المجلد الأول
مقدمات
تقديم
...
المقدمات:
تقديم:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فقد سعدت كثيرًا حين شرفني "مركز البحث العلمي، وتحقيق التراث" بجامعة أم القرى في مكة المكرمة بتحقيق كتاب "شرح الكافية الشافية" للإمام جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك، ذلك أن صحبتي لابن مالك ولمؤلفاته قديمة، ووثيقة.
فمؤلفات ابن مالك تعرفت عليها في سن مبكرة، وبالتحديد منذ بدأت حياتي العلمية حين كان حفظ الألفية، وغيرها من المتون -بجواز القرآن الكريم- عدة لا غنى عنها لطالب العلم.
وتعرفت على الشيخ حين بدأت دراساتي العليا، واتخذت من حياته وآثاره مجالًا لبحث حصلت به على درجة الماجستير.
وكان من بين الفصول التي تضمنها هذا البحث: الأصول التي بنى عليها ابن مالك آراءه النحوية، والموازنة بين آرائه في مختلف مؤلفاته.(1/5)
واقتضى هذا -بطبيعة الحال- أن تكون تحت بصري، وبين يدي نسخ من مؤلفات الشيخ -وقد كانت في الغالب حينذاك مخطوطات- فسعيت إليها في مواقعها أنسخ منها بقلمي صورًا أحتفظ بها، وأقلب النظر بين صفحاتها من وقت لآخر.
وكلما مرت الليالي زادتني من ابن مالك قربًا، ولمصنفاته حبًا، فعقدت العزم على الإسهام في إحياء تراثه بالقدر الذي أستطيع.
فبدأت بمقدمته "عمدة الحافظ وعدة اللافظ" وشرحها فنشرتهما محققين1.
وهأنذا أواصل المسيرة بتحقيق أرجوزته "الكافية الشافية" وشرحها.
والحق أن "الكافية الشافية" أرجوزة سهلة ميسرة، قل أن تسمح بمثلها القرائح، أو تطمح إلى النسخ على منوالها المطامح، فقد جمع فيها ناظمها مسائل النحو والصرف، وبسطها، ورتب الأبواب، وضبطها فغدت كما قال:
................. مستوفية ... عن أكثر المصنفات مغنية
تكون للمبتدئين تبصرة ... وتظفر الذي انتهى بالتذكرة
أما شرحها، فقد التزم فيه المصنف -رحمه الله- منهجًا ارتضاه لنفسه، وأعلنه في المقدمة حين قال:
"سألني بعض الألباء، المعتنين بحقائق الأنباء أن أتلو "الكافية الشافية" بشرح تخف معه المئونة، وتحف به المعونة، ويكون به الغناء مضمونًا، والعناء مأمونًا. فأجبت دعوته".
__________
1 دار الفكر العربي بالقاهرة.(1/6)
لذلك أقتصر في هذا الشرح على جلاء الغامض، وتيسير العسير، وضم المشتت وتقريب البعيد.
وهو إذا تحدث في موضوع ما تحدث حديثًا شاملًا، واستقصاه استقصاء كاملًا في تنسيق رائع، وأسلوب بديع مع دعم كلامه بما يحتاج إليه المقام من دليل وشاهد.
وبهذا صارت "الكافية الشافية" مع شرحها عنوانًا على عظمة ابن مالك، واقتداره وسعة إطلاعه.
وهناك أمر آخر يزيد من مكانه هذا الشرح، ذلك أن ما جاء في الألفية:
أحصي من الكافية الخلاصة ... .......................
كما قال الناظم في الألفية.
وإذا كان ذلك كذلك كانت "الكافية الشافية" قد تضمنت ما في الألفين وزيادة.
وإذا كانت "الكافية الشافية" متضمنة ما في الألفية وزيادة، كان "شرح الكافية الشافية" شرحًا وافيًا للألفية بقلم ناظمها.
وبهذا ندرك السر في إهمال ابن مالك تأليف كتاب في شرح الألفية مخالفًا بذلك منهجه المعهود في التأليف، حيث كان يبدأ بالمصنفات الموجزة ثم يبسطها، وبالأراجيز ثم يشرحها.
كما يتضح السر في اعتماد كل شراح الألفية -بلا استثناء- على ما جاء في "شرح الكافية الشافية" لابن مالك.
ولقد حرصت في تحقيقي لهذا الكتاب أن أضع بين يدي القارئ الأصل الكامل لهذا الكتاب مضبوطًا، مقتصدًا في التعليق،(1/7)
مقتصرًا على ما يحتاج إليه المقام دون إسراف أو حشو.
وسرت في التحقيق على النحو التالي:
1- مقابلة النسخ المختلفة، والتنبيه في الحاشية على اختلاف النصوص.
2- ضبط الآيات القرآنية الواردة في الكتاب، وبيان مواضعها في الكتاب العزيز.
3- تتبع القراءات التي أشار إليها المصنف بالرجوع إلى كتب القراءات للتأكد منها، ومن صحة نسبتها إلى قائلها.
ومن الحق التنويه بدقة المصنف في استدلاله بالقراءات، ودقة نسبة القراءة -إذا نسبها- لصاحبها.
كما تجدر الإشارة إلى أن المصنف في استشهاده بآيات القرآن الكريم، كان يعتد بالقراءات المختلفة من غير تفريق بين قارئ وآخر.
4- ضبط الأحاديث النبوية، وبيان مواقعها في الكتب الصحاح.
5- ضبط الشواهد الشعرية ونسبتها إلى قائليها، وكشف الستار عن معاني الكلمات التي يكتنفها غموض، وبيان البحور الشعرية للأبيات.
واستكمالًا للفائدة ذيلت حديثي عن كل بيت بيان بعض المراجع، التي اعتمدت عليها. وكثيرًا ما كان يغفل المصنف ذكر قائل الشاهد، وكان اهتمامه بنسبة الشواهد لقائليها يزداد إذا استشهد بها لتأكيد رأيه في مسألة خلافية.
6- تحقيق النصوص التي اقتبسها المصنف، وذلك بالرجوع إلى مصادرها.(1/8)
7- تحقيق الآراء التي نسبها المصنف لبعض العلماء، وذلك بالرجوع إلى ما حفظه الزمان من مؤلفاتهم، أو بالرجوع إلى ما كتبه السابقون الأولون عنهم.
8- ضبط الكلمات التي أوردها المصنف في معرض التمثيل للقواعد أو الضيغ، وتفسير معناها، إذا كان لفظها يحتاج إلى ضبط، ومعناها يفتقر إلى تفسير.
9- التعريف بالعلماء الذين ورد ذكرهم في ثنايا الكتاب.
هذا وقد قدمت للكتاب بمقدمة موجزة تحدثت فيها عن المؤلف، وعصره ثم عرفت بأرجوزة "الكافية الشافية" ووازنت بينها وبين "الدرة الألفية" لابن معط. وتلوت ذلك بالحديث عن "شرح الكافية الشافية"، وزمن تأليفه، وبينت بعض السمات البارزة فيه، وتحدثت بعد ذلك عن شخصية المؤلف في الكتاب، وعن بعض الأصول التي بنى عليها لامؤلف آراءه فيه.
ولقد رأيت في الكتاب أمورًا تثير الانتباه، فنبهت عليها.
وختمت المقدمة بالحديث عن النسخ التي اعتمدت عليها في التحقيق.
أما عن المصادر التي اعتمدت عليها فهي كثيرة ومتعددة. وإذا كان منها ما تيسرت لي سبل الحصول عليه، فإن منها ما هو عزيز ونادر، وطريق الوصول إليه صعب عسير، كما هو الحال في المخطوطات والمصورات، والمراجع التي نفدت طبعاتها.
وبعد:
فإنه لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر الوفر الجزيل إلى جميع(1/9)
العاملين في مركز البحث العلمي، وإحياء التراث بمكة المكرمة وعلى رأسهم سعادة الدكتور ناصر الرشيد.
فجزى الله الجميع خير الجزاء، وجعل عملي هذا مفتتحًا بخلوص النية مختتمًا بحصول الأمنية، التي نسعى إليها وهي خدمة اللغة العربية وأبنائها.
والله المستعان.
وكتبه:
د/ عبد المنعم أحمد هريدي
الأستاذ المشارك في معهد اللغة العربية
جامعة أم القرى(1/10)
المقدمة:
تعريف بالمؤلف:
لم تعن أسرة ابن مالك بتسجيل اليوم الذي ولد فيه طفلها، فظل هذا اليوم مجهولًا إلى الآن لدى مؤرخيه، وسوف يظل كذلك إلى الأبد.
ويبدو أن الأسرة التي انحدر منها المصنف لم تكن تطمع في جاه، ولم يكن لها أساس من مجد.
فلم يعرف التاريخ عن آبائه شيئًا، ولم يرد من النصوص ما يشير إلى ذلك من قريب أو بعيد، فالصمت مطبق حول أسرته.
ويظهر أن الشيخ كان يعرف ذلك. يعرف أنه نشأ في أسرة رقيقة الحال، فلم يشر إليها، أو يتحدث عنها.
ومن يدري. لعله لم يكن يجد من الحوادث المتعلقة بها ما يستحق الذكر، أو كان يجده، ولكن يؤلمه الحدث فيها.
وسكوت ابن مالك عن الحديث عن نفسه، وإمساكه عن الإشارة إلى ماضيه، وصمته عن كل ما يتصل بأهله، وعشيرته أعطى الفرصة السانحة للمؤرخين، فأهملوا الحديث عما يتعلق بذلك.
فقد درج المؤرخون في العصور القديمة والوسطى، وشطر من(1/11)
العصور الحديثة على التأريخ للملوك، وأصحاب الجاه والسلطان، حتى كاد التاريخ في تلك الأيام يقتصر على الحكام والأعيان.
فإذا ما ولد طفل في قصر اهتم به المؤرخون منذ مولده -بل ربما قبل مولده- وأفاضوا في نسبه وحسبه، وعظيم مواهبه.
أما إذا كان مغمورًا، فإن إنسانًا واحدًا لا يكاد يشعر بقدومه، ولم يتعرض له كاتب أو مؤرخ.
فإذا أصاب من الدنيا نصيبًا حاول المؤرخون عندئذ سد الثغرة التي أحاطت بنشأته، فإذا أعوزتهم الحقائق لجئوا إلى نسج الخيال والأساطير.
وإن الناظر في كتب التاريخ في تلك العصور ليأخذه العجب حتى يرى معظمها ينصب على "وفيات الأعيان" و "تاريخ الملوك" أما الشعوب، أما عامة الناس فليس لهم فيها نصيب، وليس فيهم من يهم المؤرخ، أو يعني الكاتب، وإن وجد من المؤرخين في تلك الحقبة من يتعرض لواحد من المواطنين، فإنما يكون ذلك تلميحًا بقدر ما يحتاج إليه الموضوع الذي يتحدث فيه.
ولم يتورع بعض المؤرخين عن الجهر بذلك.
وها هوذا أبو المحاسن يقول في معرض حديثه عن أحد الأفراد1:
"وقد أضربنا عن شرح ما حدث له؛ لأنه لم يكن من أعيان الناس لتشكر أفعاله أو تذم".
وأغلب الظن أن ابن مالك حرم في طفولته من كل عطف
__________
1 بدائع الزهور 2/ 244.(1/12)
وحنان بل ربما كانت طفولته طفولة معذبة، منعه الحياء من الخوض فيها باللسان، أو بالقلم، فاكتفى بالصمت الذي هو أبلغ من كل بيان.
ورب ضارة نافعة، فالراجح أن هذا الحرمان كان السبب في التجاء الشيخ إلى الدرس، والتحصيل عله يجد في ذلك عوضًا عن بعض ما فاته.
ومهما يك من شيء فلا تكاد توجد وثيقة واحدة، أو مصدر مؤكد أو خبر عمن يوثق به يكشف شيئًا للباحث في طفولة هذا الرجل، أو علاقته بأسرته، أو صلاته بأخواته وإخواته -إن كان له إخوة أو أخوات- فجهل الناس كل ما يتصل بهؤلاء.
وليس من الحق الزعم بأن المصنف أمسك عن الحديث عن سيرة أحداده، وآبائه وإخوته وإخوانه، وأصداقاء طفولته وصباه، وعيشته في موطنه؛ لأنه ضرب من العبث واللغو لا يتفق مع ما شغل به من تحصيل للعلم، وخدمة لأهله.
فالرابطة الإنسانية رابطة عميقة الجذور، تجري في الدماء، وتتغلغل في النفوس، وهو أقرب الروابط إلى الإنسان, وأحبها إليه، وأعلقها بفؤاده.
وإذا كان ذلك كذلك فلا يمنع الإنسان عن الخوض فيها إلا أمر قاهر، ولن يكون العلم؛ لأن العلم أسمى من ذلك. فهو الذي يهذب النفوس، ويرهف العواطف فأولى به أن يقوي في الإنسان الشعور بالإنسانية، لا أن يجرده منها.
والذي يرجحه الباحث أن يكون ابن مالك نشأ وحيدًا لوالديه، وأن يكون افتقد أمه صغيرًا، وربما كان شأن أبيه شأن غيره من العرب(1/13)
الأندلسيين في ذلك الوقت جنديًا في الجيش، الذي أعده الأمير أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف في مدينة جيان -مسقط رأس المصنف- لقتال الإدفنس سنة 609 هـ في موقعة العقاب.
فقد روى صاحب المعجب أن "أمير المؤمنين خرج من أشبيلية سنة 609 هـ، فسار حتى نزل "جيان" فأقام بها ينظر في أمره، ويعبئ عساكره، وخرج أمير المؤمنين من مدينة "جيان"، فالتقى هو والأدفنس بموضع يعرف بالعقاب بالقرب من حصن يدعى حصن سالم.
فعبأ الأدفنس جيوشه، ورتب أصحابه، ودهم المسلمين وهم على غير أهبة فانهزموا، وقتل خلق كثير.
وثبت أبو عبد الله -يقصد الأمير- في ذلك اليوم ثباتًا لم ير لملك قبله، ولولا ثباته لاستؤصلت تلك الجموع كلها قتلًا وأسرًا.
وكانت هذه الهزيمة الكبرى على المسلمين يوم الاثنين منتصف صفر سنة 609 هـ1.
من هنا يعلم أن الأمر كان شديدًا على أهل الأندلس عامة، وعلى أهل جيان خاصة في بدء حياة الشيخ.
ولا يستبعد أن يكون والده -وهو ذلك الرجل العربي المسلم، الذي يتمتع بما يتصف به العرب والمسلمون من شجاعة، وشهامة انخرط في سلك الجندية. جنديًا مرتزقًا أو متطوعًا، ثم ذهب ولم يعد، فقد كانت موقعة العقاب -كما بينا من المواقع الفاصلة في التاريخ، وكانت الهزيمة فيها منكرة.
__________
1 المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار أهل المغرب ص 215، وما بعدها.(1/14)
ولو صح هذا يكون المصنف فقد والده في فجر حياته، واستقبل الحياة وحيدًا في بلاد الأندلس، مما دعاه إلى هجرها إلى المشرق بعد أن أودع ثراها أعز ما يملك الإنسان وهو الذكرى.
مولده:
بالرجوع إلى أقوال الذين تحدثوا عن مولد المصنف -وهي أقوال كثيرة- يتضح أن ابن مالك توفي في سن عادية تتراوح بين الرابعة والستين، والخامسة والسبعين.
وبالموازنة بين هذه الأقوال يظهر أن أقربها إلى الواقع ذلك القول الذي ينادي بأنه ولد سنة 598 هـ.
ومن هؤلاء القائلين بذلك: المقري فقد حكى عن بعضهم أن المصنف ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة1.
وكأنما أراد أن يقوي هذا الرأي -وهو ثالث قول يورده في كتابه- عندما قال2:
"وعليه عول شيخ شيوخنا ابن غازي"3 في قوله:
قد خبع ابن مالك في خبعا ... وهو ابن عه كذا وعي من قد وعى
والبيت قصد به بيان تاريخ وفاة ابن مالك، وعمره.
فتاريخ وفاته يدل عليه قوله "خبعا" إذ الخاء: ستمائة، والدين سبعون والباء: ثنتان.
__________
1 المقرى: نفح الطيب 7/ 280.
2 نفس المرجع 7/ 281.
3 هو أبو عبد الله المكناسي، الفارسي المتوفى سنة 919 هـ.(1/15)
أما عمره فيؤخذ من قوله: "عه"؛ لأن العين: سبعون، والهاء: خمسة.
وأيد هذا الرأي: الخضري في حاشيته على ابن عقيل1، والأشموني شارح الألفية2.
والذي يرجع كفه هذا القول احتمال هجر المصنف أرض الأندلس عقب موقعه العقاب مباشرة، أو بعدها بزمن يسير.
وموقعه العقاب كانت سنة 609 هـ، ويتحتم أن يكون المصنف في ذلك الوقت في سن تسمح له بتحمل عناء السفر الطويل، ومشقات الاغتراب وحيدًا.
ولن تكون هذه السن أقل من اثنتي عشرة سنة، وهي سن تسمح لمثله في العبقرية، والذكاء أن يكون ملمًا بدروس في النحو واللغة، والشريعة، وغيرها في بيئة تموج بالعلم والعلماء.
نسبه:
تضاربت الأقوال والآراء في سلسلة نسب المصنف.
وإذا صح القول بأن بعضها يحتمل أن يكون مختصرًا من البعض الآخر يصبح في الإمكان حصر الخلاف في روايتين:
أولاهما: رواية الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن طولون الصالحي، وهي التي تقول إنه: محمد بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الله بن مالك.
وهذا صورة ما قاله ابن طولون في تعريفه بالشيخ3.
__________
1 ص 6.
2 جـ 1 ص 7، 8.
3 ابن طولون الصالحي: هداية السالك إلى ترجمة ابن مالك ص1.(1/16)
"هو محمد بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الله -ثلاثًا- ابن مالك".
ولم يسبق ابن طولون إلى التثليث في اسم والد ابن مالك "عبد الله"، ولا تابعه في ذلك أحد من العلماء أو المؤرخين.
وقد خشي ابن طولون أن يتوهم قارئ أن تكرار "عبد الله" للمرة الثالثة من قبيل الخطأ أو النسيان، فأبعد ذلك الوهم بقوله: "ثلاثًا" ليعلم أن تكرار "عبد الله مقصود؛ لأنه اسم أبيه، واسم جده، واسم جد أبيه.
الثانية: إن أسمه محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مالك. وهي التي اعتمدتها دائرة المعارف الإسلامية1، وذكرها بروكلمان2، وسار عليها الدماميني3.
كنيته ولقبه:
أجمعت مصادر سيرة ابن مالك على أنه كان يكنى بأبي عبد الله، كما أجمعت على أن لقبه "جمال الدين".
وقد يتصرف في هذا اللقب كقول القسطلاني4 "كان الجمال بن مالك".
وهنا لقب آخر له ذكره ابن طولون، وانفرد به وهو "جلا الأعلى"، فقد قال في حديثه عنه5:
__________
1 المجلد الأول ص 272.
2 جـ 1 ص 298.
3 تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد ص 5.
4 القسطلاني على البخاري 1/ 141.
5 هداية السالك إلى ترجمة ابن مالك ص 1.(1/17)
"الشيخ جمال الدين، أبو عبد الله المشهور بـ "جلا الأعلى".
وهذا اللقب لم يذكره أحد ممن ترجموا ابن مالك -وهم كثير- ومع ذلك يزعم ابن طولون أنه مشهور بهذا اللقب، الذي لم يرد في غير كتابه.
موطن ولادته:
ليس غريبًا أن يختلف المؤرخون في تاريخ مولد المصنف، وإنما الغريب أن يختلفوا في موطن ولادته، وربما كان مرجع هذا الاختلاف إلى ما يلي:
أولًا: هجرة الشيخ وهو صغير، وتركه موطنه الأصلي في سن مبكرة.
ثانيًا: ذلك الغموض التام الذي أسدل ستارًا كثيفًا حول حياته في الأندلس، فأخفاها عن العين. وأدخلها في مجاهل الظن والتخمين.
ثالثًا: اقتران نبوغ الشيخ بدمشق مما غر بعض العلماء، فتوهموا أنه مولد فيها1. وأكثر الذين ترجموا المصنف رأوا أنه ولد في "جيان الحرير"، وهي بلدة من مشاهير بلاد الأندلس، وأكثرهم زرعًا، وأصرمها أبطالًا، وأمنعها منعة2، وضواحيها جميلة3.
ويضبطها ياقوت4 بفتح الجيم، وتشديد الياء مع النون في
__________
1 منهم سركيس في معجم المطبوعات 234.
2 الإصطخري: المسالك والممالك 35.
3 الثعالبي: يتيمة الدهر، البستاني: دائرة المعارف مجلد 6 ص 632.
4 ياقوت: معجم البلدان ص 185.(1/18)
آخرها "جيان"، ويوافقه على هذا صاحب القاموس1، والمقري2.
والراجح أن المصنف ولد في "جيان"، ويؤكد هذا ما كتبه بقلمه، إذ أنه كتب إجازتين علميتين لتلميذه ابن جعوان3 في نهاية كتابه "إكمال الإعلام في تثليث الكلام".
وجاء في نهاية الإجازة الأولى: "وكتبه محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني".
وجاء في نهاية الثانية: "وكتبه الفقير إلى عفو الله، محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني".
وتاريخ الإجازة الأولى يوم الثلاثاء السادس والعشرين من ذي الحجة من سنة أربع وستين وستمائة.
وتاريخ الثانية: يوم الخميس التاسع والعشرين من ربيع الأول من سنة سبع وستين وستمائة.
وإذا كان ابن مالك ولد في "جيان" وعاش في "دمشق"، فالثابت تاريخيًا أنه لم ينتقل من الأولى إلى الثانية دفعة واحدة، وإنما عرج في طريقه على القاهرة فقضى فيها وقتًا، قال المقري يتحدث عنه4:
"وقدم -رحمه الله- القاهرة، ثم رحل إلى دمشق، وبهامات".
وقال الشيخ الملوي في حاشيته على المكودي، شارح الألفية متحدثًا عنه5:
__________
1 الفيروز بادي: القاموس المحيط 4/ 212.
2 المقري: نفح الطيب 7/ 282.
3 الشيخ شمس الدين، أبو عبد الله محمد بن محمد بن عباس بن أبي بكر بن جعوان.
4 المقري: نفخ الطيب 7/ 274.
5 حاشية الملوي على شرح المكودي لألفية بن مالك 1/ 5.(1/19)
"وقد تولى القضاء بالقاهرة، وتشفع بها، ثم رحل إلى الشام".
وليس من شك في قدوم ابن مالك إلى القاهرة، وإنما الشك كل الشك في توليه القضاء بها.
ذلك أن منصب القضاء من المناصب الخطيرة في الدول الإسلامية، والمصنف حين مروره بمصر كان صغير السن، ولم يكن حصل من العلم القدر الذي يؤهله -وهو غريب من الديار- لهذا المننصب الخطير.
هذا إلى أنه كان بمصر في ذلك الوقت من العلماء من يملأ منصب القضاء، إن أصبح الناس يومًا، ورأوا منصب القاضي شاغرًا.
منهم على سبيل المثال لا الحصر: عبد العظيم المنذري، وشهاب الدين القرافي، وابن الحاجب، وابن معط.
يضاف إلى هذا أن صاحب كتاب "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة" تعرض لمن تولوا القضاء في مصر1، ولم يذكر فيهم ابن مالك.
ومهما يك من شيء فإن ابن مالك مر في طريقه إلى الشام على "مصر"، وأقام فيها ما شاء الله أن يقيم، ثم ارتحل إلى الأراضي المقدسة رغبة في الحج، ثم سافر إلى "دمشق"، وحضر فيها دروسًا على بعض علمائها، ثم انتقل إلى "حلب"، فأقام فيها أزمانًا يشتغل بالتدريس، ثم رحل إلى "حماة"، ومنها عاد غلى "دمشق"، فتصدر للتدريس فيها بجانب مهمة القراءة على التربة العادلية، وظل كذلك
__________
1 السيوطي: حسن المحاضرة 2/ 85- 109.(1/20)
صابرًا محتسبًا حتى وافاه الأجل، فذهب وترك الناس من بعده يجهلون كل شيء عنه ويتساءلون:
متى ولد؟ أين ذهبت أسرته؟ متى هجر جيان؟ لم كان ذلك؟ كيف قضى عهد طفولته وصباه؟ متى قدم مصر؟ على من حضر فيها؟ لماذا غادرها، وهي قلب العروبة النابض منذ القدم؟ لماذا خص دمشق بالهجرة؟ لماذا فارقها؟ متى كان ذلك؟ لماذا ترك حلب بعد أن اختارها بديلًا لدمشق؟ كم أقام في حماة؟ ما الداعي لانتقاله إليها؟ ماذا قدر لأمره في تلك البلاد؟ ثم عاد إلى دمشق؟
لقد مضى في رحمة الله، وترك الناس من بعده يجهلون ذلك وغيره، ويقربون ذلك تقريبًا.
ثقافة ابن مالك:
نشأ -رحمه الله- ولوعًا بالعلم، محبًا للثقافة، مقبلًا على مؤلفات القدماء يلتهمها التهامًا، ويهضم ما فيها، متريثًا أمام نصوصها شأنه في ذلك شأن الطالب المعتمد على نفسه الذي يقرأ بفكر واع.
وقد جمع له الله -تعالى- الأسباب التي تؤهله، لأن يكون رجلًا عظيمًا "واحد عصره"1 كما يقولون.
فهيأ له البيئة التي تموج بالعلم. وتدفع إليه دفعًا، ومنحه العقل المفكر، والذهن الألمعي، والحافظة الذاكرة، والرغبة الدافعة،
__________
1 نفح الطيب 7/ 257، مرآة الجنان 4/ 174، دائرة معارف القرن العشرين مجلد 9/ 431.(1/21)
حتى يقال: "إنه حفظ يوم موته عدة أبيات حدها بعضهم بثمانية، لقنها إياه ابنه"1، وهو على فراش الموت.
ثم إن رحلته من المغرب إلى المشرق، وتنقله بين البلدان، ومن مكان إلى مكان، أتاح له الاتصال بكبار العلماء، فأفاد منهم ما استطاع، وما امتد وقته.
وما لم تمتد إليه يد الفناء من آثار ابن مالك ينبئ عن اتصال بنواح كثيرة من العلوم كاللغة والنحو، والصرف، والعروض، والحديث، والقراءات. فتنوعت دراساته حتى كادت تشمل أكثر علوم العربية في عصره.
وامتزاج الثقافات عنده ظاهر جلي، وقد ساعدته درايته باللغة، وإحاطته بالنحو والصرف، وإلمامه بالأدب على حل المشكلات التي تنشأ من الاختلاف في فهم النصوص.
وكان المشرف اليونيني يقرأ الحديث بين يدي شيخه ابن مالك، فإذا مر بهم لفظ يوهم ظاهره مخالفة قوانين العربية. سأله الشيخ: "هل الرواية فيه كذلك"؟
فإن أجاب بأنه منها شرع ابن مالك في توجيه الرواية، لتسير في ظلال القواعد العربية.
ومن ثم وضع كتابه المسمى "شواهد التوضيح، والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح"2.
وقد حفظ التاريخ ما كتبه ابن مالك على الورقة الأولى من
__________
1 نفح الطيب 7/ 279، 283 فوات الوفيات 2/ 237، دائرة معارف البستاني مجلد 1/ 675.
2 القسطلاني على البخاري 1/ 141.(1/22)
الجزء الأخير من نسخة الشرف اليونيتي من صحيح البخاري، وهذا صورته:
"سمعت ما تضمنه هذا المجلد من صحيح البخاري -رضي الله عنه- بقراءة سيدنا الشيخ الإمام العالم، الحافظ المتفنن شرف الدين أبي الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني -رضي الله عنه وعن سلفه- وكان السماع بحضرة جماعة من الفضلاء، ناظرين في نسخ معتمد عليها، فكلما مر بهم لفظ ذو إشكال بينت فيه وجه الصواب، وضبطته على ما اقتضاه علمي بالعربية.
وما افتقر إلى بسط عبارة، وإقامة دلالة أخرت أمره إلى جزء أستوفي فيه الكلام مما يحتاج إليه من نظير وشاهد، ليكون الانتفاع به عامًا، والبيان تامًا -إن شاء الله تعالى- وكتبه محمد بن عبد الله بن مالك -حامدًا الله تعالى".
كما كتب الحافظ اليونيني على ظهر آخر ورقة من المجلد المذكور ما صورته:
"بلغت مقابلة وتصحيحًا، وإسماعًا بين يدي شيخنا شيخ الإسلام، حجة العرب، مالك أزمة الأدب العلامة أبي عبد الله بن مالك، الطائي، الجياني -أمد الله في عمره- في المجلس الحادي والسبعين، وهو يراعي قراءتي، ويلاحظ نطقي، فما اختاره ورجحه وأمر بإصلاحه أصلحته، وصححت عليه.
وما ذكر أنه يجوز فيه إعرابان، أو ثلاثة أعملت ذلك على ما أمر ورجح.(1/23)
وكتبه علي بن محمد الهاشمي اليونيني"1.
وبهذا يثبت ما قاله المؤرخون "كان ابن مالك آية في الحديث"2، فهو سمعه وأرهف السمع ليضبط مشكله، ويخرج ما ظاهره البعد عن قياس العربية ثم صنف فيه، وبذا يكون حصل منه ما لم يحصله كثير من أمثاله.
ومن هنا يعلم السر في كثرة استشهاد الشيخ بما ورد في الحديث الشريف بصورة أفزعت كثيرا من العلماء على رأسهم أبو حيان، الذي أكثر من الاعتراض على المصنف كقوله في "التذييل والتكميل شرح التسهيل"3.
"قد نهج هذا المصنف في تصانيفه كثيرا بالاستدلال بما وقع في إثبات القواعد الكلية في لسان العرب.
وما رأيت أحدًا من المتقدمين، ولا المتأخرين سلك هذه الطريقة غير هذا الرجل".
وكان المصنف -رحمه الله- أكثر ما يستشهد بالقرآن الكريم، وله في استحضار الآيات للاستدلال بها قوة وقدرة، فقد كان إمامًا في القراءات، وعالمًا بها، نظم فيها قصيدته الرائعة التي يعتبرها العلماء في قدر "الشاطبية"4، وإن كانت في نظر صاحبها أعظم وأجل، وأشمل وها هوذا يقول في مقدمتها5:
__________
1 ابن مالك: شواهد التوضيح والتصحيح من 220، 221.
2 دائرة معارف البستاني المجلد الأول ص 674، فوات الوفيات 2/ 227، نفح الطيب 7/ 263 دائرة معارف القرن العشرين 9/ 431.
3 جـ 7 ص 90.
4 نفح الطيب 7/ 269، 260، الوافي بالوفيات للصلاح الصفدي 3/ 359.
5 القصيدة المالكية لابن مالك ص 1.(1/24)
وبعد فذا نظم وجيز قد احتوى ... على ما احتوى حرز الأماني وأزيدا
يريد بـ "حرز الأماني" القصيدة المشهورة بالشاطبية فاسمها "حرز الأماني ووجه التهاني".
وكان الشيخ إذا لم يجد في القرآن شاهدًا عدل إلى الحديث الشريف، يستخرج منه ما صحت روايته معتمدًا في ذلك على خبرته الواسعة، وممارسته كتب الحديث النبوي الموثوق بصحة ما فيها.
فإن لم يتيسر له العثور على ضالته المنشودة عرج على شعر العرب، وكلامهم.
ولعل كثرة اطلاعه على شعر القدماء، وسرعة حفظه لما يقع تحت بصره سهل له نظم الشعر، بل طبعه على قوله حتى عالجه في أصعب مسالكه، وهو نظم العلوم.
فلا شك أن هذا اللون من أشق ألوان النظم؛ لأن أفكاره محددة، وموضوعاته مفروضة، وعلى ناظم العلوم أن يستوفي ما أمامه من أراء وأفكار.
وقد يجمع المصنف في استدلالاته بين القرآن الكريم والحديث الشريف، والموثوق
به من الشعر وكلام العرب.
ولقد كان له في اللغة باع طويل.
قال الصفدي1:
أخبرني أبو الثناء محمود2 قال:
__________
1 الوافي بالوفيات 3/ 359.
2 شهاب الدين محمود بن سليمان الحلبي، ثم الدمشقي، أبو الثناء كاتب السر بدمشق توفي سنة 725 هـ.(1/25)
"جلس ابن مالك يومًا، وذكر ما انفرد به صاحب المحكم1 عن الأزهري2 في اللغة".
وهذا -لا ريب- أمر عظيم؛ لأنه يحتاج إلى معرفة ما في الكتابين معرفة دقيقة، ثم الموازنة بين ما اشتملا عليه.
أما النحو والصرف، فقد كان فيهما بحرًا لا يشق لجه، حتى صار يضرب به المثل في دقائق النحو، وغوامض الصرف3.
وفي هذا المجال عجب الفضلاء من فرط ذكائه، وسيلان ذهنه، وقوة حافظته واستحضاره لكل ما مر به، حتى أصبحوا في حيرة من أمره4، وانبري من بينهم من يقول:
"إن ابن مالك ما خلى للنحو حرمة"5.
وسمع ابن مالك يقول6 عن ابن الحاجب7:
"إنه أخذ علمه عن صاحب المفصل، وصاحب المفصل نحوي صغيره".
__________
1 أبو الحسن علي بن إسماعيل المعروف بابن سيدة، ولد سنة 398 هـ وتوفي سنة 458 هـ.
2 أبو منصور محمد بن أحمد بن أزهر، صاحب كتاب التهذيب ولد سنة 282 هـ وتوفي سنة 370 هـ.
3 المقري: نفح الطيب 7/ 278.
4 السيوطي: بغية الوعاة ص 53.
5 القاتل هو الشيخ ركن الدين بن القوبع، كما في نفح الطيب 7/ 272، وبغية الوعاة ص 55.
6 بغية الوعاة ص 55، نفح الطيب 7/ 272.
7 عثمان بن عمر بن أبي بكر. ولد بإسنا من صعيد مصر سنة 570 هـ، وتوفي في الإسكندرية سنة 646 هـ.(1/26)
وصاحب المفصل هو الزمخشري.
ولا يجرؤ على قول هذا على جار الله، إلا من بلغ القمة.
حياته:
ورد على كراريس من كتاب "تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد" بخط ابن مالك مؤلفه:
"صورة قصة رفعها -الفقير إلى رحمة ربه: محمد بن عبد الله بن مالك، يقبل الأرض، وينهي إلى السلطان -أيد الله جنوده، وأيد سعوده- إنه أعرف أهل زمانه بعلوم القراءات، والنحو، واللغة، وفنون الأدب.
وأمله أن يعينه نفوذ من سيد السلاطين، وسيد الشياطين -خلد الله ملكه، وجعل المشارق والمغراب ملكه- على ما هو بصدده من إفادة المستفيدين، وإرشاد المسترشدين، بصدقة تكفيه هم عياله، وتغنيه عن التسبب في صلاح حاله"1.
وهذه الرسالة تعطي صورة واضحة المعالم لخشونة عيش المؤلف -رحمه الله- وتبين أن حياته كان فيها شيء غير قليل من العسر، الذي كان يستبد به أحيانًا فيطلب المعونة، ومن يدري لعله كانت تعوزه النفقة، ولا يجد من يمد له يد العون فيصبر قانعًا محتسبًا، مفضلًا مرارة العيش على ذلك الوظيفة وخدمة الولاة والسلاطين، مؤثرُا العزلة على الاختلاط بالمجتمع المتنافر من حوله.
لقد كان في استطاعة الشيخ تغيير أسلوب حياته، إن هو أقبل نحو الحكام متعاونًا. ولا ريب أنه أهل لمنصب لا بأس به، وكيف لا وقد كان قاضي القضاة يأتي مجلسه، ويتعلم منه، ويسأله2.
__________
1 السيوطي: حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة 2/ 75.
2 المقري: نفح الطيب 7/ 295.(1/27)
ولكن الاعتداد بالنفس الذي قضى عليه أن يلابس دهره كما شاء في الجملة، لا كما أراد بالتفصيل.
فضحك لجوانب الحياة المظلمة، وهزأ بما يراه غيره نعمة، ورضي من الزمان حلوه ومره، وقنع بالعيش يسره وعسره.
وفي الرضا والقناعة عزاء للنفس، وشفاء للروح.
أخلاقه:
حبا الله -تعالى- المصنف بأخلاق عالية، وطبعه على خلال حميدة، فغدا موضع الرضا والاحترام، والتكريم والتبجيل من كل من عرفه، أو اتصل به، ولم يسمع أن واحدًا من مريديه، أو المخالطين له أنكر عليه شيئًا رآه فيه.
وهو في نظر مؤرخيه كثير العبادة، حسن السمت، كامل العقل1 مهذب ذو رزانة وحياء ووقار2.
لا يرى إلا وهو يصلي، أو يتلو، أو يصنف، أو يقرئ، فله الدين المتين، والتقوى الراسخة3، والعفة4.
ولعل أوضح أخلاق ابن مالك، وأبرزها وأخلدها على الزمان:
الترفع والإباء، والاعتداد بالنفس.
والاعتداد بالنفس صفة محمودة تصفي على صاحبها كمال
__________
1 فوات الوفيات 2/ 227، نفح الطيب 7/ 63، مرآة الجنان 4/ 173، دائرة معارف البستاني المجلد الأول ص 674، دائرة معارف القرن العشرين المجلد 9 ص 431، بغية الوعاة ص 53.
2 نفح الطيب 7/ 278.
3 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 28.
4 حاشية الخضري على ابن عقيل ص 6.(1/28)
الرجولة إذا لم يؤيدها المكابرة، والتشبث والعناد، وهو ما برئ منه الشيخ.
ومن الصفات الجميلة التي طبع عليها: الرجوع إلى الحق، وهي من صفات العلماء الأجلاء.
روى صاحب "نفح الطيب" قال:1
لما سئل ابن مالك عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بالله من الحور بعد الكور" 2، هل هو بالراء أم بالنون؟
أنكر النون.
فقيل له: "إن في الغريبين للهروي "رواية بالنون"، فرجع عن قوله الأول. وكان -رحمه الله- لا يكتب شيئًا من محفوظه حتى يراجعه في محله3.
كما كان حريصًا على وقته، منظمًا له، لا ينفقه إلا فيما رهن نفسه به من اطلاع، أو تأليف، أو قراءة أو تعليم.
وهناك موقف صغير يحكي عنه يدل على مدى اهتمامه بوقته، واعتزازه به،
ذلك أنه خرج يومًا مع أصحابه للفرجة بدمشق، فلما بلغوا الموضع الذي أرادوه غفلوا عنه سويعة ثم طلبوه فلم يجدوه، وبعد البحث عنه وجدوه مكبًا على أوراق4.
واشتهر ابن مالك -رحمه الله- على ضيق ذات يده بالسماحة
__________
1 نفح الطيب 7/ 293-295.
2 أي: من النقصان بعد الزيادة، أو من فساد أمورنا بعد صلاحها.
3 نفح الطيب 7/ 282.
4 نفس المرجع والصفحة.(1/29)
والكرم، حتى غدت هذه الصفة من السمات المميزة له، وسمع من المؤرخين من يردد"1.
"انفرد ابن مالك عن المغاربة بشيئين: الكرم، ومذهب الإمام الشافعي".
وفاته:
إن كان بعض المؤرخين ممن تحدثوا عن المصنف أغفل عام ولادته، فإن واحدًا منهم لم يغفل يوم وفاته:
ولكن المؤرخين ساروا في ثلاثة طرق:
الطريق الأول: وفيه سار الجمهور، وهو أنه توفي في يوم الأربعاء الثاني عشر من شعبان سنة 672 هـ.
الطريق الثاني: وسار فيه العلامة الشمني2، وهو أنه توفي في يوم الأربعاء الثاني عشر من شعبان سنة 671 هـ.
الطريق الثالث: وسار فيه العلامة العيني3، وهو أنه توفي في ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان سنة 672 هـ.
ويؤيد رأي الجمهور ما كتبه تلميذه بقلمه في صدر كتابه "إكمال الأعلام في تثليث الكلام"، وهذه صورته:
"صنفه الشيخ، الإمام، العالم، الكامل، المحقق، فريد الدهر، وحيد العصر: جمال الدين أبو عبد الله بن مالك الطائي، الجياني، قدس الله روحه رواية مالكه، محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل، الحنبلي، إجازة عنه.
__________
1 فوات الوفيات 2/ 227، الوافي بالوفيات 3/ 359.
2 حاشية الشمني على المغني 1/ 106.
3 عقد الجمان جـ20 القسم الثالث.(1/30)
توفي مصنفه يوم الأربعاء ثاني عشر من شعبان سنة اثنتين وسبعين وستمائة".
ويوافق هذا التاريخ اليوم الحادي والعشرين من فبراير عام أربعة وسبعين، ومائتين وألف من ميلاد السيد المسيح عليه السلام1.
ودفن بسفح جبل قاسيون، وقبره بالروضة شرقي قبر الشيخ موفق الدين ابن قدامة، وعند رأسه حجر من صوان أحمر2.
عصر المؤلف:
ولد المصنف في الأندلس، وقضى زهرة شبابه وخريف حياته في الشام، ولكل من المواطنين أثر فيه، لذا كان لزامًا على من يتعرض لحياة الشيخ من قريب أو بعيد أن يعرض للحياة في الأندلس، وللحياة في الشام من النواحي السياسية والعلمية، والاجتماعية.
فالإنسان لا يمكن أن ينفصل عما يدور حوله في بلد يحيا فيه.
ولقد قضى المصنف الشطر الأول من حياته في الأندلس، حيث اشتدت فيها المعارك بين المسلمين والفرنجة، وتساقطت البلاد في تلك الحقبة في يد الأعداء تابعًا.
ولم تكن الفترة التي عاشها في الشام بأطيب من هذه الحال، فقد اضطربت المور هناك، وكان ما كان من هجوم الصليبيين، والتتار، فشاهد بعينيه آثار أفعال هؤلاء القوم، كما عاصر الدولة العباسية، وهي تجود بأنفاسها الأخيرة ثم تسقط، ورأى دولًا تسقط لتقوم على أنقاضها دول أخرى.
__________
1 دائرة المعارف الإسلامية 1/ 272.
2 هداية السالك إلى ترجمة ابن مالك لابن طولون الصالحي ص 7.(1/31)
وهكذا أراد الله -تعالى- أن يمتلئ عصر ابن مالك بالأحداث الهامة في الخارج والخطيرة في الداخل، حيث اتسمت أساليب الحكم في البلاد، التي عاش فيها بشيء غير قليل من العوج، والتلذذ بمناظر الدم.
وعلى العكس من ذلك عاصر الشيخ -رحمه الله- نهضة علمية عارمة، في الأندلس حين أشرقت شمس اللغة العربية فأضاءت ما حولها، وبددت ظلمات الجهل عما يجاورها من البلاد الأوربية.
وفي المشرق الإسلامي حين أصبحت أرض الكنانة، وما يتبعها من أقاليم ملجأ للعلماء الفارين من المشرق، ومأوى للعلماء الراحلين من المغرب، وكانت فرصة سانحة لتكاتف العلماء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من التراث الثقافي الإسلامي، الذي كاد يجني عليه الجهل، والظلم، والتوحش.
وكان لإقبال الحكام، وأولي الأمر على العلم، وتقريبهم أساتذته، وتشجيعهم طلابه، وتيسيرهم سبل الحياة للراغبين فيه، ومعاونتهم بإقامة المكتبات، وتسابقهم في تشييد المدارس في مختلف أرجاء البلاد أثره الذي لا ينكر في ازدهار العلوم والفنون.
على أن الحركة العلمية في المشرق والمغرب كانت متقاربة، وتسير في اتجاه واحد، وساعد على هذا اتحاد المنبع الذي كان يروي غلة علماء العربية في كل مكان.
وهجرة العلماء من مكان إلى آخر، حيث كان الوطن الإسلامي كله كوادي النمل لا يخلو من جماعات تذهب، وجماعات تجيء.
وربما كان من أهم أسباب قرب الحركة العلمية في المغرب،(1/32)
من الحركة العلمية في المشرق أن العلماء المغرابة بدأوا حياتهم العلمية باقتفاء أثر العلماء المشارقة، وتتبعهم والسير في منهجهم، والنسج على منوالهم، ومن لم تمكنه ظروفه المعيشية من الرحلة إلى المشرق، لم يعدم أستاذًا عاش فيه، ليتأثر به.
هذا وقد كان المجتمع الذي ضم الشيخ بين أحضانه مجتمعًا مضربًا، اختلطت فيه الدماء والأجناس بالأحداث. فتميز أهله بالميل الشديد إلى الثورة، والانطباع على القسوة والغلظة، وحب القتل، والتلذذ بمناظر الدماء.
واختلف الناس في كل شيء: في الأخلاق، هي العادات، في التقاليد، في الأديان، كما اختلفوا في فهم الحياة، وألوان المعيشة، فانقسم المجتمع طبقات يعلو بعضها رقاب بعض.
وشاع الانحلال الخلقي، وتفشت الفاحشة في كل مكان، فظهر التعصب للدين، وللمذهب، وللجنس.
وكان كل هذا، بل بعضه داعيًا للشيخ، ولأمثاله من العلماء المخلصين إلى أن يعتزلوا المجتمع، ويبتعدوا عنه، منقطعين للعلم والعبادة، مؤثرين التمسك بأهداب الدين على الاختلاط المشبوه.
لذا لم يحفظ التاريخ بين سطوره أن ابن مالك شغل وظيفة هامة، أو تولى منصبًا ذا قيمة، بل قنع بأن يكون طول حياته قارئًا متواضعًا على التربة العادلية، وهمه في حياته: "الدين والعبادة، وكثرة النوافل"1.
__________
1 نفح الطيب 7/ 363، بغية الوعاة ص 53.(1/33)
نظرة في مؤلفات ابن مالك:
عزف الشيخ -رحمه الله- عن مجتمعه، وشغل نفسه بالعلم.
فعشقه، وأكب على الدراسة فشغف بها، ومال إلى ما خلفه الأقدمون فالتهمه التهامًا. وساعده على ذلك ذكاء نادر، وقريحة وقادة، ونفس صافية، وطبيعة ناقدة حافظة. ومهد كل ذلك له معرفة كثير مما أغفله المتقدمون أو فاتهم. فتتبعهم بالتنبيه على مواضع السهو، ومواطن الزلل.
وقضى عمره -الذي نسأ الله له فيه- متنقلًا بين البلاد المختلفة حتى ألقى عصاه في دمشق. وفي كل مكان ينزله يسعى إليه طلاب العلم، وعشاق المعرفة يشاركونه فيما رهن نفسه به من مسائل في النحو، والصرف، واللغة، والحديث والقراءات. فكان يقرأ، ويدرس، ويبحث ويدون، ويصنف، ثم يملي على مريديه.
وكانت مهمته في التأليف والتصنيف مهمة صعبة، وشاقة، ذلك أن الذين كانوا يحضرون دروسه متفاوتون في المستويات العقلية، والعلمية، والاستعدادات الشخصية، وكان عليه أن يلبي رغبات الجميع ليشبع نهمهم.
من هنا اتسمت مؤلفات ابن مالك بسمات قل تحققها في مؤلفات عالم آخر ممن سبقه، أو أتى بعده منها:
التفاوت بين الطول، والقصر، والإطناب والإيجاز، والسهولة ووعورة المسلك.
والاقتصار -أحيانًا على موضوع واحد، كالمقصور والممدود، والمثلث من الكلام والفرق بين الظاء والضاد، وما يهمز وما لا يهمز، والفرائد في اللغة.(1/34)
وهو إذا تحدث في موضوع ما تحدث فيه حديثًا شاملًا، واستقصاه استقصاء كاملًا في تنسيق بديع.
وربما دفعه اشتغاله بالتدريس، واحتكاكه الدائم بطلاب المعرفة إلى أن يؤلف الكتاب، ثم بعد مضي وقت يكر عليه بالتجويد، يزيد وينقص، وينقح أو يلخص.
كذلك أدى إطلاعه الدائم على عيون الشعر، وروائع النثر، ومتن اللغة إلى تغاير بعض آرائه من كتاب لآخر. فقد يعرض له من الشواهد ما يقنعه بالعدول عن رأي إلى غيره.
وكان الرجوع إلى الحق من أبرز صفاته -يرحمه الله.(1/35)
"تعريف" بـ "الكافية الشافية":
نظم العلوم:
شغل الناس في القرنين السادس والسابع من الهجرة النبوية بأحداث خطيرة في الداخل والخارج.
فقد رأوا دولًا تسقط، وتنهض في إثرها دول أخرى، وملكًا يزول من قوم ليحل في أناس آخرين، ووطنًا يفترق بنوه ثم يتحدون، وعقائد تسيطر حينًا من الدهر، ثم ينهار سلطانها أمام عقائد تأخذ مكانها.
والحكام عرضة لكيد أمراء الدول، وبطش رؤساء الجند، وانتقام نساء القصر كما كان الأمراء عرضة لنقمة هؤلاء، إن هم أنسوا في نفوسهم القدرة على ذلك مع ضمان شيء من الأمن والطمأنينية على حياتهم، حتى أصبحت حياة الجميع مكرًا في مكر.
لذلك انصرف من أراد السلامة من المواطنين إلى تدبير معاشهم بعد انهيار الحالة الاقتصادية، كما تكاتفوا في مواجهة الأعداء المحدقين بالبلاد من كل صوب.
وكان لذلك تأثيره في همة الناس ففترت عن الإقبال على مجالس العلم كما ينبغي أن يكون، ومن أقبل على طلب العلم لم يكن لديه متسع من الوقت لينظر في المطولات؛ لأنها تحتاج إلى وقت طويل ليخرج منها الباحث بشيء ذي غناء.(1/36)
هذا إلى أن كثيرًا من المكتبات العربية أصابها ما أصابها من جراء الحروب المتوالية من خسائر فادحة، مما كان يخشى معه القضاء على الكنوز العربية الثمينة.
وهنا تنبه العلماء فشمروا عن ساعد الجد، وهبوا يحفظون ما يمكن حفظه من التراث العربي، وييسرون المهملة أمام المعلم والمتعلم.
وقد سلك العلماء في سبيل تذليل هذا أمورًا منها نظم الضوابط المختلفة لبعض العلوم.
وكان لابن مالك في هذا المجال القدح المعلى، إذ أمد القائمين بالتدريس في جميع مراحل التعليم بالمادة العلمية الموجزة، ويسر السبيل أمام المتعلمين بنظم القواعد النحوية، وغير النحوية بين أيديهم في عبارة تخف معها المئونة، وتحف بها المعونة ويكون الغناء بها مضمونًا، والعناء مأمونًا، وتضمن وصول المعلومات إلى أذهان المتعلمين في يسر، وسهولة وبحيث لا يحتاج القارئ إلى من يعاونه على الفهم.
وسبق المصنف إلى نظم العلوم كثير من العلماء، ولعل أقربهم منه زمانًا هو ابن معط1 صاحب الألفية الموسومة بـ "الدرة الألفية في علم العربية"، والذي اقتفى ابن مالك أثره، وأشاد به حين قال يتحدث عنه في مقدمة "الخلاصة الألفية"2.
__________
1 يحيى بن معط بن عبد النور، أبو الحسين زين الدين الزاوي المغربي الحنفي النحوي، كان إمامًا مبرزًا في العربية، شاعرًا محسنًا، أقرأ النحو بدمشق ثم بمصر ولد سنة 564 هـ، ومات سنة 628 هـ.
2 ألفية ابن مالك ص 9.(1/37)
وهو بسبق حائز تفضيلًا ... مستوجب ثنائي الجميلا
ومن أهم الأراجيز النحوية، التي بدأ بها ابن مالك حياته في مجال النظم، والتي تعد مثالًا طيبًا للجهد الموفق الذي كان يقوم به العلماء في وقت ظهرت فيه الحاجة إلى حفظ تراث العربية، وقد كاد يسلم الروح على أيدي التتار والصليبيين.
"الكافية الشافية"
تعريف بالأرجوزة:
الكافية الشافية نظم موجز يحتوي على سبعة وخمسين، وسبعمائة وألفين من الأبيات، وقد نص الناظم على ذلك صراحة في نهاية فصل "الآلة" -وهو آخر فصول الأرجوزة حيث قال1.
وقد جعلت نظم هذا الباب ... مكملًا أبواب ذا الكتاب
فالحمد لله على تكميله ... ميسرًا ما ريم في تحصيله
أبياته ألفان مع سبعمائة ... وزيد خمسون ونيف أكمله
وقد جاءت مقدمة الأرجوزة في سبعة عشر بيتًا والختام في خمسة، والباقي اختص بالمادة العلمية.
وقسم النظم إلى ستة وستين بابًا، واثنين وستين فصلًا.
وقد ضمن الناظم مقدمته الداعي إلى هذا النظم، وقد حصره في شيء واحد هو قصد إفادة المتعلمين بما اجتهد هو في تحصيله من علم يخشى أن يمضي دون أن يفيد به أحد:
__________
1 الكافية الشافية ص 147.(1/38)
قال ابن مالك محمد وقد ... نوى إفادة بما فيه اجتهد
ثم حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي وآله وأصحابه، وبين فضل علم النحو ومكانه بين العلوم، إذ فيه صلاح الألسنة، والشخص الذي لا يتقنه لن يجد المكان المرموق في المجتمع:
وبعد: فالنحو صلاح الألسنة ... والنفس إن تعدم سناه في سنة
به انكشاف حجب المعاني ... وجلوة المفهوم ذا إذعان
وتحدث بعد ذلك عن فضله واستحقاقه كل ثناء، فقد جمع في هذا النظم خلاصة كتب النحو:
ومن يعن طالبه بسبب ... فهو حر بنيل كل أرب
وقد جمعت فيه كتبًا جمة ... مفيدة يعني بها ذو الهمة
ثم قرظ هذا النظم، وبين لماذا اختار له اسم "الكافية الشافية".
ومن خلال تقريظه يلوح لنا المنهج الذي اتبعه في هذا النظم، وسار عليه، فقد جمع فيه معظم مسائل النحو والصرف، وبسطها، ورتب الأبواب، وضبطها، وجلا الغامض، ويسر العسير، وضم المشتت، وقرب البعيد، حتى ظهرت في صورة كافية عن كل كتاب، شافية للأساتذة والطلاب:
وهذه أرجوزة مستوفيه ... عن أكثر المصنفات مغنية
تكون للمبتدئين تبصرة ... وتظفر الذي انتهى بالتذكرة
فليكن الناظر فيها واثقًا ... بكونه إذا يجاري سابقًا
فمعظم الفن بها مضبوط ... والقول في أبوابها مبسوط
وكم بها من شاسع تقربا ... ومن عويص انجلى مهذبا
فمن دعاها قاصدًا بالكافية ... مصدق، ولو يزيد الشافية(1/39)
بين الكافية الشافية، والدرة الألفية:
قرأ ابن مالك ألفية ابن معط فراقت في عينه، وأعجب بها، ولعله لم يشاهد فيها كل ما كان يحب أن يراه، فعارضها بأرجوزته "الكافية الشافية" لتكون أعم منها وأشمل، محتوية على ما فات ابن معط من أحكام النحو وأسراره، منظمة الأبواب، سهلة الاستيعاب، يحتاج إليها الأساتذة والطلاب.
ومن هنا يبدو جليًا لقارئ كافية ابن مالك الشافية، ودرة ابن معط الألفية تقارب المنهج الذي سلكه العالمان الجليلان، كما يظهر له تأثر ابن مالك في أرجوزته بابن معط في ألفيته، ويتجلى هذا التأثر والتأثير في أمور منها:
وجود أبيات بكامل هيئتها، وفي نفس موضعها في المنظومتين فابن معط يقول في باب البدل1.
وأبدلوا الفعل من الفعل إذا ... كان بمعناه وذاك مثل ذا
إن على الله أن تبايعا ... تؤخذ كرهًا أو تجيء طائعًا
وابن مالك في باب البدل يقول2:
والفعل قد يبدل من فعل كما ... قد قال بعض الراجزين القدما
وإن على الله أن تبايعا ... تؤخذ كرهًا أو تجيء طائعًا
ب- الاستشهاد بآيات القرآن الكريم في النظم
قال ابن مالك في الكافية الشافية في "باب ما ولا وإن المشبهات. بليس"3.
__________
1 ألفية ابن معط ص 27.
2 الكافية الشافية ص 70.
3 الكافية الشافية ص 19.(1/40)
وملحق بـ "ما" "إن" النافي لدى ... محمد: الكسائي أنشدا
"إن هو مستوليًا أعلم، وأبو ... بشر بإيماء إلى ذا يذهب
وبـ "إن الذين" مع "عبادًا ... أمثالكم تلفى لذا اعتضادا
وهذا مسلك سبقه إليه ابن معط فقال في باب "إن" وأخواتها:
تقول ليت بيننا محمدًا ... كقوله إن علينا للهدى
ومثل هذا قوله في باب التنازع:
كمثل زارني وزرت عمرًا ... ومنه آتوني أفرغ عليه قطرًا
جـ- الاعتماد في تقرير القواعد على القراءات المختلفة للقرآن الكريم.
قال ابن معط يستشهد على رأي الحجازيين في إعمال "ما" عمل "ليس":
يشهد للحجازيين في لغاتهم ... مقالة ما هن أمهاتهم
وقال ابن مالك يستشهد على الفصل بين جزأي الإضافة:
وعمدتي قراءة ابن عامر ... وكم لها من عاضد وناصر
د- إسناد المذاهب لأصحابها من النحاة والحكم لها، أو عليها قال ابن مالك في باب الابتداء:
وخبرا بمبتدا أو بابتدا ... أو بهما ارفع، والمقدم اعضدا
وقال أهل الكوفة الجزآن قد ... ترافعها، وذا ضعيف المستند
وهذه طريقة لابن معط، ومما نظمه:
واشتق كوفيون أيضًا مصردًا ... من فعله نحو نظرت نظرًا(1/41)
واشتق منها الفعل أهل البصرة ... وذا الذي به تليق النصرة
إذ كل فرع فيه ما في الأصل ... وليس في المصدر ما في الفعل
هـ- التمثيل للأحكام المختلفة:
قال ابن مالك:
قول مفيد طلبًا أو خبرًا ... هو الكلام كـ استمع وسترى
ومن قبله ابن معط:
اللفظ إن يفد هو الكلام ... نحو مضى القوم وهم كرام
و مراعاة السهولة والوضوح. وهو أمر حرص عليه المؤلفان -رحمهما الله- حتى إن أكثر أبيات "الكافية الشافية" لابن مالك و "الدرة الألفية" لابن معط لا تحتاج إلى أدنى شرح.
ومن هنا يظهر بجلاء أن ابن مالك في "الكافية الشافية" مقلد ومتابع، وإن كان في أرجوزته ما تتميز به عما نظمه ابن معط، فلا يعدو إلا أن يكون في كثرة المعلومات التي تضمنتها، وفي عدد الأبيات التي اشتملت عليها، وفي محاولات واضحة للترتيب والتبويب، والتنظيم والتنسيق.
لذلك فاقت ألفية ابن مالك ألفية ابن معط بحق وجدارة حين جمع فيها خلاصة ما أورده في الكافية الشافية.
لكن يبقى -على الدوام- لألفية ابن معط مميزاتها التي لا يمكن إنكارها، والتي تتمثل في سلاسة الأسلوب، وسهولة التعبير، والرفق في التناول، وإشراق المعنى، وروعة الأداء.(1/42)
هذا كتاب شرح الكافية الكبرى:
لابن مالك طريقته الخاصة في التأليف، وهي طريقة تقوم على البداية بوضع المقدمات الموجزة، ثم بسطها بشروح سهلة ميسرة.
لذا فإنه بعد أن نظم أرجوزته التي سماها "الكافية الشافية" أتبعها بشرح "تخف معه المئونة، وتحف به المعونة".
تمامًا كما فعل مع "تسهيل" الفوائد، وتكميل المقاصد" و "عمدة الحافظ وعدة اللافظ" و "الاعتضاد، في الفرق بين الظاء والضاد" و "تحفة المودود، في المقصود والممدود"، وغيرها من المؤلفات والمنظومات.
ويظهر أن الراجز لم يبدأ بشرح الأرجوزة دفعة واحدة، وإنما بدأ بشرح القسم الذي يشتمل على الصرف -ومنه نسخة في دار الكتب المصرية باسم "شرح ابن مالك على تصريفه المأخوذ من كافيته"1.
وقال في مقدمة هذا الشرح:
"أما بعد حمد الله -تعالى- حق حمده، والصلاة والسلام على
__________
1 منه نسخة في دار الكتب، والوثائق المصرية رقم 2 صرف.(1/43)
محمد رسوله وعبده. وعلى آله وصحبه الموفين بعهده، فإني استحرب الله في تبيين ما تضمنه تصريف الأرجوزة الموسوعة بالكافية الشافية.
والله بالإعانة كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل"1.
وبالموازنة بين ما تضمنه هذا الكتاب، وبين ما جاء في شرح الكافية الشافية يتضح توافق ما جاء في الكتابين من غير زيادة أو نقصان، أو تغيير في العبارة، فالأبيات هي الأبيات، والشرح صورة من الشرح.
وهذا يرجع أن ابن مالك شرح "الكافية الشافية" على مراحل، وفي فترات متقاربة أو متباعدة.
فشرح القسم الخاص بالصرف شرحًا مستقلًا، ولعله فعل مثل ذلك مع القسم الخاص بالنحو، ثم جمع الكل بين دفتي كتاب واحد.
ومن غير المقبول متابعة الدكتور/ عبد الرحمن السيد في قوله: "إن هذا الكتاب من عمل أحد النساخ، الذي رأى أن ينقل صورة منفصلة للجزء الخاص بالصرف"2. وذلك لما يلي:
1- إن دعوى الدكتور/ عبد الرحمن السيد دعوى ليس لها بينة.
2- تقديم هذا الكتاب بمقدمة على لسان المؤلف يؤكد قيامه بهذا العمل.
3- قدم عهد النسخة التي حفظها الزمان من "شرح ابن مالك على تصريفه المأخوذ من كافيته"، وقربها من زمن حياة الناظم فقد جاء في نهايتها3:
__________
1 المرجع السابق ص 1.
2 الدكتور عبد الرحمن السيد: نحو ابن مالك بين البصرة والكوفة ص 327.
3 ص 30.(1/44)
"فرغ من نسخه عبد الصمد بن إبراهيم بن خليل في يوم الثلاثاء سادس عشر المحرم من سنة ثمان وسبعمائة".
وعلى هذا تكون هذه النسخة قد كتبت، ولما يمض على رحيل الشارح بضع وثلاثون سنة. وإذا كان ذلك كذلك رجح أن يكون الأصل الذي استنسخ منه كتب في عهد المصنف -رحمه الله.
4- اختلاف منهج المصنف في الشرح بين قسم النحو، وقسم الصرف كما سنوضحه فيما بعد.
ولما اكتمل "شرح الكافية الشافية"، وجمعه المؤلف في كتاب واحد كان الأمر داعيًا إلى التقديم بمقدمة أخرى غير تلك المقدمات، التي اشتملت عليها الأقسام المشروحة شرحًا مستقلًّا.
وابن مالك في مقدمته الجديدة للكتاب بين الهدف من هذا الشرح. وهو تسهيل وصور المعلومات، التي تضمنتها أرجوزته "الكافية الشافية" إلى أذهان المتعلمين بحيث لا يحتاج قارئها إلى معونة في الفهم، ولا يشعر بمئونة في التعلم فيكون الغناء به مأمونًا، والزلل مأمونًا.
وإذا كان ذلك كذلك بطلت دعوى من زعم أن "ابن مالك كان يسهو فيترك شرح بعض الأبيات"1.
متى أُلِّفَ هذا الكتاب:
جاء في تاريخ ابن الوردي:
"أخبرنا شيخنا قاضي القضاة، شرف الدين هبة الله بن البارزي قال:
__________
1 الدكتور يحيى الأسيوطي في كتابه ابن مالك، وأثره في اللغة العربية ص46.(1/45)
نظم شيخنا جمال الدين بن مالك الخلاصة الألفية بحماة".
وإذا كانت "الألفية" خلاصة لـ"الكافية الشافية" كما قال ناظمها1:
أحصي من الكافية الخلاصة ... ..........................
فـ"الكافية الشافية" أسبق من "الألفية" ضرورة وجود الأصل قبل الفرع.
والراجع أن ابن مالك -رحمه الله- شرح "الكافية الشافية" قبل أن ينظم الألفية.
ذلك أن "الألفية" في حجم ثلث "الكافية الشافية" -تقريبًا- وهي في الوقت نفسه مشتملة على أكثر ما في "الكافية الشافية" من معلومات باعتراف ناظمها الذي يقول في نهاية الألفية2.
وما بنظمه عنيت قد كمل ... نظمًا على جل المهمات اشتمل
فإذا فرض جدلًا أن "الكافية الشافية" و "الألفية" منظومتان أمام المصنف، وأراد أن يشرح إحداهما فأيتهما أولى بالعناية، والشرح؟
آلنظم الموجز المركز المشتمل على جل المهمات، المحتاج إلى بسط عبارة، وتكميل باقي المباحث؟
أم النظم المبسوط سهل العبارة والصياغة، المشتمل على كل المهمات؟
إن الإجابة عن هذا السؤال واضحة، ولا تعدو أن تكون الإجابة: إن المصنف شرح "الكافية الشافية" قبل نظمه "الألفية".
__________
1، 2 ألفية ابن مالك ص19.(1/46)
ولما كانت "الألفية" خلاصة لـ"الكافية الشافية" كانت "الكافية الشافية" أشمل وأكمل من "الألفية"، وكان ما ورد في شرحها هو شرح لما جاء في "الألفية" وزيادة.
من هنا رأينا المصنف -رحمه الله- يكتفي بشرح "الكافية الشافية" عن شرح "الألفية" مخالفًا بذلك طريقته المعهودة من تأليف المقدمات الموجزة، ثم شرحها.
ومن هنا -أيضًا- اكتسب "شرح الكافية الشافية" أهميته باعتباره شرحًا وافيًا للألفية بقلم ناظمها، فاعتمد عليه كل من تصدى لشرح "الألفية".
ولكن متى صنف هذا الكتاب؟
إذا كانت "الألفية" نظمت بحماة -كما جاء في تاريخ ابن الوردي- وكانت الكافية، وشرحها سابقين على نظم الألفية- كما رجحنا- ثبت أن ابن مالك صنف "شرح الكافية الشافية" قبل أن يرحل من "حماة" ليستقر في "دمشق".
ولم يحفظ التاريخ زمنًا محددًا لانتقال الشيخ -رحمه الله- بين مدن الشام قبل أن يلقي عصا التسيار في "دمشق".
كما لم يحفظ يوم دخوله "دمشق"، وإنما يستطيع الباحث أن يقرب ذلك تقريبًا.
ذلك أن المصنف اتصل أثناء وجوده في "دمشق" بحاكمها الناصر يوسف. الذي تولى حكم "دمشق"عام 648 هـ -تقريبًا- وكان مولعًا باللغة، وانعكس أثره على ابن مالك حيث اتجه إلى البحث(1/47)
والتصنيف في اللغة متقربًا بذلك إلى الملك الناصر، كما قال في مقدمة كتابه "الإعلام بمثلث الكلام"1.
لما رأيت أنه ذو أرب ... إلى اتساع في كلام العرب
رأيت أن أجعل بعض قربي ... له كتابًا فيه ذا احتساب
وإذا ثبت -من هذا- أن كتاب "الإعلام بمثلث الكلام" صنفه بعد اتصاله بحاكم "دمشق"، ثبت أن كتاب "إكمال الإعلام في تثليث الكلام" صنف بعد ذلك -ضرورة حدوث الفرع بعد الأصل.
كذلك فإن إهداء المصنف كتابه "الاعتضاد في الفرق بين الظاء والضاد" إلى ذلك الملك يثبت أنه وشرحه كانا في "دمشق" بعد اتصال المصنف بالملك الناصر.
والراجح أن يكون المصنف -رحمه الله- بدأ حياته نحويًا يدرس النحو، ويؤلف فيه، ويقوم بتدريس مؤلفاته، وقضى على هذه الحال الشطر الأول من حياته ذلك الشطر، الذي قضاه متنقلًا بين الأقاليم الشامية، قبل استقراره الدائم في دمشق واتصاله بحاكمها الملك الناصر.
فلما اتصل بهذا الحاكم المحب للغة المعتنى بحقائقها، المقرب للمشتغلين فيها، بدأ الشطر العلمي الثاني من حياة الشيخ ذلك الشطر الذي قضاه متنقلًا بين كتب اللغة، دارسًا لها، مشتغلًا بها، مؤلفًا فيها، معلمًا لعشاقها.
يشهد لذلك -بجانب تلك المنظومات، والشروح التي أهداها للملك الناصر- الإجازتان اللتان كتبهما المؤلف بخطه لتلميذه ابن جعوان في نهاية نسخته من كتاب "إكمال الإعلام في تثليث الكلام".
__________
1 الإعلام بمثلث الكلام ص 2.(1/48)
وقد كتبت الأولى في يوم الثلاثاء السادس والعشرين من ذي الحجة من سنة أربع وستين وستمائة.
وكانت الثانية في يوم الخميس التاسع والعشرين من ربيع الأول سنة سبع وستين وستمائة.
وفي الإجازتين يقرر ابن مالك أن تلميذه ابن جعوان قرأ عليه. "هذا الكتاب من أوله إلى آخره قراءة تامة التصحيح، عامة الاستيضاح والتوضيح، شاهدة لمتحريها بانقياد الفهم، وإبعاد الوهم"1.
فإذا ثبت أن ابن جعوان -وهو واحد من تلاميذ الشيخ- قرأ على أستاذه ذلك الكتاب الضخم مرتين متتاليتين في الزمان المبين، وثبت أن المصنف استوفى أجله عام اثنتين وسبعين وستمائة، ثبت أن الشيخ اشتغل باللغة في أخريات أيامه بين مدرس ومصنف.
يؤيد ذلك ما قاله أبو الثناء، محمود كاتب السر في "دمشق":
"جلس ابن مالك يومًا، وذكر ما انفرد به صاحب المحكم عن الأزهري في اللغة"2.
ولم يسمع واحد من غير أهل "دمشق" يقول عن المصنف مثل ذلك. من كل ما سبق يتضح ما يلي:
أن المصنف نظم "الكافية الشافية"، وشرحها قبل أن يدخل "دمشق".
أن يوم دخول المصنف "دمشق" ليستقر فيها غير معلوم، لكن
__________
1 إكمال الإعلام في تثليث الكلام مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 728 لغة.
2 الوافي بالوفيات 3/ 359.(1/49)
المؤكد هو أن وجود المصنف في دمشق، وانصرافه إلى البحوب اللغوية اقترن بوجود الملك الناصر، الذي تولى حكم دمشق عام 648 هـ. أي أن "شرح الكافية" كان قبل ذلك التاريخ.
أن المؤلف شرح الكافية الشافية بعد فراغه من تصنيف "تسيهل الفوائد"، وتكميل المقاصد"، وانتهائه من شرحه. بدليل إحالته المستزيد لبعض الموضوعات في شرح الكافية إلى ما ورد في شرح التسهيل كقوله في باب المعرفة بالأداة1.
"وقول الخليل هو المختار عندي، وبسط الاحتجاج لذلك مستوفى في "شرح تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد"، فلينظر هناك".
وقوله في باب الابتداء -بعد ذكر بعض أقوال العلماء في رافع الخبر2.
"والأول قول سيبويه -وهو الصحيح- والاستدلال على صحته، وضعف ما سواه يفتقر إلى بسط. وهو أليق بكتابي الكبير فمن أحب الوقوف عليه فليسارع إليه، وقد ذكر مستوفيًا".
فإحالة ابن مالك بعض المواضع في "شرح الكافية الشافية" إلى ما في "شرح تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد".
وتعبيره عنه بـ"شرح كتابي الكبير".
وترغيبه القارئ في الإطلاع عليه بقوله: "فمن أحب الوقوف عليه، فليسارع إليه، وقد ذكر مستوفيًا".
كل هذا يدل على أن "شرح تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد"
سابق لشرح الكافية الشافية.
__________
1 شرح الكافية الشافية الورقة 10 أ.
2 شرح الكافية الشافية الورقة 10 ب.(1/50)
وإذا كان "شرح الكافية الشافية" قد ورد كاملًا، فالراجح أن يكون "شرح تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" كان كاملًا.
ويشهد لذلك وصف المصنف له بالكبر، ولما جاء فيه بالاستيفاء.
وإذا كان كتاب "تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" -كما يقول أبو حيان1:
"أبدع كتاب في فنه ألف، وأجمع موضوع في الأحكام النحوية صنف".
وكان كتاب "شرح تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد" -كما يقول صاحب كشف الظنون2.
"كتاب جامع لمسائل النحو بحيث لا يفوته مسألة من مسائله وقواعده".
دل ذلك على عظمة مؤلفهما وقوة اقتداره، وسعة اطلاعه، ونضوج ملكته، ولن يتم ذلك لإنسان مهما كان قبل أن يناهز الخامسة والعشرين من عمره.
فإذا كان ابن مالك ولد حول عام 600 هـ، فأغلب الظن أنه ألف "تسهيل الفوائد"، وشرحه حول عام 625 هـ إن لم يكن بعد ذلك.
وإذا كاهن "شرح الكافية الشافية" تم بعد "شرح تسهيل الفوائد"، وقبل دخول المصنف دمشق واتصاله بالملك الناصر، فالراجح أنه ألف ما بين عامي 625- 650 هـ.
-والله أعلم-
__________
1 مقدمة التذييل، والتكميل شرح التسهيل لأبي حيان 1/ 2.
2 كشف الظنون 1/ 284.(1/51)
السمات البارزة في الكتاب:
إذا كان "شرح الكافية الشافية" عنوانًا على عظمة مؤلفه واقتداره، وسعة اطلاعه وغزارة علمه، فهو بجانب ذلك كتاب جامع مفيد، قل أن تسمح القارئح بمثله. وباستطاعة القارئ أن يلمح فيه بعض سمات بارزة من أهمها:
1- سهولة الأسلوب:
ذلك أن المصنف -رحمه الله- عمد إلى استخدام أسلوب سهل مبسط، يناسب برفق وأناة فيسيل عذوبة تدفع حلاوتها القارئ إلى الاستمرار، والبعد عن الملل.
وكثيرًا ما يشاهد القارئ المصنف يوجه إليه الحديث مخاطبًا، فيقول:
"إذا عين لك اسم من جملة، وقيل لك: كيف تخبر عنه؟ فصدر بما يطابقه من "الذي" وفروعه مجعولًا مبتدأ، وأخر المسئول عنه مجعولًا خبرًا، واجعل في موضعه ضميرًا يخلفه فيما كان له من الإعراب عائدًا إلى الموصول. مطابقًا له، وما بين الخبر والموصول صلة له.(1/52)
فإذا أخبرت عن التاء من قولك: "بلغت من الزيدين إلى العمرين رسالة" قلت:
"الذي بلغ من الزيدين إلى العمرين رسالة أنا".
فإن أخبرت عن "الزيدين" قلت: "اللذان بلغت عنهما رسالة إلى العمرين الزيدان".
فإن أخبرت عن "العمرين" قلت: "الذين بلغت من الزيدين إليهم رسالة العمرون".
فإن أخبرت عن "الرسالة" قلت: "التي بلغتها من الزيدين إلى العمرين رسالة"1.
ومن هنا تتضح براعة المصنف في إيراد الأمثلة، فقد اشتمل مثاله الحكاية عن:
الضمير، والظاهر.
العاقل، وغير العاقل.
المفرد، والمثنى، والجمع.
2- توضيح بعض الكلمات:
"وكثيرًا ما يرى المصنف أن في بعض الكلمات غرابة، فيبادر بتوضيح المراد منها، وبيان معناها كقوله يتحدث عن الحال2:
ويغتفر -أيضًا- جمودها فيما يدل على النوع نحو "هذا خاتمك فضة" و "هذه جبتك خزا"، وهما من أمثلة الكتاب.
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة رقم 85 ب".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 31 ب".(1/53)
ويقارب هذا قولك "زكا تمرنا عنبا وعنجدا" وحبذا المال فضة وعسجدا" والعنجد: الزبيب، والعسجد: الذهب.
وكقوله يتحدث عن الفصل بين حرف الجر ومجروره1:
"وقال الفرزدق:
وإني لأطوي الكشح من دون ما انطوى ... وأقطع بالخرق الهبوع المراجم
أراد: أقطع الخرق بالهبوع المراجم.
والهبوع: البعير الماد عنقه في السير.
والمراجم: الذي يخبط بقوائمه.
3- شرح بعض الأمثلة، وأبيات الشعر لزيادة الوضوح:
وأحيانًا يبين المصنف المعنى المقصود من بعض الأمثلة أو الشواهد، وبخاصة إذا كان المشهور خلاف هذا المعنى، ومن ذلك قوله2:
"اشتهر القول بأن "كاد" إثباتها نفي، ونفيها إثبات حتى جعل هذا المعنى لغزًا فقيل:
أنحوي هذا العصر ما هي لفظة ... جرت في لساني جرهم وثمود
إذا استعملت في صورة الجحد أثبتت ... وإن أثبتت قامت مقام جحود
ومراد هذا القائل "كاد"
ومن زعم هذا فليس بمصيب، بل حكم "كاد" حكم سائر الأفعال في أن معناها منفي إذا صحبها حرف نفي، وثابت إذا لم يصحبها.
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 36 أ".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 16 ب، وما بعدها".(1/54)
فإذا قال قائل: "كاد زيد يبكي"، فمعناه: قارب زيد البكاء، فالمقاربة ثابتة، ونفس البكاء منتف.
فإذا قال: "لم يكد يبكي" فمعناه: لم يقارب البكاء، فمقاربة البكاء منتفية، ونفس البكاء منتف انتفاء أبعد من انتفائه عند ثبوت المقاربة.
ولهذا كان قول ذي الرمة:
إذا غير النأي المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح
صحيحًا بليغًا؛ لأن معناه: إذا تغير حب كل محب لم يقارب حبي التغير، وإذا لم يقارب حبي التغير، وإذا لم يقاربه فهو بعيد منه.
فهذا أبلغ من أن يقول: لم يبرح؛ لأنه قد يكون غير بارح، وهو قريب من البراح، بخلاف المخبر عنه بنفي مقاربه البراح.
وكذا قوله تعالى: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} 1 هو أبلغ في نفي الرؤية من لم يرها؛ لأن من لم ير قد يقارب الرؤية، بخلاف من لم ير ولم يقارب.
وأما قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} ، فكلام يتضمن كلامين مضمون كل واحد منهما في وقت غير وقت الآخر.
والتقدير: فذبحوها بعد أن كانوا بعداء من ذبحها غير مقاربين له. وهذا واضح.
4- التنبيه على اللغات الواردة في بعض الكلمات:
إذا وردت الكلمة عن العرب في أكثر من صورة نبه المصنف على اللغات الواردة فيها كقوله يتحدث عن "الذي" و "التي"2:
__________
1 من الآية رقم "40" من سورة "النور".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 6 ب، وما بعدها".(1/55)
"وفيها أربع لغات:
تخفيف الياء، وتشديدها، وحذفها مع كسر ما قبلها، وحذفها مع سكون ما قبلها.
قال الشاعر في التشديد:
وليس المال فاعلمه بمال ... وإن أغناك إلا للذي
يريد به العلاء ويصطفيه ... لأقرب أقربيه وللقصي
وقال رجل من طيئ في الحذف وبقاء الكسرة:
لا تعذل الذ لا ينفعك مكتسبًا ... حمدًا ولو كان لا يبقي ولا يذر
وقال آخر:
والذ لو شاء لكنت صخرا ... أو جبلًا أصم مشمخرًا
ومثله:
شغفت بك الت تيمتك فمثل ما ... بك ما بها من لوعة وغرام
وقال هيمان بن قحافة في تسكين الذال:
أحمد رب الذ تمت ... نعماؤه علي واستتبت
وقال آخر في تسكين التاء:
أرضنا الت آوت ذوي الفقر والذي ... فاضوا ذوي غنى واعتزاز
واللغات الأربع مقولة في "التي"
وكذلك فعل المصنف في بيان لغات "لعل" التسع1.
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 17أ".(1/56)
5- التنبيه على الأحكام:
والمصنف لا يفتأ من مسألة لأخرى يبين الأحكام، وينبه عليها ومن ذلك
أ- التنبيه على الواجب:
كقوله1:
"إذا كان مبتدأ معه ضمير يعود على شيء مما هو مع الخبر وجب تقديم الخبر نحو:
"عند هند بعلها" و "في النفوس مستسر فضلها".
ومنه قول الشاعر:
أهابك إجلالًا وما بك قدرة ... علي ولكن مل عين حبيبها
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه".
كذا إذا ما كان المبتدأ "أن" وصلتها وجب تقديم الخبر كقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} .
ب- التنبيه على المطرد:
كقوله: يتحدث عن جمع المذكر السالم2:
"المراد بالجمع: ماله واحد من لفظه صالحًا لعطف مثليه، أو أمثاله عليه دون اختلاف معنى.
والمطرد منه: ما كان واحده لمذكر عاقل، أو شبيه به كـ
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 12 ب".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 3 أ".(1/57)
{رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} خاليًا من تاء التأنيث، علمًا، أو صفة لا من "أفعل: فعلاء" ولا من "فعلان: فعلى" كـ"أحمر" أو "سكران"، ولا مما يستوي فيه الذكر والأنثى كـ"صبور" و "قتيل".
جـ- التنبيه على المشهور:
كقوله1:
"أما "ثبات" ونحوه من جمع المحذوف اللام المعوض منها التاء، فالمشهور جريه مجرى "هندات" ومن العرب من ينصبه بالفتحة، ومنه قول بعض العرب، "سمعت لغاتهم" -بالفتح.
وأنشد الفراء لأبي ذؤيب:
فلما جلاها بالإيام تحيزت ... ثباتًا عليها ذلها واكتئابها
د- التنبيه على الأشهر:
كقوله2:
"واتفقت العرب على فتح سين "عسى" إذا لم يتصل بتاء الضمير ونونه، فإذا اتصل بشيء من ذلك أجازوا فتح السين وكسرها.
والفتح أشهر، وبه قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، والكوفيون.
ولم يقرأ بالكسر إلا نافع.
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 4 أ".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 16 ب".(1/58)
هـ- التنبيه على الغالب:
كقوله يتحدث عن "أنْ" المخففة"1:
"ولا يكون الخبر عند إضمار اسم "أن" إلا جملة، إما امسية كقوله الأعشى:
في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل
وإما فعليه. فإن كان الفعل دعاء، أو غير متصرف باشرته "أن" كقوله تعالى:
{وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} و {أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىْ} .
وإن كان غيرهما قرن بـ"قد" كقوله تعالى: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} ، وكقول الشاعر:
شهدت بأن قد خط ما هو كائن ... وأنك تمحو ما تشاء وتثبت
أو بنفي نحو: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} .
"أو بحرف تنفيس نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} .
أو بـ"لو" نحو: {أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ} .
وعلى كل حال لا تقع "أن" المذكورة -غالبًا إلا بعد علم أو ظن".
ز- التنبيه على الكثير:
كقوله في باب أفعال المقاربة2.
"وأفعال هذا الباب كلها ملازمة للفظ الماضي إلا "كاد"
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 18 ب".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 16ب".(1/59)
و "أوشك" فإنهما يستعملان بلفظ الماضي، والمضارع كثيرًا".
وقوله في باب إعمال اسم الفاعل يتحدث عن صيغ المبالغة1:
"والمطرد الكثير الاستعمال بناء هذه الأمثلة من الثلاثي، وقد يبنى من "أفعل": "فعّال" كـ"أدرك، فهو دَرًّاك".. و "فعيل" كـ"أنذر، فهو نذير".
وقد يبنى من "أفعل": "مفعال" كـ"معطاء" و "مهداء" و "معوان".
حـ- التنبيه على الأكثر:
كقوله2:
"لو" على ضربين: موصولة وشرطية.
فالموصولة التي يصلح في موضعها "أن"، وأكثر ما تقع بعد "ود" أو ما في معناها.
والشرطية مرادفة لـ"إنْ" كالتي في قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} ، وغير مرادفة لـ"أن"، وهي أكثر وقوعًا من غيرها.
ط- التنبيه على الحسن:
كقوله3:
إذا كان العائد على الموصول مبتدأ استحسن حذفه مع "أي"، وإن لم تكن صلتها مستطالة.
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 45 ب".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 77 ب".
3 شرح الكافية الشافية "الورقة 8ب".(1/60)
وإن كان مبتدأ والموصول غير "أي" لم يحسن حذفه إلا عند استطالة الصلة نحو قول بعض العرب: "ما أنا بالذي قائل لك سوءًا" أي: ما أنا بالذي هو قائل لك سوءًا.
وغذا زادت الاستطالة زاد الحذف حسنًا كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} .
التقدير والله أعلم: وهو الذي هو في السماء إله، وفي الأرض إله".
ي- التنبيه على الأحسن:
كقوله في الحديث عن الأسماء الستة1:
"أجر الهن مجرى "يد" في لزوم النقص والإعراب بالحركات، فهو أحسن من جريه مجرى هذه الأسماء في الإعراب بالحروف".
ك- التنبيه على المختار:
كقوله في باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر بعد أن ذكر جواز دخول الباء في خبرها2:
"المعطوف على الخبر المجرور بالباء الزائدة، التي تقدم ذكرها يجوز جره حملًا على اللفظ، وهو المختار.
ويجوز نصبه على المحل فيقال: "ليس زيد بقائم، ولا نائم، ولا نائمًا".
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 2 ب".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 15 أ".(1/61)
وقد يكون المختار عند واحد من العلماء، فينبه على ذلك -أيضًا- كقوله1:
"من النحويين من يرى بقاء عمل "ما" إذا تقدم خبرها، وكان ظرفًا أو جارًا ومجرورا.
وهو اختيار أبي الحسن بن عصفور".
وقد يكون الرأي المختار عنده، فينص على ذلك كقوله2:
"وإذا عطف على ضمير جر لزم عند غير يونس والأخفش، وقطرب والكوفيين ووافقهم أبو علي الشلوبين -وهو اختياري- إعادة الجار".
وهو عندما يختار رأيًا يدعمه بالدليل كقوله بعد هذا:
وللملتزمين إعادة الجار حجتان:
إحداهما: إن ضمير الجر شبيه بالتنونين، ومعاقب له، فلم يجز العطف عليه كما لم يجز العطف على التنوين.
الثانية: أن حق المعطوف والمعطوف عليه أن يصلحا لحلول كل واحد منهما محل الآخر.
وضمير الجر غير صالح لحلوله محل ما يعطف عليه، فامتنع العطف إلا مع الجار، وكلتا الحجتين ضعيفة:
أما الأولى فيدل على ضعفها أن شبه ضمير الجر بالتنوين لو منع من العطف عليه لمنع من توكيده والإبدال منه؛ لأن التنوين لا
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 16 أ".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 57 أ".(1/62)
يؤكد، ولا يبدل منه. وضمير الجر يؤكد ويبدل منه بإجماع، فللعطف أسوة بهما.
وأما الثانية: فيدل على ضعفها أنه لو كان حلول كل واحد من المعطوف، والمعطوف عليه -يعني في محل الآخر- شوطًا في صحة العطف لم يجز "رب رجل وأخيه" ولا
"أي فتى هيجاء أنت وجارها" ... ..............................
ولا "كل شاة وسخلها بدرهم" ولا:
الواهب المائة الهجان وعبدها ... ..................................
ولا "لا رجل وامرأة في الدار"
وأمثال ذلك من المعطوفات الممتنع تقديمها وتأخير ما عطفت عليه كثيرة.
فكما لم يمتنع فيها العطف لا يمتنع في نحو "مررت بك وزيد".
وإذا بطل كون ما تعللوا به مانعًا، وجب الاعتراف بصحة الجواز.
ومن مؤيدات الجواز قوله تعالى: {وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، بالعطف على الهاء لا بالعطف على "سبيل" لاستلزامه الفصل بأجنبي بين جزأي الصلة.
وتوقي هذا المحذور حمل أبا علي الشلوبين على موافقة الكوفيين في هذه المسألة.(1/63)
وقد غفل الزمخشري وغيره عن هذا.
ومن مؤيدات الجواز -أيضًا- قراءة حمزة: "وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ"- بخفض الأرحام.
وهي -أيضًا- قراءة ابن عباس، والحسن البصري، ومجاهد، وقتادة، والنخعي، والأعمش، ويحيى بن وثاب، وأبي رزين.
ومثل هذه القراءة قول بعض العرب: "ما فيها غيره وفرسه" رواه قطرب بجر فرسه.
ومثله ما أنشده سيبويه من قول الشاعر:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيمام من عجب
وأنشد أيضًا:
آبك أبه بي أو مصدر ... من حمر الجلة جأب حشور
وأنشد الفراء:
نعلق في مثل السواري سيوفنا ... وما بينها والكعب غوط نفانف
وأنشد أيضًا:
هلا سألت بذي الجماجم عنهم ... وأبي نعيم ذي اللواء المخرق
وأجاز الفراء أن يكون من هذا قوله تعالى: {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} ثم قال:
"وما أقل ما ترد العرب حرفًا مخفوضًا على مخفوض قد كني عنه".
وقال العباس بن مرداس:(1/64)
أكر على الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواها
وقال آخر:
إذا أوقدوا نار لحرب عدوهم ... فقد خاب من يصلى بها وسعيرها
وقال آخر:
بنا أبدًا لا غيرنا يدرك المنى ... وتكشف غماء الخطوب الفوادح
ومثله:
لو كان لي وزهير ثالث وردت ... من الحمام عدانا شر مورود
وأجاز الأخفش جر " الضحاك" من قول الشاعر:
.................... ... فحسبك والضحاك سيفًا مهندا
ولأجل القراءة المذكورة، والشواهد لم أمنع العطف على ضمير الجر"
ل- التنبيه على الراجح:
كقوله يتحدث عن ضمير الشأن1:
"وإن صدرت الجملة المفسرة لهذا الضمير بمؤنث، أو بفعل ذي علامة تأنيث، أو بمذكر شبه به مؤنث رجح تأنيثه باعتبار القصة على تذكيره باعتبار الشأن؛ لأن القصة والشأن معناهما واحد، وفي التأنيث مشاكلة لما بعد فكان أولى".
وكقوله2:
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 5 ب".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 41 ب".(1/65)
"إذا أضيف المحمول على "إذ" إلى جملة جاز إعرابه، وبناؤه على الفتح إلا أن بناءه راجح إذ وليه فعل ماض كقول الشاعر:
على حين ألهى الناس جل أمورهم ... فندلًا رزيق المال ندل الثعالب
م- التنبيه على الأولى:
كقوله يتحدث عن علامات الاسم1:
"تنوين الترنم لا يختص بالاسم، بل الذي يختص به ما سواه، وهو المعبر عنه بـ"الصرف".
فكان ذكر الصرف أولى من ذكر التنوين".
وكقوله2:
"والأولى أن يراد بـ"بضعة" من ثلاثة إلى تسعة، وبـ"بضع" من ثلاث إلى تسع، فيحمل الثابت التاء على الثابتها، والساقطها على الساقطها".
ن- التنبيه على الجائز:
كقوله في فصل الموصول3:
"الضمير العائد على الموصول إن كان منصوبًا بـ"إن" أو إحدى أخواتها لم يجز حذفه نحو: "عرفت الذي كأنه أسد".
وإن كان منصوبًا بفعل أو صفة، وكان منفصلًا لم يجز حذفه نحو: "عرفت الذي إياه أكرمت، والذي أنت إياه مكرم".
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 1ب".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 79 ب".
3 شرح الكافية الشافية "الورقة 8 ب".(1/66)
وإن كان منصوبًا بفعل أو صفة، وكان متصلًا جاز حذفه، وإبقاؤه كقوله تعالى: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} ، وقرأ شعبة: "وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ".
وكقول الشاعر:
ما الله موليك فضل فاحمدنه به ... فما لدى غيره نفع ولا ضرر
أراد: الذي الله موليكه فضل، فحذف العائد؛ لأنه ضمير متصل منصوب بصفة عاملة عمل الفعل".
س- التنبيه على القليل:
كقوله يتحدث عن تاء التأنيث1:
ويكثر مجيئها للتمييز الواحد من الجنس الذي لا يصنعه مخلوق كـ"نمر" و "نمرة" و "تمر" و "تمرة" و "نخل" و "نخلة" و "شجر" و "شجرة".
ويقل مجيئها لتمييز الجنس من الواحد كـ"كمأة كثيرة وكمأ واحد".
وكذلك يقل مجيئها لتمييز الواحد من الجنس، الذي يصنعه المخلوق نحو "جر" و "جرة" و "لَبِن" و "لبِنَة" و "قلنس" و "قلنسوة" و "سفين" و "سفينة".
ع- التنبيه على النادر:
كقوله في باب الحال2:
"تقع الجملة الخبرية حالًا، فإذا كانت اسمية فالأكثر أن تكون
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 83 أ".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 32 ب، وما بعدها".(1/67)
مقرونة بواو الحال مشتملة على ضمير ما هي له كقولي: "جاء زيد وهو ناو رحلة"، وكقوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىْ} .
وقد يستغنى بالواو عن الضمير كثيرًا كقول امرئ القيس:
وقد أغتدي والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل
وكذلك يستغي بالضمير عن الواو، إلا أنه لم يكثر كثرة الاستغناء بالواو: ومنه قوله تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} .
وندر الخلو من الواو والضمير في قول الشاعر:
نصف النهار الماء غامره ... ورفيقه بالغيب لا يدري
أراد: بلغ النهار نصفه في الماء غامر هذا الغائص لالتماس هذا اللؤلؤ، فحذف الواو مع كون الجملة لا ضمير فيها يرجع لصاحب الحال وهو النهار.
وكقوله في باب أسماء الأفعال والأصوات1:
"وندر اسم الفعل من رباعي مقتصرًا فيه على السماع".
ف- التنبيه على الضعيف:
كقوله في باب العدد2:
"إن قصد تعريف العدد المركب اقتصر على تعريف صدره، وقد يعرف الصدر والعجز على ضعف، وجاز ذلك مع أنهما كاسم
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 64 ب".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 79 ب".(1/68)
واحد؛ لأن الإفراد فيهما ملحوظ من قبل أنه اغتفر فيهما توالي ست حركات في "أحد عشر" و "أربعة عشرة" و "ثماني عشر" وتوالي خمس حركات في "ثلاثة عشر"، فما فوقها سوى "أربعة عشر" و "ثمانية عشر" فكما لحظ فيهما الإفراد من هذا الوجه جاز أن يلحظ من وجه آخر".
ص- التنبيه على الأضعف:
كقوله1:
"وفتح ياء المتكلم المدغم فيها هو الفصيح الشائع في الاستعمال، وكسرها لغة قليلة حكاها أبو عمرو بن العلاء، والفراء، وقطرب، وبها قرأ حمزة: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} .
ومن قول الراجز:
قال لها هل لك يا تافي ... قالت له ما أنت بالمرضي
وقول الشاعر:
علي لعمرو نعمة بعد نعمة ... لوالده ليست بذات عقارب
هكذا سمعا بكسر الياءين.
وكسر ياء "عصاي" الحسن، وأبو عمرو في شاذه وهذه أضعف من الكسر مع التشديد".
ق- التنبيه على الشاذ:
كقوله في باب "كان"2:
"من مواضع "كان" التي تختص بها الزيادة في التوسط دون
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 44 أ".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 14 أ".(1/69)
التقدم، والتأخر والمشهور زيادتها بلفظ الماضي بين جزأي جملة كقول بعض العرب: "ولدت فاطمة بنت الخرشب الكملة من بني عبس لم يوجد كان مثلهم".
وشذت زيادتها بين الجار والمجرور في قول الشاعر:
سراة بني أبي بكر تسامي ... على كان المسومة العراب
وشذت -أيضًا- زيادتها بلفظ المضارع في قول أم عقيل بن أبي طالب:
أنت تكون ماجد نبيل ... إذا تهب شمأل بليل
ر- التنبيه على الأشذ:
كقوله في باب التوكيد1:
ولا يجاء بـ"أكتع" وأخواته -غالبًا- إلا بعد "أجمع" وأخواته على الترتيب".
وشذ قول بعضهم: "أجمع وأبصع" وإنما حق "أبصع" أن يأتي بعد "أكتع".
وأشذ من "أجمع أبصع" قول بعضهم "جمع بتع"، وإنما حق "أبتع" و "بتعاء" و "أبتعين" و "بتع" أن يجاء بهن آخرًا.
6- الاقتصار في الشرح على الآراء، التي وردت النظم -غالبًا:
إذا نص الناظم على بعض آراء العلماء في الأرجوزة، اقتصر عليها -غالبًا- في الشرح، واكتفى بضرب الأمثلة لها، أو ذكر الأدلة عليها،
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 53 أ".(1/70)
كما يبين المقصود من بعض العبارات، التي جرت على لسانه في النظم إن استدعى الأمر ذلك.
يستوى في ذلك الآراء التي لم ينسبها إلى أصحابها ولم يرجع منها شيئًا، والآراء التي لم ينسبها إلى أصحابها ورجح بعضها، والآراء التي نسبها لأصحابها ورجحها، والآراء التي نسبها لأصحابها ولم يرجح شيئًا منها.
فمن النوع الأول ما ورد في باب الفاعل في شرح قوله:
في ساء عبد هند بعلها وما ... أشبهه الفاعل آخر دائمًا
وإن عكست العملين صح في ... رأي ومنع ذاك بعض يقتفي
قال1:
إن كان الفاعل مضافًا إلى ضمير يعود إلى ما أضيف إليه المفعول نحو: "ساء عبد هند بعلها" لم يجز تقديم الفاعل؛ لأنه لو قدم فقيل: "ساء بعلها عبد هند" تقدم عائد على متأخر لفظًا، ورتبة مع عدم تعلق الفعل به، وشدة الحاجة إلى العائد عليه.
فلو عكست العملين، أي: لو رفعت "عبد هند" ونصبت "بعلها"، وقدمته جاز في رأي قوم دون قوم.
فمن أجاز قال: "لما عاد الضمير على ما أضيف إليه الفاعل، والمضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد، كان بمنزلة عود الضمير إلى الفاعل، وتقديم ضمير عائد إلى الفاعل في غاية من الحسن، وتقديم ما هو والفاعل كشيء واحد جدير بأن يكون له حظ من الحسن.
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 23 أ".(1/71)
ومن لم يجز نظر إلى تأخر مفسر الضمير لفظًا ورتبة مع عدم تعلق الفعل به فمنع".
ومن النوع الثاني ما ورد في باب النائب عن الفاعل في شرح قوله:
وباتفاق قد ينوب الثان من ... باب "كسا" فيما التباسه أمن
في باب "ظن" و "أرى" المنع اشتهر
ولا أرى منعًا إذا المعنى ظهر
قال1:
"نيابة المفعول الأول من كاب باب جائزة بلا خلاف، وكذا نيابة الثاني من باب "كسا"
أما نيابة الثاني من باب "ظن" فأكثر النحويين يمنعها، والصحيح إجازة ذلك إذا أمن اللبس، وكذلك الثالث من باب "أعلم".
ومن النوع الثالث ما ورد في باب إعمال اسم الفاعل عند شرحه قوله:
وبعد مجرور المضاف المقتضي ... زائدًا انتصابه رضي
أبو سعيد نحو زيد معطي ... أبيك سؤله بغير سخط
وغيره أضمر ناصبًا وفي ... تابع مجرور المضاف يقتفي
وجهين كل مضمرًا في النصب ما ... ينصبه شبهًا لما تقدما
قال2:
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 24 ب".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 46 أ".(1/72)
إذا كان اسم الفاعل من فعل يتعدى إلى مفعولين، أو ثلاثة فأضيف إلى واحد نصف ما سواه.
فإن كان اسم الفاعل بمعنى المضي فالنصب بفعل محذوف، وأجاز السيرافي نصبه باسم الفاعل مع كونه بمعنى المضى؛ لأنه اكتسب بالإضافة إلى الأول شبهًا بمصحوب الألف واللام وبالمنون.
ويقوي ما ذهب إليه السيرافي قولهم: "هو ظان زيد أمس فاضلًا"، فإن "فاضلًا" يتعين نصبه بـ"ظان"؛ لأنه إن أضمر له ناصب لزم حذف أول مفعولية، وثاني مفعولي "ظان" وذلك لا يجوز؛ لأن الاقتصار على أحد مفعولي "ظن" لا يجوز.
والهاء من قولي: "وغيره أضمر ناصبًا" عائدة إلى أبي سعيد السيرافي.
والإشارة إلى نحو "زيد معطي أبيك سؤله أمس"، فيتعين عند غير السيرافي أن يكون التقدير: أعطاه سؤله، بإضمار فعل، ومن قوله تعالى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} .
التقدير -والله أعلم- وجعل الشمس والقمر حسبانًا.
ومن النوع الرابع ما ورد في باب الابتداء عند شرح قوله:
المبتدأ مرفوع معنى ذو خبر ... أو وصف استغنى بفاعل ظهر
كـ ابني مقيم وأسار أنتما ... و "ما شج هما" فقس عليهما
وإن خلا الوصف من استفهام أو ... نفي فإخبار به لو عزوا
وكونه مبتدأ واه لدى ... عمرو وعده سعيد جيدا
قال1:
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 10ب".(1/73)
المبتدأ على ضربين:
أحدهما: مبتدأ ذو خبر في اللفظ، أو في التقدير كقولك "زيد قائم" و "لولا عمرو لقعدت".
والثاني: مبتدأ لا خبر له في اللفظ، ولا في التقدير بل له فاعل يحصل بذكره من الفائدة مثل ما يحصل بذكر الخبر لذي الخبر، وذلك كقولك "أقائم الزيدان".
ثم قال:
وإذا كان الوصف المذكور مسبوقًا باستفهام، أو نفي فلا خلاف في جعله مبتدأ عند عدم مطابقته لما بعده.
فإن تطابقا بإفراد نحو: "أقائم زيد" جاز أن يكونا خبرا مقدمًا، ومبتدأ مؤخرًا، وأن يكون مبتدأ مقدمًا، وفاعلًا مغنيًا عن الخبر.
فإن لم يكن الوصف مسبوقًا باستفهام، ولا نفي ضعف عند سيبويه إجراؤه مجرى المسبوق بأحدهما، ولم يمتنع.
وأجاز الأخفش ذلك دون ضعف.
ومن شواهد استعمال ذلك قول بعض الطائيين:
خبير بنو لهب فلا تك ملغيا ... مقالة لهبي إذا الطير مرت
من هنا يتضح أن المصنف كان يقتصر في الشرح -غالبًا- على ما يورده في النظم من خلافات وآراء، وهذا هو المنهج الغالب الذي اتبعه، فمن النادر أن يذكر في الشرح آراء وخلافات أغفلها في النظم كقوله في "باب إعمال اسم الفاعل" عند شرحه هذه الأبيات:
وأحكم لمضمر يلي اسم فاعل ... بما لمظهر له مواصل(1/74)
فكاف "معطيك" كـ"زيد" عندما قلت: "أمعطي زيدًا ابني درهما" وكـ"الغلام" الكاف في "كاسيك" إن قلت: "أنا الكاسي الغلام المختتن".
قال1:
"في الضمير المتصل باسم الفاعل نحو "معطيك" و "المعطيك" خلاف.
فمذهب سيبويه وأكثر المحققين أن يحكم له من الإعراب بما يحكم للظاهر الواقع موقعه، فعنده أن كاف "زيد معطيك" في موضع جر؛ لأن الظاهر الواقع موقعه بحق له الجر بالإضافة؛ لأن "معطيا" مجرد من مانعيها وهما التنوين، والألف واللام.
وعنده أن كاف "زيد المعطيك" في موضع نصب؛ لأن الظاهر الواقع موقعه يحق له النصب؛ لأن فيه أحد ما نعى الإضافة.
وحكم الأخفش لهذا الضمير بالنصب -مطلقًا.
وحكم له الرماني والزمخشري بالجر -مطلقًا- وهو ِأحد قولي المبرد.
وأجاز الفراء الوجهين.
ثم قال المصنف:
والصحيح ما رآه سيبويه؛ لأن الظاهر هو الأصل، والمضمرات نائبة عنه، فلا ينسب إلى شيء منها ما لا ينسب إليه إلا فيما لا مندوجة عنه من مواضع الشذوذ، وما نحن بصدده لم تدع حاجة إلى إلحاقه بالشواذ، فوجب صرفه من ذلك".
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 46 أوب".(1/75)
7- التلميح إلى الآراء في النظم، والنص على أصحابها في الشرح من ذلك ما ورد في فصل الإضافة إلى ياء المتكلم عند شرحه قوله:
أحكم بإعراب المضاف لليا ... وزاعم البناء واه رايا
قال1:
"زعم الجرجاني وابن الخشاب، وابن الخباز أن المضاف إلى ياء المتكلم مبني، والصحيح أنه معرب إذا لا سبب فيه من أسباب البناء المرتب عليها بناء الأسماء.
فإن زعم أن سبب بنائه إضافته إلى غير متمكن رد ذلك بثلاثة أوجه:
أحدها: أن ذلك يوجب أن يكون المضاف إلى الكاف والهاء، وسائر الضمائر مساويًا للمضاف إلى الياء، وذلك باطل.
الثاني: أن ذلك يوجب بناء المثنى المضاف إلى ياء المتكلم، وذلك -أيضًا- باطل.
الثالث: أن المضاف غلى غير متمكن، لا يجوز بناؤه دون أن يكون ذا إبهام يفتقر بسببه إلى الإضافة لتتكمل دلالته بها كـ"غير" و "مثل"، والمضاف إلى ياء المتكلم لا يشترط في خفاء إعرابه ذلك فعلم أنه معرب تقديرًا.
فإن زعم أن سبب بنائه تقدير إعرابه بلزوم إنكار آخره لزم من ذلك الحكم ببناء المقصور، وبناء المحكي، فإن آخر كل واحد
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 43 ب، وما بعدها".(1/76)
منهما ممنوع من ظهور الإعراب، ولا قائل بأنه مبني، بل هو معرب تقديرًا. وكذا المضاف إلى ياء المتكلم معرب تقديرًا.
8- اختيار الرأي في النظم، والسكوت عن ذلك في الشرح:
وقد يختار المصنف رأيا في النظم، ولا ينص على هذا الاختيار في الشرح، مكتفيًا ببيان جمع الآراء الواردة في المسألة، ومناقشتها، وذكر الأدلة لها. كما حدث عند شرحه الأبيات التالية في باب أفعال المقاربة:
ودليل استجز حذف الخبر ... هنا ومنه قوله بعض من غير
يا أبتا علك أو عساكا ... ونائب التا الكاف فاعرف ذاكا
هذا اختياري تابعًا أبا الحسن ... منظرًا ما قال شاد ذو علن
يا ابن الزبير طالما عصيكا ... وطالما عنيتنا إليكا
والعملين سيبويه عكسا ... مسويًا هنا لعل بـ عسى
...
والآخر اسم، والمقدم الخبر
عند أبي العباس فاعرف الصوف
قال:1
إذا دل دليل على خبر هذا الباب جاز حذفه كما يجوز في غير هذا الباب حذف ما ظهر دليله، فمن ذلك الحديث: "من تأنى أصاب أو كاد، ومن عجل أخطأ أو كاد".
واختلف فيما يتصل بـ"عسى" من الكاف وأخواتها في نحو "عساك" و "عساي" و "عساه".
فمذهب سيبويه أنها في موضع نصب و "أن يفعل" في موضع رفع إلحاقًا لـ"عسى" بـ"لعل" كما ألحقت "لعل" بـ"عسى" في
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 16 ب".(1/77)
اقتران خبرها بـ "أن" كقول متمم بن نويره:
لعلك يومًا أن تلم ملمة ... عليك من اللائي يدعنك أجدعا
ومذهب أبي العباس المبرد أن "عسى" على ما كانت عليه من رفع الاسم ونصب الخبر، لكن الذي كان اسمًا جعل خبرًا، والذي كان خبرًا جعل اسمًا.
ومذهب أبي الحسن الأخفش أن "عسى" على ما كانت عليه من رفع الاسم، ونصب الخبر، إلا أن ضمير النصب ناب عن ضمير الرفع كما ناب عنه في قول الراجز:
يابن الزبير طالما عصيكا
وكما ناب ضمير الرفع عن ضمير النصب، وضمير الجر في التوكيد نحو "رأيتك أنت" و "مررت بك أنت"، وفي قول بعضهم "ما أنا كانت" و "ما أنا كإياك".
ولو كان الضمير المشار إليه في موضع نصب كما يقول سيبويه، والمبرد لم يقتصر عليه في مثل:
يا أبتا علك أو عساك
لأنه بمنزلة المفعول، والجزء الثاني بمنزلة الفاعل، والفاعل لا يحذف، وكذا ما أشبهه".
وهكذا رأينا المصنف يقف أمام الآراء المختلفة، يذكرها، ويعين أصحابها، ويردفها بأدلتها، ويناقشها، ولا يبين الرأي المختار عنده كما فعل في النظم.
ولعله اعتقد أن القارئ سيعرف أنه ما زال على موقفه من ترجيح مذهب أبي الحسن الأخفش بعد أن رد ما عداه.(1/78)
9- رعاية حقوق العلماء:
وابن مالك -رحمه الله- عالم يحب العلماء، ويعرف قدرهم: ويحترمهم في ظلال احترام ما يصدر عنهم من آراء، ورد ما ينسب إليهم مما لا يليق بهم ويتجلى ذلك فيما يلي:
أ- الدفاع عنهم:
وذلك كقوله في باب إعمال اسم الفاعل1:
"وأنشد سيبويه مستشهدًا على إعمال "فعل" قول الشاعر:
حذر أمورًا لا تضير وآمن ... ما ليس منجيه من الأقدار
وروى عن المازني أن اللاحقي قال:
"سألني سيبويه عن شاهد في تعدي "فَعِل" فعملت له هذا البيت".
وينسب مثل هذا القول -أيضًا- إلى ابن المقفع:
والاختلاف في تسمية هذا الشاعر المدعي بوحي بأنها رواية موضوعة.
ووقوع مثل هذا مستبعد، فإن سيبويه لم يكن ليحتج بشاهد لا يثق بانتسابه إلى من يثق بقوله.
وإنما يحمل القدح في البيت المذكور على أنه من وضع الحاسدين، وتقول المتعنتين.
وقد جاء إعمال "فَعِل" فيما لا سبيل إلى القدح فيه، وهو قول زيد الخيل:
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 45 ب".(1/79)
أتاني أنهم مزقون عرضي ... جحاش الكرملين لها فديد
فأعمل "مزقا" وهو "فعل" عدل به للمبالغة عن "مازق".
ب- تمحيص ما ينسب إليهم من آراء:
والمصنف لا يقبل ما يرد عن العلماء حتى يراجعه في مواطنه، وكثيرًا ما كان ينسب لواحد من العلماء رأي لا يتفق مع ما عرف عنه، فيثبت المصنف ذلك الرأي في النظم على ما اقتضاه علمه، ولكنه يحقق ذلك، ويستمر في البحث والتنقيب، فإذا لم يجد ما ينفي نسبة هذا الرأي اقتصر على ذلك. وإن عثر على الحقيقة نبه إليها في الشرح، من ذلك ما جاء في فصل دخول الفاء على خبر المبتدأ عند شرحه قوله:
وابن ذا الفاء بعد لكن وإن ... وأن والخلاف عن أبي الحسن
قال1:
"روي عن الأخفش أنه منع من دخول الفاء بعد "إن" وهذا عجيب؛ لأن زيادة الفاء في الخبر على رأيه جائزة، وإن لم يكن المبتدأ يشبه أداء الشرط نحو "زيد فقائم"، فإذا دخلت على اسم يشبه أداة الشرط، فوجود الفاء في الخبر أحسن، وأسهل من وجودها في خبر "زيد" وشبهه.
وثبوت هذا عن الأخفش مستبعد.
وقد ظفرت له في كتابه "معاني القرآن" بأنه موافق لسيبويه في بقاء الفاء بعد دخول "أن"، وذلك أنه قال:
وأما "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما"
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 12 ب، وما بعدها".(1/80)
فقد يجوز أن يكون هذا خبر المبتدأ؛ لأن الذي كان صلته فعلًا جاز أن يكون خبره بالفاء نحو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} ، ثم قال: {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} .
وقال المصنف في موضع آخر1:
"وزعم بعض أهل الكوفة أن الواو للترتيب، وليس بمصيب، وأئمة الكوفة برآء من هذا القول، لكنه مقول".
ومما ذكره المصنف في هذين الموضعين، وأشباهما يتضح أمران:
أولهما: أن المؤلف كان لا يقبل رأيًا ينسب لبعض العلماء حتى يمحصه.
ثانيهما: أن هناك فترة من الزمان مرت بين نظم "الكافية الشافية"، وشرحها سمحت للمؤلف بمراجعة آراء العلماء. وتجري صحتها فيما يقعبين يديه من مصنفات، وكان هذا يدعوه -أحيانًا- إلى تعديل في بعض آرائه نتيجة عثوره على شاهد، أو ظفره بدليل.
وبهذا ينكشف الستار عن سر ما يشيع في مصنفات ابن مالك من آراء تبدو مختلفة، أو متباينة.
جـ- حمل كلام العلماء على المشهور من القواعد:
وذلك كقوله2:
"وفي كلام ابن السراج ما يوهم بناء المضاف إلى ياء المتكلم، فإنه قال في باب الكنايات:
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 55 أ".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 44 أ".(1/81)
"لأن هذه الياء لا يكون قبلها حرف متحرك إلا مكسورًا، وهي مفارقة لأخواتها في هذا ألا ترى أنك تقول: "هذا غلامه" فتعرب، فإذا أضفت غلامًا إلى نفسك قلت: "هذا غلامي" فيذهب الإعراب".
قال المصنف:
وإنما أراد فيذهب لفظ الإعراب؛ لأنه قال بعد ذلك "وإنما فعلوا ذلك؛ لأن الضم قبلها لا يصلح -ولم يقل: فإن الرفع- فلما غير لها الرفع وهو أول، غير لها النصب إذا كان ثانيًا، وألزمت حالًا واحدة".
فقال: "غير لها الرفع" يعني جعل مقدرًا بعد أن كان ملفوظًا به، وكذا قوله: "غير لها النصب إذا كان ثانيًا، وألزمت حالًا واحدة"، فقال غير لها النصب وسكت عن الجر.
فعلى هذا يحمل كلامه"
10- مراعاة أدب الحديث حتى مع المخالفين له:
وقد أبت على المصنف أخلاقه الفاضلة إلا أن يتلطف في حديثه عن العلماء، حتى مع من خالفه الرأي وها هو ذا يقول1:
"ونسب سيبويه قال: "إنهم أجمعون ذاهبون" إلى الغلط مع أنه من العرب الموثوق بعربيتهم.
وليس ذلك من سيبويه بمرضي، بل الأول أن تخرج على أن قائل ذلك أراد: أنهم هم أجمعون ذاهبون على أن يكون "هم" مبتدأ مؤكدًا بـ"أجمعون" مخبرًا عنه بـ"ذاهبون" ثم حذف المبتدأ، وبقي توكيده كما يحذف الموصوف وتبقى صفته.
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 19 أ".(1/82)
ويقول متحدثًا عن قول الشاعر1:
نهيتك عن طلابك أم عمرو ... بعافية وأنت إذ صحيح
"زعم الأخفش أنه أراد "حينئذ" فحذف "حينًا" وأبقى جر "إذ" وهذا بعيد، وغير قول الأخفش أولى بالصواب".
ويقول2:
"وإذا أضيف اسم زمان إلى جملة مستقبلة المعنى، وجب عند سيبويه منع كونها اسمية كما يمتنع ذلك بعد "إذا"؛ لأن "إذ" و "إذا" هما أصلان لكل زمان أضيف إلى جملة.
فإذا كان معناها الاستقبال فالموضع لـ"إذا"، فيجري ذلك الاسم مجراها.
وهذا الذي اعتبره سيبويه بديع لولا أن المسموع ما جاء بخلافه".
ولم يخالف المصنف هذا المنهج إلا مع الزمخشري: وربما كان لميل الزمخشري إلى مذهب المعتزلة دخل في ذلك إذا سمعنا المصنف يقول3:
"ثم أشرت إلى ضعف قول من رأى تأييد النفي بـ"لن"، وهو الزمخشري في أنموذجه، وحامله على ذلك اعتقاده أن الله -تعالى- لا
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 41 ب".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 41 ب".
3 شرح الكافية الشافية "الورقة 73 أ".(1/83)
يرى وهو اعتقاد باطل بصحة ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، أعني ثبوت الرؤية جعلنا الله من أهلها، وأعاذنا من عدم الإيمان بها".
ويقول1:
وقد غلط الزمخشري في جعله ألف "تفاعل" مزيدة للإلحاق بـ"تَفَعْيَل" مع اعترافه بأن ألف "فاعل" ليست للإلحاق.
وألف "تفاعل" هي ألف "فاعل"؛ لأن نسبة "تفاعل" من "فاعل" كنسبة "تفعّل" من "فَعَّل"؛ لأن ذا التاء من القبيلين مطاوع المجرد من التاء.
11- اللاستشهاد بالقراءات:
تمسك ابن مالك بالروايات المختلفة للقرآن الكريم فاستشهد بها، واعتمد عليها في وضع القواعد، وساعده على ذلك دراية تامة بعلم القراءات، معرفة بكل القراءات ووجوهها.
وفي استشهاده بالقراءات كثيرًا ما كان المصنف ينسب القراءة لأصحابها، كقوله في باب عوامل الجزم2:
"إذا أخذت أداة الشرط جوابها، وذكر بعده مضارع بعد فاء، أو واو جاز جزمه عطفًا على الجواب، ورفعه على الاستئناف، ونصبه على إضمار "أنْ"
قال سيبويه:
"فإذا انقضى الكلام ثم جئت بـ"ثم" جزمت وإن شئت رفعت، وكذلك الواو، والفاء، إلا أنه قد يجوز النصب بالواو، والفاء.
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقية 103 أ".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 76 أ".(1/84)
وبلغنا أن بعضهم قرأ "يُحَاسِبُكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ".
قرأ بالرفع عاصم، وابن عامر.
وبالجزم نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي".
وأحيانًا كان المصنف لا ينسب القراءة لصاحبها كقوله1:
"قد يحذف من المضاف تاء التأنيث كقول الشاعر:
ونار قبيل الصبح بادرت قدحها ... حيا النار قد أوقدتها للمسافر
أراد: حياة النار.
وقال الشاعر:
إن الخليط أجدوا البين وانجردوا ... وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا
أراد: عدة الأمر، ومنه قراءة بعض القراء: {لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} .
والمصنف في استشهاده بالقراءات لا يفرق بين قراءة وأخرى، فهو يستشهد بالقراءات السبع كما يستشهد بالقراءات الشاذة.
وقد يصرح بشذوذ القراءة كقوله:2
"ولو توسطت "إذا" بين ذي خبر وخبر، أو بين ذي جواب وجواب ألغيت. ولو قم عليها حرف عطف جاز إلغاؤها، وأعمالها، وإلغاؤها أجود، وهي لغة القرآن التي قرأ بها السبعة في قوله تعالى: {وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} .
وفي بعض الشواذ: "لا يَلْبَثُوا" -بالنصب.
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 39 ب".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 73 أ".(1/85)
وقوله1:
"تبدل الهاء، من التاء والياء، والهمزة، والألف فإبدالها من التاء في الوقف قد بين في بابه، وقد أبدلت وصلًا من تاء "تابوت" في لغة الأنصار.
وقد قرئ بها من الشاذ".
ولا شك أن مسلك ابن مالك في الاستشهاد بالقرآن عمل يستحق التقدير، فإن أولى ما يحتج به في أصول اللغة، وتقرير العربية ووضع أحكامها يجب أن يكون أفصح ما ورد فيها، ولن يكون ذلك إلا القرآن العظيم الذي أنزله على رسوله بلسان عربي مبين.
قال السيوطي2:
أما القرآن فكل ما ورد أنه قرئ به جاز الاحتجاج به في العربية، سواء كان متواترًا أم آحادًا، أم شاذًا.
وقال3:
كان قوم من النحاة المتقدمين يعيبون على عاصم، وحمزة، وابن عامر قراءات بعيدة في العربية، وينسبونهم إلى اللحن، وهم مخطئون في ذلك، فإن قراءاتهم ثابتة بالأسانيد المتواترة الصحيحة التي لا يطعن فيها، وثبوت ذلك دليل على جوازه في العربية.
وفي المزهر4:
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 109 أ".
2 الاقتراح ص 48.
3 الاقتراح ص 49.
4 جـ 1 ص 129.(1/86)
قال ابن خالوية في شرح الفصيح:
أجمع الناس جمعيًا أن اللغة، إذا وردت في القرآن فهي أفصح مما في غير القرآن لا خلاف في ذلك.
وقال ابن جني1:
فالناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ، وإن كان غير ما جاء به خيرًا منه.
وقال -أيضًا2:
ومن بعد: فأقوى القياسين أن يقبل ممن شهرت فصاحته مما يورده، ويحمل أمره على ما حمل من حاله لا على ما عسى أن يكون من غيره".
وإذا كان هذا شأن العربي إذا نطق بشيء في غير القرآن، فلأن يعتبر هذا الكلام فيما ورد في قراءات القرآن أولى وأجدر.
وجاء في تفسير الألوسي عند شرحه قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} 3.
"إذا جوزنا إثبات اللغة بشعر مجهول، فجواز إثباتها بالقرآن العظيم أولى.
وقال:
وكثيرًا ما أرى النحويين متحيرين في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن، فإذا استشهدوا في تقريرهم ببيت مجهول فرحوا به.
__________
1 الخصائص 2/ 12.
2 الخصائص 1/ 27.
3 تفسير الألوسي 2/ 579.(1/87)
وأنا شديد العجب منهم؛ لأنهم إذا جعلوا ورود ذلك البيت المجهول دليلًا على صحة القرآن، فلأن يجعلوا ورود القرآن به دليلًا على صحته كان أولى".
ولقد بلغ من اعتزاز ابن مالك بالقراءات في القرآن الكريم، أنه كان يرى أن القرآن العظيم اشتمل على الاستعمالات المختلفة في اللغة العربية.
قال في شرح التسهيل1:
إن القرآن العزيز ليس فيه إشارة إلا بمجرد من اللام والكاف معًا، أو بمصاحب لهما معًا أعني: غير المثنى والمجموع.
فلو كانت الإشارة إلى المتوسط بكاف لا لام معها لكان القرآن العزيز غير جامع لوجوه الإشارة.
وهذا مردود بقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} .
12- الدفاع عن القراء:
وابن مالك قارئ يحب القراء، ويدافع عنهم، ويقف بجانبهم، والحق معهم دائمًا، ولم يمنعه من هذا الموقف رد كثير من العلماء لبعض القراءات، ورمي أصحابها بالخطأ واللحن، كما فعل الزمخشري في قراءة ابن عامر: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} .
قال المصنف2:
__________
1 شرح تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد للمصف 1/ 41 "مخطوطة دار الكتب المصرية 10 ش نحو".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 43 أ".(1/88)
"الفصل بالظرف والجار والمجرور بين المضاف، والمضاف إليه كثير فمن ذلك قول الشاعر:
كما خط الكتاب بكف يومًا ... يهودي يقارب أو يزيل
وقول آخر:
هما أخوا في الحرب من لا أخا له ... إذا خاف يومًا نبوة فدعاهما
وقد يقع بينهما فصلان كقول الشاعر:
كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج
فهذا وما قبله لا يجوز في الاختيار، بل هو مخصوص بالاضطرار لوجهين:
أجدهما: أنه فصل بما لا يتعلق بالمضاف، فتمحضت أجنبيته.
الثاني: أنه فصل بحرف جر، أو بما فيه معنى جر مع كون المضاف مقتضيًا للجر ففي إيلائه ظرفًا، أو حرف جر يلاقي مقتضى الجر.
بخلاف إضافة المصدر إلى الفاعل مفصولًا بينهما بمفعول المصدر، فإن المجرورين فيهما مأمونان، مع أن الفاعل كجزء من عامله فلا يضر فصله؛ لأن رتبته منبهة عليه، والمفعول بخلاف ذلك.
فعلم بهذا أن قراءة ابن عامر -رحمه الله- غير منافية للقياس العربية.
على أنها لو كانت منافية له لوجب قبولها لصحة نقلها، كما قبلت أشياء تنافي القياس بالنقل، وإن لم تساو صحتها صحة القراءة المذكورة، ولا قاربتها كقولهم: "استحوذ" وقياسه "استحاذ" وقوله: "بنات ألببه"، وقياسه "ألبّة" وكقولهم: "هذا جحر ضَبٍّ(1/89)
خرب" وكقولهم: "لدن غدوة" -بالنصب- وقياسه الجر.
وأمثال ذلك كثيرة.
13- الاستشهاد بالحديث:
ومن السمات البارزات في "شرح الكافية الشافية" الإفاضة في الاستدلال بالحديث الشريف.
وقد وقع في هذا الكتاب بضع وسبعون حديثًا نبويًا استمدها المصنف من الكتاب الصحاح، وساعده على ذلك درايته التامة بعلم الحديث.
وفي ساتدلاله بالحديث قد يثبت المصنف المراجع التي استمد منها كقوله في "باب القسم" يتحدث عن "أيمن"1.
"يضاف في لغاته كلها إلى "الله"، ولا يضاف إلى غيره منقوصًا إلا ما ندر في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- من كلامه في الصحيحين: "وايم الذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله لجاهد وأتى سبيل الله فرسانًا أجمعين".
وقد لا يثبت المصنف المرجع الذي استمد منه الحديث كقوله يتحدث عن علامات الاسم2:
"وجعله معرفًا يتناول تعريف الإضافة، والتعريف بحرف التعريف سواء قيل: إنه اللام وجوها على ما ذهب إليه سيبويه، أو أنه الألف واللام معًا على ما ذهب إليه الخليل، ويتناول ذلك -أيضًا- التعريف بالألف والميم على لغة أهل اليمن، وقد تكلم بها الرسول
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 38 ب".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 1 أ"، وما بعدها.(1/90)
صلى الله عليه وسلم- إذا قال: "ليس من أمبر أمصيام في أمسفر" يريد: ليس من البر الصيام في السفر.
وقد يذكر المصنف الحديث على وجه لا ينبئ عنه، كقوله في باب الاختصاص المشابه للنداء1:
قد يجاء بكلام على صورة هي لغيره توسعًا عند أمن الالتباس، فمن ذلك ورود الخبر بصورة الأمر، وورود الأمر بصورة الخبر، وورود الخبر بصورة الاستفهام، وورود الاستفهام بصورة الخبر، ومن ذلك ورود الاختصاص بصورة النداء كقولهم: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة، ونحن معاشر الأنبياء لا نورث".
ومهما يك من شيء فقد كان المصنف -رحمه الله- يعتد بالحديث أصلًا ثانيًا في إثبات القواعد بعد القرآن الكريم، وها هو ذا يقول2:
"يجوز الاستغناء عن حرف النداء إن لم يكن المنادى "الله" ولا مضمرًا ولا مستغاثًا به، ولا اسم إشارة، ولا اسم جنس مفردًا غير معين.
فإن كان أحد هذه الخمسة لزمه "يا" نحو "يا الله" و "يا إياك" و:
يا لبكر انشروا لي كليبًا ... .....................
و"يا هذا" و "يا رجلًا" إذا لم يتعين، فإن قصدت واحدًا معينًا، فالأكثر ألا يحذف الحرف، وقد يحذف في الكلام الفصيح كقول النبي -صلى الله عليه وسلم- مترجمًا عن موسى -صلى الله عليه وسلم: "ثوبي حجر".
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 63 ب".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 59 أ".(1/91)
وكقوله -صلى الله عليه وسلم- "اشتدي أزمة تتفرجي".
وفي هذين غنى عن غيرهما من الشواهد نثرًا ونظمًا"، ثم قال المصنف:
"والبصريون يرونه شاذًا لا يقاس عليه، والكوفيون يقيسون عليه، وقولهم في هذا أصح"، فالمصنف يكتفي بالحديثين في الاستشهاد على القاعدة ويرى فيهما غناء عن غيرهما من الشواهد، ثم يصحح الرأي الذي اعتمد عليهما.
وبذا يكون ابن مالك، وضع الحديث النبوي الشريف في مكانه اللائق به.
وقد عاب أو حيان على ابن مالك ما فعله من استشهاد بالحديث، فقال في شرح التسهيل1:
"قد أكثر هذا المصنف من الاستدلال بما وقع في الأحديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب، وما رأيت أحدًا من المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة غيره، على أن الواضعين الولين لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر، والخليل، وسيبويه من أئمة البصريين.
والفراء، وعلي بن المبارك الأحمر، وهشام الضرير من أئمة الكوفيين، لم يفعلوا ذلك.
وتبعهم على هذا المسلك المتأخرون من الفريقين، وغيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة بغداد، وأهل الأندلس".
__________
1 ينظر الاقتراح ص 19.(1/92)
وادعاء أبي حيان بأن الواضعين الأولين لعلم النحو، لم يستدلوا بالحديث ادعاء غير مبني على أساس سليم من الحقيقة والواقع.
ذلك أن سيبويه، وهو إمام أئمة البصريين ضمن كتابه بعض الأحاديث، وفي المقتضب للمبرد، وهو من أئمة البصرة -أيضًا- ثلاثة أحاديث1.
والكسائي إمام الكوفيين استدل بالحديث، بل أفاض في ذلك عندما استدل بثلاثة أحاديث، هي قوله -صلى الله عليه وسلم: "فلا يقرب مسجدنا يؤذنا بريح الثوم"، وقوله:
"لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض". وقول أبي طلحة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا تشرف يصبك سهم" على مسألة واحدة هي جزم جواب النهي إذا سقطت الفاء.
واللغويون الأولون استشهدوا بالحديث، وممن أكثر من ذلك الأزهري صاحب "التهذيب" الذي كان كثيرًا ما يعمد إلى حديث من الأحاديث الشريفة، فيصدر به المادة، ويجعله مركزًا يدور حوله البحث. كما في مادة "نخ" الذي صدرها بقوله -صلى الله عليه وسلم: "ليس في النخة صدقة".
وادعاء أبي حيان بأن المتأخرين من نحاة الأقاليم، تابعوا المتقدمين في عدم الاحتجاج بالحديث إدعاء مردود بما تضمنته مؤلفات النحاة من أندلسيين، وغير أندلسيين من أحاديث.
فقد استدل بالحديث: الشريف الصقلي، والشريف الغرناطي، والسيرافي، والصفار في شروحهم لكتاب سيبويه.
__________
1 ينظر الكتاب المقتضب للمبرد، بتحقيق الشيخ عضيمة.(1/93)
واستدل بالحديث ابن عصفور في المقرب، وابن الحاج في شرح "المقرب"، وابن الخباز في شرح ألفية ابن معط، وأبو علي الشلوبين في "التوطئة".
ولم يخل كتابًا أبي حيان "التذييل والتكميل" و "إرتشاف الضرب" من الاستدلال بالحديث كما في بابي أفعل التفضيل، والصفة المشبهة.
وقد تابع المصنف في هذا المسلك -وهو الاعتداد بالحديث في إرساء القواعد النحوية- كثير من المتأخرين كناظر الجيش، والدماميني الذي يقول1:
"وقد أكثر المصنف -رحمه الله تعالى- من الاستدلال بالأحاديث النبوية على إثبات الأحكام النحوية، وشنع عليه أبو حيان، وقال: إن ذلك لا يتم له لتطرق احتمال الرواية بالمعنى إلى ما يستدل به من تلك الأحاديث، فلا يوثق بأن ذلك المحتج به لفظه -عليه الصلاة والسلام- حتى تقوم به الحجة".
ثم قال الدماميني:
"وقد أجريت ذلك لبعض شيوخنا، فصوب رأي ابن مالك فيما فعله من ذلك بناء على أن اليقين ليس بمطلوب في هذا الباب، وإنما المطلوب غلبة الظن الذي هو مناط الأحكام الشرعية".
14- الإشارة إلى المراجع:
وذلك كقول يتحدث عن الحروف المفتتح بها السور2:
"وبعضهم يجعلها معربة؛ لأنها تتأثر بالعوامل لو دخلت عليها، وهذا اختيار الزمخشري في الكشاف".
__________
1 تعليق الفوائد ص 107 و 108 مخطوطة دار الكتب المصرية 1010 نحو.
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 4 ب".(1/94)
وكقوله في باب الموصول1:
وذكر أبو علي في الشيرازيات عن يونس وقوع "الذي" مصدرية مستغنية عن عائد، وجعل من ذلك قوله تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ} .
وقوله يتحدث عن "ذو"2.
"وذكر ابن جني في المحتسب أن بعضهم يعربها، ومنه قول بعضهم:
وإما كرام موسرون رأيتهم ... فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا
وذكر ابن درستويه في الإرشاد مثل ما ذكر ابن جني في المحتسب".
وقوله في باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر3:
وفي كلام ابن عصفور في شرح الجمل ما يوهم أن الأكثرين على تجويز نحو "كان الماء يشرب زيد".
وقوله4:
وقال الأخفش في كتاب "المعاني" له: وزعموا أن بعضها يقول: "إن زيدًا لمنطلق" وهي مثل: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} ، قرئ بالنصب والرفع.
وقوله5:
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 7 أ".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 7 ب".
3 شرح الكافية الشافية "الورقة 14 أ".
4 شرح الكافية الشافية "الورقة 19 أ".
5 شرح الكافية الشافية "الورقة 19 أ".(1/95)
وفي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب التيمن في طهوره إذا تطهر، وفي ترجله إذا ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل".
15- استخدام الأساليب المنطقية في الاستدلال:
والمصنف يلجأ كثيرًا إلى الأساليب المنطقية في إقامة حججه، أو هدم أدلة خصومه وهذا يدل على أنه نال قسطًا وفرًا من العلوم اللسانية ساعده على إقامة الأدل النظرية التي تؤيد آراءه، كما روفقه في الوصول إلى استنتاج أقيسة دقيقة على ما صح من كلام العرب.
من ذلك قوله في باب العطف يستدل لرأيه في "أما" المسبوقة بمثلها1:
"وأما المسبوقة بمثلها عاطفة عند أكثر النحويين".
ومذهب ابن كيسان وأبي علي أن العطف إنما هو بالواو التي قبلها، وهي جائية لمعنى من المعاني المفادة بـ"أو".
وبقولهما أقول: لأنه في ذلك تخلصًا من دخول عاطف على عاطف.
ولأن وقوعها بعد الواو مسبوقة بمثلها شبيه بوقوع "لا" بعد الواو مسبوقة بمثلها في مثل "لا زيد، ولا عمرو فيها".
و"لا" هذه غير عاطفة بإجماع، فلتكن "أما" مثلها إلحاقًا للنظير بالنظير، وعملًا بمقتضى الأولوية.
وذلك أن "لا" قبل مقارنة الواو صالحة للعطفية بإجماع. ومع
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 56 أ".(1/96)
ذلك حكم بعدم عطفيتها عند مقارنتها، فلأن يحكم بعدم عطفية "أما" عند مقارنة الواو أحق وأولى".
وقوله في باب ما ينصرف، وما لا ينصرف يرد مذهب صدر الأفاضل في "سحر" إذا قصد به سحر يوم بعينه، وجعل ظرفًا مثل: "خرجت يوم الجمعة سحر"1:
وزعم صدر الأفاضل أن "سحر" المشار ِإليه مبني على الفتح لتضمنه معنى حرف التعريف، وما ذهب إليه مردود بثلاثة أوجه:
أحدهما: أن ما ادعاه ممكن وما ادعيناه ممكن، لكن ما ادعيناه أولى، فإنه خروج عن الأصل بوجه دون وجه؛ لأن الممنوع من الصرف باق على الإعراب.
بخلاف ما ادعاه؛ لأنه خروج عن الأصل بكل وجه.
الثاني: أنه لو كان مبنيًا لكان غير الفتحة أولى به؛ لأنه موضع نصب فيجب اجتناب الفتحة، لئلا يتوهب الإعراب.
كما اجتنب في "قبل" و "بعد" والمنادى المضموم.
الثالث: أنه لو كان مبنيًا لكان جائز الإعراب جواز إعراب "حين" في قوله:
على حين عاتبت المشيب على الصبا ... .................................
لتساويهما في ضعف سبب البناء لكونه عارضًا، وكان يكون علامة إعرابه تنوينه في بعض المواضع.
وفي عدم ذلك دليل على عدم البناء، وأن فتحته إعرابية، وأن عدم التنوين إنما كان من أجل منع الصرف.
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 70 أ".(1/97)
16- تبرير أمور وقعت في النظم:
وجد المصنف في الشرح الفرصة السانحة، لتبرير أمور اضطره النظم إليها.
من ذلك ما ورد عند شرحه للبيتين الآتيين في باب ما ينصرف، وما لا ينصرف:
وزائدًا فعلان وصفًا قابلًا ... فعلى وما يلفى لتاء قابلًا
وجهان في فعلان وصفا إن عدم ... في الوضع تأنيثًا كانت من "رحم
قال المصنف1:
الثاني من الأنواع الخمسة التي لا تنصرف في التعريف، ولا في التنكير: كل صفة على "فعلان" لا تلحقها تاء التأنيث أما؛ لأن لها مؤنث على "فعلي" فاستغنى به كـ"سكران" و "غضبان".
وإما لكونها صفة لا مؤنث لها كـ"لحيان"، وهو الكبير اللحية.
ثم قال:
والتمثيل بـ"لحيان" أولى بالتمثيل بـ"الرحمن" لوجهين:
أحدهما: أن "الرحمن" بغير ألف ولام دون نداء، ولا إضافة غير مستعمل فلا فائدة في الحكم عليه بانصراف ولا منع.
الثاني: إن الممثل به في هذه المسألة معرض، لأن يذكر موصولًا بالتاء، أو بألف "فعلى" ومجردًا منهما لينظر ما هو الأحق به، والأصلح له.
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 157، وما بعدها".(1/98)
وتعريض "الرحمن" لذلك مع وجدان مندوحة عنه مخاطرة من فاعله.
فلذلك مثلت بـ"لحيان" ولكني اضطررت فقلت:
................................... ... .................... كآت من رحم
ومن ذلك ما ورد في فصل تمييز العدد بمذكر ومؤنث عند قوله:
الحكم للسابق أن يضف عدد ... لذكر وضده وما اتحد
إذ قال1:
إذا كان للعدد المضاف مميزان مذكر ومؤنث، فالحكم لسابقهما أي: إن سبق مذكر العدد بالتاء نحو: "لي ثمانية أبعد وآم"، وإن سبق مؤنث كان العدد بلا تاء نحو: "لي ثماني إماء وأعبد".
واحترزت بقولي:
....................... وما اتحد
من أن يعبر عن المذكر والمؤنث بلفظ واحد.
وهذا الاحتراز مستغنى عنه بذكر السابق، فإنه مشعر بعدم الاتحاد لكن الحاجة دعت إلى كلمة تكمل، فكان ما يناسب أولى مما لا يناسب.
17- الاعتداد بالنفس في غير غرور:
ومع ثقة المصنف فيما يورده من آراء، وأحكام في المسائل المختلفة لم يأخذه. الغرور فلم يصدر أحكامه قاطعة، ولم يطلق
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 67 ب".(1/99)
القول على عمومه، وإنما كان يحترس معترفًا بأن ما أورده هو منتهى علمه، وهذا من تواضع العلماء.
وذلك كقوله1:
وممن صرح بإلغاء عجمة الثلاثي -مطلقًا- السيرافي وابن برهان، وابن خروف ولا أعلم لهم من المتقدمين مخالفًا.
وقوله2:
وبينت أن في "كأين" خمس لغات، وأصلها "كأي" وهي أشرها وبها قرأ السبعة إلا ابن كثير:
ويليها "كائن" وبها قرأ ابن كثير والبواقي.
وقرأ الأعمش وابن محيصن "كأين" -بهمزة ساكنة بعد الكاف، وبعدها ياء مكسورة خفيفة بعدها نون ساكنة في وزن "كَعْيِنْ".
ولا أعرف أحدًا قرأ باللغتين الباقيتين".
وقوله3:
وأجاز يونس حكاية كل معرفة قياسًا على العلم، فيجوز عنده أن يقال: لمن قال: رأيت "غلام زيد" و "مررت بصاحب عمرو" من غلام زيد؟ ومن صاحب عمرو؟
وأجاز -أيضًا- حكاية النكرة بـ"من" في الوصل.
ولا أعلم له في المسألتين موافقًا".
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 69 ب".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 81 ب".
3 شرح الكافية الشافية "الورقة 81 أ" وما بعدها.(1/100)
وقوله1.
"ومثال" "فعائل" جمعًا للمجرد من التاء "شمائل" في جمع "شمأل" و"شمال"، "عجائز" و"عقائب" جمع "عجوز" و"عقاب".
وأما "فعائل" جمع "فعيل" من هذا القبيل، فلم يأت في اسم جنس فيما أعلم".
موقف المصنف بين البصريين والكوفيين:
نظر المصنف -رحمه الله- في النحو نظر المجتهدين، فهو يعرض الحكم، ويناقش أدلته مناقشة حرة، مبتعدًا عن التكلف في التأويل، والتعقيد في إيراد الدليل، يلتزم مبدأ السهولة، مؤثرًا جانب اليسر، غير متعبد بآراء القدماء، غير مهمل لها، وإنما ينظر فيها، ويناقش أدلتها، فإن اتفقت مع منهجه، ولم تخالف مبادئه أقرها، وأيدها بروح من عنده.
وإن خالفت منهجه، ولم يجد لها من الأدلة ما يدعم كيانها كر عليها، هادمًا أساسها الذي تعتمد عليه.
وهو في ذلك ينزع دائمًا إلى السهولة والتيسير في كل ما يذهب إليه من آراء. واتجاهات، ما دام الأسلوب لم يخرج عن نطاق العربية، وإن كان في ذلك مخالفة لمذهب أئمة النحو كسيبويه، ولم تمنعه مكانة سيبويه من الجهر بذلك كقوله في "باب إعمال اسم الفاعل"2.
"ولك في المعطوف على ما خفض بإضافته إليه: الجر حملًا على اللفظ، والنصب حملًا على الموضع كما قال الشاعر:
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 91 أ".
2 الورقة 46 أ.(1/101)
هل أنت باعث دينار لحاجتنا ... أو عبد رب أخا عون بن مخراق
فنصب "عبد رب" عطفًا على "دينار" -وهو اسم رجل- ولا حاجة إلى تقدير ناصب غير ناصب المعطوف عليه.
وإن كان التقدير قول سيبويه".
من هنا رأينا المصنف يوافق الكوفيين إن رأى الصواب معهم، ويؤيد البصريين إن سار الحق في ركابهم، ويفند آراء هؤلاء وهؤلاء إن حادث عن طريقه المرسوم.
فمن تأييده للكوفيين قوله1:
"وأشرت بقولي:
ونحو "زيد شثن كفه" أبى ... في النثر سيبويه أن يرتكبا
إلى نحو قوله: "هو حسنُ وَجْهِه"
وقول الشماح:
أمن دمنتين عرس الركب فيهما ... بحقل الرخامي قد عفا طللالهما
أقامت على ربعيهما جارتا صفا ... كميتا الأعالي جونت مصطلاهما
وهذا عند سيبويه مخصوص بالشعر.
وهو عند أبي العباس المبرد ممنوع في الشعر وغيره.
وهو عند الكوفيين جائز في الكلام كله.
وهو الصحيح؛ لأنه مثله قد ورد في الحديث كقوله في حديث أم زرع: "سفر وشاحها"، وفي حديث الدجال: "أعور عينه اليمنى"، وفي وصف النبي، صلى الله عليه وسلم: "شثن أصابعه".
__________
1 الورقة 47 أ.(1/102)
وقوله: في باب النائب عن الفاعل"1:
ولا يجيز غير الأخفش من البصريين أن ينوب غير المفعول به وهو موجود.
وأجار ذلك الأخفش، والكوفيون ويؤيد مذهبهم قراءة بعض القراء: "لِيُجْزَى قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"2.
ومن تأييده للبصريين قوله في "باب المفعول المطلق، وهو المصدر"3:
"والفعل مشتق من المصدر: لأن المشتق فرع، والمشتق منه أصل، وكل فرع يتضمن الأصل وزيادة عليه.
ولا شك في أن الفعل يتضمن المصدر، والوقت فثبتت فرعيته وأصلية المصدر؛ لأنه دل على بعض ما يدل عليه الفعل.
وهذا مذهب البصريين، وهو الصحيح".
وقد يبلغ من استهانته بالرأي، واستخفافه به لضعفه البين في نظرة أن يذكره في النظم، ولا يتعرض له في الشرح كما في حديثه عن الخير إذ قال في النظم:
وخبرا بمبتدأ أو بابتدا ... أو بهما أرفع والمقدم اعضدا
وقال أهل الكوفة الجزآن قد ... ترافعا وذا ضعيف المستند
وقال في الشرح4:
__________
1 الورقة 24 أ.
2 من الآية رقم "14" من سورة "الجاثية".
3 الورقة 27 أ.
4 الورقة 10 ب.(1/103)
"وأما الخبر:
فرافعه المبتدأ -وحده- أو الابتداء -وحده- أو المبتدأ والابتداء معًا.
هذه الثلاثة أقوال البصريين.
والأول قول سيبويه، وهو الصحيح".
ولم يتعرض في الشرح لقول الكوفيين، وإنما أغفله إغفالًا تامًا.
وقد لا يرتضى المصنف -رحمه الله- أقوال النحويين جميعًا فيردها، ثم يبين رأيه.
وذلك كما في تأويل العلم المستعميل في مثل قولهم "قضية ولا أبا حسن لها" إذ قال المصنف1:
وللنحويين في تأويل العلم المستعمل هذا الاستعمال قولان:
أحدهما، أنه على تقدير إضافة مثل إلى العلم ثم حذف مثل فخلفه المضاف إليه في الإعراب والتنكير.
والثاني: أنه على تقدير لا واحد من مسميات هذا الاسم.
وكلا القولين غير مرضي:
أما الأول فيدل على فساده أمران: ... "
وهكذا يبدأ المصنف يفند هذين الرأيين، فإذا ما انتهى من ذلك ذكر رأيًا يسلم من الاعتراض عليه.
__________
1 الورقة 20 أ.(1/104)
شخصية المؤلف في الكتاب:
وشخصية المؤلف في الكتاب واضحة، فهو غير مقلد ولا متابع، وإنما مجتهد له رأيه، وهو حين يبدي رأيه لا يبديه إلا بعد أن يستعرض الآراء المختلفة ويبحث فيها، وينظر أدلتها، سواء تلك الأدلة التي أوردها صاحب الرأي أو الأدلة التي يراها هو مؤيدة له، ثم يختار الرأي، الذي ترجح كفته عنده بغض النظر عن شخصية قائله أو مكانته، ولا يلبث من موضع لآخر أن يدلي بدلوه بين الدلاء، فالعلم عنده ليس مقصورًا على طائفة من العلماء ولا محدودًا بزمن.
وقد صرح بذلك في مقدمة كتابه "شرح تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" حين قال: "غير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين".
لذا فلا يكاد يمر موضوع من الموضعات التي تناولها الكتاب، إلا رأينا المصنف يبدي رأيه، مدعمًا بالدليل، ولقد شارع هذا الأمر بصورة يصعب على الباحث حصرها، وإنما يكتفي بضرب أمثلة منها كقوله1:
"وأما نون "الزيتون" فالأكثر على أنها زائدة بناء على أنه من "الزيت".
والصحيح أنها غير زائدة لقول بعض العرب: "أرض زتنة" إذا كانت كثيرة الزيتون".
وقوله2:
__________
1 الورقة 3 ب.
2 الورقة 4 أ.(1/105)
"وزعم قوم أن المحذوف في نحو "تأمروني" هو الثاني، وليس كذلك.
بل المحذوف هو الأول، نص على ذلك سيبويه.
ويدل على صحة قوله".
وقوله1:
وأجاز الفراء -أيضًا- في "الذي" من تمام على الذي أحسن" أن تكون مصدرية ... وبه أقول".
وقوله2:
اللام وحدها هي المعرفة عند سيبويه، والهمزة قبلها همزة وصل زائدة.
وهي عند الخليل همزة قطع عوملت غالبًا معاملة همزة الوصل لكثرة الاستعمال. وهي أحد جزأي الأداة المعرفة.
وقول الخليل هو المختار عندي ... ".
وقوله3:
"واختلف في تقديم خبر "ليس" فأجازه قوم، ومنعه قوم. والمنع أحب إلى".
وكقوله -يبين الحكم إذا جر خبر "ليس" بالباء وعطف عليه مخبر عنه أجنبي4.
__________
1 الورقة 7 أ.
2 الورقة 10 أ.
3 الورقة 13 ب.
4 الورقة 15 أ.(1/106)
"ويجوز جر الخبر الثاني إذا جر الأول عند الأخفش، لا عند سيبويه.
والقول في ذلك قول الأخفش، لاستعمال العرب إياه كقول الشاعر:
وليس بمعروف لنا أن نردها ... صحاحًا ولا مستنكرٍ أن تعقرا
وقوله في باب "ما" و "لا" و "إنْ" المشبهات بليس1:
"وزعم أبو علي أن دخول الباء الجارة على الخبر -يعني خبر "ما"- مخصوص بلغة أهل الحجاز، وتبعه في ذلك الزمخشري.
والأمر بخلاف ما زعماه لوجوه".
وقوله2:
"يحيى: هو الفراء، وسعيد: هو، أبو الحسن الأخفش اتفقا على جواز "إن قائمًا الزيدان"، فمذهبهما في ذلك ضعيف".
وقوله3:
"ونسب سيبويه قائل "إنهم أجمعون ذاهبون" إلى الغلط مع أنه من العرب الموثوق بعربيتهم.
وليس ذلك من سيبويه -رحمه الله- بمرضي.
بل الأولى أن يخرج على أن قائل ذلك أراد".
__________
1 الورقة 15 ب.
2 الورقة 17 ب.
3 الورقة 19 أ.(1/107)
وقوله1:
وزعم قوم منهم الزمخشري، والجزولي أن بني تميم يحذفون خبر "لا" مطلقًا على سبيل اللزوم.
وليس بصحيح ما قالاه؛ لأن".
وقوله "في باب النائب عن الفاعل"2:
"حكى ابن السراج أن قومًا يجيزون نيابة خبر كان المفرد.
وهو فاسد، لعدم الفائدة، ولاستلزامه إخبارًا عن غير مذكور ولا مقدر".
وقوله3:
"يستغنى بذكر المصدر الذي له فعل عن فعله في الخبر، والدعاء، والأمر والنهي ...
والفراء يرى ذلك مطردًا غير متوقف على سماع، خبرًا كان ما يرد فيه ذلك أو طلبًا بشرط أن يكون الموضع صالحًا لوقوع الفعل فيه مجردًا.
ورأيه في ذلك عندي صواب".
وقوله4:
"اختار أبو الفتح ابن جني في الخصائص تقديم المفعول معه
__________
1 الورقة 20 ب.
2 الورقة 24 ب.
3 الورقة 27 ب.
4 الورقة 29 ب.(1/108)
على مصحوبه نحو "جاء والطيالسة البرد"، واستدل بقول الشاعر:
جمعت وفحشا غيبة ونميمة ... ثلاثة خصال لست عنها بمرعو
ومثله قول الآخر:
أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوأة اللقبا
ولا حجة لابن جني في البيتين لإمكان جعل الواو فيهما".
وقوله1:
"سوى" اسم يستثنى به، ويجر ما يستثنى به لإضافته إليه، ويعرب هو تقديرًا كما تعرب "غير" لفظًا.
خلافًا لأكثر البصريين في ادعاء لزومها النصب على الظرفية، وعدم التصرف، وإنما اخترت خلاف ما ذهبوا إليه لأمرين"
وقوله2:
"ورود المصدر النكرة حالًا كثير كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} 3.
ولا يجوز استعماله عند سيبويه إلا بسماع.
وأجاز أبو العباس القياس على ما كان نوعًا من الفعل كـ"جئت ركضًا"
__________
1 الورقة 30 ب.
2 الورقة 31 ب.
3 من الآية رقم "15" من سورة "الرعد".(1/109)
فيقيس عليه "جئت سرعة ورجلة".
وليس ذلك ببعيد".
وقوله1:
إذا كان صاحب الحال مجرورًا بالإضافة لم يجز تقديم الحال عليه بإجماع.
وأكثر النحويين يقيس المجرور بحرف على المجرور بالإضافة، فيلحقه به في امتناع تقدم حاله عليه. وأجاز ذلك أبو علي في كلامه في المبسوط.
وبقوله في ذلك أقول وآخذ؛ لأن"
وقوله2:
وأشرت بقولي ... ........................
وقديري "كما" لفعل ناصبًا.
إلى ما أنشده أبو علي في التذكرة من قول الشاعر:
وطرفك إما جئتنا فاصرفنه ... كيما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر
ومثله قول الآخر:
اسمع حديثًا كما يومًا تحدثه ... عن ظهر غيب إذا ما سائل سألا
وقدر أبو علي النصب بـ"كما" في البيتين، وزعم أن الأصل "كيما" فحذفت الياء.
وهذه دعوى لا دليل عليها".
__________
1 الورقة 32 أ.
2 الورقة 35 ب.(1/110)
وقوله1:
"ولما كان إقسامهم بالله أكثر من غيره خص في القسم بدخول التاء عليه.
وتحذف جارة بغير عوض قليلًا، وبعوض كثيرًا.
ومذهب الأخفش أن الجر هنا بالعوض من الحرف لا بالحرف المحذوف..
وهو مذهب قوي؛ لأنه".
وقوله -في حديثه عن قول الشاعر:
نهيتك عن طلابك أم عمرو ... بعاقبة وأنت إذ صحيح2
"وزعم الأخفش أنه أراد "حينئذ" فحذف "حينًا"، وأبقى جر "إذ" وهذا بعيد، وغير قول الأخفش أولى بالصواب".
وقوله:
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن "قبلا" في قوله:
.......................... وكنت قبلا ... ..................................
معرفة بنية الإضافة إلا أنه أعرب؛ لأنه جعل ما لحقه من التنوين عوضًا من اللفظ بالمضاف إليه.
وهذا عندي قول حسن".
وقوله -يرد اعتذار الشنتمري عن سيبويه للاستشهاده بقول ساعده ابن جؤية:
__________
1 الورقة 37 ب.
2 الورقة 41 ب.(1/111)
حتى شآها كليل موهنا عمل ... باتت طراباوبات الليل لم ينم
قال محمد:
وهذا عندي تكلف لا حاجة إليه".
وهكذا تبدو شخصية المصنف واضحة من خلال ما يبديه من آراء لا تكاد تخلو صفحة من صفحات الكتاب منها.(1/112)
بعض الأصول التي بنى عليها المصنف آراءه في الكتاب:
1- السماع حجة:
يعتد المصنف بما سمع من العرب، ويعتمد عليه في إرساء القواعد، ولا يهدره ولو كان في الاعتداد به ما يؤدي إلى مخالفة لأئمة النحو كسيبويه.
وذلك كقوله1:
وإذا أضيف اسم زمان إلى جملة مستقبلة المعنى، وجب عند سيبويه منع كونها اسمية كما يمتنع ذلك بعد إذا.
لأن "إذ" و"إذا" هما أصلان لكل زمان أضيف إلى جملة، فإذا كان معناها المضي فالموضع لـ"إذ" فيجري مجراها.
وإن كان معناها الاستقبال فالموضع لـ"إذا" فيجري ذلك الاسم مجراها.
وهذا الذي اعتبره سيبويه بديع، لولا أن المسموع ما جاء بخلافه كقوله -تعالى: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} 2.
وكقول سواد بن قارب -رضي الله عنه-
__________
1 الورقة 41 ب.
2 من الآية "16" من سورة "غافر".(1/113)
فكن لي شفيعًا يوم لا ذو شفاعة ... بمغن فتيلًا عن سواد بن قارب
وكقوله في باب الحال1:
"وبعض النقلة يزعم أن الكوفيين لم يمنعوا تقديم حال المرفوع عليه، إلا إذا تأخر هو ورافعه عن الحال نحو "راكبًا جاء زيد"
وأما نحو "جاء راكبا زيد" فيجيزونه.
وعلى كل حال قولهم مردود بقول العرب "شتى تئوب الحلبة"
أي: متفرقين يرجع الحالبون.
وهذا كلام مروي عن الفصحاء، وقد تضمن جواز ما حكموا بمنعه، فتعينت مخالفتهم في ذلك.
وقد يعتد المصنف بالمسموع عن العرب، ولو كان غريبًا وذلك كقوله في "باب القسم"2.
ثم أشرت إلى أن نافي الماضي قد يحذف إذا دلت قرينة على إرادة النفي، كقول أمية بن أبي عائذ الهذلي:
فإن شئت آليت بين المقا ... م والركن والحجر الأسود
نسيتك ما دام عقلي معي ... أمد به أمد السرمد
أراد: لا نسيتك.
فحذف النافي؛ لأن المعنى لا يصح إلا بتقديره؛ ولأنه لو أراد الإثبات لقال: لقد نسيتك.
وقد يحذف أيضًا نافي الجملة الاسمية إذا لم يستقم المعنى إلا بتقديره كقول عبد الله بن رواحة -رضي الله عنه:
__________
1 الورقة 32 أ.
2 36 ب وما بعدها.(1/114)
فوالله ما نلتم وما نيل منكم ... بمعتدل وفق ولا متقارب
أراد: ما ما نلتم وما نيل منكم بمعتدل.
فحذف "ما" النافية، وأبقى "ما" الموصولة، وجاز ذلك لدلالة الباء الزائدة في الخبر. ولدلالة العطف بـ"ولا".
وهذا البيت وبيت أمة غريبان.
وقال المصنف:
ثم نبهت على أن جواب القسم قد ينفي بـ"لن" و"لم" وذلك في غاية الغرابة.
وشاهد الأول قول أبي طالب، يخاطب النبي -صلى الله عليه وسلم:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوارى في التراب دفينا
وشاهد الثاني: ما حكى الأصمعي قال:
قال لأعرابي: ألك بنون؟
قال: نعم وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة".
2- القياس حجة:
والقياس حجة عند المصنف لا يفتأ من حين لآخر، يعتمد عليه فيما يبديه من آراء، وقد صرح بذلك في مواضع كقوله1:
"إذا كان اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال، واعتمد على ما ذكر جاز أن ينصب المفعول الذي يليه، وأن يجره بالإضافة تخفيفًا.
ولك في المعطوف على ما خفض بإضافته إليه الجر حملًا على اللفظ، والنصب حملًا على الموضع.
__________
1 الورقة 46 أ.(1/115)
ويجوز في نعت المجرور النصب على المحل كما جاز في المعطوف، وإن لم أجد له شاهدًا.
والحجة في جوازه القياس على نعت المجرور بالمصدر، فإن حمله على المحل ثابت كقول الشاعر:
حتى تهجر في الرواح وهاجه ... طلب المعقب حقه المظلوم
فـ"المظلوم" صفة لـ"المعقب"؛ لأنه فاعل في المعنى فتبعته الصفة باعتبار المعنى.
