الموصل ، ط / 2 ، 1404 هـ – 1983 م .
88- مغني اللبيب ، جمال الدين بن هشام الأنصاري ، ت 761 هـ ، حققه وعلق عيه : د0 مازن المبارك ومحمد علي حمد الله ، وراجعه : سعيد الأفغاني ، دار الفكر ، بيروت ، ط / 6 ، 1405 هـ – 1985 م .
89- مغني اللبيب ، جمال الدين بن هشام الأنصاري ، وبهامشه حاشية الشيخ محمد الأمير ، دار إحياء الكتب العربية ، عيسى البابي الحلبي وشركاه .
90- مفتاح العلوم ، أبو يعقوب يوسف بن محمد بن علي السكاكي ، ت 626 هـ ، حققه وقدم له وفهرسه : د0 عبد الحميد هنداوي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط / 1 ، 1420 هـ – 2000 م .(1/162)
91- المقتصد في شرح الإيضاح ، عبد القاهر الجرجاني ، ت 471 هـ ، تحقيق : د0 كاظم بحر المرجان ، دار الرشيد للنشر ، منشورات وزارة الثقافة والإعلام / الجمهورية العراقية ، 1402 هـ – 1982 م .
92- المقتضب ، أبو العباس محمد بن يزيد المبرد ، ت 285 هـ ، تحقيق : محمد عبد الخالق عضيمة ، عالم الكتب ، بيروت .
93- المُقرب ، علي بن مؤمن المعروف بابن عصفور ، ت 669 هـ ، تحقيق : أحمد عبد الستار الجواري و عبد الله الجبوري ، مطبعة العاني ، بغداد ، 1406 هـ – 1986 م .
94- ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل ، أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي العاصمي الغرناطي ، ت 708 هـ ، تحقيق : سعيد الفلاح ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، ط / 1 ، 1403 هـ – 1983 م .
95- مناهل العرفان في علوم القرآن ، محمد عبد العظيم الزرقاني ، تحقيق : مكتب البحوث والدراسات ، دار الفكر ، بيروت ، ط / 1 ، 1416 هـ – 1996 م .
96- نتائج الفكر في النحو ، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السُّهيلي ، ت 581 هـ ، تحقيق : محمد إبراهيم البنا ، مطابع الشروق ، بيروت .
97- همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ، جلال الدين السيوطي ، ت 911 هـ ، تحقيق : عبد العال سالم مكرم ، دار البحوث العلمية ، الكويت ، 1397 هـ – 1977 م .
98- الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي ، ت 468 هـ ، تحقيق : صفوان عدنان داوودي ، دار القلم – الدار الشامية ، دمشق – بيروت ، ط / 1 ، 1415 هـ – 1995 م .
( الرسائل والأطاريح )
1- التثنية في اللغة العربية ، حسين محيسن ختلان البكري ، رسالة ماجستير ، إشراف : د0 عبد الأمير محمد أمين الورد ، جامعة بغداد ، 1409 هـ – 1989 م .(1/163)
2- لباب الإعراب ، الفاضل الأسفرايني ، ت 684 هـ ، تحقيق : عبد الباقي عبد السلام الخزرجي ، رسالة ماجستير ، إشراف : أ0د0 طه محمد الزيني ، جامعة الأزهر ، 1399 هـ – 1979 م .
3- المنهل الصافي في شرح الوافي ، بدر الدين الدماميني ، ت 828 هـ ، دراسة وتحقيق : فاخر جبر مطر ، أُطروحة دكتوراه ، إشراف : أ0د0 عدنان محمد سلمان ، 1410 هـ – 1989 م .
( البحوث )
1- أثر التحويلات الأُسلوبية في تغيير الإعراب في الآيات القرآنية والشواهد الشعرية ، يحيى القاسم ، مجلة أبحاث اليرموك ، سلسلة الآداب واللغويات ، مجلة نصف سنوية محكّمة ، المجلد / 11 ، العدد / الأول ، 1413 هـ – 1993 م .
2- اللفظ والمعنى في لغة التنزيل ، د0 إبراهيم السامرائي ، بحثٌ منشورٌ على الإنترنت ، عنوانه : ( www . balagh .com / mosoa /quran /lilexyo2.htm .