وكما جاز في صفة المجرور بإضافة المصدر الحمل على المعنى، كذلك يجوز أن تحمل صفة المجرور باسم الفاعل على المعنى، فيقال: "هذا مكرم ابنك الكبير، ومهين غلامك الحبشي".
بل اسم الفاعل أولى بذلك؛ لأن إضافته وهو بمعنى الحال والاستقبال في نية الانفصال؛ ولأنه أمكن في عمل الفعل من المصدر، ولذا يعمل مضمرًا، ومؤخرًا بخلاف المصدر.
ومثل "طلب المعقب حقه المظلوم"، قول الآخر:
السالك الثغرة اليقظان سالكها ... مشى الهلوك عليها الخيعل الفضل
الخيعل: قميص بلا كمين، والفضل، اللابسة ثوب المهنة والخلوة، والهلوك، المتثنية عجبًا.
وهو مجرد اللفظ بالإضافة مرفوع الموضع بالفاعلية، فرع "الفضل" حملًا على الموضع.
وكقوله 1:
__________
1 الورقة 90 أ.(1/116)
وأما "فعائل" جمع "فعيل" فلم يأت في اسم جنس فيما أعلم، لكنه يأتي بمقتضى القياس لعلم مؤنث كـ"سعايد" جمع "سعيد" -علم امرأة.
3- الإِجْمَاع حُجَّة:
والمصنف يقف عند الأحكام المجمع عليها، لا يتجاوزها يستوي في ذلك ما ورد عن العرب، وما اتفق عليه النحويون.
فمن الأ ول قوله1:
"اتفقت العرب على فتح سين "عسى" إذا لم تتصل بتاء الضمير ونونيه".
ومن الثاني قوله2:
إذا كان لشخص اسم ولقب، وذكرا معًا قدم الاسم على اللقب.
ثم إن كانا مركبين، أو كان أحدهما مفردًا، والآخر مركبًا جعل اللقب تابعًا للاسم في إعرابه، إما بدلًا، وإما عطف بيان كقولك: "هذا عبد الله عابد الكلب" و"رأيت زيدًا أنف الناقة".
وإن كانا مفردين أضيف الاسم إلى اللقب بإجماع".
4- الرجوع إلى الأصول المجمع عليها أولى:
وإذا ذهب بعض النحاة إلى مذهب يخالف الأصول المجمع عليها من جمهرة النحاة، وقف في سبيله، ورد ما يستدل به إلى
__________
1 الورقة 16 ب.
2 الورقة 6 ب.(1/117)
المشهور من القواعد ومن ذلك ما جاء في "باب الحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر":
قال المصنف1:
"ومن الكوفيين من ينصب الجزأين بـ"ليت" وغيرها من أخواتها، ويستشهد بقول الراجز العماني:
كأن أذنيه إذا تشوفا ... قادمة أو قلما محرفا
وبحديث روي وهو:
"إن قعر جهنم سبعين خريفًا".
ثم قال:
"ورد جميع ذلك إلى الأصول المجمع عليها أولى، فيخرج "كأن أذنيه" على تقدير: كأن أذنيه يحاكيان -نحو ذلك.
ويخرج "إن قعر جهنم" على أن "قعر" مصدر من قولهم قعرت البئر أي بلغت قعرها.
و"سبعين" منصوبة على الظرفية، وقد وقع خبرا؛ لأن الاسم2 مصدر، والإخبار عن المصدر بظرف الزمان مطرد".
5- الروايات المختلفة للنص مقبولة:
وإذا ورد للنص المستدل به على قاعدة ما روايتان، أو أكثر قبل المصنف كل الروايات ما دامت واردة عمن يوثق به، ولا يدفع رواية بأخرى.
__________
1 الورقة 19 أ.
2 يقصد المصنف اسم "إن"، وهو "قعر".(1/118)
وإذا استدل بعض العلماء برواية للنص، وأيد البعض الآخر رأيه بالرواية الأخرى ذكر المصنف الرأيين، ولم يقف مع واحد ضد الآخر كما في قوله1:
"وأجاز سيبويه للمضطر أن يرخم وينوي المحذوف، فيدع الحرف الذي قبله على ما كان عليه قبل الحذف كما قال الشاعر:
ألا أضحت حبالكم رماما ... وأضحت منك شاسعة أماما
هكذا رواه سيبويه.
ورواه المبرد:
.................................... ... وما عهدي كعهدك يا أماما
ثم قال المصنف -رحمه الله:
"والإنصاف يقتضي تقرير الروايتين
ولا يدفع إحداهما بالأخرى"
6- الرأي بغير دليل ضعيف:
والمصنف يلتمس الأدلة لآراء العلماء الورادة في الحكم، فإذا وجدها ذكرها، وناقشها وبين موقفه.
وإذا لم يجد الأدلة المؤيدة لرأي ما، ذكر الرأي ثم ألمح إلى ضعفه بعدم وجود دليل عليه، أو نبه على قبوله له لوجود نظائر له يقاس عليها.
فمن النوع الأول قوله في "باب التوكيد"2:
وأغفل أكثر النحويين "جميعًا"، ونبه سيبويه على أنها بمنزلة
__________
1 الورقة 63 ب.
2 الورقة 53 أ.(1/119)
"كل" معنى واستعمالًا ولم يذكر شاهدًا من كلام العرب.
وقد ظفرت بشاهد له، وهو قول امرأة من العرب ترقص ابنها:
فداك حي خولان ... جميعهم وهمدان
وكل آل قحطان ... والأكرمون عدنان
ومن النوع الثاني قوله في "باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبرة" -بعد أن ذكر بعض الأفعال الملحقة بـ"صار" في العمل1:
"فهذه ثمانية أفعال مساوية لـ"صار" معنى وعملًا، وأما "غدا" و"راح"، فإنهما ملحقان عند بعضهم بها -أيضًا- إلا أني لم أجد لذلك شاهدًا من كلام العرب يكون الاستدلال به صريحًا".
ومن النوع الثالث قول في "باب إعمال اسم الفاعل" -يتحدث عن نعت المجرور باسم الفاعل2:
"ويجوز في نعت المجرور النصب على المحل كما جاز على المعطوف، وإن لم أجد له شاهدًا.
والحجة في جوازه القياس على نعت المجرور بالمصدر، فإن حمله على لمحل ثابت".
7- الحمل على الأكثر راجح:
ومن ذلك قوله3:
"إذا كان الحكم بأصالة حرف موجبًا لعدم النظير تعين الحكم بالزيادة كنون "نرجس" فإنه زائد، إذ لو لم يكن زائدًا لكان وزنه "فعْلِلًا".
__________
1 الورقة 13 ب.
2 الورقة 46 أ.
3 الورقة 102 ب.(1/120)
وذلك ممتنع بإجماع أهل الاستقراء.
وكذا إذا كان الحكم بالأصالة يغلب ما قل كنون "جندب" فإنها زئادة؛ لأن "فُنْعَلًا" أكثر من "فُعلَل" عند من أثبت "فُعلَلًا".
والحمل على الأكثر راجح".
8- ما يؤدي إلى اللبس يجب اجتنابه:
من ذلك قوله في باب الفاعل1:
"إذا خيف التباس فاعل بمفعول لعدم ظهور الإعراب، وعدم قرينة وجب تقديم الفاعل، وتأخير المفعول نحو: أكرم موسى عيسى" و"زارت سعدى سلمى".
فلو وجدت قرينة يتبين بها الفاعل من المفعول، جاز تقديم المفعول نحو "طلق سعدى يحيى" و"أضنت الحمى سلمى"
9- الابتعاد عما للناطق عنه مندوحة:
إذا جاز في العبارة وجهان، أحدهما: قوي لمسايرته الراجح من الآراء، والثاني فيه ضعف مستمد من مخالفته لها.
اختار المصنف للمتكلم سلوك الطريق القوي، والابتعاد عما فيه ضعف وذلك كقوله في "باب المفعول معه" يشرح2 قوله في النظم:
والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق ... والنصب مختار لدى ضعف النسق
"مثال إمكان العطف دون ضعف: "كنت أنا وزيد كالأخوين" و"اذهب أنت وربك"3.
__________
1 الورقة 23 أ.
2 الورقة 29 أ.
3 من الآية رقم "24" من سورة "المائدة".(1/121)
ومثال ما يختار فيه النصب لضعف النسق: "اذهب وزيدا"
فرفع "زيد" بأ، ينسق على فاعل "اذهب" جائز على ضعف؛ لأن العطف على ضمير الرفع المتصل لا يحسن، ولا يقوى إلا بعد توكيد، أو ما يقوم مقامه.
فلما ضعف العطف رجح النصب؛ لأن فيه سلامة من ارتكاب وجه ضعيف للناطق عنه مندوحة".
10- ما لا تدعو الحاجة لإلحاقه بالشواذ، يجب صرفه عن ذلك:
وإذا أدى رأي لبعض النحويين إلى أن يسير الكلام في طريق الشذوذ، رفضه المصنف وأيد الرأي الذي يسير بالكلام في طريق يتفق مع القواعد المشهورة.
ومن ذلك وقوفه بجانب سيبويه، فيما رآه في موقع الضمير المتصل باسم الفاعل، فقال1:
"في الضمير المتصل باسم الفاعل من نحو "معطيك" و"المعطيك" خلاف".
فمذهب سيبويه وأكثر المحققين أن يحكم له من الإعراب بما يحكم للظاهر الواقع موقعه.
فعنده أن الكاف في "زيد معطيك" في موضع جر: لأن الظاهر الواقع موقعه يحق له الجر بالإضافة.
لأن "معطيك" مجرد من مانعيها، وهما: التنوين والألف واللام.
وعنده أن الكاف من "زيد المعطيك" في موضع نصب؛ لأن
__________
1 الورقة 46 أوب.(1/122)
الظاهر الواقع موقعه يحق له النصب؛ لأن فيه أحد ما نعي الإضافة.
وحكى الأخفش لهذا الضمير بالنصب -مطلقًا، وحكم الرماني، والزمخشري بالجر -مطلقًا- وهو أحد قولي المبرد.
وأجاز الفراء الوجهين.
ثم قال المصنف:
والصحيح ما رآه سيبويه؛ لأن الظاهر هو الأصل، والمضمرات نائبة عنه، فلا ينسب إلى شيء منها ما لا ينسب إليه إلا فيما لا مندوحة عنه من مواضع الشذوذ.
وما نحن بصدده لم تدع حاجة إلى إلحاقه بالشواذ، فوجب صرفه عن ذلك".
11- الضرورة ما ليس للشاعر عنه مندوحة:
والضرورة عند المصنف ما ليس للشاعر عنه مندوحة، هو بذلك متابع لسيبويه فقد نبه سيبويه -رحمه الله- على أن ما ورد في الشعر من المستندرات لا يعد اضطرارًا، إلا إذ لم يكن للشاعر في إقامة الوزن، وإصلاح القافية عند مندوحة.
ويظهر رأي المصنف في الضرورة في أماكن متعددة منها قوله1 في حديثه عن "ال" الموصولة:
"ولما كانت "ال" الموصولة بلفظ المعرفة كره وصلها بجملة صريحة، والتزم كون صلتها صفة في اللفظ مئولة بجملة فعلية.
__________
1 الورقة 8 ب.(1/123)
ولتأولها بجملة فعلية حسن عطف الفعل عليها كقوله -تعالى: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا، فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} 1.
وقد وصلت بالفعل المضارع، ولم يقع ذلك إلا في الشعر كقوله:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
وأنشد أبو زيد:
أتاني كلام التغلبي ابن ديسق ... ففي أي هذا ويله يتسرع
يقول الخنا، وأبغض العجم ناطقًا ... إلى ربها صوت الحمار اليجدع
قال المصنف:
وليس هذا فعل مضطر بل فعل مختار لتمكنهما من أن يقولا:
ما أنت بالحكم المرضي حكومته ... ............................
و........................... ... صوت الحمار يجدع
وإلى هذا أشرت بقولي:
ومن رأى أطراد ذا فما وهن
أي: فما ضعف رأيه"
ثم قال المصنف:
"وأما قول الشاعر:
من القوم الرسول الله منهم ... لهم دانت رقاب بني معد
فنادر معدود من الضرورات؛ لأن الألف واللام بمعنى "الذين"، ولا يتأتى الوزن إلا بما فعل".
__________
1 الآيتان رقم "3 و 4" من سورة "العاديات".(1/124)
12- حق العامل أن يكون مختصًا:
من ذلك قوله يتحدث عن إعمال "ما" عمل "ليس"1.
لغة بني تميم في ترك إعمال "ما" أقيس من لغة أهل الحجاز -كذا قال سيبويه- وهو كما قال.
لأن العامل حقه أن يمتاز من غير العامل بأن يكون مختصًا بالأسماء إن كان من عواملها، كحروف الجر.
ومختصًا بالأفعال إن كان من عواملها كحروف الجزم.
13- ما لا يعمل لا يفسر عاملًا:
من ذلك قوله في باب الاشتغال2:
"الثاني من مانعي النصب أن يكون بين الاسم والفعل أحد الأشياء، التي لا يعمل ما بعدها فيما قبلها كالاستفهام، و "ما" النافية، ولام الابتداء، وأدوات الشرط، كقولك:
"زيد هل رأيته"؟
و"عمرو متى لقيته"؟
و"خالد ما صحبته".
و"بشر لأحبه"
و"الحق إن الفتنة فلحت"
فالرفع بالابتداء متعين في "زيد" و"عمرو" و"خالد" و"بشر" و"الحق" لتقدمها عن الاستفهام و"ما" النافية، ولام الابتداء، وأداة
__________
1 الورقة 15 ب.
2 الورقة 24 ب.(1/125)
الشرط، وجميعها لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وما لا يعمل لا يفسر عاملًا".
14- المؤثر والمتأثر غَيْران:
ومن ذلك قوله في "باب المفعول المطلق"1:
من المصادر الملتزم إضمار ناصبها المؤكد به كلام يتضمن معناه دون لفظه.
فإن لم يكن للكلام محتمل غيره نحو: "له علي درهمان عرفًا أو اعترافًا" سمي مؤكدًا لنفسه؛ لأنه بمنزلة إعادة ما قبله، فكأن الذي قبله نفسه.
وإن كان له محتمل غيره نحو: "هو ابني حقًا" سمي مؤكدًا لغيره؛ لأنه يجعل ما قبله نصًا بعد أن كان محتملًا، فهو مؤثر، والمؤكد به متأثر.
والمتأثر والمؤثر غَيْرَان.
15- تقديم المفسر على المفسر مغتفر:
من ذلك قوله في "باب التنازع" يشرح قول في النظم:
ونحو ترضيه ويرضيك قدر
ومثله لو شاع لم يعد النظر
إذ قال2:
وقولي و................................ ... ومثله لو شاع لم يعد النظر
أي: لو شاع إثبات الضمير المنصوب مع المتقدم المهمل
__________
1 الورقة 27 ب.
2 الورقة 26 أ.(1/126)
لكان له وجه من النظر؛ لأن فيه تقديم مفسر على مفسر فيغتفر.
كما اغتفر تقديم غيره من المفسرات على مفسراتها".
16- الفرع يتضمن الأصل وزيادة:
قال المصنف1:
"الفعل مشتق من المصدر؛ لأن المشتق فرع، والمشتق منه أصل.
وكل فرع يتضمن الأصل وزيادة عليه.
ولا شك في أن الفعل يتضمن المصدر والوقت فثبتت فرعيته، وأصلية المصدر؛ لأنه دل على بعض ما يدل عليه الفعل.
وهذا مذهب البصريين وهو الصحيح".
ثم قال:
"وبنفس ما ثبتت به فرعية الفعل ثبتت به فرعية أسماء الفاعلين، وأسماء المفعولين.
فإن "ضاربا" مثلًا يتضمن المصدر وزيادة الدلالة على ذات الفاعل للضرب.
و"مضروب" يتضمن المصدر وزيادة الدلالة على ذات الموقع به الضرب، فهما مشتقان من الضرب".
17- الفرع لا يرجع على الأصل:
قال في "باب الحروف الناصبة المبتدأ الرافعة الخبر"2:
__________
1 الورقة 27 أ.
2 الورقة 18 أ.(1/127)
"وأجاز الأخفش نحو: "إني لبك وثقت" مع أنه لا يجيز "إني بك لوثقت".
ومعلوم أن اللام إنما دخلت على معمول الخبر لوقوعه قبل الخبر من أجل أنه واقع موقعه، فكأنها دخلت عليه.
فإن لم يكن هو صالحًا لها فلا حظ لمعموله فيها، وإلا لزم ترجيح الفرع على الأصل".
18- المجرد من الزيادة أصل للمزيد فيه:
ومن ذلك قول المصنف يعلل كون "إن" المكسورة أصل لـ"أنَّ" المفتوحة1:
"إن -المكسورة مستغنية بمعموليها عن زيادة، والمفتوحة لا تستغني عن زيادة.
والمجرد من الزيادة أصل للمزيد فيه".
19- المرجوع إليه بحذف أصل للمتوصل إليه بزيادة:
ومن ذلك قوله -أيضًا- يبين أن "أن" المفتوحة فرع "إن" المكسورة إذ قال2:
"لأن المفتوحة تصير مكسورة بحذف ما تتعلق به كقولك في "عرفت أنك بر": "إنك بر".
ولا تصير مفتوحة المكسورة إلا بزيادة كقولك في "إنك بر":
"عرفت أنك بر".
__________
1 الورقة 17 ب.
2 نفس المرجع والصفحة.(1/128)
والمرجوع إليه بحذف أصل للمتوصل إليه بزيادة".
20- ما يدل عليه دليل يجوز حذفه:
من ذلك قوله في "باب أفعال المقاربة"1:
"إذا دل دليل على خبر هذا الباب جاز حذفه، كما يجوز في غير هذا الباب حذف ما ظهر دليله".
21- حذف الجزء أسهل من حذف الكل:
22- بقاء ما يدل أبدًا أولى من بقاء ما يدل في بعض الأحيان: من ذلك قوله 2:
"فليعلم أن أصل "تفعلان": "تفعلانن" فاستثقوا توالي الأمثال، فحذفت نون الرفع.
وكانت أولى بالحذف؛ لأنها جزء كلمة، والمؤكدة كلمة قائمة مقام تكرار الفعل.
وحذف ما هو جزء أسهل من حذف ما هو ليس جزءًا.
ولأن المؤكدة تدل على معنى، ونون الرفع لا تدل في الغالب على معنى، وبقاء ما يدل أبدًا أولى من بقاء ما يدل في بعض الأحوال".
23- حذف ما عهد حذفه أولى:
ومن ذلك قوله يتحدث عن "أما"3:
"وقد يليها "إنْ" فيغني جواب "إما" عن جوابها كقوله -تعالى:
__________
1 الورقة 16 ب.
2 الورقة 2 أ.
3 الورقة 78 أ.(1/129)
{فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} 1.
وقد تقدم أن الجواب لأول الشرطين المتواليين نحو قوله -تعالى: {إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} 2.
فإذا كان أول الشرطين "إما" كانت أحق بذلك من وجهين:
أحدهما: أن جوابها إذا انفرد لا يحذف أصلًا، وجواب غيرها إذا انفرد يحذف كثيرًا لدليل.
وحذف ما عهد حذفه أولى من حذف ما لم يعهد حذفه.
الثاني: إن "إما" قد التزم معها حذف فعل الشرط، وقامت هي مقامه، فلو حذف جوابها لكان ذلك إجحافًا.
و"إن" ليست كذلك.
24- النظير ملحق بنظيره:
من ذلك قوله في "باب العطف"3:
"و"إما" المسبوقة بمثلها عاطفة عند أكثر النحويين.
ومذهب ابن كيسان، وأبي علي أن العطف إنما هو بالواو قبلها، وهي جائية لمعنى من المعاني المفادة بـ"أو".
وبقولهما أقول.
لأن في ذلك تخلصًا من دخول عاطف على عاطف.
__________
1 الآية رقم "88" من سورة "الواقعة".
2 من الآية رقم "34" من سورة "هود".
3 الورقة 56 أ.(1/130)
ولأن وقوعها بعد الواو مسبوقة بمثلها شبيه بوقوع "لا" بعد الواو مسبوقة بمثلها في مثل "لا زيد ولا عمرو فيها".
و"لا" هذه غير عاطفة بإجماع، فلتكن "إما" مثلها إلحاقًا للنظير بالنظير".
25- ما يؤدي إلى عدم النظير يجب اجتنابه:
من ذلك قوله في "باب الترخيم في النداء"1:
"ومما انفرد به الفراء ترخيم الثلاثي المحرك الوسط كـ"حكم"
فإنه إذا قيل في ترخيم "ياحك" يلزم منه عدم النظير، إذ ليس في الأسماء المتمكنة ما هو على حرفين ثانيهما محرك كـ"غد" و"يد".
فلو كان الثلاثي ساكن الثاني كـ"بكر" لم يجز ترخيمه بإجماع؛ لأن ترخيمه موقع في عدم النظير".
26- لا يجمع بين البدل والمبدل منه:
من ذلك قوله في "باب المفعول المطلق"2:
"يستغني بذكر المصدر الذي له فعل عن فعله في الخبر، والدعاء، والأمر والنهي.
فمثال ذلك في الخبر قول القائل عند تذكر نعمة "حمدًا وشكرًا لا كفرًا"، وعند تذكر شدة: صبرًا لا جزعًا.
ومثال الدعاء: سقيا ورعيا، وجدعا وبعدا
__________
1 الورقة 62 ب.
2 الورقة 27 ب.(1/131)
ومثال الأمر والنهي قوله: "قيامًا لا قعودًا" أي: قم لا تقعد.
ومن الأمر قوله -تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَاب} ، أي: فاضربوا الرقاب.
ومنه قول الشاعر:
فصبرا في مجال الموت صبرا ... فما نيل الخلود بمستطاع
فإضمار الناصب في هذا، وما أشبهه لازم؛ لأن المصدر بدل من اللفظ به، فذكره جمع بين البدل والمبدل منه".
27- ما استلزم ممتنعًا فهو ممتنع:
من ذلك قوله1:
"وقد يرجح انفصال ثاني مفعولي "ظن" بأنه مع كونه خبر مبتدأ في الأصل منصوب بجائز التعليق، والإلغاء.
ومع التعليق والإلغاء لا يكون إلا منفصلًا فكان انفصاله مع الإعمال أولى.
وهذا الاعتبار -أيضًا- يستلزم ترجيح انفصال المفعول الأول، وهو ممتنع بإجماع، وما استلزم ممتنعًا فهو حقيق بأن يمنع".
28- الأمر المبقى للأصل غالب للمخرج عنه:
29- حمل الشيء على ما هو من نوعه أولى:
ومن ذلك قوله يتحدث عن "أي"2:
"إن كانت -يقصد أي- استفهامية ففيها شبه حرف الاستفهام. وإن كانت شرطية فيها شبه حرف الشرط.
__________
1 الورقة 5 ب.
2 الورقة 5 أ.(1/132)
وإن كانت موصولة فهي كالحروف في الافتقار إلى جملة، إلا أن لشبه الحرف في "أي" معارضًا بما فيها من شبه الأسماء المتمكنة بالإضافة، التي انفردت بها من بين أخواتها.
فهي بمعنى "كل" إذا أضيفت إلى نكرة.
وبمعنى "بعض" إذا أضيفت إلى معرفة.
فحمى "أيا" عن التأثر بشبه الحرف شبهها بـ"بعض" و"كل" في المعنى والإضافة.
وكان اعتبار شبه "بعض" و"كل" أولى من اعتبار شبه الحرف لوجهين:
أحدهما: أن شبه الحرف يخرج عن حكم الأصل، وشبه البعض والكل مبق على الأصل.
والمبقي على الأصل غالب للمخرج عنه.
الثاني: أن حمل "أي" على "كل" و"بعض" من باب حمل الشيء على ما هو من نوعه للاشتراك في الاسمية.
فهو أولى من حمل "أي" على الحرف لتحالفهما في النوعية.(1/133)
أمور في الكتاب تثير الانتباه
1- التفاوت في الشرح:
سار المصنف -رحمه الله- في معالجة الموضوعات سيرًا عجيبًا من الصعب تفسيره إلا بأمر واحد، هو أن الشرح تم في أزمنة مختلفة، متباعدة أو متقاربة.
ذلك أنه في أول الكتاب، وفي آخره توسع ظاهر، وفيما بين ذلك إيجاز بشكل ملحوظ.
فالمؤلف يذكر البيت أو البيتين في بداية الكتاب، ثم يتلو ذلك بشرح مستفيض تظهر فيه براعته، وقدرته، ومحصوله العلمي الغزير.
فإذا تابع القارئ السير، ووصل إلى "باب لا العاملة عمل إن" رأى الشارح وقد جمع واحد وعشرين بيتًا تحدث عنها جميعًا في صفحتين "19 ب، 20 أ" بينما استغرق شرح مثل هذا العدد من الأبيات أول الكتاب ضعف هذا العدد من الصفحات.
وإذا واصل القارئ السير في الكتاب حتى وصل إلى "باب عطف النسق" رأي المصنف يجمع خمسة وثلاثين بيتًا تحدث فيها جميعًا في ثلاث صفحات هي 55 أوب و 56 أونصف صفحة 97 أ.(1/134)
فإذا استمر القارئ في سيرة، فوصل إلى "باب النسب" رأى المصنف قد جمع واحدًا وتسعين بيتًا استغرق شرحها زهاء ثلاث صفحات، ونصف1 أي: نفس القدر الذي استغرقه شرح "باب عطف النسق".
فإذا وقف بالقارئ المسير عند "فصل يبين فيه ما يصرف، وما لا يصرف وما يتعلق بذلك2" أبصر المصنف، وقد عاد إلى سالف عهده حين بدأ الكتاب، وسار على المنهج الذي سار عليه هناك، فأفرد البيت والبيتين بالشرح المستفيض.
2- التفاوت في الاستشهاد:
وعلى العكس من منهج المصنف في الشرح كان منهجه في الاستشهاد، ويتضح ذلك مما يلي:
من يتصفح الصفحات الثلاث الأوليات، ويحصي ما فيها من الشواهد يجدها كما يأتي:
أ- حديثًا نبويا واحدًا.
ب- أربعة أبيات من الشعر.
ولا يجد لآيات القرآنية في هذه الصفحات أثرًا.
فإذا ترك هذه الصفحات، وانتقل إلى الثلاث الصفحات التي تليها، ويحصي الشواهد الواردة فيها يجدها كما يلي:
أ- تسع آيات من القرآن الكريم.
__________
1 ص 95 ب، 96 أوب وأقل من نصف 97 أ.
2 ص 99 أوما بعدها.(1/135)
ب- حديثًا نبويًا واحدًا.
جـ- عشرين بيتًا من الشعر.
ولا يزال المصنف يتوسع في إيراد الشواهد، حتى يكاد يصبح الاستشهاد من أهم مميزات هذا الكتاب.
وقد يقتصد في الاستشهاد كقوله في "فصل دخول الفاء في خبر المبتدأ"1.
"إذا دخل شيء، من نواسخ الابتداء على البمتدأ الذي اقترن خبره بالفاء، أزال الفاء إن لم يكن "إن" أو"أنَّ" أو"لكن" بإجماع المحققين.
فإن كان واحدًا منهن جاز بقاء الفاء. نص على ذلك سيبويه في "إن" و"أن" -وهو الصحيح الذي ورد به القرآن كقوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} 2.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} 3.
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} 4.
{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} 5.
__________
1 الورقة 12 ب.
2 من الآية رقم "13" من سورة "الأحقاف".
3 من الآية رقم "91" من سورة "آل عمران".
4 من الآية رقم "21" من سورة "آل عمران".
5 من الآية رقم "8" من سورة "الجمعة".(1/136)
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} 1.
ومثال ذلك مع "لكن" قول الشاعر:
بكل داهية ألقى العداة وقد ... يظن أني من مكري بهم فزع
كلا ولكن ما أبديه من فرق ... فكي يغروا فيغريهم بي الطمع
ومثله قول الآخر:
فوالله ما فارقتكم قاليًا لكم ... ولكن ما يقضي فسوف يكون
وقد يسرف المصنف في الاستشهاد إسرافًا، كما في حديثه عن "سوى"2 في "باب الاستثناء".
ويستمر على هذا المنهج بين إسراف، واقتصاد يحشد ما يحشد من الشواهد من القرآن الكريم، والحديث الشريف، ومن عيون الشعر، وكلام العرب المروي عن الفصحاء حتى إذا ما أدرك "فصل يبين فيه ما يصرف وما لا يصرف، وما يتعلق بذلك"3 رجع إلى سالف العهد به أول الكتاب، فتمر صفحات، وصفحات لا يتخللها شاهد واحد.
3- إحالة القارئ إلى مصنفات له أخرى:
ربما كان التزام المصنف بما أورده في المقدمة من أن هذا الشرح سيكون مختصرًا "تخف معه المئونة" حاملًا له على إحالة القارئ المستزيد للمعرفة إلى كتاب له آخر.
__________
1 من الآية رقم "41" من سورة "الأنفال".
2 الورقة 30 ب.
3 الورقة 99 ب.(1/137)
من ذلك قوله في "فصل المعرف بالأداة"1:
"اللام وحدها هي المعرفة عند سيبويه، والهمزة قبلها همزة وصل زائدة.
وهي عند الخليل همزة قطع عوملت معاملة همزة الوصل لكثرة الاستعمال، وهي أحد جزأي الأداة المعرفة.
وقول الخليل هو المختار عندي.
وبسط الاحتجاج لذلك مستوفي في "شرح تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد" فلينظر هناك".
وقوله في "باب الابتداء"2:
"تقدم تنبيه على أن المبتدأ مرفوع بالابتداء إذ قلت:
المبتدأ مرفوع معنى.............. ... .................................
إذ ليس مع المبتدأ معنى إلا الابتداء.
وأما الخبر فرافعه المبتدأ وحده، أو الابتداء وحده، أو المبتدأ والابتداء معًا.
هذه الثلاثة أقوال البصريين.
والأول قول سيبويه، وهو الصحيح.
والاستدلال على صحته، وضعف ما سواه يفتقر إلى بسط، وهو أليق بكتابي الكبير، فمن أحب الوقوف عليه فليسارع إليه.
وقد ذكر مستوفيًا"
__________
1 الورقة 10 أ.
2 الورقة 10 ب.(1/138)
4- الوقوع فيما نهى عنه:
قد يشير المصنف إلى أمر بأنه مخالف وينبغي العدول عنه، ثم بعد قليل يرتكب هذا الأمر.
من ذلك قوله في "فصل الموصول"1.
"التعبير بـ"ال" أولى من التعبير بالألف واللام، ليسلك في ذلك سبيل التعبير عن سائل الأدوات كـ"هل" و"بل".
فكما لا يعبر عن "هل" و"بل" بالهاء واللام، والباء واللام بل يحكي لفظهما، كذا ينبغي أن يفعل بالكلمة المشار إليها.
وقد استعمل التعبير بـ"ال" الخليل وسيبويه -رحمها الله"، وقبل أن يترك المصنف الحديث في هذا الباب، وقع فيما نهى عنه وذلك كقوله2:
"وإن كان الموصول الألف واللام، أو حرفًا مصدريًا لم يجز تقديم المعمول؛ لأن امتزاج الألف واللام والحرف المصدري بالعامل آكد من امتزاج غيرهما به".
فإذا ما جاوز المصنف هذا الفصل لم يتنبه إلى ما أشار إليه من قبل فشاع هذا التعبير عنده كقوله3:
قد يسمى باسم فيه الألف واللام فلا تفارقانه؛ لأنهما منه بمنزلة سائر حروفه.
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 8 ب".
2 شرح الكافية الشافية "الورقة 9 ب".
3 شرح الكافية الشافية "الورقة 10 ب".(1/139)
ومن ذلك الألف واللام والمفتتح بهما "الله" في أصح القولين.
ومن ذلك الألف واللام في "اليسع".
ومن ذلك الألف واللام في "ذي الكلاع" -وهو علم لأحد أقيال حمير.
ومن ذلك الألف واللام في "اللات".
وقد زيدت الألف واللام على سبيل اللزوم في "الأن" و"الذي" و"التي".
5- اختلاف التعبير بين النظم والشرح:
وقد يبدو أن المصنف قد رجع في الشرح عن رأي له في النظم، لاختلاف عبارته في الشرح عن النظم.
وذلك كجعله الفصل بين حرف الجر ومجروره قليلًا بعد أن جعله في النظم اضطرارًا حين قال:1.
والفصل بين حرف جر والذي
جر به لدى اضطرار ذا احتذى
وقال في الشرح:
"المشهور الفصل بين المضاف والمضاف إليه، وكما فصل بين المضاف والمضاف إليه فصل بين حرف الجر والمجرور، إلا أنه قليل ومنه قول الشاعر -أنشده أبو علي.
إن عمرا لا خير في -اليوم- عمرو
إن عمرا محبر الأحزان
ففصل بـ"اليوم" بين "في" و"عمرو".
وقال الفرزدق:
__________
1 شرح الكافية الشافية "الورقة 36 أ".(1/140)
وإني لأطوي الكشح من دون ما انطوى
وأقطع بالخرق الهبوع المراجم
والمتأمل لما أورده المصنف من أمثلة يراها فعل مضطر؛ لأنها وقعت في النظم، وليس للشاعر عنها مندوحة. ومثل هذا يعده المصنف من قبيل الضرورة.
فمن الحق القول: إن المصنف لم يرجع عن رأيه في النظم، وإنما الأقرب أن يقال: إن التعبير قد خانه في الشرح.
6- عبارتان:
وردت في ثنايا الكتاب عبارتان تدعوان القارئ للوقوف أمامهما، وهاتان العبارتان هما:(1/141)
وكما هو ظاهر وردت العبارتان في جميع النسخ في نفس الموضع، وإن اختلف لفظهما من نسخة لأخرى.
وبالنظر إلى هاتين العبارتين، واختلافهما يتضح ما يلي:
1- أن نسخة الأصل اعتمدت على نسخة كتبت في عهد المصنف، وبلغت -كما قال الناسخ1- بأصل عليه خط المصنف -رحمه الله.
2- أن المصنف عني بهذا الكتاب، فأملاه في حياته بدليل قول الناسخ -أدام الله بقاءه.
3- أن الدارسين تداولوا هذا الكتاب، وأفادوا منه منذ فجر تأليفه.
7- الاستطراد:
وتلوح في الكتاب ومضات من الاستطرادات، التي لا يوجد ما يدعو إليها ومن ذلك قول المصنف يشرح البيت الآتي في "باب الحال"2.
والتزموا تأخيره في نحو "لن
يفوز فذا بالمنى إلا الحسن"
إذ قال:
الإشارة إلى الحسن بن علي -رضي الله عنهما- وإلى ما فاز به من الثواب الجزيل والثناء الجميل، إذ أذعن لمصالحة معاوية -رضي الله عنه- فأغمد بفعله سيف الفتن تصديقًا لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
__________
1 الورقة 99 ب.
2 الورقة 32 أ.(1/142)
"إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله بن بين فئتين عظيمتين من المسلمين".
فهذا كلام لا موضع له في كتب النحو، وإنما الأجدر به كتب التاريخ والسير.(1/143)
نسخ التحقيق:
النسخة الأولى:
chester. beatty libtary. 124
"مخطوطة "شستربيتي" رقم 4580" خاص 124.
وتقع في 114 ورقة، مسطراتها 33 سطرًا وجاء في صدرها:
"هذا كتاب "شرح الكافية الكبرى" لأوحد الفضلاء، تذكره أبي عمرو وسيبويه والفراء، وحيد الدهر، فريد العصر/ جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك، الجياني، الطائي الشافعي، النحوي صاحب التصانيف المفيدة -رحمه الله رحمة واسعة- وغفر لنا وله ولسائر المسملين أجمعين".
وجاء في نهايتها:
"تم الكتاب بحمد الله ومنه، والحمد لله أولًا وآخرًا، وظاهرًا, وباطنًا، وصلواته وسلامه على سيدنا محمد النبي، وآله الطيبين الطاهرين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
واتفق إنجاز هذا الكتاب في منتصف شهر المحرم من سنة ثماني عشرة وسبعمائة الهجرية الهلالية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام".(1/144)
ويلاحظ على هذه النسخة ما يلي:
1- كتابتها في عهد مبكر قريب من المصنف، إذ أنها كتبت بعد وفاته ببضع وأربعين سنة.
2- النسخة كاملة، ومكتوبة بخط النسخ المشكول، وسقطاتها نادرة.
3- اشتمالها على أبيات لا توجد في غيرها من النسخ.
4- عليها حواش للمصنف.
5- بلغت مقابلة بأصل عليه خط المؤلف، وأثبت ذلك في هامش النسخة، ولا يفتأ الناسخ ينبه على ذلك من وقت لآخر حتى بلغت تنبيهاته بضعة عشر.
ولما كانت هذه النسخة كذلك جعلتها الأصل الذي اعتمدت عليه في التحقيق. ورمزت إليها بكلمة "الأصل".
- النسخة الثانية:
نسخة دار الكتب والوثائق المصرية مخطوطة رقم 264 نحو وقد جاء في نهايتها:
"تم الكتاب، والحمد لله رب العالمين على يد الفقير إلى الله تعالى أحمد بن لولو بن عبد الله الشافعي، الشهير بابن النايب -غفر الله له ولوالديه، ولجميع المسلمين.
وكان الفراغ من تعليقه لليلتين بقيتا من شعبان سنة ست وخمسين وسبعمائة.
ويلاحظ على هذه النسخة ما يلي:(1/145)
1- أنها كاملة وعدد أوراقها 268.
2 كتبت بخط النسخ المعتاد، قد يضبط أحيانًا.
3- سقطاتها قليلة.
4- الراجح أنه اشترك في كتابتها أكثر من ناسخ يدل على ذلك أن الأوراق من "11-18" كتبت بخط مخالف لما قبلها ولما بعدها، فقد كتبت بخط فارسي بقلم رفيع، فأصبحت مسطرتها 28 سرطًا في الصفحة.
كما أنها اختلفت مع ما قبلها في المداد، وفي التنظيم.
ومن المستبعد أن تكون هذه الوريقات سقطت من النسخة، أو ضاعت فحاول مالكها تعويضها.
ذلك أن خط الناسخ قبلها وبعدها متحد، لكنه مختلف في مسطرات الصفحات.
فالصفحات السابقة من قبل مسطرتها 23 سطرًا.
والصفحات اللاحقة من بعد مسطراتها 21 سطرًا.
والكاتب واحد، والمداد غير مختلف، والتنظيم هو التنظيم.
فلعل الناسخ بدأ الكتابة حتى أنهى عشر ورقات، ثم جاء غيره فكتب ثماني ورقات، فلما عاد الناسخ الأول ليكمل لم يتنبه لعدد مسطراته في الصفحات الأولى، فكتب بمسطرات جديدة، أو لعله تنبه، ولكن زاد العدد.
5- لم يشر الناسخ الأصل الذي اعتمد عليه، ولا إلى بلوغها مقابلة بنسخة أخرى.
وقد أشرت إلى هذه النسخة بالرمز "ك"(1/146)
- النسخة الثالثة:
نسخة مكتبة العروسي "إحدى المكتبات الملحقات بالمكتبة الأزهرية" رقم 3279 نحو جاء في صدرها:
"هذا شرح الكافية الشافية للإمام أبي عبد الله بن مالك".
وجاء في نهايتها:
"تم الكتاب، والحمد لله رب العالمين.
وكان الفراغ منه يوم الأربعاء المبارك الموافق سبعة خلت من شهر ربيع الآخر الذي هو من شهور سنة 1292 هـ اثنتين وتسعين ومائتين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة، وأتم التحية، بيد الفقير محمد مكي العدوي -عفا الله عنه، وعن المسلمين آمين آمين.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم".
ويلاحظ على هذه النسخة ما يلي:
1- تقع في 262 ورقة مسطراتها 25 سطرًا.
2- كتبت بخط الرقعة المعتاد غير المشكول.
3- استعمل الناسخ بعض اصطلاحات منها:
ح = حينئذ ظه = الظاهر
أيض = أيضًا.
4- النسخة كاملة، وكتبت في زمن متأخر.
5- سقطاتها قليلة، وإن كانت أكثر من سابقتيها.
6- لم يشر الناسخ إلى النسخة التي اعتمد عليها، واستنسخ(1/147)
منها. وإن كان من المحتمل أنه اعتمد على نسخة دار الكتب، والوثائق المصرية رقم 264، وهي النسخة المشار إليها هنا بـ"ك".
ولا يؤكد ذلك توافقهما الظاهر، فربما كان الناسخان معتمدين على أصل واحد.
وقد أشرت إلى هذه النسخة بالرمز "ع".
النسخة الرابعة:
مخطوطة المكتبة الأزهرية رقم 5591 أوراقها 140 ورقة ومسطراتها 27 سطرًا وطولها 28 سم، وجاء في نهايتها:
"كمل الكتاب بحمد الله وعونه، وصلاته على سيدنا محمد وآله، ورضي الله عن الصحابة أجمعين.
ووافق الفراغ منه يوم الثلاثاء تاسع عشر شوال سنة أربعين وسبعمائة أحسن الله تقضيها في خير، وعافية لمحمد وآله.
كاتبه العبد الفقير محمد بن أحمد بن سالم الجعفري -رحم الله من دعا له بالموت على التوحيد، وغفر له ولمالكه، وللناظر فيه ولجميع المسلمين.
ملكه الشيخ الإمام القدوة مفتي المسلمين، نور الدين أبي الحسن القليني -أمده الله بالتقوى، وكان له عونًا في السر والنجوى آمين".
ويلاحظ على هذه النسخة ما يلي:
1- كتابتها في عهد قريب بالمصنف.
2- توافقها في كثير من المواضع مع الأصل مما يدل على(1/148)
اتحاد الأصل الذي اعتمدا عليه، وهو نسخة المصنف، أو على أصل نسخ منها. يؤكد ذلك أو يرجحه أنه في بعض المواضع، التي تحدث فيها المصنف عن نفسه جاءت العبارة في هذه النسخة في الموضعين "قال محمد":
أما في النسخة الثاني والثالثة، فالعبارة فيهما "قال المصنف رحمه الله" "قال الشيخ العلامة جمال الدين -رحمه الله".
3- كتبت بخط النسخ المعتاد، غير مضبوط بالشكل.
4- ضاع من أولها ثلاث ورقات تقريبًا، كما فقد منها عدة أوراق في مواضع متفرقة.
وقد جاء ترقيمها متأخرًا فلم يظهر الخرم إلا في الأول، أما في الداخل فلا يظهر إلا بعد موازنتها بباقي النسخ.
5- شيوع السقطات من الناسخ، وبخاصة إذا وردت كلمتان متشابهتان في موضعين متقاربين، فإنه ينتقل من الموضع الأول إلى الموضع الثاني تاركًا ما بين الكلمتين.
6- في الورقة الأخيرة طمس من آثار الرطوبة.
7- كثرة الأخطاء الإملائية.
8- سقوط علامة النظم "ص"، أو علامة النظم "ش" أو وضعهما في غير موضعهما مع كتابة النظم في صورة النثر أدى إلى تداخل النظم في الشرح في كثير من الأحيان، وقد رمزت إلى هذه النسخة بالرمز "هـ".
وبجانب النسخ المشروحة من كتاب "شرح الكافية الشافية"، اعتمدت على نسخ للأرجوزة هي:(1/149)
1- النسخة "ش":
وهي مخطوطة دار الكتب والوثائق المصرية رقم 239 نحو.
وجاء في صدرها: "الكافية الشافية. تأليف ابن مالك.
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله".
وجاء في نهايتها:
"كمل الكتاب الموسوم بـ"الكافية الشافية" بحمد الله ومنه ويمنه".
ويلاحظ على هذه النسخة ما يلي:
- لم تشتمل على تقديم للراجز.
ويحتمل أن يكون "بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله" هو من كلام الناظم، ولم يزد على ذلك اكتفاء بما ورد في النظم من تقديم.
- جاء في آخر النسخة:
"العبد الفقير إلى الله العلي الكبير، خليل وهبة الصباغ يوم لخميس المبارك أحد عشر جمادى آخر سنة 1191".
ولم يوضح العبد الفقير هل هو كاتب المخطوطة أم مالكها؟
ولكن الذي يرجح احتمال أن كاتبها أن المعهود ممن يكتبون التمليكات فوق الكتب غالبًا ما يغفلون تفصيل يوم تملكهم للكتاب، وإنما يكتفون بذكر العام وإن زادوا أثبتوا الشهر.
- كتبت المخطوطة بخط معتاد.
- النسخة كاملة.(1/150)
- لم ينبه الناسخ على الأصل الذي اعتمد عليه, وإنما اكتفى بقوله: "بلغت مقابلة بحسب الإمكان".
- تقع النسخة في 81 ورقة مسطراتها 18 سطرًا.
2- النسخة "س":
وهي المخطوطة رقم 4990 المحفوظة في مكتبة ناشيونال لاي برلي بمدريد -أسبانيا.
ويلاحظ على هذه النسخة ما يلي:
- تقع في 96 ورقة مسطراتها 15 سطرًا.
- خطها مغربي غير مشكول.
- أدى فقد الصفحة الأخيرة إلى فقد تسعة أبيات من النظم مع تاريخ النسخ.
- تلتقي كثيرًا مع "الأصل" الذي اعتمدت عليه، وبالمحفوظ في "شستربيتي" وهذا يرجح أنها كتبت في عهد مبكر.
فإذا أضيف إلى ذلك أن شمس العرب آذنت بالمغيب من الأندلس في القرن الثامن الهجري رجحت هذه النظرة.
3- النسخة "ط":
وهي النسخة المطبوعة من أرجوزة "الكافية الشافية"، وتقع في 148 صفحة. وتولت طبعها "مطبعة الهلال بالفجالة" بمصر.
على نفقة شركة الإسلام بمكة المشرفة، وتاريخ الطبع هو 1914 م-1332 هـ.
وجاء في صدر هذه النسخة:(1/151)
"متن الكافية الشافية في علم العربية، تأليف الإمام العلامة، والعمدة الفهامة، جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الأندلسي، ثم الدمشقي -رضي الله عنه- ونفعنا به آمين".
وجاء في نهايتها:
"الحمد لله وحده، وصلى الله على خير خلقه محمد النبي - ورضي الله عن الصحابة وسائر الزوجات، والقرابة وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه آمين. لعبد الله بن عبد العزيز باشيبان".
ويلاحظ على هذه النسخة ما يلي:
- عدم إيماء المشرف على الطبع إلى النسخة، أو النسخ التي اعتمد عليها مع إشارته كثيرًا إلى رواية أخرى لكلمة أو لشطر بيت، مما يدل على أنه اعتمد على أكثر من نسخة.
- كثرة الأخطاء، وبخاصة أخطاء الضبط بالشكل.
- النسخة كاملة ومسطراتها 20 سطرًا.
ومما يجدر التنبيه عليه أنني لم أشر في التحقيق إلى أخطاء الضبط بالشكل كما أغفلت الإشارة إلى الأخطاء الإملائية، أو ما رجح عندي أنه أخطأ مطبعية باعتبار أن هذه أمور يصعب الاحتراز منها في الطباعة.(1/152)
باسمك اللهم، هذا كتاب شرح الكافية الكبرى:
لأوحد الفضلاء، تذكرة أبي عمرو وسيبويه والفراء، وحيد الدهر، فريد العصر، جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الجياني، الطائي الشافعي النحوي، صاحب التصانيف المفيدة رحمه الله رحمة واسعة، وغفر له ولنا، ولسائر المسلمين أجمعين آمين.(1/153)
خطبة الكافية الشافية
مدخل
...
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الكافية الشافية:
وبه ثقتي1:
قال شيخنا الإمام العلامة الفاضل، المتقن، البارع، أوحد الفضلاء، جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك، الجياني، الطائي -نفع الله به. وأعاد من بركته- حامدًا، ومصليًا، ومثنيًا2:
سألني بعض الألباء3، المعتنين بحقائق الأنباء أن أتلو "الكافية الشافية" بشرح تخف معه4 المئونة5، وتحف به
__________
1 سقط من ك وع "وبه ثقتي" وقد تأخرت هذه المقدمة في الأصل عن خطبة النظم.
2 هكذا في الأصل. وهذا يدل على أنه اعتمد على نسخة كتب في حياة المصنف، فأثبت الناسخ ذلك ولم يغيره. أما في ك وع، فجاءت المقدمة كما يلي:
"قال الشيخ الإمام، العالم العلامة، ترجمان الأدب ولسان العرب، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك، الطائي، الجياني -تغمده الله برحمته".
3 الألباء جمع لبيب. وهو العاقل.
4 في الأصل "به".
5 المئونة: التعب.(1/154)
المعونة، ويكون به الغناء مضمونًا، والعناء مأمونًا، فأجبت دعوته دون توقف، وأنجزت عدته دون تخلف، واستوهبت من الله التمكين من التطلف في حسن التصرف، والتأمين من التعسف1 والتكلف، وأن يجعل ذلك مفتتحًا بخلوص النية، مختتمًا بحصول الأمنية، إنه واهب كل خير، كافي2 كل ضير3.
__________
1 التعسف، الميل عن الطريق.
2 في الأصل "وكافي".
3 الضير: الضر.(1/155)
خطبة الكافية الشافية:
قال ابن مالك محمد وقد ... نوى إفادة بما فيه اجتهد
الحمد لله الذي من رفده1 ... توفيق من وفقه لحمده
تبارك اسمه وتمت كلمه ... وعم حكمه، وجمت2 حكمه
ثم على خير الهداة أحمدا ... منه صلاة تستدام أبدا
تعم آله، وصحبه الألى ... بحفظهم عهوده نالوا العلى
وتسعد الذي بها قد اعتنى ... سعادة منيلة أقصى المنى
وبعد: فالنحو صلاح الألسنة ... والنفس إن تعدم سناه في سنة
به انكشاف حجب المعاني ... وجلوة المفهوم ذا إذعان
__________
1 الرفد: العطاء.
2 الجم: الكثير من كل شيء.(1/155)
ومن يعن طالبه بسبب ... فهو حر بنيل كل أرب
وقد جعت فيه كتبًا جمه ... مفيدة يعنى بها ذو الهمه
وهذه أرجوزة مستوفيه ... عن أكثر المصنفات مغنيه
تكون للمبتدئين تبصره ... وتظفر الذي انتهى بالتذكره
فليكن الناظر فيها واثقًا ... بكونه إذا يجارى سابقًا
فمعظم الفن بها مضبوط ... والقول في أبوابها مبسوط
وكم بها من شاسع1 تقربًا ... ومن عويص2 انجلى مهذبًا
فمن دعاها قاصدًا بالكافيه ... مصدق، ولو يزيد الشافيه
فالله يحظينا3 بخير سعي ... وباجتناء4 ثمرات الوعي
__________
1 شاسع: بعيد.
2 عويص: غامض المعنى.
3 الحظوة: المكانة والحظ من الرزق.
4 ش "واجتناء".(1/156)
باب: شرح الكلام، وما يتألف منه
"ص"
قول مفيد طلبًا أو خبرًا ... هو الكلام كـ استمع وسترى
"ش" الكلام عند النحويين عبارة عن كل لفظ مفيد1.
والمراد بالمفيد: ما يفهم منه معنى يحسن السكوت عليه.
والقول: يطلق على الكلمة المفردة، وعلى المركبة2 بلا فائدة، وعلى المركب المفيد.
فكل كلام قول، وليس كل قول كلامًا، فلذلك لم نكتف في حد الكلام بالقول، بل قيدناه بـ"مفيد" ليخرج بذلك الكلمة المفردة نحو "زيد"، فإن الاقتصار عليه3 لا يفيد.
ويخرج بذلك -أيضًا: الكلمة المضافة نحو "غلامك"، فإن الاقتصار عليها لا يفيد.
__________
1 ك "عبارة عن كلام مفيد"، ع "عبارة عن الكلام المفيد".
2 ك، ع "المركب".
3 ك، ع "عليها".(1/157)
ويخرج بذلك -أيضًا: الموصول وصلته1 نحو "الذي ضربته"، فإن الاقتصار عليه لا يفيد.
ويخرج بذلك2 -أيضًا: المركب الذي لا يجهل أحد معناه نحو "السماء فوق الأرض"، فإنه لا يفيد فلا يعده النحويون كلامًا.
وكان في الاقتصار على "مفيد" كفاية3 لكن ذكر الطلب والخبر ليعلم4 أن المستفاد منه على ضربين:
أحدهما: طلب كالمستفاد من قولنا: "استمع".
والثاني: خبر كالمستفاد من قولنا: "سترى".
فـ"استمع" كلام مركب من كلمتين:
إحداهما: ملفوظ بها وهي "استمع".
والثانية منوية، وهي ضمير المخاطب المؤكد بـ"أنت" حني يقصد توكيده.
و"سترى" كلام مركب من ثلاث كلمات:
__________
1 ك، ع "بصلته".
2 سقط "بذلك" من الأصل.
3 ك، ع "الكفاية".
4 ك، ع "لنعلم".(1/158)
إحْدَاهَا: السين وهي بمعنى "سوف" في تخليص1 الاستقبال من الحال.
والثانية "ترى" وهي فعل مضارع.
والثالثة: ضمير المخاطب المؤكد بـ"أنت" حين يقصد توكيده.
"ص" وهو من اسمن كـ"زيد ذاهب" واسم وفعل نحو "فاز التائب"
"ش" "هو" راجع إلى الكلام المحدود في البيت المتقدم.
أي: تركيب الكلام إما من اسمين أسند أحدهما إلى الآخر كإسناد "ذاهب" إلى زيد" في قولنا: "زيد ذاهب".
وإما من اسم وفعل مسند هو إلى الاسم كإسناد "فاز" إلى "التائب" في قولنا: "فاز التائب".
فـ"زيد ذاهب" وشبهه جملة اسمية لتصديرها باسم.
و"فاز التائب" وشبهه جملة فعلية لتصديرها بفعل.
"ص"
كلا المثالين يسمى جمله ... وفيهما الحرف يكون فضله
"ش" المثالان هما: "زيد ذاهب"، و"فاز التائب".
و"فيهما" أي: قد يضم الحرف إلى كل واحدة من الجملة
__________
1 في الأصل "تلخيص".(1/159)
الاسمية والفعلية فيكون فيهما فضله، أي: صالحًا للسقوط.
بخلاف ما لا يصلح للسقوط فإنه عمدة.
والحاصل: أن الكلام لا يستغني عن إسناد.
والإسناد لا يتأتى بدون مسند، ومسند إليه.
فالاسم يكون مسندًا، ومسندًا إليه، فلذلك صح أن يتألف بكلام من اسمين دون فعل ولا حرف.
والفعل يسند، ولا يسند إليه.
والحرف لا يسند، ولا يسند إليه.
"ص"
نحو أساهٍ أنت أم ذَكَرْتا ... ولا تَجُرْ وإن تجُد شُكِرْتَا
"ش" هذا البيت مبين، لانضمام الحرف إلى كل واحدة من الجملتين، وأنه لا يكون إلا فضلة.
فـ"أساه أنت" أصله: "ساه أنت" فضمت1 الهمزة 1/ب لحاجة المتكلم إلى معناها، وهو/ الاستفهام.
وكذلك أصل "أم ذكرت"2: "ذكرْتَ" ثم جيء بـ"أَمْ" للعطف على الجملة الأولى.
__________
1 ك، ع "ضمت" بسقوط الفاء.
2 ك، ع "ذكرتا".(1/160)
فلو حذفت الهمزة و"أم" لم يخل ذلك بكون الكلام تامًا1.
وكذلك لو حذفت "لا" من "لا تجر" و"إن" من "إن تجد شكرت" لتبقى "تجور"، وهو فعل مسند إلى ضمير المخاطب المنوي.
و"تجو"، وهو أيضًا فعل وفاعل منوي.
و"شكرت" وهو فعل ومفعول قام2 مقام الفاعل.
"ص" واسمًا يجر سم، وصرف، وندا وجعله معرفًا، أو مسندًا.
"ش" أي: اجعل سمة الاسم قبوله لعامل الجر، وللصرف، وللنداء الذي لا يشتبه بما ليس نداء.
وكان ذكر الجو أولى من ذكر حرف الجر؛ لأن الجر -مطلقًا- يتناول الجر بالإضافة، والجر بحرف الجر.
والصرف أولى من التنوين؛ لأن التنوين يتناول تنوين الصرف وتنوين التنكير، وتنوين المقابلة، وتنوين التعويض، وتنوين الترنم.
نحو: "رجل" و"صَهٍ" و"مسلمات" و"حينئذ".
__________
1 ك، ع "لم يخل ذلك بكون الكلام تامًا"، وفي الأصل "بكون الكلام كلامًا".
2 ع "قائم مقام الفاعل".(1/161)
1- ويا أبتا علك أو عساكا
وهذا الخامس، وهو تنوين الترنم لا يختص بالاسم، بل الذي يختص به ما سواه، وهو المعبر عنه بـ"الصرف".
فكان ذكر الصرف أولى من ذكر التنوين.
واعتبار الاسم بالنداء ينبغي أن يكون بغير "يا" من حروفه كـ"أيا" و"هيا" و"أيْ" فإنها لا تدخل إلا على الاسم، ولا ينبه بها إلا منادى مذكور.
بخلاف "يا"، فإنها قد ينبه1 بها غير مذكور فيليها فعل نحو: "يا حبذا".
وحرف نحو: "يا ليتنا"2.
2- ويا رب سار بات ما توسدا
__________
1 ك، ع "يتنبه".
2 ك، ع سقط "يا ليتنا".
1- هذا بيت من شطور الرجز نسبه في التهذيب للعجاج، وكذلك في اللسان مادة "علل"، وفي الخزانة 2/ 441 للعجاج أو رؤبة. وهو في زيادات ديوان رؤبة ص 181 وقبله: تقول بنتي قد أنا أناكا.
2- هذا بيت من الرجز بعده:
إلا ذراع العنس أو كف اليدا
وقد أنشد هذا الرجز الفراء وغيره غير منسوب إلى قائل معين، وهو من شواهد المصنف في عمدة الحافظ ص 151 ب وشرح التسهيل 2/ 159 وشواهد التوضيح، والتصحيح ص 9. وممن استشهد بهذا الرجز السيوطي في همع الهوامع 1/ 39، وابن يعيش في شرح المفصل 4/ 152 والبغدادي في الخزانة 3/ 347، 4/ 480، والأشموني 1/ 37.(1/162)
وقبول اللفظ لأن يجعل معرفًا من علامات الاسمية كقولك في "غلام": "الغلام" و"غلامك"1.
وهذه العبارة أولى من أن تذكر الألف واللام؛ لأن الألف واللام2 قد يكونان بمعنى "الذي"، فيدخلان على الفعل المضارع كقول الشاعر:
3-
ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... ولا الأصيل، ولا ذي الرأي والجدل
__________
3- من البسيط من أبيات تنسب إلى الفرزدق قالها في هجاء أعرابي فضل جريرًا عليه، وعلى الأخطل في مجلس عبد الملك بن مروان وقبله:
يا أرغم الله أنفًا أنت حامله ... يا ذا الخنا ومقال الزور والخطل
وهذه الأبيات ليست في ديوان الفرزدق. وقد أوردها صاحب الخزانة 1/ 14، وذكرها العيني مع قصتها 1/ 111، 445.
والبيت من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ ص 2، وفي شرح التسهيل 1/ 34 كما استشهد به السيوطي في همع الهوامع 1/ 85، وصاحب الإنصاف 2/ 521، والرضى في شرح الكافية ص 3 وابن عقيل في شرح الألفية 1/
137.
1 ك، ع سقط "كقولك في غلام الغلام وغلامك".
2 ع سقط "اللام".(1/163)
وجعله معرفًا يتناول تعريف الإضافة، والتعريف بحرف التعريف سواء قيل: إنه اللام وحدها على ما ذهب إليه سيبويه1.
أو: إنه الألف واللام معًا على ما ذهب إليه الخليل2.
ويتناول ذلك -أيضًا- التعريف بالألف والميم، وهي لغة أهل اليمن.
وقد تكلم بها الرسول -صلى الله عليه وسلم إذ قال: "ليس من أمبر أمصيام في أمسفر"3.
__________
1 قال سيبويه في "باب إرادة اللفظ بالحرف الواحد" جـ 2 ص 63 وما بعدها: "وزعم الخليل أن الألف واللام اللتين يعرفون بهما حرف واحد كـ"قد"، وأن ليست واحدة منهما منفصلة من الأخرى، كانفصال ألف الاستفهام في قوله: "أأريد"؟.
ولكن الألف كألف "أيم" في "أيم الله" وهي موصولة، كما أن ألف "أيم" موصولة.
حدثنا بذلك يونس عن أبي عرمو، وهو رأيه".
2 ع سقط "الخليلِ"
وهو، الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، شيخ سيبويه، وكان ذكيًا، فطنًا استنبط من العروض، ومن علل النحو ما لم يستنبطه أحد. توفي سنة 170 هـ تقريبًا.
3 روى هذا الحديث عن كعب بن مالك -رضي الله عنه، من أهل السقيفة وهذا الحديث محمول- كما قال السيوطي على صوم النفل، فلا مخالفة بينه وبين قوله -تعالى: {أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} .
ينظر هذا الحديث في:
مجمع الزوائد 3/ 161، التاج 2/ 85، الجامع الصغير ص 275، البخاري -كتاب الصوم- من رواية جابر بن عبد الله، مسند أحمد 5/ 424.(1/164)
يريد: ليس من البر الصيام في السفر.
ومنه قول الشاعر:
4-
ذاك خليلي وذو يواصلني ... يرمي ورائي بامْسَهْمٍ وامْسَلمَة
ومن علامات الاسم المحتاج إليها كثيرًا قبوله لأن يجعل سندًا.
أي: لأن يسند إليه اسم آخر، أو فعل.
فبذلك عرف اسمية "أنا" والتاء في نحو "أنا فعلت".
فـ"فعل" مسند إلى التاء؛ لأنها عبارة عن الفاعل.
و"فعل" والتاء جملة مسندة إلى "أنا" فثبت كونه اسمًا.
__________
4- هذا بيت من المنسوخ نسبه ابن بري إلى بحير بن غنمة الطائي، وهو من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ ص 8.
قال العيني في المقاصد النحوية 1/ 465:
وقد ركب ابن الناظم وأبوه من قبل صدر البيت على عجز بيت آخر، فإن الرواية فيه:
وإن مولاي ذو يحيرني ... لا إحنة بيننا ولا جرمة
ينصرني منكم غير معتذر ... يرمي ورائي بأمسهم وأمسلمة
والسلمة: واحدة السلام وهي الحجارة، ولما ذكر الجوهري السلمة -بكسر اللام- ذكر البيت.(1/165)
"ص"
للفعل تا الفاعل، أو ياه علم ... وقد وتا التأنيث ساكنًا ولَمْ
"ش" تاء الفاعل هي المضمومة في نحو: "فَعَلْتُ"
والمفتوحة في نحو: "فعلت"
والمكسورة في نحو: "فَعَلْتِ"
وهي علامة تخص الموضوع للمضي، ولو كان مستقبل المعنى نحو: "إن قمت قمت".
وتقييد هذه التاء بإضافتها إلى الفاعل أولى من تقييدها بالإضافة إلى المتكلم، أو المخاطب؛ لأن الفاعل يعمهما.
وذكره مانع من دخوله تاء الخطاب اللاحقة في "أنت" و"أنت" فإنها حرف، وقد اتصل باسم.
فلو قيل بدل تاء الفاعل: تاء الخطاب أو المخاطب لدخلت تاء "أنت" و"أنت"1 فيلزم2 كون ما اتصلت به فعلًا.
وتقييد ياء المؤنثة بإضافتها إلى الهاء العائدة إلى الفاعل أولى من تقييدها بالإضافة إلى الضمير؛ لأن ياء الضمير تعم ياء المتكلم وياء المؤنثة.
بخلاف ياء الفاعل، فإنها لا تقع على غير ياء3 المؤنثة.
__________
1 سقط من الأصل "وأنت".
2 ل، ع "للزوم".
3 ع "تاء المؤنثة".(1/166)
ويشترك في لحاقها الفعل المضارع، وفعل الأمر في1 نحو: "تفعلين" و "افعلي".
ويشترك في لحاق "قد"2 الماضي والمضارع، إلا أنها مع الماضي لتقريبه من الحال، ومع المضارع لتقليل معناه كقولك "قد يعطي البخيل" و"قد يمنع الجواد"3.
وتاء التأنيث الساكنة مثل تاء الفاعل في الاختصاص بالموضوع للمضي.
وقد انفردت بلحاقها "نعم" و"بئس" كما انفردت تاء الفاعل بلحاقها "تبارك".
واحترز بتقييدها بالسكون من تاء التأنيث اللاحقة الأسماء و"لا" و"رب" و"ثم".
فإن اللاحقة الأسماء المتمكنة4 متحركة5 بحركة الإعراب كـ"مسلمة".
واللاحقة "لا" و"رب" و"ثم" مفتوحة، وقد تسكن مع "رب" و"ثم".
__________
1 ك، ع سقط "في".
2 عبارة الأصل "ويشترك في ذلك".
3 ك، ع "قد يمنع الكريم".
4 ك، ع سقط "المتمكنة".
5 في الأصل سقط "متحركة".(1/167)
وأما "لم" فعلامة مختصة بالمشارع.
وتشاركها في الاختصاص به "لن" و"كي" وحرفا التنفيس وهما السين، و"سوف" فأغنى ذكر "لم" عنهن.
"ص" مضارعًا سم الذي يصحب "لم"
وماضيًا ما يقبل التا كـ اضطرم"1 ... وميزن بالياء إن لم تتصل
بنون رفع- فعل أمر نحو: "صِلْ"
"ش" الذي يصحب "لم" من الأفعال هو ما أوله همزة المتكلم، أو إحدى أخواتها المجموعة في "نأتي" نحو: "أَفْعَل" و"نَفْعَلُ" و"تفعل" و"يفعل".
ولا يغني عن قولنا ما أوله همزة المتكلم، أو إحدى أخواتها أن يقال: ما أوله أحد حروف "نأتي"؛ لأن أحد هذه الحروف قد يكون2 أول غير المضارع نحو: "أكرم" و"تعلم" و"نرجس الدواء": إذا جعل فيه نرجسًا" و"يرنأ الشيب": "إذا خضبه باليرناء، وهو: الحناء.
__________
1 هكذا ورد هذا البيت في الأصل، وجاء في الهامش هذا البيت منقولًا من نسخة المصنف هكذا.
سهم الذي يصحب لم مضارعًا ... وماضيًا ما يقبل التا كـ"دعا"
وعبارة باقي النسخ:
مضارعًا اسم الذي لم أتبعا ... .........................
2 ع "تكون".(1/168)
فإذا قيل: ما أوله همزة المتكلم، أو إحدى أخواتها أمن ذلك.
وتمييز المضارع بـ"لم" مغن عن علاماته الأخر، و1 إن تساوت في الاختصاص به.
ومن علاماته -أيضًا- دخول2 اللام أو "لا" الطلبيتين "عليه" نحو "لتعن3 بحاجتي" و"لا تكسل".
ومن علاماته أيضًا -قبول ياء المخاطبة موصولة4 بنون الرفع نحو "تفعلين".
وسمي مضارعًا؛ لأن المضارعة: المشابهة، وقد شابه الاسم في أشياء:
منها قبول اللام المؤكدة بعد "إن" نحو، "إنك لمحسن" و"إنك لتحسن".
ومنها: الاختصاص بعد الإبهام، فإنك إذا قلت: "يصلي زيد" كان مبهمًا، لاحتمال الحال، والاستقبال.
فإذا قلت: "الآن" أو"غدًا" ثبت الاختصاص، وارتفع
__________
1 سقطت الواو من "وإن".
2 ك، ع "دخوله".
3 ع "لم يعن".
4 ك "موصلة".(1/169)
الإبهام، فكان في ذلك بمنزلة الاسم، فإنه مبهم في تنكيره، مختص في تعريفه.
وتمييز الفعل الموضوع للمضي "بتاء الفاعل، وتاء التأنيث الساكنة أولى من تمييزه: بأن يحسن معه "أمس"؛ لأن من الموضوع للمضي1" ما لا يحسن معه "أمس" كـ"عسى" و"إن فعلتَ فعلتُ"2.
وقد يعرض لغيره أن يحسن3 معه "أمس" نحو: "لم يفعل زيد" و"لو يفعل زيد 4 فعلت".
ولحاق إحدى التاءين ليس كذلك، فإنه لا يشارك الموضوع للمضي فيه غيره.
ولا يمتنع منه5 فعل ماض إلا "أفعل" في التعجب، وفي فعليته خلاف.
والصحيح أنه فعل بدلالة اتصاله بنون الوقاية على سبيل اللزوم نحو: "ما أكرمني"؛ لأن لحاق هذه النون على سبيل الجواز يشترك فيه أسماء كـ"لدني" و"لدني".
__________
1 ع سقط ما بين القوسين.
2 ع "إن فعلت".
3 ك "تحسن".
4 ك، ع سقط "زيد".
5 ك، ع "لا يمتنع معه".(1/170)
وحروف نحو "لَعَلِّي" و"لَعَلَّنِي".
وأما لحاقها على سبيل اللزوم، فمخصوص بالأفعال.
فبهذا، وبما تقدم من العلامات يكمل1 تمييز الفعل لمضارع2 والفعل الماضي.
وأما فعل الأمر فيتميز بلحاق ياء المخاطبة الممتنع اتصالها بنون الرفع كقولك في "صَلِّ": "صَلِّي".
وقد تقدم أن لحاقها متصلة بنون الرفع من علامات المضارع نحو: "تفعلين".
وبلحاق هذه الياء وأخواتها من ضمائر الرفع المتصلة البارزة يتميز ما يدل على الأمر وهو فعل كـ"أدرك" مما يدل على الأمر، وليس فعلًا كـ"دَرَاكِ".
كما أن لحاق إحدى التاءين يميز3 ما يدل على حدث في زمان ماض، وهو فعل كـ"بعد" مما يدل على ذلك، وليس بفعل كـ"هَيْهَاتَ".
ومن علامات فعل الأمر جواز توكيده بالنون -مطلقًا- فإن المضارع يؤكد بها مقيدًا بسبب كوقوعه مثبتًا بعد قسم، واقترانه بما يقتضي طلبًا.
__________
1 ع "تكمل".
2 ع زادت "والفعل المضارع".
3 ع "تميز".(1/171)
وأما الأمر1 فيؤكد بها دون تقييد.
"ص"
وما اقتضى أمرًا وليس يقبل ... ذي الياء فهو اسم كـ صَهْ يا رجل
والحرف ما من العلامات خلا
كـ"هل" و"بل" و"إن" و"ليت" و"إلى"
"ش" ما اقتضى أمرًا، وليس قابلًا لياء المخاطبة، ولا لنون التوكيد فذلك دليل على انتفاء فعليته، وثبوت اسميته، نحو: "صه" و"نزال" و"ضرب الرقاب"2.
بمعنى: اسكت، وانزل، واضربوا الرقاب.
فهذا منتهى القول في امتياز الاسم من الفعل.
فلم يبق إلا تمييز الحرف، وهو يميز بخلوه من علامات الاسم والفعل.
وأشير في التمثيل إلى أصناف الحرف3.
فمنها غير عامل، ولا متبع كـ"هل".
ومنها متبع غير عامل كـ"بل"4 فإنها تشترك الثاني في
__________
1 ع سقط "وأما الأمر".
2 من الآية رقم "4" من سورة "محمد".
3 ع "الحروف".
4 ع "ومنها ما هو عامل كـ"بل".(1/172)
إعراب ما قبلها نحو "ما قام زيد بل عمرو".
ومنها ما هو عامل في الاسم عمل الفعل كـ"ليت"، وعملا غير عمل الفعل كـ"إلى".
ومنها ما هو عامل في الفعل كـ"ليت"، وعملًا غير عمل الفعل كـ"إلى".
ومنها ما هو عامل في الفعل كـ"إن".
فلذلك مثل بهذه الأحرف دون غيرها.(1/173)
باب: الإعراب والبناء وما يتعلق بذلك
مدخل
...
باب: الإعراب والبناء وما يتعلق بذلك
"ص"
من الثلاث معرب ومنها ... صنف هو المبني فابحث عنها
فالمعرب اسم لا يضاهي الحرفا ... وفعل امتاز بـ كم كـ"يخفى"
ما لم يباشر نون توكيد، ولا ... نون إناث كـ"يسرن" الخوزلى
"ش" من الثلاث أي: من الكلمات الثلاث معرب، ومنها مبني.
فالمعرب اسم لا يضاهي الحرف، أي: لا يشابهه، وسيأتي بيان وجوه شبه الحرف "المانعة من الإعراب الموجبة للبناء.
"وقولي":
...................................... ... وفعل امتاز بـ"كم"..................(1/174)
أي: أجد نوعي المعرب اسم سالم من شبه الحرف"1، وثانيهما الفعل الذي يصلح أن تدخل عليه "لم" وهو المضارع، لقولي في الباب الأول:
مضارعًا سم الذي يصحب لم2 ... .............................
"وقولي":
ما لم يباشر نون توكيد
أي: استحقاق المضارع للإعراب مشروط بألا يباشر نون توكيد، فإنه يبنى معها على الفتح.
ولا نون إناث، فإنه يبنى معها على السكون.
ولتأكيد الفعل بالنون باب يبين فيه إن شاء الله -تعالى- ما يحتاج إليه".
وفي ذكر المباشرة إشعار بأن المؤكد بالنون لا يبنى -مطلقًا- بل إذا باشر آخره نون التوكيد نحو: "هل يفعلن"3.
فإنلم يباشرها فهو معرب تقديرًا نحو: "هل يفعلان"4؛ لأن
__________
1 ع سقط ما بين القوسين.
2 هكذا في الأصل وفي باقي النسخ:
مضارعًا سم الذي لم أتبعا ... ..........................
3 ك، ع "هل تفعلن".
4 ك، ع "هل تفعلان".(1/175)
سبب البناء هو تركيب الفعل مع النون، وتنزله منها منزلة الصدر من العجز في "بعلبك"1.
فإذا حال بينهما ألف الضمير، أو واوه، أو ياؤه لم يبق تركيب؛ لأن ثلاثة أشياء لا تجعل شيئًا واحدًا.
ولذلك اعتبروا التركيب في: "لقيته صحرة بحرة" لا في "لقيته صحرة بحرة نحرة"2.
وإذا ثبت أن "تفعلان" وأخويه3 بواق على الإعراب، فليعلم أن الأصل "تفعلانِّ":
"تفعلانِنَّ".
فاستثقل توالي الأمثال، فحذفت نون الرفع.
وكانت أولى بالحذف؛ لأنها جزء كلمة، والمؤكدة كلمة4 قائمة مقام تكرير الفعل، وحذف جزء أسهل من حذف ما ليس جزءًا.
ولأن المؤكدة تدل أبدًا على معنى، ونون الرفع لا تدل -في الغالب- على معنى، وبقاء ما يدل أبدًا أولى من بقاء ما يدل في بضع الأحوال.
وإنما بني المتصل بنون الإناث كـ"يسرن" حملًا على الماضي.
__________
1 بعلبك: بلد بالشام.
2 لقيته بلا حجاب "قاموس".
3 ك، ع "وأخواته".
4 ع سقط "والمؤكدة كلمة".(1/176)
المتصل بها؛ لأنهما مستويان في أصالة السكون، وعروض حركة البناء في الماضي، وحركة الإعراب في المضارع.
وقد روجع الأصل بالنون في الماضي، فروجع الأصل بها في المضارع.
والخوزلى: مشية عجب وتبختر1:
"ص"
رفعًا ونصبًا أعرب النوعان ... والجر ما للاسم فيه ثان
والجزم للفعل وكل مجتلب ... بعامل يأتي به فهو السبب
فارفع بضم، وانصبن بفتح ... واجرر بكسر كـ"ابغ" نيل الربح
واجزم بتسكين ونائبًا يرد ... غير الذي ذكرته فلا تزد
"ش" النوعان هنا هُمَا2: الاسم السالم من شبه الحرف، والفعل المضارع، وهما في الرفع والنصب مشتركان.
والجر مخصوص بالاسم، فلاحظ للفعل فيه، لامتناع دخول عامله عليه.
__________
1 التبختر: المشية حسنة.
2 ك، ع سقط "هما".(1/177)
والجزم مخصوص بالفعل فلاحظ للاسم فيه لامتناع دخول عامله عليه.
"وقولي":
.................... وَكُلٌّ مُجْتَلَبْ ... بعاملٍ يَأتِي بِهِ...................
أي: كل واحد من وجوه الإعراب الأربعة له عامل يجيء به، ويتغير بتغيره نحو: "جاء زيد" و"رأيت زيدًا" و"مررت بزيد".
فكل واحد من "جاء" و"رأيت" والباء: عامل جلب من الإعراب غير ما جلبه الآخر.
وكذا إعراب الفعل نحو "أقوم" و"لن أقوم" و"لم أقم".
فـ"أقوم" مرفوع لتجرده من ناصب وجازم.
و"أقوم" منصوب بـ"لَنْ".
و"أقم" مجزوم بـ"لَمْ".
ونبه على الأصل، والنائب في كل واحد من وجوه الإعراب.
فالضمة في الرفع أصل، وتنوب عنها، الواو والألف والنون.
والفتحة في النصب أصل، وتنوب عنها: الألف، والياء، والكسرة وحذف النون.(1/178)
والكسرة في الجر أصل، وتنوب عنها الياء، والفتحة.
والسكون في الجزم أصل، وينوب عنه الحذف.
وسيأتي ذلك مفصَّلًا إن شاء الله -تعالى.
"ص"
وجر بالفتح الذي لا ينصرف ... ما لم تصدره بـ اَلْ ولم تضف
"ش" ما لا ينصرف: هو الاسم الذي لا ينون لكونه ذا سببين كـ"أحمد" و"إبراهيم" و"طلحة" و"عمر" و"عمران" و"بعلبك" و"أحمر" و"سكران" و"ثلاث".
أو سبب يقوم مقام سببين كـ"زُلْفَى"1 و"صحراء" و"دراهم" و"دنانير".
وسيأتي تفصيل ذلك في بابه.
فهذا النوع يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة كقوله -تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} 2.
فإن أضيف، أو دخلت عليه الألف، واللام التحق بالمنصرف في الجر بالكسرة.
__________
1 الزلفى: المنزلة.
2 من الآية رقم "163" من سورة "النساء" وتمامها:
{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ... } .(1/179)
وسواء كانت الألف واللام للتعريف، كما في قوله -تعالى: {كَالْأَعْمَى وَالْأَصَم} 1.
أو زائدة كالداخلة على "يزيد" في قوله:
5-
رأيت الوليد من اليزيد مباركًا ... شديدًا بأحناء الخلافة كاهله
أو موصولة كالداخلة على "يقظان" في قوله:
6-
وما أنت باليقظان ناظره إذا ... نسيت بما تهواه ذكر العواقب
__________
5- من الطويل مطلع قصيدة لابن ميادة في مدح الوليد، ذكر أبياتًا منها العيني في
المقاصد النحوية 1/ 218، والبغدادي في الخزانة 1/ 327.
ويزيد: هو يزيد بن عبد الملك بن مروان.
ويروى "بأعباء الخلافة" موضع "بأحناء الخلافة"، وأراد بها الشاعر: أمور الخلافة الشاقة، والكاهل: ما بين الكتفين ورأيت هنا علمية لا بصرية.
6- من الطويل استشهد به المصنف في شرح التسهيل 1/ 7 وروايته:
.................................. ... رضيت بما ينسيك ذكر العواقب
ولم ينسبه المصنف، وقال العيني 1/ 215: لم أقف على اسم قائله.
1 من الآية رقم "24" من سورة "هود" وتمامها:
{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} .(1/180)
فلذلك قيل: بـ"ال"، ولم يقل بحرف التعريف.
ومن العرب من يجعل مكان اللام الميم، ويعامل ما تدخل عليه معاملة ما دخلت عليه اللام كقول الشاعر:
7-
أَأَنْ شمت من نجد بريقًا تألقا ... تبيت بليل امأرمد اعتاد أولقا
أراد: بليل1 الأرمد فجره بالكسرة، وإن كان لا ينصرف لما ذكرت لك.
"ص":
ذو المعرب ارفعه بواو والألف ... لنصبه، وجره باليا عرف
كذا فَمٌ إن دون ميم وصلا ... يغير2 يا النفس مضافًا فاقبلا
__________
7- من الطويل لم ينسبه المصنف هنا، ولا في شرح التسهيل ص 7 ورواه هناك:
................................ ... تكابد ليل أمارمد اعتاد أولقا
وشمت: نظرت من بعيد إلى السحاب والبرق بريقًا: لمعانًا.
تألقا: ومص ولمع.
الأولق: شبه الجنون. أو هو الجنون.
قال العيني 1/ 222 أقول: قائله بعض الطائيين لم أقف على اسمه.
1 ك، ع سقط "بليل".
2 ط "لغير".(1/181)
وهكذا أب آخ حم هن ... أو أجره كاليد فهو أحسن
وفي أب وتالييه يندر ... وقصرها من نقصهن أشهر
"ش": قيد "ذو" بـ"المعرب" احترازًا من "ذو" بمعنى "الذي" فإنه مَبْنِيُّ.
وبعض طيئ يعربه فيكون مقصودًا.
وقدم ذكره على ذكر أخواته؛ لأن الإعراب بالحروف لا يفارقه وسائر أخواته قد تفرد فتعرب1 بالحركات.
ولا يكون "فم" مثله في الإعراب بالحروف، ولزوم الإضافة إلا دون ميم.
وشرط في الإضافة المصححة لذلك أن يكون "المضاف إليه غير باء النفس، فإن المضاف إلى ياء النفس لا يظهر إعرابه إلا أن يكون"2 مثنى أو مجموعًا على حده في غير رفع.
ثم قيل:
وهكذا أبٌ أخٌ حمٌ هنٌ ... .................................
__________
1 ع "فيعرب".
2 ع سقط ما بين القوسين.(1/182)
أي: يشترط في هذه الأربعة أن تضاف إلى غير ياء النفس. إذا أعربت بالحروف.
ثم قيل:
................................ ... أو أجره كاليد..................
أي: أجر الـ"هَنَ" مجرى "يَد" في لزوم النقص، والإعراب بالحركات فهو أحسن من جريه مجرى هذه الأسماء في الإعراب بالحروف.
ثم بين أن هذا الذي هو في "هن" أحسن نادر في "أب" و"أخ" و"حَمٍ".
ومن مجيء ذلك في "هن"1 قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا" 2. ولم يقل: بَهَنِي أبيه.
__________
1 ع "ومن مجيء ذلك فيهن".
2 أخرجه ابن الجوزي في جامع المسانيد 1/ 5 وأحمد 5/ 136 ورواه أحمد والترمذي عن أبي بن كعب:
"إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا" وتعزى: انتسب وانتمى، ويقصد به من يقول: يا لفلان ليحرك الناس إلى القتال في الباطل.
ولا تكنوا: أي قولوا له: اعضض بأير أبيك، ولا تكنوا عن الأير بالهن.
وينظر الجامع الصغير ص 24 وما بعدها. وكشف الخفا للعجلوني ص 240.(1/183)
ومن مجيء ذلك في غير الهن وهو نادر1 قول الراجز:
8- بأبه اقتدى عدي في الكرم
9- ومن يشابه أبه فما ظلم
ثم بين أن القصر في هذه الثلاثة أشهر من النقص ومنه قول الراجز:
10-
إن أباها وأبا أباها
11-
قد بلغا في المجد غايتاها
__________
8 و 9- هذا رجز نسبه العيني 1/ 129 إلى رؤبة بن العجاج، وهو موجود في زيادات الديوان ص 182.
وعدي: هو عدي بن حاتم الطائي.
10 و 11- الضمير في "أباها" يعود إلى "ريا" المذكورة في بيت سابق على هذين البيتين وهو:
واهًا لربا ثم واهًا واهًا ... هي المنى لو أننا نلناها
يا ليت عيناها لنا وفاها ... بثمن نرضى به أباها
وينسب هذا الرجز المسدس إلى أبي النجم العجلي "الفضل بن قدامة"، كما ينسب إلى رؤبة بن العجاج -وليس في ديوانه.
وأنشده أبو زيد في نوادره عن المفضل الضبي قال:
أنشدني أبو الغول لبعض أهل اليمن -وذكر أربعة أبيات ثم البيتين الشاهد.
1 ك، ع سقط "وهو نادر".(1/184)
إعراب المثنى والمجموع على حده، وما يتعلق بذلك:
"ص"
مثنى أو شبيهه ارفع بالألف ... وغير رفع فيهما باليا ألف
كـ"ابنيك" سل كليهما وإن تضف ... كلا لظاهر فألزمها الألف
إلا قليلًا، والمثنى قد يرد ... بألف في كل حال فاعتمد
"ش": / المثنى: ما دل على اثنين بزيادة، صالحًا للتجريد، وعطف مثله عليه دون اختلاف معنى كـ"رجلين".
وشبه المثنى: ما أعرب إعرابه غير صالح لذلك.
وكذا إن صلح له، واختلف معناه.
فـ"ابنان" مثنى لقولك فيه: "ابن وابن" بلا اختلاف معنى.
و"اثنان" شبيه1 مثنى؛ لأنه لا يصلح لما قلنا.
وكذا نحو "القمرين" في: الشمس والقمر؛ لأنه لا يغني عنه "قمر وقمر".
__________
1 هكذا في ك وع في الأصل "شبه".(1/185)
وكذا المقصود به التكثير1 كـ"قوله تعالى": {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} 2.
لأن المراد به3: ارجع البصر كرات لقوله تعالى: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} .
أي: مزدجرًا وهو كليل.
وكذا قول الشاعر:
12-
فاعمد لما تعلو فما لك بالذي ... لا تستطيع من الأمور يدان
المراد نفي اليد فما فوقها
__________
1 ع "التنكير".
2 من الآية رقم 4 من سورة "الملك" وتمامها: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ
3 كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} .
والقراءة المشهورة بجزم الفعل "ينقلب"، وقرأ برفعه الخوارزمي عن الكسائي.
الكر: الرجوع، والكرة: المرة والجمع الكرات.
ك سقط "به".
12- من الكامل قاله كعب الغنوي.
قال أبو علي القالي في الأمالي 2/ 312.
أنشدنا أبو عبد الله: إبراهيم بن محمد بن عرفة قال:
أنشدنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي لكعب الغنوي يقول لابنه وذكر سنة أبيات منها:
وإذا رأيت المرء يشعب أمره ... شعب العصا، ويلج في العصيان
فاعمد لما تعنو فمالك بالذي ... لا تستطيع من الأمور يدان(1/186)
ومما يتناوله شبيه1 المثنى "كِلَا" المضاف إلى مضمر نحو: "جاء كلاهما" و"رأيت كليهما" و"مررت بكليهما"2.
فإذا أضيف إلى ظاهر كان بالألف على كل حال في اللغة المشهورة فيقال: "جاء كلا أخويك" و"رأيت كلا أخويك" و"مررت بكلا أخويك".
وأشرت بقولي:
إلا قليلًا................................
إلى لغة حكاها الفراء3 منسوبة إلى كنانة4.
فيقال على لغتهم: "جاء كلا أخويك" و"رأيت كِلَيْ أخويك" و"مررت بكلي أخويك"5.
__________
1 في الأصل "شبه".
2 في الأصل "ومررت بكليهما، ورأيت كليهما".
3 يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور أبو زكريا الديلمي، الكوفي توفي سنة 207 هـ تقريبًا.
4 قال الفراء في معاني القرآن 2/ 184:
وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في "كلا الرجلين" في الرفع، والنصب والخفض إلا بني كنانة، فإنهم يقولون: "رأيت كلي الرجلين" و"مررت بكلي الرجلين"، وهي قبيحة قليلة، مضوا على القياس.
5 في الأصل "ومررت بكلي أخويك" و"رأيت كلي أخويك".(1/187)
فيجرون "كلا"1 مجرى المثنى مع الظاهر، كما يجريه2 الجميع مجراه مع المضمر.
و"كلتا" في جميع ما ذكر مثل "كلا".
وقولنا:
........... والمثنى قد يرد ... بألف3 في كل حال...............
أشير به إلى لغة بني الحارث بن كعب فإنهم يجرون المثنى، وشبهه مجرى المقصور، فتثبت ألفه في النصب والجر4، كما تثبت في الرفع.
ومنه قراءة من قرأ: "إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ"5.
__________
1 في الأصل "كلى".
2 في ك، ع "تجريه".
3 في الأصل "بالألف".
4 في الأصل "في الجر والنصب".
5 من الآية رقم "63" من سورة طه، وفيها قراءات:
قرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، ويعقوب، وخلف بتشديد النون من "إنَّ" و"هذان" بالألف وتخفيف النون وفيها أوجه:
أحدهما: كون "إن" بمعنى "نعم"، وهذان مبتدأ، خبره "لساحران".
الثاني: "إن" عاملة واسمها ضمير الشأن محذوف والجملة الاسمية خبرها.
الثالث: "إن" عامله و"هذان" اسمها على لغة من أجرى المثنى =(1/188)
وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِر1:
13-
وأطرق إطراق الشجاع ولو رأى ... مساغًا لناباه الشجاع لصمما
__________
= بالألف دائمًا، وقرأ ابن كثير وحده بتخفيف "إن" و"هذانّ" بالألف وتشديد النون، وقرأ حفص كذلك إلا أنه خفف النون، ووافقه ابن محيصن.
وهاتان القراءتان أوضح القراءات معنى ولفظًا وخطًا على أن "إنْ" مخففة من الثقيلة أهملت، و"هذان" مبتدأ و"لساحران" الخبر، واللام فارقة.
وقرأ أبو عمرو "إن" بتشديد النون وهذين بالياء مع تخفيف النون، ووافقه اليزيدي والمطوعي، وهي واضحة من حيث الإعراب، والمعنى لكن استشكلت من حيث خط المصحف.
13- من الطويل نسبه ابن الشجري في مختاراته 32، وابن قتيبة في الشعر والشعراء والآمدي في المؤتلف 71 للمتلمس، وهو في ديوانه ص 34 وروايته في الديوان:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغًا لنابيه الشجاع لصمما
وفي الأمالي نسبه القالي لعمرو بن شأس، وذكره مع سبعة أبيات ذكر قصتها وروايته:
وأطرقت إطراق الشجاع ولو رأى ... مساغًا لنابيه الشجاع لقد أزم
لكن رواية المصنف هي الرواية المشهورة التي اعتمدها كثير من العلماء. قال الأزهري في تهذيب اللغة 12/ 128: هكذا أنشده الفراء "لناباه" على اللغة القديمة لبعض العرب، وفي معاني القرآن للفراء 2/ 184، وأنشدني رجل من الأسد عنهم "يريد بني الحارث" ثم ذكر البيت.
الشجاع: الذكر من الحيات. صمم: عض في العظم.
1 في الأصل "وقول الشاعر".(1/189)
وذكر ابن درستويه1 أن بني الهجيم2، وبني العنبر3 يوافقون بني الحارث في لزوم ألف المثنى.
"ص":
وارفع بواو وانصبن واجرر بيا ... سالم جمع خص باسم عريا
من تاء أنثى صفة، أو علما ... لعاقل، أو شبهه إن أفهما
مذكرًا4 لا مثل سكران ولا ... أحوى صبور وفعيل فعلا
وشذ أسودون أحمرونا ... كذا علانون وعانسونا
وغير ذي العقل به يلحق إن ... يضاهه كـ ساجدين فاستبن5
__________
1 عبد الله بن جعفر بن درستويه بن المرزبان، الفارسي، الفسوي، النحوي، أخذ عن المبرد، وانتصر لمذهب البصريين في اللغة، والنحو. توفي لسبع بقين من صفر سنة 347 هـ.
2 الهجيم: كزبير: بطنان في العرب أحدهما: ابن عمرو بن تميم والثاني: ابن علي
من الأزد.
3 العنبر: أبو حي من تميم، وبنو العنبر أهدى قوم في العرب. ولذلك يقولون في المثل: فلان عنبري البلد.
4 ع "مذكر".
5 سقط هذا البيت من ك وع وس وش وود في الأصل في هذا الموضع، وجاء في ط قبل البيت الذي يسبقه.(1/190)
وهكذا أولوا وعشرون إلى ... تسعين مع باب سنين1 بولا
وما لذا الجمع من إعراب ففي ... تسمية به على الأولى اقتفي
وقد يجي2 كـ"الحين" أو كـ"الدون" ... أو لازم الواو وفتح النون
والنون في جمع له فتح وفي ... تثنية كسر، وعكس قد يفي
"ش": وربما استعمل مثل "حين"
باب "سنين" نحو "مذ سنين"
هذا الفصل يشتمل على ما يرفع بالواو، وينصب، ويجر بالياء، وهو على ضربين:
جمع كـ"زيدين" و"سنين".
وغير جمع كـ"أولي" و"عشرين".
والمراد بالجمع: ماله واحد من لفظه صالح لعطف مثليه، أو أمثاله عليه دون اختلاف معنى.
والمطرد منه: ما كان واحده لمذكر عاقل، أو شبيه به، كـ
__________
1 ع "السنين".
2 ع "يجيء".(1/191)
ِ"قوله تعالى": {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} 1 خاليًا من تاء التأنيث، علمًا، أو صفة لا من "أفعل فعلاء"، ولا من "فعلان فعلى" كـ"أحوى"2. "وسكران" ولا مما يستوي فيه الذكر والأنثى كـ"صبور" و"قتيل".
وإن3 ورد من هذه الأنواع مجموع بالواو والنون حفظ، ولم يقس عليه كقولهم4: "رجل علانية" و"رجال علانون" إذا كانوا مشاهير. فجمعوه بالواو والنون، وليس خاليًا5 من التاء:
وكذا قول الشاعر:
14-
منا الذي هو ما إن طر شاربه ... والعانسون ومنا المرد والشيب
__________
1 من الآية رقم "4" من سورة "يوسف" وتمامها: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} .
2 ع "حوى".
3 في الأصل "فإن".
4 ك وع سقط "عليه".
5 ع "جالبًا".
14- من البسيط نسبه السيرافي إلى أبي قيس بن رفاعة، وهو شاعر جاهلي ونسبه غيره إلى أبي قيس بن الأسلت، وهذا أدرك الإسلام ولم يسلم، وليس في ديوانه.
وطر الشارب: نبت. والأجرد: الشاب الذي بلغ خروج اللحية ولم تبد لحيته.
والعانس: الجارية يطول مكثها في بيت أهلها بعد إدراكها حتى تخرج من سن الشباب ولم تتزوج.(1/192)
فجمع "عانسًا" بالواو والنون، وهو مما يستوي فيه الذكر والأنثى كـ"صبور" و"قتيل".
وكذا قول الآخر:
15-
فما وجدت نساء بني نزار ... حلائل أسودين وأحمرينا
فجمع "أسود" و"أحمر" الجمع المشار إليه مع أنهما من باب "أفعل فعلاء".
فهذا وأمثاله يحفظ ولا يقاس عليه.
وكثر هذا الاستعمال في المحذوف اللام، المؤنث بالتاء بتغير الفاء إن كان مفتوحها كـ"سنة" و"سنين".
وبسلامتها إن كان مكسورها كـ"مائة" و"مئين".
وبالوجهين إن كان مضمومها كـ"قلة" و"قلين" و"قلين"1.
__________
15- من الوافر قاله الكميث بن زيد الأسدي "الديوان 2/ 116"، وروايته وما وجدت.
ونزار: والد مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
الحلائل: جمع حليل وهو الزوج.
1 ك وع سقط "قلين" الثانية.(1/193)
وقد يجعل إعراب هذا النوع في نونه، وتلزمه الياء، ولا تحذف نونه حينئذ للإضافة.
وإلى هذا أشرت بقولي:
وربما استعمل مثل حين ... باب سنين..............
ومنه قول الشاعر:
16-
دعاني من نجد فإن سنينة ... لعبن بنا شيبًا، وشيبننا مردا
وعومل هذا النوع بهذه1 المعاملة لشبهة بجمع التكسير؛ لأن تغييره2 أكثر من سلامته.
وقد يفعل ذلك بـ"بنين" لشبهه بـ"سنين"3 في حذف
__________
1 ك ع "هذه" بدون الباء.
2 ع "تغيره".
3 ع "لسنين".
16- من الطويل ينسب للصمة بن عبد الله القشيري من قصيدة ذكرها العيني في المقاصد النحوية 1/ 170، وقد ذكره ابن الشجري في أماليه، ولم ينسبه 2/ 53، وكذا فعل ابن يعيش في شرح المفصل 5/ 11. والبيت في اللسان مادة
"سنه"، وفي المفصل نسب الزمخشري البيت إلى سحيم.
وقبل البيت:
لحا الله نجدا كيف يترك ذا الغنى ... فقيرًا وحر القوم يتركه عبدا
والمرد: جمع الأمرد وهو الشاب طر شاربه ولم تنبت لحيته.(1/194)
اللام وعدم سلامة نظم1 الواحد قال الشاعر:
17-
وكان لنا أبو حسن علي ... أبًا برًّا ونحن له بنين
واطرد الجمع بالواو والنون في المشبه بمن يعقل نحو "قوله تعالى": {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} 2.
وقريب من هذا إلحاق ما يستعظمون بهذا كقول الشاعر:
__________
1 ك وع سقط "نظم".
2 من الآية رقم "4" من سورة "يوسف".
17- من الوافر ذكره العيني 1/ 156 ولم ينسبه، ونسبه صاحب الخزانة 3/ 418 إلى سعيد بن قيس الهمذاني، وذكر القصيدة التي منها الشاهد وقصتها، وبين أنها قيلت في حرب صفين وروى البغدادي البيت هكذا:
ألم تر أن والينا علينا
أب بر ونحن له بنين
ورواه الرضى في شرح الكافية:
وإن لنا أبا حسن.................. ... ................................
قال المصنف في شرح التسهيل 1/ 14 بعد أن ذكر البيت يعلل معامله "بنين" هذه المعاملة: لأنه أشبه "سنين" في حذف اللام وتغيير نظم الواحد، ولتغيير نظم واحدة قيل فيه: "فعلت البنون" ولا يقال: "فعلت المسلمون".
ثم قال:
ولو عومل بهذه المعاملة "عمرون"، وأخواته لكان حسنًا؛ لأنها ليست جموعًا فكان لها حق في الإعراب بالحركات كـ"سنين".(1/195)
18-
يلاعب الريح بالعصرين قسطله ... والوابلون وتهتان التجاويد
شبه المطر في عموم نفعه بالرجل الجواد1 الكثير الإحسان، وإن سمي بهذا الجمع على سبيل النقل، أو على سبيل الارتجال فقيه أربعة أوجه:
أجودها: إجراؤه على ما كان له كقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} 2.
والثاني: إجراؤه مجرى "غسلين"3 في لزوم الياء، وكون النون حرف إعراب.
"والثالث: إجراؤه مجرى "عربون" في لزوم الواو، وكون النون حرف إعراب4".
__________
1 ك وع سقط "الجواد".
2 الآيتان "18" و"19" من سورة "المطففين".
3 ع زادت "غسلين وعربون" ولا موضع لكلمة "عربون" هنا. والغسلين: هو ما يغسل من الثوب ونحوه، وما يسيل من جلود أهل النار.
4 سقط ما بين القوسين من الأصل، وجاء في ك وع.
18- من البسيط قائلة أبو صخر الهذلي كما في شرح السكري لأشعار الهذليين ص 925، واللسان مادة "جود".
وقسطله: غباره، والتجاويد: المطر دون الوبل.
والوابلون: جماع الوابل.(1/196)
ولم يتأت1 في النظم إلا ذكر "حين" و"دون" فاستغنيت2 بهما عن "غسلين" و"عربون".
والرابع: استصحاب الواو على كل حال مع كون النون مفتوحة غير ساقطة في الإضافة.
ذكر هذا الوجه أبو سعيد السيرافي3، وزعم أنه ثابت في كلام العرب، وأشعارها بالرواية الصحيحة ثم قال:
"كأنهم حكوا لفظ الجمع المرفوع في حال التسمية، وألزموه طريقة واحدة، وأنشد:
19-
ولها بالماطرون إذا ... أكل النمل الذي جمعا
20-
خلفة حتى إذا ارتبعت ... ذكرت من جلق بيعا
__________
1 ك وع "يأت".
2 ك وع "فاستغنى".
3 الحسن بن عبد الله بن المرزبان أبو سعيد، القاضي السرافي، النحوي توفي 368 هـ.
19 و 20- هذين بيتان من المديد المعروف أنهما من قطعة تنسب ليزيد بن معاوية، يتعزل بها في جارية نصرانية كانت قد ترهبت في دير خراب عند الماطرون.
وفي الكامل للمبرد 217 "طبع ليبسك" وبعضهم ينسبها إلى الأحوص. وفي الحيوان للجاحظ نسب البيتين 4/ إلى أبي دهبل الجمحي "وينظر: الأغاني/ 150 ومعجم البلدان "الماطرون" والخزانة 3/ 278".
الماطرون: بلدة بالشام، الخلفة: الدواب التي تختلف أي تذهب وتجيء.
جلق: دمشق أو غوطتها، ارتبع بالمكان: أقام فيه زمن الربيع، البيع: جمع بيعة بسكر الباء، كنيسة النصارى.(1/197)
ففتح1 نون "الماطرون" وأثبت الواو. وهو في موضع جر. قال:
والعرب تقول: "اليَاسَمُون" في حال الرفع، والنصب، والجر2، ويقولون: "ياسمون البر" فيثبتون النون مع الإضافة ويفتحونها".
ومنهم من يرويه بـ"الماطرون" ويعرب نون "الياسمون"3 ويجريه مجرى "الزيتون" وهو الأجود، وأنشد:
21-
طال ليلي وبت كالمجنون4 ... واعترتني الهموم بالماطرون
__________
1 ع "ففتحوا".
2 ك ع سقط "والجر".
3 ع سقط ما بين القوسين، والياسمون: واحدة باسم -كصاحب أو عالم: نبات له زهر. أبيض وأصفر له فوائد طبية "قاموس".
4 أول النسخة الأزهرية المرموز إليها بـ"هـ".
21- من الخفيف قاله عبد الرحمن بن حسان من قصيدة تشبب فيها برملة بنت معاوية "الديوان ص 59".
والماطرون: اسم موضع في الشام.(1/198)
وَلَمْ يذكُرْ سيبويه إلا الوجهين الأولين1.
ولو نظر السيرافي "ياسمون البر" ونحوه بـ"عربون" لا بـ"زيتون" لكان أولى بالصواب؛ لأن نون "عربون" زائدة بلا ريب، لقولهم: "أعرب المشتري": إذا أعطى العربون.
وأما نون "الزيتون" فالأكثر على أنها زائدة بناء على أنه من "الزيت".
والصحيح أنها غير زائدة، لقول بعض العرب: "أرض زتنة" إذا كانت كثيرة الزيتون.
فَوَزْنُ "زيتون" -على هذا: "فيعول" كـ"قيصرم"2.
ونون المثنى وشبهه مكسورة، وفتحها لغة، أنشد الفراء3 -رحمه الله4.
22-
على أحوذيين استقلت عشية ... فما هي إلا لمحة وتغيب
__________
1 فصل هذه المسألة ونقل كلام سيبويه، وذكر الأوجه الأربعة ابن سيدة في المخصص 7/ 104.
2 القيصوم: نبات أطرافه نافعة، وزهره مروله فوائد طبية "قاموس".
3 معاني القرآن 2/ 423.
4 هكذا في ك وع وسقط من الأصل "رحمه الله".
22- من الطويل من قصيدة لحميد بن ثور الهلالي يصف قطاه "الديوان ص 55".
وعلى أحوذيين: جار ومجرور متعلق بـ"استقلت"، والضمير في هذا الفعل يعود إلى القضاة، التي تقدم ذكرها في أبيات قبل الشاهد. فما هي إلا لمحة.
أي: فما مشاهدتها إلا لمحة وتغيب بعدها أي: اللمحة، ثم حذف المضاف فصار: فما هي.
والأحوذي: الخفيف الحاذق.(1/199)
ونون الجمع الذي على حد المثنى، والمحمول عليه مفتوحة، وكسرها لغة1.
قال الشاعر:
23-
عربين من عرينة ليس منا ... برئت إلى عرينة من عرين
24-
عرفنا جعفرًا وبني رباح ... وأنكرنا زعانف آخرين
__________
1 ك وع "وكسرها ضرورة".
2 هكذا في ك وع وس وش، وفي الأصل "أقف" وفي ط "أصنف".
23 و 24- هذان بيتان من الوافر قالهما جرير من أبيات أربعة يخاطب بها فضالة العرني "ديوان جرير ص 577".
والرواية في الديوان:
عرفنا جعفرًا وبني عبيد(1/200)
إعراب المجموع بالألف والتاء، وما جرى مجراه:
"ص"
أولات مع جمع بتاء وألف ... زيدا اكسرن نصبا كـ"آيات" أصف1
__________
1 هكذا في ك وع وس وش، وفي الأصل "أقف" وفي ط "أصنف".
23 و 24- هذان بيتان من الوافر قالهما جرير من أبيات أربعة يخاطب بها فضالة العرني "ديوان جرير ص 577".
والرواية في الديوان:
عرفنا جعفرًا وبني عبيد ورواية الأصل "وبني رباح" وفي ك وع "بني رباح"- بالباء الموحدة وعرين: هو عرين بن ثعلبة بن يربوع من آباء فضالة.
وعرينة: بطن من بجيلة.
وجعفر: أخو عرين.
وزعانف: جمع زعنفة -بكسر الزاي- وهم الأتباع والملحقون.(1/200)
"ش": أولات بمعنى ذوات، والواحدة منها1: ذات. لكن "ذوات" جمع؛ لأن واحده من لفظه، و"أولات" اسم جمع؛ لأن واحده من غير لفظه إلا أن يجري مجرى الجمع الذي علامته ألف، وتاء زائدتان.
وقيدت الألف والتاء بالزيادة احترازًا من نحو2 "أبيات" فإن ألفه زائدة، وتاءه أصلية.
ومن نحو "قضاة" فإن تاءه مزيدة، وألفه منقلبة عن الأصل.
"ص"
وهو لذي التا مطلقًا وما خلا ... منها اسم أنثى3 نحو هند وحلى
"ش" الضمير من "وهو لذي التا" عائد إلى الجمع بالتاء والألف.
أي: الجمع بالألف والتاء المزيدتين على ضربين: مقيس وغير مقيس.
فالمقيس: ما كان واحده بتاء التأنيث -مطلقًا.
__________
1 في الأصل "منهما".
2 ع "من لفظ أبيات".
3 هكذا في الأصل وفي ط "منها لأنثى" وفي ك وع وس وش:
...................... واسم خلا ... منها لأنثى........................(1/201)
وأعني بـ"مطلقًا"1 أن وجود التاء في الواحد مصحح لجمعه بالألف والتاء:
علم مؤنث كان كـ"عمرة" و"سلمة".
أو علم مذكر كـ"طلحة" و"حمزة".
أو اسم جنس جامدًا كـ"تمرة" و"غرفة".
أو اسم جنس صفة كـ"ضخمة" و"حلوة".
و"ما" من قولي:
................... وما خلا ... ...........................
بمعنى "الذي" معطوفة على "ذي التا".
أي: الجمع المذكور لذي التاء -مطلقًا- ولما خلا منها من اسم علم لأنثى كـ"هند" و"حلى"2 -والمراد بهما امرأتان3".
"ص":
وما خلا منها اسم جنس أنثا ... لغير نقل فيه لا تنبعثا
وقسه في ذي ألف التأنيث لا ... شبهًا لـ حمراء وسكرى واعدلا
__________
1 ك وع "مطلق".
2 ع "حبلى".
3 سقط ما بين القوسين من ك وع وجاء موضعه "أي: وهو باطراد لما فيه تاء التأنيث من أعلام الذكور، والإناث كطلحة وسلمة وأسماء الأجناس جوامدها ومشتقاتها كتمرة وضخمة، ولما خلا من التاء من أعلام الإناث كحبلى، وهو اسم امرأة".(1/202)
ولا مذكر المسمى علمًا ... بل مثل1 صحراء حبارى أدمى2
وقس على دريهمات وعلى ... نحو جبال راسيات واقبلا3
إذا كان المؤنث اسم جنس وخلا من علامة التأنيث لم يجز جمعه بالألف والتاء إلا فيما سمع كـ"خود"4 و"خودات" و"ثيب" و"ثيبات" و"سماء" و"سماوات" و"شمال"5 و"شمالات".
وما لم يسمع فلا يجمع بالألف والتاء.
فلا يقال في "عين": "عينات" ولا في "دار": دارات" ولا في "شمس": "شمسات".
وإن كان في الاسم ألف التأنيث جاز جمعه بالألف والتاء -مطلقًا.
__________
1 ع "مثله".
2 أُدَمَى: موضع.
3 هكذا في الأصل وط وش وفي ع وك وس جاء الشطر الثاني كما يلي:
........................................ ... حمامك "راسيًا" تريد الجبلا
4 الخود: المرأة الحسنة الخلق الشابة أو الناعمة.
5 الشمال: ريح تهب من قبل الحجر.(1/203)
ما لم يكن علم مذكر1 كـ"سلمى" و"ورقاء" اسمي2 رجلين.
ولا "فعلاء"3 مؤنث "أفعل" كـ"حمراء" و"صفراء".
أو "فَعْلَى" فَعْلَان" كـ"سكرى" و"غضبى".
واطرد هذا الجمع في تصغير غير الثلاثي من أسماء المذكرات التي لا تعقل نحو: "دريهمات".
وفي صفات المذكرات التي لا تعقل كقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} 4 "وقوله": {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} 5.
وعلى هذا نبهت بقولي:
........................... وعلى ... جمعك راسيًا تريد الجبلا6
"س":
وما به سمي من ذا الباب ... فهو على ما كان من إعراب
وترك تنوين قليل، وجعل ... أيضًا كـ"أرطاة" لإنسان نقل
__________
1 هـ "علمًا لمذكر".
2 هـ "اسما رجلين".
3 ع "فعلى".
4 من الآية رقم "197" من سورة "البقرة".
5 من الآية رقم "203" من سورة "البقرة".
6 سقط ما بين القوسين من الأصل.(1/204)
وجاء في نحو "ثبات" فتح ... في النصب نزرًا، لا عداك نجح1
"ش": أي: إذا سمي بـ"أولات"، أو بنحو "هندات" من المجموع فإعرابه بعد التسمية به كإعرابه قبل التسمية به.
فتقول في رجل اسمه "هندات": "هذا هندات" و"رأيت هندات" و"مررت بهندات".
كما كنت تقول إذ كان جمعًا.
هذه2 اللغة الجيدة.
قال الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} 3.
ومن العرب من يزيل التنوين "ويبقي الكسرة في جره ونصبه.
ومنهم من يزيل التنوين"4 ويمنعه الكسرة فيقول5:
"هذه عرفات مباركًا فيها"، و"رأيت عرفات"، و"مررت بعرفات".
__________
1 ط "النجح".
2 ك وع "هذه هي اللغة الجيدة".
3 من الآية رقم "198" من سورة "البقرة" وتمامها: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ.....} .
4 هـ سقط ما بين القوسين.
5 هـ "فتقول".(1/205)
وإلى هذه اللغة أشرت بقولي:
.................. وجعل ... أيضا كـ أرطاة1......
وأما "ثبات" ونحوه من جمع المحذوف اللام المعوض منها التاء، فالمشهور جريه مجرى "هندات".
ومن العرب من ينصبه بفتحة، ومن قول بعض العرب:
"سمعت لغاتهم".
وأنشد الفراء2 لأبي ذؤيب:
25-
فلما جلاها بالأيام تحيزت ... ثباتًا عليها ذلها واكتئابها
__________
1 الأرطاة: شجرة لها نور، وثمرها كالعناب مر تأكله الإبل غضًا، وعروقها حمر.
2 قال الفراء في معاني القرآن 2/ 93:
السبت واللغات: ربما أعربوا التاء منهم بالنصب، والخفض وهي تاء جماع ينبغي أن تكون خفضًا في النصب والخفض.
فيتوهمون أنها هاء، وأن الألف قبلها من الفعل.
وأنشدني بعضهم:
إذا ما جلاها بالأيام تحيرت ... .........................
وتحيزت: اجتمع بعضها إلى بعض ويروى تحيرت وفي: وع "تميزت".
ثبات: جماعات.
25- من الطويل نسبه المصنف لأبي ذؤيب الهذلي، وهو في ديوان الهذليين 1/ 79 وفي الاقتضاب 409 وفي الخصائص 3/ 304 ورواية الديوان:(1/206)
إعراب ما اتصل به من الفعل ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة:
"ص":
بالنون رفع نحو تذهبونا ... وتذهبان ثم "تذهبينا
واحذف إذا جزمت أو نصبتا ... كـ"لم تكونا" لتروما سحتا
وحذفها في الرفع قبل "ني" أتى ... والفك والإدغام أيضًا ثبتا
ودون ني في الرفع حذفها حكوا ... في النثر والنظم ومما قد رووا1
أبيت أسري وتبيتي تدلكي ... وجهك بالعنبر والمسك الذكي
"ش": إذا اتصل بالفعل المضارع ألف اثنين، أو واو جمع، أو ياء
__________
فلما اجتلاها................ ... ...........................
والضمير يعود إلى جماعات النحل. واجتلاها: طردها.
والأيام: الدخان.
1 ك وع وش:
وقل حذف دون ني نثرًا كما ... لا تؤمنوا حتى ومما نظما
وفي ط:
ودون ني في الرفع حذفها حكوا ... نظما ونثرًا نادرًا وقد رووا
وفي س:
ودون ني في الرفع حذفها حكوا ... نثرًا ونظمًا قد أتى وقد رووا(1/207)
مخاطبة فعلامة رفعه نون مكسورة بعد الألف نحو: "تذهبان" ومفتوحة بعد الواو والياء نحو: "تذهبون" و"تذهبين".
وحذف هذه النون علامة للجزم نحو: "لم تذهبا"1.
وعلامة للنصب نحو: "لن تَذْهَبَا".
وإذا اتصل بهذه النون نون الوقاية جاز حذفها تخفيفًا، وإدغامها في نون الوقاية، والفك.
وبالوجه الأول قرأ نافع: "تَأْمُرُوني أَعْبد"2.
وقرأ ابن عامر: "تَأْمُرُونَني" -بالفكِّ.
وقرأ الباقون بالإدغام.
وزعم قوم: أن المحذوف في نحو: "تَأْمُرُونِي" هو الثاني، وليس كذلك.
بل المحذوف هو الأول. نص على ذلك سيبويه3.
__________
1 ك وع: "لم يذهبا".
2 من الآية رقم "64" من سورة "الزمر" وتمامها: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُون} ، وينظر: إتحاف فضلاء البشر 376/ 377.
3 قال سيبويه في الكتاب 2/ 154:
"وإذا كان فعل الجميع مرفوعًا، ثم أدخلت فيه النون الخفيفة أو الثقيلة حذفت نون الرفع، وذلك قولك:"لتفعلت ذاك" "ولتذهبن"؛ لأنه اجتمعت فيه ثلاث نونات، فحذفوها استثقالًا.
وتقول: "هل تفعلن ذاك" تحذف نون الرفع؛ لأنك ضاعفت النون، وهم يستثقلون التضعيف.
فحذفوها إذا كانت تحذف، وهم في هذا الموضع أشد استثقالًا للنونات. وقد حذفوها فيما هو أشد من ذا.
بلغنا أن بعض القراء قرأ: "أتحاجُّوني"، وكان يقرأ "فبم تبشرونِ" وهي قراءة أهل المدينة، وذلك أنهم استثقلوا التضعيف.(1/208)
ويدل على صحة قوله: أن نون الوقاية لا يجوز حذفها مفردة مع فعل غير "ليس".
وأن الأول قد حذف دون ملاقاة1 مثل مع عدم الجازم والناصب، فحذفها عند ملاقاة مثل أولى.
وأيضًا فلو حذف نون الوقاية، وأبقي نون الرفع لتعرض بذلك إلى حذف نون الرفع عند دخول الجازم والناصب.
وإذا حذف نون الرفع لم يعرض لنون الوقاية ما يقتضي حذفها.
وحذف ما لا يحوج إلى حذف أولى من حذف ما يحوج إلى حذف. وقولي:
ودون ني.......................... ... .....................................
أي: ودون اتصال2 نون الوقاية بنون الرفع قد حكي حذفها.
ومثال ذلك في النثر ما روي من قول النبي -عليه
__________
1 هـ "مالاقاه".
2 ك وهـ "إيصال".(1/209)
السلام1: "والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا" 2.
الأصل: 3لا تدخلون ولا تؤمنون؛ لأن "لا" نافية، و "لا" النافية لا تعمل في الفعل شيئًا.
ومثال4 ذلك في النظم قول الراجز:
26-
أبيت أسري وتبيتي تدلكي
27-
وجهك بالعنبر والمسك الذكي
__________
1 ك وع وهـ "صلى الله عليه وسلم".
2 أخرجه مسلم في باب الإيمان 94، وأبو داود في باب الأدب 131، والترمذي في باب الاستئذان، والقيامة 56، وابن ماجه في المقدمة 9 وباب الأدب 11، وأحمد بن حنبل 1/ 165، 167، 2/ 391، 442، 447، 495، 512.
3 ك وع "والأصل".
4 ك وع "ومثل ذلك".
26 و 27- هذا رجز استشهد به كثير من العلماء، ولم ينسبه أحد إلى قائل.
وفي الخصائص قال ابن جني 1/ 388 وما بعدها:
وسألت أبا علي رحمه الله عن قوله:
أبيت أسري ...
فخضنا فيه واستقر الأمر فيه على أنه حذف النون من "تبيتين"
كما حذف الحركة للضرورة في قوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب
كذا وجهته معه. فقال لي: فكيف تصنع بقوله: تدلكي؟ فقلت: بجعله بدلًا من "تبيتي" أو حالًا فيحذف النون كما حذفها من الأول في الموضعين. فاطمأن الأمر على هذا.(1/210)
والأصل: "تبيتين" و"تدلكين" فحذف النونين1 دون جازم ولا ناصب.
ومن ذلك قول 2 أبي طالب:
28-
فإن يك قوم سرهم ما صنعتم ... سيحتلبوها لاقحًا غير باهل
أراد: فسيحتلبونها.
فحذف الفاء3، والنون للضرورة.
ولا يجوز اعتقاد حذف النون4 للجزم على ما يستحقه المضارع المجرد من حرف التنفيس إذا وقع جوابًا.
لأن شرط جزم الجواب أن يصلح لمباشرة5 حرف الشرط.
__________
1 ك "حذف حرف النون".
2 ك وع "ومنه قول أبي طالب".
3 ع "فحذف الفاء فحذف الفاء".
4 ك "حذف حرف النون".
5 ع "لمباشر ط".
28- من الطويل وينظر غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب للخطيب ص 27.
اللاقح: التي قبلت اللقاح من الإبل.
الباهل: أبهل الناقة أهملها من غير صرار، ولا خطام، ولا سمة.(1/211)
فإن لم يصلح لها وجب اقترانه بالفاء، ولا تحذف1 إلا في ضرورة.
ولا شك في2 أن المقترن بالسين لا يباشره3 حرف الشرط.
__________
1 في الأصل "يحذف" -بالمثناة التحتية.
2 ع سقط "في".
3 ك "تباشره" ع "تباشره".(1/212)
إعراب المعتل من الأسماء والأفعال:
"ص":
آخر ذي الإعراب حرفه فإن ... يعتل فالإعراب فيه مستكن
والاعتلال في حروف المد ... كـ المرتضى يقضي ويزكو المهدي
ففي الثلاث الرفع ينوى وكذا ... ينوى انجرار نحو "شاف" من "أذى
كذاك نصب نحو "لن تخشى1 العشا ... تقديره في كل حال قد فشا
وجازمًا حذف الثلاث الزم كـ"من ... يسع ويرض يرج توفير المنن
"ش": ذو2 الإعراب يتناول الاسم المتمكن، والفعل المضارع
__________
1 ع وط "يخشى".
2 هـ "ذوا".(1/212)
وحرف الإعراب "من كل واحد منهما آخره كالهاء والميم من قولك: "الله يعلم".
فإن يعتل الأجر فالإعراب1" فيه مستكن أي: مستتر.
وحروف الاعتلال حروف المد وهي:
الألف ولا تكون2 إلا بعد فتحة نحو: "المرتضى يرضى"3.
والياء الخفيفة بعد كسرة نحو: "القاضي يقضي".
والواو الخفيفة بعد ضمة، ولا يوجد ذلك إلا في فعل نحو: "يَزكُو" و"يَدْعُو". وهذا مثال لتقدير الرفع في الواو.
وتقديره في الألف وفي الياءات4 نحو: "المرتضى يرضى" و"القاضي يقضي".
ومثال تقدير الجر في الياء والألف: "أعوذ بالله من أذى كل مؤذ".
ومثال تقدير النصب في الألف: "إن الأتقى لن يشقى".
والحاصل: أن حرف الإعراب إذا كان ألفًا لم يظهر فيه
__________
1 ع سقط ما بين القوسين.
2 هـ "يكون".
3 ع سقط "يرضى".
4 ك "وفي الياء" هـ "والياء" ع "وفي الألف وفي الياء".(1/213)
رفع ولا نصب، ولا جر، لتعذر تحريك الألف.
وإذا كان ياء خفيفة بعد كسرة قدر فيها الرفع والجبر. وإذا كان واوًا خفيفة بعد ضمة قدر فيها الرفع خاصة؛ لأنه لا يكون1 حرف إعراب إلا في فعل، والفعل لا يجر.
وسكت عن النصب حين بين ما ينوي في الياء والواو2.
فعلم أن النصب فيهما ظاهر نحو: "إن المتقي لن يبغي ولن يجفو".
ولما سبق اختصاص الجزم بالفعل لم يحتج هنا3 إلى ذكر الفعل إذ قيل:
وجازمًا حذف الثلاث الزم ... .........................
أي: حذف الألف، والياء، والواو نحو: "من يسع ويرض يرج توفير المنن".
والأصل: "يسعى" و"يرضى" و"يرجو"4، فحذفت ألف "يسعى"؛ لأنه جواب الشرط.
وياء "يرضى"؛ لأنه معطوف على الشرط.
__________
1 هـ ك ع "لأنها لا تكون".
2 هـ ك ع "في الواو والياء".
3 ك ع "ههنا".
4 في الأصل "يسعى ويرجو ويرضى".(1/214)
وواو "يرجو"؛ لأنه جواب الشرط1.
"ص"
وكـ"الفتى" المقصور فاعلم والذي ... سموه منقوصًا كـ"شاك" و"أذي
والاسم يبنى شبه حرف معنى او ... إهمالًا او وضعًا كـ"رحنا" أو"غدوًا"2
أو في3 افتقاره أو إيجاب العمل ... دون تأثر بعامل حصل
كـ"أين" والتا من فعلت و"الذي ... و"بَلْهَ"4 "هيهات" و"حا" وشبه ذي
ما لم يعارض شبه الحرف بما ... يحمي عن البنا كـ"أي" فاعلما
"ش": المقصور: هو الاسم المتمكن الذي آخره ألف لازمة كـ"الفتى".
احترز بـ"المتمكن"5 من 6 "ذا"، ونحوه من المبنيات التي آخرها ألف.
__________
1 هـ "لأنه شرط وياء يرضي جواب الشرط".
2 ع "وعدوا".
3 ك وع "وفي".
4 ع "وبلد".
5 ع "التمكن".
6 ك وع "عن".(1/215)
واحترز باللزوم من المثى المضاف المرفوع، ومن الأسماء الستة في حال النصب؛ لأن آخرها حينئذ ألف لكنها غير لازمة.
والمنقوص: هو الاسم المتمكن الذي آخره ياء خفيفة لازمة بعد كسرة.
فاحترز بـ"المتمكن" من نحو "الذي" وشبهه1 من المبنيات التي آخرها ياء.
واحترز بـ"خفيفة" من نحو "صبي".
وبـ"لازمة" من نحو "بنيك" و"أبيك".
ولما كمل2 الكلام على المعرب بإعراب ظاهر، وإعراب مقدر شرع في ذكر المبني من الأسماء، وسبب بنائه:
أما شبه الحرف في المعنى كـ"أين" فإنها متضمنة معنى حرف الشرط. إذا قصد بها الشرط، ومعنى حرف الاستفهام إذا قصد بها الاستفهام.
وأما شبه الحرف في الإهمال -والإشارة بذلك إلى ما يورد من الأسماء دون تركيب كحروف الهجاء المفتتح بها السور- فإنها مبنية لشبهها بالحروف المهملة في أنها لا عاملة، ولا معمولة.
__________
1 هـ "ونحوه".
2 هكذا في الأصل -وفي ك وع "أكمل".(1/216)
وبعضهم يجعلها معربة؛ لأنها تتأثر1 بالعوامل لو دخلت عليها.
وهذا اختيار الزمخشري2 في الكشاف3.
وأما شبه الحرف في الوضع، والإشارة به إلى ما وضع على حرف واحد كواو "غدوًا"4 وتاء5 "فعلت" أو على حرفين كالنون والألف من "رحنا".
وأشير بكون هذا النوع شبيهًا في الوضع إلى أن الموضوع
__________
1 هـ "سائر".
2 محمود بن عمر بن محمد بن عمر أبو القاسم الزمخشري، الخوارزمي، جار الله إمام اللغة، والنحو والبيان ولد سنة 467 هـ بزمخشر، ومات بها سنة 538 هـ.
3 قال الزمخشري في الكشاف 1/ 107.
"فإن قلت: هل لهذه الفواتح محل من الإعراب؟ قلت: نعم لها محل فيم جلعها أسماء السور؛ لأنها عنده كسائر الأسماء الأعلام.
فإن قلت: ما محلها؟ قلت: يحتمل الأوجه الثلاثة.
أما الرفع فعلى الابتداء.
وأما النصب والجر فلما مر من صحبة القسم بها، وكونها بمنزلة "الله" و"الله" على اللغتين.
ومن لم يجعلها أسماء للسور لم يتصور أن يكون لها محل في مذهبه".
4 في الأصل "عدوا" -بالعين المهملة.
5 هـ "وكتاء".(1/217)
على حرف أو حرفين حقه ألا يكون إلا حرفًا؛ لأن الحرف1 يجاء به لمعنى في غيره فهو كجزء لما دل على معنى فيه.
فإذا وضع على حرف أو حرفين ناسب ذلك معناه. بخلاف الاسم والفعل.
فأي اسم وضع على حرف، أو حرفين فقد أشبه الحرف في وضعه.
ولا يدخل في هذا ما عرض له النقص كـ"دم" فإن له ثالثًا يعود إليه في التصغير كـ"دمي" وفي التكسير كـ"دماء" وفي الاشتقاق كـ"دمي العضو".
ومن شبه الحرف: الشبه في الافتقار إلى جملة على سبيل اللزوم كافتقار "إذا" و"الذي" إليها فإنه افتقار لازم كافتقار الحرف إليها، فلذلك بنيا.
ومن شبه الحرف الموجب للنباء ما في أسماء الأفعال من الشبه بـ"إن" وأخواتها في أنها تعمل عمل الفعل، ولا يعمل فيها عامل لا لفظًا، ولا تقديرًا.
وهذا معنى قولنا:
..................... أو ايجاب العمل ... دون تأثر2 بعامل.............
__________
1 ك وع سقط "لأن الحرف".
2 ع "تأثير".(1/218)
وبهذا امتاز اسم الفعل من المصدر النائب عن فعل الأمر.
فإن قوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَاب} 1 واقع موقع: "اضربوا الرقاب"، كما أن "دراك زيدًا" واقع موقع "أدرك زيدًا".
إلا أن "فضرب الرقاب" متأثر بعامل مقدر صار هو بدلًا من اللفظ به، ولم يمنع من تقديره.
و"دَرَاكِ" نائب عن "أدرك" ومنع من تقديره، فهو مؤثر غير متأثر، كالحروف العاملة.
كما أن أسماء الحروف التي افتتح بها غير مؤثرة، ولا متأثرة كالحروف المهملة.
ومعنى "بله": دع، وهو اسم فعل لا فعل؛ لأن كل ما دل على الأمر لا تثبت فعليته حتى يصلح لياء المخاطبة، ونون التوكيد. وإلا فهو اسم.
و"هيهات" بمعنى: بعد، وليس بفعل، بل هو اسم فعل؛ لأن كل ما دل على حدث ماض لا تثبت فعليته حتى يصلح لتاء التأنيث الساكنة، أو تاء الفاعل، وإلا فهو اسم.
ونبهت بـ"حا" على أسماء الحروف كألف لام ميم.
__________
1 من الآية رقم "4" من سورة "محمد" وتمامها: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ... } .(1/219)
وقولي:
ما لم يعارض شبه الحرف بما ... يحمي عن البنا.............
أشير به إلى نحو "أي" فإنها إن كانت استفهامية، ففيها شبه حرف الاستفهام، وإن كانت شرطية ففيها شبه حرف الشرط، وإن كانت موصولة فهي كالحرف في الافتقار إلى الجملة.
إلا أن شبه الحرف في "أي" معارض1 بما فيها من شبه الأسماء المتمكنة بالإضافة التي انفردت بها من بين أخواتها، مع أ، ها بمعنى "كل"2 إذا3 أضيفت إلى نكرة، وبمعنى "بعض" إذا أضيفت إلى معرفة.
فحمي "أيًّا" عن التأثر4 بشبه الحرف شبهها بـ"بعض" و"كل" في المعنى، والإضافة.
وكان اعتبار شبه "بعض" و"كل" أولى من اعتبار شبه الحرف لوجهين:
أحدهما: أن شبه الحرف مخرج5 عن حكم الأصل، وشبه البعض والكل مبق على الأصل.
__________
1 هكذا في ك -أما في الأصل وفي هـ وع فالعبارة "إلا أن لشبه الحرف في أي معارضًا".
2 ع "كن".
3 هـ "معنى كل إلى أضيفت".
4 ع "التأثير".
5 هـ "مخرج" وفي باقي النسخ والأصل "يخرج".(1/220)
والمبقي على الأصل غالب للمخرج عنه.
الثاني: أن حمله1 على "كل" و"بعض" من باب حمل الشيء على ما هو من نوعه للاشتراك في الاسمية.
وهذا2 أولى من حمل "أي" على الحرف لتخالفهما في النوعية -والله الموفق3.
__________
1 هـ "حمل أي".
2 هكذا في ك، وفي الأصل "وهو أولى" وفي ع سقط "وهذا".
3 هكذا في الأصل، وسقط "والله الموفق" من ك وع.(1/221)
باب: النكرة والمعرفة
مدخل
...
باب: النكرة والمعرفة
"ص":
ما شاع في جنس كـ عبد نكره ... وغيره معرفة كـ عنتره
فمضمر أعرفها ثم العلم ... واسم إشارة وموصول متم
وذو أداة، أو منادى عينا ... أو ذو إضافة بها تبينا
"ش": ما كان شائعًا في جنسه كـ"حيوان"، أو في نوعه كـ"إنسان". فهو نكرة.
وما ليس شائعًا فهو معرفة، ما لم يكن مقدر الشياع. وجملة المعارف سبعة:
المضمر، والعلم، واسم الإشارة، والموصول، والمعرف بالأداة. والمعرفة بالنداء، والمعرف بالإضافة.(1/222)
ولكل منها موضع بين1 فيه.
ووصف الموصول بـ"متم" تنبيهًا على أنه لا يحكم عليه بالتعريف إلا بعد تمامه2 بتمام صلته.
وقيد المنادي بالتعيين تنبيهًا على أن المراد من المناديات ما تجدد له التعيين بالنداء.
فلا يدخل في ذلك نحو: "يا زيد" فإنه لم يتجدد له3 التعيين بالنداء. بل كان معينًا، ثم ازداد بالنداء وضوحًا.
ولا يدخل أيضًا -المنادى الباقي على شياعه كقول الأعمى: "يا رجلًا خذ بيدي".
وقيد ذو الإضافة بأن يكون بها متبينًا4 تنبيهًا على أن من الإضافة ما لا يعرف المضاف، كالمضاف إلى نكرة، أو المضاف إضافة غير محضة نحو: "هذا ضارب زيد غدًا أو الآن" و"هذا حسن5 الوجه".
__________
1 هـ "مبين".
2 ع "بإتمامه".
3 ك وع "يتجدد به التعيين".
4 ك "مستبينًا".
5 ع "وهو أحسن الوجه" هـ "هذا الحسن الوجه".(1/223)
فصل في المضمر:
"ص":
ما صيغ قصد حاضر أو غائب ... فهو ضمير نحو تا المخاطب1
وما يلي لام "فعلنا"، واليا ... في نحو "واصلني وهب لي" حذيا
كذاك "ها" "أكرمه غلامه ... وقد يرى مشتركًا إفهامه
كـ"انطلقا" و"انطلقوا" و"افعلنه ... و"ليذهبا" و"ليذهبوا" و"سرنه
ذو الرفع قد يخفى كمثل "قِسْ أَقِسْ"2 ... لأن معنى ما نووا لم يلتبس
والتاء واليا3 في "فعلت" و"افعلي ... وكاف "أهواك" و"فيك أملي
وقبل ذي اليا النون واقيًا لزم ... مع كل فعل غير نادر علم
__________
1 هكذا جاء ترتيب هذه الأبيات في الأصل، والأولى أن يتقدم البيت السادس على البيت الخامس.
وقد اختلف ترتيب هذه الأبيات من نسخة لأخرى.
2 ع "كمثله قد أقس".
3 ك وع وهـ "ومنه فاعلًا فعلت وافعلي".(1/224)
كذا لدن ومن وعن وقط وقد ... وليت باقي أخواتها ورد
مخيرًا فيه وتجريد لعل ... أولى ومن لَعَلَّنِي لَيْتِي أقل
"ش": المضمر والضمير: اسمان لما وضع من الأسماء لمتكلم، أو مخاطب أو غائب، متميزًا بنفسه كـ"إنك" و"إنه".
أو بمصحوبه1 كـ"أنا" و"أنت" و"إياي" و"إيانا" و"فَعَلْتُ" و"فَعَلْتَ" و"فَعَلْتِ" و"اذهبا"2 و"ذهبا"3.
فإن مصحوب الألف الدالة على حاضرين: الأمر والمضارع ذو4 تاء5 الخطاب.
ومصحوب الألف الدالة على غائبين: الفعل الماضي، والمضارع ذو الياء.
ومن الضمائر ما معناه واحد، وإعرابه مختلف، وهو "نا"6 يشترك فيه7 الرفع، والنصب، والجر.
__________
1 ك وع "بمصحوب".
2 ك ع "أذهب".
3 ك وع "ذهب".
4 هـ "ذوا".
5 ع "وتاء".
6 في الأصل "ما".
7 ع سقط "فيه".(1/225)
فعلامة رفعه كون مصحوبة1 فعلًا ماضيًا مسكن الآخر2.
واشترك3 النصب والجر في الباء التي للمتكلم.
فإن كان ناصبها فعلًا متصرفًا وجب فصلها منه بنون4 الوقاية نحو: "أكرمني".
وإن كان5: ناصبه "إن" أو إحدى6 أخواتها جاز حذف النون.
ويقل مع "ليت" ويكثر مع "لَعَلّ".
ولا تثبت هذه النون في الخفض إلا مع "من" و"عن" و"لدن" و"قط" و"قد" بمعنى: حسب.
وربما حذفت مع هذه الخمسة.
واشترك النصب والجر -أيضًا- في كاف الخطاب، وهاء الغيبة على حسب، مدلولهما.
وانفرد الرفع: بالتاء على حسب أحوالها7، وبياء8
__________
1 ك وع "فعلامة رفعه إيلاؤه فعلًا".
2 ع "الأخير".
3 ك وع "اشتراك".
4 ع "وجب فصلها من نون الوقاية".
5 سقط "كان".
6 ع "أحد أخواتها".
7 ع "أحواله".
8 ع "وبتاء".(1/226)
المؤنثة، وبما للخطاب1، والغيبة من ألف، وواو2، ونون3 نحو: "تفعلان"4 و"فعلا" و"تفعلون"5 و"فعلوا" و"تفعلن"6 و"فعلن".
هذه تسمى متصلة؛ لأنه لا ينطق بها إلا وهي كجزء لما قبلها لفظًا، وخطًّا.
والمنفصل ما ليس كذلك كـ"أنا" و"أنت" و"هو" وفروعهن وهذه مرفوعة الموضع.
ومن المنفصل: "إياي" و"إياك" و"إياه" وفروعهن.
وخص ذو الرفع بالخفاء وجوبًا في نحو "افعل" و"نفعل" و"أفعل" و"تفعل يا رجل".
وجوازًا في نحو "زيد فعل".
والمراد7 بالواجب الخفاء ما لا يغني عنه ظاهر، ولا يقع
__________
1 ك وع "وكاف الخطاب".
2 ك "أو واو".
3 ك "أو نون".
4 ك "يفعلان".
5 ك "يفعلون".
6 ك "يفعلن".
7 ع "والمر".(1/227)
موقعه ضمير بارز إلا وهو توكيد لمنويِ. وقد نبه على تخصيص ضمير الرفع بالخفاء إذا قيل:
.............................. ... لأن معنى ما نووا لم يلتبس
"ص":
وما مضى وشبهه متصل ... و"هو" و"أنت" و"أنا" منفصل
كذاك "إياي" و"إياك" وَزِدْ ... "إياه" والفروع عنها لا تحد
والأول المرفوع موضعًا وما ... يليه منصوب المحل فاعلما
ولا انفصال إن تأتى متصل ... ونحو "ها" "سلنيه" صل وقد فصل1
__________
1 كان المصنف -رحمه الله- دائم النظر في هذا الكتاب -كما هي عادته في كل مصنفاته، ينظر فيما كتبه، يضيف إليه أو يصلح من عبارته. وكثيرًا ما كان المصنف يفعل ذلك في الهوامش.
وكان صاحب نسخة الأصل الذي اعتمد عليه في التحقيق أمينًا حين راجع نسخته مقابلة بنسخة المصنف، إذا نقل ما وجده بخط المصنف في الهامش في موضعه، ولم يحاول إدخاله في صلب الكتاب، كما فعل بعض النساخ.
لذا جاء في هامش الأصل، وهامش هـ بعد قوله "وقد فصل" أربع أبيات هي:
في كنته وخلتنيه المنفصل ... يختار والمختار عندي المتصل
وقدم الأخص في اتصال ... وقدمن ما شئت في انفصال(1/228)
في نحو "كنته" انفصال فضلًا ... وعندي المختار أن يتصلا
ولاضطرار سوغوا "قد ضمنت ... إياهم الأرض "فحقق ما ثبت
"ش": الإشارة بـ"ما مضى" إلى تاء المخاطب، والنون والألف من "فعلنا" وياء المتكلم، وتاء المخاطبة، ويائها، وكاف المخاطب وهاء الغائب، وألف الاثنين، واو الجماعة ونونها.
والإشارة بشبهه إلى بقية الفروع نحو: "فعلتما" و"فعلتم" و"فعلتن"1.
و"رأيتكما" و"رأيتكم" و"رأيتكن".
و"رأيتهما"2 و"رأيتهم" و"رأيتهن".
__________
وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا ... وقد يبيح الغيب فيه وصلا
مع اختلاف ما ونحو ِ"ضمنت ... إياهم الأرض الضرورة اقتضت
ولا يمكن أن تعد هذه الأبيات سقطت من الناسخ، فتداركها في الهامش؛ لأن البيتين الأخيرين في الأصل يتضمنان بعض ما جاء في الأبيات الأربعة.
وقد زادت ك وع ثلاثة أبيات من الأبيات الأربعة وأسقطت قوله:
وفي اتحاد الرتبة............... ... ..............................
أما س وش وط فذكرت الأربعة.
1 ك "فعلن".
2 ك وع "رأيتها".(1/229)
ولما كمل الكلام على المتصل شرع في الكلام على المنفصل وهو ضربان:
مرفوع المحل، ومنصوبه:
فالمرفوع1 المحل: "أنا" و"أنت" و"هو" وفروعها: "نحن" و"أنت"2 و"أنتما"3 و"أنتم" و"أنتن" و"هي" و"هما" و"هم" و"هن".
وفروع المنصوب المنفصل: "إيانا" و"إياك" و"إياكما" و"إياكم" و"إياكن" و"إياها" و"إياهما" و"إياهم" و"إياهن".
والمراد بالفرع4: ما دل على أنثى أو اثنين، أو جماعة ذكور أو إناث.
ولما كان وضع الضمير لقصد5 الاختصار لم يجز أن يؤتى بمنفصل. إذا وجد سبيل إلى متصل، لكونه أخصر إلا في مواضع مخصوصة.
كثاني ضميرين أولهما غير مرفوع نحو: "سلنيه".
أو مرفوع بـ"كان" أو إحدى أخواتها نحو: "الصديق كنته"
__________
1 ع "فمرفوع".
2 ك وع سقط "أنت".
3 ع سقط "أنتما".
4 ك وع "بالفروع".
5 ع "القصد".(1/230)
وكان حق أن يمتنع انفصاله لشبهه بهاء "ضربته".
ولكنه نقل فقبل1. وبقي الاتصال راجحًا لوجهين2:
أحدهما: الشبه بما يجب اتصاله، وإذا لم يساوه في الوجوب فلا أقل من الترجيح.
الثاني: أن الانفصال لم يرد إلا في الشعر، والاتصال وارد في أفصح النثر كقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمر -رضي الله عنه في ابن صياد:
"إن يكنه فلن تسلط عليه، وإلا يكنه فلا خير لك في قتله" 3.
وقوله -عليه السلام- لعائشة:
"إياك أن تكونيها يا حمراء".
وكقول بعض فصحاء العرب: "عليه رجلًا ليسني".
وقد حكموا -أيضًا- لثاني منصوبي نحو "ظننتكه" بترجيح الانفصال.
__________
1 ع "ثقل فقيل".
2 ع "بوجهين".
3 أخرجه البخاري في الجنائز 80، والجهاد 178، وأبو داود في الملاحم 16. وأحمد 2/ 148، ومسلم في باب الفتن 95، والترمذي في باب الفتن 63.(1/231)
وعندي أن اتصاله أولى؛ لأنه ثاني منصوبين بفعل، فكان كالثاني في قوله -تعالى: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} 1.
والذي دعاهم إلى ترجيح الانفصال ما "كان" و"ظننت" كون الضمير في الصورتين خبرًا لمبتدأ في الأصل، ولو بقي على ما كان عليه لتعين انفصاله، فأبقى عليه بعد انتساخ الابتداء ترجيح ما كان متعينًا قبل دخول الناسخ.
وهذا الاعتبار يستلزم جواز الانفصال في الأول؛ لأنه كان مبتدأ. وذلك ممتنع بإجماع2.
وما أفضى إلى ممتنعٍ: ممتنعٌ.
وقد يرجح انفصال ثاني مفعولي "ظن"3 بأنه مع كونه خبر مبتدأ في الأصل: منصوب بجائز4 التعليق والإلغاء.
ومع التعليق والإلغاء لا يكون إلا منفصلًا. فكان انفصاله5 مع الإعمال أولى.
__________
1 من الآية رقم "28" من سورة "هود" وتمامها: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} .
2 ع "باتباع".
3 ع سقط "ظن".
4 ك "جائز".
5 ك "انفصال".(1/232)
وهذا الاعتبار -أيضًا- يستلزم ترجيح انفاصل المفعول الأول وهو ممتنع بإجماع، وما استلزم ممتنعًا فهو حقيق بأن يمنع.
وأما انفصال ما باشره الفعل، أو ولي ضميرًا مرتفعًا بفعل ليس من باب "كان" فلا1 يجوز انفصاله إلا في ضرورة كقول الشاعر:
29-
بالوارث الباعث الأموات قد ضمنت ... إياهم الأرض في دهر الدهارير
__________
29- من البسيط قاله الفرزدق من قصيدة يمدح بها يزيد بن عبد الملك "الديوان" ص 266"، وهو من شواهد المصنف في شرح التهسيل ص 26.
والباعث والوارث: من أسماء الله -عز وجل.
ضمنتهم: تضمنتهم واشتملت عليهم، أو تكفلت بأبدانهم.
والجار والمجرور أول البيت متعلق بالبيت السابق وهو:
إني حلفت ولم أحلف على فند ... فناء بيت من الساعين معمور
قال المصنف في شرح التسهيل بعد أن ذكر البيت: فأوقع الشاعر الضمير المنفصل بغير سبب موقع المتصل، فلولا ضرورة إقامة الوزن لكان خطأ.
1 ع "ولا يجوز".(1/233)
فصل: في ضمير الشأن
"ص":
ومضمر الشأن ضمير فسرا ... بجملة كـ "إنه زيد سرى"(1/233)
للابتدا أو ناسخاته انتسب ... إذا أتى مرتفعًا أو انتصب
وإن يكن مرفوع فعل استتر ... حتمًا، وإلا فتراه قد ظهر
في باب "إن" اسما كثيرًا يحذف ... كـ"إن من يجهل يسل من يعرف
وجائز تأنيثه متلو ما ... أنت أو تشبيه1 أنثى أفهما
وقبل ما أنت عمدة فشا ... تأنيثه كـ"إنها هند رشا"2
"ش": قد يقصد المتكلم تعظيم مضمون كلامه قبل النطق به، فيقدم ضميرًا كضمير غائب يسمى ضمير الشأن، ويعمل فيه الابتداء، أو أحد نواسخه، وهي "كان" و"إن" و"ظن" أو إحدى أخواتهن.
ويجعل3 الجملة بعده4 متممة لمقتضى5 العامل
__________
1 ط، ع، ك "شبيه".
2 جاء هذا البيت في الأصل وفي س، وسقط من ك ع هـ س.
3 ك ع هـ "وتجعل".
4 ع "بعد".
5 ع. "بمقتضى".(1/234)
نحو: "هو الله أحد"1 -في أحد الوجهين2.
و"كان الله أحد".
و"إنه الله3 أحد".
و"علمته الله أحد".
فموضع الضمير في المثال الأول رفع بالابتداء.
وفي الثاني رفع بـ"كان" إلا أنه استتر كما يستتر الفاعل إذا كان ضمير غائب.
وموضعه في الثالث والرابع نصب بـ"إن" و"علمت". وموضع الجملة في الأول، والثالث: رفع.
وفي الثاني والرابع: نصب.
__________
1 الآية رقم "1" من سورة "الإخلاص".
قرأ "الله أحد" النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير قل، وقال: "من قرأ "الله أحد" فإنه يعدل القرآن كله".
وقرأ "هو الله أحد" عبد الله بن مسعود وأبي -بغير قل.
وقرأ "الله الواحد" عبد الله بن مسعود والأعمش.
ينظر: مختصر في شواذ القرآن لابن خالويه ص 182.
2 ينظر الوجهان في البحر المحيط لأبي حيان 8/ 528، والوجه الثاني أن يكون هو مبتدأ والله خبر وأحد: خبر ثان. وقال الزمخشري "أحد" بل من "الله" أو على "هو أحد".
3 ع سقط لفظ الجلالة.(1/235)
ويجوز حذفه مع "إن" وأخواتها، ولا يخص1 ذلك بالضرورة وعليه يحمل قوله، عليه السلام: "إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون" 2.
التقدير: إنه من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون. وأنشد سيبويه:
30- ولكن من لا يلق أمرًا ينوبه
بعدته ينزل به وهو أعزل
وإن صدرت الجملة المفسرة لهذا الضمير بمؤنث، أو بفعل ذي علامة تأنيث، أو بمذكر شبه3 به مؤنث رجح تأنيثه باعتبار القصة، على تذكيره باعتبار الشأن.
__________
1 ك وهـ "تختص".
2 أخرجه البخاري في باب اللباس 89، 91، 92، 95.
ومسلم في باب اللباس 96، 97، 98، 99.
والنسائي في باب الزينة 113.
وأحمد 1/ 375، 426، 2/ 26، 55.
3 ع "يشبه".
30- من الطويل قائلة أمية بن أبي الصلت "الديوان ص 46"، وينظر سيبويه 1/ 439، وابن الشجري 295، والإنصاف 181، شرح شواهد المعنى 239.
والأعزل: الذي لا سلاح معه.
وفي ع "يعدله" موضع "بعدته".(1/236)
ولأن1 القصة والشأن معناهما واحد، وفي التأنيث مشاكلة لما بعد فكان أولى.
فالأول نحو: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} 2.
والثاني نحو: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور} 3.
ونحو قول الشاعر:
31-
على أنها تعفو الكلوم وإنما ... نوكل بالأدنى وإن جَلَّ ما يمضي
والتذكير جائز كما قال أبو طالب:
__________
1 هكذا في ك ع هـ وفي الأصل "لأن" من غير واو.
2 من الآية رقم "97" من سورة "الأنبياء" وتمامها:
{وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} .
3 من الاية رقم "46" من سورة "الحج" وتمامها:
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} .
31- من الطويل قاله أبو خراش الهذلي "ديوان الهذليين 2/ 158" والرواية فيه "بلى إنها"، وهي رواية القالي في الأمالي، وديوان الحماسة 1/ 459.
والكلوم: جمع كلم ويعني به الحزن عند ابتداء المصيبة.
وفي ع على أنها بعض الكلام. نوكل بالأوس.(1/237)
32-
وإن لم يكن لحم غريض فإنه ... تكب على أفواههن الغرائر
والثالث نحو: "إنها قمر جاريتك".
"فإن وليه ظرف مسند إلى مؤنث نحو: "إنه عندك جارية"1 جاز فيه الوجهان.
وإن تضمنت الجملة المفسرة لهذا الضمير مؤنثًا غير فضلة، ولا كفضلة كان تأنيثه باعتبار القصة مختارًا لا واجبًا2.
فإن كان المؤنث فضلة كقولك: "إنه زيد حب هند" أو كفضلة كقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ} 3 فالمسموع يه التذكير، ويجوز التأنيث4.
__________
1 ع "جارته".
2 حدث اضطراب في الأصل حيث زاد الناسخ أربعة أسطر من الكلام السابق.
3 سورة طه الآية 74.
4 ك ع هـ سقط ما بين القوسين.
32- من الطويل من قصيدة يرثي بها أبو طالب أبا أمية بن المغيرة "الديوان ص 11".
الغريض: الطري من اللحم. الغرائر: الأعدال يكون فيها الدقيق والحنطة وغيرهما.(1/238)
فصل في الضمير المسمى فصلًا:
"ص":
وسم فصلًا مضمرًا طبقًا تَلَا ... ذا خبر معرف كـ"المجتلى
أو شبهه كأفعل التفضيل أو ... "مثل" مضاف فاقتف الذي اقتفوا
كـ"كنت أنت مثله أو أفضلا ... و"خلتني أنا أحق بالولا
وما لذا محل إعراب وإن ... تجعله ذا حرفية فهو قمن
ومبتدًا يجعله بعض العرب ... إذ للذي من بعده الرفع انتسب1
__________
1 جاء على هامش الأصل:
وسم فصلًا مضمرًا طبقًا تلا ... ذا خبر معرف كـ"المجتلى
أو ذي تنكر منافر لـ"ال ... كـ"كنت أنت مثل زين أو أجل
في سبقه حالًا، وإن يكتنفا ... اسمين منكورين خلف عرفا
وماله محل إعراب لدى ... أئمة البصرة حيث وجدا
وقد يرى مبتدأ وذا انتخب ... إن لمغايرة الثاني نسب
وقد اعتمدت ك وع وس وش وط هذه الأبيات مغفلة ما جاء في صلب الأصل.
ومما يثير العجب أن المصنف في نهاية شرح هذا الفصل نوه بالبيت الخامس من الأبيات، التي ذكرها في الهامش حين قال:(1/239)
"ش" من الضمائر الذي يسمى1 عند البصريين فضلًا، وعند الكوفيين عمادًا.
ولفظه لفظ ضمير الرفع المنفصل.
ويتوسط بين مطلوبي2 الابتداء، أو ناسخ من نواسخه بشرط تأخر3 الخبر وكونه معرفًا، أو كمعرف في عدم قبول الألف واللام كـ"مثل" مضاف، وأفعل4 التفصيل.
ولا بد من مطابقته ما قبله في الإفراد، والتذكير، والحضور وغير ذلك نحو:
"زيد هو الكريم" أو"أكرم من عمرو" أو"مثله".
و"كنت أنا الخبير" أو"أخبر منك" أو"مثلك".
و"إنه هو الرحيم" أو"أرحم من غيره" أو"مثله"5.
و"ظننته هو الظريف" أو"أظرف منك" أو"مثلك"6.
__________
1 ع "تسمى".
2 ع "مطلوبين".
3 ع "يشترط تأخير".
4 هـ "فعل".
5 ع "مثلثه".
6 سقط من الأصل "أو مثلث".(1/240)
وقد أشرت إلى هذا كله بقولي:
................ طبقًا1 تلا ... ذا خبر....................
أي: مطابقًا لما يقدم عليه من ذي خبر.
فتناول ذو2 الخبر المبتدأ، واسم "كان" و"إن" وأخواتهما.
وأول مفعولي "ظننت" وأخواتها.
ثم قيدت الخبر بكونه معرفًا كـ"المجتلى".
"أو بكونه كأفعل التفصيل و"مثل" مضاف في عدم قبول الألف واللام
ومثله قوله3 تعالى: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا} 4.
فالياء من "ترني" مفعول أول، وهو مبتدأ في الأصل؛ لأن المراد رؤية القلب.
__________
1 سقط من الأصل "طبقًا".
2 ع "ذي".
3 جاء ما بين القوسين في ك وع على النحو التالي: "أو ذا تنكر منافر لـ"ال" والإشارة إلى أفعل التفصيل و"مثل" و"غير" مضافين" فالواقع قبل المعرف كقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِين} .
والواقع قبل أفعل التفضيل كقوله تعالى: {إِنْ تَرَنِي ... } .
4 من الآية رقم "39" من سورة "الكهف".(1/241)
و"أنا": فصل.
و"أقل": أفعل تفصيل وانتصب بـ"تر" مفعولًا ثانيًا، وهو خبر في الأصل.
وتسميته في حال المفعولية خبرًا جائز، وعلى ذلك اعتمدت إذا قلت في النظم1:
........................... ... ذا خبر معرف 2................
وأجاز قوم وقوعه3 قبل الحال، وجعلوا من ذلك قراءة بعضهم4: "هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ"5 بالنصب.
__________
1 زادت هـ "ذا خبر معرف أو ذي تنكير منافر لـ"ال".
2 زادت ك وع: "أو شبهه كأفعل التفصيل أو "مثل" مضاف، أو ذي تنكر منافر لـ"ال".
3 ك ع "تقديمه".
4 سعيد بن جبير، والحسن -بخلاف- ومحمد بن مروان، وعيسى الثقفي وابن أبي إسحاق "ينظر المحتسب 1/ 325".
5 من الآية رقم "78" من سورة هود" وتمامها: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} .
قال ابن جني في المحتسب 1/ 325:
وأنا من بعد أرى أن لهذه القراءة وجهًا صحيحًا، وهو أن تجعل "هن" أحد جزأي الجملة، وتجعلها خبرًا لبناتي، كقوله: "زيد أخوك هو" وتجعل "أطهر" حالًا من "هن"، أو من "بناتي" والعامل فيه معنى الإشارة كقولك: "هذا زيد هو قائمًا أو جالسًا".
وفي البحر المحيط قال أبو حيان 5/ 247 رويت هذه القراءة عن مروان بن الحكم.(1/242)
وقول بعض العرب: "أكثر أكلي التفاحة هو نضيجة"1.
والوجه في الأول أن ينصب "أطهر" بـ2 "لكم" على أنه3 خبر "هن". فيكون من تقديم الحال على العامل الظرفي نحو قوله تعالى4: {مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِه} 5، بنصب مطويات6.
وأما نصب7 "نضيجة"8 فبجعل "هو" مبتدأ ثانيًا.
و"هو" وخبره خبر المبتدأ الأول.
والتقديم: أكثر أكلي التفاحة هو إذا كانت نضيجة9.
__________
1 ك ع "نضجة".
2 ع "لكم" بسقوط الباء.
3 ع سقط "أنه".
4 ك ع سقط "قوله تعالى".
5 من الآية رقم "67" من سورة "الزمر" وتمامها: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
6 نسب المصنف -رحمه الله- هذه القراءة في شرح عمدة الحافظ للحسن البصري، ونسبها ابن خالويه في مختصر 131 إلى عيسى بن عمر.
ينظر: معاني القرآن للفراء 2/ 425، الكشاف للزمخشري 2/ 270.
7 في الأصل "نصبه".
8، 9 ك ع هـ "نضجة" -ونضج التمر: أدرك فهو نضيج وناضج.(1/243)
أجاز -أيضًا- قوم وقوعه بين نكرتين كمعرفتين نحو:
"حسبت خيرًا من زيد هو خيرًا من عمرو".
ذكر1 ذلك سيبويه عن بعض المتقدمين، وأنكره إنكارًا شديدًا2، وقد أشرت إلى الخلف في ذلك.
واختلف في هذا الضمير المسمى "فصلًا" هل له موضع من الإعراب أَمْ لَا؟
فالأكثرون3 على أنه لا موضع له؛ لأن الغرض به: الإعلام من أول وهلة بكون الخبر خبرًا لا صفة، فاشتد شبهه
__________
1 هـ "وقد ذكر".
2 قال سيبويه في الكتاب 1/ 397 في "باب لا تكون "هو"، وأخواتها فيه فصلًا، ولكن يكن بمنزلة اسم مبتدأ".
وذلك قولك: "ما أظن أحدًا هو خير منك" و"ما أجعل رجلًا هو أكرم منك" و"ما إخال رجلًا هو أكرم منك".
لم يجعلوه فصلًا، وقبله نكرة، كما أنه لا يكون وصفًا، ولا بدلًا لنكرة.
وكما أن "كلهم" و"أجمعين" لا يكرران على نكرة فاستقبحوا أن يجعلوها فصلًا في النكرة، كما جعلوها في المعرفة؛ لأنها معرفة، فلم تصر فصلًا إلا لمعرفة، كما لم تكن وصفًا ولا بدلًا إلا لمعرفة. وأما أهل المدينة فينزلون "هو" ههنا
بمنزلة بين المعرفتين، ويجعلونها فصلًا في هذا الموضع، فزعم يونس أن أبا عمرو
رآه لحنا وقال: "احتبى ابن مروان في ذه في اللحن"، يقول: لحن وهو ورجل من
أهل المدينة، كما تقول: اشتمل بالخطأ، وذلك أنه قرأ: "هؤلاء بناتي هن أطهرَ لكم"، فنصب".
3 هكذا في الأصل وفي ك وع وهـ "فالبصريون".(1/244)
بالحرف، إذ لم يجأ به إلا لمعنى في غيره، فلم يحتج إلى موضع من الإعراب؛
ولأنه لو كان له موضع من الإعراب لكان "إياي" أولى من "أنا" في نحو: "إن ترني أنا أقل".
ولكان "إياه"1 أولى من "هو" في نحو: {تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا} 2.
وإذا لم يكن له موضع من الإعراب، فالحكم عليه بالحرفية أولى من الحكم3. بالاسمية.
كما فعل بكاف "ذلك" ونحوه.
والكوفيون يرون -أن له موضعًا من الإعراب:
فله عند الكسائي ما لما بعده.
وله عند الفراء ما لم قبله.
وبعض العرب4 يرفع ما بعد هذا الضمير بمقتضى الخبرية، وكون الضمير مبتدأ فَيَقْرَءُونَ: "إِنْ تَرَني أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ" و"تجدوه عند الله هو خير" -بالرفع- ومنه قراءة عبد الله بن
__________
1 ع "إياي".
2 من الآية رقم "20" من سورة "المزمل" قرأ أبو السمال وأبو السميفع بالرفع.
3 ك ع "غير مستبعد".
4 هم بنو تميم "البحر المحيط 8/ 367".(1/245)
مسعود -رضي الله عنه: {وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} 1.
وقولي:
................. وذا انتخب ... إن لمغايرة الثاني نسب
أشرت به إلى كل ما الثاني2 فيه غير الأول نحو: "كان زيد هو القائمة جاريته"، فإن البصريين يلتزمون3 فيه الرفع.
فإن قلت: "كان زيد هو القائم الجارية" أجازوا النصب.
__________
1 من الآية رقم "76" من سورة "الزخرف"، وينظر مختصر ابن خالويه ص 136.
2 ك وع "ما كان الثاني".
3 ك وع "يلزمون".(1/246)
فصل: العلم
"ص":
ما عين المعنى بلا قيد علم ... نحو: "سعيد" و"عماد" و"حكم"
"ش" كل اسم معرفة فهو معين لمدلوله.
أي: مبين لحقيقته تبيينًا يجعله كالمنظور إليه عيانًا.
إلاي أن غير العلم يعين مسماه بقيد، والعلم يعين مسماه دون1 قيد، ولذلك لا يختلف2 التعبير عن الشخص المسمى "زيدًا"3 بحضور ولا غيبة.
__________
1 هـ "بدون".
2 هـ "تختلف".
3 ع "زيد".(1/246)
بخلاف التعبير عنه بـ"أنت" و"هو".
"ص"
فإن خلا من سابق استعمال ... كـ"مذحج" فانسبه لارتجال
وما سوى المرتجل المنقول ... نحو "ثقيف" هكذا "سلول"
"ش" العلم على ضربين: مرتجل ومنقول1.
فالمرتجل ما لم يعرف له استعمال في غير العلمية كـ"مذحج"، وهو أبو قبيلة من العرب.
والمنقول: ما استعمل قبل العلمية ثم تجدد جعله علمًا.
فمنه ما كان صفة كـ"ثقيف" -وهو الدرب بالأمور الظافر بالمطلوب، وكـ"سلول" وهو الكثير السل.
ومنه ما كان اسم عين شائعًا كـ"أسد" و"ثور".
ومنه ما كان فعلًا ماضيًا كـ"أبان"2 و"شمر"3.
ومنه ما كان فعلًا مضارعًا كـ"يزيد" و"يشكر".
ومنه ما كان جملة كـ"برق نحره" و"تَأَبَّطَ شَرًّا".
__________
1 هـ "منقول ومرتجل".
2 اسم رجل.
3 فرس جد الشاعر جميل بثينة.(1/247)
وقد يكون أحد1 جزأي الجملة المسمى بها مستترًا فيعامل معاملة الجملة المصرح بجزأيها، ولا تتأثر بالعوامل، ومنه قول الراجز من رواية2. أبي العباس أحمد بن يحيى3.
ثعلب4:
33-
نبئت أخوالي بني يزيد
34-
ظلما علينا لهم فديد5
__________
1 هـ "إحدى".
2 هـ سقط "من رواية".
3 أحمد بن يحيى بن زيد بن يسار الملقب بثعلب إمام كوفي نحوي، لغوي بغدادي له معرفة بالقراءات ولد سنة 200 هـ، ومات سنة 291 هـ.
4 هـ سقط "أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب".
5 تنظر مجالس ثعلب 1/ 212.
33 و 34- نسب هذا الرجز العيني 1/ 388، 4/ 370 لرؤبة وهو في ملحقات ديوانه ص 172. واستشهد به المصنف في شرح التسهيل 1/ 28 ولم ينسبه.
وفديد: الصوت الشديد أي: أن أصواتهم تعلو علينا ولا يوقروننا.
قال ابن الخباز في شرح الدرة الألفية ص 99:
وأما الجملة كتأبط شرًا وبرق نحره فلا ترخم؛ لأن النداء لم يؤثر فيها البناء كالمضاف، والمضارع له، ومن لطيف مسائلها أن يزيد من قوله:
نبئت أخوالي بني يزيد
لا يجوز ترخيمه؛ لأن معه ضميرًا منويًا فهو كالظاهر المصرح به.
والخالي من الضمير يرخم كبيت الكتاب:
فقالوا تعالوا يا يزي بن محرم ... فقلت لهم إني حليف صداء(1/248)
"ص"
وكنية أيضًا يرى ولقبا ... ومفردًا يأتيك أو مركبا
"ش" الكنية من الأعلام كـ"أبي عمرو" و"أم سلمة".
واللقب كـ"بطة" و"أنف الناقة"
والمفرد: ما لا تركيب فيه.
والمركب: إما جملة. وقد ذكرت.
وإما مضاف، ومضاف إليه1 كـ"عبد الله"2.
أو اسمان نزل ثانيهما منزلة تاء التأنيث كـ"بعلبك" و"سيبويه".
إلا أن "بعلبك" معرب، و"سيبويه" مبني في أجود اللغتين.
"ص":
والاسم قدم إن يلاق اللقبا ... وأتبع أن بعضهما تركبا3
أو ركبا معًا، وحيث أفردا ... أضف، وإن تتبع فلن تفندا
__________
1 ع "أو مضاف إليه".
2 سقط "عبد الله" من ك وع.
3 ك وع سقط البيت الأول واقتصرت النسختان على البيت الثاني.(1/249)
"ش": إذا كان لشخص اسم ولقب، وذكرا معًا، قدم الاسم على اللقب.
ثم إن كانا مركبين، أو كان أحدهما مفردًا، والآخر مركبا جعل اللقب تابعًا للاسم في إعرابه إما بدلًا، وإما عطف بيان كقولك: "هذا عبد الله عابد الكلب".
و"رأيت زيدًا أنف الناقة".
وإن كانا مفردين "أضيف الاسم إلى اللقب بإجماع.
وجاز عند الكوفيين جعل اللقب تابعًا للاسم1" كقولك: "هذا سعيد كرز" و"رأيت سعيدًا كرزًا".
"ص":
ولم يخصوا بالأناسي العلم ... بل وضعه لكل مألوف أهم
كـ"لاحق" و"شذقم" و"هيلة"
و"واشق" و"واسط" و"أيلة"
"ش": لما كان الباعث على التسمية بالأعلام تعيين2 المسمى، وذلك مطلوب في المألوفات3 كلها لم يختص بالإنسان، بل لكل ما يؤلف منها قسط كالخيل، والإبل، والغنم، والكلاب، والبلاد4.
__________
1 ع سقط ما بين القوسين.
2 هـ "تعين".
3 ك وع "الملوفات".
4 ع "في البلاد".(1/250)
فـ"لاحق": فرس و"شذقم": جمل و"هيلة": شاة و"واشق": كلب و"واسط": مدينة و"أيلة": موضع معروف.
"ص":
ومن ضروب العلم اسم الجنس ... أجروه كالشخصي دون لبس
فالثعلب اسم جنسه "ثعالة" ... والذئب -أيضًا- اسمه "ذؤالة"
كذا "أسامة" اسم جنس للأسد ... و"شبوة" العقرب فاحفظ ما ورد
وكل حكم ناله الشخصي ... في لفظه يناله الجنسي
"ش": ذكر العلم الشخصي يحصل من المسمى به استحضار حلاه التي تلحقه بالحاضر المشار إليه.
فقول القائل: "رأيت زيدًا" يقوم مقام: رأيت الشخص المتحلي بكذا، وكذا.
فأرادت العرب أن تجعل لجنس ما لا يؤلف1 شخصه علمًا يقوم ذكره مقام قيود يتميز بذكرها من بين الأجناس ويجري2 في
__________
1 ك وع "الجنس ما يؤلف".
2 في الأصل "تجري".(1/251)
اللفظ مجرى العلم المسمى به شخص فتوافقا في الاستغناء عن حرف التعريف، وعن الإضافة.
ومنعوه من الصرف إن كان فيه ما يؤثر مع العلمية الشخصية كـ"ثعالة" و"ذؤالة"، فإن فيهما ما في "طلحة" و"فضالة"1 من التأنيث والعلمية. وإن افترقا في المعنى.
لأن العلم الشخصي يختص بشخص من جنسه، وإن عرض فيه اشتراك فبتسمية أخرى.
والعلم الجنسي لا يختص بشخص من جنسه، بل لكل واحد من أشخاص2 جنسه فيه نصيب، إذ لا واحد أولى به من غيره.
__________
1 ع "فضال".
2 ع "من استغنى".(1/252)
فصل الموصول:
"ص":
ملزوم عائد، وجملة، وما ... أشبهها موصول الاسما فاعلما
كـ"الَّذِ" و"الَّذْ" و"الَّذِيِّ" وَ"الَّذِي" ... ومثل ذي اللغات في "التي" احتذي
"ش": الموصول من الأسماء: ما لزمه عائد، وجملة أو شبهها.(1/252)
فذكرت الأسماء تنيهًا على أن بعض ما يسمى موصولًا غير اسم، وسيأتي ذكره.
وذكر العائد ليخرج ما يشارك الاسم الموصول في الافتقار إلى جملة دون عائد. كـ"إذا" و"حيث".
وذكر اللزوم1 ليخرج الموصوف بجملة نحو: "رجل يقول الحق محمود".
وذكر شبه الجملة تنبيهًا على أن الصلة قد تكون غير جملة صريحة نحو "الذي عندك غير الذي في نفس المنطلق أبوه".
وبدئ بـ"الذي" و"التي"؛ لأنهما مستعملان2 في كل لغة، وفي كل مسمى.
ولأنهما كالأصل لغيرهما، إذ ما وقع أحدهما موقعه علم أنه موصول، وإلا فلا؛
ولأن موصوليتهما لازمة في الغالب.
بخلاف موصولية غيرهما.
وفيهما أربع لغات:
تخفيف الياء. وتشديدها. وحذفها مع كسر ما قبلها، وحذفها مع سكون ما قبلها.
__________
1 ع "الملزوم".
2 ك "يستعملان".(1/253)
قال الشاعر في التشديد:
35-
وليس المال فاعلمه بمال ... وإن أرضاك إلا للذي
36-
ينال به العلاء ويصطفيه ... لأقرب أقربيه وللقصي
"وقال آخر في حذف الياء وبقاء الكسرة:
37- وَالَّذِ لو شاء لكنت صخرًا
38- أو جبلًا أصم مشمخرا
__________
35 و 36- من الوافر استشهد بهما المصنف في شرح التسهيل 1/ 32.
وابن الشجري في أماليه 2/ 305، وابن الأنباري في الإنصاف 675، ولم ينسبهما أحد ممن استشهد بهما.
ورواية الإنصاف:
وليس المال فاعلمه بمال ... من الأقوام إلا للذي
ينال به العلاء ويمتهنه ... لأقرب أقربيه وللقصي
وعلى هذه الرواية يكون جزم يمتهنة ضرورة. وهو من امتهنت الشيء: أهنته واحتقرته ورواية المصنف في شرح التسهيل هي رواية الإنصاف.
وفي ع "وليس الحال".
في هـ "تنال".
37 و 38- جبل أصم: صلب. مشمخر: عال.(1/254)
وقال آخر في حذف الياء وتسكين ما قبلها:
39- كالذ تزبى زبية فاصطيدا"1
واللغات الأربع مقولة أيضًا في "التي"2.
__________
1 هكذا ورد في الأصل وزادات ك وع وهـ عن ذلك كما يلي:
وقال رجل من طيئ في الحذف وبقاء الكسرة "هـ: أنشده ابن الأنباري في أماليه عن الأصمعي".
لا تعذل الذ لا ينفك مكتسبًا ... حمدا ولو كان لا يبقي ولا يذر
وقال آخر:
والذ لو شاء لكنت صخرًا ... أو جبلًا أصم مشمخرا
ومثله:
شغفت بك ألت تيمتك فمثل ما ... بك ما بها من لوعة وغرام
وقال هيمان بن قحافة في تسكين الذال:
أحمد رب النعمة الذ تمت ... نعماؤه علي واستتبت
وقال آخر في تسكين التاء:
أرضنا الت آوت ذوي الفقر والذل ... فآضوا ذوي غنى واعتزاز
2 هـ سقط "واللغات الأربع مقولة أيضًا في التي".
39- تزبى اللحم: نشره في الزبية، وهي الرابية، لا يعلوها ماء.
وهذا بيت من مشطور الرجز من أرجوزة تنسب إلى رجل من هذيل وأولها: "أريت إن جاءت به أملودا"، رواها السكري في شرح أشعار هذيل "الإنصاف 2/ 672 اللسان 20/ 343، الخزانة 3/ 497، ابن يعيش 7/ 45".(1/255)
"ص": وبـ"اللذين" و"اللتين" "ثنيا"1
وألفًا في الرفع -أيضًا-2 أعطيا
والنون قد تشد منهما3 ومن
"ذين" "تين" عوضًا كي لا يهن
"ش": يقال: "جاء اللذان ذهبًا، واللتان ذهبتا".
و"مررت باللذين ذهبا، وباللتين ذهبتا".
و"جاء ذان وتان". و "مررت بذين وتين".
أجريا مجرى مثنى المعرب.
وكان مقتضى الأصل أن يقال: "اللذيان" و"اللتيان" و"ذيان" و"تيان" كما يقال: "شجيان" و"فتيان".
إلا أن ياء "الذي" و"التي"، وألف "ذا" و"تا" لما4 لم يكن لهما حظ في الحركة شبهتا عند ملاقاتهما5 الف التثنية بألف المقصور إذا لقي ألف الندبة. فوافقتها6 ففي الحذف.
__________
1 ع "غنيا".
2 ع "أيضًا في الرفع".
3 ش وك "فيهما".
4 ك وع سقط "لما".
5 في الأصل "ملاقاتها".
6 ك وع "فوافقها".(1/256)
فكما يقال1 في الندبة "واموساه" لا واموساه" لا "واموسياه"2 قيل هنا: "اللذان" و"ذان" لا "اللذيان"3 و"ذيان".
وأيضًا فحذف ألف المقصور المثنى أولى من قبله؛ لأن4 في حذفه5 تخلصًا6 من تصحيح حرف علة متحرك بعد فتحة.
لكن عدل إلى القلب، لئلا يلتبس مثنى بمفرد الحال الإضافة.
واسم الإشارة لا يضاف فعومل بالحذف، وحمل عليه "الذي" و"التي" لشبه7 ياءيهما في لزوم المد بالألف؛ ولأنهما لا يضافان.
ولما حذفت الياء، والألف من "الذي"8 و"التي" و"ذا" و"تا" في التثنية، وكان لهما حق في الثبوت شددوا النون من "اللذين" و"اللتين" و"ذين" و"تين" ليكون ذلك عوضًا9 من الياء والألف.
__________
1 ع "بقا".
2 ع "واموسيتاه".
3 ع "سقط اللذيان".
4 ع "لأنه".
5 ع "حذفها".
6 هـ "مخلصًا".
7 ك وع "ليشبهه".
8 ك "الذ".
9 ك وع "ليكون عوض".(1/257)
"ص":
وللذكور العقلا "الذينا" ... في كل حال وأتى1 "الذونا"
في الرفع عن هذيل و"اللاءونا"2 ... وجا "الألى" و"اللاء" كـ"الذينا"
"ش": إذا جمع "الذي" وأريد به من يعقل فهو مبني عند غير هذيل. وأما هذيل فيشبهونه بصفات الذكور العقلاء فيعربونه، ويقولون: "نصر الذون هدوا على الذين ضلوا".
وكذا3 يفعلون4 بـ"اللائين" -وهو جمع "اللائي"5 بمعنى "الذين"- فيقولون: "لعن اللاءون كفروا".
ويقول غيرهم: "لعن اللائين" فيبنيه6.
ويستعمل "الألى" بمعنى "الذين" كثيرًا، و"اللاء" قليلًا ومن ورود "اللاء" بمعنى "الذين" قول الشاعر:
__________
1 ع "والتي".
2 هكذا في ك وع وهـ وس وش وط أما الأصل، فجاء الشطر كما يلي:
عن طيئ رفعًا كذا اللاءونا ... .........................
وهذا لا يتفق مع ما جاء في الشرح.
3 ك وع سقط "وكذا".
4 زادت ك وع "يفعلون ذلك".
5 ك "اللاء".
6 فيبنيه هكذا في الأصل وع وك أما هـ "فيبنونه".(1/258)
40-
من النفر اللاء الذين إذا هم ... تهاب الرجال حلقة الباب قعقعوا
"ومن ورود "اللاء" بمعنى "الذين" قول الشاعر"1:
41-
فما آباؤنا بأمن منه ... علينا اللاء قد مهدوا الحجورا
وسمع الكسائي2 "اللاء وفعلوا"3.
__________
40- من الطويل لم أعثر على قائله، ولم أجد من استدل به غير المصنف في هذا الكتاب إلا الفراء في معاني القرآن 3/ 84، وصاحب الخزانة 3/ 529 وروايتهما:
.......................... ... تهاب اللئام...............
ولم يعزوا البيت إلى قائل معين.
41- من الوافر أنشده ابن الشجري في أماليه 2/ 308. والعيني في المقاصد 1/ 429 وغيرهما ولم ينسبه أحد إلى قائل معين، وإنما هم رددوا مقالة الفراء:
"أنشدني رجل من سليم".
والبيت من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 32.
1 سقط ما بين القوسين من الأصل.
2 علي بن حمزة بن بهمن بن فيروز الأسدي أبو الحسن، الكوفي، إمام في النحو واللغة والقراءات توفي سنة 189 هـ تقريبًا.
3 قال ابن الشجري في الأمالي 2/ 308:
قال الكسائي: سمعت هذيلًا تقول: "هم اللاءو فعلوا كذا وكذا".
ومنهم من يقول: "هم اللائي فعلوا" -بالباء- في الأحوال الثلاث".
قال الفراء:
وهذه اللغة سواء في الرجال والنساء، ومنهم من يحذف الياء في الرجال والنساء، فيقول: "هم اللاء فعلوا" و"هن اللاء فعلن". قال وأنشدني رجل من سليم:
فما آباؤنا....(1/259)
أراد1 اللاءون فحذف2 النون دون ضرورة.
"ص"
وموضع "الذين" يكثر "الذي" ... إن كان مفهوم الجزا به احتذي
أو كان مقصودًا به الجنس وما ... خالف هذين فنزرا علمًا
نحو: "الذي حانت بفلج" وكذا
ما كان مشبهًا لـ"عمي اللذا".
"ش": مثال وقوع "الذي" في موضع "الذين" لتضمنه معنى الجزاء: قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} 3.
ومثال المقصود به الجنس قوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِي
__________
1 ك "إزاء".
2 ك "محذوف".
3 الآية رقم "33" من سورة "الزمر".
قرأ ابن مسعود: "والذي جاء بالصدق وصدقوا به".
وقرأ أبو صالح: "والذي جاء بالصدق وصدق به" -بفتح الصاد والدال من غير تشديد.
"ينظر: مختصر ابن خالويه ص 132".(1/260)
اسْتَوْقَدَ نَار} 1 و"قوله": {كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} 2، 3.
فهذان النوعان يستعملان كثيرًا.
وما سوى ذلك قليل كقول الشاعر:
42-
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد
أراد الذين فحذف النون
وكذا استعمال المثنى بلا نون قليل -أيضًا-4 ومنه قول الشاعر، وهو الأخطل:
__________
1 من الآية رقم 17 من سورة البقرة وتمامها: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ} .
2 هـ "أو كما يقوم".
3 من الآية رقم "275" من سورة "البقرة".
4 ك وع سقط "أيضًا".
42- من الطويل من جملة أبيات تنسب للأشهب بن رميلة، كما تنسب لحريث بن محفض يرثي بها قومه، والبيت من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 32.
"ينظر: سيبويه 1/ 96، الخزانة 2/ 507، شرح شواهد المغني للسيوطي 175، أمالي ابن الشجري 2/ 307".(1/261)
43-
أبني كليب إن عمَّيَّ اللذا ... قتلا الملوك وفككا الاغلالا
وأنشد الفراء في حذف نون "اللتين":
44- هما اللتا ولدت تميم
45- لقيل: فخر لهم صميم
__________
43 من الكامل من قصيدة للأخطل يفتخر فيها بقومه، ويهجو جريرًا وقومه "الديوان ص 44".
وعنى بعميه: عمرا ومرة ابني كلثوم.
فإن عمرا قتل عمرو بن هند ملك العرب
ومرة قتل المنذر بن النعمان بن المنذر
وأخطأ الزمخشري حين نسبه إلى الفرزدق.
والبيت من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 32، ولم ينسبه المصنف هناك.
44 و 45- نسب العيني في المقاصد النحوية هذا الشاهد للأخطل، وليس في ديوانه.
قال البغدادي في الخزانة 2/ 503: وقد فتشت أنا في ديوان الأخطل فلم أجده فيه.
هما: متبدأ.
واللتا: خبره بتقدير موصوف أي هما المرأتان اللتا.
والجملة الشرطية مع جوابها صلة الموصول، والعائد محذوف لكونه مفعولًا أي: ولدتهما.
وتميم: فاعل ولدت وهو أبو قبيلة.
والصميم: الخالص المنتقي، وهو صفة للمبتدأ، ولهم: الخبر، والجملة مقول القول.(1/262)
"ص": وصف "الذي" عن صلة يغني لدى
أبي علي منه قول من شدا ... حتى إذا كانا هما اللذين
مثل الجديلين المحملجين ... وفي الحروف المصدريات يعد
عن يونس فاعرف وحقق ما ورد1
"ش": أجاز الفراء في قوله تعالى: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَن} 2 أن تكون "الذي" موصوفة بـ"أحسن" جاعلًا" "أحسن" أفعل تفضيل.
__________
1 هكذا وردت هذه الأبيات في الأصل وفي س وش وط وع وك جاء موضعها ثلاثة أبيات أخرى هي:
وصف "الذي" معرفًا، أو مثله ... قد يغن عن وصلكه بجملة
كما إذا كانا هما اللذين ... مثل الجديلين المحملجين
قد يجيء مصدريًا مثل ما ... يونس والفرا بهذا حكما
2 من الآية رقم "154" من سورة "الأنعام" وتمامها:
{ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} .
القراءة المشهورة بنصب "أحسن"، وقرأ الحسن والأعمش برفع "أحسن"، وقرأ ابن محيصن "أحسنوا"، وقرأ ابن مسعود "الذين أحسنوا".
"ينظر: المحتسب 1/ 234، إتحاق فضلاء البشر ص 220 مختصر ابن خالويه ص 141".
وفي كتاب إعراب القرآن المنسوب للزجاج: في فاعل "أحسن" قولان:
أحدهما: موسى. أي: تمامًا على إحسان موسى بطاعته. عن الربيع =(1/263)
قال: لأن العرب "تقول: "مررت بالذي"1 خير منك".
ولا تقول: "مررت بالذي قائم".
لأن "خيرًا منك" كالمعرفة إذ لم تدخل2 فيه الألف واللام.
وكذا يقولون: "مررت بالذي أخيك" و"بالذي مثلك".
جعلوا صلة3 "الذي" معرفة، أو نكرة لا تدخلها4 الألف واللام، وجعلوها5 تابعة لـ"الذي".
قال: "وأنشدني الكسائي:
46- إن الزبيري الذي مثل الجلم
47- مشى بأسلابك في أهل الحرم"
__________
= والفراء ... فيكون مذهب "الذي" مذهب المصدر كقول يونس في قوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} .
الثاني: أن يكون الفاعل "ذكر الله" أي: تمامًا على إحسان الله إلى أنبيائه، عن أبي زيد.
وقيل: تمامًا على إحسان الله إلى موسى بالنبوة، وغيرها من الكرامة.
عن أبي علي. 46 و 47.
1 هـ ع سقط ما بين القوسين.
2 ك ع: "يدخل".
3 هـ "إذا جعلوا".
4 ع ك "يدخلها".
5 سقطت الواو من الأصل.
46- 47- رجز استشهد به المصنف هنا، وفي شرح التسهيل 1/ 37، ولم يعزه
في الموضعين وفي ع "مثنى بأسلابك".(1/264)
وأجاز الفراء -أيضًا- في "الذي" من "قوله تعالى": {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} أن تكون مصدرية، جاعلًا "أحسن" فعلًا مسندًا إلى ضمير موسى -عليه السلام.
والتقدير: تمامًا على إحسانه.
وهذا الذي ذهب إليه الفراء حكى مثله أبو علي1 في الشيرازيات عن أبي الحسن2، عن 3 يونس4.
وبه أقول. وهو اختيار ابن خروف5.
__________
1 الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، الفارسي، النحوي، ولد بـ"فسا" من أرض فارس. ثم قدم بغداد فاستوطنها. توفي سنة 377 هـ "بغية الوعاة 216، تاريخ بغداد 7/ 275، تلخيص ابن مكتوم 49، ذيل كشف الظنون 1/ 288، شذرات الذهب 3/ 88، مسالك الأبصار جـ 4 مجلد 2، ص 300".
2 سعيد بن مسعدة المجاشعي، كان الطريق إلى كتاب سيبويه. توفي سنة 210 هـ "أخبار النحويين البصريين 50، إشارة التعيين 20، بغية الوعاة 258، ابن خلكان 1/ 208".
3 هـ سقط "عن".
4 يونس بن حبيب بن عبد الرحمن الضبي، أحد القراء الذين غلب النحو عليهم توفي سنة 182 هـ "البلغة 295، معجم الأدباء 20/ 64، طبقات الزبيدي 48، مراتب النحويين 21، طبقات القراء 2/ 406".
5 علي بن محمد بن علي بن محمد الأندلسي، النحوي، أقام في حلب زمانًا ثم اختل عقله ومات سنة 609 هـ تقريبًا.
"وفيات الأعيان 14/ 433، طبقات ابن قاضي شهبة 447، نفخ الطيب 2/ 18، تاريخ أبي الفدا 3/ 121 مرآة الجنان 4/ 21.(1/265)
وحكي عن الفراء أنه سمع بعض العرب يقول: "أبوك بالجارية الذي يكفل" و"بالجارية ما يكفل".
والمعنى: أبوك بالجارية كفالته.
قال ابن خروف: "وهذا صريح في ورود "الذي" مصدرية".
قلت: ومن ورود "الذي" مصدرية قول عبد الله بن رواحة، رضي الله عنه:
48-
فثبت الله ما آتاك من حسن ... في المرسلين ونصرًا كالذي نصروا
وحكى1 أبو علي في الشيرازيات عن يونس وقوع "الذي" مصدرية مستغنية عن عائد، وجعل من ذلك قوله تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ} 2.
__________
1 ع ك هـ "وذكر".
2 من الآية رقم "23" من سورة "الشورى".
48- من البسيط نسبه المصنف لعبد الله بن رواحه -رضي الله عنه- وهو في الديوان ص 94 من أبيات قالها بعد أن ودع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ذاهب إلى مؤتة "سيرة ابن هشام 2/ 374".
والبيت من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 37.
ورواية الديوان:
فثبت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرًا كالذي نصروا(1/266)
ثم قال أبو علي:
ويقوي هذا أنها جاءت موصوفة غير موصولة "ما"1 أنشد الأصمعي:
49-
حتى إذا كانا هما اللذين
50-
مثل الجديلين المحملجين
قال أبو علي: ومجيء قوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} 2 على قياس قول يونس.
__________
1 سقطت "ما" من جميع النسخ بما فيها الأصل، لكن المقام يقتضيها.
2 من الآية رقم 69 من سورة "التوبة" وتمامها:
{كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا.....} .
49 و 50- كثر الاستدلال بهذا الرجز في كتب النحو، ولم ينسبه أحد إلى قائله وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 37.
وربما كان هذا من أرجوزة خطام المجاشعي المشهورة التي أولها:
حي ديار الحي بالسهبين ... وطلحة الدوم وقد تعفين
والجديل: الزمام.
المحملج: المحكم الفتل.(1/267)
فيكون التقدير: وخضتم كخوضهم فلا يعود لـ"الذي" منه1 شيء.
"ص":
بـ"اللات" و"اللاء" أجمع "التي" وصل ... ياء جوازًا و"اللواتي" قد نقل
وهكذا "اللواء" و"اللاءات" ... بالكسر والإعراب عن ثقات2
"ش": يقال في جمع "التي": "اللات" و"اللاء" و"اللاتي" و"اللائي". وإلى الأخيرين أشرت بقولي:
.........................وصل ... ياء جوازًا..........................
و"اللواتي" و"اللوائي" و"اللاءات"3 -البناء على الكسر، وبالإعراب جمع جمع. قال الشاعر:
51-
أولئك إخواني الذين عرفتهم ... وأخدانك اللائات زين بالكتم
__________
1 ك وع سقط "منه".
2 جاء هذا البيت في الأصل فقط.
وجاء موضعه في ك وع وس وش وهـ وط.
و"اللا" "اللوا" "اللواء" و"اللاءات" بالكسر والإعاب -أيضًا- يأتي.
3 ع "اللاءاتي".
51- من الطويل، وقد استشهد به المصنف في شرح التسهيل 1/ 32، والسيوطي في الهمع 1/ 83 ولم ينسبه هؤلاء أو =(1/268)
وقالوا في "اللاء" و"اللواء"1: "اللا" و"اللوا".
وهذا من قصر الممدود. قال الكميت2:
52-
وكانت من اللا لا يعيرها ابنها ... إذا ما الغلام الأحمق الأم عيَّرَا
وقال3 الراجز:
53-
جمعتها من أنيق عكار
54-
من اللوا شرفن بالصرار
__________
= غيرهم إلى قائل معين.
والكتم: نبت يخلط بالحناء، ويخضب به الشعر فيبقى لونه.
يعرض الشاعر بهن وأنهن غير مصونات.
قال المصنف في شرح التسهيل بعد أن استدل بالبيت:
اللاءات -بضم التاء على الإعراب، وبكسرها على البناء.
وفي الأصل ... وأخدانك "اللات" وضع فوق التاء ضمة وتحتها كسرة، ثم كتب عليها بين السطور "سمعا".
1 في الأصول "واللوائي".
2 ك وع زادت الواو فأصبح التعبير: "وقال الكميت".
3 سقطت الواو من الأصل وزادت في ك وع "وقال".
52- من الطويل قاله الكميت بن زيد الأسدي، والرواية في الديوان 1/ 221 بالغين في "يعيرها" و"عيرا" وهي كذلك في هـ.
وكانت من اللا لا يغيرها ابنها ... إذا مالغلام الأحمق الأم غيرا
والبيت من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 33.
53 و 54- هذا رجز نسبه أبو زيد في النوادر إلى كثير بن عطية ص 60. =(1/269)
كـ"اللات" جا "الأولى" وطيئ بـ"ذو" ... على جميع ما مضى تستحوذ
وبعضهم أرعبها نحو: "رمى ... ذو عز ذا اعتدى بذي أجرى دما"
وكـ"التي"1 عن بعضهم "ذات" أتت ... كذا "ذوات": "اللات" عنهم رادفت
"ش": ورود "الأولى" بمعنى "الذين" كثير. ووروده بمعنى "اللاتي" قليل. وقد اجتمعا2 في قول أبي ذؤيب3:
__________
= ورواية النوادر:
منحتها من أينق غزار ... من أينق شرفن بالصرار
واستشهد بهذا الرجز المصنف في شرح التسهيل 1/ 33 وروايته التي اعتمدها:
جمعتها من أينق غزار ... من اللوا شرفن بالصرار
وعكار: جمع عكره -محركة العين- وهي القطعة من الإبل، يعني أنه التقط هذه الإبل من إبل كثيرة فهي جيدة.
والصرار: ككتاب: خيط يشد فوق خلف الناقة لئلا يرضعها ابنها -يعني أنها مدرة للبن.
شرف الناقة: كاد يقع أخلافها بالصر، وإنما يفعل ذلك بالناقة.
ليبقى بدنها وسمنها ليحمل عليها في السنة المقبلة "لسان".
1 ع "الذي" موضع "التي".
2 هـ "اجتمعت".
3 في الأصل "قول الشاعر" موضع "قول أبي ذؤيب".(1/270)
55-
فتلك خطوب قد تملت شبابنا ... قديمًا فتبلينا المنون وما نبلي1
56-
وتفني الأولى يستلئمون على الأولى ... تراهن يوم الروع كالحدأِ القبل
فالأول: بمعنى "الذين".
والثاني: بمعنى "اللاتي".
ولذلك ذكر ضمير الأول، وأنت ضمير الثاني.
وقد استعمل كثير "الأولاء"2 بمعنى "الذين" ممدودًا
فقال:
57-
أبى الله للشم الأولاء كأنهم ... سيوف أجاد القين يومًا صقالها
__________
1 سقط هذا البيت من الأصل، وجاء في ك وع وهـ.
2 ك وع "الأولى".
55 و 56- من الطويل قالها أبو ذؤيب الهذلي "ديوان الهذليين 1/ 37 وهما من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 32 ولم ينسبهما.
والخطوب: جمع خطب وهو الأمر العظيم.
تملت شبابنا: استمتعت بهم طويلًا.
يستلئمون: يلبسون اللأمة وهي الدرع.
القبل: جمع قبلاء وهي التي في عينها حول.
57- من الطويل قاله كثير عزة "الديوان 2/ 50"، والبيت من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 32.
= وأبى الله: بمعنى قضى.
والشم: جمع أشم وهو الذي في أنفسه ارتفاع في القصبة مع استواء أعلاه.
القين: الحداد.
صقالها: جلاؤها.(1/271)
وقال آخر في "الأولى" بمعنى "اللاتي":
58-
وأما الأولى يسكن غور تهامة ... فكل فتاة تترك الحجل أقصما
وقال كثير:
__________
58- من الطويل أنشده المصنف في شرح التسهيل 1/ 32 ولم ينسبه، أحد ممن استشهد به من بعده قال العيني 1/ 453 لم أعثر له على قائل معين.
والغور -في اللغة- المطمئن من الأرض بخلاف النجد.
قال الباهلي: كل ما انحدر سيله إلى الغرب عن تهامه فهو غور، وذات عرق أول تهامة إلى البحر وجدة. واشتقاق تهامة من التهم وهو شدة الحر وركود الريح والمدينة لا تهامية ولا نجدية فإنها فوق الغور، ودون نجد.
الحجل: بفتح الحاء وكسرها وسكون الجيم: أصله القيد ونقل إلى الخلخال وهو المراد هنا.
أقصما -بالقاف أو الفاء- الفرق بينهما أن فصم الشيء كسره بلا إبانة، وأما القصم فهو الكسر بالإبانة، وبالقاف أظهر -هنا- لأن معناه أن سيقان الفتاة لضخامتها تكسر الخلاخيل.(1/272)
59-
إذا شحطت دار بعزة لم أجد ... لها في الأولى يلحين في ودها مثلًا
وحكى الأزهري1 أن "ذو"2 في لغة طيئ يستعمل3 بمعنى "الذي" و"التي" وتثنيتهما وجمعهما.
فيقال: رأيت ذو فعل، ذو فعل، وذو فعلت، وذو فعلا، وذو فعلتا وذو فعلوا، وذو فعلن4.
ومن مجيئها بمعنى "الذي" قول الشاعر:
60-
ذاك خليلي وذو يواصلني ... يرمي ورائي بامْسَهْم وامْسَلِمَه
__________
1 محمد بن أحمد بن أزهر أبو منصور ولد سنة 282 هـ بهراة من مدن خراسان، وبرع في اللغة توفي سنة 370 هـ.
2 هـ "ذوا".
3 هـ "تستعمل".
4 هـ "وذوا فعلا، وذو فعلوا وذوا فعلتا، وذو فعلن".
ينظر تهذيب اللغة للأزهري 15/ 41-45. وقد نص ص 45 على أنه لغة طيئ.
59- البيت في ديوان كثير ص 382 والرواية هناك:
................. لعزة................... ... ........ يلحين في وصلها مثلًا
وفي الأصل "تلحين" -بالتاء المثناة الفوقية- ولحاه: شتمه.
60- من البسيط ينسب إلى بجير بن غنمة الطائي. وقد مر الحديث عنه عندما ذكر المصنف علامات الاسم.(1/273)
ومن مجيئها بمعنى "التي" قول الآخر:
61-
فإن الماء ماء أبي وجدي ... وبئري ذو حفرت وذو طويت
وذكر ابن جني1 في المحتسب "أن بعضهم يعربها ومنه قول بعضهم:
62-
وإما كرام موسرون أتيتهم ... فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا
__________
1 عثمان بن جني أبو الفتح الموصلي، النحوي، اللغوي، البارع، صحب أبا علي الفارسي ومات سنة 392 هـ تقريبًا في بغداد.
61- من الوافر من جملة أبيات قالها سنان بن الفحل الطائي يخاطب بها عبد الرحمن بن الضحاك في شأن بئر وقع فيها نزاع بين حيين من العرب "ينظر: شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 591، وللتبريزي 1/ 231، وشرح التسيهل 1/ 34".
قال ابن هشام:
وزعم ابن عصفور أن "ذو" خاصة بالمذكر، وأن المؤنث يختص بذات وأن البئر في البيت بمعنى: القليب.
ومعنى طويت البئر: بنيتها بالحجارة.
62- من الطويل قاله منظور بن سحيم الفقعسي يهجو امرأته من قصيدة في ديوان الحماسة 2/ 35، والرواية هناك "فإما" -بالفاء.
فإما كرام موسرون لقيتهم ... ........................
ورواية المصنف هنا هي روايته في شرح عمدة الحافظ ص 8، وشرح التسهيل 1/ 34.(1/274)
وذكر ابن درستويه1 في الإرشاد مثل ما ذكر ابن جني في المحتسب2".
ومنهم من يقول: "ذات" إذا أراد معنى "التي".
و"ذوات" إذا أراد معنى "اللاتي".
ومن ذلك رواية الفراء عن بعضهم:
"الفضل ذو فضلكم الله به، والكرامة ذات أكرمكم الله به".
التي: التي أكرمكم الله بها، فحذف ألف "بها".
وحرك الباء بحركة الهاء -وهو من لغة طيئ أيضًا- ومن ورود "ذوات" بمعنى "اللاتي"3 قول الراجز:
63-
جمعتها من أينق موارق
64-
ذوات ينهضن بغير سائق
__________
1 سبق التعريف به.
2 ع سقط ما بين القوسين.
3 ع "اللائي" وك "الأولى" -وفي هامش الأصل: "ذوات بمعنى اللاتي فيها لغتان: الإعراب والبناء".
63 و 64- بيتان من مشطور الرجز نسبهما العيني 1/ 39 إلى رؤبة بن العجاج وهما في زيادات الديوان ص /180 واستشهد بهما المصنف في شرح التسهيل 1/ 33.
وموارق: جمع مارقة وهي المسرعة وفي هـ وع "سابق" موضع "سائق".(1/275)
"ص": و"من" و"ما" لكل ما مضى1 هما ... كفؤان، واخصص، "من" بذي عقلٍ و"ما"
تعم والأولى بها الذي خلا ... منه، وذو الإبهام حيث مثلا
وعند الاختلاط خير من نطق ... في أن يجئ، منهما بما اتفق
و"من" أجز في غير من يعقل إن ... شابهه كذا إذا به قرن
"ش" المراد بـ"كل ما مضى" "الذي" و"التي" وتثنيتهما، وجمعهما، فإن كل واحد من "ما" و"من" صالح أن يراد به ذلك كله.
إلا أن "مَنْ" يختص بمن يعقل، و"ما" صالحة للصنفين، لكن أولاهما به ما لا يعقل، والمبهم أمره.
ومن ورود "ما" فيمن يعقل قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 2.
وقوله: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} 3.
__________
1 س، ش، هـ وع "لكل ما مر".
2 من الآية رقم "3" من سورة "النساء" وتمامها: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} .
3 من الآية رقم "6" من سورة "المؤمنون"، وتمامها: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} .(1/276)
ومن المبهم أمره: المشكوك فيه لبعده: هل هو إنسان أو غيره1، فيقال: "أنظر إلى ما ظهر، أي شيء هو"؟
وإذا اختلط صنف من يعقل بصنف ما لا يعقل جاز أن يعبر عن الجميع بـ"من" تغليبًا للأفضل كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 2.
"وأن يعبر عنه بـ"ما"؛ لأنها عامة في الأصل نحو: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ 3} 4.
واستحسن التعبير بـ"من" عما لا يعقل إذا أجري مجرى من يعقل كقول الشاعر:
65- بكيت إلى سرب القطا إذ مررن بي
فقلت ومثلي بالبكاء جدير
66-
أسرب القطا هل من يعير جناحه ... لعلي إلى من قد هويت أطير
__________
1 ع "غيرها".
2 من الآية رقم "41" من سورة "النور" وتمامها: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ......} .
3 من الآية رقم "1" من سورة "الحديد".
4 ع سقط ما بين القوسين.
65، 66- هذان بيتان من الطويل ينسبان إلى غير واحد من الشعراء، فهما في ديوان مجنون ليلى ص 137، ونسبهما العيني =(1/277)
أجراه مجرى من يعقل بأن كلمه فعبر عنه بـ"من"1.
كما ساغ لوصف2 الكواكب أن يجمع جمع من يعقل لكونه في الأصل لمن يعقل أعني السجود3. وإلى هذا أشرت بقولي:
.................. إن ... شابهه.................
ثم قلت:
.......................... ... ................. كذا إذا به قرن
فأشرت به4 إلى قوله تعالى: {خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} 5.
__________
= في المقاصد 1/ 431 إلى العباس بن الأحنف، وهما في ديوانه ص 83.
والرواية في هـ:
بكيت إذا سرب القطا قد مررن بي ... ...............................
والرواية في ديوان المجنون:
شكوت إلى................ ... ...............................
1 سقط من الأصل "بمن".
2 في الأصل "لوصف" وفي ع وك وهـ "لواصف".
3 يشير بذلك إلى قوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} .
4 ع ك سقط "به".
5 من الآية رقم "45" من سورة "النور" وتمامها: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} .(1/278)
وإلى قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُق} 1؟
وإلى ما حكاه الفراء2 من قول بعض العرب:
"اشتبه3 علي الراكب وحمله، فما أدري من ذا4 ومن ذا".
"ص":
و"من" في الاستفهام وارد و"ما" ... وفي الجزا والوصف -أيضًا- ألزما5
منكرين، وخلت من وصف ... "ما" -وحدها- كـ"ما أعز المكفي"
"ش": "من" على أربعة أقسام:
__________
1 من الآية رقم "17" من سورة "النحل".
2 قال الفراء في معاني القرآن 2/ 98:
وقوله: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُق} جعل "من" لغير الناس لما ميزه فجعله مع الخالق.
ثم قال:
والعرب تقول: "اشتبه علي الراكب وحمله، فما أدري من ذا من ذا" حيث جمعهما وأحدهما إنسان، صلحت "من" فيهما جميعًا.
3 ك ع "أشبه".
4 هكذا في ك وهـ وسقطت الواو من الأصل ومن ع "وضبط في الأصل "من ذ من ذا".
5 في س وضع الناسخ عنوانًا لهذا الفصل هو "أقسام من وما" وخلا الأصل وباقي النسخ من هذا العنوان؛ لأن المصنف -رحمه الله- اكتفى بوضع عناوين رئيسية للأبواب في الكتاب.(1/279)
موصولة، وقد ذكرت.
واستفهامية نحو: "من عندك"؟
وشرطية نحو: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} 1.
ونكرة موصوفة/ كقول الشاعر:
67-
ألا رب من تغتشه لك ناصح ... ومؤتمن بالغيب غير أمين
و"ما" الاسمية على خمسة أقسام:
الأربعة كالأربعة.
والخامس الذي تنفرد به دون "مَنْ": وقوعها نكرة خالية من وصف.
وذلك في ثلاثة مواضعِ:
أحدها: في التعجب نحو: "ما أعز المكفي" أي: شيء جعل المكفني عزيزًا جدًّا.
__________
1 من الآية رقم "17" من سورة "الكهف".
67- من الطويل من أبيات سيبويه الخمسين 1/ 271، ومن شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 36، والسيوطي في الهمع 1/ 92، 2/ 28.
ومعنى تغتشه: تظن به الغش.(1/280)
والثاني بعد "نعم" و"بئس" نحو: "نعما أنت" أي: نعم شيئًا أنت، وفي هذا خلاف1.
والثالث: في نحو قولهم: "إني مما أن أفعل" أي: إني من أمر أن أفعل أي: من أمر فعلي. قال الشاعر:
68-
ألا غنيا بالزاهرية إنني ... على النأي مما أن ألم بها ذكرا
أي: من أمر إلمامي.
وحيثما جاء "من ما" وبعدها "أن يفعل" فهذا تأويلها عند قوم.
والصحيح غير ذلك، وبيانه2 في باب "نعم" و"بئس" يستوفى3.
فإن لم يكن بعدها "أن" فهي بمعنى "ربما".
"ص":
واجعل كـ"ذو": "ذا" بعد "من" أو بعد"4 "ما" ... إن كنت معتدًا بـ"ذا" مستفهمًا
__________
1 سيبين المصنف هذا الخلاف في باب "نعم وبئس".
2 ك وع "وبأنه".
3 هـ "مستوفي".
4 هـ "وبعد".
68- من الطويل.
الزاهرية: التبختر.(1/281)
"ش": قد تقدم أن "ذو" في لغة طيئ يستعمل بمعنى "الذي" و"التي" وفروعهما، فلذلك قلت:
واجعل كـ"ذو": "ذا" ... ............................
ونبهت على أن ذلك لا يكون إلا مع الاعتداد بـ"ذا" وعدم إلغائها.
وأن ذلك لا يكون -أيضًا1- إلا بعد "ما" أو"من" المستفهم بهما.
فيقال: ماذا صنعت؟ ومن ذا لقيت؟
فتكون "ما"2 و"من" استفهاميتين.
و"ذا" إما بمعنى "الذي" وإما ملغى.
فإن كان بمعنى "الذي" كانت "ما" و"من"3 في موضع رفع.
ورفع الجواب، والبدل من "ما" و"من".
فالجواب: كقولك بعد "ماذا صنعت"؟ خير.
وبعد "من ذا لقيت"؟ زيد.
__________
1 ع "أيضًا لا يكون".
2 فيكون "من" و"ما".
3 سقط "من" وفي ك كانت "من" و"ما".(1/282)
ومن الجواب المرفوع قراءة أبي عمرو1: {مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} 2.
والإبدال بالرفع من "ما" و"من" كقولك بعد السؤالين3: "أخير أم شر" و"أزيد أم عمرو".
ومنه قول لبيد:
69-
ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
__________
1 زبان بن العلاء بن عمار بن العريان بن عبد الله بن الحصين، التميمي، المازني، بصري أخذ عن ابن أبي إسحاق. وكان أوسع علمًا بكلام العرب ولغاتها وغريبها، أحد القراء السبعة، ولد بمكة، ومات بالكوفة سنة 154 هـ تقريبًا.
2 من الآية رقم 219 من سورة "البقرة" وتمامها: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} .
قرأ أبو عمرو برفع "العفو" على أن "ما" استفهامية، و"ذا" موصولة. على تقدير: الذي ينفقونه العفو. ووافقه اليزيدي.
وقرأ الباقون بنصب "العفو" على أن "ماذا" اسم واحد، فيكون مفعولًا به مقدمًا. والتقدير: أي شيء ينفقون؟ أنفقوا العفو.
3 يقصد السؤالين الماضيين.
69- مطلع قصيدة من الطويل قالها لبيد بن ربيعة يرثي النعمان، بن المنذر "الديوان 131".
يحاول: يستعمل الحيلة أي: الحذق في تدبير الأمور.
والنحب: من معانيه النذر وهو المقصود هنا.
والبيت من شواهد سيبويه 1/ 405، الفراء في معاني القرآن 1/ 139.(1/283)
وإن كان1 "ذا" ملغى كانت "من" و"ما"2 في موضع نصب بـ"صنعت" و"لقيت".
ونصب الجواب والمبدل من "ما" و"من" كقوله تعالى:
{مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} 3.
وكقراءة غير أبي عمرو4 بنصب "العفو".
"ص":
وكالمواضي معربًا "أي" وفي ... تأنيث التا صل بها أو اكتف
وحيث صدر وصله يستلب ... يبنى، وفي بعض الكلام يعرب
وعند حذف ما له يضاف ... فليس في إعرابه خلاف
وتقتضي5 شرطًا أو استفهامًا ... ملتزمًا إعرابه التزاما
ونعت منكور وحالًا قد6 أتى ... كـ"حبتر"7 يتلوه: "أيما فتى"
__________
1 سقط "كان".
2 وع "ما ومن".
3 من الآية رقم "30" من سورة "النحل" وتمامها: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} .
4 ع سقط "عمرو".
5 ك وط "يقتضي".
6 ط "وحالًا ذا أتى".
7 ع "كجزء".(1/284)
"ش": المراد بالمواضي "الذي" و"التي" وتثنيتهما، وجمعهما.
و"أي" تقع مواقعها كلها نحو: "أوصى من بنيك وبناتك أيهم هو أعقل، وأيهن أو أيتهن هي أعقل".
ولا بد من إعرابها إذا كملت صلتها، أو حذف ما تضاف1 إليه نحو قولك: "أوصى من بنيك أيا هو أفضل، أو أيا أفضل".
فإن صرح بما تضاف2 إليه، وحذف صدر الصلة بنيت على الضم كقوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} 3. ومثله قول الشاعر:
70-
إذا ما لقيت بني مالك ... فسلم على أيهم أفضل
__________
1 هـ "يضاف".
2 هـ "يضاف".
3 الآية رقم "69" من سورة "مريم".
القراءة المشهورة بضم الياء من "أيهم".
وقرأها بالفتح معاذ بن مسلم الهراء، وطلحة بن مصرف.
"ينظر مختصر في شواذ القرآن لابن خالويه ص 86".
70- من المتقارب ينسب إلى غسان بن وعلة كما في العيني 1/ 436، والخزانة 2/ 522، والبيت من وشاهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 35، وابن الأنباري في الإنصاف ص 715.(1/285)
وقد تعرب1 -أيضًا- عند حذف صدر صلتها مع التصريح بما تضاف2 إليه3.
ومن ذلك قراءة بعضهم "أيهم أشد" -بفتح الياء4.
ومثال اقتضائها شرطًا قوله تعالى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 5.
ومثال اقتضائها استفهامًا قوله تعالى: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ} 6.
وتجيء نعتًا لنكرة7 دالًّا على الكمال كقولك8: "مررت برجل أي رجل". أي: رجل كامل في الرجولية.
وعند دلالتها على الكمال تقع حالًا بعد المعرفة كقولك: "هذا عبد الله أي رجل"، ومنه قول الشاعر:
__________
1 ك وع "يعرب".
2 هـ "يضاف".
3 ك وع "أي" موضع "إليه".
4 قرأ بالفتح طلحة بن مصرف، ومعاذ بن مسلم الهراء "مختصر ابن خالويه86".
5 من الآية رقم "110" من سورة "الإسراء".
6 من الآية رقم "81" من سورة "الأنعام".
7 ع "نعتا لنكة".
8 ع "كقوله".(1/286)
71-
فأومأت إيماءً خفيا لحبتر ... فلله عينا حبتر أيما فتى
"ص":
ولا تصل1 بجملة إن لم يفد ... وصل بها تعيين مفهوم قصد
وليس شرطًا كون ما تضمن ... يعلم به إبهامه قد يحسن
"ش": أي: لا تصل2 بجملة لا يجعل معناها أحد نحو: "الذي حاجباه فوق عينيه".
ولا بجملة إنشائية نحو: "جاء الذي بعتكه" قاصدًا لإنشاء البيع.
"وأما القسم فقد جوز بعضهم الوصول به.
ومنعه ابن السراج.
__________
1 ع "تضف".
2 هـ "يصل".
71- من الطويل من جملة أبيات للراعي النميري قالها وقد نزل به أضياف، ولم يجد قرى فأشار إلى غلامه فنحر ناقة من رواحلها، فلما جاءته إبله عوض صاحب الناقة.
والبيت في الديوان ص 177، وفي ديوان الحماسة شرح المرزوقي 1502.
أومأت: أشرت إشارة خفية.
حبتر: اسم غلام الشاعر، وهو ابن أخته كما قال الأعلم 1/ 302 هامش كتاب سيبويه.(1/287)
ومن وروده قوله تعالى1: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} 2.
ولا بجملة طلبية نحو: "جاء الذي هل قام"؟
لأن كل ذلك لا يفيد تعيين ما قصد.
ولا يشترط كون ما تضمنت الصلة معلومًا "للسماع، بل الأكثر أن يكون معلومًا3".
وقد يعن4 للمتكلم قصد5 في إبهام الصلة فيكون ذلك مستحسنًا6 كقولك: "أعطيت زيدًا الذي أراد".
ويمكن أن يكون منه قوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} 7.
"ص":
وصل بظرف، أو بحرف جر ... إن شئت وانو فعل مستقر
نحو "الذي عندك دون مالي" ... والعائد انوه بكل حال
__________
1 من الآية رقم "72" من سورة "النساء".
2 هكذا في الأصل وسقط ما بين القوسين من ك وع وهـ.
3 سقط ما بين القوسين من ع.
4 ع "يعز".
5 ع "قصدًا".
6 ع "مستحسن".
7 من الآية "78" من سورة "طه" وتمامها: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} .(1/288)
وتكون الصلة -أيضًا- ظرفًا قائمًا مقام جملة فعلية نحو "عرفت الذي عندك".
أي: الذي استقر عندك، أو ثبت أو حصل.
وتكون1 الصلة -أيضًا- حرف جر ومجرروًا به، ويكون -أيضًا- قائمًا مقام جملة فعلية نحو: "عرفت الذي لك".
أي: الذي استقر لك أو ثبت، أو حصل.
وقولي:
"نحو الذي عندك دون مالي" ... ..............................
جامع للمثالين؛ لأن "ما" من "الذي عندك دون ما لي"2 بمعنى "الذي".
وفي "عندك" عائد على "الذي".
وفي "لي" عائد على "ما".
"ص":
وحذف عائد أجز إن اتصل ... نصبًا بفعل أو بوصف ذي عمل
"ش": الضمير العائد على الموصول إن كان منصوبًا بـ"إن" أو إحدى أخواتها لم يجز حذفه نحو "عرفت الذي كأنه أسد".
__________
1 ع "ويكون".
2 ع وك سقط "مالي".(1/289)
وإن كان منصوبًا بفعل أو صفة، وكان منفصلًا لم يجز حذفه"1 نحو: "عرفت الذي إياه أكرمت، والذي أنت إياه مكرم".
وإن كان منصوبًا بفعل أو صفة، وكان متصلًا جاز حذفه وإبقاؤه" كقوله -تعالى: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} 2.
وقرأ شعبة3: "عَمِلَتْ أَيْدِيهم"4.
وكقول الشاعر:
72-
ما الله موليك فضل فاحمدنه به ... فما لدى غيره نفع ولا ضرر
أراد: الذي الله موليكه فضل، فحذف العائد؛ لأنه ضمير متصل منصوب بصفة عاملة عمل الفعل.
__________
1 ع سقط ما بين القوسين.
2 من الآية رقم "35" من سورة "يس".
3 شعبة بن عياش بن سالم أبو بكر -الحناط- بالنون الأسدي، النهشلي، الكوفي راوي حفص، اختلف في اسمه على ثلاثة عشر قولًا، أصحها شعبة توفي في جمادى الأولى سنة 193 هـ.
4 قرأ أبو بكر شعبة وحمزة والكسائي، وخلف "عملت" والباقون بالهاء "ص 157 إتحاف".
72- من البسيط استشهد به المصنف في شرح التسهيل 1/ 35، ولم ينسبه أيضًا ولم ينسبه أحد ممن استشهدوا به كالعيني 1/ 447، همع الهوامع 1/ 89 التصريح 1/ 145 الأشموني 1/ 170.(1/290)
"ومثال الإبقاء "قوله -تعالى-"1: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} 2.
"ص": أو جره -مضافًا- أو حرف كما
جر به الموصول أو كفؤهما3
"ش" في4 قولي:
أوجره.....................
فاعل مستتر عائد على "وصف ذي عمل".
والهاء عائدة على "عائد"5 من قولي:
وحذف عائد أجز................. ... .............................
وحرف من قولي:
................... أو حرفكما ... جُرَّ بِهِ الموصول..................
__________
1 من الآية رقم 37 من سورة "الأحزاب".
2 ك وع وهـ سقط ما بين القوسين.
3 ع ك هـ جمعت هذا البيت مع البيت السابق معًا، ومزجت شرحهما، واضطربت ك وع فذكرت بيتًا ثالثًا مكررًا مع الثاني، فأصبحت الأبيات كما يلي:
وحذف عائد أجز إن اتصل ... نصبًا بفعل، أو بوصف ذي عمل
أو جره مضاف أو حرف كما ... جر به الموصول أو كفؤهما
كذا إذا جر بحرف مثل ما ... جر به الموصول أو كفؤهما
4 ك ع هـ "وفي".
5 هكذا في ك ع هـ وزاد الأصل "عائد أجز".(1/291)
معطوف على فاعل "جره".
والحاصل: أن العائد إذا كان مجرورًا باسم مضاف إليه1 لم يجز حذفه نحو: رأيت الذي غلامه زيد".
وكذا إن جر بحرف لم يجر الموصول، ولا ما هو: هو2 في المعنى بمثله نحو: "رأيت الذي مررت به، وِأعرضت عن الذي رغبت فيه".
فإن جر بصفة تعمل عمل الفعل جاز حذفه كقوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} 3.
وكذا إن جر العائد بحرف، وجر الموصول بمثله لفظًا، ومعنى جاز حذف العائد نحو: "مررت بالذي مررت"4.
ومنه قوله تعالى: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُون} 5.
"أي: مما تشربون"6 منه.
__________
1 ك ع هـ "مجرورًا بإضافة غير صفة لم يجز حذفه".
2 ك ع هـ سقط "هو" الثانية.
3 من الآية رقم "72 "من سورة "طه" وتمامها.
{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} .
4 ك ع "مررت به".
5 من الآية رقم "33" من سورة "المؤمنون".
6 ع سقط "أي مما تشربون".(1/292)
ومنه قول الشاعر:
73-
نصلي للذي صلت قريش ... ونعبده وإن جحد العموم
وكذلك يجوز حذف العائد المجرور بحرف جر بمثله موصوف بالموصول، أو عائد عليه بعد الصلة.
فالأول كقول بعض الطائيين:
74-
إن تعن نفسك بالأمر الذي عنيت ... نفوس قوم سموا تظفر بما ظفروا1
ومثله:2
75-
لا تركنن إلى الأمر الذي ركنت ... أبناء يعصر حين اضطرها القدر
__________
1 سقط هذا البيت من الأصل وجاء في ك ع هـ.
2 سقط "ومثله" من الأصل.
73- من الوافر استشهد به المصنف في شرح التسهيل 1/ 35، ولم ينسبه أيضًا كذلك لم ينسبه ابن عصفور في المقرب ص 7، ولا ابن هشام في قطر الندى ص 113.
74- من البسيط استشهد به المصنف أيضًا في شرح التسهيل 1/ 35 ولم ينسبه ولم ينسبه أحد ممن استشهد به من بعده. وقد نسبه العيني في المقاصد النحوية 1/ 449 إلى كعب بن زهير بن أبي سلمى، وليس في ديوانه.
75- من البسيط نسبه العيني 1/ 449 إلى كعب بن زهير بن أبي سلمى وليس في ديوانه. والرواية في ع "للأمر"، وهي خطأ فإن بها ينكسر الوزن.
ومعنى لا تركنن: لا تمل.
ويعصر: اسم رجل أبو قبيلة منها باهلة(1/293)
والثاني كقول الآخر:
76-
ولو أن ما عالجت لين فؤادها ... فقسا استلين به للان الجندل
وإلى هذين أشرت بقولي:
............ حرف1 كما2 ... جر به الموصول أوكفؤهما
"ش": لأن الموصوف بالموصول كفؤ له.
والعائد عليه بعد الصلة كفؤ للعائد عليه من الصلة.
والتقدير: ولو أن عالجت به لين فؤادها.
__________
1 في الأصل "بحرف".
2 سقط "كما" من الأصل.
76- من الكامل قاله الأحوص الأنصاري من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز "الخزانة 1/ 248، الأغاني 18/ 196".
ورواية البغدادي في الخزانة.
..................... لين فؤاده ... .............................
والبيت من شواهد المصنف في شرح التسيهل 1/ 35.
الجندل: ما يقله الرجل من الحجارة.(1/294)
"ص":
وإن لـ1 "أي كان وهو مبتدا ... فحذفه يستحسنون أبدا
إن علم الحذف، وأما إن جهل ... فإنه بكل حال قد حضل2
وحذفه مع غير "أي" ما قوي ... دون استطالة فحقق ما روي
إذا كان العائد على الموصول مبتدأ استحسن حذفه مع "ش" أي"، وإن لم تكن3 صلتها مستطالة.
وإن كان متبدأ، والموصول غير "أي" لم يحسن حذفه إلا عند استطالة الصلة نحو قول بعض العرب: "ما أنا بالذي قائل لك شيئًا"4.
أي: ما أنا بالذي هو قائل لك شيئًا5.
وأن زادت الاستطالة ازداد الحذف حسنًا كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} 6.
__________
1 ع و "إلا لأي".
2 هكذا في الأصل. وفي هـ وك وع وس وش وط "حظل" بالظاء.
3 هـ "يكن".
4، 5 ك وع "سوءًا".
6 من الآية رقم "84" من سورة "الزخرف".(1/295)
التقدير، والله أعلم: وهو الذي هو في السماء إله، وفي الأرض إله.
فإن عدمت الاستطالة ضعف الحذف، ولم يمتنع كقول بعضهم:
77-
من يعن بالحمد لم ينطق بما سفه ... ولا يحد عن سبيل الحلم والكرم
ومن ذلك قراءة بعض السلف1:
"تمامًا على الذي أحسن"2 -بالرفع.
أي: على الذي هو أحسن.
وأشرت بقولي:
__________
1 نسب ابن جني هذه القراءة في المحتسب 1/ 243 إلى ابن يعمر، ونسبها صاحب إتحاف فضلاء البشر للحسن والأعمش ص 220.
2 من الآية رقم "154" من سورة "الأنعام".
77- من البسيط استشهد به المصنف في شرح التسهيل 1/ 35، ولم ينسبه أيضًا -وقال العيني في المقاصد 1/ 446: لم أقف على اسم قائله.
والسفه: ضد الحلم، وأراد به هنا الكلام الفاحش.
لا يحد: لا يمل.
ورواية المصنف في شرح التسهيل.
............ لا ينطق.......... ... ...............................
وهي رواية ع وهـ وك.(1/296)
............... وأما إن جهل ... فإنه1 بكل حال قد حضل
إلى صلة يكون العائد منها مبتدأ خبره ظرف أو جملة نحو:
"رأيت الذي هو عندك" أو"الذي هو ينطلق".
فإن مثل هذا العائد لا يحذف، إذ لو حذف جهل حذفه، لكون خبره على صورة الصلة التامة.
ومعنى حضل2: منع.
"ص":
وكـ"الذي": "أل" وفروعه ولا ... توصل3 بغير الوصف كـ"الكافي البلا"
وشذ نحو "الحكم التُرْضى" ومن ... رأى اضطراد مثل ذا فما وهن
لكن "من القوم الرسول الله ... منهم ونحوه قليل واه
"ش": التعبير بـ"أل" أولى من التعبير بالألف واللام، ليسلك في ذلك سبيل التعبير عن سائر الأدوات كـ "هل" و"بل".
__________
1 هكذا في هـ وع وك أمخا عبارة الأصل "فحذفه"، وهذا لا يوافق ما جاء في النظم أول الفصل.
2 هـ ع ك "حظل"، بالظاء.
3 هـ ك "يوصل".(1/297)
فكما لا يعبر عن "هل" و"بل" بالهاء واللام، والباء، واللام. بل يحكى لفظهما، كذا ينبغي أن يفعل بالكلمة المشار إليها.
وقد استعمل التعبير بـ"ال" الخليل وسيبويه -رحمهما الله1.
وأشرت بقولي:
وكـ"الذي" "ال" وفروعه.... ... ................................
إلى وقوعها بمعنى " الذي" و"التي" وتثنيتهما وجمعهما.
ويظهر الفرق بالعائد نحو: "رأيت الكريم أبوه، والحسن وجهها، والمرضي عنهما، والمغضوب عليهم، والمنظور إليهم، والفاتن حسنهن".
ولما كانت "ال" الموصولة بلفظ المعرفة كره وصلها بجملة صريحة.
والتزم كون صلتها صفة في اللفظ مؤولة بجملة فعلية.
ولتأولها بجملة فعلية2 حسن عطف الفعل عليها كقوله
__________
1 قال سيبويه في الكتاب 2/ 64:
"وقال الخليل: ومما يدل على أن "ال" مفصولة من "الرجل"، ولم يبن عليها وأن الألف واللام فيها بمنزلة "قدِ" قول الشاعر:
دع ذا وعجل ذا وألحقنا بذل ... بالشحم إنا قد مللناه بجل"
2 ع سقط "ولتأولها بجملة فعلية".(1/298)
تعالى: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا، فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} 1.
وقد وصلت بالفعل المضارع، ولم يقع ذلك إلا في الشعر كقوله:
ما أنت بالحكم الترضَى حكومته ... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل2
وأنشد3 أبو زيد:
78-
أتاني كلام الثعلبي بن ديسق ... ففي أي هذا ويله يتسرع
79-
يقول الخنا وأبغض العجم ناطقًا ... إلى ربه صوت الحمار اليجدع
__________
1 الآيتان "3، 4" من سورة "العاديات".
2 ع مر الشاهد في باب الكلام وما يتألف منه.
3 ع "وأنسد".
78- 79- هذان بيتان من الطويل من أبيات سبعة ِأوردها أبو زيد الأنصاري في نوادره ص 66، ونسبها إلى ذي الخرق الطهوي، وهو شاعر جاهلي.
الثعلبي: نسبة إلى ثعلبة بن يربوع فهو بالثاء المثلثة لا بالتاء المثناة، نسبة إلى تغلب
كما ضبط في بضع النسخ وابن ديسق: هو طارق بن ديسق، الخنا: الفحش وأصل ألفه ياء.
والرواية في هـ وك وع. "إلى ربها" الحمار اليجدع: الذي تقطع أذناه. يقال حمار مجدع: مقطوع الأذنين "قاموس".(1/299)
وليس هذا بفعل مضطر بل فعل مختار لتمكنهما من أن يقولا1:
ما أنت بالحكم المرضى حكومته ... ............................
و................................ ... ... صوت الحمار يجدع2
وإلى هذا3 أشرت بقولي:
......................ومن ... رأى اطراد مثل ذا فما وهن
أي: فما ضعف رأيه.
وقد نبه سيبويه -رحمه الله- على أن ما ورد في الشعر من المستندرات لا يعد اضطرارًا، إلا إذا لم يكن للشاعر في إقامة الوزن، وإصلاح4 القافية عنه مندوحة5.
__________
1 سقطت من الأصل هذه العبارة موضعها "لتمكن قائلة من أن يقول".
2 سقط من الأصل "وصوت الحمار يجدع".
3 هـ "وإلى ذا".
4 ع "واصطلاح".
5 من المواضع التي نبه فيها سيبويه على رأيه في أن الضرورة، هي التي لا يكون للشاعر عنها مندوحة قوله 1/ 44.
"ولا يحسن في الكلام أن يجعل الفعل مبنيًا على الاسم، ولا يذكر علامة إضمار الأول حتى حتى يخرج من لفظ الإعمال في الأول. ومن حال بناء الاسم عليه، ويشغله بغير الأول حتى يمتنع من أن يكون يعمل فيه. ولكنه قد يجوز في الشعر، وهو ضعيف في الكلام.
قال الشاعر وهو أبو النجم العجلي: =(1/300)
ومما يشعر بأنهم فعلوه اختيارًا أنهم لم يفعلوا ذلك إلا بالفعل المضارع، لكونه شبيهًا باسم الفاعل.
وأما قول الشاعر:
80-
من القوم الرسول الله منهم ... لهم دانت رقاب بني معد
فنادر معدود من الضرورات؛ لأن الألف واللام فيه1 بمعنى "الذين"2 ولا يتأتى له الوزن إلا بما فعل.
"ص":
وسم موصولًا من الحروف ما ... يغني عن المصدر حيث تمما
وهن "أن" و"ما" و"كي" و"أن" مع
"لو" نحو، "ود ذو مراد لو يقع"
__________
=
قد أصبحت أم الخيار تدعي ... علي ذنبا كله لم أصنع
فهذا ضعيف، وهو بمنزلته في غير الشعر؛ لأن النصب لا يكسر البيت، ولا يخل به ترك إظهار الهاء، وكأنه قال: "كله غير مصنوع".
80- من الوافر اشتهد به كثير من النحاة، ولم ينسبه أحد إلى قائله وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 34 ولم ينسبه هناك كما لم ينسبه ابن هشام في المغني ش 63، ولا السيوطي في شرح شواهد المغني 1/ 161.
دانت: خضعت، وذلت، معد: ابن عدنان.
1 ك ع سقط "فيه".
2 ع "الذي".(1/301)
فوصلوا "كي" بمضارع، و"أن" ... بذي تصرف من الفعل كـ"ظن"
و"ما" بذي تصرف لا أمر ... ووحدها مجرى اسم وقت تجري1
وصح وصلها بجملة ابتدا ... إن كان توقيت بها قد قصدا2
كمثل: "جد ما الجود ممكن" وقد ... تأتي كذا والوقت غير معتمد
وصل بمعموليه "أن" ولـ"لو" ... من جملة الأفعال ما لـ"ما" ارتضوا
وأكثر استعمال "لو" بإثر ما ... يجدي تمنيا كـ"ودوا لو نما"
"ش": الموصولات الحرفية "أنْ" و"أنَّ" و"ما" و3 "كي" و"لو" إذا حسن في موضعها "أنْ".
ولم يذكر "لو" في الحروف المصدرية -فيما أعلم- إلا الفراء وأبو علي في التذكرة، وذكرها أبو البقاء4.
__________
1 هـ ع "يجري".
2 ع "قصد".
3 سقطت الواو من الأصل "وما كي".
4 محب الدين أبو البقاء، العكبري، البغدادي، الضرير، النحوي، الحنبلي توفي ببغدادي سنة 616 هـ قال أبو البقاء في "إملاء ما مَنَّ به =(1/302)
وأجاز أبو علي أن ينصب الفعل المعطوف على صلتها، وجعل من ذلك قراءة بعض القراء:1 {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُون} 2.
قال أبو علي:
كأنه قال: "ودُّوا3 أن تدهن فيدهنوا".
فحمل على المعنى كما حمل: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ} 4 في زيادة الباء على: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ} 5 لما6 كان معناهما واحدًا.
__________
= الرحمن ص 227" في بيان قوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} :
"لو" هنا بمعنى "أن" الناصبة للفعل ولكن لا تنصب. وليست التي يمتنع بها الشيء لامتناع غيره. ويدلك على ذلك شيئان:
أحدهما: أن هذه يلزمها المستقبل، والأخرى معناها في الماضي.
والثاني: أن "يود" يتعدى إلى مفعول واحد، وليس مما يعلق عن العمل.
1 الآية رقم 9 من سورة القلم.
2 ع "فيدهنون". في البحر المحيط 8/ 309 "جمهور المصاحف على إثبات النون. وقال هارونك إنه في بعض المصاحف "فيدهنوا"، وقد ذكر أبو حبان وجهين للنصب".
3 ك وع سقط "ودوا".
4 من الآية رقم 99 من سورة الإسراء.
5 من الآية رقم 81 من سورة يس.
6 ع "كما كان".(1/303)
وأكثر وقوع "لو" هذه بعد "ود" أو"يود" أو ما في معناهما1.
وبهذا يعلم غلط من عدها حرف تمن إذ لو صح ذلك لم يجمع بينها2 وبين فعل تمن، كما لا يجمع بين "ليت" وفعل تمن.
ومن ورود "لو" مصدرية دون فعل تمن قول الشاعر:
81-
لقد طوفت في الآفاق حتى ... بليت وقد أنى لي لو أبيد
ومثله قول قتيلة بنت النضر3 بن الحارث:
82-
ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق
__________
1 ع "بعد ود" أو ما في معناها.
2 ع "بينهما".
3 هـ "النظر".
81- من الوافر قائله المسجاح بن سباع الضبي، وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 38.
بمعنى: أنى: قرب أبيد: أهلك.
82- من الكامل من جملة أبيات قالتها قتيلة بنت النضر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النضر يوم بدر فعاتبته بهذه الأبيات.
والبيت من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 38، وهي بتمامها في المقاصد النحوية للعيني 4/ 471 وفي "الدرر اللوامع للشنقيطي 1/ 54.(1/304)
ولا يتعين كون "كي" مصدرية إلا إذا دخلت عليها اللام نحو، "لكي تحسن"، فإنه بمنزلة لأن تحسن.
ولأن "كي" إما بمنزلة "أن" وهي المصدرية.
وإما بمنزلة لام الجر الدالة على التعليل.
فاجتماعهما ينفي1 أن يكون بمنزلة اللام، إذ لا يدخل حرف جر على حرف جر.
فإذا خلت من اللام احتمل أن تكون مصدرية، فيكون الفعل صلتها ومنصوبًا بها.
وإذا اقترنت بها لم تكن2 إلا مصدرية.
وأما "أن" المصدرية فتوصل بفعل3 متصرف ماض أو مضارع، أو أمر نحو قولهم: أو عزت إليه بأن افعل".
ولو قيل: "أن الفعل" بلا باء احتمل أن تكون 4 "أن"5 مصدرية، وأن تكون6 بمعنى "أي" في الدلالة على التفسير7.
__________
1 ع "ينبغي".
2 هـ ع "لم يكن".
3 هـ "بحرف".
4 هـ "يكون".
5 هـ سقط "أن".
6 هـ "يكون".
7 جاء في هامش الأصل "حاشية".(1/305)
وأما "ما" المصدرية فتوصل بفعل متصرف غير أمر، ومثلها "لو".
إلا أن "ما" تنفرد بنيابتها عن ظرف زمان، وصلتها حينئذ فعل ماضي اللفظ، مثبت، أو مضارع منفي بـ"لم" نحو: "أصلك ما وصلتني1 وما لم تصل عمرًا".
وتوصل -أيضًا- إذا نابت عن ظروف الزمان بجملة ابتدائية كقول الشاعر:
83-
واصل خليلك ما التواصل ممكن ... فلأنت أو هو عن قريب ذاهب
وقد توصل بها في غير توقيت كقول الكميت:
84-
أحلامكم لسقام الجهل شافية ... كما دماؤكم تشفي من الكلب
__________
= ذكر الزمخشري في الكشاف أن "أن" في قراءة أبي "وأن ليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه" على زيادة "أن" مع الأمر، على أن "أن" موصولة بفعل الأمر كما تقول أمرته "أن أفعل" تمت.
1 ع "ما واصلتني".
83- من الكامل اشتهد به المصنف -أيضًا- في شرح التسهيل 1/ 38، ولم ينسبه ولم أعثر على من نسبه ممن استشهد به من بعده.
84- من البسيط نسبه المصنف للكميت بن زيد الأسدي، وهو في ديوانه 1/ 81 والكلب -بالتحريك: داء يصيب الكلب شبه الجنون فإذا عض إنسانًا صار مثله، فإذا أخذ قطرة من دم شريف زال عنه ما به.
وقيل: إن المقصود أن دماء هؤلاء تشفي من الثأر، فإذا قتلهم صاحب وتر شفي غيظه. السقام -بفتح السين: المرض.
والبيت من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 38.(1/306)
وأما "أن" فتوصل باسمها ويخبرها، وستذكر في بابها -إن شاء الله تعالى.
"ص":
وصلة الموصول منه كالعجز ... فوصلها حتم، وسبق لم يجز
وأنه عن الفصل بأجنبي ... وما يشذ اقصر على المروي
والفصل بالنداء قبل من قصد ... به أجز، وغيره نذرًا وجد
وباعتراض فصلوا كـ"ساء من ... وما التشكي نافع -يشكو الزمن"
وحذفها في قصد الابْهام استبح ... وحيث دونها المراد متضج
فإن1 يك الموصول حرفيًا أو "ال" ... فالعامل الذي يليه لا العمل
__________
1 ط وع والأصل "فإن" وك وس وش "وإن".(1/307)
وربما أسقط موصول عرف ... بسابق عليه ساقط عطف
"ش": الموصول والصلة في حكم كلمة واحدة لا من كل وجه.
فالموصول كصدر الكلمة، والصلة كعجزها فحقهما1 أن يتصلا
ولا تتقدم2 الصلة3، ولا شيء يتعلق بها. ولا تفصل4 هي ولا شيء منها بأجنبي، وأعني5 به ما لا يتعلق بها، ولا يغني6 تعلقه بالموصول.
بل لا يخبر7 عن الموصول إلا بعد تمامها، أو تقدير تمامها8.
وقد فصل بينهما بالنداء فصلًا مستحسنًا إن كان الذي يلي المنادى.
هو المنادى في المعنى كقول الشاعر.
__________
1 ك وع "فحقها".
2 ك "يتقدم".
3 ع "تتصل أولًا بتقديم الصلة".
4 ك "يفصل".
5 ع "ذو غنى".
6 ع "تغني".
7 ك ع "يخبر" وفي الأصل وهـ "تخبر".
8 ك ع سقط "أو تقدير تمامها".(1/308)
85-
وأنت الذي -يا سعد- بؤت بمشهد ... كريم وأثواب المكارم والحمد
فإن لم يكن كذلك عد شاذا كقول الفرزدق1:
86-
تعش فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من -يا ذئسب- يصطحبان
والقسم ليس بأجنبي؛ لأنه مؤكد للصلة كقول النبي -عليه السلام2.
"وأبنوهم بمن -والله- ما علمت عليه من سوء قط"3.
فالفصل بهذا لا يختص بضرورة.
بخلاف الفصل بغيره فإنه لا يستباح إلا في الضرورة كقوله:
__________
1 ك "كقوله أي الفرزدق" ع "كقول أبي الفرزدق".
2 هكذا في الأصل، أما في هـ وع وك صلى الله عليه وسلم.
3 أخرجه مسلم 58 توبة.
أبن الرجل: اتهمه وعابه.
85- من الطويل قاله حسان بن ثابت من قصيدة يرثي بها سعد بن معاذ -رضي الله عنهما- "سيرة ابن هشام 711" ورواية السيوطي في همع الهوامع 1/ 88 "وأثواب السيادة" والرواية في الأصل "وأثواب المكاره" وهو بعيد.
86- من الطويل من قصيدة للفرزدق يذكر قصته مع ذئب اسضافه في بعض أسفاره " الديوان ص 870".(1/309)
87-
كذلك تلك وكالناظرات ... صواحبها -ما يرى- المسحل
التقدير: كذلك الحمار الوحشي تلك الناقة، وصواحبها كالناظرات ما يرى المسحل.
ففصل1 بـ"صواحبها" -وهو مبتدأ- بين "ما يرى المسحل" و"الناظرات".
والألف واللام بمعنى "اللاتي"، وصلتها "ناظرات" و"ما يرى المسحل".
وينبغي في مثل هذا أن يقدر تمام الصلة قبل ما يظهر أنه منها. ويقدر له عامل مذلول عليه بالصلة.
فهذا أسهل من الفصل بين جزأي الصلة.
ومن الفصل المستحسن: الفصل بجملة الاعتراض كقولي2:
......................... ساء من ... وما التشكي نافع -يشكو الزمن
أي: ساء من يشكو الزمن، وما التشكي نافع.
__________
87- من المتقارب قائله الكميت بن زيد الأسدي "الديوان 2/ 35".
1 ع "فصل".
2 هـ "كقول".(1/310)
ففصل بهذه الجملة؛ لأن ذكرها مقر لمعنى الكلام1، ومنه قول الشاعر:
88-
ماذا ولا عتب في المقدور رمت أما ... يحظيك بالنجح، أم خسر وتضليل
"ثم قلت"2:
وحذفها في قصد الإبهام استبح ... ...............................
أي استبح حذف الصلة عند قصد الإبهام كقوله:
89-
ولقد رأبت ثأى العشيرة بينها ... وكفيت جانيها اللتيا والتي
__________
1 زادت هـ وك "مقو لمعنى الكلام ليس بأجنبي؛ لأنه مؤكد للصلة".
وعبارة ع "مقو لمعنى الكلام ليس بأجنبي؛ لأنه مقو لمعنى الكلام".
2 "ثم قلت" زيادة لم ترد في جميع النسخ والمقام يقتضيها.
88- من البسيط من الشواهد التي لم يعلم قائلها.
ورواية السيوطي في همع الهوامع 1/ 88.
............................أما ... يكفيك........................
والشاهد في هذا البيت فصل الشاعر بين "ماذا" و"رمت" بقوله "ولا عتب في المقدور".
89- من الكامل من قصيدة قالها سلمى بن ربيعة يتلهف على امرأته وكانت فارقته "شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 551، أمالي ابن الشجري 1/ 25، نوادر أبي زيد ص 120 شرح ديوان الحماسة للتبريزي 1/ 214، الأصمعيات 162".
الرأب: الإصلاح. الثأى: الفساد. اللتيا والتي: اسمان للكبيرة والصغيرة من الدواهي.(1/311)
وكقوله:
90- والله أنجاك بكفي مسلمت
91-
من بعد ما، وبعدما1 وبعدمت2
وعند حصول البيان بدونها كقوله:
92-
نحن الأولى فاجمع جمو ... عك ثم وجههم إلينا
أي: نحن3 الأولى عرفوا.
ومثله قول الآخر:
__________
1 هـ سقط "وبعد ما".
2 زادت هـ "أبدل الألف هاء" -يقصد من ما.
3 ع "ونحن" موضع "أي نحن".
90 و91- هذان بيتان من مشطور الرجز ينسبان إلى أبي النجم العجلي، وهما في المقصاد النحوية للعيني 4/ 559، والخزانية 2/ 148، وابن يعيش 5/ 89 ونسبهما في اللسان "ما".
92- من مجزوء الكامل قاله عبيد بن الأبرص من قصيدة يخاطب بها امرأ القيس بن حجر الكندي، وكان بنو أسد قد قتلوا والد امرئ القيس "ديوان عبيد 137" ورواية الديوان:
نحن الأولى جمع جمو ... عًا ثم وجههم إلينا(1/312)
93-
أتجزع إن نفس أتاها حمامها ... فهلا الذي عن بين جنبيك تدفع
أي: فهلا الذي تجزع1 منه تدفع2 عن بين جنبيك.
وجائز تقديم المعمول على عامل الصلة نحو قولك في3 "جاء الذي ضرب زيدًا": "جاء الذي زيدًا ضرب".
فإن كان الموصول الألف واللام، أو حرفًا مصدريًا لم يجز تقديم المعمول؛ لأن4 امتزاج الألف واللام والحرف المصدري بالعامل آكد من امتزاج غيرهما به.
وقد يسقط الموصول المعطوف على موصول قبله للعلم به5 كقول حسان بن ثابت6 -رضي الله عنه.
94-
أمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء
__________
1 هـ "يجزع".
2 هـ "يدفع".
3 هـ "في نحو".
4 ع "لأن لأن".
5 هـ سقط "للعلم به".
6 هكذا في ع وك وهـ وسقط من الأصل "ابن ثابت".
93- من الطويل نسبة الآمدي في المؤتلف 291 إلى زيد بن رزين وترجم له وينظر هذا البيت في "المحتسب 1/ 281، شرح التبريزي 1/ 378، ذيل الأمالي 105، ذيل اللآلي 49، ديوان الحماسة 2/ 181 شرح الشواهد للسيوطي 1/ 436".
94- من الوافر قاله حسان بن ثابت يمدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويتوعد قريشًا "الديوان ص 9".(1/313)
"أي: أمن يهجو رسول الله منكم أيها المشركون،1 ومن يمدحه منا ونصره سواء2". وقال آخر3:
95-
ما الذي دأبه احتياط وحزم ... وهواه أطاع يستويان
أراد: والذي هواه أطاع فحذف.
__________
1 ك وع "ومن يمدحه وينصره منا".
2 هـ سقط ما بين القوسين.
3 ك وع "الآخر".(1/314)
فصل في أسماء الإشارة:
"ص":
بـ"ذا" إلى فرد مذكر أشر ... "ذي" "ذات" "تي" "تا" "ذه"1 على الأنثى قصر
و"ته" كـ"ذه" و"ها" هنا2 قد كسرا ... ومد عند كسره أو قصرا3
__________
1 ع "ده"، الدال.
2 هكذا في الأصل "هنا" وفي هـ ك ع س ش ط "هما".
3 هكذا في الأصل "قصرا" وفي هـ، ل، ع، س، ش، "اقصرا"، بهمزة الوصل.
95- من الخفيف استشهد به المصنف هنا وفي شرح التسهيل 1/ 39، ولم ينسبه في الموضعين.(1/314)
و "ذان" "تان" رافعًا مثنيًا ... قل وائت1 خافضًا وناصبًا بـ"يا"
"أولى" "أولاء" أجمع وفه منبها ... قبل جميع ما ذكرته بها
"ش": اسم الإشارة: ما دل على مسمى وإشارة إليه.
فإن كان مفردًا قريبًا فله "ذا" في التذكير "والعشر التي ذكرت بعده في التأنيث.
وإن كان مثنى قريبًا فله في التذكير"2 "ذان" -رفعًا- و"ذين" جرًّا ونصبًا.
وفي التأنيث "تان" -رفعًا- و"تين" جرًّا ونصبًا.
وإن3 كان جمعًا قريبًا فله في التذكير، والتأنيث "أولاء" -بالمد على لغة أهل الحجاز، وبالقصر على لغة بني تميم.
ولك أن تذكر قبل كل مثال منها "ها" التنبيه نحو: "هذا:" و"هذي"4 و"هذان" و"هاتان" و"هؤلاء".
__________
1 هكذا في س، ش، ط وهـ "وائت" وفي الأصل وك وع "وايت".
2 هـ سقط ما بين القوسين.
3 هـ "فإن".
4 ع "هذين" موضع "هذي".(1/315)
"ص":
كاف الخطاب كلا أردف1 حرفًا ... في البعد مثله إذا اسمًا يلفى
واللام قبل للحجازيين زد ... وترك ذاك عن تميم اعتمد
و"ها" وهذي اللام لن يجتمعا ... وقد تجيء2 "ها" وذي الكاف معًا
"ش": إذا كان المشار إليه بعيدًا حقيقية، أو حكمًا جيء بعد كل واحد من الأمثلة التي ذكرت بكاف ثابت الحرفية، مسبوق بلام في لغة الحجازيين، ومجرد منه في لغة بني تميم، يدل على حال المخاطب بما يدل عليه إذا كان اسمًا نحو:
"ذلك" و"تلك" و"ذلكما" و"ذلكم"3 و"ذلكن" و"ذاك" و"ذاكما" و"ذاكم" و"وتيك" و"تيكما" و"تيكن".
ولا تفاوت بينهما في البعد، وإنما هما لغتان، ولذلك يتواردان في رتبة واحدة نحو4 أن يخبر إنسان، بخبر فيقال:
__________
1 جاء على هامش الأصل:
حاشية على قولي:
كاف الخطاب كلا أردف..... ... .............................
تقدير البيت: أردف كل واحد من أسماء الإشارة كاف الخطاب محكومًا بحرفيته، وله في حرفيته من الهيئات ماله في اسميته. تمت.
2 ك، ع "يجئ".
3 سقط من الأصل "ذلكما وذلكم".
4 ك، ع "مثل" موضع "نحو".(1/316)
أعرفت ذلك؟ فيقول: نعم عرفت ذاك.
و"ها": حرف تنبيه يجاء بها متقدمة على "ذا" و"ذاك" و"تي" وأخواتها مجردة من الكاف، ومصاحبة لها دون اللام.
فيقال: "هذا" و"هاتي"، و"هذاك" و"هاتيك".
ومنه قوله طرفة:
96-
رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... ولا أهل هاتيك الطراف الممدد
وفي الحديث:
"ألا أخبركم بأشد منه حرًّا 1 يوم القيامة هذينك الرجلين" 2.
__________
1 ع وك "خيرًا" وفي الأصل "جزاء".
2 أخرجه مسلم جـ 17 ص 127-128 بشرح النووي عن عباس بن عبد العظيم العنبري. عن إياس قال: حدثنا أبي قال:
عدنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلًا موعوكًا قال: فوضعت يدي عليه فقلت:
والله ما رأيت كاليوم رجلًا أشد منه حرًا.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"ألا أخبركم ... ".
96- من الطويل "ديوان طرفة ص 31".
غبراء: الأرض، وبنوا غبراء: الفقراء، ويدخل فيهم الضيفان.
الطراف: بناء من أدم يكون للأغنياء.
الممدد: المنصوب.(1/317)
ولا يقال: "هذلك" ولا "هاتالك" كراهية الاستطالة.
"ص"
وبالمكان اخصص "هنا" ويتصل1 ... بعدًا وتنبيهًا بما "ذا" قد وصل2
و"ثم" في ذا البعد -أيضًا- وردا ... وهكذا "هنا" و"هنا" عهدا
"ش": من أسماء الإشارة -أيضًا- "هنا" إلا أنه مخصوص بالمكان.
فإن كان قريبًا جيء بـ"هنا" دون كاف مجردًا، أو مسبوقًا بحرف التنبيه فيقال: أقم هنا أو ههنا.
وإن كان المكان بعيدًا جيء بكاف الخطاب بعدها على نحو ما جيء بعد "ذا".
ومن قال: "ذلك"3 قال: "هنالك". ومن قال "هذاك" قال: "ههناك".
ويشار -أيضًا- إل المكان البعيد بـ"ثم" وبـ"هَنَّا" و"هِنَّا"4.
__________
1 هـ "تتصل".
2 هكذا في س وش وط وع وك أما في الأصل "بماذا اتصل".
3 هـ "ذاك".
4 زادت ك و"هنا -بالقصر-".(1/318)
فصل 1 في المعرف بالأداة:
"ص":
اللام أو "ال" حرف تعريف فقل ... في "رجل" -تعريفه شئت- "الرجل"
والقصد عهد، أو عموم الجنس أو ... حضور أو كمال ما به نووا
وزائدًا يأتي كـ"طبت النفسا ... يا قيس عن عمرو" أراد2: نفسا
"ش": اللام -وحدها- هي المعرفة عند سيبويه، والهمزة قبلها همزة وصل زائدة.
وهي عند الخليل همزة قطع عوملت -غالبًا- معاملة همزة الوصل لكثرة الاستعمال. وهي أحد جزأي الأداة المعرفة.
وقول الخليل هو المختار عندي، وبسط الاحتجاج لذلك مستوفى في "شرح تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد"، فلينظر فيه هناك3.
__________
1 ك وع سقط "في".
2 ع "أرادوا".
3 قال المصنف -رحمه الله في كتابه تسهيل الفوائد:
"باب المعرفة بالأداة، وهي اللام وحدها وفاقًا للخليل وسيبويه، وقد تخلفها "أم"، وليست الهمزة زائدة خلافًا لسيبويه".
وقال يشرح هذه العبارة في كتابه "شرح تسهيل الفوائد، وتكميل المقاصد" 1/ 41 وما بعدها. =(1/319)
والقصد بهذه الأداة:
إما تعريف معهود بذكر كقولك، "مررت برجل فأكرمت الرجل".
__________
= "قد اشتهر عند المتأخرين أن أداة التعريف هي اللام وحدها، وأن المعبر عنها بالألف واللام تارك لما هو أولى، وكذا المعبر عنها بـ"ال" حتى قال ابن جني:
"ذكر عن الخليل أنه كان يسميها "ال" ولم يكن يسميها "الألف واللام" كما لا يقال في "قد" القاف والدال".
وأقول:
وقد عبر سيبويه عن أداة التعريف بـ"ال" كما فعل الخليل فإنه قال في باب عدة ما تكون عليه الكلم:
"وقد جاء على حرفين ما ليس باسم ولا فعل".
فذكر "أم" و"هل" و"لم" و"لن" و"من" و"ما" و"لا" و"أن" و"كي" و"بل" و"قد" و"أو" و"يا" و"من" ثم قال:
"و"ال" تعرف الاسم كقولك: القوم والرجل" معبر عنهما بـ"ال" وجعلها من الحروف الجائية على حرفين كـ"أم" وأخواتها.
وقال -يقصد المصنف سيبويه- في مكان آخر.
"وإنما هي حرف بمنزلة قولك "قد"".
ثم قال:
"ألا ترى أن الرجل يقول إذا نسي فتذكر ولم يرد أن يقطع كلامه "إلى" كما يقول "قدى" ثم يقول: كان وكان".
هذا نصه، وهو موافق لما روي عن الخليل.
ثم قال المصنف -رحمه الله:
فلولا أنه نسبها إلى الزيادة في موضع آخر لحكمت بموافقته الخليل -مطلقًا.
إلا أن الخليل يحكم بأصالة الهمزة، فإنها مقطوعة في الأصل كهمزة =(1/320)
..................................
__________
= "أم" و "أن" و "أو" وسيبويه مع حكمه بزيادتها يعتد بها.........
ثم قال:
على أن الصحيح عندي قول الخليل لسلامته من وجوه كثيرة مخالفة للأصل وموجبة لعدم النظائر:
أحدها: تصدير الزيادة فيما لا إمكانية فيه للزيادة.
الثاني: وضع كلمة مستحقة للتصدير على حرف واحد ساكن، ولا نظير لذلك.
الثالث: افتتاح حرف بهمزة وصل ولا نظير لذلك.
الرابع: لزوم فتح همزة وصل بلا سبب ولا نظير لذلك -أيضًا-....
الخامس: أن المعهود الاستغناء عن همزة الوصل بالحركة المنقولة إلى الساكن نحو "ر زيدًا"، والأصل: ارْأ زيدًا فنقلت حركة الهمزة إلى الراء، واستغني عن همزة الوصل، ولم يفعل ذلك بلام التعريف المنقول إليه حركة إلا على شذوذ، بل يبتدأ بالهمزة على المشهور من قراءة ورش في مثل "الآخرة".
وذلك في مثل "ر زيدًا" لا يجوز أصلًا، فلو كانت همزة أداة التعريف همزة وصل زائدة لم يبدأ بها مع النقل كما لا يبدأ بها الفعل المذكور.
السادس: أنه لو كانت همزة أداة التعريف همزة وصل لم تقطع في "يا الله" ولا في قولهم "فألله لأفعلن" -بالقطع تعويضًا من حرف الجر؛ لأن همزة الوصل لا تقطع إلا في اضطرار، وهذا الذي ذكرته قطع في الاختيار روجع به أصل متروك.
فصح أن الهمزة المذكورة كهمزة "أم" و"إن" و"أو" لكن التزم حذفها تخفيفًا إذا لم يبدأ بها، ولم تل همزة استفهام كما التزم بعض العرب حذف عين المضارع من "رأي" وفاء الأمر من "أخذ" و"أكل".(1/321)
وكقوله تعالى: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُول} 1.
أو معهود بحضور كقولك لشاتم رجل حاضر: "لا تشتم الرجل".
ومن هذا القبيل: صفة المشار إليه؛ لأن الإشارة إلى الشيء توجب استحضاره بوجه ما فيكون له قسط من العهد.
ويلحق به -أيضًا- ما يسميه المتكلمون: تعريف الماهية كقول القائل: "اشتر اللحم"؛ لأن قائل هذا إنما يخاطب من هو معتاد لقضاء2 حاجته، فقد صار ما يبعثه لأجله3 معهودًا بالعلم، فهو في حكم المذكور أو المشاهد.
وأما الذي يقصد به عموم الجنس فنحو قولك: "الرجل خير من المرأة".
ومن علامات هذا: قيام الألف واللام فيه مقام "كل"، وجواز الاستثناء منه مع كونه بلفظ المفرد كقوله تعالى: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} 4.
وجواز وصفه بجمع كقولك: "أهلك الناس الدينار
__________
1 من الآية رقم "16" من سورة "المزمل".
2 ع ك "بقضاء".
3 ع ك هـ "يبعثه إليه".
4 الآيتان رقم "2، 3" من سورة "العصر".(1/322)
الحمر" وكقوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} 1.
فلمصحوب هذه الألف واللام جمعية وتنكير من جهة المعنى.
وإفراد وتعريف من جهة اللفظ.
فلواصفه مراعاة اللفظ، ومراعاة المعنى. إلا أن مراعاة اللفظ أكثر.
ومن مراعاة التنكير باعتبار المعنى وصف الليل بالجملة في قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} 2؛ لأنه في المعنى بمنزلة: وآية لهم ليل نسلخ منه نهارًا.
وقد استعملوا الجنسية مجازًا في الدلالة على الكمال مدحًا، وذمًا نحو: "نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو".
__________
1 من الآية رقم 31 من سورة "النور" وتمامها:
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ.....} .
2 من الآية رقم "35" من سورة "يس".(1/323)
كأنه قال: نعم الجامع لخصال المدح زيد، وبئس الجامع لخصال الذم عمرو.
أو يكون العموم قد قصد هنا على سبيل المبالغة المجازية، كما فعل من قال: "أطعمنا شاة كل شاة" و"مررت برجل كل رجل"1 أي: جامع لكل خصلة يمدح بها2 الرجال.
وأشرت بقولي:
وزائدًا يأتي.................. ... ..............................
إلى مثل قول الشاعر:
97-
رأيتك لما أن عرفت وجوهنا ... صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو
أراد: وطبت3 نفسًا -و"نفسًا": منصوب على التمييز، وتنكيره لازم فأدخل عليه الألف واللام زائدة غير معرفة.
__________
97- من الطويل من قصيدة لراشد بن شهاب اليشكري ذكرها العيني في المقاصد النحوية 1/ 502، 503 كما جاء في المفضليات 310. والبيت من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ ص 14، وشرح التسهيل 2/ 132. ورواية المفضل:
رأيتك لما أن عرفت جلادنا
رضيت وطبت النفس يا بكر عن عمرو
1 هـ "كان رجل".
2 في الأصل "تمدح".
3 هـ "فطبت".(1/324)
وقد أدخلوا الزائدة على العلم مع بقائه على تعريفه كقول الشاعر:
98-
ولقد جنيتك أكمؤًا وعساقلًا ... وقد نهيتك عن بنات الأوبر
أراد: بنات أوبر، وهو علم لضرب1 من الكمأة -والله أعلم2.
"ص":
واعتبر التعريف والتنكير في ... مصحوف ذي العموم فاقف ما قفي3
لذاك4 قد ينعت نعت معرفه ... ونعت منكور فكن ذا معرفه
__________
1 هـ ع ك "على ضرب".
2 سقط من الأصل ومن هـ "والله أعلم"، وجاء في ك وع.
3 س وش "ما قفوا" وط "ما اقتفى".
4 ع "كذاك".
98- من الكامل استشهد به المصنف هنا وفي شرح التسهيل ولم ينسبه، وفي المقاصد قال العيني 1/ 498 أنشده أبو زيد ولم يعزه. والبيت في المحتسب 2/ 244، ومجالس ثعلب 624 والمقتضب 4/ 48 والإنصاف 319، وشرح المفصل 5/ 71، والخصائص 3/ 58.
الكمء: نبات ينقض الأرض فيخرج كما يخرج الفطر.
جنيتك: جنيت لك.
عساقل: جمع عسقول وهو نوع من الكمأة، بنات أوبر: كمأة صغار على لون التراب.(1/325)
"ش": ذو العموم: هو الداخل عليه1 الألف واللام لقصد شمول الجنس حقيقة، فإنه من جهة اللفظ معرفة، وشياعه باق، فهو بذلك في حكم النكرة.
فمن أجل ذلك جاز أن يوصف بمعرفة مراعاة للفظه.
وينكرة أو جملة مراعاة لمعناه.
وقد تقدم التنبيه على هذا.
"ص":
ويبلغ المعهود رتبة العلم ... كـ"النجم" والأداة فيه تلتزم
وإن يناد2 أو يضف3 تجردًا ... ودون ذين قد يرى مجردًا4
وذو إضافة يصير علمًا ... غلبة كـ"ابن الزبير" فاعلما
وذي الإضافة التزامها أشد ... من التزام "ال" على القول الأسد5
__________
1 ع سقط عليه.
2 ع "تناد" وط "ينادى".
3 ع "تضف".
4 ذكر المصنف في الحاشية عوضًا من هذا الشطر كما يلي:
.......................... ... ودون ذا التجريد قل موردًا
5 ذكر المصنف في الحاشية عوضًا من هذا الشطر هو:
................................ ... من التزام اللام في القول الأسد(1/326)
قد يكون الاسم معرفة بالألف واللام العهديتين، أو بالإضافة فيغلب استعماله كذلك حتى يرتقي في التعيين، والاختصاص إلى درجة العلم، بل ربما زاد وضوحًا.
فمن ذلك "المدينة" غلب استعمالها على دار الهجرة.
ومن ذلك "الكتاب" غلب استعماله على كتاب سيبويه.ومن ذلك "الشافعي" -رحمه الله1- غلب علي الإمام محمد بن إدريس -رحمه الله2. ومن ذلك "النجم" غلب على الثريا.
وكذا "ابن عمر" و"ابن عباس" و"ابن مسعود" و"ابن الزبير"3 غلبت على العبادلة -رضي الله عنهم.
إلا أن ذا الألف واللام قد يفارقانه4.
فإنه إن نودي، أو أضيف كقولك: يا صعق وكقولك في المدينة: مدينة الرسول5 -صلى الله عليه وسلم6.
__________
1 هكذا في الأصل وفي ك وهـ "رضي الله عنه" وفي ع سقط "رحمه الله".
2 هكذا في الأصل أما في هـ وك وع سقط "رحمه الله".
3 هكذا في الأصل وفي هـ وزادت ك "وابن عمرو بن العاصي" وع "وابن عمرو بن العاص".
4 ع "تفارقانه".
5 ك وع "مدينة رسول الله".
6 هكذا في ك وع -وسقط من الأصل ومن هـ "صلى الله عليه وسلم".(1/327)
وكقولهم1 لـ"الجبهة" وهي إحدى منازل القمر: "جبهة2 الأسد"، قال الشاعر:
99-
يا من رأى عارضًا أكفكفه ... بين ذراعي وجبهة الأسد
وربما حذفت الألف واللام دون نداء ولا إضافة كقول الشاعر:
100-
تنظرت نسرًا والسماكين أيهما ... علي من الغيث استقلت مواطره
__________
1 ك "وكقولك".
2 ع "وجبهة الأسد" بزيادة الواو.
99- من المنسرح استشهد به المصنف في شرح عمدة الحافظ ص 87 وفي شرح التسهيل 2/ 178، ولم ينسبه وقد نسبه بعض العلماء للفرزدق وقد راجعت ديوانه المخطوط فلم أجده، ورأيت شارح ديوانه أثبته ص 215 نقلًا عن النحويين، والبيت من شواهد سيبويه 1/ 180، والخزانة 1/ 369، والعيني 3/ 451.
ومعنى العارض: السحاب المعترض في الأفق. وأكفكفه: أمسحه مرة بعد أخرى.
ذراعًا الأسد: كوكبان يدلان على المطر عند طلوعهما.
100- من الطويل قاله الفرزدق في نصر بن سيار ملك العراقين "الديوان ص 347" وهو في شرح التسهيل 1/ 30.
والسماكان: نجمان: الأعزل، والرامح، وهما من منازل القمر.
ورواية المصنف في شرح عمدة الحافظ 63 وابن هشام في المغني 1/ 72 "تنظرت نصرًا".
ورواية اللسان "تأملت نسرًا" 5/ 306، وفي 18/ 59 كرواية المصنف هنا وفي شرح التسهيل.
ورواية ابن جني في المحتسب ص 4 تنطوت نسرًا رواها عن أبي علي.(1/328)
وأما المضاف الغالب كـ"ابن الزبير" فلا ينتزع عن الإضافة بنداءٍ. ولا غيره، إذ لا يعرض في1 استعماله داع إلى ذلك.
"ص":
وقد تقارن الأداة التسميه ... فتستدام2 كأصول الأبنيه
"ش": قد يسمى باسم فيه الألف واللام فلا تفارقانه؛ لأنهما منه بمنزلة سائر حروفه.
ومن ذلك الألف واللام المفتتح بهما "الله" في أصح القولين.
ومن ذلك: الألف واللام في "اليسع".
ومن ذلك: الألف واللام في "ذي الكلاع" -وهو علم لأحد أقيال حمير.
ومن ذلك: الألف واللام في "اللات".
__________
1 ع "لي" موضع "في".
2 هـ "فسدام".(1/329)
وقد زيدت الألف واللام على سبيل اللزوم في "الآن" و"الذي" و"التي" وفروعهما مع انتفاء العالمية، فلأن يكون ذلك في بعض الأعلام أحق؛ لأن الأعلام قد تنفرد في لفظها بما لا يوجد في غيرها.(1/330)
باب: الابتداء
مدخل
...
باب الابتداء:
"ص":
المبتدا مرفوع معنى ذو خبر ... أو وصف استغنى بفاعل ظهر
كـ"ابني مقيم" و"أسار أنتما" ... و"ما شج هما"1 فقس عليهما
وإن خلا الوصف من استفهام او ... نفي فإخبارًا2 به له عزوا
وكونه مبتدأ واه لدى ... عمرو، وعده سعيد جيدًا3
"ش": المتبدأ على ضربين:
__________
1 ع "وما شج علمًا".
2 ط "فأخبار".
3 هكذا جاء في صلب الأصل، وهو ما جاء في هـ وك وع وش وجاء في الهامش عوضًا من ذلك بيت آخر، وهو ما جاء في ط وس بدلًا من البيت الذي في الأصل:
وكونه مبتدأ لا يمتنع ... في مذهب الأخفش فاسمع وأطع(1/330)
أحدهما: مبتدأ ذو خبر في اللفظ، أو في التقدير كقولك: "زيد قائم"، و"لولا عمرو لقعد زيد"1.
والثاني: مبتدأ لا خبر له في اللفظ، ولا في التقدير، بل له فاعل يحصل بذكره من الفائدة مثل ما يحصل بذكر الخبر لذي الخبر2، وذلك كقولك: "أقائم الزيدان"؟
فـ"قائم": متبدأ لا خبر له؛ لأنه قصد به ما يقصد بالفعل إذا قيل: "أيقوم الزيدان"؟
فاستغني بما ارتفع به عن شيء آخر، كما يستغني الفعل.
ونهبت بالاستغناء على أن نحو: "أقائم أبواه3 زيد" لا يدخل في ذلك؛ لأنه4 وصف لم يستغن بفاعله عما بعده.
فهو إذا: خبر مقدم وزيد: مبتدأ مؤخر.
وليس المراد بظهور الفاعل أن يكون من الأسماء المظهرة دون المضمرة، بل المراد أن يكون غير مستتر.
احترازًا من نحو: "أقائمان الزيدان"؟ فإنهما: خبر مقدم ومبتدأ مؤخر.
وقائمنان: وصف ذو فاعل مستتر.
__________
1 ك وع "ولولا عمرو لقعدت".
2 ع سقط "لذي الخبر".
3 هـ "أقائم أبوه زيد".
4 ع "لأن".(1/331)
فلو رفع فاعلًا غير مستتر لصلح للابتداء سواء كان الفاعل الظاهر من المضمرات نحو: "أسار أنتما"؟
أو من غير المضمرات نحو: "أقائم الزيدان"؟
وغذا كان الوصف المذكور مسبوقًا باستفهام، أو نفي فلا خلاف في جعله مبتدأ عند عدم مطابقته لما بعده.
فإن تطابقًا بإفراد نحو: "أقائم زيد"؟ جاز أن يكونا خبرًا مقدمًا، ومبتدأ مؤخرًا، وأن يكونا: مبتدأ مقدمًا، وفاعلًا مغنيًا عن الخبر.
فإن لم يكن الوصف مسبوقًا باستفهام ولا نفي1 ضعف عند سيبويه إجراؤه مجرى المسبوق بأحدهما ولم يمتنع2.
__________
1 جاء في هذا الموضع في الهامش حاشية يكمل بها المصنف ما سبق ويشرح ما يأتي:
"فإن لم يكن الوصف مسبوقًا باستفهام ولا نفي لزمت المطابقة، وجعل الوصف خبرًا مقدمًا.
وأجاز الأخفش ِأن يعامل معاملته مع الاستفهام والنفي.
فتقول: "قائم الزيدان والزيدون".
كما تقول: "أقائم الزيدان، والزيدون"؟
2 قال سيبويه في الكتاب 1/ 278:
"وزعم الخليل -رحمه الله- أنه يستقبح أن تقول: "قائم زيد". وذاك إذا لم تجعل "قائمًا" مقدمًا مبينًا على المبتدأ.
ثم قال: فإذا لم يريدوا هذا المعنى وأرادوا أن يجعلوه فعلًا كقوله "يقوم زيد" و"قام زيد" قبح؛ لأنه اسم.
وإنما حسن عندهم أن يجري مجرى الفعل: إذا كان صفة جرى على موصوف، أو جرى على اسم قد عمل فيه، كما أنه لا يكون مفعولًا في "ضارب" حتى يكون محمولًا على غيره، فتقول: "هذا ضارب زيدًا" و"أنا ضارب زيدًا".(1/332)
وأجاز الأخفش1 ذلك دون ضعف.
ومن شواهد استعمال ذلك قول بعض الطائيين:
101-
خبير بنور لهب فلا تك ملغيًا ... مقالة لهبي إذا الطير مرت
"ص":
ومفردًا أو جملة يأتي الخبر ... أو ظرفًا أو حرفًا وما به يجر2
__________
1 سعيد بن مسعدة المجاشعي أبو الحسن، كان الطريق إلى كتاب سيبويه توفي سنة 210 هـ وقد سبق التعريف به.
2 في ط "أو حرفًا به الاسما تجر".
101- من الطويل من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ ص 15، وشرح التسهيل 1/ 45 والسيوطي في همع الهوامع 1/ 94، ولم ينسبه المصنف ولا السيوطي ولا غيرهما ممن استدلوا بالبيت.
وبنو لهب: حي من الأزد يقال: إنهم أزجر الناس للطير.
واللهبي الذي عناه الشاعر هو الذي زجر حين وقعت حصاة في صلعة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في الحج فأدمته، فقال الرجل: أمير المؤمنين والله لا تحج بعدها. فكان كما قال.(1/333)
وخبرًا بمتدا1، أو بابتدا ... أو بهما ارفع، والمقدم اعضدا
وقال أهل الكوفة: الجزآن قد ... ترافعا، وذا ضعيف المستند
"ش": إفراد الخبر هو الأصل نحو: "زيد قائم". ويكون جملة، وظرفًا، وجارًا ومجرورًا. نحو: "زيد قام أبوه" و"عمر وغلامه منطلق"، و"خالد خلفك" و"السفر غدًا"، و"الحمد لله".
وقد تقدم تنبيه على أن المبتدأ مرفوع بالابتداء إذا قلت2:
المبتدا مرفوع معنى ... .....................
إذ ليس مع المبتدأ معنى إلا الابتداء. وأما الخبر: فرافعه المبتدأ -وحده- أو الابتداء وحده. أو المبتدأ والابتداء3 -معًا- هذه الثلاثة أقوال البصريين. والأول قول سيبويه، وهو الصحيح، والاستدلال4 على صحته وضعف ما سواه يفتقر إلى بسط، وهو أليق بشرح كتابي الكبير. فمن أحب الوقوف عليه فليسارع إليه5.
__________
1 ع "وخبرا المبتدا".
2 هـ "إذا قلت".
3 ع "أو الابتداء".
4 ع "الاستدلا".
5 قال المصنف -رحمه الله- في كتابه "شرح تسهيل الفوائد وتكميل =(1/334)
.........................................
__________
= المقاصد" 1/ 44 وما بعدها:
"مذهب سيبويه أن المبتدأ مرفوع بالابتداء، وأن الخبر مرفوع بالمبتدأ، صرح بذلك في مواضع كثيرة منها:
قوله: المبتدأ كل اسم ابتدئ به ليبنى عليه كلام.
ثم قال: فالمبتدأ الأول، والمبني عليه ما بعده، فهو مسند ومسند إليه.
ثم قال: واعلم أن المبتدأ لا بد أن يكون المبني عليه شيء هو هو، أو يكون في مكان أو زمان.
وهذه الثلاثة يذكر كل واحد منها بعد ما يبتدأ به.
فأما الذي بني عليه شيء هو هو، فإن المبني يرتفع به كما ارتفع هو بالابتداء وذلك قولك: "عبد الله منطلق".
ارتفع "بعد الله"؛ لأنه ذكر ليبني عليه "المنطلق".
وارتفع "المنطلق"؛ لأن المبني على المبتدأ بمنزلته" هذا نصه "ينظر كتاب سيبويه 1/ 278".
وقوله هو الصحيح لسلامته مما يرد على غيره من موانع الصحة.
فأشهر الأقوال المخالفة لقوله: أن الابتداء رافع المبتدأ والخبر معًا، وهذا لا يصح لأربعة أوجه:
أحدها: أن الأفعال أقوى العوامل، وليس فيها ما يعمل رفعين دون اتباع، فالمعنى إذا جعل عاملًا كان أضعف العوامل، وكان أحق إلا يعمل رفعين دون اتباع. الثاني: إن المعنى الذي ينسب إليه عمل ويمنع وجوده دخول عامل على مصحوبه كالتمني والتشبيه أقوى من الابتداء؛ لأنه لا يمنع وجوده دخول عامل على مصحوبه، والأقوى لا يعمل إلا في شيء واحد وهو الحال، فالابتداء الذي هو أضعف أحق بألا يعمل إلا في شيء واحد.
الثالث: أن الابتداء معنى قائم بالمتبدأ؛ لأن المبتدأ مشتق منه، والمشتق يتضمن معنى ما اشتق منه، وتقديم الخبر على المبتدأ ما =(1/335)
...................................................................
__________
= لم يعرض مانع جائز بإجماع من أصحابنا، فلو كان الابتداء عامل في الخبر لزم من جواز تقديمه على المبتدأ تقديم معمول العامل المعنوي الأضعف.
الرابع: أن رفع الخبر عمل وجد بعد معنى الشرط، والاسم الذي تضمنه فكما لا
ينسب الجزم لمعنى الشرط بل للاسم الذي تضمنه كذلك لا ينسب رفع الخبر للابتداء بل للمبتدأ.
وأمثل من قول من قال الابتداء رفع المبتدأ والخبر معًا قول أبي العباس: الابتداء رفع المبتدأ بنفسه ورفع الخبر بوساطة المبتدأ.
وهو أيضًا مردود؛ لأنه قول يقتضي كون العامل معنى متقويًا بلفظ.
والمعروف كون العامل لفظًا متقويًا بلفظ كتقوي الفعل بواو المصاحبة، أو كون العامل لفظًا متقويًا بمعنى كتقوي المضاف بمعنى اللام أو بمعنى "من".
فالقول بأن الابتداء عامل مقوى بالمبتدأ لا نظير له فوجب رده.
وقول من يقول: إنهما مرفوعان بالتجرد للإسناد مردود -أيضًا- بما رد به قول من قال: هما مرفوعان بالابتداء.
وفيه رداءة من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه جعل التجرد عاملًا، وإنما هو شرط في صحة عمل الابتداء، والابتداء هو العامل عند سيبويه وغيره من المحققين.
الثاني: أنه جعل تجردهما واحدًا، وليس كذلك فإن تجرد المبتدأ تجرد الإسناد إلى ما يسد مسد مسند إليه، وتجرد الخبر إنا هو ليسند إلى المبتدأ، فبين التجريدين بون، فكيف يتحدان؟؟
الثالث: أنه أطلق التجرد، ولم قيده فلزم من ذلك ألا يكون مبتدأ ولا خبرًا ما جر منهما بحرف نحو "ما فيها من أحد" و"هل أخو عيش لذيذ بدائم".
وأما كون المبتدأ والخبر مرفوعًا أحدهما بالآخر، فهو قول الكوفيين وهو مردود -أيضًا- إذ لو كان الخبر رافعًا للمبتدأ كما كان المبتدأ رافعًا للخبر لكان لكل منهما في التقدم رتبة أصلية؛ لأن أصل كل عامل أن يتقدم على معموله، فكان لا يمتنع "صاحبها في الدار" كما لا يمتنع "في داره زيد" وامتناع الأول وجواز الثاني دليل على أن التقدم لا أصلية فيه للخبر.(1/336)
"ص":
وقد يجر زائدًا "من" مبتدا ... منكرًا إن دون إيجاب بدا
وربما جرته باء زائده ... نحو "بحسب الأذكياء فائده"1
"ش": لما بينت2 أن المبتدأ مستحق للرفع، وكان لفظه قابلًا للجر بـ"من" والباء الزائدتين نبهت على ذلك في هذين البيتين.
فأما جره بـ"من" فمطرد لكن بشرط كونه نكرة بعد نفي، أو استفهام يشبهه3 نحو: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 4، و {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} 5؟.
وأما جره بالباء فنحو: "بحسب الذكي فائدة"، و"بحسبك حديث" هذا إذا كان المتأخر نكرة.
فلو كان معرفة فالأجود أن يكون مبتدأ، و"بحسبك" خبرًا
__________
1 س "الفائدة".
2 هـ "ثبت".
3 ع "شبهه".
4 من الآية رقم 59 من سورة الأعراف.
5 من الآية رقم 3 من سورة فاطر.(1/337)
مقدمًا1؛ لأن "حسبًا" من الأسماء التي لا تعرفها الإضافة"2.
"ص":
والخبر المفرد إن يجمد فلا ... ضمير فيه في الأصح فاقبلا
وفيه ذا3 اشتقاق انو مضمرا ... إن يخل من رفع لتال ظهرًا
وإن تلا غير الذي تعلقا ... به فأبرز الضمير -مطلقًا
في المذهب الكوفي شرط ذاك أن ... لا يؤمن اللبس، ورأيهم حسن
"ش": الخبر المفرد:
إما جامد، والمراد به -هنا: ما ليس صفة تتضمن معنى فعل وحروفه.
وإما مشتق، والمراد به -هنا: ما تضمن معنى فعل وحروفه من الصفات.
فإذا كان الجامد خبرًا فلا ضمير فيه؛ لأن تحمل الضمير
__________
1 هـ "خبر مقدم".
2 سقط ما بين القوسين من الأصل، وجاء في ع ك هـ.
3 ط "ذوا".(1/338)
فرع علي1. كون المحتمل صالحًا لرفع ظاهر على الفاعلية، وذلك مقصور على الفعل، أو ما هو في معناه، فلاحظ للجامد في ذلك. فخلافًا للكوفيين.
وإلى مذهبهم أشرت بقولي:
............................. ... ........ في الأصح...........
وإذا كان المشتق2 خبرًا استحق لقيامه مقام الفعل فاعلًا مستترًا، أو بارزًا من الأسماء الظاهرة، أو بارزًا من الضمائر المنفصلة. فالأول نحو: "زيد قائم". والثاني نحو: "زيد قائم/ أبوه". والثالث نحو: "زيد هند ضاربها" هو". فـ"زيد": مبتدأ. و"هند": مبتدأ ثان.
و"ضاربها". خبر "هند" في اللفظ وهو في المعنى لـ"زيد" وهو: فاعل بـ"ضاربها".
ولو قيل: "زيد هند ضاربها" -دون إبراز الضمير لم يجز عند البصريين.
وجاز عند الكوفيين في مثل هذا؛ لأن المعنى مفهوم. فلو خيف اللبس وجب الإبراز عند الجميع. ومثال ما يخاف فيه اللبس قولك: "زيد عمرو ضاربه". والهاء لـ"عمرو" والضارب
__________
1 ع "فرع عن".
2 هـ "وإذا كان المسبوق".(1/339)
"زيد" فإن ذلك لا يعرف إلا بإبراز ضمير الفاعل.
فإذا قصد كون "زيد" مضروبًا. و"عمرو": ضاربًا استتر ضمير الرفع.
ففرق الكوفيون بين ما يؤمن فيه اللبس، وبين ما لا يؤمن فيه.
ولم يفرق البصريون بينهما ليجري الباب على سنن واحد.
"ص":
وقد يساوي الجامد المشتق إن ... يكن كـ"خالد هزبر لايهن"
"ش" حق الخبر المفرد أن يكون مدلوله، ومدلول المبتدأ واحدًا بوجه ما كقولك -وأنت تشير إلى السبع المسمى أسدًا1:
"هذا أسد" فلا ضمير حينئذ2 في "أسد" لجموده وعدم تأوله3 بمشتق. فلو أشرت إلى رجل وقلت: "هذا أسد" لكان لك4 فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: تنزيله منزلة الأسد مبالغة دون التفات إلى تشبيه
كقول الشاعر:
__________
1 هـ "ابتداء" موضع "أسدًا".
2 ك وع "في أسد حينئذ".
3 ك "تأويله".
4 ك ع "ذلك".(1/340)
102-
لسان الفتى سبع عليه شذاته ... فإن لم يزع من غربه فهو آكله
والثاني: أن تقصد التشبيه فتقدر "مثلًا" مضافًا إليه.
ففي هذين الوجهين لا ضمير في "أسد".
والوجه الثالث: أن تؤول لفظ "أسد" بصفة وافية بمعنى الأسدية. وتجريه مجرى ما أولته به، فتحمله ضميرًا وترفع به ظاهرا إن جرى1 على غير ما هو2 له كقولك: "هذا أسد ابناه".
وهذا -أيضًا- سائغ في النعت والحال. فمن النعت قول العرب: "مررت بقاع عرفج كله"3.
"فـ"كله" توكيد للضمير المرتفع بـ"عرفج"؛ لأن "عرفجًا" ضمن معنى: خشن. ومثله: "مررت بقوم عرب أجمعون". فضمن "عربًا" معنى: فصحاء ورفع به ضميرًا.
__________
1 هـ "جر".
2 ك ع "من هوله".
3 القاع: أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال.
102- من الطويل، والشذاة: بقية القوة، أو المقصود بها الإيذاء من شذا: بمعنى: آذى، ويزع: يكف والغرب: كثرة الريق وبلله ومنقعه.
والمعنى: إذا لم يكف الإنسان لسانه من الخوض فيما لا يعنيه فسوف يقضي عليه.(1/341)
و1 "أجمعون" توكيد له"2.
ومن أمثلة الكتاب: "مررت3 "بزيد أسدًا شدة" -فنصب أسدًا على الحال،
ومثل ذلك قول الراجز:
103-
وصاحب لا خير في شبابه
104-
أصبح سوم العيش قد رمى به
105-
حوتًا إذا ما زادنا جئنا به
106-
وقملة إن نحن باطشنا به
ضمن "حوتًا" ملتقم، و"قملة" معنى: حقير فنصبهما حالين.
"ص"
وضمن الجملة ذكر مخبر ... عنه بها كـ"هند بعلها جري"4
__________
1 سقطت الواو من الأصل.
2 هـ سقط ما بين القوسين.
3 بداية سقط طويل من هـ ينتهي عند الحديث عن حذف الخبر والمبتدأ.
4 هكذا في صلب الأصل، وفي الهامش ذكر المصنف تصحيحًا لهذا البيت يتفق مع الموجود في باقي النسخ هو:
............................... ... عنه كـ"هند بعلها غير جرى"
103- 106- لم ينسب المصنف هذه الأبيات كما لم ينسبها صاحب اللسان عندما أوردها في مادة "حوت".
وقال المصنف في حاشية على الهامش "سوم": من السائمة".(1/342)
وربما خلت من الذكر الجمل ... إن فهم المعنى، ولم يخف خلل
كقولك "البر قفيز بكذا" ... بحذف1 "منه" فاعتبر كلا بذا
وحيث كان الذكر مفعولًا و"كل" ... أو شبهه مبتدأ فاحذف ودل2
بـ"أصبحت أم الخيار تدعي ... علي ذنبًا كله لم أصنع"
والزم لكوفيهم3 النصب لدى ... حذف إذا ما لم يعم المبتدا4
وجملة تكون نفس المبتدا ... تغني كـ"دعوى المهتدي5: زدني هدى"
"ش": الجملة المخبر بها إن كانت نفس المبتدأ في المعنى
__________
1 ط "يحذف".
2 صحح المصنف هذا البيت في الهامش كما يلي:
................................ ... مبتدأ فاحذف بإجماع ودل
3 ك وع "لكوفيهم".
4 صحح المصنف هذا البيت في الهامش كما يلي:
................................. ... حذف إذا لم يك "كل" متبدأ
5 ك "للمهتدي".(1/343)
فحكمها في الاستغناء عن ذكر يرجع إلى المبتدأ: حكم المفرد الجامد.
ولأجل ذلك لم يفتقر ضمير الشأن إلى ما يرجع إليه من الجملة المخبر عنه بها.
ومثل ضمير الشأن في الاستغناء عن عائد قوله تعالى:
{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1. ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم:
"أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله" 2.
فإن لم تكن الجملة نفس المبتدأ في المعنى وجب اشتمالها على ضمير يعود إلى المبتدأ، أو ما يقوم مقامه. فالضمير نحو: زيد قائم أبوه.
والقائم مقامه كقوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} 3.
وقد يحذف العائد إذا كان عند حذفه لا يجهل كقولك: "البر: القفيز بدرهمين".
__________
1 الآية رقم 10 من سورة يونس.
2 أخرجه مالك في الموطأ باب القرآن، 32، والحج 246.
3 من الآية رقم 26 من سورة "الأعراف".(1/344)
وكقوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور} 1.
التقدير -على أحد الوجوه2:
إن ذلك الصبر، والغفران منه لمن عزم الأمور.
فإن كان العائد مفعولًا، وكان المبتدأ "كلا3 جاز الحذف وبقاء المبتدأ مبتدأ بلا خلاف.
ومن ذلك قراءة ابن عامر4: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} 5.
ومثله قول أبي النجم6 أنشده سيبويه7:
__________
1 الآية رقم 43 من سورة الشورى.
2 وهو الوجه الذي يعتبر "من" بمعنى "الذي"، والعائد محذوف والتقدير: إن ذلك منه.
"تنظر هذه الوجوه في إملاء ما من به الرحمن 295، البحر المحيط 7/ 520".
3 ك وع "وكان المبتدأ كلا أو شبهة".
4 عبد الله بن عامر اليحصبي، يرجع في أصله إلى حمير وهو من التابعين، إمام أهل الشام في القراءة، وأحد القراء السبعة توفي سنة 118 هـ.
5 من الآية رقم "95" من سورة "النساء".
6 في الأصل "ومثله قول الراجز"، وفي الهامش حاشية "أبي النجم". وفي ك وع "قول أبي النجم".
7 ينظر كتاب سيبويه 1/ 44.(1/345)
107-
قد أصبحت أم الخيار تدعي
108-
علي ذنبًا كله لم أصنع
وكذا إذا كان المبتدأ شبيهًا بـ"كل" في العموم، أو الافتقار إلى متمم للمعنى نحو:
"امرؤ يدعو إلى خير أجيب، وآمر بخير ولو كان1 صبيًا أطيع".
وكذا المشبه "كلا" بالافتقار إلى متمم دون عموم كقول امرئ القيس:
109-
...................................... ... ... فثوب نسيت وثوب أجر
وكقول النمر "بن تولب:
110-
فيوم لنا ويوم علينا"2 ... ويوم نساء ويوم نسر
__________
1 ك وع سقط "كان".
2 سقط من الأصل ما بين القوسين.
107- 108- مطلع أرجوزة للفضل بن قدامة أبي النجم العجلي "الخزانة 1/ 173، أمالي ابن الشجري 1/ 8، 93، 326، شرح شواهد المغني للسيوطي 185".
وأم الخيار: كنية امرأته.
109- عجز بيت من المتقارب وصدره.
فلما دنوت تسديتها ... ..................................
والرواية في ديوان امرئ القيس 159: فثوبا لبست وثوبا أجر ورواية الأصل نسيت، وفي ك وع لبست. تسديتها: تخطيتها وعلوتها.
110- من المتقارب قاله النمر بن تولب الصحابي ورواية الديوان ص 57.
فيوم علينا ويوم لنا ... ................................(1/346)
فإن كان المبتدأ غير "كل"1 والعائد مفعول لم يجز عند الكوفيين حذفه وبقاء المبتدأ، بل يوجبون نصبه بمقتضى المفعولية إلا في ضرورة شعر.
وخالفهم البصريون بإجازة رفع غير "كل"2 في الاختيار3.
ومن حجتهم4 في إجازة ذلك قراءة بعض السلف5:
"أَفَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ"6 -بالرفع-7 وقول الشاعر -أنشده أبو بكر بن الأنباري:
__________
1 هكذا في صلب نسخة الأصل، وورد في هامشها قول المصنف "فإن خلا المبتدأ من ذلك" وهي عبارة ك وع.
2 ك وع "رفع غير ذلك"، وهذا جاء على هامش الأصل.
3 ك وع زادتا "في الاختيار على ضعف".
4 ع "ومن ذلك حجتهم".
5 قرأ "أفحكم" -برفع الميم- يحيى، وإبراهيم، والسلمي "مختصر بن خالويه ص 32، والمحتسب لابن جني 1/ 210.
6 من الآية رقم 50 من سورة المائدة.
7 قال ابن جني في المحتسب 1/ معقبًا على قراءة الرفع:
قال ابن مجاهد: وهو خطأ..
قال أبو الفتح:
"قول ابن مجاهد إنه خطأ فيه سرف، لكنه وجه غيره أقوى منه وهو جائز في الشعر قال أبو النجم:
قد أصبحت أم الخيار تدعي ... علي ذنبًا كله لم أصنع
أي: لم أصنعه فحذف الهاء.
نعم: لو كان نصب فقال: "كله" لم ينكسر الوزن، فهذا يؤنسك بأنه ليس للضرورة. بل؛ لأن له وجهًا من القياس، وهو تشبيه عائد الخبر بعائد الحال أو الصفة، وهو إلى الحال أقرب؛ لأنها ضرب من الخبر فغير بعيد أن يكون قوله: "أفحكم الجاهلية يبغون" يراد به يبغونه، ثم يحذف الضمير، وهذا وإن كانت فيه صنعة فإنه ليس بخطأ".(1/347)
111-
وخالد يحمد أصحابه ... بالحق لا يحمد بالباطل
فرفع "خالدًا" مع تفريغ الفعل بعده دون ضرورة.
"ص":
وبـ"استقر" بل بـ"مستقر" ... يعلق الظرف وحرف الجر
إذا بشيء منهما أخبر عن ... مبتدأ كـ"عنده أولي شجن"
واشترطوا إفادة في كل ما ... يعني به الإخبار من تكلما
لذاك ظرف زمن لا يسند ... لعين إلا نادرًا، وأنشدوا
أكل عام نعم تحوونه ... يلقحه قوم وتنتجونه
__________
111- من السريع ينسب للأسود بن يعفر، وليس في ديوانه.
ورواية ك وع "يحمد ساداتنا" ورواية ع "بالحق يحمد لا بالباطل".(1/348)
"ش": إذا كان خبر المبتدأ ظرفًا، أو جارًا أو مجرورًا فلا بد من مقدر يتعلق به، وذلك المقدر إما اسم فاعل، أو فعل.
وكونه اسم فاعل أولى لوجهين:
أحدهما: أن تقدير اسم الفاعل لا يحوج إلى تقدير آخر؛ لأنه واف بما يحتاج إليه في المحل من تقدير خبر مرفوع.
وتقدير الفعل يحوج إلى تقدير اسم الفاعل، إذ لا بد من الحكم بالرفع على محل الفعل إذا ظهر في موضع الخبر.
والرفع المحكوم به لا يظهر إلا في اسم الفاعل.
الثاني: أن كل موضع كان فيه الظرف خبرًا، وقدر تعلقه بفعل أمكن تعلقه باسم فاعل.
وبعد "إما" و"إذا" المفاجأة يتعين التعلق باسم فاعل نحو:
"أما عندك1 فزيد". و"خرجت فإذا في الباب زيد".
لأن "أما" و"إذا" المفاجأة لا يليهما فعل،2 لا ظاهر، ولا مقدر.
وإذا تعين تقدير اسم الفاعل3 في بعض المواضع، ولم
__________
1 ك وع "عندكم".
2 ك وع سقطت "لا".
3 ع سقط "الفاعل".(1/349)
يتعين تقدير الفعل في بعض المواضع وجب رد المحتمل إلى ما لا احتمال فيه، ليجري الباب على سنن واحد.
وهذا الرأي الذي ذلك على أولويته هو مذهب سيبويه1. والآخر: مذهب الأخفش.
ولرجحان تقدير اسم الفاعل قلت:
وبـ"استقر" بل بـ"مستقر" ... ............................
فجئت بـ"بل" لدلالتها على الإضراب؛ لأن غير المضرب عنه راجح.
وأشرت بقولي:
"واشترطوا إفادة في كل ما ... يعني به الإخبار من تكلما"
إلى أن مثل قولك: "النار حارة" لا يعد كلامًا، لعدم
__________
1 قال سيبويه في الكتاب 1/ 27:
"وتقول: "ما كان فيها أحد خير منك" و"ما كان أحد مثلك فيها" و"ليس أحد فيها خير منك" إذا جعلت "فيها": "مستقرًا"، ولم تجعله على قولك "فيها زيد قائم" أجريت الصفة على الاسم".
وقال 1/ 285:
"واعلم أن التقديم والتأخير، والعناية والاهتمام هنا مثله في باب "كان"، ومثل ذلك قولك "إن أسدًا في الطريق وأيضًا" و"إن بالطريق أسد رابض" وإن شئت جعلت "بالطريق": "مستقرًا" ثم وصفته بالرابض.
فهذا يجري هنا مجرى ما ذكرته من النكرة في باب "كان".(1/350)
الفائدة وكذا: "السماء فوق الأرضِ" وأشباه ذلك.
وفي قولي -أيضًا- إشعار بأن نحو: "رجل قائم" لا يكون كلامًا، إذ لا يجهل أن في الدنيا رجلًا قائمًا.
فلو خصص تخصيصًا تحصل1 به الفائدة كان كلامًا.
ثم قلت:
لذلك........................... ... ................................
أي: لاشتراط حصول الفائدة بالخبر لم يسند ظرف زمان لعين، إذ لا فائدة في قولك: "زيد غدًا".
فلو عنيت مضافًا محذوفًا وفي الكلام دليل عله أفاد، وكان كلامًا.
مثل أن يقدم من سفر قوم كان معهم "زيد" فيقول بعضهم: "زيد غدًا".
وإلى مثل هذا أشرت بقولي:
.......................... ... ....................... إلا نادرًا ...
ومثل هذا قول العرب: "اليوم خمر، وغدًا أمر" و"الليلة الهلال".
أي: اليوم شرب خمر، وغدًا حدوث أمر2.
__________
1 في الأصل "يحصل".
2 سقط من الأصل "وغدًا حدوث أمر".(1/351)
والليلة طلوع الهلال.
وكذا قول الراجز:
112-
أكل عام نعم تحوونه
113-
يلقحه قوم وتنتجونه
أي: أكل عام إحراز نعم.
"ص":
وحذف ما يعرف حين يحذف ... من جزأي الإسناد حكم يعرف1
وقد يحلان محل مفرد ... فيحذفان لدليل مرشد2
__________
1 نهاية سقط هـ أشير إليه من قبل.
2 هكذا في الأصل، وفي باقي النسخ:
.............................. ... فيحذفان لوضوح المقصد
110- 113- ينسب هذا الرجز إلى قيس بن حصين بن يزيد الحارثي كما في كتاب سيبويه 1/ 65، وله قصة ذكرها صاحب الخزانة 1/ 196.
النعم: اسم مفرد بمعنى الجمع.
قال الراغب: النعم مختص بالإبل.
ألقح الفحل الناقة: إذا أحبلها، واللقاح: ماء الفحل.
تنتجونه: يقال: نتج الناقة أهلها: استولدوها.
والمعنى: يحمل الناس الفحولة على النوق، فإذا حملت أغرتم عليها، فأخذتموها وهي حوامل فتلد عندكم.(1/352)
وبعد "لولا" التزموا حذف الخبر ... وفي صريح قسم ذاك اشتهر1
وبعد واو عينت مفهوم مع ... كمثل "كل صانع وما صنع"
كذاك قبل الحال حيث المبتدا ... مصدر أو أفعل تفضيل بدا2
كـ"حبي المال معانًا محسنًا" ... فاعلم و"أشفى ما أقول معلنا"
"ش": المراد بجزأي الإسناد: المبتدأ والخبر.
فأيهما دل عليه دليل قائم مقام ذكره: جاز حذفه.
فحذف المبتدأ: وبقاء الخبر كقولك: "صحيح" لمن قال: "كيف زيد"؟
وحذف الخبر، وبقاء المبتدأ كقولك، "زيد" لمن قال: "من عندك"؟
وتقدير الأول: زيد صحيح.
__________
1 هكذا في الأصل، وجاء هذا البيت في باقي النسخ وفي حاشية الأصل كما يلي:
وبعد "لولا" -غالبًا- حذف الخبر
أوجب وبعد مقسم به اشتهر
2 هكذا في الأصل وهـ أما في باقي النسخ، فجاء البيت كما يلي:
................................... ... مصدر أو ما فيه معناه بدا(1/353)
وتقدير الثاني: زيد عندي.
وقد يحذفان معًا إذا حلا محل مفرد كقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} 1.
التقدير2: واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر.
فحذفت3 الجملة: لأنها حلت محل مفرد مع دلالة الجملة التي قبلها عليها.
واعلم أن الحذف منه جائز، وهو الذي تقدم التنبيه عليه.
ومنه واجب، وينال4 الخبر والمبتدأ:
فنيله الخبر في أربعة مواضع:
الأول5: بعد "لولا" الامتناعية إن كان الإخبار بكون غير مقيد نحو: "لولا زيد لأكرمتك"6.
وإن كان بكون مقيد ولم يشعر به المبتدأ، ولا الجواب لم يجز الحذف كقول الزبير:
__________
1 من الآية 4 من سورة الطلاق.
2 ع ك "تقديره".
3 ع "فحذف".
4 ع ك "ويناله".
5 سقط من الأصل "الأول".
6 ع وك "نحو لولا زيد لفعلت".(1/354)
114-
فلولا بنوها حولها لخبطتها ... ..............................
وكقول النبي -صلى الله عليه وسلم:
"لولا قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم" 1.
فإن كان الإخبار بكون مقيد، وكان المبتدأ2، الجواب مشعرًا به جاز الثبات3 والحذف4 كقول المعري في صفة سيف:
__________
1 أخرجه البخاري في العلم 48، والحج 42 ومسلم في الحج 398، 399 والنسائي في المناسك 125، 128 وابن ماجه في المناسك 31، والموطأ في الحج 104 وأحمد 4/ 57، 102 ...
2 في الأصل "والجواب".
3 ك وع "الإثبات".
4 جاء على هامش الأصل:
"قال الرماني في شرح الأصول:
تقول: "لولا زيد لكان كذا وكذا" فالخبر محذوف، كأنك قلت: لولا زيد بالمكان الذي هو به لكان كذا وكذا، ولكنك حذفته لكثرة الاستعمال في هذا المعنى على هذه الصيغة. إذ كان لا يخلو أن يكون في مكان من الأمكنة.
ولو أردت مكانًا خاصًا بعينه لم يجز حذفه كقولك: "لولا عبد الله في الدار لكان كذا وكذا" فمثل هذا لا يحذف؛ لأنه لا يعرف" هذه عبارته.
114- هذا صدر بيت من الطويل وعجزه
.............................. ... كخبطة عصفور ولم أتلعثم
وكان الزبير رضي الله عنه -يهم بضرب زوجته أسماء، ويمنعه أبناؤه "العيني 1/ 571" وفي جميع النسخ والأصل "لخطبتها"، وهذا لا يتفق والمعنى المراد من بقية البيت.(1/355)
115-
.............................. ... فلولا الغمد يمسكه لسالا
والثاني: في القسم إذا كان المقسم به مشهور القسمية نحو: "لعمرك لأفعلن".
والثالث: بعد الواو التي بمعنى "مع"1 نحو: "كل رجل وضيعته" و"كل صانع وما صنع".
"وفي تقييد القسم بكونه صريحًا2، والواو بكونها معينة لمفهوم "مع" إشعار بأن الحذف لا يلتزم في قسم غير صريح.
ولا بعد واو لا تعين مفهوم "مع".
فمثال قسم غير صريح: "عهد الله لأفعلن".
فحذف الخبر في هذا ومثله غير لازم بل جائز.
وكذا إذا لم تعين الواو مفهوم "مع" نحو: "زيد وعمرو كالأخوين"3.
الرابع: إذا كان المبتدأ مصدرًا أو أفعل تفضيل مضافًا.
__________
1 زادت ك وع "بمعنى مع صريحًا".
2 يشير إلى قوله في النظم "وفي صريح قسم".
3 ك وع سقط ما بين القوسين.
115- هذا عجز بيت من الوافر في "سقط الزند" ص 54 وصدره:
يذيب الرعب منه كل عضب ... ...........................(1/356)
إليه1، "وبعده حال لا يصلح أن يخبر بها عن المبتدأ"2 نحو: "حبي المال محسنًا" و"أشفى قولي معلنًا".
فتقدير الأول: لولا زيد مانع لأكرمتك3.
وتقدير الثاني: لعمرك قسمي لأفعلن.
وتقدير الثالث: كل رجل وضيعته مقترنان أو معلومان.
وتقدير الرابع: حبي المال إذا كنت محسنًا، وأشفي قولي إذا كنت4 معلنًا.
فالتزم حذف هذه الأخبار للعلم بها، ولسد هذه الأشياء مسدها. ويتناول قولي:
............................. ... .......... ما فيه5 معنا
أفعل التفضيل نحو: "أشفى ما أقول.
__________
1 ك وع سقط قوله "أو أفعل تفضيل مضافًا ِإليه"، وجاء موضعه "أو ما فيه معنى المصدر".
2 سقط ما بين القوسين من صلب النسخة، وجاء في الهامش موافقًا لنسخة ك وع.
3 ك وع "لولا زيد كائن كونًا ما لفعلت" موضع "لولا زيد مانع لأكرمتك".
4 ك وع "كان معلنًا".
5 هكذا في النظم -وقد جاء في الأصل وفي ك وع "ما في معناه". وقد سبق التنبيه على أن هذه عبارة ع، ك وهي تغاير ما جاء في الأصل.(1/357)
وغير أفعل التفضيل نحو: "كل شربي السويق ملتوتًا" و"معظم إتياني المسجد متعلمًا".
فمثل هذه الأمثلة يجب فيها حذف الخبر لسد الحال مسده، ولعدم صلاحيتها، لأن تكون خبرًا.
فلو صلحت لأن تكون خبرًا لم تجعل حالًا إلا على شذوذ كقول الراجز:
116-
ما للجمال مشيها وئيدًا
وكقول بعض العرب: "حكمك مسمطًا"1.
يريد: حكمك لك مثبتًا.
فالأجود2 في مثل هذا أن يذكر العامل3، أو يجاء
__________
1 ينظر تهذيب اللغة مادة "سمط"، وسيورد المصنف هذا المثل أيضًا في باب "ما ولا وإن" المشبهات بليس.
2 ك ع "والأجود".
3 ع "العائد".
116- هذا رجز ينسب للزباء بنت عمر بن الضرب ملك الجزيرة "العيني 2/ 448 أمالي الزجاجي 107، الأساس 49 معاني القرآن للفراء 1/ 28، الأغاني 15/ 320 الخزانة 3/ 272 اللسان 4/ 456، 11/ 95، 12/ 13، شرح التسهيل للمصنف 1/ 82 وشرح عمدة الحافظ 20، ونسبه المبرد في الكامل 2/ 83 إلى قصير صاحب جذيمة -ولهذا الشاهد قصة تروى ورواية ك وع وهامش الأصل "سيرها" موضع "مشيها".(1/358)
بالمنصوب مرفوعًا1. بمقتضى الخبرية2.
__________
1 ع "مربوعًا".
2 ما جاء في شرح في هذا الفصل هو نص ما جاء في الأصل وفي ك وع -وقد انفردت هـ بشرح موجز نورده فيما يلي:
المراد بجزأي الإسناد: المبتدأ والخبر فأيهما دل عليه دليل قائم مقام ذكره جاز حذفه فحذف المبتدأ وبقاء الخبر كقولك: صحيح -لمن قال: كيف زيد؟
وحذف الخبر وبقاء المبتدأ كقولك: زيد -لمن قال: من عندك؟
وتقدير الأول: زيد صحيح، وتقدير الثاني: زيد عندي.
وقد يحذفان معًا إذا حلا محل مفرد كقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} .
التقدير: واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر. فحذف الجملة؛ لأنها حلت محل مفرد ودل ما قبلها عليها، وأعلم أن الحذف منه جائز وهو الذي تقدم التنبيه عليه، ومنه واجب وينال الخبر والمبتدأ فنيله الخبر في أربعة مواضع: الأول بعد "لولا" الامتناعية نحو "لولا زيد لأكرمتك" وفي القسم نحو "لعمرك لأفعلن"، وبعد الواو التي بمعنى "مع" نحو "كل رجل وضيعته" و"كل صانع وما صنع". وفي تقييد القسم بكونه صريحًا والواو بكونها للمعية إشعار بأن الحذف لا يلتزم في قسم غير صريح، ولا بعد واو لا تعين مفهوم "مع" -فمثال قسم غير صريح "عمر الله لأفعلن" فحذف الخبر في هذا، ومثله غير لازم بل جائز، وكذا إذا لم تعين الواو مفهوم "مع" نحو "زيد وعمرو كالأخوين"، وإذا كان المبتدأ مصدرًا أو أفعل تفصيل مضافًا إليه نحو "حبي المال محسنًا" و"أشفى قولي معلنًا". وتقدير الأول: لولا زيد مانع لأكرمتك وتقدير الثاني: لعمرك قسمي لأفعلن، وتقدير الثالث: كل رجل وضيعته مقترنان أو معلومان، وتقدير الرابع: حبي المال إذا =(1/359)
"ص": والتزموا في القطع حذف المبتدا
كـ"عذ1 به الله كذا ما وردا"
من مصدر مرتفع، وهو بدل
من فعله، وغير نصب فيه قل
مثال ذاك قول بعض من خلا
"صبر جميل فكلانا مبتلى".
وملحق "في ذمتي لأفعلن"
بذا حكاه الفارسي ذو علن
وإن يكن مخصوص "نعم" خبرا
فهو لما إظهاره قد حظرا2
"ص": لما بينت المواضع التي يحذف فيها الخبر وجوبًا، وكان للمبتدأ من وجوب الحذف نصيب، شعرت في بيان ذلك ومواضعه -أيضًا- أربعة:
أحدها: النعت المقطوع عن موافقة المنعوت في إعرابه،
__________
1 في ع "عد" -بالدال المهلمة.
2 هكذا في صلب الأصل، وفي الهامش رواية للبيت تتفق وما جاء في باقي النسخ، هي
فهو لمضمر أبوا أن يظهرا(1/360)
لكونه لا يحتمل غير المراد نحو: "الحمد لله الصمد".
فمثل هذا يجوز قطعه بالنصب، والرفع.
فإذا نصب فبـ"أمدح" -ملتزم الإضمار، ليكون ذلك أدل على الإنشاء كما فعل بناصب المنادي.
وإذا رفع فهو خبر مبتدأ ملتزم الإضمار، أيضًا.
وكذا المصدر المجعول بدلًا من اللفظ بفعله إذا نصب، وهو الأكثر1.
التزم إضمار ناصبه، لئلا يجمع بين البدل، والمبدل منه.
فإذا رفع وجعل خبر مبتدأ2 امتنع إظهار ذلك المبتدأ، كما امتنع إظهار الناصب في حال النصب.
ومن رفع المصدر قول الراجز:
117-
شكا إلي جملي طول السرى
118-
صبر جميل فكلانا مبتلى
__________
1 هـ "وهو الأكبر".
2 هـ "خبرا لمتبدأ".
117- 118- استشهد بهذا الرجز كثير من العلماء، ولم ينسبه أحد إلى قائله. وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 47، وسيبويه 1/ 162، وأمالي المرتضى 1/ 107، وسر الصناعة 463 وشرح سقط الزند 620.
قال الأعلم الشنتمري:(1/361)
أي: أمرنا صبر جميل.
قال سيبويه1:
"ومن العرب من يقول: سمع وطاعة، فيرفع، أي: أمري سمع وطاعة".
وقال أبو علي في قول العرب: "في ذمتي لأفعلن": "إنه من حذف المبتدأ وجوبًا".
ومن المحذوف المبتدأ وجوبًا عند أكثرهم المخصوص بالمدح والذم بعد "نعم" و"بئس" إذا لم يجعل مبتدأ.
"ص"
ولا تجز تنكير الاسم المبتدأ2 ... إلا إذا نيل استفادة بدا
كحال مختص بعطف، أو عمل ... أو صفة كـ"رجل عدل وصل"
ومثل إخبار بمختص سبق ... من ظرف3 أو شبيهه كـ4 "بي رمق"
__________
1 ينظر كتاب سيبويه 1/ 175.
2 ع "مبتدأ".
3 ع "من طرف أو سبيهه".
4 هـ "كي رمق".(1/362)
وكاقتفا استفهام او نفي كـ"هل ... عذر لكم فما1 اعتداء2 محتمل"
"ش": حصول الفائدة شرط في الابتداء بالمعرفة "والنكرة. لكن حصولها في الابتداء بالمعرفة"3 أكثر من عدمها، والابتداء بالنكرة بالعكس، فلذلك احتيج إلى ذكر شروط تصحح4 الابتداء بالنكرة.
فمنها: أن يتقدمها استفهام أو نفي نحو:
"أرجل في الدار"؟ و"ما أحد خير منك".
و"هل عذر لكم فما اعتداء محتمل".
ومنها: أن يختص بوصف نحو: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} 5.
أو بعمل6 بإضافة أو شبهها نحو: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} 7، 8 "أمر بمعروف صدقة"9، و"غضب في الله خير من وجل".
__________
1 هـ "فمما".
2 ط "اعتذار".
3 هـ سقط ما بين القوسين.
4 هـ "يصحح".
5 من الآية رقم 231 من سورة البقرة.
6 هـ "يعمل" ع "تعمل".
7 من الآية رقم 185 من سورة آل عمران.
8 في الأصل وهـ "أو أمر".
9 أخرجه مسلم في باب الزكاة 53، 54 وأبو داود في الأدب 160، والتطوع 12 والترمذي في البر 36، وأحمد 5/ 167، 168، 178.(1/363)
وبعطف نحو: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوف} 1- على جعل "طاعة" مبتدأ.
أو بتقدم خبرها وهو ظرف2 مختص، أو جار ومجرور3 مختص نحو: "أفلح من عنده مال وله بر"4.
ولا بد من كون الظرف مختصًا، وكذا المجرور.
فلو عدم الاختصاص عدمت الفائدة نحو: "عند رجل مال"، و"لإنسان بر".
"ص":
وقد يفيد5 المبتدا منكرا ... مجردًا من كل ما قد ذكرا
نحو: "امرؤ أنفع لي من امرأه" ... و"سيف اوقى للفتى من منسأه"
"ش": من الابتداء بنكرة خالية من القيود التي مضى ذكرها6
__________
1 من الآية رقم "21" من سورة "محمد".
2 هـ "طريق".
3 زادت هـ وع ك "أو جار ومجرور مختص" وسقط "مختص" من الأصل.
4 هـ "وله ولد".
5 هـ "تفيد".
6 هـ "التي ذكرت".(1/364)
قول العرب: "خبأة خير من يفعة1 سوء".
أي: بنت مخبأة خير من شاب يضر ولا ينفع.
ومن ذلك قول ابن عباس -رضي الله عنهما2، "تمرة خير من جرادة".
والاعتبار في ذلك3 وما أشبهه: الإفادة، فإن عدمت ثبت المنع، وإن وجدت فلا منع4.
"ص":
والأصل في الكلام تأخير الخبر ... وجائز تقديمه، إذ لا ضرر
والتزم الأصل إذا لبس حذر ... كـ"عمرو الجاني" و5"عامر عذر"
ولا التزام إن أزيل اللبس ... كـ"الليث زيد" و"أجادوا الحمس"6
__________
1 هـ وع "نفعة" أمثال الميداني 1/ 242 الخبأة: المرأة تطلع ثم تختبئ.
2 هـ سقط "رضي الله عنهما"، وفي الأصل "عنه" موضع "عنهما" "الموطأ 236 حج".
3 زادت ع وك "في ذلك كله".
4 هـ سقط "فلا منع".
5 هـ سقطت الواو.
6 في الأصل وفي هـ وع "الحمس" بالحاء المهملة وفي طـ وس وش "الخمس" بالخاء المعجمة والحمس -بالحاء المهملة- هو لقب قريش، وكنانة، وجديلة، ومن تابعهم في الجاهلية.(1/365)
ولازم تقديم مفرد وجب ... تصديره بنفسه، أو بسبب
نحو: "متى السير" و"أين خالد" ... و"ما لزيد" و"فتى من وافد"
وأخرن خبرًا بالفا قرن ... حتمًا، وما لما بلام مقترن
"ش": أصل الخبر التأخير لشبهه بالصفة من حيث هو موافق في الإعراب لما هو له1، دال على حقيقته، أو على شيء من سببه.
إلا أنه لم يبلغ درجة الصفة في وجوب التأخير، بل أجيز تقدمه2 إن لم يعرض مانع.
كخوف التباسه بالمبتدأ عند تساويهما في التعريف، أو التنكير كـ"زيد صديقك"، و"خير منك خير من زيد".
وكخوف التباس المبتدأ بالفاعل لو قدم خبره وهو فعل، وفاعل مستتر نحو: "زيد قام".
فإن أمن التباس3 الخبر بالمتبدأ عند تساويهما لم يمتنع تقديم الخبر كقولك في "زيد الليث شدة": "الليث شدة زيد".
__________
1 ك وع سقط "له".
2 ك وع "تقديمه".
3 ع "اللبس".(1/366)
فجاز تقديم "الليث"؛ لأن خبريته لا تجهل.
ونظير ذلك قول الشاعر:
119-
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد
أي: بنو أبنائنا بمنزلة أبنائنا.
وكذلك لا يمتنع تقديم الخبر إذا كان فعلًا، وفاعلًا بارزًا نحو: "أجادوا الحمس"1.
فـ"الحمس"2: مبتدأ. و"أجادوا" خبر مقدم.
وعلى هذا حمل في أحد الوجوه3 قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} 4.
__________
1 ك ع "الحمس" -بالحاء المهملة.
2 ك ع "الحمس" -بالحاء المهملة- وفي الأصل "الجمس" بالجيم.
3 ك وع "حملت في بعض الوجوه".
4 من الآية رقم 2 من سورة الأنبياء.
ومن الوجوه الأخرى في إعراب هذه الآية أن يكون "الذين ظلموا" بدلًا من واو "وأسروا" أو هو مبتدأ و"أسروا النجوى" خبره قدم عليه اهتمامًا به.
"بنظر تفسير أبي السعود -طباعة الجمعية العلمية- مصر 1347-1928" جـ 3 ص 503.
119- من الطويل قائله الفرزدق "الديوان ص 217"، وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 49 قال المصنف: وسهل في البيت العكس وضوح المعنى، والعلم بأن الأعلى لا يشبه بالأدنى.(1/367)
وإذا تضمن المبتدأ "أو الخبر معنى استفهام، أو كان مضافًا إلى ما تضمن ذلك وجب تقديمه وذلك نحو: "ما لزيد"؟ و"فتى من وافد".
فـ"ما": استفهامية وموضعها رفع بالابتداء، وتقديم هذا المبتدأ"1 واجب لتضمنه معنى الاستفهام، والاستفهام له صدر الكلام. وهذا مما وجب تصديره بنفسه.
و"فتى من": مبتدأ -أيضًا- واجب التقديم، لإضافته2 إلى "مَنْ" الاستفهامية، وهذا مما وجب تصديره بسبب.
وخبره: "وافد".
ولو كان الخبر متضمنًا لاستفهام وهو مفرد وجب تقديمه نحو "متى السير"؟ و"أين خالد"؟
ولو تضمنه وهو جملة جاز تأخيره نحو: "زيد أين هو"؟ "عمرو كيف حاله"؟
ويجب3 تأخير الخبر المقرون بالفاء، والمخبر به عن4 مقرون بلام الابتداء.
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 هـ "لإضافة".
3 هـ "وجب تأخيره".
4 هـ زادت "والمخبر به عن مبتدأ مقرون".(1/368)
فالأول نحو: "الذي يأتي فله درهم".
والثاني نحو: "لزيد قائم".
فلو قدم "فله درهم" على "الذي يأتي" لم يجز.
ولو قدم "قائم" على "لزيد" لم يجز.
لأن الفاء تابعة لا متبوعة.
ولام1 الابتداء مصدرة أبدًا، ولذا يجب تعليق2 أفعال القلوب قبلها نحو: "علمت لزيد قائم".
"ص":
وكل جزء حصرته إنما ... أو لفظ "إلا"3 منع التقدما
وإن يعد لخبر ضمير ... من مبتدًا يوجب له التأخير
كـ"عند هند في الخبار بعلها ... وفي النفوس مستسرًا4 فضلها
كذا إذا ما كان "أن" المبتدا ... وخيرن بعد "أما" أبدا5
__________
1 ع "ولا".
2 هـ "التعليق".
3 هـ "اللا".
4 س "مستقرأ".
5 ورد هذا البيت بروايتين: الرواية التي هنا وهي رواية الأصل وس، =(1/369)
"ش" كل جزء يتناول: المبتدأ، والخبر، والفاعل، والمفعول1، وغير ذلك.
فإذا قصد شيء، من ذلك بحصر وجب تأخيره، سواء2 كان الحصر بـ"إلا" أو بـ"إنما"3.
فالحصر بـ"إلا" نحو: "ما زيد إلا كاتب" و"ما زيد إلا في الدار".
والحصر بـ"إنما" نحو: "إنما زيد كانت" و"إنما في الدار زيد".
وقولي4:
وإن يعد5 لخبر ضمير ... ........................
أي: إذا كان مبتدأ معه ضمير يعود على شيء مما هو مع الخبر6 وجب7 تقديم8 الخبر نحو: "عند هند بعلها" و"في النفوس مستسرًا فضلها".
__________
= وش، وط وهـ والرواية الثانية وهي رواية ك وع -وهي رواية هامش الأصل أيضًا:
................................ ... وبعد "أما" خيرن أبدا
1 هـ "المفعل".
2 هـ "وسواء".
3 هـ "باما".
4 هكذا في ك وسقط "وقولي" من باقي النسخ.
5 هـ "فإن بعد".
6 هـ "مع الحصر".
7 هـ "ويجب".
8 هـ "التقديم".(1/370)
ومنه قول الشاعر:
120-
أهابك إجلالًا وما بك قدرة ... علي ولكن ملء عين حبيبها
"ومن قول النبي -صلى الله عليه وسلم1:
"من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" 2.
"وقولي"3:
كذا إذا ما كان "أنَّ" المبتدأ4 ... .........................
أي: إذا كان "أن" وصلتها في موضع رفع بالابتداء، وجب تقديم الخبر نحو: قوله تعالى5: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} 6.
__________
1 أخرجه الترمذي في باب الزهد 11، وابن ماجه باب الفتن 12، والموطأ حسن الخلق 3، وأحمد 1/ 201.
2 سقط من الأصل ما بين القوسين، وتقدم الحديث عن البيت في هـ.