الفهرس
الموضوع ... الصفحة
المقدمة . ... 10 - 12
التمهيد . ... 13 - 15
الفصل الأول : ( المطابقة بين المسند والمسند إليه ) ... 16
تعريفٌ بالإسناد ... 17
المبحث الأول : ( المطابقة بين المبتدأ والخبر ) . ... 18
أولاً : المبتدأ الذي له خبرٌ . ... 18
أ - المطابقة في الإفراد تذكيراً وتأنيثاً . ... 19
1 - المبتدأ مفردٌ مذكرٌ والخبرُ مفردٌ مذكرٌ . ... 19
ما ظاهره عدم المطابقة . ... 19 – 22
2 - المبتدأ مفردٌ مؤنثٌ والخبر مفردٌ مؤنثٌ . ... 22
ما ظاهره عدم المطابقة . ... 22 - 25
ب – المطابقة في التثنية تذكيراً وتأنيثاً . ... 25 - 26
ما ظاهره عدم المطابقة . ... 26 - 27
ج – المطابقة بين المبتدأ والخبر في الجمع تذكيراً وتأنيثاً . ... 27
1 - المبتدأ جمعٌ مذكرٌ والخبر جمعٌ مذكرٌ . ... 27
ما ظاهره عدم المطابقة . ... 27-28
2 - المبتدأ جمعٌ مؤنثٌ والخبرُ جمعٌ مؤنثٌ . ... 28-29
ما ظاهره عدم المطابقة . ... 29
د – المطابقة بين المبتدأ والخبر تعريفاً وتنكيراً . ... 30-31(1/164)
ثانياً : المبتدأ الذي له فاعلٌ يسد مسد الخبر . ... 31-32
1 – الوصفُ مفردٌ ومرفوعه مفردٌ . ... 32
2 – الوصفُ مثنىً ومرفوعه مثنىً . ... 32
3 – الوصف جمعٌ ومرفوعه جمعٌ . ... 32-33
تطبيقات المبتدأ الذي له فاعلٌ يسد مسد الخبر في القرآن الكريم . ... 34-37
إذا كان أفعل التفضيل خبراً . ... 34
أولاً - إذا كان أفعل التفضيل مجرداً عن الإضافة والألف واللام . ... 34-35
ثانياً – إذا كان أفعل التفضيل الخبر مضافاً . ... 35
أ – إذا كان مضافاً إلى معرفة . ... 35-36
ب – إذا كان مضافاً إلى نكرة . ... 36-37
ثالثاً – إذا كان أفعل التفضيل الخبر محلى بالألف واللام ... 37
المبحث الثاني : ( المطابقة بين الفعل والفاعل ) . ... 38
أولاً : المطابقة في الجنس . ... 38-40
يستثنى من المطابقة في الجنس : ... 40
1 – وجود الفاصل بين الفعل وفاعله الظاهر الحقيقي التأنيث . ... 41-42
2 - الفاعلُ مؤنثٌ مجازي . ... 42-43
3 – الجموع . وهي : ... 43-44
أ – جمع المؤنث السالم . ... 44-45
ب - جمع التكسير . ... 45-46
ج – اسم الجمع . ... 46
رأيٌ حول تأنيث الفعل في القرآن الكريم . ... 47-54
ثانياً : المطابقة في العدد . ... 54-58
الفصل الثاني : ( المطابقة بين التابع والمتبوع ) . ... 59
المبحث الأول : ( المطابقة بين النعت والمنعوت ) . ... 60
أولاً – المطابقة في النعت الحقيقي . ... 60
أ – في الإعراب . ... 61-61
النعت المقطوع . ... 62-63
ب- في العدد . ... 63-64
ما ظاهره عدم المطابقة . ... 64-67
ج – في الجنس . ... 67
ما ظاهره عدم المطابقة . ... 68-71
د- في التعريف والتنكير . ... 71
ما ظاهره عدم المطابقة . ... 71-73
ثانياً – المطابقة في النعت السببي . ... 73-74
المبحث الثاني : ( المطابقة بين المعطوف والمعطوف عليه ) . ... 75
أولاً – المطابقة في عطف البيان . ... 75-77
ثانياً – المطابقة في عطف النسق . ... 77-78(1/165)
العطف المقطوع . ... 79-82
المبحث الثالث : ( المطابقة بين المؤَكِّدِ والمؤَكَّدِ ) . ... 83
أولاً – المطابقة في التوكيد المعنوي . ... 83
أ – النفس والعين . ... 83
ب – كلا وكلتا وجميع وعامة . ... 84-86
ثانياً – المطابقة في التوكيد اللفظي . ... 87-88
المبحث الرابع : ( المطابقة بين البدل والمبدل منه ) . ... 89
تلزم المطابقة في الإعراب في كل أنواع البدل . ... 89-90
المطابقة في العدد وفي الجنس تكون في البدل المطابق . ... 90-91
المطابقة في التعريف والتنكير لا تشترط في البدل . ... 91-94
الفصل الثالث : ( المطابقة بين الضمير ومرجعه ) . ... 95
مقدمة عن تقسيم الضمير . ... 96-97
المبحث الأول : ( المطابقة بين الضمير ومرجعه في الإفراد) . ... 98
أولاً – إذا كان الضمير مفرداً مذكراً . ... 98
ما ظاهره عدم المطابقة . ... 99-104
ثانياً – إذا كان الضمير مفرداً مؤنثاً . ... 104-105
ما ظاهره عدم المطابقة . ... 105-108
المبحث الثاني : ( المطابقة بين الضمير المثنى ومرجعه ) . ... 109
ما ظاهره عدم المطابقة . ... 110-112
المبحث الثالث : ( المطابقة بين الضمير الجمع ومرجعه ) . ... 113
أولاً إذا كان الضمير جمعاً مذكراً . ... 113
ما ظاهره عدم المطابقة . ... 114-117
ثانياً – إذا كان الضمير جمعاً مؤنثاً . ... 117-118
ما ظاهره عدم المطابقة . ... 118-119
المبحث الرابع : ( المطابقة بين ضميري الفصل والشأن ومرجعيهما ) . ... 120
أولاً – المطابقة بين ضمير الفصل ومرجعه . ... 120-124
ثانياً – المطابقة بين ضمير الشأن ومرجعه . ... 125-127
الخاتمة . ... 128
قائمة المصادر والمراجع والبحوث . ... 129-137(1/166)