3 سقطت هذه الكلمة من جميع النسخ. والمقام يتطلبها.
4 ك وع سقط قوله "كذا إذا ما كان أن المبتدأ".
5 ك ع "كقوله تعالى" وسقط "قوله تعالى" من الأصل ومن هـ.
6 من الآية رقم 41 من سورة يس.
120- من الطويل نسب إلى غير واحد من الشعراء، وهو في ديوان مجنون ليلى ص 71، وفي ديوان نصيب بن رباح ص 68 ورجع البكري في سمط اللآلئ 401، والعيني 1/ 537 نسبته لنصيب. والمصنف لم ينسبه هنا كما لم ينسبه في شرح عمدة الحافظ ص 19 ولا في شرح التسهيل 1/ 49.(1/371)
التقدير: حملنا ذريتهم آية.
فلو ابتدئ1 بـ"أن" بعد "أما" جاز تقديم الخبر وتأخيره.
نحو: "أما في علمي فأنك2 صادق" و"أما أنك صادق3 ففي علمي" -والله أعلم4.
"ص":
وفي كلامهم تعدد الخبر ... -مطلقًا- أو لفظًا كقول من غبر5
"من كان ذا بت فهذا بتي ... مقيظ، مصيف، مشتي"
"ش": تعدد الخبر على ضربين:
أحدهما: تعدد في اللفظ، والمعنى نحو: "زيد كاتب حاسب"، ونحو قوله تعالى6: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 7.
__________
1 ك ع "ابتدأ".
2 هـ "كأنك".
3 سقط من الأصل ومن ع "وأما أنك صادق".
4 سقط من الأصل ومن هـ "الله أعلم".
5 سقط من هـ "من غبر" وذكر الناسخ البيتين على هيئة لا تدل على النظم فأدرجهما ضمن الشرح.
6 هكذا في ك وع وسقط "قوله تعالى" من الأصل ومن هـ.
7 الآيات رقم "15، 16، 17" من سورو "البروج".(1/372)
وكقول الراجز:
121-
.................. فهذا بتي
122-
مقيظ مصيف مشتي
أنشده سيبويه1
والثاني: تعدد2 في اللفظ دون المعنى كقولك: "هذا حلو حامض"، بمعنى: مز.
__________
1 ينظر كتاب سيبويه 1/ 358 قال سيبويه:
"سمعنا ممن يروي هذا الشعر: من العرب من يرفعه".
2 ك ع سقط "تعدد".(1/373)
فصل في دخول الفاء على خبر المبتدأ:
"ص"
والفًا أجز في خبر اسم شبه ما ... ضمن معنى الشرط كـ"الذي" و"ما"
إذا بفعل، أو بظرف1 وصلا ... وعمما، واقتضيا مستقبلا
__________
1 ك ع "بظرف أو بفعل".
121- 122- ينسب هذا الرجز إلى رؤبة بن العجاج وهو في زيادات الديوان ص 189 ورواية الديوان هي رواية سيبويه.
من يك.......................
والبت: ضرب من الطيالسة غليظ.
مقيظ مصيف مشتى: أي يكفي طول العام زمن القيظ والصيف والشتاء.(1/373)
كذا منكر يضاهي ما ذكر ... وفي مضاف لهما ذاك اعتبر
إن عم، والموصوف بالموصول في ... ذا الحكم مثله لمعنى ما خفي1
"ش" حق خبر المبتدأ ألا يدخل عليه فاء؛ لأن نسبته من المبتدأ نسبة الفعل من الفاعل، ونسبة الصفة من الموصوف.
إلا أن المبتدآت يشبه2 أدوات الشرط، فيقترن3 بالفاء جوازًا وذلك:
إما موصول بفعل لا حرف4 شرط معه، أو بظرف، وإما موصوف بهما، وإما مضاف إلى أحدهما، وإما موصوف بالموصول المذكور بشرط قصد العموم، واستقبال معنى الصلة، أو الصفة.
نحو: "الذي يأتي، أو في الدار فله درهم".
__________
1 هكذا في الأصل وفي س وط وهـ أما في ش وع وك، فجاء البيت كما يلي:
................................... ... ذا مثله لسبب غير خفي
2 هـ "تشبه".
3 ك وع "فتقترن".
4 ك وع سقط "حرف".(1/374)
و"رجل يسألني1، أو في المسجد فله بر".
و"كل الذي تفعل فلك أو عليك".
و"كل رجل يتقي الله فسعيد".
و"السعي الذي تسعاه فتسلقاه".
فلو عدم العموم لم تدخل2 الفاء، لانتفاء شبه الشرط.
وكذا لو عدم الاستقبال.
أو وجد مع الصلة، أو الصفة حرف شرط.
"وربما دخلت في خبر موصول مع عدم العموم، والاستقبال كقوله تعالى3: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} 4.
"ص":
وذو الجواز بعد "لكن" و"إن" ... و"أن" باقٍ وأبى أبو الحسن5
__________
1 ك وع "يسأل".
2 هـ "يدخل".
3 من الآية رقم "166" من سورة "آل عمران".
4 هـ سقط ما بين القوسين.
5 هكذا ورد هذا البيت في صلب نسخة الأصل وفي هـ وك وع -وجاء على هامش الأصل وفي ط وس وش على هيئة أخرى هي.
وأبق ذا الفا بعد "لكن" و"أن" و"إن" والخلاف عن أبي الحسن.(1/375)
وغير باق هو بعد ما بقي ... بغير خلف فانتق الذي انتقي
"ش": إذا دخل شيء من نواسخ الابتداء على المبتدأ الذي اقترن خبره بالفاء أزال الفاء1، إن لم يكن "إِنَّ" أو"أَنَّ" أو"لكن" بإجماع من المحققين2.
فإن كان الناسخ "إن" أو"أن" أو"لكن"3 جاز بقاء الفاء.
نص على ذلك في "إن" و"أن" سيبويه4 وهوالصحيح الذي ورد نص القرآن المجيد به كقوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ} 5.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} 6.
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} 7.
__________
1 ع سقط "أزال الفاء".
2 هـ سقط "المحققين".
3 ع ك وهـ "كان الناسخ واحدًا منهن".
4 ينظر كتاب سيبويه 1/ 467.
5 من الآية رقم 13 من سورة الأحقاف.
6 من الاية رقم 91 من سورة آل عمران.
7 من الآية رقم 21 من سورة آل عمران.(1/376)
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} 1.
{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} 2.
ومثال ذلك مع "لكن" قول الشاعر:
123-
بكل داهية ألقى العداة وقد ... يظن أني في مكري بهم فزع
124-
كلا ولكن ما أبديه من فرق ... فكي يغروا فيغريهم بي الطمع
"وقول الشاعر3:
125-
فوالله ما فارقتكم قاليًا لكم ... ولكن ما يقضي فسوف يكون4
__________
1 من الآية رقم 41 من سورة الأنفال، وقد تأخرت هذه الآية عن التي بعدها في الأصل.
2 من الآية رقم 8 من سورة "الجمعة".
3 ك وع "ومثله قول الآخر".
4 هـ سقط ما بين القوسين.
123- 124- من البسيط لم ينسبها المصنف هنا ولا في شرح التسهيل 1/ 54.
والداهية: قصد منها الرجل العظيم البصير بعواقب الأمور.
والفرق: الخوف.
125- هذا آخر ثلاثة أبيات من الطويل ذكرها القالي في أماليه 1/ 99 ولم ينسبها، وإنما قال:
أنشدنا أبو بكر -رحمه الله- قال: أنشدنا أبو حاتم -ولم يسم قائلًا -في طول الليل.
ونسبها الشنقيطي في الدرر اللوامع 1/ 80 للأفوه الأودي، وليست في ديوانه ولم ينسبها العيني في المقاصد 2/ 315.(1/377)
وروي عن1 الأخفش أنه منع من دخول الفاء بعد "إن"، وهذا عجيب؛ لأن زيادة الفاء في الخبر على رأيه جائزة، وإن لم يكن المبتدأ يشبه أداة شرط2. نحو "زيد فقائم" فإن دخلت "إن" على اسم يشبه أداة الشرط. فوجود الفاء في الخبر أحسن وأسهل من وجودها في خبر "زيد" وشبهه.
وثبوت هذا عن الأخفش مستبعد3.
__________
1 ع سقط "عن".
2 ك وع "أداة الشرط".
3 قال الزمخشري في المفصل في مبحث المبتدأ والخبر:
"وإذا تضمن المبتدأ معنى الشرط جاز دخول الفاء على خبره وذلك على نوعين: الاسم الموصول، والنكرة الموصوفة إذا كانت الصلة أو الصفة فعلًا، أو ظرفًا كقول الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} ، وقوله: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} ، وكقولك: "كل رجل يأتيني أو في الدار فله درهم".
فإذا دخلت "ليت" أو"لعل" لم تدخل الفاء بالإجماع.
وفي دخول "إن" خلاف بين الأخفش وصاحب الكتاب".
قال ابن يعيش 1/ 101.
"فالأخفش يحمل الفاء في ذلك كله على الزيادة والأول أظهر؛ لأن الزيادة على خلاف الأصل".(1/378)
وقد ظفرت له في كتابه "في معاني القرآن"1 بأنه موافق لسيبويه في بقاء الفاء بعد دخول "إن" وذلك أنه قال:
وأما "واللذان يأتيانها منكم فآذوهما"2.
فقد يجوز أن يكون هذا خبر المبتدأ؛ لأن "الذي" إذا كان صلته فعلًا جاز أن يكون3 خبره بالفاء نحو قول الله تعالى4: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} 5.... ثم قال: {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} .
__________
1 هـ -"في معنى القرآن".
2 من الآية رقم 16 من سورة النساء.
3 ع سقط "يكون".
4 ك وع "قوله تعالى".
5 من الآية رقم 97 من سورة النساء.(1/379)
باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر:
"ص":
كان بها المبتدأ ارفع ناصبًا ... خبره كـ"كان زيد صاحبا"
ومثل "كان": "ظل" "بات" "أضحى" ... "أصبح" "أمسى" "صار بشر سمحًا"
هكذا "ليس" و"زال" و"برح" ... "فتئ" و"انفك" وكل متضح
وألزم الأربعة الأواخرا ... نفيًا كـ"ما زال ابن عوف شاكِرا
ومثل "كان": "دام" بعد ما لدى ... إفهام مدة كقول من شَدَا(1/380)
126-
"لتقربن قربًا جلذيا
127-
ما دام فيهن فصيل حيا1
"ش": هذه الثلاثة عشر فعلًا متساوية في دخولهن على المبتدأ والخبر وعملهن2 فيهما3 العمل المذكور.
إلاأن "ليس" وما قبلها تعمله بلا شرط.
و"زال" و"برح" و"فتئ" و"انفك" تعمله بشرط مصاحبة نفي. و"دام" تعمله بشرط مصاحبتها4 "ما" المصدرية النائبة عن ظرف زمان5.
__________
1 هكذا وردت هذه الأبيات في صلب نسخة الأصل، وخالفت النسخ الباقية وهي س وش وط وع وك وهـ هذه النسخة في الأبيات: الثاني، والثالث، والرابع، والخامس فجاء النظم كما يلي:
كـ"كان" "ظل" "بات" "أضحى" "أصبحا" ... "أمس" و"صار" "ليس" "زال" "برحا"
"فتئ" و"انفك" وهي الأربعة ... لنفي أو مشبه نفي متبعه
ومثل "كان" "دام" بعد "ما" لدى ... إفهام وقت بعضهم في ذا شدا
وهكذا جاءت ثلاثة أبيات موضع أربعة، وقد كتبت هذه الأبيات الثلاثة في هامش الأصل.
2 هـ "وعلمهن".
3 ك وع سقط "فيهما".
4 ك وع "مصاحبة".
5 ك وع "الزمان".
126- 127- هذا الرجز الذي أورده المصنف في النظم وأغفله في الشرح ينسب لابن ميادة "الخزانة 4/ 60 اللسان "جلذ" ولم ينسب في كتاب سيبويه 1/ 28، وجاء بعده بيت ثالث هو
فقد دجا الليل فهيا هيا
ومعنى لتقربن: لتسيرن، والقرب: سير الليلة حتى يورد الماء في صبيحتها، والجلذي: السريع ومنه أجلوذ: جد في السير -والخطاب لناقته.(1/381)
وقد يحذف النافي لـ"زال" وأخواتها للعلم به كقوله تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} 1.
أي: لا تفتأ تذكر.
وكقول الشاعر:
128-
تنفك تسمع ما حييـ ... ت بهالك حتى تكونه
وما كان منها بلفظ الماضي نفي بـ"ما" أو"لا" أو"إِنْ".
وما كان منها بلفظ المضارع نفي بكل ناف حتى بـ"ليس" كقول الشاعر:
129-
ولست وإن أقصيت أنفك ذا هوى ... به العاذل القاسي يمهد لي عذرًا
__________
1 من الآية رقم 85 من سورة يوسف.
128- من مجزوء الكامل ينسب لخليفة بن براز وهو شاعر جاهلي وبعد البيت
والمرء قد يرجو الرجا ... ء مؤملا والموت دونه
وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 54، وابن الأنباري في الإنصاف 2/ 824، وابن يعيش في شرح المفصل 7/ 110، والسيوطي في همع الهوامع 1/ 111، وذكره صاحب الخزانة 4/ 47، 4/ 433، والعيني في المقاصد النحوية 2/ 75.
129- من الطويل استشهد به المصنف هنا وفي شرح التسهيل 1/ 54 ولم ينسبه في الموضعين.(1/382)
فلذلك1 قلت:
......................... ... لنفي2......................
فأطلقت ولم أخص نافيًا من ناف.
ثم قلت:
.............................. ... .......... أو شبه3 نفي...........
ليدخل ما معه نهي كقول الشاعر:
130-
صاح شمر ولا تزل ذاكر المو ... ت فنسيانه ضلال مبين
وما معه4 "غير" كقول الشاعر:
131-
إن امرًا غير منفك معين حجًا ... على هوى فاتح للمجد أبوابًا
وما4 معه تقليل5 يراد به النفي كقول الشاعر:
__________
1 ع "وكذلك".
2 هذا يدل على أن المصنف كان يزاوج في الشرح بين ما في صلب النسخة وما على الهامش.
3 ع وهـ "أو مشبه".
4 ك وع "أو ما معه".
5 ع "تعليل".
130- من الخفيف لم ينسبه المصنف ولا غيره وهو من شاهده في شرح عمدة الحافظ ص 24، ولم ينسبه العيني في المقاصد 2/ 14، ولا السيوطي في همع الهوامع 1/ 111.
131- من البسيط وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 55 ولم ينسبه في الكتابين.(1/383)
132-
قلما يبرح اللبيب إلى ما ... يورث المجد داعيًا أو مجيبًا
وأما "دام"1المشار إليها فكقوله2 تعالى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} 3.
فـ"ما"4 مصدرية في موضع زمان والتقدير: مدة دوامي حيًا.
والتاء: اسم "دام". و"حيا": خبرها.
"وكل هذا منبه عليه بقولي:
ومثل "كان" "دام"5 بعد "ما" لدى ... إفهام6 مدة........................
وكـ"دام" التي في الآية7" "دام" التي في الرجز8؛ لأن
__________
132- من الخفيف لم أعثر على من نسبه وهو في المغني 1/ 306، والتصريح 1/ 185 وأكثر كتب النحو.
1 ك وع "وما دام".
2 ك وع "كقوله".
3 من الآية رقم "21" من سورة "مريم".
4 ك وع سقطت الفاء.
5 في الأصل "ودام".
6 في الأصل "تقدير مدة" لكن النظم ورد فيه "إفهام مدة".
7 سقط ما بين القوسين من ع وك وهـ وجاءت العبارة "وكذلك دام".
8 يشير المصنف بذلك إلى الرجز الذي ورد في النظم وهو =(1/384)
"ما" قبلها مصدرية في موضع ظرف زمان. و"فصيل" اسمها، و"حيا" خبرها.
ويجوز أن يكون "فيهن": خبرًا، و"حيا": حال مؤكدة.
فلو خلت "دام" من "ما" المصدرية لم يكن لها اسم، ولا خبر.
فلو وقع بعدها مرفوع ومنصوب جعل المرفوع فاعلًا، والمنصوب حالًا نحو قولهم: "دام زيد صحيحًا".
وكذا لو كان معها "ما" المصدرية، ولم تكن في موضع ظرف زمان نحو: "عجبت مما دام زيد صحيحًا".
أي: من دوامه صحيحًا.
فـ"زيد": فاعل، و"صحيحًا"1، حال، ولذا لا يجوز تعريفه.
بخلاف الخبر فإنه جائز التعريف.
وقد تستعمل2 "دام" بعد "ما" المصدرية النائبة عن ظرف الزمان تامة تشبيهًا بـ"بقي"3 فتستغني عن خبر كقوله تعالى
__________
لتقربن قربًا جلذيا ... ما دام فيهن فصيل حيا
1 هكذا في ع وفي الأصل وهـ وك "صحيح".
2 ع "يستعمل".
3 ك وع "نفي".(1/385)
{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} 1.
والله أعلم2.
"ص":
وما سوى "دام" و"ليس3" صرفوا ... وللتصاريف اجعلن ما وصفوا4
فغير ماض مثله في العمل ... كذا اسم فاعل ومصدر جلي
من ذاك: "لست زائلًا أحبك" ... "كونك إياه" كذاك قد حكي
"ش": لاحظ لـ"ليس" ولا لـ"دام" في التصرف5، إذ لا يستعملان إلا بلفظ الماضي.
وأما غيرهما من أفعال6 هذا الباب فله لفظ ماض، ولفظ مضارع، ولفظ اسم فاعل.
__________
1 من الآية رقم 107 من سورة هود.
2 هكذا في ك وع وسقط "الله أعلم" من الأصل ومن هـ.
3 هكذا في الأصل وس وش وط أما في ك وع فجاء كما يلي:
وما سوى ليس ودام................... ... ........................................
4 هكذا في الأصل، أما في باقي النسخ فجاءت القافية.
........................... صرفًا ... .......................وصفا
5 ك وع "التصريف".
6 هـ وع وك "ألفاظ هذا الباب".(1/386)
ولغير "زال" وأخواتها -أيضًا- فعل أمر، ومصدر.
وكل هذه التصاريف تعمل العمل المذكور.
فعمل الأفعال بين.
وأما عمل المصدر فكقول الشاعر:
133-
يبذل وحلم ساد في قومه الفتى ... وكونك إياه عليك يسير
وأما عمل اسم الفاعل فكقول الآخر:
134-
وما كل من يبدي البشاشة كائنًا ... أخاك إذا لم تلفه لك منجدًا
"وقال آخر:
135-
قضى الله يا أسماء أن لست زائلًا ... أحبك حتى يغمض العين مغمض1"
__________
1 سقط ما بين القوسين من هـ.
133- من الطويل قال العيني 2/ 14: لم أقف على اسم قائله وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 55، واستدل به هناك على استعمال الحدث من "كان" فإن من النحويين من قال: إن "كان" وأخواتها لا تدل على الحدث أصلًا، ومنهم من قال: إنها تدل على حدث لم ينطق به. ورواية الأصل:
ببذل وعلم................... ... ............................
134- من الطويل قال العيني 2/ 17: لم أقف على اسم قائله والبشاشة: البشر وطلاقة الوجه. ومنجدًا: معينًا.
135- من الطويل مطلع قصيدة قالها الحسين بن مطير الأسدي وبعده:
14/ 110-114.
والبيت من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ ص 24، وشرح التسهيل 1/ 55.(1/387)
"ص":
واجعل كـ"صار" ما بمعناه ورد ... "آض" "رجع" "عاد" "استحال" و"قعد"
و"حار" و"ارتد" كذا "تحولا" ... وهكذا "غدا" و"راح" جعلا
وألحقوا بهن "جاءت حاجتك" ... من بعد "ما" فاصرف لها عنايتك
ومثل "صار" سابقاته سوى ... "بات" وستهن في رأي سوا
"ش": يساوي "صار" في العمل ما وافقها في المعنى كقول الشاعر:
136-
وربيته حتى إذا ما تركته ... أخا القوم، واستغنى عن المسح شاربه
137-
وبالمحض حتى آض جعدًا عنطنطًا ... إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه
__________
136- 137- بيتان من الطويل قالهما فرعان بن الأعرف في ابنه(1/388)
وقال آخر:
138-
وكان مضلي من هديت برشده ... فلله مغو عاد بالرشد آمرًا
وفي الحديث:
__________
= منازل من أبيات تسعة أوردها أبو تمام في حماسته 2/ 260 بتحقيق خفاجي.
ورواية البيت الثاني في الحماسة:
تربيته حتى إذا آض شيظما ... يكاد يساوي غارب الفحل غاربه
ولم يذكر المرزوقي البيت الأول في شرح ديوان الحماسة ص 1445.
أخا القوم: كناية عن الكبر.
استغنى عن المسح شاربه: كناية عن بلوغه عنفوان الشباب واستغنائه عمن بعينه.
آض: ضار.
الغارب: ما بين السنام إلى العنق في البعير، ثم استعير لأعالي كل شيء.
المحض: اللبن الخالص بلا رغوة، الجعد: الشديد.
العنطنط والعطنطن: الرجل الطويل -وفي ك وع عطنطنا.
138- من الطويل قاله سواد بن قارب من قصيدة يذكر فيها قصته مع ربيبه من الجن وكان كاهنًا فأتاه ربيئه ثلاث ليال ينشده رجزًا يبشره بقدوم النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يصرح له إلا في الثالثة، فهداه الله إلى الإسلام -وقد ترجمه ابن حجر في الإصابة 2/ 149. وقد نسب أبو علي القالي في الأمالي 1/ 134 إلى الكاهن خنافر الحميري هذا البيت في أبيات تسعة.(1/389)
"فاستحالت غربًا"1.
وفي حديث آخر:
"لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض" 2.
ومن كلام العرب: "أرهف3 شفرته4 حتى قعدت كأنها حربة".
وقال بعض العرب5:
139-
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادًا بعد إذ هو ساطع
__________
1 أخرجه البخاري في باب التعبير 28، 29 والمناقب 25، وفضائل الصحابة 5، 6 والتوحيد 31.
ومسلم في فضائل الصحابة 17، 19.
والترمذي في باب الرؤيا 10.
وأحمد 2/ 28، 39، 89، 104، 107، 368، 450، 5/ 455.
استحالت: تحولت الغرب: الدلو العظيمة.
2 أخرجه البخاري في باب العلم 43، والحج 13، والمغازي 77.
ومسلم باب الإيمان 118، 120، والقسامة 29، والفتن 50.
وأبو داوود في باب السنة 15.
والترمذي في باب الفتن 28.
والنسائي في باب التحريم 29.
وابن ماجه في الفتن 5.
3 أرهف: رقق.
4 الشفرة: السكين العظيم.
5 هـ "وهو لبيد بن ربيعة".
139- من الطويل قاله لبيد بن ربيعة "الديوان ص 88" من قصيدته في رثاء أخيه أربد.
يحور: يصير.(1/390)
وقال الله تعالى: {أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} 1.
وقال امرؤ القيس:
140-
وبدلت قرحًا داميًا بعد صحة ... فبالك من نعمى تحولن أبؤسا
ويروى:
.................................. ... لعل منايانا تحولن أبؤسا
وحكى سيبويه عن بعض العرب: "ما جاءت حاجتك" -بالنصب والرفع2 بمعنى: ما صارت3.
__________
1 من الآية رقم 96 من سورة يوسف.
2 قال سيبويه في الكتاب 1/ 24، 25:
"ومثل قولهم "من كان أخاك" قول العرب: ما جاءت حاجتك -كأنه قال: ما صارت حاجتك، ولكنه أدخل التأنيث على "ما" حيث كانت "الحاجة".
وإنما صير "جاء" بمنزلة "كان" في هذا الحرف وحده؛ لأنه بمنزلة المثل.
ومن يقول من العرب، ما جاءت حاجتك كثير.
وزعم يونس أنه سمع رؤبة يقول: ما جاءت حاجتك -فيرفع".
3 ك وع سقطت "ما".
140- من الطويل "ديوان امرئ القيس 107"، والرواية الثانية التي ذكرها المصنف هي رواية الديوان، وبهذا البيت سمي امرؤ القيس "ذا القروح".
وأراد بالقرح: ما نافه في جسمه من الحلة المسمومة التي وجه بها إليه ملك الروم.(1/391)
فهذه ثمانية أفعال مساوية لـ"صار" معنى وعملًا.
وأما "غدا"1 و"راح" فإنهما ملحقان -عند بعضهم- بها2 أيضًا.
إلا أني لم أجد لذلك شاهدًا من كلام العرب يكون الاستدلال به صريحًا.
ويمكن أن يستدل على ذلك بقوله -عليه السلام3.
"لرزقتم كما ترزق الطير: تغدو خماصًا، وتروح بطانًا" 4.
وأما "كان" و"ظل" و"أضحى" و"أصبح" و"أمسى" فاستعمالها بمعنى "صار" كثير:
كقوله تعالى5: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا، وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} 6. وقال7 ذو الرمة:
__________
1 ع "غذا".
2 ع "بها بها".
3 ك ع "صلى الله عليه وسلم".
4 أخرجه ابن ماجه في باب الزهد 14، والترمذي في الزهد 33 وأحمد 1/ 30، 52 وتمامه: "لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقتم ... ".
5 هـ "كقوله عز وجل".
6 الآيتان "19، 20" من سورة "النبأ".
7 هـ "وقول ذو الرمة".(1/392)
141-
بتيهاء قفر. والمطي كأنها ... قطا الحزن قد كانت فراخًا بيوضها
وورود "ظل" بمعى "صار" كقوله تعالى: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم} 1.
وإنما أصل "ظل"2: الدلالة على الإنصاف نهارًا بالمخبر به.
و"بات" تقابلها3 كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} 4.
__________
1 من الآية رقم 58 من سورة النحل وتمامها: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ......} .
2 في الأصل" ضل" بالصاد.
3 هـ "يقابلها" بالياء.
4 الآية رقم "64" من سورة "الفرقان".
141- من الطويل نسبة المصنف هنا إلى ذي الرمة "غيلان بن عقبة"، وعلى هذا سار القيسي في إيضاح شواهد الإيضاح ص 178. ونسبه ابن يعيش في شرح المفصل 7/ 102 إلى ابن كنزة، ونسبه صاحب اللسان لابن أحمر، وقبل هذا البيت:
لعمري لئن حلت قتيبة بلدة ... شديدًا بمال المفحمين عضيضها
فلله عينا أم فرع وعبرة ... ترقرقها في عينها أو تغيضها
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... صحيح السرى والعين تجري غروضها
بتهياء..............................
والتيهاء: الصحراء يضل فيها الساري. قفر: خلاء موحشة.
القطا: ضرب من الطير، وأضاف القطا إلى الحزن؛ لأنه قليل الماء فيكون القطا أشد عطشًا، فإذا أراد الماء أسرع ليعود إلى فراخه، وغرضه من ذلك تشبيه المطي بها في سرعتها. والبيت من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 56.(1/393)
وكقول الشاعر:
142-
وبات وليد الحي طيان ساغبًا ... وكاعبهم ذات القفاوة أسغب
وقد جمعهما الراجز في قوله:
143-
أظل أرعى وابيت أطحن
144-
الموت من بعض الحياة أهون
وزعم الزمخشري أن "بات" ترد -أيضًا- بمعنى "صار" ولا حجة له على ذلك، ولا لمن وافقه1.
وورود "أضحى" بمعنى "صار". كقول الشاعر:
__________
1 قال الزمخشري في المفصل:
"و"ظل" و"بات" على معنيين أحدهما: اقتران مضمون الجملة بالوقتين الخاصين على طريقة "كان".
والثاني: كينونتهما بمعنى "صار"".
142- من الطويل ورواية ع:
.......................ساعيا ... وداعيهم............................
143- 144- استشهد المصنف بهذا الرجز هنا وفي شرح عمدة الحافظ 143 وفي شرح التسهيل 1/ 56، 2/ 147 ولم ينسبه كما لم ينسبه أحد ممن استشهدوا به.(1/394)
145-
ثم أضحوا كأنهم ورق جف ... ف فألوت به الصبا والدبور
وورود "أصبح" بمعنى "صار" كقوله تعالى: {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} 1 ومن ورود "أصبح" و"أمسى" بمعنى "صار" قول الفرزدق.
146-
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش، وإذ ما مثلهم بشر
وقال النابغة الذبياني:
147-
أمست خلاء، وأمسى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الذي أخنى على لبد
__________
1 من الآية رقم 104 من سورة آل عمران.
145- من الخفيف قاله عدي بن زيد العبادي من قصيدة
الصبا: ريح تهب من مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار.
الدبور: الريح التي تقابل الصبا.
"والبيت من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ 70، وشرح التسهيل 1/ 56، وابن يعيش 7/ 105".
146- من البسيط قاله الفرزدق من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز الأموي "الديوان ص 223، وشرح التسهيل للمصنف 1/ 61".
قد أعاد الله نعمتهم: أي أن نعمتهم كانت منقطعة بعزل مروان، وأعيدت إليهم بتولية عمر بن عبد العزيز.
147- من البسيط من قصيدة طويلة للنابغة الذبياني مدح فيها النعمان بن المنذر، واعتذر عما بلغه "الديوان 217".
والبيت من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ 27 وشرح التسهيل 1/ 56.
الخلاء: المكان الذي لا شيء به. احتملوا: حملوا إبلهم وارتحلوا.
أخنى عليها: أهلكها. لبد: آخر نسور لقمان بن عاد.(1/395)
"ص":
وقدم إن شئت على الفعل الخبر ... ما لم يكن "دام" وفي "ليس" نظر
ومنع تقديم عليها أمثل ... عندي، وقوم الجواز فضلوا
وما بمنفي بـ"ما" علق لا ... يسبقها، والخلف فيه قد خلا
"ش" تقديم1 الخبر في هذا الباب شبيه بتقديم المفعول فليحكم2 بجوازه ما لم يمنع مانع.
فتقول: "قائمًا كان زيد" كما تقول: "عمرًا ضرب زيد".
فإن عرض مانع فعل بمقتضاه كدخول حرف مصدري على "كان" نحو: "أن يكون زيد صديقك خير من أن يكون عدوك".
فتقديم الخبر في مثل هذا ممتنع؛ لأن الفعل صلة لـ"أن" ومعمول الصلة داخل في حكم الصلة.
__________
1 هـ "تقدم".
2 ع "فيحكم".(1/396)
ولهذا امتنع تقديم خبر "دام" عليها أبدًا؛ لأنها لا تخلو من وقوعها صلة لـ"ما".
واختلف في تقديم خبر "ليس": فأجازه قوم، ومنعه قوم.
والمنع أحب إلي، لشبه "ليس" بـ"ما" في النفي، وعدم التصرف.
ولأن "عسى" لا يتقدم خبرها إجماعًا، لعدم تصرفها مع الاتفاق على فعليتها فـ"ليس" أولى بذلك لمساواتها لها في عدم التصرف مع الاختلاف في فعليتها.
وإذا نفي الفعل في هذا الباب، وغيره بـ"ما" لم يتقدم معموله عليها؛ لأن "ما" النافية لها صدر الكلام، ولذلك لم تعامل معاملة "لا" فتتوسط بين جار، ومجرور، أو جازم ومجزوم، كما تتوسط "لا".
فلا يقال: "جئت1 بما شيء" و"إن ما تفعل2 فعلت".
كما تقال: "جئت3 بلا شيء" و"إن لا تفعل4 فعلت".
كما يجوز أن يقال في: "ما كان زيد فاضلًا".
__________
1 هـ "حيث".
2 ع "نفعل".
3 هـ "حيث".
4 ع "يفعل".(1/397)
زال عمرو جاهلًا": فاضلًا ما كان زيد" و"جاهلًا ما زال عمرو".
وكلاهما جائز عند الكوفيين؛ لأن "ما" عندهم لا يلزم تصديرها.
ووافق ابن كيسان البصريين في "ما كان" ونحوه.
وخالفهم في "ما زال" وأخواتها؛ لأن نفيها إيجاب، والخبر بعدها كخبر "كان" المثبتة.
فلم يمتنع عنده: "جاهلًا ما زال عمرو"1 كما لا يمتنع:
"جاهلًا كان عمرو".
فلو كان النفي بـ"لا" أو"لن" أو"لم" جاز التقديم عند الجميع نحو:
"عالمًا لم يزل زيد".
"2 وقال الشاعر:
148-
ورج الفتى للخير ما إن "رأيته ... على السن خيرًا لا يزال يزيد"3
__________
1 ك وع "ما زال زيد".
2 ك سقط الواو من "قال الشاعر".
3 ع سقط ما بين القوسين.
148- من الطويل ينسب للمعلوط بن بدل القريعي "سيبويه 2/ 306، الخصائص 1/ 110، سمط اللآلئ 434، شرح =(1/398)
أراد: لا يزال يزيد على السن1 خيرًا2.
فقدم معمول "يزيد" وهو"خبر" "يزال" مع نفيها بـ"لا".
وتقدم3 المعمول يؤذن بتقدم 4 العامل غالبًا.
فلو كان النفي بـ"ما" لم يجز التقديم عليها.
ولا يمتنع توسيطه5 بينها6 وبين الفعل كما لم يمتنع مع غير "زال" وأخواتها:
كقول الكميت7:
149-
طربت وما شوقًا إلى البيض أطرب ... ولا لعبًا مني وذو الشيب يلعب
__________
= المفصل لابن يعيش 8/ 120، المقرب 17 همع الهوامع 1/ 125، المقاصد النحوية للعيني 2/ 22".
1 ع "أليس".
2 ع "خبر".
3 ك ع "وتقديم".
4 ك ع "بتقديم".
5 ك وع هـ. "توسطه".
6 ع "بينه".
7 ع "المكيت".
149- من الطويل مطلع قصيدة طويلة للكميت بن زيد في مدح آل النبي -صلى الله عليه وسلم- "القصائد الهاشيمات ص 15".
الطرب: استخفاف القلب من حزن أو لهو.
البيض: النساء جمع بيضاء وهي المرأة النقية اللون.(1/399)
"وكقول الراجز1:
150-
ماذا صبابة عهدت في الصبا
151-
فكيف تيمت وهمت أشيبا"2
"ص":
وحيث لا مانع: التوسيط3 قد ... يجوز في كل، وحتمًا قد ورد
في نحو "كان عند4 هند بعلها" ... و"ليس في تلك الديار أهلها"
"ش": توسيط5 الخبر كقوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} 6.
وهو7 جائز في جميع هذه الأفعال حتى في "ليس" و"دام".
بخلاف التقديم.
__________
1 ك وع "وكقول الآخر".
2 هـ سقط ما بين القوسين.
3 ط "للتوسيط".
4 ط "عبد هند".
5 ع وك "توسط".
6 من الآية رقم 47 من سورة الروم.
7 ع سقط "هو".
150- 151- صبا إلى المرأة: حن، والصبوة: جهلة الفتوة.
وتيمته المرأة: عبدته وذللته والصبابة: الشوق، وقيل: رقته وحرارته، وقيل: الهوى.(1/400)
وقد يعرض ما يمنع من التوسيط1، وما يجعله2 -أيضًا- واجبًا.
فمنع التوسيط لأسباب:
منها خوف اللبس نحو: "كان صاحبي عدوي".
ومنها: أن يقترن الخبر بـ"إلا" نحو: "ما كان زيد إلا في الدار".
ومنها: أن يكون الخبر مضافًا إلى ضمير يعود على ما أضيف إليه اسم "كان" نحو "كان علام هند مبغضها".
وأما ما يوجب توسيط الخبر فنحو3 أن يكون الاسم مضافًا إلى ضمير يعود على ما أضيف إليه الخبر نحو: "كان عند هند بعلها" و"ليس في تلك الديار أهلها".
فهذا وما أشبهه يقدم4 فيه الخبر وجوبًا؛ لأنه لو قدم فيه الاسم لعاد الضمير إلى متأخر لفظًا، ورتبة فكان5 يكون بمنزلة "ضرب بعلها عبد هند".
فهذا لا يجوز.
__________
1 ع وك وهـ "من التوسط".
2 ع "بجعل".
3 ع وهـ "ويجوز".
4 ع وهـ "تقدم".
5 ع وهـ "وكان".(1/401)
بل الواجب أن يقال: "ضرب عبد هند بعلها"، ليعود الضمير إلى مذكور.
"ص":
في نحو: "كان الماء زيد شاربًا" ... منعًا لأهل البصرة اجعل ناسبًا
وغيرهم أجاز، والجواز عم ... في نحو: "كان المال يبذل الخضم
ونحو: "كان عندنا زيد حضر" ... أجز فللظرف اتساع يغتفر
وما أتى في الشعر مثل الأول ... ففيه تقدير ضمير ينجلي1
"ش" لا يتصل بـ"كان" ولا بشيء2 من أخواتها معمول خبرها، والخبر مفصول بالاسم نحو: "كان الماء زيد شاربًا".
__________
1 هكذا في الأصل وجاء في س وش، وط وع وك وهـ ثلاثة أبيات موضعها هي:
ولا يلي العامل معمول الخبر ... إن لم يكن ظرفًا ولا أداة جر
ومطلقًا أجاز أهل الكوفة ... ذاك لشبهه لهم معروفة
والمنع -مطلقًا- حر بالنصرة ... وهو الذي يراه أهل البصرة
ورواية هـ "تراه" وع وك "رآه" وقد وردت -أيضًا- هي الثلاثة الأبيات في هامش الأصل، ولو أضيف البيت الثالث هنا إلى الأبيات الأربعة الواردة في نسخة الأصل لاكتمل النظم والشرح.
2 هـ "ولا شيء".(1/402)
"أو غير مفصول نحو: "كان الماء يشرب زيد"1.
وأجار الكوفيون ذلك واحتجوا بقول الشاعر:
152-
قنافذ هداجون حول بيوتهم ... بما كان إياهم عطية عودا
ووجه البصريون هذا وأمثاله على أن يجعل اسم "كان" ضمير الشأن.
ويجوز جعل "كان" في هذا البيت زائدة.
ويجوز -أيضًا- جعل "ما" بمعنى "الذي" واسم "كان" ضميرها.
وعطية: مبتدأ خبره: عودا.
والتقدير: بالذي كان إياهم عطية عوده.
فحذف الهاء، ونواها.
وأجاز ابن بابشاذ تقديم معمول الخبر، إذا تأخر الاسم وتوسط الخبر نحو: "كان الماء يشرب زيد".
__________
1 سقط من الأصل ما بين القوسين.
152- من الطويل قاله الفرزدق يهجو عبد القيس وجريرا "الديوان ص 214".
ورواية السيوطي في همع الهوامع 1/ 118 "قنافيذ".
والقنافذ: جمع قنفذ حيوان يضرب به المثل في سرى الليل.
والهدجان: السير السريع وعطية: أبو جرير الشاعر المعروف.(1/403)
وهو ممنوع عند سيبويه كمنع التقديم مع توسط الاسم وتأخير الخبر1.
و2 في كلام ابن عصفور في "شرح الجمل" ما يوهم أن الأكثرين على تجويز نحو: "كان الماء يشرب زيد".
وليس بصحيح: فإن3 سيبويه لم يفرق4 في المنع بين: "كان الماء زيد يشرب"
وبين: "كان الماء يشرب زيد".
وينبغي أن يعلم5 أن مثل هذا التقديم ممنوع في غير هذا الباب كمنعه فيه.
فلو قيل: "جاء عمرًا يضرب زيد" لم يجز.
كما لا يجوز: "كان الماء يشرب زيد".
لأن سبب المنع إيلاء الفعل معمول غيره، فلا يختص بفعل دون فعل.
__________
1 قال سيبويه في الكتاب 1/ 36.
"لو قلت: كانت زيدا الحمى تأخذ، أو تأخذ الحمى لم يجز، وكان قبيحًا.
2 ع سقطت الواو.
3 ك وع "لأن سيبويه".
4 ع "لم يعرف".
5 ك وع "تعلم".(1/404)
وفي قولي:
والمنع -مطلقًا- حر بالنصرة1 ... ...........................
إشعار بذلك2
ولو كان المعمول ظرفًا، أو جارًا ومجرورًا جاز تقدميه -مطلقًا- بلا خلاف نحو: "كان يوم الجمعة زيد معتكفًا"، و"كان في المسجد عمرو مصليًا".
لأن الظرف والجار والمجرور يتوسع بهما في الكلام3 توسعًا لا يكون لغيرهما.
ولذلك فصل بهما بين المضاف والمضاف إليه كثيرًا نحو قول الشاعر:
153-
لما رأت ساتيدما استعبرت ... لله در -اليوم- من لامها
__________
1 هذا من الأبيات التي ذكرها المصنف في الهامش، وجاءت في صلب النسخ الأخرى وهذا يدل على أن المصنف، كان يشرح ما في صلب النسخة وما في خارجها.
2 زادت هـ البيتين الثالث والرابع من الأبيات التي ذكرت في أول هذا الفصل وهي بذلك تكون جمعت بين بعض ما في الأصل وما في ك وع. على أن ما سيتعرض له المصنف منذ الآن هو شرح لأمور لم ترد في النظم الموجود في س وش وط وك وع، وقد أشار إلى ذلك صراحة فيما بعد.
3 ك وع سقط "في الكلام".
153- هذا ثاني أبيات ثلاثة من السريع قالها عمرو بن قميئة "الديوان ص 182" وينظر: سيبويه 1/ 91، ومجالس ثعلب 152 والأزمنة والأمكنة 2/ 309 وانصاف 432 وشرح المفصل 2/ 46، 3/ 19، 20، والخزانة 2/ 247.
ساتيدما: قال البكري في معجم ما استعجم هو جبل متصل من بحر الروم إلى بحر الهند، وقال ياقوت: هو جبل بالهند لا يعدم ثلجه أبدًا. وقيل غير ذلك.(1/405)
وكقوله1:
154-
وكرار -خلف المحجرين- جواده ... إذا لم يحام دون أنثى حليلها
وكقول عبعبة بن2 قيس بن ثعلبة:
155-
هما أخوا في الحرب من لا أخا له ... إذا خاف يومًا نبوة فدعاهما
__________
1 ك وع "وقال آخر".
2 ع "عبعبة بني قيس" ك وهـ "عبعبة من بني قيس".
154- من الطويل قاله الأخطل والرواية في الديوان ص 361.
وكرار خلف المرهقين جواده ... حفاظًا إذا لم يحم أنثى حليلها
ورواية ع "لم يحامي"، والمراهقون هم الذين ركبهم الظلم والشر واستبيحت محارمهم والمحجر: الحرام -وقد تفتح الجيم- يقصد الشاعر بالمحجرين المنتهكين للحرات ومن ذلك قوله:
..................................... ... وهممت أن أغشى إليها محجرًا
155- من الطويل نسبه المصنف إلى عبعبة، وقال الزمخشري: هو لدرني بنت عبعبة، وفي الحماسة 1/ 631 نسبت القصيدة التي منها البيت إلى عمرة الخثعمية، وأيد هذا المرزوقي في شرح الحماسة 1083.
وفي نوادر أبي زيد 115 قالت امرأة من بني سعد جاهلية، وذكر بيتًا قبله هو:
وقد زعموا أني جزعت عليهما
وهل جزع إن قلت: وا بأباهما؟
وفي ع وك "نبؤة".(1/406)
"وأشرت بقولي:
وما أتى في الشعر مثل الأول ... ...........................
إلى قول الشاعر:
............................. ... بما كان إياهم عطية عود"1
وأما ما أنشده سيبويه2 من قول الآخر3:
156-
فأصبحوا والنوى عالي معرسهم ... وليس كل النوى يلقي المساكين
فـ"كل" منصوب بـ"يلقي"، و"المساكين" فاعل "يلقي"، و"يلقي" وفاعله خبر "ليس".
__________
1 سقط ما بين القوسين من ع وك وهـ.
2 ينظر كتاب سيبويه 1/ 35 وما بعدها وقد مر هذا البيت قريبًا.
3 ع وك وهـ "من قول حميد الأرقط".
156- من البسيط نسب هنا وفي كتاب سيبويه 1/ 35 إلى حميد الأرقط، وليس في ديوانه.
والبيت من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 60.
معرسهم: موضع نزولهم ليلًا.
وفي ع سقطت "كل" من الشطر الثاني.
"المقتضب 4/ 100، أمالي ابن الشجري 2/ 203، 204، العيني 2/ 82 الأشموني 1/ 239".(1/407)
ولا يجوز أن يكون "المساكين" اسم "ليس"؛ لأن ذلك يوجب أن يكون "يلقي" خبرًا.
ولو كان خبرًا لوجب أن يقال: "يلقون" أو"تلقي".
فإذا لم يقل إلا "يلقي" وجب أن يكون خاليًا من ضمير، وأن يكون "المساكين" مرتفعًا به.
"ص":
وبعض ذي الأفعال بالرفع اكتفى ... فتم والنقصان غيره1 اقتفى
وللتمام قابل كل سوى ... "فتئ" "ليس" "زال" فاشكر من روى
"ش": هذه الأفعال لعدم استغنائها بالمرفوع تسمى أفعالًا ناقصة فلازم النقص منها: "ليس" و"زال" و"فتئ".
وما سوى هذه الثلاثة فقد2 تجيء3 تامة. أي: مستغنية بمرفوع من غيره إلا4 على سبيل5 المثال الفضلة.
فمن ذلك: "كان" بمعنى: "حدث" نحو: "ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن"6.
__________
1 ع "غير".
2 ك وع "قد".
3 هـ "يجيء".
4 ع سقط "إلا".
5 ك "إلا إذا قصد على سبيل الفضلة".
6 أخرجه أبو داود أدب 101.(1/408)
وكقول الراجز أشنده سيبويه1:
157-
وكنت إذ كنت إلهي وحدكا
158-
لم يك شيء يا إلهي قبلكا
وبمعنى "حضر" نحو قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} 2،3
وتكون -أيضًا- بمعنى: "كفل" وبمعنى: "غزل". ذكر ذلك البطليوسي4، وغيره5. ومنها "ظل6 اليوم" أي: دام ظله7. "ومنها بات" أي: لبث ليله، و"بات فلان بالقوم" أي: نزل بهم ليلًا8". ومنها "أضحى" بمعنى: دخل في الضحى. و"أصبح" بمعنى9: دخل في الصباح. و"أمسى"
__________
1 ينظر كتاب سيبويه 1/ 317.
2 ع "ذوا".
3 من الآية رقم 280 من سورة البقرة.
4 عبد الله بن محمد بن السيد أبو محمد البطليوسي، نزيل بلنسبة، كان عالمًا باللغات والآداب، متبحرًا فيهما، انتصب لإقراء العربية، واجتمع الناس إليه مات سنة 521 هـ.
5 ك وع سقط "وغيره".
6 هـ "طلب اليوم".
7 ك وع "إذا دام ظله".
8 هـ سقط ما بين القوسين.
9 هـ سقط "بمعنى".
157- 158- بيتان من الرجز قائلهما عبد الله بن عبد الأعلى القرشي. "المقصاد النحوية 3/ 397، المقتضب 2/ 232، شرح المفصل لابن يعيش 2/ 11". ورواية ع "إذا كنت".(1/409)
بمعنى: دخل في المساء. و"صار فلان الشيء" بمعنى: ضمه. وإليه بمعنى1: رجع.
ومنها "برح" بمعنى: ذهب، وبمعنى: ظهر. ومنها "انفك" بمعنى: انفصل، وبمعنى: خلص2.
وأشار أبو علي في "الحلبيات" إلى جواز وقوع "زال" تامة -رأيا- وقد يعضد رأيه قول الراجز:
159-
وفي حميا بغيه تفجس
160-
ولا يزال وهو ألوى أليس
فاستغنى بالجملة الحالية عن الخبر.
ولنا أن نقول: الخبر محذوف، والتقدير: ولا يزال متفجسًا وهو ألوى أليس.
__________
1 هـ "ضمه إليه وبمعنى رجع" ك وع "ضمه وبمعى رجع".
2 ك وع "تخلص".
159- 160- استشهد المصنف بهذا الرجز هنا وفي شرح التسهيل 1/ 56 ولم ينسبه في الموضعين ولم ينسبه أحد ممن استشهدوا به.
وقد بين المصنف معنى التفجس، والأليس.
أما الألوى: فهو الشديد الخصومة، الجدل، والمنفرد المعتزل.
والبغي: الظلم والعلو والاستطالة.
والحميا: شدة الغضب وأوله.(1/410)
والتفجس: التكبر. والأليس: الشجاع.
"ص":
وزيد "كان" بين جزأي جمله ... وشذ حيث حرف جر قبله
كذا "تكون"1 زائدًا -أيضًا- ندر ... وفيه قول امرأة ممن غبر
"أنت تكون ماجد نبيل ... إذا تهب شمأل بليل"
وشذ "أمسى" زائدًا و"أصبحا" ... كلا رواه ناقلوه موضحًا
"ش" من مواضع "كان" التي تختص2 بها: الزيادة في التوسط دون التقدم. والتأخر.
والمشهور زيادتها بلفظ الماضي بين جزأي جملة كقول بعض العرب:
"ولدت فاطمة بنت الخرشب: الكملة من بني عبس لم يوجد -كان- مثلهم".
وقد كثرت زيادتها بين "ما" التعجبية وفعلها3 نحو: "ما كان أحسن زيدًا".
__________
1 هـ "يكون".
2 هـ "يختص".
3 سقط من الأصل "وفلها".(1/411)
وحكم سيبويه1 بزيادتها في قول الفرزدق2:
161-
فكيف إذا مررت بدار قوم ... وجيران لنا كانوا كرام
ورد ذلك عليه، لكونها رافعة للضمير.
وليس ذلك مانعًا من زيادتها، كما لم يمنع من إلغاء "ظلن" عند توسطها، أو تأخرها إسنادها إلى فاعل.
وشذت زيادتها بين الجار والمجرور في قول الشاعر:
162-
سرانة بني أبي بكر تسامى ... على -كان- المسومة العراب
__________
1 قال سيبويه في الكتاب 1/ 289.
"وقال الخليل: أن من أفضلهم كان زيدًا على إلغاء "كان" وشبهه بقول الشاعر:
فكيف....................... ... ..............................
2 في الأصل "قول الشاعر".
161- من الوافر قاله الفرزدق من قصيدة في مدح هشام بن عبد الملك وهجاء جرير "الديوان 835"، وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 58.
162- من الوافر أنشده الفراء في معاني القرآن، وتتابع العلماء من بعده على إنشاده ولم ينسبه أحد إلى قائل معين، وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 59.
قال العيني: 2/ 41 أنشده الفراء ولم يعزه إلى أحد ولا يعرف إلا من قبله.
سراة: جمع سري، أو اسم جمع له، وصحح السهيلي أنه مفرد بمعنى الشريف العظيم.
تسامى: أصله تتسامى أي: تعلو.
المسومة: المعلمة أي التي جعلت عليها علامة وتركت في المرعى.(1/412)
ورواه الفراء:
................................ ... على -كان- المطهمة الصلاب
وشذت زيادتها -أيضًا-1 بلفظ المضارع2 في قول أم عقيل بن3 أبي طالب:
163-
أنت تكون ماجد نبيل
164-
إذا تهب شمأل بليل
وشذت -أيضًا- زيادة4 "أصبح" و"أمسى" في قول من قال من العرب5:
__________
1 ك وع "وشذت أيضًا زيادتها".
2 أجاز المصنف زيادتها بلفظ المضارع بين "ما"، وفعل التعجب في هذا الكتاب.
3 ك وع "بنت أبي طالب".
4 هـ سقط "زيادة".
5 ك وع "في قول امرأة من العرب".
المطهم: التام الخلق من كل حيوان.
163- 164- بنسب هذا الرجز إلى أم عقيل، وهي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وعقيل كل شيء: أفضله والرجز في الخزانة 4/ 41 وأوله:
إن عقيلًا كاسمه عقيل ... وبيبي الملفف المحمول(1/413)
"ما أصبح أبردها، وما أمسى أدفأها".
"يعنون الدنيا1، روى2 ذلك الكوفيون3".
وأجاز أبو علي زيادة "أصبح" في قول الشاعر:
165-
عدو عينيك وشانيهما ... أصبح مشغول بمشغول
وكذلك4 أجاز زيادة "أمسى" في قول الآخر5:
166-
أعاذل قولي: ما هويت فأوبي ... كثيرًا أرى أمسى لديك ذنوبي
__________
1 سقط من الأصل "يعنون الدنيا".
2 ك وع "وروى".
3 هـ سقط ما بين القوسين.
4 ك وع "وكذا".
5 هـ "قول الشاعر".
165- من السريع وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 59 شانيهما: مبغضهما.
166- من الطويل أنشده أبو علي ولم يعزه ولم يوجد من العلماء بعده من نسبه، وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 59.
ورواية السيوطي في همع الهوامع 1/ 120.
أعاذل قومي ما هويت فإنني ... .........................
وأيدها الشنقيطي في الدرر اللوامع 1/ 90.
العاذلة: اللائمة أوبي: عودي.(1/414)
"ص":
وحذف كان بعد "إن" أو"لو" ورد ... وبعد "أن" تعويض "ما" عنها استند1
من ذاك: "أما أنت ذا" وأربعه ... أوجه "إن خيرًا فخير"2 مقنعه
أجودها نصب بليه رفع ... والعكس واه لا عداك نفع
و"كان" واسمها نوى من قالا ... "أمرعت الأرض لو أن مالًا
لو أن نوقًا لك، أو جمالًا ... أو ثلة من غنم إما لا"
"ش": تحذف "كان" مع اسمها بعد "إن" ويبقى خبرها دليلًا عليها.
وكذلك يفعل3 بعد "لو".
فمن حذفها بعد "إن" قول النابغة:
167-
حدبت علي بطون ضنة كلها ... إن ظالمًًا فيهم وإن مظلومًا
__________
1 هكذا في الأصل وط وك وهـ وفي ع "استبد" وفي س وش "أشد".
2 ع "الخير".
3 ك وع "تفعل".
167- من الكامل "ديوان النابغة ص 179" من قصيدة يخاطب بها يزيد بن سنان المري إذ لاحاه فنماه إلى قضاعة.
ضنة: قبيلة من عذرة كان النابغة وأهل بيته ينسبون إليها، وفي الأصل "ضبة" وهو تحريف.(1/415)
وقالت ليلى الأخيلية:
168-
لا تقربن الدهر آل مطرف ... إن ظالمًا أبدًا وإن مظلوما
وقال آخر1:
169-
وأحضرت عذري عليه الشهو ... د إن عاذرًا لي وإن تاركا
__________
1 ك وع "وقال الآخر".
168- من الكامل "ديوان ليلى الأخيلية ص 109" والأبيات أوردها أبو تمام في حماسته ص 391 جـ2، وفي شرح المرزوقي 1609.
وفي الأمالي قال القالي: 1/ 140 وقرأت على أبي بكر بن دريد لليلى الأخيلية، وقال لي: كان الأصمعي يرويها لحميد بن ثور الهلالي.
قال أبو علي فكذا وجدته بخط ابن زكريا وراق الجاحظ في شعر حميد.
ثم ذكر القالي -تسعة أبيات منها الشاهد.
169- من المتقارب من قصيدة قالها عبد الله بن همام "معاهد التنصيص للعباسي 1/ 285، سيبويه 1/ 132.
قال سيبويه: "فنصبه؛ لأنه عنى الأمير"
يعني سيبويه أن التقدير: إن كنت عاذرًا، وإن كنت تاركًا لذلك العذر.(1/416)
وقال النعمام بن المنذر:
170-
قد قيل ما قيل إن حقًا وإن كذبًا ... فما اعتذارك من شيء إذا قيلا
وفي الحديث: "التمس ولو خاتمًا" 1 أي: ولو كان الملتمس خاتمًا.
ومن مثل سيبويه: إلا طعام ولو تمرًا"، و"ائتني بدابة ولو حمارًا". أي: ولو كان.
قال سيبويه2: "وإن شئت رفعت، كأنك قلت: ولو يكون عندنا تمر ولو سقط إلينا تمر". هذا نصه.
وحذفت وجوبًا بعد "أَنْ" المفتوحة، وعوض منها3 "ما" كقول عباس بن مرداس:
__________
1 أخرجه البخاري باب النكاح 32، 40، وأبو داود باب النكاح 30، والترمذي باب النكاح 23، والنسائي باب النكاح 69، وأحمد 5/ 336 وابن ماجه 1/ 608.
2 ينظر كتاب سيبويه 1/ 136.
3 ك وع "عوض عنها".
170- من البسيط من أبيات قالها النعمان بن المنذر يجيب بها على أبيات الربيع بن زياد العبسي، والخطاب في اعتذارك للربيع.
والقول الذي قيل هو ما زعمه لبيد بن ربيعة من أن في است الربيع برص -في رجز قاله لينفر النعمان من مؤاكلة الربيع- "الخزانة 2/ 78".
ورواية السيوطي في همع الهوامع "قد قيل ذلك".
ورواية ك وع "فما اعتذارك من قول".(1/417)
171-
أبا خراشة أما أنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع
وقال آخر:
172-
أما أقمت وأما أنت مرتحلًا ... فالله يكلأ ما تأتي وما تذر
التقدير: لأن كنت ذا نفر، ولأن كنت مرتحلًا.
وفي الحديث:
"المرء مجزي بعمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر".
__________
171- من البسيط من أبيات قالها العباس بن مرداس السلمي يخاطب بها خفاف بن ندبة في ملاحاة وقعت بينهما "الديوان ص 58، الخزانة 2/ 80".
أبو خراشة: صحابي شهد فتح مكة ومعه لواء من بني سليم، كما شهد بعض الغزوات الأخرى واسمه خفاف بن ندبة، وهي أمه اشتهر بها، الضبع: الحيوان المعروف، وقد يراد به السنة المجدبة ولعله المراد هنا. ورواية ك وع "يأكلهم".
172- من البسيط قال صاحب الخزانة 2/ 83: هذا البيت مع اسفاضته في كتب النحو لم أظفر بقائله ولا تتمته، والله أعلم به.
الكلاءة: الحفظ.
ورواية الأصل "ما يأتي وما بذر" -بالمثناة التحتية.
وهو من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل 2/ 92.
وقد سقط الشطر الثاني من هـ.(1/418)
وفيه أربعة أوجه: هذا أجودها.
وتقديره: إن كان عمله1 خيرًا فجزاؤه2 خير.
وعكسه أضعف الوجوه، وتقديره3: إن كان في عمله خير، فيكون جزاؤه خيرًا4. والوجه الثالث، والرابع: نصبهما ورفعهما:
وتقدير نصبهما: إن كان عمله خيرًا فيكون جزاؤه5 خيرًا.
وتقدير رفعهما6: إن كان في عمله خيرًا فجزاؤه7 خير.
وأما قول الراجز:
173- أو ثلة من غنم إما لا
__________
1 هـ "عملها".
2 هـ "فجزك".
3 ع سقط "وتقديره".
4 هـ "حيزا".
5 هـ "جزك".
6 ك وع "وتقدير الرفع فيهما".
7 هـ "فجزاه".
173- هذا واحد من ثلاثة أبيات من مشطور الرجز ذكرها المصنف في النظم، ولم ينسبها هنا ولا في شرح التسهيل 1/ 60 كما لم ينسبها السيوطي في همع الهوامع 1/ 122، ولا الشنقيطي في الدرر ولا غيرهم ممن استشهد بها. وفي ع "إقالا" موضع "إمالا".
والثلة: مثلثة الفاء: جماعة الغنم.(1/419)
فتقديره: إن كنت لا تجدين1 غيرها، وكذا قول العرب: "افعل ذلك إما لا" تقديره: إن كنت2 لا تفعل غيره.
"ص":
واقرن إذا شئت بـ"إلا" بعد ما ... بنفي جوازًا خبرًا قد سلما
من كونه لا يقبل الإيجابا ... نحو "يعيج" فاعرف الأسبابا
وفه إذا أوجبت ما "ليس" نفى ... كمثل: "ليس الحر إلا من وفى"
ونحو: "لم يزل" ينافي ذاكا ... فاستعمل التأويل إن أتاكا
و"يك" في "يكن" أجز ما لم تصل ... بساكن والحذف نزرًا3 قد نقل
"ش": إذا دخل على غير "زال" وأخواتها من أفعال هذا الباب ناف فالمنفي4 هو الخبر نحو: "ما كان زيد عالمًا".
__________
1 ع "لا تجد".
2 ع سقط "كنت".
3 ط "نزر".
4 ع "فالنفي".(1/420)
فإن قصد الإيجاب قرن الخبر بـ"إلا" نحو: "ما كان زيد1 إلا جاهلًا.
فإن كان الخبر من الكلمات الملازمة للنفي نحو: "يعيج" لم يجز أن يقرن بـ"إلا"، فلا يقال في: "ما كان2 زيد يعيج بدواء": "ما كان زيد إلا يعيج".
لأن "يعيج" من الكلمات التي تلازم النفي. ومعنى "يعيج": ينتفع.
وحكم "ليس" حكم "ما كان" في كل ما ذكرناه.
وأما "زال" وأخواتها فنفيها إيجاب، فلا يقرن3 خبرها بـ"إلا" كما لا يقرن4 بها خبر "كان" الخالية من نفي لتساويهما في اقتضاء ثبوت الخبر.
وما أوهم خلاف ذلك فمؤول كقول الشاعر:
174-
حراجيج ما تنفك إلا مناخة ... على الخسف أو نرمي بها بلدًا قفرا
__________
1 سقط من الأصل "زيد".
2 هـ "مكان" موضع "ما كان".
3 و "4" ك وع "يقترن".
174- من الطويل قاله ذو الرمة من قصيدة طويلة "الديوان 240" حراجيج: جمع حرجوج: الناقة الطويلة الجسيمة، وقيل الشديدة.
الخسف: الجوع وهو أن تبيت من غير علف.
وفي شرح التسهيل ذكر المصنف 1/ 58 في هذا البيت أربعة أوجه: هذين الوجهين والثالث: أن تكون "إلا" زائدة -وهو قول ابن جني في المحتسب 1/ 328.
والرابع: أن ذا الرمة أخطأ بإيقاع "إلا" موقعًا لا يصلح إيقاعها فيه -ثم قال: وهذا أضعف الأقوال.(1/421)
أي: ما تنفصل عن الإتعاب إلا في حال إناختها على الخسف إلى أن نرمي1 بها بلدًا قفرًا.
فـ"تنفك "هنا تامة لا ناقصة. ويجوز أن تكون الناقصة، وخبرها "على الخسف".
و"مناخة" منصوب على الحال فيكون التقدير:
لا تنفك على الخسف2 أو نرمي3 بها بلدًا قفرًا إلا في حال إناختها.
وإلى هذا الإشارة بقولي:
...................................... ... فاستعمل4 التأويل إن أتاكا
ثم بينت اختصاص "كان" في حال الجزم بسقوط نونها. فإن ذلك جائز فيها لكثرة استعمالها. وذلك نحو قوله -تعالى: {وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} 5.
__________
1 في الأصل "يرمي".
2 ع سقط ما بين القوسين.
3 ك وع "يرمي".
4 في الأصل "واستعمل".
5 من الآية رقم "127" من سورة "النحل".(1/422)
فإن وصلت بساكن ردت نونها كقوله -تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} 1.
ولا يجيز2 سيبويه سقوط النون عند ملاقاة ساكن.
وقد أجازه يونس، وهو قليل ومنه قول الشاعر:
175-
فإن لم تك المرأة أبدت وسامة ... فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم
"ص":
والخبر المنفي -غالبًا- يجر ... كـ"لست بابني حيث لم تكن ببر"
وذكر "إلا" مانع كـ"ليس ذا ... إلا امرؤ لم يخل من كف الأذى
"ش" الخبر المنفي: يعم خبر "ليس" وخبر "ما" الحجازية، وخبر "كان" وأخواتها إذا دخل عليها نفي.
ولا يدخل في ذلك خبر "ما زال" وأخواتها؛ لأن نفيها أوجب ثبوت أخبارها.
فدخول الباء بعد "ليس" و"ما" كثير.
__________
1 من الآية رقم 1 من سورة البينة.
2 ك وع "ولم يجز".
175- من الطويل ينسب للخنجر بن صخر الأسدي "ينظر العيني 2/ 63 والمقتضب 3/ 167، والإنصاف 422. وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 60.(1/423)
وأما دخولها بعد "كان" المنفية فكقول الشنفرى:
176-
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
وقد دخلت -أيضًا- على ثاني المفعولين1 في باب "ظن" لكونه منفيًا كقول الشاعر:
177-
دعاني أخي والخيل بيني وبينه ... فلما دعاني لم يجدني بقعدد
فإن انتقض النفي بـ"إلا" امتنعت الباء نحو: "ليس زيد إلا قائمًا".
"س":
ومبطل "إلا" لدى تميم ... إعمال "ليس" فارو ذا تتميم
يقال: "ليس البر إلا ذو التقى" ... والنصب مختار فكن محققًا
__________
1 ع "المفعول".
176- من الطويل من لامية العرب للشنفرى الأزدي "لامية العرب ص 29".
والجشع: أشد الحرص. "أعجب العجب في شرح لامية العرب للزمخشري ص 19".
177- من الطويل من قصيدة دريد بن الصمة في رثاء أخيه عبد الله بن الصمة وله قصة مبسوطة في موضعها "العيني 2/ 121".
القعدد: الجبان الرعديد: أو الخامل.(1/424)
"ش": حكى أبو محمد بن السيد: أن أبا عمرو بن العلاء أخبر: أن بني تميم يقولون1: "ليس الطيب إلا المسك" -بالرفع- وأن تكلمهم بذاك2 وأمثاله ذائع.
وقد أشار سيبويه إلى أن من العرب من يجري "ليس" مجرى "ما" في "باب حروف أجريت مجرى حروف3 الاستفهام". فقال في ذلك الباب.
"وقد زعم بعضهم أن "ليس" يجعل كـ"ما" وذلك قليل.
يجوز أن يكون منه: "ليس خلق الله أشعر منه" و"ليس قالها زيد"4.
"ص":
وما على المجرور بالبا نسقا ... فانصب وإن تجرره فهو المنتقى
__________
1 ك ع "تقول".
2 ك ع وهـ "بذلك".
3 ك ع "حرف".
4 ينظر كتاب سيبويه 1/ 73.
ثم قال سيبويه:
"هذا كله سمع من العرب، والوجه والحد أن تحمله على أن في "ليس" إضمارًا، وهذا مبتدأ كقوله: "إنها أمة الله ذاهبة".
ثم قال: "إلا أنهم زعموا أن بعضهم قال: "ليس الطيب إلا المسك" و"ما كان الطيب إلا المسك".
ومن هنا يعلم أن سيبويه ممن أثبت "ليس الطيب إلا المسك -بالرفع".(1/425)
وحيث يتلو سببي ما عطف ... فزد مع1 الوجهين رفع المنعطف
كـ"ليس عامر بمستهام ... ولا ملم قلبه بذام"
وربما قدرت البا فولي ... معطوف الذ مع لفظها2 يلي
وقبل أجنبي ارفع بعد "ما" ... وبعد "ليس" -مطلقًا- فيه احكما
من بعد با كـ"لست بالواني3 ولا ... غمرًا 4 أنا" والجر عمرو حظلا
"ش": المعطوف على الخبر المجرور بالباء الزائدة التي تقدم ذكرها، يجوز جره حملًا على اللفظ -وهو المختار، ويجوز نصبه على المحل، فيقال: "ليس زيد بقائم، ولا نائم، ولا نائمًا".
فإن تلا المعطوف سببي، أي: ملابس لضمير المخبر عنه جاز فيه مع الوجهين: الرفع على أن يكون خبرًا مقدمًا، وما بعده مبتدأ نحو: "ما زيد قائمًا، ولا نائمًا أبوه"، ومثله:
__________
1 ع "على الوجهين".
2 ط "لفظه".
3 جـ "بالوافي".
4 س "عمرا أنا".(1/426)
"ليس عامر بمستهام ... ولا ملم قلبه بذام
يجوز جر "ملم"، ونصبه، ورفعه
فلو كان المعطوف عليه منصوبًا لجاز في المعطوف عليه1 ما جاز في المعطوف على2 المجرور.
أما غير الجر فظاهر.
وأما الجر فعلى تقدير وجود الباء، ومنه قول زهير:
178-
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئًا إذا كان جائيًا
يروى بجر "سابق" ونصبه. وأمثاله كثيرة.
ولو كان بعد ما يلي العاطف مخبر3 عنه أجنبي جاز جعله مبتدأ مقدم الخبر.
__________
1 هكذا في جميع النسخ.
2 ك وع سقط "المعطوف على" فأصبحت العبارة "ما جاز في المجرور".
3 ع "مخبرًا".
178- هذا بيت من الطويل نسبه المصنف لزهير بن أبي سلمى، وقد نسب إلى زهير في كتاب سيبويه 1/ 83، 418، 429، 452، 2/ 278 ثم نسب إلى صرمة الأنصاري 1/ 154. وهو في ديوان زهير 287.(1/427)
واسمًا لـ"ليس" والخبر: ما يلي العاطف، والجملة معطوفة على الجملة1.
ويجوز جر الخبر الثاني إذا جر الأول عند الأخفش2، لا عند3 سيبويه4.
__________
1 جاءت حاشية في الهامش في نسخة الأصل للمصنف هذا نصها:
"ولو كان بعد "لا" أجنبي جاز جعل الأجنبي معطوفًا على اسم "ليس"، وتعين حينئذ نصب ما ولي العاطف؛ لأنه معطوف على خبر "ليس"؛ لأن خبر "ليس" يجوز تقديمه على اسمها.
وجاز أن يجعل ما بعد العاطف مبتدأ وخبرًا.
وهذا الوجه متعين مع "ما"؛ لأن خبر "ما" لا يتقدم على اسمها.
وهذا حاصل قولي:
وقبل أجنبي ارفع بعد "ما" ... وبعد ليس مطلقًا فيه احكما
ثم ذكرت المثال فيما بعد".
2 قال المبرد عند حديثه عن بيت النابغة الجعدي الآتي "المقتضب 4/ 195". وأما الخفض فيمتنع؛ لأنك تعطف بحرف واحد على عاملين، وهما: الباء و"ليس".
فكأنك قلت: "زيد في الدار" و"الحجرة عمرو"، فتعطف على "في" والمبتدأ.
فكان أبو الحسن الأخفش يجيزه.
وقد قرأ بعض القراء: {وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .
فعطف على "إن" وعلى "في".
وهذا عندنا غير جائز".
3 سقط من الأصل "عند".
4 قال سيبويه في حديثه عن بيت النابغة الآتي بعد أن ضبط "مستنكر" =(1/428)
والقول في ذلك قول الأخفش، لاستعمال العرب إياه كقول الشاعر:
179-
وليس بمعروف لنا أن نردها ... صحاحًا ولا مستنكر أن تعقرا
فإن كان العامل "ما" تعين جعل الأجنبي، وما قبله مبتدأ وخبرًا.
__________
-بالرفع- "1/ 32 وما بعدها":
"كأنه قال: ليس بمعروف لنا ردها صحاحًا، ولا مستنكر عقرها. والعقر ليس للرد.
ويجوز أن يجر ويحمله على الرد ويؤنث؛ لأنه من الخيل.
ثم قال: وإن شئت نصبت فقلت: "ولا مستنكرًا".
179- من الطويل قائله النابغة الجعدي "الديوان ص 72" وروايته:
....................................... ... ................ ولا مستنكرًا..........(1/429)
باب "ما" و"لا" و"إن" المشبهات بـ"ليس":
"ص":
أهل الحجاز ألحقوا بـ"ليس" "ما" ... إن عدمت "إلا" و"إن" وقدما
ذو خبر، وإن تؤخره بطل ... إعمال "ما"، كذاك يبطل العمل
بكون الاسم بعد معمول الخبر ... وبعد ظرف أبقه، أو حرف جر
"ش": ألحق أهل الحجاز "ما" النافية بـ"ليس" في العمل، فجعلوا لها اسمًا مرفوعًا، وخبرًا منصوبًا، وبلغتهم نزل القرآن، قال الله -تعالى: {مَا هَذَا بَشَر} 1. وقال -تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِم} 2. وشرط في إلحاقها بـ"ليس"3 أربعة شروط:
__________
1 من الآية رقم 31 من سورة يوسف.
2 من الآية رقم 2 من سورة المجادلة.
وقد قرأ "أمهاتهم" -برفع التاء- المفصل عن عاصم.
وقرأ ابن مسعود "ما هن بأمهاتهم" مختصر ابن خالويه ص 153".
3 ك وع "ولا لحاقها بليس".(1/430)
أحدها: بقاء النفي، فلا عمل لها عند زواله، كقوله -تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُول} 1. والثاني: عدم "إن"، فلا عمل لها عند وجودها كقول الشاعر:
180-
بني غدانة ما إن أنتم ذهب ... ولا صريف، ولكن أنتم خزف
والثالث: تأخر2 الخبر، فلا عمل لها -غالبًا- عند تقدمه كقولك: "ما قائم زيد".
والرابع: عدم تقدم3 معمول الخبر، فلا عمل لها إذا تقدم4، ولم يكن ظرفًا5، ولا جارًا ومجرورًا6 كقولك: "ما طعامك زيد آكل".
__________
1 من الآية رقم 144 من سورة آل عمران.
2 هـ "تأخير".
3 ع "تقديم".
4 ع ك "فلا تعمل إذا تقدم".
5 زادت ع "ولم يكن ظرفًا ولا خبرًا".
6 هـ "ولا مجرورًا".
180- من البسيط لم ينسبه أحد إلى قائله مع كثرة المستشهدين به من النحاة. غدانة: حي من يربوع.
الصريف: الفضة.
الخزف: ما عمل من الطين وشوي بالنار حتى يكون فخارًا.
"والبيت من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ ص 27 وشرح التسهيل 1/ 60 وهو في الخزانة 2/ 124 واللسان 11/ 91 والمقاصد النحوية 2/ 91 والمغني 1/ 24 وهمع الهوامع 1/ 123".(1/431)
فلو كان المفعول ظرفًا، أو جارًا ومجرورًا1 لم تبال2 بتقدمه نحو3 قولك: "ما عندك زيد مقيمًا".
"ص":
ورفع "ما بها زيد" بـ"ما" ... وموضع المجرور نصب زعما
وذاك فيه نظر، والمنعطف ... هنا على المنصوب إن بـ"بل" عطف
أو "لكن"4 ارفعه، ونصب ربما ... جاء هنا في خبر تقدما
"ش" من النحويين من يرى بقاء عمل "ما" إذا تقدم خبرها وكان ظرفًا أو جارًا أو مجرورًا، وهو اختيار أبي الحسن ابن عصفور، فإلى5 هذا المذهب6 أشرت بقولي:
ورفع "ما بها زيد" بـ"ما" ... وموضع المجرور نصب7
__________
1 هـ "أو مجرورًا".
2 ع وهـ "لم يبال".
3 ع وهـ "بتقديمه".
4 طـ "ولكن".
5 ع "وإلى".
6 سقط من ع وك "المذهب".
7 ك وع زادتا "نصب زعما".(1/432)
وإذا عطف على خبر "ما" بـ"بل" أو"لكن" وجب رفع المعطوف؛ لأنه مثبت كالمقرون بـ"إلا" فاشتركا في الرفع نحو:
"ما زيد قائمًا بل قاعد"، و"ما عمرو كريمًا لكن بخيل".
ومن العرب من ينصب الخبر متقدما1، أشار إلى ذلك سيبويه.
وسوى بينه وبين قول من قال: "ملحفة جديدة". بالتاء -وبين قول من قال: {وَلاتُ حِينَ مَنَاص} 2 -بالرفع.
فإن المشهور: "ملحفة جديد"3 -بلا تاء- و {لَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} -بالنصب- وأنشد سيبويه4 شاهدًا على ذلك5:
181-
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش وإذ مثلهم بشر6
__________
181 - من البسيط سبق في باب كان وأخواتها.
1 ك ع "مقدما".
2 من الآية رقم 3 من سورة ص وينظر سيبويه 1/ 29.
3 ع هـ "جديدة".
4 هـ ك ع زادت "للفرزدق".
5 ك وع سقط "على ذلك".
6 قال سيبويه في الكتاب 1/ 29:
"وتقول: "ما زيد إلا منطلقًا" تستوي فيه اللغتان "يعني سيبويه لغة الحجازيين ولغة التميميين".
ومثله قوله -عز وجل: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} لم تقو "ما" حيث نقضت معنى "ليس" كما لم تقو حين قدمت الخبر.(1/433)
"ص":
وما لـ"ما" عند تميم عمل ... لأنها حرف لديهم مهمل
وبعد بالبا قد يجرون الخبر ... كغيرهم وذا كثير1 اشتهر
وجاء مجرورًا بباء بعد "إن" ... كـ"ما إن الله بغافل" فدن
وجرت2 البا خبرًا من بعد "هل" ... وذو انتصار من بهذين استدل
"ش": لغة بني تميم في تركهم3 إعمال "ما" أقيس من لغة أهل الحجاز.
__________
= فمعنى "ليس" النفي، كما أن معنى "كان": الواجب، وكل واحد منهما يعني "كان" و"ليس" إذا جردته فهذا معناه.
فإن قلت "ما كان" أدخلت عليها ما ينفي به، فإن قلت "ليس زيد إلا ذاهبًا" أدخلت ما يوجب كما أدخلت ما ينفي.
فلم تقو "ما" في باب قلب المعنى كما لم تقو في تقديم الخبر.
وزعموا أن بعضهم قال وهو الفرزدق.
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذا هم قريش وإذ ما مثلهم بشر
وهذا لا يكاد يعرف كما أن "لات حين مناص" كذلك.
وربما شيء هكذا وهو كقول بعضهم "هذه ملحفة جديدة" في القلة.
1 هـ "كبير" وع "كثيرًا".
2 هـ "وجرب".
3 ك وع "في ترك".(1/434)
كذا قال سيبويه.
وهو كما قال؛ لأن العامل حقه أن يمتاز من غير العامل بأن يكون مختصًا بالأسماء إن كان من عواملها كحروف الجر، ومختصًا بالأفعال إن كان من عواملها كحروف الجزم، وحق ما لا يختص كـ"ما" النافية ألا يكون عاملًا1.
إلا أن شبها بـ"ليس" سوغ إعمالها إذا لم يعرض مانع من الموانع المذكورة2.
وزعم أبو علي أن دخول الباء الجارة على الخبر مخصوص بلغة أهل الحجاز، وتبعه في ذلك الزمخشري3:
__________
1 هـ "عالمًا".
2 قال سيبويه في الكتاب 1/ 28:
"هذا باب ما أجري مجرى "ليس" في بعض المواضع بلغة أهل الحجاز: ثم يصير إلى أصله، وذلك الحرف "ما".
تقول: "ما عبد الله أخاك"، و"ما زيد منطلقًا".
وأما بنو تميم فيجرونها مجرى "أما" و"هل" أي: لا يعملونها في شيء وهو القياس؛ لأنه ليس بفعل، وليس "ما" كـ"ليس" ولا يكون فيها إضمار.
وأما أهل الحجاز فيشبهونها بـ"ليس" إذ كان معناها كمعناها".
3 قال الزمخشري في المفصل في باب خبر "ما" و"لا" المشبهتين بـ"ليس": "ودخول الباء في الخبر نحو قولك: "ما زيد بمنطلق" إنما يصح على لغة أهل الحجاز؛ لأنك لا تقول: "زيد بمنطلق".
قال ابن يعيش 2/ 116.
"يريد أن ما بعد "ما" التميمية مبتدأ وخبر والباء لا تدخل في خبر المبتدأ، وهذا فيه إشارة إلى مذهب الكوفيين.
وليس بسديد، وذلك؛ لأن الباء إن كان أصل دخولها على "ليس" و"ما" محمولة عليها لاشتراكهما في النفي فلا فرق بين الحجازية والتميمية في ذلك.
وإن كانت دخلت في خبر "ما" بإزاء اللام في خبر "إن" فالتميمية والحجازية في ذلك سواء".(1/435)
والأمر بخلاف ما زعماه لوجوه1:
أحدها: أن أشعار بني تميم تتضمن دخول الباء على الخبر كثيرًا، منه قول الفرزدق2 أنشده سيبويه3:
182-
لعمرك ما معن بتارك حقه ... ولا منسئ معن ولا متيسر
ولو كان دخولها على الخبر مخصوصًا4 بلغة أهل الحجاز ما وجد في لغة غيرهم.
الثاني: أن الباء إنما دخلت على الخبر بعد "ما" لكونه منفيًا، لكونه خبرًا منصوبًا.
يدل على ذلك دخولها في نحو: "لم أكن بقائم"، وامتناع
__________
1 ك وع "زعمًا".
2 ك وع "قول العرب".
3 الكتاب 1/ 30.
4 ك وع "مخصوص".
182- من الطويل قاله الفرزدق في هجاء معن وهو رجل كلاء بالبادية "الديوان 384" منسئ: مؤخر.(1/436)
دخولها في نحو: "كنت قائمًا".
وإذا ثبت كون المسوغ لدخولها النفي، فلا فرق بين منفي1 منصوب المحل، ومنفي مرفوع المحل.
الثالث: أن الباء المذكورة قد ثبت دخولها بعد بطلان العمل بـ"إن" كقول الشاعر:
183- لعمرك ما إن أبو مالك
بواه ولا بضعيف قواه
فكما دخلت على الخبر المرفوع بعد "إن" لكونه منفيًّا كذلك تدخل2 على الخبر المرفوع دون وجود "إن" وهو ما أردناه.
وقد دخلت -أيضًا- على الخبر المرفوع بعد "هل" كقوله:
__________
1 ع سقط "منفي".
2 هـ "يدخل".
183- من المتقارب قاله المتنخل الهذلي في مطلع قصيدة يرثي بها أباه "ديوان الهذليين 2/ 29" ورواية الديوان.
....................................... ... بوان...............................
أبو مالك: أبو الشاعر واسمه عويمر بن عثمان.
ورواية هـ........................ أبوك ... ........................................(1/437)
184-
تقول إذا اقلولى عليها وأفردت ... ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم
وإذا دخلت على الخبر بعد "هل" لكون "هل" تشبه النافي، فلأن تدخل على الخبر بعد النافي نفسه أحق وأولى.
بل قد دخلت على الخبر المرفوع بعد "لكن" "كقول الشاعر:
185-
ولكن أجرًا لو فعلت بهين ... وهل ينكر المعروف في الناس والأجر
وبعد "إن" كقول امرئ القيس:
__________
184- من الطويل قال الفرزدق من قصيدة يهجو فيها جريرًا وبني كليب رهطه، ويعيرهم بإتيان الأتن والضمير في عليها يعود إلى الإتان في البيت السابق وهو:
وليس كليبي إذا جن ليله ... إذا لم يجد ريح الأتان بنائم
"الديوان ص 863 نشر الصاوي"
اقلولى: ارتفع عليها. أقردت: سكنت.
ورواية الأصل "يقول" ورواية باقي النسخ "تقول".
185- من الطويل قال العيني في المقاصد النحوية، هذا أنشده أبو علي وأبو الفتح ولم يعزواه إلى أحد "2/ 134".
وهو في شرح المفصل 8/ 139، والخزانة 4/ 160، وهمع الهوامع 1/ 127.(1/438)
186-
فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها ... فإنك -مما أحدثت- بالمجرب
وبعد "أن" المفتوحة1 كقوله -تعالى2: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} 3
"ص":
وأعملوا4 في النكرات "لا" كـ"ما" ... مثاله: "لا ذو ارتياب مسلما"5
و"لا أنا باغيًا" آت عن ثقة ... وفيه بحث بارع من حققه
واسما لـ"لات": الحين" محذوفًا جعل ... ونصب "حين" خبرًا بعد نقل
__________
186- من الطويل قاله امرئ القيس "الديوان 42".
والضمير في "عنها" لأم جندب امرأة امرئ القيس، وتقدم ذكرها قبل البيت الشاهد. وهو:
خليلي مرا بي على أم جندب ... نقض لبانات الفؤاد المعذب
وللقصيدة قصة مبسوطة في موضعها.
الحقبة: السنة وأراد بها الحين.
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 من الآية رقم "33" من سورة "الأحقاف".
3 هـ وك وع سقط "على أن يحيى الموتى".
4 هـ "وأعلموا".
5 هكذا في الأصل -وفي باقي- النسخ "لا معتد مسلمًا".(1/439)
وقد يري المحذوف بعد خبرًا ... والثابت اسمًا حيث مرفوعًا جرى
في "لات هنا" ما لـ"لات" عمل ... وبعضهم "هنا" لها اسمًا يجعَلُ
"ش": إلحاق "لا" بـ"ليس" في العمل عند من "قال به -وهم البصريون- مخصوص بالنكرات، كقولك: "لا رجل خيرًا من زيد" و"لا عمل أنفع من طاعة الله".
ومنه قول الرجل من الصحابة -رضي الله عنهم1- يقال له سواد بن قارب:
187-
وكن لي شفيعًا يوم لاذو شفاعة ... بمغن فتيلًا عن سواد بن قارب2
وذكر الشجري أنها عملت في معرفة، وأنشد للنابغة الجعدي3:
__________
1 هـ سقط "رضي الله عنهم".
2 جاء بعد هذا البيت في ع وك "ومثله:
تعز فلا شيء على الأرض باقيًا ... ولا وزر مما قضى الله واقيًا
3 الأمالي الشجرية 1/ 282.
187- من الطويل من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ 28، وشرح التسهيل 1/ 61. والسيوطي في همع الهوامع 1/ 127. وذكره العيني 2/ 114 وصاحب الجمهرة 21.(1/440)
188-
وحلت سواد القلب لا أنا باغيًا ... سواها ولا في حبها متراخيًا
ويمكن عندي أن يجعل "أنا" مرفوع فعل1 مضمر ناصب "باغيًا" على الحال تقديره: لا أرى باغيًا، فلما أضمر الفعل برز الضمير، وانفصل.
ويجوز أن يجعل2 "أنا" مبتدأ، والفعل المقدر بعده خبرًا ناصبًا "باغيًا" على الحال.
ويكون هذا من باب الاستغناء بالمعمول عن العامل لدلالته عليه.
نظائره كثيرة، منها قولهم: "حكمك مسمطًا"3، أي:
حكمك لك مسمطًا أي: مثبتًا. فجعل "مسمطًا" -وهو حال-
__________
1 ع "مرفوع فعله".
2 ع ك "تجعل".
3 هذا مثل رواه الأزهري في تهذيب اللغة مادة "سمط" قال:
"من أمثال العرب السائرة قولهم للرجل يجيزون حكمه "حكمك مسمطًا".
قال المبرد: هو على مذهب لك حكمك مسمطًا. قال: معناه: مرسلًا، يعني جائزًا.
188- من الطويل، ينظر ديوان النابغة الجعدي ص 171.
باغيًا: طالبًا. متراخيًا: متهاونًا.
ورواية الشجري هي رواية الديوان
.............................. ... ولا عن حبها.......................(1/441)
مغنيًا عن1 عامله مع كونه غير فعل، فإن يعامل2 "باغيًا" بذلك وعامله فعل أحق وأولى.
وأما "لات" فإنهم رفعوا3 بها "الحين" اسمًا، ولا يكادون يلفظون به بل بآخر منصوب خبرًا كقوله -تعالى: {فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاص} 4.
أي: و5ليس الحين حين مناص.
و6 لا بد من تقدير المحذوف معرفة؛ لأن المراد نفي كون الحين الحاضر حينًا ينوصون فيه أي: يهربون، أو يتأخرون.
وليس المراد نفي جنس حين المناص.
ولذلك كان رفع الحين الموجود شاذًّا؛ لأنه7 محوج إلى تكلف مقدر8 يستقيم به المعنى، مثل أن يقال: معناه ليس حين
__________
1 هـ "معينًا".
2 هـ "نعامل".
3 ع ك "يرفعون".
4 من الآية رقم 3 من سورة ص.
5 هـ سقطت الواو من "وليس".
6 ك وع سقطت الواو من "ولا بد".
7 ك وع "لا أنه".
8 ك وع سقط "مقدر".(1/442)
مناص1 موجودًا لهم حين2 تناديهم ونزول ما نزل بهم. إذ قد كان لهم قبل ذلك حين مناص، فلا يصح نفي جنسه مطلقًا، بل مقيدًا.
وقد نبهت على شذوذ رفع الحين -الثابت- اسمًا وجعل المحذوف خبرًا بقولي:
وقد يرى المحذوف بعد خبرا ... والثابت3 اسمًا حيث مرفوعًا جرى4
لأن "قد" تدل مع المضارع على التقليل.
وقد تقع5 "ساعة" و"أوان" بعد "لات"، فوقوع "ساعة"6 كقول الشاعر7:
189-
ندم البغاة ولات ساعة مندم ... والبغي مرتع مبتغيه وخيم
__________
1 ك وع سقط "مناص".
2 ك وع "عند تناديهم" موضع "حين تناديهم".
3 في الأصل "والتأنيث" موضع "والثابت".
4 في الأصل سقط "حيث مرفوعًا جرى".
5 الأصل "يقع".
6 الأصل سقط "فوقوع ساعة".
7 هـ "رجل من طيئ".
189- من الكامل نسبه العيني، 2/ 146 إلى محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله قال: ويقال: إن قائله مهلهل بن مالك الكناني.(1/443)
وأنشد الفراء والأخفش1:
190-
طلبوا صلحنا ولات أوان ... فأجبنا أن ليس حين بقاء
أي: ليس الأوان أوان صلح، فحذف المضاف إليه "أوان" منوي الثبوت. وبني كما فعل بـ"قبل" و"بعد".
إلا أن "أوانا" لشبهه بـ"نزال" وزنًا بني على الكسر، ونون اضطرارًا.
وأما "لات" الواقع بعدها "هنا" كقوله:
__________
1 الأصل سقط "الأخفش".
190- من الخفيف من قصيدة لأبي زبيد الطائي النصراني "الديوان ص 30" وللقصيدة التي منها البيت قصة، وطلبوا جواب لما في البيت قبله وهو
بعثوا حربنا إليهم وكانوا ... في مقام لو أبصروا ورخاء
ثم لما تشذرت وأنافت ... وتصلوا منها كريه الصلاء
قال الفراء في معاني القرآن 2/ 397 وما بعدها:
"ومن العرب من يضيف فيخفض أنشدوني:
........................... لات ساعة مندم ... ...............................
ثم قال: وأنشدني بعضهم:
طلبوا صلحنا ولات أوان ... فأجبنا أن ليس حين بقاء
فخفض "أوان" فهذا خفض".(1/444)
191-
حنت نوار ولات هنا حنت ... وبدا الذي كانت نوار أجنت
فللنحويين فيها مذهبان:
أحدهما: أن "لات" مهملة لا اسم لها ولا خبر.
و"هنا" في موضع نصب على الظرفية؛ لأنه إشارة إلى مكان.
و"حنت" مع "أن" مقدرة قبلها في موضع رفع بالابتداء، والتقدير: حنت نوار ولا هنالك حنين. وهذا توجيه الفارسي. والوجه الثاني: أن يكون "هنا" اسم "لات"، و"حنت": خبرها على حذف مضاف. والتقدير: وليس ذلك الوقت وقت حنين.
وهذا الوجه ضعيف؛ لأن فيه إخراج "هنا" عن الظرفية، وهو من الظرف التي لا تتصرف.
وفيه -أيضًا- إعمال "لات" في معرفة ظاهرة1 وإنما تعمل في نكرة. وهو اختيار ابن عصفور.
__________
1 هكذا في ك وهـ وع وسقط من الأصل "ظاهرة".
191- ثاني بيتين من الكامل اختلف في نسبتهما إلى قائلهما فقيل هما: لشبيب بن جعيل وعلى هذا الآمدي في المؤتلف ص 115، وقيل: هما لحجل بن نضلة ولهما قصة ذكرت في الخزانة 2/ 158 وفي المقاصد النحوية 1/ 418.
أجنت: أخفت وسترت.(1/445)
"ص":
وملحق بـ"ما": "إن النافي لدى ... محمد فيه الكسائي أنشدا
إن هو مستوليًا -اعلم- وأبو ... بشر بإيماء إلى ذا يذهب
وبـ"إن الذين" مع "عبادًا ... أمثالكم" تلفي1 لذا اعتضادًا
"ش": لـ"إن" النافية -أيضًا- اسم مرفوع، وخبر منصوب إلحاقًا بـ"ما".
نص على ذلك أبو العباس محمد2 بن يزيد المبرد3، وأومأ سيبويه إلى ذلك دون تصريح بقوله في "باب عدة ما يكون عليه الكلم":
"ويكون4 "إن" كـ"ما" في معنى "ليس""5"". فلو أراد النفي دون العمل لقال: "ويكون "إن" كـ"ما" في النفي".
لأن النفي من6 معاني الحروف فـ"ما" به أولى من "ليس"؛ لأن "ليس" فعل، وهي حرف.
__________
1 ط "تلغى".
2 هـ "أحمد".
3 ينظر المقتضب جـ 1 ص 49 وما بعدها.
4 ع "وتكون".
5 ينظر كتاب سيويه 2/ 307.
6 ع "في معاني".(1/446)
بخلاف العمل فإن "ليس" فيه هي أصل1 لـ"ما" و"لا" و"إن"؛ لأنها فعل، وهن حروف.
ومما يقوي إعمال "إن" إذا نفي بها ما أنشده2 الكسائي من قول الشاعر:
إن هو مستوليًا على أحد ... إلا على أضعف المجانين
ويروى:
........................... ... إلا على حزبه الملاعين
وإلى هذا أشرت بقولي:
...................... ... ...................... فيه الكسائي أنشدا
192-
إن هو مستوليًا................. ... .......................................
وذكر أبو الفتح في المحتسب أن سعيد بن جبير3 قرأ: {إِنَّ الَّذِيْنَ
__________
1 ك وع "الأصل".
2 ك وع "أنشد".
3 سعيد بن هشام الأسدي الوالبي التابعي، عرض على ابن عباس قتله الحجاج سنة 95 هـ. تقريبًا.
192- من المنسرح اشتهد به المصنف في شرح عمدة الحافظ ص 28 وشرح التسهيل 1/ 61، وروايته هناك هي رواية هنا، وقد ذكر هنا رواية ثانية وفي البيت رواية ثالثة هي رواية الخزانة 2/ 143.
......................................... ... إلا على حزبه المناحيس(1/447)
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} 1.
"على أن "إن" نافية، رفعت "الذين" اسمًا.
ونصبت2 "عبادًا3" خبرًا وَنَعْتًا.
والمعنى: ليس الأصنام الذين يدعون4 من دون الله عبادًا أمثالكم في الاتصاف بالعقل5.
فلو كانوا أمثالكم فعبدتموهم6 لكنتم بذلك مخطئين7 ضالين. فكيف حالكم في عبادة من هو دونكم بعدم الحياة8 والإدراك؟
__________
1 من الآية رقم "194" من سورة "الأعراف":
قال أبو الفتح "2/ 270 المحتسب":
"ينبغي والله أعلم -أن تكون "إن" هذه بمنزلة "ما" فكأنه قال: "ما الذين تدعون من دون الله عبادًا أمثالكم.
فأعمل "إن" إعمال" "ما" وفيه ضعف؛ لأن "إن" هذه لم تختص بنفي الحاضر اختصاص "ما" به فتجري مجرى "ليس" في العمل.
2 ك وع "ونصبت عبادًا أمثالكم".
3 سقط من الأصل ما بين القوسين.
4 ع وك "الذين تدعون".
5 ع "في الإنصاف بالفعل".
6 ك وع "فعبدتموهن".
7 هـ "لكنتم بذلك مخلصين".
8 ع تكرر قوله "من هو دونكم بعدم الحياة".(1/448)
باب أفعال المقاربة:
"ص":
وهاك أفعالًا إلى المقاربه ... تعزى ومع "كان" لها مناسبه
وكاسمها اسمهن لكن الخبر ... هنا مضارع، ومفردًا1 ندر
نحو "عسيت صائمًا" ونقلا ... "عسى الغوير أبؤسا" تمثلًا
وخبر "مرتعها قريب" ... لـ"جعلت" وبيته غريب
والتزم التجريد في أخبار2 ما ... يعني به الشروع من تكلما
كـ"هب" "أنشأ" "جعلت" و"طفق" ... "طبق" بعده "أخذت" و"علق"3
__________
1 ك وع "مفرد".
2 ك وع "خبر".
3 هكذا في الأصل وفي ط جاء كما يلي:(1/449)
واقرن بـ"أن" بعد "حرى" و"اخلولقا" ... وقد ترى "أولى"1 بذين ملحقًا
و"أوشك" التخيير فيها و"كرب" ... كذا "عسى" و"كاد"2 دون "أن" غلب
ولـ"عسى" عكس وعند 3 ترك "أن" ... يعزو إليها خبرًا من قد فطن
كذاك غيرها وقد تستغني ... عن خبر بنحو أن تستثني
إن أسندت4 له كذاك "اخلولقا" ... وهكذا "أوشك" حيث اتفقا
"ش": الأفعال التي تسمى أفعال المقاربة مساوية لـ"كان" وأخواتها في النقصان5، واقتضاء، اسم مرفوع، وخبر منصوب.
__________
1 ع "وقد ترى أرى".
2 هـ "وكذا" موضع "وكاد".
3 ع "وعندي".
4 مع "استندت".
5 سقط من الأصل "النقصان".(1/450)
إلا أن الخبر هنا شذ1 وروده اسمًا منصوبًا، "أو من جملة اسمية مصدرة بـ"إذا". وإنما اطرد مجيء خبرها فعلًا مضارعًا.
فمن ورود الخبر اسمًا منصوبًا2 قول الراجز:
193-
أكثرت في العذل ملحًا دائمًا
194-
لا تكثرن إني عسيت صائمًا
"ويروى:
لا تلحني إني عسيت صائمًا"3
ومنه قول الزباء:
195-
عسى الغوير أبؤسَا4
__________
1 ك وع "يشذ".
2 سقط ما بين القوسين من الأصل ومن هـ.
3 سقط ما بين القوسين من الأصل ومن هـ.
4 الغوير: تصغير غار، أبؤس: شدائد.
193- 194- ورد هذا الرجز في ذيل ديوان رؤبة بن العجاج مما وجده ناشره في الكتب منسوبًا إليه ص 185.
قال أبو حيان: هذا البيت مجهول لم ينسبه أحد من الشراح إلى قائله، فسقط الاحتجاج به وكذلك قال عبد الواحد في كتابه "بغية الأمل ومنية السائل".
ولو كان الأمر كما زعما لسقط الاحتجاج بخمسين بيتا من كتاب سيبويه.
195- الغوير: ماء لكلب في ناحية السماوة، الأبؤس: جمع بؤس. وهذا من الأمثال العربية "ينظر مجمع الأمثال للميداني 1/ 424، واللسان مادة "غور وبأس".(1/451)
وقول تأبط شرًا:
196-
فأبت إلى فهم، وما كدت آئبًا ... وكم مثلها فارقتها، وهي تصفر
وقد يرد خبر "جعل" جملة اسمية كقول الشاعر:
197-
وقد جعلت قلوص بني سهيل ... من الأكوار مرتعها قريب
ومن ورود الخبر جملة1 مصدرة بـ"إذا" قول ابن عباس -رضي الله عنهما2:
"فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا".
__________
1 هـ "جملة اسمية".
2 هـ سقط "رضي الله عنهما" أخرج البخاري 65 كتاب التفسير، 26 سورة الشعراء، 2 باب وأنذر عشيرتك الأقربين.
196- من الطويل من جملة أبيات، رواها أبو تمام في حمساته 1/ 38 لتأبط شرًا ورواية التبريزي في شرح الحماسة "ولم أك" 1/ 81.
وابت: رجعت -وفهم: هو فهم بن عمرو بن قيس "عيلان" وهي قبيلة الشاعر والضمير في مثلها يعود إلى هذيل، والصفير كناية عن تأسفها لخلاصه منها.
197- من الوافر من قطعة ذكرها أبو تمام في حماسته 1/ 170 ولم ينسبها، ولم يعزها العيني 2/ 170 إلى قائل معين.
القلوص: الناقة الشابة. الأكوار: الرحال.(1/452)
والمطرد1 في أخبار هذا2 الباب ورودها بلفظ الفعل المضارع مجردًا من "أن" بعد "جعل" و"أخذ" و"طفق" و"طبق" و"علق" و"هب" و"أنشأ".
وهذه السبعة هي للشروع3 في الفعل.
ويقرن بـ"أن" مع "حرى" و"اخلولق" و"أولى" عند من أثبتها مستشهدًا بما أنشد4 الأصمعي5 من قول الشاعر:
198-
فعادى بين هاديتين منها ... وأولى أن يزيد على الثلاث
أي: قارب
واستعمل الخبر بالتجريد أو الاقتران بعد "عسى" و"كاد"
__________
1 ع "وهو المطرد".
2 ع تكرر "هذا".
3 ع "المشروع".
4 ك وع "أنشده".
5 عبد الملك بن قريب بن أصمع أبو سعيد، الباهلي، إمام في اللغة، والنحو، وأشعار العرب وأخبارها توفي سنة 216 هـ.
198- من الوافر أنشده الأصمعي، ولم يعزه كما ذكره ابن فارس في مقاييس اللغة 6/ 141 ولم ينسبه أيضًا، و"أولى" هنا غير "أولى" المستعمل مع اللام في قولهم "أولى له" فهو اسم للوعيد أما هنا فهو أفعل تفضيل من الولي وهو القرب.
عادى: وإلى بين الصيدين يصرع أحدهما على إثر الآخر هاديتين: تثنية هادية وهي أول الوحش، أولى أن يزيد على الثلاث: كاد يفعل ذلك.(1/453)
و"كرب" و"أوشك". فلك أن تقول: "عسى زيد أن يفعل، وعسى زيد1 يفعل" وكذا الثلاثة2 البواقي.
إلا أن "عسى أن يفعل" أكثر من "عسى يفعل". و"كاد" بالعكس.
والأمران في "أوشك" و"كرب" على السواء، أو مقاربان له.
وصرح سيبويه3 بأن "عسى يفعل" وشبهه بمنزلة: "كان يفعل". "4في اقتضاء اسم مرفوع وخبر منصوب.
وأن "عسى أن يفعل" وشبهه ليس من 5"كان يفعل"6 في شيء؛ لأن حق ما هو معدود من "باب كان" أن يحذف فيبقى ما بعده مبتدأ وخبرًا.
فـ"عسى زيد يفعل" من باب "كان" لصلاحيته لذلك.
و"عسى زيد أن يفعل" ليس من باب "كان" لعدم صلاحيته لذلك.
__________
1 سقط "زيد" من الأصل".
2 في الأصل وهـ"وكذا الأربعة البواقي".
3 ينظر كتاب سيبويه ص 410 جـ1.
4 بداية سقط من ع.
5 بداية سقط كبير من هـ.
6 نهاية سقط ع.(1/454)
وبهذا1 يعتبر جميع أفعال الباب.
ومن ورود المضارع مجردًا بعد "عسى" قول هدبة بن خشرم:
199-
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
ومن وروده بعد "كاد" مقرونًا بـ"أن" قول عمر -رضي الله عنه.
"ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب".
هكذا هذا الحديث في صحيح البخاري2.
ومثال ترك أن3 مع "أوشك" قول النبي -صلى الله عليه وسلم:
__________
1 ك وع "وبهذا تعتبر".
2 أخرجه البخاري في المواقيت 36، والأذان 26.
3 ع "ومثال ترك مع أن أوشك".
199- من الوافر من أبيات قالها هدبة بن خشرم، قالها وهو في سجن معاوية بن أبي سفيان ليؤخذ منه القصاص يخاطب ابن عمه أبي نمير. وكان معه في السجن، وقد ذكر خمسة عشر بيتًا من هذه القصيدة أبو علي القالي في الأمالي 1/ 71 كما ذكرها البغدادي في الخزانة 3/ 182.
ونسب الشاهد ابن حمدون في شرح الألفية 1/ 98 لهاتف من الجن قاله لرجل انكسرت مركبه في البحر.(1/455)
"يوشك الرجل متكئًا على أريكته يحدث بحديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله".
أخرجه أبو داود1 والترمذي2.
ومثله قول الشاعر:
200-
يوشك من فر من منيته ... في بعض غراته يوافقها
ومثال استعمال "أن" مع "أوشك" قول الشاعر3 اليربوعي:
201-
إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت ... حبال الهوينى بالفتى أن تجذما
__________
1 أخرجه أبو داود باب السنة5، والإمارة 33.
2 أخرجه الترمذي باب العلم 10.
3 ك وع "قول الكلحبة اليربوعي".
200- من المنسرح استشهد به المصنف هنا، وفي شرح عمدة الحافظ 153، وشرح التسهيل 1/ 63 وشواهد التوضيح 144. ولم ينسبه والمشهور أن لامية بن أبي الصلت، وهي في ديوانه ص 18، وفي الكامل 1/ 51 نسبه المبرد لأمية أيضًا، ثم قال: قال أبو الحسن الأخفش هو لرجل من الخوارج قتله الحجاج وذكر أبياتًا أربعة منها هذا البيت.
والغرة: الغفلة عن الدهر وصروفه -يوافقها: يصيبها.
201- آخر أبيات للكلحبة اليربوعي ذكرها له صاحب الخزانة.(1/456)
وينفرد1 "عسى" و"أوشك" و"اخلولق" بالإسناد إلى "أن يفعل".
ويقوم ذلك مقام ذكر الاسم والخبر كقولك: "عسى أن يفعل"2 و"يوشك أن تفعل". و"اخلولق أن يفعل"3.
"ص":
وجائز "ذان عسى أن يفعلا" ... و"عسيا"4 وقس فليس مشكلًا
والسين من نحو: "عسيت"5 قد يرى ... منكسرًا،6 ونافع به قرا
واستعملوا مضارعًا لـ"أوشكا" ... و"كاد" واحفظ "كائدًا" و"موشكا"
__________
= 1/ 186 وهو من البحر الطويل ونسبه صاحب الأغاني إلى شبيب البرصاء مع أبيات، وروايته هي رواية المصنف هنا أما رواية الخزانة فهي رواية المصنف في شرح عمدة الحافظ 153، وشواهد التوضيح 143 ونسخة ك وع:
إذا المرء............................. ... ........................ أن تقطعا
يغشى الكريهة: يأتي الحرب. الهوينى: الراحة قال ابن دريد: هي من الكلمات التي وردت مصغرة لا غير.
1 ك وع "وتنفرد عسى".
2 ع وك "أن تفعل".
3 ع "أن تفعل".
4 ع وك "أو عسيا".
5 في الأصل من نحو رأيت".
6 ط "أو نافع".(1/457)
وما لذي الأفعال بالتصريف يد1 ... سوى الذي ذكرت فادر المستند
"ش": إذا وقعت "عسى" "أَنْ يَفْعَل" في موضع خبر اسم قبلها جاز أن يجعل المرفوع بها ضمير المخبر عنه مطابقًا له فيما له من إفراد وتذكير وغيرهما.
وحاز أن تفرغ "عسى" ويجعل المرفوع بها "أن" وصلتها.
فيقال على الوجه الأول:
"الزيدان عسيا أن يفعلا" -و"الزيدون عسوا2 أن يفعلوا"- و"هند عست أن تفعل" -و"الهندان عستا أن تفعلا"- و"الهندات عسين أن يفعلن".
ويقال على الوجه الثاني:
"الزيدان عسى أن يفعلا" -و"الزيدون عسى أن يفعلوا"- و"هند عسى أن تفعل" و"الهندان عسى أن تفعلا" - و"الهندات عسى أن يفعلن".
واتفقت العرب على فتح سين "عسى" إذا لم يتصل3 بتاء الضمير ونونيه4.
فإذا اتصل بشيء من ذلك أجازوا فتح السين وكسرها.
__________
1 ع "بد".
2 ع "عسيوا".
3 ك وع "تتصل".
4 ك وع "ونونه".(1/458)
والفتح أشهر وبه قرأ ابن كثير1، وأبو عمرو2، وابن عامر3 والكوفيون4. ولم يقرأ بالكسر إلا نافع5.
وأفعال هذا الباب كلها ملازمة للفظ الماضي، إلا "كاد" و"أوشك" فإنهما استعمالا بلفظ الماضي، والمضارع كَثِيرًا.
واستعمل منهما اسم فاعل قليلًا:
فشاهد "كائد" قول كُثَيِّر:
202-
وكدت وقد جالت من العين عبرة ... سما عاند منها وأسبل عاند
203-
أموت أسى يوم الرجام وإنني ... يقينًا لرهن بالذي أنا كائد
__________
1 عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله، إمام أهل مكة في القراءة، ولد بمكة عام 45 هـ، وتوفي سنة 120 هـ.
2 زبان بن العلاء بن عمار بن عبد الله بن الحسين المازني، البصري أحد القراء السبعة مات سنة 155 هـ تقريبًا.
3 عبد الله بن عامر اليحصبي، إمام أهل الشام واحد السبعة توفي سنة 118 هـ وسبق التعريف به.
4 القراء الكوفيون هم: عاصم وحمزة والكسائي.
5 نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني أحد القراء السبعة، كان عالمًا بوجوه القراءات متبعًا لآثار الأئمة. قال سعيد بن منصور: سمعت مالك بن أنس يقول: قراءة أهل المدينة سنة، قيل له: قراءة نافع؟ قال: نعم قيل: توفي سنة 167 هـ تقريبًا.
202- 203- من الطويل نسبهما المصنف إلى كثير بن عبد الرحمن، وهما في ديوانه ص 230.(1/459)
ومثله قول الآخر:
204- وشاهد "موشك" -أيضًا- قول كثير1:
وقال الناصحون تخل منها ... ببذل قبل شيمتها الجماد
205-
فإنك موشك ألا تراها ... وتعدو دون غاضرة الغوادي
__________
= وهما من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ 155 ورواية الديوان:
......................... ... سها عاند.............................
عند العرق: إذا سالم فلم يكد يرقأ فهو عاند.
الرجام: موضع قال ياقوت: في لغتهم حجارة ضخام ربما جمعت على القبر فسنم بها، ويروى الزحام. وهي رواية ك وع.
كما يروى "كابد" -بالباء- مكان "كائد" وبه جزم ابن السكيت في شرح ديوان كثير، وحينئذ لا شاهد فيه وفي الأصل "عائد" بالهمز في الموضعين.
1 ع وك "قوله أيضًا".
204- 205- بيتان من الوافر قالهما كثير "الديوان ص 220"
والرواية فيه:
.................. تحل منها
-بالحاء المهملة- وفي ك وع "تخل عنها".
العوادي: عوائق الدهر.
غاضرة: جارية أم المؤمين بنت عبد العزيز بن مروان أخت عمر بن عبد العزيز.(1/460)
206-
فموشكة أرضنا أن تعود ... خلاف الخليط وحوشًا يبابا
وعلى هذا نبهت بقولي:
................................. ... واحفظ "كائدًا" و"موشكا"
ثم قلت:
وما لذي1 الأفعال بالتصريف يد ... سوى الذي ذكر....................
"ص":
ولدليل استجز حذف الخبر ... هنا ومنه قول بعض من غبر2
"يا أبتا علك أو عساكا" ... ونائب التا: الكاف فاعرف ذاكا
__________
1 في الأصل "وما الذي".
2 طـ "ومنه قول بعضهم ممن غبر".
206- من المتقارب قاله أسامة بن الحارث الهذلي "ديوان الهذليين 2/ 199".
ونسبه ابن حمدون لأبي سحيم الهذلي.
ونسبه العيني إلى أبي سهم الهذلي.
ومعنى خلاف الخليط: بعده، خلاف ظرف بمعنى بعد.
ووحوشًا: -بضم الحاء- جمع "وحش" وروي بفتحها على أنه صفة على وزن صبور. خالية: ليس يها أحد.
يبابا: خرابا.(1/461)
هذا اختياري تابعًا أبا الحسن ... منظرًا ما قال شاد ذو علن
"يا ابن الزبير طالما عصيكا ... وطالما عنيتنا إليكا"
والعمين سيبويه عكسا ... مسويًا هنا "لعل" و"عسى"
والآخر اسم والمقدم الخبر ... عند أبي العباس فاعرف الصور
"ش": إذا دل دليل على خبر هذا الباب جاز حذفه، كما يجوز في غير هذا الباب حذف ما ظهر دليله. فمن ذلك الحديث: "من تأنى أصاب أو كاد، ومن عجل أخطأ أو كاد"1.
ومن حديث آخر: "فإذا استغنى أو كرب استعف" 2.
ومن ذلك قول المرقش:
207-
وإذا ما سمعت من نحو أرض ... بمحب قد مات أو قيل: كادا
208-
فاعلمي غير علم شك بأني ... ذاك، وابكي لمقصد لن يقادا
__________
1 لم أقف على هذا الحديث.
2 أخرجه أحمد بن حنبل 5/ 522.
207- 208- من الخفيف من أبيات قالها المرقش الأكبر وهما في(1/462)
واختلف فيما يتصل بـ"عسى" من الكاف وأخواتها في نحو: "عساك" و"عساني"1 و"عساه".
فمذهب سيبويه2 أنه3 في موضع نصب. "وأن يفعل" في موضع رفع.
إلحاقًا لـ"عسى" بـ"لعل" كما ألحقت "لعل" بـ"عسى" في اقتران خبرها بـ4 "أن" كقول متمم بن نويرة:
__________
= شرح التسهيل للمصنف 1/ 64. ورواية المفضل الضبي في المفضليات ص 432.
فاعلمي غير علم شك بأني ... ذاك وابكي لمصفد لن يفادا
والمقصد: من يمرض ويموت سريعًا ومعنى لن يقاد: لم يقتد من قاتله.
1 ك وع "عساي".
2 قال سيبويه في الكتاب 1/ 388:
"وأما قولهم "عساك" فالكاف منصوبة، قال الراجز وهو رؤبة:
يا أبتا علك أو عساكا
والدليل على أنها منصوبة أنك إذا عنيت نفسك كانت علامتك "ني". قال عمران بن حطان:
ولي نفس أقول لها إذا ما ... تنازعني لعلي أو عساني
فلو كانت الكاف مجرورة لقال "عساي" ولكنهم جعلوها بمنزلة "لعل" في هذا الموضع".
3 ك وع "أنها".
4 ع: "خبرها بالاسم بأن".(1/463)
209- لعلك يومًا أن تلم ملمة
عليك من اللائي يدعنك أجدعا
ومذهب أبي العباس المبرد1 أن "عسى" على ما كانت عليه من رفع الاسم، ونصب الخبر.
__________
1 قال المبرد في المقتضب 3/ 71 وما بعدها -يتحدث عن "عسى": "وأما قول سيبويه: إنها تقع في بعض المواضع بمنزلة "لعل" مع المضمر فتقول: "عساك" و"عساني" فهو غلط؛ لأن الأفعال لا تعمل في المضمر إلا كما تعمل في المظهر.
فأما قوله:
تقول بنتي قد أنى أناكا ... يا أبتا علك أو عساكا
وقول الآخر:
ولي نفس أقول لها إذا ما ... تخالفني لعلي أو عساني
فأما تقديره عندنا: أن المفعول مقدم، والفاعل مضمر كأنه قال: عساك الخبر أو الشر.
وكذلك "عساني الحديث" ولكنه حذف لعلم المخاطب به، وجعل الخبر اسمًا على قولهم: "عسى الغوير ابؤسًا".
وكذلك قول الأخفش: وافق ضمير الخفض ضمير الرفع في "لولاي" فليس هذا القول بشيء ولا قوله: "أنا كأنت" ولا "أنت كأنا" بشيء.
209- من الطويل قائله متمم بن نويرة من قصيدة "المفضليات 270، المقتضب 3/ 74، الخزانة 2/ 433".
الملمة: النازلة الشديدة.
الأجدع: مقطوع الأنف أو الأذن أو اليد، أو الشفة.(1/464)
لكن الذي كان اسمًا جعل خبرًا، والذي كان خبرًا جعل اسمًا.
ومذهب أبي الحسن الأخفش1 أن "عسى" على ما كانت عليه من رفع الاسم ونصب الخبر.
إلا أن ضمير النصب ناب عن ضمير الرفع، كما ناب عنه2 في قول الراجز:
210-
يا ابن الزبير طالما عصيكا
وكما ناب ضمير الرفع عن ضمير النصب، وضمير الجر في التوكيد نحو: "رأيتك أنت" و"مررت بك أنت".
وفي قول بعضهم: "ما أنا كانت" و"ما أنا كإياك".
ولو كان الضمير المشار إليه في موضع نصب كما قال
__________
1 جاء في تعليق الأخفش على كتاب سيبويه مخطوطة رقم 65 نحو -دار الكتب المصرية، بعد قول سيبويه "وأما قولهم عساك فالكاف منصوبة 1/ 389.
"رأي أبي الحسن أن الكاف في "لولاك" في موضع رفع على غير قياس كما قالوا: "ما أنا كأنت" و"لا أنت كأنا"، وهذا نعلم الرفع وكذلك عساني".
2 ك وع "من قول الراجز".
210- هذا الشعر من مشطور السريع، وليس من الرجز نسبه أبو زيد في نوادره ص 105 لراجز من حمير وتبعه صاحب الصحاح، وصاحب اللسان مادة "قضى"، وهو في الخزانة 2/ 257.(1/465)
سيبويه والمبرد لم يقتصر عليه في مثل:
211-
يا أبتا علك أو عساكا1
لأنه بمنزلة المفعول، والجزء الثاني بمنزلة الفاعل. والفاعل لا يحذف، وكذا ما أشبهه.
"ص":
وبثبوت "كاد" ينفى الخبر ... وحين تنفى "كاد" ذاك أجدر
فـ"كدت تصبو" منتف فيه الصبا ... و"لم يكد يصبو" كمثل "إن صبا"2
وغير ذا على كلامين يرد ... كـ"ولدت هند ولم تكد تلد"
"ش": قد اشتهر القول بأن "كاد" إثباتها نفي، ونفيها إثبات حتى جعل هذا المعنى لغزًا فقيل: وهذا اللغز للمعري3.
__________
1 إلى هنا نهاية سقط هـ.
2 هكذا في الأصل، وفي باقي النسخ "ماصبا" لكن جاء في الهامش ما يؤكد. "أن صبا" إذ قال: حاشية:
"إن" في قولي "إن صبا" نافية.
3 ك وع سقط "وهذا اللغز للمعري".
211- سبق الحديث عن هاذ الشاهد في باب شرح الكلام وما يتألف منه، وقد نسبه في التهذيب للعجاج1/ 106 وكذلك في اللسان مادة "علل"، ونسب في كتاب سيبويه 1/ 388 لرؤبة وللبغدادي في الخزانة 2/ 441 تحقيق في نسبة هذا الشاهد، وهو في ملحقات ديوان رؤبة ص 181.(1/466)
212-
أنحوي هذا العصر ما هي لفظة ... جرت في لساني جرهم وثمود
213-
إذا استعملت في صورة الجحد أثبتت ... وإن1 أثبتت قامت مقام جحود
ومراد هذا القائل "كاد"2.
ومن زعم هذا فليس بمصيب.
بل حكم "كاد" حكم سائر الأفعال من أن معناها منفي إذا صحبها حرف نفي، وثابت إذا لم يصحبها.
فإذا قال قائل: "كاد زيد يبكي" فمعناه: قارب زيد البكاء.
المقاربة ثابتة، ونفس البكاء منتف.
"فإذا قال: لم يكد يبكي" فمعناه: لم يقارب البكاء.
فمقاربة البكاء منتفية، ونفس البكاء منتف3 انتفاء أبعد من انتفائه عند ثبوت المقاربة.
__________
1 ع "وإذا".
2 أجاب المصنف على هذا اللغز بقوله:
نعم هي "كاد المرء أن يرد الحمى" ... فتأتي لإثبات بنفي ورود
وفي عكسها "ما كاد أن يرد الحمى" ... فخذ نظمها فالعلم غير بعيد
"ينظر الدرر اللوامع 1/ 110"، والبيتان ذكرهما ابن هشام في مغني اللبيب في حديثه عن "كاد".
3 هـ سقط ما بين القوسين.(1/467)
ولهذا كان قول ذي الرمة:
214-
إذا غير النأي المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح
صحيحًا بليغًا؛ لأن معناه: إذا تغير حب كل محب لم يقارب حبي1 التغير، وإذا لم يقاربه فهو بعيد منه.
فهذا أبلغ من أن يقول: لم يبرح؛ لأنه قد يكون غير بارح، وهو قريب من البراح، بخلاف المخبر عنه بنفي مقاربة البراح.
وكذا قوله تعالى: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} 2 هو أبلغ في3 نفي الرؤية من أن يقال: "لَمْ يَرَها"4.
لأن من لم ير قد يقارب الرؤية بخلاف من لم ير5 ولم يقارب.
وأما قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} 6.
__________
1 هـ "حتى التغير".
2 من الآية رقم 40 من سورة النور.
3 ع "من نفي".
4 ك وع "في نفي الرؤية من أن يراها".
5 هـ "لم تر".
6 من الآية رقم 71 من سورة البقرة.
214- من الطويل قاله ذو الرمة "الديوان ص 108".
النأي: البعد، رسيس الهوى: أثره وبقيته.(1/468)
فكلام يتضمن كلاميم مضمون كل واحد منهما في وقت غير وقت الآخر.
والتقدير: فذبحوها1 بعد أن كانوا بعداء من ذبحها غير مقاربين له. وهذا واضح -والله أعلم2.
"وقد يكون نفيها إعلامًا ببطء الوقوع، والثبوت حاصل كقوله تعالى: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} 3. أي: يفقهون ببطء وعسر.
قال الأخفش في قوله تعالى: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} .
إذا قلت: "كاد يفعل" إنما تعني: قارب ولم يفعل.
فإذا قلت: "لم يكد يفعل" كان المعنى: إنه لم يفعل، ولم يقارب الفعل على صحة الكلام.
وهذا معنى الآية إلا أن اللغة4 قد أجازت "لم يكد تفعل" على5 معنى: فعل بعد شدة6.
وليس هذا على صحة الكلام7.
__________
1 هـ "فنحوها".
2 هكذا في هـ وسقط، "والله أعلم" من باقي النسخ.
3 من الآية رقم 78 من سورة النساء.
4 ك وع "فهذا معنى الانتفاء؛ لأن اللغة قد أجازت".
5 ك وع "في معنى".
6 ع "بعد شك".
7 سقط ما بين القوسين من هـ.(1/469)
باب الحروف الناصبة الاسم الرافعة الخبر:
"ص":
لـ"إن" عكس ما لـ"كان" من عمل ... في خبر، واسم، وهكذا "لعل"
و"ليت" مع "لكن" هكذا1 "كأن" ... وقيل في "لعل": عل و"لعن"2
و"عن" -أيضًا- ثم "أن" و"لأن" ... كذا "لغن" و"رعن" و"رغن"
وكل ما "كان" عليه دَخَلَا ... فاجعل لذي الحروف فيه عملا
ما لم يعن مانع ككون ما ... أسند3 مما ألزم التقدما
والتزمن هنا تأخر الخبر ... إلا إذا ظرفًا أتى، أو حرف جر
__________
1 هـ "وهكذا".
2 هـ "ولمن".
3 طـ "يسند".(1/470)
تقول: "إن خالدًا ذو1 فضل" و"إن فيه شغفًا بالبذل"2
"ش": قد تقدم أن "كان" ترفع الاسم، وتنصب3 الخبر.
وعكس ذلك نصب الاسم ورفع الخبر، وهو عمل هذه الأحرف.
وهي ستة إذا ذكرت "أن".
وخمسة إذا استغني بـ"إن" كما فعل سيبويه -رحمه الله- إذا قال: "هذا باب الحروف الخمسة"4.
لأن فتح همزة "أن" يعرض بوقوعها موقع اسم مفرد، وإذا سلمت من ذلك كسرت همزتها.
ومعانيها مختلفة:
فـ"إن" للتوكيد. و"كأن" للتشبيه. و"لكن" للاستدراك.
و"ليت" للتمني.
و"لعل" للترجي فيما يحب، وللإشفاق5 فيما يكره
__________
1 هـ "ذوا".
2 هـ "بالبدل".
3 في الأصل "ينصب".
4 ينظر كتاب سيبويه 1/ 289.
5 ك وع "والإشفاق".(1/471)
كقوله -تعالى-: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} 1.
وفيها تسع لغات، وقد ذكرت2.
ولما تقدم الإعلام بأن "كان" تدخل على المبتدأ والخبر وهما -أيضا- معمولا "إن" وأخواتها [نبهت على ما يعرض له سبب يقتضي اختصاص "كان" بالدخول عليه دون "إن" وأخواتها] 3 فقلت:
ما لم يعن مانع ككون ما ... أسند مما4 ألزم التقدما
والإشارة بذلك إلى نحو: "أين زيد"؟ فإن فيه مانعا من دخول "إن" عليه، وهو كون المسند منه واجب التقديم، لتضمنه معنى حرف الاستفهام.
فإذا دخلت عليه "كان" جاز، ولزم تقديم المسند5، لأن خبرها6 جائز التقديم فتقول: "أين كان زيد"؟
ولا سبيل إلى ذلك في "أن" وأخواتها، لأن شيئا مما
__________
1 من الآية رقم "12" من سورة "هود".
2 أي في النظم.
3 سقط ما بين القوسين من ع وتكرار ثلاث مرات في هـ.
4 ك وع "يسند".
5 ك وع "تقديم الخبر".
6 ك وع "خبر كان".(1/472)
يتعلق1 بها لا يتقدم عليها.
فإنها حروف عملت عمل الأفعال، ولم تقو قوتها فيتصرف في معموليها بتقديم وتأخير، كما تصرف في معمولي الأفعال.
ولكن2 إذا قام مقام مرفوعها ظرف، أو جاز ومجرور جاز تقديمه؛ لأنه ليس في الحقيقة خبرًا، وإنما هو معمول الخبر المقدر آخرًا.
ألا ترى أن قولك: "إن عندك زيدًا" معناه: "إن عندك زيدًا كائن".
فحذف "كائن"3 وأقيم الظرف مقامه لدلالته عليه.
وشبه تقديمه: وهو قائم مقام الخبر بتقديمه، والخبر موجود نحو قولك: "إن عندك زيدًا مقيم". فـ"عندك" في هذه المسألة ونحوها فضلة على الخبر4.
وسهل الفصل به بين "إن" واسمها وخبرها كما سهل في "كان" و"ما".
__________
1 هكذا في ك وع وفي الأصل "لا يتعلق".
2 ك وع "ولكن".
3 ع سقط "كائن".
4 ك وع "فصله عن الخبر".(1/473)
وكما سهل أن يفصل به بين المضاف والمضاف إليه مع أنهما كالشيء الواحد. وقد أشير إلى ذلك فيما مضى.
"ص":
وواجب تأخيرك اسمًا يشتمل ... على ضمير ما بمسند وصل
كـ"إن في خباء هند بعلها" ... و"ليت للمضنى بسعدى مثلها"
"ش":
تأخير اسم "إن" هنا واجب كوجوب تأخير المبتدأ في قول الشاعر:
215-
..................................... ... ولكن ملء عين حبيبها
ولكن التنبيه1 على أن مثل ذلك قد يتفق في هذا الباب: حسن لأن أكثر الناس لا يستحضرون ذلك.
ولا يتفق مثل هذا في هذا الباب2 إلا والخبر ظرف نحو: "إن عند هند بعلها".
أو جار ومجرور نحو: "ليت للمضنى بسعدى مثلها".
وأما في باب المبتدأ، وباب "كان" فيتأتى3 ذلك بظرف وغير4 ظرف.
__________
1 ع "الشبيه".
2 ك وع "ولا يتفق هذا في مثل هذا الباب".
3 ك وع "فيأتي".
4 ك وع "وبغير".
215- سبق الحديث عن هذا الشاهد في "باب الابتداء".(1/474)
"ص":
ولدليل جوزوا حذف الخبر ... وبعد واو مع وجوبًا اشتهر1
كذاك نحو إن زيدًا سيرا ... سيرًا وإن النضر ميرًا ميرا
ونحو إن أكثر اشتغالي ... به وحيدا مكتف بحال2
والحذف بعد ليت شعري التزم3 ... وذكر الاستفهام بعده حتم
كما جاز أن يحذف خبر المبتدأ إذا دل عليه دليل يجوز حذف خبر هذا الباب -أيضًا-4 إذا دل عليه دليل5. كقول عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه6- لرجل ذكر7 أنه من ذوي القربى: "إن ذلك".
ثم ذكر له حاجة فقال: "لعل ذلك".
__________
1 هكذا في الأصل وفي هـ -أما في ك وع "استتر".
2 هكذا في الأصل وفي ط وس وش وع وك "بالحال".
3 هكذا في الأصل وفي ك وع -أما في ط فالشطر جاء كما يلي:
وبعد "ليت شعري" الحذف التزم ... ...............................
وهي رواية س.
4 ع سقط "أيضًا".
5 ع زاد "أيضًا كقول عمر".
6 ك وع "رحمه الله".
7 "وكر" هكذا في ع.(1/475)
يريد: إن ذلك صحيح.
ولعل الذي طلبته حاصل1.
وحكى سيبويه2 عن بعض العرب: "إنك وخيرًا"3 يريد: إنك مع خير.
فأعنت الواو التي بمعنى "مع" عن خبر "إن" كما أعنت عن خبر المبتدأ.
وحكى الكسائي: "إن كل ثوب لو4 ثمنه".
فأدخل اللام على الواو كما تدخل على الخبر؛ لأنها سدت مسده.
وهذا من الحذف الواجب.
ومثله -أيضًا- في الوجوب نحو: "إن زيدًا سيرًا سيرًا".
أي: إن زيدًا يسير سيرًا.
فحذف الفعل، وجعل تكرار المصدر بدلًا منه، كما فعل ذلك في باب الابتداء.
__________
1 تنظر هذه القصة في الأمالي الشجرية 1/ 322.
2 كتاب سيبويه 1/ 152.
3 في الأصل "إنك وما خيرًا".
4 ع "له ثمنه".(1/476)
وكذلك حذف خبر "إن" لسد الحال مسده1، كما كان كذلك2 في باب الابتداء.
تقول: "إن أكثر شربي السويق ملتوتًا" "كما قلت في الابتداء3 "أكثر شربي السويق ملتوتًا"4.
والتقدير هنا، كالتقدير هناك. ومنه قول الشاعر:
216-
إن اختيارك ما تبغيه ذا ثقة ... بالله مستظهرًا بالحزم والجلد
وقالوا: "ليت شعري" وحذفوا الخبر -أيضًا- وجوبًا لسد الاستفهام مسده5 كقول أبي طالب:
217-
ليت شعري مسافر بن أبي عمـ ... ـرو، وليت يقولها المحزون
218-
أي شيء دهاك أم غال مرآ ... ك، وهل أقدمت عليك المنون
__________
1 في الأصل وفي هـ "مسدها".
2 ك وع "ذلك".
3 هـ "في ابتداء".
4 ك وع سقط ما بين القوسين.
5 معنى قول الشيخ "لسد الاستفهام مسده: يعني إذا قلت: ليت شعري أكان كذا، فقولك: "أكان كذا" سد مسد الخبر. "حاشية على الأصل".
216- من البسيط أنشده المصنف وتبعه كثير من الشراح، ولم ينسبه أحد إلى قائل معين.
217- 218- من الخفيف نسبهما المصنف لأبي طالب وهما في ديوانه ص 7، وفي غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب ص 168، وفي سيبويه 2/ 32.
دهاك: أصابك بداهية وهي الأمر العظيم.
غاله: أهلكه وأخذه من حيث لم يدر.(1/477)
"ص":
ونحو: "إن قائمًا عبداكا" ... أجاز يحيى، وسعيد ذاكا
"ش": يحيى هو الفراء.
وسعيد، هو أبو الحسن الأخفش.
اتفقا على جواز: "إن قائمًا الزيدان"1.
يجعلان الصفة اسم "إن"، يرفعان بها ما بعدها مغنيًا عن الخبر، كما يفعل الجميع ذلك بعد النفي والاستفهام نحو: "ما قائم الزيدان" و"أقائم الزيدان"؟.
وفاعل ذلك بعد النفي والاستفهام معذور؛ لأن النفي والاستفهام لشدة طلبهما الفعل، وأولويتهما به جعلا الصفة كأنها فعل، وعوملت لذلك معاملة الفعل.
__________
1 جاء في أصول ابن السراج 1/ 310.
"وأجاز الفراء": "إن قائمًا الزيدان" و"إن قائمًا الزيدون" على معنى إن من قام الزيدان، وإن من قام الزيدون.
وأجاز البصريون "إن قائمًا الزيدان والزيدون" على ما تقدم ذكره".(1/478)
ونحو، "إن قائمًا الزيدان" بخلاف ذلك؛ لأن "إن" مختصة بالأسماء فدخولها على ما يه شبه الفعل مزيل لشبهه به، أو جاعله كالزائل.
فمذهبهما في ذلك ضعيف.
"ص":
و"ما" تكف1 العمل الموصوفا ... زائدة إن تل ذي الحروفا
كـ"إنما الله إليه" وأتى ... في "ليتما" الوجهان فيما أثبتا
وغير "ليت" لاحق به لدى ... قوم قياسًا، وينقل أسندا2
"ش" لما كان عمل هذه الحروف العمل المخصوص، لأجل شبهها بـ"كان" في الاختصاص بالمتبدأ والخبر.
وكان الاختصاص مفقودًا بتركيبها مع "ما" فتصير جائزة الدخول على الفعل والاسم.
بطل عملها لشبهها حينئذ بالحروف المهملة لعدم اختصاصها.
__________
1 هـ "يكف".
2 هكذا في الأصل، أما في باقي النسخ وفي هامش الأصل، فقد جاء كما يلي:
.............................. ... ............. وبنقل عضدا(1/479)
إلا "ليتما" فإن اختصاصها بالمبتدأ والخبر باق، فأعملت وأهملت.
فمن أعملها، فلبقاء الاختصاص.
ومن أهملها فإلحاقًا بأخواتها؛ ولأنها باينت "كان" حين قارنها ما لا يقارن "كان". كما أهملت "ما" حين وصلت بـ"إن"؛ لأنها باينت "ليس" بمقارنتها ما لا يقارنها.
وقد روي بيت النابغة:
219-
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد
بنصب "الحمام" ورفعه1. ورفعه أقيس2.
وحكى ابن برهان أن الأخفش روى عن العرب: "إنما زيدًا قائمًا". فأعمل "أن"3 مع زيادة "ما".
__________
1 هـ وع سقط "ورفعه".
2 جوز سيبويه في "ليتما هذا الحمام لنا" كون "ما" موصولة. والصلة: الحمام مع مبتدأ محذوف.
ولنا: الخبر "حاشية في هامش الأصل".
3 سقط "أن" من جميع النسخ والمقام يقتضيها.
219- من البسيط من قصيدة مشهورة للنابغة الذبياني يسترضي بها النعمان بن المنذر والرواية في الديوان ص 16.
قالت فياليتما............ ... ..............................
ورواية المصنف هي رواية الأصمعي
فقد: حسب.(1/480)
وحكى مثل ذلك الكسائي في كتابه.
وأما1 "ليتما" فالجميع روى عن العرب2 إعمالها وإلغاءها.
"ص":
وكسر "إن" الزم بحيث يعتقب ... اسم وفعل، فلبدء ذا يجب
أو كونها محل حال، أو صلة ... أو لجواب3 قسم مكملة
أو وليت فعلًا بلام علقا ... أو حكيت من بعد قول -مطلقا-
والكسر والفتح4 يجوزان5 إن ... "إذا" فجاءة تلت أو تقترن
بفا الجزاء، أو6 "أما" أو أوليت ... فعل7 يمين دون لام أو تلت
__________
1 هـ "فأما".
2 ك وع: "فالجميع عن العرب روى".
3 ط "الجواب".
4 هكذا في الأصل وفي ط -أما في ك وع وس وش "والفتح والكسر".
5 هكذا في الأصل وفي هـ وك وع -أما في ط وفي س وش "مجوزان".
6 هـ "وأما".
7 هكذا في الأصل وفي س وش وط أما في ك وع فجاء "ذكر يمين".(1/481)
قولًا كـ"ظن" أو بـ"إن" مخبرا ... عنه وثان جا لـ"إن" خبرا
وكل موضع سوى ما قدما ... ففتح همز "أن" فيه التزما
"ش": "إن" -بالكسر- هي الأصل؛ لأن الكلام معها جملة غير مؤولة بمفرد.
و"أن" -بالفتح- فرع؛ لأن الكلام معها جملة في تأويل مفرد.
وكون الشيء جملة من كل وجه، أو مفردًا من كل وجه أصل لكونه جملة من وجه، ومفردًا من وجه.
ولأن المكسورة مستغنية بمعموليها1 عن زيادة، والمفتوحة لا تستغني عن زيادة.
والمجرد من الزيادة أصل للمزيد فيه.
ولأن المفتوحة تصير مكسورة بحذف ما تتعلق به كقولك في "عرفت أنك بر": "إنك بر".
"ولا تصير المكسورة مفتوحة إلا بزيادة كقولك في "إنك بر": "عرفت أنك بر"2.
__________
1 ك وع "بمعمولها".
2 ع سقط ما بين القوسين.(1/482)
والمرجوع إليه بحذف أصل للمتوصل إليه بزيادة.
ولما كانت المكسورة أصلًا استحقت موضعًا لا يتقيد بقبيل دون قبيل بل موضعها صالح للاسم والفعل دون اختلاف معنى.
فمن ذلك وقوعها أول كلام نحو: "إن زيدًا ذاهب".
ووقوعها في موضع الحال كقولك: "جئت وإن زيدًا حاضر"1.
أنشد سيبويه2:
220-
ما أعطياني ولا سألتهما ... إلا وإني لحاجزي كرمي
ووقوعها صلة كقوله -تعالى3: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا
__________
1 ك وع "لحاضر".
2 كتاب سيبوبه 1/ 472.
3 من الآية رقم 76 من سورة القصص.
220- من المنسرح قاله كثير بن عبد الرحمن من قصيدة يمدح عبد الملك بن مروان، وأخاه عبد العزيز "الديوان ص 273".
والشطر الثاني يروى بروايتين:
الأولى: بتشديد اللام من "إلا" وكسر همزة "إن" وهي رواية سيبويه 1/ 472.
الثانية: بتخفيف اللام من "إلا" وفتح همزة "أن"، وهي رواية المبرد في المقتضب 2/ 346.
والرواية الأولى أصلح من جهة المعنى.(1/483)
إِنَّ مَفَاتِحَهُ} 1.
ووقوعها جواب قسم كقوله تعالى:2 {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَة} 3.
ووقوعها بعد فعل معلق باللام نحو قوله تعالى4:
{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُك} 5.
وكإنشاد سيبويه6.
221-
ألم تر أني وابن أسود ليلة ... لنسري إلى نارين يعلو سناهما
ووقوعها محكية بقول نحو: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} 7.
"وقيد القول بكونه محضًا احترازًا من قول بمعنى "الظن"، وسيأتي ذكره -إن شاء الله.
__________
1 ك وع زادتا "لتنوء بالعصبة أولي القوة".
2 هـ سقط "قوله تعالى".
3 من الآية رقم 3 من سورة الدخان.
4 هـ سقط "قوله تعالى".
5 من الآية رقم 33 من سورة الأنعام.
6 ينظر كتاب سيبويه 1/ 474.
7 من الآية رقم 48 من سورة سبأ.
221- من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعلم قائلها وهو في العيني 2/ 222. السرى: السير ليلًا. السنا: الضوء.(1/484)
والمراد بقولي "مطلقًا" التنبيه على أن القول صالح لأن تكسر بعده "إن" حين يقصد به معن الظن؛ لأن أصل ما علق به أن يكون محكيا1.
والمراد بقولي "مطلقًا -أيضًا- التنبيه على2 أنه يكون بعد فعل القول ومصدره، واسم فاعله، ومفعوله نحو:
"قلت: إنك فاضل" و"صح قولي: إنك فاضل" و"لم أزل3 قائلًا، إنك فاضل" و"سر المقول: إنك4 فاضل".
وقولنا:
والكسر والفتح5 يجوزان إن
"إذا" فجاءة تلت.....................
معناه: إن "إذا" حيث قصد بها المفاجأة ووليتها "إن" جاز كسر همزتها وفتحها كقول الشاعر:
222-
وكنت أرى زيدًا كما قيل: سيدًا ... إذا إنه عبد القفا واللهازم
__________
1 هـ وك وع سقط ما بين القوسين.
2 سقط "على" من الأصل.
3 هـ "أرك".
4 ع "إنه".
5 هـ "والفتح والكسر".
222- من الطويل من الخمسين التي لا يعلم قائلها في كتاب سيبويه أرى: الظن.
اللهازم: جمع لهزمة، ولهزمتا الإنسان عظمتان ناتئتان تحت الأذنين. أو هما مضغتان في أصل الحنك الأسفل.
وعبد القفا واللهازم: كناية عن العبودية؛ لأن القفا موضع الصفع واللهزمة موضع اللكز "سيبويه 1/ 472، المقتضب 2/ 35، الخصائص، 2/ 399، شرح المفصل 4/ 97، 8/ 61، الخزانة 4/ 303".(1/485)
فمن كسر فعلى تقدير: فإذا هو عبد. ومن فتح فعلى تقدير: فإذا1 العبودية.
فـ"أن" وما عملت فيه في تأويل مصدر ابتدئ به، وحذف خبره.
وكذا إذا وقعت بعد فاء الجزاء يجوز فيها الكسر والفتح.
فالكسر2 على تقدير جملة صرح بجزأيها.
والفتح على تقدير مصدر ابتدئ به وحذف خبره.
ومثال الكسر قوله تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيم} 3.
ومثال الفتح "قوله تعالى": {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} 4، 5.
__________
1 ع ك سقط "فإذا".
2 ع "فالفتح".
3 من الآية رقم 92 من سورة آل عمران.
4 هـ "ألم تعلموا".
5 من الآية رقم 63 من سورة التوبة.(1/486)
ويجوز كسرها بعد "أما" مقصودًا بها معنى "ألا" الاستفتاحية. وإن قصد بها معنى "حقًا" فتحت.
ويجوز -أيضًا- كسرها وفتحها بعد القسم إن لم يكن مع أحد معموليها اللام.
و1 وكذلك يجوز كسرها وفتحها في نحو: "أول قولي أني2 أحمد الله" وشبهه.
فمن فتح فعلى تقدير: "أول قولي حمد الله".
ومن كسر جعل "أول قولي" مبتدأ.
و"إني أحمد الله" جملة أخبر بها مستغنية عن عائد يعود على المبتدأ.
لأنها3 نفس المبتدأ في المعنى كأنه قال: أول قولي هذا الكلام المفتتح بـ"أني".
ونظير ذلك4 قوله تعالى5: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} 6.
__________
1 هـ سقط الواو من "وكذلك".
2 ع "أول قولي مبتدأ وإني أحمد الله".
3 هـ "لأنه".
4 هـ "في مثل قوله تعالى".
5 من الآية رقم 10 من سورة يونس.
6 ك وع سقط "وتحيتهم فيها سلام".(1/487)
وقوله -عليه الصلاة1 والسلام:
"أفضل ما قلته أن والنبيون من قبلي لا إله إلا الله" 2.
وضابط ما يجوز فيه الوجهان من هذا النوع أن تقع "أن"3 خبر قول4، ويكون خبرها قولا كـ"أحمد" أو"آمر" أو"أدعو".
فلو لم يكن خبرها قولًا تعين الكسر نحو: "أول قولي إنك ذاهب".
وما سوى المواضع التي يجب فيها الكسر، والمواضع التي يجوز فيها الكسر والفتح فالفتح5 متعين نحو: "عرفت6 أنك ذاهب"، و"معلوم أنك فاضل" وما أشبهه7.
"ص":
وبعد ذات الكسر لام الابتدا ... تأتي8 كـ"إن خالدًا لذو هدى"
__________
1 سقط من الأصل "الصلاة".
2 أخرجه مالك في الموطأ باب القرآن 32 والحج 246.
3 سقط من الأصل "أن".
4 هـ "خبر قولي".
5 هـ "والفتح".
6 ك وع "علمت أنك ذاهب".
7 ك وع "وما أشبه ذلك".
8 ط "يأتي".(1/488)
والثاني المثبت مما يقتضي1 ... يلحق2 نحو: "إن زيدًا لوضي"
وإن يكن فعل مضى صرفا ... ولم يقارن "قد" فذا اللام انتفى
ووصله واو "مع" ارتضى علي ... لشاهد حكى ابن كيسان جلي3
وجنبوه جزأي الشرط وفي ... لحاقه الجزا أبو بكر قفي4
ووصله5 معمول غير الماض إن ... وسط فهو باستباحة قمن6
ويلحق الفصل وزائدًا يعد ... فيما سوى هذا ومما قد ورد
"أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضي من اللحم بعظم الرقبه"
__________
1 ك وس وش وط "تقتضي" -بالتاء.
2 ك وس وش وط "تلحق" -بالتاء.
3 سقط هذا البيت من كل النسخ ما عدا الأصل.
4 زادت النسخ الباقية غير الأصل بيتًا هو:
وقد تليه واو "مع" وقد يرد
مع اسم اثر ظرف الغاه قصد
وقد جاء هذا البيت على هامش الأصل
5 ط "وأوله".
6 سقط هذا البيت من صلب نسخة الأصل وجاء في الهامش.(1/489)
وخبر المعطوف بعد "إن" إن ... قارنها استحسنه كل فطن
"ش": مما تختص به "إن" المكسورة وقوع لام الابتداء بعدها مقارنًا لاسمها المتأخر نحو: "إن في الدار لزيدًا".
أو لخبرها المتأخر نحو: "إن زيدًا لفي الدار".
فإن كان الخبر منفيًا لم تلحقه مطلقًا.
وكذا إن كان فعلًا1 ماضيًا متصرفًا غير مقارن لـ"قد".
فإن كان2 ماضيًا3 غير متصرف، أو متصرفًا4 مقارنًا لـ"قد" لم يمتنع اقترانه باللام نحو: "إنك لنعم الرجل" و"إنك لقد أحسنت".
وإن كان الخبر جملة شرطية لم يلحق5 هذا اللام، لا مع الجزء الأول، ولا مع الثاني نحو: "إنك إن تأتني أكرمك".
وأجاز أبو بكر بن الأنباري: "إنك إن تأتني لأكرمك".
وأجاز -أيضًا- علي الكسائي دخولها على الواو التي
__________
1 ع سقط "فعلا".
2 هـ "فإن كان فعلًا".
3 هـ سقط "ماضيًا".
4 هـ "أو ماضيًا متصرفًا" وع سقط "أو متصرفًا".
5 ك وع "لم تلحقه" وهـ "يلحقه".(1/490)
بمعنى "مع" وسمع "إن كل ثوب لو ثمنه" -حكاه ابن كيسان في المهذب.
وقد تدخل هذه اللام على الاسم المسبوق بظرف ملغى نحو: "إن غدًا لزيدًا راحل".
ويتناول الظرف الملغي: الجار والمجرور الملغى نحو: "إن بك لزيدًا واثق".
وقد يقارن هذه اللام معمول الخبر ما لم يتأخر عن الخبر، أو يكن الخبر فعلًا ماضيًا.
فيجوز: "إني لأباك مؤتمن" ولا يجوز: "إني مؤتمن لأباك".
وأجاز الأخفش نحو: "إني لبك وثقت" مع أنه لا يجيز: "إني بك لوثقت".
ومعلوم أن اللام إنما دخلت على معمول الخبر لوقوعه قبل الخبر من أجل أنه واقع موقعه فكأنها دخلت عليه.
فإذا لم يكن هو صالحًا لها فلا حظ لمعموله فيها، وإلا لزم ترتجيع الفرع1 على الأصل.
ومما تدخل2 عليه هذه اللام: الفصل المسمى عمادًا
__________
1 هـ "ترجيح الفعل".
2 هـ "يدخل".(1/491)
كقوله1 تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} 2.
وما سوى ما ذكر من مواقع3 اللام إن ورد بلام حكم بزيادتها.
فمن ذلك ما حكاه الكوفيون من قول الشاعر4:
223- ولكنني من فعلها لعميد
وكقراءة سعيد بن جبير5: {إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} 6، 7بفتح الهمزة.
__________
1 في الأصل "لقوله تعالى".
2 من الآية رقم 62 من سورة آل عمران.
3 ع "من موانع".
4 هـ ك وع "بزيادتها كقول من قال: ولكنني".
5 هكذا في هـ وك وع -في الأصل "ومنه قراءة بعض السلف" "ينظر البحر المحيط 6/ 490".
6 هـ سقط "الطعام".
7 من الآية رقم 20 من سورة الفرقان.
223- هذا عجز بيت من الطويل يذكر له البعض صدرًا هو
يلومونني في حب ليلى عواذلي ... ...........................
ورواية ابن الأنباري في الإنصاف ص 209 حبها لكميد............
وهي رواية الجوهري "ع م د" ورواية هـ وع وك من حبها لعميد.
قال ابن النحاس في التعليقة: إن هذا البيت لا يعرف قائله ولا أوله. أنشده الكوفيون ولم يذكروا له صدرًا، ولا ذكروا له سابقًا أو لاحقًا، ولهذا تضافرت كلمة البصريين على إنكاره.
"ينظر العيني 2/ 47، وشرح التسهيل للمصنف 1/ 69".(1/492)
ومنه قول الراجز:
224-
أم الحليس لعجوز شهربه
ومنه قول الشاعر:
225-
مروا عجالى فقالوا: كيف سيدكم؟ ... فقال من سألوا: أمسى لمجهودًا
ومنه قول الآخر:
226-
وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها ... لكالهائم المقصى بكل مراد
__________
224- هذا بيت من مشطور الرجز اشتهرت نسبته إلى رؤبة بن العجاج، وهو في ملحقات ديوانه ص 170.
الحليس: تصغير حلس: كساء رقيق يوضع تحت البرذعة، وأصل هذه كنية الأتان.
الشهربة: الطاعنة في السن.
225- من البسيط من أبيات سيبويه الخمسين المجهول قائلها وهو في مجالس ثعلب 155، والخصائص لابن جني 1/ 316 وشرح المفصل لابن يعيش 8/ 64، 87 والمقاصد للعيني 2/ 310 ولم ينسبه هؤلاء ولا غيرهم ممن استشهد به.
226- من الطويل قائله كثير عزة من قصيدة "الديوان ص 443".
الهائم: المجنون والذاهب في الطريق لا يدري أين يقصد. المقصى: المبعد.
مراد: اسم مكان من راد إذا ذاهب وجاء.
شبه نفسه في إبعاد ليلى له بالبعير الذي يصيبه الهيام، فيطرد عن الإبل خشية أن يصيبها ما أصابه.
والرواية في الديوان:
..................................... ... ..........................بكل مزاد(1/493)
ومنه قول الآخر:
227-
أمسى أبان دليلًا بعد عزته ... وما أبان لمن أعلاج سودان1
ص":
وإن تخفف "أن" أو"كأنا" ... فبعدها انو الاسم مستكنا
وقد يبين، وإذا ما أضمرا ... مع "أن" فجملة تجيء2 خبرا
وإن بفعل صدرت غير دعا ... وغير ما تصرفا قد منعا
فالأحسن الفصل بـ"قد" أو نفي او ... تنفيس أو"لو"، وقليل ذكر "لو"
__________
227- من البسيط لم ينسبه أحد ممن استشهدوا به.
أبان: اسم رجل.
أعلاج: جمع علج: الرجل الغليظ من كفار العجم.
سودان: جمع سود الذي هو جمع أسود، ومثله أعمى وعمي، وعميان ورواية ع "من أعلاج" من غير لام.
1 هـ سقط من أول قوة المصفن:
مروا عجالي.... إلى هنا وجاء موضعه:
إن الخلافة بعدهم لذميمة ... وخلائف طرف لمما أحقره
2 ع "يجيء".(1/494)
وقبل1 "أن" ذي علم أو ظن لزم ... وبشذوذ ما سوى هذا وسم
"ش": "أن" المفتوحة أشبه بالفعل من المكسورة؛ لأن لفظها كلفظ "عض" مقصودًا به المضي، أو الأمر.
والمسكورة لا تشبه إلا الأمر كـ"جد".
فلذلك أوثرت "أن" المفتوحة المخففة ببقاء عملها، لكن على وجه تبين2 فيه الضعف، وذلك بأن جعل اسمها محذوفًا لتكون3 بذلك عاملة كلا عاملة4.
ومما يوجب مزيتها على المكسورة أن طلبها لما تعمل5 فيه من جهة الاختصاص، "ومن جهة وصليتها بمعمولها. ولا تطلب المسكورة ما تعمل فيه إلا من جهة الاختصاص"6.
فضعفت7 بالتخفيف، وبطل عملها -غالبًا- بخلاف المفتوحة.
__________
1 ط "وقيل".
2 ك وع "يتبين".
3 هـ وع "ليكون".
4 في هذا الموضع اضطراب في الأصل كما يلي: "لتكون بذلك عاملة، ومن جهة وصلتيها بمعمولها ولا تطلب المكسورة ما تعمل فيه إلا من جهة الاختصاص كلا عاملة".
5 ع "يعمل".
6 هـ سقط ما بين القوسين.
7 هـ "وضعفت".(1/495)
ومثلها "كان" لتركيبها من "أن" والكاف.
وقد يظهر اسماهما1. فمثال ذلك في "أن" قول الشاعر:
228-
لقد علم الضيف والمرملون ... إذا اغبر أفق وهبت شمالًا
229-
بأنك ربيع، وغيث مريع ... وأنك هناك تكون الثمالا
ومثال ذلك في "كأن" قول الشاعر:
230-
فيوما توافينا بوجه مقسم ... كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم
__________
1 هـ "أسماؤها".
228- 229- من المتقارب قالتهما جنوب أخت عمرو ذي الكلب الهذلية من قصيدة ترثي فيها أخاها عمرًا، وكان قد خرج غازيًا فنام في الطريق فهجم عليه نمران فأكلاه، والبعض ينسبهما إلى أخته عمرة بنت العجلان، والقصيدة في ديوان الهذليين 3/ 122 وما بعدها وحماسة البحتري 430 وقد نسب الأبيات إلى عمرة، وأمالي المرتضى 4/ 148، والحماسة البصرية 3/ 211، وبلاغات النساء 172 والحماسة الشجرية 1/ 309، والخزانة 4/ 353، نهاية الأرب 7/ 142.
المرملون: الفقراء من أرمل القوم نقد زادهم. المريع: الواسع.
230- من الطويل اختلف في نسبته فقال البعض هو لكعب بن أرقم اليشكري، وصححه في اللسان وذكر ثلاثة أبيات بعد البيت، ونسبه آخرون إلى باعث بن صريم اليشكري، ونسبه غيرهم إلى علباء بن أرقم من أبيات في شأن امرأته "ينظر سيبويه 1/ 282 ونسب إلى باغت بن صريم، الإنصاف 202، ابن الشجري 2/ 3 ابن يعيش 8/ 72، الخزانة 4/ 364، 489، العيني 2/ 301، 4/ 384، همع 1/ 143، 2/ 18.(1/496)
على من1 نصب "ظبية".
ويروى برفعها2 على حذف الاسم.
ويروى بجرها3 على زيادة "أن" بين كاف الجر، والمجرور بها.
ولا يكون الخبر عند إضمار اسم "أن" إلا جملة.
إما اسمية كقول الأعشى:
231-
في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل
وإما فعلية: فإن كان الفعل دعاء، أو غير متصرف باشرته "أن" كقوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} 4.
__________
1 ك ع سقط "من".
2 ك وع "رفعها".
3 ك ع "جرها".
4 من الآية رقم 9 من سورة النور.
231- من البسيط من قصيدة للأعشى والرواية في الديوان ص 147.
.................................. ... أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل
ورواية ع "يخفى".(1/497)
وقوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} 1.
وإن كان غيرهما قرن بـ"قد" كقوله تعالى2: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} 3.
وكقول الشاعر4:
232-
شهدت بأن قد خط ما هو كائن ... وأنك تمحو ما تشاء وتثبت
أو بنفي نحو5 "قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} 6.
أو بحرف تنفيس نحو قوله تعالى7: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} 8. أو بـ"لو" نحو قوله تعالى9: {أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْب} 10.
__________
1 من الآية رقم 39 من سورة النجم.
2 هـ "كقول الله تعالى".
3 من الآية رقم 113 من سورة المائدة.
4 سقط ما بين القوسين من الأصل.
5 هـ سقط "نحو".
6 من الآية رقم 7 من سورة البلد.
7 من الآية رقم 20 من سورة المزمل.
8 سقط من الأصل ومن هـ "منكم مرضى".
9 من الآية رقم 14 من سورة "سبأ".
10 هـ سقط "الغيب".
232- من الطويل لم أعثر له على قائل معين وهو في الأشموني 1/ 292.(1/498)
وعلى كل حال لا تقع1 "أن" المذكورة -غالبًا- إلا بعد علم أو ظن فلذلك قلت:
وقبل "أن" ذي علم أو ظن لزم ... وبشذوذ ما سوى هذا وسم
فمن الشاذ قول كثير:
233-
تمنيك نفس أن ستدنو ولو دنت ... دنت وهي لا بالوصل يدنو سرورها
وقول الفرزدق:
234-
أبيت أمني النفس أن سوف نلتقي ... وهل هو مقدور لنفسي لقاؤها
فأوقعا "أن" المخففة بعد فعل2 التمني -وهو غريب.
__________
1 ع "يقع".
2 هـ "فعلى التمني".
233- من الطويل نسبه المصنف إلى كثير بن عبد الرحمن وليس في ديوانه.
وفي ع:
تمنيك نفس أن سيدنو وقد دنت ... ..................
وفي هـ. سقط "دنت" من أول الشطر الثاني.
234- من الطويل قاله الفرزدق "الديوان 1/ 12".
وفي هـ "أتيت أمني".(1/499)
ومن الشاذ -أيضًا- قول الشاعر1:
235-
رأيتك أحييت الندى بعد موته ... فعاش الندى من بعد أن هو خامل
236-
فكان لها ودي وريقة ميعتي ... وليدًا إلى أن رأسي اليوم أشيب
فأوقعا "أن" المخففة غير مسبوقة بعلم ولا ظن.
وكذلك إن وقع الفعل بعدها متصلًا بها ولم يكن دعاء، ولا غير متصرف2 فهو جائز بضعف.
وقد يكون الفعل المتصل بها مضارعًا، وقد يكون ماضيًا. فالمضارع كقول الشاعر.
237-
علموا أن يؤملون فجادوا ... قبل أن يسألوا بأعظم سؤل
__________
1 هـ وك وع "ومن الشاذ أيضًا قوله".
2 ك "غير منصرف".
235- من الطويل وعبارة المصنف في هـ وك وع توحي بأن قائله الفرزدق، وليس في ديوانه خامل: ساقط لا نباهة له.
وإن كان التعبير بخامد أولى؛ لأن الخامد: الساكن وهو يناسب قوله في الشطر الأول "بعد موته".
236- من الطويل ورواية هـ "وكان لها".
الريقة: القوة والرمق، ميعة الشباب: أوله.
237- من الخفيف قال العيني 2/ 294 لم أقف على اسم قائله.
يؤملون: يرجون. السؤل: الأمنية.(1/500)
وكقول الآخر1:
238-
إني زعيم يا نويقة إن أمنت من الرزاح
239-
ونجوت من عرض المنون من الغدو إلى الرواح
240-
أن تهبطين بلاد قوم يرتعون من الطلاح
والماضي كقول أبي ذؤيب:
241-
فلما رأوا أن أحكمتهم ولم يكن ... يحل لهم إكراهها وغلابها
242-
دعاني إليها القلب إني لأمره ... سريع فما أدري أرشد طلابها
__________
1 ع سقط "الآخر".
238- 240- من مجزوء الكامل أنشدها الفراء عن القاسم بن معن قاضي الكوفة.
زعيم: كفيل. الرزاح: السقوط من الإعياء هزالًا. الطلاح: من شجر العضاه.
وفي اللسان "طلح": إن نجوت من الرزاح. والأبيات في الخزانة 3/ 559.
وفي ع وك "غرض المنون".
241- 242- من الطويل قالهما أبو ذؤيب الهذلي "خويلد بن خالد" والقصيدة التي منها هذان البيتان في ديوان الهذليين 1/ 71.
وضمير المفردة المؤنثة يعود إلى أسماء المتقدم ذكرها في مطلع القصيدة وهو:
أبالصرم من أسماء حدثك الذي ... جرى بيننا يوم استقلت ركابها
وروي "مطيع" و"سميع" بدل "سريع" وهي رواية ع وك و =(1/501)
وليس المراد بالعلم والظن لفظهما، بل معناهما بأي لفظ كان.
فمن وقوع "أن" المخففة بعد مفهم1 علم قول ابن أبي ربعية:
243-
ثم انصرفت وكان آخر عهدنا ... أن سوف يجمعنا إليك الموسم
ومنه قول الأحوص2:
244-
وما كنت زوارًا ولكن ذا الهوى ... إذا لم يزر لا بد أن سيزور
ومنه قول جرير:
__________
= هـ ورواية الديوان "عصاني إليها القلب".
والبيت الذي ذكره المصنف متقدمًا هنا ذكر في الديوان متأخرًا ووقعت كلمة "دعاني" أو"عصاني" في جواب "لما" في بيت يسبق هو.
ثلاثة أعوام فلما تجرمت ... علينا بهون واستحار شبابها
والبيت الثاني من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ ص 119، وشرح التسهيل 2/ 199.
1 ع "بعد فهم علم".
2 هـ "قول الآخر".
243- من الكامل ديوان عمر ص 227، والرواية فيه:
.................... وكان آخر قولها ... ...................................
244- من الطويل وفي هـ "إذا لم تزر".(1/502)
245-
وآية لؤم التيم أن لو عددتم ... أصابع تيمي نقصن عن العشر
ولذلك فإن الفراء في: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاس} 1: "قرئ نصبًا، ولو رفع كان صوابًا"2.
"ص":
وخففت "إن" فقل العمل ... وإن تلا فعل فمما يعزل
عمل الابتدا وشذ نحو "إن ... قتلت" والثاني بلام يقترن
فارقة إن لم يكن يستغنى ... عن ذكرها بعمل، أو معنى
إهمال "إنَّ" المكسورة بالتخفيف أكثر من إعمالها، ولذا قلت:
......................فقل العمل ... .................................
__________
1 من الآية رقم 41 من سورة آل عمران ومن الآية رقم 10 من سورة مريم.
2 قال الفراء في معاني القرآن 2/ 162.
وقوله: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ} .
"أن" في موضع رفع أي: آيتك هذا.
و"تكلم" منصوبة بـ"أن".
ولو رفعت كما قال: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} ، كان صوابًا.
245- من الطويل "ديوان جرير 204" والرواية في الديوان:
....................... من العشر.(1/503)
"ثم أشرت إلى أنه إذا تلاها فعل فحقه أن يكون بعض نواسخ الابتداء نحو قوله تعالى1: {إِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} 2.
ثم أشرت إلى أنه قد يليها فعل غير ناسخ للابتداء على سبيل الشذوذ كقول عاتكة امرأة الزبير -رضي الله عنه.
246-
يا عمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشَا رعش الجنان ولا اليد
247-
شلت يمينك إن قتلت لمسلمًا ... حلت عليك عقوبة المتعمد
وحكى الكوفيون: "إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه3".
__________
1 من الآية رقم 143 من سورة البقرة.
2 هـ "سقط ما بين القوسين".
3 جاء في أصول ابن السراج 1/ 316:
"حكى الفراء: "إن يزينك لنفسك، وإن يشينك لهيه"".
246- 247- بيتان قالتهما عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية، العدوية ترثي زوجها الزبير بن العوام -رضي الله عنه- وتدعو على قاتله عمرو بن جرموز، وفي الشطر الأول من البيت الثاني روايات منها رواية المصنف هنا، وهي رواية ابن جني في المحتسب 145.
ومنها روايته في شرح التسهيل 1/ 70 وهي:
ثكلتك أمك......................... ... ....................................(1/504)
وسمع سيبويه1 بعض العرب يقول: "أما إن جزاك الله خيرًا -بالكسر.
وجعل تقديره: أما إنك جزاك الله خيرًا.
والفتح أشهر.
وإذا أعملت وهي2 مخففة "فالمتكلم بالخيار في الإتيان باللام وتركها، كما كان قبل التخفيف.
ومن إعمالها مخففة3 قوله تعالى: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} 4.
__________
= ومنها روايته في شرح عمدة الحافظ 81 وهي:
هبلتك أمك........................ ... ...................................
ومنها رواية ابن يعيش في شرح المفصل 8/ 72.
بالله ربك..................... ... ..................................
"ينظر الخزانة 4/ 348، همع 1/ 142، المقاصد النحوية 2/ 278، والإنصاف 2/ 641"
والشلل: يبس في اليد أو ذهابها، الطائش: الذي لا يصيب الهدف.
الجنان: القلب أو الروح. عقوبة المتعمد: القتل في الدنيا، والعذاب في الآخرة.
1 ينظر كتاب سيبويه 1/ 482.
2 هـ "فهي مخففة".
3 هـ سقط ما بين القوسين.
4 من الآية رقم 111 من سورة هود. =(1/505)
قال سيبويه1:
"وحدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول: "إن عمرًا لمنطلق".
وقال الأخفش في كتاب "المعاني" له:
"وزعموا أن بعضهم يقول: "إن زيدًا لمنطلق" وهي مثل:
__________
= وفي هذه الآية قراءات منها ما يلي:
الأولى: قراءة نافع وابن كثير بتخفيف نون "أن" وميم "لما" على إعمال" "إن" المخففة. واللام في "لما" داخلة في خبر "إن" و"ما" موصولة أو نكرة موصوفة، ولام "ليوفينهم" لام القسم، وجملة القسم مع جوابه صلة الموصول، أو صلة لـ"ما".
والتقدير على الأول: وإن كلا للذين والله ليوفينهم.
والتقدير على الثاني: وإن كلا لخلق أو لفريق والله ليوفينهم.
والموصول أو الموصوف خبر لـ"إن".
الثانية: قراءة ابن عامر وحفص وحمزة وأبي جعفر بتشديد نون "أن" وميم "لما" وهي قراءة ظاهرة فـ"أن" عاملة، ووافقهم الشنبوذي.
الثالثة: قراءة أبي بكر -بتخفيف النون وتشديد الميم- جعل "إن" نافية و"لما" كـ"إلا" و"كلا" منصوب بمفسر بقوله ليوفينهم. ووافقه الحسن.
الرابعة: قراءة المطوعي بتخفيف "إن" ورفع "كل" وتشديد "لما" على أن "إن" نافية و"كل" متبدأ و"لما" بمعنى "إلا" وهي قراءة ظاهرة.
وحكم "لما" في الطارق حكمها في "هود" تشديدًا وتخفيفًا، ويس كالزخرف "ينظر إتحاف فضلاء البشر ص 260، 364، 385".
1 ينظر كتاب سيبويه 1/ 283.(1/506)
{وَإِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} 1 يقرأ2 بالنصب والرفع"3. هذا نصه.
فإذا4 أهملت لزمت اللام5 ثاني الجزأين لئلا يتوهم كونها نافية.
"فإن كان المحل غير صالح للنفي لم يجب اللام نحو: "إن كادت نفس الخائف تزهق"6 و"إن كان الكريم يرتاح للعطاء" و"إن وجدت الله لطيفًا بعباده".
وفي صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين7 -رضي الله عنها:
"إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب التيمن في طهوره إذا تطهر، وفي ترجله إذا ترجل، وفي انتعاله8 إذا انتعل9.
__________
1 الآية رقم 4 من سورة الطارق.
2 ك وع "قرئ".
3 تفصيل هذه القراءة ووجوهها في البحر المحيط 8/ 454.
4 هـ سقط "فإذا".
5 هـ "باللام".
6 هـ سقط ما بين القوسين.
7 ك ع هـ سقط "أم المؤمنين".
8 ع "نعاله".
9 أخرجه البخاري باب الصلاة 47، والأطعمة.
ومسلم في باب الطهارة 66، 67. وأبو داوود في اللباس 41 =(1/507)
ومنه قراءة بعض السلف: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 1، 2.
- ذكرها ابن جني في المحتسب، وعزاها إلى أبي رجاء-3.
و"ما" موصولة، وعائدها محذوف.
والتقدير: وإن كان ذلك للذي هو متاع الحياة الدنيا4.
ومنه قول الطرماح.
__________
1 ع سقطت اللام من "لما".
2 من الآية رقم 35 من سورة الزخرف.
3 أبو رجاء هو عمران بن تيم العطاردي، البصري، التابعي، الكبير، ولد قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة. وكان مخضرمًا، أسلم في حياة النبي، صلى الله عليه وسلم -ولم يره، عرض القرآن على ابن عباس، وتلقنه من أبي موسى، وحدث عن عمر وغيره من الصحابة مات سنة 105 هـ.
"طبقات القراء للجزري 1/ 604".
4 قال ابن جني في المحتسب 2/ 255 ومن ذلك قراءة أبي رجاء "لما متاع". قال أبو الفتح:
"ما" هنا بمنزلة "الذي" والعائد إليها من صلتها محذوف وتقديره: وإن كل ذلك للذي هو متاع الحياة الدنيا.
فكأنه قال: وإن كل ذلك لما يتمتع به من أحوال الدنيا".(1/508)
248-
أنا ابن أباة الضيم من آل مالك ... وإن مالك كانت كرام المعادن
"ص":
ونصب ما على اسم ذا الباب عطف ... أجز بلا قيد، وبالرفع اعترف
لـ"إن" بعد خبر، وقبل أن ... نويت تأخيرًا، و"أن" مثل "إن"1
والرفع2 -مطل قًا- رأى الكسائي ... وإن يك الإعراب ذا خفاء
وقدم المعطوف فالفراء قد ... يرفع عمومًا، وبفتواه ورد
"يا ليتني وأنت يا لميس ... في بلد ليس به3 أَنِيسُ"
__________
1 هكذا ورد في الشطر الثاني في الأصل.
وفي س وش وط وك وع.... نويت تأخيرًا و"لكن" لـ"إن".
2 ع "والرمطلقا".
3 هـ "ليس فيه".
248- من الطويل قاله الطرماح -الحكم بن حكيم- "الديوان 173". وهو من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ 32، وشرح التسهيل 1/ 70.
أباة: جمع آب وهو الممتنع. الضيم: الظلم.
والشاهد في قوله "وإن مالك كانت" حيث استغنى عن اللام بعد "إن" المخففة؛ لأن موضعها غير صالح للنافية.(1/509)
وصح "أجمعون ذاهبونا" ... "وإنهم" من قبل "أجمعون"
وناصب بـ"ليت" يحيى الخبرا1 ... وبعضهم عم، ومما سطرا
"كأن أذنيه إذا تشوفا ... قادمة أو قلما محرفا"
"ش": يجوز نصب المعطوف على اسم "إن" وأخواتها متقدمًا على الخبر، ومتأخرًا.
فالتقدم2 كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} 3.
والتأخر كقول الراجز:
249-
إن الربيع الجود والخريفا
250-
يدا أبي العباس والصيوفا
__________
1 هكذا في الأصل وفي ط وهـ وفي باقي النسخ.
"وناصب يحيى بـ"ليت" الخبرا ... ...................................
2 هـ "فالمتقدم".
3 من الآية رقم 56 من سورة الأحزاب.
249- 250- هذا رجز ينسب لرؤبة بن العجاج "الديوان ص 179" من أرجوزة قالها في مدح أبي العباس السفاح.
الجود: بفتح الجيم وسكون الواو: المطر الغزير.
ويروى الجون: والمراد به السحاب الأسود.(1/510)
ويجوز الرفع مع "إن" و"لكن" -خصوصًا- بعد الخبر بإجماع.
ومثال ذلك مع "إن" قوله:
251-
فمن يك لم ينجب أبوه وأمه ... فإن لنا الأم النجيبة والأب
ومثاله مع "لكن" قوله:
252-
وما زلت سباقًا إلى كل غاية ... بها يقتضي في الناس مجد وإفضال
253-
وما قصرت بي في التسامي خؤولة ... ولكن عمى الطيب الأصل والخال
__________
251- من الطويل أنشده النحاة، ولم ينسبه أحد إلى قائله "العيني 2/ 265".
قال يس في حاشيته على التصريح:
"قال اللقاني: والوصف وعطف البيان، والتوكيد كالمنسوق عند الجرمي والزجاج والفراء في جواز العطف على المحل.
ولم يذكر غيرهم في ذلك منعًا ولا إجازة.
والأصل الجواز إذ لا فارق.
ولم يذكروا البدل، والقياس كونه كسائر التوابع في جواز الرفع نحو "إن الزيدين استحسنهما شمائلهما" -بالرفع".
252- 253- من الطويل والتسامي: العلو والرفعة "ينظر، شواهد العيني 2/ 316 التصريح 1/ 227 الهمع 2/ 144 الدرر 2/ 202 شرح الأشموني 1/ 287.(1/511)
وأجاز ذلك الكسائي -مطلقًا1.
والفراء في سائر عوامل الباب بشرط خفاء إعراب الاسم.
ومن حجج الفراء قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} 2.
ومن حججه3 -أيضًا- قول الشاعر4:
254-
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب
ويصلح أن يكون هذا وشبهه حجة للكسائي5.
__________
1 ع وك سقط "مطلقًا".
2 من الآية رقم 169 من سورة المائدة.
3 ك وع " ومن حجته".
4 هـ "كقول الشاعر".
5 هـ "حجة الكسائي".
254- من الطويل قاله ضابئ بن الحارث البرجمي من أبيات يقولها، وهو محبوس بالمدينة أيام أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- رواها له أبو العباس المبرد في الكامل 1/ 188 وأبو زيد في النوادر ص 20.
وقيار: اسم فرسه، وقال أبو زيد: اسم جمله، وقيل: هو رجل.(1/512)
ويقول: بناء الاسم في الآية والبيت وقع اتفاقًا، ورفع المعطوف هو الحجة والأصل التسوية بين المعرب والمبني في إجراء1 التوابع عليهما.
وسيبويه يحمل الآية والبيت على أن المعطوف فيهما منوي التأخير2.
ويلحق في ذلك "أن" بـ"إن" إذا كان موضعها موضع جملة نحو: "علمت أن زيدًا منطلق، وعمرو".
واستشهد سيبويه3 يقول الله تعالى4: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} 5.
ويقول6 الشاعر7:
255-
وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق
__________
1 هـ "آخر".
2 تنظر الآية في كتاب سيبويه 1/ 290، وما بعدها والبيت في كتابه 1/ 37 وما بعدها.
3 استشهد سيبويه بالآية في موضعين 1/ 121، 1/ 285.
4 ك ع هـ "بقوله تعالى".
5 من الآية رقم 3 من سورة التوبة.
6 هـ وكقول.
7 تحدث سيبويه عن هذا البيت 1/ 290 وما بعدها.
255- من الوافر قاله بشر بن أبي خازم "الديوان ص 165".(1/513)
وقال:
التقدير: فاعملوا أنا بغاة ما بقينا1 وأنتم2.
ولموافقة سيبويه قلت:
........................................ ... ........... و"أنَّ" مثل "إنّ"
ولم يخص3 الفراء رفع4 المعطوف بـ"إن" و"لكن" بل أجازه عمومًا وأنشد مستشهدًا5:
256-
يا ليتني وأنت يا لميس
257-
في بلد ليس به إنيس
ومما يصلح الاحتجاج6 به للفراء والكسائي على رفع المعطوف قبل الخبر قول بعض العرب: "إنهم أجمعون ذاهبون".
__________
1 هكذا في كتاب سيبويه وسقط قوله "ما بقينا" من كل النسخ.
2 زادت ك وع "وأنتم كذلك".
3 ع "ولم يختص".
4 ك وع سقط "رفع".
5 معاني القرآن 3/ 273.
6 ك وع "للاحتجاج".
256- 257- من أرجوزة لجران العود: عامر بن الحارث النميري "الديوان ص 52". ورواية سيبويه 1/ 133 والفراء: وبلدة ليس بها أنيس.
ونسب هذا الرجز في التصريح 1/ 230 لرؤبة بن العجاج.
ورواية همع الهوامع 2/ 144 في بلدة ليس بها أنيس.(1/514)
فرفع التوكيد حملًا على معنى الابتداء في المؤكد مع أنهما شيء واحد في المعنى.
فإن يكون ذلك في المعطوف والمعطوف عليه لتباينهما في المعنى أحق وأولى.
ونسب سيبويه قائل: "إنهم1 أجمعون ذاهبون" إلى الغلط2 مع أنه من العرب الموثوق بعربيتهم.
وليس ذلك من سيبويه -رحمه الله- بمرضي، بل الأولى أن يخرج3 على أن قائل ذاك4 أراد: أنهم هم أجمعون ذاهبون.
على أن يكون "هم" مبتدأ مؤكدًا بـ"أجمعون" مخبرًا عنه بـ"ذاهبون".
ثم حذف المبتدأ، وبقي توكيده، كما يحذف الموصوف، وتبقى صفته.
وأكثر ما يكون ذلك في صلة الموصول نحو: "قدم الذين فارقت أجمعين". أي: الذين فارقتهم أجمعين.
__________
1 هـ "إنهوا أجمعون".
2 قال سيبويه في الكتاب 1/ 290:
"واعلم أن ناسًا من العرب يغلطون فيقولون: "إنهم أجمعون ذاهبون" و"إنك وزيد ذاهبان".
3 ك "تخرج".
4 ك وع "ذلك".(1/515)
وقد أجاز الفراء نصب جزأي الابتداء بـ"ليت"1 ومن شواهده قول الشاعر:
258-
ليت الشباب هو الرجيع إلى الفتى ... والشيب كان هو البديء الأول
ولا حجة فيه لإمكان تقدير "كان"، وجعل "الرجيع" خبرها.
وأنشد أبو العباس ثعلب2:
259-
فليت غدًا يكون غرار شهر ... وليث اليوم أيامًا طوالًا
ومن الكوفيين من ينصب الجزأين بـ"ليت"3 وغيرها من
__________
1 قال الفراء في معاني القرآن 2/ 352.
"أنشدني الكسائي:
ليت الشباب هو الرجيع إلى الفتى ... والشيب كان هو البديء الأول
فرفع في "كان" ونصب في "ليت"...............
قال: الفراء يجيز هذا، ولا يجيزه غيره من النحويين.
2 ينظر مجالس ثعلب ص 236.
3 ينظر تفصيل ذلك في شرح المفصل لابن يعيش 8/ 84 وقد نسب هذه اللغة لبني تميم.
258- من الكامل أنشده الفراء عن الكسائي في معاني القرآن 2/ 352 ولم يعزه، وقائله القطامي "الديوان ص 7".
259- من الوافر أنشده ثعلب ولم ينسبه لقائل معين "مجالس ثعلب 196 القسم الأول"، ومعنى غرار شهر: مثل شهر.(1/516)
أخواتها ويستشهد بقول الراجز العماني1:
260-
كأن أذنيه إذا تشوفا
261-
قادمة أو قلما محرفا
وبحديث يروى2 وهو3: "إن قعر جهنم سبعين خريفًا" 4.
ورد جميع ذلك إلى الأصول المجمع عليها أولى.
فيخرج "كأن أذنيه" على تقدير كأن أذنيه يحاكيان5 أو نحو ذلك.
__________
1 هو محمد بن ذؤيب، من مخضرمي الدولتين وأحد شعراء الرشيد.
2 ك ع هـ "روى".
3 سقط "وهو" من الأصل.
4 أخرجه مسلم في باب الإيمان 329.
5 هـ "يحاكيا".
260- 261 رواية المصنف هنا هي رواية المبرد في الكامل 513، والعقد 5/ 367، وسمط اللالئ 876، ورواية ابن جني في الخصائص "قلامة أو قلما محرفًا" وينظر الخزانة 4/ 292 والخصائص 2/ 430 والموشح 297، وشرح التبريزي 2/ 329.
تشوف: نصب أذنيه للاستماع القادمة: إحدى قوادم الطير، القلم المحرف، المقطوط لأعلى جهة الاستواء، بل يكون الشق الوحشي أطول من الشق الأنسي.
وقد أجيب عن هذا البيت بأجوبة كثيرة منها إجابة ابن جني في الخصائص أن الراجز أراد: قادمتان أو قلمان محرفان فحذف النون للضرورة، ومنها إجابة المصنف.(1/517)
ويخرج "إن قعر جهنم" على أن "قعر" مصدر من قولهم: قعرت1 البئر، أي بلغت قعرها.
و"سبعين" منصوب2 على الظرفية، وقد وقع خبرًا؛ لأن الاسم مصدر والإخبار عن المصدر بظرف الزمان مطرد.
ومما يستشهد به ناصب الجزأين قول الشاعر:
262-
إذا أسود جنح الليل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافًا إن حراسنا أسدًا
__________
1 هكذا في الأصل -وفي هـ وع وك "قعر البئر".
2 هـ "منصوبًا".
262- من الطويل نسب في الخزانة 2/ 144 لأبي زبيد الطائي، وليس في ديوانه ونسبه السيوطي في شرح شواهد المغني 1/ 122 لعمر بن أبي ربيعة. جنح الليل: جانبه.
والشاهد قوله: "إن حراسنا أسدًا" حيث نصب الجزأين بـ"إن". وقد صحح الصبان في حاشيته على الأشموني 1/ 169 أن تكون خطاك -بكسر الخاء- فقال: والخطاء بالكسر والمد، لكن قصره الشاعر للوزن جمع خطوة -بالفتح- كركوة وركاء كما في الصحاح، وهي نقل القدم.(1/518)
باب: "لا" العاملة عمل "إن"
"ص":
إذا منكر بمعنى "من" يلي ... "لا" فبـ"إن" ألحقت في العمل
وتلوها انصبن بها اسمًا إن يضف1 ... أو يك كالذ بالإضافة اتصف
كمثل "لا صاحب بر مسلم" ... و"لا كريمًا أصله متهم"
والمفرد افتح معها مركبا ... كـ"لا صلاح2 لمسيء3 أدبا"
وإن عطفت مثله عليه ... فالرفع والنصب انسبن إليه
والفتح -أيضًا- زد إذا كررت "لا" ... وكنت بالفتح وسمت الأولا
__________
1 هـ "تضف".
2 هـ "كإصلاح".
3 طـ "للمسيء".(1/519)
وإن رفعته فما للثاني ... في النصب حظ1 بل له الوجهان
وفتح معطوف بناء قد يرد ... بقصد تركيب و"لا" لفظًا فقد
والأوجه الثلاثة الوصف أنل ... إن كان مع إفراده لم ينفصل
والفتح ممنوع إذا لم يتصل ... أو كان غير مفرد ولو وصل
والثاني من "لا ماء ماء باردا" ... نون أو اجعلنهما2 اسمًا واحدا
ونحو: "لا ابنين"3 و"لا أب" اطرد ... ونحو "لا أبا" و"لا ابني" وقد ورد
بشرط كون اللام بعد مقحما ... ونحو "لا أباك" نزرًا علما
"وإن أتاك علم وهو اسم "لا" ... فكن له بشائع مؤولا
كقولهم في رجز مروي ... "لا هيثم الليلة للمطي"4
__________
1 ع "حظا".
2 س ش "اجعلهما".
3 هـ "اثنين".
4 هـ "سقط ما بين القوسين.(1/520)
وأعط1 "لا" مع همز الاستفهام ... في غير عرض ما بلا استفهام
وفي تمن بـ"ألا" لا تلغ "لا" ... وغير نصب تابع اسمها احظلا
وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر ... إذا المراد مع سقوطه ظهر
وذاك في عرف تميم2 يلزم ... والاسم للعلم به قد يعدم
ولازم في سعة تكرير "لا" ... إذا بذي التعريف محضًا وصلا
كذا إذا يتلوه نعت أو خبر ... أو حال إلا في اضطرار من شعر
"ش": إذا قصد بـ"لا" نفي الجنس على سبيل الاستغراق اختصت بالاسم؛ لأن قصد الاستغراق على سبيل التنصيص يستلزم وجود "من" لفظًا أو معنى، ولا يليق ذلك إلا بالأسماء النكرات، فوجب لـ"لا" عند ذلك القصد عمل فيما يليها، وذلك العمل إما جر وإما رفع، وإما نصب.
فلم يكن جرًا3 لئلا يعتقد أنه بـ"من" المنوية، فإنها في
__________
1 هـ "فاعط".
2 ع "تيم".
3 هـ "خيرًا".(1/521)
حكم الموجودة لظهورها في بعض الأحيان كقول الشاعر:
263-
فقام يذود الناس عنها بسيفه ... وقال ألا لا من سبيل إلى هند
ولم يكن رفعًا لئلا يعتقد أنه بالابتداء فتعين1 النصب.
ولأن2 في ذلك إلحاق "لا" بـ"إن" لمشابهتها إياها في التوكيد، فإن "لا" لتوكيد النفي، و"إن" لتوكيد الإثبات.
ولفظ "لا" مساوٍ للفظ "إن" إذا خففت في تضمن متحرك بعده ساكن.
فلما ناسبت "لا": "إن" من هذه الجهات عملت عملها بشرط أن يكون ما تعمل فيه متصلًا بها. قابلًا لـ"من" الجنسية.
فإن كان مفردًا، أي: غير مضاف ولا شبيه3 به بني معها على الفتح تشبيهًا بـ"خمسة عشر".
__________
1 ك وع "فتعين أنه النصب".
2 ع "ولا في ذلك".
3 هـ "مشبه".
263- من الطويل استشهد به المصنف في شرح عمدة الحافظ 36، وشرح التسهيل ولم ينسبه كما لو ينسبه من استشهد به من بعده كالسيوطي في البهجة المرضية 59، وهمع الهوامع 1/ 146، وصاحب اللسان 20/ 318، كما لم ينسبه العيني في المقاصد النحوية 2/ 132.
يذود: يدفع.(1/522)
وحكم على موضعه بالنصب اعتبارًا بعمل "لا"، وبالرفع اعتبارًا بعمل1 الابتداء.
وجاز اعتبار عمل الابتداء مع العامل اللفظي الذي هو "لا" كما جاز اعتباره مع "من" في نحو: "هل فيها من أحد"؛ لأن "لا أحد فيها" جواب "هل فيها من أحد".
والجواب يجري مجرى ما هو جواب له.
وإن كان اسم "لا" مضافًا، أو شبيهًا به نصب بها ولم يبين، لئلا يركب أكثر من شيئين.
ومثال المضاف قولي:
............... لا صاحب بر مسلم ... ...................................
أي: مخذول.
ومثال الشبيه بالمضاف قولي:
......................... ... لا كريمًا أصله متهم
وإلى بناء المفرد على الفتح أشرت بقولي:
والمفرد افتح معها مركبًا ... كـ"لا صلاح لمسيء أدبا"
ثم نبهت على ما يكون من الوجوه في العطف فقلت:
__________
1 ع سقط ما بين القوسين.(1/523)
وإن عطفت "مثله1 عليه2 ... .........................
أي: إن3 عطفت4" على المستحق للفتح مثله في الإفراد، والتنكير جاز في المعطوف: النصب والرفع، كررت "لا" مع العاطف أو لم تكررها.
فمثال ذلك مع تكرر5 "لا": "لا حول ولا قوةً إلا بالله"، و"لا حول ولا قوةٌ إلا بالله".
"ومثال ذلك مع عدم تكرر "لا": "لا حول وقوةً إلا بالله" و"لا حول وقوةٌ إلا بالله"6.
ثم قلت:
والفتح أيضًا زد إذا كررت "لا" ... وكنت بالفتح وسمت الأوَّلا
أي: زد في المعطوف المكرر معه "لا" الفتح إن كان المعطوف عليه مفتو حًا.
فيقال: "لا حول ولا قوة إلا بالله" كما قيل: "لا حول ولا
__________
1 هـ "بمثله".
2 زادت ع "عليه" وسقط من باقي النسخ.
3 ع سقط "إن".
4 سقط ما بين القوسين من الأصل.
5 هـ "تكرير".
6 هـ سقط ما بين القوسين.(1/524)
قوة" -بالنصب- و"لا قوة" -بالرفع.
ثم قلت:
وإن رفعته1................. ... .................................
أي: وإن رفعت الأول، وكررت "لا" لم يجز نصب الثاني: لأن نصبه عند فتح الأول إنما كان على اعتقاد عمل "لا" في المفتوح نصبًا مقدرًا، والثاني معطوف عليه.
فإذا رفع لم يبق لها عمل، يحمل عليه المعطوف لكنه2 يرفع حملًا على رفع الأول، ويفتح على أنه مركب مع "لا" الثانية كقول الشاعر:
264-
فلا لغو ولا تأثيم فيها ... وما فاهوا به أبدًا مقيم
__________
1 هـ "رفعت".
2 ع وك "ولكنه" بزيادة واو.
264- من الوافر ينسب لأمية بن أبي الصلت الثقفي من قصيدة يذكر فيها الجنة، وأهلها وأحوال يوم القيامة. "الديوان 54" وفي الخزانة 2/ 283 أشار البغدادي إلى أن هذا البيت مركب من بيتين هما:
فلا لغو ولا تأثيم فيها ... ولا حين ولا فيها مليم
وفيها لحم ساهرة وبحر ... وما فاهوا به أبدًا مقيم
اللغو: القول الباطل.
تأثيم: نسبة إلى الفسق والكفر والخيانة والكذب.(1/525)
ورفع الأول في الوجهين إما بالابتداء، و"لا" مهملة.
وإما بـ"لا" على أنها محمولة1 على "ليس".
وحكى الأخفش: "لا رجل وامرأة"2 -بفتح التاء بلا تنوين- على تقدير: لا رجل ولا امرأة على تركيب المعطوف مع "لا" الثانية ثم حذفت ونويت3، واستصحب مع نيتها ما كان مع اللفظ بها.
وإلى هذا أشرت بقولي:
وفتح معطوف بناء قد يرد ... لقصد تركيب و"لا" لفظًا فقد
ثم نبهت على أن نعت اسم "لا" المفتوح يجوز فيه إذا كان مفردًا متصلًا بالمنعوت ثلاثة أوجه:
- الفتح على تركيبه مع المنعوت نحو: "لا رجل ظريف عندك".
- والنصب حملًا على عمل "لا" المقدر.
والرفع حملًا على عمل الابتداء؛ لأن "لا" عامل ضعيف فلم تنسخ4 عمل الابتداء لفظًا وتقديرًا، فيمتنع اعتباره وحمل
__________
1 هـ ك ع "المحمولة".
2 هـ "ولا امرأة".
3 ع "ونونت".
4 ع "ينسخ".(1/526)
النعت عليه، كما امتنع ذلك مع "إن".
ثم بينت أن تركيب النعت يمتنع بفصله من المنعوت، وإن كان مفردًا وبعدم1 إفراده، وإن كان متصلًا؛ لأن جزأي. المركب لا ينفصلان.
ولأن2 أكثر من شيئين لا يركب.
وإذا امتنع التركيب جاز النصب حملًا على عمل "لا" والرفع حملًا على عمل الابتداء.
وإذا كررت اسم "لا" المفتوح، فلك أن تركب المؤكِّد والمؤكَّد تركيب النعت والمنعوت نحو: "لا ماء ماء باردًا".
ولك أن تنصب المؤكد، وتنونه3 فتقول: لا ماء ماء باردًا".
وتقول: "لا غلامين4 لك"، و"لا نعلين لزيد"، و"لا أب لعمرو" و"لَا أَخَ لَهُ".
فتجعل "غلامين" و"نعلين" اسمين مركبين، وما بعدهما من الجار والمجرور خبرًا. وكذا "لا أب"5 و"لا أخ".
__________
1 في الأصل "وتقدم إفراده".
2 هـ "ولا أكثر".
3 هـ "وتنويه".
4 هـ "لا على من لك".
5 هـ "لا أب له".(1/527)
وقد تسقط1 النون، وتثبت الألف فيقال2: "لا غلامي لك" و"لا نعلي لزيد".
و"لا أبا لعمرو" و"لا أخا له".
ولا تفعل3 هذا إلا مع لام الجر.
والوجه فيه أنه مشبه بالمضاف فعومل معاملته في حذف النون، وإثبات الألف.
ووجه شبهة بالمضاف أن اللام وما جر بها صفة، والصفة مكملة للموصوف كتكميل4 المضاف إليه للمضاف.
ولو جعلت اللام، وما جر بها خبرًا لثبت النون، وسقطت الألف لزوال شبه الإضافة.
وقد شذ سقوط اللام مع ثبوت الألف في قول الشاعر:
265-
أبالموت الذي لا بد أني ... ملاق لا أباك تخوفيني
__________
1 ع "يسقط".
2 ك ع "فتقول".
3 ك ع "يفعل".
4 هـ "كتمثيل".
265- من الوافر نسبه البغدادي في الخزانة 2/ 188 تبعًا لشراح أبي علي الفارسي لأبي حية النمير، ونسبه ابن الشجري في أماليه 1/ 362 للأعشى ولم أره في ديوانه "ينظر: الكامل 3/ 3 اللسان مادة أبي".(1/528)
أراد: لا أبا لك1.
وقد يتأول العلم بنكرة فتجعل2 اسم "لا3" مركبًا معها إن كان مفردًا كقول الشاعر:
266-
أرى الحاجات عند أبي خبيب ... نكدن ولا أمية في البلاد
__________
1 ك ع سقط "أراد لا أبا لك".
2 ك ع "فيجعل".
3 هـ "الاسم".
266- من الوافر من أبيات تنسب إلى عبد الله بن الزبير -بفتح الزاي- الأسدي من أسد بن خزيمة، وكان سأل عبد الله بن الزبير بن العوام زادا وراحلة فقال له: إن نفقتي قد ذهبت فقال: ما كنت ضمنت لأهلك أنها تكفيك إلى أن ترجع إليهم.
فقال: وإن ناقتي قد نقبت ودبرت فقال ابن الزبير: أنجد بها يبرد خفها.
قال الشاعر: إنما جئتك مستحملًا، ولم آتك مستوصفًا فلعن الله ناقة حملتني إليك، قال ابن الزبير: إن وراكبها، فخرج يقول أبياتًا أولها:
أقول لغلمتي شدوا ركابي ... أجاوز بطن مكة في سواد
فمالي حين أقطع ذات عرق ... إلى ابن الكاهلية من معاد
أبو خبيب: عبد الله بن الزبير. تكدن: تعذرن.
"ينظر: زهر الآداب للحصري 474، الخزانة 2/ 100، تاريخ الخلفاء 83، سيبويه 1/ 355، ابن الشجري 1/ 329 ونسب الشاهد في الأغاني 10/ 163 لعبد الله بن فضالة".(1/529)
وكقول الراجز:1
267-
لا هيثم الليلة للمطي
ومنصوبًا2 بها إن كان مضافًا كقولهم: "قضية ولا أبا حسنٍ لها"3.
ولا بد من نزع الألف واللام مما هما فيه ولذلك4 قالوا: "ولا أبا حسن" ولم يقولوا: "ولا أبا الحسن".
فلو كان المضاف مضافًا إلى ما يلازمه5 الألف واللام كـ"عبد الله" لم يجز فيه هذا الاستعمال.
وللنحويين في تأويل العلم المستعمل هذا الاستعمال قولان:
أحدهما: أنه على تقدير إضافة "مثل" إلى العلم ثم حذف "مثل" فخلفه المضاف إليه في الإعراب والتنكير.
__________
1 هـ "الآخر".
2 هـ "ومنصوباتها".
3 ينظر كتاب سيبويه 1/ 355.
4 هـ "فلذلك".
5 ك وع "يلازمه".
267- هذا رجز أورده أبو عبيد مع أبيات أخرى لم ينسبها، ونسبها الفراء لرجل من دبير "أمالي الشجري 1/ 329، الخزانة 2/ 98، همع 1/ 145، ابن يعيش 2/ 102، 4/ 123".
هيثم: اسم رجل.(1/530)
والثاني: أنه على تقدير لا واحد من مسميات هذا الاسم.
وكلا القولين غير مرضي:
أما الأول فيدل على فساده أمران:
أحدهما: التزام العرب تجرد المستعمل ذلك الاستعمال من الألف واللام، ولو كانت إضافة "مثل" منوية لم يحتج إلى ذلك.
الثاني: إخبار العرب عن1 المستعمل ذلك الاستعمال2 بـ"مثل" كقول الشاعر:
268-
تبكي على زيد ولا زيد مثله ... "بريء من الحمى سليم الجوانح3"
فلو كانت4 إضافة "مثل" منوية لكان التقدير: ولا مثل زيد مثله وذلك فاسد.
وأما القول الثاني فضعفه بين؛ لأنه يستلزم ألا يستعمل هذا الاستعمال إلا علم مشترك فيه كـ"زيد".
__________
1 ك "على".
2 ك وع سقط "الاستعمال".
3 سقط ما بين القوسين من الأصل.
4 ع "كان إضافة".
268- من الطويل لم أقف له على قائل معين ورواية ع "يبكي".(1/531)
وليس ذلك لازمًا لقولهم1: "لا بصرة لكم" و"لا قريش2 بعد اليوم".
ولقول3 النبي -عليه السلام:4
"إذا هلك كسرى فلا كسرى 5 بعده" 6.
وإنما الوجه في هذا الاستعمال أن يكون على قصد: لا شيء يصدق عليه هذا الاسم كصدقه على المشهور به.
فضمن العلم هذا المعنى، وجرد لفظه مما ينافي ذلك.
وإذا دخلت همزة الاستفهام على "لا" فحكمها مع ما وليها حكمها معه عارية من الهمزة نحو قولك: "ألا حلم7 لك"؟ و"ألا8 صديق لزيد"؟.
وإن عطفت على ما وليها جاز في المعطوف والمعطوف عليه مع الهمزة ما جاز مع التجرد.
__________
1 ع "كقولهم" سيبويه 1/ 355.
2 هـ "لا فرس بعد اليوم".
3 ع "وكقول".
4 ك وع هـ "صلى الله عليه وسلم".
5 سقط "فلا كسرى".
6 أخرجه البخاري باب الإيمان، 3، 31، ومسلم في باب الفتن 75، 76، والترمذي في باب الفتن41، وأحمد بن حنبل 2/ 233، 240، 313، 467، 501، 5/ 92، 99.
7 ك ع "ألا حكم لك".
8 هـ "ولا صديق لزيد".(1/532)
هذا إذا لم يقصد العرض.
فإن كان العرض مقصودًا بـ"أَلَا" اختصت بالفعل، ووجب إضمار فعل إن لم يكن ظاهرًا، كما يجب ذلك مع "هلا" وذلك كقولك: "ألا تفعل خيرًا" و"ألا خيرًا تفعله".
وقد يضمر الفعل لقرينة معنوية كقول الشاعر:
269-
ألا رجلًا جزاه الله خيرًا ... يدل على محصلة تبيت
على تقدير: ألا يرونني1 رجلًا. هذه هي2 الرواية المشهورة. ويروى:
ألا رجل......................... ... .................................
بالجر على تقدير: ألا من رجل.
__________
1 ك وع "ترونني".
2 ع سقط قوله "هي".
269- من الوافر من قصيدة قالها عمرو بن قعاس -بكسر القاف- ابن عبد يغوث وضبطه الصغاني في العباب -قنعاس- بزيادسة نون.
محصلة -روى بكسر الصاد على أنها التي تستخرج الذهب من حجر المعدن، وروى بفتح الصادف وربما أراد بها البغي بدليل قوله بعد ذلك:
ترجل لمتى وتقم بيتي وأعطيها الإتاوة إن رضيت "نوادر أبي زيد 135، الخزانة 1/ 459، 3/ 122، 156، 4/ 477، العيني 2/ 366، 3/ 352، همع 1/ 58".(1/533)
ويجوز أن يكون الشاعر لم يقصد العرض، ولكنه نون مضطرًا، وهو قول يونس1، والأول أجود وهو قول الخليل.
فإذا قصد بـ"ألا" التمني2 امتنع الإلغاء، واعتبار معنى الابتداء عند سيبويه3. لا عند المازني،4، والمبرد5.
__________
1 قال سيبويه 1/ 359:
وسألت الخليل -رحمه الله- عن قوله:
ألا رجل جزاه الله خيرًا ... يدل على محصلة تبيت
فزعم أنه ليس على التمني، ولكنه بمنزلة قول الرجل، فهلا خيرا من ذلك، كأنه قال: ألا تروني رجلًا جزاه الله خيرًا.
وأما يونس فزعم أنه نون مضطرًا.................والذي قاله مذهب".
2 ع "بالتمني".
3 قال سيبويه في الكتاب 1/ 359:
"وأعلم أن "لا" إذا كانت مع ألف الاستفهام، ودخل فيها معنى التمني عملت فيها بعدها فنصبته، ولا يحسن لها أن تعمل في هذا الموضع إلا فيما تعمل فيه في الخبر، وتسقط النون والتنوين، كما سقطا في الخبر. فمن ذلك: "ألا غلام لي" و"ألا ماء باردًا".
4 جاء في هامش كتاب سيبويه مخطوطة دار الكتب المصرية 65 نحو عند قول سيبويه: "ومن قال "لا غلامَ أفضلُ منك" لم يقل في "ألا غلام أفضل منك" إلا النصب؛ لأنه دخله معنى التمني، وصار مستغنيًا عن الخبر كاستغناء "اللهم غلامًا"، ومعناه "اللهم هب لي غلامًا":
قال أبو عثمان بكر بن محمد:
الرفع عندي في التمني جيد بالغ.
أقول: ألا غلام وألا جارية؟ كما قلت في الخبر.
وقال: أقول في الاستفهام كما أقول في الخبر سواء، أقول: "ألا رجل أفضل منك".
5 قال المبرد في المقتضب 4/ 382 ها باب "لا" إذا دخلها ألف =(1/534)
وحذف الخبر في هذا الباب إذا كان لا يجهل يكثر1 عند الحجازيين، ويلتزم عند التميميين.
فإن كان يجهل عند حذفه وجب ثبوته عند جميع العرب. فمن حذفه لكونه لا يجهل: "لا إله إلا الله" و"لا فتى إلا علي" و"لا سيف إلا ذو الفقار"2.
__________
= الاستفهام أو معنى التمني" "أما كونها للاستفهام فعلى حالها قبل أن يحدث فيها علامته".
فإن دخلها معنى التمني، فالنصب لا غير في قول سيبويه والخليل وغيرها إلا المازني وحده.
تقول: "ألا ماء أشربه" "ألا ماء وعسلًا" تنون "عسلًا" كما كان في قولك لا رجل وغلامًا في الدار.
وتقول: ألا ما بارد -إن شئت، وإن شئت نونت باردًا، وإن شئت لم تنون كقولك: لا رجل ظريف -إن شئت نونت ظريفًا، وإن شئت لم تنون.
واحتجاج النحويين: أنه لما دخله معنى التمني زال عند الابتداء وموضعه نصب كقولك: "اللهم غلامًا" أي: هب لي غلامًا".
وكان المازني يجري مع التمني مجراه قبله ويقول: يكون اللفظ على ما كان عليه وإن دخله خلاف معناه، ألا ترى أن قولك: "غفر الله لزيد معناه" الدعاء، ولفظه لفظ "ضرب".
فلم يغير لما دخله من المعنى، وكذلك قولك: "علم الله لأفعلن" لفظه لفظ "رزق الله"، ومعناه القسم فلم يغيره.
وكذلك "حسبك" رفع بالابتداء، ومعناه النهي ... ".
1 هـ "يكبر".
2 ذو الفقار: اسم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم -فقد كانت فيه حفر صغار حسان، ويقال للحفرة: فقرة: وجمعها فقر "لسان".(1/535)
ومن الواجب الثبوت لعدم العلم به قوله تعالى: {لا رَيْبَ فِيه} 1.
وقوله تعالى2: {لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} 3.
وقوله4، 5: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ} 6.
وقول النبي -عليه السلام7:
"لا أحد أغير من الله" 8. و "لا إله غيرك" 9.
__________
1 من الآية رقم 2 من سورة البقرة.
2 من الآية رقم 32 من سورة البقرة.
3 سقط من الأصل قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} .
4 سقط من هـ ما بين القوسين.
5 ك وع زادتا "قوله تعالى".
6 من الآية رقم 13 من سورة الأحزاب.
7 ك ع "صلى الله عليه وسلم".
8 أخرجه البخاري في النكاح 107، ومسلم في التوبة 32، 33 34، 35، 36، والترمذي في الدعوات 95، والنسائي في الكسوف 11، وأبو داود في النكاح 37، والموطأ في الكسوف1.
9 أخرجه مسلم في الصلاة 52، والترمذي في الصلاة 65، والموطأ في باب صفة النبي -صلى الله عليه وسلم34.(1/536)
وزعم قوم منهم الزمخشري1، والجزولي2: أن بني تميم يحذفون خبر "لا" مطلقًا -على سبيل اللزوم.
إلا أن الزمخشري قال: "وبنو تميم لا يثبتونه في كلامهم أصلًا". وقال الجزولي: "ولا يلفظ بالخبر بنو تميم إلا أن يكون ظرفًا".
وليس بصحيح ما قالاه؛ لأن حذف خبر لا دليل عليه يلزم منه عدم الفائدة. والعرب مجمعون على ترك التكلم بما لا فائدة فيه. قال الشلوبين3:
__________
1 قال الزمخشري في المفصل يتحدث عن خبر "لا" التي لنفي الجنس:
"ويحذفه الحجازيون كثيرًا فيقولون: "لا أهل" و"لا مال" و"لا بأس" و"لا فتى إلا علي" و"لا سيف إلا ذو الفقار"، ومنه كلمة الشهادة ومعناها: لا إله في الوجود إلا الله.
وبنو تميم لا يثبتونه في كلامهم أصلًا".
قال ابن يعيش 1/ 107.
"وأما بنو تميم فلا يجيزون ظهور خبر "لا" ألبتة، ويقولون: هو من الأصول المرفوضة، ويتأولون ما ورد من ذلك".
2 الجزولي هو عيسى بن عبد العزيز بن بللبخت بن عيسى، المراكشي، أبو موسى الجزولي كان إمامًا لا يشق غباره على جودة التفهيم، وحسن العبارة مات سنة 607 هـ.
3 الشلوبين: هو عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله الأستاذ أبو علي، الإشبيلي الأزدي، إمام عصره في العربية بلا مدافع، ذو معرفة بنقد الشعر، أبقى الله به على ما بأيدي أهل المغرب من العربية مات سنة 645 هـ.
قال الشلوبيني في التوطئة ص 284.
ولا يلفظ بالخبر بنو تميم إذا كان جوابًا استغناء بوجوده في السؤال نحو قولك لمن قال: هل من رجل في الدار؟ لا رجل.(1/537)
"ينبغي أن يكون خلاف أهل الحجاز وبني تميم فيما هو جواب لقول قائل.
كقولك -لمن قال: "هل من رجل أفضل من زيد"؟ - لا رجل.
وأما إذا لم يكن جوابًا فلا ينبغي أن يحذف الخبر أصلًا؛ لأنه لا دليل عليه". وأنكر على الجزولي استثناء الظرف.
ومن حذف الاسم للعلم به قولهم1: "لا عليك" يريدون: لا بأس عليك.
ومثال لزوم التكرار لكون المتصل بـ"لا" معرفة: "لا زيد فيها ولا عمرو". ونبهت بقولي:
............................... ... بذي2 التعريف محضًا
على أن ذا التعريف المؤول3 بنكرة لا يجب معه التكرار، كما لا يجب مع النكرة الصريحة.
ويدخل فيها هو معرفة غير محضة قولهم: "لا نولك أن تفعل"4.
__________
1 ع "ومن حذف الاسم" كقولهم.
2 في الأصل "لذي".
3 ع "المؤبنكرة".
4 سيبويه 1/ 355.(1/538)
فإنه بمعنى: لا ينبغي لك، فلذلك1 لم تكرر "لا" بعده.
ومثال لزوم التكرار لكون المتصل بـ"لا" خبرًا ونعتًا، وحالًا: "قوله تعالى: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} 2. وقوله: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} 3.
و"جاء زيد لا خائفًا، ولا آسفًا".
وقيدت لزوم التكرار بالسعة تنبيهًا على تركه في الضرورة كقول الشاعر:
270-
وأنت امرؤ منا خلقت لغيرنا ... حياتك لا نفع، وموتك فاجع
وكقول الآخر:
__________
1 ع "ولذلك" في مكان "فلذلك".
2 الآية رقم 47 من سورة الصافات.
3 من الآية رقم 25 من سورة النور.
270- من الطويل نسبه العسكري في التصحيف ص 405، والحصري في زهر الآداب 652، والبغدادي في الخزانة 2/ 89 للضحاك بن هنام الرقاشي من أبيات قالها في الحضين -بالضاد- ابن المنذر. ونسبه البحتري في حماسته 171 إلى أبي الدبية الطائي.
وأكثر الروايا في كتب النحو على إسقاط الواو أول البيت على أنه مخروم على اعتبار أنه غير مسبوق بغيره.(1/539)
271-
بكت جزعًا، واسترجعت ثم آذنت ... ركائبها إلا إلينا رجوعها1
وكقول الآخر:
272-
قهرت العدا لا مستعينًا بعصبة ... ولكن بأنواع الخدائع والمكر
وإلى هذه الأبيات ونحوها أشرت بقولي:
....................... ... إلا في اضطرار من شعر2
__________
1 سقط ما بين القوسين من هـ.
2 هـ "من شعره".
271- من الطويل من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعلم قائلها 1/ 355.
"الخزانة 3/ 88، 2/ 88، أمالي الشجري، 2/ 225، همع 1/ 148، ابن يعيش 2/ 113، 4/ 65، 66".
واسترجعت يحتمل أمرين: إما أنها قالت: "إنا لله وإنا إليه راجعون" وإما طلبت الرجوع.
ركائب: جمع ركوبة وهي الراحلة تركب. آذنت: أشعرت وأعلمت.
272- من الطويل، والعصبة: الجماعة.(1/540)
فهرس الجزء الأول:
تقديم 5
مقدمة 110.
خطبة الكافية الشافية 155
باب شرح الكلام وما يتألف منه 157
باب الإعراب والبناء وما يتعلق بذلك 174
إعراب المثنى والمجموع على حده وما يتعلق بذلك 185
إعراب المجموع بالألف والتاء وما جرى مجراه 200
إعراب ما اتصل به من الفعل ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة 207
إعراب المعتل من الأسماء والأفعال 212
باب النكرة والمعرفة 222
فصل في المضمر 224
فصل في ضمير الشأن 233
فصل في الضمير المسمى فصلا 239
فصل العلم 246
فصل الموصول 252
فصل في أسماء الإشارة 314
فصل في المعرف بالأداة 319
باب الابتداء 330
فصل في دخول الفاء على خبر المبتدأ 373
باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر 380
باب "ما" و"لا" و"إن" المشبهات بـ"ليس" 430
باب أفعال المقاربة 449
باب الحروف الناصبة الاسم الرافعة الخبر 470
باب "لا" العاملة عمل "إن" 519(1/541)
المجلد الثاني
باب: الأفعال التي تنصب المبتدأ والخبر مفعولين
مدخل
...
باب: الأفعال التي تنصب المبتدأ والخبر مفعولين
"ص":
بفعل علم لا لعرفان نصب1 ... مبتدأ وخبر وبـ"حسب"
كذا مرادفات ذين كـ"يرى" ... و"ظن" مع "حجا" و"خال" و"درى"
و"عد" مع "هب" و"تعلم" و"سمع" ... إن يك باسم غير مسموع تبع
وألحقوا "زعم"2 "ألفى" و"وجد" ... وما لتصيير، وشبهه كـ"رد"
وبعضهم ألحق -أيضًا- "ضربا" ... في مثل والجعل أجدى "وهبا"
فكان منها و"تخذت" و"اتخذ" ... إن أفهما معنى عن الكسب انتبذ3
__________
1 ك "ينصب".
2 ط "بزعم".
3 جاء في الحاشية شطر آخر هو:
............................ ... لا مطلقا فانهض ودع من انتبذ
هذا الشطر هو الذي نبه المصنف عليه في الشرح.(2/541)
"ش": إذا قصد بـ"علم" معرفة الشيء دون تعرض لمعرفة ما هو عليه تعدى إلى مفعول واحد.
ومن ذلك احترزت بقولي:
.... لا لعرفان....... ... ....................
وإذا قصد به معرفة الشيء ومعرفة1 ما هو عليه تعدى إلى مفعولين هما مبتدأ وخبر في الأصل كقول الشاعر.
273-
علمتك الباذل المعروف فانبعثت ... إليك بي واجفات الشوق والأمل
ولـ"حسب" المتعدية استعمالان:
أحدهما: أن يراد بها الاعتقاد الراجح -وهو المشهور- كقوله تعالى: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْء} 2.
والثاني: أن يراد بها معنى "علم" كقول الشاعر:
__________
1 ع سقط "الشيء ومعرفة".
2 من الآية رقم "18" من سورة "المجادلة".
273- من البسيط قال العيني 2/ 416: أقول: لم أعثر على اسم قائله.
انبعثت: ثارت.
واجفات: دواعي.(2/542)
274-
حسبت التقى والحمد خير تجارة ... رباحًا إذا ما المرء أصبح ثاقلا
وتوافقها في المعنى الأول "حجا" كقول الشاعر:
275-
[قد1 كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة ... حتى ألمت بنا يومًا ملمات
وتوافقها2 في المعنيين: "رأى" و"ظن" و "خال".
فمثال "رأى" في العلم قوله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} 3.
ومثالها في الحسبان قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدا} 4.
__________
1 بداية سقط كبير من هـ.
2 ك وع "ويوافقها".
3 من الآية رقم "6" من سورة "سبأ".
4 من الآية رقم "6" من سورة "المعارج".
274- من الطويل قاله لبيد العامري "الديوان ص119".
رباحًا: ربحًا.
ثاقلا: ميتا.
ورواية ك وع:
حسبت التقى والجود خير تجارة ... .........................................
275- من البسيط نسبه العيني 2/ 376 لتميم بن مقبل، وليس في ديوانه ونسبه صاحب المحكم لأبي شنب الأعرابي، وذكر بعده بيتين.
الملمات: النوازل. أحجو: أعتقد.(2/543)
ومثال "ظن" بمعنى الحسبان قوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُور} 1.
ومثاله بمعنى "علم" قوله تعالى: {وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} 2.
ومثال "خال" بمعنى الحسبان قوله:
276-
وحلت بيوتي في يفاع ممنع ... يخال به راعي الحمولة طائرًا
ومثاله3 في العلم قول الشاعر:
277-
دعاني الغواني عمهن وخلتني ... لي اسم فلا أدعى به وهو أول
__________
1 من الآية رقم "14" من سورة "الانشقاق".
2 من الآية رقم "18" من سورة "التوبة".
3 ع "ومثال".
276- من الطويل قائله النابغة الذبياني من قصيدة "الديوان ص40" يفاع: مرتفع مشرف.
والمعنى: وأقمت بيوتي في مكان مرتفع يحسب به راعي الإبل طائرًا لارتفاعه وعلوه. ورواية الديوان: تخال -بالتاء- وفي ع "وخلت بيوتي".
277- من الطويل قاله النمر بن تولب العكلي من قصيدة "الديوان ص88" وروايته
دعاني العذارى.......... ... ............................
وهي رواية السيوطي في همع الهوامع 1/ 150، والشنقيطي في الدرر اللوامع 1/ 133 وجمهرة أشعار العرب 110.(2/544)
و"درى" بمعنى "علم" ومثال تعديها إلى مفعولين قول الشاعر:
278-
دريت الوفي العهد يا عرو فاغتبط ... فإن اغتباطًا بالوفاء حميد
ومعنى "عد" الملحقة بذا الباب "ظن".
ومثال نصبها المفعولين قول الشاعر] 1:
279-
فلا تعدد المولى شريكك في الغنى ... ولكنما المولى شريكك في العدم
وقل من يذكرها. وممن ذكرها ابن هشام اللخمي2.
ومما يتعين إلحاقه بهذه الأفعال "هب" بمعنى "ظن"، و"تعلم" بمعنى "اعلم"، ولا يتصرفان.
__________
1 إلى هنا نهاية سقط هـ.
2 محمد بن أحمد بن هشام بن إبراهيم بن خلف اللفخمي، السبتي، نحوي، لغوي توفي سنة 557هـ.
278- من الطويل من شواهد العيني 2/ 373 ولم ينسبه.
الغبطة: تمني مثل حال المنعم عليه من غير تمني زوال نعمته.
279- من الطويل واحد من خمسة أبيات قالها النعمان بن بشير الأنصاري -رضي الله عنه- "الديوان ص159".
المولى: ابن العم، ومن معانيه الجار والحليف والناصر، والعتيق والمعتق.
العدم: الفقر وكذلك العدم -بتحريك الدال.(2/545)
ومن شواهد "هب" قول الشاعر:
280-
فقلت أجرني أبا مالك ... وإلا فهبني أمرًا هالكًا
والمشهور في استعمال "تعلم" إعماله في "أن" كقول الشاعر:
281-
تعلم أنه لا طير إلا ... على متطير وهي الثبور
وقد نصب1 مفعولين في قول الآخر:
282-
تعلم شفاء قهر عدوها ... فبالغ بلطف في التحيل والمكر
__________
1 ك وع "وقد ينصب".
280- من المتقارب قاله عبد الله بن همام السلولي "العيني 2/ 378، الخصائص 2/ 186، معاهد التنصيص 1/ 285".
والرواية المشهورة:
فقلت أجرني............... ... .............................
أجرني: أغثني
ورواية ك وع وهـ: ... أبا خالد..................
281- من الوافر قاله النابغة الذبياني من قصيدة وكان من قصتها أنه قد خرج مع زياد بن سيار للغزو فلما رأى زياد جرادة قال:
حرب ذات ألوان فرجع، ومضى النابغة فلما رجع غانمًا قال هذه القصيدة "العيني 2/ 374".
282- من الطويل قاله زياد بن سيار حين خرج مع النابغة للغزو ورجع عندما رأى جرادة "العيني 2/ 374".
شفاء النفس: قضاء مآربها.(2/546)
وألحق الأخفش وأبو علي الفارسي بأفعال هذا الباب "سمع" إذا وليها اسم غير مسموع كقولك: "سمعت زيدًا يقرأ".
فإذا وليها اسم مسموع اكتفت به كقولك: "سمعت حديثك".
ومن أفعال هذا الباب المشهورة "زعم" كقول الشاعر:
283-
فإن تزعميني كنت أجهل فيكم ... فإني شريت الحلم بعدك بالجهل
و"وجد" بمعنى "علم" كقول الشاعر:
284-
وجدتهم أهل الغنى فاقتنيتهم ... وأعففت عنهم مستزادي ومطعمي
ويلحق بها -أيضًا- "ألفى" كقول الشاعر:
285-
قد جربوه فألفوه المغيث إذا ... [ما الروع عم فلا يلوى على أحد] 1
__________
1 سقط ما بين القوسين من هـ.
283- من الطويل قاله أبو ذؤيب الهذلي "ديوان الهذليين 1/ 34".
شريت الحلم: أي بعت الجهل بالحلم.
284- من الطويل.
ورواية هـ:
................... فأتيتهم ... ........... مسرادي ومطمعي
285- من البسيط قال العيني 2/ 388 لم أقف على اسم قائله.
الروع: الفزع.
لا يلوى على أحد: لا يعطف على أحد من شدة الخوف وعمومه لجميع الناس.(2/547)
ومن أفعال هذا الباب "صير" وما وافقها أو قاربها كـ"رد" و"جعل" و"اتخذ" و"تخذ" و"ترك" و"وهب" بمعنى "جعل" كقول بعض العرب: "وهبني الله فداءك"1. أي: جعلني. رواه ابن الأعرابي2.
وقال الشاعر في "رد":
286-
رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا
287-
فرد شعورهن السواد بيضًا ... ورد وجوههن البيض سودا
ومن شواهد "جعل" و"اتخذ" قوله تعالى: {وَجَعَلُوا
__________
1 ك وع "فداك".
2 محمد بن زياد الأعرابي، كان ناسبا، نحويًا، كثير السماع من العرب، راوية للأشعار، لم يكن في الكوفيين أشبه برواية البصريين منه توفي سنة 231هـ.
286، 278- من الوافر نسبا في الخزانة 2/ 229 وديوان الحماسة 1/ 549، والأضداد لابن الأنباري 36، وأمالي القالي 3/ 115 والخزانة 1/ 344 واللسان "سمد" إلى عبد الله بن الزبير الأسدي.
ورأيتهما في قصيدة للكميت بن زيد الأسدي في ديوانه.
الحدثان: الحادثة أو نائبة الدهر. آل حرب: بنو أمية.
المقدار: ما قدره الله تعالى. السمود: تغير الوجه من الحزن.(2/548)
الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} 1 و {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} 2.
وقال الشاعر:
288-
أبعد الذي قد لج تتخذينني ... عدوًا وقد جرعتني السم منقعًا؟
وشاهد "تخذ" قول الآخر:
289-
تخذت غران إثرهم دليلًا ... وفروا في الحجاز ليعجزوني
واحترزت بقولي بعد "تخذت" و"اتخذ":
................................ ... لا مطلقًا3..................
__________
1 من الآية رقم "19" من سورة "الزخرف".
2 من الآية رقم "125" من سورة "النساء".
3 هذا يدل على أن المصنف شرح الشطر الذي في الحاشية.
288- من الطويل واحد من أبيات أربعة ذكرها أبو تمام في حماسته 2/ 181 ولم ينسبها. نقع السم في أنياب الحية: اجتمع. وسم نافع: قاتل.
289- من الوافر قاله أبو جندب الهذلي من قصيدة "ديوان الهذليين 3/ 90" وشرح أشعار الهذليين للسكري 1/ 354.
غران: اسم موضع -على وزن سحاب- قال السكري هو واد. وفي ك وع "غراز".(2/549)
من "تخذ" و"اتخذ" بمعنى "اكتسب" فإنهما متعديان إلى مفعول واحد.
ومثال "ترك" قول الله تعالى1: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْض} 2.
ومنه قول الشاعر:
290-
وربيته حتى إذا ما تركته ... أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه3
وألحق بعض الحذاق من النحويين بأفعال هذا الباب "ضرب" المعملة في المثل كقوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} 4، 5.
"ص":
وما استحق خبر ومبتدا ... فمع ذي الأفعال يأتي أبدا
كأضرب الثاني من الجزأين ... وكونه لمعنى أو لعين
__________
1 ك وع "قوله تعالى".
2 من الآية رقم ط99" من سورة "الكهف".
3 سبق الحديث عن هذا البيت في باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر.
4 ع سقط "لهم".
5 من الآية رقم "12" من سورة "يس".(2/550)
وكون ما ركبته مفيدا ... في كل التزم ولا تحيدا
"ش": الذي استحق المبتدأ: التعريف، أو مقاربته1، أو مصاحبة قرينة تعين على تحصيل الفائدة، وألا يعرض للالتباس بالخبر، وغير ذلك مما تقدم التنبيه عليه في "باب الابتداء" فللمفعول الأول من ذا الباب ما للمبتدأ من ذلك كله.
والذي استحق الخبر من أقسام، وأحوال فللمفعول الثاني مثل ما له منها حتى التعدد. نحو قولك في "الرمان حلو حامض": "حسبت الرمان حلوًا حامضًا" ونحو قولك2 في قول الراجز3:
291-
................ هذابتي
292-
مقيظ مصيف مشتي
"علمت هذا بتي مقيظًا مصيفًا مشتيًا".
[وقولي:] 4
__________
1 هـ "مقارنته".
2 هـ "ونحو قولك هذا بتي في قول الراجز ... ".
3 سبق الحديث عن هذا الرجز في باب الابتداء وهو من شواهد سيبويه الخمسين 1/ 258 لكنه في ملحقات ديوان رؤبة.
4 سقط "وقولي" من جميع النسخ والمقام يقتضيها.(2/551)
وكون ما ركبته مفيدًا ... في كل التزم................
أي: لا بد من اشتمال المركب في هذا الباب على فائدة، كما لا بد من اشتماله عليها في "باب الابتداء". فلا يجوز: "علمت النار حارة". كما لا يجوز: "النار حارة".
"ص":
وحذف ما بينه دليل ... هناك ههنا له سبيل
وجائز سقوط جزأين هنا ... إن كان ذكر ما تبقى حسنا
"ش": الأصل ألا يقتصر على أحد المفعولين في هذا الباب، لأنهما مخبر عنه، ومخبر به.
فلو حذف الأول بقي الخبر دون مخبر عنه.
ولو حذف الثاني بقي المخبر عنه دون خبر.
فإن دل على المحذوف منهما دليل جاز الحذف كقوله تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ} 1. أي: لا يحسبن الذين يبخلون ما يبخلون به هو خيرًا لهم.
__________
1 من الآية رقم "80" من سورة آل عمران.(2/552)
وحذف المفعولين أسهل من حذف أحدهما لكن بشرط الفائدة1.
فلو قال قائل دون تقدم كلام، ولا ما يقوم مقامه: "ظننت" مقتصرًا لم يجز لعدم الفائدة.
نصَّ على ذلك سيبويه2 -رحمه الله-3 إذ لا يخلو أحد من ظن.
فلو قارنه سبب يقتضي تجدد مظنون جاز ذلك لحصول الفائدة كقوله تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّون} 4. وكقول بعض العرب: "من يسمع يخل"5.
"ص":
و"أنْ" و"أنَّ" مع ما به وصل ... عن جزأي الإسناد مغنيًا جعل
كـ"يحسبون أنهم على شي" ... و"ما ظننت أن يخان في الفي"
وما سوى "هب" و"تعلم" و"وهب" ... صرف وأوجب للصروف ما وجب6
__________
1 هـ "بشرط الإفادة".
2 ينظر كتاب سيبويه 1/ 18، 19.
3 هكذا في هـ وسقط من باقي النسخ "رحمه الله".
4 من الآية رقم "24" من سورة "الجاثية".
5 أي: من يسمع أخبار الناس ومعايبهم يقع في نفسه عليهم المكروه "ينظر أمثال الميداني 2/ 300".
6 ع "وواجب المصروف" وط "وأوجب للظروف".(2/553)
"ش": كل واحدة من "أن" و"أن" بصلتها تتضمن مسندًا ومسندًا إليه مصرحًا بهما: فلذلك اكتفى بما ذكر منهما بعد "ظن" وأخواتها نحو: قوله تعالى: {أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} 1، وقوله: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} 2.
وهذا شبيه بالاكتفاء بـ"أن تفعل"3 بعد "عسى" كقوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُم} 4.
فلو جيء بمصدر صريح لم يكن بد من ذكر الخبر.
وأفعال هذا الباب كلها تتصرف إلا "هب" و"تعلم" و"وهب".
ويمكن أن يكون "هب" من "وهب" فتكون في هذا الباب نظير "كاد" و"أوشك" في "باب أفعال المقاربة".
"ص":
وغير "هب" قلبيًّا إن لم يبتدا ... يلغ جوازًا فهو كالذ فقدا
كـ"خالد خلت أخ" و"عامر ... سمح أرى" و"ذا علمت ناصر"
__________
1 من الآية رقم "259" من سورة "البقرة".
2 من الآية رقم "2" من سورة "العنكبوت".
3 ك وع وهـ"بأن يفعل".
4 من الآية رقم "216" من سورة "البقرة".(2/554)
وربما ألغي سابق سبق ... بما به الجزء الأخير معتلق
كـ"أين خلت جعفر مقيم" ... و"للندى أرى الفتى مديم"
وإن سوى ذا سابقًا ملغى يظن ... فبعد لام، أو ضمير استكن
كـ"ما إخال" بعد "تنويل" رفع ... "ملاك" مع "رأيت" هكذا سمع1
"ش": المراد بالقلبي من أفعال هذا الباب ما لا يدل على تصيير حقيقي، أو تقديري كـ"علم" و"ظن".
ومن جملتها "هب" على مذهب من شرحها بـ"اعتقد" أو بـ"ظن".
وأما من شرحها بـ"اجعل" وقضى عليها بأنها من قولهم: و"هبني الله فداءك" أي: جعلني. فليست عنده قلبية.
__________
1 هكذا جاءت هذه الأبيات في الأصل، ووافقتها باقي النسخ في البيتين، الأول والثاني، ثم اختلفت معها من الثالث للأخير فجاءت كما يلي:
وربما ألغي سابق سبق ... كـ"أين خلت ابن أخيك منطلق"
كذا "لدينا منك تنويل" و"ما ... إخال" قبل مثله لن يعدما
وإن سوى ذا سابقا ملغي يظن ... فبعد لام أو ضمير استكن
فهذه الأبيات الأربعة عوض منها ثلاثة في باقي النسخ.(2/555)
فلتردد معناها لم1 تشارك القلبيات المحضة فيما تختص2 به من الإلغاء وغيره.
وشرط جواز3 إلغاء ما يلغى أن يكون وسطًا كقولك: "خالد خلت أخ". أو آخرًا كقولي:
.... عامر سمح أرى ... ..................
فإن كان الفعل متقدمًا على جزأي الإسناد لم يجز الإلغاء إلا إذا تقدم ما يتعلق بهما، أو بالفعل الداخل عليهما نحو:
"في المسجد أظن زيد معتكف" و"أين خلت جعفر مقيم". و"للندى أرى الفتى مديم"4.
فقد تقدم على "أظن" و"خلت"5 و"أرى"6 ما هو متعلق بثاني الجزأين فكان ذلك كتقدمه بنفسه.
والإعمال في مثل هذا أجود.
[7 فلو توسط الفعل بين جزأي الإسناد استوى الإعمال والإلغاء.
__________
1 هـ "ما لم تشارك".
2 ك وع وهـ "يختص".
3 هـ "وشرط الجواز".
4 ك وع وهـ "سقط هذا المثال".
5 ك وع وهـ "خلت وأظن".
6 ك وع وهـ سقط "وأرى".
7 بداية اختلاف بين الأصل وبين باقي النسخ في تقديم بعض فقرات الشرح وتأخير غيرها. وقد اعتمدت هنا نسخة الأصل إلى نهاية الفصل.(2/556)
ولو تأخر عنهما معًا كان الإلغاء مختارًا.
ولا يجوز إلغاء ما تقدم عليهما وليس قبله متعلق بثانيهما1 نحو: "ظننت زيدًا منطلقًا".
فإن2 ورد متقدم هكذا ولم يعمل حمل على أنه عامل في ضمير الشأن محذوفًا.
وجعلت الجملة التي بعده في موضع المفعول الثاني كما فعل بـ"إن" في مثل "إن بك زيد مأخوذ".
وكذا3 لم تعلق بالفعل الداخل عليهما كقول4 كعب5:
293-
أرجو وآمل أن تدنو مودتها ... وما إخال لدينا منك تنويل
__________
1 ك وع وهـ "متعلق بهما ولا بالداخل عليهما".
2 ع "قال".
3 سقط من الأصل "كذا".
4 هـ "قول".
5 ك وع "كعب بن زهير".
293- من البسيط من قصيدة كعب بن زهير المشهورة والرواية في الديوان ص9.
أرجو وآمل أن يعجلن في أبد ... وما لهن طوال الدهر تعجيل
وعلى هذا فلا شاهد في البيت.(2/557)
فقد حصل لـ "إخال" بتقدم نافيه توسط سهل إلغاءه.
وكذا قول الآخر:
294-
كذاك أدبت حتى صار من خلقي1 ... أني رأيت ملاك الشيمة الأدب
إلغاء2 "رأيت" فيه سهلة تقدم "إني".
فلو لم3 يتقدم على الفعل شيء لم يجز إلغاؤه.
لكن يجوز التعليق على أن يُنْوَى لام الابتداء، أو يُنْوَى ضمير الشأن وتجعل4 الجملة مفعولًا ثانيًا.
"ص":
واستقبحوا توكيد ما يلغى وإن ... تضمره أو تشر لمعناه يهن
"ش": التوكيد يدل على الاعتناء بالمؤكد. والإلغاء يدل على
__________
1 سقط الشطر الأول من البيت من الأصل ومن هـ.
2 هـ "ألغى".
3 سقط "لم" من الأصل.
4 في الأصل "ويجعل" وفي ع "وجعل".
294- من البسيط ثاني بيتين ذكرهما أبو تمام في حماسته بنصب القافية ونسبهما لبعض الفزاريين.
ملاك الشيء: ما يقوم به. الشيمة: الخلق.
"ينظر: شرح الحماسة للتبريزي 3/ 148، همع 1/ 153، الخزانة 4/ 5، 333، شرح الكافية للرضي 2/ 280".(2/558)
عدم الاعتناء بالملغي. فلذلك قبح1 توكيد ما ألغي2 من هذه الأفعال نحو: "زيد ظننت ظنًّا منطلق".
فلو أضمر المصدر، أو أشير إلى معناه اغتفر ذلك نحو: "زيد ظننته مقيم" أو "ظننت ذاك"3.
ومنه قول الشاعر:
295-
يا عمرو إنك قد مللت صحابتي ... وصحابتيك -إخال ذاك- قليل
وإنما اغتُفر التوكيد بالضمير، واسم الإشارة؛ لأنهما لا يتنزلان منزلة تكرير الفعل.
بخلاف التوكيد بصريح المصدر، فإنه بمنزلة تكرير الفعل، فقبح كما يقبح4 تكرير الفعل إذا أُلغي.
"ص":
تعليق أفعال القلوب غير "هب" ... من قبل لام الابتداء قد وجب
وقبل منفي بـ "ما" و "لا" و "إن" ... وما للاستفهام وضعه زكن
__________
295- من الكامل "المقرب 22 والمغني 642".
1 هـ "فتح".
2 "هـ "يلغي".
3 ك وع "ظننت ذلك منه".
4 ع سقط "كما يقبح".(2/559)
وهو عبارة عن إبطال العمل ... لفظًا فحسب1 كـ"أدر أي الناس جل"
"ش": مما يختص بأفعال القلوب غير "هب" التعليق، وهو إبطال العمل لفظًا لا معنى على سبيل اللزوم.
وسببه أن يقع بين الفعل، وبين ما يتعلق به لام الابتداء نحو: "علمت لزيد قائم".
أو استفهام نحو: "علمت أزيد عندك [أم عمرو"؟
أو نفي بـ"ما" أو "لا" أو "إن"، نحو: "علمت ما زيد عندك". و"علمت لا زيد عندك] 2 ولا عمرو" و"علمت إن زيد قام".
ومنه قوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلا} 3، و [قوله] : {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُون} 4.
"ص":
ومع الاستفهام5 ألحق بـ"علم" ... ما منه عرفان6. ونحوه فهم
__________
1 ع "فحسبت".
2 هـ سقط ما بين القوسين.
3 من الآية رقم "52" من سورة "الإسراء".
4 من الآية رقم "65" من سورة "الأنبياء".
5 ع س ك ش "استفهام".
6 هـ "إفهام".(2/560)
وهكذا مبدي1 سؤال، أو نظر ... منتسب للقلب، أو إلى البصر2
ما بين الاستفهام، والمعلق ... بنصبه، أو رفعه احكم وانطق
نحو: "علمت النضر من هو"؟ فإن ... ترفع تصب والنصب بالفضل3 قمن
واجعل كذي استفهام المضاف له ... في مقتضى التعليق واعرف مثله4
فكـ"درى أيهم خير": "درى ... غلام أي" فامنع التأثرا
"ش": الإشارة بما فهم منه عرفان، ونحوه إلى "عرف" و"شعر" و"فقه"5 "فطن"6 وما أشبه ذلك نحو:
"عرفت من أبوك"؟ و"شعرت أي أمر حبسك"؟ و"فطنت
__________
1 س ش ط ك ع "مجدي".
2 هـ "وللبصر".
3 هـ سقط "بالفضل".
4 هكذا ورد هذا البيت في الأصل وفي س وقد ورد في باقي النسخ كما يلي:
واجعل كذي استفهام المضافا ... إليه في التعليق حيث وافى
وفي ط جاء "التقليق" موضع "التعليق" في هذا البيت.
5 في الأصل "نقه".
6 هـ "وظن".(2/561)
أذلك حق أم باطل"؟ والإشارة بـ
.... مبدي1 سؤال أو نظر ... ...............................
إلى نحو: "استخبرت هل زيد قائم"؟ و"فكرت هل ذلك كائن"؟ و"نظرت هل عندك ريب"؟
ويلحق بهذا ما دل على رؤية عين كقوله تعالى: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} 2 {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} 3.
وأسماء الاستفهام في ذلك كحروفه.
وكذلك المضاف إلى ما فيه معنى الاستفهام، فلذلك قلت:
فكـ"درى أيهم خير" "درى ... غلام أي"....................
أي: لا فرق بين "أي" وبين "غلام أي" في عدم التأثر بـ"درى".
لأن المستفهم به، والمضاف إليه في عدم التأثر بما قبلهما سيان.
وكذلك هما سيان في قبول التأثر بما بعدهما كقوله
__________
1 هـ "بمبتدى" وك وع "بمجدي".
2 الآية رقم "23" من سورة "المطففين".
3 من الآية رقم "36" من سورة "المطففين".(2/562)
تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون} 1.
فإن كان الواقع بين المعلق، والمعلق غير مضاف: نحو: "علمت زيدًا من هو" جاز نصبه، وهو الأجود، لكونه غير مستفهم به، ولا مضاف إلى مستفهم به.
وجاز -أيضًا- رفعه؛ لأنه المستفهم عنه في المعنى.
وهذا شبيه بقوله: "إن أحدًا لا يقول ذلك".
فـ"أحد"2 هذا لا يستعمل إلا بعد نفي.
وهنا قد وقع النفي، لأنه والضمير في "لا يقول" شيء واحد في المعنى.
"ص":
واخصص بفعل القلب نحو "خلتني" ... واستندروا "عدمتني" فقدتني"
و"خاله" و"خلتك" استبح وقس ... وامنع "ضربتني" وشبهه تكس3
"ش": مما يختص بالأفعال القلبية إعمالها في ضميري رفع
__________
1 من الآية رقم "227" من سورة "الشعراء".
2 ك وع "وأحد".
3 هكذا في الأصل وجاء موضع هذين البيتين في باقي النسخ:
ونحو خلك خاله وخلتني ... خصوا بقلبي ومع فقدتني
عدمتني شذ وقل رأيتني ... رؤيا ورؤية بلا توهن
ومعنى تكس: تغلب.(2/563)
ونصب متصلين مع اتحاد المسمى نحو: "علمتني فقيرًا1 إلى عفو الله". وكذا "علمتك" و"علمه"2.
ومنه قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} 3.
وأشرك في هذا مع الأفعال القلبية: "رأيت" الحلمية والبصرية.
قال الله تعالى: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً} 4.
وقالت عائشة رضي الله عنها:
"لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا من طعام إلا الأسودان"5.
وهو كثير6 في الشعر الفصيح.
وشذ هذا الاستعمال في "عدم" و"فقد"، قال جران العود:
__________
1 ع "فقير".
2 ك ع هـ "علمته".
3 الآيتان "7، 8" من سورة "العلق".
4 من الآية رقم "36" من سورة "يوسف".
5 أخرجه مالك في الموطأ باب صفة النبي 31 وأحمد 2/ 298، 255، 405، 416، 458 و4/ 19، 16/ 71، 86.
6 هـ "كبير".(2/564)
296-
لقد كان لي عن ضرتين عدمتني ... وعما ألاقي منهما متزحزح
وقال آخر في "فقدتني":
297-
ندمت على ما كان مني فقدتني ... كما يندم المغبون حين يبيع
ولا يجوز في "أكرم" وشبهه أن يقال: "أكرمتني" و"أكرمتك" بل الواجب إذا قصد "ذلك أن يقال: "أكرمت نفسي" و"أكرمت نفسك".
فلو كان أحد الضميرين منفصلًا جاز إسناد الفعل إلى أحدهما، وإيقاعه على الآخر دون اختصاص بأفعال القلوب نحو: "ما أكرمت إلا إياي".
__________
296- من الطويل من قصيدة لجران العود "لديوان ص40".
قال الفراء في معاني القرآن 2/ 106:
"وقد تقول العرب في "ظننت" وأخواتها من رأيت وعلمت وحسبت "أظنني قائمًا" "ووجدتني صالحًا".
لنقصانهما وحاجتهما إلى خبر سوى الاسم.
وربما اضطر شاعر فقال: عدمتني وفقدتني فهو جائز وإن كان قليلًا، قال الشاعر وهو جران العود:
لقد كان بي عن ضرتين عدمتني....".
297- من الطويل قاله قيس بن ذريح "الاقتضاب 369".
قال القالي في الأمالي 1/ 136 أنشدني إبراهيم بن سهل لقيس بن ذريح، والناس ينحلونها غيره، وبعضهم يصححها له ثم ذكر قصيدة عدتها واحد وعشرون بيتًا منها الشاهد.(2/565)
فصل في إجراء القول مجرى الظن:
"ص":
بالقول تحكى1 وفروعه الجمل ... وما بمعناه انصبنه كالمثل
والقول مطلقًا كظن عملا ... عند سليم، وعلى ذا حملا
"قالت- وكنت رجلًا فطينا- ... هذا لعمر الله إسرائينا"
وغيرهم يخص ذا بـ"تفعل" ... إذا بالاستفهام قبل يوصل
كمثل: "هل تقول: زيدًا2 منجدا"؟ ... وبعضهم فيه روى مستشهدا
"متى تقول: القلص الرواسما ... يحملن أم قاسم وقاسما"؟
والفصل بالمفعول أو بالظرف أو ... بالخافض اغتفر وراع ما رعوا
واحك لفضل بسواهن كـ"هل ... أنت تقول عامرًا قد ارتحل"؟
__________
1 في الأصل وط وس وش "يحكى" -بالياء.
2 ع "زيد".(2/566)
"ش": الأصل فيما تعلق1 من الجمل بقول أن يورد محكيًّا، سواء كان فعلًا أو مصدرًا، أو اسم فاعل.
فإن كان المتعلق به مفردًا بمعنى جملة نصب بالقول نحو قولك: "قلت مثلًا، وقلت حديثًا، وشعرًا، وخطبة، وقصة".
ونحو ذلك.
وبنو سليم يجرون القول مجرى الظن سواء كان فعلًا ماضيًا، أو مضارعًا أو أمرًا، أو اسم فاعل، أو مصدرًا فيقولون:
"قلت: زيدًا منطلقًا"، و"أعجبني قولك عمرًا مقيمًا" و"أنت قائل بشرًا كريمًا".
وعلى هذه اللغة تفتح "إن" بعد "قلت" وشبهه قال الحطيئة2:
298-
إذا قلت: أني آيب أهل بلدة ... وضعت بها عنه الولية بالهجر
كذا أنشده أبو علي في التذكرة.
__________
1 ك وع "يتعلق".
2 هـ "الخطية".
298- من الطويل قاله الحطيئة "الديوان ص225".
آيب: آت ليلًا.
الهجر: نصف النهار.
الولية: البرذعة التي تحت الرحل.(2/567)
وغير سليم يشترطون في جريان القول مجرى الظن أن يكون فعلًا مضارعًا، مسندًا إلى مخاطب، متصلًا باستفهام.
فإن فصل بينه وبين الاستفهام أحد المفعولين، أو ظرف أو جار ومجرور لم يضر الفصل.
فإن فصل بغير ذلك بطلت موافقة الظن، وتعينت الحكاية نحو قولك: "أأنت تقول؛ زيد راحل"؟
ومن الفضل المغتفر قول الشاعر1:
299-
أجهالا تقول بني لؤي ... لعمر أبيك أم متجاهلينا
وتقول إذا فصلت بظرف أو جار2 ومجرور:
"أغدًا3 تقول: زيدًا راحلًا"؟
و"أفي الدار تقول عمرًا جالسًا"؟
والحكاية جائزة إذا كملت شروط إجراء القول مجرى الظن؛ لأنه الأصل.
__________
1 ك وع "وهو عمر بن أبي ربيعة".
2 في الأصل "وجار ومجرور".
3 هـ سقطت الهمزة من "أغدا".
299- من الوافر قاله الكميت بن زيد الأسدي من قصيدة يفتخر فيها على اليمن ويذكر فضل مضر عليهم.
بنو لؤي: يريد بهم معشر قريش.
"ينظر: سيبويه 1/ 63، المقتضب 2/ 249، شرح المفصل 7/ 78، الخزانة 1/ 423، 4/ 23، العيني 2/ 429، همع الهوامع 1/ 157، الدرر اللوامع 1/ 140".(2/568)
فصل "أعلم" وما جرى مجراه:
"ص":
"أعلم" مفاعيل ثلاثة نصب ... ولـ"أرى" مرادفًا هذا وجب
وقل في "حدث" ثم "نبأ" ... وقيس1 فعلا "خبر" و"أنبأ"
بهمزة النقل "رأي" و"علما" ... توصلا2 لثالث تقدما
وفاعلًا كان وتلواه هما ... على الذي كانا عليه فاعلما
"ش": "أعلم" و"أرى" هما "علم" و"رأى" المتعديان إلى مفعولين هما في الأصل مبتدأ وخبر.
ثم أدخلت عليهما همزة التعدية، وتسمى همزة النقل فازدادا مفعولًا ثالثًا، وهو الذي كان فاعلًا قبل النقل كقولك:
__________
1 س وش "وقس".
2 ع "تواصلا".(2/569)
"أعلم ابني خالدا زيدا أخا"، وأصله1 علم خالد زيدا أخا، فدخلت الهمزة، وأسند "أعلم" إلى الابن، ونصب "خالدا" مفعولا بعد أن كان فعلا، فتكمل2 به لـ"أعلم" ثلاثة مفاعيل.
والكلام على "أرى" كالكلام على "أعلم".
ولم يلحق سيبويه3 بـ"أعلم" و"أرى" إلا "نبأ"، والمشهور تعديها إلى واحد، وإلى غيره بحرف جر.
ومن تعديها إلى ثلاثة قول النابغة الذبياني:
300-
نبئت زرعة والسفاهة كاسمها ... يهدي إليَّ غرائب الأشعار
__________
1 ع "وأصل"
2 ك وع "فيكمل".
3 قال سيبويه في الكتاب 1/ 19:
"هذا باب الفاعل يتعداه فعله إلى ثلاثة مفعولين، ولا يجوز أن تقتصر على مفعول منهم واحد دون الثلاثة؛ لأن المفعول ههنا كالفاعل في الباب الأول الذي قبله في المعنى.
وذلك قولك:
"أرى الله بشرا زيدا أباك"
و"نبأت زيدا عمرا أبا فلان".
و"أعلم الله زيدا عمرا خيرا منك".
300- قائله النابعة الذبياني "الديوان ص97" وهو من الكامل.
زرعة هو ابن عمرو بن خويلد. السفاهة: الطيش وخفة الأحلام. غرائب الأشعار: ما لم يعهد مثله ورواية الديوان: "أوابد الأشعار".(2/570)
وزاد أبو علي "أنبأ".
وزاد السيرافي "حدث" و"خبر" و"أخبر"1:
وشاهد "حدث" [قول الحارث بن حلزة:
301-
أو منعتم ما تسألون فمن حد ... ثتموه له علينا العلاء] 2
وأنشد ابن خروف في "شرح الكتاب شاهدا على "أنبأ":
302-
وأنبئت3 قيسا ولم أبله ... كما زعموا خيرا أهل اليمن
وأنشد غيره على "خبر"4:
__________
1 هكذا في الأصل. وفي هـ وع وك "وأخبر وخبر".
2 سقط ما بين القوسين من هـ.
3 في الأصل "ونبئت".
4 سقط من الأصل ومن هـ "على خبر".
301- من الخفيف من معلقة الحارث بن حلزة اليشكري.
والخطاب لبني تغلب.
302- من المتقارب قاله الأعشى ميمون بن قيس من قصيدة في مدح قيس بن معد يكرب "الديوان 22" ورواية الديوان هي رواية الأصل ونبئت من غير همزة ومعنى لم أبله: لم أختبره.(2/571)
303-
وخبرت1 سوداء الغميم مريضة ... فأقبلت من أهلي بمصر أعودها
وأنشدوا -أيضا- على "أخبر":
304-
وما عليك إذا أخبرتني دنفا ... وغاب بعلك يوما أن تعوديني
"ص":
سوى "رأى" من أخواته جرى ... مع همزة النقل كما يجري "أرى"
بذلك الأخفش قدما حكما ... ومن يخالفه هنا فقد سما
__________
1 سقطت الواو من الأصل.
303- من الطويل رواه أبو تمام في حماسته 2/ 273 ونسبه التبريزي 3/ 345 إلى العوام بن عقبة بن كعب بن زهير.
وللبيت روايات منها رواية المصنف هنا وهي رواية ديوان الحماسة.
وروايته في شرح عمدة الحافظ 35، وشرح التسهيل 1/ 81:
................................ ... فأقبلت من أهلي بمصر أزورها
والغميم: واد من ديار تميم.
سوداء الغميم: امرأة كانت تنزل هذا الوادي فنسبت إليه واسمها ليلى.
304- من البسيط ينسب لرجل من بني كلاب "العيني" 2/ 443".
ورواية البيت في ديوان الحماسة 2/ 243.
ماذا عليك إذا اخبرتني دنفا ... رهن المنية يوما أن تعوديني
أو تجعلي نطفة في القعب باردة ... وتغمسي فاك فيها ثم تسقيني
دنفا: مشرفا على الهلاك.(2/572)
"ش": أجاز الأخفش أن يعامل غير "علم" و"رأى" من أخواتهما القلبية الثلاثية معاملتهما في النقل إلى ثلاثة بالهمزة.
فيقال على مذهبه: "أظننت زيدا عمرا فاضلا1، وكذلك: "أحسبته" و"أخلته" و"أزعمته".
ومذهبه في هذا ضعيف لأن المعدي بالهمزة فرع المعدي بالتجرد [وليس في الأفعال متعديا بالتجرد] 2 إلى ثلاثة فيحمل عليه متعد3 بالهمزة.
فكان مقتضى هذا ألا ينقل "علم" و"رأى" إلى ثلاثة.
لكن ورد [السماع بنقلهما فقبل.
ووجب ألا يقاس عليهما، ولا يستعمل استعمالهما إلا ما سمع.
ولو ساغ القياس] 4 على "أعلم" و"أرى"5 لجاز أن يقال: "أكسيت زيدا/ عمرا ثوبا". وهذا لا يجوز بإجماع.
__________
1 قال ابن جني في الخصائص 1/ 271:
"وأجاز أبو الحسن "أظننت زيدا عمرا عاقلا" ونحو ذلك، وامتنع منه أبو عثمان وقال: استغنت العرب عن ذلك بقولهم: "جعلته يظنه عاقلا".
2 سقط ما بين القوسين من هـ.
3 ع "متعديا".
4 سقط ما بين القوسين من هـ.
5 سقط من هـ "وأرى".(2/573)
"ص":
وأجر مجرى1 "خلت" فعلا صيغ من ... ذا الباب للمفعول حيثما يعن
وإن يكن من باب "خلت" لحقا ... بـ"كان"2 نحو: "خيل زيد مشفقا"
"ش": دخول همزة النقل، وصوغ الفعل للمفعول متقابلان بالنسبة لما ينشأ عنهما.
فدخول الهمزة على الفعل يجعله متعديا إلى مفعول لم يكن3 متعديا إليه [بدونها.
وصوغه للمفعول يجعله قاصرا عن مفعول كان متعديا إليه قبل الصوغ] 4. فالذي لا يتعدى إن دخلته همزة النقل تعدي إلى واحد. والمتعدي إلى واحد يتعدى بها إلى اثنين. والمتعدي إلى اثنين يتعدى بها إلى ثلاثة. والمتعدي إلى ثلاثة5 بصوغه للمفعول [يصير متعديا إلى اثنين.
وذو الاثنين يصير متعديا إلى واحد. وذو الواحد يصير غير
__________
1 ع "وأجر معنى".
2 هـ "بكل".
3 هـ "إلى مفعول كان متعديا".
4 سقط ما بين القوسين من هـ.
5 ع وك "وذو الثلاثة".(2/574)
متعد. وإن كان المصوغ للمفعول] 1 من باب "أعلم" لحق باب "ظن".
وإن كان من باب "ظن" لحق بباب "كان".
فتقول في: "أعلم الله زيدا عمرا فاضلا": "أعلم زيد عمرا فاضلا"2.
فيجري مجرى: "علم زيد عمرا فاضلا" في معناه وحكمه.
وتقول في "علم زيد عمرا فاضلا": "علم عمرو فاضلا".
فيجري مجرى: "كان عمرو فاضلا" في الأحكام كلها.
والله الموفق3.
__________
1 سقط ما بين القوسين من هـ.
2 زادت ع بعد قوله: "أعلم زيد عمرا فاضلا"، علم عمرو فاضلا.
3 هكذا في الأصل وسقط "والله الموفق" من باقي النسخ.(2/575)
باب: الفاعل
"ص":
ما تم مسند له خلو لزم ... سبقا بصوغ الأصل فاعلا وسم
فارفعه بالمسند نحو: "جا أبو ... زيد" و"عنى هجر صب زينب"1
وربما جر بباء، أو بـ"من" ... فقدر الرفع وإن يتبع2 يبن
"ش": الفاعل هو المسند إليه فعل تام، مقدم، فارغ، باق على الصوغ الأصلي. أو ما3 يقوم مقامه.
فالمسند إليه يعم الفاعل والنائب عنه، والمبتدأ، والمنسوخ الابتداء.
والتقييد بالتمام يخرج اسم "كان".
__________
1 ع ك ط هـ "هجر خل صاحب".
2 ك ع "تتبع".
3 ع ك "بما يقوم".(2/576)
والتقديم والفراغ يخرجان نحو: "يقومان الزيدان" على لغة "أكلوني البراغيث".
وبقاء الصوغ الأصلي يخرج النائب عن الفاعل.
وذكر ما يقوم مقامه يدخل الفاعل المسند إليه مصدر، أو اسم فعل1 أو صفة، أو ظرف أو شبهه.
ولم أصدر حلد الفاعل بـ"الاسم" لأن الفاعل قد يكون غير اسم نحو: "بلغني أنك ذاهب".
وهذا الذي فصلته مجمل في البيت الأول.
واشتمل البيت الثاني على فاعل فعلين وهما: "أبو زيد" و"هجر2 صب".
وعلى فاعل اسم قائم مقام الفعل وهو "زينب"3 فإن رافعه "هجر4 صب".
وجر الفاعل بباء5 نحو: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 6. ونحو قول قيس بن زهير:
__________
1 ع ك "أو اسم فاعل".
2 هـ "هجر خل".
3 ع ك "وهو صاحب".
4 هـ "هجر خل".
5 ع ك "بالباء".
6 من الآية رقم "43" من سورة "الرعد".(2/577)
305-
ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لا قت لبون بني زياد
ومثله1 قول الآخر2:
306-
مهما لي الليلة مهما ليه ... أودى بنعلي وسرباليه
التقدير: ألم يأتيك ما لاقت: وأودى نعلاي
وأما جر الفاعل بـ"من" فكثير، لكن بشرط أن يكون نكرة
__________
1 ع ك "ومنه".
2 ع سقط "الآخر".
305- من الوافر من أبيات لقيس بن زهير العبسي يقولها في شحناء وقعت بينه وبين بني زياد بسبب درع له أخذها الربيع فطرد قيس إبلهم وباعها لعبد الله بن جدعان القرشي بمكة بأسياف وأدراع "النوادر 203 سيبويه 1/ 15، 2/ 59، الخصائص 1/ 333 المحتسب 1/ 67، 196 المصنف 2/ 81، 114، 115، أمالي الشجري 1/ 84، 85".
تنمي: من نمى الحديث -بالتخفيف- إذا بلغه على وجه الإصلاح -وبالتشديد- إذا كان على وجه الفساد.
بنو زياد: الربيع بن زياد وإخوته: أنس وعمارة وقيس أبناء فاطمة بنت الخرشب.
306- من السريع مطلع قصيدة لعمرو بن ملقط رواها أبو زيد في نوادره ص62 وذكرها صاحب الخزانة 3/ 631 واستشهد بالبيت شارح المفصل 7/ 44 والسيوطي في همع الهوامع 2/ 58.(2/578)
بعد نفي، أو شبهه نحو: "ما جاءني1 من أحد".
وأشرت بقولي:
.......................... ... ........ وإن يتبع يبن
إلى أن الفاعل المجرور إذا تبعه وصف أو عطف جاز رفع ما تبعه منهما حملا على الموضع. وجره حملا على اللفظ نحو: "ما جاء من أحد كريم وكريم".
و"ما جاء من أحد، ولا امرأةٌ" و"لا امرأةٍ".
فإن كان2 المعطوف معرفة تعين الرفع نحو: "ما جاء من عبد ولا زيد".
"ص":
وأضمر الفاعل في الفعل الذي ... أخرته كمثل: "زيد يغتذي"3
و"ابناك قاما" و"الرجال انطلقوا" ... وواجب4 تجريد فعل يسبق
وقد تلي علامة كمضمر ... في لغة كـ"انطلقوا بنو5 السري"
__________
1 ع وك "ما جاء من أحد".
2 ع سقط "كان".
3 ط "يقتذى" ع "يعتدى".
4 ع "وأوجب".
5 ع "انطلقوا بي".(2/579)
وبعضهم يجعل نحو ذا خبر1 ... مقدرا تقديم ما بعد ظهر
وقد يكون الاسم بعد بدلا ... وأول الأقوال راعيه اعتلا
"ش": الفعل والفاعل كجزأي كلمة، فلا يجوز أن يتقدم الفاعل على الفعل مع بقاء فاعليته.
كما لا يتقدم عجز الكلمة على صدرها.
وإن وقع الاسم قبل الفعل فهو مبتدأ معرض لتسلط2 نواسخ الابتداء عليه.
وفاعل الفعل ضمير بعده مطابق للاسم السابق نحو: "زيد يغتذي"3 و"ابناك قاما" و"الرجال انطلقوا" و"الهندات ذهبن".
[وقولي] :
................................. ... وواجب تجريد فعل يسبق
أي: إذا تقدم الفعل لا يلحق به علامة تثنية، ولا جمع في اللغة المشهورة. بل يكون لفظة4 قبل غير الواحد والواحدة كلفظه قبلهما.
__________
1 هـ "ذا نحو خبر".
2 ك ع "لتسليط".
3 ع "يعتدي".
4 ع سقط "لفظه".(2/580)
ومن العرب1 من يوليه قبل الاثنين ألفا، وقيل الذكور واوا وقبل الإناث نونا محكوما بحرفيتها2 مدلولا بها على حال الفاعل الآتي3 قبل أن يأتي.
كما تدل4 تاء: "فعلت هند" على تأنيث الفاعلة قبل أن تأتي.
وقد تكلم بهذه اللغة النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل5، وملائكة بالنهار" 6.
ومن هذه اللغة قول الشاعر:
307-
تولى قتال المارقين بنفسه ... وقد أسلماه مبعد وحميم
وقال آخر:
__________
1 قيل: هم طيئ، وقيل: أزد شنوءة "العيني 2/ 461".
2 هـ "بحرفيتهما".
3 هـ "اللاتي قبل".
4 هـ "يدل".
5 هـ "ملائكة الليل وملائكة النهار".
6 أخرجه البخاري باب المواقيت 16، ومسلم باب المساجد 210 النسائي باب الصلاة 21 الموطأ باب السفر 82.
307- من الطويل قاله عبيد الله بن قيس الرقيات من قصيدة يرثي فيها مصعب من الزبير "الديوان ص196".
وأراد من قوله مبعد وحميم: كل الناس؛ القريب منهم والبعيد.(2/581)
308-
بني الأرض قد كانوا بني فعزني ... عليهم لآجال المنايا كتابها
وقال آخر:
309-
رأين الغواني الشيب لاح بعارضي ... فأعرضن عني بالخدود النواضر
وبعض النحويين يجعل ما ورد من هذا خبرا مقدما، ومبتدأ مؤخرا.
وبعضهم يجعل ما اتصل بالفعل من الألف والواو والنون المشار إليهن مبدلة منها الأسماء المذكورة بعد.
وهذا ليس بممتنع إذا كان من سمع1 منه ذلك من غير أصحاب اللغة المذكورة.
وعلى هذين الوجهين يتخرج قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} 2 وقوله: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُم} 3.
__________
1 عك "من يسمع".
2 من الآية رقم "3" من سورة "الأنبياء".
ينظر إعراب هذه الآية في البحر المحيط 6/ 297.
3 من الآية رقم "71" من سورة "المائدة".
308- من الطويل ومعنى "عزيزي": غلبني
309- من الطويل ينسب لأبي عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن عبد الله العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان.
النواضر: الحسان.
"معجم الشعراء للمرزباني 420، العيني 2/ 477".(2/582)
ويجوز أن يكون "الذين" في موضع رفع بإضمار فعل على جهة الذم1.
وأما أن يحمل جميع ما ورد من ذلك2 أن الألف فيه والواو والنون ضمائر فغير صحيح؛ لأن الأئمة المأخوذ عنهم هذا الشأن متفقون على أن ذلك لغة لقوم مخصوصين من العرب فوجب تصديقهم في ذلك كما نصدقهم في غيره.
وبالله الاستعانة والتوفيق3.
"ص":
ويشبه الفاعل جزء الفعل4 ... فالأصل أن يتلوه دون فصل
والأصل في المفعول أن ينفصلا ... والنية التأخير حيث اتصلا5
لذاك نحو: "خاف ربه عمر" ... فشا، وقل "زان نوره الشجر"
__________
1 هكذا في ع وك. وسقط من الأصل ومن هـ من أول قوله "وعلى هذين الوجهين...." إلى هنا.
2 هـ "من هذا".
3 ع وك سقط قوله "وبالله الاستعانة والتوفيق" وفي هـ "وبالله التوفيق".
4 طـ "جزءا لفعل".
5 سقط البيت الثاني من س.(2/583)
في "ساء عبد هند بعلها" وما ... أشبهه: الفاعل لن يقدما1
وإن عكست العملين صح في ... رأي، ومنع ذاك بعض يقتفي
"ش": قد تقدم التنبيه على أن الفاعل والفعل2 كجزأي كلمة.
ولذلك لم يستغن عن الفاعل. ولم يقدم على الفعل مع بقائه فاعلا.
ودلت العرب على كونهما كشيء واحد بوصل علامة تأنيث الفاعل بالفعل نحو: "ما3 قامت هند".
وبجعل علامة رفع الفعل بعد الفاعل في نحو: "تفعلان"4 و"تفعلون"5.
فالأصل أن يكونا غير مفصولين بمفعول ولا غيره.
وليس المفعول من الفعل بتلك المنزلة، بل هو فضلة ولذلك جاز تقديمه، والاستغناء عنه لفظا.
والأصل فيه إذا ذكر أن يفصل بالفاعل.
__________
1 ط "الفاعل أخر دائما".
2 ع ك هـ "أن الفعل والفاعل".
3 ع ك هـ سقطت "ما".
4 ع هـ "يفعلان".
5 هـ ع "يفعلون".(2/584)
فإن اتصل بالفعل فهو منوي التأخير، والفاعل منوي الاتصال إذا أخر.
فلذلك1 حسن تقديم المفعول متصلا به ضمير يعود إلى الفاعل نحو: "خاف ربه عمر".
ولم يحسن تقديم الفاعل متصلا به ضمير عائد إلى المفعول نحو: "زان نوره الشجر".
ومع كونه لا يحسن فليس ممتنعا وفاقا لأبي الفتح2؛ لأن الفعل المتعدي يدل على فاعل ومفعول، فشعور الذهن بهما مقارن لشعوره بمعنى الفعل.
فإذا افتتح كلام بفعل، ووليه مضاف إلى ضمير علم أن صاحب الضمير فاعل إن كان المضاف منصوبا. ومفعول إن كان المضاف مرفوعا.
__________
1 هـ "ولذلك".
2 قال أبو الفتح في الخصائص 1/ 294.
"وأجمعوا على أنه ليس بجائز "ضرب غلامه زيدا" لتقدم المضمر على مظهره لفظا ومعنى وقالوا في قوله النابغة:
جزى ربه عني عدي بن حاتم جزاء الكلاب العاوات وقد فعل" أن الهاء عائدة على مذكور متقدم وأما أنا فأجيز أن تكون الهاء في قوله:
جزي ربه عن عدي بن حاتم ... ....................................
عائدة على "عدي" خلافا على الجماعة".(2/585)
فلا ضرر في تقديم الفاعل المضاف إلى ضمير المفعول.
كما لا ضرر في تقديم المفعول المضاف إلي ضمير الفاعل. وكلاهما وارد عن العرب.
فمن تقديم الفاعل المضاف إلى ضمير المفعول قول حسان بن ثابت1 يمدح مطعم بن عدي:
310-
ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا ... من الناس أبقى مجده الدهر مطعما
وقال آخر:
311-
وما نفعت أعماله المرء راجيا ... جزاء عليها من سوى من له الأمر
وأنشد ابن جني:
312-
[ألا ليت شعري هل يلومن قومه ... زهيرا على ما جر من كل جانب
__________
1 ع ك "رضي اله عنه".
310- من الطويل قاله حسان بن ثابت رضي الله عنه يرثي مطعم بن عدي من قصيدة. والرواة في الديوان 239.
فلو كان مجد يخلد اليوم واحدا ... من الناس أبقى مجده اليوم مطعما
311- من الطويل
312- من الطويل ينسب إلى أبي جندب بن مرة القردي -نسبة إلى قرد وهو بطن من هذيل- "ملحقات ديوان أبي جندب ص289، وديوان الهذليين 3/ 87".
زهير: من بني لحيان.
جر: جنى على نفسه جرائر من كل وجه.(2/586)
وأنشد -أيضا-] 1
313-
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمار
[وأنشد شيخنا:
314-
كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد ... ورقَّى نداه ذا الندى في ذرا المجد] 2
__________
1 سقط ما بين القوسين من الأصل.
2 سقط ما بين القوسين من كل النسخ ما عدا نسخة الأصل، ولعلها زيادة من بعض تلاميذ المؤلف.
فلم يعهد من ابن مالك في كتاب ما من كتبه أن يروي عن شيخ من شيوخه، وهذا مما أخذه عليه أبو حيان.
313- من البسيط رواه أبو الفرج في ترجمة عدي بن زيد ونسبه إلى سليط بن سعيد.
سنمار: هو الذي بني الخورنق للنعمان، فلما فرغ من بنائه عجبوا من حسنه وإتقانه فقال: لو أعلم أنكم توفوني أجرتي، وتصنعنون بي ما أستحق لبنيته بناء يدور مع الشمس حيثما دارت.
فقالوا: أو أنك لتبني ما هو أفضل منه ولم تبنه؟ ثم أمر به فطرح من رأس الجوسق. فضربت به العرب المثل في سوء المكافأة.
314- من الطويل ذكره العيني "2/ 499" ولم ينسبه ولم يعرف قائله.
ذرا: جمع ذروة بضم الذال وكسرها: أعلى كل شيء.(2/587)
فإن كان الفاعل مضافا إلى ضمير يعود إلى ما أضيف إليه المفعول نحو: "ساء عبد هند بعلها" لم يجز تقديم الفاعل.
لأنه لو قدم فقيل: "ساء بعلها عبد هند" تقدم عائد على مؤخر لفظا، ورتبة مع عدم تعلق الفعل به، وشدة الحاجة إلى العائد عليه.
فلو عكست العملين. أي: لو رفعت "عبد هند" ونصبت "بعلها" وقدمته، جاز في رأي قوم دون قوم.
فمن أجاز قال:
لما عاد الضمير على ما أضيف إليه الفاعل. والمضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد كان بمنزلة عود الضمير إلى الفاعل.
وتقديم ضمير عائد إلى الفاعل في غاية من الحسن، وتقديم ضمير ما هو والفاعل كشيء واحد جدير بأن يكون له حظ من الحسن.
ومن لم يجز نظر إلى تأخر مفسر الضمير لفظا ورتبة مع عدم تعلق الفعل به فمنع.(2/588)
"ص":
وأخر المفعول إن لبس1 حذر ... أو أضمر2 الفاعل غير منحصر
وذا انحصار أخرن منهما ... حتما بـ"إلا" كان أو بـ"إنما"
وليس ذا حتما لدى الكسائي ... إذا المراد كان ذا انجلاء3
وسبق غير فاعل إذا حصر ... عند ابن الأنباري حكم اغتفر
"ش": إذا خيف التباس فاعل بمفعول لعدم ظهور الإعراب، وعدم قرينة وجب تقديم الفاعل وتأخير المفعول نحو: "أكرم موسى عيسى" و"زارت سعدي سلمى"
فلو وجدت قرينة يتبين بها الفاعل من المفعول جاز تقديم4 المفعول نحو: "طلق سعدي يحيى" و"أضنت سلمى الحمى"5.
وإذا أضمر الفاعل ولم يقصد حصره وجب تقديمه
__________
1 هـ "ليس".
2 س وش "وأضمر".
3 هـ سقط هذا البيت.
4 هـ "تقديمه".
5 هكذا يجب أن يكون المثال وهو في جميع النسخ بما فيها الأصل "أضذت سلمى الحمى" وهو بعيد عن مراد المصنف.(2/589)
وتأخير المفعول نحو: "أكرمتك وأهنت زيدا".
فلو قصد حصره وجب تأخيره مع كونه مضمرا نحو "ما ضرب زيدا إلا أنت".
وكل ما قصد حصره استحق1 التأخير. فاعلا كان أو مفعولا، أو غيرهما، سواء كان الحصر بـ"إنما" أو بـ"إلا"2 نحو: "إنما3 ضرب زيد عمرا" [و"ما ضرب زيدا إلا عمر".
هذا على قصد الحصر في المفعول.
فلو قصد الحصر في الفاعل لقيل: "إنما ضرب عمرا زيد"] 4 و "ما ضرب عمرا5 إلا زيد".
وأجاز الكسائي -وحده- تقديم المحصور بـ"إلا لأن المعنى مفهوم معها6 قدم المقترن بها أو أخر.
بخلاف المحصور بـ"إنما" فإنه لا يعلم حصره إلا بالتأخير فلذلك لم يختلف في منع تقديمه.
__________
1 هـ "يستحق التأخير".
2 هكذا في الأصل أما في باقي النسخ "بإلا أو بإنما".
3 هـ "ما ضرب".
4 سقط ما بين القوسين من ع وك.
5 هـ "عمرو".
6 هـ "مفهوم معناه".(2/590)
وغير الكسائي يلتزم تأخير المحصور بـ"إلا" ليجري الحصرين على سنن واحد.
ووافق الكسائي أبو بكر1 بن2 الأنباري3 في تقديم المحصور إذا لم يكن فاعلا نحو: "ما ضرب إلا زيدا عمرو".
ولم يوافقه في تقديمه إذا كان فاعلا نحو: "ما ضرب إلا زيدا عمرا" وأنشد مستشهدا على ما أجازه:
315-
تزودت من ليلى بتكليم ساعة ... فما زاد إلا ضعف ما بي كلاهما
"ص":
ويرفع4 الفاعل فعل حذفا ... إذا استبان بدليل عرفا
مثل: 5 "بلى زيد" لقائل "لم يقم ... شخص" و"عمرو" في جواب "من نقم"؟ 6
__________
1 هـ سقط "أبو بكر".
2 ع سقط "ابن".
3 محمد بن القاسم بن محمد بن بشار أبو بكر بن الأنباري، النحوي، اللغوي على مذهب الكوفيين ولد في رجب سنة 271هـ ومات ليلة النحر سنة 328هـ ببغداد.
4 طـ "فيرفع".
5 س وش وع وك "نحو بلى".
6 ط وع وك " من يقم".
315- من الطويل ينسب لمجنون بني عامر "الديوان 250" وفي ديوان ذي الرمة بيت يشبه ص637 وهو:
تداويت من مي بتكليمة لها ... فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها(2/591)
ومثل قوله: "يزيد ضارع" ... "يبكيه" من بعد "يزيد" رافع
"ش": إذا قلت1: "بلى زيد" لمن قال لك: "لم يقم شخص" فـ"زيد" فاعل فعل2 محذوف تقديره: بلى قام زيد. وكذا إذا قلت: "عمرو" لمن قال لك: "من نقم"3؟ فـ"عمرو" فاعل فعل محذوف تقديره: نقم4 عمرو أي: أنكر5.
وكذا إذا كان الاسم جواب سؤال مقدر كقولك:
"قتل كافر، مسلم".
كأنه قيل: من قتله؟ فقلت: مسلم. ومنه قراءة ابن عامر وشعبة عن عاصم "يُسَبَّحُ له فيها بالغدو والآصال، رجالٌ"6.
__________
1 ع سقط "قلت".
2 ع وك "فاعل بفعل".
3 ع وك "من يقم".
4 ع وك "يقم عمرو".
5 ع وك سقط "أي أنكر".
6 من الآيتين رقم "36، 37" من سورة "النور".
قرأ "يُسَبَّح" -بفتح الموحدة مبنيا للمفعول- ابن عامر وأبو بكر شعبة عن عاصم، ونائب الفاعل "له". =(2/592)
ومثله قوله الشاعر:
316-
ليبك يزيد: ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيح الطوائح
فـ"رجال" فاعل "يسبحه "مقدرا"، و"ضارع"
__________
= و"رجال" كما قال المصنف مرفوع بمقدر كأنه قيل من "يسبحه" فقيل: يسبحه رجال.
ويجوز أن يكون "رجال" خبر محذوف تقديره: المسبح رجال.
والوقف على هذه القراءة على "الآصال".
وقرأ في باقي السبعة "يسبِّح" بكسر الموحدة على البناء للفاعل وفاعله "رجال" ولا يوقف حينئذ على "الآصال".
وقرأ أبو حيوة "تسبِّح" بالتاء وكسر الموحدة.
وقرأ أبو جعفر "تسبَّح" بالتاء وفتح الموحد "اتحاف فضلاء البشر ص325، ومختصر في شواذ القرآن لابن خالويه 102".
316- من الطويل اختلف في قائله فقيل هو نهشل بن حري يرثي يزيد بن نهشل وقد ذكر البغدادي في الخزانة سبعة أبيات منها الشاهد نقلا عن شرح أبيات الكتاب لابن خلف "الخزانة 1/ 147 وما بعدها" ونسب النحاس هذه الأبيات للبيد في شرح أبيات الكتاب، وحكى الزمخشري أنها لمزرد أخي الشماخ، ونسبها السيرافي للحارث بن ضرار النهشلي يرثي يزيد بن نهشل.... وقيل غير ذلك.
الضارع: الذليل الفقير. والمختبط: الذي يأتي للمعروف من غير وسيلة. تطيح: تهلك. الطوائح: جمع مطيحة على غير قياس كلواقح جمع ملقحة والقياس المطاوح والملاقح و"من" تعليلية متعلقة بمختبط. و"ما" مصدرية.(2/593)
فاعل "يبكيه" مقدرا وكذا ما أشبههما.
"ص":
وتاء تأنيث تلي الماضي إذا ... كان لأنثى كـ"أبت هند الأذى"
وإنما تلزم فعل مضمر ... أو ظاهر من المجاز قد عري
وقد يبيح الفصل1 ترك التاء في ... نحو:2 "أتى القاضي بنت الأحنف"3
والحذف مع فصل بـ"إلا" فضلا ... كـ"ما زكا إلا فتاة ابن العلا"
والحذف قد يأتي بلا فصل ومع ... ضمير ذي المجاز كـ"الشمس طلع"
ونحو ذا على اضطرار قصروا ... إلا ابن كيسان فلا يقتصر
"ش": تاء التأنيث الساكنة مختصة من الأفعال بالماضي نحو: "أبت هند الأذى" لأن الأمر مستغن عنها بالياء4.
والمضارع مستغن عنها بتاء المضارعة إذا أسند إلى
__________
1 هـ "الوصل".
2 س "فهو".
3 هـ وط "بنت الواقفي".
4 ع سقط "بالياء".(2/594)
غائبة وكان حقها ألا تلحق الفعل، لأن معناها في الفاعل.
إلا أن الفاعل كجزء من الفعل، فجاز أن يدل على معنى فيه ما اتصل بالفعل.
كما جاز أن يتصل بالفاعل علامة رفع الفعل في: "تفعلان" و"تفعلون"1 و"تفعلين".
ولأن تأنيث لفظ الفاعل غير موثوق به لجواز أن يكون لفظا مؤنثا سمي به2 مذكر.
فاحتاطوا في الدلالة على تأنيث الفاعل بوصل الفعل بالتاء المذكورة ليعلم من أول وهلة أن الفاعل3 مؤنث.
وجعلوا لحاقها لازما إذا كان التأنيث حقيقيا كتأنيث "امرأة" و"نعجة" ونحوهما4 من إناث الحيوان فيقال: "قامت المرأة" و"ثغت النعجة".
وقد تحذف5 التاء لوجود فصل. وإن كان التأنيث حقيقيا [كقول الشاعر:
__________
1 هـ "يفعلون".
2 ع سقط "به".
3 ك زادت "على" فأصبحت العبارة "الفاعل على مؤنث".
4 ع وك وغيرهما".
5 هـ "تحذف" وباقي النسخ "يحذف".(2/595)
317-
إن امرأ غره منكن واحدة ... بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور
وقد يحذف1 بلا فصل مع كون التأنيث حقيقيا] 2.
من ذلك ما حكاه سيبويه3 من قول بعض العرب: "قال فلانة".
والتزموا لحاق التاء إن كان الفاعل مضمرا، ولو كان مجاز التأنيث نحو: "الشمس طلعت".
ولا4 يجوز "الشمس طلع" إلا في الشعر كقوله:
318-
فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
__________
1 ع "تحذف".
2 سقط ما بين القوسين من هـ.
3 الكتاب 1/ 235.
4 هـ "فلا يجوز".
317- من البسيط من أبيات سيبويه الخمسين "الخصائص 2/ 414، الأنصاف 174 شرح ابن يعيش على المفصل 2/ 53 العيني 2/ 476.
318- من المتقارب قاله عامر بن جوين الطائي أحد الخلعاء الفتاك يصف أرضا مخصبة بكثرة ما نزل بها من الغيث [سيبويه 1/ 240 الخصائص 2/ 411، الخزانة 1/ 21، 3/ 230 العيني 2/ 264، ابن يعيس 5/ 94 همع 2/ 171، 3/ 230 العيت 2/ 264، ابن يعيش 5/ 94 همع 2/ 171، أمالي ابن الشجري 1/ 158، 161] .
المزنة: القطعة من السحاب. ودقت: أمطرت. والودق: المطر. أبقلت: أخرجت البقل، والمراد النبات.(2/596)
ولا يجوز مثل هذا في غير الشعر إلا عند ابن كيسان.
ويختار حذف التاء عند الفصل بـ"إلا" نحو: "ما قام إلا هند".
وإذا كان التأنيث مجازيا، ولم يكن الفاعل مضمرا، ولا مفصولا بـ"إلا" جاز حذف التاء وثبوتها، لكن ثبوتها مع عدم فصل1 أحسن.
"ص":
والتاء مع جمع سوى السالم من ... مذكر كالتاء مع إحدى اللبن
ونحو "مسلمين" حتما ذكرا ... واجعل "بنين" مثل ما قد كسرا
وفعل "هندات" ونحوه2 على3 ... رأي كفعل "هند" في التا يجعلا4
والحذف في "نعم الفتاة" استحسنوا ... لأن قصد الجنس فيه بين
وحيث قلت: "فعلت" ملتزما ... فالتاء في مضارع قد حتما
__________
1 هـ سقط "عدم فصل".
2 س وش وك "ونحوها".
3 ع "ونحو فاعل".
4 س وش وط وع وك "جعلا".(2/597)
وحيث جاز "فعلت" و"فعلا" ... فالتا، أو اليا في المضارع اجعلا
"ش": كل جمع سوى المذكر السالم يجوز تذكيره باعتبار الجمع وتأنيثه باعتبار الجماعة نحو: "قام الرجال"، و"قامت الرجال".
ولم يعتبر التأنيث في "مسلمين" لأن سلامة نظمه تدل1 على التذكير. وأما "البنون" فإن نظم واحده متغير، فجرى مجرى التكسير فيقال: "جاء البنون"، و"جاءت البنون" كما يقال مع "الأبناء".
وبعض النحويين يلتزم2 تأنيث "هندات" ونحوه لسلامة نظم واحده فاستويا في حكم التاء.
ومثل جمع التكسير في ذا الحكم. ما دل على جمع، ولا واحد له من لفظه كـ"نسوة".
ويعامل بهذه المعاملة أعني في ثبوت التاء وسقوطها "نعم" و"بئس" مسندين إلى مؤنث، وإن كان حقيقي التأنيث نحو: "نعمت المرأة فلانة" و"بئست المرأة فلانة".
__________
1 هـ "يدل".
2 ع "يلزم".(2/598)
لأن الجنس مقصود بفاعلي "نعم" و"بئس" على سبيل المبالغة في المدح والذم فكان حكم التاء مع ما يسند1 منهما حكم التاء مع المسند إلى أسماء الأجناس المقصود بها الشمول.
وكل ما لزم في الماضي المسند إليه "فعلت" لزم في المضارع المسند إليه "تفعل".
فإن المقصود من التاءين الدلالة على تأنيث الفاعل.
فكل ما جاز أن يقال في الماضي المسند إليه "فعلت" بتاء و"فعل" بلا تاء جاز أن يقال في المضارع المسند إليه "تفعل" بالتاء "يفعل" بالياء2.
فمثال ما لا يجوز فيه إلا واحد: "قامت هند"، و"تقوم جمل".
ومثال ما يجوز فيه الوجهان: "طلعت الشمس"، و"تهب الريح".
"ص":
وحذف فاعل، وفعله ظهر ... جوازه عن الكسائي اشتهر
__________
1 هـ "يسند إليه منهما".
2 ع وك سقط "ويفعل بالياء".(2/599)
ولدليل حذفا معا بلا ... خلف، وكل سيرى مفصلا
"ش": أجاز الكسائي -وحده- حذف الفاعل إذا دل عليه دليل ومنع غيره ذلك، لأن كل موضع ادعي فيه الحذف فالإضمار فيه ممكن، فلا ضرورة إلى الحذف.
فمن المواضع التي توهم الحذف: قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ} 1.
[وقوله تعالى2: {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} ] 3.
وقول الشاعر:
319-
فإن كان لا يرضيك حتى تردني ... إلى قطري لا إخالك راضيا
فتقدير الأول: ثم بدا لهم البداء.
__________
1 من الآية رقم "35" من سورة "يوسف".
2 من الآية رقم "45" من سورة "إبراهيم".
3 سقط ما بين القوسين من هـ.
319- من الطويل قاله سوار بن المضرب السعدي من أبيات وردت في الحماسة الشجرية 1/ 207، الكامل للمبرد 2/ 86 والنوادر 45، والخزانة 3/ 176، وابن أبي الحديد 4/ 183.
قطري: هو قطري بن الفجاءة منسوب إلى موضع يقال له "قطر" وقبل البيت في النوادر:
أقاتلي الحجاج إن لم أزر له ... دراب وأترك عند هند فؤاديا(2/600)
وتقدير الثاني: وتبين لكم العلم.
وتقدير الثالث: فإن كان لا يرضيك ما تشاهد1 مني. فهذا كله من إضمار ما دل عليه مقال أو حال.
وكذلك قولهم: "إذا كان غدا فإيتني"2 أي: إذا كان غدا ما أنا عليه الآن فإيتني.
والكسائي يرى أن هذا حذف.
وأما حذف الفعل وفاعله معا لدليل يدل عليهما فلا خلاف في جوازه وذلك كثير.
كقوله تعالى: {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيم} 3.
أي: نتبع ملة4 إبراهيم.
و [قوله تعالى] 5: {بَلَى قَادِرِين} 6.
أي: بلى7 نجمعها قادرين.
والله أعلم8.
__________
1 ع وك "ما تشاهده".
2 ع "فاتيني".
3 من الآية رقم "135" من سورة "البقرة".
4 هـ "لملة".
5 من الآية رقم "4" من سورة "القيامة".
6 سقطت هذه الآية من هـ.
7 هـ "وبلى".
8 هكذا في ك وع سقط والله أعلم" من الأصل ومن هـ.(2/601)
باب: النائب عن الفاعل
"ص":
ينوب عن فاعل المفعول به ... في كل ما له كـ"حيز المشتبه"
بشرط حذف فاعل1 وتهيئة ... تكون في الفعل بهذا2 منبئة
فالأول اضمم مطلقا وما يلي3 ... آخره اكسر في مضي كـ"ملي"
واجعله من مضارع منفتحا ... كـ"يَنتحِي" المقول فيه "يُنتحَى"
والثاني التالي تا المطاوعة ... كالأول اجعله بلا منازعة4
__________
1 هـ "فاعل حذف".
2 ع ك "بها منبئة".
3 هـ "والذيلي".
4 هـ "بلا مضارعة".(2/602)
وثالث الذي بهمز الوصل ... كالأول اجعلنه كـ"استحلي"
"ش": قد يحذف الفاعل لكونه معلوما، أو مجهولا، أو عظيما، أو حقيرا أو لغير ذلك.
فينوب عنه فيما كان له من رفع، واعتناء1 وغير ذلك المفعول به مسندا إليه فعل مهيأ بهيئة تنبئ عن النيابة، أو اسم في معناه.
وتهيئة الفعل لذلك بضم أوله مطلقا وفتح ما قبل آخره إن كان مضارعا، وبكسره إن كان ماضيا.
ويشترك2 في الضم ثاني ما أوله تاء المطاوعة كـ"تعلم العلم" و"تسربل القميص"3.
وثالث ما أوله همزة وصل كـ"انطلق بزيد"، و"استمع الحديث"، و"استخرج الشيء"، و"استحلي المشروب"4.
"ص":
واكسر أو اشمم فا ثلاثي أعل ... عينا، وضم جا كـ"بوع" فاحتمل5
__________
1 هـ "واغتناء".
2 هكذا في الأصل. وفي باقي النسخ و"يشترك".
3 ع وك "بالقميص".
4 ع وك "الشراب".
5 س ط هـ جاء الشطر التالي كما يلي:
..................................... ... عينا، وضم جا كقول المرتجل
وجاء بعده:
ليت وهل ينفع شيئا ليت ... ليت شبابا بوع فاشتريت(2/603)
وإن بشكل خيف لبس يجتنب ... وما لـ"باع" قد يرى لنحو: "حب"1
وتلو ساكن "افتعلت" و"انفعل" ... للكسر والإشمام والضم محل
إن تعتلل2 عيناهما فـ"اعتيدا" ... في "اعتاد" قل و"انقاد" رد "انقيدا"
"ش": إذا قصد بناء الفعل الماضي لما لم يسم فاعله، وهو ثلاثي معتل العين كسر أوله، ووليه ياء ساكنة كقولك في "باع" و"قال": "بيع" و"قيل" والأصل: بيع وقول.
فحركت الفاء بكسرة العين وسكنت تخفيفا فسلمت الياء لسكونها بعد حركة تجانسها.
وانقلبت الواو ياء لسكونها بعد كسرة، فصار اللفظ بما أصله الواو كاللفظ بما أصله الياء.
وكثير من العرب يشير إلى الضم مع التلفظ بالكسرة،
__________
1 سقط هذا البيت من طـ وهـ. وبقي في س وفي باقي النسخ.
2 ع "يعتلل".(2/604)
ولا يغير الياء وقد1 قرأ بهذه اللغة نافع2 وابن عامر والكسائي في بعض الأفعال ويسمى إشماما.
وبعض العرب يخلص ضمة الفاء فتنقلب الياء واوا لسكونها بعد ضمة وتسلم الواو لسكونها بعد حركة تجانسها، مثال ذلك في الباء قول الراجز أنشده الفراء:
320-
ليت وهل ينفع شيئا ليت
321-
ليت شبابا بوع3 فاشتريت
ومثال ذلك فيما أصله واو فسلمت قول الراجز:
322-
حوكت على نيرين4 إذ تحاك
323-
تختبط الشوك ولا تشاك
__________
1 ع وسقط "قد".
2 نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني أحد القراء السبعة سبق التعريف به.
3 ع "بيع".
4 ع "نولين" ولعل هذا الخطأ جاء من أن ناسخ ع كان يعتمد على ك.
وفي ك كتب الناسخ فوق قول الراجز "نيرن": "نولين" ليفسر المعنى فظنه ناسخ ع أنه إصلاح خطأ.
320، 321- ينسب هذا الرجز لرؤبة بن العجاج، وهو في زيادات الديوان مع أبيات أخرى يصف فيها الراجز جذبه للدلو "ملحقات الديوان ص171".
322، 323- هذا رجز مجهول القائل، وقد ينسب إلى رؤية وليس في ديوانه ولا ملحقاته وهو من الرجز المسدس "العيني 2/ 526". حوكت: نسجت النير -بكسر النون- لحمة الثوب. يقال هذا ثوب ذو نيرين إذا كان محكما تختبط الشوك: تضربه بعنف، لا تشاك: لا يضرها الشوك.(2/605)
[وقد يعرض بالكسرة أو الضمة التباس فعل المفعول بفعل الفاعل فيجب حينئذ إخلاص الضمة نحو: "خفت" مقصودا به: "خشيت" والإشمام وإخلاص الكسرة في "طلت" مقصودا به: "غلبت ... في المطاولة".
ويجوز في فاء الثلاثي المضعف من الكسر والضم والإشمام ما جاز في فاء الثلاثي المعتل العين نحو: "حب الشيء" و"حب" ومن أشم أشم.
وقرأ بعض القراء1: "هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رِدَّتْ إِلَيْنَا"2 -بسكر الراء- وهذا معنى قولي:
وإن بشكل خيف لبس يجتنب ... وما لباع قد يرى لنحو: "حب"] 3
فإن كان المعتل العين على "افتعل" كـ"اعتاد" [أو على "انفعل" كـ"انقاد"] 4 فعل بثالثه في بنائه لما لم يسم فاعله ما فعل بأول "باع" و"قال".
__________
1 هو علقمة بن قيس "مختصر ابن خالويه ص64".
2 من الآية رقم "65" من سورة "يوسف".
3 سقط ما بين القوسين من الأصل ومن هـ وجاء في ع وك.
4 سقط ما بين القوسين من ع.(2/606)
ولفظ بهمزة الوصل على حسب اللفظ بما قبل حرف العلة كقولك في "اعتاد" و"انقاد": "اعتيد" و"انقيد".
"ص":
وناب مصدر وظرف صرفا ... وخصصا عن فاعل قد حذفا
كذاك حرف الجر والمجرور ... كـ"سير بي"1 و"اليوم" و"المسير"
ولا ينوب بعض هذي إن وجد ... في اللفظ مفعول به، وقد يرد
كقول بعض الفصحاء منشدا ... "لم يعن بالعلياء إلا سيدا"
ومثل ذا -أيضا- "ليجزي قوما" ... فاصدع بحق وتوق اللوما
وعلما الكوفة مع أبي الحسن ... في الحكم في اطراد هذا حيث عن
"ش": لما ذكرت نيابة المفعول به عن الفاعل أخذت في بيان ما يشاركه في النيابة عنه وهو: المصدر، والظرف المتصرفان المخصصان والجار والمجرور كقولك: "سير بي، و"سير اليوم" و"سير المسير"2.
__________
1 هـ "كسيري".
2 ع "سيري المسير".(2/607)
واحترزت بالتصرف مما1 لا يتصرف من المصادر نحو: "معاذ الله"2 ومن الظروف نحو: "إذا".
واحترزت3 بالتخصيص من المبهم منهما نحو: "سرت سيرا ووقتا" فإن نيابتهما عن الفاعل لا تفيد، إذ لا يحصل بذكرهما مزيد على ما فهم من الفعل.
بخلاف ما يكون مختصا نحو: "سرت سيرا شديدا". ووقتا مباركا" فإن ذكرهما يبين معنى لا يفهم بمجرد4 ذكر الفعل، فإسناده إليهما غير خال من فائدة.
[وينبغي أن يفهم من الإشارة في قولي:
كذاك حرف الجر والمجرور ... .............................
أن الصالح للنيابة من حروف الجر هو ما لا يلزم وجها واحدا في الاستعمال كالباء واللام و"من" و"إلى" و"عن" و"على" و"في" لا في ما يلزم وجها واحدا كـ"منذ" و"رب" و"الكاف، وما، وما خص بقسم، أو استثناء] 5.
__________
1 هـ "عما".
2 من الآية رقم "75" من سورة "يوسف".
3 في الأصل "واحترز" وفي باقي النسخ "واحترزت" وهو الموافق لأسلوب المصنف.
4 هـ "لمجرد".
5 سقط ما بين القوسين من الأصل ومن هـ.(2/608)
ولا يجيز غير الأخفش من البصريين أن ينوب غير المفعول به وهو موجود.
وأجاز ذلك الأخفش1 والكوفيون ويؤيد مذهبهم قراءة بعض القراء2: "ليُجزى قوما بما كانوا يكسبون"3.
فأسند "ليجزي" إلى الجار والمجرور. ونصب "قوما" وهو مفعول به.
ومثل هذه القراءة قول الراجز:
324-
لم يعن بالعلياء إلا سيدا
325-
ولا شجا ذا الغي إلا ذو هدى
__________
1 قال أبو الفتح في الخصائص 1/ 397:
"وأجاز أبو الحسن "ضرب الضرب الشديد زيدا" و"دفع الدفع الذي تعرف إلى محمد دينارا" و"قتل القتل يوم الجمعة أخاك" ونحو هذه المسائل ثم قال:
هو جائز في القياس، وإن لم يرد به الاستعمال".
2 هكذا في الأصل وفي هـ. يزيد بن القعقاع أحد مشايخ نافع وفي ع وك قراءة أبي جعفر.
والإمام أبو جعفر هو يزيد بن القعقاع المخزومي المدني أحد القراء العشرة تابعي مشهور كبير القدر عرض القرآن على ابن عياش وابن عباس وأبي هريرة وروى عنه نافع وغيره وتوفي سنة 130هـ.
3 من الآية رقم "14" من سورة "الجاثية".
324، 325- هذان بيتان من مشطور الرجز ينسبان لرؤبة، وهما في زيادات الديوان ص173، والبيت الأول في ديوان العجاج ص73 والبيت الثاني في ديوانه ص76 وهذا البيت سقط من هـ.(2/609)
ومثله قوله الآخر:
326 -
ليس منيبا امرؤ منبه
327-
للصالحات متناس ذنبه
328-
وإنما يرضي المنيب ربه
329-
ما دام معنيا بذكر قلبه
"ص":
وباتفاق قد ينوب الثان من ... باب "كسا" فيما التباسه أمن
في باب "ظن" و"أرى" المنع اشتهر ... ولا أرى منعا إذا المعنى ظهر
وقول قوم قد ينوب خبر ... من باب "كان" مفرد لا ينصر
وناب تمييز لدى الكسائي ... لشاهد عن القياس نائي
"ش": نيابة المفعول الأول من كل باب جائزة بلا خلاف وكذا نيابة الثاني من باب "كسا".
وأما نيابة الثاني من باب "ظن" فأكثر النحويين يمنعها، والصحيح إجازة ذلك إذا أمن اللبس.
__________
326، 329- من الرجز المسدس لا يعلم له قائل "العيني 2/ 519، التصريح 1/ 291 الأشموني 2/ 68" وقد سقط البيت الثالث من ع.(2/610)
وكذلك الثاني1 من باب "أعلم".
وحكى ابن السراج2 أن قوما يجيزون نيابة خبر "كان" المفرد3.
وهو فاسد، لعدم الفائدة، ولاستلزامه إخبارا عن غير مذكور، ولا مقدر.
وحكى الكسائي: "خذه مطيوبة به نفس"، و"من الموجوع رأسه، والمسفوه4 رأيه"؟
وأجاز في "امتلأت الدار رجالا": "امتلئ رجال"5.
__________
1 هكذا في جميع النسخ، ولعل المصنف يقصد "الثالث".
2 محمد بن السري السراج أبو بكر، أخذ عن المبرد، وإليه انتهت رياسة النحو من بعده ومات سنة 316هـ.
3 قال ابن السراج في الأصول 1/ 91:
وقد أجاز قوم في "كان زيد قائما" أن يردوه إلى ما لم يسم فاعله فيقولون: "كين قائم".
قال أبو بكر:
وهذا عندي لا يجوز من قبل أن "كان" فعل غير حقيقي، وإنما يدخل على المبتدأ والخبر. فالفاعل فيه غير فاعل في الحقيقية، والمفعول غير مفعول على الصحة. فليس فيه مفعول يقوم مقام الفاعل. لأنهما غير متغايرين، إذ كانا إلى شيء واحد. لأن الثاني هو الأول في المعنى.
4 هـ "والمسفو وبه".
5 ع "امتلئ رجالا".(2/611)
"ص":
وما سوى النائب مما علقا ... بالرافع النصب له محققا
كـ"أعلم النعمان بشرا محرما" ... و"أعطي المكسو ثوبا درهما"
ورفع مفعول به لا يلتبس ... مع نصب فاعل رووا فلا تقس
"ش": كما لا يكون للفاعل إلا فاعل واحد، كذلك لا ينوب عن الفاعل إلا شيء واحد إما ظاهر، وإما مضمر.
وما سواه مما يتعلق بالرافع فمنصوب لفظا إن لم يكن جارا ومجرورا وإن يكنه فمنصوب محلا.
وقد يحملهم ظهور المعنى على إعراب كل واحد من الفاعل والمفعول به بإعراب الآخر كقولهم: "خرق الثوب المسمار".
ومنه قول الأخطل1:
330-
مثل القنافذ هداجون قد بلغت ... نجران أو بلغت سوآتهم هجر
__________
1 هـ "قول الشاعر".
330- من البسيط قائله الأخطل التغلبي من قصيدة في مدح بني مروان وهجاء جرير وقومه، وهي من أحسن شعره، والرواية في الديوان ص178.
على العيارات هداجون قد بلغت ... نجران أو حدثت سوآتهم هجر
العيارات: جمع عير، الحمار.
القنافذ: جمع قنفذ: حيوان معروف يضرب به المثل في سرى الليل.
هداجون: جمع هداج: السائر سيرا سريعا.
نجران وهجر: موضعان.(2/612)
باب: اشتغال العامل عن المعمول 1
"ص":
إن مضمر اسم سابق فعلا شعل ... عنه بنصب لفظه أو المحل
فالسابق انصبه بفعل أضمرا ... حتما موافقا لما قد أظهرا
والنصب2 حتم إن تلا السابق ما ... يختص بالفعل كـ"إن" و"حيثما"
"ش": حاصل ما في هذه الأبيات أنه إذا تقدم اسم على فعل صالح لنصبه لفظا أو محلا وشغل الفعل عن عمله فيه بعمله في ضميره فذلك الاسم السابق ينصب بفعل لا يظهر موافق للمشغول معنى.
والنصب لازم بعد ما يختص بالأفعال نحو: "إن زيدا
__________
1 هكذا ورد هذا العنوان في ع وك. وفي الأصل وهـ ورد العنوان "باب الاشتغال".
2 طـ "فالنصب".(2/614)
لقيته فاضربه" و"حيثما عمرا لقيته فأهنه".
"ص":
وإن تلا السابق ما بالابتدا ... يختص فالرفع التزمه أبدا
كذا إذا الفعل تلا ما لا يرد ... ما قبل معمولا لما بعد وجد
"ش": حاصل ما أشير إليه هنا: الإعلام بما يمنع من1 نصب الاسم الذي شغل عنه الفعل بضميره.
والمانع من ذلك شيئان:
أحدهما: أن يتقدم على الاسم ما هو مختص بالابتداء كـ"إذا" المفاجأة، و"ليتما" كقولك: "أتيت فإذا زيد يضربه عمرو" و"ليتما بشر زرته".
فلو نصبت "زيدا" أو "بشرا" لم يجز؛ لأن "إذا" المفاجأة لا يليها فعل2 ولا معمول3 فعل ظاهر ولا مضمر وإنما يليها [مبتدأ أو خبر مبتدأ، أو "أن" -المفتوحة- مؤولة بمبتدأ أو "إن" المكسورة.
لأن الكلام معها بمنزلة] 4 مبتدأ وخبر5 فلو نصب
__________
1 ع وك سقط "من".
2 ع سقط "فعل".
3 هـ "مفعول فعل".
4 هـ سقط ما بين القوسين.
5 ع "وخبرا".(2/615)
الاسم المذكور بعدها لكانت الجملة التي وليتها فعلية وذلك مخالف لاستعمال العرب.
وقد غفل عن هذا كثير من النحاة فأجاز النصب في نحو: "خرجت فإذا زيد يضربه عمرو" ولا سبيل إلى جوازه.
وكذلك "ليت" المقرونة بـ"ما" لا يليها فعل، ولا معمول فعل لأن "ما" حين قرنت بها لم تزل اختصاصها [بالأسماء فلذا شاع1 فيها وحدها الإعمال وترك الإعمال وقد بينت ذلك في باب "إن".
فإعمالها لبقاء اختصاصها] 2 وترك إعمالها إلحاق بأخواتها.
فلو نصب3 الاسم المذكور بعدها بفعل مضمر لكان ذلك تركا لاختصاصها بالأسماء وهو خلاف كلام الأعراب4.
والثاني من5 مانعي النصب أن يكون بين الاسم والفعل أحد الأشياء التي لا يعمل ما بعدها فيما قبلها.
__________
1 ع ك "ساغ".
2 هـ سقط ما بين القوسين.
3 ع "نصب على الاسم".
4 ع هـ ك "العرب".
5 هـ سقط "من".(2/616)
كالاستفهام، و"ما" النافية، ولام الابتداء، وأدوات الشرط كقولك: "زيد هل رأيته؟ و"عمرو متى لقيته"؟ و"خالد ما صحبته" و"بشر لأحبه" و"الحق إن ألفته أفلحت".
فالرفع بالابتداء متعين1 في "زيد" و"عمرو و"خالد" و"بشر" و"الحق"2 لتقدمها على الاستفهام و"ما" النافية، ولام الابتداء وأداة الشرط.
وجميعها لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وما لا يعمل لا يفسر عاملا؛ لأن المفسر في هذا الباب بذل من اللفظ بالمفسر.
"ص":
وتلو الاستفهام لا بالهمز ... كتلو "إن" في الحكم دون فرز
فـ "أين خالدا تراه"؟ مثل "إن ... زيدا دعوته يعن ولا يهن"
"ش": قد تقدم أن "إن" مما يختص3 بالفعل.
[وأن نصب4 الاسم بعدها وبعد غيرها من
__________
1 هـ "معين".
2 هـ "والحق وعمرو".
3 في الأصل "تختص".
4 ع سقط "نصب".(2/617)
المختصات بالفعل1 لازم] 2 فلذلك أحلت هنا على "إن".
فبينت أن ما يتلو استفهاما3 بغير الهمزة كالذي يتلو "إن" في لزوم النصب.
فإذا قلت: "متي زيدا لقيته؟ " و"هل عمرا حدثته؟ " و"أين بكرا فارقته؟ " تعين النصب.
فلو كان الاستفهام بالهمزة لم يتعين النصب لكنه يكون مختارا، هذا هو الصحيح.
ومن حكم بتسوية الهمزة بغيرها فقد خالف سيبويه، وإن زعم أنه موافقه4.
"ص":
واختير نصب قبل فعل ذي طلب ... وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب
وبعد عاطف بلا فصل على ... معمول فعل مستقر أولا
__________
1 ع سقط "لازم".
2 تكرر ما بين القوسين في الأصل.
3 ع "استفهام".
4 قال سيبويه في الكتاب 1/ 52:
"واعلم أن حروف الاستفهام كلها يقبح أن يصير بعدها الاسم إذا كان الفعل بعد الاسم، لو قلت هل زيد قام؟ و"أين زيد ضربته" لم يجز إلا في الشعر، فإذا جاء في الشعر نصبته إلا الألف فإنه يجوز فيها الرفع والنصب".(2/618)
وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا ... به عن اسم فاعطفن مخيرا
بغير ترجيح كـ"زيد اقترب" ... وعمرو أو عمرا أراه ذا طرب"1
والرفع في غير الذي مر رجح ... فما أبيح أفعل ودع ما لم يبح
"ش": للنصب أسباب يترجح2 بها على الرفع في هذا الباب.
منها: أن يكون الفعل المشغول بضمير الاسم السابق فعل أمر، أو دعاء، أو نهي نحو: "زيدا أكرمه"3 و"يا لله ذنوبنا اغفرها، وآمالنا لا تخيبها".
ومن مرجحات النصب أن يتقدم على الاسم ما الغالب أن يليه فعل، كالنفي بـ"ما" و"لا" و"إن"4، وكالاستفهام بالهمزة. وكـ"حيث" المجردة من "ما". وإنما خصصت من النوافي "ما" و"لا" و"إن" لأن غيرها من النوافي هي5 "لم" و"لما" و"لن"6 وهي
__________
1 ط "ذا طلب".
2 في الأصل "تترجح".
3 ع "زيد أكرمه".
4 هـ "كالنفي بلا وما كان".
5 ع "من النوافي يلي لم".
6 هـ "ولما وإن".(2/619)
مختصة بالأفعال فإن اضطر شاعر لأن يولي شيئا منها الاسم المذكور كان حكمه مع ما وليه منها حكمه بعد "إن".
وخصصت الاستفهام بالهمزة؛ لأن الاستفهام بغيرها قرينة موجبة للنصب مانعة من الرفع.
وقد ذكرت ذلك فيما مضى.
ومن مرجحات النصب تقدم "حيث" مجردة من ما نحو: "حيث زيدا تلقاه فأكرمه" لأنها تشبه أدوات الشرط فلا يليها في الغالب إلا فعل.
وإن اقترنت بـ"ما" صارت أداة شرط واختصت بالفعل.
ومن الأسباب المرجحة للنصب أن يلي الاسم عاطفا قبله معمول فعل، منصوبا كان المعمول أو غير منصوب نحو: "قام زيد وعمرا ضربته" و"لقيت بشرا، وخالدا كلمته".
وإنما رجح النصب هنا؛ لأن المتكلم به عاطف جملة فعلية على جملة1 فعلية.
والرافع عاطف جملة اسمية على حملة فعلية.
وتشاكل الجملتين المعطوف إحداهما على الأخرى.
__________
1 هكذا في الأصل. وسقط "جملة" من باقي النسخ.(2/620)
أحسن من تخالفهما. فإن كان الفعل الذي في الجملة الأولى خبر مبتدأ سميت: "ذات وجهين".
لأنها من قبل تصديرها بالمبتدأ اسمية.
ومن قبل كونها مختومة بفعل ومعمولة فعلية.
ففي الاسم بعدها النصب والرفع دون ترجيح؛ لأن في كل منهما مشاكلة.
فإذا قلت: "زيد اقترب، وعمرو ألقاه" [-بالرفع- تكون1 عاطفا مبتدأ وخبرا على مبتدأ وخبر.
وإذا قلت: "وعمرا ألقاه"] 2 -بالنصب- يكون3 في اللفظ بمنزلة من عطف جملة فعلية على جملة فعلية.
لأن قبل الواو "اقترب" وهو فعل مسند إلى ضمير عائد على "زيد"، وبعدها "ألقي" مضمرا واقعا على "عمرو" فالواو4 مكتنفة بجملتين فعليتين في النصب، وبجملتين ابتدائيتين في الرفع.
فحاصل ما تقدم أربعة أقسام:
- قسم يجب فيه النصب.
__________
1 هـ "يكون".
2 سقط ما بين القوسين من ع.
3 هـ "تكون"
4 هـ "قالوا مكتنفة".(2/621)
- وقسم يجب فيه الرفع.
- وقسم يختار فيه النصب.
- وقسم يستوي فيه الرفع والنصب.
وبقي قسم خامس يترجح فيه الرفع وذلك نحو: "زيد لقيته" لأنه ليس معه موجب النصب1 كما مع: "إن زيدا رأته فاضربه" وليس معه موجب الرفع كما مع: "أتيت فإذا زيد يضربه عمرو" وليس معه مرجح النصب كما مع: "أزيدا لقيته؟ ".
وليس معه سبب يسوي النصب والرفع كما مع: "زيد اقترب وعمرا أراه"2.
"ص":
وفصل مشغول بحرف جر أو ... إضافة كوصلة فيما رأوا3
تقول: "زيدا عج به" و"عمرا ... أكرم أخاه، وارع فيه الإصرا"
وعلقة قد حصلت بتابع ... كعلقة4 بنفس الاسم الواقع
__________
1 هـ "النصب".
2 هكذا في الأصل وفي ع وك "وعمرا ألقاه" وفي هـ "وعمرا أراه ذا طرب".
3 س وش وط "رووا".
4 ع "لعلقة".(2/622)
فـ"زيدا احترم فتي أحبه" ... كمثل: "زيدا احترم محبه"
"ش": الأقسام الخمسة المتقدمة مع فعل يباشر1 الضمير جارية مع ما منع من مباشرته حرف جر، أو إضافة.
فمثل "إن زيدا رأيته" "إن زيدا مررت به، أو رأيت أخاه".
ومثل "أزيدا لقيته؟ " "أزيدا مررت به، أو لقيت أباه".
وكذلك البواقي.
وإذا كان شاغل الفعل أجنبيا، وله تابع سببين فالحكم معه كالحكم مع السببي المحض2.
فمثال الأجنبي المتبوع بسببي: "زيدا احترم فتي أحبه" و"عمرا3 أكرم بشرا وأخاه".
ومثال السببي المحض4: "زيدا احترم محبه" و"الصديق احفظ وده" فإلى مثل هذا الإشارة بقولي:
__________
1 ع وك "مباشر".
2 هـ "المختص".
3 ع وك "زيدا أكرم".
4 هـ "المختص".(2/623)
"وعلقة قد حصلت بتابع ... [كعلقة بنفس الاسم الواقع"] 1
"ص":
وسو في ذا الباب وصفا ذا عمل ... بالفعل إن لم يك مانع حصل
فلـ"أزيدا أنت مبتغيه" ... ما لـ"أزيدا أنت تبتغيه"
"ش": ذو العمل يخرج اسم الفاعل بمعنى المضي، لأنه وصف لا يعمل. و [قولي] .
........................... ... إن لم يك مانع حصل
يخرج الواقع صلة نحو: "أزيدا أنت المكرمه" فإن الألف واللام موصولة بـ"مكرم" والصلة لا تعمل فيما قبل الموصول، ولا تفسر عاملا فيه.
فلو لم تذكر الألف واللام جاز أن ينتصب "زيدا كما كان ينتصب قبل الفعل فتقول: ["أزيدا أنت مكرمه" كما تقول] 2 أزيدا أنت تكرمه.
ولهذا قلت:
فلـ"أزيدا أنت مبتغيه" ... ما لـ"أزيدا أنت تبتغيه"
__________
1 سقط ما بين القوسين من الأصل.
2 هـ سقط ما بين القوسين.(2/624)
"ص":
وإن يك المشغول رافعا فما ... لناصب بمثله له أحكما
ففاعل في نحو "إن زيد سري" ... "زيد" بفعل مضمر لن يظهر
وقس على بقية المسائل ... مستحضرا جواب كل سائل
"ش": المشغول: هو الفعل العامل في ضمير السابق، أو فيما يلابس ضميره.
فإن كان رافعا نحو: "إن زيد سَرَى" فسر فعلا يوافقه في المعنى، رافعا للاسم السابق، كما فسر الناصب ناصبا.
وينقسم الرفع على هذا الوجه إلى واجب وغيره، كما انقسم النصب بالأسباب المذكورة.
"ص":
ورافعا مطاوعا لما نصب ... قد يضمرون وروا عن العرب
"لا تجزعي إن منفسا أهلكته ... بالنصب والرفع1 معا رويته
__________
1 ع "بالرفع والنصب".(2/625)
ونحو: زيد غيب عنه" لا تحد1 ... عن رفعه والنصب رأي2 ما حمد
"ش": أي فعلين دل أحدهما على تأثير، ودل الآخر على القبول لذلك التأثير، فالأول مطاوع، والثاني مطاوع نحو كسرته فانكسر" و"أهلكته فهلك" و"نفعته فانتفع".
فإذا كان الفعل المشغول مطاوعا جاز أن يفسر به مطاوعه رافعا للاسم السابق ومنه قول لبيد3:
331-
فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب ... لعلك تهديك القرون الأوائل
فـ"أنت" فاعل فعل مطاوع لـ"ينفعك" تقديره:
فإن لم تنتفع بعلمك4 لم ينفعك علمك.
[ولو أضمر الموافق هنا لقيل فإن إياك لم ينفعك علمك] 5.
__________
1 هـ "لا تجد".
2 ع "راء".
3 هـ "قول الشاعر".
4 في الأصل "بعملك".
5 سقط ما بين القوسين من هـ.
331- من الطويل قاله لبيد بن ربيعة من قصيدة يرثي بها النعمان بن المنذر ملك الحيرة، والرواة في الديون ص131.
فإن أنت لم تصدقك نفسك....... ... ......................................(2/626)
وروي "منفس" من قول الشاعر:
332-
لا تجزعي إن منفسا أهلكته ... فإذا1 هلكت فعند ذلك فاجزعي
بالنصب على إضمار الموافق.
وبالرفع على إضمار المطاوع، والتقدير: لا تجزعي إن هلك منفس أهلكته.
ولا يجوز في نحو "زيد" من قولك: "زيد غيب2 عنه، أو ذهب به" إلا الرفع، لأن الجار والمجرور، في موضع رفع، فلو فسر عامله عاملا فيما تقدم لم يكن المفسر إلا رافعا. فإن عمل المفسر مثل عمل المفسر.
وقد أجاز ابن السراج3، والسيرافي أن يقدر إسناد
__________
1 في الأصل "وإذا".
2 ع سقط "غيب".
3 قال ابن السراج في الأصول 1/ 90:
في "سير بزيد" ثلاثة أوجه.
أجودها: أن تقيم "بزيد" مقام الفاعل فيكون موضعه رفعا، وإن كان مجرورا في اللفظ.
والوجه الثاني الذي يليه في الجودة: أن تريد المصدر فتقيمه مقام الفاعل وتحذفه.
والوجه الثالث وهو أبعدها: أن تريد المكان فتقيمه مقام الفاعل وتحذفه.
332- من الكامل قاله النمر بن تولب من قصيدة يصف فيها نفسه بالكرم ويعاتب زوجته على لومها. وكان أضاف قوما في الجاهلية فعقر لهم أربع قلائص واشترى لهم زق خمر فلامته على ذلك، والبيت في ديوان النمر بن تولب ص72 وهو صحابي من المخضرمين.
الجزع: الحزن، وقيل أخص فإنه حزن يمنع الإنسان ويصرفه عما هو بصدده المنفس: الشيء الذي يتنافس فيه.(2/627)
"ذهب" ونحوه إلى ما يدل عليه1 من مصدر.
فيكون المجرور على هذا في موضع نصب، وينصب2 الاسم السابق.
وهذا قول يلزم منه جواز الاقتصار على "ذهب" لأنه على قولهما مسند إلى منوي، والجار والمجرور فضله. ومثل هذا لا يوجد3 في كلام العرب فلا يلتفت إليه.
__________
1 هكذا في ع وك وهـ وسقط "عليه" من الأصل.
2 هـ "وينصب".
3 هـ "لا يجوز في كلام العرب".(2/628)
باب: تعدي الفعل ولزومه
"ص":
إن تم الفعل اسم مفعول نعت ... بـ"واقع" أو "متعد" كـ"مقت"
فانصب به مدلول ذاك الوصف ... إن لم ينب عن فاعل ذي حذف1
وما بنوا منه اسم مفعول بلا ... تمام انسب للزوم كـ"امثلا"
"ش": الفعل الذي يصلح أن يصاغ منه اسم مفعول تام يسمي2 متعديا، ومجاوزا، وواقعا، كـ"مقت فهو ممقوت" و"نعت فهو منعوت" والمراد بالتمام3: الاستغناء عن حرف جر.
فلو صيغ منه اسم مفعول مفتقر إلى حرف جر سمي الفعل "لازما".
__________
1 س وش "ذا حذف".
2 هـ "سمي".
3 هـ "بالتمام".(2/629)
وقد يقال فيه "متعد بحرف جر" وذلك مثل: "غضب زيد على عمرو فهو مغضوب عليه" و"زهد فيه فهو مزهود فيه" "عجب منه فهو معجوب منه".
فهذه أفعال لازمة؛ لأن اسم المفعول المبني منها الا يستغني عن اقترانه بحرف جر.
بخلاف الأول كـ"نعت فهو منعوت" فإن اسم مفعوله تام أي: غني عن اقترانه بحرف جر.
"ص":
والتزموا لزوم ما على "فعل". ... وما جرى مجراه معنى كـ"بخل"
وما اقتضى تكونا أو عرضا ... أو كان مثل "ازور" وزنا و"انقضى"
كذا "افعلل" والمضاهي "افعنللا" ... وما بإلحاق كذين جعلا
وهكذا ما طاوع المعدي ... لواحد كـ"مده فامتدا"
"ش": حاصل هذه الأبيات: التنبيه على ما لا يوجد من الأفعال متعديا بنفسه.
فمنه ما يستدل عليه بمجرد1 وزنه.
__________
1 هـ "مجرد".(2/630)
ومنه ما يستدل عليه بمعناه، وإن1 كان على وزن صالح للتعدية.
فالأول ما كان على "فعل" كـ"ظرف" و"عذب" و"جنب" أو على "فعل" أو "فعل" بشرط كون الوصف منهما على "فعيل"2 كـ"بخل فهو بخيل" و"ذل فهو ذليل".
أو على "افعل" كـ"ازور" و"احمر". أو على "انفعل" كـ"انقضى" و"انصرف".
أو على "افعلل" كـ "اقشعر" و "اشمأز".
أو على افعنلل" كـ"احرنجم"3 و"اثعنجر"4.
وكذا ما ألحق بـ"افعلل و"افعنلل".
كـ"اكوهد الفرخ" -إذا ارتعد-[و"احرنبى الديك" إذا انتفش] 5.
فهذه الأوزان دلائل على عدم التعدي من غير حاجة إلى الكشف عن معانيها.
وأما الذي يستدل على عدم تعديه بمعناه:
فما اقتضى تكونا كـ"حدث" و"نبت" أو عرضا كـ
__________
1 هـ "فإن".
2 ع "على فعل".
3 احرنجم: أراد الأمر ثم رجع عنه.
4 اثعنجر الدمع أو الماء: سال.
5 هـ سقط ما بين القوسين.(2/631)
"مرض" و "برئ"
ومنه1 الاستدلال بمطاوعة المتعدي إلى واحد. كـ"ضاعفت الحساب فتضاعف"، و"دحرجت الشيء فتدحرج" و"نعمته فتنعم".
[ومنه "ثلمته2 فثلم"، و"ثرمته3 فثرم"4] .
"ص":
وعد لازما بحرف جر ... كـ"انقد لزيد واقربن من عمرو"
وحذف حرف الجر مع "أنَّ" و"أنْ" ... مطرد إلا إذا ما اللبس عن5
وفي محل نحو "أنْ" هذا6 نظر ... أذو انتصاب هو أم مما يجر7؟
وأثبت الأخفش في عطف على ... نحو "أن" المذكور جرا نقلا
__________
1 ع "ومنه منه".
2 ثلم الإناء: كسر حرفه.
3 ثرمه: كسر سنه من أصلها.
4 هـ سقط ما بين القوسين.
5 سقط الشطر الثاني من هذا البيت من ط وهـ وجاء موضعه.
.............................. ... مطرد كـ"ارتاح أن أم اليمن"
6 ط:
وفي محل أن أم نظر ... .............................
7 هـ سقط هذا البيت.(2/632)
وانصب لحذف1 ما يجر غير "أن" ... و"أن" والمجرور ليس بالحسن
والحذف مع سواهما لا تستبح2 ... إن لم يؤيده سماع متضح
وابن سليمان اطراده رأى ... إن لم يخف لبس كـ"من زيدا نأى"
"ش": يجوز أن يعدَّى الفعل3 اللازم بحرف الجر إلى "أنَّ" و "أنْ" وغيرهما نحو: "عجبت من أنك ذاهب" [و"من أن قام زيد" و"من قعود عمرو".
ويجوز حذف حرف الجر من "أنَّ" و"أنْ" فيقال: "عجبت أنك ذاهب"] 4 و"أن قام زيد".
ولا يجوز حذفه من غيرهما فلا يقال: "عجبت قعود عمرو"5.
فإن ورد الحذف مع غير "أنَّ" و"أنْ" عد نادرا، ولم يقس عليه إلا أن يكون من الأفعال التي جمع لها التعدي واللزوم كثيرا مع اتفاق المعنى. كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
__________
1 ع هـ "بحذف".
2 ع "لا تستمح".
3 ع وك سقط "الفعل".
4 سقط ما بين القوسين من هـ.
5 من أول شرح هذه الأبيات إلى هنا سقط واضطراب في ع.(2/633)
ومذهب الخليل1 والكسائي في "أنَّ" و"أنْ" أنهما في محل جر بعد حذف حرف الجر.
ومذهب سيبويه والفراء أنهما في محل نصب.
ويؤيد قول الخليل قول الشاعر أنشده الأخفش:
333-
وما زرت ليلى أن تكون حبيبة ... إليَّ ولا دين بها أنا طالبه
فجر المعطوف على "أنْ" فعلم أن "أنْ" في محل جر.
__________
1 جاء في كتاب سيبويه 1/ 464:
وسألت الخليل عن قوله جل ذكره: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُون} .
فقال: إنما هو على حذف اللام كأنه قال: ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون.
وقال: ونظيرها {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} لأنه إنما هو لذلك فليعبدوا.
فإن حذفت اللام من "أن" فهو نصب، كما أنك لو حذفت اللام من لإيلاف كان نصبا.
هذا قول الخليل.
هذا كلام سيبويه عن رأي في "أنَّ" و"أنْ" بعد حذف حرف الجر، فلعل المصنف استقى رأي الخليل من موضع آخر.
333- من الطويل من قصيدة للفرزدق يمدح المطلب بن عبد الله المخزومي "الديوان 93" قال سيبويه 1/ 419 بعد أن ذكر البيت:
جر دين لأنه صار كأنه قال: "لأن".
وهذا يدل على أن موضع "أنَّ" و"أنْ" بعد حذف الجار: هو الجر عند سيبويه.(2/634)
وحكم ما سوى "أنَّ" و"أنْ" إذا حذف ما يجره أن ينصب كقوله:
334-
لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب
وقد يحذف الجار ويبقى الجر كقوله:
335-
إذا قيل: أي الناس شر قبيلة؟ ... أشارت كليب بالأكف الأصابع
أراد: أشارت إلى كليب. فحذف "إلى" وأبقى عملها.
[ورأى علي بن سليمان الأخفش اطراد الحذف والنصب فيما لا لبس فيه كقول الشاعر:
336-
تحن فتبدي ما بها من صبابة ... وأخفي الذي لولا الأسى لقضاني
أي: لقضى عليَّ] 1.
__________
1 سقط ما بين القوسين من هـ، وجاء في ع وك متقدما على قوله: "وقد يحذف الجار ويبقى الجر".
334- من الكامل قاله ساعدة بن جؤية الهذلي من أبيات في وصف الرمح "ديوان الهذليين 1/ 190".
اللدن: اللين النعام
يغسل: يشتد اهتزازه.
عسل الثعلب والذئب في عدوه: اشتد اضطرابه.
335- من الطويل قاله الفرزدق في هجاء جرير وقومه "الديوان 520".
336- من الطويل نسبه العيني 2/ 552 لعروة بن حزام. وليس في ديوانه. ونسبه المبرد في الكامل 1/ 20 لأعرابي من بني كلاب وذكر معه أبياتا أخرى. والضمير في "تحن" لناقته التي ورد ذكرها في البيت الأول وهو:
فمن يك لم يغرض فإني وناقتي ... بحجر إلى أهل الحمى غرضان
الأسى: جمع أسوة بضم الهمزة ولا يمكن أن يراد بالأسى
الحزن -بفتح الهمزة- لأنه يغير المعنى.(2/635)
"ص":
وجمع اللزوم والتعدي ... لواحد مع اتحاد القصد
وجمعا مع اختلاف المعتبر ... نحو: "فغرت الفم" و"الفم فغر"
"ش": من الأفعال أفعال استعملت بوجهين والمعنى واحد كـ"نصحت"، و"شكرت" و"كلت" و"وزنت" يقال: "شكرته" و"شكرت له" و"نصحته" و"نصحت له" و"كلته" و"كلت له" و"وزنته" و"وزنت له".
قال الله1 تعالى2: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} 3.
ومن الأفعال أفعال جمع لها التعدي. واللزوم مع اختلاف المعنى كـ"فغر زيد فاه، وشجاه"4 بمعنى: فتحه،
__________
1 ع ك هـ سقط لفظ الجلالة.
2 من الآية رقم "3" من سورة "المطففين".
3 هي سقط "يخسرون".
4 هـ "كقصر زيد فوه وسحاه بمعنى فتحه".(2/636)
و"فغر الفم1، وشجا" بمعنى: انفتح.
ومن ذلك "زاد" و"نقص" يكونان متعديين، ولازمين وإذا تعديا: تعديا2 إلى مفعولين كقوله تعالى: {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} 3.
"ص":
وما إلى اثنين تعدي غير ما ... ذكرته حيث ذكرت "علما"
فأجمعهما له، أو4 اتركنهما5 ... معا أو اترك ما أردت منهما
"ش": حاصل ما أشير إليه هنا أن كل فعل يتعدى إلى مفعولين وليس هو من باب "ظن" لك أن تذكر مفعوليه معا كقوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} 6.
وأن تتركهما معا كقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} 7.
__________
1 في الأصل "فغرفوه".
2 ع سقط "تعديا".
3 من الآية رقم "10" من سورة "البقرة".
4 ط واتركنهما".
5 ع وهـ "اتركهما"
6 الآية رقم "1" من سورة "الكوثر".
7 الآية رقم "5" من سورة "الليل".(2/637)
ولك أن تذكر1 أحدهما كقوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} 2.
"ص":
والأصل سبق فاعل معنى كـ"من" ... من "ألبسن من زارنا نسج اليمن"
ويلزم الأصل لموجب عرا ... وترك ذاك3 الأصل حتما قد يرى
وقس على المحصي بباب الفاعل ... واحكم بحكم الشكل للمشاكل
فنحو: "ألبس ثوبه زيدا" قبل ... ونحو: "أسكن ربها الدار" حظل
"ش": ذو4 الفاعلية في المعنى كـ"زيد" من قولك: "أعطيت زيدا درهما" فإنه آخذ
وكـ"عمرو" من قولك: "ألبست عمرا جبة" فإنه لابس، وكـ"من" من قولي:
..................................... ... ألبسن من زارنا نسج اليمن
فالأصل5 تقديم ما كان كـ"من" في المثال المنظوم.
__________
1 هـ "تعكر"
2 الآية رقم "5" من سورة "الضحى".
3 ع سقط "ذاك".
4 هـ "ذوا".
5 هـ "كالأصل".(2/638)
فإذا كان ذو الفاعلية في المعنى متميزا1 من الآخر لم يمتنع تأخيره نحو: "أعطيت درهما زيدا".
وإذا خيف التباسه بالآخر وجب تقديمه نحو: "أعطيت زيدا عمرا" فإن هذا في ذا الباب كـ"ضرب موسى عيسى" في "باب الفاعل".
وإذا أضيف العاري من الفاعلية إلى ضمير عائد على ذي الفاعلية جاز تأخيره نحو: "ألبس2 ثوبه زيدا".
فإن هذا في ذا الباب كـ"ضرب غلامه زيد" في باب الفاعل.
وإذا أضيف ذو الفاعلية إلى ضمير العاري منها وجب تقديمه نحو: "أسكن الدار ربها".
لأنك لو قلت: "أسكن ربها الدار". لزم تقديم الضمير على مفسر متأخر لفظا ورتبة فلم يجر. كما لم يجز: "ضرب غلامه زيدا" ومن أجاز هذا أجاز ذلك3.
وقد تقدم في ذلك ما لا4 يحتاج [إلى بيانه] 5.
__________
1 ع "ضميرا".
2 ك "ألبسن".
3 ع ك "أجاز ذاك"
4 هكذا في ك وفي الأصل وهـ "ما يحتاج إلى بيانه".
5 بداية سقط كبير من ع ستحدد فيما بعد نهايته.(2/639)
"ص":
وحذف مفعول أجز إن سلما ... من سب يوجب أن يلتزما
كما إذا كان جوابا، أو قصد ... حصر به كـ"إنما لمت النكد"
"ش": المفعول إذا لم يكن من باب "ظن" فضله. فحذفه جائز إن لم يعرض له ما يمنع1 من ذلك.
كما إذا كان جوابه كقولك "زيدا" لمن قال: "من ضرب؟ "
وكما إذا كان مقصودا بحضر نحو: "ما ضربت إلا زيدا".
فلو حذف في الأول لم يحصل جواب.
ولو حذف في الثاني لزم نفي الضرب -مطلقا- والمقصود نفيه مقيدا، فلزم ذكر المفعول لذلك.
والله أعلم2.
__________
1 كـ"بأن لم يعرض له مانع".
2 سقط من الأصل ومن هـ "والله أعلم".(2/640)
باب: التنازع في العمل
"ص":
إن عاملان اقتضيا في اسم عمل ... قبل فللواحد منهما العمل
والثاني أولى عند أهل البصرة ... واختار عكسا غيرهم ذا أسرة
"ش": إنما قلت:
................. عاملان ... ...........................
ولم أقل: "فعلان".
ليدخل في قولي: "تنازع فعلين نحو: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} 1، وتنازع اسم وفعل نحو: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} 2، وتنازع اسمين نحو قول الشاعر.
__________
1 من الآية رقم "96" من سورة "الكهف".
2 من الآية رقم "19" من سورة "الحاقة".(2/641)
337-
عهدت مغيثا مغنيا من أجرته ... فلم أتخذ إلا فناءك موئلا
ومثله عند بعضهم قول الآخر1:
338-
قضى كل ذي دين فوفى غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها
وقلت:
............ اقتضيا ... ...................
فنسبت الاقتضاء لهما لأخرج بذلك العاملين2 المؤكد أحدهما بالآخر نحو قول الشاعر] 3:
339-
فأين إلى أين النجاء ببغلتي ... أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس
__________
1 سقط في الأصل "قول الآخر".
2 في الأصل "العالمين".
3 سقط ما بين القوسين من هـ.
337- من الطويل قال العيني 3/ 2 لم أقف على اسم قائله.
مغيثا: معينا موئلا: ملجأ
ورواية الأصل "من هجرته" وهو بعيد.
338- من الطويل قاله كثير عزة "الديوان 1/ 10/ 176" من أبيات لها قصة رواها صاحب الأغاني 9/ 28 وصاحب المقاصد النحوية 3/ 3.
339- من الطويل لم يعثر على قائله "العيني 3/ 9" قال ابن الشجري في أماليه 1/ 243 وما بعدها "أراد: إلى أن تذهب إلى أين تذهب، أتاك اللاحقون أتاك اللاحقون، احبس البغلة احبس البغلة. فحذف الفعل والفاعل من اللفظين الأولين، وحذف الفاعل من أحد اللفظين الثانيين وحذف المفعولين من اللفظين الثالثين.
وحذف أحد الفاعلين من قوله "أتاك أتاك اللاحقون" يقوي ما ذهب إليه الكسائي من حذف الفاعل في باب إعمال الفعلين، ألا تراه لو أضمر الفاعل ولم يحذف لقال: أتوك أتاك اللاحقون. أو أتاك أتوك اللاحقون".(2/642)
فـ"أتاك أتاك" عاملان في اللفظ، والثاني منهما لا اقتضاء له إلا التوكيد.
ولو اقتضى عملا لقيل: أتاك أتوكن أو أتوك أتاك وقلت1:
............. قبل ... ...................
تنبيها على أن التنازع لا يتأتى بين2 عاملين متأخرين نحو: "زيد قام وقعد".
لأن كل واحد من المتأخرين مشغول بمثل ما شغل به الآخر من ضمير الاسم السابق، فلا تنازع بينهما.
بخلاف المتقدمين نحو: "قام وقعد زيد".
فإن كل واحد من الفعلين موجه في المعنى إلى "زيد" وصالح للعمل في لفظه.
__________
1 هـ "وقلبت".
2 هـ "لا يتأتى بين بين".(2/643)
فأعمل أحدهما في ظاهره، والآخر في ضميره. وإلى هذا أشرت بقولي:
........................... ... فللواحد منهما العمل
والمختار عند البصريين إعمال الثاني. وعند الكوفيين إعمال الأول.
فإن اقتضى رفعا دون الثاني تعين عند الفراء إعماله.
والله أعلم1.
"ص":
وأعمل المهمل في ضمير ما ... تنازعاه والتزم ما التزما
كـ"يحسنان ويسيء ابناكا" ... و"قد بغي واعتديا عدباكا".
ونحو: "أعطى وسألت الله" قد ... أباه يحيى والكسائي اعتقد
جوازه بشرط حذف المرتفع ... ومن يؤخره فيحيى يتبع
كذاك عازي الرفع للفعلين ... في نحو: "يمشي ويشي ابن القين"
"ش": المراد بالمهمل هنا: الذي لم يسلط على الاسم الظاهر نحو "أعطى" من قولنا: "أعطى وسألت الله".
__________
1 هكذا في ك وسقط من هـ ومن الأصل "والله أعلم".(2/644)
ففي "أعطى" ضمير مفسر بما بعده.
فنحو هذا مما أعمل فيه الثاني، وأضمر فيه مع الأول ضمير مرفوع أجازه البصريون.
ولم يجزه الكوفيون تجنبا لإضمار قبل ذكر المفسر.
والذي تجنبوه قد استعملت العرب مثله، كقول رجل من فصحاء طيئ:
340-
جفوني ولم أجف الأخلاء إنني ... لغير جميل من خليلي مهمل
وكقوله:
341-
هوينني وهويت الغانيات إلى ... أن شبت وانصرفت1 عنهن آمالي
فتقدمت الواو من "جفوني" والنون من "هوينني" على مفسريهما فعلم أن ذلك وأمثاله جائز.
__________
1 هكذا في الأصل وفي هـ وك "فانصرفت".
340- من الطويل لم ينسبه أحد ممن استدل به إلى قائله "العيني 3/ 14".
جميل: أراد به الأمر الحسن.
مهمل: غير مهتم.
341- من البسيط ذكره العيني 3/ 31 ولم ينسبه.
الغانيات: جمع غانية: المرأة التي غنيت بجمالها عن الزينة.(2/645)
وقد حكى ابن كيسان أن الكوفيين وافقوا البصريين في جواز تقديم الضمير على مفسره المبدل منه نحو: "يقومون الزيدون" و"رأيتهم العمرين" مع أن البدل1 تابع، وتأخير التابع واجب.
فيلزمهم تجويز ما منعوا من نحو: "ضربوني وضربت الزيديين" فإنه مساوٍ لما أجازوه في الاشتمال على ضمير مذكور قبل مفسر واجب التأخير.
وإذا ثبت هذا فليعلم أن مثال: "يحسنان ويسيء ابناك جائز عند البصريين، ممتنع عند الكوفيين، لما فيه من تقدير فاعل "يحسن" أعنى: الألف على مفسره المؤخر وهو "ابناك".
فلو حذفت الألف صحت المسألة عند الكسائي، ولم يبال بحذف الفاعل لثبوت الدلالة عليه.
والفراء يمنع ذلك مع الإثبات، ومع الحذف.
فلو جيء بضمير الفاعل مؤخرا صحت المسألة عنده نحو: "يحسن ويسيء ابناك [هما"
ذكر ذلك ابن كيسان.
وأجاز الفراء أيضا أن يقال2: "يحسن ويسيء
__________
1 هـ "المبدل".
2 ك سقط "أن يقال".(2/646)
ابناك"] 1 على أن يكون الفاعل مرتفعا بالفعلين معا.
وإلى هذين الوجهين أشرت بقولي:
................................ ... ................. ومن يؤخره
أي: الفاعل2.
........................... ... .......... فيحيى يتبع
كذاك عاز الرفع للفعلين ... في نحو: "يمشي ويشي ابن القين"3
أي: الذي يعزو4 رفع الفاعل إلى الفعلين معا متبع للقراء، فإن ذلك مذهبه5.
"ص":
ولا تجيء مع أول قد أهملا ... بمضمر لغير رفع أوهلا6
بل احذفنه إن يكن غير خبر ... وجيء به مؤخرا أعني الخبر
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 ك سقط "اي الفاعل".
3 نهاية سقط ع الذي سبقت الإشارة إله فيما مضى.
4 ع "تعزو".
5 ذلك لأن الفراء لا يرى الإضمار قبل الذكر "ينظر شرح المفصل لابن يعيش 1/ 77 ففيه تفصيل لذلك".
6 ع "أهلا".(2/647)
ونحو: "ترضيه ويرضيك" ندر ... ومثله لو شاع لم يعد النظر
وأظهر إن يكن ضمير خبرا ... لغير ما يطابق المفسرا
نحو: "أظن ويظناني أخا ... زيدا وعمرا أخوين في الرخا"
والحذف والإضمار غير ممتنع ... في المذهب الكوفي فاسمع1 وأطع
لكن لدى الإضمار طابق2 مخبرا ... عنه مخالفا لما قد فسرا
"ش": إذا أهمل الأول من المتنازعين، ومطلوبه غير رفع لم يجز عند الأكثرين أن يجاء معه بضمير المتنازع فيه.
بل يحذف إن كان غير خبر نحو: "ضربت وضربني زيد".
وإن كان خبرا جيء به مؤخرا: ليؤمن حذف ما لا يجوز حذفه، وتقديم ضمير منصوب على مفسر لا تقدم له بوجه.
مثال ذلك "ظنني وظننت زيدا عالما إياه".
__________
1 هـ "فاستمع".
2 ع "طابوا مخبرا".(2/648)
فـ"إياه" مفعول ثان لـ"ظنني" ولا يجوز1 تقديمه عند الجميع. ولا حذفه عند البصريين.
وأما عند الكوفيين فيجوز حذفه؛ لأنه مدلول عليه بثاني مفعولي الفعل الآخر. وأشرت بقولي:
ونحو "ترضيه ويرضيك".... ... .................................
إلى قول الشاعر:
342-
إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب ... جهارا فكن في الغيب أحفظ للود
343-
وألغ أحاديث الوشاة فقلما ... يحاول واش غير هجران ذي ود
ومثله قول الآخر:
344-
ألا هل أتاها على نأيها2 ... بما فضحت قومها غامد
__________
1 هـ "ولا تجوز".
2 هـ "على بابها".
342، 343- بيتان من الطويل لم ينسبهما أحد ممن استشهد بهما إلى قائل معين ورواية العيني 3/ 21 لشطر البيت الثاني:
......................................... ... يحاول واش غير إفساد ذي عهد
والواشي: هو الناقل للكلام بين الناس بقصد الإفساد.
344- من المتقارب نسب في الكامل 1/ 15 إلى ربيعة بن مكدم وكذلك في اللسان "غمد".
غامد: رجل من أصحاب معاوية مشهور من بني غامد بن الأزد بن الغوث.(2/649)
وقولي:
................................... ... ومثله لو شاع لم يعد النظر
أي: لو شاع إثبات الضمير المنصوب مع المتقدم المهمل لكان له وجه من النظر لأنه تقديم مفسر على مفسر فيغتفر كما اغتفر تقديم غيره من المفسرات على مفسراتها.
بل كما اغتفر ذلك في المرفوع.
فإن اعتذر عن1 المرفوع بأنه لا يجوز حذفه قيل: فمن المنصوب ما لا يجوز حذفه، وهو ما كان خبر مبتدأ في الأصل نحو: "ظنني إياه" و"ظننت زيدا عالما".
وأيضا فإن الاهتمام [بذكر مفسر الشيء بحسب الاهتمام] 2 بذكره ومعلوم أن الاهتمام بذكر المرفوع أشد من الاهتمام بذكره غيره.
ومن الاهتمام بالضمير تقديم مفسره، وقد ترك ذلك في المرفوع هو أقوى فتركه في المنصوب لكونه أضعف أحق وأولى.
والإشارة بقولي:
__________
1 ع ك "في المرفوع".
2 هـ سقط ما بين القوسين.(2/650)
"وأظهر أن يكن ضميرا خبرا ... لغير ما يطابق المفسرا"
إلى نحو: "ظنت وظناني عالما الزيدين1 عالمين" على إعمال الأول.
فإن "الزيدين" و"عالمين" مفعولا "ظننت".
و"عالما" ثاني مفعول "ظناني"2 وهو والياء من "ظناتي"3 مبتدأ وخبر في الأصل.
وعدل إلى إظهار4 "عالم" لأنه لو اضمر فإما أن يجعل مطابقا للمفسر وهو ثاني مفعولي "ظننت".
أو لأول مفعولي "ظننت".
أو لأول مفعولي "ظناني" وهو الياء. وكلاهما عند البصريين غير جائز.
أما الأول فلأن5 فيه إخبارا عن مفرد بمثنى.
وأما الثاني فلأن فيه إعادة ضمير مفرد على مثنى.
وأجاز الكوفيون 6 في مثل هذا: الإضمار مراعى به
__________
1 ع "الذين عاملين".
2، 3 ع "ظنابي".
4 ع "ظاهر عالم".
5 ع وك "فإن فيه".
6 هـ "الكوفيين".(2/651)
جانب المخبر عنه فيقولون: "ظننت وظناني إياه الزيدين1 عالمين".
وأجازوا أيضا "ظننت وظناني الزيدين عالمين" بالحذف، وهذا حاصل الأبيات التي آخرها:
.............................. ... ............. لما قد فسرا
والكلام على "أظن ويظناني أخا زيدا وعمرا أخوين" كالكلام على "ظننت وظناتي عالما الزيدين عالمين".
__________
1 ع "الذين".(2/652)
باب: المفعول المطلق وهو المصدر
"ص":
المصدر اسم مفهم معني صدر ... أو قام بالشيء1 كـ"ضربط و"حذر"
والفعل منه اشتق والوصف معا ... في قولنا، والعكس غيرنا ادعى
"ش": "الضرب": مثال لما يفهم منه معنى صدر عن فاعل. و"الحذر": مثال لما يفهم منه معنى قام بالشيء؛ لأن الحذر2 لا يفعله الإنسان بنفسه، فيوصف بصدور3.
بل هو معنى يحدث4 في نفسه، ويقوم بها.
والفعل مشتق من المصدر؛ لأن المشتق فرع، والمشتق منه أصل وكل فرع يتضمن الأصل وزيادة عليه.
__________
1 ع "أو قامها لشيء".
2 ك ع سقط "لأن الحذر".
3 ع "صدور".
4 كـ"حدث".(2/653)
ولا شك في أن الفعل يتضمن المصدر والوقت فثبتت1 فرعيته وأصلية المصدر؛ لأنه دل على بعض ما يدل عليه الفعل.
وهذا مذهب البصريين. وهو الصحيح.
وبنفس ما ثبتت فرعية الفعل ثبتت فرعية أسماء الفاعلين، وأسماء المفعولين.
فإن "ضاربا" مثلا يتضمن المصدر، وزيادة الدلالة على ذات الفاعل للضرب.
و"مضروب" يتضمن المصدر، وزيادة الدلالة على ذات الموقع به الضرب فهما مشتقان من "الضرب".
وكذلك سائر الصفات المشبهة2 بـ"ضارب و"مضروب".
"ص":
بمثله أو فرعه ينتصب ... كـ"سيرك السير الحثيث متعب"
وعدا أوتوكيدان أو تنويعا ... به أبانوا كـ"اركعوا ركعوا"
أو "ركعتين" أو "ركوعا حسنا" ... و"اخشع خشوع التاركين للونى"
__________
1 هكذا في ك وهـ. وفي الأصل وع "فثبتت".
2 هـ "الشبيهة".(2/654)
"ش": ناصب المصدر:
إما مثله كـ"سيرك السير الحثيث متعب".
وإما فرعه، والإشارة بذلك إلى الفعل نحو: "قم1 قياما"، وإلى اسم الفاعل نحو: "زيد قائم قياما"، وإلى2 اسم المفعول نحو: "هو مضروب ضربا".
والحامل على ذكره مع عامله.
إما مجرد التوكيد كـ"اركع ركوعا".
[وإما بيان العدد كـ"اركع ركعتين"] 3
وإما بيان النوع كـ"اركع ركوعا حسنا".
....................... ... و"اخشع خشوع التاركين للوني"
والونَى: الفتور يقصر ويمد.
"ص":
وقد ينوب عنه وصف أو عدد ... أو "كل" أو "بعض" كـ"كل الجد جد"
كذا الذي رادف كـ"ادلج سري" ... أو كان نوعا كـ"رجعت القهقهرى"
أو آلة، أو عائدا عليه ... أو ما يشيرون به إليه
__________
1 ع وك "قام قياما".
2 ع وهـ "أو إلى".
3 ع هـ سقط ما بين القوسين.(2/655)
"ش": يقوم مقام المصدر:
وصفه كـ"سرت أحسن السير".
وعدده1 كـ"ضربته عشر ضربات".
أو "كل" أو2 "بعضط كـ"جد في أمره كل الجد، ورفق بعض الرفق" وما رادفه أو دل على نوع منه كـ"ادلج سري" و"رجع القهقهرى" أو كان اسم آلته كـ"ضربته سوطا".
أو كان ضميره3 نحو [قوله تعالى] : {لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} 4 أو كان مشارا به إليه كـ"اضربه ذاك الضرب المعروف"5.
"ص":
وما لتوكيد فوحد أبدا ... وثن واجمع غيره حيث بدا
كـ"قلت قولين وأقوالا أخر" ... كذلك "الأقدار" في جمع "القدر"
"ش": ما جيء به لمجرد التوكيد فهو بمنزلة تكرير الفعل.
والفعل لا يثنى ولا يجمع فكذلك ما هو بمنزلته.
__________
1 ع "وعددته".
2 ع سقط "أو"
3 ع "ضمير".
4 من الآية رقم "115" من سورة "المائدة".
5 في الأصل "الضرب المعهوف".(2/656)
وأما ما جيء به لبيان العدد أو1 الأنواع فلا بد من قبوله للتثنية والجمع.
"ص":
وعامل الذي2 أتي مؤكدا ... سقوطه امنع أبدا فتعضدا
وحذف ما لغيره أجز كما ... مع غير مصدر، وحذف حتما
مع كل مصدر يكون بدلا ... من3 فعله كـ"ندلا" الذ كـ"اندلا"
واعز لهذا النوع ما من عمل ... يليه، أو قل: فعله ذو العمل
[وبعض ما عن ناصب ناب التزم ... إهمال فعله فوضعه عدم
كـ"بله" ذا إضافة بمعنى ... "ترك" ويبني إن عن "اترك" أغنى4] 5
"ش": المصدر المؤكد يقصد به تقوية عامله، وتقرير6 معناه، وحذفه منافٍ لذلك فلم يجز.
__________
1 في الأصل "والأنواع".
2 هـ "وعليك التي".
3 هـ "مع فعله".
4 ع يعني".
5 هـ سقط ما بين القوسين.
6 ع "وتقدير".(2/657)
بخلاف المصدر المبين عددا، أو1 نوعا فإنه يدل على معنى زائد على معنى الفعل فأشبه المفعول به. فجاز حذف عامله كما جاز حذف عامل المفعول به.
وحذف عامل المصدر المبين على ضربينك جائز وواجب.
فمن الجائز قولك لمن قال: "أي سير سرت؟ ":
"سيرا2 سريعا" ولمن قال: "ما تجد في الأمر": "بلى جدا كثيرا"3.
ولمن تهيأ لاعتكاف4، أو فرغ منه: "اعتكافا مقبولا" ولمن قدم من سفر: "قدوما مباركا".
ومن الحذف الواجب: حذف عامل المصدر الذي يذكر بدلا من اللفظ بفعله. وهو على ضربين: خبر وطلب.
فالخبر نحو قولك عند تذكر نعمة: "حمدا لا كفرا".
والطلب كقوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} 5 وكقول الشاعر:
__________
1 في الأصل "ونوعا".
2 هـ سقط "سيرا".
3 ع كثيرا"
4 ع "للاعتكاف".
5 من الآية رقم "4" من سورة "محمد".(2/658)
345-
يمرون بالدهنا خفافا عيابهم ... ويرجعن من دارين بجر الحقائب
346-
على حين ألهي الناس جل أمورهم ... فندلا زريق المال ندل الثعالب
وإلى هذا البيت1 أشرت بقولي:
............................... ... ............ كـ"ندلا" الذ كـ"اندلا"
يقال: ندل الشيء ندلا، إذا اختطفه.
واختلف فيما ينتصب2 بعد هذا النوع من المصادر3:
__________
1 ع وك "وإلى هذا القول".
2 ع وك "ينتصب به".
3 ع وك "من المصدر".
345، 346- من الطويل استشهد بهما سيبويه 1/ 59 ولم ينسبهما شراح الكتاب ونسبهما العيني 3/ 46 للأحوص ثم قال: وذكر في الحماسة البصرية أن قائلهما هو أعشى همدان يهجو بهما لصوصا ونسبهما الجوهري إلى جرير يصف ركبا يمرون بالدهناء.
وهما في ملحقات ديوان الأحوص ص289.
الدهناء: رملة من بلاد تميم.
عيابهم: جمع عيبة ما يجعل فيه الثياب.
دارين: اسم سوق ينسب إليه المسك بالشام.
يجر: جمع أبجر، وأصل بالجرة نتوء في السرة.
ندلا: هو هنا الأخذ باليدين.
زريق: اسم قبيلة ويريد أن الحقائب مملوءة جدا.
والثعلب يضرب به المثل في الأخذ.(2/659)
فمذهب جماعة من كبار النحويين أن العامل هو المصدر لأنه خلف عن فعله، وفعله قد صار نسيا منسيا.
ومذهب آخرين أن العامل هو الفعل نفسه؛ لأنه لا غنى عن نسبه نصب المصدر نفسه إليه1 وذلك موجب للاعتماد عليه2، وعدم الإعراض عنه3.
وبعض هذه المصادر المجعولة بدلا من اللفظ بالفعل لا فعل له أصلا كـ"بله"4 إذا استعمل5 مضافا فإنه حينئذ منصوب نصب "ضرب الرقاب" وجيء به بدلا من اللفظ بـ"اترك" كما جيء بـ"ضرب الرقاب" بدلا من اللفظ بـ"اضربوا الرقاب".
ولما لم يكن لـ"بله" فعل من لفظه احتيج إلى تقدير فعل من معناه وهو "اترك"6 لأن "بله الشيء" بمعنى: ترك الشيء.
فعمل "اترك" فيه من جنس قول القائل: "اتركه
__________
1 هو "ومذهب آخرين أن العامل هو الفعل نفسه لأن نسبة المصدر نفسه إليه....".
2 ع ك سقط "عليه"
3 هـ "وعدم إهماله".
4 هـ "كله".
5 هـ "إذا كان مضافا".
6 هـ "وهو الترك".(2/660)
رفضا" و"ذره ودعا"1.
ومن نصب ما بعد "بله" جعله اسم فعل بمعنى "اترك".
وفي البيت إشارة إلى هذا كله.
"ص":
وما له فعل يجيء خبرا ... أو طلبا ممن دعا أو أمرا2
وفيهما الفرا قياسا اتبع ... إن وقعا حيث يرى الفعل يقع3
ورأيه في طلب يقوي ومن ... في خبر وافقه4 فما وهن
"ش": يستغنى بذكر المصدر الذي له فعل عن فعله في الخبر والدعاء والأمر والنهي.
فمثال ذلك في الخبر قول القائل عند تذكر نعمة: "حمدا وشكرا لا كفرا".
وعند تذكر شدة: "صبرا لا جزعا".
وعند ظهور ما يعجب: "عجبا".
__________
1 هـ "وودعا".
2 هـ "أو قرأ".
3 ع "وقع".
4 ط ع ش ك "وافقه في خبر".(2/661)
وعند خطاب مرضي عنه: "أفعل وكرامة ومسرة".
وعند خطاب مغضوب عليه: "لا1 أفعل ولا كيدا ولا هما" و"لأفعلن ورغما2 وهوانا".
ومثال الدعاء "سعيا" و"رعيا" و"جدعا"3 و"بعدا" ومثال الأمر والنهي قولهم: "قياما لا قعودا" أي: قم4 لا تقعد ومن الأمر قوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} .
أي: فاضربوا الرقاب.
ومنه قول الشاعر:
347-
فصبرا في مجال الموت صبرا ... فما نيل الخلوج بمستطاع
فإضمار الناصب في هذا وما أشبهه لازم؛ لأن المصدر بدل من اللفظ به. فذكره جمع بين البدل والمبدل منه.
والفراء يرى ذلك مطردا غير متوقف على سماع. خبرا
__________
1 هـ "لأن أفعل".
2 هـ "وزعما".
3 هـ سقط "جدعا".
4 هـ سقط "رقم".
347- من الوافر قاله قطري بين الفجاءة "ديوان الحماسة 1/ 45، وشرح التبريزي 1/ 24، وأمالي المرتضى 1/ 236، وفيات الأعيان ترجمة قطري".(2/662)
كان ما يرد فيه ذلك، أو طلبا بشرط أن يكون الموضع صالحا لوقوع الفعل فيه مجردا.
ورأيه في ذلك عندي صواب.
إلا أن وقوع ذلك في الطلب أكثر من [وقوعه في الخبر؛ لأن دلالة المطلوب على فعل الطلب أقوى وأظهر1 من] دلالة المخبر به على فعله ولذلك قلت:
ورأيه في طلب يقوى..... ... ...................................
"ص":
وناصب المصدر حتما يضمر ... أيضا لدى توبيخ من يقصر
وشبه ذاك كـ"أفترة2 وقد ... تعين الجد وإظهار الجلد"
كذاك في نحو: "اجتهد فإما ... غنما وإما أوبة وسلما"
كذا مكرر وذو حصر3 ورد ... إن ناب عن فعل لعين4 استند
__________
1 سقط ما بين القوسين من ع.
2 هـ "اقتره".
3 هـ "وذو في حصر".
4 هـ "تعين".(2/663)
كـ"أنت سيرا سيرا" إنما أنا1 ... صبرا" و"ما الملهوف إلا حزنا"2
"ش": حال الموبخ على ما لا يرضى منه مشاهدة فاستُغني بذلك عن إظهار الفعل الموجب لتوبيخه، وجعل مصدره بدلا من اللفظ به كقولك للمتواني: "أتوانيا وقد جد قرناؤك".
ومنه قول جرير3:
348-
أعبدا حل في شعبَى غريبا ... ألؤما لا أبالك واغترابا
أي: أتلؤم وتغترب.
وقد يفعل ذلك من يخاطب نفسه كقول عامر بن الطفيل لعنه الله4 "أغدة كغدة البعير، وموتا في بيت سلولية".
ومثل هذا عنيت بقولي:
وشبه ذاك............... ... .............................
__________
1 س ش ع ك "ابننا".
2 هـ سقط هذا البيت من هـ.
3 في الأصل "قول الشاعر".
4 سقط "لعنه الله" من الأصل ومن هـ ينظر أمثال الميداني بتحقيق محيي الدين 2/ 57.
348- من الوافر قاله جرير بن عطية من أبيات في هجاء العباس بن يزيد الكندي "الديوان 62".
شعبَى: جبال منيعة متشعبة.(2/664)
ومن أسباب التزام حذف ناصب المصدر أن يقصد به تبيين عاقبة أمر تقدمه كقوله تعالى: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 1.
ومن أسباب ذلك -أيضا- أن يخبر عن اسم عين بفعل جعل مصدره بدلا من اللفظ به مكررا نحو: "أنت سيرا سيرا" أو ذا حصر بـ"إنما" أو بـ"إلا" نحو: "إنما أنا صبرا" و"ما الملهوف إلا حزنا".
والأصل: أنت تسير، وإنما أصبر، وما الملهوف إلا يحزن.
فحذف الفعل حدفا لازما، لأجل التكرار والحصر.
وجعل الثاني في التكرار بدلا منه فامتنع الإظهار، لئلا يجمع بين المبدل منه والبدل....
وعومل المحصور في التزام الإضمار معاملة المكرر؛ لأن في الحصر من التوكيد ما يقوم مقام التكرار.
فلو ترك التكرار والحصر جاز الإظهار.
واشترط في هذا النوع كونه بعد اسم عين. لأنه لو كان بعد اسم معنى لم يحتج إلى إضمار فعل.
بل كان يتعين الرفع بمقتضى الخبرية نحو: "إنما سيرك
__________
1 من الآية رقم "4" من سورة "محمد".(2/665)
سير البريد".
بخلاف كونه بعد اسم عين فإن ذلك يؤمن معه اعتقاد الخبرية، إذ المعنى لا يخبره به عن العين1 إلا مجازا كقول الشاعر:
349-
........................... ... فإنما هي إقبال وإدبار
أي: ذات إقبال وإدبار.
"ص":
ومنه توكيد لنفسه كما ... "على درهمان عرفا" فاعلم
ومنه نحو: "ذا ابنه حقا" وسم ... مؤكدا لغيره فلا تهم
ومنه ذو التشبه بعد جملة ... معناه، والفاعل حازت2 قبله
__________
1 ع وك "عن عين".
2 ع "جازت" هـ "حازت" ط "جاز".
349- هذا عجز بيت من البسيط للخنساء من قصيدة ترثي أخاها صخرا "الديوان" ص48 وصدره: ترتع ما رتعت حتى إذا اذكرت.... والضمير في "رتعت" يعود على العجول في البيت قبله وهو:
فما عجول على بو تطيف به ... قد ساعدتها على التحنان أظآر
ترتع ما رتعت حتى إذا ادركت ... ........................................
ورتعت: رعت. وادكرت: تذكرت ولدها.(2/666)
نحو "له بكا بكاء ثكليط ... و"لك1 وجد وجد صب مجلى"
"ش": من المصادر الملتزم إضمار ناصبها المؤكد به كلام يتضمن معناه دون لفظه.
فإن لم يكن للكلام محتمل غيره نحو: "له على درهمان عرفان أو اعترافا" سمي مؤكدا لنفسه؛ لأنه بمنزلة إعادة ما قبله، فكأن الذي قبله نفسه.
وإن كان له محتمل غيره نحوك "هو ابني حقا" سمي مؤكدا لغيره لأنه يجعل2 ما قبله نصا بعد أن كان محتملا. فهو مؤثر، والمؤكد به متأثر. والمؤثر، والمتأثر غيران3.
ومما التزم إضمار ناصبه، المشبه به بعد كلام تام يتضمن معناه مع ما هو فاعل في المعنى نحو: "له بكاءٌ بكاءَ ثكلى".
و"لك وجد وجد صب4 مجلى" أي: مخرج عن وطنه.
فالهاء من "له" والكاف من "لك" فاعلان في المعنى.
__________
1 هـ "وذلك".
2 لأنه "يحصل".
3 يقصد المؤلف -رحمه الله- بقوله "غيران": متغايران. لأن "غيرا" لا يثنى ولا يجمع.
4 هـ "وجد نصب".(2/667)
فلو لم يذكرا1 لم يجز النصب، بل كان يقال2: "هذا بكاء بكاء ثكلي"، و"عجبت من وجد وجد صب"3 وكذلك إذا لم تتم الجملة إلا به نحو: "البكاء بكاء ثكلى"، و "الوجد وجد صب".
"ص":
وناب غير مصدر عن مصدر ... يجيء منصوبا بفعل مضمر
كقولهم: "تربا له وجندلا" ... و"عائدا بالله من كل بلا"
"ش": كما جاز أن يحذف ناصب المصدر، ويجعل المصدر4 بدلا من اللفظ به جاز أن يفعل مثل ذلك بما وقع موقع المصدر مما5 ليس بمصدر.
ولا حاجة إلى أن يتناول بمصدر، بل يجعله الجامد منه مفعولا به نحو: "تربا" و "جندلا"، والمشتق حالا نحو: "عائذا بك"6، فيكون التقدير: ألزمه الله تربا وجندلا، واعتصمت عائذا بك.
__________
1 في الأصل "لم يذكر".
2 سقط من الأصل "يقال".
3 ع "وجد ضب".
4 هـ سقط قوله "ويجعل المصدر".
5 هـ "بما ليس بمصدر".
6 هـ "عائذا بك بالله".(2/668)
وهذا التقدير ونحوه هو الظاهرمن قول سيبويه -رحمه1 الله2- وما سواه3 تكلف لا فائدة فيه.
وهو مذهب المبرد4، واختيار الزمخشري5.
__________
1 هكذا في الأصل وسقط "رحمه الله" من باقي النسخ.
2 قال سيبويه في الكتاب 1/ 158:
"باب ما جرى من الأسماء مجرى المصادر التي يدعى بها. وذلك قولك "تربا" و"جندلا" وما أشبه هذا.
فإن أدخلت "لك فقلت: "تربالك" فإن تفسيرها كأنه قال: "ألزمك الله وأطعمك الله تربا وجندلا" وما أشبه هذا من الفعل.
فاختزل الفعل ههنا لأنهم جعلوه بدلا من قولك: "تربت يداك وجندلت"
3 ع وك "وغيره تكلف".
4 قال المبرد في المقتضب 3/ 222:
"مما يدعى به أسماء ليست من الفعل، ولكنها مفعولات، وذلك وقولك "تربا" "وجندلا" إنما تريد: أطعمه الله، ولقاه الله ونحو ذلك فإن أخبرت أنه مما قد ثبت رفعت قال الشاعر:
لقد ألب الواشون البا لبينهم ... فترب لأفواه الوشاة وجندل
5 قال الزمخشري في المفصل:
"وقد تجري أسماء غير مصادر ذلك المجرى، وهي على ضربين: جواهر نحو قولهم "تربا" و"جندلا" و"فاها لفيك".
وصفات نحو قولهم "هنيئا مريئا" و"عائذا بك" و"أقائما وقد قعد الناس" و"أقاعدا وقد سار الركب؟ " قال ابن يعيش 1/ 122:
أجروا أشياء من الجواهر غير المصادر مجراها فنصبوها نصبها على سبيل الدعاء، وذلك نحو قولهم: "تربالك وجندلا"ومعناه ألزمك أو أطعمك تربا أي: ترابا وجندلا أي: صخرا.
واختزل الفعل هنا لأنهم جعلوه بدلا من قولك: "تربت يداك وجندلت".(2/669)
باب: المفعول له
"ص":
مصدر ات علة لمصدر ... شاركه في وقته والمصدر
سموه "مفعولا له" وينتصب ... بما به1 علل، واللام2 تجب3
[إن يخل من بعض القيود كـ"سرى"4 ... للماء، أو للعشب أو أمر عرا"
و"جيء غدا لقولك "اليوم أجي" ... وقد دعوت رغبة في الفرج] 5
__________
1 هـ "وبما به ينتصب".
2 هـ سقطت الواو.
3 ط "يجب".
4 س ش ط ع ك أو شبهها لفقد شرط كسرى.
5 سقط ما بين القوسين من هـ.(2/670)
فـ"الرغبة" الشروط حازت1 فاكتفى ... بها2 عن اللام بلا3 توقف
"ش": المفعول له: كل مصدر نصب لتقديره بلام التعليل.
وشرط وقوعه كذلك مع كونه مصدرا معللا به: أن يصدر4 هو وما علل به من فاعل واحد، في وقت واحد كقولك: "دعوت رغبة في الفرج".
فالرغبة: مفعول له؛ لأنه مصدر معلل به ما وافقه في الفاعل والزمان.
فإن فقد اتحاد5 الفاعل، أو الزمان مع قصد التعليل فلا بد من اللام، أو ما يقوم مقامها نحو:
"جئت لأمرك إياي" و"أحسن إليك غدا لإحسانك الآن".
فإن لم يكن ما قصد به التعليل مصدرا فهو أحق باللام أو ما يقوم مقامها6 نحو: "سرى زيد7 للماء أو للعشب" أو نحو
__________
1 ع "جاوز" هـ "جاز".
2 هكذا في الأصل وس. أما في ش وط وع وك وهـ " "فاكتفى به".
3 هـ سقط بلا"
4 ع ك "يكون" هـ "صدر".
5 هـ سقط " اتحاد"
6 هـ "مقامه".
7 ع ك سقط "زيد".(2/671)
ذلك والقائم مقام اللام هو "من" و"في" كقوله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ} 1، وكقوله عليه الصلاة2 والسلام:
"إن امرأة دخلت النار في هرة [ربطتها، ولم 3 تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض] 4 " 5.
"ص":
وتدخل اللام عليه حائزا ... هذي الشروط فاعتقده جائزا
وقل أن يصحبها المجرد ... والعكس في مصحوب "أل" وينشد6
350-
"لا أقعد الجبن عن الهيجاء ... ولو توالت زمر الأعداء"
__________
1 من الآرية رقم "22" من سورة الحج.
2 هكذا في ع وك. وسقط من الأصل ومن هـ "الصلاة".
3 ع وك "فلم تطعمها".
4 هـ سقط ما بين القوسين.
5 أخرجه البخاري في بدء الخلق 16، ومسلم توبة 25، وابن ماجه زهد 30، وأبو داود رقاق 93، وأحمد 2/ 261، 269، 457، 467، 501، 507.
6 ط "وأنشدوا".
350- رجز مجهول القائل وهو من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ ص64 وشرح التسهيل 1/ 98، وممن استشهد به السيوطي في همع الهوامع 1/ 195، وصاحب التصريح 1/ 336، والأشموني 2/ 125 وذكره العيني في المقاصد النحوية 3/ 69.
الهيجاء: الحرب تمد وتقصر.
زمر: جمع زمرة وهي الجماعة.(2/672)
"ش": كل مصدر اجتمعت فيه شروط الانتصاب على أنه مفعول له فجائز جره باللام.
إلا أن ذلك فيما عرف بالأداة أحسن من التجريد. والتجريد أحسن منه في المنكر، ويستوي الأمران في المضاف.
وقد فهم ذلك من قولي:
وقل أن يصحبها المجرد ... والعكس في مصحوب "أل"
ثم ذكرت شاهد مصحوب "أل"1.
__________
1 يقصد قول الراجز الذي ذكره في النظام.(2/673)
باب: المفعول فيه وهو الظرف
"ص":
مكان أو وقت حوى1 معنى "في" ... ظرف كـ"رح غدا مع الأشراف"
فانصبه بالواقع فيه أبدا ... ما لم يكن ملفوظ في قد وجدا
والوقت مبهما ومختصا2 لذا ... يصلح كـ"امكث يوما أو يوم كذا"
ولا يكون اسم المكان ظرفا ... إلا إذا أبهم كـ"ارجع خلفا"
من ذاك أسماء الجهات جمعا ... وما يضاهيها كـ"عند" و"معا"
__________
1 ع "جري".
2 هكذا في الأصل وفي س وش وط أما في ع وك "والوقت مختصا ومبهما".(2/674)
كذا المقادير كـ"ميل" وكذا ... ما1 من سما العامل فيه أخذا
فـ"مقعد" مطرد مع "يقعد" ... و"معقد" مطرد مع "يعقد"
ونحو: "زيد مزجر الكلب" ندر ... ولا ندور فيه إن تلا "زجر"
"ش": المفعول فيه هو ما نصب من اسم زمان، أو مكان مقارن لمعنى "في" دون لفظها.
[وقد تمثل النوعان بقولي:
............................ ... "رح غدا مع الأشراف"
فإن "عدا" اسم زمان. و"مع" اسم مكان. وقد قارنهما معني "في" دون لفظها] 2.
وذكر "مقارنة المعنى" أجود من ذكر3 "تقدير في" لأن تقدير "في" يوهم جواز استعمال لفظ "في" مع كل ظرف. وليس الأمر كذلك. [لأن من الظروف ما لا يدخل عليه "في" كـ"عند" و"مع" وكلها مقارن لمعناها ما دام ظرفا.
__________
1 هـ سقط "ما".
2 هـ سقط ما بين القوسين.
3 ع وك سقط "ذكر".(2/675)
وأسماء الزمان صالحة لذلك] 1: مبهما، ومختصها.
والمبهم كـ"حين" و"مدة".
والمختص كـ"يوم كذا" وكـ2 "ساعة كذا".
تقول: "مكثت عنده حينا من الدهر" و"غبت عنه مدة".
و"صمت [يوم الخميس" و"اعتكفت3] يوم الجمعة"
وأما المكان فلا يكون من أسمائه ظرفا صناعيا إلا ما كان مبهما أو مشتقا من اسم الحدث الذي اشتق منه عامله.
فالمبهم ما لا يتميز4 مسماه بدون إضافة أو ما يقوم مقامها كأسماء الجهات والمقادير تقول: "قعدت يمين زيد، ويسار عمرو" و"سرت ميلا وفرسخا".
والمشتق من اسم الحدث الذي اشتق منه العامل كـ"مقعد" و"مقعد" من نحو قولك: "اقعد مقعد المناجي" و"اعقد نكاح زيد معقد نكاح عمرو".
ولا يكون هذا النوع ظرفا قياسيا إلا إذا كان العامل فيه موافقا له في الاشتقاق.
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 هـ "أو ساعة" ع وك "وساعة".
3 هـ سقط ما بين القوسين.
4 هـ "ما لا ضمير".(2/676)
فلذا عد من الشواذ قولهم: "هو مني مقعد القابلة"
و"عمرو مزجر الكلب" و"خالد مناط الثريا".
فلو أعمل في المقعد "قعد"، وفي المزجر "زجر"، وفي المناط "ناط" لم يكن في ذلك شذوذ ولا مخالفة للقياس نص على ذلك سيبويه1.
"ص":
وذو تصرف من الظروف ما ... ظرفية أو2 شبهها لن يلزما
__________
1 قال سيبويه في الكتاب 1/ 205:
هذا باب ما شبه من الأماكن المختصة بالمكان غير المختص، شبهت به إذ كانت تقع على الأماكن.
وذلك قول العرب، سمعناه منهم: "هو مني منزلة الشغاف" و"هو مني منزلة الولد".
ويدلك على أنه ظرف قولك، "هو مني بمنزلة الولد" فإنما أردت أن تجعله في ذلك الموضع، فصار كقولك "منزلي مكان كذا وكذا" و"هو مني مزجر الكلب" و"أنت مني مقعد القابلة" وذلك إذا دنا فلزق بك من بين يديك.
قال الشاعر وهو أبو ذؤيب:
فوردن والعيوق مقعد رأبئ الـ ... ضرباء خلف النجم لا يتتلع
وهو منك مناط الثريا.
ثم قال سيبويه 1/ 207.
وقد زعم يونس أن ناسا يقولون: "هو مني مزجر الكلب" يجعلونه بمنزلة "مرأى" و"مسمع". وكذلك "مقعد" و"مناط" يجعلونه هو الأول.
2 ع سقطت "أو".(2/677)
وغير ذي التصرف الذي لزم
... ظرفية، أو شبهها من الكلم
فغير "منذ" و"مذ" اسم زمن ... حتم البناء عن تصرف غني
كذاك ما عين من ضحى1 "سحر" ... "ليل" "نهار"2 و"سحير" و"بكر"
وهكذا معينا "عشاء" ... "عشية" "عتمة" "مساء"
ذي لا تصرف3، واصرف إلا "سحرا" ... معينا فهو من الصرف4 برا
[و"غدوة" و"بكرة" عكس "بكر" ... إن شاركنا الأعلام فيما يعتبر
واصرفهما إن نكرا فقد كثرا ... وترك تنوين "عشية" نزر
ونحو: "يوم يوم" مما عرضا ... تركيبه تصريفه قد رفضا
كذاك "ذو" و"ذات" إن يضافا ... لزمن، وقد حكوا خلافا
__________
1 في الأصل "وسحر".
2 ط "وكنهار" موضع "ليل ونهار".
3 كـ"لا تتصرف".
4 هـ "من الظروف".(2/678)
عن خثعم فـ"ذو" و"ذات" صرفا ... في عرفهم كـ"بعض ذي يوما قفا"
واختير في وصف زمان حذفا ... كـ"امكث طويلا" منعه "التصرف] 1
"ش": من الظروف: "متصرف2 منصرف.
وغير متصرف، ولا منصرف.
ومتصرف غير منصرف.
ومنصرف غير متصرف.
فالأول كـ"يوم" و"شهر" و"حول".
والثاني: كـ"سحر" المقصود به التعيين.
والثالث: كـ"غدوة" و"بكرة" علمين لهذين الوقتين قصد بهما التعيين أو لم يقصد.
والرابع: ما عين من "ضحى" و"بكر" و"سحير" و"ليل" و"نهار"3 و"عشاء" و"عشية" و"عتمية" و"مساء".
ومن العرب من لا يصرف "عشية" في التعيين.
وأشرت بقولي:
وذو تصرف من الظروف ما ... ظرفية أو شبهها لن يلزما
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 وك "متصرف ومنصرف".
3 ع وك "ونهار وليل".(2/679)
إلى أن الخروج عن الظرفية إن لم يكن إلا بدخول حرف جر فإنه لا يعتد به.
فلذلك يحكم بعدم تصرف "قبل" و"بعد" و"لدن" و"عند" حال دخول "من" عليهن.
وإنما يثبت1 تصرف الظرف بالإضافة إليه، أو الإخبار عنه نحو: "اعتكفت نصف اليوم" و"اليوم مبارك".
ولما كانت الظروف التي لا تتصرف كثيرة أقمت مقام تعدادها ضبطها بقولي:
فغير "منذ" و"مذ" اسم زمن ... ختم البناء عن تصرف غني
فأخرجت "منذ" و"مذ" فإنهما محتوما البناء [وليسا مقصودين2 لأنهما يخبر عنهما في نحو: "ما رأيته مذ ثلاثة أيام".
وأخرجت بقولي:
..................................... ... حتم البناء3....................]
ما يبنى في حال دون حال كـ"أمس" و"حين" فإنه إن أضيف إلى جملة جاز بناؤه وإعرابه4.
__________
1 ع وك "ثبت".
2 ع وك "وليستا مقصودتين".
3 هـ سقط ما بين القوسين.
4 ع وك "جاز إعرابه وبناؤه".(2/680)
فعلم بعد إخراج ما خرج منع تصرف "إذا" و"متى" و"أيان" و"قط" و"عوض" ونحو ذلك من أسماء الزمان المحتومة البناء.
ثم نبهت على ضابط يميز1 ما لا يتصرف من الظروف2 فقلت:
ونحو "يوم يوم" مما عرضا ... تركيبه3 تصريفه قد رفضا
ثم بينت أن "ذا" و"ذات" إذا أضيفا4 إلى زمان لا يتصرفان عند خثعم ويتصرفان عندهم كقول بعضهم:
351-
عزمت على إقامة ذي صباح ... لأمر ما يُسود من يَسود
__________
1 هـ "تمييز" ع "بتمييز".
2 ع "من الظرف".
3 هـ "توكيده".
4 هـ "أضيفتا".
351- من الوافر نسبه أبو محمد الأعراب في فرحة الأديب إلى أنس بن مدركة الخثعمي، وذكر قصته "لخزانة 1/ 476".
ونسبه صاحب اللسان مادة "صبح" إلى أنس بن نهيك وروايته:
.............................. ... لأمر ما يسود ما يسود
وهي رواية ع.
ولم ينسب في كتاب سيبويه 1/ 116 وروايته:
..................................... ... ....................... لشيء ما(2/681)
ثم نبهت على أن صفة الزمان إذا حذف وأقيمت1 مقامه المختار ملازمتها للظرفية.
ولذلك ضعف أن يقال: "سير عليه طويل" واختير أن يقال: "سير عليه طويلا" -بالنصب.
"ص":
ومن يرد ظرفية اسم موضع ... مختص ابدى "في" ليسمع2 من يعي3
كـ"نام في الدار" و"في الحصن انحصر" ... و"هند في القصر" و"زيد في هجر"
وغير هذا -نادرا- قد جعلا ... واستعملوا كالمعتدي دخلا
مع المكان لا سواه كـ"دخل ... سعد4 محلنا و"في الأمر الخلل"
"ش": لا يتعدى إلى المكان المختص فعل إلا إن5 تعدى إلى مفعول به كقولك: "قصدت المسجد" و"عمرت الدار".
فإن قصد إيقاع فعل فيه كما يوقع في المكان المبهم لزم ذكر "في" كقولك6: "أقمت في البلد"7 و"اعتكفت في المسجد".
__________
1 هـ "وأقيمت صفته مقامه".
2 س ش "لسمع".
3 هـ "مراعى".
4 س "زيد".
5 ع ك "إلا إذا".
6 ع ك "نحو قولك.
7 ع ك "أقمت في الدار".(2/682)
فإن ورد شيء بخلاف ذلك عند نادرا كقول الشاعر:
352-
فلأبغينكم قنا وعوارضا ... ولأقبلن الخيل لأبة ضرغد
أراد: في قنا وعوارض. وهما موضعان مختصان
فأجراهما مجرى الأمكنة المبهمة.
وإلى نحو1 هذا أشرت بقولي:
وغير هذا نادرا قد جعلا ... .............................
وليس هذا بضرورة لتمكن الشاعر من أن يقول:
فلأبغينكم في قنا وعوارض ... ..................................
بتسكين النون والميم.
فإن كان الفعل المتعلق بالمكان المختص "دخل" جاز أن يتعدى إليه بنفسه، لا على أنه ظرف، بل على أنه مفعول به متعدى2 إليه بحرف.
ثم حذف حرف الجر تخفيفا، لكثرة الاستعمال فوقع الفعل عليه، ونصبه، كما يتفق لغيره.
__________
1 ع ك سقط نحو".
2 ع ك "متعد".
352- من الكامل من قصيدة عدتها ثلاثة عشر بيتا قالها عامر بن الطفيل "الديوان 55" عوارض -بضم العين- جبل في بلاد طيئ. اللأبة: الحرة وهي أرض ذات حجارة سوداء. ضرغد: مكان وقيل: جبل، وقيل: حرة لغطفان وقيل: مقبرة.(2/683)
ولو كان انتصاب المكان بعد "دخل" على الظرفية لجاز أن يقع ذلك المنتصب خبر مبتدأ؛ إذ ليس في الكلام ما يكون ظرف لفعل، ولا يكون ظرفا لمبتدأ.
ولا يجوز الحكم على1 "دخل" بأنه2 متعد بنفسه [إلى المكان المختص؛ لأنه لو تعدى بنفسه إلى المكان على أنه مفعول به لتعدى بنفسه] 3 إلى غير المكان، ولم يحتج معه إلى حرف جر في نحو4 قولهم: "دخلت في الأمر".
"ص":
وظرف اتٍ صلة أو خبرا ... أو صفة ناصبه5 لن يظهرا
واستره ستر عامل المفعول به ... في غير هذي فهو غير مشتبه
"ش": إذا وقع الظرف صلة، أو خبرا، أو صفة استُغني عن إظهار ناصبه، واكتفي بتقديره.
إلا أنه في الصلة فعل بإجماع، وفي غير الصلة يجوز أن يكون ناصب الظرف فعلا، ويجوز أن يكون اسم فاعل.
وحكم عامل الظرف في غير الصلة، والخبر، والصفة
__________
1 ع ك "ما دخل".
2 ع ك "فإنه".
3 هـ سقط ما بين القوسين.
4 ع ك سقط "نحو".
5 ط "عامله".(2/684)
بالنسبة إلى الإظهار والإضمار حكم المفعول به، وقد تقدم بيان ذلك في بابه.
"ص":
وجعلوا مصادرا ظروفا ... في الوقت هذا شائع معروفا
كـ"حن زيد ظعن1 الحجاج" ... و"كان ذاك إمرة2 الحجاج"
وفي المكان جاء ذاك نزرا ... وظرفا اسم جثة قد يجرى
كمثل: "لا آتيك مغزى الفزر" ... و"القارظين" و"ابن سعد" فادر3
و"الشمس" أعطوا و"النجوم" و"القمر" ... ظرفية كـ"الفرقدين اذكر عمر"
"ش": جعل المصدر ظرفا من باب حذف المضاف، وقيام المضاف إليه مقام.
وشرط ذلك إفهام تعيين مقدار نحو: "كان ذلك خفوق النجم" أو "صلاة العصر" و"انتظر به4 نحر جزورين" و"سير عليه ترويحتين".
__________
1 ع "طعن".
2 ط "امرأة".
3 هـ "قادر".
4 ع "وانتظرته نحر".(2/685)
وقد يعامل بهذه1 المعاملة ظرف المكان نحو: "جلست قرب زيد" أي: مكان قربه.
وجعلت أيضا أسماء أعيان ظروفا كقولهم: "لا أفعل ذلك معزى الفزر" و"لا أكلم زيدا القارظين" و"لا أسالم عمرا هبيرة بن سعد".
ومن كلام العرب الفصيح: "لأفعلن ذلك الشمس والقمر" أي: مدة طلوعهما. و"لا أكلم فلانا الفرقدين".
فينصبون هذا وأشباهه نصب الظروف. والتقدير: لا أفعل ذلك مدة فرقة غنم الفزر2. ومدة مغيب القارظين3. ومدة مغيب هبيرة بن سعد4.
ولأفعلن ذلك مدة بقاء الشمس والقمر، أو مدة طلوعهما، وهذا سبيل التوقيت بـ"الفرقدين" وغيرهما.
__________
1 ع ك "هذه المعاملة".
2 الفزر: لقب سعد بن زيد مناة. وكان أتى الموسم بمعزى فأنهبها وقال: من أخذ منها واحدة فهي له ولا يؤخذ منها فزر: وهو الاثنان فأكثر.... ومنه المثل: لا آتيك معزى الفزر. أي حتى تجتمع.
3 القارظان رجلان خرج يطلبان القرظ فلم يعودا وهما من عنزة: وقصتهما في أمثال الميداني 1/ 75.
4 هبيرة بن سعد: رجل فقد فلم يعلم عنه شيء.(2/686)
باب: المفعول معه
"ص":
اسم يلي فضلة الواو كـ"مع" ... من بعد فعل أو كفعل قد وقع
ينصبه ما قبل مفعولا معه ... كـ"هند سارت والطريق مسرعه"
و"كان سير خالد، والنيلا ... عند خلو الناب والفصيلا1
"ش": المفعول به: هو الاسم المذكور فضلة بعد واو بمعنى "مع" مسبوقة بفعل أو شبهة.
فذكرت "فضلة" احترازا من نحو: "اشتراك زيد وعمرو".
وذكرت الواو احترازا من نحو: "سرت مع النيل".
وقيدتها: بمعنى "مع" احترازا من نحو: "سرت والنيل
__________
1 هـ "والفضيلا" والناب: الناقة المسنة. والفصيل: ولد الناقة فصل عن أمه.(2/687)
في زيادة" و"لو خليت والأسد قاصدك لأكلك".
وشرطت1 كون ذلك بعد فعل، أو ما هو كفعل احترازا من نحو: "أنت ورأيك" و"كل رجل وضيعته".
ومثال الواقع بعد فعل: "مررت والطريق" أي: مع الطريق.
ومثال الواقع بعد ما هو كالفعل: "كان سيره2 والنيل عند خلو الناقة وفصيلها" أي: مع النيل ومع فصيلها.
ومن إعمال شبه الفعل في المفعول معه قول الشاعر:
353-
فقدني وإياهم فإن ألق بعضهم ... يكونوا كتعجيل السنام المسرهد
وأنشد أبو علي:
__________
1 ع "وشرط".
2 هـ "سيرها".
353- من الطويل ينسب إلى أسيد بن إياس الهذلي "شرح أشعار الهذليين للسكري 2/ 628" نصب "إيا" مفعولا معه بعد "قد" بمعنى حسب وهو اسم فعل.
قدني: حسبي.
السنام: أعلى البعير.
المسرهد: السمين الذي أحسن غذاؤه.
والمعنى: أقطعهم تقطيعا.(2/688)
354-
لا تحبسنك أثوابي فقد جمعت ... هذا ردائي مطويا وسربالا
فجعل أبو علي "سربالا" مفعولا معه، وعامله "مطويا".
وأجاز أن يكون عامله "هذا".
"ص":
وإن خلا من فعل أو معناه ... فاجتنب النصب وقد تراه
من بعد "ما" استفهام أو "كيف" لأن ... يضمر فعل الكون من1 بعد زمن
من ذاك "والجماعة" الذي يلي2 ... "أزمان قومي" وهو3 شاهد جلي
"ش": قد تقدم التنبيه على أن من شرط نصب المفعول معه ثبوت فعل أو ما هو كفعل قبل الواو، وأن ذكر ذلك احتراز من نحو: "كل رجل وضيعتُهُ".
__________
1 ع " أو بعد زمن".
2 ع "التي تليط.
3 ع "وها شاهد".
354- من البسيط قال العيني 3/ 86: "لم أقف على اسم قائله".
السربال: القميص.
"التصريح 1/ 343 الأشموني 2/ 136".(2/689)
وقد روي عن بعض العرب1 النصب بعد: كيف و"ما" الاستفهامية على إضمار "كان" نحو: "ما أنت والكلام فيما لا يعنيك؟ " و"كيف أنت وقصعة من ثريد؟ "2.
ومنه قول أسامة الهذلي3:
355-
وما أنت والسير في متلف ... يبرح بالذكر الضابط
وأنشد سيبويه للراعي4:
__________
1 قال سيبويه 1/ 153:
"وزعموا أن ناسا من العرب يقولون: "كيف أنت وزيدا" و"ما أنت وزيدا" وهو قليل. ولم يحملوا الكلام على "ما" ولا "كيف" ولكنهم حملوه على الفعل على شيء لو ظهر حتى يلفظوا به لم ينقض ما أرادوا من المعنى حين حملوا الكلام على "ما" و"كيف" كأنه قال: كيف تكون وقصعة من ثريد، وما كنت وزيدا لأن كنت وتكون يقعان هنا كثيرا ولا ينقضان ما تريد من معنى الحديث".
2 الأولى أن يتقدم هذا المثال على الذي قبله ليتفق مع ترتيب المصنف، وليتصل الكلام بما بعده: "ما أنت والكلام" "ما أنت والسير".
3 في الأصل "قول الشاعر".
355- رواية ديوان الهذليين 2/ 195 وشرح الدرة لابن الخباز 46 ورواية سيبويه 1/ 153 فما أنا والسير.
المتلف: المهلك. يبرح: يجهد وروى يعبر بالذكر: أي يحمله على ما يكره. الذكر الضابط: البعير العظيم.
4 قال سيبويه 1/ 154:
"وزعموا أن الراعي كان ينشد هذا البيت نصبا.
أزمان قومي والجماعة كالذي ... منع الرحالة أن تميل مميلا
كأنه قال: أزمان كان قومي والجماعة.
فحملوه على "كان" لأنها تقع في هذا الموضع كثيرا، ولا تنقض ما أرادوا من المعنى. حين يحملون الكلام على ما يرفع، فكأنه إذ قال: أزمان قومي، كان معناه: أزمان كانوا قومي والجماعة كالذي".(2/690)
356-
أزمان قومي والجماعة كالذي ... لزم الرحالة أن تميل مميلا
وجعل "الجماعة" مفعولا معه منصوبا بفعل محذوف تقديره: "أزمان كان قومي"1.
وإليه أشرت بقولي:
من ذاك "والجماعة" الذي يلي ... "أزمان قومي"...................
والله2 أعلم3.
__________
1 إنما حمل الكلام على إضمار "كان" ولم يحمل على حذف مضاف إلى قومي" فيكون التقدير: أزمان كون قومي والجماعة، لأن المصدر المقدر بـ"أن" والفعل من قبيل الموصولات، وحذف الموصول وإبقاء شيء من صلته لا يجوز.
والدليل على أن "قومي" من قوله "أزمان قومي" محمول على فعل مضمر أنه ليس من قبيل المصادر، وأسماء الزمان لا يضاف شيء منها إلا إلى مصدر، أو جملة تكون في معناه.
2 سقط من الأصل "والله أعلم".
3 سقط ما بين القوسين من هـ.
356- من الكامل من قصيدة للراغي النميري في مدح عبد الملك بن مروان والشكوي من السعاة "الديوان 146" قال الأعلم 1/ 154: ويروى للأعشى.
الرحالة: سرج من جلود ليس بينها خشب تتخذ للركض الشديد.
والمعنى: أزمان كان قومي متمسكين بالجماعة كتمسك الفارس برحالته يمنعها من الميل أو السقوط.(2/691)
"ص":
والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق ... والنصب مختار1 لدى ضعف2 النسق
كـ"اذهب وزيدا" و"اذهب انت وأبو ... عمرو" و"جاءوهم وناس طلبوا"
والنصب إن لم يجز3 العطف يجب ... أو اعتقد إضمار عامل تصب4
وإن يكن أمكن مع تكلف ... فرجح النصب بلا توقف
"ش": مثال إمكان العطف دون ضعف: "كنت أنا وزيد كالأخوين"، و"اذهب أنت وربك"5.
ومثال ما يختار فيه النصب لضعف النسق: "اذهب وزيدا" فرفع "زيد" بأن ينسق6 على فاعل "اذهب" جائز
__________
1 س ش "يختار".
2 ط "لدى عطف النسق".
3 ط "إن لم يمكن".
4 س وش "ناصب".
5 من الآية رقم "24" من سورة "المائدة".
6 هـ "سيق".(2/692)
على ضعف لأن العطف على ضمير الرفع المتصل لا يحسن، ولا يقوى إلا بعد توكيد أو ما يقوم مقامه.
فلما ضعف العطف رجح النصب؛ لأن فيه سلامة من ارتكاب وجه ضعيف للناطق عنه مندوحة.
ومثال ما يجب فيه النصب لعدم جواز العطف: "مالك وزيدا" فـ"زيدا"1 هنا واجب النصب؛ لأن عطفة على الكاف لا يجوز إذ لا يعطف على ضمير الجر إلا بإعادة الجار.
فإن جر على إضمار جار آخر مدلول عليه بالسابق جاز ووجه بما وجهت به قراءة حمزة2: "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامِ"3. أي: وبالأرحام.
__________
1 ع ك هـ "فزيد".
2 أبو عمارة حمزة بن حبيب الزيات الكوفي أحد الأئمة السبعة توفي 127هـ.
3 من الآية رقم "1" من سورة "النساء".
قرأ حمزة بخفض الميم عطفا على الضمير المجرور في "به" على مذهب الكوفيين أو على إعادة الجار وحذفه للعلم به كما رأى المصنف وجر على القسم تعظيما للأرحام حثا على صلتها.
ووافقه على هذه القراءة المطوعي.
وقرأ باقي السبعة بالنصب على العطف على لفظ الجلالة، أو على محل به، وهو من عطف الخاص على العام، إذ المعنى: اتقوا مخالفته وقطع الأرحام مندرج فيها فنبه سبحانه وتعالى بذلك، وبقرنها باسمه تعالى على أن صلتها بمكان منه.
وقرأ "وبالأرحام" ابن مسعود والأعمش.
المحتسب 1/ 179، مختصر ابن خالويه 24، إتحاف فضلاء البشر 185".(2/693)
فحذفت1 الباء لدلالة الباء التي قبلها عليها وبقي عملها.
ومثله قول الشاعر:
357-
فاليوم قربت تهوجنا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب
فلو2 قيل على تقدير3 لام ثانية4: "ما لك وزيد" لم يمتنع.
وللكلام على مسائل العطف، وحذف الجار موضع آخره5 هو به أولى.
وإن أمكن العطف بتكلف فالنصب راجح -أيضا-
__________
1 هـ "فحذف".
2 ع وك "فإن".
3 ع سقط "تقدير".
4 ع "ثابتة".
5 ع وك وهـ سقط "آخر".
357- من البسيط من شواهد سيبويه التي لم يعلم قائلها "سيبويه 1/ 392، الكامل 451 طبع ليبسك، الإنصاف 464، وابن يعيش 3/ 78، الخزانة 2/ 338 العيني 4/ 163، همع الهوامع 1/ 120، 2/ 139".
قربت: شرعت.(2/694)
فمن ذلك قولهم1: "لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها".
فإن العطف فيه ممكن على تقدير: لو تركت الناقة ترأم فصيلها وترك فصيلها لرضاعها2 لرضعها.
وهذا تكلف وتكثير عبارة.
بخلاف أن يقال: لو تركت الناقة مع فصيلها، أو لفصيلها.
ومما يترجح فيه3 النصب باعتبار المعية على النصب باعتبار العطف قول الشاعر:
358-
إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ ... فدعه وواكل أمره واللياليا
أي: وأكل حاله الليالي4.
"ص":
وكون ذا المفعول سابقا لما ... يصحبه جوز بعض العلما
__________
1 ع "ولو تركت".
2 ع وك سقط "لرضاعها".
3 ك وع "يترجح به".
4 ع ك هـ "الليالي".
358- من الطويل قائله زهير بن أبي سلمى وليس في ديوانه وقد ذكر صاحب الخزانة 3/ 388 القصيدة التي منها الشاهد منسوبة إلى زهير. وينظر العيني 3/ 99 واستشهد به الفراء ولم ينسبه في معاني القرآن 2/ 57.(2/695)
بذا ابن جني قضى في قول من ... قال: "وفحشا غيبة" وقد1 وهن
وفي النحاة من أبي القياس في2 ... ذا الباب فهو بالسماع يكتفي
"ش": اختار 3 أبو الفتح ابن جني في الخصائص تقديم المفعول معه على مصحوبة نحو: "جاء والطيالسة البرد".
واستدل بقول الشاعر:
359-
جمعت وفحشا غيبة ونميمة ... ثلاث خصال4 لست عنها بمرعوي5
__________
1 في الأصل "وما وهن" وهذا لا يتفق ورد المصنف لهذا الرأي.
2 س ش ط ع ك:
وبعض أهل النحو لا يقيس في ... .............................................
3 ع ك "أجاز".
4 هـ "خصالا ثلاثا".
359- من الطويل من قصيدة ليزيد بن الحكم يعاتب فيها ابن عمه عبد الرحمن بن عثمان "الأغاني 12/ 196" وأورد القالي القصيدة في أماليه 1/ 68، وابن الشجري في أماليه 1/ 176 وفي رواية كل منهم ما ليس في الأخرى وأوردها البغدادي في الخزانة 1/ 495 بتمامها نقلا عن المسائل القصرية ورد قول أبي علي الفارسي: إن هذه القصيدة لأخي يزيد من أبيه وأمه عبد ربه بن الحكم.
5 قال ابن جني في الخصائص 2/ 383.
ولا يجوز تقديم المفعول معه على الفعل نحو قولك: "والطيالسة جاء البرد" من حيث كانت صورة هذه الواو صورة الواو العاطفة، =(2/696)
ومثله قوله الآخر:
360-
أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوءة اللقبا
على رواية من نصب "السوءة" و"اللقب".
أراد: ولا ألقبه اللقب والسوءة. أي: مع السوءة1.
__________
= ألا تراك لا تستعملها إلا في الموضع الذي لو شئت لاستعملت العاطفة فيه نحو "جاء البرد والطيالسة".
ولو شئت لرفعت الطيالسة" عطفا على البرد، وكذلك: "لو تركت والأسد لأكلك" يجوز أن ترفع الأسد عطفا على التاء، ولهذا لم يجز أبو الحسن: "جئتك وطلوع الشمس" أي: مع طلوع الشمس لأنك لو أردت أن تعطف بها هنا فتقول: "أتيتك وطلوع الشمس" لم يجز لأن طلوع الشمس لا يصح إتيانه لك، فلما ساوقت حرف العطف قبح "والطيالسة جاء البرد" كما قبح "وزيد قام عمرو".
لكنه يجوز "جاء والطيالسة البرد" كما تقوم ضربت وزيدا عمرا قال:
جمعت وفحشا غيبة ونميمة ... ثلاث خصال لست عنها بمر عوي
1 ع ك سقط "أي مع السوءة".
360- أول بيتين من البسيط رواهما أبو تمام في حماسته 2/ 27 ونسبهما لبعض الفزاريين ولم يعينه. والبيت الآخر:
كذاك أدبت حتى صار من خلقي ... أني رأيت ملاك الشيمه الأدبا
قال العيني 2/ 411: روي هذا الشعر مرفوع القافية كما أورده الشراح، ووقع في الحماسة منصوب القافية.
أكنيه: أناديه بكنيته.
السوءة: الفعلة القبيحة، وأراد بها اللقب المنبوذ به.(2/697)
لأن من اللقب ما يكون لغيره سوءة كتلقيب الصديق أبي بكر - رضي الله عنه- "عتيقا" لعتاقة وجهه. فلهذا قال هذا1 الشاعر: ولا ألقبه اللقب مع السوءة فيفهم من هذا أنه2 إن لقبه لا مع السوءة فلا جناح عليه والله أعلم.
ولا حجة لابن جني في البيتين3 لإمكان جعل الواو فيهما عاطفة قدمت هي ومعطوفها. وذلك في الأول ظاهر.
وأما الثاني فعلى أن يكون أصله: "ولا ألقبه اللقب وأسوء السوءة" ثم حذف ناصب "السوءة" كما حذف ناصب "العيون"4 من قوله:
361-
وزججن الحواجب والعيونا
__________
1 ع ك هـ سقط "هذا".
2 هـ سقط "أنه".
3 هـ "في الوجهين".
4 ع سقط "العيون".
361- هذا عجز بيت من الوافر قاله الراعي النميري "الديوان 156" وصدره:
إذا ما الغانيات برزن يوما ... ...........................
هكذا رواه الفراء في معاني القرآن 3/ 191 وذكر ابن بري أن صواب الرواة.
وهزة نسوة من حي صدق ... يزججن الحواجب والعيونا
ورأي المصنف هنا أنه من عطف الفعل على الفعل وهو واحد من آراء ثلاثة:
ثانيها: رأي الجمهور وهو أنه من عطف الجمل بإضمار فعل مناسب لتعذر العطف.
ثالثهاك أنه من عطف المفرد بتضمين الفعل الأول معنى يتسلط به عليه ومعنى زججن الحواجب: دققنها وأطلنها ورققنها بأخذ الشعر من أطرافها.(2/698)
ثم قدم1 العاطف، ومعمول الفعل المحذوف.
وأشرت بقولي:
وفي النحاة من أبى القياس في2 ... ذا الباب.................................
إلى قول أبي الحسن الأخفش:
"قوم من النحويين يقيسون هذا في كل شيء، وقوم يقصرونه على ما سمع منه".
يريد: من النحويين من يجيز القياس في النصب على المفعول معه، ومنهم من لا يجيزه.
قال أبو علي: "وقوى أبو الحسن قصره على ما سمع".
__________
1 في الأصل "قدر".
2 في الأصل "وبعض أهل النحو لا يقيس وفي النحاة من أبى القياس في".(2/699)
باب: الاستثناء
"ص":
مخرج أو كمخرج مستثنى ... من بعد "إلا" أو كـ"إلا" معنى
وهو إذا ما كان بعضا متصل ... وغيره منقطع، ومنفصل
"ش": قد تناول1 قولي:
.................................... ... من بعد "إلا" أو كـ"إلا" معنى
كل ما استثنى من جنسه بـ"ألا" أو بغيرها من أدوات الاستثناء الآتي ذكرها.
ولا حاجة إلى الاحتراز من "إلا" التي أصلها: "إن لا" كقوله تعالى: {إِلَّا تَفْعَلُوه} 2.
ولا من "إلا" التي تؤول بمعنى "غير" كقوله3
__________
1 هـ "يتناول".
2 من الآية رقم "73" من سورة الأنفال".
3 هـ "قوله".(2/700)
تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 1.
لأن السابق إلى ذهن السامع عند ذكر "إلا" معنى الاستثناء، فأغنى ذلك عن احتراز2، لا سيما وقد تقدم ذكر "مخرج".
وقولي:
وهو إذا ما كان بعضا متصل ... ..................................
مثاله: "قام الرجال3 إلا زيدا"
............................... ... وغيره منقطع4 ومنفصل
مثاله: "ما فيها رجل إلا حمارا".
وذكر البعضية [في قولي:
وهو إذا ما كان بعضا5 متصل] 6 ... .......................................
أولى من ذكر الجنسية لأن المستثنى قد يكون بعد ما هو من جنسه وهو منقطع غير متصل7 كقولك: "قام بنوك إلا ابن زيد".
__________
1 من الآية رقم "22" من سورة الأنبياء".
2 ك وع "الاحتراز".
3 هـ "الرجل".
4 هـ "أو منفصل".
5 سقط ما بين القوسين من الأصل.
6 هـ سقط "متصل".
7 ع ك سقط "غير متصل".(2/701)
فتبين ما في ذكر البعضية من المزية على ذكر الجنسية.
والمراد بـ"مخرج" ما لو لم يستثن لتناوله اللفظ كـ"عشرة" من قولك: "له مائة إلا عشرة".
والمراد بما هو كـ"مخرج": ما هو من1 مألوفات المذكور كالمتاع وآثار2 السكان مما يستحضر بذكر ما قبل أداة الاستثناء.
فلذلك يحسن استثناء "الحما" بعد ذكر3 "الإنسان"، ولا يحسن استثناء "الذئب"4 ونحوه مما لا يألفه الناس.
ويحسن استثناء "الظن" بعد ذكر "العلم" ولا يحسن استثناء "الأكل" ونحوه.
"ص":
وتلو "إلا" في تمام ينتصب ... وفي سوى الإيجاب الاتباع انتخب
بشرط الاتصال والذي انقطع ... بالنصب عن أهل الحجاز قد وقع
وأبدلت تميم نحو: "ما هنا ... إنسان إلا منزل عافي البنا"
"ش": المراد بالتمام هنا أن يكون المستثنى منه مذكورا ليتم به
__________
1 هـ سقط "من".
2 هـ "وأثاث".
3 ع ك سقط "ذكر".
4 في الأصل "الأرنب".(2/702)
مطلوب العامل الذي قبل "إلا" نحو: "انطلقوا إلا ابن ذا".
فهذا مثال الاستثناء فيه متصل؛ لأن المستثنى فيه بعض المستثنى منه. وهو بعد كلام تام موجب فتعين النصب. والمثال الثاني مثله في الاتصال والتمام، لكن المستثنى فيه بعد كلام غير موجب فكان فيه اتباع المستثنى أجود من نصبه.
والمثال الثالث المستثنى فيه منقطع؛ لأنه ليس بعض ما استثنى منه فيتعين نصبه عند الحجازيين.
ويجوز فيه عند بني تميم الإتباع والنصب.
ولذلك لم يختلف القراء1 في نصب {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} 2، 3 لأنه استثناء منقطع.
وقد روى رفعه عن بني تميم بمقتضى لغتهم، كما روى عنه: "مَا هَذَا بَشَرٌ"4.
"ص":
وقبل ما استثنى منه قد يرد5 ... "إلا" وما استثنته6 بعد مستند
__________
1 هـ "القرآن".
2 "به" في الأصل "بذلك".
3 من الآية رقم 157" من سورة "النساء".
4 من الآية رقم "31" من سورة "يوسف".
5 س ش ط "ترد".
6 هـ "استثنيته".(2/703)
إلى1 الذي استثنى منه نحو "جا ... إلا الوليد المولعون بالنجا"
ونصب نحو ذا التزم وربما ... لم نصبوا في النفي ما تقدما
"ش": تقديم "إلا" وما استثنى بها على المستثنى منه جائز بشرط تأخرهما عن المسند2 إلى المستثنى منه. نحو: "جاء إلا زيدا3 إخوتك" و"في الدار إلا عمرا أهلها".
ويتعين حينئذ نصب المستثنى إن كان الكلام موجبا كهذين المثالين.
ولا يتعين إن لم يكن موجبا، بل يجوز أن يشغل العامل بالمستثنى ويجعل المستثنى منه بدلا.
قال سيبويه4:
"حدثني يونس أن قوما يوثق بعربيتهم يقولون: "ما لي إلا أخوك ناصر" فيجعلون "ناصرا"5 بدلا.
قال: "وهذا مثل قولك: "ما مررت بمثلك أحد".
هذا نص سيبويه وأكثر المصنفين6 لا يعرفون هذا.
وهو -أيضا- مذهب الكوفيين.
ومن شواهد ذلك ما أنشد الفراء من قول الشاعر:
__________
1 ع "إلا الذي".
2 هـ "المستند".
3 ع سقط "زيدا".
4 الكتاب 1/ 371.
5 سقط "ناصرا" من الأصل.
6 ع "المنصفين".(2/704)
362-
مقزع أطلس الأطمار ليس له ... إلا الضراء وإلا صيدها نشب
برفع1 الضراء؛ وهي الكلاب الضواري.
ومثل2 هذا البيت قول حسان بن ثابت -رضي الله عنه3:
363-
لأنهم يرجون منه شفاعة ... إذا لم يكن إلا النبيون شافع
"ص":
ونحو: "ما في دار زيد رجل ... إلا أباك صالح" يحتمل
ترجيح نصبه، وترجيح البدل ... ولو يسويان لم يلزم خلل
__________
1 ع ك "فرفع".
2 هـ "وقيل".
3 سقط من الأصل "رضي الله عنه".
362- من البسيط قاله ذو الرمة من قصيدة في وصف قانص "الديوان ص24" طبع كمبرج.
مقزع: خفيف الشعر أراد شعره في رأسه قليل متفرق كتفرق القزع في السماء، والقزع: بقايا الغيم في السماء.
أطلس: أغبر.
الضراء: الكلاب الحراص على الصيد.
النشب: المال.
363- من الطويل "ديوان حسان بن ثابت ص148" من قصيدة قالها حسان يوم بدر.(2/705)
"ش": إذا تقدم المستثنى على صفة المستثنى منه ففيه مذهبان:
أحدهما: ألا تكترث بالصفة، بل يكون البدل مختارا، كما يكون إذا لم تذكر1 الصفة.
وذلك قولك: "ما فيها رجل إلا أباك صالح" كأنك لم تذكر "صالحا" وهذا رأي سيبويه2.
والثاني: ألا يكترث بتقديم الموصوف، بل يقدر المستثنى متقدما بالكلية على المستثنى منه فيكون نصبه راجحا.
وهو اختيار المبرد3.
__________
1 ع "تلزم".
2 قال سيبويه في الكتاب 1/ 372:
"فإن قلت: "ما أتاني أحد إلا أبوك خير من زيد" و"ما مررت بأحد إلا عمرو خير من زيد" و"ما مررت بأحد إلا عمرو خير من زيد" كان الرفع والجر جائزين. وحسن البدل لأنك قد شغلت الرافع والجار، ثم أبدلته من المرفوع والمجرور، ثم وصفت بعد ذلك.
3 نقل ابن مالك عن المبرد اختياره النصب وعنه نقل السيوطي في همع الهوامع 1/ 225، لكن المبرد صرح في المقتضب باختياره مذهب سيبويه 4/ 399، 400 فقال:
"وكان سيبويه يختار "ما مررت بأحد إلا زيد خير منك" لأن البدل إنما هو من الاسم لأنه نعته، والنعت فضله يجوز حذفها.
وكان المازني يختار النصب ويقول: إذا أبدلت من الشيء فقد اطرحته من لفظي، وإن كان في المعنى موجودا، فكيف أنعت ما قد سقط؟ ".
ثم قال المبرد:
"والقياس عندي قول سيبويه؛ لأن الكلام إنما يراد لمعناه".
فلعل المصنف استقى رأي المبرد من كتاب آخر من كتبه.(2/706)
وعندي أن النصب والبدل عند ذلك متساويان؛ لأن لكل منهما مرجحا فتكافآ.
"ص":
وإن تمام دون مستثنى فقد ... يوجد كما بدون "إلا" قد وجد
وذا هو التفريغ وهو لا يرد1 ... إلا بنفي، أو كنفي معتضد
كـ"لا تزر إلا فتى لا يتبع ... إلا الهدى. وهل زكا إلا الورع"
"ش": المراد بالتمام هنا استيفاء العامل مطلوبه الذي المستثنى بعضه، سواء كان عمدة نحو: "قاموا إلا زيدا".
أو فضلة نحو: "رأيتهم إلا عمرا".
فالمستثنى في هذين المثالين مذكور بعد التمام. أي بعد أخذ العامل مطلوبه الذي المستثنى بعضه؛ لأن "زيدا" بعض مدلول الواو من "قاموا". و"عمرا" بعض مدلول الهاء والميم من "رأيتهم".
فلو لم يأخذ العامل مطلوبه الذي المستثنى بعضه نحو: "ما قام إلا زيد2"، و"ما رأيت إلا عمرا"، سمي تفريغا3.
وأعطي ما بعد "إلا" العمل الذي يطلبه العامل قبلها:
رفعا كان نحو: "ما اجتهد إلا رجال مولعون بالرشد".
__________
1 هـ "زيدا".
2 ع "وهذا يرد".
3 ع هـ "تفريعا".(2/707)
أو غير رفع نحو: "ما رأيت إلا زيدا" و"ما مررت إلا بزيد".
ولا يتأتى التفريغ1 إلا مع نفي، أو شبهه.
فالنفي ظاهر. وشبهه نحو2: "لا يقيم إلا زيد" و"هل يقوم إلا هو؟ "
وقد اجتمع النفين والنهي3، والاستفهام المشبه للنفي في قولي:
"لا تزر إلا فتي لا يتبع ... إلا الهدي، وهل زكا إلا الورع"
ومما يتناوله شبه النفي قوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِين} 4 [لأن المعنى: وإنها لا تخف، ولا تسهل إلى على الخاشعين] 5.
وكذا قوله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّه} 6 لأن المعنى: لا يعتزون7، ولا يأمنون إلا بعهد.
__________
1 ع هـ "التفريع".
2 ع وك سقط "نحو".
3 هـ "النهي والنفي".
4 من الآية رقم "45" من سورة "البقرة".
5 هـ سقط ما بين القوسين.
6 من الآية رقم "112" من سورة "آل عمران".
7 ع "يقتدرون".(2/708)
وكذا قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ} 1 لأن المعنى: لا يول أحد دبره إلا متحرفا لقتال.
ولو اعتبر معنى النفي مع2 التمام لجاز في المستثنى الإبدال.
وعلى ذلك تحمل قراءة من قرأ3: "فشربوا منه إلا قليلٌ4 منهم"5 لأن في تقديم6 {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} ما يقتضي تأول {فَشَرِبُوا مِنْه} 7 بـ"فلم8 يكونوا منه".
وعلى مثل ذا9 يحمل قول الشاعر:
364-
وبالصريمة منهم منزل خلق ... عاف تغير إلا النؤي والوتد
لأن معنى "تغير"10: لم يبق على حاله.
__________
1 من الآية رقم "12" من سورة "الأنفال".
2 هـ "على التمام".
3 رويت هذه القراءة عن أبي، والأعمش -رضي الله عنهما.
4 من الآية رقم "249" من سورة "البقرة".
5 ع وك سقط "منهم".
6 ع وك "تقدم".
7 ع ك سقط "منه".
8 ع "فلم يكونوا" وفي الأصل وهـ "بلم يكونوا".
9 ع وك "مثل ذلك".
10 ع ك "لأن تغير بمعنى".
364- من البسيط قال الأخطل "الديوان ص114" والرواية فيه:
وبالصريمة منه............ ... ...............................
والصريمة: موضع وهي في الأصل كل رملة انصرمت من معظم الرمل. خلق: بال. عاف: دارس. النؤى: حفرة تكون حول الخباء لئلا يدخله ماء المطر.(2/709)
وكذا قول الآخر:
365-
لدم ضائع تغيب عنه ... أقربوه إلا الصبا والجنوب
لأن معنى "تغيب"1: لم يحضر.
"ص":
ووقع2 توكيد بـ"إلا" جائز ... وأبدلن ما بعد، قال الراجز
"ما لك من شيخك إلا عمله ... إلا رسيمه وإلا رمله"
أو اعطفن بالواو نحو: لم ينم3 ... إلا أبو يحيى4 وإلا ابن الحكم
__________
1 ع وك "لأن تغيب بمعنى".
2 ط "ورفع".
3 ع "يتم".
4 ش ع ك "أبو يعلي".
365- من الخفيف وقد وهم العيني 3/ 105 فجعله من البحر المديد.
ضائع: هالك. الصبا: الريح الشرقية ويقال لها القبول.(2/710)
وإن تكرر دون توكيد فمع ... تفريغ1 التأثر بالعامل دع
في واحد مما بـ"إلا" استثنى ... وليس عن نصب سواه مغن
ودون تفريغ2 ففي3 التقدم ... نصب الجميع احكم به والتزم
وانصب لتأخير، وجيء بواحد ... منها4 كما لو كان دون5 زائد
وحكمها في القصد حكم الأول ... والتالي استثنوه مما قد ولي
إن كان ذاك ممكنا كـ"بعض ما ... تراه بعض بعض كل قدما"6
واجبر بشفع مسقطا للوتر ... والحاصل الباقي بصدق الخبر
"ش": إذا كررت "إلا" توكيدا أبدل ما بعد الثانية مما بعد الأولى إن توافقا7 معنى، وإلا عطف بالواو.
__________
1، 2 ع هـ "تفريع".
3 ع ك هـ "مع التقدم".
4 ع سقط "منها".
5 هـ "غير".
6 ع ك هـ "بعض ما تقدما".
7 ع ك هـ "توافقا" وفي الأصل "توافقوا".(2/711)
فمثال البدل قول الراجز:
366-
مالك من شيخك إلا عمله
367-
إلا رسيمه وإلا رمله
ومثال العطف بالواو قول الشاعر:
368-
هل الدهر إلا ليلة ونهارها ... وإلا طلوع الشمس ثم غيارها
وإذا كررت لغير توكيد1، وكان الاستثناء مفرغا2 شعل العامل بواحد من المستثنين أو المستثنيات، ونصب ما سواه كقولك: "ما قام إلا زيد إلا عمرا" و"إلا زيدا إلا عمرو".
وإن لم يكن مفرغا3:
فإما أن تتقدم المستثنيات على المستثنى منه، وإما أن تتأخر4 عنه.
__________
1 ع وك "لغير التوكيد".
2، 3 ع وهـ "مفرعا".
4 في الأصل "أو تتأخر عنه".
366، 367- رجز لا يعلم قائله وهو من شواهد سيبويه الخمسين 1/ 374 قال العيني لم أقف على اسم قائله 3/ 117، الشيخ: الرجل المسن، وقد يراد به هنا البعير.
الرسيم: الركض.
الرمل: الإسراع.
368- من الطويل قاله أبو ذؤيب الهذلي "ديوان الهذليين 1/ 21".
غيارها: غيابها.(2/712)
فإن تقدمت نصبت كلها.
وإن تأخرت فلواحد منها من الإعراب ما له لو انفرد، ولما سواه النصب وهي في المعنى متساوية، كما تتساوى1 فيه لو عطف بعضها على بعض.
هذا إذا لم يمكن2 استثناء بعض من بعض3 نحو: "قاموا إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا" و4"ما قاموا إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا"5.
فإن أمكن استثناء بعضها من بعض نحو: "عندي أربعون إلا عشرين إلا عشرة إلا خمسة إلا اثنين" استثنى كل واحد منها مما قبله وأسقط الأول والثالث. وما أشبههما في الوترية، وضم إلى الباقي بعد الإسقاط الثاني والرابع وما أشبههما في الشفعية.
فما اجتمع فهو الباقي بعد الاستثناء. وإلى هذا وأمثاله أشرت بقولي:
..................................... ... والتالي استثنوه مما قدولي
إن كان ذاك ممكنا كـ"بعض ما ... تراه بعض بعض كل قدما"6
__________
1 هـ "يتساوى".
2 ع "يكن".
3 في الأصل "من كل".
4 في الأصل وع وهـ "أو".
5 ع "إلا بكرا إلا عمرا".
6 هكذا في الأصل وفي باقي النسخ "بعض ما تقدما".(2/713)
واجبر1 بشفع مسقطا للوتر ... والحاصل الباقي بصدق الخبر
"ص":
و"غير" يستثنى بها وتعرب ... بما لما استثنته "إلا" ينسب
وبالإضافة اجررن ما استثنى ... بها كـ"قام القوم غير معن"2
واجعل لتابع الذي قد خفضا ... بها الذي لتلو "إلا" يرتضى3
"ش": "غير" اسم ملازم4 للإضافة، وقد أوقعته العرب موقع "إلا" فاستثنت به.
ولم يكن بد من جر ما استثنته5 للإضافة، وأعرب هو بما أعرب الاسم الواقع بعد "إلا" على ما مضى من التفصيل.
فتقول: "قاموا غير زيد" و"ما ساروا غير غمرو، وغير عمرو" [وجاء6 غير محمد القوم".
و"ما بها إنسان غيرَ وتدٍ" على لغة أهل الحجاز وغيرُ] 7 وتدٍ8 على لغة بني تميم.
__________
1 في الأصل "وأخبر".
2 ط معنى
3 هـ "فاحفظا" س ش "واخفضا".
4 هـ "ملازمة".
5 ع وك "ما استثنى به".
6 ع "جاءوا".
7 هـ سقط ما بين القوسين.
8 هـ "وغير وبد".(2/714)
[كما تقول: "قاموا إلا زيدا" و"ما ساروا إلا عمرا وإلا عمرو"1 و"جاء إلا محمدا2 القوم".
و"ما بها إنسان ألا وتدا3 وإلا وتد"] 4.
[تعرب "غيرا" بإعراب الواقع بعد "إلا"] 5.
ويجوز في تابع ما استثنى بـ"غير": الجر على اللفظ، و6 غير الجر بحسب ما كان يستحق لو وقع بعد "إلا".
فمراعاة اللفظ ظاهرة.
ومراعاة المحل على تقدير "إلا" كقولك: "قاموا غير زيد وعمرا" و"ما قام غير زيد وعمرو" لأن 7 المعنى: "قاموا إلا زيدا وعمرا" و"ما قاموا إلا زيدا وعمرو".
وعلى ذلك فقس. والله أعلم8.
__________
1 ع وك "عمرو وإلا عمرا".
2 هـ "محمد".
3 هـ "الأوبدا والأوبد".
4 سقط ما بين القوسين من الأصل.
5 ع ك هـ سقط ما بين القوسين.
6 ع "أو غير".
7 ع "ولأن".
8 سقط من الأصل ومن هـ "والله أعلم".(2/715)
"ص":
"سوى" كـ"غير" في جميع ما ذكر ... وعده من الظروف مشتهر
ومانع تصريفه من عده ... ظرفا، وذا القول الدليل رده
فإن إسنادا إليها كثرا1 ... وجرها نثرا، ونظما2 شُهِرَا
"ش": "سوى" المشار إليه اسم يستثنى به. ويجر ما يستثنى به لإضافته إليه، ويعرب هو تقديرا، كما تعرب "غير" لفظا.
خلافا لأكثر البصريين في ادعاء لزومها النصب على الظرفية، وعدم التصرف وإنما اخترت خلاف ما ذهبوا إليه لأمرين:
أحدهما: إجماع أهل اللغة على أن معنى قول القائل: "قاموا سواك" و3"قاموا غيرك" واحد.
وأنه لا أحد منهم يقول: "إن سوى" عبارة عن مكان، أو زمان". وما لا4 يدل على مكان، ولا زمان فبمعزل عن الظرفية.
الثاني: أن من حكم بظرفيتها حكم بلزوم ذلك، وأنها لا تتصرف.
__________
1 هـ "كثيرا".
2 ط "نظما ونثرا".
3 ع سقطت الواو.
4 في الأصل وهـ "وما لم".(2/716)
والواقع في كلام العرب نثرا، ونظما، خلاف ذلك، فإنها قد أضيف إليها وابتدئ بها، وعمل فيها نواسخ الابتداء وغيرها من العوامل اللفظية.
فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"سألت ربي ألا يسلط على أمتي عدوا من سوى أنفسهم" 1.
وقوله عليه الصلاة2 والسلام:
"ما أنتم في سواكم من الأمم إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود" 3.
ومن ذلك قول الشاعر:
369-
وكل من ظن أن الموت مخطئه ... معلل بسواء الحق مكذوب
__________
1 أخرجه مسلم في باب الفتن 19، ومالك في الموطأ باب القرآن 35 وابن ماجه في الفتن 9، وأحمد 4/ 123، 332، 5/ 240، 243، 248، 278، 284، 445، 6/ 16.
2 سقط من الأصل ومن هـ "الصلاة".
3 أخرجه البخاري في الرقاق 45، 46 الأنبياء 7، ومسلم باب الإيمان 377، 376، 378، 380، وابن ماجه باب الزهد 24، والنسائي الجنة 13، وأحمد 1/ 286، 428، 445، 2/ 278، 3/ 22، 6/ 441.
369- من البسيط قاله أبو دؤاد الإيادي "الديوان ص294".
مخطئه: لا يصيبه. معلل: مشغول.
بسواء الحق: بغير الحق.(2/717)
ومن الإسناد إليها مرفوعة بالإبتداء قول الشاعر:
370-
وإذا تباع كريمة أو تشتري ... فسواك بائعها وأنت المشتري
وقال آخر في رفعها بـ"ليس":
371-
أأتراك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلة إني إذا لصبور
وقال آخر في نصبها بـ"أن"1:
372-
فآخ لحال السلم من شئت واعلمن ... بأن سوى مولاك2 في الحرب أجنب
__________
1 ع سقط "بان".
2 ع سقط "في".
370- من الكامل قاله ابن المولى "محمد بن عبد الله بن مسلم" ليزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب من أبيات رواها صاحب الحماسة 2/ 491، وهي في شرح الحماسة للتبريزي 2/ 357.
371- من الطويل قيل قائله أبو دهبل الجمحي "الديوان ص29" وقد نسب إليه في ديوان الحماسة 2/ 163، والحماسة البصرية 177، وأمالي المرتضى 1/ 118، وزهر الآداب 209، وتزيين الأسواق 55.
وقيل قائله المجنون وهو في ديوانه ص129، وقد نسبه إليه صاحب الأغاني 2/ 75، 18/ 131، ولباب الآداب 414 والدرر اللوامع 1/ 171.
ورأيته في ديوان عمر بن أبي ربيعة ص159 وقبله:
عفا الله عن ليلى الغداة فإنها ... إذا وليت حكما على تجور
372- من الطويل قاله قراد بن عباد من أبيات وردت في ديوان الحماسة 1/ 386. قال أبو هلال: قراد بن العيار بن محرز شاعر إسلامي مقل.
المولى: له عدة معان والأقرب أنه يريد ابن العم.(2/718)
وقال آخر في وقوعها فاعلة:
373-
فلما صرح الشر ... فأمسى وهو عريان
374-
ولم يبق سوى العدوا ... ن دناهم كما دانوا
وقال آخر في الإضافة إليها:
375-
فإنني والذي يحج له الـ ... ناس بجدوى سواك لم أثق
[وقال آخر:
__________
373، 374- من الهزج من قصيدة للفند الزماني قالها في حرب البسوس "ديوان الحماسة 1/ 21، شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 34، أمالي القالي 1/ 260".
الفند: القطعة من الجبل. زمان: قبيلة. صرح: انكشف. العدوان: الظلم الصريح. الدين: الجزاء.
وإطلاق المجازاة على فعلهم مشاكلة على حد قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} .
375- من المنسرح لم ينسب لقائل معين "الأشموني 2/ 159". جدوى: عطية.(2/719)
376-
يا أسم لا يحلى بعيني أبدا
377-
مرأي سواك منذ مرآك بدا] 1
وإلى هذه الشواهد وأمثالها2 أشرت بقولي:
فإن إسنادا إليها كثرا ... وجرها نثرا ونظما شهرا
"ص":
واستثن ناصبا بـ"ليس" و"خلا" ... وبـ"عدا" وبـ"يكون" بعد "لا"3
واجرر بسابقي "يكون" إن ترد ... وبعد "ما" عن انتصاب لا تحد
وحيث جرا فهما حرفان ... كما هما إن نصبا فعلان
وبعد "ما": الجرمي جرا بهما ... أجاز ناسبا زيادة لـ"ما"4
"ش": من أدوات الاستثناء "ليس" و"يكون" مسبوقة بـ"لا" وهما على فعليتهما، وعملهما.
__________
1 سقط ما بين القوسين من الأصل.
2 ع ك "وإلى هذا أشرت بقولي".
3 ع "بعد بدلا".
4 سقط البيت الرابع من الأصل.
376، 377- رجز لم أقف على اسم قائله والشاهد في قوله: "سواك" حيث وقعت "سوى" مضافة إلى الضمير.(2/720)
إلا أن المرفوع بهما لا يكون إلا مستترا؛ لأنهم قصدوا ألا يليهما ألا ما يلي1 "إلا" لأنها أصل أدوات الاستثناء.
والمستثنى بهما واجب النصب بمقتضى الخبرية.
ومن الاستثناء بـ"ليس" قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"يطبع المؤمن على كل خُلُق ليس الخيانةَ والكذبَ" 2.
أي: ليس بعض خلقه الخيانة والكذب.
هذا التقدير الذي يقتضيه الإعراب.
والتقدير المعنوي: يطبع على كل خلق إلا الخيانة والكذب.
ومن أدوات الاستثناء: "خلا" و"عدا"3 وإياهما عنيت:
...... بسابقي "يكون".......... ... ....................................
وإذا جر ما استثنى بهما فهما حرفا جر.
وإذا نصب فهما فعلان مضمر فاعلاهما4 لما أضمر له مرفوع "ليس" و"يكون".
__________
1 هـ سقط "ألا يليهما" فأصبح التعبير "لأنهم قصدوا لا ما يلي إلا".
2 أخرجه أحمد 5/ 252.
3 هكذا في ع ك وهـ وفي الأصل "عدا وخلا".
4 هـ "فاعلهما".(2/721)
فإن قرنا بـ"ما تعينت فعليتهما، ونصب ما استثنى بهما لمفعوليته.
وإنما تعينت الفعلية مع "مع" لأنها مصدرية، ووصلها بفعل متعين في غير ندور.
ومثال تعين1 النصب للاقتران بـ"ما"2 قول لبيد:
378-
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
[وتعين النصب مع "ما" هو مذهب الجمهور.
وحكى الجرمي الجر مع "ما" عن بعض العرب، حكاه في كتاب "الفرخ"] 3.
ونبهت على موضع حرفية "خلا" و"عدا" بقولي:
وحيث جرا فهما حرفان ... كما هما إن نصبا فعلان
وانفرد الجرمي بإجازة الجر بـ"عدا" و"خلا" مقرونتين بـ"ما" على أن تكون زائدة.
__________
1 هـ "بعض".
2 ع سقط "بها".
3 هكذا في هـ وسقط ما بين القوسين من الأصل ومن باقي النسخ.
378- من الطويل من قصيدة لبيد بن ربيعة في رثاء النعمان بن المنذر "الديوان ص132".
باطل: زائل.(2/722)
"ص":
وكـ"خلا": "حاشا" ولا تصحب "ما" ... وفي "سوى" "سوى" "سواء" علما1
وما يلي "لا2 سيما" فاجرر3 ولو ... رفعت لم تمنع، وعن نصب نهوا4
في غير ظرف، ورووا "لا سيما ... يوم"5 بالأحوال الثلاث فاعلما6
"ش": المشهور جر ما استثنى بـ"حاشا"، والحكم عليها بالحرفية.
وروى المبرد نصب المستثنى بها على أنها حينئذ فعل كـ"خلا" و"عد" حين ينصب بهما. وفي قولي:
وكـ"خلا": "حاشا"...... ... ..................................
إشعار7 بأنها حرف إذا8 جرت، وفعل إذا نصبت9.
__________
1 هـ "فاعلما".
2 ع سقط "لا".
3 هـ "واجرر".
4 عـ "تلوا".
5 ع "نوم".
6 هكذا في الأصل وفي س وش وط وع وك وهـ جاء هذا البيت كما يلي:
في غير ظرف أو منكر وفي ... "لا سيما يوم" سبيل ذا اقتفى
7 هـ "إشعارا".
8 هـ "إن جرت".
9 جاء في المقتصب للمبرد 4/ 391.(2/723)
ولا يتقدمها1 "ما" فيقال: "ما حاشا زيدا" كما يقال "ما خلا زيدا". و"حاش" و"حشا" لغتان في "حاشا".
و"سوى" و"سواء" لغتان في "سوى".
وجرت عادة النحويين أن يذكروا "لا سيما" مع أدوات الاسثناء مع أن الذي بعدها منبه على أولويته بما نسب إلى ما قبلها كقولك "أحب العلماء لا سيما العاملين" بالجر.
وإن شئت رفعت فقلت: "لا سيما العاملون" فالجر بإضافة "سي"2 وهو بمعنى "مثل" و"ما" حينئذ زائدة.
والرفع على أن "ما" موصولة3 والتقدير:4 ولا مثل
__________
= وأما ما كان حرف سوى "إلا" فحاشا وخلا.
وما كان فعلا فحاشا وخلا -وإن وافقا لفظ الحروف- وعدا ولا يكون".
وفي كتابه سيبويه1/ 377 قال:
"وأما "حاشا" فليس باسم ولكنه حرف يجر ما بعده كما تجر "حتى" ما بعدها وفيه معنى الاستثناء".
قال ابن يعيش في شرح المفصل 2/ 84 يتحدث عن رأي المبرد:
وهو قول متين يؤيده ما حكاه أبو عمرو الشيباني وغيره من أن العرب تخفض بها وتنصب".
1 ع "تتقدمها".
2 هـ "شي".
3 ع ك "ما بمعنى الذي".
4 ع ك سقطت الواو من "ولا".(2/724)
الذين هم العاملون.
ورُوِيَ:
379-
................................... ... ولا سيما1 يوم بدارة جلجل
بالرفع والجر على الوجهين المذكورين.
وروى -أيضا- النصب على أن "ما" موصولة. و"بدارة جلجل" صلة "يوما" منصوب على الطرفية بما في "بدارة"2 من معنى الاستقرار.
فإن وقع بعد "لا سيما" غير ظرف امتنع نصبه إلا أن يكون نكرة فيجوز نصبه على التمييز.
وجعل "ما" عوضا من الإضافة، ليكون3 التمييز بعدها كالتمييز في: "على التمرة مثلها زبدا". وقد تخفف ياء "لا سيما".
__________
1 ع ك سقطت الواو من "ولا سيما".
379- هذا عجز بيت من الطويل لامرئ القيس "الديوان ص10" وصدره.
ألا رب يوم لك منهن صالح ... ..................................
دارة جلجل: اسم غدير.
يوم دارة جلجل: هو اليوم الذي لقي فيه امرؤ القس محبوبته وصواحبها يستنقعن في الغدير فأخذ ثيابهن ورفض أن يردها لواحدة منهن حتى تخرج متجردة فلما يئسوا فعلوا، ثم نحر لهن ناقته.
2 ع وك "بما في دارة".
3 ع وك "فيكون".(2/725)
باب: الحال
"ص":
مبين هيئة كطرف فضله ... حال كـ"مروا قاصدين دجلة"
وذا اشتقاق وانتقال غالبا ... يأتي، ولا تذكره إلا نصابا
وربما جر بباء إن نفي ... عامله كـ"لم أعد بمخلف"
"ش": مبين هيئة: يعم الحال و"فعلة" الموضوعة للهيئة كقوله عليه الصلاة1 والسلام2:
"إذا قتلتم فأحسنوا القتلة".
__________
1 سقط "الصلاة" من الأصل ومن هـ.
2 أخرجه أبو داود في الأضاحي 12، والترمذي في الديات14، والنسائي في الضحايا 22، 26، 27 والترمذي في الديات 14، والنسائي في الضحايا 22، 26، 27 وابن ماجه في الذبائح 3، وأحمد 4/ 123، 124، 225.(2/726)
والاسم الدال على نوع المصدر نحو1: "رجع القهقهرى".
وبعض الأخبار والنعوت نحو: "زيد راكب" و"جاء رجل راكب".
فيخرج "فعلة" واسم نوع المصدر والخبر، والنعت2 بقولي:
........... كظرف.............. ... ..................................
لأن المراد به: التقدير بـ"في" ومعلوم أن هذه المذكورات غير مقدرة بـ"في".
ويخرج بذكر الفضلة: الخبر المشبه للظرف نحو: "كيف زيد؟ " فإنه3 بمعنى: في أي حال زيد؟ إلا أنه عمدة لا فضلة بخلاف الحال.
والأكثر في الحال أن يكون دالا على معنى منتقل، وبلفظ مشتق كـ"قاصدين" من قولي:
........................ ... مروا قاصدين دجلة
[وقد تدل4 على ما لا ينتقل كقوله تعالى: {قَائِمًا
__________
1 ع وك "كرجع".
2 ع وك "والنعت والخبر".
3 ع وك "لأنه".
4 ع ك هـ "يدل".(2/727)
بِالْقِسْطِ} 1 و [قوله] 2: {ادْخُلُوهَا خَالِدِين} ] 3.
وكقول العرب: "خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها" وأمثال ذلك كثيرة.
وقد يكون الحال جامدا، وسيأتي بيان ذلك.
وحق الحال لشبهه بالظرف: النصب4.
وقد يجر بباء زائدة إذا كان عامل منفيا كقول الشاعر:
380-
كائن دعيت إلى بأساء داهمة ... فما انبعثت بمزءود ولا وكل
وقال آخر:
381-
وما رجعت بخائبة ركاب ... حكيم بن المسيب منتهاها] 5
__________
1 من الآية رقم "18" من سورة "آل عمران".
2 من الآية رقم "73" من سورة "الزمر".
3 هـ سقط ما بين القوسين.
4 هـ "والنصب".
5 ع وك وهـ سقط ما بين القوسين.
380- من البحر البسيط لم أقف على اسم قائله.
مزءود: خائف. وكل: عاجز.
وقد أنكر أبو حيان على المصنف ما ذهب إليه، وجعل المعنى بشخص مزءود أي: مذعور ويريد نفسه على حد قولهم: "رأت منه أسدا".
واستبعد ذلك ابن هشام في المغنى، ورد قول أبي حيان بالدليل 1/ 102.
381- من قصيدة قالها القحيف بن سليم العقيلي يمدح حكيم بن المسيب والقصيدة في النوادر 176، والخزانة 4/ 247 وبعضها في الاقتضاب 249، والمغني 248.(2/728)
أي: فما انبعثت1 مزءودا، ولا وكلا
والمزءود2: المذعور.
والوكل: الذي يكل أموره إلى غيره.
"ص":
ويكثر الجمود في سعر وفي3 ... تشبيه، أو تفاعل غير خفي
كـ"بعه مدا بكذا يدا بيد"4 ... و"كر زيد أسدا"5 أي: كأسد
كذاك في تقسيم، أو ترتيب أو ... تنويع، أو ما مثل ذا به عنوا
كـ"اقسمه أثلاثا"6 و"بابا بابا ... تعلم7 المحاسب8 الحسابا".
و"قد زكا ذا عنبا وعنجدا" ... و"مالك اقبض فضة وعسجدا
__________
1 هـ "فما ابتغيت".
2 ع "والمزود".
3 ع "شعر".
4 هـ "كبعه مدا يدا بيد".
5 ع "أسد".
6 هـ "أوبابا".
7 ع "يعلم".
8 هـ "والحسابا".(2/729)
و"أحمد طفلا أجل من على ... كهلا" ومعنى كل هذا1 منجلي
"ش": يغتفر في الحال من الجمود ما لا يغتفر في النعت؛ لأن الحال شبيهة بالخبر، وكثيرا ما يسميها سيبويه2 خبرا.
ويكثر الجمود فيها إذا بين بها سعر3 نحو: "بيع البر مدا4 بنصف، واللحم رطلا بدرهم".
وكذا إذا بين بها تشبيه5 كقولك: "كر زيد أسدا" أي: مثل أسد و"بدت الجارية قمرا، وتثنت غصنا، ومنه قول العرب: "وقع المصطرعان عدلي عير"6. ومنه قول الشاعر:
382-
أفي السلم أعيارا جفاء وغلظة ... وفي الحرب أمثال النساء العوارك؟
__________
1 هـ "وكل كل".
2 الكتاب 1/ 260 وما بعدها.
3 هـ "شعر".
4 مكيال وهو رطلان أو رطل وثلث أو ملء كف الإنسان إذا ملأهما ومد يده بهما وقد جرب صاحب القاموس ذلك بنفسه فوجده صحيحا.
5 هـ "شبيه".
6 هـ "غير" والعدل: المثل والنظير، وعدل العير: نصف حمله.
382- من الطويل قالته هند بنت عتبة لفل قريش حين رجعوا من بدر "سيرة ابن هشام 486، الروض الأنف 2/ 82 والرواية هناك:
أفي السلم أعيار جفاء وغلظة ... وفي الحرب أشباه النساء العوارك
الأعيار: جمع عير: الحمار، العوارك: جمع عارك: الحائض.
ولم ينسب هذا البيت في كتاب سيبويه 1/ 172. "وروايته أشباه الإماء وينظر الخزانة 1/ 556، والعيني 3/ 142".(2/730)
أي: مثل أعيار1.
ويغتفر جمود الحال -أيضا- فيما دل2 على تفاعل كقولهم: "بعته يدا بيد"، و"كلمته فما لفم" أي: متناجزين، ومتشافهين.
ويغتفر جمود الحال -أيضا- في التقسيم والترتيب نحو:
"اقسم المال بينهم أثلاثا وأخماسا". و"تعلم3 الحساب بابا بابا". و"دخل القوم رجلا رجلا".
ويغتفر جمودها -أيضا- فيما دل4 على النوع نحو: "هذا خاتمك فضة"، و"هذه جبتك خزا".
وهما من أمثلة الكتاب5.
ويقارب هذا قولك: "زكا ثمرنا عنبا وعنجدا" و"حبذا المال فضة وعسجدا".
__________
1 ع ك هـ سقط "أي مثل أعيار".
2 ع ك "يدل".
3 ع ك "تعلمت".
4 ع وك "يدل".
5 ينظر الكتاب 1/ 198.(2/731)
والعنجد1: الزبيب والعسجد: الذهب.
ويغتفر الجمود أيضا في نحو: "خط هذا الثوب قميصا، و"ابر هذه القصبة قلما".
ومثله قوله تعالى: {وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} 2 وهي حال مقدرة.
ذكر ذلك الزمخشري في الكشاف3، وهو من جيد كلامه.
واختلف في الحال المتوسط بينه، وبين حال بعده4 آخر أفعل التفضيل كقولي:
....... أحمد طفلا أجل من علي ... كهلا..................................
فقال بعضهم: العامل فيه مقدر.
وقال بعضهم: العامل فيه "أفعل" وهو الصحيح.
لأنه وإن ضعف بالنسبة إلى اسم الفاعل، فقد قوي بالنسبة إلى العامل الظرفي.
__________
1 سقطت الواو من هـ.
2 من الآية رقم "74" من سورة "الأعراف".
3 قال الزمخشري في الكشاف 2/ 90:
"فإن قلت: علام انتصب بيوتا؟ قلت: على الحال، كما تقول: "خط هذا الثوب قميصا" و"إبر هذه القصبة قلما" وهي من الحال المقدرة؛ لأن الجبل لا يكون بيتا في حال النحت، ولا الثوب ولا القصبة قميصا وقلما في حال الخياطة والبري".
4 ع وك سقط "بعده".(2/732)
وقد تقدم الحال عليه كقراءة من قرأ1: "والسموات مطوياتٍ بيمينه"2 -بنصب مطويات.
فتقدمها على أفعل التفضيل أولى؛ لأنه متضمن لمعنى الفعل، وحروفه.
بخلاف العامل الظرفين فإنه متضمن لمعنى الفعل دون حروفه ومن تقدم الحال على العامل الظرفي قول الشاعر:
383-
رهط ابن كوز محقبي أدراعهم ... فيهم ورهط ربيعة بن حذار
__________
1 نسب ابن خالويه في المختصر هذا القراءة إلى عيسى بن عمر 131 ونسبها المصنف وهو من علماء القراءات إلى الحسن البصري في شرح عمدة الحافظ 322 قال: "ومن دلائل الجواز قراءة بعض السلف وهو الحسن البصري -رحمه الله- والسماوات مطويات بيمينه".
2 من الآية رقم "67" من سورة "الزمر".
قال الفراء في معاني القرآن 2/ 425:
"وينصب الـ"مطويات" على الحال وعلى القطع والحال أجود".
وقال الزمخشري في الكشاف 2/ 270:
"وقرئ "مطويات" على نظم "السماوات" في حكم "الأرض" ودخولها تحت القبضة ونصب "مطويات" على الحال".
383- من الكامل قاله النابغة الذبياني من قصيدة يخاطب بها زرعة بن عمر "الديوان" 99" وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 2/ 126، 177 وعمدة الحافظ 323.
رهط الرجل: قومه وعشيرته. والرهط: ما دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة.
ابن كوز: يزيد بن حذيفة بن كوز.
محقبي أدراعهم: واضعيها وراء ظهورهم في موضع الحقائب.
ابن حذار: من بني أسد.(2/733)
"ص":
والحال إن عرف لفظا فاعتقد ... تنكيره معنى كـ"وحدك1 اجتهد"
وأسرعوا خمستهم" قد نقلا ... بالنصب حالا، وبرفع بدلا
"ش": حق الحال أن يكون نكرة.
فإن وقعت معرفة في اللفظ أولت بنكرة، ومثال ذلك: "اجتهد وحدك" أي: منفردا. و"أرسلها العراك"2 أي: معتركة. و"جاءوا الجماء الغفير" أي: جميعا.
ورُوي3 في نحو: "جاءوا خمستهم": النصب على الحال، والرفع على البدل من الواو.
"ص":
ومصدر منكر حالا يقع ... بكثرة4 كـ"جاء ركضا اليسع".
__________
1 ط "كوجدك".
2 من ذلك قول لبيد "الديوان 86":
فأرسلها العراك ولم يذدها ... ولم يشفق على نغص الدخال
والضمير في أرسلها يعود إلى الإبل.
3 ع وك "وقد رُوي".
4 ط "نكرة".(2/734)
وهو بنقل، وأبو العباس في ... نوع من الفعل قياسا يقتفي1
"ش": ورود المصدر المعرفة حالا قليل نحو: "أرسلها العراك" و"جاءوا قضهم بقضيضهم"2.
وقد تقدم التنبيه عليه، وأنه مؤول بنكرة.
وورود المصدر النكرة3 حالا كثير4:
كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} 5.
وكقول العرب: "جاء فلان ركضًا" و"جاء الأمير6 بغتة وفجاءة".
ولا يجوز استعماله عند سيبويه إلا بسماع7.
__________
1 س ش ط ع ك جاء هذا البيت كما يلي:
وهو بنقل وأبو العباس ... ألحق نوع الفعل بالقياس
2 ينظر أمثال الميداني 1/ 161.
3 هـ "النكر".
4 هـ "كبير".
5 من الآية رقم "15" من سورة "الرعد".
6 هكذا في هـ، وفي باقي النسخ "جاء الأمر".
7 قال سيبويه 1/ 186:
"هذا باب ما ينصب من المصادر لأنه حال وقع فيه الأمر فانتصب لأنه موقع فيه الأمر وذلك قولك: "قتلته صبرا" و"لقيته فجاءة ومفاجأة" ... و"أتيته ركضا وعدوا ومشيا" ...
وليس كل مصدر وإن كان في القياس مثل ما مضى من هذا الباب يوضع هذا الموضع لأن المصدر ههنا في موضع فاعل إذا كان حالا. ألا ترى أنه لا يحسن "أتانا سرعة" ولا "أتانا رجلة".(2/735)
وأجاز أبو العباس القياس على ما كان نوعا من الفعل كـ"جئت ركضا"1 فيقيس عليه: "جئت سرعة، ورجلة" وليس ذلك ببعيد.
"ص":
وألزموا ذا الحال حيث نكرا ... تخصيصا، أو تأخيرا، أو أن يذكرا2
__________
1 قال المبرد في المقتصب 3/ 268 وما بعدها:
"وعلم أن من المصادر تقع في موضع الحال وتغني غناءه، فلا يجوز أن تكون معرفة لأن الحال لا تكون معرفة.
وذلك قولك: "جئت ماشيا" ... وكذلك قوله عز وجل: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} .
وقال الزمخشري في المفصل:
"وقد يقع المصدر حالا كما تقع الصفة مصدرا في قولهم: "قم قائما" وفي قوله:
................................... ... ولا خارجا من في زور كلام
وذلك: "قتلته صبرا" و"لقيته فجاءة، وعيانا وكفاحا" و"كلمته مشافهة" و"أتيته ركضا وعدوا ومشيا" و"أخذت عنه سمعا".
أي: مصبورا ومفاجئا ومعاينا وكذلك البواقي.
وليس عند سيبويه بقياس، وأنكر أتانا رجلة وسرعة.
وأجازه المبرد في كل ما دل عليه الفعل".
2 س ش "وأن يذكرا".(2/736)
من بعد نفي أو مضاهيه ولا ... تمنع تنكر1 الذي من ذا2 خلا
"ش": للحال شبه بالخير، ولصاحبها شبه بالمبتدأ.
فمن ثم لم يكن صاحب الحال نكرة إلا بمسوغ، [كما لم يكن المبتدأ نكرة إلا بمسوغ] 3.
فمن مسوغات4 تنكير صاحب الحال: تخصيصه بوصف كقولك: "جاءني5 رجل من قومك شاكيا" وكقراءة بغض القراء6: "ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدقا"7.
أو بإضافة كقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} 8 و [قوله] : {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} 9.
__________
1 س ش ط "يمنع تنكير ع وك "تمنع تنكير".
2 س ش ط "من ذي خلا".
3 هـ سقط ما بين القوسين.
4 هـ "مسموعات".
5 ع وك "جاء رجل".
6 هو ابن مسعود -رضي الله عنه- "مختصر ابن خالويه ص80".
7 من الآية رقم "49" من سورة "البقرة".
8 من الآيتين رقم "4، 5" من سورة "الدخان".
9 من الآية رقم "10" من سورة "فصلت" قرأ الجمهور بنصب "سواء" وبالرفع أبو جعفر.(2/737)
وقرئ "سواء" على النعت1 -حكاها سيبويه2.
ومن مسوغات تنكيره تقديم3 الحال عليه كقولك: "جاءني4 راكبا رجل". ومنه قول الشاعر:
384-
وما لا نفسي مثلها لي لائم ... ولا سد فقري مثل ما ملكت يدي
وقال الآخر5:
385-
وبالجسم مني بينا لو علمته ... شحوب، وإن تستشهدي العين تشهد
والأصل: شحوب6 بين -بالرفع- على الوصفية7.
__________
1 قرأ بجر "سواء" زيد، والحسن، وابن أبي إسحاق، وعمرو بن عبيد، وعيسى ويعقوب.
2 الكتاب 1/ 275.
3 ع ك "تقدم".
4 ع ك "جاء راكبا".
5 ع وك وهـ "وقال آخر".
6 هـ "شحوت".
7 على النعت" ع وك وهـ.
384- من الطويل قال العيني 3/ 213 لم أقف على اسم قائله.
اللوم: العذل. واللائم: فاعل منه.
385- من الطويل من شواهد سيبويه الخمسين التي لم يعرف قائلها "1/ 276" سيبويه.
بينا: ظاهرا.
الشحوب: تغير اللون.(2/738)
فلما قدمه نصبه على الحال لتعذر الوصفية1.
وكذا يفعل بكل صفة نكرة إذا قدمت عليها.
ومن مسوغات2 تنكير صاحب الحال اعتماده على نفي، أو نهي، وهو المراد بـ:
................... مضاهيه..... ... ....................................
فمثال النفي قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} 3.
فواو "ولها كتاب" واو4 حالية. والجملة بعدها في موضع نصب على الحال، وصاحب الحال "قرية".
وسوغ كونها صاحبة حال النفي الذي قبلها، كما سوغ الابتداء بالنكرة اعتمادها على النفي.
ومثال تنكير5 صاحب الحال بعد النهي قول قطري بن الفجاءة:
386-
لا يركن أحد إلى الإحجام ... يوم الوغى متخوفا لحمام
__________
1 ع هـ ك "لتعذر جعله نعتا".
2 هـ "مسموعات".
3 من الآية رقم "40" من سورة "الحجر".
4 ع وك سقط "واو".
5 هـ سقط "تنكير".
386- من الكامل نسبه مع أبيات ثلاثة أبو تمام في حماسته 1/ 62 لقطري بن الفجاء وأيد هذه النسبة المرزوقي 1/ 136، وأبو علي القالي في الأمالي 2/ 190.
ووقع في شرح ابن الناظم أن قائله الطرماح بن حكيم، وربما كان هذا سهو منه أو من النساخ.
الإحجام: النكوص والتأخر. الوغى: الحرب. الحمام: الموت.(2/739)
وقد يجيء صاحب الحال نكرة خالية من جميع ما ذكر من المسوغات.
من ذلك ما حكى يونس1: أن ناسًا من العرب يقولون: "مررت بماء قعدة رجل"2.
ورَوى سيبويه3 [عن الخليل إجازة: "فيها رجل قائما" وعن عيسى4 إجازة: "هذا رجل منطلقا"5.
قال سيبويه] 6: "ومثل ذلك "عليه مائة بيضا"7.
"ص":
والأصل في ذي الحال أن يقدما ... وليس ذاك عندهم ملتزما
__________
1 يونس بن حبيب بن عبد الرحمن الضبي، أحد القراء الذين غلب عليهم النحو توفي 182هـ.
2 كتاب سيبويه 1/ 272.
3 الكتاب 1/ 287.
4 عيسى بن عمر الثقفي النحوي: البصري، له اختيار في القراءة. توفي سنة 149هـ.
5 الكتاب 1 / 272.
6 هـ سقط ما بين القوسين.
7 الكتاب 1/ 272.(2/740)
ما لم يضف إليه نحو: "سرني ... مسير زيد مسرعا لليمن"1
أو يقصد2 الحال بحضر نحو: "لم ... يشك3 اللبيب الجلد إلا ذا ألم"
والتزموا تأخيره في نحو "لن ... يفوز فذا بالمني إلا الحسن
ونحو: "حل ضيف زيد صاحبه" ... و"سار4 منقادا لعمرو طالبه"
"ش": قد تقدم أن لصاحب الحال شبها بالمبتدأ، وأن لها شبها بالخبر فأصل5 الحال أن تتأخر6 ويتقدم صاحبها، كما أن أصل الخبر أن يتأخر ويتقدم المبتدأ. ومخالفة الأصل في البابين7 جائزة ما لم يعرض مانع.
فمن موانع تقديم الحال على صاحبها الإضافة إليه نحو: "سرَّني مسير زيد مسرعا".
وكون الحال محصورة8 كقوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِين} 9.
__________
1 هـ "للثمن".
2 س ش ط "تقصد".
3 ش "يشكو".
4 س "وصار".
5 هـ "وأصل".
6 في الأصل "يتأخر".
7 هـ "في الناس".
8 هـ "محصورا".
9 من الآية رقم "48" من سورة "الأنعام".(2/741)
فإن كان المحصور صاحبها وجب تقديمها عليه نحو قولك: "ما جاء راكبا إلا زيد".
ومثله قولي:
................................. لن ... يفوز فذا1 بالمنى إلا الحسن
والإشارة إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما وإلى ما فاز به من الثواب الجزيل، والثناء الجميل، إذا أذعن لمصالحة معاوية رحمة الله2 فأغمد الله بفعله سيف الفتن، تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه3:
"إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به 4 بين فئتين عظيمتين من المسلمين" 5.
وقد يرد ما يوهم تأخير الحال وصاحبها محصور فيقدر بعده عامل في الحال. فمن ذلك قول الراجز:
387-
ما راعني إلا جناح هابطا
388-
على البيوت قوطه العلا بطا
__________
1 الفذ: الفرد.
2 ع ك هـ "رضي الله عنه".
3 ع ك سقط "فيه".
4 سقط من الأصل "به".
5 أخرجه البخاري في الصلح 9 وفضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم 222 والمناقب 25 وأبو داود سنة 12 والترمذي مناقب 30 والنسائي جمعة 27 وأحمد 5/ 38، 44، 49، 51.
387، 388- جاءت القصيدة التي منها هذا الرجز في النوادر 173 وورد الشاهد في اللسان "قوط" و"جنح" والخصائص 2/ 211 والمحتسب 1/ 92 وأمالي الشجري 1/ 386 وروايته.
ما راعني إلا رياح هابطا.
وقد بين المصنف معنى قوطه أما العلابط فهو الضخم والقطيع من الغنم وأقلها الخمسون إلى ما بلغت.(2/742)
فالتقدير: ما راعني إلا جناح راعني هابطا.
وجناح: اسم رجل والقوط: قطيع الغنم.
ومن موجبات تقديم الحال على صاحبها اشتماله على ضمير ما1 اشتملت عليه بإضافة نحو: "حل ضيف زيد صاحبه".
وبغير إضافة نحو: "سار منقادا لعمرو طالبه".
"ص":
وسبق حال ما بحرف جر قد ... أبوا ولا أمنعه فقد ورد
من ذاك: "صاديا إليَّ" ونقل ... "لن تذهبوا2 فرغا3 بقتل"4 فقبل5
"ش": إذا كان صاحب الحال مجرورا بالإضافة لم يجز تقديم الحال عليه بإجماع.
__________
1 هـ استمالة على ضميرها.
2 ط "نذهبوا".
3 ع وهـ "فرعا".
4 ع "بقبل".
5 هـ "فقتل".(2/743)
لأن نسبة المضاف إليه من المضاف1 كنسبة الصلة من الموصول وما تعلق بالصلة2 فهو بعضها.
فكذلك ما تعلق بالمضاف إليه هو بمنزلة بعض الصلة3.
فلذلك لم يختلف في امتناع تقدم حال المضاف إليه على المضاف كقولك: "أعجبني ذهاب زيد راكبا".
وأكثر النحويين يقيس4 المجرور بحرف على المجرور بالإضافة5 فليحقه به في امتناع تقدم6 حاله عليه.
فلا يجيزون في نحو: "مررت بهند جالسة": "مررت جالسة بهند" وأجاز ذلك أبو علي في7 كلامه في "المبسوط". وبقوله في ذلك أقول وآخذ.
لأن المجرور بحرف مفعول به في المعنى. فلا يمتنع تقديم حاله عليه كما لا يمتنع تقديم حال المفعول به.
__________
1 ع ك هـ "لأن نسب المضاف إليه من المضاف وفي الأصل "لأن نسبة المضاف من المضاف إليه".
2 هـ "من الصلة".
3 في الأصل وهـ "بعض صلة".
4 ع ك "يقيسون".
5 ع ك "بإضافة".
6 ع ك "تقديم".
7 سقطت "في" من الأصل.(2/744)
وقد جاء ذلك مسموعا في1 أشعار العرب الموثوق بعربيتهم.
فمن ذلك ما أنشده يعقوب2:
389-
فإن تك أزواد أصبن ونسوة ... فلن تذهبوا3 فرغا4 بقتل حبال
أراد: فلن تذهبوا بقتل حبال حبال فرغا. أي: هدرا.
وجبال: اسم رجل.
ومن ذلك قول الآخر:
390-
[لئن كان برد الماء هيمان صاديا ... إلى حبيبا إنها لحبيب
__________
1 ع وك "من أشعار".
2 في الأصل وهـ "يعقوب" ولعله يقصد يعقوب بن إسحاق أبو يوسف المعروف بابن السكيت المتوفى سنة 243هـ تقريبا. وقد أنشد يعقوب هذا البيت في إصلاح المنطق ص19.
وفي ع وك "أنشده ثعلب" وهو أحمد بن يحيى بن زيد أبو العباس الملقب بثعلب مات سنة 291هـ.
3 ع "يذهبوا".
4 ع هـ "فرعا" -وفرغا- بكسر الفاء وقد تفتح.
389- هذا واحد من أبيات خمسة قالها طليحة بن خويلد الأسدي من الطويل ذكرها ابن هشام في السيرة وذكر قصتها ص637 والبيت من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 125 وشرح العمدة 1/ 313 والمحتسب 2/ 148، واللسان 10/ 329، 13/ 150 والمقاصد النحوية 3/ 154.
أذواد: جمع ذود من الثلاثة إلى العشرة من الإبل.
390- من الطويل ينسب إلى عروة بن حزام وهو في ديوانه ص15، وإلى كثير عزة وهو في ديوانه 2/ 192، كما ينسب للمجنون وهو في ديوانه ص59. وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 125 وشرح العمدة 1/ 314.(2/745)
ومثله قول الآخر] 1:
391-
إذا المرء أعيته المروءة ناشئا ... فمطلبها كهلا عليه شديد
وقد جاء أيضا تقديم حال المجرور عليه، وعلى العامل في قول الشاعر2:
392-
غافلا تعرض المنية للمرء ... فيدعي ولات حين إباء
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 ع ك هـ "وعلى ما يتعلق به الجار كقول الشاعر".
391- هذا بيت من الطويل نسبه ابن جني في التنبيه على شرح مشكلات الحماسة للمعلوط بن بدل القريعي، وفي الصحاح المعلوط السعدي.
وقيل هي لسويد بن خذاق العبدي، وقيل للمخبل السعدي.
"شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1148، عيون الأخبار لابن قتيبة 3/ 189 طبع دار الكتب المصرية".
المروءة: آداب نفسية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق، وجميل العادات.
الناشئ: الحدث الذي جاوز حد الصغر.
392- من الخفيف: قال العيني3/ 161 لم أقف على اسم قائله على كثرة دورانه في كتب النحو وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 61، 2/ 125 وشرح عمدة الحافظ 1/ 314.
المنية: الموت. إباء: امتناع.(2/746)
"ص":
وحال منصوب وظاهر رفع ... في قول أهل الكوفة السبق منع
ولنحاة البصرة أعز الغلبه ... لقولهم: "شتى تئوب الحلبه"1
"ش": منع الكوفيون تقديم حال المنصوب كقولك: "أبصرت زيدا راكبا".
لا يجيزون: "أبصرت راكبا زيدا" لأنه يوهم أن "راكبا" مفعول به، و"زيدا": بدل.
فلو كان موضع "راكبا" "يركب" لم يمتنع عند بعضهم لزوال الموهم
ولم يلتفت البصريون لذلك الموهم لبعده؛ فأجازوا التقديم مطلقا ويؤيد قولهم قول الشاعر:
393-
وصلت ولم أصرم مسيئين أسرتي2 ... وأعتبتهم3 حتى يلاقوا4 ولائيا
__________
1 ط وع "الجلبة".
2 هـ "أصرتي".
3 هـ "وأغنيتهم".
4 هـ "حتى يلاقوا".
393- من الطويل لم ينسبه أحد ممن استشهدوا به "همع الهوامع 1/ 241، الدرر اللوامع 1/ 201".
العتبى الرضا. وأعتبتهم: أعطيتهم العتبي. يريد: أرضيتهم. أصرم: أقطع. الولي: القرب والدنو. والولي: المحب والصديق والنصير.(2/747)
ومنع الكوفيون -أيضا- تقدم1 حال المرفوع عليه2 إن3 كان ظاهرا نحو: "جاء زيد راكبا".
لا يجيزون: "جاء راكبا زيد" مع أنهم يوافقون أهل البصرة في جواز تقديم حال المرفوع إن كان مضمرا كقوله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُون} 4.
وكقول الشاعر:
394-
مزبدا يخطر ما لم يرني ... وإذا يخلو له الحمى5 رتع
فـ"خشعا": حال صاحبها "يخرجون".
__________
1 ع وك وهـ "تقديم".
2 سقط عليه من الأصل ومن هـ.
3 ع وك "إذا".
4 من الآية رقم "7" من سورة "القمر".
5 في الأصل "لحمي".
394- من الرمل قائله سويد بن أبي كاهل "أمالي الشجري 1/ 120، المقتضب 4/ 170 ورواية المفضليات 198".
.................................. ... فإذا أسمعته صوتي انقمع
مزبدا: مكثرا من القول من قولهم أزبد البحر: نور.
الحمى: ما يحميه الإنسان فلا يقترب منه أحد.
رتع: أكل وشرب ما شاء في خصب وسعة.(2/748)
و"مزيدا" حال صاحبها فاعل "يخطر":
وبعض النقلة يزعم أن الكوفيين لم يمنعوا تقديم حال المرفوع عليه إلا إذا تأخر هو ورافعه عن الحال نحو: "راكبا جاء زيد".
وأما نحو: "جاء راكبا زيد" فيجيزونه.
وعلى كل حال قولهم مردود بقول العرب: "شتى تئوب الحلبة"1.
أي: متفرقين يرجع الحالبون2.
وهذا كلام مروي عن الفصحاء، وقد تضمن جواز ما حكموا بمنعه فتعينت مخالفتهم في ذلك.
"ص":
ولا تجز حال الذي أضيف له3 ... إلا إذا اقتضى المضاف عمله
أو كان جزء ماله أضيف أو ... كجزئه4 عن غير ذين قد نهوا5
__________
1 ع "الجلبة".
2 ذلك أنهم يوردون إبلهم وهم مجتمعون فإذا صدروا تفرقوا واشتغل كل منهم بجلب ناقته ثم يئوب الأول فالأول "أمثال الميداني 1/ 358".
3 ط ع هـ "حالا من المضاف إليه".
4 ط "كجزأيه".
5 ط "هذين نهوا".(2/749)
فالجائزان كـ"اعتكافي صائما ... لي" و"سراته" المداني قائما
"ش": يجوز كون المضاف إليه صاحب الحال إذا كان المضاف عاملا فيها كـ"اعتكافي صائما لي"1 بلا خلاف.
فإن لم يصلح المضاف للعمل، ولم يكن بعض المضاف إليه، ولا كبعضه لم يجز كون المضاف إليه صاحب حال.
ويجوز ذلك إن كان المضاف جزءا نحو قوله تعالى2: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُر} 3.
ونحو قول امرئ القيس:
395-
كأنه سراته لدى البيت قائما ... مداك عروس أو صراية حنظل
__________
1 هـ سقط "لي".
2 من الآية رقم "47" من سورة "الحجر".
3 سقط "على سرر" من الأصل.
395- من الطويل من معلقة امرئ القيس ورواية الديوان 21:
كأن على الكتفين منه إذا انتحى ... مداك عروس أو صراية حنظل
يقول: إن فرسه إذا كان قائما عند البيت غير مسرج رأيت ظهره أملس.
السراة: الظهر. المداك: حجر يسحق عليه الطيب. الصرابة: الحنظلة الخضراء.(2/750)
[ورُوي1: صرابة2 بالباء] 3.
أو كجزء كقوله تعالى: {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} 4.
"ص":
والحال إن ينصب 5 بفعل صرفا ... أو صفة أشبهت المصرفا
فجائز تقدمه6 كـ"مسرعا ... ذا راحل"7 و"مخلصا زيد دعا"
ولازم تقديم عامل سوى ... ذين كـ"تلك زينب ذات جوى"
ومثل "تلك"8: "ليت "عل"9 و"كأن" ... وكل ما فيه حصول استكن
كـ"النضر10 فيها أو هناك مكرما" ... والخُلْفُ11 في توسيط ذي قد علما
__________
1 هـ "ويروى".
2 ع "صوابه".
3 ط من الأصل ما بين القوسين.
4 الآية رقم "66" من سورة "الحجر".
5 "تنصب".
6 الأصل وفي هـ "تقديمها".
7 ع وط "رجل".
8 س ط ع ش ك وهـ "كتلك".
9 س ش ط ع ك هـ "ولعل".
10 ع "النصر".
11 هـ "والحلف".(2/751)
كـ"محقبي أدراعهم فيهم" ومن ... ير1 أطراد ذا يطع أبا الحسن
ونحو: "زيد مفردا2 أنفع من ... عمرو معانا" مستباح لا يهن
"ش": إذا كان العامل في الحال فعلا متصرفا كـ"دعا".
أو صفة تشبه الفعل المتصرف كـ"راحل"3 و"مقبول" جاز تقديم الحال عليه كقولك: "زيد مخلصا دعا"4 وهو "مسرعا راحل" و"أنت شاهدا مقبول".
فلو كان العامل فعلا غير متصرف كفعل التعجب، أو صفة لا5 تشبه الفعل المتصرف كـ"مثل" و"شبه" لم يجز تقديم الحال عليه.
وكذا إذا كان العامل متضمنا معنى الفعل دون حروفه كاسم الإشارة و"ليت"6 و"لعل" و"كأن".
وكالظروف المتضمنة معنى الاستقرار، وإياها عنيت بقولي:
.................................. ... وكل ما فيه حصول استكن
كـ"النضر7 فيها أو هناك مكرما" ... ......................................
__________
1 ط ع "يرى".
2 ط "مفرد".
3 ع "راجل".
4 ع ك هـ "مخلصا زيد دعا".
5 ع "لا لا ".
6 هـ "وأنت".
7 هـ "كالنظر".(2/752)
فلو قلت: "النضر1 مكرما فيها" فقدمت الحال على العامل الظرفي2 مع تقدم3 صاحبها جاز عند أبي الحسن الأخفش.
وحجته في ذلك قراءة من قرأ4: "والسماوات مطوياتٍ بيمينه".
وقول الشاعر:
396-
رهط ابن كوز محقبي أدراعهم5 ... فيهم ورهط ربيعة بن حذار
فلو قدمت الحال على العامل الظرفي6، [وعلى صاحبها لم يجز بإجماع.
وهذا الذي اختاره الأخفش في العامل الظرفي] 7 لا يجوز في غيره من العوامل التي لا تتصرف إلا في "أفعل" المفضل به كون في حال على كون في غيرها، كقولهم: "زيد راكبا أحسن منه [ماشيا" فإنه بمنزلة قولك: "زيد في وقت
__________
1 هـ "النظر".
2 هـ "النظر في".
3 ع وك "مع تقديم".
4 سبق الحديث عمن قرأ، وعن الآية قريبا.
5 هـ "أذارعهم".
6 هـ "النظر في".
7 هـ سقط ما بين القوسين.
396- سبق الحديث عن هذا البيت قريبا برقم 383.(2/753)
ركوبه أحسن1 منه] 2 في وقت مشيه" و"زيد اليوم أفضل منه غدا".
[وإنما اختص بهذا أفعل التفضيل لأنه قائم مقام فعلين.
فإن قولك: "زيد اليوم أفضل منه غدا"] 3 بمنزلة قولك: "زيد يزيد فضله اليوم على فضله غدا".
"ص":
والحال قد يجيء ذا تعدد ... لصاحب فرد، وغير مفرد4
كـ"جاء زد غادرا5 ذا مين" ... و"زار عمرو عامرا نضوين"
"ش": قد تقدم الإعلام بأن صاحب الحال والحال شبيهان بالمبتدأ والخبر، فلذلك الشبه يجوز أن يكون صاحب الحال واحدا، ويتعدد حاله، كما كان المبتدأ واحدا وتعدد6 خبره.
وقد يكون التعدد في اللفظ والمعنى، وفي اللفظ دون المعنى7.
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 ع ك "أحسن منه ماشيا في وقت مشيه".
3 ع سقط ما بين القوسين.
4 هـ سقط البيتان وشرحهما.
5 ع "عاذرا".
6 ع وك "ويتعدد".
7 ع سقط "وفي اللفظ دون المعنى".(2/754)
فالأول نحو: "جاء زيد غادرا ذا مين".
والثاني نحو: "اشتريت الرمان حلوا حامضا".
وقد تتعدد الحال لتعدد صاحبها بتفرق في الاختلاف، وباجتماع في عدم الاختلاف.
فالأول نحو: "لقيت زيدا مصعدا منحدرا".
والثاني نحو: "زار عمرو عامرا نضوين"
وكقول عنترة:
397-
متى ما تلقني فردين ترجف ... روانف1 أليتيك وتستطارا
"ص":
وأكدوا بالحال عاملا كـ"لا ... تعثوا في الأرض مفسدين" فاقبلا
وإن تؤكد جملة فمضمر ... عاملها، ولفظها2 يؤخر
__________
1 ك ع "بوادر".
397- من الوافر قاله عنترة يهجو عمارة بن زياد، وكان يحسد عنترة ويقول لقومه: إنكم أكثرتم ذكره والله لوددت أني لقيته خاليا حتى أعلمكم أنه عبد، فبلغ ذلك عنترة فقال "الديوان 43":
أعندي تنفض استك مزرويها ... لتقتلني فهأنذا عمارا
متى ما تلقني.............. ... ................................
الروانف: جمع رانفة وهي أسفل الألية. وقيل هي أطراف الأليتين مما يلي الفخذين.
2 س ش ط "وذكرها".(2/755)
مثاله "أنا ابن دارة" الذي ... أولوه "معروفا"1 فقس كلا بذي
"ش": يجاء بالحال لقصد التوكيد، وهي فيه على ضربين:
أحدهما: أن يؤكد بها عاملها كقوله تعالى: {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِين} 2 و [قوله] : {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِين} 3.
والثاني: أن يؤكد بها4 مضمون5 جملة ابتدائية، فيلزم6 تأخيرها، وإضمار عاملها؛ كقوله تعالى7: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُم} 8.
وكقول الشاعر:
398-
أنا ابن دارة معروفا بها نسبي ... وهل بدارة يا للناس من عار
__________
1 ط "أبوه معروفا".
2 من الآية رقم "85" من سورة "هود".
3 من الآية رقم "75" من سورة "التوبة".
4 هـ سقط "بها".
5 كـ"مضمون مضمون".
6 هـ "فلزم".
7 من الآية رقم "91" من سورة "البقرة".
8 سقط من ك وع "لما معهم".
398- من البسيط من قصيدة سالم بن دارة هجا بها زميل بن أبير أحد بني عبد الله بن مناف الفزاري "أمالي الشجري 2/ 285، الخصائص، 2/ 268، 317، 340، 3/ 60، نوادر المخطوطات 1/ 92، بتحقيق هارون، ابن يعيش 2/ 64، الشعر والشعراء 362، الخزانة 1/ 289 العيني 3/ 186 سيبويه 1/ 257".
دارة: اسم أم الشاعر أما أبوه فهو مسافع من بني عبد الله بن غطفان بن قيس.(2/756)
"ص":
وموضع الحال تجيء جملة1 ... كـ"جاء زيد وهو ناو رحله"
وحث باسم صدرت فاجمع2 لها ... واوا3 ومضمرا توافق4 أصلها
والواو تغني5، وكذا الضمير ... والواو الاستغنا6 بها كثير
ويندر الخلو منهما7 معا ... وليس إن لم يلتبس ممتنعا
"ش": تقع الجملة الخبرية حالا.
فإذا كانت اسمية، فالأكثر أن تكون مقرونة بواو الحال ومشتملة على ضمير ما هي له كقولي8:
__________
1 س ش ط هـ "الجملة".
2 هـ سقط "فاجمع".
3 هـ سقطت الواو من "ومضمرا".
4 س ش ع "يوافق".
5 ع "يغني".
6 ط "والاستغنا".
7 س ش ط وع ك "من ذين معا".
8 هـ "كقوله".(2/757)
............................. ... "جاء زيد وهو ناور حله"
وكقوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} 1.
وقد يستغنى بالواو عن الضمير كثيرا كقول امرئ القيس:
399-
وقد اغتدي والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل
وكذلك يستغنى بالضمير عن الواو إلا أنه لم يكثر كثرة الاستغناء بالواو.
ومنه قوله تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُو} 2.
[وقوله تعالى: {نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 3.
وقوله تعالى4: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْض
__________
1 من الآية رقم "43" من سورة "النساء".
399- من الطويل من معلقة امرئ القيس "الديوان: ص19".
اغتدي: أخرج غدوة. وكناتها: جمع وكنة الموضع الذي يبيت فيه الطائر أو يبيض. منجرد: قصير الشعر. الأوابد: الوحوش النافرة. هيكل: ضخم.
2 من الآية رقم "36" من سورة "البقرة"
3 من الآية رقم "101" من سورة "البقرة".
4 من الآية رقم "24" من سورة "الأعراف".(2/758)
عَدُوٌّ} ] 1.
وقوله تعالى: [ {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّة} 2.
وقوله تعالى:] 3 {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} 4، 5.
ومنه قول الشاعر:
400-
وتشرب أسآري القطا الكدر6 بعدما ... سرت قربا أحناؤها تتصلصل
__________
1 سقط ما بين القوسين من الأصل.
2 من الآية رقم "60" من سورة "الزمر".
3 هـ سقط ما بين القوسن.
4 هـ سقط "أرسلنا".
5 من الآية رقم "20" من سورة "الفرقان".
6 هـ "الذكر".
400- من الطويل من لامية العرب للشنفرى الأزدي وهو من شواهد المصنف في شرح العمدة ص338 وشرح التسهيل 2/ 129 "اللاميتان 39، أعجب العجب في شرح لامية العرب 23".
أسآري: جمع سؤر: بقية الشراب في قعر الإناء. القطا: ضرب من الحمام. الكدر: جمع أكدر وهو الأغبر.
قال الأصمعي: قلت لأعرابي ما القرب؟ قال: سير الليل لورد الغب.
أحناؤها: جوانبها. تتصلصل: تصوت.(2/759)
[وندر1 الخلو من الواو والضمير [في قول2 الشاعر:
401-
نصف النهار الماء غامره ... ورفيقه بالغيب لا يدري
أراد: بلغ النهار نصفه، والماء غامر3 هذا الغائص لالتماس هذا اللؤلؤ.
فحذف4 الواو مع كون الجملة لا ضمير فيها يرجع إلى صاحب الحال وهو النهار] .
ولو كانت الجملة مشتملة على ضمير لا يجهل عند حذفه استُغني بالعلم به عن الواو كقولك: "بعت اللحم الرطل بدرهم". أي: الرطل منه بدرهم.
فحذف5 "منه" للعلم به، وأغنى استحضاره في
__________
1 سقط ما بين القوسين من الأصل.
2 سقط ما بين القوسين من هـ.
3 ع "عامر".
4 ع "حذف".
5 هـ "بحذف".
401- من قصيدة للأعشى ميمون مدح بها قيس بن معديكرب الكندي، وقد أجاد في التغزل أولها بمحبوبته إلى أن شبهها بالدرة ثم وصف تلك الدرة كيف استخرجت من البحر "الخزانة 1/ 545" وقد ذكر البغدادي في الخزانة أبياتا من هذه القصيدة التي لم ترد في ديوان الأعشى المطبوع لأنه من رواية ثعلب، وهذه القصيدة من رواية أبي عبيدة وابن دريد. وقد نسب البيت البطليوس في الاقتضاب إلى المسيب بن علس -خال الأعشى- تبعا للأصمعي الذي أثبت القصيدة له.(2/760)
الذهن عن واو الحال.
وقد مثل سيبويه بنحو من هذا في بعض أبواب الحال، ولم يظهر منه في إيراده استقباح1.
وإلى مثل هذا أشرت بقولي:
.............................. ... وليس إن لم يلتبس ممتنعا
"ص":
وإن تصدر بمضارع ولم ... ينف فبعده ضمير يلتزم2
كـ"جئت أعدو" واجتنب واو وقد ... يأتي3 فينوَى4 اسم له الفعل استند
وجمله الحال سوى ما قدما ... بواو أو بمضمر أو بهما
__________
1 قال سيبويه 1/ 197:
"وزعم الخليل رحمه الله أنه يجوز أن تقول: بعت الدار ذراع بدرهم ... وزعم أنه يقول: "بعت داري الذراعان بدرهم" و"بعت البر القفيزان بدرهم" ... جعل بمنزلة "لقيته يده فوق رأسه".
2 ورد هذا البيت بروايات منها رواية الأصل، وروايات النسخ الأخرى جاءت كما يلي:
س................... ولم ... تنف فالضمير فيها يلتزم
ع وك................ ولم ... لم تلف فالضمير فيها يلتزم
ط.......... بمضارع بلم ... لم ينف فالضمير فها ملتزم
ش ط................ ولم ... لم ينف فالضمير فيها ملتزم
3 ع وك "تأتي".
4 "وينوى".(2/761)
"ش": أي: وإن تصدر الجملة الحالية بمضارع غير منفي1 بـ"لم"2 التزم فيها ضمير عائد على صاحب الحال [كقولي:
......... "جئت أعدو"..... ... ................................
وتجتنب الواو عند ذلك إلا في نادر من الكلام] 3 كقول الشاعر:
402-
فلما خشيت أظافيرهم ... نجوت، وأرهنهم مالكا
أي: نجوت راهنا مالكا.
والأجود أن يجعل "أرهنهم" خبر مبتدأ محذوف
لتكون4 الواو داخلة على جملة اسمية.
وإنما استحق المضارع المثبت5 التجرد عن الواو لشدة
__________
1 هـ "غير منتفي".
2 سقط من الأصل بـ"لم".
3 هـ سقط ما بين القوسين.
4 هـ "ليكون".
5 ع وك وهـ "المضارع الذي لم ينف بلم".
402- من المتقارب قائله عبد الله بن همام السلولي "معاهد التنصيص 1/ 285، العيني 3/ 190".
أظافير: جمع أظفور لغة في الظفر والمراد به هنا السلاح وفي هـ "أظافرهم". والذي خشيه هو عبيد الله بن زياد وكان قد أوعده فهرب إلى الشام، واستجار بيزيد فأمنه وكتب إلى عبيد الله يأمره أن يصفح عنه.
مالكا: هو عريفه.(2/762)
شبهه باسم الفاعل.
واسم الفاعل الواقع حالا مستغن عنها، فكان هو كذلك.
[والمضارع المنفي بـ"لا" بمنزلة اسم الفاعل المضاف إليه "غير" فأُجري مجراه في الاستغناء عن الواو.
ألا ترى أن قوله تعالى: {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُون} 1 معناه2: ما لكم3 غير متناصرين.
فكما لا يقال: ما لكم وغير متناصرين. لا يقال ما لكم ولا تناصرون] 4.
وأشرت بقولي:
........ سوى ما قدما ... ...........................
إلى الجملة المصدرة بمضارع منفي بـ"لم"5 أو بماض6. مثبت7 أو منفي فإن وقع شيء من ذلك حالا جاز أن تصحبه الواو والضمير معا، أو أحدهما.
__________
1 من الآية رقم "25" من سورة "الصافات".
2 ع وك "أن معناه".
3 ع "ما لم".
4 سقط ما بين القوسين من الأصل.
5 سقط من الأصل "بلم".
6 هـ "بماضي".
7 ع "مثلها".(2/763)
ولم يجز أن يخلو1 منهما معا. وأمثلة ذلك بينة.
"ص":
وعامل الحال جوازا2 يحذف ... إن بان معناه بشيء يعرف
أو كان مفهوما بذكر قدما ... والحذف -أيضا- قد يُرى3 ملتزما
والحال جوز حذفها إن لم تفد ... نيابة عن خبر لفظا فقد
أو كان حذفها يفيت الغرضا ... كنحو4: "لم أعده إلا حرضا".
"ش": إن دل5 دليل6 على عامل الحال جاز حذفه كما جاز حذف عامل الظرف وعامل المفعول المطلق، والمفعول به.
فمن ذلك قولك لمن7 يحدثك: صادقا. ولمن يسافر: ناجيا، بإضمار: "تقول" و"تذهب".
وإلى مثل هذا أشرت بقولي:
................................ ... إن بان معناه بشيء8....
وأشرت بقولي:
__________
1 هـ "يخلوا".
2 ع "جواز".
3 هـ "يروي".
4 ع "لنحو".
5 هـ سقط "دل".
6 ع "الدليل".
7 ع "لم يحدثك".
8 هكذا في هـ وسقط "بشيء" من باقي النسخ.(2/764)
أو كان مفهوما بذكر قدما ... ...............................
إلى نحو أن يقال لك: [كيف جئت؟ فتقول: راكبا بإضمار جئت أو يقال لك1:] "هل لقيت فلانا؟ "2 فتقول: "بلى محرما".
ومنه قوله تعالى: {بَلَى قَادِرِين} 3 أي: نجمع عظامه قادرين.
وأشرت بقولي:
................................... ... والحذف أيضا قد يرى ملتزما
إلى مثل قولهم: "أخذته بدرهم فصاعدا".
التقدير: فذهب الثمن صاعدا.
ومثله في التزام حذف العامل قولهم: "أتميميا مرة وقيسيا4 أخرى".
بتقدير: أتتحول؟ 5
وكقول الشاعر:
__________
1 ع ك سقط ما بين القوسين.
2 ع وك "ألم تلق فلانا؟ "
3 من الآية رقم "4" من سورة "القيامة".
4 ع "فقيسيا".
5 ك "أتظهر" ع "أتظهر التحول".(2/765)
403-
أفي الولائم أولادا لواحدة ... وفي العيادة1 أولادا لعلات
وأصل الحال أن تكون جائزة الحذف لأنها كالظرف ويعرض لها ما يوجب التزامها مثل: كونها جوابا. أو مقصودا حصرها. أو نائبة عن خبر.
فالأول مثل2: "جئت راكبا"3 في جواب من قال: كيف جئت؟
والثاني نحو4: "لم أعده إلا حرضا"5.
والثالث نحو: "ضربي زيدا قائما".
__________
1 ع "العبادة".
2 هـ "نحو".
3 ع "من جواب".
4 ع ك سقط "نحو".
5 الحوض: الفساد في البدن أو في العقل والمشرف على الهلاك.
403- من البسيط قالته هند بنت عتبة "السيرة 468، العيني 3/ 142، الخزانة 1/ 556، الروض الأنف 2/ 82، 83، لم ينسبه اللسان "عير" ولا مادة "عرك" المقتضب 3/ 265، المقرب 56، اللسان "علل" سيبويه 1/ 172".
وقد مر هذا الشاهد.
علات: جمع علة، وهي: الضرة. وبنو العلات: بنو أمهات شتى.(2/766)
باب: التمييز
"ص":
مزيل إبهام منكر حوى ... معنى "من" التمييز نحو "كم لوى"
وأكثر1 استعماله بعد العدد ... كذا كثيرا بعد مقدار ورد
كـ"شبر ارضا" و"قفيز برا" ... و"منوين عنجدا2 وتمرا"
واجرره بعد ذي ونحوها إذا ... أضفتها كـ"مد بر كال ذا"
"ش": مزيل إبهام صدق على المفعولات، والنعت الرافع للاشتراك والحال.
فخرج3 بـ"منكر ما سوى الحال.
__________
1 هـ "وغالب.
2 العنجد: الزبيب.
3 ع ك "فيخرج".(2/767)
وخرج الحال بقولي:
..................... حوى ... معنى "من"1..........
وخرج بقولي:
مزيل إبهام.............. ... ............................
اسم "لا" التبرئة فإن فيه معنى "من" لكنه ليس مزيلا لإبهام و"لوى" من قولي:
..................................... ... ...................... "كم لوى"
منصوب المحصل2 على التمييز، وهو من قول الشاعر:
404-
حثثنا3 مطايانا فلم ندركم لوى ... قطعنا فهل يقضي لنا بعد ذا قرب؟
ولما كان الغرض بالتمييز رفع4 الإبهام، وكان الإبهام بعد العدد، والوزن والكيل والمساحة أكثر منه بعد ما سوى ذلك قوي داعي التمييز مع هذه فوقع بعدها أكثر من وقوعه بعد غيرها.
__________
1 هـ سقط "من".
2 ع ك هـ "في موضع نصب".
3 ك هـ "حثيثا" ع "حثيث".
4 هـ "دفع".
404- من الطويل.
اللوى: ما التوى من الرمل أو مسترقه.(2/768)
والعدد أولى به لوجهين:
أحدهما: أن العدد قد يميز بالكيل، والوزن والمساحة نحو: عشرين "مدا" و"ثلاثين رطلا"، و"أربعين شبرا"
والثاني: أن من مميز العدد ما يجب انتصابه على التمييز كـ"عشرين درهما".
وليس من مميز الثلاثة ما يجب انتصابه.
بل مميز الثلاثة يجوز نصبه على التمييز، وجره بالإضافة إليه.
ولذا لما مثلت بـ"شبر أرضا" و"قفيز برا" و"منوين عنجدا وتمرا"1 قلت:
واجرره بعد ذي ونحوها إذا2 ... أضفتها..................
وذلك كقولك3: "لا تحقرن ظلامة، ولو شبر4 أرض، ولا برا ولو مد بر أو رطل ملح".
"ص":
وكالثلاثة اجعلن كل وعا ... مميزا بالجر والنصب5 معا
__________
1 سقط من الأصل "وتمرا".
2 في الأصل "ذي الثلاثة إذا" وهو لا يتفق مع ما ذكره في النظم أول الفصل.
3 ع وك "وذلك نحو قولك".
4 ك "ولو لشبر".
5 ط "بالنصب والجر".(2/769)
والنصب إن لم ينو مقدار منع ... كـ"ظرف سمن فيه ماله صنع"
"ش": المراد بالثلاثة: الكيل، والوزن والمساحة وقد أجرت العرب الأوعية مجراها في الافتقار إلى مميز يستعمل تارة منصوبا، وتارة مجرورا بشرط أن يراد المقدار.
تقول: "عندي راقود1 خلا، وراقواد خل" "وظرف سمنا، وظرف سمن"، "وحب2 ماء، وحب ماء".
والنصب أولى من الجر؛ لأن النصب يدل على أن المتكلم أراد: أن عنده ما يملأ الوعاء المذكور، من الجنس المذكور.
وأما الجر: فيحتمل3 أن يكون مراد المتكلم كمراده حين نصب4.
ويحتمل أن يكون مراده بيان أن عنده الوعاء الصالح للمذكور، دون ما هو وعاء له كقولك: "اشتريت ظرف سمن فارغا" و"بعت سقاء لبن مملوءا عسلا".
__________
1 الراقود: دن كبير أو طويل الأسفل.
2 الحب: الجرة الضخمة، وغطاؤها: الكرامة، ومنه قولهم: "حبا وكرامة".
3 هـ "فيحمل".
4 ع ك "حين ينصب".(2/770)
"ص":
والنصب حتم بعد ما أضيف إن ... لم يغن عما بالمضاف قد قرن
"ش": مميز المضاف إن لم يغن عن المضاف إليه تعين نصبه.
وإن أغنى عنه جاز أن يجر بإضافة المميز إليه.
فالأول نحو: "لي ملؤه1 عسلا".
والثاني نحو: "هو أشجع الناس رجلا"، فلك في هذا أن تقول: "هو أشجع رجل".
وليس لك في الأول أن تقول: "لي ملء عسل".
"ص":
وانصبه بعد أفعل التفضيل ... إن وافق الفاعل بالتأويل
وانصبه بعد ما بـ"مثل" جر أو ... "ملء" وما ضاهاهما كما قضوا
وبعد كل ما اقتضى تعجبا ... فشا كـ"أكرم بأبي بكر أبا"
"ش": إذا حسن موضع أفعل التفضيل المذكور بعده2 نكرة: فعل من لفظه ومعناه، وصلح أن يسند إلى النكرة فهي تمييز.
فإن حسن موضعه "بعض" مضاف إلى جمع قائم مقام النكرة جرت بالإضافة.
__________
1 ع "ملاؤه".
2 هـ "بعد".(2/771)
فالأول نحو: "زيد1 أكمل فقها" فتنصب النكرة على التمييز لأنه بمعنى: كمل فقهه.
والثاني نحو: "زيد أفضل فقيه" فتضيفه لأنه يحسن أن تجعل2 موضعه "بعضا" مضافا إلى جمع قائم مقام النكرة فتقول: "زيد بعض الفقهاء".
فمن نحو هذا احترزت بقولي:
وانصبه.................. ... ...........................
أي: التمييز.
.............. بعد أفعل التفضيل ... إن وافق الفاعل بالتأويل
أي: إن كان ما بعد "أفعل" فاعلا في المعنى، كما كان "الفقه" بعد "أكمل" حين وضع موضعه "كمل".
وتقول: "لي مثل الغنم خيلا" و"ملء الجب3 زيتا". و"مقدار الكثيب دقيقا".
فإلى هذا ونحوه4 أشرت بقولي:
وانصبه بعد ما بـ"مثل" جر أو ... "ملء" وما ضاهاهما..........
__________
1 هـ "زيدا كمل".
2 في الأصل وع "يجعل".
3 الجب: البئر.
4 هـ "ونحوها".(2/772)
ومن انتصابه بعد "مثل" قول الشاعر:
405-
فإن خفت يوما أن يلج بك الهوى ... فإن الهوى يكفيكه مثله صبرا
وتقول: "ويل لزيد رجلا، وويحه إنسانا" و"حسبك بعمرو فارسا، وما أكرمه فتى".
وإلى هذا ونحوه أشرت بقولي:
وبعد كل ما اقتضى تعجبا ... فشاك "أكرم بأبي بكر أبا"
والمراد بـ"أبي بكر": صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه وأرضاه1.
"ص":
واجرر بـ"من" إن شئت تمييزا2 "سوى ... معدود أو ما الفاعلية اقتضى
لذاك "بر" من "قفيز برا" ... يجوز كونه بـ"من" منجرا
__________
1 سقط من الأصل "رضي الله عنه وأرضاه" وفي هـ "ورضي عن أبي بكر".
2 س ش ط "تميز سوى".
405- من الطويل ثاني بيتين أنشدهما ابن الأعرابي ولم يعزهما لقائل، والبيت الأول هو:
فرعت ظنابيب الهوى يوم عالج ... ويوم اللوى حتى قسرت الهوى قسرا
لج في الأمر: تمادى، وأبى أن ينصرف عنه.(2/773)
ونحو "نفس" من "تطيب نفسا" ... جنب "من" كذاك "شبت رأسا"
"ش": كل منصوب على التمييز فيه معنى "من" وبعضه يصلح لمباشرتها، وبعضه لا يصلح.
[كما أن كل ظرف فيه معنى "في"1 وبعضه يصلح لمباشرتها وبعضه لا يصلح] 2.
وقد جعلت علامة ما لا يصلح لمباشرة "من" وقوعه بعد3 عدد كـ"أحد عشر درهما".
وكونه فاعلا في المعنى نحو: "تطيب نفسا" و"شبت رأسا".
فإن معناهما: تطيب نفسك، وشاب رأسك.
"ص":
وعامل التمييز قدم وهو ما ... لو أسقط التمييز كان مبهما
وإن يؤخر، وهو فعل صرفا ... فابن يزيد بالجواز مقتفى
__________
1 ع سقط "في".
2 هـ سقط ما بين القوسين.
3 هـ "بعد كل عدد".(2/774)
من ذاك "ماء" بعد "تحلبا" ... و"نفسا" الذ بـ"يطيب"1 انتصبا
"ش": عامل التمييز ما قبله من المبهمات المفتقرة إليه. ولا يتقدم على شيء منها إذا كان غير فعل كـ"عشرين درهما"، أو فعلا غير متصرف نحو: "نعم رجلا زيد".
فإن كان الفعل متصرفا، فمذهب سيبويه2 منع التقديم أيضا نظرا إلى أنه في الأصل فاعل وقد أوهن بزوال رفعه، وإلحاقه لفظا بالفضلات، فلا يزاد وهنا بتقديمه على الفعل.
__________
1 في الأصل "تطيب" وفي باقي النسخ "يطيب".
2 قال سيبويه في الكتاب 1/ 105:
"وقد جاء من الفعل ما قد أنفذ إلى مفعول، ولم يقو قوة غيره مما قد تعدي إلى مفعول، وذلك قولك: "امتلأت ماء" "وتفقأت شحما".
ولا تقول: امتلأت، ولا تفقأته، ولا يعمل في غيره من المعارف.
ولا يقدم المفعول فيه فتقول: ماء امتلأت، كما لا يقدم المفعول فيه في الصفة المشبهة ولا في هذه الأسماء؛ لأنها ليست كالفاعل.
وذلك لأنه فعل لا يتعدى إلى مفعول، وإنما هو بمنزلة الانفعال لا يتعدى إلى مفعول نحو: "كسرته فانكسر" و"دفعته فاندفع".
فهذا النحو: إنما يكون في نفسه ولا يقع على شيء فصار "امتلأت" من هذا الضرب كأنك قلت: ملأني فامتلأت، ومثله دحرجته فتدحرج.
وإنما أصله امتلأت من الماء، وتفقأت من الشحم، فحذف هذا استخفافا".(2/775)
ومذهب المازني1، والمبرد2، والكسائي جواز تقديمه؛ لأن الفعل عامل قوي بالتصرف، فمنع تقديم معموله، وليس فاعلا في اللفظ لا موجب له.
__________
1 جاء في هامش النسخة "65" نحو دار الكتب المصرية من كتاب سيبويه عند قول سيبويه: "ومثل ذلك في الكلام قوله تبارك وتعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} 1/ 108: "المازني يرى وهو القياس في التمييز ما يراه في الحال من التقديم إذا كان العامل فعلا فيقول: "شحما تفقأت" و"عرفا تصببت".
وأنشدني أبو عثمان للمخبل في تقديم التمييز.
أتهجر ليلى للفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق تطيب
قال أبو إسحاق: الرواية: وما كان نفسي".
وقال ابن جني في الخصائص 2/ 384:
"ومما يقبح تقديمه: الاسم المميز وإن كان الناصبه فعلا متصرفا، فلا نجيز "شحما تفقأت" ولا "عرقا تصببت" فأما ما أنشده أبو عثمان وتلاه فيه أبو العباس من قول المخبل: أتهجر ليلى ... فتقابله برواية الزجاجي وإسماعيل بن نصر وأبي إسحاق "وما كان نفسي" فرواية برواية والقياس من بعد حاكم".
2 قال المبرد في المقتضب 3/ 36 وما بعدها:
"واعلم أن التبيين إذا كان العامل فيه فعلا جاز تقديمه لتصرف الفعل ... وهذا لا يجيزه سيبويه لأنه يراه كقولك: "عشرون درهما".
و"هذا أفرههم عبدا" وليس هذا بمنزلة ذلك لأن عشرين درهما إنما عمل في الدرهم ما لم يؤخذ من الفعل ألا ترى أنه يجيز "هذا زيد قائما" ولا يجيز "قائما هذا زيد" لأن العامل غير فعل ... فلذلك أجزنا تقديم التمييز إذا كان العامل فعلا.
وهذا رأي أبي عثمان المازني. وقال الشاعر فقدم التمييز:
أتهجر ليلى للفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق تطيب(2/776)
ولو كانت الفاعلية الأصلية موجبة للتأخير مانعة من التقدم1 لعمل بمقتضى ذلك في نحو: "أذهبت زيدا".
فكان لا يجوز أن يقال: "زيدا أذهبت": لأن أصله: ذهب زيد ولا خلاف في أن ذلك جائز، فكذلك ينبغي أن يحكم بجواز2 "صدرا ضاق زيد" وما أشبهه.
ومن شواهد ذلك قول الشاعر:
406-
ولست إذا ذرعا أضيق بضارع ... ولا يائس عند التعسر من يسر
ومثله قول الآخر:
407-
وواردة كأنها عصب القطا ... تثير عجاجا بالسنابك أصهبا
408-
رددت بمثل السيد نهد مقلص ... كميش إذا عطفاه ماء تحلبا
__________
1 كـ"التقديم".
2 في الأصل "نحو أو صدرا".
406- من الطويل قال العيني 3/ 233 ما وقفت على اسم قائله.
ذرعا: الذرع بسط اليدين. وضقت بالأمر ذرعا: لم أطقه ضارع: ذليل.
407، 408- بيتان من الطويل لربيعة بن مقروم الضبي "المفضليات 176" من قصيدة. والبيتان من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ ص359، وفي شرح التسهيل 2/ 132.
الواردة: أراد بها قطيع الخيل. عصب القطا: جماعاتها. عجاجا: غبارا. الأصهب: الأحمر. السنابك: أطراف مقدمات الحوافر. السيد: الذئب. نهد: ضخم. مقلص: طويل القوائم ممحوصها. الكميش: الجاد في عدوه.
عطفاه: جانباه. تحلب: سال.(2/777)
[ومثله قول الآخر] 1:
409-
أتهجر ليلى للفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق يطيب2
وإلى هذين3 أشرت بقولي:
من ذاك "ماء" بعده4 "تحلبا" ... و"نفسا" الذب "يطيب" انتصبا
[ومثلهما:
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين
2 في الأصل "تطيب".
3 هـ "وإلى هذا".
4 ع "بعد".
409- من الطويل اختلف في قائله والراجح أنه للمخبل السعدي "هامش كتاب سيبويه 1/ 108، الخصائص 2/ 384، المقتضب 3/ 36" ونقل أبو الحسن أنه لأعشى همدان وأن الرواية في الديوان.
أتؤذن سلمى بالفراق حبيبها ... ولم تك نفسي بالفراق تطيب
"العيني 3/ 235".(2/778)
410-
ونارنا لم ير نارا مثلها
411-
قد علمت ذاك معد كلها
نارا: 1 تمييز] والله أعلم2.
__________
1 سقط من ع وك ما بين القوسين كما سقط من هـ.
2 هكذا في ع وك وسقط من الأصل ومن هـ "والله أعلم".
410، 411- معد بن عدنان: أبو العرب.(2/779)
باب: حروف الجر
"ص":
هاك حروف الجر وهي "من" "إلى"1 "حتى" ... "خلا" "حاشا" "عدا" في "عن" "على".
"مذ" "منذ" "رب" اللام والكاف و"تا" ... والواو والبا "كي" "لعل" و"متى"
ونحو يا "لولاي" مجرور لدى ... عمرو ورفعه سعيد أيدا
وأنكر استعماله2 المبرد ... وللمجيز حجج لا تجحد
"ش": قد تقدم في باب الاستثناء التنبيه على أن "خلا" و"عدا" و"حاشا" أفعال إذا نصبت، وحروف إذا جرت.
ثم ذكرت هنا لأنه موضع استقصاء.
__________
1 في الأصل جاء هذا الشطر كما يلي:
للجر عشرون حروف "من" "إلى" ... .......................................
2 ط "استعمالها".(2/780)
ولكل حرف منها تفصيل يأتي إلا "كي" و"لعل" و"متى" و"لولا" فقل من يذكرهن لقلة استعمالهن وغرابتهن، وللخلاف1 في "لولا" هل هو من جملتها أم لا؟ ولنبدأ بالكلام على هذه الأربعة فنقول:
أما "كي" فإنها استعملت2 حرف جر في موضعين:
أحدهما: قولهم في الاستفهام عن علة الشيء "كيمه؟ " بمعنى "لمه؟ "
فـ"كي" هنا عند جميع البصريين حرف3 جر دخل على "ما" فحذفت ألفها وزيدت هاء السكت وقفا.
كما يفعل مع سائر حروف الجر الداخلة على "ما" الاستفهامية.
والموضع الثاني: قولهم: "جئت كي أراك" بمعنى: "لأن أراك".
فـ"أن" المضمرة والفعل في موضع جر بـ"كي" كما يكون ذلك إذا قلت: "لأراك".
ويدل4 على إضمار "أن" بعد "كي" ظهورها عند الضرورة كقول الشاعر:
__________
1 هـ "والخلاف".
2 ع ك "تستعمل".
3 ع سقط "حرف".
4 هـ "وتدل".(2/781)
412-
فقالت: أكل الناس أصبحت مانحا ... لسانك كيما أن تغر وتخدا
وقد وقعت حرف جر في موضع ثالث وهو قول الشاعر:
413-
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما ... يراد الفتى كيما يضر وينفع
أي: لضر1 من يستحق الضر ولنفع2 من يستحق النفع.
فـ"ما" مصدرية. وهي وصلتها في موضع جر بـ"كي"3.
__________
1 هكذا في ك وع "لضر" وفي الأصل "يضر" وفي هـ "ليضر".
2 هكذا في ك وع "لنفع" وفي الأصل "ينفع" وفي هـ "لينفع".
3 ع "بكل".
412- من الطويل من قصيدة لجميل بثينة مطلعها: "الديوان 41".
عرفت مصيف الحي والمتربعا ... كما خطت الكف الكتاب المرجعا
ونسب الزمخشري الشاهد لحسان بن ثابت.
413- من الطويل اختلف في قائله فقيل هو قيس بن الخطيم وهو في ديوانه ص235 وهو كذلك في إعجاز القرآن للباقلاني 126، والصناعتين 315.
وفي أخبار أبي تمام للصولي 28، وفي الخزانة 3/ 591 منسوب إلى عبد الأعلى بن عبد الله.
وفي حماسة البحتري ص213 ومجموعة المعاني ص175 منسوب إلى عبد الله بن معاوية.
ونسبه السيوطي في شرح الشواهد إلى النابغة. وليس في ديوانه، وإن كان العيني 4/ 379 أيد هذه النسبة.(2/782)
وأما "لعل" فإنها حرف جر في لغة بني1 عقيل [كقول الشاعر:
414-
لعل الله يمكنني علها ... جهارا من زهير أو أسيد] 2
روى ذلك عنهم أبو زيد3.
وحكى الجر بها أيضا الفراء وغيره.
ورُوي في لامها الأخيرة: الفتح والكسر، وأنشد باللغتين4 قول الشاعر:
415-
لعل الله فضلكم علينا ... بشيء أن أمكم شريم
__________
1 ك سقط "بني".
2 هكذا في هـ وسقط ما بين القوسين من باقي النسخ والأصل.
3 سعيد بن أوس بن حرام أبو زيد الأنصاري، كان كثير الرواية عن العرب، ونوادره مشهورة توفي سنة 2315هـ.
4 ع ك "في قول".
414- من الوافر من قصيدة قالها خالد بن جعفر "الخزانة 4/ 375، اللسان 13/ 501، شرح التسهيل 1/ 72، شرح عمدة الحافظ 1/ 168".
زهير: هو زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي. أسيد: -بفتح الهمزة وكسر السين- أخو زهير.
415- من الوافر لم ينسب لقائل معين "المقرب 41، الخزانة 4/ 368، العيني 3/ 247، التصريح 2/2، الأشموني 2/ 204".(2/783)
[الشريم: هي المفضاة] 1.
وأما "متى" فهي في2 لغة هذيل حرف جر بمعنى "من".
ومنه قول الشاعر:
416-
شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج
ومن كلامهم: "أخرجها متى كمه"، يريدون3: من كمه.
وأما "لولا" فإذا وليها4 مضمر فالمشهور كونه5 أحد المضمرات المرفوعة المنفصلة؛ لأنه في موضع ابتداء.
قال الله تعالى: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِين} 6.
__________
1 هكذا في هـ وك وسقط ما بين القوسين من الأصل ومن ع.
2 ع سقط "في".
3 هـ "يرون".
قال ابن الشجري في أماليه. 2/ 270:
حكى الكسائي عن العرب: "أخرجه من متى كمه" أي: وسط كمه، وهي لغة هذيل.
4 ع "وليتها".
5 هـ "كونها".
6 من الآية رقم "31" من سورة "سبأ".
416- من الطويل قاله أبو ذؤيب الهذيلي يصف سحبا "ديوان الهذلين 1/ 51".
اللجة: معظم الماء. نئيج: صوت مرتفع.(2/784)
ومن العرب من يقول: "لولاي" و"لولانا" ... إلى "لولاهن".
وزعم المبرد أنه لا يوجد ذلك في كلام من يحتج بكلامه1.
وما زعمه مخالف لقول سيبويه2، وأقوال
__________
1 قال المبرد في الكامل:
فأما قول: "لولاك" فإن سيبويه يزعم أن "لولا" تخفض المضمر، ويرتفع الظاهر بالابتداء، فيقال له: إذا قلت "لولاك" فما الدليل على أن الكاف مخفوضة دون أن تكون منصوبة؟. وضمير النصب كضمير الخفض؟ فيقول: إنك تقول لنفسك "لولاي" ولو كانت منصوبة لكانت النون قبل الياء كقولك: "روماني" و"أعطاني" قال يزيد بن الحكم:
وكم موطن لولاي طحت كما هوى ... بإجرامه من قلة النيق منهوى
فيقال له: الضمير في موضع ظاهره فكيف يكون مختلفا؟ ...
وزعم الأخفش سعيد أن الضمير مرفوع، ولكن وافق ضمير الخفض، كما يستوي الخفض والنصب، فيقال: فهل هذا في غير هذا الموضع؟
قال أبو العباس: والذي أقوله: إن هذا خطأ لا يصلح إلا أن تقول "لولا أنت" كما قال الله عز وجل: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِين} .
2 قال سيبويه في الكتاب 1/ 388:
"هذا باب ما يكون مضمرا فيه الاسم متحولا عن حاله إذا أظهر بعد الاسم، وذلك "لولاك" و"لولاي": إذا أضمرت الاسم فيه جر، وإذا أظهرت رفع.
ولو جاء علامة الإضمار على القياس لقلت: "لولا أنت" كما قال سبحانه: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِين} ولكنهم جعلوه مضمرا مجرورا.
والدليل على ذلك أن الباء والكاف لا تكونان علامة مضمر مرفوع. قال الشاعر يزيد بي الحكم:
وكم موطن لولاي طحت كما هوى ... بأجرامه من قلة النيق منهوى
وهذا قول الخليل -رحمه الله- ويونس".(2/785)
الكوفيين1.
وأنشد سيبويه:
417-
وكم موطن لولاي طحت كما هوى ... بأجرامه من قلة النيق منهوي
__________
1 قال الفراء في معاني القرآن 2/ 85:
"وقد استعملت العرب "لولا" في الخبر وكثر بها الكلام حتى استجازوا أن يقولوا "لولاك" و"لولاي" والمعنى فيهما كالمعنى في قولك "لولا أنا" ولولا أنت".
فقد توضع الكاف على أنها خفض والرفع فيها الصواب، وذلك أنا لم نجد فيها حرفا ظاهرا خفض.... وإنما دعاهم إلى أن يقبلوا:
"لولاك" في موضع الرفع لأنهم يجدون المكني يستوي لفظه في الخفض والنصب، فيقال: ضربتك ومررت بك ويجدونه يستوي أيضا في الرفع والنصب والخفض.... فلما كان ذلك استجازوا أن يكون الكاف في موضع "أنت" رفعا إذ كان إعراب المكني بالدلالات لا بالحركات ... ".
417- من الطويل من قصيدة ليزيد بن الحكم الثقفي يعاتب أخاه أو ابن عمه أوردها له القالي في الأمالي 1/ 68 وصاحب الخزانة 1/ 496".
طاح: هلك. الجرم: الجسم. كأنه جعل أعضاءه أجراما توسعا. النيق: أرفع الجبل. قلة النيق: ما استدق من رأس الجبل. وفي الأصل "قنة النيق".(2/786)
وأنشد الفراء:
418-
أتطمع1 فينا من أراق دماءنا ... ولولاك لم يعرض لأحسابنا2 حسن
وإلى هذين البيتين وأمثالهما3 أشرت بقولي:
.............................. ... وللمجيز حجج لا تجحد
ومذهب سيبويه في ياء "لولاي" وأخواتها أنها في موضع جر بـ"لولا"4 لأن الياء وأخواتها لا يعرف وقوعها إلا في موضع نصب أو جر.
والنصب هنا ممتنع؛ لأن الياء لا تنصب بغير اسم إلا ومعها نون الوقاية واجبة، أو جائزة.
ولا تخلو منها وجوبا إلا وهي مجرورة.
وياء "لولا" خالية منها وجوبا، فامتنع كونها منصوبة، وتعين كونها مجرورة.
__________
1 في الأصل "أيطمع".
2 هي "لأحشائنا".
3 ع "وأمثالها".
4 ينظر الكتاب 1/ 388 وقد سبقت الإشارة إلى ذلك.
418- من الطويل من قصيدة لعمرو بن العاصر يخاطب بها معاوية بن أبي سفيان وأراد بحسن: الحسن بن على بن أبي طالب رضي الله عنهما "العيني 3/ 260، الإنصاف 693، ابن يعيش 3/ 120" وأنشد الفراء الشاهد في معاني القرآن 2/ 85 ولم ينسبه.(2/787)
وفي ذلك مع شذوذه1 استيفاء حق لـ"لولا" كان فترك.
وذلك أنها مختصة بالاسم غير مشابهة للفعل، ومقتضى ذلك، أن تجر2 الاسم3 مطلقا.
لكن منع من ذلك شبهها بما اختص بالفعل من أدوات الشرط في ربط جملة بجملة.
وأرادوا التنبيه على موجب العمل في الأصل فجروا بها المضمر المشار إليه.
ومذهب الأخفش: أن الياء وأخواتها بعد "لولا" في موضع رفع نيابة عن ضمائر الرفع المنفصلة.
ونظره بنيابة المرفوع عن المجرور في قول بعضهم: "ما أنا كأنت"4.
__________
1 ع وك "شذوذها".
2 ع وك "يجر".
3 هـ "الأسماء".
4 قال الزمخشري في المفصل: "ابن يعيش 3/ 122".
مذهب سيبويه -وقد حكاه عن الخليل ويونس- أن الكاف والياء بعد "لولا" في موضع الحر ... وهما بعد "عسى" في محل النصب بمنزلتهما في قولك "لعلك" و"لعلني".
ومذهب الأخفش أنهما في الموضعين في محل الرفع، وأن الرفع في "لولا" محمول على الجر، وفي "عسى" على النصب.
كما حمل الجر على الرفع في قولهم: "ما أنا كأنت" والنصب على الجر في مواضع.(2/788)
"ص":
بالظاهر اخصص "منذ" "مذ"1 و"حتى" ... والكاف والواو2 و"رب" والتا
والواو والتا باليمين خصتا ... ومع "رب الكعبة" استعمل3 تا
واخصص بـ"مذ" و"منذ" وقتا وبـ"رب" ... منكرا، والتاء لـ"لله" و"رب"
ولم4 يجر5 "الرب" إلا وهو ... أضيف لـ"الكعبة" فيما6 قد ورد
"ش": لما كان بعض الحروف المذكورة يجر الظاهر دون المضمر وجب التنبيه على ذلك.
فـ"مذ" و"منذ" لابتداء غاية الزمان إن كان ماضيا.
وللظرفية إن كان حاضرا هو أو بعضه نحو: "ما رأيته مذ يوم الجمعة، ومذ يومنا، ومذ يومين".
و"حتى" للغاية مطلقا نحو: "سرت حتى الصباح".
__________
1 هـ "ومذ".
2 ط "والواو والكاف".
3 سقط هذا البيت من الأصل، وجاء في س متقدما وترتيبه الثالث بين أبيات هذا الباب، وجاء نظمه كما يلي:
ومع رب الكعبة استعمل تا ... والواو والتاء باليمين خصتا
4 ط "فلم".
5 ع وك "تجر".
6 سقط هذا البيت من ش.(2/789)
و"أكلت السمكة حتى رأسَها".
والكاف للتشبيه نحو: "زيد كالأسد".
وزائدة كقوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة} 1 و [قوله] {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} 2. وكقول3 رؤبة4:
419-
لواحق الأقراب فيها كالمقق
وللتعليل كقوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} 5.
وجعل ابن برهان6 من هذا قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُون} 7 [أي: أعجب لأنه لا يفلح الكافرون] 8.
__________
1 من الآية رقم "259" من سورة البقرة".
2 من الآية رقم "11" من سورة الشوري.
3 ع "ولقول".
4 في الأصل "وكقول الراجز".
5 من الآية "198" من سورة "البقرة".
6 عبد الواحد بن علي بن برهان الأسدي أبو القاسم العكبري النحوي اللغوي المتوفى سنة 456هـ.
7 من الآية رقم "82" من سورة القصص.
8 سقط ما بين القوسين من هـ.
419- هذا رجز ينسب لرؤبة "الديوان 106" والضمير يعود إلى "ذات الطوق" في بيت سابق وهما من جملة أبيات في وصف حمار وحش وأتن من قصيدة تزيد على مائتي بيت.
اللواحق: اسم فاعل من لحق لحوقا: ضمر وهزل.
الأقراب: جمع قرب: الخاصرة: يريد أنها ضامرة البطون، وضمير "فيها" للأقراب. المقق: الطول.(2/790)
كذا قدره، ثم قال:
"وحكى سيبويه: "كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه"1 والتقدير: لأنه لا يعلم فتجاوز الله عنه.
و"ما" زائدة بين الكاف و"أن" هكذا قال ابن برهان.
ولا يقال: "مذه" ولا منذه" ولا "حتاه ولا "كه" إلا في الشعر كقول الراجز:
420-
ولا ترى بعلا ولا حلائلا
421-
كه، ولا كهن إلا حاظلا
ويقال: "والله" و"تالله". ولا يقال: "وَهُ" ولا "تَهُ".
ولا يجر بـ"مذ" و"منذ" غير وقت.
ولا بـ"رب" غير نكرة معنى ولفظا2، أو معنى لا لفظا
__________
1 كتاب سيبويه 1/ 470.
2 ع ك هـ "لفظا ومعنى".
420، 421- هذا رجز ينسب لرؤبة بن العجاج وهو في زيادات الديوان ص128 من قصيدة مسدسة مرجزة يصف فيها حمارا وحشيا وأتنه ورواية الديوان "فلا ترى" ونسبه ابن حمدون في حاشيته على المكودي "1/ 181 للعجاج تبعا لنسبته في كتاب سيبويه 1/ 392.
البعل: الزوج. الحلائل: جمع حليلة. وحليلة الرجل: امرأته. الحاظل: المانع.(2/791)
نحو: "ربه رجلا" و"رب رجل وأخيه".
فإن هاء: "ربه رجلا"1 لا تدل2 على معين، وإن كان لفظها لفظ معرفة.
وكذا لفظ "أخيه" بعد3 "رجل" كلفظ معرفة، وهو في المعنى نكرة؛ لأن معناه: "رب رجل، وأخ له".
ولا يجر بالتاء إلا "الله" إلا ما حكى الأخفش من قول بعضهم: "ترب الكعبة"4.
"ص":
ومضمر الغيبة كاف خفضا ... في الشعر منه قول بعض من مضى
"ولا ترى بعلا ولا حلائلا ... كه ولا كهن إلا حاظلا"
و"ربه عطبا" استندر وقيس ... عليه إن شئت وحد عن ملتبس5
__________
1 سقط "رجلا" من الأصل.
2 هـ "لا يدل" وفي ع "لا تدخل".
3 هـ "قعد".
4 قال الزمخشري في المفصل:
واو القسم مبدلة عن الباء الإلصاقية في "أقسمت بالله" أبدلت عنها عند حذف الفعل.
ثم التاء مبدلة عن الواو في "تالله" خاصة.
وقد روى الأخفش "ترب الكعبة".
5 سقطت من هـ علامة النظم "ص" ووضعت أمام البيت الثالث، وجاء البيتان الأولان في ذيل الشرح مما يوهم بأنهما تكملة لما سبق.(2/792)
"ش": استغنوا في جر الضمائر بـ"مثل".
إذ لو لم يستغنوا بـ"مثل"1 لزمهم دخول الكاف على كاف المخاطب إذا كان مشبها به وذلك في غاية من2 الاستثقال.
فإذ اضطروا والضمير ضمير غائب أدخلوا عليه الكاف كقول العجاج3:
422-
[خلا الذئاب4 شمالا كثبا] 5
423-
وأم أوعال كها6 أو أقربا
وكقول الآخر7 في حمار وحش وأتن:
424-
ولا ترى بعلا ولا حلائلا
425-
كه ولا كهن إلا حاظلا
__________
1 ع ك سقطت "مثل".
2 ع وك سقط "من".
3 هـ "الراجز".
4 ع "الذنابان".
5 سقط هذا البيت من الأصل ومن هـ.
6 ع "لها".
7 هو رؤبة بن العجاج من قصيدته التي مدح بها سليمان بن علي "الديوان 128".
422، 423- رجز العجاج "الديوان ص74".
خلا: ذهب في خلوة. الذنابات: جمع ذُنابة -بالضم- التابع. وذِنابة بالكسر القرابة والرحم. كثبا: قريبا. الشمال: ضد اليمين. الوعل: تيس الجبل.
424، 425- سبق هذا البيتان قريبا وهما في زيادات ديوان رؤبة بن العجاج ص128.(2/793)
وأنشد ثعلب شاهدا على "ربه رجلا".
426-
واه1 رأبت وشيكا صدع أعظمه ... وربه عطبا أنقذت من عطبه
وأشرت بقولي:
................ "وقيس" ... عليه إن شئت......
إلى أن هذا الضمير لا بد من إفراده، وتذكيره، وتفسيره بمميز بعده على حسب قصد المتكلم فيقال. "ربه رجلا" و"ربه امرأة" و"ربه رجلين، ورجالا" و"ربه امرأتين، ونساء".
فيختلف المميز، ولا يختلف الضمير. هذا2 هو المشهور.
وذكر ابن الأنباري أن تطابقهما في التأنيث، والتثنية، والجمع، جائز.
__________
1 ع سقط "واه".
2 ع وك "وهذا"
426- من البسيط أنشده ثعلب ولم يعزه لقائل معين وهو من شواهد المصنف في شرح العمدة 170 وشرح التسهيل 1/ 27، وابن عقيل 2/ 116، والسيوطي في همع الهوامع 1/ 66، والأشموني 2/ 208، ورواه في اللسان. 17/ 255.
كائن رأبت وهايا صدع أعظمه ... وربه عطبا أنقذت م العطب
وشكا: سريعا. الصدع: الشق.
العطب الأول صفة مشبهة وهي بكسر الطاء بمعنى هالك، والعطب الثاني مصدره، وطاؤه، مفتوحة، ومعناه: الهلاك.(2/794)
"ص":
بعض وعلل وابتدئ بـ"من" وفي ... بدء الزمان الخلف ليس بالخفي1
وبعد نفي، أو كنفي نكرة ... "من" جر زائدة كـ"ما لي من ذرة"
مطلقا الأخفش زادها ومن ... أقسامها تبيين جنس لم يبن
للانتها "حتى" ولام و"إلى" ... و"من" وباء يفهمان بدلا
واجعل "إلى" أيضا كـ"عند" أو ك "مع". ... واللام مثل "عند"2 أو مع قد3 تقع]
واللام للملك، وشبهه وفي ... تعدية -أيضا- وتعليل قفي
وزيد مع مفعول ذي الواحد إن ... بالسبق أو تفريغ4 عامل يهن
بالبا و"في" التعليل والظرفية ... عنوا فكن ذا فظنة مرضية
__________
1 هـ "غير مختفي".
2 هـ سقط ما بين القوسين.
3 في الأصل "تبع"
4 ع وهـ "تفريع" وفي الأصل وك "تفريغ".(2/795)
و"في" للاستعلاء والمصاحبه1 ... وفي استعانة لها مناسبه
وعد بالبا، واستعن وألصق ... ومثل "مع" و"من" و"عن"2 بها انطق
"ش": التبعيض بـ"من" كقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّه} 3.
والتعليل كقوله تعالى4: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيل} 5.
وابتداء الغاية في المكان كقوله تعالى: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} 6.
وابتداء الغاية في الزمان كقوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيه} 7.
ومنه قول الشاعر في وصف سيوف:
__________
1 هـ "وللمصاحبة".
2 هـ "وعنها".
3 من الآية رقم "8" من سورة "البقرة".
4 من الآية "32" من سورة المائدة.
5 ع ك هـ سقط "بني إسرائيل".
6 من الآية رقم "1" من سورة الإسراء".
7 من الآية رقم "108" من سورة "التوبة".(2/796)
427-
تخيرن من أزمان يوم حليمة ... إلى اليوم قد جربن كل التجارب
والمشهور من قول البصريين إلا الأخفش أن "من" لا تكون لابتداء الغاية في الزمان. بل يخصونها بالمكان.
ومذهب الكوفيين والأخفش1 جواز استعمالها في ابتداء الغاية مطلقا وهو الصحيح لصحة السماع بذلك.
وتزاد "من" جارة لنكرة بعد نفي نحو قوله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه} 2.
وأشرت بقولي:
.................... ... أو كنفي.........
إلى النهي، والاستفهام بـ"هل" كقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّه} 3.
__________
1 سقط من الأصل "الأخفش".
427- من الطويل قاله النابغة الذبياني "الديوان 60" والضمير في "تخيرن" يعود إلى السيوف التي سبق ذكرها في بيت سابق هو:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
يوم حليمة: قال العسكري في التصحيف: هو يوم كان بين ملوك الشام من الغسانيين وملوك العراق من المناذرة.
وحليمة: هي بنت الحارث بن أبي شمر الغساني الأعرج ملك عرب الشام، ونسب إليها اليوم لأنها حضرت المعركة محضضة عسكر أبيها.
2 من الآية رقم "65" من سورة "الأعراف".
3 من الآية رقم "2" من سورة "فاطر".(2/797)
وأشرت بقولي:
مطلقا.................. ... ...........................
إلى ما روي عن الأخفش من جواز زيادتها -مطلقا-1 ومن شواهد ذلك قول الشاعر:
428-
وكنت أرى كالموت من بين ساعة ... فكيف ببين كان موعده الحشر
أراد: وكنت أرى بين ساعة كالموت، فزاد "من".
ومثله قول الآخر:
__________
1 قال الزمخشري في المفصل في مبحث حروف الصلة: "ابن يعيش 8/ 137".
"وتزداد "من" عند سيبويه في النفي خاصة لتأكيده وعمومه، وذلك نحو قوله تعالى: {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِير} ، والاستفهام كالنفي. قال تعالى: {هَلْ مِنْ مَزِيد} وقال: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} .
وعن الأخفش زيادته في الإيجاب".
وقال في مبحث الإضافة: "ابن يعيش 8/ 10" يتحدث عن "من".
ولا تزاد عند سيبويه إلا في نفي، والأخفش يجوز الزيادة في الواجب ويستشهد بقوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُم} .
428- من الطويل من قصدة لسلمة بن يزيد بن مجمع الجعفي "إيضاح شواهد الإيضاح للقيسي 36" وروى القصيدة أبو علي القالي في الأمال 2/ 73 وجاء الشاهد كما يلي:
فهذا لبين قد علمنا إيابه ... فكيف ببين كان موعده الحشر(2/798)
429-
يظل به الحرباء يمثل قائما ... ويكثر فيه من حنين الأباعر
أراد: ويكثر فيه حنين الأباعر.
فزاد "من" مع الفاعل المعرفة دون نفي، ولا ما يشبهه. وروي مثل ذلك أيضا عن الكسائي.
ومثال "من" المبينة للجنس: قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَان} 1.
وقوله تعالى [ {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} 2
ودلالة حتى و"إلى"3 على الانتهاء كثير.
إلا أن "إلى" أمكن من "حتى"، ولذلك يقال: "سرى زيد إلى نصف النهار، وعمرو إلى الصباح".
ولا يجر بـ"حتى" إلا آخر أو ما اتصل بآخر كقوله
__________
1 من الآية رقم "30" من سورة "الحج".
2 من الآية رقم "185" من سورة "الأعراف".
3 ع وك "إلى وحتى".
429- من الطويل في صفة يوم حار. ذكره العيني 3/ 275 ولم ينسبه.
الحرباء: ذكر أم حبين، وهو حيوان بري له سنام كسنام الجمل، يستقبل الشمس ويدور معها كيفما دارت، ويتلون ألوانا بحر الشمس، وهو في الظل أخضر، ويكني أبا قرة ويضرب به المثل في الخزامة؛ لأنه يلزم ساق الشجرة ولا يرسله إلا ويمسك ساقا آخر.(2/799)
تعالى] 1 {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} 2.
ومثال الانتهاء باللام قوله تعالى: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّى} 3.
ومثال "من" الدالة على البدل قوله تعالى4: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُون} 5 أي: بدلكم.
وقول الراجز:
430-
جارية لم تأكل المرققا
431-
ولم تذق من البقول الفستقا
أي: بدل البقول.
ومثال الباء الدالة على البدل قول النبي عليه
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 من الآية رقم "5" من سورة القدر.
3 من الآية رقم "5" من سورة الزمر.
4 من الآية رقم "6" من سورة الزخرف.
5 سقط من الأصل ومن هـ "في الأرض يخلفون".
430، 431- هذا رجز ينسب إلى ابن نخيلة السعدي، يعمر بن حزن بن زائدة "العيني 3/ 277 الشعر والشعراء 584، العقد الفريد 5/ 366 المخصص 11/ 139، العمدة 2/ 178".
وورد البيت الثاني في ديوان رؤبة ص180.
المرققا: الرغيف الواسع الرقيق.(2/800)
السلام1:
"لا يسرني بها حمر النعم" 2.
وقول الشاعر:
432-
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا ... شنوا الإغارة فرسانا وركبانا
وكون "إلى" بمعنى "عند" كقول الشاعر:
433-
أملا لا سبيل إلى الشباب، وذكره ... أشهى إلي من الرحيق السلسل
وكونها بمعنى "مع" كقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا
__________
1 في هـ "قول النبي صلى الله عليه وسلم" وفي ع وك "قوله عليه الصلاة والسلام".
2 أخرجه البخاري في الجمعة 29، والخمس 19، والتوحيد 49، وأحمد 1/ 103، 2/ 181، 5/ 69، 241.
432- من البسيط قاله قريط بن أنيف العنبري من قطعة أوردها له صاحب الحماسة "شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 24".
شنوا: من شن إذا فرق أي: فرقوا أنفسهم لأجل الإغارة، أو هو بمعنى تفرقوا؛ لأنهم عند الإغارة على الأعداء يتفرقون ليأتوهم من جميع الجهات.
433- من الكامل قاله أبو كبير الهذلي "ديوان الهذليين 2/ 89، الاقتضاب: 440".
الرحيق: الخمر أو أطيبها أو الخاص الصافي منها. السلسل: اللينة الباردة.(2/801)
أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُم} 1.
وكون اللام بمعنى "عند"2 كقوله تعالى: {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُو} 3.
وكقولهم: "كان ذلك لليلة بقيت من الشهر".
ومثال كون اللام بمعنى "مع" قول الشاعر:
434-
فلما تفرقن كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
وكونها للملك [كقوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 4.
وكونها لشبه الملك5] كقولك: "السرج للفرس" و"القتب للبعير".
ومثال التعدية بها قوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي} 6.
__________
1 من الآية رقم "2" من سورة النساء.
2 هـ سقط "عند".
3 من الآية رقم "187" من سورة "الأعراف".
4 من الآية رقم "284" من سورة "البقرة".
5 هـ سقط ما بين القوسين.
6 من الآيتين رقم "4، 5" من سورة "مريم".
434- من الطويل من قصيدة لمتمم بن نويرة الصحابي اليربوعي يرثي أخاه مالكا "أمالي الشجري 2/ 271، المفضليات 267،
الاقتضاب 454، سمط اللآلي 87، المخصص 13/ 119".(2/802)
ومثال التعليل قول الشاعر:
435-
وإني لتعروني لذكرك هزة ... كما انتفض العصفور بلله القطر
وتزاد اللام مقوية1 لعامل ضعف بالتأخير كقوله تعالى: [ {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُون} 2 و [قوله:] {هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُون} 3.
أو بكونه فرعا كقوله تعالى:] 4 {مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُم} 5 و [قوله:] {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيد} 6 ولا يفعل ذلك إلا بمتعد إلى واحد.
إذ لو فعل ذلك بمتعد إلى اثنين فإما أن يزاد فيهما7 [أو
__________
1 هـ سقط "مقوية".
2 من الآية رقم "43" من سورة "يوسف".
3 من الآية رقم "154" من سورة الأعراف وسقط من الأصل "هم".
4 هـ سقط ما بين القوسين.
5 من الآية رقم "101" من سورة "البقرة".
6 من الآية رقم "16" من سورة "البروج".
7 ك "لم تخل من أن تزاد فيهما".
435- من الطويل قاله أبو صخر الهذلي "ديوان الهذليين بشرح السكري 957، أمالي القالي 1/ 149" ونسب الشاهد في مسالك الأبصار 1429، والأغاني 2/ 56، 70، 5/ 16، 8/ 172، 21/ 94، وفي تزيين الأسواق 267، والشعر والشعراء 355 للمجنون وهو في ديوان المجنون ص130.(2/803)
في أحدهما، وفي كليهما محذور:
أما الزيادة فيهما فيلزم1 منها] تعدية فعل واحد إلى مفعولين بحرف واحد، ولا نظير له.
وأما الزيادة في أحدهما فيلزم منها ترجيح دون مرجح، وإيهام غير المقصود فوجب اجتنابه2.
وإلى هذا أشرت بقولي:
وزيد مع مفعول ذي الواحد إن ... بالسبق أو تفريغ عامل3 يهن
ومثال التعليل بالباء و"في" قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} 4 وقوله تعالى: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 5.
ومثال الظرفية بهما قوله تعالى: {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِين} 6. و [قوله:] {إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ
__________
1 ع سقط ما بين القوسين.
2 ع ك هـ "اجتنابها".
3 في الأصل "واحد".
4 من الآية رقم "160" من سورة "النساء".
5 من الآية رقم "68" من سورة "الأنفال".
6 الآيات رقم "1، 2، 3، 4" من سورة "الروم".(2/804)
وَبِاللَّيْل} 1.
والاستعلاء بـ"في" كقوله تعالى2: {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} 3 وكقول عنترة4:
436-
بطل كأن ثيابه في سرحة ... يحذى نعال السبت ليس بتوءم
ومثله قول الآخر:
437-
ولولا اتقاء الله بقياي فيكم ... للمتكم لوما آخر من الجمر
__________
1 من الآية رقم "137" من سورة الصافات".
2 ع ك سقط "تعالى".
3 من الآية رقم "71" من سورة "طه"
4 هـ "غيره".
436- من الكامل من معلقة عنترة والضمير يعود إلى حامدي الحقيقة الذي ورد ذكره في بيت سابق "الديوان ص30"
السرجة: الشجرة العظيمة. يحذي: أي تجعل له حذاء، والحذاء: النعل. نعال السبت: النعال المصنوعة من جلد البقر المدبوغ بالقرظ.
يصف شخصا بطول القامة واستواء الخلق.
437- من الطويل وقد بين المنصف موطن الشاهد وفي مجالس ثعلب 1/ 171 نسب إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المتوفى سنة 98 في رجلين يعاتبهما مرا به وهو أعمى فلم يسلما عليه.
وقد ينسب هذا البيت إلى أبي العميثل "البيان والتبين 1/ 280، أمالي القالي 1/ 98 الخزانة 2/ 209".(2/805)
فيكم بمعنى: عليكم. و"بقياي": بدل من "اتقاء الله" ومعنى البقيا هنا: الإبقاء.
وكونها للمصاحبة كقوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} 1.
وكونها لما يناسب الاستعانة كقوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَأُكُمْ فِيه} 2 أي: يكثركم به. كذا قال الفراء3.
ومثال الباء المعدية قوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِم} 4.
ومثال ورودها للاستعانة قولك5: "كتبت بالقلم".
ومثال ورودها للإلصاق قولك: "وصلت هذا بهذا".
ومثال كونها بمعنى "من"6 التبعيضية قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي7:
__________
1 من الآية رقم "79" من سورة القصص".
2 من الآية رقم "11" من سورة "الشورى".
3 قال الفراء في معاني القرآن 3/ 79:
" {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَأُكُمْ فِيهِ} معنى فيه: به، والله أعلم".
4 من الآية رقم "17" من سورة "البقرة".
5 ع وك "كقولك".
6 ع سقط "من".
7 هكذا في ك، وفي بقية النسخ "قول الشاعر".(2/806)
438-
فلثمت فاها آخذا بقرونها ... شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
ذكر ذلك الفارسي في التذكرة.
ورُوي مثل1 ذلك عن الأصمعي في قول الشاعر:
439-
شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لجج خضر لهن نئيج
ومثال كونها بمعنى "مع" قوله تعالى: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} 2.
ومثال كونها بمعنى عن قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ
__________
1 ع وك سقط "مثل".
2 من الآية رقم "30" من سورة "البقرة".
438- من الكامل نسب لجميل بثينة "الديوان 41، 42". وفي الأغاني 1/ 75 قصة ذكرها صاحب الأغاني تتعلق بأبيات منها هذا الشاهد في ترجمة عمر بن أبي ربيعة تدل على أنها له.
وهي في ديوانه ص488 وقبل البيت:
قالت وعيش أبي وحرمة إخوتي ... لأنبهن الحي إن لم تخرج
فخرجت خيفة قولها فتبسمت ... فعلمت أن يمينها لم تخرج
قرونها: ضفائرها. النزيف: بمعنى المنزوف من الخمر الممزوجة بالماء. ماء الحشرج: نوع من الماء.
439- سبق الحديث عن هذا البيت.(2/807)
السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} 1 و [قوله:] {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب} 2. والله أعلم3.
"ص":
"على" للاستعلا ومعنى "في" و"عن". ... بها4 تجاوز، ومعنى بعد عن
وبـ"على" عنها غنى، و"عن" بها ... كذاك عن "على" غني للنبها
ويلفيان اسمين5 بعد من ك "ما ... من عن يمين" "من عليه" اذكرهما
"ش": مثال ورود "على" بمعنى في قوله تعالى:
{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَان} 6 وقوله تعالى7: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} 8.
والأصل فيها الاستعلاء.
وكذا دلالة "عن" على التجاوز هو الأصل.
ورودها بمعنى "بعد" كقوله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا
__________
1 من الآية رقم "25" من سورة "الفرقان".
2 من الآية رقم "1" من سورة "المعارج".
3 سقط من الأصل ومن هـ "والله أعلم".
4 س "بعن".
5 ط "ويلغيان" ع وك "واسمين يلفيان".
6 من الآية رقم "102" من سورة "البقرة".
7 هـ سقط "تعالى".
8 من الآية رقم "15" من سورة "القصص".(2/808)
عَنْ طَبَق} 1.
ومنه قول الأعشى:
440-
لئن منيت بنا عن غب معركة ... لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل
وهو قليل بالنسبة لدلالتها على التجاوز.
ومثال الاستغناء بـ"على" عن لفظ "عن" قول الشاعر:
441-
إذا رضيت على بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها
ومثال الاستغناء بـ"عن" عن لفظ "على" قول الآخر:
442-
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني ولا أنت دياني فتخزوني
__________
1 من الآية رقم "19" من سورة "الانشقاق".
440- من البسيط قال الأعشى من قصيدة ليزيد بن مسهر الشيباني والرواية في الديوان "لم تلفنا" ص 149.
ننتثل: نتبرأ.
441- من الوافر قاله القحيف بن سليم العقيلي يمدح حكيم بن المسيب "النوادر 176". وقشير: -بالتصغير- هو قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
442- من البسيط قاله ذو الأصبع العدواني من أبيات وردت في الأغاني 3/ 104، المفضليات 266، الحماسة الشجرية 1/ 269، الاقتضاب 287، أمالي القالي 1/ 93.
لاه: الله أو لاه من الملاهاة وهي المنازعة، يقال: لاهاه إذا نازعه.
الديان: القاهر، والقاضي، والحاكم، والراعي، والحاسب والمجازي.....
خزاه: ساسه وقهره وملكه.(2/809)
أي: فتسوسني.
ودخول "من" عليها كقول الشاعر:
443-
أذلك أم كدربة ظل فرخها ... لقي بشروري كاليتيم المعيل
444-
غدت من عليه بعدما تم ظمؤها ... تصل وعن قيض بزيزاء مجهل
وكقول الآخر:
445-
فقلت للركب لما أن علا بهم ... من عن يمين الحبيا نظرة قبل
446-
ألمحة من سنا برق رأي بصري ... أم وجه عالية اختالت بها الكلل
__________
443، 444- من الطويل قالهما مزاحم بن الحارث العقيلي، شبه فيهما ناقته بقطاة واردة من عند فرخها. ورواية النوادر:
........................................ ... ............... بعد ما تم خمسها
........................................ ... ....... وعن قيض ببيداء..........
غدت من عليه: طارت من فوقه. ثم ظمؤها: كملت مدة صبرها عن شرب الماء. تصل: تصوت من أحشائها لشدة العطش. عن قيض: عن قشر البيض. زيزاء: أرض غليظة. مجهل: مجهولة مقفرة يتيه فيها الناس.
445، 446- من البسيط ينسبان إلى القطامي "النوادر 163، =(2/810)
"ص":
شبه بكاف وبها1 التعليل قد ... يعني وزائدا لتوكيد ورد
وقد يرى اسما: فاعلا أو مبتدا ... أو ذا انجرار باسم أو حرف بدا
"ش": كون الكاف الجارة حرف تشبيه هو المشهور.
ودلالتها على التعليل كثيرة كقوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُم} 2.
وكقوله3: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} 4 أي: أعجب لأنه لا يفلح الكافرون. كذا قدرة ابن برهان.
__________
= سيبويه 2/ 310، المقتضب 3/ 53، الكامل 488، شرح المفصل 8/ 37، الخزانة 4/853، همع 2/ 36، الدرر 2/ 36، مجالس ثعلب 73، العيني 3/ 301، التصريح 2/ 19، الأشموني 2/ 36".
والبيتان من قصيدة القطامي التي أولها:
إنا محيوك فاسلم أيها الطلل ... وإن بليت وإن طالت الطول
الحبيا: قرية الحسانيين: بني حسان الزهيريين.
نظرة قبل: إي نظرة لم يكن قبلها نظرة. السنا: الضوء. عالية: اسم محبوبة الشاعر. اختالت به الكلل: تبخترت الستور به.
"ينظر جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القسم الثاني ص814".
1 س ش هـ "وبه".
2 من الآية رقم "198" من سورة "البقرة".
3 ع ك هـ "وقوله".
4 من الآية رقم "93" من سورة "القصص".(2/811)
وحكى1 سيبويه: "كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه"2 والتقدير: لأنه لا يعلم فتجاوز الله عنه. و"ما": زائدة ومثال وقوع الكاف زائدة قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} 3.
وقول الزاجر4:
447-
لواحق الأقراب فيها كالمقق
أراد: فيها مقق، أي: طول.
ومثال وقوعها اسما محكوما بفاعليته قول الشاعر5:
448-
اتنتهون ولن ينهي ذو شطط ... كالطعن يهلك6 فيه الزيت والفتل
ومثال وقوعها مبتدأ قول الشاعر:
__________
1 ع وك "وحكاه".
2 الكتاب 1/ 470.
3 من الآية رقم "11" من سورة "الشوري".
4 ع وك "قول رؤبة".
5 ع وك "قول الأعشى".
6 ع وك "يذهب".
447- سبق الحديث عن هذا الرجز.
448- من البسيط قاله الأعشى ليزيد بن مسهر الشيباني من قصيدة "الديوان 149" والرواية فيه:
هل تنتهون؟ ولن ينهي ذوي شطط ... كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل(2/812)
449-
[أبدا كالفراء فوق ذراها ... حين يطوي المسامع الصرار
ومثال انجرارها باسم قول الراجز:
450-
فصيروا مثل كعصف مأكول
ومثال انجرارها بحرف قول الشاعر:] 1
451-
بكاللقوة الشغواء جلت فلم أكن ... لأولع إلا بالكمي المقنع
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
499- من الخفيف لم ينسب إلى قائل معين "العيني 3/ 292" يصف الشاعر رجلا يأوي ذرا الجبال بالليالي خوفا من عدوه أن يدهمه في منزله كحمير الوحش التي تتعلق دائما برءوس الجبال في الليالي خوفا من دهمة مفترس.
الفراء: جمع الفرأ: الحمار الوحشي. الذرا: جمع ذروة: أعلى كل شيء. حين يطوي: حين يسد. الصرار: الطير الذي يصيح بالليل.
أبدا: نصب على الظرف. والكاف في كالفراء في محل الرفع على الابتداء وفوق ذراها: خبره.
450- هذا بيت من مشطور الرجز آخر أربعة أبيات موجودة في زيادات ديوان رؤبة ص181، وقد ينسب لحميد الأرقط.
العصف: ورق الزرع الذي يبقى في الأرض بعد الحصاد، فتعصفه الرياح وتأكله الماشية.
451- من الطويل أنشده ثعلب ولم يعزه "العيني 3/ 295".
اللقوة: العقاب. الشغواء: المعوجة المنقار. الكمي: الشجاع المتغطي بسلاحه. المقنع: المغطي رأسه بالبيضة ورواية الأصل "الثغواء".(2/813)
"ص":
و"مذ" و"منذ" اسمان حيث رفعا ... وفي إضافة كـ"إذ" قد وقعا
"ش": قد تقدم أن "مذ" و"منذ" يكونان1 حرفين فيجران الزمان بمعنى "من" تارة، وبمعنى "في" تارة.
والإشارة الآن إلى أنهما إذا ارتفع ما وليهما من الزمان فهما اسمان.
فإن كان الزمان ماضيا فهما بمعنى "أول المدة".
وإن لم يكن ماضيا فهما بمعنى "جميع المدة".
فالأول. كقولك: "ما رأيته مذ يوم الجمعة".
والثاني: كقولك: "ما رأيته مذ ثلاثة أيام" أي: مدة انتفاء الرؤية ثلاثة أيام.
وقال2 سيبويه -في باب ما يضاف إلى الأفعال من الأسماء-:
"ومما يضاف إلى الفعل قولك: "ما رأيته مذ كان عندي، ومنذ3 جاءني"4.
فصرح بإضافة "مذ" إلى "كان"، وبإضافة "منذ" إلى "جاءني".
__________
1 ع سقط "يكونان".
2 ع وك "قال" بسقوط الواو.
3 ع "ومذ".
4 ينظر كتاب سيبويه 1/ 460.(2/814)
وإلى ذلك أشرت بقولي:
................................ ... وفي إضافة كـ"إذ" قد وقعا
فإن "إذ" تضاف إلى جملة فعلية، وإلى جملة اسمية.
و"مذ" و"منذ" يضافان إليهما أيضا.
ومن إضافة "مذ" إلى جملة اسمية قول الشاعر:
452-
وما زلت محمولا على ضغية ... ومضطلع الأضغان مذ أنا يافع
ومن إضافته إلى جملة فعلية قول الفرزدق1:
453-
ما زال مذ عقدت يداه إزاره ... فسما فأدرك خمسة الأشبار
454-
[يدني خوافق من خوافق تلتقي ... في ظل معترك العجاج2 مثار]
__________
1 هـ "قول الآخر".
2 سقط ما بين القوسين من الأصل.
452- من الطو يل ينسب إلى الكميت بن معروف جد الكميت بن زيد "إيضاح شواهد الإيضاح للقيسي 106، سيبويه 1/ 239، العيني 3/ 324".
الضغينة: الحقد.
يافع: شاب.
453، 454- بيتان من الكامل قالهما الفرزدق من قصيدة في مدح يزيد بن المهلب "الديوان" ورواية الخزانة 1/ 197:
يدني خوافق من خوافق للتقى ... في كل معتبط......................
ويُرْوَى:
يدني كتائب من كتائب تلتقي ... .......................................
سما: شب. أدرك: بلغ. وفاعلهما ضمير يعود إلى يزيد في بيت سابق.
الخوافق: الرايات. المعترك: موضع الاعتراك، وهو المحاربة وأراد بظله: الغبار الثائر في المعركة.
وقبل هذين البيتين:
أما يزيد فإنه تأبى له ... نفس موطنة على المقدار(2/815)
"ص":
وزيد بعد "من" و"عن" والباء "ما"1 ... وقد ترد2 الباء "ما" كـ"ربما".
وكفت الكاف و"رب" غالبا. ... وقد يرى "كما" لفعل ناصبا
"ش": زيادة ما" بين الباء ومجرورها كقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُم} 3.
وبين "عن" ومجرورها كقوله تعالى: {عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِين} 4.
وبين "من" ومجرورها كقوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} 5.
__________
1 ع وك
"وبعد با و"من" و"عن" قد زيد ما ... ........................................
2 ع "تزد".
3 من الآية رقم "159" من سورة "آل عمران".
4 من الآية رقم "40" من سورة "المؤمنون".
5 من الآية رقم "25" من سورة "نوح".(2/816)
وقد تحدث زيادة "ما" مع الباء تقليلا، وهي لغة هذيلية. وإليها أشرت بقولي:
................................. ... وقد ترد الباء "ما" ك "ربما"
وتتصل "ما" -أيضا- بالكاف: "رب" فيبقَى عملهما1 وذلك قليل.
ومثال ذلك في الكاف قول الشاعر:
455-
وننصر مولانا ونعلم أنه ... كما الناس: مجروم عليه وجازم
ومثال ذلك في "رب" قول الآخر:
456-
ماوي يا ربتما غارة ... شغواء كاللذعة بالميسم
__________
1 ع هـ ك "عملها".
455- من الطويل قاله عمرو بن براقة الهمذاني، وبراقة: اسم أمه أما أبوه فاسمه منبه "المؤتلف والمختلف للآمدي 567 العيني 3/ 332".
وقبل الشاهد:
إذا جر مولانا علينا جزيرة ... صبرنا لها إن كرام دعائم
456- من السريع من أبيات لضمرة بن ضمرة النهشلي. ورواية أبي زيد في النوادر 55:
ماوي بل ربتما غارة ... .........................
و"يا" في يا ربتما ليست للنداء وإنما هي للتنبيه. =(2/817)
والكثير كون "ما" المزيدة بعد الكاف و"رب" كافة ومهيئة لأن يدخلا على الجمل الاسمية والفعلية.
ومثال ذلك في الكاف قول الشاعر:
457-
تحالف يشكر واللؤم قدما ... كما جبلا قسا متحالفان
وقال آخر:
458-
أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد ... كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه
__________
= قال أبو زيد: الغارة الشعواء: الغارة المنتشرة.
اللذغة: من لذعته بالنار: أحرقته.
الميسم: ما يوسم به بالبعير بالنار.
وجواب "ربتما" في بيت بعد الشاهد هو:
ناهبتها الغنم على طيع ... أجرد كالقدح من السأسم
"أمالي ابن الشجري 2/ 153، معاني القرآن 2/ 236".
457- من الوافر يشكر بن على بن بكر بن وائل، ويشكر بن مبشر: أبوا قبيلتين.
قسا: قارة لتميم وفي معجم ما استعجم للبكري: جبل ببلاد باهلة. وقسا: بفتح أوله مقصور على وزن فعل. يكتب بالألف.
458- من الطويل قاله نشهل بن حري من أبيات يرثي بها أخاه مالكا، وكان قتل بصفين مع الإمام على كرم الله وجهه "ديوان الحماسة 1/ 360 بشرح التبريزي".
الماجد: الشريف الكريم.
المشهد: مجتمع الناس
سيف عمرو: الصمصامة. وعمرو: هو عمرو بن معديكرب الزبيدي.(2/818)
وقال آخر:
459-
فإن الحمر من شر المطايا ... كما الحبطات شر بني تميم
ومثال ذلك في "ربما" قول الشاعر:
460-
ربما الجامل المؤبل فيهم ... وعناجيج بينهن المهار
وأشرت بقولي:
..................................... ... وقد يرى1 "كما" لفعل2 ناصبا
__________
1 هـ "ترى".
2 ع "للفعل".
459- من الوافر قاله زياد الأعجم "الخزانة 4/ 282، أمالي الشجري 2/ 235، ورواية الخزانة عن الأخفش".
وجدنا الحمر من شر المطايا ... ..................................
قال الأخفش: معناه كالذين هم الحبطات.
وإن شئت جعلت "ما" زائدة وجررت الحبطات بالكاف.
460- من الخفيف قاله أبو دؤاد الإيادي جارية بن الحجاج "الديوان ص316".
الجامل: جماعة الإبل. المؤبل: الإبل المعدة للقنية.
العناجيج: -بالعين المهملة- جياد الخيل واحدها عنجوج كعصفور: الفرس الطويل العنق. المِهار: -بكسر الميم- جمع مُهر -بضم الميم- وهو ولد الفرس.(2/819)
إلى ما أنشده أبو علي في التذكرة من قول الشاعر:
361-
وطرفك إما جئتنا فاصرفنه ... كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر
ومثله قول الآخر:
462-
اسمع حديثا كما يوما تحدثه ... عن ظهر غيب إذا ما سائل سألا
وقدر أبو علي النصب بـ"كما" في البيتين. وزعم أن الأصل "كيما" فحذفت الياء. وهذه دعوى لا دليل عليها.
"ص":
وحذفت "رب" فجرت بعد "بل" ... والفا وبعد الواو شاع ذا1 العمل
ودونهن جر: "رسم2 دار" ... وفيه بانت حجة الإضمار
__________
1 هـ "وذا شاع".
2 هـ "اسم".
461- من الطويل قاله عمر بن أبي ربيعة والرواية في الديوان ص104.
إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا ... لكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظر
وفي ديوان جميل ص90:
وطرفك إما جئتنا فاحفظنه ... فزيغ الهوى باد لمن يتبصر
وفي ص92:
سأمنح طرفي في حين ألقاك غيركم ... لكيما يروا أن الهوى حيث أنظر
وفي الأصل: "تحسبوا".
462- من البسيط قاله عدي بن زيد "الديوان 158".(2/820)
"ش": كثير حذف "رب" وإبقاء عملها بعد الواو كقول امرئ القيس:
463-
وليل كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهموم ليبتلي
وزعم1 قوم أن الواو هي الجارة.
وليس بصحيح: لأن الجر بـ"رب" محذوفة بعد الفاء، و"بل" قد ثبت، ولا قائل بأنهما العاملان.
ومع ذلك قد روى الجر بـ"رب" محذوفة دون شيء قبلها، فعلم أن الجر بعد الواو [إنما هو بـ"رب" كما هو بها بعد الفاء و"بل" وعند التجرد منهما ومن2 الواو] .
ومثال الجر بها مضمرة بعد الفاء قول امرئ القيس:
464-
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع ... فألهيتها عن ذي تمائم مغيل
__________
1 ع "فزعم".
2 ع سقط ما بين القوسين.
463- من الطويل من معلقة امرئ القيس الكندي "الديوان ص36" وهو من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ ص171 وشرح التسهيل 2/ 168.
سدوله: ستوره. ليبتلي: لينظر ما عندي من صبر أو جزع.
464- من الطويل من معلقة امرئ القيس "الديوان 31" ورواية الديوان:
.................................. ... .............. ذي تمائم محول
مثلك: ينصب مفعولا مقدما لطرقت، ويخفض على معنى "رب" وهو الشاهد. التمائم. جمع تميمة وهو ما يعلق على الصبي من تعاويذ.
المغيل: المرضع وأمه حبلى أو تجامع.(2/821)
[ومثال الجر بها مضمرة بعد "بل" قول الراجز:
465-
بل بلد ملء الفجاج1 قتمه] 2
ومثال الجر بها مضمرة دون الواو والفاء و"بل" قول الشاعر:
466-
رسم دار وقفت في طلله ... كدت أقضي الحياة من جلله
وقد فهم هذا من قولي:
__________
1 ع، ك:
بل بلد مثل الأكام قتمه
2 هـ سقط ما بين القوسين.
465- رجز قاله رؤبة بن العجاج "الديوان ص150" وهو من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ 1/ 172، وشرح التسهيل 2/ 168.
القتم: الغبار. الفجاج: الطريق الواسع بين جبلين.
466- من المنسرح قاله جميل بن معمر "الديوان 53" وهو من شواهد المصنف في شرح عمدة الحافظ 1/ 172، وشرح التسهيل 2/ 168.
الرسم: ما لصق بالأرض من آثار الديار.
الطلل: ما شخص وارتفع من آثار الديار ورواية الديوان:
كدت أقضي الغداة ... .......................
وينظر حديث ابن جني في هذه المسألة والشاهد في سر صناعة الإعراب 1/ 149.(2/822)
ودونهم جر "رسم دار" ... وفيه بانت حجة الإضمار
"ص":
وقد يجر بسوى "رب" لدى ... حذف وفي "الله" يمينا عهدا1
وهو ضعيف وبإثر كلا ... يقوي قليلا، ويصير سهلا2
من بعد "ها" أو "أ" وقطع الهمز3 قد ... يغني وتعويض بذاك يعتمد
وقد يجر دون تعويض ومن ... ينصبه حينئذ فما وهن] 4
"ش": قالوا في اليمين "ها الله" بإثبات ألف "ها" وحذفها و"الله" بهمزة ممدودة كهمزة الاستفهام، وخفضوا5.
__________
1 هـ ط ش "وردا".
2 سقط هذا البيت من الأصل ومن ع وك وجاء في ط وس وش.
3 ع "من بعد أو وقطع الهمز".
4 سقط ما بين القوسين من هـ وجاء في هـ عوضا:
كذلك في جر بفا الجزا قرن ... نحو فخور بعد إما تعرضن
5 ينظر سر صناعة الإعراب لابن جني 1/ 149.(2/823)
ومنه قراءة بعض السلف1، "ولا نكتم شهادةً آللهِ"2 -بالتنوين والمد، والخفض-
ومن النحويين من ينسب الخفض إلى حرف الجر المحذوف. ومنهم من ينسبه إلى المجعول عوضا.
وقد يستغنون عند3 الحذف بقطع الهمزة كقول بعضهم: "أفألله لأفعلن" وربما جر هذا الاسم دون تعويض.
والمعروف حين لا يعوضون، النصب كما يفعل بغيره حين يحذف4 الجار كقول الشاعر:
467-
إذا ما الخبز تأدمه بلحم ... فذاك أمانة الله الثريد
فلهذا قلت:
................................... ... ومن ينصبه حينئذ فما وهن
__________
1 ع وك "بعض القراء".
والقراء هم: علي بن أبي طالب رضي الله عنه والشعب بخلاف، ونعيم بن ميسرة.
"المحتسب 1/ 212 وما بعدها".
2 من الآية رقم "106" من سورة "المائدة".
3 ع "عن الحذف".
4 هـ "حذف".
467- من الوافر من شواهد سيبويه الخمسين، ويقال إنه مما وضعه النحويون "سيبويه 1/ 434، بن يعيش 9/ 92، 102، 104، اللسان "أدم".(2/824)
أي: فما ضعف رأيه....
"ص":
وبعد "كم" مجرورة جر بـ"من" ... محذوفة في غير إخبار قمن
والنصب جوز فهو أصل كـ"بكم ... فقيه، أو فقيها اعتنى الحكم
"ش": لما ذكرت حذف الحرف المجرور به1 "الله" محلوفا به رأيت أن أردف ذلك بما يماثله في الحذف الذي لا يقتصر فيه على المسموع.
فمن ذلك حذف "من" بعد "كم" الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر كقولي:
...................................... ... "بكم فقيه ... اعتنى الحكم"
فجر "فقيه" وشبهه بـ"من" مضمرة.
وهو مذهب الخليل وسيبويه2 وأكثر النحويين.
وزعم ابن بابشاذ3 أنه ليس مذهب المحققين.
__________
1 في الأصل "لما ذكرت حرف الجر المجرور به الله محلوفا".
2 قال سيبويه في الكتاب 1/ 293:
"وسألته عن قوله "على كم جزع بيتك مبني؟ "
فقال: القياس النصب، وهو قول عامة الناس.
فأما الذين جروا فإنهم أرادوا معنى "من" ولكنهم حذفوها ههنا تخفيفا على اللسان، وصارت "على" عوضا منها".
3 طاهر بن أحمد بن داود بن إبراهيم أبو الحسن، المعروف بابن بابشد "ومعناه الفرح والسرور" النحوي، المصري، أحد الأئمة في فنون العربية، وفصاحة اللسان، توفي سنة 469هـ تقريبا.(2/825)
ورد عليه ابن خروف1 وجعل كلامه في ذلك فاسدا وقال:
"هو نص كلامهم إلا الزجاج2 وحده فإن ابن3 النحاس4 حكى عنه أنه كان يجعل الخفض بـ"كم"5 نفسها".
قال ابن خروف:
"ولا يمكن الخفض بها لأنها بمنزلة عدد ينصب6 مميزه وذلك لا يجر مميزه بإضافة، فكذا ما أقيم مقامه".
"ص":
ونحو: "مر بغلام صالح ... إلا غلام صالح فطالح"
__________
1 علي بن محمد بن علي بن محمد نظام الدين أبو الحسن بن خروف، الأندلسي، النحوي كان إماما محققا، مدققا، ماهرا، مشاركا في الأصول، أقام بحلب زمانا، واختل عقله في آخر عمره ومات سنة 609هـ تقريبا.
2 إبراهيم بن السري بن سهل أبو إسحاق الزجاج، أخذ عن ثعلب، ثم مال إلى المبرد ولزمه إلى أن مات سنة 311هـ.
3 سقط من الأصل "ابن".
4 أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المعروف بابن النحاس، كان واسع العلم غزير الأدلة، كثير التأليف مصنفاته تزيد على الخمسين توفي بمصر سنة 307هـ.
5 هـ سقط "بكم".
6 ع سقط "ينصب".(2/826)
و"امرر بأيهم أجل إن أبي ... زيد وإن سعيد المرجب"1
حكاه يونس، وعمرو قرره ... وجر بعد "إن" بباء مضمره
"ش": حكى سيبويه2 "مررت برجل صالح إلا صالحا فطالح، وإلا صالحا فطالحا".
وقدره: إلا يكن صالحا فهو طالح، وإلا يكن صالحا فقد لقيته طالحا فنصب "طالحا" على الحال.
وحكى يونس3: "إلا صالح فطالح" على تقدير: إلا أمر4 بصالح فقد مررت بطالح.
وأجاز: "امرر بأيهم هو أفضل إن زيد وإن عمرو" على معنى: إن مررت بزيد، وإن مررت بعمرو.
وجعل سيبويه5 إضمار هذه الباء بعد "إن" أسهل من إضمار "رب" بعد الواو، فعلم أن إضمار الجار في هذا النوع غير قبيح.
__________
1 المرجب: المعظم وفي ط "المرحب".
2 كتاب سيبويه 1/ 131.
3 نفس المرجع والصفحة.
4 ع سقط "أن".
5 كتاب سيبويه 1/ 132.(2/827)
"ص":
والجر بالمحذوف فاش إن تلا ... مماثلا كقول بعض من خلا
"أوصيت من برة قلبا حرا ... بالكلب خيرا، والحماة شرا"
في نحو1 جيء بزيدا و2عمرو3 ولو4 ... كليهما" البا بعد "لو" فيه نووا
وبعد تخصيص، أو الهمزيري ... سعيد الجر بحرف أضمراز
كـ"اسم" اثر "انطق بها" و"هلا ... زيد" لقائل: "لذ بعبد الأعلى"
وما سوى ذلك في الكلام5 ... فذو شذوذ كـ"ارتقى الأعلام"
"ش": إذا وقع بعد غير مجرور، ومجرور6 بحرف عاطف
__________
1 ط "ونحو".
2 هـ "وعمرو".
3 ع ك "جيء بعمرو أو زيد".
4 هـ "أو".
5 هكذا في الأصل. وفي س وش وط وع وك جاء هذا الشطر كما يلي:
وغير ذي وما لدى الإقسام ... ...........................
6 هـ سقط "ومجرور".(2/828)
عليهما جاز أن يجاء بالمجرور محذوف العامل.
ومنه قوله تعالى1: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ} 2.
ومنه قول الشاعر:
468-
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
وكذا قول الراجز3:
469-
أوصيت من برة قلبا حرا
470-
بالكلب خيرا والحماة شرا
__________
1 الآيتان رقم "4، 5" من سورة "الجاثية".
2 سقط من الأصل "من رزق".
3 ع وك "الآخر".
468- من البسيط قاله محمد بن بشير من قصيدة ذكرها صاحب الحماسة 2/ 48، وجاءت في شرح التبريزي 2/ 34.
أخلق: أجدر.
469، 470- هذا رجز قاله أبو النجم العجلي من أرجوزة يوصي ابنته برة عندما خرجت إلى بيت الزوجية، وللأبيات قصة ذكرها صاحب الخزانة 1/ 407 وابن الشجري في الأمالي 1/ 48 وبعد الشاهد:
لا تسأمي ضربا لها وجرا
حتى ترى حلو الحياة مرا
وإن كستك ذهبا ودرا(2/829)
وكذا قولي:
...... جيء بزيد أو عمرو ولو ... كليهما...........................
ويجوز في "كليهما" ونحوه أيضا النصب بإضمار فعل ناصب، والرفع بإضمار فعل رافع.
ذكر هذا الأصل الأخفش في المسائل.
قال:
"ويقال: مررت بزيد [فتقول: أزيد بن عمرو؟
ويقال: جئت بدرهم فيقال: هلا دينار؟
قال: "وهذا كثير" هذا نصه.
قلت: ومثل "أزيد بن عمرو" بعد1 قول القائل: "مررت بزيد"] 2 قولك لمن قال: "انطق بكلمة": "اسم أم فعل".
ومثل قولك لمن قال: "جئت بدرهم": "هلا دينار": قولك لمن قال: "لذ بعبد الأعلى": "هلا زيد".
وأشرت بقولي:
وما سوى ذلك........... ... ..................................
إلى نحو3 قول الشاعر:
__________
1 هـ "وقول".
2 ع سقط ما بين القوسين.
3 هـ سقط "نحو".(2/830)
471-
وكريمة من آل قيس ألفته ... حتى تبذخ فارتقى الأعلام
أراد: إلى الأعلام فحذف1 "إلى" وأبقى عملها دون دليل. [وما في القسم2 يأتي إن شاء الله تعالى] 3.
"ص":
والفصل بين حرف جر والذي ... جر به لدى اضطرار احتذى
كقوله: "في اليوم عمرو" بعد "لذ ... خير" و"بالخرق4 الهبوع" نقلا
"ش": المشهور [عند النحويين كلامهم5 في] الفصل بين المضاف والمضاف إليه.
[وكما فصل بين المضاف والمضاف إليه] 6 فصل بين
__________
1 ع "فحذفت".
2 هـ "الأقسام"
3 سقط ما بين القوسين من الأصل.
4 ط "وبا الجرق".
5 هكذا في هـ وسقط ما بين القوسين من باقي النسخ والأصل.
6 سقط ما بين القوسين.
471- من الكامل قال العيني 3/ 341: لم أقف على اسم قائله.
كريمة: يقصد كريم فألحق التاء للمبالغة، وليس هذا من الأمثلة التي تدخل عليها التاء لأنها ثلاثة هي فعالة كنسابة، وفعول كفروقة، ومفعالة كمهذارة.
وحذف التنوين من قيس للضرورة.
تبذخ: تكبر وعلا وشرف. ارتقى: صعد. الأعلام: الجبال. ألفته: صحبته.(2/831)
حرف الجر والمجرور به إلا أنه قليل، ومنه قول الشاعر أنشده أبو عبيدة1:
472-
إن عمرا لا خير في اليوم عمرو ... إن عمرا مخبر2 الأحزان
ففصل بـ"اليوم" بين "في" و"عمرو" وقال الفرزدق:
473-
وإني لأطوي الكشح من دون من طوى3 ... وأقطع بالخرق الهبوع المراجم
أراد: وأقطع الخرق بالهبوع المراجم.
والهبوع: البعير الماد عنقه في السير. والمراجم: الذي يخبط بقوائمه.
وحكى الكسائي في الاختيار الفصل بالقسم بين حرف الجر والمجرور نحو: "اشتريته بوالله درهم" أراد: بدرهم والله.
__________
1 ع وك "انشده أبو علي".
2 ع وك "محبر".
3 ع وك "ما انطوى".
472- من الخفيف استشهد به السيوطي في همع الهوامع 2/ 37 ولم ينسب وروايته:
................................... ... .................. مكثر الأحزان
473- من الطويل نسبه المصنف للفرزدق ولم أعثر عليه في ديوانه.
الخرق: القفر، أو الأرض الواسعة تخرقها الرياح.
الكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف. وطوى كشحه على الأمر: أضمره وستره.(2/832)
باب: القسم
"ص":
جملة اسمية او فعليه ... للقسم اجعل قاصدا أليه
نحو: "علي عهده" و"أقسم" ... به" وجملة الجواب تختم
وإن تكن من جمل الأسماء ... مثبتة فاللام قبل جاء
أو "إن" نحو "قسمي الله لذا1 ... أو إنه بر بعيد من أذى"
وإن تصدر بمضارع ثبت ... مستقبلا فالنون إياه تلت
واللام قبل، وهي -وحدها- ترد ... مع حرف تنفيس، وإن حال قصد
__________
1 ع وهـ "كذا".(2/833)
أو قارنت معموله كـ"لإلى"1 ... من قبل "تحشرون" ذو "الله" تلا
إفرادها في غير ذي شذ وفي ... "مرة أثأرن" بالنون اكتفى
"ش": القسم جملة يجاء بها لتوكيد جملة، وترتبط إحداهما بالأخرى ارتباط جملتي الشرط والجزاء. وكلتاهما اسمية، وفعلية.
[والمؤكدة هي الأولى] 2.
والمؤكدة هي الثانية. وهي المسماة جوابا. ولذلك قلت:
........................... ... وجملة الجواب تختم
وجعلت:
.............. "على عهده" ... .......................
مثالا للجملة الاسمية ...
و.............."أقسم ... به".....................
مثالا للجملة الفعلية.
ونبهت على أن جملة الجواب إن كانت اسمية، مثبتة
__________
1 ط "كلا إلى".
2 هـ وسقط ما بين القوسين.(2/834)
لزمها اللام. أو "إن" نحو: "والله لزيد ذا" و1"لعمرك2 إنه بعيد من أذى".
ثم نبهت على أن جملة الجواب إن صدرت بفعل مضارع مثبت مستقبل صحب اللام. وإحدى3 نوني التوكيد كقوله تعالى: {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِين} 4.
ثم نبهت بقولي:
............. وهي وحدها ترد5 ... .....................................
على أن اللام تنفرد مع ما قرن بحرف التنفيس كقول الشاعر:
474-
فوربي لسوف يجزى الذي أسـ ... ـلفه المرء سيئا أو جميلا
ومع ما أريد الحال نحو: "والله لأظنك صادقا".
__________
1 ع وك "أو"
2 ع "لعمروك".
3 ع ك "وأحد"
4 من الآية رقم "32" من سورة يوسف
5 ع ك سقط "ترد".
474- من الخفيف لم ينسب إلى قائل معين "التصريح 2/ 204".(2/835)
ومع معمول ما قدم معموله كقوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} 1.
وكقول الشاعر:
475-
قسما لحين تشب نيران الوغي ... يلفي لدي شفاء كل غليل
و"ذو" من قولي:
..................................... ... ..................... ذو "الله" تلا
بمعنى "الذي"
ثم أشرت بقولي:
إفرادها2 في غير ذي شذ ... ............................
إلى أن انفراد3 اللام إذا لم يكن المضارع مقترنا بحرف تنفيس ولا مقدما معموله، ولا مرادا به الحال شاذ. وكذلك انفراد النون.
فمن انفراد اللام شذوذا قول الشاعر:
__________
1 من الآية رقم "158" من سورة "آل عمران".
2 في الأصل "وإفرادها".
3 هـ "إفراد".
475- من الكامل.(2/836)
476-
تألى ابن أوس حلفة ليردني ... على نسوة كأنهن مفائد1
وأنشد الفراء في كتاب2 المعاني:
477-
لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم ... ليعلم ربي أن بيتي واسع
ومن انفراد النون قول الآخر:
478-
وقتيل مرة أثأرن فإنه ... فرغ وإن أخاكم لم يثأر
__________
1 ع "مقايد".
2 هـ سقط "كتاب".
476- من الطويل من أبيات لزيد بن حصين أوردها له صاحب الحماسة 1/ 310 تألي حلف حلفة: منصوب على المصدرية من تالي على غير اللفظ.
المفائد: جمع مفأد وهي عيدان الحديد التي يشوى عليها اللحم يشير بذلك إلى خستهن.
ابن أوس: هو قيس بن أوس بن حارثة الطائي المشهور.
وكان أقسم ليأخذن زيدا أسيرا في قصة جرت له معه فقتله زيد. وقيل أسره [التبريزي 1/ 217] .
477- من الطويل أنشده الفراء في كتاب المعاني في أوائل سورة البقرة ولم ينسبه ثم أنشده ثانيا في سورة الإسراء عند قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِن} 2/ 131.
وقال: أنشدني الكسائي للكميت بن معروف."الخزانة 4/ 220، 545".
478- من الكامل لعامر بن الطفيل ورواية الديوان 56، والمفضليات 364، والأصمعيات 252، والخزانة 4/ 216، وشرح الدرة لابن الخباز 29.
................................ ... فرع وإن أخاهم لم يقصد
قتيل مرة: أخو الشاعر قتله بنو مرة فرغ: هدر لم يثأر، أو فرع: شريف على كلتا الروايتين.
وفي اصلاح المنطق لابن السكيت ص19. يقال: ذهب دمه فرغا أي: هدرا باطلا.(2/837)
"ص":
والماضي مثبتا مصرفا يلي ... "لقد" كذا "لربما1 -أيضا- ولي
أو "لبما" واللام حسب قد ترد ... وأفردت حتما لتصريف فقد
أو سبق معمول وقد يعري لدى ... طول كلام مع تصرف بدا
ويكتفى بـ"قد" كـ"قد أفلح من". ... وذا بلا استطالة غير حسن
وقد يلي2 مضارع "قد" أو "بما" ... أو "ربما" إذا مضيا أفهما
وإن يك الجواب منفيا فلا ... توقعه إلا بعد "ما" و"إن" و"لا"
والماضي لفظا آتيا معنى نفي ... بأخوي "ما" وبـ"ما" قد ينتفي
__________
1 في الأصل "كربما".
2 س وش "قد تلي".(2/838)
وحذف ما ينفي المضارع اشتهر ... ومع سواه دون لبس ذا ندر
ومع حذف قسم قد يحذف ... نافي مضارع بحيث يعرف
وشذ "لن" و"لم" جوابا و"لما" ... نفيا وترك اللام في النثر الزمان
"ش": إذا صدرت جملة الجواب بفعل ماض متصرف مثبت فحقه أن يقترن باللام و"قد" كقوله تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} 1.
أو باللام و"ربما" كقول قيس العامري:
479-
لئن نزحت دار لليلي للربما ... غنينا بخير والديار جميع] 2
أو باللام و"بما" بمعنى "ربما" كقول عمر بن أبي ربيعة:
480-
فلئن بان أهله ... لبما كان يؤهل
__________
1 من الآية رقم 91" من سورة "يوسف".
2 هـ سقط ما بين القوسين.
479- من الطويل ذكره صاحب الخزانة 4/ 223 وروى "للبنى" موضع لليلى وذكره 4/ 541 وروى "لسلمى" موضع "لليلى" ولم ينسبه في الموضعين.
480- من مجزوء الخفيف قاله عمر بن أبي ربعة ورواية الديوان 340.
.................. ... فبما كان يؤهل
بان: فارق.(2/839)
ثم نبهت بقولي:
......... واللام حسب قد ترد ... ....................................
على أن الماضي المجاب به إذا كان مثبتا، متصرفا قد يقرن باللام وحدها كقوله تعالى: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ} 1.
وكقول امرأة من الصحابة رضي الله عنها.
فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح فأناخ2.
ثم نبهت بقولي:
................................. ... وأفردت حتما لتصريف فقد
على وجوب3 انفراد اللام لعدم تصرف الفعل الماضي كقول الشاعر:
481-
لعمري لنعم الفتى مالك ... إذا الحرب أصلت لظاها رجالا
وعلى وجوب انفرادها لتقدم معمول الفعل كقول أم حاتم
__________
1 من الآية رقم "51" من سورة "الروم".
2 أخرجه أحمد في مسنده 6/ 380 عن امرأة من بني غفار.
3 ع ك "وجود".
481- من المتقارب.(2/840)
الطائي:
482-
لعمري لقدما غضني الجوع عضة ... فآليت ألا أمنع الدهر جائعا
ثم نبهت1 بقولي:
........... وقد يعرى لدي ... طول كلام مع تصرف بدا
إلى نحو قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُود} 2.
ثم أشرت إلى اقترانه عند الاستطالة بـ"قد" وحدها كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} 3.
ولو جيء دون استطالة بفعل ماض مجرد كـ"قتل"، أو مقرون بـ"قد" وحدها كـ"قد أفلح" لمن يحسن.
ثم قلت:
وقد يلي مضارع "قد" أو "بما" ... أو "ربما" إذا مضيا أفهما
فأشرت بذلك إلى قول الشاعر:
__________
1 ع ك "ثم أشرت".
2 من الآية رقم "4" من سورة "البروج".
3 من الآية رقم "9" من سورة "الشمس".
482- من الطويل، نسبه المصنف لقائله.
عضني الجوع: آلمني.
آليت: أقسمت.(2/841)
483-
لئن أمست ربوعهم يبابا ... لقد تدعو الوفود لها وفودا
وإلى قول عمر بن أبي ربيعة:
484-
فلئن تغير ما عهدت وأصبحت ... صدفت فلا بذل ولا ميسور
485-
لبما تساعف1 في اللقاء ولبها2 ... [فرح بقرب مزارنا مسرور] 3
وإلى قول مطيع بن إياس:
486-
فلئن صرت لا تحير جوابا ... لبما قد ترى وأنت خطيب
__________
1 ع ك "يساعف".
2 ع ك "وليها".
3 هـ سقط ما بين القوسين.
483- من الوافر ذكره في الخزانة 4/ 223 وعرضا ولم ينسبه.
ربوعهم: ديارهم.
يبابا: خرابا.
484، 485- من الكامل قالهما عمر بن أبي ربيعة، ورواية الديوان "131" توافق رواية الأصل التي اعتمدناها.
صدفت: أعرضت.
اللب: القلب.
486- نسب المصنف هذا البيت لمطيع بن إياس تبعا للقالي في أماليه الذي أورد الأبيات التي قالها مطيع بن أياس في رثاء يحيى بن زياد الحارثي "الأمالي 1: 270" ومنها الشاهد ونسبه صاحب الدرر اللوامع 2/ 41 تبعا للعيني لصالح بن عبد القدوس "المقاصد النحوية 3/ 347".
تحير: مضارع أحار -بالحاء المهملة- بمعنى أجاب.
والجملة بعد اللام في "لبما" الواقعة في جواب القسم: جواب القسم لا جواب الشرط -كما وهم العيني.(2/842)
فلما انتهى الكلام على الجواب المثبت أخذت أبين الجواب1 المنفي.
فنبهت على أنه لا يُنفى إلا بـ"ما" أو "إن" أو "لا". ولا فرق في ذلك بين الجملة الاسمية، والجملة الفعلية.
إلا أن الاسمية إذا نفيت بـ"لا"وقدم الخبر، أو كان2 المخبر عنه معرفة لزم تكرارها3 في غير الضرورة نحو: "والله لا زيد في الدار، ولا عمرو"4 و"لعمري لا أنا هاجرك ولا مهينك".
ثم قلت:
والماضي لفظا آتيا معنى نفي ... بأخوي "ما" وبـ"ما" قد ينتفي
__________
1 ع ك سقط "الجواب".
2 في الأصل "وقدم الجزاء وكان المخبر".
3 ع "تكراها".
4 هكذا في جميع النسخ والأقرب أن يكون المثال "والله لا في الدار زيد ولا عمرو".(2/843)
فنبهت على قولهم: "تالله لا زرتك". و"والله إن كلمتك". بمعنى: لا أزورك وإن أكلمك.
ومن الأول قول الشاعر:
487-
ردوا فوالله ما ذدناكم أبدا ... ما دام في مائنا ورد لنزال
ومن الثاني قوله تعالى: {إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِه} 1.
وأشرت بقولي:
............................... ... ........ وبـ"ما" قد ينتفي
إلى قوله تعالى: {مَا تَبِعُوا قِبْلَتَك} 2 بمعنى: لا يتبعون.
وجعل الفراء هذا من إجراء "لئن" مجرى "لو" كما أجريت
__________
1 من الآية رقم "41" من سورة "فاطر".
2 من الآية رقم "145" من سورة "البقرة".
487- من البسيط لم ينسب إلى قائل معين، ورواية السيوطي في همع الهوامع 1/ 9.
................................. ... ما دام في مائنا ورد لوراد
الذود: السوق والطرد والدفع.
الورد: الإشراف على الماء وغيره دخله أم لم يدخله، نزل بالقوم: حل بهم.(2/844)
مجراها في [قوله تعالى:] 1 {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ} 2.
ثم نبهت على اشتهار حذف ما ينفي المضارع نحو: "والله أقوم" بمعنى: والله لا أقوم.
وجاز ذلك للعلم3 بأن الإثبات غير مراد لأنه لو4 كان مراد لجيء باللام والنون فقيل: والله لأقومن.
وإذا لم يرد إثبات تعين كون النفي مرادا إذ لا بد للكلام من أحدهما ومن ذلك قوله تعالى: {تَاللَّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُف} 5 أي: لا تزال تذكر يوسف6.
ثم أشرت بقولي:
.................................... ... ومع سواه دون لبس7 ذا ندر
إلى أن نافي الماضي قد يحذف إذا دلت قرينة على إرادة النفي؛ كقول أمية بن أبي عائذ الهذلي:
__________
1 من الآية رقم "51" من سورة "الروم"
2 سقط من الأصل ومن هـ "من بعده يكفرون".
3 هـ "العلم".
4 ع "إن".
5 من الآية رقم 85" من سورة "يوسف".
6 سقط من الأصل ومن هـ "يوسف".
7 هـ "ليس".(2/845)
488-
فإن شئت آليت بين1 المقا ... م والركن والحجر الأسود
489-
نسيتك ما دام عقلي معي ... أمد به أمد السرمد
أراد: لا نسيتك فحذف النافي لأن المعنى لا يصح إلا بتقديره.
ولأنه لو أراد الإثبات لقال: "لقد نسيتك".
وقد يحذف أيضا نافي الجملة الاسمية إذا لم يستقم المعنى إلا بتقديره كقوله عبد الله2 بن رواحة رضي الله عنه:
490-
فوالله ما نلتم وما نيل منكم ... بمعتدل وفق ولا متقارب
__________
1 هـ سقط "بين".
2 سقط من الأصل "عبد الله" وكذلك سقط من هـ.
488، 489- من المتقارب قاله أمية بن أبي عائذ الهذلي "شرح السكري 493" ولا توجد هذه الأبيات في ديوان الهذليين لأن القسم الذي فيه شعر أمية بن أبي عائذ من رواية الأصمعي مفقود.
السرمد: الدائم والطويل من الليالي.
490- نسبه المصنف لعبد الله بن رواحة وليس في ديوانه وهو من الطويل ونسبه المصنف في شرح التسهيل لحسان بن ثابت 1/ 39 حيث أورد هناك رأيا يخالف رأيه هنا فقال: =(2/846)
أراد: ما1 ما نلتم، وما نيل منكم بمعتدل فحذف "ما" النافية، وأبقى "ما" الموصولة.
وجاز ذلك لدلالة الباء الزائدة في الخبر2. ولدلالة العطف بـ"ولا".
وهذا البيت وبيت أمية غريبان.
ثم أشرت بقولي:
ومع حذف قسم قد يحذف ... .................................
إلى أنه قد يجمع بين حذف القسم وحذف نافي الجواب كقول النمر بن تولب:
__________
= وإذا كان الموصول اسما أجاز الكوفيون حذفه إذا علم، وبقولهم في ذلك أقول، وإن كان خلاف قول البصريين إلا الأخفش لأن ذلك ثابت بالقياس والسماع.
فالقياس على "أن" فإن حذفها مكتفى بصلتها جائز بإجماع مع أن دلالة صلتها عليها أضعف من دلالة صلة الموصول من الأسماء عليه؛ لأن صلة الاسم مشتملة على عائد يعود عليه.
وأما السماع فمنه قول حسان رضي الله عنه:
فوالله ما نلتم وما نيل منكم ... ....................................
أراد: ما الذي نلتم وما نيل منكم.
1 سقطت "ما" من الأصل وفي ع "بما ما".
2 يقصد قوله "بمعتدل".(2/847)
491-
وقولي إذا ما أطلقوا عن بعيرهم ... تلاقونه حتى يئوب المنخل
أراد: والله لا تلاقونه فحذف1 القسم، وحرف2 النفي.
ثم نبهت على أن جواب القسم قد ينفي بـ"لن" وبـ"لم"3 وذلك4 في غاية من5 الغرابة.
وشاهد الأول قول أبي طالب يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا6.
__________
1 ع ك "بحذف".
2 هـ "وحذف النفي".
3 ع وك "ولم".
4 هـ "سقط "ذلك".
5 سقط من الأصل ومن ع "من".
6 هكذا في هـ وسقط من ك ع "تسليما كثيرا" وفي الأصل "عليه السلام".
491- من الطويل قائله النمر بن تولب "الديوان 85" ورواية الديوان.
وقولي إذا ما غاب يوما بعيرهم ... ........................................
والمنخل: شاعر يشكري اتهمه النعمان بامرأته المتجردة فحبسه، ثم انقطعت أخباره فضربت به العرب المثل فيمن يذهب ولا يعود.
"جمهرة أشعار العرب ص141، شرح شواهد المغني للسيوطي 214".(2/848)
492-
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوارى في التراب دفينا
وشاهد الثاني: ما حكى الأصمعي قال: قلت لأعرابي: ألك بنون؟ قال: نعم، وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة.
ثم أشرت بقولي:
................. ولما ... نفيا.................
- وعطفه على ما شذ من نفي الجواب بـ"لن" و"لم" إلى أن الجواب المنفي حقه أن يكون بغير لام.
فإن1 جاءت اللام في بعض المواضع حكم بالشذوذ، وخص بالضرورة فلذلك قلت:
................................ ... وترك اللام في النثر الزما
ومن شواهد ذلك قول مسعود بن بشير:
493-
أما والذي لو شاء لم يخلق النوى ... لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي
__________
1 في الأصل "وان".
492- هذا واحد من خمسة أبيات من الكامل تنسب لأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم "ديوان أبي طالب ص4، غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب للخطيب ص176".
493- من الطويل وبعده في أمالي القالي 2/ 196:
يوهمنيك الشوق حتى كأنما ... أناجيك من قرب وإن لم تكن قربي(2/849)
قال ابن برهان بعد إنشاده:
494-
لما أغفلت شكرك فاصطنعني ... وكيف1 ومن عطائك2 جل مالي3
شبهها بـ"ما" الموصولة؛ فلذلك أدخل عليها اللام، والله أعلم4.
"ص":
وقد يجيء بين نفيين القسم ... وربما استغنوا بما قبل ارتسم
وقد يكون مثبتا جواب ما ... أُولي "لا" نافي ما تقدما
أو زائدا مؤكدا، وقيل في ... "لا أقسم" الوجهان فاقف ما اقتُفي
وناب5 عن "أقسم" منصوبا "قسم" ... وشبهه كذا "القضا" بذا اتسم
__________
1 ك "فكيف".
2 ع "عطاياك".
3 هـ "ما إلى".
4 هكذا في الأصل فقط وسقط "والله أعلم" من باقي النسخ.
5 ع "وبان".
494- من الوافر قاله النابغة الذبياني من قصيدة في مدح النعمان بن المنذر "الديوان 139".(2/850)
واستعملوا كذلك اليقينا ... والحق، والنذر رأوا يمينا
و"لك"1 أو على في الأيمان ... قل رافع "الله" أو "الرحمن"
وكثر استغناؤهم2 بـ"علما". ... وشبهه و"خفت" جاء قسما
كذا "عاهدت" و"واثقت"3 وما ... ساواهما4، أو نال قربا منهما
"ش": قد يقصد المقسم توكيد نفي المحلوف عليه فيوقع القسم بين نافيين كقول بعض الطائيين:
495-
أخلاء لا تنسوا مواثيق بيننا ... فإني لا والله ما زلت ذاكرا
وقد يُستغنى بالنافي المتقدم على القسم عن النافي المباشر للجواب كقول المتنخل:
__________
1 ط "كذاك".
2 ع "استفاهم".
3 ع "ووثقت".
4 س "سواهما".
495- من الطويل لم أقف على اسم قائله ورواية ع وك "أخلاي".(2/851)
496-
فلا والله نادى الحي ضيفي ... هدوا بالمساواة والعلاط
أراد: ما نادى
فحذف "ما" استغناء1 عنها بـ"لا" التي قبل القسم. وإلى2 هذا أشرت بقولي:
وقد يجيء بين نفيين القسم ... وربما استغنوا بما قبل ارتسم3
ثم قلت:
وقد يكون مثبتا جواب ما ... أُولي "لا" نافي ما تقدما
فنبهت بذلك على مثل قول عبد الله بن رواحة -رضي الله عنه:
__________
1 ع وك "واستغنى".
2 في الأصل وهـ "فإلى".
3 في الأصل "اتسم".
496- من الوافر قاله المتنخل اليشكري من قصيدة مشهورة يفتخر بأن ضيفه مصون لا ينادى في الحي بما يكره "شرح ديوان الهذليين للسكري 1269، ديوان الهذليين 2/ 21".
العلاط: -بعين فطاء مهملتين- الخصومة، ومصدر علطه بشر: ذكره بسوء يقول: لا والله لا ينادي الحي ضيفي بعد الهدوء بالمساءة.(2/852)
497-
فلا وأبي لنأتيها جميعا ... ولو كانت بها عرب وروم
كأنه قال: فلا ندعها، ثم قال: وأبي لنأتيها جميعا.
وفيه شاهد على الاستغناء باللام عن نون التوكيد.
وقيل في "لا" من [قوله تعالى:] {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُوم} 1 وشبهه إنها نفي لقول2 الكافرين المخالف3 لما أقسم عليه فحذف المنفي وبقي حرف النفي كما يفعل في الجواب.
وقيل "لا" زائدة للتوكيد، ولا يمنع من ذلك التقديم. لأن ما قبل، وما بعد [في حكم جملة واحدة.
ثم نبهت على أن فعل القسم] 4 قد ينوب عنه لفظ القسم، واليمين والألية، والقضاء واليقين والحق، وغير ذلك.
__________
1 من الآية رقم "75" من سورة "الواقعة".
2 ع وك "كقول".
3 ك وع "المخالفين".
4 ع سقط ما بين القوسين.
497- من الوافر قاله ابن رواحة في غزوة مؤتة "الديوان ص103، سيرة ابن هشام" 793" ورواية الديوان:
فلا وأبي مآب لنأتينها ... وإن كانت بها عرب وروم
ومآب: مدينة في أطراف الشام من نواحي البلقاء.(2/853)
فمن [نيابة لفظ القسم قول الشاعر:
498-
قسما لأصطبرن على ما سمتني ... ما لم تسومي هجرة وصدودا
ومن] 1 نيابة اليمين قول زهير:
499-
يمينا لنعم السيدان2 وجدتما ... على كل حال من سحيل ومبرم
[ومن نيابة "ألية" قول رجل من طيئ إسلامي:
500-
ألية ليحيقن بالمسيء -إذا ... ما حوسب الناس طرا- سوءا ما عملا] 3
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 ع "السبيل إن".
3 هـ سقط ما بين القوسين
498- من الكامل، وسمتني: كلفتني، وأكثر ما يستعمل في العذاب والشر "قاموس" والصدود: الإعراض.
499- من الطويل من معلقة زهير بن أبي سلمى.
يمينا: مصدر مؤكد لقوله أقسمت في البيت قبله وهو:
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله ... رجال بنوه من قريش وجرهم
السيدان: الحارث بن عوف، وهرم بن سنان.
السحيل: الحبل لم يحكم فتله، وأراد به الأمر السهل الضعيف.
المبرم: الحبل المفتول مرتين، وأراد به الأمر الشديد القوي.
500- من البسيط يحيق: ينزل، والحيق: ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله. طرا: جميعا وهو منصوب على المصدر أو الحال "لسان".(2/854)
ومن نيابة القضاء ما حكى ثعلب عن بعض1 من يثق به:
إن العرب تنصب قضاء الله وتجعله قسما.
ومن نيابة اليقين ما أنشده أبو على من قول الشاعر:
501-
ويقينا لأشربن بماء ... وردوه فعاجلا وتئيه
ومن نيابة "الحق" قوله تعالى: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ، لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِين} 2، 3.
وأشرت بقولي:
...................... ... والنذر4 رأوا يمينا
إلى قول الشاعر:
502-
عليَّ إلى البيت المحرم حجة ... أوافي بها نذرا ولم أنتعل نعلا
__________
1 ع وك "عمن يثق به".
2 ع وك "ومن نيابة الحق قول الحق تعالى فالحق".
3 الآيتان "84، 85" من سورة "ص"
4 ع "والنذور".
501- من الخفيف، التئية: التلبث والتحبس.
502- من الطويل.(2/855)
503-
لقد منحت ليلى المودة غيرنا ... وإن لها منا المودة والبذلا
وأشرت بقولي:
و"لك"1 أو "على" في الأيمان ... قل رافع "الله" أو "الرحمن"
إلى قول الشاعر:
504-
لك الله لا أُلفى لعهدك ناسيا ... فلا تك إلا مثل ما أنا كائن
وإلى قوله:
505-
نهى الشيب قلبي عن صبا وصبابة ... ألا فعلي الله أوجد صابيا
وإلى قول ابن أبي ربيعة:
__________
1 هـ "ذلك أو على".
503- من الطويل. البذل: العطاء.
504- من الطويل.
505- من الطويل. الصبوة: جهلة الفتوة ويقال: صبا إليها: حن الصبابة: القليل من المال والبقية من الشراب، والصبابة: الشوق، وقيل: رقته وحرارته.(2/856)
506-
لقد حليتك العين أول نظرة ... فأعطيت مني يابن عم قبولا
507-
أميرا على ما شئت مني مسلطا ... فسل فلك الرحمن تمنع سولا
ومن استغنائهم بـ"علم" عن القسم1 قول ضريب بن أسد القيسي:
508-
إني علمت على ما كان من خلق ... لقد أراد هواني اليوم داود
ودخل تحت هذا:
................. ... وشبهه.......
قوله تعالى: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّه} 2 فإنه جارٍ مجرى "نقسم": ولذلك قال بعده3: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّة} 4.
__________
1 ع وك "ومن استغنائهم عن القسم بعلم".
2 من الآية رقم "1" من سورة "المنافقون".
3 ع ك هـ "ولذلك قال بعد ذلك".
4 من الآية رقم "2" من سورة المنافقون".
506، 507- بيتان من الطويل "ديوان عمر 356" والرواية فيه:
............................... ... ............... تمنح سولا
508- من البسيط.(2/857)
وفي الحديث:
"أمرت بالسواك حتى خفت لأدردن" 1.
فأجرى "خفت" مجرى القسم.
ومن إجراء "عاهدت" و"واثقت" مجرى اليمين قول الشاعر:
509-
أرى محرزا عاهدته ليوافقن ... فكان كمن أغريته بخلاف
وقال في "واثقت":
510-
واثقت مية لا تنفك ملغية ... قول الوشاة فما ألغت لهم قيلا
وتناول2 قولي:
............................. وما ... ساواهما أو نال قربا منهما
قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ
__________
1 في النهاية لابن الأثير 2/ 20 الدرد: سقوط الأسنان والمعنى: حتى خشيت أن يذهب بأسناني.
2 ع وك "ويتناول".
509- من الطويل.
غرى بالشيء: أولع به
510- من الطويل
وثق به ثقة وموثقا: ائتمنه، والميثاق والموثق: العهد.(2/858)
دِمَاءَكُمْ} 1.
و [قوله:] {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} 2.
و [قوله:] {تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَه} 3.
"ص":
ويحذف الفعل فينصب ما حلف4 ... به، وما به يجر قد عرف
والباء أصل وارو "لله" و"من ... ربي" يمينين و"من ربي" زكن
و"الله" في اليمين جره اشتهر ... عنهم إذا ما عوضوا من حرف جر
همزة الاستفهام أو "ها" مثبتا ... ألفها أو مسقطا، وقد أتى
عنهم "فالله" "هألله"5 و"ها ... الله" كل نقله ما إن وهى
وما به علق خافض القسم ... فحذفه إلا مع البا ملتزم
__________
1 من الآية رقم "84" من سورة "البقرة".
2 من الآية رقم "187" من سورة "آل عمران"
3 من الآية رقم "49" من سورة "النمل"
4 هـ "حذف".
5 ط "ها الله".(2/859)
وحذف إحدى جملتي ذا الباب قد ... شاع لدى أمن التباس واطرد
"ش": لما كان القسم مستطالا لتضمنه جملتين كثر تخفيفه:
تارة بحذف الجملة الأولى.
وتارة [بحذف الجملة الثانية.
وتارة بالاقتصار على بعض الجملة الأولى.
وتارة] 1 بالاقتصار على بعض الجملة الثانية.
فمن الاقتصار على بعض الجملة2 الأولى قولهم: "قسما لأفعلن".
الأصل: أقسم قسما، ثم حذف الفعل، وناب اسم مصدره3 عنه.
وكذلك يحذفون الفعل ويدعون المحلوف به مجرورا بأحد الحروف المستعملة في القسم.
وقد يحذف4 الجار، ويبقى عمله في "الله" خاصة:
__________
1 ع سقط ما بين القوسين
2 سقط من الأصل ومن هـ "الجملة".
3 ع وك "اسم المصدر".
4 ع وك "يحذفون" ينظر في هذه المسألة: سر صناعة الإعراب لابن جني 1 / 149.(2/860)
بضعف إن كان الحذف بلا عوض.
وبغير ضعف إن كان بعوض.
فإن حذف الفعل، ولم ينو حرف الجر نصب المحلوف به1 كائنا ما كان2 فمن ذلك قول الشاعر:
511-
إذا ما الخبر تأدمه بلحم ... فذاك أمانة الله الثريد
ومثله قول الآخر:
512-
لا: كعبة الله ما هجرتكم ... إلا وفي النفس منكم أرب3
وأشرت بقولي:
......................................... ... ................ وما به يجر قد عرف
إلى الواو، والتاء، والباء، واللام.
ومن ثم قلت:
__________
1 ع وك سقط "به".
2 ع سقط "ما كان".
3 ع سقط ما بين القوسين.
511- سبق الحديث عن هذا البيت في باب حروف الجر.
512- من المنسرح لم ينسبه أحد ممن استشهدوا به لقائل معين.(2/861)
والباء أصل....
ولكونها أصلا1 فضلت بثلاثة أمور:
أحدها: التعلق بفعل ظاهر، أو مضمر.
والثاني: دخولها على كل مخلوق به.
والثالث: استعمالها في الطلب وغيره.
والواو بدل فيها، والتاء بدل من الواو.
ومن دخول الباء على ضمير المحلوف به، والفعل ظاهر قول الشاعر:
513-
بك رب أقسم لا بغيرك لا أرى ... أبدا موالي غير من والاكا
ومن دخولها على الضمير، والفعل مضمر قوله2:
514-
رأى برقا، فأوضع فوق بكر ... بلا بك3 ما أسأل ولا أغاما4
__________
1 ع "أصل".
2 ع وك "قول الشاعر".
3 هـ "يك".
4 ك "أشاما".
513- من الكامل.
514- من الوافر نسبه القيسي في إيضاح شواهد الإيضاح من 61 متابعا لأبي زيد في النواد ص146 لعمر بن يربوع بن حنظلة بن يربوع بن زيد مناة بن تميم ويروى "ولا أشاما" ورواية النوادر "وما أغاما".
ورواية المصنف هي رواية صاحب الخصائص 2/ 19.
أوضع: لزم. من قولهم أوضعت الإبل: لزمت المرعى، أو أسرع من قولهم: أوضعت الناقة: أسرعت أسأل: أجرى. أشام البرق: نظر إليه أين يقصد وأين يمطر. أغاما: أصاب السماء بالغيم ولهذا البيت قصة ذكرت في الحيوان 1/ 186 واللآلئ للبكري 703.(2/862)
ودخولها1 على ظاهر والفعل ظاهر كثير كقوله تعالى2: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا} 3.
ومن تعلقها بفعل ضمير مضمر قوله تعالى: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين} 4.
ومن دخولها في القسم الطلبي قول الشاعر:
515-
رقي بعمركم لا تهجرينا ... ومنينا المنى ثم امطلينا
ولقرب من الأصل فضلت على التاء بأن جر بها كل ظاهر محلوف به.
__________
1 ك "ومن دخولها".
2 من الآية رقم "52" من سورة "النور".
3 ع وك سقط {لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا} .
4 من الآية رقم "82" من سورة "ص".
515- من الوافر قاله ابن قيس الرقيات "الديوان ص137".(2/863)
ولبعد التاء من الأصل لم يجر بها إلا اسم1 الله تعالى2 وقد يجر بها الرب3،
وقيل: لا يجر بها "الربط إلا مضافا إلى الكعبة".
وجروا المحلوف به في التعجب باللام كقولهم: "لله4 لا يؤخر الأجل" بمعنى: تالله5.
ومنه قول الشاعر:
516-
لله يبقى على الأيام مبتقل ... جون السراة، رباع، سنُّه غرد
__________
1 سقط من الأصل ومن هـ "اسم".
2 سقط من الأصل ومن هـ.
3 ع وك "وقد تجر الرب".
4 هـ "به" في مكان "لله".
5 ع "تا الله".
516- من البسيط قاله أبو ذؤيب الهذلي "ديوان الهذليين 1/ 124".
ونسبه في اللسان في مادة "بقل" إلى مالك بن خويلد "وفي غرد" إلى أبي ذؤيب.
المبتقل: الذي يرعى البقل، أو الذي نبت الشعر في وجهه.
السراة: الظهر وهو أعلى كل شيء.
الجون: الأبيض أو الأسود أو الأحمر.
غرد: طيب الصوت.
رباع: القوي. يقال للذكر من الإبل إذا طلع إحدى أسنانه الأربع التي تلي الثنايا رباع، وذلك إذا دخل في السنة الرابعة.(2/864)
ويُروى: تالله1.
وقالوا أيضا في القسم: "من ربي إنك لأشر".
وأجازوا ضم ميم "من" هذه.
وزعم بعضهم أن "من" مختصر" من "أيمن" وليس بصحيح؛ لأنه لو كان كذلك لم يله "الرب" وليس يسكن2 نونه.
ولما كان إقسامهم بـ"الله" أكثر من غيره خص في القسم بدخول التاء عليه.
وتحذف جارة بغير عوض قليلا، وبعوض كثيرا.
والعوض: إما همزة الاستفهام ممدودة، وإما قطع همزة الوصل، وإما هاء ثابتة الألف وساقطتها.
فيقال: "آلله لأفعلن" و"فألله3 لأفعلن4" و"هآ الله" -بالمد- و"هالله" -بلا مد.
ومن العرب من يقول: "هآ ألله" -بالمد والهمز-5 و"هألله" -بهمزة دون مد-
__________
1 هذه رواية ديوان الهذليين 1/ 124.
2 ع، ك "تسكن".
3 ع "تالله".
4 ع ك سقط "لأفعلن".
5 ع ك "الهمزة".(2/865)
ومذهب الأخفش1 "أن الجر -هنا- بالعوض من الحرف لا بالحرف المحذوف.
وتبع الأخفش في هذا جماعة من المحققين وهو مذهب قوي؛ لأنه2 شبيه بتعويض الواو من الباء، والتاء من الواو3.
ولا4 خلاف في أن 5 الجر بعد الواو، والتاء بهما، فكذا ينبغي أن يكون الجر بعد "آ" أو6 "ها" بهما لا بالمعوض منه.
ومن النحويين من يجعل الجر بالحرف المحذوف، وإن كان لا يلفظ به، كما كان النصب بعد الفاء والواو. و"أو"7 و"حتى" و"كي" الجارة بـ"أن" المحذوفة، وإن كانت لازمة الحذف.
ولا يجوز تعليق غير الباء من خوافض القسم بفعل ظاهر.
بل يجب كون ما تعلق به مضمرا.
وإلى هذا أشرت بقولي:
وما به علق خافض القسم ... فحذفه إلا مع البا ملتزم
وقد عوملت جملتا القسم في جواز حذف إحداهما معاملة
__________
1 هـ "للأخفش".
2 سقط من الأصل "لأنه".
3 ع وك "من الباء".
4 هـ "فلا".
5 ع وك وهـ "في كون".
6 ع هـ "وها".
7 ك ع سقط "وأو".(2/866)
جملتي الشرط وأكثر ما يحذف المقسم عليه لتقدم ما هو في معناه كقوله تعالى: {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا} 1.
أو لدلالة معمول باق، كدلالة قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَة} 2 على "لتبعثن" أو نحوه.
وأكثر ما يحذف المقسم به إذا كان المقسم عليه مسبوقا بـ"لقد"، و3مؤكدا، بالنون كقوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّه} 4.
"ص":
بالطلب البا اخصص كذا "نشدتكما"5 ... الله" أو "بالله" أو "عمرتكا"6
و"عمرك الله" كذا و"الله" قد ... يقال كل طلبا في ذي اعتمد
وفيه بعد "قعدك7 الله" استحق ... نصبا كذا8 بعد "قعيدك" اتفق
__________
1 من الآية رقم "30" من سورة "الأنعام".
2 الآية رقم "6" من سورة "النازعات".
3 في كل النسخ "أو مؤكدا" والأقرب أن يكون "ومؤكدا".
4 من الآية رقم "3" من سورة "العنكبوت".
5 ط "أنشدتكا".
6 س وش "بالله عمرتكا".
7 ط "فعلك الله".
8 ط "كذي".(2/867)
والعمر إن لم يك رافعا، ولم ... ينصب فرفعه مع اللام انحتم
ودونها انصب، وأضفه أبدا ... كذا المناسبان لفظ1 "قعدا"2
وضم عينه امنع إلا أن يجر ... فعند ذاك الضم كالفتح استقر
"ش": قد تقدم التنبيه على أن الباء هي أصل الحروف الخافضة للقسم، وأن لها على غيرها مزايا.
ومن مزاياها: استعمالها في القسم الطلبي.
فأشير3 في هذا البيت إلى ذلك.
ثم قلت:
...... كذا "نشدتكا الله" ... أو "بالله" "عمرتكا"
فنبهت بذلك على قولهم في الاستعطاف: "نشدتك الله أو بالله" بمعنى: ذكرتك الله مستحلفا4.
ومثله "عمرتك الله" معنى واستعمالا، إلا أن "عمرتك" مستغنٍ عن الباء.
__________
1 ط "لفظا".
2 ط "قعدا" بضبط القاف بالضم والعين بالفتح.
3 هـ وك ع "فأشرت".
4 ع "مستلحقا".(2/868)
وأصل "نشدتك الله": طلبت منك بالله.
وأصل "عمرتك الله": سألت الله تعميرك، ثم ضمنا معنى "استحلفت" مخصوصين بالطلب.
والمستحلف1 عليه بعدهما مصدر بـ"إلا" أو لما" بمعناها، أو باستفهام، أو أمر، أو نهي.
ومن ورود "عمرتك" قول الشاعر:
517-
عمرتك الله إلا ما ذكرت لنا ... هل كنت جارتنا أيام ذي سلم
واستعملوا "عمرك الله" بدلا من اللفظ بـ"عمرتك الله".
كقول قيس العامري:
518-
يا عمرك الله إلا قلت صادقة ... أصادقا وصف المجنون أم كذبا
وكان الأصل أن يقال: "تعميرك الله" لكن خفف بحذف
__________
1 ع وك "والمحلوف عليه" وفي الأصل "والمستخلف".
517- من البسيط من قصيدة للأخوص اليربوعي الأنصاري "الديوان 201" ذو سلم: جبل قريب من المدينة.
518- من البسيط نسبه المصنف إلى قيس العامري وهو في ديوانه ص83.(2/869)
الزوائد1.
وحكى المازني عن أعرابي: "عمرك الله".
قال أبو علي: والمراد2: عمرك الله تعميرا، فأضاف
__________
1 في "عمرك الله" بنصب "عمر" آراء:
فقد ذكر أبو العباس المبرد أن انتصابه على المصدر بتقدير عمرتك الله تعميرا وهذا ما قرره سيبويه حين استشهد بقول الأخوص السابق:
عمرتك الله إلا ما ذكرت لنا ... هل كنت جارتنا أيام ذي سلم
وذكر أبو العباس وجها آخر هو أن ينتصب بتقدير حذف الجار؛ لأنه ذكره مع قولهم "يمين الله" و"عهد الله" في قول من نصبهما، وإنما النصب فيهما بتقدير أقسم بيمين الله وبعهد الله. فلما حذفوا الباء وصل الفعل فعمل.
وعلى هذا يكون قولهم: "عمرك الله" تقديره أقسم بعمرك الله، فيكون عمرك الله قسما محذوف الجواب. ويكون المعنى أقسم بتعميرك الله أي: بإقرارك له بالدوام والبقاء.
وقال أبو علي:
"عمرك الله" مصدر استعملوه بحذف الزوائد، وأصله بالزيادة "تعميرك الله" والأصل فيه "عمرتك الله تعميرا مثل تعميرك إياه نفسك" أي: سألت الله تعميرك مثل سؤالك إياه تعمير نفسك.
فالتعمير الأول مضاف إلى الفاعل يعني الكاف والاسمان الآخران مفعول بهما -يعني إياه نفسك.
قال أبو علي: ثم اختصر هذا الكلام وحذفت زوائد المصدر.
فعلى قول أبي على لم يكن قولهم "عمرك الله" قسما؛ لأنه إخبار بأن المتكلم يدعو للمخاطب.
2 هـ "فالمراد".(2/870)
المصدر إلى المفعول، ورفع به الفاعل1 كقول الحطيئة:
519-
أمن رسم دار مربع ومصيف ... لعينيك من ماء الشئون وكيف
وذكر الأخفش في كتابه "الأوسط" وجه الرفع فقال: أصله: أسألك بتعميرك الله، أي: بأن يعمرك الله.
وحذفت2 زوائد المصدر، والفعل، والباء، فانتصب ما كان مجرورا بها.
وأما "قعدك الله" و"قعيدك الله" فقيل: "هما مصدران بمعنى المراقبة كـ"الحس" و"الحسيس".
__________
1 قال أبو علي عقيب كلامه في "عمرك الله": [الأمالي الشجرية 1/ 350] .
وجدت في بعض الكتب: حكي عن أبي العباس عن أبي عثمان أنه سمع أعرابيا يقول: "عمرك الله" قال أبو علي: ولا يجيء هذا على تفسير النصب، والمعنى فيه -إن كان ثبتا- أنه أراد: عمرك الله تعميرا فأضاف المصدر إلى المفعول، وذكر الفاعل بعد كقول الحطيئة:
أمن رسم دار مربع ومصيف ... لعينيك من ماء الشئون وكيف
2 هكذا في الأصل وفي جميع النسخ "حذف".
519- من الطويل مطلع قصيدة للحطيئة في مدح سعيد بن العاص وإلى المدينة المنورة "الديوان ص81".
رسم الغيث الدار: عفاها وأبقى فيها أثرا لاصقا بالأرض.
الشئون: مجاري الدموع. الوكيف: سقوط الدمع أو القطر.(2/871)
وانتصابهما بتقدير "أقسم" أي:1 أقسم2 بمراقبتك الله3.
وقيل: "قعد" و"قعيد" بمعنى: الرقيب4 والحفيظ من قوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيد} 5: أي: رقيب حفيظ.
ونظيرهما "خل" و"خليل" و"ند" و"نديد".
__________
1 ك "أي أي".
2 سقط من الأصل "أقسم".
3 في قولهم: "قعدك ألا تفعل، و"قعيدك ألا تقوم" و"قعدك الله" و"قعيدك الله" وجهان:
أحدهما: أنهما مصدران جاءا على الفعل والفعيل كـ"الحس" و"الحسيس" ومعناهما: المراقبة فانتصابهما بتقدير "أقسم" فكأنه قيل: أقسم بمراقبتك الله.
فلما أضمر الفعل "أقسم" عدى بنفسه؛ لأن الفعل إذا كان يتعدى بالخافض ثم أضمر حذف الخافض، ووصل الفعل فنصب كما قال الشاعر:
أتيت بعبد الله في القد موثقا ... فهلا سعيدا ذا الخيانة والغدر
والقول الآخر: أن معنى القعد والقعيد: الرقيب الحفيظ من قوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيد} أي رقيب حفيظ فـ"قعد" و"قعيد" في هذ القول من صفات القديم سبحانه وتعالى فهو الرقيب الحفيظ.
فإذا قيل "قعدك الله" أو "قعيدك الله" على هذا المعنى نصب اسم "الله" على البدل.
4 سقطت الواو من الأصل ومن هـ.
5 من الآية رقم "17" من سورة "ق".(2/872)
وإذا كانا بمعنى الرقيب1 والحفيظ فالمعنى بهما الله تعالى ونصبهما بتقدير "أقسم" معدى بالباء.
ثم حذف الفعل والباء، وانتصبا، وأبدل منهما "الله".
ومن شواهد نصب2 ما بعد ["قعد" قول الشاعر:
520-
قعدك الله قد علمت بأني ... في هواك استطبت كل معنِّي
ومن شواهد نصب ما بعد] "قعيد"3 قول قيس العامري:
521-
قعيدك رب الناس يا أم مالك ... ألم تعلمينا نعم مأوى المعصب
وقال الفرزدق:
__________
1 سقطت الواو من الأصل ومن هـ.
2 ع وك "ومن شواهد النصب".
3 سقط ما بين القوسين من الأصل ومن هـ.
520- من الخفيف.
قعدك الله: مصدر واقع موقع الفعل والمعنى: سألت الله أن يحفظك.
521- من الطويل ذكره صاحب اللسان في مادة "قعد" ونسبه إلى قريبة الأعرابية. مأوى: المكان الذي أوى إليه.
المعصب: السيد، أو الذي يتعصب بالخرق جوعا، والرجل الفقير.(2/873)
522-
قعيدكما الله الذي أنتما له ... ألم تسمعا بالبيضتين المناديا
ثم قلت:
والعمر إن لم يك رافعا ولم ... ينصب فرفعه مع اللام انحتم
فنبهت بذلك على وجوب الرفع عند اقترانه باللام، وعدم إعماله عمل الفعل كقوله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} 1.
ثم قلت:
ودونهما انصب........ ... ...........................
فنبهت على وجوب2 النصب عند3 نزع اللام، وعدم إعماله عمل الفعل كقول أبي شهاب الهذلي:
__________
1 من الآية رقم "72" من سورة "الحجر".
2 هكذا في ع وك وهـ. أما في الأصل فجاءت كلمة "جواز" موضع "وجوب".
3 هـ "على نزع اللام".
522- من الطويل قاله الفرزدق "الديوان ص895".
البيضتان: موضع، قال ياقوت: إنما هو البيضة بالإفراد، وأن الشاعر ثناه، ورواية ياقوت:
حبيب دعا والرمل بيني وبينه ... واسمعني سقيا لذلك داعيا
أعيذكما الله الذي أنتما له ... ألم تسمعا بالبيضتين المناديا(2/874)
523-
فإنك عمر الله إن تسأليهم ... بأحسابنا إذا تجل الكبائر
524-
ينبوك أنا نفرج الهم كله ... بحق وأنا في الحروب مساعر
ثم قلت:
................... وأضفه أبدا ... كذا المناسبان لفظ "قعدا"
[فنبهت بذلك على وجوب إضافة "عمر" المستعمل في هذا الباب مجردا من الطلب كان أو مضمنا معناه.
إلا أن الطلبي لا يضاف إلا إلى ضمير المخاطب. وغير الطلبي يضاف إلى الظاهر والمضمر.
و"قعد" و"قعيد" مثل "عمر" الطلبي في لزوم الإضافة إلى ضمير المخاطب، وإليهما أشرت بقولي:
.................................... ... كذا المناسبان لفظ "قعدا"] 1
ثم قلت:
وضم عينه امنع إلا أن يجر ... فعند ذاك الضم كالفتح استقر
__________
1 سقط ما بين القوسين من هـ.
523، 524- من الطويل قاله أبو شهاب الهذلي "شرح أشعار الهذليين للسكري 2/ 695" مساعر: جمع مسعر، وهو الذي يسعر في الحرب أي: يوقدها، كما تسعر النار.(2/875)
فنبهت بذلك على أن "عمرا" المستعمل في هذا الباب يلتزم في عينه الفتح.
وإن كان في غير القسم ذا لغتين.
وقد روي الفتح والضم1 في قول ابن أبي ربيعة:
525-
أأقام أمس خليطنا أم سارا ... سائل بعمرك أي ذاك اختارا
وإليه أشرت بقولي:
........................................ ... فعند ذاك الضم كالفتح استقر2
__________
525- من الكامل "ديوان عمر ص119".
الخليط: الذي خلطته بنفسك، أو المجاور لك.
1 ع وك وهـ "وقد روي الضم والفتح".
2 ذهب أبو العلاء المعري في قول العرب "عمرك الله" إلى خلاف ما أجمع عليه الأئمة النحويون من المتقدمين والمتأخرين.
فزعم أن الـ"عمر" مأخوذ من قولهم: "عمرت البيت الحرام" إذا زرته قال: ومنه اشتقاق الاعتمار والعمرة.
ونصب عمرك من قولهم: "عمرك الله" بتقدير: اذكرك عمرك الله.
قال: كأنك قلت اذكرك خدمتك الله.
قال:
ويحتمل أن يكون قولهم: "عمرك الله" مأخوذا من "عمرت الديار" من العمارة أي: بعمرك المنازل المشرفة بذكر الله وعبادته.
ذكر هذا المعنى في تفسيره لقول المتنبي:
عمرك الله هل رأيت بدورا ... قبلها في براقع وعقود
وأورده عنه التبريزي في تفسيره لشعر أبي الطيب ونقله عنه الشجري في الأمالي 1/ 351.
كما اختصره عن أبي العلاء أبو المرشد سليمان المعري في كتابه تفسير أبيات المعاني من شعر أبي الطيب ص112.(2/876)
"ص":
وكـ"لعمر": "أيمنٌ" و"ايم""ايمنُ" ... وإم" أيضا وكذا "م"1 و"من"
مثلثين، ولهمز غير "إم" ... في البدء فتح: وانكساره زعم
وعاريا من لام الابتدا يقل ... وذا إضافة إلى "الله" قبل
ووافرا للكاف و"الكعبة" قد ... يضاف والحديث فيه قد ورد
و"ايم الذي نفس محمد" وما ... "أيمن" ذا جمعا في الأولى فاعلما
"ش": من المخصوص بالقسم "أَيْمُن" المقول فيه "إِيمُن" و"أَيْمُن" و"لَيْمُن"2.
واحترزت بهذه القيود الثلاثة من "أيمن" جمع يمين"، فإنه يستعمل قسما وغير قسم.
ويلزم همزته الفتح والقطع، ويلزم ميمه الضم.
__________
1 ط "أم ومن".
2 ع سقط "ليمن".(2/877)
وكذا كل جمع على "أفعل" كـ"أنعم" و"أفلس".
وبجواز1 هذه الأمور الثلاثة في "أَيمُن" المشار إليه علم ضعف قول الكوفيين: إنه جمع "يمين".
إذ لو كان كما زعموا لم يجز كسر همزته، ولا حذفها، ولا فتح عينه.
كما لا يجوز في "أنعم" ونحوه.
وإذا انتفى كونه جمعا تعين كونه اسما مفردا مشتقا من "اليمين".
ونبهت بقولي:
وكـ"لعمر" "أيمن"......... ... ...............................
على لزومه الإضافة والرفع بالابتداء.
ثم ذكرت ما فيه من اللغات، وهي اثنتا عشرة لغة:
ثلاث مع الوفور وهي:
فتح الهمزة مع ضم الميم، وفتحها.
وكسر الهمزة مع ضم الميم.
وفتح الهمزة أو كسرها مع حذف النون.
__________
1 ك "لجواز".(2/878)
وكسر الهمزة مع حذف الياء والنون.
والاقتصار على ميم ونون مضمومتين، أومفتوحتين أو مكسورتين والاقتصار على ميم مضمومة، أو مفتوحة، أو مكسورة.
وبعض النحويين يجعل هذه الميم1 بدلا من الواو كالتاء.
وبعضهم أيضا يجعل "مِنِ الله" بكسرتين غير مأخوذ من "أيمن" بل يجعلها2 "من" المستعملة3 في قولهم: "من ربي إنك لأشر".
ولما فرغت من ذكر لغات هذا الاسم نبهت على أن استعماله عاريا من لام الابتداء يقل.
وأن استعماله مقرونا بها يكثركقول الشاعر:
526-
فقال فريق القوم لما نشدتهم ... نعم، وفريق ليمن الله ما ندري
__________
1 هـ "هذا الميم".
2 ك "يجعلهما" ع "يجبلهما".
3 ع وك "المستعمل".
526- من الطويل قاله نصيب بن رباح "الديوان 94" ورواية المصنف هي رواية الديوان وذكر أبو علي القالي في الأمالي تسعة أبيات من القصيدة، وروى البيت الشاهد بروايتين هما:
فقال فريق القوم لا وفريقهم ... نعم وفريق قال: ويلك ما ندري
فقال فريق القوم لا وفريقهم ... نعم وفريق أيمن الله ما ندري
"الأمالي 2/ 207".(2/879)
وأنه يضاف في لغاته كلها إلى "الله".
ولا يضاف إلى غيره منقوصا إلا ما ندر في حديث النبي عليه السلام1 من كلامه في الصحيحين2:
"وأيم الذي نفس محمد بيده [لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون"] 3.
وأضيف غير منقوص إلى "الكعبة" [وإلى كاف الضمير] 4 كقول عروة بن الزبير -رضي الله عنهما:
"ليمنك لئن ابتليت لقد عافيت"5.
وقولي:
............................. وما ... "أيمن" ذا جمعا في الاولى
نبهت به على أن فيه قولين:
__________
1 ع وك "صلى الله عليه وسلم".
2 أخرجه البخاري في الجهاد 23، ومسلم في الأيمان 25، والنسائي في الأيمان 40.
3 هـ سقط ما بين القوسين.
4 ع سقط ما بين القوسين.
5 "فقد عافية".
وينظر النهاية لابن الأثير 1/ 66.(2/880)
أحدهما: أنه جمع "يمين".
والآخر: أنه مفرد مشتق من اليمين، وهو الصحيح.
وقد تقدم الاستدلال على صحته. والله أعلم1.
"ص":
و"جير" أو "جير" ينوب عن قسم ... كذا ينوب عنه -أيضا- "لا جرم"
وبجواب سابق من شرط أو ... يمين استغنوا، وربما اكتفوا
بما لشرط، وهو تال قسما ... ومطلقا تغليب شرط حتما2
في جملة قدم فيها ذو خبر ... نحو: "الفتى والله إن يقصد يبر"
وبجواب القسم اغن إن وصل ... بالفاء بعد الشرط حتما ذا فعل
وصاحب الأصول ذي الفا جعلا ... تقديرها كلفظها مؤولا
[وبجواب "لو" و"لولا" استغنيا ... حتما إذا ما تلوا أو تليا
__________
1 سقط من الأصل ومن هـ "والله أعلم".
2 في الأصل "ختما" وفي باقي النسخ "حتما" -بالحاء المهملة.(2/881)
وقد يرى نحو: "لقد فعلت" من ... بعدهما من بعد إقسام يعن] 1
ولام نحو "لئن" اثر القسم ... سموا موطئا، ولم تلتزم2
وزيد دون قسم نحو: "لئن ... كان الرحيل غدا" احفظ واستبن
"ش": يقال: "جير3 لأفعلن" بالكسر والفتح4.
و"لا جرم لأفعلن".
فيستغنى عن ذكر المقسم به بـ"جير" وبـ"لا جرم".
فمن الاستغناء بـ"جير" قول الشاعر:
527-
قالوا: قهرت فقلت: جير ليعلمن ... عما قليل أينا المقهور
ومن الاستغناء بـ"لا جرم" قول الراجز:
528-
أسأت إذ خالفتني ولا جرم
__________
1 سقط ما بين القوسين من هـ.
2 س وش، وط وع وك "يلتزم".
3 هـ "جير معا لأفعلن".
4 ع وك "بالفتح والكسر".
527- من الكامل لم أقف على اسم قائله.
528- رجز لم ينسب لقائل معين.(2/882)
529-
ليبدون منك أسوأ الندم
و"جير": حرف بمعنى "نعم" [لا اسم بمعنى "حقا".
لأن كل موضع وقعت فيه "جير" يصلح أن يوقع1 فيه "نعم"] 2.
وليس كل موضع وقعت فيه "جير" يصلح أن يوقع فيه "حقا" فإلحاقها بـ"نعم" أولى.
وأيضا فإنها3 أشبه بـ"نعم" لفظا واستعمالا، ولذلك بنيت.
ولو وافقت "حقا" في الاسمية لأعربت، ولجاز أن يصحبها الألف واللام كما أن "حقا" كذلك.
ولو لم تكن بمعنى "نعم" لم تعطف عليها في قول بعض الطائيين:
530-
أبَى كرما، لا آلفا جير أو نعم ... بأحسن إيفاء، وأنجز موعد
__________
1 ك "توقع".
2 ع سقط ما بين القوسين.
3 ك ع "فإنه".
529- رجز لم ينسب لقائل معين.
530- من الطويل.
لا: مقصود لفظها مفعول به. آلفا: حال من فاعل أبى. جير: مفعول به لـ"آلفا".(2/883)
ولم1 يؤكد "نعم" بها في قول طفيل الغنوي:
531-
وقلن على البردي أول مشرب ... نعم جير إن كانت رواء أسافله
ولا قوبل2 بها "لا" في قول الراجز:
532-
إذا يقول لا أبو العجير
533-
يصدق لا إذا قول جير
فهذا تقابل ظاهر، ومثله في التقدير قول الكميت:
534-
يرجون عفوي، ولا يخشون بادرتي ... لا جير لا جير، والغربان لم تشب
__________
1 ك "ولو لم".
2 هـ "ولا قول".
531- من الطويل "ديوان طفيل الغنوي ص10" والضمير في "قلن" يعود إلى الظعائن في بيت سابق هو:
ظعائن أبرقن الخريف وشمنه ... وخفن الهمام أن تقاد قنابله
البردي: غدير ينبت البردي وهو خبر مقدم وأول مشرب: مبتدأ مؤخر والجملة مقول القول، وقوله: أجل جير مقول لقول محذوف أي: فقيل لهن: أجل جير، رواء: جمع ريان كعطاش جمع عطشان وأسافل: جمع أسفل: المكان المنخفض.
532، 533- رجز لم ينسب إلى قائل معين ورواية ع وك وهـ هي رواية المغني والسيوطي في شرح الشواهد 1/ 362 وهي:
إذا تقول لا ابنة العجير ... تصدق لا إذا تقول جير
534- من البسيط نسبه المصنف لقائله.
البادرة: ما يبدر من حدة في الغضب من قول أو فعل.(2/884)
أراد: لا يثبت مرجوهم، نعم تلحقهم بادرتي أي: سرعة غضبي.
وقريب منه اجتماع "أجل" و"لا" في قول ذي الرمة:
535-
ترى سيفه لا ينصف الساق نعله ... أجل لا ولو كانت طوالا محامله
واحتج من ادعى اسمية "جير" بتنوينه في قول الشاعر:
536-
وقائلة أسيت، فقلت جير ... أسي إنني من ذاك إنه
ولا حجة فيه لأنه فعل مضطر.
ويحتمل أن يكون قائله أراد توكيد "جير" بـ"إن" التي بمعنى "نعم" فحذف همزتها وخفف.
ويحتمل أن يكون شبه آخر النصف بآخر البيت فنون تنوين
__________
535- ديوان ذي الرمة ص561 من قصيدة من البحر الطويل. ينصف الساق: يبلغ نصفه. نعل السيف: حديدة في أسفل غمد السيف المحامل: علاقة السيف.
536- من الوافر ينسب لذي الرمة من أبيات أولها "الخزانة 4/ 238":
ألا يا طال بالغربات ليلى ... وما يلقى بنو أسد بهنه
أسيت: بتاء الخطاب من الأسى وهو الحزن، أسي: خبر مبتدأ محذوف والتقدير: أنا أسي أي: حزين، ومن: تعليلية، ذاك: اسم إشارة يعود إلى ما لقي بنو أسد من التزوج بالغربات، وهذه الأبيات ليست في ديوان ذي الرمة.(2/885)
الترنم وهو لا يختص بالأسماء، بل يلحق الحرف والفعل.
وحكى أبو عبيد1 عن أبي زيد أنه يقال2: "جير لا أفعل".
قال: معناها "نعم"3.
ومن شواهد كونها بمعنى "نعم" قول الشاعر:
537-
متى تبأى4 بقومك في معد ... تقل تصديقك العلماء جير
وأنشد صاحب المحكم5:
__________
1 أبو عبيد القاسم بن سلام الخزاعي، كان مؤدبا، وولي القضاء في طرسوس. كان فقيها محدثا نحويا. توفي سنة 224هـ.
2 في الأصل "قال".
3 قال أبو زيد في النوادر 184: "معنى جير: نعم وأجل".
4 تبأى: البأو في اللسان الفخر، وذكر البيت.
5 علي بن اسماعيل بن سيده أبو الحسن اللغوي من أهل مرسية كان أكمه ابن أكمه توفي سنة 458هـ.
537- من الوافر ذكره ابن الشجري في أماليه 1/ 374، 2/ 324 ولم ينسبه وروايته:
متى تفخر ببيتك في معد ... .................................
ومعنى الشطر الثاني: يقول العلماء جير لتصديقك فلما حذفت اللام من لتصديقك انتصب المصدر.(2/886)
538-
قالت: أراك هاربا للجور
539-
من هدة1 السلطان قلت: جير
وقال الفراء2:
"لا جرم3 أنهم"4: كلمة كانت في الأصل -والله أعلم- بمنزلة "لا بد أنك قائم" و"لا محالة أنك ذاهب".
فجرت على ذلك وكثر استعمالهم إياها حتى صارت بمنزلة "حقا".
ألا ترى أن العرب تقول: "لا جرم لآتينك" و"لا جرم لقد أحسنت".
وجعل المفسرون تفسيرها: "حقا إنهم في الآخرة هم الأخسرون".
وأصله من جرمت، أي: كسبت5.
__________
1 في الأصل "هذه"
2 معاني القرآن للفراء 2، 8، 9.
3 من الآية رقم "22" من سورة "هود".
4 هـ سقط "إنهم".
5 في القاموس جرم يجرم: قطع 4/ 88.
538، 539- رجز نسبه في اللسان "مادة جير" لبعض الأغفال. هدة السلطان: صوته. ورواية ابن الخباز في شرح الدرة قال أراك هاربا من جور.(2/887)
وبنو فزارة يقولون: "لا جر أنك1 قائم"2 فيحذفون الميم.
وبعض بني كلاب يقول3: "لا ذا جرم"4.
ونبهت بقولي:
وبجواب5 سابق من شرط أو ... يمين استغنوا................
على6 أنه إذا اجتمع في كلام واحد شرط وقسم استُغني بجواب أحدهما عن جواب الآخر.
وكان الشرط حقيقا بأن "7" يستغنى بجوابه مطلقا لأن تقدير سقوطه مخل بمعنى الجملة التي هو منها.
وتقدير8 سقوط القسم غير مخل؛ لأنه مسوق9 لمجرد التوكيد، والاستغناء عن التوكيد سائغ.
ففضل الشرط بلزوم الاستغناء بجوابه مطلقا إذا تقدم عليه وعلى القسم ذو خبر نحو:
__________
1 في الأصل "بأنك"
2 ينظر معاني القرآن للفراء 2/ 9.
3 ع وك "يقول".
4 ينظر معاني القرآن للفراء 2/ 9.
5 هـ "وجواب".
6 هـ سقط "على".
7 في الأصل "أن يستغنى".
8 ع "وبتقدير".
9 هـ "مسبوق".(2/888)
................................... ... "الفتى والله إن يقصد1 يبر"
فإن لم يتقدم ذو خبر، وأخر القسم وجب الاستغناء عن جوابه بجواب الشرط.
وإن أخر الشرط استُغني في أكثر الكلام عن جوابه بجواب القسم كقوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُن} 2.
ولا يمتنع3 الاستغناء بجواب الشرط مع تأخره.
ومن شواهد ذلك قول الأعشى:
540-
لئن منيت بنا عن غب معركة ... لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل
و4 قول الفرزدق:
__________
1 ع "تقصد".
2 من الآية رقم "52" من سورة "النور".
3 ع وك "ولا يمنع".
4 ع وك وهـ "ومنها قول".
540- سبق الحديث عن هذا البيت وهو من البسيط "ديوان الأعشى ص149".
ننتفل: نتبرأ.(2/889)
541-
لئن بل لي أرضي بلال بدفعة ... من الغيث في يمنى يديه انسكابها
542-
أكن كالذي صاب الحيا أرضه التي ... سقاها وقد كانت جديبا جنابها
[وقول1 ذي الرمة:
543-
لئن كانت الدنيا علي كما أرى ... تباريح من مي فللموت أروح] 2
وقوله -أيضا-3:
544-
لئن قطع اليأس الحنين فإنه ... رقوء لتذراف4 الدموع السوافك
وقال آخر5 أنشده الفراء6:
__________
1 ع وك وهـ "ومنها قول".
2 هـ سقط ما بين القوسين.
3 ع وك وهـ "ومنها قول ذي الرمة -أيضا-".
4 هـ "المذراف".
5 ع وك وهـ "ومنها قول الآخر".
6 معاني القرآن للفراء 2/ 130.
541، 542- من الطويل قالهما الفرزدق في مدح بلال من قصيدة "الديوان" 1/ 54"
الحيا: الغيث
الجدب: انقطاع المطر ويبس الأرض
543- من الطويل ديوان ذي الرمة ص118.
544- من الطويل قاله ذو الرمة "الديوان ص507".
عيون سوافك: تذري بالدموع. رقوء: جعل اليأس دواء لتذراف العيون.(2/890)
545-
لئن كان ما حدثته اليوم صادقا ... أصم في نهار القيظ1 للشمس باديا
546-
وأركب حمارا بين سرج وفروة ... وأعر من الخاتام صغرى شماليا
فتثبت2 المزية للشرط3 من ثلاثة أوجه:
أحدها: لزوم الاستغناء بجوابه عند [تقدمه، وعند] 4 تقدم ذي خبر.
والثاني: لزوم الاستغناء بجوابه عند تقدمه، وعدم تقدم ذي خبر.
والثالث: جواز الاستغناء بجوابه عند تأخره، وعدم تقدم5 ذي خبر.
فلو تأخر القسم، وقرن بفاء وجب الاستغناء بجوابه؛ لأن
__________
1 هـ الفيض
2 ك وع وهـ "فثبتت".
3 هـ "للشروط".
4 ع وك وهـ سقط ما بين القوسين
5 ع سقط "تقدم".
545، 546- من الطويل أنشدهما الفراء في معاني القرآن 2/ 130 ولم ينسبهما وقال العيني 4/ 438 أقول: قائلتهما امرأة فصيحة من عقيل، وهو ما قاله الفراء.
القيظ: شدة الحر، باديا: بارزا للشمس، ويروى ضاحيا.
الخاتام: لغة في الخاتم، صغرى شماليا: الخنصر.
ومعنى قولها: وأركب حمارا بين سرج وفروة: الدعاء على نفسها الهيئة التي ينادى بها على المجرم.(2/891)
الفاء تقتضي الاستئناف، وعدم تأثر ما بعدها بما1 قبلها.
ومنه2 قول قيس بن العيزارة:
547-
فإما أعش حتى أدب على العصا3 ... فوالله أنسى4 ليلتي بالمسالم
فعلى هذا نبهت بقولي:
وبجواب القسم اغن إن وصل ... بالفاء بعد الشرط حتما ذا فعل
ثم نبهت5 بقولي:
وصاحب الأصول ذي الفاجعلا ... تقديرها كلفظها مؤولا
على قول ابن السراج:
"وتقول6: "إن تقدم والله أزرك" تعترض7 باليمين فيكون بمنزلة ما لم يذكر.
وإن جعلت الجواب للقسم أتيت باللام فقلت8: "إن
__________
1 ع "بها قبلها".
2 ك وع "ومنها".
3 ع "الغضا".
4 ك وع "أمسى".
5 ك وع "ونبهت".
6 سقط من الأصل "وتقول".
7 في الأصل "يعترض".
8 هـ "فتقول".
547- من الطويل قائله قيس بن العيزارة "ديوان الهذليين بشرح السكري 601".(2/892)
تقم -يعلم الله- لأزورنك".
تريد1: فيعلم الله لأزورنك. هكذا قال، ولم يذكر عليه شاهدا.
ثم قلت:
وبجواب "لو" و"لولا" استغنيا ... حتما إذا ما تلوا أو تليا
فنبهت بذلك على نحو قول الشاعر:
548-
فأقسم لو أبدي الندي2 سواده ... لما مسحت تلك المسالات عامر
[المسالات3: جمع مسالة، وهي جانب اللحية] 4. وعلى نحو قول الآخر:
__________
1 ع "يريد".
2 ع وك "البدي".
3 سقط من الأصل "المسالات".
4 هـ سقط ما بين القوسين.
548- من الطويل أنشده الجوهري ولم يعزه وروايته.
فلو كان في الحي النجي سواده ... ..........................................
ورواية الأصل هي رواية العيني 4/ 450 والأشموني 4/ 28.
أبدى: أظهر الندي: مجلس القوم ومتحدثهم سواده: شخصه مسالات: جمع مسالة، قال الجوهري: مسالا الرجل جانبا لحيته الواحد: مسالة وأنشد البيت:(2/893)
549-
والله لولا الله ما اهتدينا
550-
ولا تصدقنا ولا صلينا
ثم قلت:
وقد يرى نحو: "لقد فعلت" من ... بعدهما من بعد إقسام يعن1
فنبهت بذلك على قول عبد الله بن الزبير2.
551-
فوالله لولا خشية النار بغتة ... علي لقد أقبلت نحري مغولا3
ثم قلت:
ولام نحو "لئن" اثر القسم ... سموا موطئا ولم يلتزم
__________
1 ع "يمن".
2 ع وك "عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما".
3 ك "معولا".
549، 550- رجز ينسب لعبد الله بن رواحة رضي الله عنه "الديوان ص107" والرواية هناك:
يا رب لولا أنت ما اهتدينا
وفي سيرة ابن هشام 756 والبخاري 5/ 44، وابن الأثير 2/ 89 نسب لعامر بن الأكوع قاله في خيبر وفي العيني 4/ 451 نسب إلى سلمة بن الأكوع. وهو من الرجز المسدس.
551- من الطويل نسبه المصنف لقائله.
بغتة: فجأة.(2/894)
فأشرت بذلك إلى أن أدوات الشرط المقدم عليها قسم ملفوظ به أو محذوف تقرن بها في الغالب لام مفتوحة يؤكد بها طلب القسم لجوابه.
وأكثر ما يكون ذلك مع "إن" والقسم محذوف كقوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِين} 1.
وقد اقترنت بـ"ما" الشرطية في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّه} 2.
ومثله قول القطامي:
552-
ولما رزقت ليأتينك سيبه ... جلبا وليس إليك ما لم ترزق
ومن ورودها بعد القسم الظاهر قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا} 3.
__________
1 من الآية رقم "145" من سورة "البقرة"
2 من الآية رقم "81" من سورة "آل عمران".
3 من الآية رقم "109" من سورة "الأنعام".
552- من الكامل قال القطامي "الديوان ص36".
السيب: العطاء جلبا: مسوقا إليك، من قولهم جلبه: ساقه من موضع لآخر.(2/895)
وقد يجاء مع نية القسم بـ"إن" مستغنية عن اللام كقوله تعالى: [ {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} 1.
وكقوله تعالى:] 2 {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 3.
قال سيبويه رحمه الله4: "ولا بد من هذه اللام مظهرة أو مضمرة"5.
وقد يجاء بـ"لئن" والقسم غير مراد كقول عمر بن أبي ربيعة:
553-
ألمم بزينب إن البين قد أفدا ... قال الثواء لئن كان الرحيل غدا
ومثله ما أنشده الفراء:
__________
1 من الآية رقم "73" من سورة "المائدة".
2 هـ سقط ما بين القوسين.
3 من الآية رقم "23" من سورة "الأعراف"
4 ع وك وهـ سقط "رحمه الله".
5 كتاب سيبويه 1/ 436.
553- من البسيط قاله عمر بن أبي ربيعة "الديوان ص391" وفي ملحقات الديوان ص489 جاء البيت بصورة أخرى هي:
يا أم طلحة إن البين قد أفدا ... ...................................
أفد البن: عجل وأسرع: الثواء طول الإقامة.(2/896)
554-
ولا يدعني1 قومي صريحا لحرة2 ... لئن كنت مقتولا ويسلم عامر
وإلى هذا وشبهه3 أشرت بقولي:
وزيد دون قسم نحو: "لئن ... [لكان الرحيل غدا" احفظ4 واستبن]
قال الفراء: "اللام في "لئن" ملغاة" يعني في:
.............................. ... لئن كنت مقتولا.....] 5
والله أعلم6.
__________
1 في الأصل "ويدعى".
2 ك "بحرة".
3 ع وك سقط "وشبهه".
4 سقط من الأصل ومن هـ ما بين القوسين.
5 ع وك وهـ سقط ما بين القوسين.
6 سقط من هـ ومن الأصل "والله أعلم".
554- من الطويل قاله قيس بن زهير بن جذيمة.
وأراد بعامر: عامر بن الطفيل.
والمعنى: لئن قتلت وعامر سالم من القتل، فلست بصريح النسب حر الأم.
سيبويه 1/ 427،معاني القرآن 1/ 67، شرح أبيات المغني للبغدادي 4/ 368، 372.(2/897)
باب: الإضافة
مدخل
...
باب: الإضافة
"ص":
نونا تلي الإعراب أو تنوينا ... مما تضيف أحذف كـ"طور سينا"
وحذف تا التأنيث منه قد يرد ... في كلمات سمعت فلا ترد1
والثاني اجرر وانو "من" أو "في" إذا ... صحا ولم تلف للام منفذا2
وجر3 وانوين معنى اللام في ... سواء ذاك كـ"ابننا ذو شرف"4
__________
1 ك ع "فلا تزد"
2 هـ:
والثاني اجرر ناويا "من" كلما ... أضفت بعضا أو كبعض فافهما
الأصل:
والثاني اجرر وانو من أوفى إذا ... صح ولم تلف للام منفذا
3 ط "أو جر".
4 س وك وع:
وجره ناوي معنى اللام في ... سواهما نحو "ابننا ذو شرف"
هـ:
وجروانو اللام إن تضف سوى ... هذين كـ"ابني ليس من أهل الهوى"(2/898)
"ش": إذا قصدت1 إضافة اسم حذف ما فيه من تنوين ظاهر كقولك في "ثوب": هذا ثوبك"
أو مقدر كقولك في "دراهم": "هذه دراهمك"
أو نون تلي الإعراب كقولك في "ثوبين" و"بنين": "أعطيت ثوبيك بنيك".
ويدخل2 في نون تلي الإعراب نون "اثنين" و"عشرين" فإن نونيهما3 يحذفان للإضافة؛ لأنهما يجريان مجرى المثنى، والمجموع على حده.
فيقال: "قبضت اثنيك، وعشريك".
وربما اعتقد بعض الناس امتناع إضافة اثنين" و"عشرين" وأخواتها.
ولا خلاف في جواز إضافتها4 إلى غير مميزها5.
__________
1 ك وع "قصد"
2 ك وع وهـ "وتدخل".
3 في الأصل وع "نونهما".
4 ع وك "إضافتهما".
5 ع وك "مميزهما".(2/899)
وإنما تمتنع1 إضافتها2 إلى مميزها3 إلا في ضرورة4.
ولذلك5 عدوا من الضرورات6 قول الراجز:
555-
كأن خصييه من التدلدل
556-
ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل
على أن الكسائي حكى: أن من العرب من يقول: "عشرو درهم"7.
__________
1 هـ "يمنع" ع والأصل "يمتنع".
2 ك وع "إضافتهما".
3 ع وك "مميزهما".
4 ع وك وهـ "سقط إلا في ضرورة"
5 ع "وكذلك".
6 ع وك "عدوا ضرورة".
7 في الأصل "عشروا درهم".
555، 556- رجز نسبه القيسي في إيضاح شواهد الإيضاح 167 إلى جندل بن المثنى الطهوي. ورواية ديوان الحماسة 2/ 546.
سحق جراب فيه ثنتا حنظل
وقد ينسب هذا الرجز إلى خطام المجاشعي، وإلى سلمى الهذلية، وإلى شماء الهذلية "سيبويه 2/ 177 أمالي الشجري 1/ 20، شرح ابن يعيش للمفصل 4/ 14، 144، 6/ 18، الخزانة 3/ 314، والمقتضب 2/ 156" السحق: الثوب البالي.(2/900)
فأضاف "عشرين" إلى مميزها مع الاستغناء عن الإضافة بنصب المميز بـ"عشرين".
وإذا صحت الإضافة مع الاستغناء عنها كان استعمالها مع الحاجة إليها أحق وأولى.
وقد يحذف من المضاف تاء التأنيث كقول الشاعر:
557-
ونار1 قبيل الصبح بادرت قدحها ... حيا النار قد أوقدتها للمسافر
أراد: حياة النار.
وقال الشاعر2:
558-
إن الخليط أجدوا البين وانجردوا ... وأخلفوك عد3 الأمر الذي وعدوا
__________
1 في الأصل "وفأر".
2 في الأصل "وقال آخر" وفي ع "وقال الراجز".
3 ع وك "عدا" وهـ "عدى".
557- من الطويل قاله كعب بن زهير من قصيدة "الديوان ص185" قدح النار من الزند: أخرجها منه
بادر إلى القدح: أسرع
558- من البسيط قاله أبو أمية: الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب.
الخليط: القوم الذين أمرهم واحد. البين: الفراق انجردوا: اندفعوا وبعدوا. العدة: الوعد.
"المخصص 14/ 188، الخصائص 3/ 171، شرح التسهيل 2/ 173، اللسان 4/ 475، 9/ 164، المقاصد النحوية 4/ 573، التصريح 2/ 396 الأشموني 2/ 237، 4/ 341".(2/901)
أراد: عدة الأمر.
ومنه قراءة بعض القراء1: "لأعدوا له عُدَّهُ"2.
وجعل الفراء من ذلك قوله تعالى: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُون} 3.
وإذا حذف لأجل الإضافة ما في المضاف من التنوين والنون المذكورين وجب جر المضاف إليه بالمضاف لما فيه من معنى اللام، أو معنى 4 "من" [5 أو "في".
__________
1 روى ابن وهب عن حرملة بن عمران أنه سمع محمد بن عبد الملك يقرأ "لأعدوا له عُده" -بضم العين- "المحتسب 1/ 292".
وروي عن زر بن حبيش "لأعدوا له عِده" -بكسر العين- "شواذ ابن خالويه 46".
قال أبو الفتح:
"وطريقه أن يكون أراد "عدته" أي: تأهبوا له إلا أنه حذف تاء التأنيث وجعل هاء الضمير كالعوض منها".
2 من الآية رقم "46" من سورة "التوبة" وفي الأصل "عدة"
3 من الآية رقم "3" من سورة "الروم".
4 هكذا في هـ. وفي الأصل من معنى "من" أو "إلى" أو "اللام" وفي ع، ك "من" معنى "من" أو "في" أو اللام.
5 بداية سقط كبير من هـ.(2/902)
ومعنى اللام هو الأصل.
ولذلك يحكم به مع صحة [تقديرها وامتناع] 1 تقدير غيرها نحو: "دار زيد".
ومع صحة تقديرها وتقدير غيرها نحو: "يد زيد ورجله".
وعند امتناع تقديرها وتقدير غيرها نحو] 2: "عنده" و"معه".
ولذلك أيضا اختصت بجواز3 إقحامها بين المضاف، والمضاف إليه نحو:
559-
يا بؤس للحرب............. ... .................................
ومواضع "من" أقل من مواضع اللام.
ومواضع "في" أقل من مواضع "من".
__________
1 سقط من الأصل ما بين القوسين
2 ع سقط ما بين القوسين
3 ع، ك سقط "بجواز".
559- جزء من بيت من مجزوء الكامل قاله سعد بن مالك من قطعة له، وتمام البيت:
يا بؤس للحرب التي ... وضعت أراهط فاستراحوا
"سيبويه 1/ 315، ديوان الحماسة بشرح المرزوقي 500، الخصائص 3/ 102، ابن يعيش 2/ 10، 105، ابن الشجري 1/ 275، 2/ 83، شرح الشواهد للسيوطي 198".(2/903)
ولا يحكم بمعنى "من"، ولا بمعنى "في" إلا حيث يحسن تقديرهما دون تقدير غيرهما.
فمواضع "من" مضبوطة بكون المضاف بعض المضاف إليه مع صحة إطلاق اسمه عليه كـ"ثوب خز" و"خاتم فضة" فـ"الثوب" بعض الخز ويصح إطلاق اسمه عليه.
و"الخاتم" بعض الفضة ويصح إطلاق اسمها عليه.
ومن هذا إضافة الأعداد إلى المعدودات، والمقادير إلى المقدرات1.
أما "يد زيد" و"عين عمرو" فالإضافة فيه2 بمعنى اللام لعدم إطلاق اسم الثاني فيه3 على الأول.
هذا معنى4 قول أبي بكر5 بن السراج رحمه الله6.
__________
1 ع وك "المقدورات".
2، 3 وك سقط "فيه" في الموضعين.
4 ع سقط "معنى".
5 سقط من الأصل "أبي بكر".
6 قال ابن السراج في الأصول 1/ 56 وما بعدها:
"الإضافة تكون على ضربين: تكون بمعنى اللام، وتكون بمعنى "من" فأما الإضافة التي بمعنى اللام فنحو قولك "غلام زيد" و"دار عمرو" ألا ترى أن المعنى غلام لزيد ودار لعمرو إلا أن الفرق بين ما أضيف بلام وما أضيف بغير لام أن الذي يضاف بغير لام يكتسب مما يضاف إليه تعريفه وتنكيره ... أما الإضافة بمعنى "من" فهو أن تضيف الاسم إلى جنسه نحو قولك "ثوب خز" و"باب حديد" تريد ثوبا من خز. وباب من حديد. فأضفت كل واحد منهما إلى جنسه الذي هو منه.
وهذا لا فرق فيه بين إضافته بغير "من" وبين إضافته بـ"من". وإنما حذفوا "من" هنا استخفافا".(2/904)
وهو الصحيح.
لا قول ابن كيسان1 والسيرافي فإنهما جعلا إضافة كل بعض بمعنى "من" ولم يفرقا بين ما يطلق على الأول "اسم الثاني، وما ليس كذلك] 2.
[3 فالمضاف الذي فيه معنى "من" كل مضاف هو بعض ما أضيف إليه أو كبعض ما أضيف إليه.
فالأول: كـ"جزء4 الشيء، وربعه، وثلثه، وجله، ودقه5 وظهره وبطنه، وأعلاه، وأسفله، وأحد القوم، وصغيرهم، وكبيرهم، وذكرهم، وأنثاهم، وأسودهم وأحمرهم".
__________
1 محمد بن أحمد بن كيسان النحوي، حفظ مذهب البصريين والكوفيين ولم يتعصب لأحد توفي 299هـ.
2 نهاية سقط هـ.
3 بداية سقط كبير من ع وك، وهذا الذي سقط من ع وك جاء متأخرا في الأصل عما يأتي بعده من شرح لهذه الأبيات.
4 هـ "حر الشيء".
5 هـ "ودقة وجله".(2/905)
والثاني: كـ"خاتم" فضة و"خمس ذود" و"مد بر" و"ثوب خز"1.
صرح ابن كيسان بأن ذلك كله بمعنى "من" ولم يذكر خلافا في ذلك. ولا في كلام المتقدمين خلاف لذلك.
[2 وكلام السيرافي موافق لكلام ابن كيسان فإنه قال في شرح باب الجر من كتاب سيبويه.
"والإضافة تكون على معنى أحد حرفين: وهما "من" و"اللام".
فـ"من" إذا كانت الإضافة على معناها بتبعيض".
ثم قال: بعد كلام.
"وربما أوهمتك الإضافة الخروج عن هذين الوجهين فإذا تدبرتها رأيتها لازمة لأحد الحرفين كقولك: "أفضلهم زيد" أي: الفاضل منهم.
و"بعض القوم" أي: شيء منهم"] 3.
وأغفل أكثر النحويين الإضافة بمعنى "في" وهي ثابتة في الكلام الفصيح فمن شواهدها قوله تعالى:
__________
1 هـ "وثوب حرير".
2 بداية سقط كبير من هـ.
3 نهاية سقط ع وك.(2/906)
{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} 1 و {هُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} 2 و {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّام} 3 و {يَا صَاحِبَيِ السِّجْن} 4 و {مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَار} 5.
ومنها قول الأعشى ميمون:
560-
مهادي النهار لجاراتهم ... وبالليل هن عليهم حرم
ومنها قول ابن أبي ربيعة:
561-
وغيث تبطنت قريانه ... بأجرد6 ذي ميعة منهمر
562-
مسح الفضاء كسيد الإباء ... جم الجراء شدد الحضر
__________
1 من الآية رقم "266" من سورة "البقرة".
2 من الآية رقم "204" من سورة "البقرة".
3 من الآية رقم "196" من سورة "البقرة".
4 من الآية رقم "39" من سورة "يوسف".
5 من الآية رقم "23" من سورة "سبأ".
6 في ع "بأمرد".
560- من المتقارب. نسبه المصنف للأعشى وليس في ديوانه.
هادي جارته: أرسل كل منهما هدية إلى الآخر، أو جاء كل منهما بطعام وأكلا في مكان واحد أو جعلها تتمايل في مشيتها.
حرم: جمع حرام "نقيض الحلال".
"اللسان 8/ 15، 15/ 9 شرح التسهيل 2/ 173، شرح عمدة الحافظ 369".
561، 562- من المتقارب.
قريان الغيث: مسيلة من التلاع جمع قري. وتبطن القريان: سار في بطنه.
الفرس الأجرد: القصيير الشعر، ذو ميعه: في أوائل الشباب، مسح: جواد، الماء المنهمر: السائل، مسح الفضاء: جواد، جم الجراء: كثير الجري الحضر: ارتفاع الفرس في عدوه، كسيد الإباء: لا يأبى ولا يمتنع، والكساد: ضد النفاق.(2/907)
ومنها قوله:
563-
من الحور ميسان الضحى بخترية ... ثقال1 متى تنهض إلى الشيء2 تفتر
ومنها قول حسان بن ثابت3 -رضي الله عنه4:
564-
تسائل عن قرم هجان سميذع ... لدى الياس مغوار الصباح جسور
فلا يخفى أن معنى "في"5 في الأول، ومعنى "في" في الثاني
__________
1 ع "مقال".
2 في الأصل "إلى الشر".
3 سقط من الأصل "ابن ثابت".
4 ع وك سقط "رضي الله عنه".
5 في الأصل "معنى من".
563- ميسان الضحى: لا تقوم لحاجتها حتى يرتفع الضحى ويقصد منعمة عندها من يخدمها. الميسان: التبختر بخترية: تتبختر في مشيتها أي: ذات مشية حسنة. ثقال: ثقيلة الأرداف، تفتر: تضعف.
564- القرم: السيد المعظم، الهجان: الكريم الحسب، السميذع: الشجاع الشريف السخي.(2/908)
صحيحان بلا تكلف.
وأن اعتبار معنى اللام، فيهما لا يصح إلا بتكليف] 1.
[ولما كان جميع ذلك قسمين: بعض، وشبيه ببعض قلت بعد التنبيه عليهما:
وجر وانو اللام إن تضف سوى ... هذين...........................
وذلك نحو: "هذا ابن زيد" و"أبو عمرو" و"دار بشر" وهذا القسم أوسع مجالا، وأكثر استعمالا من القسم الآخر] 2. فهذا3 كله مما إضافته معنوية، وحقيقية، ومحضة؛ لأنها مؤثرة في المضاف تعريفا إن كان الثاني معرفة. وتخصيصا إن كان الثاني نكرة ما لم يمنع مانع.
وسأبين المانع4 -إن شاء الله تعالى-5.
"ص":
وإن يضف وصف كفعل في العمل ... فهو مضاف اللفظ رفعا للثقل
وكون ذا المضاف مقرونا بـ"أل" ... مغتفر إن كان شرطه حصل
__________
1 نهاية سقط هـ.
2 سقط ما بين القوسين من ع وك.
3 ك "هذا".
4 ع وك "وسنبين ذلك إن شاء الله تعالى".
5 سقط "تعالى" من الأصل.(2/909)
أعني دخول "أل" على الجزأين ... كـ"المكثر الخير، القرير العين"
وكونها في الوصف كاف إن وقع ... مثنى أو ما كمثنى انجمع
كـ"الفارجو باب الأمير المبهم" ... و"الخالدان المستقيلا1 حذيم2"
"ش": الوصف الذي هو كالفعل في العمل: ما أريد به الحال، أو الاستقبال من: اسم فاعل. أو اسم مفعول. أو صفة مشبهة باسم الفاعل.
وبيان ما يعمل عمل الفعل من الأوصاف. وما لا يعمل على سبيل الاستغناء يذكر في "باب إعمال3 اسم الفاعل" إن شاء الله4.
ونبهت بقولي:
.................................... ... فهو مضاف اللفظ رفعا للثقل
على أن إضافته لم تفد تعريفا، ولا تخصيصا؛ لأنها في نية الانفصال.
وإنما أفادت تخفيف اللفظ بحذف التنوين، والنون
__________
1 هـ "المستقبلان".
2 ط "خذيم".
3 ع وك سقط "إعمال".
4 هـ سقط "إن شاء الله".(2/910)
فإن قولك: "هذا ضارب زيد" و"هؤلاء مكرمو عمرو" أخف من قولك: "هذا ضارب زيدا" و"هؤلاء مكرمون عمرا".
ومعنى المضاف من هذا النوع، والمتروك الإضافة واحد.
ولذلك بقي المضاف منه إلى معرفة على ما كان عليه من التنكير فدخلت عليه "رب" [كقول جرير:
565-
يا رب غابطنا لو كان يطلبكم ... لاقي مباعدة منكم وحرمانا
ونعت به النكرة] 1 كقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَة} 2.
ونصب على الحال [كقوله تعالى3: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ، ثَانِيَ
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 من الآية رقم "95" من سورة "المائدة".
3 من الآيتين رقم "8، 9" من سورة "الحج".
565- من البسيط قاله جرير الخطفي من قصيدة في هجاء الأخطل "الديوان 595" ومعنى البيت: رب إنسان يغبطني بمحبتي لكم لو كان مكاني للاقى ما لاقيته من حرمان.
الغبطة: تمني مثل حال المغبوط من غير إرادة زوالها.(2/911)
عِطْفِه} ] 1.
وكقول2 الشاعر:
566-
فأتت به حوش الفؤاد مبطنا ... ...........................................
وتضمن تمثيلي بـ:
............................ ... "المكثر الخير القرير العين"
الوصف المساوي للفعل في عمل النصب. والمساوي له في عمل الرفع لأن معناهما: "المكثر خيره، القريرة عينه".
ومثل "القرير العين" في الإضافة إلى مرفوع في المعنى إضافة اسم المفعول نحو: "المضروب العبد".
بمعنى: المضروب عبده.
وبينت3 أن4 هذه الإضافة يغتفر فيها وجود الألف واللام في المضاف بشرط وجودهما في المضاف إليه كقولي:
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 هـ سقطت الواو.
3 ع "ويثبت".
4 هـ سقطت "أن".
566- صدر بيت من الكامل وعجزه:
.................................... ... سهدا إذا ما نام ليل الهوجل
والقصيدة قالها أبو كبير الهذلي في وصف تأبط شرا وكان الشاعر قد تزوج أمه "ديوان الهذليين 2/ 92".
حوش الفؤاد: حديده، والحوش: بلاد الجن. الفؤاد: القلب أو ما يتعلق بالمريء من كبد ورئه وقلب. مبطنا: ضامر البطن السهد: القليل النوم. الهوجل: المفازة البعيدة لا علم بها.(2/912)
................................. ... "المكثر الخير القرير العين"
أو كون المضاف مثنى أو مجموعا على حد المثنى كقولي:
..................................... ... "الخالدان المستقيلا حذيم"
وكقول الراجز1:
567-
الفارجو باب الأمير المبهم
فلو كان المضاف غير مثنى ولا مجموع على حد المثنى لم يضف مقرونا بالألف واللام إلى عار منهما إلا على مذهب الفراء2.
__________
567- رجز نسبه المصنف لرؤبة ونسب في كتاب سيبويه 1/ 95 لرجل من ضبة وروايته:
الفارجي.............
الفارج: الفاتح، المبهم: المغلق
ورواية المصنف هي رواية الزجاجي في الجمل 101، والمبرد في المقتضب 4/ 154.
1 في الأصل "وكقول الشاعر وهو رؤبة".
2 قال الزمخشري في المفصل في مبحث الإضافة اللفظية:
"وتقول في اللفظية "مررت بزيد الحسن الوجه" و"بهند الجائلة الوشاح" و"هما الضار با زيد" و"هم الضاربو زيد" قال الله تعالى: {وَالْمُقِيمِي الصَّلاة} . ولا تقول "الضارب زيد" لأنك لا تفيد فيه خفة بالإضافة كما أفدتها في المثنى والمجموع وقد أجازه "الفراء".
قال ابن يعيش 2/ 123 يعلل مذهب الفراء:
"نظرا إلى الاسمية وأن الإضافة لفظية لم يحصل بها تعريف فيكون مانعا من الإضافة".
وقد أجازه "الفراء".
قال ابن يعيش 2/ 123 يعلل مذهب الفراء:
"نظرا إلى الاسمية وأن الإضافة لفظية لم يحصل بها تعريف فيكون مانعا من الإضافة".(2/913)
ولا إلى ضمير على مذهب الرماني، والمبرد -في أحد قوليه- وبذلك قال الزمخشري1.
فعندهم أن الكاف والهاء، والياء من قولك: "زيد المكرمك، وأنت المكرمه، والمكرمي" في موضع جر.
__________
1 قال الزمخشري في المفصل في مبحث الإضافة اللفظية:
"وإذا كان المضاف إليه ضميرا متصلا جاء ما فيه تنوين أو نون: وما عدم واحد منهما شرعا في صحة الإضافة؛ لأنهم لما رفضوا فيما يوجد فيه التنوين أو النون أن يجمعوا بينه وبين الضمير المتصل جعلوا ما لا يوجد فيه له تبعا فقالوا: الضاربك والضاربانك، والضاربي والضارباتي كما قالوا: ضاربك والضارباك والضاربوك والضاربي والضاربي".
قال ابن يعيش 2/ 124 معقبا على ذلك.
"فحاصل كلامه أنه لا يتصل باسم الفاعل ضمير إلا مجرور، ولا أعرف هذا المذهب وقيل إنه رأي لسيبويه، وقد حكاه الرماني في شرح الأصول.
والمشهور من مذهب سيبويه ما حكاه السيرافي في الشرح من أن سيبويه يعتبر المضمر بالمظهر في هذا الباب فيقول: الكاف في "ضاربوك" في موضع مجرور لا غير؛ لأنك تقول ضاربو زيد بالخفض لا غير، والكاف في "الضارباك" و"الضاربوك" يجوز أن تكون في موضع جر، وأن تكون في موضع نصب.... وإذا قلت "الضاربك" كانت في موضع نصب لا غير ... ".
ثم قال ابن يعيش:
"وكان أبو الحسن الأخفش فيما حكاه أبو عثمان الزيادي يجعل المضمر إذا اتصل باسم الفاعل في موضع نصب على كل حال".(2/914)
وهو خلاف قول سيبويه والأخفش.
فإن سيبويه يحكم على موضع الضمير بما يستحقه الظاهر الواقع موقعه1 والأخفش يحكم بنصب الضميرن قرن ما اتصل به من أسماء الفاعلين بالألف واللام أو لم يقرن فـ"الضاربك" و"ضاربك" عنده سيان في استحقاق النصب.
وهما عند الرماني سيان في استحقاق الجر.
والأول عند سيبويه ناصب ومنصوب. والثاني مضاف ومضاف إليه. كما لو قلت: "الضارب زيدا" و"ضارب زيد".
"ص":
وغير هذا الوصف "إن أضيفا ... إلى معرف2 أنل3 تعريفا
إن لم يكن ملازم الإبهام ... مقرر الشياع في الأفهام
__________
1 قال سيبويه في الكتاب 1/ 96:
"وإذا قلت "هم الضاربوك" و"هما الضارباك" فالوجه الجر؛ لأنك إذا كففت النون من هذه الأسماء في المظهر كان الوجه الجر. ولا يكون في قولهم: "هم ضاربوك" أن تكون الكاف في موضع النصب لأنك لو كففت النون في الإظهار لم يكن إلا جرا.
ولا يجوز في الإظهار "هم ضاربو زيدا".
2 ع "معرفة".
3 س وش، وط وع وك "ينل".(2/915)
كـ"غير إن لم يك بين اثنين ... تنافيا كـ"الصعب غير الهين"
"ش": غير هذا الوصف أي غير الوصف الذي يعمل عمل الفعل إذا أضيف فإضافته محضة.
فيتعرف بما أضيف إليه إن كان معرفة. ما لم يكن المضاف ملازما للإبهام كـ"حيز" و"مثل" و"شبه" فإن إضافة واحد من هذه وما أشبهها لا تزيل إبهامه إلا بأمر خارج عن الإضافة.
كوقوع "غير" بين ضدين كقول القائل: "رأيت الصعب غير الهين"1 و"مررت بالكريمن غير البخيل" وكقوله تعالى2: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} 3.
وكقول أبي طالب:
568-
يا رب إما يخرجن4 طالبي5
569-
في مقنب6 من تلكم المقانب
570-
فليكن المغلوب غير الغالب
571-
وليكن المسلوب غير السالب
__________
1 هـ "غير البين".
2 الآية رقم "7" من سورة "الفاتحة".
3 سقط من ع وك {وَلا الضَّالِّينَ} .
4 هـ "تخرجن".
5 ع وك "طالب".
6 هـ "مقنت".
568-571- رجز نسبه المصنف لأبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، المقنب جماعة الخيل والفرسان.(2/916)
فبوقوع "غير" بين ضدين يرتفع إبهامه؛ لأن جهة المغايرة تتعين. بخلاف خلوها من ذلك كقولك: "مررت برجل غيرك".
وكذا "مثل" إذا أضيف إلى معرفة دون قرينة تشعر بمماثلة خاصة فإن الإضافة لا تعرفه، ولا تزيل إبهامه.
فإن أضيف إلى معرفة، وقارنه ما يشعر بمماثلة خاصة تعرف.
"ص":
وغالبا1 "حسب" و"مثل" مع ما ... ضاهاهما التنكير فيها2 لزما
و"عبد بطنه" قليلا نكرا ... وذا على واحد أمه" جرى3
كل لـ"رب ابن وأمه" و"كم ... شاة ونسلها" بتنكير حكم
"ش": لا يتعرف -غالبا- "حسبك" ولا مع في معناه؛ لأنه بمعنى: كافيك، وهو4 اسم فاعل مراد5 به الحال.
__________
1 ع "وغالب".
2 ع "فيهما الزما" وك "فيها الزما".
3 هـ:
"وذا على واحد أمه جرى ... وعبد بطنه قليلا نكرا"
4 ع وك "وهي".
5 ع وك "مرادا".(2/917)
وما في معنى "حسبك": "شرعك" و"بجلك"1 و"فطك" و"فدك"
وكلها نكرات لتأديتها معنى الفعل.
وما في معنى2 "مثل": "شبه" و"ند" و"نحو" وما أشبه ذلك.
وكلها -أيضا- نكرات.
إلا إذا أريد بها خصوص3 المشابهة، كما تقدم من القول في "مثل" وكذلك "حسبك" وأخواتها4، وقد يعرض لها ما تصير به معارف صرح بذلك سيبويه5.
إلا أن الشائع تنكيرها، ولذلك قلت:
وغالبا "حسب" و"مثل" مع ما ... ضاهاهما التنكير فيها6 لزما7
وذكر أبو علي أن من العرب من يجعل: "واحد أمه" و"عبد بطنه" نكرتين فيدخل عليهما "رب". وكونهما معرفتين أشهر.
وإذا عطف على مجرور "رب"، أو منصوب "كم" الاستفهامية مضاف إلى ضميره8 فهو نكرة بإجماع نحو قولك:
__________
1 ع "وبخلك".
2 ع سقط معنى.
3 ع وك "حصول".
4 سقطت من الأصل ومن هـ الواو.
5 ينظر الكتاب 1/ 272.
6 ع "فيما".
7 ع وك "الزما".
8 ع وك "وضمير".(2/918)
"رب رجل وأخيه لقيتهما" و"كم ناقة وفصيلها لك"؟
لأن العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عنه على الأصح. و"رب" و"كم" لا يعملان إلا في نكرة.
فتقدير "رب رجل وأخيه": رب رجل وأخ له.
وتقدير: "كم ناقة وفصيلها" كم ناقة وفصيلا لها.
وكذا التقدير في "رب ابن وأمه"1، و"كم شاة ونسلها"2.
__________
1 هـ "وعبده".
2 هـ "وسخلها".(2/919)
فصل:
"ص":
قد يجعل المضاف كالذي له ... أضيف في بعض الذي أنيله
بشرط أن يصلح أن يستغنى ... به عن الأول فيما يعنى1
كـ"نسفته مر ريح شمال ... ومرها سريعة التحول"
"ش": إذا كان المضاف صالحا للحذف، والاستغناء عنه بالمضاف إليه جاز أن يعطى المضاف بعض أحوال المضاف إليه. فمن ذلك قول الشاعر:
__________
1 هـ "يغني".(2/919)
572-
مشين كما اهتزت رماح تسفهت ... أعاليها مر الرياح النواسم
فأُعطي الـ"مر" وهو مذكر تأنيث الرياح" لأن الإسناد إلى الرياح مغن عن ذكر الـ"مر".
وكذلك قول الآخر:
573-
أتي الفواحش عندهم معروفة ... ولديهم ترك الجميل جمال
ومنه قوله تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} 1.
فأعطي الأعناق ما هو لأصحابها من الإخبار بـ"خاضعين" لصلاحية الأعناق للحذف، والاستغناء عنها بضمير أصحابها، وهو أن يقال: "فظلوا لها خاضعين".
__________
1 من الآية رقم "4" من سورة "الشعراء".
572- من الطويل قاله ذو الرمة ورواية الديوان 695.
رويدا كما اهتزت............ ... .................................
تسفهت الرياح الرماح: حركتها واستخفتها
النواسم: ضعيفة الهبوب، واحدتها: ناسمة
573- من الكامل قال العيني 3/ 368 إنه للفرزدق ذم به قوم الأخطل ولم أعثر عليه في ديوان الفرزدق وقد أنشده الفراء في معاني القرآن 2/ 165 ولم ينسبه.(2/920)
وأمثال ذلك كثيرة:
ولو قيل في "قام غلام هند" "قامت غلام هند" لم يجز لأن الغلام غير صالح للحذف والاستغناء بما بعده عنه، كما كان ذلك فيما تقدم من "مر الرياح" و"أتى الفواحش" وأشباههما1.
وكما جاز تأنيث المذكر لإضافته2 إلى مؤنث صالح للاستغناء به. [كذلك يجوز تذكير المؤنث لإضافته إلى مذكر صالح للاستغناء به] 3 كقول الشاعر:
574-
رؤية الفكر ما يؤول له الأمر ... معين على اجتناب التواني
ويمكن أن يكون من ذلك قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِين} 4.
__________
1 ع وهـ "وأشباهها".
2 ع وك "للإضافة".
3 ع سقط ما بين القوسين.
4 من الآية رقم "56" من سورة "الأعراف".
574- من الخفيف قال العين 3/ 369 لم أقف على اسم قائله ويروي الشطر الثاني مع بعض تغيير كما يلي:
..................................... ... ......... على اكتساب الثواب
والاستشهاد به يجوز أن يكون في قوله: "له الأمر" حيث قال "له" ولم يقل "لها" ويجوز أن يكون في "معين" حيث وقع خبرا مع أن المبتدأ "رؤية" مؤنث، وذلك لسريان التذكير إليه من المضاف إليه وهو "الفكر".(2/921)
"ص":
ومبهم كـ"غير" إن يضف لما ... بنوا أجز بناه للذ قدما
"ش": المراد بـ"مبهم كغير"1: ما لا يتضح2 معناه إلا بما يضاف 3 إليه كـ"مثل" و"دون" و"بين" و"حين" مما فيه شدة ابهام تقربه4 من الحروف.
فإذا أضيف إلى مبني جاز أن يكتسب من بنائه، كما تكتسب النكرة المضافة إلى معرفة من تعريفها.
فمن اكتساب البناء بالإضافة إلى مبني قوله تعالى: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِك} 5 وقوله: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُم} 6 -بفتح النون-[وقوله] : {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} 7 -بفتح اللام.
ومنه قول الشاعر:
575-
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت ... حمامة في غصون ذات أوقال
__________
1 ع وك "لغير".
2 هـ "ما لا ينتظم".
3 ع وك "إلا بمضاف".
4 ع وك "يقربه".
5 من الآية رقم "11" من سورة "الجن".
6 من الآية رقم "94" من سورة "الأنعام".
7 من الآية رقم "23" من سورة "الذارايات".
575- من البسيط نسبه البغدادي في الخزانة 2/ 46 لأبي قيس بن الأسلت يصف ناقة وهو من الخمسين المجهولة القائل في كتاب سيبويه، والضمير في "منها" يعود إلى ناقته الوجناء في بيت سابق هو:
ثم ارعويت وقد طال الوقوف بنا ... فيها فصرت إلى وجناء شملال
نطقت: صرخت، في: بمعنى على، الأوقال: الدوم اليابس.
والمعنى: أن ناقته حديدة النفس يخامرها فزع وذعر لحدة نفسها وذلك محمود في النياق.(2/922)
-بفتح الراء.
"ص":
ولا يضاف اسم لما به اتحد ... معنى وما أوهم ذا إذا ورد
فهو مؤول بمبدي العذر في ... نطق به تأويل ذي تلطف
"ش": المضاف يعرف أو يخصص بالمضاف إليه.
والشيء لا يعرف ولا يتخصص إلا بغيره.
فلا بد من كون المضاف غير المضاف إليه بوجه ما.
فإن توهم خلاف ذلك في مضاف ومضاف1 إليه تلطف في تقدير المغايرة.
فلذلك قيل في قولهم: "صلاة الأولى" أن المراد: صلاة الساعة2 الأولى.
__________
1 هـ سقط "ومضاف".
2 ع "المساعة".(2/923)
وفي قولهم: "مسجد الجامع" و"دين القيمة"1 و"حبة الحمقاء" أن المراد2: مسجد اليوم أو الوقت الجامع، ودين الملة القيمة، وحبة البقلة الحمقاء.
وقيل في قولهم: "سعيد كرز" لمن اسمه: سعيد، ولقبه: كرز أن3 الأول مؤول بالمسمى، والثاني غير مؤول، بل اعتبر به4 مجرد اللفظ.
فإذا5 قلت: جاءني سعيد كرز فكأنك قلت: جاءني مسمى هذا اللقب.
وبنحو هذا يعامل: "يوم الخميس" و"فعلت ذلك6 ذات7 يوم، وذا صباح".
وأما قولهم: "نفس الشيء" و"كل القوم".
فإن المغايرة فيه بين الأول والثاني بينة؛ لأن "نفسا" و"كلا" قبل أن يضافا صالحان لأشياء مختلفة الحقائق، والذي يضاف إليه أحدهما دال على معين.
فإذا طرأت الإضافة اتحدا معنى، وبقي الشعور بما كانا عليه قبل أن يضافا مسوغا لجعلهما مضافا، ومضافا إليه في اللفظ وإن كانا في المعنى واحدا.
وأما نحو: "جرد8 قطيفة" فملحق بـ"خاتم فضة" وبابه.
__________
1 من الآية رقم "5" من سورة "البينة".
2 هكذا في هـ وسقط "أن المراد" من الأصل ومن باقي النسخ.
3 ع س قط "أن".
4 ع وك "فيه".
5 هـ "وإذا".
6 ع وك "ذاك".
7 هـ سقط "ذات".
8 ثوب جرد: خلق.(2/924)
فصل 1:
"ص":
وهاك أسماء تضاف2 أبدا ... منها "قصارى" و"حمادى"3 و"لدى"
"بيد" "سوى" "عند" "لدن" "ذو" و "أولو". ... هما لجنس4 ظاهر قد يوصل
"ذوو"5 بمضمر كما6 "ذووها" ... كذا "ذووه" فاعرف الوجوها
"ذو" "ذات": أنثاه، "ذوات": الجمع ... وجريان الأصل يجري الفرع
__________
1 سقط من ع وك "فصل"
2 هـ "يضاف".
3 ع "جمادى".
4 س ط "بجنس".
5 ط "وذو".
6 هـ وع وك "كما" وفي الأصل "كذا" لكن حديث المصنف بعد قليل يؤيد ع وك وهـ.(2/925)
وقل أن يضاف "ذو" إلى علم ... غير مصدر به كـ"ذي سلم"
ونحو1 "ذي تبوك"2 "ذي بكة" قد ... شذ، فلا تنكر نظيرا إن ورد
"ش": من الأسماء ما لا ينفك عن الإضافة لا معنى، ولا لفظا3.
ومنها ما لا ينفك عن الإضافة معنى، وينفك عنها لفظا4.
فمن الأول: "قصارى الشيء وحماداه" أي: غايته.
ومنها "لدى" و"عند" ومعناهما: الحضور والقرب.
هكذا قال سيبويه5.
ولم يجعل "لدى" لغة في "لدن"6 كما فعل الزمخشري7.
__________
1 هـ "وجر".
2 في الأصل "وذي بكة".
3 ع وك "لا معنى ولا لفظا".
4 ع وك "عن لفظها".
5 ينظر كتاب سيبويه "2/ 311".
6 ينظر كتاب سيبويه 2/ 44 وما بعدها.
7 ينظر مبحث الظروف في مفصل الزمخشري.(2/926)
و"بيد" بمعنى "غير" ولم تقع الإضافة إلا إلى1 مستثنى بها2.
و"سوى" لا يليها إلا مجرور بإضافتها إليه.
وقد مضى الكلام عليها في باب الاستثناء.
ومن الأسماء التي تلازم الإضافة لفظا ومعنى "ذو" بمعنى: صاحب، وفروعها وهي: "ذوا" في التثنية. و"ذوو" في الجمع. [و"أولو" 3 و"ذات" في الإفراد والتأنيث. و"ذواتا" في التثنية. و"ذوات" في الجمع] 4.
ولا يضفن إلا إلى اسم جنس ظاهر إلا ما ندر من قول الشاعر:
576-
صبحن الخزرجية مرهفات ... أبار ذوي أرومتها ذووها
وكذا قول الآخر أنشده الأصمعي:
__________
1 في الأصل وع "على".
2 هـ "ولم تقع إلا مضافة إلى أن مستثنى بها".
3 هـ سقط "وأولو".
4 ع وك "سقط ما بين القوسين.
576- من الوافر من أبيات لكعب بن زهير "الديوان 212" ورواية الديوان
صبحنا.................... ... أباد......................
أرهف السيف: رققه. الأرومة: الأصل.(2/927)
577-
إنما يصطنع المعر ... وف في الناس ذووه
وإلى1 هذين البيتين أشرت بقولي:
.................. كما ذووها ... كذا ذووه....................
[ومن إضافة "ذوو" إلى مضمر قول الأحوص:
578-
وإنا لنرجوه2 عاجلا منك مثلما ... رجوناه قدما من ذويك3 الأفضل]
وأضيف "ذو" إلى علم وذلك على ضربين: أحدهما: نادر. والآخر: كثير.
فالنادر أن يكون "ذو" غير جزء من العلم بل تكون4
__________
1 في الأصل وهـ "فإلى".
2 ع "لنرجوا".
3 سقط ما بين القوسين من الأصل ومن هـ.
4 في الأصل "يكون".
577- من مجزوء الرمل أنشده الأصمعي ولم يعزه لقائل معين، ورواية ابن يعيش في شرح المفصل 3/ 38 والسيوطي في همع الهوامع 2/ 50 وابن الخباز في الغرة المخفية ص12:
إنما يعرف ذا الفضل ... من الناس ذووه
وأنشد عبد القاهر قبل البيت:
أفضل المعروف ما لم ... تبتذل فيه الوجوه
578- من الطويل "ديوان الأحوص ص179" وينظر أيضا تفسير أبي حيان 1/ 281.(2/928)
إضافته إلى علم تام كإضافة "صاحب"1 إليه.
فمن ذلك قول بعض العرب: "ذو تبوك".
ومثله "أنا2 الله3 ذو بكة" وجد مكتوبا في حجر من أحجار الكعبة قبل الإسلام.
والكثير الذي ليس نادرا: أن يكون "ذو بعض العلم كقولهم:
"ذو يزن"4 و"ذو الكلاع"5 -لرجلين- و"ذو سلم"6 -لموضع.
__________
1 ع "صاب".
2 ع "إن".
3 سقط من الأصل ومن هـ كلمة "الله".
4 ذو يزن: ملك لحمير لأنه حمى الوادي المسمى "يزن".
5 ذو الكلاع: شخصان الأكبر: يزيد بن النعمان، والأكبر: سميفع بن ناكور بن عمرو بن يعفر بن ذي الكلاع الأكبر. وهما من أذواء اليمن والتكلع: التجمع وبه سمي ذو الكلاع.
6 ذو سلم: موضع بجزيرة العرب.(2/929)
فصل:
"ص":
لمفهم اثنين بلا عطف ولا ... تنكر أضيف "كلتا" و"كلا"
"لبى"1 و"سعدى" ثم "وحد" لا تضف ... إلا لمضمر كـ"وحدك" انصرف"
ومغرب2 مضيف "لبى" لـ"يدي" ... ولم يجئ جاعله فردا بشي
"ش": من اللازم3 الإضافة4 لفظا ومعنى "كلا" و"كلتا"، ولا يضافان إلا لمعرفة مثنى معنى ولفظا5 كقولك: "جاء كلا الرجلين".
أو مثنى معنى لا لفظا كقول الشاعر:
579-
إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل
ولا يضافان إلى معطوف ومعطوف عليه إلا ما شذ كقول الشاعر:
__________
1 ط "لبنى".
2 ط "ومعرب".
3 في الأصل "اللام".
4 ع وك للإضافة".
5 ع وك "لفظا ومعنى".
579- من الرمل من قصيدة قالها عبد الله بن الزبعرى القرشي قالها في وقعة أحد قبل إسلامه "سيرة ابن هشام 616".
المدى: الغاية، الوجه: مستقبل كل شيء.(2/930)
580-
[كلا أخي، وخليلي واجدي عضدا ... في النائبات وإلمام الملمات] 1
ومن اللازم للإضافة إلى المضمر دون الظاهر: "لبيك" و"سعديك" و"وحدك".
وزعم يونس2 أن "لبيك" مفرد. وأنه في الأصل "لبى"3 على "فعلى"4 فقلبت ألفه ياء في الإضافة كانقلاب ألف "لدى" و"إلى" و"على"5.
وقال سيبويه6:
__________
1 سقط ما بين القوسين من هـ وجاء موضعه:
"كلا السيف والساق التي ضربت به ... ............................................."
2 قال سيبويه في الكتاب 1/ 175:
وزعم يونس أن "لبيك" اسم واحد، ولكنه جاء على هذا اللفظ في الإضافة كقولك: "عليك".
3 ع "البا" وك "لبا".
4 ع وك "فعلا".
5 في الأصل "إلى ولدى وعلى".
6 قال سيبويه 1/ 175 "في باب ما يجيء من المصادر مثنى" "ومن ذلك لبيك ...
ولست تحتاج في هذا الباب إلى أن تفرد لأنك إذا أظهرت الاسم تبين أنه ليس بمنزلة عليك وإليك؛ لأنك لا تقول: لبى زيد، وسعدى زيد ... ".
580- من البسيط لم ينسبه أحد لقائل معين.
الخليل: من الخلة وهي صفاء المحبة، عضدا: كناية عن الإعانة والتقوية.
النائبات: المصائب، الملمات: نوازل الدهر.
"العيني 3/ 419، التصريح 2/ 43، الشاهد رقم 368 في المغني، همع الهوامع 2/ 50، الدر 2/ 61".(2/931)
بل هو مثنى لأنه لو كان مفردا جاريا مجرى "لدى" و "إلى" و"على"1 لم تنقلب ألفه إلا مع المضمر.
كما لا تنقلب ألف "لدى" و"إلى" و"على"2 إلا معه.
وفي وجود ياء "لبيك" مع الظاهر دليل على مخالفتها ياء "لديك" و"إليك" و"عليك".
قال الشاعر:
581-
دعوت لما نابني مسورا ... فلبى فلبي يدي مسور
__________
1 في الأصل "لدى وعلى وإلى".
2 هـ "لدى وعلى وإلى".
581- من المتقارب من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعلم قائلها، وقد ينسب لأعرابي من بني أسد.
قال الأعلم 1/ 176.
يقول دعوت مسورا لرفع نائبة نابتني فأجابني بالعطاء فيها وكفاني مؤنتها وإنما لبى يديه لأنهما الدافعتان إليه ما سأله منه فخصهما بالتلبية لذلك.
مسور: اسم رجل.
لما نابني: لما أصابني ونزل بي.
قال سيبويه 1/ 175 بعد أن ذكر البيت:
"فلو كان "لبى" بمنزلة "على" لقال: فلبى يدي مسور؛ لأنك تقول "على زيد" إذا أظهرت الاسم".(2/932)
وإلى هذا أشرت بقولي:
ومغرب مضيف "لبى" لـ"يدي" ... ...................................
أي: هو جاء بغريب.
"ص":
حتما أضيف الفم حيث حذفا ... ثانيه واستندر "خياشيم وفا"
والزم إضافة "إزاء" و"حذا" ... ظرفين "وسط" "بين" "حيث" "إذ" "إذا"1
في "بين" قيل "بينما" فلم تضف2 ... وإن يقل "بينا" فحكمها اختلف
فانجر تاليها، وطورا ارتفع3 ... والجر في اسم العين قلما يقع
"ش": ومن اللازم الإضافة لفظا: "الفم" دون ميم.
وقد يفرد4 في الضرورة كقول الشاعر:
__________
1 هـ "ذا".
2 ع وك "يضف".
3 ط "لارتفع".
4 ع وك "تفرد".(2/933)
582-
وداهية من دواهي المنون ... يرهبها الناس لا فا لها1
وكقول الراجز2:
583-
خالط من سلمى خياشيم وفا
ومن اللازم الإضافة3 والظرفية: "إزاء"4 و"حذاء" و"وسط" و"بين".
وقيدت "إزاء" و"حذاء" بكونهما ظرفين احترازا من "إزاء الحوض" فإنه اسم يفرد ويضاف5.
وكذلك احترزت بتقييد "حذاء" من الحذاء الذي يراد به النعل والأصل في "وسط" مصدر: وسط الشيء6 الشيء إذا
__________
1 ع "لا قالها".
2 ع وك الأصل "وكقول الآخر".
3 ع وك "اللازم للإضافة".
4 هـ "لذاء" آزى الشيء: حاذاه.
5 ع وك "يضاف ويفرد".
6 ع سقط "الشيء".
582- من المتقارب نسب في كتاب سيبويه 1/ 159 لعامر بن الأحوص ونسبه الأعلم للخنساء. وأنشده ابن يعيش في شرح المفصل 1/ 122 وصاحب اللسان مادة "فوه" ولم ينسباه.
583- رجز ينسب للعجاج وهو في ملحقات الديوان ص83.
الخياشيم: جمع خيشوم ولس للإنسان إلا واحدا وإنما جمعه بما حوله كما في قلوبهم عظيم الوجنات.(2/934)
توسطه ثم استعمل استعمال "بين" في1 ملازمة الإضافة والظرفية.
وقد يخلو2 من الظرفية كقول الشاعر يصف سحابا ذا برق:
584-
وسطه كاليراع أو سرج المجـ ... دل طورا3 يخبو وطورا ينير4
يُروى: بالرفع والنصب.
فمن رفع فبالابتداء، وكان فيه حجة على ما قلنا.
ومن نصب فعلى الظرفية والخبرية، والكاف بعده اسم في موضع رفع بالابتداء.
وأما "بين" فملازم للإضافة ما لم ينكف بـ"ما" كقولك: "بينما زيد عندنا أتانا عمرو".
__________
1 ع وك سقط "في".
2 هـ "يخلوا".
3 هـ "أو طورا".
4 ع "يبير".
584- من الخفيف قاله عدي بن زيد في وصف سحاب ذي برق "الديوان 85".
اليراع: ذباب يطير بالليل كأنه نار.
المجدل كمنبر: القصر.(2/935)
وإذا زيد عليها ألف جاز فيها وجهان:
بقاء الإضافة. وانكفافها.
إلا أن الانكفاف قبل اسم عين أكثر من بقاء الإضافة.
وإلى هذا أشرت بقولي:
فانجر تاليها، وطورا ارتفع ... ...............................
ويُروى:
585-
بينا تعنقه1 الكماة [وروغه ... يوما أتيح له جريء سلفع] 2
بالجر والرفع
وأما "إذ" و"إذا" و"حيث" فيأتي الكلام عليهن -إن شاء الله تعالى3.
__________
1 هـ "تعيه".
2 ع وك وهـ سقط ما بين القوسين.
3 ع وك والأصل سقط كلمة "تعالى".
585- من الكامل من قصيدة أبي ذؤيب الهذلي المشهورة التي مطلعها:
أمن المنون وريبها تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع
وقد قالها في رثاء أبنائه الذين فتك بهم الطاعون "ديوان الهذليين 1/ 1".
الكماة: جمع كمي وهو الشجاع، أو لابس السلاح.
راغ يروغ روغا: مال وحاد عن الشيء.
جريء: شجاع. سلفع: الشجاع الواسع الصدر.(2/936)
"ص":
ولم يضف1 لمفرد "إذ" و"إذا" ... و"حيث" في غير شذوذ2 هكذا
ونادر3 إفرادها وكثرا ... إفراد "إذ" منونا منكسرا
"ش": تضاف "إذ" إلى جملة فعلية. وإلى جملة اسمية4.
ولا تضاف "إذا" إلا إلى جملة فعلية.
وأجاز الأخفش أن تضاف5 إلى جملة اسمية، وحمل عليها "حيث" فألزمت الإضافة إلى الجملتين.
وشذ إفراد ما تضاف6 إليه في قول الراجز7:
586-
أما ترى حيث سهيل طالعا
__________
1 ط "تضف".
2 س ش ط ك ع "في غير ضرورة كذا" هـ "شذوذها كذا".
3 هـ "ونادا".
4 في الأصل "وأجاز الأخفش أن تضاف إلى جملة اسمية".
5 في الأصل "يضاف".
6 في الأصل "ما تضاف" وفي باقي النسخ "يضاف".
7 هـ "وشذ إفرادها في قول الراجز إفراد ما تضاف إليه".
586- هذا بيت من الرجز أنشده ابن الأعرابي ولم يذكر بعده شيئا ولم يعزه وأنشده السمرقندي في شرحه لمقدمة ابن الحاجب وذكر بعده:
نجما يضيء كالشهاب لامعا
سهيل: نجم في السماء "العيني 3/ 384".(2/937)
وفي قول1 الشاعر:
587-
[ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم ... ببيض المواضي] 2 حيث لي العمائم
وإلى هذا أشرت بقولي:
....................................... ... و"حيث" في غير شذوذ هكذا3
وأنشد أبو علي قول الشاعر:
588-
إذا ريدة من حيثما نفحت له ... أتاه برياها خليل يواصله4
__________
1 ع سقط "قول".
2 هـ سقط ما بين القوسين
3 ع وك "في غير ضرورة كذا" هـ "في غير شذوذها كذا".
4 هـ "تواصله".
587- من الطويل ينسب للفرزدق وليس في ديوان كما ينسب إلى عملس بن عقيل. "البغداد في الخزانة 3/ 152والعيني في المقاصد 3/ 387، الأغاني 11/ 83، أمالي الشجري 1/ 136".
الحبا: جمع حبوة -بضم الحاء- وهو أن يجمع الرجل ظهره وساقيه بعمامته، وقد يحتبي بيديه.
بيض المواضي: السيوف الحادة حيث لي العمائم: أي على رءوسهم.
588- من الطويل ينسب لأبي حية النميري "اللسان "ريد" العيني 3/ 386، الخزانة 3/ 152، همع الهوامع 1/ 112".
الريدة: بفتح الراء وسكون التحتية، وفتح الدال المهملة: ريح لينة الهبوب.
نفحت: هبت، الريا: الرائحة.(2/938)
قال أبو علي:
حذف ما تضاف1 إليه "حيث" كما حذف ما تضاف2 إليه "إذ" قلت: "إذ" كثر حذف ما تضاف إليه لأنها كالأصل في الإضافة إلى الجمل.
لكنها عند حذف3 ما تضاف إليه تلزم4 أن تنون وتكسر ذالها لالتقاء الساكنين.
وهذا التنوين الذي يلحقها هو عوض من المضاف إليه، ولذلك لا يستغنى عنه إذا حذف.
ولما كان عوضا من5 الجملة، وكان وجود الجملة معطيا لـ"إذ" شبها بالموصول استحقت به البناء قام التنوين مقامها في إيجاب بناء "إذ".
وزعم الأخفش أن كسرة6 ذال "حينئذ" كسرة إعراب.
__________
1 و2 ع وك وهـ "تضاف" وفي الأصل "يضاف".
3 ع سقط "حذف".
4 ع وك "يلزم".
5 ع وك سقط "من".
6 ع "كسر".(2/939)
وأن "إذ" إنما بنيت لإضافتها إلى الجملة، فلما حذفت الجملة عاد إليها الإعراب. فجرت بالإضافة.
ويبطل رأيه أن ذلك الكسر يوجد دون إضافة إلى "إذ" فإنه قد روي عن العرب موضع "كان ذلك حينئذ" "كان ذلك إذ".
[وهذا بين والله أعلم] 1.
ومنه قول الشاعر:
589-
نهيتك عن طلابك أم عمرو ... بعاقبة وأنت إذ صحيح
وزعم الأخفش أيضا أنه أراد "حينئذ" فحذف "حينا" وأبقى جر "إذ" وهذا بعيد. وغير قول الأخفش أولى بالصواب.
[وبعد من حيث إن "حينما" بمعنى "وقت". و"إذ" معناها: وقت
__________
1 ع وك سقط ما بين القوسين.
589- من الوافر من مقطوعة عدتها تسعة أبيات لأبي ذؤيب الهذلي "ديوان الهذليين 1/ 68" والخطاب للقلب في البيت قبله وهو:
جمالك أيها القلب القريح ... ستلقى من تحب فتستريح
بعاقبة: المشهور أنه بالقاف المثناة والباء الموحدة، والمراد: بآخر ما وصيتك به.
وقد ذكر الدماميني الكلمة بالفاء والياء، وتكلف في بيان متعلق الباء بما لا يتفق والمعنى.(2/940)
ومثل هذه الإضافة في تقدير الأطراح فلا يُنوى مع الحذف] 1 والله أعلم2.
"ص":
ومثل "إذ"3 معنى كـ"إذا" أضيفا ... للجملتين وافتحن تخفيفا
وقبل فعل ماض البنا رجح ... والعكس قبل غيره أيضا وضح
وما بـ"إذ"4 ألحق ثم ثنى ... فليس عن إعرابه تستغني5
"ش": معلوم أن "إذا" دال على زمن ماض6 مبهم غير محدود.
فأي اسم وافقه في معناه جاز أن يضاف إلى جملة ماضية المعنى، اسمية كانت، أو فعلية نحو: "الحين" و"الوقت" و"الساعة" و"الزمان".
وكذا "اليوم"؛ لأن اليوم عند العرب لا يختص بالنهار إلا بقرينة. مثل أن يقال: "لا آتيك في يوم ولا ليلة".
__________
1 ع وك سقط ما بين القوسين.
2 سقط من الأصل ومن هـ "والله أعلم".
3 ع "إذ ومثل إذ".
4 ط "بذا".
5 س ش ط "يستغني".
6 هـ "زمن لمضى" ع وك "زمان ماض".(2/941)
فإن قلت: لا آتيك يوما ولم1 تقرنه بـ"ليلة"كان بمعنى "وقت" و"حين" قال الله تعالى: {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاق} 2.
وهذا لا يختص بليل ولا نهار؛ لأن المراد به وقت الاحتضار والنزع.
وإذا أضيف المحمول على "إذ" إلى جملة جاز إعرابه، وبناؤه على الفتح.
إلا أن بناءه راجح3 إذا وليه فعل ماض كقول الشاعر:
590-
على حين ألهى الناس جل أمورهم ... فندلا زريق المال ندل الثعالب
فإن كان اسم الزمان محدودا كـ"شهر" لم يجز أن يضاف إلى جملة لمباينة معناه معنى "إذ" و"إذا". فإن ثني المضاف إلى جملة أعرب.
قال ابن كيسان:
__________
1 ع "ولا تقرنه".
2 الآية رقم "30" من سورة "القيامة".
3 هـ "أرجح".
590- سبق الحديث عن هذا الشاهد في باب المفعول المطلق.
والشاهد هنا قوله "حين ألهى ... " حيث أضيف حين إلى جملة فعلية فعلها ماض فرجح بناؤه.(2/942)
من قال: "أعجبني يوم زرتني" ففتح: قال في التثنية "أعجبني1 يوما زرتني".
[وحكم بعض المتأخرين للمضاف إلى "يفعلن" ونحوه بما يحكم2 لمتلو الماضي.
فيختار البناء في نحو: "من حين ينطلقن". كما يختاره في نحو: "من حين قام".
لوجود البناء في المضارع، كما هو موجود في الماضي] 3.
"ص":
ولا تضف "إذا" لجملة ابتدا ... ومثلها معنى كها اجعل أبدا
وغير هذا عن قياس انعزل ... نحو: "التلاق يوم هم"4 فلا تهل5
"ش": "إذا" اسم زمان مستقبل فيه معنى الشرط -غالبا- فلذلك لا يليها إلا فعل، أو اسم بعده فعل نحو [قوله
__________
1 في الأصل "أعجبتني".
2 هـ "حكم".
3 سقط ما بين القوسين من الأصل ومن هـ.
4 ط "يومهم".
5 تهل: فلا تخف، الهول: المخافة من الأمر لا يدري ما هجم عليه منه.(2/943)
تعالى:] {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّت} 1.
وإذا وليها اسم بعده فعل جعل الفعل2 المتأخر مفسرا لفعل متقدم رافع للاسم. لا يجيز سيبويه غير هذا3.
وأجاز الأخفش ارتفاع الاسم بالابتداء4.
وإذا أضيف اسم زمان إلى جملة مستقبلة المعنى وجب عند سيبويه5 منع كونها اسميه، كما يمنع6 ذلك بعد "إذا"، لإن "إذ" و"إذا" هما أصلان لكل زمان أضيف إلى جملة.
__________
1 الآية رقم "1" من سورة "الانشقاق".
2 ع وك سقط "الفعل".
3 قال سيبويه في الكتاب 1/ 460 في "باب ما يضاف إلى الأفعال من الأسماء":
"جملة هذا الباب أن الزمان إذا كان ماضيا إلى الفعل، وإلى الابتداء والخبر لأنه في معنى "إذ" فأضيف إلى ما يضاف إليه "إذ".
وإذا كان لما لم يقع لم يضف إلا إلى الأفعال؛ لأنه في معنى "إذا".
و"إذا" هذه لا تضاف إلا إلى الأفعال".
4 استدل ابن جني في الخصائص 2/ 104 وما بعدها لمذهب أبي الحسن الأخفش ومما استشهد به قول ضيغم الأسدي:
إذا هو لم يخفني في ابن عمي ... وإن لم ألقه الرجل الظلوم
ثم قال ابن جني:
"ومعنا ما يشهد لقوله هذا شيء غير هذا ... ".
5 ينظر كتاب سيبويه 1/ 460.
6 ع وك "يمتنع".(2/944)
فإذا كان معناها المضي فالموضع لـ"إذ" فيجري ذلك الاسم مجراها.
وإن كان معناها الاستقبال فالموضع لـ"إذا" فيجري ذلك الاسم مجراها.
وهذا الذي اعتبره سيبويه بديع لولا أن من المسموع ما جاء بخلافه كقوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} 1
وكقول سواد بن قارب رضي الله عنه2:
591-
وكن لي شفيعا يوم لاذو شفاعة ... بمغن فتيلا عن سواد بن قارب
وإلى الآية والبيت أشرت بقولي:
وغير هذا عن قياس انعزل ... .................................
__________
1 من الآية رقم "16" من سورة "غافر".
2 هـ سقط قوله: "رضي الله عنه".
591- سبق هذا البيت في باب "ما ولا وإن المشبهات بليس".
والشاهد هنا "يوم لاذو شفاعة بمغن...." حيث أضيف "يوم" إلى الجملة الاسمية مع أن معناه الزمن المستقبل.(2/945)
"ص":
و"اذهب بذي تسلم" نادرا1 أتى2 ... وثن واجمعن فكل ثبتا3
كذا أضافوا "آية" للفعل إن ... معنى "علامة" أبانت للفطن
وإثر "ريث" و"لدن" "أن" قدرا ... من قبل فعل نحو "من لدن سرى"4
"ش": يقال: "اذهب بذي تسلم" أي: بصاحب سلامتك.
وفي التثنية والجمع: "اذهبا بذي تسلمان" و"اذهبوا بذي تسلمون".
فأضافوا "ذا"5 بمعنى: صاحب إلى هذا الفعل خاصة6. ولا يفعل ذلك بغيره.
وكذا أضافوا "آية" بمعنى: علامة إلى الجمل الفعلية كقول الشاعر:
__________
1 ط "فادر".
2 س "أبى".
3 هكذا في الأصل وفي س وط، وفي ش وع وك وهـ جاء البيت كما يلي:
واذهب بذي تسلم جا وإن ترد ... فروع فاعليه فالسمات زد
4 ط "من لدن ترى".
5 ع "إذا".
6 ينظر التهذيب للأزهري "ذو".(2/946)
592-
ألا من مبلغ عني تميما ... بآية ما تحبون الطعاما
وكقول الآخر:
593-
بآية تقدمون الخيل شعثا ... كأن على سنابكها مداما
__________
592- من الوافر قاله يزيد بن عمرو بن الصعق يعير تميما بحب الطعام. ولهذا البيت قصة ذكرت في الكامل 147، والخزانة 3/ 138، ومجمع الأمثال 1/ 470. وهو من شواهد سيبويه 1/ 460.
قال سيبويه: "فـ"ما" لغو".
593- من الوافر نسب في كتاب سيبويه 1/ 461 للأعشى، وليس في ديوانه قال البغدادي في الخزانة 3/ 135:
"لم أره منسوبا للأعشى إلا في كتاب سيبويه".
وهو من شواهد ابن يعيش 3/ 18، وهمع الهوامع 2/ 51.
قال سيبويه:
ومما يضاف إلى الفعل أيضا قولك ما رأيته منذ كان عندي، ومنذ جاءني، ومنه أيضا آية قال:
بآية تقدمون.....
قال الأعلم: "الشاهد فيه إضافة آية إلى "تقدمون" على تأويل المصدر أي: بآية أقدامكم الخيل. وجاز هذا فيها لأنها اسم من أسماء الفعل لأنها بمعنى علامة، والعلامة من العلم وأسماء الأفعال تضارع الزمان فمن حيث جاز أن يضاف الزمان إلى الفعل جاز هذا في "آية" فكان إضافتها على تأويل إقامتها مقام الوقت فكأنه قال: بعلامة وقت تقدمون".
وشبه ما ينصب من عرق الخيل ممزوجا بالدم على سنابكها بالمدام وهي الخمر.
والسنابك: جمع سنبك وهو مقدم الحافر.(2/947)
وزعم ابن جني أن "ما" في قوله:
............................ ... بآية ما تحبون الطعاما
مصدرية.
ونص سيبويه1 على أنها زائدة، وأن الإضافة إلى الفعل نفسه.
وجاء عن العرب إضافة "ريث" و"لدن" إلى الفعل على تقدير "أن" المصدرية. والله أعلم2.
__________
1 كتاب سيبويه 1/ 460 قال سيبويه: "فما لغو".
2 سقط من الأصل ومن هـ "والله أعلم".(2/948)
فصل:
"ص":
وبعض ما يضاف حتما أفردا ... كـ"مع" و"كل" ثم "بعض" و"عدا"
كل مضاف معنى أن يفرد لذا1 ... لم يصحب "ال" نقلا وحالا شذاذا2
وحق "مع" نصب وقد تسكن3 ... ونيلها الإفراد حالا يحسن4
واجرر أو انصب "غدوة" بعد "لدن" ... وذا إضافة إلى سواه كن
وجوز الأخفش جر ما عطف ... من بعد نصب "غدوة" ولم يحف5
والنصب أيضا قد رأى سعيد ... فيه وعندي نصبه بعيد
وأعربت قيس "لدن" وفقعس ... إعراب "حيث" عنهم مقتبس6
"ش": لما تقدم التنبيه على ما يلازم الإضافة لفظا ومعنى أردفته بالتنبيه على ما يلازمها معنى، ويفارقها لفظا في بعض الأحوال.
فمن ذلك "كل".
والمشهور في استعماله ألا يخلو من الإضافة لفظا إلا وهو مضاف معنى كقوله تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِين} 7.
ولأجل نية إضافته لم تدخل عليه الألف واللام إلا في
__________
1 ط "كذا".
2 هـ "شددا".
3 س وش وط "تسكن" وفي الأصل "يسكن".
4 هـ "جاء لا يحسن".
5 ط "يحف".
6 ط تقتبس.
7 من الآية رقم "87" من سورة "النحل".(2/949)
كلام المتأخرين1.
وأجاز الأخفش تجريده من معنى الإضافة، وانتصابه حالا2.
ووافقه أبو علي في الحلبيات.
و"بعض" كـ"كل" فيما نسب إلى كل من وقوعها حالا وأما "مع" فاسم معرب ملازم للإضافة لا ينفك عنها إلا مستعملا حالا بمعنى "جميع" كقول الشاعر:
594-
بكت عيني اليسرى فلما زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
__________
1 قال ابن الشجري في أماليه 1/ 153. "ومما يدل على صحة جواز دخول الألف واللام على "كل" و"بعض" أن أبا الحسن الأخفش حكى أنهم يقولون: "مررت بهم كلا فينصبونه على الحال، ويجرونه مجرى مررت بهم جميعا".
2 ينظر أمالي الشجري 1/ 153.
594- من الطويل نسب إلى الصمة بن عبد الله القشيري في ديان الحماسة 2/ 88، وفي مسالك الأبصار 9/ 163.
وقوله: "بكت" جواب لما في البيت قبله وهو:
ولما رأيت البشر أعرض دوننا ... وحالت بنات الشوق يحنن نزعا
وقد ذكر القالي من القصيدة عشرة أبيات1 / 190.
وقد نسب هذا البيت إلى المجنون وهو في ديوان 199 من قصيدة وممن نسبه إليه صاحب الأغاني 2/ 67، 6/ 5، وزهر الآداب 181، 204، وتزيين الأسواق 63، وسمط اللآلي 350، ومضارع العشاق 363، الأمالي 1/ 190 ومعجم البلدان 1/ 633، الحماسة البصرية 165، وعيون الأخبار 4/ 141، اللسان 10/ 259.(2/950)
وإلى هذا أشرت بقولي:
................................ ... ونيلها الإفراد حالا يحسن
وحكى سيبويه1 عن العرب: "ذهب من معه".
ومثل ما حكاه سيبويه قراءة بعض القراء2: "هذا ذكرٌ مِنْ معي، وذكرٌ مِنْ قبلي"3.
وقال4 الشاعر:
595-
فريشي5 منكم وهواي معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما
[فجعلها كـ"هل" حين اضطر] 6.
وزعم بعض النحويين أنها حرف إذا سكنت7. وليس بصحيح.
__________
1 الكتاب 2/ 45.
2 منهم يحيى بن يعمر، وطلحة قرآ بتنوين "ذكر" فيهما وكسر ميم "من" "مختصر ابن خالويه ص91".
3 من الآية رقم "24" من سورة "الأنبياء".
4 سقطت الواو من الأصل ومن هـ.
5 ع وك "ريشي".
6 هـ جاء ما بين القوسين قبل بيت الشعر.
7 هو أبو علي الفارسي، وإنما حكم عليها بالحرفية لأنها على حرفين.
595- من الوافر نسب للراعي في كتاب سيبويه 2/ 45 وهو في ديوان جرير ص506.
وانضم إلى ذلك فيها السكون فنزلت عنده منزلة "هل" و"بل". "ينظر أمالي الشجري 2/ 253".(2/951)
و"عدا1 الشيء" بالقصر، والمد ناحيته. وإفراده قليل.
و"لَدُنْ" لأول غاية زمان أو مكان، وقلما تستعمل2 إلا ومعها "من".
وهي مبنية إلا في لغة قيس، وبلغتهم قرأ أبو بكر عن عاصم3 قوله تعالى: {لينذر بأسا شديدا من لَدْنِه} 4.
وكانفراد قيس بإعراب "لدن" انفراد فقعس5 بإعراب "حيث" فإن الكسائي حكى6 أنهم يجرونها بالكسرة إذا دخل عليها حرف جر وينصبونها بالفتحة إذا لم يدخل عليها حرف جر7.
__________
1 في الأصل "عداء".
2 ع "يستعمل".
3 عاصم بن أبي النجودالكوفي أحد القراء السبعة توفي سنة 127هـ تقريبا "معرفة القراء الكبار للذهبي 1/ 73 وما بعدها".
4 من الآية رقم "2" من سورة "الكهف".
5 هـ "قعقس".
6 ع وك "حكى عنهم أنهم".
7 هـ سقط "جر".
ولجر "حيث" بالكسرة وجهان:
الأول: أنها أجريت مجرى ظروف الزمان في إضافتها إلى الجمل، وظروف الزمان إذا أضيفت إلى الجملة فيها وجهان الإعراب والبناء.
وعلى هذا الوجه فكسرتها حركة إعراب.
الثاني: إن من كسر "حيث في الجر بناه إلا أنه كسر على أصل التقاء الساكنين، ولم يبال الثقل، كما قالوا في "جير" و"ويب" فكسروا وإن كان قبل الآخر ياء وعلى هذا الوجه فـ"حيث" ما زالت مبنية.(2/952)
وقد التزمت العرب إضافة "لدن" وجر ما يليها من الأسماء، كما يلزم انجرار كل اسم أضيف إليه اسم.
وشذ إفرادها1 ونصب "غدوة" بعدها مع جواز جرها على القياس.
فإن عطف2 على "غدوة" بعد أن نصبت فحكم المعطوف الجر.
لأن "غدوة" وإن لم تجر لفظا فهي في موضع جر.
وجوز سعيد بن مسعدة الأخفش نصب المعطوف. وهذا بعيد من القياس.
"ص":
و"الآل" كـ"الأهل" قليلا أفردا ... ولسِوَى الأعلام نزرا أسندا
"ش": "الآل" إذا كان بمعنى "الشخص" فهو كـ"الشخص" في أنه يفرد كثيرا ويضاف كثيرا.
وإذا كان بمعنى "الأهل" ندر استعماله غير مضاف.
__________
1 ع وك "إفراده".
2 هـ "عطفت".(2/953)
ولا يضاف إلا غير علم إلا قليلا.
وذكر أبو الزبيدي1 أن إضافته إلى ضمير من لحن العامة2.
والصحيح أنه من كلام العرب لكنه قليل ومنه قول الشاعر:
596-
أن الفارس الحامي حقيقة والدي ... وآلي فما تحمي حقيقة آلكا3
فأضافه إلى الياء وإلى الكاف.
__________
1 محمد بن الحسن الزبيدي النحوي، أبو بكر الأندلسي، عالم بالنحو واللغة والأخبار توفي سنة 379هـ. وزبيد كأمير، بلدة باليمن.
2 ينظر كتاب "لحن العوام" للزبيدي ص14، 15 وهو مذهب الكسائي.
قال ابن السيد البطليوسي في كتاب الاقتضاب ص6:
"وليس بصحيح لأنه لا قياس يعضده ولا سماع".
3 هـ "ذا لكا".
596- من الطويل قائله خفاف بن ندبة "الاقتضاب" في شرح أدب الكتاب ص440".
الآل: أهل الرجل وأتباعه وأصله: أهل، أبدلت الهاء همزة فصارت أَأْل.
توالت همزتان فابدلت الثانية ألفا.
وتصغيره: أويل أو أهيل ...
قال في القاموس: ولا يستعمل إلا فيما فيه شرف غالبا فلا يقال: آل الإسكاف 3/ 331.(2/954)
ومثال1 إفراده قول الشاعر:
597-
[نحن آل الله في بلدتنا ... لم نزل إلا على عهد إرم
وزعم بعض النحويين أنه لا يضاف إلا إلى علم من يعقل وقد أضيف إلى علم فرس في قول2 الشاعر] 3.
598-
نجوت ولم يمنن عليك طلاقة ... سوى ربذ التقريب من آل أعوجا
__________
1 ع "ومثل".
2 ع، ك "كقول".
3 هـ سقط ما بين القوسين.
597- من الرمل لم أعثر على من نسبه لقائل، ورواه ابن الخباز في شرح الدرة الألفية ص32.
نحن آل الله في كعبته ... لم يزل ذاك على دين إبراهيم
وقد تحصل مما ذكره المصنف ما يأتي:
أولا: أن "آل" إذا كان بمعنى الأهل فإضافته غالبة.
ثانيا: أن إضافته إلى ضمير من كلام العرب.
ثالثا: أنه قد يضاف غلى غير عاقل.
598- من الطويل قاله الفرزدق "ديوان الفرزدق إملاء محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي طبع باريس سنة 1870م" وفي الديوان "خرجت" في مكان "نجوت" وفي اللسان مادة "أهل" "ربة" في مكان "ربذ". وفي الأغاني "شفاعة" في مكان "طلاقة".
وفي بعض نسخ الكتاب "ريد" -بالياء- وهو تحريف.
ربذ الفرس: خفت قوائمه في مشيه، والفرس الربذ: السريع الخفيف.
التقريب: نوع من السير يقارب فيه الخطو.
أعوج: فرس لبني هلال تنسب إليه الأعوجيات. وكان في الجاهلية.(2/955)
"ص":
وأفردت "أي" وفي شرط بـ"ما" ... تردف1 غالبا فاعلم واعلما
وحيثما تضف إلى منكر ... فهي2 جميعه كـ"أي معشر"
وهي كـ"بعض" إن تضف لمعرفة ... وكونه فردا أبي3 ذو المعرفه
إلا قليلا، واشترط مع قلته ... عطفا عليه تكف عيب وحدته
ولم تضف موصولة لنكره ... ولمضيف ما سواها الخيره
"ش": مما4 لا يخلو عن الإضافة إلا قليلا "أي".
وقد بينت أقسامها في باب الموصولات.
وإذا كانت شرطية وأخلي لفظها من الإضافة فالغالب
__________
1 في الأصل "يردف".
2 ط "فهو".
3 ط "أبا".
4 هـ "ما لا يخلو".(2/956)
إردافها بـ"ما" كقوله تعالى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 1.
وقد تردف2 بـ"ما" مع إضافتها لفظا كقوله تعالى: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} 3.
وإذا تضاف إلى نكرة فهي نفس ما تضاف إليه كـ"كل" وإذا تضاف إلى معرفة فهي [بعض ما تضاف إليه] 4 كـ"بعض".
ولذلك تقول5: "أي رجلين قاما؟ " و"أي الرجلين قام؟ " فتثني6 ضمير "أي" حيث أضيفت7 إلى مثنى نكرة.
وأفرد حين أضيفت8 إلى مثنى معرفة.
ولذلك لا تضاف9 إلى معرفة مفرد إلا مع [عطف عليه، ليكون بالعطف كمثنى لفظا.
لأن معنى المفرد المعطوف عليه مثله، ومعنى المثنى واحد.
__________
1 من الآية رقم "110" من سورة "الإسراء".
2 ع وك "وقد ترد بما".
3 من الآية رقم "28" من سورة "القصص".
4 سقط ما بين القوسين من الأصل ومن ع وك.
5 في الأصل وهـ "يقال".
6 هـ "فيثنى".
7، 8 ع وك "أضيف".
9 ع وك "يضاف".(2/957)
ومثال الإفراد مع1 العطف] قول الشاعر:
599-
ألا تسألون الناس أيي وأيكم ... غداة التقينا كان خيرا وأكرما
وإلى هذا أشرت بقولي:
.................................. ... وكونه فردا أبى ذو2 المعرفة
إلا قليلا واشترط مع قلته ... عطفا عليه تكف عيبه وحدته
وإذا كانت "أي" موصولة وصرح بما تضاف3 إليه، لم يكن الذي تضاف إليه4 إلا معرفة ذكر ذلك أبو علي في التذكرة.
"ص":
"سبحان" في غير اختيار أفردا ... ملابس التنوين أو مجردا
وشذ قول راجز رباني ... "سبحانك اللهم ذا السبحان"5
__________
1 ع وك "إلا مع عطفها مضافة إلى معرفة ليكون ذلك خلفا عن إضافتها إلى غير مفرد ومن شواهد ذلك".
2 ع "ذي".
3 في الأصل "بما يضاف".
4 هـ "لم يكن المضاف إليه".
5 ط "ذا السبحاني".
599- من الطويل ذكره العيني 3/ 423، ولم ينسبه.(2/958)
"ش": من الملتزم الإضافة "سبحان".
وهو اسم بمعنى التسبيح، وليس بعلم؛ لأنه لو كان علما لم يضف إلا إلى اسم واحد كسائر الأعلام المضافة.
وأخلي من الإضافة لفظا للضرورة منونا، وغير منون. فالمنون كقول الشاعر:
600-
سبحانه ثم سبحانا يعود له ... وقبلنا سبح الجودي والجمد
وغير المنون كقول الآخر:
601-
أقول لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاجر
__________
600- من البسيط ينسب لأمية بن أبي الصلت وهو في ديوانه ص30، وينسبه البعض لورقة بن نوفل من أبيات قالها لكفار مكة حين رآهم يعذبون بلالا عند إسلامه "الأغاني 3/ 15، أمالي الشجري 1/ 348، 2/ 2509، معجم ما استعجم 391، الروض الأنف 1/ 125".
الجودى: جبل بالموصل، الجمد: جبل تلقاء أسنمة.
601- من السريع من قصيدة للأعشى ميمون هجا بها علقمة بن علاثة الصحابي رضي الله عنه ومدح ابن عمه عامر بن الطفيل ديوان الأعشى ص94.
والفاجر: المنقاد للمعاصي.
ورواية الأصل:
.................... فخره ... ................. الفاخر(2/959)
وزعم1 أبو علي2 والزمخشري3 أن الشاعر ترك تنوين "سبحان" لأنه علم على التسبيح فلا ينصرف للعلمية وزيادة الألف والنون.
وليس الأمر كما زعما بل ترك التنوين4؛ لأنه مضاف إلى محذوف مقدر الثبوت كما قال الراجز:
602-
خالط من سلمى خياشين وفا
__________
1 ع وك "وزعم الزمخشري وأبو علي".
2 وذكر ذلك أبو علي في كتاب الحجة في القراءات مخطوط ج2 ورقة 79/ 1 "مصورة دار المأمون" قال: سبحان الله: إنما هو براءة الله من السوء وتطهيره منه، ثم صار علما لهذا المعنى فلم يصرف في قوله: سبحانه من علقمة ... البيت، ونقله عنه ابن جني في الخصائص 2/ 198 قال:
سألت أبا علي عن ترك صرف "زوبر" فقال: علم على القصيدة فاجتمع فيه التعريف والتأنيث، كما اجتمع في "سبحان" التعريف والألف والنون.
3 قال الزمخشري في المفصل مبحث الأعلام:
"وقد أجروا المعان في ذلك مجرى الأعيان فسموا التسبح بـ"سبحان".
قال ابن يعيش 1/ 37:
"قولهم "سبحان" هو علم عندنا واقع على معنى التسبيح، وهو مصدر معناه البراءة، والتنزيه، وليس منه فعل وإنما هو واقع موقع التسبيح الذي هو المصدر في الحقيقة جعل علما على هذا المعنى، فهو معرفة لذلك ولا ينصرف للتعريف وزيادة الألف والنون".
4 هـ "النون".
602- مر هذا الشاهد قرييبا وهو من رجز للعجاج في ملحقات ديوانه ص83.(2/960)
[أراد: وفاها، فحذف المضاف إليه، وترك المضاف بهيئته التي كان عليها قبل الحذف] 1.
وأمثال ذلك كثيرة سأبينها إن شاء الله تعالى2.
وشذ دخول الألف واللام على "سبحان" والإضافة إليه فيما أنشده الشجري3 من قول الراجز:
603-
سبحانك اللهم ذا السبحان
__________
1 سقط من الأصل ومن هـ ما بين القوسين
2 هـ سقط "تعالى".
3 الأمالي الشجرية 1/ 347 وما بعدها.
603- رجز ذكره ابن الشجري ولم ينسبه.
قال ابن الشجري: 1/ 347 وما بعدها:
"سبحان" اسم للتسبيح كما أن الكلام والسلام اسمان للتكليم والتسليم.... كذلك استعملوا "سبحان" في موضع التسبيح.
ثم قال:
لما صار علما للتسبيح وانضم إلى العلمية الألف والنون الزائدتان تنزل منزل "عثمان" فوجب ترك صرفه.
وقد قطعوه عن الإضافة ونونوه لأنهم نكروه، وذلك في الشعر كقول أمية بن أبي الصلت فيما أنشده سيبويه:
سبحانه ثم سبحانا يعود له ... وقبلنا سبح الجودي والجمد
وقد عرفوه بالألف واللام في قول الشاعر:
سبحانك اللهم ذا السبحان(2/961)
"ص":
واضمم بناء "غيرا"1 أن عدمت ما ... له أضيفت2 ناويا ما عدما
"قبل" كها و"بعد" "حسب"3 "أول" ... و"دون" والجهات هكذا عل4
وأعربوا نصبا5 إذا ما نكرا ... "قبلا"وما من بعده قد ذكرا
والحركات كلهن استعملا ... إذا تقول: "ابدأ بذا من أولا"
ذو الضم مبني وغير منصرف ... ذو الفتح والمكسور ناويا أضف
"ش": الحرف غير مستقل بالمفهومية، وغير مقصور المعنى6 على شيء دون شيء، ولا على موجود دون معدوم، ولا على معنى دون عين.
و"غير": اسم يشابه7 الحرف في كل ما ذكر.
__________
1 هـ "غير".
2 س ش ط ع ك "أضيف".
3 هـ "حيث".
4 س ش ط ع ك "والجهات أيضا وعل".
5 هـ "أيضا".
6 في ك "مقصور لمعنى" وفي ع "مقصودا لمعنى".
7 ع وك وهـ "شابه".(2/962)
فمقتضى هذا الشبه أن تُبْنَى "غير" أبدا.
إلا أن هذا الشبه عارضه إضافتها، والوصف بها فأعربت ما دامت إضافتها صريحة.
فإذا قطعت عن الإضافة ونوي معنى المضاف إليه دون لفظه بنيت لزوال المعارض1 كقولك: "فيها رجل لا غير".
ولم يعتد بالمنوي؛ لأن غير الصريح لا يساوي الصريح.
ولأن الشبه المذكور ألغي عند قوة المعارض إذ2 كان جليا، فلا3 يلغى إذا ضعف، وصار خفيا.
فلو نوي لفظ المضاف إليه لبقي الإعراب كقول الشاعر:
604-
ومن قبل نادى كل مولى قرابة ... فما عطفت مولى عليه العواطف4
هكذا روته5 الثقات بالخفض كأنه قال: ومن قبل ذلك.
__________
1 ع وك "لزوال العارض".
2 ع وك "إذا"
3 في الأصل وهـ "ولا".
4 ع "المعاطف".
5 ع وك وهـ "رواه".
604- من الطويل لم ينسب لقائل معين "دلائل الإعجاز ص15، العيني 3/ 434 التصريح 2/ 50".(2/963)
وقولنا:
"قبل" كها...... ... ...................
أي "قيل"1 مثل غير في أنه ذو إبهام يشابه الحرف2، وذو إضافة تعارض3 الشبه.
وأنه إذا قطع عن الإضافة، ونويت على الوجه المذكور زال المعارض اللفظي فبني.
وحين بني: بني على حركة ليكون4 له مزية على مبني يلازمه البناء كـ"من" و"كم".
وكانت الحركة ضمة لأنها حركة لا يعرب بها قبل حين يعرف؛ إذ لا يكون إلا منصوبا، أو مجرورا.
والكلام5 على "بعد" وما بعده كالكلام على "قبل" و"غير" وقولنا:
وأعربوا نصبا إذا ما نكرا ... "قبلا" وما من بعده قد ذكرا
__________
1 ع وك سقط "قبل".
2 هـ "الحروف".
3 ع وك "تعارض" وفي الأصل وهـ "يعارض".
4 هـ "لتكون".
5 ع وك "فالكلام".(2/964)
مثال ذلك قراءة بعض القراء1: "لله الأمر من قبلٍ ومن بعدٍ"2 وقول الشاعر:
605-
فساغ لي الشراب وكنت قبلا ... أكاد أغص بالماء الحميم
[وقال آخر في "بعد":
606-
ونحن قتلنا الأسد أسد خفية ... فما شربوا بعدا على لذة خمرا] 3
__________
1 هو أبو السماك والجحدري، وعون العقيلي "البحر المحيط 7/ 162".
2 من الآية رقم "4" من سورة "الروم".
3 ع سقط ما بين القوسين.
605- هذا بيت الوافر قال النابغة الذبياني ورواية الديوان ص245
................. وكنت قدما ... ................................
ونسبه في الخزانة 1/ 204 ليزيد بن الصعف، ونسبه في الدرر 1/ 176 تبعا للعيني لعبد الله بن يعرب. ورواية المصنف "فساغ" بالفاء والأقرب أن "وساغ" بالواو عطفا على نمت في البيت السابق وهو:
فنمت الليل إذا أوقعت فيكم ... قبائل عامر وبني تميم
الماء الحميم: الماء الحار وقيل إنه من الأضداد، ولذا كانت رواية "الماء الفرات" أولى لأنه الماء العذب.
606- من الطويل قال العيني: لم أقف على اسم قائله.
خفية: مأسدة، وهو اسم موضع قاله ابن سيده وأنشد البيت.(2/965)
وإنما أعربت هذه الأسماء في تنكيرها؛ لأنها في تنكيرها لم تخالف النظائر.
وهي في تعريفها مقطوعة عن الإضافة مخالفة للنظائر؛ لأن المعتاد فيما عرف بالإضافة كون إضافته صريحة فينضم ذلك إلى ما فيها من شبه الحرف السابق بيانه1، فيكتمل موجب البناء.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن "قبلا" في قوله:
................... وكنت قبلا ... ................................
معرفة بنية الإضافة، إلا أنه أعرب لأنه جعل ما لحقه من التنوين عوضا من اللفظ بالمضاف إليه.
فعومل "قبل" مع التنوين لكونه عوضا من المضاف إليه [بما يعامل به مع المضاف إليه] 2.
كما فعل بـ"كل" حين قطع عن الإضافة، ولحقه التنوين عوضا وهذا عندي قول حسن.
وحكى أبو علي: "ابدأ بذا من أول". بالضم على البناء.
وبالفتح على الإعراب، ومنع الصرف للوصفية ووزن الفعل وبالخفض على تقدير ثبوت المضاف إليه، كما أثبت الألف من قال:
607-
خالط من سلمى خياشيم3 وفا
وإلى الأوجه الثلاثة أشرت بقولي:
ذو4 الضم مبني، وغير منصرف ... ذو5 الفتح6 والمكسور ناويا أضف
__________
1 ع وك "السابق بنائه"
2 هـ سقط ما بين القوسين.
3 هـ "خشيم".
4، 5 هـ "ذوا".
6 ع والفتح.
607- سبق الحديث عن هذا الشاهد.(2/966)
فصل:
"ص":
وما يلي المضاف يأتي خلفا ... عنه في الإعراب إذا ما حذفا
وفي سوى الإعراب قد ينوب ما ... يبقى كـ"دارنا" نأوا إلى الحمى"
وقد يزيلون مضافين معا ... كـ"تجعلون1 رزقكم" فاستمعا
فحذف "الشكر"2 وقبله بدل ... وذا كثير حيث لا يخشى خلل
__________
1 ط "يجعلون".
2 ع "الشك".(2/967)
"ش": ما يلي المضاف: هو المضاف إليه.
والغرض بهذا الكلام هو الإعلام بأن المضاف قد يحذف ويقام المضاف إليه مقامه في الإعراب كقوله تعالى1: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} 2 أي: حب العجل.
وكما يقوم المضاف إليه مقام المضاف في الإعراب يقوم مقامه في التذكير كقول الشاعر:
608-
يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى يصفق بالرحيق السلسل
"بردى" مؤنث، فكان حقه أن يقول: "تصفق".
لكنه أراد: ماء بردى.
فحذف المضاف وهو مذكر، وقام مقامه في التذكير.
__________
1 من الآية رقم "93" من سورة "الإسراء".
2 هـ سقط بكفرهم.
608- من الكامل من قصيدة لحسان بن ثابت رضي الله عنه في مدح آل جفنة ملوك الشام "الديوان ص309"والضمير في "يسقون" يعود إلى أولاد جفنة وقد ورد اسمهم في بيت سابق.
البريض: موضع بدمشق يصفق: ينقل من إناء لآخر ليصفي والباء في بالرحيق للمصاحبة أي: ممزوجا بالخمر الصافية.
السلسل: السهل الانحدار السائغ الشرب.
ويروى "كأسا تصفق" وعليه فلا شاهد.(2/968)
المضاف إليه. وإن كان مؤنثا، كما قام مقامه في الإعراب.
وضد ذلك قول الآخر:
609-
مرت بنا في نسوة خولة ... والمسلك من أردانها نافحه
أراد: ورائحه1 المسك من أردانها نافحة.
فحذف "الرائحة" وأقام "المسك" مقامها في التأنيث، كما قام مقامها في الإعراب.
ومن قيام الباقي مقام المحذوف في حكمه قول النبي صلى الله عليه وسلم2:
"إن هذين حرام على ذكور أمتي" 3.
أراد: إن استعمال هذين.
فحذف "الاستعمال" وأقام "هذين" مقامه، فأفرد الخبر.
__________
1 ع "أراد رائحة" فسقطت الواو
2 في الأصل وهـ "عليه السلام".
3 أخرجه أبو داود في اللباس 10، والترمذي في اللباس 1، والنسائي في الزينة 40، وابن ماجه في اللباس 19.
609- من السريع.
الأردان: جمع "رُدْن": أصل الكم.(2/969)
ومنه قوله1 تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ} 2.
أي: أهل القرى.
فحذف3 "الأهل" وأقيمت "القرى" مقامهم، فعاد إليها ضمير الذكور العقلاء، كما كان يعود إلى الأهل.
ومثل هذا:
................................ ... ............"دارنا نأوا"......
[أي4: أهل دارنا نأوا] 5.
ومن ذلك قيام المعرفة المضاف إليها مثل مقامه في الحالية، والتركيب مع "لا".
فالحالية كقولهم: "تفرقوا أيادي سبا" أي: مثل أيادي سبا.
فحذف "مثل" وخلفه "أيادي سبا" في الحالية، والحالية لا تصح6 لغير نكرة.
__________
1 ع وك "ومنه قال الله تعالى".
2 من الآية رقم "56" من سورة "الكهف".
3 ع وك "فحذفت".
4 هـ سقط ما بين القوسين.
5 ع وك سقط "نأوا".
6 ع وك "لا يصح".(2/970)
والتركيب1 مع "لا" كقوله عليه السلام2:
"إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده" 3.
[وفيه بحث مستوفًى في باب "لا"] 4.
وقد يضاف إلى مضاف فيحذف الأول والثاني، ويبقى الثالث. كقوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} 5.
أي: وتجعلون بدل شكر رزقكم تكذيبكم.
وكذا قوله تعالى: {تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} 6.
أي: كدوران عين الذي يُغشى عليه من الموت.
ومنه قول الشاعر7:
__________
1 ع سقط "والتركيب".
2 ع وك "كقوله صلى الله عليه وسلم".
3 سبق الحديث عن هذا الحديث في "باب لا العاملة عمل إن".
4 سقط ما بن القوسين من الأصل.
5 من الآية رقم "82" من سورة "الواقعة"
6 من الآية رقم "19" من سورة "الأحزاب".
7 ع وك "ومنه قول الشاعر الكلحبة اليربوعي".(2/971)
610-
فأدرك إبقاء1 العرادة ظلعها2 ... وقد جعلتني من حزيمة إصبعا
أراد: ذا3 مسافة إصبع.
"ص"4:
وربما أبقي ثان وحذف ... تاليه والمتلو فاعرف واعترف
وربما جروا5 الذي يبقي6 كما ... قد كان قبل حذف ما تقدما
__________
1 ع "إذ قال". ك "إرقال".
2 ع "طلعها".
3 ع وك سقط "ذا".
4 سقطت علامة النظم "ص" من هـ كما سقطت علامة الشرح "ش" فاختلط الكلام لعدم وضع النظم في صورته.
5 هـ وط وس وش "جر".
6 ط "أبقى".
610- من الطويل من أبيات قالها الكلحبة اليربوعي "المفضليات 32" وفي البيت روايات منها رواية المصنف وهي رواية الأخفش عن الأصمعي. ورواية أبي زيد في النوادر ص153:
وأدرك إبقاء العرادة كلمها ... ...............................
وفي رواية "إرقال" موضع "إبقاء" والإرقال هو السير السريع، والإلقاء: بقية القوة. والعرادة: اسم فرس الكلحبة. حزيمة: هو حزيمة بن طارق رئيس بني تغلب. الظلع في الإبل بمنزلة العرج اليسير، ولا يكون في ذي الحافر إلا استعارة.
يقول: تبعت حزيمة في هربه فلما قربت منه أصاب فرسي عرج فتخلفت عنه، ولولا عرجها لما أسره غيري.(2/972)
لكن بشرط أن يكون ما حذف ... مماثلا لما عليه قد عطف
كمثل: "ما كل فتى لبيبا ... ولا جميل وجهه حبيبا
"ش": أنشد أبو علي -رحمه الله1:
611-
فإنك منها والتعذر بعدما ... لججت وأقوت2 من أميمة دارها
612-
كشبه3 التي ظلت تسبع4 سؤرها ... وقالت حرام أن يرجل جارها
__________
1 ع وك سقط "رحمه الله"
2 ع "واتون"
3 ك "كنعت".
4 ع "تسيغ".
611، 612- من الطويل من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي "ديوان الهذليين 1/ 26" وروايته:
.......................................... ... لججت وشطت من فطيمة دارها
كنعت................. ... .........................
اللجاجة: الخصومة، أقوت الدار: خلت.
تسبع: تغسل سبع مرات، السؤر: البقية والفضلة.
يخاطب قلبه قائلا: إنك واعتذارك من حب هذه المرأة بمنزلة تلك التي قتلت قتيلا وضمت بزه وسلاحه وفي الوقت نفسه تحرجت أن تستضيف ضيفا ترجل شعره وغسلت إناءها سبع مرات لما ولغ فيه الكلب.(2/973)
وقال فيه1 أبو علي:
أراد:2 ذا سؤر كلبها
فحذف المضاف إلى "سؤر" والمضاف إليه "سؤر".
وقد يحذف المضاف، ويبقى المضاف إليه مجرورا بشرط أن يكون المحذوف معطوفا على مثله لفظا ومعنى كقولي:
...... ما كل فتى لبيبا ... ولا جميل وجهه حبيبا
أي: ولا كل جميل وجهه حبيبا.
فحذفت "كلا"3 المضاف إلى "جميل" لأنه معطوف على "كل" المضاف إلى "فتى".
ومثل هذا كثير، ومنه قول الشاعر:
613-
أكل امرئ تحسبين امرأ ... ونار توقد بالليل نارا؟
__________
1 ع "فيها".
2 ع سقط "أراد".
3 ع وك "فحذف كل".
613- من البحر المتقارب قاله أبو داود الإيادي "الديوان ص353".
ونسبه أبو العباس المبرد في كامله لعدي بن زيد العبادي في موضعين ص163، 489 "طبع ليبسك" وفي حواشيه: الصحيح =(2/974)
"ص":
ويحذف الثاني فيبقى1 الأول ... كحاله إذا به يتصل
بشرط عطف وإضافة إلى2 ... مثل الذي له أضفت الأولا
__________
= أنه لأبي داود الإيادي. ونسب في كتابه سيبويه 1/ 33 إلى أبي دواد.
والشاهد قوله: "ونار" حيث حذف المضاف وهو "كل" وأبقى المضاف إليه مجرورا كما كان قبل الحذف.
والذي سهل ذلك كون المضاف المحذوف معطوفا على مماثله وهو "كل" في قوله":
أكل امرئ........................... ... ....................................
وإنما قدر مجرورا بـ"كل" محذوفة، ولم يجعل مجرورا بالعطف على "امرئ" المجرور بإضافة "كل" إليه لئلا يلزم العطف على معمولي عاملين مختلفين.
لأن "امرأ" المجرور معمول لـ"كل" و"امرأ" المنصوب معمول لـ"تحسين" على أنه مفعول ثان له، ومفعوله الأول "كل امرئ" مقدم عليه.
فلو عطفت "نار" المجرورة على "امرئ" المضاف إليه "كل" وعطفت "نارا" المنصوبة" على "امرأ" المنصوب لزم أن يعطف بحرف واحد شيئان على معمولي عاملين مختلفين.
وهذا ممتنع لأن العاطف نائب عن العامل وعامل واحد لا يعمل جرا ونصبا ولا يقوى أن ينوب مناب عاملين.
هذا مذهب سيبويه، والمبرد، وابن السراج، وهشام، وابن مالك وذهب الأخفش والكسائي والفراء، والزجاج إلى الجواز والتقدير عندهم "أتحسبين كل امرئ امرأ، وكل نار نارا"؟
1 ط "ويبقى".
2 ع "إذا".(2/975)
كمثل: "خذ نصف وربع ما حصل" ... وبعضهم بدون عطف ذا فعل
"ش": قد يحذف المضاف إليه مقدرا وجوده فيترك المضاف على ما كان عليه قبل الحذف.
وأكثر ما يكون ذلك مع عطف مضاف إلى مثل المحذوف على المضاف إلى المحذوف كقول بعض العرب: "قطع الله يد ورجل من قالها"1.
وكقول الشاعر:
614-
[إلا علالة أو بدا ... هة سابح نهد الجزاره
__________
1 هذا في كل النسخ والمثال الذي رواه الفراء عن العرب "قطع الله الغداة يد ورجل من قاله" هكذا سمعه الفراء من أبي ثروان العكلي وذكره في كتاب المعاني 2/ 322.
614- هذا بيت من قصيدة للأعشى من مجزوء الكامل يخاطب بها شيبان ابن شهاب وقبله: "الديون ص78":
وهناك يكذب ظنكم ... إلا اجتماع ولا زيارة
ولا براءة للبري ... ء ولا عطاء ولا خفاره
العلالة: بقية جري الفرس
البداهة: أول جري الفرس
السابح: الفرس السريع
النهد: المرتفع
الجزارة: الرأس واليدان والرجلان وهذا فيما يذبح، سميت بذلك لأن الجزار يأخذها مقابل الذبح.(2/976)
قد يفعل هذا دون عطف.
فمن ذلك ما حكى الكسائي من قول بعض العرب: "أفوق تنام أم أسفل"1 بالنصب على تقدير وجود المضاف إليه.
كأنه قال: أفوق هذا تنام أم أسفل منه.
ومثله قول الشاعر:] 2
615-
ومن قبل نادى كل مولى قرابة ... فما عطفت مولى عليه العواطف
وقد جعل الأخفش من هذا القبيل قولهم: "لا غير" فزعم أن ضمة الراء ضمة إعراب.
وليس ما ذهب إليه ببعيد [إذا كان قبله مرفوع] 3.
ومن هذا القبيل قول الراجز:
616-
خالط من سلمى خياشيم وفا
__________
1 قال ابن جني في الخصائص 2/ 365:
"وحكى الكسائي: "أفوق تنام أم أسفل" حذف المضاف ولم يبن، وسمع أيضا "لله الأمر من قبلٍ ومن بعدٍ" فحذف ولم يبن".
2 سقط ما بين القوسين من هـ.
3 سقط ما بين القوسين من الأصل ومن هـ.
615- سبق الحديث عن هذا الشاهد.
616- سبق الحديث عن هذا الشاهد.(2/977)
وقد ذكر [وا1 من هذا القبيل قراءة ابن محيصن2 "فلا خوفُ عليهم3 ولا هم يحزنون"4.
على تقدير: فلا5 خوف شيء عليهم] 6.
"ص":
وظرف أو شبيهه قد يفصل ... جزأي إضافة وقد يستعمل
فصلان في اضطرار7 بعض الشعرا ... وفي اختيار8 قد أضافوا المصدرا
لفاعل من بعد مفعول حجز ... كقول بعض القائلين للرجز
__________
1 هـ "ذكر".
2 محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي مقرئ أهل مكة، أحد القراء الأربعة عشر توفي 123هـ.
3 وردت هذه العبارة في أكثر من آية منها الآية رقم "38" من سورة "البقرة" والآية "69" من سورة "المائدة" والآية رقم "48" من سورة "الأنعام" والآية "35" من سورة "الأعراف" والآية رقم "13" من سورة "الأحقاف".
4 ع وك سقط "ولا هم يحزنون".
5 هـ "ولا".
6 سقط ما بين القوسين من الأصل.
7 ع وك "باضطرار".
8 ع "وباختيار".(2/978)
"يفرك حب السنبل الكنافج ... في القاع1 فرك القطن المحالج"
وعمدتي قراءة ابن عامر ... وكم لها من عاضد وناصر2
مثل ذا مع اسم مفعول ورد ... كـ"مخلف"الوعد محق ذو نكد"3
"ش": الفصل بالظرف والجار والمجرور بين المضاف والمضاف إليه كثير فمن ذلك قول الشاعر:
617-
كما خط الكتاب بكف -يوما- ... يهودي يقارب أو يزيل
__________
1 ط "بالقاع".
2 ط "ناصيري".
3 جاء قبل هذا البيت في ك بيت آخر هو:
وفصل تابع وفاعل ندر في الشعر والفصل بـ"إما" مغتفر وقد جاء هذا البيت في كل النسخ بعد بيتين من موضعه في ك وجاء شرحه هناك.
617- قال أبو حية النمير من قصيدة من البحر الوافر "سيبويه 1/ 91" أمالي الشجري 2/ 250، الإنصاف 2/ 432، شرح التسهيل للمصنف 2/ 182 شرح عمدة الحافظ 384، همع الهوامع 2/ 52، المقاصد النحوية 3 / 270 الخزانة 2/ 253، الأزهار الزينية 105.
وخص اليهود لأنهم كانوا أهل كتاب حينئذ.
يقارب يضم بعض ما يكتبه إلى بعض يزيل: يبعد بين ما يكتب.(2/979)
وقال آخر:
618-
هما أخوا في الحرب من لا أخاله ... إذا خاف يوما نبوة فدعاهما
وقد يقع بينهما فصلان كقول الشاعر:
619-
كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج
فهذا وما قبله لا يجوز في الاختيار بل هو مخصوص بالاضطرار لوجهين:
أحدهما: أنه فصل بما لا يتعلق بالمضاف فتمحضت أجنبيته.
الثاني: أنه فصل بحرف جر أو بما فيه معنى حرف جر مع كون المضاف مقتضيا للجر.
ففي إيلائه ظرفا أو حرف جر يلاقي1 مقتضى جر2.
__________
1 في الأصل "تلاقي".
2 ع وك "الجر".
618- سبق الحديث عن هذا الشاهد في باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر وقائلته درنا بنت عبعبة من بني قيس بن ثعلبة "الحماسة 1083 العيني 3/ 472، شرح ابن يعيش 3/ 21 الإنصاف 251".
619- من البسيط من قصيدة لذي الرمة "الديوان 766" وروايته:
............................... ... ........... أنقاض الفراريج
الإيغال: الإبعاد.
أواخر: جمع آخرة والمقصود بها هنا العود الذي في آخر الرجل الذي يستند إليه الركب.
الميس: شجر يتخذ منه الرحال والأقتاب.
يريد: أن رحالهم جديدة وقد طال سيرهم، فبعض الرحل يحك بعضا فيحدث مثل أصوات الفراريج من اضطراب الرحال لشدة السير. "ينظر أسرار البلاغة للجرجاني 102.(2/980)
بخلاف إضافة1 المصدر إلى الفاعل مفصولا بينهما بمفعول المصدر فإن المحذورين فيها مأمونا مع أن الفاعل كجزء من عامله فلا يضر فصله؛ لأن رتبته منبهة عليه.
والمفعول بخلاف ذلك.
فعلم بهذا أن قراءة ابن عامر2 رحمه
__________
1 ع إضافته".
2 يقصد في الآية رقم "137" من سورة "الأنعام" وهي: "وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم".
قرأ القراء -ما عدا ابن عامر- بفتح الزاي والياء من "زَيَّنَ" مبنيا للفاعل.
ونصب "قتل" به. و"أولادهم" بالخفض على الإضافة، و"شركاؤهم" بالرفع على الفاعلية بـ"زَيَّنَ".
وهي قراءة واضحة والمعنى: زين لكثير من المشركين شركاؤهم قتل أولادهم بنحرهم لآلهتهم، أو بالود خوف العار أو العيلة.
وقرأ: ابن عامر "زُيَّنَ" -بضم الزاي، وكسر الياء- بالبناء للمجهول. و"قتل" بالرفع على النيابة عن الفاعل.
و"أولادهم" بالنصب على المفعول بالمصدر.
و"شركائهم" بالخفض على إضافة المصدر إليه فاعلا.
قال في إتحاف البشر 217:
"وهي قراءة متواترة صحيحة، وقارئها ابن عامر أعلى القراء السبعة سندا وأقومهم".(2/981)
الله1 غير منافية لقياس العربية.
على أنها لو كانت منافية له لوجب قبولها لصحة نقلها، كما قبلت أشياء تنافي القياس بالنقل، وإن لم تساو2 صحتها صحة القراءة المذكورة ولا قاربتها كقولهم: "استحوذ" وقياسه: "استحاذ"3.
وكقولهم: "بنات ألببه" وقياس: "ألبه".
وكقولهم: "هذا جُحْرُ ضَبٍّ خربٍ" وقياسه: "خربٌ" وكقولهم: "لَدُنْ غدوةً" بالنصب وقياسه: الجر وأمثال ذلك كثيرة.
ومثل ما تضمنته قراءة ابن عامر4 قول الطرماح:
__________
1 سقط من الأصل ومن هـ "رحمه الله".
2 هـ "يساو".
3 هـ "وقياسيا يستحاذ".
4 سلك المصنف رحمه الله في هذه المسألة طريق الكوفيين، وجرى على ما عهد فيه من استدلال بكل قراءة، ودفاع عن القراء.
قال في شرح التسهيل 2/ 182:
"الفصل بمعمول المضاف إذا لم يكن مرفوعا جديرا بأن يكون جائزا في الاختيار ولا يختص بالاضطرار".
ثم قال:
"وأقوى الأدلة على ذلك قراءة ابن عامر رضي الله عنه "وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم"؛ =(2/982)
...........................
__________
= لأنها ثابتة بالتواتر، ومعزوة إلى موثوق بعربيته قبل التعلم، فإنه من كبار التابعين، ومن الذين يُقتدى بهم في الفصاحة، كما يُقتدى بمن في عصره من أمثاله الذين لم يعلم عنهم مجاورة للعجم يحدث بها اللحن.
ويكفيه شاهدا على ما وصفته به أن أحد شيوخه الذين عول عليهم في قراءة القرآن عثمان بن عفان رضي الله عنه وتجويز ما قرأ به في قياس التجويز قوي، وذلك لأنها قراءة اشتملت على فصل بفضلة بين عاملها المضاف إلى ما هو فاعل فحسن ذلك ثلاثة أمور:
أحدها: كون الفاصل فضلة، فإنه بذلك صالح لعدم الاعتداد به.
الثاني: كونه غير أجنبي لتعلقه بالمضاف.
الثالث: كونه مقدر التأخير من أجل أن المضاف إليه مقرر التقدم بمقتضى الفاعلية المعنوية.
فلو لم تستعمل العرب الفصل المشار إليه لاقتضى القياس استعماله؛ لأنهم قد فصلوا في الشعر بالأجنبي كثيرا، فاستحق الفصل بغير أجنبي أن يكون له مزية فحكم بجوازه.
هكذا قبل المصنف قراءة ابن عامر، ودافع عنها، ولم يمنعه من ذلك موقف العداء الذي وقفه بعض العلماء منها، حين رفضوها، واتهموا صاحبها بالجهل، ورموه بالخطأ واللحن، والبعد عن قياس العربية كما فعل الزمخشري في الكشاف وابن الأنباري في الإنصاف.
ومما قاله الزمخشري في الكشاف 2/ 42:
"وأما قراءة ابن عامر "قتل أولادهم شركائهم" برفع القتل، ونصب الأولاد وجر الشركاء على إضافة القتل إلى الشركاء والفصل بينهما بغير الظرف فشيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر لكان سمجا ومردودا كما سمج ورد:
زج القلوص أبي مزاده
فكيف في الكلام المنثور؟.
فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته؟
والذي حمله -يقصد ابن عامر- على ذلك أن رأى في بعض المصاحف "شركائهم" مكتوبا بالياء. =(2/983)
...............................
__________
= ثم قال الزمخشري:
ولو قرأ -يعني ابن عامر- بجر الأولاد والشركاء لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب.
وقال ابن الأنباري في المسألة الستين في الإنصاف:
ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف وحرف الخفض لضرورة الشعر.
وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز ذلك بغير الظروف وحرف الجر.
أما الكوفيون فقد احتجوا بقراءة ابن عامر -أحد القراء السبعة- "وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم".
وأما البصريون فقالوا:
إن هذه القراءة لا يسوغ لكم الاحتجاج بها؛ لأن الإجماع واقع على امتناع الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول في غير ضرورة الشعر والقرآن ليس فيه ضرورة.
وإذا وقع الإجماع على امتناع الفصل بينهما في حال الاختيار سقط الاحتجاج بها على حالة الاضطرار.
قال الأنباري:
ولو كانت هذه القراءة صحيحة لكان ذلك من أفصح الكلام.
وفي وقوع الإجماع على خلافه دليل على وهي هذه القراءة.
وكان المنهج الحق يطالب أمثال هؤلاء العلماء بالنظر في القراءة نفسها، فمتى صح سندها، ووافقت أحد المصاحف العثمانية -ولو احتمالا- لا يصح ردها، وتفضيل القاعدة النحوية عليها.
فإنه لا ينبغي أن يقاس القراءة على شيء! بل الواجب أن يقاس عليه، فهو النص الصحيح الثابت المتواتر.
وليس هناك نص مما يستشهد به يشبهه في قوة إثباته، وتواتر روايته والقطع بصحته.
والرواية إذا ثبت عن أئمة القراءة لم يردها قياس عربية، ولا فشو لغة؛ لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها.(2/984)
620-
يطفن بحوزي المراتفع لم يرع ... بواديه من قرع- القسي الكنائن
وأنشد الأخفش1:
621-
فزججته بمزجة ... زج القلوص أبي مزاده
__________
1 ينظر تعليق الأخفش على كلام سيبويه عند قوله: "ولا يجوز يا ساق الليلة أهل الدار إلا في شعر" فقد جاء في حاشية كتاب سيبويه مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 65 نحو:
"قال أبو الحسن: سمعت عيسى بن عمر ينشد:
فزججتها بمزجة ... زج القلوص أبي مزاده"
وقد رد الفراء "2/ 81" معاني القرآن" هذه الرواية وقال: هذا باطل والصواب "زج القلوص أبو مزاده".
620- من قصيدة من الطويل للطرماح في وصف بقر الوحش "الديوان 169".
الحوزي: فحلها وهو في الأصل المتوحد.
لم يرع بواديه: لم يفزع بالوادي الذي هو فيه، ويرع مبني للمجهول.
وضبط "ترع" في الديوان وفي اللسان بالبناء للفاعل، وبالتاء.
621- من مجزوء الكامل أنشده الأخفش ولم ينسبه، ولم يعزه الفراء في معاني القرآن 1/ 351 ولا ثعلب في مجالسه 152 ولا غيرهما ممن استدل به من العلماء.
وفي الخزانة 2/ 251 قال ابن خلف: هذا البيت يروى لبعض المدنيين المولدين. وهو قول الفراء في معاني القرآن 2/ 81.
زججته: طعنته بالزج وهي الحديدة أسفل الرمح. القلوص: الناقة الشابة.(2/985)
وأنشد الأزهري لأبي جندل الطهوري في صفه جراد:
622-
يفرك حب السنبل الكنافج
623-
بالقاع فرك القطن المحالج
[وأنشد أبو عبيدة:
624-
وحلق الماذي والقوانس
625-
فداسهم دوس الحصاد الدائس] 1
وأنشد أبو العباس ثعلب بجر "مطر" من قول الشاعر2:
626-
لئن كان النكاح أحل3 شيء ... فإن نكاحها مطر حرام
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 ع وك "قول الأحوص".
3 هـ "أجل".
622، 623- من الرجز المسدس قال ابن سيده: سنبل كنافج: مكتنز ينظر "تهذيب اللغة للأزهري 10/ 419" والضمير في يفرك يعود إلى الجراد.
624، 625- رجز نسبة العيني 3/ 461 لعمرو بن كلثوم.
الحلق: الدروع الماذي والماذية من الدروع: البيضاء
القوانس: جمع قونس وهو أعلى البيضة من الحديد.
626- من الوافر قاله الأحوص الأنصاري -عبد الله بن محمد- "الديوان 173".(2/986)
[أي: نكاح مطر إياها] 1
ولا ضرورة في هذا ولا بيت الأخفش2
وروى الكسائي نصب "الدراهم" وجر "تنقاد" من قول الشاعر:
627-
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي -الدراهيم3- تنقاد الصياريف
وأنشد غيره من أئمة العربية:
628-
عتوا إذا أجبناهم إلى السلم رأفة ... فسقناهم سوق البغاث [الأجادل] 4
629-
[ومن يلغ أعقاب الأمور فإنه ... جدير بهلك آجل أو معاجل] 5
__________
1 ع وك وهـ سقط ما بين القوسين.
2 يقصد ببيت الأخفش:
فزججته بمزجة ... زج القلوص أبي مزاده
3 ع وك وهـ "الدراهم.
4 سقط ما بين القوسين.
5 سقط ما بين القوسين من الأصل.
627- من البسيط وهو بين مفرد في ديوان الفرزدق ص570.
والضمير يعود لناقة الفرزدق والهاجرة: وقت اشتداد الحر في الظهر النفي: قال صاحب المحكم: كل ما رددته فقد نفيته، ونفيت الدراهم أثرتها للانتقاد وأنشد البيت. والتنقاد: من نقد الدراهم وهو التمييز بين جيدها ورديئها.
628، 629- من البحر الطويل والرواية في جميع النسخ "عتوا" بالعين والتار وهكذا ضبطه المصنف أيضا في شرح عمدته ص380 ونسبه لبعض الطائيين.
والأقرب من جهة المعنى أن يكون "غنوا" بالغين والنون.
عتوا: استكبروا البغاث من الطير: من يصاد ولا يصيد الأجادل: الصقور
الهلك: الهلاك.
"العيني 3/ 465، الأشموني 2/ 276، التصريح 2/ 57".(2/987)
وقد فصل بالمفعول بين اسم فاعل، ومجرور بإضافته إليه في قراءة بعض القراء1 "فلا تحسبن الله مخلف وعدَه رسلِه"2.
ومثل ذلك قولي:
................................... ... مخلف -الوعد- محق ذو نكد
أي: مخلف محق الوعد ذو نكد، والمحق: صاحب الحق.
ومثله قول الشاعر:
630-
ما زال يوقن من يؤمك بالغنى ... وسواك مانع -فضله- المحتاج
__________
1 قال الزمخشري في الكشاف 1/ 422: "وقرئ "مخلف وعدَه رسلِه" بجر الرسل ونصب الوعد" وينظر شرح هذه الآية في تفسير روح المعاني للألوسي 13 ص252، 253.
2 من الآية رقم "47" من سورة إبراهيم.
قال الزمخشري: في الكشاف 1/ 422 بولاق:
"وقرئ "مخلف وعدَه رسلِه" بجر الرسل ونصب الوعد وهذه في الضعف كمن قرأ: "قتل أولادهم شركائهم".
630- من الشواهد المجهولة القائل وهو من البحر الكامل قال المصنف في شرح العمدة 382، ومثل قراءة من قرأ "مخلف وعده رسلِه" قول الشاعر: ما زال....
أراد: وسواك مانع المحتاج فضله.
يؤمك: يقصدك(2/988)
وغير مصدر مضافا فصلا ... في الشعر بالمفعول أيضا فاعقلا
وفصل تابع وفاعل ندر ... في الشعر والفصل بـ"إما مغتفر
والفصل بالندا أتي اضطرارا ... وباليمين قد أتى اختيارا
من نادر الفصل: الفصل1 بالمفعول بين مضاف ليس مصدرا، ومضاف إليه [كقول الشاعر:
631-
يسقي امتياحا ندى المسواك ريقتها ... كما تضمن ماء المزنة الرصف
__________
1 هـ "المفصل".
631- من البسيط من قصيدة لجرير في مدح يزيد بن عبد الملك وهجاء آل المهلب "الديوان 386" والضبط في الديوان بكسر كاف المسواك وفتح "ريقتها".
والضمير يعود إلى "أم عمرو" في بيت سابق هو:
ما استوصف الناس من شيء يروقهم ... إلا أرى أم عمرو فوق ما وصفوا
الامتياح: الاستياك المزنة: السحاب الامتياح: استخراج الريق بالسواك.
الرصف: جمع رصفة وهي حجارة مرصوف بعضها إلى بعض، وماء الرصف أرق وأصفى.(2/989)
أراد: يسقي امتياحا ندى ريقتها المسواك
ومثال الفصل بالتابع قول الشاعر1 لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما] 2:
632-
نجوت، وقد بل المرادي سيفه ... من ابن أبي شيخ الأباطح طالب
أراد: من ابن أبي طالب شيخ الأباطح3
فوصف المضاف قبل ذكر المضاف إليه.
ومثال4 الفصل بالفاعل قول الشاعر:
__________
1 سقط من الأصل "لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما".
2 هـ سقط ما بين القوسين
3 ع وك سقط "شيخ الأباطح".
4 هـ سقط "ومثال" ع وك "ومثل".
632- من الطويل والمرادي: عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الأباطح: جمع أبطح وهو المكان الواسع أو المسيل فيه دقاق الحصى وأراد بالأباطح: مكة المكرمة.
"شرح التسهيل للمصنف 2/ 182، وشرح العمدة 1/ 385.
همع 2/ 52، العيني 3/ 478، ابن عقيل 2/ 175".(2/990)
633-
أنجب أيام والده به ... إذ ولداه1 فنعم ما ولدا2
أراد: أنجب والده به أيام إذ ولداه
وزعم السيرافي أن قول الشاعر:
634-
تمر على ما تستمر3 وقد شفت ... غلائل عبد القيس منها صدورها
قد فصل فيه "عبد القيس" وهو فاعل "شفت" بين "غلائل" و"صدورها" وهما مضاف ومضاف إليه.
__________
1 ع وك "لوالده".
2 ع وك "ولدا".
3 ع وك "يستمر".
633- من المنسرح قاله الأعشى من قصيدة في مدح سلامة ذا فائش والرواية في الديوان ص171 وفي شرح عمدة الحافظ 383، وشرح التسهيل 2/ 182.
أنجب أيام والديه به ... إذ نجلاه فنعم ما نجلا
أنجب الرجل: ولد نجيبا، نجلاه: نسلاه
وتقدير المصنف هنا هو تقدير ابن جني في المحتسب 1/ 152.
634- من الطويل قال البغدادي في الخزانة "2/ 250" هذا البيت مصنوع وقائله مجهول، وكذا في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري.
وقال ابن السيد: هذا البيت أنشده الأخفش.
الغلائل: جمع غليل، وهو الضغن والحقد.
شفت: مجاز من شفي المريض زال عنه المرض.(2/991)
وهذا الذي قاله جائز غير متعين لاحتمال جعل "غلائل" غير مضاف إلا أن تنوينه ساقط، لكونه ممنوع الصرف.
وانجرار "صدورها" لأنه بدل1 من الضمير في قوله "منها".
[وعلى الجملة لا يستعمل الفصل بما ليس معمولا للمضاف كـ"والده" و"عبد القيس"، ويسهل إذا كان بمعمول المضاف.
فإن كان منصوبا، أو مجرورا جاز بغير ضعف ولم يخص بالشعر. كقراءة ابن عامر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم2:
"هل أنتم تاركو لي صاحبي".
لأن كونه معملا للمضاف يزيل أجنبيته.
وكونه غير مرفوع ولا في حكم مرفوع يسوغ نية تأخيره.
فإن كان معمولا للمضاف وهو مرفوع فالفصل به أسهل من
__________
1 ع وك "على أنه بدل".
2 أخرجه البخاري 5/ 67، 68 عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال المصنف رحمه الله في شواهد التوضيح والتصحيح ص167:
في "تاركو لي صاحبي" شاهد على جواز الفصل دون ضرورة بجار ومجرور بين المضاف والمضاف إليه إن كان الجار متعلقا بالمضاف.(2/992)
الفصل بمعمول لغير المضاف:
ومثله قول الراجز:
635-
ما إن وجدنا للهوى من طب
636-
ولا عدمنا قهر -وجد- صب
يريد: قهر صب وجد فهذا أسهل من "أنجب أيامَ والداه" لما ذكرت لك] 1.
والفصل بالنداء كقول الراجز:
637-
كأن برذون ابا عصام
638-
زيد حمار دق باللجام
أراد: كأن2 برذون زيد يا أبا عصام حمار دق باللجام3.
وسمع الكسائي: "هذا غلام -والله- زيد".
__________
1 سقط ما بين القوسين من الأصل ومن هـ.
2 ع وك سقط "كأن".
3 سقط من الأصل ومن هـ "حمار دق باللجام".
635، 636- رجز لم ينسبه أحد ممن استشهدوا به وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 2/ 182 وشرح العمدة 1/ 382، وهمع الهوامع 2/ 53، والبهجة المرضية 105، والعيني 3/ 483".
الهوى: الحب الصب: العاشق الوجد: شدة الشوق.
637، 638- رجز لم ينسب لقائل معين البرذون: قال الجوهري: الدابة، وقال غيره: البرذون من الخيل ما ليس بعربي.(2/993)
وسمع أبو عبيدة1: "إن الشاة لتجتر فتسمع صوت -والله- ربها"2.
ومن الفصل بـ"إما" قول الشاعر".
639-
هما خطتا إما إسار ومنه ... وإما دم3 والقتل4 بالحر أجدر
فيمن رواه بالجر5.
ويُروى بالرفع على حذف النون6 للضرورة.
__________
1 معمر بن المثنى التيمي، البصري، النحوي قال القفظي 3/ 276 ولد سنة عشر ومائة في الليلة التي مات فيها الحسن البصري، ومات سنة إحدى عشرة ومائتين، ومؤلفاته تربو على المائة.
2 قال ابن الأنباري في الإنصاف 2/ 435:
"وأما ما حكى الكسائي من قولهم: "هذا غلام والله زيد" وما حكاه أبو عبيدة عن بعض العرب من قولهم: "فتسمع صوت والله ربها" فنقول:
إنما جاء ذلك في اليمين؛ لأنها تدخل على أخبارهم للتوكيد، فكأنهم لما جازوا بها موضعها استدركوا ذلك بوضع اليمين حيث أدركوا من الكلام، ولهذا يسمونها في مثل هذا النحو لغوا".
3 ع "ذم".
4 هـ "والموت".
5 يقصد "إسار"
6 قصد من "خطتا".
639- من الطويل واحد من أحد عشر بيتا قالها تأبط شرا ولها قصة ذكرها أبو تمام في الحماسة 1/ 36 والبغدادي في الخزانة 3/ 356 والأصفهاني في الأغاني 21/ 159 وروايته:
لكم خصة إما فداء ومنة ... ..............................
ولا شاهد في البيت حينئذ(2/994)
وماله أضفت ماله عمل ... قبل مضاف واغتفر1 ذاك العمل
إن المضاف كان "غيرا" نافيا ... كـ"عنك غير راض ابن عاديا"
المضاف إلى الشيء مكمل2 بما أضيف إليه تكميل الموصول بصلته.
والصلة لا3 تعمل في الموصول، ولا فيما قبله هكذا، المضاف إليه لا يعمل في المضاف، ولا فيما قبله.
فلا يجوز في نحو: "أنا مثل ضارب زيدا"4 أن يقدم5 "زيد" على "مثل".
فإن كان المضاف غيرا وقصد بها النفي جاز أن يتقدم عليها معمول ما أضيفت إليه كما يتقدم المنفي بـ"لا".
__________
1 س وش "واغتفر" وباقي النسخ "فاغتفر".
2 ع وك "متكمل" هـ "يكمل".
3 ع وك "ولا".
4 ع وك "زيد".
5 ع وك "يتقدم".(2/995)
فأجازوا1: "أنا زيدا غير ضارب" كما يقال: "أنا زيدا لا أضرب".
ومنه قول الشاعر:
640-
إن امرأ خصني عمدا مودته ... على التنائي لعندي غير مكفور
فقدم "عندي" وهو معمول "مكفور" مع إضافة "غير" إليه لأنها دالة على نفي، فكأنه قال: لعندي لا يكفر. ومنه قوله تعالى: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِير} 2
فأن لم يقصد3 بـ"غير"4 نفي لم يتقدم عليه معمول ما أضيف5 إليه.
فلا يجوز في قولك: "قاموا غير ضارب زيدا" "قاموا زيدا غير ضارب" لعدم قصد النفي بـ"غير"6. والله أعلم7.
__________
1 هـ "وأجازوا"
2 من الآية رقم "10" من سورة "المدثر".
3 ع "تقصد".
4 ع "لغير".
640- من البحر البسيط قاله أبو زبيد يمدح الوليد بن عقبة ويصف نعمة أنعمها عليه مع بعده عنه ورواية الديوان ص78
.................. عمدا مودته ... ..................................
جاء في اللسان: خصه بالشيء يخصه خصا وخصوصا.. أفرده به دون غيره.
ثم قال صاحب اللسان: أما قول أبي زبيد: إن امرأ..... فإنه أراد: خصني بمودته فحذف الحرف وأوصل الفعل.
ويجوز أن يكون أراد الشاعر: خصني لمودته إياي فيكون كقول الشاعر:
وأغفر عوراء الكريم ادخاره ... ...............................
وهذا هو رأي ابن سيده.
5 ع وك "أضيف" وفي الأصل "أضيفت".
6 ع سقط "بغير".
7 ع وك وهـ سقط "والله أعلم".(2/996)
فصل: في الإضافة إلى ياء المتكلم
احكم بإعراب المضاف لليا ... وزاعم البناء واه رأيا
وآخر المضاف لليا اكسر إذا ... لم ينقص أو يقصر كـ"شافٍ" و"أذى"1
[أو يك معربا بحرفين فذي] 2 ... جميعها اليا بعد فتحها احتذي
وفيه ادغم ياء أو واوا وإن ... ما قبل واو ضم فاكسره يهن
__________
1 هـ "وإذا".
2 ع سقط ما بين القوسين.(2/997)
وألفا سلم وفي المقصور عن ... هذيل انقلابها1 ياء حسن
ولك في يا النفس بعدما سلم ... فتح وتسكين وحذف قد زعم
وقد ترد ألفا وربما ... أغني انفتاح ما يلي فعدما2
وكسر ذي اليا مدغما فيها روى ... كذاك بعد ألف وما قوي
"فمي" و"في" في "فم"3 قالوا وفي ... إخوته التزام نقص اقتفي
نحو "أَبِي" "أبيّ" أيضا وردا ... في الاضطرار4 مثل قول من شدا
"كان أبي كرما وسودا5 ... يلقي على ذي اللبد الحديدا"
__________
1 ع "انقلابها بها".
2 س ش "مقدما".
3 ك وع "في وفي في قم" هم "فمي وفي فم".
4 ع وك "وفي اضطرار".
5 ط "وسوددا".(2/998)
زعم الجرجاني1، وابن الخشاب2، وابن الخباز3 أن المضاف إلى ياء المتكلم مبني4.
__________
1 عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني. فارسي الأصل جرجاني الدار، تصدر بجرجان لإقراء العربية حتى وافاه الأجل سنة 471هـ وضبط الفيروزآبادي اسمه عبد القادر.
2 عبد الله بن أحمد بن عبد الله النحوي، البغدادي، المعروف بابن الخشاب، كان علامة عصره وفي درجة أبي علي الفارسي، إماما في النحو واللغة والحديث والمنطق والفلسفة والحساب توفي سنة 567هـ.
قال ابن الخشاب في المرتجل ص109: "والكسرة في آخر الاسم المضاف إلى ياء المتكلم كسرة بناء ... ".
3 أحمد بن الحسين بن أحمد بن أبي المعالي النحوي، الضرير، عرف بابن الخباز الموصلي لم ير في زمانه أسرع حفظا منه ولا أكثر استحضارا للأشعار والنوادر شرح ألفيه ابن معط. واسمه في بغية الوعاة 1/ 304 علي شمس الدين وكذلك في غاية النهاية لابن الجزري توفي سنة 637.
قال ابن الخباز ص11 في شرح الدرة الألفية يتحدث عن الأسماء الخمسة:
وإعرابها بالحروف منوط بشروط:
الأول: أن تكون مضافة. فلو أفردت أعربت بالحركات كقوله تعالى: {ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُم} .
الثاني: أن تضاف إلى غير ياء المتكلم فإذا أضيفت إليها بنيت كقوله: {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} .
4 جاء في ارتشاف الضرب لأبي حيان مخطوطة الأحمدية في حلب رقم 899 الورقة 247: أن الجمهور يذهب إلى أن المضاف إلى ياء المتكلم معرب، والجرجاني وابن الخشاب والمطرزي والزمخشري يذهبون إلى أنه مبني.
وابن جني يذهب إلى أنه ليس بمعرب ولا مبني.
وابن مالك يراه معربا بحركة ظاهرة في الجر مقدرة في الرفع والنصب.
وينظر رأي الجرجاني، وابن الخشاب في المرتجل شرح الجمل لابن الخشاب ص109 طبع دمشق سنة 1972.(2/999)
والصحيح أنه معرب؛ إذ لا سبب فيه من أسباب البناء المرتب عليها بناء الأسماء.
فإن زعم أن سبب بنائه إضافته إلى غير متمكن رد ذلك بثلاثة أوجه:
أحدها: أن ذلك يوجب أن يكون المضاف غلى الكاف والهاء وسائر الضمائر مساويا للمضاف إلى الياء. وذلك باطل.
الثاني: أن ذلك يوجب بناء1 المثنى المضاف إلى ياء المتكلم. وذلك أيضا2 باطل.
الثالث: أن المضاف إلى غير متمكن لا يجوز بناؤه دون أن يكون ذا إبهام يفتقر بسببه إلى الإضافة لتتكمل3 دلالته بها كـ"غير" و"مثل".
__________
1 ع "هنا".
2 سقط من الأصل ومن هـ "أيضا".
3 ع وك "ليتكمل".(2/1000)
والمضاف1 إلى ياء المتكلم لا يشترط في2 خفاء إعرابه ذلك فعلم أنه معرب تقديرا.
فإن زعم أن سبب بنائه تقدير إعرابه بلزوم انكسار آخره لزم من ذلك الحكم ببناء المقصور، وبناء المتبع، وبناء المحكي، فإن آخر كل واحد منها ممنوع من ظهور الإعراب.
ولا قائل بأنه مبني، بل هو معرب تقديرا فكذلك3 المضاف إلى ياء المتكلم [معرب تقديرا وفي كلام4 ابن السراج ما يوهم بناء المضاف إلى ياء المتكلم] 5 فإنه قال في "باب الكنايات":
"لأن هذه الياء لا يكون6 قبلها حرف متحرك إلا مكسورا.
وهي مفارقة لأخواتها في هذا. ألا ترى أنك تقول: "هذا غلامه" فتعرب7.
فإذا أضفت "غلاما" إلى نفسك قلت: "هذا غلامي" فيذهب الإعراب".
__________
1 هـ "فالمضاف".
2 هـ سقط "في".
3 ع وك "وكذا".
4 ع وك "وفي كتاب".
5 ع سقط ما بين القوسين.
6 ع وك "تكون".
7 هـ "فتعربه".(2/1001)
"وإنما أراد: فيذهب لفظ الإعراب؛ لأنه قال بعد ذلك:
"وإنما فعلوا ذلك لأن الضم قبلها لا صلح [ولم يقل فإن الرفع] 1 فلما غير لها الرفع وهو أول غير لها النصب إذ كان ثانيا وألزمت 2 حالا واحدة".
فقال: "غير لها الرفع": يعني جعل مقدارا بعد أن كان ملفوظا به.
وكذا3 قوله: "غير لها النصب [إذ كان ثانيا، وألزمت حالا واحدة".
فقال "غير لها النصب"] 4 وسكت عن الجر.
فعلى هذا يحمل كلامه.
والحاصل أن المضاف إلى الياء يكسر آخره إن لم يكن مقصورا ولا منقوصا، ولا معربا بحرفين.
وتناول ذلك المثنى وما حمل عليه، والمجموع على حده، وما حمل عليه.
فإذا كان المضاف إلى الياء واحدا من هذه المستثنيات
__________
1 سقط من الأصل ومن هـ ما بين القوسين.
2 هـ "فألزمت".
3 في الأصل "كذي".
4 سقط ما بين القوسين من هـ ومن الأصل.(2/1002)
فتحت الياء، وأدغم فيها ما وليته1 من أواخرها إلا الألف، فإنها لا تدغم، ولا يدغم فيها.
وإن كان واوا وجب إبدالها ياء ليصح الإدغام.
وأما ما وليته من ألف فتبقى سالمة والياء بعدها مفتوحة ولا فرق بين ألف المقصور وغيرها2. في لغة غير هذيل.
[ومثال فتح الياء للإدغام فيها أو لوقوعها بعد ألف] 3 قولك4:
"عصاي ويداي" و"قاضي آخذ بيدي" و"جاء بني ومصطفى" والأصل: بنوي، ومصطفوي
فأدغمت الواوان في الياءين بعد الإبدال.
وجعلت كسرة موضع الضمة التي كانت قبل الواو وإلى هذا العمل أشرت بقولي:
............................... وإن ... ما قبل واو ضم فأكسره يهن
وأشرت بقولي:
وألفا سلم................ ... ..............................
__________
1 ع "ما وليه".
2 ع وك "وغيره".
3 سقط ما بين القوسين من الأصل ومن ع وك. وورد في هـ فقط.
4 في الأصل وع وك "وذلك قولك".(2/1003)
إلى أن ما آخره ألف من المضاف إلى ياء المتكلم تسلم ألفه قبل الياء من الانقلاب.
سواء كانت للتثنية نحو "يداي".
أو المحمول على التثنية نحو "ثنتاي"
أو آخر مقصور نحو: "عصاي".
ثم بينت أن هذيلا تبدل ألف المقصور ياء، ومنه قول الشاعر:
641-
سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم ... فتخرموا ولكل جنب مصرع
ثم بينت أن ياء المتكلم بعد ما سلم من الحروف تسكن وتفتح والمراد بـ:
.............. ما سلم ... .........................
__________
641- من الكامل من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه وكانوا خمسة فأصابهم الطاعون فماتوا في سنة واحدة "ديوان الهذليين 1/ 2".
أودي: هلك وفي رواية المصنف "سبقوا".
هوي: هواي.
أعنقوا: أسرعوا وفي رواية وأعنقوا لسبيلهم.
فتخرموا: أي خرمتهم المنية واحدا واحدا. وفي رواية "ففقدتهم".(2/1004)
ما ليس حرف علة متحركا ما قبله:
فإن كان حرف العلة ساكنا ما قبله فهو مما سلم
فلا فرق بين قولك "ثوبي"، وبين قولك "ظبي"
و"صبيي"1 و"صنوي" و"فلوي"2.
فياء المتكلم في هذا ونحوه إما ساكنة، وإما3 مفتوحة.
وقد تحذف.
وقد يفتح4 ما وليته فتنقلب ألفا.
وربما حذفت الألف وبقي5 فتح ما قبلها دليلا عليها.
فمثال حذف الياء لدلالة الكسرة6 عليها قول الشاعر:
642-
خليل أملك مني للذي كسبت ... يدي وما لي فيما يقتني طمع
ومثال انقلابها ألفا [قول الشاعر] :
__________
1 هـ سقط "وصبيي".
2 الجحش أو المهر المفطوم.
3 في الأصل "أو مفتوحة".
4 هـ تفتح".
5 ع وك "ويبقى".
6 هـ "المكسور".
642- من البسيط استشهد به الأشموني 2/ 282 ولم ينسبه.(2/1005)
643-
أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى أما ويرويني النقيع
ومثال حذف الألف والاكتفاء بدلالة الفتحة1 عليها] 2
قول الشاعر:
644-
ولست بمدرك ما فات مني ... بـ"لهف" ولا بـ"ليت" ولا "لواني"
وفتح ياء المتكلم المدغم فيها هو الفصيح الشائع في الاستعمال.
وكسرها لغة قليلة3 حكاها أبو عمرو4 بن العلاء،
__________
1 ك وع "بالفتحة دليل".
2 هـ سقط ما بين القوسين.
3 ذكر هذه اللغة أبو الفتح بن جني في المحتسب وسمعها رواية عن قطرب وقال 2/ 48 "والفتحة والألف في "عصاي" أخف من الكسرة والياء في "مصرخي".
4 زبان بن العلاء بن عمار أبو عمرو أحد الأئمة القراء السبعة، وأغزرهم علما، ولد بمكة ونشأ بالبصرة، ومات في الكوفة سنة 148 تقريبا.
643- من الوافر نسبة أبو زيد في نوادره ص19 إلى نقيع بن جرموز، وقال أبو الحسن الأخفش: الصواب نفيع -بالفاء- والرواية هناك "ويرويني العتيق" وهي رواية المصن في شرح العمدة ص401 وشرح التسهيل 2/ 183.
ويقصد بالنقيع والعتيق: الخمر.
644- من الوافر، أنشده أبو الحسن الأخفش وابن الأعرابي، وذكره ابن جني في الخصائص 3/ 135، وأبو البركات في الإنصاف 1/ 390 والسيوطي في همع الهوامع 2/ 54 والعيني 4/ 248 والبغدادي في الخزانة 1/ 63 وصاحب اللسان 11/ 234 وغيرهم ولم ينسبه أحد لقائل معين.
لهف يلهف لهفا: حزن وتحسر.(2/1006)
والفراء1، وقطرب2.
وبها قرأ حمزة3: {ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيِّ} 4. ومنه قول الراجز:
645-
قال لها هل لك يا تا في
646-
قالت له ما أنت بالمرضي
وقول الشاعر:
__________
1 معاني القرآن للفراء 2/ 75.
2 محمد بن المستنير تلميذ سيبويه توفي سنة 209هـ كان عالما، ثقة، روى عنه الأجلاء.
3 ينظر توجيه هذه القراءة في المحتسب 2/ 48.
4 من الآية رقم "22" من سورة "إبراهيم".
645، 646- قال البغدادي "2/ 258 الخزانة" هذا رجز من أرجوزة للأغلب العجلي وهو شاعر مخضرم أسلم وهاجر واستشهد في موقعة "نهاوند" وذكر البغدادي أبياتا من القصيدة والضمير المؤنث في "لها" يعود إلى امرأة تقدم ذكرها.
ويا: حرف نداء وتا: منادي وهو اسم اشارة يشاربه إلى المؤنث.(2/1007)
647-
علي لعمرو نعمةبعد نعمة ... لوالده ليست بذات عقارب
- هكذا سمعا1 بكسر اليائين2.
وكسر ياء "عصاي"3: الحسن4، وأبو عمرو في شاذه5 وهذه أضعف من الكسر مع التشديد6.
و"في" في إضافة "فم" أكثر من فمي".
وأما "أب" و"أخ" و"حم" و"هن" فالمستعمل في إضافتها إلى الياء "أبي" و"أخي" و"حمي" و"هني".
__________
1 ع وك "سمعها".
2 سمعهما بكسر الياءين أبو الفتح بن جني عن قطرب وجماعة "المحتسب 2/ 48".
3 من الآية رقم "18" من سورة "طه".
4 الحسن بن أبي الحسن، إمام أهل البصرة، كان عالما وفقيها وعابدا، وحجة مأمونا، كثير العلم توفي سنة 110هـ تقريبا. "شذرات الذهب لابن العماد 1/ 136".
5 ينظر توجيه هذه القراءة في المحتسب 2/ 48.
6 يقصد قراءة حمزة رضي الله عنه "وما أنتم بمصرخيِّ".
647- من الطويل من قصيدة للنابغة الذبياني يمدح بها عمرو بن الحارث "الديوان ص55".
ليست بذات عقارب: ليست مشوبه بنقمة أو تكدير.(2/1008)
وأجاز أبو العباس المبرد أن يقال: "أبي" برد اللام1 وليس في قول الشاعر:
648-
................................ ... وأبي مالك ذو المجاز بدار
حجة على ذلك، لاحتمال إرادة الجمع، وسقوط النون للإضافة2، فإن "الأب" يجمع على "أبين" ومنه قراءة بعض السلف3، "نعبد إلهك وإله أبيك"4.
وإنما الحجة له في قول الراجز:
__________
1 قال الزمخشري في المفصل: وقد أجاز المبرد "أبيّ" و"أخيّ" وأنشد.
وأبي مالك ذو المجاز بدار ... وصحة محمله على الجمع
2 قال ابن يعيش 3/ 37: ولا حجة فيما أنشده المبرد لاحتمال أن يكون أراد جمع السلامة لأنهم يقولون أب" و"أبون" و"أخ" و"أخون" ثم أضاف هذا الجمع الذي هو "أبين" فقال "أبيّ".
3 هم ابن عباس والحسن ويحيى بن يعمر وعاصم الجحدري، وأبو رجاء بخلافء "المحتسب 1/ 112".
4 من الآية رقم "133" من سورة "البقرة".
648- هذا عجز بيت من الكامل قاله مؤرج السلمي من شعراء الدولة الأموية وصدره:
قدر أحلك ذا المجاز وقد أرى ... ...................................
ذو المجاز: سوق كانت في الجاهلية للعرب "إنباه الرواة 2/ 269، الخزانة 2/ 272، معجم ما استعجم "الربذة" مجالس ثعلب 544، أمالي الشجري 2/ 37".(2/1009)
649-
كان أبي كرما وسودا
650-
يلقي على ذي اليد الحديدا
لأنه قال "يلقي" ولو أراد الجمع لقال "يلقون".
__________
649، 650- الرواية هنا وفي شرح العمدة 1/ 404 وشرح التسهيل "الحديدا" وهذا على أن المراد بذي اللبد: الأسد لكن هذا لا يتفق مع الفخر بالكرم فالأقرب أن يكون "الجديدا" بالجيم ويكون المقصود بذي اللبد: ذي الخرق البالية.(2/1010)
باب: إعمال المصدر
كفعله المصدر أعمل حيثما ... يصح حرف مصدري تمما
منونا أعمله أو مضيفا1 ... كذا إذا نال بـ"أل"2 تعريفا
كذا إذا سبق3 لتشبيه نوي ... كـ"أضربه ضربَ الحاكمِ اللصَّ الغوي".
وأهمل المضمر والمحدود ... ومصدر فارقه التوحيد
ورب محدود ومجموع عمل ... وبسماع لا قياس قد قبل
يعمل المصدر عمل فعله لا لشبهه بالفعل، بل لأنه أصل،
__________
1 ع "أضيفا".
2 هكذا في س، ش، ط، ع، ك أما في الأصل وهـ "أنلته تعريفا".
3 ط "سبق" -بالباء.(2/1011)
والفعل فرع. ولذلك يعمل مرادا به المضي أو الحال أو الاستقبال، بخلاف اسم الفاعل فإنه يعمل لشبهه بالفعل المضارع، فاشترط كونه حالا أو مستقبلا؛ لأنهما مدلولا المضارع. وينبغي أن يعلم أن المصدر العامل على ضربين:
أحدهما: مقدر بالفعل وحرف مصدري
والثاني: مقدر بالفعل وحده.
فإذا أريد بالأول الحال قدر بـ"ما" المصدرية والفعل ولم يقدر بـ"أن" لأن مصحوبها لا يكون حالا.
وإذا أريد به غير الحال جاز أن يقدر بـ"أن وبـ"ما" ولأجل الحاجة إلى غير "أن" قلت:
.................................. ... ............... حرف مصدري
ليتناول قولي "أن" و"ما"
ثم بينت أنه في عمله: منون أو مضاف، أو معرف بـ"أل"
وإن كان إعمال المعرف بـ"أل" قليلا
وجعل بعض العلماء منه قوله تعالى: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِم} 1
على أن التقدير: لا يحب الله أن يجهر بالسوء2 من
__________
1 من الآية رقم "148" من سورة "النساء".
2 ع "بالسر".(2/1012)
القول إلا من ظلم ومن المنون قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا} 1.
وهي قراءة نافع، وابن عامر، وعاصم، وحمزة.
وقال الشاعر في المنون:
651-
بضرب2 بالسيوف رءوس قوم ... أزلنا ها مهن عن المقيل
وقال آخر في المعرف بـ "أل":
652-
ضعيف النكاية أعداءه ... يخال الفرار يراخي الأجل
__________
1 من الآيتين "14-15" من سورة "البلد".
2 هـ "فضرب".
651- من الوافر ينسب للمرار بن منقذ الأسدي "شرح المفصل 6/ 61، العيني 3/ 499 سيبويه 1/ 60، 2/ 284، فرائد القلائد في مختصر الشواهد 250".
الهام: جمع هامة وهي الرأس.
والضمير يرجع إلى الرءوس السالفة الذكر، وإضافة الشيء إلى نفسه جائزة للتوكيد كما في {حَبْلِ الْوَرِيد} و {حَبَّ الْحَصِيد} . مقيل الرأس: العنق.
652- من المتقارب من أبيات سيبويه الخمسين المجهولة القائل "سيبويه 1/ 99- الخزانة 3/ 439، العيني 3/ 500، ابن يعيش 6/ 59، 64".
النكاية: مصدر نكيت العدو، ونكيت فيه إذا أثرت.
يراخي الأجل: يبعده ويطيله.(2/1013)
وقال آخر1:
653-
فإنك والتأبين عروة بعدما ... دعاك وأيدينا إليه شوارع
لكالرجل الحادي وقد تلع الضحى ... وطير المنايا فوقهن أواقع2
وإذا أضمر المصدر لم يعمل لعدم حروف الفعل.
فلو قلت:"ضربك المسيء حسن وهو المحسن قبيح" وأنت تريد "وضربك المحسن قبيح" امتنع لما ذكرت لك.
وكذا لا يعمل المصدر إذا حد بالتاء؛ لأن دخول التاء عليه
__________
1 تقدم هذا الشاهد على الشاهد الذي قبله في ك وع.
2 هـ "أمانع".
653، 654- من الطويل لم ينسبا لقائل معين "شرح التسهيل 1/ 27، 2/ 158، اللسان 10/ 285 العيني 3/ 524، الأشموني 2/ 284، ابن عقيل 2/ 184 الدرر اللوامع 2/ 125 اللسان 16/ 141".
التأبين: مدح الميت وبكاؤه. شوارع: جمع شارعة، وهي اليد الممتدة المرتفعة. الحادي: سائق الإبل. تلغ الضحى: كناية عن ارتفاع الشمس أواقع: نوازل.
والضمير في فوقهن يعود إلى الإبل لأن الحاد يستلزم إلا محدودة فأغنى ذلك عن ذكرهن وأعاد ضمير فوقهن عليهن. قاله المصنف في شرح التسهيل 1/ 26.(2/1014)
دالة على المرة يجعله1 بمنزلة أسماء الأجناس التي لا تناسب الأفعال.
فلا يقال: "عجبت من ضربتك زيدا".
فإن2 سمع ذلك قبل ولم يقس عليه.
وكذا المجموع حقه ألا يعمل؛ لأن لفظه إذا جمع مغاير للفظ المصدر الذي هو أصل الفعل، والفعل مشتق منه.
فإن ظفر بإعماله مجموعا3 قبل ولم يقس عليه.
وأنشد أبو علي في التذكرة شاهدا على إعمال المحدود قول الشاعر:
655-
يحايي به الجلد [الذي هو حازم ... بضربة كفيه الملا نفس راكب] 4
__________
1 هـ "تجعله".
2 هـ "فإذا".
3 هـ وك ع سقط "مجموعا".
4 هـ سقط ما بين القوسين.
655- من الطويل استشهد به أبو علي في التذكرة ولم ينسبه لقائله، وقال العيني 3/ 527 لم أقف على اسم قائله.
يحابي: من الإحياء، به: الضمير يعود إلى الماء. الجلد: القوي، الحازم: الضابط، الملا: التراب، وضربة كفية الملا: كناية عن التيمم.
ويروي: يحايي بها والضمير المؤنث يعود إلى الداوية المتقدم ذكرها في بيت سابق هو:
وداوية قفر يحاربها القطا ... أدلة ركبيها بنات النجائب(2/1015)
[فنصب "نفس راكب" بـ"يحايي] 1 ومعناه: يحيى2 ونصب "الملا" بـ"ضربة كفيه".
ومراد قائل البيت: وصف مسافر معه ماء فتيمم، وأحيي بالماء نفس راكب كاد يموت عطشا.
ومن كلام العرب: "تركته بملاحس البقر3 أولادها" فأعمل "ملاحس" وهو جمع ملحس بمعنى: لحس ومثله قول الشاعر:
656-
قد جربوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلا المجد والفنعا
وإلى هذا وأشباهه4 أشرت بقولي:
ورب محدود ومجموع عمل ... .................................
والله أعلم5
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 ع "ومعناه: يجيء".
3 ك وع "البقرة" ينظر "أمثال الميداني 1/ 135".
4 ع وك "وأمثاله".
5 سقط من الأصل ومن هـ "والله أعلم".
656- من البسيط من قصيدة للأعشى في مدح هوذة بن علي الحنفي "الديوان 109" والرواية في الديوان.
وجربوه فما زادت تجاربهم أبا قدامة إلا الحزم والقنعا وهي رواية المصنف في شرح العمدة ص126 وشرح التسهيل 2/ 156.
ويرويه بعضهم "كم جربوه".
الفنع: الفضل والكرم(2/1016)
وبعد جره الذي أضيف له ... كمل برفع أو بنصب عمله
كـ"بذل مجهود مقل زين" ... و"منع ذي غنى حقوقا1 شين"
وإن تضف2 للظرف فأرفع وانصبا ... كـ"حب يوم عاقل لهوا صبا"
قد تقدم أن المصدر العامل يرد مضافا، ومنونا، وبالألف واللام.
فنبهت الآن على أنه إن3 أضيف إلى مفعول رفع ما بعده بحق الفاعليةكقولك: "بذل مجهود مقل زين".
وإن أضيف إلى فاعل4 نصب ما بعده بحق المفعولية كقولك: "منع ذي غنى حقوقا شين".
__________
1 ع "خفوقا".
2 في الأصل وهـ "يضف".
3 ع وك "إذا".
4 ع سقط "فاعل".(2/1017)
وقد يضاف إلى الظرف توسعا فيعمل فيما بعده الرفع والنصب كقولك: "حب يوم عاقل لهوا صبا".
وهو نظير قولهم.
657-
يا سارق الليلة أهل الدار
أشار إلى ذلك سيبويه وغيره من المحققين.
وهو مع المعمول كالموصول مع ... صلته فيما أجيز وامتنع
وبالندور احكم على الذي يرد ... بغير ذا أو حاول العذر تجد
الضمير "من":
وهو................... ... .........................
عائد على المصدر الذي يصح في موضعه حرف مصدري.
ولأجل تقديره بفعل وحرف مصدري جعل هو ومعموله كموصول وصلة1 فلا يتقدم ما يتعلق به عليه، كما لا يتقدم شيء من الصلة على الموصول.
__________
1 هـ "بصلة" ع ك "وصلته".
657- رجزا استشهد به سيبويه ولم ينسبه 1/ 89 ولم ينسبه أحد من بعده. "الخزانة 1/ 485، أمال الشجري 2/ 250".(2/1018)
ولا يحال بينهما بأجنبي كما لا يحال به بين الموصول والصلة.
فإن وقع ما يوهم خلاف ما بنبغيتلطف له فيما يؤمن معه الخطأ ويثبت به الصواب.
فمما يوهم التقديم قول الشاعر:
658-
وبعض الحلم عند الجهل للذلة إذعان
فليس اللام منقوله1 "للذلة" متعلقا بما بعده من المصدر بل بمصدر محذوف 2 قبله يدل عليه الموجود بعده.
والتقدير: وبعض الحلم عند الجهل إذعان للذلة وهذا التقدير نظير3 ما تقدم في نحو قوله تعالى: [ {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِين} 4.
__________
658- من الهزج من قصيدة للفند الزماني شهل بن شيبان قالها في حرب البسوس، أوردها أبو تمام في الحماسة 1/ 21 وأبو علي القالي في الأمالي 1/ 260 الإذعان: الانقياد.
يعتذر عن تركه الحلم مع الأقرباء بأنه كان يفضي إلى الذل "شرح المرزوقي للحماسة 1/ 38".
1 ع وك "قولهم".
2 في الأصل وهـ "بل بمحذوف" ك وع "بل بالمصدر المحذوف قبله".
3 ع وك "نظيره".
4 من الآية رقم "20" من سورة "يوسف".(2/1019)
ومما يوهم الفصل بأجنبي قول الله تعالى] 1 {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ، يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} 2.
قال الزمخشري3: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} منصوب بـ"رجعه" فيلزم من قوله الفصل بأجنبي بين مصدر ومعموله] 4 [والإخبار عن موصول قبل تمام صلته] 5.
والوجه6 الجيد أن يقدر ناصب لـ"يوم" كأنه قيل: يرجعه يوم تبلي السرائر.
ومما يوهم الفصل بأجنبي قول الشاعر:
659-
المن للذم داع بالعطاء فلا ... تمنن فتلفي بلا حمد ولا مال
فالذي يسبق إلى ذهن سامع هذا البيت أن الباء الجارة لـ"العطاء" متعلقة بـ"المن" ليكون التقدير: المن بالعطاء داع للذم. وعليه مدار المعنى.
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين وفي ع وك وهـ "قوله تعالى".
2 من الآية رقم "8" من سورة "الطارق".
3 ينظر الكشاف 4/ 241.
4 سقط ما بين القوسين من الأصل.
5 هـ "أصله".
6 هـ "فالوجه"
659- من البسيط لم ينسب إلى قائل معين "الأشموني 2/ 292".(2/1020)
إلا أن ذلك التقدير ممنوع، في الإعراب لاستلزامه فصلا بأجنبي بين مصدر ومعمول، وإخبارا عن موصول قبل التمام صلته.
والمخلص من ذلك تعليق الباء بمحذوف كأنه قيل: المن للذم داع المن بالعطاء.
فـ"المن" الثاني بدل من "المن" الأول فحذف وابقى1 ما يتعلق به دليلا عليه.
ويجوز أن يكون "بالعطاء" متعلقا بـ"لا تمنن" أو بفعل من معناه مضمر يدل عليه الظاهر.
وإلى مثل2 هذه المحاولة أشرت بقولي:
......................... ... أو حاول3 العذر تجد
وجر ما تبع مجرورا به ... مجوزا لرفعه أو4 نصبه
كمثل: "داينت بها حسانا ... مخافة الإفلاس والليانا"
وإن لمفعول أضيف وحذف ... فاعله كـ"اقصد إراحة الدنف"
__________
1 ع وك "وبقي".
2 ع وك "فإلى".
3 ع "أو حال".
4 ط "ونصبه".(2/1021)
فاجرر أو انصب تابع المضاف له ... والرفع إن أتاك فاعذر قابله1
قد تقدم أن أحد استعمالات المصدر العامل أن يكون مضافا وأن المضاف إليه إن كان مفعولا رفع ما بعده بحق الفاعلية وإن كان فاعلا نصب ما بعده بحق المفعولية
ولك في تابع ما جر بإضافة المصدر إليه:
الجر حملا على اللفظ
والرفع أو النصب حملا على المعنى.
فمن الحمل على معنى النصب قول الراجز:
660-
قد كنت داينت بها حسانا
661-
مخافة الإفلاس والليانا
ومن الحمل على معنى الرفع قول الشاعر:
__________
1 هكذا في الأصل وفي س وش أما باقي النسخ ففيها "قائلة".
660، 661- رجز نسب في الكتاب 1/ 98 وغيره إلى رؤبة، وهو في ملحقات ديوانه ص187. ونسبه القيسي في "إيضاح شواهد الإيضاح" ص49 لزياد العنبري وقال: ورويت لزوجه:
الليان: المطل. وهو بكسر اللام وفتحها.
الضمير يعود إلى سلمى في بيت سابق هو
أن لسلمى عندنا ديوانا
أخزى فلانا وابنة فلانا(2/1022)
662-
السالك الثغرة اليقظان سالكها ... مشي الهلوك عليها الخيعل الفضل
الفضل: اللابسة ثوب الخلوة.
وهو1 نعت لـ2 "الهلوك" على الموضع لأنها فاعل "المشي".
فإن أضيف المصدر إلى مفعول، ولم يذكر الفاعل جاز في تابع المجرور:
الجر على اللفظ.
والنصب على تقدير المصدر بحرف مصدري موصول بفعل سمي فاعله.
__________
1 ك وع "وهي".
2 ك وع "نعت الهلوك" بسقوط اللام.
662- من البسيط نسب في تهذيب اللغة لتأبط شرا "1/ 166 والأقرب أنه للمتنخل اليشكري كما في ديوان الهذليين 2/ 34 من قصيدته التي يرثي فيها ابنه ورواية الديوان.
السالك الثغرة اليقظان كالئها ... ......................................
الثغرة: كل ثنية فيها خوف من الأعداء
سالكها: السائر فيها وكالئها: حافظها
الهلوك: المرأة الفاجرة.
الخيعل: ثوب غير مخيط الفرجين تلبسه المرأة كالقميص.
وفي شرح الهذليات: الفضل هو الخيعل ليس تحته إزار.
قال العيني 3/ 516 "وهو الصحيح".
فعلى هذا هو صفة للخيعل فلا شاهد فيه.(2/1023)
والرفع على تقديره بحرف مصدري موصول بفعل لم يسم فاعله.
وبدلا من لفظ فعله يرد ... في العمل المصدر وهو مطرد
في الأمر والدعا والاستفهام ... وخبرا يقل في الكلام
والسبق1 في معمول هذا يغتفر ... كذاك رفعه ضميرا استتر
قد تقدم الإعلام بأن المصدر العامل على ضربين:
ضرب يقدر بالفعل وحرف مصدري:
وضرب يقدر2 بالفعل وحده. وهذا هو الآتي بدلا من اللفظ بفعله.
ويعمل مقدما، ومؤخرا لأنه ليس بمنزلة موصول ولا معموله بمنزلة صلة. فيقال: "ضربا رأسه" و"رأسه ضربا".
ومما يجوزفي هذا النوع، ولا يجوز في النوع الأول، استتار ضمير فيه مرفوع به.
وأكثر وقوعه أمرا، ودعاء، وبعد استفهام3.
__________
1 ط "فالسبق".
2 ع وك وسقط "يقدر".
3 ع وك "وبعد الاستفهام".(2/1024)
فالأمر كقول الشاعر:
663-
على حين ألهى الناس جل أمورهم ... فندلا زريق المال ندل الثعالب
يجوز أن يكون "زريق" منادى مضموما، وأن يكون فاعل "ندلا"1
ومثال الدعاء قول الآخر:
664-
يا قابل التوب غفرانا مآثم قد ... أسلفتها أنا منها مشفق2 وجل
ويقع بعد استفهام3 كقول الشاعر:
__________
1 قال الأخفش:
كل مصدر قام مقام الفعل ففيه ضمير فاعل، وذلك إذا قلت "سقيا لزيد"
وإنما تريد: سقى الله زيدا.
ولو قلت: "سقيا الله زيدا" كان جيدا؛ لأنك قد جئت بما يقوم مقام الفعل.
ولو قلت: "أكلا زيد الخبز وأنت تأمره كان جائزا كقوله:
فندلا زريق المال ندل الثعالب
"ينظر أصول ابن السراج 1/ 199".
2 ع وك "أنا منها خائف".
3 ع وك "بعد الاستفهام".
663- سبق الحديث عن هذا البيت في باب المفعول المطلق.
664- من البسيط لم ينسبه أحد ممن استشهدوا به "الأشموني، 2/ 285".(2/1025)
665-
أعلاقة أم الوليد بعدما ... أفنان رأسك كالثغام المخلس
وقد يقع خبرا، وهو مطرد عند الأخفش والفراء في الخبر والطلب.
ومما مثل به الأخفش. "ظنك زيدا منطلقا" و"سمع أذني أخاك يقول ذاك، وبصر عيني أخاك".
__________
665- من الكامل قاله المرار الفقعسي يخاطب نفسه "أمالي ابن الشجري 2/ 242، الكامل 1/ 201، سيبويه 1/ 60، الخزنة 4/ 493".
الشاهد قوله "أم" حيث نصب بقوله "علاقة".
أفنان الشعر: خصله الثغام: شجر إذا يبس أبيض
المخلس: ما اختلط فيه البياض بالسواد.(2/1026)